هناك ظاهرة منتشرة في بر مصر المحروسة يمكن أن تجدها في بعض المجموعات أو على مستوى الأفراد، وهي أنه لا يركز الشخص في شانه الخاص أو تلك المجموعة فيما يخصهم من أجل النجاح بل يتمنون فشل خصومهم، ويعدون فشل الخَصْم بمنزلة نجاحٍ لهم حتى لو لم يحققوا أي نجاح يذكر لأنفسهم، وهي تصرفات مراهقين بامتياز لم يبلغوا بعد حتى لو وصلوا إلى سنوات النضج من العمر.

تتجلى هذه الظاهرة بوضوح بين بعض مجموعات مشجعي الرياضة عمومًا وكرة القدم خصوصًا، فتجد أن مجموعة منهم لا يفرق معهم النادي الذي ينتمون له أو يشجعون، فإذا فاز لن يشعروا بالسعادة كما يشعرون بها عندما يخسر الفريق المنافس لفريقهم، فينتشر ضجيجهم على مواقع التواصل الاجتماعي أو بين زملائهم لمكايدتهم ويشعرون بلذة في مضايقتهم بمنتهى الصبيانية.

على مستوى السياسة، رأينا في السنوات الماضية مجموعة وصل بها الحال إلى الإرهاب والعنف والتفجيرات والقتل لأنهم فشلوا، واعترضوا على رفض الناس لطريقتهم في الإدارة فكان رد الفعل العنيف ومعه الكره لمصر نفسهم، بمنطق يا نكون أصحابها يا نخربها ونهدها على دماغ كل من يعيش فيها.

كما هناك مجموعات سياسية أخرى تتصرف بصبيانية، لا يفرق معهم سوى إثبات أن وجهة نظرهم هي الأصح ولو على حساب الوطن نفسه، فيمنون أنفسهم بالخراب والدمار لأثبات أنهم الأصح ولا يفرق معهم تحقيق المصلحة العامة ولو عالى حساب رؤيتهم، رغبتهم في أن يكونوا الأصح أهم من تحقيق المنفعة العامة التي قد يستفيدوا منها لو تحققت.

أما على مستوى الكنيسة، فهناك مجموعات ولجان إلكترونية، ليس لها هدف سوى إثبات أن البابا الحالي ل غير صالح لإدارة شؤون الكنيسة، وأنه لا يوجد بطريرك غير البطريرك الراحل، وكل همهم إثبات ذلك الأمر ولو على حساب سلام الكنيسة ونموها، فيتصيدون كل موقف يحدث ليقلبوه على طريقتهم لإظهار ما يريدون.

أما على المستوى الشخصي، فقد نصادف داخل العائلة أو في المدرسة أو في العمل شخص لا يهتم لنفسه ولا لشئونه أو نجاحه لكنه يكره الآخرين ويتمنى فشلهم، وإخفاقهم وأن يلحق بهم الضرر أهم من نجاحه الشخصي.

هذه النماذج يجمعها أنه لا يفرق معهم تحقيق النجاح الشخصي أو تحقيق الصالح العام، بل يفرق معهم أن يروا الدمار أو الهزيمة يلحق بالآخرين سواء لأنهم يكرهونهم أو لأن ما يريدون، لا يحدث كما يتمنون فالمهم هو الحيز والتصور الضيق المشحونة به نفسياتهم أو التصورات الضيقة والمريضة للحياة في عقولهم.

للأسف المناخ العام الذي نعيشه يعج بالكثير منهم، ويسممون الأجواء وهي لا تحتمل أساسًا شرهم فيكفي ما نعيشه اليوم من أزمات اقتصادية وحروب وكوارث طبيعية وأوبئة، حتى يزيد علينا هؤلاء الذين لا يتمنون سوى الخسارة والفشل للآخرين، ولا أعرف أي حل يجدي معهم فعليا.

هل من علاج لمثل هذه الحالات؟ ومسؤولية من تقديم العلاج؟ وهل يعرفون مشكلاتهم ويريدون علاجها؟ لا أعرف إجابة لتلك الأسئلة، لكن أعرف أنه يجب إبعاد ضررهم عنا، وقد يكون تجاهلهم هو أفضل طريقة لتقليل ضررهم لأنه كلما أعارنهم انتباهنا تمادوا فيما يفعلون، وشعروا بأن لهم قيمة وتأثير، ولكن لا يوجد حل واحد مثالي ينفع في كل الحالات والمواقف، فأحيانا تكون المواجهة وإيقافهم عند حدهم هو الحل الأمثل لدفع خطرهم عنا.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

بيتر مجدي
[ + مقالات ]

باحث وكاتب صحفي متابع للشأن الكنسي وشؤون الأقليات.
زميل برنامج زمالة الأقليات- مكتب المفوض السامي لحقوق لإنسان- الأمم المتحدة، جنيف/ ستراسبرج 2023.
زميل برنامج "" () لشبونة 2022.