عند سماعي لتلك المقولة للمرة الأولى لم أفهمها، فطلبت من قائلها تفسيرا، فأخبرني أن الشر يأتي في جناح الخير. فأغلب الأعمال الجيدة التي نفعلها مع من لا يستحق نحصد ما لا نستحق نحن من شر.

تذكرت تلك المقولة وأنا أشاهد فيلم “بن هور” المأخوذ عن رواية لـ “لو والاس” التي نُشرت عام 1888، وتم إنتاجها عديد من المرات على المسرح وفي السينما، أخرهم فيلم بن هور يجيلك منين الشر وأنت ماعملتش الخير! 12016.

ما جعلني أتذكر المقولة هو أحد الأبطال الرئيسين بالفيلم الذي سُمى الفيلم على اسمه “يهوذا بن هور”، الأمير اليهودي الذي يسكن أورشليم، ولم يرفض استضافة متمرد جريح في بيته، ولكن سرعان ما أنقلب خيره شرا بعدما أستغل ذلك الجريح الفرصة وأطلق سهم من أعلى سطح منزل يهوذا على الحاكم الروماني في أثناء استعراض عسكري محاولاً قتله مما أدى إلى وقوعه من على حصانه، تفاديا للسهم الطائش.

أُتهم “يهوذا” بأنه حاول اغتيال الحاكم الروماني، ورغم أن “يهوذا” كان بريئًا من تلك التهمة، لكنه لم يمثل أمام محكمة، بل تم إرساله إلى سفينة عبيد ليعمل بالتجديف كعقوبة مدى الحياة، واعتقلوا أمه وأخته وتم أرسالهن إلى الصلب، ولكن بمفارقة نادرة تم تهريبهن لسجن روماني ﻻ تدخلش الشمس حيث أصيبا بالجذام، هذا باﻹصافة لأنهم صادروا جميع ممتلكات العائلة.

مجرد فعل واحد  فعله “يهوذا” بدافع من الخير الذي يحمله داخله، ودون حسابات للعواقب، ومع كونه لا يناصر العنف الذي يميّز المتمردين من أمثال ذلك الجريح: دمر حياته وحياة أسرته.

بحثت أكثر عن أصول تلك المقولة التي حين فكرت فيها كثيراً، أحزنني مدى صوابها، فالكثير من أفعالنا الجيدة كانت سبباً أصيلاً في معاناتنا لاحقا. ببساطة أولئك الذين يساعدون الآخرين محكوم عليهم بالمعاناة نتيجة مساعدتهم، واكتشفت أن للمقولة أصول وجذور في ثقافات مختلفة، فعلى سبيل المثال وليس الحصر، ذُكرت أول ما بحثت في القرن الثاني عشر بواسطة “والتر ماب”، الذي كان أحد حاشية الملك هنري الثاني ملك إنجلترا في كتاب “De nugis curialium” ويأخذ الكتاب شكل سلسلة من الحكايات عن الأشخاص والأماكن، ويلقى الضوء على تاريخ وعصر “والتر ماب”.

وردت العبارة بالكتاب كالتالي:  “لا يمر عمل صالح بلا عقاب“، وكانت تعليقا ساخرا على تواتر أعمال اللطف، التي تأتي بنتائج عكسية، على أولئك الذين يقدمونها. وذلك لأن أولئك الذين يساعدون الآخرين محكوم عليهم بالمعاناة نتيجة مساعدتهم.

وردت المقولة أيضا في العديد من الأعمال الأدبية والفنية والصحفية مثلا: في رواية “بريندان جيل”  “The Trouble of One House”  عام 1950، وفي أغنية “No Good Deed” من مسرحية “Wicked “الموسيقية الناجحة في برودواي عام 2003، وفي عام 2005، في مقال للمؤلف “ديفيد هيلفارج” في مجلة “Grist Magazine”: تذكر تلك الإشارة التي علقوها في مكتب EPA في أثناء إدارة ريجان، “لا يمر عمل جيد دون عقاب” في عهد ، “لا يمر عمل جيد بلا عقاب”، إذا لا يمر عمل جيد دون عقاب كما قال أيضا الروائي .

لذا تذكر جيدا عند أقدامك على عمل خير أن ذلك الخير يحوي بداخله الشر وأنك أطلقت السهم للتو ولا تعلم متى يلحق بك؟ ولكنه عاجلاً أم أجلا سوف يصيب. وفي يوم بليتك تذكر جيدا أي خير فعلته أصابك سهمه وأي يد مددت لها خيرك ورمتك.

أعلِّمه الرمايةَ كلّ يومٍ
فلما اشتدّ ساعدُه رماني
وكم علّمتُه نظْمَ القوافي
فلمّا قالَ قافيةً هجاني
أُعلّمُه الفتوّةَ كلّ وقتٍ
فلمّا طرّ شاربُه جفاني
ورمى عيني بسهم أشقذيّ

(من التراثيات المختلف على نسبها بين كلا من: مالك بن فهم الازدي، وأوس بن معن المزني)

وأخيرا أحذر ممن آويتهم وأحسنت إليهم أكثر من أعدائك، فصديق اليوم هو عدو الغد، وما أقسى عدو مددت له يدك بالماء، أرجعه إلى حلقك خل وعلقم. فطريق جهنم مفروش بالنوايا الحسنة.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

فيبي أنور
[ + مقالات ]