الانهيار بدأ مع "رهبنة المجال الكنسي العام"، وهو توجه تبناه بعض شباب أربعينيات القرن الماضي، وهم بعد علمانيون، وسعوا جادين لترجمته على الأرض، وكانت خطواتهم الأولى تسللهم إلى الأديرة طلبًا للرهبنة بطرق ومبررات معلنة عديدة، ليست بالضرورة حقيقية.
ومن أديرتهم خرجوا ليقودوا الكنيسة ومعهم خارطة طريق محددة. ولك أن تعرف أن أبرز أقطابهم تقدموا للترشح للكرسي البابوي ولم يمض على رهبنتهم عامين!! كان اسمهم مكتوبًا بالقلم الرَّصاص.
وارتجت الكنيسة ودولة يوليو وعُدلت لائحة انتخاب البابا البطريرك لتحول بينهم وحق الترشح، بعد أن أضيف للشروط ألا يقل سن المرشح عن أربعين سنة، ومدة رهبنته عن خمسة عشر سنة.
لكن الرصاصة بقيت في جيبهم، ليطلقوها بعد عقد ونيف، ويعيدوا الحكاية مجددًا وقد استوفوا الشرطان، بحكم الزمن وتغير خريطة التوازنات، في داخل الكنيسة وخارجها. لتبدأ تَرْجَمَة رؤاهم، وبطبيعة التنافس يتحول تحالفهم إلى عداء محتدم حتى رحلوا إلى العالم الآخر، وتحت أقدامهم يتحطم العشب وما زال.
الأزمة الآن ليست فيمن زرعوا زرعهم والناس نيام ولا في قناعاتهم المغرقة في الذاتية، التي تشكلت عبر اخفاقاتهم وعدم تحققهم في بواكير شبابهم، في الفضاء العام الطبيعي، لكن الأزمة في ما ومن خلفوه، إرثًا وورثة، لنواصل هم ونحن، انعزالنا عن كل ما حولنا وعن جذور إيماننا،
وبدلًا من أن نجلس إلى أنفسنا ونعيد حساب أزمتنا ومسارات الخروج منها، راح الورثة يعمقون شقة الصراعات والخلاف. وفتحوا نار الهرطقة على بعضهم البعض، وعلى غيرهم، أفرادًا وكنائس، باعتبار الورثة هم الناجون وحدهم.
بين الأيدي المرتعشة، والعقول الأحادية، والإرث الثقيل، والانقطاع الجيلي وتفريغ الأديرة من نذورها وشيوخها، تدور رحى أزمة الكنيسة المعاشة، وعند الباب تربض نماذج الكنائس التي اندثرت؛ في آسيا الصغرى وشمال إفريقيَا، وهي من هي.
“فَقَالَ لَهُمْ: «نَفْسِي حَزِينَةٌ جِدًّا حَتَّى الْمَوْتِ. اُمْكُثُوا ههُنَا وَاسْهَرُوا مَعِي».”
(إنجيل متى 26: 38)
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟
صدر للكاتب:
كتاب: العلمانيون والكنيسة: صراعات وتحالفات ٢٠٠٩
كتاب: قراءة في واقعنا الكنسي ٢٠١٥
كتاب: الكنيسة.. صراع أم مخاض ميلاد ٢٠١٨