Historical Fact Sheet

القرن الأول: شهد إصلاحات ثورية على الشريعة اليهودية بشكل عام، يمكن إيجاد معظمها في كلمات المسيح نفسه، ويمكن تلخيص أهمها في: رفض التدخل في الميراث – إرساء واعتبار علاقة غير شرعية – تحريم الطلاق بالإرادة الحرة المنفردة للذكر إلا في حالة الزنا – إعادة النظر في علاقة الإنسان بالله على أنها علاقة “بنوة” (تبنّي) – بجانب الفصل الواضح بين الدين والدولة، ومساواة تامة بين الجنسين. كما تسبب تعبير المسيح؛ في السماء لا يزوجون ولا يتزوجون، في إشكالات اجتماعية، حيث تمت رؤية الزواج على أنه “حالة أرضية مؤقتة” قد تعيق أو تشغل الإنسان عن الاهتمام بالسماء، وهو ما استدعى الكنيسة الأولى إلى تحفيز المسيحيين على الزواج للحفاظ على البقاء.

القرن الثاني: شهد إلغاء جميع التشريعات اليهودية ومقاومتها باعتبارها “بدع تهوّد”. كما شهد تأسيس المسيحية كديانة مستقلة ذات هيكل تنظيمي مستقل. أدى ذلك إلى إنشاء هيكل هرمي وتراتبية في القيادة لتجنب مشكلات صنع القرار. في هذا العصر تقلصت مساحة المساواة لإتاحة القيادة للذكور. كما زاد التركيز الأخلاقي على قيمة “العطاء” كوسيلة لمعالجة الأزمات الاجتماعية المتعلقة بالميراث التي يُحظر التدخل فيها كهنوتيًا. أيضًا زاد الاعتماد على دور ال [الروماني] في التنظيم، ليس فقط كمسألة فصل بين الدين والدولة، بل أيضًا لإعطاء السيادة للدولة في حالات التعارض. يتضح هذا جليًا في النص التأسيسي لشريعة العهد الجديد التي تحث العبد على طاعة سيده حتى الموت، أو في طاعة الحاكم حتى لو كان ظالمًا، أو في طاعة المرأة لرجلها. انعكس هذا أيضًا على التشريعات الخاصة بالأحوال الشخصية، حيث سمحت المسيحية الناشئة ب و لمن يعتنق المسيحية ولم يتحول شريكه (شركاؤه) في الحياة إلى الديانة الناشئة. أي أن استقرار الأسرة يُقدم على عقائد كليهما. ومن هنا يمكننا رؤية الجذور العقائدية لتمسك الكاثوليك المعاصرين بفكرة أن يقوم بين شخصين أحدهما كاثوليكي (فكرة الزواج المختلط).

من القرن الثالث حتى القرن العاشر: تمتلئ الوثائق والعظات الكنسية بالنصح والإرشاد والتوجيه الوعظي، وتخلو تمامًا من طقوس خاصة بالزواج، أو النظر إليه كمسألة دينية (سر مقدس) كما يُقال اليوم. وفي طول هذه الحقب وعرضها، لم يكن هناك أي تدخل من أي سلطة سوى القانون المدني والعرف الاجتماعي. وعلى الرغم من أن الطلاق، كما هو معروف اليوم، كان مسموحًا به عمومًا حتى القرن العاشر، إلا أن الفصل بين الزوج والزوجة وإلغاء الزواج كانت معروفة أيضًا (الانفصال الجسدي – التفريق بين الزوجين – ).

القرن الحادي عشر: حدث الانشقاق الأرثوذكسي () عام 1054، والذي أدى إلى انفصال () عن كنيسة روما (الكاثوليك). وعلى الرغم من أن الانشقاق الرسمي حدث في القرن الحادي عشر، إلا أن أسبابه السياسية والتاريخية تعود إلى القرن السابع وتفاقمت في القرن التاسع. وما يهمنا هنا أنه طوال هذا العصر، وحتى بعد الانشقاق، لم يكن هناك أي ذكر للزواج كـ”سر مقدس” في الكنائس التقليدية، ولم تكن هناك أي طقوس خاصة به كشعيرة دينية. هناك مخطوطة تاريخية واحدة تسجل طلب لأول مرة من رعاياها توثيق زواجهم المدني في سجلات الكنيسة لمنع تعدد الزوجات. وهذا يدل على أن المسيحيين حتى هذا العصر لم يكونوا يجرون أي مراسم للزواج داخل الكنائس، وأن أحوالهم الشخصية لم تكن منظمة من قبل الكنيسة، بل كانت تخضع للأعراف الاجتماعية والقوانين المحلية المتعددة.

القرن الثالث عشر: طلب البطريرك الكاثوليكي “إنوسنت الثالث” من أعضاء حركة دينية منشقة كانت تريد العودة للكاثوليكية في عام 1208 الاعتراف بأن الزواج كان سرًا مقدسًا كشرط للعودة للكاثوليكية. وفي عام 1254، اتهم الكاثوليك بازدراء سر الزواج عندما قالوا: إن المتزوجين يخطئون بشكل مميت إذا اجتمعوا بدون أن تكون الذرية هدفهم (المقصود هنا أن الزواج للإنجاب فقط وإلا عد خطيئة قاتلة). فاضطرت الكنيسة لتقديس الزواج لمكافحة هذا.

القرن الخامس عشر: عرّفت الكنيسة الكاثوليكية عبر “” عام 1439 الزواجَ بأنه؛ سرٌ مقدسٌ، ووصفته بأنه؛ لا يُمكن حلّه، ومن ثم يكمل المقطع: على الرغم من أن الفصلَ بينَ السريرِ أمرٌ قانونيٌّ بسببِ الزنا، فإنه ليسَ منَ القانونيّ عقدَ زواجٍ آخرَ؛ لأن رابطةَ الزواجِ المعقودِ بشكلٍ قانونيّ: هي قائمةٌ [دائمة].

القرن السادس عشر: تسببت الأحوال الشخصية في حدوث انشقاقين متتاليين؛ الأول: هو انشقاق ال عام 1521، والثاني: هو الانشقاق الأنجليكاني عام 1538 حينما كان الملك في البداية كاثوليكيًا، وأراد الطلاق من زوجته التي لم تنجب له وريثًا للعرش. ولما أحس بقلة حيلته أمام موقف البابا الرافض للطلاق، ساند الانشقاق البروتستانتي للتزوج بأخرى. ثم قام بإعلان انشقاقه وصنع ما يعرف بـ”كنيسة إنجلترا”. تشكلت ضده تحالفات جديدة كانت تعارض موقفه الانفصالي إزاء كنيسة روما. إلا أنه كان بالمرصاد لكل معارضيه، فطاردهم في كل مكان، وشملت حملته الكاثوليك والبروتستانت على حد سواء.

أيضًا في القرن السادس عشر، ونتيجة الانشقاقات المتعددة عن الكنيسة الكاثوليكية السالف ذكرها، كان هناك سعيًا للتقارب بين الكنيستين المصرية والكاثوليكية في عصر البابا رقم ٩٦ “يوأنس الرابع عشر” (1571م – 1586م). ودعا البابا المجمع للانعقاد في “مصر القديمة” فحدث انقسام حاد في الآراء. أغلب الأساقفة كان مع تقارب الكنيستين، بينما الأقلية كانت تخشى الذوبان داخل العملاق الكاثوليكي الباحث عن الحلفاء. أدت المجمع للقبول، لكن المعارضة أجهضت الأمر باغتيال البابا يوأنس الرابع عشر بدس السم له في طعامه. لا يسجل التاريخ الرسمي للكنيسة اغتيال البابا سوى كونه؛ مزاعم كاثوليكية لم تثبت صحتها، وتم صياغة الحدث بتفاهمات سياسية مع السلطان العثماني “مراد الثالث” على أن البابا كان ساذجًا وسيدخل الروم لأرض مصر، وأن الأساقفة تصدوا وطردوا . أما موت البابا فهو انتقام إلهي من السماء لمحاولته التحالف مع الهراطقة.

القرن السابع عشر: كان هناك سعيا للتقارب بين الكنيستين المصرية والكاثوليكية في عصر البابا رقم ٩٨ “مرقس الخامس” (١٦٠٣م – ١٦١٩م) انتهى هذا الأمر بعزل البابا “مرقس الخامس” من منصبه بواسطة أساقفة بقيادة مطران دمياط. التاريخ الكنسي هنا يتكلم عن الأحوال الشخصية كسبب للعزل، فتحدث عن انتشار لظاهرة تعدد الزوجات بين الأقباط في الوجه البحري، فأصدر البابا “مرقس الخامس” منشورًا كنسيًا بحرمانية ذلك. ويبدو أن كان أحد هؤلاء المتعددين الزوجات، فوشى به للوالي جعفر، ممثل السلطان محمد بن مراد المعروف باسم “محمد الفاتح”، وصاغ وشايته بأن منشور البابا لا يقصد المسيحيين بل يقصد الطعن في الإسلام الذي يبيح تعدد الزوجات. فأمر السلطان بضبط وإحضار البابا، وأمر بضربه حتى أشرف على الموت، وحبسه في برج الإسكندرية. لاحقا تم إعادة صياغة التاريخ من بتفاهمات مع السلطان العثماني، على أن أساقفة المجمع بقيادة مطران دمياط، قد قاموا بعزل البابا لأنه تقارب مع الكاثوليك (الأوربيين/الإفرنجة) بشكل يعتبرونه “خيانة وطنية” للسلطان العثماني محمد الفاتح.

القرن الثامن عشر: تشير الأدبيات القبطية الأرثوذكسية إلى منع الكهنة للأقباط الأرثوذكس من الزواج من غير الأرثوذكس؛ الزواج بين طرفين كلاهما أرثوذكسي. يعود أصل هذا الأمر إلى الحماية القومية من الاختلاط بالأجانب، وخاصة في فترات الاحتلال الإنجليزي والفرنسي. إلا أن هذا الأمر اتخذ طابعًا دينيًا يصف الطوائف الأخرى بالهرطقة (التشكيك بصحة معموديتها إجرائيًا).

القرن التاسع عشر: في عام 1860م، تم اغتيال بطريرك الإسكندرية كيرلس الرابع الملقب “” (قتل بتناول السم في خيانة داخلية، وهناك إشارات عن تورط الأرمن الأرثوذكس في هذا أيضًا). التأصيل الثقافي والاجتماعي للسبب الرئيسي في النزاع هو موضوع “إلغاء الجزية وفرض الجندية”، بالإضافة إلى مواضيع فرعية أقل أهمية، لكنها ذات صلة بالأحوال الشخصية. فأبو الإصلاح الكنسي كان أول من منع الكهنة من تزويج الفتيات القاصرات. كما أنه أيضًا قنن مسألة التراضي بين الزوجين بشكل لا ولاية فيه، وأن على الكاهن التأكد من التراضي دون وسطاء. في عصره أيضًا، أراد بعض ال تقنين أوضاع الخطوبة والتزاماتها بشكل قانوني وعدم تركها للعرف الاجتماعي، بينما رأى “أبو الإصلاح الكنسي” في ذلك تدخلًا سلطويًا يستهدف القيادة الاجتماعية ويزيد من اشتباك الكنيسة في قضية يجب أن تظل مرنة وتحظى بالتنوع الملائم لكل عرف اجتماعي، خاصةً أنها ليست قضية لاهوتية أو دينية من الأساس، وتُعتبر خطرة عند المسيحيين الذين لا طلاق لديهم. لذا رفض “كيرلس الرابع” تقنين الخطوبة باعتبارها وعدًا غير ملزم.

مر القرن العشرين بعدة تحولات، أهمها صدور لائحة 1938 للأقباط الأرثوذكس، والتي ما زالت تحظى باهتمام أغلبية الأقباط حتى اليوم، ولا يخلو سجال دون ذكرها. فهي خلاصة الحصيلة المصرية للأحوال الشخصية بما يتسق مع الشريعة المسيحية، ومؤسسة على تراكم القانون الكنسي وخبرات المصريين الأرثوذكس في حل مشاكلهم الاجتماعية. وحتى بعد صدور قانون 55 بإلغاء المحاكم الشرعية، تم العمل بهذه اللائحة في المحاكم الوطنية.

مر القرن العشرين أيضًا بعدة تحولات في صناعة القرار داخل الأرثوذكسية، وخاصة فيما يتعلق بمن له سلطة إصدار لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس. فمن نصوص شرائعية مسيحية صريحة المعنى تحظر على الكهنوت التدخل في تقسيم المواريث، وتحظر على الرهبان التدخل في شؤون المتزوجين، نصل إلى أن سلطة التعديل صارت في يد البابا “”، وهو راهب وكاهن معًا، فأدخل تعديلات (آخرها عام 2008) تستهدف حل مشكلات سلطوية الكنيسة على المجتمع عبر تقنين هذا التسلط بسلطة الدولة، وكلها تعديلات سببت مشكلات اجتماعية حادة نتيجة التغول في القيادة الاجتماعية بشكل منفرد، وصل إلى تقييد الحق في الزواج إلا بشهادة خلو موانع أو منع الزواج إلا بتصريح من الكنيسة. أي أنه سلب المواطنين الحق في الزواج بجعل الأصل فيه هو؛ الحظر، لا الإباحة.

القرن الحادي والعشرين: ظهرت تحولات جديدة في عصر البابا “تواضروس الثاني”، معظمها يسرِّع قليلًا من الإجراءات دون تغيير حقيقي في القوانين. أيضًا، هناك خطاب للبابا جهر فيه بأن لا طلاق إلا لعلة الزنا هي مقولة وليست نصًا مقدسًا، لكنه تعرض لضغوط أجبرته على التراجع. ولكن التحولات الاجتماعية ظهرت بوضوح أكبر في كتاب ، أسقف سمالوط، عن؛ المرأة في المسيحية، حيث طرح رؤية مؤسسة فقهيًا تستعيد للمرأة بعضًا من مكانتها الاجتماعية وحقها في ممارسة الشعائر في فترة الحيض والنفاس دون عوائق، بالمخالفة للخطاب الأصولي المتشدد السائد قبل ذلك. الأهم على الإطلاق هو خطاب المتنيح الأنبا إبيفانيوس، رئيس دير أبو مقار وخليفة الأب ، والذي ألقاه في عن؛ شروط الانضمام لطائفة الأقباط الأرثوذكس وفقًا للقوانين الكنسية، حيث استخرج بشكل أكاديمي مخطوطات تقول بصحة الزواج من الكاثوليك والأرثوذكس وغيرهم، ثم خطب بعدها في معرض الكتاب قائلًا إن منع الزواج من غير الأرثوذكس ليس أمرًا دينيًا بل من مخلفات الاستعمار بدأ مع القرن الثامن عشر. أيضًا، للأنبا إبيفانيوس محاضرات عن الا (الطقوس المرتلة) خاطب فيها طلابه أن بداية الإصلاح هو الاعتراف بالخطأ، وذكر مثالًا لذلك الخطاب الكنسي الذي يرفض الاعتراف ب رغم وجود نصوص ليتورچية تقول هذا. كان ال يعد إبيفانيوس لمنصب “مراقب بابوي على الحوار المسكوني”، لكنه قُتل غدرًا داخل أسوار دير أبو مقار بواسطة اثنين من الرهبان.

 

اقرأ أيضا:

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

باسم الجنوبي
[ + مقالات ]