Search
Close this search box.
يمكننا إدراك كلمات الرسول بولس إن اطلعنا على الفكر الغنوصي الذي كان يتسرب إلى الكنيسة منذ العصر الرسولي.

لقد كان المجتمع في العصر الرسولي يضع فوارق بين الرجل والمرأة بصورة قاسية على المرأة، حتى تجاهلت القوانين المدنية والجنائية حقوقها الإنسانية. لكن جاءت المسيحية لتعلن:

لَيْسَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، لأَنَّكُمْ جَمِيعًا وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ.

(رسالة بولس إلى غلاطية 3: 28)

أما الون، فإذ يحتقرون الجسد ويحسبونه عنصر ظلمة يجب معاداته والتخلص منه، فرفضوا كل ما يخصه: رفضوا الزواج كأمر دنس، وبعض الأطعمة كقوتٍ للجسد، كما رفضوا قيامة الجسد في اليوم الأخير، وأخيرًا رفضوا الاعتراف بالتمايز الجنسي، فلا رجل ولا امرأة وإنما إنسان هو كائن له مواهبه التي لا ترتبط برجولته أو أته. بمعنى آخر أرادوا أن يحيا المجتمع دون وجود أدنى اعتبار للرجولة أو الأنوثة! هذا الأمر أثار الكنيسة لتعلن أنه ليس رجل أو امرأة في المسيح كأعضاء في جسده المقدس، لكن دون تجاهل لدور الرجل كرجل، والمرأة كامرأة.

لذلك حينما تحدث عن التزام المرأة غطاء الرأس والرجل بتعرية رأسه:

كُلُّ رَجُل يُصَلِّي أَوْ يَتَنَبَّأُ وَلَهُ عَلَى رَأْسِهِ شَيْءٌ، يَشِينُ رَأْسَهُ. وَأَمَّا كُلُّ امْرَأَةٍ تُصَلِّي أَوْ تَتَنَبَّأُ وَرَأْسُهَا غَيْرُ مُغُطَّى، فَتَشِينُ رَأْسَهَا، لأَنَّهَا وَالْمَحْلُوقَةَ شَيْءٌ وَاحِدٌ بِعَيْنِهِ.

(رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس 11: 4-5)

لم يكن اهتمام بولس بحرفة الأمر باعتباره رجلا ملتهبا في الروح -على ما يظن كثيرون- أي أنه لم يهتم بهذا الأمر في حرفيته، إنما أراد أن يؤكد أنه مع مساواة الرجل والمرأة في المسيح، لكن الخلاص أو العضوية في جسد المسيح أو الدخول في الحياة الجديدة لم ينزع عن المرأة أنوثتها ولا عن الرجل رجولته. كل له دوره الحيّ والفعال في الحياة الكنسية بروح الحب المتكامل.

نستطيع أن نقول بأن الرسول بولس الذي كان منفتح القلب والفكر لم يقصد بحديثه هنا عن صمت المرأة في الكنيسة وعدم تعليمها للرجل وعن خضوعها له أن يحقِّر من شأنها أو يقلل من دورها، إنما أرادها أن تعمل فيما يناسب طبيعتها كامرأة وإمكاناتها الجسدية والنفسية. فالجسد في خضوعه للرأس لا يعني أفضلية الرأس عليه أو احتقار الجسد، لأنه لا كيان للرأس منفصلًا عن الجسد، ولا عمل له بدونه حقًا أن الرأس هو المدبر للجسد، لكن إن لم يتجاوب أحدهما مع الآخر يفقد الاثنان سلامهما وكيانهما.

لا ينكر الرسول بولس دور لوئيس وأفنيكي في حياة تيموثاوس وتعليمه الكتب المقدسة (2تي 3: 15) ولا تجاهل بريسكلا مع رجلها في خدمتهما الفردية مع كثيرين وفي بلاد مختلفة، هذان اللذان قادا بولس إلى معرفة الحق (أع 18: 26)، وقد جاهدت أفودية وستيخي في الإنجيل (في 4: 2-3). لعل الرسول أيضًا أراد بهذا المنع أن ينزع كل مجال للعثرة في الكنيسة لكن دون تجاهل لدورها التعليمي على المستوى العائلي والفردي وأيضًا بين النساء.

يمكننا أن نكتشف مفهوم الرسول بولس مما كتبه العلامة مهاجمًا الهراطقة، قبل أن يسقط في بدعة ماني، إذ يقول:

يا لنساء هؤلاء الهراطقة، إنهن خليعات! إنهن جسورات، حتى إنهن يعلمن ويناقشن ويخرجن شياطين ويقمن بأشفية – ألعلهن أيضًا يعمدن؟

(العلامة ترتليان)

حتى بعد انحرافه في الهراطقة لم ينحرف العلامة ترتليان عن الوصية الرسولية، بالرغم من اقتباسه بعض تعاليم للنبيتين ماكسميلا وبريسكلا، إذ يقول:

لا يُسمح للمرأة أن تتكلم في الكنيسة (1 كو 14: 34-35)، ولا أن تعلم أو تعمد أو تنسب لنفسها عملًا خاصًا بالرجل من كل الأعمال الكهنوتية

(العلامة ترتليان)

هنا يظهر العلامة ترتليان أن الامتناع يقدم على أساس أنه لا يناسب طبيعتها كامرأة، وليس تحقيرًا من شأنها. لكن ترتليان عاد فتأثر قليلًا بالفكر الهرطوقي فسمح لها بالعمل النبوي.

أخيرًا، ماذا يقصد الرسول بولس بقوله: “لكنها ستخلص بولادة الأولاد، إن ثبتن في الإيمان والمحبة والقداسة مع التعقل“؟ يرى البعض أن القديسة مريم قدمت للنساء كرامة عظيمة إذ أنجبت لنا المخلص. ويرى آخرون أن النساء وإن كن قد حرمن من التعليم العام في الكنيسة في وجود الرجال، لكنهن ينلن أكاليلهن خلال تربية أولادهن في الإيمان والمحبة والقداسة مع التعقل، ما لا يستطيع الرجال القيام به. إنهن بحق يقدمن للكنيسة أعضاء قيادية مباركة!


مرجع: https://www.orthodoxlegacy.org/?

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟