- من أنت يا سيد؟
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [١]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [٢]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [٣]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [٤]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [٥]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ (٦)
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [٧]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [٨]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [٩]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [۱۰]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [١١]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [١٢]
- ☑ أيها الأسقف.. من أنت؟ [١٣]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [١٤]
- أيها الأسقف.. من أنت [١٥]
شيء ما اقتحم الكنيسة مع انتصاف القرن العشرين، فيما كان العالم يعيش تداعيات ما بعد الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945) وخريطته تتغير بشكل متسارع، تتراجع فيه القوى التقليدية لتظهر أخرى، كان الاستقطاب الحاد يشكل ملامح العالم الجديد، ويشهد العالم الثالث سلسلة من حركات التحرر، ولم تكن مصر بعيدة عن هذا الحراك.
كان الشباب القبطي (المصري المسيحي) حاضراً ومشاركاً في الحراك الوطني، عبر منظومة الأحزاب القائمة وقتها، وفي مقدمتها حزب الوفد، وأسس أحد أقطابهم ـ مكرم عبيد ـ حزباً فاعلاً لم يصطبغ بصبغة دينية بل كان مصرياً ليبرالياً، حزب الكتلة الوفدية، وهو من نحت شعار “الدين لله والوطن للجميع”، وكان الأقباط مشتبكين مع الحركة الثقافية والإبداعية، لكنهم لم يجدوا موقعاً لأقدامهم، في المشهد السياسي بعد انتصاف القرن، وهو استبعاد أخذ في التصاعد حتى وصل ذروته مع إحياء جماعات الإسلام السياسي مع قدوم الرئيس السادات.
كان المجال العام المتاح أمام الشباب القبطي وقتها هو المجال الديني الكنسي، كانت الأنظمة السياسية طاردة لهم أو في الأقل مضيقة عليهم، ومن صمد أمام التضييق، اصطدم بالسقف المتاح لهم، فتحولوا إلى أحد لوازم المشهد الذي يتم تصديره عندما يكون السؤال عن تواجد الأقباط في المشهد السياسي، وكان البديل المرحب الكنيسة الحاضنة للشباب الباحث عن تحقق.
وكنا قد تطرقنا قبلاً لرحلة شباب أربعينيات ذاك القرن إلى قيادة الكنيسة، وما يحدث في كنيسة اليوم من صدامات بعضها معلن وأكثره يدور في الغرف المغلقة، والأروقة البعيدة، وقد وجد طريقه إلى الفضاء الافتراضي، سواء ما يعلنه بعضهم أو يكلف به اللجان الإلكترونية الاحترافية والممولة، في توقيتات بعينها، من مريدي طرفي صدام ذاك الجيل.
وكما في السياسة كذلك في الكنيسة، صار الراقدون تحت التراب هم من يحركون الأحداث. وصارت أدوات السياسة هي أدوات المريدين الجدد، وإحقاقًا للحق، هم لم يبتدعوا هذا التوجه، فقد عرفت السياسة طريقها إلى إدارة صراعات الكنيسة مع أول مجمع مسكوني في تاريخها ـ بعد مجمع أورشليم في كنيسة الرسل ـ حين دعا الإمبراطور قسطنطين أقطاب الكنائس إلى مجمع نيقية (325م) وترأسه ليدشن زواج السياسة والكنيسة.
ولما كانت السياسة لا تعرف الصداقات أو العداوات الدائمة، فمؤشرها يتجه بقرون استشعاره نحو المصالح القائمة، لذلك فقد صار من الطبيعي أن يبدل بعضهم مواقفه ومعاركه وفقاً لتلك المصالح، ففي أعداد مجلة مدارس الأحد في إصدارها الأول (1947 ـ 1954) نطالع رتل من المقالات التي تهاجم ترشح أسقف للكرسي البطريركي البابوي، وتعلن أن قوانين الكنيسة تقر بترشح علماني، وتورد نماذج لعلمانيين تم رسامتهم بطاركة على الكرسي المرقسي، فيما تُحرِّم بشكل قاطع ترشح أسقف للبابوية، وتأتي بنصوص تلك القوانين، وحين لاحت لأساقفة ذلك الجيل فرصة الترشح للكرسي البابوي، وقد جرى في نهر الكنيسة مياه كثيرة ـ فإذا بهم يوظفون أقلامهم، على منصات معاصرة، لشرعنة ترشحهم، بتخريجة مبدعة، أن المقصود بالتحريم ترشح أسقف الإيبارشية وليس الأسقف العام. وكأن وضع اليد مختلف بين هذا وذاك، وللخروج من مأزِق تكرار وضع اليد جاءت التخريجة المبدعة الثانية، بتسمية إقامة الأسقف بطريركاً بأنها “طقس تجليس”!!.
السؤال الآن وقد اتسعت دائرة الأساقفة العموم، ماذا هم فاعلون حال ترشحهم يوماً؟ والكلام هنا في المطلق، وفي الإطار التنظيمي، هل تتصور شكل المعارك الانتخابية وقتها ـ في وجود تقنيات التواصل الرقمية، واللجان الإلكترونية، وشغف المنصب، وإدراك الأبعاد السياسية له ـ وما تنتجه من ارتباكات تتجاوز أسوار الكنيسة والأقباط، لتقفز في فضاء الوطن بما يهدد استقراره وسلامه، فيما تملك الكنيسة تجنب كل هذا السجس والصدامات بتعديل واضح ومحدد في لائحة انتخاب البابا البطريرك ينص على عدم جواز ترشح أياً من الأساقفة (إيبارشيين وعموم) للمنصب البابوي والعودة للتقليد القبطي الأصيل، بقصره على الرهبان الديريين وحسب.
ولا يخفى على الفاهمين حكمة الترتيب، بعيداً عن زعم زواج الأسقف بايبارشيته التي لا تستند لتقليد آبائي أو كتابي، وقد تعرضنا له في المقال السابق، حكمة الكنيسة أن الراهب يأتي وهو على مسافة واحدة ـ في الغالب ـ من كل الأساقفة، فلا يكون محسوباً على أحدهم، ولنا في البابا كيرلس السادس مثالاً، فتخفت أصوات لجان المتنافسين والمتصارعين. وتجنب الكنيسة مزيد من الصراعات والمصادمات وكذلك الوطن.
لكن السؤال الذي يصطدم بالحالمين والساعين والداعمين “من يعلق الجرس؟”. هل ننتظر من الفاهمين أو قل هل نتوقع منهم إجابة؟
وفي الإطار التنظيمي المستتقبلي طرحت رؤية عن التنظيم الهيراركي للكنيسة وقد مدت مظلتها لقارات العالم الست، فإذا بالمرجفون يشنون حملة شعواء، أكدت توصيفي لهم، كأجراء غير معنيين بترتيب الكنيسة ونجاحها في تحقيق هدفها حسب المسيح والآباء، وفيما هم ينتقدون يكشفون توجههم الإنفصالي وأنا هنا أنقل سطورهم كما كتبوها حتى بتدنيها، الذي يؤكد قدر هشاشتهم أمام الأطروحات الجادة التي تجعلهم في مهب الريح.
كتبوا:
“المدعو كمال زاخر موسى يدعو فى مقترحاته الشيطانية من وقت لأخر باقامة بطريرك لكل قارة وأن يكون له مجمع اساقفته وذلك من أجل الاحتياجات الرعوية التى تتناسب كل مكان توجد فيه الكنيسة، يعنى دعوة علنية من جاهل غبى للأسف الشديد جداً لشق الكنيسة وهو لا يدرى بماذا يطلب ولا يدرس عواقب هذا الطلب أو المقترح الشيطانى”
(أحد من يدعون أنفسهم حماة الايمان)
هكذا يفكرون وهكذا يكتبون، وهو تفكير متريف لا يتجاوز جلسات المصاطب التي يديرون عليها أمورهم، إذا كان الأمر كذلك فكيف بقيت الكنيسة الكاثوليكية التي ترعى نحو مليار ونصف المليار من الكاثوليك حول العالم، دون أن تنهار أو تنقسم وتتشظى، حسب مفهوم المرجفين، وهي تصلى بكل لغات العالم، حتى اللهجات المحلية في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، وتقر في ترتيبها بمختلف التقاليد الآبائية كل في منطقة انتشاره، التقليد البيزنطي، والتقليد الأنطاكي، والتقليد الإسكندري (القبطي)، والتقليد الكلداني، والتقليد الأرمني.
وعندما انتبهت في أوائل الستينيات إلى وجود قضايا تدبيرية رعوية وتعليمية تحتاج إلى فحص وتطوير يتناسب مع المتغيرات العاصفة التي حلت بالعالم، دعت إلى عقد مجمع موسع للتباحث فيها، شارك فيه ما يربو عن الألفين من أساقفتها حول العالم، عرف بالمجمع الفاتيكاني الثاني (1962 ـ 1965) ودعيت إليه مختلف الكنائس كمراقبين، ومنها كنيستنا القبطية الأرثوذكسية، وكلف البابا كيرلس السادس الدكتور وهيب عطالله (الأنبا اغريغوريوس أسقف البحث العلمي والدراسات القبطية فيما بعد) بالحضور ممثلاً للكنيسة.
وكانت أهداف المجمع حسب ما أعلن:
1. تطوير علاقات إيجابية للكنيسة الكاثوليكية مع العالم الحديث.
2. التخلي عن نظام الحروم القاسي المستعمل في المجامع السابقة.
3. التأكيد على حقوق الإنسان الأساسية بما يتعلق بالحرية الدينية.
4. التأكيد على أن الحقائق الأساسية تُعلم أيضاً في ديانات ومذاهب غير الكاثوليكية.
5. إصلاح الروحانية الكاثوليكية والسلطة الكنسية.
وغني عن البيان أننا لا نطرح تقييما لأعمال المجمع وما نوقش وصدر من بيانات عقائدية، إنما نشير إلى كيفية مواجهة الكنيسة لواقعها وجسارة ضبطه وتصحيحه ومعالجته بشفافية تحت أنظار العالم وحضوره.
إنها الإدارة والالتزام والانضباط. وهي بجانب العمل الكنسي التقليدي تدير منظومة عالمية من المستشفيات والمدارس والجامعات والملاجئ وتضم العديد من الأنظمة الرهبانية من الرهبنة التقليدية إلى الرهبنة الخادمة.
ومازال للطرح بقية.
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟
صدر للكاتب:
كتاب: العلمانيون والكنيسة: صراعات وتحالفات ٢٠٠٩
كتاب: قراءة في واقعنا الكنسي ٢٠١٥
كتاب: الكنيسة.. صراع أم مخاض ميلاد ٢٠١٨