Search
Close this search box.
من عجائب المخلوقات أن نجد الأشواك حين تنمو تتحول إلى ورود يانعة لها ألوان رائعة. فلا نتعجب إذاً إذا رأينا في الحياة التي نحياها ضيقات وعوائق ينتج عنها نتائج مبهجة، بألوان متنوعة من المواهب والفضائل التي تُفرِح قلب الرب يسوع.
الرحمة خير دليل على صدق مشاعر الإنسان:

كان ليونيل يشتري الطعام من أحد المحال، ثم سمع أبواق السيارات ورأي كلباً صغيراً (جرواً)، حائراً بين السيارات، وهو تائه هنا وهناك في حركة المرور. كان ذلك في بلدة اسمها إيبوه في ماليزيا– في شرق آسيا.

فأسرع إلى عربته وتعقب هذا الكلب الصغير، حتى اقترب منه. حينئذ رأى حول رقبته رسالة ملصقة في الحزام المحيط برقبته.

وبعد حوالي عشر دقائق، اقترب الكلب بشجاعة منه، وأزال ليونيل الرسالة المحيطة برقبته، على أمل أن تحتوي على تفاصيل اتصال المالك أو عنوانه.
وبدلاً من ذلك فوجىء برسالة غريبة هذا هو نصها:

 أووف! مرحباًَ! اسمي سيجي، وأنا الكلب الأكثر حباُ وانتباهاً الذي ستراه على الإطلاق. يؤسفني للغاية أن صاحبي قد اضطُر لتركي هنا معك، لكنه لم يعُد يستطيع الاعتناء بي بعد الآن. أنا آسف لذلك، لأنني متأكد أنه هو أيضاً متأسف لذلك الحال.

أرجوك خذني إلى منزلك. أرجوك دعني أكون جزءاً من عائلتك. أرجوك أحبني!

أنا من نوع Goldendoodle، وعمري خمس سنوات في هذا العام. أنا لطيف للغاية، لم أضايق أي شخص على الإطلاق!

أنا كلب حراسة جيد، سأجلس أمام باب البيت طوال اليوم، وأنبح على أي شخص يأتي إلى بوابتك، حتى تخبرني بالتوقف. أما إذا كنت أعرف هذا الشخص جيداً، فيمكنني أن أقوم ببعض الحيل الطريفة أمامه! آمل أن تقبلني، مع الحب وبعض الرفق.

سيجي.

حركت هذه الرسالة مشاعر ليونيل، وسالت دموعه من أجل هذا الكلب الصغير “الجرو سيجي”؛ لذلك قرر أن يأخذه معه إلى المنزل، حيث أطعمه وحممه وجففه وتركه ينام في سرير مريح أنشأه تحت الأريكة.

وذكر ليونيل في حديثه: “كان هذا الجرو ذكياً سريع التعلم، يتواصل معي بمجرد النظر إليَّ، وهو ينظر إليَّ من تحت الأريكة.

كنت قد فككت الرسالة من حول عنقه وقرأتها، فلم أتمالك دموعي. إنني أتمنى أن يتحمل الذين يحضرون تلك الكائنات الضعيفة إلى بيوتهم، أن يتحملوا مسؤولية تربيتها وألا يضعوا فكرة تركها وهجرها في الحسبان إطلاقاً!

لقد وجدت هذا الجرو، وشكراً للرب على ذلك، ولكني أفزع من أن أفكر في أن آخرين تائهين في الشوارع، من السلالات النقية، سواء كان معهم رسالة أم لا!!”

«طوبى للرحماء لأنهم يرحمون»

(إنجيل متى 5: 7)

شهادة طبيب عن رد فعله أمام حالات الموت في إيطاليا:

نعود وننتقل من آلام الكائنات الصغيرة إلى آلام الإنسان المتألم. ففي إيطاليا وأثناء تفشي وإصابة آلاف من البشر بهذا المرض، نجد أحد الأطباء قد عبَّر عما تحرك في فكره وقلبه ودفعه إلى أن يتصرف هذا التصرف الرائع.

جوليان أوربان هو طبيب يبلغ من العمر 38 عاماً، ويعمل في مستشفى في مقاطعة لومبارديا، إحدى مقاطعات شمال إيطاليا.

كتب هذا الطبيب في وسط أزمة الوفيات الكثيرة من ضحايا فيروس كورونا ما يلي:

لم أكن أتخيل أبداً حتى ولو في أكثر الكوابيس إظلاماً، أنني أستطيع رؤية أو تجرِبة ما يحدث هنا في المستشفى منذ ثلاثة أسابيع. الكابوس يتدفق، وكأنه نهر يصبح أوسع فأوسع. في البداية جاء بعض المرضى، ثم زادت الأعداد فأصبحت بالعشرات، ثم بالمئات؛ والآن لم نعد أطباء، لكننا أصبحنا نقرر من يجب أن يعيش ومن يجب أن نرسله إلى المنزل ليموت هناك، حتى لو كان كل هؤلاء الناس قد دفعوا الضرائب الإيطالية طوال حياتهم.

حتى قبل أسبوعين، كنت أنا وزملائي ملحدين. كان الأمر طبيعياً لأننا أطباء وتعلمنا أن العلم يستبعد وجود الله. وكملحد، كنت دائماً ما أضحك على والديَّ اللذَيْن كانا يذهبان إلى الكنيسة.

قبل تسعة أيام، جاء قس راعٍ لكنيسة في الجوار، عمره 75 عاماً. جاء لرؤيتنا لكي يفتقد أحوالنا والمرضى الموجودين. لقد كان رجلاً لطيفاً، وكان يعاني مشاكل تنفسية خطيرة، ولكن كان لديه كتاب مقدس، وتعجبنا عندما رأيناه يقرأ من الكتاب للمقبلين على الموت، وكان يمسك بأيديهم!!

كنا جميعاً متعبين، ومحبطين، نفسياً وجسدياً، إلى أقسى درجة، فلم يكن لدينا الوقت للاستماع إلى هذا القس. ولكن الآن علينا أن نعترف إننا كبشر قد وصلنا إلى أقسى حدودنا، فلا يمكننا أن نفعل المزيد، بينما ازدادت أعداد الناس الذين يموتون كل يوم.

وقد استنفذنا كل قوانا، ولدينا زميلان لقيا حتفهما وأصيب آخرون. لقد أدركنا أنه حيث لم يعد بإمكان الإنسان فعل أي شيء، فإننا نحتاج إلى المعونة الإلهية، وقد بدأنا نطلب من الله المساعدة عندما تسنح الفرصة لنا.

نحن الأطباء نتحدث فيما بيننا ونقول: لا يمكننا أن نصدق أننا كنا مقتنعون بالإلحاد، وأننا الآن كل يوم نبحث عن الله، عن سلامنا، نطلب من الرب أن يساعدنا في المقاومة حتى نتمكن من رعاية المرضى!

أمس تُوفِّي القس البالغ من العمر 75 عاماً. وعلى الرغم من أن أكثر من 120 ماتوا في 3 أسابيع، وبينما كنا جميعاً مرهقين، ودُمِّرنا، فقد نجح هذا القس -بالرغم من كل هذه الظروف والصعوبات التي نواجهها- في جلب السلام إلينا نحن الذين لم نعد نأمل في العثور على هذا السلام. ذهب الراعي إلى الرب، وسرعان ما سنتبعه نحن أيضاً، إذا استمر الوضع على هذا النحو.

لم أذهب إلى منزلي منذ 6 أيام، ولا أتذكر متى تناولت الطعام أخر مرة، وأدركت عدم جدواي على هذه الأرض، وذهبت لآخذ أنفاسي الأخيرة لمساعدة الآخرين من المرضى.

أنا سعيد لأنني عدت إلى الله بينما كنت محاطاً بمعاناة وموت رفاقي الرجال.

(شهادة جمعتها Gianni Giardinelli)

هذه هي شهادة هؤلاء الرجال الذين رأوا الضيقات وتفاعلوا معها من كل قلوبهم، فأثمرت ينابيع مياه حية تفرح قلب الرب يسوع. هذه هي شهادتهم، ومن الله نسأل العون والنعمة للجميع.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

برتي المقاري
راهب في دير القديس الأنبا مقار الكبير  [ + مقالات ]