Search
Close this search box.
رن تليفون البيت: "السيد "وان"، لقد تم قبولك في المدرسة كمدرس، فهنيئاً لك ومرحباً". "شكراً، سيدتي".

“وان” هو الابن الوحيد لأمه البالغة من العمر سبعون عاماً، وقد تعوَّد أن يرعاها في كل أمور الحياة.

كانت الفصول الدراسية في هذه القرية الصينية، قليلة العدد، لأن القرية كان تعداد سكانها قليلاً. في كل صباح يأخذ “وان” أمه معه إلى المدرسة، ويُجلِسها في أخر الصفوف، في أثناء أدائه الحصص الدراسية.

كان ذلك في بداية الفصل الدراسي. ولكن بعد مرور أسابيع قليلة بدأ أهالي الطلاب يشتكون إن أبنائهم يقل تركيزهم في الدراسة في تلك الظروف. فبعضهم كتب إلى ناظر المدرسة يشتكي من أن المدرس يُحضر أمه معه إلى الفصل.

– “سيد وان، إننا نحتاج إلى أن نتحدث قليلاً، فاتبعني إلى المكتب”
– “حالاً سيدي”

ذهب الناظر إلى مكتبه ولحقه السيد وان بعد قليل وكانت معه والدته، فأجلسها قرب باب الناظر ودخل إليه يتحدث معه.

–  “سيد وان، لقد اشتكى بعض أهالي التلاميذ إن تركيز أبنائهم ليس كالمعتاد، وذلك لانصراف ذهنهم وتركيزهم عن الدراسة، بسبب وجود والدتك في الفصل. فهلا أعلمتني السبب في إحضارها إلى المدرسة؟”
– “إن والدتي مصابة بمرض ألزهايمر!”
– “يمكننا أن نأتي لها بمن يرعاها في البيت”
– “إنها والدتي ولا يستطيع أحد أن يرعاها مثلما أرعاها أنا”

ثم نظر إلى خارج الغرفة فلم يجد والدته. فاستأذن الناظر ليبحث عن أمه، فلم يجدها. فبدأ يناديها: “أماه، أماه”؛ ولكن لم يكن من مجيب.

سمع التلاميذ ذلك فهرعوا إلى نجدته، وانتشروا في كل مكان في المدرسة يبحثون عن أم مدرسهم المحبوب “وان”. ولكن لم يكن هناك أحد في المدرسة.

أحد الطلاب كان عائداً مع والدته إلى بيتهم فرأى والدة “وان” تسير في الطريق، فأشار إلى أمه بأن تقف، ثم نزل إلى والدة وان وقال لها: “أماه، إلى أين تذهبين؟” أما هي فقد بقيت صامتة تحملق في وجه الولد.

لم تمر دقائق معدودة حتى سمعوا المدرس وان قادماً. وحين وصل أمام والدته سألته: “لماذا يا ابني لم تذهب إلى المدرسة؟” لم تنس والدته، بالرغم من مرضها، أن ابنها يعمل مدرس في مدرسة ولكنها نسيت أنها كانت معه منذ فترة قصيرة. أما ابنها السيد وان، فقد أشفق عليها واحتضنها وهو يُخفي دموعه عنها.

أما الناظر فقد احتاج الأمر أن يستدعي أهالي الطلبة ويجتمع معهم، ثم قال لهم: “أعزائي، لقد وصلتني شكاواكم وأود أن تعرفوا أن والدة السيد “وان” لديها مرض ألزهايمر وهو ما يعني أنها تحتاج إلى عناية تامة من ابنها الوحيد السيد “وان”، وهو مدرس نابه ذكي، استطاع أن يكسب محبة التلاميذ كلهم، وهم يحبونه”.

ثم رفع ورقة بها كشف بأسماء الأهالي وقال: “فمن كان منكم يقترح علينا أن نفصل السيد وان ونستبدله بمدرس آخر فليكتب اسمه في هذه الورقة”. ثم ترك الورقة أمامهم وانصرف. ثم عاد ليأخذ الورقة فوجدها فارغة إلا من عبارة واحدة كتبوها:

“إننا فخورون بالمدرس “وان” وهو مثال جيد للمدرس الأمين في عمله وفي إخلاصه لوالديه، وهو خير نموذج لأبنائنا الطلاب. وقد لاحظنا تغيُّر سلوك أبنائنا إلى الأفضل منذ بدأ السيد وان في تدريس أبنائنا.”

عندما وجد الناظر هذا الرد من أهالي الطلاب، أخذ الورقة وذهب إلى بيت المدرس وان. وعندما قابله احتضنه وقال له:

– “مرحباً بك سيد وان! إنني فخور بعملك واهتمامك ورعايتك لوالدتك! فليباركك الرب!”
– “سيدي الناظر، إن هذا هو ما تعلمته من والدي ووالدتي منذ نعومة أظفاري”

فأحسنوا إلى من تحبون، فإن الشوق بعد الموت أمرٌ لا يُطاق، هكذا قال بعضهم. والإحسان إلى الوالدين ليس فقط جيد؛ بل هو واجب مقدس.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

برتي المقاري
راهب في دير القديس الأنبا مقار الكبير  [ + مقالات ]