أبانا الذي في السموات،
لكنّك لستَ بعيدًا،
لستَ غافلًا عن آلامنا،
أنزلتَ ابنك إلى الأرض وسار بين المنبوذين،
فمدّ يده ناقلًا رحمتك للمجذوم، ودافعَ عن الزانية،
جلسَ مع العشّارين، وواجه تجّار الدين،
وعندما حلّت ساعة الحقّ، لم يهرب،
بل صعد إلى الجلجلة، وحمل على كتفيه صليب العالم.
ليتقدّس اسمك،
لكن كيف يُقدَّس اسمك في أرضٍ تدنّست بالدماء؟
في مدنٍ يضيع فيها العدل بين الوثائق المختومة،
وفي قاعاتٍ تُباع فيها أرواح الفقراء بثلاثين من الفضة؟
يتقدّس اسمُك حينما يُرفَض الظلم،
وحين يُرفَع المظلوم، لا يُصلب،
حينما يُسمَح للحقّ بالكلام، ولا يُخرَس بالنار والسياط.
ليأتِ ملكوتك،
ليس ملكوتًا مؤجَّلًا إلى ما بعد الموت،
ليس فردوسًا يُتاجَر به على حساب الجائعين،
ليس سرابًا يُلهي المسحوقين عن نير العبوديّة،
هو ملكوتٌ يُؤسَّس هنا، في الأزقّة الفقيرة،
في مقاومة الطغاة، وفي بكاء الأمّهات،
في كلّ من قال لا، رغم السيف والجلد والقيود.
لتكن مشيئتُك، كما في السماء كذلك على الأرض،
لكنّ الأرض ترفض مشيئتَك، وتُحاكمها وتسخر منها،
تُفضِّل باراباس على ابنِكَ،
تصنع الصلبان أكثر ممّا تصنع الخبز،
تُقيم الهياكل، لكنّها تغلق أبوابها في وجه المتعبين.
لتكنْ مشيئتُك حيث يفتح السجين نافذتَه نحو الرجاء،
حيث يرفع المضطهد رأسه أمام عنف السياط،
حيث يُغفَر للقاتل، حتّى ينتهي القتل.
أعطنا خبزنا كفاف يومنا،
لكنّ خبزنا يُختَلس من مائدة الفقراء،
يُسرَق بيد القوانين الجائرة،
يتكدّس في مخازن الأغنياء بينما ينام الأطفال جائعين.
أعطنا خبزًا مقل ذاك الذي باركتّه يوم كسرته للجموع الجائعين،
خبزًا لا يُشترى بالمال، بل يُقتسم بالمحبّة،
خبزًا مقدّسًا مثل جسدك المبذول،
خبزًا يصرخ أنّ كلّ جائعٍ هو مسيحٌ مصلوبٌ من جديد.
واغفر لنا ذنوبنا، كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا،
لكنّ الغفران ليس طمسًا للحقّ، ولا استسلامًا للجلّاد،
ليس صمتًا عن الظلم، ولا تغاضيًا عن آلام الأبرياء.
اغفر لنا تواطؤنا، وجُبننا، وصمتنا القاتل،
اغفر لنا إذ خُنّا شهداءَ الحقيقة،
اغفر لنا لأنّنا صفّقنا للجلّادين وللصالبين،
وتكلّمنا بلسان بيلاطس، وغسلنا أيدينا من دمك كما اغتسل.
علّمنا أن نغفر بصرخة، لا بصمت،
أن نغفر بتحرير المسجون، لا بتبرئة السجّان.
ولا تدخلنا في تجربة،
تجربة أن نصبح مثل أعدائنا،
أن نقاوم الظلم بظلمٍ آخر،
أن نبحث عن صليبٍ نعلّق عليه من عذّبونا.
لا تسمح أن يُطفئ الحقدُ نور قلوبنا،
أن يجعلنا الألم قساةً، أن يحوّلنا الجوع إلى وحوش،
بل اجعلنا نقاوم بأسلحتك أنت: بالحبّ، وبالحقّ، وبالرجاء الخالد.
لكن نجّنا من الشرير،
ذاك الذي يملك السوط والقيد،
الذي يبيع الشعوب في سوق السياسة،
الذي يسمّي الموت سلامًا، والاستبداد أمانًا.
نجّنا من الشرّ الذي يسري في شرايين هذا العالم،
من أكاذيب الحكّام، وتواطؤ القضاة،
من صمت العقلاء، وجمود الأتقياء،
من كلّ ما يجعلنا نقبل صلبَك من جديد.
لأن لك الملك، والقدرة، والمجد، إلى الأبد.
لك السلطة وحدَك،
لا للجلّاد، ولا للقيصر، ولا “للحاكم بأمر الله”، ولا لهتلر ولا لستالين،
أنتَ وحدك الملك، ملكٌ على القلوب الجريحة النازفة،
على الذين حملوا صلبانهم وساروا خلفك،
على الذين لم يحنوا رُكَبهم للذهب، ولم يسجدوا لغير الله،
على الذين اختاروا درب الجلجلة وهم يؤمنون بأنّ القيامة آتية.
آمين.
صدر للكاتب:
كتاب نقدي: اللاهوت السياسي، هل من روحانية سياسية؟
تعريب كتاب جوستافو جوتييرث: لاهوت التحرير، التاريخ والسياسة والخلاص
تعريب كتاب ألبرت نوﻻن الدومنيكاني: يسوع قبل المسيحية
تعريب أدبي لمجموعة أشعار إرنستو كاردينال: مزامير سياسية
تعريب كتاب البابا فرانسيس: أسرار الكنيسة ومواهب الروح القدس