- من أنت يا سيد؟
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [١]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [٢]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [٣]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [٤]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [٥]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ (٦)
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [٧]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [٨]
- ☑ أيها الأسقف.. من أنت؟ [٩]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [۱۰]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [١١]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [١٢]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [١٣]
- أيها الأسقف.. من أنت؟ [١٤]
- أيها الأسقف.. من أنت [١٥]
من أين جاءت الكنيسة بهرمها الإكليروسي، فالذي نطالعه في كتب القوانين الكنسية المختلفة بامتداد تاريخها، هو توصيف للوضع القائم وقت كتابة تلك القوانين، سواء ما عرف بقوانين الرسل، أو الدسقولية أو تلك المنسوبة لأسماء بعينها، خاصة في القرون الأولى، وسوف نعود لتناولها في طرح مستقل، وفي كل الأحوال لم تكن الكنيسة في نشأتها وفي نموها وفي ترتيبها الهيكلي بعيدة عن مجالها العام.
في تقديري أنها اقتبست هرمها الإكليروسي من مصدرين، الأول من العهد القديم وتحديداً عند موسى النبي، حين نصحه حماه “كاهن يثرون”، الغريب عن شعب الله، في شأن قيادة الشعب والفصل في خلافاتهم ومشاكلهم، وقد وجده يفصل في كل كبيرة وصغيرة، فقال له:
«مَا هذَا الأَمْرُ الَّذِي أَنْتَ صَانِعٌ لِلشَّعْبِ؟ مَا بَالُكَ جَالِسًا وَحْدَكَ وَجَمِيعُ الشَّعْبِ وَاقِفٌ عِنْدَكَ مِنَ الصَّبَاحِ إِلَى الْمَسَاءِ؟»…«لَيْسَ جَيِّدًا الأَمْرُ الَّذِي أَنْتَ صَانِعٌ. إِنَّكَ تَكِلُّ أَنْتَ وَهذَا الشَّعْبُ الَّذِي مَعَكَ جَمِيعًا، لأَنَّ الأَمْرَ أَعْظَمُ مِنْكَ. لاَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصْنَعَهُ وَحْدَكَ. اَلآنَ اسْمَعْ لِصَوْتِي فَأَنْصَحَكَ. فَلْيَكُنِ اللهُ مَعَكَ. كُنْ أَنْتَ لِلشَّعْبِ أَمَامَ اللهِ، وَقَدِّمْ أَنْتَ الدَّعَاوِيَ إِلَى اللهِ، وَعَلِّمْهُمُ الْفَرَائِضَ وَالشَّرَائِعَ، وَعَرِّفْهُمُ الطَّرِيقَ الَّذِي يَسْلُكُونَهُ، وَالْعَمَلَ الَّذِي يَعْمَلُونَهُ. وَأَنْتَ تَنْظُرُ مِنْ جَمِيعِ الشَّعْبِ ذَوِي قُدْرَةٍ خَائِفِينَ اللهَ، أُمَنَاءَ مُبْغِضِينَ الرَّشْوَةَ، وَتُقِيمُهُمْ عَلَيْهِمْ رُؤَسَاءَ أُلُوفٍ، وَرُؤَسَاءَ مِئَاتٍ، وَرُؤَسَاءَ خَمَاسِينَ، وَرُؤَسَاءَ عَشَرَاتٍ، فَيَقْضُونَ لِلشَّعْبِ كُلَّ حِينٍ. وَيَكُونُ أَنَّ كُلَّ الدَّعَاوِي الْكَبِيرَةِ يَجِيئُونَ بِهَا إِلَيْكَ، وَكُلَّ الدَّعَاوِي الصَّغِيرَةِ يَقْضُونَ هُمْ فِيهَا. وَخَفِّفْ عَنْ نَفْسِكَ، فَهُمْ يَحْمِلُونَ مَعَكَ. إِنْ فَعَلْتَ هذَا الأَمْرَ وَأَوْصَاكَ اللهُ تَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ. وَكُلُّ هذَا الشَّعْبِ أَيْضًا يَأْتِي إِلَى مَكَانِهِ بِالسَّلاَمِ. فَسَمِعَ مُوسَى لِصَوْتِ حَمِيهِ وَفَعَلَ كُلَّ مَا قَالَ.».
(سفر الخروج 18: 14، 17-24)
ومن يطالع ما وثقه موسى النبي في أسفاره الخمسة “التوراة” خاصة في سفر الخروج الذي أورد هذه الواقعة يدرك أن هذا الترتيب لم يكن بتوجيه مباشر من الله لموسى، ولم يأت كما اعتاد موسى، هكذا (وَأَمَّا مُوسَى فَصَعِدَ إِلَى اللهِ. فَنَادَاهُ الرَّبُّ مِنَ الْجَبَلِ قَائِلاً: «هكَذَا تَقُولُ لِبَيْتِ يَعْقُوبَ، وَتُخْبِرُ بَنِي إِسْرَائِيل….». ثم يملي عليه أوامره ووصاياه)، وهو ما لم يحدث في هذه الواقعة.
نحن أمام ترتيب استراتيجي ينظم منظومة القضاء لشعب الله يقول به شخص من خارج الجماعة ولم يذكر في سياق الحكاية أن الله رفض هذا الترتيب، أو أجازه بتوجيه صريح، ولهذا دلالته، إن الشأن التنظيمي متروك لأصحابه وللقيادة المسئولة التي تملك تطويره وتعديله بما يتفق وصالح الجماعة.
أما المصدر الثاني فكان ترتيب الإدارة في الإمبراطورية الرومانية، التي ولدت الكنيسة وقتها ـ يوم الخمسين حسب سفر أعمال الرسل ـ ففي مقابل حاكم الولاية يأتي الأسقف، وفي مقابل مساعدي الحاكم أو رؤساء المدن يأتي القمامصة، وفي تطور لاحق يظهر موقع البطريرك الذي يناظر موقع الإمبراطور، وتبقى العلاقة بينهم هرمية تماثل النظام الإمبراطوري الهرمي بطبيعته. وإن اختلف مفهوم السلطة وأدواتها وغايتها في كليهما؛ الكنيسة والإمبراطورية. وهو ما حرص على تأكيده القديس بولس في رسائله لتلاميذه حين تعرض لمواصفات الأسقف والقسوس. وقد أوردته فيما سبق من حلَقات في هذا البحث. مع الانتباه إلى أنه لا فرق بين كهنوت الأسقف وكهنوت القس بدرجتيه، وإنما هو ترتيب إداري بحت، واختلاف في الصلاحيات لانضباط الكنيسة.
تأسيساً على ذلك يمكننا استيعاب ما أدخلته كنائس تقليدية رسولية في شأن الأسقف وصلاحياته، وإمكانية تقاعده، أو إقالته، مع احتفاظه برتبته الكهنوتية، ما لم يرتكب ما يستوجب نزعها منه، وهو أمر قوبل عند طرحه برفض قاطع من الكنائس القائمة في مجتمعات أبوية، خاصة فيما يتعلق بموارد الكنيسة والتماهي بين العام والخاص، وما يصحبه من خلط بين مفهوم الوكيل ومفهوم المالك “المتسلط على أنصبة”، التي مدت هذا المفهوم الى ما هو أبعد لتنشئ ارتباطاً لا ينحل بين الإيبارشية وأسقفها حتى إلى القول بأنه ارتباط زواج لا ينفصم إلا بالموت، فيما العلاقة الوحيدة التي لا تنفصم هي بين المسيح المالك الحقيقي والوحيد وبين الكنيسة العروس المهيأة أبداً لعريسها. ويبقى الأسقف الوكيل المطالب في كل لحظة بتقديم حساب وكالته.
فإذا انتقلنا لحال كنيستنا القبطية الأرثوذكسية في ضوء ما سبق نجد أن إعادة ترتيب الهرم الإكليروسي في نطاقه الإداري التدبيري بوعي كتابي وآبائي أمر مشروع، بل ووجوبي تقتضيه مصلحة الكنيسة الرعوية، خاصة في ضوء الخلط بين المَطْرَان (متربوليت) والأسقف (إبيسكوبس) واعتبار أن منح الأسقف رتبة المطرانية مكافأة فيما هي ترتيب تدبيري تنسيقي كما هو الحال مع القمص (إيغومانوس) والقس (برسفيتيروس)، فالأصل أن لكل مدينة كبيرة مَطْرَان يتبعه أساقفة المدن الصغيرة (المراكز)، ولكل كنيسة قمص (مدبر) يتبعه عدد من القساوسة، فينضبط السلم الإداري التدبيري ويُسأل كلِّ في موقعه وفقاً لمسئولياته.
ولما كان للكنيسة أبناء يقيمون خارج مصر ما بين إقامة دائمة (هجرة) وإقامة مؤقتة (عمل أو دراسة)، فقد بادرت الكنيسة إلى ترتيب رعاية لهم في تجرِبة معاصرة، بدأت بشكل متواتر في حبرية البابا كيرلس السادس، وكان العقل المدبر والراعي المتابع لها الأنبا صموئيل أسقف الخِدْمَات، حتى إن صورته كانت داخل كل بيت قبطي في بلاد المهجر بالغرب، وبالتوازي كان للبابا كيرلس اهتماماً خاصاً بإفريقيا، باعتبارها الامتداد الطبيعي الجغرافي والتاريخي لمصر، خاصة السودان وإثيوبيا ودول حوض نهر النيل.
بعض هذه البلاد تشهد وجود الجيل الرابع من المصريين فيها، وكثيرهم يحملون جنسية مزدوجة، ويتوارثون حنينهم الجيني لمصر، لذلك أصبح من المحتم إعادة النظر في الهيكل الإكليروسي التدبيري بما يوفر خدمة رعوية تتفق واحتياج أبناء الكنيسة بالداخل والخارج، في ضوء التطور المباغت والمتسارع للأجيال الجديدة والقادمة مع تعاظم التحديات الفكرية والمادية التي حملتها الثورة الرقمية والتطور المعلوماتي التقني الذي فرض نفسه على العالم ولم تعد المفاتيح القديمة قادرة على فتح أبوابه الجديدة والمصفحة بالعلم والخبرات المتطورة.
لذلك تحتاج الكنيسة المصرية أن تطرح الهيكل التنظيمي الرعوى للبحث والدراسة بشكل أكاديمي عملي، ليس فقط فيما يتعلق بالترتيب الإكليروسي، بل وفي محاور إعداد الرتب من الأسقف إلى الشماس مروراً بالقسوس والقمامصة، ليكونوا مؤهلين وقادرين على أداء مهام مواقعهم الكنسية، وهو أمر يحتاج الإقرار بشجاعة بأننا تخلفنا كثيراً في هذا المضمار، وتقره المصادمات الدائرة داخل الجماعة الإكليروسية التي قفزت إلى صفحات العالم الافتراضي وصارت خبز يومنا على حساب سلام الكنيسة، متى نعترف أن وجود الكنيسة نفسه بات مهدداً، في عناد ومكابرة وغلو وغرور تملكوا من طيف يتزايد من القادة ربما لأنهم عزفوا عن قراءة خبرات الجماعات المسيحية التي اندثرت وعزفوا على لحن الشوفينية والاستعلاء غير المبررين.
سؤالي لآباء المعارك المفتعلة والمدمرة بآن، هل أنتم مستعدون للتحول الذي ينتظر الكنيسة ومعه تنتقل من المحلية إلى المسكونية، فيكتشف الكافة إننا عراة وبائسون حسب وصف كاتب الرؤيا ورسائله إلى كنائس تشبهنا، أخشى أن يخرج بنوكم إلى كنائس أدركت التطور وخاطبت الشبيبة بلغتهم وقدمت حلولاً لقضاياهم بعيداً عن مغازلتهم بأساطير ميتافيزيقية لا تصمد أمام تيارات النقد اللاهوتي، الأفدح أن تخنقهم حبال الإلحاد وتلقي بهم خارج دوائر الإيمان!
الصورة المرفقة تحمل تصوراً مبدئياً لإعادة هيكلة الهرم التدبيري الكنسي سأتناوله في المقال المقبل، ومداخلنا إليه.
كيف تقيّم هذا المقال؟
← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←
المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء
كن أوّل من يقيّم هذا المقال
من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا
دعنا نعمل على تحسين ذلك
أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟
صدر للكاتب:
كتاب: العلمانيون والكنيسة: صراعات وتحالفات ٢٠٠٩
كتاب: قراءة في واقعنا الكنسي ٢٠١٥
كتاب: الكنيسة.. صراع أم مخاض ميلاد ٢٠١٨