منذ عدة أيام انتشر مقطع فيديو يتحدث خلاله الأنبا غبريال أسقف بني سويف، مجيبًا على سؤال حول وقوف حمامة على رأس أحد الكهنة في الشرقية في أثناء صلاة القداس، مستنكرا في رده على صاحب السؤال الاهتمام بالغيبيات مثل ظهور الحمام والنور والزيت وغيرها من الأمور التي يتم ترويجها بين الحين والآخر، وبقدر ما يبعث كلام الأنبا غبريال على الأمل وسط كم الغيبيات المنتشرة هذه الأيام في كنيسة الإسكندرية (القبطية الأرثوذكسية) إلا أن هناك عدة نقاط أثرها هذا الفيديو.
بالرغم من اعتراضي لتوجيه هذا الكلام إلى صاحب السؤال لأنه ضحية، إلا أنني لا يسعني سوى أن أثمن كلام الأنبا غبريال وأدعمه، وأرجو أن يكون كلامه هو خطاب التعليم الرسمي لكنيستنا القبطية الغارقة حتى النخاع في الغيبيات، فقد ذكر بكل وضوح أنه لا يومن بظهور الحمام، وتساءل: المسيح أم الحمامة؟ وترجى صاحب السؤال آن يلحق نفسه وإيمانه ومعتقداته، وهذا خطاب لم يظهر في كنيستنا من أكليروس برتبة أسقف منذ مقتل الأنبا إبيفانيوس رئيس دير الأنبا مقار، وهنا أخشى على سلامة أسقف بني سويف من سهام الضباع الشريرة على مواقع التواصل الاجتماعي ومن أسيادهم من يقتاتون ويسيطرون على البسطاء ومن بينهم صاحب السؤال.
مع هذا ألوم على الأنبا غبريال أنه لم يوجه حديثه إل شقيقه الأنبا يوأنس أسقف أسيوط، فهو أولى بهذا النصح، فهو صاحب “شو” الحمامة الرئيسي حاليا بشكل سنوي طيلة الخمسة عشر يوما الخاصة بصوم السيدة العذراء، فأسقف أسيوط يهم محبيه بأنه مبروووك حيث يخرج عليهم في وسط الزحام ويأتي أحدهم متخفيا ليضع الحمامة على كتفه، كما ظهر ذلك في مقطع فيديو منذ عدة سنوات، وأعتقد بحكم موقع كل منهما في مجمع الأساقفة وتساويهم في الرتبة كما أنهم أشقاء بالفعل بالجسد فيمكن أن ينصح أخوه بأن “شو الحمامة” ليس له علاقة بالمسيح وأنه بذلك يضل الشعب ويجعلهم يهتمون بما يبعدهم عن المسيح.
وبالرغم من هذا فلا لوم على الأنبا يوأنس بمفرده فقد شب وترعرع داخل الكنيسة وسط انتشار لكتب المعجزات الساذجة التي يؤلفها البعض وينسبونها إلى بعض قديسي الكنيسة مثل البابا كيرلس السادس، ليتم نسف كل مميزاته حيث اشتهر بأنه رجل الصلاة، وحصر سيرته في قصص معجزات وغيبيات، ولا يوجد ما يدل على كلامي غير الاحتفال الذي شهدته الكاتدرائية المرقسية في وجود البابا الراحل الأنبا شنودة الثالث، احتفالا بالحمامة التي جاءت في يوم من الأيام ووقفت على مكتبه في أثناء عظة الأربعاء، فقد تبارى الأنبا يوأنس يومها باعتباره سكرتيرا شخصيا للبابا شنودة مع الأنبا بيشوي مطران دمياط الراحل وسكرتير مجمع الأساقفة في الاحتفاء بتمثال الحمامة الذي يشبه حصان طروادة وتم إعداده خصيصا لتوثيق لقطة وجود الحمامة.
ما لم أستطع تفسيره حتى الآن هو موافقة البابا شنودة وقتها على هذا “الشو” فالبطريرك الراحل عظاته في السنوات الأخيرة من حبريته والتي تابعتها عن قرب كصحفي متابع للشأن الكنسي والقبطي لم ترتكز على المعجزات والغيبيات، وبل ومنهجه في معالجة المشكلات التي أحاقت بالكنيسة والمواطنين المسيحيين لم يكن يعتمد على غيبيات بل يلجأ لحلول منطقية والمفاوضات وممارسة الضغوط بكارت الاعتكاف لمواجهة المشكلات، وخير دليل على كلامي لاحترام البابا شنودة للعقل والمنطق هو لجوءه للطب تقديرا لأن هذه وظيفته في مواجهة متاعبه الصحية التي تحملها بقوة حتى رحيله عن دنيانا ومن بينها السرطان والفشل الكلوي فكان يتابعه أفضل المتخصصين ويذهب في رحلات علاجية بأهم منتجع طبي في العالم في كليفلاند بأمريكا.
انتشار الغيبيات والخرافات عادة يكون مصاحب لفترات التراجع الثقافي والحضاري والعلمي، ومعها يلجأ الناس لها للتنفيس عن واقعهم السيء بأنهم قديسون وتحدث معهم المعجزات ويظهر لهم قديسي الكنيسة، وهذا يدل على تراجع التعليم في كنيسة القبطية وللإنصاف فهذا ليس حال الكنيسة فقط بل المجتمع المصري ككل فالكنيسة والمواطنين المسيحيين جزء أصيل منهم، لكن يبقى أن الكنيسة يجب أن يكن لها دور في الإصلاح وأن تكون منارة وقاطرة للمجتمع ولكي تفعل هذا يجب أن تبدأ الإصلاح داخلها.
هل يأتي يوم تندثر فيه الخرافات والغيبيات وتحترم الكنيسة العلم ودوره كما تفعل كنائس أخرى بدأت في سلوك مسار الإصلاح فتقر بما وصل له العلم اليوم مثل نظرية التطور بدلا من الإنكار ودفن الرؤوس في الرمال وترويج لخطاب غيبي باعتباره أساس الإيمان؟
https://www.youtube.com/watch?v=C3kUBoXCjtE
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟
باحث وكاتب صحفي متابع للشأن الكنسي وشؤون الأقليات.
زميل برنامج زمالة الأقليات- مكتب المفوض السامي لحقوق لإنسان- الأمم المتحدة، جنيف/ ستراسبرج 2023.
زميل برنامج "الصحافة للحوار" مركز الحوار العالمي (كايسيد) لشبونة 2022.