- من أنت يا سيد؟
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [١]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [٢]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [٣]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [٤]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [٥]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ (٦)
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [٧]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [٨]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [٩]
- ☑ أيها الأسقف.. من أنت؟ [۱۰]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [١١]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [١٢]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [١٣]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [١٤]
- أيها الأسقف.. من أنت [١٥]
صارت كنيسة الإسكندرية كنيسة أقلية، بحكم التحولات التاريخية التي شهدتها القرون من السابع إلى العاشر، وهي تحولات سياسية أعادت توزيع أثقال القوى وتشكلت تأسيساً على الصراعات المذهبية (اللاهوتية السياسية) العنيفة، وبعد أن أفسحت الإمبراطورية الرومانية مساحة للدين ورجاله في بلاطها الإمبراطوري الحاكم، فخطّت بيدها سطرها الأخير من التفكك إلى الزوال، في تكرار متطابق مع ما صنعه إخناتون قديماً حين أفسح مساحة مماثلة في بلاطه لكهنة آتون وتبنى الآتونية ديانة رسمية دون سواها، ولم يكن ما فعله في حقيقته توحيداً، إنما رفضاً للتنوع ومصادرته ومطاردة المختلف، فكان الانهيار ينتظره في نهاية السطر.
كان أهم ما يميز كنيسة الإسكندرية أنها كنيسة نسكية كارزة، وقد اتخذت الكرازة عنواناً لها، وانتهجت النسك مساراً، وكانت الرهبنة أبرز تجلياته، ولكن المحير أن كليهما ـ الكرازة والنسك ـ تاها وسط واقع يخشى تفعيل الأولى أو حتى الكلام عنها، ويعيش عكس الثانية. وهو ما يمكن أن ندركه بمجرد النظر إلى فخامة الكنائس والمغالاة في تشييدها وزخرفتها، حتى في القرى الفقيرة التي حظيت بشهرة أحد القديسين أو القديسات، حتى إن هناك من تندر على المفارقة أن إلهاً غنياً يسكن وسط رعية فقيرة، وهو ما تؤكده مطالعاتنا لملابس الإكليروس، والإمعان في ألوانها الزاعقة، وتكلفتها الباهظة، التي تشبه أزياء عصورنا الوسطى التي تميز بها سلاطين المماليك والعثمانيين وقبلهما الفاطميين، واللافت أن هناك من أجهد ذهنه في ابتداع تخريجات تردها إلى التوراة وكهنة العهد القديم، وبعضهم ذهب بها إلى تأويلات سفر الرؤيا والكهنة الجالسين حول العرش وتيجانهم وجاماتهم الذهب.
واحدة من إشكاليات كنيسة اليوم ما أدخلته من ارتباكات على التراتبية الإكليروسية، التي بدأت مع حبرية البابا الراحل الأنبا كيرلس السادس حين أضاف رتبة الأسقف العام ثم تفاقمت في حبرية البابا الأنبا شنودة الثالث، حين توسعت الكنيسة بغير مقتضى في رسامة الأساقفة ـ إيبارشيات وعموم ـ حتى تقلصت مهامهم في دوائر رعوية صغيرة، تم تحميلها بما تتطلبه من التزامات لإعاشة الأسقف وما يحتاجه من معاونين، طواقم سكرتارية ومقرات إقامة، وكان من الطبيعي أن يتم تهميش الأب القمص (الإيغومانس)، ليصبح تواصل القسوس مباشرةً مع الأب الأسقف، بل ووجدت الرعية طريقها إلى مكتبه، ليجد نفسه محملاً ومثقلاً بأعباء يعجز عن تلبيتها، لكنه يجد فيها تحقيقاً لذاته وكينونته.
ويتكرر نفس التوسع في ترقية القسوس إلى قمامصة ليصبح في الكنيسة الواحدة أكثر من مدبر، وعندما يُمنح الأسقف رتبة المطرانية، تأتى له كمنحة بعيداً عن حكمة التراتبية الكنسية في أصولها، ويصبح تجاوزه في منحه الرتبة مع دفعته من الآباء إشارة عدم رضا عنه، تماماً كما يحدث في الأديرة في أمر رسامة الرهبان كهنة حسب دفعاتهم الرهبانية. بالمخالفة لماهية الرهبنة وتحذيرات الآباء المؤسسين المختبرين من مغازلة الكهنوت للرهبان.
صار من المعتاد أن تجد كهنة الإيبارشيات الشباب يجوبون أسواق القاهرة والمدن الكبرى يجمعون تبرعات من التجار الأقباط لمصلحة إيبارشياتهم الريفية الصغيرة أو قل لمصلحة أحلام أساقفتهم، وبأوامر مباشرة منهم، فالموارد محدودة والالتزامات متفاقمة والأحلام كذلك، ولك أن تتخيل ما يتعرضون له من مواقف صعبة وما ينتظرهم من تعنيف أو عقاب إن هم أخفقوا في مهمتهم.
غير خافٍ على القارئ أن القضايا والإشكاليات التي أطرحها لا تتماس أو تقترب من مربع العقيدة أو الإيمان، فتلك حقول ألغام لا أملك أدوات تفكيكها، وتشهد معارك دونكيشوتية ميلودرامية بين أطرافها تدعو للشفقة عليهم وربما الرثاء.
هنا لا أريد أن افتح ـ الآن ـ مِلَفّ إعداد الأساقفة قبل رسامتهم، الذي شهد انفراجة كانت تبشر بتطور أكاديمي مع تأسيس البابا يوأنس التاسع عشر لمدرسة حلوان للرهبان عام 1929م، بهدف تعليم الرهبان المزمع ترشيحهم لرتبة الأسقفية تعليماً كنسياً وإدارياً، لكنها أغلقت عام 1961، بقرار من البابا كيرلس السادس وأعاد رهبانها إلى أديرتهم، وسبق وأشرنا إلى هذا الأمر في الحلقة الثانية من هذا البحث، فيكفي أن تتابع ما يدور في الدوائر الأسقفية لتعرف ما صاروا إليه، خاصة المتصدرين منهم للمشهد والمقيمين بشكل شبه دائم في فضاء العالم الافتراضي، ونسوا أن مهمتهم الأولى هي الرعاية والتفاعل مع رعيتهم وقيادتهم إلى معرفة المسيح واستنارته، التي حسب طقس رسامتهم سيعطون عنها حساباً، “من يديك يطلب دمها”.
لا أحد يختلف حول وجوبية وأهمية التعليم حسب الآباء، خاصة في الدائرة الأساسية، الكريستولوجى، كل ما يتعلق بشخص وطبيعة المسيح وتدبير الخلاص، ولاهوت التجسد، وهو تعليم لا يَجُبْ ولا يقفز ولا يتعارض مع ما سجلته كلمة الله بل يجلي معانيها ويضبط مراميها، ويقدم لنا الإنجيل معاشاً ومختبراً، لكن هل أعُطي كل أسقف أن يخرج على الكنيسة بما يظنه تعليماً صحيحاً من عندياته؟ أم هناك ضوابط تحكم منظومة التعليم؟ وتحميها من الشطط والغلو، في كنيسة مجمعية عريقة؟ هذا ما سأتناوله لاحقاً فقد أُسهم في وقف نزيف التراشق الدائر بين بعض الأساقفة تحت مسميات مخاتلة ومراوغة.
ربما نكون بحاجة إلى نقلة تدبيرية جادة في شأن ترتيب الهيراركية الإكليروسية تبدأ بتوثيق قانوني معاصر يحدد قواعد ومواصفات كل رتبة، الأسقفية والقسيسية والشموسية، ودرجاتها، وكيفية الاختيار لها. وضوابط التقاعد فيها، بشكل يجمع بين الأصالة والمعاصرة.
وقد نكون بحاجة أيضاً لتحديد علاقة المركز بالأطراف بعد أن امتد حضور الكنيسة إلى كثير من بلدان قارات العالم الست، تأسيساً على موجات هجرة الأقباط إليها، بشكل ينقلها من المحلية إلى المسكونية، والبداية في ترتيب الخريطة داخلياً في مصر، حيث الكرسي البابوي، الإسكندرية، وتقسم إلى 27 مطرانية، بعدد محافظات الجمهورية، يقام على كل منها “مَطْرَان”، ويشكلون معاً مجلس مطارنة، يمثل مجمع الكنيسة الأعلى برئاسة البابا البطريرك.
وتقسم كل مطرانية إلى مقاطعات أسقفية تضم عدد من مدن ومراكز المحافظة (حسب الكثافة القبطية فيها) يقام على كل مقاطعة أسقف، ويشكل مجموع الأساقفة في كل محافظة مجلس أساقفتها، ويمثل مجمع المحافظة الأعلى برئاسة مَطْرَان المحافظة.
ويضم كل قطاع مجموع كنائس القرى والأحياء التابعة له، ويشكل مجموع قمامصة الكنائس مجلس القمامصة برئاسة أسقف القطاع.
وتصدر الكنيسة مجموعة قوانين كنسية تنظيمية تحدد نطاق هذه المجالس ومهامها ومسئولياتها وصلاحياتها وقواعد إدارتها وضبط العلاقات داخلها، وعلاقاتها ببقية المجالس.
ويتكرر هذا الترتيب في كل قارة بحيث يقود القارة بطريرك إقليمى، ومن مجموع البطاركة يتشكل مجلس بطريركي مسكوني برئاسة البابا الإسكندري. وتحدد الكنيسة مهام ومسئوليات وصلاحيات رتب بطاركة ومطارنة وأساقفة القارات، ومساحة حريتهم في إدارة إيبارشياتهم هناك، كل في رتبته، بتوازن بين الموروث الكنسي واحتياجات أجيالهم المنخرطة في تلك المجتمعات التي صارت جزءاً منها.
السؤال هنا هل سيتم تداول موقع البابا لكل الرتب الكنسية حسب التقليد الكنسي فيجلس عليه، يوماً، راهب أو أسقف من خارج مصر، كما هو الحال في الكنيسة الكاثوليكية، سواء كان من أصول مصرية أم غير مصرية؟
سؤال يحتاج من الكنيسة الإجابة عليه، بشكل موضوعي.
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟
صدر للكاتب:
كتاب: العلمانيون والكنيسة: صراعات وتحالفات ٢٠٠٩
كتاب: قراءة في واقعنا الكنسي ٢٠١٥
كتاب: الكنيسة.. صراع أم مخاض ميلاد ٢٠١٨