نستكمل في هذا المقال تعاليم آباء  عن " و".
القديس كيرلس الأورشليمي

يؤكد ق. كيرلس الأورشليمي أيضًا على اتحادنا الكياني والحقيقي بالمسيح ونوالنا شركة الطبيعة الإلهية، وذلك باتحاد جسد ودم المسيح بأعضائنا من خلال ال، فنصير نحمل المسيح داخلنا وفي أعضائنا كالتالي:

”وإذ أنت تشترك في جسد المسيح ودمه، تصبح جسدًا واحدًا، ودمًا واحدًا مع المسيح، وهكذا نصبح نحن حاملي المسيح بما إن جسده ودمه ينتشران في أعضائنا. وبهذه الكيفية نصبح على حد تعبير الطوباوي بطرس ' (2بط1: 4). (17)

( (قمص)، ال “حياته -مقالاته لطالبي العماد- الأسرار”)

القديس اغريغوريوس النزينزي اللاهوتي

يؤكِّد ق. اغريغوريوس الملقَّب بـ ”اللاهوتي“ على فكرة وجودنا الكياني في المسيح في تدبيره الخلاصي، مؤكِّدًا على المبادلة الخلاصية الشفائية بيننا وبين المسيح، حيث يقول التالي:

”بالأمس صُلِبَت مع المسيح، واليوم أتمجَّد معه، بالأمس مُت معه، واليوم نلت الحياة به، بالأمس دُفِنَت معه، واليوم أقوم معه […] وكما تَشبه المسيح بنا، فلنتشبه نحن أيضًا به، صار إنسانًا لكي يُؤلِّهنا، قَبِلَ كل ما هو قابل للفساد حتى يهبنا الأسمى، صار فقيرًا حتى نغتني نحن بفقره، أخذ شكل العبد كي نسترد حريتنا، أتضع كي يرفعنا، جاز التجربة كي نغلب نحن به، أُهِين ليُمجِّدنا، مات ليُخلِّصنا، صعد إلى السماء ليجذبنا إلى نفسه، نحن الذين سقطنا في وهدة الخطية“. (18)

(اغريغوريوس النزينزي (قديس)، عظات (العظة الفصحية الأولى)، تَرْجَمَة: القس )

يتحدث ق. اغريغوريوس النزينزي عن الخضوع الكلي للخليقة كلها في المسيح لله الآب، بسبب الاتحاد الكياني للخليقة كلها بالمسيح كالتالي:

”وهكذا فحين أكون غير خاضع وعاصيًا بنكراني الله وأهوائي، يكون المسيح أيضًا غير خاضع فيَّ. ولكن 'متى أُخضِعَ له كل شيء‘ -وسيُخضَع له بمعرفة الله والتحول- سيقوم هو بالخضوع النهائي فيقدمني لله ناعمًا بالخلاص. وخضوع المسيح يكون -على ما أقول- في إتمام مشيئة الآب. الابن يُخضِع كل شيء للآب، والآب يُخضِعه للابن: الواحد بفعله، والآخر بعطفه، كما ذكرنا ذلك آنفًا. وهكذا فالمُخضِع يقدم لله ما أُخضِعَ له ويجعلنا من خاصته“. (19)

(اغريغوريوس النزينزي (قديس)، الخطب 27- 31 اللاهوتية، تَرْجَمَة: الأب )

ويؤكد ق. اغريغوريوس اللاهوتي على أننا بالمعمودية ننتقل إلى حالة () من خلال تطهير الروح القدس لنا في أعماقنا الداخلية، وإعادة خلقتنا لنصير من الحالة التي كنا عليها قبل المعمودية إلى حالة (التأله)، ونلبس الإنسان الجديد، ونترك الإنسان العتيق في جرن المعمودية كالتالي:

”بما أننا طبيعة مزدوجة أي من نفس وجسد، وبما أن الطبيعة الأولى غير منظورة [النفس] والثانية منظورة [الجسد]، فعملية التطهير هي مزدوجة أيضًا أي بالماء والروح. وهكذا نتطهّر بصورة منظورة جسديًا وبصورة غير منظورة روحيًا، بالماء شكلاً ورسمًا، وبالروح حقيقةً، لأنه يقدر أن يُطهِّر الأعماق. هذا الروح يأتينا منحة إلى خلقتنا الأولى، ويردنا من العتاقة إلى الجِدّة، ومن الحالة التي نحن عليها الآن إلى حالة التأله، ويصهرنا بدون نار، ويعيد خلقتنا بدون إخفاء الجسد“. (20)

(اغريغوريوس النزينزي (قديس)، مختارات من القديس اغريغوريوس اللاهوتي النزينزي، تَرْجَمَة: الأسقف استفانوس حداد)

القديس اغريغوريوس النيسي

يشير ق. ا إلى وجودنا الكياني في المسيح في أثناء عمله الخلاصي، والمبادلة الخلاصية بيننا وبينه، وكيف ألَّه اللاهوت كياننا البشري فيه بالنعمة كالتالي:

”لأنه حتى إنْ كانت طريقة حضور الله فينا ليست هي نفسها كتلك الحالة السابقة، إلا أننا نعترف أن وجوده فينا الآن وآنذاك هو متساوي. فالآن هو يختلط بنا، باعتباره حافظ الطبيعة في الوجود، ومن ثم قد اختلط بكياننا حتى من خلال شركة اللاهوت يصير كياننا مُتألهًا، مُنعتِقًا من الموت، ومُتحرِّرًا من طغيان الخَصْم. لأن عودته من الموت صارت بداية عودة جنسنا من الفناء إلى الحياة غير المائتة“. (21)

(اغريغوريوس النيسي (قديس)، تعاليم الموعوظين، تَرْجَمَة: د. )

كما يشير ق. غريغوريوس النيسي إلى نَيْل نعمة الاتحاد بالله والتأله من خلال سر الإفخارستيا؛ حيث يزرع الله ذاته في كل المؤمنين في الإفخارستيا، ويمزج ذاته بأجساد المؤمنين باتحاد حقيقي في الإفخارستيا لينالوا به عدم الفساد (التأله بالنعمة) كالتالي:

”لذلك قَبِلَ ذاك الجسد وهو الوعاء الإلهي، هذا العنصر (السائل) من أجل بنيانه الذاتي، هو الإله الذي ظهر، ولذلك فقد اندمج بنفسه مع الطبيعة الفانية، حتى أنه بشركة اللاهوت تتأله البشرية، لذا فقد غرس نفسه في كل الذين يؤمنون بتدبير النعمة من خلال الجسد الذي يتكوَّن من الخمر والخبز، واختلط بأجساد المؤمنين، حتى باتحاده بغير المائت يصير الإنسان أيضًا شريكًا لعدم الفساد. وهو يمنح هذه (العطايا) بفضل قوة البركة التي من خلالها يُغيِّر طبيعة هذه الأشياء التي تظهر (للحواس) إلى تلك (الطبيعة غير المائتة)“. (22)

(اغريغوريوس النيسي (قديس)، تعاليم الموعوظين، تَرْجَمَة: د. جورج فرج)

القديس هيلاري أسقف بواتييه

يرى ق. هيلاري أسقف بواتييه الملقَّب بـ ”“ البعد السرائريّ في اتحادنا بالمسيح في سر الإفخارستيا، حيث يقول التالي:

”من ناحية أخرى، قد شهد هو نفسه عن كيف يكون اتحاده بالحقيقة فينا بهذه الطريقة: 'مَنْ يَأْكُلْ جَسَدِي وَيَشْرَبْ دَمِي يَثْبُتْ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ‘ (يوحنا56:6). إذ لن يسكن فيه أحد سوى الذي يسكن فيه بنفسه، لأن الجسد الوحيد الذي قد أخذه لنفسه هو جسد هؤلاء الذين أخذوا جسده، لقد علَّم بالفعل قبلاً عن سر تلك الوحدة الكاملة […] هذا هو سبب حياتنا أننا لدينا المسيح يحيا في طبائعنا البشرية الجسدية بالجسد، وسوف نحيا به كما أنه يحيا بالآب“. (23)

(هيلاري أسقف بواتييه (قديس)، عن الثالوث، تَرْجَمَة: راهب من )

القديس أمبروسيوس أسقف ميلان

يتحدَّث ق. أمبروسيوس عن اتحادنا الكياني في المسيح مُردِّدًا ما نُصلِي به في تسبيحتنا ”هو أخذ الذي لنا وأعطانا الذي له“ قائلاً:

”إذًا، فقد أخذ منا ما كان يجب أن يُقدِّمه لنا، هكذا لكي يُفِيدنا مما يخصنا، وبعطيته الإلهية يُقدِّم مما يخصه [أي لاهوته]، ما لم يكن خاصًا بنا، إذًا، بحسب طبيعتنا قدَّم ذاته، حتى بهذا يعمل عملاً أسمى من طبيعتنا. التقدمة هي مما يخصنا أما المكافأة فهي مما يخصه، وكثيرًا ما نجد فيه أيضًا أمور بحسب الطبيعة وأسمى من الطبيعة (البشرية)“. (24)

(أمبروسيوس أسقف ميلان (قديس)، تجسد الرب، تَرْجَمَة: د. )

ويضيف ق. أمبروسيوس في نفس السياق مُتحدِّثًا بكل صراحة عن وجودنا الكياني في المسيح كالتالي:

”إذًا، بما أن جسد الكل أيضًا في المسيح خضع للجروح، كيف تقولون إن ذلك الجسد وتلك الألوهية لهما الطبيعة ذاتها؟“. (25)

(أمبروسيوس أسقف ميلان (قديس)، تجسد الرب، تَرْجَمَة: د. جورج عوض)

أوغسطينوس أسقف هيبو

ننتقل إلى وس أسقف هيبو ولنا وقفة معه، لأن البعض يُهاجِم تعبير ”جسد المسيح السري“ مُعتقدين أنه تعبير حديث مُعاصر قاله أحد الآباء في العصر الحديث، ولكن المفاجأة الكبرى إنه تعبير أوغسطينيّ صرف تعلَّمه أوغسطينوس من قوانين تايكونيوس الدوناتي، واعتاد استخدامه كمفتاح لتفسير ، للتأكيد على مبدأ أن الكنيسة هي جسد المسيح السري، حيث يقول التالي في تفسيره لسفر المزامير:

”هذه النبوة تنطبق على وملائكته الذين يقاتلون، لا ضد جسد المسيح السري فحسب، بل ضد كل عضو من أعضائه، 'قصمت أسنان الأثمة‘، لكل منا أعداؤه الذين يلعنونه، فضلاً عن فاعلي الشر الذين يسعون إلى انتزاعنا من جسد يسوع المسيح، لكن للرب الخلاص“. (26)

(أوغسطينوس (قديس)، العظات على المزامير ج1، تَرْجَمَة: عبد الله جحا)

كما يؤكِّد أوغسطينوس على حقيقة اتحادنا الكياني في المسيح، وعبور المسيح بجسده الكامل أي الكنيسة من الموت إلى الحياة، قائلاً:

”هكذا أيضًا عبر المسيح بجسده الكامل من الموت إلى القيامة وجسده هو الكنيسة (كو1: 24). (27)

(أوغسطينوس (قديس)، الثالوث، تَرْجَمَة: د. ، تقديم: نيافة الأسقف العام)

ويضيف أوغسطينوس في نفس السياق، مؤكِّدًا على اتحاد مثال بشريته بنا لإزالة مخالفة فسادنا بشركة موتنا من أجل أن يمنحنا شركة الطبيعة الإلهية والتألُّه قائلاً:

”بالتالي باتحاد مثال بشريته بنا، قد أزال مخالفة فسادنا، وبشركته لموتنا جعلنا شركاء طبيعته الإلهية“. (28)

(أوغسطينوس (قديس)، الثالوث، تَرْجَمَة: د. أنطون جرجس، تقديم: نيافة الأنبا أنجيلوس الأسقف العام)

ويكمل أوغسطينوس شارحًا كيف يهب المسيح الرأس أعضاء جسده أي كنيسته ما يقبله هو ناسوتيًا من لاهوته المتَّحِد به كالتالي:

”فإنه قَبِلَ بين الناس أيضًا كالرأس يُعطِي إلى أعضائه: وهو نفسه قد أعطى وقَبِلَ بين الناس وبدون شك كما في أعضائه الذين من أجلهم أيّ من أجل أعضائه صرخ من السماء قائلاً: شاول شاول لماذا تضطهدني؟ (أع٥: ٤)، والذين من أجلهم أيّ أعضائه يقول: بما أنكم فعلتموه بأحد أخوتي هؤلاء الأصاغر فبي فعلتم (مت٢٥: ٤٠)، لذا قد أعطى المسيح نفسه من السماء [أي من لاهوته]، وقَبِلَ على الأرض“. (29)

(أوغسطينوس (قديس)، الثالوث، تَرْجَمَة: د. أنطون جرجس، تقديم: نيافة الأنبا أنجيلوس الأسقف العام)

ثم يشرح أوغسطينوس كيفية الاتحاد بين المسيح وبيننا في الجسد الواحد مُستخدِمًا تعبيرات مثل: الانسجام، أو التوافق، أو التناغم، أو التآلف، أو الشركة، للتأكيد على وحدتنا الطبيعية في المسيح المغروسة فينا بصفة خاصة من خلال موته وقيامته بطبيعتنا البشرية كالتالي:

”بينما يُواجِه موته الواحد وقيامته الواحدة ازدواجية وثنائية موتنا وقيامتنا، لأنه بهذا الانسجام أو التوافق أو التناغم أو التآلف أو أي كلمة مناسبة أكثر يمكن التعبير بها، بحيث أن اتحاد الواحد بالأثنين له أهمية كبيرة جدًا في كل الاندماج والاتفاق أو بالحري شركة الخليقة، تمامًا مثلما يحدث لي وهو ما أقصده بدقة بالغة بالشركة التي يدعوها اليونانيون άρμονία أي الانسجام والتناغم، ومع ذلك فهذا ليس المكان لكي ما أستعرض قوة ذلك الانسجام والاتحاد بين الواحد والثنائي الموجود بصفة خاصة فينا والمغروس فينا بصورة طبيعية أيضًا (الذي لا يكون إلا بواسطة خالقنا)؟ الذي لا يفشل حتى الجاهل في إدراكه“. (30)

(أوغسطينوس (قديس)، الثالوث، تَرْجَمَة: د. أنطون جرجس، تقديم: نيافة الأنبا أنجيلوس الأسقف العام)


هوامش

(17) تادرس يعقوب ملطي (قمص)، القديس كيرلس الأورشليمي (حياته -مقالاته لطالبي العماد- الأسرار)، (الإسكندرية: كنيسة ، 2006)، مقالة 22: 3، ص 292.
(18) اغريغوريوس النزينزي (قديس)، عظات عيد القيامة (العظة الفصحية الأولى)، تَرْجَمَة: القس لوقا يوسف، (القاهرة: الأرثوذكسي، 2012)، 44: 4، ص 14.
(19) اغريغوريوس النزينزي (قديس)، الخطب 27- 31 اللاهوتية، تَرْجَمَة: الأب حنا الفاخوري، (لبنان: منشورات ، 1993)، خطاب 30: 5، ص 111.
(20) اغريغوريوس النزينزي (قديس)، مختارات من القديس اغريغوريوس اللاهوتي النزينزي، تَرْجَمَة: الأسقف استفانوس حداد، (لبنان: ، 1994)، عظة المعمودية المقدسة 40: 10، ص 138، 139.
(21) اغريغوريوس النيسي (قديس)، تعاليم الموعوظين، تَرْجَمَة: د. جورج فرج، (القاهرة: ، 2021)، 3: 25: 2، ص 186، 187.
(22) المرجع السابق، 37: 12، ص 242، 243.
(23) هيلاري أسقف بواتييه (قديس)، عن الثالوث، تَرْجَمَة: راهب من دير الأنبا أنطونيوس، (البحر الأحمر: دير الأنبا أنطونيوس، 2017)، 8: 16، ص 544.
(24) أمبروسيوس أسقف ميلان (قديس)، تجسد الرب، تَرْجَمَة: د. جورج عوض، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2020)، 6: 54، ص 77.
(25) المرجع السابق، 6: 57، ص 80.
(26) أوغسطينوس (قديس)، العظات على المزامير ج1، تَرْجَمَة: عبد الله جحا، (لبنان: دار المشرق، 2013)، 3: 10، ص 26.
(27) أوغسطينوس (قديس)، الثالوث، تَرْجَمَة: د. أنطون جرجس، تقديم: نيافة الأنبا أنجيلوس الأسقف العام، (القاهرة، 2021)، 3: 10: 20، ص 233.
(28) المرجع السابق، 4: 2: 4، ص 248.
(29) المرجع السابق، 15: 19: 34، ص 646.
(30) المرجع السابق، 4: 2: 4، ص 248.

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

جزء من سلسلة: الانجماع الكلي واتحاد البشرية بالمسيح[الجزء السابق] 🠼 الانجماع في تعاليم آباء الكنيسة الجامعة [١][الجزء التالي] 🠼 الانجماع في تعاليم آباء الكنيسة الجامعة [٣]
أنطون جرجس
بكالوريوس اللاهوت اﻷرثوذكسي في   [ + مقالات ]

صدر للكاتب:
كتاب: عظات القديس غريغوريوس النيسي على سفر الجامعة
ترجمة كتاب: "الثالوث"، للقديس أوغسطينوس أسقف هيبو
ترجمة كتاب: "ضد "، للقديس غريغوريوس النيسي