# LLMs.txt - Sitemap for AI content discovery # Theosis Across Borders > 1 --- ## صفحات - [خاصية السلاسل](https://tabcm.net/workflow/series/): خاصية السلاسل إيقاع العصر جعلت مستخدم الإنترنت متعجّل بطبعه عن قارئ الكتب الكلاسيكي. كل مؤشرات قياس الأداء وتحليل سلوك المستخدم... - [خاصية الهوامش والمصادر](https://tabcm.net/workflow/footnotes/): الروابط التشعيبية الرابط التشعيبي، أو hyperlink يعني أن هناك نصًا يحتوي بداخله على رابط ينقلك لصفحة أو منطقة جديدة غير... - [واجهة محرر الكتابة](https://tabcm.net/workflow/classic-editor/): واجهة محرر الكتابة الصفحة متاحة فقط لكتاب الشبكة. يرجى تسجيل الدخول ككاتب معتمد حتى تتمكن من استكمال التصفح، أو العودة... - [الأنماط والهويّة البصرية](https://tabcm.net/workflow/visual-identity/): الأنماط والهويّة البصرية النمط البصري، هو قالب يتم من خلاله عرض كتلة نصّية بشكل وألوان معينة. الغرض الرئيسي من النمط... - [الصلاحيات والهيئات](https://tabcm.net/workflow/permissions/): الصلاحيات والهيئات هل تتذكر مخطط سريان العمل؟ أبسط طريقة لتصوّر فكرة الصلاحيات الجماعية (الهيئات) هو إعادة النظر لها، لكن هذه... - [مخطط سريان العمل](https://tabcm.net/workflow/typical-workflows/): مخطط سريان العمل المقال يبدأ بفكرة ثم يتم صياغتها على فقرات. المقال النموذجي له حبكة وهيكل بناء، لكن لو اعتقدت... - [كيف يمكن تسجيل الدخول؟](https://tabcm.net/workflow/sign-in/): تسجيل الدخول أسفل يسار أي صفحة، ستجد وجهًا رسوميّا مثل هذا:   👁️ʖ ͜👁️   اضغط عليه ليظهر صندوق تسجيل الدخول: Username or... - [دليل الكاتب](https://tabcm.net/workflow/): «( دليل الكاتب )» الدليل متاح فقط لكتاب الشبكة. يرجى تسجيل الدخول ككاتب معتمد حتى تتمكن من استكمال التصفح، أو... - [طلب انضمام كاتب](https://tabcm.net/contact-us/author-request/): استلام 3 مقالات من كاتبها الأصلي مع بياناته الشخصية. نقبل المقالات النصوصية فقط، وعليك مراعاة ذلك بوضع مسافات بينية بين الفقرات أو العناوين الفرعية إن وجدت - [طلب نشر مقال](https://tabcm.net/contact-us/send-article/): استلام مقال مفرد من كاتبه الأصلي، وبياناته الشخصية. نقبل المقال بصورته النصوصية فقط، وعليك مراعاة ذلك بوضع مسافات بينية بين الفقرات أو العناوين الفرعية إن وجدت - [لوحة الشرف](https://tabcm.net/leaderboards/): كاتبًا مقالًا فريق العمل من نحن؟ اكتب مقالك معنا دليل الكاتب - [اتصل بنا](https://tabcm.net/contact-us/): يسعدنا تواصلكم معنا ونرحب بأفكاركم ومقترحاتكم وأيضا انتقاداتكم. نعتذر عن البطء في التفاعل فجميع أعضائنا متطوعين. لكن لا شيء يضيع وتحظى رسالتكم بالاهتمام الملائم - [من نحن؟](https://tabcm.net/who-we-are/): «( من نحن؟ )» نحن مجموعة علمانية من المسيحيين على مُختلف الخلفيات المهنية والثقافية، ممن أبت ضمائرهم أن يقفوا صامتين... - [فريق العمل](https://tabcm.net/staff/): طاقم التحرير والنشر هم جزء من الكتّاب الدائمين، والجميع متطوع ﻻ يتقاضى أجرا نظير مساهماته. وترتيب الظهور بحسب المساهمات الأحدث.... - [سياسة الخصوصية](https://tabcm.net/privacy-policy/): «(سياسة الخصوصية)» عند استخدام خدماتنا، فإنك تأتمننا على بياناتك. نحن ندرك أن هذه مسؤولية كبيرة ونعمل بجدية لحماية خصوصيتك. نحاول... - [Theosis Across Borders](https://tabcm.net/): شبكة التأله عبر الحدود: تجمع المستنيرين في عالم افتراضي من الأفكار ودون حدود جغرافية، يمكن للجميع أن يدخلوه بلا ميزة وبلا حكم مسبق ## مقالات - [البحث عن الرابع عشر من نيسان](https://tabcm.net/38428/): يبدأ العام في التقويم العبري في شهر نيسان، والذي يُحتفل فيه بعيد الفصح، والذي يجب أن يتزامن مع فصل الربيع... - [عزل نجيب](https://tabcm.net/37082/): قال لي السادات: «أنت حر طليق! ! » فلم أصدق نفسي. هل أستطيع أن أخرج وأدخل بلا حراسة؟ وهل أستطيع... - [العهد مع أبرام](https://tabcm.net/38189/): في مقالات سابقة، تحدثنا عن العهد بين الله وآدم، والعهد مع نوح. ولكل عهد ملامحه، ولكنهما يشتركان في حرية الاختيار... - [الرهبنة: الواقع والأمل](https://tabcm.net/37705/): أُفسح سطوري اليوم لورقة تضمنت رؤيةً لأحد أعرق الأديرة، وهو دير الأنبا مقار بوادي النطرون، في إشكاليات الرهبنة المعاصرة. وقد... - [الخطية الجدية عند كيرلس السكندري [٣]](https://tabcm.net/37895/): نستكمل الحديث عن المفهوم الشرقيّ الأرثوذكسيّ للخطية الجدية، ممثلًا في ق. كيرلس السكندري، وهو مختلف عن المفهوم الغربيّ اللاتينيّ، ممثلًا... - [الثالوث المصلوب](https://tabcm.net/38010/): دائمًا ما تساءلت لماذا لا تسود الأجواء الاحتفالية الفَرِحة عيد القيامة كما هو الحال في عيد الميلاد. ربما السبب هو... - [الصلب ومعايير الأصالة التاريخية](https://tabcm.net/36812/): المعايير يجب ألَّا تُضاف بدون داع. لذلك، أفضل أن أُبقي على خمسة معايير أساسية من بين العديد المقترح. وبعد أن... - [التصحيح الجريجوري والإصلاح القبطي](https://tabcm.net/37673/): لحل هذه المشكلة، عُقد مجمع أرثوذكسي شرقي مسكوني في القسطنطينية عام 1923 لمناقشة التقويم. تبنى هذا المجمع اقتراح العالم الفلكي... - [محكمة الشعب](https://tabcm.net/37080/): في ألمانيا، عندما اعتقلوا الشيوعيين، لم أبالِ؛ لأنني لست شيوعيًا. وعندما اضطهدوا اليهود، لم أبالِ؛ لأنني لست يهوديًا. ثم عندما... - [الأنبا باخوميوس.. قديس الإدارة](https://tabcm.net/38101/): لقد كان الأنبا باخوميوس بحق رجل الله، البابا الذي لا رقم له، والذي تمنى بعض السياسيين لو أنه أدار المرحلة... - [زمن التغيرات المتسارعة](https://tabcm.net/37541/): وشهدت ظهور الجماعات الإسلامية على الساحة السياسية، وكانت ترى في البابا الجديد عدوًا لرسالتها وسعيها. وغير بعيد عن مقر البابا،... - [الخطية الجدية عند كيرلس السكندري [٢]](https://tabcm.net/37892/): يستمر الحديث عن المفهوم الشرقيّ الأرثوذكسيّ للخطية الجدية، ممثلًا في ق. كيرلس السكندري، وهو مختلف عن المفهوم الغربيّ اللاتينيّ، ممثلًا... - [قانون الأحوال الشخصية: مثالب وألغام](https://tabcm.net/38098/): رجل أعزب ساقته مقادير عابثة أو ضالة أو ظالمة إلى أحد الأديرة، ليقفز منه في غفلة من الزمن على كرسي... - [بابليوس كورنليوس تاسيتوس](https://tabcm.net/36808/): لا تُصوّر جماعة ما مُخلّصها كمجرم مات ميتة مهينة على الصَّليب إلا إن كانت مضطرة لذلك. هذه الحقيقة لم تكن... - [التقويم السكندري والتقويم اليولياني](https://tabcm.net/37578/): في العام 332 ق. م. وصلت جيوش الإسكندر الأكبر ((الإسكندر الأكبر: (356-323 ق. م. ) هو الإسكندر الثالث المقدوني، ملك... - [حادثة المنشية](https://tabcm.net/37076/): أيها الرجال، فليبق كلٌ في مكانه... أيها الرجال... أيها الأحرار... دمي فداء لكم... حياتي فداء لمصر... هذا جمال عبد الناصر...... - [بذل الذات](https://tabcm.net/37807/): إن بذل ذواتنا في المسيح يسوع ليس دعوة للخسارة أو صغر النفس، بل تأكيد بأن الذات في حد نفسها أعظم... - [البابا شنودة والكنيسة](https://tabcm.net/37108/): لا نتعرض هنا للقضايا اللاهوتية التي كانت محل جدل بين رموز المرحلة، فهي من الدقة التي تفرض على من يفككها... - [الخطية الجدية عند كيرلس السكندري [١]](https://tabcm.net/37887/): نبدأ من هذه الحلقة ولعدة حلقات مقبلة الحديث عن المفهوم الشرقيّ الأرثوذكسيّ للخطية الجدية، ممثلًا في ق. كيرلس السكندري، وهو... - [معًا نحو دراما تقطع اللسان الطويل](https://tabcm.net/37851/): حين تسمع جملة: أعلنت أحدث جهة سيادية في مصر، متمثلة في حزب الجبهة الوطنية، ما الذي سيتبادر إلى ذهنك؟ ربما... - [مناقشة يوسيفوس فلاڤيوس](https://tabcm.net/36804/): إن كان فلاڤيوس قد قال الكلام المكتوب في هذه الشهادة، فمن المؤكد أنه كان مسيحيًا، لأنه اعترف بأن يسوع هو... - [التقويم المصري: من إليفنتين إلى راكوتي](https://tabcm.net/37431/): أيا سوتيس، الذي تُحسب السنوات من إشراقتك. (من نقوش معبد دندرة، قنا) - [أزمة مارس ١٩٥٤](https://tabcm.net/36574/): لقد خرج الجيش من الثكنات، وانتشر في كل المصالح والوزارات المدنية، فوقعت الكارثة التي لا نزال نعاني منها إلى الآن... - [أقدر أقوله يا ماما!](https://tabcm.net/37573/): أطلب من الجميع أن يتذكر أمهات منطقتنا المنكوبة بالصراعات والفقر والتمييز. تذكروا هؤلاء البطلات اللواتي يحملن مسؤوليات عوائلهن بالرغم من... - [البابا شنودة والرئيس](https://tabcm.net/37708/): في سياق تصاعد مطالب الجماعات أسلمة الشارع والذهنية المصرية، قُدِّم مشروع قانون حد الردة الذي تمتد أثاره لمحاصرة الأقباط، فيكفي... - [الخطية الجدية عند باسيليوس الكبير [٤]](https://tabcm.net/36530/): نكمل الحديث عن مفهوم الخطية الجدية عند ق. باسيليوس الكبير رئيس أساقفة قيصرية الكبادوك بآسيا الصغرى، وواضع الليتورچية المسمَّى باسمه،... - [أساقفة الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا](https://tabcm.net/37583/): من الوارد أن يكون الشماس فادي شكري إسكندر هو واجهة لمافيا اللجوء الأوروبي. وهي تهمة شديدة الخطورة تنحدر لمصاف الإتجار... - [الصلب ومعيار الحرج](https://tabcm.net/36795/): لا تُعد التفاصيل المحرجة عن يسوع فقط مثارًا للاهتمام، بل نافذة بالغة القيمة على ذكريات محتملة ليسوع. في الواقع، تلك... - [التقويم المصري: بين الإصلاح والجمود](https://tabcm.net/37438/): يقرر المجمع المقدس أن الكنيسة القبطية المستقيمة الرأي؛ محتفظة بتراثها الخالد القويم، وهي أمينة على ما تسلمته من الآباء القديسين... - [قطب وناصر](https://tabcm.net/36398/): وحين جاء سيد قطب، كرر عبد الناصر عليه نفس السؤال الذي كان قد سأله إياه سابقًا وقت الخلاف على دمج... - [العهد مع نوح](https://tabcm.net/36678/): ما بين عهد الله مع آدم، وعهد الله غير المشروط مع إبراهيم، الذي ذُكِرَ أيضًا في العهد الجديد، كان هناك... - [البابا كيرلس ونقطة الانطلاق](https://tabcm.net/36568/): أما أنتم، يا إخوتي الإكليريكيين، فإن كان بسببي قد حدث هذا النوء العظيم عليكم، فأنا مستعد لأن أبتعد لكي تهدأ... - [الخطية الجدية عند باسيليوس الكبير [٣]](https://tabcm.net/36525/): نكمل الحديث عن  مفهوم الخطية الجدية عند ق. باسيليوس الكبير رئيس أساقفة قيصرية الكبادوك بآسيا الصغرى، وواضع الليتورچية المسمَّى باسمه،... - [رجل الله وذئب المنصب](https://tabcm.net/37069/): بالرغم من أن غالبية الشعب يعرف الكثير عن حياة البابا كيرلس السادس، وقد كُتب عن حياته تقريبًا كل شيء، إلا... - [ما قيمة آباء الكنيسة في البحث التاريخي؟](https://tabcm.net/36772/): موت يسوع إعدامًا تحت حكم بيلاطس البنطي هو أمرٌ ثابت بأقصى درجة يمكن أن يبلغها أيَّ أمر تاريخيّ. لأنَّه حتَّى... - [مصر والنيل: الاتفاق المستحيل](https://tabcm.net/37003/): في شهر مارس، تحل ذكرى مرور عشر سنوات على توقيع اتفاق إعلان المبادئ بين مصر والسودان وإثيوبيا بخصوص سد النهضة،... - [الحل الثاني للجماعة](https://tabcm.net/35855/): لا تظنّوا أيها الإخوان المسلمون أني أجنبيٌّ عنكم، فإني واحدٌ منكم. إنني أذكر هذه السنين، والآمال التي كنّا نعمل من... - [العهد مع آدم](https://tabcm.net/36676/): أنهيت المقال السابق بموجز للعهد مع آدم، لكنِّي سأواصل معكم اليوم أيضًا في نفس العهد الأوَّل في سلسلة العهود، وهو... - [للنهضة جذور وللسياسة رأي](https://tabcm.net/36298/): كانت الإرساليات الأوربية والأمريكية، التي قصدت مصر باعتبارها بوابة إفريقيا، القارة العجوز، القابعة مع تراثها بعيدًا عن وهج التطور وحركة... - [الخطية الجدية عند باسيليوس الكبير [٢]](https://tabcm.net/36522/): نستكمل في هذا البحث مفهوم الخطية الجدية عند ق. باسيليوس الكبير رئيس أساقفة قيصرية الكبادوك بآسيا الصغرى، وواضع الليتورچية المسمَّى... - [أبانا الذي في السموات](https://tabcm.net/36879/): أبانا الذي في السموات، لكنّك لستَ بعيدًا، لستَ غافلًا عن آلامنا، أنزلتَ ابنك إلى الأرض وسار بين المنبوذين، فمدّ يده... - [لماذا التاريخ ولدينا النبوات؟](https://tabcm.net/36746/): امتدادًا للفكر الدوسيتي الغنوصي، ظهرت أطروحة باسيليدس في القرن الثاني، أنَّ هناك إلهين: إله العالم، وهو إله العهد القديم الذي... - [سبعون مسيحيًا يُذبحون داخل كنيسة في الكونغو](https://tabcm.net/36605/): في واحدة من أكثر المجازر وحشية في تاريخ الكونغو الديمقراطية، عُثر على سبعين مسيحيًا مقطوعي الرؤوس داخل كنيسة في كاسنجا... - [التنظيم السري من جديد](https://tabcm.net/35631/): بعد إقالة أعضاء الجهاز السري التابعين لجماعة الإخوان المسلمين الموالين لعبد الرحمن علي فراج السندي، بادر حسن إسماعيل الهضيبي بتأسيس... - [نصوص العهد](https://tabcm.net/36417/): دراستنا للعهود في الكتاب المقدس ليست مجرد معلومات ذهنية تُضاف إلى معلوماتنا العامة، بل هي أمرٌ حيويٌّ جدًا في رحلتنا... - [هواجس الذوبان](https://tabcm.net/36294/): كان قرارنا عدمَ الاعتراف بهذا المجمع، ومقاطعة اليونانية لسانًا وفكرًا، لنبدأ مرحلة بناء لاهوت بلسان قبطي، وتتغيّر لافتتنا من كنيسة... - [الخطية الجدية عند باسيليوس الكبير [١]](https://tabcm.net/36515/): نستكمل الحديث عن مفهوم الخطية الجدية، ونبدأ من هذه الحلقة ولعدة حلقات مقبلة مع ق. باسيليوس الكبير رئيس أساقفة قيصرية... - [إلى صناع الدراما: الأولوية للمشاهد](https://tabcm.net/36472/): لذا رجاء خططوا جيدا لمسلسلاتكم نريد أن نستمتع وأن يتم استثمار النجاح بوجود مواسم جديدة بنفس جودة الأول بل وتتفوق... - [في اختلاف القراءات الكنسية](https://tabcm.net/36231/): تجلس في الكنيسة في الثامنة صباحًا يوم الجمعة العظيمة. يتلو الشماس مزمور باكر باللحن الجنائزي الذي يُطلق عليه "الأدريبي". تقرأ... - [زمن الصوم](https://tabcm.net/36427/): أن حالة البابا فرنسيس لا تزال حرجة؛ إلا أنه لم يتعرض لأزمات تنفسية أخرى منذ الليلة الماضية. الأب الأقدس لا... - [نهاية شهر العسل](https://tabcm.net/34091/): بالرغم من ذلك، استمر عبد الناصر في التعامل مع الإخوان المسلمين باعتبارهم فصيلًا وطنيًا، لدرجة أن احتفالات ثورة 23 يوليو... - [يونان ونينوى ونحن](https://tabcm.net/36133/): يأتي صوم يونان في وقت محدد من قبل الكنيسة، فهو يرمز إلى موت المسيح عن البشرية وقيامته، مما يمنح الخلاص... - [كنيسة اليوم.. كلمة أخيرة](https://tabcm.net/36285/): اشتبكت عبر ثلاث عقود ونصف ويزيد مع الإشكاليات الكنسية، طارحًا ومحللًا ومقدمًا لمخارج أزعم إنني امتلكتها عبر خدمة ممتدة بين... - [الخطية الأصلية عند أوغسطين [٥]](https://tabcm.net/35029/): نواصل الحديث عن الاختلاف حول مفهوم “الخطية الجدية” ووراثة الخطية بين بعض آباء الكنيسة في الشرق والغرب، ويستمر الحديث عن... - [الفقراء والمترفون: الوعد والمصير](https://tabcm.net/36198/): تُعدّ التطويبات جوهرًا لرسالة يسوع كما ورد في إنجيل لوقا. في هذه التأمّلات، نركز على تطويبة الفقراء والويل للأغنياء، كاشفين... - [مصر والنيل: الطريق المسدود](https://tabcm.net/35884/): على مدار 12 جولة من المفاوضات الشاقة بين القاهرة والخرطوم وأديس أبابا وواشنطن، طالبت مصر باتفاق يغطي ملء وتشغيل سد... - [باسم الأم والابن والمصيف المقدس](https://tabcm.net/36142/): مسيح شاب، مُرغم على رحلة مقدسة أخرى، ولكن إلى البحر هذه المرة. فيذهب محمولًا على أكتاف الملائكة والقديسين إرضاء لأمه... - [اعتقال الهضيبي](https://tabcm.net/34088/): إن المبررات التي تكمن وراء قرار حل الأحزاب السياسية لا تتوافر في الإخوان المسلمين، فالإخوان لم يشاركوا في السلطة قبل... - [كلمات مفتاحية](https://tabcm.net/35084/): كل فكرة رئيسية في الكتاب المقدس مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالعهد بطريقة أو بأخرى. وكل فكرة لا ترتبط بالعهد فهي فكرة... - [وإيه كمان يا أنبا إرميا؟!](https://tabcm.net/36054/): وسط التوترات الإقليمية المتصاعدة، كشف الأنبا إرميا، الأسقف العام، عن استقباله أليشيا ألمو بيكر، مديرة القسم السياسي والعسكري بالسفارة الأمريكية... - [الخطية الأصلية عند أوغسطين [٤]](https://tabcm.net/35026/): يستمر الحديث عن الاختلاف حول مفهوم “الخطية الجدية” ووراثة الخطية بين بعض آباء الكنيسة في الشرق والغرب، ونكمل الحديث عن... - [إشكاليات إضافة الدين للمجموع](https://tabcm.net/35968/): يُفترض أن تأتي المواطنة قبل الانتماء الديني، ولذلك فإنّ جعل التربية الدينية مادةً تُحتسب بالدرجات قد يكون أمرًا إشكاليًا. فالأصل... - [مصر والنيل: المفاوضات والمصالح](https://tabcm.net/35770/): "الرسالة الثانية التي نريد أن نرسلها؛ هي أننا نمارس حقنا، في استخدام أنهارنا، لمحاربة الفقر في بلادنا، دون أيّ تعمّدٍ... - [مكتب إيمان البيت الأبيض](https://tabcm.net/35872/): منذ أيام، أعلن البيت الأبيض عن إنشاء The White House Faith Office ، وهو هيئة جديدة تهدف إلى تعزيز التواصل... - [عبد الناصر مرشدا](https://tabcm.net/34086/): أذكر أن جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر لم يقتربا من القيادة إلا بعد الاستيلاء عليها، كانا يقفان في مكان... - [بئر العهود](https://tabcm.net/35080/): العهد هو اتفاق محدد أو معاهدة أو ميثاق أو تحالف يُبرم بين طرفين. ويمكن أن يُحدد بمدة زمنية محددة، أو... - [هل نُظم الخلافة تحمل الخير للأقليات المسيحية؟](https://tabcm.net/35463/): صرح الأب السوري؛ سبيريدون طنوس، كاهن الكنيسة الأنطاكية للروم الأرثوذكس، عبر حسابه على منصة إكس، بأنه ينوي استعادة الخلافة الأمويّة،... - [الخطية الأصلية عند أوغسطين [٣]](https://tabcm.net/35023/): يرفض أوغسطينوس دخول الأطفال غير المعمَّدين إلى الملكوت، معتبرًا إياهم مذنبين لأنهم وارثون ذنب آدم، بعكس ما جاء في اللاهوت... - [توحيد الأعياد ضرورة رعوية](https://tabcm.net/35674/): صرح البابا فرنسيس، بأنه مستعد لقبول اليوم الذي يتفق عليه الجميع لتوحيد الأعياد. وفور إعلان هذا التصريح، قامت كتائب النقد... - [مصر والنيل: إثيوبيا والمصالح](https://tabcm.net/35370/): اعترضت إثيوبيا على السد العالي ورحبت بسحب البنك الدولي عرضه لتمويل السد. كما عارضت تأميم قناة السويس، ووافقت على مشروع... - [لقاء مع د. ليلى موسى، ممثل مجلس سوريا الديمقراطية](https://tabcm.net/35465/): في لقاء يوم الاثنين الموافق 20 يناير 2025، استضافت وحدة الدراسات الدكتورة ليلى موسى، ممثل "مجلس سوريا الديمقراطية" في مصر،... - [واشنطن تنسحب من مجلس حقوق الإنسان
وتوقف تمويل الأونروا](https://tabcm.net/35686/): من المتوقع أن يصدر الرئيس دونالد ترامب، غدًا الثلاثاء، أمرًا تنفيذيًا جديدًا يقضي بانسحاب الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان... - [جهلنا بالحق لا يلغي الحق](https://tabcm.net/35077/): وددت أن أكتب هذا المقال كتذكرة لذهنكم النقي لما سبق في الأسابيع الماضية، حتى نبني على أساس روحي مؤسس على... - [الإخوان وعبد الناصر](https://tabcm.net/34080/): تزامنت نشأة تنظيم الضباط الأحرار مع التنظيم الخاص لجماعة الإخوان المسلمين في فترة 1939-1940، حيث كان بعض الضباط يبايعون البنا... - [الخطية الأصلية عند أوغسطين [٢]](https://tabcm.net/35009/): نستكمل الحديث عن الاختلاف حول مفهوم “الخطية الجدية” ووراثة الخطية بين بعض آباء الكنيسة في الشرق والغرب، ويظل الحديث عن... - [العمل الاجتماعي الغائب والمُختَطف](https://tabcm.net/35235/): أسس المصريون في القرنين الماضيين جمعيات خيرية لرعايتهم. هذه الجمعيات لعبت دورًا كبيرًا في استقرار المجتمع ووقايته من التطرف. اليوم،... - [مصر والنيل: السودان والمصالح](https://tabcm.net/34140/): مُنعت اللغة العربية في الجنوب وفُرضت الإنجليزية، وأُدخل مبشرون تابعون للكنيسة الإنجليكانية الإنجليزية للتبشير بين قبائل الجنوب. وأُهمل التعليم في... - [اهتمامات الشباب بين الإباحية والتعليم](https://tabcm.net/35239/): وجهت سؤالًا إلى الذكاء الاصطناعي: أريد إحصائيات تُظهر توجهات الفئة العمرية من ١٨ إلى ٢٤ عام حول قضاء الوقت على... - [البابا فرنسيس: الكنيسة الكاثوليكية على استعداد
لقبول التاريخ الذي يريده الجميع](https://tabcm.net/35268/): أجدد ندائي بأن تُستخدم هذه المصادفة كدعوة لجميع المسيحيين لاتخاذ خطوة حاسمة نحو الوحدة، حول تاريخ مشترك لعيد القيامة. والكنيسة... - [غاية المسيحية](https://tabcm.net/35074/): يا رب، قد اختبرتني وعرفتني. أنت عرفت جلوسي وقيامي. فهمت فكري من بعيد.  من خلف ومن قدام حاصرتني، وجعلت عليّ... - [الهضيبي مرشدا](https://tabcm.net/32603/): هذا أول لقاء بيني وبينكم، ويسعدني أن أوصيكم أيها الإخوان بتقوى الله وطاعته، والإقبال على الله وترتيل القرآن الكريم، وأن... - [الخطية الأصلية عند أوغسطين [١]](https://tabcm.net/35006/): عندما يتألم إنسان، رغمًا عنه بإرادة الآخرين، وذاك أيضًا بفعل الإرادة، وليس بإرادة مَن يتألم، بل بإرادة الله القدير، ولو... - [تعثر الإصلاح التواضروسي لتركة البابا شنودة](https://tabcm.net/31899/): بعد مرور أكثر من 12 عامًا لماذا تبدو خطوات البابا تواضروس الإصلاحية متعثرة أمام التركة الصعبة والثقيلة التي تركها سلفه... - [مصر والنيل: التاريخ والمصالح](https://tabcm.net/33918/): منذ أقدم العصور، كانت أعين حكام مصر تمتد نحو الجنوب لتأمين منابع النيل التي كانت ما تزال مجهولة في وقتهم.... - [هل يذهب الأطفال غير المعمدين إلى الجحيم؟](https://tabcm.net/34042/): ولهذا السبب نفسه نُعمِّد حتى الأطفال، ولو أنهم بلا خطية، ولكن لكيما ينالوا بقية العطايا من تقديس، وبر، واختبار للتبني... - [الغطاس: قصبة وقلقاس؟!](https://tabcm.net/34015/): "المسيح يسوع اتعمد علشان يعلمنا أهمية المعمودية رغم إنه ما كانش محتاج يتعمد". . الكلام ده واقف في نص المشوار... - [الإبيفانيا [عيد الغطاس]](https://tabcm.net/33876/): الإبيفانيا ، بقلم الأب متى المسكين، كلمة ألقيت في عيد الغطاس بدير القديس أنبا مقار، برية شيهيت. ونُشرت أوّل ما... - [حادث حامد جودة](https://tabcm.net/32598/): حاول فؤاد سراج الدين التخفيف من حدة الأزمة بين الوفد والجماعة، وأعطى وعدًا في حديث له في صحيفة الأهرام يوم... - [مفهوم السينرچيا عند ذهبي الفم](https://tabcm.net/33581/): يُشدِّد ق. يوحنا ذهبي الفم على المبدأ الأرثوذكسي المهم جدًا وهو مبدأ التآزر أو السينرچيا بين النعمة والأعمال، حيث يرى... - [حرائق كاليفورنيا بين الشماتة والاقتصاد](https://tabcm.net/33766/): تعبر هذه التعليقات عن فرح غريب، وكأن ما أصاب جنوب كاليفورنيا هو غضب إلهي أو انتقام سماوي، وكأن السماء تقاتل... - [مصر والنيل: الجغرافيا والمصالح](https://tabcm.net/33723/): دائمًا ما أرّقني الأسئلة التالية: أين مصلحة مصر؟ أين  هي حدود الأمن القوميّ المصريّ؟ هل أمننا يتوقف عند سلامة حدودنا... - [ليه نظام البكالوريا لا يعتبر تطوير للتعليم؟](https://tabcm.net/33638/): بيعزز الهُوِيَّة الدينية ويعارض مبدأ تكافؤ الفرص ويؤصل لفكر وسياسة دولة التمييز الديني المتعصبة. . ازدواجية امتحان الدين ستؤدي لازدواجية... - [ثقافة الموت في مواجهة لاهوت الحياة](https://tabcm.net/33641/): الانفصام الذي تمكّن من عدد غير قليل من الشباب الذي وقر في ذهنة أن الطهارة في التبتل، والزواج -حسب ما... - [وُلد لكم اليوم](https://tabcm.net/33633/): "وُلد لكم اليوم"، ‏بقلم الأب متى المسكين، نُشر أوّل ما نُشر في مجلة مرقس، عدد يناير ١٩٧٩، الصفحات من ١٦... - [نسف محكمة الاستئناف](https://tabcm.net/32592/): القصر يتهم الإخوان الذين تبرأ منهم مرشدهم فانقلبوا عليه بعدما علموا بنيته في تسليم أسلحتهم والخطرين منهم إلى السلطات، والإخوان... - [الطبيعة البشرية الخيّرة عند ذهبي الفم](https://tabcm.net/33263/): نستكمل الحديث عن عقيدتي التبرير وعمل النعمة بين چون كالڤن وبين ق. يوحنا ذهبي الفم كممثل عن اللاهوت الأرثوذكسي الشرقي،... - [تجسد المسيح والوصول لليقين](https://tabcm.net/33522/): بعد التجسد، لم يعد هناك مجال للحزن أو القلق أو الخوف، أو حتى الحقد والكراهية والخصام؛ لأن أي شعور من... - [عن سلام الميلاد وفرحه](https://tabcm.net/33470/): وُلِد ملك السلام، ابن الله، متخذًا صورة بشرية، من كلمته وروحه التي حبلت بها مريم. وبالنسبة لحدث خارق مثل هذا،... - [عندما اختار الله أن يكون مجيئه من امرأة](https://tabcm.net/33360/): المسيحية ليست هي لغفران خطايا على يد كاهن، بل المسيحية هي لتجديد طبيعتنا بالاتحاد في المسيح بالإيمان والمعمودية فنصير من... - [العلمانيون وأخلاق الاختلاف](https://tabcm.net/32653/): العلمانيون ملف معلق وملتبس، بقلم كمال زاخر موسى، نُشر أوّل ما نُشر في يوم الخميس 7 يناير 2010 - [الميلاد في الوجه غير المنظور](https://tabcm.net/33299/): الميلاد في الوجه غير المنظور ‏بقلم الأب متى المسكين، كلمة أُلقيت عل مجمع رهبان دير القديس أنبا مقار ليلة عيد... - [أُكِلت يوم أُكِل الثور الأبيض](https://tabcm.net/32360/): لا يمكن أن نعتبر قتل النقراشي باشا من حوادث الاغتيالات السياسية فهو عمل فدائي صرف، قام به بعض أبطال الإخوان... - [الخلاص بالنعمة وحدها عند چون كالڤن](https://tabcm.net/33251/): يبحث هذا العمل في عقيدتي التبرير وعمل النعمة بين چون كالڤن كممثل عن حركة الإصلاح البروتستانتي المؤثرين في كافة الطوائف... - [جرائم الكراهية بين التديّن والإلحاد](https://tabcm.net/32930/): كانت ردود الأفعال عادة تنقسم لفريقين؛ الأول يهاجم الجماعات الإسلامية المتطرفة، والثاني من يحاول تبرئة الدين منهم وأنهم لا يمثلون... - [التقويم القبطي: بين الموروث والتصحيح [٣]](https://tabcm.net/32667/): ما يجب عمله هو تصحيح التقويم القبطي للشهداء لكي يعمل وفقا لأيًا من التقويمين الأكثر دقة، حتى تعود الأمور لنصابها... - [خرافة تعامد الشمس على المذابح](https://tabcm.net/32960/): واحدة من أكثر الخرافات القبطية شيوعًا مؤخرًا هي تعامد الشمس على مذبح كنيسة ما، في تاريخ محدد يرتبط بقديس هذه... - [التيار العلماني القبطي وأوراقه القديمة](https://tabcm.net/32649/): ذهبت لأوراقنا القديمة الموثقة، والمعلنة وقتها، وسوف أعيد نشرها تباعًا، حتى لا تستغرقنا مناظرات تغرقنا في اللغو. ونبدأها اليوم بالبيان... - [لنأتِ بالملكوت على الأرض](https://tabcm.net/32609/): سواء صلينا هذه الصلاة بإدراك أو بعدم إدراك فهي صلاة محورية، أي إننا كل وقت نصلي أن يأتي ملكوت الله... - [ما بعد حل الجماعة](https://tabcm.net/32357/): أجمع المصريون على استنكار تلك الجرائم الوحشية التي يقدم على ارتكابها الإخوان المسلمين، التي من حقها أن تسمي نفسها جمعية... - [ولادة المسيح بدون ألم [٢]](https://tabcm.net/32503/): ولأن الكلمة الإلهيّ، لم يُحبَلَ به في أحشاء البتول مريم بمشيئة رجل أو من زرعِ بشر، بل تمّ بمسرّة الآب... - [أسطورة الكرامة الإنسانية](https://tabcm.net/32752/): حاجج الله شعب إسرائيل في القديم ليفهمهم أنه إله الجميع، وأنه لا يميز اليهود كشعب لفضل فيهم. في سفر عاموس،... - [التقويم القبطي: بين الموروث والتصحيح [٢]](https://tabcm.net/32438/): لم نشعر في مصر بهذا الفرق إلا عندما تبنى الخديوي إسماعيل عام 1875 التقويم الإفرنجي في المعاملات الحكومية بدلًا من... - [الله لا يعاقب أوروبا بالإرهاب يا مولانا](https://tabcm.net/32685/): في اليومين الماضيين، وعلى خلفية حادث الإرهابي السعودي، والذي تراه المملكة السعودية ملحدًا وليس مسلمًا، لما عاث في أوربا فسادًا... - [المحاكمات [التأديبات] الكنسية من منظور أرثوذكسي](https://tabcm.net/32642/): البيان الذي ألقاه أبينا الأسقف الأنبا ميخائيل، أسقف حلوان بشأن تجريد أحد كهنة إيبارشيته، أعادنا إلى "المربع صفر" فيما يتعلق... - [بين فريسيو العصر والماضي](https://tabcm.net/32637/): عندما عايروا د. جورج حبيب بباوي بأن أمه وجدته يهوديتان، أصابتني صدمة، فمن لوح بهذه المعايرة بطريرك الإسكندرية السابق نفسه وعلى... - [حل الجماعة](https://tabcm.net/32354/): حل جماعة الإخوان المسلمين وجميع شُعبها في مصر، وإغلاق الأمكنة المخصصة لنشاطها، وضبط أوراقها وسجلاتها وأموالها وممتلكاتها، وحظر اجتماع خمس... - [ولادة المسيح بدون ألم [١]](https://tabcm.net/32500/): نُناقِش في هذا البحث موضوع ولادة المسيح من العذراء القديسة مريم بدون ألم ووجع الولادة، من خلال الإشارات الكتابية والآبائية - [اغتيال كوكب](https://tabcm.net/32496/): هنا عاش رجلٌ حمل معنى اسمه بالحقّ: إبيفانيوس "التجلّي الإلهي" - [التقويم القبطي: بين الموروث والتصحيح](https://tabcm.net/32321/): - أخيت : ويمتد من منتصف يوليو حتى انحسار مياه الفيضان عن الأراضي الزراعية في منتصف نوفمبر. - برت :... - [تجسد المسيح ونهاية حقبة الناموس](https://tabcm.net/32271/): من الصعب أن نعبر على تجسد الكلمة وظهور الله في الجسد واحتفالنا بعيد الميلاد  ما آل إلينا نحن البشر من... - [تحولات ستة عقود: قضية الجدل اللاهوتي](https://tabcm.net/31889/): احتفظ البابا شنودة باجتماعه الأسبوعي، الذي أسسه وهو بعد أُسقف، وأعاد إصدار مجلته الشهرية "الكرازة"، في إصدار أسبوعي، وفى شكل... - [من هو القديس؟](https://tabcm.net/32383/): لا إننا في مصر نعيش في خضم من الخرافات والهلاوس والترهات والأهازيج عن القديس فلان والقديس علان و هذه ظهرت... - [الإخوان والحرب](https://tabcm.net/30455/): ثبت إقدام أفراد الجهاز السري للجماعة على اغتيال اللواء سليم زكى متعمدين، بالرغم أن اللواء سليم زكى لم يقم بأي... - [مونارخية الآب في الدراسات الأكاديمية [٥]](https://tabcm.net/31664/): نستكمل في هذا الجزء أهم الإشارات إلى عقيدة مونارخية الآب في الثالوث القدوس، في كتابات أهم الأساتذة والباحثين اللاهوتيين من... - [خدعوك فقالوا: كلنا واحد لأننا عرب](https://tabcm.net/32265/): في العام الماضي 2023، كنت مُفوضًا من شبكة Theosis لزمالة الأقليات، والمنظمة من مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان  (OHCHR) بمقر... - [چان پول شارل إيمارد سارتر](https://tabcm.net/30688/): الفلسفة الوجودية، المذهب الوجودي، پول سارتر؛ كلمات تجري على الألسنة للمناقشة والمداعبة، تجري على ألسنة الأساتذة الذين تعمقوا الفلسفة، أو... - [الاختيار](https://tabcm.net/32206/): هل فكرت يومًا في الاختيار الذي كان على موسى النبي أن يتخذه حين ترك مصر؟ هذا الاختيار هو ما جعل... - [تحولات ستة عقود: مرحلة التغيرات الفارقة](https://tabcm.net/31885/): يرحل قداسة البابا كيرلس السادس بشيبة صالحة ـ 9 مارس 1971م – بعد مرحلة تأسيسية هامة في تاريخ الكنيسة والوطن،... - [مَثَل الخميرة وروحانية الصوم في المسيحية](https://tabcm.net/32157/): عجيبةٌ حقًا هي صلوات كنيستنا لمفتوح العينين! ! نصلي في ختام صلوات ساعات النهار(كتاب صلوات الأجبية القبطية): أحطنا يا رب... - [قتل الخازندار](https://tabcm.net/30445/): بدأت الكراهية بين الجماعة والقاضي أحمد الخازندار عندما تولى الأخير نظر قضية اعتداء بعض شباب الإخوان على جنود بريطانيين، وهما... - [مونارخية الآب في الدراسات الأكاديمية [٤]](https://tabcm.net/31661/): نستكمل في هذا الجزء أهم الإشارات إلى عقيدة مونارخية الآب في الثالوث القدوس، في كتابات أهم الأساتذة والباحثين اللاهوتيين من... - [چون ديوي](https://tabcm.net/30680/): كنت أتحدث ذات مرة مع الدكتور كليلاند، مدير الجامعة الأمريكية بالقاهرة، عن مركّب أوديب أو مركب النقص لا أدري، فأنصت... - [حساسية الضمير](https://tabcm.net/32019/): قرأت في احد الكتب الأدبية عبارة للكاتب الكبير أنيس منصور، توقفت عندها كثيرًا، بل إنني استخدمتها في كلمة عن حساب... - [تحولات ستة عقود (10مايو1959: 17مارس2012)](https://tabcm.net/31881/): كان من الضروري زيادة رسامات كهنة الكنائس، واتجهت الكنيسة ـ في تلك المرحلة ـ إلى الاختيار من خارج صفوف الإكليريكيين،... - [الأسلمة الجبرية للأطفال](https://tabcm.net/32015/): في المقال ده هنتكلم عن صفحة في ملف (اختفاء القبطيات)، الصفحة دي هيكون اسمها (الأسلمة الجبرية للأطفال). ناخد مثل علشان... - [الإخوان والدم](https://tabcm.net/30420/): سجلت محاضر الشرطة أول أحداث عنف حقيقية من الجماعة بإلقاء قنبلة على النادي البريطاني في ليلة عيد الميلاد 1942م، وتطور... - [مونارخية الآب في الدراسات الأكاديمية [٣]](https://tabcm.net/31658/): نستكمل في هذا الجزء أهم الإشارات إلى عقيدة مونارخية الآب في الثالوث القدوس، في كتابات أهم الأساتذة والباحثين اللاهوتيين من... - [قلوب من فولاذ وجروح تستحق العناء](https://tabcm.net/31900/): زوجة أحد قواد الجيش الهندي (اسمه أخيليش) في إحدى الحروب التي انتهت عام 1999م، تشهد كيف يجب على الجنود أن... - [ألبرت شڤايتزر](https://tabcm.net/30490/): كانت نية أبويه أن ينشأ نشأة دينية. وقضى ألبرت تلمذته والتحق بالجامعة في ستراسبورج، وحصل على الشهادة الجامعية في الإلهيات،... - [للخروج بالكنيسة من مأزقها](https://tabcm.net/31893/): نتحدث هنا عن الملفات الرئيسية التي على مجمع الكنيسة فحصها وحسمها: ملاحظة مفتاحية تمر الكنيسة بلحظة ضاغطة مرتبكة، لها مقدماتها... - [كنز عظة البابا تواضروس المخفي عن السمينار](https://tabcm.net/31855/): الحقيقة أنا من أكتر الناس سعادة بالعظة اللي قالها قداسة البابا تواضروس يوم عيد جلوسه الثاني عشر في حضور غالبية... - [انشقاق البنا والسكري](https://tabcm.net/30412/): كانت الصدمة الكبرى في تاريخ الجماعة هي انفصال وكيل الجماعة أحمد السكري عنها، بعد خلافات مع صديق عمره وطفولته حسن... - [مونارخية الآب في الدراسات الأكاديمية [٢]](https://tabcm.net/31653/): مونارخية الآب في الدراسات الأكاديمية الحديثة والمعاصرة سوف نستعرض في هذا البحث أهم الإشارات إلى عقيدة مونارخية الآب في الثالوث... - [هربرت چورچ ويلز](https://tabcm.net/30481/): يجب أن نؤلِّف هذه الموسوعة على مبدأ الورق السائب بحيث يستطيع المقتنون للموسوعة أن يستبدلوا بالأوراق التي قدمت وعقمت معارفها... - [مرور جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يعود أسقف إلى ديره](https://tabcm.net/31482/): لقد تابع الكثير من المسيحين المهتمين بالشأن الكنسي على مدار الأسابيع الماضية القضية التي شغلت مواقع التواصل الإجتماعي وأشعلت جروبات... - [إعادة ضبط البوصلة](https://tabcm.net/31728/): من أخطر ما تسلل إلى البعض ربط الزواج والتناسل بالخطية، وأن الجنس كغريزة جاء عقابًا نتيجتها، بينما يخبرنا سفر التكوين... - [الإخوان وحكومة صدقي](https://tabcm.net/30391/): جاء صدقي رئيسًا للوزارة للمرة الأولي في عهد الملك فؤاد في 20 يونيو 1930، وتولى منصب وزير الداخلية بالإضافة لرئاسة... - [مونارخية الآب في الدراسات الأكاديمية [١]](https://tabcm.net/31646/): مفهوم ”مونارخية الآب“ كما شرحه آباء الكنيسة الجامعة شرقًا وغربًا هو أن أقنوم الآب هو الرأس، أو الأصل، أو العلة،... - [رسالة من أبناء كنيسة الإسكندرية القبطية](https://tabcm.net/31557/): منذ تأسيسها رسوليًا، وعت كنيستنا وحافظت على إنها كنيسة الشعب، ليست “الكنيسة” بدون الشعب، ولا وجود للأسرار في غياب الشعب،... - [مهاتما غاندي](https://tabcm.net/30472/): هو سياسي لا يقوم نجاحه على الحيلة أو المهارة في الوسائل الفنية، إنما على القوة الاقتناعية في شخصيته، وهو مكافح... - [الظهور الإلهي إعلان شركة الإنسان وخالقه](https://tabcm.net/31352/): من الصعب أن نعبر عن تجسد الكلمة وظهور الله في الجسد واحتفالنا بعيد الميلاد وما آل إلينا نحن البشر من... - [الرهبنة.. اقتراب من أزمتها](https://tabcm.net/31563/): ضبط حياة الراهب والتزاماته ونذوره الرهبانية التقليدية (البتولية والعفة، العزلة، الفقر الاختياري، عدم القنية، الطاعة) هي القضية التي شغلت الكنيسة... - [دفاعا عن د. جوزيف موريس فلتس](https://tabcm.net/31529/): شرف لا أستحقه أن أكتب عن د. جوزيف موريس فلتس الذي لا يحتاج لدفاع، إذ إن معظم كتاباته إما أنها... - [الإخوان وحكومة النقراشي](https://tabcm.net/30382/): أثار مقتل أحمد ماهر خوف الملك فاروق، وهذا دعاه إلى تكليف الرجل القوي محمود فهمي النقراشي لرئاسة الوزارة بالإضافة إلى... - [مفهوم الغضب الإلهي عند كيرلس السكندري](https://tabcm.net/31476/): نناقش في هذا البحث ماهية ومفهوم الغضب الإلهي في فكر وكتابات القديس كيرلس السكندري، الملقَّب بـ”عمود الدين“، حيث يُعد ق.... - [قصة مدينتا "سو" و"مي"](https://tabcm.net/31403/): خمن عزيزي القارئ من تكون "سو" ومن تكون "مي" وشاركنا في التعليقات - [چورچ برنارد شو](https://tabcm.net/30402/): أحسن ما اقتنيت في حياتي هو ذكرى برنارد شو، فقد لقيته حين كانت لحيته لا تزال صهباء، وتحدثت إليه وسمعت... - [التجسد حدث فارق في طبيعتك](https://tabcm.net/31347/): كنت أنتوي اليوم أن أواصل معكم حسبما أنهيت حديثي السابق عن العهود بداية من العهد مع آدم إلى العهد الذي... - [نحو بناء وعي قبطي أرثوذكسي](https://tabcm.net/31358/): صفحات من موقع مشروع الكنوز القبطية. . القمص تادرس يعقوب والشماس بيشوي بشرى. الكاتيشيزم هذا الفصل هو جزء من كتاب: كاتيكيزم... - [رؤية عن المسيرة ومنهجها المختلف](https://tabcm.net/31193/): إن لم نكن نحن الكنيسة الملتصقة بالمسيح فإن كل جهاد من أجل إصلاح الكنيسة المنظورة في مجمع للإكليروس هو سيف... - [الإخوان المسلمين والبرلمان](https://tabcm.net/30317/): يا شيخ حسن عايز أعرف أنتم جماعة دينية أو حرب سياسي؟ أحنا معندناش مانع أبدا أنكم تكونوا حزب سياسي، أعلنوا... - [مونارخية الآب في اللاهوت الآبائي السكندري [٢]](https://tabcm.net/31127/): نستكمل في هذا الجزء ما بدأنها في الجزء الأول حول الإشارات إلى مونارخية الآب في تعليم وكتابات آباء كنيسة الإسكندرية... - [آوان تقنين استقالة وتقاعد الأساقفة](https://tabcm.net/30637/): لا زالت أصداء الجدل حول سيمنار الأساقفة الذي تم تأجيله لوجود 2 من الأكاديميين العلمانيين يحاضرون فيه حول مجمع نيقية... - [أليكسي مكسيموڤيتش بيشكوڤ جوركي](https://tabcm.net/30310/): وكان تولستوي ودوستويڤسكي داعيتي هذه الحركة الصقلبية، كما كان تورجينيڤ وجوركي داعيتي الاتجاه الأوروبي، وكان التصادم الفكري بينهما كثيرًا، وهذا... - [فريسيين العصر مبعوثي العناية الالهية](https://tabcm.net/30980/): ما زالت تداعيات سيمينار المجمع المقدس تملأ وسائل التواصل الاجتماعي، بين مؤيد ومعارض. بيانات وأحاديث متضاربة أثرت سلبا على سلام... - [دستور إيمان قبطي أرثوذكسي وآخر طقسي](https://tabcm.net/31191/): تلقيت بشكل مكثف سؤالًا متكررًا، يحمل بعض ممن يطرحه رغبة في التفسير وبعضه ينطلق من صدمة (فكرية) وبعضه ينطق بالتهكم... - [أزمة السيمينار وصراع الشر ضد الكنيسة](https://tabcm.net/31185/): سيظل الفكر الإنساني السليم مصلوبًا أمام استيعاب منهج الرب. منهج الشيطان: زرع الزوان. ومنهجنا نحن الخدام: سرعة اقتلاع الزوان. ومنهج... - [المواجهة الأولى](https://tabcm.net/30287/): لم تستمر حكومة علي ماهر الموالية للألمان كثيرًا لمعادتها للإنجليز، ولأنها كانت تعمل عن طريق البنا وجماعته على زيادة شعبية... - [مونارخية الآب في اللاهوت الآبائي السكندري [١]](https://tabcm.net/31124/): نستعرض في هذا البحث الموجز الإشارات إلى مونارخية الآب في تعليم وكتابات آباء كنيسة الإسكندرية في حقبة ما قبل نيقية... - [مواقف البابا المتأخرة دائما والناقصة أبدا](https://tabcm.net/31081/): يداري البيان علي الحقائق -كما هي، وكما حدثت، وكما يعرفها الجميع- علي نحو يغمرنا بالخجل الدائم المرتبط بالبيانات البطريكية؛ التي... - [هنري هاڤلوك إليس](https://tabcm.net/30280/): ولكن هذين الزوجين كانا على نية الابتداع لبدعة جديدة هي الزواج الانفصالي، فإنهما بعد انقضاء شهر العسل عاد كل منهما... - [مقتل أسقف يحول مسار الحركة المسكونية في مصر](https://tabcm.net/31000/): وكالة RNS، ترجمة لتقرير استقصائي  Coptic abbot's murder points to strains over ecumenism in Egypt، بتاريخ ٧ سبتمبر ٢٠١٨. لا... - [كما في السياسة، كذلك في القيادات الدينية](https://tabcm.net/30956/): كما في السياسة كذلك في القيادات الدينية، تتحدد المواقف حسب خريطة الولاءات، ومنها تتشكل خريطة الموالاة والمعارضة. على غير تمهيد... - [خطاب مفتوح لمجمع الأساقفة
بخصوص سيمينار المجمع المقدس](https://tabcm.net/30941/): إلى نيافة الجليل الأنبا دانيال، سكرتير مجمع الأساقفة، تحية امتنان وتقدير، نلتمس معها مبارك صلواتكم عنا، ما بين الدهشة والغضب،... - [نشأة النظام الخاص](https://tabcm.net/30229/): تنتهي الصلاة ويصمت الشيخ برهة ثم تدوى منه صيحة عالية؛ هل أنتم على استعداد للاستشهاد في سبيل الله؟، فيردون؛ نعم،... - [التأله في تعاليم يوحنا ذهبي الفم](https://tabcm.net/30900/): نستعرض في هذا البحث الموجز الإشارات إلى عقيدة التأله والانجماع الكلي في المسيح في تعليم ق. يوحنا ذهبي الفم، أحد... - [نداء للرعاة: تمم خدمتك](https://tabcm.net/30852/): فكرت كثيرًا ما هو الموضوع الذي أكتبه ليساعد ولو بجهد متواضع في عملية الإصلاح الكنسي، حتي امتلأت وسائل التواصل الاجتماعي... - [جرافتون إليوت سميث](https://tabcm.net/30209/): وفي مصر يُسمِّي الأقباط أسقفهم أحيانًا باسم إيسوذوروس، وفي أوروبا تسمَّى المرأة باسم إيسيدورا، ومعنى الاسمين «عبد إيزيس»؛ أي الربة... - [أساقفة وبيانات مضروبة](https://tabcm.net/30786/): مع كل سيمنار أو اجتماع لمجمع أساقفة كنيسة الإسكندرية القبطية الأرثوذكسية، يخرج علينا مجموعة الأساقفة “إياهم” ((إياهم هنا عائدة على... - [مسارات الحراك القبطي وتكريس محايد](https://tabcm.net/30246/): شهد الفضاء القبطي الكنسي تحولات أعادت تشكيل خريطة الخدمة الكنسية وتوازناتها مع نهايات حقبة الأربعينيات من القرن العشرين، كان الشباب... - [كيف نثق أن ما نؤمن به هو الحق ولا تحريف فيه؟](https://tabcm.net/30632/): وتعرفون الحق، والحق يحرركم (إنجيل يوحنا ٣٢:٨)  الآية ”وتعرفون الحق، والحق يحرركم“ تكشف/ تَستعلِن لنا أن الطريق الوحيد لكي” تعرفون... - [الإخوان والعمل السياسي](https://tabcm.net/30221/): مائة ألف شاب مؤمن تقي من شباب الإخوان المسلمين في كل ناحية من نواحي القطر ومن ورائهم هذا الشعب، كلهم... - [ضد التهود: الآباء اليونانيون](https://tabcm.net/30184/): سوف نبحث في هذا الجزء صراع الآباء اليونانيين مع بدع التهود والمتهودين التي ظلَّت تلاحق الكنيسة على مر عصورها وإلى... - [هل نعيد الاعتبار لنيقية؟](https://tabcm.net/30639/): إحدى أكبر الأكاذيب التي ترتبط بمجمع "نيقية" هو علاقته بتحديد موعد عيد القيامة، بالطريقة التي نحدد بها موعد العيد حاليًا.... - [سيجموند شلومو فرويد](https://tabcm.net/30144/): إن المجتمع يفرض لنا أسلوبًا للارتزاق، فيعين لنا بهذا الأسلوب ووسائله العواطف التي تسود نفوسنا من غيرة، وتحاسد إلى تعاون... - [ليس الخطأ في الناموس](https://tabcm.net/30564/): بكل تأكيد ليس الخطأ في الناموس حيث الناموس روحي وصالح وعادل ومقدس أيضًا، إذن أين يكمن الخطأ؟ ولماذا الناموس إذن؟... - [الدور العلماني الذي كان](https://tabcm.net/30242/): ينتصف القرن العشرين، فيما يجتاح العالم موجات من التحولات السياسية العاتية، بعد سنوات قليلة من نهاية الحرب العالمية الثانية (1939... - [ما بين العنف والنفاق](https://tabcm.net/30153/): في أكتوبر 1932، صدر قرار بنقل حسن البنا من الإسماعيلية إلى القاهرة ليزاول عمله كمدرس بمدرسة عباس بالسبتية. وهيأ البنا... - [ضد التهود: الآباء المدافعون](https://tabcm.net/30182/): نستعرض بداية وتطور حركة التهود التي أزعجت الكنيسة في القرون الأولى لأنها كانت رافضة لرسالة الإيمان المسيحيّ، في كتابات الآباء... - [ليڤ نيكولاياڤيتش تولستوي](https://tabcm.net/30129/): خطرت بذهني فكرة، هي تأسيس ديانة جديدة تتفق والحال الحاضرة للنوع البشري، أعني الديانة المسيحية التي تتطور من العقائد الجامدة... - [اللاجئين وانقسام المصريين](https://tabcm.net/30105/): وقعت مصر على اتفاقيات ومواثيق دولية عديدة، وتستضيف مقر مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. ولها وزن ودور في المنطقة... - [كانت أديرة مقفرة وكنيسة تبحث عن بوصلتها](https://tabcm.net/30237/): جرت في نهر الكنيسة مياه كثيرة، ما بين مد وجزر، وواجهت تحولات عاتية داخلها وخارجها، سنعرض لها في جزء تال... - [كيف نشأت الجماعة؟](https://tabcm.net/30140/): في مطلع القرن العشرين كان العالم الإسلامي لا يزال في عنفوان صدمة إسقاط الخلافة العثمانية الإسلامية على يد مصطفى كمال... - [ضد التهود: الآباء الرسوليون](https://tabcm.net/30180/): في هذا البحث نسلط الضوء على قضية التهود، والتهود في معناه البسيط هو الارتداد عن المسيحية إلى الطقوس والعقائد والممارسات... - [هنري ديڤيد ثورو](https://tabcm.net/30022/): لم أكن أقصد إلى الاعتكاف ما لم يكن هذا ضروريًّا، إنما أردت أن أعيش في عمق وأن أمتص مخ الحياة،... - [النضوج الروحي](https://tabcm.net/30061/): إذ تخطينا مرحلة الصراع القائم داخل القديس بولس بل داخل كل من وُلد من الماء والروح وأصبح الإنسان الجديد داخله... - [سفر التكوين: الإنسان صورة الله](https://tabcm.net/30034/): لكن لكي يكون الإنسان موجودًا لا بُدّ من وجود عنصر ثانٍ أيضًا. فالمادة الأساسية هي التراب، ومنها يأتي الإنسان إلى... - [إشارات التقليد اللاتيني](https://tabcm.net/29020/): نستعرض في الجزء الأخير من هذه السلسلة الإشارات المتنوعة في كتابات آباء الكنيسة اللاتينية الغربية عبر العصور إلى حادثة تناول... - [ڤيودور ميخائيلوڤتش دوستويڤسكي](https://tabcm.net/29901/): إن دوستويڤسكي يكره أوروبا؛ لأنها تركت الإنجيل والمسيح، ونيتشه يكرهها لأنها اعتنقتهما، فالأخلاق العامة في أوروبا تحولت في رأي دوستويڤسكي... - [صراع الهويات في مصر.. الإجابة سويسرا](https://tabcm.net/29948/): عشت أكثر من شهر في العام الماضي 2023، بمدينة جنيف في سويسرا خلال انضمامي لزمالة الأقليات المنظمة من قبل مكتب... - [أزمات الزواج المختلط في مصر](https://tabcm.net/29816/): في هذا السياق، سأركز على الزواج القانوني بين المواطنين المصريين، تاركًا جانبًا زواج الأجانب. كما لن أتناول المسائل العقائدية للمسيحيين... - [بين الإنسان والشيطان وسلطان الحل والربط](https://tabcm.net/29776/): خلق الله الإنسان سيدًا على الخليقة والعالم. وقال الله: «نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا، فيتسلطون على سمك البحر وعلى طير... - [الله الخالق: رواية الخلق (سفر التكوين) (٣)](https://tabcm.net/29448/): الجزء الثالث وحدة الكتاب المقدّس بوصفها معيارًا لتفسيره ما أهمّيّة هذه الرؤية لفهم رواية الخلق؟ لم تكن هذه الرؤية مجرد... - [إشارات التقليدين الكبادوكي والسرياني](https://tabcm.net/29015/): نستعرض معًا أهم الإشارات إلى تناول يهوذا الإسخريوطيّ من سر الإفخارستيا في التقليد الكبادوكيّ، في إطار التأكيد على الإجماع الآبائي... - [العبودية المختارة: فرحة للسماء وألم للنساء](https://tabcm.net/29795/): لا أقصد هنا قصة أم عبد السيد التي اختارت العبودية طواعية واندمجت فيها مع زوج عنيف وأب أجبرها على الزواج... - [إرنست رينان](https://tabcm.net/29738/): في السنين الأولى من هذا القرن كان شاب لبناني يدعى فرح أنطون يصدر في مصر مجلة صغيرة تسمى «الجامعة»، وكانت... - [الله الخالق: رواية الخلق (سفر التكوين) (٢)](https://tabcm.net/29444/): الجزء الثاني وحدة الكتاب المقدّس بوصفها معيارًا لتفسيره ما أهمّيّة هذه الرؤية لفهم رواية الخلق؟ أول ما يمكن قوله هو... - [التقليدين الأورشليمي والأنطاكي](https://tabcm.net/29012/): سوف نستعرض معًا الإشارات إلى تناول يهوذا الإسخريوطيّ من سر الإفخارستيا في التقليد الأورشليميّ، في إطار تأكيد التقليد الأورشليميّ على... - [فريدريك فيلهيلم نيتشه](https://tabcm.net/29630/): عديني أنني عندما أموت لن يقف حول نعشي سوى أصدقائي، ولن يكون حولي أحدٌ من الغوغاء المتسائلين، واعملي على ألا... - [الراهب القس أغاثون.. وما وراء الأحداث](https://tabcm.net/29659/): على هامش رحيل ونياحة الدكتور عادل شكري، رئيس تحرير مجلة مدارس الأحد، نعيد نشر المقال الذي كان أحد أسباب سحب... - [الله الخالق: رواية الخلق (سفر التكوين) (١)](https://tabcm.net/29438/): الجزء الأول  الفرق بين الشكل والمضمون في رواية الخلق هناك إجابة واحدة سبق أن توصلنا إليها منذ بعض الوقت، حيث... - [إشارات التقليد الإسكندري](https://tabcm.net/29010/): سوف نستعرض في هذا الجزء إشارات آباء كنيسة الإسكندرية عبر العصور المختلفة إلى تناول يهوذا الإسخريوطيّ من سر الإفخارستيا في... - [نقد الأيديولوجيا في التعليم والمجتمع](https://tabcm.net/29308/): عنوان هذا المقال هو عنوان لكتاب قيم صدر الشهر الماضي يضم بين دفتيه حوالى ٥٠٠ صفحة من القطع الكبير، من... - [هنريك يوهان إبسن](https://tabcm.net/29300/): نحن الرجال لا نتعلَّم ونرتفع إلى المقام الاجتماعي أو المكانة الذهنية أو الفهم المحيط، كما لا تتكون لنا شخصية؛ إلا... - [تعاليم المسيح لا تعني المداهنة](https://tabcm.net/29236/): قد يكتسب الأشخاص والمجموعات الضعيفة ثقافة الخنوع والمداهنة لمسايرة أمورهم مع الأقوياء أو الأغلبية، وهو ما شاهدته في منشور لأحد... - [سأظل أكتب](https://tabcm.net/29102/): سأظل أكتب. . لا من باب الرفاهية، أو تمضية لوقت طال بثوانيه التي تتقمص بُعد الساعات، الكتابة عندي إلزام تفرضه... - [حلول الروح القدس بين المسيح والتلاميذ](https://tabcm.net/29043/): يناقش هذا المقال الفارق بين حلول الروح القدس على بشرية المسيح في الأردن، وحلول الروح القدس على التلاميذ في العليَّة... - [نهضة العذراء](https://tabcm.net/28985/): في هذا الموسم من كل سنة أي موسم الصوم الذي يطلق عليه بين العامة صوم  القديسة العذراء مريم، وهو بالطبع... - [إشارات الكتاب المقدس](https://tabcm.net/29005/): نحاول في هذا البحث توضيح الإشارات إلى تناول يهوذا الإسخريوطيّ، أحد تلاميذ السيد المسيح الأثنى عشر، من سر الإفخارستيا في... - [فريدريك ليوبولد أوغسط ڤيسمان](https://tabcm.net/28883/): ذكر فيسمان أنه قطع أذناب الفئران لعدة أجيال فلم يستطع إيجاد سلالة من الفئران خالية من الأذناب، ثم ضرب مثلًا... - [قراءاتٌ في سفر الهوية](https://tabcm.net/28925/): اضطراب الهُوِيَّة الجمعي بيجعل الأشخاص في الثقافة التي يمكن اعتبارها ثقافة مهزومة إنها تبحث عن ثقافة الغالب. “اللي تغلب به،... - [مراجعة تقبيل يد الكاهن ومناداة الأسقف بـ"سيدنا"](https://tabcm.net/28910/): تقبيل أيدى الآباء (والأمهات) كانت عادة مصرية اجتماعية في الأجيال السابقة، وكنا ننادي “الجد والجدة” بـ”سيدي وستي”، ولم تكن ألقابًا... - [لا لتعظيم الخطية](https://tabcm.net/28870/): عندما بدأت في كتابة سلسلة “ملكوت الله سيمتد”، خيل لي أنني سأتتبع الحق الإلهي الخاص باستعلان ملكوت الله من سفر... - [أصل النفس في تعليم آباء الكنيسة [٢]](https://tabcm.net/28629/): نُكمل في هذا المقال تعاليم آباء الكنيسة عن أصل النفس. ق. إبيفانيوس أسقف سلاميس وهذا ما يؤكِّده ق. إبيفانيوس، أسقف... - [مدرسة تيرانس، والمراجعات الفكرية](https://tabcm.net/28711/): كان المسيحيون في ذلك العصر، يعتقدون بأنهم يقدمون خدمة لله. إذ ينتظمون جماعات جماعات وينطلقون لتهديم هياكل الآلهة الوثنية. وكان... - [تشارلز روبرت داروين](https://tabcm.net/28716/): أنت لا تُعنى إلا بصيد الكلاب، واقتناص الجرذان، وسوف تكون عارًا على نفسك وعلى عائلتك. - [أسئلة حائرة متوجسة](https://tabcm.net/28679/): المشهد المسيحي الفيسبوكاوي يدعو للحسرة والحزن، ويخرج بآلية الفيسبوك من كونها وسيلة لتطارح وتبادل الأفكار البناءة إلى حلبة صراع عنفية... - [عن اللاهوت والسياسة والمجتمع](https://tabcm.net/28651/): اللاهوت السياسيّ يبدو الحديث عن لاهوت سياسي في العالم العربي، لأولئك الذين يعرفون معناه الحقيقي، على أنه ليس خلطًا بين... - [أصل النفس في تعليم آباء الكنيسة [١]](https://tabcm.net/28627/): يُعتبر موضوع أصل النفس مهمًا جدًا في سياق دراسة موضوع الخطية الجدية في التعليم الآبائي، وهناك آراء عديدة في هذا... - [يوهان ڤولفجانج ڤون جوته](https://tabcm.net/28449/): هل بلغت الثمانين؟ وهل يجب عليَّ لذلك ألا أتغير، بل أعمل كل يوم مثل اليوم السابق؟ إني أحس كأني أختلف... - [الخلقة الجديدة](https://tabcm.net/28538/): كما أشرنا سابقًا إلى أن حلول الروح القدس في العهد القديم كان حلولًا فقط لغرض مهمة معينة! وليس سكنى وذلك... - ["الله محبة".. المُنشِئ لخلق الإنسان](https://tabcm.net/28431/): خلقهما ذكرًا وأنثي على صورة الله ثم تجسد، كاشفٌ ”الله محبة“. سقوط الإنسان: الله ليس السبب في الشرور والخراب الذي... - [تعاليم چون كالڤن عن صليب المرض والتجارب](https://tabcm.net/27762/): سوف نستعرض في هذا الفصل تعاليم چون كالڤن، أحد أهم رجال الإصلاح البروتستانتي عن صليب المرض والتجارب، وسوف نجد أن... - [كنائس لا تعرف المسيح؟ الصورة ليست قاتمة تمامًا](https://tabcm.net/28427/): أود أن أشير إلى أن الضغط على هذه الكنائس تسبب فيه أيضًا، تلميع بعض كهنتها على حساب غيرهم، فصاروا نجوم... - [فرانسوا ماري آروويه، ڤولتير](https://tabcm.net/28350/): إني أجهل كيف تكوَّنتُ وكيف وُلدتُ. وقد قضيت ربع حياتي وأنا أجهل تمامًا الأسباب لكل ما رأيت وسمعت وأحسست. وكنت... - [المسحة بالروح القدس](https://tabcm.net/28359/): تحدثنا بإيجاز في سطور في العدد السابق عن اختبار الله للبشرية (لي ولك) وبالطبع لن نستطيع أن نعطي لهذا الموضوع... - [كنيسة تنتحر [٤]](https://tabcm.net/28313/): نختتم بسطورنا هنا سلسلة “كنيسة تنتحر”، واستدعى من الذاكرة البعيدة حكاية سمعتها وأنا بعد صبي يجلس في صفوف مدارس الأحد؛... - [ميلاد المسيح سر إلهي وإنساني](https://tabcm.net/28143/): إذا كان الله نورًا أبديًا، فإن هذا النور العظيم لابد أن يكون له شعاع نور، وإلا ما عاد نورًا. و... - [مقتطفات من رئيس الأساقفة هيلدر كامارا](https://tabcm.net/28316/): 1- هل التطويبات دعوة لتدجين الشعوب؟ إن التطويبات ليست مشورات للضعف ولا تؤدي إلى الضعف. أتعلم، إنه لمن الأسهل أن... - [مفهوم العدالة الإلهية](https://tabcm.net/27760/): سوف نحاول في هذا الفصل توضيح رؤية ومفهوم آباء الكنيسة عن العدالة الإلهية، وهل يتفق مفهوم العدالة الإلهية مع مفهوم... - [المؤلفون يغيرون الدنيا](https://tabcm.net/28275/): أنا لا أبالي ما يقال عن أسلوب الكتابة، ولكني أبالي أسلوب الحياة، ولا أعبأ ببلاغة العبارة، ولكني أُعنى بأن تكون... - [المعجزة كخطاب: من ڤسپاسيان إلى حسن البنا](https://tabcm.net/27951/): تحدثنا في السابق عن شهادة الجموع عن الحدث المعجز، واتفقنا على أن انتشار خبر بين الناس لا يعني بالضرورة أن... - [كنائس لا تعرف المسيح](https://tabcm.net/28160/): تعلمنا أن الكنيسة هي سفينة وميناء راحة بالنسبة للمؤمنين، وهي المكان الذي نذهب إليه لمقابلة المسيح والتعرف عليه، لكن قد... - [كنيسة تنتحر [٣]](https://tabcm.net/28210/): عرضنا في الجزء الثاني من مقال “كنيسة تنتحر” نموذجًا محزنًا لكنيسة صارت أثرًا بعد عين، كنيسة شمال أفريقيا، ويشهد لها... - [التدبير الإلهي في خلق العالم والإنسان](https://tabcm.net/28141/): خلق العالم مكتوب في بداية سفر التكوين عن خلق العالم: كان مساء وكان صباح يومًا واحدًا ولم يقل اليوم الأول، لأن... - [إيماننا غير متعلق بتعليم الأنبا شنودة](https://tabcm.net/27946/): منذ أيام، نشرت صفحة قناة MESat فيديو للأنبا رفائيل، أسقف كنائس وسط القاهرة، بعنوان: لماذا تهاجم صفحات السوشيال ميديا تعاليم... - [مفهوم العقوبة الإلهية](https://tabcm.net/27757/): نحاول في هذا المقال استعراض رؤية آباء الكنيسة وتعاملاتهم مع البشر في حالة انتشار الفساد والشرّ بصورةٍ مفرطةٍ في العالم،... - [هل هناك خطة إصلاح غير الصلاة؟](https://tabcm.net/27611/): نعم، الصلاة تُغيِّر، ولكن السؤال: هل الصلاة تُغيِّر الظروف أم تُغيِّرنا نحن؟ السؤال، رغم بساطته، فقد ألف فيه كثير من... - [الذين لا يقيمون وزنا للتاريخ](https://tabcm.net/27966/): ألم يأمرنا الإمبراطور "يوليان" ألا نعذب المسيحيين؟ وأنه يكفيهم عذابًا الخيالات والأباطيل التي يعتقدون بصحتها ويعذبون أنفسهم في سبيلها؟ (هيباتيا،... - [الغباء وجدران الأعضاء](https://tabcm.net/27932/): قبل هذا التصاعد المتسارع في التواصل الاجتماعي، كان اكتشاف الغباء محصورًا في دائرة الأمهات. الأم فقط من كانت تعرف أن... - [إدارة المعرفة والصناعات الإبداعية والثقافية](https://tabcm.net/27823/): تُعدّ إدارة المعرفة والصناعات الإبداعية والصناعات الثقافية مجالات مترابطة، تلعب دورًا حاسمًا في تطوير وتقدم المجتمعات والدول. ومع أنّ كل... - [الكنيسة الأثيوبية.. اليوم](https://tabcm.net/27879/): "الكنيسة الإثيوبية اليوم" ‏بقلم الأب متى المسكين، نُشر أوّل ما نُشر في مجلة مرقس، عدد أغسطس ١٩٧٩، الصفحات من ٣٩... - [التقليد والتسليم والتلمذة](https://tabcm.net/27743/): التسليم أو التقليد هو ما تواتر عن الكنيسة الأولى ومن مفردات حياتها في المسيح ومعه، بمعنى ترجمة إيمانهم على يومهم،... - [معضلة الألم والمرض والشر](https://tabcm.net/27754/): نحاول في هذا البحث الموجز أن نفحص معضلة الألم والمرض والشر، وما هو سبب هذه المعضلة التي حيَّرت الكثير من... - [ملكوت شاول](https://tabcm.net/27607/): الله يحترم حريتنا ولا يفرض علينا نعمته قسرًا. فبقدر تجاوبنا وبكامل حريتنا مع هذه النعمة، بقدر ما نأخذ قوتها. هكذا... - [الوجه المظلم للأخلاق](https://tabcm.net/27584/): في الجوهر، فإن الأخلاق -سواء وجدتها مريحة أم لا- هي عنصر من عناصر هيكل السلطة. تنشئ المجموعات مدونات سلوك محددة... - [الطاعة العمياء أم الطاعة المستبصرة المستنيرة؟](https://tabcm.net/27573/): نتساءل: ما هي حدود الطاعة للآباء؟ هل الروح القدس يعمل في الآباء فقط ولا يعمل فينا ويرشدنا؟ ألم يقل الكتاب:... - [قبطيتنا المعاصرة: مسيحية أم Cult؟](https://tabcm.net/27521/): يفتقر قاموس اللغة العربية إلى مصطلح يعادل “cult” ولن تجد لهذا المصطلح مرادفًا بالعربية، وسيسعدني أن انحت هنا مصطلح “النُظمة”... - [الخميرة الصغيرة](https://tabcm.net/27545/): "الخميرة الصغيرة"، عن رسالة كتبت سنة ‎١٩٥٧‏بقلم الأب متى المسكين، نُشرت أوّل ما نُشرت في افتتاحية مجلة مرقس، عدد أغسطس... - [كنيسة تنتحر [٢]](https://tabcm.net/27481/): حيث تكون الكنيسة، يكون روح الله؛ وحيث يكون روح الله، تكون الكنيسة، ويكون ملء النعمة. (القديس إيرينيئوس، أسقف ليون، القرن... - [هل يميت الله البشر؟ [٢]](https://tabcm.net/27088/): سوف استعرض في هذا الفصل من بحثنا تعاليم الآباء القديسين المعلِّمين في الكنيسة الجامعة التي تُؤكِّد على أن الله لم... - [دقة النقل الشفاهي](https://tabcm.net/27399/): في ورقة بحثية بعنوان: Early Buddhist Oral Transmission and the Problem of Accurate Source Monitoring، تُجرى مقارنة بين التقاليد الشفوية... - ["هاني ملاك" وشغف المجتمع بقضايا التحول الديني](https://tabcm.net/27448/): لن تتغير الرشوة وتصير حلالًا لأنها قُدمت في شكل رحلة عُمرة، ولن تتغير “زفة العريس” المفرحة بالنسبة لك عن أن... - [وسلطانه إلى دور فدور](https://tabcm.net/27373/): في رحلتنا الروحية لاستيعاب الرؤى الإلهية عن ملكوت الله على شعبه، وإعلان ملكوته بين صفحات الكتاب من سفر  التكوين إلى... - [قضية القداسة في كنيسة الله](https://tabcm.net/26313/): "قضية القداسة في كنيسة الله، وحواران من القديس كبريانوس والعلامة هيبوليتس مع أسقفي روما في عصرهما" بقلم الأب متى المسكين،... - [كنيسة تنتحر](https://tabcm.net/27361/): مع أن هذا العنوان حين نشرته جملة منفردة، بلا زيادة أو نقصان، في فضاء الـ”فيسبوك” أثار موجات عارمة من الدهشة... - [هل يميت الله البشر؟ [١]](https://tabcm.net/27085/): سوف نحاول في هذا البحث الموجز، عزيزي القارئ، الإجابة عن تساؤلات في غاية الأهمية تمس قضية الموت، وهي: – هل... - [أزمة "دوماديوس" والحاجة للإصلاح](https://tabcm.net/26928/): أخيرًا، أظهرت الكنيسة القبطية كرامة في ضبط جزء من حالة الانفلات الإكليروسي، التي يمارسها مجموعة من الأساقفة والكهنة بلا حسيب... - [قضايا أفسدها شهود العيان](https://tabcm.net/26474/): كل هذا يُمكن أن يُدهشني، ولكني مازلت سأجيب أن احتيال وغباء النّاس ظاهرة مُنتشرة، وأنه من الأفضل أن أُصدِّق أن... - [هل نحن متمسكون بالظلام؟](https://tabcm.net/27209/): كثيرًا ما نسمع في الكنيسة القبطية عن المباحثات التي دعانا القديس بولس الرسول أن نتجنبها؛ المباحثات الغبية والسخيفة اجتنبها، عالما... - [دوماديوس.. القس التائب](https://tabcm.net/27113/): يتعامل الأب دوماديوس في بساطة مفرطة تلامس حد قصر النظر. فهو يترجم الأمور المعقدة إلى مفاهيم بسيطة، ويثق في أن... - [حلول الروح القدس يوم الخمسين موعد الآب](https://tabcm.net/26661/): "حلول الروح القدس يوم الخمسين؛ موعد الآب" بقلم الأب متى المسكين، نُشر أوّل ما نُشر في كتاب "الروح القدس الرب... - [ملكوته ملكوت أبديّ](https://tabcm.net/26700/): تدبير الله منذ القدم أن يكون هو الملك وسط خاصته (مملكته)، وإذ تتبعنا الوحي المقدس سنجد ملكوت الله يلمع بشدة... - [إلى متى تعرجون بين الفرقتين](https://tabcm.net/27030/): ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تشبهون قبورا مبيضة تظهر من خارج جميلة وهي من داخل مملوءة عظام أموات... - [أيامنا حضور متجدد ودائم في المسيح](https://tabcm.net/27013/): نحتفل معًا الأحد القادم بعيد حلول الروح القدس على الرسل (العنصرة)، والذي يحسب عيد تأسيس الكنيسة، القائمة والدائمة إلى الأبد،... - [دور الثقة في الخبر](https://tabcm.net/26470/): نحن حريصون على الثقة بالمؤشرات القويّة على الرغم من أنه أحيانًا نُخدَع بخصوص قوَّة المؤشرات لأن خبرتنا هي خبرة غير... - [الفاتيكان ينشر وثيقة بابوية تعمل على الوحدة](https://tabcm.net/26666/): نشر الفاتيكان يوم الخميس١٣ يونيو دراسةً من ١٣٠ صفحة حول الأولوية البابوية، تحتوي الدراسة على اقتراحات من الكنائس الأرثوذكسيّة والبروتستانتيّة... - [الروح القدس يمنحنا القيامة](https://tabcm.net/26498/): "الروح القدس يمنحنا القيامة"، بقلم الأب متى المسكين، نُشر أوّل ما نُشر في كتاب "الروح القدس الرب المحيي"، بمناسبة عيد... - [ملكوت الله سيمتد](https://tabcm.net/26412/): ملكوته ملكوت أبدي، وسلطانه إلى دور فدور. (سفر دانيال 4 : 3) لم يأت الرب يسوع إلى عالمنا منذ أكثر... - [تفاصيل مقابلة متى المسكين للسادات](https://tabcm.net/26524/): "تفاصيل مقابلة متى المسكين للسادات"، بقلم الأنبا غريغوريوس، أسقف البحث العلمي، نقلًا عن السيرة الذاتية للأنبا غريغوريوس، الجزء الثاني، الصفحات:... - [خواطر متفرقة عن وحدة التعليم](https://tabcm.net/26442/): تُعاني كنيستنا القبطية الأرثوذكسية من تعدد الآراء في الموضوع الواحد. فإذا سألت مجموعة متفرقة من الآباء المطارنة أو الأساقفة أو... - [التعلم بالخبر](https://tabcm.net/26463/): إن المؤرخ الذي يتّبع منظورًا إمبريقيًا صارمًا مُلزَمٌ برفض إمكانية معرفة الحقيقية التي من شأنه بحثها. المعرفة الوحيدة التي هو... - [متى المسكين.. الفكرة والرمز](https://tabcm.net/26423/): متى المسكين لم يكن فقط عالم ومعمر وقائد وراهب وأب روحي لبضعة رهبان لكنه كان أيضًا رمز، أصبح قائدًا للمرذولين... - [بالقناع أو بدونه.. أرني روحك](https://tabcm.net/25835/): مهما كانت الأقنعة التي نرتديها، فإن الحقيقة التي تعلمناها هي أنه لا ينبغي أن ننخدع بالصور المثالية التي يقدمها لنا... - [قيامة المسيح وصعوده في لاهوت أثناسيوس وكيرلس](https://tabcm.net/26236/): "المسيح في قيامته وصعوده وكهنوته السماوي من أجلنا في لاهوت القديسين أثناسيوس الرسولي وكيرلس الكبير"، بقلم الأب متى المسكين، نُشر... - [قديسون لا علمانيون](https://tabcm.net/25963/): وبعبارة أخرى، فإن هؤلاء الأفراد يعتقدون أن الروح القدس لا يسكن إلا في رجال الدين وبإذن منهم. الروح القدس لا... - [يكذبون كما يتنفسون](https://tabcm.net/26288/): لم أكن أعرف أن سطوري تؤرق مضاجعهم إلى حد تكليف لجانهم الإلكترونية بتمزيق كاتبها، أيما تمزيق، كان أبرز هؤلاء المستكتبين،... - [الفعلة كثيرون.. أين الحصاد؟](https://tabcm.net/26090/): يكشف التاريخ أن تأخر رسامة البابا كيرلس الخامس كان بسبب تدخل وهبة بك الجيزاوي، رئيس المالية، الذي دعم الأنبا مرقس،... - [التقليد Q](https://tabcm.net/25965/): السبب وراء صعوبة المشكلة الإزائية هو أن العلاقة بين النصوص لا تعتمد فقط على من كتبوها، ولكن من نقلوها أيضًا.... - [ماذا يريد الأسقف إرميا؟](https://tabcm.net/22942/): يرسم الأنبا إرميا، الأسقف العام في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، صورة عن نفسه بأنه رجل غامض. جزء من هذه الصورة ترسخ... - [أيتام بين مطرقة الكنيسة وسندان الدولة](https://tabcm.net/25996/): تسلط قصة أمين بك إبراهيم الضوء على دور العلمانيين المسيحيين في المجتمع، وتحول وصمة "عدم الإنجاب" إلى قوة بناءة. وتحمل... - [مركز المسيّا في مملكة إسرائيل](https://tabcm.net/25920/): "مركز المسيّا في مملكة إسرائيل"، بقلم الأب متى المسكين، نُشر أوّل ما نُشر في مجلة مرقس، عدد فبراير ١٩٧٩، الصفحات... - [الابتعاد الحذر](https://tabcm.net/25832/): قبل أكثر من عقد من الزمان، هاجرت إلى كندا حاملًا شغفًا متقدًا بكلمة الرب، كما كان الأمر في الخليج العربي... - [الناموس ضعيفًا بالجسد](https://tabcm.net/25793/): نخصص هذا المقال لمزيد من الشرح عن معني” الناموس ضعيفًا بالجسد“، وماذا عجز الناموس عن تحقيقه؟ ولماذا؟ و ربما نسوق... - [خلقيدونية؛ المدخل إلى الشخصيات والأحداث](https://tabcm.net/25617/): أربع كراسي رئيسية شكلت مسيحية الأجداد؛ أورشليم، أنطاكيا، الإسكندرية، وروما، من بين هذه المدن، برزت روما تدريجيًا بسبب مكانتها كعاصمة... - [أسبقية مرقس](https://tabcm.net/25737/): التأريخ التّقليدي لبشارة مرقس هو كونه تاليًا لبشارة متّى؛ كُتب إنجيل متى بالعبرية أثناء كرازة بطرس وبولس في روما (قبل... - [عزيزي الأسقف إرميا: عد إلى قلايتك](https://tabcm.net/25768/): الأسقف إرميا الذي أُلحق بسكرتارية البابا الراحل بتخطيط من المطران بيشوي، مطران دمياط وكفر الشيخ السابق، في زمن صراع الأخير... - [كفرناحوم: تاريخ وعبرة](https://tabcm.net/25839/): وترك الناصرة وأتى فسكن في كفرناحوم التي عند البحر في تخوم زبولون ونفتاليم... من ذلك الزمان ابتدأ يسوع يكرز ويقول:... - [المعالم الرئيسية لخطة الخلاص في العهد القديم](https://tabcm.net/25686/): "المعالم الرئيسية لخطة الخلاص في العهد القديم" بقلم الأب متى المسكين، نُشر أوّل ما نُشر في مجلة مرقس، عدد فبراير... - [حراس الشريعة](https://tabcm.net/25749/): لابد أن نعترف أن هؤلاء قد نجحوا أن ينشئون جيلًا هشًا، جيلًا لا يعرف يميز بين الحق والباطل، جيلًا يكاد... - [رجسة الخراب واقتراب الوقت](https://tabcm.net/23047/): متى نظرتم «رجسة الخراب»... قائمة في المكان المقدس... فأعلموا أن الوقت قريب... رأيت هذا مرتين: (١) في التجسد الإلهي، (٢)... - [لغز كاتب الدسقولية!](https://tabcm.net/22749/): مظاهر الهراء في “الدسقولية” جد كثيرة، ولكني سأكتفي بحديث كاتبها عن الأعياد، مؤكدًا أولًا على عدم وجود أي صلة لآبائنا... - [المشكلة الإزائية](https://tabcm.net/21982/): كلمة "الإزائية" توازيها باللغة الإنجليزية كلمة Synoptic، والتي بدورها ذات جذر يوناني وتعني تلك النصوص التي يمكن أن تُرى معًا،... - [أسامة الأزهري وإرميا القبطي ولعبة "المتسولين" الدينية](https://tabcm.net/25647/): منذ انعقاد أولى ندواتها، شهد المشهد الثقافي العربي جدلًا حادًا، هل يمكن أن نحكم على مؤسسة "تكوين" من خلال تصريحات... - [لنطرق معا باب الوحدة المسيحية](https://tabcm.net/25627/): لا ملاك، ولا رئيس ملائكة، ولا رئيس آباء، ولا نبيًا، ائتمنته علي خلاصنا. بل أنت بغير استحالة، تجسّدت وتأنست، وشابهتنا... - [كتالوج الرجل صفحة ١٨](https://tabcm.net/21969/): الراجل طول عمره همه على بطنه. .  المثل الشعبي بيقول “أسهل طريق إلى قلب الراجل معدته”، فما ينفعش تجوعيه فترة... - [صورة الله في الإنسان](https://tabcm.net/22610/): صورة الله في الإنسان، بقلم الأب متى المسكين، نُشر أوّل ما نُشر في مجلة مرقس، عدد مارس ١٩٨٠، الصفحات من... - [فشل المسيح فوق الصليب](https://tabcm.net/21403/): نظرة الشيطان وتجربة الانتصار الفوريّ يستخدم القدّيس توما الأكويني تعبير «الشهوة الرديئة» concupiscentie. إنّ النظرة الفاحصة لتعليمه ترينا أنّ هذا... - [الكفارة هي تطهير وليس دفع ديَّة](https://tabcm.net/22264/): متبررين مجانا بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح، الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه، لإظهار بره، من أجل الصفح عن الخطايا... - [هل كان نسطوريوس هرطوقيا؟](https://tabcm.net/21895/): أثارت موجة نشر بعض كتابات نسطوريوس، بطريرك القسطنطينية، التي لم تُنشر قبطيًا سابقًا، موجات من الاحتجاجات العارمة والهجوم على ناشريها.... - [ما جئت لألقي سلامًا بل سيفًا](https://tabcm.net/22072/): يظن الناس أني جئت للعالم لأفرض السلام، وهم لا يدركون أني جئت لأفرض على الأرض الانقسام، النار، السيف، الحرب (الإنجيل... - [مطرب وممثل وحرامي.. الخاتمة!](https://tabcm.net/21924/): الشيء الذي يرفض كثير من “الواعظين” من “المكافحين الفاشلين” بمصر إدراكه هو أن استمرار السعي في العمل دون إضافة قيمة... - [تاركو الكنائس](https://tabcm.net/21888/): ظل الباحثون يدرسون تلك المجموعة التي تعرف باسم “تاركو الكنائس” وهى مجموعة يتزايد عددها في السنوات الأخيرة. وبعض أولئك التاركين... - [بالموت داس الموت](https://tabcm.net/21865/): "بالموت داس الموت، والذين في القبور أنعم عليهم بالحياة الأبدية" بقلم الأب متى المسكين، نُشر أوّل ما نُشر في مجلة... - [من يمسك أجرة الأجير، يسفك دمه](https://tabcm.net/21765/): كتب أهل بلاد ما وراء البحار في يومياتهم و معاناتهم مع الأنبا ديميدوس: رأينا أسقفنا يعمر ويبني، ففرحنا، إذ يزيد... - [الحياة ليست وجود مجرَّد](https://tabcm.net/21348/): أنا كنت عائشًا قبلًا (رومية ٧ : ٩) المسيح لهذا أشرق علي الجالسين في الظلمة وظلال الموت (لوقا٧:١). أولئك الذين كانوا... - [كنت قاسيًا إلى حد عظيم! ولكني أسامح](https://tabcm.net/21761/): عند سماعي لأيّ خطاب نظريّ، أحاول جاهدًا أن أستجوب ذاكرتي بحثًا وتفتيشًا عن نماذج واقعية معاصرة طبّقت الكلام النظري، بحيث... - [أغسطينوس والحرب العادلة](https://tabcm.net/18978/): السؤال المطروح أمام أوغسطينوس هو كيف يستطيع المسيحي ممارسة العُنف دون أن يستلزم ذلك كسره لمسيحيته؟ كيف يقدر أن يحمل... - [لماذا نخشي المواجهة؟](https://tabcm.net/21025/): نحن نتردد في التعامل مع أولئك الذين يحملون معتقدات مختلفة، حتى فيما يتعلق بالجوانب الأساسية لإيماننا، وعلى الرغم أن لدينا... - [مطرب وممثل وحرامي.. البداية!](https://tabcm.net/21217/): انتشر مقطع فيديو قصير مؤثر للمؤدي الناجح للمهرجانات الشعبية “عمر كمال”، يحكي فيه عن طريقه في الحياة المهنية، لمدة 15... - [القيامة والخليقة الجديدة](https://tabcm.net/20445/): "القيامة والخليقة الجديدة" كتاب بقلم الأب متى المسكين، نُشر أوّل ما نُشر في مجلة مرقس، عدد أبريل ١٩٨٠، الصفحات من... - [[٢] تعليقات أوّلية](https://tabcm.net/19615/): قبل أن نواصل عرض ما كتب بموسوعة “وصف مصر” عن مسيحيي مصر وخاصة الأقباط نتوقف قليلًا مع ما جاء في... - [انتهاك المواطنة وهيبة الدولة](https://tabcm.net/19700/): شهدت الأيام الماضية مجموعة من الأحداث والوقائع وثيقة الصلة بالمواطنة، أخرها  اعتداءات طائفية من متطرفين على الأقباط في قريتي الفواخر... - [خلقيدونية: الرقصة الأكثر إبداعًا للشيطان](https://tabcm.net/19654/): لحظة تاريخية فارقة، التاريخ الإنساني قبلها ليس هو بعدها أبدا، لحظة كانت ضرورية تمهيدًا لظهور هرطقات غيرت وجه العالم وستظل... - [المدخل الأخلاقي للعنف](https://tabcm.net/18977/): عندما يمارس البشر سيطرتهم على الآخرين، فإنهم يفتحون الباب أمام العنف الذي لا يمكن ضمانه أو السيطرة عليه. مثال على... - [الأنبا أغاثون والتشهير بالمكرسات](https://tabcm.net/19624/): القصة في تنشئتها التربوية تستلهم بشكل كبير نظام معسكرات المماليك في الدولة الأيوبيّة، فالمماليك في أصولهم هم مخطوفين بعيدًا عن... - [حلم ليلة صيف](https://tabcm.net/19603/): كلا، كلا، لست أتكلم عن تلك المسرحية الكوميدية A Mid Summer Night’s Dream التي كتبها الكاتب الشهير وليم شكسبير، لكني... - [صورة جديدة للألم](https://tabcm.net/19578/): "أسبوع الآلام، صورة جديدة للألم" بقلم الأب متى المسكين، نُشر أوّل ما نُشر في مجلة مرقس، عدد مارس ١٩٧٩، الصفحات... - [مسيحيو مصر في كتاب "وصف مصر"](https://tabcm.net/19565/): كتاب وصف مصر (بالفرنسية: Description de l’Egypte) عبارة عن 20 مجلدًا بعنوان «وصف مصر: مجموع الملاحظات والبحوث التي تمت في... - [المسيح دان الخطية في الجسد [٢]](https://tabcm.net/19557/): نستكمل الجزء الثاني من الموضوع ونبدأ بالآية (رومية 8: 11) لأنها تلخص شرح المقال الأول: وَإِنْ كَانَ رُوحُ الَّذِي أَقَامَ... - [أتريد أن تبرأ؟](https://tabcm.net/19412/): عنوان المقال بمثابة سؤال مثل بالنسبة لي لفترة طويلة كل معاني السذاجة، بالبلدي -هو ده سؤال؟! - هل في مريض... - [آباء الكنيسة وعنف العهد القديم](https://tabcm.net/18976/): في الأجزاء السابقة رأينا حياة المسيح وإن مُحتوى الأناجيل يقدم المسيح كبديل لقيصر، ليس كحاكم أرضي ولكن كمُقدِّم السلام للعالم،... - [مقاعد الشياطين الوثيرة](https://tabcm.net/19449/): المجامع الكنسية هي أكثر ملاعب الشيطان أناقة وفخامة، والمجتمعون فيها -هؤلاء الذين نأخذ الحل من أفواههم- يخفون بمهارة قرون الشيطان... - [واحد منا، طُعِن لأجل المسيح](https://tabcm.net/19429/): وعلى غير اتفاق أو سابق إعداد، جاء المدد لجيش مصر من جيش الصليبيين التاريخي الذي تخاطبه داعش بالخناجر وتتوعد رأسه... - [أنا هو نور العالم](https://tabcm.net/19261/): أنا هو نور العالم بقلم الأب متى المسكين، نُشر أوّل ما نُشر في مجلة مرقس، عدد فبراير ١٩٨٠، الصفحات من... - [الأنبا شنودة وشعار "من حق الشعب أن يختار راعيه"](https://tabcm.net/19306/): وظل الأنبا شنودة يضغط بشدة على البابا كيرلس في مجلة الكرازة حتى اضطر البابا أن يغلق المجلة التي أسماها مجلة... - [هل كان نسطور نسطوريا؟](https://tabcm.net/19286/): تم سحق النسطورية داخل الإمبراطورية الرومانية لكنها نجت خارج حدودها. وقد تبنتها الكنيسة المسيحية في بلاد فارس، وذلك إلى حد... - [دورة مياه صديقة للمرأة](https://tabcm.net/19244/): في يومي الأول بالعمل داخل “المرصد المصري للصحافة والإعلام”. ناقشني المدير في أمر كان بعيدًا كل البعد عن تصوري، ولم... - [المسيح ثائرًا في الهيكل](https://tabcm.net/18896/): ربما يكون هذا الحدث هو أكثر المواقف عنفًا والتي  سُجّلت للمسيح في الأناجيل.  طبيعة الحدث نفسه غريبة، لأن الهيكل كان... - [التعليم، الرهبنة، الإدارة.. ثالوث الأزمة](https://tabcm.net/19172/): اشتبكت مع الملفين القبطي والكنسي، قبل نحو ثلاث عقود، وكانت أطروحاتي تحملها في البداية صفحات “مجلة مدارس الأحد”.  وبامتداد تلك... - [الأصل الكيرلسي المزعوم لصيغة خلقيدونية [٤]](https://tabcm.net/18994/): قبل أن ندلف إلى تفنيد الادعاء بالأصل الكيرلسي لصيغة خلقيدونية، وهو القسم الثاني من قراءتنا للمقال ((الأقباط متحدون، مقال: الأصل... - [دخول المسيح أورشليم](https://tabcm.net/19064/): دخول المسيح أورشليم بقلم الأب متى المسكين، نُشر أوّل ما نُشر في مجلة مرقس، عدد أبريل ١٩٧٩، الصفحات من ٢١... - [لا خلاص خارج كنيسة أطفيح والصف](https://tabcm.net/19010/): إن أواصر العقيدة، والدين، والثقة، وأنساق التعايش السلمي والأفكار المشتركة، التي تجمعني أنا القبطي، بمتصوف مثل فضيلة الدكتور الأكاديمي، أو... - [أوان فطام الأقباط](https://tabcm.net/18879/): وأنت تتكلم عن شعب أو أقلية عرقية يتراوح تعدادها بين 20 إلى 25 مليون شخص داخل وخارج مصر، فهذا يفوق... - [قيصر أم المسيح؟](https://tabcm.net/18895/): هذه الرؤية لا تتسِق تمامًا مع رؤية الغيورين ولا رِجال الخناجِر ولا حَملة السلاح الذين تحدثنا عنهم في المقال الأوّل.... - [ميناء إيلات وصحراء النقب](https://tabcm.net/18802/): سنتتبع تاريخ هذه المنطقة من الأول بتدقيق جاعلين الحقائق وحدها كما سجلها الوحي المقدس في التوراة، لنكشف كيف استطاعت إسرائيل... - ["فقه العنف" والمسيحية](https://tabcm.net/18889/): ثلاثة من أتباع المسيح توحي ألقابهم أنهم من دعاة العنف. الأول سمعان الغيور، والذي كان من الغيورين zealots وهم جماعة... - [ولما رآه أبوه.. تحنن](https://tabcm.net/18852/): كتب أهل بلاد ما وراء البحار في يومياتهم عن الأنبا ديميدوس الضرير، وإذ كان هذا اليوم يوافق أحد الابن الضال،... - [اللائحة الأساسية للمجمع المقدس
[ الإصدار الثاني، مارس ٢٠٢١ ]](https://tabcm.net/18838/): صدرت هذه اللائحة أولا عام ١٩٨٥م‏ في حبرية المتنيح البابا شنودة الثالث مع أعضاء المجمع المقدس، وذلك بعد أحداث سبتمبر... - [المسيح دان الخطية في الجسد](https://tabcm.net/18718/): إِذًا لاَ شَيْءَ مِنَ الدَّيْنُونَةِ الآنَ عَلَى الَّذِينَ هُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، السَّالِكِينَ لَيْسَ حَسَبَ الْجَسَدِ بَلْ حَسَبَ الرُّوحِ. لأَنَّ... - [موقف الكنيسة الأفريقية من "انعتاق المتوسلون"](https://tabcm.net/18831/): أصدر الكردينال فريدولان أمبونجو، رئيس رابطة رؤساء المجالس الأسقفية لأفريقيا ومدغشقر، ورئيس أساقفة ومتروبوليت كينشاسا، بيانًا يوم الخميس 11 يناير... - [ما وراء خط النار](https://tabcm.net/18759/): من واجبنا أن نسهم في توعية شعبنا والشعوب العربية كافة بما وراء هذه المعركة من دوافع خفية وأوهام دينية ومغالطات،... - [سنة بدء الخليقة](https://tabcm.net/18735/): المقال الذي بسببه تم إغلاق صفحة الأب موسى إسكندر سعد، كاهن كنيسة مار جرجس بروض الفرج (شمال شبرا) - [الكنيسة والانقياد للقطيع](https://tabcm.net/18624/): من الملاحظ أن القس موسى في هذه المقال لم يقل رأيه الشخصي أو يوضح ما يؤمن به، أو قال أن... - [أزمة الإصلاح الكنسي وصدمات المصلحين](https://tabcm.net/18678/): على هامش اشتباكي مع الهم القبطي، لثلاثة عقود ويزيد، كنت أتابع ما يصيب رموز الإصلاح العلمانيين من صدمات، عندما تنفتح... - [ويلٌ لك إن كنت تبشّر](https://tabcm.net/18669/): لكنيستنا طبيعتها وخصوصيتها وفرادتها. وتشكّلت هذه الخصوصية كنتيجة طبيعية للأحداث التي وُجِدت كنيستنا في قلبها منذ القرن الخامس. فكنيستنا لم... - [يوم في شهر مارس](https://tabcm.net/18643/): جاءت بالأطباق لتجهز طاولة الطعام فوجدت أنها أحضرت طبقا زائدًا. . أخفته فزعة وراء ظهرها كأنها تخفيه عن عينيها وعن... - [اليسار القومعروبي الناصري فرع غزة](https://tabcm.net/18625/): بالتأكيد قانون التظاهر معيب، وبالتأكيد الاعتداء على أي مظاهرة هو جريمة. لكني ﻻ أفهم، لماذا هو غير وارد عند اليسار... - [اتحاد مُلّاك ربونا](https://tabcm.net/18572/): أخر كلام لجماعة اتحاد المُلّاك: أنتوا خانقين عيشتنا ودايسين علينا وعلى اللي جابونا، في كل ملة ودين، علشان فلوس الأسانسير... - [قد وقعت في يد القدير](https://tabcm.net/18562/): كتب أهل بلاد ما وراء البحار في يومياتهم، ما آلمهم كثيرًا، وترك نَدَبَة في نفوسهم، قد لا تستطيع الأيام محوها... - [عندما كانت الأديرة مناخًا هدوئيًا روحانيًا](https://tabcm.net/18547/): * كانت الرهبنة تُحسب -وفق مؤسسيها – حركة عَلمانية، إذ لم ينل أيًا منهم (ق. أنطونيوس، ق. بولا) أية رتبة... - [حق الشعب في اختيار راعيه، وواجبه في محاسبته](https://tabcm.net/18474/): أصبح لدينا تقسيمًا واضحًا الآن في جسد الكنيسة القبطي، لدينا طرفين، وكلاهما لا يفهم حقيقة وجوده في الجسد. - ["الله محبة" vs "من يحب نفسه يهلكها"](https://tabcm.net/18507/): أعجوبة المسيحية هي استعلان ”الله محبة“ للبشر. وأن حب الله هو حياة شركة، وشركة حياة. إن المحبة هي فيض ينسكب... - [تفاصيل ما حدث في دير جنوب إفريقيا](https://tabcm.net/18511/): منذ اللحظات الأولى لمجزرة دير جنوب أفريقيا، تواصلت مع بعض الأصدقاء الموثوق فيهم وتواصل معي بعض الأصدقاء المحترمين ممن على... - ["غزة" وتحولات البيئة الدولية للصراع](https://tabcm.net/15422/): لا توجد قضية إقليمية ارتبطت بالنظام الدولي وتحولاته مثلما ارتبطت قضية فلسطين، ولا يوجد صراع تأثر بتلك التحولات مثلما تأثر... - [قتل ثلاثة رهبان وإصابة رابع بجنوب أفريقيا](https://tabcm.net/18498/): أعلنت صفحة المتحدث باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية يوم الثلاثاء الموافق 12 مارس الجاري، عن تعرض دير القديس مار مرقس الرسول،... - [الكنيسة بين "الأبعادية" و"المؤسسية"](https://tabcm.net/18483/): "مجمعية... مجمعية" شعار يرفعونه مكايدة في البابا الحالي، الأنبا تواضروس الثاني، لغل يده في إدارة الكنيسة، ذلك لأن شعار "مجمعية"... - [يعني بتقلد زي القرد؟!](https://tabcm.net/18472/): سجدت أمامه واعتدلت لأُقبّل يده وأحني رأسي ليصلي لي، فإذ به يسألني ما الذي فعلته الآن؟ قلت له سجدت لقداستك،... - [الأصل الكيرلسي المزعوم لصيغة خلقيدونية [٣]](https://tabcm.net/17974/): نستكمل مع البروفيسور رحلته الوعرة لنفي النسطورية عن خلقيدونية ((الأقباط متحدون، مقال: الأصل الكيرلسي للصيغة الخلقيدونية “في طبيعتين” )) :... - [[٢٣] حلم أبونا بطرس](https://tabcm.net/18088/): أعترف إليكم اليوم، أنه ربما أسأت في تقدير بعض الأمور، وفرط مني الحزم، وغلب على الأبوة، حتى هرب من حولي... - [نحو لاهوتٍ نابعٍ من البحر الأبيض المتوسّط [١]](https://tabcm.net/18460/): أوّلًا: البحر الأبيض المتوسّط يسائلنا نشأَ بيان “نحو لاهوتٍ نابعٍ من البحر الأبيض المتوسّط”، عن الإصغاء إلى ما يجري في... - [طارق الغنام يكتب: الثراء الحقيقي](https://tabcm.net/18452/): عندما سُئل الموسيقار الكبير الراحل محمد عبد الوهاب فيمن يفضل أن يجالس، قال أنه يفضل أن يجلس مع نفسه، أي... - [نريد كلام بسيط وسهل](https://tabcm.net/18411/): أنت تتفلسف كثيرًا، إننا لسنا بحاجة إلى كل هذا العلم، نحن نريد كلام بسيط وسهل عن العشور والطاعة، والتسامح، والخضوع... - [الأنبا رفائيل: الرهبنة هي "سر زيجة" من نوع خاص!](https://tabcm.net/18377/): أحب الأنبا رفائيل، لكني أحب الحقيقة أكثر. والرهبنة ليست سر زيجة خاص، بل حركات معادية للزواج والإثمار والإكثار، وأفكارها اللاهوتية... - [الأصل الكيرلسي المزعوم لصيغة خلقيدونية [٢]](https://tabcm.net/17715/): يحاول الكاتب في الفقرات المقبلة نفي أن عبارة خلقيدونية هي نفس عبارات نسطوريورس، ودعنا نرى اجتهاد الرجل ((الأقباط متحدون، مقال: الأصل... - [ناموس الله وناموس الخطية](https://tabcm.net/17789/): لأَنَّ الْخَطِيَّةَ، وَهِيَ مُتَّخِذَةٌ فُرْصَةً بِالْوَصِيَّةِ، خَدَعَتْنِي بِهَا وَقَتَلَتْنِي (رسالة بولس إلى رومية 7: 11) هدف الشيطان أن ينفصل الإنسان... - [[٢٢] حكمة الكاهن الكبير](https://tabcm.net/18087/): الكنيسة حطت مسؤولية رعاية كل إيبارشية في ايد أب أسقف، بيتم اختياره بقى نتيجة صلاحه أو استحقاقه، أو عقابًا إلهيًا... - [محاضرات المتعلمين عن الديمقراطية والليبرالية!](https://tabcm.net/18339/): في غياب العدالة، فجميع محاولات البناء والتنمية والتعليم التي يبذلها "أتخن" مجتمع للقضاء على الفقر أو الجهل أو المرض ستضيع... - [يوميات ديميدوس الضرير](https://tabcm.net/18275/): بينما كنت أتجول في احدي المكتبات، وجدت كتاب قديم ومتهالك، تفوح منه رائحة العفن، وصفحاته مهترئة... لا أدري لماذا لم... - [ﻻ تصنع لك تمثالا للأنبا أنطونيوس، لكن للعذراء ماشي](https://tabcm.net/18304/): الفكرة الدينية لمنع فنون النحت والرسم بدأت مع اليهودية في الوصايا العشر: "ﻻ تصنع لك تمثالا منحوتا وﻻ صورة ما"... - [تعليقات وتوضيحات على "الاعتراف الأخير"](https://tabcm.net/18257/): البعض “استهول” أن يكون هناك “هَنَة” في قدس أقداسنا الليتورجية، بل حتى وجود شائبة فيمَا يتعلق ببطريرك تاريخي يسبغ عليه... - [الحياة حرية والموت عبودية](https://tabcm.net/17788/): وَالَّذِي يَسِيرُ فِي الظَّلاَمِ لاَ يَعْلَمُ إِلَى أَيْنَ يَذْهَبُ (إنجيل يوحنا 12: 35) الذي لا يعلم إلى أين يذهب هو... - [[٢١] قرارات غريبة](https://tabcm.net/18086/): أنا جمعتكم النهاردة عشان أقولكم كذا خبر مهم، الأول أبونا بطرس هيرجع معاكم ويصلي وسطيكم في كنيسته وأكيد مش هيعمل... - [الفساد الذي انزلقت له الكنيسة](https://tabcm.net/18150/): إن موضوع الأربعة الكبار والصراع الذي دار الذي أقدمه يعرض أصل المشكلة فقط! لكنه لا يُشكل سوى جزء يسير من... - [حياد؟.. حياد مين؟!](https://tabcm.net/18074/): ولكن لا... لا يهم... إننا بكل "حيادية" الأفضل خلقا وسلوكًا -وخلاص! هو كده- وهذا هو الواقع ونحن من نقرر! وفي... - [البطريرك الغامض والاعتراف الأخير](https://tabcm.net/18125/): مع مطالع القرن الثاني عشر، كان الفقر المدقع قد نال من الكنيسة والشعب بسبب الجبايات الجائرة لتمويل الحرب ضد الصليبيين،... - [جسد الإنسان والعلاقة مع الله](https://tabcm.net/17309/): «كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي»، لكِنْ لَيْسَ كُلُّ الأَشْيَاءِ تُوافِقُ. «كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي»، لكِنْ لاَ يَتَسَلَّطُ عَلَيَّ شَيْءٌ. الأَطْعِمَةُ لِلْجَوْفِ... - [[٢٠] درس للأسقف](https://tabcm.net/18085/): مر أسبوعان منذ أن أصدر الأسقف فرمانه بحرمان أبونا بطرس من الصلاة في كنيسته، وذهابه يوميًا إلى المطرانية من الصباح... - [مسلسل "زينهم" والطائفية بين كيرلس ومطران المنوفية](https://tabcm.net/17988/): منذ حوالي شهرين انتهى عرض مسلسل "زينهم" على الشاشات، وللمصادفة العجيبة وجود رابط بين هذا المسلسل الذي تدور أحداثه في... - [رسائل خفية](https://tabcm.net/17985/): لذا لا تتعجب إن وجدت إنسانًا يقف أمام لوحة ساعة بلا حَراك فهو في حوار عقلي وروحي متصل معها ومع... - [الأصل الكيرلسي المزعوم لصيغة خلقيدونية [١]](https://tabcm.net/17714/): سنعبر -كرامًا- على المقدمة التي كتبها الأب "أثناسيوس حنين" ليوضح فيها أهمية المقال وكاتبه، دون أن يتقاعس عن "غمز" الكنيسة... - [[١٩] تعليمات الأسقف](https://tabcm.net/17941/): استدار أبونا بطرس وكل علامات الإحباط وخيبات الآلم مرسومة على وجهه، كل ما كان يشعر به أنه يعاقب لأنه عمل... - [الكنيسة… نقطة نظام
خطاب مفتوح لآباء المجمع المقدس](https://tabcm.net/17936/): ويقيني أن حكماء الكنيسة يئنون من هذا التصعيد الذي قد يحدث شرخًا له تكلفته الباهظة خصمًا من سلام وبنيان الكنيسة - [[١٢] المفارقة الكبرى والمحرر الأخير](https://tabcm.net/15537/): في الفترة المُبكرة من تاريخ الشعب العبراني لم يكن الاعتقاد بوجود "إله واحد" بنفس المعنى الذي يبدو عليه اﻵن، الدين... - [الذات والفاعل فوق التاريخي](https://tabcm.net/16716/): إحدى الإشكاليات التي تُواجِه قراءة التّاريخ، والتي يبدو أنّه لا هروب منها، هي إشكالية التّعميم. في العلوم مثلًا، حين يُدرس... - [حملة توقيعات وخطاب مفتوح
إلى المجمع المقدّس](https://tabcm.net/17689/): هل لدينا من القوانين الكنسيّة ما يتيح محاسبة أسقف حاد عن جادة الصواب؟ أم نحن متروكين لفوضى غير مقننة؟ - [عندما يصير الجهاد الروحي خدعة شيطانية](https://tabcm.net/17308/): فالاعتماد على بر الناموس (الممارسات الجسدية في الطريق الروحي) هو إنكار لبر المسيح (الإيمان بعمل النعمة كأساس لخلاص الإنسان الذي... - [يا كنيسة الله](https://tabcm.net/17782/): بعد قتل الشهيد، تصور القتلة أن كنيسة الله أصبحت أسيرة لهم بلا عائق، وأنهم أصبحوا فوق الجميع يعملون ‏ما شاء... - [عبد الناصر المفترى عليه والمفترى علينا!](https://tabcm.net/17439/): هو اسم الكتاب الممتع الذي كتبه أنيس منصور سنة 1988 وصدر عن دار نهضة مصـر في 411 صفحة من القطع... - [[١١] الإصدار التثنوي الثاني [Dtr2]](https://tabcm.net/15536/): وعلى هذه الصورة الجديدة، أصبح تفسير العهد مع داود يعني أن العرش سيكون دائمًا وأبدًا مُتاحًا لأن يجلس عليه أحد... - [هل نستطيع إعلان مجلس علماني؟](https://tabcm.net/17672/): الواقع الحالي وبلا رتوش، إن كنيستنا تحولت إلى مؤسسة، مؤسسة اقتصادية ريعية عملاقة، وبلا يسوع نهائيًا. - [البنيوية: “العلامة”](https://tabcm.net/16714/): الادّعاء الأساسي للبنيويّة هو أن: نّشاط الإنسان يُمكن أن يُفهم كلغة تتبع قواعد يُمكن أن نُشبّهها بالنّحو. حتى بداية القرن... - [وثيقة دعاء الثقة Fiducia Suplicans](https://tabcm.net/16827/): هل وافقت الكنيسة الكاثوليكيّة على زواج المثليين؟ ما موضوع الوثيقة Fiducia Suplicans الصادرة عن لجنة العقيدة والإيمان، التي وافق عليها... - [التجسد الإلهي.. لماذا يستغربه البعض؟](https://tabcm.net/17307/): الله سبحانه ليس هو علِّة الوجود فقط، بل هو علِّة الحياة في هذا الوجود. هذا مشروح في مقدمة الإصحاح الأول... - [لنسجن المسيح لأجل عيون مطران المنوفية](https://tabcm.net/17513/): ليكن الرئيس يؤدب الشعب ويَعقدهم بالصليب لا بالحرم، ويكون تأديب شعبه وفقا للمنهج المسيحي ولا بحرمانه ولا يجوز مقاضاته. وعقوبة... - [تفاصيل محاكمة "كيرلس رفعت ناشد"](https://tabcm.net/17593/): يوم الثلاثاء الماضي، 23 يناير 2024، كان موعد الجلسة الثانية من محاكمة الأكاديمي "كيرلس رفعت ناشد"، المتّهم بازدراء الأديان. كانت... - [[١٠] الإصدار التثنوي الأول [Dtr1]](https://tabcm.net/15535/): من الواضح أن الكاتب ليس من الملوك أو العائلة الملكية، إذ بالنهاية فالأحكام تضع كثيرًا من القيود على الملك، وعلى... - [علاقة غرامية ساخنة!](https://tabcm.net/17483/): تواردت في ذهني شكوك حول كونها قد أصبحت ضحية لإدمان الطعام، بسبب مضادات الاكتئاب والمهدئات التي ينصح بها "الدجال" العجوز... - [المادية الجدلية](https://tabcm.net/16712/): نقيض الماديّة الجدليّة هو الميتافيزيقا،. فيما تُناقش الماديّة الجدليّة الظّاهرة بكونها حلقة في دائرة السّبب والمُسبَّب، تناقش الميتافيزيقا الظاهرة بمعزل... - [قانون إزدراء الدولة المدنية](https://tabcm.net/17507/): لقد وقف المطران يصلّي ويحتفل بالعيد بينما قضي الشاب ليلته خلف القضبان، وعائلته تفترش الشارع في مدينة غريبة، ليس لهم... - [رؤية بيت لحم ورؤية القيامة](https://tabcm.net/17306/): – المسيح قام فينا، لنتجسد نحن فيه. – سيرة الرب يسوع هي سيرة حياتنا. – جازها المسيح فينا وجزناها فيه.... - [[١٨] دفتر تبرّعات](https://tabcm.net/14640/): مضت الدقائق، دقيقة تلو الأخرى، وساعة تلو الأخرى، وأبونا بطرس ينتظر في الكتب تحت، والأسف لم ينزل من فوق، وتخطت... - [إسرائيل.. هل لها الحق في الأرض؟](https://tabcm.net/17375/): لا يغيب عن الذهن أن مقاصد الله لا تعود إلى الوراء بل يتواصل امتدادها إلى المستقبل وتحقيق المزيد - [[٩] أسفار التأريخ التثنوي](https://tabcm.net/15534/): يبدأ التأريخ التثنوي من الأيام الأخيرة للنبي موسى وصولًا لانهيار مملكة يهوذا، يحكي لنا تاريخ حكام وملوك وحروب، لكن من... - [سرطان النهر.. وإعفاء اللحية](https://tabcm.net/17282/): الاشتغال بالدين هو أحد أكثر حقول الجاذبية للزلنطحي الأريب، وهو الأمر الذي كان واضحًا جدا في اشمئزاز الرب يسوع من... - [التجريب](https://tabcm.net/16705/): ماذا لو قدّم عضوٌ برلمانيٌ مشروعًا يصف فيه منجمًا على عُمقِ خمسة عشر كيلو مترًا تحت سطح الأرض، وذكر في... - ["هابيل فهمي" يكتب و"المدافعون عن الإيمان" يردون](https://tabcm.net/17354/): بداية لا أعرف من هم المدافعون عن الإيمان بالمنوفية. ولكنهم أشاروا لشخصي دون ذكر الاسم. وكان الواجب عليهم الاتصال بي... - [أنا عطشان.. أعطيني لأشرب](https://tabcm.net/16983/): إن سيرة المسيح على الأرض هي سيرة كل مسيحي في مسيرته في هذا العمر حتى اكتماله في الملكوت - [[١٧] تجمّع عائلي](https://tabcm.net/14639/): مش طريقة ديه أبدًا، قدسك أصلا لسه مرسوم ومش ممكن كمية المشاكل ديه في الفترة الصغيرة ديه، أنا عاوزك تجيلي... - [الشئ الوحيد!](https://tabcm.net/16852/): وما لم يوضع المواطن واحتياجاته وطلباته في المقدمة ويأخذها كاملة وبشكل مرضي، وما لم يفكر الموظفون الحكوميون المصـريون -قبل الوزراء-... - [[٨] انهيار مملكة يهوذا](https://tabcm.net/15529/): في ربيع 609 ق. م. ، قاد نخاو الثاني بنفسه قوة كبيرة لمساعدة الآشوريين. على رأس جيش كبير، يتألف بشكل... - ["بنيامين" بين "صحيّة" الازدراء بالبابا وبين حبسه لمنتقديه](https://tabcm.net/17155/): اللافت للنظر هنا، أنّ الأنبا بنيامين قد عانى بنفسه من الاعتقال وسلب الحرية في أيام الرئيس السادات، أيضا عانى كثير... - [جدلية التاريخ والماضي](https://tabcm.net/16700/): لفظة “التاريخ” تساوي عند السّواد الأعظم من القُرّاء لفظة “الماضي”، فدارسي التّاريخ عادةً ما يُلقَّنون المعلومات، فيحفظونها عن ظهر قلب،... - [قراءات سكندرية لكتابات خلقيدونية](https://tabcm.net/17021/): بعد قرونٍ طويلة من ترسيخ الاتهام بالهرطقة بحق اللا خلقيدونيين، وإغراقهم بنعوت الأوطاخية والمونوفيزتية واليعقوبية، هناك واقع جديد يتشكّل، قادت... - [كن مسيحًا وإلهًا في حبك](https://tabcm.net/16982/): تجربتي الشخصية في الحب تخالف ما تشعر به أيها العزيز دوستويفسكي وما كتبته في رواية الجريمة والعقاب. وسأخبرك لماذا؟ ولكن... - [[١٦] أم كيرلس](https://tabcm.net/14638/): يا أم كيرلس، أنا مليش دعوة، روحي اشتكي للأسقف هو اللي قال إن شارعكم مش تبعنا، روحي قولي له رحت... - [في حاجة اسمها صهيونية مسيحية حديثة؟](https://tabcm.net/16866/): عندما نتحدث عن “الصهيونية المسيحية”، يجب أن نفهم أن هذا المصطلح قد أثار الكثير من الجدل والتفاوت في تفسيره، وهو... - [[٧] التقليد الكهنوتي: طوفان نوح](https://tabcm.net/15528/): يتعامل التقليد اليهوَي مع يهوَه كإله شخصي، يغلق باب السفينة بنفسه على نوح وبنيه، يندم ويتأسف، يتعامل مع الطوفان على... - [أين ذهب القديس يوسف النجار؟](https://tabcm.net/16965/): على مدار ألفيّ عام، وجدت الكنيسة صعوبة بالغة ولفترة طويلة في تحديد موقع يوسف في مجتمع القدّيسين. فشخصيته حاضرة باقتضاب... - [أمدح فيكي يا مختارة](https://tabcm.net/17001/): مُجَرّد قراءة بس واعيه لِمَا نُرددَّهُ في مِثال آخر لمديحة من مَدايح كَيهك الشهيرة، وهي مديحة: "أمدح فيكِ يا مخّتارة"،... - [فرح يوم العيد](https://tabcm.net/11741/): كانت قرى الريف الأوروبي في بداية القرن التاسع عشر، فقيرة ماديًا، ولكنها كانت عامرة بالمحبة والحنو والدفء الذي يجعل سكانها... - [رسالة عيد الميلاد](https://tabcm.net/16981/): إن موقف المسيح "الله الظاهر في الجسد" هو مقاومة الشر باستئصال الشر من جذوره عن طريق تغيير جوهر وحياة الإنسان. - [[١٥] أبونا يوناثان (٢)](https://tabcm.net/14637/): انصرف الآباء من الاجتماع الشهري، وكما جاء أبونا يوناثان في سيارة أبونا بطرس عادوا معًا، فلم يكن أبونا يوناثان يحب... - [معنى العيد](https://tabcm.net/16952/): إذا انتبهنا للميلاد، فهدفه أن تعيش الفرح الحقيقي، والرجاء أن تعرف أن الله الذي تعتقد أنه فوق في السماء يكرهك... - [[٦] التقليد الكهنوتي: صراع موسى وهارون](https://tabcm.net/15527/): نتيجة للإصلاح الديني الذي قاده الملك حزقيا في هذه الفترة، تمت كتابة أكبر تقاليد التوراة ، هذا التقليد كان يشمل:... - [محرك الكشري!](https://tabcm.net/16864/): نحن نعيش فرحين بآسرنا بعشرات الأقوال المأثورة والأمثال الاصطناعية والنكت السمجة التي شكلت ثقافتنا ووجداننا، وغالبًا ما نتبعها ونحن كارهون!... - [آجيوس أوثي أوس، آجيّوس يس شيروس](https://tabcm.net/16811/): مُجَرّد قراءة بس واعيه لِمَا نُرددَّهُ في مِثال واحد لمديحة من مَدايح كَيهك الأكثر شهرة، والتي تقال بعد الهوس الكيهكي... - [أوشية المثليين ومجد الزيتون](https://tabcm.net/16874/): أحب كنيسة الله الكاثوليكية حبّا جمًا، وأراها الكنيسة "النموذج"، وأنها الكنيسة الأكثر تلقيًا لعمل روح الله. أثمّن جدًا تاريخها القديم... - [الأسرار الكنسية ليست وقفًا على الكاهن خادمها متى دعت الضرورة](https://tabcm.net/16850/): الكاهن وظيفة لازمة للأسرار نظمها الرب منذ البَدْء. فمثلا، آدم أقامه الله كاهنًا للخليقة قبل السقوط، فلما أختار لنفسه قضية... - [انعتاق المتوسلون Fiducia Supplicans](https://tabcm.net/16828/): بين يديّ القارئ، ترجمة عربية للإعلان الفاتيكاني المعنون: Fiducia Supplicans، إعلان: انعتاق المتوسلون ، والصادر في 18 ديسمبر 2023، ممهوراً... - [هوية "القرع"](https://tabcm.net/14835/): لم أجد شعبًا يهلل للإضرار بمصالحه مثلما يفعل قطاع واسع من الشعب المصري - [[٥] التقليدان: اليهوي والإيلوهي](https://tabcm.net/15526/): التضاربات التي في التوراة ما بين تقاليدها المختلفة هي أكثر حيوية من مجرد كونها اختلافات شكلية، بل هي تضاربات كاشفة... - [لا ينزع أحد فرحكم](https://tabcm.net/16753/): محبة ربنا للإنسان هي كلمة السر في خلق الكون كله، وليس هذا فقط، بل هي كلمة السر في تجسد الله... - [يا م ر ي م](https://tabcm.net/16528/): مُجَرّد قراءة بس واعيه لِمَا نُرددَّهُ في مِثال واحد لمديحة من مَدايح كَيهك وهيَّ الأكثر شعبية: "يا م ر ي... - [الاتحاد الأقنومي](https://tabcm.net/16719/): إن ذكر المرء اتحادًا، فالمعنى أنّ هناك أكثر من كيان قد اجتمعوا معًا لتكوين كيان جديد بصيغة مغايرة لما قبل... - [فماذا عن (عيسي) المسيح؟](https://tabcm.net/16648/): فبينما الجميع مهزومين من أخطائهم وخطاياهم فإنهم في نفس الوقت لهم صورة التدين وطاعة الشريعة. وكل منهم يدين ويحكم على... - [[١٤] أبونا يوناثان](https://tabcm.net/14636/): مسك أبونا حنانيا، سكرتير الأسقف، الأجندة في يده، وفتحها أمام الأسقف في تردد وهو يقول: في طلب مُقدم من بعض... - [لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكسيين
[ لائحة ١٩٣٨ المعدلة في ٢٠٠٨ ]](https://tabcm.net/16436/): لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكسيين التي أقرها المجلس الملي العام بجلسته المنعقدة في أول بشنس سنة ١٦٥٤ الموافق ٩ مايو... - [[٤] مملكة يهوذا ومملكة إسرائيل](https://tabcm.net/15525/): على هذا النحو والوصف والمعنى: لم تصنع إسرائيل بديلًا مستحيلًا لتابوت العهد، بل أعادت تقديم ذاتها على أنها: هي العهد - [خالد منتصر يكتب: المؤلّفة جيوبهم والسودان](https://tabcm.net/16491/): هل لأن الفريقين اللي بيضربوا وبيطحنوا في بعض مسلمين؟؟! هل نحن ﻻ يحركنا إلا الصراع الديني مع أهل الكتاب وإننا... - [أمدح في البتول](https://tabcm.net/16496/): مُجَرّد قراءة بس واعيه لِمَا نُرددَّهُ في مِثال واحد لمديحة من مَدايح كَيهك وهي الأكثر شعبية: "أمدح في البتول" - [توضيحات ومصطلحات القديس كيرلس](https://tabcm.net/16494/): المسيح: المسيح هو صفة لـ”حالة” ولغويا هي بناء كلامي على وزن “فعيل”، والميزة الكبرى لهذا البناء هو نيابته عن كلًا... - [إيمان يسوع المسيح](https://tabcm.net/16346/): إيمان يسوع المسيح (غلاطية ١٦:٢) الآية تكشف عن خيط رفيع في تعريف الأيمان المسيحي، أنه ليس مجرد أيمان بيسوع المسيح،... - [[١٣] أبونا زوسيما](https://tabcm.net/14635/): أبونا أنجيلوس وقف والمجمع كله التفت ناحيته وقال: حاللني يا سيدنا، أنا كنت بقول للآباء إن نيافتك معاك حق، ولازم... - [مجلس كنائس الشرق الأوسط والقضيّة الفلسطينية](https://tabcm.net/16347/): منذ أن تأسس مجلس كنائس الشرق الأوسط عام ١٩٧٤، وهو منشغل بالقضية الفلسطينية، ولا يكاد يخلو أي اجتماع من اجتماعاته... - [[٣] مملكة داود وهيكل سليمان](https://tabcm.net/15524/): الشيروبيم، مثل أبو الهول في مصر أو الثور المجنح في بابل، لم يكن إلهًا أو نصف إله أو يرمز لإله،... - [(٨) قامت الملكة عن يمينك](https://tabcm.net/14788/): المزمور ملوش علاقة بالسيدة العذراء مريم ولا هو يقصدها هنا أبدًا بالملكة زي ما قال الأنبا رفائيل والبابا شنودة - [ملحمة جلجامش؛ الإصحاح الثاني عشر](https://tabcm.net/13253/): يشكو جلجامش إلى إنكيدو من أن مختلف ممتلكاته سقطت في العالم السفلي. يعرض إنكيدو المساعدة لإعادتهم. ويخبر جلجامش إنكيدو بسرور... - ["كيرلس - نسطوريوس" فصل الخطاب](https://tabcm.net/16194/): بينما جاء خطاب القديس كيرلس منطلقًا من مفهوم “الإخلاء”، فعلى الجانب الأخر، جاء رد نسطوريوس متبنيًا “التنزيه”، تنزيه الإله عن... - [يا فرانكوفوني أساحبي!](https://tabcm.net/16228/): يُطلقون عليها لغة الـ”فرانكو”، اختصارًا للـ”فرانكو أراب”، ولكنها لا تمت إلى الكلمة بأي صلة. ربما لأن كلمة “فرانكو أراب” نفسها... - [[١٢] الاجتماع الأوّل](https://tabcm.net/14634/): نسمع وإحنا ساكتين، مش هنعلق على أي حاجة تتقال، خلوا اليوم يعدي، مش عاوزين مشاكل ولا صداع، هو شوية قرارات... - [مبارك شعبي مصر
رحلة زمنية مع برديات إلفنتين](https://tabcm.net/16118/): لو انت في مصر، فأكيد طبعا أكيد سمعت الأية دي، وبتتقال كدا: "من مصر دعوت ابني. . مبارك شعبي مصر"،... - [[٢] نشأة الحكم الملكي](https://tabcm.net/15523/): في مُحاولة قراءة المصادر التاريخية التي وصلتنا منذ أكثر من ألفيّ عام، لابد أن نضع في الاعتبار أنها لم تكن... - [(٧) لا تدع قدوسك يرى فساداً](https://tabcm.net/14789/): آية النهاردة على طول بنسمعها كل ما يكون فيه تطييب لأجساد القديسين، أو وقت نبش وكشف جثث المنتقلين من الإكليروس... - [ملحمة جلجامش؛ الإصحاح الحادي عشر](https://tabcm.net/13252/): يوضّح أوتنابيشتيم أنّ الآلهة قررت إرسال طوفان عظيم. ولإنقاذه، طلب منه الإله أنكي بناء فلك وأعطاه أبعادا دقيقة. وركبت عائلته... - [رسالة [كيرلس، نسطوريوس، كيرلس] الثانية](https://tabcm.net/16179/): مع تصاعد الأحداث في القسطنطينية، إثر تتويج “نسطوريوس” تاج أسقفيتها، ومع محاولته الخطرة لإشاعة التقليد الأنطاكي في فهم التجسد كتقليد... - [الذي ﻻ يموت [غير الفاسد]](https://tabcm.net/16152/): الله وحده له عدم الموت وهو مصدر الحياة الله الذي يُحيي الكل ، الذي وحده له عدم الموت (تيموثاؤس الأولي... - [[١١] أبونا أنجيلوس (٣)](https://tabcm.net/13993/): عمر المشكلة ما كانت في الكلام اللي بيتقال، طول عمر المشكلة في مين بيقول، ومين بيسمع، وإيه علاقة اللي بيقول... - [في ذكرى رحيل د. هاني ميخائيل](https://tabcm.net/2611/): كُتبت في ذكرى رحيل الدكتور هاني مينا ميخائيل المفاجئة، وأنا بافكر في الحدث ده جه في بالى بعض الامور المهمة،... - [[١] القراءة التقليدية: تفكيك وبناء](https://tabcm.net/15522/): التوراة على سبيل المثال تصف موسى باعتباره أكتر الرجال تواضعًا على الأرض، لذا ﻻ يوجد منطق في كون نبيّ متواضع... - [(٦) لا تدعوا لكم سيداً](https://tabcm.net/14782/): الآية قيلت لكل الناس، مش للتلاميذ بس زي ما قال البابا السابق، معرفش ليه أكد وأصر إنها اتقالت للتلاميذ بس - [ملحمة جلجامش؛ الإصحاح العاشر](https://tabcm.net/13251/): يقابل جلجامش سيدوري التي تظن أنه مجرم بسبب مظهره المخزي. يخبرها جلجامش عن غرض رحلته فتحاول أن تثنيه عن مسعاه،... - [من طبيعتين vs في طبيعتين](https://tabcm.net/15832/): يقول السكندريون "من طبيعتين" أي من أقنومين، باتحادهما اظهرا أقنومًا واحدًا، هو الكلمة نفسه متجسدًا، مركزًا واحدًا للفعل، ويقبلون الحديث... - [القدوس: هل تعني "بلا خطية"؟](https://tabcm.net/15899/): الصفات الإلهية هي قاعدة حياة الشركة القوية بين الله والإنسان. وقد أعلن الله صفاته الإلهية للإنسان لكي يعرف كيف يؤسس... - [[١٠] الراهب يوئيل](https://tabcm.net/13992/): أوع تخلي غني كاسر عينك بعطاياه، اخدم الفقراء أكتر من الأغنياء، والغني اللي فاكر إنه بيدفع عشوره أو نذوره علشان... - [كيف نرى اليهود؟](https://tabcm.net/15879/): لم يطلب الله منا أن ننظر لليهود أو الإسرائيليين أو غيرهم بنظرة معينة، وإن خلط السياسة بالدين حماقة عمياء، وهذا... - [الأسئلة التي نهرب منها](https://tabcm.net/15508/): كثيرة هي الأسئلة التي طرحناها في هذه السلسلة، لكن كثيرة هي الأسئلة التي نهرب منها. . نحاول ههنا في المقال... - [اثبت إنك إنسان!](https://tabcm.net/15858/): قبل الدخول إلى الموقع، تظهر رسالة أسفلها مربع تأكيدي صغير يطلب منك فيها التوثق أنك لست "روبوت" ومكتوب بجانبه: "اثبت... - [(٥) نجم يمتاز عن نجم](https://tabcm.net/14781/): لأَنَّ نَجْمًا يَمْتَازُ عَنْ نَجْمٍ فِي الْمَجْدِ (١ كورنثوس الأولى ١٥: ٤١) الآية دي برضه بتتاخد بالغلط مع الاية السابقة... - [ملحمة جلجامش؛ الإصحاح التاسع](https://tabcm.net/13250/): يجوب جلجامش البرية مرتديا جلود الحيوانات حزنا على إنكيدو وخائفًا من موته، يبحث عن «أوتنابيشتيم» وزوجته ليتعلم سر الحياة الأبدية.... - [اللاهوت والناسوت](https://tabcm.net/15831/): إن خصوصية الاتحاد الطبيعي تكمن في أن الأقنومين هما في تركيب، وهما كاملان دون نقص، إلا أنهما يرفضان أن يستمرا... - [لماذا ﻻ نقول بوراثة الخطية](https://tabcm.net/15659/): مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ... - [[٩] أبونا ديڤيد](https://tabcm.net/13991/): الإنسان يا سامي يا ابني هو اللي بيخلق الوقت والظروف والمبررات للي عاوز يعمله - [التمييز الديني في التعاطف](https://tabcm.net/15504/): أخشى إننا شعب ننسحب إلى منزلقات شديدة الخطورة، دُفعتنا إليها مرغمين من بعض القوى التي لا تبالي بغير تحقيق مصالحها... - [هل نحن نعادي السامية؟](https://tabcm.net/14633/): كل تلك الأحداث الإرهابية الداخلية التي قام بها الإخوان المسلمون ضد شركات ومصالح وأفراد مدنيين مصريين بناء على هويّتهم الدينية... - [أسقف القومية العربية وشعب الله المختار](https://tabcm.net/15763/): بالأمس، نشر نيافة الأنبا أغاثون، أسقف مغاغة والعدوة، بيانًا يقول فيه أنه: الجزء الأول للرد على إسرائيل. والحقيقة أني لا... - [(٤) في بيت أبي منازل كثيرة](https://tabcm.net/14780/): فِي بَيْتِ أَبِي مَنَازِلُ كَثِيرَةٌ، وَإِلاَّ فَإِنِّي كُنْتُ قَدْ قُلْتُ لَكُمْ. أَنَا أَمْضِي لأُعِدَّ لَكُمْ مَكَانًا (يوحنا ١٤: ٢) للأسف... - [ملحمة جلجامش؛ الإصحاح الثامن](https://tabcm.net/13249/): يرثي جلجامش ذكرى إنكيدو، حيث يدعو الجبال والغابات والحقول والأنهار والحيوانات البرية وجميع الوركاء للحزن على صديقه. يستذكر جلجامش مغامراتهما... - [المملكتان..
[تطور نظم الحكم في إسرائيل]](https://tabcm.net/15681/): في محاولة قراءة المصادر التاريخية التي وصلتنا منذ أكثر من ألفي عام، لابد أن نضع في الاعتبار أنها لم تكن... - [على مذبحك الناطق السماوي](https://tabcm.net/15658/): نصلي في القداس الإلهي قائلين: وصلواتنا اقبلها إليك يا رب على مذبحك الناطق السمائي رائحة بَخُور، وأيضًا في صلوات تقديس... - [[٨] أبونا أنجيلوس (٢)](https://tabcm.net/13990/): غلط إيه اللي تصلحه، الغلط لما بيكون آثار تراكمات سنين بيبقى زي الجبل، تقدر تحرك الجبل؟! - [مزارات البطاركة: تكريم وتنافس على الشهرة](https://tabcm.net/15445/): لفتت نظر مارتينا، قصاصات ورق مطبقة متناثرة بجانب السرير الخاص بالبابا شنودة، أخبرتها أمها، أميرة، بأنها طلبات لأشخاص وتوسلات لآخرين،... - [هل لأنها احتلت سيناء؟](https://tabcm.net/14632/): لماذا يتناسى المصريون ويلات الاحتلال البريطاني لمصر والفرنسي والإيطالي للدول العربية الشقيقة، والذي كان قطعًا أسوأ وأشد فظاعة وأطول مدة،... - [(٣) ما جئت لأنقض بل لأكمل](https://tabcm.net/14779/): ليه بتاخد منها جزء وتسيب الكل؟! ليه ما بتطبقش كل الوصايا اليهودية والشرائع الموسوية في سفر اللاويين بحذافيرها عليك وعلى... - [ملحمة جلجامش؛ الإصحاح السابع](https://tabcm.net/13248/): تقرر الآلهة موت أحد البطلين لقتل خمبابا والثور السماوي وأهانة عشتار. رغم دفاع شمش فإن إنكيدو يُوَسم بالموت. يلعن إنكيدو... - [كاسك يا مهجر](https://tabcm.net/15454/): تتنوع كثير من وجهات النظر المسيحية حول شرب الخمور حول العالم، لكن بشكل عام تحرّم المسيحية أي نوع من الشراب... - [صلاة القسمة وختامها](https://tabcm.net/15429/): إن الكنيسة القبطية هي الكنيسة الوحيدة التي تقدم صلاة تصاحب تقسيم الجسد المقدس في القداس الإلهي وتُسمَّي ”صلاة القسمة“. ثم... - [[٧] أبونا أنجيلوس](https://tabcm.net/13989/): هو أنت عملت الفيلم ده كله، وبعت الرسالة لسيدنا علشان يتمسك بيك أكتر صح؟! فيه حد فهمك ووعاك إنك تمثل... - [«النقب» طرح مصري بديل لحماية القضية الفلسطينية](https://tabcm.net/15271/): النقب ليست صحراء جرداء، بل هي منطقة جنوب الأرض المحتلة، يقطنها ضمن سكانها بدو فلسطينيون في نحو 38 قرية، وتبلغ... - [هل نحن نكره الاحتلال؟](https://tabcm.net/14573/): قسّم القرار العالم العربي، حتى إن الأمين العامة للجامعة العربية استقال من منصبه، إلا أن القرار كان قد أتُخذ، وأصبح... - [(٢) أكرم الذين يكرمونني](https://tabcm.net/14821/): الخطأ هذه المرة لا يتعلق بتأليف آية لم تكن أبدًا ضمن الكتاب المقدس، أو ابتداع أو تحريف في اللفظ كما... - [ملحمة جلجامش؛ الإصحاح السادس](https://tabcm.net/13247/): يرفض جلجامش عرض عشتار الجنسي لخيانتها لعشاقها السابقين فتطلب من والدها إرسال الثور السماوي لينتقم لكرامتها. يقول أنو إذا أعطاها... - [فلسطين: بين الصراع الدموي والنضال اللاعنفي](https://tabcm.net/15218/): في الأيام القليلة الماضية، احتدم الصراع الدموي بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وسقط مئات القتلى والجرحى على الجانبين بصورة لم يشهدها هذا... - [لماذا نتناول جسد الرب ودمه في سر الإفخارستيا؟](https://tabcm.net/14579/): قد وَهَبَ لنا المواعيد العظمى والثمينة لكي تصيروا بها شركاء الطبيعة الإلهية، هاربين من الفساد الذي في العالم بالشهوة (فإنه... - [[٦] دكتور سامي (٢)](https://tabcm.net/13988/): معنى إنك تبقى كاهن، فده معناه إن كل الناس هتقاسمك معايا، بيتنا هيبقى على الفضائيات، بناكل إيه، وبنشرب إيه، وبيتنا... - [مبروك يا هانم.. الحمل طلع كاذب!](https://tabcm.net/14907/): ترى هنا صديقي مثلًا كيف وصلت الوطنية الكاذبة بصاحبها النصاب أو الجاسوس لمراحل متقدمة من النجاح في ميادين العمل والدراسة... - [هل هي فلسطين فقط؟](https://tabcm.net/14571/): تحتل الجمهورية الإسلامية الإيرانية منطقة عرب الأهواز منذ عام 1925 وثلاث جزر إماراتية عربية منذ عام 1971، وتحتل تركيا "لواء... - [(١) من يكرمكم يكرمني](https://tabcm.net/14775/): إذ كان كثيرون قد قد أخذوا بتأليف قصص وحكايات في الآيات المتيقنة عندنا، ومختلفة خالص عن اﻵيات التي سلمها إلينا... - [ملحمة جلجامش؛ الإصحاح الخامس](https://tabcm.net/13246/): يدخل البطلان غابة الأرز ويقوم خمبابا بتهديدهما ويتهم إنكيدو بالخيانة ويتعهد بنزع أحشاء جلجامش وإطعام لحمه للطيور. يخاف جلجامش ويشجعه... - [الدوغمائية Vs الموضوعية](https://tabcm.net/14348/): إن التعصب للرأي، والأفكار النمطية السلبية تجاه الآخر، ليست فقط نتيجة التعلّم الاجتماعي الخاطئ، ولكنه ينتج في أخطر صوره من... - [ملء الزمان](https://tabcm.net/14367/): إن عبارة ”ملء الزمان“ كانت وستظل إحدى هذه الخبرات منذ أن وعيت على قراءة الكتاب المقدس. كم توقفت أمامها حائرًا... - [[٥] نيافة الأسقف (٢)](https://tabcm.net/13987/): ربنا بيحب يشتغل باللي مابينفعوش علشان في الأخر بيطلعوا ينفعوا - [همهمات انتخابية](https://tabcm.net/14414/): وأتخيلهم وقد اقتربت رؤسهم في حلَقات يهمهمون فيمَا عُرض عليهم، واحدة من الحلَقات راحت تشكك في جدية العرض، واستدعى من... - [هل أخطأ السادات؟](https://tabcm.net/14567/): في السادس من أكتوبر من العام 1981، لقى السادات حتفه برصاص خالد الاسلامبولي، وبإيعاز من محمد عبد السلام فرج أمير... - [لماذا يا رب تنجح طريق الأشرار؟](https://tabcm.net/14368/): لسه لحد دلوقتي ما جبناش سيرة الأشرار؟! طبعًا، لأن الحقيقة عكس ما إحنا عاوزين نتخيل، دول موضوعين منفصلين عن بعض... - [ملحمة جلجامش؛ الإصحاح الرابع](https://tabcm.net/13245/): يرحل جلجامش وإنكيدو إلى غابة الأرز ويخيمان كُلّ بضعة أيام على جبل، يحلم جلجامش في منامه بخمسة أحلام مرعبة حول... - [درس السهام](https://tabcm.net/14366/): ويا للعجب! ! إذا بصورة أخرى تظهر تحت هذه الصُّوَر جميعها! إنها صورة الرب يسوع وقد تمزَّقت تمزيقًا! ! - [البابا فرنسيس: السياسة هي لقاء وتأمّل وعمل](https://tabcm.net/14351/): نحن مدعوون لكي نعيش اللقاء السياسي كلقاء أخوي، لاسيما مع الذين لا يتّفقون معنا؛ وهذا يعني أن نرى في الشخص... - [[٤] دكتورة سارة](https://tabcm.net/13986/): مسك سامي ايد سارة علشان يمشي، بس هي نتشت أيديها من أيده، والتفتت للأسقف: - ليه؟ ليه كده؟! ليه نيافتك... - [التوأم الملتصق: السياسة والاقتصاد](https://tabcm.net/14159/): كانت سنوات الجامعة تلك، بكل ما شهدته من أحداث جسام، مرحلة مهمة في تشكيل الوعى الوطني، لي، ولجيلي، عمقت فينا... - [هل يعادي الأقباط اليهود؟](https://tabcm.net/2686/): لم يعرف الأقباط مصطلح "إدانة اليهود عن صلب المسيح" تحت أي سبب أو مسمى قبل حقبة  الستينات، بالرغم أن المسيح... - [نوافذ من نور](https://tabcm.net/14115/): اقتَـرب ممّن يفتحُون في روحك نوافِذ من نُور، ويقولُون لك أنّه فِي وسعِك أن تُضيء العالم - [دي حوالة بخمسين جنيه بعتهالي بابا!](https://tabcm.net/14258/): ويسدل "محمد خان" الستار على الفيلم الرائع الذي هز دور العرض السينمائي بمصر منذ 35 عامًا، ومثلها بجدارة بمهرجانات دولية... - [ملحمة جلجامش؛ الإصحاح الثالث](https://tabcm.net/13244/): يعطي الشيوخ لجلجامش نصيحة حول رحلته. يزور جلجامش والدته الإلهة نينسون، والتي تدعو إله الشمس شمش لدعم وحماية جلجامش وإنكيدو... - [اللقاء السعيد](https://tabcm.net/14112/): ابتسم، ثم أجابني قائلًا: ”في أبهى صورة! إنَّ الرسَّام يستخدم الخطوط والألوان والفرشاة، ليكتب كتابه المرئي في صورة لوحة: نصفه... - [هل عدل الله كعدل البشر؟](https://tabcm.net/14011/): ده لأنك يا صديقي مش فاهم إن إيمانك معناه إنك قاعد مبرطع في بيت أبوك، ونايم في حضنه مسنود عليه،... - [[٣] نيافة الأسقف](https://tabcm.net/13985/): إتفضل يا أستاذ خد مراتك وروحوا، المقابلة انتهت، وأنا حسابي مش معاك، أنا حسابي مع اللي رشحك و بعتك، يلا... - [خطواتي الأولى نحو فنون الأدب
عبر ثقب في حمّام بنت الجيران](https://tabcm.net/13551/): وتلك كانت آخر خطواتي نحو الأدب، وبداية مساري الدائم والمستمر بلا عودة نحو: قلة الأدب - [ليسوا وسطاء](https://tabcm.net/14077/): عزيزي المتابع، وحضرتك -في الغالب- أعلم مني، تعرف أن الكنيسة لم تقل إن القديسين وسطاء بين المرء والله، بل تؤكد... - [ملاحظات على: "سماح الله"](https://tabcm.net/13972/): الإله الذي يسمح لك بالكارثة، أو بالمرض، أو بالألم، أو بالضيقة علشان يعلمك دروس، يبقى إله قليل الحيلة وفلس. .... - [وكان ظلام، وكان للخوف إيقاع آخر](https://tabcm.net/14012/): بخطوات هادئة، اقتربت حواء من آدم، وهي تخفي يديها خلف ظهرها. . نظر  إليها آدم ولأول مرة يرى تلك النظرة... - [ملحمة جلجامش؛ الإصحاح الثاني](https://tabcm.net/13243/): جلبت شمخات إنكيدو إلى مخيم الرعاة، حيث تعرف على الحياة الجماعية وأصبح الحارس الليلي. وعرف من غريب عابر عن معاملة... - [الدم النقي كلُّه](https://tabcm.net/14009/): في سبتمبر 2019م، ترجمت هذه القصة وقد اخترتها من ضمن 5 قصص لحسن ختامها، غير عالم بما سيحدث بعد شهور... - [ثالوثية النعمة في الوجود الإنساني](https://tabcm.net/13950/): فإن دعوة البشر إلى الوجود من العدم ـإن صحَّت هذه التسمية- كانت دليل وبسبب حضور/ وجود كينونة اللوغوس كلمة الله... - [[٢] دكتور سامي](https://tabcm.net/13945/): - لو ربنا عاوز سامي هيجيبه يعني هايجيبه، ولو مش في مشيئة ربنا هيوقف الموضوع حتى لو كل الناس عاوزة... - [ربوبيّة المسيح](https://tabcm.net/12615/): والمسيح يصرح هنا أنه ليس ابن داود بل ابن الله: "فإن كان داود يدعوه ربًا فكيف يكون ابنه؟"، مع الانتباه... - [هل صارع يعقوب الله؟](https://tabcm.net/13426/): مصارعة يعقوب كانت مع شخص، ويعقوب دعى المكان فينوئيل، وده اسم عبري معناه رأيت “وجه الله” في المكان ده. يبقى... - [لا تمت من أجل الجبناء](https://tabcm.net/13484/): التنوير والفكر العلماني لا يلفت نظر النساء، وغيابه خلق قطعانًا كبيرةً من الخراف والماعز، مصابة بمتلازمة ستوكهولم، إن خطفها الذئب،... - [ملحمة جلجامش؛ الإصحاح الأوّل](https://tabcm.net/13242/): «جلجامش» ملك أوروك. ثلثي إله وثلث رجل، يضطهد شعبه الذين يستغيثون بالآلهة. تستجيب الآلهة من خلال خلق شخصية تكون قادرة... - [تصوراتنا عن الجنس](https://tabcm.net/13424/): العدل لن يتحقق إلا عندما نساوي بين الجميع في الحقوق والواجبات وعندما نساهم في محو تلك الرؤية المختلة للقيم والحريات - [مأساة المأساة](https://tabcm.net/13450/): تعصف بذهني مجموعة من الأسئلة: لماذا لم يمنع الله مقتل هؤلاء الأبرياء على يد هذا التنظيم الإرهابي الشرير؟ لماذا تركهم الله... - [[١] أبونا بطرس](https://tabcm.net/13367/): صدقني يا معلم موريس، محدش بقى فاهم حاجة خالص، أخر اجتماع سيدنا اقتنع بوجهة نظر أبونا بطرس، بس ما نعرفش... - [سبق وجود المسيح](https://tabcm.net/12613/): “يسوع المسيح هو هو أمس واليوم وإلى الأبد”، “الذي هو صورة الله غير المنظور، بكر كل خليقة”، في كلمات موجزة... - [مفتاح الخروج من المتاهة](https://tabcm.net/13300/): بنظرة على الحياة في العالم كله حوالينا، هنلاقي إن إحنًا في أكثر العصور تقاربًا ما بين البشر على مستوى العالم... - [هذا كثير يا باكثير](https://tabcm.net/13234/): ربما كان ومازال واحدًا من أشهر الأسماء الرنانة في تاريخ الأدب المصري أخر ثلثي قرن. . ليه؟! ماعرفش! (بصوت الفنان... - [ملحمة جلجامش
الأدب السومري الصامد ضد الزمن](https://tabcm.net/13238/): وضع السّومريّون نصوصًا أسطوريّة وملحميّة كثيرة، تتناول قضايا الخَلق، وظهور العالم، والآلهة، وأوصاف الجَنّة، وسِيَر الأبطال في الحروب النّاشبة بين... - [لويس باستور (٢)](https://tabcm.net/13148/): هل من قدرة الإنسان أن يجعل الأمراض الطفيلية تختفي من على وجه الكرة الأرضية؟ - [خطة الشيطان لهدم تدبير التجسد الإلهي](https://tabcm.net/13146/): معظم أساتذة اللاهوت والتاريخ في الغرب ينحدرون من طبقة النبلاء، وكانت نظرتهم لليهودية تعبر عن عداء لها. وهكذا تركوا التراث... - [التعددية كمساحة للسعادة](https://tabcm.net/13103/): الجنس واللون والدين والأصل الثقافي واللغة والأعراف الاجتماعية، كهوف تحيط بنا جميعًا، الخروج منها مغامرة لا نعرف عواقبها، لكن المؤكد... - [حكمة تعلو فوق كل شيء](https://tabcm.net/12611/): كان السؤال الذي قفز على لسان شاول ـ بولس ـ الفريسي المتمرس والمتحفز، أو لعله بسبب، هول المباغتة حين قطع... - [الوعي](https://tabcm.net/12762/): "الوعي"، كلمة تقال، ولازم بعدها فتره سكون طويلة شوية. . لأنها كلمة ما تتقالش وتتفهم على طول كده، الواحد لازم... - [وللرقص وقت!](https://tabcm.net/13050/): يصعب تصور رقصًا بلا طرب، أو بلا فرح، في أهازيج النصر على مدار العصور من قدماء المصريين والإغريق مرورًا بشعب... - [لويس باستور (٢٧ ديسمبر ١٨٢٢ - ٢٨ سبتمبر ١٨٩٥)](https://tabcm.net/13064/): لويس باستور: "الإرادة شيء عظيم، أيتها الأخوات العزيزات، والعمل عادة ما يتبع الإرادة، وغالبًا العمل يصحبه النجاح. هذه الأشياء الثلاثة... - [الكنيسة والرهبنة: من يقود ومن يخضع؟](https://tabcm.net/13032/): الكنيسة (جماعة المؤمنين) تتكون من “إكليروس وعلمانيين، وكما للإكليروس دور في القيادة والرعاية كذلك للعلمانيين دور في الإدارة والمراقبة، من... - [بالصور: مزارات وإعلانات ومعجزات وتحريات دينية](https://tabcm.net/12996/): يمكن اختصار المشهد في إن سياسة الدولة في التمييز الإيجابي المبالغ فيه لشراء شعبية سياسية، من الطبيعي أن تؤدي لظهور... - [الأب إبراهيم عبد السيد
أوان رد الإعتبار](https://tabcm.net/12964/): تضافرت عوامل عدة على تهميش الكنيسة القبطية الأرثوذكسية لقرون ممتدة، بدأت بالانقطاع المعرفي التاريخي بينها وبين جذورها الآبائية ومن ثم... - [الاستهلاك](https://tabcm.net/12609/): الاستهلاك أصبح مبدأ أو أسلوب حياة وفي رأيي هو مبدأ سلب مننا الحياة. لما ربنا خلق الإنسان خلق له كل... - [الخمس دقائق الأخيرة قبل وصول البوليس!](https://tabcm.net/12945/): دومًا كان وحيد حامد ثوريًا، ومبشرًا بالثورات الفكرة والايدولوجية ولو كانت على ألسنة شخصيات درامية متهمة دومًا بالجنون والطيش - [الحوار الوطني والعلمانية الغائبة!](https://tabcm.net/12939/): والدولة شخصية اعتبارية لا دين لها، فهي لا تصلي ولا تصوم ولا تتصدق، وإذا أردنا تفعيل الهُوِيَّة المصرية وقبول التنوع... - [تشارلي تشابلن (١٨٨٩- ١٩٧٧)](https://tabcm.net/12933/): آلامي قد تكون سبب سعادة لإنسان آخر؛ ولكن سعادتي لا يمكن أن تكون سبب آلام لإنسان آخر! (تشارلي تشابلن) في... - [أقباط كاثوليك وأقباط أرثوذكس](https://tabcm.net/12907/): في القرن الخامس الميلادي، حدث الانشقاق الكبير «و يسمى أيضًا بالانشقاق العظيم» بين الكنيستين الشرقية والغربية بسبب «مجمع خلقيدونية» «عام... - [المستذكرة التي تعاني من الذكر](https://tabcm.net/12358/): بتشتكي من حقها المهضوم في مجتمع ذكوري متعفن، في مجتمع شرقي متأخر، فتبكي على أبوها اللي كانت دايمًا بتولول من... - [إلحاحات طفولية](https://tabcm.net/12617/): اهتم أبى أن يقتني مدفنًا بالجبل الأحمر، بعد استقراره بالقاهرة، ولم يَرُد من يحتاجه يومًا، أول مرة أذهب إلى المدافن... - [صوم العذراء ومعجزاته](https://tabcm.net/12610/): مناسبة صوم العذراء (اللي ارتبط بأمنا العذراء) الذي له ولها مكان ومكانة كبيرة في قلوب المصريين كلهم وليس فقط المسيحيين.... - ["مريم سمير" والزواج المختلط
بين الدين والجنس والاستغلال الاجتماعي](https://tabcm.net/12665/): اعتادت أسرة مريم أن تغادر لجامعتها بالمنوفية، لكنها لم تكن عاقدة العزم على الذهاب للدراسة بل توجهت لمجمع البحوث الإسلامية... - [لا هاسلّم بالمكتوب.. ولا هرضى أبات مغلوب](https://tabcm.net/12648/): كثير من الفلاسفة في عصرنا، بالذات فلاسفة إيبارشيات شرق القاهرة (مدينة نصر– مصر الجديدة. . الخ. . الخ) تسيطر على... - [كورزين: مدينة بلا ساكن](https://tabcm.net/12712/): +«ويل لك يا كورزين، ويل لكِ يا بيت صيدا، لأنه لو صُـنعت في صور وصيدا القوات المصنوعة فيكما لتابتا قديمًا... - [قرأت لك: الغباء البشري](https://tabcm.net/12672/): في عام 1976، نشر “كارلو م. شيبولا”، أستاذ التاريخ الاقتصادي بجامعة كاليفورنيا، بيركلي، الولايات المتحدة الأمريكية، مقالًا يبرز القوانين الأساسية... - [فوضى "الملف القبطي" في الصحافة](https://tabcm.net/12618/): يشهد ما يسمى "المِلَفّ القبطي" في الصِّحافة المصرية من وجهة نظري ترديًا في الأوضاع ضمن حالة عامة تمر بها الصِّحافة... - [العدرا مبتعملش معجزات!](https://tabcm.net/12592/): كلمتين واللي يحصل يحصل: العدرا مابتعملش معجزات! لو كانت هاتعمل، كانت حولت هيّ المياه لخمر، بدل ما تقول لهم؛ كل... - [هل يكون "الباكي" البطل الذي لم يكنه تواضروس؟](https://tabcm.net/12587/): قرر بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، الأنبا تواضروس الثاني إلغاء جميع التوكيلات والتفويضات الصادرة من الأنبا بيسنتي، أسقف حلوان والمعصرة،... - [المعجزات بين العقل والإيمان](https://tabcm.net/12585/): أثار موضوع مناداة أحد الأشخاص بحدوث معجزة معاه إلى لغط كبير وتحول الموضوع لترند. وعشان كده الصراحة مكنتش عاوز أعلّق... - [الأنانية.. لا شيء يهم المهم نحن!](https://tabcm.net/12431/): عندما كنت أشاهد قديمًا أفلام هولي وود سواء في المنزل أو السينما، دائمًا ما استرعى انتباهي تلك اللغة الخاصة جدًا... - [مغارة الميلاد في بيت لحم (٢)](https://tabcm.net/12556/): مغارة الميلاد اليوم تتمركز أنشطة الأبحاث الأثرية الحديثة في بيت لحم في كنيسة الميلاد (أي كنيسة المهد). والحفائر الأثرية في... - [القداس الإلهي (١٢)](https://tabcm.net/12554/): تكملة الإجابة على سؤال: لماذا نتناول جسد الرب ودمه في سر الإفخارستيا؟ اللاهوت المسيحي في التقليد الشرقي لا يفصل بين... - [أسقف قوص ونقادة عدو "المدنية"](https://tabcm.net/12478/): كان يا ما كان، يا إخوة يا كرام، مواطن قبطي غلبان، قاده حظه العاثر، لطرح سؤال شائك على أسقف قوص... - [لاهوت بولس الرسول: تمهيد ومدخل](https://tabcm.net/12169/): يحتل هذا الجزء ما يربو على الخمسمائة صفحة، من القطع الكبير، ويتعرض لقضايا هي العمود الفقري للمسيحية، بدايًة من ماهية... - [التطفل وخرق الخصوصية](https://tabcm.net/12354/): بلاش تطفّل وخرق خصوصية. . تعالج من شيطان فضولك. . مش كل القصص لازم تعرف تفاصيلها. اللي هاينفع تعرفه أكيد... - [أنبا ميشائيل.. وداعا](https://tabcm.net/12434/): في مطلع هذا الأسبوع، تنيح حبر جليل من أحبار الكنيسة المقدسة: نيافة الأنبا ميشائيل أسقف إيبارشية جَنُوب ألمانيا، أب مبارك،... - [القداس الإلهي (١١)](https://tabcm.net/12421/): لماذا نتناول جسد الرب ودمه في سر الإفخارستيا؟ نعلم أن الرب يسوع المسيح تجسد من العذراء مريم لكي يُخلِّص البشرية... - [مغارة الميلاد في بيت لحم (١)](https://tabcm.net/12412/): يحتفل العالم المسيحي في كل عام بذكرى ميلاد ربنا يسوع المسيح، ويحتفل الغرب بهذه الذكرى في يوم 25 ديسمبر، في... - [مئوية بطريرك.. من يتذكر ومن يدير الصراع؟](https://tabcm.net/12397/): في الذكرى المئة لميلاد مثلث الرحمات، قداسة البابا شنودة الثالث، نتذكر جميعا هذا “الرجل”، والوصف هذا يكفيه، فالكتاب المقدس حرص... - [هل حاول السادات التخلص من البابا شنودة؟](https://tabcm.net/12362/): تعمد السادات زيارة الكاتدرائية ظهرا، حتى إذا جاء ميعاد الصلاة طلب سجّادة ومكانا للوضوء داخل المقر البابوي مصرا أن يصلي... - [أمراء الهيكل يفككون الكنيسة](https://tabcm.net/12357/): * هوجة المزارات للأساقفة المتوفين. * التوغل في عرض رفات الموتى بدون توثيق أو تحقيق أو ضرورة، أو سند كنسي... - [فريسة الابتزاز](https://tabcm.net/12356/): تعالَوا نتفق إن التكوين التشريحي والفسيولوجي لكل النساء والفتيات واحد، وهكذا واحد لكل الشباب والرجال، ما يعني أنه لا توجد... - [الإهمال والجهل بالتاريخ](https://tabcm.net/12352/): من الأمور الغريبة المريبة في التفكير الأصولي والقراءة الأصولية للكتاب المقدّس هو الإهمال والجهل التام للتاريخ. كل أصولي بيقرأ النص... - [الطول والنحت والحرية](https://tabcm.net/12348/): الموضوع أخذ أكبر من حجمه بكثير. .  والأصعب من ذلك. . طرح أسئلة فلسفية عبثية وجودية. . من بعض الظرفاء.... - [إبيفانيوس..
عش ألف عام بعد كل قاتليك](https://tabcm.net/12338/): قُتِل القمر. . وتناقلوا النبأ الأليم على بريد الشمس. . قُتِل القمر! شهدوه مصلوباً تَتَدَلَّى رأسه فوق الشجر ! نهب... - [القداس الإلهي (١٠)](https://tabcm.net/12336/): عن طقس القسمة في القداس الإلهي كما سلَّمه الآباء القديسون يخبرنا العلاَّمة د. جورج حبيب بباوي نقلًا عن الأنبا بطرس... - [سلاما لمن حركت روحه المياه الراكدة](https://tabcm.net/12332/): تمر السنوات سريعًا، واليوم تحل الذكرى الخامسة -فجر الأحد 29 يوليو 2018- لمقتل قارورة الطيب التي انسكبت في كنيسة الإسكندرية،... - [رهبان على طريق السلطة](https://tabcm.net/12167/): الانهيار بدأ مع "رهبنة المجال الكنسي العام"، وهو توجه تبناه بعض شباب أربعينيات القرن الماضي، وهم بعد علمانيون، وسعوا جادين... - [اسقني صوتك](https://tabcm.net/12315/): ‏أسمعُ صوت أجراس إنّه مطر صوتك يطرقُ زجاجَ قلبي ‏أسقني صوتك ليزول عن قلبي عطش الغياب... ‏يثملني صوتك، بأي نهر... - [لاهوت إنهاء الاستعمار](https://tabcm.net/12321/): الاستعمار وإن انتهى إلى حدٍّ بعيدٍ من الناحية العسكريّة إلا إنه حاضر بطريقة أكبر اقتصاديًا وثقافيًا، في عددٍ كبيرٍ من... - [عن الأقليات والخوف وأشياء أخرى](https://tabcm.net/12314/): لماذا ارتبط البخل ذهنيًا عند كثير من الناس في مصر وخارجها باليهود؟ البعض فعلا ممن احتك بهم بالخارج، خاصة في... - [بين حانا ومانا ضاعت قضايانا](https://tabcm.net/12309/): إذا كنت تحاول أن تفهم السر وراء الغضب والهياج والاستياء الشعبي العارم الذي يصدر عن عامة الشعب تجاه بعض الوقائع... - [القداس الإلهي (٩)](https://tabcm.net/12306/): شرحنا قبلًا، كيف أن تدبير الله في خلق الإنسان ثم خلاص الإنسان، أن الله يُريد أن يُعلن ذاته للإنسان لكي... - [الإله المجهول](https://tabcm.net/12300/): للأسف لازال يُعبَد تحت كلمات ومفاهيم شكلها روحي! ! لازلنا نَعبُد الإله الغامض ده، اللي متفهموش، ولا تقدر توصله ده،... - [مصادر تعاليم بولس الرسول (٢)](https://tabcm.net/12165/): يعقد الكاتب مقارنات عديدة بين ما علَّم به القديس بولس الرسول، سواء في رسائله أو أحاديثه وحواراته ومرافعاته أمام الولاة... - [في معنى "العطاء"](https://tabcm.net/12293/): "العطاء" كان واحدة من أهم الإشكاليات التي وقفت أمامها في طفولتي، لم أكن أستوعب مثلًا وصية المسيح "كل من سألك... - [القراءة الأصولية](https://tabcm.net/12143/): المرة دي الوخزة ضدّ الأصوليّة جايه من البابا بندكتوس الـ١٦، من إرشاده الرسوليّ ما بعد السينودس بعنوان “كلمة الرب”. هنا... - [بين "بروس العظيم" و"عرض ترومان"
رحلة "جيم كاري" السينمائية مع الله!](https://tabcm.net/12284/): هل تعرف من الذي لا يؤدي عمله؟ إنه أنت! (جيم كاري، فيلم Bruce Almighty)  هكذا صرخ “بروس” بحنقٍ شديدٍ في... - [بيت لحم أفراتة](https://tabcm.net/12274/): «أَمَّا أَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمِ أَفْرَاتَةَ، وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَنْ تَكُونِي بَيْنَ أُلُوفِ يَهُوذَا، فَمِنْكِ يَخْرُجُ لِي الَّذِي يَكُونُ مُتَسَلِّطًا عَلَى... - [كيف ساهمنا في تغرب الشباب عن الكنيسة؟](https://tabcm.net/12234/): لعقود طويلة حاولت الكنيسة جذب أبناءها إليها واحتواءهم وإشباع احتياجاتهم بشتى الطرق فوفرت لهم الهدية الأسبوعية من صورة وكيكة وعصير... - [مشاكل في التعليم الدفاعي](https://tabcm.net/12246/): الكلام زايد اليومين دول في موضوع التعليم في مواجهة الناس اللي بتسيب المسيحية، خاصة التعليم عن اللاهوت الدفاعي. أنا هحط... - [مصادر تعاليم بولس الرسول (١)](https://tabcm.net/12010/): في تتبعنا لطرح الكاتب ندرك أنه لا يتبنى منهج كتابة المناظرات، أو الكتابة الجدلية، الدفاعية، ولا تستغرقه الكتابة التأملية التي... - [طريق](https://tabcm.net/12221/): يخال لي الطريق رأسيًا كبِئر أشعُر إني غارقة في العُمق والرصيف بطوله مزروعًا في صَدري الأشجار هنا. . في حِزمةٍ... - [زهرة أزعجت نجمة..أثر "الصحافة للحوار"](https://tabcm.net/12231/): كوب شاي مثبت على سور شُرْفَة، صافرة قطار تصدح في أركان المدينة، قطة تجري بلوثة أمام سيارة على طريق سريع،... - [مغالبة الشيطان:
الطريق إلى الخلاص](https://tabcm.net/12230/): كيف فعلها الشيطان؟ كيف نجح؟!   اطرق الكاتب الأميركي نابليون هيل مفكرًا، ثم رفع رأسه واستفسر من الشيطان نفسه "كيف... - [جدة الحياة](https://tabcm.net/12225/): أتى أخٌ إلى الأب مقاريوس وقال له: «يا معلم قل لي كلمةً تنفعُني». فقال له القديسُ: «امضِ إلى المقابرِ واشتم... - [القداس الإلهي (۸)](https://tabcm.net/12223/): هناك حقيقة أساسية عن علاقة الله بالإنسان، صارت خافية عن البشر منذ أن سقط آدم ودخل الموت طبيعته فضاعت الرؤية... - [كائنات تمنح السلام](https://tabcm.net/12218/): في عالمنا اليوم نعاني من ضغوطات يصعب احتمالها بين أزمات اقتصادية وأخبار الصراعات والحروب، في وقت لم نفق فيه مما... - [الفكر اللاهوتي للقديس بولس](https://tabcm.net/12008/): هذا الفصل يصح تسميته "إعداد الخادم حسب بولس الرسول"، والخادم هنا عنوان يندرج تحته كل من يُختار لخدمة الكلمة وخدمة... - [أوردر دليفري](https://tabcm.net/12205/): دقت الرابعة مساءًا بالضبط، تسمرت للحظة غير مصدق، فلم أعتقد أن لهذا اليوم السيئ نهاية، تركت كل شيء مكانه، ونزعت... - [إشكالية الحذاء](https://tabcm.net/12141/): «لا تقتَرِبْ إلى هُنا. اخلَعْ حِذاءكَ مِنْ رِجلَيكَ، لأنَّ المَوضِعَ الّذي أنتَ واقِفٌ علَيهِ أرضٌ مُقَدَّسَةٌ» (سفر الخروج ٣: ٥)... - [نابليون هيل: مغالبة الشيطان](https://tabcm.net/12190/): ربما كان الكاتب الأميركي الأشهر "نابليون هيل" هو أفضل وأهم من أسس -وربما دون دراية مباشرة منه-  أصول ومبادئ تطوير... - [الشفقة/ التحنن/ الرحمة (٢)](https://tabcm.net/12193/): «كونوا جميعًا متحدي الرأي، بحسٍّ واحد، ذوي محبةٍ أخوية، مشفقين، لطفاء» (1بط 3: 8) الشفقة والحنان والرحمة في أمثال الرب... - [القداس الإلهي (٧)](https://tabcm.net/12191/): إن القداس الإلهي يختص بالكنيسة والمسيح. لذلك ينبغي أن نعرف كيف يرى المسيح الكنيسة حتى نفهم ما يجري في القداس.... - [لحم ضأن على مائدة المسيح](https://tabcm.net/12174/): خلال ورشة عمل تدريبية على الكتابة، استكشفنا أنثروبولوجيا الطعام وتأثيراتها على كل من الجوانب الجسدية والعقلية لحياتنا. لقد تعمقنا أيضًا... - [صفات القديس بولس](https://tabcm.net/12006/): يفتتح الكاتب اقترابه من صفات القديس بولس بتقرير أن الصفة الأبرز عنده هي “صفة التغيير والقدرة على تخطى الماضي للإمساك... - [سيدة الأوتوبيس الأخضر](https://tabcm.net/12157/): كالغريق الذي لمح جزيرة وسط عرض البحر، وكالتائه في الصحراء القاحلة الذي لمح واحة خضراء غناء تتدفق المياه من جوانبها،... - [الجهل المركّب](https://tabcm.net/12139/): الأصوليّة المسيحيّة في نسختها المصريّة لها طابع خاصّ غير موجود في النسخة الأمريكية، وهو مبدأ ليه أشغل مخي وأدور على... - [ومرت الأيام سريعا](https://tabcm.net/12121/): أربع وخمسون عاما مرت من عمري بحلوها ومرها، فيها الكثير من الانتصارات والانكسارات وبها العديد من النجاحات والإخفاقات، ومع كل... - [الشفقة / التحنن / الرحمة](https://tabcm.net/12130/): ” كونوا جميعاً متحدي الرأي، بحسٍّ واحد، ذوي محبةٍ أخوية، مشفقين، لطفاء ” (1بط 3: 8) هذه الآية تحتوي على... - [اللاهوت المسيحي وعي شخصي](https://tabcm.net/12117/): المسيحية "ملء الزمان" لأن فيها حقق الله ملء غايته من جهتنا إذ أعطانا ذاته: "هوذا السيد يعطي نفسه آية". -الله... - [عن تطور أيديولوجيا اليسار](https://tabcm.net/12110/): في مرحلة ما بعد الحداثة وبعد تآكل نظام العمل بمفهومه القديم القائم على الصراع الطبقي بين الطبقة البرجوازية وطبقة البروليتاريا،... - [مسيحية بولس الرسول (٢)](https://tabcm.net/11823/): يضع الكاتب إصبعه على مفتاح فكر بولس الرسول ويجول إحصائيًا في رسائله وكلامه في مختلف ظروفه، دفاعًا أمام ولاة وملوك... - [كشري وصاية](https://tabcm.net/11940/): منهكاً جائعاً لمحته من بعيد يقف شامخاً، يتحدى الزمن بأدواره الأربعة المكدسة طوال الوقت، سرت نحو قصر أبو طارق للكشري... - [أحادية الخريطة المعرفية](https://tabcm.net/12099/): «نفرتاري، أنتِ التي من أجلها تُشرق الشمس! » (الملك رمسيس الثاني لزوجته – جدران معبد أبو سمبل) الملك رمسيس الثاني... - [إنياجرام الكنيسة الهشة](https://tabcm.net/12087/): حالة من الجدل زادت وتيرتها حول القمص داود لمعي ومجموعة من العاملين معه بسبب "فنكوش" جديد/ قديم هو "الإنياجرام" والمسمى... - [ليفنهوك ونشأة العلم الحديث](https://tabcm.net/12085/): كانت الحياة في أوروبا في منتصف القرن السابع عشر تسير على وتيرة واحدة، ساد فيها، في ذلك الوقت، أقوالٍ تناقلنها... - [القداس الإلهي (٦)](https://tabcm.net/12079/): الحضور الإلهي في الجسد دخـول بالأبديـة فوق البُعـد الزمـاني والمكـاني للإنسان. خلق الله الإنسان ووضعه في جنة عدن / فردوس... - [أخلاق العبيد](https://tabcm.net/12019/): كتبت صديقتي على حائطها بالفيسبوك، تعليقًا على الرغبة المحمومة في غلق المواقع الإباحية، ما يلي: الإجبار على الفضيلة، لا يصنع... - [أسطورة سليمان خاطر](https://tabcm.net/12040/): «في حوالي الساعة العاشرة من صباح الثلاثاء 7 يناير 1986، وأثناء المرور اليومي للحراس على الرقيب المسجون «سليمان محمد عبد... - [استحضار العبودية](https://tabcm.net/12067/): «كل اللي غيّره المسيح بخصوص العهد القديم خلاص اتغير، لكن اللي مجابش سيرته في العهد الجديد يبقى ساري» دي جملة... - [أزمة الكنيسة في نصف قرن](https://tabcm.net/12065/): مجموعة عوامل ممكن تدمر أي كنيسة في العالم وتفشلها. السعي وراء المال لما يكون هدف الكنيسة الأول والأخير هو جمع... - [العالم مبني على الرحمة](https://tabcm.net/12061/): من يدرس كلمة الله في الكتاب المقدس، فإنه يجد إن جذور الصلاح في هذا الكتاب مبنية على الرحمة، الرحمة للقريب... - [القداس الإلهي (٥)](https://tabcm.net/11999/): “قبلوا بعضكم بعضًا بقبلة مقدسة”. (صلاة الصلح، القداس الإلهي) بسقوط آدم في الخطيئة تغرَّب الإنسان عن الله الحياة. فدخل الموت... - [أيديولوجيا متى المسكين](https://tabcm.net/12024/): عندما نفرق بين الأب متى المسكين، والبابا شنودة الثالث، فنحن نفرق بين تيارين مختلفين لا يلتقيان: الأول: يرى أن التربية... - [مسيحية بولس الرسول (١)](https://tabcm.net/11821/): ثلاث سنوات بين قيامة الرب يسوع وبين ظهوره المباغت لبولس الرسول، وثلاث سنوات تالية قضاها القديس بولس في منطقة "العربية"،... - [خير يا دكتور؟](https://tabcm.net/11945/): أغلب الظن أن ذلك قد حدث كاستجابة لدعاوي جارتنا العجوز، تلك التي أعتدت أن أفجر كمية من "البمب" دفعة واحدة... - [ما بين الروحانية الرعوية (الإيبارشية) والروحانية الرهبانية](https://tabcm.net/11812/): (تأمّلٌ شخصيّ جدًّا ليس للتعميم) الدعوة إلى الكهنوت، في صورتها الإيبارشيّة هي دعوة محليّة جدًّا. بمعنى أنّها تجسّديّة، مثل المسيح،... - [أزمة التفسير الحرفي للكتاب المقدس](https://tabcm.net/12005/): إن الإصرار على الفهم والتفسير الحرفي للكتاب المقدس كارثة وجنون مطبق، وليس منظورًا مسيحيًا على وجه الإطلاق. وحي الكتاب مسيحيًا... - [هل أنت يسوع؟](https://tabcm.net/11990/): استدعى أحد المديرين وكلاءه من مدن قريبة، وبعد أن تجمعوا وانتهى الاجتماع، كان عدد منهم في مطار العاصمة للعودة، وقد... - [القداس الإلهي (٤)](https://tabcm.net/11977/): “هوذا الرب يعطي ذاته آية“. ربما هذه الآية مفتاح لفهم تقوى الكنيسة الشرقية وأين تكمن القوة في ممارستها لصلواتها الليتورجية.... - [روما - الإسكندرية
٢- قطيعة معرفية](https://tabcm.net/11979/): جرت عدة جولات من حوار اللجان التي تشكلت بين كنيسة الإسكندرية والكنيسة الكاثوليكية، التي كانت نتاج اللقاء الذي احتفلنا مؤخرًا... - [حادث دمشق](https://tabcm.net/11819/): واقعة الظهور المباغت من الرب يسوع لبولس تؤكد أن تدبير الرب لبيعته لم ينقطع أو يتوقف بعد أن أتم للبشرية... - [إنّهم يعشقونها](https://tabcm.net/11833/): “أنا بموت فيه... هو فيه حلاوة كده يا ناس! ! ” هكذا تمتمت قريبتي مدام “سوسن” مالكة أحد أكبر محلات... - [المرحلة الخامسة:
غريبٌ يساند في حمل الصليب](https://tabcm.net/11817/): يساعد شخصٌ غريب يسوعَ في حمل صليبه! الغرباء أشخاصٌ نخشاهم، مَن الغرباء الذين أشعر بالخوف منهم؟ بالسخرية والتنمّر عليهم؟ ما... - [الطائفية، إلى أين؟](https://tabcm.net/11958/): الصورة المرفقة مفصحة عن "كراهية" طائفية من أرثوذكس للكاثوليك، وقد أطلقها أحدهم وقت زيارة البابا تواضروس للفاتيكان، ولتسمحوا لي باستخدامها... - [ضحكات طفل](https://tabcm.net/11952/): كنت أجلس في مطعم الحي الذي نعيش فيه، أنا وزوجي، مع طفلي الذي لا يتجاوز عامه الثاني، وقد أجلسته على... - [القداس الإلهي (٣)](https://tabcm.net/11911/): يعتمد هذا المقال على ما كتبه العلامة الدكتور بباوي الذي جاء بقولين لإثنين من آباء الكنيسة القديسين: “نحن نولد من... - [ثراء رؤيا يوحنا، وأحلامنا الفقيرة](https://tabcm.net/11930/): هل سبق لك أن حاولت التقاط حلم؟ في المدرسة وأثناء جلسات النميمة، غالبًا ما كنت أستمع إلى زميلاتي وهن يشاركوني... - [شاول يضطهد الكنيسة](https://tabcm.net/11695/): كان شاول (بولس) يحرس ثياب القاتلين وهم يرجمون إستفانوس، بل وراضياً عن فعلهم هذا، ولكن لماذا إستفانوس، ولماذا تحول موقف... - [إنّهم يكرهونها](https://tabcm.net/11830/): قريبي يكره الثورة، فهو يحملها مسئولية سرقة مخزن شركته مرتين متتاليتين بالإضافة إلى “ميكروباص” صغير تابع للشركة بإجمالي خسائر ربع... - [المرحلة الرابعة:
الأمّ، والابن حامل الصليب](https://tabcm.net/11815/): «أمّا أمّه فكانت ترى هذه الأمور وتحفظها في قلبها». تشاهد مريم ابنها مقبوضًا عليه فينقبض القلبُ ويعتصرُ ألمًا. ينظر الابنُ... - [شارع الكنيسة المنتقمة
("الكنيسة المجاهدة" سابقا)](https://tabcm.net/11914/): فَأَيَّ هؤُلاَءِ الثَّلاَثَةِ تَرَى صَارَ قَرِيبًا لِلَّذِي وَقَعَ بَيْنَ اللُّصُوصِ؟» فَقَالَ: «الَّذِي صَنَعَ مَعَهُ الرَّحْمَةَ». فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «اذْهَبْ أَنْتَ... - [ذات اللؤلؤة](https://tabcm.net/11803/): اكتشف العالم ليفنهوك الميكروسكوب، ليرى الإنسان تلك الكائنات الدقيقة التي وجدت في الكون ولم يرها الإنسان من قبل. وكان من... - [وهل أنت مؤمن؟](https://tabcm.net/11863/): راسلته صديقته الملحدة قائلة: “هل تؤمن بالله أو بأي إله؟ أنا شخصياً لا أؤمن بوجود إله. كما أني بصراحة أجد... - [شاول الفريسي وحال الكنيسة](https://tabcm.net/11693/): ما بين سفر الأعمال ورسائل بولس المتعددة يلتقط الكاتب من لسان بولس نفسه تعريفاً دقيقاً لخلفياته الفكرية وتوصيفه لنفسه وموقفه... - [قاهرة الأحلام](https://tabcm.net/11827/): لا توجد مدينة في العالم كله تحمل اسما على مسمى بمثل هذا الوضوح، اسما يصف حالها بكل دقة، مدينة تمددت... - [المرحلة الثالثة:
المسيح يسقط تحت الصليب](https://tabcm.net/11813/): يسقط المسيح للمرة الأولى تحت ثِقَل الصليب. نعم، العار والعثرة التقيا! ولم تزل تسبّبها المسيحية حتى اليوم. فهي تؤمن بإلهٍ... - [شئ له [٢]](https://tabcm.net/11781/): ‏جميعهم يسيرون على أسطحك النظيفة أما أنا؛ فدعني أتوحّل بتفاصيلك وإنْ ضاقَت بكَ اللّحظات أوسَعتُ لكَ الأبد في خلايا دَمي.... - [ورود وسط الأشواك](https://tabcm.net/11802/): من عجائب المخلوقات أن نجد الأشواك حين تنمو تتحول إلى ورود يانعة لها ألوان رائعة. فلا نتعجب إذاً إذا رأينا... - [القداس الإلهي (٢)](https://tabcm.net/11793/): نقلا بتصرف عن حبيب المسيح العلامة الدكتور جورج حبيب بباوي: إن القداس الإلهي هو بكل يقين حضور دائم وليس تكراراً... - [إعادة معمودية الخلقيدونيين!](https://tabcm.net/11735/): بداية، فاعلم يا عزيزي إننا الكنيسة الوحيدة اللا-خلقيدونية التي تنفرد بهذه الوصمة! نعم، فالكنيسة الأرمينية، والكنائس السريانية والهندية، أشقاء الإيمان،... - [تشكيل شاول لقبوله الإيمان](https://tabcm.net/11691/): لم يشتبك القديس بولس مع المسيحية ـ مقاوماً ثم مؤمناً ـ من فراغ، بل وفق خطة إلهية محكمة كانت تعده... - [الأسطورة](https://tabcm.net/11721/): الحياة في الكويت و في دول الخليج عامة بدون سيارة خاصة معاناة لا حدود لها، لا يعرفها إلا من يعيش... - [التألّه: شوق الإنسان إلى الله](https://tabcm.net/11748/): « قال له فيلبّس:”يا سيّد، أرنا الآب وكفانا” » (إنجيل يوحنا 14: 8) رغبة فيلبّس في رؤية وجه الآب تعبّر... - [لا حماية إيمان ولا يحزنون](https://tabcm.net/11747/): منذ الإعلان عن الزيارة التي يبدأها غدا البابا تواضروس الثاني، بابا كنيسة الإسكندرية، إلى البابا فرنسيس، بابا كنيسة روما، وثائرة... - [النعم الإلهية](https://tabcm.net/11744/): الإبصار نعمة والصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى. كان توم شاباً في مقتبل العمر، أزرق العينين، فاتح... - [القداس الإلهي (١)](https://tabcm.net/11749/): نقلاً بتصرف عن حبيب المسيح العلامة الدكتور جورج حبيب بباوي: – كلمة قداس هي كلمة سريانية وتعني الصلوات التي يتقدس... - [روما - الإسكندرية
تاريخ مجيد وانفصال أليم](https://tabcm.net/11645/): على الرغم أن كنيستنا – مع كراسي أورشليم، وأنطاكية، ثم القسطنطينية لاحقا – تنتمي للإرث اليوناني، إلا أن اقرب الكنائس... - [فك رموز العهد القديم](https://tabcm.net/11689/): ما زلنا مع تقديم الكاتب لكتابه واقترابه من رسائل القديس بولس لتلاميذه وكنائسه، وهو هنا لا يؤدي دور الباحث الأكاديمي... - [بتاع عربية الفول](https://tabcm.net/11538/): لا أعرف ما الذي يدفعني يومياً لشراء الفول من عند العربية إياها "المتلقحة" تحت البيت، هل هو غرامي وعشقي للفول... - [يسوع ورجال الدين في العالم العربيّ](https://tabcm.net/11686/): حينئذ، خاطب يسوع الجموع وتلاميذه قائلًا: على بعض كراسي تلاميذي جلس الكتبة والفرّيسيّون. فليس كلّ ما قالوا لكم أن تحفظوه... - [علاقات افتراضية](https://tabcm.net/10954/): مبقاش حد بيحارب على بقاء العلاقات، الكل بقى شايف وحاسس إن عنده عالم بديل، حتى لو كان عالم مريض، عالم... - [عن لقاء البابا تواضروس بصحفيي الشأن الكنسي](https://tabcm.net/11681/): في ضيافة بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، الأنبا تواضروس الثاني، نظم المركز الإعلامي للكنيسة القبطية الأرثوذكسية لقاء "لنعمل معًا" للصحفيين... - [رحلة أيوب الصديق](https://tabcm.net/11635/): ورث "أبو سالم" عن أبيه ضيعة فسيحة في شمال سيناء، وورَّثها لـ"سالم" ابنه الوحيد، فاهتم بها ورعاها أحسن رعاية. كانت... - [سيدنا مار أبقطي [٢]](https://tabcm.net/11644/): سنتناول في هذا المقال الأساس المستخدم لحساب الأبقطي وطريقة تحديد التاريخ المناظر لموعد ذبح خروف الفصح اليهودي (وهو 14 نيسان... - [اقتراب محفوف بالتربص](https://tabcm.net/11094/): أحسب أن الاقتراب من الكتاب والكاتب أمر محفوف بالمحاذير التي شكلتها الحالة القبطية المعاشة، فيما يتعلق بالكاتب، وشكلتها الحالة الفكرية... - [نقابة العاطلين](https://tabcm.net/11543/): تجمعنا نحن العاطلين قهوتنا المميزة في وسط البلد، تلك التي نتخذها عنواناً مميزاً لنا لشهرتها الكبيرة، فقد اشتهرت قهوتنا -... - [شيء له [١]](https://tabcm.net/11637/): آمنتُ بِكَ حُباً وكفرتُ بكل المذاهب بعدك يا رجلاً تنحاز إليه جوارحي بخشوعٍ وتضرُع تتبعه كالضوء كالقداسة ويُذيب تماسكي من... - [خناقة كل عيد](https://tabcm.net/10950/): عارف يا دكتور عمري وأنا صغير ما حسيت بليلة العيد ولا يوم العيد، بابا وماما كانوا على طول بيتخانقوا زي... - [الابن الوفي "وان"](https://tabcm.net/11633/): رن تليفون البيت: "السيد "وان"، لقد تم قبولك في المدرسة كمدرس، فهنيئاً لك ومرحباً". "شكراً، سيدتي". “وان” هو الابن الوحيد... - [موقف الله من سقوط الإنسان](https://tabcm.net/11541/): خلق الله الإنسان قديساً علي صورة الله في القداسة لكي يمكن أن تكون بينهما علاقة شركة بين القدوس والقديسين. ولما... - [سيدنا مار أبقطي](https://tabcm.net/11152/): يحتل "حساب الأبقطي" مكانة بارزة في الوجدان الشعبي القبطي، باعتباره الحساب الذي صيغ محليًا لتحديد توقيت عيد القيامة سنويًا، دون... - [الباباوان، فرنسيس وتواضروس، يلتقيان من جديد](https://tabcm.net/11600/): البابا تواضروس الثاني، سيزور روما في الفترة من 9 إلى 14 مايو 2023 بعد عشر سنوات من لقائه مع البابا... - [كتاب "بولس الرسول" للأب متى المسكين](https://tabcm.net/11091/): نبدأ معًا عرض كتاب (القديس بولس الرسول ـ حياته * لاهوته * أعماله) للأب متى المسكين. وهو كتاب يقع في... - [نعم، نضجنا قبل الآوان](https://tabcm.net/10991/): فجأة. . انتبهت إلى أنني سأتم عامي الخامس والثلاثون بعد أيام قليلة. . صدمتني تلك الحقيقة البسيطة وجعلتني أتساءل بجدية.... - [المرحلة الثانية:
المسيح يحمل صليبه](https://tabcm.net/11475/): يحمل المسيح صليبه سائرًا في شوارع المدينة. فيلتقي بالفلاّحين الكادحين والباعة الجائلين من أطفالٍ وكبار، والموظّفين يحملون صلبانهم. يبدو أن... - [العيد](https://tabcm.net/10959/): وقفت سيدة في العقد الرابع من عمرها أمام مكتب الأب الكاهن المسئول عن احتياجات الفقراء ويبدو أنها كانت تنتظر لساعات... - [جمعة الصلبوت يوم فرح وليس يوم حزن](https://tabcm.net/11444/): جمعة الصلبوت هي يوم فرح إلهي وليس يوم حزن بشري،  لأنه يوم عدل إلهي للشفاء وليس عدل بشري للقصاص والعقاب... - [رؤية لآلام المسيح المحيية](https://tabcm.net/11437/): أولا لو كان لي القرار لأزلت كل مظاهر الحزن والشارات والستائر السوداء التي تتشح بها الكنيسة في أسبوع آلام المسيح... - [المسيح يُصلب من جديد](https://tabcm.net/11192/): لا تختلف جماهير اليهود قديمًا أيام المسيح كثيرًا عن جماهير المسيحيين أو غيرهم خاصة على "السوشيال ميديا" هذه الأيام، فبتحريض... - [هل تناول يهوذا من الإفخارستيا؟](https://tabcm.net/11333/): في الحقيقة، الموضوع محسوم أبائيا لصالح تناول يهوذا من الإفخارستيا - [هل نضجنا قبل الآوان؟](https://tabcm.net/10987/): أقلب صفحات الفيسبوك فأجد معظم صور "بروفايلات" أصدقائي قد تحولت لصور أطفالهم، فأتعجب، متى أنجب هؤلاء تلك الكَمّيَّة المهولة من... - [المرحلة الأولى:
يسوع محكومًا عليه بالموت](https://tabcm.net/11096/): المرحلة الأولى: لنتأمّل يسوع محكومًا عليه بالموت. (متّى ٢٦: ٥٨-٦٧) الصوة التي يرسمها أغلب أنواع التديّن الشعبيّ المصريّ مع بعض... - [ليلة القبض على يسوع](https://tabcm.net/10957/): كنت أتتبع يسوع الناصري منذ اختارني، كان دائما يقول ليس أنتم من اخترتم بل أنا من اختاركم وأقمتكم لتذهبوا وتأتوا... - [الجِنْدَرِيَّة وحقوق الإنسان](https://tabcm.net/10965/): الجِنْدَرِيَّة تتعاطى مع الناحية الاجتماعية، أي الوضع الاجتماعي والمواقع التي تُوَزَّع على المرأة والرجل ليس من ناحية الجِنس SEX، لذا... - [مقاصيف الرقبة](https://tabcm.net/10993/): أينما وجد للرب حقولا وشعبا، فلا بد أن توجد الذئاب المسعورة، قاعدة كتابية وتاريخية لم تخب أبدًا، تختلف فقط في... - [الكلب والبجع](https://tabcm.net/10969/): في البلاد الإسكندينافية (السويد والنرويج وفنلندا والدنمارك وأيسلندا) تكثر المياه الضحلة التي يتوالد فيها السمك بكثرة، ولذا يكثر أيضاً الصيادون... - [الكنيسة الفارغة تخرج زوسيما وأمثاله](https://tabcm.net/10996/): عندما تجلس في مَقْعَد المتفرج وتشاهد المناقشات والموضوعات التي تدور في أروقة كنيسة الإسكندرية تتحسر على حال الكنيسة التي أسست... - [الكنيسة لا تُدار من القبر](https://tabcm.net/10976/): قبل نهاية فبراير الماضي، ألقى مطران سمالوط خطابًا انتقد فيه من يقارن بين البطريرك الراحل الأنبا شنودة الثالث وخليفته البابا... - [أبانا الذي [۲]](https://tabcm.net/10937/): «أبانا الذي في السموات، ابقَ مكانك، وسنبقى نحن على الأرض التي تكون أحيانًا جميلة كلّ الجمال! » هكذا تغنّى الشاعر... - [شجرة تين](https://tabcm.net/10952/): بعد يوم حافل بالخدمة التف حولي مجموعة من شباب وشعب الكنيسة، البعض كان يمدحني على الوعظة التي ألقيتها في قداس... - [التعليم الغنوصي وتعليم بولس الرسول](https://tabcm.net/10963/): يمكننا إدراك كلمات الرسول بولس إن اطلعنا على الفكر الغنوصي الذي كان يتسرب إلى الكنيسة منذ العصر الرسولي. لقد كان... - [حتمية التجسد والإخلاء الإلهي](https://tabcm.net/10961/): لقد سقط الإنسان فريسة لخداع الشيطان الحية القديمة، ولم يكن اختيار إرادته الحرة متوافقاً مع إرادة الله بالبقاء في مجال... - [أثقل من الهرم](https://tabcm.net/10935/): نُشرت في مجلة مرقس عدد أبريل 2020 - [الانجماع في الليتورجية القبطية](https://tabcm.net/10919/): نجد العديد من الإشارات في نصوص الليتورجية القبطية إلى اتحادنا الكياني بالمسيح، كما سنرى في النصوص الليتورجية التالية. حيث نجد... - [من سجل خطاياي](https://tabcm.net/10926/): لأنا ‏كُتله من أفكارٌ معقدة ومُعاناة مُتراكمة لقد أرهقني الأم أكثر مما فعل اليأس السنين تركضُ حافية وأنا لم أنْتَعل... - [أتريد أن تبرأ؟ لا ياسيدي](https://tabcm.net/10876/): أغمضتُ عينيَّ للحظات وتخيلت نفسي مقعدٌ مكان مريض بيت حسدا، مقعدٌ في نفس المكان في أورشليم عند باب الضأن ملقى... - [أبانا الذي](https://tabcm.net/10894/): أبانا الذي فينا هنا على الأرض، ليتقدّس اسمُك في الجوعى، الذين يتقاسمون خبزهم وأغنيّتهم. ليأتِ ملكوتُك، على هذه الأرض الصالحة... - [ترنيمة الموت الأخيرة](https://tabcm.net/10924/): هل رأيت مشهد العازفين في فيلم تيتانك؟ في واقع الأمر أن شيوخ "الدوجماتية" وأقطاب الفريسية يتصرفون بنفس الطريقة والكيفية. المركَب... - [الادعاء باستحالة تقرب الله للإنسان](https://tabcm.net/10911/): هناك استحالة في أن يتعرف المخلوق إلى ذات الخالق أو الاتصال به دون تدخل الله الخالق، وإلا أصبح لا فرق... - [الانجماع في تعاليم آباء الكنيسة الجامعة [٣]](https://tabcm.net/10851/): نستكمل في هذا المقال تعاليم آباء الكنيسة الجامعة عن "الانجماع الكلي واتحاد البشرية بالمسيح". القديس يوحنا ذهبي الفم يُصادِق ق.... - [امرأة قوية جائعة في مجتمع متدين بطبعه](https://tabcm.net/10873/): لم تكن مشكلة المرأة السامرية الشبق الجنسي لذلك كانت كثيرة الزواج، بل على العكس كان أزواجها الخمسة يبحثون عن متعة... - [إنجيل الاغتراب وإنجيل التجسّد](https://tabcm.net/10891/): نادرًا ما يشدِّد علم اللاهوت في مصر على الجانب العمليّ للاَّهوت. فيهمل أنّ اللاهوت يخلق علاقة جديدة بين الإنجيل وتطبيقه... - [يجيلك منين الشر وأنت ماعملتش الخير!](https://tabcm.net/10898/): عند سماعي لتلك المقولة للمرة الأولى لم أفهمها، فطلبت من قائلها تفسيرا، فأخبرني أن الشر يأتي في جناح الخير. فأغلب... - [الحب الحقيقي عند الإنسان وسر الخلق عند الله](https://tabcm.net/10909/): لقد ربط علم النفس بين مراحل نُضْج شخصية الإنسان بمراحل تطور ونضج مشاعر الحب الإنساني وصولاً إلى مرحلة اكتماله بعد... - [بولكيريا
ليليث تضرب من جديد](https://tabcm.net/10818/):  تحكي الميثولوجيا الإنسانية أن لآدم الأول زوجة أولى اسمها "ليليث" أصبحت مصدر خَشْيَة الجميع، الترابية التي خلقت بمساواة مع رجلها... - [الانجماع في تعاليم آباء الكنيسة الجامعة [٢]](https://tabcm.net/10850/): نستكمل في هذا المقال تعاليم آباء الكنيسة الجامعة عن "الانجماع الكلي واتحاد البشرية بالمسيح". القديس كيرلس الأورشليمي يؤكد ق. كيرلس... - [كتاب عشقه](https://tabcm.net/10866/): كتاب عشقه عنوانُه: رجلاً أكتمل بأحشاء حبيبته أقف أمام عينية عارية الأفكار وأرتدي كل جنونه ‏ورائحة افتراضية للمساء، قهوةٌ وأنت... - [خدعوك فقالوا البيئة المناسبة للنجاح](https://tabcm.net/10870/): البيئة المناسبة للنجاح، عنوان "أهبل" و"عبيط" صنعه الفاشلون ليكون شماعة يعلقون عليها فشلهم، وملأ به أذاننا تجار الكلام الفارغ، لا... - [كارهي النجاح لأنفسهم يحبون فشلك](https://tabcm.net/10879/): هناك ظاهرة منتشرة في بر مصر المحروسة يمكن أن تجدها في بعض المجموعات أو على مستوى الأفراد، وهي أنه لا... - [” تدبير الخلاص“ وتكميل ”تدبير الخلق“](https://tabcm.net/10862/): تكلمنا في مقالات سابقة عن سر الله في تدبير الخلق. وأنه بمثابة حضور لله فيما خلقه وليس تنزيه الله عن... - [استثمارات الخوف](https://tabcm.net/10821/): أغسطس 1995: تنعي الصحف المصرية 17 طالباً جامعياً غرقوا بأحد الشواطئ. غرقوا جميعاً واحداً تلو الآخر وهم في محاولة لإنقاذ... - [الانجماع في تعاليم آباء الكنيسة الجامعة [١]](https://tabcm.net/10849/): في هذا المقال نستعرض جزء من تعاليم آباء الكنيسة الجامعة عن "الانجماع الكلي واتحاد البشرية بالمسيح. القديس إيرينيؤس أسقف ليون... - [بارك صواريخ السنة](https://tabcm.net/10837/): بعد مرور أكثر من عام على اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، أتذكر هذا الفيديو الخاص بطقس مباركة الأسلحة في الجيش الروسي.... - [النسطورية.. دليلك الفريد للنقد والتفنيد](https://tabcm.net/10830/): يؤطر لنا القديس كيرلس القاعدة الذهبية قائلا: "لا نعود نتكلم عن طبيعتين بعد الاتحاد"، فما تم من طبيعتين، لا يعود... - [أيها الأسقف.. من أنت [١٥]](https://tabcm.net/10718/): خاتمة هذه السلسلة. . حاولت عبر سطوري السابقة أن اقترب من رتبة "الأسقف" حسب ترتيب كنيستنا القبطية الأرثوذكسية، وقد واجهني... - [انجماع البشرية بالمسيح
من منظور الكتاب المقدس](https://tabcm.net/10789/): يتحدث إنجيل يوحنا عن أن المسيح جاء ليجمع أبناء المتفرقين إلى واحد في شخصه كما تنبأ رئيس الكهنة في هذه... - [‏ثم ماذا؟](https://tabcm.net/10801/): ثم ماذا؟ ‏ثم إن الرحيل اقتلع عيون الترقب صلبَ أطراف القلب عمدا وقطع وريد الروح بصمت فسال اليأس على جيد... - [لماذا غضب أبناء البابا شنودة من الأنبا بفنوتيوس؟](https://tabcm.net/10810/): الأسبوع الماضي كان الأنبا بفنوتيوس مَطْرَان سمالوط حديث مواقع التواصل الاجتماعي بعد أن سمح لكتب الأكاديمي الراحل دكتور جورج حبيب... - [أيها الأسقف.. من أنت؟ [١٤]](https://tabcm.net/10645/): ذهب طيف من الباحثين إلى أن صاحب سفر "الرؤيا" كان يشير إلى أسقف الكنيسة ويعنيه بكلمة "ملاك كنيسة كذا" في... - [ظهور بدعة التهود في مغاغة](https://tabcm.net/10807/): حقيقية لم أتعجب حين سمعت أسقف مغاغة في واحدة من طلعاته الفضائية على مواقع التواصل الاجتماعي يقول فيما معناه "إننا... - [لم تتركنا عنك إلى الانقضاء](https://tabcm.net/10370/): الفلسفات والديانات القديمة تؤمن بأزلية الكون والمادة وخلود الإنسان، أما المسيحية فتؤمن بأن الإنسان خُلِقَ من العدم  أو اللا وجود.... - [النسطورية: اقتراب حذر](https://tabcm.net/10777/): هناك مجموعة من المنطلقات أخذها الآباء كضرورة مع محاولة فهم التجسد، وتكوين نموذج كريستولوجي يستلهم مقاصد التدبير الإلهي لحدث التجسد.... - [الانجماع الكلي واتحاد البشرية بالمسيح](https://tabcm.net/10788/): تتناول هذه السلسلة موضوع ”الانجماع الكلي واتحاد البشرية بالمسيح“ من منظور كتابي، آبائي، ليتورجي، من أجل الوقوف على أفضل تصور... - [سوء الحظ والألم والشر.. مسؤولية من؟](https://tabcm.net/10784/): قد تصادف يوما ممن يتم تصنيفه بأنه يوم سوء الحظ، فحين تذهب إلى المحطة وتجد الأوتوبيس أو القطار قد غادر... - [أيها الأسقف.. من أنت؟ [١٣]](https://tabcm.net/10426/): شيء ما اقتحم الكنيسة مع انتصاف القرن العشرين، فيما كان العالم يعيش تداعيات ما بعد الحرب العالمية الثانية (1939 ـ... - [القط الذي علمني درسا لاهوتيا](https://tabcm.net/3506/): شفت ناس اعتقادها عن الله إنه بيتعامل مع البشر كطفولتي المشردة مع القط! يبعتلهم ڤيروس علشان يحتاجوه؟ علشان يصلوا ليه؟... - [التجسد لاستعلان ذات الله الواحد](https://tabcm.net/4079/): ذكرنا في مقال سابق أن من ضمن الأسباب الأساسية للتجسد الإلهي كان استعلان جوهر الله في ذاته أنه آب وابن... - [لا خلاص خارج إيبارشية مغاغة](https://tabcm.net/10729/): بيان هرطوقي رقم ٧٨٩٥٤٤ صادر من "إيبارشية" مغاغة والعدوة والعصور الوسطى مذيل ببصمة فضيلة المرشد العام لجماعة حماة الإيمان القبطية... - [عيد الحب](https://tabcm.net/10716/): من أكتر المفاهيم اللي اتلخبطت واتشوهت هو مفهوم الحب فاسمحوا لي نراجع مع بعض إيه هو الحب قبل ما نحتفل... - [تذكرة ذهاب وغياب [۲]](https://tabcm.net/10686/): وكيف تعتاد هذا الغياب الحاضر وهذا الحضور الغائب؟! هي تلك العاشقة التي تنقش حروف الشوق على رصيف الغياب علها تصل... - [حمامة الايمان](https://tabcm.net/10704/): منذ عدة أيام انتشر مقطع فيديو يتحدث خلاله الأنبا غبريال أسقف بني سويف، مجيبًا على سؤال حول وقوف حمامة على... - [أيها الأسقف.. من أنت؟ [١٢]](https://tabcm.net/10354/): تلقيت عبر خاصية الرسائل، في الفضاء الإلكتروني، العديد من المداخلات الجادة والقلقة، عقب نشر مقالي السابق مباشرةً، الذي تناول إشكالية... - [نوح: ثورة إنسان ضد كوارث الأقدار](https://tabcm.net/10658/): دراويش التدين يرون أنفسهم دائمًا أصغر من الأقدار وأحقر من التصدي لكوارث الطبيعة، وذلك لإيمانهم بأن الكوارث الطبيعية هي قضاء... - [الحلول الفعَّال والحلول الإلزامي](https://tabcm.net/10347/): لقد أنعم الله علي الإنسان بالإرادة الحرة في تقرير مصيره، إذ أعطاه حرية الاختيار أن يحب الله ويقبله ويسعى إليه... - [طبيعة واحدة متجسدة لله الكلمة](https://tabcm.net/10667/): العبارة تنسب لمدرسة الإسكندرية، وشكلت أساس الكريستولوجي المسكوني حتى تم الانقلاب عليها في خلقيدونية، بل أن بعض معارضي مدرسة الإسكندرية... - [التأله في الليتورجية القبطية](https://tabcm.net/10657/): نجد العديد من الإشارات في نصوص الليتورجية القبطية إلى عقيدة التأله بالنعمة، التي تُعتبر عصب اللاهوت السكندري، وأساس الإيمان الأرثوذكسي،... - [تذكرة ذهاب وغياب](https://tabcm.net/10649/): كل شيء حضر في وقته، ما عدا الرياح، غائبة. . العناوين ملت الغياب السماء تناست احتياج الأرض النوافذ لها جذور... - [درس يونان ونينوى](https://tabcm.net/10647/): يونان النبي العظيم أفضل من يمثل الإنسان ورمز المسيح. نينوى المدينة العظيمة صاحبة أشهر توبة جماعية في التاريخ. النوتية الأبرار... - [أيها الأسقف.. من أنت؟ [١١]](https://tabcm.net/10258/): أمران أو قل قضيتان، الأولى ترتبط بحقوق أسقف الإيبارشية، فيما ترتبط الثانية بمسؤولياته، وكلاهما يقع في دائرة عمله الإداري. وقد... - [مجتمع الزومبي](https://tabcm.net/10629/): أي شخص متابع التعليقات على أي خبر على مواقع عامة سيعرف إننا نعيش في مجتمع مريض نفسيا ومريض اجتماعيا فدائما... - [التدبير الإلهي من جهة الإنسان
[الخلق والخلاص]](https://tabcm.net/4074/): لابد أن نتعرف أولاً إلى الله لكي نتعرف إلى أسباب تدبيره من جهة الإنسان (الخلق والخلاص) التي هي انعكاس خارجي... - [ظلّ اﻷقزام](https://tabcm.net/10636/): إذا رأيت للأقزام ظلًا طويلًا، فاعلم أن الشمس في طريقها للغروب (مثل إسباني) هذا بالضبط هو واقعنا الحالي. رأينا للأقزام... - [التأله بالأسرار المقدسة](https://tabcm.net/10605/): كيف ينال المسيحي التأله بالنعمة؟ سنحاول الإجابة عن ذلك من خلال الكتاب المقدس وكتابات الآباء. الكتاب المقدس لقد قال السيد... - [ضوء وعتمة](https://tabcm.net/10592/): كأن للكون خَدّان: ضوء وعتمة، متصلان في ضفتَي ثغر فجر. وثمة أشياء لا نستطيع رؤيتها إلا في الظلام. أنا كظلِّي... - [جعلتموه قاعة أفراح وكازينو ونادي أولا](https://tabcm.net/10603/): امتلأ الفضاء الإلكتروني ضجيجا هذه الأيام من بعض الظواهر الصوتية الذين يسمون أنفسهم "حماة الإيمان"، لكنهم في الحقيقة ضباع تحاول... - [أيها الأسقف.. من أنت؟ [۱۰]](https://tabcm.net/10244/): صارت كنيسة الإسكندرية كنيسة أقلية، بحكم التحولات التاريخية التي شهدتها القرون من السابع إلى العاشر، وهي تحولات سياسية أعادت توزيع... - [حقيقة التوراة: ما الذي يجعل الوحي إلهيًا؟](https://tabcm.net/10319/): منذ أكثر من ألفيّ عام، شرع بعض اليهود في التفكير في التوراة على أنها وسيلة لنقل حقيقة كونية ثابتة، وبالطبع،... - [أهمية دراسة اللاهوت](https://tabcm.net/4077/): قدم الأب متى المسكين رؤية لاهوتية مغايرة تماما للعبارة التي تقول ”بينما يتباحث اللاهوتيون يدخل البسطاء الملكوت“. ويذكر الأب متى... - [إعادة فحص لهرطقات التجسد](https://tabcm.net/10309/): لا شك أن التعبير البشري عن "كينونة" التجسد سيقف عاجزا، فنحن نستعمل المفردات المتاحة لدينا، التي أنتجها العقل البشري، ولكن... - [التأله غاية التجسد](https://tabcm.net/10289/): لقد كانت غاية خلق الإنسان قبل السقوط هي التأله، لذا سوف نبحث الآن الوسيلة التي أعلنها الله في الكتاب المقدس... - [بلون السخرية](https://tabcm.net/10368/): يخرسنا الواقع وينطقنا القلم يوجعنا الواقع ويداوينا السطر يفرقنا الواقع وتجمعنا الحروف كل محظور بالواقع... مباح بين الجمل. ‏ثُقلُ الصمتِ... - [أكسير الحب](https://tabcm.net/10277/): كم أنت عجيب أيها الحب عندما تحل بقلوبهم، تجعلهم يتقبلون ضعفاتنا، يغفرون مرارًا و تكرارًا دون حساب، يقدمون ذواتهم بسخاءٍ... - [أيها الأسقف.. من أنت؟ [٩]](https://tabcm.net/10119/): من أين جاءت الكنيسة بهرمها الإكليروسي، فالذي نطالعه في كتب القوانين الكنسية المختلفة بامتداد تاريخها، هو توصيف للوضع القائم وقت... - [سينما.. ذات فلسفة](https://tabcm.net/10388/): السينما ليست منتجا تجاريا فارغا كما هو شائع، بل مليئة بالفلسفة؛ فهي تتفرد وحدها بالقدرة على إثراء عقول أعداد غفيرة... - [بلابيصا بلامبيصا.. قصة الاحتفال بعيد الغطاس](https://tabcm.net/10373/): بما إن البعض قد ظن إنني أسخر من نقاوة قلقاسهم واستقامة إيمان زعزوعة قصبهم حين قلت إنهم اتخذوا من القصب... - [انزلاقات اوطاخية معاصرة](https://tabcm.net/10234/): الجوهر الواحد والاتحاد الجوهري في المحاضرة التي خصصها الأنبا أغاثون أسقف مغاغة والعدوة للرد على اتهامه بالنسطورية استعان بأحد مؤلفات... - [التأله غاية خلق الإنسان](https://tabcm.net/10288/): نستعرض الآن موضوع أن التأله هو غاية خلق الإنسان، حيث أكد آباء الكنيسة على ذلك شرقًا وغربًا كما سنرى في... - [الاستحقاق الزائف](https://tabcm.net/10297/): من أسوأ المشاعر التي إذا سيطرت على إنسان وتحوله لآلة تدمير لمن حوله هو الشعور الزائف بالاستحقاق، أي إنه يشعر... - [من أجل أن يدوم الحب](https://tabcm.net/10271/): الارتباط مش مجرد مشاعر جميلة، مش بدلة شيك وفستان أنيق، مش معازيم وكوشة، وكاميرا وضحكة، مش زغروطة طويلة ولا أرصة... - [أيها الأسقف.. من أنت؟ [٨]](https://tabcm.net/10029/): في ظني أن كثيراً من ارتباكات التدبير الكنسي، وازدواجية المعاناة والمغالاة التي تحاصرنا بدأت عندما تحولت المسيحية في منطقتنا المطلة... - [مسيح الحيطان أم مسيح الإنسان؟](https://tabcm.net/10215/): كلام كتبته واحتفظت به منذ سنتين واضطرتني الظروف الحالية للإضافة عليه ونشره فأرجو قراءته حتى النهاية. في 16 يناير 2021... - [خداع النفس في مسيرة الروح](https://tabcm.net/10251/): إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِيكُمْ يَظُنُّ أَنَّهُ دَيِّنٌ، وَهُوَ لَيْسَ يُلْجِمُ لِسَانَهُ، بَلْ يَخْدَعُ قَلْبَهُ، فَدِيَانَةُ هذَا بَاطِلَةٌ. اَلدِّيَانَةُ الطَّاهِرَةُ النَّقِيَّةُ... - [انزلاقات قبطية نحو الأوطاخية](https://tabcm.net/10149/): تحوي الأوطاخية -كمصطلح- طيفا واسعا من الهرطقات التي تتعلق بفهم العلاقة بين أقنوم الكلمة و"العينة" الإنسانية المأخوذة في الاتحاد، كما... - [الهرطقة الأفنومية والرد عليها](https://tabcm.net/10206/): الهرطقة الأفنومية وإنكار الحلول الأقنومي للروح القدس حارب آباء الكنيسة وقاوموا ادعاء أفنوميوس الآريوسي بأن النعمة الإلهية أو الطاقة الإلهية... - [الكنيسة، ولعبة الأغلبية على الأقليات](https://tabcm.net/10197/): تشتهر كنيسة الإسكندرية "القبطية الأرثوذكسية، بلقب "أم الشهداء"، وهو لقب لم يطلق من فراغ بل نظرا لعدد من قدمتهم الكنيسة... - [سبحوا الله في قُدسِهِ أَم سبحوا الله في قِدِّيسِيه؟](https://tabcm.net/10190/): العبارة الأولى في المزمور 150 "سبحوا الله في قُدسِهِ" أم "سبحوا الله في قِدِّيسِيه"؟ لماذا نجدها في بعض الترجمات "قدسه"... - [أيها الأسقف.. من أنت؟ [٧]](https://tabcm.net/9849/): واقعتان يفصل بينهما ألف عام ويزيد، يؤكدان محورية دور المرأة القبطية في تسليم الإيمان في صمت، وهو الأمر الذي يؤكده... - [أسطورة القرعة الهيكلية
(٦) قصاصات غير صالحة للنشر](https://tabcm.net/10131/): الباباوان "شنودة" و"تواضروس" كلاهما ترك الألغام في لائحة الانتخاب للبابا القادم. لكن حسبما أرى فواحد منهما فقط الذي يدرك الجريمة... - [كيف يُكمِّل المسيح ما هو كامل؟](https://tabcm.net/10136/): ”الناموس الكامل ناموس الحرية“. . ”ما جئت لأنقض بل لأكمِّل“. وَلكِنْ مَنِ اطَّلَعَ عَلَى النَّامُوسِ الْكَامِلِ -­ نَامُوسِ الْحُرِّيَّةِ -­... - [مجمع أفسس الثاني](https://tabcm.net/10145/): شكل مجمع القسطنطينية المكاني، الذي أدان أوطاخي بالهرطقة مطعنًا سهلًا، فأستأنف أوطاخي هذا الحكم، مرسلًا رسائل للإمبراطور ثيئودوسيوس وعدد واسع... - [حلول الروح القدس في البشر](https://tabcm.net/10110/): هناك دائمًا خوف من القول بأن الروح القدس يسكن البشر بأقنومه، لئلا نصير آلهةً مثل الله، وهذا بالطبع خطأ فادح... - [دور اللاهوتيّين ودور معلّمي التعليم](https://tabcm.net/10105/): «التقليد، أصل الإيمان، إمّا أن ينمو أو يموت». في بعض دول الشرق الأوسط وبشكل خاصّ في مصر هناك سوء فهم... - [في مجتمع متدين: فتاة الكوبري دون فتى الكوبري](https://tabcm.net/10087/): في ليلة رأس السنة انتشر على العديد من مواقع و صفحات التواصل الاجتماعي فيديو قصير لفتى وفتاة يمارسون العلاقة الجسدية... - [أيها الأسقف.. من أنت؟ (٦)](https://tabcm.net/9813/): كان يوما حافلاً ومبهجاً ومرهقاً في آن، يومها قصدنا أسيوط المدينة، لترتيب إقامة ابنتي التي ذهب بها مكتب التنسيق إلى... - [طاقة أمل
[البداية]](https://tabcm.net/10038/):  (١) ديسمبر ٢٠٢٢م: دعيت إلى إحدى حفلات نهاية العام. الكل يتكلم عن إنجازاته وإخفاقاته، يستخدمون مصطلح الحصاد دائما. دائما تنتهي... - [الإيمان والأعمال في المفهوم الأرثوذكسي](https://tabcm.net/10041/): ينتقل القديس يعقوب الرسول بالحديث إلى مفهوم العمل والجهاد الروحي من منظور مسيحي: وَلكِنْ كُونُوا عَامِلِينَ بِالْكَلِمَةِ، لاَ سَامِعِينَ فَقَطْ... - [هل كان أوطاخي أوطاخيًا؟](https://tabcm.net/9900/): يلزمنا بداءة وضع خطوط قاطعة بين أوطاخي كشخص اُستخدم طعما في الحرب المستعرة بين مدرستي أنطاكية والإسكندرية، للنيل من الأخيرة... - [الاتحاد بالنور الإلهي](https://tabcm.net/10017/): التعليم عن الاتحاد بالنور الإلهي غير المخلوق هو تعليم أرثوذكسي سليم موجود في صُلب الكتاب المقدس والتقليد الرسولي والآبائي، حيث... - [سحر الشكر](https://tabcm.net/10006/): “شَاكِرِينَ كُلَّ حِينٍ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فِي اسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، للهِ وَالآبِ. ”  (رسالة بولس إلى أفسس 5: 20)... - [الجهل المقدس صار أسقفا!](https://tabcm.net/9873/): “كلامي هنا يدور حول الدين الاستحماري، الدين المضلل، الدين الحاكم، شريك المال والقوة، الدين الذي يتولاه طبقة من الرسميين الذين... - [أيها الأسقف.. من أنت؟ [٥]](https://tabcm.net/9658/): كنت في السنة النهائية في مرحلة البكالوريوس، حين أعلنت الكنيسة اختيار البابا الجديد، وحددت موعد تجليسه، وكم كانت فرحتنا غامرة،... - ["الصحافة للحوار" في مواجهة خطاب الكراهية](https://tabcm.net/9861/): نعيش في منطقة الشرق الأوسط مع تحدي غياب الحوار، فأغلبنا في هذه البقعة الملتهبة اعتاد أن يتحدث لا أن يسمع،... - [كلمة الله المغروسة في لحمنا ودمنا](https://tabcm.net/9643/): مقالنا السابق في رسالة يعقوب الرسول تكلم عن إن صلاح طبيعة الله قد ظهر جلياً في الخلاص المجاني والولادة الجديدة... - [مدخل إلى هرطقات التجسد](https://tabcm.net/9903/): لا عجب أن الإخلاء والتجسد كان الهدف الأكبر للاجتهادات التي انتهت بأخطاء فادحة سميت "هرطقات"، الفعل الإلهي يستعصي على التصور... - [تأله ناسوت المسيح](https://tabcm.net/9868/): يعلم آباء الكنيسة الأرثوذكسية الجامعة بتعليم غاية في الأهمية هو تأله ناسوت المسيح، حيث يرى الآباء أن تأله ناسوت المسيح... - [كيف تحول دير درنكة إلى ملتقى الأثرياء وكعبة الفقراء؟](https://tabcm.net/9853/): الساعة تقترب من الخامسة عصرا، والميكروباصات في ميدان المحطة بأسيوط أشبه بخلية نحل، تحاول اقتناص أكبر عدد من الركاب، صيحات... - [كيهك.. الواقع والمأساة](https://tabcm.net/9667/): قبل ما تقرا: لو وراك حاجة، أو مش غاوي كلام يخوف، أو مش لازمك تقرا اللي بيتكتب هنا، أو شايف... - [أيها الأسقف.. من أنت؟ [٤]](https://tabcm.net/9466/): بين القمم والقيعان تأرجحت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية عبر الزمن الممتد لقرون، من لحظة أن وطأت قدما القديس مرقس الرسول أرض... - [تاريخ المعارك الوهمية من "دون كيخوته" إلى "دون الأساقفة"](https://tabcm.net/9661/): صدقوني هو ضحية وليس جانٍ... فقد جعلوه: "دون اﻷساقفة" - [رسالة يعقوب الرسول
لا تضلوا](https://tabcm.net/9636/): لا تضلوا. . لو عرفتم طبيعة الله أنها صالحة لآمنتم أن المسيح مخلصنا هو ”الله الظاهر في الجسد“. لاَ تَضِلُّوا... - [مجمع قرطاجنة: إعادة فحص](https://tabcm.net/9823/): لا يتورع بعض أساقفتنا عن التحالف مع الشيطان نفسه، فقط لتمرير ما يودون فرضه من تعليم مستحدث! ! كارثة فعلية... - [التأله عند الآباء اللاتين](https://tabcm.net/9804/): نستكمل بحثنا في موضوع عقيدة التأله بالنعمة في تعاليم آباء الكنيسة الجامعة شرقًا وغربًا، وسوف نتحدث في هذا المقال عن... - [مسافة [٢]](https://tabcm.net/9717/): وكيف استطاع الوقت أن يمضي بك هكذا ذاهلاً دون التفات، كيف استطعت أن تعبر فوق كل ذلك الحب تاركاً إياي... - [مورنينج من ده يا وﻻد الكئيبة!](https://tabcm.net/9721/): يسوع يتحرك في فن اﻷيقونات... هو حيّ فيها... هذه حقيقة وليست جملة أدبية شعرية! فهو أشقر ذو عيون زرقاء عند... - [أيها الأسقف.. من أنت؟ [٣]](https://tabcm.net/9188/): لا أقصد من سطوري رسم صورة مثالية عن الأب الأسقف أو إعادة نشر اقتباسات من الوثائق الكنسية، الكتابية والآبائية التراثية... - [الرقص على روح أبي!](https://tabcm.net/9673/): لم يرجع أبي من فكّي الموت! كما لم أقدر أن أذكره في صلواتي؛ إذ كيف يُمكنُك أن تُصلي من أجل... - [رسالة يعقوب الرسول
الله غير مجرب بالشرور](https://tabcm.net/9619/): “لاَ يَقُلْ أَحَدٌ إِذَا جُرِّبَ: «إِنِّي أُجَرَّبُ مِنْ قِبَلِ اللهِ»، لأَنَّ اللهَ غَيْرُ مُجَرَّبٍ بِالشُّرُورِ، وَهُوَ لاَ يُجَرِّبُ أَحَدًا“. (رسالة... - [مجمع قرطاجنة: الظروف والنشأة](https://tabcm.net/9686/): مع كل المهازل التي يزخر بها سنكسار كنيستنا، طالعت مصدومًا منشورًا فيسبوكيًا لأحد القساوسة الذين ألقت بهم رياح السموم إلينا،... - [التأله عند الآباء السريان](https://tabcm.net/9650/): يعتقد البعض أن عقيدة التأله بالنعمة هي عقيدة حصرية عند الآباء اليونانيين، ولكنها عقيدة راسخة في الكنيسة شرقًا وغربًا، وفي... - [مسافة [١]](https://tabcm.net/9581/): قدرنا أن نكون على هذا القدر من الاختلاف، حيث لا شيء يُقرب بيننا إلا الفِرَاقَ ‏أسير إليك حافية الأمل والطريق... - [المزامير بعيون مصريّة [٢]](https://tabcm.net/9472/): لماذا ارتجَّ الأصوليّون، وتفكّر المتعصّبون في الباطل؟ قام بعضُ كتبة الأرض، وتآمر كهنةٌ معًا على الربّ وعلى مسيحه قائلين: لنقطع... - [الخلاص الثمين [٢]](https://tabcm.net/9005/): تدبير الخلاص حسب تعليم القديس أثناسيوس الرسولي تأتي أهمية الذَّهاب إلى أطروحات القديس أثناسيوس الرسولي (296 ـ 373م) ليس فقط... - [يا من أنقذ يوسف من كيد المصرية وخلصه، اسمعنا](https://tabcm.net/9503/): وأنا طفل، جري ورايا كلب، واتفزعت فعلا، وبطلت أهوب الشارع. . فعملولي طقس شعبي. ست كبيرة كانت بتقول تعاويذ (دينية... - [ادخل إلى العمق](https://tabcm.net/9479/): ولما فرغ من الكلام قال لسمعان: «ابعد إلى العمق وألقوا شباككم للصيد» (لو 5: 4) - [كنيستنا وتدوير الهرطقات](https://tabcm.net/9564/): ألا يجب أن نواجه الأمر! !   لو اقتصر الأمر على "خرافات العجائز" لما انزعجنا، ولا أزعجنا شعبنا، أما أن... - [التأله عند الآباء اليونان](https://tabcm.net/9533/): سوف أستعرض في هذا الجزء بعض أقوال اﻵباء الدالة على عقيدة التأله، وهذه الأقوال هي بعض من كل، لأن الآباء... - [قديسي [۲]](https://tabcm.net/9451/): يمشي على إيقاع الشمس ويعشق أهازيج المَطرْ زارعُ الألفة في أرجاء الأرض ومجروحٌ في مواعيدِ السَفرْ أ‏علّق صوته على الموسيقى،... - [المزامير بعيون مصريّةِ [١]](https://tabcm.net/9470/): طوبى لِلرجل الذي لا يَسيرُ على مَشورَة الطائفيّين، ولا يَتَوَقَّفُ في طَريقِ المنافقين، ولا يَجلِسُ في مَجلِسِ النمّامين، بل في... - [كنيسة مجمعية شعبية](https://tabcm.net/9461/): تردد سؤال عن صلاحيات البابا في توجيه أسقف من الأساقفة، وللإجابة على هذا السؤال لابد أن نقف على نظام الكنيسة... - [هذا الأسقف!](https://tabcm.net/9439/): منظومة الكنيسة التي تُظهر حتى الآن أنه ليس في استطاعتها التعامل معه ومع أمثاله ممن يخالفون النظام ويسيئون لكنيسة الإسكندرية... - [سكوت المرأة](https://tabcm.net/8801/): ”لِتَتَعَلَّمِ الْمَرْأَةُ بِسُكُوتٍ فِي كُلِّ خُضُوعٍ. وَلكِنْ لَسْتُ آذَنُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُعَلِّمَ وَلاَ تَتَسَلَّطَ عَلَى الرَّجُلِ، بَلْ تَكُونُ فِي سُكُوتٍ“... - ["التأله" عربون الحياة الأبدية](https://tabcm.net/9412/): ظهر في الآونة الأخيرة فريق يدعي إن "التأله" هرطقة حاربها آباء القرون الأولى، والبعض منهم كان له رأي آخر بأن... - [التأله في الكتاب المقدس](https://tabcm.net/9199/): هناك خلط شديد جدًا بين عقيدة التأله بالطبيعة الخاصة بالله (ثيؤلوجيا)، وبين عقيدة التأله بالنعمة الخاصة بالبشر (إيكونوميا). وسوف نستعرض... - [قديسي [١]](https://tabcm.net/9179/): ‏قديسي وكلما رأيته... نسيت ظلي عالقاً... بجهته. ‏سأجعلهم يقرأونه رغماً عنهم، سأصلبه على فمِ الحكاية. وإني أغض الشوق عنه... أما... - [الإبرة المصدّيّة في وخز الأصوليّة](https://tabcm.net/9185/): كل من  يقرأ عناوين كتب التراث العربيّ سواء المسيحيّ أو الإسلاميّ، أكيد بيضحك أو يبتسم على العناوين المسجّعة للكتب القديمة... - [البابا تواضروس.. رؤية وصمود](https://tabcm.net/9191/): بالرغم من شيخوخة قداسة البابا شنودة إلا أن رحيله جاء صادماً وخلف حالة من الحزن ليس فقط في الأوساط القبطية... - [الكنيسة القبطية وخيانة المثقفين!](https://tabcm.net/9076/): المثقفون هم أكثر الناس قدرة على الخيانة، لأنهم أكثرهم قدرة على تبريرها (فلاديمير لينين) في سنة ١٩٢٧ نشر الروائي الفرنسي... - [نُمَلِّكه لكن لا نَمْلُكه](https://tabcm.net/8790/): كتبت رسالة إلى أحد الملحدين في غضبته على بعض (سلفية) الأقباط: إن إله المسيحية، سواء كان حقيقة ويقين عند المؤمن... - [الإنسان صورة الله](https://tabcm.net/9062/): لأَنْ هَا مَلَكُوتُ اللهِ دَاخِلَكُمْ. (إنجيل لوقا17: 21). “وَجَبَلَ الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ تُرَابًا مِنَ الأَرْضِ، وَنَفَخَ فِي أَنْفِهِ نَسَمَةَ حَيَاةٍ.... - [أسوانيّة](https://tabcm.net/8634/): في ذَلِكَ ٱلزَّمان، قالَ يَسوعُ لِتَلاميذِهِ: «كُلُّ مَن ٱعتَرَفَ بي أَمامَ ٱلنّاس، يَعتَرِفُ بِهِ ٱبنُ ٱلإِنسانِ أَمامَ مَلائِكَةِ ٱلله. ومَن... - [مرثية عتمة](https://tabcm.net/9015/): ‏ما بقي من هذا العالم، لا أراه أجول بذاكرة، بمخيلةٍ أُرجوانية أعلق بصري في كونٍ صامت لا تُعرفُ أرضهُ من... - [هل ٩٩.٨% من سكان العالم زناة؟](https://tabcm.net/9023/): الكثير من البلايا موجودة ومتجذرة بجسد المجتمع الكنسي وضاربة حتى النخاع منذ قديم الأزل، لكن مواقع التواصل الاجتماعي بمثابة أجهزة... - [عن الإصلاح الديني أتكلم](https://tabcm.net/8827/): أولا: الإصلاح الديني في الغرب 1- من المهم الإشارة إلى أن الإصلاح عمومًا لا يكون باختراع الجديد ولكنه عبارة عن... - [الخلاص الثمين [١]](https://tabcm.net/8994/): سوف أبدأ خلال الفترة المقبلة بطرح طيف مما جاء بكتاب الخلاص الثمين، الصادر عن دير الأنبا مقار العامر لأحد رهبانه... - [اﻹله المصري "سوبيك"
"لوياثان" العبرانيين، وتمساح المصريين المقدس](https://tabcm.net/8954/): سوبيك: (سوخوس باليونانية) هو الإله التمساح في مصر القديمة. وفي معابده كان يتم تربية تماسيح حية تسمى بيتسوخوس يعتقدون بتجسد... - [الليتورجيا: بين اليهودية والكنيسة الأولى [٢]](https://tabcm.net/8767/): من البديهي أن يكون قانون التطور فعال على مر العصور، فتكون استمرارية العبادة اليهودية في أشكالها المسيحية من الممكن جدًا... - [أزمة أبوّة](https://tabcm.net/8935/): لسنوات طويلة في زمن المسيح كان يعاني اليهودي المتدين البسيط من الحكم والاضطهاد الروماني، الذي كان يعد المواطن اليهودي عاملا... - [لماذا القدّاس؟](https://tabcm.net/8319/): تصبح ممارسة سرّ الإفخارستيّا في أحيانٍ كثيرة طقوسًا غير مفهومة للكثيرين، و"مخصخَصة" (أي حكرًا على بعضٍ ممّن يظنّون أنفسهم مستحقّين)،... - [على رياح تشرين](https://tabcm.net/8916/): الأشجار ترتدي ألوان نوفمبر والأرض عطرها يتجدد تاج ظلال بلون الغموض والذكريات الورود كلمات أوراقها صمت لبسنا معطف ننتظر المطر... - [ما الحوار؟](https://tabcm.net/8723/): كثيرا ما نسمع كلمة "الحوار" في المسلسلات المصرية فيقولون "أنا ماليش دعوة بالحوار ده"، "أنا برّه الحوار ده ياعم" أو... - [اقتراب مبدئي من حركة الشبيبة الأرثوذكسية](https://tabcm.net/8847/): كان كتاب "الحركة ضياء ودعوة" للمطران جورج خضر، الذي يتناول نشأة ومبادئ ومسيرة حركة الشبيبة الأرثوذكسية، التي تأسست في لبنان... - [مملكتي ليست من هذا العالم
من "أوغسطين" حتى "چون لوك"](https://tabcm.net/3624/): لا يخدعنكم رجل دين أو رجل عالم أو رجل بنطلون، بمقولة تدغدغ حواسك لتجييشك في معسكرات سياسية تحت مسميات "الوطن"،... - [الليتورجيا: بين اليهودية والكنيسة الأولى](https://tabcm.net/8758/): من خلال الدراسات والأبحاث الأكاديمية لليتورجيا المسيحية نجد أن المسيحية المتمثلة في الكنيسة قد ورثت إسرائيل القديمة، حسب عبارة العلامة... - [وقفة مع الابتزاز](https://tabcm.net/8890/): يتعرض هذا المقال لموضوع زيارة المواطنين المصريين المسيحيين إلى الأماكن المقدسة في فلسطين وخصوصا مدينة القدس، وهو حديث أصبح متكرر... - [سرّ التجسّد والاستعمار](https://tabcm.net/8316/): يمكن تعريف الاستعمار بأنّه الوضع الذي تصبح فيه دولةٌ مسيطرة على دولة أخرى، ومن ثمّ تمارس عليها سلطة اقتصاديّة وعسكريّة... - [تعال..!](https://tabcm.net/8830/): ‏‏تعال بكامل وجودك فقد انتظرتك طويلًا حتى نهشٌ الطيرُ فُتاتَّ قلبيّ. تعال لنشعل الحب كحرب مِثلَ عِشْتَارِ تعال واضرم شوقي... - [دجاجات مولانا وحماراته](https://tabcm.net/8803/): يقول "الجاحظ" في موسوعته "الحيوان" إن متع العرب ثلاث، أكل اللحم، ركوب اللحم، والثالثة يمكنكم البحث عنها بأنفسكم، سنستبعدها من... - [أيها الأسقف.. من أنت؟ [٢]](https://tabcm.net/8833/): يتفق الكتاب المقدس والتقليد (التَّرْجَمَةً الحياتية الكنسية التراكمية لتعاليم الإنجيل) في تعريف الأسقف، الصفات والمهام والاختيار، ولعل النقطة المفصلية في... - [أمنا التي نحبها](https://tabcm.net/8619/): الكنيسة أمنا، أم الشهداء التي تربينا بين أسواراها وتذوقنا حلاوة عذوبة السيد المسيح عند أقدام آبائنا الأتقياء، وسط ألحانها وسير... - [الصوفية الجميلة](https://tabcm.net/8717/): الحقيقة، لا أنكر للحظة إعجابي بروعة وجمال فكر الصوفية ومذهبهم العقلي والفلسفي. أعشق محبتهم لله المتدفقة في عروقهم وأتصور أن... - [التعددية في الغرب الكافر](https://tabcm.net/8719/): في مكان عملي (خارج مصر) في الإدارة المالية، فريق العمل الصغير الذي أعمل معه مكون من حوالي 15 شخصا، من... - [التهوّد والفريّسيّة المعاصرة](https://tabcm.net/8313/): فَرَآهُمُ ٱلفِرّيسِيّون، فَقالوا لَهُ: «ها إِنَّ تَلاميذَكَ يَفعَلونَ ما لا يَحِلُّ في ٱلسَّبت». «فَٱبنُ ٱلإِنسانِ سَيِّدُ ٱلسَّبت» (إنجيل متى 12:... - [إعادة تعريف..](https://tabcm.net/8753/): ‏القلم: صديقٌ حميم! النجوم: بوصلةٌ سماوية! الألوان: أثوابُ العيون! الخُذلان: موتُ السنابل عطشاً في أرضٍ تزورها الجداول والغدران! ‏الضباب: غشاوةُ... - [كنيستنا بين الملهاة والمسخرة](https://tabcm.net/8715/): تفرق اللغة بين الملهاة والمسخرة، فبينما تملأ الأخيرة صدرك بالغضب، فالأولى منعشة، وباعثة على الابتسام ورفع حاجبك الأيسر، كلاهما حاضرة... - [أيها الأسقف.. من أنت؟ [١]](https://tabcm.net/8763/): توقفت ملياً أمام وصف القديس بطرس الرسول للسيد المسيح بأنه "راعي نفوسكم وأسقفها"، وذهبت ابحث في معنى "أسقف" في أدبيات... - [يسوع الفريسي](https://tabcm.net/8649/): اقترنت كلمة فريسي في الوسط المسيحي بتوصيفات سيئة، مثل التزمت والتدين الظاهري. لكن، الفريسية طائفة يهودية ضخمة بها مدارس مختلفة،... - [الفن القصصي في الأناجيل [٤]](https://tabcm.net/8711/): في هذا المقال نشرع في استكشاف المنطقة التاريخية المظلمة الواقعة ما بين تاريخ صعود / رفع السيد المسيح إلى السماء... - [كيلاً ملبداً مهزوزاً..](https://tabcm.net/8674/): “أَعْطُوا تُعْطَوْا، كَيْلًا جَيِّدًا مُلَبَّدًا مَهْزُوزًا فَائِضًا يُعْطُونَ فِي أَحْضَانِكُمْ. لأَنَّهُ بِنَفْسِ الْكَيْلِ الَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ” (إنجيل لوقا،... - [إنجيل يوحنّا ١ : ١-١٨](https://tabcm.net/8311/): «في البَدءِ كانَ الكَلِمَة والكَلِمَةُ كانَ لَدى الله والكَلِمَةُ هوَ الله. كانَ في البَدءِ لَدى الله» (إنجيل يوحنا 1: 1)... - [أنت وعيناك وخمري](https://tabcm.net/8623/): ‏على باب عينيك تَوقفَ زمني طرقته بنبض متمرد وسمعته بصوت نشيد قلب كان قدومي بشكوى جروح عاشقة تخبرك عن اشتياقها... - [أول القصيدة.. تأله](https://tabcm.net/7955/): لماذا  أكتب هذا المقال؟ ولماذا اخترت هذا الفيديو بالرغم من مرور عدة سنوات عليه؟ حتى نرصد معا تطور الفكر المتشدد... - [من أنت يا سيد؟](https://tabcm.net/8630/): كان اللقاء الأول عاصفاً، كان الطرف الأقوى هو المبادر، وكان الطرف الثاني يَجدُ في سعيه لتعقب أتباع الطرف الأول، وقد... - [الشك المقدس.. الله وتساؤلاتنا](https://tabcm.net/8424/): أحيانًا كثيرة يجول بخواطرنا تساؤل إيماني، أو شك يأكل عقولنا، ندور نبحث عن إجابة منطقية مُقنعة، لكن في كل مرة... - [الفن القصصي في الأناجيل [٣]](https://tabcm.net/8604/): نواصل في هذا المقال حديثنا عن الأحوال الدينية والثقافية للمجتمع المسيحي المبكر، لنستشف ملامح البيئة التي تبلورت فيها كتابات العهد... - [الحزام الأسود ذو الحلية الحديدية على هيئة رأس أسد](https://tabcm.net/8578/): استيقظت باكراً كعادتها بالرغم من أنها ليست في حاجة إلى ذلك، فزوجها مُسافر ولن يعود قبل ثلاثة أيام،، استيقظت ضجراً... - [رسالة مفتوحة للأنبا دانيال سكرتير المجمع المقدّس](https://tabcm.net/8590/): نيافة الحبر الجليل الأنبا دانيال، سكرتير المجمع المقدس تحية طيبة، نلتمس معها بركات وصلوات نيافتكم،، سيدي الجليل. . دأب نيافة... - [أنتظرك..](https://tabcm.net/8528/): ‏هي الآلام تأتي في غمرة الليل الباكي وأنت آخر الأطياف في الرؤى الحزينة أنتظرك شريد في الصحو المشتهى وعنيد على... - ["الصحافة للحوار" ومسؤولية الصحفي](https://tabcm.net/8557/): هل يصح اللجوء لشخص باعتباره مصدرًا -لمجرد أنه يضع "عمة" (أسقف/ كاهن) على رأسه وليس له أي دراسة أكاديمية لاهوتية... - [الباب الذي أطاح بالأنبا إيساك](https://tabcm.net/8546/): إن اختيار بطريرك للكرازة، أو أسقف لإيبارشية، أو كاهن لكنيسة، أو شماس مكرس، أو عضو في لجنة كنيسة، أو حتى... - [رسالة يعقوب: كيف تصير التجربة فرحا؟](https://tabcm.net/8381/): وَلْيَفْتَخِرِ الأَخُ الْمُتَّضِعُ بِارْتِفَاعِهِ، وَأَمَّا الْغَنِيُّ فَبِاتِّضَاعِهِ، لأَنَّهُ كَزَهْرِ الْعُشْبِ يَزُولُ. لأَنَّ الشَّمْسَ أَشْرَقَتْ بِالْحَرِّ، فَيَبَّسَتِ الْعُشْبَ، فَسَقَطَ زَهْرُهُ وَفَنِيَ... - [أزمة حبّ "ميرنا ماهر"](https://tabcm.net/8461/): ” لا طلاق إلا لعله الزنا ” (البابا شنودة الثالث) مقولة البابا شنودة تلك التي رُددت كثيرا داخل البيوت القبطية... - [شكرًا "سڤانتي بابو"](https://tabcm.net/8419/): جائزة نوبل! : نشكر عقل الإنسان، الذي خلقه الله. وكل العلماء الأحرار الذين يبحثون عن الحقيقة. ونصلي من أجل الأصوليين... - [وأخاف…!](https://tabcm.net/8389/): -‏أخاف أن يطأ عيني بكاء ويدك ليست هُنا لتكون منديلي، -أخاف أن يأتي يومي الأخير وأنا لم أستشعر رهبةَ اللقاء... - [الفن القصصي في الأناجيل [٢]](https://tabcm.net/8348/): تحدثنا في المقال السابق عن أولى محاولات المفكرين المسيحيون في سبيل تنسيق روايات الأناجيل الأربعة القانونية بشأن سيرة المسيح، وهي... - [المغيّبون الجدد](https://tabcm.net/8393/): أتفهم حالة الانزعاج عند المتربصين بما أكتب وأنشر، وهم في أغلبهم من الشباب الذين وقر في ذهنهم أن ثمة خطراً... - ["عم جورج"..حين تبتعد الدراما عن "التلزيق"](https://tabcm.net/8193/): يعرض خلال هذه الأيام مسلسل "أعمل إيه" بطولة خالد الصاوي، من تأليف محمد الحناوي وإخراج أحمد عبد الحميد، جذبني الإعلان... - [عن "امرأة تكتب"](https://tabcm.net/8074/): أكتبُ علىَ عِلمٍ بأنّني قد أموتُ بسببِ الكلِماتِ، مَطعونًا بخنجرِ النحوِ، مُشوهًا بمِشرطِ الإملاءِ، مَصلوبًا علىَ خشبتينِ مُتقاطِعتينِ مِنَ الفِهمِ... - [ملاحقة "السعادة" فى جيل ناقم](https://tabcm.net/8363/): “الطريقة الأكثر أمانًا لعدم التعاسة هي ألا تتوقع أن تكون سعيدًا جدًا”. (أرثر شوبنهاور) لم أكن أعرف “للتعاسة” معنى حين... - [المكارثية القبطية](https://tabcm.net/8341/): المكارثية هي فعل توجيه الاتهامات الخطيرة لأشخاص (أو لشخوص اعتبارية) دون الركون إلى أدلة مادية، فقط الارتكان على القليل من... - [امرأة تكتب؛ الورقة الثالثة](https://tabcm.net/7937/): تثير غَيْرَة النساء. . جميع النساء توهم الجميع بعشقها لكنها في الواقع تهزي بحروف تعشقها تكره الرجل الضعيف المسلوب الإرادة... - [الفن القصصي في الأناجيل [١]](https://tabcm.net/8121/): عنوان هذه الدراسة مستوحى من اسم الأطروحة الشهيرة التي تقدم بها الباحث الراحل د. "محمد أحمد خلف الله" إلى كلية... - [بلا خطيئة..](https://tabcm.net/8184/): تبعتهم في خوف، إذ إن الموقف مهيب ومخيف فعلا. كانوا قد أمسكوا بها في ذات الفعل! متهمة بالزنا ومقبوض عليها... - [كيف أصبحت أناجيل العهد الجديد "قانونية"؟](https://tabcm.net/8087/): يجب أن نضع في الاعتبار أن القرون الأولى كان بها أنواع مختلفة من المسيحية. ففي القرن الثاني، لم يكن هناك... - [عن الهويّة..](https://tabcm.net/8239/): لا تعني الهوية التشابه أو التماثل المُطلق بين أفراد المجتمع الواحد، فالجماعات البشرية تكتسب هويتها في أثناء تطويرها للغاتها وعناصر... - ["مو صلاح".. مرحبا بك في جحيمنا](https://tabcm.net/8201/): تفتح عينيك فجأة لتجد نفسك داخل مكان رائع، ويخبرونك أنك الآن ميت! لا بأس لأنك في "المكان الجيد" الجنة أو... - [لمن تحرك قيثارك يا داود](https://tabcm.net/7993/): القريبون منى، والمتابعون، يعرفون أنه لا تنقصني القدرة على طرح رؤيتي في الأمور التي نشتبك معها يومياً، وقد بدأ اشتباكي... - [امرأة تكتب؛ الورقة الثانية](https://tabcm.net/7935/): – قلبها مملكة، أعجوبة، معجزة غرس مبارك لا حدود له في العطاء، هي ثروة من بركات السماء. – تزرعك غيمة... - [شيخ المنصر](https://tabcm.net/8177/): "شيخ منصر": كلمة في الأصل تقال على الشخص المجرم الهجام الحرامي، لكن بدأت  تقال على شخص غالباً يكون (جاهل) نصاب... - [لأنه أبي..](https://tabcm.net/7990/): جلس بجانبي وأنا أبحث في الأرض عن لقيمات أسد بها جوعي. كان لطيف المعشر، هادئا وباسما. في وجهه طيف لطيف... - [بنات "صلفحاد"، وإرث نساء العهد القديم](https://tabcm.net/8182/): “والأرض لا تباع البتة، لأن لي الأرض، وأنتم غرباء ونزلاء عندي” (سفر اللاويين 25: 23) كانت ملكية الأرض للرب أساسا،... - [رسالة يعقوب عن القلق النفسي في اتخاذ القرار](https://tabcm.net/8052/): الإصحاح الأول “يَعْقُوبُ، عَبْدُ اللهِ وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، يُهْدِي السَّلاَمَ إِلَى الإثْنَيْ عَشَرَ سِبْطًا الَّذِينَ فِي الشَّتَاتِ” (رسالة يعقوب 1:... - [إليزابيث.. ربحت محمدا ولم تخسر المسيح](https://tabcm.net/8054/): أرجوك عزيزي القارئ لا تغضب سريعًا بسبب عنوان المقال، فأنا لم أضع سوى اسم “إليزابيث” إلى جوار عنوان أحد الكتب... - [مقتطفات من كتاب "الأقباط والحداثة"](https://tabcm.net/7982/): مِن قبل ما أكتب أنا عارف القول ضايع والأجر بالتأكيد ذاهب حسب الشايع والشتم حايجيني مسوجر من واد صايع مهما... - [امرأة تكتب؛ الورقة الأولى](https://tabcm.net/7933/): احذر أمرأة تكتب... – قليلون جداً من يفهمون حرفها أما هي فلن تخطئ قراءتك... تحاصرك لتبحث عن ملجأ وقد تهرب... - [اختبارات لم تحدث!!](https://tabcm.net/7927/): انتصف شهر ديسمبر وبدأت الاستعدادات للاحتفالات بتوديع عام واستقبال عام جديد، فبدأ الإعلام يعد لبرامج مناسبة للمناسبة والأسر ترتب لتركيب... - [الجريح..](https://tabcm.net/7945/): كان خاطئا حسب فهمنا. أمسكناه، طردناه خارجا، شهّرنا به. أخذناه إلى خارج، إلى قارعة الطريق حيث طرحناه أرضا وضربناه. تركناه... - [ظُلِمَ كثيراً ورحل في صمت](https://tabcm.net/7951/): كنتُ قد كتبت في عام 2019 سلسلة من 5 حلَقات عن "المبعدون من الكنيسة" في زمن البابا الراحل الأنبا شنودة... - [يسوع المسيح في القداس الحبشي](https://tabcm.net/7833/): نقل  أحد الأخوة هذا الجزء من صلاة القداس الحبشي عن الرب الإله يسوع المسيح: أنت قد وهبت لكل قديسيك حسب... - [أين ذهب المسيحي البلطجي؟](https://tabcm.net/7883/): لماذا يرفض الأقباط أن يكونوا بشرًا (في الدراما، بالطبع! )؟ لماذا يتمسكون بصورة مزيفة عن أن المسيحي شخص لطيف، يفرق... - [شنودة يحاكم هؤلاء](https://tabcm.net/7877/): يا تُرَى من السبب في مأساة الطفل "شنودة"؟ بداية الكنيسة أخطأت أنها لم تبلغ عن وجود الطفل، والأهل أخطأوا إنهم... - [تنهيدة...](https://tabcm.net/7842/): ‏تنهيدة... تنهيدة ‏معك حيث تذهب، في الهواء العابر، في النار التي أُضرمت لحزنكَ، في دمكٙ وفي طفلك المؤجل! نكتب عهداً... - [ونوس وفاوست](https://tabcm.net/7867/): "فاوست"، قصة مشهورة في الأدب العالمي تتناول خبرة "فاوست"، الذي قرر أن يبيع روحه للشيطان، شرط أن يسهِّل له الشيطان... - [ماذا لو سمحوا بتناول المرأة الحائض؟](https://tabcm.net/7800/): بين الحين والآخر يطفو على سطح السوشيال ميديا حديثا حول تناول المرأة في أيام دورتها الشهرية، وفي الغالب تتوجه دائما... - [الظواهر الصوتية.. وأسئلة واجبة لمجمع الأساقفة](https://tabcm.net/7855/): فنجد من يملؤون الدنيا ضجيجًا باسم حماية الإيمان وباسم الحفاظ على العقيدة، وهم مجرد ظواهر صوتية كما في هذه المشاهد. - [تجلي "أنطونيوس"، ورد "أغاثون"، وبنت المُعوَّج](https://tabcm.net/7830/): إن الموقف المُعوَّج لحماة الإيمان وأساقفتهم، خاصة المَوتور "أغاثون"، من العظة المملؤة بالروح للقس أنطونيوس إبراهيم عياد في عيد تجلي... - [توقيت..](https://tabcm.net/7783/): بتوقيت الحب؛ الحب لا ينتظر مؤشرات اعتراف بل يقتحم القلب بلا أدلة... وأوله وأخره قُبلة بتوقيت الحلم؛ هل الحلم يمكن... - [قصص قصيرة جدا](https://tabcm.net/7667/): بين الكم والكيف ما الكم والكيف اللذان يحتاج إليهما الخدَّام حتى يدركوا نصيحة يعقوب بألا يكونوا معلِّمين كثيرين؟ هل يحتاجون... - [بين عبادة النص واغتيال الشخص](https://tabcm.net/7798/): بين الحين والآخر تندلع على ساحات "السوشيال ميديا" معارك جديدة، وفي كل معركة يتبارى فيها كل فريق بنص، إما نص... - [أيوب: ثورة إنسان ضد تعاليم التوراة](https://tabcm.net/7732/): لقد حيرت قضية الألم البشرية لآلاف السنين. ولا يقدم سفر أيوب إجابة تفسيرية أو تبريرية للألم والظلم. ما يقدمه هو... - [ماذا لو؟!](https://tabcm.net/7699/): ‏ماذا لو... -انقطعت الهدايا، ألستَ أنت أجملها؟! -سرنا حيناً بجانب الشمس، هل ستُعيرنا صفة النجوم؟ -آثرنا الكثير لبعض الأرواح الصغيرة،... - [الناموس](https://tabcm.net/7666/): الحفاظ على الناموس؟ أم حفظ الناموس؟ أم حياة تحيي الناموس؟ – شفى يسوع مريضًا مُقعدًا في يوم سبت فغضب الفريسيون... - [نحن نحب زراعة الأشواك!](https://tabcm.net/7680/): على خلفية حادث كنيسة الشهيد أبي سيفين بحي إمبابة الشعبي المختلط بتاريخ القاهرة الكبرى، الذي أفجعنا منذ أيام، لا أزال... - [العلمانيون والكنيسة.. إعادة تذكرة](https://tabcm.net/7704/): قبل نحو أربعة عشر عاماً أطلقت صرخات تحذير وتنبيه حملتها صفحات كتابي "العلمانيون والكنيسة ـ صراعات وتحالفات"، وحملت أول نسخة... - [شجرة المعرفة وشجرة الحياة](https://tabcm.net/7183/): في البَدْء خلق الله شجرة المعرفة وشجرة الحياة في وسط الفردوس ليرينا أن الحياة لا تنفصل عن معرفة الحق ”وتعرفون... - [تأله ناسوت المسيح في تعليم آباء الكنيسة](https://tabcm.net/7708/): يعلم آباء الكنيسة الأرثوذكسية الجامعة بتعليم غاية في الأهمية هو تأله ناسوت المسيح، حيث يرى الآباء أن تأله ناسوت المسيح... - [هل يعارض ”التوحيد الإلهي“ الحكم البشري؟](https://tabcm.net/7573/): عمق "إريك پيترسون" المجادلات ضدّ أفكار "شمِتّ" التي انتشرت بقوّة، إذ كان پيترسون لاهوتيًّا مسيحيًّا ذا معرفة عميقة بآباء الكنيسة،... - [تلك المرأة](https://tabcm.net/7584/): تلك المرأة... -تلك المرأة التي تُفشّل الجسد لتنتصر بالروح... تبتسم من خلف الستار، وجهها لا يعتلى مسرح الوجه أو خشبة... - [الركابيون](https://tabcm.net/7665/): أخذ إرميا يازنيا وأخوته وذهب عند الركابيين وأخذ معه أباريق ملأى بالخمر بل إنه أخذ معه أيضًا الكؤوس وطلب من... - [هل يقدم المسيحيون قرابين بشرية للإله؟](https://tabcm.net/7629/): أهوال كثيرة تمر، لكن بعض الحوادث تأتي لتدق ناقوس إنذار يدعو لتغييرات جذرية. وهكذا يأتي حريق كنيسة إمبابة كاشفا عن... - [قتلناهم قبل أن يخنقهم الدخان](https://tabcm.net/7612/): استيقظنا صباح أمس الأحد على فاجعة نشوب حريق في كنيسة الشهيد مرقوريوس -أبو سيفين- بمنطقة المنيرة في إمبابة بمحافظة الجيزة،... - [التعتيم المعلوماتي في حرائق الكنائس](https://tabcm.net/7604/): النهارده الصبح وقع حريق ضخم وصعب في كنيسة أبو سيفين بمنطقة المنيرة الغربية، محافظة الجيزة. ولأن النهارده اﻷحد (يوم القداس... - [المسيحية ليست دعوة لكراهية العالم](https://tabcm.net/7037/): “لاَ تُحِبُّوا الْعَالَمَ وَلاَ الأَشْيَاءَ الَّتِي فِي الْعَالَمِ”. (رسالة يوحنا الأولى 2: 15) هي  آية نقرأها بالقداس بعد وليس قبل... - [الحلول الأقنومي في البشر
عند القديس كيرلس عمود الدين](https://tabcm.net/7575/): يحارب القديس كيرلس السكندري منكري الحلول الأقنومي للروح القدس في البشر، حيث يقول أننا نتحد بالله، ونصير واحدًا معه، وشركاء... - [التطويبات..](https://tabcm.net/7439/): طوبى لصانعي الفرح، الذين إذا أقبلوا على طفلٍ أضحكوه، وعلى محتاجٍ أكفوه، وعلى حزينٍ فأسعدوه. الحق أقول لكم، لا يحيا... - ["القانون" و "روح القانون"](https://tabcm.net/7448/): في مسلسل يعالج قضية “الحقوق” كنظرية وكقيمة، تظهر عائلة تتكون من أب وبناته، حيث تدرس إحداهن القانون وتؤمن بحق الفرد... - [[١٤] نقطة في آخر السطر](https://tabcm.net/7430/): استأذن القديس بولس الرسول مرتين، الأولى في استعارة وصفه لحاله في تجواله بين مدن آسيا الصغرى، وقد نال منه التعب... - [واﻷكاديميا أيضا ترصد: ينشرون الإلحاد](https://tabcm.net/7468/): لست بصدد تقديم معالجة لأسباب انتشار الإلحاد، لكن أريد رصد فشل الأساليب المتبعة في التعليم الكنسي في المهجر حاليًا لمواجهة... - [لماذا لا يظهر الله نفسه للعالم فيؤمن به الجميع؟](https://tabcm.net/6963/): لماذا لن يصدق الناس ولن يؤمنوا لمجرد أن الله يظهر لهم؟ «قَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: عِنْدَهُمْ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءُ، لِيَسْمَعُوا مِنْهُمْ. فَقَالَ:... - [كهنة أخر زمن](https://tabcm.net/7402/): انتشرت منذ مدّة قناة على اليوتيوب لكاهن قبطي أرثوذكسي يدعى "اسحق صبري"، في ظاهرة جديدة من نوعها؛ حيث اعتاد الشعب... - [أساقفة ينشرون الإلحاد](https://tabcm.net/7397/): هذا المقال ليس مقارنة بين طائفة وأخرى، وليس للشخصنة، وإنما مقارنة بين طرق التعامل فقط، سبق وكتبت مقالًا بعنوان "الإلحاد... - [ولما نكتب؟! [۲]](https://tabcm.net/7207/): نكتب لنقاوم الظلم والاستبداد، موجعة هي الكتابة عندما لا نجد ما نكتب عنه سوى الخيبات نكتب الآلم والمعاناة والجراح النازفة... - [مافيا](https://tabcm.net/7219/): عصابات المافيا موضوع مثير لمؤلِّفي أدب الروايات والأعمال الفنية فهو عالم ملئ بالأسرار والغرائب والمغامرات وربما أيضًا ملئ بالمتناقضات. هذا... - [[١٣] تحالفات ومصادمات](https://tabcm.net/7211/): أعود فأؤكد أن تناولي هنا لا يقترب من الأرضية اللاهوتية أو الروحية، وسطوري ليست تقييمًا لشخوص المرحلة محل القراءة، وإنما... - [إبيفانيوس الذي لم أكن أعرفه](https://tabcm.net/7223/): قليلًا ما تجود علينا الحياة بشخصيات مهمة ومؤثرة، تعمل في صمت، لا يهمها ذاتها ولا صورتها الشخصية في أعين الآخرين... - [لماذا قتلوه في بيت أحبائه؟](https://tabcm.net/7186/): حديث الرب في إنجيل يوحنا إصحاح 5 قد يوضح لماذا رفضت الإدارة الكنسية خلال ما يقرب من نصف قرن مضي... - [هل أطفأت طيور الظلام
نور الكنيسة وكوكب البرّيّة المعاصر؟](https://tabcm.net/7195/): ينفجع قلبي ألمًا على رحيل الأنبا إبيفانيوس، ثمّ مرارة القلب وغصّة الحلق حينما علمتُ أنّ يدًا غادرة طالته. لم أكن... - [ولما نكتب؟!](https://tabcm.net/7140/): نكتب لأن الكتابة تخلق لنا أجنحة نحلق بها عاليًا لعلنا نتوه ولا نرجع... نكتب لنفرغ ما أهدرناه في زوابع صمتنا...... - [الغريب الذي ظل غريبًا](https://tabcm.net/7148/): قرية صغيرة يعيش سكانها بروح العائلة الواحدة ويربطها الحب والاحترام والقيم والعادات التي تميزها وتقوِّي ترابطهم في السرَّاء والضرَّاء وفي... - [[١٢] إعادة تركيب قطع البازل](https://tabcm.net/7121/): بين الثقافة والسياسة والكنيسة تشكلت ذهنية القادم الجديد للكرسي المرقسي، ربما بنفس الترتيب، فيما يشهد المجال العام تغيرًا دراماتيكيًا، برحيل... - [الشهيد الذي يجحدونه](https://tabcm.net/7155/): يا نيافة الحبر الجليل، افتح سنكسارك واقرأ عن شهادة يوحنا المعمدان الذي اعتبرته الكنيسة شهيدًا، وإن لم يُقتل لإيمانه بالمسيح،... - [خواطر في تفسير إنجيل يوحنا
الإصحاح الرابع [٧]](https://tabcm.net/7117/): ختام إصحاح السامرية (٧) أَمَا تَقُولُونَ: إِنَّهُ يَكُونُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ ثُمَّ يَأْتِي الْحَصَادُ؟ هَا أَنَا أَقُولُ لَكُمُ: ارْفَعُوا أَعْيُنَكُمْ وَانْظُرُوا... - [من الجيد أن أكون ههنا](https://tabcm.net/7105/): الحياة مثل النرد في لُعْبَة "الطاولة"، تُلقي بالنرد وعن طريق المصادفة أو الحظ سيأتي لك بمجموعة من الأرقام، ومهما كنت... - [القيم الأخلاقية [كُتَّاب رواد مصريون]](https://tabcm.net/6843/): الكتابات الأولى فيما يختص بعلم الأخلاق والفلسفة الأخلاقية ظهرت في القرن العشرين، تراوحت بين تحقيقات، فكر أخلاقي عربي، ترجمات فلسفية... - [خواطر في تفسير إنجيل يوحنا
الإصحاح الرابع (٦)](https://tabcm.net/6999/): إصحاح السامرية (٦) وَفِي أَثْنَاءِ ذلِكَ سَأَلَهُ تَلاَمِيذُهُ قَائِلِينَ: «يَا مُعَلِّمُ، كُلْ». فَقَالَ لَهُمْ: «أَنَا لِي طَعَامٌ لآكُلَ لَسْتُمْ تَعْرِفُونَهُ... - [أنا أحلى حاجة في الدنيا](https://tabcm.net/7021/): من أخطر وأعقد المشكلات التي تقابلنا كمجتمع شرقي، وللأسف تتحكم في أغلب سلوكياتنا وأفكارنا بشكل مباشر، وغير مباشر، هي نظرتنا... - [القيم الأخلاقية [الضمير]](https://tabcm.net/6842/): في هذا المقال سنتعرف إلى الضمير عند المستشار محمد سعيد العشماوي، ورواد القرن العشرين، وصلاح سالم، فهو في مفهومهم ليس... - [[١١] من أنت أبي الأسقف؟](https://tabcm.net/6977/): تأسيسًا على ما لحق بالأديرة من تطور، وقد استعرضنا طيف منه فيما سبق، فإنه من الطبيعي أن ينعكس هذا التطور... - [[٦] من إيل إلى يهوه](https://tabcm.net/6987/): تناولت المقالات السابقة نظرية "يحزقيل كوفمان" عن ثورة التوراة في مواجهة نصوص الشرق الأدنى اللاهوتية، وفي هذا المقال، سنتناول نِقَاط... - [خواطر في تفسير إنجيل يوحنا
الإصحاح الرابع (٥)](https://tabcm.net/6994/): إصحاح السامرية (٥) قَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ: «أَنَا أَعْلَمُ أَنَّ مَسِيَّا، الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْمَسِيحُ، يَأْتِي. فَمَتَى جَاءَ ذَاكَ يُخْبِرُنَا بِكُلِّ... - [على من نكذب؟](https://tabcm.net/6846/): في بداية التحاقي بمركز التكوين الصحفي بجريدة وطني سبتمبر 2006، أجرى معنا الأستاذ سليمان شفيق تدريب لطيف في مجموعة الإبداع،... - [القيم الأخلاقية [بقاء الدين مرهون برسالته]](https://tabcm.net/6831/): لماذا تجديد الخطاب (الفكر) الديني؟ الدين عنده الصَّلاحِيَة والقدرة على اقتحام الواقع ببعديه الأفقي والرأسي (مع الله ومع الناس)، فإن... - [المسيحيّون العرب وأزمة الهويّة](https://tabcm.net/6937/): ربما يكون العنوان نفسه مسببا لاعتراضات عند المسيحيين العرب لأنهم لا يعدون أنفسهم عربًا لا لسبب إلا لأنهم مسيحيّون. إذا... - [الدين للشعب](https://tabcm.net/6934/): كانت بَذْرَة هذا الكتاب بعض من المقالاتِ التي كتبتْ ونشرتْ في موقع "الحوار المتمدّن" على شبكة الإنترنت، وبعض مشاركاتي في... - [خواطر في تفسير إنجيل يوحنا
الإصحاح الرابع (٤)](https://tabcm.net/6822/): إصحاح السامرية قَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ: «يَا سَيِّدُ، أَرَى أَنَّكَ نَبِيٌّ! آبَاؤُنَا سَجَدُوا فِي هذَا الْجَبَلِ، وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ إِنَّ فِي أُورُشَلِيمَ... - [بعيدًا عن ضوضاء العالم](https://tabcm.net/3951/): على قمة أحد تلال الجبال الملاصقة للدير يقف شامخًا متواضعًا راهب من أحد الأديرة العامرة، واحد من أُناس الله الأتقياء... - [هل التطور ضد الله وضد الدين؟](https://tabcm.net/5450/): هل التطور بيتعارض مع وجود إله؟ هل التطور بيتعارض مع الدين؟ السؤالين دول في الواقع سؤالين مختلفين، وإجابتهم هما الاتنين:... - [بدلية أم شفائية](https://tabcm.net/6754/): كانت الكفارة قديمًا بالنسبة لي مصطلح غامض مرتبط، نوعًا ما، بالدماء وفقًا لـ(عبرانين 9: 22) وهي مرتبطة تمامًا بالخلق، كذلك... - [القيم الأخلاقية [تجديد الخطاب الديني]](https://tabcm.net/6767/): ما الخطاب الديني من حيث الشكل: هو أيًا من الموضوعات المكتوبة أو المسموعة أو المرئية التي تتناول خطابًا يعطي تعليمًا... - [[١٠] اختلالات الأديرة](https://tabcm.net/6792/): إعادة هيكلة الذهنية القبطية الدينية -عبر الستة عقود الأخيرة- لم تكن عشوائية، وقد اجتمعت عدة عوامل في الفضاء العام هيأت... - [[٥] أساطير الطوفان](https://tabcm.net/6774/):  ليست قصة نوح هي قصة الطوفان الأولى للبشرية، فهناك أكثر من أسطورة تسبقها بقرون عدّة لأن القدماء اعتادوا الفيضانات، بالأخص... - [نهاية العالم ومجيء المسيح](https://tabcm.net/6807/): هناك في الطقس اللاتينيّ زمنٌ يقابل شهر كيهك لدينا في الطقس القبطيّ يُسمّى زمن المجيء. تُكرّس القراءات الطقسيّة فيه والترانيم... - [والخاتمة الشريفة](https://tabcm.net/6641/): بمناسبة ذكرى نياحة الأب متى المسكين، (رحل عن عالمنا 8 يونيو 2006)، أذكر  اعتراف بسيط مشابه لاعتراف كثير من الشباب... - [هل التطور بيفسر أصل الحياة؟](https://tabcm.net/5444/): الاجابة على السؤال دا هو: “لأ“. أي نظرية علمية بيبقى ليها النطاق أو الـScope اللي بتشتغل فيه، نظرية التطور معنية... - [درس بطرس](https://tabcm.net/6681/): قبل بداية الألفية الثالثة اعتادت الأسر المصرية أن تحلم بمستقبل أطفالها، فهذا طبيب، وذاك مهندس، وهكذا، أما أنا، فقد رأت... - [القيم الأخلاقية [الخطاب الديني]](https://tabcm.net/6647/): في هذا المقال تناول عدة مفاهيم هي العلاقة بين الخطاب الديني والقيم الأخلاقية، تجديد الخطاب الديني شكلا ومضمونًا، وبقاء الأديان... - [[۹] زحف الرهبنة](https://tabcm.net/6712/): الخطوط الأولى للمشهد الذي نقترب منه تشكلت مع قدوم البابا كيرلس السادس، في لحظة مرتبكة على المستويين الخاص والعام، أدرك... - [[٤] أساطير الخلق](https://tabcm.net/6324/): سيتناول هذا المقال أسطورتين من أشهر أساطير الخلق القديمة وإعادة تقديم سفر التكوين لهما بصورة جدلية (Polemical Retelling). الأسطورة البابلية... - [عيد يوم الخمسين](https://tabcm.net/6499/): نعمة الروح القدس في  الإنسان: الحلول والامتلاء من الروح القدس. لقد أنعم الله الآب بحلول روحه القدوس يوم الخمسين وسكناه... - [مش التطور سقط في الغرب؟](https://tabcm.net/5442/): الاجابة المختصرة على السؤال دا هو: “لأ“. لكن عشان نفهم سوء التفاهم دا بيجي للناس منين هنحتاج نتكلم عن حركتين... - [إرنست وليم يكتب: الزَّيف المُريح](https://tabcm.net/6605/): في رحلتي الأخيرة لمصر، دخلت بالصدفة لكنيسة العذراء بمحرم بك، وهي الكنيسة التي كان عليها القمص “أرسانيوس وديد” الذي قتل... - [القيم الأخلاقية [الاقتصاد وتأثيره]](https://tabcm.net/6487/): خصَّص رينولد نيبهور (هو مصلح لاهوتي أمريكي وخبير في علم الأخلاق كتابه "الأخلاق المسيحية") لمحاولة جمع الإجابات عبْر التاريخ المسيحي... - [[۸] شظايا السياسة وصراعاتها](https://tabcm.net/6633/): حين كان علمانيًا كان سعيه إعادة الاعتبار للدور العلماني في الكنيسة، وتكامله مع دور الإكليروس، وآيتنا حدث الدفع باسم معلمه... - [[٣] ثورة النص](https://tabcm.net/6275/): تقوم العديد من الدراسات الأثرية والتاريخية للعهد القديم على مقارنته بتاريخ شعوب الشرق الأدنى القديم، ويرى العديد من العلماء أن... - [الضربات العشر في التاريخ المصري القديم](https://tabcm.net/6371/): في أوائل القرن التاسع عشر عُثر على بردية إيبوير Ipuwer Papyrus، والتي نشر ترجمتها العالم الأثري الإنجليزي الشهير آلان جاردينر... - [هل الله يؤلم البشر كما يروج القمص لمعي؟](https://tabcm.net/6479/): "ليا" طالبة جميلة تعيش في ولايه تازمانيا الأسترالية, حين كان عمرها  16 عامًا في ليلة الكريسماس عام 1992 تم اختطافها... - [إزاي بيعرفوا عمر الحفريات؟](https://tabcm.net/5448/): دايما بتشوف علماء التاريخ الطبيعي يقولوا على حفرية معينة للإنسان إن عمرها 150 ألف سنة، أو عن حفرية ديناصور إنه... - [التعاليم الاجتماعية للبابا شنودة
بعد تنحي مبارك](https://tabcm.net/6472/): لرصد التحوّل الهامّ في لغة ومضمون خطاب البابا شنودة بعد تنحّي مبارك، هناك بشكل خاصّ مقالتان نشرهما في صحيفة الأهرام... - [القيم الأخلاقية [في الفكر الكتابي]](https://tabcm.net/6372/): توجد ثلاث مفردات مهمة لدراسة القيم الأخلاقية وهي: Ethos: أي الروح المميزة للثقافة أو الحِقْبَة أو المجتمع كما يتجلى في... - [[٧] إعادة تشكيل المنظومة](https://tabcm.net/6542/): نجاوب شوية أسئلة جملة يفتتح بها الرجل القادم إلى الكرسي البابوي (48 عامًا) اجتماعه الأسبوعي، فيما كانت جملة ربنا موجود... - [[٢] متى كُتب التكوين؟](https://tabcm.net/6343/): لقد أثار سفر التكوين جدلا واسعا منذ قرون، خاصة بعد التقدم الملحوظ في علم الآثار والتنقيب في القرن التاسع عشر.... - [تعليقات على سفر ملاخي [مجيء يوم الرب العظيم]](https://tabcm.net/6081/): فَهُوَذَا يَأْتِي الْيَوْمُ الْمُتَّقِدُ كَالتَّنُّورِ، وَكُلُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ وَكُلُّ فَاعِلِي الشَّرِّ يَكُونُونَ قَشًّا، وَيُحْرِقُهُمُ الْيَوْمُ الآتِي، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ، فَلاَ يُبْقِي... - [بينما يتجادل اللاهوتيون، يتسلل الأنبا رفائيل](https://tabcm.net/6461/): حصل نيافة الأنبا رفائيل الأسقف العام لكنائس وسط القاهرة على ماجستير في علوم اللاهوت (هكذا، دون تخصص! ) من كنيسة... - [ليه قرد؟ فين الحلقة المفقودة؟](https://tabcm.net/5414/): لو الإنسان أصله قرد. . ليه لسة في قرود؟ دا برضو من أشهر الأفكار المغلوطة عن التطور. التطور مش بيقول... - [أساقفة ومجمع](https://tabcm.net/6401/): كالعادة المرعية، لم يخذلنا الأسياد هذه المرة أيضًا، فقبيل كل اجتماع لمجمع الأساقفة يجري تسريب المقترحات المقدمة للجان المجمع، ومع... - [القيم الآخلاقية [الطبقات الاجتماعية وجيلZ]](https://tabcm.net/5971/): الطَبَقة الوُسطَى: هي أكثر من غيرها تمسُّكًا بالقِيَم الأخلاقية وتطبيقًا لها حتى إن كلمة القِيَم ترتبط بالطَبَقة الوُسطَى. تعريفها: هي... - [[٦] الطريق إلى الزعامة](https://tabcm.net/6348/): لا أحد يقدر أن يغير رأى نظير جيد إلا نظير جيد - [يهوه والشرق الأدنى](https://tabcm.net/5913/): يتعامل البعض مع نصوص العهد القديم من منظور الحتمية التاريخية والاستقلال الكلي عما سبقها من نصوص لديانات الشرق الأدنى القديم،... - [تعليقات على سفر ملاخي [ارجعوا إليَّ أرجع إليكم]](https://tabcm.net/5938/): هأَنَذَا أُرْسِلُ مَلاَكِي فَيُهَيِّئُ الطَّرِيقَ أَمَامِي. وَيَأْتِي بَغْتَةً إِلَى هَيْكَلِهِ السَّيِّدُ الَّذِي تَطْلُبُونَهُ، وَمَلاَكُ الْعَهْدِ الَّذِي تُسَرُّونَ بِهِ. هُوَذَا يَأْتِي،... - [من أقامكم علينا قضاة ومشرعين؟](https://tabcm.net/6357/): استعرض في هذا المقال ثلاثة مشاهد، من ثلاث شخصيات، في ثلاثة أزمنه، شكّلوا برأيي نقاطا مفصلية في واقعنا المعاصر، وبالأخص... - [تطوّر صغير.. تطوّر كبير.. !؟](https://tabcm.net/5440/): يعني إيه تطور صغير (Micro-Evolution) وتطور كبير (Macro-Evolution)؟ أول حد استعمل المصطلحين دول كان عالم اسمه Yuri Filipchenko، وتم استعمالها... - [هذا الزواج.. ما مفهومه؟](https://tabcm.net/6254/): أثار فيديو الاعتداء الوحشي على السيدة "ماري مجدي ونيس" من قبل زوجها "وليد سعد أيوب" المدمن للمخدرات والرافض للتعافي 8... - [القيم الأخلاقية [زَرْع القِيَم الأخلاقية]](https://tabcm.net/5933/): تتنوَّع أنشطة المجتمعات وتستجد أنشطة جديدة، لذا تظهر قيم أخلاقية وتختفي أخرى أو يتغير نمط السلوك الذي تقف وراءه قيم... - [مشاهدات إكليروسية [٥]](https://tabcm.net/6282/): ما زلت استدعي عديدًا من المشاهدات التي تختزنها الذاكرة، علها تقدم لنا -كنيسة وأقباطًا- تفسيرًا لما نحن عليه في لحظتنا... - [هل يدخل أبي الجنة؟!](https://tabcm.net/6103/): مات أبي وكان ملحدًا وعمدنا نحن الأربعة أطفال. . أبي كان رجلًا طيبًا. . هل يدخل أبي الجنة؟ - [تعليقات على سفر ملاخي [انحراف الكهنة والشعب]](https://tabcm.net/5877/): وَالآنَ إِلَيْكُمْ هذِهِ الْوَصِيَّةُ أَيُّهَا الْكَهَنَةُ (سفر ملاخي، الإصحاح الثاني، 1) في هذا الجزء (ملا 2: 1-9) يتكلم ملاخي النبي... - [أُثناسيوس.. كبير من الإسكندرية](https://tabcm.net/6145/): كان الوقت نحو مغيب الشمس. كنت جالسا في غرفة مظلمة نوعا ما، ثم قام ذلك العظيم من جلوسه ليوقد لنا... - [يعني إيه "نوع" أصلًا؟](https://tabcm.net/5438/): هل في حاجة أصيلة في الطبيعة اسمها "نوع"؟ ولا دي مجرد تصنيفات بنعملها عشان نسهل تعاملنا مع الكائنات الحية؟ - [هذا الزواج.. ما نوعه؟](https://tabcm.net/6195/): أحاول في هذا المقال التفكير بصوت عال حول هذا الزواج. . ما نوعه؟ من أنشأه؟ ممن يستمد شرعيته ودوامه؟ من... - [القيم الأخلاقية [الأزمة الأخلاقية]](https://tabcm.net/5901/): ما الأزمة الأخلاقية وصراع القيم؟ عندما تتعرَّض المجتمعات المُستَقرة (إلى حد ما) إلى وافِد جديد أو دخيل جديد بقِيَم جديدة... - [مشاهدات إكليروسية [٤]](https://tabcm.net/6128/): أتوقف هنا مع دراسة قام بها أحد رجال الإكليروس المعاصرين، تعيد قراءة واقعة لقاء قطبي الرهبنة، أو قل اثنين من... - [الوحدة ليست سيئة كما نظن](https://tabcm.net/5950/): الوَحْدَةِ كلمة سيئة السمعة في زمننا الحاضر، وهي بمثابة مشاعر قاسية على من يمر بها، خاصة في هذه السنوات الصعبة... - [تعليقات على سفر ملاخي [أحببتكم واحتقرتموني]](https://tabcm.net/5735/): سفر ملاخي هو من أسفار الأنبياء الصغار، والسفر هو الأخير في ترتيب أسفار العهد القديم. وقد كُتب السفر في فترة... - [متى يُحسم الجدل في قضايا التحوّل الديني؟](https://tabcm.net/5025/): انشغل الرأي العام المصري على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأسابيع الماضية بقصص اختفاء الفتيات المسيحيات، وعودتهن، ويظل الغموض سيد الموقف.... - [الطفرة والتكيّف.. يعني إيه؟](https://tabcm.net/5435/): لو داروين نفسه قام من الموت النهاردة وعاش وسطنا، هيحتاج يدخل جامعة وياخد كورس عن التطور - [أحوالنا الشخصية: بين الله والقيصر](https://tabcm.net/5370/): الواقع الآن أن المؤسسة الكنسية - في سعيها المقدس لتكوين الاتحاد الإلهي الأسري و هو دورها المناط بها من الرب... - [القيم الأخلاقية [بين الفلسفة والعِلم]](https://tabcm.net/4409/): عناوين لكتب تناولت موضوع الأخلاق: القيم الأخلاقية بين الفلسفة والعلم، د. فايزة شكري الأخلاق بين الفلسفة وعلم الاجتماع، د. محمد... - [مشاهدات إكليروسية [٣]](https://tabcm.net/5886/): مشهدان باعد بينهما الزمن لقرون، لكنهما قد يقدمان لنا مداخل تفكك تشابكات الحالة القبطية الكنسية المعاشة، الأقرب زمنًا من لحظتنا،... - [التأثير السلبي لعدم ضبط التقويم القبطي](https://tabcm.net/5383/): من الواضح حاليا إن عدم ضبط التقويم القبطي، أدى إلى فجوة 14 يوما، فرق في موعد أيام الأعياد الثابتة مثل... - [خواطر في تفسير إنجيل يوحنا
الإصحاح الرابع (٣)](https://tabcm.net/5040/): ”١٦ قال لها يسوع: «اذهبي وادعي زوجك وتعالي إلى ههنا» ١٧ أجابت المرأة وقالت: «ليس لي زوج ». قال لها... - [مصادر اللاهوت اﻹرسالي](https://tabcm.net/5378/): إنَّ الكتاب المقدَّس هو أساس كلِّ مقال لاهوتيّ. فبما أنَّ المسيح هو محور إيماننا، وأساسُه، بات لا يوجد أيّ لاهوت... - [هل التطور حقيقة أم مجرد نظرية؟](https://tabcm.net/5325/): التطور في ظل المفاهيم العلمية بيعتبر "حقيقة علمية" Fact لإنه حصل وبيحصل وهيحصل، زيه زي الجاذبية ودوران الأرض أو تفاعل... - [الخبل المقدس.. وأصول الطرمخة!](https://tabcm.net/5263/): إذا كنت لا تستطيع رفع الظلم، فأخبر عنه الجميع على الأقل. (المفكر الإيراني “علي شريعتي”) في بداية الألفية تم تسريب... - [القِيَم الأخلاقية [الخصائِص]](https://tabcm.net/4408/): القِيَم بمعناها الواسع: هي ما يجعل أي شيء جديرًا بأن يطلب أو يتحقق. فالإنسان هو الذي يحمل القيمة في ذهنه... - [مشاهدات إكليروسية [٢]](https://tabcm.net/5358/): قبل نحو نصف قرن وبضع سنوات، تحديداً في العام 1968، شهدت كنيستنا المحلية ـ مار جرجس، القللي ـ رسامة أوّل... - [القبطية وإشكالية القومية والتغرب](https://tabcm.net/5286/): منذ أن توقف استعمال اللغة العبرية المحكية في القرن الثاني الميلادي، بدأت العبرية تندثر شيئا فشيئا حتى أصبحت تقتصر على... - [خواطر في تفسير إنجيل يوحنا
الإصحاح الرابع (٢)](https://tabcm.net/4841/): أجاب يسوع وقال لها: «لو كنت تعلمين عطية الله، ومَن هو الذي يقول لك أعطيني لأشرب، لطلبت أنت منه فأعطاك... - [عند الصليب وقفت مريم](https://tabcm.net/5296/): ساعة واحدة هي جل ما طلبت في ضيعة جثسيماني من تلاميذك المختارين، ابتعدت نحو رمية حجر من الثلاثي المقرب لقلبك... - [كما في السينما كذلك على الأرض](https://tabcm.net/4875/): شيء من الخوف (١٩٦٩) (لاهوت الدهاشنة) فيلم «شيء من الخوف» (١٩٦٩) مأخوذ عن قصّة للكاتب “ثروت أباظة”. تدور أحداث الفيلم... - [الزواج المسيحي بين سندان الدولة ومطرقة الكنيسة](https://tabcm.net/5214/): يرى الكثير من رجال الدين الأقباط أن الزواج في المسيحية لا يتم إلا في الكنيسة، بل ولا يصح إلا إذا... - [القيم الأخلاقية [تعريفات واصطلاحات]](https://tabcm.net/4405/): نتناول في هذا المقال تعريفات لبعض المُصطَلَحات الخاصة بموضوع القِيَم الأخلاقية.  Ethos هي رأس الهرم الأخلاقي أي الباعث على الأخلاق.... - [مشاهدات إكليروسية [١]](https://tabcm.net/5234/): كان بيتنا الكبير يشهد العديد من زيارات الآباء الكهنة، أصدقاء والدي، ربما لأنهم يأتنسون برأيه الذي يحمل خبرة السنين وحنكة... - [يأتون بثياب الحملان، وهم ذئاب خاطفة](https://tabcm.net/5066/): تستيقظ في كل صباح وهي تشعر أن عدوًا ينام بجوارها، يستلب حياتها، استسلمت للميتة البطيئة المفعمة بالقنوط لأن نفق الخلاص... - [المسيح مصلوباً](https://tabcm.net/5204/): وأنت أيّها الجبّار المصلوب، الناظر من أعالي الجلجلة إلى مواكب الأجيال، السامع ضجيج الإثم، الفاهم أحلام الأبديّة، أنت على خشبة... - [إلهي، إلهي…](https://tabcm.net/5123/): مُنذ تسعة عشر جيلاً والبشر يعبدون الضعف في شخص يسوع، ويسوع كان قوياً ولكنّهم لا يفهمون معنى القوّة الحقيقيّة - [ذكرى القبض على الشاب الفلسطيني يسوع](https://tabcm.net/5205/): هذه الومضات وجدت طريقها إلى حياتي خلال حَدثين؛ الأوّل عندما كنت أؤدّي خدمتي العسكريّة أثناء الحرب العالميّة الثانية. والحدث الثاني... - [المسيح ثائرًا](https://tabcm.net/5045/): منذ نحو ألفي عام، ونحو الساعة الثالثة بعد ظهر الجمعة الثالث من أبريل من العام 33، أعدم النظام الروماني الحاكم،... - [القيم الأخلاقية](https://tabcm.net/4403/): البحث في الأخلاق عمومًا موضوع حديث نسبيًا في ثقافتنا العربية والشرقية (عكس اليونان كمثال الذي يرجع لقرون ما قبل الميلاد)،... - [المسيح مدنياً](https://tabcm.net/5056/): أما أنا،، فسأظل أحلم بكنيسة من الناس، تُبشر بالمسيح كاملًا غير مجتزأ. . كنيسة تُعلم اتباعها لا عن "ابن الله"... - [أسبوع آلام المسيحيين في مصر](https://tabcm.net/4892/): يستعد مسيحيو مصر في هذه الأيام لذكرى أسبوع آلام السيد المسيح ومن بعده عيد القيامة. وهذا العام، عاش مسيحيو مصر... - [خواطر في تفسير إنجيل يوحنا
الإصحاح الرابع (١)](https://tabcm.net/4811/): “ترك اليهودية ومضى أيضا إلى الجليل. ٤ وكان لا بد له أن يجتاز السامرة. ٥ فأتى إلى مدينة من السامرة... - [مشكلات ما بعد عودة "مريم"](https://tabcm.net/4999/): والحلول التشريعية ﻻ تبدأ فقط من اﻷحوال الشخصية (التي توقف الإصلاح فيها وقهرت الأقوياء مثل عبد الناصر، ومثل نابليون الذي... - [اصنعوا هذا لذكري](https://tabcm.net/4865/): قال: "اصنعوا هذا لذكري"، ثمّ رفع عينيه إلى السماء وقالَ: أبتِ، إن شئتَ فاحفظ ذاكرَتهم من الزَّيف! ثمّ دنا إليه... - [قراءات في دفتر العبث
ما بعد استشهاد القس أرسانيوس](https://tabcm.net/4885/): بعد استشهاد أبونا أرسانيوس في المدينة اللي كانت حتى زمن ليس ببعيد، مدينة كوزموپوليتان وبيتضرب بها المثل في التعددية الثقافية... - [شرور التدخُّل في شئون الغير](https://tabcm.net/4097/): قال يسوع للشاب "كيف تقرأ؟" ومازال يقول لك يا من تقرأ كلمة الله "كيف تقرأ؟" وكيف تتحرَّر من القراءة الحرْفية؟... - [الحسبة باظت؟!](https://tabcm.net/4816/): هذا المقال إعادة تَذْكِرَة بالأنبا زوسيما، أسقف أطفيح  -جنوب الجيزة-  قبل أن يتوقف برنامَج "إيماننا الأقدس" الذي فتحت قناة مي... - [يونان والمسيح  ](https://tabcm.net/4081/): يونان لم يذهب ليكرز إلى نينوى كأمر الرب، بل اعتفى عن ينفذ العمل، وهرب من وجه الرب ذاهبا إلى ترشيش... - [أحمد علام يكتب: القس الشهيد أرسانيوس](https://tabcm.net/4849/): أنا كمسلم، أرفض التعزية التي قدمها الأزهر في القس الشهيد "أرسانيوس"، وارفض ما قاله الشيخ "أحمد كريمة" من ألا يتحمل... - [أشرف راضي يكتب: "الانتباه واجب"](https://tabcm.net/4828/): أثار الحادث الإجرامي الذي راح ضحيته القمص أرسانيوس وديد، كاهن كنيسة السيدة العذراء ومار بولس في كرموز بالإسكندرية، ردود فعل... - [[١٣] ما بعد الموت](https://tabcm.net/4045/): الموت هو النهاية الحتمية لنا جميعًا. أما طريقة الموت فتظل بلا أهمية إلى حد كبير. لكن النهاية الأبدية التي تأتي... - [يحرم الكهنة العلاقة الزوجية خلال الصوم
فهل هم يمتنعون؟](https://tabcm.net/3870/): يضحك القبطي على تدخل الشيوخ في أدق تفاصيل المؤمنين غير مدرك أن رجال الدين في كنيسته سيلعبون نفس الدور لاحقًا.... - [لماذا النِسيان والتَرْك؟](https://tabcm.net/4096/): قال يسوع للشاب "كيف تقرأ؟" ومازال يقول لك يا من تقرأ كلمة الله "كيف تقرأ؟" وكيف تتحرَّر من القراءة الحرْفية؟... - [احترس من الزهور البراقة ورحيقها سام](https://tabcm.net/4775/): أنت شرير في رواية أحدهم لأنك استطعت أن تصد الأذى الذي يسببه لك، أيا كان نوع هذا الأذى سواء داخلي... - [سيدهم.. "حمص وحلاوة"!](https://tabcm.net/4758/): الأسقف الذي كان قد توافق مع الشيخ السلفي ياسر برهامي في لجنة كتابة الدستور 2014م، ودافع عنهم باستماتة وأعتبرهم "فصيل... - [خواطر في تفسير إنجيل يوحنا
الإصحاح السابع عشر (٤)](https://tabcm.net/4296/):  ”أنا فيهم وأنت فىَّ ، ليكونوا مُكَمَّلين إلي واحد، وليَعلَم العالم أنك أرسلتني، وأحببتَهم كما أحببتني“. (إنجيل يوحنا ١٧ :... - [عبد الحميد منصور جاد الله.. المواطن الناصري المثالي](https://tabcm.net/4596/): تابعت، بعد عصر كيلو ليمون أضاليا على نفسي، بمزيد من الغثيان والامتعاض والرغبة في القيء، الجزء الثالث من المسلسل الذي... - [[١٢] وباء كوفيد١٩](https://tabcm.net/4043/): صار الشغل الشاغل للإعلام في الوقت الحالي هو فيروس كورونا المستجد بين عامي 2020 والوقت الحالي بسبب تأثيره البشع على... - [غسيلكم الـ"وِسِخ".. نضفوه](https://tabcm.net/4612/): الحل في الاعتراف بالمشكلة أولا، والنشر ومواجهة تلك الجرائم وليس التصالح معها تحت مظلة تفسيرات مخلة شيطانية لكلمات مقدسة. أو... - [سيفٌ للربِ وسيفٌ لجدعون](https://tabcm.net/4095/): قال يسوع للشاب "كيف تقرأ؟" ومازال يقول لك يا من تقرأ كلمة الله "كيف تقرأ؟" وكيف تتحرَّر من القراءة الحرْفية؟... - [مجاملات "ميّتين أبوكم" تؤذي أطفالنا](https://tabcm.net/4666/): لو مريض البيدوفيليا تجاوز مرحلة "المشاعر" إلى مرحلة "دوافع سلوكية" ولو لمرة واحدة، إذن فـمن الواجب هنا التشهير به وفضحه... - [رويس عزيز: مجرم حولوه قديساً في ست ساعات](https://tabcm.net/4639/): أقامت الكنيسة القبطية التقليدية المحافظة لأبينا المتحرش جنسيًا التقليدي المحافظ، صلوات تجنيز باسمه الكهنوتي السابق، ورتبته السابقة، لا في مسقط... - [خواطر في تفسير إنجيل يوحنا
الإصحاح السابع عشر (٣)](https://tabcm.net/4251/): مررنا عبر المقالتين السابقتين على صلاة الرب يسوع في الإصحاح السابع عشر في انجيل يوحنا، ونستكمل هنا الاطلاع عليها متأملين... - [هل من حساب للمركز الثقافي القبطي؟](https://tabcm.net/4614/): المدافعين عن تلك الجرائم والمتسترين عليها هم بكل وضوح إما شركاء أو متورطين في جرائم مماثلة لذا يخافون من كشف... - [[١١] حنانيا وسفيرة](https://tabcm.net/4041/): حين يتعلق الأمر بإجابة سؤال عن الغضب الإلهي، يتجه العديد من اللاهوتيين لربط الأحداث التي تبدو معلنةً لغضب الله على... - [عظيمة هي أرطاميس وسط البلد](https://tabcm.net/4461/): ما تراه أنت خطأ يراه غيرك جريمة، وما تراه أنت معجزة يراه الآخرون عاديًا، وما أراه أنا عوار في السياسة... - [مشغولية الله بالآباء والأبناء](https://tabcm.net/4094/): قال يسوع للشاب "كيف تقرأ؟" ومازال يقول لك يا من تقرأ كلمة الله "كيف تقرأ؟" وكيف تتحرَّر من القراءة الحرْفية؟... - [عن يومٍ جعلوه عيداً للأم](https://tabcm.net/4484/): غادة أجلستني كثيرًا في مَقْعَد امرأة، ومنذ فترة ليست بالبعيدة انتقلت غادة لمعركة “التبني” وقررت أن تكون أمًا دون أن... - ["تجوزني أمك؟"](https://tabcm.net/4173/): شرعت الكنيسة القبطية في ثمانينات القرن الماضي في إنتاج أفلام مسيحية عن سير الشهداء والقديسين، لا تعرضها دور السينما مثل... - [خواطر في تفسير إنجيل يوحنا
الإصحاح السابع عشر (٢)](https://tabcm.net/4217/): نستكمل شرح صلاة الرب يسوع المسيح إلى الآب في إنجيل يوحنا الإصحاح السابع عشر. واشرنا في المقال السابق أنها تستعلن... - [العار والشنار للأسقف السمسار!](https://tabcm.net/4436/): إن الاستبداد يقلب الحقائق في الأذهان، فيسوق الناس إلى اعتقاد أن طالب الحقِّ فاجر، وتارك حقّه مطيع، والمشتكي المتظلِّم مفسد،... - [[١٠] في الطريق لأرض الموعد](https://tabcm.net/4039/): على عكس المقالات السابقة، لا يتحدث هذا المقال عن قصة منفصلة وإنما عن سلسلة أحداث نرى فيها تسلسل مستمر حيث... - [من هي المرأة الفاضلة؟](https://tabcm.net/4088/): قد تكون هذه المرأة زوجة أو عزباء. . قد تكون ربة بيت أو عاملة. . قد تكون شابة أو كبيرة... - [استغلال سافر لنموذج رائع](https://tabcm.net/4349/): انتشر منذ أيام مضت فيديو لسيدة ثمانينية عظيمة رفضت جائزة أو مكافئة مالية، والأهم من رفضها إنه لم يكن أبدًا... - [وحدة الكنائس والاشتراك في الخبز](https://tabcm.net/4308/): أسبوع الصلاة من أجل الوحدة اعتاد مجلس كنائس الشرق الأوسط إطلاق أسبوع الصلاة من أجل الوحدة، الذي يجمع الكنائس بطوائفها... - [خواطر في تفسير إنجيل يوحنا
الإصحاح السابع عشر (١)](https://tabcm.net/4188/): إن صلاة الرب يسوع المسيح إلى الآب في إنجيل يوحنا الإصحاح السابع عشر تَستَعلن الإيمان المسيحي من جهة طبيعة الرب... - [إدارة الكنيسة.. جذور الأزمة](https://tabcm.net/4200/): نحن الأقباط والكنيسة، بحاجة إلى إعادة فحص ما استقر بيننا من أفكارٍ صارت ثوابت، منها القول بأن المجتمع العام استبعد... - [[۹] يوسف والمجاعة](https://tabcm.net/4037/): الدراسات الكتابية: كانت مصر أرض خصبة زارعة للقمح بشكل مستديم نظرًا لوجود النيل في وسطها وفيضانه بشكل سنوي. أحيانًا كانت... - [أسبوع "الاستعداد" أم "هرقل"؟
رحلة تطور الصوم الكبير](https://tabcm.net/4181/): جميع الليتورجيات في الكنيسة - التي تتكون من العبادات والأصوام والصلوات والألحان - لا تكون وليدة اللحظة، بل هي نتاج... - [الرَحْمَة والراحِم والمَرحومون](https://tabcm.net/4087/): قال يسوع للشاب "كيف تقرأ؟" ومازال يقول لك يا من تقرأ كلمة الله "كيف تقرأ؟" وكيف تتحرَّر من القراءة الحرْفية؟... - [نحن نثق فيمن لا نعرفهم ﻷنهم لم يخدعوننا من قبل](https://tabcm.net/4197/): انتشر منذ أيامٍ فيديو الشابٍ أندرو ميشيل -من ذوي الإعاقة- يشكو من بعض خدام كنيسة القديسة بربارة بحي الشرابية، القاهرة،... - [الثورة الثقافية والفعل الثقافي](https://tabcm.net/4012/): لا تستطيع القيادة الثورية كشف واقع محيّر والدعاية لمشروع تمهيدي، إن هي لم تنجح في حل المعضلات التالية: 1-التشهير بالواقع... - ["القتل المُباح" في رأي اﻷنبا شنودة ](https://tabcm.net/4150/): “إذن وصية “لا تقتل” كانت وصية للمعاملات الفردية، و لكن جماعة المؤمنين عموماً وقتذاك، أو الدولة حالياً كدولة، لها الحق... - [متى يعلنون الـ"شنودية" دينًا بديلاً؟](https://tabcm.net/4171/): لو لم يفعل الأنبا شنودة في حياته سوى أنه أنتج هذا الجيل من المتعصبين غليظي القلوب، أفظاظ الألسن، متجمدي العقل... - [[۸] سدوم وعمورة](https://tabcm.net/4035/): الدراسات الكتابية: استطاعت المصادر الأركيولوجية أن تحدد مواقع خمس مدن يعود تاريخها إلى الحقبة البرونزية والتي غالبًا مرتبطة بشكل أو... - [فضيلة النساء و "ميتافيرس"](https://tabcm.net/4161/): حاول مارك زوكربيرغ، مؤسس فيسبوك، تقريب مفهوم "ميتافيرس" خلال إعلانه عن بداية انطلاق عصر الواقع الافتراضي: "عندما تكون في اجتماع... - [الشونمية: المرأة المبادِرة](https://tabcm.net/4017/): قال يسوع للشاب "كيف تقرأ؟" ومازال يقول لك يا من تقرأ كلمة الله "كيف تقرأ؟" وكيف تتحرَّر من القراءة الحرْفية؟... - [يسوع و"قلة الأدب"](https://tabcm.net/4154/): في نهار يوم ربيعي مائل للحرارة، وداخل ساحة أحد البيوت، التي تشبه غيرها في الحي، جرى هذا الحوَار في بلدتنا:... - [مستويات الوعي والشرط التاريخي](https://tabcm.net/4011/): كما أوضح "التوسير": تهيمن ثقافة الصمت على البنيان السفلي الذي انبثقت منه. ولا يمكن فهم ثقافة السكوت إلا إذا أُخذت... - [خواطر في تفسير إنجيل يوحنا
الإصحاح الثالث (٥)](https://tabcm.net/4112/): ”فجاءوا إلى يوحنا وقالوا له: « يا معلم، هوذا الذي كان معك في عبر الأردن ، الذي أنت قد شهدت... - [نعم: للحرب الروسية جذور كنسية](https://tabcm.net/4116/): يعتقد البعض أن أسباب الحرب الروسية الأوكرانية تقتصر فقط على المشاحنات السياسية بين البلدين، ومخاوف بوتين من الزحف الأوروبي نحو... - [[٧] الطوفان العظيم](https://tabcm.net/4033/): فيما سبق، حاولت في إيجاز وضع الخطوط العريضة لإيمان الكنيسة فيما يتعلق بمن هو الله؟ كيف نفهم الصفات المنسوبة له؟... - [العدل.. العقاب.. والله..](https://tabcm.net/4020/): العدل، هو مفهوم يرتبط ارتباطًا وثيقًا بسلامة المجتمعات البشرية، ويتطور -صياغة وأليات- بتطور المجتمع وتحضره. العدل، هو أن يحظي جميع... - [التفسير بين الحرفية والرمزية [مدرسة الإسكندرية]](https://tabcm.net/3916/): مراحل تطور التفسير الرمزي أول من استخدم الطريقة الرمزية في التفسير كان فلاسفة اليونان، قبل مجيء السيد المسيح، واستخدموا هذه... - [الكرسي الإريتري ومعالجة الانشقاق: رؤية تاريخية](https://tabcm.net/4049/): تنيح في غضون الأسبوع الماضي أبونا أنطونيوس بطريرك الكنيسة الإريترية الأرثوذكسية منذ عام ٢٠٠٤ في منفاه الذي فرضته عليه الحكومة... - [الوجود في ومع العالم](https://tabcm.net/4010/): العالم الثالث لا يحاول التوجُّه إلى إدارة العالم الأول، حيث لا محل –كما يرى هو ومن يماثلونه – لحوار بين... - [خواطر في تفسير إنجيل يوحنا
الإصحاح الثالث (٤)](https://tabcm.net/3984/): ”14 وكما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي أن يُرفَع ابن الإنسان، 15 لكي لا يهلك كل من يؤمن... - [[٦] العناية اﻹلهية](https://tabcm.net/3733/): في فصل “الله: غضوب؟”، تباحثنا في حقيقة أن الله غير خاضع للأهواء. ولكن لا بد من موازنة ذلك بفهم وجود... - [التفسير بين الرمزية والحرفية [مدرسة أنطاكيَّة]](https://tabcm.net/3915/): عرفنا في المقال السابق ماهية الكتاب المقدس وعلاقته بالكنيسة، وإن تفسيره هو تفسير بداخل الكنيسة، وقداسته موجودة بداخلها، فالكتاب المقدس... - [الفعل الثقافي في سبيل الحرية](https://tabcm.net/3982/): أصحاب لاهوت التحرير يتحدثون عن تأويل جديد للكتاب المقدس، يستند في التطبيق العملي إلى جدل بين التجربة الحياتية للفقراء وبين... - [خواطر في تفسير إنجيل يوحنا
الإصحاح الثالث (٣)](https://tabcm.net/3985/): نعود مجددا لسلسلة خواطر في أنجيل يوحنا، وربما في أتصال مع مقالنا الأخير الذي فرضته علينا كلمة لأسقف في حفل... - [الأنبا "بنيامين" وكبسولات الـ"تيك أواي"](https://tabcm.net/3997/): أثارت ما تسمى"الكبسولة"، التي تصدر عن الأنبا بنيامين مطران المنوفية بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية، جدلًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي، وكانت... - [[٥] الطبيعة الساقطة / القائمة](https://tabcm.net/3731/): الطبيعة الساقطة: على الرغم من كونهم على صورة الله، أحياء في شركة مع الله وحاصلين على كل أسباب الراحة، إلا... - [الكتاب المقدس والتفسير بين الحرفية والرمزية](https://tabcm.net/3897/): سيكون موضوعنا “ماهية الكتاب المقدس وعلاقته بالتقليد” الذي نبدأ به هذا المقال، هو بداية لسلسلة مقالات حيث سنناقش معنى تفسير... - [جورج بباوي: نورٌ حاربته خفافيش الظلام](https://tabcm.net/3970/): يأتي شهر فبراير هذا العام مع الذكرى الأولى لرحيل اللاهوتي د. جورج حبيب بباوي الذي ارتبط اسمه بالهرطقة بعد قرار... - [وقائع حارة المقراوي - العباسية](https://tabcm.net/3948/): في شتاء العام السابع بعد الألفين، نفخ في النفير العام، انطلق الصوت من العباسية ليعبر أرجاء المحروسة معلنا عن حدث... - [بين الإيمان والعقيدة في المفهوم الأرثوذكسي](https://tabcm.net/3927/): نتوقف قليلاً عن سلسلة خواطر في تفسير أنجيل يوحنا لكي نتطرق بهذا المقال إلي العلاقة بين الإيمان والمعرفة في المسيحية.... - [[٤] الله: غضوب؟](https://tabcm.net/3728/): تحدثنا في المقال السابق عن أبوة الله وأخوة المسيح لنا. وفي عالم ساقط مليء بالعلاقات المتأثرة بهذا السقوط، من الممكن... - [خواطر في تفسير إنجيل يوحنا
الإصحاح الثالث (٢)](https://tabcm.net/3690/): سنحاول في هذا المقال أن نمعن الرؤية في شهادة نيقوديموس عن المسيح وكيف كانت : ” كان إنسان من الفريسيين... - [نساء يحكين أوجاعهن في "رواية"](https://tabcm.net/3697/): تظل مساحة الكتابة النسائية، والهموم التي تشغل النساء، كالسحر الذي يناديهنّ لصياغة مشاعرهن، وأفكارهن في رواية أو قصة أدبية، ووسط... - [[۳] الله كآب والابن كأخ](https://tabcm.net/3726/): كل ما نعرفه عن الثالوث القدوس يكمن في استعلان التجسد الذي به صار ابن الله إنسانًا ومشى بيننا على الأرض.... - [بثياب الحملان](https://tabcm.net/3868/): حدادا على الذين انتقلوا، وعهدوا إلينا بإصلاح سفينة مثقوبة، من أجل إيمانهم الذي صنع لنا أملا، صرنا لا نكتب -وقت... - [تناول المرأة بين النجاسة والنعمة](https://tabcm.net/3858/): إن كنا ما زلنا نتكلم عن تطهير حسب العوائد اليهودية في العهد الجديد فنحن لم ننل بعد الخلاص بدم المسيح - [أسطورة القرعة الهيكلية
(٥) إعادة السعي](https://tabcm.net/3867/): بت متيقنًا أنني افتقد للكثير من مهارات الكتابة وأدواتها، فما يبدو لي من رد صديقي بيشوي القمص علي مقالي الأخير،... - ["مكاري يونان" بين المرقسية وقصر الدوبارة](https://tabcm.net/3775/): أتخيل نفسي لو كنت أعيش عام 400 م، كيف كنت سأتعامل مع حرمان ذهبي الفم من فم البابا البطريرك؟ هل... - [خواطر في تفسير إنجيل يوحنا
الإصحاح الثالث (١)](https://tabcm.net/3683/): ”1 كان إنسان من الفريسيين أسمه نيقوديموس، رئيس لليهود. 2 هذا جاء إلى يسوع ليلا وقال له: « يا معلم، نعلم... - [الأقباط وصناعة «نشأت» جديد كل يوم](https://tabcm.net/3796/): حتى نحن أنفسنا كذبنا ما رأيناه، فهو على مدار سنوات يحتل مكانة تشبه القديسين، أو لنقل تشبه "نشأت" الذي نصنعه... - [[۲] الله كخالق](https://tabcm.net/3724/): يبدأ الكتاب المقدس بقصتي الخليقة اللتين فحصهما أباء الكنيسة ووصلوا للحقائق التالية: الله خلق كل الأشياء المنظورة وغير المنظورة، وخلق... - [أسطورة سلطان الحل والربط!](https://tabcm.net/3193/): هوذا لا يضلكم أحد، ويردد على مسامعكم كلامًا غير موجود بالإنجيل، ويدعي أن خدام المسيح وخدام أحباء المسيح من البشر... - [من "الخلق" إلى "الفداء"
في المنظور اﻵبائي الأرثوذكسي](https://tabcm.net/3753/): قيل لنا أن خطية آدم كانت غير محدودة ولهذا يجب أن يكون الفادي غير محدود، الإنسان أخطأ ولهذا يجب أن... - [أسطورة القرعة الهيكلية
(٤) سعياً للإصلاح](https://tabcm.net/3687/): ما يؤكد وجهة نظري أن الباباوات الثلاثة كيرلس وشنودة وتواضروس، قد اتخذوا موقفًا مناوئًا من المجلس الملي العام الذي يفترض... - [جبل آثوس: أرض مقدسة أم مُجمع مرضى؟](https://tabcm.net/3647/): بالنسبة للحيوانات، فقد التزموا هم أيضًا بالعزوبة. فلدينا قطط ذكور كثيرة بالدير، وقد نسوا أمر الزواج مثل الرهبان (جراهام سبيكي،... - [خواطر في تفسير إنجيل يوحنا
فهرس: الإصحاح الثاني](https://tabcm.net/3691/): - [يا شعبي الحبيب الطيب المهاود: أعلن عليكم قداستي](https://tabcm.net/3613/): ثم ظهرت نوعية جديدة من المزارات، داخل الأديرة، لرهبان يزعمون قداستهم تأسيسًا علي انهم "بهاليل" و "علي باب الله" وان... - [الله اﻷب أم الطبيعة اﻷم؟
من طوفان نوح حتى كوفيد١٩](https://tabcm.net/3694/): كمسيحيين أرثوذكس، نسعى لإيجاد أجوبة لأسئلتنا في الكنيسة، والكتاب المقدس، وكتابات الآباء، والمجامع المسكونية وقوانين الكنيسة، إلخ. غالبًا ما يُجبر... - [للصخب والارتباك القبطي جذور](https://tabcm.net/3716/): الحالة المرتبكة التي تكشفها ردود أفعال بعض رواد العالم الافتراضي من المسيحيين المصريين إزاء رحيل أبونا مكاري يونان، لم تكن... - [العلل البذرية والخلق التطوري](https://tabcm.net/3513/): لقد وُجد تصور هذه البذور عند الأفلاطونية الجديدة، وعند ق. أوغسطينوس تحت اسم العلل البذرية، حيث وجد في هذه الفكرة... - [أسطورة القرعة الهيكلية
(٣) اقترابات كاشفة](https://tabcm.net/3642/): يتبقى القول أن شخص اﻷنبا تواضروس، الموصوم بالسلبية في رأي د. "عبد الملك"، قام بأحد أقوي التصرفات في تاريخ البطاركة... - [إشكالية الظل لدى الفرد والمجتمع](https://tabcm.net/3634/): قدمت المسيحية حلًا مماثلًا لتلك الإشكالية، فنجد النصوص دائمًا ما تركز على الفرد باعتباره المسئول عن خطيئته لا الضحية أو... - [ماذا لو أتى المسيح مرة ثانية](https://tabcm.net/3658/): أجلس مع نفسي متأملًا متسائلًا أنه مع كمّ الزيف والضلال المنتشر والذي يُنادي به في وجه الحق والنور، هل لو... - [كيف تكون قبطيا أرثوذكسيا مظبوطا في ١٠ خطوات](https://tabcm.net/3582/): ظهرت في الحقبة الأخيرة حركات عالمية هدفها التآمر على هدم الإيمان القبطي الأرثوذكسي عشان يخطفوا ولادنا من حضن كنيستهم المستقيمة... - [بولا بولا: لماذا تُزعج المرأة؟](https://tabcm.net/3587/): تتلخص كل قواعد النساء في شيئان لا يشاركهما ثالث: الجسد والسلطة. فكرة بها شبهة غنوصية ولكنها واقعية: أجساد النساء تخضع... - [عيد الميلاد، والقبطي المخالف](https://tabcm.net/3491/): منذ عدة سنوات ظهرت صورة على مواقع التواصل الاجتماعي، يتفاخر من صممها بكونه "مسيحي أرثوذكسي ولا أحتفل بأعياد الكاثوليك. .... - [التجسد ونحن](https://tabcm.net/3366/): كان يشغل خاطري في كثير من الأوقات لماذا دافع آباء الكنيسة الأوائل عن لاهوت المسيح وإنسانيته في المجامع المسكونية باستماتة؟... - [أسطورة القرعة الهيكلية
(٢) اقتراب غير حذر](https://tabcm.net/3461/): فإن كان اختيار المسيح ليهوذا الإسخريوطي، لم يعصمه من خيانة المسيح، فهل الاختيار الإلهي للبطريرك (على فرض أنه إلهي) يضمن... - [بولا الأوّل وبولا المتأخر](https://tabcm.net/3578/): أصدرت مطرانية طنطا وتوابعها قرارًا أسقفيًا رقم 7 بمنع دخول غير المحتشمات للكنيسة، ومنع الخادمات من الخدمة دون ارتداء غطاء... - [خواطر في تفسير إنجيل يوحنا
الإصحاح الثاني  (٧)](https://tabcm.net/3536/): ” ولما كان في أورشليم في عيد الفصح، آمن كثيرون بإسمه، إذ رأوا الآيات التي صنع. لكن يسوع لم يأتمنهم... - [ما قيمة الأصوام إن فاقمت أمراضنا؟](https://tabcm.net/3541/): وسادته الخاصة به، يضعها أسفل بطنه وهو نائم كي يختلس من دفئها قليلًا من الراحة. خلال توصيله إلى المكان المتفق... - [هل يحتاج التقويم القبطي إلى ضبط؟](https://tabcm.net/3495/): هل يحتاج التقويم المصري الذي نعمل به إلى تعديله وتطبيق التعديلات الجريجورية عليه؟ أم أنه لا يزال متوافق مع القواعد... - [خريستولوجية الامتزاج والاختلاط](https://tabcm.net/3445/): كان آباء الكنيسة شرقًا وغربًا يستخدمون مصطلحات الامتزاج والاختلاط للحديث عن الاتحاد اﻷقنومي بين لاهوت المسيح وناسوته، بحرية وبدون قيد... - [أسطورة القرعة الهيكلية
(١) اقتراب حذر](https://tabcm.net/3458/): بعد صلب المسيح وقيامته، اجتمع الرسل، واقترح بطرس اختيار أحد أتباع المسيح الذين آمنوا به منذ بدء دعوته ليكون التلميذ... - [إلهي لا نفع له](https://tabcm.net/3500/): ليدخل العيد والفن والحب في الخليقة، وتصبح تلك النشاطات اللانافعة والمجانية العلامة المميزة للإنسان، ولما فيه من قلق، ونتساءل ماذا... - [أبو مقار: هدوء العزلة وصخب بحجم القتل](https://tabcm.net/3481/): رائدا هذا الدير هما الأب متى المسكين، والأنبا إبيفانيوس الذي قتل على يد راهبيْن، وهنا يأتي ذكر الجانب الأكثر إثارة... - [ما كفاية احترام](https://tabcm.net/3477/): خصوصيات المواطن البسيطة مستباحة للجميع، وهي الشيء الترفيهي الوحيد المجاني! ! والمطالبة باحترام الآخرين لخصوصياتك هي نوع من العجرفة الزائدة،... - [هدية يسوع في عيد ميلاده](https://tabcm.net/3455/): عندك هدية تليق تقدمها ليسوع ليلة عيد ميلاده؟ علشان أريحك أحب أقولك إن ماحدش عنده هدية تليق بيسوع! ومهما حاولت... - [عيد الشمس التي لا تُقهر](https://tabcm.net/3470/): وأنا طفل كنت فاكر إن المسيح اتولد يوم ١ / ١ سنة ١ ميلادية. إمال اسمه "الميلادي" ليه يعني؟ وهو... - [دحض نظرية اﻷجساد الثلاثة [آباء شرقيين]](https://tabcm.net/3408/): نستكمل معًا أحبائي ما بدأناه في المقالة السابقة من دحض التعليم غير الأرثوذكسي بنظرية الأجساد الثلاثة، وادعاء البعض بأن جسد... - [الذين لا يقيمون وزنا للحياة](https://tabcm.net/3410/): وبمجرد توليه الكرسي الباباوي قام بتكوين جيش من الأتباع المخلصين من المكرسين (المنذورين للرب)، من بعض الرهبان والخدم والعبيد الذين... - [إنسانية يسوع](https://tabcm.net/3394/): من ذا الذي يحيط بشخصية يسوع الكاملة! كثيرون كتبوا عنه وحوله وفيه... ولم يَفْوه حقه... وعبثًا نحاول فهم واقع يسوع... - [أيوة، إحنا عاوزين نقلع](https://tabcm.net/3379/): إن كانت المطالبة بحرية اختيار الملابس هي دعوة للعري في قاموسك، ف "أيوة، إحنا عاوزين نقلع". إن كان رفض صورة... - [لقد "إخترنا لك" شريك حياتك](https://tabcm.net/3198/): تختلف تلك الخدمة جذريًا عن خدمة المقبلين على الزواج، والتي تقدم ما يشبه محاضرات التوعية بحقوق -لا سمح الله- الشريك... - [في آدم × في المسيح](https://tabcm.net/3383/): أَنَّهُ كَمَا فِي آدَمَ يَمُوتُ الْجَمِيعُ، هكَذَا فِي الْمَسِيحِ سَيُحْيَا الْجَمِيعُ. (1كورنثوس 15: 22) استخدم القديس بولس الرسول تعبير “في... - [دحض نظرية الأجساد الثلاثة [آباء غربيين]](https://tabcm.net/3404/): سأناقش في هذه المقالة أحبائي ما يُعرف باسم نظرية الأجساد الثلاثة، وهي أن جسد المسيح له ٣ استخدامات، أو دلالات،... - [تاريخية "أسرار الكنيسة" بين الشرق والغرب](https://tabcm.net/3332/): إن السر الكنسي هو مصدر العلاقة بين الله والإنسان، وفي ذات الوقت مجال تحقيقها الوحيد، فبالسر الكنسي ننال حياة الله... - [الشك ليس خطيئة، والإيمان ليس فضيلة](https://tabcm.net/3346/): نحن نحترم رحلة كل إنسان نحو الله مهما كان مسماها، بل دعني أقول إني على قناعة تامة أن الملحد الصادق... - [خواطر في تفسير إنجيل يوحنا
الإصحاح الثاني  (٦)](https://tabcm.net/3238/): ” فأجاب اليهود وقالوا له: «أية آية ترينا حتى تفعل هذا؟» أجاب يسوع وقال لهم: «انقضوا هذا الهيكل، وفي ثلاثة... - [ربنا عرفوه بالعقل](https://tabcm.net/3222/): في الأمثال المصرية الجميلة قالوا إن ربنا عرفوه بالعقل. وده الحقيقة مثل لاهوتي مهم قوي، وقبل ما تقول لي: لاء،... - [عشرة أعوام من الرجوع إلى الله!](https://tabcm.net/3167/): لم يلق الأقباط لتلك الدعوات بالًا في 2011، بل نسبة كبيرة منهم تجاهلوها، ربما لأن الأجواء العامة للبلاد كانت تنذر... - [العضو التناسلي المقدس](https://tabcm.net/3255/): هل تعلم عزيزي القارئ أنه نظريًا وبحسب الإيمان المسيحي فلا فرق بين رجل أو امرأة في المسيح يسوع؟! لَيْسَ ذَكَرٌ... - [تسبحة كيهك.. هل فكّرت فيما ترتل؟](https://tabcm.net/3311/): ساعات مرت منذ ردد الأنبا "أغاثون" أسقف مغاغة والعدوة وجموع الأقباط في صلوات تسبحة كيهك وبالتحديد ثيؤطوكية الجمعة، عبارة "أخذ... - [المرتد / الكافر / الجاحد](https://tabcm.net/3257/): القاتل الخائن الخسيس، مشهور شعبيًا تحت اسم: القديس العظيم فيلوباتير مرقوريوس، أبو سيفين - ["الحانوكا"، وعيد الميلاد](https://tabcm.net/3261/): سيبدو غريبًا أن انقل مقالًا كاملًا داخل مقالي، إلا أنني موقن أن هذا "الاستغراب" سيتبدد بمجرد قراءتك للمقال. المقال يفض... - [خواطر في تفسير إنجيل يوحنا
الإصحاح الثاني (٥)](https://tabcm.net/3006/): “ووَجد في الهيكل الذين كانوا يبيعون بقراً وغنماً وحماماً، والصيارف جلوساً. فصنع سوطاً من حبال وطرد الجميع من الهيكل، الغنم... - [المرأة في فكر المسيح مش أي حد تاني](https://tabcm.net/3218/): لازم نتفق الأول أن ده مش موضوع يخص المرأة، ولا حقوق المرأة، ولا هو موضوع جندري، بقدر ما هو موضوع... - ["الحفرة" وسُمّية المجتمع الزّائف](https://tabcm.net/3225/): أحيانًا، وكثيرًا، من شدة تأثرك بعمل ما، أو في شدة اكتماله، تبدأ في فتح ملفاتك الأقدم والأكثر تقيحًا! ألا يُذكرك... - [رحلة الدجل والشعوذة
من "مكاري يونان" إلى "سعيد عبده"](https://tabcm.net/3176/): اليوم: الجمعة. . الوقت: بعد غروب الشمس بقليل. . المكان: شارع كلوت بك المتفرع من ميدان رمسيس المزدحم، المؤدي للكاتدرائية... - [نصوص مغمورة: رسالة كورنثوس الثالثة](https://tabcm.net/3151/): تعد هذه الرسالة جزءًا من “أعمال بولس” وهو يعد من الأسفار المنحولة. على الرغم من ذلك، نجد “أوريجانوس” يشير إلى... - [إلى سادتي الأطهار في المجمع المقدس](https://tabcm.net/2714/): شعبنا الجميل يزور القدس منذ اكثر من ثمان قرون، بل وربما يعود إليه الفضل في تحويل زيارة الأماكن المقدسة إلى... - [الكهنوت: خدمة أم سلطان؟](https://tabcm.net/3157/): قال "نيلسون مانديلا" أنه لم يدرك القيمة الحقيقية للوطن والحرية، إلا بعد أن أمضى سنوات عدة داخل السجن، وهذا ما... - [خواطر في تفسير إنجيل يوحنا
الإصحاح الثاني (٤)](https://tabcm.net/3005/): “وكان فصح اليهود قريباً، فصعد يسوع إلى أورشليم. ووَجَد في الهيكل الذين كانوا يبيعون بقرا وغنما وحماما، والصيارف جلوسا. فصنع... - [المومس التي أحبها يسوع](https://tabcm.net/3124/): "ليزي" فتاة الليل، التي يطرق بابها زنجي فتغلق في وجهه الباب، فهي منشغلة مع زبونها، الزائر الليلي: "فريد"، الذي طلب... - [نصوص مغمورة: مزامير الباشيطا (٢)](https://tabcm.net/3102/): في هذه الحلقة، تعرض ترجمتي المزمورين ١٥٤ و١٥٥. الأول منسوب لحزقيا الملك، حين كان تحت الحصار في يهوذا من قبل... - [البابا شنودة الثالث ونسطوريوس
تساؤلات واجبة [٢]](https://tabcm.net/3116/): دعونا نرى: هل قال "نسطوريوس" أقل أو أكثر من هذا؟ - [خطابات الكراهية](https://tabcm.net/3121/): إنتشرت في الأيام الماضية، مقاطع فيديوية تتناول مقتطفات مسيئة للإسلام، وتؤذي مشاعر المسلمين وتتعرض لمقدساتهم بالإزدراء والتحقير. ونسبت هذه المقاطع... - [خواطر في تفسير إنجيل يوحنا
الإصحاح الثاني (٣)](https://tabcm.net/3004/): أم يسوع: السيدة العذراء هي أيقونة تَمثَّلت فيها كلمات الرب ” طوبي لمن آمن ولم يري”. فقد أمنت بألوهية المسيح... - [موت الابداع الفاعل على مقهى الرافضين](https://tabcm.net/3118/): اتفهم غضب بعض الممثلين من جيل ما بعد توغل الثقافة النفطية ومعها تيارات التصحر، فهم يعانون ازدواجية مربكة بين الأرضية... - [نصوص مغمورة: مزامير الباشيطا (١)](https://tabcm.net/3101/): ما لا يعرفه غالبية المسيحيين باستثناء أعلام الكنيسة السريانية، هو وجود أربعة مزامير إضافية في النسخة السريانية المعروفة بالباشيطا بالإضافة... - [خواطر في تفسير إنجيل يوحنا
الإصحاح الثاني (٢)](https://tabcm.net/3003/): علي قدر حساسية المجتمعات الدينية في الحديث عن الإرتباط بين الرجل والمرأة ، إلا أننا نجد الله عندما بدأ تقديم... - [عن الـ"أنا"](https://tabcm.net/3032/): أنا أكتب كيلا أكون وحيدا. . وكل الباقي هو عرض جانبي. . - [سي. إس. لويس: اللاهوتي والأديب](https://tabcm.net/2998/): كم أحب "سي. إس. لويس"، وكم تأثرت بكتابته، وللأسف لا يحظى هذا الرجل -الذي يعد أحد عمالقة الأدب واللاهوت في... - [خواطر في تفسير إنجيل يوحنا
الإصحاح الثاني (١)](https://tabcm.net/3002/): بحسب المنهج الأرثوذكسي للروحانية المسيحية ، فإن قراءتنا لإنجيل ربنا يسوع المسيح ” الله الذي ظهر في الجسد“ ، هي... - [لماذا يخاف الأقباط وكنيستهم من الحب؟](https://tabcm.net/2978/): خطاب الكراهية لا يقدمه كل أبناء الكنيسة القبطية، بل بعضًا منهم، لكن للأسف صوتهم يظهر وسط مواقع التواصل الاجتماعي وكأنه... - [القبطية المعاصرة والطوطمية](https://tabcm.net/2963/): والآن عزيزي القارئ، هل ترى تشابهًا بين هذه العبادات الطوطمية البدائية وبين القبطية المعاصرة؟ قبطية الرفات والحنوط، والأجساد والموالد، والمزارات... - [ريش: هل يخشى الذكر من الأنثى القيام بأدواره؟](https://tabcm.net/2949/): أعترف بأني قابلت في حياتي أكثر من "دميانة" واحدة، قابلت نساء لم يتزوجن عن قصة حب شاعري، معنّفات، أزواجهن من... - [يسوع النسوي](https://tabcm.net/2933/): نفخر أنا وكثيرون غيري بنسويتنا، بل ونعتبرها نتيجة طبيعية لمسيحيتنا؛ فكما لقب المؤرخون المسيح أنه نسوي، نريد نحن أن نلقب... - [باحثة أردنية تؤمن بدور الموسيقى في صناعة السلام](https://tabcm.net/2901/): خلال حوار جانبي مع القس الدكتور "متري الراهب"، رئيس جامعة دار الكلمة للثقافة والفنون بفلسطين، والدكتورة "رينيه حتر" مديرة المعهد... - [أثر فراشة دانيال](https://tabcm.net/2897/): فقط لوحة رخامية حملت اسم سبعة عشر شهيد في كاتدرائية الملاك ميخائيل بمدينة 6 أكتوبر، وهُددت في وقت لاحق بإثارة... - [خوارق العادات في قصص القديسين والقديسات](https://tabcm.net/2870/): أجساد لا تعرف الفساد في رواية الإخوة كرامازوف، يروي لنا دوستويفسكي قصة الراهب القديس زوسيما الذي يكرس حياته للخدمة والكرازة... - [فهرس سلسلة: نهاية العالم والمجيء الثاني](https://tabcm.net/14730/): "اسأل وتعّقب علامات مجيئه، فإن الديان لن يتأخر، لا تكُفّ عن السؤال، حتى ولو لم تعرف الموعد بدقة. ولكن اهرب... - [قد نغفر.. لكننا لا ننسى..](https://tabcm.net/2876/): هنا ترقد أجساد بعض شهداء أولاد الشهداء إنضموا إلى المذبح السمائي يوم ٩-١٠-٢٠١١ برصاص ومدرعات الجيش المصري أمام مبنى الإذاعة... - [(٤) هيكل اليهود والمجيء الثاني](https://tabcm.net/2755/): بُنِىَ الهيكل وهُدِمَ ثلاث مرات وتنبأ الكتاب بإعادة بنائه كما يلي: الهيكل الأوّل: هيكل سليمان: البناء: ُبِنَى في عهد الملك... - [لروحك السلام يا أسامة
ولروحك نار تأكلهم](https://tabcm.net/2857/): الموت هو الحقيقة المؤكدة في هذه الحياة التي لا يمكن الاختلاف عليها، ومن هذا المنطلق صار للموت مهابته واحترامه، ومهما... - [رمال أبونا يسى العجيبة والمستير](https://tabcm.net/2791/): الله سمح ويسمح لأنه سبق وأعطى الإنسان عقلا، وليس إلزامًا على الله أن يحمي المغفلين من جراء التصرفات الناتجة عن... - [(٣) “هرمجدون”، حرب الشيطان الأخيرة](https://tabcm.net/2753/): وهى تمثل المحاولة الأخيرة الفاشلة من جانب الشيطان لتحدى مملكة المسيح الروحية الأبدية. وهرمجدون هي الموضع الذي سقط فيه يوشيا... - [(٢) النصف الثاني من الأسبوع الأخير](https://tabcm.net/2750/): الشخصيات في النصف الثاني من الأسبوع الأخير: الضد للمسيح: وُسمّى إبن الهلاك والوحش. النبي الكذاب. التنين: وهو الشيطان. أخنوخ وإيليا... - [خدعوك فقالوا: عن الطلاق في المسيحية](https://tabcm.net/2741/): كيف توافق الكنيسة على الطلاق في حالة الخروج من الإيمان المسيحي لكنها لا تسمح به حين يكون المرء مسيحيًا بالاسم... - [(١) نهاية العالم والمجيء الثاني](https://tabcm.net/2744/): "اسأل وتعّقب علامات مجيئه، فإن الديان لن يتأخر، لا تكُفّ عن السؤال، حتى ولو لم تعرف الموعد بدقة. ولكن اهرب... - [فهرس سلسلة: عن المرأة في المسيحية](https://tabcm.net/2712/): مع الزمن، ستدركين صديقتي أنّكِ أضعتِ نصف العمر تنعمين بكسل التَبعيّة وأنتِ تشكين التوافه... وسترفضين أن يضيع النصف الآخر من... - [فهرس سلسلة: تعليقات مختصرة على العهد القديم](https://tabcm.net/2735/): - [فهرس سلسلة: تاريخية إعادة المعمودية](https://tabcm.net/2709/): - [التمايز في شرح العقيدة المسيحية (٨)](https://tabcm.net/2356/): الصليب و ذبائح العهد القديم في اللاهوت الشرقي الأرثوذكسي لقد تجسد إبن الله الكلمة وصار رئيس كهنتنا الأبدي الذي قدَم... - [[٥] بولس التتمي: صانع التراتبيات المأقوتة](https://tabcm.net/2585/): بأعين عصرنا الحالي، يبدو بولس الرسول متلعثما حينا ومتناقضا أحيان أخرى عبر نصوصه المتعلّقة بالمرأة - [[٩] آباء ما بعد الطوفان](https://tabcm.net/2391/): الأسماء في قصص التاريخ البدائي وتاريخ الأجداد مش بتكون تدوين لتاريخ أو أسماء أشخاص، في الأساطير الأسماء بتلعب دور تفسيري... - [فهرس سلسلة: الكتاب المقدس والعلم](https://tabcm.net/2704/): هذه المقالات ترجمة لحلقات مسلسلة عن "الكتاب المقدس والعلم"، من تحضير وإلقاء كاهن قبطي أرثوذكسي بشمال أمريكا طلب عدم ذكر... - [وكيف لا نحب الفن؟](https://tabcm.net/2696/): لماذا أتغرب عن جسدي، فجسدي هو أنا! جسدي هو خليقة الله بكل ما فيه. فمن هو خالق تلك النشوى التي... - [التمايز في شرح العقيدة المسيحية (٧)](https://tabcm.net/2355/): التبرير في المفهوم الأرثوذكسي قلنا في المقالات السابقة إن آباء الشرق جميعاً قرأوا رومية ١٢:٥ بأن موت وفساد الطبيعة الإنسانية إنتقل من آدم... - [[٤] المسيح المساواتي: أنا اﻷوّل والأخير](https://tabcm.net/2583/): إنني في هذه الورقة، أرسم خطا فاصلا بين كافة الأنبياء والمسيح، ثم أعود لأضع خطا آخرًا، بين المسيح، وما تلاه... - [[٨] برج بابل](https://tabcm.net/2388/): بعد قصة نوح اللي بتنتهي في الإصحاح 9 من التكوين بيظهر تقليد كهنوتي عن توزيع وتنوع الشعوب في الأرض بعد... - [[5] الخاتمة ونتيجة البحث](https://tabcm.net/2080/): المعمودية كامتداد للإيمان يشدد الكثيرون على المعمودية كونها امتداد للإيمان وبالتالي يستنتجون أنه لا يمكن قبول المعمودية طالما هناك اختلافات... - [المسيح والدين: صراع أم وفاق؟](https://tabcm.net/2632/): في التاريخ، لا يوجد شيء صادق سوى الأسماء والتواريخ، لكن في الأدب، كل شيء حقيقي ما عدا الأسماء والتواريخ - [التمايز في شرح العقيدة المسيحية (٦)](https://tabcm.net/2354/): جسد المسيح السري في المفهوم الأرثوذكسي • المسيحي هو من ينتسب إلي المسيح و يؤمن أن المسيح هو الله الذي ظهر في الجسد وأنه هو... - [[٣] دراسة للنص اليهودي ما بين العهدين](https://tabcm.net/2581/): "مبارك أنت يا رب لأنك لم تخلقني وثنيا، ولم تخلقني امرأة، ولم تخلقني عبدا" - [[٧] سُكر نوح ولعنة كنعان](https://tabcm.net/2386/): في الإصحاح التاسع بعد الطوفان بيجي النص دا: ” وابتدأ نوح حارث الأرض يغرس الكرم. وشرب من الخمر فسكر وتكشف... - [[4] من العصر الوسيط للعصر الحديث](https://tabcm.net/2077/): في العصور الوسطى قام المتنيح نيافة الأنبا ابيفانيوس (1954-2018) ود. يوحنا نسيم يوسف بتقديم شهادات من قوانين العصور الوسطى في... - [الخطيئة التي لا يغفرها الله](https://tabcm.net/2545/): لا يمكن تكرار التجديف على الروح القدس اليوم تمامًا كما حدث في حالة الفريسيين. فالمسيح غير موجود على الأرض، ولا... - ["أنا قلت إنكم آلهة"](https://tabcm.net/2618/): تتميز المسيحية عن باقي أديان العالم بأنها ديانة الإله المتجسد؛ فالله اختار أن يتحد بالإنسان اتحادًا تامًا أبديًا، رافعًا قيمة... - [التمايز في شرح العقيدة المسيحية (٥)](https://tabcm.net/2353/): الموت كحالة  لا عقوبة ، في فكر القديس أثناسيوس الرسولي يقول ق. أثناسيوس في كتاب تجسد الكلمة  أن . فالمسيح... - [[٢] المساواتيون والتتميون](https://tabcm.net/2580/): في هذا المقال نحتاج لعمل “نحت اصطلاحي” لفريقين مهمين: المساواتيين: الفريق الذي يؤمن أن الذكر والأنثى يساوي كلاهما الأخر. التتميين:... - [[٦] الطوفان](https://tabcm.net/2384/): في البوست دا انا وضحت إن قصة الطوفان المكتوبة في التكوين من 6: 5 لـ9: 17 عبارة عن مزيج للتقليدين... - [كيف بدأت القومية العربية؟](https://tabcm.net/2447/): فهو من نعته نزار قباني بـ "آخر الأنبياء"، ومن ناداه محمود درويش قائلًا: "نعيش معك، نسير معك، نجوع معك. .... - [[3] ما بعد خلقيدونية](https://tabcm.net/2073/): بعد الانشقاق الخلقيدوني، لم يأمر ق. ديسقوروس السكندري (444-454) بإعادة معمودية أي شخص أو إعادة دهنه بالميرون للعودة للكنيسة على... - [هل كرز المسيح للأرواح في الجحيم؟](https://tabcm.net/2572/): يجوز خلاص ليس أولئك الذين كانوا مؤمنين في حياتهم الأرضية فحسب، بل الذين أرضوا الله بأعمالهم الصالحة وإن لم يتأهلوا... - [الكورونا بين الكنيسة الأولى والكنيسة المعاصرة](https://tabcm.net/2589/): أنصحك بقضاء وقتلك مع إلهك السادي الذي تحبه. . أغلق على نفسك باب الغرفة وتحدث معه في أي شيء تحبه،... - [التمايز في شرح العقيدة المسيحية (٤)](https://tabcm.net/2352/): كيف دخل مفهوم العدل الإلهي في لاهوت الغرب : تمخض الصراع السياسي بين روما وبيزنطة باستقلال سياسي شجعه و باركه... - [[١] مقدمة في الجندر](https://tabcm.net/2578/): هل تعرف الفرق بين ثنائية (ذكر / أنثى)، وبين ثنائية (رجل / امرأة)؟ - [[٥] بنو الله وبنات الناس "نِفيليم"](https://tabcm.net/2381/): ” ولما ابتدأ الناس يكثرون على وجه الأرض، ووُلد لهم بنات، استحسن بنو الله بنات الناس. فاتخذوا لهم نساء من... - [أنا التراب.. مرض يحتاج إلى علاج](https://tabcm.net/1679/): كراهية النفس واحتقارها self loathing هو – باختصار مخل نوعاً ما – الإحساس الدائم بأنني لست كافياً ومهما فعلت فأنا... - [[2] من نيقية إلى خلقدونية](https://tabcm.net/2072/): المجمع المسكوني الأول 325م في المجمع المسكوني الأول جاء قانونين للتعامل مع أزمة قبول الهراطقة والمنشقين في الكنيسة. انتشرت النوفاتية... - [التناول بين الماضي والحاضر
وتاريخ ظهور الماستير](https://tabcm.net/2539/): الإشارات اللي عندنا من القرون الأولي بتأكد إن طريقة التناول كانت مختلفة تمامًا عن عصرنا الحالي. كان اللي حاصل إن... - [بينما يتجادل اللاهوتيون، يتسلل البسطاء إلى الملكوت](https://tabcm.net/2522/): هي مقولة كتبها البابا شنودة الثالث في كتابه "خبرات في الحياة" (ص19)، وقد رددتها الكنيسة فيما بعد إلى حد الإسراف،... - [التمايز في شرح العقيدة المسيحية (٣)](https://tabcm.net/2351/): قلنا في المقالات السابقة إن لاهوت الغرب في العصر الوسيط شرَح فداء المسيح متأثرًا بالفكر السياسي و القانوني السائد. فقال... - [المركز اللامؤاخذة ثقافي](https://tabcm.net/2454/): ما هي تلك المزايا التي يتمسك بها أسقفنا العزيز في إدارته للمركز والقناة إلى هذا الحد من التشبث؟ ومن يحمي... - [[٤] آباء ما قبل الطوفان](https://tabcm.net/2374/): بعد ما بنقرا أسامي نسل قايين في تكوين 4 من التقليد اليهوي بنيجي نقرا نسل آدم مرة تانية في تكوين... - [نقد نقد التقليد الكنسي!
"أبو البركات اﻷزهري" أنموذجا](https://tabcm.net/2490/): نحن مع حرية النقد الأكاديمي، ولكن ليس من طرف واحد، نحن مع التفاهم والتعايش، وليس شغل "ألتراس ديني" على اليوتيوب،... - [[1] ما قبل نيقية](https://tabcm.net/1862/): بدأ الصراع حول مسألة إعادة المعمودية في القرن الثالث الميلادي، وكان المشاركين في الصراع هم ستيفن (254-257)، بابا روما، وق.... - [الأنبا إبيفانيوس، قارورة الطيب](https://tabcm.net/2430/): مع اقتراب عيد نياحة واستشهاد الأنبا إبيفانيوس قارورة الطيب التي لم يشعر بوجودها الكثيرين (واعترف أني من هؤلاء الكثيرين) التي... - [كهنوت المرأة: حواء النظير أم الدرجة الثانية؟](https://tabcm.net/2421/): أنت لم تخطئ في قراءة العنوان، نعم، سأتحدث في هذا المقال عن رسامة المرأة قسيسة أو كاهنة، وأعلم كم يستشيط... - [التمايز في شرح العقيدة المسيحية (٢ُ)](https://tabcm.net/2350/): اللاهوت المسيحي ، بدايةً ، شرَح عمل المسيح علي الصليب كما قال آباء الشرق بحسب ما جاء في الإنجيل من... - [الرويبضة والعوام](https://tabcm.net/2437/): أصدرت "حركة الروح الأرثوذكسية" أورثوذوكسا،  رسالة، ناشدت فيها الآباء الأساقفة أن ينأوا بأنفسهم عن مستنقع إيلاء اعتبار للكتاب المشبوه "نقد... - [[٣] قايين وهابيل](https://tabcm.net/2266/): القصة بالرغم من تشابهها مع الأساطير المجاورة لكنها بتقدم سردية مُعاكسة، سردية بتفضل حالة الرعي اللي كانت بتمثل طبيعة حياة... - [المتاجرة بأجساد القديسين](https://tabcm.net/2410/): أثرت العادات المصرية على وجدان المصريين وظهرت في طقوسهم الدينية... فمثلا ذكرى اليوم الثالث، وذكرى الأربعين للمتوفي، كلها عادات مصرية... - [لماذا سبعة أيام؟ ولماذا يستريح؟](https://tabcm.net/1867/): في الحلقة السابقة، ناقشنا المعنى الحقيقي وراء تكوين 1، ورأينا كيف أن النص هو جزء من المقدمة التي تقودنا لابراهيم،... - [وسط البلد وبيت لحم](https://tabcm.net/2177/): هل سُئل أطفال بيت لحم عن إيمانهم بالمسيح؟ هل قُتِلَ أطفال بيت لحم لتمسكهم بإيمانهم؟! إن كان هذا رأي الكنيسة... - [اللاطائفية أصل جوهر إلهي](https://tabcm.net/2320/): على مدار سنين، لا أعلم ما هو عددها، اشتد الجدال حول الطوائف المسيحية حتى اضطرم واشتعل ونتج عنه ما نتج... - [التمايز في شرح العقيدة المسيحية (١)](https://tabcm.net/2318/): * الله كلم الآباء (بالانبياء) بأنواع وطرق كثيرة (عب 1). فإن الإدراك الإنساني له مستويات مختلفة. ولا يمكن أن يتفق... - [ملاحظات عن مفهوم الوحي في الكتاب المقدس](https://tabcm.net/2336/): لفظة وحي مش بالضرورة يكون معناها ديني أو حتى معنى حلو. . مش بالضرورة يكون مصدره الله يعني. . وممكن... - [[٢] الخلق والتكوين](https://tabcm.net/2260/): في المقال دا هتكلم بشكل مختصر عن روايتين الخلق في سفر التكوين في الإصحاح الأول (التقليد الكهنوتي) والاصحاح الثاني (التقليد... - [نور العالم أم ضد العالم؟](https://tabcm.net/1982/): “أنتم نور العالم” كانت دعوة واضحة وصريحة من السيد المسيح لأتباعه بأنهم “نور للعالم”، وكذلك دعاهم بـ”ملح للأرض”، ورغم ضآلة... - [ما هو المعنى الحقيقي لتكوين1؟](https://tabcm.net/1866/): منذ عصر التنوير وما لازمه من اكتشافات علمية، بدأ الكثيرين في قضاء ساعات لمقارنة النص الكتابي بالعلوم المعاصرة وعلوم اليوم.... - [سكيزوفرينيا المتدين القبطي
بين السينما والمجتمع](https://tabcm.net/2283/): ولكن من الذي يُخادعه الإنسان؟ ألم تتساءل من قبل؟ هل يُخادع ذاته، أم مجتمعه، أم رغباته، أم إلهه، أم جميعهم؟ - [نظرة في مفهوم الصوم في الكنيسة المعاصرة
هل حقًا "لا يحكم علينا أحد"؟](https://tabcm.net/2240/): إنه لأمر أوضح من أن نتبينه، هو أننا في أمسِ الحاجة إلى أن نعيد تعريف الصوم المسيحي، وأن نتخلى عن... - [ملاحظات على هامش كتاب: "البيذاليون"](https://tabcm.net/1973/): توجد بعض النقاط في هامش كتاب البيذاليون والتي يبدو أن واضعها هو مُجمِع الكتاب، أي نيقوديموس، يحاول فيها أن يوضح... - [البابا شنودة الثالث ونسطوريوس
تساؤلات واجبة [١]](https://tabcm.net/2225/): إن اختلفت الدوافع الشخصية، فسهم الشطط واحد، هدفه ثابت لا يلين، هو فصم عريّ شراكتنا واتحادنا في الرب يسوع المسيح.... - [[١] أنواع ومنهجيات البحث](https://tabcm.net/2235/): في المقال دا، هنتكلم شويه عن محتويات الكتاب المقدس العبري مقارنة بالعهد القديم، وعن المحطات المهمة في مناهج البحث. - [حبيبك يبلع لك الزلط](https://tabcm.net/2189/): عجيب هو الحب وعجيب هو الهنا اللى لما حب يعبر لنا عن نفسه ويعرفنا بيه قال لنا “الله محبة” (1... - [هل يوم الخليقة "٢٤ ساعة"؟](https://tabcm.net/1865/): بعض المتابعين طلبوا مني حلقة عن حرفية أيام الخليقة المذكورة في تكوين 1. لكن للأمانة، فهذه الحلقة هي للإجابة فقط... - [مثل ”الكرمة الحقيقية“ في يوحنا ١٥](https://tabcm.net/2179/):  ”أنا الكرمة الحقيقية وأبي الكرام” ... “أنا الكرمة وأنتم الأغصان” (إنجيل يوحنا ١:١٥-٨) يقول الرب يسوع المسيح له المجد أنا... - [قوانين الطهارة الجسدية والمرأة
في الكنيسة الأرثوذكسية](https://tabcm.net/1863/): يصبح هذا بمثابة عقبة في طريق النمو الروحي، وسببًا لكراهية الممارسات الكنيسة التي تعد بلا معنى بالنسبة للسيدات المتعلمات. فلو... - [٨ يونيو: ذكرى روّاد الاستنارة [متي وفرج]](https://tabcm.net/2141/): ذكرى رواد جمعهما نفس الحلم بالتغيير والإصلاح وإن اختلفت اتجاهاتهم استمعت، ولأول مرة، لمناظرة “فرج فودة” كاملة، ومما ادهشني فيها... - [!الحمد لله الذى عافانا من هذا](https://tabcm.net/2160/): الحقيقة عندى مشكلة كبيرة مع فكرة: بص حواليك، شوف فى ناس قد ايه مرضت، وناس قد ايه ماتت (بالفيروس مثلا)،... - [سر الزيجة؟ أم سر التحكم الاجتماعي؟](https://tabcm.net/2153/): في البدء، ينبغي أن نعترف أن سر الزيجة غير مستلم من الكنيسة اﻷولى، بل تم تأسيسه في القرن الثالث عشر... - [كيف يتعامل المؤمن مع العلوم؟](https://tabcm.net/1864/): كيف يمكن للمسيحي(ة) أن يتعامل\تتعامل مع العلوم؟ هل ينبغي أن يشعر المسيحي(ة) بعدم ارتياح تجاه العلوم؟ هل تعد تهديدًا لإيمانه... - [البابا شنودة.. عبادة البعل الجديدة](https://tabcm.net/1975/): هل إدارة البابا شنودة الثالث للكنيسة والصراعات بها هي جزء من الإيمان الأرثوذكسي؟! هل هي وحي؟! من حقي أن أنتقد... - [ترجمة لنص من كتاب "في البدء"
رؤية مجددة لأول إصحاحات التكوين](https://tabcm.net/1868/): الفصل الأول: قصة الخليقة الأولى: الإنسانية كصورة الله في فحصنا لقصص الخليقة، ينبغي أن نقدر أولًا ماهية الخليقة بالنسبة للمستمعين... - [مقتطفات من الكتاب المقدس اليهودي الدراسي](https://tabcm.net/1869/): سفر التكوين، وبالتالي الكتاب المقدس ككل، يبدأ بقصة الخليقة التي تتميز بالبساطة الشديدة. ففي باقي القصص القديمة من الشرق الأدنى،... - [السبت من أجل الانسان](https://tabcm.net/1842/): هنبتدى مع بعض سلسلة للتركيز على موضوع مهم جدا، بل محورى فى ايماننا المسيحي، وهو السبت من أجل الإنسان الحكاية... - [مشاهدات علمانية على الحالة القبطية!!](https://tabcm.net/1844/): فى صباى وشبابى، كان الكهنة في المدن والقرى يهذبون لحاهم، كل بالشكل الذي يروق له، بل وكانت ملابسهم، تحت الفراجية... - [الصلاة على المنتحرين: الكنيسة قالت ما يجوزشي!!](https://tabcm.net/1827/): إن المراسم الدينية يجب أن تقام للكل سواسية، مهما كانت حالتهم وحياتهم. فهذا حق طبيعي للإنسان مثل الهواء والماء، وهذه... - [يوحنا١٤: بين التراكم المعرفي، وبين حياة الشركة](https://tabcm.net/1794/): بدأ الرب يسوع المسيح حديثه في أنجيل يوحنا أصحاح ١٤ بعبارة ” لاتضطرب قلوبكم “ عدد ١.   وذلك لأنه... - [عن "سلاحف النينجا" التي صنعت "عصر النهضة"](https://tabcm.net/1805/): هل تتذكر أسماء سلاحف النينجا؟ استكشف معنى هذه الأسماء العميق وارتباطها بالفنون الجميلة التي لا تزال تلهمنا اليوم. اكتشف تأثير هؤلاء... - [هوس الشهادات الأكاديمية](https://tabcm.net/1761/): وسمعتهم للمرة الأولى ينادونه بلقب "دكتور"، قائد فريق الكورال، وذو مكانة وحظوة داخل دهاليز الكاتدرائية، وبسؤال المقربين أكدوا أنه الابن... - [ما جمعه الله.. يفرقه الله](https://tabcm.net/1705/): دعني أخذك بعيدًا عن النصوص والتفسيرات والأقوال والقيل والقال لمضمار المنطق قليلًا. لا تخش لن أخذك إلى مدرجات تراها خطرة... - [وهم المعرفة في الكلية الإكليريكية](https://tabcm.net/1707/): وضع امتحان بالكامل تطلب فيه من دفعة دراسية طريقتك المحلية الغير دولية في حساب التواريخ. . معناها إصرار على القطيعة... - [يسوع والإنسان أم المؤسسة والحجارة؟](https://tabcm.net/1440/): كثيرا ما أقف لتأمل المشهد الحالي للكنيسة، والحالة التي تعيشها من انقسام وحروب طاحنة بين من يبحثون عن سلطان ونفوذ... - [ورقة شهداء شهر يونيو
وبعد الصلب قيامة](https://tabcm.net/1411/): على الرغم من عدم شهرة فرج فودة في حياته بالنسبة للمجتمع المصري، إلا أن كتبه لاقت اهتمامًا أكاديميًا وطبع بعضها... - [هل بلدان العالم الثالث في حاجة إلي ”الإستعمار“ خير من "الإستثمار" فيها؟](https://tabcm.net/814/): – منذ أن كنت طالباً في ثانوي و فكرة ” الإستعمار الجديد “ للبلدان النامية تتبلور في مخيلتي سبيلاً لنهضة... - [عن السيمونية المعاصرة](https://tabcm.net/1422/): تاجر الكهنة بالأسرار المقدسة من أجل الأرباح المادية، وكان كثير منهم غير جديرين برتبهم الدينية، وكان لبعض الأساقفة عشيقات وأطفال... - [كلمتين ﻻزم تعرفهم قبل أي كلام عن "وادي الريان"](https://tabcm.net/1357/): الدير (أي دير) مش مجرد مكان ساكنين فيه ناس روحانية تاركة للعالم بتروحلهم تصلي وتزور وتتبرع وتاكل في المضيفة. .... - [معا نحو إلحاد أسرع](https://tabcm.net/1420/): يعلمنا الانجيل عن الشيطان انه يستطيع ان يظهر في صورة ملاك نور وأنه يستخدم آيات الكتاب المقدس في حربه فقد... - [التطور التشريعي في "أحوالنا الشخصية"](https://tabcm.net/1359/): للأنبا إبيفانيوس محاضرات عن الليتورچيا (الطقوس المرتلة) خاطب فيها طلابه أن بداية الإصلاح هو الاعتراف بالخطأ، وذكر مثالًا لذلك الخطاب... - [البشارة المفرحة أم القاتلة؟](https://tabcm.net/1419/): عام ١٩٩٤ طُعِن “ايمانويل دي بواه” حتى الموت في بيته بمونتريال ثم قام القتلة بحرق كامل منزله ليقتلوا والديه معه.... - [مصر التي في خاطري وفي سفر أشعياء أصحاح ١٩](https://tabcm.net/779/): لا نجد بلدًا يتحدث عنه الكتاب المقدس مثل مصر، وذلك بعد كنعان. والسبب ، أن إسرائيل كشعب الله المختار أقام... - [المعجزة.. كيف ولماذا؟](https://tabcm.net/1413/): من بين كل المعجزات في سجل العجائب التي صنعها المسيح في فترة تجسده على الارض والتي سجلها لنا كتاب الاناجيل... - [قراءة في: ”سلم يعقوب“ و”مصارعته مع الله“](https://tabcm.net/810/): إن أروع حدثين سجلهما الوحي المقدس لنا في سيرة يعقوب أبو الآباء كانا في أحلك ساعات حياة أبينا يعقوب .... - [يسوع والمرأة](https://tabcm.net/1417/): أول حاجة لازم نفتكرها دايمًا إن يسوع وتلاميذه بالأصل يهود المسيحية أصلاً نشأت كطائفة يهودية معجزات المسيح المكتوبة في الأناجيل... - [نظرة على الكهنوت في العهد الجديد](https://tabcm.net/806/): لم يوجد كهنوت خاص إلا في العهد القديم وكان في سبط لاوي ” وتفرز لي اللاويين من بين بني أسرائيل... - [ليس لهم أحد يذكرهم](https://tabcm.net/1414/): حصر مجتمعنا القبطي، ربما بسبب تواتر القصص الفلكلورية، هؤلاء الذين ليس لهم أحد يذكرهم في فئة الفقراء والمعوزين؛ في حين... - [على خطى "خوان"](https://tabcm.net/1361/): – مزجٌ أوّل – أجل، لا أؤمن بإلهٍ يدنوني إنسانية، يباغت اﻹنسان في لحظة خطيئة... لا أؤمن بإله معدوم القلبِ... - [أسبقية حياة الشركة مع الله علي كتب الأديان](https://tabcm.net/808/): الكتب المقدسة ليست مُنشِئة بل كاشفة لعلاقة الله مع الإنسان . إن الله بشخصه وحضوره الذاتي هو الذي يُنشئ العلاقة... - [الإلحاد وأسبابه الدينية والنفسية](https://tabcm.net/816/): برحم الأم طفلان يتحاوران. سأل الأول قائلًا "هل تؤمن بالحياة بعد الولادة؟“. رد الثاني”ماذا؟ ... بطبيعة الحال يجب أن يكون... - [إعلان إستقلال فضاء الشبكة](https://tabcm.net/1256/): يا حكومات العالم الصناعي، يا عمالقةً بالينَ من لحم وفولاذ، آتي إليكم من الفضاء السِبرانيّ، الموطن الجديد للعقل. باسم المستقبل،... - [٣٢) أما بعد](https://tabcm.net/1591/): ولما كانت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية كنيسة مجمعية فمسئولية ضبط المسار تقع بالدرجة الأولى على مجمع الأساقفة - [٣١) الرهبنة: سلم يوحنا الدرجي](https://tabcm.net/1587/): ويصبح علينا والأمر هكذا أن نتعامل مع منظومة الرهبنة بما تستحقه من توقير واحترام وندعم كل جهد رسمي كنسي مؤسسي... - [٣٠) الرهبنة: مخاطر وخبرات](https://tabcm.net/1583/): كيف ولماذا ـ توغلت، ثم سيطرت، الرهبنة، وهى توجه شعبي خالص، وهى منهج نسكي تقشفي خالص وخاص بمن يقبلونه طواعية... - [٢٩) عندما تفقد الرهبنة أسوارها](https://tabcm.net/1579/): تصدمنا أنباء مقتل الأنبا إبيفانيوس رئيس دير الأنبا مقار بوادي النطرون، داخل ديره وهو في طريقه إلى الكنيسة فجر يوم... - [٢٨) لكنها تدور](https://tabcm.net/1575/): إن ضميرنا المسيحي ومسؤوليتنا الرعوية لا يسمحان لنا بأن نبقى مكتوفي الأيدي إزاء التحديات التي تتطلّب جوابًا مُشتركًا - [٢٧) لنعرفه](https://tabcm.net/1571/): الكنيسة تدعونا لأن نعرفه. . ذاك الذي أخذ الذي لنا، وأعطانا -حقيقة لا مجازًا- الذي له - [٢٦) التجسد: اللاهوت المغيّب](https://tabcm.net/1567/): كان إدراك المرء لماهية التجسد قضية ولدت مع المسيحية، منذ لحظتها الأولى، وكان الصليب ينتظر المسيح، لأنه أعلن ماهيته، التي... - [٢٥) مسارات التفكك وسعي المقاربة](https://tabcm.net/1486/): من يتتبع البدايات يلتفت إلى أن بذرة الانشقاق لم تكن منحصرة في اختلافات الرؤى اللاهوتية وما انتجته من جدالات ومصادمات... - [٢٤) خبرة معاصرة](https://tabcm.net/1563/): امتلكت الكنيسة شجاعة المواجهة والتصحيح، فتصدت بموضوعية لثلاثية الإلحاد والوجودية والشيوعية، التي وجدت لها مكانًا عند شباب ما بعد الحرب... - [٢٣) خبرات غائمة](https://tabcm.net/1559/): وهكذا نجد أن كل هذه المجالس باختلاف مسمياتها لم تستطع أن تعدو كونها كيانات وخبرات غائمة، تفتقر للرؤية وللفعل على... - [٢٢) الخروج إلى النهار](https://tabcm.net/1474/): على أن الكنيسة اجتازت العديد من تجارب التقارب أو لنقل التحالف، بدأت بمجلس الكنائس العالمي (1948)، ثم مجلس كنائس الشرق... - [٢١) تفعيل آليات التنوير](https://tabcm.net/1511/): ثلاث آليات تكون منظومة متكاملة في دائرة التنوير؛ المركز الثقافي، المركز الإعلامي، اسقفيه الشباب، ودوائر عملهم تصب في بناء الوعى... - [٢٠) البابا تواضروس: طموحات ومتاريس](https://tabcm.net/1515/): يبدو أن التضرعات وجدت طريقها إلى السماء، فقد توالت انسحابات عدد من المرشحين بغير تفسير معلن أو مبررات واضحة، ربما... - [١٩) البابا شنودة: سنوات عاصفة](https://tabcm.net/1482/): “حقاً كما تفضلتم إنها ضربة على الرأس، ولكنني كنت مضطراً إلى ذلك، إذ لم يكن ممكناً أن أصبر على الفتنة... - [١٨) البابا شنودة: تحولات وارتباكات](https://tabcm.net/1498/): قد تكون هذه النماذج استثناءات ترد على القاعدة لكنها وغيرها تنبهنا لحاجتنا إلى وضع قواعد مجردة وعامة وملزمة ومكتوبة تلتزم... - [١٧) البابا شنودة: الرهبنة واﻷسقف العام](https://tabcm.net/1507/): ماذا أنتج انفتاح الأديرة على العالم خارجَه من آثار؟ طالت الآثار ثلاث أطراف؛ الدير والشباب والكنيسة - [١٦) البابا شنودة: اﻹكليريكية](https://tabcm.net/1502/): عندما نقترب من التعليم والرعاية تقفز أمامنا الإكليريكية والرهبنة، فالأولى تمد الكنيسة بالآباء الكهنة والخدام الذين يشكلون قاعدة التعليم والرعاية... - [١٥) البابا شنودة: البدايات والصعود](https://tabcm.net/1478/): إن عملنا الإيجابي لا يمنع مطلقًا أن ندافع عن الحق ونظهره. . لذلك سنقول الحق، ونشهد له في قوة، ولكننا... - [١٤) سنوات البعث](https://tabcm.net/1555/): كل هذه المحاذير تجتمع في مواجهتك عندما تقترب من ثنائية قداسة البابا شنودة الثالث والأب متى المسكين، وهى ثنائية كاشفة... - [١٣) البنّاء الصامت](https://tabcm.net/1523/): بدون خدمة العلمانيين بهذه الصورة فستنهار خدمة الكهنوت وتنهار كرامتها في نظر الأجيال القادمة، في الكنيسة الأولى كان الموهوبون من... - [١٢) كتاب يصنع حراكاً](https://tabcm.net/1551/): المطران جورج خضر: "إنَّ هذا أول كتاب في العصر الحديث لكاتب قبطي يتتلمذ عليه الروم" - [١١) جدداً وعتقاء](https://tabcm.net/1519/): نحن مجموعة من الدارسين والدارسات للتعاليم والفكر الآبائي الأرثوذكسي، ونعمل على إيصال تعاليم الآباء للجميع، بالاستعانة بمجهودات المركز الأرثوذكسي للدراسات... - [١٠) العرب والانقطاع المعرفي الثاني](https://tabcm.net/1490/): "واستيقظ الأقباط وإذا بهم قد نسوا لغتهم الأصلية، فباتت كل مخطوطاتهم التي ملأت خزانات الكتب في البيوت والكنائس والأديرة ـ... - [٩) والعلمانيون يضرسون](https://tabcm.net/1547/): اللافت أنه عندما أعيد طرح إحياء "المجلس الملي" كان الاسم الأكثر تداولًا: "المجلس الاستشاري" (! ! ) فيتحول الدور العلماني... - [٨) إرهاصات بعث ملتبسة](https://tabcm.net/1543/): واستقر الأمر على أن يتم اختيار البابا البطريرك والآباء الأساقفة من الرهبان، المتبتلين، بينما يتم اختيار الآباء القمامصة والقسوس والشمامسة... - [٧) الدور العلماني بين التكامل والتقزيم](https://tabcm.net/1539/): وكان وراء تأسيس وتجاح هذا الصرح العالم البابا يوساب الثاني، خريج جامعة أثينا اللاهوتية، ورغم مؤهلاته العلمية وإجادته اللغة اليونانية... - [٦) أيقونات علمانية قبطية](https://tabcm.net/1527/): إنها عتمة العقول وضيقها وانحصارها في أفق شخصي ورؤيا ضيقة. عتمة فُرِضَت علينا نحن الأرثوذكس المصريين منذ مجمع خلقيدونية (سنة... - [٥) البابا يوساب: من ينصفه؟](https://tabcm.net/1463/): هل خشى الفرقاء من نجاح هذا البطريرك في استنهاض الكنيسة، الأمر الذي يتعارض مع توجهات كل فريق بشكل ما؟ هل... - [٤) محاولات مبكرة للخروج](https://tabcm.net/1494/): عندما أراد الأستاذ حبيب جرجس أن يقدم كتابًا دراسيًا في اللاهوت النظري اختار محاضرات الأب أوجين دى بليس الفرنسي الكاثوليكي.... - [٣) التاريخ بين الاسترداد والمؤامرة](https://tabcm.net/1535/): ربما نقف على الأسباب الحقيقية للأزمة المتفجرة بين الأجنحة المختلفة في دوائر التعليم، ما بين المصادر والرؤى، لنضع أيادينا على... - [٢) نؤمن](https://tabcm.net/1531/): يحتفظ لنا التاريخ بنماذج عديدة لمعلمين كنسيين ثقاة اختلفوا في قضايا كنسية وكتابية مهمة، إلى درجة التضاد، ولم يقل احدهم... - [١) ما قبل اﻷزمة](https://tabcm.net/1458/): المتغير الذي فرض نفسه ولا يمكن إغفاله، وأسهم بقدر وافر في تشكل الأزمة وليس في تفجرها فقط، وهو العالم الافتراضي... --- # # Detailed Content ## صفحات ### خاصية السلاسل - Published: ۲۰۲٤-۰۵-۰۲ - Modified: 2025-01-22 - URL: https://tabcm.net/workflow/series/ خاصية السلاسل إيقاع العصر جعلت مستخدم الإنترنت متعجّل بطبعه عن قارئ الكتب الكلاسيكي. كل مؤشرات قياس الأداء وتحليل سلوك المستخدم العام تنطق بأنه لا يحب القراءة الطويلة أو الأسلوب المطنب ويفضّل الخلاصات. من ناحية أخرى فالشبكة تستهدف القارئ النخبوي الذي يهتم بالتفاصيل ويقرأ قراءة نقديّة وذلك بالتأكيد يتعارض مع هواة الخُلاصات. أحيانًا نقوم بنشر كتب كاملة، أو أوراق بحثيّة ونماذج تحليلية، وكل هذا يزيد من تعقيد المشكلة، فالمحتوى بالتأكيد سيتضخّم بشكل يُحبط القارئ العام الذي لن يروق له قراءة بحث أو كتاب كامل من أجل إجابة سؤال يثير شغفه. الحجم المثالي للمقال هو من ٦٠٠ إلى ١٢٠٠ كلمة، لكن الأمر يختلف مع المقالات الاستقصائية أو التاريخية أو الأوراق البحثية التي ربما تصل إلى ألفين أو ٤ آلاف كلمة. من هنا، جاءت أهميّة خاصية السلاسل، وهي تقنية الغرض منها أن تحتوي الصفحة المعروضة جزءًا من محتوى أضخم، ولنقل فصلًا من كتاب، مع وجود فهرس يستطيع منه التنقل بين الصفحات أو الفصول أو الأجزاء المختلفة. بطريقة أخرى، تقنية السلسلة هي نمط بصري يختص بمسألة مكررة للغاية على الشبكة فتم التوافق على تقنينها وأتمتتها قدر الإمكان. ﻻ ننصح بالمقالات الطويلة ويفضّل تقسيم المقال إلى جزئين، أو إن تطلب أكثر من ذلك فالأفضل هنا إنشاء سلسلة مستقلة. من زاوية الكاتب، لا يوجد شيئ تقني ليفعله يتعلق بخاصيّة السلاسل. فإنشاء سلسلة جديدة يحتاج صلاحيات هيئة النشر، وإدراج مقال ما كجزء من هذه السلسلة يحتاج صلاحيات الهيئة التحريرية. وعلى هذا فكل ما على الكاتب هو إبداء رغبته وإعداد مواد تصلح لثلاثة أجزاء على الأقل، ثم بعد ذلك ولكي يخبر الهيئات بالأجزاء التالية أنها ضمن السلسلة فلن يفعل أكثر من إضافة ملاحظة إدارية بنهاية الجزء المراد إدراجه. في السطور القادمة، نستعرض ما الذي سيختلف مشاهدته بصريًا في مقالات السلاسل عن أي مقال آخر، ولنبدأ بمقدمة المقال:المقال رقم 2 من 5 في سلسلة اسم السلسلة يظهر هنامقدمة المقال تحتوي على نمطين بصريين جديدين:النمط الأوّل: ميتابوكس السلسلة، ويظهر كشريط أفقي بعرض المقال أسفل اسم الكاتب مباشرة. وظيفة الميتابوكس معلوماتيّة بحتة، فهي شريط هادئ يظهر قبل أن يشرع القارئ في القراءة ليخبره أن المقال الذي يقرأ فيه الآن هو الجزء رقم كذا من سلسلة تحتوي على عدد كذا من المقالات المنشورة، كما يظهر اسم السلسلة كارتباط تشعيبي، عند النقر عليه ينتقل القارئ لصفحة تستعرض كل أجزاء السلسلة. والنمط الثاني: فهرس السلسلة، ويظهر كصندوق في أقصى يسار مقدمة المقال، ومتداخل مع النص وكأنه جزء منه، ومن الجدير بالذكر هنا أن النصوص في متن المقال الأصلي تضبط نفسها تلقائيًا بمساعدة من تي. بوت بالتأكيد. هذا يعني أنه مهما كان طول هذه الفقرة ومحتوياتها النصية، فستتوقف نهاية الأسطر قبل أن تمس الصندوق الحاوي لفهرس السلسلة. أنا الآن أكتب لغوًا غير هامًا فقط لضمان أن تكون الفقرة كبيرة بما يكفي لتصل أسطرها إلى صندوق الفهرس تاركًا تي. بوت تقوم بشد الخط وتمطيطه كي يتحاذى من الجانبين ويتوقف قبل أن يمس الصندوق للاستكمال في سطر جديد. وظيفة الفهرس مفهومة بالطبع، ألا وهي استعراض جميع المقالات بهذه السلسلة على هيئة روابط تشعيبية، وعند النقر على أحدها ينتقل القارئ إلى المقال أو الجزء الذي اختاره. أيضًا يقوم الفهرس تلقائيًا بتحديد المقال الذي تقرأ فيه الآن بعلامة ☑ قبل اسمه، مع إطفاء الرابط التشعيبي له، إذ لا معنى للانتقال لنفس المقال الذي أنت فيه الآن. « اسم السلسلة يظهر هنا » المقال الأول في السلسلة☑ المقال الثاني في السلسلةالمقال الثالث في السلسلةالمقال الرابع في السلسلةالمقال الخامس في السلسلةلتقنية السلاسل وظيفة هامة تتعلق بمحركات البحث. إذ أن تقنية السلسلة تنشئ بطبيعتها مجموعة من الارتباطات التشعيبية المتماسكة في وحدة مستقلة (السلسلة ذاتها) ولكل هذا تأثيرًا إيجابيًا على إنشاء خريطة داخلية للسلسلة مما يقوي من مسألة أرشفتها على محركات البحث. بطريقة أخرى، كتابتك للمحتويات الكبيرة مستخدمًا تقنية السلاسل، تعطي فرصة تنافسية أعلى لأرشفة المقالات على محركات البحث. هذا يعني مزيدًا من القراء الذين يبحثون عن كلمات وردت فيما تكتبه على الشبكة. عند نهاية المقال، يوجد نمط بصري ثالث يحاكي مسألة قلب الصفحة في القراءة التقليدية. وظيفة هذا النمط البصري في التنقل بين الجزء السابق والجزء التالي من نفس السلسلة التي يتم القراءة فيها الآن. جزء من سلسلة: اسم السلسلة يظهر هنا 🠼 المقال الأول في السلسلة 🠼 المقال الثالث في السلسلةمن زاوية الكاتب، لا يوجد شيئ تقني ليفعله يتعلق بخاصيّة السلاسل، وكل ما عليه هو إبداء رغبته وإعداد مواد تصلح لثلاثة أجزاء على الأقل. --- ### خاصية الهوامش والمصادر - Published: ۲۰۲٤-۰۵-۰۲ - Modified: 2025-04-09 - URL: https://tabcm.net/workflow/footnotes/ الروابط التشعيبية الرابط التشعيبي، أو hyperlink يعني أن هناك نصًا يحتوي بداخله على رابط ينقلك لصفحة أو منطقة جديدة غير التي تقرأ فيها. ويهمنا هنا التركيز على ثلاثة أنماط بصرية لثلاث أنواع من الروابط التشعيبيّة تُقسّم على حسب ما هو الشيء المراد الانتقال إليه بالرابط؛ هل هو مقال من مقالات الشبكة؟ أم ﻻ، بل مقال أو صفحة من موقع آخر؟ أم نريد الانتقال لمنطقة ارتكاز أخرى بنفس المقال كما في الهوامش والمصادر؟الرابط التشعيبي الخارجي لإضافة رابط خارجي، قم بتظليل النص المراد تحويله لرابط تشعيبي ثم اضغط من صندوق الأدوات كما بالشكل. فقرة سيظهر لك صندوق صغير، الصق الرابط الخارجي الذي تشير إليه هنا، ثم اضغط السهم الأزرق المجاور. الصق رابط أو اكتب للبحث ↵ الرابط التشعيبي للمقالالأمر هنا أسهل بكثير، لقد قمنا بتصميم نمط بصري محدد لهذا الغرض. لإضافة رابط مقال بالشبكة، اضغط من صندوق الأدوات كما بالشكل. فقرة سيظهر لك صندوق Visual Link Preview، المكون من ثلاث خانات، عند الخانة الوسطى ابدأ في كتابة الحروف الأولى من عنوان المقال حتى يظهر اسم المقال الذي تريد إدراجه، ثم اضغط Insert. الهوامش والمصادرهل تود أن يكون مقالك مكتوبًا بطريقة علمية قياسية، بحيث يظهر للقارئ أرقامًا مرجعيّة مسلسلة وليكن بدايتها مثلًا، وعند النقر على الرقم ينتقل القارئ للهامش عند هذا الرقم بالضبط؟ هل تريد أن يحدث العكس أيضًا؟ بمعنى وجود علامة آخر كل هامش عند الضغط عليها يعود لاستكمال القراءة من النقطة التي بها الرقم المرجعي المسلسل الموازي للهامش؟ هل تود ألا يتحرك القارئ أساسًا أيضًا وأنه يكفيه الوقوف على الإشارة المرجعية المسلسلة رقم لكي يختلس النظر السريع لما تعنيه هذه الإشارة تحديدًا دون قفز للأسفل والعودة للأعلى؟ كل هذا متاح مع إضافة الهوامش والمصادر المتطورة. هذه الإضافة لا تحتاج أيقونات، ببساطة عند النقطة في وسط النص التي تريد ظهور الرقم المرجعي المسلسل، إفتح قوسًا دائريًا مرتين هكذا: "(("، ثم ابدأ في كتابة محتوى الهامش كما تشاء، وعندما تنتهي من الهامش أو المرجع أغلق القوس الدائري مرتين هكذا: " ))"، وكل الباقي سيتم تلقائيًا بمساعدة تي. بوت، هي من ستحوّل ما بين الأقواس المزدوجة إلى أرقام متسلسلة تصاعدية كل مرة بدون اضطرار لحساب الأرقام، أما محتوى ما بين الأقواس المزدوجة، فسيتم نقله مرتبَا مهندمًا إلى أسفل المقال بعد أن تفتح صندوق لكل هذا وتسميه "هوامش ومصادر"، أيضًا التنقّل بين التشعيب المرقمن من وإلى الهوامش، واختلاس النظر دون حركة سيحدث تلقائيًا. الهوامش والمصادر ﻻ تظهر نتيجتها على صفحة محرر الكتابة التقليدي، ولمطالعة النتيجة اضغط معاينة من صندوق النشر كما بالشكل. نشر حفظ المسودة معاينة الحالة: مسودة تحريرالظهور: عام إرسال للمراجعة --- ### واجهة محرر الكتابة - Published: ۲۰۲٤-۰۵-۰۲ - Modified: 2025-01-22 - URL: https://tabcm.net/workflow/classic-editor/ واجهة محرر الكتابة الصفحة متاحة فقط لكتاب الشبكة. يرجى تسجيل الدخول ككاتب معتمد حتى تتمكن من استكمال التصفح، أو العودة للرئيسية إن كنت دخلت الدليل بالخطأ. يتم التعرّف عليكم برتبة: كاتب دائم محرر ناشر الشبكة ﻻ تتعرف عليك تلقائيًا، بل تعرفك وتعطيك صلاحياتك الخاصة عند تسجيل الدخول بكلمة المرور الخاصة. عند تسجيل الخروج ستعاملك الشبكة كقارئ أو زائر ليس من حقه الدخول إلى مكتبك الشخصي. واجهة محرر الكتابة هي الواجهة المستخدمة لتحرير المقالات على الشبكة. نحن نستخدم أداة تحرير كلاسيكية وتم تطويرها خصيصًا لكتّاب الشبكة، لذلك فهي تجمع بين البساطة والكفاءة. الواجهة ستظهر لك عند:إضافة مقال جديد 🡄 🡄 أو عند الضغط على كلمة "تحرير" أسفل اسم المقال المراد تحريره 🡄 🡄 كل المقالات] أضف مقالةٌ جديدةٌ إضافة عنوانمعايير الجودةلست مضطرا لأي معايير جودة أضف ملفات وسائط مرئي فقرة ABC عدد الكلمات: 000آخر تحرير في يوم 0 شهر، 0000 الساعة 00:00 م/صملاحظات إدارية أضف ملاحظة إدارية نشر حفظ المسودة معاينة الحالة: مسودة تحريرالظهور: عام إرسال للمراجعة الصورة البارزة للمقالةتعيين الصورة البارزة للمقالة يجب الضغط على أيقونة لكي يظهر شريط الأدوات الثاني لكتابة مقال جديد، كل ما عليك سوى أختيار عنوان في الخانة المخصصة. ثم البدء في الكتابة مباشرة.  ﻻ تشغل بالك بأيٍّ من هذه الأدوات لو لم تكن تعرفها. ضع تركيزك كله على المحتوى النصي فقط. ﻻ ننصح أبدا أن تقوم بتشكيل وتلوين محتوى المقال إلا إذا كنت على دراية بالأنماط البصرية المستخدمة في مقالات الشبكة. دع هذه المهام لهيئة التحرير. يفضّل أن تكتب على المحرر مباشرة بدلا من الكتابة على برنامج  Word أو أي برنامج محرر آخر. البرامج أو حتى النسخ من منشور سابق لك على فيسبوك مثلًا ﻻ ينقل النص مجردًا، بل ينقل أيضًا بشكل غير ظاهر لك أكواد خبيئة. أغلب هذه الأكواد له وظيفة في تشكيل النصوص أو تحديد فونت وشكل الخط المستخدم على حسب المكان الذي نسخت منه. بعض هذه الأكواد الغير مرئية ضار حتى مع افتراض حسن النوايا، ولذلك، ستقوم تي. بوت، الإنسانة الآلية، بحذف أي أكواد غير مفهومة لها. هذا يعني ضياع أي نصوص بين كود الفتح واﻹغلاق المحذوفان. من ناحية أخرى، ستقوم تي. بوت بمحاولة ترجمة الأكواد التي تفهمها إلى نفس الأكواد المستخدمة على الشبكة، هذا يعني انها ستجتهد في ألا يضيع شيء (فعليًا لو فُقد نص فهو بالضرورة ضار للشبكة وتراه تي. بوت أكواد اختراق أو سبام إعلاني مثلًا). في حالة نسخ نص من محرر آخر، استخدم أيقونة للصق النص داخل المحرر. هذه الخطوة ضرورية لتجنب أي أكواد غير مرئية مثل المستخدمة لتشكيل وتلوين النصوص. من حين لآخر، قم بالضغط على زر "حفظ المسودة" لتجنب أي مشكلات غير متوقعة. في أغلب الحالات ستقوم تي. بوت، الإنسانة الآلية، بالحفظ الآلي نيابة عنك، لكنها لن تبدأ في ذلك  قبل حفظ المسودة لمرة واحدة على الأقل، كما أن تي. بوت تقوم بقياس الأحمال على مزود الخدمة وبناء على ذلك تُقرر الفترة الزمنيّة بين وقت الحفظ والحفظ الآخر. نحن مضطرين لتصميم تي. بوت بهذه الكيفية لتخفيف الضغط على قواعد البيانات في أوقات الذروة. لذلك، قم بحفظ المسودة كلما انتهيت من جزء مفهوم لك. وتذكر: أن تكون محترفًا، معناه أن تكون مستعدًا لمفاجآت اللحظة الأخيرة. يمكنك كتابة المقال على أكثر من جلسة. وبشكل عام فتركك للمقال في طور المسودة لن يشعر به أحد. الهيئات الإدارية تستطيع بالطبع قراءة وتحرير المسودات، لكن هذا هو المقصود من طور المسودة، أن يعلم من يتابع أن هذا العمل غير منتهي بعد. عند الانتهاء من المقال بالكامل. اضغط إرسال للمراجعة ثم توقف عن القيام بأي تعديلات لاحقًا. عند إرسالك المقال للمراجعة، فوريًا تتحرك تي. بوت لمراسلة كل محرر في الهيئة التحريرية على بريده الإلكتروني، تحتوي هذه الرسالة على إخطار بأن الكاتب قد انتهيت من المقال وأرسلته للمراجعة. تحوي الرسالة رابط للوصول السريع للمحررين إلى مقالك مباشرة للقيام بمهامهم. والباقي مفهوم من شرح مخطط سريان العمل بالشبكة. سيصلك أيضًا إخطار مماثل عند انتهاء كل مرحلة واسم القائم بها على بريدك الإلكتروني. كما يمكنك في أي وقت مطالعة مقالك ومعرفة التحسينات التي طرأت عليه. في حالة وجود أي ملاحظات لك، استخدم أضف ملاحظة إدارية حتى تبقى ملاحظاتك أسفل كل مقال يخصها. --- ### الأنماط والهويّة البصرية - Published: ۲۰۲٤-۰۵-۰۲ - Modified: 2025-04-09 - URL: https://tabcm.net/workflow/visual-identity/ الأنماط والهويّة البصرية النمط البصري، هو قالب يتم من خلاله عرض كتلة نصّية بشكل وألوان معينة. الغرض الرئيسي من النمط البصري للاقتباس مثلًا هو أن تستعرض النص المقتبس بشكل مميز عن نص المقال الأصلي. شكل عندما تعتاده ستدرك أن هذا اقتباس خارجي وليس جزءًا من متن المقال بالرغم من أن كلاهما "نصوص". قد يبدو هذا مبشرًا كبداية، لكن ماذا لو أردنا تعويد القارئ على أدراك العائلة التي يتم الاقتباس منها؟ نريد مثلا أن يميّز القارئ بين النص المقتبس من الكتاب المقدس، وبين النص المقتبس من أقوال الآباء، وبين النص المقتبس من شخصية عامة غير ذات قدسية؟ الأمر بسيط، سنصنع إذن عدة أنماط بصرية. هذا الأمر البسيط في التنفيذ هو معقد جدا في مسألة الصياغة والتخطيط (تصميم النمط البصري)، إذ كيف تنشئ مجموعة أنماط وكل نمط يختلف عن غيره وكأن له هويّة مستقلة، وفي نفس الوقت يشترك مع غيره لأن الكل اقتباس؟ هل تملك الأنماط البصرية، أو العين الخاطفة، لغة بينها وبين القارئ؟ لغة نستطيع من خلالها إرسال رسالة لعقله أن هذا نص مقال وهذا نص اقتباس من الكتاب المقدس، بينما ذاك هو اقتباس أيضًا لكن لشخصية معاصرة؟ والإجابة المختصرة هي: نعم نستطيع. الهويّة البصرية: هو مجموع الأنماط البصرية المتعددة التي تُستخدم على الشبكة بشكل مدروس ومسبق الإعداد للتعبير عن ماهيّة الكتل النصية ذاتها. هذه الأنماط لصيقة بشبكة التأله وحدها، ومترابطة فيما بينها بشكل قياسي مطبّق على كل كبيرة وصغيرة في الشبكة، ومنفصلة عن العالم الخارجي بحيث تشكل سويًا هويّة محددة للشبكة ذاتها. هويّة يمكن لقارئ الشبكة أن يميزها عن غيرها من المواقع حتى لو تكرر نفس المقال. ونحن نتحدث عن هويّة حقيقية تستدعي في عقل القارئ حتى اللوجو والألوان المستخدمة فيه. هذا يعني أن كل شيء بنظام وترتيب، وأن كتابتك لأمر عادي مثل آية من الكتاب المقدس، هي هنا على الشبكة ليست حرّة، بل بمثابة أمر لهيئة التحرير والنشر بتطبيق القالب البصري المخصص للكتاب المقدس هنا. وسنحاول في السطور القادمة تعريفك بأهم المصطلحات والأنماط البصرية المستخدمة على الشبكة. ﻻ ننصح أبدا أن تقوم بتشكيل وتلوين محتوى المقال إلا إذا كنت على دراية بالأنماط البصرية المستخدمة في مقالات الشبكة. دع هذه المهام لهيئة التحرير. النمط القياسي للفقراتجميع القوالب مهيأة مسبقًا بنمط بصري شبه ثابت مستوحى من ألوان اللوجو؛ أرضية بيضاء وكتابة سوداء والعناوين باللون الأحمر القاني. لكننا في بعض الكتل الخاصة نتلاعب في درجات هذه الألوان. في المقال مثلًا لا نجعل الأرضية بيضاء تمامًا وإنما مشوبة بالاصفرار. هذا يجعلها مريحة أكثر في القراءة لأن هذا هو اللون الطبيعي للأوراق إن تُركت فترة من الزمن مثل الكتب. لون الخط أيضًا ليس أسودًا تمامًا وإنما هو درجة غامقة من اللون الرمادي، بالنهاية لم يعد النص أبيض وأسود حاد، لكن الانطباع النفسي هو بحميمية الكتب الورقية مع درجة مقصودة من التقارب بين المتضادين. الفونت المستخدم ثابت وهو Markazi Text، بنط ١٨، بنسبة تباعد بين الأسطر ١. ٨ في الفقرة الواحدة، وعند كتابة فقرة جديدة فنسبة التباعد تتضاعف تلقائيًا بين الفقرتين وكأنما تركت سطرًا فارغًا بينهما لجعل الفقرات مفصولة عن بعضها بشكل مريح للعين. أيضًا الوضع الافتراضي للمحاذاة ليس لليمين ولا لليسار  بل لكلاهما (Justified)  ماعدا السطر الأخير. وكل هذا يحدث تلقائيًا دون تدخل منك. ﻻ ننصح باستخدام أيًا من أيقونات المحاذاة لأن الوضع الافتراضي هو تلقائياً لو لأي سبب غيرت نمط الفقرات وتريد العودة للوضع الافتراضي، قف على أي مكان في الفقرة المراد تغييرها، ثم اختر "فقرة" من صندوق الأدوات كما بالشكل التالي: فقرة الترويساتالترويسة (من الرأس، أي جعل للفقرة رأسًا) هي ببساطة العناوين الفرعية أو الداخلية للمقال. للشبكة ٦ أحجام من الترويسات، الفونت المستخدم ثابت وهو El Messiri لكنها تختلف في البنط ونسبة التباعد بين الأسطر، أكبرها هو "ترويسة1" وأصغرها هو "ترويسة6". للترويسات طريقة يجب أن تبدأ بالترويسة2 دائمًا (لأن ترويسة1 هي المانشيت، أو عنوان المقال). بمعنى اننا لو أردنا استخدام عنوانًا فرعيًا أو أكثر وجميعهم متماثل، إذن سنستخدم "ترويسة2" فقط لكل العناوين الفرعية المتماثلة. لكن لو كنا نريد استخدام درجتين من العناوين الفرعية (واحدة لاسم الفصل، والثانية للباب داخل الفصل مثلاً) فوقتها سنستخدم "ترويسة2" و"ترويسة3". وفي حالة إذا ما أردنا ثلاث درجات من العناوين إذن سنبدأ بترويسة2"، ثم "ترويسة3"، ثم ترويسة4". لاختيار نمط ترويسة معيّنة، قف على السطر المراد تغيير نمطه ثم اختر "ترويسة2" من صندوق الأدوات كما بالشكل التالي: ترويسة2 الترويسة تعامل معاملة فقرة مستقلة. هذا يعني أننا لا نستطيع كتابة ترويسة وفقرة في نفس السطر. النص المهيأ مسبقًاالنصوص المهيأة مسبقًا هي نصوص عادية لكن يتم وضعها في إطار خاص لفصلها وتمييزها عن المحتوى النصي المعتاد للمقال. تخيّل لو أن الكاتب يكتب مقولة فلسفية من ابتكاره، أو أننا نقتبس منه في مقال سابق وليس من التواضع أن يقتبس المرأ من نفسه وأقواله، أو على سبيل المثال يود الناشر إضافة ملاحظة أو تعليق لم يكتبه الكاتب، لذا في مثل هذه الحالات نستخدم النص المهيأ مسبقًا. لاختيار نمط النص المهيأ مستقبلًا، قف على الفقرة المراد تغيير نمطها ثم اختر "مهيأ مسبقًا" من صندوق الأدوات كما بالشكل التالي: مهيأ مسبقاً الاقتباس المتطور الاقتباس من الأمور التي تم التوسّع فيها على الشبكة لتلبية متطلبات لاهوتيّة معينة. الأصل في الاقتباس هو كتابة النص المُقتبس بشكل منفصل عن محتوى المقال، وإلى هنا والأمر بسيط، وقد تم تصميم نمط الاقتباس عمومًا وكأنه ورقة مسطّرة مقطوعة من نوتة قديمة، مع تغيير نوع الخط إلى Amiri المستخدم في الكتب القديمة كالكتاب المقدّس. الخط الأميري جميل لكنه صعب القراءة، ولذلك، فهو يجبر القارئ على قراءة متأنيّة نوعًا تليق بالاقتباس من مخطوطة أو نوتة مذكرات خطيّة مثلًا. السطر الأخير من الاقتباس له معاملة خاصة، فهو السطر الدال على مصدر الاقتباس. سيتغير نوع الخط إلى الرقعة كالتوقيع اليدوي، الخط الرقعة أصعب في القراءة لإجبار القارئ على التأني الإضافي الذي يليق بالمصادر. نحن نستخدم طريقة قياسية تشبه المراجع العلمية (مطابق لمقايسات شيكاغو تيكست بوك) في الإشارة للمصادر المُقتبس منها، والمهم هنا أن تعرف ترتيبها؛ (اسم قائل الاقتباس، اسم الكتاب الذي ورد فيه الاقتباس، اسم المُعد أو المترجم، اسم دار النشر، سنة النشر، الفصل، الباب، الصفحة) مع ملاحظة وضع هذا السطر مستقلًا عن الاقتباس نفسه (بالضغط Enter) وأنه بكامله بين قوسين دائريين (هكذا) وأيضاً Italic (مائل)، والباقي سيتم تلقائيًا. لاستخدام خاصية الاقتباس، قف على الفقرة المراد تغيير نمطها ثم اضغط أيقونة من صندوق الأدوات كما بالشكل. فقرة لتظليل كلمة كاملة، أنقر عليها نقرًا مزدوجًا، ولتظليل فقرة بكاملها أنقر عليها نقرًا ثلاثيًا. لتمييز السطر الأخير الدال على مصدر الاقتباس، ﻻ تنس جعله مائلاً بتظليله ثم الضغط على من صندوق الأدوات كما بالشكل. فقرة الاقتباس المُختصر وألوانهالاقتباس المختصر يبدو للقارئ كجزء من النص لكنه موضوع بين علامتيّ تنصيص، وملون بشكل معيّن. نحن نستخدم نفس الأنماط اللونية سواء في الاقتباس المتطور أو الاقتباس السريع. هذا نموذج للاقتباس المختصر من آيات الكتاب المقدس بينما هذا نموذج للاقتباس المختصر من أقوال الآباء بينما هذا نموذج للاقتباس المختصر من شخصيّة عامة. نحن نستخدم ثلاث أيقونات متجاورة للقيام بمهمتيّ التلوين والوضع بين علامات التنصيص. أيقونة للكتاب المقدس، وثانية لأقوال الآباء، وأخيرة لأقوال الشخصيات العامة، كما بالشكل:ABC لتمييز الاقتباس من الكتاب المقدس، قم بتظليل النص ثم اضغط على لتمييز الاقتباس من أقوال الآباء، قم بتظليل النص ثم اضغط على لتمييز الاقتباس من الشخصيات العامة، قم بتظليل النص ثم اضغط على التعليق التفسيري داخل الاقتباستخيّل أنك تقتبس نصًا من الكتاب المقدّس مثلًا، والاقتباس يحتوي على ضمير يعود على شخص واسم هذا الشخص ليس مذكورًا داخل الجزء المقتبس. في هذه الحالة من الأفضل أن تكتب تفسيرًا يوضّح أن هذا الضمير يعود على المسيح. الإشكاليّة هنا أنك لو كتبت داخل الاقتباس الملون بنفس طريقته الملونة فقد يختلط الأمر على القارئ وتسبب تشويشًا في نصٍ مقدسٍ،  فما العمل؟ ببساطة علينا كسر النمط البصريّ الملون للاقتباس والعودة إلى النمط البصري الأسود المعتاد لكي تكتب شيئًا تفسيريًا بين قوسين مربّعين ثم من جديد تعود لاستكمال النمط البصري الملون المستخدم للكتاب المقدس. أليس كذلك؟لقد قمنا بتسهيل هذه الخطوات المركّبة قدر الإمكان، ببساطة قم بتظليل النص المقتبس كاملًا وتلوينه بأيقونة النمط البصري للكتاب المقدس وبداخله نصك التفسيري ، هكذا صار الكل بين علامتيّ تنصيص وملونَا بالأحمر القاني. بعد ذلك لكسر التلوين في نصك التفسيري، قم بتظليل القوسين وما بينهما من تفسيرك، ثم غيّر اللون إلى اللون الأسود. لكسر النمط البصري للإقتباس في ، ظلله ثم إختر من صندوق الأدوات كما بالشكل. ثم اختر اللون الأسود. ABC ﻻ ننصح أبدا أن تقوم بتشكيل وتلوين محتوى المقال إلا إذا كنت على دراية بالأنماط البصرية المستخدمة في مقالات الشبكة. دع هذه المهام لهيئة التحرير. --- ### الصلاحيات والهيئات - Published: ۲۰۲٤-۰۵-۰۱ - Modified: 2025-01-22 - URL: https://tabcm.net/workflow/permissions/ الصلاحيات والهيئات هل تتذكر مخطط سريان العمل؟ أبسط طريقة لتصوّر فكرة الصلاحيات الجماعية (الهيئات) هو إعادة النظر لها، لكن هذه المرّة مع التركيز على الشخص أو الهيئة الذي يقوم بدور ما: فريق العمل فكرة 🡇 مسودة 🡇 هيئة التحرير قيد المراجعة 🡇 هيئة النشر تجهيز للطبع 🡇 Automation مجدول للنشر 🡇 الجمهور العام مقال منشور بطبيعة الحال، الجمهور العام أو القارئ الزائر هو الأقل في الصلاحيات على الإطلاق. أقل لدرجة عدم وجود مكاتب شخصية للزوار على الإطلاق. بالرغم من ذلك، توجد درجة من درجات الكاتب تتقارب في الصلاحيات مع الزائر وليس لها مكتب شخصي أيضًا. الشبكة ﻻ تتعرف عليك تلقائيًا، بل تعطيك الصلاحيات الملائمة عند تسجيل الدخول بكلمة المرور الخاصة. وعند تسجيلك الخروج ستعاملك الشبكة كقارئ أو زائر ليس من حقه الدخول إلى المكتب الشخصي. الكاتب الضيفالكاتب الضيف هو مساهم غير مسجل بالشبكة. ظهرت الحاجة لهذا النوع من الحسابات عند قيام بعض كتّابنا بترجمة مقالات لاهوتيّة متخصصة، وفي مثل هذه الحالات ﻻ يمكن اعتبار القائم بالترجمة مالكًا أصيلًا للمحتوى المترجم للغة العربيّة، لذا تم تطوير الشبكة وإضافة هذا النوع من الحسابات بغرض حماية الملكية الفكرية حتى وإن كانت تشاركيّة. المقالات المترجمة لها مالكين (كاتبين) يظهران سويًا وعادة ما يوضع اسم الكاتب الضيف أولًا قبل الكاتب الدائم القائم بالترجمة. بمرور الوقت، طورنا استخدام حسابات الكاتب الضيف لتلبية أوضاع أخرى، على سبيل المثال استقبال ونشر مقالات من بريد القراء إلينا. نحن في "نموذج نشر مقال" نجمع البيانات المكوّنة للحساب مثل البريد الإلكتروني والصورة الشخصية من أصحابها الطبيعيين بغرض ظهور هويّتهم مقترنة بإنتاجهم الفكري. من الناحية التقنيّة، الكاتب الضيف له سجل وملف على الشبكة، لكن من دون صلاحيات، لذا ليس للكاتب الضيف كلمة مرور أو مكتب شخصي، وﻻ يستطيع الدخول للأماكن المتاحة لطواقم العمل ويعامل كزائر أو قارئ عادي. هذا النوع من الحسابات غرضه الوحيد هو حماية الملكية الفكرية لمواد نراها تستحق النشر وكُتبت من غير فريق العمل من كتّاب الشبكة. الكاتب الضيف ﻻ يظهر ضمن قائمة فريق العمل، وحسابه هو مجرد هويّة بصرية لمالك المقال لكنه بدون أرشيف مقالات. الكاتب الدائم (عضو فريق العمل)الكاتب الدائم هو أول درجات الصلاحيات الخاصة. يملك الكاتب حسابًا مستقلًا بكلمة مرور خاصة، وله مكتب شخصي مستقل عن بقيّة زملائه في فريق العمل. من خلال هذا الحساب يستطيع الكاتب إضافة وتعديل وإدارة مقالاته دون تماس أو تقاطع مع مقالات غيره. على الرغم من أن المكتب الشخصي للكاتب يستطيع من خلاله التحكّم الكامل بتفاصيل المقال، إلا أننا ننصح بالتركيز فقط على متن المقال النصوصي واعتبار كل الباقي اختياريًا.  من الناحية التقنيّة، الكاتب له سجل وملف على الشبكة يرتبط بكافة المقالات المتعلّقة به. نحن نعتبر الكاتب هو المالك الأصيل لإنتاجه الفكري، لذلك يظل له اليد العليا فيما يطرأ على مقاله من تحسينات، ويحق له وقف مسار النشر لمقاله إن لم يوافق على ما تم فيه من تعديل. بالمقابل، فنحن نخطر آليُا كل كاتب على بريده الإلكتروني بكافة مراحل وأطوار مقالاته، ويستطيع من خلال أدواته مراجعة مقاله من جديد، وترك ملاحظات إدارية أسفله إن وجد شيئًا لا يروق له. ونعتبر صمته سلبًا بمثابة الموافقة على كل ما يطرأ على مقاله من تحسينات. جميع الكتّاب على الشبكة هم شخصيات طبيعية وليس شخصيات اعتبارية. نحن ندرك أن الإنتاج الفكري هو ملك لإنسان طبيعي وليس ملكًا لشركة أو مؤسسة أو جماعة أو أي نوع من الكيانات والشخصيات الاعتبارية. وعلى هذا نرفض تمامًا أي حسابات جماعيّة أو ذات السمة الاعتبارية أو تلك التي لا تشير لشخص طبيعي حقيقي. يمكنك استعراض جميع الكتّاب الدائمين والتعرف عليهم وعلى مقالاتهم من خلال صفحة فريق العمل. المحرر (عضو هيئة التحرير)المحرر هو أعلى الصلاحيات عموميّة من حيث الانتشار والتداخل مع متن المقال وأفكاره، وبشكل يمكن اعتباره كاتبًا عامًا على كافة المقالات وليس مقالاته فقط. تحتاج هيئة التحرير إلى هذه الصلاحيات العامة لتمكين أفرادها من إجراء عمليات المراجعة اللغوية والإملائية لكافة المقالات بحسب المستعد منهم للعمل أونلاين الآن. تهتم هيئة التحرير بتطبيق السياسات التحريرية للشبكة على كافة المقالات. هذا يعني إمكانية تعديل بعض الصياغات كي تتوافق مع الأطر العامة للشبكة، وإن كان التوفيق غير ممكن، أو مقصود من الكاتب، أو متداخل مع فكرة أساسية للمقال، سيتم إرجاع المقال إلى طور ‎ المسودة ‎ مع ترك ملاحظة إدارية، وذلك حتى يتمكن الكاتب من استكمال العمل على مقاله بنفسه.  على كل حال، أغلب عمليات المراجعة تتعلق بتحسين المقال ورفع مستواه من الناحية المهنيّة البحتة وفق سياسات عمل صارمة ﻻ تسمح بالاشتباك الفكري أو الجدل مع الكاتب، أو مناقشته في أطروحاته الفكرية. يمكن للكاتب إدراك دور المحرر بالأكثر مع العمليات الإجرائية مثل التحسينات على المانشيت (عنوان المقال) وصورة الغلاف، وتحديد القسم المناسب، وضبط المقالات ذات الخواص المعقدة تقنيا مثل الإدراج في تقنية السلاسل، ومفتتح المقال وما إلى ذلك. بخلاف سمة العموميّة، يمتلك المحرر صلاحيات أعلى من صلاحيات الكاتب التقليدية، منها على سبيل المثال صلاحية تعديل كاتب المقال نفسه من أجل إضافة أكثر من كاتب في المقالات المشتركة الملكية الفكرية، أو كتابة مقال جديد باسم كاتب معين لمساعدة الكتّاب غير المحترفين أو حديثي الانضمام للشبكة، أو مقالات مرسلة من القراء. أيضًا تظهر أمام المحرر خواص إضافية غير ظاهرة للكاتب مثل سطر المفتتح، أو الكلمات الدلالية، كما يمكنه ربط صورة الغلاف من مكتبة الصور عمومًا، وليس من الصور التي قام هو برفعها فقط. الحجم المثالي للمقال هو من ٦٠٠ إلى ١٢٠٠ كلمة، لكن الأمر يختلف مع المقالات الاستقصائية أو التاريخية أو الأوراق البحثية التي ربما تصل إلى ألفين أو ٤ آلاف كلمة. ﻻ ننصح بالمقالات الطويلة ويفضّل تقسيم المقال إلى جزئين، أو إن تطلب أكثر من ذلك فالأفضل هنا إنشاء سلسلة مستقلة. الناشر (عضو هيئة النشر)الناشر هو أعلى الصلاحيات العامة من حيث التفاصيل وليس العمومية. مثلًا إن أردت إدراج صورة داخلية متشابكة مع المحتوى النصي، وتريد أن تحدد مقاس هذه الصورة بشكل معيّن على كافة الشاشات، أو أن أردت تقسيم المقالات على عمودين أو أكثر، أو  أردت إظهار جدول، أو رسم بياني، فكل هذه الأمور تتطلب تفاصيلاً وصلاحيات تفوق المحتوى البصري النمطي للشبكة. أيضًا الناشر هو المنشئ لحسابات الأفراد (الكتًاب، أو المحررين، أو الناشرين) كما أنه المنشئ للسلاسل الجديدة. فعليا هيئة التحرير في عملها اليومي تقوم بعمليات ربط قد أنشأتها هيئة النشر في مرحلة سابقة. على عكس هيئة التحرير التي تهتم بالمضمون، تهتم هيئة النشر بالشكل النهائي وعمليات الإخراج البصري والألوان والمقاسات والنسب بين الوحدات والكتل النصوصية. قد يبدو لك الأمر كمسالة أذواق شخصية، لكن الأمر متخطي هذا حقيقة، فدور الناشر فعليًا تسهيل عمليات القراءة ﻻ على البشر المكفوفين وحسب، بل وغير البشر أيضًا، هذا يشمل مثالَا لا حصرا معايير محركات البحث لتقوية مسألة الأرشفة والكلمات المفتاحية وكافة الأمور التقنية الغير الظاهرة بالعين أيضًا. أيضًا تعد هيئة النشر أعلى سلطة في الهرم الإداري للشبكة، لذا يمكن أن تقوم بالفصل في الأمور الداخلية  إن حدث أمر طارئ. كما يملك أعضائها شرف تمثيل مجموعة العمل والتنسيق مع الهيئات والمؤسسات الخارجية باعتبارهم منسقين عموميين للشبكة. إن وصلك إخطار بالجدولة السريعة، فهذا يعني المقال رُوجع بواسطة الناشر مباشرة وليس بواسطة المُحرر لدواعي الاستعجال. ومن الوارد حدوث أخطاء تحريرية. T. Bot, The Automation Robotتي. بوت أو تيبوت، هي اختصار لجملة Theosis Robot، ويتم إطلاقه على مجموع البرمجيات التي تقوم بوظائف كانت تدار بالبشر، ثم تمت أتمتتها (أي جعلها أوتوماتيكيّة). البداية كانت تتعلق بالأمان الرقمي، ونقصد بذلك بعض الخصائص التقنية مثل رقم بروتوكول الإنترنت أو حتى بعض التفاصيل مثل الموقع الجغرافي أو نوع المتصفح ونظام التشغيل. أشياء مثل هذه نستطيع معرفتها لكن نراها تعصف بالخصوصيّة. لذا تم ولادة تي. بوت هنا كي تقوم بالأعمال التي لا نأتمن عليها البشر وبغرض تقديم تقارير معمّاة تُستخدم في قياس الأداء. لمزيد من التفاصيل عن البيانات المعماة، يمكنك زيارة صفحة سياسة الخصوصية. بمرور الوقت وتشعّب الجهد المبذول بشكل مكرر، وأتمتتة هذا العمل، أصبح من الصعب تحديد مهام تيبوت بشكل واضح. الدور الرئيسي لتيبوت هو القيام بالمهام المجدولة، مثل تحديد تاريخ النشر لتقوم هي بالنشر بشكل دقيق. لكن حتى هذه النقطة تم التوسع فيها للنشر على منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، والقيام بدور دعائي يشمل تصميم بوستر خاص وفريد لكل مقال، هذا يشمل عمل تلخيصات للمقال بشكل تشويقي جذاب، وكل هذا تقوم به تيبوت بمفردها دون تدخّل بشري. تيبوت أيضًا تقوم بإخطارك بكافة العمليات التي تطرأ على مقالاتك على الشبكة، ومن ومتى بدأ أو انتهى. تيبوت تساعدنا كثيرًا بحفظ نسخ تلقائية من المقالات على الشبكة خلال التعديلات عليها. هي فعليًا تراقب كل أفراد الشبكة والزوار والقراء وتحلل بياناتهم وتدرس شغفهم، تراقب حتى محاولات الدخول من المخترقين وتحظرهم، تراقب حتى الكودرز (المطورين) وتساعدهم في ذلك سواء بالتحديث الأوتوماتيكي للإضافات المتعددة من شركاتها المصّنعة المختلفة، أو حتى إجراء عمليات النسخ الاحتياطي للشبكة بكاملها عقب أي ترقية تراها تيبوت خطرة أو غير متوافقة مع المكونات الأخرى للشبكة. أيضًا تقوم تيبوت بتدوير (إعادة نشر) أربع مقالات قديمة يوميًا على ثلاث منصات اجتماعية مختلفة وتخليق البوسترات الجديدة من المقالات القديمة. فعليًا هي الأدمن على هذه المنصات جميعًا ولا أحد منا يكتب شيئًا أو حتى يملك صلاحية الكتابة على هذه المنصات سواها. Twitter Facebook Telegram --- ### مخطط سريان العمل - Published: ۲۰۲٤-۰۵-۰۱ - Modified: 2025-01-22 - URL: https://tabcm.net/workflow/typical-workflows/ مخطط سريان العمل المقال يبدأ بفكرة ثم يتم صياغتها على فقرات. المقال النموذجي له حبكة وهيكل بناء، لكن لو اعتقدت أن الأمر انتهى هنا فأنت بالتأكيد مخطئ، فهو للتو بدأ. الكاتب فكرة 🡇 مسودة 🡇 المحرر قيد المراجعة 🡇 الناشر تجهيز للطبع 🡇 Automation مجدول للنشر 🡇 الجمهور العام مقال منشور أبسط طريقة لتصور مخطط سريان العمل هو التركيز على ما يتم في محتوى المقال، ﻻ الشخص أو الهيئة الذي يقوم به. تصوّر أن للمقال عدة أطوار من النمو حتى يصبح بشكله النهائي المنشور. هذه الأطوار يمكن تحديدها فيما يلي:١- ‎ ‎ هذا الطور يعني أن المقال مازال في حيازة الكاتب ولم ينته بعد، ولا يمكن لبقيّة الكتاب مشاهدة مسوداتك. المسودة مفيدة عند الكتابة على أكثر من جلسة عمل، وقتها يمكنك كتابة جزء ما وحفظة كمسودة لاستكمال العمل عليه لاحقًا. يمكنك أيضًا إجراء "معاينة" للمسودة الحالية كي ترى كيف تبدو للقارئ. عندما تنتهي ويبدو لك كل شيئ على ما يرام، يمكنك إرسال المسودة للمراجعة. ووقتها سيتم إخطار هيئة التحرير بأنك أنهيت عملك وبدأ عملهم. يمكنك إجراء كافة العمليات: "حفظ مسودة"، "معاينة"، أو "إرسال للمراجعة" من صندوق النشر على يسار المقال، كما هو موضّح بالشكل التالي:نشر حفظ المسودة معاينة الحالة: مسودة تحريرالظهور: عام إرسال للمراجعة ۲- ‎ ‎ هذا الطور يعني أن المقال في حيازة هيئة التحرير للقيام بعمليات الضبط اللغوي والإملائي وتطبيق الأنماط البصرية وتحسين صياغة المحتوى. مازلت تستطيع في هذا الطور مشاهدة مقالاتك وأيضًا تعديلها لكننا لا ننصح بذلك حتى لا تتداخل الصلاحيات بشكل يعطّل سريان العمل. يمكنك بدلا من هذا ترك ملاحظة إدارية أسفل المقال سواء بالتعديل المطلوب، أو حتى طلب استعاده المقال إلى طور ‎ مسودة ‎ إن أردت التعديل بنفسك. في أحيان نادرة قد يتم رفض المقال على وضعه الحالي نتيجة كونه غير مكتمل وأرسل بالخطأ، أو نتيجة نقص في التوثيق، أو نتيجة مشكلة في تكوين المقال وأفكاره الأساسية، وفي هذه الحالة سيتم ترك ملاحظة إدارية لك أسفل المقال، مع إرجاعه لطور ‎ مسودة  ‎ وسوف يصلك في كل الأحوال إخطارات مسجّلة على بريدك الإلكتروني سواء عند تحرك المقال من طور إلى أخر، أو عند ترك ملاحظة إدارية عليه. في أغلب حالات المقال، عندما ينتهي المحرر من تحرير مقالك، سيرسله للمطبعة، وسوف يصلك إخطار على بريدك الإلكتروني عند تحقق ذلك. يمكنك التحكم في الإخطارات التحريرية إن وجدتها مزعجة، ووضع بعض أو كل مسارات العمل على الوضع الصامت. لكننا ﻻ ننصح أبدا بذلك. ۳- ‎ ‎ هذا الطور يعني أن المقال في حيازة هيئة النشر للقيام بعمليات المراجعة على الإخراج البصري، مع إجراء التحسينات على المانشيت (العنوان) وصورة الغلاف، وتحديد القسم المناسب، بالإضافة لتحسينات محركات البحث، وضبط المقالات ذات الخواص التقنية المعقدة مثل الإشارات المرجعية، وتقنية السلاسل، والكلمات الدلالية، ومفتتح المقال وما إلى ذلك. بنهاية التجهيز للطبع، يتم جدولة المقال للنشر الآلي في موعد محدد حسب خريطة النشر. مثلًا لو أرسلت أكثر من مقال في وقت واحد، فسيتم جدولتهم بمعدل مقال واحد لكل أسبوع. الحجم المثالي للمقال هو من ٦٠٠ إلى ١٢٠٠ كلمة، لكن الأمر يختلف مع المقالات الاستقصائية أو التاريخية أو الأوراق البحثية التي ربما تصل إلى ألفين أو ٤ آلاف كلمة. ﻻ ننصح بالمقالات الطويلة ويفضّل تقسيم المقال إلى جزئين، أو إن تطلب أكثر من ذلك فالأفضل هنا إنشاء سلسلة مستقلة. ٤- ‎ ‎ هذا الطور يعني أن المقال ليس في حيازة البشر، بل انتهت كافة عمليات التعديل والتحسين ومن ثم تعطيل الوصول إليه لمنع أي تدخل بشري في المحتوى. لا يسري هذا التعطيل على تحريك المقال داخل جدول النشر إلى يوم أو موعد أخر، لتمكين الناشر من أي تدخّل طارئ، أو غير معتاد. في كل الأحوال سيصلك إخطار على بريدك الإلكتروني، وسيحتوي هذا الإخطار على التاريخ المُرجح للنشر. إن وصلك إخطار بالجدولة السريعة، فهذا يعني المقال رُوجع بواسطة الناشر مباشرة وليس بواسطة المُحرر لدواعي الاستعجال. ومن الوارد حدوث أخطاء تحريرية. ٥- ‎ ‎ هذا الطور يعني أن المقال تم نشره، ومن ثم تعطيل تعديله بشكل نهائي حتى تعتبره محركات البحث محتوى ستاتيكي فتقوم بأرشفته بشكل أفضل. فور عملية النشر على الشبكة، يتم الإعلان عن ذلك في ثلاث منصات للتواصل الاجتماعي، وعمليّة الإعلان ذاتها تتم بواسطة Robots من دون تدخّل بشري. Twitter Facebook Telegram جميع المقالات المنشورة على الشبكة تُنسب ملكيتها لكاتبها الأصلي، دون الإشارة لطواقم العمل. --- ### كيف يمكن تسجيل الدخول؟ - Published: ۲۰۲٤-۰٤-۳۰ - Modified: 2025-03-15 - URL: https://tabcm.net/workflow/sign-in/ تسجيل الدخول أسفل يسار أي صفحة، ستجد وجهًا رسوميّا مثل هذا:   👁️ʖ ͜👁️   اضغط عليه ليظهر صندوق تسجيل الدخول: Username or Email Password هل فقدت كلمة المرور؟ اكتب بياناتك في الخانات المخصصة، ويفضّل التأشير على "تذكرني"، ثم اضغط ‎ دخول الكاتب‎ ‎ لكي تتعرف عليك الشبكة وتعطيك صلاحياتك الملائمة. في حالة إدخال بيانات خاطئة، ستقوم الشبكة بتنبيهك بنوع الخطأ. وفي حالة الإصرار على كتابة بيانات خاطئة، أو التجريب، ستعتبر الشبكة محاولاتك نوعًا من الاختراق، وسيتم حظرك. يمكنك استخدام نفس الصندوق لاستعادة كلمة مرورك، وذلك عن طريق الضغط على رابط: هل فقدت كلمة المرور؟في حالة تسجيل دخولك بطريقة صحيحة، سيختفي الوجه الرسومي ويظهر مكانه وجهك أنتهذا الوجه هو قائمتك الخاصة، والتي ستظهر تلقائيًا عند المرور عليها. فريق العمل لوحة الشرف المكتب الشخصي دليل الكاتب Logout صفحة فريق العمل تستعرض كل الكتّاب الدائمين معنا، لطالما تم نشر مقال واحد على الأقل للكاتب. وترتيب ظهور الكتّاب في هذه الصفحة على حسب المقال الأحدث أولًا. أما لوحة الشرف، فهي ثلاث قوائم تظهر أعلى سبعة كتاب في كلًا من: الالتزام (عدد أيام العمل)، والإنتاجية (عدد المقالات)، والشعبية (عدد المتابعين). المكتب الشخصي هو منطقة خاصة بك، محمية بكلمة مرورك، ويعد غرفتك الخاصة بالشبكة. وكما المكاتب التقليدية، يحتوي المكتب الشخصي على عدة أدراج، كل درج يحتوي على مجموعة أوراق ، ولكل صفحة وظائف وخصائص. هناك درج يحتوي على بعض المعلومات والإحصائيات العامة للشبكة، وأخر متخصص للتقارير المفصّلة. هناك أيضًا درج يحتوي على مكتبة الصور والتي قد ترتبط بمقالاتك كصورة غلاف. هناك درج يحتوي على جميع مقالاتك؛ سواء تلك التي تعمل عليها ‎ مسودات ، أو التي قمت بتسليمها إلى هيئة التحرير ‎ قيد المراجعة ، أو التي أنهتها هيئة التحرير وسلمتها لهيئة النشر ‎ تجهيز للطبع ، أو التي أنهتها هيئة النشر وأُدرجت في جدول النشر ‎ مُجدولة ، أو التي تم نشرها بالفعل ‎ مقال منشور . يحتوي المكتب الشخصي على ملف الكاتب كاملًا، هذا يشمل جميع بياناته الشخصية ومن أمثلتها الاسم والبريد الإلكتروني والصورة الشخصية وروابط صفحات التواصل الاجتماعي المرتبطة بملفه معنا. ومن خلال إعدادات الملف الشخصي يستطيع الكاتب تعديل إظهار هذه البيانات، وتحديد البيانات التي يرغب في إظهارها للجمهور العام. يحتوي المكتب أيضًا على واجهة لإضافة المقالات الجديدة، أو تحرير المقالات وتعديلها. بالإضافة لسجل ملاحظات إدارية أسفل كل مقال (متاح رؤيته لك وحدك، وللهيئات الإدارية مثل التحرير والنشر) عند الرغبة في إنهاء يوم العمل، يمكنك تسجيل خروج من مكتبك الشخصي عبر الضغط على Logout الموجودة بذيل قائمتك الخاصة. جميع الاتصالات والتحركات والتعديلات داخل المكاتب الشخصية مراقبة آليًا لدواعي الأمان الرقمي. --- ### دليل الكاتب - Published: ۲۰۲٤-۰٤-۳۰ - Modified: 2024-05-18 - URL: https://tabcm.net/workflow/ «( دليل الكاتب )» الدليل متاح فقط لكتاب الشبكة. يرجى تسجيل الدخول ككاتب معتمد حتى تتمكن من استكمال التصفح، أو العودة للرئيسية إن كنت دخلت الدليل بالخطأ. يتم التعرّف عليكم برتبة: كاتب دائم محرر ناشر الشبكة لها واجهتين رئيستين:* Front End وسنعربها إلى: واجهة المستخدم. * Back End وسنعربها إلى: المكتب الشخصي. يمكنك تصور الأمر وكأن خط سير المعلومات هو حبل ذو طرفين: طرف أولي يمسكه الكاتب ، وطرف نهائي يمسكه الجمهور ، وعلى هذا فجميع المقالات الصادرة من الكاتب إلى القارئ يمكن اعتبارها معلومات تتحرك منه للقارئ، أو من طرف الحبل المسمى "المكتب الشخصي" إلى الطرف الأخر المسمى "واجهة المستخدم". وكما أن جميع مقالات الشبكة تتحرك من كاتبيها المتعددين إلى القارئ على هذا الحبل، يمكنك اعتبار الشبكة ذاتها هي مجموع الأحبال من كل الكتّاب إلى كل القراء. الأمر يبدو بسيطًا من ناحية القارئ النهائي الذي لا يرى سوى طرف الحبل المسمى "واجهة المستخدم"، لكنه ليس كذلك من الناحية الأخرى. الأمر معقد نوعًا، ومتخطي أن هناك عدد من المكاتب الشخصية ويلزم تمييز كل مكتب بشكل مستقل، بل هناك هيئات مختلفة، لها وظائف وصلاحيات ومكاتب مختلفة، مثل هيئة التحرير، أو هيئة النشر، أو الطاقم التقني، أو مصممي الإعلانات، يوجد أيضًا Robots تقوم بعمليات التفسير والتخاطب بين الشبكة والعالم الخارجي. بطريقة أخرى، الواجهة التي يراها القارئ لا تشكل سوى نسبة صغيرة من الجزء الظاهر من الشبكة. وهو وإن كان ﻻ يحتاج سواها لتصفح المقال بشكله النهائي. لكن الكتّاب وجميع فرق العمل لديهم أماكن خاصة خبيئة وغير ظاهرة يمارسون من خلالها أعمالهم المتعددة. سنحاول في صفحات هذا الدليل تعريفك بالأمور الأساسية دون تعقيد، ودون تبسيط مخل بقدر الإمكان. الشبكة ﻻ تتعرف عليك تلقائيًا، بل تعرفك وتعطيك صلاحياتك الخاصة عند تسجيل الدخول بكلمة المرور الخاصة. عند تسجيل الخروج ستعاملك الشبكة كقارئ أو زائر ليس من حقه الدخول إلى مكتبك الشخصي. --- ### طلب انضمام كاتب > استلام 3 مقالات من كاتبها الأصلي مع بياناته الشخصية. نقبل المقالات النصوصية فقط، وعليك مراعاة ذلك بوضع مسافات بينية بين الفقرات أو العناوين الفرعية إن وجدت - Published: ۲۰۲۳-۰۸-۲۵ - Modified: 2025-01-22 - URL: https://tabcm.net/contact-us/author-request/ «( طلب انضمام كاتب )»إن كنت تود كتابة مقال لمرة واحدة دون استمرارية، يرجى عدم استخدام هذا النموذج والذهاب مباشرة إلى: طلب نشر مقال. هذه الصفحة مخصصة لاستلام ثلاث مقالات من كاتبها الأصلي بهدف التقييم، وبعد استلام بياناته الشخصية في نفس النموذج. في حالة الموافقة على الانضمام، سيتواصل الناشر معكم، سواء للتحقق من البيانات، أو للتدريب الأولي على كيفية دخول الكاتب لمكتبه الشخصي. الشبكة تستقبل المقالات الثلاثة في ملف واحد بصيغة Microsoft Word القياسية، سواء بالامتداد doc أو docx، وعليك مراعاة عدم تداخل الفقرات داخل هذا الملف. ﻻ تنشغل بالتنسيق للمحتوى من حيث الألوان والبونط ونوعه أو الصور. ارسل الملف بشكل نصوصي فقط. بإرسالك المقالات فأنت تفوض هيئة التحرير والنشر بإجراء كافة التعديلات اللازمة لضبط اللغة، وإعادة الصياغات، وترسيخ الأنماط البصرية الملائمة من ألوان وصور وما إلى ذلك. جميع المقالات على شبكة التأله Theosis Across Borders، هي مواد مقدمة على مسؤولية كاتبها. ونتوقع منكم القدر الملائم من المسؤولية. --- ### طلب نشر مقال > استلام مقال مفرد من كاتبه الأصلي، وبياناته الشخصية. نقبل المقال بصورته النصوصية فقط، وعليك مراعاة ذلك بوضع مسافات بينية بين الفقرات أو العناوين الفرعية إن وجدت - Published: ۲۰۲۳-۰۸-۲۵ - Modified: 2025-01-22 - URL: https://tabcm.net/contact-us/send-article/ «( طلب نشر مقال )»إن كنت تود كتابة أكثر من مقال، وكان لديك ثلاث مقالات فأكثر، يرجى عدم استخدام هذا النموذج والذهاب مباشرة إلى: طلب انضمام كاتب. هذه الصفحة مخصصة لاستلام مقال مفرد من كاتبه الأصلي، وبعد استلام بياناته الشخصية في نفس النموذج. في حالة الموافقة على المقال، قد يتواصل الناشر معكم، سواء للتحقق من البيانات، أو إن كان في المقال ما يستدعي التعديل في بنيته الأساسية. الشبكة تقبل المقال بصورته النصوصية فقط، وعليك مراعاة ذلك بوضع مسافات بينية واضحة بين الفقرات، أو العناوين الفرعية إن وجدت. ﻻ تنشغل بالتنسيق للمحتوى. بإرسالك المقال فأنت تفوض هيئة التحرير والنشر بإجراء كافة التعديلات اللازمة لضبط اللغة، وإعادة الصياغات، وترسيخ الأنماط البصرية الملائمة من ألوان وصور وما إلى ذلك. جميع المقالات على شبكة التأله Theosis Across Borders، هي مواد مقدمة على مسؤولية كاتبها. ونتوقع منكم القدر الملائم من المسؤولية. --- ### لوحة الشرف - Published: ۲۰۲۱-۱۱-۱۳ - Modified: 2025-04-12 - URL: https://tabcm.net/leaderboards/ كاتبًا مقالًا فريق العمل من نحن؟ اكتب مقالك معنا دليل الكاتب --- ### اتصل بنا > يسعدنا تواصلكم معنا ونرحب بأفكاركم ومقترحاتكم وأيضا انتقاداتكم. نعتذر عن البطء في التفاعل فجميع أعضائنا متطوعين. لكن لا شيء يضيع وتحظى رسالتكم بالاهتمام الملائم - Published: ۲۰۲۱-۰٦-۱۸ - Modified: 2025-01-22 - URL: https://tabcm.net/contact-us/ إن كنت تود الكتابة معنا، يرجى عدم استخدام نموذج اتصل بنا والذهاب مباشرة إلى نماذج طلب نشر مقال، أو طلب انضمام كاتب. بدون أرشيف طلب نشر مقال خاص بكتابة مقال لمرة واحدة كاتب ذو أرشيف طلب انضمام كاتب خاص بكتابة ثلاث مقالات فأكثر إن كنت تود متابعة مقالاتنا، يرجى الاشتراك في منصتك المُفضلة بالنقر على أيقونتها الموجودة أسفل كل صفحة. «( اتصل بنا )» هذه الصفحة مخصصة للتواصل مع إدارة الشبكة، على المستويين، التحريري والتقني. يسعدنا تواصلكم معنا دومًا، ونرحب بتلقي أفكاركم ومقترحاتكم وأيضًا انتقاداتكم. نعتذر عن أي بطء في التفاعل مع رسالتكم، فجميع أعضاء الشبكة متطوعين. حتى مع التأخير، فلا شيء يضيع وتحظى رسالتكم بالاهتمام الملائم. --- ### من نحن؟ - Published: ۲۰۲۱-۰٦-۱۸ - Modified: 2025-04-02 - URL: https://tabcm.net/who-we-are/ «( من نحن؟ )» نحن مجموعة علمانية من المسيحيين على مُختلف الخلفيات المهنية والثقافية، ممن أبت ضمائرهم أن يقفوا صامتين أمام بعض المتغيرات في كنيسة 'مصر'، من الفكرة الباهتة للمواطنة وقيمة الإنسان المفرد، من سيادة للصوت الرجعيّ واحتلاله لمساحاتنا العامة والخاصة، من اختلال لمعايير النظرة الموضوعية، وتفاقم النعرات الطائفية، والدعوات القبلية، وموجات المد الأصولية، والضغوط الخارجية. نحن أبناء هذا الجيل والمقيم على حدود المهزلة. ونحن أبناء هذه الكنيسة من الذين تعبت أقدامهم في مزالق التجمعات المتناقضة والتي ترفع الشعارات المتباينة، فاجتمعنا من كل الألوان المتصارعة لكى نُقسم على السعي نحو إصلاح كنسي غير مزيّف ولا يكتفي بترديد الشعارات. لسنا تنظيمًا مغلقًا سريًا، ولا حركة سياسية أو اجتماعية، ولا ننتمي لأية منظّمات أو أحزاب أو تكتلات في داخل مصر أو خارجها، ولا نُلزم أو ندعو لاتجاه فكري معيّن، بل ننادي بحرية إطلاق التعددية الفكرية وندين الوصاية على العقول وتتشابك أيدينا معلنين أن اختلافنا هو ثروتنا. لا ندّعي تمثيل الأقباط، ولا حتى نرى أننا نمثل مجتمع الشباب، إنما نُعبّر عن آرائنا الفردية المختلفة والمتعارضة أحيانًا بكل حرية في شتى المجالات مؤمنين بأنه لا مقدس فوق النقد. بل نحاول تخطى مرحلة النقد إلى مرحلة الاقتراح ووضع الحلول علنا نفيد من يتابعنا ويملك صناعة القرار. نحاول أن ننشئ تجمعًا كنسيًا مستنيرًا في عالم افتراضي من الأفكار ودون حدود جغرافية، يمكن للجميع أن يدخلوه بلا ميزة وبلا حكم مسبق. نحاول أن نخلق عالمًا يمكن فيه لأيٍّ كان في أي مكان التعبير عن رأيه أو رأيها بغض النظر عن قدر تَفَرُدِ هذا الرأي، بلا خوف من أن يُكره على الصمت أو يُجبر على التوافق مع غيره. ولا نملك من أدوات سوى أفكار وأوراق وأقلام. كاتبًا مقالًا فريق العمل لوحة الشرف اكتب مقالك معنا دليل الكاتب --- ### فريق العمل - Published: ۲۰۲۱-۰٦-۰٦ - Modified: 2025-04-13 - URL: https://tabcm.net/staff/ طاقم التحرير والنشر هم جزء من الكتّاب الدائمين، والجميع متطوع ﻻ يتقاضى أجرا نظير مساهماته. وترتيب الظهور بحسب المساهمات الأحدث. « كتب معنا » كاتبًا مقالًا من نحن؟ لوحة الشرف اكتب مقالك معنا دليل الكاتب --- ### سياسة الخصوصية - Published: ۲۰۲۱-۰٤-۰٤ - Modified: 2025-03-15 - URL: https://tabcm.net/privacy-policy/ «(سياسة الخصوصية)» عند استخدام خدماتنا، فإنك تأتمننا على بياناتك. نحن ندرك أن هذه مسؤولية كبيرة ونعمل بجدية لحماية خصوصيتك. نحاول من خلال هذه الصفحة مساعدتك على فهم ماهية البيانات التي نجمعها، وسبب جمعنا لها، وكذلك طريقة تحديث بياناتك وتصديرها وحذفها. ما البيانات التي نجمعها، ولماذا نحصل عليها؟ البيانات الشخصية للكاتبويقصد بها البيانات الشخصية للكاتب المسجّل، والمقدمة لنا من قبله في وقت التسجيل الطوعي أو بعده، مثل، وليس على سبيل الحصر، الاسم، والبريد الإلكتروني، ورقم الهاتف، تاريخ الميلاد، الجنس، الجنسية و / أو معلومات الصفحات والموقع الجغرافي الخاص به. كل هذا يُعتبر “بيانات شخصية”. البيانات المُعمّاة للمستخدمينويقصد بها المعلومات المجمعة من خلال أنظمتنا، والتي تراقب حركة المرور إلى شبكتنا ولكن لا تتصل بالمستخدم شخصيًا، مثل نوع المتصفح، نظام التشغيل، الصفحات التي يزورها في موقعنا ومواعيد زيارتها، والترتيب الذي تمت زيارتها فيه وعبر أي الروابط التشعبية، وغيرها من أدوات واجهة المستخدم. وتستخدم هذه المعلومات لأغراض البحث الخاصة بنا مثل تحسين خدماتنا وقياس الأداء وأنماط التعلّم، وهي منفصلة عن أية بيانات شخصية. إلى أي وقت نحتفظ بهذه البيانات؟البيانات الشخصية للكاتب تسجل في قاعدة بيانات الشبكة، وتبقى تحت تصرفه بالتعديل والإزالة من خلال لوحة تحكمه الشخصية. أما البيانات المعماة للمستخدمين فهي تجدد نفسها تراكميًا وفق الاستخدام، ونحتفظ بإحصائيات الشهر الأخير فقط. من يستطيع مشاهدة بيانات الكاتب الشخصية؟الجميع يستطيع مشاهدتها، والكاتب نفسه من يحدد درجة خصوصيتها ومشاركتها العامة أم لا من خلال لوحة تحكمه الشخصية. هل يمكنني التعليق دون إعطاء بياناتي؟نعم، يمكن ذلك من خلال حسابك على فيسبوك، ووقتها ستظهر هويتك في التعليق بحسب حساب فيسبوك وليس موقعنا. هل يمكنني إرسال مقال دون إعطاء بياناتي؟ﻻ، فنموذج إرسال مقال يتطلب: الاسم، وصورة شخصية، والبريد الإلكتروني، ورقم الهاتف، ورابط صفحة فيسبوك، على الأقل. هذه البيانات لن يظهر منها عند النشر سوى الاسم والصورة الشخصية، باعتبارهما الحد الأدنى لضمان حقوق الملكية الفكرية لشخصية طبيعية (إنسان) ذو هويّة قادرة على إعلان ملكية المقال. أما باقي البيانات فدورها تقني، مثل إنشاء واستعادة كلمة المرور، أو لإجراءات التراسل الخاص للإخطار بكل ما يطرأ على المقال، حتى وإن لم يرغب الكاتب في إظهاره هذه البيانات لجمهور القرّاء. قد يتعيّن علينا مستقبلًا إجراء تعديلات على هذه الصفحة، سواء لإجراء تطورات فنية بالشبكة أو لتغيّر في سياستنا. لذا نأمل منكم المتابعة وإعادة القراءة من حين لآخر. فريق العمل من نحن؟ اكتب مقالك معنا دليل الكاتب --- ### Theosis Across Borders > شبكة التأله عبر الحدود: تجمع المستنيرين في عالم افتراضي من الأفكار ودون حدود جغرافية، يمكن للجميع أن يدخلوه بلا ميزة وبلا حكم مسبق - Published: ۲۰۲۱-۰۳-۲۰ - Modified: 2025-04-13 - URL: https://tabcm.net/ الأكثر إنتاجية الأكثر شعبية 1 أنطون جرجس 3 2 كمال زاخر 3 3 چون إدوارد 2 4 تامر ممدوح 2 5 بيشوي القمص 2 6 عاطف حنا 1 7 بيتر مجدي 1 1 باسم الجنوبي 448 2 بيتر مجدي 292 3 تامر ممدوح 206 4 أنطون جرجس 159 5 كمال زاخر 157 6 چون إدوارد 116 7 بيشوي القمص 112 (طبقا لمخرجات الشهر الماضي فقط) المخرجات العامة شئون علمانية كتاب مقدس ﻻهوتيات إصلاح كنسي تاريخ وميثولوچيا المرأة القبطية أدبيّات وفنون مقاﻻت وآراء يكتب معنا كاتبًا مقالًا فريق العمل اكتب مقالك معنا دليل الكاتب --- ## مقالات ### البحث عن الرابع عشر من نيسان - Published: ۲۰۲۵-۰٤-۱۵ - Modified: 2025-04-15 - URL: https://tabcm.net/38428/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: آرثر سبير, ألدن آدامز موسشمر, التقويم العبري, التقويم القمري, الشيطان, العشاء الأخير, العصور الوسطى, الفصح اليهودي, الكنائس الأرثوذكسية, الكنيسة القبطية, الكنيسة الكاثوليكية, اليوم السابع, بابا فرنسيس، بابا الڤاتيكان, باسم الجنوبي, بيلاطس البنطي, تلمود, تموز, توراة, چيمس إيڤانز, رأس السنة, سهندرين, عيد الفصح, عيد القيامة, ڤاتيكان, مجمع نيقية, مريم المجدلية, ميتون الأثيني يبدأ العام في التقويم العبري في شهر نيسان، والذي يُحتفل فيه بعيد الفصح، والذي يجب أن يتزامن مع فصل الربيع والحصاد وفقًا لنص التوراة . يعتمد التقويم العبري على الشهور القمرية التي تبدأ بظهور الهلال الجديد. ولأن 12 شهرًا قمريًا أقصر من السنة المدارية بنحو 11 يومًا، ستتحرك بداية العام مبتعدة عن فصل الربيع. ولكي يستمر هذا التزامن بين بداية العام وفصل الربيع، كان يتم إضافة شهر إضافي كل عامين أو ثلاث أعوام حتى يبقى فصل الربيع في مكانه في شهر نيسان يتزامن موعد عيد القيامة هذا العام (2025) بين الكنائس الشرقية والغربية، وهو ما يحدث كل بضعة سنوات، على الرغم من اختلاف طريقة الحساب بين الفريقين. كذلك تحتفل جميع الكنائس التقليدية العام الحالي بمرور 1700 عام على انعقاد مجمع نيقية المسكوني، والذي شهد الاتفاق على قاعدة ثابتة للاحتفال بعيد القيامة، وهو ما يعطي زخمًا أكبر لدعوات توحيد موعد العيد. تردد أن اجتماع رؤساء الكنائس الأرثوذكسية المشرقية الثلاثة (القبطية والسريانية والأرمنية) الذي عقد في القاهرة في مايو 2024 تناول هذا الموضوع. كذلك صرح البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، في عظته بختام أسبوع الصلاة لوحدة الكنائس الذي أقيم في يناير 2025، بأن الكنيسة الكاثوليكية على استعداد لقبول التاريخ الذي يريده الجميع ((باسم الجنوبي، البابا فرنسيس: الكنيسة الكاثوليكية على إستعداد لقبول التاريخ الذي يريده الجميع. )). وللأسف، قوبل طرح هذه الفكرة بردود فعل عنيفة غير مبررة من بعض القطاعات داخل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، تحديدًا من الذين يرفضون أي تغيير بحجة الحفاظ على التسليم والدفاع عن الإيمان. سنحاول في هذه السلسلة شرح مشكلة تحديد موعد الاحتفال بعيد القيامة، والتي فرضت نفسها على الكنيسة منذ القرون الأولى. متى حوكِم وصُلِب وقام المسيح؟ توضح نصوص الأناجيل بوضوح كاف الموعد الذي صلب فيه المسيح: وفي أول أيام الفطير تقدم التلاميذ إلى يسوع قائلين له: «أين تريد أن نعد لك لتأكل الفصح؟» فقال: «اذهبوا إلى المدينة، إلى فلان وقولوا له: المعلم يقول: إن وقتي قريب. عندك أصنع الفصح مع تلاميذي». ففعل التلاميذ كما أمرهم يسوع وأعدوا الفصح. (إنجيل متى ٢٦: ١٧-١٩) وفي اليوم الأول من الفطير. حين كانوا يذبحون الفصح، قال له تلاميذه: «أين تريد أن نمضي ونعد لتأكل الفصح؟» (إنجيل مرقس ١٤: ١٢) وجاء يوم الفطير الذي كان ينبغي أن يذبح فيه الفصح. فأرسل بطرس ويوحنا قائلا: «اذهبا وأعدا لنا الفصح لنأكل» (إنجيل لوقا ٢٢: ٧-٨) من هذه النصوص، يبدو لنا أن العشاء الأخير كان يُعد في اليوم الأول للفطير، أي الخامس عشر من نيسان، في الشهور العبرية، والذي يلي يوم ذبح الخروف في الرابع عشر من نيسان. حيث إن العهد القديم يذكر بوضوح موعد الفصح وموعد أسبوع الفطير: ويكون عندكم تحت الحفظ إلى اليوم الرابع عشر من هذا الشهر. ثم يذبحه كل جمهور جماعة إسرائيل في العشية. (سفر الخروج ١٢: ٦) وليعمل بنو إسرائيل الفصح في وقته. في اليوم الرابع عشر من هذا الشهر بين العشاءين تعملونه في وقته. حسب كل فرائضه وكل أحكامه تعملونه. (سفر العدد ٩: ٢-٣) سبعة أيام تأكلون فطيرًا. اليوم الأول تعزلون الخمير من بيوتكم، فإن كل من أكل خميرًا من اليوم الأول إلى اليوم السابع تقطع تلك النفس من إسرائيل. ويكون لكم في اليوم الأول محفلٌ مقدسٌ، وفي اليوم السابع محفلٌ مقدسٌ. لا يُعمَل فيهما عملٌ ما، إلا ما تأكله كل نفس، فذلك وحده يُعمل منكم. (سفر الخروج ١٢: ١٥-١٦) في الشهر الأول، في الرابع عشر من الشهر، بين العشاءين فصح للرب. وفي اليوم الخامس عشر من هذا الشهر عيد الفطير للرب. سبعة أيام تأكلون فطيرًا. في اليوم الأول يكون لكم محفلٌ مقدسٌ. عملًا ما من الشغل لا تعملوا. (سفر اللاويين ٢٣: ٥-٧) إذن، كان ذبح الخروف يتم في اليوم الرابع عشر من نيسان، وهو يوم اكتمال القمر، لأن التقويم العبري يعتمد على دورة القمر. وبعده، يبدأ أسبوع الفطير بأول أيامه، وهو الخامس عشر من نيسان. وكان اليوم عند اليهود وغالبية شعوب الشرق يبدأ عقب غروب الشمس ويستمر إلى غروب شمس اليوم التالي ((ما زال اليوم الطقسي في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية يبدأ بعد غروب الشمس وينتهي قبل غروب شمس اليوم التالي. والكتب الطقسية تبدأ طقوس اليوم بصلاة العشية، ثم صلاة باكر، ثم القداس الإلهي في الصباح التالي. وبالمثل، طقوس أسبوع الآلام. )). أي إن اليوم الرابع عشر بدأ بعد غروب الشمس وقبل العشاء الأخير للمسيح مع تلاميذه. وبالتبعية، يكون الصلب قد حدث في عصر نفس اليوم وقبل غروب شمس اليوم الرابع عشر وبدء أول أيام الفطير، الذي هو الخامس عشر من نيسان. أي إن صلب المسيح حدث في نفس توقيت ذبح الخروف، كما تحدده شريعة اليهود. والتعارض الظاهري ليوم صلب المسيح بين موعد ذبح الفصح وأول أيام الفطير تُزيله نصوص إنجيل يوحنا. أما يسوع قبل عيد الفصح، وهو عالمٌ أن ساعته قد جاءت لينتقل من هذا العالم إلى الآب، إذ كان قد أحب خاصته الذين في العالم، أحبهم إلى المنتهى. فحين كان العشاء، وقد ألقى الشيطان في قلب يهوذا سمعان الإسخريوطي أن يُسلمه، يسوع وهو عالم أن الآب قد دفع كل شيء إلى يديه، وأنه من عند الله خرج، وإلى الله يمضي، قام عن العشاء، وخلع ثيابه، وأخذ منشفة واتزر بها، (أنجيل يوحنا ١٣: ١-٤) أي إن العشاء الأخير كان قبل عيد الفصح، وهو ما يتضح في الإصحاح السابق عندما ذكر يوحنا أن قدوم المسيح إلى بيت عنيا في الليلة التي سبقت دخوله إلى أورشليم كان قبل الفصح بستة أيام: ثم قبل الفصح بستة أيام أتى يسوع إلى بيت عنيا، حيث كان لعازر الميت الذي أقامه من الأموات. (إنجيل يوحنا ١٢: ١) وفي الغد سمع الجمع الكثير الذي جاء إلى العيد أن يسوع آتٍ إلى أورشليم، (إنجيل يوحنا ١٢: ١٢) أي إن عيد الفصح كان يوم الجمعة التالي لدخول المسيح إلى أورشليم، والذي حدث يوم الأحد. وهذا يتسق أيضًا مع ما ذُكر في الأناجيل بأن اليوم التالي للصليب كان يوم استعداد، وكان عظيمًا: ولما كان المساء، إذ كان الاستعداد، أي ما قبل السبت، (إنجيل مرقس ١٥: ٤٢) وكان يوم الاستعداد والسبت يلوح. (إنجيل لوقا ٢٣: ٥٤) ثم إذ كان استعداد، فلكي لا تبقى الأجساد على الصليب في السبت، لأن يوم ذلك السبت كان عظيمًا، سأل اليهود بيلاطس أن تُكسر سيقانهم ويرفعوا. (إنجيل يوحنا ١٩: ٣١) فاليوم الأول من أيام الفطير كان عيدًا عظيمًا عند اليهود: وفي الشهر الأول، في اليوم الرابع عشر من الشهر فصح للرب. وفي اليوم الخامس عشر من هذا الشهر عيد. سبعة أيام يؤكل فطير. في اليوم الأول محفل مقدس. عملًا ما من الشغل لا تعملوا. (سفر العدد ٢٨: ١٦-١٨) يتسق ذلك أيضًا مع كون محاكمة المسيح قد حدثت فجرًا، ثم مطالبة اليهود لبيلاطس بصلب المسيح صباحًا. فلو كان يوم الصليب هو أول أيام الفطير، لما كان يمكن لمجمع السنهدريم أن يجتمع لمحاكمة المسيح فجرًا، ولا لليهود أن يخرجوا من بيوتهم ويتجمعوا عند بيلاطس في دار الولاية صباحًا، ولا أن ينظروه مصلوبًا ظهرًا، وذلك تنفيذًا للوصية بأنه يوم مقدس يجب ألا يُعمل فيه أي شيء: فوقف يسوع أمام الوالي. فسأله الوالي قائلا: «أأنت ملك اليهود؟» فقال له يسوع: «أنت تقول». وبينما كان رؤساء الكهنة والشيوخ يشتكون عليه لم يجب بشيء. (إنجيل متى ٢٧: ١١-١٢) وكان المجتازون يجدفون عليه وهم يهزون رؤوسهم قائلين: «يا ناقض الهيكل وبانيه في ثلاثة أيام، خلص نفسك! إن كنت ابن الله فانزل عن الصليب! » وكذلك رؤساء الكهنة أيضًا وهم يستهزئون مع الكتبة والشيوخ (إنجيل متى ٢٧: ٣٩-٤١) أما عن القيامة، فقد حدثت وفقًا للأناجيل الأربعة فجر أول الأسبوع، أي يوم الأحد التالي للصليب: وبعد السبت، عند فجر أول الأسبوع، جاءت مريم المجدلية ومريم الأخرى لتنظرا القبر. وإذا زلزلة عظيمة حدثت، لأن ملاك الرب نزل من السماء وجاء ودحرج الحجر عن الباب، وجلس عليه. (إنجيل متى ٢٨: ١-٢) وباكرًا جدًا في أول الأسبوع، أتين إلى القبر إذ طلعت الشمس. وكنَّ يقلن فيما بينهن: «من يُدحرج لنا الحجر عن باب القبر؟» فتطلعن ورأين أن الحجر قد دُحرج! لأنه كان عظيمًا جدًا. (إنجيل مرقس ١٦: ٢-٤) ثم في أوّل الأسبوع، أوّل الفجر، أتين إلى القبر حاملات الحنوط الذي أعددنه، ومعهن أناس. فوجدن الحجر مدحرجًا عن القبر، (إنجيل لوقا ٢٤: ١-٢) وفي أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية إلى القبر باكرا، والظلام باق. فنظرت الحجر مرفوعا عن القبر. (إنجيل يوحنا ٢٠: ١)   أي أنّه، وفقًا لنصوص الأناجيل، فإنّ الصلب حدث يومالرابع عشر من نيسانالعبري، والقيامة حدثت صباح الأحد الذي يليه.   متى يقع الرابع عشر من نيسان العبري؟ يبدأ العام في التقويم العبري في شهر نيسان، والذي يُحتفل فيه بعيد الفصح، والذي يجب أن يتزامن مع فصل الربيع والحصاد وفقًا لنص التوراة ((كلم بني إسرائيل وقل لهم: متى جئتم إلى الأرض التي أنا أعطيكم وحصدتم حصيدها، تأتون بحزمة أول حصيدكم إلى الكاهن. فيردد الحزمة أمام الرب للرضا عنكم. في غد السبت يرددها الكاهن. وتعملون يوم ترديدكم الحزمة خروفًا صحيحًا حوليًا محرقة للرب. (لاويين 23: 10-12) )). يعتمد التقويم العبري على الشهور القمرية التي تبدأ بظهور الهلال الجديد. ولأن 12 شهرًا قمريًا أقصر من السنة المدارية بنحو 11 يومًا، ستتحرك بداية العام مبتعدة عن فصل الربيع. ولكي يستمر هذا التزامن بين بداية العام وفصل الربيع، كان يتم إضافة شهر إضافي كل عامين أو ثلاث أعوام حتى يبقى فصل الربيع في مكانه في شهر نيسان. كانت بداية السنة، ومن ثم بداية الشهور، في العصور الأولى حتى القرن الرابع الميلادي على الأقل، تعتمد على رؤية هلال الشهر الجديد. وكان يتم إضافة شهر إضافي إذا انتهى العام قبل أن يأتي فصل الربيع وموسم الحصاد. ولكن تدريجيًا، ومنذ العصور الوسطى، تم استبدال الرؤية بطريقة حسابية عبر الدورة الميتونية، وبذلك أصبح من السهل حساب بداية الشهور وموعد الأعياد لسنين وعقود قادمة. الدورة الميتونية: هي دورة من تسعة عشر عامًا قمريًا تساوي نفس عدد الأعوام الشمسية. وضع هذه الدورة العالم الإغريقي ميتون ((ميتون الأثيني: Meton of Athens عالم فلك ورياضيات ومهندس إغريقي، عاش في القرن الخامس قبل الميلاد. )) في القرن الخامس قبل الميلاد، على اعتبار أن 19 عامًا شمسيًا تساوي 6940 يومًا، وهو نفس عدد الأيام الموجودة في 235 شهرًا قمريًا. ولكي تساوي الأعوام القمرية الأعوام الشمسية، يتم إضافة شهر ثالث عشر للسنة القمرية (مكون من ثلاثين يومًا) في الأعوام الثالث والسادس والثامن والحادي عشر والرابع عشر والسابع عشر والتاسع عشر من الدورة. ويطلق على السنوات ذات الثلاثة عشر شهرًا السنوات الكبيسة، وعلى الشهر الزائد بالشهر الإضافي ((Embolismic month / Intercalated month )). يسمى التقويم الذي ينتهج هذا النظام بالتقويم القمري-الشمسي، لأنه يحافظ على مواعيد الفصول المدارية في موعدها ((James Evans, The History and Practice of Ancient Astronomy, Oxford University Press, 1998, p. 182-190 )). الأساس الحسابي لهذه الدورة قريب جدًا من الدقة، حيث تتكون السنة المدارية من 365. 242 يومًا، وبالتالي فإن تسعة عشر عامًا شمسيًا تساوي 6939. 602 يومًا. وهذه المدة تساوي تقريبًا 235 شهرًا قمريًا، حيث إن الشهر القمري يساوي في المتوسط 29. 53059 يومًا، أي إن 235 شهرًا قمريًا تساوي 6939. 689 يومًا. هذا يعني أن هناك خطأ بسيط في هذه الطريقة يقدر بـ0. 087 يومًا في كل دورة، وهو ما يعادل ساعتين وخمس دقائق و16 ثانية. وهذا يستوجب تصحيح التقويم كل فترة من الزمن ((تتراوح مدة العام في التقويم العبري حاليًا بين 353 أو 354 أو 355 يومًا في حالة السنة البسيطة، حيث يتم إضافة يوم إلى شهر حشوان ليصبح 30 يومًا، أو خصم يوم من شهر كسلو ليصبح 29 يومًا، بغرض ضبط رأس السنة المدنية (الأول من شهر تشري) حتى لا تأتي في أيام بعينها من أيام الأسبوع. وبالمثل في السنوات الكبيسة، حيث يتراوح عدد أيامها بين 383 أو 384 أو 385 يومًا. )). يتبع التقويم العبري هذه الدورة حتى الآن، وبناءً عليه، يتم تحديد مواعيد جميع الأعياد اليهودية. تبدأ الشهور العبرية دينيًا بالشهر الذي يُحتفل فيه بعيد الفصح ((عيد الفصح اليهودي: (Pesach-Passover) هو عيد سنوي يحتفل به اليهود، ويبدأ من يوم اكتمال قمر شهر نيسان اليهودي، أي الرابع عشر من الشهر، ويستمر من اليوم الخامس عشر حتى اليوم الثاني والعشرين، وهو ما يعرف بأسبوع الفطير. قبل تدمير الهيكل الثاني عام 70 ميلادية، كان يتم تقديم ذبيحة في الهيكل منتصف نهار يوم الرابع عشر من نيسان وفقًا للشريعة، ثم يقام العشاء بعد الغروب. بعد تدمير الهيكل، توقفت الذبائح، وأصبح الاحتفال بالعيد يبدأ بعشاء الفصح عقب غروب اليوم الرابع عشر، أي بعد بدء اليوم الخامس عشر. وعادةً ما كان يطلق على الفترة من هذا اليوم حتى نهاية أسبوع الفطير أسبوع الفصح. ))، وهو شهر نيسان ((وفقًا للتوراة، فإن شهر نيسان هو أول شهور السنة العبرية: كلم الرب موسى وهارون في أرض مصر قائلا: هذا الشهر يكون لكم رأس الشهور. هو لكم أول شهور السنة (خروج 12: 1-2)، بينما تبدأ السنة المدنية في شهر تشري وليس نيسان. ووفقًا للتلمود، فقد رأى المعلم يهوشوا أن العالم قد خُلق في شهر نيسان، بينما رأى المعلم إليعازر أن العالم قد خُلق في شهر تشري. والرأي الثاني هو ما أصبح معتمدًا في اليهودية، وبذلك أصبح يتم الاحتفال برأس السنة روش هاشانه في الأول من تشري. )). ويُبين الجدول التالي أسماء الشهور وعدد أيامها في السنوات العادية والكبيسة، وكذلك موعد بدايتها في التقويم الغريغوري: الشهر ((أسماء الشهور ونظام التقويم مأخوذان كليًا من التقويم البابلي. )) عدد الأيام بداية الشهر حاليًا وفقًا للتقويم الغريغوري 1 نيسان ((نيسان كان الاسم العبري القديم لهذا الشهر، والمذكور في سفر الخروج هو شهر أبيب، والكلمة تعني نضج الحنطة أو القمح. )) 30 12 مارس إلى 11 أبريل 2 إيار 29 11 أبريل إلى 11 مايو 3 سيوان 30 10 مايو إلى 9 يونيو 4 تموز 29 9 يونيو إلى 9 يوليو 5 آب 30 8 يوليو إلى 7 أغسطس 6 أيلول 29 7 أغسطس إلى 6 سبتمبر 7 تشري 30 5 سبتمبر إلى 5 أكتوبر 7 حشوان 29 5 أكتوبر إلى 4 نوفمبر 9 كسلو 30 4 نوفمبر إلى 3 ديسمبر 10 طيبيت 29 3 ديسمبر إلى 1 يناير 11 شباط 30 1 يناير إلى 30 يناير 12 آذار أول 30 (يُضاف في السنوات الكبيسة) 31 يناير إلى 12 فبراير 13 آذار (ثاني) 29 11 فبراير إلى 13 مارس لتحديد موقعنا في الدورة الميتونية للتقويم العبري، يتم قسمة العام العبري على 19، ويكون باقي القسمة هو دور القمر في الدورة الميتونية. على سبيل المثال، العام 2024 يقابل العامين 5784 و5785 في التقويم العبري. فإذا أخذنا العام 5784 وقسمناه على 19، سيكون باقي القسمة 8، أي أنه العام الثامن من الدورة، أي إن عدد شهوره سيكون ثلاثة عشر شهرًا ((Arthur Spier, The Comprehensive Hebrew Calendar, 1981 )). فإذا نظرنا إلى دورة القمر وموعد عيد الفصح اليهودي، أي الرابع عشر من نيسان، في السنوات بين عامي 2015 و 2026، سنجده كالتالي ((Arthur Spier, The Comprehensive Hebrew Calendar, 1981, p. 24 )): طور القمر في الدورة الميتونية العام  العبري ((يبدأ التقويم العبري بسنة 3761 قبل الميلاد، باعتبارها سنة بدء الخليقة، المعروفة باسم Annu Mundi )) عدد شهور السنة العام الغريغوري 14 نيسان في التقويم الغريغوري 18 5775 12 2015 الجمعة 3 أبريل 19 5776 13 2016 الجمعة 22 أبريل 1 5777 12 2017 الاثنين 10 أبريل 2 5778 12 2018 الجمعة 30 مارس 3 5779 13 2019 الجمعة 19 أبريل 4 5780 12 2020 الأربعاء 8 أبريل 5 5781 12 2021 السبت 27 مارس 6 5782 13 2022 الجمعة 15 أبريل 7 5783 12 2023 الأربعاء 5 أبريل 8 5784 13 2024 الاثنين 22 أبريل 9 5785 12 2025 السبت 12 أبريل 10 5786 12 2026 الأربعاء 1 أبريل   أي إن اليهود يبدأون الاحتفال بعيد الفصح في اليومالرابع عشر من شهر نيسان، والذييتحرك من عام إلى آخروفقًا للدورة الحسابية للتقويم العبري المعتمد على الدورة الميتونية. ويتراوح موعد هذا العيد حاليًا بين يومي 25 مارس و24 أبريل.   --- ### عزل نجيب - Published: ۲۰۲۵-۰٤-۱٤ - Modified: 2025-04-14 - URL: https://tabcm.net/37082/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: الإخوان المسلمين, الديمقراطية, رئيس جمال عبد الناصر, رئيس محمد أنور السادات, رئيس محمد نجيب, زينب عبد الواحد الوكيل, صاغ حسين عرفة, عبد الحكيم عامر, مجلس قيادة الثورة, محمد رياض سامي, ملك فاروق قال لي السادات: «أنت حر طليق!!» فلم أصدق نفسي. هل أستطيع أن أخرج وأدخل بلا حراسة؟ وهل أستطيع أن أتكلم في الهاتف بلا تنصت؟ وهل أستطيع أن أستقبل الناس بلا رقيب؟ فلم أصدق ذلك بسهولة. فالسجين في حاجة إلى بعض الوقت ليتعود على سجنه، وفي حاجة إلى بعض الوقت ليعود إلى حريته. وأنا لم أكن سجينًا عاديًا؛ كنت سجينًا يحصون أنفاسي عليّ، ويتنصتون على كلماتي، ويزرعون الميكروفونات والعدسات في حجرة معيشتي. وكنت أخشى أن أقترب من أحد حتى لا يختفي أو يُنكل به (محمد نجيب، كنت رئيسًا لمصر) بعد هدوء الشارع الذي انتفض لعزل الرئيس محمد نجيب في السابق، وبعد تمكن جمال عبد الناصر من الإخوان المسلمين، وبعد التفجيرات المتعمدة والمظاهرات المدفوعة من عبد الناصر التي خرجت تهتف بسقوط الديمقراطية والحريّة، لم يعد لنجيب ظهيرًا يستند إليه. وأصبحت الفرصة سانحة لاقتناص محمد نجيب، العقبة الكبرى التي تقف في طريق زعامة عبد الناصر، ولم يبق أمام عبد الناصر إلا اعتقاله. في ذلك الوقت، قال الرائد محمد رياض سامي، قائد الحرس الجمهوري، لمحمد نجيب إنه علم أن هناك مؤامرة تحاك لتهميش دوره والإطاحة به. وطلب رياض من نجيب أن يأمره بالتحرك، ووعده بأن يقبض على جميع الضباط المتآمرين. فرفض نجيب وقال: أريد أن تظل الثورة نظيفة بيضاء، ولا أحب أن يُقال عن ضباط الجيش: اتحدوا لإسقاط الملك، ثم داروا للخلاف والقتال مع بعضهم، ولكي لا يقول الأعداء إن الثورة تأكل نفسها.  ولم يمر سوى شهرين حتى نفذ الضباط مؤامرتهم، وهرب رياض إلى دولة عربية، ولم يحضر إلى مصر مرة ثانية. في يوم 14 نوفمبر 1954، توجه الرئيس محمد نجيب من بيته في شارع سعيد بحلمية الزيتون إلى مكتبه بقصر عابدين. ولاحظ عدم أداء ضباط البوليس الحربي التحية العسكرية له. وعندما نزل من سيارته داخل القصر، فوجئ بالصاغ حسين عرفة من البوليس الحربي ومعه ضابطان و10 جنود يحملون الرشاشات ويحيطون به. فصرخ في وجه حسين عرفة طالبًا منه الابتعاد حتى لا يتعرض جنوده للقتال مع جنود الحرس الجمهوري، فاستجاب له ضباط وجنود البوليس الحربي مؤقتًا. لاحظ نجيب وجود ضابطين من البوليس الحربي يتبعانه في أثناء صعوده إلى مكتبه، فنهرهما. فقالا له: إن لدينا أوامر بالدخول من الأميرالاي حسن كمال، كبير الياوران. فاتصل نجيب هاتفيًا بجمال عبد الناصر ليشرح له ما حدث، فأجابه عبد الناصر بأنه سيرسل عبد الحكيم عامر، القائد العام للقوات المسلحة، ليعالج الموقف بطريقته. وبالفعل، جاءه عبد الحكيم عامر وقال له في خجل: إن مجلس قيادة الثورة قرر إعفاءكم من منصب رئاسة الجمهورية. فرد عليه نجيب قائلًا: أنا لا أستقيل الآن؛ لأني بذلك سأصبح مسؤولًا عن ضياع السودان، أما إذا كان الأمر إقالة فمرحبًا. وأقسم اللواء عبد الحكيم عامر أن إقامته في ڤيلا زينب الوكيل لن تزيد عن بضعة أيام ليعود بعدها إلى بيته، لكنه لم يخرج من الڤيلا التي تم تحديد إقامته فيها إلا بعد 30 عامًا، منها 17 سنة قضاها فيها كمُعتقل، و13 سنة قضاها فيها بإرادته. خرج محمد نجيب من مكتبه بهدوء وصمت في سيارة إلى معتقل المرج. وبالطبع، كان حزينًا على الطريقة التي خرج بها؛ فلم تؤدَّ له التحية العسكرية، ولم يُطلق البروجي لتحيته. وقارن بين موقفه عندما ودع الملك فاروق وأمر بإطلاق 21 طلقة، وبين طريقة وداعه. وعندما وصل إلى ڤيلا زينب الوكيل بضاحية المرج، بدأ يذوق من ألوان العذاب ما يصعب وصفه. فقد سارع الضباط والعساكر بقطف ثمار البرتقال واليوسفي من الحديقة، وحملوا من داخل الڤيلا كل ما بها من أثاث وسجاجيد ولوحات وتحف، وتركوها عارية الأرض والجدران. وكما صادروا أثاث ڤيلا زينب الوكيل، صادروا أوراق اللواء نجيب وتحفه ونياشينه ونقوده التي كانت في بيته. كما تم منعه تمامًا من الخروج أو من مقابلة أي أحد من أفراد عائلته. وأقيمت حول الڤيلا حراسة مشددة. وكان على من في البيت ألا يخرج منه من الغروب إلى الشروق، وكان عليهم أن يغلقوا النوافذ في عز الصيف تجنبًا للصداع الذي يسببه الجنود، حيث اعتاد الجنود أن يطلقوا الرصاص في منتصف الليل وفي الفجر. بل إنهم كانوا يؤخرون عربة نقل أولاده إلى المدرسة عمدًا، فيصلون إليها متأخرين، ولا تصل العربة إليهم في المدرسة إلا بعد مدة طويلة من انصراف كل من في المدرسة، فيعودون إلى المنزل مُرهقين غير قادرين على المذاكرة. وكانت غرفته في ڤيلا المرج مهملة، بها سرير متواضع يكاد يختفي من كثرة الكتب الموضوعة عليه. وكان يقضي معظم أوقاته في هذه الحجرة، مداومًا على قراءة الكتب المختلفة في شتى أنواع العلوم، خاصة الطب والفلك والتاريخ. وقال محمد نجيب عن تلك الفترة في مذكراته، بعد مرور ثلاث عقود عليها: هذا ما تبقى لي. فخلال الثلاثين سنة الماضية لم يكن أمامي إلا أن أصلي أو أقرأ القرآن أو أتصفح الكتب المختلفة. في أثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، نُقل من ڤيلا المرج إلى مدينة طما في سوهاج بصعيد مصر. وقيل إنه كان من المقرر قتله في حالة دخول الإنجليز القاهرة، وذلك بعد أن سرت إشاعة قوية تقول إن إنجلترا ستُسقط بعض جنود المظلات على ڤيلا زينب الوكيل في المرج لاختطاف محمد نجيب وإعادته رئيسًا للجمهورية من جديد بدلًا من جمال عبد الناصر. ولكن بعد فشل العدوان، أُعيد إلى مُعتقل المرج، وجرى التنكيل به حتى إن أحد الحراس ضربه على صدره في نفس مكان الإصابة التي تعرض لها في حرب 1948. وكتب محمد نجيب عن ذلك في مذكراته: يومها هانت علي الدنيا فقررت أن أضرب عن الطعام. في أثناء نكسة 1967، أرسل محمد نجيب برقية إلى جمال عبد الناصر يطلب منه السماح له بالخروج في صفوف الجيش باسم مستعار، إلا إنه لم يتلق أي رد. وظل محمد نجيب على هذا الحال حتى تم إطلاق سراحه بواسطة الرئيس السادات عام 1974 عقب الانتصار الذي تحقق في حرب أكتوبر 1973. ورغم ذلك، ظل السادات يتجاهله تمامًا، كما تجاهله باقي أعضاء مجلس قيادة الثورة. قال لي السادات: «أنت حر طليق! ! » فلم أصدق نفسي. هل أستطيع أن أخرج وأدخل بلا حراسة؟ وهل أستطيع أن أتكلم في الهاتف بلا تنصت؟ وهل أستطيع أن أستقبل الناس بلا رقيب؟ فلم أصدق ذلك بسهولة. فالسجين في حاجة إلى بعض الوقت ليتعود على سجنه، وفي حاجة إلى بعض الوقت ليعود إلى حريته. وأنا لم أكن سجينًا عاديًا؛ كنت سجينًا يحصون أنفاسي عليّ، ويتنصتون على كلماتي، ويزرعون الميكروفونات والعدسات في حجرة معيشتي. وكنت أخشى أن أقترب من أحد حتى لا يختفي أو يُنكل به، وأتحاشى زيارة الأهل والأصدقاء حتى لا يتعكر صفو حياتهم، وأبتعد عن الأماكن العامة حتى لا يلتف الناس حولي فيذهبون وراء الشمس. ولكن بعد فترة وبالتدريج عدت إلى حريتي، وعدت إلى الناس، وعدت إلى الحياة العامة. ياليتني ما عدت! فالناس جميعًا كان في حلقهم مرارة من الهزيمة والاحتلال، وحديثهم كله شكوى وألم ويأس من طرد المحتل الإسرائيلي. وإلى جانب هذه الأحاسيس، كانت هناك أنّات ضحايا الثورة الذين خرجوا من السجون والمعتقلات، ضحايا القهر والتلفيق والتعذيب. وحتى الذين لم يدخلوا السجون، ولم يجربوا المعتقلات، ولم يذوقوا التعذيب والهوان، كانوا يشعرون بالخوف، ويتحسبون الخطى والكلمات. وعرفتُ ساعتها كم كانت جريمة الثورة في حق الإنسان المصري بشعة، وعرفتُ ساعتها أي مستنقع ألقينا فيه الشعب المصري. ففقد حريته، وفقد كرامته، وأيضًا فقد أرضه، وتضاعفت متاعبه؛ المجاري طفحت، والمياه شحت، والأزمات اشتعلت، والأخلاق انعدمت، والإنسان ضاع. (محمد نجيب، كنت رئيسًا لمصر) --- ### العهد مع أبرام - Published: ۲۰۲۵-۰٤-۱۳ - Modified: 2025-04-13 - URL: https://tabcm.net/38189/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: آدم, إله إسرائيل, القداس الغريغوري, تارح في مقالات سابقة، تحدثنا عن العهد بين الله وآدم، والعهد مع نوح. ولكل عهد ملامحه، ولكنهما يشتركان في حرية الاختيار غير المقيدة للإنسان من قِبل الله. وفي كل منهما، فشل الإنسان في الثبات بالعهد، ومال الإنسان نحو ذاته، إذ اختار الإنسان ألا يستمر في العلاقة مع الله. نرى على الجانب الآخر أن الله كان كريمًا سخيًا كطبيعته وعادته دائمًا، وسيبقى إلى الأبد، لأنه هو هو أمس واليوم وإلى الأبد. فإذا لم ترد أن تكون لك شركة مع الله، فلن يجبرك الله على فعل ذلك، على أن الإنسان قد يعاني من هذا الانفصال إذا تمادى فيه. لكن الله لا يهدأ حتى يتمم الأمر، ألا وهو أن يتوَّج ملك الخليقة على كل أعمال يديه، كما يذكر المزمور ((مزمور ٨: ٤-٦ )): فمن هو الإنسان حتى تذكره؟ وابن آدم حتى تفتقده؟ وتنقصه قليلا عن الملائكة، وبمجد وبهاء تكلله. تسلطه على أعمال يديك. جعلت كل شيء تحت قدميه (مزمور ٨: ٤-٦) فمن فرط محبته للإنسان ومن أجل صلاحه فقط، كما في القداس الغريغوري نقول: كراعٍ صالح سعيت في طلب الضال، وكأب حقيقي تعبت معي أنا الذي سقطت... ربطتني بكل الأدوية المؤدية إلى الحياة... وباركت طبيعتي فيك. أقول، من أجل صلاحه ومحبته فقط، اختار الله شخصًا ليكون أبًا لجمهور وأمم، ليختار لنفسه شعبًا ليكون هذا النسل نورًا وسبب خلاص لكل الأمم، كما يذكر إشعياء النبي الإنجيلي: أنا الرب قد دعوتك بالبر، فأمسك بيدك وأحفظك وأجعلك عهدا للشعب ونورا للأمم ((إشعياء ٤٢: ٦ )) فاختار الله هذا الشخص من نسل سام، من سلالة نوح، من نسل عابر، اسمه إبرام. قد تتساءل عزيزي القارئ: لماذا أبرام؟! هل كان إبرام يعرف الرب سابقًا؟ ماذا يميز أبرام عن الآخرين؟ أنا أوافقك، عزيزي القارئ، في كل أسئلتك! بل سوف أصدمك إذ عرفت أن أبرام كان عابدًا للأوثان! كما يذكر سفر يشوع ((يشوع ٢٤ :٢ )): وقال يشوع لجميع الشعب: هكذا قال الرب إله إسرائيل: آباؤكم سكنوا في عبر النهر منذ الدهر. تارح أبو إبراهيم وأبو ناحور، وعبدوا آلهة أخرى. (يشوع ٢٤ :٢) إذن، ماذا مَيَّز أبرام؟ نستطيع أن نجيب على هذا السؤال في ثلاث نقاط، حسب ما يعطينا الروح القدس: ١- أبرام كان من نسل عابر، ولهذا سُمي أبرام العبراني، أي أنه لم يكن له مكان يسكن فيه، إذ أدرك أنه غريب ونزيل على الأرض. لذلك، في كل مكان نزل فيه أبرام، كان يسكن في خيام. ٢- أبرام، اسم علم ينقسم إلى مقطعين. المقطع الأول "أب"، وهو لفظ جاء من كلمة Father بالإنجليزية أو Pattar باليونانية، أي أنه سيكون "أب". المقطع الثاني هو "رام" وتعني: أمم. أبرام سيكون أبًا لأمم. ٣- السبب الثالث، حسبما أعلن الروح القدس، هو بالنعمة والنعمة فقط. وهذه الأسباب تكاد تنطبق على كل مؤمن بالمسيح. فهو: ١- ليس من هذا العالم. ٢- مثمرٌ، أي لن يحيا في عقمٍ روحيٍ. ٣- بالنعمة والنعمة فقط أنت مُختار ومُخلّص. إذًا، اختار الله أبرام وقال له: "اخرج من أرضك وعشيرتك ومن بيت أبيك. " هنا نجد تدرجًا في الدوائر التي يطلب الرب من أبرام الخروج منها. فالأرض بالمعنى المتسع، ثم العشيرة والارتباطات التي تعيق العشرة مع الله، ثم تضيق الدائرة إلى بيت أبيك. فكِّر عزيزي القارئ في كل دائرة في حياتك تعيق المسير قدمًا في حياتك مع الرب! في أي دائرة قدماك مغروسة للدرجة التي لا تستطيع الفرار منها؟ هل دائرة الممتلكات؟ هل دائرة الأسرة والعلاقات؟ هل دائرة الارتباطات الشخصية؟ هل دائرة الذات ومن تكون وماذا أنجزت؟ كل دائرة تُعيقك عن المضي قدمًا في مسيرة حياتك الروحية الجديدة، لابد أن تضع يديك عليها وتضعها أمام الرب، وأعلن نعمة. نعمة... نعمة... نعمة... وسلّط شعاعًا من النور الإلهي ليكون سراجًا لرِجلك ونورًا لسبيلك. الرب يريد أن يخرجك من أي دائرة تعيقك، لكنك تحتاج أن تكون حساسًا لصوته، وتترجم ذلك إلى إيمان وطاعة وثقة في إلهك. لكن كل ذلك لن يأتي إلا إذا كنت قد تعرفت عليه سابقًا، فهل عرفته؟! هل اختبرته؟! هل قضيت وقتًا معه منفردًا لتعرف أن تميز صوت الراعي؟! أسئلة سأتركها لك أيها العزيز، لتجيب أنت بنفسك لنفسك، وكن صادقًا مع نفسك كما هو صادق! إلى اللقاء في العدد القادم. --- ### الرهبنة: الواقع والأمل - Published: ۲۰۲۵-۰٤-۱۲ - Modified: 2025-04-13 - URL: https://tabcm.net/37705/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: الشيطان, العلمانية, بابا تواضروس الثاني, بستان الرهبان, دير الأنبا بيشوي, دير الأنبا مقار الكبير, قديس باخوميوس الكبير أب الشركة, مجلة مرقس أُفسح سطوري اليوم لورقة تضمنت رؤيةً لأحد أعرق الأديرة، وهو دير الأنبا مقار بوادي النطرون، في إشكاليات الرهبنة المعاصرة. وقد قُدمت في سيمنار عُقد بالمقر البابوي بدير الأنبا بيشوي، الذي اختتم أعماله في 19 نوفمبر 2021، ونُشر نصها في مجلة مرقس التي تصدر عن دير الأنبا مقار، عدد ديسمبر 2021. في نوفمبر 2021، دعا قداسة البابا تواضروس الثاني إلى سيمينار لجميع رؤساء وأُمناء ومشرفي الأديرة وممثلي الآباء الرهبان من كل الأديرة، حول موضوع: الرهبنة بين الواقع والأمل.  وقد حضر بعض الآباء الرهبان من دير القديس أنبا مقار هذا المؤتمر، وقدَّموا ورقة مساهمة فيه. هذا نصُّها: الواقع والأمل المرجعية:الكتاب المقدس كأساس لجميع المبادئ الروحية، وبستان الرهبان كتطبيق عملي لها. مقدمة:الرهبنة هي قلب الكنيسة النابض، فإذا صحَّ القلب، صحَّت الكنيسة كلها، وإذا اعتَلَّ القلب، اعتَلَّت الكنيسة كلها. الواقع الحالي:ضعفت في هذه الأيام أهم خصائص الرهبنة، وهي نذورها الثلاثة الرئيسية المعروفة: الطاعة والفقر والبتولية. فاهتزت أعمدتها، وأصبحت الطاعة طاعةً لأهواء الذات، والفقر مظهراً لاستدرار عطف الأغنياء، والبتولية ثوباً ممزقاً يكشف كلوم المجروحين بسهام الشهوة. العلل الأساسية وراء الواقع المرير للرهبنة حاليًا:هناك عوامل شتَّى تضافرت معاً مُسبِّبة ذلك الواقع المرير، ولكن وراء كل تلك الأسباب سببان رئيسيان جوهريان تنبثق منهما كل تلك العوامل، وهما: أولًا: انفتاح الأديرة على العالم. ثانيًا: عدم التدقيق في اختيار مَن يتقدَّم للرهبنة. أولاً: انفتاح الأديرة على العالم:انفتاح الأديرة على العالم بمختلف الطرق وشتَّى الأساليب، بدءاً من فَتْح بوَّابات الأديرة للزائرين، وانتهاءً بالموبايل والنّت والدِّش. وقد أثَّر ذلك على الرهبنة والرهبان بالسَّلْب كما يظهر مما نُعايشه من واقعٍ أليم. وكان من نتائج انفتاح الأديرة على العالم:1. نسيان الراهب للهدف الذي من أجله خرج:فبانفتاح الأديرة على العالم توغَّل العلمانيون في أعماق الأديرة، حاملين معهم همومهم ومشاكلهم، وشاركهم الرهبان وجدانيّاً - وأحياناً كثيرة عملياً - في حَمْل كل هذه المشاكل وحلِّها. ونسوا أنفسهم وسط تلك الدوامة التي تبدو في ظاهرها عطفاً ورحمةً، ولكنها في الحقيقة تحوير لدور الرهبان إزاء العالم، وهو الصلاة من أجل العالم كله بهمومه وأحزانه، هذه هي مشاركة الرهبنة الفعَّالة في هموم الجسد الواحد. ولنضع أمامنا مَثَلَ الأنبا بولا الذي لَمَّا رأى أنبا أنطونيوس، سأله عن أحوال العالم، وعن مياه النيل، دون أن يعرف أو يهتم بواحد مُعيَّن من أهل العالم يسأل عنه وعن مشاكله ويُتابع حل المشكلة! ! 2. تغلغُل شهوة الكهنوت بين الرهبان:وكان أيضاً من نتائج انتشار العلمانيين بين أروقة الأديرة، أن اشتهى الرهبان الكهنوت، حتى يستطيعوا إقامة القدَّاسات، وأَخْذ الاعترافات، والرشم بالزيت، والتعميد، وعَقْد الخطوبات والأكاليل، والصلاة في الجنازات... إلخ؛ في حين أنَّ الكهنوت هو خاص بالخدمة ولا يمتُّ للرهبنة بصِلة. فالكاهن هو الشخص الذي تَعْهَد إليه الكنيسة برعاية شعب وله رعية يرعاها، أما الراهب فلا خدمة له ولا شعب ليرعاه - إلاَّ إذا دَعَته الكنيسة إلى ذلك - فلماذا يُطالِب الرهبان بالكهنوت؟ أليس هذا حَيَداناً عن الطريق؟ ألم يكن الرهبان في عهد الأنبا باخوميوس بالآلاف في الصحراء، وكانوا يُحضِرون لهم كاهناً من القرية المجاورة كي يُصلِّي لهم قدَّاس الأحد؟ لأن أنبا باخوميوس لم يُدخِل الكهنوت إلى رهبنته، بل إنه هو نفسه عند حضور البابا أثناسيوس لزيارة الأديرة الباخومية في صعيد مصر هرب لئلا يُسام كاهنًا. وقد مدحه البابا أثناسيوس قائلاً لأبنائه:عظيمٌ هو أبوكم، قولوا له: لقد هربتَ من ذاك الذي يقود للغيرة والحسد والتطاحُن، فاختبأت عنَّا لأنك اخترتَ لنفسك ما هو أفضل وهو الاحتماء في الرب يسوع. وبما أنك هربتَ من المجد الباطل والعظمة الزائلة، فإنني أطلب من الله أن يحفظك من كليهما. وقولوا له: إن الأمر الذي هربتَ لأجله لن يحدث. وأنبا أنطونيوس نفسه مؤسِّس الرهبنة والعمود المنير الذي نسير على هَدْي نوره، لم يكن كاهناً؟! وكذلك مكسيموس ودوماديوس لم يكونا كاهنَيْن. أما أنبا مقار فإنه وإنْ كان قد رُسِمَ كاهناً رغماً عنه وهو بعد علمانيٌّ، إلاَّ أنه لم يؤْثِر أن يتقلَّد هذه الرتبة على حدِّ قوله، ففرَّ هارباً إلى مكانٍ آخر؛ وبعد الرهبنة كان يسير أميالاً من الإسقيط ليحضر القدَّاس الإلهي يوم الأحد في نتريا. وأنبا أرسانيوس مُعلِّم أولاد الملوك أيضاً لم يكن كاهناً، بل كان دائماً ما يُذكِّر نفسه بدعوته قائلاً: أرساني، أرساني، تأمَّل فيما خرجت من أجله. 3. انفراط عقد حياة الشركة المجمعية في الأديرة:أما الأَثر الثالث لانفتاح الأديرة على العالم، فهو اتجاه الرهبان لبناء القلالي والمضايف الخارجية بعيداً عن أنظار مجمع الدير. ولا نُنكر أن فيهم بعض مُحبِّي الوحدة، ولكن آخرين يستقبلون فيها مَن يُريدون بلا ضابط. وفي تلك القلالي المنعزلة ينفرد الشيطان بالراهب ليفعل به ما يريد دون رقيب أيضاً. ولا مُعين لذلك الراهب المسكين الذي ربما يَصل به الأمر إلى أن يخدعه الشيطان بأنَّ له مواهب شفاء المرضى وإخراج الشياطين، ويقوده الشيطان كما يُقاد الأعمى إلى هاوية مُخيفة مُرعبة! وربما يبدأ الراهب ببناء كنيسة خاصة به هناك، يستقبل فيها الرحلات ليُقيم لهم فيها القدَّاسات، راسماً على وجهه علامات المتوحِّد، منتحلاً لمظهر الناسك الزاهد المنقطع عن العالم، كي يستدرَّ عطف الناس، ويستدرَّ أيضاً أموالهم؛ خادعاً إيَّاهم، بل وربما خادعاً نفسه أيضاً، أو مخدوعاً من الشيطان. وكان حَرِيّاً به أن يسأل نفسه: إذا كان بالفعل متوحِّداً قد هجر العالم، فلماذا يستقبل العالم في قلايته؟! ونتيجة لذلك: فَقَدَ الرهبان وحدتهم المجمعية، وقلبهم الواحد. ونتمنَّى أن يكون هناك القدَّاس الواحد الذي يجمع الرهبان كلهم ليُصلُّوا معاً في وحدة تجتذب أنظار سكان السماء، ومائدة المحبة الواحدة التي يجتمع فيها الرهبان باسم المسيح. أليست الوحدة على المستوى الصغير في الأديرة، وعلى المستوى الأوسع في الكنيسة عامةً، هي ما يجعل العالم يؤمن بالمسيح، بحسب قول رب المجد:ليكون الجميع واحداً، كما أنك أنت أيها الآب فيَّ وأنا فيك، ليكونوا هم أيضاً واحداً فينا ليؤمن العالم أنك أرسلتني (يوحنا ١٧: ٢١) 4. تسرُّب محبة المال إلى قلب الراهب:ولاحتياج الراهب للمزيد من الأموال كي يصرفها في خدمة الذين تعرَّف عليهم ويقصدونه، أصبح بعض الرهبان يأخذون ريع المشروع القائمين عليه في الدير، ليعطوا الدير جزءاً منه، والباقي لا يَعْلَم عنه أحدٌ شيئاً. وربما يصل بهم الأمر إلى إقامة مشاريعهم الخاصة دون استئذانٍ من أحد. وفي هذا يُسْكِت الشيطان ضمائرهم، بأنهم يصرفون تلك الأموال على المساكين والمرضى، ولحلِّ مشكلات الناس، ولا يأخذون شيئاً لأنفسهم. ويا ليت الأمر يتوقَّف عند هذا الحدِّ، بل إن الراهب المسكين يتجاسر فيقبل صدقات العلمانيين وعطاياهم ويأخذها لنفسه. والنتيجة المؤسفة أنْ: أصبح لدينا رهبان أغنياء يملكون سيارات على أحدث موديل، وموبايل فون على أحدث طراز، ويرتدون أفخر الجلاليب والملابس، ويُعظِّمون معيشتهم، ويفقدون فقرهم الذي اختاروه ونذروه يوماً، كأول نذور الرهبنة. كل هذا من أموال الصَّدَقة، متناسين قول الأب زينون في بستان الرهبان: ”إنَّ الراهب الذي يأخذ صَدَقَة، سوف يُعطي عنها جواباً“، والقديس يوحنا القصير الذي لَمَّا رأى أخاً يضحك وهو يأكل، تنهَّد وقال: إنه كان عليه أن يبكي، لأنه يأكل من مال الصَّدَقَة! إننا نسألكم: ماذا نفعل والخمير قارَب أن يُخمِّر العجين كله؟! 5. طواف الرهبان في شوارع العالم، وطَرْقُهم أبواب البيوت:وكان من أَثر الانفتاح على العالم أيضاً، أن تَعَوَّد الرهبان على العلمانيين، وزالت الكُلْفَة بينهم؛ فأَلِفوا الن‍زول للمدن، يزورون معارفهم في منازلهم ومحلاَّتهم، ويذهبون لتأدية واجبات العزاء لهم أو المشاركة في أفراحهم، ويبيتون خارج الدير أياماً دون عِلْم المسئولين أو بحجة العلاج، مع معرفة الكل بأنَّ الحال ليس كذلك. ومع ذلك الحال الذي لا يُرضي أحداً، فإذا تعرَّض أولئك الرهبان لأيِّ نقد من المسئول في الدير أو محاولة لتقويم السيرة؛ لن يكون ردُّ فعلهم إلاَّ كَسْراً لنِير الطاعة، الذي هو نذرهم الثاني. وليحفظ الله رهباننا جميعاً من هُوَّة كَسْر النذر الثالث أَلا وهو نذر البتولية! ثانياً: عدم التدقيق في اختيار مَن يتقدَّم للرهبنة:وهؤلاء يمكن تقسيمهم إلى فئاتٍ ثلاث:١. فئة غير المدعوِّين: وهؤلاء هم الذين أخطأوا الطريق عن جهلٍ وعدم دراية بدعوتهم الحقيقية، فظنُّوا أنَّ دعوتهم في الدير، وما هذه بدعوتهم أبداً. وهذه الفئة منوطٌ بالدير أن يكتشفها ويُوجِّهها إلى دعوتها، وهي فئة يسهل اكتشافها لِمَن له بعض الإفراز. ٢. فئة صغيري النفوس: وهؤلاء هم الذين فشلوا في أيٍّ من مَنَاحي حياتهم: سواء كانت الاجتماعية أو النفسية أو الدراسية أو المادية أو العاطفية؛ ومِنْ ثمَّ تصغر نفوسهم، فيلجأون إلى الأديرة هرباً من واقعهم المرير، عسى أن يجدوا في الدير ما يُعوِّضهم عن حياتهم البائسة. ٣. فئة المنتفعين: وهؤلاء هم الذين يدخلون الرهبنة، لا حُبّاً في المسيح، ولا طلباً للتفرُّغ للصلاة والعبادة؛ بل طمعاً في أمجادٍ وكراماتٍ ومناصبَ عالمية. وهذه الفئة من أصعب الفئات في اكتشافها وتشخيصها، إذ أنَّ أصحابها يُتقنون فن التمثيل والرياء. هذا هو واقعنا وآلامنا ومعاناتنا في هذه الأيام، ولكن مع اشتداد ظلمة الليل الحالكة السواد، نأمل ببزوغ نورِ فجرٍ جديد، في عودة الرهبنة إلى أصالتها الأولى، أصالة رهبنة أنبا أنطونيوس وأنبا بولا وأنبا مقار وأنبا بيشوي وأنبا يوحنا القصير، وإلى تنقية ذلك الناردين الفاخر الذي صنعه يوماً آباء الرهبنة الأُوَلُ، وتصفيته مِمَّا دسَّه فيه الزمن والشياطين من شوائب وأدناس، لتعود الرهبنة إلى مجدها التليد، جاذبةً العالم إلى المسيح بعَبَق رائحتها الزكية. *** ما نأمله:ركيزتان للإصلاح المنشودأولاً: تقنين زيارات العلمانيين إلى الأديرة:على سبيل المثال: إغلاق الأديرة في جميع فترات الأصوام على مدار السنة، وتحديد أيام معينة في الأسبوع يُسمَح فيها بدخول الزوَّار، في حدود ساعات مُعيَّنة وأعداد محددة، وبعلمٍ سابق، ويكون مسئولاً عنهم طوال فترة تواجدهم بالدير أحدُ الرهبان المشهود له بالأمانة للطريق الرهباني ليشرح لهم معالم الدير، ويُعطيهم كلمة روحية، ثم يُشرف على ضيافتهم، حتى لا ينتشروا في أروقة الدير مُفسدين على الرهبان هدوءهم. ثانياً: التدقيق الشديد في اختيار طالبي الرهبنة: أ - من جهة المُتقدِّم للرهبنة:يُقدَّم للمتقدِّم للرهبنة قائمة المبادئ الرهبانية التي سيلتزم بها إلى آخر أيام حياته، لكي يكون على بيِّنة من أمره، وكإقتراح أَوَّلي لهذه القائمة نُقدِّم ما يلي: ١. أن يَرضَى أن يعيش راهباً طوال أيام حياته، دون أن يُطالِب بأيَّة درجة كهنوتية، إلاَّ إذا دُعِيَ لهذه الدرجة من رئيس الدير أو الرئاسة الكنسية. ٢. ألا تكون له أية ملكية شخصية، لأن الدير سيتكفَّل برعايته من جميع النواحي، دون أن يحتاج أن يتعامل مع المال بأية وسيلة. ٣. ألا يُطالِب بدخول قريب أو صديق له الدير في غير أوقات الزيارة المسموح بها، ولا يُطالِب أن يُقابلهم كأنَّ هذا حقٌّ له. ٤. ألا ين‍زل من الدير لأيِّ سببٍ كان، إلاَّ إذا كُلِّف بذلك من رئيس الدير للقيام بأشغال الدير. ب - من جهة الدير:وهو ما يختص بالتعامُل مع الثلاث فئات المُتقدِّمة للرهبنة، والتي سبق الحديث عنها: ١. فئة غير المدعوِّين: وهذه تتطلَّب أن يكون القائم على استقبال طالبي الرهبنة وقبولهم واختبارهم، شيخاً مُجرَّباً حكيماً ذا إفراز، وليس كل مَن طال عمره وشاب شعره، كما أوصى أنبا موسى الأسود في البستان. ٢. فئة صغيري النفوس: أن يتمَّ التحرِّي الدقيق عن الشخص المُتقدِّم للرهبنة، وذلك بالاتصال بآباء اعترافهم وكنائسهم والمحيط الذي كانوا يعيشون فيه. ٣. فئة المنتفعين: وهذه لا حَلَّ لها سوى إفراغ الدعوة الرهبانية من كل ما يُغري من أمجاد وكرامات؛ فإذا عادت الرهبنة موتاً حقيقيّاً عن العالم، فلن تجتذب إليها سوى مُريديها الحقيقيين، الذين لا يبتغون من ورائها شيئاً آخر غيرها. ج - من جهة كلٍّ من الدير والمُتقدِّم للرهبنة:كقاعدة عامة لصحة اكتشاف واختيار كل المتقدِّمين للرهبنة، يحسن جداً ألاَّ تَقِلَّ فترة الاختبار عن ثلاث سنوات، مع توافُر إمكانية إخلاء سبيل الأخ طالب الرهبنة في أيِّ وقت خلال هذه الفترة، رحمةً به وبالرهبنة. *** خاتمة:نأمل للرهبنة عَوْداً إلى أصولها الأولى التي نَمَت في الصحراء البعيدة عن العالم ومشاغله، في الأديرة التي تُحْكِمْ إغلاق أبوابها على نفسها، هناك حيث الصلاة الدائمة والقوة الكامنة والانحلال من كل أحد. هناك حيث يوجد الواحد، حيث يوجد العريس في حجاله منتظراً عروسه. هناك حيث نستطيع أن نُلبِّي مطالب دعوتنا المقدسة، ونوفي عهودنا التي قطعناها يوماً على أنفسنا.  ملتمسين شفاعة العذراء والدة الإله، ومعونة الأنبا أنطونيوس أبي الرهبان وأنبا مقار وأنبا أرسانيوس وأنبا بيشوي وأنبا موسى الأسود والقدِّيسَيْن الروميَّيْن مكسيموس ودوماديوس، وبركة صلوات أبينا بابا الكنيسة قداسة الأنبا تواضروس الثاني راعي رعاتنا، وسائر مطارنة الكنيسة وأساقفتها، آمين. انتهت ورقة الدير، ولكن لم ينتهِ اقترابنا من حال كنيسة اليوم. فإلى لقاء. --- ### الخطية الجدية عند كيرلس السكندري [٣] - Published: ۲۰۲۵-۰٤-۱۱ - Modified: 2025-04-11 - URL: https://tabcm.net/37895/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: آدم, أوريجينوس ليونايدس أدامانتيوس, البيلاجية, الخطيئة الأصلية, الغنوصية, المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية, بابا بطرس الأول خاتم الشهداء, بابا كيرلس عمود الدين, چورچ عوض إبراهيم, علامة ديديموس الضرير, قديس أثناسيوس الرسولي, قديس أوغسطينوس، أسقف هيبو, قديس بولس الرسول, مجمع قرطاچنة, ميشيل بديع عبد الملك, نصحي عبد الشهيد بطرس نستكمل الحديث عن المفهوم الشرقيّ الأرثوذكسيّ للخطية الجدية، ممثلًا في ق. كيرلس السكندري، وهو مختلف عن المفهوم الغربيّ اللاتينيّ، ممثلًا في أوغسطينوس، أسقف هيبو، الذي كان المحرِّك الرئيس وراء مفاهيم مجامع قرطاچنة الثلاثة التي ناقشت الهرطقة البيلاجية، وقضت بحرمها. بالتالي، نرى أن المفهوم الغربيّ مختلف تمامًا عن المفهوم الشرقيّ للخطية الجدية، بسبب تأثير كتابات أوغسطينوس أسقف هيبو على الغرب اللاتينيّ بقوةٍ. دحض القدرية ووراثة الخطية بالولادة يدحض ق. كيرلس السكندريّ أيضًا فكرة وراثة الخطية الأصلية عن طريق التناسل، حيث يقر بأنه ليس القدر ولا الولادة هما ما يجعلان الإنسان فاعلًا للشر أو فاعلًا للخير، بل على العكس، الجميع يسيرون بحريةٍ في كلَا الاتجاهين كالتالي: ((كيرلس السكندري، الرسائل الفصحية الخمسة الأولى، ترجمة: د. ميشيل بديع عبد الملك، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2021، الرسالة 5: 4، ص 125، 126. )) لذلك ليس صحيحًا، إذًا، أن كل من القدر والولادة هما اللذان يتحكمان في كل شخص كما يُعتقد، وتجعل الإنسان فاعلًا للشر أو فاعلًا للخير، بل على العكس من ذلك، فإن الجميع يسيرون بحريةٍ في كلَا الاتجاهين، ولا يوجد شيء يمنع بالضرورة أي شخص من توجيه مسيرته في أي اتجاه يقرِّره. (كيرلس السكندري، الرسائل الفصحية الخمسة الأولى) وهذا ما يؤكده ق. كيرلس في موضع آخر، حيث يرى أن الذين ينسحبون عن الضلال السابق ويسرعون إلى الحق كثمرة لحرية إرادتهم هم مستحقون بالحقيقة للمديح كالتالي: ((كيرلس السكندري، تفسير إنجيل لوقا، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2016، العظة 45، ص 211. )) وإذ يُفطَّمون من ضلالهم السابق الذي تسلَّموه من آبائهم، فإنهم يقبلون كلمة الإنجيل المخلِّصة. ونحن نؤكد أن مثل أولئك هم الذين يُدعون من السياجات، فإنهم بالحقيقة أكثر عظمةً وجدارةً بالمديح حينما يكون الانسحاب من الضلال السابق والإسراع إلى الحق هو ثمرة حرية الإرادة. (كيرلس السكندري، تفسير إنجيل لوقا) دحض وراثة الخطية والوجود السابق للأرواح يرفض ق. كيرلس السكندري تعاليم كل من العلامة أوريجينوس والعلامة ديديموس الضرير بخصوص الوجود السابق للنفس في سياق شرحهم للسقوط والخطية الجدية، كما يتضح إن تعليمهما لا يتفق من قريب أو من بعيد مع تعليم وراثة الخطية الأصلية عند أوغسطينوس، بل ولا يتفق مع تعاليم الآباء السكندريين اللاحقين كالقديسين أثناسيوس وكيرلس اللذين رفضا التعليم بالوجود السابق للأرواح وانحباسها في أجسادها بسبب السقوط من عالم الغبطة، وفي نفس الوقت رفضا وراثة الخطية والذنب من آدم أو ارتكاب خطايا وذنوب قديمة سابقة في حياة سابقة للنفس قبل انحباسها في أجسادها كعقوبة على خطاياها السابقة. وسوف نستعرض رأي ق. كيرلس السكندري الذي أفرد جزءًا من تفسيره على إنجيل يوحنا، يمكن الرجوع إليه، لدحض تعليم الوجود السابق للأرواح وتعليم وراثة ذنب وخطية آدم بسبب التعليم السالف الذكر لكل من العلامة أوريجينوس والعلامة ديديموس الضرير. حيث يقول التالي: ((كيرلس السكندري، شرح إنجيل يوحنا مج١، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2015، 1: 9، ص 116. )) ولكنني أفترض أنه من الحماقة الادعاء أن النفوس وُجِدَت قبل الأجساد، وإنها بسبب ذنوب قديمة أُرسِلَت لكي تُحبَس في أجساد ترابية. وسوف أُبرهِن على قدر استطاعتي بعدة براهين من الأسفار الإلهية، لأنني أعرف ما هو مكتوب: أعط حكيمًا فيكون أوفر حكمةً. علَّم صديقًا فيزداد علمًا ((سفر الأمثال٩: ٩ )). (كيرلس السكندري، شرح إنجيل يوحنا مج١) نحن نرث نتائج عِصْيَان آدم يدحض ق. كيرلس السكندريّ التعليم بالوجود السابق للأرواح مُؤكِّدًا على أننا نرث نتائج عِصْيَان آدم ألا وهي الفساد والموت، ولا نرث خطية آدم نفسها، لأن وراثة خطية آدم كانت إحدى البراهين التي كان يستند عليها القائلون بالوجود السابق للأرواح وسقوطها بسبب وراثة خطية آدم من عالم الغبطة وانحباسها في أجسادها. حيث يقول التالي: ((كيرلس السكندري، شرح إنجيل يوحنا مج١، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2015، 1: 9، ص 121. )) يقول بولس مُوضِّحًا أن الفساد قد انتشر وامتد إلى كل جنس آدم بسبب عِصْيَان آدم: لكِنْ قَدْ مَلَكَ الْمَوْتُ مِنْ آدَمَ إِلَى مُوسَى، وَذلِكَ عَلَى الَّذِينَ لَمْ يُخْطِئُوا عَلَى شِبْهِ تَعَدِّي آدَمَ  ((رسالة بولس إلى رومية 14:5 )). فكيف يقول إن الموت ملك حتى على الذين لم يخطئوا، إذَّا كان الجسد الميت قد أُعطِي لنا بسبب خطايا سابقة؟ وأين هؤلاء الذين لم يخطئوا إنْ كان الوجود في الجسد هو عقاب على خطايا سابقة، وكأنَّ وجودنا في الجسد في هذه الحياة هو اتهام مُسبق قائم ضدنا؟ إن قول المخالفين ينم عن عدم دراية بالأسفار المقدَّسة. (كيرلس السكندري، شرح إنجيل يوحنا مج١) ويرى ق. كيرلس أننا كُنا مُتَّحِدين بآدم عندما جلب على نفسه عقوبة الموت، وليس الله هو مُعاقِبه بالموت، لأن الموت ليس من صُنع الله، وهكذا نحن مُتَّحِدون بالمسيح عندما جلب لنا الحياة وعدم الفساد. وهنا يؤكد ق. كيرلس أننا نرث من آدم الموت والفساد وليس ذنب خطيئته نفسها، لأننا كُنا مُتَّحِدين به من خلال الطبيعة البشرية الواحدة التي تجمعنا به كبشر مولودين من نسل بشريّ آدميّ، وهكذا جلب آدم علينا نتائج خطيئته أي عقوبة الموت كالتالي: ((كيرلس السكندري، تفسير إنجيل لوقا، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2016، العظة 142، ص 691، 692. )) لأنه صار مثلنا، وكسى ذاته بجسدنا، لكيما بإقامته إياهمن الموت، يُعدّ -من الْآنَ فصاعدًا- طريقًا يمكن به للجسد الذي وُضِعَحتى الموت، أن يعود من جديد إلى عدم الفساد. لأننا مُتَّحِدون به مثلما كُنا أيضًا مُتَّحِدين بآدم، عندما جلب على نفسه عقوبة الموت. وبولس يشهد لذلك، إذ كتب هكذا في إحدى المرات: فإنه إذ الموت بإنسانٍ، بإنسانٍ أيضًا قيامة الأموات ((رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس 15: 21 ))، ويقول أيضًا: لأنه كما في آدم يموت الجميع، هكذا في المسيح سيُحيَا الجميع ((رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس 15: 22 )). لذلك فإن الكلمة إذ وحَّد مع ذاته ذلك الجسد الذي كان خاضعًا للموت، فلكونه الله والحياة، فقد طرد منه الفساد، وجعله أيضًا يصير هو مصدر الحياة؛ لأنه هكذا ينبغي أن يكون جسد ذاك الذي هو الحياة. (كيرلس السكندري، تفسير إنجيل لوقا) ويوضح ق. كيرلس أننا صرنا ملعونين بسبب مخالفة آدم، وهكذا سقطنا في مصيدة الموت، متروكين من قِبَل الله، فيؤكد على أننا نرث نتيجة مخالفة آدم وهي السقوط في مصيدة الموت، وليس المشاركة في ذنب خطية آدم. ويعطي ق. كيرلس معنى آخر للخطية الجدية وهي أنها هجران النعمة من الطبيعة البشرية كالتالي: ((كيرلس السكندري، المسيح الواحد، ترجمة: د. چورچ عوض إبراهيم، القاهرة، 2017، ص 119. )) لأننا صرنا ملعونين بسبب مخالفة آدم، وسقطنا في مصيدة الموت متروكين من قِبَل الله، ولكن الكل بالمسيح صار جديدًا، وعاد ثانيةً كل ما يخصنا كما كان في بداية الخليقة، كان ينبغي لآدم الثاني، الذي أتى من السماء، وكان أسمى وفوق الخطية، الجذر الثاني لجنسنا كليّ القداسة وغير الدنس، أن يُخلِّصالطبيعة البشرية من الإدانة، وصار لها أن تستدعي ثانيةً نعمة الصلاح من السماء ومن الآب، فوقها، وتُبطِل هجران النعمة لها بواسطة طاعة يسوع المسيح التي حدثت مرةً واحدةً وإلى الأبد. لأنه لم يفعل خطيةً ((سفر إشعياء 53: 9؛ رسالة بطرس الأولى  2: 22 ))، وأيضًا الطبيعة البشرية، وهي متَّحِدة به، صارت بلا لوم وبريئة. (كيرلس السكندري، المسيح الواحد) ويشير ق. كيرلس بوضوح إلى أن آدم، الجذر الأول، قد أنبت في الطبيعة البشرية كل نتائج الغضب، لم يقل ق. كيرلس أن آدم أنبت خطيئته في الطبيعة البشرية، كما يدَّعي الغنوسيون والمانويون الجدد، بل قال نتائج الغضب، حيث الموت الذي ملك من آدم إلى موسى على الذين لم يخطئوا على شبه تعدي آدم، ويقارن ق. كيرلس بين عبور نتائج الغضب أي الموت من الجذر الأول للبشرية، آدم، وبين عبور النتائج الآتية من جذرنا الثاني، المسيح، في كل الجنس البشريّ. فأين الخطية الأصلية الموروثة التي يدَّعي هؤلاء أن ق. كيرلس يؤمن بها؟! حيث يقول التالي: ((كيرلس السكندري، المسيح الواحد، ترجمة: د. چورچ عوض إبراهيم، القاهرة، 2017، ص 120، 121. )) ثم أن الجذر الأول، أقصد آدم، أنبت في الطبيعة البشرية كل نتائج الغضب، حيث ملك الموت من آدم إلى موسى وذلك على الذين لم يخطئوا على شبه تعدي آدم، هكذا مرتَّ أيضًا النتائج الآتية من جذرنا الثاني، أي المسيح في كل الجنس البشريّ، الأمر الذي يؤكده بولس الرسول قائلًا: لأنه إنْ كان بخطية واحد مات الكثيرون، فبالأولى كثيرًا نعمة الله والعطية بالنعمة التي بالإنسان الواحد يسوع المسيح قد ازدادت للكثيرين ((رسالة بولس إلى رومية 5: 15 ))، وأيضًا: لأنه كما في آدم يموت الجميع، هكذا في المسيح سيُحيَا الجميع ((رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس 15: 22 )). (كيرلس السكندري، المسيح الواحد)   --- ### الثالوث المصلوب - Published: ۲۰۲۵-۰٤-۱۰ - Modified: 2025-04-10 - URL: https://tabcm.net/38010/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: آدم, عيد القيامة, عيد الميلاد دائمًا ما تساءلت لماذا لا تسود الأجواء الاحتفالية الفَرِحة عيد القيامة كما هو الحال في عيد الميلاد. ربما السبب هو أن الناس يشعرون بالذنب وهم يتذكرون آلام ذلك البريء الذي تعذّب ومات بسببهم؟ أو ربما لأن أسبوع الآلام يستحضر عند البعض صور إله غاضب أصرّ على سفك دماء ابنه الوحيد استيفاءً لمتطلبات العدل. أو ربما لأن الصليب هو علامة ضعف وحماقة، حجر عثرة لكثيرين كما أوضح بولس في رسالته الأولى إلى كورنثوس دائمًا ما تساءلت لماذا لا تسود الأجواء الاحتفالية الفَرِحة عيد القيامة كما هو الحال في عيد الميلاد. ربما السبب هو أن الناس يشعرون بالذنب وهم يتذكرون آلام ذلك البريء الذي تعذّب ومات بسببهم؟ أو ربما لأن أسبوع الآلام يستحضر عند البعض صور إله غاضب أصرّ على سفك دماء ابنه الوحيد استيفاءً لمتطلبات العدل. أو ربما لأن الصليب هو علامة ضعف وحماقة، حجر عثرة لكثيرين كما أوضح بولس في رسالته الأولى إلى كورنثوس. لهذا، أجد أنه من المشجع أن نتذكر الغرض من الصليب، والذي هو إعلان الله عن محبته وقبوله للبشر... إعلان يأتي من الله بِكُليّته، وليس من أقنوم واحد فقط. في سفر أيوب نقرأ هذا الإعلان الصادم عن الله، والذي يأتي على لسان أليهو صديق أيوب قائلًا: إن أخطأتَ فماذا فعلت به؟ وإن كثرت معاصيك فماذا عملت له؟ أو ماذا يأخذ من يدك؟ إن كنت بارًا فماذا أعطيته؟ لرجل مثلك شرك، ولابن آدم برك. (سفر أيوب ٣٥: ٦-٨) ليس الله إنسانًا فيتأثر بأخطائنا، ولا هو مستفيد من صلاحنا. إن تقديم الله كسيد غاضب لانتهاك كرامته والتعدي على فرائضه، مما يجعله يريد أن يعاقب هذا التعدي ويُجري العدل انتقامًا من الأشرار والشر، هو تقليل من شأن عظمة الله، وتصوير له كإله متعطش للدم يحتاج لمن يهدئ غضبه. إنها صورة تفصلنا عن الله (الآب) وتجعلنا نفضل الابتعاد عنه. يقدم العهد القديم الذبائح في أصلها كعلامة عهد وعلاقة بين الله والناس. في العهد الذي قطعه الله مع إبراهيم، نجد الله يمر من وسط الذبائح... إنه شريك في العهد، وليس مستقبل للذبيحة. عندما بدأ شعب إسرائيل في تقديم ذبائح من دون فهم معناها ومن دون الاهتمام بالعلاقة مع الله، رفض الله هذه الذبائح وكرهها. يستنكر الله من يعتقدون أنه يمكن إرضاؤه بالذبائح فيقول: هل آكل لحم الثيران؟ أو أشرب دم التيوس؟ (مزمور ٥٠: ١٣). ويقول المرنم العارف لله: بذبيحة وتقدمة لم تُسر. أذني فتحت. محرقة وذبيحة خطية لم تطلب. (مزمور ٤٠: ٦)، ويقول الله إني أريد رحمة لا ذبيحة، ومعرفة الله أكثر من محرقات (هوشع ٦: ٦). لم يكن يسوع ذبيحة نلقيها لإله غاضب لنختبئ فيها من غضبه، بل كان يسوع أوضح إعلان عن اشتياق الله للتواصل معنا. إن تاريخ الخلاص في الكتاب المقدس لا يُقدم لإله يحاول أن يجعلنا ندفع ثمن ما ارتكبناه من خطأ، أو حتى ثمن انخداع الجنس البشري بكذب الحية عن صلاح الله، لكنه يقدم بالأحرى قصة إله يسير مع البشر، مرة متقدمين ومرات متأخرين، في رحلة لمحاولة إصلاح ما انكسر، واسترداد علاقتنا به وفهمنا له كأب محب. ومثل أي أب محب، لا يتوقع الأب من أبنائه أن يصبحوا كاملين وفاهمين فجأة، بل بالأحرى يسير معهم بصبر وحب لبناء علاقة ناضجة وواعية. الله أبونا! جاء يسوع حاملًا لنا هذا الخبر السار، وبإرادته وضع نفسه حتى الموت ليتمم رسالة المصالحة. لقد كان يسوع الذبيحة الكاملة وهو نفسه الكاهن الذي يقدم الذبيحة. إن مشيئة الله هي أن يخلص الجميع (١ تيموثاوس ٢: ٤)، لأنه هو من أحبنا ونحن بعد خطاة (رومية ٥: ٨)، قبلنا ونحن أموات في الذنوب والخطايا لأنه غني في الرحمة والرأفة وكثير الحب (أفسس ٢: ٤-٥). لقد كان الصليب وعمل المصالحة إرادة وعمل الله المثلث الأقانيم، خطة الله لاسترداد أبنائه وتقديم كل الحب والعون لهم. لهذا السبب تفرحني كثيرًا الأيقونة الكاثوليكية التي تصور الثالوث على الصليب "Trinity Crucifix" حيث يجتمع الآب والابن والروح القدس، الله الواحد مثلث الأقانيم، على الصليب لتتميم الفداء. عندما علم يسوع عن ملكوت الله، العهد الجديد الذي نعيش فيه، قدم مثلين يحملان نفس المعنى لتوضيح الملكوت؛ مثل اللؤلؤة الثمينة ومثل الكنز المخبئ في حقل. في كلا المثلين، نجد أن من وجدوا الكنوز الثمينة كانوا فرحين وممتنين للفرصة العظيمة التي جاءت لهم. كانوا على استعداد أن يعطوا كل ما عندهم لينالوا ما هو أهم وأثمن بكثير. ومثل هؤلاء الناس في مثلي المسيح، نحن وجدنا كنزًا عظيمًا. كم هو مفرح أن نعرف أن خالقنا يحبنا كل هذا الحب، أننا مقبولون كما نحن وأن من يقود رحلة حياتنا هو أب يريد أن يكون معنا دائمًا وهو يرانا كاملين في المسيح يسوع. كم عظيم هو الرجاء الذي لنا عندما نواجه صعاب وآلام فنعرف أن الله يشعر بنا، وأنه اختبر الرفض والألم. كم مشجع أن نعرف أننا قادرون أن نجد معنى للحياة، حتى في الأوقات الكثيرة التي تبدو فيها عبثية وبلا معنى، عندما نتذكر كيف اختار الله في قوته وحكمته أن يصالحنا بالصليب. الصليب، ذلك الرمز الذي يراه الكثيرون علامة على الحماقة والضعف، كان هو إعلان عن قوة الله وهو يهزم الموت بالموت، وحكمته وهو يختار أن يتواصل مع الإنسان الذي فشل في التواصل مع خالقه، معطيًا إيانا نحن المؤمنين أن نرى الحياة والقوة والانتصار بمنظور مختلف. إننا مدعوون أن نشارك هذا الرجاء والفرح والحب مع عالم يحتاج لهذه الثلاثة بشدة. إننا مدعوون أن نظهر قوة الخلاص، لا كوسيلة عبور آمن للنعيم بعد الموت، أو كتذكرة لدخول السماء، بل كدعوة الله أن نعيش هنا والآن كأبناء وبنات لله، أحرار ومقدسين في عالم مستعبد وفاسد، نعيش قيم الملكوت ونحن على الأرض، فنطلب الرحمة والعدل والسلام، ونكون نورًا يواجه أفكارًا ومفاهيم فاسدة تستعبد الناس، أحيانًا حتى باسم الله. وأخيرًا، الصليب يذكرنا أن فهم الله وطرقه تتخطى تصوراتنا وفكرنا. الله الذي اختار أن يصل هو للإنسان لا ينتظر منا أن ننقسم ونتصارع دفاعًا عنه، بل أن نأتي كلنا، كل من فهم قوة وحكمة الصليب، باتضاع وفرح لنشارك مع الآخرين عن مدى عمق واتساع وغنى نعمة الله وحكمته، وأن نسعى جميعًا لنمتلئ من هذه الحكمة التي تفوق كل معرفتنا وكل انقساماتنا الطائفية واللاهوتية وحتى الدينية. والإله الذي اختار ما يبدو ضعفًا وحماقة ليتمم المصالحة، يتوقع من المؤمنين به أن يترجموا معنى للحياة مع كل ما فيها من ألم وشر، بهذا الإيمان نموت مع المسيح ونقام معه! --- ### الصلب ومعايير الأصالة التاريخية - Published: ۲۰۲۵-۰٤-۰۹ - Modified: 2025-04-09 - URL: https://tabcm.net/36812/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: Cambridge, إبستمولوچي, التقليد [Q], العشاء الأخير, باسيليدس الغنوصي, چون پول ميير, دالي أليسون, ديلبرت رويس بوركيت, روبرت إتش ستاين, روبرت والتر فنك, فرانسيس كروفورد بوركيت, ماريون إل. سوردز, نظرية المصادر المعايير يجب ألَّا تُضاف بدون داع. لذلك، أفضل أن أُبقي على خمسة معايير أساسية من بين العديد المقترح. وبعد أن ننظر في تلك الخمسة، سننظر في خمسة معايير أخرى ثانوية، يسميها البعض "الخمسة معايير المشكوك فيها". بعض تلك المعايير تُنتج مجرد تأكيدات لقرارات توصلنا إليها سابقًا بناءً على المعايير الأولية (چون پول ميير، يهودي مُهمّش: إعادة النظر في يسوع التاريخي) بجانب تلك الحجج العامة التي تساعد مبدئيًا في تأسيس موقف عام تجاه مادة الأنجيل، توجد أدوات محددة يمكن إستخدامها للتحقق من التاريخية، أو على الأقل الإحتمالية التاريخية لقول أو تعليم أو فعل محدد ليسوع في الأناجيل. هذه الأدوات أو القواعد سُميت “معاييرًا” بها يمكن التثبت من أصالة أو عدم أصالة مادة محددة. ((Robert H. Stein, The ‘Criteria’ for Authenticity, R. T. France & David Wenham, eds. , Gospel Perspectives, Vol. 1, Studies of History and Tradition in the Four Gospels, p. 228 )) (روبرت ستاين، معايير الأصالة) يبدو أن الباحثين يتنافسون فيما بينهم على من يستطيع أن يجمع أكبر قائمة من المعايير. أحيانًا تكون الدوافع الدفاعية هي المؤثرة، بحيث تؤدي العديد من المعاييرإلى نتائج بحثنا. أما الباحثين الأكثر وعيًا بلا شك فيبحثون عن ضوابط أكثر –بقدر الإمكان– للمادة المستعصية. ولكن غالبًا ما يكون الأساس معيار واحد يُقطّع لإنتاج عدد من المعايير، والمعايير التي يمكن في أفضل الأحوال إعتبارها ثانوية، يتم دمجها مع المعايير المفيدة فعلًا. أتفق مع Ocean في أن المعايير يجب ألَّا تُضاف بدون داع. لذلك، أفضل أن أُبقي على خمسة معايير أساسية من بين العديد المقترح. وبعد أن ننظر في تلك الخمسة، سننظر في خمسة معايير أخرى ثانوية، يسميها البعض "الخمسة معايير المشكوك فيها". بعض تلك المعايير تُنتج مجرد تأكيدات لقرارات توصلنا إليها سابقًا بناءً على المعايير الأولية. ((John P. Meier, A marginal Jew, rethinking the historical Jesus: Volume one, The Roots of the Problem and the Person, p. 168 )) (چون پول ميير، يهودي مُهمّش: إعادة النظر في يسوع التاريخي) يتضح من كلام روبرت ستاين وچون ميير أن هذه المعايير لا تعني يقينًا تاريخيًا، بل ترجيحًا يعتمد على المصادر المتاحة وترتيبها وتقسيمها وطريقة معالجتها. وقد لا يكون كل معيار منهم منفردًا كافيًا، بل حتى الباحثون الذين اقترحوا هذه المعايير انتقدوا بعضها. فعلى سبيل المثال، ينتقد ستاين في الورقة المذكورة بعض المعايير، وسنتحدث عن هذا بالتفصيل في كل معيار. كذلك، انتقد دالي أليسون في كتاب إعادة بناء يسوع بعض المعايير. والآن، نحن في مرحلة تُسمى في بعض الدراسات مرحلة post-criteria، حيث إنه لا يوجد معيار أو معايير قادرة على إثبات التاريخ كحقيقة مطلقة. بدلًا من ذلك، يُستخدم تراكم المعايير لترجيح رأي على الآخر بشكل نسبي. أي إن المعايير مفيدة، ولكن يجب ألا تتحول إلى دوغما، ويجب أن يكون الباحث مدركًا للإشكاليات المنهجية المتعلقة بكفاية المعايير وصلاحية بعضها. وفي هذه السلسلة، سنركز فقط على المعايير التي تصلح لإثبات تاريخية الأحداث، لأن محل بحثنا هو الصلب. أما بالنسبة للمعايير الأخرى التي تصلح للأقوال، فسنتحدث عنها في وقت آخر. معيار الشهادات المتعددة المعيار الأول، وهو من المعايير الأساسية التي عليها تقريبًا اتفاق كامل، هو The Criterion of Multiple Attestation أو معيار الشهادات المتعددة. المقصود بهذا المعيار هو أن يكون للحدث أو القول محل البحث شهادات (أدلة أو مصادر) متعددة ومستقلة. متعددة، تعني مسارات مختلفة من الخبر. كلما زاد عددها، كلما كانت احتمالية تاريخيتها أعلى، بشرط ألا تكون معتمدة على بعضها. مثلًا، من الثابت –والذي سنأتي إليه بتفصيل أكبر لاحقًا– أن إنجيل متى وإنجيل لوقا استخدما إنجيل مرقس. وأغلب إنجيل مرقس موجودة في متى ولوقا نصًا ((من 80% إلى 90% من إنجيل مرقس موجود في إنجيل متى، وحوالي 65% من إنجيل مرقس موجود في إنجيل لوقا. )). وعلى هذا، لو كان لدينا نص موجود في التقليد الثلاثي (أي موجود في مرقس ومتى ولوقا)، نعتبره موجودًا في مصدر واحد فقط، لأن مصدر متى ولوقا في هذه الحالة هو مرقس. هناك استثناء وحيد لهذه النقطة، وهو ما يُسمى Mark-Q overlaps، أي المادة المشتركة بين متى ولوقا (التي تُسمى التقليد Q)، وهي موجودة أيضًا في مرقس بصياغة أخرى تدل على أن القول وصل إلى متى ولوقا من مصدر آخر، وليس من مرقس. في هذه الحالة، لدينا مصدران. يبدو لي أن نقطة البداية التي نحتاجها يمكن أن نجدها في تلك الأقوال ذات الشهادات المزدوجة الحقيقية. الوثائق الأساسية التي تتألف منها الأناجيل هي: إنجيل مرقس، والمصدر المشترك المفقود للمادة التي لا توجد في مرقس ولكن توجد في متى ولوقا، المصدر المسمى Q. وأينما نجد أن Q ومرقس ينقلان نفس القول، نقترب بأقصى ما نأمله من التقليد المشترك للمجتمع المسيحي الأقدم عن كلمات ربنا.  ((Robert H. Stein, The ‘Criteria’ for Authenticity, R. T. France & David Wenham, eds. , Gospel Perspectives, Vol. 1, Studies of History and Tradition in the Four Gospels, p. 230 )) (روبرت ستاين، معايير الأصالة) يظهر سؤال مهم هنا: هل يعني أن وجود أدلة متعددة منفصلة على شيء ما، أن هذا الشيء بالضرورة يرجع إلى يسوع؟ والإجابة بشكل مباشر: لا. معيار المصادر المتعددة يقول إن الخبر قديم (أقدم من المصادر المتعددة التي تنقله)، لكن ليس بالضرورة أن هذا القول أو الحدث يرجع إلى يسوع نفسه. مثلًا، يقول روبرت ستاين في مقاله معايير الأصالة إن تعدُّد المصادر وسيلة لا غنى عنها بالنسبة للمؤرِّخ، ولكنها لا تكفي لتحقيق 'اليقين' بنفسها، لأن وجود مصادر متعددة وقديمة لمعلومة معناه أن المعلومة قديمة، لكن ليس معناه أن المعلومة صحيحة. يضرب دالي أليسون في كتابه إعادة بناء يسوع، مثالًا في مناقشة الشهادات المتعددة، فيقول ما معناه: لنفترض أن لدينا شخصًا مؤثرًا، وسنسميه X، وكان قريبًا زمنيًا ومكانيًا من شخص مهم، وسنسميه Y، وهو محل البحث التاريخي. هذا الشخص المؤثر X، يمكن أن يتكلم وينسب أقوالًا إلى Y، وينقل الناس عن Y على لسان X. وتأتيك شهادات متعددة عن أشياء قالها Y، وتصل إليك كمؤرخ بعد قرون. هنا، أنت أمام شهادات متعددة، لكنك لا تستطيع بالضرورة أن تقول إنها راجعة إلى Y. يمكنك فقط أن تقول إنها ظهرت بشكل مبكر، ولكن ما هو مصدرها؟ هذا سؤال لا تستطيع المصادر المتعددة الإجابة عليه، ولا يمكنك استخدام هذا المعيار في معالجة وتحديد مصدر الأخبار والأقوال ((Dale C. Allison, Constructing Jesus: Memory, Imagination, and History, Baker Academic, 2013, p. 7-8 )). وهنا نرجع ثانيةً للفرق بين التسويغ (justification) والمعرفة (knowledge). المؤرخ في بحث الأسئلة القديمة لا يستطيع الوصول إلى معرفة يقينية صحيحة، ولكنه يستطيع بناء صورة مُسوَّغة بأدواته مبنية على المعطيات المتاحة. تخيَّل لو كان هناك حدث ما، وكتب عنه 20 مصدرًا، منهم 10 يكتبون من منظور و10 يكتبون من منظور مضاد أو منافس، وضاع من المصادر هذه 17، منهم الـ 10 الذين يتكلمون من منظور مضاد. إذن، تبقَّى لك 3 مصادر. يمكنك أن تبني عليها كَمؤرخ صورة، وستكون مُسوَّغة في التصور الذي تبنيه؛ لأن هذه هي المعطيات الباقية لك، لكن لا يمكنك القول إن "انتشار الخبر" أو "البناء التاريخي" الذي قمت به يصل إلى اليقين، أو أنه مساوٍ للإدراك بالحس، أو أنه يصل إلى معرفة كاملة. أقصى ما يمكن تحقيقه هو تسويغ بناءً على المتاح. وهذا مفتاح لفهم دور المؤرخ. المؤرخ يبحث عن معرفة مُسوَّغة أو مُبرَّرة، ولكن غياب اليقين المطلق ليس مُبرِّراً لافتراض بدائل ليس عليها دليل أو "تسويغ". مثلًا، لو قدمت لك دليلًا تراكميًا على الصَّلب، بناءً على المعطيات المتاحة، فليس من حقك أن تفترض بديلًا وترفض دليلي التراكمي بناءً على لا يقينيَّة التاريخ. البديل الوحيد هو أن تقترح سيناريو بديلًا مُسوَّغًا ومدعومًا بالدليل. لكن اقتراحك لبديل بلا تسويغ أو دليل لا يقع في حيز عمل المؤرخ، لأن الافتراضات عددها لا نهائي، وبالتالي يجب أن تقدر على تحويل طرحك من مجرد كونه ممكنًا إلى كونه مُحتملًا، وبعد ذلك إلى كونه هو الاحتمال الأكثر ترجيحًا. أن تطرح احتمالًا ممكنًا لا ينفي تراكم الدليل الذي بنيته على أنه مُحتمل. الحل الوحيد هو أن تفنِّد دليلي وتقدم "دليلًا" بديلًا يجعل طرحك هو المرجَّح البديل. هناك نقطة أخرى مهمة، وهي أن عدد المصادر التي يعتمدها المؤرخ يختلف. فمثلًا، بعض الدارسين يعتبرون إنجيل بطرس وإنجيل توما مصدرين مهمين، بالرغم من أنهما إنجيلان غير معتبرين ضمن الأسفار القانونية للعهد الجديد. وهناك دارسون يعتبرون أنه لا يوجد مصدر الأقوال Q، ولديهم طريقة أخرى في شرح التقاطعات بين متى ولوقا (مثل أن لوقا استخدم متى مثلًا). ولكن تظل الأطروحة الأكثر استقرارًا، على الأقل حتى الآن، هي أطروحة المصدرين، أي إن متى ولوقا، بشكل منفصل ومستقل، استخدما مرقس ومصدر الأقوال Q في تشكيل رواياتهما لحياة يسوع ((چون إدورد، التقليد Q، جزء من سلسلة: المشكلة الإزائية. )). وهناك نسخة أخرى أكثر تفصيلًا وهي نظرية المصادر الأربعة. سنتناولها لاحقًا، وهي تقول إن متى ولوقا بشكل مستقل ومنفصل استخدما مرقس ومصدر الأقوال Q، وبالإضافة إليهما كان لمتى مصدر مستقل لبعض معلوماته (يسمى M)، وعند لوقا مصدر مستقل لبعض التفاصيل التي يسردها (يسمى L)، والذي يعتبره ماريون سوردز مصدرًا منفصلًا لرواية الآلام في لوقا 22. وسنتناول هذا في الجزء القادم عندما نطبق معيار الشهادات المتعددة على الصلب. إليك أمثلة لتطبيق معيار الشهادات المتعددة لكي تتمكن من تصور الفكرة: ما لقيصر وما لله الموقف الذي قال فيه يسوع أعطوا ما لقيصر لقيصر، وما لله لله موجود في مرقس 12: 13-17، ومتى 22: 15-22، ولوقا 20: 19-26، وإنجيل توما 100: 1-4، وإنجيل إيجرتون 3: 1-6. بالنسبة لمؤرخ يرى أن توما وإيجرتون مصدران مستقلان، يكون لديه ثلاث مصادر للموقف ((Robert W. Funk, The Five Gospels: What Did Jesus Really Say? The Search for the Authentic Words of Jesus, 1996, p. 102 )): مرقس (مصدر لمتى ولوقا)، وتوما وإيجرتون (بالرغم من أن إنجيل إيجرتون يروي القصة ويختمها بعبارة مختلفة قليلاً عن تلك الموجودة في الأناجيل الأخرى). أما لو كان لدى مؤرخ حُجَج كافية لنقد كون توما وإيجرتون ليسا مصدرين مستقلين، فسيكون لديه في النهاية مصدر واحد وهو مرقس. ستقول لي: إذن، الأمور غير واضحة. وسأقول لك: يجب أن تفهم الحُجج لكي تتمكن من تقييمها وتحديد أيها سيكون مقنعًا لك أكثر، كما اتفقنا، دراسة التاريخ ليست مجموعة من المسلمات اليقينية، بل تراكم من الترجيحات بناءً على الدليل. ولهذا، نعود ونقول: إن الباحثين يقولون إنه يجب استخدام المعايير جنبًا إلى جنب، ولا يمكننا الاعتماد على معيار واحد فقط. العشاء الأخير مثال ثان على تطبيق معيار الشهادات المتعددة هو كلمات يسوع في العشاء الأخير، في مرقس 14: 22-25. ولدينا مصدر آخر لها في كورنثوس الأولى 11: 23-26، وثالث في يوحنا 6: 51-58K بحسب تحليل چون پول ميير ((John P. Meier, A marginal Jew: rethinking the historical Jesus, Volume one, The Roots of the Problem and the Person, p. 174 )). في حين أن باحثي سيمينار يسوع يرون أن هذه النصوص كلها ترجع إلى مرقس وربما يوحنا، وكثير منهم يرجحون أن يسوع مارس طقسًا رمزيًا أثناء العشاء الأخير، لكنهم يرون أنه من الصعب تحديد ما قاله بالضبط في هذا الطقس. ودارسين آخرين يردون الصياغة لبولس، وإن كاتب إنجيل مرقس اعتمد على بولس فيها. في كل الأحوال، الذي نعرفه أن صياغة أقوال المسيح في العشاء الأخير قديمة في المجتمع المسيحي، ويختلف الباحثون في إمكانية ردها ليسوع نفسه، ولكن الكل متفق على أنها قديمة، وأن يسوع مارس طقسًا ما في هذه المناسبة، وأن الكنيسة استمرت في ممارسته، وإن كان البعض يرى أنها طورته وصبغته بصبغة لاهوتية مسيحية أكثر تعقيدًا. رئيس الشياطين يخرج الشياطين المثال الثالث الموجود في كتاب ديلبرت رويس بوركيت ((Delbert Burkett, An Introduction to the New Testament and the Origins of Christianity, Cambridge University Press; 1st edition, 2002 ))، هو الخلاف الذي حدث بين يسوع والكتبة والفريسيين في مرقس 3: 22 ((وأما الكتبة الذين نزلوا من أورشليم فقالوا: «إن معه بعلزبول! وإنه برئيس الشياطين يخرج الشياطين» (مرقس 3: 22) )). يقول بوركيت إن هذا الخلاف موجود في ثلاثة مصادر: مرقس و Q و M. ويعلّق عليه بأن معيار الشهادات المتعددة يساعدنا على معرفة التقاليد القديمة، لكنه يحذرنا أيضًا من أن هذا ليس دليلًا على أن يسوع قال الشيء أو أنه حصل بيقين، ولكنه كان معروفًا وسط الجماعات المسيحية المبكرة؛ لأنه بالتأكيد أسبق على المصادر الثلاثة السابقة الذكر، كما قال روبرت ستاين ودالي أليسون. ويضيف باحثو سمينار يسوع مصدرًا رابعًا لهذا الموقف من إنجيل توما: 35، 44، و 99. ويقولون إن الأقوال التي تجمعت في مرقس بجانب بعضها، غالبًا كانت متناثرة منتشرة وسط المسيحيين بشكل منفصل عن بعضها، وقام مرقس بجمعها. ويقول روبرت فنك إن الدليل الذي في مرقس و Q يبين أن تجميعة الأقوال هذه تشكلت في أكثر الفترات المُبكرة من حركة يسوع، ويُرجحون أن يسوع قال شيئًا شبيهًا بالقول الذي في مرقس 3: 27، النص الذي يقول: لا يستطيع أحد أن يدخل بيت قوي وينهب أمتعته، إن لم يربط القوي أولا، وحينئذ ينهب بيته ((Robert W. Funk, The Five Gospels: What Did Jesus Really Say? The Search for the Authentic Words of Jesus, 1996, p. 51 )). باختصار، كلّما تزايدت المصادر المستقلة لقول أو حدث، كانت احتمالية أن يرجع هذا القول أو الحدث إلى فترة مبكرة أكبر عند المؤرخ.  وبالتالي، لا يمكن مساواة ما عليه أربعة مصادر بما عليه مصدر واحد فقط. وعندما نصل إلى مناقشة موضوع الصلب في الجزء القادم، يجب أن تتذكر سؤالًا مهمًا: كم عدد المصادر القديمة المستقلة التي ترجع إلى الزمن والمنطقة اللذين حدث فيهما الحدث الذي نناقشه، لدى من يدّعي أن الصلب لم يحدث؟ وأذكرك أيضًا للمرة الثالثة أن باسيليدس نفسه لم ينكر رؤية الناس ليسوع يُصلب، بل قال إن ما رأوه كان شخصًا في صورة يسوع. أي أن القبول بطرح باسيليدس يعني إنكار الحس (إنكار مصداقية الحواس)، وهو المعيار الأول والأهم والأكثر موثوقية في الإبستمولوچيا. ولو أنكرت الحواس، فلن يكون هناك شيء آخر صالح للمعرفة. --- ### التصحيح الجريجوري والإصلاح القبطي - Published: ۲۰۲۵-۰٤-۰۸ - Modified: 2025-04-08 - URL: https://tabcm.net/37673/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أحد الشعانين, أحد توما, ألدن آدامز موسشمر, ألويسيوس ليليوس, أنبا متاؤس، أسقف دير السريان, الإصلاح البروتستانتي, التقويم القبطي, التقويم الهجري, الجمعة العظيمة, الروم الأرثوذكس, السنة اليوليانية, الصوم الكبير, العصور الوسطى, الفصح اليهودي, الكنائس الأرثوذكسية, الكنيسة الإثيوبية, الكنيسة الرسولية, الكنيسة الروسية, الكنيسة السريانية, الكنيسة القبطية, الكنيسة الكاثوليكية, المجمع المقدس, النور المقدس, اليسار, بابا شنودة الثالث, بروتستانت, تذكار ظهور الصليب, توحيد الأعياد, جايوس أوكتافيوس ثورينوس أغسطس قيصر, چيمس إيڤانز, حبيب جرجس, حساب الأبقطي, خديوي إسماعيل كامل, خميس العهد, دخول السيد المسيح أرض مصر, دخول السيد المسيح الهيكل, دير الآباء السريان, رأس السنة, سبت النور, شم النسيم, صعود جسد السيدة العذراء, صوم الرسل, صوم السيدة العذراء, صوم الميلاد, صوم يونان, عيد البشارة, عيد التجلي, عيد الختان, عيد الصعود, عيد العنصرة, عيد الغطاس, عيد الفصح, عيد القيامة, عيد الميلاد, عيد النيروز, عيد قانا الجليل, كريستوفر تيرمان, كريستوفر كلاڤيوس, كنيسة الإسكندرية, مجمع ترنت, مجمع نيقية, محمد علي باشا الكبير, وزارة الري والموارد المائية, يسى عبد المسيح لحل هذه المشكلة، عُقد مجمع أرثوذكسي شرقي مسكوني في القسطنطينية عام 1923 لمناقشة التقويم. تبنى هذا المجمع اقتراح العالم الفلكي الصربي ميلوتين ملانكوفيتش بإصلاح التقويم اليولياني الذي تستخدمه هذه الكنائس، وإقرار تقويم يولياني مُراجع أدق حسابيًا من التقويم الغريغوري مع مرور القرون، لاحظ علماء الفلك في الغرب أن الاعتدال الربيعي ابتعد كثيرًا عن موعده الأصلي، حتى أصبح، نتيجةً للخطأ المتراكم في التقويم اليولياني، يقع في 11 مارس في القرن السادس عشر الميلادي. وانعكس ذلك مباشرة على الخطأ في حساب موعد عيد القيامة، المرتبط بالاعتدال الربيعي وفقًا للقاعدة المذكورة سابقًا. توصل علماء الفلك في ذلك الوقت إلى أن السنة المدارية في المتوسط هي 365 يومًا و5 ساعات و48 دقيقة و46 ثانية ((وفقًا للحسابات الحديثة في العصر الحالي، تساوي السنة المدارية 365. 24219 يومًا، أي 365 يومًا و5 ساعات و48 دقيقة و45 ثانية، أي أقل بثانية تقريبًا عما تم حسابه في القرن السادس عشر. )). أي أنها أقصر من السنة في التقويم اليولياني بـ11 دقيقة و14 ثانية. وهذا هو ما جعل الاعتدال الربيعي في القرن السادس عشر يقع في 11 مارس، أي متأخرًا 12 يومًا عن موعده عند بدء التقويم اليولياني، و10 أيام عن موعده وقت مجمع نيقية. دفع ذلك مجمع ترنت عام 1545 ((مجمع ترنت: هو المجمع المسكوني التاسع عشر وفقًا للكنيسة الكاثوليكية، وانعقد بمدينة ترنت بشمال إيطاليا في الفترة من 1545 إلى 1563، وكان موجهًا بالأساس لمواجهة حركة الإصلاح البروتستانتية. )) للتصريح للبابا بولس الثالث لإيجاد حل لمشكلة التقويم. إلا أن البابا بولس وخلفاءه لم يستطيعوا الوصول إلى حل لهذه المشكلة حتى تولى البابوية البابا غريغوريوس الثالث عشر عام 1572. تبنى البابا غريغوريوس مقترح الفلكي الإيطالي لويجي جيجليو والذي صاغه في صورته النهائية الراهب اليسوعي كريستوفر كلاڤيوس (( James Evans, The History and Practice of Ancient Astronomy, Oxford University Press, 1998, p. 166-169 )). كان المقترح هو تصحيح التقويم بحيث يستمر حساب عيد القيامة بناءً على اعتدال ربيعي يقع يوم 21 مارس، كما كان وقت مجمع نيقية. وبناءً على ذلك، قرر البابا غريغوريوس في مرسوم صدر في 24 فبراير سنة 1582 تصحيح التقويم عن طريق حذف عشرة أيام من التقويم اليولياني ليقع الاعتدال الربيعي يوم 21 مارس مرة أخرى بدلًا من 11 مارس ((Alden A. Mosshammer, The Easter Computus and the origins of the christian era, 2008, p. 38 )). وبناءً عليه، تم حساب كيفية الحفاظ على الاعتدال الربيعي الفلكي ليتراوح دائمًا بين يومي 19 و21 مارس. ولكي يحدث ذلك، تم إقرار تعديل التقويم بجعل بعض السنين التي تقبل القسمة على 4 ليست بسنوات كبيسة لتقليل عدد الأيام الزائدة وتعويض الفرق البالغ 11 دقيقة و14 ثانية. وأصبحت القاعدة الجديدة هي جعل السنوات التي تقبل القسمة على 100 ولا تقبل القسمة على 400 سنوات ليست كبيسة ((متوسط السنة في التقويم الغريغوري، وفقًا لتلك القواعد، يساوي 365. 2425 يومًا، أي 365 يومًا و5 ساعات و49 دقيقة و12 ثانية. وهذا أطول بـ 26 ثانية عن السنة المدارية، التي حُسبت وقتها على أنها 365. 24219 يومًا، أي 365 يومًا و5 ساعات و48 دقيقة و46 ثانية. وبالتالي، يتراكم في ذلك التقويم هذا الخطأ ليوم واحد كل 3236 سنة. )). ولكي يتم تصويب التقويم، قرر البابا تنفيذ التعديل في أكتوبر 1582 عن طريق حذف عشرة أيام من التقويم، بجعل يوم 15 أكتوبر هو التالي مباشرة ليوم 4 أكتوبر في تلك السنة. وتم كذلك تعديل طريقة حساب عيد القيامة وفقًا للتقويم الجديد، كما سنشرح تفصيلاً لاحقًا. أقرت كل الدول التي تتبع الكنيسة الكاثوليكية هذا التعديل فورًا، بدايةً من الإمارات البابوية وممالك ومدن إيطاليا وإسبانيا والبرتغال وجميع الممالك الكاثوليكية الأخرى ومستعمراتها في العالم الجديد. ثم توالى إتباعه في أوروبا البروتستانتية تباعًا، بعد مقاومة استمرت لعشرات السنوات. وسمي التقويم الجديد بالتقويم الغريغوري (Gregorian Calendar)، نسبةً إلى البابا الذي تبنى هذا التقويم. ولفترة طويلة، كان يتم استخدام التقويمين جنبًا إلى جنب، تحت مسمى النظام القديم (Old Style (O. S. )) للتقويم اليولياني، والنظام الجديد (New Style (N. S. )) للتقويم الغريغوري. في مصر، استمر الاعتماد على التقويم القبطي للشهداء. وفي اليونان وشرق أوروبا الأرثوذكسية، استمر الاعتماد على التقويم اليولياني كالمعتاد. ونتيجة لذلك، عندما حدث التعديل الغريغوري للتقويم في تلك السنة، كان التقويم القبطي ما يزال عند يوم 18 كيهك في يوم 25 ديسمبر 1582. وبالتالي، لم يُحتفل بعيد الميلاد الموافق ليوم 29 كيهك إلا في 4 يناير 1583 وفقًا للتقويم الغريغوري الجديد. وبالتبعية، تحركت رأس السنة القبطية للشهداء، التي كانت توافق يوم 29 أغسطس عام 1582، لتصبح يوم 1 توت من العام 1300 للشهداء، وهو الموافق ليوم 9 سبتمبر 1583، نظرًا لأن العام السابق، 1299 للشهداء، كان عامًا كبيسًا. بينما في العام التالي، 1301 للشهداء، كانت بداية العام القبطي توافق 8 سبتمبر. بالتبعية، أصبح يوم 21 مارس 1583 يوافق يوم 15 برمهات. أي أن الاعتدال الربيعي، الذي يعتمد عليه الحساب الأبقطي في حساب عيد القيامة، وهو يوم 25 برمهات، أصبح يوافق يوم 31 مارس 1583. ومن هذا التاريخ، أضحى هناك اختلاف في تاريخ جميع الأعياد بين الكنائس الشرقية والكنائس الغربية. لم نشعر في مصر بهذا الفارق إلا عندما تبنى الخديوي إسماعيل عام 1875 التقويم الغريغوري ((صدر الدكريتو (القرار) الخديوي باتباع التواريخ الأفرنكية في مصر ابتداءً من 29 رجب 1293 هجرية الموافق للأول من سبتمبر 1875 ميلادية. )) (التقويم الأفرنكي كما كانوا يسمونه وقتها ((كان يتم استخدام تعبير "التوقيت الأفرنكي" كذلك لوصف استخدام ساعات اليوم المعتمدة على بداية اليوم عند منتصف الليل. وأشهر مثال على ذلك هو إمساكية رمضان التي تصدرها سنويًا مصلحة المساحة المصرية، وكانت تذيل حتى وقت قريب جدًا بتوقيت صلاة العيد، مع إضافة (بالتوقيت الأفرنكي) بين هلالين. ))) في المعاملات الحكومية بدلاً من التقويم الهجري، وبديلاً عن التقويم القبطي في الزراعة. وقتها، أصبح يوم 29 كيهك يوافق 6 يناير، و25 برمهات أصبح يوافق 2 أبريل، نتيجة تراكم الفرق بين التقويمين. وكذلك، أصبحت رأس السنة القبطية توافق 10 سبتمبر (11 سبتمبر في السنة القبطية الكبيسة). ولأن سنة 1900، وفقًا للتعديل الغريغوري، ليست كبيسة، بينما في التقويم القبطي كل أربع سنوات توجد سنة كبيسة دون استثناءات، تحرك التقويم القبطي يومًا إضافيًا. فأصبح عيد الميلاد يوافق 7 يناير بدلًا من 6 يناير، وأصبحت رأس السنة 11 سبتمبر بدلًا من 10 سبتمبر. كذلك، تحرك 25 برمهات إلى 3 أبريل، وهو ما جعل الفارق في موعد عيد القيامة بين الشرق والغرب يزداد. بينما بقي الوضع كما هو في القرن الحادي والعشرين؛ لأن سنة 2000، وفقًا للتعديل الغريغوري، سنة كبيسة. على مدى السنوات التالية لتبني الكنيسة الكاثوليكية للتقويم الغريغوري، بدأت الدول في أوروبا والعالم في تبنيه تدريجيًا. كان آخر من تبناه في أوروبا روسيا عام 1917، ثم رومانيا ويوجوسلافيا في عام 1918، وأخيرًا اليونان عام 1923. على الرغم من قبول هذه الدول للتقويم واستخدامه، رفضت الكنائس الأرثوذكسية الشرقية (الخلقدونية) Eastern Orthodox في هذه الدول تبني التقويم الغريغوري؛ لأنه في نظرهم كاثوليكي. لحل هذه المشكلة، عُقد مجمع أرثوذكسي شرقي مسكوني في القسطنطينية عام 1923 لمناقشة التقويم. تبنى هذا المجمع اقتراح العالم الفلكي الصربي ميلوتين ملانكوفيتش بإصلاح التقويم اليولياني الذي تستخدمه هذه الكنائس، وإقرار تقويم يولياني مُراجع (revised Julian calendar) أدق حسابيًا من التقويم الغريغوري، وذلك عن طريق زيادة عدد السنوات القابلة للقسمة على 100 المستثناة من كونها سنوات كبيسة. أصبحت القاعدة في التقويم الجديد أن كل السنوات التي تقبل القسمة على 100 ليست كبيسة، عدا السنوات التي يتبقى فيها 200 أو 600 عند قسمتها على 900. ووفقًا لذلك، يصبح هذا التقويم متطابقًا مع التقويم الغريغوري حتى عام 2800، حين يبدأ الفرق الحسابي الذي وضعه ميلانكوفيتش في الظهور ((متوسط السنة في التقويم اليولياني المعدل هو 365. 24222 يوماً، أي 365 يوماً و5 ساعات و48 دقيقة و48 ثانية. أي أنه أطول بثلاث ثوانٍ فقط عن السنة المدارية الدقيقة، وهو ما يجعل الخطأ المتراكم نتيجة لذلك في هذا التقويم يوماً واحداً كل 31 ألف و250 سنة. )). أقرت هذا التعديل تباعًا كنائس القسطنطينية واليونان وأنطاكية وبلغاريا ورومانيا وألبانيا والإسكندرية (للروم الأرثوذكس)، ورفضته في ذلك الوقت كنائس القدس وروسيا وصربيا ومقدونيا وبولندا وجورجيا وأوكرانيا، وأصرت على الاستمرار وفقًا للتقويم اليولياني القديم. وهكذا، أصبحت اليونان ورومانيا، على سبيل المثال، تحتفلان بعيد الميلاد في 25 ديسمبر، كما هو الحال في الغرب، بينما تحتفل به روسيا وصربيا وجورجيا في 7 يناير. ورغم تعديل التقويم وتحريك جميع الأعياد والمواسم لتتوافق مع التقويم الجديد، إلا أن جميع الكنائس الأرثوذكسية الشرقية ما زالت تحسب موعد عيد القيامة وفقًا للتقويم اليولياني قبل تعديله ((تبنت الكنيسة الأوكرانية التقويم اليولياني المعدل ابتداءً من الأول من سبتمبر عام 2023، وذلك عقب انفصالها رسميًا عن الكنيسة الروسية نتيجةً للغزو الروسي لأوكرانيا. واحتفلت للمرة الأولى بعيد الميلاد في موعده الجديد يوم 25 ديسمبر 2023. ))، ومع ذلك تحسب أيضًا جميع الأعياد المتغيرة الأخرى. استمرت الكنائس الأرثوذكسية المشرقية (اللا-خلقدونية) Oriental Orthodox، وهي كنائس الإسكندرية للأقباط الأرثوذكس، وأنطاكية للسريان الأرثوذكس، والكنيسة الرسولية للأرمن الأرثوذكس، والكنيسة الأرثوذكسية التوحيدية الإثيوبية، والأريترية، والكنيسة السريانية الهندية، في استخدام التقويم اليولياني أو تقويمها الخاص المشابه للتقويم اليولياني، مثل التقويم القبطي في حالة الكنيسة القبطية والتقويم الإثيوبي في حالة كنيسة إثيوبيا، حتى الآن. ولكن بعد تبني معظم الكنائس الأرثوذكسية الشرقية للتقويم اليولياني المعدل في الأعياد الثابتة، بدأ هذا الموقف في التغير. تبنت كنيسة الأرمن الأرثوذكس التقويم الغريغوري في عام 1923، وكذلك كنيسة أنطاكية للسريان الأرثوذكس التي تبنته عام 1954. ولهذا، تختلف الكنائس المشرقية في موعد الاحتفال بعيد الميلاد، بينما تتفق في موعد وطريقة حساب عيد القيامة. وبالتالي، أصبحت الغالبية العظمى من كنائس العالم تتبع التقويم الغريغوري (أو اليولياني المعدل الشبيه به) في الأعياد الثابتة وتحتفل بعيد الميلاد يوم 25 ديسمبر. ولم يبق على التقويم القديم سوى كنائس الإسكندرية للأقباط الأرثوذكس والكنيسة التوحيدية الإثيوبية والأريترية وكنائس روسيا وصربيا وجورجيا ((عدا الكنيستين الأرثوذكسيتين الفنلندية والإستونية اللتين تبنتا التقويم الغريغوري كليًا، بما في ذلك حساب عيد الفصح، لأسباب تاريخية تتعلق بفك الارتباط عن كنيسة روسيا. )). وهكذا، أصبح العالم كله، ومعه معظم الكنائس المسيحية في وقتنا الحالي، يتبع تقويمًا شمسيًا مدققًا، وفقًا للحسابات الفلكية الحديثة، والتي أثبتت أن السنة المدارية هي في المتوسط 365 يومًا وخمس ساعات و48 دقيقة و45 ثانية، مما أدى إلى ثبات مواعيد الفصول في أيام محددة من كل عام. بينما بقيت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ومعها عدد قليل من الكنائس، تستخدم التقويم المبني على سنة شمسية مقدارها 365 يومًا وست ساعات. وبالتالي، ما زال تقويمهم به خطأ يتراكم بمقدار يوم كامل كل 128 عامًا، أي أنه تقويم غير دقيق للاستخدام المدني، نظرًا لتحرك مواعيد الفصول الأربعة مبتعدة عن موعدها الطبيعي، وكذلك غير دقيق للاستخدام الطقسي، كون طريقة حساب عيد القيامة مرتبطة بموعد الاعتدال الربيعي، الذي أصبح مبتعدًا بمقدار 13 يومًا عن موعده.   إذن يمكن لنا  أن نقول: أن التقويم المدني المصري القديم كان تقويمًا غير ثابت، حيث كان متحركًا بالنسبة للفصول الأربعة، وفاقدًا للارتباط بشروق النجم سوتيس/سيريوس/الشعرى، ولا يتزامن بدء السنة مع هذا الشروق إلا مرة واحدة كل 1460 عامًا. التقويم القبطي الحالي هو التقويم الإسكندري، الذي أنشأه قرار الإمبراطور أغسطس قيصر في العام 26 قبل الميلاد. وليس له أي علاقة، من جهة موعد رأس السنة أو عدد الأيام، بالتقويم المدني المصري القديم. وهو مشابه في كل شيء للتقويم اليولياني الشمسي المداري، ولا علاقة له بشروق النجم سيريوس أو السنة النجمية، بل لا تنطبق مواسمه على المواسم الأصلية للتقويم المصري القديم. التقويم القبطي الحالي به خطأ يتراكم بمقدار يوم كامل كل 128 عامًا، وذلك لأن السنة فيه أطول من السنة المدارية بـ 11 دقيقة و15 ثانية. وقد أدى تراكم هذا الخطأ إلى ابتعاد التقويم عن مواعيد الفصول المدارية الأربعة بمقدار 13 يومًا حتى الآن. إن الفارق بين التقويمين القبطي والغريغوري يزداد بمقدار يوم واحد في السنوات الميلادية القرنّية التي لا تقبل القسمة على 400، مثل 1900 و2100. وبالتالي، سيتحرك التقويم يوماً إضافياً ابتداءً من سنة 2100 وآخر من سنة 2200، وهكذا. إن طريقة حساب موعد عيد الفصح/القيامة في الكنيسة القبطية، والمسماة بالأبقطي، بعد 18 قرنًا من إنشائها، ومع تحرك التقويم القبطي نسبةً إلى الفصول، أصبحت غير دقيقة في تحديد موعد العيد وفقًا لقاعدة مجمع نيقية المسكوني. وهو الموضوع الذي سنتناوله بالشرح المفصل في القسم الثاني من هذه الدراسة. إن ارتباط ظواهر مناخية أو مواسم زراعية بعينها بالشهور القبطية الحالية مرتبط بالتقويم السكندري بعد تثبيته في القرن الأول قبل الميلاد، وليس قبله، لأن التقويم المدني قبل ذلك كان متحركًا غير مرتبط بالمناخ أو الزراعة. ولم يكن المصري القديم يتبعه في الزراعة والحصاد، بل كان يتبع تقويمًا قمريًا مختلفًا عن التقويم المدني المتحرك. ومن هنا نستنتج أن الأمثال الشعبية العامية المرتبطة بأسماء الشهور هي وليدة العصور الوسطى بعد انتشار اللغة العربية بين المصريين. إن ثبات المواسم الزراعية الظاهري حتى الآن، نسبة إلى الشهور القبطية، لا يتعارض مع تحرك التقويم نسبة إلى الفصول. فالتأخر المتراكم منذ بدء تطبيق التقويم السكندري حتى الآن مقداره 13 يومًا فقط. وبالتالي، لن تختلف مواسم الزراعة مناخيًا كثيرًا، خاصة مع عدم ثبات موعد الفيضان وتحرك موعد بدئه من عام لآخر. مع ملاحظة أن مواسم الزراعة في مصر اختلفت جزئيًا، أولًا: بعد إنشاء قناطر محمد علي وسد أسوان، وثانيًا: بعد إنشاء السد العالي وانتظام الري طوال العام وعدم ارتباطه بالفيضان. أن تعامد الشمس على معبد الكرنك في الانقلاب الشتوي يوم 21 ديسمبر لا يعني دقة التقويم، بل يدل على دقة تصميم المعبد لدى المصريين القدماء، وارتباط ذلك بموعد الانقلاب الشتوي. حيث إن موعد الانقلاب الشتوي يتغير في التقويم عبر العصور مع تغير نظم التقويم المختلفة. وبالمثل، تعامد الشمس على معبد أبو سمبل، فأي نقطة على الأرض تتعامد عليها الشمس بنفس الزاوية مرتين كل عام، يفصل بينهما ستة أشهر، وهذا دليل على الإعجاز الهندسي، وليس على دقة التقويم. إن ظهور النور المقدس ليس مرتبطًا بيوم معين، بل بإقامة الصلاة في القبر المقدس من أجل ظهوره. ففي فترة احتلال الفرنجة للقدس، وقت الحملات الصليبية، واستيلاء اللاتين على كنيسة القيامة، والذي استمر لنحو 90 عامًا، ومنع بطريرك الروم من الصلاة فيها، لم يظهر النور المقدس، رغم احتفال اللاتين وقتها بعيد القيامة في نفس التوقيت الشرقي ((Christopher Tyerman, God's War: A New History of the Crusades, 2006, p. 231 )). أنه ليس صحيحًا أن قرارات المجمع المقدس غير قابلة للتعديل والتغيير. فقد نصت لائحته في المادة رقم 12: قرارات المجمع المقدس نهائية ولا يعاد النظر فيها سوى المجمع المقدس إذا تغيرت الأسباب التي أصدر حكمه بناءً عليها ((اللائحة الأساسية للمجمع المقدس، الإصدار الثاني، مارس ٢٠٢١، المادة ١٢ ))، أي أنه يملك إصدار قرار جديد بخصوص التقويم إذا رأى ذلك. وقد حدث في عهد مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث الكثير من التعديلات التي مست طقوس وصلوات الكنيسة المستلمة من الآباء الأولين ((على سبيل المثال، قرر المجمع المقدس في جلسته المنعقدة بتاريخ 29 مايو 1999 حذف عبارات من طقس صلاة السجدة التي تُصلى يوم عيد حلول الروح القدس. (الأنبا متاؤس، أسقف ورئيس دير السريان، القرارات المجمعية الخاصة بالطقوس الكنسية، الطبعة الأولى 2010. ) ))، بينما تعديل التقويم لا يمس الإيمان والطقوس في شيء، بل هو تصحيح فلكي وحسابي.   لماذا يجب تصحيح التقويم القبطي؟ أولا: أسباب علمية في التقويم القبطي الحالي، كما ذكرنا سابقًا، أصبح الاعتدال الربيعي، والانقلاب الصيفي، والاعتدال الخريفي، والانقلاب الشتوي –أي الفصول الأربعة التي تحدد بشكل كبير النشاط البشري من زراعة وعمل وغيرها– متأخرة حاليًا عن مواعيدها المفترضة في التقويم الأصلي بـ 13 يومًا. هذا الفرق يزداد يومًا إضافيًا كل 100 عام، وبالتالي يزداد اغتراب التقويم عن الظواهر الطبيعية مع مرور الوقت. وهذا ما ينتفي معه الغرض من التقويم، إذ أن التقويم من الأصل وُضع لمساعدة الناس على معرفة مواقيت الزراعة ومواعيد المواسم المختلفة. فإن انحرف التقويم عن ذلك، وجب تصحيحه. ثانيا: أسباب عقيدية وفقاً للأناجيل، فإن صلب وقيامة المسيح كانا في أسبوع الفصح اليهودي. فقد أكل المسيح العشاء مع تلاميذه ليلة اكتمال القمر، أي ليلة 14 نيسان في التقويم اليهودي. ويأتي هذا العيد اليهودي دائماً في فصل الربيع، مُتحركاً بين شهري آذار/مارس ونيسان/أبريل، كون التقويم اليهودي تقويمًا قمريًا شمسيًا. ولهذا وضعت القاعدة التي تنص على أن الاحتفال بالقيامة يجب أن يكون يوم الأحد التالي لاكتمال أول قمر بعد الاعتدال الربيعي (21 آذار/مارس - 25 برمهات). ولهذا استمرت كنيسة الإسكندرية القبطية الأرثوذكسية في حساب عيد القيامة بهذه الطريقة: الأحد التالي لاكتمال أول قمر بعد الاعتدال الربيعي وفقاً للتقويم القبطي (25 برمهات)، وإن وقع هذا القمر يوم أحد، يقع العيد في الأحد التالي له. ولكن 25 برمهات، مع مرور السنوات، لم يعد يتفق مع الاعتدال الربيعي، وكذلك 21 مارس في التقويم اليولياني. وهو ما دفع كنيسة روما لتبني التقويم الغريغوري، كما شرحنا سابقًا. ونتيجة لذلك، أصبح 25 برمهات يوافق الآن 3 أبريل في التقويم الغريغوري، الذي يستخدمه العالم كله. هذا الأمر يجعل عيد القيامة في بعض الأعوام يقع في شهر مايو، أي بعد قمرين كاملين من الاعتدال الربيعي الحقيقي (21 مارس) وبعد الفصح اليهودي بأكثر من شهر. وسيزداد هذا الفرق مع مرور السنين؛ فعلى سبيل التوضيح، بعد ثلاثة آلاف عام من الآن، سيكون 25 برمهات قد أصبح في نهاية أبريل، وبالتالي قد يأتي عيد القيامة في نهاية مايو أو بداية يونيو، أي بعد ثلاثة أقمار مكتملة بعد الربيع، مبتعدًا تمامًا عن الموعد الطبيعي له. وهذا يستوجب تصحيحه للعودة إلى القاعدة الموضوعة في مجمع نيقية والمتفقة مع نص الأناجيل. وإن كان هذا سيتطلب كذلك تصحيح الحساب الأبقطي، الذي يتم حساب موعد العيد عن طريقه، وهو ما سنتناوله تفصيلاً في القسم الثاني من هذه الدراسة. ثالثا: أسباب رعوية ضبط التقويم القبطي سيجعل موعد عيد الميلاد متفقًا مع موعد عيد الميلاد الغربي في 25 ديسمبر، وكذلك موعد عيد القيامة (في حالة تصحيح الحساب الأبقطي أيضًا)، وهو ما سيجعل حياة مئات الآلاف من المنتمين للكنيسة القبطية الأرثوذكسية في العالم كله أكثر سهولة. فأخيرًا، أعيادهم القبطية ستكون متزامنة مع الإجازات الرسمية للبلاد التي يعيشون فيها. ولا يجب هنا أن نخلط بين ضبط التقويم وتوحيد الأعياد. فضبط التقويم سيجعل مواعيد الأعياد واحدة، ولكنه لا يعني أن الكنيسة القبطية ستتحد إيمانيًا أو طقسيًا مع الكنائس الغربية. وهو ما فعلته عدد من الكنائس المتحدة معنا في الإيمان، مثل الكنيسة الأرمنية والكنيسة السريانية، اللتان تبنتا التقويم الغريغوري في الأعياد الثابتة، ولم يؤثر ذلك على إيمانهما.   أي التقاويم أدق ؟ دائمًا ما يكون السؤال عند إثارة موضوع ضبط التقويم هو: أي التقاويم أدق؟ السؤال يجب ألا يكون عن أي من التقاويم أدق، لأن كل تقويم به نسبة تقريب ونسبة خطأ. بل يجب أن يكون عن أي تقويم يخدم الغرض من تنظيم الأنشطة البشرية بصورة أفضل. فالغرض من التقويم هو تنظيم الفصول والمواسم بطريقة تتفق مع الظواهر الطبيعية. وإذا قارنا بين التقاويم المختلفة من جهة الدقة، سنجد أن نسبة الخطأ في تحديد الاعتدال الربيعي –الذي اتفق الجميع على اتخاذه معيارًا منذ البداية، ومع اعتبار السنة المدارية الشمسية مرجعًا كونها الأنسب لتنظيم الأنشطة البشرية– هي كالآتي: التقويم المدني المصري القديم (السنة 365 يومًا): الخطأ يوم كل أربع سنوات. التقويم اليولياني والتقويم السكندري (السنة 365 يومًا ويوم إضافي كل أربع سنوات): الخطأ يوم كل 128 سنة. التقويم الغريغوري (السنة 365 يومًا ويوم إضافي كل أربع سنوات، عدا السنوات التي تقبل القسمة على 100 إلا إذا كانت تقبل القسمة على 400): الخطأ يوم كل 3236 سنة. التقويم اليولياني المراجع (السنة 365 يوما ويوم اضافي كل أربع سنوات عدا السنوات التي تقبل القسمة على 100 إلا اذا كان باقي القسمة على 900 يساوي 200 أو 600): الخطأ يوم كل 31 ألف و250 سنة. التقويم اليولياني المُصحح (السنة 365 يومًا ويوم إضافي كل أربع سنوات، عدا السنوات التي تقبل القسمة على 100، إلا إذا كان باقي القسمة على 900 يساوي 200 أو 600) الخطأ: يوم كل 31,250 سنة. إذًا، لو كنا نبحث عن الأدق، فالتقويم اليولياني المُصحح المُستخدم حصرًا الآن ببعض الكنائس الأرثوذكسية الشرقية هو الأدق.   لماذا لا نعود لتقويم مبنى على السنة الفلكية النجمية؟ قد يطرح أحدهم أن ما يجب عمله ليس تصحيح التقويم القبطي ليتماشى مع السنة الشمسية المدارية، بل إعادة التقويم القبطي ليتبع السنة الفلكية النجمية التي كانت أساس ابتكاره في البداية. وعلى الرغم من أن السنة المصرية القديمة لم تكن سنة فلكية نجمية ولا سنة مدارية، كما شرحنا سابقًا، فلنتبع هذا الاقتراح ونرى ماذا سيحدث. لكي يتبع التقويم القبطي الحالي السنة الفلكية النجمية، يجب أولًا تحريك بداية العام القبطي لتكون 1 توت موافقة للشروق النجمي للنجم سيريوس، وهو ما يوافق الآن الثالث من أغسطس في التقويم الحالي عند خط عرض 30 (أي كما لوحظ قديماً عند منف وأون). هذا سيجعل عيد الميلاد (29 كيهك) يوافق يوم 29 نوفمبر بدلاً من يوم 7 يناير. ولأن السنة النجمية متوسطها 365,256 يومًا، أي تزيد بـ8 دقائق و9 ثوانٍ عن السنة في التقويم القبطي، وهي 365,25 يومًا، يجب إضافة يوم كبيس إضافي كل 166 عامًا ليبقى رأس السنة متزامنًا مع شروق النجم. ولأن السنة النجمية تزيد عن السنة المدارية بـ20 دقيقة و24 ثانية، فسوف يتحرك التقويم نسبةً إلى الفصول المدارية، كما يتحرك التقويم الحالي، ولكن معدل الحركة سيكون أسرع. حيث يتراكم الخطأ في موعد الفصول بمقدار يوم كل 71 عامًا، مقابل يوم كل 128 عامًا حاليًا. أي سنصل إلى نفس النتيجة، وهي ابتعاد الأعياد، وخاصة عيد القيامة، عن مواعيدها الطبيعية باستمرار، كون عيد القيامة مرتبط ارتباطًا مباشرًا بالاعتدال الربيعي، وكذلك بالفصح اليهودي، الذي يقع دائمًا في الربيع. إذن، لا فائدة من الاعتماد على سنة فلكية، في حين أن طريقة حساب عيد القيامة تعتمد على ظاهرة مرتبطة بالسنة المدارية، لا الفلكية.   أثر عدم تصحيح التقويم في حال عدم تصحيح التقويم، سيستمر تحرك مواعيد جميع الأعياد والمواسم المدارية بعيدًا عن مواعيدها الصحيحة. والجدول التالي يوضح ذلك: السنوات 1 توت عيد الميلاد 29 كيهك (28 كيهك) الاعتدال الربيعي النظري الاعتدال الربيعي الفلكي نطاق عيد القيامة 1582 29 أغسطس (30 أغسطس) 25 ديسمبر 21 مارس 11 مارس 23 مارس – 25 أبريل 1584 8 سبتمبر 4 يناير 31 مارس 21 مارس 2 أبريل – 4 مايو 1600 - 1699 8 سبتمبر (9 سبتمبر) 4 يناير 31 مارس 21 مارس 2 أبريل – 4 مايو 1700 - 1799 9 سبتمبر (10 سبتمبر) 5 يناير 1 أبريل 21 مارس 3 أبريل – 5 مايو 1800 - 1899 10 سبتمبر (11 سبتمبر) 6 يناير 2 أبريل 21 مارس 4 أبريل – 6 مايو 1900 - 1999 11 سبتمبر (12 سبتمبر) 7 يناير 3 أبريل 21 مارس 5 أبريل – 8 مايو 2000 - 2099 11 سبتمبر (12 سبتمبر) 7 يناير 3 أبريل 21 مارس 5 أبريل – 8 مايو 2100 - 2199 12 سبتمبر (13 سبتمبر) 8 يناير 4 أبريل 21 مارس 6 أبريل – 9 مايو 2200 - 2299 13 سبتمبر (14 سبتمبر) 9 يناير 5 أبريل 21 مارس 7 أبريل – 10 مايو 6100 - 6199 12 أكتوبر (13 أكتوبر) 8 فبراير 5 مايو 20 مارس ((بعد أكثر من 4500 عام من تطبيق التقويم الغريغوري، وإذا لم يتم تصحيحه، فسيبدأ الخطأ المتراكم به في الظهور بمقدار يوم واحد كل 3236 سنة، وبالتالي سيكون موعد الاعتدال الربيعي قد تحرك بمقدار يوم واحد في العام 6100 ميلادية. )) 7 مايو – 9 يونيو أي أنّه بعد 4 آلاف عام من الآن، سيكون عيد الميلاد قد أصبح في شهر فبراير، وعيد القيامة في مايو، مبتعدًا تمامًا عن موعده المفترض ومخالفًا لمقررات مجمع نيقية بخصوص العيد. وبالتبعية، سيصبح شم النسيم، وهو الذي يُحتفل فيه بقدوم الربيع، قرب بداية فصل الصيف.   وما العمل؟ العمل هو تصحيح التقويم القبطي للشهداء لكي يعمل وفقًا لأي من التقويمين الأكثر دقة، حتى تعود الأمور إلى نصابها وطبيعتها. إما أن تصحح الكنيسة التقويم القبطي وفقًا لطريقة التقويم الغريغوري الأكثر انتشارًا، أو وفقًا لطريقة التقويم اليولياني المُراجَع، الأكثر دقة من التقويم الغريغوري، أو تتبنى تصحيحًا آخر للتقويم القبطي يعيد المواقيت إلى مواعيدها الطبيعية. يجب أن يتم ذلك على خطوتين: الخطوة الأولى: هي تصحيح التقويم الحالي. فإذا قررنا هذا العام تصحيح التقويم، يجب علينا حذف ثلاثة عشر يومًا من العام القبطي الحالي ((من أوائل مَن ناقشوا تصحيح التقويم القبطي هو المتنيح الأنبا يسى عبد المسيح في مقاله المعنون التقاويم الشرقية، والمنشور بمجلة الكرمة في الجزء العاشر من السنة الثانية عشرة في ديسمبر 1926، ص 547-549. ومجلة الكرمة مجلة دينية أدبية تاريخية أنشأها الأرشيدياكون القديس حبيب جرجس عام 1914. ))، وهو عام 1741، حتى يعود الاعتدال الربيعي في 25 برمهات موافقًا للاعتدال الربيعي الحقيقي، وهو يوم 21 مارس. ويتم ذلك بأن تنتهي السنة مبكرًا في يوم 22 مسري ((وهو ما اقترحه المتنيح الدكتور جوزيف صدقي ميخائيل في كتابه التقويم المصري: تطور حلقاته وضبطه، وهو أستاذ أبحاث الفضاء بمعهد البحوث الفلكية والجيوفيزيقية بحلوان. نشر المعهد الكتاب عام 2000، وصدرت له طبعات أخرى، آخرها عام 2014. )) الموافق ليوم 28 أغسطس 2025 (بعد حذف الأيام من 23 حتى 30 مسري و5 أيام النسيء). ويبدأ العام الجديد 1742 يوم 29 أغسطس 2025 (1 توت). يثير هنا معارضي الإصلاح أن حذف 13 يومًا من السنة يعني عدم الاحتفال بالمناسبات الطقسية في تلك الفترة المحذوفة. والرد على ذلك هو أن هذه الفترة من العام الطقسي القبطي لا يوجد بها أعياد سيّديّة كبرى أو صغرى، ولا يوجد بها أصوام إلا صوم الأربعاء والجمعة. وبالتالي، يمكن كاستثناء في عام الإصلاح جمع كل تذكارات الشهداء والقديسين والاحتفال بها في آخر أيام العام، وهو يوم 22 مسري ((يقترح القمص يوحنا نصيف في بحثه الهام عن تصحيح التقويم القبطي، الذي نشره في ديسمبر 2014، أن يتم حذف الأيام الثلاثة عشر في شهر بابة، بحيث يلي يوم 3 بابة يوم 17 بابة، لنفس السبب: عدم وجود أعياد أو أصوام هامة في تلك الفترة. )). كذلك، يعترضون على تقصير المدة بين عيد البشارة، الذي سيكون في عام الإصلاح يوم 7 أبريل (29 برمهات)، وعيد الميلاد، الذي سيصبح 25 ديسمبر (29 كيهك)، لتصبح 262 يومًا بدلًا من تسعة أشهر كاملة، أي 270 يومًا. والحقيقة أن المدة حاليًا ليست 270 يومًا، بل 275 يومًا، أي تسعة أشهر وخمسة أيام. وعلى أي حال، لا يذكر الكتاب المقدس مدة حمل العذراء، وبالتالي هي اجتهاد بشري يجوز تعديله مؤقتًا لغرض أهم، وهو إصلاح التقويم وضبط الأعياد. الخطوة الثانية: تعديل طريقة حساب السنوات الكبيسة حتى لا يتراكم الخطأ في التقويم من جديد. ويمكن أن يتم ذلك بواحدة من الطرق الآتية: اتباع الطريقة الغريغورية والتي تستبعد السنوات القابلة للقسمة على 100، عدا السنوات التي تقبل القسمة على 400، من السنوات الكبيسة. ولأن التقويم القبطي تم ضبطه بحيث تكون السنة الكبيسة فيه في العام السابق للسنة الكبيسة في التقويم اليولياني، ستستمر قواعد حساب السنوات الكبيسة كما هي حتى يأتي العام 1815 للشهداء، لينتهي يوم 28 أغسطس 2099، ولا يكون عامًا كبيسًا، كون عام 2100 في التقويم الغريغوري (وكذلك في اليولياني المرجع) ليس كبيسًا. وهكذا في الأعوام القبطية التي تسبق الأعوام الغريغورية التي تقبل القسمة على 100. وستكون الأعياد (عدا عيد الميلاد) في النصف الأول من السنة الكبيسة القبطية زائدة يومًا عن مثيلاتها بالكنائس التي تتبع التقويم الغريغوري، كون اليوم الإضافي للسنة الكبيسة القبطية يضاف في نهاية شهر النسيء الموافق 29 أغسطس، بينما اليوم الإضافي في العام الغريغوري يضاف إلى شهر فبراير. بينما سوف تتطابق مواعيد الأعياد في السنوات البسيطة. وهو ما يمكن تبسيطه وفقًا للقاعدة التي شرحها المتنيح نجيب بولس ((نجيب بولس: كان مديرًا لضبط النيل بوزارة الأشغال العمومية (وزارة الري والموارد المائية حاليًا)، ونشر أكثر من بحث يقترح فيه تعديل التقويم القبطي. )) في بحثه الرائد ((نجيب بولس، ضبط التقويم القبطي، نشرة جمعية الآثار القبطية بالقاهرة، المجلد الحادي عشر لسنة 1945. )): أن تُعتبر السنوات التي رقمها الأولان هما 15 سنوات بسيطة إلا إذا كانت أرقامها التي تلي ذلك على اليسار مطروحًا منها 1 تقبل القسمة على 4 فتصير كبيسة، بمعنى: السنوات القبطية أرقام 1815، 1915، 2015، إلخ. تصبح سنوات بسيطة. والسنوات القبطية أرقام 2115، 2515، 2915، إلخ، تبقى سنوات كبيسة. بناءً على ذلك، ستصبح أهم الأعياد القبطية الثابتة للعام البسيط وفقًا للجدول التالي (وبين القوسين موعد نفس العيد في العام الكبيس): أسماء الأعياد التاريخ القبطي التاريخ الجريجوري عيد النيروز (رأس السنة القبطية) 1 توت 29 أغسطس (30 أغسطس) تذكار ظهور الصليب المجيد 17 توت 14 سبتمبر (15 سبتمبر) رفاع صوم الميلاد 15 هاتور 11 نوفمبر (12 نوفمبر) بدء صوم الميلاد 16 هاتور 12 نوفمبر (13 نوفمبر) عيد الميلاد المجيد 29 كيهك (28 كيهك) 25 ديسمبر عيد الختان (سيّدي صغير) 6 طوبه 1 يناير (2 يناير) عيد الغطاس (سيّدي كبير) 11 طوبة 6 يناير (7 يناير) عيد قانا الجليل (سيّدي صغير) 13 طوبة 8 يناير (9 يناير) دخول المسيح الهيكل (سيّدي صغير) 8 أمشير 2 فبراير (3 فبراير) عيد البشارة المجيد (سيّدي كبير) 29 برمهات 25 مارس دخول المسيح أرض مصر (سيّدي صغير) 24 بشنس 19 مايو عيد الرسولين بطرس وبولس 5 أبيب 29 يونيو رفاع صوم السيدة العذراء 30 أبيب 24 يوليو أول صوم السيدة العذراء 1 مسرى 25 يوليو عيد التجلي (سيدي صغير) 13 مسرى 6 أغسطس صعود جسد السيدة العذراء 16 مسرى 9 أغسطس بينما تُحسب الأعياد المتحركة المعتمدة على موعد عيد الفصح بعد حساب موعده، فعلى سبيل المثال، في العام القبطي القادم 1742، سيكون موعد العيد كالآتي: الاعتدال الربيعي يوم 25 برمهات (الموافق 21 مارس 2026 بعد التصحيح)، واكتمال القمر الأول بعد الاعتدال الربيعي سيكون يوم الأربعاء 1 أبريل 2026. إذن، عيد القيامة سيكون الأحد الذي يليه، أي يوم 5 أبريل 2026، الموافق 10 برمودة 1742. وبناءً على ذلك، تتحدد مواعيد كل الأعياد الأخرى وفقًا للجدول التالي: أسماء الأعياد التاريخ القبطي 1742 التاريخ الجريجوري 2026 رفاع صوم يونان 1 أمشير 26 يناير 2026 أول صوم يونان 2 أمشير 27 يناير 2026 رفاع الصوم الكبير 15 أمشير 9 فبراير 2026 أول الصوم الكبير 16 أمشير 10 فبراير 2026 أحد الشعانين (سيّدي كبير) 3 برمودة 29 مارس 2026 خميس العهد (سيّدي صغير) 7 برمودة 2 أبريل 2026 الجمعة العظيمة 8 برمودة 3 أبريل 2026 سبت النور 9 برمودة 4 أبريل 2026 عيد القيامة المجيد (سيّدي كبير) 10 برمودة 5 أبريل 2026 شم النسيم 11 برمودة 6 أبريل 2026 أحد توما (سيّدي صغير) 17 برمودة 12 أبريل 2026 عيد الصعود (سيّدي كبير) 19 بشنس 14 مايو 2026 عيد العنصرة (سيّدي كبير) 28 بشنس 23 مايو 2026 أول صوم الرسل 29 بشنس 24 مايو 2026   أتباع الطريقة اليوليانية المراجعة وهي التي تُستبعد من السنوات الكبيسة، السنوات القابلة للقسمة على 100، عدا السنوات التي يكون باقي قسمتها على 900 يعطي 200 أو 600. فإذا اتبعنا تلك الطريقة، ستكون طريقة حساب السنوات الكبيسة مطابقة للطريقة الغريغورية حتى العام 2800. حيث إنّه وفقًا للطريقة اليوليانية المراجعة، سيكون العام 2800 غير كبيس، وهو ما يستوجب أن يكون العام القبطي الذي يسبقه غير كبيس هو كذلك. وبالتالي، تصبح مواعيد الأعياد مطابقة للجداول السابقة.   اتباع طرق أخرى وإن لم نرد اتباع أي من هاتين الطريقتين السابقتين في حساب السنوات الكبيسة، يمكننا ابتكار طريقتنا الخاصة عن طريق حذف يوم كل 128 عامًا من تقويمنا لتصحيح الخطأ به. فلو تم تصحيح التقويم هذا العام (2025) بحذف 13 يومًا، سيكون العام القبطي الواجب ألّا يكون كبيسًا بعد 128 عامًا، أي سيجيء في العام 2153 (الموافق لعام 1870 للشهداء)، وهكذا كل 128 عامًا. ولكن اتباع هذه الطريقة الفريدة في احتساب السنوات الكبيسة قد يعرض القائمين على التقويم للخطأ أو السهو في المستقبل.   في الختام، فالكنيسة القبطية الأرثوذكسية أمام خيارين: الأول هو التمسك بالتقويم القبطي كما هو، مما يعني تحرك الأعياد الثابتة والمتحركة نسبةً إلى السنة المدارية والفصول الأربعة. وهذا سيؤدي إلى وقوع عيد الميلاد بعد أربعة آلاف عام، على سبيل التوضيح، في 9 فبراير. وبالتبعية، سيقع عيد القيامة في الفترة بين 7 مايو و9 يونيو، أي بعيدًا تمامًا عن الاعتدال الربيعي، وهو موعده المحدد وفقًا لمجمع نيقية. ومع ذلك، سيتحرك عيد شم النسيم، وهو الاحتفال المصري القديم بالربيع والذي نحتفل به الآن في اليوم التالي لعيد القيامة، مبتعدًا عن الربيع ليصبح قرب بداية فصل الصيف. الخيار الثاني: هو أن تبادر الكنيسة بإصلاح التقويم القبطي، بما يعيد الأعياد والمواسم إلى مواعيدها الطبيعية وفقًا لأي من الطرق التي ذكرناها، وذلك عن طريق لجنة من علماء الفلك والتقويم. وهذا سيحقق أيضًا وحدة مواعيد الأعياد مع جميع كنائس العالم كنقطة بداية للوحدة المسيحية المأمولة. --- ### محكمة الشعب - Published: ۲۰۲۵-۰٤-۰۷ - Modified: 2025-04-08 - URL: https://tabcm.net/37080/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أبو العلاء أحمد حسن المودودي, إبراهيم الطيب إبراهيم صقر, إبراهيم عبد الهادي باشا المليجي, إيميل جوستاڤ فريدرك مارتن نيمولر, اتفاقية الجلاء, الأصولية, الإخوان المسلمين, الديمقراطية, الشيوعية, بروتستانت, ثورة ٢٣ يوليو, جريدة الشهاب, جمال مصطفى سالم, حزب التحرير الإسلامي, حسن أحمد عبد الرحمن محمد البنا, حسن إسماعيل الهضيبي, حسين محمود حسن الشافعي, رئيس جمال عبد الناصر, رئيس محمد أنور السادات, رئيس محمد نجيب, سعد حجاج, سعيد رمضان, سيد قطب إبراهيم حسين الشاذلي, عبد الحكيم عامر, عبد العظيم أحمد لقمة, عبد القادر عودة, عبد المجيد حسن, عبد المنعم عبد الرؤوف بسيم أبو الفضل, مجلس قيادة الثورة, محمد خميس حميدة, محمد عبد الرحمن البقري, محمد فرغلي, محمد مصطفى خميس, محمود عبد اللطيف محمد, محمود فهمي النقراشي باشا, مصطفى أحمد صالح سالم الختال العالم, ملك فاروق, مناع خليل القطان, منظمة المؤتمر الإسلامي, هنداوي سيد أحمد دوير, يوسف عز الدين محمد طلعت في ألمانيا، عندما اعتقلوا الشيوعيين، لم أبالِ؛ لأنني لست شيوعيًا. وعندما اضطهدوا اليهود، لم أبالِ؛ لأنني لست يهوديًا. ثم عندما اضطهدوا النقابات العمالية، لم أبالِ؛ لأني لم أكن منهم. بعدها، عندما اضطهدوا الكاثوليك، لم أبالِ؛ لأني بروتستانتي. وعندما اضطهدوني، لم يبقَ أحدٌ حينها ليدافع عني (مارتن نيمولر، لاهوتي وقس ألماني، اشتهر بمعاداته للنازية) في ألمانيا، عندما اعتقلوا الشيوعيين، لم أبالِ؛ لأنني لست شيوعيًا. وعندما اضطهدوا اليهود، لم أبالِ؛ لأنني لست يهوديًا. ثم عندما اضطهدوا النقابات العمالية، لم أبالِ؛ لأني لم أكن منهم. بعدها، عندما اضطهدوا الكاثوليك، لم أبالِ؛ لأني بروتستانتي. وعندما اضطهدوني، لم يبقَ أحدٌ حينها ليدافع عني. (مارتن نيمولر، لاهوتي وقس ألماني، اشتهر بمعاداته للنازية) بعد شهور قليلة من انقلاب ناصر العسكري على الملك فاروق، شكل عبد الناصر محكمة عسكرية حكمت على إبراهيم عبد الهادي باشا، رئيس الوزراء السابق، بالإعدام شنقًا. خفف محمد نجيب الحكم إلى السجن المؤبد. وجاءت المحاكمة بالكامل إرضاءً للإخوان المسلمين، حيث إنه عندما كان إبراهيم عبد الهادي رئيسًا للوزراء عام 1949، اعتقل عددًا كبيرًا من أعضاء الجماعة ونكل بهم، في أعقاب اغتيال عبد المجيد حسن، عضو التنظيم السري للنقراشي باشا، رئيس الوزراء. فقد كان عبد الناصر يطمع في تأييدهم له بسبب شعبيتهم. بعد أربع أيام من حادث المنشية، وفي 1 نوفمبر 1954، تم تشكيل محكمة عسكرية لمحاكمة المدنيين المتهمين في حادثة المنشية. وكانت هذه المحكمة هي نفسها محكمة الشعب التي أسستها ثورة 23 يوليو فور قيامها، وسط تأييد ومباركة كل القوى التي دعمت الثورة، وعلى رأسهم الإخوان المسلمون. فالمعروف أن شرعية أي محكمة ثورية تأتي من موافقة القوى الوطنية عليها. ولما كان الإخوان المسلمون قد رحبوا بأحكام محكمة الشعب العسكرية ضد إبراهيم عبد الهادي، خصمهم اللدود، وضد مصطفى خميس ومحمد البقري، عمال كفر الدوار، وضد الوفديين، فليس لهم الحق في رفض المحكمة عندما تحاكمهم هم. صدر قرار تشكيل المحكمة في الأول من نوفمبر، وقُضي بأن تكون جلساتها علنية، ومقرها مجلس قيادة الثورة، وألا تُقبل أحكامها النقض. شُكلت من رئيس المحكمة، قائد جناح جمال مصطفى سالم، وعضوية قائمقام أنور السادات (عضو يمين)، والبكباشي حسين الشافعي (عضو شمال). وفي 9 نوفمبر، بدأت محاكمة محمود عبد اللطيف أمام محكمة الشعب، وكانت وقائعها تُبث إذاعيًا. استمرت محاكمة عبد اللطيف اثنتي عشرة جلسة، وخلالها تم مواجهته بقيادات وأعضاء الجماعة الذين اعتبروا شهودًا، ومنهم حسن الهضيبي الذي نفى إصداره أوامر بقتل عبد الناصر. ولحظتها بكى عبد اللطيف، بل إن الهضيبي قد أرسل رسالة إلى عبد الناصر نفى فيها علمه بالجريمة وبما يدور في التنظيم السري، وأقر أن محمد فرغلي وخميس حميدة هما المسؤولان عنه. كما ذكر أنه استقال من رئاسة الجماعة أكثر من مرة لقناعته بعدم صلاحيته لقيادتها، وطلب لقاء عبد الناصر لتوضيح الأمر. أما عبد القادر عودة فقد أرسل إلى ناصر رسالة طويلة، وضع فيها خطة للإصلاح بين الثورة والإخوان، تقضي بقيامهم بحل التنظيم السري وتشكيلات الإخوان في الجيش والشرطة وتسليم أسلحتهم، وهو ما كان يطالب به ناصر قبل الحادث بأكثر من سنة. أمام محكمة الشعب، انهار محمود عبد اللطيف، وقدّم اعترافات مفصلة بأن هنداوي دوير، رئيسه في التنظيم السري في إمبابة، هو من حرّضه على قتل عبد الناصر، وأنه سلّمه المسدس قبل الحادث بيومين، وشرح له ولزميله سعد حجاج، المكلف الثاني بمحاولة اغتيال عبد الناصر، أن اتفاقية الجلاء التي وقعها ناصر مع الإنجليز في 19 أكتوبر 1954 هي خيانة للوطن. وأكد عبد القادر عودة، أثناء دفاعه عن نفسه أمام محكمة الشعب، أن عبد الناصر كان قد طالب الإخوان في يوليو 1953 بحل النظام الخاص، وكرر ذات الطلب أثناء لقاء مجلس قيادة الثورة مع مكتب إرشاد جماعة الإخوان في مقر إقامة عبد الحكيم عامر في سبتمبر أو أكتوبر 1953، على حد قوله. وأنه شخصيًا كان يوافق ناصر الرأي. واعترف هنداوى دوير أمام محكمة الشعب أن إبراهيم الطيب، المسؤول عن التنظيم السري في القاهرة، هو من أعطاه الأوامر وسلّمه المسدس، وأكد له أن الأوامر صادرة من المرشد ذاته. كما سلّمه حزامًا ناسفًا يرتديه عبد اللطيف ويحتضن عبد الناصر ليموتا معًا. واعترف يوسف طلعت، رئيس التنظيم السري، بأنه هو من سلّم الحزام إلى الطيب، واعترف أيضًا بامتلاكهم أسلحة ومعدات عسكرية وملابس للبوليس الحربي كانت ستستخدم في مهاجمة مجلس الوزراء وخطف مجلس قيادة الثورة بالكامل واعتقالهم، ومن ثم الاستيلاء على الحكم، وهي الخطة التي رسمها لهم عبد المنعم عبد الرؤوف. حكمت محكمة الشعب في الرابع من ديسمبر بالإعدام على عدد من الإخوان المتورطين في الحادث، وهم: محمود عبد اللطيف، سمكري بإمبابة، ويوسف طلعت، تاجر حبوب بالإسماعيلية، وهنداوي دوير، محامٍ بإمبابة، وإبراهيم الطيب، محامٍ، وعبد القادر عودة، محامٍ، ومحمد فرغلي، واعظ بالإسماعيلية. وأخيرًا، حسن الهضيبي المرشد العام للإخوان، الذي خُفف عليه الحكم إلى الأشغال الشاقة المؤبدة نظرًا لكبر السن، كما قالت المحكمة في حيثياتها، فقد كان الهضيبي في ذلك الوقت قد وصل السبعين عامًا. لكن الحكم نفذ في عبد القادر عودة بالإعدام شنقًا، وحُكم على سيد قطب بالسجن لمدة خمسة عشر عامًا بتهمة الاشتراك في تنظيم يستهدف قلب نظام الحكم بالقوة المسلحة. وقرر مجلس قيادة الثورة حل جماعة الإخوان المسلمين لتكوينهم منظمات سرية في الجيش والبوليس وفي الجامعات، ولتفاوضهم سرًا مع الإنجليز حول الجلاء مما صعب موقف المفاوض الرسمي. ويروي د. رفعت السعيد، رئيس حزب التجمع، شهادته عن لحظة تنفيذ الحكم؛ لأنه كان معتقلًا في هذا الوقت في نفس السجن، فيقول: أول من رأيت كان يوسف طلعت... شهادتي أنه كان تقريبًا مُغمى عليه من شدة الخوف... الأكثر شجاعة كان عبد القادر عودة، وكان موقفه مذهل... واحد نازل يموت وعمال يهتف بصوت جهوري ويقول: "لست أبالي حين أقتل مسلمًا على أي جنب كان، في الله مصرعي". (رفعت محمد السعيد، رئيس حزب التجمع) بعد حادث المنشية، أمر عبد الناصر بإطلاق سراح إبراهيم عبد الهادي، الذي لم يكن قد نُفذ فيه حكم الإعدام بعد، نكايةً في الإخوان. فقد حُكم عليه بالإعدام لإرضائهم، وأُطلق سراحه نكايةً فيهم. وطارد ناصر فلول الإخوان، واعتقل الآلاف منهم، معظمهم أعضاء النظام الخاص الذي رفض الإخوان حله بعد الثورة. وبدأ الإخوان يلفظون أنفسهم بعد هذه الضربات الساخنة، وتبِع ذلك هروب أفواج إلى الخارج. مشاعري معهم، مع الإخوان، رغم أنهم تخلوا عني وعن الديمقراطية ورفضوا أن يقفوا في وجه عبد الناصر إبان أزمة مارس، بل وقفوا معه وساندوه، بعد أن اعتقدوا خطأً أنهم سيصبحون حزب الثورة وأنهم سيضحكون على عبد الناصر ويطوونه تحتهم. فإذا بعبد الناصر يستغلهم في ضربي، وفي ضرب الديمقراطية، وفي تحقيق شعبية له بعد حادث المنشية. إن الإخوان لم يدركوا حقيقة أولية، وهي أنه إذا ما خرج الجيش من ثكناته فإنه حتمًا سيطيح بكل القوى السياسية والمدنية، ليصبح هو القوة الوحيدة في البلد، وأنه لا يفرق في هذه الحالة بين وفدي وسعدي ولا بين إخواني وشيوعي، وأن كل قوة سياسية عليها أن تلعب دورها مع القيادة العسكرية ثم يُقضى عليها. لكن، لا الإخوان عرفوا هذا الدرس ولا غيرهم استوعبه. ودفع الجميع الثمن، ودفعته مصر أيضًا، دفعته من حريتها وكرامتها ودماء أبنائها. فالديكتاتورية العسكرية لا تطيق تنظيمًا آخر، ولا كلمة أخرى، ولا تتسع الأرض إلا لها ولا أحد غيرها. لقد قتلت الثورة كل معايير التعامل مع البشر... الذين قاموا بها طحنتهم... والذين نافقوها رفعتهم... وتعجبت. (محمد نجيب، كنت رئيسًا لمصر) الهروب الكبير بدأت الموجة الأولى لهروب الإخوان خارج مصر عقب ضربة 1954، بعد أن أُعدم ستة من قادتهم، ودخل عدد كبير منهم السجن. ارتحل الإخوان إلى أغلب دول الخليج، خاصة الكويت وقطر، ثم البحرين والإمارات بنسبة أقل، لكن أكثر المناطق التي قصدها الإخوان كانت المملكة العربية السعودية. شكلت المملكة العربية السعودية الملاذ الأول لقيادات الجماعة وكوادرها الهاربة من ملاحقات النظام الناصري، ففتحت أبوابها لأعضاء الجماعة الهاربين، ومنحت جنسيتها لعدد كبير من رموزها وقادتها. فقد لعب سعيد رمضان، صهر حسن البنا، دورًا مهمًا في تأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي بدعم سعودي، وأصبح الشيخ مناع القطان الأب الروحي لإخوان المملكة وعلمًا دينيًا هناك، ثم الشيخ عشماوي سعيد، ومصطفى العالم، وعبد العظيم لقمة، الذي بدأ نشاطًا اقتصاديًا في المملكة حتى صار واحدًا من كبار أثرياء الإخوان في العالم. وتزامنت الموجة الأولى من سعودة الإخوان مع تراجع موقعهم في الحياة السياسية المصرية في عهد عبد الناصر بفعل الضربات الأمنية والملاحقة المستمرة، والغياب التام عن الحياة العامة، كما غاب الإخوان عن الفضاء الديني في مصر وقتها، تحت سطوة المصادرة والنقد العنيف الموجه إليها حتى من قبل المؤسسة الدينية. كان الشاب سعيد رمضان من أكثر الأعضاء قربًا من البنا، خصوصًا بعد زواجه من ابنته. في عام 1945، سافر رمضان إلى القدس، ولاحقًا إلى عمّان ودمشق وبيروت من أجل افتتاح فروع لمراكز الإخوان في تلك المدن. في عام 1946، عيّنه حسن البنا سكرتيرًا شخصيًا ومحررًا في جريدة الشهاب الإخوانية. في عام 1947، وصل عدد مكاتب الإخوان في فلسطين إلى 25 مكتبًا، وبلغ عدد أفراده نحو 20 ألف فرد، وكل ذلك في فترة قصيرة بسبب دهاء سعيد رمضان. لم يكتفِ رمضان بالعواصم العربية، بل اتجه أيضًا إلى الدول الإسلامية، ومنها باكستان، حيث نجح في تأسيس حركة إخوانية باكستانية بزعامة أبي الأعلى المودودي. نال رمضان مساحة إعلامية واسعة في باكستان وعاش هناك بعد اغتيال البنا، ولم يعد إلى مصر إلا في عام 1950. قبل عودته إلى مصر، كان رمضان قد نجح في تأسيس كتيبة عسكرية من الطلبة الأصوليين تحت اسم تنظيم الطلبة المسلمين. وعلى مستوى الأردن وفلسطين، نجح رمضان في تأسيس حركة شبيهة تحت اسم حزب التحرير الإسلامي، وتوسع في الانتشار في الأردن إلى أن أصبح مقره الرئيسي في ألمانيا. قادت نجاحات سعيد رمضان المتعددة الولايات المتحدة إلى ضرورة استمالته واتخاذه حليفًا لها، واستقباله استقبال الملوك في البيت الأبيض عام 1953، وكان رمضان حينها يبلغ من العمر 27 عامًا فقط. كذلك، احتضنت سويسرا رمضان ووافقت بمباركة أمريكية على تأسيس مركزه الإسلامي في جنيف في الستينيات، وذلك بسبب مواقفه المناهضة للشيوعية التي تحاربها سويسرا أيضًا. عمل سعيد رمضان بإخلاص وتفانٍ من أجل الحركة الإخوانية، وتوفي عام 1995 في سويسرا. ويُعتبر سعيد رمضان الأب الروحي والمؤسس الحقيقي للتنظيم الدولي للإخوان. --- ### الأنبا باخوميوس.. قديس الإدارة - Published: ۲۰۲۵-۰٤-۰٦ - Modified: 2025-04-06 - URL: https://tabcm.net/38101/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: أنبا إيساك، الأسقف العام, أنبا باخوميوس، مطران البحيرة, أنبا بولا، مطران طنطا, أنبا بيشوي، مطران دمياط وكفر الشيخ, أنبا تكلا، مطران دشنا, أنبا يوأنس، أسقف أسيوط, إكليروس, الإخوان المسلمين, التيار العلماني القبطي, العلمانية, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, رئيس محمد محمد مرسي عيسى العياط, كنيسة الإسكندرية, ماسبيرو لقد كان الأنبا باخوميوس بحق رجل الله، البابا الذي لا رقم له، والذي تمنى بعض السياسيين لو أنه أدار المرحلة الانتقالية في مصر بعد ٢٥ يناير ٢٠١١، كما أدار الكنيسة بهدوء وحكمة، ولم تجرفه شهوة الكرسي ولا السلطة، ورحل بشيبة صالحة بعدما تحمل آلام المرض في سنواته الأخيرة نشأنا خلال العقود السبعة الأخيرة على مفهوم محدد للقداسة في كنيسة الإسكندرية القبطية، وهو أنها تنحصر في الماورائيات والأمور الخارقة للطبيعة أو غير المنطقية. كان يُنظر إلى القديس على أنه من يسير على الماء ويشفي الأمراض المستعصية. لكن الأنبا باخوميوس، مطران البحيرة ومطروح والخمس مدن الغربية في ليبيا، والذي رحل عن عالمنا يوم الأحد الماضي، ٣٠ مارس ٢٠٢٥، عن عمر ناهز التسعين عامًا، أسس مفهومًا جديدًا للقداسة خلال فترة إدارته للكنيسة في وقت عصيب على مصر كلها بين ١٧ مارس و١٨ نوفمبر ٢٠١٢. ورغم أنها فترة ثماني أشهر، فقد تركت أثرًا في كل من تابع عمله. حصل الأنبا باخوميوس على لقب البابا بلا رقم نظرًا للكفاءة والحنكة اللتين أدار بهما الكنيسة، في وقت كانت فيه مصر تعاني من حالة سيولة بعد أحداث يناير ٢٠١١. ومع انتشار حوادث عنف لم يُعرف المسؤولون عنها حتى الآن في شارع محمد محمود وأمام مجلس الوزراء وماسبيرو، واعتداءات طائفية على المسيحيين في محافظة الجيزة في قرية أطفيح (مارس ٢٠١١) وحي إمبابة (مايو ٢٠١١)، مهدت كل هذه الأحداث لوصول جماعة الإخوان المسلمين إلى الحكم. ويرحل البابا شنودة، الذي اشتد عليه المرض في آخر سنة، عن عمر يناهز ٨٩ عامًا، مما صعّب مهمة القائمقام البابوي. لكن الأنبا باخوميوس، بالرغم من المهمة الصعبة، تعامل بكل حكمة ورويّة في إدارة شؤون الكنيسة. وكان همه الشاغل هو اختيار بابا جديد للكنيسة، خاصة مع وجود الإخوان في الحكم، مما صعّب المهمة في ظل وجود لائحة ١٩٥٧ لاختيار البابا، التي عفا عليها الزمن في قواعدها وشروطها التي لم تعد تناسب العصر. ورغم وعوده بتغييرها عند اختياره بطريركًا في ١٤ نوفمبر ١٩٧١، رفض البابا شنودة إجراء أية تعديلات عليها حتى مماته. عمل الأنبا باخوميوس من خلال اللائحة المعيبة والمقيدة، وأُجريت الانتخابات، وبعدها القُرعة الهيكلية، وصولًا إلى اختيار الأنبا تواضروس، أسقف عام البحيرة وقتها، ليكون البابا رقم ١١٨ في بابوات الإسكندرية. وللوصول إلى هذه اللحظة، اتخذ الأنبا باخوميوس العديد من الإجراءات والقرارات التي احتاجت إلى حكمة وشجاعة وشخصية تتمتع بحسم القيادة. إعطاء العيش لخبازه كان الأنبا باخوميوس يضع صورة البابا شنودة الثالث على الكرسي الذي كان يجلس عليه، وكان يجلس في كرسي مجاور له في جميع اللقاءات المختلفة. كان يعرف أنه يسيّر أعمال الكنيسة ولا يرغب في الجلوس على كرسي البابا. وعلى عكس طريقة البابا شنودة صاحب الكاريزما القوية، اتبع الأنبا باخوميوس نهجًا مختلفًا، فكان يرى أن دوره أن يكون مديرًا وليس زعيمًا. كان يختار الأشخاص المناسبين لأداء المهام المختلفة بين إكليروس، سواء أساقفة أو كهنة، أو علمانيين من أصحاب التخصصات المختلفة، خاصة القانونية. ولا يُخفى أن المساعد الأبرز للأنبا باخوميوس في إدارة العملية الانتخابية وإجراءاتها كان الأنبا بولا، مطران طنطا الحالي والنائب البابوي على إيبارشية البحيرة بعد رحيل البابا شنودة، لحين رسامة أسقف جديد للبحيرة. إغلاق واحتواء ملفات قديمة كان الأنبا باخوميوس يمنح الجميع مساحة للعمل، وكانت النتائج تصب لديه ليتخذ القرارات الصحيحة في الوقت المناسب. وكان يستمع للجميع ولم يغلق بابه في وجه أحد، ففتح الأبواب لكل المغضوب عليهم. وقابل جميع الفئات المختلفة في الكنيسة والمجتمع، ومن بينهم التيار العلماني القبطي، وأهدوه أوراق مؤتمراتهم ومقترحاتهم، وقرأها الرجل بعناية. كما أعاد بعض الأساقفة المُستبعدين على يد البابا شنودة وعصاه الغليظة؛ الأنبا بيشوي، مطران دمياط الراحل ورجل المحاكمات الكنسية. وشارك بعضهم في قداس الأربعين الخاص بالبابا شنودة، ومن بينهم الأنبا، تكلا مطران دشنا، والأنبا إيساك، الذي تم رسامته فيما بعد أسقفًا عامًا في البحيرة ليعاون الأنبا باخوميوس، قبل أن يرحل عن دنيانا في سبتمبر ٢٠٢٢. الاستماع لصوت الشارع في أكتوبر ٢٠١٢، شاركت في لقاء عُقد للصحفيين المتابعين لشؤون الكنيسة في المقر البابوي بالكاتدرائية بحضور الأنبا باخوميوس. طُلب من الحضور أن يتحدثوا بكل صراحة وأن ينقلوا إليه نبض الشارع. وقتها، أشرت خلال حديثي إلى غضب الشباب القبطي من ترشّح الأسماء القديمة كالأنبا بيشوي، مطران دمياط. طلب مني وقتها عدم ذكر أسماء، ولكنه أنصت جيدًا لكلمتي، حيث قلت: إنكم أردتم منا أن نتحدث بصراحة. تركني ولم يُصادر على رأيي. في النهاية، تم تصفية المرشحين الـ١٧ إلى خمسة، بينهم اثنان من الأساقفة العموم وثلاثة رهبان، واستبعاد كل أساقفة الإيبارشيات ومعهم الأنبا يوأنس، الأسقف العام وقتها وأسقف أسيوط الحالي. في ذلك الوقت، كان الجدل دائرًا حول لجنة الـ١٠٠ لكتابة الدستور، التي هيمن عليها الإخوان. بدأت شخصيات عامة مختلفة تنسحب من تلك اللجنة، وكانت هناك مُطالبات للكنيسة بأن تسحب ممثليها. عندما ناقشنا الأنبا باخوميوس في هذا الشأن، أبدى تفهمًا كبيرًا. وأوضح أنه بناءً على ما وصله من المقابلات والآراء المختلفة، يجب أن تنسحب الكنيسة. وقال نصًا خلال اللقاء: عندما نتخذ قرارًا، فإننا نفكر جيدًا في تأثيره على جميع الأقباط. نفكر فيمن يعيشون في القاهرة، كما نفكر فيمن يعيشون في القرى النائية والبعيدة، جميعهم أبناؤنا ويجب أن نحافظ عليهم. تفهمت وقتها وجهة نظره، وأدركت كم كان هذا الرجل حكيمًا وقائدًا جيدًا، يتخذ قراراته برويّة ودراسة، ودون تعجل أو بطء زائد عن اللازم. الحسم مع الاعتداءات الطائفية في أغسطس ٢٠١٢، وقعت أول أحداث طائفية في عهد الرئيس الإخواني محمد مرسي في قرية دهشور، جنوب محافظة الجيزة. ذهبت لتغطية ما حدث، وتحدثت مع المواطنين هناك، مسلمين ومسيحيين، بعدما دُمرت غالبية بيوت المسيحيين إثر مشكلة بين مسيحي وجاره المسلم تحولت إلى عقاب جماعي لكل المسيحيين. اكتشفت أن المسلمين يلومون أنفسهم على هذا العنف، وربما كان السبب الرئيسي، من وجهة نظري، هو عدم وجود مياه شرب نظيفة. بالإضافة إلى ذلك، كانت القرية تعوم على بركة آسنة من مياه المجاري لعدم وجود صرف صحي، وكان المواطنون يشعرون بضيق الحال، مما تحول إلى غضب فيما بينهم، مع تحريض من بعض المتطرفين، فكان العقاب من نصيب الحلقة الأضعف والأقل عددًا، أي المسيحيين. في ذلك الوقت، تحدثت إلى الأنبا باخوميوس للحصول على تعليق منه على الأحداث، خاصة بعد التقليل من شأن ما حدث من قِبَل مرسي وجماعته وحكومته. فكان رده: يعني هيَّ الناس حرقت بيوتها بنفسها؟ وقتها، كانت له وقفة قوية، وطالب مرسي وحكومته بتحمل مسؤولياتهم ووقف الاعتداءات على المسيحيين. عدم الطمع في الكرسي البابوي طلب الكثيرون من الأنبا باخوميوس الاستمرار كقائم مقام للبابا أو أن يصبح البابا الجديد للكنيسة، نظرًا للطريقة التي أدار بها الكنيسة والتي جعلت الكثيرين يشعرون معه بالاطمئنان في ظل الوضع الصعب. وكان رده: هاتعوزو بعد سنة، سنتين، أن تبحثوا عن بطريرك جديد، ونحن لا نعرف ظروف البلد في ظل الإخوان. وقد رفض هذه المقترحات رفضًا قاطعًا، أي أنه رأى أن هذا الأمر ليس من مصلحة الكنيسة، فلم تغره شهوة الكرسي والسلطة، بل سلم الكنيسة مترابطة ومتماسكة على الرغم من الصعوبات والضباع التي كانت تحوم حول السلطة في نهاية عهد البابا شنودة. وقال في لقاء قبل الانتخابات البابوية بأيام؛ إنه يفضل العودة إلى إيبارشية البحيرة وأبنائه هناك. وأوضح: أنا هأخلص مهمتي وأرجع لإيبارشيتي مع أولادي، وأقعد وسطهم على الحصيرة. هكذا وعد، وهكذا فعل. فبمجرد أن رُسم البابا تواضروس، عاد إلى البحيرة ولم يتجاوز دوره كمطران للبحيرة، مع أنه كان يمكن أن يظل بجوار البابا الذي كان قبلًا مساعدًا له. لكنه قال يوم الرسامة: أصير له ابنًا وخادمًا. لقد كان الأنبا باخوميوس بحق رجل الله، البابا الذي لا رقم له، والذي تمنى بعض السياسيين لو أنه أٌديرت المرحلة الانتقالية في مصر بعد ٢٥ يناير ٢٠١١، كما أدار الكنيسة بهدوء وحكمة، ولم تجرفه شهوة الكرسي ولا السلطة، ورحل بشيبة صالحة بعدما تحمل آلام المرض في سنواته الأخيرة. لعلَّ لوعتنا في وداعه، لأننا نودِّع سيِّد سياسات الحسم والإفراز، والفارس الذي وقف كحارسٍ لنا من مُشتهي السلطة. --- ### زمن التغيرات المتسارعة - Published: ۲۰۲۵-۰٤-۰۵ - Modified: 2025-04-05 - URL: https://tabcm.net/37541/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أنبا غريغوريوس، أسقف البحث العلمي, إكليروس, الجماعات الإسلامية, العلمانية, الكنيسة القبطية, الكنيسة والدولة, المجلس الملي, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس السادس, رئيس محمد أنور السادات, عبد الحميد كشك, مجلة الكرازة, مجلس الملي العام, مدارس الأحد, ميلاد حنا وشهدت ظهور الجماعات الإسلامية على الساحة السياسية، وكانت ترى في البابا الجديد عدوًا لرسالتها وسعيها. وغير بعيد عن مقر البابا، كان هناك أحد شيوخ تلك الجماعات، وهو الشيخ عبد الحميد كشك، الذي جعل من البابا واجتماعه هدفًا يترصده ويهاجمه ويؤلب الجماهير عليه أسبوعيًا في اجتماعه الذي يعقده يوم الجمعة أيضًا، في مسجد عين الحياة بشارع مصر والسودان، الذي كان على مرمى حجر من الكاتدرائية منذ السطر الأول في طرحنا هذا، أكدنا أننا لا نسعى للتأريخ أو حتى رصد الأحداث الجسام في مسيرة ومسار الكنيسة، ولا لطرح قضايا لاهوتية. وأوضحنا أننا نسعى للبحث عن المقدمات التي قادتنا إلى الحالة التي نحن فيها، من صراعات ومصادمات وتشتت، كانت في بعضها تهدد وحدة الكنيسة وسلامها، وكانت مرشحة لتهديد بقائها، وهو أمر جلل، ولا أظن أن أحدًا يقبل أو يحتمل هذا. ظن البعض، في مناخات الأزمة، أنها فرصة للانتصار لجناح ضد آخر. وبدا الترقب والتحفز واضحًا فيما حملته بعض التعليقات عقب نشر حلقات هذه الدراسة، بين مهلل ورافض. وبعضها في الجناحين لم يكلف نفسه عناء القراءة، ولعل أكثرهم لم يلتفت إلى العنوان الرئيس، الذي يقول: كلمة أخيرة. وهي أخيرة لارتباطها بعمر طال حتى اقترب بي من أبواب الثمانين، وهو أمر لو تعلمون ثقيل. وجدت معه أنه يجب عليَّ أن أقول كلمتي بما اختزنته الذاكرة قبل أن أمضي أو قبل أن يداهمني ألزهايمر، لعلها تصادف يومًا من يلتفت إليها، ويفككها ويترجمها إلى فعل يقيم الكنيسة من عثرتها، بعيدًا عن الانحيازات الضيقة التي تلفنا. وقد يكون واقفًا هناك على الشاطئ الآخر للمتوسط أو المحيط، إذ يتملكني هاجس أن التصحيح سيأتي من أبناء الكنيسة هناك، ربما لأنهم عاشوا صدمة الاستنارة الفكرية مع ثقافات تلك البلدان، التي انتقلت من الشخوص إلى الكيانات، تمامًا كما حدث معنا في كل مرة باغتتنا فيها حملات تلك البلاد ونموذجها الحملة الفرنسية، التي كانت في واحدة من تداعياتها انطلاق شرارة التنوير. وأبناء الكنيسة هناك يجمعون بين الأصالة والمعاصرة، في احتماء بالزخم القبطي الذي لم يبارحهم. واحدة من الملاحظات على عصر البابا شنودة، الذي يغطي نصف قرن، أنه عصر التطورات، بل القفزات العلمية والتقنية المتسارعة، خاصة في العقدين الأخيرين، التي انعكست على تشكيل ذهنية الأجيال المعاصرة، وعلى طريقة التعاطي مع المعلومة والفكرة، ومفهوم الدين في مجمله، حتى أدت إلى ظهور موجات الإلحاد. وكانت هذه التطورات تستوجب أن يواكبها تطور في التعامل مع هذه الأجيال، وقد تغير عندها مفهوم الأبوة. وهنا تكمن واحدة من معضلات الكنيسة، فهي بحكم تكوينها "كنيسة تقليدية محافظة"، شأن كل الكنائس الرسولية، لكنها لم تلتفت إلى هذه الفجوة، كما فعلت كنيسة أنطاكية. ويتضح ذلك بسهولة عندما نقارن بين تجربتين فيهما: لدينا تجربة "مدارس الأحد"، وعندهم تجربة "الشبيبة الأرثوذكسية". وتكشف أدبيات التجربتين عن الحراك المتباطئ في الأولى، والتثوير الفكري في الثانية، الذي يجمع بين الالتزام بالثوابت الإيمانية وأدوات نقلها للأجيال الجديدة من علوم الفلسفة والمنطق والتواصل. وقد وظفتها كنيسة أنطاكية في مخاطبة شبابها، بل واهتمت بدفعهم للمشاركة في الشأن العام بفاعلية. كانت العقبة عندنا أن منطلقات الصحوة جاءت على أرضية رهبانية، بنت حراكها على العزلة والنسك، وأن التعاطي مع العالم هو أصل كل الشرور. كان البابا شنودة مؤمنًا بمشروعه، وبدأ في ترجمته منذ اللحظة الأولى كأسقف تعليم، وهو موقع استحدثه البابا كيرلس السادس. فيه حشد أسقفه كل مواهبه وقدم للكنيسة شكلًا مختلفًا في مسارات الوعظ، وفيما أتصور أنه أول أسقف يؤسس لاجتماع مرتبط باسمه في الكنيسة القبطية. أدرك عطش الناس للإجابة على أسئلة تؤرقهم اجتماعيًا ودينيًا وأسريًا، فقسم اجتماعه الأسبوعي إلى قسمين: الأول للإجابة على أسئلة الحضور، والثاني للموضوع الذي اختاره. كسر كل تابوات عظات ذاك الزمان، فتكلم مع الناس بلغة يفهمونها، بعد أن جردها من قيود ومعضلات المحسنات البديعية ورتابة الإلقاء، دون أن يفقد فصاحة اللغة. لم يبدأ اجتماعه بحملة إعلانية أو ضجيج. أتذكر أن البداية كانت في قاعة مطعم الكلية الإكليريكية، وكان الحضور يتراوح بين خمسين إلى سبعين شخصًا، معظمهم من طلبة الإكليريكية وأصدقائهم. سرعان ما انتشر خبر الاجتماع حتى ضاق المكان برواده، فانتقل إلى القاعة اليوسابية (قاعة الأنبا رويس) بالكلية الإكليريكية، ثم انتقل إلى الكنيسة المرقسية، البطريركية القديمة، قبل أن تنتقل إلى مقرها الحالي بالعباسية، حيث انتقل إليها الاجتماع لاحقًا في الدور الأول، وهو لا يزال على حالته الخرسانية. كان السبب في كل هذه التنقلات تزايد الإقبال الشعبي، والشباب في القلب منه. وتبدت حنكة الأب الأسقف في اختيار موعد الاجتماع مساء يوم الجمعة من كل أسبوع، الإجازة الرسمية للطلبة والموظفين، الكتلة الأكبر المستهدفة. وفي الموضوعات التي اختارها في مرحلة بداية الاجتماع، كانت تأملات في مزامير السواعي، خاصة تلك التي تمس احتياجات الناس. وتبث الأمل في نفوسهم، وتؤكد استجابة الله لهم. كان الاجتماع فرصة ليبدي الأسقف الشاب رأيه فيما يحدث في الكنيسة وفي المجتمع وفي الدولة، عبر إجاباته على أسئلة الاجتماع، وأيضًا من خلال القضايا التي تتناولها موضوعاته. وبالتوازي، كانت مجلة "الكرازة"، التي تصدر عن أسقفية التعليم ويرأس الأسقف تحريرها، تعزز طرح رؤاه، في استكمال لما كانت تتبناه مجلة "مدارس الأحد" التي رأس تحريرها وهو علماني قبل أن يقصد الدير طالبًا الرهبنة. وقد أدرك مبكرًا أهمية الإعلام في خدمته، مسموعًا ومُشاهدًا في الاجتماع، ومقروءًا في المجلة. وقد خاض العديد من المعارك الفكرية والسياسية عبر صفحاتها، حتى ضاق البابا كيرلس بالأمر، فأصدر تعليماته بعودة الأسقف إلى ديره، فانصاع للأمر وتوقف الاجتماع وتوقفت المجلة. تعود المجلة ويعود الاجتماع مجددًا بعد تنصيبه بطريركًا. ويواصل البابا الجديد معاركه عبرهما في مرحلة اختلفت فيها التوازنات، وشهدت ظهور الجماعات الإسلامية على الساحة السياسية، وكانت ترى في البابا الجديد عدوًا لرسالتها وسعيها. وغير بعيد عن مقر البابا، كان هناك أحد شيوخ تلك الجماعات، وهو الشيخ عبد الحميد كشك، الذي جعل من البابا واجتماعه هدفًا يترصده ويهاجمه ويؤلب الجماهير عليه أسبوعيًا في اجتماعه الذي يعقده يوم الجمعة أيضًا، في مسجد عين الحياة بشارع مصر والسودان، الذي كان على مرمى حجر من الكاتدرائية. صار يوم الجمعة يومًا ملتهبًا يهدد أمن وسلامة الشارع، فكان أن تم الاتفاق مع البابا على تغيير موعد اجتماعه ليكون الأربعاء، وتجري في النهر مياهًا درامية كثيرة، وضاق رئيس الدولة بالبابا وردود أفعاله كممثل للأقباط، كما أرادت الدولة حسب تحليل الدكتور ميلاد حنا، أنها اختزلت الأقباط في الكنيسة، واختزلت الكنيسة في الإكليروس، واختزلت الإكليروس في البابا، ليصبح ممثلًا لهم أمامها. يضيق الرئيس بالبابا، فيعلن في خطابه المأساوي في 5 سبتمبر 1981 قراره بإلغاء القرار الجمهوري الذي يقضي بتعيين الأنبا شنودة بابا للكنيسة، ووقف اجتماعه، ووقف صدور مجلة الكرازة. واعتقال الشيخ كشك، الذي دأب على مهاجمة السادات في خطبه، ضمن الرموز الدينية والسياسية التي شملها قرار الاعتقال، الذي شمل أكثر من ألف وخمسمائة شخص من كافة التيارات السياسية والفكرية. نقترب من البابا في مواجهاته، لنجده قد أفرغ الدائرة حوله من الداعمين الحقيقيين، سواء من أقرانه في مشوار الصعود، أو من المؤمنين بضرورة تطوير العمل الكنسي الرعوي والتعليمي، خاصة بعد عودته من الإقامة الجبرية في الدير، وإلغائه القرارات التي اتخذتها اللجنة الخماسية، خاصة فيما يتعلق بعودة بعض الكهنة المبعدين. وبدأ في التوسع في رسامات أساقفة جدد، جلهم من الشباب الغر، يفتقرون لمقومات الرعاية، ولم تكتمل تلمذتهم الديرية بعد، الأمر الذي انعكس سلبًا على الخدمة والعمل الكنسي. لم تحقق تجربة تقسيم الإيبارشيات النتيجة المرجوة لأسباب موضوعية. فقد استتبع إقامة الأسقف على عدد محدود من القرى، أن يتجه سعيه لتدبير وتأثيث مقرًا لإقامته، يتحمل أعباءه الرعية. كما توسع في رسامات الكهنة بغير قواعد منظمة، وفي بعض الحالات، يقوم الأسقف بتكليفهم بالنزول إلى القاهرة والإسكندرية لجمع تبرعات لتغطية الأعباء، وهم صاغرون. وتشهد الكنيسة ظاهرة الاحتفال بكل مناسبات الأسقف، يوم رهبنته، ويوم رسامته، بل ويوم ميلاده. وتشهد جريدة "وطني" إعلانات تصل إلى مساحة صفحة كاملة لتهنئته بكل مناسبة منها. وفي محاولة للتشبه بالبابا، ينشئ الأسقف اجتماعًا أسبوعيًا حتى لو لم تكن لديه موهبة الوعظ. وكما في القاهرة، كذلك في الأقاليم، يتم تقليص الدور العلماني لحساب الإكليروس، الذي يعاني بدوره من الطبقية. فاليد العليا للأسقف، فيما الكاهن منفذ لتعليماته دون نقاش. وتفاقمت أزمة الكهنة لتسري بينهم دعوة لتكوين نقابة لهم تدافع عن حقوقهم وتتصدى لعسف الأسقف وامتلاكه السيطرة عليهم دون محاكمة ودون توفر قواعد قانونية متفق عليها تنظم التأديبات الكنسية. لكن الدعوة قوبلت برفض تام، فالكنيسة لا تتشبه بالعالم (الشرير)، والأسقف يرشده (الروح القدس) في تدبيره لإيبارشيته. في القاهرة، تبدو الأمور مبشرة مع مجيء البابا الجديد، إذ يعلن عن ضرورة عودة المجلس الملي إلى دوره المهم في إدارة شؤون الكنيسة المادية، التي لا يجب على الإكليروس الانشغال بها. بالإضافة إلى ذلك، يكون المجلس حلقة وصل بين الكنيسة والدولة، بما يضمه من خبرات مدنية وسياسية. وعندما تدور عجلة الانتخابات، يتم توزيع منشورات على الناخبين تحمل قائمة يروج موزعوها أنها القائمة التي تحظى برضا البابا، وترافقها نصيحة من كهنة مراكز الاقتراع: "مش عاوزين حد يدخل المجلس من معارضي البابا لسلام الكنيسة". وكانت النتيجة متكررة في كل دورات المجلس: نجاح قائمة البابا حصرًا. اللافت تفرد هذه الانتخابات بإجراءات خاصة بها. فالجمعية العمومية للناخبين يعاد تشكيلها مع كل انتخابات، إذ تعلن وزارة الداخلية في كل مرة عن فتح باب القيد في قوائم الناخبين، الذين لم يتجاوز عددهم في كل المرات الثمانمائة ناخب. ثم يفتح باب القيد في قوائم المرشحين. هكذا يأتي المجلس الملي العام، ثم يبادر البابا بسيامتهم شمامسة، الأمر الذي اعترض عليه كثيرون، ومنهم أساقفة، لعل أبرزهم الأنبا غريغوريوس، أسقف البحث العلمي؛ لأن سيامتهم شمامسة، وهي رتبة كهنوتية، تخضعهم كنسيًا لتعليمات وتوجيهات البابا، الأمر الذي يمثل قيدًا على ممارستهم لمهامهم. في سياق تجربة تقسيم الإيبارشيات ونتائجها، اقترح البعض، عبر أوراق بحثية قدمت للبابا آنذاك، أن يعاد النظر في قواعد تحديد النطاق الجغرافي للإيبارشية ليتطابق مع التقسيم الإداري للدولة. فيكون لكل محافظة مطران ويتبعه عدد من مساعدي الأب المطران برتبة (خوري إبسكوبس) بحسب الكثافة المسيحية فيها. يضم مقر الإيبارشية جميعهم، ويشكلون مجلسًا للإيبارشية برئاسة الأب المطران. ويشكل مجموع المطارنة مجلس الكنيسة الأعلى، برئاسة البابا البطريرك. ويحقق هذا النظام أكثر من فائدة، منها تخفيف الالتزامات التي تفرضها إقامة أسقف لكل مدينة أو عدة مدن، مقرًا وكرسيًا وهيئة مساعدين. وعلى مستوى الكنيسة، يوفر لها مجلسًا أكثر تجانسًا يملك مساحة أوفر للحوار والتوافق واتخاذ القرار. لكن أحدًا لم يتفاعل معه أو يستجب له، ليبقَ الحال على ما هو عليه، بل ويزداد تفاقمًا. فلم تعد الأديرة مفرخة للرهبان المعدين لتلك المهمة، رغم زيادة المقبلين على الرهبنة، التي تزامنت مع إقصاء شيوخها، وقصر اعتراف الرهبان على الأسقف رئيس الدير، ليدخل الرهبان في دائرة القولبة، وتختفي الخصائص الذاتية لكل دير. وعلى عكس المستقر في الأديرة، تتوسع في رسامة رهبانها كهنة، بل وتعد لذلك قوائم انتظار، وتشرع أبوابها للزيارات الفردية والجماعية بلا ضوابط. وتنخرط في المشروعات الإنتاجية وتتوسع فيها، لترتبك الحياة الديرية بين نذور الراهب وانشغاله بالعمل في تلك المشروعات، التي لا تجمعها إدارة عليا تنسق بينها وتوزع ريعها على بقية الأديرة، وعلى المعوزين، وعلى الإيبارشيات الأكثر احتياجًا. خبرات أساقفة التعليم كشفت له قصور الكلية الإكليريكية الأساسية -القسم النهاري الداخلي- عن تغطية احتياجات الخدمة، فعدل كبطريرك عن رسامة خريجي هذا القسم. فذهبوا يبحثون عن فرصتهم بالأقاليم، فيما ركز اختياراته على القسم المسائي الذي يضم خريجي الجامعات من مختلف التخصصات. ولم يكن هذا القسم آنذاك يزيد عن مستوى اجتماع شباب مكبّر، ويفتقر إلى المعايشة الحياتية كما كان القسم النهاري (الداخلي). واتجه لإقناع الدفعات القديمة من أمناء الخدمة بالرسامة الكهنوتية لتسريع سد الفجوة وتوفير كوادر لها خبراتها في الخدمة، وكانوا في خط مواز قد تبوأوا مواقع متقدمة في وظائفهم المدنية، التي يفقدونها ونفقد معها التوازن على الخريطة العامة. من يتابع تلك الحقبة يلمس تقليص الدور العلماني في خريطة التدبير الكنسي. فاختفاء المجلس الملّي وتدجينه أدى إلى انفراد قيادات الإكليروس بهذا الدور. وما الصدام بين السادات والبابا في جانب كبير منه إلا واحدا من تداعيات هذا الانفراد، بعد اختفاء حائط الصد الطبيعي بإقصاء الأراخنة، واختلاط ما لله بما لقيصر. وامتد حصار الدور العلماني ليقبع في دائرة العمل التنفيذي الذي يخضع لرؤية الأسقف منفردًا، بغير التفات لخبرات المدنيين من شعب الكنيسة. تتراجع الخبرة وتتقدم الثقة كمعيار للاختيار، وتتسلل الأزمات إلى الكنيسة. كان عصر البابا شنودة عصر التغيرات السريعة والعاصفة في الفضاء العام التقني والعالمي والسياسي، وفي الفضاء الكنسي الذي شهد قفزات متسارعة في مد الغطاء الكنسي داخل مصر وخارجها، حتى إلى أقصى المسكونة، سعيًا لتعميق أواصر العلاقة مع أبنائها وربطهم بكنيستهم ووطنهم. ولا يمكن إغفال ما قدمه لكنيسته ووطنه. تجربة البابا شنودة تبقى تجربة إنسانية عميقة الأثر، اجتازت قممًا وقيعانًا. لا يمكن اختزالها في الاختيار بين الأبيض والأسود، وقد حفلت بالكثير مما امتد أثره إلى اليوم، إيجابًا وسلبًا، شأن كل التجارب الإنسانية الكبيرة. وما زال الاقتراب من كنيسة اليوم قائمًا، فإلى لقاء. --- ### الخطية الجدية عند كيرلس السكندري [٢] - Published: ۲۰۲۵-۰٤-۰٤ - Modified: 2025-04-04 - URL: https://tabcm.net/37892/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: آدم, أوريجينوس ليونايدس أدامانتيوس, البيلاجية, الخطيئة الأصلية, الغنوصية, المانوية, المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية, المولود أعمى, بابا كيرلس عمود الدين, چورچ عوض إبراهيم, قديس أوغسطينوس، أسقف هيبو, مجمع قرطاچنة, نصحي عبد الشهيد بطرس يستمر الحديث عن المفهوم الشرقيّ الأرثوذكسيّ للخطية الجدية، ممثلًا في ق. كيرلس السكندري، وهو مختلف عن المفهوم الغربيّ اللاتينيّ، ممثلًا في أوغسطينوس، أسقف هيبو، الذي كان المحرِّك الرئيس وراء مفاهيم مجامع قرطاچنة الثلاثة التي ناقشت الهرطقة البيلاجية، وقضت بحرمها. بالتالي، نرى أن المفهوم الغربيّ مختلف تمامًا عن المفهوم الشرقيّ للخطية الجدية، بسبب تأثير كتابات أوغسطينوس أسقف هيبو على الغرب اللاتينيّ بقوةٍ. دحض فكرة وراثة ذنب آدم يرفض ق. كيرلس السكندري رفضًا باتًا فكرة وراثة الخطية الأصلية بالتناسل من آدم إلى ذريته قائلًا: ((كيرلس السكندري، شرح إنجيل يوحنا مج 1، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرين، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2015، ص 68، 69. )) والدليل على ذلك الطبيعة الإنسانية الواحدة نفسها؛ التي رأسها آدم أبينا جميعًا وهو واحد في الجوهر مع ابنه المولود منه، ولكن هذه الوحدة في الجوهر، لا تجعل آدم ابنًا كما لا تجعل ابن آدم أبًا لآدم، بل كل فرد في الطبيعة الإنسانية يحتفظ بما له من صفات وقدرات، حتى أن الأب يظل أبًا والابن يظل ابنًا. أما إذا كنتم تظنون أنكم تهيئون برهانًا ذكيًا، وتحاولون أن تفرضوا الاختلاط وانعدام التمايز على وحدة الجوهر، حتى لا يبقى كل أقنوم كما هو، بل يذوب ويختفي في الآخر، فما الذي سوف يمنع ديَّان الكل من أن يعاقب الابن على ذنب أبيه. أو الأب على ذنب ابنه، مع أن النبي يقول: النفس التي تخطئ هي تموت. الابن لا يحمل من إثم الأب والأب لا يحمل من إثم الابن ((سفر حزقيال 18: 20 )). ولكن الذي يقضي بالعدل لا يعاقب الأب على ذنوب ابنه، رغم أن الأب والابن من جوهر واحد. لأن الأب ليس ابنًا، والابن كذلك ليس أبًا، وكل منهما له مسؤولية خاصة به في الأبوة والبنوة، والله يعرف كلٌّ منا كفرد في ذاته، فلا يتحول أحد إلى الآخر ويرتفع إلى ذات مكانة الآخر، كما أنه لا ينحدر أيضًا إلى مكانة الآخر. (كيرلس السكندري، شرح إنجيل يوحنا) ويرفض ق. كيرلس تعليم وراثة الذنب الأبويّ في موضع آخر، حيث لا يقول ق. كيرلس إن الولد يكون مسؤولًا عن خطايا الأم كالتالي: ((كيرلس السكندري، شرح سفر هوشع، ترجمة: د. چورچ عوض إبراهيم، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2020، المقالة 2، ص 67، 76. )) لقد قال يجب أن يهلك أيضًا مع الأم التي زنت، الأولاد بدون رحمة. ولأي سبب؟ لأنهم أولاد زنا، ولكننا لا نقول بالتأكيد إن الولد يكون مسؤولًا عن خطايا الأم، لأن ما قاله حزقيال هو ما سيحدث لنا: النفس التي تُخطئ هي تموت. الابن لا يحمل من إثم الآب، والأب لا يحمل من إثم الابن. بر البار عليه يكون، وشر الشرير عليه يكون ((سفر حزقيال 18: 20 )). غير أنه يجب أن نعرف، أنه بما أن الأم التي زنت، أُخِذَت كمثال للمجمع، فإن الآتين منه لن يكونوا في حالٍ أقل منه. وعندما قيل إنهم أولاد زنا، فقد أظهر بوضوحٍ، أنهم صاروا مذنبين جراء ما اقترفوه من جرائم الزنا الذهنيّ، وإن عدم إيمانهم هذا بدأ من القماط ومن رحم أمهاتهم، وأنهم لم يلمسوا أعمال التقوى، ولم ينشغلوا أبدًا بالفضيلة، ولم يُقدِّروا الطريق الذي يُسَرُّ به الله. (كيرلس السكندري، شرح سفر هوشع) وينفي ق. كيرلس وراثة الذنب الأبويّ في سياق تفسيره لمعجزة شفاء المولود أعمى، حيث يرى أن الإنسان لا يُولَد أعمى ولا يُولَد بأية عاهة جسدية أخرى لسبب يرجع له هو شخصيًا، أو إلى أبويه، مؤكدًا على أن الله لا يفتقد خطايا الآباء في الأبناء كالتالي: ((كيرلس السكندري، شرح إنجيل يوحنا مج 1، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرين، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2015، ص 699. )) فالإنسان لا يُولَد أعمى،ولا يُولَد بأية عاهة جسدية أخرى لسبب يرجع إليه هو، أو إلى أبويه. وإضافًة إلى ذلك، فإن الله لا يفتقد خطايا الآباء في الأبناء. (كيرلس السكندري، شرح إنجيل يوحنا) ويدحض ق. كيرلس فكرة وراثة الذنب، وفكرة الوجود السابق للنفس قبل الجسد، ويرفض فكرة أن النفس خاطئة من قبل ولادتها، وهنا يرفض ق. كيرلس فكرة وراثة ذنب خطية آدم، على العكس من أوغسطينوس، الذي يرى أن النفس تُولَد حاملةً للخطية الأصلية رأسًا من آدم أصل الجنس البشريّ، فالنفس عند ق. كيرلس ليست خاطئًة ولا وارثًة لخطية قبل ولادتها كالتالي: ((كيرلس السكندري، شرح إنجيل يوحنا مج 1، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرين، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2015، ص 664، 665. )) ولكن ليس من السهل أن ندرك ما هو نوع الشرح الذي يمكن أن يقدِّمه أي أحد بطريقةٍ مقنعةٍ بخصوص أولئك الذين يتألمون بآلامٍ مرعبةٍ منذ ولادتهم وسنوات حياتهم الأولى، أو حتى يُصابون بأمراضٍ وهم لا يزالون في الرحم، فنحن لا نؤمن أن النفس موجودة قبل الجسد، ولا يمكن أن نظن أنها أخطأت قبل الجسد، فكيف يمكن أن تخطئ وهي لم تكن قد وُلِدَت بعد؟وهذا كأنه قد قال بأسلوب مختلف وأكثر بساطة إن الرجل لم يُولَد أعمى بسبب خطاياه الشخصية، أو بسبب خطايا والديه. (كيرلس السكندري، شرح إنجيل يوحنا) ويستطرد ق. كيرلس في نفس السياق أن نفس الإنسان ليست مذنبًة بخطايا قبل ولادتها بالجسد، كما يقول أوريجينوس والأوريجانيون، ويدحض أيضًا تعليم أوغسطينوس بوراثة النفس المولودة من الأبوين لخطية آدم الأصلية، لأنه نفس الأمر يسري عليه فهي ليست خاطئة بالولادة في جسد بشريّ قائلًا: ((كيرلس السكندري، شرح إنجيل يوحنا مج 1، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرين، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2015، ص 663. )) وقد سبق أن أوضحنا أن الله لا يجلب خطايا الآباء على الأبناء ما لم يكونوا مشاركين لهم في شرهم، كما سبق أن أوضحنا أيضًا أن وجود الإنسان بجسدٍ ليس هو بسبب خطايا سبق أن أرتكبتها النفس قبل وجود الجسد. لأن المسيح بحديثه ضد هاتين الضلالتين أسقطهما بطريقةٍ عجيبةٍ، حيث إنه بلا شك هو يعرف كل شيء كإله، أو بالحري هو نفسه الحاكم الأعلى لكل أمورنا، وهو الذي يعيِّن تلك الأشياء التي تناسب كل إنسان، التي يستحقها كل إنسان، لأنه بقوله إن الأعمى لم يخطئ ولا هو يعاني العمى لهذا السبب، فإنه يبين أنه من الحماقة الافتراض أن تكون نفس الإنسان مذنبةً بخطايا قبل ولادتها في الجسد، وأكثر من ذلك، فحينما يقول صراحًة إن أبويه لم يخطئا حتى يُولَد ابنهما أعمى، فهو يدحض شكوك اليهود السخيفة. (كيرلس السكندري، شرح إنجيل يوحنا) تفسير عبارة ”أخطأنا في آدم“ يفسر ق. كيرلس عبارته الشهيرة ”أخطأنا في آدم“، بعيدًا عن أي تفسير ساذج بأن هذه العبارة تشير إلى وراثة الجنس البشري لخطية آدم الأصلية، حيث يرى أن جدنا آدم حاد بالخديعة فسقط في العصيان والخطية، ولم يحفظ نعمة الروح القدس، وهكذا فقدت فيه الطبيعة البشرية كلها الخير المعطَى لها من الله، فلا توجد أية إشارة لا من قريب ولا من بعيد إلى انتقال خطية آدم بالتناسل إلى ذريته، ولا أصبحت الخطية الأصلية جزء من تكوين الطبيعة البشرية، كما يدَّعي المانويون الجدد عن دون دراية، معتقدين جهلًا أن ق. كيرلس يعلِّم بـ ”خطية الطبيعة“، كما علَّم به أوغسطينوس في الغرب متأثرًا في ذلك بالمانوية التي كان أحد أتباعها ومريديها في يوم من الأيام كالتالي: ((كيرلس السكندري، شرح إنجيل يوحنا مج 1، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرين، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2015، ص 530. )) لأنه إذ قد حاد آدم بالخديعة فسقط في العصيان والخطية، فلم يحفظ نعمة الروح، وهكذا فقدت فيه الطبيعة البشرية كلها الخير المعطَى لها من الله، لهذا لزِم أن الله الكلمة غير المتحوِّل أن يصير إنسانًا، حتى إذَا ما نال كإنسان، يمكنه أن يحفظ الصلاح في طبيعتنا على الدوام. (كيرلس السكندري، شرح إنجيل يوحنا) ويفسر ق. كيرلس أيضًا عبارته الشهيرة أخطأنا في آدم في موضع آخر، حيث يرى أن طبيعة الإنسان قد أُدينت في آدم كطبيعة عاجزة عن الثبات، إذ قد سقطت وانحرفت، وهكذا نقل انحراف الإنسان الأول خسران الصالحات إلى الطبيعة الإنسانية كلها، لأنه في آدم فسد الجنس البشريّ كله. ونؤكد أن البشر بأشخاصهم وإرادتهم الحرة لم يكونوا موجودين مع آدم وقت عصيانه، وهذا ما صرَّح به ق. كيرلس في الشذرات المتبقية من تفسيره لرسالة رومية، عندما فسر إننا صرنا ”خطأة في آدم“ مع أننا لم نكن موجودين معه وقت خطيته وعصيانه، وها هو هنا يفسر أننا كنا موجودين في آدم كـ”طبيعة بشرية“ عاجزة عن الثبات، فاقدًة لكل الخيرات المعطَى لها من الله، وهكذا صارت طبيعة ساقطة ومنحرفة، وليست وارثة لذنب خطية آدم، كما يفسر الغنوصيون والمانويون الجدد عن دون دراية وعن جهل بمفاهيم ومعاني عبارات ق. كيرلس. وقد جاء الجنس البشريّ من الوجود إلى العدم في آدم الأول، ولكنه فَسَدَ، عندما كسر الناموس الإلهيّ كالتالي: ((كيرلس السكندري، شرح إنجيل يوحنا مج 1، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرين، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2015، ص 531. )) لأن طبيعة الإنسان قد أُدِينت في آدم كطبيعة عاجزة عن الثبات، إذ قد سقطت وانحرفت، وكان سقوطها سهلًا للغاية. فكما أنه في انحراف الأول انتقل خسران الصالحات إلى الطبيعة كلها، هكذا وبنفس المنوال، أحسب أن فيه أيضًا ذاك الذي لا يعرف انحرافًا، كي يحفظ لجنسنا كله ربح سكنى المواهب الإلهية. لأنه في آدم الأول، جاء الجنس البشريّ إلى الوجود من العدم، وإذ قد جاء إلى الوجود، فَسَدَ، لأنه كسر الناموس الإلهيّ، ففي آدم الثاني، المسيح، قد قام هذا الجنس مرةً أخرى إلى بداية ثانية، وأُعيد تشكيله مرةً أخرى إلى جدة الحياة وإلى عدم الفساد. (كيرلس السكندري، شرح إنجيل يوحنا) الخطية الجدية هي غياب عدم فساد الطبيعة يرى ق. كيرلس أن الخطية الجدية هي غياب عدم الفساد الذي كان للطبيعة البشرية منذ البَدْء، وهكذا أعاد المسيح ما غاب عن الطبيعة البشرية باتحاده بها في تجسُّده. فالطبيعة البرية كانت مأسورة للموت، واحتاجت للكلمة المحيي أن يلبس هذه الطبيعة البشرية المأسورة للموت لكي يتوقف الموت عنها كالتالي: ((كيرلس السكندري، رسالتان عن الإيمان القويم إلى الملكات، ترجمة: د. چورچ عوض إبراهيم، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2019، الرسالة الثانية، ص 238، 239. )) إذًا، لأنه كان من المستحيل أن يبطُل الموت بالنسبة لطبيعة الإنسان، لأنه كان أسيرًا للموت، جالبًا تلك اللعنة القديمة ، فكان حتميًا أن يلبس الكلمة المحيي الطبيعة المأسورة للموت، أي طبيعتنا البشرية، لكي يتوقف الموت، الذي -كأحد الوحوش المفترسة- انقضَّ أيضًا على جسده، فأبطل سلطانه الطاغيّ علينا بكونه الله. إذًا، فهذا هو الذي كُمِّل جسديًا لأجلنا بكونه إنسانًا، أكملنا نحن بكونه الله بأن أبطل سلطان الموت. لأن عدم الفساد الذي كان للطبيعة البشرية منذ البداية غاب عنها. لأنه يقول: إذ ليس الموت من صُنع الله ولا هلاك الأحياء يسره؛ لأنه إنما خلق الجميع للبقاء. فمواليد العالم إنما كُوِّنَت معافاةً وليس فيها سم مهلك ولا ولاية للجحيم على الأرض ((سفر الحكمة 1: 13-14 ))، لكن بحسد إبليس دخل الموت إلى العالم ((سفر الحكمة 2: 24 )). وإذ قادنا هكذا إلى الكمال، قال لأبيه السماويّ: أنا مجَّدتك على الأرض. العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته ((إنجيل يو 17: 4 )). لأنه حقًا مجد الله الآب الذي أبطل بابنه ذاته الموت. إذَا، فقد تحقَّق كماله بواسطة الآلام، وما غاب عنَّا، أُضِيفَ لنا. لأنه بالمسيح صار خلقًا جديدًا ((رسالة بولس الثانية إلى كورنثوس 5: 17 )). (كيرلس السكندري، رسالتان عن الإيمان القويم إلى الملكات) --- ### قانون الأحوال الشخصية: مثالب وألغام - Published: ۲۰۲۵-۰٤-۰۳ - Modified: 2025-04-15 - URL: https://tabcm.net/38098/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أنبا بولا، مطران طنطا, إكليروس, التبني, الديمقراطية, الكنيسة القبطية, المجلس الملي, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, تطليق, حبيب المصري, حبيب جرجس, لائحة ١٩٣٨, مجلس الملي العام, ياسر برهامي رجل أعزب ساقته مقادير عابثة أو ضالة أو ظالمة إلى أحد الأديرة، ليقفز منه في غفلة من الزمن على كرسي الأسقفية، ويكون هو الوجه الأوحد الذي فوّضه بابا القبط الأرثوذكس بمصر في وقت عصيب من حياة الوطن والشعب، ليقوم بمهمة مندوب الكنيسة القبطية الأرثوذكسية إلى لجنة الخمسين، التي وضعت الدستور المصري. فإذا به يتحدى إرادة جميع مسيحيّي مصر، ويخون اختيارهم للدولة المدنية، فيقف بكل قوة مع إقرار البنود في الدستور التي كرست للدولة الدينية من أوسع أبوابها من سخرية القدر أنه صار -منذ زمن- مفوضًا من قبل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية للقيام على شؤون وضع وإصدار قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين. القانون الذي يختص أساسًا بالحكم في قضايا المتزوجين وأحوالهم ومشاكلهم، كما يتحكم في حياتهم كلها تحكمًا مصيريًا. صار مفوضًا عليه من الكنيسة رجل أعزب ساقته مقادير عابثة أو ضالة أو ظالمة إلى أحد الأديرة لفترة محدودة من الوقت، ليقفز منه في غفلة من الزمن على كرسي الأسقفية، ويكون هو الوجه الأوحد الذي فوّضه بابا القبط الأرثوذكس بمصر في وقت عصيب من حياة الوطن والشعب، ليقوم بمهمة مندوب الكنيسة القبطية الأرثوذكسية -التي هي كنيسة الأغلبية من مسيحيي مصر- إلى لجنة الخمسين، التي وضعت الدستور المصري بعد 25 يناير. فإذا به يتحدى إرادة جميع مسيحيّي مصر، ويخون اختيارهم للدولة المدنية، فيقف بكل قوة مع إقرار البنود في الدستور التي كرست للدولة الدينية من أوسع أبوابها. ثم لا تلبث المقادير أن تزيد في سخريتها، فلا يكون إلا هذا الأسقف عينه -الذي صار مطرانًا فيما بعد- هو الوجه الذي يدفع به بابا الأقباط الأرثوذكس الجديد، للمرة الثانية، للهيمنة على وضع قانون الأحوال الشخصية الحديث للمسيحيين، الذي تحول بين يديه إلى خطر يحيق بالشعب المسيحي كله. هذه النسخة الجديدة من قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين وُضعت، في تكتم شديد، ضد كل مبادئ الديمقراطية والشفافية والعلنية، بواسطة لجنة ضمت ممثلين عن جميع كنائس الطوائف المسيحية بمصر. ثم، بمقتضى ادعاءات رخيصة، فُبركت عملية صورية للمناقشة الجماهيرية، اختير فيها أشخاص معينون، ووُزعت عليهم أسئلة محددة لطرحها في اجتماع المناقشة المزعوم. وانتهت بذلك صورة ديكتاتورية هزلية لمناقشة مشروع القانون، الذي تُرك على هواهم، ضد أمان المسيحيين بمصر. أهم الألغام التي ينطوي عليها القانون تتعلق ببعض حالات الطلاق وفقًا للقواعد المسيحية. فالمسيحية تقيد الطلاق بوقوع الزنا بحسب أقوال السيد المسيح. وقد أقر القانون في نصه الحالي بحالات معينة يجوز فيها التطليق، غير حالة التلبس في ذات الفعل، مثل قيام الزواج على خديعة لا تتضح أبعادها إلا بعد تمامه، فتبطل الخديعة صحة الزواج. والمفترض أن الخديعة هنا هي المقابل الموضوعي للزنا. فمن الصحيح حتمًا أن الخديعة هي كسر عهد الزواج، وكسر العهد هو خيانة العهد، أي خيانة عهد الزواج. والخيانة هي الزنا بحسب التعريف الكتابي في الكتاب المقدس، فتكون الخديعة هي زنا الروح أو زنا الضمير، وتكون بذلك مستوجبة للطلاق. لكن هذا المفهوم يغيب عن نص القانون في حال وقوع المعاملة الوحشية التي تستحيل معها الحياة الزوجية، وهي الحالة الأكثر انتشارًا بين الأقباط، والتي تحتاج إنقاذًا عاجلًا لا يتباطأ بالحكم الصريح باستحقاق الطلاق أو التطليق. يتراجع واضعو القانون باستحياء مشِين، ويعودون مرة أخرى للتردد والنكوص، فيتعامون عن المعنى الحقيقي للزنا بحسب الكتاب المقدس، وهو خيانة عهد الزواج. ينطوي عهد الزواج، الذي يتلوه الكاهن في أثناء قداس الإكليل لعقد القران المسيحي، على خمس وصايا جوهرية لكل من العروسين. إذا خان أحد الزوجين، يكون قد زنى بشريكه، وزنى الروح هو أبشع كثيرًا من زنى الجسد بذات الفعل. يقضي القانون في حالة استحالة العشرة -التي يُكسر فيها عهد الزواج كليًا- بانفصال الزوجين دون تطليق، مما يترتب عليه ظلم فادح، وحياة شاذة، مُعلقة، لا هي زواج ولا هي طلاق، مما يضطر الزوجة في معظم الحالات إلى الهروب نهائيًا، وتغيير الدين، والخروج من المسيحية كلها، فرارًا من العذاب الذي تضيع معه الحياة على هذا الوضع المعلق القاتل. تخاذل مندوب الكنيسة القبطية الأرثوذكسية عن الأمانة الواجبة تجاه الشعب المسيحي، فعلق الحياة في حالة استحالة العشرة بين الزوجين دون تطليقهما، وهو ما يمثل موتًا بالحياة. ولم يمنح الطلاق الصريح بما يتيح استمرار الحياة مرة أخرى لكل من الطرفين، مع ما يرتبط به من تسوية عادلة للنزاع بشأن الأطفال والنفقة. حدث ذلك بينما في الوقت نفسه أقر مندوب الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بالطلاق أو التطليق كاملًا في حال بدعة مستحدثة، غير معقولة، وغريبة جدًا عن نص الكتاب المقدس وروحه، انبثقت عن تفكير شاذ لا يمكن قبوله، بما أسموه "بالزنا الحكمي"، أي أنه يُحتسب كالزنا المستوجب الطلاق أو التطليق، رغم أنه بعيد عن الزنا بمفهومه الذي يصرون عليه، كالمكالمات الهاتفية، والأحاديث عن بعد بواسطة أي وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي. الحق أن المفارقة صارخة؛ فهو يقبل بالطلاق أو التطليق في حالات التواصل عن بعد، ولا يقبل بهما في حالة استحالة العشرة، ما يشي بعقل مشوه وخبرة مبتورة بالحياة. لغم آخر أو تشويه ثانٍ في قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين، ألا وهو المرتبط بالتبني. فلقد اتفقت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية مع كنائس الطوائف الأخرى في مصر على تقديم مجاملة غير ضرورية للمؤسسة الدينية الإسلامية، وللدولة أيضًا، وهي مجاملة غير مطلوبة على الإطلاق، ولا تنتظرها المؤسسة الدينية الإسلامية ولا الدولة، ألا وهي إلغاء التبني من القانون بشكل كامل. لا يعترف قانون الأحوال الشخصية للمسلمين بالتبني. وبالتالي، فالتبني منعدم تمامًا في التشريع الإسلامي، وقد جُرّم في قانون الطفل. أما التبني في المسيحية، فهو جوهري وفي صميم الكتاب المقدس والعقيدة المسيحية؛ فالجميع في المسيح صاروا أولادًا لله بالتبني. ولا يمكن لبابا أو مطران أو أسقف أو أي إكليروس -كائنًا من كان- أن يجسر ويلغي التبني من التشريع المسيحي. وفي بلد يقر دستوره في المادة الثالثة منه أن للمسيحيين أن يحتكموا في شؤونهم لشرائعهم الخاصة، لا يمكن أن تنتظر المؤسسة الدينية الإسلامية في الدولة، أو الدولة نفسها، أي مجاملة خرقاء من قبل المؤسسة الدينية المسيحية. فإذا فعلت المؤسسة الدينية المسيحية ذلك، يكون تزيدًا مريبًا وعبث بالدستور لا يصدقه عقل. يتكبر المسؤول الكنسي ومن يقفون خلفه على اللائحة ١٩٣٨ ((المجلس الملي العام، قرار المجلس الملي العام لسنة ١٩٣٨ بشأن لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكسيين . )) التي برئت من هذه العورات والنقائص والمثالب والألغام. وكانت جهدًا قانونيًا مكتملًا نزيهًا لحياة صالحة كريمة للمسيحيين، وضعته لجنة محترمة من أراخنة كبار مُختبرين، كان منهم العظيم حبيب المصري، والعظيم حبيب جرجس، الذي رفعته الكنيسة القبطية الأرثوذكسية إلى مقام القديسين، ويُذكر اسمه في جميع القداسات أثناء الصلاة آلاف المرات يوميًا في جميع الكنائس، مما يجعل اللائحة 38 ذات منزلة رفيعة في التشريع الكنسي. كان يتحتم عليهم أن يقتدوا بحكمتها وشجاعتها ونزاهتها وخلوها من العثرات. --- ### بابليوس كورنليوس تاسيتوس - Published: ۲۰۲۵-۰٤-۰۲ - Modified: 2025-04-02 - URL: https://tabcm.net/36808/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: Alexamenos Graffito, Testimonium Flavianum, أسكليپيوس, أنيتا برچيت ميرز, إمبراطور جايوس يوليوس قيصر, الإمبراطورية الرومانية, الغنوصية, بابليوس كورنليوس تاسيتوس, باخوس, باسيليدس الغنوصي, بيجاسوس, بيرسيوس, بيلاطس البنطي, جايوس بلينوس سوكندوس, جيرارد ثيسن, چوبيتر, چون پول ميير, چيفري نورمان بليني, روبرت إل. ويب, ريتشارد كرامب ميلر, سمعان القيرواني, عقيدة التأله, قديس يوستينوس الشهيد, كارل جوستاڤ أدولف ڤون هارناك, مارتن هينجل, ماركوس مينوسيوس فيليكس, نيرون, هاديس, هركليز, يوسيفوس فلاڤيوس لا تُصوّر جماعة ما مُخلّصها كمجرم مات ميتة مهينة على الصَّليب إلا إن كانت مضطرة لذلك. هذه الحقيقة لم تكن أبدًا محل شكّ في العالم القديم. يسرد تاسيتوس صَلب يسوع في مذكرته القصيرة عن المسيحيين ويجعل بيلاطس مسئولً. بالنسبة له؛ يُعتبر المسيحيون ملومين لأنَّهم يتبعون مجرمًا قُتل على أيدي الرومان (جيرارد ثيسن، العهد الجديد: التاريخ، الأدب، والدين) لا تُصوّر جماعة ما مُخلّصها كمجرم مات ميتة مهينة على الصَّليب إلا إن كانت مضطرة لذلك. هذه الحقيقة لم تكن أبدًا محل شكّ في العالم القديم. يسرد تاسيتوس صَلب يسوع في مذكرته القصيرة عن المسيحيين ويجعل بيلاطس مسئولًا ((الحوليات 15: 44: 3 )). بالنسبة له؛ يُعتبر المسيحيون ملومين لأنَّهم يتبعون مجرمًا قُتل على أيدي الرومان. ((Gerd Theissen, The New Testament: History, Literature, and Religion. T&T Clark, 2003, p. 22 )) (جيرارد ثيسن، العهد الجديد: التاريخ، الأدب، والدين) بابليوس كورنليوس تاسيتوس، المؤرِّخ والسياسي الروماني الذي عاش ما بين عام 56 ميلاديًا وعام 120 ميلاديًا، هو واحد من المصادر المهمة التي تحدَّثت عن موت يسوع. قيمة تاسيتوس تكمن في أنه كان واحدًا من أهم مؤرِّخي الإمبراطورية الرومانية، وكتب كتابين هما Histories أو التواريخ وAnnals أو الحوليات، وهذا الكتاب يؤرِّخ لتاريخ روما ما بين عام 14 ميلاديًا وعام 66 ميلاديًا. ولكن للأسف، الجزء الذي يناقش الفترة ما بين عام 29 ميلاديًا وعام 32 ميلاديًا مفقود، وبالتالي لا نعرف ما إذا كانت هناك معالجة طويلة بعض الشيء عن حياة يسوع وبداية المسيحية أم لا، فلا يوجد سوى اقتباس قصير فقط. في هذا الجزء، يتكلم عن المسيحيين في سياق الحديث عن حريق روما في عهد نيرون. السياق يقارن بين السنوات الخمس الأولى الهادئة في حكم نيرون والسنوات التي تلتها، والتي شهدت عنفًا شديدًا. وعلى عكس النسخة المُطولة من شهادة يوسيفوس فلاڤيوس، تصور نسخة تاسيتوس المسيحيين بشكل محايد، ولا تتضمن أي علامات لإضافات مسيحية، ولذلك، هي أصيلة ومن تأليف تاسيتوس نفسه. يقول چون پول ميير في كتابه يهودي مُهمّش: إعادة النظر في يسوع التاريخي: بالرغم من بعض المحاولات الواهية لإثبات أن القطعة هي إضافة مسيحية لكلام تاسيتوس، إلا أن القطعة أصلية بشكل واضح. والعرض المحايد يتجلى في كراهيته للمسيحيين، ومع أنه برأهم من تهمة الحرق، إلا أنه اتهمهم بأن لديهم كراهية ضد البشرية. ((John P. Meier, A Marginal Jew: Rethinking the Historical Jesus: The Roots of the Problem and the Person, Doubleday; First Edition, 1991, Vol. 1, p. 90 )) (چون پول ميير، يهودي مُهمّش: إعادة النظر في يسوع التاريخي) أما تاسيتوس، فينتقد في الفقرة نفسها العنف الذي مارسه نيرون، ويقول: حتى المجرمين الذين يستحقون أقصى العقاب وأن يكونوا عبرة، صاروا مدعاة للشفقة، فلم يكن ذلك للصالح العام، بل لإشباع قسوة رجل واحد يتم سحقهم. ((الحوليات 15: 44: 5 )) (بابليوس كورنليوس تاسيتوس، الحوليات ١٥: ٤٤: ٥) قبلها يتحدث تاسيتوس عن المسيحيين، وعما يعرفه عن الشخص المنتسبين إليه في تسميتهم "مسيحيين"، فيسمي يسوع؛ Christus ، ويقول نصًا: كريستوس، الذي منه اشتُق الاسم، تعرَّض للعقوبة في فترة حكم طيباريوس على يد procurator؛ بيلاطس البنطي. وتحيّنت خُرافة شديدة الأذى للحظة، وانتشرت، لا في اليهودية التي هي مكان الشر الأول فحسب، بل حتى في روما التي تجد فيها كل الأشياء الكريهة والبشعة من كل أنحاء العالم مركزًا، وتنتشر. ((الحوليات 15: 44: 3 )) (بابليوس كورنليوس تاسيتوس، الحوليات ١٥: ٤٤: ٣) يقول جيرارد ثيسن إن هناك خطأ غريبًا من تاسيتوس، وهو أنه قال إن منصب بيلاطس كان procurator، في حين أن منصبه في الحقيقة كان praefectus. وفي كتابهما يسوع التاريخي: دليل شامل يقول جيرارد ثيسن وأنيتا ميرز أن تاسيتوس بنى سرده على مصدر تاريخي أقدم ومفقود. من الجائز أن تاسيتوس تعرض لمشكلة المسيحيين في فترة حكمه بآسيا الصغرى، وعرف عنهم من خلال التحقيق والمحاكمات، وتوصل إلى نتيجة أن المسيحيين كانوا مذنبين، وأنهم في سبيل الصالح العام يجب أن يعاقبوا أشد العقاب ((Gerd Theissen and Annette Merz, The Historical Jesus: A Comprehensive Guide, SCM Press, 1998, p. 82 )). أما بالنسبة للمصدر التاريخي الذي يعتبره ثيسن مفقودًا، فهو يعتقد أن هذا المصدر ليس يوسيفوس (كما قال ڤون هارناك) ولكنه قد يكون واحدًا من مصادره الإمبراطورية، مثلًا في معلوماته عن حريق روما كانت مصادره من بليني الأكبر. ومن الوارد أيضًا أن تكون مصادره من سجلات الدولة خصوصًا أن الكلام عن قمع المسيحيين مرتبط بإخماد خرافة في روما (وهو ما يعترض عليه چون پول ميير بسبب خطأ تاسيتوس في تحديد منصب بيلاطس ((John P. Meier, A Marginal Jew: Rethinking the Historical Jesus, 2009, Vol. 4: Law and Love, Yale University Press. p. 91 ))، لكن في كل الأحوال هذا ما يبدو منه أن السرد من وجهة نظر الإمبراطورية، وبالتأكيد ليس من مصدر مسيحي. على الجانب الآخر، يقول مارتن هينجل إن معلومات تاسيتوس جاءت من المحاكمات والتحقيقات التي كان يجريها للمسيحيين في آسيا الصغرى ((Martin Hengel, Crucifixion: In the Ancient World and the Folly of the Message of the Cross, Fortress Press, 1977, p. 3 )). تذكر معي الإشارات إلى الأماكن، لأننا سنتناولها مرة أخرى قريبًا. حتى الآن، رأينا شخصًا كان في اليهودية أساسًا، وهو يوسيفوس فلاڤيوس، ونقل لنا خبر صلب المسيح من حيث بدأت كل الأمور، ثم ذهب إلى روما ونقل الخبر من هناك. بعد ذلك، لدينا مؤرخ آخر كان يعرف معتقد المسيحيين عن صلب المسيح في آسيا الصغرى. في المجمل، يعرف تاسيتوس أن كريستوس، مؤسس الجماعة، مات بالإعدام في فترة طيباريوس (أي ما بين 14 و 37م)، وتحديدًا في حكم بيلاطس (ما بين 26 و 36م). ويعرف أن حركته كانت في إقليم اليهودية، ويعرف أن أتباعه كانوا منتشرين في روما في وقت نيرون. هناك معلومتان أُخريان مهمتان، ولابد أن تراهما في ضوء كلام تاسيتوس: المسيحيون كانوا يُشتَمون بسبب اعتقادهم في موت يسوع، الذي تكلموا عنه باعتباره المسيح والرب. هناك مصادر كثيرة لإهانتهم وسبهم، ولكن دعنا نأخذ على سبيل المثال نقشًا يونانيًا من أواخر القرن الثاني وبداية الثالث الميلادي. ((وهناك من يقول إنه قد يعود إلى أواخر القرن الأول وبداية الثاني، مثل روبرت ويب. Robert L. Webb, Key Events in the Life of the Historical Jesus: A Collaborative Exploration of Context and Coherence, Eerdmans; Reprint edition, 2010, p. 688 )). هذا النقش معروف باسم Alexamenos graffito ، ويصور حمارًا مصلوبًا ومكتوبًا بجانبه "أليكسامينوس يعبد إلهه". في القرن الثالث أيضًا، لدينا عمل اسمه Octavius للكاتب اللاتيني المسيحي ماركوس مينوسيوس فيليكس. في هذا العمل، هناك شخصية اسمها Caecilius تهاجم المسيحيين وتعتبرهم فقراء بائسين لأن عبادتهم تتمحور حول شخص مات بجريمة وعلى صليب. من المؤكد أن المسيحيين كانوا يُشتمون بموضوع صلب يسوع، وليس هذا فحسب، بل كانوا يُعتبرون فئة تؤمن بالخرافات والأوهام، كما وصفهم بليني الأصغر بعدما حقق معهم بأنهم مجانين ((Martin Hengel, Crucifixion: In the Ancient World and the Folly of the Message of the Cross, Fortress Press, 1977, p. 2 )). ليس الشتم والاتهام بالتخريف والوهم فحسب، بل كان يُنظر إليهم على أنهم أعداء للإمبراطورية، وأنهم أحدثوا شغبًا مثل معلمهم، وأنهم قُتلوا في عهد نيرون بسبب نفس الكراهية التي مات بسببها معلمهم. إذن، الأمر ليس مجرد أناس مقتنعين بخرافة تافهة، بل بسبب هذا الاعتقاد، أصبحوا أعداء للدولة، وقُتل منهم الكثير. وعلى هذا، لو كانت هناك أي إمكانية لاستخدام أيّ سردية ترفع عنهم مشكلة الصليب، لكان من المنطقي أن يقولوها ويُصلحوا أوضاعهم مع الحكام. المسيحيون على الجانب الآخر، لم يكن ردهم هو الإنكار أو محاولة تخفيف اللوم عنهم. ولو كانوا يعرفون أطروحة باسيليدس الغنوصي عن أن الذي صُلب هو سمعان القيرواني، لكان من مصلحة المسيحيين أن يدافعوا عن أنفسهم بها. ولكنهم تحملوا الإهانة باعتبارها حقيقة، وحتى في دفاعاتهم كانت الحجة أنه ليس فقط مات، ولكنه "قام كما في الكتب". وفي بعض المدافعين الذين استخدموا الكتابات الوثنية ليقولوا للرومان إنهم كمسيحيين لا يؤمنون بشيء أغرب من الذي يؤمن به الرومان عن أنصاف الآلهة، مثل القديس يوستينوس الشهيد ((القديس يوستينوس الشهيد، الدفاع الأول، الفصل 21. )). يقول يوستين ما معناه: "إننا عندما نقول إن كلمة الله وُلد من غير جنس، وإنه صُلب ومات وقام وصعد، فنحن لا نقول شيئًا مختلفًا عما تؤمنون به عن آباء چوبيتر". ويبدأ بسرد التشابهات بين كلام المسيحيين عن يسوع وبين كلام الرومان عن أسكليپيوس ومعجزاته وموته عندما ضربه البرق وصعوده إلى السماء، وباخوس الذي تقطَّع تمامًا وصعد إلى السماء، وكذلك هركليز الذي حرق نفسه ليهرب من أتعابه. وبعد ذلك يتكلم عن بيرسيوس الذي قام من الموت (بتعبير يوستين، وممكن أن يقول البعض إنها ليست قيامة، ولكنا خروج للميت من هاديس، لكن لندع هذا لمقال آخر) وصعد إلى السماء على حصانه بيجاسوس (فكرة الصعود إلى السماء بدابة كانت منتشرة في العالم القديم). وبعد ذلك يكلمهم عن اعتقاداتهم في الأباطرة، وكيف كانوا يتألهون (ينالون تأليهًا أو يصبحون آلهة) بعد موتهم، ويحكي عن الشهود الذين يشهدون لرؤيتهم قيصر بعد موته وصعوده إلى السماء. نعم، فهذه أيضًا تيمة مشهورة في العالم القديم، رؤية الشخص حيًّا بعد موته وظهوره لمجموعة من الشهود ((Richard C. Miller, Resurrection and Reception in Early Christianity, Routledge Studies in Religion, 1st Edition, 2017 )). وهكذا، هناك أمثلة كثيرة من القرون الأولى، كان المسيحيون يُشتَمون بالصليب (وإلى الآن! ). وبما أنهم تحملوا الحَرَج، ليس فقط حَرج السُباب، ولكن حَرَج أن يلجأن للاعتراف بتشابه قصتهم مع القصص التي يؤمن بها الوثنيون، كما فعل يوسيتنوس، بدلًا من أن يزيّفوا القصة ويتخلصوا من عبء الصليب، فهذا يعني أن الحدث كان حقيقيًا وثابتًا عندهم بدرجةٍ تجعل تحمل السباب أخف وطأة من تغيير سرديتهم عن طريقة موت قائدهم. وهذا ما يسميه مؤرخو المسيحية المبكرة معيار الحَرَج. --- ### التقويم السكندري والتقويم اليولياني - Published: ۲۰۲۵-۰٤-۰۱ - Modified: 2025-04-01 - URL: https://tabcm.net/37578/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أبو الحسن علي بن الحسين بن على المسعودي الهذلي, أردشير شيرويه كوچك الثالث, أسينيوس بوليو, أفروديت, ألدن آدامز موسشمر, ألكسندر چونز, أمير تايوس [أمن أرديسو], إمبراطور جايوس يوليوس قيصر, إنيانوس السكندري, إيزيس, الإسكندر الأكبر, الإمبراطورية الرومانية, الترجمة السبعينية, التقويم القبطي, التقويم القمري, التقويم الهجري, السنة اليوليانية, العصور الوسطى, الكنيسة الإثيوبية, المجسطي, اليوم السابع, بابا ثاؤفيلس الأول, بابا كيرلس عمود الدين, برنيكي الأولى, برنيكي الثانية, بسماتيك الثالث [عنخ كا إن رع], بطليموس الأول [سوتير], بطليموس الثالث [إيرجيتيس], بطليموس الثاني [فيلادلفوس], بطليموس الفرماوي, بنادوروس البيزنطي السكندري, بوباستس, بيدا, ثيودور كريسي سكيت, ثيودوريك العظيم, ثيودوريك الكبير, جايوس أوريلوس ڤاليريوس دقلديانوس أغسطس, جايوس أوكتافيوس ثورينوس أغسطس قيصر, جايوس فلاڤيوس ڤاليريوس أوريلوس قسطنطينوس, جرجس فيلوثاؤس عوض, چيمس لول, خوان أنطونيو بلمونتي أڤيليس, دوميتيوس كالفينوس, ديونيسيوس إكسيجوس, رأس السنة, رومولوس أغسطس, ريتشارد أنتوني باركر, ساشا ستيرن, سوسيجينيس السكندري, عيد القيامة, عيد الميلاد, فيليب الثاني أرهيديوس ألكيتاس إيروبوس فيليب أرجيوس بيرديكاس المقدوني, ڤينوس, قديس إيرونيموس چيروم, قمبيز الثاني, كنايوس پومپيوس ماكنس [پومپي], كنيسة الإسكندرية, ماركوس أنطونيوس, ماركوس أوريليوس أنطونيوس, مجمع نيقية, مرسوم الكانوبي, ميتون الأثيني, ميلاد المسيح, نختنبو الثاني [نخت حورس حبيت], نسطوريوس، بطريرك القسطنطينية, نوما پومپيليوس, هيرودس أنتيباس, هيرودس الكبير, يوسابيوس بامفيلوس القيصري في العام 332 ق. م. وصلت جيوش الإسكندر الأكبر ((الإسكندر الأكبر: (356-323 ق. م. ) هو الإسكندر الثالث المقدوني، ملك مملكة مقدونيا. خلف والده فيليب الثاني المقدوني في العرش في عمر العشرين، ونجح في تكوين إمبراطورية امتدت من اليونان وحتى شمال غرب الهند. لم يُهزم في أي معركة خاضها. أسس عشرين مدينة على اسمه، أشهرها مدينة الإسكندرية بمصر. توفي في سن الثانية والثلاثين عامًا بعد مرض قصير في طريق عودته من حملة الهند، وكان وقتها في بابل. )) إلى مصر ودخلتها دون مقاومة، حيث كانت البلاد تعاني من آثار دمار حكم الفرس ((احتل الفرس مصر بقيادة قمبيز الثاني بعد انتصارهم على المصريين بقيادة آخر فراعنة الأسرة السادسة والعشرين، بسماتيك الثالث، في معركة الفرما (قرب بورسعيد الحالية) عام 525 قبل الميلاد. استمر حكم الفرس لمصر بين عامي 525 و404 قبل الميلاد، حتى أنهى تمرد الأمير المصري أمن أرديسو (أمير تايوس) الذي أسس لحكم الأسرة الثامنة والعشرين، وكان فرعونها الوحيد. وكانت تلك آخر فترة مستقلة من حكم المصريين القدماء، والتي انتهت بالغزو الفارسي الثاني عام 343 قبل الميلاد. )). وبعد تأسيسه مدينة الإسكندرية، ذهب الإسكندر إلى واحة سيوة ليقدم القرابين في معبد آمون، كعادة حكام مصر القديمة. وهناك أعلنته كاهنة المعبد ابنًا للإله آمون. وترددت أسطورة تقول إن أمه أولمبيا لها صلة قرابة بفرعون مصر الأخير، نختنبو الثاني ((نختنبو الثاني: هو آخر ملوك الأسرة الثلاثين وحكم مصر من عام 359 حتى عام 343 قبل الميلاد. هُزم أمام الفرس في معركة الفرما الثانية عام 343 قبل الميلاد تحت قيادة أردشير الثالث. ))، آخر ملوك الأسرة الثلاثين، للإيحاء بأنه الوريث الشرعي لعرش مصر. وعند وفاته عام 323 ق. م. تم تقسيم إمبراطوريته بين قادة جيوشه، وكانت مصر من نصيب بطليموس الأول الذي نصب نفسه ملكًا على مصر، وأسس لحكم البطالمة. في العام التاسع لحكم بطليموس الثالث ((بطليموس الثالث : Ptolmey III Euergetes (280-222 ق. م. ) حكم مصر بين عامي 246 و222 ق. م. تزوج من برنيكي ملكة برقة بشرق ليبيا، وأدخلها ضمن مملكته. انتصر على الإمبراطورية السلوقية في حرب سوريا الثالثة، ووصل حكم البطالمة إلى أقصى اتساعه في عهده. ))، ثالث ملوك الأسرة البطلمية، صدر المرسوم الكانوبي في اليوم السابع عشر من شهر توبي (الشهر الأول من برت) الموافق للسابع من مارس عام 238 ق. م. كُتب هذا المرسوم باللغات اليونانية والهيروغليفية والديموطيقية في كانوبوس ((كانوبوس: بلدة كانت تقع عند نهاية الفرع الكانوبي، أحد الفروع المندثرة للنيل، إلى الشرق من الإسكندرية، قرب أبو قير الحالية. )) قرب الإسكندرية، ووُجدت نسخ حجرية منه في مناطق عديدة من مصر، مما يعني أنه تم توزيعه في كافة أنحاء المملكة. ينص المرسوم أولاً على إقامة احتفال للملك بطليموس الثالث وزوجته الملكة برنيكي الثانية ((برنيكي الثانية: هي الملكة برنيكي الثانية، ملكة برقة. بينما كانت الملكة برنيكي الأولى زوجة الملك بطليموس الأول ، مؤسس الأسرة، ووالدة الملك بطليموس الثاني . وقد أنشأ الملك بطليموس الثاني ميناءً على ساحل البحر الأحمر، أسماه على اسم والدته برنيكي، وهو ميناء برنيس حاليًا. ))، باعتبارهما آلهة الخير والإحسان، بالتزامن مع الاحتفال بشروق النجم سوتيس، والذي يقع في ذلك العام في اليوم الأول من شهر بايني (الشهر الثاني من شمو ). وثانياً، على إصلاح التقويم المدني عبر إضافة يوم سادس للأيام الخمسة الإضافية التي يتم وضعها في نهاية العام كل أربعة سنوات بهدف ضبط التقويم وتثبيته. ومما ذُكر في هذا المرسوم ((Sacha Stern, Calenders in Antiquity, Oxford, 2012, p. 138 )): قررنا إقامة مهرجان سنوي في المعابد وفي جميع أنحاء البلاد تكريماً للملك بطليموس والملكة برنيكي، المعروفين بآلهة الإحسان، في اليوم الذي تشرق فيه نجمة إيزيس، والذي يُعتبر وفقًا للكتابات المقدسة رأس السنة الجديدة، ويُحتفل به الآن في السنة التاسعة في اليوم الأول من شهر بايني، حيث تُقام فيه احتفالات بوباستس الصغيرة والكبيرة ((بوباستس: هي الإلهة باستت/بوباستس التي تمثل بشكل القطة، وهي ابنة رع وإيزيس وزوجة بتاح. وكانت تقام لها احتفالات كبيرة تجتذب مئات الآلاف من الحجاج في منطقة تل بوباستس (تل بسطا حاليًا بمحافظة الشرقية). ))، ويتزامن مع موسم حصاد المحاصيل وارتفاع النهر. ولكن إذا حدث لاحقًا أن تغيّر موعد شروق النجم إلى يوم آخر كل أربع سنوات، فلا يُغيّر موعد المهرجان، بل يظل يُحتفل به في الأول من بايني كما كان يُحتفل به في السنة التاسعة، ويُقام لمدة خمسة أيام مع ارتداء أكاليل الزهور وتقديم القرابين والسكب وغيرها من المراسم المناسبة. ولكي تبقى الفصول تسير كما ينبغي وفق النظام الحالي للكون، ولكي لا تُقام بعض الأعياد العامة التي يُحتفل بها في الشتاء في الصيف، أو تُقام أعياد الصيف في الشتاء في المستقبل كما حدث في الماضي وكما كان سيحدث الآن لو ظل ترتيب السنة كما هو ٣٦٠ يومًا بالإضافة إلى الأيام الخمسة التي تضاف لاحقًا، تقرر إضافة يوم احتفالي خاص بآلهة الإحسان كل أربع سنوات إلى الأيام الخمسة الإضافية قبل بداية السنة الجديدة، حتى يعلم الجميع أن الخلل السابق في ترتيب الفصول والسنة وفي المعتقدات المتعلقة بالنظام الكوني قد تم تصحيحه وإصلاحه على يد آلهة الإحسان. (جزء من المرسوم الكانوبي) كان هذا القرار، كما يمكن أن نستنتج، نابعًا من إرادة الحكام الجدد للبلاد، وليس من رغبة محلية. فالأمر أن المصريين كانوا على دراية بتحرك التقويم المدني الخاص بهم، ورغم ذلك لم يبادروا بإصلاح التقويم، بل كان يعتبر الحفاظ على التقويم كما هو أحد الواجبات الدينية. فقد كان أحد المراسم الملزمة في تتويج الملوك أن يقسموا على عدم العبث بالتقويم، حتى يبقى العام (رنبت rnpt) وماعت، إلهة الحق والعدل والنظام الكوني، في اتفاق مستمر ((J. A. Belmonte, J. Lull, Astronomy of Ancient Egypt, Historical & Cultural Astronomy, Springer Nature, 2023, p. 311 )). في الأغلب، لم يكن الغرض من هذا المرسوم تصحيح التقويم، بل فرض هيمنة الحكام البطالمة على طبقة الكهنة المصريين عبر إجبارهم على تعديل تقويمهم المقدس المتوارث. والدليل على ذلك أن القرار بتثبيت رأس السنة عند اليوم الأول من بايني (الشهر الثاني من برت ) لن يعيد المواسم لمواضعها. فالمرسوم يدعي أن التعديل يهدف إلى منع وقوع أعياد الشتاء في الصيف، لكن اختيار الأول من بايني كرأس للسنة لن يحقق ذلك؛ لأن رأس السنة المدنية يقع، كما هو مفترض، في اليوم الأول من شهر توت (الشهر الأول من أخيت )، أي قبل الموعد المقترح بثلاثة أشهر. ولهذا، لم يلق المرسوم قبولًا ولم ينفذ، إذ مثل تحديًا كبيرًا لتقاليد مستقرة عند المصريين منذ آلاف السنين، واستمر التقويم كما هو حتى نهاية عصر البطالمة في القرن الأول قبل الميلاد. نستنتج مما سبق أنه طوال حوالي ثلاثة آلاف عام، كان التقويم المدني المصري القديم يتكون من 365 يومًا دون أعوام كبيسة، مما أدى إلى عدم اتفاق يوم رأس السنة مع شروق النجم سبدت/سوتيس، وتحركه بمقدار يوم كل أربعة أعوام. وكنتيجة لذلك، تغيرت مواعيد الفصول، التي سُميت على أساسها المواسم الثلاثة للسنة، ولم يتزامن يوم بداية العام مع شروق النجم إلا كل 1460 عامًا. وعندما حاول البطالمة تصحيحه، رفض المصريون ذلك، وبقي التقويم كما هو. وبالتالي، لم يكن بالإمكان الاعتماد على التقويم المدني في الأنشطة الموسمية، مثل الزراعة والأعياد الدينية المرتبطة بها.   التقويم الروماني القديم قبل تأسيس المملكة الرومانية في القرن الثامن قبل الميلاد، كان الرومان يتبعون تقويمًا قمريًا غير منتظم، يتكون من عشرة أشهر فقط (أربعة أشهر منها 31 يومًا، وستة أشهر 30 يومًا)، تاركين أيام الشتاء دون تسمية. كان العام يبدأ بالربيع في شهر مارتيوس وينتهي في الشتاء بشهر ديسمبر. في القرن الثامن قبل الميلاد، وفي عهد الملك نوما بومبيليوس ((نوما بومبيليوس: Numa Pompilius (715-673 ق. م. ) ثاني ملوك روما وفقا للأساطير الرومانية. ))، حدث إصلاح للتقويم وفقًا للتقويم اليوناني، وتم إدخال الأيام غير المحسوبة في شهرين أُطلق عليهما يوناريوس وفبراريوس، وأصبحت السنة قمرية مكونة من 355 يومًا. وفي العام 153 قبل الميلاد، تقرر أن يصبح شهر يوناريوس هو بداية العام بدلاً من الأول من مارتيوس، حتى يتفق مع بدء حكم قنصلي روما اللذين كانا ينتخبان سنويًا. وكان يتم إدخال شهر إضافي عامًا بعد عام، مكونًا من 27 يومًا أو 28 يومًا، عقب شهر فبراريوس تحت اسم شهر مرسيدينوس، أي شهر العمل، لتعويض الفارق بين السنة القمرية ودورة الفصول المدارية في دورة ثابتة. كانت هذه الدورة مكونة من 24 عامًا، نصفها 355 يومًا ونصفها 377 يومًا. وكانت أسماء الشهور كالآتي: اسم الشهر معنى الاسم عدد أيامه 1 يوناريوس Ianuarius جانوس، رب الزمن 29 2 فبراريوس  Februarius احتفال التطهير 28 3 مارتيوس Martius مارس، رب الحروب 31 4 أبريليس Aprilis أبرو أو أفروديت، ربة الحب 29 5 مايوس Maius مايا، ابنة أطلس رب السموات 31 6 يونيوس Iunius جونو، ربة مدينة روما 29 7 كوينتيليس Quintilis الخامس 31 8 سيكستيلس Sextilis السادس 29 9 سپتمبر September السابع 29 10 أكتوبر October الثامن 31 11 نوڤمبر November التاسع 29 12 ديسمبر December العاشر 29 كان الإصلاح الأبرز للتقويم الروماني هو إلغاء ذلك التقويم القمري المعقد واتباع السنة الشمسية المدارية المكونة من 365 يومًا وربع يوم، التي قرر يوليوس قيصر ((يوليوس قيصر: Julius Caesar (100-44 ق. م. ) جنرال وسياسي وديكتاتور روماني. قاد جيوش روما لتحقيق النصر في حروب بلاد الغال، ثم انتصر على پومپي، غريمه، في الحرب الأهلية، وحكم الإمبراطورية الرومانية كحاكم مطلق متجاهلاً مجلس الشيوخ (السينات) منذ عام 49 ق. م. حتى اغتياله عام 44 ق. م. )) إدخالها بعد اطلاعه على التقويم المصري المدني على يد العالم الفلكي المصري الإغريقي سوسيجينيس السكندري. وتم تعويض الربع يوم عن طريق إدخال يوم إضافي كل أربع سنوات، كما اقترح بطليموس الثالث في القرن الثالث قبل الميلاد. ولضبط بدايات الفصول المدارية (الشتاء، الربيع، الصيف، الخريف) في مواعيد ثابتة في التقويم الجديد، قرر سوسيجينيس جعل العام 46 قبل الميلاد مكونًا من 446 يومًا بزيادة شهرين إضافيين على تلك السنة. وبدأ العمل بالتقويم اليولياني (نسبة إلى يوليوس قيصر) المنتظم في يوم 1 يوناريوس 45 ق. م بنفس أسماء وعدد أيام الشهور التي كانت في التقويم الروماني، لكن مع تعديل أطوال الشهور لتصبح: الشهر الأيام 1 يوناريوس 31 2 فبراريوس 29 (30) 3 مارتيوس 31 4 أبريليس 30 5 مايوس 31 6 يونيوس 30 7 كوينتيليس 31 8 سيكستيلس 30 9 سپتمبر 31 10 أكتوبر 30 11 نوڤمبر 31 12 ديسمبر 30 بعد اغتيال يوليوس قيصر، قام ماركوس أنطونيوس ((مارك أنتوني: Mark Antony (83-30 ق. م. ) قائد وسياسي روماني وأحد مساعدي يوليوس قيصر. كان أحد أضلاع الحكم الثلاثي الذي أعقب اغتيال يوليوس قيصر مع ليبيدوس وأوكتافيوس. نشبت حرب أهلية في عام 31 ق. م. بينه وبين أوكتافيوس انتهت بهزيمته في معركة أكتيوم البحرية عام 30 ق. م. والتي هرب بعدها إلى الإسكندرية حيث انتحر. مما مهد للحكم المطلق لأوكتافيوس. )) بتغيير اسم الشهر السابع من التقويم (شهر كوينتيليس) ليصبح على اسم يوليوس قيصر تكريمًا له، كونه من مواليد هذا الشهر. وتم ضبط الانقلاب الشتوي ليكون حول يوم 25 ديسمبر، وبالتالي أصبح الاعتدال الربيعي حول يوم 25 مارس من التقويم ((وقع الاعتدال الربيعي في العام 45 قبل الميلاد يوم 23 مارس. وبالتالي، يرجح الباحثون أن الهدف الأول من ضبط التقويم هو أن يقع الانقلاب الشتوي يوم 25 ديسمبر في موعده التقليدي عند الرومان. ))، والانقلاب الصيفي حول يوم 25 يونيو. وكان يتم إضافة اليوم الإضافي في العام الكبيس لشهر فبراريوس، ليصبح 30 يومًا بدلًا من 29 يومًا في العام البسيط. إلا أنه، وعلى سبيل الخطأ، تم تطبيق السنوات الكبيسة كل ثلاث سنوات بدلًا من أربع سنوات في الفترة من عام 43 ق. م. حتى عام 8 ق. م. مما جعل أوكتافيوس أغسطس قيصر ((جايوس أوكتافيوس أغسطس قيصر: Gaius Octavius Augustus (63 ق. م - 14 م) هو أول إمبراطور للإمبراطورية الرومانية بعد نهاية الجمهورية الرومانية. حكم كإمبراطور من عام 27 ق. م. حتى 14 م. في عهده، توسع الحكم الروماني ليشمل مصر، ودلماشيا، وبانونيا (كرواتيا وصربيا الحاليين)، وشبه جزيرة أيبيريا، ومناطق من شمال أفريقيا. ))، الذي حكم روما منذ عام 27 ق. م. حتى 14 م، يقرر وقف السنوات الكبيسة لضبط التقويم مجددًا مع العودة لتطبيقها بالطريقة الصحيحة بدءًا من عام 4 بعد الميلاد ((وجد الباحثون أن هذا الخطأ في حساب السنوات الكبيسة في التقويم اليولياني لم يحدث في مصر، إذ أن من احتاجوا لاستخدام هذا التقويم في السنوات الأخيرة لحكم كليوباترا والسنين الأولى للحكم الروماني قاموا بتطبيق القاعدة الصحيحة للسنوات الكبيسة. Alexander Jones, CALENDRICA II: DATE EQUATIONS FROM THE REIGN OF AUGUSTUS aus: Zeitschrift für Papyrologie und Epigraphik 129 (2000) 159–166 )). عدّل أوكتافيوس أغسطس التقويم اليولياني في العام 8 قبل الميلاد، فأخذ يومًا من شهر فبراير ليصبح شهرًا مكونًا من 28 يومًا (أو 29 يومًا في السنة الكبيسة). وجعل الشهر الثامن (سيكستيليس)، الذي سماه باسمه (شهر أغسطس)، 31 يومًا حتى يكون بنفس طول شهر يوليوس، الذي سمي على اسم سلفه يوليوس قيصر. وتم تعديل أطوال الشهور التالية لشهر أغسطس كالآتي ((Sacha Stern, Calenders in Antiquity, Oxford, 2012, p. 202-220 )): الشهر الأيام 1 يوناريوس 31 2 فبراريوس 28 (29) 3 مارتيوس 31 4 أبريليس 30 5 مايوس 31 6 يونيوس 30 7 يوليوس 31 8 أغسطس 31 9 سپتمبر 30 10 أكتوبر 31 11 نوڤمبر 30 12 ديسمبر 31 تبنت الإمبراطورية الرومانية هذا التقويم منذ ذلك الحين، وكان يتم حساب عدد الأعوام بناءً على سنوات حكم القنصلين الرومانيين اللذين كانا ينتخبان سنويًا ((قنصل روما: هو أعلى منصب منتخب في الجمهورية الرومانية. كان مجلس الشيوخ ينتخب قنصلين كل عام لتولي هذا المنصب بصفة مشتركة، وكانت لهما السلطة بالتناوب كل شهر على جيوش روما. بعد إنشاء الإمبراطورية الرومانية عام 27 قبل الميلاد، أصبح المنصب رمزيًا، وتركزت السلطة في يد الإمبراطور. )). وأحيانًا، كان يتم حساب الأعوام ابتداءً من العام المفترض لإنشاء مدينة روما، والتي يعتقد أنها أنشئت عام 753 قبل الميلاد ((في بعض أنحاء الإمبراطورية الرومانية، كان يتم استخدام طرق أخرى لحساب السنوات، منها على سبيل المثال في فلسطين والمشرق، حيث كان يتم تعداد السنوات بدءًا من سنة تأسيس الحكم السلوقي للمشرق عام 312 قبل الميلاد، مع نسبة ذلك للإسكندر الأكبر. فسنة عقد مجمع نيقية كانت السنة 636 من الإسكندر الأكبر (أي 325 ميلادية). بينما في أنطاكية، كان يتم حساب السنوات من سنة فتحها على يد يوليوس قيصر عام 48 قبل الميلاد. )). وعلى سبيل المثال، تولى هيرودس الكبير ((هيرودس الكبير: Herod the Great (72 - 4 ق. م) ملك مقاطعة اليهودية الرومانية. تولى الملك بين عامي 40 و4 ق. م. ويُنسب إليه إعادة بناء هيكل أورشليم وتوسعته. ولد يسوع المسيح في عهده، ويُنسب إليه مذبحة أطفال بيت لحم. خلفه في الملك ابنه هيرودس أنتيباس. )) حكم اليهودية بفلسطين في عام تولي قنصلي روما دوميتيوس كالفينوس وأسينيوس بوليو، الموافق للعام 714 من تأسيس روما، أي ما يوافق العام 40 قبل الميلاد. وتوفي هيرودس بعد أن حكم 37 عامًا، أي في العام 750 بعد تأسيس روما، أي ما يقابل العام 4 قبل الميلاد ((Alden A. Mosshammer, The Easter Computus and the origins of the christian era, 2008, p. 334 )). ولأن السنة المدارية ليست 365 يومًا وربع اليوم، بل هي تحديدًا تساوي 365. 2422 يومًا، أي أقصر من السنة اليوليانية بـ 11 دقيقة و15 ثانية. تحركت مواعيد الفصول المدارية الأربعة مع مرور القرون، حيث يتراكم هذا الفارق ليوم واحد كل 128 عامًا. وهكذا، أصبح التقويم المعتمد في الإمبراطورية الرومانية منذ منتصف القرن الأول قبل الميلاد هو التقويم اليولياني، وهو تقويم شمسي يهدف إلى ضبط السنوات على السنة المدارية، ولهذا كانت سنته 365 يومًا وربع اليوم (6 ساعات). إلا أن الفارق بينه وبين السنة المدارية جعل موعد الفصول يتحرك إلى الأمام بمقدار يوم واحد كل 128 عامًا.   التقويم السكندري اتساقًا مع التقويم الروماني اليولياني الجديد، أصدر أغسطس قيصر فرمانًا عام 26 قبل الميلاد، حيث كانت مصر قد أصبحت ولاية رومانية منذ العام 30 قبل الميلاد. وقد قام بإصلاح التقويم المصري بإضافة اليوم المقترح قبل ذلك في المرسوم الكانوبي، حتى يكون متسقًا مع التقويم اليولياني ((T. C. Skeat, The Egyptian Calendar under Augustus, Zeitschrift für Papyrologie und Epigraphik, Bd. 135, 2001, p. 153-156 )). ولتمييزه عن التقويم المصري القديم، سُمّي بالتقويم السكندري، ولاحقًا بالتقويم القبطي. في ذلك العام، وافق اليوم الأول من شهر توت في التقويم المدني المصري يوم 29 أغسطس في التقويم اليولياني. وتنفيذًا لقرار أغسطس، تقرر إضافة اليوم الإضافي إلى الأيام الخمسة الزائدة كل أربع سنوات في العام السكندري، الذي ينتهي في العام اليولياني الذي يسبق العام اليولياني الكبيس ((على سبيل المثال: العام 1739 للشهداء، الذي بدأ في 11 سبتمبر 2022، كان عامًا كبيسًا انتهى في 11 سبتمبر 2023. والعام الميلادي الكبيس هو العام الذي يليه، وهو عام 2024. أي أن قاعدة العام الكبيس في التقويم السكندري هي العام الذي إذا قُسم على 4 وكان الباقي من القسمة 3. )). وهكذا، أصبح رأس السنة السكندرية (1 توت) يوافق دائمًا يوم 29 أغسطس في السنة البسيطة، ويوم 30 أغسطس في السنة الكبيسة. وبالتالي، أصبح الانقلاب الشتوي يوم 29 كيهك الموافق 25 ديسمبر، والاعتدال الربيعي يوم 29 برمهات الموافق 25 مارس. هكذا، ثبت التقويم المصري في مكانه أخيرًا، وتوقف عن الحركة عبر الفصول. وكانت أسماء الشهور في ذلك الوقت باليونانية، ثم بالقبطية بعد ذلك ((اللغة القبطية، أو تيمتريمن-كيمي (ϯⲙⲉⲧⲣⲉⲙⲛ̀ⲭⲏⲙⲓ)، أي اللغة المصرية، هي اللغة المكتوبة والمنطوقة في مصر منذ القرن الثالث الميلادي حتى العصور الوسطى. وهي التطور المباشر للكتابة الديموطيقية، آخر أطوار اللغة المصرية القديمة. تكتب بـ 33 حرفًا، وهي الأبجدية اليونانية بالإضافة إلى سبعة حروف من الكتابة الديموطيقية. ))، كما يلي: باليونانية بالقبطية النطق الصوتي الحالي 1 ثوت توت Ⲑⲱⲟⲩⲧ توت 2 فاوفي باوبا Ⲡⲁⲱⲡⲉ بابة 3 أتور هاتور Ϩⲁⲑⲱⲣ هاتور 4 كوهويك كوياك Ⲕⲟⲓⲁⲕ كيهك 5 توبي طوبي Ⲧⲱⲃⲓ طوبة 6 ميخر مشير Ⲙⲉϣⲓⲣ أمشير 7 فامينوس برمهات Ⲡⲁⲣⲉⲙϩⲁⲧ برمهات 8 فارموتي برموتي Ⲡⲁⲣⲙⲟⲩⲧⲉ برمودة 9 باخون باشونس Ⲡⲁϣⲟⲛⲥ بشنس 10 باوني بأوني Ⲡⲁⲱⲛⲓ بؤونة 11 إبيفي أبيب Ⲉⲡⲓⲡ أبيب 12 ميسوري ميسوري Ⲙⲉⲥⲱⲣⲓ مسري 13 إبيجونيماي بي كودجي إن ابود (الشهر الزائد) Ⲡⲓⲕⲟⲩϫⲓ ⲛ̀ⲁⲃⲟⲧ النسيء ((النسيء كلمة عربية استُخدمت لتسمية الأيام الزائدة في التقويم القبطي منذ العصور الوسطى، وتعني التأخير أو الترحيل. وردت الكلمة في سورة التوبة، الآية رقم 37: إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا. ومعناها هنا هو ما جرت عليه العرب في الجاهلية من تأخير الأشهر الحرم، مثل عدم الالتزام بتحريم القتال في الشهر المحرم وتأجيل ذلك إلى شهر صفر. ويذكر المسعودي في كتابه مروج الذهب أن العرب قبل الإسلام كانوا يضيفون شهرًا إلى السنة كل ثلاث سنوات ويسمونه النسيء. إلا أن الباحث محمود باشا الفلكي يثبت في كتابه نتائج الإفهام في تقويم العرب قبل الإسلام أن التقويم العربي قبل الإسلام كان قمريًا صرفًا يتحرك عبر العام، مثله مثل التقويم الهجري. )) أما عن سبب وقوع رأس السنة يوم 29 أغسطس، فقد ثبت من الحسابات المعتمدة على البرديات والنصوص التي تعود إلى العصر البطلمي أن اليوم الأول من شهر أخيت (شهر توت) في السنة المدنية كان يوافق في العام 144 ق. م. يوم 27 سبتمبر ((Richard A. Parker, The Calendars of Ancient Egypt, University of Chicago Press, 1950, p. 48 )). وبما أن التقويم المدني يتراجع يومًا واحدًا كل أربعة أعوام، ففي العام 26 ق. م. سيكون التقويم قد تراجع بمقدار 29 يومًا، أي أن 1 توت أصبح يوافق يوم 29 أغسطس من العام 26 قبل الميلاد وفقًا للتقويم اليولياني. نفس النتيجة سنصل إليها إذا بدأنا من لحظة التزامن السابقة بين رأس السنة وشروق النجم سوتيس، والتي حدثت كما أسلفنا في 17 يوليو عام 1321 ق. م. ، سنجد أن رأس السنة في العام 26 ق. م. قد وقعت يوم 29 أغسطس. وبالتالي، أصبح الإصلاح الروماني للتقويم المصري، وإن نجح في تثبيت التقويم بصورة نهائية، لم ينجح في إعادة المواسم إلى مواعيدها. فيوم 1 توت، الذي من المفترض أن يوافق بداية الفيضان وظهور النجم سوتيس، أصبح متأخرًا عن هاتين الظاهرتين بحوالي شهر ونصف أو أكثر. ففي تلك الفترة، كان شروق النجم سوتيس يحدث في يوم 18 يوليو، بينما كان فيضان النيل يبدأ بعد الانقلاب الصيفي، والذي كان يوافق في تلك الفترة يوم 25 يونيو، أي أنه كان يبدأ في حدود الأسبوع الأول من يوليو. وبالتالي، ووفقًا لهذا التصحيح، أصبح شهر توت يتوافق مع قرب نهاية الفيضان لا بدايته، وأصبح مبتعدًا بأكثر من 40 يومًا عن شروق النجم سوتيس. وهكذا، أصبح التقويم السكندري المصري تقويمًا شمسيًا منتظمًا، لا يتحرك حول العام المداري دون تزامن مع الفصول كسلفه المصري المدني، وأضحى مطابقًا للتقويم اليولياني في كل شيء عدا موعد بدايته وأسماء وطول شهوره. وأمسى فاقدًا ارتباطه للأبد بالظواهر الموسمية الطبيعية التي تأسس على أساسها. وإن كان يحمل نفس المشكلة الموجودة في التقويم اليولياني، حيث تتحرك فيه مواعيد الفصول يومًا واحدًا كل 128 عامًا. أصبح التقويم السكندري هو التقويم الرسمي لمصر طوال الفترة الرومانية، جنبًا إلى جنب مع التقويم اليولياني. وبالتبعية، أصبح هو التقويم المعتمد في الكنيسة المصرية مع انتشار المسيحية في مصر. ولفترة من الزمن، ظل الفلكيون السكندريون يستخدمون التقويم المدني المصري القديم المتحرك إلى أن اندثر مع الوقت ((ذكر بطليموس الفرماوي الفلكي السكندري في كتابه المجسطي (Almagest) أن الاعتدال الربيعي حدث في العام 144 ميلادية يوم 7 بشنس. ويوافق ذلك اليوم 2 مايو في التقويم السكندري، وهو ما لا يتفق مع موعد الاعتدال الربيعي في التقويم اليولياني. بينما كان بطليموس يقصد يوم 7 بشنس وفقًا للتقويم القديم، والذي كان يوافق في ذلك العام يوم 22 مارس، وهو التاريخ الذي كان يحدث به الاعتدال الربيعي في التقويم اليولياني في تلك الفترة. )). وتدريجيًا، اندثر كذلك استخدام التقويم المصري القمري مع اندثار العبادة المصرية القديمة. وأصبح يُطلق على التقويم لقب التقويم القبطي في وقت لاحق، عقب الفتح العربي الإسلامي لمصر.   عصر الشهداء منذ بداية انتشار المسيحية، كانت هناك محاولات لحساب سنة خلق العالم، اعتمادًا على نصوص الترجمة السبعينية للعهد القديم من الكتاب المقدس. كانت أولى هذه المحاولات لثيئوفيلس، سادس أساقفة أنطاكية، في القرن الثاني الميلادي. حيث قام بتأريخ الأحداث منذ خلق العالم حتى بدء عهد الإمبراطور ماركوس أوريليوس ((ماركوس أوريليوس أنطونيوس: Marcus Aurelius Antoninus (121-180 م) الإمبراطور الروماني في الفترة من 161 إلى 180 ميلادية. ))، ووجد أنها تساوي 5689 عامًا. أي أن الخليقة حدثت تبعًا لذلك في العام 5529 قبل الميلاد، وفقًا لتقويمنا الحالي ((Theophilus of Antioch. Theophilus of Antioch to Autolycus. Book III, Ch 24-28 )). بينما وضعت كتابات يوسابيوس القيصري ((يوسابيوس بامفيلوس القيصري: Eusebius Pamphilius أسقف قيصرية بفلسطين، وأحد المشاركين في مجمع نيقية المسكوني، هو كاتب أول كتاب يؤرخ للمسيحية، ويؤرخ للأحداث منذ إبراهيم حتى مجمع نيقية تحت اسم The Chronicle . توفي في العام 339م. )) والقديس چيروم ((القديس إيرونيموس چيروم: Jerome of Stridon (؟ - 420 م) كاهن ولاهوتي ومؤرخ مسيحي. قام بترجمة كتاب السجلات التاريخية ليوسابيوس القيصري إلى اللاتينية، ومدَّ تواريخ الكتاب حتى العام 378م. توفي في العام 420م. )) في القرن الرابع الميلادي هذا التاريخ عند 5199 قبل الميلاد ((Eusebius of Caesarea's, Chronicle )). في القرن الخامس الميلادي، وتحديدًا في العام 412 ميلادية، قام الراهبان السكندريان إنيانوس ((إنيانوس السكندري Annianus of Alexandria )) وبانادوروس البيزنطي ((بنادوروس البيزنطي السكندري Panodorus of Alexandria ))، في حبرية البابا ثاؤفيلس الأول، البابا الثالث والعشرين من باباوات الإسكندرية، بإجراء حسابات معتمدة على الكتاب المقدس لحساب تاريخ بدء الخليقة. توصلا إلى أن الخليقة حدثت قبل العام الميلادي 412 بـ 5904 أعوام، أي أنها حدثت في العام 5493 قبل الميلاد. اتخذ بانادوروس يوم 29 أغسطس من العام 5493 كعام بداية لما سمّاه العصر السكندري وكبداية للتقويم السكندري مع مده إلى الماضي ((Alden A. Mosshammer, The Easter Computus and the origins of the christian era, 2008, p. 357-365 )). وكانت كنيسة الإسكندرية قد بدأت في منتصف القرن الرابع في استخدام سنة تولي الإمبراطور دقليديانوس للحكم، وهي سنة 284 ميلادية، كعام بداية (epoch) (العام رقم 1) للتقويم السكندري مع تسميته بـتقويم الشهداء. عُرف عصر حكم دقليديانوس ((جايوس أوريلوس ڤاليريوس دقلديانوس: Diocletian (242-312 م) هو الإمبراطور الروماني الذي حكم من عام 284 حتى تنحيه عن الحكم عام 305. بدأ تقسيم الإمبراطورية بتعيين ماكسميان إمبراطورًا للغرب، وتولى هو حكم الشرق. في عام 303 ميلادية، بدأ اضطهادًا واسعًا ضد المسيحيين في الشرق، بإصداره مرسومًا بهدم جميع الكنائس ومنع المسيحيين من المناصب الرسمية والتجمع للصلاة. لم يُلغَ هذا المرسوم إلا في عهد جاليريوس عام 311 م. )) ومن بعده جاليريوس في مصر بعصر الاستشهاد، حيث حدث اضطهاد واسع للمسيحيين في الفترة بين عامي 303 و311 ميلادية. اختلف إنيانوس السكندري مع بانادوروس، وحدد يوم بدء الخليقة في 25 مارس 5493 ق. م ليتوافق مع الموعد التقليدي لبشارة الملاك للعذراء بميلاد المسيح ((كان 25 مارس كذلك هو الموعد التقليدي لصلب السيد المسيح. ))، والذي يُحتفل به بعد تسعة أشهر في عيد الميلاد، أي في 25 ديسمبر. كما حدد سنة بشارة الملاك للعذراء، وبالتالي سنة ميلاد المسيح، والتي وافقت، وفقًا لحساباته، العام 5501 منذ الخليقة، أي العام 8 ميلادية وفقًا لتقويمنا الحالي. بالإضافة إلى ذلك، وضع إنيانوس جدولًا لحساب مواعيد عيد القيامة وفقًا للدورة الميتونية لمدة 532 عامًا وأرّخه وفقًا للتقويم السكندري للشهداء ((Alden A. Mosshammer, The Easter Computus and the origins of the christian era, 2008, p. 199 )). إلا أن هذا الجدول فُقد، ولم يبق منه إلا جدول من 95 عامًا وضعه البابا كيرلس عمود الدين بابا الإسكندرية ((البابا كيرلس الأول، الملقب بعمود الدين، تولى البابوية بين عامي 412 و444 ميلادية. ترأس المجمع المسكوني الثالث، الذي انعقد في أفسس عام 431، والذي أدان تعاليم نسطور، بطريرك القسطنطينية، وعزله عن كرسيه. )) استنادًا إلى جدول إنيانوس. على الجانب الآخر من المتوسط، استمرت الإمبراطورية الرومانية بعد أن أصبحت المسيحية دينها الرسمي في عهد قسطنطين الأول ((قسطنطين الأول / قسطنطين الكبير: (272-337) إمبراطور روماني حكم في الفترة من 306 إلى 337. اعتنق المسيحية وجعلها الديانة الرسمية للإمبراطورية، وأسس مدينة القسطنطينية كعاصمة شرقية للإمبراطورية في موقع مدينة بيزنطة القديمة، والتي أعطت اسمها لاحقًا للإمبراطورية البيزنطية. تعتبره الكنائس التقليدية أحد قديسيها، إلى جانب أمه الملكة هيلانة. )) في اتباع تقليد تسمية السنوات باسم قناصل روما، أو بدءًا من تأسيس مدينة روما، أو بترقيمها وفقًا لرقم السنة في دورة تقييم الضرائب ((في الإمبراطورية الرومانية، كان يتم تقييم الضرائب المفروضة على الأراضي والمزروعات كل 15 عامًا، فكان يتم ترقيم السنوات بناءً على دورة الضرائب. على سبيل المثال: العام الضريبي الثالث (Third year of Indiction). وكان العام الضريبي يبدأ في 1 سبتمبر. استمر استخدام هذا النظام في ترقيم السنوات بعد نهاية الإمبراطورية الرومانية وحتى العصور الوسطى في الممالك التابعة للإمبراطورية الرومانية المقدسة. )). إلا أنه في القرن السادس الميلادي، كلف البابا يوحنا الأول ((يوحنا الأول: بابا وأسقف روما، في الفترة من 523 حتى 526 ميلاديًا. أرسله ثيودوريك العظيم، ملك القوط، للتوسط لدى الإمبراطور البيزنطي في القسطنطينية من أجل حسن معاملة الأريوسيين. إلا أنه فور عودته إلى إيطاليا، سجنه ومات في السجن. )) بابا روما الراهب ديونيسيوس إكسيجوس ((ديونيسيوس إكسيجيوس: Dionysius Exiguus، أي ديونيسيوس الصغير أو الحقير / ديونيسيوس المسكين (470-544 م)، هو راهب ينتمي لمنطقة سكيثيا برومانيا الحالية، عاش معظم سني حياته في روما، وقام بترجمة مجموعات كبيرة من القوانين الكنسية من اليونانية إلى اللاتينية. )) بإعداد جداول لمواعيد عيد القيامة لقرب انتهاء الجداول المستخدمة. اعتمد ديونيسيوس في إعداد الجداول الجديدة على الجدول الذي أعده إنيانوس السكندري، والذي تبناه البابا كيرلس عمود الدين، والذي أرسله إلى روما قبل ذلك بنحو مئة عام في محاولة لإقناع بابا روما بصحة الطريقة السكندرية في تحديد موعد العيد. كان الجدول السكندري يبدأ من العام 153 للشهداء (437 م) وينتهي بعام 247 للشهداء (531 م). أراد ديونيسيوس أن ينسب جدوله الجديد إلى سنة ميلاد المسيح، بدلًا من سنة تولي قناصل روما، وبديلًا عن التقويم السكندري للشهداء أو التقويم الدقلدياني كما كان يتم تسميته. وبناءً على ذلك، كان العام الذي أعد فيه الجداول هو عام ربنا يسوع المسيح Anno Domini nostri Jesu Christi (A. D. ) رقم 525، أي العام الذي يوافق 525 عامًا منذ تجسد المسيح وفقًا لحساباته ((Declercq Georges, Dionysius Exiguus and the Introduction of the Christian Era, Sacris Erudiri Volume 41, 2002, p. 165-246 )). ووفقًا لديونيسيوس، فقد ولد المسيح يوم 25 ديسمبر في العام الذي يسبق عام 1 ميلادية، أي في العام 1 قبل الميلاد ((لا يوجد في حساب السنوات الرقم صفر. فالعام 1 قبل الميلاد، الذي يوافق العام 753 بعد إنشاء مدينة روما، يعقبه العام 1 بعد الميلاد، الذي يوافق العام 754 منذ إنشاء روما. )) Before Christ (B. C. ) ((منذ منتصف القرن التاسع عشر، يُستخدم CE إختصارًا لـCurrent Era (العصر الحالي) للإشارة إلى السنوات بعد الميلاد، وBCE إختصارًا لـBefore Current Era (قبل العصر الحالي) للإشارة إلى السنوات قبل الميلاد، وذلك كتسمية محايدة بعيدة عن التسمية الدينية المرتبطة بميلاد المسيح. )). صدّر ديونيسيوس جدوله بمقدمة شرح فيها كل ذلك ((Alden A. Mosshammer, The Easter Computus and the origins of the christian era, 2008, p. 67 )): هذه الدورة، التي تبلغ ٩٥ عامًا، قد اجتهدنا فيها قدر استطاعتنا في الإعداد بعناية. أما الدورة الأخيرة، أي الخامسة، للقديس كيرلس، والتي ما يزال يتبقى منها ست سنوات، فقد أضفناها كمقدمة لعملنا هذا. ثم قمنا بتأليف خمس دورات إضافية، متبعين منهج ذلك الحبر، بل ومنهج المجمع النيقاوي المعروف. ولأن القديس كيرلس بدأ دورته الأولى من السنة ١٥٣ لعهد دقلديانوس وأنهى آخرها في السنة ٢٤٧، فقد بدأنا من السنة ٢٤٨ لذلك الحاكم نفسه، وهو طاغية أكثر منه أمير، لكننا لم نرغب في إدامة ذكرى ذلك المُضطهد الفاجر في دوراتنا، لذلك اخترنا بالأحرى أن نعد السنين من تجسد ربنا يسوع المسيح، بحيث يبرز لنا بوضوح أكبر بداية أملنا، ولكي تظهر آلام فادينا سبب خلاص البشرية بشكل أكثر وضوحًا. ((ديونيسيوس إكسيجوس، عن الفصح أو الدورة الفصحية. )) (ديونيسيوس إكسيجوس، عن الدورة الفصحية) لم يوضح ديونيسيوس في جداوله كيفية حساب موعد ميلاد المسيح، ولكن أوضحت الدراسات الحديثة اللاحقة على عصر ديونيسيوس أن حساباته لم تكن دقيقة بما فيه الكفاية، وأخطأت في حساب سنة الميلاد، كما أخطأ إنيانوس قبله. فحسب الحساب الذي قام به، وقعت وفاة هيرودس الكبير في العام 4 قبل الميلاد، رغم أنه من المفترض أن المسيح ولد في عهده وكان يسعى لقتله. يضع أغلب الباحثين حاليًا سنة ميلاد المسيح بين عامي 4 و 6 قبل الميلاد، وليس في سنة 1 ميلادية كما هو مفترض، حيث لا يوجد دليل قاطع يمكننا من تحديد سنة بعينها. وبالمثل، لا يوجد تاريخ دقيق قاطع لسنة صلب وقيامة المسيح. قام القديس بيدا ((القديس بيدا: (673-735 م) راهب أنجلو ساكسوني عُرف بتأليفه كتاب تاريخ الكنيسة والشعب الإنجليزي، واستخدم فيه طريقة حساب الأعوام استنادًا إلى جداول ديونيسيوس. )) في القرن السابع الميلادي بتمديد جدول ديونيسيوس، مستخدمًا نفس طريقة التأريخ حتى العام 1063م. وهو ما جعل استخدام هذه الطريقة في حساب السنوات ينتشر تدريجيًا في أوروبا، ومنها إلى بقية العالم. استمرت كنيسة الإسكندرية في استخدام تأريخ الشهداء، نظرًا لانقطاع الاتصال بين كنيستي الإسكندرية وإنطاكية من جانب، وكنيستي القسطنطينية وروما من جانب آخر، في أعقاب الانقسام الذي حدث في مجمع خلقدونية المسكوني عام 451 ميلادية. في أعقاب سقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية ((انتهت الإمبراطورية الرومانية الغربية رسميًا على يد البرابرة، كما كان يسميهم الرومان (وهم قبائل جرمانية من شمال أوروبا)، عام 476 عندما أطاح الملك الجرماني أودواكر بآخر إمبراطور لروما، وهو الطفل رومولوس أغسطس. تحالف بعد ذلك الإمبراطور الروماني الشرقي زينون مع ملك القوط ثيودوريك الكبير على اجتياح إيطاليا عام 489 وإسقاط أودواكر. )) وانقطاع الاتصال بين روما والقسطنطينية، عاصمة الإمبراطورية الرومانية الشرقية (البيزنطية)، لفترة من الزمن، بدأت الكنيسة البيزنطية، منذ نهاية القرن السابع الميلادي، في استخدام سنة مختلفة كبداية للتقويم اليولياني، وذلك عبر حساب عام الخليقة عند 5509 قبل الميلاد، بفرق 16 عامًا عن التقويم السكندري. كذلك، بدأ التقويم الرسمي والكنسي في يوم 1 سبتمبر، وليس 29 أغسطس أو 1 يناير. واستمرت هذه الطريقة في حساب السنوات مستخدمة كتقويم رسمي للإمبراطورية البيزنطية حتى سقوط القسطنطينية في يد العثمانيين عام 1453، بينما استمرت كتقويم رسمي في روسيا والكنيسة الأرثوذكسية الشرقية حتى القرن الثامن عشر. وتُستخدم جنبًا إلى جنب مع التقويم الغريغوري حاليًا في جمهورية جورجيا تحت اسم التقويم الجورجي. في العصور الوسطى، استُخدم تاريخ موازٍ لتاريخ الشهداء في مصر والشرق تحت مسمى العام الميلادي الشرقي، والذي يبدأ من سنة 8 / 9 ميلادية ((العام الأول في ذلك التقويم بدأ في 29 أغسطس عام 8 ميلادية وانتهى في 28 أغسطس عام 9 ميلادية. ))، باعتبارها سنة ميلاد المسيح وفقًا لحسابات إنيانوس السكندري ((جرجس فيلوثاؤس عوض، أساس التقاويم، 1915، ص 44-45. )). وهو التاريخ الذي اعتمدته كنيسة إثيوبيا كسنة بدء تقويمها، وهو تقويم مطابق للتقويم السكندري في كل شيء عدا سنة البداية. وهذا التقويم هو التقويم الرسمي لجمهورية إثيوبيا حتى الآن، ولهذا، على سبيل المثال، فالسنة الإثيوبية الحالية (2025) هي سنة 2017 ميلادية وفقًا للحساب السكندري أو الشرقي. وهكذا، أصبحت هناك طرق مختلفة لحساب السنوات ولموعد رأس السنة باختلاف الشعوب في العالم المسيحي، وإن اتفقوا جميعًا على أن سنتهم شمسية مكونة من 365 يومًا وربع اليوم. --- ### حادثة المنشية - Published: ۲۰۲۵-۰۳-۳۱ - Modified: 2025-03-31 - URL: https://tabcm.net/37076/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أحمد بدر, إبراهيم الطيب إبراهيم صقر, اتفاقية الجلاء, الإخوان المسلمين, الضباط الأحرار, ثورة ٢٣ يوليو, حسن إسماعيل الهضيبي, حسن محمد العشماوي, حسن محمد حسن إبراهيم دوح, رئيس جمال عبد الناصر, عبد الرحمن الرافعي, عبد القادر عودة, عبد المنعم عبد الرؤوف بسيم أبو الفضل, مجلس قيادة الثورة, محمد مهدي عاكف, محمود عبد اللطيف محمد, ميرغني حمزة, هنداوي سيد أحمد دوير, يوسف عز الدين محمد طلعت أيها الرجال، فليبق كلٌ في مكانه… أيها الرجال… أيها الأحرار… دمي فداء لكم… حياتي فداء لمصر… هذا جمال عبد الناصر… يتكلم إليكم، بعون الله، بعد أن حاول المغرضون أن يعتدوا عليّ… وعلى حياتي… حياتي فداء لكم… ودمي فداء لكم… إن جمال عبد الناصر، مِلك لكم… وإن حياة جمال عبد الناصر، مِلك لكم… أيها الناس… أيها الرجال… ها هو جمال عبد الناصر… ها هو جمال عبد الناصر… بينكم… أنا لستُ جبانًا… قد بات واضحًا أن شهر العسل بين الإخوان والضباط الأحرار قد انتهى. فقد حقق مجلس قيادة الثورة غايته من التحالف مع الإخوان، ولم يعد في حاجة إليهم. وأدرك الإخوان أنهم وقعوا في فخ، وأن حريتهم في الحركة التي وعدهم بها عبد الناصر في مفاوضاته معهم في مارس 54 بدأت تتبدد. ويومًا بعد يوم كانت الأمور بين الطرفين تسير من سيئ إلى أسوأ، وأيقن الإخوان أنهم وصلوا مع عبد الناصر إلى طريق مسدود، وقرروا التخلص منه والاستيلاء على الحكم بالقوة. في مايو 1954، هرب الضابط عبد المنعم عبد الرؤوف، العضو السابق في تنظيم الضباط الأحرار، من محاكمته العسكرية، واختبأ في منزل هنداوي دوير المحامي ورئيس التنظيم السري في إمبابة. وهناك التقى مع إبراهيم الطيب المحامي ورئيس التنظيم السري بالقاهرة، ويوسف طلعت وغيرهم من قادة التنظيم السري الجديد. وتولى عبد الرؤوف الإشراف على الجهاز السري، ويروي عبد الرؤوف في مذكراته أنه رسم للتنظيم السري خططًا عسكرية وأقام لهم معسكرات للتدريب من جديد. في يونيو 1954، سافر حسن الهضيبي إلى السعودية، ومنها إلى سوريا ولبنان والأردن. كانت مفاوضات الجلاء التي يديرها عبد الناصر مع الإنجليز قد استؤنفت بعد توقف، وتم التوقيع على معاهدة الجلاء بالأحرف الأولى في يوليو 1954. وبالطبع، عارض الإخوان الاتفاقية، وأصدر الهضيبي بيانًا من سوريا ينتقدها. ووزع الإخوان في القاهرة منشورات ضدها تحت عنوان هذه الاتفاقية لن تمر. وفي أغسطس من نفس العام، ذهب عبد الناصر إلى السعودية لأداء فريضة الحج، وعاد الهضيبي إلى القاهرة واستُقبل من الإخوان استقبال الفاتحين. وكُلف مهدي عاكف من مكتب الإرشاد بتأمين استقبال المرشد حسن الهضيبي، فأتى برفاقه في التنظيم الخاص مسلحين. في نفس الوقت، كان قيادات الإخوان يعدون لمظاهرة ضد النظام تخرج في 29 أكتوبر بحماية مسلحة. بينما كان التنظيم السري بقيادة يوسف طلعت يجمع الأسلحة وملابس البوليس الحربي لمهاجمة مجلس الوزراء واعتقال أعضائه ورئيسه عبد الناصر، وهي الخطة التي رسمها لهم عبد المنعم عبد الرؤوف. في نفس الوقت، رسم إبراهيم الطيب وهنداوي دوير خطة ثانية تقضي باغتيال عبد الناصر أولًا، ثم التخلص من الضباط الأحرار بالاعتقال أو الخطف. واختارا محمود عبد اللطيف، عضو تنظيم إمبابة، لتنفيذ المهمة. وفي يوم الجمعة 27 أغسطس 1954 في حي منيل الروضة، وعقب صلاة الجمعة، اعتلى القيادي الإخواني حسن دوح المنبر بمسجد شريف، وألقى خطبة هاجم فيه سياسات مجلس قيادة الثورة وما تقوم به من إجراءات. وخرج بمظاهرة من المسجد اشتبكت مع قوات الشرطة، ووقعت إصابات في الجانبين. وفي نفس اليوم، خرجت مظاهرات بقيادة الإخوان المسلمين في طنطا اشتبكت هي الأخرى مع الشرطة. في 19 أكتوبر 1954، تم التوقيع النهائي على اتفاقية الجلاء، وبدأ عبد الناصر جولة في أنحاء مصر لشرح الاتفاقية للمواطنين. في نفس الوقت، كانت منشورات الإخوان مستمرة وتصاعدت حدتها داعية لمواجهة الحكومة. وفي 20 أكتوبر، اجتمعت الهيئة التأسيسية للإخوان المسلمين، واعتبرت المرشد في إجازة وأعفت مكتب الإرشاد، مما كان يُعد انقلابًا داخل الجماعة، فقد كان عدد لا بأس به من الإخوان يؤيدون عبد الناصر في حركته وطريقة أدائه، لكن الأغلبية بالطبع تؤيد المرشد في عداه لعبد الناصر. وفي اليوم التالي، 21 أكتوبر، كتب الهضيبي استقالته، وحملها حسن العشماوي إلى يوسف طلعت الذي سلمها لعبد القادر عودة المتحفظ عليه في منزله. كان التنظيم السري الجديد هو الذي يدير الجماعة في ذلك الوقت، والذي قرر بدوره اغتيال عبد الناصر خلال إلقاء خطابه في ميدان المنشية في الإسكندرية. واختير محمود عبد اللطيف، الذي يعمل سمكريًا، لأداء المهمة، كونه من أمهر الرماة في التنظيم السري. وشرح هنداوي دوير لعبد اللطيف موقف الإخوان من اتفاقية الجلاء وأقنعه أنها خيانة للبلد، وأكد له أن أوامر قتل عبد الناصر صادرة من الهضيبي شخصيًا. وعرض عليه أن يرتدي الحزام الناسف الذي أرسله يوسف طلعت ويحتضن عبد الناصر فيموت معه، لكن عبد اللطيف رفض وفضل استخدام المسدس. في صباح السادس والعشرين من أكتوبر، غادر محمود عبد اللطيف منزله في إمبابة، وتوجه إلى الإسكندرية حيث سيلقي عبد الناصر خطابه في المنشية. وصل عبد اللطيف إلى الإسكندرية في الواحدة ظهرًا تقريبًا، تمشى قليلًا وأكل في مطعم، ثم ذهب إلى لوكاندة دار السعادة ليرتاح قليلًا. غادر اللوكاندة بعد قليل وتوجه إلى ميدان المحطة، فوجد جماعة من المتظاهرين في طريقهم إلى المنشية، فمشى وراءهم إلى الميدان وانتظر حتى وصل عبد الناصر وبدأ خطابه. وبينما هو في منتصف الخطاب، أطلق عليه عبد اللطيف ثماني طلقات نارية من مسدس بعيد المدى. وتصور الحضور أن عبد الناصر أُصيب، لكن القدر أمهله الفرصة مرة أخرى ليصاب شخصان وينجو عبد الناصر. وقُبض على عبد اللطيف في الحال، وحاول الحرس الخاص بعبد الناصر إخراجه من موقع الحدث، لكنه رفض وواصل خطبته الارتجالية الشهيرة: فليبق كلٌ في مكانه... أيها الرجال، فليبق كلٌ في مكانه... دمي فداء لكم... حياتي فداء لكم... دمي فداء لمصر... حياتي فداء لمصر... دمي فداء لمصر... أيها الرجال... أيها الأحرار... دمي فداء لكم... حياتي فداء لمصر... هذا جمال عبد الناصر... يتكلم إليكم، بعون الله، بعد أن حاول المغرضون أن يعتدوا عليّ... وعلى حياتي... حياتي فداء لكم... ودمي فداء لكم... أيها الرجال... أيها الأحرار... إن جمال عبد الناصر، مِلك لكم... وإن حياة جمال عبد الناصر، مِلك لكم... أيها الناس... أيها الرجال... ها هو جمال عبد الناصر... ها هو جمال عبد الناصر... بينكم... أنا لستُ جبانًا... أنا عشت لكم وسأعيش حتى أموت عاملًا من أجلكم، ومكافحًا في سبيلكم... سيروا على بركة الله، والله معكم ولن يخذلكم... فلن تكون حياة مصر معلقة بحياة جمال عبد الناصر، إنها معلقة بكم أنتم وبشجاعتكم وكفاحكم... سيروا على بركة الله نحو المجد، نحو العزة، نحو الكرامة. (الرئيس جمال عبد الناصر، حادث المنشيّة) وبمجرد أن علم هنداوي دوير بخبر القبض على محمود عبد اللطيف، سلّم نفسه للشرطة صباح اليوم التالي. ووفقًا لرواية المؤرخ عبد الرحمن الرافعي في كتابه ثورة يوليو، فإن محاولة اغتيال عبد الناصر قد رفعت من رصيده شعبيًا وساعدت في التفاف الجماهير حوله. وبغض النظر عن مدى صحة تقدير الرافعي، فالمؤكد أن النظام قد استفاد من الحادث استفادة سياسية كبيرة. فبعد هذا الحادث، كانت الفرصة سانحة لتصفية كل خصومه، فاتخذ مجلس قيادة الثورة حادثة المنشية مبررًا للعودة إلى المحاكم العسكرية، فأصدر أمرًا بتأليف محكمة عسكرية مخصوصة، لُقّبت زورًا باسم محكمة الشعب لإعطائها الشرعية التي تفتقدها. شكوك حول الحادث يتمسك الإخوان المسلمون ومؤيدوهم بنظرية تقول إن حادث المنشية عبارة عن تمثيلية ومسرحية دبرها وأخرجها جمال عبد الناصر من أجل خلق مبرر لكي يطيح بالجماعة وينفرد بالسلطة وحده، استنادًا إلى كون عبد اللطيف رامٍ ماهر، ويستحيل معه أن يخطئ في إصابة هدف واضح كعبد الناصر. ويدعون أن الرصاصات الثمانية كانت "فشنك"، بالرغم من أن أبرز الأدلة على إطلاق الرصاص الحي على الرئيس بالمنصة هو إصابة المحامي أحمد بدر، سكرتير هيئة التحرير بالإسكندرية في ذلك الوقت، برصاصتين تركتا أثرًا بجسده حتى وفاته عام 1979، وإصابة ميرغني حمزة، وزير الزراعة السوداني وزعيم الطائفة الختمية السوداني، والذي كان يقف بجوار عبد الناصر بالمنصة، بشظايا بيده. بل إن الرصاصة الأولى التي أطلقها محمود عبد اللطيف، المتهم الأول بالقضية، أصابت وكسرت جانبًا من المنصة الإسمنتية أمام عبد الناصر. لكن ما يثير الريبة في الأمر هو أنه بعد صدور الحكم على هندواي دوير وبعد عودته إلى سجن القلعة، أخذ يصرخ بصوت هستيري عالٍ قائلًا: إحنا متفقناش على كده. . إحنا متفقناش على كده. . مش ده اللي اتفقنا عليه. ولم يعرف أحد حتى الآن ما معنى صيحاته، وما هو الاتفاق الذي تم الاتفاق عليه؟ ومع من؟ ولماذا أخل الطرف الآخر باتفاقه؟ لاحقًا، صرّح المرشد السابع للإخوان المسلمين، مهدي عاكف، في فيلم وثائقي عن حادثة المنشية، أنه في يوم من الأيام، وأثناء زيارته لمجموعة إمبابة، وقف هنداوي دوير وقال: إن اللي يقتل عبد الناصر لن يحاكم. فسأله عاكف: من قال لك هذا؟ ومن أين جئت بهذا؟ فلم يجب هنداوي دوير. في برنامج الجريمة السياسية الذي أذاعته فضائية الجزيرة عبر حلقتين في 22 و 29 ديسمبر عام 2006 عن حادثة المنشية، أقر أبطال الحادث بالمسؤولية، وأنه تم بتخطيط شامل وإشراف دقيق لقيادات الجماعة. --- ### بذل الذات - Published: ۲۰۲۵-۰۳-۳۰ - Modified: 2025-03-30 - URL: https://tabcm.net/37807/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: إبراهيم أبو الأنبياء, الشيطان, داود النبي والملك إن بذل ذواتنا في المسيح يسوع ليس دعوة للخسارة أو صغر النفس، بل تأكيد بأن الذات في حد نفسها أعظم مِن الذي تملكه هي نفسها، وأن كيان ذواتنا أبقي مِن وجودها المنظور، بل هي الأعظم! في نظر الله. لأنه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟ أو ماذا يعطي الإنسان فداء عن نفسه؟ (مرقس ٨: ٣٦-٣٧) لذلك لاق بالإنسان ألا يبذل ذاته إلا لمن يليق بعظمته، ومَن هو غير المسيح إلهنا؟ من يهلك نفسه من أجلي ومن أجل الإنجيل فهو يخلصها. (مرقس ٨: ٣٥) فإن الله أعطانا سلطانه علي ذواتنا أن نضعها وأن نأخذها أيضًا! فإبراهيم أبو الأنبياء رأي قيامة المسيح مِن وراء الزمن وآمن أن الله يقيم الأموات: أبوكم إبراهيم تهلل بأن يري يومي، فرأي وفرح ((يوحنا ٨: ٥٦ ))، فقرر أن يبذل اسحق ابنه بالجسد، ومن ثمَّة عاد به حيًا. قال الرب يسوع المسيح عن بذل ذاته مِن أجلنا: ليس أحد يأخذها مني، بل أضعها أنا من ذاتي. لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن آخذها أيضًا. هذه الوصية قبلتها من أبي. (يوحنا ١٠: ١٨) لهذا يحبني الآب، لأني أضع نفسي لآخذها أيضًا. (يوحنا ١٠: ١٧) واضحٌ أن بذل الذات المؤَسَّس علي الإيمان بالمسيح هو وصية الآب. لهذا فإن بذل إبراهيم لابنه أسحق لم يكن تفريطًا. ونحن نضع ذواتنا، أغلي ما لدينا، لأن لها الخلود والوجود في المسيح. فهذه وصية الآب ، وهي نتاج حب الآب لنا في أبنه، بكونها تأكيدًا أننا متحدين فيه بواسطة اتحادنا بناسوت المسيح المتحد بلاهوته الله ظهر في الجسد ((تيموثاوس الأولى ٣: ١٦ )). فهذه الوصية لم تكن ليعطيها الآب لو لم نكن محفوظين في ابنه للخلود والحياة الأبدية، والعكس صحيح أنها وصية تؤكد خلودنا في المسيح لي الحياة هي المسيح، والموت هو ربح ((فيلبي ١: ٢١ )). لقد لخَّص الروح القدس ومن وراء الزمن علي لسان داود النبي كل هذه المفاهيم المسيحية عن بذل الذات شارحًا بالنبوة عن لسان المسيح وهو علي الصليب أستجب لي يا رب عاجلًا، فقد فنيت روحي ((مزمور ١٤٣ )). فكانت الاستجابة لحظية بالقيامة وخلود الأبدية للإنسان في المسيح يسوع ((نقرأ هذا المزمور لحظة موت المسيح علي الصليب في صلوات يوم جمعة الصلبوت )). إن ذواتنا غالية عندنا جدًا، لأنها هكذا عند الله الثالوث: أي إنسان منكم له مئة خروف، وأضاع واحدًا منها، ألا يترك التسعة والتسعين في البرية، ويذهب لأجل الضال حتى يجده؟ وإذا وجده يضعه على منكبيه فرحا، ويأتي إلى بيته ويدعو الأصدقاء والجيران قائلًا لهم: افرحوا معي، لأني وجدت خروفي الضال! (لوقا ١٥: ٤-٦) فمهما تعددت الأسباب الظاهرة التي بسببها ننفِق ذواتنا، إن كان اضطهادًا ممن خدعهم الشيطان بأكاذيبه ضدنا أو ضيقات وأوجاع نابعة من الجسد أو القريب أو الغريب، فإنها بذل ذات في المسيح لو حسبناها فقط من أجل خاطر المسيح إيمانًا ويقينًا أننا أعضاء جسمه، من لحمه ومن عظامه ((أفسس ٥: ٣٠ )) متحدين به ومحفوظين فيه للخلود ومَن يُهلِك نفسه مِن أجلي ومِن أجل الإنجيل فهو يُخلِّصها ((مرقس ٨: ٣٥ )) وإلا كان البذل خسارة وفقدان وكِسرة نفس وذلة مثل باقي أهل العالم الذين تحت الآلام مثلنا. هكذا صنع المسيح ومثاله إبراهيم و كل من يبذل ذاته حبًا لذاته الحقيقية التي أحبها المسيح فاتحد بها لتكون خالدةً فيه إلي الأبد. والسُبح لله. --- ### البابا شنودة والكنيسة - Published: ۲۰۲۵-۰۳-۲۹ - Modified: 2025-04-04 - URL: https://tabcm.net/37108/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أغاثون الأنبا بيشوي, أقباط المهجر, أنبا أثناسيوس، مطران بنى سويف والبهنسا, أنبا أنطونيوس، مطران الكرسي الأورشليمي والشرق الأدنى, أنبا أنطونيوس، مطران سوهاج, أنبا باخوميوس، مطران البحيرة, أنبا بيشوي، مطران دمياط وكفر الشيخ, أنبا صموئيل، أسقف الخدمات, أنبا غريغوريوس، أسقف البحث العلمي, أنبا مكسيموس، مطران القليوبية ومركز قويسنا, أنبا يوأنس، أسقف أسيوط, أنبا يوأنس، مطران الغربية, إبراهيم عبد السيد, إكليروس, العلمانية, القرعة الهيكلية, الكرسي الأورشليمي, الكرسي المرقسي, الكنيسة الإثيوبية, انتخاب البابا, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس السادس, بولس السادس, چورچ حبيب بباوي, حلمي رفلة, دير الأنبا مقار الكبير, رئيس محمد أنور السادات, رحبعام, سنكسار, شفيق عبد الملك, عيد القيامة, ڤاتيكان, كريستولوچي, ليتورچي, مدارس الأحد, معهد الدراسات القبطية لا نتعرض هنا للقضايا اللاهوتية التي كانت محل جدل بين رموز المرحلة، فهي من الدقة التي تفرض على من يفككها أن يكون باحثًا لاهوتيًا أكاديميًا، يطرحها على فكر الكنيسة الأولى وعمادها الإنجيل وتعليم الرسل والتقليد المحقق المسَلّم لها، تمامًا كما حدث في مجامع الكنيسة المسكونية في القرن الرابع، التي نحتت لنا قانون الإيمان النيقاوي القسطنطيني، الذي اعتمدته كل الكنائس حتى بعد الانشقاق، ومازال كل المسيحيين يرددونه في صلواتهم الليتورچية والشخصية. وفي تقديري أن صراعات أعمدة الكنيسة المعاصرة، انطلقت من منطلقات شخصية ثم بحث بعض أطرافها على غطاء لاهوتي يبررها أمام الرعية والعالم، فذهبوا يتسقطون لبعضهم كلمة هنا أو جملة هناك، يبنون عليها مواقفهم، فكانت النتيجة أن أفيالنا أوغلت في الصراع -المعلن أو المتوارى خلف جدران مواقعهم- فيما تحطمت حنطتنا تحت أقدامهم الثقيلة. كانت الحقيقة التي لا نقترب منها أن بدايات الخلافات كانت وهم علمانيون في بواكير اشتباكهم مع الشأن الكنسي، ولم ينخرط أحدهم في البحث الأكاديمي، وشكلوا معارفهم من قراءات لاهوتية متناثرة وشحيحة في ذاك الزمان، بعضها من أصول غير أرثوذكسية، اختلطت بتصوراتهم واستيعابهم، يتقدمها حماسهم في السعي لإقالة الكنيسة من عثرتها، اتفقوا في الهدف واختلفوا على الطريق. وبينما هم كذلك انقسموا بين الرهبنة والتكريس، وبينهما تشعبت الطرق، فمن ذهب للرهبنة اعتنق الإصلاح في تقويم الهرم الإكليروسي، ودعم قبضته، فيما كان من اختاروا التكريس يرون أن التصحيح لا يأتي إلا من خلال إعادة التواصل مع الفكر الآبائي في الكنيسة الأولى، فذهبوا للتنقيب عن إنتاجهم اللاهوتي الموثق باللغة اليونانية، التي عكفوا على إتقانها بمثابرة وجلّد، بعضهم حوَّل مساره للرهبنة، بعد المتاعب التي حاصرت حركة التكريس، مع الاستمرار في ترجمة وتعريب الفكر الآبائي في قلاليهم، بينما بقى بعضهم في التكريس خارج الأديرة، واستطاعوا أن يحموا حراكهم بتأسيس مراكز بحثية بغطاءات قانونية. كان همها ترجمة كتب ووثائق وفكر الآباء. لم يستطع أي من الفريقين مد خطوط التواصل بينهما، وتعمق الشرخ الذي وصل في بعضه إلى القطيعة، والمجاهرة بالصراع، وبقي الأمر على هذا الحال حتى نجح فريق الإصلاح التراتبي في الوصول إلى مقاليد إدارة الكنيسة، لتتغير التوازنات، ومن ثم إدارة الاختلاف، ونعاني من تداعيات علاقة السلطة بالمثقف، وتضج عقولنا بين الفرقاء، ونعاني خارج دوائرهم، من عديد من المتاعب مع تصاعد التيارات الإسلامية، وتَبني استهداف الأقباط والتضييق عليهم، الأمر الذي دفع بسعي الحفاظ على البقاء وحماية الهوية القبطية إلى مقدمة سعى الأقباط، فيما يتفاقم صراع فرقاء المصلحين خلف الأبواب المغلقة، تحمل إشاراتها المباشرة أو المتوارية كتبهم وعظاتهم. وكانت الغلبة بطبيعة الحال لجناح السلطة. بعيدًا عن هذا نتابع رحلة البابا شنودة في موقعه الجديد "بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية"، التي تبدأ يوم الأحد ٣١ أكتوبر ١٩٧١ بعد صلوات القداس الإلهي، يبدأ القائمقام، الأنبا أنطونيوس، مطران سوهاج، مراسم إجراء القرعة الهيكلية، حسب اللائحة المعدلة لانتخاب البابا البطريرك، التي انتهت باختيار الأنبا شنودة أسقف التعليم، ويرصد كتاب "تاريخ مدارس الأحد في مئة عام" أحداث تلك الأيام، صدر القرار الجمهوري الخاص بالبابا (اعتماد نتيجة الانتخابات وتعيينه)، في صبيحة اليوم التالي، أول نوفمبر ١٩٧١، وفي يوم ٨ نوفمبر ١٩٧١ توجه البابا المختار الأنبا شنودة إلى القاهرة لمقابلة السيد رئيس الجمهورية محمد أنور السادات في بيت الرئيس بالجيزة، وكانت المقابلة ودية. وفي الأحد 14 نوفمبر يتم تجليس وتنصيب الأنبا شنودة على الكرسي المرقسي. يقوم البابا بزيارات متتابعة، عام ١٩٧٢، لأغلب الأديرة، في وادي النطرون ومنها دير الأنبا مقار، وكذلك أديرة البحر الأحمر وفي عودته منها يزور الجبهة الحربية التي كانت تستعد لحرب أكتوبر ويلقي على الضباط والجنود كلمة وطنية داعمة. ويهتم بتعمير أديرة الصعيد، وتطوير الاحتفالات بأعياد القديسين لتتحول من "موالد شعبية" إلى احتفالات روحية. يفتتح البابا رسامات الأساقفة من رفاق المسيرة وكبار خدام مدارس الأحد، ويشرع في تكليف لجنة لمراجعة السنكسار وأخرى لمراجعة الكتب الطقسية وثالثة المدائح والترانيم التي تتلى في التوزيع في القداس الإلهي، وتنقيح الأبصلمودية الكيهكية، كتاب التسبحة، وعهد هذه المهام بالترتيب للأنبا يوأنس، أسقف الغربية، والأنبا غريغوريوس، وكل من الدكتور يوسف منصور والأستاذ حلمي رفلة. كانت رؤية البابا أن تركيز الخدمة في نطاقات جغرافية صغيرة يؤدى إلى نتائج أفضل في الرعاية والتعليم، والخدمات الأخرى، وساعده على تطبيق هذه القاعدة توالى رحيل الآباء المطارنة إذ كان أغلبهم طاعنين في السن، وكانت إيبارشياتهم مترامية الأطراف وتضم أكثر من محافظة، فمع رحيل الأب المطران يتم تقسيم إيبارشيته إلى عدد من الإيبارشيات تضم الواحدة منها عددًا من مراكز وقرى المحافظة، وبجوار هذا التقسيم توسع البابا في رسامة الأساقفة العموم، بدون أن يحمل تقليد رسامتهم مسؤوليات محددة كما كان الحال عند البابا كيرلس السادس، وهي خبرة تحتاج إلى دراسة موضوعية تعظم إيجابياتها وتقلص سلبياتها. في تقرير إحصائي قام البابا كيرلس برسامة 21 أسقفًا، منهم مطران الكرسي الأورشليمي (القدس)، وثلاثة أساقفة عموم لهم مهام محددة، وأسقفان للسودان وأسقف لإفريقيا، إضافة إلى رسامة بطريرك (جاثليق) لكنيسة إثيوبيا، بامتداد إثني عشرة سنة هي مدة حبريته (مايو ١٩٥٩ ـ مارس ١٩٧١). بينما قام البابا شنودة برسامة ١١١ أسقفًا (٨٢ داخل مصر، ١ القدس، ٤ السودان وإفريقيا، ١٢ أوروبا، ٦ الولايات المتحدة الأمريكية، ١ كندا، ٣ استراليا، ٢ أمريكا الجنوبية). بامتداد ٤٠ سنة هي مدة حبريته (١٤ نوفمبر ١٩٧١ - ١٧ مارس ٢٠١٢). واصل البابا اهتمامه بالأسر الجامعية التي تخدم شباب الأقباط بالجامعات، التي دعمها وهو أسقف للتعليم، وكانت قد بدأت في الخمسينيات برعاية الدكتور شفيق عبد الملك الأستاذ بطب عين شمس والأستاذ بمعهد الدراسات القبطية وقد تولى عمادته فيما بعد، وشكل لها البابا لجنة تنفيذية عام ١٩٧٤. وقام برسامة أسقف عام للشباب، يواصل ضمن مهامه مهام أسقف التعليم في دوائر الشباب. تتوسع الكنيسة في رسامة أساقفة لخدمة المصريين بالخارج، الذين عرفوا بأقباط المهجر، التي أسس الخدمة فيها الأنبا صموئيل، أسقف الخدمات، في حبرية البابا كيرلس السادس، كان الهدف تواصل الكنيسة مع أبنائها ومد مظلة رعايتها لهم، وجاءت رسامة البابا شنودة لأساقفة لهم في سياق دعم تواصلهم مع الوطن الأم، ومد خدمة الكنيسة لأجيالهم التالية، وكان للمصريون بالخارج دور بالغ الأهمية في دعم مصر بعد حرب 1967 وكان دينامو هذا الدعم الأنبا صموئيل عبر تواصله معهم، ويعد أقباط المهجر أحد أهم دوائر دعم الكنيسة المصرية، وفى ظني أن الإصلاح الحقيقي للكنيسة سيأتي من أقباط المهجر، لأنهم يضمون رموزًا لها ثقلها من خدام الكنيسة من الرعيل الأول الذين أسسوا كيانات ثقافية تضع في أولوياتها دعم الكنيسة. وفى ظني أن تقسيم الإيبارشيات والتوسع في رسامة الأساقفة العموم وخدمة الشباب وإيبارشيات المهجر من الموضوعات الموجبة للفحص والتقييم، والمراكمة الواعية، التي تدفعني لتناولها في سياق طرحي هذا في مقالات تالية. دعونا نواصل تتبع رحلة البابا شنودة التي اصطدمت سفينته بدوامات وعواصف السياسة، حتى وصلت إلى إعلان رئيس الدولة عزله وتحديد إقامته في سبتمبر ١٩٨١، لنبدأ مرحلة جديدة تمتد لنحو ثلاث سنوات، وفيها تدار العلاقة بين الدولة والكنيسة من خلال لجنة تشكلت من خمسة أساقفة بقرار رئاسي من الدولة، تضم الأنبا مكسيموس، مطران القليوبية، والأنبا غريغوريوس، أسقف البحث العلمي، والأنبا يوأنس، مطران الغربية، والأنبا أثناسيوس، مطران بني سويف، والأنبا صموئيل، أسقف الخدمات، الذي أُغتيل في حادث المنصة ٦ أكتوبر ١٩٨١، فيتم تعيين الأنبا باخوميوس، مطران البحيرة عوضًا عنه. قوبل قرار تعيين اللجنة الخماسية بغضب شعبي لكن أدبيات أفراد اللجنة تسجل أنها كانت تعود في قراراتها قبل إصدارها للبابا في ديره، وإن كانت قد تصدت لبعض المشاكل العالقة، في سبيل حلها داخل الكنيسة فيما رأته أمرًا تنظيميًا لا يحتاج ولا يرقى للعرض على البابا، الأمر الذي لم يسترح له البابا، وانعكس هذا على قراراته بعد عودته إلى مقر كرسيه بالقاهرة، وكان منها تغيير سكرتير المجمع وإسناد الموقع للأنبا بيشوي، أسقف دمياط، الذي ظل فيه لدورات متعاقبة حتى رحيل البابا، ورقي إلى رتبة "مطران"، وأطلق البابا يد الأنبا بيشوي في الكنيسة ليصبح رجل المرحلة بلا منازع، وكان عصا البابا الغليظة، لتشهد الكنيسة سلسلة ممتدة من محاكمات الكهنة التي تنتهى بإيقاف الكاهن عن الخدمة، أو قطعه من الشركة وتجريده من رتبته الكهنوتية، وكان أبرز هؤلاء القس إبراهيم عبد السيد الذي تم إيقافه دون أن يصدر بحقه أية قرارات سالبة لكهنوته أو عضويته الكنسية، وبقي على رتبته الكهنوتية حتى وفاته، وكانت أزمته محل تناول الصحف بشكل كبير، يذكر أنه قدم أكثر من طلب أن تكون محاكمته علنية ولم يُستجب له، ولم تكتمل محاكمته حتى وفاته. وقد تناولتُ قضية المحاكمات الكنسية في أكثر من مقال بمجلة "مدارس الأحد" كان أخرها عن ملابسات إيقاف الراهب القس أغاثون الأنبا بيشوي، الذي عين سكرتيرًا للبابا وكان شاهدًا على محاولات الدولة التواصل مع البابا لإثناءه عن قرار عدم صلاة عيد القيامة 1980 بالكاتدرائية وعدم استقبال المهنئين الرسمين، والاعتكاف بالدير، وتم نقله للخدمة بكنيسة أبي سيفين بمصر القديمة، ثم في يونيو ١٩٩٤ صدر بحقه قرارًا بالإيقاف، وجاء المقال ضمن ملف خصصته المجلة لمناقشة أزمات الكنيسة وقتها، في عددها الصادر في أغسطس ١٩٩٤ الذي على أثره اصدر البابا قراره بعدم اعتراف الكنيسة بالمجلة. بعد الرسامات الأولى للأساقفة، التي اختيرت من رفاق الطريق من القامات المخضرمة صاحبة الرؤية والخبرة، تأتي الرسامات التالية في أغلبها بمعايير مختلفة عن سابقتها، يتقدمها معيار الثقة مع غياب الخبرة، وكانوا من الشباب الذين لم يمكث جلهم في الدير سوى سنة إلى ثلاث سنوات على أقصى تقدير، الأمر الذي انعكس سلبًا على إدارتهم لإبارشياتهم التي أقيموا عليها، وكان لهم الغلبة في المجمع، ولكل هذا كانت قرارات المجمع التي يصيغها سكرتيره تصدر بالتمرير، بما فيها قرار قطع الدكتور چورچ حبيب بباوي، وكانت نصيحة السادات للبابا كما صرح بها في واحدة من خطبه بيِّض لحاهم يا شنودة، ودفع البابا الثمن، كما حدث مع رحبعام بن سليمان. ويحدث تحول في فهم طبيعة عمل الأسقف ودور الكنيسة من طبيب ومشفى يداوي المخالفين إلى قاض ومحكمة تتعقبهم وتعاقبهم. بل وتمد هذا الدور لتتعقب كل من لا يستريح له مدبروها. وعندما يتقدم العمر بالبابا تظهر الصراعات بين دائرة الأساقفة القريبة منه، لعل أبرزها سباق الأنبا بيشوي، مطران دمياط وسكرتير المجمع والأنبا يوأنس، سكرتير البابا آنذاك، في السعي للاستحواذ على رضا البابا، ثم يتطور الأمر إلى رسامته أسقفًا عامًا في موقعه ضمن طاقم السكرتارية، ليصبح عين وأذن سكرتير المجمع عند البابا ويحاصر مساعي غريمه. على صعيد آخر تظهر عبقرية البابا شنودة الكنسية، والسياسية، في قراره التاريخي بزيارة الڤاتيكان ولقاء بابا روما ـ البابا بولس السادس ـ التي تمت في ١٠ مايو ١٩٧٣ بعد نحو عام من توليه موقعه، لينهي قطيعة ممتدة لنحو خمسة عشر قرنًا بين الكنيستين، والاتفاق على إعلان أو بيان يعلنا فيه القضايا اللاهوتية والكريستولوچية، المشتركة، والتأكيد على مواصلة الحوار حول القضايا الخلافية، لكنه قوبل بمعارضة شيوخ المجمع حال عودته فتم تجميد تفعيل الإعلان. مازال للطرح بقية يحملها مقال مقبل. --- ### الخطية الجدية عند كيرلس السكندري [١] - Published: ۲۰۲۵-۰۳-۲۸ - Modified: 2025-03-28 - URL: https://tabcm.net/37887/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: الإصلاح البروتستانتي, الخطيئة الأصلية, الغنوصية, المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية, بابا كيرلس عمود الدين, بروتستانت, چورچ عوض إبراهيم, چوزيف موريس فلتس, حوار حول الثالوث, قديس أوغسطينوس، أسقف هيبو, نصحي عبد الشهيد بطرس نبدأ من هذه الحلقة ولعدة حلقات مقبلة الحديث عن المفهوم الشرقيّ الأرثوذكسيّ للخطية الجدية، ممثلًا في ق. كيرلس السكندري، وهو مختلف عن المفهوم الغربيّ اللاتينيّ، ممثلًا في أوغسطينوس، أسقف هيبو، الذي كان المحرِّك الرئيس وراء مفاهيم مجامع قرطاچنة الثلاثة التي ناقشت الهرطقة البيلاجية، وقضت بحرمها. بالتالي، نرى أن المفهوم الغربيّ مختلف تمامًا عن المفهوم الشرقيّ للخطية الجدية، بسبب تأثير كتابات أوغسطينوس أسقف هيبو على الغرب اللاتينيّ بقوةٍ. الشر فعل إرادي مرتبط بالإرادة يشير ق. كيرلس الإسكندري إلى ماهية الشر باعتباره اختيار خاطئ وقاتل للنفس. ((كيرلس الإسكندري، السجود والعبادة بالروح والحق، ترجمة: د. جورج عوض، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2017، المقالة 1، ص 59. )) وهكذا يؤكد ق. كيرلس السكندري على أن الشر هو عمل إرادي مرتبط بالإرادة الإنسانية في النفس، ولا يمكن أن يكون بأي حال من الأحوال شيء موروث كما علَّم المانويون ومن بعدهم أوغسطينوس كالتالي: ((كيرلس الإسكندري، السجود والعبادة بالروح والحق، ترجمة: د. جورج عوض، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2017، المقالة 1، ص 59، 60. )) فكوننا لا نريد أن نُظهِر بأسًا شديدًا، أن نكون غير مهتمين بالابتعاد عن السيئات، وكون أن العقل لا يريد أن ينقطع عن الأشياء العتيقة، أو يبتعد بطريقةٍ ما عن كل دناءة، أو يتردد في فعل ما هو نافع، كل هذا لا يعني شيئًا آخر سوى أن الشخص يتوقف بإرادته في دائرة الشر، في الوقت الذي كان يجب عليه فيه أن يخرج مُسرِعًا. (كيرلس الإسكندري، السجود والعبادة بالروح والحق) عدمية الشهوة الدنسة يرى ق. كيرلس السكندري أن الشهوة ليس لها وجود في حد ذاتها، بل هي مُدركَة فقط فيمَّن يتقبلها لتعمل فيه، داحضًا بذلك أية ادعاءات بوجود تعليم وراثة الخطية الأصلية في تعليمه اللاهوتي كالتالي: ((كيرلس الإسكندري، شرح إنجيل يوحنا مج 1، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرين، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2015، ص 383. )) فالشهوة مثلًا التي تنادينا وتجبرنا على فعل أي شيء، ليس لها وجود في ذاتها، بل هي مُدركَة فقط فيمَّن يتقبلها لتعمل فيه: لهذا فالخضوع الذي يسير إلى التأرجح نحو الإرادة عن واجب الخضوع لأي فرد آخر، لا يمكن أن يُدرَك في طبيعته ذاتها، بل يُعتبر بالحري شهوةً أو إرادةً أو رغبةً في أحد الأمور الموجودة بجانب اسم وحقيقة الخضوع الذي نتحدث عنه بشكلٍ مطلقٍ، فإنه لن يُفهَم أنه منسوب لأيٌ منها، ولن يعرف المرء إن كان الخضوع صالحًا أم رديئًا، إنْ لم يكن مضافًا لأولئك الذين يتم الخضوع لهم: فالإنسان خاضع لله، لكنه يخضع أيضًا للشيطان. (كيرلس الإسكندري، شرح إنجيل يوحنا مج 1) دحض تعليم أوغسطينوس بالإرادة المقيدة بالشر يُؤكِّد ق. كيرلس الإسكندريّ على أن الإرادة الحرة في الإنسان العاقل هي التي تجعل الإنسان يحب الصلاح أو العكس، داحضًا أي تعليم عن الإرادة المقيَّدة بالشر وسبق التعيين للخطية والهلاك الناتج بدوره عن التعليم بوراثة الخطية الأصلية، الذي ابتدأه أوغسطينوس في صراعه مع البيلاجية، وانتشر بصورة كبيرة في لاهوت العصر الوسيط والإصلاح البروتستانتي، خاصةً في الكالفينية كالتالي: ((كيرلس الإسكندري، شرح إنجيل يوحنا مج 1، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرين، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2015، ص 104. )) ليس بالإرادة الذاتية يستطيع الإنسان أن يصبح إنسانًا عاقلًا، لأنه يكون له ذلك بالطبيعة، ولكن مَن يكون إنسانًا يمكنه بإرادته الخاصة أن يكون صالحًا أو شريرًا، فالإرادة قادرة على أن تجعل الإنسان يحب الصلاح أو العكس. (كيرلس الإسكندري، شرح إنجيل يوحنا مج 1) ويدحض ق. كيرلس تعليم أوغسطينوس والبروتستانت من بعده بتعليم الإرادة المقيَّدة بالشر، مُؤكدًا على أن المشيئة تنحدر من العقل، طالما أن العقل هو منبعها وبمثابة جذر وقاعدة لها، تتجه إليه بالفكر. لأن العقل هو العلة الأولى للحركات والأفكار الكائنة فيه. أمَّا نوعية الحركات والأفكار، فهي تؤول إلى المشيئة التي تتشكل كثيرًا حسب الحالة كالتالي: ((كيرلس الإسكندري، حوار حول الثالوث، ترجمة: د. چوزيف موريس فلتس، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2018، الحوار الخامس، ص 229. )) كيرلس: مثل المشيئة، فمع أنها تنحدر من العقل، طالما أن العقل هو منبعها وكجذر وقاعدة لها، تتجه إليه بالفكر. لأن العقل هو العلة الأولى للحركات والأفكار الكائنة فيه. أمَّا نوعية الحركات والأفكار، فهي تؤول إلى المشيئة التي تتشكل كثيرًا حسب الحالة، التي يمكن أن تصل إلى النقيض. لأن ما يجعلنا نفعل الخير ليس هو ما يجعلنا نفعل الشرّ، وأن ما يجعلنا نختار أن نكون حكماء، ليس هو ما يجعلنا أن نختار ما هو عكس ذلك. (كيرلس الإسكندري، حوار حول الثالوث) وهكذا يختلف ق. كيرلس السكندريّ تمامًا مع الطرح الأوغسطينيّ، بل يعتقد ق. كيرلس السكندريّ بأن الخطية مرتبطة بحرية إرادة الإنسان سواء وجَّهها الإنسان نحو الفضيلة أو نحو الرذيلة، وليست شيئًا موروثًا، بل ويؤكد ق. كيرلس على أن مرض الميل إلى الخطية أصاب الطبيعة البشرية بعد السقوط، وليس كأنَّ الخطية صارت جزءًا من طبيعة الإنسان كما يدَّعي البعض خطاءً وعن جهل. حيث يقول التالي: ((كيرلس الإسكندري، الجلافيرا على سفر التكوين، ترجمة: د. چورچ عوض، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2018، المقالة الأولى، ص ١١٣- ١١٥. )) لقد خُلِقَ الإنسان منذ البداية مُتحملًا مسؤولية إرادته وحرية اختيار الشيء الذي يُفضِّله. ولأن الله خلقه على مثاله لذلك خُلِقَ حرًا. وأعتقد أنه بهذه الطريقة، أُعطِيَ الإنسان أن يكون جديرًا بالإعجاب، إذَا أظهر بإرادته أنه يميل إلى الفضيلة، وأعماله هذه تكون ثمرة إرادته الحرة، وليست نتيجة حتمية لطبيعته غير الحرة، التي تسمح له بالابتعاد عن الصلاح، حتى لو أنه فضَّل أن يعمل ما ليس صالحًا. وهكذا، فالإنسان لديه منذ البداية إرادة حرة غير محدودة ليعمل كل الأعمال، ولكنه انقاد بطيش بغواية التنين إلى فعل الأمور التي لا تليق، إذ أنه لم يحترس من الوقوع في العصيان. هكذا، حكم على الإنسان بالموت والفساد، لأن الله رأى أن هذا الحكم هو لصالحه. بمعنى أنه طالما مال الإنسان مرة للخطيئة، وأصاب طبيعته مرض الميل للشر، مثل الأرواح النجسة، وانعطف نحو الشر، حسنًا، فبطريقة مُفيدة وُجِدَ الموت الجسديّ الذي لم يؤد بالإنسان إلى الدمار الكامل، حتى يمكننا القول إن الإناء المكسور حُفِظَ لكي يصير جديدًا بطريقة ما، طالما سيتم إعادة تصنيعه في الوقت المناسب. (كيرلس الإسكندري، الجلافيرا على سفر التكوين) دحض مفهوم خطية الطبيعة الأوغسطيني يدحض ق. كيرلس الإسكندريّ مفهوم خطية الطبيعة، الذي أطلقه أوغسطينوس في أثناء صراعه مع الهرطقة البيلاجية، وهو تعبير مانويّ في الأصل، ويرى أن الخطية قد صارت جزءًا من الطبيعة البشرية، وهذا الفكر هو فكر غنوسيّ مانويّ غير أرثوذكسيّ، يدحضه ق. كيرلس موضحًا أن إمكانية الإنسان أن يصير صالحًا أوشريرًا تتوقف على إرادته، وليس على طبيعته كالتالي: ((كيرلس الإسكندري، الكنوز في الثالوث، ترجمة: د. چورچ عوض، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2011، المقالة 7: 27، ص 94. )) الإنسان لديه إمكانية أن يصير أبًا لأولاده حسب طبيعته، وهو لا يصير أبًا بإرادته، مثلما يمكن أن يكون شريرًا أو صالحًا بإرادته. فالأولتوجد فيه حسب طبيعته، في حين الثانيفيعتمد على إرادته. في الحالة الثانية نتسيَّد، بينما في الحالة الأولى نخضع لناموس الطبيعة الذي لا يُخترَق. (كيرلس الإسكندري، الكنوز في الثالوث) دحض الفساد الكلي للطبيعة البشرية بعد السقوط ويدحض ق. كيرلس تعليم أوغسطينوس والبروتستانت بالفساد الكليّ للطبيعة البشرية بعد السقوط، وانعدام الخير فيها انعدام كليّ وتام قائلًا: ((كيرلس الإسكندري، حوار حول الثالوث، ترجمة: د. چوزيف موريس فلتس، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2018، الحوار الأول، ص 15، 16. )) كيرلس: إذ أن طبيعتنا البشرية مكونة من أجزاء متعددة. ونحن من التراب فيما يخص الجسد، وهذا يعني أننا معرضون للفساد والزوال مثل الأعشاب، بينما الله فوق كل ذلك، والنفس الإنسانية عرضة لتقلبات كثيرة من الصالح إلى الطالح، ومن الطالح إلى الصالح، ولكن الله هو هو دائمًا، صالح إلى الأبد، ولا يتحول ولا يتغير من حال إلى حال، وعدم تغير الله ليس صفة عرضية، بل يرجع إلى جوهره. وهكذا أصبح من الواضح أن البشر الذين أتوا إلى الوجود من العدم، لا يتشابهون مع الله حسب الطبيعة، بل يمكن أن يتشابهوا معه في نوعية الحياة الجديدة والسلوك المستقيم. إرميا: إن حديثنا يسير في الطريق السليم، وذلك رغم سقوطنا، إلا أنه لا نحن ولا الملائكة الذين سقطوا لم ننحرف كليةً عن طبيعتنا، ولم ننحدر إلى العدم الكليّ، رغم عدم اقتناءنا للفضيلة، فلقد فقدنا القدرة على المعرفة الصحيحة وفن الحياة، وذلك بسبب ميلنا للشر، ولكن المسيح جاء ودعانا إلى أن نتشكل من جديد حسب الصورة الأولى بكل بهائها. ولا نقول أبدًا إن الوصول إلى هذا المجد يعني أن الطبيعة البشرية تصير طبيعة أخرى، ولكن الأمر يتعلق باختيار الإرادة في أن يتغير الإنسان من حياة شريرة إلى حياة مُقدَّسة في القول والفعل. كيرلس: يبدو لي أن الأمر واضح يا صديقي إرميا، فإن صفات الله تضيء في صورتنا لأننا اخترنا بملء حريتنا أن نسير في الصلاح، ولكننا، وكما ذكرت ذلك أنت نفسك، لسنا واحدًا مع الله في الجوهر. (كيرلس الإسكندري، حوار حول الثالوث) --- ### معًا نحو دراما تقطع اللسان الطويل - Published: ۲۰۲۵-۰۳-۲۷ - Modified: 2025-03-27 - URL: https://tabcm.net/37851/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون - وسوم: أسامة أنور عكاشة, إسماعيل ياسين, بشير الديك, تحية كاريوكا, جلال الشرقاوي, حزب الجبهة الوطنية, حسام الدين مصطفى, رئيس عبد الفتاح السيسي, سعاد حسني, علي بدرخان, عمرو عبد الجليل, مجلس قيادة الثورة, محمد فاضل, محمد هنيدي, نادية لطفي, وجيه أباظة, وحيد حامد, يسري الجندي, يوسف شاهين حين تسمع جملة: أعلنت أحدث جهة سيادية في مصر، متمثلة في حزب الجبهة الوطنية، ما الذي سيتبادر إلى ذهنك؟ ربما تقول؛ من المؤكد أن هذا التعاون الضخم سيتخذ خطوات جادة لمواجهة إغلاق المجال العام. هل سيعالج القضايا التعليمية المزمنة؟ هل سيوفر الحماية للنساء من القتل والتشويه والملاحقة؟ كلا يا عزيزي، كُلها تفاهات مُقارنةً بالأمر الجلل الذي علينا مكافحته: تنظيم أوضاع الدراما المصرية وتأثيرها، ودعوة المختصين لتقديم حلول! يأتي هذا التدخل العاجل بعد إشارة مباشرة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى ضرورة تعزيز القيم في صناعة الدراما والسينما، ومواجهة موجات العنف والجريمة وتعاطي المخدرات، وإشعال الصراع المجتمعي، وترويج الابتذال اللفظي والانحراف السلوكي، وتدمير قيم العائلة خلال حفل إفطار أقامته القوات المسلحة. ولكن، كيف تفاعل الجمهور؟ المستقبِل الأول للدراما، ومن يمتلك ضغطات زر تغيير القنوات حرفيًا؟ إليكم بعض تعليقات زائري الصفحات التي نشرت الخبر. لو الديكتاتورية هتعدل الدراما يبقى أهلًا بيها منذ قيام الجمهورية المصرية، تعامل المواطن المصري كمُستقبل فقط بحس أمومي تجاه القيادات السياسية حينها. واستمر الوضع إلى الثمانينات وحتى الألفينات، التي لم يَلُم فيها المواطن حكومته على الإخفاقات السياسية، وإنما خاطبها بدالة الأمومة أن توفر له الخبز ولقمة العيش. أثرت تلك العلاقة كذلك على الفن واستخداماته الموسعة في المجتمع، فبين تصديق الحلم القومي الذي قدمه يوسف شاهين في أفلام مثل العصفور والناصر صلاح الدين، وتوجهات مثل كلمات وجيه أباظة، عضو مجلس قيادة الثورة، بأن: الفيلم المصري يعتمد على الغنوة والرقصة والنكتة، والبلاد في حاجة إلى أفلامٍ جدية، تُناقش المشكلات التي تواجه الدولة. بالتالي، قامت السينما والدراما بعرض وجهة نظر الدولة بالفعل في أفلام الإنتاج الحربي وسلسلة إسماعيل ياسين في الأسطول والجيش والشرطة... وحتى عكس اتجاهات الدولة لتعزيز دور المرأة العاملة وأهمية مشاركتها اجتماعيًا، ما عُرف وقتها بـنسوية الدولة. لكن، علقت في الأفق رواسب اجتماعية أثرت في نظرة الجمهور إلى الأطروحات المقدمة؛ حيث بحث الجمهور عن بوصلة توجهه دائمًا نحو الصواب، ومع الوقت فقد بوصلته الخاصة. والسؤال المطروح على المواطن المصري هو: ماذا تريد من الدراما؟ هذا ما سننتقل له تاليًا. الدراما: بين الواجبات والمُحاباة والسُلطة، والفنان صاحب الفكر والشخصية ومجددًا، وبالحديث عن الشجاعة كمكون رئيسي للفنان، يطل يوسف شاهين من جديد بجملة أنا لساني طويل في رحلة تعافيه الداخلية من أحلام تأليه الفنان المتمثلة في عمرو عبد الجليل، الذي يلعب دور المُمثل الموهوب الذي تعب من تتبع نهج الأستاذ المُتعب لصناعة السينما، وأغرته أموال الخليج لصناعة فن موجه وخالٍ من تصرفات الإنسان الطبيعي بتنويعاتها من اختيارات وإخفاقات، ورحلة البحث عن معنى لسُلطة الفن أمام سُلطة الدولة. كان الوضع في الثمانينات عجيبًا، حيث قررت السلطة تمرير قانون، للنقابات الفنية الثلاثة، دون مناقشة أو موافقة أعضاء هذه النقابات. فما كان من الفنانين إلا أن بدأوا اعتصامًا في مقر النقابة، وصعّدوا احتجاجهم إلى الإضراب عن الطعام. اجتمعت رموز السينما المصرية، مثل المخرج علي بدرخان، والمخرج محمد فاضل، والكاتب بشير الديك، وتحية كاريوكا، وسعاد حسني، ونادية لطفي، ويوسف شاهين، وجلال الشرقاوي، وحسام الدين مصطفى، وغيرهم من طلبة المعهد حينئذ، مثل محمد هنيدي وآخرين، لمساءلة السُلطة: لماذا تتخذون قرارات دون إشراك أصحاب المصلحة الأساسيين -نحن- فيها؟ ومرورًا بالتسعينيات وبداية الألفية الجديدة، تلاقت أهواء المجتمع والفنانين وأموال دول الجوار والسُلطة في نقلة جديدة للرقابة، الأمر الذي عُرف بـالسينما النظيفة، كوسيلة للسيطرة على الفنانين الجدد المُعبرين عن تلك المرحلة، ولومهم مجتمعيًا حال خروجهم عن المطلوب. وبالتدريج، تراجع الفنان عن اقتناعه بما يُقدم، أو ماهيّة القضايا الهجومية التي يُقدمها، لصالح كيفية صنع التوليفة الشعبية "النظيفة" التي تجذب الجمهور وتحفزه على فتح التلفاز ودخول السينما وتحقيق الإيرادات. تريدون تشويه صورة مصر؟ هذا ليس مجتمعنا وهذه ليست حياتنا اليومية يا عزيزي، زمن كنس التراب تحت سجاد المنزل لم يعد مجديًا! وبنفس المنطق، كان لابد من محاكمة أسامة أنور عكاشة، الذي قدم المجتمع مخترقًا من الفكر المتطرف، قاتلًا شقشق في مسلسل أرابيسك (١٩٩٤)، أو يسري الجندي في مسلسل التوأم (١٩٩٧)، لعرضه أزمة تغيير العقيدة في حال كانت المُغيرة آنسة، أو وحيد حامد لتقديمه فن صناعة المتطرف وعالم العاملات بالجنس التجاري في العديد من أعماله بحُجة تشويه سمعتنا أمام الأشقاء! أعزائي، المشكلة ليست في السمعة. أزمتنا الأزلية أكبر وأعمق: هي أننا مازلنا أطفالًا نترجى آخرين ليأخذوا قراراتنا، وفرحتنا بالمنع والحجب الذي سيطالنا يومًا ما جميعًا! لكل تنظير تنظير أعلى منه! ففي الوقت الذي سجلت فيه بلادنا أرقامًا قياسية غير مسبوقة في معدلات العنف ضد النساء، من قتل وتعذيب وانتهاك، في عام ٢٠٢٥، التي لم يمضِ شهرها الثالث بعد، في الوقت الذي تخشى فيه النساء والفتيات من قول لا خوفًا على حياتهن، في الوقت الذي تُباع فيه المواد المُخدّرة على نواصي الشوارع، والمواد الكاوية التي سُجلت بها حالات تشويه لنساءٍ بثلاثة جنيهات أو أقل في محلات التنظيف، ويُقبض على فتيات يرقصن، لأنهن خدشن حياء الأسرة، بينما لا يخدش حياءها أكل الورث أو الاغتصاب السريري أو الرشاوي في نهار رمضان، بتهم مطاطة لم نعد نفهمها، مازلنا نُهلل لثقافة الحجب والمنع ومقص الرقيب! أيهما أوقع: مقص الرقيب؟ أم مساحة حرة لعرض الفكر والفكر المضاد؟ سيستمر الإسفاف و"التجعير"، ولكن يمكنك إنتاج أنواع أخرى قوية وجذابة، مثل لام شمسية وظلم المصطبة والحشاشين! يا عزيزي، بينما تشعر بنشوة الانتصار في مراقبة الدراما وقيم أسرتك المصونة، بينما تصف عن تخويخ المجتمع الناغر إلى عمقه، وتبلع المشاهد الرديئة الواقعية التي تقابلها ببشاشة، وتُطأطئ رأسك كيلا تتعرض للمشكلات مع من لست أهلًا لمواجهتهم، أوجه لك كلمة السيد أوبرا الشهيرة: "إتلهِ". --- ### مناقشة يوسيفوس فلاڤيوس - Published: ۲۰۲۵-۰۳-۲٦ - Modified: 2025-03-29 - URL: https://tabcm.net/36804/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: Testimonium Flavianum, أغابيوس، أسقف هيرابوليس, أنيتا برچيت ميرز, أوريجينوس ليونايدس أدامانتيوس, إدوارد نوردن, إرنست باميل, بيلاطس البنطي, جراهام إتش. تويلفتري, جراهام نورمان ستانتون, جيرارد ثيسن, جيزا ڤيرميس, چوزيف جداليا كلاوسنر, چون پول ميير, ديفيد نويل فريدمان, روبرت آيسلر, روبرت ڤان ڤورست, سامويل چورچ فريدريك براندون, فريدريك فايڤي بروس, كارل جوستاڤ أدولف ڤون هارناك, لوكاس أوسياندر, ليوپولد ڤون رانكه, مارا بار سيرابيون, مرثا شامبيون هويل, والتر پريڤنير, يوحنا المعمدان, يوسابيوس بامفيلوس القيصري, يوسيفوس فلاڤيوس إن كان فلاڤيوس قد قال الكلام المكتوب في هذه الشهادة، فمن المؤكد أنه كان مسيحيًا، لأنه اعترف بأن يسوع هو المسيح، وأنه مات وقام وصنع معجزات، وأن العهد القديم تنبأ عنه. وبما أن يوسيفوس فلاڤيوس ظل طوال حياته يهوديًا، فمن المؤكد أنه لم يقل هذا الكلام. وبالتالي، فإن الشخص الذي لديه مصلحة في إضافة هذا الكلام لكتابات فلاڤيوس هو شخص مسيحي (لوكاس أوسياندر، القرن السادس عشر) هذه هي ماهية التَّاريخ؛ قصص نرويها عن أنفُسنا في السَّابق أو يرويها الآخرون عنَّا. ولكن في كتابة تلك القصص لا يكتشف المُؤرّخون الماضي بقدر ما يصنعونه. هم يختارون الأحداث والأفراد التي يعتقدون أنَّها تُعبّر عن الماضي، ويختارون أيًَّا منها يهم أنّ نعرفه... يصنع المؤرّخون التَّاريخ بكتابته. التَّاريخ ليس هناك وحسب، مُنتظرًا أن يجده المؤرّخ. ليس التَّاريخ كقصيدة مفقودة أو حطام كاتدرائية أو نظام أخلاقيّ مفقود يمكن إعادة اكتشافه، فالتَّاريخ بلا وجود قبل أن يُكتب. ((Martha C. Howell and Walter Prevenier, From Reliable Sources: An Introduction to Historical Methods, 2001, p. 1. Cornell University Press )) (مرثا شامبليون هويل ووالتر پريڤنير، من المصادر المُعتمدة: مقدمة للطرق التاريخية) كما يشرح الاقتباس السابق، المؤرخ ليس كيانًا شفافًا يعرض حقائق مجردة، والتاريخ ليس شيئًا "نجده" وكأنه منفصل عنا ومحايد. التاريخ هو إعادة بناء لآثار الماضي، يقوم بها المؤرخ بناءً على تحليله للمعطيات المتاحة، وبالرغم من محاولته المستمرة للابتعاد عن الانحيازات، إلا أنه في اختياره لمصادره وفي تحليله لها، سيختلف رأيه بالتأكيد عن رأي غيره. وهنا تأتي الأسئلة المهمة: علام يبحث المؤرخون؟ وما هي مصادرهم لمعرفة الحقيقة؟ وما المصادر التي يجدونها؟ وكيف يتعاملون معها بعد العثور عليها؟ إذا كانت المستحيلات الثلاثة هي الغول والعنقاء والخل الوفي، فالمستحيل الرابع عند المؤرخ هو المصدر التاريخي الذي يروي الحقيقة الكاملة ولا يحتاج إلى تدخل من المؤرخ أو أي مجهود في تحليله أو تفسيره. يتمنى المؤرخ أن يكون هذا المصدر موجودًا، لكنه في الواقع مستحيل. يتعامل المؤرخ مع شيء مفقود، يتعامل مع الماضي. ولا توجد أي طريقة لإعادة بناء هذا الماضي بالكامل ومعرفته كحقيقة كاملة مطلقة. لا شيء متاح للمؤرخ الذي يتعامل مع العالم القديم سوى البقايا والنقوش التي يجدها، بقايا المباني والـ"أوستراكا" وبقايا الوثائق، سواء المحفوظة في مكتبات قديمة أو التي تحفظها جماعات في دوائرها الخاصة. هذه المصادر، في حالة المسيحية، وتحديدًا بالنسبة لوضع القرن الأول، إذا اتبعنا تقسيم جيرارد ثيسن وأنيتا ميرز في كتابهما: المسيح التاريخي: دليل شامل ((Gerd Theissen and Annette Merz, The Historical Jesus: A Comprehensive Guide, SCM Press, 1998, p. 17-87 )) يمكن تقسيمها إلى نوعين: مصادر مسيحية، ومصادر غير مسيحية. سنبدأ أولًا بالمصادر غير المسيحية، لأن المصادر المسيحية -على غير المتوقع- هي الأكثر تعقيدًا، التي قد تجد فيها كلامًا غريبًا عن السائد كنسيًا. أيضًا سنكتفي بالمصادر التي ناقشت موضوع الصلب، ولن نتحدث عن المصادر التي ذكرت يسوع بشكل عام. الشهادات غير المسيحية عن يسوع معرضة لخطر ذو وجهين؛ إما بالمبالغة في تقديرها، أو بعدم تقديرها بشكل كاف. المبالغة في تقديرها هي أن يتمنى المرء أن يجد من خلالها مدخلًا موضوعيًا ليسوع التَّاريخي، مدخلًا خاليًا من الغطاء المسيحي... المصادر غير المسيحية هي على الأرجح ردة فعل للتصريحات المسيحية، ولكن أيضًا لا ينبغي أن يُبخس المرء قيمتها كمصادر. أولًا، ترجع تلك الشهادات إلى تصريحات مسيحية على الأرجح مُستقلة عن الأناجيل. إنها شهادات مُستقلة. ثانيًا، تسجل لنا المواقف المتضادة لليهود والوثنيين. من كلا الجانبين لدينا مواقف طيبة مثل يوسيفوس ومارا بار سيرابيون، وأحيانًا مواقف رافضة كالمصادر الرابينية والكُتّاب الرومان. ثالثًا، تُظهر لنا أن المعاصرين في القرن الأول والثاني لم يروا سببًا للشك في وجود يسوع. ((Gerd Theissen and Annette Merz, The Historical Jesus: A Comprehensive Guide, SCM Press, 1998, p. 17 )) (جيرارد ثيسن وأنيتا برچيت ميرز، يسوع التاريخي: دليل شامل) لا تُصوّر جماعة ما مُخلّصها كمجرم، مات ميتة مهينة على الصَّليب، إلا إن كانت مُضطرة لذلك. هذه الحقيقة لم تكن أبدًا محل شك في العالم القديم. ((Gerd Theissen, The New Testament: History, Literature, Religion, T&T Clark, 2003, p. 22 )) (جيرارد ثيسن، العهد الجديد: التاريخ، الأدب، الدين) تحاول ميرز مع ثيسن أن يبيّنا باختصار أن الشهادات الخارجية ليست شهادات لأناس رأوا بأعينهم، بل لأناس يعارضون كلام المسيحيين الذي قالوه في ذلك الوقت. ويذكران حقيقتين لم يشكك فيهما أحد في العالم القديم: وجود يسوع تاريخيًا، وصلبه وموته على الصَّليب. لكنهما في الوقت ذاته يحذران من أن المصادر الخارجية ليست مصادر محايدة، وأنها تعكس أحيانًا آراء مسيحية، وأحيانًا أخرى آراء معادية للمسيحيين، مثل الإشارات في الكتابات الرومانية إلى أن المسيحيين كانوا من آكلي لحوم البشر، وما إلى ذلك. وهذا يعود بنا مرة أخرى إلى فكرة دور المؤرخ الذي يتعامل مع المصادر التي أمامه بحذر، ولا يأخذ منها وينقل دون فطنة. شهادة يوسف بن ماتيتياهو الإشارة المهمة في كتابات يوسف بن ماتيتياهو، أو اسمه الأشهر؛ المؤرخ اليهودي يوسيفوس فلاڤيوس، جاءت من كتاب عاديات يهودا ((عاديات يهودا: أو بالإنجليزية The Antiquities of the Jews وتعني آثار اليهود، هو اسم كتاب للمؤرخ اليهودي يوسف بن ماتتياهو كُتب باليونانية في عام 94 للميلاد، ويشمل 20 فصلًا، يعرض تاريخ أتباع الديانة اليهودية حسب التراث والمصادر المتوفرة آنذاك. ))، وبالتحديد في الجُزء 18، والفقره 63، والمشهورة في الأوساط الأكاديمية باسم Testimonium Flavianum وتعني حرفيًا؛ الشهادة الفيلاڤوسية ((Testimonium Flavianum / الشهادة الفيلاڤوسية: جزء من كتابات يوسيفوس فلاڤيوس، وبالتحديد في الجُزء 18، والفقره 63، من كتابه عاديات يهودا ، وهو الجزء الذي يتكلم فيه عن يسوع باعتباره المسيح المُنتظر، ويذكر صلبه وقيامته في اليوم الثالث. كان هذا الجزء محل نقد شديد منذ القرن السادس عشر، حيث مالت الآراء لكون هذا الجزء مُختلق وموضوع من المسيحيين على نصّ يوسيفوس فلاڤيوس، وأنّه لا يُعقل أن يعترف مؤرخ يهودي بمجيء المسيح وصلبه وقيامته ويظل يهوديًا بعدها. ثم في القرن العشرين بدأت الآراء تميل لكون هذا الجزء تعديلًا مسيحيًا على نصّ أصيل بحيث أصبح على الشكل الحالي. ))، وهذا الجُزء يقول نصًّا ((يوسيفوس فلاڤيوس، آثار اليهود، جزء 18، فقرة 63. )): وفي نحو هذا الوقت عاش يسوع هناك، إنسان حكيم، إن صح أن ندعوه إنسانًا، لأنه عمل أعمالًا عجيبة، ومُعلّم لهؤلاء الذين يقبلون الحق بفرح. ربح الكثير من اليهود واليونانيين أيضًا. كان هو المسيح، حين شهد عليه رجال من عِلية القوم عندنا. حكم عليه بيلاطس بالصَّلب، ولكن هؤلاء الذين أحبوه لم يتركوا حبهم له، لأنَّه في اليوم الثالث ظهر لهم عائدًا للحياة. أنبياء الله قد تنبأوا بهذا، وبالعديد من الأعمال العظيمة عنة. وقبيلة المسيحيين التي دُعيت باسمه لم تمُت حتى اليوم. (يوسيفوس فلاڤيوس، الشهادة الفيلاڤوسية، آثار اليهود ١٨: ٦٣) يقول جيرارد ثيسن إن هذه الفقرة، المشهورة بين الدارسين باسم Testimonium Flavianum أو شهادة فلاڤيوس، كانت محل نقد شديد منذ القرن السادس عشر. مالت الآراء إلى أن هذه الفقرة بأكملها مجرد إقحام مسيحي على نص يوسيفوس. وفي القرن العشرين، بدأ السؤال يتمحور حول ما إذا كانت هذه الجزئية مبنية على كلام ليوسيفوس فعلًا، لكن المسيحيين عدلوا النصّ وراجعوه ليكون على الشكل الحالي. يناقش ثيسن الاحتمالات الثلاث المتعلقة بهذا النصّ: إمّا أنه أصيل بالكامل وكتبه يوسيفوس فلاڤيوس فعلًا. أو إنّه منحول بالكامل ومُختلق بالكامل من قِبل شخص مسيحي، وأُقحم على النصّ، أو إنّه مبني على نصّ ليوسيفوس، لكن كاتب مسيحي عدَّل فيه وأضاف عليه ليصبح بالشكل الحالي. وهنا سنناقش كافة الاحتمالات الثلاث. Testimonium Flavianum كنصّ أصيل: يرى ميرز وثيسن إنه لا يوجد الكثير من الناس يميلون إلى هذا الرأي حاليًا، وأن اثنين ممن كانوا مع هذا الرأي هما ليوبولد ڤون رانكه وأدولف ڤون هارناك، وحتى هذان العالمان قالا إن الجزء الذي يقول: لأنه في اليوم الثالث ظهر لهم عائدًا للحياة. أنبياء الله قد تنبأوا بهذا، وبالعديد من الأعمال العظيمة عنه بالتأكيد مُضاف. أما ما يجعلهما يقولان إن باقي النص أصيل فهو: أولًا، السياق، لأن هناك فقرة أخرى في الجزء الـ 20 وفقرة رقم 200 تتحدث عن يعقوب أخا الرب، والسياق يفترض أنه قد تم ذكر يسوع قبل ذلك. ثانيًا، وجود اقتباس قديم من يوسابيوس القيصري (260م - 339م) موجود فيه نفس النصّ، وهذا أقدم مصدر يمكننا التحقق منه من أصالة النصّ. ثالثًا، تحليل لغة النصّ وأسلوبه أقرب إلى أسلوب يوسيفوس فلاڤيوس عنه أسلوب كاتب آخر. فمثلًا، وصف يسوع بأنه حكيم ليس تسمية مسيحية ليسوع، ولكنه منتشر في أسلوب يوسيفوس، ونفس التحليل يمكن أن يُقال حول التعبير أعمال عجيبة، أو تعبير يُقبل بفرح، فهي تعبيرات يستخدمها يوسيفوس في أماكن أخرى أيضًا ومن عباراته المفضلة. كذلك، وصف الصلب باعتباره بشهادة عِلية اليهود على يسوع لبيلاطس يعكس أن الكاتب على دراية بالقانون الذي كان مُطبقًا في إقليم اليهودية، كما أن المؤلفين المسيحيين كانوا يميلون لتخفيف إدانة بيلاطس والرومان عمومًا، ويميلون لتحميل اليهود ذنب موت يسوع. وأخيرًا، وصف المسيحيين باعتبارهم قبيلة، هو وصف فيه شيء من التحقير ومن غير المُرجّح أن مسيحيًا سيقوله عن جماعته. ختامًا، يعلق ثيسن ويقول إن حججًا كثيرة من هذه ليست مُقنعة، لأن من المُعتاد ممن ينتحل كتابات أحد، أن يمكنه تقليد أسلوبه وعباراته المفضلة. Testimonium Flavianum كنصّ مزيّف: هذا الرأي تم ترجيحه منذ القرن السادس عشر. فمثلًا، قال لوكاس أوسياندر: إن كان فلاڤيوس قد قال الكلام المكتوب في هذه الشهادة، فمن المؤكد أنه كان مسيحيًا، لأنه اعترف بأن يسوع هو المسيح، وأنه مات وقام وصنع معجزات، وأن العهد القديم تنبأ عنه. وبما أن يوسيفوس فلاڤيوس ظل طوال حياته يهوديًا، فمن المؤكد أنه لم يقل هذا الكلام. وبالتالي، فإن الشخص الذي لديه مصلحة في إضافة هذا الكلام لكتابات فلاڤيوس هو شخص مسيحي. الأسباب التي طُرحت لرفض شهادة فلاڤيوس هي كالآتي: أولًا، السياق يُظهر أن هذه الفقرة موجودة في مكان غير مناسب، وكأنها منقطعة عما قبلها وما بعدها، كما ذكر إدوارد نوردن، أيضًا رأى نوردن أن هناك مجموعة من الكلمات والعبارات التي يستخدمها فلاڤيوس في أماكن كثيرة وغير موجودة في هذه الفقرة. ثانيًا، بالرغم من أن آباء الكنيسة في القرنين الثاني والثالث استخدموا كتابات يوسيفوس فلاڤيوس في تفسير العهد القديم، لكن لم يقتبس أحد منهم هذا الجزء ولم يتحدث عنه، ومن غير المنطقي أن يكونوا على علم بالفقرة ويتجاهلوها. علاوة على ذلك، ذكر أوريجينوس، قبل يوسابيوس القيصري بقرن، أن يوسيفوس لم يكن مؤمنًا بأن يسوع هو المسيح، وبالتالي فمن المؤكد أن أوريجينوس لم يكن على علم بهذه الفقرة. ثالثًا، اللغة والأسلوب يُظهران أن النصّ من كاتب مسيحي وليس يهوديًا. فمثلًا، الجزء الذي يقول: إن صح أن ندعوه إنسانًا يُظهر أن الكاتب مؤمن بلاهوت يسوع ويحاول أن يصحّح النصّ عقائديًا. وبالطبع، الجزء الذي يقول فيه إن يسوع هو المسيح بالتأكيد لن يأتي من شخص يهودي. وأخيرًا، وهي نفس النقطة التي اعترض عليها ڤون رانكه وڤون هارناك؛ أن المسيح مات وقام، وأن هناك نبوءات عنه، وعن العجائب التي عملها، هي شهادة من كاتب مسيحي بالتأكيد وليس يهوديًا مثل فلاڤيوس. Testimonium Flavianum كنصّ مُحرر من أصل: يرى جيرارد ثيسن أن الرأيين السابقين غير مُقنِعين له. فالحل الأول لا يُفسّر كيف لشخص يهودي أن يقول كل هذا الكلام الإيجابي عن يسوع وهو غير مؤمن به، والحل الثاني لا يُفسّر لماذا يعكس النص أسلوب فلاڤيوس بشكل واضح. يعرض ثيسن محاولة چون پول ميير لإعادة بناء نصّ فلاڤيوس قبل التعديل المسيحي عليه، ويقدم نقدًا لكلام چون ميير أيضًا. ثم يقترح إن هناك نصين يمكن إعادة بنائهما كمحاولة لفهم الصورة الأصلية لشهادة فلاڤيوس. إحدى هاتين الإعادتين تقدم يسوع بشكل سلبي، والأخرى تقدمه بشكل محايد وإيجابي. يعتبر كلا النصين أن الجزء المتعلق بالصلب فيهما أصلي من كلام يوسيفوس نفسه، وليس إقحامًا مسيحيًا متأخرًا ((يمكن مراجعة النصين في كتاب يسوع خارج العهد الجديد: مقدمة للأدلة العتيقة، لروبرت ڤان ڤورست، حيث ستجد الإشارة إلى الصلب في الصفحات 93-94. )). في تعليق ثيسن على النسخة التي يراها أقرب، وهي النسخة المحايدة، يقول إنها تشبه نسخة اقتبسها بالعربية (ولكني أترجمها هنا من الإنجليزية) عن أغابيوس، أسقف هيرابوليس، في القرن العاشر. يقول النصّ بعد ترجمته: يوسيفوس... يقول إنه في ذلك الوقت كان هناك رجل حكيم يُدعى يسوع، عاش حياة طيبة وعُرف عنه التقوى، وكان له تلاميذ كثيرون من اليهود وغيرهم. حكم بيلاطس عليه بالصلب والموت، لكن هؤلاء الذين كانوا تلاميذه لم يتخلوا عن تلمذتهم له، وأخبروا أنه ظهر لهم في اليوم الثالث بعد صلبه وكان حيًا. ولهذا ربما كان هو المسيح الذي قال عنه الأنبياء أمورًا عظيمة. ((Robert E. Van Voorst, Jesus Outside the New Testament: An Introduction to the Ancient Evidence, Wm. B. Eerdmans-Lightning Source, 2000, p. 93-94 )) (أغابيوس أسقف هيرابوليس، يسوع خارج العهد الجديد: مقدمة للأدلة العتيقة) يلاحظ ثيسن أن نسخة أغابيوس لشهادة فلاڤيوس تخلو من الأجزاء الإشكالية التي علّق عليها الباحثون. وحتى الحديث عن مسيانية يسوع ورد في سياق الشك بكلمة ربما. أما خبر القيامة، فهو منقول باعتباره كلام التلاميذ، لا باعتباره حقيقة يقرّها المؤرخ فلاڤيوس. ويرى جيرارد ثيسن أن إعادة البناء التي تقدم يسوع بصورة محايدة هي الأرجح في وجهة نظره، وهو التصور الذي يراه حادثًا في نسخة أغابيوس، أسقف هيرابوليس. بناءً على ما سبق، سواء تبنّيت فكرة أنّ النسخة الأولية من شهادة يوسيفوس فلاڤيوس كانت سلبية عن يسوع، كما يرى باحثون مثل فريدريك فايڤي بروس، روبرت آيسلر، سامويل چورچ فريدريك براندون، إرنست باميل، جراهام نورمان ستانتون، أو جراهام إتش. تويلفتري، أو تبنّيت أنّها كانت محايدة، كما يرى جيرارد ثيسن، أنيتا برچيت ميرز، چوزيف جداليا كلاوسنر، جيزا ڤيرميس، أو پي. ونتر، ففي كلتا الحالتين: النصّ ذكر الصلب. بالتالي، فإن أول شاهد لدينا على الصلب هو يوسف بن ماتيتياهو، يوسيفوس فلاڤيوس، مؤرخ يهودي غير مؤمن بيسوع. كان يوسيفوس ابن كاهن فريسي وقائدًا في الجليل وقت الحرب اليهودية الأولى، ووقع أسيرًا في الحرب ثم حرره الإمبراطور ڤسپاسيان. عاش يوسيفوس بعد ذلك في روما تحت حماية العائلة الفلاڤية الإمبراطورية، وشغل منصبًا هامًا جدًا في روما. كان يوسيفوس على دراية بأحداث موت يعقوب أخا الرب، ويعرف يوحنا المعمدان وموته، وذكر أنه مات بسبب خوف السلطة من تحريكه الجموع ضدهم ((David Noel Freedman, The Anchor Yale Bible Dictionary, 1992, Vol. 3, p. 990 ))، وعلى الأرجح كان يعرف عن يسوع وموته، وحدد لنا أنه مات بالصلب في فترة حكم بيلاطس البنطي. لو كان لدى يوسيفوس شك في معلومة الصلب والموت، لكان جديرًا به أن يعرف ذلك ويصححه أو يعترض عليه، سواء بصفته يهوديًا أو بحكم مكانته الكبيرة في روما واطلاعه على سجلات الإمبراطورية. --- ### التقويم المصري: من إليفنتين إلى راكوتي - Published: ۲۰۲۵-۰۳-۲۵ - Modified: 2025-03-25 - URL: https://tabcm.net/37431/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: Cambridge, أمين باشا سامي, أوتو إدوارد نجباير, أوزوريس, إدوارد ماير, إيزيس, الإمبراطورية الرومانية, التقويم العبري, التقويم القبطي, التقويم القمري, التقويم الميلادي, التقويم الهجري, اليوم السابع, برادلي إليوت شايفر, بطليموس الرابع [عنخ جيد ميري أست], بيترا أوسوڤسكي لارسون, بيلين كاسترو مارتن, پيپي الثاني [نفر كا رع], تيتوس أورليوس هانوريانيس أنطونيوس أغسطس بيوس, تيچي دي چونج, چون ماكيم مالڤيل, چيمس لول, چيمس هنري بريستد, حتشبسوت [غنمت آمون], حورس, خنوم, خوان أنطونيو بلمونتي أڤيليس, دينڤر فريد ويندورف, رأس السنة, رمسيس الثاني, روبرت بريمنر, رودولف إي. شيلد, ريتشارد أنتوني باركر, ساشا ستيرن, سنوسرت الثالث, سينسورينوس, عبد الحليم نور الدين, عيد الميلاد, ميتون الأثيني, ميجيل فرناندو إنجاڤيلا, ميلاد المسيح, نجم الشعرى اليمانية, هربرت يسطس وينلوك, وليام پوپر, وليام چوزيف أونيل, وليام مود أيا سوتيس، الذي تُحسب السنوات من إشراقتك. (من نقوش معبد دندرة، قنا) تعتبر حضارة مصر القديمة من أقدم الحضارات التي اهتمت بالتقويم وتنظيم أوقات العام، إذ يُعد نصب نبتا بلايا ((يقع هذا الموقع في أقصى جنوب مصر، غرب منطقة توشكى بحوالي 100 كم. )) بصحراء مصر الغربية، والذي يُرجح أنه يعود لعام 6100 ق. م. ((J. McK Malville, R. Schild, F. Wendorf and R. Brenmer, Astronomy of Nabta Playa, AFRICAN SKIES/CIEUX AFRICAINS, No. 11, July 2007, pp. 2-7 ))، من أوائل النصب الحجرية المخصصة لرصد الانقلاب الصيفي ومواقع النجوم. وعندما استقر الإنسان القديم على ضفاف وادي النيل وبدأ العمل بالزراعة، أدرك حاجته إلى تقويم ينظم أوقات الزراعة والحصاد. لهذا نشأ في مصر القديمة أكثر من تقويم في حلقات متتالية من تطور المصري القديم في رصد الظواهر الطبيعية.   التقويم النيلي Nilotic Calendar في تاريخ مجهول من عصور ما قبل الأسرات، يُعتقد أنه في حدود الألفية الخامسة قبل الميلاد، بدأ كهنة منف وأون في تتبع أوقات فيضان النيل. كان فيضان النيل الظاهرة الأهم في حياة مصر القديمة، إذ أن الزراعة، وهي النشاط الرئيسي في وادي النيل الخصيب، مرتبطة ارتباطًا تامًا بأوقات الفيضان. ولهذا، يُعتقد أن استخدام موعد الفيضان في تنظيم أوقات العام قد بدأ في فترة مبكرة جدًا من حضارات ما قبل الأسرات. سُمي هذا التقويم بالتقويم النيلي، ويبدأ العام فيه ببدء فيضان النيل وينتهي ببدء الفيضان التالي له ((حضارات ما قبل الأسرات: هي ما يطلق على الآثار التي تم اكتشافها في مصر، والتي تعود للفترة الممتدة من نهاية العصر الحجري القديم إلى بداية عصر الدولة القديمة. ومن أهمها حضارة بوتو وحضارة المعادي وحضارة مرمدة وحضارة البداري وحضارة الفيوم وحضارات نقادة الأولى والثانية والثالثة. ونلاحظ أنها سُميت نسبةً إلى مواقعها الأصلية. )). ولكن بعد توحيد المملكتين (مصر العليا ومصر السفلى)، أجبر اختلاف توقيت وصول الفيضان بين موعد وصوله إلى الجندل الأول عند جزيرة إليفنتين ووصوله إلى دلتا النيل -والذي يصل إلى نحو شهر- على البحث عن تقويم جديد يصلح للاستخدام في كامل أراضي المملكة ((Belen Castro Martin, A HISTORICAL REVIEW OF THE EGYPTIAN CALENDARS: The Development of The Time Measurement in Ancient Egypt From Nabta Playa to The Ptolemies, Scientific Culture, Vol. 1, No. 3, 2015, p. 15-27 )). كذلك، فإن موعد وصول فيضان النيل متغير وغير ثابت، فمنذ بدء تسجيل مقياس النيل ((أقدم التدوينات التي تعود إلى موعد نهاية التحاريق (بداية الفيضان) ووفاء النيل (نهاية الفيضان) ترجع إلى القرن الثاني الهجري. أمين باشا سامي، تقويم النيل، الهيئة العامة لدار الكتب المصرية، 2004، الجزء الأول، ص. 42. ))، تم تسجيل فيضانات بدأ أبكرها عند منف في 17 مايو، وأكثرها تأخرًا بدأ في 6 يوليو ((أمين باشا سامي، تقويم النيل، الهيئة العامة لدار الكتب المصرية، 2004، الجزء الأول، ص. 50. )). أي أن السنة النيلية قد تتراوح بين 336 يومًا و415 يومًا ((Richard A. Parker, The Calendars of Ancient Egypt, University of Chicago Press, 1950, p. 32 ))، مما يجعلها غير عملية في تنظيم أوقات العام وأنشطته. إلا أنها في المتوسط تدور حول 365 يومًا، وهو نفس عدد الأيام الذي وضعه المصري القديم للتقويم المدني لاحقًا. يعرض الجدول التالي الفاصل الزمني بين وفائي نيل ((وفاء النيل هو وصول فيضان النيل إلى مستوى؛ 15 ذراعًا وثلاث أصابع، وفقًا لمقياس النيل بالروضة. أمين باشا سامي، تقويم النيل، الهيئة العامة لدار الكتب المصرية، 2004، الجزء الأول. )) متتاليتين وعدد مرات تكرار هذه المدة في حقبتين حديثتين مختلفتين: عدد الأيام بين وفائي نيل عدد مرات الحدوث من 1382م-1522م ((W. M. O’Neil, Egyptian Civil Year: its possible origins and the Sothic cycle, Australian Journal of Biblical Archaeology 1. 6, 1973, 3-15 )) من 1693م-1862م ((William Popper, The Cairo Nilometer, Studies in Ibn Taghrî Birdî's, Berkeley and Los Angeles:University of California Press, 1951 )) 334-337 0 1 338-341 1 0 342-345 2 0 346-349 4 1 350-353 11 2 354-359 10 5 358-361 15 10 362-365 18 20 363-369 10 21 370-373 14 12 374-377 7 4 378-381 4 1 382-385 6 1 386-389 2 1 390-393 1 0 394-397 1 0 المتوسط 364. 88 365. 27 استمر استخدام التقويم النيلي طوال عصر الدولة القديمة ((Belen Castro Martin, A HISTORICAL REVIEW OF THE EGYPTIAN CALENDARS: The Development of The Time Measurement in Ancient Egypt From Nabta Playa to The Ptolemies, Scientific Culture, Vol. 1, No. 3, 2015 )) إلى أن اندثر استخدامه في وقت ما من عصر الاضمحلال الأول (2181 ق. م – 2055 ق. م). وأحد الأدلة على وجود مثل هذا التقويم هو حجر باليرمو ((حجر باليرمو: هو الجزء الأكبر من سبعة أجزاء متبقية من لوحة تذكارية كبيرة تُعرف باسم الحوليات الملكية للدولة القديمة. تحتوي هذه اللوحة على قائمة بملوك مصر من عصر الأسرة الأولى إلى بداية عصر الأسرة الخامسة، وتسجل أحداثًا هامة في سنوات حكمهم. يُعتقد أن اللوحة نُحتت خلال عصر الأسرة الخامسة (حوالي 2392-2283 ق. م). الحجر محفوظ في المتحف الأثري الإقليمي في باليرمو، وبقية اللوحة موجودة في المتحف المصري (خمسة قطع) ومتحف بتري للآثار المصرية والسودانية في لندن (قطعة واحدة). ))، وهو حجر بازلتي أسود يعود تاريخه إلى الأسرة الخامسة (2392-2283 ق. م ). يحتوي هذا الحجر على قائمة بملوك مصر منذ العصر ما قبل الأسرات وحتى المملكة القديمة من الأسرة الأولى إلى الرابعة، أي بين عامي 3150-2496 قبل الميلاد ((Shih-Wei Hsu, The Palermo Stone: the Earliest Royal Inscription from Ancient Egypt, Altoriental. Forsch. , Akademie Verlag 37, 2010, Vol. 1, p. 68–89 )). في هذه القائمة، نُقشت أسماء الملوك إلى جانب مدة حكمهم ومستوى ارتفاع مياه الفيضان في كل عام. في السلسلة الأولى من الملوك، أي ملوك الأسرة الأولى، يوجد ملكان تشاركا في عام واحد، حيث تم ذكر فيضان واحد فقط جوار اسميهما: الأول حكم لمدة ستة أشهر وسبعة أيام، والثاني حكم لمدة أربعة أشهر وثلاثة أيام، أي بمجموع 310 يومًا فقط. وهو ما لا يتسق مع كونه عامًا قمريًا ولا عامًا مدنيًا، بل عامًا بين فيضانين للنيل، أي عامًا في التقويم النيلي ((Belen Castro Martin, A HISTORICAL REVIEW OF THE EGYPTIAN CALENDARS: The Development of The Time Measurement in Ancient Egypt From Nabta Playa to The Ptolemies, Scientific Culture, Vol. 1, No. 3, 2015 )).   التقويم القمري Lunar Calendar من أقدم التقويمات التي استخدمها المصري القديم، بجانب التقويم النيلي، هو تقويم معتمد على أطوار القمر، إذ أنها من الظواهر التي يسهل متابعتها ورصدها. بالإضافة إلى متابعة أطوار القمر، لاحظ المصري القديم كذلك ظاهرة الانقلاب الصيفي. وُجد ما يدل على ذلك في جزيرة إلفنتين، حيث يقع أحد أقدم المعابد في مصر، والذي يعود تاريخه إلى العام 3200 قبل الميلاد. في هذا المعبد، وُجد بئر عمقه 10 أمتار كان يستخدم كمقياس للنيل، وكذلك في تحديد توقيت الانقلاب الصيفي. فعند تعامد الشمس على مدار السرطان وقت الظهيرة، تدخل أشعة الشمس حتى أعمق نقطة في البئر دون أن تترك ظلاً. وبمراقبة الفترة بين تكرار حدوث هذه الظاهرة، يمكن ملاحظة أن المدة بينهما هي 365 يومًا ((Avilés, Juan Antonio Belmonte, Some Open Questions on the Egyptian Calendar: An Astronomer’s View, 2003, p. 18-26 )). تزامن الانقلاب الصيفي في عهد الدولة القديمة مع ظهور نجم ساطع قبل شروق الشمس مباشرة، وهو ما يُسمى بالشروق النجمي الاحتراقي. كان هذا النجم هو الذي أسماه قدماء المصريين "سبدت" أو "سوتيس". تزامن أيضًا بدء فيضان النيل مع هاتين الظاهرتين: الانقلاب الصيفي وشروق النجم سبدت. وبالتالي، كان هذا التزامن بين هذه الظواهر الثلاث موعدًا مثاليًا لبدء عام جديد من التقويم. لذا، بدأ المصري القديم الشهر الأول لتقويمه مع موعد الانقلاب الصيفي وشروق النجم سبدت. قسم المصري القديم العام إلى اثني عشر شهرًا، كل شهر يبدأ أول أيامه مع القمر المحاق، وليس مع ظهور البدر الجديد كما هو معتاد ((Richard A. Parker, The Calendars of Ancient Egypt, University of Chicago Press, 1950, p. 9 )). وقُسّمت السنة إلى ثلاثة فصول تدور حول النشاط الزراعي. كان كل فصل مكونًا من أربعة أشهر: الفصل الأول هو فصل الفيضان (أخيت) ويمتد من بداية الفيضان في أعقاب الانقلاب الصيفي حتى انحسار مياه الفيضان عن الأراضي الزراعية في منتصف فصل الخريف. والفصل الثاني هو فصل الظهور (برت)، أي ظهور الأرض عقب انحسار الفيضان، ويبدأ من نهاية فصل الفيضان حتى قرب الاعتدال الربيعي، حين يبدأ فصل الحصاد (شمو) الذي ينتهي مع بدء فيضان العام الذي يليه. ولأن السنة القمرية 354 يومًا فقط، كان يتم وضع شهر ثالث عشر في السنة (intercalary month) التي ينتهي الشهر الثاني عشر بها قبل الشروق النجمي لسبدت، حتى يتم ضبط مواعيد الفصول. كانت بدايات الشهور تحدد بناءً على ملاحظة الليلة التي يختفي بها القمر، ليصبح ذلك هو أول أيام الشهر، ويصبح بالتالي الظهور الأول للهلال الجديد هو ثاني أيام الشهر. تطور التقويم لاحقًا في العصور المتأخرة، ليتخلى عن الملاحظة في تحديد بدء الشهور، وليتبنى تقويمًا حسابيًا مكونًا من دورة تتكرر كل 25 عامًا ((Richard A. Parker, The Calendars of Ancient Egypt, University of Chicago Press, 1950, p. 26-29 )). تتكون هذه الدورة من 16 عامًا مكونة من 12 شهرًا قمريًا، و 9 أعوام مكونة من 13 شهرًا قمريًا. وهي شبيهة جدًا بالدورة المنسوبة للعالم الإغريقي ميتون الأثيني، والتي كان يعتمد عليها التقويم الإغريقي القمري-الشمسي، وإن كانت تلك الدورة مكونة من 19 عامًا وليس 25 عامًا. يُعتقد أن هذه الطريقة الحسابية بدأت تُستخدم في حدود القرن الرابع قبل الميلاد، أي قرب فتح الإسكندر لمصر. وكانت الشهور القمرية تُسمى بأسماء العيد الذي يُحتَفل به في الشهر الذي يليه، كأنما يُعتبر الشهر الفائت استعدادًا للعيد القادم. وتطورت أسماء الشهور في العصور المختلفة كالتالي ((Richard A. Parker, The Calendars of Ancient Egypt, University of Chicago Press, 1950, p. 45 )): شهر دولة وسطى دولة حديثة العصر البطلمي اسم العيد ((عبد الحليم نور الدين، اللغة المصرية القديمة، 2011، ص. 343. )) 1 تي ديحوتي ثوت عيد الإله تحوت ((تحوت / توت: هو رب الحكمة والعلم والكتابة عند المصريين القدماء. دمجه البطالمة مع الإله الإغريقي هيرمس (هرمز)، إله المسافرين والتجار. كان أحد الأرباب الثمانية لمدينة خمينو/هيرموبوليس (الأشمونين بمحافظة المنيا حاليًا)، ويقع معبده الرئيسي بها. كان يتم تمثيله بإنسان له رأس طائر أبو منجل. هناك معلومة غير صحيحة متداولة تفيد بأن تحوت هو شخصية حقيقية لعالم مصري يعود إلى الألفية الخامسة قبل الميلاد، وينسب إليه إنشاء التقويم المصري القديم، إلا أن هذه القصة ليس لها أي سند تاريخي على الإطلاق. ))، رب الحكمة والعلم 2 منهت بي أن أبت فاوفي عيد أوبت ((عيد أوبت (Opet) هو احتفال كان يقام في مدينة طيبة في ثاني شهور فصل الفيضان (أخيت). كان يتم فيه الاحتفاء بالخصوبة عبر تكريم ثالوث طيبة: آمون-رع وموت وخونسو، وبالفرعون ابن الإله. كان يتم حمل تماثيل الآلهة الموضوعة في مراكب خشبية من معبد الكرنك حتى معبد الأقصر عبر طريق أبو الهول أو الكباش. كان الاحتفال يستمر لمدة 11 يومًا. ))، وهو احتفال الخصوبة 3 حتحور حتحور أتور عيد الإلهة حتحور، إلهة الجمال والخصوبة 4 كا-هر-كا كا-هر-كا كوهويك عيد الإله أبيس، وأحد أسمائه كانت كا-هر-كا 5 سف بدت تي-أيبت توبي عيد القربان الوفير 6 رخ-ور مي-هر ميخر عيد الإله ميخر، إله العواصف والزوابع 7 رخ-ندس بي ان-امنحتب فامينوس عيد أمنحتب 8 رن-وت بي ان-رن-وت فارموتي عيد رنن-وتت، ربة الزروع والحصاد 9 هنسو بي ان-هنسو باخون عيد خنسو، إله القمر ابن الإله آمون 10 هنت-هتي بي ان-انت باوني عيد الموتى، ويسمى بعيد الوادي 11 إبت-همت إبيب إبيفي عيد إبت، إلهة الحماية والوفرة 12 وب-رنبت مسوت-رع ميسوري مفتتح العام، وعيد مولد الشمس 13 دوتيت دوتي إبيجونيماي (الأيام الزائدة) أعياد ميلاد الآلهة وسقف معبد الرامسيوم، وهو المعبد الجنائزي للملك رمسيس الثاني بالبر الغربي للأقصر، وكذلك سقف مقبرة سننمّوت، المعماري الذي صمم معبد حتشبسوت (الدير البحري) بالأقصر، يوضحان التقويم القمري وفصوله وأسماء الشهور، كما في الشكل التالي: لنحتفل بالقمر في بدء الشهور، الذي به نعرف كل الأعياد وكل المواسم. (من نقوش معبد خنوم، إسنا) أيا سوتيس، الذي تُحسب السنوات من إشراقتك. (من نقوش معبد دندرة، قنا) من النصوص المصرية القديمة، يشير معبد خنود إلى وجود تقويم قمري، ويشير معبد دندرة إلى ارتباط بدء العام بظهور النجم سبدت/سوتيس ((Richard A. Parker, The Calendars of Ancient Egypt, University of Chicago Press, 1950, p. 33 )). نقش على سقف مقبرة سننموت يوضح توزيع أيام التقويم المصري   التقويم المدني Civil Calendar كما ذكرنا قبلاً، كان بدء فيضان النيل والانقلاب الصيفي يتزامنان مع الشروق النجمي للنجم سبدت/سوتيس، وهو ما لاحظه كهنة مدينة منف في عهد الدولة القديمة. فبعد اختفاء هذا النجم تمامًا من سماء منف لمدة سبعين يومًا، يظهر في الأفق الشرقي قبل شروق الشمس ولمدة 15 دقيقة تقريبًا قبل أن يختفي مجددًا عن النظر نتيجة شروق الشمس ((Bradley E. Schaefer, The Heliacal Rise of Sirius and Ancient Egyptian Chronology, Journal for the History of Astronomy, April 2000, 31(2) p. 149-155 )). لاحظ المصري القديم أن 365 يومًا تمر بين شروق هذا النجم وتكرار ظهوره مرة أخرى. هذا هو نفس عدد الأيام بين تكرار حدوث الانقلاب الصيفي، كما أسلفنا. بناءً على هاتين الظاهرتين، تأسس التقويم المدني على سنة مكونة من 365 يومًا، قُسّمت إلى 12 شهرًا، كل منها 30 يومًا. أُضيف شهر قصير في آخر العام مكون من خمسة أيام فقط، تحت اسم "الأيام الزائدة" أو "هري رنبت" (epagomenal days) لإكمال أيام العام. وكان يتم الاحتفال بأعياد ميلاد الآلهة في هذه الأيام الخمسة ((J. A. Belmonte, J. Lull, Astronomy of Ancient Egypt, Historical & Cultural Astronomy, Springer Nature, 2023, p. 311 )): اليوم الأول لأوزوريس، والثاني لحورس، والثالث لست، والرابع لإيزيس، والخامس لنفتيس ((نفتيس باليونانية ونبت حوت بالمصرية القديمة، ومعناها سيدة البيت، هي إلهة للولادة وللموتى، طبقًا للمعتقدات الدينية المصرية القديمة. وطبقًا لأسطورة إيزيس وأوزوريس، كانت نبت حوت أختًا لأوزوريس وإيزيس، وكانوا الثلاثة أبناء جب إله الأرض ونوت إلهة السماء. )). يدل تثبيت عدد أيام الشهور بثلاثين يومًا على أن هذا التقويم المدني هو تطوير للتقويم القمري الذي كان يستخدم بالتزامن معه، حيث أن الرمز الهيروغليفي لكلمة "شهر" يضم رسمًا لهلال ((Sacha Stern, Calenders in Antiquity, Oxford, 2012, p. 126 )). لم يميّز المصريون القدماء السنوات بعدد يبدأ من زمن معين، كما نفعل نحن الآن (مثلما نقول أن هذا العام هو العام 2025 بعد ميلاد المسيح). بل اكتفوا بنسبتها لسني حكم الملك، أي "في السنة رقم كذا من حكم الملك فلان". وقسموا العام المدني لنفس الفصول الثلاثة التي كان مقسمًا إليها العام القمري. وكانت أسماء الشهور في البداية بأسماء الفصول، أي "الشهر الأول من اخيت"، "الشهر الثاني من شمو"، إلخ. في أواخر الدولة الحديثة، وفي عهد البطالمة، أصبحت أسماء الشهور المدنية بنفس أسماء الشهور القمرية السابق ذكرها وبنفس الترتيب. وهي الأسماء التي تطورت لاحقًا للأسماء التي نعرفها الآن للسنة القبطية ((Sacha Stern, Calenders in Antiquity, Oxford, 2012, p. 129 )). ولأن السنة الفلكية للنجم سوتيس لم تكن 365 يومًا، بل كانت تساوي تحديدًا في ذلك الوقت 365. 25025 يومًا ((M. F. Inga, The length of the Sothic Cycle, The Journal of Egyptian Archaeology, 1969, Vol. 55, p. 36-40 ))، أي أطول من السنة المدنية بـ 6 ساعات و22 ثانية تقريبًا، بدأ شروق النجم سبدت/سوتيس يتأخر عن بداية العام. فبعد أول أربعة أعوام، أصبح يحدث في اليوم الثاني للشهر الأول من آخيت، وبعد أربعة أعوام أخرى، أصبح يحدث في اليوم الثالث، وهكذا. أي أنه لا يعود شروق النجم مرة أخرى للتزامن مع أول أيام العام إلا بعد مرور 1460 عامًا مدنيًا، فيما يسمى بالدورة السوتيسية (Sothic Cycle) أو الدورة الكبرى لسوتيس (Sothis Great Cycle). ونتيجةً لذلك، تحرك التقويم مبتعدًا عن الظواهر التي أُنشئ على أساسها، سواء ظهور النجم سبدت/سوتيس أو فيضان النيل. ولأن السنة المدارية ليست 365 يومًا، بل تساوي تحديدًا 365. 2422 يومًا، أي أطول من السنة المدنية بـ 5 ساعات و48 دقيقة و45 ثانية، تحركت كذلك مواعيد الفصول الأربعة مع تحرك التقويم، وتحرك كذلك موعد شروق النجم مع مرور القرون. كان عالم المصريات الألماني إدوارد ماير ((إداورد ماير: Eduard Meyer (1855-1930) مؤرخ وعالم آثار ألماني ساهم في كتابة الموسوعة البريطانية، أبرز أعماله كتاب تاريخ العالم القديم. )) هو أول من اكتشف هذه الدورة عبر البحث الذي أجراه في بداية القرن العشرين في النصوص المصرية القديمة. وبناءً على هذه النصوص، تزامنت رأس السنة المصرية مع الشروق النجمي للنجم سبدت في الفترة بين العامين 2781 و 2778 قبل الميلاد. وحدد ماير اليوم بأنه يوافق 19 أو 20 يوليو، وفقًا للتقويم اليولياني. وبالتالي، يصبح التزامن التالي على هذا التاريخ في الفترة بين العامين 1321 و1318 قبل الميلاد (بإضافة 1460 عامًا). بينما حدث التزامن السابق عليه في الفترة بين العامين 4241 و4238 قبل الميلاد (بطرح 1460 عامًا). تبنى بعدها جيمس هنري بريستد ((چيمس هنري بريستد: James Henry Breasted (1865-1935) عالم مصريات وآثار أمريكي وأول من حصل على درجة الدكتوراه في علم المصريات من أشهر اعماله كتابا فجر الضمير وتاريخ مصر القديمة: من ما قبل الأسرات حتى العصر الفارسي. )) هذه النظرية وأصبحت مسلمًا بها عند معظم علماء المصريات، وتم اتخاذ يوم 19 يوليو 4241 ق. م. تاريخًا افتراضيًا لإنشاء التقويم المدني المصري وكبداية لحضارة مصر القديمة ((يحتفل البعض برأس السنة المصرية القديمة، بالتزامن مع الاحتفال برأس السنة القبطية للشهداء، مع احتساب السنوات بدءًا من سنة 4241 ق. م. أي أننا الآن في العام 6266 وفقًا لهم، والموافق لعام 2025 ميلادية. )). يمكن الوصول إلى نفس هذه التواريخ استنادًا إلى ما ذكره المؤرخ الروماني سينسورينوس في القرن الثالث الميلادي ((سينسورينوس: Censorinus (توفي عام 230 م) كان عالمًا رومانيًا في النحو وكاتبًا متنوعًا، لا يُعرف الكثير عن سينسورينوس، على الرغم من أنه عاش في القرن الثالث ويبدو أنه أهدى عمله De Die Natali إلى راعيه كوينتوس كيريليوس كهدية عيد ميلاد. وقد كان له دور كبير في تحديد العصور الرئيسية للتاريخ القديم. ))، حيث ذكر أن تزامن شروق النجم سوتيس مع بداية التقويم المصري القديم حدث في عام قنصلية الإمبراطور الروماني أنطونيوس بيوس وبروتيوس بيرسينا، الموافق لعام 139 ميلاديًا ((Censorinus, De Die Natale. Translated into English by William Maude, New York: The Cambridge Encyclopedia, 1900, p. 41-42 )). بناءً على ذلك، فإن هذا التزامن حدث في العام 1321 ق. م، والذي سبقه في العام 2781 ق. م، والذي سبقه عام 4241 ق. م ((Petra Ossowski Larsson and Lars-Åke Larsson, Towards an absolute scientific date for the Egyptian New Kingdom, part 1: the Egyptian Civil Calendar revisite )). بقي هذا التاريخ نظريًا، حيث لم تُكتشف أدلة كافية على استخدام مثل هذا التقويم في هذه الفترة المبكرة من تاريخ ما قبل الأسرات. مما أدى إلى رفض العديد من العلماء لاحقًا ((أبرز العلماء الرافضين: أوتو إدوارد نجباير Otto E. Neugebauer (1899-1990)، وهربرت يسطس وينلوك Herbert E. Winlock (1884-1950)، وريتشارد أنتوني باركر Richard A. Parker (1905-1993). )) لفرضية ماير، ورجحوا تاريخ البدء في استخدام التقويم في توقيت ما من بداية الألفية الثالثة قبل الميلاد ((Richard A. Parker, The Calendars of Ancient Egypt, University of Chicago Press, 1950, p. 51-52 )). فمن المؤكد أنه بحلول منتصف الألفية الثالثة قبل الميلاد، كان هذا التقويم قيد الاستعمال، حيث وجدت نصوص تعود إلى الأسرتين الرابعة والخامسة (2575-2323 ق. م. ) يستخدم فيها التأريخ لبدء حكم الملوك عن طريق سنة مكونة من 365 يومًا. ومن هذه النصوص نقش في هرم بيبي الثاني، أحد ملوك الأسرة السادسة، التي حكمت البلاد في الفترة من 2345 إلى 2181 قبل الميلاد، ينص على الاحتفال بميلاد الآلهة في الأيام الخمسة الزائدة في الشهر القصير بنهاية العام ((Sacha Stern, Calenders in Antiquity, Oxford, 2012, p. 129-130 )). توجد العديد من النصوص المصرية القديمة التي تشير إلى استخدام التقويم القمري بجانب التقويم المدني: في العام العاشر للملك بطليموس الرابع، اليوم السابع من الشهر الثالث من شمو، اليوم السادس للقمر. ((Richard A. Parker, The Calendars of Ancient Egypt, University of Chicago Press, 1950, p. 21 )) (من نقوش معبد إدفو ، الأقصر) وكذلك من بردية إيبرس (Ebers) ((بردية إيبرس: هي بردية يُعتقد أنها تعود لعصر الدولة الحديثة. اشتراها چورچ إيبرس من الأقصر عام 1873، وتُعد من أقدم النصوص الطبيّة في تاريخ الإنسانية. ))، التي تؤرخ لمواعيد الأعياد في العام التاسع للملك أمنحتب الأول، الذي حكم مصر بين عامي 1524 و1504 ق. م، يوجد تأريخ لمواعيد الاحتفالات بالتقويمين القمري والمدني. وينص أول سطرين على الآتي: وب-رنبت  / الشهر الثالث من شمو اليوم التاسع / شروق النجم سوتيس تي / الشهر الرابع من شمو اليوم التاسع ((Sacha Stern, Calenders in Antiquity, Oxford, 2012, p. 134 )) (من نقوش بردية إيبرس) إلا أن بعض الباحثين حاليًا لا يرجحون وجود تقويمين يستخدمان جنبًا إلى جنب، بل يفضلون تقويمًا واحدًا فقط، وهو التقويم المدني، مع حساب مواعيد الأعياد وفقًا لأطوار القمر. بمعنى آخر، هناك تقويم مدني واحد، مع حساب قمري للمناسبات، وليس تقويمًا قمريًا مستقلًا ((J. A. Belmonte, J. Lull, Astronomy of Ancient Egypt, Historical & Cultural Astronomy, Springer Nature, 2023, p. 310-320 )). ولأن بداية التقويم المدني وكذلك التقويم القمري ربطت بشروق النجم سبدت/سوتيس، اهتم الباحثون بتدقيق حساب التاريخ الذي كان يحدث فيه شروق هذا النجم في عصور مصر القديمة، وأصبح وفقًا للحسابات الحديثة ((Teije De Jong, The Heliacal Rising of Sirius, Ancient Egyptian Chronology, p. 432-438 )): العام تاريخ الشروق الاحتراقي عند خط عرض 30 شمالًا ((هناك فرق بين موعد الشروق الاحتراقي لأي نجم، يقدر بيوم لكل خط عرض. على سبيل المثال، الفرق بين موعد هذا الشروق عند منف (خط عرض 30) وأسوان (خط عرض 25) هو خمسة أيام. أي أنه، على سبيل المثال، في العام 3500 قبل الميلاد، كان الشروق النجمي لسوثيس عند أسوان يحدث يوم 11 يوليو. )) تاريخ الانقلاب الصيفي تاريخ الاعتدال الربيعي ((كلما عدنا بالتقويم اليولياني إلى الوراء، يتأخر موعد الفصول في العام. يرجع ذلك إلى وجود فارق يبلغ 11 دقيقة و15 ثانية بين السنة في التقويم اليولياني والسنة المدارية. ونتيجة لهذا الفارق، يتأخر موعد الانقلاب الصيفي بمقدار يوم واحد كل 128 عامًا، وكذلك بقية الفصول. )) 3500 ق. م. 16 يوليو 22 يوليو 19 أبريل 3000 ق. م. 16 يوليو 18 يوليو 15 أبريل 2750 ق. م. 16 يوليو 16 يوليو 13 أبريل 2500 ق. م. 16 يوليو 14 يوليو 11 أبريل 2000 ق. م. 17 يوليو 10 يوليو 7 أبريل 1500 ق. م. 17 يوليو 7 يوليو 4 أبريل 1000 ق. م. 17 يوليو 3 يوليو 31 مارس 500 ق. م. 18 يوليو 29 يونيو 26 مارس 1 م 18 يوليو 25 يونيو 23 مارس 500 م 19 يوليو 21 يونيو 18 مارس إلا أن ارتباط التقويم المدني بشروق النجم سبدت/سوتيس منذ نشأته ما زال محل نقاش بين العلماء، إذ أن أقرب دليل على ربط المصري القديم بين شروق هذا النجم وبداية العام يعود إلى عصر الدولة الحديثة (1570 ق. م. – 1069 ق. م). فالمرجح أن تكون بداية التقويم المدني قد ارتبطت أولاً ببدء فيضان النيل، ثم لاحقاً تم ربطها بظهور النجم. وهو ترجيح منطقي، كون التقويم النيلي المرتبط بالفيضان سبق نشأة التقويم المدني ((Sacha Stern, Calenders in Antiquity, Oxford, 2012, p. 130-132 )). والجدول السابق يرجح هذه الفرضية، كون الشروق النجمي والانقلاب الصيفي الذي يتزامن مع بدء فيضان النيل كانا يحدثان في وقت شبه متزامن في بداية الألفية الثالثة قبل الميلاد، ولذلك أصبحت هي الحقبة المرجحة لنشأة التقويم المدني. كذلك، اهتم الباحثون بتدقيق طول دورة سوتيس الكبرى. فقد أثبتت الأبحاث اللاحقة على إدوارد ماير وجيمس هنري بريستد أنها لم تكن 1460 عامًا بالضبط، بل تغير طولها نتيجة لعدم ثبات طول السنة الفلكية عبر القرون. كما تمت مراجعة سنوات التزامن بين بدء العام وشروق النجم سوتيس. يعرض الجدول التالي طول الدورة وطول متوسط السنة الفلكية للنجم سوتيس من عام البدء النظري للتقويم حتى الآن ((M. F. Inga, The length of the Sothic Cycle, The Journal of Egyptian Archaeology, 1969, Vol. 55, p. 36-40 )). الدورة متوسط السنة الفلكية بالأيام طول الدورة بداية الدورة نهاية الدورة 1 365. 25025 1458 4226 ق. م 2768 ق. م 2 365. 25059 1456 2768 ق. م 1312 ق. م 3 365. 25104 1453 1312 ق. م 141 م 4 365. 25164 1450 141 م 1591 م رغم عدم ارتباط رأس السنة بشروق النجم سبدت/سوتيس وتحرك التقويم عبر الفصول، إلا أنه كان يتم الاحتفال سنويًا بشروق سبدت/سوتيس كعيد لهذه الإلهة، وكذكرى لرأس السنة تحت اسم عيد بِرْت سُبْدَت، وفي عصور لاحقة تم اعتبار هذا النجم معبرًا عن الإلهة إيزيس. ومن أقدم النصوص التي وُجدت، والتي تذكر موعد الاحتفال بشروق النجم سبدت/سوتيس، كتابة على أحد الأوعية الفخارية الذي يعود إلى عصر الأسرة الخامسة أو السادسة. وتذكر هذه الكتابة أن الاحتفال كان في اليوم الأول من الشهر الرابع من أخيت ((Michael E. Habicht, Rita Gautschy, Renate Siegmann, Daniela Rutica, and Rainer Hannig, A New Sothis Rise on a Small Cylindrical Jar from the Old Kingdom, Collection of Prof. Peter A. Kaplony, Göttinger Miszellen, 2015 (247) p. 41-49 )). وكما ذكرنا سابقًا، تذكر بردية إيبرس أنه في العام التاسع للملك أمنحتب الأول، تم الاحتفال بشروق سبدت/سوتيس في اليوم التاسع من الشهر الثالث من شمو ((Sacha Stern, Calenders in Antiquity, Oxford, 2012, p. 134 )). كذلك، وجدت نصوص في أحد المعابد المنسوبة للملك سنوسرت الثالث، الذي حكم البلاد بين عامي 1878 و1839 قبل الميلاد، تشير إلى أن عيد شروق سبدت/سوتيس احتفل به في العام السابع للملك في اليوم السادس عشر من الشهر الرابع من برت ((Richard A. Parker, The Calendars of Ancient Egypt, University of Chicago Press, 1950, p. 32 )). في كلتا الحالتين، كان شروق سبدت بعيدًا تمامًا عن بداية العام المدني، أي اليوم الأول من الشهر الأول من أخيت، وهو ما يثبت تحرك التقويم عبر مواسم العام نتيجة فرق اليوم الذي يتراكم كل أربعة أعوام. كان تحرك التقويم أمرًا واقعًا في حياة المصريين القدماء، وتم التأقلم معه، ولهذا استمر استخدام التقويم كما هو، دون اقتراح أي تصحيح. --- ### أزمة مارس ١٩٥٤ - Published: ۲۰۲۵-۰۳-۲٤ - Modified: 2025-03-24 - URL: https://tabcm.net/36574/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أحمد أبو الخير حافظ نجيب, أحمد أحمد عبد المنعم أمين, أحمد أنور, أحمد المصري, أحمد شوقي علي أحمد شوقي, أحمد طعيمة, إبراهيم الطحاوي, إبراهيم عبده, إحسان عبد القدوس, الإخوان المسلمين, الديمقراطية, الشيطان, الشيوعية, الصاوي أحمد الصاوي, الضباط الأحرار, ثورة ٢٣ يوليو, جريدة الجمهورية, جمال مصطفى سالم, حسن إبراهيم, حسن إسماعيل الهضيبي, خالد محيي الدين, رئيس جمال عبد الناصر, رئيس محمد نجيب, روز اليوسف, زكريا محيي الدين, زينب عبد الواحد الوكيل, صلاح مصطفى سالم, عبد الرحمن عبد الملك الخميسي مراد, عبد الرزاق السنهوري, عبد القادر عودة, عبد اللطيف محمود البغدادي, كامل الشناوي, كمال الدين حسين, مجدي حسنين, مجلس قيادة الثورة, محمد خميس حميدة, محمد رياض سامي, مرسي الشافعي, مصطفى النحاس, مصطفى كمال صدقي, ملك فاروق, ناهد شوقي بكير رشاد, يوسف رشاد لقد خرج الجيش من الثكنات، وانتشر في كل المصالح والوزارات المدنية، فوقعت الكارثة التي لا نزال نعاني منها إلى الآن في مصر. كان كل ضابط من ضباط القيادة يريد أن يكون قويًا، فأصبح لكل منهم شِلّة، وكانت هذه الشِلّة غالبًا من المنافقين الذين لم يلعبوا دورًا لا في التحضير للثورة ولا في القيام بها. (محمد نجيب، كنت رئيسًا لمصر) في أواخر فبراير عام 1954، اشتد الصراع بين عبد الناصر ومحمد نجيب داخل مجلس قيادة الثورة، بسبب محاولة الضباط جني ثمار نجاح الحركة ولو على حساب المبادئ والأخلاق. فكان أول ما فعله ضباط القيادة هو استبدال سياراتهم الجيب بسيارات صالون فاخرة، وترك أحدهم شقته المتواضعة واستولى على قصر من قصور الأمراء في جاردن سيتي ليقيم بالقرب من إحدى الأميرات التي كان قصرها قريبًا من القصر الذي استولى عليه، وكان لا يتورع عن الهجوم على قصرها بعد منتصف الليل وهو في شبه حالة إغماء بسبب الخمر. وترك البكباشي عبد المنعم أمين الحبل على الغارب لزوجته التي كانت تعرف كل ما يدور في مجلس قيادة الثورة، وكانت تستغله لصالحها ولصالحه، وكانت تجلس في نادي الجزيرة بين سيدات المجتمع تتباهى بنفوذها وتقول علنًا: الجيش في يميني والبوليس في يساري. وفاحت رائحة ضابط آخر كان يلهث وراء ناهد رشاد، زوجة الطبيب يوسف رشاد، طبيب فاروق الخاص وقائد الحرس الحديدي السابق. وانتشر العسكر في جميع المناصب الإدارية، وسرق بعضهم فلوس معونة الشتاء، وسرقوا هدايا وبضائع قطارات الرحمة وباعوها علنًا، وسرقوا فلوس التبرعات الخاصة بالشؤون الاجتماعية، وسرقوا تحفًا ومجوهرات وبعض أثاث القصور الملكية. بل إن شقيق صلاح وجمال سالم قد طبع اسمه على بطاقة شخصية وكتب تحت اسمه شقيق جمال سالم وصلاح سالم ليسهل بها أموره ويكسب من ورائها الكثير، حتى شاع بين الناس أن الثورة طردت ملكًا وجاءت بثلاثة عشر ملكًا. وصدمت هذه التصرفات باقي الضباط الأحرار الذين يتصفون بالمثالية، فحمل بعضهم هذه الفضائح وواجهوا بها ضباط القيادة، لكنهم لم يسمعوا لهم وقرروا التخلص منهم مثلما حدث مع ضباط المدفعية. كان أول خلاف حول محكمة الثورة التي شُكّلت لمحاكمة زعماء العهد الملكي. ثم حدث خلاف ثانٍ بعد صدور نشرة باعتقال بعض الزعماء السياسيين الذين تولوا مناصب في عهد الملك فاروق، وكان من بينهم مصطفى النحاس. رفض نجيب اعتقال النحاس باشا ومحا اسمه من القائمة، لكنه فوجئ بعد توقيع الكشف بإضافة اسم النحاس. ثم أصدرت محكمة الثورة قرارات ضاعفت من كراهية الناس للثورة، ومنها مصادرة 322 فدانًا من أملاك زينب الوكيل حرم النحاس باشا، كما حكمت على أربعة من الصحفيين بالسجن المؤبد وبمصادرة صحفهم بتهمة إفساد الحياة السياسية. ويضاف إلى هذه القرارات قرارات أخرى صدرت رغم رفض محمد نجيب التوقيع عليها، منها القرار الجمهوري بسحب الجنسية المصرية من ستة من المصريين المنتمين إلى جماعة الإخوان المسلمين. وازداد الصدام بينه وبين مجلس القيادة عندما اكتشف أنهم ينقلون الضباط دون مشورته. ورفض زكريا محيي الدين أن يؤدي اليمين الدستورية أمامه بعد تعيينه وزيراً للداخلية، وكذلك جمال سالم. وذكر في مذكراته أنه اكتشف أن رجال الثورة كانوا قد عقدوا العديد من الاجتماعات بدونه. كل هذه الأمور دفعته إلى التفكير جدياً في تقديم استقالته. لم تكن أزمة مارس مجرد صراع علني على السلطة بين اللواء محمد نجيب وأعضاء مجلس قيادة الثورة، بل كانت الأزمة أعمق من ذلك؛ فقد كانت صراعًا بين اتجاهين مختلفين: اتجاه يطالب بالديمقراطية والحياة النيابية السليمة تطبيقًا للمبدأ السادس للثورة، وهو إقامة حياة ديمقراطية سليمة، واتجاه آخر يصر على تكريس الحكم الفردي وإلغاء الأحزاب وفرض الرقابة على الصحف. لقد خرج الجيش من الثكنات، وانتشر في كل المصالح والوزارات المدنية، فوقعت الكارثة التي لا نزال نعاني منها إلى الآن في مصر. كان كل ضابط من ضباط القيادة يريد أن يكون قويًا، فأصبح لكل منهم شِلّة، وكانت هذه الشِلّة غالبًا من المنافقين الذين لم يلعبوا دورًا لا في التحضير للثورة ولا في القيام بها. ((محمد نجيب، كنت رئيسًا لمصر، ص. 201 )) (محمد نجيب، كنت رئيسًا لمصر) في 24 فبراير 1954، فاجأ اللواء محمد نجيب، رئيس جمهورية مصر، مجلس قيادة الثورة باستقالته. وفي 25 فبراير، أصدر مجلس القيادة بيانًا بإقالة محمد نجيب، وحاول البيان الانتقاص من دوره وتشويه صورته أمام الجماهير. فقد أكد البيان أن محمد نجيب طلب سلطات أكبر من سلطات أعضاء المجلس، وأن يكون له حق الاعتراض على قرارات المجلس حتى لو كانت هذه القرارات قد اتخذت بالإجماع. وأدعى البيان أنه اختير قائدًا للثورة قبل قيامها بشهرين، وأنه علم بقيام الثورة ليلة 23 يوليو من مكالمة هاتفية من وزير الداخلية، فتحرك إلى مبنى القيادة، وهناك تقابل مع عبد الناصر الذي وافق على ضمه وتنازل له عن رئاسة المجلس. وفي الأيام التالية، نشرت الصحف اتهامات مجلس القيادة لنجيب على لسان صلاح سالم، وتعقد الموقف أكثر فأكثر. فقد أيد ضباط سلاح الفرسان محمد نجيب، ولكن التأييد الأهم جاء من الشارع الذي تحرك فور إذاعة بيان إقالته على الملأ على نطاق واسع للمطالبة بعودته. وخرجت الجماهير في مظاهرات احتجاج قوية. وقد لعب الإخوان والشيوعيون -في التقاء مصالح مؤقت- دورًا كبيرًا في تحريك الشارع ضد عبد الناصر وقيادة الثورة، وانهالت البرقيات على المجلس ودور الصحف ترفض الاستقالة، واندلعت المظاهرات التلقائية في القاهرة والأقاليم لمدة ثلاثة أيام تؤيد نجيب، وكانت الجماهير تهتف: محمد نجيب أو الثورة. وفي السودان، اندلعت مظاهرات جارفة تهتف: لا وحدة بلا نجيب. وانقسم الجيش بين مؤيد لعودة اللواء محمد نجيب وإقرار الحياة النيابية، وبين مناصرين لمجلس قيادة الثورة، وأشرفت البلاد على حرب أهلية. تداركًا للموقف، أصدر مجلس القيادة بيانًا في الساعة السادسة من مساء يوم 27 فبراير 1954، جاء فيه: حفاظًا على وحدة الأمة، يعلن مجلس قيادة الثورة عودة اللواء أركان حرب محمد نجيب رئيسًا للجمهورية، وقد وافق سيادته على ذلك. وهكذا عاد محمد نجيب إلى الحكم محمولًا على أكتاف الجماهير التي خرجت في مظاهرات شعبية لم تشهد مصر مثلها من قبل. وبدأ نجيب فور عودته إلى الحكم مشاوراته مع مجلس القيادة للتعجيل بعودة الحياة البرلمانية. وفي ليلة 5 مارس، صدرت قرارات ركزت على ضرورة عقد جمعية لمناقشة الدستور الجديد وإقراره، وإلغاء الأحكام العرفية والرقابة على الصحف، والإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين. في اليوم التالي، الموافق 28 فبراير، خرجت مظاهرات إخوانية مؤيدة لنجيب، قوامها حوالي مائة وخمسين ألف متظاهر تقريبًا، عُرفت باسم مظاهرات عابدين، تهتف: إلى الثكنات، إلى الثكنات. . إلى الثكنات يا رجال الجيش! . لم يكن ذلك بسبب مطالبتهم بالديمقراطية، وإنما عداءً لعبد الناصر ومحاولة لاقتناص أي مكاسب سياسية. تحرك المتظاهرون من جامعة القاهرة إلى قصر عابدين، وكان يقود المظاهرة عبد القادر عودة، لأن العلاقة بين عبد الناصر وعبد القادر عودة كانت حسنة جدًا، حتى إنها لم تتأثر باشتداد الخصومة والصراع بين عبد الناصر وحسن الهضيبي. وحينما أصدر عبد الناصر قراره باعتقال قيادات الإخوان، كان عبد القادر عودة هو الوحيد من بينهم جميعًا الذي استُثني من قرار الاعتقال، بل سُمح له بزيارة السجن الحربي حيث كان الإخوان يقضون فترة الاعتقال. كان عبد القادر عودة يسعى جاهدًا للتقريب بين قيادات الإخوان وعبد الناصر، ساعيًا لعقد مصالحة بين الجانبين. وكان يقول ويكرر: لا يوجد مبرر للصدام مع عبد الناصر أو الثورة. قد يوجد مبرر للخلاف، ولكنه لا يرقى إلى مستوى الصدام، خاصة وأن كل القرارات التي اتخذها عبد الناصر حتى الآن لها ما يسندها في الشريعة الإسلامية. هذا هو رأي عبد القادر عودة الذي كان يجهر به في وجوه الإخوان في ذلك الوقت. ويُعتقد أن قيادة عودة للمظاهرات جاءت بسبب الخصومة التي حدثت بينه وبين الهضيبي، لأن الهضيبي عزله من منصب وكيل الجماعة وعين مكانه محمد خميس حميدة. فجاءت تلك المظاهرات فرصة لإثبات زعامته وشعبيته بين جموع الإخوان. وحين وصلت المظاهرة إلى ميدان عابدين، بدأت الهتافات تهاجم عبد الناصر، ورفعوا عودة على الأعناق، وتعالت الهتافات الله أكبر ولله الحمد. ثم حمل عودة بين يديه قميصًا ملوثًا بدم أحد القتيلين اللذين كانا قد سقطا برصاص الجيش أثناء تصديه للمظاهرة عند كوبري قصر النيل وهي في طريقها إلى قصر عابدين، وتعالت هتافات عبد القادر عودة وهو يلوح بالقميص الملوث بالدم ويهتف: هذا عمل المفسدين. . هذا عمل المجرمين! . وفي هذه الأثناء، كان عبد الناصر في شرفة القصر ومعه عدد من أعضاء مجلس قيادة الثورة، يتابعون المظاهرات الإخوانية بقيادة عبد القادر عودة. وحينما اقترب عبد الناصر من عودة محاولًا مصافحته، أبى أن يصافح عبد الناصر أمام جمهور الإخوان، حرصًا على كسب تأييدهم وثقتهم على حساب خصمه اللدود حسن الهضيبي، وأعتقد أنه برفضه مصافحة عبد الناصر أمام هذه الحشود الكبيرة، سوف يكسب ورقة يلعب بها مع الهضيبي على زعامة الإخوان وقيادتهم. اشتعلت المظاهرة أكثر فأكثر، وخشي محمد نجيب أن تحدث مصادمات بين المتظاهرين وقوات الجيش الموالية لعبد الناصر ورفاقه، فخرج محمد نجيب مع عبد الناصر من شرفة قصر عابدين محاولًا تهدئة المتظاهرين، وصاح بهم نجيب لمرات عديدة كي ينصرفوا دون جدوى. وبدا أن عبد الناصر قد فقد السيطرة على الشارع، فاستنجد محمد نجيب بعبد القادر عودة كي يصرف الجماهير، ووافق عبد القادر عودة على أن ينضم إليهم في شرفة القصر بعد أن طلب منه محمد نجيب ذلك، ودخل نجيب إلى داخل شرفة القصر، وغاب مع عودة بالداخل لدقائق معدودة، ثم عاد مرة أخرى مصطحبًا عودة، الذي وقف في شرفة قصر عابدين على مقربة من عبد الناصر ليخطب في المتظاهرين خطبة حماسية. وبعد أن انتهى، أشار عودة بيده إلى المتظاهرين وقال لهم ثلاث كلمات فقط: انصرفوا دون هتاف، فانصرف المتظاهرون الإخوان طائعين في دقائق معدودة. انتهت المظاهرة، لكن لم ينس ناصر ما حدث قط. بعد أقل من شهر على مظاهرة عابدين الشهيرة، وفي 20 مارس 1954، زار الملك سعود، ملك السعودية، مصر، وتوسط لدى عبد الناصر للإفراج عن الإخوان بناءً على طلبهم. كان عبد الناصر، بعد استقالة نجيب القصيرة، قد أصبح رئيسًا للوزراء، مما سمح له بإحكام قبضته على الأمور وزمام الجيش. ولذلك، بعد أن انتهت الأزمة، كان عبد الناصر هو المسيطر الحقيقي على الأحداث، فاستجاب لطلب ملك السعودية وأصدر قراره بالإفراج عن جميع الإخوان المعتقلين، بمن فيهم حسن الهضيبي، في الخامس والعشرين من ذات الشهر، وسط اندهاش الجميع. وزاد المفاجأة وقعًا أن توجه ناصر في مساء نفس يوم الإفراج إلى منزل الهضيبي ليزوره ويطيب خاطره، ولكن الهضيبي قابله باستعلاء تجلى واضحًا في لحظة مغادرة عبد الناصر لبيت الهضيبي، حيث لم يكلف نفسه مصاحبة عبد الناصر حتى باب الخروج من المنزل. ونشرت صحيفة المصري في اليوم التالي أن عبد الناصر والهضيبي قد اتفقا على أن تعود الجماعة لممارسة نشاطها بحرية كاملة، وأن يفرج عن كل المعتقلين من أعضائها، وأن يعلن مجلس قيادة الثورة أسباب حل الإخوان. وأكد الهضيبي أن الجماعة ستكون عونًا للحكومة على طرد الإنجليز. وبالطبع، لم تكن تلك الأخبار مؤكدة. وفي نفس يوم الإفراج عن الهضيبي، 25 مارس 1954، اجتمع مجلس قيادة الثورة كاملًا، وانتهى الاجتماع إلى إصدار عدة قرارات خطيرة. ونشرت جريدة المصري بتاريخ 26 مارس 1954 تلك القرارات في مانشيتها الرئيسي: حل مجلس الثورة يوم 24 يوليو وتسليم البلاد لممثلي الشعب. . السماح بقيام الأحزاب. . مجلس الثورة لا يؤلف حزبًا. . رئيس الجمهورية تنتخبه الجمعية التأسيسية. . لا حرمان من الحقوق السياسية حتى لا تتأثر حرية الانتخابات. وقال الخبر في تفاصيله إن مجلس الثورة قد عقد اجتماعًا طويلًا دام لمدة خمس ساعات كاملة بحث خلالها الموقف الداخلي. وبعد انتهاء الاجتماع خرج الصاغ كمال الدين حسين إلى الصحفيين وأذاع عليهم القرارات التاريخية التي اتخذها المجلس واستجاب فيها لرغبات الشعب. قرر مجلس قيادة الثورة في جلسته المنعقدة اليوم، ٢٥ مارس ١٩٥٤، ما يلي: أولًا: يُسمح بقيام الأحزاب. ثانيًا: المجلس لا يؤلف حزبًا. ثالثًا: لا حرمان من الحقوق السياسية حتى لا يكون هناك تأثير على حرية الانتخابات. رابعًا: تُنتخب الجمعية التأسيسية انتخابًا حرًا مباشرًا دون أن يُعيَّن أي فرد، وتكون لها السيادة الكاملة والسلطة الكاملة، وتتمتع بسلطة البرلمان كاملة، وتكون الانتخابات حرة. خامسًا: يُحل مجلس الثورة في ٢٤ يوليو المقبل باعتبار أن الثورة قد انتهت، وتسليم البلاد لممثلي الأمة. سادسًا: تنتخب الجمعية التأسيسية رئيس الجمهورية بمجرد انعقادها. (جريدة المصري، بتاريخ ٢٦ مارس ١٩٥٤) كانت تلك القرارات في ظاهرها إيجابية، لكن الحقيقة أنها لم تكن إلا تراجعًا تكتيكيًا من عبد الناصر ومجموعته لإزالة الاحتقان في البلاد. كانت هذه القرارات في ظاهرها ديمقراطية، وفي باطنها فتنة وتوتر. فقد أثارت استياء الناس الذين لم يرق لهم عودة الأحزاب القديمة بكل ما توحي به من فساد وتاريخ أسود، وبكل ما توحي لهم من نهاية الثورة التي عقدوا عليها كل آمالهم في التطهر والخلاص. وأثارت هذه القرارات ضباط الجيش الذين أحسوا بأن نصيبهم من النفوذ والسلطة والمميزات الخاصة قد انتهى. (محمد نجيب، كنت رئيسًا لمصر) وفي خضم الصراع، حاول كل من عبد الناصر ونجيب استقطاب الإخوان إلى جانبه. فأرسل محمد نجيب رسله للاتصال بالإخوان طلبًا للتأييد والعون، ولكن الإخوان رفضوا الوقوف مع نجيب ليس حبًا في عبد الناصر أو خوفًا منه. فقد كانت تقديراتهم للموقف تقول إنهم لو تركوا عبد الناصر ونجيب يتصارعان بقواهما الذاتية دون معاونة منهم لأي من الطرفين، فإنهما سينتهيان بالفناء معًا، مما يفتح الطريق لهم كي يتقدموا فيه دون مزاحمة. أما إذا قدموا مساعدتهم لأي من الطرفين، فسوف يقوى موقفه بهم فيخرج منتصرًا ليستدير عليهم في نهاية الأمر. ولهذا أصدر الهضيبي تعليماته للإخوان بأنه لا شأن لنا بالصراع الدائر بين العسكر. أرسلني نجيب إلى الهضيبي وقال لي: قل لي ماذا أصنع إذا أصروا على إلغاء الديمقراطية والقرارات؟. فقال لي الهضيبي بالحرف الواحد: كل ظرف وله معالجته، وكل موقف يُحسم في حينه. ولم يعطني جوابًا شافيًا، فعدت إلى الرئيس نجيب ونقلت له ما قاله الهضيبي، فقال لي: أنا أعلم يا ابني رياض أن الهضيبي، وهو مرشد الإخوان، لا يرتاح ولا يرغب في عودة الديمقراطية، لأنه سيكون الوفديين على رأسها، وهم القوة الكبيرة المنافسة للإخوان أمام الشعب. (محمد رياض، السكرتير الصحفي لمحمد نجيب) قررت القوى الوطنية اعلان يوم 28 مارس 1954 يومًا للإضراب العام في البلاد. شارك فيه عمال النقل ونقابة المحامين وتجمعات أعضاء هيئات التدريس بالجامعات المصرية والجبهة الطلابية. وكان من المقرر أن تنضم إلى الإضراب النقابات العمالية، بما فيها نقابة النقل المشترك. كان الهدف واضحًا: إنهاء الحكم العسكري فورًا وعدم الانتظار حتى نهاية الفترة الانتقالية في 24 يوليو 1954 كما وعد العسكر، بالإضافة إلى تشكيل حكومة مدنية انتقالية تجري انتخابات برلمانية، ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات التي تعرض لها المعتقلون في السجن الحربي. كانت نقابة النقل المشترك بمثابة طريق لتحقيق هدف كل فريق، سواء فريق أنصار الديمقراطية أو فريق أنصار الدولة الاستبدادية. وقد جرت اتصالات بين القوى الديمقراطية وقادة نقابة النقل المشترك، التي تضم عمال شركات الأتوبيس الكبرى، لإقناعهم بالانضمام إلى حركة الإضرابات العمالية التي ستشترك فيها معظم النقابات العمالية، وكان الاتجاه الغالب فيها تأييد الديمقراطية. تكمن أهمية هذه النقابة في أن إضراب عمالها سيشل حركة المواصلات في العاصمة تمامًا. لكن رئيس اتحاد نقابات النقل المشترك؛ الصاوي أحمد الصاوي، توجه إلى مقر هيئة التحرير والتقى باثنين من ضباط الصف الثاني المسؤولين عن النقابات العمالية، وهما الصاغ أحمد طعيمة والصاغ إبراهيم الطحاوي، وأبلغهما بمحاولات جذب النقابة إلى الإضراب المؤيد لعودة الديمقراطية. وكانت هناك بعض القيادات النقابية الأخرى التي تؤيد ما كان يُسمى "استمرار الثورة"، فاتُفق على تحويل الإضراب والاعتصام من تأييد للديمقراطية إلى المطالبة بإلغاء قرارات 25 مارس. واختير الصاوي أحمد الصاوي زعيمًا للحركة. وساعد ضباط الصف الثاني في تنظيم الضباط الأحرار لضرب الحركة العمالية في مقتل. فقد قام الصاغ مجدي حسنين، الذي كان مشرفًا على مشروع مديرية التحرير، بتحريك العاملين في المشروع إلى القاهرة للانضمام إلى القوى المعادية للديمقراطية. كذلك تحرك البكباشي أحمد أنور، قائد الشرطة العسكرية، بثقله ليساعد الحركة المعادية للديمقراطية، بعد أن تردد اسمه في اجتماع الجمعية العمومية للمحامين كمسؤول عن الاعتداءات على المعتقلين في السجن الحربي، ليحول بأي ثمن دون عودة الحياة الديمقراطية. ولعب إعلام الدولة أسوأ أدواره على الإطلاق، فبدأت الإذاعة المصرية في إذاعة بيانات صادرة عن النقابات العمالية، تعلن فيها الاعتصام والإضراب عن الطعام والعمل حتى تتحقق مجموعة من المطالب، أولها عدم السماح بقيام الأحزاب، واستمرار مجلس قيادة الثورة في مباشرة سلطاته حتى يتم جلاء المستعمر، وتشكيل هيئة تمثل النقابات والروابط والاتحادات والجمعيات والمنظمات، تساند مجلس قيادة الثورة، وتُعرض عليها قراراته قبل إصدارها، وأخيرًا عدم الدخول في معارك انتخابية. المشكلة هنا ليست في محتوى المطالب التي تعني تصفية الحياة الديمقراطية في مصر تمامًا، لكن المشكلة الحقيقية هي أن النقابات العمالية لم تصدر هذه البيانات، ولم توافق عليها، بل لم تُعرض عليها أصلًا. شاركت الإذاعة المصرية في مؤامرة ضد الديمقراطية بتزوير بيانات باسم النقابات العمالية وإذاعتها، في محاولة لإظهار أن الحركة العمالية ضد عودة الديمقراطية. وبدأت النقابات العمالية المؤيدة للديمقراطية تتنبه للمؤامرة التي تُحاك باسمها، فأصدرت مجالس إدارات عدد من نقابات العمال التي أُذيعت بيانات كاذبة باسمها في الإذاعة المصرية بيانًا تعلن فيه حقيقة موقفها وتنفي ما نُسب إليها كذبًا. وفي يوم 28 مارس 1954، خرجت أغرب مظاهرات في التاريخ، تهتف بإسقاط الديمقراطية والدستور والأحزاب والحرية، وتحيي الجيش والثورة وعبد الناصر. دارت المظاهرات حول البرلمان والقصر الجمهوري ومجلس الدولة، مكررة هتافات مثل: لا أحزاب، ولا برلمان! ، وتسقط الديمقراطية. . تسقط الحرية! . في مساء اليوم التالي، الموافق 29 مارس، وصل المتظاهرون إلى مقر مجلس الدولة بالجيزة، وعلا الهتاف ليشمل الدكتور عبد الرزاق السنهوري، رئيس مجلس الدولة، الذي كان يترأس اجتماعًا للجمعية العمومية للمجلس في ذلك الوقت. بدأ المتظاهرون ينادونه بالجاهل والخائن، ويسبونه بأقذع الألفاظ ويطالبون بسقوطه هو أيضًا. توقفت المسيرة خارج بوابة المجلس المغلقة بسلاسل الحديد، فدخل أحد الضباط إلى مكتب السنهوري وطلب منه الخروج إلى حديقة المحكمة لمخاطبة المتواجدين وتهدئتهم. وبمجرد أن لمحته جموع المتظاهرين، اقتحموا فناء المجلس وانقضوا عليه بالسب والضرب، وكادوا أن يفتكوا به في ذلك اليوم، لولا أن تلقى الضرب أحد السعاة بمجلس الدولة. لم يتمكن السنهوري من مغادرة المكان إلا بعد قدوم الصاغ صلاح سالم الذي اصطحبه إلى الخارج، وحينئذ فقط أدرك أن الأمر لم يكن مجرد مظاهرة عادية. حينئذٍ أدركت أن الأمر لم يكن مظاهرة أخاطب فيها المتظاهرين - كما ادعى الضابط - بل كان اعتداءً مُبَيَّتًا عليّ. وما لبث المتظاهرون أن دفعوني دفعًا إلى الحديقة وتوالى الاعتداء. (عبد الرازق السنهوري، الفقيه الدستوري ورئيس قُضاة مجلس الدولة) في ذلك الوقت، اقترح أنصار نجيب في الجيش أن يتدخلوا لحسم الموقف بالقوة لصالحه ولصالح عودة الديمقراطية. وقد اقترح عليه ذلك قائد حرسه، محمد رياض. كما توافد على منزل الرئيس نجيب أعداد من الضباط المؤيدين له، بمن فيهم قائد حامية القاهرة، أحمد شوقي، وأبدوا استعدادهم للتحرك ضد مجلس الثورة. لكن نجيب رفض، فقد كان يخشى صراعًا داخل الجيش، وفي الوقت نفسه لم يرَ إعادة الديمقراطية عن طريق انقلاب عسكري، بل كان يراهن على قدرة الشعب وقواه الديمقراطية على حسم المعركة. لاحقًا، اعترف الصاوي بأنه حصل على مبلغ 4 آلاف جنيه مقابل تدبير هذه المظاهرات، إلى جانب تدبير سلسلة من التفجيرات هزت أنحاء القاهرة. ويروي خالد محيي الدين في مذكراته والآن أتكلم أن عبد الناصر أعترف له بأنه دفع أربعة آلاف جنيه من جيبه لتدبير مظاهرات العمال الرافضة للديمقراطية، وأنه قال له: لما لقيت المسألة مش نافعة قررت أتحرك، وقد كلفني الأمر أربعة آلاف جنيه. وهذا يتفق مع ما اعترف به الصاوي، وفي موضع آخر في مذكراته يقول خالد محيي الدين: القاهرة شهدت في خضم أزمة مارس ستة انفجارات دفعة واحدة، منها انفجاران في الجامعة، وانفجار في جروبي، وآخر في مخزن الصحافة بمحطة سكة حديد القاهرة. لم تتسبب هذه الانفجارات في خسائر مادية، لكنها أثارت هواجس شديدة لدى الجميع حول مخاطر انفلات الوضع، ومخاطر إطلاق العنان للديمقراطية دون قبضة حازمة للدولة. وبدأ الكثيرون يشعرون بأن الأمن غير مستقر، وأنه من الضروري إحكام قبضة النظام وإلا سادت الفوضى. وقد روى لي عبد اللطيف البغدادي أنه زار عبد الناصر في أعقاب هذه الانفجارات هو وكمال الدين حسين وحسن إبراهيم، فأبلغهم عبد الناصر بأنه هو الذي دبر هذه الانفجارات لإثارة مخاوف الناس من الاندفاع في طريق الديمقراطية، والإيحاء بأن الأمن قد يهتز وأن الفوضى ستسود إذا مضوا في طريق الديمقراطية. (خالد محيي الدين، والآن أتكلم) وفي اليوم التالي للمظاهرات، أدلى السنهوري بأقواله إلى النيابة العامة من على فراشه بالمستشفى، موجهًا الاتهام صراحةً إلى الصاغ جمال عبد الناصر بتدبير الاعتداء عليه يوم 29 مارس، بسبب الخلافات الأخيرة التي وقعت بينهما، نتيجة رغبة عبد الناصر في حل مجلس الدولة وتصفية رجال القضاء العاملين به، ورغبة السنهوري في إقرار سلطة قضائية مستقلة تكون هي الحكم بين الدولة الجديدة وبين الجماهير. وقد ألغى السنهوري العديد من القرارات الحكومية الصادرة من عبد الناصر نفسه بصفته رئيس الهيئة القضائية. وعندما ذهب عبد الناصر لزيارة السنهوري والاطمئنان عليه في المستشفى، رفض السنهوري رفضًا قاطعًا دخول ناصر عليه الغرفة. وبالطبع، حُسم الصراع لصالح عبد الناصر بإخراج السنهوري من الساحة القانونية تمامًا. وكان عبد الناصر يردد بحماس شديد إما الثورة أو الديمقراطية طيلة الأشهر التي سبقت أزمة مارس 1954، التي انتهت باستيلاء عبد الناصر على السلطة. في يوم إضراب العمال مساءً، عقد مكتب إرشاد الإخوان اجتماعًا طالب فيه بضمانات لتجنب عودة الحياة النيابية لمساوئ الماضي. وفي ذات الليلة، زار الهضيبي ناصر في منزله في العاشرة مساءً واجتمع به، واتفقا على تأييد الإخوان للثورة مرة أخرى ومعاداة الديمقراطية. وهنا رجحت الكفة لمعسكر أعداء الديمقراطية. وفي صباح اليوم التالي، 29 مارس 1954، اجتمع مجلس قيادة الثورة وقرر تحمل المسؤولية كاملة مع احتفاظ الرئيس نجيب بمنصبه رئيسًا للجمهورية. وجاءت القرارات في صيغة غائمة، تتضمن تشكيل مجلس وطني استشاري يراعى فيه تمثيل الطوائف والهيئات والمناطق المختلفة، وإرجاء تنفيذ قرارات 25 مارس 1954 إلى حين نهاية الفترة الانتقالية التي لم تنتهِ إلى الآن. ونشرت جريدة الجمهورية بعدها على لسان الهضيبي في كلمته أمام مؤتمر الإخوان أن عمل الأحزاب كان لوجه الشيطان! . وفي يوم 15 أبريل، بدأت الخطوات العملية لتقويض الديمقراطية ومصادرة الحريات السياسية في مصر. هذه الخطوات مهدت الطريق لبناء الدولة الاستبدادية التي استمرت حتى الآن. فصدر قرار من مجلس قيادة الثورة بحل مجلس نقابة الصحفيين، وتعيين مجلس إدارة مؤقت لحين وضع قانون جديد للصحافة، وذلك بدعوى أن سبعة من أعضاء المجلس الاثني عشر قد تقاضوا مبالغ من المصاريف السرية في العهد السابق. وقد طال الاتهام عددًا من الصحفيين الوطنيين الذين دافعوا ببسالة عن الديمقراطية طوال العامين التاليين لانقلاب الضباط الأحرار، ومنهم: حسين أبو الفتح، وأبو الخير نجيب، وإحسان عبد القدوس، وفاطمة اليوسف، ومرسي الشافعي، وإبراهيم عبده، وعبد الرحمن الخميسي، وكامل الشناوي. بدا الأمر كما لو أن الربيع الديمقراطي الذي عاشته مصر بين 5 و29 مارس كان فخًا لاصطياد أنصار الديمقراطية والحرية. وبدأت محكمة الثورة، وهي محكمة عسكرية استثنائية شُكّلت في سبتمبر 1953، في محاكمة عدد من الصحفيين والساسة والضباط المناصرين للديمقراطية، وأصدرت بحقهم أحكامًا بالسجن لمدد متفاوتة. وفي يوم 17 أبريل، تخلى نجيب عن رئاسة الوزراء لجمال عبد الناصر. وفي اليوم التالي، نُزعت سلطات الحاكم العسكري المنصوص عليها في قانون الأحكام العرفية من نجيب وخُوّلت لعبد الناصر، ونص قرار تعيين عبد الناصر حاكمًا عسكريًا على الترخيص له باتخاذ أي إجراء لازم للمحافظة على النظام والأمن في جميع نواحي الجمهورية، فوق ما نص عليه القانون. خلال شهر أبريل، جرت محاولة من بعض ضباط الجيش بالتعاون مع بعض الساسة المدنيين للإطاحة بمجلس قيادة الثورة واعتقال جمال عبد الناصر، لكن المحاولة فشلت. تمت محاكمة المتورطين محاكمة عسكرية، وصدر الحكم في يونيو على قائد المحاولة، الضابط أحمد المصري، بالسجن 15 عامًا. وفي سبتمبر، صدر الحكم على اليوزباشي مصطفى كمال صدقي و20 متهمًا آخرين في محاولة انقلابية أخرى، اتُهم فيها أيضًا عدد من الشيوعيين وبعض أعضاء الأحزاب القديمة التي تم حلها. أما القائمقام أحمد شوقي، الذي عرض على نجيب القبض على مجلس قيادة الثورة، فقد اكتُفي بالحكم عليه بالسجن عشر سنوات بتهمة إحداث فتنة في الجيش خلال شهر مارس، وأُفرج عنه صحيًا فيما بعد، بعد رفض اقتراح جمال سالم بإعدام جميع ضباط المدفعية الذين اعترضوا على بعض قرارات المجلس. وتم إبعاد الضباط المؤيدين للديمقراطية عن الجيش، كما تم إبعاد خالد محيي الدين، الذي كان رمزًا للقوى الديمقراطية، خارج البلاد في مهام رسمية لسنوات عدة. تم توجيه الضربات المتوالية للقوى الديمقراطية ولمعاقل النضال الوطني والديمقراطي خلال عام 1954. وعلى إثر ذلك، انهزم محمد نجيب في معركة مارس 1954، والحقيقة أن الهزيمة لم تكن خسارة له وحده، بل كانت خسارة لمسيرة الديمقراطية في وادي النيل. وظل "الإخوان المسلمون" في شهر عسل مع عبد الناصر، لكن هذا الشهر لم يدم طويلاً، إذ كان الصدام بين الطرفين حتميًا، وبدأت بوادره الأولى في الجمعة الأخيرة من أغسطس 1954. --- ### أقدر أقوله يا ماما! - Published: ۲۰۲۵-۰۳-۲۳ - Modified: 2025-03-23 - URL: https://tabcm.net/37573/ - تصنيفات: المرأة القبطية أطلب من الجميع أن يتذكر أمهات منطقتنا المنكوبة بالصراعات والفقر والتمييز. تذكروا هؤلاء البطلات اللواتي يحملن مسؤوليات عوائلهن بالرغم من الضغوط الساحقة. تذكروا من كسرت قلوبهن وخسرن أحبابهن بسبب الحرب، الاضطهاد أو الموت في طرق الهجرة والفرار. هؤلاء اللواتي يقدمن أقصى ما يستطعن بالرغم من كل التحديات، يقدمن حبًا في عالم تملؤه الكراهية ويزرعن ابتسامة حتى في وسط الدموع هناك ترنيمة جميلة تقول فيها المرنمة مخاطبة الله: أقدر أقوله يا أبويا، وأقدر أقوله حبيبي. عادة ما نفكر في الله ونشير إليه كأب. يقال إن الأب هو حب الابنة الأول وهو النموذج الذي يتعلم منه الابن معنى الرجولة. ليس غريبًا إذًا أن نفكر في الله كأب؛ الشخص القادر على أن يقود ويؤدب كما يحب أيضًا. لكن الكتاب المقدس يستخدم أيضًا صورة الأم في بعض المواضع ليصف الله. في إشعياء ٦٦: ١٣، يخاطب الرب شعبه قائلًا: كإنسان تعزيه أمه هكذا أعزيكم أنا. وفي متى ٢٣: ٣٧، نرى يسوع وهو يرثي أورشليم قائلًا: يا أورشليم، يا أورشليم! يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها، كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها، ولم تريدوا! وفي إشعياء ٤٩: ١٥، يؤكد الله لشعبه عن محبته التي لا تتغير من خلال هذا السؤال الاستنكاري: هل تنسى المرأة رضيعها، فلا ترحم ابن بطنها؟ حتى هؤلاء ينسين، وأنا لا أنساك. وكأن الله عندما أراد أن يعطي تصورًا أكمل عن الكيفية التي من خلالها يحبنا ويرعانا، استخدم مثال الأم خصوصًا عندما تعلق الأمر بالتعزية (أو التدليل)، الحماية وثبات المحبة. تشعر الأم بالهم في قلوب الأبناء، حتى لو لم يتكلموا عما يشغلهم. كل واحد منا يستطيع أن يتذكر مرة على الأقل شعرت فيها الأم (أو شخصًا يمثل صورة الأم في حياتنا) بما تضيق به القلوب وجاءت لتعزي وتعطي الأمل أن كل الأمور ستتحسن، وأحيانًا فعلن ذلك دون حتى أن ينطقن بكلمة! واستخدم الكتاب المقدس أيضًا صورة الأم التي تحمي، حتى ولو على حساب نفسها. تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها لتحميهم من الخطر، حتى ولو كان ذلك يكشفها هي للخطر بشكل أكبر. تصف الصورة هنا حب الله المضحي الذي أراد أن يحمي خاصته من شرور العالم، بل وحتى من شرور أنفسهم كما عبر يسوع في خطابه لأورشليم. لا تكفي كلمات الشكر حق كل أم رعت وبصبر قدمت الحماية لتحمى أبناءها من آلام وشرور الحياة. وعندما أراد الله أن يؤكد أنه سيظل دائمًا معنا وأنه لن ينسانا، جاء الاستخدام مرة أخرى لصورة الأم وهذه المرة عن طريق اقتراح المستحيل: أن تنسى الأم رضيعها! التأكيد هنا يأتي من المفارقة التي يقترحها النص: أنه حتى وإن حدث المستحيل، فإن الله لن يتغير! في يوم الأم، أشجع كل امرأة أن تتذكر مدى قوة وأهمية وجودها في حياتنا، ومدى احتياجنا لمحبتكن. وأيضًا أن أطلب من الجميع أن يتذكر أمهات منطقتنا المنكوبة بالصراعات والفقر والتمييز. تذكروا هؤلاء البطلات اللواتي يحملن مسؤوليات عوائلهن بالرغم من الضغوط الساحقة. تذكروا من كسرت قلوبهن وخسرن أحبابهن بسبب الحرب، الاضطهاد أو الموت في طرق الهجرة والفرار. هؤلاء اللواتي يقدمن أقصى ما يستطعن بالرغم من كل التحديات، يقدمن حبًا في عالم تملؤه الكراهية ويزرعن ابتسامة حتى في وسط الدموع... من أجل كل هؤلاء أتمنى عيد أم سعيد وأصلي أن تمتلئن من يقين محبة الله لكن. هو الذي يعرف ما في قلوبكن، يعرف كل تحدياتكن ويحبكن بنفس القدر الذي تحبون به أبناءكم، بل وأكثر جدًا! --- ### البابا شنودة والرئيس - Published: ۲۰۲۵-۰۳-۲۲ - Modified: 2025-04-04 - URL: https://tabcm.net/37708/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أنبا غريغوريوس، أسقف البحث العلمي, الأصولية, الإخوان المسلمين, الاشتراكية, الجماعات الإسلامية, الشيوعية, العصور الوسطى, العلمانية, الكنيسة القبطية, الكنيسة والدولة, المجلس الملي, اليسار, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس الخامس, بابا كيرلس السادس, بابا يوساب الثاني, جريدة الجمهورية, جمال الدين أحمد سلامة العطيفي, حبيب جرجس, خريف الغضب, رئيس محمد أنور السادات, رشاد رشدي, سر الزيجة, سعيد رمضان, سينوت دلوار شنودة, عام من الأزمات, عبد الحليم محمود, عثمان أحمد عثمان, عزيز سوريال, عيد القيامة, عيد الميلاد, مجلة الكرازة, محمد حسنين هيكل, محمد عثمان إسماعيل, مدارس الأحد, معهد الدراسات القبطية, ملك فيصل في سياق تصاعد مطالب الجماعات أسلمة الشارع والذهنية المصرية، قُدِّم مشروع قانون حد الردة الذي تمتد أثاره لمحاصرة الأقباط، فيكفي حسب طرحه أن يستحضر شاهدين بأن شخصًا نطق الشهادتين، وعندما ينكر يحسب إنكاره ارتدادًا يستوجب إقامة الحد عليه، ويستتاب فلو بقي على إنكاره يقتل ونحن نقترب من مرحلة الأنبا شنودة، أسقفًا وبطريركًا، التي نحسبها من المراحل المحورية في تاريخ الكنيسة المعاصر، فقد أمتدت لنحو نصف قرن (1962 ـ 2012)، وكانت محتشدة بتحولات متباينة على مسويات عدة، في العالم والمنطقة والدولة والكنيسة، سقوط وقيام دول، وتفكك قوة عظمى، نجد أنفسنا أمام طوفان من الأحداث تغري القلم أن يبحر فيها، لكنه إذا فعل فلن يخرج منها، وقد تستغرقه بما يتجاوز مساحة سطوره المتاحة، ويزيد العبء إنني عشت تلك المرحلة واشتبكت مع عديد من أحداثها الأمر الذي يجعل الحياد في الطرح أمرًا يحتاج إلى تجرد وهو ما أزعم إنني قدرت عليه. ولست بحاجة إلى القول بأن سطوري ليست تأريخًا بالمعنى العلمي للتأريخ، هي فقط اقتراب يسعى لفهم جذور ومداخل حالة الكنيسة الراهنة، بقدر ما أتيح لي من مصادر حرصت على أن تكون موثقة ومتسقة مع معايشتي لأحداثها، ولا أخفيكم سرًا إنني أشفقت على ذلك الشاب الذي كان يحمل حلمًا عصيًا ترجم طيف منه فيما سجله على صفحات مجلة مدارس الأحد، وكان فيها دينامو التحرير قبل أن يتولى إدارتها ورئاسة تحريرها، التي أنطلق منها إلى الرهبنة في مجازفة محسوبة محملة بالمخاطر. وأشفقت عليه ثانية حين اختير بطريركًا للكنيسة وقد لاح في الأفق تباشير ترجمة رؤيته، لكن الواقع كان صادمًا، داخل الكنيسة وفي الفضاء العام، فقد كان يسبق رفاق التكوين والحلم بخطوة، ولم يكن منحصرًا فيما يشغلهم في دائرة بعث الوعي الكنسي وحسب، بل أمتد حلمه إلى أن يجد للقدم القبطي موقعًا في خريطة العمل السياسي والمشاركة الحقيقة في رسم خطوطها، الأمر الذي أزعج دوائر عديدة خارج أسوار الكنيسة. وفي الحالين كان راهبًا محاربًا لا تلين له قناة، وربما يفسر هذا كثير من خياراته وقراراته ومعاركه. لذلك سأتعرض بإيجاز لصدمات، وصدامات، العمل العام بعد اختياره ليجلس على عرش مار مرقس، وتحديدًا في ثلاث توقيتات: الأولى مع السنة الأولى لحبريته، في مواجهة صعود التيارات المتطرفة، والثانية مع تصاعد وتيرة أسلمة الفضاء العام خاصة في حلحلة القوانين المدنية وصبغها بصبغة دينية، والثالثة حين تصاعدت المواجهة مع رئيس الدولة، التي انتهت بصدور قرار رئاسي بعزله وتحديد إقامته بديره، وهو التوصيف المخفف لقرار اعتقاله. كانت خبرات أسقف التعليم ومشاركاته في الشأن العام، واحدة من العوامل التي شكلت رؤيته في إدارة الكنيسة، وكان من الطبيعي أن يشرع في ترجمة مطالباته التي حملتها سطور مجلة مدارس الأحد حين كان علمانيًا التي طالب بها البابا يوساب الثاني، ونظيرتها التي دونها في مجلة الكرازة وهو أسقف عام للتعليم، مطالبًا بها البابا كيرلس السادس، كانت مطالب تنضح بثوريته، عكستها عناوين المقالات الرئيسية والفرعية والبراويز التي تتخلل المقالات بشكل بارز في توظيف محكم وداعم لمطالبه. كانت البدايات مبشرة، يقف ورائها تاريخ طويل من عمل منظومة مدارس الأحد التي أسسها القديس الأرشيدياكون حبيب جرجس في مطلع القرن العشرين، بمباركة ودعم البابا كيرلس الخامس، وتوالي تشكيلات اللجنة العليا لها، حتى رحيل الأرشيدياكون 1951، وتولى بعده الأستاذ وهيب عطا الله قيادتها ويمتد عملها في انتشار فصول مدارس الأحد. وفي بداية عام 1948 أعلن البابا يوساب الثاني مسؤوليته الكاملة عن مدارس الأحد ورعايته لها، وأنه الرئيس الأعلى لها، وبهذا أصبحت مدارس الأحد وكل أنشطتها تابعة رسميًا لإدارة الكنيسة ممثلة في البابا وأصدر توجيهًا عامًا للمطارنة والأساقفة والكهنة برعايتها وتقديم تقارير دورية عنها لقداسته في متابعة منتظمة لها، ويتوالى عقد مؤتمراتها السنوية، وإصدار التوجيهات وبرامج دروسها وتنظيم اللقاءات الدورية لأمناء الفروع. وفي عام 1953 يقرر البابا يوساب، بصفتيه الرئيس الأعلى لمدارس الأحد ورئيس المجلس الملي، نقل مقر اللجنة العليا من مهمشة إلى الأنبا رويس وكذلك الإكليريكية كلها حتى لا تستولى وزارة المعارف على المبنى المنقولة إليه وإلحاقه بكلية طب عين شمس، مستشفى الدمرداش الملاصقة، وبعد عام يفتتح قداسته المعهد العالي للدراسات القبطية، الذي أسسه الأستاذ الدكتور عزيز سوريال عطية، أستاذ تاريخ العصور الوسطى بآداب الإسكندرية آنذاك، ويعهد التدريس في أقسامه الإثنى عشر إلى باقة من كبار أساتذة الجامعات كل في تخصصه. وكان الأستاذ نظير جيد عضوا فاعلًا في اللجنة العليا لمدارس الأحد، حتى دخوله الدير طلبًا للرهبنة (1954)، وحين جلس على الكرسي البابوي قال مدارس الأحد هي التي جلست على الكرسي ((لمعرفة المزيد عن نشأة ونمو وتطور منظومة مدارس الأحد يمكن الرجوع إلى كتاب تاريخ مدارس الأحد في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في مائة عام إعداد لجنة احتفالية مئوية مدارس الأحد ـ 2018، التي شكلها البابا تواضروس الثاني، الذي قدم الشكر للدكتور مهندس سينوت دلوار شنودة الذي أهتم بتجميع المصادر والمراجع ليس من الكتب فقط، ولكن من الشخصيات التي سجلت بالصوت والصورة ساعات وساعات تحكي فصول ومشاهد في هذه القصة الممتدة بنعمة المسيح إلى أجيال وأجيال المستقبل حسب ما جاء في تقديم قداسته للكتاب، الذي يربو على الأربعمائة صفحة. )). لذلك كانت رساماته للأساقفة في بواكير عهده من رفاق مشوار اللجنة العليا لمدارس الأحد، والدير، تصب في ترجمة رؤيته الإصلاحية، التي كانت حلمًا فخاطرًا فرؤية، وحتى تضحى حقيقة فليس هناك أفضل من رفاق الحلم وندماء الخواطر، وهم من تركوا العالم ورائهم حين طرقوا أبواب الرهبنة. ومد خيط الاختيارات لرفاق اختاروا التكريس وسط الناس طريقًا، وهي خبرة تحتاج لتحليل، من خلال نتائجها على الأرض. لم تسر الأمور كما كان مرتب لها، إذ تشهد البلاد ظهور التيارات الأصولية الإسلامية، ولم يكن توجه الرئيس السادات لإعادة بعث الجماعات الأصولية مجرد سعي لمواجهة التيارات اليسارية والناصرية التي كات تملأ المشهد لحظة قدومه لموقع رئاسة الدولة، وإن كانت واحدة من دوافع الإحياء الأصولي، فقد سبقها مؤشرات تشير إلى توجهه المبكر. ففي سنوات حكم يوليو المبكرة، ينعقد المؤتمر الإسلامي العام في بيروت عام 1955 ويحتل السادات منصب الأمين العام له، وفي العام 1963 يصدر كتابًا بعنوان نحو بعث جديد تعاود وزارة الثقافة نشره، عام 1975 في سلسلة الكتب التي تصدرها مجلة الجديد التي كان يرأس تحريرها الدكتور رشاد رشدي، والكتاب كما تبين سطوره تجميع لمقالات كتبها في جريدة الجمهورية، وقت أن كان رئيس تحريرها، وتدور حول حلمه ببعث جديد للإسلام والمسلمين، وأن الشعوب الإسلامية تملك معطيات هذا البعث، ويستعرض فضلهم على الغرب الذي بنى تطوره ـ حسب رؤيته ـ على ما أنتجه العرب والمسلمون من نتاج فكرى وثقافي. وحسب ما سجله الأستاذ محمد حسنين هيكل في كتابه خريف الغضب، فإن الملك فيصل، ملك السعودية، نجح في صيف 1971 في أن يرتب اجتماعًا بين السادات وبين مجموعة الإخوان المسلمين الذين ذهبوا إلى الخارج، كان من بين هؤلاء الدكتور سعيد رمضان، ويذكر هيكل أن السادات قال لهم أنه يشاركهم أهدافهم في مقاومة الإلحاد والشيوعية، وعرض عليهم استعداده لتسهيل عودتهم إلى النشاط العلني في مصر، بل وكان على استعداد لعقد تحالف معهم. كان الإخوان المسلمون -حسب هيكل- يدركون رغبة نظام السادات في التعاون مع العناصر الدينية. ووجد بعضهم رعاية خاصة من أحد الأصدقاء المقربين للرئيس، وهو المهندس عثمان أحمد عثمان، ووجد بعضهم مجالًا فسيحًا في مشروعاته بالخارج... وبعد تغير الظروف في مصر عاد بعضهم إليها ومعهم بعض ما جمعوه من مال، ليجدوا أن عثمان أحمد عثمان قد أصبح قوة كبيرة فيها بقرب الرئيس السادات. وكان مازال صديقًا لهم. وقد راح يحاول إقناعهم بالتعاون مع السادات، ولقد حمل إليهم تطمينات كثيرة باسم الرئيس. تجري في النهر مياه كثيرة ليتغير هوى الشارع خاصة في أوساط الشباب والجامعات، ويقفز إلى المقدمة اسمي المهندس عثمان أحمد عثمان، والسيد محمد عثمان إسماعيل، وكان وقتها محافظًا لأسيوط، وقبلها كان أمينًا للاتحاد الاشتراكي العربي، ومن خلالهما يتم دعم الجماعات الإسلامية، خاصة في الجامعات، ماليًا ولوجستيًا، ودعم الترويج للزي الديني، حسب وصفهم، الجلابيب القصيرة للشباب والحجاب للشابات. ويذكر هيكل في كتابه خريف الغضب أن شباب تلك الجماعات استطاعوا السيطرة على اتحادات الطلبة، وتطورت سيطرتهم ليعيدوا هيكلة الحياة الجامعية حتى إلى تقرير المناهج فيما يتعلق بالنظريات الفلسفية، ورفعوا شعار "الحفاظ على مكارم الأخلاق"، وتتمدد الجماعات لتفرض سيطرتها على الشارع خارج أسوار الجامعات. والسيطرة على النقابات، والعمل الممنهج لتغيير شكل وذهنية المجتمع ليصبح إسلاميًا حسب رؤيتهم. كان الأقباط هم الرقم الصعب الذي يعوق تحقيق إقامة الدولة الإسلامية، فكان أن توجهت تلك الجماعات إلى استهدافهم والتضييق عليهم، وتشهد مصر سلسلة من الأعمال الإجرامية ضدهم، في قرى ومدن الصعيد، وتسمى "أحداثًا طائفية" لترسيخ مسؤولية أطرافها عنها، فتتحول من توصيفها جنائيًا إلى "مصادمات مجتمعية" يمكن حلها بعيدًا عن القانون. وكان بناء الكنائس بغير تصريح حكومي المدخل الأكبر لكثير من الاعتداءات، ويأتي عام 1972 ليحمل رسالة شديدة الوطأة للبابا الجديد، تمثلت في هدم كنيسة بمنطقة الخانكة المتاخمة للقاهرة، الإثنين 6 نوفمبر 1972، ويأتي رد فعله سريعًا بتوجيه مسيرة من الكهنة إلى موقع الكنيسة والصلاة فوق أنقاضها، كانت مسيرة حاشدة، في اليوم التالي الثلاثاء 7 نوفمبر 1972، لترتج البلاد وتصل إلى حافة الانفجار. يشير هيكل -حسب ما وثقه بخريف الغضب، وفصَّله في كتابه عام من الأزمات، إلى دوره في نزع فتيل الانفجار، بعد لقاء مع الرئيس وكان الرئيس غاضبًا من تصرف البابا، وينجح في إقناع الرئيس بأن يوجه الرئيس خطابًا إلى مجلس الشعب لتقصي حقائق ما حدث، وهو ما قبله الرئيس، ويشكل المجلس لجنة لتقصي الحقائق برئاسة وكيل المجلس الدكتور جمال العطيفي، التي تلتقي بكل أطراف الأزمة وتعاين موقع الأحداث وتقدم للمجلس تقريرًا إضافيًا يطرح تفاصيل الأزمة وجذورها وتوصيات بالحلول، ويقترح هيكل على الرئيس بعد أن تم تجاوز الغضب أن يلتقى يشيخ الجامع الأزهر وبالبابا شنودة كل في موقعه، وتتم الزيارات، وتنتهى الأزمة، بل لنقل يتم ترحيلها إلى حين. في سياق تصاعد مطالب الجماعات أسلمة الشارع والذهنية المصرية، قُدِّم مشروع قانون حد الردة الذي تمتد أثاره لمحاصرة الأقباط، فيكفي حسب طرحه أن يستحضر شاهدين بأن شخصًا نطق الشهادتين، وعندما ينكر يحسب إنكاره ارتدادًا يستوجب إقامة الحد عليه، ويستتاب فلو بقي على إنكاره يقتل. إزاء مخاوف الأقباط، وهي تخوفات مشروعة في مناخ ضاغط ومقلق، يدعو البابا إلى مؤتمر يناقش قضايا كنسية ويضع على جدول أعماله تدارس تداعيات مشروع قانون الردة، ويعقد المؤتمر في الإسكندرية 17 يناير 1977، وينتهي إلى إعلان صوم الأقباط صومًا جماعيًا في الفترة من 31 يناير إلى 2 فبراير 1977، اللافت أن كنائس مصرية من غير الأرثوذكس أعلنت تضامنها ومشاركتها في هذا الصوم، الأمر الذي حسبه الرئيس السادات عصيانًا مدنيًا، يحمل رسالة ذات مدلول حقوقي سياسي للعالم. لتتصاعد وتيرة الخلاف مجددًا بين البابا والرئيس. ويصدر المؤتمر بيانًا يطالب بعدة مطالب وثقها الأستاذ هيكل في كتابه: حرية العقيدة. حرية ممارسة الشعائر الدينية. حماية الأسرة والزواج المسيحي. المساواة وتكافؤ الفرص وتمثيل المسيحيين في الهيئات النيابية. التحذير من الاتجاهات الدينية المتطرفة. توجيه بيان إلى السلطات بطلبات: لإلغاء مشروع قانون الردة، والعدول عن التفكير في تطبيق قوانين مستمدة من الشريعة الإسلامية على غير المسلمين. وإلغاء القوانين العثمانية التي تقيد حق بناء الكنائس. واستبعاد الطائفية في تولي وظائف الدولة على كل المستويات. وحرية نشر الفكر والتراث القبطي. ونجد أنفسنا في مناخ يعيد إنتاج ما حدث من تداعيات عقد المؤتمر القبطي بأسيوط 1911 والرد عليه بمؤتمر إسلامي في ذات العام، إذ يسارع شيخ الأزهر الشيخ عبد الحليم محمود بالدعوة لعقد مؤتمر إسلامي للرد على هذا المؤتمر، والتئم المؤتمر في يوليو 1977. وأصدر بيانًا تضمن العديد من القرارات يمكن إيجازها في أن المؤتمر قرر: أن أية قوانين أو لائحة تعارض تعاليم الإسلام تعتبر ملغاة وكأنها لم تكن. وأن مقاومة مثل هذه التشريعات واللوائح واجب كل المسلمين. تقنين الشريعة الإسلامية وأحكامها لا يرتهن بقيام البرلمان بإصدار تشريعاته على هذا الأساس. أحكام الشريعة قانون مقدس قَبِل البرلمان أو لم يقبل، لأنه ليس من حق أحد أن يناقش أحكام الله. التأخير في تطبيق الشريعة الإسلامية مراعاة لمشاعر غير المسلمين لا يمكن قبوله. وأعلن المؤتمر: تأييده لما أعلنه الرئيس في خطابه تطهير أجهزة الدولة من الملحدين. ووجه المؤتمر نداءً بأن يقوم بتطهير أجهزة الإعلام من كل المواد غير الإسلامية. وأن يجعل الدين أساسًا للتعليم في كل المراحل. وبعد أقل من ثلاث سنوات، وفي مطلع 1980 تصدمنا مواجهة جديدة بين الكنيسة والدولة، مع تصاعد ظهور الجماعات الإسلامية، واتجاهها لفرض مطالبها على الدولة، بل وأعلنوا عبر منابرهم فتاوى يجوز بمقتضاها للمجاهدين المسلمين أن يحصلوا على الأموال اللازمة لهم من استباحة أموال المسيحيين، بعد أن تم تجفيف العديد من منابع تمويل تلك الجماعات، بعد مصادماتها مع الدولة. وتصاعدت وتيرة أن تكون الشريعة الإسلامية أساسًا لقوانين تطبق على غير المسلمين. وقد شهد النصف الأول من هذا العام أعمالًا إجرامية ضد الأقباط وكنائسهم بالإسكندرية، عشية الاحتفال بعيد الميلاد، وكذلك قبيل الاحتفال بعيد القيامة، الأمر الذي دعا البابا شنودة إلى أن يعلن في اجتماعه الأسبوعي الأربعاء 26 مارس 1980 أمران، الأول رفضه أن تكون الشريعة الإسلامية أساسًا لقوانين تطبق على غير المسلمين، والثاني أن صلوات عيد القيامة لهذا العام لن تقام في الكاتدرائية وأن الكنيسة لن تستقبل المهنئين من الرسميين، وقرر أن يذهب إلى الدير للصلاة هناك. الأمر الذي يعتبره السادات تحديًا سافرًا له وللدولة ويلقي خطبة في 15 مايو 1980 يهاجم البابا شنودة ويتهمه بأنه يريد أن يكون زعيمًا سياسيًا للأقباط في مصر، وأنه يعمل من أجل إنشاء دولة للأقباط في صعيد مصر عاصمتها أسيوط، وهي اتهامات لم يكن لها أساس من الصحة، أغلب الظن أنها جاءت في تقارير قُدمت إليه. تتفاقم الأمور بشكل أوسع ليجد السادات نفسه في مواجهة كل القوى السياسية في مصر، لتصل إلى إحدى ذراها في 5 سبتمبر 1981 فيصدر العديد من القرارات العنيفة والانفعالية، من ضمنها سحب قرار الدولة بالاعتراف بالبابا شنودة بطريركًا للكنيسة، أي عزله من منصبه، وتشكيل لجنة من خمسة من مطارنة الكنيسة لإدارة شؤون الكنيسة وعلاقتها بالدولة، وترتب على هذا تحديد إقامة البابا بديره، الذي استمر لثلاث سنوات تالية، حتى بعد اغتيال الرئيس السادات على يد الجماعات التي احتضنها ودعمها، في 6 أكتوبر 1981. حاولت أن أوجز عرضي هنا للعلاقة بين الكنيسة والدولة، بحثًا عن جذور تفسر حال كنيسة اليوم، وسوف نشير إليها في بقية طرحنا. يبقى أن نقترب في جزء ثان من البابا والكنيسة وهو في ظني حقل ملغوم لكنه يحمل إجابات كثيرة على تساؤلات الجذور. --- ### الخطية الجدية عند باسيليوس الكبير [٤] - Published: ۲۰۲۵-۰۳-۲۱ - Modified: 2025-03-21 - URL: https://tabcm.net/36530/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: إلياس كويتر المخلصي, الخطيئة الأصلية, المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية, المركز الثقافي القبطي, المكتبة البولسية, باسيليوس الكبير، أسقف قيصرية الكبادوك, چورچ عوض إبراهيم, سعيد حكيم يعقوب, قديس أوغسطينوس، أسقف هيبو, لوقا يوسف, ليتورچي نكمل الحديث عن مفهوم الخطية الجدية عند ق. باسيليوس الكبير رئيس أساقفة قيصرية الكبادوك بآسيا الصغرى، وواضع الليتورچية المسمَّى باسمه، التي نصلي بها في كنيستنا إلى اليوم. لنرى هل يتفق تعليم ق. باسيليوس الكبير مع تعليم أوغسطينوس أسقف هيبو في الغرب اللاتينيّ عن الخطية الأصلية الموروثة من آدم إلى نسله من بعده. الخطية فعل إرادي يشرح ق. باسيليوس حالة الإنسان قبل وبعد السقوط، حيث كان الإنسان حسنًا وصالحًا بالطبيعة، ولكنه ضعيف؛ لأنه سقط في الموت بالخطية بخداع الحية رأس الخطية ورئيس الخطية كالتالي: ((باسيليوس الكبير، تفسير سفر المزامير ج1، ترجمة: د. سعيد حكيم، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2020، ص 171. )) لقد كُنتُ حسنًا بالطبيعة وصالحًا، ولكنني ضعيف، لأني سقطت في الموت بالخطية عن طريق خداع الحية. (باسيليوس الكبير، تفسير سفر المزامير ج1) يُؤكِّد ق. باسيليوس على أنَّ الاضطراب النفسيّ هو تشوُّه وضعف نفسيّ ناتج عن الابتعاد عن الله كالتالي: ((باسيليوس الكبير، تفسير سفر المزامير ج1، ترجمة: د. سعيد حكيم، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2020، ص 173. )) وعندئذٍ يمكنها أن تتجاوز الاضطراب، والتخبط، والارتباك، تلك الأمور التي تُسبِّبها الشهوات. ولأن تحوُّل الله بوجهه عن النفس هو عكس إرادته، والاضطراب هو عكس الجمال والقوة، لذلك يكون الاضطراب هو تشويه وضعف للنفس ناتج عن الابتعاد عن الله. (باسيليوس الكبير، تفسير سفر المزامير ج1) يُشِير ق. باسيليوس إلى أنَّ الشر والخطية إراديين، حيث خلق الله قلوب البشر بسيطةً لحفظ صورتها الخاصة، ولكننا ربطناها بالشهوات الجسدية بعد ذلك، وجعلنا القلب مكانًا للشك، وحطَّمنا الصورة الإلهية والبساطة والوضوح والنية الخالصة. وهكذا يشير ق. باسيليوس إلى لزوم النعمة والأعمال للخلاص كالتالي: ((باسيليوس الكبير، تفسير سفر المزامير ج1، ترجمة: د. سعيد حكيم، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2020، ص 205. )) ومن المؤكَّد أنه ينظر لكل أحد عن قرب شديد، حتى أنه يرى أعماق القلوب التي خلقها دون أن تكون مُختلطةً بالشر. الله الخالق، خلق قلوب البشر بسيطةً لكي يحفظ صورتها الخاصة. ولكن نظرًا لأننا ربطناها بالشهوات الجسدية فيما بعد، لذلك قد جعلنا القلب موضع شك وارتياب، وكثير التشتُّت في أمورٍ متنوعةٍ وكثيرةٍ، بعدما حطَّمنا هذه الصورة الإلهية، والبساطة، والوضوح، والنية الخالصة. (باسيليوس الكبير، تفسير سفر المزامير ج1) ويؤكد ق. باسيليوس في نفس السياق على أن الفضية والشرّ هما فعلان إراديان، ولا يُدفَع الإنسان إليهما بالضرورة، داحضًا بذلك التعليم الأوغسطينيّ عن سبق التعيين المزدوج، والقدرية والجبرية الإلهية التي تدفع الإنسان إلى فعل سواء الفضيلة أو الشرّ كالتالي: ((إلياس كويتر المخلصي، القديس باسيليوس الكبير (حياته- أبحاث عنه- مواعظه)، منشورات المكتبة البولسية، 1989، عظة 6 بعنوان ”تحريض على العماد المقدس“، ص 275. )) لا يُتوَّج المائت ولا يتبرَّر إنسان لعجزه عن عمل الشرّ. على قدر استطاعتك تغلَّب على الخطيئة بالعقل. إن الفضيلة ترتكز على هذا: اجتنب الشر واعمل الخير ((رسالة بطرس الأولى 3: 1 )). عدم الشرّ، بحد ذاته، لا يستحق المكافأة ولا العقاب. إذَا امتنعت عن الخطيئة بسبب سنَّك، فهذه ثمرة ضعفك. إننا نُثنِي على أهل الفضيلة لاختيارهم الحر، ولا نُثنِي على مَن دُفِعوا إليها بحكم الضرورة. (إلياس كويتر المخلصي، القديس باسيليوس الكبير) الخطية الجدية هي تشوه صورة الله في الإنسان يُؤكِّد ق. باسيليوس على ثبات الملائكة في الله بدون تغيير، ولكن الإنسان يتغيَّر بسبب تغيير جسديّ أو نفسيّ نظرًا لفساد طبيعة الإنسان الذي يُشبِه ذبول الزهور. وهذا هو تعريف الفساد الموجود في طبيعة الإنسان هو حالة التغيُّر والتبدُّل من حالة لأخرى، وهذا النوع من الفساد يختلف عن الفساد الأخلاقيّ أو الأدبيّ قائلًا: ((باسيليوس الكبير، تفسير سفر المزامير ج2، ترجمة: د. سعيد حكيم، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2021، ص 22، 23. )) إذًا، فنحن الذين نتغيّر، وحقًا إننا المقصودون بكلمة التغيير الواردة في هذا المزمور. فالملائكة لا يخضعون للتغيير، ولا يوجد بينهم صبي، ولا شاب، ولا شيخ، بل يبقون في الحالة التي خُلِقوا بها منذ البداية، ووجودهم وكيانهم يظلّ صحيحًا وتامًا، وبلا تغيير. فنحن الذين يطرأ علينا تغيير جسديّ ونفسيّ، وبالنسبة للإنسان الداخليّ أيضًا، بأن نغيِّر الفكر مرارًا وتكرارًا وفقًا للظروف. أعتقد أن فساد طبيعة الإنسان يُوازي الذبول السريع للزهور. (باسيليوس الكبير، تفسير سفر المزامير ج2) يُوضِّح ق. باسيليوس نتائج السقوط كتشوُّه صورة الله في الإنسان، وسيادة الموت على آدم حتى بالناموس الموسويّ، وسُكنى الخطية في الإنسان التي تفقده ذاته، وتجعله يُشبِه الحيوانات قائلًا: ((باسيليوس الكبير، تفسير سفر المزامير ج2، ترجمة: د. سعيد حكيم، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2021، ص 110-112. )) إنه حقيقًة جنون بالغ، وخبث حيوانيّ. ألا يشعر الإنسان صورة خلقته الأولى، أي أنه خُلِقَ على صورة خالقه، ولا يريد أن يفهم الخطط التدبيرية العظمى للغاية التي وُضِعَت لأجله، ومن خلالها يعرف قيمة ذاته. ولكنه ينسى أنه لبس صورة الترابيّ، بعدما فقد صورة السماويّ ((رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس 15: 49 )). والموت قد ملك من آدم حتى الناموس الموسويّ ((رسالة بولس إلى رومية 5: 14 )). فذاك قد نال الكرامة بدايةً من خلقته، ولكنه بسبب الخطية التي سكنت فيه، لم يشعر بذاته، هذا قد شُبِهَ بالحيوانات. وبعد ذلك، ولأنه أبعد نفسه عن كلمة الله، صار كمَّن لا عقل له، أي يُشبِه الحيوان، وبعدما اختطفه العدو كخروف لا راعي له، ووضعه في الجحيم، وسلَّمه إلى الموت لكي يرعاه. (باسيليوس الكبير، تفسير سفر المزامير ج2) يشير ق. باسيليوس إلى أنَّ طبيعة الإنسان طبيعة مُركَّبة تميل وتنحني بالخطية، بالتالي، كان السقوط حتميّ بسبب الخطية كالتالي: ((باسيليوس الكبير، تفسير سفر المزامير ج2، ترجمة: د. سعيد حكيم، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2021، ص 144، 145. )) إذًا، يبرهن هذا الكلام على أن طبيعة الإنسان التي هي طبيعة مُركَّبة، تميل وتنحني بالخطية، وعندئذٍ فإنها حتمًا ستنهار. ولكنها بعد أن يتمّ إصلاحها مرةً أخرى من قِبل الخالق، الذي خلقها منذ البَدْء، فإنها سوف تكتسب الطمأنية والحياة، والثبات، ولن تُعانِ من المكائد والمؤمرات التي تهدف إلى إسقاطها مرة أخرى. وهكذا كان السقوط بسبب الخطية حتميًا، ولكن عظيمةٌ هي القيامة بسبب ما حقَّقته من خلود. (باسيليوس الكبير، تفسير سفر المزامير ج2) استيطان مرض الخطية في النفوس الشريرة يُشدِّد ق. باسيليوس أنَّ مرض الخطية مُستوطِن في نفوس الفجار والفسقة بسبب حياتهم الشريرة، كما خلق الله في داخل الإنسان ميزانه الخاص (ميزان تمييز الخير والشر) لمعرفة طبيعة الأمور كافة، هناك طبيعتان مُتضادتان فيما بينهما هما: الخير والشر، الحياة والموت، الفضيلة والرذيلة، وعلى الإنسان التمييز بينهما حسب ميزانه المخلوق داخله كالتالي: ((باسيليوس الكبير، تفسير سفر المزامير ج2، ترجمة: د. سعيد حكيم، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2021، ص 150، 151. )) إذًا، ما هذا الذي يقوله؟ إنَّ كل واحد منَّا، لديه في الخفاء ميزانًا ما، الذي صنعه الخالق في داخلنا، الذي فوقه من الممكن أن نعرف جيدًا طبيعة الأمور كافةً: قد جعلت قدامك الحياة والموت، الخير والشر ((سفر التثنية 30: 15 سبعينية ))، طبيعتان متضادتان فيما بينهما، فلتزن هذه الأمور، فوق ميزان نفسك، لتزن بدقةٍ، أيهما أكثر فائدةً بالنسبة لك، أن تُفضِّل اللذة الوقتية، ومن خلالها تذهب إلى الموت الأبديّ، أم بعدما تكون قد فضَّلت الجهاد في ممارسة الفضيلة، تستخدم هذه الفضيلة كنبع أو مصدر للتمتُّع الأبديّ. (باسيليوس الكبير، تفسير سفر المزامير ج2) براءة الأطفال من أي شر يشير ق. باسيليوس إلى براءة الأطفال واتضاعهم، بحيث ينبغي على المرء أن يتغيّر ويتحوّل ويصير مثل الطفل في براءته واتضاعه لكي يدخل الملكوت كالتالي: ((باسيليوس الكبير، تفسير سفر المزامير ج2، ترجمة: د. سعيد حكيم، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2021، ص 168. )) هكذا تستطيع أن تفهم هذه الكلمات. أي أنه تحوَّل، وصار طفلاً، وقَبِلَ ملكوت السموات مثل طفل ((إنجيل متى 18: 3 )) بنقاوة القلب. هكذا يقول: نزلت بنفسي إلى اتضاع الأطفال وبراءتهم، لأن الرب يحفظ الأطفال، لقد اتضعت فخلَّصني. (باسيليوس الكبير، تفسير سفر المزامير ج2) تصحيح مفهوم خاطئ عن الخطية الجدية يشير ق. باسيليوس إلى أن آدم نقل الخطية إلى الجنس البشريّ بمخالفته الوصية، وهكذا نزيل نحن الخطية بواسطة إعطاء أخانا ما يحتاجه من طعام، يبدو من النص لأول وهلة أنه يشير إلى وراثة خطية آدم لنسله، ولكن عند استكمال النص، نجد أن ق. باسيليوس يعقد مقارنة بين الإنسان الأول الذي عرَّف البشر كيف يخطئون بتعديه الوصية بالأكل، وهكذا هم أيضًا بإرادتهم يخطئون كل واحد على حدة، وهكذا يمكن للإنسان أن يمحو هذه الخطية بإطعام أخيه الجائع، المعروف أن الخطية الأصلية الموروثة من آدم تُمحَى بالمعمودية حسب المعتقد الأوغسطينيّ، وليس بإطعام الجائع. ولو سلَّمنا بذلك فالخطية الأصلية الموروثة من آدم يمكننا أن نمحوها بإطعام الجائع، وليس بالمعمودية حسب المعتقد الأوغسطينيّ. فيبدو واضحًا أن النص لا علاقة له بوراثة الخطية الأصلية من آدم كما يتوهم البعض. ثم أن وجه المقارنة بين آدم والإنسان الذي يُطعِم الجائع هو الأكل، فأحدهما بالأكل نقل الخطية، والثاني بالأكل، أي إطعام الجائع، يمحو الخطية. حيث يقول ق. باسيليوس التالي: ((باسيليوس الكبير، لماذا القحط والجفاف، ترجمة: د. چورچ عوض إبراهيم، القاهرة، 2013، ص 46. )) لأنه هكذا كما أن آدم عندما أكل مخالفًا الوصية، نقل الخطية للجنس البشريّ، هكذا نحن نفعل العكس، نُزيل الخطية بواسطة إعطاء أخانا ما يحتاجه من طعام. (باسيليوس الكبير، لماذا القحط والجفاف) النفس مخلوقة وليست مولودة يُفرِّق ق. باسيليوس الكبير بين الجسد المجبول والنفس المخلوقة، مُفرقًا بين فعلي ’جبل‘ و ’خلق‘ في نص سفر التكوين، في سياق شرحه لخلق الإنسان، مُؤكِّدًا على أن النفس مخلوقة وليست مولودة، وبالتالي، ليست حاملة لخطية آدم الأصلية الموروثة بسبب ولادتها من أبويها كالتالي: ((باسيليوس الكبير، خلقة الإنسان، ترجمة: القس لوقا يوسف، المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي، ٢٠١٤، عظة ٢: ٣، ص ٣٤، ٣٥. )) قال البعض إن الفعل’جبل‘قيل عن الجسم والفعل’خلق‘عن النفس. ربما لا تكون هذه الفكرة بعيدة عن الحقيقة. لأنه عندما قال الكتاب: فخلق الله الإنسان على صورته. على صورة الله خلقه، استخدم الفعل’خلق‘، وعندما تحدَّث الكتاب عن وجود الجسم استعمل الفعل’جبل‘. فيُعلِّمنا داود المرتِّل الفرق بين خلق وجبل، عندما يقول: يداك خلقتاني وجبلتاني ((مزمور ١١٨: ٧٣؛ سفر أيوب ١٠: ٨ )). لقد خلق الإنسان الداخليوشكَّل أو جبل الخارجي. فالتشكيل يتناسب مع التراب، والخلق يتناسب مع ما هو على حسب صورة الله، ومثلما شكَّل الجسد، خلق النفس. (باسيليوس الكبير، خلقة الإنسان)   --- ### أساقفة الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا - Published: ۲۰۲۵-۰۳-۲۰ - Modified: 2025-04-09 - URL: https://tabcm.net/37583/ - تصنيفات: شئون علمانية - وسوم: أثناسيوس حنين, أحمد الضبع, أحمد حسين الشرع, أنبا باڤلوس، أسقف اليونان, أنبا بيسنتي، أسقف حلوان والمعصرة والتبين, أنبا تكلا هيمانوت, أنسطاسي أڤا مينا, إبراهيم عبد السيد, إفرايم سامي سعيد, إكليروس, إيرينيئوس البراموسي, الأب متى المسكين, الأمم المتحدة, الروم الأرثوذكس, العصور الوسطى, العلمانية, القاهرة الإخبارية, الكنيسة القبطية, الكنيسة اليونانية, المتحدث باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية, المجلس الملي, المجمع المقدس, المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR), اليوم السابع, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, بابا يوساب الثاني, باسم الجنوبي, بيتر مجدي, تريزة شنودة, تكوين الفكر العربي, تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش), جرجس صفوت, جريدة الدستور, جمعية أبناء الفادي, دار بتانة للنشر والتوزيع, دار ديوان, دوغمائية, دير الأنبا بيشوي, دير الأنبا مقار الكبير, رامي شفيق, روديجر داسو, زكريا الأنبا بولا, سارة علام شلتوت, سامي رياض, سامي متري حنا, سمير منصور, سوزان ماهر, صفوت روبيل بسطا, عبد الستار بركات, عزت إندراوس, فادي شكري إسكندر, قديس مقاريوس الكبير, قناة مي سات, كمال زاخر, ماركوس ميخائيل, مجلة الكرازة, مجلس الملي العام, مصطفى رحومة, موسوعة تاريخ أقباط مصر, موقع أقباط أمريكا, مونيكا جرجس, نوتيس ميتراكيس, يحنس المقاري من الوارد أن يكون الشماس فادي شكري إسكندر هو واجهة لمافيا اللجوء الأوروبي. وهي تهمة شديدة الخطورة تنحدر لمصاف الإتجار في البشر. ولكن من يمكن أن يوجّه له أيّ اتهام قانوني؟ الأقباط من ضحاياه وهم شركاؤه في التحايل على الدول الأوروبية، بادعاء أنهم يتعرضون للاضطهاد الديني مما يمنعهم من العودة إلى مصر؟ أم لعلها الكنيسة ورجالها المُخلصين من الكهنة الذين لا يتقاضون مبالغًا مالية نظير تصديقاتهم على طلبات اللجوء؟ أم لعل الأنبا باڤلوس، أسقف اليونان، هو بطلنا المفقود ومسيحنا المُنتظر؟ البداية كانت بخبر معيب على صفحة المتحدث باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، نُشر بتاريخ أمس الأول، 18 مارس 2024، ومنه إلى أغلب الصُحف المصرية والإقليمية الناطقة بالعربية، والتي تنقل نفس الصياغة وما بها من عِوار، عن نيافة الأنبا باڤلوس، أسقف اليونان. يتعلق الأمر بحدثٍ يبدو تافهًا؛ شماس، يعاقب بالتجريد من رتبته الشماسية، مع حرمانه من التناول ((صفحة المتحدث باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية: تجريد فادي شكري إسكندر الشهير بـ"فادي البراموسي" من درجته الشماسية. )). تفاصيل الخبر تقول إنّ فادي شكري إسكندر، واسمه الدارج فادي البراموسي، وهو شماس برتبة دياكون ، قد حصل على مبالغ مالية من أقباط، بغرض مساعدتهم في الحصول على الهجرة إلى أوروبا. ولأسباب لم يوضحها الخبر، أراد هؤلاء استعادة المبالغ التي يُفترض أن دفعوها برضاهم. كذلك، تفادى البيان ذكر أي تفاصيل عن "وعود الهجرة" المزعومة من هذا الشماس، وهل هي مشروعة أم لا، وهل يريد أصحاب هذه المُطالبات إلغاء فكرة الهجرة والعودة إلى مصر؟ أم أنهم حصلوا بالفعل على الهجرة المُتعاقد عليها ومن ثم تكون مطالباتهم غير مبررة؟ لم يذكر البيان، الذي بلغ صفحتين كاملتين، أيًا من هذه النقاط المفصلية في تحديد من له الحق؟ ولماذا؟ بل انتقل مباشرة إلى وصم الشماس المذكور بتهمتي النصب والاحتيال، والعهدة على الأسقف. في صفحتيه، يُتابع البيان سرده لشكوى الأقباط في الكنيسة، دون أن يوضّح ما علاقة الكنيسة المصرية في اليونان بالهجرة إلى أوروبا؟ وذكر البيان أن الأسقف، نيافة الأنبا باڤلوس، أسقف الكنيسة المصرية في اليونان، قد تواصل مع "النصاب" / مساعد الكاهن، وعندما لم يستطع الوصول معه لتفاهمات حول المبالغ المُتنازع عليها، عزله من رتبته الشماسية، وحرمه من التناول، أو دخول الكنائس القبطية الأرثوذكسية في المجمل بما فيها الخارج عن نطاق صلاحياته في اليونان، ثم أرسل الأسقف قراره هذا إلى قداسة البابا تواضروس الثاني، وإلى صفحة المتحدث باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، لينشر إنجازاته في حماية الأقباط من النصب والاحتيال بثلاث لغات: العربية، والإنجليزية، والألمانية. لا أدري لماذا الألمانية بالتحديد والضحايا كلهم مصريون وهو أسقف على اليونان لا ألمانيا، لكن لا بأس ببعض استعراض القوى اللغوية لتدويل مثل هذا الأمر التافه! المحاكمات الكنسيّة هل من سلطة المحاكمات الكنيسة معاقبة شخص بقانون كنسي لأنه ارتكب جرائم أموال كما النصب واحتيال؟ الرقابة المالية ليست شغل الكهنوت، بل هي من صميم عمل المجلس الملي العام (العلماني ((علماني: Layman بمعنى غير الممتهن للدين، أي من عامة الشعب وليس من الإكليروس (ليس شماسًا أو كاهنًا أو أسقفًا)، ولا تعني بالضرورة تبني الأيديولوچيا العلمانية. ))). فكل شغل المجلس الملي العام هو الرقابة على مال الكنيسة، والرقابة على المتصرف المؤتمن على المال العام، والذين هم أساقفة الإيبارشيات ورؤساء الأديرة والأساقفة العموم. أي الرقابة المالية على رؤساء الكهنوت ذاته. ولهذا السبب، الأسقف باڤلوس فعليًا ليس له صفة، وكل الكهنوت ليس لهم صفة، وعليه فالمؤسسة ليس لها صفة ((رامي شفيق، تكوين الفكر العربي، المجلسُ المِلِّي وقصة الصراع بين الإكليروس والتيار الإصلاحي في الكنيسة القبطية. بتاريخ 6 يناير 2025. )). ولأنه ليس ذا صفة رسمية، فالأسقف باڤلوس، مُجبر على إقحام البابا تواضروس في المسألة. من الناحية التقنية، هو لا يُدخل البابا بسبب كونه البابا، وإنما لأن البابا أحد توصيفاته هو رئيس المجلس الملي (العلماني) العام ((باسم الجنوبي، هل يكون "الباكي" البطل الذي لم يكنه تواضروس؟ )). المقامرة الكهنوتية بصلاحيات البابا كرئيس علماني هي مشكلة كبيرة، وأصبحت بمقام المُكررة، فمنذ انتهاء ولاية المجلس الملي العام في 2011، لا يرغب الإكليروس (الكهنة ورؤسائهم الأساقفة والمطارنة، بالإضافة إلى البابا نفسه) في وجود أي رقابة مالية عليهم من الشعب. الأمر الذي يمكن توصيفه بتهرّب مؤسسة الكنيسة من المحاسبة المالية حتى بشكل يراعي الخصوصية من مجلس داخلي. هناك احتيال تمارسه الكنيسة على شعبها، وصراع كبير جدًا حول الرقابة المالية ((كمال زاخر، الكنيسة. . صراع أم مخاط ميلاد، دار بتانة للنشر والتوزيع، 2019، الفصل التاسع: ٩) والعلمانيون يضرسون. )). لكن نعود فنقول أن كل هذا يدور في فلك الرقابة على المال العام، أي المال الموضوع تحت تصرف الكنيسة، وليس المال الخاص بالمسيحيين أنفسهم ((القس إبراهيم عبد السيد، أموال الكنيسة القبطية: من يدفع! ؟ ومن يقبص! ؟، دار ديوان، الطبعة الأولى، 1997. )). وبحسب بيان الأسقف، فالشماس احتال على أفراد ولم يسرق أموال الكنيسة نفسها. والتنازع حول المال الخاص من اختصاص القضاء المدني في اليونان، باعتباره القاضي الطبيعي للأقباط الضحايا هناك. وفي كل الأحوال، يحظر الكتاب المُقدس على الإكليروس، التداخل مع مهام القضاء، بما فيها القضاء الشرعي (الديني) ((باسم الجنوبي، من أقامكم علينا قضاة ومشرعين؟ )). والخلاصة هنا أن هذا ليس من مهام الكنيسة، بل عكّ مُركَّب! بدأ من الضحايا في شكواهم العُرفية للكنيسة، وكان يجب على الكنيسة أن تُرشد الناس بأن يذهبوا لأخذ حقوقهم في المحكمة، وليس أن يتصرف الأسقف باڤلوس كشيخ قبيلة عربية من العصور الوسطى واضعًا نفسه والكنيسة في موضع الشبهات. في السطور القادمة، نحاول توضيح ما يتم التعمية عليه، سواء من الضحايا أو من الأسقف، وهل هم ضحايا حقًا؟ أم الجميع شركاء في التحايل الدولي؟ الهجرة غير الشرعية لأوربا في نوفمبر الماضي، وفي مدينة ستراسبورچ، بفرنسا، وضمن البرنامج التدريبي لزمالة الأمم المتحدة، حظيت بمجموعة محاضرات وتبادل للخبرات مع المجلس الأوربي. وما يهمنا هو اللقاء مع الخبير الدولي؛ Rüdiger DASSOW، ممثل المجلس الأوروبي لشؤون الهجرة واللاجئين. أتاح اللقاء معرفة الكثير من المعلومات والخبرات عن الهجرة غير الشرعية لأوربا، بعيدًا عن الاعتبارات الرسمية. على عكس المُتعارف عليه من أن الهجرة غير الشرعية تعني السفر على مركب غير آمن، يرسو على مسافة من الشاطئ لتجنب الحدود الإقليمية، ويضطر المُهاجر للسباحة معرضًا نفسه للخطر. فالهجرة غير الشرعية تشمل الدخول للمنطقة الأوربية؛ شنغن، بأي وسيلة مشروعة لأي غرض مشروع، مع النيّة المُبيتة بعدم العودة (كسر الڤيزا). بطريقة أخرى، بقاء أي فرد غير أوروبي، على أرض منطقة شنغن، بعد انتهاء الڤيزا، يُعد أيضًا تواجدًا غير شرعيًا. لتوضيح أليات الهجرة غير الشرعية، يلزمنا التمييز بين ثلاث دوائر من تجمعات الدول الأوروبية: - مجلس أوروبا: وهو مجلس يضم 46 دولة، ليست جميعها أوروبية. في الحقيقة أغلبها دول ناطقة بالروسية نشأت بعد تفكك الاتحاد السوڤييتي، بالإضافة إلى دول ليست أوروبية ولا بالناطقة بالروسية، أبرزها تركيا. - الاتحاد الأوروبي: وهو اتحاد يضم 27 دولة أوروبية، جميعها جزء من دائرة مجلس أوروبا، وتُسمى مُجتمعة: منطقة شنغن. - منطقة اليورو: وهو تحالف اقتصادي يضم 20 دولة أوروبية، جميعها جزء من دائرة الاتحاد الأوروبي، وتُسمى مُجتمعة: منطقة اليورو. والأخيرة هي الأخطر والأعلى عددًا في الهجرة غير الشرعية. إذ يمكن لأي فرد أجنبي الحصول على تأشيرة شنغن، من النوع سي. ((ڤيزا شنغن Type C: تُطلق على مجموع أنواع تصريحات التواجد في منطقة شنغن لطالما مؤقتة ببضعة أيام أقل من 30 يومًا متصلة، وأقل من 180 يومًا منفصلة أو إجمالي زيارات خلال السنة الواحدة. )) لدخول أيّ بلد أوروبي مُتساهل في الاشتراطات الاقتصادية للزائر، ثم بعد وصوله إلى هذه الدولة، يتحرك إلى أيّ بلد أوروبي آخر يكون هو المُستهدف بالهجرة، وتعتبر هذه التحركات قانونية تمامًا طالما الدولة الجديدة ضمن منطقة شنغن. تسمى البلد الفقيرة المتساهلة الأولى؛ بلد العبور. والوجهة الأخيرة الغنية اقتصاديًا؛ بلد المقصد. وأكثر الدول الأوروبيّة فقرًا ومن ثم تساهلًا في إجراءات الڤيزا، هي؛ اليونان، إيبارشية الأنبا باڤلوس، أسقف الأقباط الأرثوذكس في العاصمة؛ أثينا، والتي انضمت لمنطقة الاتحاد الأوروبي شنغن في 2001، وانضمت لمنطقة اليورو في 2002 ((ويكيبيديا العربية: صفحة منطقة اليورو. )). وفقًا لمصادر إخبارية مصرية؛ إن الهجرة غير الشرعية ملف يؤرق اليونان، باعتبارها المحطة الأساسية للعديد من المهاجرين من دول جنوب البحر المتوسط والآسيوية الفقيرة للعبور إلى العديد من الدول الأوروبية ((أحمد الضبع، القاهرة الإخبارية، اليونان. . قانون الهجرة غير الشرعية ملف يؤرق حكومة أثينا. بتاريخ ٢٤ مارس ٢٠٢٣ )). لمعرفة المزيد من التفاصيل عن الهجرة غير الشرعية لدول أوروبا عبر اليونان، يمكن متابعة هذا التقرير من مُراسل قناة القاهرة الإخبارية ((عبد الستار بركات، مراسل قناة القاهرة الإخبارية: قلق يوناني تجاه زيادة عمليات الهجرة غير الشرعية. بتاريخ 16 نوفمبر 2024. )): https://www. youtube. com/watch? v=Rpu0xFgvqPU   علاقة الكنيسة بالهجرة غير الشرعية إن تابعت بداية تقرير مراسل القاهرة الإخبارية السابق، عبد الستار بركات، ستجده تلعثم عند التعبير يرتبون أوراقهم مرة أخرى وقت حديثه عن تحول المهاجرين غير الشرعيين إلى: لاجئين. المهاجر هو شخص ينتقل من وطنه إلى بلد آخر، سواءً مؤقتًا أو على المدى الطويل، لأسباب عديدة أهمها البحث عن فرص معيشية أو اقتصادية أفضل ((يتطلب هذا تأشيرة عمل مُختلفة عن النوع سي المؤقت بالأيام من الأساس. )). أما اللاجئ، فهو الشخص الذي قد تكون مغادرته لوطنه لأسباب مشابهة، ولكن الفرق بينه وبين المهاجر يكمن في عدم تمكنه من العودة إلى وطنه بسبب خطر شديد يتهدد سلامته الجسدية، قد يصل إلى حد الاضطهاد. قد يكون الخطر عامًا بسبب فقدان الأمن نتيجة حرب، أو نزاع، أو خطر. أما الاضطهاد الفردي فيكون بسبب عرق الشخص، أو دينه أو جنسيته أو رأيه السياسي، أو حتى لمجرد انتمائه لفئة مُصنفة كأقليات. وبحسب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين؛ يمكن لأي شخص خارج بلده الأصلي، ويخشى أو لا يرغب في العودة لأسباب تتعلق بالعرق أو الدين أو الجنسية أو الرأي السياسي أو الانتماء إلى فئة اجتماعية معينة، يستطيع تقديم طلب اللجوء الإنساني في مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين ((المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، مركز الدعم للقسم العربي (المملكة السعودية)، طلب اللجوء: ما الفرق بين المهاجر واللاجئ؟ )). طلبات اللجوء الإنساني لا تُعد نهائية، بل تُقيَّم من قبل المفوضية. تتضمن إجراءات التقييم تصديق شاهدين من نفس الجماعة التي ينتمي إليها طالب اللجوء. وإذا كان طلب اللجوء يتعلق بالاضطهاد الفردي الناجم عن الانتماء الديني، فيجب أن يكون الشاهدان من رجال الدين (قساوسة، أو مساعديهم)، ولهما سلطة التوقيع باسم الجماعة الدينية (ختم الكنيسة) على تعرض طالب اللجوء إلى خطر في وطنه يتهدد عودته. تمنع مواثيق الأمم المتحدة منعًا باتًا الإفصاح عن شخصيات الشهود على تقارير الأمم المتحدة، وبالأخص دولة الوطن، باعتبارهم مُعرضين لخطر المثل إن تم الإفصاح عن هوياتهم أو انتماءاتهم الدينية (كنيستهم). لو كنا نتحدث عن الأقباط تحديدًا، فهم مُدرجين كأقليّة دينية في مصر، لذلك فهوياتهم المنقوصة الحقوق في داخل مصر، تمنحهم ميزة طبيعية في خارجها مقارنة ببقية المصريين والعرب، والأمر يمكن تفهمه بشكل أفضل لو سألتك ما مُستقبل الأيزيديين في نظام تصنعه داعش؟ والعلويين في نظام يصنعه أحمد الشرع؟ والفلسطينيين في نظام تصنعه إسرائيل؟ كل هؤلاء في معاناتهم اليومية يمتلكون ميزة طبيعية ومن حقهم استخداهما. في الحقيقة فإن اللجوء الانساني جُعل لمثل هؤلاء. في أرض الواقع التطبيقي فالأمر ليس مُكتسبًا بمجرد إمتلاك الهوية المنقوصة، إذ أنه "إضطهاد فردي" يستلزم إثباتًا وشهودًا على سرديتك الفردية. وكما أن كثير من ضحايًا العنف الحقيقي لا يصدقهم أحد لأنهم فشلوا في إثبات ما تعرضوا له، فهناك آخرين لم يتعرضوا لخطر يتهددهم ومع ذلك يصدقهم الناس بسبب جودة التزييف للواقع. الأمر بطبيعته يُنشئ "مافيا الشهود"، أي جماعات مُحترفة في فهم الاجراءات ومن ثم تزييفها في مًقابل مالي. ومن الوارد في هذا السيناريو تحصيل بعض العاملين بكنائس المهجر لمبالغ مالية نظير تصديقاتهم على طلبات اللجوء بشكل غير شرعي. نعم، يُمكن أن تتحول قيم حقوق الإنسان النبيلة إلى: تجارة مربحة. الأمر رهين ضمائر، ولو كنا نتحدث عن اليونان تحديدًا، فشكاوى كل دول أوروبا ليست من فراغ بالتأكيد! وبطريقة أخرى، من الوارد أن يكون الشماس فادي شكري إسكندر، المذكور في بيان الأنبا باڤلوس، هو واجهة لـ"مافيا اللجوء الأوروبي". وهي تهمة شديدة الخطورة، تنحدر لمصاف الإتجار في البشر (الأقباط). لكن مُعضلة الضمير الإنساني تبدأ من هنا، صدقني، إن فادي شكري إسكندر، هو في آمان من العقاب أكثر من أي شخصٍ آخر. . إذ مَن يُمكن أن يوجّه له أيّ اتهام قانوني؟ الأقباط من ضحاياه، وهم شركاؤه في التحايل على الدول الأوروبية، بادعائهم أنهم يتعرضون للاضطهاد الديني، مما يمنعهم من العودة إلى مصر؟ أم لعلها الكنيسة ورجالها المُخلصين من الكهنة هم أبطالنا؟ أولئك الذين لا يتقاضون مبالغًا مالية نظير تصديقاتهم على طلبات اللجوء؟ بطبيعة الحال، ربمًا يكون بعضهم متورطًا في تسهيل اللجوء الأوروبي من اليونان، فالشماس مجرد واجهة لا تمتلك أختام الكنيسة ويحتاج إلى الكهنة، لكن هل كلهم فاسدون ومتورطون في شهادات الزور المشبوهة! ؟ أيضًا ماذا لو كان كلهم "مطيعون"، من الذين يقولون "نعم" و"حاضر" و"يمشون جنب الحيط" وهي كلها صفات كنسية حميدة يتقلدون عليها مناصبهم الكهنوتية، لكنها هنا ستكون إشكالية لكونها تتعارض مع مواصفات البطل الحقوقي المُنتظر. كلهم صامتون عن الإتجار بالأقباط، لماذا؟ أم لعل الأنبا باڤلوس، أسقف اليونان، هو بطلنا المفقود ومسيحنا المُنتظر؟ ولِمَ لا، وهو على الظاهر من بيانه للكنيسة أنه شيخ عرب، من العصر القديم، لا يرضى بالصمت عن أنين شعبه، ويتدخل فورًا ويردع الفساد المستشري من كهنته ومرؤوسية من الشمامسة وإن كانوا غادروا اليونان إلى ألمانيا، فهو يتعقّب إذن تجّار البشر ويستولد حقوق الأقباط من أضلع المُستحيل. . ربما الأمر بات يستلزم أن نتعقّب سيرته الذاتية في استقصاء أخير، قائلين: أأنت هو الآتي أم ننتظر آخر؟ ((أأنت هو الآتي أم ننتظر آخر؟ (إنجيل متى 11: 3) )). الأنبا باڤلوس ولاونديوس المقاري فشلنا في الحصول على أي معلومات موثوقة عن اسمه العلماني أو مهنته قبل الرهبنة في أكتوبر 1977، بدير الأنبا مقار الكبير بوادي النطرون، وفشلنا حتى في معرفة اسمه الرهباني وقت أن كان تحت رئاسة الأب متى المسكين، رئيس دير الأنبا مقار حينئذ، قبل أن يهرب من دير أبو مقار إلى دير الأنبا بيشوي المجاور في أبريل 1978، ومن وقتها صار اسمه الرهباني: بولا الأنبا بيشوي، وكل المعلومات التي يذكرها موقع الأنبا تكلا هيمانوت على سبيل المثال، لا تعترف برهبنته في أبو مقار، وتتعمد التعمية عن أي معلومات تسبق رهبنته الثانية في 24 أبريل 1978 بدير الأنبا بيشوي ((موقع الأنبا تكلا هيمانوت، الأساقفة في المجمع المقدس في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية: الأنبا بافلوس أسقف اليونان. ))، وبالمثل أيضًا على الموقع الرسمي للكنيسة القبطية الأرثوذكسية التي ذكرت أن تاريخ رهبنته 29 أبريل 1978 ((موقع الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، الأنبا بافلوس أسقف اليونان. )). لدينا شذرات عن حياته العلمانية في شبرا مصر، مثل التحاقه بجمعية أبناء الفادي في الستينيات. ومن خلالها، تعرّف على فؤاد عوض عريان، وتتلمذ على يديه، وصار أب اعترافه ومرشده الروحي لاحقًا. هذه المعلومات صرح بها الأنبا باڤلوس بنفسه على قناة مي سات الفضائية في مارس 2024 ((قناة مي سات الفضائية، أنبا باڤلوس أسقف اليونان وذكريات علاقته بأنبا بيسنتي منذ السبعينيات. بتاريخ 4 مارس 2024. )). في عام 1970، يصير فؤاد عوض عريان راهبًا في دير الأنبا مقار الكبير، بوادي النطرون، تحت اسم بيسنتي المقاري. ثم يهرب من الدير في عام 1982 إلى دير الأنبا بيشوي، ويتم تسميته باسم الراهب بيسنتي الأنبا بيشوي. وبعدها بعام واحد، يحصل على درجة كاهن. وبعد عام ثانٍ، صار أمين دير الأنبا بيشوي، رغم كونه أحدث المنضمين من الرهبان. بعد عام ثالث، ينتدبه البابا شنودة للإشراف على كنيسة بحي جاردن سيتي. بعد عام رابع، يصبح مشرفًا على الكلية الإكليريكية. بعد عام خامس، ينتدبه البابا شنودة للكلية الإكليريكية بالإسكندرية، ثم يرقّيه لرتبة قمص، ثم سكرتيره الخاص. وانتهى به المطاف بالتجليس تحت اسم الأنبا بيسنتي، أسقف حلوان والمعصرة والتبين و15 مايو ((سارة علام، اليوم السابع، كيف وصف البابا شنودة رهبان أبو مقار أثناء خلافه مع متى المسكين؟ البابا الراحل: 52 راهبا تركوا الدير ومنهم من يعالج نفسيا. بتاريخ 7 أغسطس 2018. )). أغلب الظن أن الأنبا بافلوس، أو بولا الأنبا بيشوي، هو الراهب لاونديوس المقاري الذي انضم إلى دير الأنبا مقار في أكتوبر 1977، وكان من التلاميذ النجباء حيث استطاع تعلم اللغة اليونانية كغالبية الدارسين من رهبان دير الأنبا مقار، حيث استقدم الأب متى المسكين مدرسًا ليعلم رهبان الدير اللغة اليونانية باعتبارها لغة العلوم اللاهوتية. هرب لاونديوس من الدير قاصدًا دير الأنبا بيشوي بعد ثلاث سنوات (بالتحديد في 27 سبتمبر 1980) ((جرجس صفوت، تريزة شنودة، مونيكا جرجس، جريدة الدستور، بالأسماء. . هاربون من "أبو مقار". . و"زاخر": أعداء الدير يروجون لهذة القائمة. بتاريخ 2 أكتوبر 2018. )). وكما رأينا في استعراض رحلة الأنبا بيسنتي وغيره من الرهبان الهاربين من دير أبو مقار إلى دير الأنبا بيشوي ((بيتر مجدي، موقع المنصة، تركة كنسية ثقيلة: صراع البابا شنودة والأب متى المسكين ما زال يطل برأسه. بتاريخ 5 يوليو 2021. ))، تدور بعد رحلة الهرب رحى الحظ المقدس السعيد الذي يلقي بنرده قداسة البابا شنودة الثالث، حيث قام بتكليف لاونديوس بتأسيس إيبارشية قبطية في اليونان، مستغلاً طلاقته في اللغة اليونانية التي فهمها وكتب بها. وظل لاونديوس يؤسس الكنائس ليصبح بعدها أول أسقف مصري في اليونان، إلا أن وفاة البابا شنودة أجلت رسامته أسقفًا، وتم له ذلك بيد البابا تواضروس في بداية عهده عام 2013 ((سارة علام، اليوم السابع، بالأسماء. . كيف رقى البابا شنودة الخارجين على دير أبو مقار لأساقفة؟ بتاريخ 2 أكتوبر 2018. )). الأنبا باڤلوس، الأسقف العام وفقًا لمجلة الكرازة، ترجع بداية خدمة الأنبا باڤلوس في اليونان إلى عام 1984، عندما وصل إلى أثينا كأول كاهن قبطي باسم القمص بولا الأنبا بيشوي. عمل في خدمة شعبها حتى عام 1995، ثم غادرها لتسلم خدمته في كنيسة قبطية بمقاطعة ويلز، إنجلترا، وظل يخدم هناك ثلاث سنوات، حتى عاد إلى القاهرة في عام 1998 مدرسًا بالكلية الإكليريكية بالأنبا رويس، ثم عاد إلى اليونان من جديد في عام 2010، وتم تجليسه أسقفًا عامًا بيد قداسة البابا تواضروس الثاني في 2013، والاحتفال به في أثينا كأول أسقف عام للكنيسة القبطية في اليونان بتاريخ السبت 13 يوليو 2013 ((مجلة الكرازة، استقبال نيافة الأنبا باڤلوس، الأسقف العام لليونان. بتاريخ الجمعة 19 يوليو 2013. )). بعد رسامته أسقفًا ببضعة أشهر، وفي 14 أكتوبر 2014، نشر موقع "مسيحيو مصر" خبرًا عن فرار الراهب إيرينيئوس البراموسي من الخدمة مع الأنبا باڤلوس قبل مرور عام على انتدابه، وذلك لسوء الأوضاع وانهيار القدوة. تضمن الخبر أن الراهب إيرينيئوس قد اشترى نفسه ولم يستطع الاستمرار بعد رسامة كاهن عليه ملاحظات جسيمة، وأن أقباط اليونان قد غادروا تدريجيًا إلى كنيسة الروم الأرثوذكس، وآخرين إلى كنيسة القمص أثناسيوس حنين الذي انضم للكنيسة اليونانية. وأشار الخبر إلى أن البابا يعرف كل شيء، لأنه يرسم أناسًا وصلته تقارير عنهم من مسؤولين بالكنيسة، ويثقون بسوء سيرتهم ((سوزان ماهر، أثينا، مسيحيو مصر، الراهب ارينئوس البراموسى يفر من الخدمة مع الانبا بافلوس لسوء الاوضاع وانصراف الاقباط وانهيار القدوة، بتاريخ 14 أكتوبر 2014. (موقع مسيحيو مصر غير مُتاح، لكن الخبر مؤرشف عند عزت إندراوس، موسوعة تاريخ أقباط مصر، صفحة:  نيافة الأنبا بافلوس الأسقف العام باليونان، بتاريخ 14 أكتوبر 2014. ) )) بعد أسبوعين، وفي 10 نوفمبر 2014، نشر موقع مسيحيو مصر خبرًا عن وصول الأنبا باڤلوس قبل أسبوع من انعقاد المجمع المقدس، فرارًا من غضب الأقباط. تضمن الخبر الإشارة لأزمة طاحنة بين أقباط اليونان والأنبا باڤلوس، دارت على صفحات التواصل الاجتماعي. وفقًا للخبر، انتقد أقباط اليونان على صفحات متعددة حضور 200 قبطي فقط للكنيسة القبطية، من إجمالي 10 ألاف قبطي بحسب تقديراتهم، وعللت الصفحات ذلك لممارسات عديدة من الأنبا باڤلوس، وصلت لوصف يوم رسامته بأنه كان يومًا أسودًا في تاريخ أقباط اليونان. أشارت الصفحات لبعض تلك الممارسات فقالت: اخفاق كامل للرعاية , وطردشلح كاهن وطرد اخر وفرار راهب ورسامة كاهن هم لايقبلون مسيرته الشخصية على الاطلاق ودون موافقتهم نهائيا, والادعاء انه بتول ؟؟ ومحاولة رسم اخر وارساله قبل ايام الى القاهرة, وان كل الامور تدار فى الخفاء بشكل سئ للغاية ((سمير منصور، مسيحيو مصر، الانبا بافلوس وصل القاهرة قبل اسبوع من المجمع فرارا من غضب الاقباط، بتاريخ 10 نوفمبر 2014. (موقع مسيحيو مصر غير مُتاح، لكن الخبر مؤرشف عند عزت إندراوس، موسوعة تاريخ أقباط مصر، صفحة:  نيافة الأنبا بافلوس الأسقف العام باليونان، بتاريخ 10 نوفمبر 2014. ) )). الكاريكاتير الجانبي والمعلومات عنه من الفيسبوك، ولا تعد بأيّ حال مصدرًا موثوقًا يُعول عليه، لكنه بشكل أو بآخر يعكس مظاهر غضبٍ شعبي لا نستطيع الوقوف على حجمه ((عزت إندراوس، موسوعة تاريخ أقباط مصر، صفحة: نيافة الأنبا بافلوس الأسقف العام باليونان. )). الأنبا باڤلوس، أسقف اليونان وتوابعها في يونيو 2016، نشر موقع أقباط أمريكا، مقالًا لكاتب قبطي من نيقوسيا، بجزيرة قبرص، تحدث فيه عن انقسام مؤسف في الكنيسة القبطية بقبرص، وأنّه تم الزج بالسفارة المصرية في صراع كنسي مع دعوة لتدخل قداسة البابا. تضمن المقال أخبارًا عن سبب الانقسام بين أقباط قبرص والأنبا باڤلوس، والذي يبدو أنه أجبر الراهب زكريا الأنبا بولا على العودة للدير، بعد خدمة امتدت لعشرين عامًا، حصل خلالها على الجنسية القبرصية، وأسس كنيسة مار مرقس بنيقوسيا، وكانت له خدمات عديدة مباركة. التفاصيل تقول أن الأنبا باڤلوس حرض بعض معاونيه على رفض أن يكون رئيس جمعيتهم ((النص يقول جمعية، والمقصود كنيسة، لأن الكنائس في المهجر عبارة عن جمعيات أهلية. )) حاصلًا على الجنسية القبرصية، واستدعى السفارة المصرية لطرد الراهب زكريا الأنبا بولا من الجمعية (الكنيسة) على أنه قبرصي، لكن السفارة المصرية رفضت التدخل في الشأن الكنسي ((سامي متري حنا، نيقوسيا، أقباط أمريكا: انقسام مؤسف فى الكنيسة القبطية بقبرص والزج بالسفارة المصرية فى صراع كنسى. . ودعوة لتدخل قداسة البابا. بتاريخ 6 يوليو 2018. )). بعدها بأسبوع، أعلن قداسة البابا عن عزمه تجليس أسقفين ورسامة ثلاثة أساقفة جدد، وأوضح قداسته أن التجليس سيكون للأنبا باڤلوس، الذي خدم في اليونان، مشيرًا إلى أنّ الأنبا باڤلوس الممثل الرسمي للكنيسة أمام الجهات الحكومية والكنيسة اليونانية وخلال الشهور الماضية استطاع الحصول على اعتراف الحكومة اليونانية في سابقة لم تحدث في دولة أخرى، وبالفعل جُلس الأنبا باڤلوس أسقفًا على اليونان في 12 يونيو 2016 ((يسرا، موقع الحق والضلال، لقاء «المفاجآت» من البابا تواضروس. بتاريخ 11 يونيو 2016. )). بعدها بعامين، وفي يونيو 2018، كلف البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، الأنبا باڤلوس، أسقف اليونان، بالإشراف الكامل على الكنائس القبطية الأرثوذكسية في جزيرة قبرص رعويًا وإداريًا وماليًا ((مصطفى رحومة، صحيفة الوطن، البابا تواضروس يكلف الأنبا بافلوس بالإشراف على كنائس قبرص. بتاريخ 25 يونيو 2018. )). بعدها بشهر، وفي يوليو 2018، نشر موقع أقباط أمريكا مجموعة أخبار وفيديوهات وردتهم من أثينا ونيقوسيا، تتحدث جميعها عن إضطرابات في الخدمة بقبرص. ذكر أحد الفيديوهات اسم سامي رياض باعتباره رئيس المجلس الموالي للأسقف، وأنه مرفوض بشكل قاطع من أقباط قبرص، ومطلوب إخراجه مع القس إفرايم سعيد ((أقباط أمريكا: بالفيديو: مهازل ومهاترات فى لقاء الانبا بافلوس مع اقباط اليونان ورفض اساليب ادارته. . واخراج سامى رياض رئيس المجلس الموالى للاسقف ورفض القس افرايم سعيد. بتاريخ 13 يوليو 2018. ))، بينما ذكر خبر آخر أن الأنبا باڤلوس قد صلى القداس في حراسة الشرطة، وأنه أغلق أبوابًا حديدية حول الهيكل، وأن الأقباط يشكّلون مجلس إدارة موازي مطالبين بإقالة سامي رياض، عقب تداول مقطع ڤيديو لسيدة معروفة شوهدت في بلكونة مبيت الأسقف ((ماركوس ميخائيل، أثينا، أقباط أمريكا: الانبا بافلوس صلى القداس فى حراسة البوليس واغلاق الابواب الحديدية حول الهيكل. . والاقباط يشكلون مجلس ادارة كنيسة موازى. بتاريخ 22 يوليو 2018. )). تضمنت الأخبار أن القس إفرايم سامي سعيد، والذي جاء عقب تكليف قداسة البابا للأنبا باڤلوس بالإشراف على قبرص، قد أًستبعد إلى أثينا استجابة لاحتجاج أقباط قبرص، وأن قداسة البابا قد إنتدب مكانه الراهب إيرينيئوس البراموسي، نائبًا باباويًا في قبرص، بعدما رفض الراهب يحنس المقاري ترك خدمته ودراسته في أثينا والذهاب إلى قبرص ((بيتر رؤوف، أثينا، أقباط أمريكا: أضطرابات واسعة فى الخدمة باليونان. . الانبا بافلوس يستدعى القس افرايم سعيد بعد رفض اقباط قبرص لوجوده. بتاريخ 11 يوليو 2018. )). في سبتمبر 2023، نشر موقع الأهرام الكندي مقالًا بعنوان: أقباط اليونان يستغيثون بقداسة البابا تواضروس الثاني، يشير لحالة من الغضب لدى أقباط اليونان نتيجة إجبار الراهب أنسطاسي أڤا مينا على ترك اليونان والعودة للدير. تضمن المقال سردًا للمحطات المفصلية في حياة الأنبا باڤلوس الكنسية، واصمًا جميعها بالفشل، نذكر منها ((صفوت روبيل بسطا، الأهرام الكندي، أقباط اليونان يستغيثون بقداسة البابا تواضروس الثاني. بتاريخ 18 سبتمبر 2023. )): فشل رهبنته في دير أبو مقار وهرب إلي دير الأنبا بيشوي. فشل في خدمته باليونان من 1983 حتي 1995 عندما تم طرده من اليونان بعد سلسلة من المشاكل والفضائح يعلمها قدامي الشعب باليونان. فشل في خدمته في ويلز بإنجلترا من 1995 حتي 1997 وبعد سلسة من المشاكل تم إعادته إلى مصر ليُدرس اللغة اليونانية بالكلية الإكليريكية. فشل في خدمته كاهنًا بعد عودته لليونان من 2010 حتي 2013 بعد أن أرسله طيب الذكر والسيرة البابا شنودة، فأرسل بعده كاهن آخر باليونان. فشل في خدمته كأب أسقف من سنة 2013 وحتي اليوم، فتم سحب المسئولية منه وتعيين أبونا إيرينيئوس البراموسي كنائب باباوي في قبرص. فشل في الحفاظ علي أرض كنيسة إيليوبولي أو بناءها، والتي كافحنا من أجلها سنين كثيرة. فشل رعوي واضح بين كل الشعب؛ مشاكل وانقسامات وتحزبات بل وجرائم قتل داخل الأسر القبطية (في حبريته تمت جريمتين قتل أسري تحدثت عنهما الصحف والقنوات اليونانية) وكانت فضيحة بكل المقاييس لكنيستنا القبطية. فشل صحي، والمفترض كونه طبيبًا، بعد جريمة تسمم جماعية من كانتين الكنيسة راح ضحيتها أب لأسرة وأطفال. فشل في التواصل بينه وبين شعبه ولم يجد حل أمامه غير استدعاء البوليس اليوناني مرات كثيرة خوفًا من الشعب. فشل في حب كل الآباء الكهنة الذين خدموا معه، حتي الآباء الأساقفة المكرمين الذين جاؤوا مشكورين لحل المشاكل، تحدث عنهم بطريقة غير لائقة. فشل في تجميع الخراف الضالة، قلنا له فلان يا سيدنا ترك كنيستنا وراح الكنيسة اليونانية فرد وقال: "في ستين داهية". فشل في سماع شعبه ولا يسمع لأحد سوي السيد سامي رياض، شريكه في السلطة، رئيس المجلس الذي له 15 سنة دون تغيير ولا انتخابات وعلاقتهما كعلاقة المتنيح البابا يوساب الثاني ال115 بسكرتيره "ملك جرجس" والذي كان لا يسمع لأحد غيره. ونكرر من جديد، رغم أنها ليست صفحات مجهولة من الفيسبوك هذه المرة، لكننا مُجبرين أن نكرر على أيّة حال أن جميع الأخبار والمعلومات الواردة لا تُعد مصدرًا موثوقًا للمعرفة، أو على الأقل للطعن في نزاهة أحد أو النيل من كرامته الإنسانية، بما فيهم الشماس المُشهر به على صفحة الكنيسة وعناوين الصحف. ونُذكّر القارئ، الذي تعب معنا، بأننا لا نسعى سوى للإجابة عن السؤال الذي طرحناه في مُقدمة التعقّب: أأنت هو الآتي أم ننتظر آخر؟ (إنجيل متى 11: 3). وما يستقر الآن في ضميرنا؛ أننا سننتظر كثيرًا. . وفقًا لمعايير الإعلام المنضبط البداية كانت بخبر معيب على صفحة المتحدث باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ومنه إلى أغلب الصُحف المصرية والإقليمية الناطقة بالعربية، والتي تنقل نفس الصياغة وما بها من عِوار، عن نيافة الأنبا باڤلوس، أسقف اليونان. يتعلق الأمر بحدثٍ يبدو تافهًا؛ شماس، يعاقب بالتجريد من رتبته الكهنوتية، مع حرمانه من التناول. قولًا واحدًا: الكنيسة في هذا البيان الإعلامي المعيب، انتهكت مجموعة حقوق ومعايير، ولم تسترد حقوقًا لأحد. ختامًا، أود أن أؤكد على مجموعة نقاط محددة: * إذا تعرض أحدهم للنصب والاحتيال من شخص وعد بتسهيل إقامته بشكل شرعي، فعليه رفع دعوى قضائية. أما إذا كانت الصفقة من البداية تهدف إلى تسهيل إقامة غير شرعية، فلا يوجد ضحايا هنا، بل مجرمون؛ كلاهما يحتال. الفرق أن أحدهما يحتال على دولة وليس على فرد! أما الكنيسة، إذا كانت تشارك في الإقامات غير الشرعية، فهي جمعية للاحتيال الدولي، وليست كنيسة مرخصة لصلاة وعبادة... * الزج باسم البابا في الأمور التافهة، هو دلالة على ضعف موقف الأسقف، وليس تورط البابا. البابا لو سيؤخذ رأيه في كل شماس يتم حرمانه، فلن يجد وقتًا للقضايا المهمة! * صفحة المتحدث الرسمي من منشأها تُدار بواسطة كاهن، والكاهن حلقة ضعيفة في هرم السلطة الإدارية داخل الكنيسة (لن يستطيع رفض بيان الأسقف، رئيس الكهنة). نتفهم وجهة نظر قداسة البابا في اختيار "كاهن متزوج" كمُعبر عن الجميع، الراهب والأعزب والعلماني المتزوج، لكن خلف الكاهن لابد من وجود طاقم علماني حقوقي (مكتب إعلامي) يدعمه في تفاصيل تكليفاته وإعادة صياغتها بشكل مهني منضبط، ويكون للمكتب الإعلامي الاستقلال الكافي الذي يمكّنه من رفض البيانات المعيبة لو لم تتوافق مع المعايير الحقوقية والإعلامية المنضبطة. --- ### الصلب ومعيار الحرج - Published: ۲۰۲۵-۰۳-۱۹ - Modified: 2025-03-26 - URL: https://tabcm.net/36795/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: آيان هوارد مارشال, أنثوني لي دون, التقليد [Q], چون إدوارد, چون پول ميير, رئيس محمد نجيب, هانز كونزيلمان, يوحنا المعمدان لا تُعد التفاصيل المحرجة عن يسوع فقط مثارًا للاهتمام، بل نافذة بالغة القيمة على ذكريات محتملة ليسوع. في الواقع، تلك التفاصيل هي أمثلة لمعيار معروف لتحديد ما إذا كانت القصّة محل الدراسة هي منتج الذاكرة أم الخيال. دارسي يسوع التّاريخي يدعونه "معيار الحَرَج". المنطق خلف هذا المعيار هو كالتّالي: إن احتوت القصّة على تفاصيل عن يسوع أو عائلته أو تلاميذه، وكانت تشكّل حرجًا للكنيسة المبكّرة، فعلى الأرجح تلك القصة ليست من اختلاق الكنيسة المبكّرة بالنسبة للمؤرخ الذي يدرس يسوع، لا تُعد التفاصيل المحرجة عن يسوع فقط مثارًا للاهتمام، بل نافذة بالغة القيمة على ذكريات محتملة ليسوع. في الواقع، تلك التفاصيل هي أمثلة لمعيار معروف لتحديد ما إذا كانت القصّة محل الدراسة هي منتج الذاكرة أم الخيال. دارسي يسوع التّاريخي يدعونه "معيار الحَرَج". المنطق خلف هذا المعيار هو كالتالي: إن احتوت القصّة على تفاصيل عن يسوع أو عائلته أو تلاميذه، وكانت تشكّل حرجًا للكنيسة المبكّرة، فعلى الأرجح تلك القصة ليست من اختلاق الكنيسة المبكّرة. ((Anthony Le Donne, The Historical Jesus: What can we know and How do we know it, Eerdmans Pub, 2011, p. 45 )) (أنثوني لي دون، يسوع التاريخي: ما نعرفه وكيف عرفناه) نتعرف اليوم على مثال لمعيار مهم جدًا اسمه معيار الحرج كما نحته أنتوني لي دون، ويعني ببساطة: عندما تنقل لنا المصادر القديمة خبرًا فيه حرج بالنسبة لها، من خلال تفاصيل يمكن أن تُصوِّر يسوع أو عائلته أو تلاميذه بشكل غير لائق، فليس من المُرجح أن تكون مثل هذه التفاصيل مُختلقة. التفاصيل التي تسبب حرجًا عادة ما يتم التخلّص منها وليس اختلاقها. حسنًا، ما هي الأمثلة الموجودة في مصادرنا القديمة لأشياء فيها حرج ليسوع وعائلته وأتباعه؟ يمكن أن نبدأ بمثال مباشر وواضح: معمودية يسوع على يد يوحنا المعمدان! لنرَ كيف تعاملت الأناجيل الأربعة مع موضوع المعمودية، وأرجو انتباهك بشدة لأننا سندخل قليلًا في المشكلة الإزائية التي تحدثنا عنها سابقًا. أوضحنا من قبل إنه من المستقر في الدراسات الأكاديمية أن إنجيل مرقس كُتب أولًا، وذلك بناءً على تفاصيل كثيرة معقدة تظهر بمقارنته بإنجيلي متى ولوقا. ما يهم أن إنجيل مرقس هو الأقدم ((چون إدوارد، سلسلة: المشكلة الإزائية، مقال: أسبقية مرقس. ))، ليس هذا فحسب، بل إن متى ولوقا استخدما إنجيل مرقس بمعزل عن بعضهما البعض. بمعنى أن متى كانت لديه نسخة من إنجيل مرقس وبنى عليها إنجيله، ولوقا كانت لديه نسخة من إنجيل مرقس وبنى عليها إنجيله. ولكن متى لم يتدخل في صياغة لوقا لإنجيله، ولا لوقا تدخل في صياغة متى لإنجيله. كل واحد  منهما كان يكتب بشكل منفصل ((چون إدوارد، سلسلة: المشكلة الإزائية، مقال: التقليد Q. )). لنقرأ معمودية يسوع على يد يوحنا المعمدان في إنجيل مرقس، ثم في إنجيلي متى ولوقا، وبعد ذلك في إنجيل يوحنا ((يختلف الدارسون في علاقة إنجيل يوحنا بالأناجيل الثلاثة التي سبقته؛ فالبعض يقول إنه معتمد عليها، والبعض الآخر يقول إنه مستقل عنها تمامًا، والبعض الثالث يقول إنه اعتمد عليها في بعض طبقاته، وعلى كل حال، سنتطرق إلى هذا الأمر عندما نتحدث عن تركيب إنجيل يوحنا عند عودتنا لاستكمال المصادر المتعددة. )). حَرَج معمودية يسوع من المعمدان سنجد أن بداية إنجيل مرقس هي نبوءات عن مجيء الله أو مُمثّل الله ((بدء إنجيل يسوع المسيح ابن الله، (مرقس 1: 1) ))، وأن ملاكًا سيتقدمه ويمهد طريقه ((كما هو مكتوب في الأنبياء: «ها أنا أرسل أمام وجهك ملاكي، الذي يهيئ طريقك قدامك. (مرقس 1: 2) )). بعد ذلك، يبدأ الإنجيل بوصف يوحنا المعمدان ((صوت صارخ في البرية: أعدوا طريق الرب، اصنعوا سبله مستقيمة». (مرقس 1: 3) )) وأنه كان يعمد للتوبة وغفران الخطايا ((كان يوحنا يعمد في البرية ويكرز بمعمودية التوبة لمغفرة الخطايا. (مرقس 1: 4) )). بالطبع، هنا تكمن مشكلة: لماذا اعتمد يسوع معمودية يوحنا للتوبة وغفران الخطايا؟ لا يوجد أي مبرر لذلك، والإنجيلي مرقس نفسه لم يقدم أي تفسير لهذه المعمودية. في إنجيل متى، الذي استخدم إنجيل مرقس، أراد الإنجيلي متى تقديم حل هذه المشكلة؛ فلم يقل إن معمودية يوحنا كانت لمغفرة الخطايا، بل قال فقط إن الناس عندما كانوا يعتمدون كانوا يعترفون بخطاياهم ((واعتمدوا منه في الأردن، معترفين بخطاياهم. (متى 3: 6) ))، لكنه لم يسمّها معمودية مغفرة الخطايا ((راجع إنجيل متى 3: 1-8 )). وأضاف أيضًا حوارًا بين يسوع ويوحنا المعمدان ((أنا أعمدكم بماء للتوبة، ولكن الذي يأتي بعدي هو أقوى مني، (متى 3: 11) ))، يعترض فيه يوحنا المعمدان على حضوره للعماد: أنا محتاج أن أعتمد منك، وأنت تأتي إليَّ!  ((ولكن يوحنا منعه قائلا: «أنا محتاج أن أعتمد منك، وأنت تأتي إلي! » فأجاب يسوع وقال له: «اسمح الآن، لأنه هكذا يليق بنا أن نكمل كل بر». حينئذ سمح له. (إنجيل متى 3: 14-15) )). فمتى، الذي أدرك الإشكال في سردية مرقس، جعل يوحنا نفسه يوضح أن المسيح ليس محتاجًا للمعمودية من الأساس. أما إنجيل لوقا، فقد حاول أن يحلّها بطريقة مختلفة. أولًا، جعل لوقا مقابلة يوحنا بيسوع مبكرة جدًا، منذ كان يوحنا في بطن أمه ((فقامت مريم في تلك الأيام وذهبت بسرعة إلى الجبال إلى مدينة يهوذا، ودخلت بيت زكريا وسلمت على أليصابات. فلما سمعت أليصابات سلام مريم ارتكض الجنين في بطنها، (لوقا 1: 39-41 ) ))، وليس هذا فحسب، بل تهلل بمقابلة يسوع ((حين صار صوت سلامك في أذني، ارتكض الجنين بابتهاج في بطني.  (لوقا 1: 44) )). وبالتالي، فإن اللقاء بين الاثنين قد تم، وتم في وقت مبكر جدًا قبل كل الأحداث التي جاءت بعد ذلك. ثم بعد ذلك، في الإصحاح الثالث، يتحدث لوقا عن يوحنا وعن معموديته بوصفها: معمودية التوبة لمغفرة الخطايا ((كانت كلمة الله على يوحنا بن زكريا في البرية، فجاء إلى جميع الكورة المحيطة بالأردن يكرز بمعمودية التوبة لمغفرة الخطايا، (لوقا 3: 2-3) )). لكن قبل أن يسرد شيئًا عن معمودية يسوع، يحكى قصة القبض على يوحنا واحتجازه على يد هيرودس بسبب هيروديا ((أما هيرودس رئيس الربع فإذ توبخ منه لسبب هيروديا امرأة فيلبس أخيه، ولسبب جميع الشرور التي كان هيرودس يفعلها، زاد هذا أيضا على الجميع أنه حبس يوحنا في السجن. (لوقا 3: 19-20) ))، والتي نعلم أنها انتهت بإعدام يوحنا المعمدان وقطع رأسه. وهنا مباشرة، يتكلم عن معمودية يسوع في نصف سطر: ولما اعتمد جميع الشعب اعتمد يسوع أيضا. ((ولما اعتمد جميع الشعب اعتمد يسوع أيضا. (لوقا 3: 21) )). بطريقة أخرى، يذكر إنجيل لوقا أن يسوع اعتمد لكنه لم يذكر من عمّده، وبالتالي فمعمودية يسوع ليس من الواضح أنها معمودية يوحنا، ومن ثمّ ليس من الواضح أنها لمغفرة الخطايا. من الوارد أن ترفض وتقول: لا، بل هي معمودية يوحنا ﻻ سواها، ومسألة أنه قال اعتمد ولم يذكر من الذي عمّده، أو مسألة أنه ذكر سجن يوحنا قبل معمودية يسوع، هي مجرد ترتيب للسردية فقط، وليس لها هدف أبعد. وحتى أوضح لك أن هذا ليس فهمي الشخصي، دعنا نستعرض ما قاله آيان هوارد مارشال، والذي يقتبس كلام هانز كونزيلمان في كتاب لوقا: المؤرخ واللاهوتي، يعرض مارشال حجة كونزيلمان، فيقول إن دور يوحنا المعمدان في إنجيل لوقا ينتهي قبل معمودية يسوع. وبذلك، فبدلًا من أن يكون إيليا هو الذي يأتي ليعد الطريق قبل المسيح، يصبح يوحنا من الأنبياء السابقين. ويضيف مارشال أن لوقا يخفف الرابط بين يسوع ويوحنا المعمدان بتفاصيل حبس يوحنا في لوقا 3: 19-20، والذي رتبه بحيث يكون قبل معمودية يسوع ((I. Howard Marshall, Luke: Historian & Theologian, New Testament Profiles, 1998, p. 145 )). لنأت لرابع البشارات، إنجيل يوحنا، ونرى كيف تصرف في نفس المسألة: نجد أن يوحنا المعمدان عرف يسوع أوّل ما نظر له وفي الغد نظر يوحنا يسوع مقبلًا إليه، فقال: هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم! ((وفي الغد نظر يوحنا يسوع مقبلا إليه، فقال: «هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم! هذا هو الذي قلت عنه: يأتي بعدي، رجل صار قدامي، لأنه كان قبلي. وأنا لم أكن أعرفه. لكن ليظهر لإسرائيل لذلك جئت أعمد بالماء». (يوحنا 1: 29-31) ))، وشهد له بعدها مباشرة ((إنجيل يوحنا 1: 32-34 )): وشهد يوحنا قائلا: «إني قد رأيت الروح نازلا مثل حمامة من السماء فاستقر عليه. وأنا لم أكن أعرفه، لكن الذي أرسلني لأعمد بالماء، ذاك قال لي: الذي ترى الروح نازلا ومستقرا عليه، فهذا هو الذي يعمد بالروح القدس. وأنا قد رأيت وشهدت أن هذا هو ابن الله». (إنجيل يوحنا، ١: ٣٢-٣٤) والمثير هنا أن إنجيل يوحنا لم يقل إن يوحنا المعمدان عمَّد يسوع من الأساس، وكل ما قاله إنه سيعرف المسيّا المُنتظر من نزول الروح عليه، وأن هذا حدث فعلًا مع يسوع، لكنه لم يذكر إن هذا حدث خلال معمودية! هذا مثال لموقف مُحرج واجه ليس فقط الكنيسة الأولى، ولكن كتّاب الأناجيل أنفسهم. فمعمودية شخص لشخص تجعل المُعتَمِد تلميذًا للمُعمِّد. إنجيل مرقس سرد الخبر بالرغم من إشكاليته، وكل واحد من الكتّاب الذين أتوا بعده حاول حلها بطريقة مختلفة: إنجيل متى جعل المعمدان يعبّر عن عدم استحقاقه، لكن يسوع يوافق "ليتمم كل بر". وإنجيل لوقا أعاد مقابلة يسوع والمعمدان 30 عامًا إلى الوراء، وسرد سجن المعمدان قبل معمودية يسوع، وبالتالي تكون الصورة الذهنية النهائية أن يسوع قد اعتمد، لكن ليس على يد المعمدان. وإنجيل يوحنا تكلم عن معرفة المعمدان بيسوع من خلال نزول الروح القدس عليه، ولكن ليس في سياق المعمودية. والخلاصة أنّ الموضوع كان خبرًا شائعًا، والكنيسة تعاملت معه باعتباره أمرًا واقعًا موجودًا في وثائق قديمة مثل إنجيل مرقس. وبالتالي، كانت كل الحلول أدبية وسردية تحاول تخفيف تأثيره، لكن ليس إلغاءه تمامًا بحذفه من بداية كرازة يسوع. حَرَج الروابط الأسريّة ليسوع موقف آخر مهم أيضًا عن تعامل عائلة يسوع معه في مرقس 3، وسنتحدث عنه باختصار. الموقف يحكي أن الكتبة خرجوا ليشتكوا على يسوع وأن أهله خرجوا ليمنعوه؛ ولما سمع أقرباؤه خرجوا ليمسكوه، لأنهم قالوا: «إنه مختل! » ((ولما سمع أقرباؤه خرجوا ليمسكوه، لأنهم قالوا: «إنه مختل! » (مرقس 1: 21) )). بعد هذا الموقف مباشرة، ذهبت أمّ يسوع وأخوته، لإمساكه، فرفض أن يخرج لمقابلتهم وقال: «من أمي وإخوتي؟» ثم نظر حوله إلى الجالسين وقال: «ها أمي وإخوتي، لأن من يصنع مشيئة الله هو أخي وأختي وأمي». ((فجاءت حينئذ إخوته وأمه ووقفوا خارجًا وأرسلوا إليه يدعونه. وكان الجمع جالسًا حوله، فقالوا له: «هوذا أمك وإخوتك خارجًا يطلبونك». فأجابهم قائلا: «من أمي وإخوتي؟» ثم نظر حوله إلى الجالسين وقال: «ها أمي وإخوتي، لأن من يصنع مشيئة الله هو أخي وأختي وأمي».  (مرقس 3: 31-35) )) وهذا يعني ضمنيًا أنه رأى أن أمه وإخوته لا يفعلون مشيئة الله عندما خرجوا ليمنعوه من الكرازة، وقالوا عنه ما قالوا. من الوارد أن يقول أحدهم أن إنجيل مرقس قال أقرباؤه، وهؤلاء ليسوا بالضرورة أمه وإخوته. صحيح، ولكن إذا قرأت الإصحاح كاملًا في تسلسله، ستجد أن الذين خرجوا ليمنعوه، وصلوا عند البيت الذي كان فيه، وطلبوا مقابلته. وفي هذا الجزء نعرف أن الذين ذهبوا إليه كانوا فعليًا أمه وإخوته. بالطبع، نص كهذا كان سيكون شديد الصعوبة بالنسبة للكنيسة الأولى، خصوصًا وأن العذراء مريم هي من هي في إنجيلي متى ويوحنا مثلًا، فما بالك بتقاليد الكنيسة؟ أضف إلى ذلك أخوه يعقوب الذي أصبح رأس كنيسة أورشليم نفسها! بالرغم من ذلك، لم يتخلص كتبة الأناجيل من هذا الخبر. ما قام به إنجيل لوقا، على سبيل المثال، هو محاولة حلّ هذه المشكلة، عن طريق القول إنهم لم يتمكنوا من الدخول بسبب الازدحام: وجاء إليه أمه وإخوته، ولم يقدروا أن يصلوا إليه لسبب الجمع. ((وجاء إليه أمه وإخوته، ولم يقدروا أن يصلوا إليه لسبب الجمع. (لوقا 8: 19) )). مِعيار الحَرَج بطبيعة الحال، خبر صلب يسوع هو الأكثر حساسية وحرجًا في كل هذه الأخبار. فالمسيح المنتظر الذي جمّع حوله الأتباع والتلاميذ، وقام بأعمال خارقة عظيمة جدًا، أو على أقل تقدير كان واعظًا قديرًا ومُفوّها، الذي دخل وأثار مشاكل وشغبًا في الهيكل وكان اليهود ضده، وبالتأكيد لم يكن الرومان يرونه مجرد واعظٍ تقليدي، فهل من المقبول أن يموت هذه الميتة المُنحطة، ويُصلب بين اللصوص والمجرمين، ويتعرض للجلد والإهانة على الملأ وعلى رؤوس الأشهاد في وسط أورشليم في أيام عيد؟! هل هذا الخبر من مصلحة الكنيسة الأولى أن تختلقه؟ هل يختلقون الأمر الذي يتعرضون بسببه للشتائم طوال واحد وعشرين قرنًا؟ طبعًا هذا مستبعد تمامًا. بالنسبه للمعموديه والصلب ومعيار الحرج، بيقول John P. Meier: معيار الحرج يحدد المواد الإنجيليّة التي يُستبعد اختلاق الكنيسة لها، لأن تلك المادّة سببت حرجًا أو صعوبة لاهوتيّة للكنيسة حتى في وقت العهد الجديد. أحد أهم تلك الأمثلة هو معمودية يسوع بيد يوحنّا المعمدان في بداية كرازته العلنيّة. أو خذ مثال من نهاية كرازته: معيار الحَرَج يدفع بقوَّة للاعتقاد في تاريخيّة الصَّلب العلني ليسوع كمجرم بيد المسؤول الروماني الرسمي. لقد كان الصَّلب أكثر صور الإعدام إخجالًا وتحقيرًا في العالم الرومانيّ، لقد ظلَّت وسيلة إعدام مُخصصة للعبيد وقاطعي الطَّريق والثوَّار والأشخاص الآخرين الذين لا يحملون الجنسية الرومانيَّة؛ إن اتّهموا بكونهم تهديدًا للنظام العام. ((John P. Meier, A Marginal Jew: Rethinking the Historical Jesus, 2009, Vol. 4: Law and Love. p. 13, Yale University Press )) (چون پول ميير، يهودي مُهمّش: إعادة النظر في يسوع التاريخي) دعني أذكّرك بأن كل حُجّة يمكن معارضتها بمفردها. يمكنك مثلًا أن تقول إن محمد نجيب في مذكراته يصوّر نفسه باعتباره شخصًا عديم القوة، وأن من حوله يحركون كل الظروف ضده، وأنه يحكم بإعدام اثنين من عمال شركة الغزل والنسيج وهو يشعر بأنه مكتوف الأيدي ومُجبَر. ويمكنك أن تقول مثلًا إن هذه تفاصيل تسبب حرجًا. ولكن أيضًا، هناك سبب لاختلاق تفاصيل كهذه، وهو أنّه يريد أن يرفع التهمة عن نفسه، خصوصًا وأنه كتب مذكراته بعد أن مات أغلب هذا الجيل، وكأنّه يحاول أن يغسل صورته أمام المجتمع. دائمًا ستجد تفسيرًا يفسّر الحرج. لكن في حدث الصَّلب، الأدلة المتراكمة جنبًا إلى جنب لا يمكن التعامل معها بهذه الطريقة. لماذا قد يلجأ المسيحيون إلى هذه الحبكة الطويلة باختراع موت يسوع ثم اختراع قيامته؟ أليس من الأجدر أن يقولوا إنه لم يُصلب أصلًا؟ إنّ وجود القيامة ضروري لأن الصَّلب لا يمكن إنكاره. لقد واجهت الكنيسة الأولى حجر عثرة ضخم وعظيم جدًا، ألا وهو موت يسوع بهذه الطريقة المُنحطة. وعدم تاريخية الصَّلب يضع المعارضين لتاريخيته أمام سؤال بلا إجابة: لو كان بإمكانهم إنكار صلبه، فلماذا أقروا بالصَّلب وأتبعوه بالقيامة، بينما كان بإمكانهم حل المشكلة بالكرازة بعدم صلبه في المقام الأول؟ --- ### التقويم المصري: بين الإصلاح والجمود - Published: ۲۰۲۵-۰۳-۱۸ - Modified: 2025-03-25 - URL: https://tabcm.net/37438/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أنبا لوكاس، أسقف منفلوط وأبنوب, الإمبراطورية الرومانية, التقويم العبري, التقويم القبطي, التقويم القمري, التقويم الميلادي, التقويم الهجري, الفصح اليهودي, الكنيسة القبطية, المجمع المقدس, النور المقدس, بابا كيرلس السادس, جريدة الأهرام, حساب الأبقطي, حنا جاب الله أبو سيف, خنوم, دسقولية, ديمتريوس الكرام, سبت الفرح, صبحي شلبي, عيد القيامة, عيد الميلاد, فادي نبيل كامل, قمص ميخائيل عبد المسيح, قوانين الرسل, لبيب يعقوب صليب, مجمع نيقية, ميتون الأثيني, نجم الشعرى اليمانية, وليم سليمان قلادة يقرر المجمع المقدس أن الكنيسة القبطية المستقيمة الرأي؛ محتفظة بتراثها الخالد القويم، وهي أمينة على ما تسلمته من الآباء القديسين السابقين، ومحافظة على ما قررته المجامع المقدسة. ولهذا، فإن تواريخ الأعياد وتقويمها هي كما هي بترتيبها الزمني كما وضعه آباء الكنيسة الأولون، بدون تغيير أو تبديل أو مساس بها. (المجمع المقدس في ٥ مارس ١٩٦٠) يدور نقاش منذ أكثر من مئة عام داخل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية حول قضيتين هامتين ومترابطتين: الأولى هي إصلاح التقويم القبطي، والثانية هي توحيد موعد الأعياد بين الكنائس الشرقية والغربية. يرى الداعون إلى الإصلاح أن التقويم القبطي للشهداء يعاني من خطأ متراكم أدى إلى ابتعاد مواعيد الأعياد عن مواعيدها الصحيحة. وهم يرون أن توحيد مواعيد الأعياد الثابتة سيتحقق تلقائيًا عن طريق إصلاح التقويم، مما سيؤدي إلى تزامن التقويم القبطي مع التقويم الغريغوري الذي تستخدمه الغالبية العظمى من كنائس العالم. أما توحيد موعد الأعياد المتحركة فسيتحقق بإصلاح طريقة الحساب الأبقطي المستخدمة في حساب موعد عيد القيامة، والتي أصبحت تخطئ في حساب موعد العيد في معظم السنوات. في الوقت ذاته، يرى المؤيدون لبقاء الوضع على ما هو عليه أن تقويمنا القبطي وطرقنا في حساب الأعياد هي الصحيحة ولا تحتاج إلى أي تعديل، وأنه لا يجوز توحيد موعد الأعياد مع الطوائف الأخرى التي انزلقت إلى هرطقات نرفضها، بصفتنا أصحاب الإيمان السليم. عندما طُرح هذا الموضوع على المجمع المقدس للكنيسة القبطية في بداية حبرية البابا كيرلس السادس في ديسمبر عام 1959، لم يلق أي قبول، إذ قرر المجمع وقتها ((صبحي شلبي، القول الصريح في التقويم القبطي الصحيح، أغسطس 1967 )): لا تغيير ولا تبديل ولا تزحزح عما تم تسلّمه من الآباء الرسل الأطهار بخصوص تثبيت أعياد الكنيسة القبطية الأرثوذكسية على أساس التقويم القبطي، الذي حدّد جميع الأعياد طبقًا لنصوص الكتاب المقدس وتعاليم الرسل الأطهار . (صبحي شلبي، القول الصريح في التقويم القبطي الصحيح) وتم تأكيد نفس الموقف في قرار للمجمع المقدس في 5 مارس 1960: قطعًا للإشاعات وبلبلة الألسن، يقرر المجمع المقدس أن الكنيسة القبطية المستقيمة الرأي؛ محتفظة بتراثها الخالد القويم، وهي أمينة على ما تسلمته من الآباء القديسين السابقين، ومحافظة على ما قررته المجامع المقدسة. ولهذا، فإن تواريخ الأعياد وتقويمها هي كما هي بترتيبها الزمني كما وضعه آباء الكنيسة الأولون، بدون تغيير أو تبديل أو مساس بها. ((القرار الصادر عن المجمع المقدس في 5 مارس 1960 )) (المجمع المقدس في ٥ مارس ١٩٦٠) ثم إعادة تأكيد نفس الموقف على جريدة الأهرام في 7 مارس 1968 ((جريدة الأهرام، بيان من القمص ميخائيل عبد المسيح، الوكيل العام لبطريركية الأقباط الأرثوذكس: لا تغيير في التقويم القبطي، بتاريخ 7 مارس 1968 )): جريدة الأهرام، ٧ مارس ١٩٦٨ يستند المعارضون للإصلاح، كلما طُرِحَ الموضوع للنقاش، على عدة أسباب، أهمها ما يلي ((لتلخيص أسباب الاعتراض على إصلاح التقويم القبطي، اطلعتُ على بعض الكتب والمقالات التي كتبها المعترضون على الإصلاح، وهم: التحفة اللوكاسية للمتنيح الأنبا لوكاس، أسقف منفلوط وأبنوب (1930-1965): الجزء الثالث، ص. 50-52. صبحي شلبي، القول الصريح في التقويم القبطي الصحيح، أغسطس 1967. لبيب يعقوب صليب، الجغرافيا الفلكية للكتاب المقدس أو التقويم القبطي المصري، 1969. حنا جاب الله أبو سيف، القول الوجيز في شرح النفيس، 2015. فادي نبيل كامل، استحالة تحريك الأعياد القبطية، يونيو 2019. )): التقويم القبطي للشهداء هو امتداد للتقويم المصري القديم الذي بدأ في العام 4241 قبل الميلاد. وكانت سنته نجمية تبدأ بشروق نجم سيريوس/الشعرى اليمانية، الذي يتزامن شروقه مع بداية فيضان النيل. التقويم المبني على السنة النجمية أكثر دقة من التقويم الذي يتبع السنة الشمسية، كالتقويم الغريغوري المتبع حاليًا في معظم أنحاء العالم. التقويم المصري الثابت منذ آلاف السنين هو التقويم الصحيح، نظرًا لتزامنه مع فصول الزراعة في مصر حتى الآن، بينما التقويم الغريغوري متغير وغير ثابت. المواعيد الخاصة بالأعياد كلها محددة في قوانين الرسل (الدسقولية)، ومنها على سبيل المثال عيد الميلاد، المحدد له يوم 29 كيهك ((العيد الأول هو يوم ميلاد الرب، تكملونه في اليوم الخامس والعشرين من الشهر التاسع للعبرانيين، الذي هو التاسع والعشرين من كيهك، الشهر الرابع لأهل مصر. تعاليم الرسل: الدسقولية، إعداد وتعليق: وليم سليمان قلادة، 1989، الفصل التاسع والعشرين، ص646. ))، ولا يجوز تغيير موعده وفقًا للتقويم الغريغوري. الحساب الأبقطي الذي وضعه البابا ديمتريوس الكرام، البابا الثاني عشر من باباوات الإسكندرية، هو الحساب الصحيح لموعد عيد القيامة، لأنه يحقق مقررات مجمع نيقية المسكوني بشأن الاحتفال بهذا العيد. هذه المقررات هي نفس القواعد المذكورة في قوانين الرسل، وأهمها أن نحتفل بالعيد في يوم أحد وألا نحتفل بالعيد مع اليهود. بينما الحساب الذي استحدثه البابا غريغوريوس الثالث عشر، بابا روما في القرن السادس عشر، لا يحقق هذه الشروط، إذ يأتي العيد في الغرب أحيانًا قبل الفصح اليهودي أو في نفس اليوم. المجمع المقدس قد تصدى لهذا الموضوع، في حبرية القديس البابا كيرلس السادس، وأصدر قراره بعدم تعديل أو تصحيح موعد الأعياد. وقرارات المجمع المقدس لا يمكن تغييرها أو تعديلها. تعامد الشمس على عدد من المعابد المصرية القديمة ومذابح الكنائس الأثرية في أعياد القديسين المكرسة لهم هذه المذابح، هو دليل على صحة التقويم وأنه لم يتغير كما يدعي المطالبون بالإصلاح. ظهور النور المقدس في يوم سبت الفرح، الذي يُحتفل به في القدس وفقًا للحسابات الشرقية المطابقة للحساب الأبقطي، هو دليل على صحة حساب الكنيسة القبطية لموعد عيد القيامة. هل هذه الأسباب صحيحة أم لا؟ سنحاول في هذه الدراسة استكشاف ومناقشة ذلك بالتفصيل.  ستنقسم الدراسة إلى قسمين: القسم الأول سيتناول التقويم القبطي، والثاني سيتناول الحساب الأبقطي. وحتى نتمكن من الحديث عن التقويمات المصرية القديمة (لأنهم أكثر من تقويم حقيقة! )، يجب علينا وضع بعض التعريفات التي سنتعرض لها كثيرًا فيما هو قادم.   تعريفات ومصطلحات منف/ممفيس: Memphis هي عاصمة الدولة القديمة (3150 ق. م - 2181 ق. م) ومقر عبادة الإله بتاح، خالق الكون في الديانة المصرية القديمة. وتقع بقاياها حاليًا قرب قرية ميت رهينة بمركز البدرشين، بمحافظة الجيزة. أون/هليوبوليس: Heliopolis من أقدم مدن مصر، إذ يعود تاريخها إلى عصر ما قبل الأسرات. كانت مركزًا لعبادة الإله رع، إله الشمس. وتقع بقاياها حاليًا في حي المطرية، بمنطقة المسلة، الدقهلية، بالقاهرة الكبرى. جزيرة إبو/إلفنتين: Elephantine هي جزيرة في النيل، تقع قرب الجندل الأول في جنوب مصر. كانت تُعتبر الحد الجنوبي الفاصل بين مصر وبلاد النوبة. تضم الجزيرة معابد ومقياسًا للنيل من عصر الدولة القديمة، وكان معبودها الرئيسي هو الإله خنوم، الإله الذي خلق المصري القديم من طمي النيل، وواهب الفيضان بما يجلبه من خصب لأرض مصر. اسم الجزيرة يعني "الفيل" أو "ناب الفيل"، كونها كانت ميناءً يستقبل عاج الأفيال القادم من إفريقيا عبر النيل. وهي الجزيرة المقابلة لمدينة أسوان الحالية. الاعتدال الربيعي: Vernal/Spring Equinox هو اليوم الذي تتساوى فيه ساعات النهار والليل في جميع أنحاء الكرة الأرضية، وذلك لتعامد الشمس على خط الاستواء. ويحدث حاليًا بين يومي 19 و 21 مارس في نصف الكرة الشمالي. الانقلاب الصيفي: Estival/Summer Solstice هو اليوم الذي يشهد أطول نهار وأقصر ليل في السنة، وذلك نتيجة تعامد الشمس على مدار السرطان. ويحدث هذا عادةً بين يومي 20 و22 يونيو في نصف الكرة الشمالي. الانقلاب الشتوي: Hibernal/Winter Solstice هو اليوم الذي يشهد أطول ليل وأقصر نهار على سطح الأرض، وذلك نتيجة تعامد الشمس على مدار الجدي. ويحدث عادةً بين يومي 21 و 22 ديسمبر في نصف الكرة الشمالي. التقويم المدني: Civil Calendar هو التقويم المصري القديم الذي كان مستخدمًا في شؤون الدولة وللأغراض الإدارية والرسمية. ينقسم إلى ثلاثة فصول كل منها أربعة أشهر، بالإصافة لشهر قصير في آخر العام مكون من خمسة أيام فقط. التقويم اليولياني: Julian Calendar هو التقويم الروماني الرسمي للجمهورية الرومانية، ثم للإمبراطورية الرومانية، والذي بدأ استخدامه في الأول من يناير عام 45 قبل الميلاد. استمر قيد الاستخدام في أوروبا وفي المستعمرات الأوروبية في العالم الجديد حتى العام 1582 ميلاديًا، ثم استُبدل تدريجياً في دول العالم المختلفة بالتقويم الغريغوري. ويُستخدم في تأريخ أحداث ما قبل الميلاد عبر تمديده حسابيًا إلى الماضي، أو ما يُطلق عليه "التقويم اليولياني الاستباقي" أو "الراجع" (Proleptic Julian calendar). التقويم الغريغوري: Gregorian Calendar هو التقويم المستخدم حاليًا كتقويم مدني في جميع دول العالم، والذي نُطلِق عليه في الدول العربية "التقويم الميلادي". بدأ استخدامه في أوروبا الكاثوليكية عام 1582، ثم انتشر بعد ذلك في جميع أنحاء أوروبا والعالم. السنة الفلكية: Sidereal Year هو الوقت الذي تستغرقه الأرض لإكمال دورة كاملة حول الشمس، مُقاسة بالنسبة لموقع الأرض بالنسبة للنجوم البعيدة الثابتة (أي تكرار ظهور النجم في نفس مكانه في السماء). وهي، وفقًا للحسابات الفلكية الحديثة، تساوي في المتوسط 365. 2564 يومًا للنجوم الموجودة في دائرة البروج (Ecliptic)، وهي المسار الذي تتحرك فيه الشمس ظاهريًا عبر السماء. بينما تكون السنة الفلكية أقصر قليلًا بالنسبة للنجوم خارج هذه الدائرة. السنة المدارية: Tropical Year هو الوقت الذي تستغرقه الأرض لإكمال دورة كاملة حول الشمس بالنسبة لتعاقب الفصول الأربعة، أي الفرق، على سبيل المثال، بين حدوث الاعتدال الربيعي وتكرار حدوثه مرة أخرى. وهي، وفقًا للحسابات الفلكية الحديثة، في المتوسط تساوي 365. 2422 يومًا. بدء فيضان النيل: Nile Inundation هو بداية ارتفاع منسوب النيل، إيذانًا ببدء شهور الفيضان، وهو ما يطلق عليه نهاية "تحاريق النيل". يبدأ هذا الحدث في مدينة منف تقريبًا حول موعد الانقلاب الصيفي، وقبل ذلك بحوالي أسبوعين في جزيرة إلفنتين. النجم سبدت/سوتيس: Sirius هو أسطع نجوم السماء بعد الشمس والكواكب. أسماه المصريون القدماء سُبِدت (Sopdet)، ثم أسماه البطالمة سوتيس (Sothis). أسماه الإغريق القدماء Σείριος سيريوس (Sirius)، أي "المتوهج"، وهو الاسم الذي انتقل إلى جميع اللغات الأوروبية. هو أحد نجوم مجموعة الكلب الأكبر (Canis Major)، ولذا يطلق عليه أحيانًا "نجم الكلب". أطلق عليه العرب اسم الشعرى اليمانية ((ورد ذكر النجم الشعرى في القرآن الكريم، في سورة النجم، آية 49: وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى. )). يبتعد عن دائرة البروج بمقدار 40 درجة جنوبًا، ولذلك سنته الفلكية حاليًا تساوي 365. 25164 يومًا. الشروق الاحتراقي: Helical Rising هو ظهور أي نجم في الأفق الشرقي قبل شروق الشمس مباشرة، وبعد غروبه في الأفق الغربي مباشرة، ثم اختفاؤه لفترة زمنية معينة كل عام. ويحدث هذا الظهور لدقائق معدودة، يختفي بعدها النجم عن النظر فور شروق الشمس. يختلف موعد الشروق والغروب النجمي، وكذلك مدة اختفاء النجم، باختلاف خط العرض. وتختفي نجوم السماء عن الرؤية من سطح الأرض لعدة أشهر كل عام نتيجة دوران الأرض حول الشمس. الشهر القمري: Lunar month هو الفترة بين يوم ظهور الهلال الجديد وظهور الهلال التالي له، أو الفترة بين يوم ظهور القمر المكتمل وتكرر ظهوره. يسمى أيضًا بالشهر الاقتراني (synodic month) كون بداية الشهر تتزامن مع اقتران وقوع الأرض والشمس والقمر على خط واحد. متوسط طول الشهر القمري الاقتراني، وفقًا للحسابات الحديثة، يساوي 29. 53059 يومًا، أي 29 يومًا و12 ساعة و44 دقيقة و3 ثوانٍ. التقويم القمري: Lunar Calendar هو تقويم مبني على الشهور القمرية. ولأن متوسط الشهر القمري حوالي 29. 5 يومًا، فإن الشهور القمرية في هذا التقويم تتراوح بين 29 و 30 يومًا. وبالتالي، فإن 12 شهرًا قمريًا تساوي حوالي 354 يومًا، أي أنها أقصر بـ 11 إلى 12 يومًا من السنة الشمسية (أو المدارية). وهذا يجعل شهور السنة تتحرك عبر الفصول، ولا تعود إلى مكانها إلا كل 33 عامًا قمريًا. مثال على هذا التقويم هو التقويم الهجري. التقويم القمري-الشمسي: Luni-Solar Calendar هو تقويم يعتمد على الشهور القمرية، مع إضافة شهر إضافي كل سنتين أو ثلاث سنوات لضبط التقويم مع مواعيد الفصول المدارية. نشأ هذا التقويم أولًا في بابل القديمة، ثم انتقل منها إلى الإغريق، الذين ابتكروا بعد ذلك في القرن الخامس قبل الميلاد طريقة حسابية لضبط التقويم، نُسبت للعالم الإغريقي ميتون الأثيني، وذلك في دورة مكونة من 19 عامًا. وهي الطريقة التي انتقلت إلى اليهود، ولا تزال تستخدم حتى الآن في التقويم العبري. --- ### قطب وناصر - Published: ۲۰۲۵-۰۳-۱۷ - Modified: 2025-03-17 - URL: https://tabcm.net/36398/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أحمد محمد موسى, الإخوان المسلمين, الاشتراكية, الديمقراطية, الرأسمالية, الشيوعية, العدالة الاجتماعية, حسن أحمد عبد الرحمن محمد البنا, حسن إسماعيل الهضيبي, حسين عبد الفتاح الترامسي, رئيس جمال عبد الناصر, رئيس محمد نجيب, سيد قطب إبراهيم حسين الشاذلي, صالح العشماوي, طه حسين علي بن سلامة, علي ماهر باشا, كمال الدين حسين, مجلس قيادة الثورة وحين جاء سيد قطب، كرر عبد الناصر عليه نفس السؤال الذي كان قد سأله إياه سابقًا وقت الخلاف على دمج جماعة الإخوان في قرار حل الأحزاب، قائلًا: يا أخ سيد، هل أنت من الإخوان المسلمين؟ فأجاب سيد قطب: لم أكن، فكنت! كان سيد قطب إبراهيم حسين الشاذلي أديبًا مشهورًا قبل أن يعرفه الناس بوصفه قطبًا من أقطاب الإخوان المسلمين. وكأديب، كان يتصف بالنرجسية الشديدة والاعتزاز بالنفس، وقد أوقعه ذلك في تناقض مبكر مع حسن البنا، الذي رأى في سيد قطب تشابهًا كبيرًا معه في الصفات. كان سيد قطب مفكر الثورة ومُنظّرها الأول، وقطبًا من أقطاب نظام عبد الناصر. وكان صعيديًا من مركز موشا بمحافظة أسيوط. وكان أحمد محمد موسى، ابن شقيقته، من أتباع حسن البنا وأحد المنخرطين في صفوف الإخوان المسلمين. عندما كان سيد قطب يأتي إلى قريته ويلتقي بابن شقيقته الإخواني ومعه عدد كبير من رفاقه أتباع حسن البنا، كان يكثر من سبّ حسن البنا أمامهم لشدة ما كان يمقت البنا وجماعته. ظل سيد قطب على عدائه الشديد لجماعة الإخوان المسلمين وزعيمهم حسن البنا. حتى سافر إلى أمريكا مبعوثًا من وزارة المعارف، وكان على رأسها في ذلك الوقت طه حسين. وحين عاد من هناك، عُيِّن مستشارًا لوزارة المعارف، ولكنه كان قد تحول خلال الفترة التي أمضاها في أمريكا، فأصبح شديد العداء للرأسمالية والمجتمع الرأسمالي، وشديد التأييد للاشتراكية والعدالة الاجتماعية. عاد سيد قطب من أمريكا لا ليكتب في الأدب والنقد كما كان يفعل قبل سفره إليها، بل ليكتب في الاشتراكية، مطعمًا كتاباته باجتهادات إسلامية. فكتب كتابه الذي جاء بعنوان العدالة الاجتماعية في الإسلام ثم كتاب معركة الإسلام والرأسمالية، وهو من أخطر ما كتب سيد قطب على الإطلاق، إذ يعقد في هذا الكتاب حلفًا بين الإسلام والشيوعية، مستبعدًا أي تلاقٍ بين الإسلام والرأسمالية. حين بدأ سيد قطب في تطعيم الاشتراكية بالإسلام، كان حسن البنا قد قُتل، وبدأ حسن الهضيبي، الذي أصبح على رأس الإخوان، وكان ينكره الإخوان القدامى، يبحث عن أنصار له. وقد وجد حسن الهضيبي ضالته المنشودة في سيد قطب، خاصةً أن الكثيرين من شباب الإخوان قد استهوتهم دعوته للاشتراكية الإسلامية. كان سيد قطب قريبًا من جمال عبد الناصر الذي اختاره سكرتيرًا عامًا مساعدًا لهيئة التحرير، وهي أول تنظيم سياسي تقيمه الثورة بعد أن أصدرت قرارها بحل جميع الأحزاب السياسية. وكان قطب أيضًا رسول عبد الناصر إلى التجمعات الطلابية في المدن الجامعية في البدايات الأولى للثورة، حين يتظاهر طلاب الجامعات مطالبين بالديمقراطية، يذهب إليهم سيد قطب موفدًا من عبد الناصر ليشرح لهم الأوضاع السياسية. كان سيد قطب، في معرض حديثه عن تلك الأوضاع، يرى أنه لا مخرج لمصر مما تعانيه من مشكلات مزمنة ومتضخمة إلا بإطلاق يد الثورة لترتيب البيت الذي تسلمته منهارًا. وكان سيد قطب شديد الولاء لجمال عبد الناصر، قوي الإيمان بزعامته، مدافعًا عن مواقفه، ومهاجمًا الهضيبي وجماعة الإخوان المسلمين، حتى جاء المنعطف الذي حول سيد قطب من مناصر للثورة وزعيمها إلى معارض شديد العداء لها. كان الإخوان لا يزالون في محاولاتهم لاستقطاب سيد قطب، لما له من كتابات إسلامية تستهوي أعدادًا كبيرة من شباب الإخوان. بينما كان سيد قطب نفسه، على الرغم من ولائه للثورة وجمال عبد الناصر، يرى فيها تحقيقًا لآرائه التي ينادي بها. وبعد إقالة وزارة علي ماهر، وهي أول وزارة شكلتها الثورة، تقرر تشكيل وزارة جديدة برئاسة محمد نجيب. ففاتح جمال عبد الناصر صديقه سيد قطب في أمر تعيينه وزيرًا للمعارف في الوزارة الجديدة التي تجري المشاورات لتشكيلها. جاء سيد قطب إلى أصدقائه وأهله ومعارفه ليتحدث معهم في هذا الأمر، الذي اعتبره وعدًا من جمال عبد الناصر وليس مجرد تشاور. ولكن قبل إعلان التشكيل النهائي للوزارة الجديدة، جاء جمال عبد الناصر إلى سيد قطب ليعتذر له عن وزارة المعارف التي كان قد وعده بها، بحجة أن كمال الدين حسين، عضو مجلس قيادة الثورة، كان مصرًا على تولي هذه الوزارة بنفسه. وعرض جمال عبد الناصر على سيد قطب وزارة الأشغال بدلًا من وزارة المعارف، التي كان يرى سيد قطب أنه أحق بها من الجميع. ولما كان سيد قطب شديد الاعتداد بنفسه، فقد غضب غضبًا شديدًا، واعتبر عبد الناصر مسؤولًا عن ضياع حلمه في وزارة المعارف التي كان ينتظر تعيينه بها كمكافأة له على تأييده للثورة والدعاية لها. وكتب لصديقه حسين عبد الفتاح الترامسي، ناظر مدرسة موشي الإعدادية بأسيوط، يقول له: إن العسكر استكثروا على سيد قطب وزارة المعارف. . والله سأجعلهم يدفعون ثمن استهانتهم بي غاليًا. وانزوى سيد قطب بعد ذلك، ولم يعد إلى نشاطه السابق في هيئة التحرير، بل أخذ يقترب من الإخوان الذين لم يكفوا عن مغازلته حتى وهو في أحضان الثورة. قطب رئيسًا للتحرير حين انفصل صالح عشماوي عن الإخوان، وكان صاحب امتياز جريدة الدعوة، بسبب الخلافات التي نشبت بعد تولي الهضيبي مسؤولية الإرشاد، قرر عشماوي الانفصال بالجريدة وتسخيرها للهجوم على الهضيبي. عندئذ فكر الهضيبي في إصدار جريدة أخرى غير الدعوة، التي انتقلت إلى خصومه. وكان من شروط الترخيص لإصدار جريدة جديدة تحديد اسم رئيس التحرير الذي يُصدر الترخيص باسمه. تقدم الهضيبي بطلب إلى وزير الداخلية، الذي كان في ذلك الوقت هو جمال عبد الناصر نفسه، ليصرح له باستخراج جريدة جديدة باسم الإخوان المسلمون، محددًا اسم رئيس التحرير وهو سيد قطب إبراهيم.  وحينما قدم سكرتير جمال عبد الناصر إليه طلب الترخيص، وقعه الأخير فورًا بمجرد أن علم أنه طلب من الإخوان. فاندهش السكرتير من السرعة التي رأى بها عبد الناصر يوقع طلب الترخيص، مما حمله على سؤاله: هل تعلم من هو رئيس التحرير؟ فقال عبد الناصر: أيًا كان رئيس التحرير، فقال السكرتير له: إنه سيد قطب. هنا توقف عبد الناصر، الذي لم يكن قد قرأ اسم رئيس التحرير على طلب الترخيص، وطلب من سكرتيره أن يستدعي له سيد قطب ليتأكد منه بنفسه. فربما كان الهضيبي قد وضع اسمه على الطلب دون علمه، ليورّطه، أو ليوقع بينه وبين عبد الناصر. وحين جاء سيد قطب، كرر عبد الناصر عليه نفس السؤال الذي كان قد سأله إياه سابقًا وقت الخلاف على دمج جماعة الإخوان في قرار حل الأحزاب، قائلًا: يا أخ سيد، هل أنت من الإخوان المسلمين؟ فأجاب سيد قطب: لم أكن، فكنت! . وقد أجاب سيد قطب عن السؤالين، القديم والحديث، إجابةً واحدة، بمعنى أنه لم يكن في الإخوان المسلمين حين سأله عبد الناصر هذا السؤال أول مرة في اجتماع هيئة التحرير، ولكنه الآن قد انضم إليهم. فقال له جمال عبد الناصر: أنت حر في أن تنضم لمن تشاء، ولكن أرجو ألا يكون ذلك تصفية حسابات، فلم يُجب. وهكذا، بدأ سيد قطب العمل رئيسًا لتحرير جريدة الإخوان المسلمين بعد موافقة جمال عبد الناصر على إصدارها. ومنذ العدد الأول للجريدة، بدأ قطب هجومه على الثورة وجمال عبد الناصر، مبتكرًا شخصية قرفان أفندي الكاريكاتورية ليحملها هجومه الذي أراده على المرحلة الجديدة. ورغم تلك الشخصية الكاريكاتورية التي تهاجم الثورة وأعمالها، لم تنقطع علاقة عبد الناصر بسيد قطب. وفي إحدى المرات، سأله عبد الناصر: إيه يا أخ سيد، القرفانين بيكتروا قوي في البلد اليومين دول؟، فأجابه سيد قطب قائلًا: "إذا كنتم فاكرين إن ما فيش حد قرفان منكم، تبقوا بتغالطوا أنفسكم. --- ### العهد مع نوح - Published: ۲۰۲۵-۰۳-۱٦ - Modified: 2025-03-16 - URL: https://tabcm.net/36678/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: آدم, برج بابل, حواء, سقوط آدم, قايين ما بين عهد الله مع آدم، وعهد الله غير المشروط مع إبراهيم، الذي ذُكِرَ أيضًا في العهد الجديد، كان هناك عهد غير مشروط آخر، هو؛ العهد مع نوح. نحن نعلم أن الأرض قد لُعنت بسبب سقوط آدم وانفصاله واستقلاله بنفسه عن الله، ولكن آدم لم يُلعن. نعم، كل البركات تبدلت ولم تعد سارية المفعول، لكن آدم وحواء لم يُلعنا، بل لُعنت الأرض بسبب انفصالها عن الله، كما يذكر سفر التكوين: وقال لآدم: لأنك سمعت لقول امرأتك وأكلت من الشجرة التي أوصيتك قائلًا: لا تأكل منها، ملعونة الأرض بسببك. بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك((تكوين ٣: ١٧ )). تظهر حقبة أخرى من تاريخ معاملات الله مع الإنسان في الإصحاح السادس من سفر التكوين، حيث يذكر الكتاب أنَّ أبناء الله رأوا بنات الناس أنهنَّ حسنات، فاتخذوا لأنفسهم نساءً من كل ما اختاروا ((تكوين ٦: ٢ )). ولن أبحر كثيرًا في تفسير هذه الآية التي اختلف الشُرَّاح عليها في تحديد مَن هم أبناء الله وبنات الناس، لكن نتج عن هذا الامتزاج والتزاوج نسلٌ لا يعرف الله، أطلق عليه الكتاب لفظ جبابرة أو طغاة في الأرض. فلو جاز التعبير، أدرك الله أنه لن يُقيم روحه فيما بعد في الإنسان، أي لن يحكمَ روحه فيه ولن يسكنَه فيما بعد. وقد أثبت الإنسان أنه ما دام هناك انفصال بينه وبين الله، فلا سكنى للروح فيه ولا أمل في إصلاحه. وهنا كان تدخل الله بفعله العجيب، ألا وهو الدينونة كما يذكر إشعياء ٢٨. فجاء الطوفان، ولكن قبل أن يأتي الطوفان على الأرض، كان هناك شخص وجد نعمة في عيني الرب وكان سبب تعزية. وهكذا يظهر صلاح الرب في كل معاملاته مع البشر لأن عيني الرب تجولان في كل الأرض ليتشدد مع الذين قلوبهم كاملة نحوه ((أخبار الأيام الثاني ١٦: ٩ )). فوجد نوح نعمة في عيني الرب، فوكله أن يكون بداية عهد جديد وبداية نسل لعله يسلك في العهد. اتسم العهد مع نوح بما يلي: ١- هناك فُلك واحد به تَخلص من الدينونة، وهو يرمز إلى شخص الرب يسوع. خارج هذا الفلك هلاكٌ حتمًا. ٢- استشهد الرب يسوع في قوله لنوح عندما سُئل عن علامات مجيئه، قائلًا: وكما كان في أيام نوح، كذلك يكون أيضًا في أيام ابن الإنسان ((لوقا ١٧: ٢٦ )). إذًا، هناك ترابط وتشابه بين ما حدث في أيام نوح وما سوف يحدث في مجيء المسيح ثانيةً. ٣- أعطى الله علامةً في السماء للعهد أو للميثاق بينه وبين الإنسان ليتذكر الإنسان كلما رأى هذه العلامة، ألا وهي قوس قُزح في السماء. وإن كان قد استُخدم في أيامنا لغرضٍ آخر لا يتفق مع مشيئة الله، فهذا أمر طبيعيّ في عالم ساقط. ٤- هنالك رمز للروح القدس في صورة حمامة أطلقها نوح، فلم تجدْ مستقرًا لها على الأرض لأنّ شرّ الأرض قد عظم، ولأنّ الروح لا يوجد إلا حيث وُجد يسوع. ولكنّها وجدت مستقرًا لها في شخص يسوع المسيح حين تجسد في نهر الأردن وقت المعمودية. ٥- حدث تغيير كامل في تحديد عمر الإنسان إلى ١٢٠ سنة، وفي طعامه أيضًا. إذ كان قبل ذلك لا يأكل لحمًا، ولكن يوضّح النص الإلهي في تكوين ٩ أن الله أعطى البشر الإذنَ بأكل اللحوم بشرط: كلُّ دابَّةٍ حيَّةٍ تكون لكم طعامًا، كالعشب الأخضر دفعتُ إليكم الجميع. غيرَ أنَّ لحمًا بحياته، دمه، لا تأكلوه ((تكوين ٩: ٣-٤ )). ٦- طالما هناك انفصال بين الله والإنسان، فاللعنة قائمة مع كل الأسف. فكما لُعن قايين، هكذا لُعن كنعان بن حام. عزيزي القارئ، نستخلص من كل هذا: أن الله إله عهود، هو ضامنها، ولكن الإنسان يفشل في كل مرة في إتمام عهده، ويُخيَّل إليه أن مشروع الله قد فشل . نعم، نفشل أحيانًا كثيرة، ولكن ضامن العهد وحافظه لديه الكثير. ولأنه أبدي وأمين في عهده، فهو كما يصرخ داود قائلًا: أليس هكذا بيتي عند الله؟ لأنه وضع لي عهدًا أبديًا متقنًا في كل شيء ومحفوظًا، أفلا يثبت كل خلاصي وكل مسرتي؟ ((صموئيل الثاني ٢٣: ٥ )). فإن لم تجد حمامة نوح مستقرًا لها على الأرض بعد الطوفان، فقد وجدته في يسوع الساكن فيك. وإن كان أولاد نوح قد فشلوا في حفظ العهد، وشرعوا بعد ذلك في بناء برج بابل ((تكوين ١١ ))، فبلبل الله ألسنتهم وبدّدهم على وجه الأرض. لكن في يسوع أُعطي لنا لسان واحد يوم الخمسين، هو لسان الروح القدس الذي نزل كألسنة نارية على الكنيسة، وبه يصلي فينا الروح القدس بأنّاتٍ لا تُنطق بها. ولم نعد غرباء ونُزلاء، بل رعية واحدة لراعي واحد في المسيح يسوع، وأصبحنا حيثما نجتمع -في أي مكان- لنا لسان واحد، هو سيف الروح الذي هو كلمة الله. فما أعظم يسوع الذي أعبده بروحي، هللويا! --- ### البابا كيرلس ونقطة الانطلاق - Published: ۲۰۲۵-۰۳-۱۵ - Modified: 2025-04-04 - URL: https://tabcm.net/36568/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أنبا صموئيل، أسقف الخدمات, أنبا غريغوريوس، أسقف البحث العلمي, أنبا ميخائيل، مطران أسيوط, إكليروس, إمبراطور هيلا سيلاسي, الأب متى المسكين, الكرسي المرقسي, الكنيسة القبطية, المجلس الملي, المجمع المقدس, انتخاب البابا, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس السادس, بولس السادس, ثورة ٢٣ يوليو, حنا يوسف حنا, دير الأنبا مقار الكبير, رئيس جمال عبد الناصر, صليب سوريال, قديس بولس الرسول, ليتورچي, مجلة الكرازة, مجلس الملي العام, معهد الدراسات القبطية أما أنتم، يا إخوتي الإكليريكيين، فإن كان بسببي قد حدث هذا النوء العظيم عليكم، فأنا مستعد لأن أبتعد لكي تهدأ الأمور. أنا مستعد أن أرجع إلى الدير، إلى مغارتي المحبوبة في الجبل، أقضي بقية أيام غربتي هناك، وأريح وأستريح، "ويكفي اليوم شرَّه"… أما الإكليريكية، فهي كأي عمل من أعمال الله، لابد أن تصطدم بصعوبات ومعوقات، وكأي عمل من أعمال الله، لابد أن تنتصر على الصعوبات والمعوقات… ربنا موجود… يبقى في اقترابنا فترة غاية في الأهمية في مسار الكنيسة، ممتدة من ستينيات القرن المنصرم وحتى لحظة كتابة هذه السطور، وهي مرحلة طويلة زمنيًا؛ ستة عقود ونصف، شهدت أحداثًا جسامًا، على المستويين الوطني والكنسي، خمسة رؤساء جمهورية، وثلاثة باباوات بطاركة، وثلاث حروب، وتقلبات سياسية واقتصادية ومجتمعية مثيرة، الأمر الذي يجعل اقترابنا مدققًا وحذرًا، مع حالة التربص التي تحيطنا، والضبابية التي تلف الأجواء الكنسية بأكثر تحديدًا، وظني أن مناخاتنا تقترب من توصيف القديس بولس عن حاله عندما قدم إلى مكدونية لم يكن لجسدنا شيء من الراحة بل كنا مكتئبين في كل شيء: من خارج خصومات، من داخل مخاوف ((رسالة بولس الرسول الثانية إلى أهل كورنثوس 7 :5 )). ويمكن إجمالًا أن نوزعها كنسيًا على ثلاث مراحل رئيسية، بتتابع الثلاث باباوات؛ البابا القديس الأنبا كيرلس السادس (1959 - 1971)، والبابا الأنبا شنودة الثالث (1971 - 2012)، والبابا الأنبا تواضروس الثاني (2012 - )، وأجدني بغير حاجة إلى القول بأن هذا الاقتراب يرصد فقط المناخات والأحداث الكنسية التي انتهت بنا إلى ما نحن فيه من إشكاليات التوافقات والمواجهات والتراجعات، بعيدًا عن الجدل اللاهوتي وبغير اختزال يستريح في أن يحملها لشخص أو شخوص بعينهم، وقد ينتهي رصدنا إلى طرح مخارج تذهب بنا إلى مرحلة رأب الصدوع ومواصلة بناء حياة حسب المسيح، تؤكد على كوننا كنيسة واحدة مقدسة جامعة رسولية. نتوقف اليوم مع المرحلة الأولى التي نحسبها المؤسسة لما تلاها وهي مرحلة تولي البابا كيرلس مهام الكرسي المرقسي، التي امتدت نحو عشر سنوات. كانت لحظة اختيار القمص مينا المتوحد ليصير البابا كيرلس السادس (10 مايو 1959) نقطة بداية لعصر جديد للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ويمكن أن نحسبه البابا التوافقي، بين القوى المتخالفة داخل الكنيسة وبعضها، وبينها والقوى المتوجسة والمترقبة خارجها، بعد مارثون امتد لنحو ثلاث سنوات (نوفمبر 1956 - مايو 1959) شهدت جولات وخلافات بين أجنحة متباينة دعت لتدارس إعداد لائحة جديدة تنظم عملية انتخاب البابا البطريرك، لتصدر هذه اللائحة في 3 نوفمبر 1957، وقد أشرنا قبلًا إلى التعديلات التي وردت فيها عن سابقتها التي صدرت في 1928، وأشرنا في ذات السياق لتلك الأجنحة. كانت الملاحظة الأساسية أن قداسته لم يكن محسوبًا على تيار بعينه، وأنه قدم من الوحدة التي اختارها لحياته الرهبانية إلى الكرسي المرقسي مباشرة، وهي وحدة لم تخلو من التعاطي مع الناس خاصة الباحثين عن معونة إلهية بالصلاة في مواجهة متاعبهم الحياتية والروحية، وتتلمذوا عليه، في صومعته بتخوم مصر القديمة، وكانت الملاحظة الأبرز أنه رجل صلاة يؤمن بأن المذبح هو صندوق الحلول لكل ما يقابله من متاعب، وكل ما يواجه الكنيسة من أزمات، وفي عهده شهدت الأديرة انتعاشًا على مستويين، إقبال الشباب بتنويعاته على طلب الرهبنة، وسعي الأسر القبطية لزيارتها، ربما تأثرًا بمبادرات شباب الأربعينيات الجامعي الذي ترك وراءه الفرص المتاحة والمتميزة لحياة مستقرة قاصدًا الرهبنة في نهايات الأربعينيات ومنتصف الخمسينيات، فكانوا الشرارة التي غيرت حال البراري وصحراء الأديرة. وكادت أن تجعل من الإسقيط واحة سمائية. على أننا يجب أن نذكر أن بعضًا من قاصدي الرهبنة هؤلاء كانوا يبحثون عن ملاذ آمن لم يجدوه في العالم القادمين أو الفارين منه، وبعضهم دفعته صدمة ما أو فشلًا أغلق في وجوههم سبل الحياة بين الناس. وكان إغراء التحقق فيما بعد يشكل الهدف عند عدد غير قليل، وبعض من قاصدي الرهبنة طُلب منهم هذا استيفاء لشرط من شروط السيامة الأسقفية، رغم أن الكنيسة كانت قبلًا تقبل رسامة أساقفتها من الأتقياء المتبتلين خارج منظومة الرهبنة. حمل البابا كيرلس معه نهجه الرهباني المختبر، الصلاة الدائمة، لتشهد كنيسة القديس إستفانوس الملاصقة للكنيسة المرقسية الكبرى، قداسًا يوميًا يصليه قداسته والنهار بالكاد يبعث بواكير أنواره، وفيه أحيا طقس الصلاة بالإجبية، والتأكيد على صلوات التسبحة، في العشيات وقبيل القداسات، وسرعان ما يسري دفء النسق البابوي هذا في كل الكنائس، وتشهد الكنيسة صحوة في العبادة الليتورجية، سر بقائها وقوتها، كانت أبوابه مشرعة لكل الرعية. يومًا يشير عليه أحد خلصائه من أبناءه لصيقي الصلة به، الدكتور المحاسب حنا يوسف حنا، الأستاذ بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، حسب رواية الدكتور حنا لي في واحدة من لقاءاتي به، أن يضم إلى فريق السكرتارية الخاص به، راهبان من الشباب النشطاء، واقترح عليه اسمي الراهبين مكاري السرياني وأنطونيوس السرياني، كنوع من تقدير سعيهما لطرح اسم الراهب القمص مينا المتوحد في قائمة المرشحين للبابوية، إضافة إلى الدفع بدماء شابة في منظومة إكليروس الكنيسة، بما يملكان من طاقة وقدرة تنظيمية وعلاقات متعددة يمكن توظيفها لخدمة الكنيسة، واستجاب له البابا، ثم عاد بعد فترة ليقترح عليه رسامتهما أسقفين ليصيرا أعضاء بالمجمع المقدس ومن ثم يدعمان قرارات قداسته داخل المجمع، وللمرة الثانية يستجيب له البابا. وهنا يأتي دور مهندس تفكيك الأزمات الأب القمص صليب سوريال، وهو خريج كلية الحقوق وله دراسات في القانون الكنسي، وقريب للبابا بالجسد، كان الحل الذي قدمه أن الكنيسة تعطي للبابا الحق في رسامة أسقف عام ضمن مساعديه دون إيبارشية، وهو أمر لا يتطلب موافقة المجمع، فكان أن رسم الأول أسقفًا للخدمات الاجتماعية وشؤون المهجر باسم الأنبا صموئيل، والثاني أسقفًا للتعليم والكلية الإكليريكية باسم الأنبا شنودة. يصادفنا اسم القمص صليب سوريال مجددًا بعد سنوات (1969) حين يتوسط للصلح بين البابا كيرلس والقمص متى المسكين وينجح في ذلك بعد جهود دعمها الأنبا ميخائيل، مطران أسيوط آنذاك، ويقترح الأب المطران أن يذهب الأب متى المسكين ومن برفقته من الرهبان إلى دير الأنبا مقار الذي يترأسه الأب المطران، ويوافق البابا، وبالفعل يذهب الأب متى ورفاقه إلى ذلك الدير، ليبدأ في تعميره، ويحكي أبونا صليب تفاصيل هذا الصلح في تسجيل له. بين القداسات اليومية، وانفتاح الأديرة لآلاف الزائرين المنبهرين بحياة الرهبان، التي تحتشد بها كتب السير الرهبانية، القائمة على النسك والتقشف وترك العالم، والصلاة المتواترة، تنتقل الأجواء الرهبانية إلى كنائس القرى والمدن، ومعها تتسلل إلى الكنيسة مشكلتان، يتفاقما مع الأيام. فالأديرة يتزايد فيها الرهبان، بما يفوق التوازن اللازم لتوفر تلمذة حقيقية تضمن قدرة الرهبان على الالتزام بنذورهم وملاحظة نموهم الروحي، ومع توافر التخصصات العلمية بين الرهبان، وزيادة عطايا المحبين للأديرة، وتوجه الدولة لدعم استصلاح الصحراء زراعيًا، بدأت الأديرة في تطوير "عمل اليدين التقليدي" إلى مشاريع استصلاح الأراضي المحيطة بالأديرة، كانت البداية عند دير الأنبا مقار، ونجحت تجربته، التي دعمها خبرات غربية بالتواصل مع الجالية المصرية القبطية خاصة في ألمانيا، واستتبعها مشروعات مرتبطة بالمجال الزراعي، تسمين العجول والثروة الداجنة، ومعها ظهرت الحاجة لمشروعات التصنيع الزراعي. وانتقلت التجربة إلى غالبية الأديرة، بامتداد خارطتها، ورغم إبهار التجربة، إلا أنها لم تلتفت إلى التوازن بينها والبناء الروحي للرهبان في كثير من الأديرة، لتتسلل الاختلالات الحياتية إلى داخلها، وزاد من وطأتها انفتاح غالبية الأديرة للزيارات بكل ما تحمله من ضغوط وما تنتجه من متاعب ومخاطر تتهدد الراهب والزائر وسلام الدير وتربك الكنيسة المحلية، وهي أمور تناولناها قبلًا في كثير من الأطروحات، ولم تلق من يصغى. على جانب آخر تتجه الكنيسة انبهارًا إلى رهبنة الفضاء العام بها بما فيه الفضاء الاجتماعي، بدأ الأمر بسيطًا ثم تفاقم بفعل تصاعد الترويج لسير الآباء الرهبان والمتوحدين، والنساك، بكل ما تحمل من قدرات روحية ومعجزية، في مقابل ضغط المعيشة وخفوت التعليم الآبائي، وعوامل أخرى قد نعود إليها لاحقًا. ونجد أنفسنا أمام ممارسات شكلية وحياة روحية هشة وربما متراجعة. يعود اسم القمص صليب سوريال للظهور بجوار البابا، الذي يضيق ذرعًا بتصعيد أسقف التعليم تحديًا لتعليماته، ويواصل جولاته بمختلف الإيبارشيات، مما استفز أساقفتها، وتحويل اجتماعه الأسبوعي، عبر فقرة الإجابة على أسئلة الحضور، إلى منصة رسائل للكنيسة والدولة، فكانت مشورة أبونا صليب أن يقوم البابا برسامة أسقف للبحث العلمي ومعهد الدراسات القبطية، يُحجِّم من نطاق عمل أسقف التعليم، وفي 10 مايو 1967 رسم البابا الأنبا غريغوريوس في هذا الموقع، الأمر الذي أعتبره أسقف التعليم اقتطاعًا من صلاحياته، وهو عنده يماثل اقتطاع جزء من إيبارشية في حياة أسقفها، ومن ثم فهو مخالف لقوانين الكنيسة. تستمر مجلة الكرازة لسان حال أسقف التعليم في منهجها مما يقلق البابا الذي يصدر أوامره لأسقف التعليم بالعودة إلى ديره ووقف صدور مجلة الكرازة، فيكتب الأب الأسقف افتتاحية عددها الأخير، أكتوبر 1967، في هذا الإصدار، عارضًا أبعاد الأزمة برؤيته وقرار عودته للدير، وينهي عرضه بقوله: لقد اضطررت، يا إخوتي القراء، أن أكلمكم بصراحة بعد صمت طويل، حتى تتدبروا الأمر معنا في مصير كليتكم الإكليريكية. . أما أنتم، يا إخوتي الإكليريكيين، فإن كان بسببي قد حدث هذا النوء العظيم عليكم، فأنا مستعد لأن أبتعد لكي تهدأ الأمور. أنا مستعد أن أرجع إلى الدير، إلى مغارتي المحبوبة في الجبل، أقضي بقية أيام غربتي هناك، وأريح وأستريح، "ويكفي اليوم شرَّه"... أما الإكليريكية، فهي كأي عمل من أعمال الله، لابد أن تصطدم بصعوبات ومعوقات، وكأي عمل من أعمال الله، لابد أن تنتصر على الصعوبات والمعوقات. ربنا موجود شنودة، أسقف المعاهد الدينية والتربية الكنسية ثم ترد عبارة ربنا موجود في برواز كبير، عقب هذه الكلمات وقبل توقيع الكاتب شنودة أسقف المعاهد الدينية والتربية الكنسية. تشهد حبرية البابا كيرلس ثلاث أحداث مهمة؛ الأول وضع حجر أساس الكاتدرائية المرقسية بالعباسية وهي المقر الرسمي للبابا البطريرك، في 24 يوليو 1965م مواكبًا للاحتفال بذكرى ثورة يوليو 52، في رسالة ذات مغزى للعالم أجمع، وحضر الاحتفال مشاركًا في وضع حجر الأساس الرئيس جمال عبد الناصر، والإمبراطور هيلا سيلاسي إمبراطور إثيوبيا، والعديد من رؤساء الكنائس في العالم. والثاني عودة رفات القديس مرقس الرسول مؤسس الكنيسة المصرية وأحد كتاب الإنجيل الأربعة، وكان البابا كيرلس السادس قد انتدب وفدًا رسميًا للسفر إلى روما لتسلم الرفات من البابا بولس السادس، يتألف من عشرة من المطارنة والأساقفة بينهم ثلاثة من المطارنة الإثيوبيين، إضافة إلى ثلاثة من كبار أراخنة الأقباط. وعادوا به في 24 يونيو 1968م، وتم استقبال الرفات في احتفال مهيب بدأ من مطار القاهرة حتى الكاتدرائية المرقسية، في ثاني يوم لافتتاحها رسميًا، الذي تم في حضور الرئيس جمال عبد الناصر، والإمبراطور هيلا سيلاسي. والثالث يقع تاريخه بين الحدثين وهو ظهور طيف العذراء مريم وبعض الظواهر الروحية على قباب كنيستها بالزيتون، 2 أبريل 1968، وقد رط محللون بين هذا الحدث وهزيمة يونيو 67، باعتباره دعمًا سماويًا للمصريين، يخفف من وطأة حزنهم وانكسارهم آنذاك. على جانب آخر لم يختلف قداسة البابا كيرلس عن سابقيه في الموقف المناوئ للمجلس الملي باعتباره رقيبًا ماليًا على البابا، في مناخ مجتمع أبوي، خارج الكنيسة وداخلها، وظني أن لهذا علاقة ما بصدور القانون رقم 264 لسنة 1960م الذي أنشأ هيئة الأوقاف القبطية، ليدير ويشرف على أوقاف الكنيسة، وهي المهمة التي كان يقوم بها المجلس الملي العام، ضمن عديد من المهام الأخرى، واللافت أن المجلس الملي يتم اعتماد تشكيله بقرار من وزير الداخلية، فيما يتم تشكيل هيئة الأوقاف القبطية بقرار جمهوري. كثير من متاعب كنيسة اليوم تمتد خيوطها إلى إشكاليات رهبنة المجال الكنسي خارج الأديرة، وترهل الحياة الديرية، وانفتاحها للزائرين بلا ضوابط، وإقرار رسامة أساقفة عموم بل والتوسع فيها خارج الإطار الذي رسمه البابا كيرلس، وهو ما سنعرض له لاحقًا، وإغلاق مدرسة الرهبان بحلوان وعودة الرهبان الدارسين فيها إلى أديرتهم في سياق قرار بعودة كل الرهبان المتواجدين خارج الأديرة، ولم يقبل البابا نصيحة القمص صليب سوريال في استثنائهم لدورهم المهم كمرحلة وسيطة تنقل الرهبان المرشحون لرتبة الأسقفية من مناخات العزلة والنسك إلى الخدمة وسط العالم. يرحل البابا كيرلس في 9 مارس 1971، بعد شهور قليلة من رحيل الرئيس جمال عبد الناصر 28 سبتمبر 1970، ومعهما ترحل حقبة تميزت بالسلام الاجتماعي، وبعدهما تباغت موجات التطرف مصر والكنيسة وتبدأ مرحلة مرتبكة، تشهد فيها الكنيسة تقلبات عاتية. أعزائي القراء ما زلنا بحاجة إلى مواصلة البحث في جذور متاعب كنيسة اليوم فدعونا في لقاء تال نواصل البحث عنها وفيها. --- ### الخطية الجدية عند باسيليوس الكبير [٣] - Published: ۲۰۲۵-۰۳-۱٤ - Modified: 2025-03-14 - URL: https://tabcm.net/36525/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: آدم, أفنوميوس, إلياس كويتر المخلصي, التبني, الشيطان, المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية, المكتبة البولسية, بابا كيرلس عمود الدين, باسيليوس الكبير، أسقف قيصرية الكبادوك, چورچ حبيب بباوي, دار جذور للترجمة والنشر والتوزيع, سعيد حكيم يعقوب, ضد أفنوميوس, قديس أوغسطينوس، أسقف هيبو, ليتورچي نكمل الحديث عن  مفهوم الخطية الجدية عند ق. باسيليوس الكبير رئيس أساقفة قيصرية الكبادوك بآسيا الصغرى، وواضع الليتورچية المسمَّى باسمه، التي نصلي بها في كنيستنا إلى اليوم. وذلك لنرى هل يتفق تعليم ق. باسيليوس الكبير مع تعليم أوغسطينوس أسقف هيبو في الغرب اللاتينيّ عن الخطية الأصلية الموروثة من آدم إلى نسله من بعده. دحض تعليم الإرادة المستعبَدة للشر يُؤكِّد ق. باسيليوس أنَّ الآب صالح والابن صالح، أمَّا الظلام، والموت، والضعف، تُنسَب إلى الشيطان رئيس هذا العالم والأرواح الشريرة وكل مَنْ يُعادِي قوة الطبيعة الإلهية، فالله ليس علة الموت ولا يعاقب بالموت كما يدَّعي البعض خطاءً. فلا تحمل هذه الأمور في جوهرها التضاد مع الصلاح؛ لأنه هكذا ترتد الإدانة إلى الله، بل هم وحدهم في حرية إرادتهم انجذبوا إلى الشر، لأنهم فقدوا الصلاح. وهكذا يدحض ق. باسيليوس تعليم أوغسطينوس عن الإرادة المقيَّدة بالشر بسب الخطية الأصلية الموروثة والمتأصلة في الطبيعة البشرية التي تجعل الإرادة البشرية مُجبَرة ومُستعبَدة لفعل الخطية كالتالي: ((باسيليوس الكبير، ضد أفنوميوس، ترجمة: د. سعيد حكيم، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2020، مقالة 2: 27، ص 182. )) نقول إنه نظرًا لأن الآب صالح، فإن الابن أيضًا صالح، ومن النور غير المولود، قد أشرق النور الأزليّ، ومن الحياة الحقة، قد أتى النبع المحيي، ومن القوة الذاتية ظهرت قوة الله، أمَّا الظلام، والموت، والضعف، فهي تُنسَب إلى رئيس هذا العالم، وإلى الأرواح الشريرة، وإلى كل ما يُعادِي قوة الطبيعة الإلهية. وهذا الأمور لا تحمل في جوهرها التضاد مع الصلاح، لأنه هكذا ترتد الإدانة على الخالق، بل هم وحدهم في حرية إرادتهم، لأنهم فقدوا الصلاح، وانجذبوا إلى الشر. (باسيليوس الكبير، ضد أفنوميوس) يدحض ق. باسيليوس التعليم الأوغسطينيّ بالإرادة المقيَّدة والمستعبَدة للشر، مؤكدًا على أن المخلوقات تتمتع بحرية إرادة الاتجاه نحو الخير أو الشر، وهكذا تنال القداسة كمكافأة للنمو الروحيّ كالتالي: ((باسيليوس الكبير، ضد أفنوميوس، ترجمة: د. سعيد حكيم، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2020، مقالة 3: 2، ص 212. )) لأن المخلوقات تنال القداسة كمجازاة للنمو الروحيّ، وتتميم كل ما هو مرضي وحسن أمام الله، وهي تتمتع بحرية الإرادة، فيمكنها أن تتحول تجاه هذا الأمر، أو تجاه غيره، نحو الخير، أو نحو الشر. (باسيليوس الكبير، ضد أفنوميوس) انتقال الموت من آدم إلى الجنس البشري يشير ق. باسيليوس إلى انتقال الموت إلينا من آدم الأول الساقط لأنه فينا، ولأننا تناسلنا منه، وسوف تظل الإنسانية كذلك حتى نهاية الدهور، الكل يتناسل من آدم، لذلك قيل في آدم يموت الجميع، وظلَّ قانون الموت ساريًا علينا حتى مجيء المسيح آدم الثاني قائلًا: ((باسيليوس الكبير، الروح القدس، ترجمة: د. چورچ حبيب بباوي، جذور للنشر، 2014، 14: 31، ص 106. )) فآدم الأول الذي سقط هو فينا؛ لأننا تناسلنا منه، وسوف تظلّ الإنسانية كذلك حتى نهاية الدهور، الكل يتناسل من آدم؛ ولذلك قيل في آدم يموت الجميع ((رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس 15: 22 )). وفيه أيضًا مَلَكَ الموت ((رسالة بولس إلى رومية 5: 17 ))، وظلَّ قانون الموت ساريًا علينا إلى أن جاء المسيح. ولقد حفظ الله الأبكار من المهلِك، لكي يعلن ما سيأتي، وهو أننا نحن الذين وُهِبنا الحياة في المسيح، سوف نحيا ولن نموت في آدم. (باسيليوس الكبير، الروح القدس) الخطية الجدية هي اغتراب عن الله ويُوضِّح ق. باسيليوس تدبير المخلِّص باسترجاع الإنسان من السقوط والعودة من الاغتراب بسبب المعصية إلى شركة مباشرة مع الله كالتالي: ((باسيليوس الكبير، الروح القدس، ترجمة: د. چورچ حبيب بباوي، جذور للنشر، 2014، 15: 35، ص 110. )) تدبير إلهنا ومخلصنا الخاص بالإنسان هو استرجاع الإنسان من السقوط، والعودة من الاغتراب الذي حدث له بسبب المعصية إلى شركة مباشرة مع الله؛ لذلك السبب جاء المسيح، وحلَّ في الجسد، وعاش حسب المثال الذي نراه في الأناجيل، وتألم على الصليب، وقُبِرَ وقام؛ لكي يُخلِّص الإنسان عندما يتمثَّل بالمسيح، ويعود إلى رتبة البنوة القديمة. (باسيليوس الكبير، الروح القدس) لا توجد خطية أصلية ضمن مفاعيل المعمودية يشير ق. باسيليوس إلى نهاية الحياة الأولى الساقطة بالمعمودية، وولادة الإنسان من جديد بدفن أجساد المعمَّدين في الماء، ودفن أعمال الإنسان العتيق، وتطهير النفس من دنس الخطايا التي تنمو داخل النفس بسبب انغماس العقل في اللذات الجسدية. المعمودية لها فاعلية مزدوجة وهي: القضاء على جسد الخطية والموت، والحياة بالروح التي تُثمِر القداسة كالتالي: ((باسيليوس الكبير، الروح القدس، ترجمة: د. چورچ حبيب بباوي، جذور للنشر، 2014، 15: 35، ص 111. )) ولذلك، نحن لا نتشبه باليهود الذين يغتسلون إذَا تدنسوا؛ لأننا نعترف بمعمودية واحدة للخلاص ((رسالة بطرس الأولى 3: 21؛ رسالة بولس إلى أفسس 4: 5 )). والمعمودية واحدة؛ لأن الموت عن العالم واحد، وأيضًا القيامة من الموت واحدة، وهو ما ترمز له المعمودية الواحدة. ولذلك السبب أعطانا الرب مُدبِّر حياتنا عهد المعمودية وجعله رمزًا للحياة والموت. فالمياه تُكمِّل صورة الموت، أمَّا الروح فهو يعطينا عربون الحياة. ومن هنا يمكننا أن نجيب بوضوحٍ على السؤال عن علاقة الماء بالروح ((إنجيل يوحنا 3: 5 ))، فغاية المعمودية مزدوجة: أولًا، القضاء على جسد الخطية لكي لا يثمر للموت ((رسالة بولس إلى رومية 6: 6؛ 7: 5 )). ثانيًا، الحياة بالروح التي تثمر القداسة ((رسالة بولس إلى رومية 6: 22)). (باسيليوس الكبير، الروح القدس) وهذا ما يؤكد عليه ق. باسيليوس الكبير في موضع آخر، حيث يرى أن العماد هو فدية الأسرى، وتسديد الديون، وموت الخطيئة، وتجديد ولادة النفس، والرداء المتألق، والمركبة إلى السماء، وضمانة الملكوت، ونعمة التبني. ولم يذكر ضمن مفاعيل المعمودية أية إشارة إلى أن المعمودية هي لمغفرة خطية آدم الأصلية الموروثة كالتالي: ((إلياس كويتر المخلصي، القديس باسيليوس الكبير (حياته- أبحاث عنه- مواعظه)، منشورات المكتبة البولسية، 1989، عظة 6 بعنوان ”تحريض على العماد المقدس“، ص 274. )) العماد هو فدية الأسرى، وتسديد الديون، وموت الخطيئة، وتجديد ولادة النفس، والرداء المتألق، والمركبة إلى السماء، وضمانة الملكوت، ونعمة التبني. (الياس كويتر المخلصي، القديس باسيليوس الكبير) الخطية الجدية هي فقدان الروح القدس يشير ق. باسيليوس إلى إرادة الله في إعادة تجديد الإنسان ورد نعمة الروح القدس إليه التي حصل عليها بنفخة الله؛ ثم فقدها، ولذلك نفخ المسيح في وجوه تلاميذه اقبلوا الروح القدس ((إنجيل يوحنا 20: 22، 23 )). وهنا يؤكِّد ق. باسيليوس على سُكنى الروح القدس في الإنسان قبل السقوط وانفصاله عن الإنسان بعد السقوط، وإعادة المسيح له بعد ذلك بنفخته في التلاميذ كباكورة البشرية المخلَّصة، وهذا ما ذكره ق. كيرلس الإسكندريّ وأكَّد عليه كثيرًا كالتالي: (( باسيليوس الكبير، الروح القدس، ترجمة: د. چورچ حبيب بباوي، جذور للنشر، 2014، 16: 39، ص 118. )) لأنه لما أراد أن يُجدِّد الإنسان ويرد إليه النعمة التي كان قد حصل عليها من نفخة الله، التي فقدها الإنسان، قال وهو ينفخ على وجه التلاميذ: اِقبلوا الروح القدس، مَن غفرتم له خطاياه تُغفَر له، ومَن أمسكتم عليه الغفران أُمسِكَ عنه ((إنجيل يوحنا 20: 22، 23 )). (باسيليوس الكبير، الروح القدس) مرض الشهوة والخطية في النفس الإنسانية يؤكِّد ق. باسيليوس أنَّ الخطية مرض، والرغبة في ارتكاب الخطايا تُنشِئ داخل النفس عادة راسخة، ومتى تأصَّلت وتجذَّرت شهوة النفس القديمة وممارسة الخطية، تصبح مع مرور الزمن غير قابلة للشفاء أصلاً، لأنَّ العادة تتحوَّل إلى طبيعة، لذا ينبغي الصلاة لعدم التلامس مع الخطية في المرحلة الثانية، وتجنب ارتكاب الخطايا مُباشرةً كالتالي: ((باسيليوس الكبير، تفسير سفر المزامير ج1، ترجمة: د. سعيد حكيم، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2020، ص 66. )) يجب أن نحترص من هذا، لأنه أن يضيع أحدٌ وقته من خلال الرغبة في ارتكاب الخطايا، فإنه ينشئ داخل النفس عادةً ما راسخةً. إن شهوة النفس القديمة، وممارسة الخطية التي تجذَّرت وتأصلت فيها، تصبح مع مرور الزمن غير قابلة للشفاء أصلًا، لأن العادة في الغالب تتحوّل إلى طبيعة. إذًا، فجديرٌ بنا أن نصلي لأجل ألا نتلامس مع الخطية في المحاولة الثانية، وأن نتجنب بشكلٍ مباشرٍ ارتكاب الخطية كجوعٍ ناتجٍ عن هجوم حية سامة. (باسيليوس الكبير، تفسير سفر المزامير ج1) --- ### رجل الله وذئب المنصب - Published: ۲۰۲۵-۰۳-۱۳ - Modified: 2025-03-13 - URL: https://tabcm.net/37069/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أنبا أثناسيوس، مطران بنى سويف والبهنسا, القرعة الهيكلية, الكرسي المرقسي, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس السادس, دير الأنبا صموئيل المعترف بالرغم من أن غالبية الشعب يعرف الكثير عن حياة البابا كيرلس السادس، وقد كُتب عن حياته تقريبًا كل شيء، إلا أنني سألقي نظرة سريعة على بعض النقاط لنعرف الفرق بين رجل الله الحقيقي والذئب الذي يقتنص المنصب؛ بين من يستسلم لقيادة الروح القدس في حياته وبين من يثق بقدراته ومواهبه؛ بين من لم يتكلم عن نفسه رافضًا مديح الناس، ومن يملأ الدنيا كلامًا عن إنجازاته التي لم يسبقه إليها أحد بمناسبة ذكرى نياحة القديس البابا كيرلس السادس في 9 مارس، الذي كان علامة فارقة في تاريخ كنيستنا القبطية الأرثوذكسية المعاصرة، أود أن أتحدث قليلًا عن هذا القديس المعاصر في مقالة بسيطة هي عبارة عن مجموعة خواطر طرقت ذهني. بالرغم من أن غالبية الشعب يعرف الكثير عن حياة البابا كيرلس السادس، وقد كُتب عن حياته تقريبًا كل شيء، إلا أنني سألقي نظرة سريعة على بعض النقاط لنعرف الفرق بين رجل الله الحقيقي والذئب الذي يقتنص المنصب؛ بين من يستسلم لقيادة الروح القدس في حياته وبين من يثق بقدراته ومواهبه؛ بين من لم يتكلم عن نفسه رافضًا مديح الناس، ومن يملأ الدنيا كلامًا عن إنجازاته التي لم يسبقه إليها أحد. القديس البابا كيرلس السادس بكى كثيرًا حينما وقعت عليه القرعة الهيكلية، وقال عبارته الشهيرة: كنت أود أن أعيش غريبًا وأموت غريبًا، ولكن لتكن إرادة الله. والقديس البابا كيرلس السادس لم يرشح نفسه للكرسي البابوي، ولكن الذي رشحه بقوة هو القائم مقام البطريرك المتنيح الأنبا أثناسيوس، مطران بني سويف الأسبق. وكان يثق به تمام الثقة، وأسند إليه سابقًا رئاسة دير الأنبا صموئيل المعترف بجبل القلمون. وبعد الصلوات الطقسية للرسامة، جلس الأنبا أثناسيوس على عتبة الهيكل، وهو رجل مسن، قائلًا: دلوقتي أستريح مطمئنًا أن الكنيسة أصبح لها راعي صالح. وحينما يتزاحم الناس حول البابا، كان الأنبا أثناسيوس ينتهرهم قائلًا: سيبوه يستريح، إحنا صدقنا ما لقيناه. القديس البابا كيرلس السادس هو الوحيد في القرن العشرين والقرن الواحد والعشرين الذي نال الرسامة القانونية بوضع اليد، حيث كانت رتبته قمصًا وعُرف باسم القمص مينا المتوحد. أما من سبقه في القرن العشرين ومن أتى بعده، فقد تم تجليسهم على الكرسي دون رسامة، لانتقالهم من إيبارشية لأخرى، بما فيهم البابا تواضروس الثاني، لأنه كان أسقفًا عامًا على الكرازة دون اختصاص معين. البابا كيرلس كان رجل الله بحق، يخاف الله في كل تصرفاته. وكان أحيانًا يصلي بمفرده -دون أساقفة أو كهنة- حتى لا يترك مذبحًا دون صلاة بسبب غياب الأب الكاهن. ولم يكن يستحي أن يطلب الحِلّ من كاهن صغير حديث الرسامة من أولاده، ويطلب منه بإصرار قائلًا له: حاللني يا ابني. كان يصفّي ضميره يوميًا قبل إقدامه على صلاة القداس الإلهي وتقديم الذبيحة المقدسة يوميًا. تسبحة، وبخور باكر، والقداس، والعشية، يوميًا دون كلل أو ملل. الآن، قد نرى الأسقف المُعاصر يدخل الكنيسة بعد رفع بخور باكر ليقدم الحمل، وكأنه أكبر من أن يشارك في رفع بخور باكر. البابا كيرلس السادس احتمل الكثير جدًا حتى من أولاده، ولم يظلم أحدًا في حياته. وإذا اكتشف أنه كان قاسيًا على أحد بسبب الوشاية أو لأي سبب آخر، يرد للمظلوم كرامته بعد أن يطلب منه الحل والسماح بكل اتضاع، لأنه كان صاحب قلب نقي من الداخل. كان لا يُفرِّق بين من هنأه بأحد الأعياد أو عيد رسامته وبين من لم يُهنِّئه. كان عملاقًا له هيبة ووقار لا يستطيع الإنسان النظر طويلًا إلى عينيه. ويلجأ إليه الآباء في مشاكلهم عن حب واحترام وتقدير، وليس عن خوف من العقاب، لأنه كان يتحد بالرب يسوع المسيح، له المجد، كل يوم في الذبيحة المقدسة، فكانت مهابته من الله وليست من البشر. ولذلك، بعد أربعة وخمسين سنة على نياحته، لم تظهر له عيوب تُذكر، بل كل يوم يرفعه الرب بطريقة عجيبة حتى أصبح لكل بيت مسيحي، وأحيانًا غير مسيحي، قصة مع البابا كيرلس السادس، إما في حياته أو بعد نياحته. أخيرًا، يتصف رجل الله بروح الأبوة الحقيقية، ومثالنا هنا القديس البابا كيرلس السادس الذي كان ينادي الشخص بلقب يا حبيب أبوك، وهو لقب اقتبسه عنه بعض الآباء. أرى أن الرب رفعه لأنه يرفع المتواضعين ويعطيهم نعمة. وذلك لأنه لم يتكلم عن نفسه، وكان يرفض المديح، وكان سريع التأثر والبكاء حينما يمدحه أحد. لنترك الحديث عن هذا القديس قليلًا، إذ لا يختلف اثنان على قداسة هذا الرجل، وعلى ما تحقق في عهده من إنجازات رغم قصر مدة جلوسه على كرسي مار مرقس الرسول. ولنتحدث الآن عن "الذئب" أو "طالب المنصب"، الذي يسعى إليه بأي ثمن ويحارب من أجل الوصول إلى الكرسي البابوي. فذئب المنصب هذا تجد فيه الصفات الآتية: ١. يثق بنفسه وقدراته كثيرًا، ويعتمد على ذكائه بدلًا من الاتكال على عمل الله والمعونة الربانية. ٢. غالبًا ما يكون ذئب المنصب نرجسيًا، لا يرى أحدًا يضاهيه في إمكاناته وقدراته. وإذا وجد شخصًا مميزًا، يحاربه أو يتخلص منه بأي طريقة، ويكيل له الاتهامات. ٣. تظل عينا ذئب المنصب على الكرسي، ويفعل أي شيء للوصول إليه. لا يستحي أن يرشح نفسه، معددًا مواهبه وقدراته دون خجل أو تواضع. ٤. غالبًا ما يكون ذئب المنصب دكتاتورًا، بمجرد وصوله إلى الكرسي ينتقم ممن كانوا ضده، ولا يحتمل أي معارضة في قرار يتخذه. ومهما تبين له خطأ قراره، لا يتراجع ويسوق المبررات. ٥. ذئب المنصب متكبر، وإذا أظهر بعض التواضع، فإنه يكون تواضعًا مصطنعًا حتى يمدحه الناس ويمجدوه. ٦. يستمتع ذئب المنصب بالمديح، ويظل يعدد إنجازاته، وفي النهاية يقول: هذا عمل الله، وحتى هذه يقولها ليثير إعجاب الناس به. ٧. ذئب المنصب الأجير يسرق إنجازات كل من سبقوه وينسبها لنفسه دون خجل، ولا يتحمل مدح عمل أي شخص غيره. ٨. يفرح ذئب المنصب ببهرجة المنصب، والاحتفالات، والاستقبالات، والتكريم. ويقيس أحقية الشخص لأي منصب كنسي بمقدار الخدمات التي قدمها إليه، مما يدفع المتملقين أن يربطون سيور حذائه حتى يرضى عنهم. ٩. يتهكم ذئب المنصب على الناس ويستهزئ بهم وبأفكارهم، غير مبالٍ بفروق التربية والثقافات. نصلي إلى الله أن يعطي حكمة علوية للبابا تواضروس الجالس على كرسي مار مرقس، حيث نرى فيه الكثير من صفات رجل الله. بركة صلوات رجل الله الحقيقي، القديس البابا كيرلس السادس، تشملنا وتشملكم جميعًا. --- ### ما قيمة آباء الكنيسة في البحث التاريخي؟ - Published: ۲۰۲۵-۰۳-۱۲ - Modified: 2025-03-26 - URL: https://tabcm.net/36772/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: إبستمولوچي, إغناطيوس الأنطاكي, الغنوصية, بابليوس كورنليوس تاسيتوس, بابياس، أسقف هيرابوليس, بيلاطس البنطي, جايوس ميسيوس كوينتوس تراجانوس ديسيوس, چورچ أوج, چون إدوارد, چون دومينيك كروسان, چون كولينز, ديڤين إل. وايت, فيليب نيكل, قديس أثناسيوس الرسولي, قديس أوغسطينوس، أسقف هيبو, قديس إيرينيئوس، أسقف ليون, قديس بوليكاربوس، أسقف سميرنا, ميلاد المسيح, يوسابيوس بامفيلوس القيصري, يوسيفوس فلاڤيوس موت يسوع إعدامًا تحت حكم بيلاطس البنطي هو أمرٌ ثابت بأقصى درجة يمكن أن يبلغها أيَّ أمر تاريخيّ. لأنَّه حتَّى إن لم يكتب أيًّا من تابعي يسوع لمئة عام بعد صلبه كنَّا لنعلم عنه من كاتبين ليسا من أتباعه. أسمائهم فلافيوس يوسيفوس وكورنيليوس تاسيتوس.. لدينا، بكلمات أخرى، ليس فقط شهودًا مسيحيّين، ولكن مؤرّخ يهوديّ هام وآخر وثنيّ ويتَّفق كلاهما على ثلاث نقاط بخصوص يسوع: كانت هناك حركة، وكان هناك إعدام بسبب تلك الحركة، ولكن بالرَّغم من ذلك الإعدام، كان هناك استمرارًا للحركة (?John Dominic Crossan, Who Killed Jesus) موت يسوع إعدامًا تحت حكم بيلاطس البنطي هو أمرٌ ثابت بأقصى درجة يمكن أن يبلغها أيَّ أمر تاريخيّ. لأنَّه حتَّى إن لم يكتب أيًّا من تابعي يسوع لمئة عام بعد صلبه كنَّا لنعلم عنه من كاتبين ليسا من أتباعه. أسمائهم فلافيوس يوسيفوس وكورنيليوس تاسيتوس. . لدينا، بكلمات أخرى، ليس فقط شهودًا مسيحيّين، ولكن مؤرّخ يهوديّ هام وآخر وثنيّ ويتَّفق كلاهما على ثلاث نقاط بخصوص يسوع: ((George Ogg, The Age of Jesus when he Taught, New Testament Studies, 1959, 5(04) p. 291 )) كانت هناك حركة، وكان هناك إعدام بسبب تلك الحركة، ولكن بالرَّغم من ذلك الإعدام، كان هناك استمرارًا للحركة. ((John Dominic Crossan, Who Killed Jesus? , Epilogue. HarperCollins, 2010 )) (چون دومينيك كروسان، من قتل يسوع؟) هل يمكن استخدام آباء الكنيسة كاستدلال تاريخي على الصلب؟ الإجابة من جزأين: نعم ولا! من ناحية شهادة آباء الكنيسة لحدث بعيد عنهم زمنيًا، فليس لها قيمة عند المؤرِّخ. فعندما تعتقد في شيء ما على عهدة أحد الآباء، يكون هذا الشيء مُقنعًا بالنسبة لك لأنك تثق في هذا الأب. فثقتك في إيرينيئوس أو أثناسيوس أو أوغسطينوس هي التي تدفعك لتصديق المعلومة التي ينقلونها. يُسمى هذا Persuasion by Proxy، ويمكن ترجمتها إلى "الإقناع بالنيابة"، ويعني أنك تُصدّق معلومةً ما، ليس بناءً على دليل تستطيع دراسته، ولكن لأنّ هذه المعلومة أقنعت شخصًا تثق به، فترى نفسك مُبرَّرًا في اقتناعك.  في علم المعرفة ، يُعدّ هذا الفعل خاطئًا ويُسمى "التخلي عن عبء الإثبات"، فأنت تُلقي الموضوع كله على عاتق شخصٍ آخر، وبما أنّه اقتنع، فأنت راضٍ. والسؤال الحقيقي هو: هل لدى هذا الشخص دليل بالأساس؟ أم أنّه أيضًا أخذ المعلومة على عهدة شخص قبله؟ لنقرأ سويًا هذا الجزء من مقال سابق بعنوان: دور الثقة في الخبر: في مقال بعنوان Assurance Views of Testimony بيستخدم فيليب نيكل عبارة passing the buck في التعبير عن الناس اللي بتخلط ما بين دور الشهاده كمُسوِّغ للمعرفه وبين كونها دليل للمعرفه. عبارة passing the buck في الأصل معانا إنك تلوم حد على حاجة كان المفروض انت اللي تعملها. والمقصود هنا لو قولتلي معلومة وأنا سألتك عن الدليل، المفروض تديني الدليل بما أنك استخدمت المعلومة، لكن اللي ممكن يحصل إنك بدل ما تديني دليل على المعلومة ترمي عبء الإثبات على حد تاني -أو على الشهادة- ف تقولي أنا سمعت المعلومة من فلان. في الحالة دي انت بترمي عبء المسئولية والإثبات على فلان، وفي نفس الوقت بترتكب مُغالطه لما بتدّعي إن معرفتك صحيحة في حين إنك معندكش دليل عليها، كل اللي عندك هو مُبرِّر للتصديق وهو إنك بتثق في فلان. طب افرض أنا مش بثق في فلان؟ افرض انت بتثق فيه بناءًا على أسباب مرتبطه بالعاطفة أو الأيديولوجيا وانت شايفها كافيه للتصديق، بس أنا معنديش نفس الروابط العاطفية والأيديولوجية مع فلان وبالتّالي مش هاصدّق كلامه بدون دليل، وفي نفس الوقت انت معندكش دليل ورميت المسئولية على فلان. في الحالة دي الموضوع أصبح فيه معلومة عمالة تلف بين الناس ولم تنتهي إلى دليل، ولكن فقط إلى رغبة الناس في إنها تصدَّق على عُهدة فلان. ((چون إدوارد، سلسلة: الخبر كوسيلة معرفية، مقال: دور الثقة في الخبر. )) (چون إدوارد، الخبر كوسيلة معرفية، دور الثقة في الخبر) بطريقة أخرى، المؤرخ لا يأخذ معلومةً ويسلِّم بها بشكل أعمى، فبالنسبة له آباء الكنيسة ليس لديهم المعلومة الصحيحة، وإنما أخذوها ممن سبقهم، والمؤرخ لا يحب أن يقتفي أثر شيءٍ لا يعرف مصدره الأول لكي يدرسه بنفسه. لكن في نفس الوقت، كتابات الآباء القريبة من الحدث قد تكون ذات أهمية. مثلًا كتابات أفراد مثل كليمندس الروماني في أواخر القرن الأول قد تكون مصدرًا جيدًا، وأشخاص مثل بوليكاربوس وإغناطيوس الأنطاكي في بداية القرن الثاني مهمّة أيضًا. ثمّ بابياس الذي سنذكره عند الحديث عن الأناجيل. كل هؤلاء أيضًا لم يشهدوا الحدث بأنفسهم، وبالتالي فهم مهمّون، لكنهم ليسوا أدلة مباشرة على حدوث الصَّلب. هناك سبب آخر يجعل كتابات الآباء مهمة، لكنها ليست مهمة لكونهم "الآباء"، بل لأنهم في وقتهم كانت تحت أيديهم كتابات أناس أقدم، قد تكون ضاعت منّا الآن، فقيمة كتابات الآباء ككتابات حاملة لمصادر أقدم، يقف المؤرِّخ أمامها باحترام ويرى أن هنا قد يكون شيء يستحق البحث. على سبيل المثال لا الحصر، كتابات شخص مثل بابياس، الذي ذكرت اسمه للتو، لا توجد لدينا مخطوطات لها، ولكننا تمكّنا من العثور على بعض من كتاباته في اقتباسات أشخاص جاؤوا بعده، مثل إيرينيئوس ويوسابيوس القيصري، وهكذا. فالمؤرخ قد يجد مصادر من القرن الثاني مذكورة في كتابات من القرن الرابع، وأحيانًا مصادر مبكرة جدًا خلف نصوص من أواخر القرن الأول وبداية القرن الثاني. يتبقى نقطه: التَّقليد. . هل يمكن أن نلقي عبء إثبات الصلب على التقليد؟ إيمانيًا، لو كنت تريد أن تقول إنك تثق في كل ما تسميه الكنيسة تقليدًا، فحسنًا تفعل. لكن هذا لا يصلح مدخلًا تاريخيًا يرضى به المؤرخ. سأعطيك مثالًا لتوضيح الفكرة. من أهم من استخدم التقليد كان القديس إيرينيئوس، أسقف ليون في القرن الثاني. كان إيرينيئوس مُطَّلِعًا على كتابات من سبقه، ويقال إنه قابل بعضهم، مثل بوليكاربوس، أحد الآباء الرسوليين . للقديس إيرينيئوس كتاب شهير اسمه Adversus Haereses أو ضد الهرطقات، وفي هذا الكتاب، وتحديدًا في الكتاب الثاني، الفصل الثاني والعشرين، الفقرات من 1 إلى 6، يناقش فكرة كانت سائدة لدى جماعة غنوصية. الغنوصيون لديهم فرقة تعتقد أن المسيح مات في سن الحادية والثلاثين، وتحديدًا في نهاية الشهر الثاني عشر من السنة الحادية والثلاثين من حياته. وتبريرهم لذلك أن إنجيل لوقا ((إنجيل لوقا 3: 23 )) يقول إن يسوع تعمّد في سن الثلاثين، وفي إنجيل لوقا أيضًا ((إنجيل لوقا 4: 19 )) عندما دخل المجمع قرأ من سفر إشعياء الجزء الذي يقول: روح الرب علي، لأنه مسحني لأبشر المساكين، أرسلني لأشفي المنكسري القلوب، لأنادي للمأسورين بالإطلاق وللعمي بالبصر، وأرسل المنسحقين في الحرية، وأكرز بسنة الرب المقبولة ((إنجيل لوقا 4: 18-19 )). وبناء عليه، قالوا بأن المسيح جاء يكرز لمدة سنة، وبناء على هاتين الآيتين خلصوا لنتيجة مفادها أنَّ المسيح مات في تمام السنة الحادية والثلاثين. أراد القديس إيرينيئوس تحطيم هذه الفكرة، واستخدم في ذلك ثلاث طرق: أولًا، وضع الأناجيل الأربعة جنبًا إلى جنب، وحسب فيها كم فصحًا حضره المسيح في أورشليم. وجد إيرينيئوس أن المسيح ذهب إلى أورشليم ثلاث مرات مذكورة في إنجيل يوحنا ((إنجيل يوحنا، الإصحاحات ٢، ٥، ١٢ )). وقال إن هذا يُمكِّننا من إثبات أن يسوع عاش حتى سن الثالثة والثلاثين على الأقل، خلافًا لما يقوله الغنوصيون. هل سكت إيرينيئوس عند هذا الحد؟ لا. بل أثار احتجاجًا ثانيًا قائلًا إن يسوع قد تعمّد بالفعل وهو في سن الثلاثين، ولكنه أيضًا مر بجميع المراحل السنية لكي يفدي البشر في جميع أعمارهم. ويقول نصًا في الفقرة الرابعة ((القديس إيرينيئوس أسقف ليون، ضد الهرطقات، 2: 22: 4 )): جاء ليُخلِّصَ الجميع بنفسه، أقول الجميع الذين فيه يولدون من الله؛ الرُضَّع والأطفال والصّبيان والشباب والكِبار. لهذا مَرَّ بنفسه في كل الأعمار، فصار رضيعًا للرُضعان ليقدّس الرُّضعان، طفلًا للأطفال ليقدّس الأطفال، صبيًَّا للصّبيان ليُقدِّس الذين هم في سنّه، صائرًا لهم في الوقت نفسه مثالًا في التقوى والبرّ والطَّاعة. شابًا للشَّباب، ليصير مثالًا للشَّباب كيما يقدّسهم للرَّب. وهكذا أيضًا صار كبيرًا في السن ليقدّس الكبار. (القديس إيرينيئوس، ضد الهرطقات ٢: ٢٢: ٤) من الممكن أن تجادلني هنا وتقول: «لا، مش واضحة»، وبالتأكيد التعبير: كبيرًا في السِّنِّ يقصد بها شابًا ناضجًا، وليس عجوزًا! ! ووقتها سأقول لك: إن صحّ فهمك فلدينا هنا مشكلتين: الأولى، إنه شرح بعد ذلك في الفقرة الخامسة، فقال إن المرحلة الأولى من العمر تستمر مرورًا بالثلاثينيات وحتى الأربعينيات، ثم من الأربعينيات والخمسينيات؛ يبدأ الإنسان في الانحدار نحو السن الكبير. وأكمل بعدها مباشرةً قائلًا: هذاالذي كان للرب حين كان ما يزال يحقق واجبات مَنزِلَة المُعلِّم ((القديس إيرينيئوس أسقف ليون، ضد الهرطقات، 2: 22: 5 ))! هل يعني ذلك أن القديس إيرينيئوس كان يقول بأن المسيح عاش حتى سن الخمسين؟! نعم، هذا بالضبط ما يقصده. قد يجادل آخر قائلًا: ربما يكون هذا استنتاجًا خاطئًا منه، ما المشكلة إذًا؟ عندها سأقول: إنه لم يتوقف هنا، بل أكمل باحتجاجه الثالث، وأن لديه دليل من الإنجيل والتَّقليد أيضًا! ذهب القديس إيرينيئوس لإنجيل يوحنَّا، الإصحاح الثامن، عند إجابة يسوع لليهود: أبوكم إبراهيم تهلل بأن يرى يومي فرأى وفرح. فقال له اليهود: «ليس لك خمسون سنة بعد، أفرأيت إبراهيم؟» ((إنجيل يوحنا 8: 56-57 ))، فوجد أن اليهود قالوا ليسوع أنه لم يكمل الخمسين بعد كتعبير عن صغر السن. فسّر إيرينيئوس ذلك بأن المسيح بالتأكيد كان في الأربعينيات من عمره على الأقل، لأنه لو كان في الثلاثينيات حسبما يقول الغنوصيين لكان الأصح أن يقول اليهود له: ليس لك أربعون سنة بعد، إذ وقتها سيكون مضرب المثل في حداثة السن أكثر واقعية ((القديس إيرينيئوس أسقف ليون، ضد الهرطقات، 2: 22: 6 )). هذه اللغة تنطبِق على من تخطَّى سنّ الأربعين ولكنَّه لم يصل إلى الخمسين بعد ولكنه ليس بعيدًا عنها. لأن هؤلاء الذين أرادوا أن يتَّهموه بالكذب بالتأكيد لم يكونوا ليبالغوا في سنوه بعيدًا جدًا عنّ السنّ الذي كان قد وصل إليه، ولكنَّهم قالوا سنًا قريبًا من سنَّه الحقيقي سواءًا كانوا قد تحققوا من سنّه من بيانات السجلّات العامَّة أو مجرَّد خمَّنوا من خلال ما لاحظوه. إن سنَّه تخطَّى الأربعين وأنَّه بالتأكيد لم يكن في الثلاثين من العمر. فإنَّه من غير المعقول تمامًا أنَّهم أخطأوا السن بعشرين سنة. (القديس إيرينيئوس، ضد الهرطقات ٢: ٢٢: ٦) وختم إيرينيئوس استدلاله بأنه ليس الإنجيل وحده من قال هذا، بل هو أيضًا ما قاله كل الشيوخ الذين سمعوه من يوحنَّا في آسيا، والذين بدورهم سمعوه من باقي الرسل ((القديس إيرينيئوس أسقف ليون، ضد الهرطقات، 2: 22: 6 )): وأيضًا كما يشهد الإنجيل وجميع الشيوخ، هؤلاء الذين كلَّموا يوحنَّا تلميذ الرب في آسيا، أكدوا أن يوحنَّا أخبرهم بهذه المعلومة. وأنَّهقد بقى معهم إلى زمن تراجان. بعضهم لم يَر يوحنَّا فقط بل باقي الرُّسل أيضًا، وسمعوا نفس الكلام منهم، ويشهدون لهذا القَول. (القديس إيرينيئوس، ضد الهرطقات ٢: ٢٢: ٦) بطبيعة الحال، لو افترضنا أن حياة يسوع قد امتدت فعلًا لنحو 50 عامًا، فستظهر استشكالات كبيرة. فالإنجيلي لوقا ربط ميلاد المسيح بفترة حكم كيرينيوس حوالي سنة 6 ميلادية، وبحسب الإشارات التي في إنجيل متى فميلاد المسيح كان حوالي 4 ق. م. مما يعني أن النطاق التاريخي الذي لدينا لميلاد المسيح هو من 4 ق. م. إلى 6 م. بينما لو أخذ المؤرِّخ بكلام القديس إيرينيئوس كمعلومة مؤكدة، تختل الإزاحة ليصير يسوع وُلد ما بين 24 ق. م. إلى 14 ق. م. وهي حسابات لا تتماشى مع النصّ المدون في إنجيل متى، ولا في إنجيل لوقا. ولو حاولت أن توفَّق إيرينيئوس مع كلًا من متى ولوقا، فتقول أن يسوع قد وُلد في النطاق التاريخي الذي حددته الأناجيل، لكنه امتد به العمر لسن الخمسين، ستجد وقتها بحسب هذا الوضع التوفيقي أن يسوع كان مُعاصرًا لوقت إيمان بولس، والذي يُفترض أن يسوع ظهر له على طريق دمشق في الثلاثينيات من القرن الأول. الحسابات هكذا في كل أوضاعها مستحيلة، والحل المنطقي الوحيد هو أن يكون كلام إيرينيئوس خطأ! من أين أتى القديس إيرينيئوس بهذا الكلام؟ أولًا: من تقليد يهودي يقول إن إبراهيم إختُتِن في سن التاسعة والتسعين، لكي يكون ضَمَن للبشر في كل الأعمار إن يدخلوا في العهد مع الله ((Devin L. White, Jesus at Fifty: Irenaeus on John 8:57 and the Age of Jesus. The Journal of Theological Studies, 2020,  71(1) )). وهي نفس الفكرة التي قالها إيرينيئوس عن يسوع ((القديس إيرينيئوس أسقف ليون، ضد الهرطقات، 2: 22: 4 )). ثانيًا: من نصّ لاتيني من القرن الثالث يسمى: De montibus Sina et Sion يقول إن يسوع مات في سن 46 سنة. وهو رقم أتى من خلال تحويل اسم آدم باليوناني Ἀδάμ لمُكافئاته الرقميَّه ((Ἀ+δ+ά+μ = 1+4+1+40 = 46 ))، وهي فكرة كانت سائدة من قبل القرن الثالث. وفي أغلب الأحوال، المعلومة التي نقلها إيرينيئوس لها مصادر أخرى. هناك باحثين يرون أنه نقلها من بابياس  ولهم أدلة على ذلك ((George Ogg, The Age of Jesus when he Taught, New Testament Studies, 1959, 5(04) p. 291 )). على كل حال، هذا المثال يظهر لنا: على الرغم من أن إيرينيئوس نقل معلومة تحت عنوان التقليد -وهو من هو في مسألة التقليد- إلا أن المعلومة بالتأكيد خطأ. وبالتالي يكون المؤرِّخ حذرًا جدًا في التعامل مع النقل الشَّفاهي وفكرة النقل المُتسلسل داخل الجماعات ((چون إدوارد، سلسلة: الخبر كوسيلة معرفية، مقال: دقة النقل الشفاهي. )). --- ### مصر والنيل: الاتفاق المستحيل - Published: ۲۰۲۵-۰۳-۱۱ - Modified: 2025-03-11 - URL: https://tabcm.net/37003/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا في شهر مارس، تحل ذكرى مرور عشر سنوات على توقيع اتفاق إعلان المبادئ بين مصر والسودان وإثيوبيا بخصوص سد النهضة، والذي وقع في 23 مارس عام 2015. ومنذ ذلك التاريخ، جرت محاولات عديدة للوصول إلى اتفاق ملزم، إلا أن كل هذه المحاولات باءت بالفشل. نسعى في هذا المقال إلى إلقاء الضوء على موقف الدول الثلاث واستشراف مستقبل الخلاف في شهر مارس، تحل ذكرى مرور عشر سنوات على توقيع اتفاق إعلان المبادئ بين مصر والسودان وإثيوبيا بخصوص سد النهضة، والذي وقع في 23 مارس عام 2015. ومنذ ذلك التاريخ، جرت محاولات عديدة للوصول إلى اتفاق ملزم بين الدول الثلاث ينص على قواعد واضحة وملزمة لتشغيل سد النهضة الإثيوبي. إلا أن كل هذه المحاولات باءت بالفشل بسبب الرفض الإثيوبي للوصول إلى اتفاق ملزم، وتحركها الأحادي لملء بحيرة السد والانتهاء من إنشائه. نسعى في هذا المقال إلى إلقاء الضوء على موقف الدول الثلاث واستشراف مستقبل الخلاف. موقف مصر يتلخص الموقف المصري في الاعتراف بحق إثيوبيا في إنشاء سدود لتوليد الطاقة الكهربائية، مع التأكيد على عدم الانتقاص من حقوق مصر المائية في مياه النيل، باعتباره المصدر الرئيسي للحياة فيها. ولهذا، تتمسك مصر باتفاق إعلان المبادئ الموقع في 23 مارس 2015، الذي أعطى إثيوبيا الحق في بناء سد النهضة، إلا أنه اشترط الاتفاق على وضع قواعد لملء وتشغيل السد. ترى مصر أن هذا الاتفاق ملزم، وأنه أوجب الوصول إلى اتفاق بشأن قواعد الملء والتشغيل قبل البدء في الملء. وتعتبر مصر أن تحرك إثيوبيا بشكل منفرد لملء السد مخالف للقانون الدولي، ويعرض حياة 100 مليون مصري يعتمدون بشكل رئيسي على مياه النيل للتهديد. كذلك، تسعى مصر إلى أن يكون هذا الاتفاق شاملاً لكافة احتمالات تغيرات تدفق مياه النهر، واحتمالات الجفاف والجفاف الممتد، وأن يكون الاتفاق ملزماً قانوناً مع وجود آلية واضحة لتسوية المنازعات. كما ترفض مصر الربط بين هذا الاتفاق والاتفاقية الإطارية لحوض النيل التي لم توقع عليها، أو أي اتفاق آخر لإعادة تقسيم مياه النيل. وتشدد مصر على إتمام دراسات الأثر البيئي والاجتماعي التي طالب بها تقرير لجنة الخبراء الدولية، والتي رفضت إثيوبيا الاتفاق بشأنها على مدى أكثر من 7 سنوات. موقف إثيوبيا ترى إثيوبيا أن كونها دولة المنبع يعطيها الحق في استغلال مياه النيل كما استغلته مصر هذه المياه على مدى مئات السنين. وترى أن من حقها إقامة أي منشآت على النيل الأزرق بما يكفل تنمية وازدهار اقتصادها وتلبية احتياجات شعبها. وبناءً على ذلك، ترى إثيوبيا أن اتفاق إعلان المبادئ اتفاق غير ملزم، وبالتالي فهي ليست ملتزمة بالوصول إلى اتفاق حول الملء والتشغيل قبل البدء في ملء بحيرة السد. كما ترى إثيوبيا أن الاتفاق الذي نص عليه إعلان المبادئ هو مجرد مبادئ توجيهية أو استرشادية، وبالتالي فهو غير ملزم بطبيعته، ولا يفترض أن يمنعها من تغييره وفقًا لإرادتها المنفردة بصفتها مالكة السد. كذلك، لا يجب أن يمنعها هذا الاتفاق أو يحد من قدرتها على إنشاء سدود أخرى على النيل الأزرق. ترى إثيوبيا أن عدم الوصول إلى اتفاق يعود إلى تعنت مصر التي تتمسك باتفاق 1959 لتقسيم المياه بينها وبين السودان، وهو الاتفاق الذي لا تعترف به إثيوبيا. كما تتمسك إثيوبيا بأن يكون هذا الاتفاق اتفاقًا مؤقتًا يجب أن يحل محله اتفاق جديد دائم لتقسيم مياه النيل يتضمن كامل دول حوض النيل في إطار الاتفاقية الإطارية التي وقعتها إثيوبيا وعدد من دول حوض النيل عام 2010 ورفضتها مصر والسودان. موقف السودان السودان ترى أن لسد النهضة إيجابيات وسلبيات بالنسبة لها. لذلك، فهي تنتهج منهج الوساطة بين مصر وإثيوبيا، مع الحرص على الوصول إلى اتفاق يقيها الآثار السلبية للسد. ولهذا، ترى أن اتفاق إعلان المبادئ اتفاق ملزم، ويجب ألا تبدأ إثيوبيا الملء قبل الوصول إلى اتفاق. تتمثل أهم مطالب السودان في ألا يؤثر تشغيل سد النهضة على سلامة سد الروصيرص، الذي يقع شمال سد النهضة بحوالي 15 كيلومترًا فقط أسفل النهر. كذلك، تعطي السودان أولوية لإتمام الدراسات الخاصة بالسلامة الإنشائية للسد، نظرًا لأنها مهددة بكارثة بكل المقاييس في حال انهيار هذا السد. في أقرب محاولة للوصول لاتفاق عام 2020 طرحت كل من البلدان الثلاثة في المفاوضات مسودتها للاتفاق حول قواعد تشغيل السد. اتفقت المسودات على بعض النقاط واختلفت اختلافا شديدا في نقاط أخرى. على ماذا يتفق الدول الثلاث؟ أولًا: أنّ هذا الاتفاق لا يُعتبر اتفاقًا لتقسيم مياه النيل الأزرق، بل هو مجرّد اتفاق على ملء وتشغيل سدّ النهضة فقط. إلا أنّ إثيوبيا أضافت في مسودّتها فقرة زائدة على هذا المبدأ، تقول: ولا يُعتبر هذا الاتفاق محدِّدًا لحدّ الضرر الجسيم. وهي إضافة تهدف إلى عدم الالتزام في هذا الاتفاق بالكميات التي سيتمّ الاتفاق على تصريفها من سدّ النهضة كحدٍّ أدنى، بحيث إن قلّت عنه تتسبّب بضرر جسيم لمصر والسودان. والهدف من ذلك هو إطلاق يدها في إنشاء سدود مستقبلية أعلى سدّ النهضة، ممّا سيقلّل بالضرورة من تصريفات المياه في النيل الأزرق. وثانيًا: أنّ تعريف الجفاف هو أن يكون متوسّط التصريف عند سدّ النهضة أقلّ من 37 مليار متر مكعب في سنة هيدرولوجية ((متوسّط تدفّق مياه النيل الأزرق هو 49 مليار متر مكعب. )). وأنّ الجفاف الممتدّ هو مرور أربع سنوات متتالية بمتوسّط تصريف أقلّ من 37 مليار متر مكعب. إلا أنّهم اختلفوا في ماهية الإجراءات الواجب اتخاذها في حال حدوث هاتين الحالتين. لم تعترف إثيوبيا بحالة ثالثة، وهي حالة السنوات الجافة الطويلة التي تعرّفها المسودّتان المصرية والسودانية بأنّها مرور أربع سنوات متتالية يكون متوسّط التدفق فيها أقلّ من 40 مليار متر مكعب. كذلك، اتفق الأطراف على توقيت ملء خزان السد وعلى خطة الملء الأول على مدار خمس سنوات، مع إقرار أن الملء يجب أن يتم في الفترات المطيرة بين شهري يوليو وسبتمبر. إلا أن إثيوبيا نفذت ذلك من طرف واحد في السنوات الخمس الماضية. على ماذا يختلف البلدان الثلاثة؟ على الجانب الآخر، كانت هوة الخلافات واسعة في أكثر من نقطة. فمن الناحية الفنية، كان الخلاف الأكبر حول قواعد تشغيل السد في حالات الجفاف المختلفة: 1. في حالة الجفاف: تتضمن المسودة المصرية والسودانية (مع اختلافات طفيفة) جدولًا يضمن تصريف أكبر كمية ممكنة من المياه إلى مصر والسودان. وتعتمد هذه الكمية على مقدار تدفق النهر ومستوى بحيرة السد في تلك السنة، مع اشتراط ألا يقل مستوى البحيرة في جميع الأحوال عن 603 أمتار لضمان استمرار تشغيل توربينات السد بقدرة 80% من طاقتها الكلية. في المقابل، تتضمن المسودة الإثيوبية جدولًا مختلفًا لا يتضمن كميات المياه المتدفقة من السد، بل يتضمن مستوى البحيرة الذي ستنتهي به السنة المائية بناءً على تدفق المياه في تلك السنة، مع الحفاظ على ألا يقل مستوى البحيرة في أي حال من الأحوال عن 610 أمتار (أي بتخزين 30 مليار متر مكعب). وهذا سيشكل نقصًا واضحًا في موارد المياه لكل من مصر والسودان في سنوات الجفاف. 2. في حالة الجفاف الممتد: تختلف المسودات الثلاث حول الإجراء المفترض اتخاذه. وهذا هو أكبر نقاط الخلاف بين الأطراف الثلاثة: المسودة المصرية: يتم تصريف 100% من مخزون البحيرة أعلى مستوى 603 مترا على مدى أربع سنوات تالية. المسودة الإثيوبية: بالإضافة للتصريف المذكور في حالة الجفاف (وفقًا للجدول الإثيوبي) تجتمع اللجنة الفنية على إجراءات لإدارة الجفاف بما فيها تصريف كميات إضافية في حالة أن مستوى بحيرة السد أعلى من 610 مترًا. المسودة السودانية: بالإضافة للتصريف المذكور في حالة الجفاف (وفقًا للجدول المصري السوداني) تجتمع اللجنة الفنية على إجراءات لإدارة الجفاف بما فيها تصريف كميات إضافية في حالة أن مستوى بحيرة السد أعلى من 605 مترا. وهنا نرى فجوة واضحة بين الأطراف، حيث ترفض إثيوبيا تحديد رقم ثابت للتصريف في حالات الجفاف الممتد، وتترك الأمر للجنة فنية دون ضمانات لتوصل هذه اللجنة إلى اتفاق. بالإضافة إلى ذلك، تحد إثيوبيا من الكميات التي يمكن إضافتها في حالات الجفاف الممتد، وذلك لتمسكها بمستوى 610 مترًا للبحيرة، على الرغم من أن مستوى 603 أو 605 أمتار يعتبر كافيًا لتشغيل التوربينات بقدرة تصل إلى 80%. 3. في حالة السنوات الجافة الطويلة: وهي الحالة التي تحددها مصر بمرور خمس سنوات متتالية بمتوسط تصريف أقل من 40 مليار متر مكعب، وتحددها السودان بمتوسط تصريف يتراوح بين 38 و40 مليار متر مكعب المسودة المصرية: يتم تصريف 100% من مخزون البحيرة أعلى مستوى 603 مترا على مدى أربع سنوات تالية. المسودة السودانية: بالإضافة للتصريف المذكور في حالة الجفاف (وفقا للجدول المصري السوداني) تجتمع اللجنة الفنية على إجراءات لإدارة الجفاف بما فيها تصريف كميات إضافية في حالة أن مستوى بحيرة السد أعلى من 605 مترا. بينما ترفض إثيوبيا إقرار مبدأ السنوات الجافة الطويلة. الاختلاف القانوني كان الخلاف الأول بين الأطراف حول طبيعة الاتفاق. فمسودتا مصر والسودان تطلقان عليه الاتفاق على المبادئ التوجيهية، بينما تحذف إثيوبيا كلمة اتفاق من العنوان. يعكس ذلك موقف إثيوبيا الذي يرى أن هذا الاتفاق لا يجب أن يكون ملزمًا لها، وإنما مجرد مبادئ توجيهية قابلة للتغيير لاحقًا بإرادتها المنفردة بحكم ملكيتها للسد، أو على أقصى تقدير تخضع للتشاور بين الدول الثلاث. وهو الموقف الذي تتخذه إثيوبيا كذلك من اتفاق إعلان المبادئ الذي وُقِّع في عام 2015، حيث تعتبره إعلان مبادئ غير ملزم، وبالتالي لا يلزمها بإبرام اتفاق مع مصر والسودان. الاختلاف الثاني هو تضمين إثيوبيا في المادة الرابعة من مسودتها، تحت عنوان نطاق المبادئ التوجيهية والقواعد، بنداً ينص على أن هذا الاتفاق لا يُعد اعترافاً من إثيوبيا بتقسيم المياه القائم حالياً بين مصر والسودان، أي اتفاق 1959. في حين تعتبر مصر والسودان أنه لا علاقة بين الأمرين، وأن هذا الاتفاق يتعلق فقط بتشغيل سد النهضة. كذلك، ضمنت إثيوبيا هذه المادة بنداً يمنحها الحق في إجراء التعديلات اللازمة على هذه القواعد بما يمكنها من إنشاء أعمال أخرى أعلى النهر. وهو ما يصب في نفس المبدأ السابق، وهو أن إثيوبيا تعتبر هذا الاتفاق مجرد مبادئ توجيهية غير ملزمة. ثالثُ الاختلافات كان حول الموقف من الإنشاءات الأخرى على النهر، فإثيوبيا تخطط لإنشاء ثلاثة سدود أخرى أعلى سد النهضة. ولهذا، فإن المسودة المصرية في مادتها العاشرة تنص على أن الإنشاءات المستقبلية أعلى النهر يمكن إجراؤها دون المساس بهذا الاتفاق، وِفقًا لمبادئ القانون الدولي، بما في ذلك الحق في الاستخدام المتساوي والمعقول دون التسبب بضرر جسيم. وهو البند الذي رفضته إثيوبيا رفضًا باتًا. ولهذا، حاولت السودان في مسودتها الوصول إلى حل وسط، حيث أعادت صياغة هذا البند ليصبح: هذا الاتفاق لا يمس حقوق كافة الأطراف في إنشاء أعمال أعلى أو أسفل النهر وفقًا لمبادئ القانون الدولي. وهي الصياغة التي لا تضمن بصورة كافية ألا تمس السدود المستقبلية كميات المياه الواردة إلى مصر والسودان. رابع الخلافات هو طريقة تسوية المنازعات والمراجعة والتعديل. فمصر والسودان تطالبان بأنه في حالة عدم حل الخلافات بشأن تطبيق الاتفاق على مستوى اللجنة الفنية واللجنة الوزارية، يتم اللجوء إلى التحكيم من خلال المحكمة الدائمة للتحكيم في لاهاي، على أن يكون حكمها نهائياً وملزماً. بينما ترفض إثيوبيا بشدة تضمين الاتفاق هذه الآلية، وتكتفي بإحالة الخلاف لرؤساء الدول والحكومات للبت فيه. كذلك اختلف الأطراف على تحديد المدة التي يجب بعدها مراجعة الاتفاق، فمصر والسودان تحددانها بعشر سنوات، بينما تحددها إثيوبيا بخمس سنوات فقط. واختلفوا أيضاً على إجراءات التعديل، إذ تقر مصر والسودان بوجوب اتفاق الأطراف على التعديل وتوقيعه ثم إقراره عبر الطرق الدستورية بنفس الطريقة التي تم بها إقرار الاتفاق الأصلي، ما يعني أنه في حالة الفشل في الاتفاق على تعديلات، يبقى الوضع كما هو عليه. بينما تطالب إثيوبيا بأن يكون الفشل في الوصول إلى توافق على مراجعة الاتفاق مسوغاً لإنهاء الاتفاق كله، وهو ما يعطيها الفرصة للتنصل الكامل من الاتفاق بعد خمس سنوات فقط. بل تطلب إثيوبيا كذلك إتمام اتفاق متكامل على تقسيم مياه حوض النيل خلال عشر سنوات من إقرار هذا الاتفاق، وإلا يعتبر هذا الاتفاق لاغياً بنهاية العشر سنوات. وهو ما ترفضه مصر والسودان تماماً، وتطالبان بألا يتم إنهاء الاتفاق بأي حال من الأحوال إلا في حالة الوصول لاتفاق بديل بين الأطراف. جولات المفاوضات التي عُقدت منذ عام 2020 وحتى توقفها في ديسمبر 2023 لم تنجح في تضييق الفجوة بين الأطراف الثلاثة، في حين عمدت إثيوبيا إلى التحرك بشكل أحادي وأكملت الملء الأول لبحيرة السد في الصيف الماضي وبدأت تشغيل بعض التوربينات لإنتاج الكهرباء. ونظرًا لأن إيراد النهر كان فوق المتوسط في السنوات الخمس الأخيرة، لم يمثل الملء الأول مشكلة لمصر والسودان. إلا أنه مع بدء التشغيل ومع احتمالية دخول نهر النيل في دورة جفاف قادمة كما يحدث دوريًا، فمن الوارد أن تُظهر إثيوبيا تعنتًا في تصريف المياه، إذ تعطي أولوية لإنتاج الكهرباء مما يستلزم الحفاظ على مخزون البحيرة عند مستوى معين. هذا التعنت بدا واضحًا في محاولات الوصول إلى اتفاق، كما ذكرنا سابقًا. وهو ما يستوجب على مصر والسودان الضغط مجددًا على إثيوبيا للوصول إلى اتفاق على قواعد تشغيل السد بما لا يمس مصالحهما المائية كدولتي مصب، وعدم القبول بفرض إثيوبيا للأمر الواقع. --- ### الحل الثاني للجماعة - Published: ۲۰۲۵-۰۳-۱۰ - Modified: 2025-03-10 - URL: https://tabcm.net/35855/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: الإخوان المسلمين, السيد سابق, حسن أحمد عبد الرحمن محمد البنا, حسن إسماعيل الهضيبي, حسنين محمد مخلوف, رئيس جمال عبد الناصر, رئيس محمد أنور السادات, رئيس محمد نجيب, صالح أبو رقيق, صلاح أبو شادي, عبد الرحمن أحمد عبد الرحمن محمد البنا, عبد القادر عودة, مجتبى ميرلوحي نواب صفوي, مجلس قيادة الثورة, محمد خميس حميدة, محمود حسنين محمد مخلوف, منير أمين الدلة, موشيه شاريت, هنري ألفريد بيرود, يوسف عز الدين محمد طلعت لا تظنّوا أيها الإخوان المسلمون أني أجنبيٌّ عنكم، فإني واحدٌ منكم. إنني أذكر هذه السنين، والآمال التي كنّا نعمل من أجل تحقيقها، أذكرها وأرى بينكم من يستطيع أن يذكر معي هذا التاريخ وهذه الأيام، ويذكر في الوقت نفسه الآمال العظام التي كنّا نتوخّاها ونعتبرها أحلامًا بعيدة. نعم، أذكر في هذا الوقت، وفي مثل هذا المكان كيف كان حسن البنّا يلتقي مع الجميع ليعمل الجميع في سبيل المبادئ، وأشهد اللهَ أني أعمل لتنفيذ هذه المبادئ، وأفني فيها وأجاهد في سبيلها. (جمال عبد الناصر، ١٢ فبراير ١٩٥٣) عندما لم يجد الإخوان بدًّا من فرض وصايتهم على الثورة لتحقيق أهدافهم، بدأوا في مناصبتها العداء، وصار عداءهم لها واضحًا، خصوصًا عندما أطلق مجلس قيادة الثورة حملةً لتوحيد الأمة تحت مسمَّى الدين لله، والوطن للجميع. ولم يتوقف الإخوان عند هذا الحد، بل قاموا باتصالاتٍ عديدة مع الإنجليز لضرب الثورة. حيث قام كلٌّ من منير الدلة وصالح أبو رقيق باتصالاتٍ بكلٍّ من مستر إيفانز، المستشار الشرقي للسفارة البريطانية، والقاضي جراهام، من السفارة البريطانية، للتحالف معهما ضدّ مجلس قيادة الثورة. بلغ الأمر بالإخوان أن استعانوا بالولايات المتحدة الأمريكية، حيث اتصل محمود مخلوف، ابن الشيخ حسنين مخلوف شيخ الجامع الأزهر وابن شقيقة السيد الهضيبي المرشد العام، بالسفير الأمريكي هنري بيرود لتسهيل سفر إحدى صديقات موشيه شاريت وزير خارجية إسرائيل المقيمة في مصر، لأن سفر اليهود كان محظورًا من مصر في تلك الفترة، مقابل إزاحة عبد الناصر أو مساعدة الإخوان في الاتصال به. عرض مخلوف على السفير الأمريكي صفقة مفادها أنه عند وصول الإخوان إلى السلطة، يُمكن إجراء حوار أو مفاوضات للصلح مع إسرائيل. وصل تواطؤ الإخوان وتحالفهم ضد الثورة إلى حد قيامهم بتشكيل تنظيمات داخل الجيش والشرطة لتجنيد عناصرها للعمل تحت إمرة مرشد الجماعة. وعندما اكتشف عبد الناصر ذلك، استدعى كلًا من خميس حميدة، نائب المرشد، وسيد سابق لتحذيرهما. إلا أن الإخوان استمروا في ذلك النشاط التخريبي، وتابعوا نهج العنف في الجامعات، حيث هاجم شباب الإخوان أعضاء منظمة الشباب بالكرابيج والعصي، وكسروا ميكروفوناتهم. أدرك عبد الناصر أن الهضيبى بدأ يستعرض قوته الجديدة، متعجلًا الاشتباك مع الثورة لإرهابها، ولكن عبد الناصر لم تكن ترهبه مثل تلك المحاولات. فحينما علم بمحاولة الهضيبى إعادة بناء الجهاز السري، حاول من جانبه وأد تلك المحاولة في مهدها. وجاءته الفرصة المناسبة لبدء الهجوم على طبق من ذهب، عندما نظّم طلبة الإخوان في 12 يناير 1954، احتفالًا في جامعة القاهرة في ذكرى المنيسي وشاهين شهداء القنال من طلاب الجامعة، وخرجوا بعده يهتفون ضد الحكومة التي كانت تتفاوض مع الإنجليز حول الجلاء. وكان المركز العام للجماعة قد دعا مجتبى نواب صفوي، رجل الدين الشيعي، وزعيم حركة فدائيان إسلام الإيرانية المناوئة لحكم شاه إيران، لزيارة مصر. وقد قوبل بحماس شديد وترحيب حار من قِبَل الإخوان المسلمين، واستقبلوه بهتافات الله أكبر، ولله الحمد. فرد عليهم أعضاء شباب هيئة التحرير: الله أكبر، والعزة لمصر. وألقى نواب صفوي محاضرةً في جامعة القاهرة، وانتقد جمال عبد الناصر لاعتقاله عناصر الإخوان، فحدث صدامٌ شديدٌ بين الإخوان المسلمين وهيئة التحرير، فأحرق الإخوان سيارات جيب عسكريةً تابعةً لهيئة التحرير، وأُغلقت الجامعة. وفي 14 يناير 1954، اتخذ مجلس قيادة الثورة قراره بحل جماعة الإخوان المسلمين للمرة الثانية في تاريخها، باعتبارها حزبًا سياسيًا يُطبَّق عليه أمر مجلس قيادة الثورة الخاص بحل الأحزاب السياسية، ووقّعه رئيس مجلس قيادة الثورة، اللواء محمد نجيب، وعشرة آخرون من أعضاء مجلس قيادة الثورة، على رأسهم جمال عبد الناصر وأنور السادات. في أعقاب قرار الحل، أراد عبد الناصر أن يُشعِر قيادات الإخوان المسلمين القديمة والشارع السياسي المصري بأنه في صراعٍ فقط مع قيادة الهضيبي، وليس مع الإسلام. أي أن صراعه مع الإخوان صراعٌ سياسي وليس دينيًا. فتوجّه، بعد شهرٍ تقريبًا من حل جماعة الإخوان المسلمين، وتحديدًا في 12 فبراير 1953، إلى قبر حسن البنا، وبرفقته عددٌ من أعضاء مجلس قيادة الثورة. وكان عبد القادر عودة، القطب الإخواني البارز، وعبد الرحمن البنا، شقيق حسن البنا، في استقبال عبد الناصر عند وصوله إلى القبر. وفي مشهدٍ تاريخيّ، وقف عبد الناصر أمام القبر ليخطب مناشدًا قواعد الإخوان قائلًا: لا تظنّوا أيها الإخوان المسلمون أني أجنبيٌّ عنكم، فإني واحدٌ منكم. إنني أذكر هذه السنين، والآمال التي كنّا نعمل من أجل تحقيقها، أذكرها وأرى بينكم من يستطيع أن يذكر معي هذا التاريخ وهذه الأيام، ويذكر في الوقت نفسه الآمال العظام التي كنّا نتوخّاها ونعتبرها أحلامًا بعيدة. نعم، أذكر في هذا الوقت، وفي مثل هذا المكان كيف كان حسن البنّا يلتقي مع الجميع ليعمل الجميع في سبيل المبادئ، وأشهد اللهَ أني أعمل لتنفيذ هذه المبادئ، وأفني فيها وأجاهد في سبيلها. (جمال عبد الناصر، ١٢ فبراير ١٩٥٣) و أضاف ناصر أنه لم يكن قط نقيضًا للإسلام، وليس لديه ما يدعو إليه غيره، وأنه جنديّ مخلص من كتائب الدعوة الإسلامية والنهوض بأوطانه. وقد نجح عبد الناصر بحنكته السياسية التي دفعته إلى اتخاذ تلك الخطوة في سحب البساط من تحت أقدام خصمه حسن الهضيبي، فقد لاقت كلمته المؤثرة التي ألقاها على قبر البنا استحسان كثيرين من قواعد الإخوان وقياداتهم، وخففت في نفوسهم الأثر السيئ الذي أحدثه قراره بحل الجماعة. وبعد أن ألقى عبدالناصر كلمته ، رد عليه عبدالرحمن البنا قائلاً "إن مجيئك هنا يؤكد زعامتك لهذه الأمة وانتماءك الصحيح لدينها الحنيف ، وإخلاصك غير المنقوص للدعوة إليه" ، وطلب عبد الرحمن البنا من جمال عبدالناصر أن يفرج عن الإخوان المعتقلين الذين كانت قد مضت أيام على اعتقالهم فى أحداث جامعة القاهرة ، و ألقى نجيب كلمة أبكت الحاضرين ختمها بقوله "ما ضاع دم أسلم الى المجد أمة ، و ما مات ميت أعطى بلاده الحياة" وبعد أن ألقى عبد الناصر كلمته، رد عليه عبد الرحمن البنا قائلًا: إن مجيئك إلى هنا يؤكد زعامتك لهذه الأمة، وانتماءك الصحيح لدينها الحنيف، وإخلاصك غير المنقوص للدعوة إليه. ثم طلب عبد الرحمن البنا من جمال عبد الناصر أن يفرج عن الإخوان المعتقلين، الذين كانت قد مضت أيام على اعتقالهم في أحداث جامعة القاهرة. كما ألقى نجيب كلمة أبكت الحاضرين، ختمها بقوله: ما ضاع دم أُسلم إلى المجد أمة، وما مات ميتٌ أعطى بلاده الحياة. على الجانب الآخر، كون المرشد حسن الهضيبي، قبيل سفره إلى الأقطار العربية في أوائل يوليو ١٩٥٤، لجنةً قياديةً مهمتها مواجهة موقف الحكومة من الإخوان بما يلزم في ضوء الأحداث. وهذا طبيعي، لكن المثير للدهشة هو تكوين اللجنة، فاللجنة مُكوَّنة من: يوسف طلعت، قائد الجهاز السري الجديد؛ وصلاح شادي، رئيس قسم الوحدات بالجهاز الخاص؛ والشيخ فرغلي، صاحب مخزن السلاح الشهير بالإسماعيلية؛ ومحمود عبده، الذي كان من المنغمسين في شؤون الجهاز السري القديم. ومن الجدير بالذكر أن التنظيم الخاص الذي يدّعي الإخوان تأسيسه لمحاربة الاستعمار، غاب تمامًا عن معارك الكفاح المسلح في القنال عام ١٩٥٤. وقد تنصل المرشد العام آنذاك، المستشار الهضيبي، أي مشاركة فيه، قائلًا: كثُر تساؤل الناس عن موقف الإخوان المسلمين في الظروف الحاضرة، وكأن كل شباب مصر قد نفر إلى محاربة الإنجليز في القنال، ولم يتخلف سوى الإخوان. --- ### العهد مع آدم - Published: ۲۰۲۵-۰۳-۰۹ - Modified: 2025-03-09 - URL: https://tabcm.net/36676/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: آدم, الانجماع الكلي, الثالوث القدوس, تدبير الخلاص, حواء, شجرة الحياة, يعقوب الرسول أنهيت المقال السابق بموجز للعهد مع آدم، لكنِّي سأواصل معكم اليوم أيضًا في نفس العهد الأوَّل في سلسلة العهود، وهو العهد بين الله والإنسان. خلق الله الإنسان، متمثلًا في آدم. وعندما نذكر آدم، فإن المعنى يكمن في آدم وحواء معًا، اللذان يمثلان الجنس البشري أو الإنسان. فمن الإصحاحات الثلاث الأولى لسفر التكوين، التي تحمل لنا أسرارًا كثيرة، نستطيع أن نلمح بعضها، على قدر درايتي المتواضعة، أن المسؤولية التي أوكلت إلى آدم هي مسؤولية ملكية وكهنوتية. ففي الإصحاح الأول من سفر التكوين، يتضح لنا مسؤولية آدم كملك للخليقة، وفي الإصحاح الثاني من السفر نفسه، تتضح مسؤولية آدم ككاهن للخليقة. هدف الله من خلق آدم في اليوم السادس، بعد أن جهّز له في الأيام الخمسة السابقة كلّ المقومات المطلوبة، كما يُجهّز قصرٌ لملك قادم، هو أن يمارس آدم مهامه كملك وككاهن. وإذا حافظ آدم على العهد والعلاقة بينه وبين الخالق، وسلك في طريق النموّ كما كان في خطة الله له، فإنّ هدف الله الأسمى كان أن يسكن في هذا الهيكل، وأن يجمع الكلّ فيه، كما اتّضح لنا في رسالة أفسس، وهو ما يطلق عليه الآباء لفظ الانجماع الكلّي: لتدبير ملء الأزمنة، ليجمع كل شيء في المسيح، ما في السماوات وما على الأرض، في ذاك ((رسالة بولس إلى أفسس ١: ١٠ )). إذن، في تكوين ١، ٢، كان هناك تناغم بين الله والبشرية المتمثلة في آدم وحواء، وتناغم أيضًا بين البشرية والخليقة. إذن، لم يكن هناك فوضى أو خراب ما دام العهد قائمًا. لكن الصورة تنعكس في الإصحاح الثالث من سفر التكوين عندما يظهر في المشهد عنصر آخر، وهو الحية التي هي أحيل جميع الحيوانات، وهو ما أدى إلى صورة الفوضى والخراب التي أشارت إليها الآية في أول السفر ذاته: وكانت الأرض خربة وخالية، وعلى وجه الغمر ظلمة، وروح الله يرف على وجه المياه ((سفر التكوين ١: ٢ )). ومن هنا يتضح أن الفوضى والخراب هما حالة الأرض بعد السقوط، لأن الله خلق الكل حسنًا. لم يخلق الله الخراب والفوضى كما يذكر سفر الحكمة: إذ ليس الموت من صنع الله، ولا هلاك الأحياء يسره. لأنه إنما خلق الجميع للبقاء؛ فمواليد العالم إنما كونت معافاة، وليس فيها سم مهلك، ولا ولاية للجحيم على الأرض، لأن البر خالد ((سفر الحكمة ١: ١٣-١٥ )). لكن حدث أن كسر الإنسان العهد بينه وبين الله! ودخل في خدعة الحية وصدق قولها إن الله لا يمكن الوثوق به ولا يجب تصديق كلامه، فهو يمنعكما عن شجرة جيدة للأكل، مبهجة للعيون، شهية للنظر. وما زال العدو يمارس خداعه على بني البشر إلى الآن، فهو يخدع الجميع، وبالأحرى من يسمع لخداعه وكذبه. يكذب على الشاب لكي يفقد طهارته بحجة أنه يجب أن يجرب كل شيء، ويُجمّل له العلاقات خارج عهد الزواج، خلافًا لفكر الله حيث منذ البدء خلقهما الله ذكرًا وأنثى لتكوين أسرة تحت سلطان الله. ويكذب على المجتمع ويُجمّل لهم الحرية بمفهوم مغلوط، ولكنه يُجمّلها تحت شعارات فضفاضة. وحجته أن الله لا يمكن الوثوق به ولا يمكن أن نعتمد على غير المنظور، بحجة العقلانية والمنطق وفلسفة الأشياء في صورة حكمة أرضية نفسانية شيطانية، كما تذكر رسالة يعقوب الرسول. ويكذب ويخدع بعض المسيحيين أيضًا ليتخذوا من العبادة شكلها فقط، ونمارس المسيحية كدين، ويشكل العقول بإنجيل آخر كما ذكرت رسالة غلاطية في الإصحاح الأول. ويلخصها أيضًا لسان العطر بولس في كولوسي: التي لها حكاية حكمة، بعبادة نافلة، وتواضع، وقهر الجسد، ليس بقيمة ما من جهة إشباع البشرية ((رسالة بولس إلى كولوسي ٢: ٢٣ )). ومن هنا يتضح لنا أنه عندما كسر آدم العهد مع الله، حدث كسرٌ في العلاقة الرأسية بين الله والإنسان، وبالتبعية حدث كسرٌ في العلاقة الأفقية بين الجنسين (آدم وحواء)، وتحولت اللغة بينهما من معينٍ نظيره إلى لغة اللوم: فقال آدم: «المرأة التي جعلتها معي؛ هي أعطتني من الشجرة، فأكلت» ((سفر التكوين ٣: ١٢ )). وهكذا شُوِّهت العلاقة مع الخليقة أيضًا، وأصبحت الخليقة لا تخضع للإنسان، بل أصبحت الطبيعة لها سلطان عليه، ولم يعد من الممكن الدخول إلى عالم سفر التكوين، إصحاحَيْ ١، ٢، مرة أخرى. ولذلك وضع الرب كاروبيم بسيف ملتهب من نار، كحارس على شجرة الحياة التي في وسط الجنة، لئلا يأكل منها آدم ويعيش إلى الأبد في حالة السقوط. وهنا يظهر صلاح الله المطلق، لأن الله خلق الإنسان للخلود، ولكن على صورة ابنه يسوع، وليس ليعيش إلى الأبد في حالة من الفساد والموت. ومن هنا بدأ تدبير الخلاص وإعلانه على فم الرب في الأحكام الصادرة على الحية فقال: وأضع عداوة بينك وبين المرأة، وبين نسلك ونسلها. هو يسحق رأسك، وأنت تسحقين عقبه ((سفر التكوين ٣: ١٥ )). ونعلم أن نسل المرأة يسوع المسيح المتجسد، الله الظاهر في الجسد. ختامًا، أود أن ندرك أن تجسُّد الابن هو مفتاح ورأس كل أسرار الملكوت، الذي إذا أدركنا عمقه بالروح القدس، فسوف ندرك صلاح الرب المطلق ومحبته غير المشروطة. وإذ تمسكنا بالعهد المُبرم بين الله الآب والله الابن يسوع في الروح القدس، ونحن داخل هذا العهد على حساب عمل الثالوث القدوس، فسنعيش الحياة الأبدية، أي حياة الله. من هنا، وكما أراد الله أن يُهيئ قصرًا وهيكلًا في تكوين ١، ٢ ليسكن فيه، ها هو يسكن في هيكل كل إنسان قبل أن يستقبله كإلهٍ وربٍّ وسيدٍ وملك. عزيزي القارئ، أنتَ هو الهيكل، لأن الله لا يسكن إلا في هيكل، ولأنه لا يسكن في هياكل مصنوعة بأيدي بشر، بل في هيكل جسده. فنحن هيكله، وبيننا محل سكنى الرب على الأرض. فكّر في هذا المجد وهذا الامتياز، أنكَ مكان سكنى الرب. إنه لأمرٌ جليلٌ! فلنعظّم اسم الرب يسوع. آمين، هللويا. --- ### للنهضة جذور وللسياسة رأي - Published: ۲۰۲۵-۰۳-۰۸ - Modified: 2025-04-04 - URL: https://tabcm.net/36298/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: إكليروس, الأب متى المسكين, الحرب العالمية الثانية, الديمقراطية, العلمانية, العلمانيون والكنيسة, القرعة الهيكلية, الكرسي المرقسي, الكنيسة القبطية, المجلس الملي, المدرسة الإكليريكية, انتخاب البابا, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس الخامس, بابا كيرلس الرابع أبو الإصلاح, بابا كيرلس السادس, بابا يوساب الثاني, بطرس باشا نيروز غالي, توفيق دوس باشا, ثورة ٢٣ يوليو, جماعة الأمة القبطية, جمعية التوفيق القبطية, حبيب جرجس, خديوي توفيق, خديوي محمد سعيد باشا, خريف الغضب, دير الأنبا أنطونيوس, رئيس جمال عبد الناصر, رئيس محمد أنور السادات, رئيس محمد نجيب, سر الزيجة, سعد زغلول, سنكسار, قاسم أمين, كمال زاخر, مجلس الملي العام, محمد حسنين هيكل, محمد علي باشا الكبير, مدارس الأحد, مكرم عبيد, ملك فؤاد, ميلاد حنا كانت الإرساليات الأوربية والأمريكية، التي قصدت مصر باعتبارها بوابة إفريقيا، القارة العجوز، القابعة مع تراثها بعيدًا عن وهج التطور وحركة الزمن، وقد جاءت في موجات ثلاث، الأولى في أعطاف الحملة الفرنسية، والثانية مع الاحتلال الإنجليزي، والثالثة بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها وبزوغ نجم الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى. كانت هذه الإرساليات هي الشرارة التي أيقظت شباب الأقباط لينتبهوا لواقعهم المنبت الصلة بجذوره الضاربة في عمق التاريخ، لاهوتًا وعقيدة وطقسًا نواصل بسطورنا، الاقتراب من كنيسة اليوم بعد أن طوفنا، بقدر، حول الجذور البعيدة والتداعيات الأقرب التي نعتقد أن المحدثين بنوا عليها رؤيتهم، باجتهادات مقدرة، محكومة بخلفياتهم المعرفية، وعلى الرغم من اتفاقهم على السعي لإقالة الكنيسة من عثرتها، وإيقاظها من سُبات طال لقرون، إلا أن السبل التطبيقية تفرقت بهم وفرقت بينهم، ولم ينجحوا في بلورة رؤية توافقية تجمعهم، الأمر الذي عمق الفجوة بينهم. وأجدني بحاجة إلى نقطة نظام في اقترابنا من أزمنة معاشة، ما زالت محل جدل في كثيره صاخب، لذلك فسطوري ليست جزءً من هذا الجدل ولا تصلح أن تستخدم وقودًا له، وليست حكمًا على مرحلة ممتدة في تاريخ الكنيسة المعاصر، ولا استطيع أن أزعم قدرتي على هذا، فما أكتبه يأتي من موقف المراقب لجانب منها، يمكن في أقصي تقدير أن يُحسب شهادة تتبعت الحدث عن بعد أحيانًا وفي قلبه في حين آخر. ربما لهذا جاء حرصي على أن أجرد سطوري من أيّة انحيازات شخصية، وأن أُطوّف فوق الأحداث بعيون طائر، في محاولة للبحث عن مناخاتها، والأجواء المحيطة الدافعة لها، متفهمًا أن كل أطرافها انطلقوا بأمانة من نقطة السعي لإقامة الكنيسة والأقباط من عثرات وجدوا أنفسهم فيها بفعل تحولات عاتية أحاطت بهم، وكادت أن تقتلعهم، فكان حراكهم باتجاه حماية الهوية والكيان، وفي كل هذا أحمل كل التقدير لكل أطراف الأحداث وقد عاصرت كثيرها، بامتداد نصف قرن ويزيد، ونهلت من فكر أطرافها، حتى بعد أن تفرقت بهم السبل. ولم تأت النهايات بطوباوية وألق البدايات. ولا اتحسب لردود فعل شبكة المصالح، التي يمكن أن ترى في سطوري ما يتقاطع معها، وهم في كثيرهم يستمدون وجودهم من انحيازاتهم لطرف من أطراف المشهد الذي أقترب منه، ولا يقبلون بغير عصمته وتصنيمه بديلًا، وهم يتوزعون بين الفرقاء، كل في جبهته. كانت إرهاصات حراك سعي الاستفاقة، ضمن حراك مصري أشمل، مع صدمة الحملة الفرنسية التي نبهت المصريين أن هناك عوالم أخرى وراء البحر المتوسط، حجبها عنهم الاستعمار العثماني الغاشم، وفي أعطاف الحملة جاءت الإرساليات تحمل نسخًا عربية من الكتاب المقدس، وتسعى بين المصريين بخدماتها الصحية والإنسانية، تكافح الجهل والفقر والمرض، الأمر الذي استنفر أراخنة وشباب الأقباط بين مرحب ومتوجس ومقاوم، فذهبوا عبر عقود تالية في إنشاء الجمعيات الأهلية. تنبهت الكنيسة أيضًا لهذا وقد تبوأ الكرسي المرقسي راهب مستنير، الراهب القس داود الصومعي من دير الأنبا أنطونيوس ليصير "البابا كيرلس الرابع" (1853 - 1861م. ) استطاع في سني حبريته القليلة التي لم تكمل التسع سنوات، أن يدشن مسارًا قويًا للتعليم بافتتاح العديد من المدارس العامة ومنها مدرسة للبنات ليعيد الاعتبار للمرأة قبل دعوة قاسم أمين بنحو ثلاث عقود، وشرع مدارسه لكل المصريين، واصدر العديد من القرارات التي تُنظم عمل الإكليروس وترتقي بحياتهم، وتراقب انضباط الأديرة والتزام الرهبان بنذورهم، وتنظم سر الزيجة وضرورة استطلاع رأى البنات وموافقتهن، وخدم وطنه بمصالحته مع الحبشة . واستقدم ثاني أكبر مطبعة بعد مطبعة محمد علي باشا، وأيد سعيد باشا، والي مصر آنذاك وإبن محمد علي باشا، في قراره بالتجنيد الإجباري لكل المصريين، في تأكيد على مواطنة الأقباط، وتعرض للعديد من المؤامرات من جهات عديدة، حتى مات مسمومًا بمكيدة من المتربصين له. سنوات قليلة تفصل بين رحيله وجلوس البابا كيرلس الخامس الذي امتدت حبريته لما يزيد على النصف قرن (1874 - 1927م. ) الذي استكمل مشوار الإصلاح والمتاعب بآن، وفور توليه المسؤولية، وجه عنايته إلى الاهتمام ببناء الكنائس وتجديد الأديرة والعطف على الفقراء والعناية بشؤون الرهبان، حسب ما ورد بسيرته في كتاب السنكسار، وعين الأستاذ حبيب جرجس مدير المدرسة الإكليريكية شماسًا خاصًا له، ووافقه على مشروعه بإنشاء منظومة مدارس الأحد، وكلفه بالسير فيه في السنة الأولى من القرن العشرين، وفي سياق اهتمامه بالتعليم أنشأ مدرسة بولاق للتعليم الصناعي ، واستكمل بناء وتشييد الكاتدرائية المرقسية الكبرى بالأزبكية. في عهده صدر قرار تشكيل المجلس الملي العام من رئاسة مجلس النظار باسم مجلس الأقباط الأرثوذكسيين العمومي، وصدر الأمر العالي من الخديوي توفيق بلائحة المجلس الملي للمرة الأولى في يناير 1874، تنظم عمل وصلاحيات المجلس فيما يتعلق بمصالح الكنائس وأحوالها وفي المدارس والأوقاف والفقراء والأحوال الشخصية، ويتشكل من 24 عضوًا من أبناء الكنيسة، ويترأسه البابا البطريرك، وكان أول وكيل للمجلس هو بطرس باشا غالي صاحب فكرة إنشاءه. لم يدم الوفاق بين البابا البطريرك والمجلس، تأسيسًا على معطيات المجتمع الأبوي الكنسي الذي اعتبر إدارة المجلس لممتلكات الكنيسة انتقاصًا من سلطة ودور الإكليروس، ولما استفحل النزاع بادر نفر من أراخنة الأقباط بتأسيس جمعية التوفيق القبطية في سعى لتوفيق الأوضاع ورأب الصدع بين البابا والمجلس، ولكن النزاع ظل قائمًا، بل وتوارثته الكنيسة حتى اليوم، وهو أمر يحتاج إعادة فحص في ضوء معطيات الحياة بعد انتهاء عصر الملل والنحل، وعلى أرضية التكامل بين أبناء الكنيسة وإكليروسها. كان للبابا موقفًا رافضًا لاتجاه عقد مؤتمر عام للأقباط في أسيوط، لكن المؤتمر عُقد عام 1911 لبحث مشاكلهم الداخلية والاجتماعية ومساواتهم بمواطنيهم في كافة الحقوق الوطنية والإدارية، الأمر الذي قوبل بعقد مؤتمر مناظر للمسلمين الذي عُقد في مصر الجديدة يوم 29 أبريل 1911 برئاسة مصطفى رياض باشا. وتأتي ثورة 1919 لتنتصر لمصر وطنًا لكل المصريين. كانت الإرساليات الأوربية والأمريكية، التي قصدت مصر باعتبارها بوابة إفريقيا، القارة العجوز، القابعة مع تراثها بعيدًا عن وهج التطور وحركة الزمن، وقد جاءت في موجات ثلاث، الأولى في أعطاف الحملة الفرنسية، والثانية مع الاحتلال الإنجليزي، والثالثة بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها وبزوغ نجم الولايات المتحدة الأمريكية كقوة عظمى. كانت هذه الإرساليات هي الشرارة التي أيقظت شباب الأقباط لينتبهوا لواقعهم المنبت الصلة بجذوره الضاربة في عمق التاريخ، لاهوتًا وعقيدة وطقسًا وحياة لكنيسة كان لها دورها الفاعل في حفظ الإيمان وتوثيقه بتدقيق للعالم كله. كانت ردود أفعالهم باتجاه وصل ما انقطع متنوعة بحسب خلفية وتوجه ووعى كل فريق، اتفقوا في الهدف وتنوعوا في الوسائل. ويمكننا رصد ثلاث تيارات كبرى، الأول ذهب إلى العمل الاجتماعي عبر تأسيس الجمعيات الأهلية في دوائر الصحة والتعليم وإيواء الأطفال والمسنين، ومساعدة المعوزين، وطيف من هذه الجمعيات اهتم ببناء الوعي الروحي، وتبنى بناء الكنائس في المناطق ذات الكثافة القبطية. التيار الثاني انخرط في العمل السياسي عبر الانضمام للأحزاب وفي مقدمتها حزب الوفد، وفي تطور لاحق انشق بعضهم عنه ليشكّلوا حزب الكتلة الوفدية بزعامة مكرم عبيد "المجاهد الأكبر"، وفي بدايات عصر ثورة ٢٣ يوليو ١٩٥٢، يشكّل بعض من شباب الأقباط جماعة الأمة القبطية التي وجدت ترحيبًا من قادة الثورة، لكنها كانت ضحية اختلاف أجنحة الثورة فسرعان ما صدر قرار بحلها عقب صعود نجم جمال عبد الناصر وتنحية اللواء محمد نجيب. التيار الثالث سعى لتعليم النشء والشباب المبادئ والقيم المسيحية الذي تبلور في منظومة مدارس الأحد التي استطاعت أن تجمع بين حراك الشباب القبطي ومباركة البابا البطريرك وقتها البابا كيرلس الخامس، الذي أسند هذه المهمة للشماس حبيب جرجس الذي قام بتشكيل لجنة عليا لها بعد أن امتد نشاطها إلى محافظات الإقليم انطلاقًا من القاهرة. شكّل أعضاء اللجنة العليا لمدارس الأحد نواة بعث الكنيسة مجددًا، وأصدروا مجلة شهرية تحمل رؤيتهم ومنهجهم مجلة مدارس الأحد وجعلوا شعارها؛ رسالة البعث الجديد، وكتبوا في افتتاحية العدد الأول في تعريف القارئ بالإصدار الجديد؛ أبريل 1947، ما يلي ((مجلة مدارس الأحد، عدد أبريل ١٩٤٧، افتتاحية العدد الأول. )): بيد قوية، هي يد الله العلى القدير، تصدر مجلة مدارس الأحد، وما قصدنا من إصدارها زيادة عدد ما يصدر من مجلات... لكننا رغبنا في أن نبعث بعثًا جديدًا في المجتمع القبطي... لقد اعتزمنا أن تكون مجلة مدارس الأحد صدى لصوت الله الرهيب لإصلاح الفرد والمجتمع، ليجد فيها هؤلاء جميعًا غذائهم الروحي والاجتماعي والأدبي والعلمي. (مجلة مدارس الأحد، عدد أبريل ١٩٤٧) وفي افتتاحية السنة الرابعة للمجلة، يناير 1950، يعيدون التأكيد على أهداف المجلة، بأكثر تفصيلًا يختتمونه بقولهم ((مجلة مدارس الأحد، عدد يناير ١٩٥٠، افتتاحية السنة الرابعة. )): هذه المجلة تريد أن ترفع الصوت عاليًا، وتنبه كل مسؤول، وكل فرد، وإنها لتريد أن تخلق الرأي العام في الكنيسة، وأن توجهه، حتى يضطر كل واحد ممن يقود كنيستنا أن يتوارى، ولا يظهر أمام الناس حين يعمل ما يخالف رسالة الكنيسة، أو حين يحاول أن يشغلنا بالأمور التافهة. (مجلة مدارس الأحد، عدد يناير ١٩٥٠) للمزيد من التفاصيل عن جماعة الأمة القبطية، ومنظومة مدارس الأحد، النشأة والمسار والمآلات، يمكن الرجوع إلى كتاب العلمانيون والكنيسة للكاتب ((كمال زاخر، العلمانيون والكنيسة... صراعات وتحالفات، 2009. )). يطرق نفر من قيادات مدارس الأحد أبواب الأديرة، في مجازفة محسوبة، بعد أن أدركوا أن الطريق الأوحد للإصلاح الكنسي، وفق تراثها، هو من خلال قيادة الإكليروس، التي تُختار حصرًا من الرهبان، وقد تحقق لهم ذلك، وهو أمر يحسب لهم ويؤكد على رغبتهم القوية في إصلاح الكنيسة وردها إلى ما كانت عليه في عصور الاستنارة والقوة، وبمراجعة أحداث تلك الفترة نجد أسماء قطبي فرقاء اليوم في كشوف المرشحين للكرسي البابوي في المرتين اللتين خلى فيهما؛ 1956 و1971، وهي محتشدة بالمواجهات والصراعات والتدخلات، التي صارت عنوان أحداث السنوات التالية لهما. انتبهت القيادات السياسية مبكرًا لدور وتأثير وأهمية القيادة الكنسية في تشكيل ذهنية الأقباط فحرصت على التدخل في اختيارها، بأشكال متعددة، وقد رأينا ذلك في موقف الملك فؤاد، وقت اختيار البابا البطريرك بعد خلو الكرسي برحيل البابا كيرلس الخامس، وأراد الملك اختيار الأنبا يوأنس، مطران البحيرة والمنوفية ووكيل الكرازة المرقسية، وتم تكليف توفيق باشا دوس، أحد أعضاء الوفد الذين تم نفيهم مع الزعيم سعد زغلول، وأحد أعضاء لجنة إعداد دستور 1923، بإعداد مشروعًا سريعًا للائحة مؤقتة صدر بها الأمر الملكي في أول ديسمبر 1928، وكانت أول لائحة تنظم عملية ترشيح وانتخاب البابا البطريرك. ويتكرر تدخل القيادة السياسية مرة أخرى عندما يخلو الكرسي البابوي برحيل البابا يوساب الثاني، ويترشح شباب الرهبان في انتخابات البابا، الجديد الأمر الذي أقلق شيوخ المجمع وقيادات ثورة يوليو 52، وكان لكل منهما أسبابه الخاصة، بين تخوف شيوخ المجمع وفكرهم المحافظ من ثورية واندفاع الشباب الذي ترجمته صفحات مجلة مدارس الأحد، وبين تخوف شباب قيادة الثورة من مطالب الرهبان الشبان في تحقيق مشاركة حقيقية للأقباط في الشأن السياسي، الأمر الذي دفعهما -المطارنة وقيادات يوليو- إلى الاتفاق على تعديل لائحة انتخاب البابا البطريرك. ويتم إضافة تعديلين؛ الأول: ألا يقل سن المرشح عن أربعين سنة، والثاني: ألا تقل مدة رهبنته عن خمسة عشر عامًا، وكان من نتيجة هذا أن تم استبعاد كل المرشحين الشباب وقتها وفي مقدمتهم القمص متى المسكين، والقمص أنطونيوس السرياني إجرائيًا من قائمة المرشحين. واللافت أن تتضمن اللائحة الجديدة تلك، نصًا جديدًا لم تعرفه الكنيسة بامتداد خبرتها في اختيار الآباء البطاركة، وهو إجراء القرعة الهيكلية بين أكبر ثلاثة مرشحين حصولًا على أصوات الجمعية الانتخابية، وقيل في تسويغها أنها تأتي تأسيًا بواقعة حدثت بكنيسة الرسل في اختيار بديل ليهوذا التلميذ الذي شنق نفسه تحت تأنيب الضمير بعد خيانته لسيده، وهي مقاربة متهافتة تفتقر للدقة، بين مناخ الكنيسة الأولى والتساوي المطلق بين الأسماء المطروحة آنذاك، وبين أدوات العصر والتفاوتات بين مرشحيه. ويقرأ المحللين هذه الإضافة بأنها جاءت لتفرغ العملية الانتخابية من مضمونها، برؤية سياسية ترفض أن يأتي البابا عبر عملية انتخابية ديمقراطية فيما يأتي رئيس الجمهورية -آنذاك- بالاستفتاء، في غياب التعددية التنافسية. وفي سطور معدودات يذكر الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل في كتابه خريف الغضب ما نصه ((محمد حسنين هيكل، خريف الغضب، الجزء الرابع: «الكنيسة القبطية»، الفصل الخامس: «الراهب المقاتل». )): أتاحت لي المصادفات مرة أن أحضر مناقشة في بيت الرئيس السادات في الجيزة حول انتخابات البابا الجديد بعد وفاة البابا كيرلس السادس. كان الاجتماع يضم كلًا من الرئيس السادات، ووزير الداخلية في ذلك الوقت السيد ممدوح سالم، ونائب رئيس الوزراء الدكتور محمد عبد السلام الزيات، ولقد رحت أتابع تفاصيل المناقشة، وكان موضوعها الاحتمالات الممكنة في انتخابات البابا الجديد. وبدا لي من سير المناقشات أن الأمر انتهى إلى منافسة بين اثنين من الرهبان أحدهما من الجيل القديم والآخر من جيل الرهبان الجدد المتحمسين وهو؛ الأنبا شنودة. كان واضحًا من سير المناقشة الدائرة أن وزير الداخلية يميل إلى تأييد إنتخاب الأنبا شنودة، فقد كانت بينهما معرفة، وكانت الصلات بينهما صلات ود وثقة. (محمد حسنين هيكل، خريف الغضب) يستكمل هيكل بأن السادات طلب رأيه الذي جاء منحازًا لترجيح كفة الأكبر سنًا لاعتبارات عديدة، ثم يستطرد ((محمد حسنين هيكل، خريف الغضب، الجزء الرابع: «الكنيسة القبطية»، الفصل الخامس: «الراهب المقاتل». )): انحاز السادات إلى رأى وزير الداخلية، وكان من عجائب المصادفات بعدها أنه حين تمت إجراءات الانتخابات ودخل الطفل إلى الغرفة المظلمة يسحب ورقة من الصندوق الصغير فإن الاسم الذي كان مكتوبًا عليها كان هو اسم الأنبا شنودة. (محمد حسنين هيكل، خريف الغضب)   طالت بنا أطروحتنا، ومازال عندي الكثير الذي تحمله الكلمة الأخيرة، لذلك استأذنكم في جزء رابع، أحسبه أخير، يطرح ما يلي: التحولات السياسية خارج الكنيسة وانتباه السلطة الحاكمة للدور المحوري للكنيسة في حياة الأقباط. مقولة ميلاد حنا عن اختزال الدولة للكنيسة في البابا. السمات الشخصية للفرقاء، وتطور العلاقات بين الأقطاب. اختيار الأساقفة؛ بين أهل الخبرة وأهل الثقة. تفتيت (تقسيم) الإيبارشيات؛ الفكرة والتطبيق (الأسقف الجديد: أزمة التكوين - المقر - الرسامات). الكنيسة بحكم التكوين مجتمع أبوي، انعكاسات هذا على أزمة مشاركة المدنيين في إدارة الكنيسة؛ المجلس المليّ، ونظرة كل البطاركة له. اتجاه الرهبنة لتطوير عمل اليدين؛ النظرية وتداعيات التطبيق. أزمة التعليم وترجمة التراث اللاهوتي الآبائي. واقع الإكليريكية والأديرة، وانعكاسه على مستوى الإكليروس. وأخيرًا... - رؤية فى الحلول. --- ### الخطية الجدية عند باسيليوس الكبير [٢] - Published: ۲۰۲۵-۰۳-۰۷ - Modified: 2025-03-07 - URL: https://tabcm.net/36522/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: آدم, أيام الخليقة, الشيطان, المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية, باسيليوس الكبير، أسقف قيصرية الكبادوك, بيشوي الأنطوني, چورچ حبيب بباوي, چورچ عوض إبراهيم, دار القديس يوحنا الحبيب للنشر, دار جذور للترجمة والنشر والتوزيع, قديس أوغسطينوس، أسقف هيبو, ليتورچي نستكمل في هذا البحث مفهوم الخطية الجدية عند ق. باسيليوس الكبير رئيس أساقفة قيصرية الكبادوك بآسيا الصغرى، وواضع الليتورچية المسمَّى باسمه، التي نصلي بها في كنيستنا إلى اليوم. وذلك لنرى هل يتفق تعليم ق. باسيليوس الكبير مع تعليم أوغسطينوس أسقف هيبو في الغرب اللاتينيّ عن الخطية الأصلية الموروثة من آدم إلى نسله من بعده. دحض تعليم القدرية والجبرية يدحض ق. باسيليوس مذهب القدرية والجبرية والحتمية الإلهية، الذي تبناه أوغسطينوس أسقف هيبو في الغرب اللاتينيّ، حيث يرى ق. باسيليوس أن أصل فضائلنا وشرورنا يكمن في داخلنا، وإنه ليس قدرنا الناتج عن ميلادنا، وهكذا يرفض الإرادة المقيَّدة بالشر بضرورة حتمية. لأنه لو صحَّ ذلك، فلا ذنب على السارق أو القاتل، إنما كُتِبَ هذا عليه ويستحيل عليه التراجع، لأنه مدفوع إلى الشر بضرورة حتمية كالتالي: ((باسيليوس الكبير، أيام الخليقة الستة، ترجمة: القمص بيشوي الأنطوني، مراجعة: الأنبا بطرس الأسقف العام، دار القديس يوحنا الحبيب للنشر، 1996، عظة 6: 7، ص 71. )) لو أن أصل فضائلنا وشرورنا لا يكمن في داخلنا، وإنما هو قدرنا الناتج عن ميلادنا، لماذا، إذًا، حدَّد لنا المشرِّعون ما يجب علينا أن نقوم به وما يجب تجنبه؟ وما الفائدة أن يُكرِّم القضاة الفضيلة ويعاقبون الرذيلة. الذنب ليس في السارق أو القاتل، إنما كُتِبَ عليه واستحال عليه أن يتراجع فقد دُفِعَ للشر بضرورة حتمية. ونحن المسيحيون، لن يكون لنا أمل، فالإنسان مُسيَّر ولا يتصرف بحرية، فهو لا يُكافأ لعدله أو يُعاقب على شره. فبالضرورة وتبعًا للقدر ليس هناك مكانًا للدينونة العادلة. (باسيليوس الكبير، أيام الخليقة الستة) يدحض ق. باسيليوس تعاليم أوغسطينوس عن القدرية وسبق التعيين المزدوج للخلاص والهلاك، بالتأكيد على أنه لا يجب تنفيذ أمر الله بالإجبار، بل بالحرية التوَّاقة إلى فعل الخير واكتساب الفضائل. تتحقَّق الفضيلة بالإرادة الحرة لا بالإجبار، بينما تتوقف الإرادة الحرة على مدى استعدادنا الداخليّ، وهذا الاستعداد هو الحرية الداخلية. ثم يرد ق. باسيليوس على سؤال: لماذا لم يخلق طبيعتنا مُسيَّرة نحو الخير؟ فيقول إنَّ مَنْ يُفضِّل الطبيعة غير العاقلة (المسيَّرة) مُحتقرًا الطبيعة العاقلة (المخيَّرة) هو مَنْ يريد طبيعة غير ميَّالة للخطية. ((باسيليوس الكبير، الله ليس مسببًا للشرور، ترجمة: د. چورچ عوض، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2012، ص 34، 35. )) الخطية فعل إرادي وليس فعل موروث يرد ق. باسيليوس على اعتراض رؤية وجود الشر وفعله الظاهر وانتشاره في العالم، بأنَّ المرض هو انحراف الأعضاء عن أداء وظيفتها الطبيعية، الله خلق الجسد وليس المرض، لقد خلق الله النفس، ولم يخلق الخطية، بالتالي، وجود الشر بسبب قَبُول النفس للشر وابتعادها عن حالتها الطبيعية. لقد كان مكان النفس بجوار الله، وكان الخير بالنسبة لها هو الاتحاد بالله بالمحبة، ثم سقطت من هذا المكان، وعانت أمراض كثيرة. نفس الإنسان لها حرية إرادة لقبول أو رفض الشر حسب خلقتها على صورة الله. نالت النفس الصلاح، وتعرف جيدًا الاستمتاع به، ولديها القدرة على الحفاظ على حياتها الطبيعية، طالمَا تظل في الاستمتاع بالروحيات، ولديها القدرة على رفض الصلاح. بينما تنحاز النفس إلى الجسد بسبب حب الملذات والشهوات، حيث تنفصل عن السماويات للالتصاق بمباهج العالم. ((باسيليوس الكبير، الله ليس مسببًا للشرور، ترجمة: د. چورچ عوض، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2012، ص 32، 33. )) يشير ق. باسيليوس إلى أن الخطية فعل إراديّ وليس فعل موروث، حيث تمتلك النفس بجملتها الإرادة الخاطئة، وتستعين بالجسد لعمل الشر، وذلك بانفصال النفس عن الروح القدس كالتالي: ((باسيليوس الكبير، الروح القدس، ترجمة: د. چورچ حبيب بباوي، جذور للنشر، 2014، 16: 40، ص 119، 120. )) وكذلك النفس لا تُشطَر إلى شطرين، بل النفس بجملتها هي التي تملك الإرادة الخاطئة، وتستعين بالجسد لعمل الشر. ولكن الشَّطر إلى قسمين -كما ذكرت- هو الانفصال التام للنفس عن الروح القدس. (باسيليوس الكبير، الروح القدس) الخطية الجدية هي الابتعاد الإرادي عن الله لقد كان آدم في السماء بالمفهوم الروحيّ وليس المكانيّ، شعر بشبعٍ زائفٍ من هذه الخيرات السمائية، وفضَّل مباهج العيون الجسدية عن الجمال الروحيّ، بدَّل الاستمتاع بالروحيات، فَضَّلَ ملء بطنه، فطُرِدَ خارج الفردوس، وخارج ذلك المحيط الطوباويّ، وصار شريرًا لا عن إجبار، بل عن عدم استنارة، ووقع في الخطية باختياره السيء، ومات بسبب الخطية. كل مَنْ يبتعد عن الله الذي هو الحياة، يقترب من الموت، وغياب الحياة هو الموت. هكذا صنع الإنسان الموت بابتعاده عن الله، الله ليس خالق الموت، بل نحن جلبناه على أنفسنا بالإرادة الشريرة، ولم يُوقِف الله الانحلال الذي يحمله الموت حتى لا يظل المرض (الخطية) بلا نهاية كالتالي: ((باسيليوس الكبير، الله ليس مسببًا للشرور، ترجمة: د. چورچ عوض إبراهيم، القاهرة، 2012، ص 33، 34. )) لقد كان آدم في السماء بالمفهوم الروحيّ وليس المكانيّ، وفور أن دبَّت فيه الحياة، ونظر نحو السماء امتلأ فرحًا إذ نظر هذه الأشياء التي رآها. لكن بينما كان في حماية الله متمتعًا بخيراته، شعر بشبعٍ زائفٍ من هذه الخيرات السمائية، وفضَّل ما يبهج عينيه الجسدية على الجمال الروحيّ، وبدلًا من أن يستمتع بالأمور الروحية فضَّل أن يملأ بطنه، وللتو وجد نفسه خارج الفردوس، خارج تلك البيئة الطوباوية التي كانت محيطة به. وصار شريرًا ليس عن إجبار، ولكن عن عدم استنارة. إذًا، فهو الذي وقع في الخطية عن طريق اختياره السيء، ومات بسبب الخطية، لأن أجرة الخطيئة هي موت ((رسالة بولس إلى رومية 6: 23 ))، أي كل مَن يبتعد عن الحياة يقترب من الموت، لأن الله هو الحياة، وغياب الحياة هو موت. هكذا جلب آدم الموت على نفسه وصنعه بابتعاده عن الله وفق المكتوب في المزمور: لأنه هوذا البُعداء عنك يبيدون ((مزمور 73: 27 )). هكذا، ليس الله هو الذي خلق الموت، لكن نحن الذين جلبناه على أنفسنا بالإرادة الشريرة. لكن الله لم يُوقِف الانحلال الذي يحمله الموت حتى لا يظلّ المرض بدون نهاية. (باسيليوس الكبير، الله ليس مسببًا للشرور) الخطية والشر هما اغتراب عن الله يُفسِّر ق. باسيليوس علة وجود الشيطان بأنَّ استعداده الشخصيّ هو الذي جعله شريرًا، كان لديه حرية بمقدرته أنَّ يظل بالقرب من الله، أو يتغرب عن الله الصالح، اختيار الشيطان الحر هو الذي جعله يُلقِي بنفسه لأسفل؛ لأنَّ الشر هو الاغتراب والابتعاد عن الله الذي جعله مطرودًا. الشيطان شرير بإرادته، ولم يصر ضد الصلاح بطبيعته كالتالي: ((باسيليوس الكبير، الله ليس مسببًا للشرور، ترجمة: د. چورچ عوض إبراهيم، القاهرة، 2012، ص 36. )) أيضًا على نفس المنوال: كيف صار الشيطان شريرًا؟ نفس الإجابة، كان الشيطان لديه حرية، كان بمقدرته أن يظلَّ بالقرب من الله، أو يتغرب عن الله الصالح. غبريال كان ملاكًا يقف دائمًا بالقرب من الله، والشيطان أيضًا كان ملاكًا، ولكنه سقط من رتبته. إرادة الملاك غبريال هي التي حفظته في السماء، أمَّا بالنسبة للشيطان، فإن اختياره الحر هو الذي ألقى به إلى أسفل. إذًا، الشرّ هو الاغتراب والابتعاد عن الله. بالتفاتة صغيرة من العين تجعلنا نكون تجاه الشمس أو تجاه ظل جسدنا. فالاستنارة والنور هما نصيب مَن نظر إلى فوق، أمَّا الظلام فهو مصير ذاك الذي يلتفت نحو الظلال. هكذا، فإن الشيطان صار شريرًا بإرادته، ولم يصر مُضادًا للصلاح بطبيعته. (باسيليوس الكبير، الله ليس مسببًا للشرور) الخطية الجدية هي فقدان أغطية النعمة يشير ق. باسيليوس إلى أن أسباب سقوط الإنسان هي حسد إبليس الذي أوقعنا، وجعل عداوة الله داخلنا، وكانت النتائج هي: اعتياد فعل الشرور الذي ينشئ في النفس شرورًا أعظم حتى لو كان الضرر غير مُباشر، بالإضافة إلى التلذُّذ بمنظر العري والاهتمامات الجسدية الضارة. وفقدان أغطية النعمة بممارسة الرذيلة تحت تأثير إبليس، أي نعمة الله التي يلتحف بها الملائكة كالتالي: ((باسيليوس الكبير، الله ليس مسببًا للشرور، ترجمة: د. چورچ عوض إبراهيم، القاهرة، 2012، ص 37-40. )) فالشيطان هذا الوعاء المملوء بالشر قد حسدنا من أجل المكانة التي منحها الله لنا. لم يطق أن نحيا في الفردوس بدون حزن. لذا خدع الإنسان بالدسائس والمكائد وانتهز فرصة اشتياق الإنسان لأنه يتشبه بالله، فخدعه وأظهر له بهجة الشجرة، ووعده بأنه إذَا أكل من ثمرتها سوف يصير مثل اللهلم يُخلَق هذا الملاكلكي يكون عدوًا لنا، ولكنه جراء الحسد انتهى إلى هذه الحالة صائرًا عدوًا لنا. وإذ رأى نفسه سقط من مكانة الملائكة، فلم يستطع أن يرى الإنسان الأرضيّ يرتفع مرتقيًا نحو رتبة الملائكةهكذا اعتياد فعل الشرور يُنشِئ في النفس شرورًا عظيمةً حتى لو كان الضرر لا يحدث بطريقةٍ مُباشرةٍ. لم ينتج عن الأكل من الشجرة المحرَّمة عصيان الوصية فقط، بل أيضًا معرفة العُري الجسديّ، لأنه مكتوب: فانفتحت أعينهما وعلِما أنهما عريانان ((سفر التكوين 3: 7 )). كان ينبغي للإنسان ألا يعرف العُري الجسديّ حتى لا ينشغل عقل الإنسان بتعويض جسده المكشوف عن طريق صُنع الملابس، وأيضًا حتى لا يتلذّذ الإنسان بمنظر العُري، وعلى أية حال، فإن الاعتناء الزائد بالجسد يجعلنا ننفصل عن الله بدلًا من أن نتجه دائمًا نحوه. إذًا، لم يكن ينبغي للإنسان أن تكون له أغطية طبيعية ولا حتى صناعية، إذ كان مُعدًّا له نوعًا آخر من الأغطية إذَا مارس الفضيلة. هذه الأغطية التي كانت لا بد أن تغطي الإنسان بنعمة الله هي تلك التي يرتديها الملائكة، تلك الملابس المنيرة التي تفوق جمال الزهور، ولمعان وبهاء النجوم. لذا لم تُعطَ له الملابس مُباشرةً بعد خلقته، إذ كانت مُعدَّةً له كمكافأة له إذَا مارس الفضيلة، والحقيقة كان في يده أن يأخذها لكن للأسف بسبب تأثير الشيطان لم يستطع أن ينالها. (باسيليوس الكبير، الله ليس مسببًا للشرور) --- ### أبانا الذي في السموات - Published: ۲۰۲۵-۰۳-۰٦ - Modified: 2025-03-06 - URL: https://tabcm.net/36879/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون - وسوم: أدولف هتلر, باراباس, بيلاطس البنطي, چوزيف فيساريونوڤيتش ستالين أبانا الذي في السموات، لكنّك لستَ بعيدًا، لستَ غافلًا عن آلامنا، أنزلتَ ابنك إلى الأرض وسار بين المنبوذين، فمدّ يده ناقلًا رحمتك للمجذوم، ودافعَ عن الزانية، جلسَ مع العشّارين، وواجه تجّار الدين، وعندما حلّت ساعة الحقّ، لم يهرب، بل صعد إلى الجلجلة، وحمل على كتفيه صليب العالم. ليتقدّس اسمك، لكن كيف يُقدَّس اسمك في أرضٍ تدنّست بالدماء؟ في مدنٍ يضيع فيها العدل بين الوثائق المختومة، وفي قاعاتٍ تُباع فيها أرواح الفقراء بثلاثين من الفضة؟ يتقدّس اسمُك حينما يُرفَض الظلم، وحين يُرفَع المظلوم، لا يُصلب، حينما يُسمَح للحقّ بالكلام، ولا يُخرَس بالنار والسياط. ليأتِ ملكوتك، ليس ملكوتًا مؤجَّلًا إلى ما بعد الموت، ليس فردوسًا يُتاجَر به على حساب الجائعين، ليس سرابًا يُلهي المسحوقين عن نير العبوديّة، هو ملكوتٌ يُؤسَّس هنا، في الأزقّة الفقيرة، في مقاومة الطغاة، وفي بكاء الأمّهات، في كلّ من قال لا، رغم السيف والجلد والقيود. لتكن مشيئتُك، كما في السماء كذلك على الأرض، لكنّ الأرض ترفض مشيئتَك، وتُحاكمها وتسخر منها، تُفضِّل باراباس على ابنِكَ، تصنع الصلبان أكثر ممّا تصنع الخبز، تُقيم الهياكل، لكنّها تغلق أبوابها في وجه المتعبين. لتكنْ مشيئتُك حيث يفتح السجين نافذتَه نحو الرجاء، حيث يرفع المضطهد رأسه أمام عنف السياط، حيث يُغفَر للقاتل، حتّى ينتهي القتل. أعطنا خبزنا كفاف يومنا، لكنّ خبزنا يُختَلس من مائدة الفقراء، يُسرَق بيد القوانين الجائرة، يتكدّس في مخازن الأغنياء بينما ينام الأطفال جائعين. أعطنا خبزًا مقل ذاك الذي باركتّه يوم كسرته للجموع الجائعين، خبزًا لا يُشترى بالمال، بل يُقتسم بالمحبّة، خبزًا مقدّسًا مثل جسدك المبذول، خبزًا يصرخ أنّ كلّ جائعٍ هو مسيحٌ مصلوبٌ من جديد. واغفر لنا ذنوبنا، كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا، لكنّ الغفران ليس طمسًا للحقّ، ولا استسلامًا للجلّاد، ليس صمتًا عن الظلم، ولا تغاضيًا عن آلام الأبرياء. اغفر لنا تواطؤنا، وجُبننا، وصمتنا القاتل، اغفر لنا إذ خُنّا شهداءَ الحقيقة، اغفر لنا لأنّنا صفّقنا للجلّادين وللصالبين، وتكلّمنا بلسان بيلاطس، وغسلنا أيدينا من دمك كما اغتسل. علّمنا أن نغفر بصرخة، لا بصمت، أن نغفر بتحرير المسجون، لا بتبرئة السجّان. ولا تدخلنا في تجربة، تجربة أن نصبح مثل أعدائنا، أن نقاوم الظلم بظلمٍ آخر، أن نبحث عن صليبٍ نعلّق عليه من عذّبونا. لا تسمح أن يُطفئ الحقدُ نور قلوبنا، أن يجعلنا الألم قساةً، أن يحوّلنا الجوع إلى وحوش، بل اجعلنا نقاوم بأسلحتك أنت: بالحبّ، وبالحقّ، وبالرجاء الخالد. لكن نجّنا من الشرير، ذاك الذي يملك السوط والقيد، الذي يبيع الشعوب في سوق السياسة، الذي يسمّي الموت سلامًا، والاستبداد أمانًا. نجّنا من الشرّ الذي يسري في شرايين هذا العالم، من أكاذيب الحكّام، وتواطؤ القضاة، من صمت العقلاء، وجمود الأتقياء، من كلّ ما يجعلنا نقبل صلبَك من جديد. لأن لك الملك، والقدرة، والمجد، إلى الأبد. لك السلطة وحدَك، لا للجلّاد، ولا للقيصر، ولا "للحاكم بأمر الله"، ولا لهتلر ولا لستالين، أنتَ وحدك الملك، ملكٌ على القلوب الجريحة النازفة، على الذين حملوا صلبانهم وساروا خلفك، على الذين لم يحنوا رُكَبهم للذهب، ولم يسجدوا لغير الله، على الذين اختاروا درب الجلجلة وهم يؤمنون بأنّ القيامة آتية. آمين. --- ### لماذا التاريخ ولدينا النبوات؟ - Published: ۲۰۲۵-۰۳-۰۵ - Modified: 2025-03-26 - URL: https://tabcm.net/36746/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: إيمي چيل ليڤين, الاستدلال الدائري, التقليد [Q], الغنوصية, بابليوس كورنليوس تاسيتوس, بارت دنتون إيرمان, باسيليدس الغنوصي, بروتستانت, پيتر فلينت, چون پول ميير, چون دومينيك كروسان, دال أليسون, دالي أليسون, سمعان القيرواني, قديس بولس الرسول, مارك إس. جوديكر, يوسيفوس فلاڤيوس امتدادًا للفكر الدوسيتي الغنوصي، ظهرت أطروحة باسيليدس في القرن الثاني، أنَّ هناك إلهين: إله العالم، وهو إله العهد القديم الذي هدفه الأساسي إبعاد الناس عن المعرفة الحقيقية، وفي مقابله "الآب" إله العهد الجديد الذي يحاول إنقاذ البشر. قراءة باسيليدس فسرت الصلب على أن الآب قد خدع إله العالم عن طريق خداع اليهود والرومان. ففي الوقت الذي كان المسيح ذاهبًا نحو الصليب، تغير شكل سمعان القيرواني فأصبح شكل المسيح، وصُلب القيرواني مكان يسوع. وفي الوقت نفسه كان يسوع واقفًا يرى ما يحدث ويضحك على الخدعة التي نفذها في اليهود والرومان وعلى رأسهم إله العالم وإله العهد القديم صَلب يسوع على أيدي الرُّومان هو أحد أكثر الحَقائق ثبوتًا عن حياته... إن حاوَل أحد الدَّارسِينَ أن يشرح حياة يسوع بطريقة لا تفسِّر موته، يجب إذًا أن يكون هذا هو المُؤشِّر الأوَّل على أنه يوجَد شَيءٌ مَا خَاطئ. ((Bart Denton Ehrman, Why Was Jesus Crucified: Bart Ehrman Crucifixion Thoughts, 18 April, 2022 )) (بارت دنتون إيرمان، لماذا صُلب يسوع) حتى القرن الثاني الميلادي، لم يكن السؤال عن مصير يسوع ((سأستخدم الاسم الشخصي يسوع، وليس اللقب المسيح لسبب ستقرأه بعد قليل. )) مطروحًا للجدل. على مدار القرن الأول، كان المتعارف عليه بين المسيحيين أن مؤسس جماعتهم مات مصلوبًا على أيدي الرومان وبسبب شكوى اليهود عليه. هذه كانت حقيقة مُسلَّمًا بها وليست محل جدل. بنهاية القرن الأول، ومع التوسع في مناقشة هوية يسوع، ظهرت جماعات تُقدم تصورًا ليسوع كإله ذي جسد أثيري، جسد لا ظل له، لا لحم له ولا دم، جسد لا يترك آثارًا على الرمل، وبالتالي لم يكن يتألم بالفعل. وبدأوا يشرحون أحداث حياة يسوع في ضوء قراءتهم اللاهوتية تلك. امتدادًا لهذا الفكر الدوسيتي الغنوصي، ظهر شخص يُدعى باسيليدس في القرن الثاني، كانت أطروحته أنَّ هناك إلهين: إله العالم، وهو إله العهد القديم الذي هدفه الأساسي إبعاد الناس عن المعرفة الحقيقية، وفي مقابله "الآب" إله العهد الجديد الذي يُحاول إنقاذ البشر. قراءة باسيليدس اللاهوتية فسّرت نهاية حياة يسوع بأنّ الآب قد استطاع أن يخدع إله العالم عن طريق خداع اليهود والرومان. ففي الوقت الذي كان المسيح ذاهبًا فيه نحو الصليب، تغيّر شكل سمعان القيرواني فأصبح هو نفسه شكل المسيح، وصُلب سمعان القيرواني فعلًا مكان يسوع. وفي الوقت نفسه، كان يسوع واقفًا يرى ما يحدث ويضحك على الخدعة التي نفّذها في اليهود والرومان وعلى رأسهم إله العالم وإله العهد القديم ((سنعود ثانيةً إلى باسيليدس الغنوصي، لنرى ما قاله بدقة في الأجزاء التالية. )). وهناك قراءات أخرى مُتأخرة زمنيًا لنهاية حياة يسوع، مثل أنّه‌ صُلب لكنه نزل حيًا وذهب ليعيش في أماكن أخرى بعيدة، وهناك من وصل بالقصة إلى أنه مات في الهند وقبره لا يزال هناك. وبصرف النظر عن كل هذا الكلام، ما الذي يمكن للمؤرخين أن يقولوه عن نهاية حياة يسوع؟ آخذين في الاعتبار أننا هنا نتكلم عما يمكن للتاريخ أن يدرسه، ولا نتكلم على اللاهوت، ولا نتكلم على أيِّ فرضية تفترض تكذيب الحواس، مثل فرضية باسيليدس، التي ارتأت إن الناس الذين قد عاينوا صلبه، ظنوه يسوع لكنه لم يكن يسوع. هذه الفرضية من المستحيل على المؤرخ أن يستطيع إثباتها، لأن المؤرِّخ يبحث في شهادات مردها إلى الحِسِّ. المؤرّخ معني بالأخبار التي انتشرت ونتجت عن رؤية الناس للحدث ومعاصرتهم له وقدرتهم على التحقق منه، وإلا فلا قيمة لشهادة شخص عايش زمنيًا وجغرافيًا بعيدًا عن وقت الحدث ومكانه، ومنقطعًا كذلك عن الجماعة التي حصل وسطها الحدث. فمثلًا شهادتي بلا قيمة بالنسبة لمؤرخ يريد تأريخ حادث 11 سبتمبر على سبيل المثال. في هذا المقال والأجزاء التالية من سلسلة أقوال المؤرخين في صلب يسوع، لن نستخدم لقب المسيح لأنه يحمل دلالة لاهوتية، والقضية التي سنتعرض لتقديمها ستكون تاريخية مادية، حدودها هي فقط ما يستطيع المؤرخ دراسته. سنستخدم أدوات النقد التاريخي والأدبي ومصادر متخصصة، وبالتالي قد تجد بعض الكلام الذي لا يتفق مع القراءات الكنسية لكنه منضبط تاريخيًا. ونحن هنا لا نهدف إلى أيّة قضية لاهوتية، بل نستخدم هذا الموضوع الشيق كأداة لعرض منهجية التأريخ، وكيف تتم دراسة الحدث التاريخي إذا كانت وثائقه مركّبة ومعقّدة بتعقيد الوثائق المسيحية. لسهولة المتابعة، ستكون السلسلة مقسمة إلى مجموعة محددة من الأسئلة، بحيث إذا توقفت عند سؤال معين يمكنك الرجوع وإكمالها بعد ذلك بسهولة. تفكيك للمُسلّمات الموروثة: ١- لماذا التأريخ ولدينا النبوّات؟ ٢- ما قيمة آباء الكنيسة في البحث التاريخي؟ إعادة البناء: ٣- الصَّلب ومعيار الحَرَج. ٤- مناقشة يوسيفوس فلاڤيوس. ٥- بابليوس كورنليوس تاسيتوس. معايير الأصالة: ٦- معيار الشهادات المتعددة. ٧- مصدر الآلام لإنجيل مرقس. ٨- مصدر الآلام لإنجيل لوقا وأعمال الرسل. ۹- الصُّلْب والمصدر Q. ١٠– الطبقة الأولى لإنجيل يوحنا. ١١– شهادة بولس الرسول.   ماذا يعني "تأريخ"، وما الذي يريده المؤرِّخ؟ افترض أن كاثوليكيًا وبروتستانتيًا ويهوديًا ولا أدريًا –وكان جميعهم مُؤرِّخينَ أمناء، عارفينَ بالحَرَكات الدينيَّة في القرن الأوَّل– وُضِعوا جميعًا في محبسٍ داخِلِ جامعة هارفارد، وأُجبروا على نظامٍ غذائيٍّ قاسٍ وَلم يُسمَح لهم بالخروجِ إلى أن يخطّوا وثيقة إجماعٍ حوَل هُويَّة يسوع النَّاصريّ، وعَن مسعاهُ في وقتِهِ وزمانِهِ. أحد شروطِ تِلك الوثيقة أن تعتَمِد فقط على مَصادِرِ واحتجاجات تاريخيَّة نَقيَّة. ستُعاني الوثيقة غير الدِّينيَّة -أي تِلكَ الصِّياغة التوافُقيَّة- النَّاتجة من كُلِّ العِلَلِ التي تشوبُ التصريحاتِ المَجمَعيَّةالتي توصَّل إليها الأعضاء. أحيانًا ستُختار بعناية لُغة تفتقِرُ إلى التَّحديد كيما يتم تخطِّي نِقاطَ الخِلافِ، وأحيانًا سيُقِرّ الأعضاء علانيَّة مَواضِعَ الخلاف التي لم يتوصَّلوا فيها إلى اتفاق. لن تعكس هذه الورقة البيضاء المكتوبة عن يسوع آراء أيّ فردٍ من أعضاء اللجنة الجائعة بالكامِل. بالطَّبعِ لن تتضمَّن تأكيداتً من تِلك التي يتمسَّك بها الكاثوليكيّ والبروتستانتي بالإيمان. الشَّرَط الأساسيّ الذي بمُقتضاه يجِب أن تكونَ تِلك الوثيقة الاتفاقية مفتوحَةَ للتَحَقُّقِ لجميع الأفراد الذين يستخدمون وسائل البحث التّأريخيّ الحديث سينتِج وثيقة ذات مَنظورٍ ضَيِّق ورُؤية مُتشظِّية وربمًا أيضًا تشوُّهات. ((John Paul Meier, A Marginal Jew: Rethinking the Historical Jesus, Vol. 1, p. 1 )) (چون پول ميير، يهودي مُهمّش: إعادة النظر في يسوع التاريخي) الفقرة السابقة مدخل ممتاز لفهم معنى التأريخ وعلاقته مع الماضي. التأريخ هو محاولة مجموعة من الباحثين لدراسة بقايا الماضي التي تُشير إلى حدث ما، ويحاولون التحدث والتناقش حول هذه البقايا وطبيعتها وتفسيرها، وما يمكنهم بناءه عليها، لمعرفة شيءٍ عن الحدث الذي وقع في الماضي. وعلى هذا، ولكي يستطيع المؤرخون القيام بعملهم، فهم يحتاجون إلى اتباع منهجية قابلة للتطبيق عليهم جميعًا. بمعنى أنه لا يصح أن يدخل كل واحد بافتراضات لاهوتية أو أيديولوجية ويكتب بها نسخته من التاريخ، لأن من يختلف معه لاهوتيًا وأيديولوجيًا لن يستطيع فهمه أو الاشتباك معه في نقاش. وبالتالي، فالمؤرخّ مُسلّم مسبقًا بأنه سيترك التصوّرات الذهنية التي لا يستطيع إثباتها بمنهجيات التاريخ على باب الجامعة. وبناء عليه، التاريخ في صورته التي تخرج من تحت يد مُؤلِّفه -الذي هو المؤرِّخ- لن يعطيك نفس القراءات التي تستطيع الوصول إليها باللاهوت. ولو قست المنتج التاريخيَّ بمعايير اللاهوت فستجده، كما يقول چون ميير؛ يُقدِّم صورة ناقصة ومشوَّشة. لكن هذا ما تُمكنه أدوات البحث، وفي محلِّ نقاشنا الحالي حول الصلب، لا نريد أكثر من ذلك، ولا نحتاج قراءات لاهوتية من الأساس.   هل يمكن الاحتجاج بالنبوات عن صلب المسيح؟ قولًا واحدًا: لا! هناك أكثر من مشكلة في موضوع النبوءات تجعل قبولها قبولًا لاهوتيًا لا يمكن للمؤرخ المحايد أن يغامر به. من ضمن هذه المشاكل مشكلة احتمالية "الدور" أو الاستدلال الدائري (Circular Reasoning). ودعني أضرب لك مثالًا لتبسيط ما اعنيه. اقرأ معي هذا الجزء من نصوص كهوف قمران ((Peter Flint, Jesus and the Dead Sea scrolls, Pesher on Nahum: 4Q169 )): نزل جانيوس الأسد الغاضب على قمران واعتقل قائدها الغامض “مُعلِّم البِر” ودفعه إلى مُرتزقَتِهِ ليُصلَب. وحِينَمَا غَادَر الملك، أخذواجَسَد مُعلمهم المَكسور وحَرسوه حتى يَوم الدَّينونة... لقد آمنوا أن مُعلِّمهم سيقوم ويقود قطيع المؤمنين الذي له. ((Amy-Jill Levine, John Dominic Crossan, & Dale C. Allison, The Historical Jesus in Context, 2006, p. 128 )) (Pesher on Nahum: 4Q169) من الممكن أن يهتف أحدهم: هذه نبوَّه عن يسوع، وعن صلبه وموته وقيامته! ويريد استخدمها للاستدلال على صلب يسوع وموته وقيامته. وهكذا، فهو هنا يفترض سيناريو: إنه كان يوجد نصّ يقول كذا وكذا، وبعد زمان كتابة هذا النصّ بحوالي 150 سنة، جاء شخص وانطبقت عليه النبوءة. أليس كذلك؟ فيأتي المؤرِّخ ليقول له: أنا أتعامل مع وثائق تاريخية، وأتعامل مع النصوص المسيحية كنصوص كتبها بشر. ليس لي شأن بقصة الوحي، فهذا أمر يخصّ اللاهوتيين في القسم المجاور. أما في قسمنا، فلا نأخذ بالوحي وما شابه. ويأتي المؤرِّخ المتخصص في الأدب ليقول: لديّ سيناريو آخر للأحداث. ما المانع إن كان نص قمران قد كُتب بالفعل قبل يسوع بـ 150 عامًا، وكانت المجتمعات المسيحية الأولى عارفةً هذا النص، أو حتى عارفة إياه في صورة قصة شفهية؟ ولكي يصوروا يسوع باعتباره معلِّم البر، استخدموا هذا النص كأنه قالب يكتبون عليه قصة يسوع. وبالتالي، الموضوع ليس نبوءةً وتحقيقًا للنبوءة، ولكن سيرة حياة شخص كُتبت لتقول إن هذا الشخص تتحقق فيه النبوءة. هذا التمييز بين السيناريوهين، شرحه چون دومينيك كروسان ((John Dominic Crossan, The Birth of Christianity, 1999, p. 479 )) للتمييز بين: History Remembered: التاريخ الذي تم تذكّره ((التاريخ الذي تم تذكّره : مُصطلح نحته الدارس مارك إس. جوديكر. ))، ويعني التاريخ الذي تم التنبؤ به ويعتقد الناس فيه أنه مُطابق لحدث تم في الماضي. Prophecy Historicized: التاريخ الذي كُتب كمحاكاة لنبوءة ((التاريخ الذي يحاكي نبوّة : مُصطلح نحته الدارسچون دومينيك كروسان. )). ويعني ذلك أن قبولك لحدث ما باعتباره نبوءةً موحىً بها، أو قبولك لنص ما باعتباره وحيًا، وربطك الاثنين في صورة نبوءة وتحقيقها، وهو الأمر المقبول في الإطار اللاهوتي، لكن المؤرِّخ لديه فرضية أخرى محتملة، ولذلك لا يستخدم المؤرِّخ النبوءات في البحث التاريخي. --- ### سبعون مسيحيًا يُذبحون داخل كنيسة في الكونغو - Published: ۲۰۲۵-۰۳-۰٤ - Modified: 2025-03-04 - URL: https://tabcm.net/36605/ - تصنيفات: شئون علمانية - وسوم: Agenzia Fides, M23, آرثر لويس بايبر, أحمد عسكر, الأمم المتحدة, الإخوان المسلمين, الحرب العالمية الثانية, الديمقراطية, العلمانية, القوات الديمقراطية المتحالفة, الكنيسة الكاثوليكية, بروتستانت, بسنت فاروق, تعدد الزوجات, تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش), چوزيف ألبرت مالولا, چوزيف كابيلا كابنجي, ديوجو كاو, رئيس محمد محمد مرسي عيسى العياط, روچر ديفيد كسمنت, روچر ديڤيد كسمنت, سلمى سمير, صدى البلد, ڤاتيكان, ليوبولد لويس فيليب ماري ڤيكتور, مبتدأ, مجلس الأمن الدولي, مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية, مصراوي, منظمة الدعوة الإسلامية, موبوتو سيسي سيكو, نزينجا أفونسو نكوو, نزينجا مبيمبا أفونسو, نزينجا مبيمبا أفونسو نكاو, وكالة BBC في واحدة من أكثر المجازر وحشية في تاريخ الكونغو الديمقراطية، عُثر على سبعين مسيحيًا مقطوعي الرؤوس داخل كنيسة في كاسنجا شمال شرق الكونغو الديمقراطية، في هجوم يُعتقد أنه بواسطة مليشيا M23، أو القوات الديمقراطية المتحالفة (داعش في: رواندا/ أوغندا/ الكونغو) في واحدة من أكثر المجازر وحشية في تاريخ الكونغو الديمقراطية، عُثر على سبعين مسيحيًا مقطوعي الرؤوس داخل كنيسة في كاسنجا شمال شرق الكونغو الديمقراطية، في هجوم يُعتقد أنه بواسطة مليشيا M23، أو القوات الديمقراطية المتحالفة (داعش في: رواندا/ أوغندا/ الكونغو) ((بسنت فاروق، مبتدأ، مجزرة كاسانجا. . «داعش» يذبح 70 مسيحيًا في الكونغو، بتاريخ 24 فبراير 2025. )). اختطاف الضحايا بدأ في 12 و13 فبراير، عندما اقتحم مسلحون قرية مايبا في منطقة لوبيرو، وأدعوا بأنهم قوات أمن، ثم أمروا سكان القرية بالخروج من منازلهم بهدوء، وأثناء ذلك، تم اختطاف عشرين رجلًا وامرأة مسيحيين. في اليوم التالي، وبينما كان الأهالي يبحثون عن وسيلة لإنقاذ المختطفين، نفذت الميلشيا هجومًا ثانيًا على القرية، وأخذت خمسين مسيحيًا آخرين كرهائن. تم اقتياد جميع الأسرى إلى كنيسة بروتستانتية في بلدة كاسانجا، التي كانت تُعد ملاذًا آمنًا، قبل أن تُربط أيديهم ويتم ضربهم بالمطارق والسواطير حيث تم إعدامهم بوحشية. كان غالبية الضحايا من النساء والأطفال وكبار السن، وقد قُتلوا بعد تقييدهم واحتجازهم في الكنيسة، وفقًا لوكالة فيدس للأنباء الكاثوليكية، التي أكدت ذبح مسلحي M23 أو القوات الديمقراطية المتحالفة لجميع المحتجزين بالكنيسة ((Agenzia Fides, Beheaded bodies of 70 people found in a Protestant church, 21 February 2025 )). القوات الديمقراطية المتحالفة تعود أصول القوات الديمقراطية المتحالفة إلى أوغندا، حيث تأسست عام 1995 كحركة تمرد ضد الحكومة الأوغندية آنذاك، وتلقت الدعم العسكري من حكومة السودان حينها، لتنفذ الجماعة بعد ذلك سلسلة من الهجمات العنيفة، شملت تفجيرات في أواخر التسعينيات، وهي الفترة التي تلقت الجماعة دعمًا من عدة حكومات في الكونغو الديمقراطية، لتعيد تمركزها لاحقًا في شرق البلاد ((الأمم المتحدة، مجلس الأمن، لجنة مجلس الأمن المنشأة بالقرار 1533 (2004) بشأن جمهورية الكونغو الديمقراطية، موجزات سردية لأسباب إدراج الأسماء في القائمة، بتاريخ 29 أكتوبر 2014. )). في أواخر عام 2018، أعلن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) عن انضمام القوات الديمقراطية المتحالفة كفرع تابع له. ومنذ عام 2019، بدأ تنظيم داعش في تبني الهجمات التي تشنها الجماعة. وخلال الفترة بين عامي 2020 و2023، تسببت عمليات الجماعة المدعومة من داعش في مقتل أكثر من 159 شخصًا واختطاف العشرات. وفي عام 2021، صنفت الولايات المتحدة الأمريكية جماعة القوات الديمقراطية المتحالفة كمنظمة إرهابية. وفقًا لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، فإن جماعة القوات الديمقراطية المتحالفة، تبث بشكل متزايد دعاية تتماشى مع توجهات "داعش"، بما في ذلك فرض الشريعة الإسلامية في معسكراتها، واستهداف المدنيين غير المسلمين ((سلمى سمير، مصراوي، داعش الكونغو. . ما هي جماعة الديمقراطية المتحالفة المسؤولة عن ذبح 70 مسيحيًا؟ بتاريخ 25 فبراير 2025. )). وفي عام 2023 أفاد تقرير وزارة الخارجية الأمريكية بأن الجماعة تمول عملياتها عبر السيطرة على المناجم وتصدير المعادن في الكونغو الديمقراطية. وأنها منذ 2017 تتلقى دعمًا ماليًا من مجموعات تمويل تابعة لـداعش. كما أن الجماعة تسلّحت جزئيًا من خلال الاستيلاء على الأسلحة والذخائر من الجيش الكونغولي ((US Department of State, Country Reports on Terrorism 2022: Democratic Republic of the Congo )). المسيحية في الكونغو طبقًا للإحصائيات في 2015، المسيحية في جمهورية الكونغو الديمقراطية هي الديانة السائدة، إذ تُشكّل حوالي 96% من مجمل السكان. تتصدر الطوائف المسيحية الكنيسة الكاثوليكية التي يتبعها 50% من سكان البلاد، ثم البروتستانتية بحوالي 39%، ثم الطوائف المسيحية الأخرى بنسبة 7%، وأخيرًا الكنيسة الأرثوذكسية بنسبة 0. 1% ((Pew Research Center, What is each country’s second-largest religious group? (2015) )). للكنيسة الرومانية الكاثوليكية تأثير كبير في جمهورية الكونغو الديمقراطية، ويظهر ذلك في المجال التعليمي والصحي والاقتصادي. يدرس 60% من تلامذة الابتدائية + 40% من طلبة الثانوية في مدارس كاثوليكية (( Joshua Project, Democratic Republic of Congo, Religions: (2013) )). وتُعد جامعة لوفانيوم الكاثوليكية التي بناها الرهبان اليسوعيين عام 1954 أول جامعة في البلاد. وتدير الكنيسة الكاثوليكية شبكة واسعة من المستشفيات والعيادات، وكذلك العديد من المؤسسات الاقتصادية، بما في ذلك المزارع والمخازن ومتاجر الحرفيين ((Robert D. Woodberry, The missionary roots of liberal democracy, American Political Science Review (2012) p. 244-274 )). لدى المسيحية في جمهورية الكونغو الديمقراطية تاريخ فريد مقارنةً بدول إفريقيا، إذ أنّ الوجود المسيحي سبق الاستعمار الأوروبي على إفريقيا. وصلت المسيحية لأول مرة في مملكة الكونغو عام 1491، مع المستكشفين البرتغال، وكان ديوجو كاو، وهو مستكشف برتغالي وأحد رواد عصر الاستكشاف، أول أوروبي سجل أنه رأى إقليم الكونغو ودخله ((Louis Gates, Anthony Appiah: Africana: The Encyclopedia of the African and African American Experience, (1999), p. 1105 )). ترك كاو رجاله في الكونغو واصطحب معه نبلاء الكونغو إلى البرتغال، ثم عاد مع نبلاء الكونغو في عام 1485. في تلك المرحلة تحول الملك الحاكم نزينجا أفونسو نكوو إلى المسيحية، واتخذ اسمًا مسيحيًا وهو جواو الأول تيمنًا بملك البرتغال جواو الثاني ((Encyclopedia of World Biography (2008): Nzinga Nkuwu ))، ((Encyclopaedia Britannica: João I, king of Kongo Kingdom )). لاحقًا، أدى اعتناق نزينجا مبيمبا أفونسو للمسيحية، ابن جواو الأول، والذي حكم مملكة الكونغو من عام 1506 حتى 1542 ودعي باسم أفونسو الأول، إلى حملة تحديث واسعة في البلاد، وكان من نتائجها تحول سكان مملكة الكونغو إلى المسيحية، وقام بإعلان المذهب الكاثوليكي دين الدولة الرسمي. واعتمدت مملكة الكونغو شكلًا من أشكال الكاثوليكية متصالح مع تعدد الزوجات، واعترفت به البابوية، وتم الحفاظ على هذه المعتقدات لما يقرب من 200 سنة ((Emma George Ross, African Christianity in Kongo: Heilbrunn Timeline of Art History. (Metropolitan Museum of Art), October 1, 2002 )). الإسلام في الكونغو دخل الإسلام إلى الكونغو في 1830 عبر تجار الرقيق من المسلمين في الكاميرون والجابون وبلاد السودان، وأسلمت أعداد في شرق الكونغو بالأخص أقاليم جوما ومانيماما، وتمّ إنشاء المساجد، وترسَّخ النظام الإسلامي في حياة السكان، حتى مجال القضاء، فأصبحت هناك محاكم شرعية للمسلمين. وعلى الربع الأخير من القرن التاسع عشر، أصبح جزء من الكونغو يدين بالإسلام، ويُدار وفق نظام الخلافة الإسلامية، وكان الخليفة في ذلك الوقت هو الشيخ عبد الرحمن تيبوتيبو ((نور الدين عوض الكريم إبراهيم: أساليب المنصّرين في الصدّ عن الإسلام في إفريقيا وطرق مواجهتها، رسالة دكتوراه، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 1423هـ، ص 118. )). في تقرير لمنظمة الدعوة الإسلامية، الخرطوم 2011، جاء ما يلي ((تقرير: وضع الإسلام والمسلمين في جمهورية الكونغو الديمقراطية، إعداد الشيخ عبد الله بالكثار وآخرين، معهد مبارك قسم الله للبحوث والتدريب، منظمة الدعوة الإسلامية، الخرطوم (2011). )): عمل الاحتلال على محاربة الإسلام والتمكين للمسيحية، التي تأتي في المرتبة الثانية من حيث الدخول للكونغو بعد الإسلام، ولكنها سرعان ما انتشرت بفضل دعمها بالإمكانيات من قِبَل الكنيسة والدول الغربية، وبخاصة بلجيكيا والفاتيكان، التي تمّ توظيفها في بناء الكنائس والمدارس والمستشفيات والمراكز الثقافية والأندية والجامعات، وغيرها من المؤسسات التي تمّ طبعها بالطابع النصراني. استفادت الكنيسة من سياسات الاحتلال البلجيكي والقوانين والإجراءات التي وضعها لمحاربة الإسلام والمسلمين، وخدمة الكنيسة، والمواطنين الغربيين الأجانب الذين يعملون في المشروعات التنموية في الكونغو، وبخاصة إنتاج المعادن، كما أنّ الحرب الطويلة التي مرّت بها البلاد والفقر والأمراض وضعف الوعي لدى المسلمين الكونغوليين ساهم في تقوية شوكة الوجود الكنسي بالكونغو، وكانت البعثات التبشيرية التنصيرية التي وصلت للبلاد جزءًا من قوى الاستعمار إلى حدٍّ كبير، مثلها في ذلك مثل المكتشفين والتجار والجنود الغربيين. وقد استطاع الاستعمار البلجيكي الذي كان أهمّ أهدافه نشر المسيحية في القارة الإفريقية أن يغرس روح الكراهية المفرطة نحو الإسلام والمسلمين في الكونغو، خصوصاً في منطقة كاسونجا، حيث تعرّض المسلمون للاضطهاد والتعذيب والسجن والنفي والقتل، وأكبر شاهد على ذلك إبادة الاستعمار في ٢ أبريل ١٨٩٣م لما يقارب خمسة وأربعين ألف مسلم. (تقرير لمنظمة الدعوة الإسلامية، الخرطوم، ٢٠١١) ونحن لا نطرح الاقتباس العدائي السابق على سبيل تبني أيًا مما ورد فيه من أفكار ومعلومات، لكن لأنه ذكر منطقة كاسونجا  وهي نفس منطقة الكنيسة البروتستانتية التي عُثر على سبعين مسيحيًا مقطوعي الرؤوس فيها. من الوارد أن الجماعات الدينية المسلحة تقوم بعملية عقاب على الهوية المسيحية، انتقامًا لمذبحة قام بها الاستعمار في القرن التاسع عشر، هذا على الأقل يُفسر الدوافع الانتقامية التي تجلت في طريقة التعذيب الوحشية بالمطارق على الرؤوس قبل فصلها عن الأجساد. البروتستانتية في الكونغو يعود أول نشاط للكنيسة البروتستانتية إلى عام 1878 عندما تأسست البعثة الأولى في الكونغو. وعلى عكس الاعتقاد الشائع بين الإسلاميين، فالعلاقات المبكرة بين الكنيسة البروتستانتية والدولة الاستعمارية لم تكن جيدة. في أثناء حكم دولة الكونغو الحرة (1885-1908)، قام المبشرين البروتستانت بنشر وثائق عن الانتهاكات التي كانت تقوم بها الرابطة الدولية في الكونغو ضد السكان المحليين خلال عمليات جمع وبيع العاج والمطاط والمعادن في حوض الكونغو العلوي. وفي نهاية إرساليته الدينية، كتب روچر ديڤيد كسمنت تحقيقًا في كتاب صار يعرف لاحقًا بـالتقرير حول الكونغو، وأثار ردود فعل كبيرة في لندن. أُعتبر هذا الكتاب لاحقًا من أوائل الكتب التي بلورت مفهوم حقوق الإنسان، وساعدت هذه الأدلة إلى القيام بحملات انتقادات دولية؛ وقد أدى ضغط الرأي العام والمناورات الدبلوماسية إلى نهاية حكم: ليوبولد الثاني، ملك بلچيكا، وضم الكونغو كمستعمرة بلچيكية، لتعرف باسم الكونغو البلچيكية. ونُقلت تقارير شهود العيان من المبشرين على أنها محاولات من قبل البروتستانت لتشويه سمعة الدولة المُستعمرة؛ بلچيكا، لاحقًا تم شنق روچر ديڤيد كسمنت في إنجلترا، أغسطس 1916، بتهمة خيانة الملك ((Dictionary of Irish Biography, the Royal Irish Academy, Casement, Sir Roger David )). كان موقع الكنائس البروتستانت خارج معادلة الثالوث الاستعماري في الكونغو البلچيكية الذي ضم مؤسسات الدولة، والكنيسة الكاثوليكية، والشركات، بالتالي لم تتمتع البعثات البروتستانتية بدرجة مماثلة من الثقة الممنوحة للكنيسة الكاثوليكية. يظهر ذلك من خلال الدعم الحكومي للمستشفيات والمدارس، إذ خصصت حكومة الكونغو البلچيكية أموال ومساعدات بشكل حصري للمؤسسات الكاثوليكية حتى بعد الحرب العالمية الثانية. في عام 1925 كان الطبيب آرثر لويس بايبر ((لمزيد من الخطوط العريضة عن آرثر لويس بايبر، يمكن قراءة الويكيبيديا العربية، صفحة: آرثر لويس بايبر. )) والمبشر من الكنيسة الميثودية، الطبيب الأول الذي قام باستخدام الدواء لعلاج داء المثقبيات الإفريقي ((Jack Klingman, Arthur Lewis Piper, M. D. : A Medical Missionary in the Belgian Congo, Journal of Community Health (1994) p. 125-146 )). وتوسعت البنية التحتية للرعاية الصحية بشكل مطرد طوال الفترة الاستعمارية، مع توفر أسرة المستشفيات نسبيًا بالمقارنة مع السكان ومع وجود مستوصفات في المناطق النائية. وفي بلچيكا، تأسست جمعية مكافحة الرق البلچيكية في عام 1888 من قبل المثقفين الكاثوليك، التي هدفت إلى إلغاء تجارة العبيد عند العرب ((Gwyn Campbell, The Structure of Slavery in Indian Ocean, Africa, and Asia, 1st. Edition, Routledge, 2003 )). الكنيسة واستقلال الكونغو (زائير 1960) في فترة ما بعد الاستقلال، نمت عدم الثقة بين الكنائس المسيحية والدولة، وتفاقمت في أوائل السبعينات من القرن العشرين من خلال محاولات الحكومة الزائيرية الجديدة فرض العلمانية على كافة المجالات التعليميَّة. وظلت التوترات قوية بين الكنائس والدولة خلال ثمانينات وتسعينات القرن العشرين. في يونيو عام 1981، قام مجلس الأساقفة بنداء ضد النظام وضد الفساد والوحشية وسوء الإدارة وعدم احترام كرامة الإنسان التي انتهجتها حكومة الكونغو وفقًا لآراء الكنيسة. وجاء الرد الغاضب من موبوتو سيسي سيكو، ثاني رئيس للكونغو الديمقراطية، من خلال تحذير التسلسل الهرمي الكاثوليكي من البقاء بعيدًا عن السياسة؛ كما قام بإعادة تمركز مقاتلي حركة العدل والمساواة في جميع أماكن العبادة لمراقبة المواقف الكهنوتية والعظات العامة. خلال أشهر من هذا التراشق، شنت أطراف مجهولة هجمات ضد عدد من رجال الدين الكاثوليك ذوي المكانة العالية؛ منها على سبيل المثال استهداف منزل الكردينال چوزيف ألبرت مالولا، حيث تعرض لهجوم أودى بحياة الحارس الليلي. ونصح الكردينال مالولا الزائيريين قبل الانتخابات الرئاسية عام 1984 بالتشاور مع ضمائرهم قبل الإدلاء بأصواتهم؛ وقد استنكرت الحكومة هذا العمل باعتباره حماسة دينية ((TIME Magazine /CNN: Mobutu as Messiah, 24 Febroary 1975, Archived on 9 March 2008 )). وعلى عكس موقف الإخوان المسلمين في عهد الرئيس المخلوع، محمد مرسي في 2012 ((صدى البلد، الرئيس مرسي يهنئ رئيسي الكونغو الديمقراطية جوزيف كابيلا كابنجي بمناسبة عيد استقلال بلاده. بتاريخ 3 يوليو 2012. ))، قادت الكنيسة الكاثوليكية في عام 2017 وساطة لإنهاء الأزمة السياسية في البلاد والتوصل لحكم ينهي حكم الرئيس چوزيف كابيلا كابنجي بشكل سلمي ((وكالة BBC بالعربية، اتفاق لإنهاء حكم جوزيف كابيلا في الكونغو الديمقراطية سلميا، بتاريخ 1 يناير 2017. )). ولعبت الكنيسة الكاثوليكية في الكونغو الديمقراطية التي تتمتَّع بتأثيرٍ كبيرٍ في الحياة السياسية دورًا محوريًّا في الوساطة والتوصل إلى اتفاق سلام في البلاد بين چوزيف كابيلا والمعارضة، تعهَّد فيه كابيلا على انتقال السلطة لرئيس جديد من خلال انتخابات نزيهة، التي تأجلت في عام 2016 وعام 2017. وقد عارضت الكنيسة استمرار كابيلا في الحكم بعد انتهاء ولايته الثانية وفقًا للدستور، ورأت أنه كان من المفترض أن يتنحى في عام 2016 ((أحمد عسكر، مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، الانتخابات في الكونغو الديمقراطية: هل ينجح الانتقال السلمي للسلطة؟ بتاريخ 6 يناير 2019. )). شهد نشاط الجماعات الإسلاموية فترة هدوء نسبي في أوائل العقد الأول من الألفية، قبل أن تعود لتنفيذ مجازر دموية في إقليم بيني بمقاطعة شمال كيڤو منذ عام 2014. ثم وسعت جماعة القوات المتحالفة نطاق عملياتها الإرهابية، حيث انتقلت هجماتها من إقليم بيني  إلى إيرومو ومامباسا في مقاطعة إيتوري، والآن إلى لوبيرو. وفي الشهر الماضي وحده، قتلت جماعة القوات الديمقراطية المتحالفة المدعومة من تنظيم داعش، أكثر من مئتي شخص في منطقة باسواجا وفقًا لتقارير محلية. ارتفاع معدلات العنف بشكل ملحوظ، أدى إلى نزوح داخلي واسع، فارتفع عدد النازحين إلى أكثر من عشرة آلاف شخص، وهو ما يُمثل زيادة عشرة أضعاف مقارنة بالعام الماضي. وبسبب الهجمات المتكررة، تم التخلي عن قرى مسيحية بالكامل، وأُغلقت الكنائس والمدارس، وأُحرقت المنازل وسُلبت الممتلكات. كما زاد نشاط جماعة M23 المسلحة، المدعومة من رواندا، من تعقيد الأوضاع وأدى إلى تفاقم معاناة السكان المسيحيين. المذبحة الأخيرة تأتي في وقتٍ أصبح فيه الإرهاب جزءًا من الحياة اليومية في المنطقة. ورغم مرور أيامٍ على المذبحة، لم تتمكّن العديد من العائلات من دفن ضحاياها بسبب استمرار التهديدات الأمنية. كما فرّ مئات المسيحيين من المنطقة خوفًا من هجماتٍ جديدة. --- ### التنظيم السري من جديد - Published: ۲۰۲۵-۰۳-۰۳ - Modified: 2025-03-03 - URL: https://tabcm.net/35631/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: الإخوان المسلمين, حسن أحمد عبد الرحمن محمد البنا, حسن إسماعيل الهضيبي, رئيس جمال عبد الناصر, سيد فايز عبد المطلب, عبد الرحمن علي فراج السندي, محمود عبد الحليم, هنداوي سيد أحمد دوير, يوسف عز الدين محمد طلعت بعد إقالة أعضاء الجهاز السري التابعين لجماعة الإخوان المسلمين الموالين لعبد الرحمن علي فراج السندي، بادر حسن إسماعيل الهضيبي بتأسيس جهازه السري الخاص، مُسندًا مهمة إدارته إلى يوسف عز الدين محمد طلعت. وفي حين ركز طلعت على تجنيد الأفراد الموالين للهضيبي، تساهل في معايير السرية الحيوية في مثل هذه المنظمات بعد إقالة أعضاء الجهاز السري التابعين لجماعة الإخوان المسلمين الموالين لعبد الرحمن علي فراج السندي، بادر حسن إسماعيل الهضيبي بتأسيس جهازه السري الخاص، مُسندًا مهمة إدارته إلى يوسف عز الدين محمد طلعت.  وفي حين ركز طلعت على تجنيد الأفراد الموالين للهضيبي، تساهل في معايير السرية الحيوية في مثل هذه المنظمات. وقد أثار هذا النهج مخاوف بأن الهضيبي يهدف إلى إنشاء قوة شبه عسكرية لحمايته واستهداف خصومه، بدلًا من خدمة أهداف الجماعة كما كان مقصودًا عندما أسس حسن البنا الجهاز السري في السابق. كان التنظيم السري الجديد الذي عمل الهضيبي على تشكيله أداة للصدام لا للدعوة. والغريب أن الهضيبي لجأ لتشكيل الجهاز السري، وهو الذي كان في حربه ضد عبد الرحمن السندي لا يجد ما يبرر به طلبه لحل الجهاز السري  سوى شعار "لا سرية في الإسلام". كانت مشكلة الهضيبي ليست مع فكرة النظام الخاص، وإنما مع مجموعة النظام الخاص في ذلك الوقت، وعلى رأسهم عبد الرحمن السندي. لذلك قرر إلغاء النظام الخاص للتخلص من قيادة الجهاز وأشخاص بعينهم، وليس للتخلص من الجهاز نفسه الذي أصبح ولاؤه للسندي وليس للجماعة أو مرشدها. اتخذ الهضيبى قراره بفصل مجموعة النظام الخاص، بدعوى أنهم أصبحوا أوراقًا مكشوفة ومحروقة، لأنهم سبق القبض عليهم. ولكن مع توالي الأحداث وتشابكها، استحال على الهضيبى أن يضمن سرية تشكيل هذا الجهاز الجديد، إذ كانت ظروفًا متسارعة لا يمكن معها العناية بالتربية الفردية للأعضاء كما كان يحدث في أيام حسن البنا، وإنما كانت العناية فقط في التحقق من الولاء لحسن الهضيبى. وقد ساعدت تلك الظروف على تسرب عدد غير قليل من أعضاء الجهاز القديم إلى تشكيلات الجهاز الجديد، بما في ذلك يوسف طلعت نفسه رئيس الجهاز، الذي كان عضوًا بارزًا في الجهاز القديم برئاسة عبد الرحمن السندي. وقد شرع يوسف طلعت مستفيدًا من خبرته السابقة في تشكيل الخلايا بالقرى والمدن والمحافظات، ومنها خلية إمبابة برئاسة المحامي هنداوي سيد أحمد دوير. لعبت هذه الخلية دورًا محوريًا في الصراع بين الرئيس جمال عبد الناصر وجماعة الإخوان المسلمين حينما وصل الصدام بينهما إلى قمته الدراماتيكية. مقتل سيد فايز كان المهندس السيد فايز عبد المطلب عضوًا نشطًا في النظام الخاص، ومباركًا لفصل السندي، بالرغم من أنه كان في السابق نائبًا له. وتولى قيادة التنظيم وقتما كان السندي مسجونًا، لكنه وقد أصبح الآن ذراع الهضيبي في تفكيك الجهاز السري، لذلك، فقد آثر التنظيم القديم التخلص منه. بعد ظهر الخميس 20 من نوفمبر 1953، وصل صندوق (طرد) إلى منزل السيد فايز في حي العباسية كهدية من الحلوى بمناسبة المولد النبوي. كان صندوق الهدية يحتوي على شحنة من الديناميت سُلمت لشقيقته سيدة فايز، وطُلب منها ألا يُفتح إلا بمعرفة شقيقها. وعندما عاد السيد فايز إلى منزله، قصت عليه أخته ما حدث، فأخذ الصندوق وفتحه، فانفجر فيه وقتله وقتل معه شقيقه الصغير البالغ من العمر تسع سنوات وجرح باقي من في البيت وجُرحت منهم أخته. كما أن حائط الحجرة سقط على طفل كان يسير بالشارع فمات في الحال. وفي اليوم التالي شُيعت جنازة السيد فايز، وكان على رأس المشيعين المرشد حسن الهضيبي الذي بدا التأثر والحزن الشديدان عليه، وكانت الجنازة مشحونة بعواطف الإخوان الثائرة في حزن وغضب وغموض. وقد وصف أحد الإخوان أن الجنازة كانت تعبيرًا حارًا للولاء للأستاذ المرشد العام. ردد بعض المنتمين إلى الجهاز القديم الأقاويل بأن الحادث مُدبر من جمال عبد الناصر، بالرغم أنه لا يوجد أي عداء أو أي علاقة في الأصل بين عبد الناصر وسيد فايز. وعللوا ذلك بأن من المستحيل أن يقوم بهذا العمل الإجرامي أحد من الإخوان في قلبه ذرة من الإيمان مهما حدث بين الإخوان من خلاف، فإن ما حدث لا يمكن أن يصل إلى حد إراقة الدماء. لكن في كتابه الشهير الإخوان المسلمون. . أحداث صنعت التاريخ، اتهم محمود عبد الحليم، عضو التنظيم الخاص، عبد الرحمن على فراج السندي بالقيام بتلك الفعلة، بقوله: أنهتخلص منه بأسلوب فقد فيه دينه وإنسانيته ورجولته وعقله. وقد ثبت ثبوتًا قاطعًا أن هذه الجريمة الأثيمة الغادرة كانت بتدبير هذا الرئيس، وقد قامت مجموعة من كبار المسؤولين في هذا النظام بتقصي الأمور في شأن هذه الجريمة وأخذوا في تضييق الخناق حول هذا الرئيس حتى صدر منه اعتراف ضمني. ولكن الذي يلفت النظر أن الحكومة حين باشرت التحقيق في هذه الجريمة البشعة باشرته بتثاقل مريب، وبدا كأنما باشرته لمجرد سد خانة حتى لا يقول الناس: لماذا لم تقم الحكومة بالتحقيق؟! وقد أقفل المحضر دون توجيه اتهام لأحد. (محمود عبد الحليم، الإخوان المسلمون. . أحداث صنعت التاريخ) --- ### نصوص العهد - Published: ۲۰۲۵-۰۳-۰۲ - Modified: 2025-03-02 - URL: https://tabcm.net/36417/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: آدم, التبني, المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس عمود الدين, باسيليوس الكبير، أسقف قيصرية الكبادوك, تدبير الخلاص, ثيؤفانيا, ثيؤفيلوس الأنطاكي, چورچ عوض إبراهيم, چورچ فرج, دار جذور للترجمة والنشر والتوزيع, شجرة المعرفة, ضد الذين يتصورون أن لله هيئة بشرية, عادل ذكري, غريغوريوس النزينزي، الناطق بالإلهيات, قديس إيرينيئوس، أسقف ليون, قديس بولس الرسول, مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية, ميلاد المسيح, نصحي عبد الشهيد بطرس, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية دراستنا للعهود في الكتاب المقدس ليست مجرد معلومات ذهنية تُضاف إلى معلوماتنا العامة، بل هي أمرٌ حيويٌّ جدًا في رحلتنا الروحية. من قراءتنا لسفر هوشع، ندرك أن الرب كان في عهد مع آدم، إذ يقول الكتاب: ولكنهم كآدم تعدوا العهد. هناك غدروا بي. . وفي هذا المقال، سأستعين بأقوال الآباء في كنيستنا الأرثوذكسية الأولى لندرك كمّ الغنى الروحي وكمّ النعم التي أنعم بها الله. وهناك ضمان يضمن كل هذا؛ وهو العهد! تضمن العهد مع آدم نصين مهمين: دراستنا للعهود في الكتاب المقدس ليست مجرد معلومات ذهنية تُضاف إلى معلوماتنا العامة، بل هي أمرٌ حيويٌّ جدًا في رحلتنا الروحية. من قراءتنا لسفر هوشع، ندرك أن الرب كان في عهد مع آدم، إذ يقول الكتاب: ولكنهم كآدم تعدوا العهد. هناك غدروا بي.  ((هوشع ٦: ٧ )). وفي هذا المقال، سأستعين بأقوال الآباء في كنيستنا الأرثوذكسية الأولى لندرك كمّ الغنى الروحي وكمّ النعم التي أنعم بها الله الآب بالابن يسوع المسيح، المعروضة لنا أن نستقبلها في الروح القدس. وهناك ضمان يضمن كل هذا؛ وهو العهد! في البداية، وضع الرب الإنسان في جنة عدن، التي تعني السعادة واللذة والبهجة. تضمن العهد مع آدم نصين مهمين جدًا، النص الأول في تكوين ١ يقول ((تكوين ١: ٢٨ )): وباركهم الله وقال لهم: «أثمروا واكثروا واملأوا الأرض، وأخضعوها، وتسلطوا على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى كل حيوان يدب على الأرض». (سفر التكوين ١: ٢٨) هذا النص غني جدًا، و هو تلخيص للعهد بين الله و الإنسان، إذ كما يقول القديس باسيليوس الكبير: إذ إن الرب في خلقِهِ للإنسانِ جعلهُ سيدًا على الأرضِ وعلى كلِّ شيءٍ فيها. ((أنطونيوس السرياني، القديس باسيليوس الكبير: حياته، نسكياته، قوانين الكنيسة، مطبوعات دير السيدة العذراء (السريان)، 1960. ))، فإنه جعله سيدًا على الكائنات التي كان ينبغي أن تخدمه، ولكن الإنسان، رغم ذلك، في خليقته الأولى كان لا يزال طفلًا عليه أن ينمو لكي يحقق كماله. وهنا، في نفس السياق، يوضح القديس إيرينيئوس أن: الله كان قادرًا على أن يُعطي الإنسانَ الكمالَ منذ نشأته، لأنَّ ذلك كان في إمكانِ الله، ولكنَّ الإنسانَ كان قاصرًا عن بلوغه واستيعابه لأنه كان لا يزال صبيًا في إدراكِه. ((القديس يوحنا ذهبي الفم، عظات على سفر التكوين، ترجمة: چورچ فرج، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2016. )). وأيضًا يذكر القديس ثيؤفيلوس الأنطاكي ((ثيؤفيلوس الأنطاكي، الرد على أتوليكوس، ترجمة عادل ذكري، مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية، 2019. )): خلق الله الإنسان، ليس خالدًا ولا قابلًا للموت، بل خلقه قادرًا على أن يتحول إلى أيٍّ من الجهتين. وهكذا، إذا اتجه إلى ما هو خالد وحفظ وصية الله، فإنه كان سينال مجازاة الخلود من الله ويصبح إلهًا بالنعمة. أما إذا اتجه إلى الأشياء التي تقود إلى الموت وعصى الله، فإن الإنسان يصبح سببَ موته، لأن الله خلق الإنسان حرًا وسيدًا على إرادته. (ثيؤفيلوس الأنطاكي، الرد على أتوليكوس)   النص الثاني في تكوين ٢ يقول ((تكوين ٢: ١٥ )): وأخذ الرب الإله آدم ووضعه في جنة عدن ليعملها ويحفظها. (سفر التكوين ٢: ١٥) ليعملها إذن هناك عمل وشغل مطلوب. ويحفظها، يحفظها ممن؟! بالتأكيد هناك عدو متربص به، ألا وهو عدو الخير الذي ظهر في صورة الحية في تكوين ٣. أيضًا، يذكر القديس غريغوريوس النزينزي في عظته عن الثيؤفانيا أن الله خلق الإنسان وكرمه بحرية الإرادة، وأعطاه ناموسًا ليُظهر حرية اختياره فيما يتعلق بالنباتات التي يأكلها والتي غير مسموح بأكلها. لم تكن هذه النباتات شريرة حين غُرست في البداية، ولم تُحرّم حسدًا من الله، حاشا. بل إن هذه الشجرة كانت صالحة لو أن الإنسان أكل منها في الوقت المناسب ((غريغوريوس الناطق بالإلهيات، الثيئوفانيا: ميلاد المسيح للقديس غريغوريوس الناطق بالإلهيات، ترجمة: نصحي عبد الشهيد، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2004. )): هذا الكائنوضعه الخالق في الفردوس، وقد كرمه بهبة حرية الإرادة، لكى يكون تمتعه بالله عن اختيار حر، بفضل عطية الله الذي غرس فيه هذه الحرية، ولكي يفلّح النباتات الخالدة التي تعني المفاهيم الإلهية، الأكثر بساطة والأكثر كمالًا معًا، عاريًا في بساطته وحياته غير المصطنعة، وبدون أي غطاء أو ستار، لأنه كان من الملائم لذاك الذي في البداية أن يكون هكذا. وأيضًا أعطاه ناموسًا ليظهر به حرية اختياره. هذا الناموس كان وصية من جهة النباتات التي يمكن أن يأكلها، والنبات الذي يجب ألّا يلمسه. هذا النبات الأخير كان شجرة المعرفة، وذلك ليس بسبب أنها كانت شريرة حينما غُرست في البداية، ولا حُرمت على الإنسان عن حسدٍ. (غريغوريوس النزينزي، الثيؤفانيا)   لكَ عزيزي القارئ، أستطيع أن أسرد تلخيصًا بسيطًا ليسهل استخدامه والرجوع إليه. إذ من المهم أن نفهم الأمور حسبما قصدها الروح القدس في الكتاب المقدس. ١- آدم اسم عبريّ يعني الإنسان أو الجنس البشري، وهو مشتق من الكلمة أداما أو أحمر، وهي تُشير إلى التراب الذي خُلق منه الإنسان.  فخلق الله الإنسان على صورته. على صورة الله خلقه. ذكرًا وأنثى خلقهم. ((تكوين ١ : ٢٧ )) ٢- عندما خُلِق الإنسان لم يكن في حالة نضوج كامل، بل كان يلزمه الوقت ليصل إلى حالة الكمال. لا نعرف كم من الوقت، لأنه ببساطة لا يُهمّنا الآن. فبعد السقوط، ظهر تدبير آخر، وهو تدبير الخلاص الذي هو موضوع الكتاب المقدس كله. لكن ما يُهمّنا أن الله كانت له غاية نهائية من خَلْق الإنسان، وهي أن يتحد بالإنسان ويصير الإنسان ابنًا لله بالتبني، وهذا ما تحقّق في المسيح يسوع لاحقًا. ٣- كان العهد مع آدم يتضمن السيرَ مع الله يومًا بعد يوم، كما يقول الكتاب المقدس، لكي يصل إلى حالة الكمال، وهي حالة الاتّحاد بالابن الذي يتمّ من الآب بالابن في الروح القدس، كما يقول القديس كيرلس الكبير ((كيرلس السكندري، ضد الذين يتصورون أن لله هيئة بشرية، ترجمة: چورچ عوض إبراهيم، جذور للنشر والتوزيع 2013. )). ٤- أعطى الرب الإله للإنسان كل المقومات ليحيا في العهد. وهذه المقومات تتضمن السلطان على كل الكائنات، وأن يكون سيدًا عليها كلها، وأيضًا أن يُخضِع الأرض ويحفظها من العدو المتربص به. وكانت له كامل حرية الاختيار: أن يعيش في العهد بما يتضمنه من متعة وسعادة ولذة ومعية مع الرب كل يوم، إذ كان الرب يتمشى معه كل يوم، أو أن يختار ما اختاره بالفعل، وهو أن يُسَلِّم كل ما أُخِذَ منه من سلطان وسيادة على الكائنات والخليقة كلها للآخر (المتمثل في الحية) ليحل محله في سيادته على كل الكائنات والخليقة. وهذا هو السقوط. إذًا كان عليه عمل كثير مطلوب منه، ويقظة روحية. وهذا هو ما طلبه الرب الإله منه في تكوين ١&٢. وعلى هذا، فنحن أيضًا معروضٌ لنا كلُّ هذا المجد الذي كان معروضًا لآدم الأول، بل وأكثر. لكن نحتاج أن نُدرِك كمّ النِّعَم والمجد المعروض لنا في الابن يسوع، ونحيا في العهد. وهذا العهد يتطلَّب منا مسؤولية الابن تجاه أبوه، وهي أن يحيا في المشيئة، ويُطيع الوصية لكي يُحقِّق الغاية التي من أجلها خُلِق، والتي من أجلها نحيا، وهي أن نصير مُتَّحدين بالابن في الروح القدس، ليجمع كلَّ شيءٍ في المسيح يسوع. وهذا ما يقوله بولس في رسالته إلى أهل أفسس، مُتحدثًا عن تدبير ملء الأزمنة: لِيَجمَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ، مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، فِي ذَاكَ. ((رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس ١: ١٠ )). ما أعظم ذلك الإله الذي أحبّني وأنا بعدُ ساقطٌ وخاطئٌ، وأسلَم نفسه من أجلي، ولم يستحِ منّي، بل دعاني أخًا لابنه بالطبيعة، وأقيم من أجل تبريري. ما أعظم ذلك الإله! نعم، يستحقّ أن نُنشدَ معه ونُنشد مع الكنيسة نشيد العبور والفصح في البصخة المقدّسة ونقول: ثوك تاتي جوم نيم بي أوؤو نيم بي إزمو نيم بي أما هي شا إينيه، آمين . ومعناها: لكَ القوة والمجد والبركة والعزّة إلى الأبد، آمين. --- ### هواجس الذوبان - Published: ۲۰۲۵-۰۳-۰۱ - Modified: 2025-04-04 - URL: https://tabcm.net/36294/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أنبا متاؤس، أسقف دير السريان, إفخارستيا, الأوطاخية, الإمبراطورية الرومانية, الثالوث القدوس, الشرق الأوسط, الكرسي المرقسي, الكنائس الأرثوذكسية, الكنيسة الجامعة, الكنيسة القبطية, الكنيسة الكاثوليكية, المجمع المقدس, المجيء الثاني, النسطورية, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, بابا فرنسيس، بابا الڤاتيكان, بابا كيرلس السادس, بابا يوحنا بولس الثاني, بابا يوساب الثاني, بولس السادس, ثيؤطوكوس, جماعة الأمة القبطية, دير الآباء السريان, دير الأنبا بيشوي, ڤاتيكان, قديس أثناسيوس الرسولي, كنيسة الإسكندرية, كنيسة القسطنطينية, ليتورچي, مجمع الأساقفة, مجمع خلقيدونية, مدارس الأحد, مدرسة الإسكندرية, معهد الدراسات القبطية كان قرارنا عدمَ الاعتراف بهذا المجمع، ومقاطعة اليونانية لسانًا وفكرًا، لنبدأ مرحلة بناء لاهوت بلسان قبطي، وتتغيّر لافتتنا من كنيسة الإسكندرية إلى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية. وفي المقابل، قرّرت الكنائس الخلقيدونية عدم الاعتراف بشرعية كنيستنا، واعتبرت الكنيسة الملكانية في الإسكندرية هي الشرعية حتى اليوم تخوّفات الأقباط من الذوبان وفقدان الهوية القبطية، والقائمة حتى الآن، ليست وليدة الزمن القريب، بل هي نتاج مراكمات وخبرات تاريخية مؤلمة، بدأت عقب مجمع خلقيدونية المسكوني (451م)، الذي كان بداية الانشقاق في الكنيسة الجامعة. كان قرارنا عدمَ الاعتراف بهذا المجمع، ومقاطعة اليونانية لسانًا وفكرًا، لنبدأ مرحلة بناء لاهوت بلسان قبطي، وتتغيّر لافتتنا من كنيسة الإسكندرية إلى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية. وفي المقابل، قرّرت الكنائس الخلقيدونية عدم الاعتراف بشرعية كنيستنا، واعتبرت الكنيسة الملكانية في الإسكندرية هي الشرعية حتى اليوم. سبق هذا التراجع الإجباري لترتيبنا بين الكراسي الرسولية، من المرتبة الثانية التي احتلتها كنيسة القسطنطينية الناشئة بقرار إمبراطوري باعتبارها كرسي عاصمة الإمبراطورية الرومانية الشرقية، لنذهب نحن إلى المرتبة الثالثة. يعقب ذلك تحولنا، بعد القرن العاشر، إلى كنيسة أقلية بعد ذهاب الغالبية إلى الإسلام، وصرنا تحت الحكم الإسلامي الذي تقلبت فيه الأنظمة والحكام، لنعيش أسوأ مرحلة تحت الحكم العثماني المظلم، الذي مدّ قهره وسلطانه إلى عموم مصر ليفرّغها من عقولها وعمالتها المتميزة، ويرسلها إلى عاصمته؛ الأستانة، ويتركها تقتات على الخرافة، فندخل في نفق مظلم ممتد. حتى باغتتنا الحملة الفرنسية (1798-1801م)، التي اهتمت باكتشاف مصر مجددًا، فعمل علماؤها على فحص ورصد كل صغيرة وكبيرة فيها، وسجلوا كل ذلك في أحد أهم المراجع العلمية والحياتية، مجموعة مجلدات: وصف مصر، التي بلغت نحو 20 مجلدًا. وفي المجلد الأول؛ المصريون المحدثون، يُورد وصفًا لأقباط مصر وكنيستهم، بأنهم: طائفة من الهراطقة يتبعون آراء أوطاخي ونسطور، وينكرون الطبيعة المزدوجة للمسيح، ويعتبرون أنفسهم أحفادًا للمصريين القدماء. ويستطرد الكاتب: ولعل بمقدورنا أن نفترض أن جنسهم قد استطاع أن يظلّ نقيًا بعيدًا عن الاختلاط بالإغريق، إذ ليس بينهم أي ملمح من التشابه. وينتهي الكاتب، بعد أن يصف كنائس وأديرة ومعيشة الأقباط، إلى أنهم –أي الأقباط– أمكنهم أن يتماسكوا في شكل أمة متحدة داخل بلد مهزوم، ويعطي مجتمعهم الصغير لمصر ، بفضل بعض الأنظمة المقتبسة من القيم الإنجيلية، مظهرًا من مظاهر الاتحاد والوفاق والألفة، وهو أمر نادر في تلك البلاد التي نُكبت بالطغيان والاستبداد. كان دفاع الأقباط عن هويتهم وإيمانهم بالتحصُّن بالانكفاء على الذات ومحاولة إعادة بناء لاهوتٍ سكندريٍّ على ما توفَّر لديهم من أصولٍ يونانيةٍ وقبطيةٍ، اللتين انقطعا عنهما مع التحوُّل القسري إلى العربية، على الرغم من أن كنيستهم أسَّست واحدةً من أهمِّ المدارس اللاهوتية؛ مدرسة الإسكندرية اللاهوتية، مع مجيء القديس مرقس ببشارته، وقدَّمت للكنيسة الجامعة العديد من المباحث اللاهوتية والعقائدية، وكانت الكنيسة تختار بطاركتها وأساقفتها من مُديريها وعلمائها. وعندما تعرَّضت المدرسة للهجوم، حمل علماؤها كتبهم وأبحاثهم وكنوزهم المعرفية ولجأوا إلى الأديرة، يتحصَّنون بأسوارها ومواقعها البعيدة في عمق الصحراء، واستمرَّت الكنيسة تختار قادتها من تلاميذها حتى بعد أن صاروا رهبانًا. لكن دورة الزمن وما أصاب مصر من تراجعات وانقطاعات معرفية انعكس على الكنيسة والأديرة، التي صارت شبه خاوية تضم نفرًا من البسطاء الذين لا يدركون قيمة الكنوز التي تختزنها أقبّتها وخزائن كتبها، حتى إنهم كانوا يستخدمونها وقودًا في أفرانهم البدائية. وهنا نذكر دور المستشرقين الأوائل الذين انتبهوا لهذه الذخائر، فعكفوا على طرق أبواب الأديرة ونسخها، وإعطاء النسخ الجديدة للرهبان مقابل أخذ تلك الرقوق القديمة، الأمر الذي أبْهَج الرهبان البسطاء فكانوا يودّعونهم مصحوبين بأحرّ الدعوات وفيض الصلوات. واعتمرت مكتبات الجامعات الكبرى في العالم المتحضر والمتاحف الأشهر بتلك المخطوطات، وأبقى الله لنا بقية نعود إليها ونغترف من غناها في سعي استرداد وعينا. لذلك كانت الكنيسة تنتفض مع كل اقتراب من العائلة الخلقيدونية. كانت تلك المرة الأولى في تاريخنا المعاصر التي يرفض فيها المجمع التعامل مع البابا يوساب الثاني، على خلفية دراسته في اليونان مبعوثًا من مدرسة الرهبان بحلوان، التي أُغلقت في حبرية البابا كيرلس السادس، وتحولت إلى مقر إقامة أسقف حلوان. وإنْ تم تصدير أزمة البابا يوساب على أنها بسبب تلميذه ملك، وادعاء سيطرته على إدارة الكنيسة، فإنه يُحسب لهذا البابا دعمه للمنظومة التعليمية، ورعايته وتطويره للمدرسة الإكليريكية، وافتتاحه لمعهد الدراسات القبطية، وإسناده مهمة التعليم فيه إلى أساتذة جامعيين ثقات، كلٌّ في تخصصه. واللافت أن ثلاث جبهات تحالفت ضده لعزله: مجمع الأساقفة، وجماعة مدارس الأحد، وجماعة الأمة القبطية. وانتهى الأمر إلى تحديد إقامته في المستشفى القبطي، وما لبث أن وافته المنية. وكانت المرة الثانية حين قرر البابا شنودة الثالث زيارة الفاتيكان، وتمت الزيارة في 10 مايو 1973. وفي ختام تلك الزيارة، صدر بيان مشترك، واتُّفق على تشكيل لجان للحوار، كما تسلّم البابا شنودة الثالث جزءًا من رفات القديس أثناسيوس. ووُقِّعت فيها وثائق إيمانية تؤكد على المشتركات الإيمانية بين الكنيستين، وأنهما اتفقتا على فحص ودراسة الخلافات، التي في كثير منها ناتجة عن اختلاف اللغة بين اليونانية واللاتينية، وأن الكنيستين ستواصلان السعي للتقارب. وعندما عاد، وُجِّه بعاصفة من الرفض من شيوخ المجمع يتقدمهم أسقف دير السريان الذي كان البابا يهابه، لينتهي الأمر إلى تجميد الاتفاقية، واستبدالها بجلسات التقارب المسكوني النمطية الممتدة. نص البيان المشترك الصادر عن لقاء بابا الإسكندرية؛ البابا شنودة الثالث، وبابا روما؛ البابا بولس السادس، في مايو ١٩٧٣م. بولس السادس أسقف روما وبابا الكنيسة الكاثوليكية، وشنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرسي المرقسي؛ يقدمان الشكر لله في الروح القدس. إذ أنه بعد عودة رفات القديس مرقس إلى مصر قد نمت العلاقات بين كنيستي روما والإسكندرية، وازدادت بعد ذلك الحدث العظيم حتى أمكن الآن أن يصير بينهما لقاء شخصي وهما يرغبان في ختام اجتماعاتهما ومحادثاتهما أن يقررا معًا ما يلي :لقد تقابلنا معًا تحدونا الرغبة في تعميق العلاقات بين كنيستينا، وإيجاد وسائط واضحة المعالم وفعالة للتغلب على العقبات التي تقف عائقًا في سبيل تعاون حقيقي بيننا في خدمة ربنا يسوع المسيح الذي أعطانا خدمة المصالحة لنصالح العالم فيه ((كورنثوس الثانية 5: 18–20 )). وطبقًا لتقاليدنا الرسولية المسلمة لكنيستينا والمحفوظة فيهما، ووفقًا للمجامع المسكونية الثلاثة الأولى، نقر أن لنا إيمانًا واحدًا بإله واحد مثلث الأقانيم، وبلاهوت ابن الله الوحيد الأقنوم الثاني من الثالوث القدوس كلمة الله، وضياء مجده وصورة جوهره، الذي تجسد من أجلنا متخذًا له جسدًا حقيقيًا ذا نفس عاقلة، وصار مشاركًا إيانا إنسانيتنا، ولكن بغير خطيئة. ونقر بأن ربنا وإلهنا ومخلصنا وملكنا كلنا يسوع المسيح إله كامل من حيث لاهوته، إنسان كامل من حيث ناسوته. وأن فيه قد اتحد اللاهوت بالناسوت اتحادًا حقيقيًا كاملًا بغير اختلاط، ولا امتزاج، ولا تشويش، ولا تغيير، ولا تقسيم، ولا افتراق. فلاهوته لم يفارق ناسوته لحظة واحدة أو طرفة عين. وأنه وهو الإله الأزلي الأبدي غير المنظور صار منظورًا في الجسد واتخذ صورة عبد، وفيه قد حفظت كل خصائص اللاهوت، وكل خصائص الناسوت جميعًا باتحاد حقيقي كامل، اتحاد لا يقبل التجزئة أو الانقسام ولا يقبل الانفصال. نؤمن معًا أن الحياة الإلهية تمنح لنا بواسطة أسرار المسيح السبعة في كنيسته. وأن تلك الحياه الإلهية تنمو فينا وتغتذى بهذه الأسرار وهى : المعمودية، الميرون ، الإفخارستيا ، التوبة، مسحة المرضى، الزيجة، الكهنوت. ونحن نكرم العذراء مريم أم النور الحقيقي ونعترف أنها دائمة البتولية، وأنها والدة الإله، وأنها تشفع فينا، وأنها بصفتها والدة الإله تفوق في كرامتها كرامة جميع الطغمات الملائكية. ونحن لنا إلى حد كبير مفهوم واحد للكنيسة وأنها مؤسسة على الرسل. والدور الهام الذي للمجامع المسكونية، والمحلية. ولنا معًا روحانيتنا التي تعبر عنها طقوسنا خير تعبير، كما يعبر عنها القداس الإلهي تعبيرًا عميقًا. لأن القداس هو مركز وجوهر عبادتنا الجماعية، وهو قمة اتحادنا وشركتنا مع المسيح في كنيسته. ونحن نحفظ الأصوام والأعياد التي يأمرنا بها ديننا. ونكرم ذخائر القديسين، ونستشفع بالملائكة وبالقديسين الأحياء منهم والمنتقلين، هؤلاء يؤلفون سحابة من الشهود في الكنيسة وهم ونحن ننتظر –في رجاء– المجيء الثاني لربنا عند استعلان مجده ليدين الأحياء والموتى. ونحن نعترف بكل اتضاع أن كنائسنا غير قادرة على أن تشهد للحياة الجديدة في المسيح بصورة أكمل بسبب الانقسامات القائمة بينها، والتي تحمل وراءها تاريخًا مثقلًا بالصعوبات لعدة قرون مضت. والواقع أنه منذ عام 451 م لميلاد المسيح نشبت خلافات لاهوتية امتدت واتسعت شقتها بفعل عوامل غير لاهوتية. هذه الخلافات لا يمكن تجاهلها. وعلى الرغم من تلك الخلافات، فنحن نعيد اكتشاف أنفسنا، فنجد أن بين كنيستينا تراثًا مشتركًا ونحن نسعى بعزم وثقة في الرب أن نحقق كمال تلك الوحدة وتمامها، هذه الوحدة التي هي عطية من الرب. ولكى ما نتمكن من إنجاز هذا العمل، نشكل لجنة مشتركة من الكنيستين مهمتها التوجيه لدراسات مشتركة في ميادين: التقليد الكنسي، وعلم آباء الكنيسة، والطقوس، وخدمة القداس واللاهوت، والتاريخ، والمشاكل العلمية، وهكذا بالتعاون المشترك يمكن أن نتوصل إلى حلول للخلافات القائمة بين الكنيستين بروح التقدير المتبادل. ونستطيع أن ننادى بالإنجيل معًا بوسائل تتفق مع رسالة الرب الأصيلة وتتناسب مع احتياجات العالم المعاصر وأماله. ونعبر في نفس الوقت عن تقديرنا وتشجيعنا لأي جماعات أخرى من الدارسين ومن الرعاة من بين الكاثوليك والأرثوذكس، ممن يكرسون جهودهم في نشاط مشترك في الميادين المذكورة وما يتصل بها. وإننا في إخلاص وإلحاح نذكر أن المحبة الحقيقية والمتأصلة في أمانة كاملة للرب الواحد يسوع المسيح، واحترام متبادل من كل طرف لتقاليد الطرف الآخر، هي عنصر جوهري في السعي نحو الشركة الكاملة. إننا باسم هذه المحبة نرفض كل صور الجذب من كنيسة إلى أخرى، وننبذ أن يسعى أشخاص من إحدى الكنيستين إلى إزعاج طائفة من الكنيسة الأخرى وذلك بضم أعضاء إليهم من هذه الكنيسة بناء على اتجاهات فكرية أو بوسائل تتعارض مع مقتضيات المحبة المسيحية، أو مع ما يجب أن تتميز به العلاقات بين الكنيستين. ينبغي أن يُوقف هذا الجذب بكل صوره أينما يوجد. وإن على الكاثوليك والأرثوذكس أن يعملوا على تعميق وتنمية التشاور المتبادل وتبادل الرأي والتعاون في المجالات الاجتماعية والفكرية. ويجب أن يتواضعوا أمام الرب ويتضرعوا إليه، أن يتفضل وهو الذي بدأ هذا العمل فينا أن يؤتيه ثماره. وإذ نفرح بالرب الذي منحنا بركات هذا اللقاء، تتجه أفكارنا إلى ألاف المتألمين والمشردين من شعب فلسطين، ونأسف على سوء استخدام الحجج الدينية لتحقيق أغراض سياسية في هذه المنطقة. وبرغبة حارة نتطلع إلى أزمة الشرق الأوسط حتى يسود سلام حقيقي قائم على العدل خصوصًا في تلك الأرض التي تقدست بكرازة ربنا ومخلصنا يسوع المسيح وموته وقيامته، وبحياة القديسة العذراء مريم هذه التي نكرمها جميعًا بصفتها والدة الإله . ليستجب لنا الله مانح جميع المواهب والعطايا يسمع صلواتنا ويبارك جهودنا. البابا بولس السادس؛ أسقف روما وبابا الكنيسة الكاثوليكية البابا شنودة الثالث، أسقف الإسكندرية وبابا وبطريرك الكرسي المرقسي الفاتيكان، في ١٠ مايو سنة ١٩٧٣م   ولتزايد رباط المحبة بين الكنيستين، فقد أهدى قداسة البابا بولس السادس لقداسة البابا شنودة الثالث والوفد المرافق له، جزءًا من رفات القديس أثناسيوس الرسولي، الذي أُودع في المزار المخصص له بالكاتدرائية المرقسية بمنطقة الأنبا رويس بالعباسية في القاهرة. اللجنة المشتركة للحوار اللاهوتي بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة القبطية الأرثوذكسية في ١٢ فبراير ١٩٨٨م:بمحبة الله الآب، ونعمة الابن الوحيد، وموهبة الروح القدس، فى يوم الجمعة ١٢ فبراير ١٩٨٨م. اجتمعت اللجنة المشتركة للحوار اللاهوتي بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة القبطية الأرثوذكسية في دير الأنبا بيشوي بوادي النطرون بمصر. افتتح قداسة البابا شنودة الثالث هذا الاجتماع بالصلاة، وقد اشترك في هذا الاجتماع المونسنيور چيوفانى مورتينى القاصد الرسولي بمصر، والأب دوبريه السكرتير بسكرتارية الوحدة المسيحية للفاتيكان، ممثلين لقداسة البابا يوحنا بولس الثاني ومؤهلين من قداسته للتوقيع على هذا الاتفاق. كما حضر أيضًا الأساقفة المعينون من قبل صاحب الغبطة أستفانوس الثاني غطاس بطريرك الأقباط الكاثوليك لتوقيع هذه الاتفاقية. وقد سَرنا اللقاء التاريخي الذي تم في الفاتيكان في مايو سنة ١٩٧٣ بين قداسة البابا بولس السادس وقداسة البابا شنودة الثالث. وكان هذا هو أول لقاء بين الكنيستين منذ أكثر من خمسة عشر قرنًا من الزمان، ووجدنا أتفاقًا بيننا في كثير من نقط الإيمان، كما تقرر في ذلك اللقاء تكوين لجنة مشتركة لبحث نقط الخلاف العقائدية والإيمانية بين الكنيستين، بهدف الوصول إلى الوحدة الكنسية. وكان قد حدث اجتماع في ڤيينا في سبتمبر سنة ١٩٧١م نظمته هيئة بروأورينتا بين لاهوتيّ الكنيسة الكاثوليكية ولاهوتيّ الكنائس الأرثوذكسية الشرقية؛ وهي كنائس الأقباط والسريان والأرمن والأثيوبيين والهنود، ووصلوا إلى اتفاق في موضوع طبيعة السيد المسيح، قبله المجمع المقدس للكنيسة القبطية في 21 يونيو ١٩٨٦م. ونحن نشكر الله أننا الآن يمكننا أن نوقع على صيغة مشتركة تعبر عن اتفاقنا الرسمي بخصوص طبيعة السيد المسيح. أما باقي نقاط الخلاف بين الكنيستين فستقوم اللجنة العامة للحوار المشترك بفحصها على التوالي بمشيئة الرب. نص الاتفاق المشترك بشأن طبيعة السيد المسيح:نحن نؤمن أن ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح، الكلمة المتجسد هو كامل في لاهوته وكامل في ناسوته، وجعل ناسوته واحدًا مع لاهوته بدون اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير ولا تشويش ، وأن لاهوته لم ينفصل عن ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين. وفى نفس الوقت، نحرم كلًا من تعاليم نسطور وأوطاخي. التوقيعات   وكانت المرة الثالثة حين سعى البابا تواضروس إلى استكمال ما دشّنه البابا شنودة بزيارة الفاتيكان في 10 مايو 2023، بالتزامن مع احتفال الكنيستين الأرثوذكسية والكاثوليكية بمرور 50 عامًا على يوم الصداقة، وهو اليوم الذي زار فيه البابا شنودة الفاتيكان، وعادت فيه العلاقات بين الكنيستين. وقد قام بابا الفاتيكان، البابا فرنسيس، بزيارة لمصر في 28 أبريل 2017، أثمرت توقيع اتفاقية تقارب بين الكنيستين، وتنصّ على عدم إعادة معمودية أيّ من أبناء الكنيستين عند انضمامه إلى الكنيسة الأخرى. فانتفض صقور المجمع، وأعلنوا رفضهم للاتفاقية، وكاد سيناريو البابا يوساب أن يتكرر، حتى أعلنت الكنيسة القبطية أن لبسًا قد حدث فيما أُعلن بهذا الصدد، وأن النص الأصلي يتضمن: السعي جاهدين لعدم إعادة المعمودية بين كنيستينا في حالة رغبة أحد المسيحيين في الانضمام إلى الكنيسة الأخرى. ويبقى السؤال: ماذا حدث لنصل إلى الحالة الراهنة؟ هذا ما سنحاول الإجابة عنه في مقالٍ تالٍ. --- ### الخطية الجدية عند باسيليوس الكبير [١] - Published: ۲۰۲۵-۰۲-۲۸ - Modified: 2025-03-07 - URL: https://tabcm.net/36515/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: آدم, أنبا بطرس، الأسقف العام, أيام الخليقة, إلياس كويتر المخلصي, الشيطان, الغنوصية, المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية, المكتبة البولسية, باسيليوس الكبير، أسقف قيصرية الكبادوك, بيشوي الأنطوني, تجسد الكلمة, چورچ عوض إبراهيم, چوزيف موريس فلتس, دار القديس يوحنا الحبيب للنشر, قديس أثناسيوس الرسولي, قديس أوغسطينوس، أسقف هيبو, ليتورچي نستكمل الحديث عن مفهوم الخطية الجدية، ونبدأ من هذه الحلقة ولعدة حلقات مقبلة مع ق. باسيليوس الكبير رئيس أساقفة قيصرية الكبادوك بآسيا الصغرى، وواضع الليتورچية المسمَّى باسمه، التي نصلي بها في كنيستنا إلى اليوم. لنرى هل يتفق تعليم ق. باسيليوس الكبير مع تعليم أوغسطينوس أسقف هيبو في الغرب اللاتينيّ عن الخطية الأصلية الموروثة من آدم إلى نسله من بعده. عدمية الشر والخطية يدحض ق. باسيليوس الكبير تعاليم الغنوسيين والمانويين القائلين بالوجود الحقيقيّ للشر والخطية في العالم، وأنهما يستمدان أصلهما من الله، حيث يرى ق. باسيليوس أن الشر لا يمكن أن يُقَال أنه يستمد وجوده من الله، لأن الضد لا ينتج ما هو ضده، فالحياة لا تلد موتًا، والنور لا ينبثق من الظلام، وهذا ما نقوله بأن الله لا يمكن أن يُعاقِب بالموت، أو يميت أحد، فالله الحياة لا يلد موتًا البتة. ويشير ق. باسيليوس إلى أن الشر ليس كائنًا عاقلًا حيًا، بل هو حالة تكون فيها الروح مُخالِفةً للفضيلة، وهذه الحالة تنمو وتتطوَّر عند البعدين عن الخير كالتالي: ((باسيليوس الكبير، أيام الخليقة الستة، ترجمة: القمص بيشوي الأنطوني، مراجعة: الأنبا بطرس، الأسقف العام، دار القديس يوحنا الحبيب للنشر، 1996، عظة 2: 4، ص 28، 29. )) كما أنه من الخطأ روحيًا أن يُقَال إن الشرّ استمد وجوده من الله لأن الضد لا ينتج مما هو ضده. فالحياة لا تلد موتًا، والنور لا ينبثق من الظلام، كما أن الصحة لا تنتج عن المرض، إنما هذا يُعتبر تغيير من حالة إلى عكسها. أمَّا في التكوين فكل كائن يخرج من مثيله. وإذَا كان الشر لم يستمد أصله من الله، ولم يخلقه الله، إذًا، فمن أين استمد طبيعته؟ بالطبع كلنا نتفق على أن الشر موجود، فكيف نُفسِّر هذا الأمر؟ الواقع أن الشر ليس كائنًا عاقلًا حيًا، وإنما هو حالة تكون فيها الروح مُخالِفةً للفضيلة، هذه الحالة تنمو وتتطوَّر لدى البعدين عن الخير. (باسيليوس الكبير، أيام الخليقة الستة) يستطرد ق. باسيليوس الكبير شارحًا أصل الشر والخطية، حيث يستنكر أن يتصوّر المرء وجود الطبيعة الشريرة من الأصل، بل يطالب كل شخص أن يعترف أنه هو نفسه صانع شروره. ويطلب ق. باسيليوس من الإنسان أن يعرف أن الشرّ مصدره هو سقطات الإنسان الإرادية، وهكذا لو لم تكن سقطات الإنسان إرادية، لمَّا كان تطبيق القانون مرعبًا للخطاة المدانون. وهنا يدحض ق. باسيليوس أي تعليم عن شر موروث، أو خطية أصلية موروثة تجعل الإنسان يخطئ دون إرادته، بل يؤكد ق. باسيليوس على أن الشر مصدره سقطات الإنسان الإرادية كالتالي: ((باسيليوس الكبير، أيام الخليقة الستة، ترجمة: القمص بيشوي الأنطوني، مراجعة: الأنبا بطرس الأسقف العام، دار القديس يوحنا الحبيب للنشر، 1996، عظة 2: 5، ص 29. )) لا يجب، إذًا، أن يسعى الإنسان إلى خراب نفسه ويتصوّر وجود الطبيعة الشريرة من الأصل. بل يجب أن يعترف كل شخص منَّا أنه هو نفسه صانع شروره. الإنسان هو المتحكم في تصرفاته، ولذلك يجب ألا يبحث الإنسان عمَّا يبرِّر تصرفاته من أسباب خارجية، بل عليه أن يعرف أن الشرّ مصدره سقطات الإنسان الإرادية، ذلك أنه لو لم تكن سقطات الإنسان إرادية لمَّا كان تطبيق القانون مرعبًا للخطأة المدانون. (باسيليوس الكبير، أيام الخليقة الستة) يُناقِش ق. باسيليوس ماهية الشرّ والخطية، فيُشبِّه خطية الإلحاد مثلًا إنها مرض نسيان الله، ويُشبِّه مَنْ يدَّعي أنَّ الله هو علة الشرور، بأنه لا يملك عقل ولا حكمة. الإنسان هو المتسبِّب في فعل الخطية أو رفضها، كما يشير إلى انخداع الخطاة بطعم لذة الخطية، الخطايا هي تلويث للنفس المخلوقة على صورة الله خالقنا، هناك شرور تتوقف علينا نحن مثل: القتل، والحسد، والانحلال الخلقيّ، والظلم... إلخ. الشر هو كل أمر مُتعِب كالمرض الجسديّ، والجروح، والعار، والفضيحة. الشرّ الحقيقيّ هو الخطية، وارتكابها يتوقف على إرادتنا، والخطية هي بالحق شرًا، ونستطيع بإرادتنا الابتعاد عن الشرّ أو فعل الشر كالتالي: ((باسيليوس الكبير، الله ليس مسببًا للشرور، ترجمة: د. چورچ عوض، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2012، ص 28. )) الشرّ الحقيقيّ فهو الخطية، وإرتكابها يتوقف على إرادتنا، وهي تُدعَى بالحق شرًا، وبإرادتنا نستطيع أن نبتعد عن الشرّ أو نفعل الشرّ. (باسيليوس الكبير، الله ليس مسببًا للشرور) ويؤكد ق. باسيليوس على أن الشر ليس له وجود خاص به؛ لأنَّ الشر ليس شيئًا موجودًا مثل أيّ كائن حي. الشر ليس له جوهر، الشر هو غياب الصلاح، كما أن العمى هو غياب الإبصار نتيجة تلف العينين، هكذا الشر ليس له وجود خاص به، لكنه يأتي بعد مرض النفس. لم يكن الشر غير مولود كما يُنادِي الغنوسيون جاعلين طبيعة الشر وطبيعة الصلاح على نفس المستوى. لا يأتي السوء من الصلاح، ولا الشر من الفضيلة، الشر غير مخلوق مع الصلاح في آنٍ واحدٍ، ولم تكن الأرواح المخلوقة مُمتزجةً بالشرور، عندما خلقها الله وآتى بها إلى الوجود، لأنه إنْ كانت الأجساد المادية ليس لها طبيعة شريرة بداخلها، فكم بالأولى الأرواح التي تتميَّز جدًا بالنقاوة والقداسة ليس لها وجود مُشترك مع الشر كالتالي: ((باسيليوس الكبير، الله ليس مسببًا للشرور، ترجمة: د. چورچ عوض، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2012، ص 30، 31. )) كذلك لا تظن أن الشر له وجود خاص به. لأن الشر ليس شيئًا موجودًا، مثلما نقول ذلك عن حيوان ما. الشر ليس له جوهر، فالشر هو غياب الصلاح، كما أن العمى يحدث نتيجة تلف يصيب العينين، هكذا الشر ليس له وجود خاص، لكنه يأتي عندما تمرض النفس. والشر أيضًا ليس بغير مولودٍ كما ينادي الفجَّارجاعلين هكذا طبيعة الصلاح وطبيعة الشر على نفس المستوى في التقدير. إذًا، الشر لم يُخلَق مع الصلاح في آنٍ واحدٍ. ولم تكن الأرواح المخلوقة ممتزجةً بالشرور عندما خلقها الله وأتى بها إلى الوجود. لأنه إذَا كانت الأجساد المادية لم تكن لها طبيعة شريرة بداخلها، فكم بالأولى الأرواح التي تتميَّز جدًا بالنقاوة والقداسة، لم تكن لها وجود مشترك مع الشر؟. (باسيليوس الكبير، الله ليس مسببًا للشرور) الخطية الجدية هي جرح الطبيعة البشرية يُشبِّه ق. باسيليوس الكبير الخطية الجدية بأنها مثل جرح أصاب الطبيعة البشرية حينما خالف آدم أمر الربّ في مبادئ الخليقة، ويؤكد على أنه لا دواء يشفي الإنسان من الخطيئة سوى التوبة والعودة إلى الله. ويتفق تعليم ق. باسيليوس الكبير في هذا الصدد مع تعليم ق. أثناسيوس الرسوليّ، الذي أكَّد في كتابه ”تجسُّد الكلمة“ ((حيث يقول ق. أثناسيوس في هذا الصدد التالي: أو ما الذي كان يجب على الله أن يعمله؟ أيطلب من البشر التوبة عن تعدياتهم؟ ويمكن أن يرى المرء أن هذا يليق بالله ويقول: كما أن البشر صاروا إلى الفساد بسبب التعدي، فإنهم بسبب التوبة يمكن أن يعودوا إلى عدم الفساد والخلود. ولكن التوبة تعجز عن حفظ أمانة الله لأنه لن يكون الله صادقًا إنْ لم يظل الإنسان في قبضة الموت، لأنه تعدى فحُكِمَ عليه بالموت كقول الله الصادق. ولا تقدر التوبة أن تُغيِّر طبيعة الإنسان، بل كل ما تستطيعه هو أن تمنعهم عن أعمال الخطية. فلو كان تعدي الإنسان مُجرَّد عمل خاطئ ولم يتبعه فساد، لكانت التوبة كافية. أمَّا الآن بعد أن حدث التعدي، فقد تورَّط البشر في ذلك الفساد الذي كان هو طبيعتهم ونُزِعَت منهم نعمة مماثلة صورة الله، فما هي الخطوة التي يحتاجها الأمر بعد ذلك؟ أو مَن ذا الذي يستطيع أن يُعِيد للإنسان تلك النعمة ويرده إلى حالته الأولى إلا كلمة الله الذي خلق في البدء كل شيء من العدم؟ لأنه كان هو وحده القادر أن يأتي بالفاسد إلى عدم الفساد، وأيضًا أن يصون صدق الآب من جهة الجميع. وحيث إنه هو كلمة الآب ويفوق الكل، كان هو وحده القادر أن يعيد خلق كل شيء، وأن يتألم عوض الجميع، وأن يكون شفيعًا عن الكل لدى الآب. (تجسد الكلمة، ترجمة: د. چوزيف موريس، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2003، 7: 2-5، ص 18، 19). )) على أنه لو كانت مشكلة الإنسان الوحيدة هي الخطية، فالتوبة كانت كافية لمحو هذه الخطية، ولكن المشكلة الكبيرة هي توغل وتغلغُّل الفساد والموت في طبيعة الإنسان داخليًا، وصار بحاجة إلى تجديد طبيعته الفاسدة والمائتة من جديد عن طريق الكلمة خالقه، لكي تتَّحد به النعمة داخليًا، ولا ينال النعمة خارجيًا فقط. حيث يقول ق. باسيليوس الكبير التالي: ((إلياس كويتر المخلصي، القديس باسيليوس الكبير (حياته-  أبحاث عنه- مواعظه)، منشورات المكتبة البولسية، 1989، عظة 9 عن الصوم، ص 288. )) فالصوم هو دواء النفس للتخلص من الخطيئة. إن الخطيئة هي الجرح الذي أصاب الطبيعة البشرية حين خالف آدم أمر الربّ في مبادئ الخليقة. ولا دواء يشفي الإنسان من الخطيئة إلا التوبة والعودة إلى الله. لكن يا ترى ما معنى التوبة دون صوم؟. (القديس باسيليوس الكبير، لإلياس كويتر المخلصي) الخطية هي مرض الروح يرى ق. باسيليوس أن الفضائل موجودة فينا بالطبيعة، والروح عنده مصاهرة للفضائل، ويشير ق. باسيليوس إلى أن كل رذيلة هي مرض للروح كما الفضيلة هي صحة. ويدحض بذلك ق. باسيليوس التعليم الأوغسطينيّ بالإرادة المقيَّدة والمستعبَدة للشر، والتعليم عن الفساد الكليّ والتام للطبيعة البشرية، فكل رذيلة هي مرض دخيل على الروح، وليس ذنب أو فعل موروث في الطبيعة البشرية، بل الأصل في الطبيعة البشرية هو الفضائل كالتالي: ((باسيليوس الكبير، أيام الخليقة الستة، ترجمة: القمص بيشوي الأنطوني، مراجعة: الأنبا بطرس، الأسقف العام، دار القديس يوحنا الحبيب للنشر، 1996، عظة 9: 4، ص 101. )) الفضائل موجودة فينا أيضًا بالطبيعة، والروح عنده مصاهرة للفضائل ليس بالتعليم، بل بالطبيعة نفسها. لا نحتاج دروس لنكره المرض، لكن بأنفسنا نطرد ما ينتابنا، والروح لا يحتاج إلى مُعلِّم ليُعلِّمنا أن نتفادى الرذيلة. الآن، كل رذيلة هي مرض للروح كما الفضيلة فهي صحة. الذين قالوا أن الصحة هي نظام في إظهار الوظائف الطبيعية، قالوا حسن هذا التعريف، يمكن أن يُقَال بدون خوف لصحة الروح. إذًا، بدون درس، الروح تستطيع أن تعرف بنفسها ما يليق أو ما يطابق الطبيعة. إذًا، نرى أن الاعتدال في كل مكان يُمجَّد، والعدل مُكرَّم والشجاعة يُعجَب بها، والتعقُّل هو هدف الكل. الفضيلة هي الروح أكثر ما الصحة هي للجسد. (باسيليوس الكبير، أيام الخليقة الستة) الخطية الجدية هي اختطاف الموت بالخطية يرى ق. باسيليوس أن وطننا الأول كان السماء، ولكن عندما قاتل الشيطان الإنسان وأغراه بالعبودية التي تسبَّبت في طردنا من هذه المدينة، أختطف الإنسان الأول الموت الفوريّ له بالخطيئة، وهكذا بدأت الولادة الأولى لروح الشرّ كالتالي: ((باسيليوس الكبير، أيام الخليقة الستة، ترجمة: القمص بيشوي الأنطوني، مراجعة: الأنبا بطرس الأسقف العام، دار القديس يوحنا الحبيب للنشر، 1996، عظة 6: 1، ص 64. )) وطننا الأول كان في هذه المدينة العظيمة، عندما قاتل الشيطان الإنسان وأغراه بالعبودية التي تسبَّبت في طردنا. في هذه المدينة سترى الأصل الأول للإنسان واختطافه الفوريّ بالموت عن طريق الخطيئة، سترى الولادة الأولى لروح الشرّ. (باسيليوس الكبير، أيام الخليقة الستة) --- ### إلى صناع الدراما: الأولوية للمشاهد - Published: ۲۰۲۵-۰۲-۲۷ - Modified: 2025-03-03 - URL: https://tabcm.net/36472/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون لذا رجاء خططوا جيدا لمسلسلاتكم نريد أن نستمتع وأن يتم استثمار النجاح بوجود مواسم جديدة بنفس جودة الأول بل وتتفوق عليه، وليضع جميع عناصر المنظومة الأولوية للمشاهد فهو مقياس النجاح والمكسب لكم جميعًا. أيام قليلة ويبدأ موسم دراما رمضان، بمجموعة من المسلسلات ذات الموضوعات المختلفة التي تتنافس على كسب رضاء المشاهدين، وكسب ود رواد مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، وتحقيق مكاسب أكثر، بزيادة جرعة الإعلانات في أثناء عرض تلك المسلسلات، أينعم هذا يضايق المشاهدين لوجود ما بين ٤٥ إلى ٦٠ دقيقة إعلانات على متوسط زمن الحلقات بين ٢٥ إلى ٣٥ دقيقة، إلا أنه واحد من مقاييس نجاح تلك المسلسلات. يشهد هذا العام ظاهرة لطيفة، بمنافسة بعض المسلسلات التي حققت نجاحات سابقة بالموسم الثاني أو الثالث، مثل "كامل العدد"، "العتاولة"، "جودر"، وغيرها، ويبقى التحدي هو كيفية تقديم مستوى متميز كما الأجزاء السابقة ومحاولة التفوق عليها، في ظل انسحاب بعض الممثلين ممن شاركوا في الأجزاء الأولى لأكثر من سبب، وأهمها تحقيقهم النجاح وشعورهم بأن مساحة أدوارهم في الأجزاء الجديدة لا تناسب نجوميتهم الآن، أو ربما لانشغالهم في أعمال أخرى، أو شعورهم إنهم لن يقدموا الإضافة والجديد. ورغم أنه لا يمكن لأي شخص أن يملي على غيره ما يجب أن يفعله، لكن لدي ملاحظة بمناسبة الأعمال التي حققت نجاحات سابقة، وارتبط بها المشاهدين وجدانيًا، الرجاء التفكير في المُشاهد والنجاح قبل أي شيء، ويكون هو الالتزام الأول لفريق العمل ككل، فيكون النص الدرامي وتطويره هو الهم الأول للجميع وليس مساحة الأدوار للممثلين، وحتى لو كانت مساحة الدور أقل، فالفنان لديه التزام لدى جمهوره الذي ارتبط بالشخصية التي أدّاها سابقًا، أن يتواجد لأجله، وهذا لن ينتقص من نجوميته التي زادت بل سيكون مقدر جدًا من المشاهدين. عالميًا، هناك مجموعة من السلاسل لأفلام ارتبطنا بها وجدانيًا، ويشارك بعض النجوم الكبار أصحاب البطولة المطلقة بها بأدوار ومساحات أقل من المعتاد منهم، وهنا يفكر هؤلاء النجوم في تواجدهم في سلاسل الأفلام التي ارتبط بها الجمهور حول العالم، مثل "Mission impossible"، و" James Bond 007"، الذي شارك الفنان "Desmond Llewelyn" بدور "Q"  طوال حياته في غالبية أفلام السلسلة ولم يتخطى ظهوره طوال الأفلام ٣٠ دقيقة لكنه كان من علامات السلسلة حتى مماته، ورغم عدد الدقائق القليلة في كل فيلم إلا أنه لا يمكن تخيل فيلم من دونه. في مسلسل تحت السيطرة عام 2015، شارك الفنان ماجد الكدواني في مشهد عدة دقائق كضيف شرف إلا أنه لازال يتذكر الجميع هذا المشهد باعتباره من علامات الدراما المصرية. أيضًا، أحب أن ألفت نظر صناع العمل من إنتاج و كتابة وإخراج وممثلين، لا يجب أن يُترك شيء للصدفة، إذا كنتم تعدون عمل وتشعرون أنه قد يلقى النجاح ويمكن تقديم موسم آخر منه رجاء عمل حساب ذلك، بفتح خطوط الدراما لشخصيات العمل لأن تستمر، ويكون هناك تصور  لذلك، ولا يجب الانتظار حتى يطالب الجمهور بموسم جديد، فتكون هناك صعوبة في فتح بعض الخطوط الدرامية التي تم إغلاقها. وربما هذه كانت أكبر مشاكل المسلسل الإسباني "la casa de papel"، فواحدة من أهم شخصيات العمل وأقصد "Berlín" التي قدمها الممثل "Pedro Alonso"، قُتلت في نهاية الموسم الثاني باعتبار ذلك نهاية قوية للمسلسل، ولم يكن في الحسبان عمل مواسم جديدة، ولكن الصدى والنجاح العالمي للمسلسل وبعد دخول منصة "Netflix" لإنتاج أجزاء جديدة، جعلا استعادة شخصية برلين صعب ومحدود ولم تكن المواسم الثلاثة الأخيرة في رأيي بجودة الموسمين الأول والثاني. لذا رجاء خططوا جيدا لمسلسلاتكم نريد أن نستمتع وأن يتم استثمار النجاح بوجود مواسم جديدة بنفس جودة الأول بل وتتفوق عليه، وليضع جميع عناصر المنظومة الأولوية للمشاهد فهو مقياس النجاح والمكسب لكم جميعًا. --- ### في اختلاف القراءات الكنسية - Published: ۲۰۲۵-۰۲-۲٦ - Modified: 2025-02-26 - URL: https://tabcm.net/36231/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أحد الشعانين, أسرار الكنيسة, أنبا تكلا هيمانوت, أنبا غريغوريوس، أسقف البحث العلمي, إبراهيم عياد, إبركسيس, الآباء اليسوعيين, الأسعد أبو الفرج هبة الله بن العسال, الترجمة السبعينية, الترجمة العربية المشتركة, الترجمة اليسوعية, الترجمة اليونانية, الجمعة العظيمة, الشرق الأوسط, الكنيسة القبطية, المجمع المقدس, النص العبري, بابا تواضروس الثاني, بابا كيرلس الخامس, بابا كيرلس السادس, باهور لبيب, بطرس البستاني, بيشوي كامل, توراة, حبيب جرجس, حلمي مراد, دار الكتاب المقدس, دار المعارف, رزق الله فتح الله عرمان, زكي شنودة, سانت تكلا هيمانوت, سر الزيجة, سر المعمودية, شاكر باسيليوس ميخائيل, شنودة ماهر إسحق, صوم الرسل, صوم يونان, عالي سميث, ڤاتيكان, قطمارس, كاثوليكون, كرنيليوس ڤان دايك, مراد كامل, مطبعة الأنبا رويس, معهد الدراسات القبطية, مكتبة المحبة, منشورات النور, ناصيف بن عبد الله بن ناصيف بن جنبلاط بن سعد اليازجي, يهوه تجلس في الكنيسة في الثامنة صباحًا يوم الجمعة العظيمة. يتلو الشماس مزمور باكر باللحن الجنائزي الذي يُطلق عليه "الأدريبي". تقرأ النص العربي للمزمور من كتاب طقس أسبوع الآلام أو من تطبيق "دلال أسبوع الآلام" على هاتفك المحمول. ثم يدفعك الفضول إلى البحث في تطبيق "الكتاب المقدس" عن بقية آيات المزمور، فتكتشف أن النص مختلف اختلافًا تامًا! يُثير هذا الاختلاف فضولك أكثر، فتُراجع إحدى نُبوءات باكَر ليوم الجمعة العظيمة تجلس في الكنيسة في الثامنة صباحًا يوم الجمعة العظيمة. يتلو الشماس مزمور باكر باللحن الجنائزي الذي يُطلق عليه "الأدريبي". تقرأ النص العربي للمزمور من كتاب طقس أسبوع الآلام أو من تطبيق "دلال أسبوع الآلام" على هاتفك المحمول. ثم يدفعك الفضول إلى البحث في تطبيق "الكتاب المقدس" عن بقية آيات المزمور، فتكتشف أن النص مختلف اختلافًا تامًا! كتاب البصخة المقدسة: باكر الجمعة العظيمة الكتاب المقدس: المزامير لأنه قام عليّ شهود زور. وكذب الظلم لذاته. ((لأنه قام عليّ شهود زور. وكذب الظلم لذاته. سانت تكلا هيمانوت، خدمة الشماس، 497- "مزمور باكر الجمعة العظيمة "لأنه قام عليَّ شهود زور، جي إفتو نو إهري إيجوي"، (مزمور 26: 15) )) مزمور 26 ليس به العدد 15 لأن به 12 عدد فقط! قام علىّ شهود جور، وعما لا أعلم سألوني. جازوني بدل الخير شرًا، صارين علىّ بأسنانهم. هلليلويا. ((قام علىّ شهود جور، وعما لا أعلم سألوني. جازوني بدل الخير شرًا، صارين علىّ بأسنانهم. هلليلويا. سانت تكلا هيمانوت، خدمة الشماس، 497- "مزمور باكر الجمعة العظيمة "لأنه قام عليَّ شهود زور، جي إفتو نو إهري إيجوي"، (مزمور 34: 13، 14، 19) )) 13 صن لسانك عن الشر، وشفتيك عن التكلم بالغش. ((صن لسانك عن الشر، وشفتيك عن التكلم بالغش. (مزمور 34: 13) )) 14 حد عن الشر، واصنع الخير. اطلب السلامة، واسع وراءها. ((حد عن الشر، واصنع الخير. اطلب السلامة، واسع وراءها. (مزمور 34: 14) )) 19 كثيرة هي بلايا الصديق، ومن جميعها ينجيه الرب. ((كثيرة هي بلايا الصديق، ومن جميعها ينجيه الرب. (مزمور 34: 19) ))   يُثير هذا الاختلاف فضولك أكثر، فتُراجع إحدى نُبوءات باكَر ليوم الجمعة العظيمة: كتاب البصخة المقدسة: باكر الجمعة العظيمة، النبوة السادسة الكتاب المقدس: سفر إشعياء ((سانت تكلا هيمانوت، نصوص الصلوات الطقسية والألحان والمدائح والترانيم، 408- نبوة باكر يوم الجمعة العظيمة من البصخة المقدسة، النبوة 6: إشعياء 24: 1-13: ها أن الرب يفسد المسكونة. )) ((راجع سفر إشعياء، الإصحاح 24: 1-13 )) 1 ها إن الرب يُفسد المسكونة ويُخليها ويكشف وجهها ويُبدد سكانها، 1 هوذا الرب يُخلي الأرض ويفرّغها ويُقلّب وجهها ويُبدد سكانها. 2 ليكون الشعب كالكاهن والعبد كالسيد والأمة كسيدتها والشارى كالبائع والمُقرض كالمقترض والمديون كالدائن، 2 وكما يكون الشعب هكذا الكاهن. كما العبد هكذا سيده. كما الأمة هكذا سيدتها. كما الشاري هكذا البائع. كما المقرض هكذا المقترض. وكما الدائن هكذا المديون. 3 وتفسد الأرض فساداً وتُنهب الأرض نهباً لأن فم الرب تكلم بهذا. 3 تُفرّغ الأرض إفراغًا وتُنهب نهبًا، لأن الرب قد تكلم بهذا القول. 4 حزن مرتفعوا الأرض والأرض آثمت لأجل سكانها من اجل أنهم تركوا عنهم الناموس وبدلوا أوامري وعدلي الأبدي. 4 ناحت ذبلت الأرض. حزنت ذبلت المسكونة. حزن مرتفعو شعب الأرض. 5 من أجل هذا اللعنة تاكل الأرض لأن سكانها آثموا. 5 والأرض تدنست تحت سكانها لأنهم تعدوا الشرائع، غيروا الفريضة، نكثوا العهد الأبدي. 6 لجل هذا السكان في الأرض يسيرون فقراء ويبقى أناس قليلون، 6 لذلك لعنة أكلت الأرض وعُوقب الساكنون فيها. لذلك احترق سكان الأرض وبقي أناس قلائل. 7 يحزن الخمر وتحزن الكرمة ويتنهد جميع الفرحين بنفوسهم 7 ناح المسطار، ذبلت الكرمة، أنَّ كل مسروري القلوب. 8 وكف فرح الطبول وفنى تعاظم المنافقين وكف صوت القيثارة، 8 بطل فرح الدفوف، انقطع ضجيج المبتهجين، بطل فرح العود. 9 خزوا ولم يشربوا خمراً، صار المسكر مراً للشاربين، 9 لا يشربون خمرًا بالغناء. يكون المسكر مرًا لشاربيه. 10 خربت كل المدينة، تغلق البيوت ليلا لئلا يدخلها أحد 10 دُمرت قرية الخراب. أُغلق كل بيت عن الدخول. 11 ويُولول من أجل الخمر بكل موضع. كف كل سرور الأرض 11 صراخ على الخمر في الأزقة. غرب كل فرح. انتفى سرور الأرض. 12 وبقيت البلاد خراباً والبيوت المتروكة تهلك، 12 الباقي في المدينة خراب، وضرب الباب ردما. 13 كل هذا يكون في الأرض في وسط الأمم مثل من يقلع شجرة الزيتون، هكذا أيضاً تدمر الأرض لأن فم رب الجنود تكلم بهذا. 13 إنه هكذا يكون في وسط الأرض بين الشعوب كنفاضة زيتونة، كالخصاصة إذ انتهى القطاف.   ليس الاختلاف الكامل كما كان في حالة المزامير، ولكن هناك الكثير من التعبيرات المختلفة لغويًا. والسؤال الذي يشغلنا هو: ما سر هذه الفروق والاختلافات بين النصوص الكتابية الموجودة في كتب القراءات الكنسية وبين الترجمة العربية للكتاب المقدس المنتشرة في الكتب المطبوعة وتطبيقات الهواتف المحمولة؟ سنحاول الإجابة عن هذا السؤال في السطور القادمة.   ما هي القراءات الكنسية؟ القراءات الكنسية: هي مقاطع من الكتاب المقدس تُقرأ في الطقوس الكنسية اليومية المختلفة. وقد جُمعت هذه القراءات في كتب تسمى القطمارس، وهي تعريب للكلمة اليونانية καθημερινός التي تعني حرفيًا حسب الفصل أو المقطع. وتنقسم كتب القطمارس إلى: القطمارس السنوي: ويضم جميع القراءات اليومية التي تُقرأ في طقس القداس الإلهي وطقس العشية وباكر. عادةً ما يُقسم القطمارس السنوي إلى جزأين: قطمارس الأيام: ويحتوي على القراءات اليومية للأيام العادية. قطمارس الآحاد: ويحتوي على القراءات الخاصة بأيام الأحد . في القداس الإلهي، وخاصةً في قداس الموعوظين، تُقرأ المقاطع التالية: * مقطع من رسائل بولس * مقطع من رسائل بطرس أو يعقوب أو يوحنا * مقطع من سفر أعمال الرسل * مقطع من المزامير * مقطع من أحد الأناجيل الأربعة أما في قراءات العشيّة وباكر، تُقرأ مقاطع المزامير والإنجيل فقط. قطمارس الصوم الأربعيني: وبه القراءات اليومية في أيام الصوم الأربعيني المقدس. حيث يضاف إلى صلوات باكر مقاطع من العهد القديم تحت مسمى النبوات. بينما تبقى قراءات القداس الإلهي الخمسة كما هي. أما صلوات العشية فلا تقام في الصوم إلا عشية يوم السبت فقط. قطمارس البصخة المقدسة: ويضم قراءات أيام البصخة المقدسة، بدءًا من أحد الشعانين وانتهاءً بأحد القيامة المجيد. وقد قُسِّمت الصلوات في هذا الأسبوع إلى خمس سواعٍ نهارية وخمس سواعٍ ليلية. وتُقرأ في كل ساعة من سواعي البصخة المقدسة، بدءًا من الساعة التاسعة ليوم أحد الشعانين وحتى الساعة الحادية عشرة من يوم الخميس الكبير، مقاطع من العهد القديم (النبوات) ثم مقطع من المزامير ومقطع من أحد الأناجيل الأربعة. ثم بدءًا من ليلة الجمعة العظيمة وحتى نهايتها في الساعة الثانية عشرة من يوم الجمعة، تُقرأ أربعة مقاطع، واحد من كل أنجيل من الأناجيل الأربعة. بينما تُقرأ المقاطع المعتادة للقداس في كل من قداس أحد الشعانين وقداس أحد القيامة. بينما لا يُقرأ الكاثوليكون ولا الإبركسيس في قداس الخميس الكبير. قطمارس الخمسين المقدسة: ولا يختلف في مقاطع القراءات عنها في الأيام العادية. وقديمًا كان هناك قطمارس منفصل لشهر كيهك تحت اسم " القطمارس الكيهكي" وآخر لصوم الرسل، ولكن تم جمعهما لاحقًا في القطمارس السنوي. بينما تم وضع قطمارس صوم يونان في بداية قطمارس الصوم الأربعيني. بالإضافة إلى ذلك، يوجد كتاب الإچبية الذي يحتوي على الصلوات اليومية، ويتضمن نصوصًا للمزامير ومقاطع من الأناجيل مقسمة على ست صلوات تغطي ساعات اليوم. كما تحتوي كل طقوس أسرار الكنيسة المختلفة، مثل سر المعمودية وسر مسحة المرضى وسر الزواج، وكذلك صلوات الكنيسة على المتنقلين ورسامة الشمامسة والكهنة والأساقفة وغيرها من الطقوس، على قراءات من الكتاب المقدس، التي عادة ما تتضمن مقطعًا من رسائل القديس بولس ومقطعًا من المزامير ومقطعًا من أحد الأناجيل الأربعة.   على ماذا تعتمد القراءات الكنسية؟ اعتمدت كتب القراءات الكنسية على الترجمة القبطية للكتاب المقدس، التي بدأت أولًا بترجمة البشائر الأربعة وسفر المزامير في القرنين الثاني والثالث الميلاديين، نقلًا عن الأصل اليوناني للعهد الجديد وعن الترجمة اليونانية السبعينية للعهد القديم. وعندما بدأت العربية في الانتشار بين الأقباط بدايةً من القرن التاسع الميلادي، تمت ترجمة القراءات في الكتب الكنسية المختلفة من القبطية إلى العربية ((تعود أقدم المخطوطات القبطية العربية لقطمارس أسبوع البصخة إلى سنة 900 للشهداء الموافق 1184 ميلاديًا بدير الأنبا انطونيوس بالصحراء الشرقية. )). كذلك تمت ترجمة كتب العهد الجديد وبعض من أسفار العهد القديم من القبطية إلى العربية. وعلى هذا، فإن القراءات الكنسية العربية التي وصلت إلينا في المخطوطات والموجودة حتى الآن في كتبنا المطبوعة هي ترجمة عن القبطية وليس عن اللغات الأصلية.   الترجمات العربية للكتاب المقدس على الجانب الآخر، تمت ترجمة أجزاء من الكتاب المقدس إلى العربية منذ القرون الأولى بعد انتشار المسيحية في الجزيرة العربية والشام، لكنها كانت ترجمات عن السريانية أو الآرامية. وتلاها محاولات كثيرة للترجمة العربية نقلًا عن اللاتينية أو الترجمة السبعينية. وكان من أهم هذه الترجمات في مصر ترجمة الأسعد أبو الفرج بن العسال للبشائر الأربعة التي أتمها عام 1253 ((الأسعد أبو الفرج هبة الله بن العسال: كان لغويًا ومفسرًا للكتاب المقدس، كتب بالعربية كتابًا في النحو القبطي. وهو أحد أبناء العسال الذين عاشوا في القاهرة في القرن الثالث عشر، وكانت لهم معرفة واسعة بعلوم وفنون ولغات كثيرة، وقد اشتهروا بخطهم العربي الجميل الذي يُعرف بالخط الأسعدي، كما تميزوا بتبحّرهم في اللغات القبطية والعربية واليونانية والسريانية. وقد اهتموا أيضًا بالقوانين والشرائع، ووضعوا أشعارًا بالعربية في مستوى رفيع. )). وفي منتصف القرن التاسع عشر، وفي بيروت، قامت الإرسالية الأمريكية بتكليف عالي سميث، وهو قس أمريكي يجيد العربية، بترجمة الكتاب المقدس نقلًا عن اللغات الأصلية ((اللغات الأصلية للكتاب المقدس: تعني العهد القديم نقلًا عن النص الماسوري العبري، والعهد الجديد نقلاً عن اليونانية. )). ثم أكمل العمل كرنيليوس ڤان دايك، وهو مستشرق أمريكي، بعد وفاة سميث، وضبط اللغة العربية للنص العالم بطرس البستاني والشيخ ناصيف اليازجي اللبنانيان. ولهذا يطلق على هذه الترجمة (سميث-ڤاندايك-البستاني) أو الترجمة البيروتية أو أحيانًا الترجمة الأمريكية. طُبعت الطبعة الأولى من هذه الترجمة في عام 1865، واستمرت دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط والعالم في طباعتها حصرًا حتى الآن. وهي النسخة العربية الأكثر انتشارًا في مصر وبين الناطقين بالعربية في العالم. لاحقًا، صدرت عدة ترجمات عربية أخرى، مثل: - ترجمة الآباء اليسوعيين، التي صدرت في عام 1876. - ترجمة كتاب الحياة، التي صدرت في عام 1982. - الترجمة العربية المشتركة (وسميت بذلك لاشتراك لجنة من كافة الطوائف في العمل عليها)، التي صدرت في عام 1993. بالإضافة إلى ذلك، كانت هناك محاولة لترجمة الكتاب المقدس كاملًا في عهد القديس البابا كيرلس السادس، الذي شكّل لجنة برئاسة المتنيح الأنبا غريغوريوس لإنجاز هذا العمل ((كانت اللجنة بعضوية: - الأستاذ زكي شنودة، مدير معهد الدراسات القبطية وقتئذ. - الدكتور مراد كامل، أستاذ اللغات السامية بكلية الآداب، جامعة القاهرة. - الدكتور باهور لبيب، مدير المتحف القبطي وعالم المصريات. - الأستاذ حلمي مراد، الكاتب والمؤلف. )). وقامت اللجنة بالفعل بترجمة الأناجيل الأربعة في أربعة كتب مستقلة، وعُنيت بطباعتها مؤسسة دار المعارف. جدير بالذكر أنه كانت هناك طبعة رخيصة ذات حجم صغير من هذه الترجمة، وكانت منتشرة في الكنائس حتى وقت قريب. إلا أنه بعد نياحة البابا كيرلس، توقف عمل اللجنة ولم تُكمل بقية أسفار الكتاب المقدس. ولغياب ترجمة عربية كاملة للكتاب المقدس سواء عن القبطية أو عن اللغات الأصلية، اعتمدت الكنيسة القبطية على الترجمة البيروتية في الدراسة والتعليم الكنسي، ولكن ليس في القراءات الكنسية أو كتب القطمارس، التي حافظت على الترجمة العربية نقلًا عن القبطية.   ما حجم الاختلاف بين القراءات؟ لقد قمنا بالمقارنة بين عدد من نصوص لقراءات يوم الجمعة العظيمة بهدف بيان حجم الاختلافات بين الترجمة العربية المأخوذة عن القبطية والمستخدمة في كتب القراءات وبين الترجمة العربية للكتاب المقدس الأكثر انتشارًا وهي ترجمة سميث-ڤان دايك. وقد اخترنا يوم الجمعة العظيمة تحديدًا نظرًا لأنه اليوم الأهم بين أيام أسبوع البصخة المقدسة ولكون نصوص قراءاته مألوفة للجميع ومحفوظة غيبًا للكثيرين. اعتمدنا في هذه المقارنة على أكثر من مصدر: الأول هو كتاب البصخة المقدسة حسب ترتيب الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ((البصخة المقدسة حسب ترتيب الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، لجنة التحرير والترجمة والنشر بمطرانية بني سويف والبهنسا، الطبعة الأولى، 1921. ))، الذي أصدرته لجنة التحرير والترجمة والنشر بمطرانية بني سويف والبهنسا، وطُبع لأول مرة عام 1921 في عهد البابا كيرلس الخامس. ويُعد هذا الكتاب من أوائل الكتب المطبوعة لقراءات البصخة المقدسة، والمصدر الأول لكل الكتب التي صدرت لاحقًا. ثم صدرت منه طبعة ثانية مزيدة ومنقحة عام 1949، وعُني بإعادة طبعه أكثر من مرة بعد ذلك، ولكن دون تعديل ((البصخة المقدسة حسب ترتيب الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، لجنة التحرير والترجمة والنشر بمطرانية بني سويف والبهنسا، الطبعة الثانية، 1949. )). ويتضمن هذا الكتاب النبوات والمزامير ونصوص الأناجيل والعظات لسواعي البصخة. حيث لم يكن هناك حتى سبعينات القرن الماضي كتاب شامل لكل طقوس البصخة المقدسة بما فيها تفاصيل الطقس والألحان وطروحات السواعي كما الآن. وتدين الكنيسة القبطية بالفضل إلى كهنة وخدام كنيسة الأنبا تكلا هيمانوت بالإبراهيمية بالإسكندرية في إصدار أول كتاب شامل لطقوس أسبوع الآلام تحت اسم طقس أسبوع الآلام الذي صدرت طبعته الأولى في عام 1981 بتصدير للمتنيح القديس القمص بيشوي كامل ((القمص بيشوي كامل، طقس أسبوع الآلام، كنيسة الأنبا تكلا هيمانوت بالإسكندرية، الطبعة الأولى، 1981. )). وتوالى بعد ذلك صدور كتب مماثلة، مثل: - كتاب ترتيب وقراءات أسبوع الآلام الذي أعده القمص متياس فريد، كاهن كنيسة العذراء بالفجالة، وأصدرته مكتبة المحبة في طبعة أولى عام 1986، وأعيد طبعه مرارًا بعد ذلك، وإن كان لم يشمل نصوص الأناجيل بالقبطية مثل الكتاب الأول ((القمص متياس فريد، ترتيب وقراءات أسبوع الآلام، كنيسة العذراء بالفجالة، مكتبة المحبة، الطبعة الأولى، 1986. )). - كتاب ترتيب أسبوع الآلام الذي صدر عام 1995 من مطرانية بني سويف وأعده الأغنسطس إبراهيم عياد ((الأغنسطس إبراهيم عياد، ترتيب أسبوع الآلام، مطرانية بني سويف، الطبعة الأولى، 1995. )). وغيرها من الكتب. وبالنسبة لنصوص المزامير، عدنا أيضًا إلى كتاب مزامير داوود النبي الذي حرره الدكتور شاكر باسليوس وطُبع عام 1990 ((د. شاكر باسيليوس ميخائيل، مزامير داوود النبي، الطبعة الأولى، 1990. )). وكذلك كتاب سفر المزامير قبطي-عربي للقس شنودة ماهر، الطبعة الثانية الصادرة عام 2002 ((القس شنودة ماهر إسحق، سفر المزامير قبطي-عربي، الطبعة الثانية، 2002. )). وهناك بعض الاختلافات الطفيفة بين هذين المصدرين وكتاب البصخة المقدسة. كذلك عدنا لمخطوطة سفر المزامير المسماة المخطوطة الفاتيكانية رقم (Vat. copt. 6) المؤرخة عام 1102 للشهداء الموافق لعام 1386 ميلادية ((DigiVatLib. it, Manuscript - Vat. copt. 6 )). أما عن نصوص الأناجيل العربية القبطية، فقد عدنا إلى كتاب الأناجيل الأربعة المقدسة، وهو أقدم كتاب مطبوع يحوي النصوص العربية والقبطية، وقد طُبع في لندن عام 1827. وكذلك عدنا إلى الترجمة التي قامت بها لجنة من الكلية الإكليريكية برئاسة القديس الأرشيدياكون حبيب جرجس، التي طُبعت عام 1935 ((حبيب جرجس، الأناجيل الأربعة المقدسة، مطبعة الأنبا رويس، الطبعة الأولى، 1935. )) . وأيضًا عدنا إلى الطبعة الحديثة من كتاب العهد الجديد (عربي-قبطي) التي أصدرتها دار الكتاب المقدس عام 2017 ((كتاب العهد الجديد، دار الكتاب المقدس، بيروت، لبنان، 2017. )). في المقابل، اعتمدنا في المقارنة على الكتاب المقدس، طبعة دار الكتاب المقدس بمصر، ترجمة سميث-ڤان دايك، وهي الترجمة العربية الأكثر انتشارًا.   أولًا: مزامير يوم الجمعة العظيمة كما أوضحنا في المقدمة، فإن مزمور باكر يوم الجمعة العظيمة يختلف اختلافًا تامًا بين كتاب البصخة المقدسة والكتاب المقدس المتداول. ولكن ما سر هذا الاختلاف التام في نصوص المزامير، الذي لم نجد مثله في نصوص الإنجيل؟ السبب في ذلك هو أن الترجمة العربية في كتاب البصخة المقدسة وكتب القراءة الكنسية هي ترجمة عربية تمت عن النص القبطي كما أسلفنا، وهو بدوره مترجم عن الأصل اليوناني للترجمة السبعينية لأسفار العهد القديم. أما الترجمة العربية (سميث-فان دايك) فهي مأخوذة عن الأصل العبري. والفرق بين الترجمة اليونانية السبعينية للعهد القديم والتوراة العبرية هو أولًا في عدد الأسفار، حيث لا تحتوي التوراة العبرية على الأسفار المسماة بالأسفار القانونية الثانية، وثانيًا، وهو ما يهمنا الآن، في ترقيم المزامير كما يأتي ((القس شنودة ماهر إسحق، سفر المزامير قبطي–عربي: مع مقدمة دراسية، الطبعة الثانية، 2002. )): الترجمة العربية (سميث-ڤان دايك) – الأصل العبري الترجمة السبعينية اليونانية والترجمة القبطية المزامير من 1 إلى 8 المزامير من 1 إلى 8 المزمورين 9 + 10 المزمور 9 المزامير من 11 إلى 113 المزامير من 10 إلى 112 المزمورين 114 + 115 المزمور 113 المزمور 116: عدد 1 إلى 9 المزمور 114 المزمور 116: عدد 10 إلى 19 المزمور 115 المزامير من 117 إلى 146 المزامير من 116 إلى 145 المزمور 147: عدد 1 إلى 11 المزمور 146 المزمور 147: عدد 12 إلى 20 المزمور 147 المزامير من 148 إلى 150 المزامير من 148 إلى 150   وما يزيد الارتباك هو اختلاف الأعداد داخل كل مزمور في النص العبري عن تقسيم الأعداد في الترجمة السبعينية وبالتبعية في الترجمة العربية عن القبطية. وبناءً على ذلك تكون المقارنة الصحيحة لمزامير يوم الجمعة العظيمة كما يلي: كتاب البصخة المقدسة الكتاب المقدس (سميث-ڤان دايك) مزمور 26: 15 مزمور 27:1512 لا يوجد العدد 15 بل ينتهي المزمور بالعدد 14. ولكن المقطع الثاني من العدد 12 يقول: 15 لأنه قام عليّ شهود زور وكذب الظلم لذاته. 12 لأنه قد قام عليّ شهود زور ونافث ظلم. ((نافث: بمعنى كَالَمَ، أي: وسوس في أذنه. )) مزمور 34: 13، 14، 19 مزمور 35:1311،1412،1916 13 قام على شهود جور، وعما لا أعلم سألوني. 14 جازوني بدل الخير شرا، 19 صارين علىّ بأسنانهم. 11 شهود زور يقومون، وعما لم أعلم يسألونني. 12 يجازونني عن الخير شرا، ... 16 ... حرقوا علي أسنانهم. كتاب البصخة: الجمعة العظيمة: مزمور الساعة الثالثة الكتاب المقدس (سميث-ڤان دايك) مزمور 37:  17 مزمور 38: 17 17 أما أنا فمستعد للسياط، ووجعي مقابلي في كل حين. 17 لأني موشك أن أظلع ((أن أظلع: أن أعرج ))، ووجعي مقابلي دائما. مزمور 21: 15 مزمور 22:1516 15 قد احاطت بي كلاب كثيرة، وزمرة من الأشرار أحدقت بي. 16 لأنه قد أحاطت بي كلاب. جماعة من الأشرار اكتنفتني... . كتاب البصخة: الجمعة العظيمة: مزمور الساعة السادسة الكتاب المقدس (سميث-ڤان دايك) مزمور 37: 21، 22 مزمور 38:2120،2221 21 رفضوني أنا الحبيب مثل ميت مرذول، وجعلوا مساميرًا في جسدي،22 فلا تهملني ياربي وإلهي. 20 والمجازون عن الخير بشر، يقاومونني لأجل اتباعي الصلاح. 21 لا تتركني يا رب. يا إلهي، لا تبعد عني. مزمور 21: 8، 9 مزمور 22:87،98 8 تكلموا بشفاههم وحركوا رؤوسهم وقالوا: 9 عن كان آمن وإتكل علي الرب، فليخلصه ولينجيه إن كان أرده. 7 كل الذين يرونني يستهزئون بي. يفغرون الشفاه، وينغضون الرأس قائلين: 8 «اتكل على الرب فلينجه، لينقذه لأنه سر به». مزمور 21: 16-17 مزمور 22: 16-1718 16 ثقبوا يدي ورجلي، وأحصوا عظامي. 17 إقتسموا ثيابي بينهم، وعلي لباسي إقترعوا. 16 ... ثقبوا يدي ورجلي. 17 أحصي كل عظامي، وهم ينظرون ويتفرسون في. 18 يقسمون ثيابي بينهم، وعلى لباسي يقترعون. كتاب البصخة: الجمعة العظيمة: مزمور الساعة التاسعة الكتاب المقدس (سميث-ڤان دايك) مزمور 68: 1 مزمور 69: 1-2 1 أحييني يا الله فإن المياه قد بلغت إلي نفسي، وتورطت في حمأة الموت، 1 خلصني يا الله، لأن المياه قد دخلت إلى نفسي. 2 غرقت في حمأة عميقة، وليس مقر... . مزمور 68: 19 مزمور 69:1921 19 وجعلوا في طعامي مرارة، وفي عطشي سُوقي خلًا 21 ويجعلون في طعامي علقمًا، وفي عطشي يسقونني خلًا. كتاب البصخة: الجمعة العظيمة: مزمور الساعة الحادية عشر الكتاب المقدس (سميث-ڤان دايك) مزمور 142: 6 مزمور 143: 6، 7 6 بسطت يدي إليك، فاستجب لي يا رب عاجلاً فقد فنيت روحي. ولا تصرف وجهك عني، فأشابه الهابطين في الجب. 6 بسطت إليك يدي، نفسي نحوك كأرض يابسة. سلاه. 7 أسرع أجبني يا رب. فنيت روحي. لا تحجب وجهك عني، فأشبه الهابطين في الجب. مزمور 30: 3، 4 مزمور 31:3، 45 3 في يديك أستودع روحي، 4 ولقد فديتني أيها الرب إله الحق. 5 في يدك أستودع روحي. فديتني يا رب إله الحق. كتاب البصخة: الجمعة العظيمة: مزمور الساعة الثانية عشر الكتاب المقدس (سميث-ڤان دايك) مزمور 87: 4 مزمور 88: 4 4 جعلوني في جب سفلي في مواضع مظلمة وظلال الموت، ... 4 حُسبت مثل المنحدرين إلى الجب. صرت كرجل لا قوّة له. مزمور 22: 3 مزمور 23:34 3 وإن سلكت في وسط ظلال الموت، فلا أخشي من الشر لأنك معي. 4 أيضًا إذا سرت في وادي ظلّ الموت لا أخاف شرًا، لأنك أنت معي... . مزمور 44 : 9، 11 مزمور 45:9،6،11،8 9 كرسيك يا الله إلي دهر الدهور، قضيب الإستقامة هو قضيب ملكك، 11 المُر والميعة والسليخة من ثيابك. 6 كرسيك يا الله إلى دهر الدهور. قضيب استقامة قضيب ملكك. 8 كل ثيابك مُر وعود وسليخة... .   نلاحظ من هذه المقارنة ما يلي: * وجود اختلافات واضحة في تقسيم الإعداد بين الترجمتين، مما يتسبب في ارتباك عند محاولة المقارنة. * وجود اختلافات في الصياغة نتيجة لاختلاف الترجمة، تكون طفيفة في بعض الأحيان وكبيرة في أحيان أقل. * الملاحظة الأهم هي أن المزمور 37، العدد 21 في الترجمة العربية عن القبطية، غير مُطابق في المزمور 38 المقابل له في ترجمة سميث-ڤان دايك. أين العدد 21 من المزمور 37؟! للبحث عن هذا العدد، سنستعرض آخر ثلاثة أعداد في المزمور 38 في جميع نسخ الترجمات العربية المتاحة: النسخ العربية المترجمة عن القبطية الترجمات العربية للكتاب المقدس المخطوطة الفاتيكانية: صفحة 52  ترجمة سميث-ڤان دايك مزمور 37 (الأعداد غير مُرقمة) مزمور 38: 20-22 رفضوني أنا الحبيب مثل ميت مرذول ومسامير جعلوا في جسدي لا تتركني عنك أيها الرب ألهي ولا تبتعد عني أصغ لمعونتي يا رب خلاصي 20 والمجازون عن الخير بشر، يقاومونني لأجل اتباعي الصلاح. 21 لا تتركني يا رب. يا إلهي، لا تبعد عني. 22 أسرع إلى معونتي يا رب يا خلاصي. كتاب مزامير داوود النبي الترجمة العربية المشتركة مزمور 37 :21-23 مزمور 38: 20- 23  21 رفضوني أنا الحبيب مثل ميت مرذول ومساميرا جعلوا في جسدي 22 فلا تهملني يا ربي وإلهي ولا تتباعد عني 23 التفت إلى معونتي يا رب خلاصي 20 أعدائي بلا سبَبٍ عَظُموا، وكثُرَ المُبغِضونَ لي باطِلاً. 21 يُجازونَني عَنِ الخيرِ بالشَّرِّ، ويُقاومونَني لأنِّي أتبَعُ الخيرَ. 22 يا ربُّ لا تترُكْني وَحيدًا. يا إلهي، لا تتَباعدْ عَنِّي. 23 أسرِعْ إلى نَجدَتي يا ربُّ، فَبِكَ أنتَ خلاصي! كتاب المزامير قبطي – عربي الترجمة اليسوعية (الكاثوليكية) مزمور 37: 21-23 مزمور 38: 20-23 20 من بِلا سببٍ يُعادوني كَثيرون ومَن ظُلْماً يُبغِضوني عديدون. 21 ومَن عنِ الخَيرِ بِالشرّ جازَوني لأّنِّي أَسْعى إلى الصَّلاح عادَوني. 22 لا تَترُكْني أيُّها الرَّبُّ إِلهي ولا تَتَباعَدْ عنِّي. 23 أَسرعْ إلى نُصْرتي أَيُّها السَّيِّدُ خَلاصي. كتاب البصخة المقدسة ترجمة العهد القديم العبري بين السطور مزمور 37 : 21-22 مزمور 38: 20-23 21 رفضوني أنا الحبيب مثل ميت مرذول، وجعلوا مساميراً في جسدي. 22 فلا تهملني ياربي وإلهي. 20 ومعاديّ أحياء عظموا وكثروا مبغضيّ زورًا. 21 ومجازو شر بدل خير يشاطنونني بدل اتباعي خيرًا. 22 لا تتركتي يا يهوه إلهي لا تبتعد مني. 23 أسرع إلى مساعدتي يا أدوناي خلاصي. ((ترجمة بين السطور تعتمد على ترجمة النص كلمة بكلمة، دون اعتبار للترابط اللغوي. )) كتاب المزامير الشريف مزمور 37: 20-23 ((كتاب المزامير الشريف لداوود النبي والملك - نقله إلى العربية عن الترجمة السبعينية: رزق الله فتح الله عرمان، منشورات النور، بيروت، 1969. )) 20 الذين يجازون عن الخير بالشر افتروا عليّ لاتباعي الصلاح. 21 فلا تهملني أيها الرب إلهي ولا تتباعد عني. 22 أسرع إلى معونتي يا رب. يا خلاصي.   وبناء على ما سبق، نجد أن هذا العدد موجود في كافة المصادر القبطية، ولكنه غير موجود بتاتًا في كل المصادر العربية المترجمة عن الأصل العبري، وأيضًا غير موجود في المصادر العربية المترجمة عن الترجمة اليونانية السبعينية، التي هي مصدر الترجمة القبطية. بينما الأعداد التي قبله وبعده موجودة وبنفس المعنى مع اختلاف التعبيرات. لن يكتمل البحث والتدقيق إلا بالعودة إلى أقدم المخطوطات القبطية، ومقارنتها بأقدم المخطوطات العبرية واليونانية السبعينية، لتحديد مدى أصالة هذا النص، وهو ما ليس في إمكان كاتب هذه السطور حتى الآن.   ثانيًا: نبوات يوم الجمعة العظيمة سنجري المقارنة على مثالين فقط: النبوة الثانية من الساعة السادسة ليوم الجمعة العظيمة الكتاب المقدس (سميث-ڤان دايك) سفر إشعياء 53: 7-12 سفر إشعياء 53: 7-12 مثل خروف سيق إلى الذبح، وكحمل صامت أمام الذي يجزه، هكذا لم يفتح فاه فرفع حكمه في تواضعه وجيله من يقدر أن يصفه. ستنزع حياته من الأرض، ولأجل آثام الشعب جاء إلى الموت، وسأعطي المتجاوزي الناموس مجازاة دفنة والأغنياء مكافأة موته لأنه لم يصنع إثمًا، ولم يوجد في فمه غش أما الرب فشاء أن يشفيه من الكلوم، وإذا ما أسلمتم ذواتكم ذبيحة عن الخطية فستري نفوسكم زرعًا عزه كثير، وشاء الرب أن ينزع الآلام من نفسه ويريه النور ويوجد الفهم ويصنع البر ويكون عبدًا حسنًا للجماعة، إذ يحمل خطاياهم، ومن اجل هذا هو يرث الكثيرين ويقسم غنائم الأقوياء حيث أسلم نفسه للموت وأحصي مع الأثمة، وهو قد حمل خطايا كثيرين وأسلم من أجل الإثم. 7 ظلم أما هو فتذلل ولم يفتح فاه. كشاة تساق إلى الذبح، وكنعجة صامتة أمام جازيها فلم يفتح فاه. 8 من الضغطة ومن الدينونة أخذ. وفي جيله من كان يظن أنه قطع من أرض الأحياء، أنه ضرب من أجل ذنب شعبي؟ 9 وجعل مع الأشرار قبره، ومع غني عند موته. على أنه لم يعمل ظلما، ولم يكن في فمه غش. 10 أما الرب فسر بأن يسحقه بالحزن. إن جعل نفسه ذبيحة إثم يرى نسلا تطول أيامه، ومسرة الرب بيده تنجح. 11 من تعب نفسه يرى ويشبع، وعبدي البار بمعرفته يبرر كثيرين، وآثامهم هو يحملها. 12 لذلك أقسم له بين الأعزاء ومع العظماء يقسم غنيمة، من أجل أنه سكب للموت نفسه وأحصي مع أثمة، وهو حمل خطية كثيرين وشفع في المذنبين. نبوة الساعة الثانية عشر من يوم الجمعة العظيمة الكتاب المقدس (سميث-ڤان دايك) مراثي إرميا 3: 1-5 مراثي إرميا 3: 1-15 1 أنا هو الرجل الذي رأى المذلة. أتى عليَّ بقضيب غضبه وقادني وسيّرني في الظلمة لا في النور، والآن رد يده عليّ النهار كله. 2 أبلي لحمي وجلدني وسحق عظامي. أحاط بي ونكس رأسي، أذلني وأجلسني في مواضع مظلمة، مثل الموتى منذ القدم. 3 سيج عليَّ حتى لا أخرج، ضاعف ربطي ووثق سلسلتي، أدعوه فلم يستجب لي، وأصرخ إليه فلم يسر وصد صلاتي، سيج سبلي وأغلق طرقي المسكونة. 4 صار لي كدبّ كامن وأسد في موضع مختفي، طاردني وصرعني وتركني هالكًا، أوتر قوسه وأقامني هدفًا ليلقي في سهامه. 5 أدخل في كليتي نبال جعبته، صرت ضحكة لكل شعبي وأغنية لهم النهار كله جرعني الحنظل، أسكرني من العلقم. 1 أنا هو الرجل الذي رأى مذلة بقضيب سخطه. 2 قادني وسيّرني في الظلام ولا نور. 3 حقًا إنّه يعود ويرد علي يده اليوم كله. 4 أبلى لحمي وجلدي. كسر عظامي. 5 بنى علي وأحاطني بعلقم ومشقة. 6 أسكنني في ظلمات كموتى القدم. 7 سيّج عليّ فلا أستطيع الخروج. ثقّل سلسلتي. 8 أيضا حين أصرخ وأستغيث يصد صلاتي. 9 سيّج طرقي بحجارة منحوتة. قلّب سبلي. 10 هو لي دب كامن، أسد في مخابئ. 11 ميّل طرقي ومزّقني. جعلني خرابًا. 12 مد قوسه ونصبني كغرض للسهم. 13 أدخل في كليتي نبال جعبته. 14 صرت ضحكة لكل شعبي، وأغنية لهم اليوم كله. 15 أشبعني مرائر وأرواني أفسنتينا،   نلاحظ الاختلافات في التعبيرات النبوية بين الترجمتين كما هو الحال في المزامير. وتبدو لغة الترجمة البيروتية في معظم المقاطع أكثر وضوحًا وسلاسة من الترجمة العربية عن القبطية. كما توجد اختلافات في تقسيم الأعداد، وهو ما يتضح جليًا في مراثي إرميا.   ثالثًا: أناجيل يوم الجمعة العظيمة ننتقل لمقارنة نصوص القراءات المأخوذة من البشائر الأربعة: الإنجيل الثاني للساعة السادسة من يوم الجمعة العظيمة الكتاب المقدس (سميث-ڤان دايك) إنجيل مرقس 15: 26–33 إنجيل مرقس 15: 26–33 26 وكان عنوان علته مكتوبًا: ملك اليهود. 27 وصلبوا معه لصين واحدًا عن يمينه والآخر عن يساره، 28 فتم الكتاب القائل: وأحصي مع الأثمة. 29 وكان المجتازون به يجدفون عليه ويحركون رؤوسهم قائلين: يا ناقض الهيكل وبانيه في ثلاثة أيام 30 خلص نفسك وانزل عن الصليب. 31 وكذلك رؤساء الكهنة كانوا يستهزئون فيما بينهم مع الكتبة قائلين: خلص آخرين وأما نفسه فلم يقدر أن يخلصها، 32 إن كان هو المسيح ملك إسرائيل فلينزل الآن عن الصليب لنري ونؤمن. وكان اللذان صلبا يعيرانه أيضًا. 33 ولما كانت الساعة السادسة كانت ظلمة على الأرض كلها إلى الساعة التاسعة. 26 وكان عنوان علته مكتوبا: «ملك اليهود». 27 وصلبوا معه لصين، واحدا عن يمينه وآخر عن يساره. 28 فتم الكتاب القائل: «وأحصي مع أثمة». 29 وكان المجتازون يجدفون عليه، وهم يهزون رؤوسهم قائلين: «آه يا ناقض الهيكل وبانيه في ثلاثة أيام! 30 خلص نفسك وانزل عن الصليب! » 31 وكذلك رؤساء الكهنة وهم مستهزئون فيما بينهم مع الكتبة، قالوا: «خلص آخرين وأما نفسه فما يقدر أن يخلصها! 32 لينزل الآن المسيح ملك إسرائيل عن الصليب، لنرى ونؤمن! » واللذان صلبا معه كانا يعيرانه. 33 ولما كانت الساعة السادسة، كانت ظلمة على الأرض كلها إلى الساعة التاسعة. الإنجيل الأول للساعة التاسعة من يوم الجمعة العظيمة الكتاب المقدس (سميث-ڤان دايك) إنجيل متى 27: 46–50 إنجيل متى 27: 46–50 46 فلما كانت الساعة التاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائلًا: إيلي إيلي لما شبقتني؟! أي إلهي إلهي لماذا تركتني؟! 47 فقوم من الواقفين هناك، لما سمعوا قالوا: إنه ينادي إيليا 48 وللوقت أسرع واحدًا منهم وأخذ إسفنجة وملأها خلًا وجعلها على قصبة وسقاه، 49 وأما الباقون فقالوا: دعوه لنري هل يأتي إيليا ليخلصه. 50 فصرخ يسوع أيضًا بصوت عظيم وأسلم الروح. 46 ونحو الساعة التاسعة صرخ يسوع بصوت عظيم قائلًا: «إيلي، إيلي، لما شبقتني؟» أي: إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟ 47 فقوم من الواقفين هناك لما سمعوا قالوا: «إنه ينادي إيليا». 48 وللوقت ركض واحد منهم وأخذ إسفنجة وملأها خلًا وجعلها على قصبة وسقاه. 49 وأما الباقون فقالوا: «اترك. لنرى هل يأتي إيليا يخلصه! » 50 فصرخ يسوع أيضًا بصوت عظيم، وأسلم الروح. الإنجيل الرابع للساعة الحادية عشر من يوم الجمعة العظيمة الكتاب المقدس (سميث-ڤان دايك) إنجيل يوحنا 19: 31–37 إنجيل يوحنا 19: 31–37 31 فأما اليهود إذ كان يوم الجمعة، ولكي لا تبقي الأجساد على الصليب في السبت، لأن يوم ذلك السبت كان عظيمًا، فسألوا بيلاطس أن تكسر سيقانهم ويرفعوا. 32 فأتي العسكر وكسروا ساقي الأول والآخر اللذين صلبا معه، 33 وأما يسوع فلما جاءوا إليه لم يكسروا ساقية لأنهم رأوه قد مات، 34 لكن واحدًا من العسكر طعن جنبه بحربة وللوقت خرج دم وماء، 35 والذي عاين وشهد شهادته حق، وهو يعلم أيضًا أنه يقول الحق، لتؤمنوا أنتم أيضًا 36 لأنه هكذا كان ليتم الكتاب القائل: أن عظمًا لا يكسر منه. 37 وأيضًا يقول كتاب آخر: ستنظرون إلى من طعنوه. 31 ثم إذ كان استعداد، فلكي لا تبقى الأجساد على الصليب في السبت، لأن يوم ذلك السبت كان عظيمًا، سأل اليهود بيلاطس أن تُكسّر سيقانهم ويُرفعوا. 32 فأتى العسكر وكسروا ساقي الأول والآخر المصلوب معه. 33 وأما يسوع فلما جاءوا إليه لم يكسروا ساقيه، لأنهم رأوه قد مات. 34 لكن واحدًا من العسكر طعن جنبه بحربة، وللوقت خرج دم وماء. 35 والذي عاين شهد، وشهادته حق، وهو يعلم أنه يقول الحق لتؤمنوا أنتم. 36 لأن هذا كان ليتم الكتاب القائل: «عظم لا يكسر منه». 37 وأيضًا يقول كتاب آخر: «سينظرون إلى الذي طعنوه».   وهنا نلاحظ أن الاختلافات بسيطة ومعظمها في الصياغات اللغوية، مع اتفاق الأسفار والشواهد بين الترجمتين. وربما يكون الاختلاف الأبرز في مقطع إنجيل يوحنا، في الساعة الحادية عشرة، في الإصحاح 19، العدد 31، الذي يؤرخ لعادة كسر السيقان في يوم الجمعة استعدادًا ليوم السبت. فيما يلي استعراض ليوحنا 19: 31 في كل الترجمات المتاحة: النسخ العربية المترجمة عن القبطية الترجمات العربية للكتاب المقدس كتاب البصخة المقدسة ترجمة سميث-ڤان دايك إنجيل يوحنا 19: 31 ((البصخة المقدسة حسب ترتيب الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، لجنة التحرير والترجمة والنشر بمطرانية بني سويف والبهنسا، الطبعة الثانية، 1949، إنجيل يوحنا 19: 31. )) 31 ثم إذ كان استعداد، فلكي لا تبقى الأجساد على الصليب في السبت 31 فأما اليهود إذ كان يوم الجمعة، ولكي لا تبقي الأجساد على الصليب في السبت الترجمة العربية المشتركة البشائر الأربعة عربي-قبطي، طبعة لندن 1827 31 كان ذلك يوم التهيئة للسبت، فطلب اليهود من بيلاطس أن يأمر بكسر سيقان المصلوبين وإنزال جثثهم عن الصليب لئلا تبقى يوم السبت إنجيل يوحنا 19: 31 ((البشائر الأربعة عربي-قبطي، الطبعة الأولى، لندن 1827، إنجيل يوحنا 19: 31. )) الترجمة اليسوعية (الكاثوليكية) 31 وأما اليهود فلئلا تبقى الأجساد في السبت، لأنه يوم الجمعة، لأن يوم ذلك السبت كان عظيمًا 31 وكان ذلك اليوم يوم التهيئة، فسأل اليهود بيلاطس أن تكسر سوق المصلوبين وتنزل أجسادهم، لئلا تبقى على الصليب يوم السبت الكتاب المقدس، العهد الجديد، حبيب جرجس 1935 ترجمة كتاب الحياة إنجيل يوحنا 19: 31 ((حبيب جرجس، الأناجيل الأربعة المقدسة، مطبعة الأنبا رويس، الطبعة الأولى، 1935، إنجيل يوحنا 19: 31. )) 31 ولما كان الإعداد يتم في ذلك اليوم، طلب اليهود من بيلاطس أن تكسر سيقان المصلوبين، فتؤخذ جثثهم لئلا تبقى معلقة على الصليب يوم السبت 31 ثم إذ كان الاستعداد ((يوجد ملحوظة عند هذه الكلمة أسفل الصفحة تقول: أو يوم الجمعة. فيبدو أن اللجنة رأت إبقاء الترجمة القديمة، ولكن في الهامش وليس في المتن. )) فلكي لا تبقى الأجساد على الصليب في السبت الترجمة البولسية العهد الجديد: عربي–قبطي، 2017 31 إذ كان يوم التهيئة، فلئلا تبقى الأجساد على الصليب في السبت إنجيل يوحنا 19: 31 ((كتاب العهد الجديد، دار الكتاب المقدس، بيروت، لبنان، 2017، إنجيل يوحنا 19: 31. )) ترجمة العهد الجديد بين السطور 31 فأما اليهود إذ كان يوم الجمعة، ولكي لا تبقى الأجساد على الصليب في السبت 31 على تبقى لا كي كان استعداد إذ اليهود ف يوم عظيمًا، لأن كان السبت ((ترجمة بين السطور تعتمد على ترجمة النص كلمة بكلمة، دون اعتبار للترابط اللغوي. ))   نكتشف هنا إجماع كل الترجمات عن الأصل اليوناني، بما فيها الترجمة التي قام بها القديس الأرشيدياكون حبيب جرجس، أن التعبير الأدق هو يوم الاستعداد وليس يوم الجمعة. وهذا الاختلاف بين الترجمتين ربما يعود إلى أن المترجم عن القبطية رأي أن يوم الاستعداد للسبت هو بالضرورة يوم الجمعة. وبالعودة للنص القبطي لم نجد تعبير يوم الجمعة مذكور نصًا.   ما أهمية هذا الموضوع من الأصل؟! تكمن أهمية هذا الموضوع في أنَّ المتابع للصلوات في الكنيسة، في كل الأيام والمناسبات، خاصةً مع انتشار تطبيقات القراءات الكنسية على الهواتف المحمولة، يجب ألا يُصاب بالارتباك من اختلاف القراءات بين الترجمات المختلفة. وفي حالة المزامير، يجب ألا تُشكِّلَ الاختلافات في أعداد وأرقام المزامير عائقًا أمام المتابع والقارئ في إيجاد هذه النصوص في الترجمة العربية المُنتشرة. وللأسف، مثل هذه الاختلافات في ترجمة المزامير، والمثال الصارخ لها هو النص الذي بحثناه مُعمَّقًا من مزمور37، الموجود فقط في الترجمة القبطية وغير الموجود في الترجمات الأخرى، تُؤدِّي إلى فتح الباب أمام التشكيك في النص المُقدَّس، مما يستوجب التدقيق والمراجعة والشرح.   ما العمل؟ وعلى أي الترجمات نعتمد؟ هناك أكثر من اقتراح، أولها اعتماد الترجمة البيروتية (سميث-ڤان دايك) كترجمة رسمية للكنيسة القبطية، بالتالي تحويل جميع كتب القراءات إلى هذه الترجمة. وهو ما قامت به بالفعل بعض الكتب والمواقع والتطبيقات بالنسبة لِـ"قطمارس الأيام"، حيث تم استبدال نصوص العهد الجديد كاملة بنصوص الترجمة البيروتية عوضًا عن الترجمة العربية القديمة. إلا أنه لم يتم ذلك في نصوص المزامير لسابق المشكلة التي تم شرحها بخصوص ترقيم المزامير والآيات. مع العلم أن هذا قد تم بمبادرات فردية وليس بقرار من المجمع المقدس. ولهذا، فإن المتابع حاليًا للطقوس اليومية سيجد أن القراءات التي تُتلى من كتب المنجلية هي وفقًا للترجمة العربية القديمة كما هي. بينما عند استخدام الكتب أو المواقع أو تطبيقات الهاتف، فإنه يجد أن النصوص مختلفة لاختلاف الترجمة!  وبناءً على ذلك، فإنّه إذا كانت الكنيسة ستتبنى استبدال الترجمة القديمة بترجمة ڤان دايك، فليكن ذلك بقرار من المجمع المقدس، ومن ثم يتم تغيير جميع كتب القراءات الكنسية المختلفة وفقًا لذلك. الاقتراح الثاني هو أنْ تقوم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بترجمة الكتاب المقدس ترجمة جديدة خاصةً بها من اللغات الأصلية مع الأخذ في الاعتبار النص القبطي. وهو جهد كبير سيستغرق عشرات السنوات، ولكنه لن يبدأ من الفراغ، إذ هناك بعض المحاولات التي بدأت ولم تكتمل، ويجب البناء عليها. الاقتراح الثالث، وهو الأقرب إلى الواقعية، هو الاستمرار في العمل بالترجمة العربية القديمة بعد مراجعتها وضبطها. وهذا هو العمل الذي بدأته الكنيسة بالفعل في عهد البابا تواضروس الثاني، حيث تمت مراجعة وإصدار قطمارس الصوم الأربعيني المقدس عام 2021، الذي حوفظ فيه على الترجمة القديمة مع بعض الضبط للتعبيرات والألفاظ والقواعد. ونحن لنتمنى، أولًا، أن يكتمل العمل بمراجعة جميع كتب القطمارس، وثانيًا، أن تُضاف هوامش تتضمن أرقام الإصحاح والآيات المقابلة للنص في الترجمة البيروتية ليسهل على القارئ الرجوع إليها، خاصةً في حالة نصوص المزامير. --- ### زمن الصوم - Published: ۲۰۲۵-۰۲-۲۵ - Modified: 2025-02-25 - URL: https://tabcm.net/36427/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: الصوم الكبير, بابا فرنسيس، بابا الڤاتيكان أن حالة البابا فرنسيس لا تزال حرجة؛ إلا أنه لم يتعرض لأزمات تنفسية أخرى منذ الليلة الماضية. الأب الأقدس لا يزال يقظًا وواعيًا؛ لكن تعقيد الصورة السريرية، والحاجة إلى الوقت لفعالية العلاجات الدوائية يتطلبان التحفظ في التشخيص. هذا الصباح، بعد استيقاظه، واصل البابا فرنسيس العلاجات، وحالته المعنوية جيدة، وكتب رسالة للعالم تحت عنوان: لنسر معًا في الرجاء، صدرت ظهر اليوم بمناسبة زمن الصوم لعام ٢٠٢٥ مرت الليلة بشكل جيد، البابا نام وهو يستريح هذا هو التحديث الذي صدر الأمس، ٢٤ فبراير، عن دار الصحافة التابعة للكرسي الرسولي لمار بطرس، بشأن الحالة الصحية للبابا فرنسيس. في البيان الذي صدر مساء أمس الأول، ٢٣ فبراير، وهو اليوم التاسع من دخوله مستشفى جيميلي، أفادت دار الصحافة التابعة للكرسي الرسولي أن حالة البابا فرنسيس لا تزال حرجة؛ إلا أنه لم يتعرض لأزمات تنفسية أخرى منذ الليلة الماضية. إن الأب الأقدس لا يزال يقظًا وواعيًا؛ لكن تعقيد الصورة السريرية، والحاجة إلى الوقت لفعالية العلاجات الدوائية يتطلبان التحفظ في التشخيص. هذا الصباح، بعد استيقاظه، واصل الأب الأقدس العلاجات، وحالته المعنوية جيدة، وكتب رسالة للعالم تحت عنوان: لنسر معًا في الرجاء، صدرت ظهر اليوم بمناسبة زمن الصوم لعام ٢٠٢٥. بعلامة التوبة، التي هي الرماد على رؤوسنا، نبدأ الحج السنوي للصوم المقدس في الإيمان والرجاء. والكنيسة، الأم والمعلمة، تدعونا لكي نُعدّ قلوبنا وننفتح على نعمة الله لكي نتمكن من أن نحتفل بفرح عظيم بانتصار المسيح الرب على الخطيئة والموت، كما هتف القديس بولس: لقدِ ابتَلَعَ النَّصْرُ المَوت. فأَينَ يا مَوتُ نَصْرُكَ؟ وأَينَ يا مَوتُ شَوكَتُكَ؟. في الواقع، إن يسوع المسيح، الذي مات وقام، هو محور إيماننا وضامن رجائنا في وعد الآب العظيم، الذي تحقق فيه، ابنه الحبيب: الحياة الأبدية. في هذا الصوم الكبير، الذي تغنيه نعمة السنة اليوبيلية، أود أن أقدم لكم بعض التأملات حول ما يعنيه أن نسير معًا في الرجاء، وأن نكتشف الدعوات إلى الارتداد التي توجهها رحمة الله إلينا جميعًا، كأفراد وكجماعة. أولاً: المسيرة: إن شعار اليوبيل: "حجاج الرجاء"، يذكّرنا بمسيرة شعب إسرائيل الطويلة نحو أرض الميعاد التي يرويها سفر الخروج: المسيرة الصعبة من العبودية إلى الحرية، التي أرادها الرب الذي يحب شعبه وهو أمين له على الدوام. ولا يمكننا أن نتذكر الخروج في الكتاب المقدّس بدون أن نفكر بالعديد من الإخوة والأخوات الذين يهربون اليوم من أوضاع البؤس والعنف ويذهبون بحثًا عن حياة أفضل لهم ولأحبائهم. وهنا تنشأ أول دعوة للارتداد، لأننا جميعًا حجاج في الحياة، ولكن يمكن لكل واحد منا أن يسأل نفسه: كيف أسمح لهذه الحالة بأن تسائلني؟ هل أنا حقًا في مسيرة؟ أم أنا بالأحرى مشلول؟ أراوح مكاني مع الخوف واليأس؟ أو راقد في منطقة راحتي؟ هل أبحث عن سبل لكي أتحرر من حالات الخطيئة وغياب الكرامة؟ سيكون تمرينًا جيّدًا في زمن الصوم أن نواجه أنفسنا بالواقع الملموس لبعض المهاجرين أو الحجّاج ونسمح له بأن يشملنا لكي نكتشف ما يطلبه الله منا لكي نكون مسافرين أفضل نحو بيت الآب. إنه "امتحان" جيد لشخص في مسيرة. ثانيًا: لنسير معًا: أن نسير معًا، يعني نكون سينودسيين، هذه هي دعوة الكنيسة. إنَّ المسيحيين مدعوون لكي يسيروا معًا، وليس كمسافرين منفردين. والروح القدس يحثنا على أن نخرج من أنفسنا لكي نسير نحو الله ونحو إخوتنا وأخواتنا، ولكي لا ننغلق أبدًا على أنفسنا. إن السير معًا يعني أن نكون ناسجين للوحدة، انطلاقًا من كرامتنا المشتركة كأبناء الله؛ وهذا يعني أن نسير جنبًا إلى جنب، بدون أن يدوس أحدنا على الآخر أو يسحقه، وبدون أن نضمر حسدًا أو رياءً، وبدون أن نسمح بأن يُترك أحدٌ في الخلف أو يشعر بأنه مستبعد. لنسر في الاتجاه عينه، ونحو الهدف عينه، في الإصغاء إلى بعضنا البعض بمحبة وصبر. في زمن الصوم الكبير هذا، يطلب الله منا أن نتحقق مما إذا كنا قادرين في حياتنا، في عائلاتنا، في الأماكن التي نعمل فيها، في الرعايا أو في الجماعات الرهبانية، على أن نسير مع الآخرين، على أن نصغي، ونتغلب على تجربة الانغلاق في مرجعيتنا الذاتية والاهتمام بحاجاتنا الخاصة فقط. لنسأل أنفسنا أمام الرب إن كنا قادرين على أن نعمل معًا كأساقفة وكهنة ومكرسين وعلمانيين، في خدمة ملكوت الله؛ إن كان لدينا موقف استقبال مع تصرفات ملموسة، تجاه الذين يقتربون منا والبعيدين؛ إن كنا نجعل الأشخاص يشعرون بأنهم جزء من الجماعة أم أننا نبقيهم على الهامش. هذا هو النداء الثاني: الارتداد إلى السينودسية. ثالثًا: لنسير معًا على رجاء الوعد: ليكن لنا الرجاء الذي لا يخيب، الرسالة المحوريّة لليوبيل، أفق مسيرة الصوم نحو انتصار الفصح. كما علّمنا البابا بندكتس السادس عشر في الرسالة العامة "بالرجاء مخلَّصون"، "يحتاج الإنسان إلى الحب غير المشروط. ويحتاج إلى ذلك اليقين الذي يجعله يقول: "لا مَوتٌ ولا حَياة، ولا مَلائِكَةٌ ولا أَصحابُ رِئاسة، ولا حاضِرٌ ولا مُستَقبَل، ولا قُوَّاتٌ، ولا عُلُوٌّ ولا عُمْق، ولا خَليقَةٌ أُخْرى، بِوُسعِها أَن تَفصِلَنا عن مَحبَّةِ اللهِ الَّتي في المَسيحِ يَسوعَ رَبِّنا". إنَّ يسوع، محبّتنا ورجاءنا، قد قام من الموت ويحيا ويملك مجيدًا. لقد تحوّل الموت إلى انتصار، وهنا يكمن إيمان المسيحيين ورجاءهم العظيم: في قيامة المسيح! هذه هي الدعوة الثالثة إلى الارتداد: دعوة الرجاء والثقة بالله وبوعده العظيم، الحياة الأبدية. علينا أن نسأل أنفسنا: هل أنا مقتنع بأن الله يغفر خطاياي؟ أم هل أتصرف وكأنني قادر على أن أخلِّص نفسي بنفسي؟ هل أطمح إلى الخلاص وأطلب مساعدة الله لكي أقبله؟ هل أعيش بشكل ملموس الرجاء الذي يساعدني على قراءة أحداث التاريخ ويدفعني إلى الالتزام لصالح العدالة والأخوّة والعناية بالبيت المشترك، والعمل لكي لا يُترك أحد في الخلف؟ أيها الأخوات والإخوة، بفضل محبة الله في يسوع المسيح، نحن قد حُفظنا في الرجاء الذي لا يخيِّب. إنَّ الرجاء هو "مرساة الروح"، الآمنة والثابتة. فيه تصلي الكنيسة لكي "يَخْلُصَ جَميعُ النَّاسِ" وتتطلع لكي تكون في مجد السماء متحدة بالمسيح عريسها. لقد عبّرت القديسة تيريزا ليسوع عن ذلك بهذه الطريقة: "أُرجي يا نفسي، أُرجي. أنت لا تعرفين اليوم ولا الساعة. اسهري جيدًا، لأنَّ كل شيء يمرّ في نَفَسٍ واحد، مع أن عدم صبرك قد يجعل غير مؤكد ما هو أكيد، والوقت الطويل قصيرًا جداً". لتشفع لنا العذراء مريم، أم الرجاء، ولترافقنا في مسيرة الصوم الكبير. فرنسيس --- ### نهاية شهر العسل - Published: ۲۰۲۵-۰۲-۲٤ - Modified: 2025-02-24 - URL: https://tabcm.net/34091/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أحمد الصباغ, أحمد حسن الباقوري, أحمد زكي حسن, أحمد عادل كمال, الإخوان المسلمين, حسن إسماعيل الهضيبي, حسن محمد العشماوي, رئيس جمال عبد الناصر, رئيس محمد نجيب, صالح العشماوي, صلاح أبو شادي, عبد الحكيم عامر, عبد الرحمن علي فراج السندي, عبد القادر عودة, عمر عبد الفتاح عبد القادر مصطفى التلمساني, مجلس قيادة الثورة, محمد الغزالي السقا, منير أمين الدلة بالرغم من ذلك، استمر عبد الناصر في التعامل مع الإخوان المسلمين باعتبارهم فصيلًا وطنيًا، لدرجة أن احتفالات ثورة 23 يوليو 1953 شهدت قيام وحدة من جوالة شباب الإخوان المسلمين باستعراض مليشياتهم العسكرية، رافعين أعلامًا عليها "السيف والمصحف" شعار الإخوان المسلمين أمام المنصة التي يجلس بها الرئيس محمد نجيب بدأ يدبّ الخلاف بين العسكر والإخوان عندما طالبت الجماعة بنصيبها من الكعكة، فقد كانت الجماعة ترى أنّ قيادات الجيش لا تستطيع حكم البلاد، وعليها مغادرة الحكم وتركه للإخوان. ثمّ أنّ الجماعة خافت من عبد الناصر بعد محاولاته لدمجها في هيئة التّحرير، فطلب الهضيبي من عبد الناصر أن يستشيره في الأمور السّياسيّة ولا يصدر عبد الناصر قرارًا إلاّ بعد موافقة الهضيبي عليه. هذا الطلب تحديدًا أزعج عبد الناصر كثيرًا ورفضه بالطبع، واعتبر أن هذا الأمر سيمثل وصاية على الثورة. فعرض عبد الناصر على الإخوان في سبتمبر 1952 دخول الوزارة، واقترح اسم الباقوري. لكن مكتب الإرشاد رفض، فأصر الباقوري، فوافق المرشد على دخوله الوزارة بعد اشتراطه أن يتقدم باستقالته من جماعة الإخوان المسلمين. فقدم الباقوري استقالته وأصبح وزيرًا. وذهبنا إلى المرشد... واجتمع مكتب الإرشاد واتخذوا قرارًا بعدم الاشتراك في الوزارة بعد مناقشات طويلة... فقد رأى البعض أن اشتراكنا في الوزارة سيجعلنا مُبصرين بكل الخطوات التي تقوم بها الحكومة... ولكن المرشد كان له رأي آخر، وهو أنه لو حدثت أخطاء من الحكومة فإنها ستُلقى على الإخوان، فضلًا عن أن رسالة الإخوان، كما كان يراها المكتب في تلك الآونة، هي عدم الزج بأنفسهم في الحكم. فاتصل الضباط بالباقوري واستمالوه لجانبهم، فقبل الوزارة، فضغط عليه الهضيبي ليستقيل من الإخوان، وأعلن ذلك في الصحف. وجاء في أخبار اليوم في 13 سبتمبر 1952 ما نصه: اتصل الأستاذ حسن الهضيبي، رئيس جماعة الإخوان المسلمين، بجميع الصحف ليلة تأليف وزارة محمد نجيب، وطلب منها أن تنشر على لسانه أن الأستاذ أحمد حسن الباقوري قد استقال من الإخوان قبل قبوله المنصب الوزاري. وفي الصباح التالي، توجه المرشد إليه في مكتبه بوزارة الأوقاف مهنئًا له، فقال له الباقوري: "اعذرني يا مولاي... إنها شهوة نفس". فرد المرشد: "تمتع بها كما تشاء... اشبع بها". (محمود عبد العليم، نقلا عن صلاح شادي) لكن التلمساني كان له رواية أخرى، قائلًا: لم نقدم قائمة، لكننا طلبنا أن يشترك بعض الإخوان المسلمين في الوزارة، وقدّم الأستاذ الهضيبي بعض الأسماء، وقد اعترض عبد الناصر على أحد المتقدمين وقال إنه صغير السن، وهو حسن عشماوي رحمه الله، كما اعترض على عبد القادر عودة، أما أحمد الباقوري فقد دخل الوزارة على مسؤوليته. وأيًا كان الذي حدث، فإن اعتراض الإخوان لم يكن على مبدأ الاشتراك في الوزارة، وإنما كان اعتراضهم على حساب المكاسب والخسائر السياسية. فعلى الرواية الأولى لم يريدوا أن يتحملوا تبعة النقد الموجه للحكومة الجديدة. وعلى الرواية الثانية اختلفوا على الأسماء. والقضية كلها متناقضة؛ فلماذا طُرد الباقوري؟! ولماذا ذهبوا في الصباح يهنئونه؟! لم يهدأ الإخوان بعد تعيين الباقوري واستمروا في طلبهم بالتدخل والمراقبة لجميع قرارات مجلس قيادة الثورة. فحضر لمجلس قيادة الثورة وفد من الإخوان المسلمين ضم الصاغ صلاح شادي رئيس قسم الوحدات والمحامي منير الدلة، ليقولوا لعبد الناصر: الآن وبعد حل الأحزاب، لم يبق من مؤيد للثورة إلا جماعة الإخوان. ولهذا، فإنهم يجب أن يكونوا في وضع يليق بدورهم وبحاجة الثورة لهم. رفض عبد الناصر المطلب مرة أخرى، بدعوى أن الثورة ليست في محنة أو أزمة، ولكنه سألهما عن المطلوب لاستمرار تأييدهما للثورة، فأجابا: أننا نطالب بعرض كافة القوانين والقرارات التي سيتخذها مجلس قيادة الثورة قبل صدورها على مكتب الإرشاد لمراجعتها من ناحية مدى تطابقها مع شرع الله والموافقة عليها، وهذا هو سبيلنا لتأييدكم إذا أردتم التأييد. فأجاب جمال عبد الناصر قائلًا: لقد قلت للمرشد في وقت سابق إن الثورة لا تقبل أي وصاية من الكنيسة أو ما شابهها، وأني أكررها اليوم مرة أخرى. لكن بالرغم من ذلك، استمر عبد الناصر في التعامل مع الإخوان المسلمين باعتبارهم فصيلًا وطنيًا، لدرجة أن احتفالات ثورة 23 يوليو 1953 شهدت قيام وحدة من جوالة شباب الإخوان المسلمين باستعراض مليشياتهم العسكرية، رافعين أعلامًا عليها "السيف والمصحف" شعار الإخوان المسلمين أمام المنصة التي يجلس بها الرئيس محمد نجيب والبكباشي عبد الناصر وعبد الحكيم عامر، الذين رفعوا أكفهم بالتحية العسكرية احترامًا وتقديرًا لهم، مثلها مثل أي وحدة من وحدات الجيش التي تتبارى على استعراض أفرادها في هذا الحفل في ميدان التحرير. بعد أن استتبت الأرض تحت قدمي المرشد الجديد، أصدر الهضيبي قرارًا بفصل جميع الإخوان الأعضاء بالجهاز السري، وكل المتعاطفين معهم مثل الشيخ الغزالي وصالح عشماوي وأحمد الصباغ وأحمد عادل كمال وأحمد زكي حسن. وقد رد الغزالي على قرار الهضيبي بكتابة عدة مقالات؛ اتهم فيها حسن الهضيبي صراحة بالماسونية، وقال إن حركة الماسونية العالمية نجحت في زرع الهضيبي وتنصيبه مرشدًا عامًا للإخوان المسلمين. أما عبد الرحمن السندي فقد أصابه الإحباط، فقرر التواري والانزواء جانبًا. وقد بدأ عبد الناصر في الإحساس بوجود قوى أخرى في الشعب المصري تحظى بتأييده، بعيدًا عن الإخوان المسلمين، وأن تلك القوى الشعبية تدين له بالولاء لما قدمه لها من مكاسب، خاصة في صفوف العمال والفلاحين. وقد تساعده تلك القوى الشعبية في التخلص من ثقل الإخوان المسلمين وحرصه الدؤوب على إرضائهم، فهي قوى تحمله ولا يحملها كما هو الحال مع الإخوان المسلمين الذين كان يشعر معهم بأنه مطالب بدفع فواتير المشاركة وتقديم الحسابات مقابل التأييد. أما تأييد القوى الجديدة له فكان تأييدًا بلا مقابل أو حسابات أو فواتير مُطالب بسدادها أولًا بأول، وكان عبد الناصر هو صاحب الفضل مع مؤيديه من القوى الجديدة، على عكس القوى القديمة المؤيدة له من الإخوان المسلمين الذين كانوا يشعرون بأنهم هم أصحاب الفضل عليه وليس هو. وفي هذا الوقت الذي شعر فيه كل من حسن الهضيبي وجمال عبد الناصر بقوته وجماهيريته، كان لابد أن يقع الصدام بينهما، وقد كان صدامًا مروعًا. --- ### يونان ونينوى ونحن - Published: ۲۰۲۵-۰۲-۲۳ - Modified: 2025-02-23 - URL: https://tabcm.net/36133/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: الأب متى المسكين, الابن الضال, الشيطان, سمعان بن يونا, صوم يونان, قايين, مجلة مرقس, مدينة الله, يوحنا المعمدان, يونان النبي يأتي صوم يونان في وقت محدد من قبل الكنيسة، فهو يرمز إلى موت المسيح عن البشرية وقيامته، مما يمنح الخلاص والتوبة الأبدية. كما يذكرنا صوم يونان بتغطيس المسيح الكامل في المياه في عيد الظهور الإلهي، مما يمهد الطريق لصوم الأربعين وصولًا إلى أسبوع الآلام والموت والقيامة. يُعد صوم الأربعين يومًا الذي صامه المسيح بمثابة آية للخلاص، ومن خلال صوم يونان، نستعد روحيًا للأحداث الهامة في حياة المسيح، ونفهم الدور المحوري الذي لعبه في خلاصنا ليس عبثاً وضعت الكنيسة هذا الصوم المبارك في هذا الوقت بالذات، فترتيب الكنيسة دائماً مُلهَم ((مُلخص عظة أُلقيت وسُجلت في كنيسة القديس أنبا مقار في صوم يونان المبارك. )). تعلمون أننا قادمون على الصوم الأربعيني المقدَّس. والكلام هنا مركَّز وموجَّه. فكلمة "الأربعيني" ذات أهمية خاصة. ذلك لأننا قادمون على موت يجوزه المسيح عن البشرية كلها، أو هو استبدال موت بهلاك، ذلك لأن البشرية كلها كانت في حالة هلاك أو مشرفة على هلاك وإبادة لا تقل عن إبادة الطوفان ((40 يومًا. ))، وذلك بسبب تعاظم سلطان الخطية. وهذا ما حدا بالابن المبارك أن يترك مجده ويلبس بشريتنا ويتألَّم لكي ينقذ البشرية. لقد قدَّم نفسه للموت عوضاً عن هلاك البشرية ثم قام، فصار موته وقيامته مصدر خلاص وتوبة لا تنتهي. صار آية لكل مَنْ يريد أن يرث - لا أن يرى الإنسان بعد آية - بل يرث السماء نفسها. فهذا هو موت المسيح وقيامته. وهذا هو الصوم الأربعيني الذي صامه الرب عن البشرية كلها، ليوفِّي عنها كل نقص في نسك أو في صوم. والكنسيون منكم يتذكَّرون أننا لازلنا نردِّد ألحان عيد الظهور الإلهي، أي التعميد الذي لا يتم حسب الطقس إلا بالتغطيس الكامل تحت سطح الماء ((3 مرات. ))، أي في عمق المياه - أو بتعبير قصة يونان - نزل إلى بطن الماء. لذلك لما خرج المسيح من الماء اعتُبر ذلك مسحة خَدَم بها، تلك التي تقدَّم بها للدخول في صوم الأربعين يوماً، ثم إذا تجاوزنا الزمان أو التـزمنا بالطقس الكنسي ندخل مباشرة في أسبوع الآلام ثم الموت فالقيامة. وهكذا يأتي صوم يونان قبل الأربعين المقدَّسة حاملاً معاني ورموزاً كثيرة ما بين الغطاس والموت على الصليب! ! نعود إلى يونان. ونسأل: مَنْ هذا المدعو يونان؟ إنسان نبي، من العبرانيين، أتاه صوت الرب هكذا: وصار قول الرب إلى يونان بن أمتاي قائلاً: قُم اذهب إلى نينوى المدينة العظيمة. (يونان 1: 1-2) فقام يونان، يقول الكتاب إنه "قام وهرب" إلى ترشيش من وجه الرب، وذهب وهاج البحر. السفر لم يوضِّح أكثر من هذا، وطبعاً إن أي عدم توضيح في الأسفار أو الإنجيل ليس معناه قصوراً أو خللاً في التدوين ولا حتى سهواً، ولكنه فسحة للفكر العمق وللنفس المتأمِّلة، لتستوعب الأشياء التي لا يمكن أن تُكتب في سطور. وأتمنَّى أن يكون هذا الكلام له صدى عند السامع، لأن كثيرين يشتكون من غموض بعض المواضع في العهد القديم؛ بل وفي الإنجيل أيضاً. صوت الرب يقول ليونان: اذهب وبشِّرها لأن شرَّها صعد أمامي. فهرب ونزل في بطن الماء وبقي فيه ثلاثة أيام، وبالتعبير الكتابي، المسيح نـزل إلى الهاوية ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ. ويونان نـزل إلى العمق، في بطن الحوت، ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ، وبتعبيره هو قال: صرختُ من جوف الهاوية ((يونان 2: 2 ))، وهكذا يبدو سفر يونان تطبيقاً ورؤيويًّا، وكل سطر وكلمة فيه تشير إلى المسيح بصورة قويَّة جداً. وهنا يمكن اعتبار يونان بمثابة يوحنا المعمدان في العهد الجديد الصارخ ليعد طريق الرب. يونان رمز حيٌّ بشخصه، يمثِّل المسيح. عماد المسيح دفع به إلى الأربعين المقدَّسة، والأربعين إلى الصليب ثم القيامة. تماماً كما نـزل يونان الماء ثم ذهب لنينوى كارزاً لها بالتوبة قائلاً لها: إن المدينة ستهلك بعد أربعين يوماً - كأنما هنا إشارة خفية أن الأربعين يوماً هذه مهمة في تحديدات الله - وكأنها وفاء أقصى مدة محدَّدة للهلاك ((الطوفان. )). لكن الرب وفَّاها وقضاها في صومه الأربعيني عن البشرية كلها. أما هروب يونان، فكأنه يستصعب الدعوة، لكنه بعد أن نـزل في الماء وظلَّ فيها ثلاثة أيام حدث له شيء ما. لأنه بعد ما ألقاه الحوت على الشاطئ، قال له الرب مرَّة ثانية بنفس الألفاظ الأُولى: قُم اذهب إلى نينوى المدينة العظيمة ونادِ لها بالمناداة التي أنا مُكلِّمُكَ بها ((يونان 3: 2 ))، فانصاع يونان وكأنما تجدَّد فكره بعد أن اعتمد لنينوى ثلاثة أيام في العُمق! ! هنا شيء سرِّي حدث. وكأنما النزول في الماء - معمودية يونان - هو اجتياز الموت والقيامة لنينوى. يا للعجب على الإشارات البليغة، يا للكنيسة التي تستطيع باللمسات الخفيفة أن تحدِّد صوماً محدَّداً أو عيداً معيناً. تحديدات كلها إلهام ورؤيا لمَنْ يريد أن يسمع أو أن يرى، وليس كالكتبة والفريسيين الذين قالوا له: نريد أن نرى منك آية ((متى 12: 38 ))، متغاضين عمَّا حدث من قبل. وضعت الكنيسة هذا السفر أمام أعيننا في هذه الأيام لنستطيع أن نستوعبه لأنفسنا: أولاً في يونان، وثانياً في نينوى. لأن ليونان ونينوى رسالتين لنا في حياتنا. فيونان يضع لمسات صورة المسيح القادم من بعيد. ونينوى تبكِّتنا بشدَّة: رجال نينوى سيقومون في الدين مع هذا الجيل ويدينونه، جيل شرير وفاسق يطلب آية ولا تُعطَى له آية إلاَّ آية يونان النبي ((متى 12: 41، 39 )). «هذا الجيل»، لا يقصد به الوحي زمن جيل المسيح فحسب - كما يقول أغلبية الشرَّاح - ولكنه هو هذا الجيل أي كل جيل شرير وفاسق. كل جيل فيه الشرير والفاسق، فهو «هذا الجيل». أما جيل المسيح الذي هو جيل الرسل فهو جيل مستمر فينا وبنا حتى الآن. وأنتم تسمعون الكاهن يقول: اذكر يا رب كنيستك الواحدة الوحيدة المقدَّسة الجامعة الرسولية، ثم تسمع في المجمع أسماء البطاركة حتى آخر بطريرك. فالكنيسة ممتدَّة من المسيح والرسل إلى هذا اليوم. فهو جيل واحد، هو جيل المسيح، وهذا اسمه. الجيل الشاهد للمسيح حتى آخر يوم في تاريخ البشرية، جيل ممتد، الجيل الطيب القديس الطاهر. أما الجيل الآخر فهو جيل قايين، وجيل يهوذا، الجيل الصالب، هو أيضاً ممتد حتى هذا اليوم، فيه يهوذا وفيه الصالب أيضاً. «جيل فاسق وشرير»، قد تبدو هنا قسوة في كلام المسيح، ولكن ليس الأمر كذلك. هو جيل فاسق وشرير لأنه زاغ عن الله. وإذا سمعت عن "الفسق والشر" في الإنجيل فلتفهم أنه يقصد الوضع الروحي وليس الجسدي (لأن الوضع الجسدي يمكنه بطعنة في الضمير الحي من سيف كلمة الله أن يحوِّل أشر الناس إلى القداسة). الشر الروحي، هو أن نعبد غير الله، أن نرتمي في أحضان الشيطان، هذه هي الخيانة الزوجية. لأن المسيح اتخذ الكنيسة لنفسه عروساً، حسب نفسه عريساً للكنيسة: لأني خطبتكم لرجل واحد لأُقدِّم عذراء عفيفة للمسيح ((كورنثوس الأولى 11: 2 )). «جيل فاسق وشرير يطلب آية»، هل يريد من الله أن يرسل له ناراً من السماء؟ أو يرسل له منًّا من السماء يأكله ويشبع؟ ألم يقدِّم لهم الطعام في معجزة إكثار الخمس خبزات والسمكتين ((إنجيل اليوم الثالث من صوم يونان ))؟ ولكن لننتبه لأنفسنا جداً لأن الآية لا تزيد الإيمان، ولكن الإيمان بحد ذاته آية! ! تذكرون قول الإنجيل إن المسيح لم يصنع هناكقوات كثيرة لعدم إيمانهم ((متى 13: 58 )). لن يستطيع المسيح أن يعمل لك آية في حياتك إن لم يسبقها إيمان. «ولا تُعطَى له آية إلا آية يونان النبي»، جيل فاسق شرير، وخطيته شنيعة جداً. لن تنفعه الآيات من السماء. ولكن آيته الوحيدة هي التي تقيمه من موت الضمير، وآيته هي آية يونان النبي، آية الموت لأن يونان في عُرف المنطق والعلم أنه كان يتحتَّم أن يموت في بطن الحوت، يونان مات، نعم مات، والرب أقامه، ولكن لمَنْ كان الموت؟ ما أجمله موتاً ذلك الذي نموته كل يوم من أجل الآخرين! ما أجملك يا يونان يا نبي الفداء وأنت تموت ثلاثة أيام بلياليها لتكفِّر عن خطيتك وخطية نينوى العظيمة! ! الشرَّاح الغربيون يقولون عن سفر يونان أنه سفر خرافي، أما المتساهلون منهم فيقولون عن يونان إنه يمثِّل الابن الأكبر ((في مَثَل الابن الضال. ))، لأن نينوى لما خلصت حزن يونان وصار مثل الابن الأكبر لم يُرِدْ أن يدخل البيت. لا، لم يحدث هذا، الحقيقة العميقة هي أن يونان تمنَّع من الذهاب لنينوى لئلاً يبِّشرها بالخراب! ! ولأنه يعلم يقين العلم أن الله طويل الأناة بطيء الغضب، وسيصفح حتماً في النهاية. لذلك هرب يونان لئلا يواجه محنتين: محنة التبشير بالخراب، وهو عسير كل العسر على النفس الوديعة؛ ومحنة رجوع الله عن غضبه، فيظهر يونان وكأنه يسخر من شعب غريب. ولكن أين يهرب يونان من وجه الله؟ فالله دائماً يطارد الخادم الهربان. فكل إنسان يمكن أن يهرب من وجه الله، إلاَّ من سمع صوته وحمل نيِّره وقَبـِلَ اسمه القدوس. في الفكر القبطي يونان ليس هو الابن الأكبر الذي حزن على خاص نينوى، ولكنه مثال المسيح. هو نبي الفداء المبدع، لا يقلُّ بل ربما يزيد عن كل الأنبياء في العهد القديم، رقة ورهافة، لا يماثله في هذه الرهافة والرقة إلاَّ نبي واحد مظلوم مثله، هو أيوب. يونان لم يحتمل أن يكون كارزاً بالخراب. وفي إنجيل لوقا إشارة لطيفة جداً ولكنها سرية للغاية، تكشف عن حدوث صلة توبيخ لأهل نينوى بسبب المخاطرة العظمى والموت المحقَّق الذي تعرَّض له يونان من أجلهم، لذلك في الصورة التي على الغلاف نرى بعض الناس ينظرون بأنفسهم دخول وخروج يونان من بطن الحوت! !  وكما كان يونان آية لأهل نينوى كذلك ابن الإنسان أيضاً لهذا الجيل ((لوقا 11: 30 )). إذاً، فقد بلغ أهل نينوى أن يونان عبر محنة الموت في داخل بطن الحوت ثلاثة أيام، ثم قام من أجل خلاصهم! ! هنا يقصد إنجيل لوقا أنه كما كان يونان بنفسه (وليس بكرازته فقط) آية لأهل نينوى، هكذا يكون ابن الإنسان بنفسه آية لهذا الجيل، أي بموته وقيامته. من الصعب جداً، يا إخوة، أن نتكلَّم كثيراً عن ضغطة الموت على مدى ثلاثة أيام بلياليها التي جازها يونان، ولكننا نعرفها أكيداً في تطبيقها على المسيح لما مكث ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ في الهاوية ثم قام: سبى سبياً وأعطى الناس عطايا ((أفسس 4: 8 ))، قام «ونفخوقال لهممَنْ غفرتم خطاياه غُفرت له ((يوحنا 20: 22-23 )). أعطى الحِلَّ والبركة على الأرض لتدوم إلى أبد الآبدين، إذ نسمع الكاهن يقول: كما أعطيت الحلّ للتلاميذ ليغفروا الخطايا... ، هكذا دام هذا الحلُّ الذي يفك كل الخطايا. هكذا قام يونان وكَرَزَ لنينوى، ليحل عنهم بضيقة موته ثم بكرازته غضب الله! ! ويبدو أنه قال لهم ما حدث له. وأما من جهة نينوى المدينة العظيمة، فنحن آتون هنا لمنظر من المناظر الرهيبة، إذ بمجرَّد أن سمع الملك بما حدث ليونان، وبما نادى به، قام عن كرسيه الملكي وخلع ثيابه وفخفخته وجماله وفخره الكاذب، ولبس المسوح، والشعب كله لبس المسوح - والمسوح ثوب من شعر المعزى خشن الملمس جداً - وأعطى الملك أمراً أن يُرفع الطعام عن كل إنسان كبيراً كان أم صغيراً حتى الرضيع على صدر أمه - يا للهول - وعن البهائم كلها، وهنا وكأنما الخليقة كلها تتمثَّل في قصة توبة نينوى. وكان ذلك إلى ثلاثة أيام. مدينة فيها "واحد على ثمانية" مليون نسمة تتوب كلها ويعفو الرب عنها من أجل توبة جماعية ناشطة وتدبير متقن لهذا الملك النصوح الواعي الذي استطاع بحكمته أن يرفع حكم الموت عن شعبه؛ يا للرعاية ويا لحكمة الراعي! ! ثم ما هذا الحضن المتسع يا الله؟ إن هذا عجب كبير حقاً! مدينة وثنية تؤمن بالله بكرازة واحدة؟ نعم، ليس بآية من السماء ولا من الأرض تتوب البشرية أو يُعفَى عن إثمها، بل بالاتضاع والصوم والصلاة وتذلُّل القلب لدى الله القدير! آه لو علم كل خاطئ هذا، ما استكثر خطاياه أبداً عن عفو الله. لو علمت الكنيسة ما ينبغي أن تكون عليها من توبة جماعية، لجلست مع أبنائها في هذه المسوح وفي تراب المذلة إلى أن تجتذب لنفسها عفواً من السماء، ولكانت أزمنة الفرج تأتي من السماء سريعاً! ! كما قال بطرس الرسول ((أعمال 3: 19 )). يا أحبائي، إن تعطَّلت أزمنة الفرج فالعيب هو منا، نينوى كانت تسير إلى الهاوية والهلاك أكيداً وسريعاً، ولكن بوقفة شريفة شُجاعة أمينة على قدر الدعوة وقدر التهديد استطاعت أن تجتذب لنفسها عفواً من السماء. ماذا يعوزك أيها الخاطئ؟ أيعوزك المسوح؟ أيعوزك التراب؟ ماذا يعوزك؟ لو كانت التوبة بذهب وفضة، لو كانت تستلزم سلماً عالياً نطلع به إلى السماء، لو كانت تستلزم منا جهداً نفسانياً أو عقلياً أو جسمانياً أو حكمة فائقة أو علماً زاهراً، لكي نحدر المسيح من السماء أو نصعده من الهاوية؛ لقلنا إن التوبة صعبة وشاقة. ولكن ملك وشعب ونساء وأطفال وبهائم نينوى عرفت طريقها سريعاً إلى النجاة. فما بالنا نتعطَّل نحن، وما بالنا نذهب يميناً ويساراً ونستشير الكبير والصغير، والخلاص أمامنا وبابه مفتوح، والذين دخلوا منه كثيرون، ومن كل شعب ولسان وأُمة! ! وها هي نينوى تضع لنا نموذجاً لتوبة بسيطة قادرة بعنفها أن تفتح أبواب السماء وتحدر عفواً شاملاً بلا أي استثناء للمدينة بأسرها، قيل عنها في الكتاب إنها لا تعرف شمالها من يمينها! يا إخوة، نحن قادمون على الأربعين المقدسة، يعوزنا قلب كقلب ملك نينوى وشعب نينوى. أما مجرَّد ذكر البهائم الصائمة وهي خائرة على مذاودها ففيه توبيخ لنفسي، لأني أرى في نفسي وحوشاً ضارية تتعالى على غيرها كما يعلو الأسد على الغزال. كم فيكِ يا نفسي من غرائز تحتاج أن تُذلَّل بالجوع والمسوح؟ منظر نينوى وبهائمها واقفة على المذاود تئن، مرعب لشهواتي وملذاتي. الثيران وقعت من الجوع خائرة. وكم فيكِ من هذا يا نفسي يا مدينة الله! ما أجملكِ يا نفسي وأنتِ جالسة في المسوح والتراب متشبِّهة بنينوى! ! جيد لكِ يا نفسي في هذه الأربعين المقدسة أن تَرْبُطي حواسكِ كلها، البهيمي منها والوحشي، ولا تفتكري أنكِ بنت المدينة العظمى التي تعرف شمالها من يمينها، لأن الخطية لا يتعالى عليها إلا مَنْ ذاق ما ذاقته نينوى! اليوم يا أحبائي، أكشف أمامكم سر السماء بلا ستار، بلا حجاب؛ ملك يترك عرشه، وينتـزع الخلاص، وينتـزع العفو السمائي، بتوبة جميلة رائعة استطاع أن يحصل عليها وهو في التراب والرماد. ثقوا، إن ساعات الخلاص وأيام الرجاء لا تأتي جزافاً أبداً. إن كنت تريد خلاصاً سريعاً، إن كنت تريد أزمنة فرج، فاليوم تعلَّم من درس نينوى، وهو درس للأجيال كلها جيل شرير وفاسق يطلب آية ولا تُعطَى له آية إلا آية نينوى ((متى 12: 39 )). آية نينوى لا تقل إطلاقاً عن تفتيح عيني الأعمى، وعن إطعام الجائعين بخمس خبزات وسمكتين، وتحويل الماء إلى خمر. آية نينوى فاقت كل آية إلا موت المسيح وقيامته، ولكن الجديد في آية نينوى أنها تابت بمناداة نبي، والآن الصوت الذي ينادينا أعظم من كل نبي. لأن يونان نادى بالموت أو التوبة، ولكن المسيح يقدِّم لنا موته قوَّة حية محيية قادرة أن تُقيم من الخطية والموت! ! اليوم يا أحبائي يوم نينوى ونبيها الرقيق المشاعر، النبي الفادي القائل: هذه خطيتي حينما هاج البحر ولم يقل "هذه خطية نينوى". يونان هنا ينادي كل خادم، كل واعظ، كل كاهن، كيف يرى خطية شعبه ومدينته، ويرى في آلامه وحزنه وضيقه، بل وموته فدية لأولاده. وصلَّى يونان إلى الرب إلهه من جوف الحوت وقال: دعوت مِنْ ضيقي الرب فاستجابني. صَرَختُ مِنْ جوف الهاوية فَسَمِعتَ صوتي. لأنك طرحتني في العمق في قلب البحار. فأحاط بي نهرٌ. جازت فوقي جميع تياراتك ولججك. فقلت: قَدْ طُردتُ مِنْ أمام عينيك. ولكنني أعود أنظر إلى هيكل قدسك. قد اكتنفتني مياهٌ إلى النفسِ ((هذا المزمور يُقال في يوم جمعة الصلبوت. )). أحاط بي غَمْرٌ. التفَّ عشبُ البحرِ بِرَأْسِي. نزلت إلى أسافل الجبال. مغاليق الأرض عليَّ إلى الأبد. ثم أصعدت من الوهدة حياتي أيها الرب إلهي. حين أعيت فيَّ نفسي ذكرتُ الرب فجاءت إليك صلاتي إلى هيكل قدسك. الذين يراعون أباطيل كاذبة يتركون نعمتهم. أما أنا فبصوت الحمد أذبح لكَ. وأوفي بما نذرته. للرب الخلاص. (يونان 2: 2-9) هكذا تكون صلواتنا في ضيقاتنا. اشْتَكِ للرب فقط، شكوى الممنونين جازت عليَّ آلامك يا رب. أجزتني المحنة وأمررتني تحت العصا. المرُّ في حلقي. دخلت المرارة إلى قلبي وإلى نفسي. وكما يقول النبي: توجعني جدران قلبي ((إرميا 4: 19 ))، بتعبير عجيب، كلها أنين الشكر وشكوى الحمد. إن صلاة يونان هي المزامير الجديدة للسائرين في طريق الجلجثة والتي حتماً تردِّد قرارها في السماء كل الأرواح المبرَّرة المكمَّلة في المجد. إنها السلم الجديد الذي نرتفع عليه لكي نطل خلسة إطلالة سريعة على المجد المعد! نعم، هكذا يُغتصب ملكوت السموات! بصلاة كصلاة يونان وهو في عمق الهاوية. اليوم يا أحبائي، هو يوم التوبة الغاصبة لحقوق القديسين وميراث ابن الله. اليوم، مفهوم جديد لمعنى الكرازة بالبذل حتى الدم. اليوم، دعوة للكارز ليسلك طريق النجاة لنفسه وشعبه، للراعي والرعية. هذه نينوى تعطينا صورة حاسمة لكل دقائق ومعنى استرضاء وجه الله! ! يا رعية الله، صغيرها وكبيرها، شيخها وطفلها، مريضها وسليمها، هذه نينوى أمامنا آية. ويا كارزي المسكونة، ويا واعظي الكنيسة، هوذا يونان لكم اليوم مثلٌ يُحتَذى، كيف كان وماذا صار. فيونان قَبـِلَ أن يدخل محنة الموت والثلاثة الأيام بلياليها ما كان نافعاً لا لنينوى ولا لنفسه، حيث كان سيذهب إلى ترشيش ليأكل الخرنوب مع الخنازير. وها هو يونان بعد أن صلَّى من عمق التجربة وأهوال الموت يرينا كيف جاز التجربة حتى النهاية، وصار يونان كارزاً بشبه المسيح، وحُسب له موته بشبه فداء. وهكذا تكرَّم يونان بهذه التجربة فصار هو النبي الوحيد الذي أخذه المسيح ليضعه نموذجاً لموته وقيامته! وآية للتائبين! !   يونان، ونينوى، ونحن ‏بقلم الأب متى المسكين، كلمة أُلقيت عل مجمع رهبان دير القديس أنبا مقار في صوم يونان المبارك عام ‎١٩٧٩، ونُشرت أوّل ما نُشر في مجلة مرقس، عدد فبراير ١٩٧٩، الصفحات من ٣ إلى ١٢   --- ### كنيسة اليوم.. كلمة أخيرة - Published: ۲۰۲۵-۰۲-۲۲ - Modified: 2025-04-14 - URL: https://tabcm.net/36285/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أنبا بيمن، أسقف ملوي, الأب متى المسكين, بابا شنودة الثالث, چورچ رمزي, رمسيس نجيب, شنودة نمر ميخائيل, قديس بولس الرسول, مدارس الأحد, مركز دراسات الآباء, نصحي عبد الشهيد بطرس, يوحنا عبد المسيح أبادير اشتبكت عبر ثلاث عقود ونصف ويزيد مع الإشكاليات الكنسية، طارحًا ومحللًا ومقدمًا لمخارج أزعم إنني امتلكتها عبر خدمة ممتدة بين مدارس الأحد واجتماعات الشباب، والحياة العملية المشتبكة مع الناس والهم العام، وقد تتلمذت بانتباه على خدام أتقياء كنسيين واعين، مدنيين وكهنة تلح على خاطري كلمات القديس بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس في رسالته الثانية: فإني أنا الآن أسكب سكيبًا، ووقت انحلالي قد حضر، ((رسالة بولس الثانية إلى تيموثاوس 4: 6 )) ويوصيه: وأما أنت فاصح في كل شيء. احتمل المشقات. اعمل عمل المبشر. تمم خدمتك ((رسالة بولس الثانية إلى تيموثاوس 4: 5 )). ولست بحاجة للقول بأنني لا أقرن نفسي بكليهما، لكنني توقفت كثيرًا عند السبب وراء هذه الوصية، الذي رسمه القديس بولس بكلمات واضحة عما ينتظر الكنيسة، وهو ما أستطيع أن أقر أننا نعيشه اليوم، وتسلل إلينا قبل عقود هذا عددها؛ واستأذن القارئ في أن أضعها أمامه بحروف القديس بولس نفسه ((رسالة بولس الثانية إلى تيموثاوس 4: 2-4 )): اكرز بالكلمة. اعكف على ذلك في وقت مناسب وغير مناسب. وبخ، انتهر، عظ بكل أناة وتعليم. لأنه سيكون وقت لا يحتملون فيه التعليم الصحيح، بل حسب شهواتهم الخاصة يجمعون لهم معلمين مستحكة مسامعهم، فيصرفون مسامعهم عن الحق، وينحرفون إلى الخرافات (رسالة بولس الثانية إلى تيموثاوس 4: 2-4) وأجدني في مناخنا المشحون بالتربص والغضب والبحث فيمَا وراء السطور تفتيشًا في الضمائر، بحاجة إلى التأكيد على أن توقفي وطرحي هنا يقفان خارج مدارات الفرقاء، ولا يحملان إسقاطًا على أحد، أو تيارًا أو فريقًا، فقد ضج العالم الافتراضي بأطروحاتهم التي حولته إلى حلبة مترامية الأطراف لصراعات تذكرنا بمباريات "مصارعة الديوك" العنيفة التي تم توظيفها في عالم المراهنات، وبعض الدول فرضت عليها رسومًا صارت تشكل أحد أهم مصادر الدخل عندها، اللافت في تلك المصارعات أن الديوك تخرج منها إما موتًا أو مثخنة بجراحات مميتة، فيمَا يجني مديرو المباريات والمتراهنون أرباحًا طائلة. يحدث هذا في حين نحفظ عن ظهر قلب تحذير القديس بولس ((رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس 3: 1-6 )):  وأنا أيها الإخوة لم أستطع أن أكلمكم كروحيين، بل كجسديين كأطفال في المسيح، سقيتكم لبنا لا طعاما، لأنكم لم تكونوا بعد تستطيعون، بل الآن أيضا لا تستطيعون، لأنكم بعد جسديون. فإنه إذ فيكم حسد وخصام وانشقاق، ألستم جسديين وتسلكون بحسب البشر؟ لأنه متى قال واحد: «أنا لبولس» وآخر: «أنا لأبلوس» أفلستم جسديين؟ فمن هو بولس؟ ومن هو أبلوس؟ بل خادمان آمنتم بواسطتهما، وكما أعطى الرب لكل واحد:  أنا غرست وأبلوس سقى، لكن الله كان ينمي. (رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس 3: 1- 6) بين بولس وأبلوس انحصرت الصراعات عندنا فيما خرج المسيح من المعادلة ومن حياتنا، وإن بقي في عباداتنا النمطية التي نحرص عليها في طقوسية فاقدة للمعايشة الحياتية. الذي أثار داخلي كل هذا هو إنني اشتبكت عبر ثلاث عقود ونصف ويزيد مع الإشكاليات الكنسية، طارحًا ومحللًا ومقدمًا لمخارج أزعم إنني امتلكتها عبر خدمة ممتدة بين مدارس الأحد واجتماعات الشباب، والحياة العملية المشتبكة مع الناس والهم العام، وقد تتلمذت بانتباه على خدام أتقياء كنسيين واعين، مدنيين وكهنة، لعل أبرزهم حسب زمن التلمذة، التي انطلقت في أروقة كنيستي "مار جرجس بالقللي"؛ أبي القمص يوحنا عبد المسيح أبادير والمهندس باقي نمر ميخائيل (القس شنودة ميخائيل فيما بعد) والأستاذ جورج رمزي أمين مدارس الأحد الذي فتح لنا الباب لنتعرف على فكر الآباء، عبر كتاب حياة الصلاة الذي وفره لنا بنظام التقسيط بما يتناسب مع قروشنا القليلة وقتها. ثم تعرف أقدامنا الطريق إلى اجتماع الأستاذ كمال حبيب الذي دخل بنا إلى عمق الكتاب المقدس، بكنيسة مار مينا ـ بشبرا ـ التي تقع على بعد خطوات من كنيستنا، ويصير فيما بعد الأنبا بيمن أسقف ملوي، ومن شبرا حيث كنيسته نذهب إلى اجتماع ناشئ لأسقف واعد مختلف بالكلية الإكليريكية لنشاهد افتتاح الاجتماع العام لأسقف التعليم الأنبا شنودة، الذي يبحر بنا في تأملات سخية في مزامير سواعي الإچبية، ثم تنويعات من التأملات الروحية، بلغة كسرت الأنماط السائدة وقتها، التي كانت تعتمد على اللغة الفصحى المحتشدة بالبلاغة والمحسنات والشعر التقليدي، فإذا بنا أمام أسقف يخاطب الشباب بلغة معاصرة، وفي موضوعات تدغدغ مشاعرهم وتفتح أمامهم آفاق العشرة مع الله وتضع أقدامهم على طريق التوبة. وننتقل معه إلى القاعة اليوسابية بالإكليريكية، ثم إلى البطريركية بكلوت بك بعد أن ضاقت قاعات الإكليريكية على مرتادي الاجتماع، ثم ننتقل معه إلى الكاتدرائية المرقسية بالأنبا رويس وهي بعد هيكل خرساني، إلى أن استقر به المقام وقد صار بطريركًا للكنيسة في بهو الكاتدرائية. في غضون ذلك نطرق أبواب الأديرة لنتعرف على جناح الرهبنة ونغترف من خبرات النسك والنمو الروحي ونتسلح بتقوى آباء البرية، ونتلقف كتب الأب متى المسكين بشغف لتتسع مداركنا اللاهوتية وتكتمل دائرة مصادر الوعي بين الوعظ والتعليم والتلمذة. غير بعيد نتغذى من روافد عديدة كان أبرزها في مراحلنا المبكرة كتب الأرشيدياكون رمسيس نجيب، التي تناقش قضايا الشباب المسيحي في مواجهة الحياة العامة والمحاربات المرتبطة بمرحلتهم السنية، حول العفة والطهارة والنمو الروحي بعيدًا عن الأطروحات النظرية المثالية المفارقة للواقع، ونجح في أن يصالح بيننا والمجتمع العام مشاركين فاعلين في دعمه لحياة أفضل. وكان الدكتور نصحي عبد الشهيد أحد العلامات المضيئة والفاعلة في توفير إبداعات آباء الكنيسة الأولى منابع اللاهوت الآبائي الأرثوذكسي مترجمة من أصولها اليونانية، في مركز دراسات الآباء الذي دشنه لوصل ما انقطع مع الآباء. وقد تركت قلمي يستدعي كل هذه الخبرات لنقول إننا كنا جيلًا محظوظًا، استطاع أن ينجو بفعل تعدد مصادر التكوين، من مصيدة الانحياز لتيار أو مدرسة بعينها، واحتفظنا بتقديرنا لكل من تعلمنا وتتلمذنا عليهم، حتى في أدق لحظات المواجهة مع الإشكاليات الكنسية. وكتاباتي تقف شاهدة على هذا. دعونا نقترب من جذور الأزمة الكنسية المعاشة متى بدأت وكيف تنامت وهل من مخارج؟، هذا ما سنتناوله في مقال تال. --- ### الخطية الأصلية عند أوغسطين [٥] - Published: ۲۰۲۵-۰۲-۲۱ - Modified: 2025-02-23 - URL: https://tabcm.net/35029/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: Cambridge, آدم, أنثروبولوچي, الخطيئة الأصلية, الشيطان, بابا كيرلس عمود الدين, تادرس يعقوب ملطي, دار المشرق, قديس أوغسطينوس، أسقف هيبو, كسمولوچي, كنيسة مار جرجس، سبورتنج, مدينة الله, يوحنا الحلو نواصل الحديث عن الاختلاف حول مفهوم “الخطية الجدية” ووراثة الخطية بين بعض آباء الكنيسة في الشرق والغرب، ويستمر الحديث عن القديس أغسطينوس. استخدام الله للشر لمعاقبة الإنسان يشير أوغسطينوس إلى أنَّ هناك بعض الخطايا بمثابة عقوبة لخطايا أخرى يسمح بها الله باعتبارهم أوان للغضب! مثل تقسية الله لقلب فرعون. ((أوغسطينوس، النعمة والإرادة الحرة، ترجمة: القمص تادرس يعقوب ملطي، كنيسة مار جرجس سبورتنج، 1969، ص 69. )) ولكن هذا التعليم ضد صلاح الله. وهكذا يُورِد أوغسطينوس مثال ابن جيرا البنيامينيّ الذي سب داود، ويُؤكِّد أنَّ الله لم يأمره بسب داود بوصية، وإلا كان مستحقًا المديح؛ لأنه أطاعه، بل الله مال بإرادة ذلك الإنسان التي انحطت بضلاله لكي يرتكب هذه الخطية، وكان ذلك بأحكام الله السرية وعدله. يستخدم الله حتى قلوب الأشرار لمدح الصالحين وإعانتهم. ((أوغسطينوس، النعمة والإرادة الحرة، ترجمة: القمص تادرس يعقوب ملطي، كنيسة مار جرجس سبورتنج، 1969، ص 70. )) يذكر أوغسطينوس استخدام الله يهوذا لخيانة المسيح، واستخدامه اليهود في صلبه لبركة الأمم المؤمنة، واستخدامه لأشر عدو -الشيطان نفسه- لكن بأفضل وسيلة لامتحان إيمان الصالحين وورعهم لا لنفسه. استخدم الله إبليس لإتمام مشورته الصالحة. ((أوغسطينوس، النعمة والإرادة الحرة، ترجمة: القمص تادرس يعقوب ملطي، كنيسة مار جرجس سبورتنج، 1969، ص 71. )) يستخدم الله شر الأشرار للخير دون إعفائهم من مسؤوليتهم عن شرهم. كل شيء شرير تم بإرادة الإنسان واختياره، ولكن السبب كان من قِبل الرب، يعمل الله في القلوب البشرية ليُغيِّر إرادتهم لما يريده، سواء للخير حسب رحمته، أو للشر حسب استحقاقاتهم، ويحدث هذا بعدله الواضح أحيانًا، والخفي أحيان أخرى. ((أوغسطينوس، النعمة والإرادة الحرة، ترجمة: القمص تادرس يعقوب ملطي، كنيسة مار جرجس سبورتنج، 1969، ص 73. )) كما يؤكِّد على وراثة الذنب والشر المرفوضة من الآباء اليونانيين، حيث يدعو إلى النظر إلى الحالة الأولى التي يشترك فيها جميع الأطفال الصغار بالطبع، الذين يرثون الشر من آدم. ((Augustine, On Grace and Free Choice & others, Edit. & Trans. by Peter King, (Cambridge University Press, New York: 2010), 23: 45, P. 183. )) يتحدَّث أوغسطينوس أيضًا أنَّ الله سيجازي كل واحد حسب عمله الشر بشرٍ، لأنه عادل، والشر بالخير؛ لأنه صالح، والخير بالخير؛ لأنه صالح وعادل. (( Augustine, On Grace and Free Choice & others, Edit. & Trans. by Peter King, (Cambridge University Press, New York: 2010), 23: 45, P. 184. )) يتحدَّث أوغسطينوس عن القدرية وخضوع الأجساد بعضها لإرادتنا، والبعض الآخر للملائكة الخاضعة جميعًا لإرادة الله السامية التي تتعلق بها كل إرادة، ومنها تستمد القوة التي يمدها بها، فالله هو العلة المطلقة غير المخلوقة التي تعمل كل شيء. ((أوغسطينوس، مدينة الله مج1 (الكتب 1- 10)، ترجمة: الخورأسقف يوحنا الحلو، دار المشرق، 2014، 5: 9، ص 235. )) ويستكمل بأنَّ إرادتنا لا تتمتع بالقدرة بقدر ما أراد الله لها ورسم، ولهذا فكل ما تستطيع بكل تأكيد، وكل ما عليها عمله تعمله بحقٍ، لأنَّ كل ما لها من قدرة وفعل، فمنه (أي من الله) استمرت كل ذلك، ولو كان لي استعمال كلمة ”قدر“ لقلت قدر الضعيف إرادة الأقوى الذي يتعلق الضعيف به. ((أوغسطينوس، مدينة الله مج1 (الكتب 1- 10)، ترجمة: الخورأسقف يوحنا الحلو، دار المشرق، 2014، 5: 9، ص 236. )) يناقش أوغسطينوس ماهية الغضب الإلهيّ، وإنه لا توجد فيه شهوة البتة، بل الغضب الإلهيّ هو تعبير عن الانتقام، ولا يعني اضطراب النفس بالشهوة. يا لها من نظرة مأساوية جدًا لله! ((أوغسطينوس، مدينة الله مج1 (الكتب 1- 10)، ترجمة: الخورأسقف يوحنا الحلو، دار المشرق، 2014، 9: 5، ص 427. )) تناقض بين الكسمولوچي والأنثروبولوچي ولكن يعترف أوغسطينوس بأنَّ الخطية ليست مادة ولا كيان لها، بل اسمها ينطوي على مُجرَّد فعل يتسم بِالخطأ، ولكن على الرغم من اعترافه بعدمية الشر في الكسمولوچي، إلا أنه يؤكد على كينونة الشر في شرحه الأنثروبولوچيّ لوراثة الخطية الأصلية نفسًا وجسدًا. حيث يقول التالي: ((أوغسطينوس، مدينة الله مج1 (الكتب 1- 10)، ترجمة: الخورأسقف يوحنا الحلو، دار المشرق، 2014، 9: 5، ص32-33. )) كيْف أَمكن لِهَذا الفساد أن يحدُث بِالخطيئة، عِلمًا بِأنّ الخطيئة ليْست مَادة وَلَا كيانًا؟ فلنُوضِّح المسألة بِمثل آخَر قد يقرب المعنى: هل عدم أكل الطعام مادّة وكيان؟ بِالطّبع لا، لِأنّ الطّعام في حدّ ذاته هو المادّة والكيان، فعدم الأكل إذًا ليْس مادّة ما، ولكِنّ اِستِمرار العُزوف عَن الطّعام بِصورة حادّة يُحدِث سوء التغذية، وذبولًا في البدن، وتدهورًا في الصِّحّة، ووهنًا في القوة، والضعف الشديد ثم الإعياء فالاِنهيار، هذا لو أستطاع الإنْسَان الاِستِمرار على قيْد الحيَاة، وحتى لو حاوَل بعْد هذا استعادة صِحّتِه باستعمال الأطعمة التي عزفَ عَن تناولها، فقد يتأذى وتزدَاد حَالتُه سوءًا، لأنَّ جهازه الهضميَّ قد اعترته الأمراض والفساد، هكَذا بِنفس الطريقة: حقًا إن الخطيئة ليْست كيانًا ولا هي وجود، ولكن الله هو الكيان الواجِب الوُجود، وحِينمَا عزفَ الإنسان عَن الله بِالعِصيان زمنًا طويلًا، دب الفساد في طبعه البشريّ، حتى أنه لم يعد قادرًا أنْ يبتهج بإلهه مِن شدة الضعف. تفسير آية هأنذا بالإثم حُبِلَ بي ... ((مزمور 51: 5 )) (أوغسطينوس، مدينة الله مج1) يعتمد أوغسطينوس على آية (مزمور 51: 5) هأَنَذَا بِالإِثْمِ صُوِّرْتُ، وَبِالْخَطِيَّةِ حَبِلَتْ بِي أُمِّي كدليل كتابي على وراثة الخطية الأصلية بالتناسل والتزاوج حسب مفهومه، حيث يُفسِّر الآية على عكس تفسير ق. كيرلس الإسكندريّ وآباء الشرق لنفس الآية كالتالي: ((أوغسطينوس، عظات على المزامير ج2، ترجمة: سعد الله جحا، دار المشرق، 2014، عظة في المزمور 50: 10، ص 362، 363. )) يجيب داود باسم الجنس البشري، وهو يتفحص القيود التي تُكبِّل جميع الناس، ويتأمل كيف يتفشى الموت، ويُلاحِظ أصل الخطيئة، ويصرخ: هأَنَذَا بِالآثْامِ حُبِلَ بِي. هل بالآثام حُبِلَ بداود؟ هل بالإثم حُبِلَ بابن يسى البار وامرأته؟ ((راجع ملوك الأول ١٦: ١٨ )). فلمَ يقول إنه حُبِلَ به بالإثم؟ لأن الإثم ورثناه من آدم. وما الخضوع للموت إلا ثمرة الإثم. لا يأتي أحد إلى العالم إلا حاملًا عقابه، أي وهو يُجرجِر الخطيئة التي تستحق العقاب. يقول الكتاب في سفر أيوب: ليس من بار أمامك؟ حتى ولا طفل على الأرض ابن يومه ((سفر أيوب ١٤: ٥ سبعينية )). ونحن نعرف أن الخطايا تُمحَى بمعمودية المسيح، وأن معمودية المسيح لها القدرة على محو الخطايا. وإذَّا كان الأطفال يُولَدون أبرارًا، فلماذا تحملهم أمهاتهم مُسرعات إلى الكنيسة عندما يمرضون؟ فما الذي تمحوه تلك المعمودية الغافرة؟ أرى ذاك البريء يبكي ولا أراه يغضب. فما الذي يمحوه العماد؟ أيّ قيد تحله تلك النعمة؟ تحل قيد الخطية الموروثة. لو كان للطفل أن يتكلم لنطق، ولو كان له معرفة داود لأجاب: لماذا لا ترون فيَّ إلا الطفل؟ لماذا لا ترون في الحقيقة أني لم أرتكب أيّ خطيئة؟ إني بالآثام حُبِلَ بي، وبالإثم اغتذيت في بطن أمي. ولم يكن رابط الإثم هذا موجودًا في المسيح المولود من العذراء التي حبلت به من الروح القدس. لا يسعنا أن نقول إنه بالإثم حُبِلَ به، ولا يسعنا أن نقول إن أمه غذَّته بالإثم في أحشائها، تلك التي قال لها الملاك: الروح القدس يحل عليك، وقدرة العلي تُظلِّلك ((إنجيل لوقا ١: ٣٥ )). فإذَّا كان البشر يُحبَل بهم بالآثام، ويغتذون بالآثام في الحشا الوالدي، فهذا لا يعني أن اتحاد الزوجين خطيئة، بل لأن الذي يحدث إنما هو فعل جسد يحمل عقاب الخطيئة، والحال، فإن عقاب الجسد الموت، والموت مُقِيم فيه على الدوام. ولهذا لا يقول الرسول إن الجسد مائت، بل إنه ميت: في الحقيقة، الجسد ميت بسبب الخطيئة، أما الروح فحي بفعل البر ((رسالة بولس إلى رومية ٨: ١٠ )). فكيف بجسدٍ حُبِلَ به بالإثم، والزرع في جسدٍ قضت عليه الخطيئة بالموت، أن يُولَد مُتحررًا من قيود الخطيئة؟ لا إثم في ثمرة الاتحاد الزوجي العفيف. إلا أن أصل الخطيئة يجلب القصاص المستحق. ليس الزوج غير مائت لأنه زوج، وليس مائتًا إلا بسبب الخطيئة. والرب نفسه خضع للموت، لكن ليس بسبب الخطيئة. ارتضى أن يحمل قصاصنا، فحلنا من خطيئتنا. عدل، إذًا، أن يموت الجميع في آدم، وأن يحيا الجميع في المسيح ((رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس ١٥: ٢٢ )). يقول ق. بولس: دخلت الخطيئة إلى العالم، وبالخطيئة الموت، وهكذا جاز الموت على جميع الناس بواحدٍ، خطئوا كلهم فيه ((رسالة بولس إلى رومية ٥: ١٢ )). إنه حكم بلا استئناف، يقول الرسول: جميعهم خطئوا في آدم. بينما وُلِدَ واحد بلا خطيئة، لأنه لم يُولَد من آدم. (أوغسطينوس، عظات على المزامير ج2) سبق التعيين المزدوج للخلاص والهلاك يعتقد أوغسطينوس بأن إرادة الإنسان بعد السقوط مُقيَّدة تمامًا بالشر بسبب وراثة الخطية الأصلية، وبناءً على ذلك، يعتقد بأن الله يُعيِّن ويختار سواء الأشرار أو الأبرار منذ الأزل، وهذا التعليم مرفوض تمامًا من ق. كيرلس السكندري وآباء الشرق عمومًا. حيث يقول التالي: ((أوغسطينوس، مدينة الله مج2، ترجمة: الخورأسقف يوحنا الحلو، دار المشرق، 2015، ١٤: ٢٣، ص 201. )) أليس ما يدعو إلى التصديق أن عدد القديسين المعيَّن لملء المدينة الطوباوية يصل إلى ما هو عليه اليوم، حتى ولو لم يخطئ إنسان فتختار نعمة الله، التي تلقي شبكتها في بحر هذا العالم عددًا ضخمًا من الخطأة المولودين والمنجبين؟ (أوغسطينوس، مدينة الله مج2) يرى أوغسطينوس أن هناك مَن خلقهم الله وسبق فعرف أنهم يؤولون إلى الهلاك، ولكنه شاء ذلك، ولا يمكن لعقلنا أن يبحث في هذا الأمر لأنه يستحيل علينا استيعابه كالتالي: ((Letter clxxxvi. 7. 23 (PL 33. 824). )) لقد خلق الله مَن سبق فعرف أنهم يؤولون إلى الهلاك. حدث ذلك لأنه قد شاءه. أمَّا لماذا شاءه، فليس لعقلنا أن يبحث فيه، لأنه يستحيل علينا أن نستوعبه. (Letter clxxxvi. 7. 23 (PL 33. 824)) ويستطرد أوغسطينوس في نفس السياق مؤكدًا على أن هناك آنية هُيئت للكرامة ولكنها ليست بارةً في حد ذاتها، بل هيئت هكذا برحمة الله، وهناك آنية أخرى صُنِعَت للهوان والدينونة كالتالي: ((Letter clxxxvi. 7. 22; 6. 18 (PL 33. 823). )) حيث إنه في آدم الأول وقعت الدينونة على كتلة الجنس البشريّ بأسره، لم تكن تلك الآنية التي هُيئت للكرامة بارةً في حد ذاتهابل هُيئت هكذا برحمة الله، أما غيرها فقد صُنِعَ للهوان (رو 9: 21)، ولا يخضع للاستجواب، بل للدينونة. (Letter clxxxvi. 7. 22; 6. 18 (PL 33. 823). ) ويؤكد أوغسطينوس على ضرورة التعليم والوعظ بالاختيار المسبق للخلاص والهلاك، ويستنكر موقف القائلين بأنه حتى لو كان ما يُقَال عن الاختيار المسبق حقيقيًا، ينبغي على الرغم من ذلك، ألا يُوعَظ به للشعب كالتالي: ((On the Gift of Perseverance xiv. 37; xiv. 38; xiv. 40 (PL 45. 1016-1018) )) إذًا، إذَا فعل الرسل ومَن خلفهم من مُعلِّمي الكنيسة هذين الشيئين -التعامل مع الاختيار الإلهيّ بالوقار، والحفاظ على المؤمنين تحت نظام حياة التقوى والاستقامة- لماذا يظن هؤلاء من أبناء زماننا أنهم، على الرغم من أنهم مُقيَّدون بقوة الحق الذي لا يُقهَر، من الصواب أن يقولوا: ’حتى لو كان ما يُقَال عن الاختيار المسبق حقيقيًا، ينبغي على الرغم من ذلك، ألا يُوعَظ به للشعب؟‘ لا ريب وبكل يقين، ينبغي أن يُوعَظ به حتى يسمع مَن له أذنان للسمع ((إنجيل متى 11: 15 )). ولكن مَن له هاتان الأذنان، إنْ لم يكن قد تقبلهما ممَّن وعد بهما؟ فمِن المؤكَّد أن مَن لا يتقبل يمكنه أن يرفض، بينما مَن يتقبل فله أن يأخذ ويشرب، وله أن يشرب ويحيا. فإذَا وجب أن يُنادَى بالتقوى لكي يُعبَد الله بالحق،فهكذا أيضًا ينبغي أن يُوعَظ بالتعيين المسبقلكي يتفاخر مَن له أذنان للسمع بنعمة الله، لا بذاته، بل بالله. (On the Gift of Perseverance xiv) --- ### الفقراء والمترفون: الوعد والمصير - Published: ۲۰۲۵-۰۲-۲۰ - Modified: 2025-02-20 - URL: https://tabcm.net/36198/ - تصنيفات: كتاب مقدس تُعدّ التطويبات جوهرًا لرسالة يسوع كما ورد في إنجيل لوقا. في هذه التأمّلات، نركز على تطويبة الفقراء والويل للأغنياء، كاشفين عن المفارقة العميقة في تعاليم يسوع. يدعو يسوع المسيحيين إلى أن يكونوا صانعي عدل ومساواة. ملكوت الله هو واقع اجتماعي يرفع المظلومين ويُشبع الجائعين. يحث لوقا الأغنياء على التأمل في مسؤولياتهم تجاه المجتمع والآخرين تُعدّ التطويبات جزءًا أساسيًّا من رسالة يسوع، لا سيّما في إنجيل لوقا حيث يقدّم تعاليمه بشكلٍ واضح وصريح.  في هذه التأمّل، سنركّز على تطويبة الفقراء، والويل للأغنياء. ورفع عينيه إلى تلاميذه وقال: «طوباكم أيها المساكين، لأن لكم ملكوت الله. طوباكم أيها الجياع الآن، لأنكم تشبعون. طوباكم أيها الباكون الآن، لأنكم ستضحكون. طوباكم إذا أبغضكم الناس، وإذا أفرزوكم وعيروكم، وأخرجوا اسمكم كشرير من أجل ابن الإنسان. افرحوا في ذلك اليوم وتهللوا، فهوذا أجركم عظيم في السماء. لأن آباءهم هكذا كانوا يفعلون بالأنبياء. ولكن ويل لكم أيها الأغنياء، لأنكم قد نلتم عزاءكم. ويل لكم أيها الشباعى، لأنكم ستجوعون. ويل لكم أيها الضاحكون الآن، لأنكم ستحزنون وتبكون. ويل لكم إذا قال فيكم جميع الناس حسنا. لأنه هكذا كان آباؤهم يفعلون بالأنبياء الكذبة». (إنجيل لوقا 6: 20-26) من النصّ الذي قدّمه لوقا 6: 20-26. هناك مفارقةٌ كبيرة في كلام يسوع الذي يعلن فيه أنّ الفقراء هم الذين سيرثون ملكوت الله، بينما الأغنياء، الذين يمتلكون ما يشتهون في هذا العالم، سيواجهون شقاءً في المستقبل. إنّ لوقا يعرض هذا التناقض بطريقةٍ تتجاوز الكلام الروحيّ البسيط. فهو دعوة للتفكير في واقع الحياة اليوميّة، والتوجّه نحو العدالة والمساواة. يسوع هنا لا يعرض ملكوت الله على أنّه خلاصٌ روحيّ بعيد فحسب، بل على أنّه تحقيق للعدالة في الواقع الاجتماعيّ الذي نعيش فيه. طوبى للفقراء، فإنّ لهم ملكوت السموات التطويبة الأولى في لوقا تتوجّه إلى الفقراء، وتستحق منّا تدقيقًا خاصًّا. في لغة الإنجيل، الفقراء كلمة لا تعني فقط أولئك الذين يفتقرون إلى المال أو الممتلكات، بل يشمل كل من هم في أسفل السلم الاجتماعي: الذين يعانون من الظلم، الذين يواجهون التمييز، والمستبعدين من النظام الاقتصادي والاجتماعي. يقول يسوع إن هؤلاء لهم ملكوت السموات. ما معنى هذا؟ الملكوت هنا لا يُقصد به مجرد السماء أو الحياة بعد الموت، بل هو إعلان عن تغيير جذري في هذا العالم، حيث يُعترف بالعدالة والمساواة، ويُرفع هؤلاء الذين اُحتُقِروا إلى مستوىً جديد من الكرامة. لكنّ لوقا لا يقدم لنا هذا الوعد بوصفه مجرد تأكيد روحي، بل هو أيضًا دعوة للعمل: هل نعيش حياتنا بطريقة تمنح قيمة للآخرين الذين يعانون في مجتمعنا؟ هل نرى الفقراء والمستبعدين جزءًا من خطّتنا لتحقيق ملكوت الله على الأرض؟ ويل لكم أيها الأغنياء، لأنكم قد نلتم عزاءكم يتبع الوعد بالفقراء، تحذيرٌ شديد لأغنياء هذا العالم. ويل لكم أيها الأغنياء هو ليس فقط تحذيرًا روحيًا، بل هو تأكيد على حقيقة مريرة في الواقع الاجتماعي. الأغنياء في هذا السياق ليسوا أولئك الذين يملكون الأموال فقط، بل هم كل من يستغل سلطته وموارده بطريقة تسهم في استمرار الظلم أو التفاوت الاجتماعي. يقول يسوع: لأنكم قد نلتم عزاءكم. ما معناه؟ إن الأغنياء، أولئك الذين يستمتعون بكل ما يقدمه هذا العالم من رفاهية، يجدون عزاءهم في الأموال والمكانة الاجتماعية. لكن هذا العزاء مؤقت، فهو عزاء زائف لا يدوم، وقد ينقلب إلى شقاء في المستقبل. الفقراء قد يعانون اليوم، لكن لهم وعدًا بالراحة الحقيقية في ملكوت الله. أما الأغنياء الذين يعيشون في ترف، فمصيرهم سيكون مغايرًا. إن هذه الكلمات تثير فينا تساؤلات كثيرة حول ما نملكه وكيف نستخدمه. هل نضع مالنا في خدمة الآخرين؟ هل نستخدم ثرواتنا لتحقيق العدالة وتوزيع الفرص، أم نكتفي بالاستمتاع بما لدينا ونغض الطرف عن معاناة من حولنا؟ العمق الاجتماعي: المفارقة بين الفقراء والأغنياء يسوع في هذا النص لا يقتصر على إدانة الأغنياء بسبب المال أو الرفاهية بحد ذاتها، بل هو يشير إلى مواقف قلبية وعقلية. الفقر الذي يتحدث عنه لوقا ليس فقط ماديًا، بل أيضًا معنويًا. إن الفقراء هم أولئك الذين يعترفون بحاجة العالم إلى تغيير، الذين لا يضعون ثقتهم في المال أو القوة أو الوضع الاجتماعي، بل يعتمدون على الله لتحقيق الخلاص والعدالة. أما الأغنياء فينظرون إلى ما لديهم على أنه علامة على التوفيق الشخصي أو حتى على رضا الله عنهم، مما يجعلهم في غالب الأحيان يرفضون الدعوة لتغيير الوضع القائم. هذه المواقف تجعلهم أكثر بعدًا عن ملكوت الله. لكن لوقا يوضح شيئًا مهمًا: الملكوت الذي يتحدث عنه ليس مجرد مكافأة في المستقبل بل هو دعوة لتغيير في الحاضر. هذه الدعوة ليست للمستقبل فقط، بل هي نداء لبناء مجتمع يعكس قيم العدالة والمساواة التي تمثلها رسالة يسوع. طوبى لكم الجياع الآن، لأنكم ستشبعون عندما يتحدث لوقا عن الجياع، يشير إلى أولئك الذين لا يحصلون على ما يحتاجون إليه. هنا لا يقتصر الجوع على الطعام، بل يتعداه إلى جوع العدالة، جوع الحقيقة، جوع الإحساس بالمساواة. هؤلاء سيشبعون في ملكوت الله.  لكن هذا الشبع ليس بالمعنى المادي فحسب، بل هو شبع من الحق والرحمة والعدالة. ويحدث التوازن في النص من خلال مقارنة بين الجياع الآن، الذين سيشبعون، وبين أولئك الذين شبعوا "الآن"، الذين سيجدون أنفسهم جياعًا في المستقبل. هذه المفارقة تعكس الحقيقة الإلهية العميقة التي تقول: "من يزرع في هذا العالم راحة الجشع، سيحصد في الآخرة الجوع. " الخاتمة: تتوّج هذه الكلمات بالدعوة لتغيير عميق في حياة كل واحد منا. يسوع لا يطلب منا فقط أن نكون في جانب الفقراء والمستضعفين روحيًا، بل يطلب منا أن نكون عملاء للعدالة والمساواة في كل جانب من جوانب حياتنا. الملكوت الذي يقدمه يسوع هو ملكوت يظهر في الواقع، حيث يكون المظلومون والأبرياء هم الذين يرتفعون في النهاية. وفي الوقت ذاته، يدعو لوقا الأغنياء إلى التفكير في الطريقة التي يعيشون بها، ويحثهم على أن يتخذوا موقفًا من مسؤوليتهم تجاه المجتمع والآخرين. هل ستظل متمسكًا بالمكاسب الفانية، أم ستسعى للعمل من أجل ملكوت الله الذي يشبع الجائعين ويعزّي الحزانى؟لنصلي أن نكون شركاء في بناء ملكوت الله هنا على الأرض، ونعمل معًا من أجل مجتمع يعكس محبة الله وعدله. --- ### مصر والنيل: الطريق المسدود - Published: ۲۰۲۵-۰۲-۱۹ - Modified: 2025-02-19 - URL: https://tabcm.net/35884/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: Addis Standard, Reuters, آبي أحمد علي, المصري اليوم, بسام رمضان, جامعة الدول العربية, جمعة حمد الله, چون ڤيلي ساتكليف, دار الهلال, رشدي سعيد, سكاي نيوز عربية, سيمجنو بيكيلي, متولي سالم, محمد عبد العاطي, وكالة BBC, ووسينو أبتيو على مدار 12 جولة من المفاوضات الشاقة بين القاهرة والخرطوم وأديس أبابا وواشنطن، طالبت مصر باتفاق يغطي ملء وتشغيل سد النهضة، بما في ذلك تدابير مُفصّلة لتشغيل السد في حالة الجفاف والجفاف الممتد لضمان احتياجاتها المائية، بينما فضّلت إثيوبيا الاتفاق على قواعد الملء فقط، رافضة الاتفاق على تفاصيل تشغيل السد، ودعت إلى تحديد التصرفات المائية المقررة في نهاية كل موسم فيضان بين مسؤولي المياه في الدول الثلاث في مواجهة فشل المفاوضات الثلاثية بين مصر وإثيوبيا والسودان، وتفعيلًا للمادة العاشرة من إعلان المبادئ، دعت مصر، في أكتوبر 2019، الولايات المتحدة والبنك الدولي للوساطة بين الأطراف. وهو ما دعا واشنطن لدعوة الأطراف إلى اجتماع في واشنطن في نوفمبر ((جمعة حمد الله، متولي سالم، ومحمد عبد العاطي، المصري اليوم، مفاوضات «سد النهضة» تبدأ في واشنطن الأربعاء، بتاريخ 3 نوفمبر 2019. )). ما بين نوفمبر 2019 وفبراير 2020، عُقدت 12 جولة من المفاوضات الشاقة بين القاهرة والخرطوم وأديس أبابا وواشنطن. طالبت مصر في هذه المفاوضات باتفاق يغطي ملء وتشغيل سد النهضة، ويتضمن تدابير مُفصّلة لتشغيل السد في حالة الجفاف والجفاف الممتد لضمان احتياجاتها المائية. من ناحية أخرى، فضّلت إثيوبيا الاتفاق على قواعد الملء فقط، رافضةً الاتفاق على تفاصيل تشغيل السد. حيث دعت إلى تحديد التصرفات المائية المقررة في نهاية كل موسم فيضان بين مسؤولي المياه في الدول الثلاث. وسط تصريحات متباينة في تفاؤلها وتشائمها، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية عن اقتراب التوصل إلى مُسودة اتفاق مع إجراء اجتماع أخير في 28 فبراير 2020، في واشنطن، للاتفاق على النقاط العالقة، والتوقيع على الاتفاق بالأحرف الأولى. إلا أن إثيوبيا اعتذرت فجأة عن حضور الاجتماع قبل عقده بيوم واحد ((المصري اليوم، إثيوبيا تعلن عدم مشاركتها بجولة الخميس حول سد النهضة (الأسباب والتفاصيل)، بتاريخ 26 فبراير 2020. )). ولإثبات حسن النوايا وجديتها، وقّعت مصر منفردة على مسودة الاتفاق بالأحرف الأولى، داعيةً إثيوبيا والسودان إلى التوقيع باعتباره اتفاقًا عادلًا ومتوازنًا ((المصري اليوم، مصر توقع بالأحرف الأولي على الاتفاق حول قواعد محددة لملء وتشغيل سد النهضة.  الخارجية: حسن النية من جانب مصر لم تؤت ثمارها في التوصل إلى اتفاق، بتاريخ 29 فبراير 2020. )). في نفس اليوم، أعلنت إثيوبيا عن استكمال أعمال بناء السد والبدء في ملء خزان السد في موسم الأمطار القادم، بين يونيو وسبتمبر 2020 ((المصري اليوم، إثيوبيا تعلن استكمال بناء سد النهضة وبدء عملية ملء البحيرة، بتاريخ 29 فبراير 2020. )). وهو ما أثار استنكار مصر الشديد، واعتبرت أن البدء في ملء الخزان أحاديًا مخالف للقانون الدولي ((جمعة حمد الله، المصري اليوم، بيان شديد اللهجة من «الري» و«الخارجية» بشأن «سد النهضة» (نص كامل)، بتاريخ 1 مارس 2020. )). على جانب آخر، ورغم تحفظ السودان على بيان جامعة الدول العربية الداعم لموقف مصر ((بسام رمضان، المصري اليوم، إعلان تحفظ. . بيان جديد من وزارة الخارجية السودانية عن مفاوضات سد النهضة، بتاريخ 8 مارس 2020. ))، إلا أنها رفضت توقيع اتفاق جزئي منفرد للملء الأول لخزان السد مع إثيوبيا ((المصري اليوم، السودان يرفض توقيع اتفاق جزئي مع إثيوبيا بشأن «سد النهضة»، بتاريخ 13 مايو 2020. )) وسعت للوساطة بين الطرفين ((المصري اليوم، مسؤول سوداني: نسعى لتقريب وجهات النظر بين مصر وإثيوبيا، بتاريخ 14 مايو 2020. )). في ظل استمرار الأزمة وتصريحات إثيوبيا المتواصلة عن إصرارها على البدء في ملء السد، أرسلت مصر خطابًا إلى مجلس الأمن في الأول من مايو 2020. نص الخطاب على أن إجراءات إثيوبيا الأحادية من شأنها أن تضر بحياة 100 مليون مصري يعتمدون على مياه النيل، وهي خطوة تخالف القانون الدولي ومن شأنها تعريض الأمن والسلم في المنطقة للخطر. مرفقات: تحميل نسخة ضوئية من خطاب مصر لمجلس الامن بالأمم المتحدة . ردت إثيوبيا على الخطاب المصري في تحدٍ واضح، إذ قالت إنه لا يوجد عليها التزام قانوني بضرورة الاتفاق مع مصر والسودان قبل البدء في ملء السد. بل إنها اتهمت مصر بالإصرار على عرقلة استكمال المفاوضات وأن هذا المشروع هو تصحيح لخطأ وظلم تاريخي ((Addis Standard, News: Ethiopia tells UNSC it has no legal obligation to seek Egypt’s approval to fill the dam, 18 May 2020 )). مرفقات: تحميل نسخة ضوئية من رد إثيوبيا على خطاب مصر لمجلس الامن بالأمم المتحدة . وأعلنت إثيوبيا أن السد اكتمل بنسبة 73% ((المصري اليوم، إثيوبيا تعلن اكتمال سد النهضة بنسبة 73%: التعبئة الأولية يوليو المقبل، بتاريخ 21 مايو 2020. )) مما يسمح لها ببدء تخزين 4. 5 مليار متر مكعب من المياه في موسم الأمطار القادم، ليزيد إلى 18 مليار متر مكعب في الموسم الذي يليه ((Addis Standard, News: Ethiopia tells UNSC it has no legal obligation to seek Egypt’s approval to fill the dam, 18 May 2020 )). وهو ما حدث بالفعل تدريجيًا في أعوام 2021 و2022 و2023، حتى أتمت إثيوبيا التخزين الأول في صيف 2024، بوصول نسبة تنفيذ السد إلى 95% وتخزين البحيرة لـ62 مليار متر مكعب من المياه ((سكاي نيوز عربية، رئيس الوزراء الإثيوبي يعلن اكتمال بناء سد النهضة، بتاريخ 26 أغسطس 2024. )). وهكذا تعقدت الأوضاع في ظل إصرار إثيوبيا على فرض الأمر الواقع وتحدي الجميع بدعوى حقوق السيادة وتصحيح الغبن التاريخي. سد النهضة الكبير: التصميم والتمويل والبناء صُمِّم السد وخزانه لتخزين 74 مليار متر مكعب من المياه وتوليد 6000 ميجا وات من الكهرباء. ولتحقيق ذلك، يجب بناء سدين وليس سدًا واحدًا. السد الأول: هو سد خرساني Gravity Dam  Roller Compacted Concrete (RCC) على مجرى النيل الأزرق الرئيسي بطول 1800 متر وارتفاع 155 مترًا. السد الثاني: هو سد ركامي سرجي بطول 5000 متر وارتفاع 50 مترًا إلى الجنوب الغربي من السد الرئيسي، لاحتواء مياه الخزان فوق ارتفاع 600 متر فوق سطح البحر حتى ارتفاع 646 مترًا، بما يسمح بالوصول إلى المخزون التصميمي. دون السد الركامي، كان سيصبح أقصى مخزون للخزان هو حوالي 18 مليار متر مكعب، مما يعني خفض قدرة توليد الكهرباء إلى حوالي 1600 ميجا وات فقط. ستغطي مياه الخزان مساحة تقدر بـ 1736 كم مربع عند اكتمال امتلائه ((Wossenu Abtew, Shimelis Behailu Dessu, The Grand Ethiopian Renaissance Dam on the Blue Nile, Springer, 2019, pp. 87 )). قُدرت تكلفة بناء السد بحوالي 4. 8 مليار دولار، وكان يجب تدبير هذا المبلغ بعيدًا عن المصادر التي يمكن لمصر الضغط عليها لوقفها كما حدث في مشروعات سابقة.  كان المصدر الأول للتمويل هو قروض أو سندات خزانة من البنوك الإثيوبية المحلية بفائدة مُيسرة. ومن جانب آخر، ولإضفاء طابع التعبئة الوطنية خلف المشروع، أصدر بنك التنمية الإثيوبي سندات بالبر الإثيوبي بفائدة قدرها 5% تبدأ مما يعادل 1 دولار أمريكي وتصل إلى 36 ألف دولار أمريكي للسند. وتم ترويج هذه السندات للمواطنين الإثيوبيين في الداخل، والمهاجرين من أصل إثيوبي المقيمين بالخارج. عن طريق هذه الصكوك جُمع حوالي 306 مليون دولار بحلول العام 2016. كذلك، تم استقطاع نسبة من مرتبات موظفي الحكومة لمصلحة بناء السد. بالإضافة إلى ذلك، ساهمت بنوك صينية بتوفير قروض مُيسرة لتمويل السد ((Wossenu Abtew, Shimelis Behailu Dessu, The Grand Ethiopian Renaissance Dam on the Blue Nile, Springer, 2019, pp. 161-169 )). في ضوء الدراسة الأمريكية السالف ذكرها، أجرت إثيوبيا مسحًا لموقع السد مرتين: الأولى في أكتوبر 2009، والثانية في يوليو وأغسطس 2010، واكتمل التصميم في نوفمبر 2010 ((Power Technology, Grand Ethiopian Renaissance Dam Project, Benishangul-Gumuz, 3 September 2015 )). أسندت الشركة الإثيوبية للطاقة الكهرومائية EEP الأعمال الرئيسية لبناء السد لشركتين: الأعمال المدنية: أي بناء الجسم الخرساني للسد: أُسندت إلى شركة ساليني إمبريجيلو الإيطالية ((ساليني إمبريجيلو الإيطالية: هي شركة لها سابقة أعمال في إنشاء عدد من السدود في إثيوبيا، منها سدود جيبي الثلاثة على نهر أومو. )) مقابل 3. 3 مليار يورو. الأعمال الكهروميكانيكية: أي أعمال الأنفاق ومداخلها ومخارجها ومحطة التوليد: أُسندت إلى شركة المعادن والهندسة الإثيوبية METEC. أسندت الشركة الإثيوبية توريد المجموعة الأولى من التوربينات والمولدات الكهربائية (ثماني توربينات بقدرة 375 ميجاوات لكل منها) إلى تحالف GE-Alstom الأمريكي الفرنسي في يناير 2013 ((Alstom, Alstom to supply hydroelectric equipment for the Grand Renaissance dam in Ethiopia, 7 January 2013 )). كما تعاقدت في الشهر نفسه مع شركة الصين للشبكات State Grid Corporation of China لتنفيذ خط نقل الطاقة الكهربائية بقدرة 500 كيلوفولت وطول 1136 كم لربط السد بالشبكة الوطنية الإثيوبية ((Xinhua, Ethiopia, State Grid Corporation of China, sign agreement for power transmission line project, 27 April 2013 )). بدأ العمل على قدم وساق، وكان التاريخ المخطط لإكمال بناء السد هو عام 2017. بدأ البناء في عام 2011 بإنشاء الجزء الشرقي من جسم السد وحفر قناة لتحويل مجرى النهر بهدف الكشف عن القاع، تمهيدًا لبناء الجزء الأوسط من السد. وقد تم تحويل المجرى في مايو 2013 كما ذكرنا سابقًا. قامت الشركة الإيطالية ساليني بتنفيذ الأعمال المدنية وفقًا للجدول الزمني المحدد، واحتفلت في يناير 2015 بتحقيق رقم قياسي عالمي في صب الخرسانة المضغوطة بموقع السد، وإكمال ربع الجسم الخرساني((Webuild Group,Grand Ethiopian Renaissance Dam, RCC placement world record, 21 January 2015 )). إلا أن تأخر الشركة الإثيوبية METEC في تنفيذ أعمالها أدى إلى تأخر اكتمال المشروع وشبه توقفه، لارتباط إكمال الأعمال المدنية بتنفيذ الأعمال الميكانيكية. فبحلول عام 2018، كان حوالي 50% فقط من المشروع قد نُفِّذ وأقل من 30% من الأعمال الكهروميكانيكية قد نُفِّذت، وهو ما أدى إلى اتخاذ رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد قرار إنهاء التعاقد مع شركة METEC في أغسطس 2018، مع التحقيق في أسباب التأخير ((Ezega News, METEC Accused of Embezzling Billions from GERD Project, 6 September 2018 )). قبل انتهاء التعاقد، وُجد مدير المشروع سيمجنو بيكيلي مقتولًا بطلق ناري في سيارته. أثار هذا الغضب في إثيوبيا وأدى إلى اندلاع تظاهرات في أديس أبابا ومدينة جاندر مسقط رأسه للمطالبة بالتحقيق في مقتله ((Aaron Maasho, Reuters, Ethiopian Nile dam manager found shot dead, crowds call for justice, 26 July 2018 )).  ثبت التحقيق لاحقًا أن بيكيلي أقدم على قتل نفسه مستخدمًا مسدسه الذي كان موجودًا بالسيارة. إلا أن سبب إقدامه على الانتحار لم يُعرف، وإن كان المرجح أنه وقع تحت ضغوط نتيجة تأخر المشروع والمشكلات مع الشركة الإثيوبية المنفذة، التي تحولت إلى قضية فساد كبيرة لاحقًا ((BBC, Ethiopian engineer Simegnew Bekele 'took his own life', 7 September 2018 )).  وبالفعل، تحوّل أمر الشركة ومديرها العام السابق إلى القضاء؛ نظرًا لتقاضي الشركة مبالغ مالية دون تنفيذ المطلوب منها ((Addis Standard, Analysis: Inside Ethiopia’s trial of grand corruption. Who is accused of what? , 11 December 2018 )). ولإنجاز المشروع الذي تأخر طويلًا، تعاقدت إثيوبيا في يناير 2019 مع شركة باور تشاينا لاستكمال الجانب الكهروميكانيكي، وكذلك مع شركة فويز هيدرو شنغهاي، وهي شركة صينية مقرها ألمانيا، لتوريد ست توربينات ومولدات. اضطرت الشركة الصينية لاستبدال مخارج أنفاق التوربينات التي نفذتها الشركة الإثيوبية من قبلها لعدم مطابقتها للمواصفات. وحددت نهاية عام 2020 موعدًا لتركيب أول توربينتين، على أن ينتهي المشروع بالكامل بحلول عام 2022. وبالفعل بدأ العمل في التسارع حتى وصلت نسبة التنفيذ في المشروع إلى 73% في مايو 2020. ثم اكتمل السد إنشائيًا في أكتوبر 2024 ولم يتبقَّ إلا بعض الأعمال الكهروميكانيكية ((Reuters, Ethiopia dam official blames construction delays on conglomerate METEC, 1 October 2019 )). يبقى السؤال قائمًا: هل التزمت إثيوبيا عبر الشركات المنفذة بتحديث التصميمات في ضوء ملاحظات لجنة الخبراء الدوليين حول عوامل الأمان بالسد أم لا؟ في الواقع، هو سؤال لا نستطيع الجزم بإجابته سوى أن الشركة الإيطالية المنفذة هي شركة كبيرة يُفترض ألا تقدم على المُشاركة وتحمُل مسؤولية بناء مشروع كهذا دون الالتفات لكافة عوامل الأمان به. إلا أن ذلك يبقى موضع شك بسبب تعمد الجانب الإثيوبي تعطيل إتمام الدراسات المستقلة من جانب المكتب الاستشاري الفرنسي. سد النهضة الكبير: تأثيره وخطورته يشكل بدء التخزين الأول لسد النهضة الكبير -دون اتفاق- خطرًا كبيرًا على موارد المياه السنوية القادمة لمصر والسودان. إذ تؤثر سيناريوهات ملء بحيرة السد بشكل مباشر على كميات المياه المتصرفة في النيل الأزرق طوال فترة الملء. تبلغ السعة القصوى لبحيرة السد نحو 74 مليار متر مكعب ، بينما تبلغ السعة الدنيا أو ما يُسمى بالتخزين الميت، وهو أدنى منسوب لتوليد الكهرباء من محطة السد، نحو 14 مليار متر مكعب . بينهما يقع المستوى الذي يسمح بعمل المحطة الكهرومائية بنسبة 80% من قدرتها عند تخزين 25 مليار متر مكعب من المياه . يقع مستوى التشغيل الأمثل لمحطة الكهرباء عند ارتفاع 625 مترًا، وهو المكافئ لتخزين نحو 49 مليار متر مكعب ((Wossenu Abtew, Shimelis Behailu Dessu, The Grand Ethiopian Renaissance Dam on the Blue Nile, Springer, 2019, pp. 92 )). تعتبر مرحلة الملء الأول وصولًا إلى مستوى التشغيل الأمثل عند 625 مترًا أكثر المراحل أهمية بالنسبة لمصر والسودان. إذ أن تحديد عدد السنوات التي ستُستغرَق للوصول إلى هذا المستوى سيحدد الانخفاض في المياه الواردة إلى البلدين في تلك السنوات. نُشرت العديد من الأوراق البحثية في مصر وإثيوبيا تستعرض سيناريوهات الملء وفقًا لنماذج رياضية لتبيان تأثير ذلك على كمية المياه المتدفقة في النهر وعلى خزانات السدود المقامة على النيل أسفل سد النهضة الكبير. وهي بالترتيب من الجنوب إلى الشمال: سد الرصيرص وخزان سنار وسد مروي وسد أسوان العالي. أتاح السد العالي لمصر إمكانية تخزين قصوى تبلغ 162 مليار متر مكعب من المياه في بحيرة ناصر أمام السد عند ارتفاع 182 مترًا فوق سطح البحر، منها 31 مليار متر مكعب غير قابلة للاستخدام عند مستوى 147 مترًا (سعة التخزين الميت). إلا أن السعة الممكنة انخفضت إلى 137 مليار متر مكعب بعد إنشاء مفيض توشكى عام 1978.  تباينت نتائج الدراسات حول تأثير ملء سد النهضة على هذا المخزون بحسب السيناريوهات التي استندت إليها ((رأت وزارة الموارد المائية والري أنه من الأنسب تخفيض مستوى التخزين في بحيرة ناصر إلى مستوى 178 مترًا عوضًا عن 182 مترًا، لرفع درجة الأمان على جسم السد، ولتقليل الاضطرار لتصريف كميات كبيرة من المياه إلى مجرى النيل الرئيسي خلف السد، مما قد يزيد من النحر ويهدد المنشآت المقامة على النيل. وبناءً على ذلك، تم إنشاء مفيض طوارئ في منطقة توشكى عبر حفر قناة من عند مستوى 178 من بحيرة ناصر إلى منخفض توشكى. اكتمل المشروع عام 1978 إلا أنه لم يُستخدم سوى مرات قليلة في سنوات الفيضانات العالية بين أعوام 1998 و2002. )). السيناريو الإثيوبي المُفضل هو الوصول إلى السعة الأولية للبحيرة وبدء توليد الكهرباء خلال عامين فقط. حيث تسعى لتخزين 4. 9 مليار متر مكعب في السنة الأولى ، وبدء تجارب تشغيل أول توربينتين (750 ميجاوات)، ثم 13. 5 مليار متر مكعب في السنة الثانية ، وهو ما صرحت به إثيوبيا رسميًا في خطابها الأخير لمجلس الأمن في 14 مايو 2020 ((Addis Standard, News: Ethiopia tells UNSC it has no legal obligation to seek Egypt’s approval to fill the dam, 18 May 2020 )). لم تصرح إثيوبيا رسميًا بالفترة التي تعتزم بعدها الوصول إلى مستوى التخزين الكامل للبحيرة ، إلا أن الرقم الذي تردد في الدراسات الإثيوبية المنشورة هو مدة تتراوح بين 5 و6 سنوات منذ بدء التخزين الأولي ((Asegdew G. Mulat, Semu A. Moges, and Yosif Ibrahim, Impact and Benefit Study of Grand Ethiopian Renaissance Dam (GERD) During Impounding and Operation Phases on Downstream Structures in the Eastern Nile, Nile River Basin, pp. 543-564 )). ووفقًا لتلك الدراسات، فخلال فترة التخزين، سيكون متوسط تصرف المياه من السد حوالي 25. 6 مليار متر مكعب سنويًا، أي نحو نصف التصرف الطبيعي للنهر. ولا شك أن ذلك سيؤثر بصورة مباشرة على الكمية المخزنة في بحيرة ناصر، حيث ستضطر مصر للسحب منها لتوفير احتياجاتها. وهو التأثير الذي قدرته الدراسات المصرية بأنه في نهاية فترة الخمس أو الست سنوات سيكون هناك احتمال كبير بأن يصل مستوى بحيرة ناصر، في حال استمرار تلبية احتياجات المياه كما هي ، إلى مستوى التخزين الميت وهو 147 مترًا، أي أن البحيرة ستكون قد أفرغت تمامًا من المياه القابلة للاستخدام وستتوقف محطة كهرباء السد عن التوليد ((A. M. Negm (ed. ), Conventional Water Resources and Agriculture in Egypt, Springer International Publishing, 2018, pp. 391-414 ))، ((Negm A. , Abdel-Fattah S. (eds), Grand Ethiopian Renaissance Dam Versus Aswan High Dam: A View from Egypt, The Handbook of Environmental Chemistry, vol 79. Springer, 2018 ))، ((Asmaa Medhat, Doaa Amin, Mohamed M. Nour Eldin, Assessment of the Harm from the Grand Ethiopian Renaissance Dam on the Water Inflow to Egypt, International Research Journal of Engineering and Technology, Vol. 06, Issue: 10,  Oct 2019, pp. 218-225 )). وفقًا لسياسة إدارة فترات الجفاف المتبعة في السد العالي، يتم تقليل تصرفات المياه من بحيرة ناصر بمقدار 5% إذا وصل منسوب البحيرة إلى مستوى 159. 4 متر (60 مليار متر مكعب)، و10% إذا انخفض المنسوب إلى مستوى 157. 6 متر (55 مليار متر مكعب)، و15% إذا انخفض المنسوب إلى مستوى 155. 7 متر (50 مليار متر مكعب) ((Kevin G. Wheeler,  et. al, Cooperative filling approaches for the Grand Ethiopian Renaissance Dam, Water International, 2016, vol. 41, no. 4, pp. 611–634 )).  وهو ما سيتم اللجوء إليه في حالة تنفيذ سيناريو الخمس سنوات للحفاظ على مستوى المياه في البحيرة، حتى لا يصل إلى مستوى التخزين الميت، وهو ما سيؤثر بصورة مباشرة على انخفاض الإنتاج الزراعي، الذي قدَّرته بعض الدراسات بحوالي 18%، أي ما يعادل حوالي 5,8 مليار جنيه ((A. M. Negm (ed. ), Conventional Water Resources and Agriculture in Egypt, Springer International Publishing, 2018, pp. 391-414 )). وهو ما جعل المفاوض المصري يطرح خيارَين: الأول أن يتم تصريف 40 مليار متر مكعب من المياه سنويًا في سنوات الملء حتى لا يتأثر مخزون المياه في السد العالي. وقد تم تحديد هذه الكمية على أساس أنها متوسط كمية المياه الواردة من النيل الأزرق في فترات الجفاف. والثاني هو تمديد فترة التخزين للحفاظ على حد أدنى لا يقل عن مستوى 165 مترًا ببحيرة ناصر، أي تخزين 77 مليار متر مكعب، منها 46 مليار متر مكعب قابلة للاستخدام، وهي الحد الأدنى لمتطلبات الزراعة السنوية في مصر ((متولي سالم، المصري اليوم، «الري» تعلن تمسكها بـ«40 مليار متر» سنويًا من مياه النيل الأزرق، بتاريخ 25 ديسمبر 2019. )). وكلا الاقتراحين يعنيان تمديد فترة الملء الكامل لفترة تتراوح بين 7 إلى 9 سنوات ((Kevin G. Wheeler,  et. al, Cooperative filling approaches for the Grand Ethiopian Renaissance Dam, Water International, 2016, vol. 41, no. 4, pp. 611–634 )). وهو ما لم تقبله إثيوبيا واعتبرته مطلبًا مجحفًا وغير علمي، وعرضت في المقابل تصريف 35 مليار متر مكعب سنويًا في فترة الملء وفترة الجفاف، وهي الكمية التي زعمت أنها متوسط تصريف النهر في المائة وثمانية أعوام الأخيرة ((Addis Standard, News: Ethiopia rejects Egypt’s proposal on the filling,operation of grand dam, 18 September 2020 )). بينما المتوسط الحقيقي طبقًا للقراءات التي كانت تُؤخذ عند محطة الديم على الحدود بين إثيوبيا والسودان ومحطة سد الرصيرص في نفس الفترة الزمنية هو: 50 مليار متر مكعب، وفقًا لمبادرة حوض النيل ((Nile River Basin, Ecohydrological Challenges, Climate Change and Hydropolitics, Springer, 2014, Chapter 6 )). 51,6 مليار متر مكعب، وفقا لرشدي سعيد ((رشدي سعيد، نهر النيل: نشأته واستخدام مياهه في الماضي والمستقبل، دار الهلال، 1992، ص. 137. )). 48. 7 مليار متر مكعب، وفقًا لچون ڤيلي ساتكليف ((H. J. Dumont(ed. ), The Nile: Origin, Environments, Limnology and Human Use, Springer, 2009, p. 357 ))، ((جدير بالذكر أن الجريدة الإثيوبية التي اعتمدناها كمصدر لهذه التصريحات قد عدّلت المقال المنشور على موقعها الرسمي ليصبح الرقم 35 بدلًا من 49 مليار متر مكعب. حيث كتب كتعليق للمحرر على الخبر: Editor’s Note: The headline of this story has been amended from "outright rejects" to the current one "rejects". A section in which the average annual flow for this108 years was mentioned as approximately 49 BCMhas also been changed toThe average annual reliable flow for this 108 years is approximately 35 BCM. We have erroneously misquoted the document and we regret the error )). وأصبح الاتفاق على هذه النقطة هو الصخرة التي تتحطم عليها مسارات كل المفاوضات حتى الآن. --- ### باسم الأم والابن والمصيف المقدس - Published: ۲۰۲۵-۰۲-۱۸ - Modified: 2025-02-18 - URL: https://tabcm.net/36142/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون - وسوم: فيروز, مار جرجس الروماني مسيح شاب، مُرغم على رحلة مقدسة أخرى، ولكن إلى البحر هذه المرة. فيذهب محمولًا على أكتاف الملائكة والقديسين إرضاء لأمه ورفيقاتها من خادمات الكنيسة. ذكورته التي نضجت لتوها، لا يبدو أنها تحب البحر بهذه الصحبة الأمومية، لكنه يتصالح معه حالما يرى أمه بشكل لم يرها عليه من قبل، وتتغير علاقتهما من لحظتها لاحقًا، بعد ثمانية أعوام، ووسط أصيافٍ عادِمة بغير ملحٍ، أُدرِك أنّ مصيف رحلاتِ الكنيسة، المشفوع بصلواتِ القديسين وروائح البخور والحنوط، الذي أخذتنا أمي من خلاله للشاطيء، حملَ بالنسبة لها، وللنسوة المُصيّفات تحت مظلّة الشهيد مار جرجس، معنىً أعمق مما بدا ظاهرًا وقتها، أو من وقتٍ قريب، لي ولها، أو لهنّ؛ كانت تلك الرحلات حجرَها الذي ضربتْ به ثلاثة عصافيرَ برميةٍ واحدة؛ زارت ديار الآباء المُقدّسين،وحَمتْ ولديها من إحراجات الإجابات الصامتة وقت يسألهم زملاؤهما ببراءة، في الخريف التالي، أين صيّفا تلك السنة،وظفرت بثلاثة أيامٍ وليلتين شعرت فيها أخيرًا بأنها: امرأة حرّة. في البدء، خلق الله السماوات والأرض، والبحار. وجعلَ حاجزًا بين السماوات والأرض: الخطيّة، وفاصلًا بين الأرض والبحار: الشطئان. وخلق الأشجارَ والحيوانات والعصافير المُزقزقة المضروبة بأحجارِ حججِ البشر، والرجالَ والنساءَ ومَنْ بينهما، وأمّي، وكنيسةَ الشهيد مار جرجس الروماني، الرابضة داخل شارعٍ جانبيّ باهت، متوارية بسترِ الروح القدس وكِتم السر، وبمنارة لا يُضاءُ صليبُ قمّتها أبدًا، عن أنظار السلفيين والمتعصّبين والإخوان، بحيّ الشنهوريّة في قنا البلد. وخلق خدمة مدارس الأحد لأطفال الابتدائيّة، وخادماتها الموقّرات، بزيّ عفّتهن ومُحافظتهن على تقاليد الآباء المُحدثين. وخلق رحلاتها التي للصغار وللعوائل، ورحلاتها الخاصة بثلّة نساء صديقاتٍ صدّيقاتٍ، لا يقربن المحروم ولا المحلول، ولا يترددن في ترتيل صلواتٍ توسّليّة، مُنغّمة وحزينة، في طريق ذهابهن وعودتهن، من وإلى الكنائس والأديرة والأقصر والشواطيء، بمباركة رجالٍ ثلاثة؛ كاهنُ الكنيسة المسؤول، وكان رجلًا طيّبًا، كثير الانشغال، كثير النسيان، كثير الاعتراض بلا داعٍ، وسائق حافلة الكنيسة، وهو رجلٌ هادئ ينامُ كثيرًا لا في الطريق أثناء القيادة، سَتَرَ الستّار ويحب صوت المُرنّمة "فادية بزي" أكثر من والدة فادية نفسها... وأبي... تُبدي له أمّي، كلَّ أغسطس، بلا مللِ تكرارِ الطلب، كفأرة لا تُنهي مدار دولاب دورانها أبدًا، رغبتَها في التصييف، من أجلنا، من أجل العيال. ولأنّه مُصابٌ بدِوارِ البحر والمواصلات والسفر والتغيّب عن الشغل، وميّالٌ للاستقرار والتوفير، يرد، ككلِّ سنة: شوفوا الكنيسة وأنا سدّاد. وتشوف هي الكنيسة، ويسدّ هوّ. تأتي لي، في يومٍ حارٍّ، مرتخٍ ومُعرّق، ومروحة السقف تنتحب على الدرجة الرابعة، وترفض أن أزيدها للخامسة كيلا تقع على رأسي، فالله وحده يعلم صعوبة حجز موعد مستعجل مع كهربائيّ جيّد وأمين لتصليح الأضرار، والحرّ دون مروحة -وبها والله- لا يُطاق هنا، في قولون مدينة قاريّة صحراويّة أكلت منتوج الدولة من الفلفل الحامي وحدها ولم تتقيأ. تأتي لي، بينما تطبخ الغداء على نارٍ هادئة، وأنا أضيّع وقت العطلة بمحاولاتي البائسة لتحسين إنجليزيّتي بمشاهدة مسلسلات أمريكيّة مسروقة، وتخبرني: فيه رحلة للأنبا بولا، تطلع؟ ولا تقول البحر، ولا تفسّر مزيدًا؛ ربما لأنّها تعلم أنّي أفهم ما تعنيه، أو لعلّها أرادت تأكيد نصيب الرب من الرحلة، أو استفاضة في المعلومات لا تضر؛ فالأنبا بولا هو الدير المُزار خصّيصًا نصيب الرب، وهو اسم فندق مسيحيّ راقٍ -تابع للدير غالبًا أو لإيبارشيّة البحر الأحمر- يطلقون عليه لفظة مبيت زوّار الدير كتذكيرٍ نفسيّ بالزهد الأرثوذكسيّ الرهبانيّ، يقدم خدماته بالحجز، وبأسعارٍ متوسّطة للعائلات وللكنائس نصيبي أنا، وهو تطمينٌ ضمنيّ لذاتها لتتميم علامة صح عملاقة، بحجم الكون، أمام خانة المصيف في عريضة أمومتها السنويّة الطويلة الجالدة للذات، والحالكة بقدر ثقبٍ أسود، ابتلع بداخله النور والكون نصيبها وقسمتها. وإذ وقتها كنت أخطو خطواتي مُتهاديًا بين صفّين ثانويّين في مدرسة لا يذهب إليها أحد، مُتعثّرًا أتعرّف على ذكوريّتي بالوقت وبالصُدف وبحيلٍ مُختلسة من الواقع. أسألُها: في ولاد جايين؟. وتجيبني: واحدٌ آخر، ابن خادمة أخرى؛ صديقٌ ابن صديقة، كما صديقاتٍ أخريات في سنّي، يستحين، في فورة بلوغ المراهقين جميعًا آنذاك، من الحديث معي، لا في البلد ولا على الشطّ. أفكّر، مثل كلّ مرّة، وأحسبها بعملياتٍ منطقيّة غير معقّدة، أرى صديقي يعتلي سطح الاتوبيس، وأرفضُ أن أصعد قطعًا، مُبررًا بخوفي من المرتفعات، وأراني أحرّك عضلاتي الراقدة في سبات الموت كي أحمل وأرفع وأُلافي الحقائبَ القماشيّة الثقيلة ثِقلَ مآسي آخرين يجبرونك على مشاركتهم تحمّلها، وأنت لن تلبس أزياء خروجاتهن التسعة، وبياتهن الستة، وتسامرهن الثلاثة، وطقمي البحر وحمام السباحة، وغياراتهن اللانهائيّة. وأنتَ لم تخبرهن أن يحضرن هذا كله، ولن تخبرهن أنك لم تُرِد رفع شنطهن للمسكين المُتشعلِق على السطح، حتى لا ينظرن لك من فوق لتحت، ويزممن شفاههن، ويقلن أنك لست رجلًا. تقتصد أمّي في الملبس كيلا نشيل كثيرًا، فأشاركها حقيبة واحدة متوسطة. تعرض أمامي خياراتي المحدودة؛ بوكسرين؟ وثالث إحتياطيّ؟ شورتين؟ وثالث خروجيّ؟ تيشرتين، قميص للذهاب، وقميص للصِور، وقميص قديم بكٌمّين طويلين للبحر أصرُّ عليه بنفسي لخوفي من التحمّص تحت أشعة الشمس بعدما أكتشفتُ من سنتين أنّ جلدي لا يُقشِّر ولا أسترجعُ لوني الباهت بعد المصيف مرة أخرى. والحقيقة أنّي -داخليًّا وحميميًّا بشكلٍ خاص- أخشى التعرّي أمام الغرباء، لا داخل البحر ولا يحزنون. وأخافُ من جسدي، كمُستأجرٍ لا يحق له التمطّع بلذّة داخلَ سريرٍ يعلم أنّه لا يمتلكه، أو أخجل من عدم ملائمتي لمثاليّة أنماط أجسام الأرباب التي يعيّروننا بها في الأفلام والمسلسلات، بترهّلاتٍ ودهونٍ مُتموضِعة في غير قوالبها، وتوزيعٍ غير ملائمٍ للشعر وللعضل، تلعن أمواتَ طفلٍ يتسلّق بمفرده، وحيدًا لا شريكَ له، مثلَ فتاةٍ تحيض لأول مرّة، خائفة، جبلَ الذكورة. تتفهَّم أمي ذلك دون أن أُفصِح، أو لا تفعل. ربما اعتبرته حشمةً حسنةً تليق بقديسي هذا العصر. وربما لم تعلم كيف تداوي وصم ابنها لجسده بالنقيصة، فقررت أن تتغاضى عن الأمر كلِّه، كعادتها في الطرمخة عِوضَ المواجهة. أو ربما صمتت أمام الحياة والجينات، عاجزةً. لا أعلم، فعلاقتي بأمّي لم تكن قويّة أبدًا، ناهيك عن وجودها أصلًا من عدمه؛ فهي لا تعرفُ شيئًا عنّي خِلاف درجاتي الكاملة في المدرسة، وانتظامي في الذهاب للكنيسة، وحفظي للألحان وقواعد اللغة القبطيّة ودقائقَ تفاصيل القصص في الكتاب المقدس. وتظن أنّي أستمتعُ بكورسات الرسم والحِساب التخيّليّ والفرنسيّة، التي أنتهِكُها حين أتحدثُ بها، ولا تعلم أنّي فعلت كل هذا طلبًا لحبّها، وأنّي كرهت تلك الأشياء كلَّها. حشرنا ملابسي في حقيبتنا، وابتعدتُ كيلا أرى ملابس النساء الـعيب تُنتقى وتُحزم. وأضفنا في النهاية مناديلَ ورقيّة، وأكياسًا بلاستيكيّة للطوارئ، وصابونة، وفوطتين؛ مشمشيّة جديدة لي وكناريّة شبه مُهترئة لأمي، ومِشطينا، وشبشبينا؛ زنّوبة بأصبع وبغير أصبع، وكوبين زجاجيّين لمشروب العصاري، وأكياس نسكافيه للإفطار، وبرطمانيّ سكّر وشاي أحمر صغيرين، لها وللصديقات، وفتلتي شاي أخضر بالنعناع لي، وروايةً مُفرطةُ السمنة أعود دون أن أقرأ منها صفحتين. كَبسنا الشنطة، وأعدّت أختي حقيبتها الأكبر، لها بمفردها، بعجلاتٍ تُجرّ، لؤلؤة مجهولة داخل محارة مختومة بالشمع الأحمر، لا أملكُ من المعرفة الكافيَ لأخمّن محتوياتها. ووضعنا الاثنتين قرب مدخل الشقة ليلةَ السفر، ثم تذكرنا، مُتأخرين للغاية، العوامتين فوق الدولاب، وغداءات أبي. أعتلي كرسيًّا خشبيًّا صلّيتُ ألا ينكسر تحت وزني، وأُنزِلُ من على سطح الدولاب الخشبيّ العتيق زكائبَ التخزين الموسميّة. تشير أمي لواحدة بعينها؛ عملاقة ورقيّة وحمراء لامعة. هتلاقي العوّامات هنا. فأدحرجها بأطراف أطرافي، وأسندها بكفيّ هابطة لئلا تنهبد على الأرض مُنفتِقة. تفتح أمي سوستتها البيضاء على عجل، وتُدعبس فيها مليًّا، ثم تخرج ظافرة بالعوامتين؛ الزرقاء الولاديّة لي، بالسليقة، والورديّة البناويتي لأختي. وتغلق الزكيبة، وتساعدني في رفعها ثانيةً، وأبي يدفعها معنا لأعلى بعصا المكنسة الخشبيّة. ثمّ تتّفق معه، وأنا أنفضُ التراب عن يديّ، على وجبات أيامه التالية: سيفطر أيّ شيّ، سيتغدّى مرة من يد عمّتي، ومرّة تونة، والثالثة يشتري فولًا أو يقلي بيضًا لنفسه، ويتعشى بما تيسّر من مُجمداتٍ قد يعثر عليها بالصدفة في فريزر الثلاجة، أو يُسقّي بُقسُماطًا في شايٍ بلبن، أو يصوم، وليس بالخبز وحده يحيا الإنسان على أيّ حال. أحاولُ أن أنام ليلة السفر ولا أفلح؛ لا لتحمّسي الأَرِق للرحلة، ولا من حرّ مُكيّف هواء على ٢٨ لأن أختي تستشعرُ البردَ أكثر من جميع البشر، وتخاف خوفًا مرضيًّا من الإصابة بنزلة شُعَبيّة صيفيّة حادة، بل لأنيّ مُنذْ وعيتُ، مُجبرًا على حضور صلوات قداسات الأحد الفجريّة على مدار السنة، والخروج من تحت اللحاف للذهاب للمدرسة في عزّ البرد في السابعة صباحَ كلّ الأيام التي لا بركة فيها، تولّد عندي رهابٌ يُذهِب عن عينيّ النومَ والكوابيسَ لو دخلت فراشي وأنا أعلم أنّي سأستيقظُ قبل الثامنة على أقلّ تقدير. لاسيّما لو على وشّ سفر، أو يومَ إرهاقٍ مُحتمل، بعيدًا عن المنزل لساعاتٍ طويلات، أو لأيامٍ دهريّة، كما في سفريّتنا هذه. سيمرُّ علينا السائق في الخامسة فجرًا لنبدأ الرحلة مُبكرًا، مُهتدين بنور ربّنا في الطريق لبيت ربّنا. يأتي بحافلته من بيته عند أطراف البلدة ويصل إلى بيت أول خادمة في طريقه؛ بيت أمّي. توقظني بعمص عينيّ سكرانًا بنومة ساعة واحدة مع نسمات الفجر. أجرجر نفسي لفرصتي الأخيرة، فلا حمّام طوال الطريق. وأرتدي ما أرتدي مُغالبًا قرف أوّل الصحيان. يرن هاتف أمّي بلا انقطاع، بترنيمة كئيبة وفاترة حتى حين كانت رائجة، يا عدرا يا أميّ، يا غالية عليَّ، أو شيئًا من هذا القبيل، لا أتذكّر. السواق بيرن، ولا تنهي أختي ارتداء ملابسها سريعًا، أمينة الخدمة بترن، وتدخل أختي الحمام للمرة الثالثة إحتياطًا، أنا وأخوكِ جاهزين من بدري، هنمشي ونسيبك! . وهنا أعلمُ أنّ بداية الرحلة غمّ، وستظلان ربع طريق السفر تتناقران حول التأخّر والذهاب والندم واحترام المواعيد والأخلاق العامة وأسس التربية والحب والرحمة والأمومة والبنوّة والابن الصالح المُطيع المُحترِم لمواعيده الذي هو أنا. وتتعمق الفجوة بيننا جميعًا، أكثر فأكثر، رويدًا رويدًا، كاتساع حجم الجحيم باطّرادٍ حين يُولد طفلٌ جديد؛ فقط لأنّ الهاتف المحمول رنّ، ولأن العدرا قررت ألا تكون أمًّا لغير المسيح. أخيرًا، بعد زِعّيقة الصبحيّة، نمشي لرأس شارعنا صامتين مثل مدينة مقصوفة في حربٍ معنويّة. يقاطعنا بوق الحافلة، يُنغّمه السائق كي نشعر بذنبِ التأخّر. تمدُّ أمي الخُطى، وتُخرس السائق بنظرة وبـصباح الخير يا أسطى، لمؤاخذة لطعناك تدفعه للمُسامحة على سبيل التأدّب العام ومحصلش حاجة يا تاسوني، خدوا وقتكم. وتشير التاسوني -وهي لفظة قبطيّة تعني أختي، تُطلق على خادمات الكنيسة بديلًا عن استخدام ألقابِ أولاد العالم؛ أستاذة، أبلة، مِس، وهكذا وهكذا- إلى مقعدين مجاورين أجلس فيهما أنا وهي، فيما تجلس أختي في مؤخرة الحافلة تحجز مكانًا لصديقة ستأتي لاحقًا. أستقرُّ جوار الشباك وتحميني أمّي من نظرات الخادمات القادمات. فرغم عِلمهن المُسبق بمجيئي، ومعرفتهن العميقة بي وبأميّ، إلا أنّ وجودي الذكريّ، في مملكة أمانهن النسائيّة، نغّص أرواحهن المُعذّبة، ولو قليلًا، وقطع عليهن آمالَ أن يعشن يومين بغير ظلِّ رجلٍ مُحيط. أظنّ أنّ أمّي أحست بوجوب حمايتي كي تُضفي شرعيّةً على وجودي في حافلة النسوة تلك؛ لأن ذلك كان وسيلتها الوحيدة لترى السعادة في عينيّ وأنا أرى البحر أخيرًا بعد سنة كاملة لم نرَ خلالها مُسطّحًا مائيًّا سوى الترعة العَفِنة التي على رأس الطريق أوّل شارعنا. أو هذا ما أفكّر فيه الآن، مُسترجعًا كلّ هذا بصورة ضبابيّة، مُتذوّقًا بالكادِ طعمَ الملح في الهواء، ومُنتظرًا انقطاع مرأى الصحراء أمام زرقة البحر المُمتدة في الأفق، وإلى ما لا نهاية. خلال ساعة أو اثنتين تكتمل الحافلة، يقف السائق عند شارعٍ مُتسع قرب بيت آخر خادمة، ونُحقِق كابوسي في تحميل الشنط بحرفيّته. أستقرُّ مجددًا جوار أمّي، بيدين مُترّبتين ومُحمرّتين. ولا أجلس قرب الولد الآخر في الرحلة؛ كي لا ينعزل كلانا عن البقيّة. فعلى أقلّ تقدير، لا زالت أمّي رابطًا، برغبتي أو دونها، بيني وبين الأغراب، حتى لو لم تعِ هي -ولا حتى أنا- ذلك. تقدِّم لي إحداهنّ منديلًا مُبلّلًا، وتشكر أخرى مجهودينا، وكتّر خيركم يا رجّالة. تُمدّ لي علبة عصير كرتونيّة بطعم المانجا وأرفضها. تبتسم أمّي راضيةً عن تأدّبي وأنا بالأصلِ أكره المانجا. لازالت تتعامل معي كما لو كنتُ في الإعداديّة وأنا في الثانويّة، ولازلتُ أتعاملُ معها كما لو كنتُ في الإعداديّة وهي تراني في الثانويّة. ولازلت أسترجع تلك السفريّات الأربعة أو الخمسة بشكلٍ أوهى كلّ مرّة، وربما أُفبركُ تفاصيلَ أو كبائر، ولا أدري ما أتذكّر. أتذكّر أنها تقطع الصمت بطلبها من تاسوني أمينةُ الخدمة أن تستفتح الطريق بصلاة باكر من الإجبيّة. تسأل السائق إن امتلك إجبيّاتٍ توزّعها على المُصليّات، بينما تخرج هي من حقيبة يدها الجلديّة السوداء إجبيتها الخاصة. تبدأ برشم الصليب وبـيا أبانا الذي في السماوات، وأسرحُ أنا في سماواته عبر الشبّاك. يتلون مزامير صلاة باكر كلها بالترتيب؛ فالطريق طويل، ولا أخيرُ من قتل الفراغ بصلواتٍ لا تنتهي. نخرج عن طور المدينة ونرزح في بادية الرب تحت شمس الصباح، وقد أتبعن صلاتهن الرسميّة بترانيمَ متنوّعة لا يحفظن منها إلا الأبياتَ الأولى والقرارات التي تتكرر بلا وهن. يلعبن مسابقة ترانيم وأشاركهن التحدّي؛ يقسمن الأتوبيس لنصفين بالطول، أو لثلثين وثلث بالعرض، لفريقين يبدأ أحدهما بترنيمة عشوائيّة بأيّ حرف، على أن يأتي الآخر بترنيمة تبدأ بأخر حرف انتهت به الأولى. يوزعنني أنا وأختي على الفريقين؛ لأن كلانا -بشهادة تعتز بها أمّي كثيرًا- نحفظ ترانيمَ لا حصر لها؛ ثمرةً حامضيّة لسنواتٍ من محاولة شراء حبّها بإجادة أفانينَ دينيّة تُبهج قلبها وقلب المسيح المُحتجِب وسط سحبه الفردوسيّة تاركًا أطفالًا هنا يعانون في لهيب الانتماء. نتراشق الترنيمة تلو الأخرى، حاداتٍ وثاقباتٍ كقارعاتِ الحرب، وتُعدّ بحماسة الأرقام من عشرة لواحد لو تعثّر الفريق المُضاد عن تذكّر واحدة بحرفٍ نادر. يُهلل لانتصار فريقٍ على الآخر، ونُهدّ لبقيّة المشوار، مُنتشين بلذة الفوز أو نكران الخسارة. وننام ساعة تحت ثقل الجفون مع تقدّم شمس الظهيرة. وقبل أن أغفو، يعلن السائق، كمَن يُحذّر من مجيء الموت لتارك الصلاة: وصلنا الدير. يستقبلنا دير الأنبا بولا بالخلوّ، مساحات واسعة من الفراغ والصحراء والنباتات المُزهِرة. المباني الداخليّة شاغرة، والأبوابُ مفتوحة دون مُستقبِل. ولا أثر للرهبان كما لو كنّا غُزاةٌ برابرة أخفناهم فاحتموا بحصنهم المبنيّ بالحجرٍ الصلد وبالصلوات والصوم. عند مدخل مُجمّع الكنائس وقف سياحٌ آخرون تائهون مثلنا، يستريحون من وعثاء السفر وغبار الخطايا. تقودنا تاسوني أمينة الخدمة التي جاءت مرارًا وتحفظ الدير بحذافيره لزيارة كنائسه الثلاثة. نخلع أحذيتنا قبل الدخول للبيَع الأثريّة، تهاجمني رائحة الحر والخشوع والشموع المحترقة والقداسة والشرابات النتِنة، وصوتٌ أوبراليّ يتردد، في عقلي فقط، لأرغن بيزنطيّ مُنقّى في أستوديو مؤثراتٍ خاصّة. وعلى الجدران تنظرُ لي أيقوناتٌ حديثة مطبوعة لقديسين ماتوا في أزمنة غابرة أو جداريّات قديمة قِدم الشرّ الذي دخل إلى العالم بحسدِ إبليس، رُسِمت بيد رهبان الدير الأوائل في أيام الرهبنة الأولى في القرون السماويّة، بأصباغٍ معدنيّة أو طبيعيّة وبفنِّ طفوليّ سبق اختراع الرسم الواقعيّ في عصور النهضة. تقفش تاسوني الأمينة راهبًا غافلًا مرَّ بالصدفة، وتشتكي له من قلّة ظهور رهبان الدير وتطلب منه بركتهم، فيبرر بأنهم مشغولون بأعمالٍ نسكيّة أو يهربون من المجد الباطل. تطالبه، ككل زيارة لنفس الكنيسة، بأن يشرح لنا مجتمعين تاريخَ الدير والرسومات الأثريّة هذه. يجلس ويرشم الصليب ويحكي ويحكي، ويشير لتابوت بحجمِ طفلٍ موضوعًا في كوّة حجريّة غير مُتسعة جنوب الكنيسة. ويخبرنا أنّ تحت هذه البقعة بالتحديد تقبع عظام القديس، مدفونة تحت الرمل والحجر والماء والزمن، كما أخبر الملاكُ بناةَ الدير من تلاميذ الأنبا أنطونيوس؛ صديق الأنبا بولا الصدوق ورواي قصّته، وكما انتقل السّر من الآباء الذين كانوا تلاميذَ، جيلًا بعد جيل، للتلاميذ الذين سيصرونَ آباءً، لنا. وعلينا نحن، فقط، التبرّك بالرفات المزيّفة. ينهي الراهب سيرة القديس وما تذكّر من معجزاته، ويوصّينا أن نزور عين الماء الجوفيّة المُباركة في قلب الجبل، المُستمِرة من أيامٍ شَرَبَ فيها الأنبا بولا منها بنفسه، ويشرب منها الآن الطالبون شفاعته وصنيعه القويّ أمام عرش ربّ القوّات. نرحل أخيرًا، بعد طلوع الروح، وبعد بركاتٍ عديدة، وإفطارًا شهيًّا لا أقربه من فول الدير، وتذكاراتٍ تُباع للزائرين يشترون مثيلتها كل عامٍ ولا يستخدمونها أبدًا. ثم نستكمل طريقنا بالحافلة، مُنهكين، للفندق/ المبيت القريب. من مَبعد نراه شامخًا وسط الكثبان، نابضًا بالحياة وأبديًّا، جنّة أرضيّة صارت كذلك لأن محيطها قفرٌ وخراب وخالٍ من كل صلاح. وألمحُ وراء المبنى البرتقاليّ العملاق البحرَ الأزرق اللامع يتماهى مع السماوات، لا فاصلٌ إلهيّ بينهما، ولا يفصلنا عنهما إلا بضعة كيلومترات ومشية الشاطيء. تُنهب الكيلومترات، لكن يطول انتظارنا الحِسابَ أمام بوابات الملكوت؛ يتحرّون دهرًا عن بطاقة السائق على البوابة، يتواصلون عبر أجهزة أثيريّة ربّما مع كهنة كنيسة مار جرجس، أو أسقف إيبارشيّة قنا، أو مع جهاز الشرطة أو المخابرات، أو رؤساء الملائكة في الفردوس؛ ليتأكدوا أنّ حافلة مسيحيّة مُحمّلة بالنساء خرجت من عندهم إلى عندنا، خوفًا من حركات إرهابٍ غادرة قد تأتي أو لا تأتي، في أيّ وقت؛ رهابٌ ترسّخ داخل قلوب ومُمتلكات المسيحيين منذ عصور الاستشهاد قديمًا وحتى عصور الكراهية حديثًا. نتسمّر ونتسامر، وتنفتح البوابات في النهاية، وندخل إلى فرح سيّدنا. أستغلُّ انتظارهن في ردهة الاستقبال فيما تراجع الإدارة الحجوزات وتُسلّم المفاتيح وإلخ إلخ. أخرج مُتثائبًا لشرفة مدخل الفندق الفسيحة، أدلّكُ يديّ من أثر تلقّي الحقائب المُنفكّة من يدي سيء الحظ الصاعد على سطح الحافلة، وأقف دون أن أسند كفيّ على سور الشرفة الجبسيّ. أنظر للحديقة الغنّاء، وغرف الفندق بشرفاتها الخاصة تمتد يمينًا ويسارًا محيطاتٍ بالجنينة. رشّاشات العشب تُنقّط بخفّة، ورذاذ البحر تحمله الريح، يلفح وجهي مُمتزجًا بالخُضرةِ والشمس، وتمثالٌ للمسيح أبيض رخاميّ كبير يقف في منتصف الحديقة، وسط شجيراتٍ وورودٍ وفراشاتٍ وجِنان، يبارك الناس والأشياء، ويُعلن أن الربّ رأى ذلك حسنًا جدًّا. ومن خلف المسيح، وربما خارج سلطان ذراعيه المُفتوحين، خلف مبنى حمام السباحة والملعب والملاهي، قبع البحر مُنتظرنا. في توزيع الغرف احترن، وقد اكتشفت مُنظِّمة الرحلة؛ تاسوني أمينة الخدمة أنّها نست أن تحجز للسائق سريرًا، فعالجت الأمر بقريحة التلييس التي للمصريين، وقررتْ أن تمنحه سريرًا في غرفة "الرجال"؛ بلا تكييف ولا مروحة، طلّت على الصحراء من أجل نسيم الليل البارد، وضمّتْ معه صديقي وأنا. لم أعترض، إذ أعلم أنّ أختي ستفضّل الغرف النسائيّة؛ لأنها كانت تخجل مني، وتكره أن استعجلها وقتَ تُطيلُ البياتَ في الحمام. فأضطرُّ، كلما احتجتُ لملبس أو فوائض، أن أذهب لغرفة أمّي، وأقرع، وأنتظر خارجًا والباب مُغلق ولا يُفتح إلا إيرابًا، لعلّ امرأة في الداخل تبدّل ملابسها، أو خارجة بعد استحمام، أو جالسة على راحتها أو أيًّا كان، حينئذ يسمحن لي بالدخول بعدما تأخذ كلهنّ إحتياطاتها. أعاين غرفة الرجال وأختار السرير المُلاصق للحائط لأشعر بالأمان، ثم أذهب لأجلس في غرفتها من أجل شاي الغروب، والنساءُ مُكبّلات يتجمّعن ويحكين في مواضيع عامة أو نمائم أو قصصٍ إنجيليّة تنقلب أغلبها لمواعظَ وحِكم وتنظيراتٍ فارغة على سلوك هذه أو ملابس تلك، أو مُضايقاتٍ خاصة لشطوحات أفكار شباب الجيل الجديد، وأفكاري، ثمَّ يخططن لجلسة استجمام في الحديقة يتابعن فيها الكلام ذاته، أو لحضور صلاة التسبحة الليليّة في الكنيسة التي في الطابق الثالث، فوق الاستقبال. تبدأ المُغامرة حقًّا، على أصولها، في اليومِ الثاني؛ نفطرُ إفطارًا دسمًا وتتنهّد أميّ بارتياحٍ، تأكل على مهلٍ وتمضغ بتأنٍّ كأن العالم سينتهي لو أنهت هي طعامها. تحشي شطيرةٌ واثنتين وثلاثة؛ فولًا مُدمّسًا وفلافلَ ساخنة وجبنة طريّة غير مالحة وبيضًا مسلوقًا وجبنًا روميًّا ومربّى فراولة ودَنَشًا بالكريمة والعسل للتحلية، وتشرب كوبًا ثقيلًا من الشاي الأسود لبتون فتلة، وتترك العروسة كشري لمنتصف اليوم. تُملي عليّ يومها ويوم أختي وتتركني لحال سبيلي؛ ستذهبان مع كل الخادمات والأطفال لحمام السباحة ويُترك لي اقتراحٌ لا بديلَ له؛ أن أذهب للشاطيء مع صديقي. أحجز لهن مكانًا حتى يجدن مًستقرًّا لحاجياتهن عندما يُطردن من البيسين على يدّ رجال ومراهقين عرايا الصدور وغاضبين، وقتَ انتهاء موعد حريّة الستات في الواحدة، إذ يرغبن في استكمال التمتع بالمياه، وبأموالهنّ المدفوعة، في البحر. ولي أن أسبقها بالنزول للبحر إن أردتُ، أو أنتظرها، ولا تدرك أنّني أكره النزول للبحر، وأكرهُ الوحدة، وسأنتظرُها. أمشي كيلومترًا للبحر، مع صديقي المتأهب السعيد، وبالكاد نتبادلُ كلمتين. أرتدي قميصي ذا الأكمام الطويلة، وشورتًا يمتد لما تحت الركبة، وكابًا أسودَ على رأسي أوجّهه ناحية الشمس أينما كانت، وفي يدي روايتي الكبيرة، وعلبة عصير من أجل الصورة التي سوف ألتقطها لأنشرها على إنستاجرام برهانًا على أنّي صيّفت، أوّلًا، وثانيًا، على أنّي لا كالعوام أذهبُ للمصيف لأبلبطَ، بل أدّعي الثقافة بالقراءة على الشاطيء، في رحاب البحر، وإحتساء القهوة وسماع فيروز وما إلى ذلك، وما إلى ذلك. ارتدى صديقي تيشيرتًا بغير أكمام، منه برزت شعيرات صدره متحدّية الشمس والسمرة، وشورتًا قصيرًا فوق الركبة، وفي يده فوطته، وكيسًا كبيرًا من اللّب الأبيض والسوبر والفول السودانيّ، ينتهي اليوم بأن أكل أنا نصفه، بينما أجلس على الشاطيء مُنتظرًا، بملل، تاركًا الرواية الثقيلة جواري لم تُفتح، والقهوة لم تُعدّ، وفيروز لم تُسمع، وصورة إنستاجرام قد التُقِطت، وعلبة العصير خاوية ومُضعضعة، وأنتظر وأنتظر، انتهاءَ النهار، وغيابَ نسيم البحر، وانكسارَ حدّة لهيب الشمس، وقدومَ أمّي. لعلّي كنتُ طفلًا كبيرًا، أو رجلًا رضيعًا، أو الاثنين معًا، ربّما كان عليّ أن أقلّد صديقي، وأن أخلع ملابسي، وأضع حجرًا صلبًا فوق شبشبي، وأن أجري على الرمال الحارقة حافيًا، كرجلِ كهوفٍ بدائيّ وذكريّ، وأغطس في الماء إلى الغريق، أعبثُ بيديّ في الشِعاب وقنافذ البحر المُدبّبة، وأعثر على أصدافٍ أقدمُها لأيّة فتاةٍ إثباتًا للمهارة، وكغزل. والحقيقة أنّي لم أفعل ذاك كلّه لأنّي ربما خفتُ البحرَ، من رحابته ومن جهلي العومَ، ومن خشيتي التعريّ ومن عدم تصالحي مع الخوف، لا أعلم، ولا أستطيع التذكّر، لا وأنا جالسٌ هناك، في السادسة عشرة، على الشاطيء، والهواء يعابث شعري، والمياه تتغلغل بين أصابع قدميّ وأنا أقفُ محايدًا على الرمال النديّة، تاركًا المدّ يجبرني على لمس المياه، والجزر يُشعِرُني بالحنين إليها، ولا هنا، الآن، في عيادةِ طبيبٍ نفسيّ، أحاولُ إعادة هيكلة حياتي بتحليل الماضي، وبإصلاح علاقتي بأمّي وبذاتي، وبالبحر، بكتابةٍ عنيدة، مُهلهلة ومُبتذلة، أتعافى عليها، ولا أتعافى بها، ولا أتعافى منها، ولا أنجح في التذكّر. عندما تأتي أمي، كمسيحٍ طال الشوق إلى خلاصه، وفي يدها العوّامة الزرقاء التي لم آخذها معي لأنّي أعلم أنّي لن أقرب البحرَ، تتعجّب ببراءة، تتعجب ببراءة من مقبرة مخاوفي الساحلية وتشجّعني قائلة: يالّا، هنزل أنا معاك أهو، وتأخذني من يدي. بحب أقعد قدامه بس. ولا تستجيب: نبقى ماجيناش البحر لو مانزلنهوش! . أتحرّج من كِبر سنّي ومن العوّامة. أنا اللي هلبسها، تطمئنني، وندخل البحر بثقةٍ حتىّ نقف في مكاننا والماءُ بالغٌ صدرينا، وهي ترتدي العوّامة وتعرضها عليّ بين الحين والآخر، وأرفض، وأنا أمسكُ بها خشيةَ التعثّر والسقوط. ترتدي أمّي بلوزة ذات أكمامٍ قصيرة، وبنطالًا قماشيًّا بالكاد يصل لركبتيها، وكابًا أبيضَ يقيها من الشمس، تعطيني إياه وتأخذ كابي الأسود، عشان الشمس ماتسخّنش راسك، ولمّا أعترض، تأخذ ملء قبضتها من ماء البحر، وتخلع نظّارتها، وتسكبه على رأسها ضاحكة، برطّب نفسي أهو، ولا استرجعُ إن كانت قد حاولت أن تفعل بالمثلِ معي، فأشحتُ بوجهي بعيدًا صائحًا؛ لأنّي أتوتّر إن أصابَ خطبٌ نظّارتي، أم أنّها علمت ذلك عنّي فلم تفعل. على كلٍّ، لبستْ أمّي ذاك كلّه؛ البلوزة والبنطال القصيرين، داخل البحر وخارجه، على عكس الأيام العاديّة، مِمّا لن تستطيع -ولن ترغب- في إرتداءه في قنا البلد ولا في أيّ موضعٍ عام؛ لا لأن للمصيف تصنيفًا مُخصّصًا للملابس، لكن لأن حياتها برمّتها مُراقَبة ومحكومٌ عليها من الناس، فمن السهل التشكيكُ في شرف النساء بلا مُبرِر، ولا دليل، ولا مُحفّز، حتى لو كانت امرأة كبيرة في السن، في عمر أمّي، جارّة ابنها الذي في الصف الثانوي ورائها، يتحدّثان عن اللاشيء لأن لا قنوات تواصل وُجِدت -ولا حُفِرَتْ- بينهما. تُقذف علينا كرة بلاستيكيّة من الخلف. صديقةٌ في سنّي جاءت مع أختها وأمها والخادمات الأخريات، جميعهن في البحر يمرحن ويدعونني للعب معهن. النساء هنا حُرّات وسعيدات، غير مُحرجات ولا خائفات، يرتدين ملابسَ قصيرة لا يمكن أن نطلق عليها مايوهاتٍ بأريحيّة، أنصاف ملابس بحر مصريّة من الطبقة المتوسّطة، والأطفال يرتدون مايوهاتٍ ملوّنة. نسوة رحلتنا يرنمن، آمناتٍ تحت الأنظار البعيدة لتمثال المسيح الحامي، هناك أول طريق الشاطيء، في حديقة الفندق، وينادين بعضهن، ويصرخن، يتراشقن الماء، ويتدافعن، ويتجنبن القنافذ المُدبّبة والقناديل اللاسعة، ويصطدن أسماكًا صغيرة بأيديهن العارية ثم سرعان ما يفلتنها في الماء مرّة أخرى، يتبارين بكتم الأنفاس تحت السطح، يلعبن بالكرة المائيّة، يجرين وراء بعضهن، ويهرعن خلف عوّاماتٍ فالتة من أطفالٍ تائهة يُخشى فقدانها، ويعلّمن بعضهن وإياي العومَ، ولا ينجحن في تعليمي أيّ شيء؛ لخوفي المرضيّ من سقوط نظّارتي في البحر فأفقدُ بصري للأبد. ويتعلمن الطفو بمدّ الجسد أو بالعوّامات،وهو ما أنجح في تقليده بالاستناد على عوّامة ماما الزرقاء، ويحترقن معًا تحت الشمس، ويبتللن بملوحة الماء، ويصغرن في السنِّ دهرًا، ويشعرن أنّهن أحياء، ربّما جنّة الله حقيقيّة بالفعل! آمنتُ بجنّة الله على الأرض حين رأيتُها، في عيني ماما. بدت ماما لأوّل مرّة، منذ لا أذكر متى، سعيدة بحق، مُبتهِجة ومُنتشية ومُرتاحة. ترانا أمامها؛ أنا جوارها، وأختي على مقربة، نُبلبِط، ونلعب، ونعوم كلابيًّا، ونُصيّف، مُبتسمين وقانعين، بلحظاتٍ قصيرة مسروقة من السعادة، كما يجدر بعائلة حقيقيّة أن تكون. وقتها فقط شعرتُ بالقرب من ماما، وأنا أتذكّر ما قالته، عرضيًّا، أمس، في سهراية الليل في الحديقة، أو في شرفة غرفتها، وهي تقاوم النوم لأننا مش مسافرين عشان ننام، قالت أنّها أخيرًا تشعر بأنّها حيّة؛ أحدهم يطبخ لها، وهي غير مُضطرّة للتنظيف أو حمل مسئولية البيت لثلاثة أيام، ولا الاهتمام بثلاثتنا كما الأطفال. شعرتْ بالحياة وبالحريّة هنا، وبراحة عدم الاحساس بالذنب من الاسترخاء دونَ تفكيرٍ مُستمرٍ في الخطوة القادمة وفي حلّ المشكلة الفلانيّة أو العلّة العلّانيّة. بلا مسئوليّات، فقط لثلاثة أيام تتصالح فيها مع الخوف عاقدةً معه هدنة، وتترك لروحها الفرصة كي تتنفس الصعداء، وتُكافأ على معارك سنيّها المديدة ضد العالم. هذه كانت روح ماما الحقيقيّة، ضعيفة وتَعِبة ومُرهقة وخائفة وحقيقيّة للغاية، مثلي، أو أنا الذي مثلها. فبخلافِ شكلينا المتشابهين، في الملامح والشعر والعينين ومحاولة التملّق وتقليد لهجة البحريّين مع سكّان العاصمة، والأصابع القصيرة وحساسيّة الجلد من المعدن، كنّا متشابهين في الروح، قلقين وجزعين وصغيرين جدًّا. وقتها فقط، والبحر ثالثنا، خُلِقَ خيطٌ رفيعٌ مضفورٌ من طحالبَ بحريّة وأنوارٍ ومخاوف، بين روحي وروحها. بيد أنّ جنتنا ليست أزليّة. نخرج أنا وماما مع الغروب مبلولين، تلتصق ملابسنا بجسدينا وتُغوي أرجلُنا المُبللة رمالَ الشاطيء للرقص على قدمينا. نبتعد مُثقلين لا نريد الرحيل، يأكل الملح جلدينا وقد نسينا الفوطتين في الفندق، نترك الباقيات على الشاطيء ونمشي -أنا وهي وحدنا- الكيلومترَ الفاصل حتى الحديقة، يلفحنا الهواء ولا نشعر بالبرد، نتحادث عن البحر وعن الرحلة وعنّا. ندخل من بابٍ جانبيّ للمبنى، وأصعد معها لغرفتها حيث تعرض عليّ التحمّم هناك، لا في غرفة "الرجال"، قبل أن تأتي الأخريات. أقبلُ ونتشارك سرّنا الصغير التافه هذا، ولا نخبر أحدًا أبدًا. في اليوم التالي نغادر بعد الظهر، نُنزِلُ حقائبنا لردهة الاستقبال ونُسلّم مفاتيحنا، وقبل أن نُحمّل الشنط على سطح الحافلة، تتنحّى تاسوني أمينة الخدمة بماما وبالخادمات على جانب، يتهامسن ويقررن سريعًا، ويسألن موظّف الاستقبال إن كان بالإمكان الحجز، في هذه اللحظة، للسنة القادمة، في نفس التوقيت. إذن، خططن لشراء صكوك حريّتهن مستقبلًا، لثلاثة أيام، من الآن. لابدّ أنّي، حتمًا، سأشتري معهن. وكيف لي أن أرفضَ العودة، وأنا الذي لم تقترب روحي من روح ماما قطّ، إلا في هذه الأيام الثلاثة.   باسم الأم والأبن والمصيف المقدس، هو نصٌ فاز بالنشر في كتاب ليس مصيفا في هوليوود، مع ٢١ مؤلفاً ومؤلفة. في الموجة الأولى من مشروع لنتخيل البحر، الصادر عن وزيز للنشر.   --- ### اعتقال الهضيبي - Published: ۲۰۲۵-۰۲-۱۷ - Modified: 2025-02-22 - URL: https://tabcm.net/34088/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: إبراهيم عبد الهادي باشا المليجي, الإخوان المسلمين, الضباط الأحرار, حسن أحمد عبد الرحمن محمد البنا, حسن إسماعيل الهضيبي, رئيس جمال عبد الناصر, رئيس محمد نجيب, سيد قطب إبراهيم حسين الشاذلي, صلاح أبو شادي, عبد الحكيم عامر, عبد الرحمن علي فراج السندي, مجلس قيادة الثورة, محمود فهمي النقراشي باشا إن المبررات التي تكمن وراء قرار حل الأحزاب السياسية لا تتوافر في الإخوان المسلمين، فالإخوان لم يشاركوا في السلطة قبل قيام الثورة، ولم يعرفوا بالفساد الذي عُرفت به أحزاب تلك الفترة، كما أنهم كانوا من أنصار التغيير الذي اتخذته الثورة شعارًا لها، مما يستوجب التفريق بين أنصار الثورة ومعارضيها (سيد قطب) في مطلع أغسطس وفي أول ظهور له منذ وفاة ابنه، صلى والد حسن البنا في المركز العام للإخوان المسلمين وخاطب المصلين قائلًا: أيها الإخوان، اليوم تحققت رسالتكم. إنه فجر جديد لكم ويوم جديد للأمة. أوفى جمال عبد الناصر بكل التعهدات التي قطعها على نفسه أمام عبد الرحمن السندي، فأفرج عن جميع المعتقلين من الإخوان، بمن فيهم قتلة النقراشي، كما أصدر أوامره باعتقال إبراهيم عبد الهادي وأدخله السجن، إلى آخر ما تم الاتفاق عليه بين عبد الناصر وعبد الرحمن السندي. ولكن ما إن صدرت تلك القرارات حتى هاج حسن الهضيبي وملأ الدنيا ضجيجًا، رافضًا لقرارات الإفراج عن الإخوان بحجة أنهم إرهابيون وقتلة وسفاكو دماء، وأن ذلك ليس من الإسلام الذي يدعو إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة. وعند ذلك، ذهب عبد الرحمن السندي إلى جمال عبد الناصر ليطالبه بالوفاء بوعده الذي كان قد قطعه على نفسه بالقبض على حسن الهضيبي إذا ما هاجم قرارات الثورة بالإفراج عن الإخوان المسلمين. ولكن عبد الناصر رفض. خرج عبد الرحمن السندي من عنده غاضبًا، فقرر عبد الناصر، الذي كان وزيرًا للداخلية في ذلك الوقت، الاجتماع بقواعد الطلابية للإخوان المسلمين المناهضين للهضيبي، ليشرح لهم أسباب الخلاف بينه وبين السندي حول مسألة اعتقال الهضيبي، وأخذ يشرح كيف أن اعتقال الهضيبي الآن سوف يثير الكثير من المشاكل والمعوقات في طريق الثورة الوليدة. قال عبد الناصر إن الثورة أعدت مشروعًا لقانون الإصلاح الزراعي تنوي إصداره خلال أيام، فإذا أصدر أمرًا باعتقال الهضيبى الآن فلربما يفقد تأييد الإخوان للثورة، وهو التأييد الذي تحتاجه الثورة لمواجهة الآثار المحتملة لصدور قانون الإصلاح الزراعي في أوساط الإقطاعيين والطبقات الغنية والرأسمالية. وإذا فقدت الثورة تأييد الإخوان لها، فسوف ينضمون بطبيعة الحال إلى صفوف الإقطاعيين في تحالف مضاد ليس لدى الثورة الوليدة القدرة على مواجهته، ولهذا فإنه يرفض اعتقال الهضيبي وإثارة الإخوان ضده، وإن ذلك ليس أكثر من خطوة تكتيكية ولا يعني أكثر من ذلك، وأنه مضطر لتحمل الهضيبي وهجومه على الثورة لهذا السبب وحده، كما أنه لا يريد أن يفقد تأييد قواعد الإخوان للثورة بعد أن فقدت تأييد قادتها. ولذلك، قرر عبد الناصر أنه سيؤجل قراره باعتقال الهضيبي حتى صدور قرارات الإصلاح الزراعي. فإذا عارضها الهضيبي عندئذٍ لابد من اعتقاله. وصدرت بالفعل قرارات الإصلاح الزراعي في 9 سبتمبر 1952، أي بعد قيام الثورة بشهر ونصف تقريبًا. وما كاد الهضيبي يسمع بها حتى ثار ضدها رافضًا. وأوفى ناصر بوعده واعتقل حسن الهضيبي المرشد العام للجماعة للمرة الأولى في 13 يناير 1954. لكن لم يلبث أن أفرج عنه في شهر مارس من نفس العام. وزاره عبد الناصر وكبار ضباط الثورة معتذرين. حل الأحزاب قرر مجلس قيادة الثورة حل الأحزاب وأصدر قانون "حل الأحزاب السياسية" في 17 يناير 1953. كان مجلس قيادة الثورة، برئاسة محمد نجيب، مصرًا بكامل هيئته على أن يشمل قرار حل الأحزاب جماعة الإخوان المسلمين، باعتبارها حزبًا سياسيًا. وكان جمال عبد الناصر هو الوحيد من بينهم جميعًا الذي رفض أن ينطبق قرار الحل على جماعة الإخوان. قال عبد الناصر في تبريره الذي أبداه أمام المجلس في ذلك اليوم إن الإخوان المسلمين جماعة دينية تشتغل بالوعظ والإرشاد ولا ينطبق عليها وصف الحزب السياسي، فانقسم مجلس قيادة الثورة بعد تبرير ناصر إلى قسمين متساويين بين مؤيد للرأي ومعارض له. وقدم هنا عبد الناصر برأي يحل به مشكلة التعادل في الانقسام بين أعضاء المجلس، فقال عبد الناصر: إننا عسكريون ولا بد أن نستأنس في قرارنا برأي أحد المدنيين المتصلين بالشارع السياسي المصري، فما رأيكم في سيد قطب السكرتير المساعد لهيئة التحرير؟ ووافق أعضاء المجلس على حضور سيد قطب اجتماع المجلس ليقول رأيه في قرار حل الإخوان المسلمين باعتبارهم حزبًا سياسيًا أم لا. قال سيد قطب إنه ليس مع حل الإخوان المسلمين، حرصًا من الثورة على ألا تحارب في كل الجبهات في لحظة واحدة، فتخسر الكثير من أنصارها ومؤيديها في وقت هي في حاجة إليهم لتحارب بهم في الجبهات الأخرى. إن المبررات التي تكمن وراء قرار حل الأحزاب السياسية لا تتوافر في الإخوان المسلمين، فالإخوان لم يشاركوا في السلطة قبل قيام الثورة، ولم يعرفوا بالفساد الذي عُرفت به أحزاب تلك الفترة، كما أنهم كانوا من أنصار التغيير الذي اتخذته الثورة شعارًا لها، مما يستوجب التفريق بين أنصار الثورة ومعارضيها. (سيد قطب) وبعد أن أعلن سيد قطب رأيه على هذا النحو في اجتماع مجلس قيادة الثورة، شكره جمال عبد الناصر، ثم سأله: هل أنت من الإخوان المسلمين؟ فنفى سيد قطب أيَّ صلةٍ له بالإخوان، بل أكَّد أنه معارضٌ لهم. ورحبت جماعة الإخوان المسلمين بقرار حل الأحزاب بشدة، لأن هذا القرار سيجعلهم السلطة الشعبية المنفردة في الشارع. وهكذا، صدر قرار حل الأحزاب مستثنيًا الإخوان، ليتعامل ناصر معهم باعتبارهم حزب الثورة أو الغطاء الشعبي. وبدا ذلك واضحًا أيضًا عند قرار تشكيل هيئة التحرير، حيث عرض عليهم ناصر فيما بعد الاندماج فيها بناءً على طلب ضباط الثورة. وهذه النقطة عرضها محمد نجيب باعتبارها أحد أسباب استثناء الإخوان من قرار حل الأحزاب السياسية. ووفقًا لرواية صلاح شادي، فقد نوقش قرار تشكيل هيئة التحرير ودخول الإخوان فيها في اجتماع كبير جرى نهاية ديسمبر 1952 في منزل عبد القادر حلمي وحضره صلاح شادي من الإخوان، وجمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر من الضباط الأحرار. وينقل شادي عن ناصر قوله في الاجتماع وأن رغبته هي أن تنصهر جماعة الإخوان داخل هيئة التحرير فلا يعود لها شكلها المعروف وإنما تذوب بقيادتها في الهيئة الجديدة كتنظيم جديد تدخله جميع الأحزاب من دون حساسيات تمنع انضمام أي منها إلى هيئة الإخوان المسلمين، وهو ما لم يرض به الإخوان وما رفضه الهضيبي وقتها خوفًا من ذوبان الجماعة داخل التكتل الجديد وانتهائهم. --- ### كلمات مفتاحية - Published: ۲۰۲۵-۰۲-۱٦ - Modified: 2025-02-16 - URL: https://tabcm.net/35084/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: آدم, الصوفية, الكنيسة القبطية, تيتوس فلاڤيوس قيصر ڤسپاسيانوس أغسطس, حواء, قديس بولس الرسول كل فكرة رئيسية في الكتاب المقدس مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالعهد بطريقة أو بأخرى. وكل فكرة لا ترتبط بالعهد فهي فكرة دنيوية. ذُكرت على سبيل المثال بعض المفردات الكتابية في العدد السابق مثل: الله الإنسان شعب الله وعلاقة هذه المفردات بكلمة العهد. وهنا نستكمل بعض المفردات الكتابية وكيف ترتبط بالعهد، فعلى سبيل المثال لا الحصر: + البر: هو حفظ العهد كما ذُكر في العهد القديم: وإنه يكون لنا برًا إذا حفظنا جميع هذه الوصايا لِنعملها أمام الرب إلهنا كما أوصانا ((تثنية ٦: ٢٥ )). وأيضًا في العهد الجديد: مَن يفعل البر فهو بار كما أن ذاك بار ((يوحنا الأولى ٣ : ٧ )). + الخطية: هي خرق للعهد أو عصيان ضد إله العهد. وكانت كل التقدمات والذبائح تُقدم بسبب كسر ناموس عهد الرب، ولكنها أُبطلت مع بطلان ناموس الشرائع. وقد عرف القديس يوحنا الخطيئة على أنها التعدي، أي التعدي على العهد. + الناموس: كان الناموس وثيقة لشروط العهد بين الله وشعب إسرائيل، وسنتناوله لاحقًا بالمزيد من التفاصيل. وهو تعبير عن القانون الملزم لكلا طرفي العهد. فكل ما لم يكن ممنوعًا في شروط الناموس كان مباحًا، وهذا يعد ظلًا لنعمة الله في العهد القديم كمثال في العهد مع آدم: وأوصى الرب الإله آدم قائلًا: «من جميع شجر الجنة تأكل أكلًا. وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها، لأنك يوم تأكل منها موتًا تموت» ((تكوين ٢: ١٦-١٧ )). كان لآدم كل شيء مسموحًا به ما عدا شجرة واحدة، هي شرط للعهد. ومع الأسف استخدم آدم وحواء الحرية في اختيار الممنوع وتناسيا المسموح به! وهذا حالنا اليوم أيضًا! إذ إن الرب قد منحنا في المسيح يسوع كل شيء بغنى للتمتع، ليس لاستخدام الحرية أو النعمة كتصريح لنعيش بلا سيد، ولكن عندما نُملّك الرب سيدًا وربًا على حياتنا سوف يضيء الروح القدس كمصباح على طريقنا وكقائد لمسيرة حياتنا. فعندما نُدرك معيّة الروح القدس معنا، سندرك مدى الغنى الذي نعيش فيه، وسوف نرفع أنظارنا من على ذواتنا ولا نشعر بأي حرمان كما شعر آدم. + الأنبياء: لم يكن أنبياء العهد القديم حالمين متصوفين، بل مدافعين عن العهد ومساندين لقضية الله ضد أمة كاسرة لعهدها معهم. كان الأنبياء هم من استخدمهم الله كمثال لحفظ العهد وإظهار بشاعة كسر العهد من جهة الشعب. مثال إشعياء الذي كان آية وأعجوبة ومشى عاريًا وحافيًا لمدة ثلاث سنوات ((راجع سفر إشعياء، الإصحاح ٢٠ )). كذلك كان حزقيال آية لشعب إسرائيل كما يذكر الكتاب ((حزقيال ١٢: ٤-٦ )): فتخرج أهبتككأهبة الجلاء قدام عيونهم نهارًا، وأنت تخرج مساء قدام عيونهم كالخارجين إلى الجلاء. وانقب لنفسك في الحائط قدام عيونهم وأخرجها منه. واحمل على كتفك قدام عيونهم. في العتمة تخرجها. تغطي وجهك فلا ترى الأرض. لأني جعلتك آية لبيت إسرائيل. (سفر حزقيال ١٢: ٤-٦) أيضًا في سفر هوشع، يذكرنا الرب بعمل الشعب الذي ذهب وراء آلهة أخرى ويطلب من نبيه هوشع أن يتزوج بامرأة زانية، كما هو مكتوب: أول ما كلم الرب هوشع، قال الرب لهوشع: اذهب خذ لنفسك امرأة زنى وأولاد زنى، لأن الأرض قد زنت زنى تاركة الرب ((هوشع ١: ٢ )). ويعوزنا الوقت إذا ذكرنا إرميا ويفتاح وشمشون وآخرين، وقد ذكر دانيال كسر العهد من جهة الشعب والعقاب الذي جلبه الشعب على نفسه نتيجة لكسر العهد فقال: وكل إسرائيل قد تعدى على شريعتك وحادوا لئلا يسمعوا صوتك فسكبت علينا اللعنة والحلف المكتوب في شريعة موسى عبد الله لأننا أخطأنا إليه ((دانيال ٩: ١١ )). + النعمة: ترتبط ارتباطًا وثيقًا في العهد القديم بفكرة العهد. وكانت أول مرة تُذكر فيها النعمة بالمفهوم المعروف هي حين قِيلت عن نوح كحافظ للعهد، وأما نوح فوجد نعمة في عيني الرب ((تكوين ٦: ٨ )). أما مفهوم النعمة بحسب فكر الله لم يُظهر بقوة إلا مع ظهور المسيح يسوع في الجسد: لأنه قد ظهرت نعمة الله المخلصة لجميع الناس ((تيطس ٢: ١١ )). ومن هنا عرفنا الخلاص بالنعمة والتبرير والميراث، وكل مفردات إنجيل الملكوت التي سوف نتطرق إليها لاحقًا، كما يقول الكتاب المقدس: حتى إذا تبررنا بنعمته، نصير ورثة حسب رجاء الحياة الأبدية ((تيطس ٣: ٧ )). + الوعد أو الموعد: ليس هو العهد، ولكن الوعد مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالعهد. فالوعد يأتي أحيانًا في صورة كلمة منطوقة من فم الرب أو كحدث فارق في تاريخ العهد بين الله والناس. مثال على ذلك، موعد الروح القدس ((راجع سفر أعمال الرسل، الإصحاح ٢ ))، الذي كان بداية لعهد النعمة وولادة الكنيسة، كما قال الكتاب: لأن الموعد هو لكم ولأولادكم ولكل الذين على بعد، كل من يدعوه الرب إلهنا ((أعمال الرسل ٢: ٣٩ )). من هنا نأتي إلى بداية عهود الله مع الإنسان، ونبدأ بالعهد في جنة عدن وما يطلق عليه البعض عهد البراءة أو العهد مع آدم. ولن أخوض اليوم بشرح وافٍ لهذا العهد، وسنبدأ في المقال القادم إن شاء الرب وعشنا. كما ذكرنا سابقًا، ما تتلوه الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في صلواتها في ثيؤطوكية الاثنين لبش آدم 2 أن الله خلق آدم في اليوم السادس على صورته وستره بالبهاء، ووهب له مواهب عدة، فحظي آدم بقدر كبير جدًا من الحرية فله أن يفعل كل شيء عدا أن يأكل من شجرة معرفة الخير والشر. وهنا وجب التنويه: ليس لأن آدم لم تكن عنده موهبة التمييز بين الخير والشر، ولكن هذا التحذير من الرب الصالح لأن أكل آدم من هذه الشجرة كان إعلانًا واضحًا من آدم أنه صار له سلطان تقرير ما هو الخير وما هو الشر! وهذا هو السقوط! ! عزيزي القارئ، إن الخوض في كلمة الله يعلمنا الكثير والكثير. فرجاءً، لا تمل من أن تفتش الكتاب المقدس، لأن الكثير هلك لعدم المعرفة. يقول الكتاب: إنسان في كرامة ولا يفهم، يشبه البهائم التي تُباد ((مزمور ٤٩ )). ويقول الكتاب أيضًا: انظر كيف تقرأ ((راجع إنجيل لوقا، الإصحاح ١٠ )). كما يقول: امسك بكلمة الله، لأنها هي الحياة ((أمثال ٤: ١٣ )). واتبع نصيحة رسول الأمم العظيم، بولس الرسول، عندما قال لتلميذه تيموثاوس: افهم ما أقول. فليعطك الرب فهمًا في كل شيء ((تيموثاوس الثانية ٢: ٧ )). --- ### وإيه كمان يا أنبا إرميا؟! - Published: ۲۰۲۵-۰۲-۱۵ - Modified: 2025-04-08 - URL: https://tabcm.net/36054/ - تصنيفات: شئون علمانية - وسوم: Theosis Across Borders (TABcm Network), أليشيا ألمو بيكر, أنبا إرميا، الأسقف العام, الشرق الأوسط, الكنيسة القبطية, المجمع المقدس, المركز الثقافي القبطي, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, بيت العائلة المصرية, رئيس چوزيف روبينيت بايدن, رئيس دونالد چون ترامب, عقيدة التأله, عماد جاد, قناة مي سات, كنيسة الإسكندرية, ماسبيرو, مجمع الأساقفة, محمد أبو زيد الأمير, مكتب إيمان البيت الأبيض, ميشيل مكين, يونان النبي وسط التوترات الإقليمية المتصاعدة، كشف الأنبا إرميا، الأسقف العام، عن استقباله أليشيا ألمو بيكر، مديرة القسم السياسي والعسكري بالسفارة الأمريكية في القاهرة، مرتين في غضون أسبوع. أدى هذا الاستقبال إلى تساؤلات حول طبيعة هذه اللقاءات وسط الضغوط الأمريكية على مصر والأردن لقبول لاجئين فلسطينيين. وتثير هذه التطورات مخاوف المستنيرين الأقباط بشأن التدخل الأجنبي في قضايا المنطقة الحساسة في ظل توترات تعيشها منطقة الشرق الأوسط بسبب دعوات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالتهجير القسري للفلسطينيين من قطاع غزة محتجًا بإعادة الإعمار، وتعثر إكمال اتفاق وقف إطلاق النار بين حماس وإسرائيل، والضغوط الكبيرة التي يمارسها الرئيس الأمريكي ترامب على مصر والأردن لتهجير الفلسطينيين إليهم، يخرج علينا الأنبا إرميا، الأسقف العام، الذي سيطر في غفلة من الزمن على المركز الثقافي القبطي بالكاتدرائية ونصب نفسه رئيسًا له بعد رحيل البابا شنودة الثالث، ليعلن عبر صفحة المركز المخطوف أنه استقبل أليشيا ألمو بيكر، مديرة القسم السياسي والعسكري للسفارة الأمريكية بالقاهرة، مرتين خلال أسبوع واحد، الأولى بمفرده في 5 فبراير الجاري ((صفحة المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي، نيافة أنبا إرميا يستقبل أليسا بيكر. ))، والثانية في 11 فبراير بحضور فضيلة الدكتور محمد أبو زيد الأمير، نائب رئيس جامعة الأزهر للوجه البحري سابقًا، والمُنسق العام الحالي لبيت العائلة المصرية ((صفحة المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي، نيافة أنبا إرميا وأ. د. محمد أبو زيد الأمير يلتقيان مدير القسم السياسي والعسكري بسفارة الولايات المتحدة الأمريكية في مصر. )). هذه المقابلات تستوجب طرح العديد من الأسئلة على جنرال الكنيسة القبطية، نيافة الأسقف إرميا: * هل هذه اللقاءات بعلم وموافقة قداسة البابا تواضروس الثاني؟ * هل هي مقابلات سياسية للكنيسة المصرية، وتم تكليف الأنبا إرميا بلقاء مديرة القسم العسكري والسياسي؟ * هل يتحرك الأنبا إرميا من تلقاء نفسه ليمثل بصفته أسقفًا عامًا في لقاءات مع نظرائه من الأمريكيين؟ * إذا كان الأنبا إرميا يستقبلها من تلقاء نفسه دون تكليف من الرئاسة، فما علاقته بالشؤون العسكرية والسياسية؟ كل ما نعلمه أن هناك لقاءات بروتوكولية، حيث يزور سفراء الدول المختلفة في مصر، خاصة في بداية تعيينهم أو في نهاية فترة تعيينهم، البابا تواضروس الثاني مباشرة. وتكون الزيارة للبابا بصفته الممثل الرسمي لكنيسة الإسكندرية القبطية العريقة، وليس لأحد أساقفة الكنيسة العموم أو المعاونين إجراء مثل هذا التمثيل إلا بتفويض بحسب المادة 54 من اللائحة الأساسية للمجمع المقدس ((مادة‎ ٥٤: البابا هو المسئول عن الأمور العامة في الكنيسة. وهو الذي يمثلها أمام الدولة وأمام الكنائس الأخرى وكل الهيئات الرسمية والدينية. اللائحة الأساسية للمجمع المقدس، الإصدار الثاني: مارس ٢٠٢١م. ، المادة 54، نسخة على Theosis Across Borders. )). ولكن في كل الأحوال؛ ما علاقة الكنيسة بمسؤول سياسي وعسكري داخل إحدى السفارات حتى ليقابل البابا تواضروس نفسه؟ نتفهم أن يلتقي الأنبا إرميا بالمسؤول أو الملحق الثقافي للسفارة، بحكم سيطرته على المركز الثقافي واستيلائه على منصب المتنيح البابا شنودة الثالث. ونتفهم أنه يمارس أدوارًا عديدة لا تتضمن الثقافة أو التنوير، ولكن ما هي علاقته بالشؤون السياسية والعسكرية، ليلتقي شخصية لا تُوصّف بأقل من أنها ضمن فريق الاستخبارات الأمريكية في سفارتهم بمصر؟ ولماذا بعد أن استضافها أول مرة يستضيفها مرة أخرى بحضور دكتور محمد أبو زيد منسق بيت العائلة؟ هل طلبت منه أليشيا بيكر ذلك، في لقائهما الأول؟ أم أنه هو بحصافته غير المعهودة من إرتأى أنه لا يجب أن يُدخِل العسكريين الأمريكان للكنيسة، إلا ويده في يد الأزهر؟ لا دولة تهمّه ولا بطريرك يلمّه؟ كلها أسئلة لا توجد إجابة عليها ولا نعرف بأي صفة يلتقي الأنبا إرميا ومنسق بيت العائلة بمديرة القسم العسكري والسياسي للسفارة الأمريكية؟ هل مثلًا سيعقدون معها صفقات سلاح؟ أم سيعقدون معها اتفاقية لوقف إطلاق النار في قطاع غزة ونحن لا نعرف؟ وما هي صفة اثنين من رجال الدين في مصر كي يلتقيا بمسؤول رسمي من سفارة الولايات المتحدة الأمريكية؟ علاقة نيافة المُستلب الثقافي بالولايات المتحدة عمومًا، وبالرئيس دونالد ترمب خصوصًا، هي علاقة مثيرة للريبة والقلق منذ فترة بعيدة، خذ على سبيل المثال سيل من المنشورات لتهنئة ترامب بفوزه الانتخابي الأوّل ((نيافة الأنبا إرميا على صفحته الشخصية: نهنئ الرئيس دونالد ترامب الرئيس ال ٤٥ للولايات المتحدة الأمريكية لفوزه بانتخابات الرئاسة. )) والثاني ((صفحة قناة مي سات، الأنبا إرميا الأسقف العام رئيس المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي وقناة مي سات وأسرة المركز والقناة في مصر وأمريكا وألمانيا يهنئون الرئيس دونالد ترامب بفوزه في الانتخابات. )) وتمني السلامة بعد محاولة الاغتيال، وهو ما لم يفعله مع الرئيس الأسبق چو بايدن. وبناءٌ عليه، تكون تهنئته ليست أمرًا بروتوكوليا عامًا وليست لكل رئيس أمريكي بل هي علاقة شخصية، يتصرف فيها نيافة الأسقف وكأنه مواطن أمريكي حر في الانتخابات المحلية، وهو في ممارساته الانتقائية تلك، يوظّف العاملين بالمركز وبالقناة الفضائية لخدمة خياراته الذاتية الشخصية، خالطًا بين الأدوات الكنيسة التي يديرها، وبين ملكيته الشخصيّة. ﻻ يجب أن تُدار  عزبة الأسقف -بما فيها من عبيد مسخّرة سياسيًا- بهذه الطريقة من دون محاسبة. أيضًا لا تخلو هذه العلاقة من نفاق شعبي رخيص وديني أرخص، خذ مثلًا تشبيه شفاءه من كورونا هو وزوجته ((نيافة الأنبا إرميا على صفحته الشخصية: المركز الثقافي القبطى الأرثوذكسي وقناة مي سات بمصر وأمريكا برئاسة نيافة الحبر الجليل الأنبا إرميا وجميع المديرين والعاملين يتمنون ‏الشفاء للرئيس الأمريكي والسيدة قرينته. )) بأنه مثل نجاة يونان النبي (وزوجته؟! ) في بطن الحوت ((نيافة الأنبا إرميا على صفحته الشخصية مخاطبًا الرئيس الأمريكي: حفظك الله ونجاك من هذا المرض الفتاك. كما حفظ الله يونان في بطن الحوت ونجاه. ))، ((صفحة المركز الثقافي القبطي: نيافة الأنبا إرميا للرئيس الأمريكي: هكذا حفظك الله ونجاك من كورونا كما حفظ يونان في بطن الحوت. )). الأمر يثير  الغثيان والتقزز ويعطي انطباعًا مهينًا للكنيسة والدولة سويًا، فما يمارسه الأسقف إرميا يقع تحت بند التزلف والنفاق السياسي، الذي لا يجب أن يمارسه رجل دين ولا حتى رجل سياسة، لأنها ممارسات مفضوحة. ثمّ هل هذا التملق القديم هو سبب اللقاء؟ أم لعل سبب اللقاء له علاقة بـ"مكتب إيمان البيت الأبيض"، الذي أعلن عنه ترامب مؤخرًا وتتزامن تحضيراته مع هذه الفترة؟ ((ميشيل مكين،مكتب إيمان البيت الأبيض. )) ولو الأمر يتعلق بهذا المكتب، فالأنبا إرميا هنا يمثل من؟ نفسه؟ أم الكنيسة المصرية؟ أم بيت العائلة المصرية؟نعود فنقول أن هذه عادة الأنبا إرميا ولن يتخلى عنها، فهو دائمًا يتدخل في السياسة ويحاول أن يبحث لنفسه عن منفذ وتواجد في الحياة السياسية، وهو ما يمارسه باستماتة واقتناص في كل فرصة سانحة، حماية له من أي محاولة لنقله بعيدًا عن الدجاجة التي تبيض له ذهبًا في أعشاش المركز الثقافي وقناة مي سات التي تأتي إليها التبرعات وتعلِن بشكل دائم عن حاجتها لجمع تبرعات من أجل إخوة الرب الذين يتم المتاجرة بهم أيضًا ويظهرون على الفضائيات وهم يتلقون الإحسانات في إهانة لهم ولعوزهم ومتاجرة بهم لدى المتبرعين. كان الأنبا إرميا قد شارك في اجتماع سابق مع أجهزة الدولة قبل 30 يونيو 2013، وفور الخروج من الاجتماع أبلغ قيادات الإخوان بما دار في الاجتماع، أي أنه مزدوج اللعب على الحبال. كما ساهم بدورٍ مشبوه لطمس ما جرى في مذبحة ماسبيرو، بل قام باستضافة وتكريم وزير إعلام المذبحة، وأدخل مرشد الجماعة إلى المقر البابوي للقاء البابا شنودة الذي كان شبه غائب عن الوعي في أيامه الأخيرة، على حد تعبير النائب عماد جاد على صفحته الشخصية ((النائب عماد جاد على صفحته الشخصية: الأسقف المسئول عن المركز الثقافي الأرثوذكسي يعلن دعمه للقوى المعادية للتنوير هذا الأسقف تآمر لطمس حقيقية ما جرى في مذبحة ماسبيرو، بل قام باستضافة وتكريم وزير إعلام المذبحة، وأدخل مرشد الجماعة المقر البابوي للقاء البابا شنودة الذي كان شبه غائب عن الوعي في أيامه الأخيرة. )). وهنا السؤال للبابا ومجمع الأساقفة: ما هي وظيفة الأنبا إرميا، الأسقف الجنرال، بالضبط داخل الكنيسة؟ وهل سيمر لقاء مثل هذا مرور الكرام؟ أم سيكون لكم موقف قبل أن تتورط الكنيسة المصرية فيما لا تعرف أو تفهم؟ أخيرًا، لا يمكن فصل تلك المقابلات عن الأحداث الجارية والضغوط الحالية التي تتعرض لها مصر على يد الرئيس الأمريكي ترامب بشأن قطاع غزة من الفلسطينين، فالأمور جميعها متشعبة و"منفدة على بعض". --- ### الخطية الأصلية عند أوغسطين [٤] - Published: ۲۰۲۵-۰۲-۱٤ - Modified: 2025-02-14 - URL: https://tabcm.net/35026/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: آدم, أنبا أنجيلوس، أسقف عام شبرا الشمالية, أنبا إيساك، الأسقف العام, أنطون جرجس, الخطيئة الأصلية, الشيطان, العلل البذرية, بابا كيرلس عمود الدين, تادرس يعقوب ملطي, حواء, دار المشرق, رواقية, قبل السقوط, قديس أوغسطينوس، أسقف هيبو, قديس بولس الرسول, كنيسة مار جرجس، سبورتنج, مدينة الله, يوحنا الحلو يستمر الحديث عن الاختلاف حول مفهوم “الخطية الجدية” ووراثة الخطية بين بعض آباء الكنيسة في الشرق والغرب، ونكمل الحديث عن القديس أغسطينوس في هذه الحلقة. خطية الطبيعة والإرادة المقيَّدة بالشر ويرى أوغسطينوس أن طبيعتنا البشرية أصبحت خاطئة، لأنها نابعة من طبيعة جسد المعصية الأول، فيرى هنا أن الخطية تنتقل من خلال جسد المعصية الأول إلى أجسادنا نحن البشر، ويشدد على الإرادة المقيدة بالشر، حيث لا تستطيع طبيعتنا البشرية الوارثة لطبيعة جسد المعصية الأول أن تتمم ناموس الله من تلقاء نفسها، ولا تستطيع أن تكمل في البر. لا نجد مثل هذا التعليم عند ق. كيرلس الإسكندري وآباء الشرق كالتالي: ((أوغسطينوس، الطبيعة البشرية وعمل النعمة، ترجمة: الأنبا إيساك، كنيسة مار جرجس سبورتنج،1997، الفصل 2، ص 9. )) إن طبيعتنا البشرية أصبحت مريضة وخاطئة؛ لأنها نابعة من طبيعة جسد المعصية الأول، الذي لا يقدر من تلقاء نفسه أن يتمِّم ناموس الله، ولا يستطيع أن يكمل في البر. (أوغسطينوس، الطبيعة البشرية وعمل النعمة) ويرى أوغسطينوس أن جميع قدرات الطبيعة البشرية الطبيعية من ذكاء وأحاسيس صارت معتمة وضعيفة تمامًا بسبب التيار الكاسح الناتج من وراثة الخطيئة الأصلية التي أرتكبها آدم بمحض إرادته الحرة، فأصبحت الطبيعة البشرية بسبب الخطية الأصلية الموروثة مذنبة ومحرمة وتستحق حكم الدينونة والعقاب العادل. لا نجد هذا التعليم الغريب عند ق. كيرلس الإسكندري وآباء الشرق كالتالي: ((أوغسطينوس، الطبيعة البشرية وعمل النعمة، ترجمة: الأنبا إيساك، كنيسة مار جرجس سبورتنج،1997، الفصل 3، ص 11، 12. )) حقًا مازال بلا شك في الطبيعة البشرية قدرات صالحة باقية منذ تكوينها كالحياة والأحاسيس والذكاء... إلخ. كل هذه كانت من الله العلي، مُكوِّنها وجابلها. ولكن تيارًا جارفًا اكتسح هذه الطبيعة، فعتم وأضعف كل تلك القدرات الطبيعية، حتى أنها في حاجة إلى الاستنارة والشفاء من ذلك التيار الكاسح، الذي لم يكن مصدره الله طبعًا، لأن الخالق منزَّه عن أي خطأ. ولكنها كانت خطيئة الإنسان الأصلية التي أرتكبها بمحض إرادته الحرة. وبناءً عليه، أصبحت الطبيعة البشرية مذنبة ومحرمة وتستحق حكم الدينونة والعقاب العادل. (أوغسطينوس، الطبيعة البشرية وعمل النعمة) الفساد الكلي للطبيعة البشرية بعد السقوط يؤكد أوغسطينوس على الفساد الكلي للطبيعة البشرية المقيدة بفعل الشر وارتكاب المزيد من الخطايا، وهذا عكس ما رأيناه عند ق. كيرلس الإسكندريّ الذي شدَّد على الفساد الجزئيّ والتدريجيّ للطبيعة البشرية بعد السقوط، وأكَّد على بقاء عمل حرية الإرادة في الإنسان حتى بعد السقوط كالتالي: ((أوغسطينوس، الطبيعة البشرية وعمل النعمة، ترجمة: الأنبا إيساك، كنيسة مار جرجس سبورتنج،1997، الفصل 34، ص 48. )) وردنا هو: إن الخاطئ هو الإنسان مرتكب الخطيئة، ولكن الفساد الذي في الإنسان الذي به تُرتكَب الخطيئة صار ثابتًا في طبيعتنا البشرية، وهو نبع دائم لتصرفاتنا الخاطئة. هذا العطب الغائر في الطبيعة الإنسانية هو المحتاج إلى الشفاء، وكلما تأخر هذا الشفاء كلما استشرى العطب الفساد وارتكب خطايا أكثر بسبب ما يُحدِثه الفساد من ضعف وعمى حتى إن الإنسان لا يرى ولا يقوى على عمل البر الواجب عليه. (أوغسطينوس، الطبيعة البشرية وعمل النعمة) تعليم القدرية وسبق التعيين المزدوج يتحدَّث أوغسطينوس عن أنَّ الإيمان ليس من فعل الإرادة الحرة فقط دون أن يكون عطية من الله، ويتساءل لماذا الصلاة لأجل الذين لا يريدون أن يؤمنوا لكي يؤمنوا؟ فهذا يكون باطلًا، ما لم نؤمن إيمانًا كاملًا أنَّ الله القدير يستطيع أن يُغيِّر الإرادات المضادة المقاومة للإيمان حتى تؤمن! ((أوغسطينوس، النعمة والإرادة الحرة، ترجمة: القمص تادرس يعقوب ملطي، كنيسة مار جرجس سبورتنج، 1969، ص 54. )) تتضح من هنا ملامح تعليم أوغسطينوس بالجبرية والقدرية وسبق التعيين، حيث يتدخل الله مانح حرية الإرادة لتغيير إرادات البشر؛ فأين تكون حرية الإرادة بتدخُّله في إرادات البشر؟! ويتساءل أوغسطينوس كيف يكون عمل الإرادة الحرة والنعمة في تغيير القلب؟ كيف يُوصِي الله بأمر لعمله ما دام هو الذي يعطيه؟ ولماذا يُعطِي إنْ كان الإنسان هو العامل إلا إذَّا كان يُعطِي ما يأمر به بإعانته للإنسان حينما يأمره به؟! ((أوغسطينوس، النعمة والإرادة الحرة، ترجمة: القمص تادرس يعقوب ملطي، كنيسة مار جرجس سبورتنج، 1969، ص 56. )) ويستكمل أوغسطينوس في نفس السياق إننا نحن نريد بالتأكيد حينما نريد، لكن الرب هو الذي يجعلنا نريد، إذ الإرادة تُعد من قِبل الرب، فنحن بالتأكيد نعمل حينما نعمل، ولكن الرب هو الذي يجعلنا نعمل بطلب قوة فعَّالة لإرادتنا، هو الذي يجعلنا نعمل ذاك الذي يريد الإنسان فعله، ويصلي لأجله متوسلًا. ((أوغسطينوس، النعمة والإرادة الحرة، ترجمة: القمص تادرس يعقوب ملطي، كنيسة مار جرجس سبورتنج، 1969، ص 60. ))يشير أوغسطينوس إلى عمل الرب في البداية فينا، حتى تكون لنا الإرادة، ويُكمِّل معنا العمل حتى تكون لنا الإرادة القوية الكاملة، يعمل بدوننا لكي نريد، وإذ نريد لكي نعمل، يشترك هو معنا في العمل في داخلنا؛ نحن لا نستطيع بأنفسنا أن نفعل شيئًا صالحًا بدونه. بالتالي، يؤدي هذا التعليم بالضرورة إلى التواكل والاتكالية على الله في كل شيء، وهذا ما رفضه آباء الشرق جملةً وتفصيلًا. يتحدَّث أوغسطينوس عن القدرية وخضوع الأجساد بعضها لإرادتنا، والبعض الآخر للملائكة الخاضعة جميعًا لإرادة الله السامية التي تتعلق بها كل إرادة، ومنها تستمد القوة التي يمدها بها، فالله هو العلة المطلقة غير المخلوقة التي تعمل كل شيء. ((أوغسطينوس، مدينة الله مج1 (الكتب 1- 10)، ترجمة: الخورأسقف يوحنا الحلو، لبنان: دار المشرق، 2014، 5: 9، ص 235. )) ويستكمل أوغسطينوس بأنَّ إرادتنا لا تتمتع بالقدرة بقدر ما أراد الله لها ورسم، ولهذا فكل ما تستطيع بكل تأكيد، وكل ما عليها عمله تعمله بحقٍ، لأنَّ كل ما لها من قدرة وفعل، فمنه (أي من الله) استمرت كل ذلك، ولو كان لي استعمال كلمة ”قدر“ لقلت قدر الضعيف إرادة الأقوى الذي يتعلق الضعيف به. ((أوغسطينوس، مدينة الله مج1 (الكتب 1- 10)، ترجمة: الخورأسقف يوحنا الحلو، دار المشرق، 2014، 5: 9، ص 236. )) وراثة الخطية الأصلية جسديًا بالعلل البذرية الجسدية يُوضِّح أوغسطينوس أننا كنا في صُلب آدم عندما أخطأ وأننا خرجنا مِن بذرة آدم المشوَّهة بالخطيئة، وأنه نقل إلينا فساده وعقابه، وهنا يستخدم أوغسطينوس نظرية ”العلل البذرية“ الرواقية عن الخلق، ليُفسِّر بها كيفية انتقال خطية آدم منه إلى بنيه، وهذا التعليم لا نجده عند ق. كيرلس الإسكندريّ وآباء الشرق. حيث يقول أوغسطينوس التالي: ((أوغسطينوس، مدينة الله مج2 (الكتب 11- 17)، ترجمة: الخورأسقف يوحنا الحلو، دار المشرق، 2015، 13: 14، ص 126. )) ولكن الإنسان قد أخطأ بحريته، فعُوقِبَ بعدلٍ، وانتقل إلى ذريته فساده والعقاب، لأننا جميعنا كنا فيه عندما كان وحده يُمثِّلنا جميعًا. لقد سقط في الخطيئة بواسطة المرأة التي أُؤخِذَت مِن جنبه قبل الخطيئةبيد أنَّ البذرةَ التي كَاَن عَلينا أن نخرج منها قد شوَّهتها الخطيئة، وحَمَلت أثقال الموت بحُكمٍ عادلٍ، جَعَلت الإِنسان مولود الإنسان في الحَالَة عينها. (أوغسطينوس، مدينة الله مج2) ماهية الخطية الأصلية يتحدَّث أوغسطينوس عن الخطية الأصلية ونتائج السقوط مؤكِّدًا على تعرُّض الإنسان لنوعين من الموت، وهما: موت النفس وهو الفجور بسبب الخطيئة الأصلية (تعدي الوصية)، وانفصالها الإراديّ عن الله بالخطية، وموت الجسد وهو القابلية للفساد نتيجة انفصال النفس عن الجسد لا إراديًا بسبب عقوبة الخطيئة الأصلية. ((أوغسطينوس، الثالوث، ترجمة: د. أنطون جرجس، مراجعة: الأنبا أنجيلوس الأسقف العام، 2021، 4: 3: 5، ص 250. ومدينة الله مج2 (الكتب 11- 17)، ترجمة: الخورأسقف يوحنا الحلو، دار المشرق، 2015، 13: 23، ص143، 144. )) ويتحدَّث عن وصول البشر إلى الحالة البائسة للطبيعة الناشئة عن الخطيئة الأولى، وأنهم برفضهم خلاص المسيح لهم سيُطرَحون إلى الموت الثاني الأخير (الأبديّ) مع إبليس؛ لأنهم فضَّلوا الشيطان على المسيح. ((أوغسطينوس، الثالوث، ترجمة: د. أنطون جرجس، مراجعة: الأنبا أنجيلوس الأسقف العام، 2021، 4: 13: 18، ص 271. )) لقد صرنا غير ثابتين في الأبديات، لأنَّ فساد الخطية يجذبنا لأسفل، وصرنا تحت قبضة الفساد بمحبة الزمنيات المغروسة فينا، كما لو كان فساد الخطية مغروس بالطبيعة من جذر الموت. يتحدَّث أوغسطينوس أيضًا إنه بعدما أسقط الشيطان الإنسان في الخطية، تم إبعاد رؤية الحقائق الأزلية عن رأس الإنسان، فصار الرأس يتغذى على المحرَّمات، وهكذا صارا أبوينا مُجرَّدين من استنارة الحقيقة، وانفتحت عينا ضميريهما للنظر في عريهما وخزيهما. ((أوغسطينوس، الثالوث، ترجمة: د. أنطون جرجس، مراجعة: الأنبا أنجيلوس الأسقف العام، 2021، 4: 18: 24، ص 279. )) كما يتحدَّث عن شهوة الإنسان الفاسدة للتألُّه بالطبيعة ومُشابهة الله، وصولاً إلى مُشابهة البهائم، والعري من حلتهما الأولى، ونالا بالموت الأقمصة الجلدية، وهكذا أفتقد الإنسان الفخر الحقيقيّ المتمثل في صورة وشبه الله، لأنه كلما أحب الإنسان ذاته أكثر ابتعد عن الله. أسقط الإنسان نفسه في شهوة اختبار قوته، فنزل إلى مرتبة متوسطة بين الملائكة والبهائم، وهكذا عندما أراد أن يصير كالله، دفع ذاته إلى العدم، وسقط في منزلته المتوسطة. صار بالعقوبة إلى المنزلة الأدنى أي الأمور البهيمية. ((أوغسطينوس، الثالوث، ترجمة: د. أنطون جرجس، مراجعة: الأنبا أنجيلوس الأسقف العام، 2021، 12: 11: 16، ص 495. )) يشرح أوغسطينوس ماهية الخطية إنها القبول بالاستمتاع الشرير بالأمور المدرَكة بالحواس الجسدية، ودفع الإحساس الحيوانيّ لغاية الذهن التي تستخدم القوة الحيوية للعقل في الزمنيات والجسديات، لتنفيذ وظائفه بباعث إمتاع ذاته كما لو كان خير خاص بذاته، وليس خير عام ثابت ومشترك وصالح، وهكذا قبلت حواء الإغراء بالآكل من الشجرة المحرَّمة. ((أوغسطينوس، الثالوث، ترجمة: د. أنطون جرجس، مراجعة: الأنبا أنجيلوس الأسقف العام، 2021، 12: 12: 17، ص 496. )) ثم يتحدَّث أوغسطينوس عن سماح الله بتسليم الجنس البشريّ إلى سلطان إبليس بالعدل الإلهيّ بشكل ما، وعبور خطيئة الإنسان الأول إلى كل الجنسين أصلًا، وفي ولادتهما عن طريق التناسل والزواج، وهكذا قيَّد إبليس نسلهما جميعًا. ((أوغسطينوس، الثالوث، ترجمة: د. أنطون جرجس، مراجعة: الأنبا أنجيلوس الأسقف العام، 2021، 13: 12: 16، ص 532. )) لقد صار البشر جميعًا تحت سلطان إبليس أصلًا، أي بالطبيعة الفاسدة بالخطية صاروا أبناء الغضب، كما قال بولس الرسول، سمح الله بعدلٍ بتسليم الإنسان إلى سلطان إبليس. لم يفصل الله الإنسان عن سيادة سلطانه وصلاحه، عندما سمح أن يكون في سلطان إبليس، لأنَّ إبليس نفسه تحت سلطان الله، حيث لا تحيا الشياطين بدون الله، الذي يحيي كل شيء، وهكذا أخضع ارتكاب الخطايا الإنسان إلى سلطان إبليس بسبب غضب الله العادل. ولكن هذا يتعارض مع ما قاله الآباء اليونانيون عن تسليم الإنسان نفسه إراديًا بالعصيان إلى الشيطان، وليس لله دخل في ذلك! وهكذا بحسب تعليم أوغسطينوس استخدم الله الشر والشيطان كأداة عقابية للإنسان. ((أوغسطينوس، الثالوث، ترجمة: د. أنطون جرجس، مراجعة: الأنبا أنجيلوس الأسقف العام، 2021، 13: 12: 16، ص 533. )) الشرور الموروثة من آدم ويُوضِّح أوغسطينوس أننا مُقيَّدين بخطية وموت آدم الإنسان الأول كشرور موروثة؛ لأنَّ إبليس من أجل الواحد قيَّد جميع المولودين من شهوته (الجنسية) المادية الفاسدة. ((أوغسطينوس، الثالوث، ترجمة: د. أنطون جرجس، مراجعة: الأنبا أنجيلوس الأسقف العام، 2021، 13: 16: 21، ص 543، 544. )) ويُؤكِّد ق. أوغسطينوس على مفهوم وراثة الخطية الأصلية بتقييد آدم لجنسه البشريّ بخطيته، لذلك رأي الله إنه من الأفضل أن يتخذ له إنسان يهزم به عدو الجنس البشرىّ من نفس الجنس المهزوم نفسه، وأن يفعل هذا مِن عذراء يعلو ويفوق حبلها بالروح لا بالجسد، بالإيمان لا بالشهوة. وفعل هذا بدون تدخُّل شهوة الجسد التي تُحرِّكها الخطيئة الأصلية التي يتوالد ويحبل بها باقي البشر، بل صارت العذراوية المقدَّسة حُبلى لا بالزواج بل بالإيمان -بدون شهوة تمامًا- لكي يقود ذاك المولود من جذر الإنسان الأول؛ أصل الجنس الوحيد بدون خطية أيضًا، لأنَّ ذاك المولود كان بدون الطبيعة الفاسدة بمرض الخطية وكان العلاج الوحيد لكل فساد. ((أوغسطينوس، الثالوث، ترجمة: د. أنطون جرجس، مراجعة: الأنبا أنجيلوس الأسقف العام، 2021، 13: 18: 23، ص 547. )) ويُؤكِّد ق. أوغسطينوس هنا على انتقال الخطية الأصلية بالشهوة الجنسية من الآباء للأبناء، وأنَّ الله بتجسُّده من العذراء بدون شهوة، قد أوقف هذه السلسلة من توارُّث وانتقال الخطية، وصار أصلًا جديدًا للبشرية المنتصِرة على إبليس في شخصه بهذا الحبل المقدَّس. وإنْ كان أوغسطينوس يُؤكِّد أيضًا على طهارة الزواج والاستخدام السليم لهذه الشهوة المادية الكائنة في أعضائنا، ولكنها للأسف تحت الضغوط اللاإرادية للشهوة، لم تكن قادرة على البقاء في الفردوس حتى قبل السقوط في الخطية، أو إنْ فعلت ذلك، فلا تقدر أحيانًا على مُقاومة تلك الرغبة. ((أوغسطينوس، الثالوث، ترجمة: د. أنطون جرجس، مراجعة: الأنبا أنجيلوس الأسقف العام، 2021، 13: 18: 23، ص 547. )) كما يُشِير أوغسطينوس إلى غلبة المسيح آدم الثاني على قاهر آدم الأول المقيِّد للجنس البشريّ؛ مُحرِّرًا الجنس البشريّ من الذنب البشريّ. ((أوغسطينوس، الثالوث، ترجمة: د. أنطون جرجس، مراجعة: الأنبا أنجيلوس الأسقف العام، 2021، 13: 18: 23، ص 548. )) وهكذا يؤكِّد أوغسطينوس هنا على وراثة الذنب البشريّ التي رفضها الآباء اليونانيون؛ لأنَّ الذنب البشريَّ هو فعل إراديُّ يُحاسَب عليه فاعله إراديًا فقط، وليس نسله. يتحدَّث أوغسطينوس عن أنَّ الإيمان ليس من فعل الإرادة الحرة فقط دون أن يكون عطية من الله، ويتساءل لماذا الصلاة لأجل الذين لا يريدون أن يؤمنوا لكي يؤمنوا؟ فهذا يكون باطلاً، ما لم نؤمن إيمانًا كاملاً أنَّ الله القدير يستطيع أن يُغيِّر الإرادات المضادة المقاومة للإيمان حتى تؤمن! ((أوغسطينوس، النعمة والإرادة الحرة، ترجمة: القمص تادرس يعقوب ملطي، كنيسة مار جرجس سبورتنج، 1969، ص 54. )) تتضح من هنا ملامح تعليم أوغسطينوس بالجبرية والقدرية وسبق التعيين، حيث يتدخل الله مانح حرية الإرادة لتغيير إرادات البشر؛ فأين تكون حرية الإرادة بتدخُّله في إرادات البشر؟! ويتساءل أوغسطينوس كيف يكون عمل الإرادة الحرة والنعمة في تغيير القلب؟ كيف يُوصِي الله بأمر لعمله ما دام هو الذي يعطيه؟ ولماذا يُعطِي إنْ كان الإنسان هو العامل إلا إذَّا كان يُعطِي ما يأمر به بإعانته للإنسان حينما يأمره به؟! ((أوغسطينوس، النعمة والإرادة الحرة، ترجمة: القمص تادرس يعقوب ملطي، كنيسة مار جرجس سبورتنج، 1969، ص 56. )) نتساءل هنا أين هو دور الإنسان إنْ كان الله يأمر وينفذ أمره في الإنسان؟! ويستكمل في نفس السياق إننا نحن نريد بالتأكيد حينما نريد، لكن الرب هو الذي يجعلنا نريد، إذ الإرادة تُعد من قِبل الرب، فنحن بالتأكيد نعمل حينما نعمل، ولكن الرب هو الذي يجعلنا نعمل بطلب قوة فعَّالة لإرادتنا، هو الذي يجعلنا نعمل ذاك الذي يريد الإنسان فعله، ويصلي لأجله مُتوسِلاً. ((أوغسطينوس، النعمة والإرادة الحرة، ترجمة: القمص تادرس يعقوب ملطي، كنيسة مار جرجس سبورتنج، 1969، ص 60. )) يشير إلى عمل الرب في البداية فينا، حتى تكون لنا الإرادة، ويُكمِّل معنا العمل حتى تكون لنا الإرادة القوية الكاملة، يعمل بدوننا لكي نريد، وإذ نريد لكي نعمل، يشترك هو معنا في العمل في داخلنا؛ نحن لا نستطيع بأنفسنا أن نفعل شيئًا صالحًا بدونه. بالتالي، يؤدي هذا التعليم بالضرورة إلى التواكل والاتكالية على الله في كل شيء، وهذا ما رفضه آباء الشرق جملةً وتفصيلًا. --- ### إشكاليات إضافة الدين للمجموع - Published: ۲۰۲۵-۰۲-۱۳ - Modified: 2025-02-13 - URL: https://tabcm.net/35968/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أحمد عرابي, إبراهيم عبد الهادي باشا المليجي, الإخوان المسلمين, الضباط الأحرار, المنهج العلمي, جامعة عين شمس, حسن أحمد عبد الرحمن محمد البنا, خالد بن الوليد, رئيس محمد أنور السادات, سامح فوزي, شكري سرحان, صادق جلال العظم, عماد رزيك عمر, عمرو بن العاص, كلير المصري, كمال الدين حسين, كمال فريد, كمال مغيث, ماريانا سامي, محمد أحمد عبد اللطيف رمضان, محمد علي باشا الكبير, مصطفى كامل, معهد الدراسات القبطية, نانسي رفيق, نسيم سليمان يُفترض أن تأتي المواطنة قبل الانتماء الديني، ولذلك فإنّ جعل التربية الدينية مادةً تُحتسب بالدرجات قد يكون أمرًا إشكاليًا. فالأصل في الأديان هو الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، ولم يكن هناك اهتمام في التاريخ الإسلامي أو المسيحي بقياس مدى حفظ النصوص بقدر الاهتمام بالقيم والمبادئ الأخلاقية، كما أنّ التعليم المؤسسي الوطني، هو الذي يجب أن يكون موحدًا ومتفقًا عليه من قبل جميع المواطنين. (الخبير التربوي د. كمال مغيث) في أوائل سنواتي الدراسية، تفاجأت عندما أبلغني صديقي المقرب أنه لن ينافسني بعد الآن في سباق الجري في فناء المدرسة، ولن يدعوني أيضًا للانضمام إلى مجموعته للألعاب الجماعية من الآن فصاعدًا. أخبرني بذلك بصوت منخفض، وعيناه مثبتتان على الأرض، متجنبًا الاتصال البصري معي. وبعد إعلانه، غادر دون أن ينتظر سؤالي المُلِح: لماذا؟. لم تكن هذه التجربة معزولة عن غيرها. فقد تكرر رفض أصدقائي وزملائي الآخرين مشاركتي في الألعاب والأنشطة، ولاحظت ارتباطًا وثيقًا بين هذا الرفض وفصول "الدين". تدريجيًا، أُغلقت أمامي دوائر الصداقة التي كنت ألعب فيها بحرية مع الجميع. عدنا لاحقًا للمشاركة في الأنشطة المدرسية والترفيهية. ثم فجأة، علمت أن معلمة اللغة العربية والتربية الإسلامية أخبرت أصدقائي أن اللعب مع المسيحيين سيؤدي بكم إلى نار جهنم. وبالطبع، لم يكن هناك طفل لا يخشى عذاب النار. لطالما أثار إدراج "الدين" كمادة تدريسية في المدارس المصرية جدلًا حادًا. يدعو البعض إلى ضرورته لتعزيز الأخلاق والقيم الفاضلة لدى الأجيال الناشئة، بينما يرى آخرون أنه قد يؤدي إلى التطرف والتمييز الديني بين الطلاب. ويتبنى فريق ثالث وجهة نظر مفادها أن تعليم الدين يجب أن يتم في دور العبادة، وليس في المدارس. أعلن وزير التربية والتعليم المصري، محمد عبد اللطيف، مؤخرًا إضافة مادة "التربية الدينية" إلى المجموع الدراسي في المرحلة الثانوية، بعد أن كانت تُعتبر مادة نجاح ورسوب فقط. أثار هذا القرار جدلًا حول فعالية تدريس الدين، خاصة في ظل وجود طلاب من ديانات مختلفة، مثل المسيحية والإسلام، بالإضافة إلى الطوائف المختلفة داخل المسيحية في مصر. أثارت هذه التطورات تساؤلات حول ما إذا كانت المدارس المصرية مهيأة لتدريس محتوى التربية الدينية بشكل مناسب. الدين في المناهج التعليمية المصرية في كتابه الأقباط والتعليم في مصر الحديثة، يسلط الأستاذ نسيم سليمان، رئيس قسم الاجتماع والتربية السابق في معهد الدراسات القبطية، الضوء على نظام التعليم في مصر القديمة. وفقًا لسليمان، أسس المصريون القدماء مدارس ملحقة بالمعابد حيث كان هناك المعلمين المؤهلين. وكانت هذه المدارس متاحة للبنين والبنات على حد سواء، حيث كانوا يكتسبون معرفة أساسية في القراءة والكتابة والموضوعات العامة الأخرى. بالنسبة للأطفال الذين لم يتمكنوا من الالتحاق بالمدارس، فقد شاركوا آبائهم في مهنة الزراعة. بالإضافة إلى القراءة والكتابة، تضمنت المدارس أقسامًا متخصصة لتعليم الحرف المختلفة. كان يُطلَق على المكتبة اسم 'دار الحياة'، وكانت بمثابة مجمّع علمي، يقصدها الملوك للاطّلاع على محتوياتها... أو لاستشارة أهل الرأي فيها من رجال الدين والحكماء. (نسيم سليمان، الأقباط والتعليم في مصر الحديثة) يوضح سليمان أن المدارس في مصر القبطية ظلّت متصلة بالكنائس بدلًا من المعابد، حيث تأسست المدرسة اللاهوتية الشهيرة في الإسكندرية. بعد الفتح الإسلامي لمصر، ظهرت المدارس المرتبطة بالمساجد. استمر إنشاء المدارس في العصرين الأيوبي والمملوكي. ومع ذلك، شهد نظام التعليم تحولًا كبيرًا مع بداية حكم محمد علي باشا في عام 1805، الذي أدخل أنظمة تعليمية حديثة. أسس هذا النظام مدارس عسكرية وتجهيزية وابتدائية لترسيخ أساس نظام تعليمي حديث في مصر. يصنف الدكتور كمال مغيث، الباحث في المركز القومي للبحوث التربوية بالقاهرة، النظام التعليمي التقليدي في مصر إلى فئتين رئيستين: الأول، التعليم المِهْنِيّ أو الحِرفي، حيث يتعلم الأفراد الحرف المختلفة من خلال التدريب العملي المباشر. يبدأ المتدربون في سن مبكرة بمهام بسيطة، مثل رش الماء في ورش النجارة أو مساعدة صائغي الذهب. وبمرور الوقت، يتعلمون المهنة من خلال الملاحظة والممارسة. أما النوع الأخير فهو التعليم الديني، الذي اشتمل على الدراسة في الكتاتيب الإسلامية، ومدارس اللاهوت المسيحية، التي تخرج منها الوعاظ، والمأذونين الشرعيين، ورجال الدين. كما يُوضِح الدكتور مغيث أن التعليم الحديث في مصر يرمي إلى تحقيق هدفين أساسيين: أولهما التأهيل المهني: بدءًا من إتقان القراءة والكتابة، وصولًا إلى تمكين كل فرد من ممارسة مهنته. وثانيهما تعزيز المواطنة: حيث كان التعليم في مصر قبل عهد محمد علي باشا طائفيًا، إذ كان المسلمون يدرسون في المؤسسات الدينية، والمسيحيون في المدارس الأرثوذكسية والكاثوليكية، وكذلك اليهود. ومع إطلاق محمد علي باشا لمشروع الدولة الحديثة، نشأ مفهوم التعليم الوطني الذي يرسخ الانتماء للوطن فوق الهوية الدينية. حتّى أربعينيات القرن العشرين، استمرّت بعض الإشكاليات في النظام التعليمي، حيث كان هناك تعليم حكومي، وتعليم أهلي، بالإضافة إلى التعليم الأجنبي وتعليم الطوائف المسيحية المختلفة، فضلًا عن التعليم الأزهري. لكن بخلاف الأخير، لم تكن التربية الدينية تُعدّ قضيةً أساسيةً في المدارس. (الخبير التربوي د. كمال مغيث) يُدلّل مشهد من فيلم شباب امرأة، إنتاج عام 1956، على هذا المفهوم. عندما علم البطل، وهو شاب ريفي ساذج انتقل إلى القاهرة للدراسة يلعبه الفنان شكري سرحان، أن أحد زملائه كان يراجع آيات قرآنية، أخبره أنهم لا يدرسون القرآن في المدرسة. وهذا يدل على أن "التعليم الديني" لم يكن منهجًا أساسيًا حتى ذلك الوقت. بمرور الوقت، أصبحت دراسة مادة التربية الدينية اختيارية في مصر باستثناء فترات التغييرات السياسية والاجتماعية، لا سيّما مع تصاعد نفوذ جماعة الإخوان المسلمين والحركات الدينية الأخرى. التيارات الإسلامية، وبالأخص جماعة الإخوان المسلمين، تعتبر السيطرة على وجدان الناس معركتها الأساسية، وتستخدم في سبيل تحقيق ذلك أدوات عدة في مقدمتها التعليم. مؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا كان مدرّسًا، وأدرك أهمية التعليم في تنشئة 'الفرد المسلم' و'المجتمع المسلم'، بما يمهّد لهيمنة الجماعة على الصعيدَين الاجتماعي والسياسي. (الباحث سامح فوزي، دراسة: التعليم في منطقة الصيد... الدولة والإخوان) إضافة "الدين" إلى الرصيد يعتقد مغيث أن هذا النهج بالذات كان سببًا في الصراع بين الدولة المصرية وجماعة الإخوان المسلمين. فخلال فترة قوة الجماعة، اضطرت الحكومة إلى إدراج "الدين" كمادة دراسية كوسيلة للمصالحة وإرضاء الأفكار الرجعية. حدث ذلك في عهد رئيس الوزراء إبراهيم عبد الهادي (ديسمبر 1948 - يوليو 1949)، حيث اتخذت الدولة عدة إجراءات تعكس إعلاء شأن النهج الديني في الحياة العامة والثقافية، بما في ذلك إلغاء البغاء في عام 1949. مع تولي كمال الدين حسين، أحد الضباط الأحرار الموصوف بأنه "إخواني الهوى"، منصب وزير التعليم في الفترة من 1954 إلى 1958، تم التشديد على أهمية مادة "التربية الدينية" باعتبارها شرطًا للنجاح أو الرسوب، دون احتسابها في المجموع. واستمر هذا الوضع حتى قرر وزير التربية والتعليم الحالي، محمد عبد اللطيف، احتساب مادة الدين ضمن الدرجات النهائية للمجموع، اعتبارًا من العام الدراسي المقبل 2026. على الرغم من الاعتقاد السائد بأن التعليم الديني يقلل من التطرف، إلا أن الواقع قد يتناقض مع ذلك. في حين أن التعليم الديني المعتدل قد يعزز الاعتدال والتفاهم، إلا أن التطرف الديني المفرط يمكن أن يؤدي إلى الاستقطاب والانقسام. فكلما زاد التأكيد على الجانب الديني، زادت احتمالية أن يرى كل فرد صحة مواقفه فقط، مما يؤدي إلى الشعور بعدم التسامح وعدم القدرة على التوافق مع الآخرين. خلال فترة حكم الرئيس محمد أنور السادات (1970-1981)، شهدت مصر تحالفًا مع التيارات الدينية. وقد أدى هذا التحالف إلى تراجع المشروع الوطني للدولة، بما انعكس على النظام التعليمي عمومًا. طُبعت المناهج وصُبغت بصبغة دينية، وأصبحت العلوم الدينية تهيمن على الحصص المختلفة، حيث أصبح المعلّمون يقدّمون حتّى المواد العلمية مغلّفةً بتعابير دينية، إلى درجة أنّهم كانوا يحلّلون علوماً ويحرّمون أخرى. كما أصبحت مادة اللغة العربية تحتوي على آيات ونصوص كثيرة من القرآن. وتكرّر النظر بازدراء إلى الطالبات والمعلِّمات غير المحجبات في بعض المدارس، ورُحِّب بالمسرحيات التي تمجّد شخصيات إسلاميةً مثل خالد بن الوليد وعمرو بن العاص، بينما غابت الشخصيات الوطنية مثل مصطفى كامل، وأحمد عرابي. (الخبير التربوي د. كمال مغيث) يحذر الدكتور عماد رزيك عمر، من كلية القانون والعلوم السياسية بجامعة الأنبار العراقية، في بحثه تأثير التنشئة الاجتماعية والسياسية في الاتجاه نحو التطرف، من أن بعض المعلمين قد يتبنون نهجًا استبداديًا ويميزون بين "نحن" و"هم" عند التعامل مع الطلاب من هويات دينية مختلفة. ويؤكد أن هذا النهج يساهم في إذكاء الانقسامات العرقية أو الطائفية من خلال التعليم. حصّة الدين والتفريق بين الطلاب على غرار الأطفال الذين انغلقوا اجتماعيًا أمام الصحافة، تروي كلير المصري، المديرة السابقة لمكتبات جامعة عين شمس، قصتها مع "حصة الدين" التي لم تغادر ذاكرتها حتى بعد بلوغها عقدها السابع، فتقول: في حصّة الدين، كان يتم الإبقاء على المسلمين داخل فصولهم، أما نحن، فنقضي وقتًا طويلًا من زمن الحصّة في البحث عن مدرِّس، وعن مكان لتعلّم الدين المسيحي، فالمدارس عادةً لا توجد فيها قاعات أو مرافق مجهّزة لهذه الحصّة، والمدرّسون المسيحيون يوزعون فيما بينهم حصص التربية الدينية، وإن كانوا جميعاً مشغولين، تُلغى الحصة. بعدما يضيع أغلب وقت الحصة في البحث عن مدرِّس ومكان، قد ينتهي بنا الحال إلى الدراسة في فناء المدرسة، وفي أحيان أخرى كنا نبقى مع الطلاب المسلمين، نحفظ السور والآيات القرآنية. حفظت آيات كثيرةً من القرآن بسبب مراحل تعليمي الأولى في فترة سبعينيات القرن العشرين. (كلير المصري، مديرة سابقة لمكتبات جامعة عين شمس) لم تكن حصة الدين المسيحي بالنسبة لنا منتظمًة، لأنها كانت مرهونًة بوجود مدرّس مسيحي، الذي عادًة لم يكن مختصًا أو خريج إحدى كليات اللاهوت، وإنما كان مسيحيًا فحسب، وقد يكون معلّم رياضيات أو علوم أو لغة إنجليزية. وفي حال غيابه أو انشغاله بحصته الأساسية، نبقى في الفناء إلى حين انتهاء الحصة. (كمال فريد، طبيب وباحث في الشأن القبطي) من جيل مختلف ومدينة أخرى في الفيوم، تشاركنا الصحفية ماريانا سامي، فتقول: حصة الدين في المدرسة لم تكن تضيف أيّ قيمة أخلاقية حقيقية، ليس فقط لأنّ المدرسة مكان غير مناسب لحصة الدين، بل لأنها أيضًا تخلق وضعًا عبثيًا، خاصةً للأقليات الدينية. لا تزال ذاكرتي تحمل مشهد طفولتي في المرحلة الابتدائية، حين كنت أنا وأربعة من زملائي نُجبَر على مغادرة الفصل مع معلمة الدين المسيحي، ونجوب أرجاء المدرسة بحثًا عن مكان نستقرّ فيه. وفي النهاية، كنّا نجلس على مقعدَين بجوار السلّم، بينما زملاؤنا المسلمون يبقون في الفصل حيث الأجواء المعتادة للدراسة والمقاعد المريحة. لم يكن الأمر مجرد نقص في التنظيم، بل كان إحساسًا واضحًا بالإقصاء، وكأننا زائدون عن الحاجة، مجرد أفراد ينبغي إبعادهم إلى الهامش. المناهج تحمل رسائل ضمنيًة وصريحًة تعزّز التعصّب، وتغذّي شعور التفوّق لدى البعض والدونية لدى البعض الآخر. تُلقّن الأطفال أنّ زملاءهم المختلفين عنهم في العقيدة هم 'ضالّون' و'كفّار'، وعلى الجانب الآخر 'أبناء العالم' و'لن يدخلوا الملكوت'، وكأنّ الحصة لم تكن درسًا في الدين، بقدر ما كانت درساً في الفُرقة والكراهية. (ماريانا سامي، صحفية وباحثة في شؤون الأقليّات) فرض "الدين" هو تعريف "التطرف" لا تقتصر المشكلة على الانقسام بين الطلاب المسلمين والمسيحيين. تتمثل إحدى المشكلات الرئيسية هي تدريس المسيحية في مصر من منظور الأغلبية الأرثوذكسية فقط. يؤدي هذا إلى توليد أسئلة جدلية بين الطلاب، مثل: من يستحق دخول الملكوت: نحن أم الإنجيليون؟ في الصف الخامس الابتدائي، كانت كاتبة المقال تدرس في مدرسة مسيحية إنجيلية. وخلال درس ديني، طرحت المعلمة سؤالًا: "من سيُقبل في ملكوت السماوات؟" فأجابت: "الجميع سيدخلون الملكوت، لأن رحمة الله لا تميّز بين الطوائف". أثار هذا الجواب احتجاجًا من الطلاب الذين نشأوا على الاعتقاد بأن الأرثوذكس وحدهم من سيُقبلون في الملكوت. وعندها اكتشفوا أن معلمتهم إنجيلية، فاشتكوا لأولياء أمورهم، الذين تقدموا بدورهم بشكوى لإدارة المدرسة، مطالبين بتوقيف تدريس الدين المسيحي على يد مُعلمة إنجيلية. استجابت إدارة المدرسة -الإنجيلية- للشكوى درءًا للفتنة، واستبعدت المعلمة من تدريس مادة الدين المسيحي، التي ظلت بلا مدرس أو معلمة لمدة نصف عام تقريبًا. تُقر كاتبة التقرير بأنها نشأت على الاعتقاد بأننا الأرثوذكس هم الطائفة المسيحية الوحيدة الصحيحة، وأن الطوائف المسيحية الأخرى التي تختلف معنا في مسائل أساسية مثل الصوم والمعمودية هي طوائف خاطئة. وقد أدى هذا الاعتقاد إلى تعليم الدين بطريقة عمقت الانقسامات داخل المسيحية، بدلًا من تعميق الفهم بين الديانات المختلفة مثل الإسلام والمسيحية. كما أدى إلى ترسيخ فكرة أن أتباع كل دين أو طائفة سيذهبون إلى الجنة أو الملكوت باعتبارهم "الفرقة الناجية"، في حين من عداهم مُخلّدون في النار إلى الأبد. الإنجيليون لن يدخلوا الملكوت، يمكن أن تكون لهم مكانة جيدة وفق أعمالهم، لكن لن يروا المسيح كما يراه الأرثوذكس. (نانسي رفيق، معلمة مادة العلوم، التي كانت تدرس مادة الدين المسيحي) كان التعليم في مصر قبل عهد محمد علي باشا طائفيًا، إذ كان المسلمون يدرسون في المؤسسات الدينية، والمسيحيون في المدارس الأرثوذكسية والكاثوليكية، وكذلك اليهود. ومع إطلاق محمد علي باشا لمشروع الدولة الحديثة، نشأ مفهوم التعليم الوطني الذي يرسخ الانتماء للوطن فوق الهوية الدينية. (الخبير التربوي د. كمال مغيث) الدين في مقابل المواد العلمية يجادل المفكر السوري: صادق جلال العظم، في كتابه نقد الفكر الديني، بأن العلم والدين يتعارضان في جوانب جوهرية، بما في ذلك المنهج المستخدم للوصول إلى المعرفة والفهم. بالنسبة للدين الإسلامي -كما بالنسبة لغيره- المنهج القويم للوصول إلى المعارف هو: الرجوع إلى نصوص معيّنة؛ تعتبر مقدسةً أو منزلًة، أو الرجوع إلى كتابات العلماء والحكماء الذين درسوا وشرحوا هذه النصوص. أما تبرير العملية بأسرها فيستند إلى الإيمان، أو الثقة العمياء بحكمة مصدر هذه النصوص وعصمته عن الخطأ. الطريقة العلمية تتنافى تمامًا مع هذا المنهج الاتّباعي السائد في الدين، لأنّ المنهج العلمي قائم على الملاحظة والاستدلال، على أن يكون التبرير الوحيد لصحة النتائج التي يصل إليها هذا المنهج؛ هو مدى اتّساقها المنطقي مع بعضها، ومدى انطباقها على الواقع. (صادق جلال العظم، نقد الفكر الديني) في الأيام الأخيرة، أثارت محاولات وزير التعليم المصري، عبد اللطيف، الربط بين الدين والقيم الأخلاقية، حالة من التناقض والاستغراب عندما تساءل: كيف يمكنني أن أطالب الطالب بالتمسك بالقيم الأخلاقية إن لم نضف الدين إلى المجموع؟ يحتوي السؤال على مغالطًة منطقيًة، ﻷنّ هذا لا يعني ذاك، حيث لم تأتِ الأديان بالأخلاق، والأخلاق ليست نتاجًا لأي دين محدد. من المغالطات للمنطق الاعتقاد بأنّ تدريس التربية الدينية يؤدي بالضرورة إلى تحسين الأخلاق. فالإسلام والمسيحية كلاهما يقومان على القيم الأخلاقية، ولكن لا يوجد بحث علمي واحد يثبت أنّ تدريس الدين في المدارس ينعكس مباشرًة على سلوك الأفراد. الطفل قد يكره مادةً علميةً لأنّها صعبة، ولكن هل نقبل أن يكره الدين لأنه لا يستطيع اجتياز امتحانه؟ التعليم يجب أن يكون وسيلًة لخلق مواطن صالح، وليس أداًة للتمييز أو التفرقة بين الطلّاب/ المواطنين. والأصل أن يُدرّس الدين كجزء من الثقافة العامة، وليس كمادة تُختبر فيها المهارات الأكاديمية، لأنّ الهدف منه هو بناء القيم، وليس قياس الحفظ والاستذكار. المدرسة مؤسّسة ثقافية وسياسية في الأساس، ويجب أن تخضع المناهج لمقتضيات الدولة الحديثة، وليس العكس. اليوم، أصبح التعليم معتمدًا على الدروس الخصوصية، حتّى في التربية الدينية، ما يفتح بابًا للتمييز. على سبيل المثال، إذا حصل الطلاب المسيحيون على درجات ضعيفة في التربية الدينية، فقد يشعر ذووهم بأنّهم مُهمَّشون أو يُنظر إليهم باعتبارهم أقلّ تدينًا، ما يعني فتح الباب على مصراعيه لمشكلات وأزمات أكبر. يُفترض أن تأتي المواطنة قبل الانتماء الديني، ولذلك فإنّ جعل التربية الدينية مادةً تُحتسب بالدرجات قد يكون أمرًا إشكاليًا. فالأصل في الأديان هو الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، ولم يكن هناك اهتمام في التاريخ الإسلامي أو المسيحي بقياس مدى حفظ النصوص بقدر الاهتمام بالقيم والمبادئ الأخلاقية، كما أنّ التعليم المؤسسي الوطني، هو الذي يجب أن يكون موحدًا ومتفقًا عليه من قبل جميع المواطنين. (الخبير التربوي د. كمال مغيث) --- ### مصر والنيل: المفاوضات والمصالح - Published: ۲۰۲۵-۰۲-۱۲ - Modified: 2025-02-12 - URL: https://tabcm.net/35770/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: Addis Standard, The Guardian, آبي أحمد علي, أسماء نصار, التغير المناخي, المصري اليوم, النيل للأخبار, اليوم السابع, بسام رمضان, بوابة الأهرام, جريدة الشروق, جمعة حمد الله, جيولوجي, رئيس عبد الفتاح السيسي, رئيس محمد محمد مرسي عيسى العياط, سكاي نيوز عربية, سوزان عاطف, صفاء محمد محمد, عمر حسن أحمد البشير, متولي سالم, محمد علاء, ميليس زيناوي بن أصليص, هايلي ماريام ديسالين, هشام بخيت, وكالة BBC, وكالة أنباء الشرق الأوسط "الرسالة الثانية التي نريد أن نرسلها؛ هي أننا نمارس حقنا، في استخدام أنهارنا، لمحاربة الفقر في بلادنا، دون أيّ تعمّدٍ لإحداث أيّ أذى لأيٍّ من جيراننا" (ميليس زيناوي، رئيس وزراء إثيوبيا، عند وضع حجر الأساس لسد النهضة الكبير، ٢ أبريل ٢٠١١) الرسالة الثانية التي نريد أن نرسلها؛ هي أننا نمارس حقنا، في استخدام أنهارنا، لمحاربة الفقر في بلادنا، دون أيّ تعمّدٍ لإحداث أيّ أذى لأيٍّ من جيراننا. (ميليس زيناوي، رئيس وزراء إثيوبيا، عند وضع حجر الأساس لسد النهضة الكبير، ٢ أبريل ٢٠١١) بين حجر الأساس وإعلان المبادئ 2011-2015 في 31 مارس 2011، أعلنت إثيوبيا عن البدء في إنشاء سد النهضة الكبير (أو سد الألفية كما كان يُطلق عليه في البداية) في الموقع نفسه لـسد الحدود المقترح سابقًا ولكن بسعة تخزينية تبلغ 74 مليار متر مكعب ومحطة كهرباء بقدرة 6000 ميجاوات. كانت التكلفة التقديرية للمشروع حينها 4. 8 مليار دولار. واحتياطًا من محاولات مصر لإيقاف التمويل في حال استعانت إثيوبيا بالمؤسسات الدولية والإقليمية، عمدت الحكومة إلى تنويع التمويل بين تمويل حكومي ومحلي وعن طريق صكوك بيعت للمواطنين في الداخل والخارج وتمويل خارجي عن طريق بنوك صينية. وفي إطار احتواء مخاوف بلدي المصب مصر والسودان، اتفقت الثلاثة بلدان في اجتماع في أديس أبابا في نوفمبر 2011 على تشكيل لجنة فنية للخبراء International Panel of Experts (IPoE). كان أول من اقترح تشكيل مثل هذه اللجنة هو رئيس الوزراء الإثيوبي ميليس زيناوي في اجتماعه مع وفد الدبلوماسية الشعبية المصرية الذي التقاه في أديس أبابا في 29 أبريل 2011 ((بوابة الأهرام نقلًا عن وكالة أنباء الشرق الأوسط: صحيفة إثيوبية: ثمار زيارة وفد الدبلوماسية الشعبية المصرى لإثيوبيا ستعم القارة، بتاريخ 6 مايو 2011. )). تم الاتفاق على أن تكون اللجنة مكونة من عشرة أعضاء: اثنان من كل بلد وأربعة خبراء دوليين. وهذه آلية شبيهة بآلية فض المنازعات في الاتفاقية الإطارية التعاونية لدول حوض النيل التي لم توقع عليها مصر ((المادة 34 والملحق من الاتفاقية الإطارية للتعاون بين دول حوض النيل. )). تمت الموافقة على أسماء الأربعة خبراء الدوليين في مارس 2012 وبدأت اللجنة عملها، وبعد ستّ اجتماعات امتدّت من مايو 2012 حتى مارس 2013، أصدرت اللجنة تقريرها في 31 مايو 2013 ((تقرير اللجنة الدولية للخبراء لمشروع سد النهضة الإثيوبي الكبير International Panel of Experts Report on GERDP )). وقبل موعد إصدار التقرير بأيام، قامت إثيوبيا بتنفيذ تحويل مجرى النيل الأزرق تمهيدًا لبدء إنشاء الهيكل الأساسي للسد دون انتظار الملاحظات الفنية للجنة ((وكالة BBC العربية، أثيوبيا تبدأ بتحويل مجرى النيل الأزرق، بتاريخ 28 مايو 2013. )). وأثار ذلك غضب القيادة في مصر في عهد الرئيس الأسبق محمد مرسي، التي كانت تواجه ضغوطًا احتجاجية في الشارع آنذاك. دفعها ذلك إلى عقد مؤتمر في مركز المؤتمرات بمدينة نصر في يوم 10 يونيو 2013، صرح فيه محمد مرسي تصريحه الشهير: إن نقصت مياه النيل قطرة واحدة فدمائنا هي البديل. ((بسام رمضان، المصري اليوم، مرسي: إذا نقصت مياه النيل قطرة واحدة فدماؤنا هي البديل، بتاريخ 10 يونيو 2013. )).  وهو التصريح الذي أثار أزمة كبيرة بين البلدين، حيث صرح الناطق باسم رئيس الوزراء الإثيوبي في يوم 11 يونيو 2013 بأن خطاب مرسي كان خطابًا غير مسؤول، وأن هذه التهديدات لن توقف استكمال مشروع السد كما هو مخطط ((الجارديان، Ethiopia rejects Egyptian protests over Nile dam، بتاريخ 11 يونيو 2013. )). كانت الملاحظات التي وردت في تقرير اللجنة مثيرة للاهتمام والقلق، وكان أهمها: عوامل الأمان: رأت اللجنة أن الدراسات التي أجريت لدراسة استقرار جسم السد الرئيسي في ضوء العوامل الجيولوجية والجيوتقنية غير كافية. وتحديدًا، أثارت اللجنة مخاوفها بخصوص سلامة تصميم جسم السد، وبالأخص تقديرات إجهاد القص ((إجهاد القص Shear Stress: يحدث عندما تؤثر قوتان متعاكستان على جسم ما في اتجاهين متضادين ولكن لا تؤثران على نفس المكان، مما يؤدي إلى تعرض جزء من الجسم للضغط في اتجاه وجزء آخر في اتجاه آخر. على سبيل المثال، في الخرسانة، يمكن أن يؤدي إجهاد القص إلى حدوث شرخ إجهادي. بالنسبة للسدود، فإن إجهاد القص هو الإجهاد الناتج عن ارتفاع ووزن الماء على جسم السد. وبناءً على تقديراته، يتم تصميم جسم السد لمقاومة إجهاد القص. إذا كانت التقديرات غير دقيقة، فقد يؤدي إجهاد القص إلى انزلاق جسم السد من الأسفل وبالتالي انهياره. )) على جسم السد وإمكانية الانزلاق وتسرب المياه. واقترحت اللجنة عدة تعديلات على التصميم. تصريف المياه خلف السد: رأت اللجنة أن الدراسة الهيدرولوجية التي قدمتها إثيوبيا بشأن تغير تصريف مياه النهر نتيجة إنشاء السد هي دراسة ابتدائية للغاية. حيث لم تأخذ في اعتبارها الإنشاءات المقترحة أعلى النهر ولا التأثيرات المحتملة على كميات المياه أسفل النهر الواصلة لمصر والسودان. كما قدمت تقديرات غير سليمة لمقدار البخر في خزان السد. وأوصت اللجنة بإجراء دراسة كميّة تفصيلية لتحديد تأثيرات السد على دول المصب. تشغيل السد: رأت اللجنة أن المعلومات المقدمة عن تشغيل السد لتوليد الكهرباء قليلة جدًا. فليس من الواضح ما إذا كان التصميم الحالي لمحطة توليد الكهرباء يأخذ في الاعتبار الحد الأدنى لمتوسط تدفقات أشهر الجفاف إلى دول المصب. الآثار البيئية وتغير المناخ: لم تتضمن الدراسة المُقدمة للجنة أي رصد وتقييم لتأثير السد على المجتمعات والبيئة المحلية، إذ اقتصرت على دراسة تأثيره على المنطقة المحيطة بالسد فقط، دون النظر إلى آثاره البيئية فيما وراء هذه المنطقة، سواءً داخل إثيوبيا أو في دول المصب. كذلك لم تتضمن الدراسة أي تقييم لتأثير التغير المناخي على المشروع، على الرغم من أن مشروعًا بهذا الحجم، الذي يعتمد بشكل كبير على أنماط هطول الأمطار، يتطلب فهمًا أفضل للظروف الهيدرولوجية والمناخية المستقبلية لضمان أعلى درجة من المرونة في تصميمه وتشغيله. مرفقات: تحميل نسخة ضوئية من تقرير لجنة الخبراء الدولية باللغة الإنجليزية . رحبت إثيوبيا من جانبها بالتقرير وصرحت أنها ستسعى بالتعاون مع مصر والسودان على تنفيذ الدراسات الإضافية التي طلبتها اللجنة، مؤكدةً على الفائدة التي ستعود على الجميع من بناء السد، وعلى استمرارها في الإنشاء كما هو مخطط ((ዘሪሁን አበበ ይግዛው، Abbay Nile، The International Panel of Experts’ report on the Grand Ethiopian Renaissance Dam، بتاريخ 17 يونيو 2013. )). كذلك، رحبت مصر بالتقرير مع التأكيد على الملاحظات التي أثارتها اللجنة، ودعت إلى تشكيل لجنة فنية بخبراء دوليين أو تكليف بيت خبرة دولي بإعداد الدراسات الإضافية الواردة في تقرير اللجنة، وهو الشرط الذي رفضته إثيوبيا، بل وتعهدت بمواصلة العمل على إنشاء السد رغم تحذيرات اللجنة ((Addis Standard، Ethiopia vows to construct the Great Renaissance Dam despite caution from Panel of Experts، بتاريخ 5 أكتوبر 2013. )). جرى عدد من الجلسات التفاوضية بين البلدان الثلاثة في نوفمبر 2013 ويناير 2014، إلا أنها باءت بالفشل وتوقفت المفاوضات. ولم تُستأنف إلا عقب انتخابات الرئاسة في مصر في يونيو 2014 ((متولي سالم، المصري اليوم، سد النهضة. . عام من الصدام والأمل والغموض، بتاريخ 30 ديسمبر 2014. )). أسفرت المفاوضات بين مصر والسودان وإثيوبياعن الاتفاق في أغسطس 2014 على تشكيل لجنة وطنية ثلاثية، بحضور وزراء الري الثلاثة، للاتفاق على الخطوات التنفيذية لاستكمال الدراسات المتعلقة بالسد ((متولي سالم، المصري اليوم، وزير الري: اجتماعات سد النهضة في أديس أبابا منتصف سبتمبر، بتاريخ 7 سبتمبر 2014. )). ووُفق هذه الاجتماعات، تم الاتفاق على تكليف مكتب استشاري عالمي لإجراء الدراسات التفصيلية المطلوبة ((متولي سالم، المصري اليوم، «الري»: اختيار مكتب استشاري عالمي للإشراف المالي على دراسات سد النهضة، بتاريخ 11 أكتوبر 2014. )). السودان وسد النهضة من جهة السودان، لم يكن موقفه معارضًا تمامًا لإنشاء السد كما كان موقف مصر، إذ أن السودان سيستفيد من السد في أكثر من جانب: أولًا، عند اكتمال الربط الكهربائي بين السودان وإثيوبيا، سيتمكن السودان من سد العجز في شبكته الكهربائية عبر استيراد فائض الطاقة المنتجة من محطة السد. ثانيًا، سيستفيد السودان من منع السد للفيضانات العالية التي لم يكن خزان الرصيرص يحتويها وأدت إلى خسائر جسيمة في بعض السنوات. ثالثًا، سيحجز السد كميات كبيرة من الطمي الذي يتراكم أمام خزان الرصيرص الآن وأدى مرور السنوات إلى تقليص قدرته على التخزين. ويعتبر حجز الطمي من الفوائد القليلة التي من الممكن أن تعود على مصر من هذا السد، إذ أن تقليل كميات الطمي المترسبة في بحيرة ناصر سيطيل من عمر السد العالي. كذلك، قلة البخر ببحيرة سد النهضة عند التخزين بها مقارنة بالبخر في بحيرة ناصر الذي يصل إلى حوالي 10 مليار متر مكعب سنويًا ((A. M. Negm (ed. ), Conventional Water Resources and Agriculture in Egypt, Springer International Publishing, 2018, pp. 18-35 )). ظهر موقف السودان إلى العلن في ديسمبر 2014 عندما صرح الرئيس البشير قائلًا: ساندنا سد النهضة لقناعتنا الراسخة بأن فيه فائدة لكل الإقليم بما فيها مصر، وسنعمل عبر اللجنة الثلاثية الدولية لتقييم سد النهضة يدًا بيد لما فيه مصلحة شعوب المنطقة.  ((صفاء محمد محمد، الموقف السوداني من أزمة مياه النيل و تأثيره على الأمن القومي المصري، مجلة الدراسات الإفريقية وحوض النيل، مجلد 1، عدد 1، مارس 2016، ص 117-130. )). أدى هذا التباين في المواقف بين مصر والسودان إلى توتر مكتوم بين البلدين في المفاوضات التي تلت إعلان تقرير اللجنة ((Michael Asiedu, The construction of the Grand Ethiopian Renaissance Dam (GERD) and geopolitical tension between Egypt and Ethiopia with Sudan in the mix, Global Political Trends Center (GPoT) (2018) )). جاء شهر مارس 2015 بتطور جديد في ملف السد، إذ وقّعت الدول الثلاث في الخرطوم اتفاقية إعلان المبادئ بشأن سد النهضة بين الرئيس عبد الفتاح السيسي ونظيره السوداني عمر البشير ورئيس وزراء إثيوبيا هايلي ماريام ديسالين، التي تحدد إطارًا للالتزامات والتعهدات التي تضمن التوصل إلى اتفاق كامل بشأن تشغيل وملء خزان السد. وكان أهم ما ورد في هذه الاتفاقية ((النيل للأخبار، النيل للأخبار تنشر النص الكامل لاتفاقية إعلان مبادئ وثيقة سد النهضة، بتاريخ 23 مارس 2015. )): مبدأ عدم التسبب في ضرر ذي شأن: إذ تلتزم الدول الثلاث باتخاذ كافة الإجراءات المناسبة لتجنب التسبب في ضرر ذي شأن خلال استخدامها لنهر النيل الأزرق/ النهر الرئيسي، وفي حالة حدوث ضرر ذي شأن لإحدى الدول، فإن الدولة المتسببة في إحداث هذا الضرر عليها، وفي غياب اتفاق حول هذا الفعل، أن تتخذ كافة الإجراءات المناسبة بالتنسيق مع الدولة المتضررة لتخفيف أو منع هذا الضرر، ومناقشة التعويض كلما كان ذلك مناسبًا. مبدأ التعاون في الملء الأول وإدارة السد: التزمت الدول الموقعة على تنفيذ توصيات اللجنة الدولية واستخدام المخرجات النهائية للدراسات المشتركة الموصى بها في تقرير لجنة الخبراء الدولية في الآتي: * الاتفاق على الخطوط الإرشادية وقواعد الملء الأول لخزان سد النهضة، التي ستشمل كافة السيناريوهات المختلفة، بالتوازي مع عملية بناء السد. * الاتفاق على الخطوط الإرشادية وقواعد التشغيل السنوي لسد النهضة، التي يجوز لمالك السد ضبطها من وقت لآخر. مع الالتزام بالاتفاق على هذه القواعد في مدى زمني قدره 15 شهرًا منذ بداية إعداد الدراستين المُوصى بهما من جانب لجنة الخبراء الدولية. مبدأ التسوية السلمية للمنازعات: اتفقت الدول الثلاث على أن تقوم بتسوية منازعاتها الناشئة عن تفسير أو تطبيق هذا الاتفاق بالتوافق من خلال المشاورات أو التفاوض وفقًا لمبدأ حسن النوايا. وإذا لم تنجح الأطراف في حل الخلاف من خلال المشاورات أو المفاوضات، فيجوز لهم مجتمعين طلب التوفيق أو الوساطة أو إحالة الأمر لعناية رؤساء الدول/ رئيس الحكومة. بدا وقتها أن الخلاف في طريقه للحل، إلا أن المياه جرت على عكس ذلك. مرفقات: تحميل نسخة ضوئية من وثيقة إعلان المبادئ باللغة الإنجليزية . تفاوض بلا نتيجة 2015-2019 رغم الأجواء الإيجابية التي عكسها إعلان المبادئ، إلا أن ما تلاه من تطورات أوضح أن إثيوبيا تسعى للمماطلة وشراء الوقت، مع استمرارها في إنشاء السد لخلق أمر واقع على الأرض. وهكذا سارت المفاوضات من تأجيل إلى خلق مشكلات إلى تسويف إلى فشل ثم محاولة جديدة، وهكذا دواليك. وعلى الرَّغم من الاتفاق في بداية أبريل 2015 على تكليف مكتبي دلتارس الهولندي وبى آر إل الهندسي الفرنسي بإجراء الدراسات ((متولي سالم، المصري اليوم، وزير الري يقدم تقريرا للسيسي ومحلب حول نتائج اجتماعات سد النهضة خلال أيام، بتاريخ 10 أبريل 2015. ))، وهو الحل الوسط بين مصر التي اقترحت المكتب الهولندي وإثيوبيا التي اقترحت المكتب الفرنسي، إلا أن الخلافات دبت مجددًا بينهما على آلية العمل بين المكتبين، وتعثر البدء في تنفيذ الدراسات رغم الاجتماعات العديدة التي عُقدت لحل الخلاف على مدى عام 2015 ((متولي سالم، المصري اليوم، الجولة العاشرة لمفاوضات «سدالنهضة». . الخلافات مستمرة، بتاريخ 11 ديسمبر 2015. )). وأخيرًا، في 28 ديسمبر 2015، اتفقت الأطراف على بدء الدراسات الفنية لسد النهضة في فبراير 2016، على أن يُكلَّف المكتب الفرنسي بتنفيذ 70% من الدراسات، مقابل 30% تقوم بها شركة ارتيليا الفرنسية بدلًا من المكتب الهولندي ((متولي سالم وسوزان عاطف، المصري اليوم، مفاوضات سد النهضة: «نصف اتفاق»، بتاريخ 29 ديسمبر 2015. ))، وهو ما يعد تنازلًا من جانب مصر لتيسير الوصول إلى اتفاق. إلا أن التعاقد مع المكتبين تأخر مجددًا نظرًا لخلافات جديدة على صياغة العقود، ثم الخلاف على النطاق الفني للدراسات ((متولي سالم، المصري اليوم، تعثر جديد لـ«مفاوضات سد النهضة»، بتاريخ 11 فبراير 2016. )). ولم يتم توقيع العقود إلا في سبتمبر 2016 على أن تنتهي الدراسات خلال 11 شهراً.  وعندما قدم المكتب الاستشاري الفرنسي في مارس 2017 مسودة التقرير الافتتاحي الذي يحدد من خلاله الآلية والشروط المرجعية التي سيعمل بها على الدراسات، نشأ خلاف آخر حول هذه المسودة ((محمد علاء، جريدة الشروق،«الري»: نقاط فنيَّة عالقة تؤجل الاتفاق على التقرير الاستهلالي لاستشاريّ «سد النهضة»، بتاريخ 16 مايو 2017. )).  وبعد أن كان الخلاف الأساسي بين مصر وإثيوبيا، أصبحت السودان طرفًا في الخلاف على مسودة هذا التقرير. إذ طلبت السودان وإثيوبيا تعديلات على المسودة رفضتها مصر، وهو ما أدى إلى انهيار المفاوضات في نوفمبر 2017 ((أسماء نصار، اليوم السابع، وزير الرى يعلن عدم التوصل لاتفاق بشأن التقرير الاستهلالى لسد النهضة، بتاريخ 12 نوفمبر 2017. )).  وإثر هذا الموقف السوداني، ظهر التوتر بين مصر والسودان إلى العلن وبدأت السودان في إثارة مشكلة مثلث حلايب وشلاتين مجددًا. وتبادل المسؤولون في البلدين التصريحات، حتى وصل الأمر إلى استدعاء السودان سفيرها بالقاهرة في يناير 2018 ((وكالة BBC العربية، 5 ملفات شائكة في العلاقات المصرية السودانية. . تعرف عليها، بتاريخ 5 يناير 2018. )). وفي نفس الشهر اقترحت مصر دخول البنك الدولي كطرف محايد في المفاوضات لتحريك الجمود، لكن هذا الطلب قوبل بالرفض من جانب إثيوبيا بحجة وجود إمكانية لحل الأزمات العالقة دون الحاجة إلى أطراف جديدة. بعد ثلاثة أشهر من الجمود التام، توصلت الأطراف إلى إنشاء لجنة تساعية من وزراء الخارجية والري ومديري أجهزة المخابرات في الدول الثلاث. وتم الاتفاق في اجتماع اللجنة الثاني في مايو 2018 على تشكيل مجموعة علمية بحثية وطنية مستقلة مكونة من 15 عضوًا، على أن ترشح كل دولة 5 أعضاء. وتكون مهمة اللجنة مناقشة وتطوير عدة سيناريوهات تتعلق بقواعد الملء والتشغيل للسد، وذلك طبقًا لمبدأ الاستخدام العادل والمنصف للموارد المائية المشتركة. كذلك تم الاتفاق على إرسال الملاحظات على التقرير الافتتاحي للمكتب الاستشاري الفرنسي ((جمعة حمد الله، المصري اليوم، تفاصيل وثيقة مخرجات الاجتماع التُساعي لسد النهضة: الاتفاق على 5 نقاط، بتاريخ 16 مايو 2018. )). بدا أن هناك انفراجة في الأزمة، حيث لبى رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد علي، دعوة الرئيس المصري لزيارة القاهرة في يونيو 2018، حيث أدلى بوعده الشهير ((سكاي نيوز عربية، رئيس الوزراء الإثيوبي للسيسي: والله لن نضر مصر، مقطع فيديوي من المؤتمر الصحفي بتاريخ 10 يونيو 2018. )). وبعد الزيارة بأيام، بدأت اللجنة العلمية المستقلة عملها وعقدت خمسة اجتماعات من يونيو 2018 إلى سبتمبر 2019، ولكن دون الوصول إلى اتفاق كامل، رغم حدوث بعض التقدم ((المصري اليوم، بدء اجتماعات مجموعة العمل البحثية حول سد النهضة بالخرطوم، بتاريخ 23 يونيو 2018. )). تقدمت مصر، من خلال لجنتها، بمقترح شامل بشأن قواعد ملء وتشغيل السد ((هشام بخيت، عضو اللجنة العلمية، عرض فيديوي كامل للمقترح المصري. ))، إلا أن الاقتراح قوبل بالرفض من الجانب الإثيوبي مع اقتراح مقابل يقضي بالتفاوض على قواعد تشغيل السد بشكل سنوي ((أسماء نصار، اليوم السابع، عضو اللجنة العلمية لمفاوضات سد النهضة: الجانب الإثيوبى رفض مقترحات مصر لحل الأزمة، بتاريخ 21 أكتوبر 2019. )).   وهو ما استنكرته مصر وأدى إلى انهيار المسار التفاوضي في أكتوبر 2019 حيث أعلنت مصر وصول المفاوضات إلى طريق مسدود ((متولي سالم، المصري اليوم، «الري»: مفاوضات سد النهضة وصلت إلى «طريق مسدود»، بتاريخ 5 أكتوبر 2019. )). وهكذا سارت المفاوضات من تأجيلٍ، إلى خلقٍ للمشكلاتِ، إلى تسويفٍ، إلى فشلٍ، ثم محاولة جديدة، وهكذا دواليك. ومن استئناف لدراسات، يفشل إلى اتفاق على قواعد الملء والتشغيل. وكل ذلك يتزامن مع استمرار العمل في بناء السد واكتماله وبدء التخزين، مما يؤثر بكل تأكيد على كميات المياه الواردة لمصر والسودان. --- ### مكتب إيمان البيت الأبيض - Published: ۲۰۲۵-۰۲-۱۱ - Modified: 2025-02-11 - URL: https://tabcm.net/35872/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: السبي البابلي, الصهيونية, الكنيسة الكاثوليكية, المجيء الثاني, اليسار, بنيامين زئيف ثيودور هرتزل, پاول هارڤي, چيري ليمون فالويل, رئيس چورچ والكر بوش, رئيس چوزيف روبينيت بايدن, رئيس دونالد چون ترامب, رئيس رونالد ويلسون ريجان, روبرت أنتوني دي نيرو الابن, زئيف ڤلاديمير جابوتنسكي, صدى البلد, عيد الفصح, ماريون جوردون پات روبرتسون, مكتب إيمان البيت الأبيض, نوال سيد عبدالله, هرمجدون, وليام فرانكلين بيلي جراهام جونيور, يهوه منذ أيام، أعلن البيت الأبيض عن إنشاء The White House Faith Office ، وهو هيئة جديدة تهدف إلى تعزيز التواصل بين الإدارة الأمريكية والزعامات الروحية. سيقود هذا المكتب القس پاول هارڤي، وهو قس سابق في كنيسة البطريركية الوطنية في العاصمة واشنطن، وسيركز مكتب الإيمان على بناء علاقات مع القادة من جميع الأديان والمعتقدات بهدف تعزيز دور الإيمان في الحياة العامة. ومن المتوقع أن يسهل المكتب أيضًا مشاركة المجتمعات الدينية في مبادرات السياسة العامة للإدارة الأمريكية منذ أيام، أعلن البيت الأبيض عن إنشاء The White House Faith Office ، وهو هيئة جديدة تهدف إلى تعزيز التواصل بين الإدارة الأمريكية والزعامات الروحية. سيقود هذا المكتب القس پاول هارڤي، وهو قس سابق في كنيسة البطريركية الوطنية في العاصمة واشنطن، وسيركز مكتب الإيمان على بناء علاقات مع القادة من جميع الأديان والمعتقدات بهدف تعزيز دور الإيمان في الحياة العامة. ومن المتوقع أن يسهل المكتب أيضًا مشاركة المجتمعات الدينية في مبادرات السياسة العامة للإدارة الأمريكية ((موقع البيت الأبيض، Establishment of The White House Faith Office، بتاريخ 7 فبراير 2025. )). مع قناعتي الخاصة بأن معرفة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب -كشخص- بالمسيحية وعقائدها وتاريخها ومذاهبها... إلخ، لا تزيد عن معرفة بائع الطماطم -الجالس أسفل منزلي- بالفيزياء النووية. ومع تقييمي الشخصي لشخصية الرجل بأنه معجون بالتجارة والأعمال طوال تاريخه، لدرجة لا تترك مجالًا لغيرها في عقله. راجع مثلًا ما قاله النجم روبرت دي نيرو بشأنه منذ أيام ((نوال سيد عبدالله، صدى البلد، روبرت دي نيرو يهاجم ترامب: شرير وعديم الشرف وبلا مبادئ، بتاريخ 6 فبراير 2025. )). وبوجود معرفة نسبية بواقع الداخل الأمريكي من حيث توحش أجندة اليسار (اجتماعيًا واقتصاديًا وسياسيًا) خلال رئاسة چو بايدن، ووصولها لمستويات تهدد سلامة المجتمع الأمريكي بكامله، وما تتطلب هذه الأجندة أحيانًا من ظهور بديل يميني متطرف لمعادلة الكفة المائلة. إلّا أنني -وفي كل الأحوال- لا أخشى كثيرًا من مظاهر التديّن التي يحيط بها الرجل نفسه، إذ أراها مجرّد أداة تجاريّة مما يجيد استخدامه بمهارة طيلة حياته المهنيّة لتحسين شروط الصفقة أو فرض أوضاع تفاوضية أفضل. على الأقل فترامب، فيما أعلم، لم ينضمّ بعد إلى فئة الرؤساء الأمريكيين المولودين ثانيةً لحسن الحظ ! ! رأينا الأهوال من هؤلاء المولودين ثانية وأتباعهم، ومنهم عينة چورچ بوش الابن الذي ادعى سماع صوت الله يحثه على غزو العراق عقابًا له على السبي البابلي لشعب يهوه المختار منذ ٢٦٠٠ عامًا. ورأينا معتوهًا آخر مثل رونالد ريجان الذي كان يتوق بشدة لأن يكون الرئيس الذي سيشهد وقوع ملحمة هرمجدون، ملحمة نهاية الزمان، والتي يسبقها حدث الاختطاف للمؤمنين في بعض الأقوال، ومن ثمَّ يتبعها المجيء الثاني للمسيح لبدء الحكم الألفي في أقوال أخرى. رأينا من رؤساء أمريكا من كان لا يجرؤ على اتخاذ قرار أو توقيع أمر تنفيذي دون أخذ المشورة الدينية من بيلي جراهام، أو پات روبرتسون، أو چيري فالويل، أو غيرهم من القسوس الأقوياء ذوي النفوذ في البيت الأبيض، والذي تحول إلى النسخة الأمريكية من عرّاف البلاط الملكي قديمًا. رأينا من يُبشِّرنا بضرورة أن تقوم الولايات المتحدة بدورها المقدَّس في التعجيل بتنفيذ المخطَّط الإلهي نحو المنطقة والعالم ليعود الربُّ بسرعة على سحاب المجد، ولا مانع في سبيل تعجيل هذه اللحظة المقدَّسة بأن يقوم الحُكَّام المؤمنون بـإعمال يد الله كما تقول أدبيات الصهيونية المسيحية. الحق أن الصهيونية المسيحية، ذلك السرطان الخبيث، وإن بدأت بذورها الأولى في بريطانيا في القرن السابع عشر، إلا أن ثمارها قد نمت وترعرعت في أمريكا محمولة على أجنحة البيوريتانيين المتطرفين الذين عبروا الأطلسي هاربين من قمع الكنيسة الكاثوليكية في أوروبا إلى العالم الجديد، لتصبح أهم وأخطر الحركات السياسية-الدينية في العالم، بما يتجاوز منظمات اللوبي الصهيوني نفسه. وقد وصلت مطالبها ودعمها للمشروع الصهيوني في منطقتنا إلى آفاق لو رآها هرتزل وجابوتنسكي وغيرهما من أعمدة الصهيونية لرقصوا طربًا في قبورهم. ربما يفاجأ البعض لمعرفة أن فكرة زرع وطن قومي لليهود في منطقتنا لم تظهر لأول مرة في الأوساط اليهودية على الإطلاق، حيث كانت تحيتهم التقليدية في تبادل كؤوس وأنخاب عيد الفصح: العيد القادم في أورشليم لا تعدو كونها عبارات محفوظة يرددونها كموروث ديني. بل نشأت في أوساط مسيحية بيوريتانية صرفة، وقبل ظهور أولى إرهاصات الحركة الصهيونية بسبعين عامًا كاملًا! ! من مجموعة كتابات وأحلام ورؤى متواضعة المستوى (بمقاييس أدب العالم القديم) لشعب نصف بدائي نصف مرتحل عاش طوال تاريخه على هامش الحضارات العظمى للشرق القديم (مصر والعراق بالذات)، إلى يقين راسخ يعتنقه ملايين المهووسين في أمريكا وحول العالم، وصولًا إلى نجاحه الجزئي في اختراق بعض من المسيحية الشرقية، بل ووصولًا إلى اعتباره أحد العوامل المؤثرة في عملية صنع القرار السياسي في دولة بحجم الولايات المتحدة... أرجو ألّا تكون نهاية حضارتنا على يدّ أمثال هؤلاء المخابيل. --- ### عبد الناصر مرشدا - Published: ۲۰۲۵-۰۲-۱۰ - Modified: 2025-02-10 - URL: https://tabcm.net/34086/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أبو المكارم عبد الحي أحمد سعد, أحمد شوقي علي أحمد شوقي, إبراهيم عبد الهادي باشا المليجي, الإخوان المسلمين, الشيوعية, الضباط الأحرار, حسن أحمد عبد الرحمن محمد البنا, حسن إسماعيل الهضيبي, رئيس جمال عبد الناصر, رئيس محمد أنور السادات, رئيس محمد نجيب, عبد الحكيم عامر, عبد الرحمن علي فراج السندي, عبد المنعم عبد الرؤوف بسيم أبو الفضل, كارل هانريش ماركس, محمد فؤاد سراج الدين, محمود فهمي النقراشي باشا, مصطفى النحاس, ملك فاروق, يوسف منصور يوسف صديق أذكر أن جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر لم يقتربا من القيادة إلا بعد الاستيلاء عليها، كانا يقفان في مكان جانبي قريب وارتديا ملابس مدنية، وبمجرد أن أحسا بنجاح الاقتحام ارتديا الملابس العسكرية ودخلا القيادة. أما أنور السادات فكان أكثر منهما ذكاءً، إذ دخل ليلتها السينما وتشاجر مشاجرة مفتعلة وحرّر محضرًا بالواقعة، حتى إذا ما فشلت الحركة نجح في الخروج منها كالشعرة من العجين (محمد نجيب، كنت رئيسًا لمصر) بعد اغتيال حسن البنا وتعرض الجماعة للاعتقال والاضطهاد، لم تجد الجماعة من يحل محل البنا، بالرغم من أن البنا كان قد كتب موصيًا بأن يكون المسؤول عن جماعة الإخوان المسلمين في حالة اغتياله أو غيابه هو عبد الرحمن السندي، وإذا لم يكن السندي موجودًا يصبح جمال عبد الناصر حسين هو المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين، لكن لم يحدث ذلك. كان جمال عبد الناصر في أثناء مشاركته في حرب فلسطين قد اكتشف عددًا من الحركات السرية التي يموج بها الجيش المصري، ولم تكن أي منها تعلم بحقيقة الحركات الأخرى أو اتجاهاتها أو أعضائها. ولكن جمال عبد الناصر علم بوجود تنظيم شيوعي في الجيش يقوده يوسف صديق، وتنظيم وطني آخر يقوده الضابط أحمد شوقي. وفي سبتمبر 1949 بدأ الضباط الأحرار في التقرب مرة أخرى من الإخوان المسلمين. وبعد عودة جمال عبد الناصر من حرب فلسطين علم بما جاء في وصية حسن البنا من أنه يرشحه لتولي المسؤولية في حركة الإخوان المسلمين في حال غيابه هو وفي حالة عدم وجود عبد الرحمن السندي. كان على عبد الناصر أن يجتمع بالضابطين الآخرين اللذين حضرا معه البيعة لحسن البنا ليستشيرهما في الأمر، وهما عبد المنعم عبد الرؤوف وأبو المكارم عبد الحي، وأطلعهما على ما جاء في الوصية، خاصة الجزء المتعلق بضرورة الإسراع للقيام بحركة التغيير. وقال لهما جمال عبد الناصر انه لا سبيل أمامهم للإسراع بحركة التغيير إلا بالتلاحم مع الحركات السرية الأخرى داخل صفوف الجيش، فالمهمة أثقل من أن يتحملها تنظيم واحد، وهي أكبر من قدرة أي تنظيم على حدة. بينما لو استطعنا التوحد والاندماج في التنظيمات الأخرى، يمكنهم القيام بالمهمة بنجاح وعلى وجه السرعة، على أن يكون زمام الأمور بأيدينا. وقد وافق أبو المكارم عبد الحي على ما قاله عبد الناصر.  لكن ثمة خلاف كبير بدأ يلوح بين الضابطين البارزين في تنظيم الضباط الأحرار: عبد الرؤوف، وعبد الناصر. كان عبد الناصر يريد الإسراع في الانقلاب، ويريد فتح التنظيم أمام ضباط الجيش عمومًا وإن لم يكونوا ملتزمين بدعوة الإخوان المسلمين، بينما عبد الرؤوف ملتزم بالبيعة مع الإخوان وبالطاعة لتعليمات مكتب إرشاد الجماعة. ونتيجة لذلك، فقد رفض عبد الرؤوف اقتراح عبد الناصر قائلًا إنه لا يمكن أن يضع يده إلا "في أيد متوضئة" من غير المؤمنين بفكرة الحل الإسلامي على طريقة الإخوان المسلمين، ولابد من تجميع الضباط حول مبادئ جماعة الإخوان المسلمين واتباع هذا الأسلوب في اختيارهم. واشترط عبد الرؤوف في ضم الضباط للتنظيم أن يجتنبوا الخمر والميسر والنساء الساقطات، ويواظبوا على الصلاة، ويكونوا محبوبين من الجنود، وتلتزم نساء أهلهم بالزي الإسلامي، والطاعة لقرارات مكتب الإرشاد. رأى عبد الرؤوف أنه لا يمكن الوصول إلى الغاية النبيلة إلا بالوسيلة النبيلة، بالتالي فإنه لن يضع يده في أيدي الشيوعيين أو غيرهم ممن لا ينتمون إلى الإخوان المسلمين. واحتج بأن التسيب في اختيار الضباط سيوقعهم في قبضة المخابرات، ثم أن عدم ارتداء زوجاتهم الزي الإسلامي سيجعلهم أضحوكة أمام جنودهم في المناسبات الدينية والوطنية والعالم. فحاول عبد الناصر جاهدًا إقناع عبد المنعم عبد الرؤوف بوجهة نظره، ولكنه حين أخفق في ذلك قال له: إذا اعتزلتنا فلا تكن ضدنا. . وإذا عملنا عملًا واحتجنا لك فيه، فساعدنا، فوعده بذلك، وافترقوا على هذا الوعد والاتفاق. وعلى إثر ذلك شرع عبد الناصر في بناء تنظيم الضباط الأحرار منفردًا، الذي كان يضم في الواقع أكثر من تنظيم سري، وأكثر من اتجاه سياسي وعقائدي، وكان ذلك في عام 1949. أما داخل مكتب الإرشاد، فقد قال بعض الإخوة أن البنا قد رشح الهضيبي من بعده عندما قال: لو حدث لي شيء واختلفتم فيمن يكون مرشدًا بعدي، فاذهبوا إلى المستشار حسن الهضيبي؛ فأنا أرشحه ليكون مرشدًا بعدي. وبالرغم من تعارض هذه الوصية مع الوصية السابقة، إلا أن الهضيبي أصبح بالفعل المرشد الثاني للجماعة بتدخل الملك فاروق. وربما كانت هذه الوصية مُختلقة أساسًا بفعل الشيخ الباقوري. وبقي الهضيبي يؤدي عمله سرًّا نحو ست أشهر، وهو إلى ذلك لم يترك العمل في القضاء خلالها. ولما سمحت حكومة النحاس باشا للهيئة التأسيسية للإخوان بالاجتماع بعد الاتفاقية التي جمعت بينهم، طلب أعضاؤها من الهضيبي أن يرأس اجتماع الهيئة بصفته مرشدًا للجماعة، ولكنه رفض طلبهم؛ إذ اعتبر أن انتخابه من قبل الهيئة التأسيسية في المرحلة السرية من الدعوة لا يمثل رأي جمهور الإخوان، وطلب منهم أن ينتخبوا مرشدًا آخر غيره. ولكن الإخوان رفضوا طلبه، وقصدت وفود الإخوان من جميع أنحاء مصر بيته، وألحت عليه بالبقاء كمرشد عام للجماعة. وبعد أخذ ورد، وافق على مطالب وفود الإخوان، وقدم استقالته من القضاء، ليتفرغ للعمل في الإخوان المسلمين. وفي 17 أكتوبر 1951م، أُعلن حسن الهضيبي مرشدًا عامًا لجماعة الإخوان المسلمين بصورة رسمية. كان عبد الناصر ثاقبًا في رؤيته للمستقبل، عندما لم يقطع الصلة بينه والإخوان بسبب ما حدث، لحاجة الضباط الأحرار إلى الإخوان كسند وظهير شعبي في الحركة المرتقبة. فبعد انقطاع لم يدم كثيرًا، عادت العلاقة بينهم إلى سابق عهدها وعادت المياه إلى مجاريها. ونشطت لقاءات الإخوان مع عبد الناصر قبل بَدْء الحركة، خصوصًا بعد حريق القاهرة في يناير 1951. وتكثفت الاجتماعات لدراسة سبل التعجيل بالانقلاب وتناولت أهدافه، والأمور المترتبة عليه من جهة من سيتولى الحكم، والموقف من الأحزاب، ومصير الملك. كما نوقشت قدرة الضباط على القيام بالانقلاب من الناحية العسكرية ودور الإخوان في هذا الانقلاب. وأرسل الهضيبي رجاله ليتفاوضوا مع جمال عبد الناصر لقلب نظام فاروق، في حين قبل أقل من شهرين من الانقلاب، كان الهضيبي يهرول إلى سجل تشريفات قصر عابدين، ثم إلى لقاء الملك في أول شهر من توليه منصب المرشد العام، ثم يتوجه بعد ذلك مرتين ليسجل ولاءه للملك في سجل التشريفات في 16 يناير 1952 وفي 25 مايو 1952. كان آخر اجتماع تمهيدي قبل قيام الحركة، عقده جمال عبد الناصر في بيت عبد الرحمن السندي، قائد التنظيم السري، يوم 17 يوليو 1952. وكان الاجتماع بعيدًا عن أعين الضباط الأحرار، لوضع اللمسات الأخيرة على سيناريو التحرك ليلة الانقلاب، وما يجب عمله لنجاحها. وقد ناقش السندي وعبد الناصر في هذا الاجتماع كل شيء بالتفصيل. وحينما جاء الوقت لمناقشة اسم العملية، طرح عبد الناصر اسم الثورة المباركة، ولكن السندي خالفه في ذلك معترضًا، وطلب تسميتها الحركة المباركة، لأن الحس الإسلامي لا يستريح لكلمة ثورة، التي لازمت جماعة الخوارج الشهيرة طوال تاريخهم. تُشكك مذكرات محمد نجيب في تلك القصة من أساسها، فيؤكد نجيب في كتابه كنت رئيسًا لمصر أن لفظ الانقلاب كان اللفظ المستخدم فيما بين الضباط الأحرار، ويؤكد أن اللفظ لم يكن ليفزعهم لأنه كان يعبر عن أمر واقع، وكان هذا اللفظ هو المستخدم في المفاوضات والاتصالات الأولى بينه ورجال الحكومة. وعندما بدأ الضباط الأحرار في مخاطبة الشعب وكسبه إلى صفوفهم، استخدموا لفظ الحركة، وهو لفظ مهذب وناعم لكلمة انقلاب. وعندما أحسوا بتأييد الجماهير وتشجيعها، أضافوا لكلمة الحركة صفة المباركة، وبدأت البيانات الرسمية تقول حركة الجيش المباركة. وعندما بدأت الجماهير تخرج إلى الشارع لتعبر عن فرحتها بالحركة، وبدأت برقيات النفاق والتهاني والتزلف تصل إلى الصحف والإذاعة، بدأ استخدام مصطلح الثورة، لكن يعود نجيب ليؤكد أن ما حدث ليلة 23 يوليو 1953 لم يكن إلا انقلابًا. من ضمن ما أكده عبد الرحمن السندي في هذا الاجتماع مع عبد الناصر؛ هو أن تتسم أولى قرارات الحركة المباركة بالانحياز إلى الإخوان المسلمين في بعض القضايا المعلقة، مثل: الإفراج الفوري عن جميع المعتقلين من الإخوان المسلمين، وخصوصًا أعضاء الإخوان المتهمين بقتل محمود فهمي النقراشي رئيس الوزراء الأسبق، الذي لم يكن فؤاد سراج الدين قد أفرج عنهم بعد. واستثناء المعتقلين الشيوعيين والماركسيين من قرار الإفراج. والقبض على إبراهيم عبد الهادي رئيس الوزراء السابق وتقديمه إلى المحاكمة بتهمة التدبير لقتل حسن البنا المرشد العام للإخوان المسلمين. كان من شأن هذه القرارات، كما رأى عبد الرحمن السندي، وصدورها كأول قرارات للحركة الجديدة، أن تُشعِر الرأي العام في مصر والعالم بأن الحركة الجديدة تنتمي بشكل واضح إلى جماعة الإخوان المسلمين. وفضلًا عن ذلك كله، طلب عبد الرحمن السندي من جمال عبد الناصر، في حال نجاح الثورة وانتقال السلطة إلى يدها، أن يصدر أمرًا باعتقال حسن الهضيبي ضمن من سوف تصدر أوامر باعتقالهم من رؤساء الأحزاب والسياسيين. ولكن رؤية عبد الناصر لهذا الأمر كانت أكثر نفاذًا من رؤية السندي، فقال له عبد الناصر معترضًا: إن مياهًا كثيرة قد تدفقت في النهر. وكان يقصد بذلك تلك الألوف الكثيرة التي انضمت إلى حركة الإخوان عقب حرب فلسطين، ولم تكن لتلك الأعداد الكبيرة أي علاقة بالجهاز الخاص، ولا علم لها به، ولا ولاء لها إلا للمرشد المعلن حسن الهضيبي، فهي تنتمي للجماعة ورئيسها، خصوصًا أن حسن الهضيبي قد نجح في استقطاب أعداد كبيرة من الشباب انضموا حديثًا إلى صفوف الإخوان، بعدما رأوا الحكومة تغض الطرف عن نشاطهم المعلن، وأن الهضيبي يستقبل المئات منهم في المسجد المواجه لبيته في الروضة. رأى عبد الناصر أن القبض على حسن الهضيبي سوف يفسد الانطباع المتكون لدى الرأي العام بأن الحركة الثورية الجديدة هي امتداد لحركة الإخوان المسلمين. وبذلك، كان رأي جمال عبد الناصر هو الأصوب من رأي عبد الرحمن السندي، الذي لم يكن يرى في تلك اللحظة غير تصفية حساباته مع الملك فاروق، قاتل الشيخ حسن البنا، وذلك في شخص حسن الهضيبي. كانت تلك أولى الخلافات بين عبد الناصر ورجال التنظيم الخاص. ولكن أمام المنطق القوي الذي أبداه عبد الناصر بشأن عملية اعتقال الهضيبي، لم يجد السندي أمامه غير الخضوع لجمال عبد الناصر، ولكن بشرط تأجيل اعتقال الشيخ حسن الهضيبي انتظارًا لموقفه من القرارات الخاصة بالإفراج عن قيادات الإخوان المسلمين وأعضاء التنظيم، خاصة المتهمين منهم باغتيال النقراشي. وقال السندي: إذا وافق الهضيبي على تلك القرارات وباركها، يبقى حرًا دون اعتقال. أما إذا هاجمها...  وهنا قال له عبد الناصر: سوف أعتقله فورًا. فوافق السندي. وفي يوم 19 يوليو 1952، بعد اجتماع السندي وعبد الناصر بيومين وقبل قيام الحركة بأربعة أيام، صدرت الأوامر إلى أعضاء الجهاز السري الذين لم تشملهم الاعتقالات بالتوجه فورًا إلى قُرى الإسماعيلية الملاصقة لمعسكرات الإنجليز في منطقة القناة، واحتلال الطريق وكل الطرق المؤدية إلى مدينة القاهرة. ولم يكن الإخوان يعلمون بالسر وراء ذلك التحرك المفاجئ. كان عبد الناصر قد قال للسندي أنه لو تحركت القوات البريطانية نحو القاهرة للتصدي لقوات الثورة، فسوف نشتبك معها، ولكن المعركة في هذه الحالة سوف تكون في نظر العالم بين جيشين، وربما ينجح الإنجليز عبر جهازهم الإعلامي الواسع في تصوير الثورة على أنها مجرد تمرد في صفوف القوات المصرية ضد نظام الحكم، بالتالي فإن هذا التمرد يفتقد إلى الشرعية، وإن تحرك القوات البريطانية للدفاع عن الملك سيبدو في نظر العالم على أنه دفاع عن الشرعية والدستور، ضد حركة تفتقر إلى الشرعية وتخرق الدستور. من هنا كان إصرار عبد الناصر على ضرورة إشراك الإخوان في الثورة، كي يبدو أن الشعب بمختلف طوائفه ضد تحرك القوات البريطانية، أو حتى قوات الملك لو تحركت تصديًا للانقلاب. وبالفعل، تحرك الإخوان إلى منطقة القناة لتحقيق هذا الهدف، وانتظارًا للأوامر، ليس فقط بالاشتباك مع القوات البريطانية المتحركة من قواعدها بالقناة في اتجاه القاهرة، بل وتأليب الجماهير على تلك القوات لإظهار الثورة في إطار شعبي لا يفتقد إلى الشرعية. قامت الثورة في 23 يوليو 1952م، وفي 26 يوليو صاغت الهيئة التأسيسية للإخوان بيانها الشهير، مُعربةً عن فرحتها بنجاح الحركة المُباركة لضباط الجيش في تحرير مصر. ويقول محمد نجيب في مذكراته: للتاريخ؛ أذكر أن يوسف صديق كان أشجع الرجال في تلك الليلة، فهو الذي نفذ عملية الاقتحام والسيطرة على مقر القيادة. وللتاريخ أيضًا؛ أذكر أن جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر لم يقتربا من القيادة إلا بعد الاستيلاء عليها، كانا يقفان في مكان جانبي قريب وارتديا ملابس مدنية، وبمجرد أن أحسا بنجاح الاقتحام ارتديا الملابس العسكرية ودخلا القيادة. أما أنور السادات فكان أكثر منهما ذكاءً، إذ دخل ليلتها السينما وتشاجر مشاجرة مفتعلة وحرّر محضرًا بالواقعة، حتى إذا ما فشلت الحركة نجح في الخروج منها كالشعرة من العجين. (محمد نجيب، كنت رئيسًا لمصر) --- ### بئر العهود - Published: ۲۰۲۵-۰۲-۰۹ - Modified: 2025-02-09 - URL: https://tabcm.net/35080/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: إبراهيم أبو الأنبياء, يوسف الصديق العهد هو اتفاق محدد أو معاهدة أو ميثاق أو تحالف يُبرم بين طرفين. ويمكن أن يُحدد بمدة زمنية محددة، أو أن تكون مدة العهد قائمة بدوام الطرفين على أن لا ينقض أحد الطرفين العهد. إذن، يظل العهد قائمًا ما دام كل طرف ملتزم بما ورد في العهد. وإذا خالف أحد الطرفين بنود العهد، يُعتبر هذا الإخلال بمثابة إخلال بكل بنود العهد، ويصبح العهد لاغيًا غير قابل للتجديد كما تعلمنا على مر الأجيال في كنيستنا الأرثوذكسية العريقة أن نتبع آثار آباء وبطاركة ورجال الله في الكتاب المقدس وفي تاريخ الكنيسة المعاصر، فها نحن هنا نستكشف معًا أثر الأربعة البطاركة العظام في سفر التكوين بدايةً من إبراهيم وإسحق مرورًا بيعقوب أو إسرائيل إلى أن نصل إلى يوسف. وأعمالًا بالوصية التي تقول: اذكروا مرشديكم الذين كلموكم بكلمة الله. انظروا إلى نهاية سيرتهم، فتمثلوا بإيمانهم ((عبرانيين ١٣: ٧ )). وإذ نحن نتتبع أثر أحد البطاركة العظام الذي نبش آبار أبيه واكتشف أنه قد رحب الله به، كما جاء في سفر التكوين ((تكوين ٢٦: ١٨، ٢٢ )): فعاد إسحاق ونبش آبار الماء التي حفروها في أيام إبراهيم أبيه، وطمها الفلسطينيون بعد موت أبيه، ودعاها بأسماء كالأسماء التي دعاها بها أبوه. ثم نقل من هناك وحفر بئرا أخرى ولم يتخاصموا عليها، فدعا اسمها «رحوبوت»، وقال: «إنه الآن قد أرحب لنا الرب وأثمرنا في الأرض». (تكوين ٢٦: ١٨، ٢٢) أنه أبونا إسحق الذي نبش آبار الماء التي كان قد حفرها أبوه إبراهيم وطمرها الفلسطينيون. وهنا لا نحكي عن تاريخ، ولكن كلمة الله تخبرنا بشيء أعمق من التاريخ، أنه نبش في أعماق الكلمة ليكشف لنا الروح القدس اتساع ورحب الوصية. وأيضًا تخبرنا ماذا يريد أن يعلنه لنا وما أكثر الآبار التي طمرها وردمها العدو التي قد حفرها لنا الآباء، سواء في الكتاب المقدس أو في تاريخ الكنيسة. آبار تحمل لنا الكثير من تعاليم الآباء وتكشف لنا مدى السلطان المعطى لنا والذخائر المذخرة في كلمة الله الحية الفعالة. كما تذكرنا الكلمة المقدسة أنها: بئر حفرها رؤساء، حفرها شرفاء الشعب، بصولجان، بعصيهم ((عدد ٢١: ١٨ )). فها نحن سويًا نحفر بئرًا جديدة في مسيرتنا، وهي مسيرة ملكوت الله سيمتد! إنها بئر العهود، أو العهد. وإن كانت كلمة "العهد" ارتبطت في أذهاننا بالعهد القديم والعهد الجديد على أنها كناية عن أسفار الكتاب في العهد القديم وأسفار الكتاب المقدس في العهد الجديد ، فهذا ارتباط غير دقيق، لأن الاختلاف في الترجمة من لغة إلى أخرى يوضح ذلك ببساطة. فكلمة "العهد" تُترجم في اللغة الإنجليزية إلى Covenant. إذن فماذا تعني كلمة "العهد"؟! العهد هو اتفاق محدد أو معاهدة أو ميثاق أو تحالف يُبرم بين طرفين. ويمكن أن يُحدد بمدة زمنية محددة، أو أن تكون مدة العهد قائمة بدوام الطرفين على أن لا ينقض أحد الطرفين العهد. إذن، يظل العهد قائمًا ما دام كل طرف ملتزم بما ورد في العهد. وإذا خالف أحد الطرفين بنود العهد، يُعتبر هذا الإخلال بمثابة إخلال بكل بنود العهد، ويصبح العهد لاغيًا غير قابل للتجديد. لكن هناك تعبير باللغة العبرية «عاد عولام»، وهو يعني حتى الأبد أو إلى الأبد. وغالبًا ترتبط هذه الكلمة بكلمة العهد، وثمة عهود كثيرة في الكتاب المقدس مرتبطة بهذه الكلمة، سيأتي الحديث عنها في سياقها. لذا أود أن أشير في بداية دراستنا للعهود في الكتاب المقدس أننا لن نقدم دراسة أكاديمية عميقة، لكن ما نوده هنا أن ينبِّش لنا الروح القدس كل آبار طُمرت، ويفتح عيون أذهاننا إلى أن الكتاب المقدس الذي بين أيدينا هو وثيقة عهد قائم بينك وبين الله، وضامن هذا العهد أن الله أبدي أزلي لا يتغير، وهو من قال قطعت عهدًا مع مختاري، حلفت لداود عبدي: «لا أنقض عهدي، ولا أغيِّر ما خرج من شفتي» ((مزمور ٨٩: ٣، ٣٤ )). أيضًا نود أن نؤكد على أن الكتاب المقدس هو ليس كتابًا للاطلاع والمعرفة الذهنية الدينية... إذ أن كل فكرة رئيسية في الكتاب المقدس مرتبطة بطريقة أو بأخرى بالعهد، وأي فكرة لا ترتبط بالعهد فهي فكرة دينية. وسآتي لاحقًا في بعض التعريفات الخاصة بالعهود، لكن ما أريد للقارئ أن يتأمله هو بعض المفردات الكتابية في ضوء ارتباطها بالعهد. فالله أراد أن يُعرِّف نفسه بشكل دائم في الكتاب المقدس بأنه الخالق الأمين وحافظ العهد، كما هو مكتوب في سفر التثنية ((تثنية ٧: ٩ )). فاعلم أن الرب إلهك هو الله، الإله الأمين، الحافظ للعهد والإحسان للذين يحبونه ويحفظون وصاياه إلى ألف جيل. (سفر تثنية الاشتراع ٧: ٩ ) أيضًا الإنسان كشريك أساسي في العهد، وله كامل حرية الاختيار أن يبقى في العهد أو يرفضه. وفي هذا السياق، تساءل ميخا النبي في العهد القديم عما يطلبه الله من الإنسان كشريك في العهد ((ميخا ٦: ٨ )): قد أخبرك أيها الإنسان ما هو صالح، وماذا يطلبه منك الرب، إلا أن تصنع الحق وتحب الرحمة، وتسلك متواضعًا مع إلهك. (ميخا ٦: ٨) أيضًا، هناك لفظ "شعب الله"، هذا التعبير والمفهوم الكتابي أخذ أهميته في كلا العهدين القديم والجديد. فشعب الله قد خرج إلى الوجود بسبب العهد مع الله كما يذكر الكتاب ((تثنية ٢٦: ١٧-١٩ )). قد واعدت الرب اليوم أن يكون لك إلهًا، وأن تسلك في طرقه وتحفظ فرائضه ووصاياه وأحكامه وتسمع لصوته. وواعدك الرب اليوم أن تكون له شعبا خاصا، كما قال لك، وتحفظ جميع وصاياه، وأن يجعلك مستعليا على جميع القبائل التي عملها في الثناء والاسم والبهاء، وأن تكون شعبا مقدسًا للرب إلهك، كما قال. (سفر تثنية الاشتراع ٢٦: ١٧-١٩) إذا كان هناك ارتباط ووعد من الله لشعبه ووعد من الشعب لإلهه أيضًا، فهو تعريف العهد في بساطة. و في الأعداد القادمة، نصلي أن يفتح لنا الربّ كوى السموات من استنارة روحية ومعرفة لأعماق الله. سنستكمل معًا هذا الموضوع الشيق وعُهود الله مع شعبه ونتهلل فرحًا بإلهنا الضامن للعهد والإحسان والأمانة إلى الأبد. --- ### هل نُظم الخلافة تحمل الخير للأقليات المسيحية؟ - Published: ۲۰۲۵-۰۲-۰۸ - Modified: 2025-02-19 - URL: https://tabcm.net/35463/ - تصنيفات: شئون علمانية - وسوم: Theosis Across Borders (TABcm Network), أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الطبري, أبو عاصم الشحات شعبان محمود عبد القادر البركاتي, أحمد حسين الشرع, أشاعرة, إلهام مانع, الإخوان المسلمين, الإسلام السياسي, الديمقراطية, الروم الأرثوذكس, الضباط الأحرار, العقد الاجتماعي, اليوم السابع, بيشوي القمص, ثيوقراطي, چون لوك, حزب النور السلفي, دار الدعوة الإسلامية, رئيس جمال عبد الناصر, رئيس عبد الفتاح السيسي, رئيس محمد محمد مرسي عيسى العياط, سبيريدون طنوس, سعيد حجازي, سيد قطب إبراهيم حسين الشاذلي, عقيدة التأله, علاء رضوان, قناة الحرة, لويس صليبا, محمد صالح المنجد, محمد مهدي عاكف, محنة خلق القرآن, مختلف عليه, مصطفى مدبولي, معتزلة, يوحنا منصور بن سرجون الدمشقي صرح الأب السوري؛ سبيريدون طنوس، كاهن الكنيسة الأنطاكية للروم الأرثوذكس، عبر حسابه على منصة إكس، بأنه ينوي استعادة الخلافة الأمويّة، أسوة بالقديس يوحنا الدمشقي الذي كان وعائلته جزءًا من إدارة دولة الخلافة آنذاك. أثارت التصريحات جدلًا واسعًا، لكن أكثر ما أثار انتباهي هو أن بعض الآراء قالت: أتباع كل الأديان في البلاد العربية كان منهم من يدير جزءًا من مسؤوليات الدولة، وإنها المواطنة في أبهى معانيها منذ أيام معدودة، صرح الأب السوري؛ سبيريدون طنوس، كاهن الكنيسة الأنطاكية للروم الأرثوذكس، عبر حسابه على منصة إكس، بأنه ينوي استعادة الخلافة الأمويّة، أسوة بالقديس يوحنا الدمشقي الذي كان وعائلته جزءًا من إدارة دولة الخلافة آنذاك. أثارت تصريحات كاهن الروم الأرثوذكس جدلًا واسعًا في المجتمعات المسيحية، وبالأخص حول دور القديس يوحنا الدمشقي ((تاريخيًا، استخدم القديس يوحنا الدمشقي براهين الثالوث على القرآن في مناظراته مع المسلمين، مما أدى إلى محنة خلق القرآن لاحقًا، وظهور فرق المعتزلة ثم الأشاعرة. )) في تقسيم المجتمعات الإسلامية إلى شيَع وأحزاب وفرق ((لويس صليبا، قناة الحرة، برنامج: مختلف عليه، يوحنا الدمشقي وأسئلته المحرجة عن الإسلام والمسيحية. )).  لكن أكثر ما أثار انتباهي حقيقةً هو أن بعض الآراء قالت: أتباع كل الأديان في البلاد العربية كان منهم من يدير جزءًا من مسؤوليات الدولة، وإنها المواطنة في أبهى معانيها. هل نُظم الخلافة تحمل الخير للأقليات المسيحية؟ وهل هي فعلًا نموذج راقي من دولة المواطنة؟ هذا المقال مخصص لمناقشة هذا الزعم، وبناء على تأسيس أكاديمي قدر الإمكان. . لنصطلح أولًا بدايًة، من الخطأ إطلاق مسمى دولة على كل نظام حكم، وبالأخص تلك التي كانت موجودة قبل تأسيس مصطلح State أو ما يعادله في اللغات اللاتينية. هناك شق لغوي في المسألة، فـstate تعني أصولًا ولاية أو مقاطعة، والمقصود هنا أرض محددة، ذات حدود جغرافية واضحة، ﻻبد أن تُلحق بـstate. مثلًا نقول: United States of America لنشير لمجموعة ولايات محددة مرتبطة بالأرض التي في قارة أمريكا الشمالية. بخلاف اللغة، هناك علم المصطلح، الذي يخبرنا بأنه عندما يتحدث أحد الدارسين عن State، فهو في الواقع يتحدث عن العلاقة التي تربط بين ثلاثة مكونات: شعب محدد على أرض محددة وفق نظام حكم محدد. في الجملة السابقة، هذه المكونات الثلاثة هي: 1. الشعب 2. الأرض 3. نظام الحكم ، وهذا هو مفهوم الدولة بأركانها الثلاث. عندما تم تعريب كلمة state إلى دولة (مادة دَوَلَ، من التداول)، كان المقصود وصف نوع معين مما سبق. نوع حديث، ظهر تاريخيًا بعد نهاية عصور الإمبراطوريات وعصور الاستعمار وبداية عصر چون لوك وتأسيسه العقد الاجتماعي. وstate الأخيرة هذه مازال يُقصد بها المكونات الثلاثة التي ذكرناها، ولكنها اتخذت مدلولًا جديدًا يحمل في طياته تطورات آلاف السنين لما يسمى نُظم الحكم الديمقراطي. وعلى هذا، فـstate هنا تعني الدولة الديمقراطية القائمة على التداول السلمي للسلطة. والتداول، كمحطة أخيرة لرحلة الحضارة، هو الجذر اللغوي الذي أُخذت منه كلمة دولة في اللغة العربية ((لمزيد من التفاصيل، يمكن مطالعة صفحة تعريف الدولة على الويكيبيديا العربية. )). ولأن التداول جذر لغوي مغاير، فهو على خلاف ولاية أو مقاطعة، لا يحمل في مضمونه معنى حدود جغرافية، والخلاصة أنه ﻻ يصح إطلاق لفظة دولة سوى على نظام الحكم الذي يلزم حدودًا جغرافية محددة وثابتة، ويعترف ألا سيادة له خارج حدود هذه الأرض. وعلاقة السيادة لمثل هذه الدولة تخصع لاعتراف المجتمع الدولي بشرعية هذه السيادة، بمعنى إقرار بقيّة دول العالم الأعضاء في الأمم المتحدة، وعلاقة هذه الدولة بجيرانها تنتهي عند حدود الترسيم الجغرافي. من بداخل الحدود هم المواطنون، ومن خارجها هم الأجانب. وما أود عرضه من المقدمة في ضبط المُصطلح، أنني متفهم للأسباب التاريخية التي جعلت الناطقين بالعربية تخلط بين الدولة وبين نظام الحكم أو الحكومة، ذلك لأن محددات اللغة العربية نفسها اشتقت المسمى من جذر لغوي يتصل بـالتداول المُنصبّ على الحكومات. لكن هذا مطروح على سبيل فهم الـ"عكّ" من أين جاء. لأن ببساطة: هذا "عكّ"! عكّ رجال الدولة في معنى "دولة" هذا "العكّ" منتشر في أعلى المناصب. ستجد رئاسة الوزراء نفسها "تعكً" وتقول تخارج الدولة (جنبًا إلى جنب مع تخارج الحكومة) في خضم وثائق عن بيع الأصول الحكومية ((رئاسة مجلس الوزراء، وثيقة ملكية الدولة، وثيقة إطارية. )). في الحقيقة لا يوجد شيء اسمه تخارج الدولة ويوجد فقط تخارج الحكومة، لأن الشعب هو جزء من المكونات الثلاثة للدولة، وجزء مُحدد بالجنسية، والتي بدورها ذات علاقة توريث للأرض. بيع الأصول الحكومية إلى القطاع الخاص هو انتقال لسلطة الملكية من الحكومة إلى المواطنين في نفس الدولة. ربما كانت رئاسة الوزراء تقصد بتعبير تخارج الدولة بيع أصول القوات المسلحة. وهذا أيضًا عكّ! لأن القوات المسلحة جزء من حكومة الدولة، ولها وزير دفاع ضمن حكومة مصطفى مدبولي. ولأن القوات المسلحة جزءًا من نظام الحكم، إذن فتخارجها فنيّا هو تخارج حكومي أيضًا. مصطلح تخارج الدولة يعني تخارج المكونات الثلاثة للدولة (الأرض والحكومة والشعب). وهذا ليس مستحيلًا فحسب لأن الأرض جزء من الدولة وﻻ يمكن أن تنتقل خارجها! بل يعكس أيضًا سوء فهم لمسألة الجنسية المصرية. إذ يمكن أن يكون المقصود تخارج الحكومة والشعب معًا . وبالتالي فإن أعلى منصب في الحكومة المصرية لا يفهم معنى المواطنة، ف بيعكّ! ونفس الأمر يمكن أن يُقال عن ممثلي الشعب في البرلمان (الذين هم نظريًا خُلاصة التمثيل لحق المواطنين في مواجهة حق الحكومة) عندما عكّوا عُكّة مريرة في قانون التجنيس الأخير، ووضعوا توريث الدين الإسلامي كأحد مكونات الجنسية المصرية ((مادة 4، البند ثالثًا: تُمنح الجنسية المصرية لكل أجنبي ولد في مصر لأب أجنبي أولأم أجنبية إذا كان أى منهما مولودا في مصر وينتمي لغالبية السكان في بلد لغته العربية أو دينه الإسلام متى طلب التجنس خلال سنة من تاريخ بلوغه سن الرشد. علاء رضوان، اليوم السابع، النصوص الكاملة لتعديلات قانون الجنسية بعد التصديق عليه. )). هذا عكّ. الجنسية تُورّث بالانتماء للأرض وليس بالانتماء للدين، فما علاقة المسلم الماليزي بالجنسية المصرية؟! ولماذا طرقع "مثقفو السلطة" والصحافة لمرشد الإخوان مهدي عاكف عندما قال ذلك ((بيشوي القمص، سلسلة: لماذا يعادي العرب إسرائيل؟، مقال: (٦) هل نحن نعادي السامية؟ ))، وجبن الشجعان أن يتكلموا بكلمة عن البرلمان الوطني الذي نفذ هذا فعليًا، وطزطز للمواطنة؟ المسؤولون عن العكّ السؤال الذي يشغلنا هو: من المسؤول، أو صاحب المصلحة، في هذا "العكّ" الواصل لأعلى الوزارات في أعرق الدول العربية في أقدم شعوب العالم؟ من الذي يخلط هذه المفاهيم عمدًا ويريدك أن تخلطها ويسعد بذلك؟ هل أخطأ أهل اللغة عندما علمونا في المرحلة الابتدائية تعريفًا مبسطًا أن state تعني "دولة" دون تفاصيل؟ أم أهل الإعلام عندما يستخدمون مصطلحًا غريبًا متناقضًا مثل دولة الخلافة؟ أم جماعات الإسلام السياسي مثل الإخوان المسلمين الذين يمارسون نفوذًا في المجال السياسي؟ أم القوميون العرب الذين يدعون إلى وحدة جميع الدول العربية وإزالة الحدود الجغرافية؟ أم السلفيون الذين يروجون لفهم منحاز للإسلام السياسي على أنه الحقيقة الشرعية؟ من المسؤول عن تفشي هذا "العكّ" واعتباره وجهة نظر مشروعة بدلًا من كونه تأسيسًا اصطلاحيًا واضحًا؟ الإجابة القصيرة أن جميع هؤلاء، بمن فيهم رجال الدولة، مساهمون جزئيون في تفشي "العكّ". ولكن في رأيي، فإن المسؤول الأكبر هو "رجل الدين" (أي دين)، والذي كان صاحب سلطة ونفوذ أكبر بكثير في عصر "الخلافة" كجزء تاريخي من عصور "الإمبراطوريات المقدسة"، والتي هي بدورها تطور تفصيلي من تاريخ "عصر الأباطرة" غير المقدسة (القصة طويلة جدًا). لنبدأ في تقصّي الوعي لرجل الدين المسلم، ولنأخذ المدخل من النموذج الأزهري الوسطي لأنه أسهل. سنجده -كخريج كتاتيب مرموقة- متأثرًا بثقافة إسلامية معينة معجونة في اللغة العربية. أي أن مصطلح دولة عنده لا تعني العلاقة الثلاثية كما عندي، ولا تعني "تداول سلمي للسلطة" كما عندك، وإنما لها أصول ثقافية تعود إلى الآية القرآنية تِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ((تِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ (آل عمران 140). )). وهذا يقودنا لسؤاله مباشرة: هل تعلم ما معنى "نداولها بين الناس" عند الطبري مثلًا (قبل ظهور المدلول السياسي الحديث)؟ يعني نداولها بين المسلمين والمشركين ((ويعني بقوله: نداولها بين الناس، نجعلها دُوَلا بين الناس مصرَّفة. ويعني بـالناس، المسلمين والمشركين. (تفسير الطبري، تفسير سورة آل عمران، الآية 140، مشروع المصحف الإلكتروني بجامعة الملك سعود) )). وهذا بدوره يقود لسؤال آخر: هل "دولة الخلافة" المزعومة يتم فيها المبايعة بين خليفة مسلم وخليفة مُشرك؟ دولة الخلافة التي ينص فقهها على لا ولاية لكافر ((أبو عاصم البركاتي، الولاء والبراء في الإسلام، دار الدعوة الإسلامية، 2012، ص61. اضغط لمطالعة نسخة إلكترونية على موقع المكتبة الشاملة. )) هل ستسمح بذلك وتعتبر الدين مسألة شخصية، فتقول: دينه لنفسه ولنا كفاءته؟ في أفضل الأحوال هنا، ينسحب الأزهري من النقاش لأنه مُرغم على منظومة ثقافية تحدد الولاية للمسلم ((محمد صالح المنجد، الإسلام سؤال وجواب، هل يجوز مبايعة الحاكم الكافر؟ ))، في حين أنه ليس من المضمون أن يكون الأزهري مثقفًا بثقافة تحترم خيارات الشعوب بشكل مدني. وللتوضيح هنا، فالإخوان المسلمون أسهل في الفهم؛ إذ إنهم أيضًا -ككل الأصوليات الدينية- يقسمون العالم ليس بالجغرافيا والأرض، وإنما لفسطاط الإيمان وفسطاط الكفر ((خالد العسري، مركز ابن غازي للأبحاث والدراسات الاستراتيجية، فقه الفسطاطين. )). ولأن الإخواني أكثر دهاءًا ومكرًا عن أكاديميو الأزهر، فهو يتوقع أن الشعوب ستنتخب حاكمًا من دين الأغلبية وأن الأقليات ستخسر أي منافسة انتخابية، ولذلك فهو يعترف بالديمقراطية داخل منظومة الحكم ذات الأغلبيات المسلمة كي يستغلها. يعني ليس إيمانًا بأن الشعوب تفهم مصالحها، وإنما إيمانًا بأن الشعب المسلم سيصل به إلى الحكم والسلطة، وهذا هو المهم! هو لا يعنيه الشعوب الغربيّة ذات الأغلبية الكافرة التي ستنتخب كفارها للحكم، فهي بعيدة وليست محل نزاع معنا في السلطة. والخلاصة هنا أن الإخوان يؤمنون بالديمقراطية الإجرائية التي تعود عليهم بالمنافع، وليس بحق الشعوب في اختيار حاكمها دون تمايز ديني، والذي هو أصلٌ ديمقراطيٌ. أيضًا في مسألة ولاية المسلم الفاسق ((المسلم الفاسق: تعني في أدبيات الإسلام السياسي المسلم غير الملتزم ولو من حيث الشكل وليس المضمون، مثل المسلم تارك الصلاة والمسلمة غير المحجبة. )) قد نخوض في نقاش دائر بين الإسلاميين ((إسلاميون وإسلاميين: تعني أنصار الإسلام السياسي، والذين يرون الإسلام: دين ودولة. )) ولأنه نقاش لا يلزمنا فسنكتفي بالقول أن هناك إسلاميين يعتقدون بولاية المسلم الفاسق فعلًا، أشهرهم السلفيون، وبالأخص مؤسسو حزب النور السلفي! هؤلاء يرون الرئيس السيسي مثلًا حاكمًا متغلبًا. ليس أجدر -كفاسق في نظرهم- من "مرسي" برئاسة الجمهورية. ولذلك، كانوا في اعتصام رابعة، وظلوا مؤيدين لمرسي، إلى أن -بمنظورهم- تغلّب السيسي وقهر مرسي، فأصبحوا بعدها مع الحاكم المتغلب (الفاسق أيضًا. . ما دول مدبّات واللي في قلبهم على لسانهم) ((سعيد حجازي، صحيفة الوطن، داعيه سلفي ينتقد هجوم المنشد"ابو عمار" علي النور . . ويؤكد: مصلحة مصر اكبر من الجماعات. )). لكنني (وربما أي باحث، وربما تقييمات الدولة) لا أستطيع الاعتماد على كلامهم بأنه كلام عملي، وإنما هذا اسمه "تنظير". . وبصدق شديد تقييمي للحركات السلفية (المسالمة) أنها صناعة أمنية، أما الحركات السلفية الجهادية فهي صناعة إخوانية ومن ثم مع كامل احترامي للسلفيين وبساطتهم المفرطة، وتنظيراتهم الهشة، لكن هؤلاء ليست جماعة تسعى للسلطة، وإنما جماعة تسعى إلى أن يُحكم المجتمع بطريقة إيمانية معينة. يسعون لهذا بشكل نظري في الحركات المسالمة، وبشكل عنيف ودموي في الحركات الجهادية. ومن المهم هنا القول بأن هذه الفكرة (تسعى أن يتم حكمك ولا تسعى للسلطة) تعني أنك ستقوم بتوصيل غيرك للسلطة، وتوضح أن هؤلاء مُستخدمون، معمول بهم شغل، فهم كباري عصر ما قبل كباري القوات المسلحة. ونفس الكلام يمكن أن يقال على الأصوليات القبطية كلها طالما أنها لا تسعى للسلطة وإنما إلى أن تُحكم (تظل محكومة) بشرع الله المسيحي.  جماعات "المفعول به" دائمًا محل استخدام من غيرها، وفي قواعد السياسة يمكنك أن تجيبها وتوديها وتديها على قفاها كل خطوة. لذلك يشكّلون الغالبية العظمى من حزب الكنبة العظيم، ويعتبرون دومًا "كتل تصويتية" جماعية مفضّلة، يتم التعاقد مع "كبير الجماعة" على أصوات القطيع الذي يقوده بواسطة أولي الأمر في الأمن الوطني. نترك الجماعات كثيفة العدد، وندخل بشكل أكبر على الأقليات، وكهنة اليهود والنصارى أمثال الأب سبيريدون طنوس! كهنة نُظم الخلافة الإسلامية نظام الخلافة هو نظام غير ديمقراطي لا تعي حكومته معنى المواطنة، بل هو نظام ديني ثيوقراطي بامتياز ((ثيو تعني لاهوت، وثيوقراطي تعني نظام الحكم اللاهوتي بسلطة المقدس. ))، لا يعترف بالحدود الجغرافية وإنما يقسّم العالم إلى نحن وهم، فسطاط الإيمان وفسطاط الكفر. قائم على الحاكمية لله وليس حكم الشعب، ويستعين بالتمايز الديني في المُحاصصة الطائفية. بمعنى توزيع "حصة" من كعكة الحكم الديني على رجال الدين المغاير، الذين يحكمون طوائفهم الكفرية بتفويض من الخليفة. إدارة الطوائف في أنظمة الخلافة هي إدارة دينية ثيوقراطية أيضًا، حيث يحكم القس مسيحييه، ويحكم الحاخام يهوده، بسلطة أديانهم. أيضًا، نظام الخلافة ليس تعدديًا كما يروج أنصاره، بل يتداخل اجتماعيًا ودينيًا في حياة الأفراد بشكل جماعي. فعلى سبيل المثال، لا تعترف أنظمة الخلافة بحق الأفراد في اعتناق أفكار أو معتقدات غير تلك المقررة في الإسلام. فلا مجال للكرد والإيزيديين لأنهم زرادشتيون، ولا مجال للدروز والشركس والتركمان والأرناؤوط والبهائيين لأنهم فرق ضالة منحرفة وأفكارها ضلالات غير مسموح بتبنيها. وحتى الأقليات الدينية المعترف بها مثل اليهودية والمسيحية فهي كما أسلفنا، فهذان الاثنان لهما تفويض في مشاركة الحكم لكي يتم حكم الأقليات الدينية وفق سلطة إضافية للكنيسة أو المعبد. فتقع الأقليات هنا تحت غبن مزدوج وقيود دينية إضافية ومتعسفة. الازدواج التشريعي، أو ما يُعرف بـ "التعددية القانونية"، موجود، لكن كل تشريع من هذه التشريعات هو تشريع ديني ثيوقراطي أيضًا. فالمسيحيون أو اليهود أنفسهم ليسوا مواطنين، بل "رعايا"، وملزمون في حياتهم الاجتماعية بالإسلام كقانون عام، وبالدين الذي تُقره لهم الكنيسة كقانون خاص. وهذا الغبن المزدوج القاسي مقصود تمامًا ليبدو الإسلام دينًا أكثر حرية وعملية، مما يسهل عمليات التحول الديني إليه لاحقًا. إذا فهما ما سبق، سيكون مفهومًا نسبيًا مصالح الكهنوت المسيحي مع "أنظمة الخلافة" التي ستمنحه سلطة سياسية ونفوذًا على الطائفة التي سيحكمها بسلطة المقدس، ومفهوم أيضًا مصالح الكهنوت الإسلامي وتعاظم نفوذ رجل الدين المسلم الذي ستعود له الحكومة في كل كبيرة وصغيرة عند أي تطوير تشريعي أو مشاريع قانون على طريقة: هو الدين بيقول إيه؟، فالكهنة هم من يقرر للحكومة ما قاله الدين، فالشعب "عوام الناس"  لا تفهم الدين كما يفهمونه هم. ومن ثم في عالم السياسة الشرق أوسطية التي لا تخلو من دين في أنظمة حكمها، يلزمنا فهم مصالح جماعات الدين بتدرجاتها وأطيافها وتياراتها؛ كالأزهر والإخوان ومشايخ السلفيين، وكذلك كهنة كنيسة الخليفة، في مسألة غسل وعي الجمهور وتقديم نُظم الخلافة على أنها قمة التطور والتكنولوجيا الحديثة القادمة من الكتالوج الإلهي. ففي الحقيقة، هم يقولون ذلك استنادًا إلى قواعد المصلحة، حيث إن هذه النظم تُبجلهم وتمنحهم سلطات سياسية واقتصادية واجتماعية تمكنهم من الهيمنة على مصائر الرعيّة المرعية في حقول الرب، وتفوّضهم كوسطاء إلهيين، فهم أكثر إدراكًا من الشعب الذي لا يدرك مصالحه. وفي هذه السياقات، يمكننا فهم مصالح الأب سبيريدون طنوس في استعادة نفوذه على مسيحيي سوريا، والذي سيمكّنه منه نظام أحمد الشرع، الخليفة الحالي. مستقبل حقوق الإنسان في نُظم الخلافة كدارس لتطور نُظم الحكم، بل وكمؤمن أيضًا، أستطيع القول إن النُظم التي لا تحترم الشعب ولا تعتبره مصدر السلطات والتشريع ولا تصدر أحكامها باسم الشعب، هي نُظم إلهية تاريخية رجعية قرن أوسطية متخلفة، لا يمكن وصفها أو مقارنتها حتى بالنظام الجمهوري الذي كان في أثينا باليونان في العصر الوثني الذي لم يعرف دينًا سماويًا واحدًا من تلك الأديان التي تروج لها نظم الخلافة كمصدر لسلطانها في "خلافة الله" على "أرض الله" وإدارة شؤون "خلق الله". .  الله هو غاية الحكم في النُظم الدينية، وليست مصالح الناس هي الغاية. إنهم أرباب حق الله في مواجهة الداعمين لـحقوق الإنسان. النُظم العربية والإسلامية التي تعتمد مبدأ المحاصصة الطائفية، أو هؤلاء الأساتذة الجامعيون الأكاديميون الذين يخلطون بين التعددية في الدول المتحضرة وبين الـتعددية القانونية، كل هذه ليست مجرد مغالطات أو تلاعبات لغوية؛ بل موضوع فني دقيق، وقد أُنجزت فيه رسائل ماجستير ودكتوراه لمتخصصي العلوم السياسية. إليك بعض الاقتباسات الأكاديمية من د. إلهام مانع، على سبيل المثال: “التعددية القانونية” تُعتبَرُ جزءًا من تركة الحكم العثماني، بخاصة “نظام الملل” العثماني في دول مثل مصر، العراق، وأقاليم سوريا الكبرى حسب نظام الملل العثماني، تم تنظيم الأقليات الدينية “المعترف بها”، كالمسيحيين، في مجتمعات تتمتع ‏بحكم شبه ذاتي، ويشرف عليها قائدٌ ديني؛ وتعمل طبقًا لقوانينها وعاداتها الدينية الخاصة بها، وتتولى ‏وظائف اجتماعية وإدارية تشمل عددًا من المسائل، أهمها الزواج والطلاق. ((د. إلهام مانع، كتاب: فخ الدول المستبدة، بريطانيا ٢٠١١. )) (د. إلهام مانع، كتاب: فخ الدول المستبدة، بريطانيا ٢٠١١) هذا النظام لعب دورًا فاعلًا في أسلمة المجتمعات التي تعيش فيها أقليات دينية أخرى، وهذا يعني ‏ببساطة سيادة القانون الإسلامي في مسائل الميراث والوصاية وفي حال حدوث خلاف بين المذاهب أو ‏الديانات، أدت إلى آثار متراكمة دفعت غير المسلمين دفعًا إلى اعتناق الإسلام. ((د. إلهام مانع، إدماج الشريعة الإسلامية في منظومات الغرب القانونية. )) (د. إلهام مانع، إدماج الشريعة الإسلامية في منظومات الغرب القانونية) التعددية القانونية استُخدمت كأداة لإدامة الانقسامات ‏الاجتماعية في المجتمعات العربية، فهي أعاقت التزاوج بين السنة والشيعة، أو بين المسيحيين والمسلمين ‏واليهود، أو بين القبائل الأصيلة والمستوطنة أو غيرها من ذوي الأصول المتدنية . ‏وبهذا فقد تحولت بالفعل إلى عائق جدي لبناء وحدة وطنية، وهوية وطنية متماسكة‎. ((د. إلهام مانع، إدماج الشريعة الإسلامية في منظومات الغرب القانونية. )) (د. إلهام مانع، إدماج الشريعة الإسلامية في منظومات الغرب القانونية) لو قرأت حتى وصلت لهذا السطر، فلتسمح لي بتهنئتك. . أعتقد يمكنك الآن أن تفهم بشكل كبير أمورًا كبيرة. ليس فقط تصريحات الأب سبيريدون طنوس، وإنما يمكن أن تُعيد النظر في كل كتابات "النصارى" المُتحزمة بعنوان اللاهوت العربي، لأن كل هذه التصريحات والأقوال والكتابات هي لاهوت سياسي، وليس شيئًا آخر. --- ### الخطية الأصلية عند أوغسطين [٣] - Published: ۲۰۲۵-۰۲-۰۷ - Modified: 2025-02-07 - URL: https://tabcm.net/35023/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: آدم, أنبا إيساك، الأسقف العام, الخطيئة الأصلية, العلل البذرية, بابا كيرلس عمود الدين, بيلاجيوس, حواء, دار المشرق, سر المعمودية, سعد الله سميح جحا, قديس أوغسطينوس، أسقف هيبو, قديس إيرونيموس چيروم, قديس بولس الرسول, كنيسة مار جرجس، سبورتنج, مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية, مدينة الله, يوحنا الحلو, يوحنا عطا محروس يرفض أوغسطينوس دخول الأطفال غير المعمَّدين إلى الملكوت، معتبرًا إياهم مذنبين لأنهم وارثون ذنب آدم، بعكس ما جاء في اللاهوت الشرقي الأرثوذكسي مثل ق. كيرلس السكندري، الذي يرى أنهم سوف يدخلون الملكوت، لأنهم أبرياء ولا يوجد بهم أي نوع من الخطية نواصل الحديث عن الاختلاف حول مفهوم “الخطية الجدية” ووراثة الخطية بين بعض آباء الكنيسة في الشرق والغرب، ويظل الحديث عن القديس أغسطينوس في هذه الحلقة. هلاك الأطفال غير المعمدين يرفض أوغسطينوس دخول الأطفال غير المعمَّدين إلى الملكوت، معتبرًا إياهم مذنبين لأنهم وارثون ذنب آدم، بعكس ما جاء في اللاهوت الشرقي الأرثوذكسي مثل ق. كيرلس السكندري، الذي يرى أنهم سوف يدخلون الملكوت، لأنهم أبرياء ولا يوجد بهم أي نوع من الخطية قائلًا: ((أوغسطينوس، الطبيعة البشرية وعمل النعمة، ترجمة: الأنبا إيساك، كنيسة مار جرجس، سبورتنج،1997، الفصل 9، ص 17، 18. )) في حالة ولادة طفل في أوضاع لا يُسمَح له فيها بنوال معمودية المسيح، ثم مات طفلًا بدون حميم الميلاد الجديد، فأنظروا بماذا يفتي صاحبكم ، في مثل هذه الحالة، إنه يعطيه حلًا، فاتحًا له ملكوت السماوات، ومؤكدًا أن لا دينونة عليه، هذا على الرغم من دينونة الله له. على أية حال إن الرسول بولس لا يعطي حلًا لمثل هذا الطفل، حيث قال: بإنسان واحد دخلت الخطيئة إلى العالم وبالخطيئة الموت، وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع ((رسالة بولس إلى رومية 5: 12 ))، فهذا الاستذناب الوحيد فقط يسري على الكل بما فيهم ذلك الطفل، ولذلك لا يُسمَح له بالدخول إلى ملكوت السماوات ليس لأنه غير مسيحي فقط، بل وحتى لأنه غير قادر أن يكون مسيحيًا. (أوغسطينوس، الطبيعة البشرية وعمل النعمة) يرى أوغسطينوس أيضًا أن الأطفال يُحسَبون من بين الخطاة منذ المولد، لأنهم يحملون الخطيئة الأصلية، وهذا عكس ما يقوله آباء الشرق عامةً وق. كيرلس الإسكندريّ خاصةً، حيث يرون أننا نُولَد مائتين من المائت، ولا نُولَد خاطئين من الخاطئ كالتالي: ((أوغسطينوس، العظات على سفر المزامير ج5، ترجمة: سعد الله سميح جحا، دار المشرق، 2018، العظة في مز 118، ص 448. )) وبين الخطاة يُحسَب الأطفال، من حيث أنهم يحملون الخطيئة الأصلية؛ بالتالي، فإن الجميع بحاجة إلى نعمة الله. (أوغسطينوس، العظات على سفر المزامير ج5) يُؤكِّد أوغسطينوس على عدم دُخُول الأطفالِ الذين يموتون قبْل المعمُوديّة لِلملكُوت بِسبب وِراثة الخطيّة الأصليّة، حيْث يُخاطِب القِديس جِيروم قائِلًا: ((أوغسطينوس، الرسائل المتبادلة بين هيرونيموس وأوغسطينوس، ترجمة: سعد الله جحا، دار المشرق، 2011، رسالة 166: 6، ص116. )) أسأل أيْن تُصاب النّفس بِالخطيئة الّتي بِنتيجتِها تسقُط في الهلاك الّذي لا يُعفى مِنه طِفل يموت بِدون نوال نِعمة المسيح بِالعِماد؟ لِأنّك لست مِن أولئِك الّذين ينطِقون بِأشياء جديدة، ويَذهبون إلى حدّ القوْل بِأنّه ليْس مِن خطيئة أصليّة يُعفَى مِنها الطِّفل بِالعِماد. (أوغسطينوس، الرسائل المتبادلة بين هيرونيموس وأوغسطينوس) وراثة الأطفال لذنب خطيئة آدم يرى أوغسطينوس أن الأطفال هم شركاء آدم في خطيئته الأولى بتعديه للوصية، وهذا عكس ما علَّم به ق. كيرلس تمامًا، حيث أكد أننا لم نكن موجودين عندما أخطأ آدم وتعدى الوصية، بل انتقلت لنا نتائج خطيئته فقط، أي الفساد والموت. ويشير أوغسطينوس أيضًا إلى اتصال الأطفال بالخطيئة الأصلية لآدم لكونهم أبناء آدم وشركائه في خطيئته الأولى بتعديه للوصية، أي يُعلِّم أوغسطينوس بوراثة الأطفال لذنب خطيئة آدم، هذا التعليم المرفوض تمامًا من آباء الشرق وق. كيرلس السكندري. حيث يقول أوغسطينوس التالي: ((أوغسطينوس، العظات على سفر المزامير ج5، ترجمة: سعد الله سميح جحا، دار المشرق، 2018، العظة في 118: 5، ص 453. )) فإذَا كان علينا أن نفهم من عبارة ’جميع منافقي الأرض متعدون‘ أنها تشمل الأطفال أنفسهم بسبب اتصالهم بالخطيئة الأصلية -وهذا حق- اتضح لنا أنهم، لكونهم أبناء آدم، فإنهم شركاء له في خطيئته الأولى بتعديه الوصية التي أُعطيت له في الفردوس. وعليه، فإن جميع الخطأة في الأرض، بلا استثناء، يُعتبرون، بحقٍ، متعدون. (أوغسطينوس، العظات على سفر المزامير ج5) ويؤكد أوغسطينوس أيضًا على وراثة الأطفال الرضع ذنب خطيئة آدم في حديثه مع ق. چيروم، وتعليم وراثة الذنب هو تعليم مرفوض تمامًا من ق. كيرلس الإسكندري وآباء الشرق كالتالي: ((چيروم، خطابات ق. چيروم ج5، ترجمة: القمص يوحنا عطا، مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية، 2023، خطاب 131 من أوغسطينوس إلى چيروم، 3: 6، ص 323. )) ولهذا أتساءل كيف يمكن للروح، حتى لو روح رضيع اختطفه الموت، أن تحمل الذنب الذي يستوجب الدينونة، ما لم تنقذه نعمة المسيح بسر المعمودية، الذي يُقدَّم حتى للرضع؟ أعلم أنك لست ممن تلفظوا مؤخرًا بآراء وبدع عبثية، زاعمين أنه لا يوجد ذنب موروث من آدم والذي يُمحَى بالمعمودية في حالة الأطفال. ولهذا ليس من غير المناسب طرح عليك السؤال: كيف تحمل الروح، حتى لو روح رضيع، الذنب الذي يجب الخلاص منه خلال سر النعمة المسيحية. (چيروم، خطابات ق. چيروم ج5، خطاب 131 من أوغسطينوس إلى چيروم) ويؤكد أوغسطينوس على وراثة ذنب آدم، على العكس من تعليم ق. كيرلس الإسكندري وآباء الشرق الرافض لوراثة ذنب خطية آدم، قائلًا: ((أوغسطينوس، مدينة الله مج2 (الكتب 11- 17)، ترجمة: الخور أسقف يوحنا الحلو، دار المشرق، 2015، 16: 27، ص 329، 330. )) لأن الخطأ لا يكون على الولد الذي يقضي الله حكمه عليه؛ لأن ليس هو الذي يخالف عهد الله بل أولياؤه الذين يهملون ختانته؛ وعليه يجب الاعتراف بأن الأولاد أنفسهم مجرمون، لا بسبب الاستعمال الشخصيّ لحياتهم، بل بحسب الأصل المشترك للجنس البشريّ، لأنهم جميعهم خطئوا بمخالفتهم لعهد الله في شخص الإنسان الأول الذي به قد خطئوا؛فكيف يمكن التوفيق بين ذاك الكلام وكلام المزمور: حسبتُ جميع منافقي الأرض خبثًا ((مزمور 118/119 ))، إنْ لم يكن كلّ مرتبط بخطيئةٍ ما مخالفًا لشريعةٍ ما؟ وعليه فإنْ يكن الأطفال أنفسهم كما يُعلِّم الإيمان الحقيقيّ مولودين تحت نير الخطيئة، لا خطيئتهم الشخصية، بل الخطيئة الأصلية، ولهذا نعترف بأن نعمة مغفرة الخطايا ضرورية لهم، فلا شك أنهم كسواهم قد خالفوا الشريعة المعطاة في الفردوس بالقدر عينه، وقد تحقَّقت كلمات الكتاب المقدَّس القائل: حسبتُ جميع منافقي الأرض خبثًا، وحيث لا يكون ناموس لا يكون تعدّ. وعلى هذا النحو، فإن الختان، بصفته علامة التجدُّد نرى بحقٍ أن وصمة الخطيئة الأصلية التي هي تعدٍّ على العهد الأول تُشوِّه ولادة الطفل إنْ لم تُخلِّص منها الولادة الجديدة. ومع ذلك، فإن الشجب للولد غير المختون البريء من كل إهمال تجاه نفسه قد يكون ظالمًا لو لم يكن أسيرًا للخطيئة الأصلية. (أوغسطينوس، مدينة الله مج2) تعليم النفس المولودة الأوغسطيني يعلم أوغسطينوس، على العكس من تعليم النفس المخلوقة لآباء الشرق وق. كيرلس الإسكندريّ، بأن النفس مثل أجسادنا تتوالد وتأتي إلينا من أبوينا، وهذا التعليم مرفوض تمامًا من آباء الشرق، حيث يرون أن النفس الإنسانية هي مخلوقة على صورة الله، والله هو جابلها وخالق، الله هو أبو الأرواح، وهو الذي يرسل نفس جديدة بالخلق المباشر لكل إنسان مولود في الحياة، ويحرم ويرفض آباء الشرق التعليم عن النفس المولودة، ويَعتبرونه أنه يجعل من النفس كيان ماديّ يُورَّث مثله مثل الأجساد، بالتالي، تكون صورة الله صورة مادية حسب هذا الرأي، وأَعتبروا أن ذلك هو التعليم عن هرطقة أنسنة اللاهوت أو تجسيم اللاهوت أو الأنثروبومورفيزم Anthropomorphism المرفوض تمامًا من آباء الشرق وق. كيرلس السكندري. حيث يقول أوغسطينوس التالي: ((چيروم، خطابات ق. چيروم ج5، ترجمة: القمص يوحنا عطا، مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية، 2023، الخطاب من أوغسطينوس إلى أوبتاتوس 144: 5، ص 430. )) ولكن بينما نعترف أن جسد الإنسان من صُنع الله، في الوقت ذاته لا ننكر أن الأجساد تتوالد. لذلك عندما يُبرهَن على أن أرواحنا نتاج بذار روحية ، وهي كأجسادنا تأتي إلينا من أبوينا، إلا أنها مازالت أرواحًا من صُنع الله، فهدم هذا البرهان لا يصح أن يكون على أساس الحدس البشريّ، بل يجب دحضه بشهادة نصوص من الكتاب المقدَّس. يوجد فعلاً الكثير من النصوص الإلهية القانونية يمكن الاستشهاد بها لكي نثبت أن الله هو خالق الأرواح. ولكن نستخدم هذه الآيات ضد مَن ينكرون أن أرواحنا ليست من صُنع الله؛ وليس ضد مَن يقولون إن أرواحنا تتكوَّن بفعلٍ إلهيّ، لكن من الوالدين. لكي تدحض هذا الفكر يجب أن تستشهد بنصوص صريحة تنادي بغير ذلك، وإنْ وجدت، فعرفني بها لأني بحثت بشغفٍ عنها ولم أستطع الوصول إليها. (چيروم، خطابات ق. چيروم ج5، الخطاب من أوغسطينوس إلى أوبتاتوس) اتهام أوغسطينوس لرافضي النفس المولودة بالبيلاجية ويتهم أوغسطينوس الذي لا يؤمن بالنفس المولودة بالسقوط في الهرطقة البيلاجية، ألعله يتهم آباء الشرق ومنهم ق. كيرلس الإسكندري بالهرطقة البيلاجية بسبب تعليمهم بالنفس المخلوقة ورفضهم للنفس المولودة؟! حيث يقول أوغسطينوس التالي: ((چيروم، خطابات ق. چيروم ج5، ترجمة: القمص يوحنا عطا، مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية، 2023، الخطاب من أوغسطينوس إلى أوبتاتوس 144: 7، ص 432. )) وفي تناول المشكلة الثانية أريدك أن تكون متأنيًا ويقظًا. فربما من خلال رفضك لتوالد الأرواح تقع دون أن تدري في بدعة بيلاجيوس. الجميع يعرفون أن الأجساد تتوالد من جيل إلى جيل؛ فنكون على صواب أيضًا إن قولنا إن كل الأرواح -ليس فقط آدم وحواء- يخلقها الله، ومن الواضح أن تأكيد توالدها ليس إنكارًا لخلقتها من الله. فمن خلال هذه النظرة، الله يخلق الأرواح بالطريقة نفسها التي يخلق بها الأجساد؛ أي بطريقة غير مباشرة وبالتوالد. وإدانة هذا الرأي تتطلب حوارًا جديدًا. (چيروم، خطابات ق. چيروم ج5، الخطاب من أوغسطينوس إلى أوبتاتوس) وراثة الخطية الأصلية بواسطة النفس المولودة يرى أوغسطينوس، على العكس من آباء الشرق جميعًا وق. كيرلس الإسكندريّ بالخصوص، أنه لا توجد أي روح في أي جسد من دون خطية حتى لو كانت حياته يومًا واحدًا على الأرض. فليس إنسان بلا خطية من كل نسل آدم، لذلك ينبغي أن ينال الأطفال الرضع الولادة الجديدة في المعمودية. يرى آباء الشرق وق. كيرلس الإسكندري أن نفوس الأطفال ليست شريرة ولا تُولَد نفوس الأطفال خاطئةً، بل هم بلا خطية، وهم أبرار وطاهرين في أذهانهم وأرواحهم وفكرهم، وعندما يموت الأطفال الرضع غير المعمدين، حسب آباء الشرق وليس أوغسطينوس والغرب، فإنهم يذهبون إلى الملكوت فورًا، لأن الملكوت هو لهم كما قال ق. كيرلس، وقاله أيضًا آباء الشرق معه، فلم يقل أي أب من آباء الشرق بأن الأطفال الذين يموتون قبل المعمودية، يذهبون إلى الجحيم، كما قال أغسطينوس والغرب من بعده، بل يقولون إنهم يذهبون إلى الملكوت فورًا لينالوا نصيبهم من السعادة. حيث يقول أوغسطينوس التالي: ((چيروم، خطابات ق. چيروم ج5، ترجمة: القمص يوحنا عطا، مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية، 2023، الخطاب من أوغسطينوس إلى أوبتاتوس 144: 9، 10، ص 434-436. )) وأيضًا لا توجد أي روح في أي جسد من دون خطية حتى لو كانت حياته يومًا واحدًا على الأرض ((سفر أيوب 14: 5 )). فليس إنسان بلا خطية من كل نسل آدم، لذا فمِن المهم جدًا حتى للأطفال الرضع أن يُولَدوا ولادة جديدة في المسيح بنعمة التجديد. تحمل سؤالي أنا أيضًا في المقابل: هل يمكن أن ترث الروح البشرية الخطية الأصلية من دون أن تتوالد هي نفسها من هذا الجد؟ فإذَا لم نرد أنا أو أنت أن نقع في هرطقة بيلاجيوس المقيتة، يجب علينا أن نؤمن بأن كل الأرواح البشرية ورثت الخطيئة الأصلية من آدم. وإنْ لم تستطع الإجابة على سؤالي، أرجوك أن تعفيني أنا أيضًا من الإجابة على سؤالك. وعندما حثَّني على بذل الجهد والعناء أكثر في القضاء على هذه الهرطقة المميتة، أشار إلى خطأ بيلاجيوس، الشيء الذي أتوسل بشدة إليك يا أخي أن تتجنبه بمنتهى الحرص. يجب أثناء التأمل والنقاش في مسألة أصل الأرواح ألا تدع مجالًا لهذه الهرطقة مطلقًا سواء هي أو استنتاجاتها الشريرة؛ لأنه لا توجد روح بشرية إلا روح الوسيط بين الله والناسلم ترث الخطية الأصلية من آدم. الخطية الأصلية الملتصقة بالروح منذ ولادتها، ولا توجد وسيلة للتخلص منها سوى بالولادة الجديدة. (چيروم، خطابات ق. چيروم ج5، الخطاب من أوغسطينوس إلى أوبتاتوس) --- ### توحيد الأعياد ضرورة رعوية - Published: ۲۰۲۵-۰۲-۰٦ - Modified: 2025-02-19 - URL: https://tabcm.net/35674/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: ٢٥ ديسمبر, أنبا أغاثون، أسقف مغاغة والعدوة, إفخارستيا, الزواج المختلط, الكنائس الأرثوذكسية, الكنيسة السريانية, الكنيسة القبطية, الكنيسة الكاثوليكية, الكنيسة اليونانية, بابا تواضروس الثاني, بابا فرنسيس، بابا الڤاتيكان, بروتستانت, توحيد الأعياد, عقيدة التأله, عيد القيامة, عيد الميلاد, ڤاتيكان, كريسماس, مجمع خلقيدونية, مجمع نيقية, يوحنا المعمدان صرح البابا فرنسيس، بأنه مستعد لقبول اليوم الذي يتفق عليه الجميع لتوحيد الأعياد. وفور إعلان هذا التصريح، قامت كتائب النقد القبطية الأرثوذكسية بمحاربة الرجل. وكان أول من تكلم، كالعادة، نيافة الأنبا أغاثون، الأسقف المغاغي الذي يبحث عن أي دور يضع صورته وأحاديثه في الإعلام. لن تتكرر هذه الفرصة كثيرًا، خاصة مع سن بابا الفاتيكان الحالي، ولا نعلم اتجاهات من يأتي بعده. وإذا لم نستغل هذه الفرصة، سيذكر التاريخ أن تعنت الأقباط كان سببًا في عدم توحيد الأعياد بمناسبة حلول عيد القيامة المجيد هذا العام للكنائس الأرثوذكسية الخلقيدونية وغير الخلقيدونية في اليوم نفسه مع باقي العالم المسيحي من كاثوليك وبروتستانت، صرح البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان والكنيسة الكاثوليكية، بأنه مستعد لقبول اليوم الذي يتفق عليه الجميع لتوحيد الأعياد ((باسم الجنوبي، البابا فرنسيس: الكنيسة الكاثوليكية على استعداد لقبول التاريخ الذي يريده الجميع. )). وفور إعلان هذا التصريح، قامت كتائب النقد القبطية الأرثوذكسية بمحاربة الرجل. وكان أول من تكلم، كالعادة، نيافة الأنبا أغاثون، الأسقف المغاغي الذي يبحث عن أي دور يضع صورته وأحاديثه في الإعلام. لن تتكرر هذه الفرصة كثيرًا، خاصة مع سن بابا الفاتيكان الحالي، ولا نعلم اتجاهات من يأتي بعده. وإذا لم نستغل هذه الفرصة، سيذكر التاريخ أن تعنت الأقباط كان سببًا في عدم توحيد الأعياد. أرى أن توحيد الأعياد أصبح ضرورة رعوية، خصوصًا بعد انتشار الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في جميع أنحاء العالم. وأصبح لدينا أجيال جديدة وُلدت وتربت في بلاد المهجر وتزوجت من أبنائها وبناتها، وتكمن هذه الضرورة الرعوية الملحة في الأسباب الآتية: ١. الظهور بمظهر متحضر وقوي أمام العالم غير المسيحي، وغلق باب الأسئلة عن اختلاف مواعيد الأعياد في بعض الكنائس عن باقي الكنائس المسيحية، مؤكدين أن مسيحنا القدوس واحد حتى وإن اختلفت العقائد وطرق التفسير والآراء من كنيسة إلى أخرى. ٢. نحن في بلاد المهجر نعاني كثيرًا بسبب عدم توحيد الأعياد. أولادنا من الجيل الجديد الذي وُلد في بلاد المهجر، مهما حاولت الكنيسة معهم لإقناعهم، فهم ضد الخلافات المسيحية خصوصًا في توحيد الأعياد، ولأنهم تعلموا في مجتمعات مختلفة من حيث حرية الرأي والانفتاح الفكري مع بعض الاستنارة الروحية، لا تستطيع خداعهم بأن موعد العيد هو إيمان وعقيدة. كلنا نؤمن بأن الرب يسوع الكلمة المتجسد وُلد في بيت لحم، ونؤمن أنه صُلب وقُبر وقام من بين الأموات في اليوم الثالث، فما الذي يمنع من أن نحتفل سويًا حتى لو هناك نقاط خلاف وعدم اتفاق؟ ٣. في كل بلاد المهجر، يأخذ الأولاد والشباب إجازة من المدارس والجامعات في فترة الكريسماس لمدة أسبوعين، وبعدها تبدأ الامتحانات في يوم 3 يناير من كل عام. هل نستطيع أن نجبر الجيل الجديد على قبول هذا الوضع ونحن في بلاد مسيحية؟ نفس الوضع في عيد القيامة المجيد، يأخذون إجازة تنتهي قبل أن يحتفل الأقباط الأرثوذكس بالعيد، ويفرح الجميع حينما يأتي العيد سويًا، مما يشجعهم على حضور أسبوع الآلام بدلًا من أن تكون الكنائس خالية إلا من بعض كبار السن والمعاشات، أثناء انشغال الجميع في المدارس والجامعات والأعمال. واختلاف مواعيد الأعياد جعلنا نفقد غالبية شباب الجيل الجديد واهتمامهم بالامتحانات، واصفين أهلهم بأنهم منغلقون أو كما نقول بالعامية "دقة قديمة". ٤. ما هو الحل الأسري في حالات الزواج المختلط الجنسيات؟ مثل أن يتزوج أي شاب أجنبي من شابة من أصل مصري، أو أن يتزوج شاب من أصل مصري من فتاة أجنية، هل ينقسم البيت في الأعياد؟ حتى من يقبلون سر العماد في كنيستنا القبطية الأرثوذكسية يرفضون تغيير موعد العيد حتى لا ينفصلوا عن عائلاتهم وعن غالبية العالم المسيحي، فيضطر الشاب القبطي أو الفتاة القبطية إلى الانضمام إلى كنيسة الطرف الآخر دون رجعة حتى يتكيفوا مع مجتمعهم الذي وُلدوا فيه. ٥. هل السبت من أجل الإنسان أم الإنسان من أجل السبت؟ هل الرب يسوع له المجد تجسد فقط من أجل العشرين أو الثلاثين مليون قبطي؟ أم جاء لكل العالم؟ أين البعد الرعوي؟ ألم يقل يوحنا المعمدان أعظم مواليد النساء بشهادة رب المجد: هوذا حمل الله الذي يحمل خطية العالم ((إنجيل يوحنا ١: ٢٩ ))؟ ٦. عندما يحكم القاضي في أي قضية، يطلب المحامون تطبيق روح القانون. ونحن نطالب بتطبيق روح الكتاب المقدس، أي روح تعاليم الرب يسوع المسيح له المجد، وخصوصًا في الصلاة الوداعية مخاطبًا الآب: ليكون الجميع واحدًا، كما أنك أنت أيها الآب في وأنا فيك. ليكونوا هم أيضًا واحدًا فينا، ليؤمن العالم أنك أرسلتني ((ليكون الجميع واحدًا، كما أنك أنت أيها الآب في وأنا فيك. ليكونوا هم أيضًا واحدًا فينا، ليؤمن العالم أنك أرسلتني. وأنا قد أعطيتهم المجد الذي أعطيتني، ليكونوا واحدًا كما أننا نحن واحد. (إنجيل يوحنا ١٧: ٢١-٢٢) )). ٧. أليست هذه فريسية العبادة التي لعنها ونهانا عنها الرب يسوع المسيح له المجد حين قال: ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون ((إنجيل متى ٢٣: ٢٧ ))؟ ما دخل مواعيد الأعياد في الإيمان والعقيدة؟ لماذا هذا التحجر الفكري؟ ٨. غالبية الكنائس الأرثوذكسية، مثل السريان الأرثوذكس والكنيسة اليونانية، غيرت مواعيد الأعياد دون اتحاد في الإيمان. ولكل كنيسة تقاليدها وتراثها وعقائدها، وقد وحدت بعض الكنائس الأعياد في بلاد المهجر فقط. ٩. جميع المعارضين ليس لديهم حجة واضحة سوى قوانين مجمع نيقية. فهل لو اتحد العالم المسيحي في مواعيد الأعياد، ألن يكون ذلك مجمعًا مسكونيًا من حقه أن يصحح وضعًا أصبح خاطئًا بمرور الزمن؟ لقد ضم مجمع نيقية ٣١٨ أسقفًا، وأنا واثق أنه لو عُقد مجمع مسكوني حاليًا، لكان العدد أضعاف من عدد الحاضرين في مجمع نيقية. ١٠. دائمًا ما نقول إننا والسريان الأرثوذكس إيمان واحد وعقيدة واحدة في كل شيء، ونستطيع أن نشترك سويًا ونتناول معًا في سر الإفخارستيا. حاليًا، تحتفل الكنيسة السريانية بعيد الميلاد في ٢٥ ديسمبر. لماذا لا نشاركهم؟ أم نحن نعتقد أننا الفرقة الناجية من النار؟   ملاحظة أخيرة: في فترة انتشار وباء كوفيد-19، شهدنا عاصفة من المعارضة بشأن استخدام الماستير في التناول. كانت الكنيسة السريانية الأرثوذكسية تُعطي المتناول الذخيرة المقدسة في يده. هل يعلم بذلك أسقف مغاغة وتلميذه النجيب؟ ربما قد يطالب بالانفصال عن الكنيسة السريانية الأرثوذكسية الشقيقة. هذه الممارسات لا تمس الإيمان أو العقيدة؛ فنحن جميعًا نؤمن بالثالوث الأقدس وتجسد الابن الكلمة ربنا يسوع المسيح له المجد، والباقي تفاصيل. نتمنى أن يستمع قداسة البابا تواضروس إلى هذا النداء والاحتياج الرعوي دون الالتفات إلى المعترضين على أي شيء يفعله قداسته. كما نناشد أصحاب النيافة المطارنة والأساقفة المتنورين والمتعلمين والمثقفين مساندة قداسة البابا في هذا القرار، أما باقي الأساقفة المتعنتين دون فهم للبعد الرعوي، وخصوصًا الأسقف المغاغي وأتباعه، فيمتنعون. ليس منوطًا بهم قيادة كل شيء في الكنيسة خارجًا عن قريتهم أو إيبارشياتهم. --- ### مصر والنيل: إثيوبيا والمصالح - Published: ۲۰۲۵-۰۲-۰۵ - Modified: 2025-02-05 - URL: https://tabcm.net/35370/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: International Herald Tribune, أيمن شبانة, إمبراطور هيلا سيلاسي, الديمقراطية, الشرق الأوسط, القومية العربية, المجلس العسكري, ثورة ٢٣ يوليو, جامعة الدول العربية, دار الكتب والوثائق القومية, رئيس محمد أنور السادات, رئيس محمد حسني مبارك, شيرين مبارك بسيس فضل الله, كارل هانريش ماركس, محمد سالمان طايع, محمد سياد بري, محمد صادق, محمد عبد المؤمن عبد الغني, منجستو هيلا مريام, ميليس زيناوي بن أصليص, مينا ميشيل سمعان, وكالة BBC اعترضت إثيوبيا على السد العالي ورحبت بسحب البنك الدولي عرضه لتمويل السد. كما عارضت تأميم قناة السويس، ووافقت على مشروع تدويل القناة في مؤتمر لندن الأول الذي قاطعته مصر. زاد التوتر مع اندلاع حرب أوجادين، والتي ساندت فيها مصر الصومال في مواجهة إثيوبيا. كذلك ساندت مصر حركة التحرير الإريترية الساعية لاستقلال إريتريا عن إثيوبيا كما ذكرنا، كانت هناك شكوك مستمرة من جانب إثيوبيا في نوايا مصر تجاهها منذ محاولة جيوش إسماعيل احتلال هضبة الحبشة عام 1876. ورغم توقيع معاهدة 1902، إلا أن الطرفين فشلا في التعاون في مشروع سد بحيرة تانا كما أسلفنا، وبقي التوتر قائمًا. اعترضت إثيوبيا من البداية على مشروع السد العالي عندما بدأ يُطرح عقب ثورة يوليو في مصر. وقد طلبت إثيوبيا في ذلك الوقت الانضمام للمفاوضات الجارية بشأنه بين مصر والسودان، إلا أن طلبها قوبل بالتجاهل من قبل البلدين. وأدى ذلك إلى احتجاجها المتكرر على ذلك، بل وترحيبها بسحب البنك الدولي في يوليو عام 1956 عرضه لتمويل السد. كذلك عارضت إثيوبيا تأميم قناة السويس، ووافقت على مشروع تدويل القناة في مؤتمر لندن الأول الذي شاركت به وقاطعته مصر. وأدى ذلك إلى توتر العلاقات بين البلدين في تلك الفترة الحرجة ((شيرين مبارك فضل الله، نهر النيل في العلاقات المصرية الإثيوبية، 1952 – 1974، دار الكتب والوثائق القومية. )). وخلال إجراء المفاوضات التي أدت إلى إبرام اتفاقية عام 1959 بين مصر والسودان، صرحت إثيوبيا عبر سفيرها بالقاهرة بأنها تعيد التأكيد على احتفاظها بحقها في استخدام الموارد المائية للنيل لمصلحة شعبها، مهما كان الغرض من الاستفادة من هذه المياه من قبل دول ضفاف النهر ((Mina Michel Samaan, The Nile Development Game: Tug-of-War or Benefits for All, Springer International Publishing, 2019, pp. 98 )). على جانب آخر، سعت إثيوبيا إلى الولايات المتحدة، حيث كانت تحتفظ بعلاقات أكثر من جيدة معها في إطار الحرب الباردة ((شكلت إثيوبيا وإيران وإسرائيل محورًا مواليًا للولايات المتحدة في الشرق الأوسط وشرق إفريقيا في مواجهة النفوذ السوفييتي وتيار القومية العربية الصاعد منذ منتصف خمسينيات القرن العشرين. ))، لمساعدتها على استغلال مياه النيل. وكانت أهم خطوة في هذا الاتجاه هي دعوة المكتب الأمريكي للاستصلاح (USBR) لإجراء دراسة حول إمكانية استغلال حوض النيل الأزرق في توليد الكهرباء والزراعة من خلال إقامة عدد من السدود ومشاريع الري ((Paul J. Block, Kenneth Strzepek, Balaji Rajagopalan, Integrated Management of the Blue Nile Basin in Ethiopia, Environment and Production Technology Division, University of Colorado )). وبالفعل صدرت الدراسة التفصيلية في عام 1964 مقترحة إنشاء أربعة سدود كبرى لتوليد الكهرباء على النيل الأزرق وروافده، بالإضافة إلى عدد آخر من السدود الأصغر لأغراض الري والزراعة في هضبة الحبشة بما يصل مجموعه إلى 33 سدًا (( Belete Belachew Yihun, Battle over the Nile: The Diplomatic Engagement between Ethiopia and Egypt, 1956-1991, International Journal of Ethiopian Studies, Vol. 8, No. 1 & 2 (2014), pp. 73-100 )). وكان أحد هذه السدود الأربعة الكبرى المقترحة هو سد أطلق عليه في الدراسة اسم سد الحدود كونه يقع قرب الحدود مع السودان. وهو السد الذي تطور بعد ذلك بعقود ليصبح سد النهضة الكبير. لم تستطع إثيوبيا الشروع في بناء أي من هذه السدود نظرًا لتكلفتها الضخمة وعدم استعداد الولايات المتحدة لتمويلها كما كان يطمح الإمبراطور هيلا سيلاسي وقتها. سد واحد فقط هو الذي تم بناؤه من السدود المقترحة بقرض من البنك الدولي وهو سد فينشا على النهر الذي يحمل نفس الاسم وهو أحد روافد النيل الأزرق. واكتمل هذا السد في عام 1972 وبه محطة كهرباء بقدرة 90 ميجا وات، مكنت إثيوبيا وقتها من توفير الطاقة الكهربائية التي تحتاجها أديس أبابا ((Mina Michel Samaan, The Nile Development Game: Tug-of-War or Benefits for All, Springer International Publishing, 2019, pp. 103 )). لم يمهل القدر هيلا سيلاسي محاولة استكمال هذه المشاريع، إذ أن انقلاب سبتمبر 1974 أطاح به. استولى على الحكم مجموعة عسكرية سميت بالديرج (Derg)، وصل إلى قيادتها بعد صراعات عدة منجستو هيلا ماريام. أعلن النظام الجديد تبني النهج الماركسي بدعم من الاتحاد السوفيتي، وهو ما تزامن مع تحول مصر إلى الغرب وتحسن علاقاتها بالولايات المتحدة، مما جعل التوتر يستمر بين البلدين ((Mina Michel Samaan, The Nile Development Game: Tug-of-War or Benefits for All, Springer International Publishing, 2019, pp. 107 )). زاد التوتر بشكل ملحوظ مع اندلاع حرب أوجادين عام 1977 بين الصومال وإثيوبيا، والتي ساندت فيها مصر ومعظم الدول العربية الصومال في مواجهة إثيوبيا ((Harry Ododa, Somalia's Domestic Politics and Foreign Relations since the Ogaden War of 1977-78, Middle Eastern Studies, Vol. 21, No. 3 (Jul. , 1985), pp. 285-297 )). كذلك ساندت مصر حركة التحرير الإريترية الساعية لاستقلال إريتريا عن إثيوبيا ((في أعقاب سقوط الحكم الإيطالي لإريتريا عام 1941 على يد بريطانيا، بقيت إريتريا تحت الإدارة البريطانية إلى أن صدر قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 390 عام 1950 بإقامة دولة اتحادية بين إريتريا وإثيوبيا، وهو ما كان يطالب به هيلا سيلاسي بمساندة من الولايات المتحدة. وكان القرار يكفل لإريتريا برلمانها ونظامها القانوني الخاص، إلا أن هيلا سيلاسي قرر إلغاء الفيدرالية وأصدر قرارًا من جانب واحد عام 1962 بضم إريتريا إلى إثيوبيا. وهو ما أشعل حركة تمرد على الحكم الإثيوبي تسعى لاستقلال إريتريا. )). كان ما أشعل حرب التصريحات المتبادلة بين البلدين هو تصريح السادات في حيفا في سبتمبر 1979 بعرضه توصيل مياه النيل إلى النقب في إطار حسن الجوار بين البلدين بعد إبرام اتفاق السلام والذي كان وقع في مارس من نفس العام. وهو ما أدى إلى احتجاج رسمي من إثيوبيا تجلى في مذكرة قدمت إلى منظمة الوحدة الأفريقية في مايو 1980 ((Belete Belachew Yihun, Battle over the Nile: The Diplomatic Engagement between Ethiopia and Egypt, 1956-1991, International Journal of Ethiopian Studies, Vol. 8, No. 1 & 2 (2014), pp. 73-100 )). أدانت إثيوبيا محاولة مصر تحويل مياه النيل إلى خارج حوض النيل واتهمتها بالخرق المستمر للقانون الدولي ورفضها مراعاة مصالح دول حوض النيل التسع فيما يخص نهر النيل. كما أكدت إثيوبيا في المذكرة على حقها الكامل في استغلال مياه النيل لأغراض التنمية مع احترامها لحقوق مصر والسودان، طالما اعترفت الدولتان بحقوق إثيوبيا ((Belete Belachew Yihun, Battle over the Nile: The Diplomatic Engagement between Ethiopia and Egypt, 1956-1991, International Journal of Ethiopian Studies, Vol. 8, No. 1 & 2 (2014), pp. 73-100 )). كان رد السادات مباشرًا على هذه المذكرة في حديث له مع جريدة هيرالد تريبيون في 3 يونيو 1980، إذ قال عندما سُئل عن هذا الموضوع: أي شخص يحاول فعل أي شيء بهذا الخصوص سنتجه للحرب على الفور. وكرر ذلك في خطاب له في 5 يونيو 1980 بمناسبة ذكرى إعادة افتتاح قناة السويس بقوله: لا يوجد خلاف، ولا نقاش، حول قرار الذهاب للحرب في هذه الحالة، إذا قررت إثيوبيا شيئًا ينتقص من حقوقنا. فقرارنا معروف. وهو ما أدى إلى وصول التوتر بين البلدين إلى مرحلة غير مسبوقة ((محمد عبد المؤمن عبد الغني، مصر والصراع حول القرن الإفريقي 1945-1981، مركز تاريخ مصر المعاصر، دار الكتب والوثائق القومية، 2011. )). تغير الموقف تدريجيًا مع تولي حسني مبارك رئاسة مصر، إذ سعى إلى إصلاح العلاقات مع إثيوبيا ودعا منجستو هيلي مريام لزيارة مصر على هامش قمة منظمة الوحدة الإفريقية عام 1986. وهي الزيارة التي لم تتم إلا في عام 1987 عقب إغلاق مصر لمكاتب حركات التحرير الإريترية في القاهرة ووقف دعمها لها. إلا أن العلاقات ساءت مرة أخرى عندما نجحت مصر في منع تمويل البنك الإفريقي للتنمية لمشاريع ري في إثيوبيا عام 1990 ((P. Godfrey Okoth, The Nile River Question and the Riparian States: Contextualising Uganda’s Foreign Policy Interests, African Sociological Review, Vol. 11, No. 1 (2007), pp. 81-94 )). جاء عام 1991 بنهاية نظام منجيستو هيلا مريام على يد الجبهة الشعبية الثورية الديمقراطية بقيادة ميليس زيناوي، التي قادت التمرد على مدى سنوات طويلة ((Hamdesa Tuso, Ethiopia: New political Order, Rivista trimestrale di studi e documentazione dell’Istituto italiano perl’Africa e l’Oriente, Anno 52, No. 3 (Settembre 1997), pp. 343-364 )). وفي العام نفسه، سقط نظام سياد بري في الصومال، فانزلقت البلاد نحو الفوضى وخسرت مصر حليفًا لها في منطقة القرن الإفريقي ((Mohamed Haji Ingiriis, How Somalia Works: Mimicry and the Making of Mohamed Siad Barre’s Regime in Mogadishu, Africa Today, Vol. 63, No. 1 (Fall 2016), pp. 57-83 ))، وهو ما مثل بداية مرحلة جديدة من العلاقات المصرية الإثيوبية. وفي إطار تحسن العلاقات النسبي، وقع الجانبان أول اتفاقية إطارية للتعاون بينهما في يوليو عام 1993 ((Framework for general co-operation between the Arab Republic of Egypt and Ethiopia signed at Cairo, 1 July 1993 )). ونصت الاتفاقية في مادتها الرابعة على أن الطرفين يتفقان على أن مسألة استخدام مياه النيل يجب أن يتم حلها تفصيليًا عبر مناقشات الخبراء من كلا الجانبين على أساس قواعد ومبادئ القانون الدولي. كما نصت مادتها الخامسة على أنه يجب على الطرفين الامتناع عن أي أنشطة تتعلق بمياه النيل قد تضر بمصالح الطرف الآخر. وفي نفس العام، استقلت إريتريا، التي لطالما ساندت مصر في كفاحها من أجل الاستقلال للضغط على إثيوبيا في فترات مختلفة. مرفقات: تحميل نسخة ضوئية من الاتفاقية الإطارية بين مصر وإثيوبيا . أدخلت محاولة اغتيال حسني مبارك في أديس أبابا في يونيو 1995 العلاقات الثنائية في توتر جديد، لاعتقاد القيادة المصرية بوجود تواطؤ من الجانب الإثيوبي في هذه المحاولة ((الرئيس محمد حسني مبارك، تصريح فيديوي مسجّل عقب محاولة اغتياله في أديس أبابا. )).  زاد التوتر المكتوم بين البلدين بعد اندلاع القتال بين إثيوبيا وإريتريا في مايو 1998، نتيجة الخلاف الحدودي بينهما واعتقاد القيادة الإثيوبية المستمر بأن مصر تساند إريتريا في مواجهتها. وهو التوتر الذي استمر حتى بعد نهاية الحرب ((Leenco Lata, The Ethiopia-Eritrea War, Review of African Political Economy, Vol. 30, No. 97, The Horn of Conflict (Sep. ,2003), pp. 369-388 )). مبادرة حوض النيل: محاولة إيجاد إطار مشترك سعت مصر منذ بداية الثمانينيات إلى إحياء التعاون بينها وبين دول حوض النيل، وهو ما نتج عنه إنشاء تجمع دول الأندوجو (أي الأخوة بالسواحلية) عام 1983. كان الهدف من هذا التجمع هو دعم التعاون وتبادل الخبرات والتكامل الاقتصادي بين بلدان حوض النيل. وانضمت كل دول حوض النيل لعضوية التجمع ما عدا إثيوبيا وكينيا اللتين انضمتا لاحقًا ولكن بصفة مراقب فقط. إلا أن هذا التجمع لم يصل إلى النتائج المأمولة منه وكان آخر اجتماعاته في العام 1991. كذلك، سعت مصر إلى إجراء اتفاقيات تعاون ثنائية مع بلدان حوض النيل، أهمها اتفاق عام 1993 مع إثيوبيا المذكور آنفًا واتفاق آخر مع أوغندا وُقع في عام 1991. وكان أهم ما ورد في اتفاقية عام 1991 مع أوغندا هو اعتراف أوغندا باتفاقية عام 1953 الخاصة بـسد أوين وإقرارها بأن السياسة التنظيمية للمياه في بحيرة فيكتوريا يجب أن تُناقش وتُراجع بين البلدين بما لا يؤثر على احتياجات مصر المائية. كما اتفق البلدان في هذه الاتفاقية على إجراء توسعات في سد أوين ((محمد صادق إسماعيل، المياه العربية وحروب المستقبل، العربي للنشر والتوزيع، 2012، ص. 90. )). بعد تجميد تجمع الأندوجو، بدأ السعي لإنشاء كيان بديل. وتم الاتفاق على إنشاء تجمع جديد في عام 1998، على أن يساهم البنك الدولي وصندوق الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) في تمويل المشاريع التي سيتم الاتفاق عليها فيه. وتم توقيع اتفاقية إنشاء هذا التجمع تحت اسم مبادرة حوض النيل (Nile Basin Initiative - NBI) في فبراير عام 1999، على أن يكون مقرها مدينة عنتيبي في أوغندا. ووقعت وقتها جميع دول حوض النيل على الاتفاقية عدا إريتريا. كانت رؤية مبادرة حوض النيل تتلخص في تحقيق النمو الاجتماعي والاقتصادي المستدام من خلال الاستخدام المتكافئ والاستفادة من موارد حوض النيل المائية المشتركة. وبالفعل تم الاتفاق في الاجتماعات الوزارية الدورية على عدد من المشروعات المشتركة في مجال إدارة مياه النهر ومجال تبادل الطاقة الكهربائية بتمويل دولي. وفي عام 2001 تم إنشاء المكتب الفني الإقليمي لحوض النيل الشرقي ((المكتب الفني الإقليمي لحوض النيل الشرقي Eastern Nile Technical Regional Office (ENTRO) )) في إطار مبادرة حوض النيل بعضوية مصر والسودان وإثيوبيا. ويهدف المكتب إلى بحث المشروعات الفنية المشتركة بين الدول الثلاث. كان الهدف الأساسي للمبادرة هو الوصول إلى اتفاقية إطارية جديدة للتعاون تحدد بشكل دائم حصص تقاسم مياه النيل وإنشاء مفوضية تتولى آليات تطوير مشاريع تنموية على النهر. إلا أن مسودة الاتفاقية التي طرحت على الاجتماع الوزاري لدول المبادرة عام 2007 أثارت تحفظ مصر والسودان. أثارت مصر عددًا من النقاط التي اشترطت وجودها في الاتفاقية حتى توافق عليها. أهم هذه النقاط: أولًا: أن يوجد بها نص صريح يضمن عدم المساس بحصة مصر في مياه النيل وحقوقها التاريخية في مياه النيل. وذلك من خلال الإشارة إلى الاتفاقيات التاريخية الموقعة بين مصر ودول حوض النيل وبين مصر والسودان. ثانيًا: أن تكون جميع القرارات الخاصة بتعديل أي من بنود الاتفاقية بالإجماع وليس بالأغلبية. وفي حالة التمسك بالأغلبية، فيجب أن تشمل الأغلبية دولتي المصب مصر والسودان لتجنب عدم انقسام دول حوض النيل بين دول المنابع التي تشمل الأغلبية ودولتي المصب اللتين تمثلان الأقلية ((Richard K. Paisley, Taylor W. Henshaw, Transboundary Governance of the Nile River )). عُقدت العديد من جولات التفاوض بين الدول الأعضاء في المبادرة منذ عام 2007 حتى 2010 للاتفاق على الصياغة النهائية للاتفاقية الجديدة التي أُطلق عليها اتفاقية الإطار التعاوني لدول حوض النيل. إلا أن الشروط المصرية وُوجهت برفض دول المنبع وعلى رأسها إثيوبيا. ما أدى إلى توقيع خمس دول وهي إثيوبيا وأوغندا وتنزانيا ورواندا وكينيا للاتفاقية منفردة في مايو 2010 مع إعطاء عام لبقية الدول للانضمام إلى الاتفاقية. وهو ما أدى إلى اتخاذ مصر قرار بتعليق عضويتها في المبادرة وتبعتها السودان في ذلك. انضمت بوروندي إلى الاتفاقية في مارس 2011 محققة الأغلبية المطلوبة للتوقيع وهي ست دول من أصل عشر دول، وهو نفس الشهر الذي أعلنت فيه إثيوبيا بدء العمل على تنفيذ مشروع سد النهضة الكبير ((صدقت إثيوبيا على الاتفاقية عبر برلمانها في يونيو 2013 وتبعتها رواندا في أغسطس 2013 ثم تنزانيا في مارس 2015، بينما لم تصدق الدول الثلاث الباقية على الاتفاقية بعد. )). إثيوبيا: التحرك الأحادي ترى دول المنبع، وفي مقدمتها إثيوبيا، أن استغلال مياه نهر النيل الذي ينبع من أراضيها حق أصيل لها، لا تمنعه اتفاقية 1902 ولا اتفاقية 1993 مع مصر. وترى أن مصر استحوذت على كامل مياه النهر لعقود طويلة مجحفة بحق دول المنبع. كما أن مصر، من وجهة نظرها، قد أنشأت مشروعات توسعية لاستغلال مياه النيل دون استشارة بقية الدول، مثل مشروع ترعة السلام ومشروع توشكى. بينما تمسكت مصر بمبدأ الإخطار المسبق قبل إجراء أي مشروعات في أعالي النيل، وهو المبدأ الذي ترى إثيوبيا أنه يقيد من حريتها وينتقص من سيادتها كدولة مستقلة ذات سيادة ((محمد سالمان طايع، مصر وأزمة مياه النيل: آفاق الصراع والتعاون، دار الشروق، 2012، ص 227-237. )). وبناءً على ذلك، بدأت إثيوبيا في نهاية العقد الأخير من القرن العشرين في السعي إلى تنفيذ عدد من المشروعات على النيل الأزرق ونهر عطبرة في إطار استراتيجيتها الوطنية للمياه التي نشرتها وزارة الموارد المائية الإثيوبية في عام 2001. ونصت الاستراتيجية على سعي إثيوبيا إلى إنشاء مشاريع أحادية الجانب للاستفادة من مياه الأنهار العابرة للحدود التي تنبع من أراضيها ((الاستراتيجية الوطنية للمياه، وزارة الموارد المائية، جمهورية إثيوبيا الفيدرالية. )). ولتفادي عرقلة مصر للتمويل كما حدث في مشروعات سابقة، سعت إثيوبيا لمصادر تمويل أخرى عدا البنك الدولي وبنك التنمية الإفريقي. بدأت إثيوبيا عام 2002 مشروع سد كبير لتوليد الكهرباء على نهر عطبرة وتحديدًا رافده الرئيسي نهر تيكيزي. يهدف سد تيكيزي بالأساس لتوليد الكهرباء حيث يحتوي على محطة توليد بقدرة 300 ميجاوات مثلت 40% من الطاقة الكهربائية المنتجة في إثيوبيا وقت افتتاحه في 2009. تبلغ سعة خزان سد تيكيزي حوالي 9 مليارات متر مكعب من المياه ((بلغت إجمالي القدرات الكهربائية الاسمية في إثيوبيا عام 2017 حوالي 4300 ميجا وات منها 3800 ميجا وات من الطاقة الكهرومائية. في المقابل بلغت القدرات الكهربائية في مصر عام 2018 حوالي 50 ألف ميجا وات منها 2800 ميجا وات من الطاقة الكهرومائية. )). المشروع الثاني الذي بدأ تنفيذه في عام 2005 هو مشروع تانا-بيليس، حيث تم حفر قناة من بحيرة تانا لتوليد الكهرباء من المياه الساقطة من البحيرة إلى قناة التحويل التي تصب في نهر بيليس، والذي يصب بدوره في النيل الأزرق. اكتمل هذا المشروع في عام 2010 بقدرة 460 ميجاوات. بالتزامن مع إنشاء هذه المشاريع، بدأت إثيوبيا في دراسة إنشاء السدود الأربعة الكبرى على النيل الأزرق التي تم اقتراحها في الدراسة الأمريكية في الستينات، وهي: سد الحدود، وسد مندايا، وسد كارادوبي، وسد مابيل. كانت السعة التخزينية للسدود الأربعة في الدراسة على النحو التالي: 11 مليار متر مكعب لسد الحدود، و16 مليار متر مكعب لسد مندايا، و32 مليار متر مكعب لسد كارادوبي، و12 مليار متر مكعب لسد مابيل. أما قدرات محطات الكهرباء الملحقة بهذه السدود فكانت: 1400 ميجا وات لسد الحدود، و1600 ميجا وات لسد مندايا، و1350 ميجا وات لسد كارادوبي، و1200 ميجا وات لسد مابيل ((Paul J. Block, Kenneth Strzepek, Balaji Rajagopalan, Integrated Management of the Blue Nile Basin in Ethiopia, Environment and Production Technology Division, University of Colorado )). يُعتبر إنشاء مثل هذه السدود بهذه السعة التخزينية إضرارًا مباشرًا بمصالح مصر المائية، إذ يقلل من قدرتها على تخزين المياه في بحيرة ناصر لمواجهة نقص المياه في أوقات الفيضان المنخفض، وكذلك يهدد حصة مصر والسودان بالنقصان حيث سيصبح تصريف مياه النهر متحكمًا به من قبل إثيوبيا ووفقًا لاحتياجاتها في توليد الكهرباء. بالإضافة إلى ذلك، فإن زيادة نسبة البخر نتيجة إنشاء مثل هذه الخزانات الكبيرة ستؤدي إلى تقليل آخر لإيراد النهر. استقر الأمر في إثيوبيا في نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين على البدء بإنشاء سد الحدود، ولكن باسم جديد وسعة جديدة أكبر. وكان هذا بداية الفصل الحالي من الصراع. إثيوبيا: تأمين الجوار بدأت إثيوبيا، من قبل أزمة سد النهضة، في العمل على تجريد مصر من وسائل الضغط التي كانت تمارسها عليها في الماضي. فقد عمدت مصر، منذ الخمسينيات، على الحرص على حسن العلاقات مع السودان واستضافة حركات التحرير الإريترية ودعمها للضغط على أديس أبابا. كما أقامت القاهرة علاقات مع الصومال وجيبوتي فور استقلالهما وشجعت ضمهما إلى جامعة الدول العربية في السبعينيات. كذلك دعمت مصر الصومال دعمًا مباشرًا في حربه مع إثيوبيا. ولهذا سعت إثيوبيا إلى تجاوز كل ذلك عبر تحسين علاقاتها ومد نفوذها إلى دول الجوار تحسبًا لكل السيناريوهات، وكان انحسار الدور المصري في إفريقيا منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي فرصتها لذلك. مع سقوط نظام منجستو هيلا مريام واستقلال إريتريا عام 1993، سعى النظام الجديد إلى تحسين علاقاته مع السودان من خلال طرد الجيش الشعبي لتحرير السودان الذي كانت إثيوبيا تسمح له باستخدام أراضيها. ورغم انتكاس العلاقات لفترة عقب استضافة السودان لمجموعات إسلامية ثم محاولة اغتيال الرئيس المصري على أراضي أديس أبابا بترتيب وتسهيلات سودانية، إلا أن العلاقات عادت للتحسن مجددًا مع حلول عام 2000. وزادت التجارة البينية عبر الطرق بين البلدين وأصبحت السودان هي التي تقوم بتوفير كامل احتياجات إثيوبيا من البترول والوقود. دعمت إثيوبيا عملية السلام في جنوب السودان بشكل مستمر، وسعت دائمًا إلى استضافة المفاوضات بين الجانبين عند حدوث خلافات في تنفيذ اتفاق السلام. كما ساهمت إثيوبيا بقوات حفظ سلام في منطقة أبيي بعد أن اتفق السودان وجنوب السودان على نزع سلاحها في اتفاق تم توقيعه في أديس أبابا عام 2010. بالإضافة إلى ذلك، ساهمت إثيوبيا في بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي المشتركة في دارفور (يوناميد) ((Berouk Mesfin, Ethiopia's Role and Foreign Policy in the Horn of Africa, International Journal of Ethiopian Studies, Vol. 6, No. 1/2 (2012), pp. 87-113 )). وعند نشوب الحرب الأهلية في جنوب السودان، سعت إثيوبيا للوساطة بين جانبي القتال حتى تم التوصل إلى اتفاقية سلام برعاية إثيوبية في عام 2018 ((وكالة BBC العربية، توقيع اتفاق سلام جديد لإنهاء الحرب الأهلية في جنوب السودان، بتاريخ 13 سبتمبر 2018. )). وعند اندلاع التظاهرات المناهضة للبشير التي أدت إلى سقوطه في أبريل 2019، توسطت إثيوبيا بين الفرقاء للوصول إلى اتفاق لتقاسم السلطة في السودان ((وكالة BBC العربية، توقيع وثيقة تقاسم السلطة بين المجلس العسكري والمعارضة في السودان، بتاريخ 17 أغسطس 2019. )). وبذلك احتفظت إثيوبيا بعلاقات وثيقة للغاية بالسودان وجنوب السودان. على جانب آخر، لم تقف إثيوبيا موقف المتفرج في أحداث الصومال. فقد دعمت أطرافًا مختلفة في الحرب الأهلية الصومالية التي اندلعت إثر انهيار الحكومة المركزية عام 1991. بل وتدخلت عسكريًا بصورة مباشرة أكثر من مرة في التسعينات لمجابهة حركة تحرير أورومو الإثيوبية المعارضة ((د. أيمن شبانة، مركز فاروس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية، ما الذي تريده إثيوبيا من الصومال؟ )). وحين طلبت الحكومة الفيدرالية الانتقالية في الصومال عام 2006 دعمًا من الاتحاد الإفريقي في مواجهة الحركات الإسلامية المسلحة، ساهمت إثيوبيا بالجزء الأكبر في قوات حفظ السلام الإفريقية التي نُشرت في مقديشو. وساهمت مجددًا في القوة الإفريقية التي شُكلت عام 2011 لدعم الحكومة الفيدرالية الجديدة. ساعد الوجود العسكري الإثيوبي في الصومال على احتواء الحركات المعارضة الإثيوبية التي تتخذ من الصومال قاعدة لها، مثل جبهة تحرير أوجادين. ومع الاستقرار النسبي في الصومال، وقع البلدان عدة اتفاقيات للتعاون الثنائي في عام 2018. ونظرًا لأن سيطرة حكومة الصومال المركزية في مقديشو تقتصر على جنوب الصومال فقط، فقد سعت إثيوبيا أيضًا إلى إقامة علاقات ودية مع جمهورية أرض الصومال (Somaliland) غير المعترف بها. ووقعت معها اتفاقًا في عام 2018 لاستغلال ميناء بربرة على ساحل خليج عدن. كذلك عمدت إثيوبيا إلى إقامة علاقات مع إقليم بونتلاند غير المعترف به. وبذلك استطاعت إثيوبيا أن يكون لها نفوذ واضح في مختلف مناطق الصومال ((العين الإخبارية، إثيوبيا وأرض الصومال. . علاقات متطورة ينتظرها مستقبل واعد، بتاريخ 22 فبراير 2019. )). تغير الموقف قليلًا في عام 2024، حينما نشب خلاف بين الحكومة الفيدرالية في مقديشو وإثيوبيا. اندلع الخلاف على خلفية اتفاق بين إثيوبيا وجمهورية أرض الصومال على تأجير 20 كيلومترًا مربعًا جوار ميناء بربرة لمدة خمسين عامًا لإقامة ميناء وقاعدة بحرية. وقد اعتبرت الحكومة الفيدرالية ذلك تهديدًا لسيادتها وقررت عدم الموافقة على استمرار القوات الإثيوبية ضمن بعثة حفظ السلام الإفريقية، التي تنتهي مدتها في نهاية عام 2024. وبدأت الحكومة الفيدرالية في تطوير العلاقات مع مصر، وهو ما استقبلته مصر بالترحيب كنوع من الضغط على إثيوبيا. كانت العلاقات بين إثيوبيا وإريتريا فيما بعد استقلال إريتريا علاقات ودية، إلا أنها بدأت في التدهور بداية من العام 1997. حيث أدت الخلافات الحدودية إلى نشوب الحرب بينهما بين عامي 1998 و2000. انتهت الحرب بتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار في الجزائر والاتفاق على ترسيم الحدود. إلا أن توصيات لجنة ترسيم الحدود التي أنهت عملها عام 2002 لم تقبلها إثيوبيا، ليعود التوتر ويستمر لسنوات طويلة. إلا أن البلدين اتفقا على فتح صفحة جديدة بينهما في عام 2018 بتوقيع اتفاق سلام شامل ((وكالة BBC العربية، فتح الحدود بين إريتريا وإثيوبيا يسدل الستار على أطول صراع في القرن الأفريقي، بتاريخ 11 سبتمبر 2018. )). وهو ما مهد لبدء التعاون الاقتصادي وفتح الموانئ الإريترية لأول مرة أمام التجارة الإثيوبية. وتم إغلاق صفحة الصراع الممتد بين البلدين إلى حد كبير. وهكذا أصبحت علاقات إثيوبيا متميزة مع كامل جوارها وهو تغيير شبه كامل عما كان عليه الوضع في نهاية ثمانينات القرن الماضي. في المقابل، لم تستثمر مصر بما فيه الكفاية في علاقاتها مع نفس المحيط لأسباب عدة. لم تكتفِ إثيوبيا بتحسين العلاقات مع جوارها فحسب، بل سعت إلى تمتين العلاقات مع الصين عبر سلسلة من الاتفاقات التجارية والاقتصادية والعسكرية في التسعينيات. بدأت الصين في بداية القرن الواحد والعشرين في تمويل مشروعات البنية التحتية الكبيرة في إثيوبيا. وكان أكبر المشروعات التي تم تمويلها من جانب الصين وبناؤها عبر شركات صينية هو مشروع سد تيكيزي. تلى ذلك استحواذ شركة صينية على حقوق التنقيب عن البترول في منطقة أوجادين. في عام 2013، أصبحت الصين أكبر مستثمر أجنبي مباشر في إثيوبيا، بإجمالي استثمارات تراكمية بلغت 1. 1 مليار دولار ((David H. Shinn, Ethiopia and China, International Journal of Ethiopian Studies, Vol. 8, No. 1 & 2 (2014), pp. 149-164 )). وقد أدى ذلك إلى تصريح رئيس الوزراء الإثيوبي الراحل ميليس زيناوي قبل وفاته بأن "الصين تلعب دورًا لا يمكن استبداله في اقتصادنا". مكّن التعاون مع الصين إثيوبيا من تجاوز شروط تمويل البنك الدولي أو صناديق التمويل الإقليمية ومنحها فرصة كبيرة للتحرك بشكل مستقل فيما تراه يصب في مصالحها. --- ### لقاء مع د. ليلى موسى، ممثل مجلس سوريا الديمقراطية - Published: ۲۰۲۵-۰۲-۰٤ - Modified: 2025-02-04 - URL: https://tabcm.net/35465/ - تصنيفات: شئون علمانية - وسوم: أحمد حسين الشرع, أحمد حنفي, أحمد شيخو, اتفاقية سايكس بيكو, الديمقراطية, العدالة الاجتماعية, الكنيسة السريانية, بشار الأسد, تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش), عبير عطية, عزة داود, عزت إبراهيم, ليلى موسى, مجلس سوريا الديمقراطية, مشروع وحدة الدراسات, مصطفى كمال أتاتورك, منير بشارة في لقاء يوم الاثنين الموافق 20 يناير 2025، استضافت وحدة الدراسات الدكتورة ليلى موسى، ممثل "مجلس سوريا الديمقراطية" في مصر، في لقاء نوقشت فيه مستجدات الوضع على الساحة السورية ورؤية مجلس سوريا الديمقراطية للمستقبل في لقاء جرى يوم الإثنين الموافق 20 يناير 2025، استضافت وحدة الدراسات ((مشروع وحدة الدراسات: هو مشروع لوحدة بحثية تُعنى بمناقشة نُخبوية للقضايا المصرية والدولية. تعقد الوحدة لقاءًا يوم الإثنين من كل أسبوع، وتستضيف الوحدة من حين لآخر مُثقفين ومفكرين وممارسين معنيين بالملفات التي تدخل في نطاق القضايا والموضوعات التي يبحثها أعضاء الوحدة، أو في الشؤون والقضايا الجارية محليًا وإقليميًا ودوليًا؛ وذلك من أجل معرفة أكثر دقة بهذه القضايا قد لا يجدها الباحثون في التقارير الصحفية والإعلامية. كما تُتيح هذه اللقاءات للباحثين معرفة كيف يفكر المسؤولون وصُنّاع القرار؛ وتُتيح فرصة لمناقشتهم وتبادل الرأي معهم. )) الدكتورة ليلى موسى، ممثل "مجلس سوريا الديمقراطية" في مصر، في لقاء نوقشت فيه مستجدات الوضع على الساحة السورية ورؤية مجلس سوريا الديمقراطية للمستقبل ((كان من المقرر أن يشارك في اللقاء الكاتب والمحلل السياسي السوري أحمد شيخو، إلا أنه اعتذر عن عدم الحضور بسبب ظرف طارئ. )). قدمت الدكتورة ليلى موسى عرضًا موجزًا لتجربة مجلس سوريا الديمقراطية المتمركز في شمال شرق سوريا. وأشارت إلى أن جذور فكرة الإدارة الذاتية وخارطة التعامل مع الأزمة السورية التي يتبناها مجلس سوريا الديمقراطي، الذي يضم نحو عشرات الأحزاب السياسية والمؤسسات النسوية والشبابية ومؤسسات المجتمع المدني وشخصيات مستقلة، تعود إلى ما بعد أحداث قامشلو في عام 2004، التي وقعت على إثر مباراة في كرة القدم بين فريقي الفتوة والجهاد، ذات أبعاد سياسية بحتة. تعرض الكرد للانتهاكات بشكل مُمنهج من قبل سلطات دمشق حينذاك. وهي الأحداث التي شهدت بداية جديدة للحراك الثوري الكردي في عام 2004. شكلت هذه الأحداث مرحلة مفصلية من تاريخ النضال الكردي لاستخلاص الدروس من انتفاضة قامشلو 2004 التي جاءت ردة فعل تلقائية حيال سياسات النظام السوري العنصرية حيال الكرد، ودفعتهم إلى تنظيم صفوفهم وقراءة المشهد بأبعاده المحلية والإقليمية والدولية وكيفية التعامل معها. وعلى هذا الأساس، مع اندلاع الحراك الثوري السوري في عام 2011، انتهج الكرد مع باقي مكونات شمال وشرق سوريا الخط الثالث واتخذوا من الحوار نهجًا لمواجهة الأزمة، والعسكرة للحماية والدفاع. وأشارت إلى أن هذه الأحداث وتداعياتها نبهت الكرد في سوريا إلى ضرورة الاستعداد للحراك السياسي المحتمل في البلاد، وأنهم بدأوا بتنظيم صفوفهم على المستوى السياسي والاجتماعي والاقتصادي، عبر لجان تم تشكيلها من خلال العمل السري في الفترة التي كان فيها نظام بشار الأسد يحكم قبضته على سوريا عبر أجهزة الأمن. ونتيجة لهذا المجهود، كانت المناطق في شمال شرق سوريا مستعدة للتعامل مع الأحداث في أعقاب الحراك الثوري السوري في مارس 2011، وما أعقبه من تطورات. وأضافت أن العمل ركز في البداية على اللجان التي تقدم الخدمات وتوفر ما يمكن من احتياجات في بداية الانتفاضة، ولم يتم اللجوء إلى العمل المسلح إلا لصد هجمات الجماعات الإسلاموية المتطرفة المسلحة على مناطق شمال وشرق سوريا، فنشأت وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة، وهذه الوحدات هي نواة قوات سوريا الديمقراطية. وأصبحت هذه القوات جزءًا من التحالف الدولي والعربي لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) وحققت مقاتلات ومقاتلو قوات سوريا الديمقراطية انتصارات على مسلحي الدولة الإسلامية، وألقت القبض على آلاف منهم ((يقدر عدد أعضاء تنظيم الدولة الإسلامية في سجون قوات سوريا الديمقراطية بنحو مئات الآلاف من المسلحين )). وأشارت الدكتورة ليلى موسى إلى أن النموذج الذي طوره مجلس سوريا الديمقراطية يصلح لبناء سوريا جديدة تتسع لجميع مكونات الشعب السوري في دولة واحدة، مع إدارة لا مركزية للمناطق التي تُدار بطريقة ديمقراطية. وأوضحت أن الوضع الراهن في سوريا بعد هروب بشار الأسد وسيطرة إدارة العمليات العسكرية على دمشق صعب، مشيرة إلى أن نظام الأسد سقط منذ عام 2011، عندما ركز بشار على دمشق والمنطقة المحيطة بها، قبل أن يتمكن من إعادة سيطرة قواته على بعض المناطق بموجب تفاهمات محور الآستانة، مما أدى إلى مواءمات ومقايضات مع تركيا التي احتلت مناطق من شمال سوريا. وقالت إن انسحاب النظام السوري وتمركزه في مناطق أطلق عليها بشار الأسد السورية المفيدة وترك مناطق شمال وشرق سوريا لمصيرها، كانت فرصة أمام مكونات شمال وشرق سوريا لإدارة مناطقهم وحمايتها أو الخضوع لهيمنة التنظيمات الإسلاموية المتطرفة، فكان خيار المكونات بكل بد الإدارة والحماية. وبعد أن ابتعدت المنطقة عن سيطرة النظام السوري الذي طالما مارس سياسة التهميش والإقصاء حيال المناطق الشرقية، سمح ذلك بتطور الإدارة الذاتية لهذه المناطق؛ فتطورت الإدارة في محافظات شمال شرق سوريا وتشكل مجلس سوريا الديمقراطية. بالتزامن؛ تمكنت تركيا من مُصادرة قرار طيف واسع من المعارضة السورية، وارتهان العديد من فصائل جيش الحر لها بشكل مطلق. إلى جانب علاقات تركيا والدعم القوي الذي قدمته التنظيمات الإسلاموية المتطرفة وبشكل خاص تنظيم داعش الإرهابي خدمة لمشروعها التوسعي في سوريا. وأشارت إلى أن سقوط النظام كان محصلة لترهله وضعف الدعم الإيراني والخسائر التي لحقت بأذرعه وانشغال الروسي بحربه في أوكرانيا، وأيضًا ما جرى في سوريا نتيجة لتفاهمات دولية. وأضافت أنه على الرغم من حرص القوى الدولية والإقليمية على الحفاظ على وحدة سوريا بسبب التداعيات المترتبة على تفكيكها على الاستقرار الإقليمي والدولي، فإن الوضع غير مستقر نظرًا لكثرة التنظيمات ذات الخلفيات الأيديولوجية الإسلاموية المتطرفة والتدخلات الإقليمية والدولية وصراع المشاريع الإقليمية التوسعية التي تحتل فيها الموقع الجيوستراتيجي لسوريا مكانًا استراتيجيًا في قلب هذه المشاريع. وذكرت أن القيادة الجديدة في سوريا بقيادة أحمد الشرع في وضع صعب إذ تواجه ضغوطًا دولية من شأن الاستجابة لها أن تُصعّب وضع الشرع، خاصة أنه لا يملك السيطرة الكاملة على الجغرافية السورية والفصائل المسلحة، في ظل بلد شبه مُدمر، وانتشار متطرفين من مختلف أصقاع العالم يحلمون بدولة الخلافة، وهو ما يتناقض مع المطالب الدولية بضرورة تشكيل حكومة شاملة تضمن كافة أطياف المجتمع السوري. ولا ننسى طرح هؤلاء المتطرفين بإقامة دولة الخلافة، الذي يتناقض مع خصائص وطبيعة المجتمع السوري وتطلعات السوريين بإقامة دولة مدنية تعددية. إلى جانب مساعي تركيا بفرض وصايتها بشكل مطلق على سوريا، فإن كل هذه الأمور تشكل تحديات كبيرة تواجه الإدارة الجديدة في دمشق والشعب السوري وحتى المجتمع الدولي، وهذا يتطلب عملًا جادًا من جميع الأطراف لحل الأزمة من خلال دعم الشعب في إدارة البلاد بعيدًا عن فرض الوصاية والتدخلات الخارجية. وأشارت إلى أن قوات سوريا الديمقراطية قادرة على صد العدوان التركي ومرتزقتها من السوريين، مشيرة إلى فشل القوات التركية حتى الآن في السيطرة على سد تشرين. لكنها نبهت إلى السياسة التركية القائمة على نقل سكان من المُجنسين والعرب إلى المناطق الكردية في شمال سوريا وممارسة عمليات تغيير ديمغرافي، عفرين على سبيل المثال، تُعد إحدى النماذج الواضحة لتلك السياسة، إلى جانب مخططاتها لضم مناطق حدودية إلى تركيا من خلال تواجدها العسكري في تلك المناطق وتوطين لاجئين سوريين منحتهم الجنسية التركية. وقد تطرح إجراء استفتاء في هذه المناطق يسمح لها بضم هذه المناطق بزعم أنه تسكنها أغلبية تركية. وهو ما صرح به مسؤولون أتراك عندما تم السيطرة على حلب، حينها صرحوا بأنها الولاية التركية 82. واختتمت حديثها بتأكيد أن الدعوة لإعداد دستور جديد يمثل جميع مكونات المجتمع السوري، ويؤسس لدولة مدنية ديمقراطية، ويعتمد اللامركزية في إدارة المناطق، يتحقق من خلالها التوزيع العادل للثروات والسلطات وتحقيق العدالة الاجتماعية. عملية انتقال سياسي يليها تأسيس لجيش سوري وطني من غير إقصاء أي طرف. أما سعي هيئة تحرير الشام للهيمنة والتفرد بالسلطة على سوريا فمن شأنه ربما أن يقود إلى حرب أهلية في ضوء رفض كثير من القوى والمناطق السورية تسليم أسلحتها، فمحافظة السويداء في جنوب سوريا حيث تعيش أغلبية درزية ترفض تسليم أسلحتها قبل الاتفاق على الدستور والمشاركة في إدارة السلطة والموارد في سوريا، وكذلك الحال في محافظة درعا جنوب سوريا وفي مناطق الساحل الشمالي ومحافظة اللاذقية التي يحاول سكانها تنظيم صفوفهم. المرأة وسوريا الديمقراطية أسئلة الزملاء الحاضرين للقاء وتعليقاتهم أتاحت تسليط الضوء على نِقَاط محددة بخصوص الوضع الراهن في سوريا وآفاق المستقبل. ركزت أسئلة الأستاذة الصحفية عبير عطية على موقف تركيا ووضع المرأة في مشروع مجلس سوريا الديمقراطي وقوات سوريا الديمقراطية ووحدات حماية المرأة، مما أتاح للدكتورة ليلى الاستفاضة في شرح السياسة التركية تجاه سوريا التي ترى أنها لا تشجع على بناء دولة سورية موحدة وتركز على تفكيك مشروع مجلس سوريا الديمقراطية خوفًا من انتقال التجربة إلى الداخل التركي. كما أوضحت أن المرأة في المجتمع الكردي لها مكانة خاصة جرى ترجمتها في بناء المجلس القائم على مشاركة المرأة في جميع القرارات والهياكل بما في ذلك القتال إلى جانب الرجل، مشيرة إلى الدور البطولي للمرأة الكردية المقاتلة في مواجهة القوات التركية ومقاتلي داعش. وأشارت إلى أن المرأة تضطلع بدور أكبر في صياغة القوانين التي تؤثر عليها ووضعها ومكانتها، وأن هذا النموذج نجح في إنهاء الاضطهاد المزدوج الذي عانت منه المرأة الكردية. الكنيسة وسوريا الديمقراطية الدكتور منير بشارة ركز في مداخلته على موقف الكنيسة السريانية ووضعهم في ظل الوضع الجديد. وأوضحت الدكتورة ليلى أن إضعاف السريان تم من خلال سياسة البعث التي حولتهم إلى طائفة دينية فحسب وأضعفت دورهم الاجتماعي ودفعت الكثير منهم إلى الهجرة خارج سوريا. وأشارت إلى أن مصطلح الأقليات ليس مصطلحًا دقيقًا في حالة سوريا وإنما الأدق أن نتحدث عن مكونات المجتمع السوري، فالطوائف جميعًا، بما في ذلك الطائفة العلوية، عانت في ظل حكم البعث الاستبدادي. الكرد وسوريا الديمقراطية وتركزت أسئلة الدكتور عزة داود، والأستاذ عزت إبراهيم، والأستاذ أحمد حنفي على فكرة الدولة الكردية المستقلة، ولماذا لم تنشأ دولة للكرد في سياق اتفاقية سايكس بيكو، والعلاقة بين كرد سوريا وكرد شمال العراق. وأتاحت هذه الأسئلة فرصة للدكتورة ليلى للحديث عن الاتفاقيات الأخرى بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى التي أوجدت الدول في المنطقة بشكلها الراهن، خصوصًا اتفاقية لوزان، موضحة الفروق بين المشكلة الكردية في تركيا، حيث يتركز غالبية الكرد، وحيث كانوا شركاء للأتراك بقيادة مصطفى كمال أتاتورك في حرب الاستقلال التركية وتحريرها من القوات الأجنبية التي احتلتها، ثم تراجع الأتراك عن وعودهم بتأثير من التيار القومي التركي. وأشارت إلى أن كرد سوريا يرون مستقبلهم في بناء الوطن السوري، وأنهم في هذا يختلفون عن كرد العراق، وأن الكرد في كل دولة لهم خصوصية تختلف عن الأخرى، وبالتالي ليس بالضرورة استنساخ التجارب عن بعضها البعض، ونحن نرى بأن الحل الأمثل هو حل القضية الكردية في كل دولة مع أخذ خصوصيتها بعين الاعتبار. وأشارت إلى أن دستور العراق بعد عام 2003 كان أحد الأسباب التي دفعت الكرد إلى المطالبة بالحكم الذاتي، وأن مجلس سوريا الديمقراطية يتبنى نموذج الإدارة الذاتية في صيغة من اللامركزية، وأن قوات سوريا الديمقراطية مستعدة للمشاركة في إعادة بناء الجيش السوري. --- ### واشنطن تنسحب من مجلس حقوق الإنسان
وتوقف تمويل الأونروا - Published: ۲۰۲۵-۰۲-۰۳ - Modified: 2025-02-09 - URL: https://tabcm.net/35686/ - تصنيفات: شئون علمانية - وسوم: إليز ستيفانيك, الشرق الأدنى, حركة المقاومة الإسلامية: حماس, رئيس باراك حسين أوباما الثاني, رئيس بنيامين نتنياهو, رئيس چورچ والكر بوش, رئيس چوزيف روبينيت بايدن, رئيس دونالد چون ترامب, ماركو أنطونيو روبيو, منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (UNESCO), وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين (UNRWA) من المتوقع أن يصدر الرئيس دونالد ترامب، غدًا الثلاثاء، أمرًا تنفيذيًا جديدًا يقضي بانسحاب الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ويحظر التمويل المستقبلي لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في غزة (الأونروا)، بحسب وثيقة حصل عليها الحقوقيون قبل مباشرة التنفيذ خاص MFP24:الولايات المتحدة تنسحب مجددًا من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وتوقف تمويل الأونروا. من المتوقع أن يصدر الرئيس دونالد ترامب، غدًا الثلاثاء، أمرًا تنفيذيًا جديدًا يقضي بانسحاب الولايات المتحدة من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ويحظر التمويل المستقبلي لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في غزة (الأونروا)، بحسب وثيقة حصل عليها الحقوقيون قبل مباشرة التنفيذ. تأتي هذه الإجراءات، التي تعيد فرض السياسات التي كانت قائمة خلال إدارة ترامب الأخيرة، في اليوم الذي من المقرر أن يلتقي فيه الرئيس الأمريكي برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في واشنطن. واتهمت الولايات المتحدة المجلس منذ فترة طويلة بالتحيز ضد إسرائيل ومنح الغطاء للحكومات التي ترتكب انتهاكات لحقوق الإنسان. ويأتي ذلك بعد أن أوقفت إدارة بايدن تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)، في أعقاب تقارير تفيد بتورط موظفين في هجوم 7 أكتوبر الذي شنته حركة المقاومة الإسلامية: حماس على إسرائيل. وقال مسؤول في البيت الأبيض بعد ظهر اليوم الإثنين، إن توقيع الأمر التنفيذي قد تأجل إلى يوم الثلاثاء. ويأتي هذا في الوقت الذي وضعت فيه إدارة ترامب مستقبل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية -التي تعمل أيضًا على تعزيز حقوق الإنسان في الخارج- موضع تساؤل بسبب مخاوف بشأن ما إذا كانت تتوافق مع سياسة الرئيس أمريكا أولًا وكيفية إنفاقها لميزانيتها. الأونروا هي الوكالة الدولية الرئيسية التي تقدم المساعدات لسكان غزة وسط الكارثة الإنسانية التي تسبب فيها الهجوم الإسرائيلي على المنطقة عقب هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول. لكن الأمم المتحدة أنهت عقود عمل العديد من موظفيها في الصيف الماضي بعد أن خلص تحقيق داخلي إلى احتمال تورطهم في الهجوم. فصل جديد في العلاقة المعقدة بين الولايات المتحدة ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، الذي أنشئ في عهد إدارة چورچ دبليو بوش. فقد تعاملت الولايات المتحدة مع المجلس في عهدي الرئيسين باراك أوباما وچو بايدن، بينما لم تفعل ذلك في عهدي بوش وترامب. حتى الآن، لم يعلق المتحدث باسم الأمم المتحدة على طلب التعليق، أو أوضح معرفته بالأمر. فيما قال البيت الأبيض في ورقة حقائق إن المجلس لم يحقق غرضه ويستمر في استخدامه كهيئة حماية للدول التي ترتكب انتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان، وأدان موقفه تجاه إسرائيل. وتقول الورقة نفسها: لقد أظهر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة تحيزًا ثابتًا ضد إسرائيل، وركز عليها بشكل غير عادل وغير متناسب في إجراءات المجلس. وتقول أيضًا: في عام 2018، أصدرت المنظمة عددًا من القرارات التي تدين إسرائيل أكثر من سوريا وإيران وكوريا الشمالية مجتمعة. ولكن منظمات حقوق الإنسان وبعض الحقوقيين يؤكدون أن مجلس حقوق الإنسان يشكل كيانًا مهمًا، وإن كان معيبًا، في مراقبة انتهاكات حقوق الإنسان في مختلف أنحاء العالم. تأسست الأونروا لدعم اللاجئين الفلسطينيين، ولعبت دورًا رئيسيًا في خضم الصراع الدائر في دعم الناس في غزة. سيطلب الأمر التنفيذي من وزير الخارجية، ماركو روبيو، مراجعة وإبلاغ البيت الأبيض بالمنظمات أو الاتفاقيات أو المعاهدات الدولية التي تروج للمشاعر المتطرفة أو المعادية لأمريكا، مع التركيز بشكل خاص على منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو). انسحبت الولايات المتحدة رسميًا من المنظمة الأخيرة في عام 2019، مشيرة أيضًا إلى تحيزها ضد إسرائيل. وتأتي تصرفات الرئيس في الوقت الذي تنتظر فيه النائبة إليز ستيفانيك تأكيد تعيينها سفيرة للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة. وخلال جلسة تأكيد تعيينها الشهر الماضي، قالت ستيفانيك إنها ستركز على إصلاح منظومة الأمم المتحدة وضمان أن التمويل الأمريكي يُوجَّه إلى البرامج التي تعمل من خلال الأمم المتحدة، والتي تستند إلى سيادة القانون، والتي تستند إلى الشفافية والمساءلة، وتعزز أمننا القومي وشراكاتنا. كما انتقدت ستيفانيك الأونروا على وجه التحديد، قائلة أنها غضت الطرف عن علاقات العمال المحليين مع حماس. --- ### جهلنا بالحق لا يلغي الحق - Published: ۲۰۲۵-۰۲-۰۲ - Modified: 2025-02-02 - URL: https://tabcm.net/35077/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: التبني, الثالوث القدوس, الحق الإلهي, بابا كيرلس عمود الدين, قديس بولس الرسول, يوحنا المعمدان وددت أن أكتب هذا المقال كتذكرة لذهنكم النقي لما سبق في الأسابيع الماضية، حتى نبني على أساس روحي مؤسس على صخر الدهور: يسوع. فمن الصعب أن نتكلم عن العهود وما زال الأساس هشًا كنت قد نويت أكثر من مرة أن أكتب عن العهد. فكلمة العهد هامة جدًا وثقيلة، لها وزنها الروحي وكلمة محورية وحيوية لكل شخص يقرأ كلمة الرب ويريد أن يتعلم. لذا فهذا الموضوع يحتاج منا إلى تأن ودراسة وتعلم. ولكن قبل أن نبدأ في سلسلة العهود في المقال القادم -والتي هي أيضًا من ضمن موضوعنا الأساسي: ملكوت الله سيمتد- وددت أن أكتب هذا المقال كتذكرة لذهنكم النقي لما سبق في الأسابيع الماضية، حتى نبني على أساس روحي مؤسس على صخر الدهور: يسوع. فمن الصعب أن نتكلم عن العهود وما زال الأساس هشًا. بادئ الأمر، سوف أسرد بعض الحقائق هنا لكي نبني على أساس الرسل والأنبياء ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية، كتذكرة لما سبق. + المسيحية ليست دينًا ولا نصوصًا وقوانين وشرائع، بل إن المسيحية هي انتماؤك واتحادك بالمسيح. وإن كان أعظم من أنجبت النساء وآخِر نبي في العهد القديم قال مقولة ختم بها العهد القديم كله وهي: ينبغي أن ذاك يزيد وأني أنا أنقص ((يوحنا ٣ : ٣٠ )). كان يوحنا المعمدان يقصد هنا ختام العهد القديم كله، ليشير إلى حمل الله الذي يرفع خطية العالم. لكن نأتي إلى قانون العهد الجديد الذي وضعه الروح القدس على لسان رسول الأمم العظيم بولس، وهو: فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا فيّ ((غلاطية ٢ : ٢٠ )). إذن هذه هي المسيحية: أن يحيا المسيح فيك. + المسيح لا يحمل لنا من عند الله تعاليم فلسفية أو أقوالًا أو وعودًا، بل يحمل لنا طبيعة أبوة الآب. فلن نستطيع أن نختبر أبوة الله إلا من خلال اتحادنا بالروح القدس الذي يعطينا حق البنوة. وعندئذ نصرخ: يا أبانا الآب ((غلاطية ٤ : ٦ )). + المسيح ليس رسولًا من الله منتخبًا من الناس، بل هو كلمة الله المُتجسدة في إنسان ليعلن الإنسان حسب قلب الله. المسيح هو الابن الوحيد للآب. ومنه نلنا نحن البنوة للآب بالتبني، لأن من الآب كل أبوّة كما هو مكتوب: الذي منه تسمى كل عشيرةفي السماوات وعلى الأرض ((أفسس ٣ : ١٥ )). إذن الله أبونا بسبب يسوع المسيح ابنه الذي كشف لنا هذه الأبوّة. وبدون معرفتنا بشخص يسوع المسيح، أقنوم الابن المتجسد، واتحادنا به من خلال طبيعته الفائقة التي يلتحم فيها الله بالإنسان التحامًا كاملًا مطلقًا، تظل معرفتنا بالله ناقصة. + خارج يسوع المسيح وبدون توسطه، يستحيل للطبيعة البشرية أن تقترب من الله أو تنال رحمته. كل هذا وأكثر نلناه نتيجة حتمية لتجسد الابن الوحيد وأخذه طبيعتنا لكيما يعطينا الذي له، وكل ما له هو للآب، كما يقول يوحنا في إنجيله: الآب يحب الابن، وقد دفع كل شيء في يده. الذي يؤمن بالابن له حياة أبدية، والذي لا يؤمن بالابن لن يرى حياة، بل يمكث عليه غضب الله ((يوحنا ٣: ٣٥-٣٦ )). + جاء ابن الإنسان في تجسده غير ظاهر للعالم، بل متخفيًا في صورة إنسان يحمل ملء اللاهوت داخله. وقد تعثر فيه الجميع بلا استثناء، لكنه وضع نفسه آخذًا صورة عبد ليرفعني أنا وأنت إلى مرتبة الملكية. جاء ليؤسس ملكوت روحي على الأرض، وهي أول رسالة نطق بها الرب في إنجيل مرقس: قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله، فتوبوا وآمنوا بالإنجيل ((مرقس ١: ١٥ )). وهنا يعلن الرب أن هناك ملكوتًا جديدًا له قوانينه وحيثيات حكمه، كان مخفيًا خلال صفحات العهد القديم، لكنه مُعلن لمن يقرأ كلمة الله بالروح القدس. وهذا الملكوت له ملك واحد وحيد، وكل أعضاؤه ملوكٌ و كهنة، وقد صرّح بهذا الروح القدس على فم ياسون وهو يقاوم بولس في أريوباغوس قائلًا: يوجد ملك آخر: يسوع ((أعمال الرسل ١٧: ٧ )). هَذا هو الملك يسوع، وهذا هو موضوع الكتاب المقدس بالكلمة: أن ملكوت الله أزليٌّ، أبديٌّ قبل الدهور، كان مخفيًا، ولكنه أُعلن بإعلانٍ من فم الملك نفسه، وكل أعضائه هم خليقةٌ جديدةٌ، مخلوقون في المسيح يسوع في البر والقداسة الحق كما قال الكتاب: وتلبسوا الإنسان الجديد المخلوق حسب الله في البر والقداسة الحق ((أفسس ٤: ٢٤ )). خليقةٌ خالدةٌ، تحيا إلى الأبد، خُلقت داخلنا بالولادة الثانية. + الخطيئة أمر عرضي، وليست محور حياتنا. وهي تتلاشى أمام النعمة، لأنه مكتوب: ولكن ليس كالخطية هكذا أيضا الهبة. لأنه إن كان بخطية واحد مات الكثيرون، فبالأولى كثيرًا نعمة الله، والعطية بالنعمة التي بالإنسان الواحد يسوع المسيح، قد ازدادت للكثيرين ((رومية ٥: ١٥ )). فالهبة، أو النعمة الإلهية، أقوى بكثير من الخطية، لأننا لسنا تحت ناموس موسى، بل تحت سلطان النعمة والحق اللذين صارا بتجسد ابن الله. لذلك، أغلق أذنك عن كل تعاليم تُعظم الخطية وتغذي فيك شعور الذنب والتقصير، وحوّل عينيك عن هويتك الحقيقية في المسيح يسوع. أيضًا، هناك حق إلهي لابد من ألا نغفل عنه: أنك صرت هيكلًا للروح القدس. وإن كان روح الذي أقام يسوع من الموت ساكنًا فيكم، فإذن لنا القوة والقدرة أن نحيا ونقاد بالروح القدس. وإن كان الروح القدس أو روح الابن أو روح الآب ساكنًا فينا، فأنا وأنت وغيرنا حاملين للحضور الإلهي، أي سكنى الثالوث القدوس فينا. كما وضح الرب هذا الحق: أجاب يسوع وقال له: إن أحبني أحد يحفظ كلامي، ويحبه أبي، وإليه نأتي، وعنده نصنع منزلًا ((يوحنا ١٤: ٢٣ )). + كل تشويه حدث لنا، كصورة لله، يلزم أن يزول. إذن، فكل تشويه حدث لصورة الله نتيجة لتعليم أو لثقافة متوارثة أو مجتمع فرض علينا صورة معينة لإله مجهول غير معروف للبشر، يلزم أن يزول هذا التشوية. وكل تسطيح للحق الإلهي بدعوى البساطة، هذه كذبة، نجح إبليس للأسف أن يجملها لنا في صورة مقدسة مشوهة لابد أيضًا أن تزول، ويحل محلها الحق الإلهي المؤسس على حجر الزاوية: يسوع. لأن جهلنا بالحق لا يلغي الحق. الله أعلن عن نفسه في العهد القديم كإله قادر على كل شيء، جبار، يخلص، يشق البحر، ينزل نارًا من السماء، يخرج شعبه بذراع ممدودة وبيد رفيعة، من أمامه تقفز الجبال وتذوب كالشمع. لكن عندما أُعلن عن نفسه في العهد الجديد كان الأمر مختلفًا تمامًا. أعلن الابن الوحيد، يسوع، عن حقيقة الآب وقال: أنا معكم زمانًا هذه مدته ولم تعرفني يا فيلبس! الذي رآني فقد رأى الآب، فكيف تقول أنت: أرنا الآب؟ ((يوحنا ١٤: ٩ )). إذن لكي تتقابل مع الله وتعرفه، لابد أن تتحد بابنه، ولا تتعثر في محبته وتواضعه وعطفه وحنانه نحو الخطاة والزناة والزواني. لأن الجميع قد زاغوا وفسدوا، ولولا محبته غير المشروطة وغير المحدودة، ما كان لنا خلاص. ولكن الله بيّن محبته لنا، لأنه ونحن بعد خطاة، مات المسيح لأجلنا ((رومية ٥: ٨ )). البساطة التي في المسيح هي معرفة الحق المُعلن في الإنجيل كما قصده الروح القدس أن يُعلنه لنا، لا يُؤول ولا يُحوّر بتفسيرات مختلفة. وإن كانت أسرار الملكوت مخفيّة، فهي مخفيّة عن غير المُخلصين أو غير المُعينين للحياة الأبدية، الذي أعمى إله هذا العالم عيونهم عن إبصار الحق. أما أولاد الملك فلهم كل الحق في فحص أسرار ملكوت الله، كما قال الكتاب المقدس: مجد الله إخفاء الأمر، ومجد الملوكفحص الأمر (أمثال ٢٥: ٢ )). وأيضًا قال الرب يسوع لخاصته: لأنه قد أُعطي لكم أن تعرفوا أسرار ملكوت السماوات، وأما لأولئك فلم يُعط ((متى ١٣ : ١١ )). ختامًا لما سبق، يقول القديس كيرلس الكبير أننا أخذنا كل ما للآب في الابن بالروح القدس لأن: * الابن حمل لنا صورة الآب. * والروح القدس حمل لنا صورة الابن. * والروح القدس هو خلقنا على صورة الآب والابن بسكناه الدائم فينا. --- ### الإخوان وعبد الناصر - Published: ۲۰۲۵-۰۲-۰۱ - Modified: 2025-02-01 - URL: https://tabcm.net/34080/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أحمد حمروش, إسماعيل صدقي باشا, الإخوان المسلمين, الاشتراكية, الحرب العالمية الثانية, الديمقراطية, الشيوعية, الضباط الأحرار, العدالة الاجتماعية, ثروت عكاشة, حسن أحمد عبد الرحمن محمد البنا, حسين محمد أحمد حمودة, حسين محمود حسن الشافعي, خالد محيي الدين, رئيس جمال عبد الناصر, رئيس محمد أنور السادات, رئيس محمد نجيب, سعد حسن توفيق, صالح العشماوي, صلاح الدين خليفة, صلاح مصطفى سالم, عبد الحكيم عامر, عبد الحكيم عدوي عابدين, عبد الرحمن علي فراج السندي, عبد المنعم عبد الرؤوف بسيم أبو الفضل, كمال الدين حسين, مجلس قيادة الثورة, محمد حامد أبو النصر, محمود لبيب تزامنت نشأة تنظيم الضباط الأحرار مع التنظيم الخاص لجماعة الإخوان المسلمين في فترة 1939-1940، حيث كان بعض الضباط يبايعون البنا ويعملون تحت قيادته. لكن تدريجيًا، بدأ الضباط الأحرار، بقيادة جمال عبد الناصر، ينأون بأنفسهم عن الإخوان بسبب تباين الأهداف السياسية، خاصة بعد مهادنة الجماعة لحكومة صدقي. ورغم انفصالهم الظاهري، استمر الإخوان في دعمهم الثوار بشكل غير مباشر. مع مرور الوقت، أصبح عبد الناصر يوجه الثورة بعيدًا عن الإخوان، معتمدًا عليهم فقط كغطاء شعبي خلال التحضير لانقلاب 1952 تزامنت ولادة تنظيم الضباط الأحرار ما بين عامي 1939 و1940 مع نشأة التنظيم الخاص للجماعة. بل إن بعض المصادر تؤكد أن تنظيم الضباط الأحرار نفسه كان يتبع التنظيم الخاص، حيث كلف حسن البنا الصاغ محمود لبيب بتأسيس تنظيم سماه الجنود الأحرار كوحدة للتنظيم الخاص داخل الجيش. وكانت بياناته تُوقع أحيانًا باسم الضباط الأحرار. وقد صدر عن هذا التنظيم في الأول من ديسمبر 1941 عريضة إلى الملك حملت مطالب الجيش، وخاصةً منع ما يتعارض مع الإسلام. كانت الخلية الأولى الرئيسية لرجال الجيش من أعضاء الجماعة تضم سبعة ضباط. ترأس محمود لبيب، وكيل الإخوان، هذه الخلية. وكان من بين هؤلاء الضباط السبعة ثلاثة من الضباط الأحرار الذين قاموا بعد ذلك بانقلاب 23 يوليو وأصبحوا أعضاء في مجلس قيادة الثورة كما لقبوها لاحقًا. هؤلاء الثلاثة هم اليوزباشي جمال عبد الناصر والملازم أول خالد محيي الدين والملازم أول كمال الدين حسين. أما الضباط الأربعة الآخرون فهم عبد المنعم عبد الرؤوف وسعد حسن توفيق وحسين محمد أحمد حمودة وصلاح الدين خليفة. وكان عبد المنعم عبد الرؤوف وحسين حمودة أول من قادا هذا التنظيم مع محمود لبيب. ثم ضما إليه حسب مذكراتهما جمال عبد الناصر عام 1942، بالإضافة إلى خالد محيي الدين وكمال الدين حسين. نشط الإخوان في تجنيد ضباط الجيش وضمهم إلى صفوف الجماعة. وظلت اجتماعات هذه الخلية تُعقد سرًا كل أسبوع خلال أربع سنوات وأربعة أشهر في منازل أعضاء مجلس الثورة الثلاثة، بالإضافة إلى عبد المنعم عبد الرؤوف. ومن ثم شكل هؤلاء الضباط خلايا فرعية تضم كل منها سبعة ضباط. ولم يكن هؤلاء الضباط الوطنيون يخفون إعجابهم بما تتسم به الجماعة من انضباط يقترب من الروح العسكرية التي اعتادوها. وكان النظام الخاص هو المكان الأكثر ملاءمة لهؤلاء الضباط بحكم تخصصهم العسكري وانضباطهم والتزامهم بالسرية. فقرروا أن يبايعوا البنا وينضموا رسميًا إلى النظام الخاص. وفي كتاب حقيقة الخلاف بين الإخوان المسلمين وعبد الناصر يقول محمد حامد أبو النصر ((محمد حامد أبو النصر، المرشد الرابع لجماعة الإخوان، كتاب: حقيقة الخلاف بين الإخوان المسلمين وعبد الناصر. )) في شهادته عن علاقة عبد الناصر بالتنظيم: كانت دروس البنا تُعقد كل ثلاثاء، ويحضرها خليط مجتمعي، من ضمنه ضباط بالجيش. حمل بعض الضباط والجنود لواء الدعوة ونشروها بالجيش. وكان الصاغ محمود لبيب، منذ عام 1936، من أبناء الجماعة، وضم ضباطًا كُثرًا للتنظيم الخاص بنا داخل الجيش. ضم محمود لبيب مجموعة من الضباط، منهم عبد المنعم عبد الرؤوف عام 1945. قام الطيار عبد المنعم بتكوين مجموعة للجماعة داخل الجيش، من ضمنها عبد الناصر وعمار وخالد محيي الدين. قام عبد الناصر بمبايعة الإمام في بيت الأستاذ صالح العشماوي بحي الخليفة. ضمت المجموعة لاحقًا حسين الشافعي والبغدادي وصلاح سالم. كان عبد الناصر يدرب المتطوعين الإخوان الذاهبين إلى فلسطين بتكليف من قائد النظام الخاص عبد الرحمن السندي. (محمد حامد أبو النصر، المرشد الرابع لجماعة الإخوان، حقيقة الخلاف بين الإخوان المسلمين وعبد الناصر) ويقول عبد المنعم عبد الرؤوف ((الفريق طيار عبد المنعم عبد الرؤوف في مذكراته. )) في مذكراته: ذهبنا نحن السبعة في ليلة من أوائل عام 1946 إلى المركز العام لجماعة الإخوان المسلمين بالملابس المدنية، حسب اتفاق سابق. وبعد أن اكتمل عددنا، قادنا صلاح خليفة إلى منزل في حي الصليبة بجوار سبيل أم عباس، حيث صعدنا إلى الطابق الأول فوق الأرض. ونقر صلاح خليفة على الباب نقرة مخصوصة وسأل: الحاج موجود؟ وكانت هذه هي كلمة السر، ففُتح الباب ودخلنا حجرة ذات ضوء خافت جدًا مفروشة بالحُصُر. وفيها مكتب موضوع على الأرض ليس له أرجل، فجلسنا على الحُصُر. ثم قادنا صلاح واحدًا بعد الآخر لأخذ العهد وحلف اليمين في حجرة مظلمة تمامًا. يجلس بها رجل مغطى بملاءة فلا تُعرف شخصيته. وكان سؤال الشخص المتخفي الذي يأخذ العهد: هل أنت مستعد للتضحية بنفسك في سبيل الدعوة الإسلامية؟ فكان الجواب من كل منا: نعم. فقال: امدد يدك لتبايعني على كتاب الله وعلى المسدس. ثم قال الرجل المتخفي: إن من يفشى سرنا ليس له سوى جزاء واحد وهو جزاء الخيانة. وبعد أن أعطى كل منا البيعة، عدنا إلى الحجرة الأولى ذات الضوء الخافت، فوجدنا شخصًا عَرّفنا بنفسه وذكر أن اسمه عبد الرحمن السندي، وقال: إنه يرأس النظام الخاص للإخوان المسلمين، وهو تنظيم سري مسلح يضم رجالًا باعوا أنفسهم لله وكلهم مستعدون للموت في سبيل الحق والحرية. (الفريق طيار عبد المنعم عبد الرؤوف في مذكراته) كان الذين أدوا البيعة في هذه الليلة، حسب الأقدمية في كشوف الجيش: 1- النقيب طيار: عبد المنعم عبد الرؤوف، من الكتيبة الثالثة مشاة. 2- النقيب: جمال عبد الناصر حسين، من الكتيبة الثالثة بنادق مشاة، ورئيس الجمهورية فيما بعد. 3- الملازم أول: كمال الدين حسين، من سلاح المدفعية، وعضو مجلس قيادة ثورة 23 يوليو 1952 فيما بعد. 4- الملازم أول: سعد حسن توفيق. 5- الملازم أول: خالد محيي الدين، من سلاح الفرسان، وعضو مجلس قيادة الثورة فيما بعد. 6- الملازم أول: حسين محمد أحمد حمودة، من الكتيبة الثالثة بنادق مشاة. 7- الملازم أول: صلاح الدين خليفة، من سلاح الفرسان. ومنذ ذلك الوقت من عام 1946، أصبح جمال عبد الناصر عضوًا عاملًا في جماعة الإخوان المسلمين، واتخذ اسم زغلول عبد القادر  كاسم مستعار له داخل الجماعة كما ذكر الرئيس محمد نجيب في مذكراته. وخلال مرحلة الارتباط هذه، أسهم عبد الناصر في تدريب أعداد كبيرة من العناصر الإخوانية، كما يقول عبد المنعم عبد الرؤوف ((الفريق طيار عبد المنعم عبد الرؤوف في مذكراته. )). وقد وزعنا المحاضرات علينا نحن السبعة والإخوان المدنيين في النظام الخاص، وقضيت عام 1946 و1947 وبضعة أشهر من 1948 في التدريس للضباط وصف الضباط نهارًا وليلًا، ولمنتظمين من جماعة الإخوان المسلمين من مختلف الأعمار. وكان إقبال الإخوان المسلمين على حفظ واستيعاب المحاضرات عظيمًا، وظهر ذكاؤهم في أثناء الإجابة عن أسئلة المشروعات التكتيكية واضحًا. وقد بذلنا نحن السبعة، ومن انضم إلى خلايانا بعد ذلك، جهودًا كبيرة في تدريب الإخوان. (الفريق طيار عبد المنعم عبد الرؤوف في مذكراته) وضمت تلك الحركة لاحقًا كلًا من البغدادي وعبد الحكيم عامر وأنور السادات وثروت عكاشة. وقد صرح عبد الناصر ذات مرة بأنه مؤسس التنظيم، وليس محمود لبيب. وبالمثل، قال أنور السادات إنه المؤسس وأنه سلم المسؤولية لعبد الناصر بعد اعتقاله. لكن خالد محيي الدين يروي في حديثه على قناة الجزيرة الوثائقية أنه بمجرد أدائه البيعة والقسم على المصحف والمسدس، عزم في قراره نفسه الانسحاب من هذا التنظيم. وبينما كان في طريقه للخروج من باب الشقة التي أدوا فيها القسم، نظر إلى عبد الناصر باسمًا ساخرًا، فأشار له عبد الناصر أن يصمت قائلًا: نتكلم بعدين، واتفق مع عبد الناصر على ألا يستمروا في الولاء لهذا التنظيم. ويكمل حديثه: كيف يمكن لنا كعسكريين أن نأخذ أوامر من مدني يتبع تنظيمًا مجهول الهوية؟ فمن الواضح أن الضباط الأحرار قد اتخذوا من الإخوان وسيلة دعم وسند مؤقتة دون أن يكون لهم ولاء أو انتماء حقيقي للجماعة. ومن الواضح أيضًا أن الإخوان قد فعلوا الشيء ذاته وحاولوا أن يتخذوا من الضباط الأحرار سندًا مسلحًا لهم دون أن يكونوا مؤمنين حقيقة بفكر الضباط الأحرار. وقد ظلت حركة الإخوان المسلمين بقيادة حسن البنا وعبد الرحمن السندي في القطاع المدني، وجمال عبد الناصر في القطاع العسكري، تعمل للاستيلاء على السلطة كما كان مقدّرًا لها في عام 1955. فقد قدرت قيادة الضباط الأحرار أنه في هذا العام يكون قد توافر لها من الإمكانات المادية والبشرية والحركية ما يمكنها من الاستيلاء على السلطة في مصر. المرحلة التي تلت الحرب العالمية الثانية من عام 1945 وحتى 1948 شهدت تطورًا في وضع الضباط الأحرار باتجاه الابتعاد عن الإخوان المسلمين، بسبب تصرفات كثيرة صدرت من الجماعة، على سبيل المثال مهادنة وتعضيد حكومة صدقي مقابل المصالح، وهو ما اعتبره الضباط الأحرار وقتها انحرافًا عن الوطنية، لأنها مهادنة كانت ضد الشعب المصري كله، ففي كتاب السادات أسرار الثورة المصرية قال:وقعت حوادث جامعة فؤاد الشهيرة في فبراير 1946، فأثارت حماسة الضباط للحركة الشعبية وحقدهم على السلطة. وخلال الأيام التي تلت هذه الحركة، وقعت المهادنة بين إسماعيل صدقي وجماعة الإخوان المسلمين. ((محمد أنور السادات، أسرار الثورة المصرية. )). فكان تأثير هذه المهادنة تأييد دعوة الضباط الأحرار إلى عدم الارتباط بأي جماعة خارج نطاق الجيش. وربما تكون تلك الحادثة هي بداية التراجع عندما اكتشف الضباط انتهازية الإخوان خلال اندفاعهم في تأييد حكومة إسماعيل صدقي الرجعية الديكتاتورية التي لا تحظى بثقة الشعب والضباط الوطنيين، إذ وضح التناقض بين ضباط الجيش الذين كانوا كأفراد على صلة بالإخوان المسلمين وبين الإخوان كجماعة لها سياستها التي أوحت لها في ظرف من الظروف بأن تهادن حكومة صدقي ضد حركة الشعب. فاستقل الضباط الأحرار عن الإخوان لما رأوا منها من تناقضات وأفعال كلها تصب في مصلحة الجماعة فقط غير عابئة بمصلحة الوطن. لكن لم يكن الاستقلال تامًا، وذلك لحاجة العسكر للإخوان كغطاء شعبي داعم للانقلاب المنتظر قيامه في القريب العاجل. وكان عاملًا ثانيًا سببًا في رغبة عبد الناصر ومجموعته الانفصال عن الإخوان وجماعتهم؛ هو بداية الإخوان في ممارسة العنف والقيام بعمليات إرهابية جزئية، الأمر الذي قد يضر بالحركة الوليدة حديثًا بسبب السخط الشعبي على الإخوان في ذلك الوقت. كما أن عاملًا ثالثًا لا يمكن إهماله يتمثل في الصدمة الأخلاقية للضباط نتيجة الاتهامات الموجهة ضد عبد الحكيم عابدين، صهر المرشد، وتأييد البنا غير المبرر له. في كتابه والآن أتكلم، أدلى خالد محيي الدين بتلك الشهادة ((خالد محيي الدين، في كتابه والآن أتكلم. )) قائلًا: عام 1944، عرفني الضابط الإخواني عبد المنعم عبد الرؤوف بعبد الناصر، ثم محمود لبيب كضابطين من الإخوان. قمنا بتكوين مجموعة من العسكريين الإخوان، بعضها في منزل أحمد مظهر. لم نكن جميعًا من أصحاب الولاءات للإخوان، فمنا من كانوا من الإخوان تمامًا ومنا مجرد ضباط يبحثون عن طريق. كان عبد الناصر يقول لي بأن الإخوان يريدون استغلال الضباط وليس لهم أهداف وطنية، ويتساءل عن سبب عدم قيامهم بالهجوم على الاحتلال والتظاهرات الكبرى. كان عثمان فوزي، ضابط زميل، رفض الانضمام إلينا كمجموعة إخوانية، وبدأ يعطيني كتبًا عن الشيوعية والعدالة الاجتماعية والسياسة الاشتراكية. بدأت أسأل ولا أجد إجابات عن برنامج الجماعة ورؤيتها. وعلى الرغم من أسلوب حسن البنا الرائع، لم أقتنع. ظل عبد الناصر مصرًا على ظنه بالإخوان، وأنا على ترددي. فحاولت الجماعة ضمنا إلى النظام الخاص. في منزل بحي الخليفة، قابلنا عبد الرحمن السندي وأقسمنا اليمين في طقوس خاصة لم تترك أثرًا في نفوس أي منا. انضمنا لمجموعة تدريب مسلحة بالقرب من حلوان، وكان مستوانا أفضل من المدربين، مما جعلنا نغتر أكثر. كان تقارب الجماعة مع إسماعيل صدقي ووقوفها ضد الحركة الوطنية، تأكدنا من سوء نواياهم واستغلالهم لنا، فتباعدنا دون انفصال عن الإخوان. عام 1947، كانت علاقتنا بالإخوان باهتة للغاية. ويذكر أنه في عام 1949، تم العثور مع الإخوان على كتاب عن صناعة القنابل يخص عبد الناصر، كاد يقيله من عمله، مما دفعنا مع كل الأسباب للبدء بتأسيس الضباط الأحرار في منتصف عام 1949. كانت خليتنا الأولى في الضباط الأحرار لجنة القيادة تضمنا إلا عبد المنعم عبد الرؤوف الذي فضل الاقتراب من الإخوان عنا. في بداية عام 1951، أصر عبد المنعم عبد الرؤوف على أن تنضم هيئة الضباط الأحرار لجنة القيادة بالكامل للإخوان، ورفضنا بالإجماع. قبيل الثورة، أخبرنا عبد الناصر أن حسن عشماوي، القيادي في الإخوان، عاود الاتصال به وتحدث عن نيّة الإنجليز التخلص من الملك وأبدى تلميحًا بأن الإخوان داعمون لرحيله. تم الاتفاق على التحرك يوم 22 يوليو، لكن في يوم 21 يوليو طلب عبد الناصر التأجيل يومًا واحدًا للمزيد من الحشد. في هذه الأثناء، قابل عبد الناصر الإخوان وحظي بدعمهم للانقلاب بشروط عدة لم يوضحها عبد الناصر، وذكر اضطراره للموافقة عليها مبدئيًا، وأبدى رأيه بضرورة إعادة الحسابات مع الإخوان. أبلغ عبد الناصر أحمد حمروش الذي أبلغ حدتو، وكان هذا هدف عبد الناصر. (خالد محيي الدين، والآن أتكلم) لقد أدرك عبد الناصر أن الطريق الإخواني لا يلائم طموحه، ولذلك سعى إلى تحويل ولاء الضباط إلى التنظيم الذي شرع في تأسيسه دون أي ارتباط بقوى أخرى. ولا يعني هذا أن نفوذ الإخوان قد انتهى وتبخر، لكن المؤكد أنه تراجع ولم يعد يواصل الصعود. بالإضافة إلى أن جمال كان يدرك جيدًا أنه ما زال بحاجة إلى الإخوان كغطاء شعبي لثورته المرتقبة. لذا ففي نفس الشهر فبراير 1946، وفي اجتماع للجنة الضباط الأحرار، قال عبد الناصر: إنه يتوقع خيرًا كثيرًا من الإخوان. --- ### الخطية الأصلية عند أوغسطين [٢] - Published: ۲۰۲۵-۰۱-۳۱ - Modified: 2025-01-31 - URL: https://tabcm.net/35009/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: أنبا أنجيلوس، أسقف عام شبرا الشمالية, أنبا إيساك، الأسقف العام, أنطون جرجس, الخطيئة الأصلية, القانون المدني, بابا كيرلس عمود الدين, دار المشرق, سعد الله سميح جحا, قديس أوغسطينوس، أسقف هيبو, كنيسة مار جرجس، سبورتنج, مدينة الله, يوحنا الحلو نستكمل الحديث عن الاختلاف حول مفهوم “الخطية الجدية” ووراثة الخطية بين بعض آباء الكنيسة في الشرق والغرب، ويظل الحديث عن القديس أغسطينوس. الإرادة المقيَّدة بالشر والهلاك بعد السقوط يرى أوغسطينوس أن إرادة الإنسان بعد السقوط لم يكن في وسعها إلا أن تهلك، وذلك في إطار تعليمه عن الإرادة المقيَّدة بالشر والهلاك، لا نجد مثل هذا التعليم عند ق. كيرلس السكندريّ، بل يؤكد ق. كيرلس على وجود حرية الإرادة وممارستها بعد السقوط كالتالي: ((أوغسطينوس، الطبيعة البشرية وعمل النعمة، ترجمة: الأنبا إيساك، مار جرجس سبورتنج، 1997، الفصل 25، ص 38. )) بل هو يتحدث باستمرار كما لو كانت الطبيعة البشرية قادرة على شفاء نفسها بإرادتها الذاتية بدون الرب يسوع. في حين أن إرادتها تلك التي يتشدق بها لم يكن بوسعها إلا أن تهلك. (أوغسطينوس، الطبيعة البشرية وعمل النعمة) يتحدث أوغسطينوس عن أن الله جعل السقوط في الإثم عقوبةً عادلةً تتناسب مع نوع خطيئة الإنسان، حيث يفقد الإنسان الساقط سيطرته على جسده، مشيرًا بذلك إلى الإرادة المقيَّدة بفعل الشر بعد السقوط كالتالي: ((أوغسطينوس، الطبيعة البشرية وعمل النعمة، ترجمة: الأنبا إيساك، مار جرجس سبورتنج، 1997، الفصل 28، ص 41. )) إن الإنسان، لشدة تعاظم الإثم يستسهل السقوط في الخطيئة عن أن يتجنبها. ونظرًا لعدم وجود علاج فعَّال يناسبه، جعل الله السقوط في الإثم عقوبًة عادلًة تتناسب مع نوع خطيئته، حيث يفقد الإنسان الساقط سيطرته على جسده، وكان من المفروض أن يكون جسده خاضعًا ومطيعًا له، ولكنه تهاون حينما كان جسده مطيعًا في البداية وهو يستخدمه فيما للرب، ولكنه هزأ بجسده وذلك بجره إلى العصيان. ونحن نُولَد الآن بجسد العصيان هذا، حيث يسكن ناموس الخطيئة في أعضائه ويُقاوِم ناموس ذهننا، فلا ينبغي علينا أن نتململ على الله، ولا أن نجادل مقاومين الحق الناصع، بل نطلب ونصلي ملتمسين مراحمه عوضًا عن العقوبة. (أوغسطينوس، الطبيعة البشرية وعمل النعمة) ويشير أوغسطينوس إلى الإرادة المقيَّدة بالشر، حيث يرى أنه عندما تعمل الخطيئة الساكنة فينا، لا نكون نحن الذين نعمل، إنْ لم نرد، وإنْ منعنا أعضاء جسدنا وحواسنا من الانسياق وراء الشهوات التي تدغدغها. وهل تجرنا الخطيئة، رغمًا عنَّا، إلا إلى الأهواء الفاسدة. لأن للجسد شهوات، يمنعنا الرسول من أن نطيعها. وتلك الشهوات تُولِّد الخطيئة، فإنْ أطعناها، صنعنا الشر بإرادتنا؛ أمَّا إذَا عملنا بوصية الرسول، ولم نطع تلك الشهوات، فلسنا نحن الذين نعمل الشرّ، بل الخطيئة الساكنة فينا. فإن لم تملك فينا تلك الشهوات الفاسدة، لا نصنع شرًا، لا نحن، ولا الخطيئة الساكنة فينا. وعندما نواجه إغراء شهوةٍ فاسدةٍ تعمل فينا ولا نطيعها، نقول، مع ذلك، بأنها من صُنعنا، بمعنى أنها ليست فعل طبيعة غريبة، بل من ضعف طبيعتنا. فعندما لا نطيع تلك الشهوات، لا نكون نحن الذين نعمل، بل هي الخطيئة الساكنة فينا تُحرِّك تلك الشهوات كالتالي: ((أوغسطينوس، الطبيعة البشرية وعمل النعمة، ترجمة: الأنبا إيساك، مار جرجس سبورتنج، 1997، الفصل 28، ص 41. )) لأنه ليس هو الذي يصنع الشرّ، بل الخطيئة الساكنة فيه. لكن حل هذه المسألة يطرح مسألة أصعب؛ إذ كيف يعمل إنسان ما ليس يعمل؟ وهذا ما قاله الرسول: الشر الذي لا أريده إياه أعمل، ولست أنا الذي أعمله، بل الخطية الساكنة فيَّ. من هنا علينا أن نعرف أنه عندما تعمل الخطيئة الساكنة فينا، لا نكون نحن الذين نعمل، إنْ لم نرد، وإنْ منعنا أعضاء جسدنا وحواسنا من الانسياق وراء الشهوات التي تدغدغها. وهل تجرنا الخطيئة، رغمًا عنَّا، إلا إلى الأهواء الفاسدة؟ إنْ لم نرضخ لها بإرادتنا، نخنقها في مهدها. وهذا ما يوصي به الرسول عندما يقول: لا تملك الخطيئة في جسدكم المائت، فتطيعون شهواته، ولا تجعلوا أعضاءكم سلاح إثم للخطيئة ((رسالة بولس إلى رومية 6: 12، 13 )). إن للجسد شهوات، يمنعنا الرسول من أن نطيعها. وتلك الشهوات تُولِّد الخطيئة، فإنْ أطعناها، صنعنا الشر بإرادتنا؛ أمَّا إذَا عملنا بوصية الرسول، ولم نطع تلك الشهوات، فلسنا نحن الذين نعمل الشرّ، بل الخطيئة الساكنة فينا. فإن لم تملك فينا تلك الشهوات الفاسدة، لا نصنع شرًا، لا نحن، ولا الخطيئة الساكنة فينا. وعندما نواجه إغراء شهوةٍ فاسدةٍ تعمل فينا ولا نطيعها، نقول، مع ذلك، بأنها من صُنعنا، بمعنى أنها ليست فعل طبيعة غريبة، بل من ضعف طبيعتنا، الذي سنتخلص منه نهائيًا عندما يصبح جسدنا غير مائت كما هي حال نفسنا. وعليه، فبما أننا نسير في طرق الربّ، فإننا لا نطيع شهوات الخطيئة؛ وبما أننا لسنا بلا خطيئة، فإننا نتحسس شهوات الخطيئة. لكننا عندما لا نطيع تلك الشهوات، لا نكون نحن الذين نعمل، بل هي الخطيئة الساكنة فينا تُحرِّك تلك الشهوات. بهذا المعنى، صانعو الإثم، أي الذين يطيعون شهوات الخطيئة، لا يسيرون في طريق الربّ (أوغسطينوس، الطبيعة البشرية وعمل النعمة) ويتحدث أوغسطينوس عن الإرادة المستعبَدة للشر والخطية، حيث يستنكر متسائلًا: كيف يجرأ هؤلاء الناس المساكين أن يفتخروا سواء بإرادتهم الحرة قبل أن يتحرَّروا، أو بقوتهم الذاتية لو كانوا قد تحرَّروا؟ إنهم لم يدركوا أن مُجرَّد ذكرهم للإرادة الحرة، فإنهم ينطقون اسم الحرية. ولكن إنْ كانوا عبيدًا للخطية، فلماذا يفتخرون بالإرادة الحرة؟ لأنه ما أنغلب منه أحد فهو له مُستعبَد أيضًا، ولكن إذَا تحرَّروا، فلماذا يفتخرون بأنفسهم كما لو كان هذا من فعلهم، ويفتخرون كما لو لم يأخذوا قائلًا: (( On the Spirit and the Letter xxx. 52 (MPL 44. 234) )) إذًا، كيف يجرأ هؤلاء الناس المساكين أن يفتخروا سواء بإرادتهم الحرة قبل أن يتحرروا، أو بقوتهم الذاتية لو كانوا قد تحرَّروا؟ إنهم لم يدركوا أن مُجرَّد ذكرهم للإرادة الحرة، فإنهم ينطقون اسم الحرية. ولكن حيث روح الرب هناك حرية ((رسالة بولس إلى كولوسي 3: 17 )). لذلك لو كانوا عبيدًا للخطية، فلماذا يفتخرون بالإرادة الحرة؟ لأنه ما انغلب منه أحد فهو له مستعبد أيضًا ((رسالة بطرس الثانية 2: 19 )) ولكن إذَا تحرَّروا، فلماذا يفتخرون بأنفسهم كما لو كان هذا من فعلهم، ويفتخرون كما لو لم يأخذوا؟ أو هل يتحرَّرون لدرجة أنهم لا يختارون الله ربًا لهم الذي يقول لهم: بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا ((إنجيل يوحنا 15: 5 ))، وإنْ حرَّركم الابن فبالحقيقة تكونون أحرارًا؟ ((إنجيل يوحنا 8: 36 )) (On the Spirit and the Lette) ويرفض أوغسطينوس أن يظن الإنسان أنه قوي في ذاته، ولكن الله جعله ضعيفًا، لكي يقويه بقوته، بعد أن يكون قد فَقَدَ قوته، ولكننا نتساءل هنا: كيف يجعل الله الإنسان ضعيفًا ليُظهِر له قوته، هل يحتاج الله لمثل هذا الأمر ليُظهِر قوته للإنسان بأن يضعفه أولًا ثم يُظهِر له قوته؟! حيث يقول أوغسطينوس التالي: ((أوغسطينوس، العظات على سفر المزامير ج2، ترجمة: سعد الله سميح جحا، دار المشرق، 2014، العظة في مز 45: 13، ص 234. )) كُنت تريد أن تكون قويًا في ذاتك، فجعلك الله ضعيفًا، لكي يقويك بقوته، بعد أن تكون قد فقدت القوة التي تنبع منك. (أوغسطينوس، العظات على سفر المزامير ج2) نحن بشر مجبولون بالشر يرى أوغسطينوس أننا البشر مجبلون بالشر، وهذا لم يعلم به ق. كيرلس الإسكندري، ولا أي أب من أب الشرق بأننا مجبلون بالشر، كما لو كان الشر طبيعة نُجبَل عليها وهكذا لسنا في ذاتنا بشيء، بل كل ما نحن عليه، إنما نلناه من رحمة الله كالتالي: ((أوغسطينوس، العظات على سفر المزامير ج3، ترجمة: سعد الله سميح جحا، دار المشرق، 2015، العظة الأولى في مز 70: 2، ص 284. )) إنه يُعرِّفنا بنعمة الله؛ ويُعرِّفنا أننا لسنا في ذاتنا بشيءٍ؛ ويُعرِّفنا أن كل ما نحن عليه، إنما نلناه من رحمة الله، وما نحن في ذاتنا إلا بشرٌ مجبولون بالشرّ. (أوغسطينوس، العظات على سفر المزامير ج3) استخدام الله للشيطان كأداة عقابية للبشر ويرى أوغسطينوس أن الله هو الذي يشأ فعل الأشياء حتى بواسطة الملائكة الأشرار سواء بالسماح لهم أو بأمرهم أو بإجبارهم من الموضع السريّ لسلطانه الذاتيّ الفائق: ((أوغسطينوس، الثالوث، ترجمة: د. أنطون جرجس، مراجعة: الأنبا أنجيلوس الأسقف العام، 2021، 3: 10: 21، ص 233. )) لأنه كيف تفعل الملائكة هذه الأشياء، أو بالحري كيف يفعل الله هذه الأشياء بواسطة ملائكته. وإلى أيّ مدى يشأ فعلها حتى بواسطة الملائكة الأشرار سواء بالسماح لهم، أو بأمرهم، أو بإجبارهم من الموضع السريّ لسلطانه الذاتيّ الفائق. (أوغسطينوس، الثالوث) ويشير أوغسطينوس صراحةً إلى أن الله يستخدم الشر كأداة عقابية لإصلاح الإنسان، وهذا ما لا نجده عند ق. كيرلس الإسكندري الذي يؤكد على صلاح الله الدائم، وأن الشر والخطية مجرد مرض أو وهم أو اختراع أصاب البشرية الساقطة كالتالي: ((أوغسطينوس، الطبيعة البشرية وعمل النعمة، ترجمة: الأنبا إيساك، مار جرجس سبورتنج،1997، الفصل 27، ص 40. )) حقًا إن كثيرين انصلح حالهم بالعقاب، ولكن ليست نتيجة العقاب هي خير على طول الخط. فمراحم الله العجيبة قد تستعمل الشرور التي تصيب الإنسان لإصلاح حاله على أي وجه. (أوغسطينوس، الطبيعة البشرية وعمل النعمة) الشهوة الجنسية شرّ يرى أوغسطينوس أن الشهوة الجنسية شرًا، حيث يشير أوغسطينوس إلى أن اسم الزوجة يضع في أفكار الرجل العلاقة الفاسدة التي تتشكل في إنجاب الأولاد، بعكس ق. كيرلس الذي يرى أن الشهوة عدم تحتاج إلى شخص لكي يمارسها كالتالي: ((أوغسطينوس، الثالوث، ترجمة: د. أنطون جرجس، مراجعة: الأنبا أنجيلوس الأسقف العام، 2021، 12: 5: 5، ص 484. )) لأن اسم الزوجة يضع في أفكار الرجل العلاقة الفاسدة التي تتشكَّل في إنجاب الأولاد. (أوغسطينوس، الثالوث) يرى أوغسطينوس أن المسيح وُلِدَ من العذراء بدون زواج، أي بدون شهوة الجسد التي تحركها الخطية الأصلية التي يتوالد ويحبل بها باقي البشر كالتالي: ((أوغسطينوس، الثالوث، ترجمة: د. أنطون جرجس، مراجعة: الأنبا أنجيلوس الأسقف العام، 2021، 13: 18: 23، ص 547. )) ولكن رأى الله إنه من الأنسب والأفضل كلا الأمرين معًا؛ أي أن يتخذ له إنسانًا يهزم به عدو الجنس البشريّ من نفس الجنس المهزوم نفسه، وأن يفعل هذا من عذراء يعلو ويفوق حبلها بالروح وليس بالجسد، بالإيمان وليس بالشهوة ((إنجيل لوقا 1: 26-32 )). وفعل هذا بدون تدخل شهوة الجسد التي تحركها الخطيئة الأصلية التي يتوالد ويحبل بها باقي البشر، بل صارت العذراوية المقدسة حُبلى لا بالزواج بل بالإيمان -بدون شهوة تمامًا- لكي يقود ذاك المولود من جذر الإنسان الأول، أصل الجنس الوحيد، بدون خطية أيضًا. (أوغسطينوس، الثالوث) ويرى أوغسطينوس أن الشهوة الجنسية هي شهوة شريرة، بالرغم من الاستعمال اللائق بالزواج، بالتالي، كان من الضروري غياب هذه الشهوة المادية تمامًا عند الحبل بنسل العذراء مريم، لكي لا يجد فيه مَن له سلطان الموت أيّ شيء يستحق الموت قائلًا: ((أوغسطينوس، الثالوث، ترجمة: د. أنطون جرجس، مراجعة: الأنبا أنجيلوس الأسقف العام، 2021، 13: 18: 23، ص 547، 548. )) لذلك، رغم الاستعمال اللائق بعفة وطهارة الزواج للشهوة المادية التي في أعضائنا، ولكنها عُرضة للدوافع اللاإرادية، التي تبين بها أنها كانت لا تقدر مطلقًا على الوجود في الفردوس قبل الخطية، أو إنْ فعلت ذلك، فإنها لا تقدر أحيانًا على مقاومة تلك الرغبة. ولكننا نشعر بها الآن كذلك في مقابل ناموس الذهن، لأنه مما لا شك فيه أن رغبة الإنجاب تعمل فينا، وتحثنا على العلاقة الجنسية التي يخضع لها البشر ويشبعونها بفعل الخطية، وإنْ كانوا لا يريدون فعلها، فتصير مُقيَّدة بفعل الرفض: ومَن يشك بأن هذين الأمرين كانا غريبين عن الفردوس حتى قبل الخطية؟ لأن العفة لا تفعل أيّ شيء باطل، ولا تعاني السعادة من أيّ اضطراب أيضًا. بالتالي، كان من الضروري غياب هذه الشهوةالمادية تمامًا عند الحبل بنسل العذراء، لكي لا يجد فيه مَن له سلطان الموتأيّ شيء يستحق الموت. (أوغسطينوس، الثالوث) وبالرغم من أن أوغسطينوس يرى أن الزواج شيء شريف وشرعي، إلا أنه يسعى إلى مكان وحدوي وسري بسبب الخجل الذي يُعتبر بمثابة عقاب كالتالي: ((أوغسطينوس، مدينة الله مج2، ترجمة: الخورأسقف يوحنا الحلو، دار المشرق، 2015، 14: 18، ص 195، 196. )) ماذا أقول؟ المجامعة الزوجية تهدف بحسب ترتيبات القانون المدنيّ إلى إنجاب الأولاد؛ وهي بالرغم من أنها شريفة وشرعية، ألا تسعى إلى اتخاذ مكان وحدويّ وسريّ؟العملية شرعية تتخفى عن نور النهار وتطلب نظر الروح؛ بطبيعتها شرعية، ولكن الخجل تابع لها بمثابة عقاب. (أوغسطينوس، مدينة الله مج2) --- ### العمل الاجتماعي الغائب والمُختَطف - Published: ۲۰۲۵-۰۱-۳۰ - Modified: 2025-01-30 - URL: https://tabcm.net/35235/ - تصنيفات: مقالات وآراء أسس المصريون في القرنين الماضيين جمعيات خيرية لرعايتهم. هذه الجمعيات لعبت دورًا كبيرًا في استقرار المجتمع ووقايته من التطرف. اليوم، نجد أن هذه المبادرات قد تراجعت أو تم تحجيمها نشرت عبر حسابي على موقع فيسبوك، فيديو قصير، شاهدته لفتاة انتبهت لرجل مسن لا أحد يرعاه، يُظهر ملامحه التي شكّلها العوز وفعل الزمن، وملابسه الرثة ووجهه الذي لم يعرف الطريق إلى العناية الشخصية، فبدا وكأنه قادم من كهوف الجبال. اعتنت به وأدت كل ما كان بحاجة إليه من نظافة واغتسال وتهذيب شعره ولحيته واستبدال ملابسه فاسترد نضارته وإنسانيته. تفاجأت بالتفاعل الثري والموجع بآن من متابعي ما أكتب أو أنشر. الأمر الذي ذكرني بأن الاهتمام بالمسنين والمحتاجين وبالأخص الذين ليس لهم أحد يذكرهم والمنسيين كانت واحدة من الاهتمامات المصرية المجتمعية، على أرضية إنسانية مصرية خالصة. ترجمها المصريون في القرن التاسع عشر وحتى النصف الأول من القرن العشرين في إنشاء جمعيات أهلية مهمتها إنشاء وإدارة دور رعاية لهم، بعضها أسسها أثرياء مصر وبعضها تشارك أبناء الطبقة الوسطى في تأسيسها والاهتمام بها. وأسندت إدارتها إلى أشخاص متبرعين متخصصين ومؤهلين، يؤمنون بها بوازع إنساني قبل أن يكون دينيًا. وكانت هذه الجمعيات بجوار غيرها التي تبنت رعاية الأطفال الأيتام أو المرضى أو الأسر الفقيرة أو رعاية الفئات الأكثر احتياجًا أو القرى الفقيرة صِمَام أمان مجتمعي يحول دون اضطراب المجتمع أو نشوء صراع بين طبقاته، وحالت بينه وبين تشكل التوجهات المتطرفة. وهي نفس الحِقْبَة الزمنية التي شهدت تعاظم ونمو ظاهرة الوقف الخيري الذي يوجه ريعه لرعاية المؤسسات العلمية، مدارس ومعاهد وجامعات، والخدمية، الأشخاص ذوي الإعاقة أو طلبة المدارس والجامعات الفقراء، أو غيرها من المشروعات الخدمية، مستشفيات ومدارس، والدينية، مساجد وكنائس. لا أعرف ما الذي -وأيضًا من الذي- عطل نمو هذان التوجهان، العمل الخيري المؤسسي والأوقاف بكل صورها. وكيف اختطفت الأولى إلى المربع الديني، إنشاءًا وتوجهًا ومستهدفين، وكيف وأُدت الثانية وحوصرت ويتم تصفيتها تباعًا. أرى أن هذه الخبرات المصرية وتجاربها التي أسهمت بشكل فاعل في دعم وحماية المجتمع، وترجمت السلام الاجتماعي على أرض الواقع، قبل فرض السيطرة عليها من جماعات المصالح أو تحجيمها بأشكال ورؤى مختلفة، صارت بحاجة إلى إعادة بعث، بما تملكه من قدرة على إطلاق سراح القيم المصرية من أسر التطرف ومن قيود البيروقراطية المتخوفة من العمل الاجتماعي الشعبي، الذي جرفته توجهات التسييس والعنصرية. لا سبيل لهذا بغير مراجعة وفك القيود التي تحول دون انطلاق العمل الاجتماعي حسب قواعده الإنسانية التي لا تغازل السياسة أو التطرف ولا يُتَخذ منصات انطلاق لكلاهما. --- ### مصر والنيل: السودان والمصالح - Published: ۲۰۲۵-۰۱-۲۹ - Modified: 2025-02-02 - URL: https://tabcm.net/34140/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أدريان دانينوس, أماني الطويل, إسماعيل صدقي باشا, الحرب العالمية الثانية, السيد فليفل, المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات, المركز القومي للترجمة, الهيئة المصرية العامة للكتاب, تمام همام تمام, ثورة ٢٣ يوليو, جعفر محمد النميري, دار الكتب والوثائق القومية, دار الهلال, رئيس جمال عبد الناصر, رئيس محمد حسني مبارك, رئيس محمد نجيب, رشدي سعيد, روبرت أوكلي كولينز, روسيا اليوم, صلاح مصطفى سالم, عمر حسن أحمد البشير, مجلس قيادة الثورة, محمد عبد الحميد الحناوي, محمود فهمي النقراشي باشا, مصطفى النحاس, ملك فاروق, مينا ميشيل سمعان مُنعت اللغة العربية في الجنوب وفُرضت الإنجليزية، وأُدخل مبشرون تابعون للكنيسة الإنجليكانية الإنجليزية للتبشير بين قبائل الجنوب. وأُهمل التعليم في الجنوب تمامًا حتى تبقى القبائل على حالتها البدائية لسهولة حكمها. كما عملت على جعل معظم تجارة الجنوب تمر عبر كينيا وأوغندا المستعمرتين آنذاك، على أمل إلحاقه بهما في المستقبل. كل ذلك كان حجر الأساس في التوتر الذي ساد العلاقات بين الشمال والجنوب بعد أن انفردت بريطانيا تمامًا بحكم السودان عقب طرد الجيش المصري، بدأت في العمل على تأكيد فصل السودان عن مصر، وأيضًا فصل جنوب السودان عن شماله. فأنشأت قوات سودانية تتبع الحاكم العام بعد انسحاب الجيش المصري وسميت قوات الدفاع السودانية. وعمدت حكومة السودان البريطانية إلى عزل مديريات الجنوب الثلاث تمامًا عن الشمال وجعلها منطقة منفصلة لا يدخلها إلا من تسمح له السلطات العسكرية بذلك. كذلك مُنعت اللغة العربية في الجنوب وفُرضت الإنجليزية، وأُدخل مبشرون تابعون للكنيسة الإنجليكانية الإنجليزية للتبشير بين قبائل الجنوب. وأُهمل التعليم في الجنوب تمامًا حتى تبقى القبائل على حالتها البدائية لسهولة حكمها. كما عملت على جعل معظم تجارة الجنوب تمر عبر كينيا وأوغندا المستعمرتين آنذاك، على أمل إلحاقه بهما في المستقبل. كل ذلك كان حجر الأساس في التوتر الذي ساد العلاقات بين الشمال والجنوب. كان السودان هو الصخرة التي تحطمت عليها مفاوضات كل الحكومات المصرية منذ عام 1924 وحتى عام 1950. كان المطلب المصري الدائم هو أن يظل السودان تحت التاج المصري لتحقيق هدف تأمين منابع النيل الذي سعى إليه جميع حكام مصر على مر العصور. ولكن كان الجانب الإنجليزي يرفض هذا الطلب دائمًا. ففي مقابل المطلب المصري، كان كل ما تتعهد به بريطانيا هو الحفاظ على حقوق مصر في مياه النيل كما حدث في اتفاقية عام 1929. إلا أن هذا لم يكن كافيًا من وجهة نظر الساسة المصريين. فشل مصطفى النحاس وكل من فاوض بريطانيا في تغيير الموقف البريطاني بالنسبة للسودان. وحتى عندما توصل الطرفان إلى معاهدة 1936، ظل وضع السودان كما هو عليه. كل ما استجد في إطار هذه الاتفاقية هو عودة كتيبة صغيرة من الجيش المصري إلى السودان كرمز لاستمرار الحكم الثنائي. مرفقات: تحميل نسخة ضوئية من معاهدة . بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، بدأت مصر في المطالبة بتعديل معاهدة 1936 التي سمحت لبريطانيا باستغلال مصر كقاعدة حربية طوال فترة الحرب، مما شكل عبئًا شديدًا على مالية مصر. ولخصت مطالب مصر وقتذاك في مطلبين رئيسيين، هما: 1. جلاء القوات البريطانية عن مصر والسودان. 2. الوحدة بين مصر والسودان. ولم تسفر مفاوضات صدقي - بيفن في عام 1946 سوى عن حل شكلي لمسألة السودان، لم تقبله أغلبية المصريين. وبالمثل، لم تنجح مفاوضات النقراشي - كامبل في عام 1947. وقد أصرت بريطانيا في كل هذه المفاوضات على أن شرطها لحل مشكلة السودان هو أن تعترف مصر بحق السودان في تقرير مصيره، وبالتالي إمكانية استقلاله عن مصر. وهو ما رفضته جميع الحكومات المصرية المتعاقبة. وفي الوقت نفسه، استمرت بريطانيا في سياستها الأحادية في السودان، فأنشأت مجلسًا تشريعيًا للشمال دون الجنوب. وعندما وسعته لضم ممثلين للجنوب، قامت بتعيينهم من جانبها. كانت هناك ثلاثة تيارات أساسية في السودان: - الأول: حزب الأمة الذي طالب بالاستقلال التام. - الثاني: الحزب الوطني الاتحادي الذي طالب بالاتحاد مع مصر ولكن دون فرض التاج المصري على السودان. - الثالث: حزب الأشقاء الذي طالب بوحدة اندماجية تامة مع مصر. وكانت مصر ترفض التعامل أو الحديث مع أي طرف سوى حزب الأشقاء. وعلى الجانب الآخر، كانت بريطانيا تدعم حزب الأمة الداعي للاستقلال، وتستغل موقف مصر لبث دعايات بين أبناء السودان حول تشدد مصر ورغبتها في استعباد السودانيين. انشغلت مصر في عامي 1948 و1949 بحرب فلسطين في الوقت الذي كانت فيه بريطانيا تعقد مؤتمرًا في جوبا، عاصمة الجنوب، لزعماء القبائل. سعت بريطانيا في هذا المؤتمر إلى صدور توصية بفصل الجنوب، لكنها فشلت، إذ تمسك الجنوبيون بوحدة السودان. بعد فشل كل محاولات الحكومات المصرية في حل مشكلة الجلاء ووحدة وادي النيل، قررت حكومة الوفد الأخيرة في أكتوبر 1951 إلغاء معاهدة عام 1936 واتفاقية عام 1899 الخاصة بالسودان من جانب واحد. اشتعلت الأمور بعد هذا القرار في مصر، فاندلعت حرب عصابات ضد الإنجليز في القناة تلتها أحداث حريق القاهرة، ثم أعقب ذلك تخبط في الحكومات، مما أدى إلى قيام ثورة يوليو وخلع الملك فاروق. كانت أولى المشكلات التي واجهت حكومة يوليو هي مشكلة الجلاء ووحدة وادي النيل التي فشل الجميع في حلها. وكانت بريطانيا قد قررت إعداد دستور للسودان كمقدمة للاستقلال (رغم بقاء القوات البريطانية) دون الرجوع إلى مصر. وقررت تطبيق هذا الدستور في نوفمبر 1952. فرأت القيادة الجديدة أنه لا بديل عن الاعتراف بحق تقرير المصير للسودان حتى يتم تفويت الفرصة على بريطانيا للانفراد بأوضاع السودان. وكان اعتراف مصر بحق تقرير المصير للسودان، وهو الشرط الذي كانت تطلبه بريطانيا دائمًا للتفاوض، ينهي الذريعة التي كانوا يتمسكون بها ويمهد للاتفاق على جلاء القوات البريطانية عن مصر. أسفرت المباحثات عن توقيع مصر وبريطانيا في فبراير 1953 اتفاقية لتصفية الحكم الثنائي، تقرر فيها إعطاء السودان فترة انتقالية مدتها ثلاث سنوات تبدأ بانتخابات لجمعية تأسيسية تضع دستورًا للبلاد وتقرر مستقبل العلاقة مع مصر، إما بالاستقلال أو الاتحاد معها. وخلال هذه الفترة، يتم إحلال موظفين سودانيين في حكومة السودان محل جميع الموظفين الأجانب، كما يتم سحب القوات البريطانية والمصرية (الرمزية) في نهاية الفترة. ولم تحدد الاتفاقية الحدود بين مصر والسودان، لسابق تحديدها في اتفاقية 1899، وهو ما سيشكل نواة للخلاف بين البلدين على منطقة مثلث حلايب وشلاتين لاحقًا ((روبرت أوكلي كولينز، تاريخ السودان الحديث، المركز القومي للترجمة، 2010. )). خلال التحضير للانتخابات، استدعت حكومة مصر رؤساء الأحزاب الرئيسية في القاهرة ونجحت في جمع صفوف المطالبين بالاتحاد مع مصر في حزب واحد هو الحزب الوطني الاتحادي. ونجح الحزب في اكتساح الانتخابات في نوفمبر 1953، وتوقع الجميع أن تكون الوحدة أمرًا واقعًا في نهاية فترة الانتقال. لكن في مارس 1954، وقعت الأزمة الداخلية بين مجلس قيادة الثورة ومحمد نجيب، والتي انتهت بإبعاده عن الرئاسة. أثر ذلك تأثيرًا عنيفًا على السودانيين، نظرًا لتعلقهم بشخصية محمد نجيب، حيث كان يمثل رمزًا لوحدة وادي النيل، كون والدته سودانية ((محمد عبد الحميد الحناوي، معركة الجلاء ووحدة وادي النيل 1945-1954، سلسلة تاريخ المصريين ، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1998. )). أيضًا، كانت سياسة صلاح سالم، عضو مجلس قيادة الثورة الذي كُلِّف بملف السودان، سببًا آخر في نفور السودانيين من الحكم الجديد في مصر، على الرغم من نجاحها في توحيد الصفوف خلف مصر في البداية. حيث إنه بعد الخلاف مع نجيب، اتجه إلى استخدام أساليب الترهيب والضغط على السودانيين، مما زاد من قوة الاتجاهات المنادية بالاستقلال. بعد اكتمال انسحاب القوات البريطانية والمصرية في نوفمبر 1955، أصدر مجلس النواب السوداني قرارًا بإعلان استقلال السودان، وأصبح السودان مستقلًا رسميًا بحلول أول يناير 1956. واعترفت مصر بهذا الاستقلال فورًا، وبدأ فصل جديد في قصة النيل ((تمام همام تمام، السياسة المصرية تجاه السودان، 1936-1953، سلسلة تاريخ المصريين، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1999. )). العلاقات المصرية السودانية: صعودًا وهبوطًا كان كل ما سبق عاملاً مرجحًا للنظام الجديد في مصر بتفضيل خيار إقامة سد كبير عند أسوان لتخزين مياه الفيضان كاملة والاستفادة بها عوضًا عن خيار مشروعات التخزين في أعالي النيل ((عرض أدريان دانينوس مشروعه مجددًا على حكومة حركة 23 يوليو بعد قيامها بشهور قليلة، ورحبت به الحركة بقيادة جمال عبد الناصر الذي قرر بعد ذلك تكريم أدريانو ومنحه معاشًا شهريًا حتى وفاته. )). وهو ما بدأ السعي في تنفيذه منذ نهاية عام 1953.  كان ذلك أولى محطات اختبار العلاقات بين مصر والسودان المستقل حديثًا. حيث كانت قد بدأت مفاوضات بين مصر وحكومة السودان بخصوص السد العالي في سبتمبر 1954 ولم تكلل بالنجاح. حيث اشترط البنك الدولي وقتها وقبل سحب عرضه بتمويل مشروع السد العالي عقد اتفاقية بين البلدين بخصوصه، كونه سيؤثر على مجتمعات سكان النوبة في أقصى شمال السودان. تزامن ذلك مع قرار السودان في نفس العام بالسعي في إنشاء خزان الرصيرص على النيل الأزرق للتوسع في مشروعات الجزيرة الزراعية وكان قد سعى كذلك للحصول على تمويل من البنك الدولي له. وبعد عدة جولات من المفاوضات غير الناجحة اتفق الطرفان أخيرًا في عام 1959 ووقعت الاتفاقية بينهما تحت اسم اتفاقية الاستغلال الكامل لمياه النيل ((السيد فليفل، ندوة خمسون عامًا على اتفاقية مياه النيل بين مصر والسودان (1959-2009)، مركز تاريخ مصر المعاصر، دار الكتب والوثائق القومية، 2011. )). كان أهم ما ورد في هذه الاتفاقية: اتفاق على إنشاء السد العالي في مصر وخزان الرصيرص في السودان، وكذلك أي منشآت أخرى ضرورية لتمكين السودان من الاستفادة من حصته في المياه. اقتُسمت المياه الزائدة التي ستنتج عن إنشاء السد العالي بين البلدين بواقع 7. 5 مليار متر مكعب من المياه سنويًا لمصر و14. 5 مليار متر مكعب سنويًا للسودان، بالإضافة إلى الحقوق المكتسبة للبلدين في مياه النيل من قبل، لتصبح حصة مصر 55. 5 مليار متر مكعب والسودان 18. 5 مليار متر مكعب. تكفل مصر بدفع تعويض قدره 15 مليون جنيه مصري للسكان المتضررين من بحيرة السد العالي في السودان. إنشاء مشروعات لتقليل فقد المياه في منطقة مستنقعات بحر الغزال وبحر العرب وبحر الزراف، وتكون تكلفتها مناصفة بين البلدين، على أن يتقاسما بالتساوي النفع العائد من هذه المشروعات. تنازل مصر عن إدارة وتشغيل خزان جبل الأولياء وتسليمه للسودان. اتفاق على أنه في حال مطالبة أي من بلدان حوض النيل الأخرى بحصة من مياه النيل، يجب على البلدين الوصول لموقف موحد منها. وفي حال الموافقة على هذه المطالبة، تخصم الحصة الجديدة من حصة البلدين بالتساوي. مرفقات: الاطلاع على نص اتفاقية الاستغلال الكامل لمياه النيل . اعترضت إثيوبيا بشدة على هذه الاتفاقية، وقامت بريطانيا نيابة عن كينيا وتنجانيقا وأوغندا بتقديم مذكرة رسمية ((كانت العلاقات الدبلوماسية مقطوعة بين بريطانيا ومصر في ذلك الوقت في أعقاب العدوان الثلاثي على مصر في أكتوبر-نوفمبر 1956 ولم تُستأنف إلا في عام 1961. )) تحفظ فيها حقوق هذه الدول في استغلال مياه النيل، وتدعو إلى مؤتمر دولي لمناقشة إنشاء هيئة دولية لإدارة مياه النيل ((Mina Michel Samaan, The Nile Development Game: Tug-of-War or Benefits for All, Springer International Publishing, 2019, pp. 95 )). وفي إطار هذه الاتفاقية، أنشأ السودان سد خشم القربة على نهر عطبرة لاستغلاله في ري مشروع حلفا الجديدة الزراعي. وتم توطين سكان النوبة المتضررين من السد العالي من الجانب السوداني في تلك المنطقة. واكتمل هذا المشروع عام 1963. في إطار الهيئة الفنية الدائمة المشتركة لمياه النيل بين مصر والسودان، التي أنشأتها اتفاقية عام 1959، تم إعادة دراسة مشروعات زيادة إيراد النهر التي طرحها تقرير وزارة الأشغال العمومية في مصر عام 1946. وكان أهمها ثلاثة مشروعات تقع جميعها داخل حدود السودان وتوفر 18 مليار متر مكعب سنويًا بعد انتهائها، وهي: مشروع قناة جونجلي، ومشروع مشار، ومشروع بحر الغزال. لم يتم التشاور بشأن بدء تنفيذ هذه المشروعات إلا في عام 1974 في عهد جعفر النميري ((أماني الطويل، العلاقات المصرية-السودانية: جذور المشكلات وتحديات المصالح - قراءة وثاثقية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2012. )). تم الاستقرار أخيراً على البدء في تنفيذ المرحلة الأولى من قناة جونجلي، وهي قناة بطول 280 كيلومتراً بين مدينتي جونجلي وملكال في جنوب السودان. وكان المخطط أن تؤدي القناة إلى توفير نحو 3. 8 مليار متر مكعب من المياه التي تضيع في المستنقعات، وتجفيف مليون ونصف فدان من أراضي المستنقعات الصالحة للزراعة. كما يمكن توسيع القناة في مرحلة لاحقة بما يسمح بتوفير 7 مليارات متر مكعب من المياه، إلا أن ذلك مرهون ببناء سد عند بحيرة ألبرت بما يسمح بزيادة كميات المياه الواردة في النيل الأبيض ((رشدي سعيد، نهر النيل: نشأته واستخدام مياهه في الماضي والمستقبل، دار الهلال، 1992. )). لاقى هذا المشروع اعتراضًا شديدًا من القبائل المحلية التي تعتمد على الزراعة الموسمية والرعي وصيد الأسماك في هذه المنطقة، والتي سيؤدي المشروع إلى تجفيف مناطق منها وتغيير نمط الحياة بها ((George Tombe Lako, The Impact of the Jonglei Scheme on the Economy of the Dinka, African Affairs, Vol. 84, No. 334 (Jan. , 1985), pp. 15-38 )). وقد حاولت حكومتا البلدين الوصول إلى حل وسط عبر تغيير مسار القناة لتبدأ من مدينة بور، وهو ما أدى إلى زيادة مسارها إلى 360 كم. بدأ تنفيذ القناة فعلًا عام 1978، إلا أن اشتداد الحرب الأهلية في جنوب السودان عام 1983 وهجوم عناصر الجيش الشعبي لتحرير السودان على الحفار العامل في المشروع وتدميره أوقفا كل شيء. توقف المشروع بعد حفر حوالي 260 كم من مسار القناة. ونُسي المشروع تمامًا بعد ذلك في خضم الصراع بين حكومة السودان ومتمردي الجنوب حتى توقيع اتفاق السلام الشامل عام 2005، والذي أدى في النهاية إلى استقلال جنوب السودان عام 2011. وأصبح المشروع يقع في أراضي هذه الدولة الوليدة ((بدأ الحديث يتردد مجددًا عن استكمال هذه القناة بالاتفاق مع جنوب السودان في يناير 2018، كرد فعل على تعثر المفاوضات مع الجانب الإثيوبي بشأن سد النهضة. وكالة روسيا اليوم، مصر تستعد لمفاجأة في جنوب السودان تحدث تحولا في قضية "سد النهضة"، منشور بتاريخ 29 يناير 2018. )). في نفس الفترة بدأ السودان في دراسة إنشاء سد عند الجندل الرابع قرب مدينة مروي في شمال السودان. وهي الفكرة التي طرحت قبل ذلك مرارًا في دراسات فنية مختلفة. ويوفر هذا السد توليد الكهرباء والري استكمالًا للمشروعات التي تكفل استغلال السودان لكامل حصته وفقًا لاتفاقية 1959. إلا أن نقص التمويل والانشغال بالحرب الأهلية في الجنوب أجل المشروع عدة مرات ولم يبدأ تنفيذه إلا عام 2003. وقد اكتمل هذا المشروع عام 2010 ويساهم بحوالي 40% من الكهرباء المنتجة حاليًا في السودان. كذلك عمل السودان على تعلية خزان الرصيرص بما يمكنها من رفع قدرته على تخزين المياه من 3 مليارات متر مكعب إلى 7 مليارات. واكتمل هذا المشروع عام 2013. شاب التوتر العلاقات بين مصر والسودان لفترات طويلة عقب انقلاب الإنقاذ في يونيو 1989 ووصول عمر البشير إلى السلطة. واستولى السودان في عام 1993 على مكاتب الري المصرية الواقعة على النيل وروافده في الأراضي السودانية. ثم أثار نظام البشير مسألة مثلث حلايب وتقدم بشكوى إلى مجلس الأمن بشأنه. وصل التوتر بين البلدين ذروته عقب محاولة اغتيال حسني مبارك في أديس أبابا بسبب إيواء السودان لمنفذي العملية ورفضه تسليمهم لمصر ((أماني الطويل، العلاقات المصرية-السودانية: جذور المشكلات وتحديات المصالح - قراءة وثاثقية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2012. )). ولم تبدأ العلاقات في التحسن التدريجي إلا مع عام 2003 ثم توقيع اتفاق الحريات الأربع بين البلدين في عام 2004. استمرت العلاقات في التحسن حتى بدأ الحديث عن عزم إثيوبيا إنشاء سد على النيل الأزرق، وكان ذلك فصلاً جديدًا في العلاقات بين البلدين. --- ### اهتمامات الشباب بين الإباحية والتعليم - Published: ۲۰۲۵-۰۱-۲۸ - Modified: 2025-01-28 - URL: https://tabcm.net/35239/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: البوابة نيوز, الشرق الأوسط, مصراوي وجهت سؤالًا إلى الذكاء الاصطناعي: أريد إحصائيات تُظهر توجهات الفئة العمرية من ١٨ إلى ٢٤ عام حول قضاء الوقت على الإنترنت، مقارنةً بين مواقع الألعاب والمواقع الإباحية ومواقع القراءة والمعرفة والمواقع الترفيهية والمواقع العلمية على مستوى العالم وكانت الإجابة: إليك مقارنة مبنية على الإحصائيات المتاحة في عام 2025 حول كيفية توزيع الوقت على الإنترنت بين أنواع المواقع المختلفة وجهت سؤالًا إلى الذكاء الاصطناعي: أريد إحصائيات مقارنة تُظهر توجهات الفئة العمرية من ١٨ إلى ٢٤ عام حول قضاء الوقت على الإنترنت، مقارنةً بين مواقع الألعاب والمواقع الإباحية ومواقع القراءة والمعرفة والمواقع الترفيهية والمواقع العلمية على مستوى العالم. وكانت الإجابة: إليك مقارنة مبنية على الإحصائيات المتاحة في "عام 2025" حول كيفية توزيع الوقت على الإنترنت، للفئة العمرية بين (18 إلى 24 سنة) بين أنواع المواقع المختلفة مثل "مواقع الألعاب"، "المواقع الإباحية"، "مواقع القراءة والمعرفة"، "المواقع الترفيهية"، و"المواقع العلمية". تجدر الإشارة إلى أن هذه الإحصائيات قد تكون تقريبية، وتعكس التوجهات العامة التي رصدتها الدراسات وأبحاث السوق. مواقع الألعاب المستخدمون: شباب الفئة العمرية بين 18-24 سنة، هم من أبرز المستخدمين لمواقع الألعاب، حيث يستهلكون الكثير من الوقت في لعب الألعاب الإلكترونية. الإحصائية: حوالي 30% من الوقت الذي يقضيه الأشخاص في هذه الفئة العمرية على الإنترنت يتم صرفه على مواقع الألعاب مثل Steam، Twitch، PlayStation Network. الألعاب تعتبر واحدة من الأنشطة الرئيسية التي تجذب فئة الشباب في هذه الفترة العمرية، حيث تكون هذه الألعاب تفاعلية وتوفر تجرِبة اجتماعية. المواقع الإباحية المستخدمون: تشير الدراسات إلى أن الفئة العمرية بين 18- 24 سنة هي الفئة الأكثر زيارة للمواقع الإباحية. الإحصائية: حوالي 20-25% من الوقت الذي يقضيه الأفراد في هذه الفئة العمرية على الإنترنت يُستَهلَك في المحتوى الجنسي. يختلف الاستخدام بناءً على العوامل الثقافية والاجتماعية في كل منطقة، لكن الزيادة في استخدام مواقع الفيديو القصير مثل *((تم حذف أسماء الموقع علشان اللي هيقروا لو اقل من ٢١ سنة. ))* أصبحت واضحة، خاصة في دول معينة. مواقع القراءة والمعرفة المستخدمون: الفئة العمرية بين 18-24 سنة تشارك بشكل متزايد في منصات القراءة والمعرفة، ولكن الوقت الذي يقضونه مقارنةً مع الأنشطة الأخرى قد يكون أقل. الإحصائية: حوالي 10-15% من الوقت الذي يقضيه الأفراد في هذه الفئة العمرية على الإنترنت يُكرس لمواقع مثل Medium، Quora، Reddit، Wikipedia، بالإضافة إلى مواقع التعليم الإلكترونية مثل Coursera، edX. هذا يشير إلى اهتمام متزايد بالمعرفة الذاتية والتعلم المستمر، مع أن هذه النسبة لا تزل أقل مقارنة بالمواقع الترفيهية. المواقع الترفيهية المستخدمون: المواقع الترفيهية مثل يوتيوب، انستجرام، وتيك توك، هي الأكثر جذبًا للفئة العمرية بين 18-24 سنة، حيث تُعتبر هذه المواقع مكانًا للترفيه، التواصل، وتبادل المحتوى. الإحصائية: حوالي 30-35% من الوقت الذي يقضيه الأشخاص في هذه الفئة العمرية على الإنترنت يُخصص لهذه المواقع. المنصات مثل يوتيوب وتيك توك تتصدر هذا التصنيف، حيث يمضي الأفراد وقتًا طويلًا في مشاهدة الفيديوهات القصيرة والطويلة. المواقع العلمية المستخدمون: مع أنّ استخدام الفئة العمرية بين 18-24 سنة للمواقع العلمية لا يزال محدودًا نسبيًا، إلا أن هناك اهتمامًا متزايدًا في السنوات الأخيرة، خاصةً مع تزايد الوعي بالتعلم التكنولوجي والعلمي. الإحصائية: حوالي 5-10% من الوقت الذي يقضيه الأشخاص في هذه الفئة العمرية على الإنترنت يُخصص للمواقع العلمية مثل Google Scholar، ResearchGate، JSTOR. تشير الإحصائيات إلى أن الشباب الأكاديميين والمهنيين أو الذين يطمحون للدخول في مجالات علمية يزيدون من زياراتهم للمحتوى العلمي، لكن نسبتهم تظل منخفضة مقارنة مع التوجهات الأخرى مثل الترفيه والألعاب. الترتيب العام للوقت الذي يُقضى على الإنترنت من قبل الفئة العمرية 18-24 سنة: 1. المواقع الترفيهية: حوالي 30-35%. 2. مواقع الألعاب: حوالي 30%. 3. المواقع الإباحية: حوالي 20-25%. 4. مواقع القراءة والمعرفة: حوالي 10-15%. 5. المواقع العلمية: حوالي 5-10%. الخلاصة: الشباب بين 18-24 سنة يقضون وقتًا كبيرًا على الإنترنت في الأنشطة الترفيهية والألعاب، بينما تكون نسبة الوقت المخصص للمحتوى التعليمي والعلمي أقل نسبيًا. ومع تزايد الوعي بالتعليم الذاتي والتوجه نحو محتوى الفيديو القصير، يمكن ملاحظة تغيرات ملحوظة في كيفية تخصيص الشباب وقتهم على الإنترنت في السنوات القادمة. وطبعًا الإحصائيات قد تختلف قليلًا لو سألنا عن الشرق الأوسط، لأنه لا تتوفر إحصائيات محددة تقارن بين هذه التوجهات بشكل دقيق. بالنسبة لمصر، أظهرت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء لعام 2022 أن 89% من الشباب في الفئة العمرية 18-29 سنة يستخدمون الإنترنت ((شيرين صلاح، موقع مصراوي، الإحصاء: 89% من الشباب المصري استخدم الإنترنت في 2022، 12 أغسطس 2023. )). من بين هؤلاء، 75. 1% يستخدمون الإنترنت للحصول على معلومات عن السلع والخدمات، و72. 6% لإجراء مكالمات عبر الإنترنت، و52. 6% للحصول على معلومات عن الصحة والخدمات الصحية، و51. 5% للحصول على معلومات من الجهات الحكومية إلكترونيًا. بالإضافة إلى ذلك، أظهرت بيانات سابقة أن 98. 3% من الشباب المصري يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر ((إيمان محمد، البوابة نيوز، الإحصاء: 98. 3% من الشباب في مصر يستخدمون "فيسبوك و"تويتر"، بتاريخ 11 أغسطس 2021. )). على الرغم من عدم توفر بيانات محددة حول استخدام الشباب المواقع الإباحية، إلا أن هذه المعلومات غالبًا ما تكون غير متاحة بشكل رسمي بسبب حساسيتها. انتهى الحوار. . --- ### البابا فرنسيس: الكنيسة الكاثوليكية على استعداد
لقبول التاريخ الذي يريده الجميع - Published: ۲۰۲۵-۰۱-۲۷ - Modified: 2025-01-27 - URL: https://tabcm.net/35268/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: World Council of Churches (WCC), الترجمة اليسوعية, الكنائس الأرثوذكسية, الكنيسة الكاثوليكية, بابا فرنسيس، بابا الڤاتيكان, چيرالد چيمس إيان إرنست, سانت تكلا هيمانوت, عيد العنصرة, عيد القيامة, ڤاتيكان, قديس بولس الرسول, قديس بوليكاربوس، أسقف سميرنا, مجمع نيقية, مريم ومرثا, معهد بوزي المسكوني أجدد ندائي بأن تُستخدم هذه المصادفة كدعوة لجميع المسيحيين لاتخاذ خطوة حاسمة نحو الوحدة، حول تاريخ مشترك لعيد القيامة. والكنيسة الكاثوليكية على استعداد لقبول التاريخ الذي يريده الجميع تاريخًا للوحدة. (البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، في ختام أسبوع الصلاة من أجل الوحدة) دعوة لجميع المسيحيين لاتخاذ خطوة حاسمة نحو الوحدة، حول تاريخ مشترك لعيد القيامة. الكنيسة الكاثوليكية على استعداد لقبول التاريخ الذي يريده الجميع تاريخًا للوحدة. (البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، في ختام أسبوع الصلاة من أجل الوحدة) أسبوع الصلاة من أجل الوحدة المسيحية هو احتفال مسيحي دولي مسكوني يتم الاحتفال به سنويًا في الفترة من ١٨ إلى ٢٥ يناير في نصف الكرة الشمالي، ويماثل فترة عيد العنصرة في نصف الكرة الجنوبي. في كل عام، يُطلب من الشركاء المسكونيين في منطقة مختلفة إعداد المواد والصلوات والتأملات لأسبوع الصلاة من أجل الوحدة ((WCC, World Council of Churches, Week of Prayer for Christian Unity )). في هذا العام، ٢٠٢٥، يتم الإعداد من قبل الجماعة الرهبانية في دير بوزي المسكوني في شمال إيطاليا. وقد اختار رهبان بوزي النص الكتابي التوجيهي لأسبوع الصلاة من إنجيل يوحنا، الإصحاح ١١، الآيات من ١٧ إلى ٢٧، والتي تروي الحوار بين يسوع ومرثا عندما زار المسيح بيت مريم ومرثا في بيت عنيا بعد وفاة أخيهما لعازر ((فلما أتى يسوع وجد أنه قد صار له أربعة أيام في القبر. وكانت بيت عنيا قريبة من أورشليم نحو خمس عشرة غلوة. وكان كثيرون من اليهود قد جاءوا إلى مرثا ومريم ليعزوهما عن أخيهما. فلما سمعت مرثا أن يسوع آت لاقته، وأما مريم فاستمرت جالسة في البيت. فقالت مرثا ليسوع: «يا سيد، لو كنت ههنا لم يمت أخي! لكني الآن أيضا أعلم أن كل ما تطلب من الله يعطيك الله إياه». قال لها يسوع: «سيقوم أخوك». قالت له مرثا: «أنا أعلم أنه سيقوم في القيامة، في اليوم الأخير». قال لها يسوع: «أنا هو القيامة والحياة. من آمن بي ولو مات فسيحيا، وكل من كان حيا وآمن بي فلن يموت إلى الأبد. أتؤمنين بهذا؟» قالت له: «نعم يا سيد. أنا قد آمنت أنك أنت المسيح ابن الله، الآتي إلى العالم». (إنجيل يوحنا ١١: ١٧-٢٧) ))، ويأخذ موضوع الأسبوع الجملة المحوريّة: أتؤمن بهذا؟ ((إنجيل يوحنا ١١: ٢٦ )) التي قالها يسوع لمرثا، لكن بأبعادٍ جديدة. أيضًا يصادف العام ٢٠٢٥، الذكرى السنوية الـ ١٧٠٠ للمجمع المسكوني المسيحي الأول، الذي انعقد في نيقية، بالقرب من القسطنطينية في عام ٣٢٥ م. ويوفر هذا الاحتفال فرصة فريدة للتأمل في الإيمان المشترك للمسيحيين، كما هو منصوص عليه في قانون الإيمان النيقاوي، الذي تؤمن به كافة الكنائس المسيحية ((كتاب الصلوات القبطي على الإنترنت، قانون الإيمان المقدس الأرثوذكسي. نسخة من موقع سانت تكلا هيمانوت. )). إن أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيين لهذا العام يقدم دعوة للاستفادة من التراث المشترك، والتعمق أكثر في الإيمان الذي يوحد الجميع. يتضمن الأسبوع خدمة صلاة افتتاحية مسكونية، وتأملات كتابية، وصلوات لمدة ثماني أيام، وعناصر أخرى للعبادة. ((WCC, World Council of Churches, Week of Prayer for Christian Unity )) (مجلس الكنائس العالمي، أسبوع الصلاة من أجل الوحدة المسيحية) في اختتام أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيين، ترأس قداسة البابا فرنسيس، بابا الڤاتيكان، مساء السبت، صلاة الغروب في بازيليك القديس بولس خارج الأسوار في روما القديمة. تخلل الاحتفال عظة للأب الأقدس، استهلها بالقول: وصل يسوع إلى بيت صديقتيه، مرثا ومريم، عندما كان أخوهما لعازر قد مات منذ أربع أيام. كان يبدو أن كل أمل قد ضاع، لدرجة أن كلمات مرثا الأولى تعبر عن ألمها مع الندم لأن يسوع تأخر في الوصول: يا ربّ، لَو كُنتَ ههنا لَما ماتَ أَخي ((يا ربّ، لَو كُنتَ ههنا لَما ماتَ أَخي (إنجيل يوحنا ١١: ٢١. الترجمة اليسوعية) )). ولكن في الوقت عينه، يُشعل وصول يسوع في قلب مرثا؛ نور الرجاء، ويقودها إلى إعلان إيمان: ولكِنِّي ما زِلتُ أَعلَمُ أَنَّ كُلَّ ما تَسأَلُ الله، فاللهُ يُعطيكَ إِيَّاه ((ولكِنِّي ما زِلتُ أَعلَمُ أَنَّ كُلَّ ما تَسأَلُ الله، فاللهُ يُعطيكَ إِيَّاه (إنجيل يوحنا ١١: ٢٢. الترجمة اليسوعية) )). ويسوع في الواقع يعلن لها القيامة من الموت ليس فقط كحدث سيتمُّ في نهاية الأزمنة، بل كشيء يحدث في الحاضر، لأنه هو نفسه القيامة والحياة. ومن ثم يوجه إليها سؤالًا: أَتُؤمِنينَ بِهذا؟ ((أَتُؤمِنينَ بِهذا؟ (إنجيل يوحنا ١١: ٢٦) )). لنتوقف عند هذا السؤال: أَتُؤمِنينَ بِهذا؟ إنه سؤال قصير، لكنه مُلزِم. (البابا فرنسيس، ختام أسبوع الصلاة من أجل الوحدة) وتابع البابا فرانسيس شارحًا إن هذا المقطع الإنجيلي يشكّل موضوع أسبوع الصلاة لهذا العام، ويعلمنا أنه حتى في أوقات اليأس العميق، نحن لسنا وحدنا ويمكننا أن نستمر في الرجاء. لأن يسوع يمنح الحياة، حتى عندما يبدو أن كل رجاء قد تلاشى. بعد خسارة مؤلمة، مرض، خيبة أمل مريرة، خيانة تعرضنا لها، أو خبرات صعبة أخرى، قد يتزعزع الرجاء؛ ولكن إذا كان كل واحد قد عاش لحظات من اليأس أو التقى بأشخاص فقدوا الرجاء، فإن الإنجيل يقول لنا إنّه مع يسوع، يولد الرجاء مجدّدًا على الدوام، لأنه من رماد الموت، هو يُنهضنا على الدوام، ويمنحنا القوة لكي نستأنف المسيرة ونبدأ من جديد. أيها الإخوة والأخوات، هذا أمر مهم أيضًا لحياة الجماعات المسيحية، وكنائسنا، وعلاقاتنا المسكونية. أحيانًا نغرق في التعب، ونشعر بالإحباط من نتائج التزامنا، ويبدو لنا أيضًا أن الحوار والتعاون بيننا هما بلا رجاء، وكأنهما محكومان بالموت، وهذا كله يجعلنا نختبر القلق عينه الذي اختبرته مرثا؛ لكن الرب يأتي. فهل نؤمن بهذا؟ هل نؤمن أنه هو القيامة والحياة؟ وأنه يجمع جهودنا ويمنحنا دائمًا النعمة لكي نستأنف المسيرة معًا؟ (البابا فرنسيس، ختام أسبوع الصلاة من أجل الوحدة) وتابع الأب الأقدس القول: إنَّ رسالة الرجاء هذه هي محور اليوبيل الذي بدأناه. لقد كان الرسول بولس، الذي نحتفل اليوم بذكرى تحوّله إلى المسيح، يقول لمسيحيي روما: إنَّ الرَّجاءَ لا يُخَيِّبُ صاحِبَه،َ لأَنَّ مَحَبَّةَ اللّه أُفيضَت في قُلوبِنا بِالرُّوحَ القُدُسِ الَّذي وُهِبَ لَنا. ((إنَّ الرَّجاءَ لا يُخَيِّبُ صاحِبَه،َ لأَنَّ مَحَبَّةَ اللّه أُفيضَت في قُلوبِنا بِالرُّوحَ القُدُسِ الَّذي وُهِبَ لَنا. (رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية ٥: ٥. الترجمة اليسوعية) )) جميعنا قد نلنا الروح نفسه، وهذا هو أساس مسيرتنا المسكونية. وسنة "يوبيل الرجاء" هذه، التي تحتفل بها الكنيسة الكاثوليكية، تتزامن مع ذكرى ذات أهمية كبيرة لجميع المسيحيين: ذكرى مرور ١٧٠٠ عام على أول مجمع مسكوني كبير؛ مجمع نيقية. لقد التزم هذا المجمع بالحفاظ على وحدة الكنيسة في مرحلة صعبة جدًا، وأقرّ الآباء المجتمعون بالإجماع قانون الإيمان الذي ما زال العديد من المسيحيين يتلونه كل يوم أحد خلال القداس الإلهي. إنها صيغة إيمان مشتركة تتجاوز كل الانقسامات التي جرحت جسد المسيح عبر القرون. لذلك، فإن ذكرى مجمع نيقية تمثل سنة نعمة وفرصة لجميع المسيحيين الذين يتلون قانون الإيمان نفسه ويؤمنون بالإله عينه: لنُعِد اكتشاف جذور الإيمان المشتركة، ولنحافظ على الوحدة! (البابا فرنسيس، ختام أسبوع الصلاة من أجل الوحدة) وأضاف بابا الڤاتيكان قائلًا: أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، هذا الإيمان الذي نتشاركه هو عطية ثمينة، ولكنه أيضًا تحدٍ. والذكرى، في الواقع، لا يجب أن نحتفل بها كـ "ذاكرة تاريخية" وحسب، وإنما أيضًا كالتزام بالشهادة للشَرِكة المتنامية بيننا. علينا أن نحرص على ألا نضيِّع هذه الفرصة، وأن نبني روابط ثابتة، ونعزز الصداقة المتبادلة، ونكون ناسجي شَرِكة وأخوَّة. في هذا الأسبوع المخصص للصلاة من أجل وحدة المسيحيين، يمكننا أن نعيش ذكرى مجمع نيقية كدعوة للمثابرة في المسيرة نحو الوحدة. وقد شاءت العناية الإلهية أن يتزامن الاحتفال بعيد القيامة هذا العام في اليوم عينه بحسب التقويمين الغريغوري واليولياني، خلال هذه الذكرى المسكونية تحديدًا. وبالتالي، أجدد ندائي بأن تُستخدم هذه المصادفة كدعوة لجميع المسيحيين لاتخاذ خطوة حاسمة نحو الوحدة، حول تاريخ مشترك لعيد القيامة. والكنيسة الكاثوليكية على استعداد لقبول التاريخ الذي يريده الجميع تاريخًا للوحدة. (البابا فرنسيس، ختام أسبوع الصلاة من أجل الوحدة) ثم أعرب الأب الأقدس عن امتنانه للميتروبوليت؛ بوليكاربوس، ممثل البطريركية المسكوني، ولرئيس الأساقفة؛ إيان إرنست، ممثل الشَرِكة الإنچليكانية، وللممثلين عن الكنائس الأخرى المشاركين في ذبيحة التسبيح المسائية هذه. إن الصلاة المشتركة هي أمر مهم، وحضوركم هنا هذا المساء هو مصدر فرح. كما أُحيي الطلاب الذين تعضدهم اللجنة الكاثوليكية للتعاون الثقافي مع الكنائس الأرثوذكسية والكنائس الأرثوذكسية الشرقية التابعة لدائرة تعزيز وحدة المسيحيين، والمشاركين في زيارة الدراسة لمعهد بوزي المسكوني التابع لمجلس الكنائس العالمي، والمجموعات المسكونية والحجاج الآخرين الذين أتوا إلى روما لهذا الاحتفال. ليجد كل واحد منا، على مثال القديس بولس، رجاءه في ابن الله المتجسد، وليقدمه للآخرين، حيثما تلاشى الرجاء، وفُقدت الأرواح، أو تغلبت الشدائد على القلوب. إن الرجاء ممكن دائمًا في يسوع. فهو يعضد أيضًا رجاء مسيرتنا المشتركة نحوه. ويعود مرة أخرى السؤال عينه الذي طُرح على مرثا ويُوجّه إلينا في هذه الليلة: أَتُؤمِنينَ بِهذا؟ ((إنجيل يوحنا ١١: ٢٦ )). هل نؤمن بالشَرِكة بيننا؟ (البابا فرنسيس، ختام أسبوع الصلاة من أجل الوحدة) وختم البابا فرنسيس عظته بالقول: أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، هذا هو الوقت لكي نؤكِّد إيماننا المشترك بالله الواحد، ولكي نجد درب الوحدة في المسيح يسوع. وبينما ننتظر مجيء الرب في المجد ليدين الأحياء والأموات، لا نتعبنَّ أبدًا من الشهادة، أمام جميع الشعوب، لابن الله الوحيد، مصدر كل رجائنا ((Christopher Wells، Pope: Jesus sustains our hope as we journey toward Him in unity، Vatican News )). --- ### غاية المسيحية - Published: ۲۰۲۵-۰۱-۲٦ - Modified: 2025-02-02 - URL: https://tabcm.net/35074/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: Solus Christus, آدم, القداس الغريغوري, الكنيسة القبطية, حواء, قديس بولس الرسول يا رب، قد اختبرتني وعرفتني. أنت عرفت جلوسي وقيامي. فهمت فكري من بعيد.  من خلف ومن قدام حاصرتني، وجعلت عليّ يدك. أين أذهب من روحك؟ ومن وجهك أين أهرب؟ إن صعدت إلى السماوات فأنت هناك، وإن فرشت في الهاوية فها أنت. (مزمور ١٣٩) غاية الدين الوصول إلى الله، أما المسيحية فهي تبدأ من الله وتنتهي إليه. مقولة تحتاج إلى توضيح أكثر، وهي أيضًا في صميم سلسلة ملكوت الله... سيمتد. سأبدأ حديثي اليوم بسؤال يقودنا إلى صلب مسيحيتنا: ما هو هدف الإنسان في الحياة وما هي غاية وجوده؟ إذ كانت الإجابة أن نسعى في الأرض لكي نصل إلى الله أو أن حياة الإنسان على الأرض هي غاية وجوده، فلا فرق إذن بين الإنسان في المسيح والإنسان بدون المسيح، لأن الكتاب يقول: إن كان لنا في هذه الحياة فقط رجاء في المسيح، فإننا أشقى جميع الناس ((رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس ١٥: ١٩ )). إذن فنحن نعبث إن نمارس دينًا.  أيضًا إذا عشت بإدراك أن هذه الحياة هي غاية وجودي، حينئذ لا فرق بين الإنسان والحيوان، لأن هذا يقودنا إلى المبدأ القائل: نأكل ونشرب لأن غدًا نموت. وبذلك نكون قد فقدنا الهدف الذي لأجله خلق الله آدم منذ البداية، كما تعلمنا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في صلواتها ((لُبش آدم 2 على ثيؤطوكيّة يوم الإثنين: احفظني يا رب، لأني عليك توكلت. )) إذ نقول: وخلق آدم في اليوم السادس على صورته وستره بالبهاء، ونفسًا وعقلًا ولسانًا ينطق ويعرف كل شيء حقًا وظلمًا، وجعله كاهنًا وملكًا ونبيًا، وسلّطه على كل المسكونة. (ثيؤطوكيّة الإثنين، لُبش آدم 2) يقول الكتاب المقدس في خلق آدم وحواء: «وباركهم الله وقال لهم: أثمروا واكثروا واملأوا الأرض وأخضعوها وتسلطوا على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى كل حيوان يدب على الأرض ((سفر التكوين ١: ٢٨ )). الله خلق الإنسان على صورته ليكون الإنسان شاهدًا بذاته لوجود ذات الله، بمعنى لكي يحقق الإنسان وجوده ويحيا في الغرض الذي خُلق لأجله، لابد أن يحيا في انسجامٍ وشركةٍ مع الله للغرض الذي من أجله خُلق، وبالتالي في انسجامٍ مع نفسه. وعندما سقط آدم وأدرك أن سترة البهاء الإلهي الذي كان مستورًا به قد نُزعت منه، نتيجةً حتمية للسقوط وهي انفصاله عن الشركة الحميمة مع الله، وجد نفسه عاريًا وأدرك عريه.  ونتيجةً لفقدانه سلطان الملك والكاهن والنبي على الخليقة، أصبح مختبئًا. وللأسف، ممن اختبأت يا آدم؟ وممن نختبئ نحن وقت سقوطنا في الخطية؟ هل من الله؟! كما فكر يونان أن يختبئ من الله إله البر والبحر، فأهداه ذهنه الساقط أن يختبئ في البحر؟ هكذا أنا وأنت عزيزي القارئ، من ممن نختبئ وأين نختبئ وقت سقوطنا؟ إنه من الغباء أن نفكر أن نختبئ ممن يقول عنه الكتاب في مزمور ١٣٩ ((سفر المزامير، مزمور ١٣٩: ١-٢، ٥، ٧-٨ )): يا رب، قد اختبرتني وعرفتني. أنت عرفت جلوسي وقيامي. فهمت فكري من بعيد.  من خلف ومن قدام حاصرتني، وجعلت عليّ يدك. أين أذهب من روحك؟ ومن وجهك أين أهرب؟ إن صعدت إلى السماوات فأنت هناك، وإن فرشت في الهاوية فها أنت. (مزمور ١٣٩: ١-٢، ٥، ٧-٨) لٰكن لنا إله يفوق كل تصور بشري، ففي الوقت الذي اختبأ فيه آدم وحواء من وجه الرب، جاء أول سؤال في الكتاب المقدس بأكمله، وليس اعتباطًا أن يكون هو السؤال الأول في الكتاب المقدس على الإطلاق، وهو: فنادى الرب الإله آدم وقال له: «أين أنت؟» ((سفر التكوين ٣: ٩ )). إذًن، الله دائم البحث عن الإنسان، بل الله هو المبادر دائمًا وأبدًا في البحث عن الإنسان، كما نصلي في القداس الغريغوري ((القداس الغريغوري، صلاة القسمة للابن )). الذي من أجل الصلاح وحده، مما لم يكن، كوّنت الإنسان وجعلته في فردوس النعيم. وعندما سقط بغواية العدو ومخالفة وصيتك المقدسة، وأردت أن تجدده وترده إلى رتبته الأولى، لا ملاك ولا رئيس ملائكة ولا رئيس آباء ولا نبيّ ائتمنته على خلاصنا، بل أنت، بغير استحالة، تجسدت وتأنست وشابهتنا في كل شيء ما خلا الخطيئة وحدها. (القداس الغريغوري، صلاة القسمة للابن) فالله إذن هو المبادر، وهو الغاية. لذلك فمن المسيح وحده الذي هو صورة الله غير المنظور نستمد سر خلقتنا في الله وغايتنا منه، لأنه هو نموذج الإنسان الأعلى، إذ هو الأول والآخر أي التعبير الكامل عن حياة الله في الإنسان. وهو البداية والنهاية، أي القوة الخالقة التي تحرِّكنا نحو الله وتنتهي بنا إلى الله. والمسيح هو الألف والياء، أي النموذج الإلهي المُعلن الذي ليس قبله ولا بعده شيء. الكامل بذاته كما يقول الكتاب:فإنه فيه خُلِقَ الكل: ما في السماوات وما على الأرض، ما يُرى وما لا يُرى، سواء كان عروشًا أم سيادات أم رياسات أم سلاطين. الكل به وله قد خُلِق ((رسالة بولس الرسول إلى أهل كولوسي١: ١٦ )). لذلك، إذا كنت لا تزال تعتقد، عزيزي القارئ، أنك تفعل أشياء لكي تصل إلى الله، فإنك لا تزال تمارس الدين، وليس المسيحية. وحينئذ تحتاج إلى إعادة فحص إيمانك، وأدعوك أن تقرأ الكتاب المقدس كمسيحي وليس كيهودي. وأيضًا أدعوك أن تتصفح كتابك المقدس من منظور الله وليس من منظورك الشخصي! ! وأعط الكلمة المقدسة المساحة لكي تجدد ذهنك وليس العكس. وهذا رجائي ألا تعمل إسقاطًا لما في ذهنك على كلمة الله، وتتبع وصية الرب نفسه حينما قال: انظر كيف تقرأ! ! فقال له: «ما هو مكتوب في الناموس. كيف تقرأ؟» ((إنجيل لوقا ١٠: ٢٦ )). --- ### الهضيبي مرشدا - Published: ۲۰۲۵-۰۱-۲۵ - Modified: 2025-01-25 - URL: https://tabcm.net/32603/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أحمد حسن الباقوري, الإخوان المسلمين, الضباط الأحرار, ثروت عكاشة, جمال مصطفى سالم, حسن أحمد عبد الرحمن محمد البنا, حسن إبراهيم, حسن إسماعيل الهضيبي, خالد محيي الدين, رئيس جمال عبد الناصر, رئيس محمد أنور السادات, رئيس محمد نجيب, رالف ستيفنسون, زكريا محيي الدين, صالح العشماوي, عبد الحكيم عامر, عبد الحكيم عدوي عابدين, عبد الرحمن علي فراج السندي, عبد اللطيف محمود البغدادي, عبد المنعم عبد الرؤوف بسيم أبو الفضل, علي صبري, كمال الدين حسين, محمد المأمون الهضيبي, محمد حسن العشماوي, محمد عبد اللطيف دراز, مصطفى النحاس, ملك فؤاد, ملك فاروق, يوسف منصور يوسف صديق هذا أول لقاء بيني وبينكم، ويسعدني أن أوصيكم أيها الإخوان بتقوى الله وطاعته، والإقبال على الله وترتيل القرآن الكريم، وأن تستعدوا في هذه الظروف التي تمر ببلادنا، والله معنا ينصرنا ويوفقنا (حسن الهضيبي، 23 أكتوبر 1951) الجماعة... قرار حظرها حاضر عند كل صاحب سلطة من دون أن يسلم خاطره من أغراء استخدامها. (السفير البريطاني رالف ستيفنسون) بعد خروج الإخوان من السجون اثر الصفقة الناجحة من النحاس، حاولوا لم شتات الماضي مرة أخرى من جديد، والبحث عن قائد ومرشد جديد للمرحلة القادمة، في نفس الوقت الذي أثارت هذه الأغلبية الكاسحة للوفد الرعب في نفس فاروق، والذي كان عداؤه الشديد للوفد أمرًا لا يقوى على إخفائه، فجمع مجلس البلاط الذي كان يستشيره في أموره الخاصة حين تشتد به الأزمات. كان مجلس بلاطه مكونًا من ناظر الخاصة الملكية محمد نجيب سالم باشا، ومحمد العشماوي باشا وزير المعارف الأسبق وهو معلم فاروق الذي أشرف على تعليمه حين كان يتلقاه في مدارس لندن وجامعاتها، أما الثالث فهو رجل الدين البارز محمد عبد اللطيف دراز وكان وكيلًا للأزهر، كما كان قطبًا من أقطاب الحزب السعدي المناوئ لحزب الوفد، وصارحهم فاروق بمخاوفه من شعبية الوفد، فاقترح عليه محمد عبد اللطيف دراز والعشماوي ونجيب سالم أن يعيد الإخوان المسلمين إلى الساحة ليحدث التوازن المطلوب مع الوفد (هذا الحل الذي أستخدمه عبد الناصر ضد معارضيه، وأستخدمه السادات ضد الناصريين وأستخدمه مبارك ضد المعارضة). اندهش فاروق لدى سماعه اقتراح مجلس البلاط بإعادة الإخوان والسماح لهم بالعمل، فقد استبعد فاروق أن يؤأزره الإخوان في موقفه ضد حزب الوفد، ولكن مجلس بلاطه أكد له أن جماعة الإخوان جماعة انتهازية تسعى وراء مصالحها ومصلحتها مع الملك، فإذا نجحوا في تعيين مرشد جديد للإخوان المسلمين يدين بالولاء للملك، فإنهم يكونون بذلك قد نجحوا في استيعاب الإخوان المسلمين والاتجاه بحركتهم إلى صف الملك، وانبرى الشيخ عبد اللطيف دراز وكيل الأزهر ومستشار الملك قائلًا إنه لديه المرشد الذي يدين لجلالة الملك بالولاء الشديد، وحين سأله عن اسم المرشح لزعامة الإخوان قال له دراز إنه الشيخ أحمد حسن الباقوري. كان الباقوري زوج ابنة عبد اللطيف دراز وهو وكيل المرشد العام السابق المرحوم حسن البنا، أي أنه يقف بإحدى قدميه في الإخوان المسلمين وبالأخرى في البلاط الملكي، وبالرغم من أن الباقوري كان وكيلًا للبنا لكنه لم يكن يعلم شيئًا عن الأمور الخاصة للتنظيم، وأهمها الجهاز الخاص والذي تكمن فيه القوة الحقيقية للإخوان المسلمين فلم يكن للباقوري أي علم بما يدور فيها، ومن هنا كان الشيخ الباقوري شديد النقمة على المرشد العام حسن البنا، لأنه أخفى عنه جبل الثلج الذي لم يكن الباقوري يرى منه غير قمته الطافية فوق السطح فقط، أما قاعدته الكبيرة التي يرتكز عليها في قاع المحيط، فلم يكن البنا يسمح لأحد غيره بالاقتراب منها والاطلاع عليها. وحين اكتشف الباقوري وجود هذا التنظيم الخاص وأدرك حجم قوته، استشاط غضبًا من حسن البنا، حين استشعر أن البنا كان يستغله أو لا يمنحه الثقة التي كان يرى أنه جدير بها كوكيل له، وكان الشيخ عبد اللطيف دراز ولا شك يعلم بالمشاعر غير الودية التي كان يكنها الشيخ الباقوري لحسن البنا نتيجة لذلك، ومن هنا كان يرى أن اختياره للباقوري ليحل محل البنا في زعامة الإخوان هو الاختيار الموفق، الذي يضمن به تحويل الإخوان المسلمين إلى جماعة مؤيدة ومستأنسة، على خلاف ما كانت عليه في عهد زعيمها السابق حسن البنا. ولم يكن الباقوري من القيادات الإخوانية التي شملتها عملية الاعتقال الأخيرة، وحين استدعاه الشيخ دراز ليعرض عليه زعامة الإخوان، طلب الباقوري مهلة من الوقت يستكشف خلالها رأى مكتب الإرشاد في أمر ترشيحه مرشدًا للإخوان، وكان مكتب الإرشاد مكونًا من عدد من أقطاب الإخوان منهم الشيخ الغزالي، وعبد الرحمن البنا شقيق حسن البنا، وصالح عشماوي، وكان هؤلاء الثلاثة أبرز الأعضاء في مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين، وكانوا جميعهم معتقلين في معتقل الهايكستب شرق القاهرة، وحين ذهب إليهم الباقوري ليسألهم رأيهم في تعيينه مرشدًا عامًا للإخوان، خاصة أنه وكيل المرشد العام، قال له الغزالي إننا لا نستطيع أن نأكل عيش السراي (نوع من الحلويات الفاخرة)، وقد قالها الغزالي كناية عن علاقة الباقوري بالسراي أو الملك فاروق. وقد فهم الباقوري ما كان يرمي إليه الشيخ الغزالي من وراء عبارته، وأيقن أنه لا قبل له بمعاداة مكتب الإرشاد حتى لا يفقدهم، خاصة أنه فاقد فعلًا لرجال التنظيم الخاص الذي لا يعلم عنهم شيئًا، لهذا رأى الباقوري أنه ليس من مصلحته أن يفعل شيئًا ينتقل به إلى صفوف الأعداء في مواجهة الإخوان المسلمين، فذهب إلى الشيخ دراز ليقول له إنه لا يستطيع أن يرأس الإخوان على غير رغبة من رجال مكتب الإرشاد، ولكنه قدم بدلًا منه رجلًا آخر ليقوم بهذه المهمة وهو لا يقل عنى ولاء لجلالة الملك كما قال الباقوري وكان يقصد المستشار حسن الهضيبي. لم يكن الهضيبي عضوًا في جماعة الإخوان حتى ذلك الوقت، وإنما كانت تربطه علاقة طيبة بمرشدها العام المرحوم حسن البنا، وكان مأمون الهضيبي ابن حسن الهضيبي متزوجًا بابنة محمد نجيب باشا سالم ناظر الخاصة الملكية، أي إن لهم قدمًا في البلاط الملكي، وتبقى الأخرى طليقة انتظارًا لوضعها على أرض الإخوان المسلمين. حين سمع محمد نجيب باشا سالم بترشيح الباقوري للمستشار حسن الهضيبي ليكون مرشدًا عامًا للإخوان المسلمين، قال نجيب باشا إن الهضيبي ليس مواليًا فقط للملك فاروق، بل كان مواليًا أيضًا لأبيه الملك فؤاد الذي يدين له الهضيبي بتعيينه قاضيًا بعد أن كان محاميًا، وبعد أن حكى نجيب باشا ناظر الخاصة الملكية هذه القصة عن صهره حسن الهضيبي، استحسن الملك فاروق الاقتراح بترشيحه زعيمًا جديدًا للإخوان المسلمين، ورأى أنه الشخص المناسب الذي يمكن أن يقود قاطرة الإخوان ليقف بها في محطة القصر الملكي. وبعد أن لقى المستشار حسن الهضيبي الموافقة الملكية المطلوبة، تكفل الشيخ أحمد حسن الباقوري بترويجه في سوق الإخوان المسلمين غير المعتقلين، فكان الباقوري يأتي إلى الإخوان المسلمين من كبار السن، فيقول لهم إن حوادث القتل والإرهاب أحدثت فزعًا في نفوس المواطنين وأوجدت الخوف والرعب لدى الناس من الإخوان المسلمين وأصبح لزامًا علينا الآن أن نختار قيادة مسالمة ذكية وقورة، إلى آخر الصفات التي يمكن أن تنطبق على حسن الهضيبي الذي كان الباقوري يطرح اسمه بعد أن يجد الموافقة لدى هؤلاء على فكرته، أما آباء المعتقلين من شباب الإخوان فكان الباقوري يأتي إليهم ويقول لهم إن أبنائهم لن يخرجوا من معتقلات الحكومة إلا إذا جاء المستشار حسن الهضيبي زعيماً للإخوان، فهو على علاقة طيبة بالملك والقصر، وهو إلى ذلك على علاقة طيبة بالإخوان، ولهذا فهو الوحيد الذي يمكنه عقد المصالحة بين الحكومة والإخوان، والتي في إطارها يمكن أن تفرج الحكومة عن المعتقلين في السجون من شباب الإخوان. استطاع الباقوري وفقًا لهذا المنطق التصالحي والمصلحي، أن يحصل على موافقة أولئك الآباء الذين كان يضنيهم كثيرًا وجود أبنائهم في المعتقلات انتظارًا للمصير المجهول، كذلك طرح الباقوري في إطار خطته لترويج المستشار حسن الهضيبي في أوساط الإخوان فكرة أن وجود رجل قانون مثل المستشار حسن الهضيبي على رأس الإخوان المسلمين سوف يكون عاملًا مهمًا في إزاحة ما علق في أذهان الناس من وصف الإخوان بالإرهاب والخروج على القانون، بعد أن أصبح زعيمهم ومفكرهم وقائدهم ورجل قانون مستشارًا في الهيئة القضائية، وأخيرًا، نجح الباقوري في إقناع غالبية الإخوان الذين كانوا قد عانوا الكثير في المعتقلات من جراء حوادث القتل والعنف، كما عانوا من الإجراءات التعسفية التي قامت بها الحكومة حيالهم بعد تلك الحوادث، فراحت نفوسهم اليائسة والتعبة تبحث لها عن مخرج من هذه الأزمة التي طال مكوثهم فيها نتيجة للعنف والعنف المضاد بينهم وبين الحكومة. وأخيرًا وجدوا هذا المخرج لهم من أزمتهم الطاحنة في الفكرة التي كان يروج لها الشيخ الباقوري بدأب وذكاء، واستطاع الباقوري أن يعقد البيعة للمستشار الهضيبي، واجتمعت الهيئة التأسيسية للجماعة بعد ذلك في المركز العام المؤقت الذي أقامه الإخوان بمنزل صالح عشماوي بالظاهر، وأعلنت انتخاب حسن الهضيبي مرشدًا، وقام عبد الحكيم عابدين فأعلن مبايعته مرشدًا، ثم كان أول خطاب للأستاذ الهضيبي للإخوان يوم الثلاثاء 23 أكتوبر 1951 وقال فيه؛ هذا أول لقاء بيني وبينكم، ويسعدني أن أوصيكم أيها الإخوان بتقوى الله وطاعته، والإقبال على الله وترتيل القرآن الكريم، وأن تستعدوا في هذه الظروف التي تمر ببلادنا، والله معنا ينصرنا ويوفقنا (حسن الهضيبي، 23 أكتوبر 1951) أما أعضاء الجهاز الخاص وهم عصب الإخوان وقوتهم، فقد رفضوا مبايعة الهضيبي أو أي أحد غيره، والأكثر من ذلك أن عبد الرحمن السندي أكد لأعضاء جهازه الخاص أن المرشح الجديد حسن الهضيبي ما هو إلا عميل لفاروق، وقد أكد الهضيبي نفسه هذا المعنى حين قابل فاروق في قصر عابدين في 14 نوفمبر 1951 بعد حصوله على مبايعة الإخوان له وتعيينه مرشدًا عامًا، وخرج من تلك المقابلة ليصفها للصحفيين بأنها؛ مقابلة كريمة من ملك كريم ووقع في سجل التشريفات مظهرًا تأييده وطاعته لفاروق، وصحبه في ذلك لفيف من قادة الإخوان، ونشرت صحيفة الجمهورية صورة موثقة من التوقيعات. وقد نشرت جميع الصحف الصادرة في يناير 1951 هذا التصريح الذي أكد فيه الهضيبي ولاءه للملك فاروق دون مواربة أو تردد، وقد بكى كثير من أعضاء الجهاز الخاص لدى سماعهم تصريح الهضيبي الذي أثنى فيه على الملك فاروق، وقالوا؛ لقد قتل فاروق مرشدنا ليصطنع لنا مرشدًا من عنده وهكذا، اختارت الجماعة المستشار حسن الهضيبي ليصبح المرشد العام الثاني للجماعة بعد حسن البنا مما عاد بالجماعة مرة أخرى إلى أحضان القصر، وبدأت مرحلة تحالف جديدة بين فاروق والإخوان، وألغى قرار حل الجماعة وعادت إلى شرعيتها، لكنها ارتدت ثوبًا آخر يتفق مع الاتجاه الجديد، وعلق السفير البريطاني رالف ستيفنسون بمصر 1951 على عودة الجماعة لأحضان القصر قائلًا: كل ممارس للسياسة في مصر يرى في الجماعة قوة ذات جاذبية خاصة لجوانب بعينها من العقل المصري. انقلاب في الافق القريب في نهايات عام 1951 وبدايات عام 1952 بدأت خيوط اللعبة تتجه نحو مجموعة من ضباط الجيش الذين يخططون في القريب العاجل لعمل عسكري غير مسبوق بدعم أخواني، كانت فكرة إنشاء تنظيم ثوري سري في الجيش قد نضجت في صيف 1949، وتشكلت لجنة تأسيسية لهذا التنظيم السرى ضمت في بدايتها خمس أعضاء فقط، هم اليوزباشي جمال عبد الناصر، كمال الدين حسين، حسن إبراهيم، خالد محيي الدين وعبد المنعم عبد الرؤوف، ثم زيدت بعد ذلك إلى عشرة، بعد أن انضم إليها كل من أنور السادات، عبد الحكيم عامر، عبد اللطيف البغدادي، زكريا محيي الدين وجمال سالم. وظل خارج اللجنة كل من ثروت عكاشة، علي صبري ويوسف منصور صديق. وفي 26 يناير عام 1952 نشب حريق ضخم التهم معظم المحال التجارية في وسط القاهرة، وفي خلال ساعات قلائل التهمت النار نحو 700 محل وسينما وكازينو وفندق ومكتب وناد في شوارع وميادين وسط المدينة، وقد اسفر الحريق عن مقتل 26 شخصًا، وبلغ عدد المصابين بالحروق والكسور 552 شخصًا، وبدا الحريق كأنه تخطيط من فاروق لإلهاء الشعب عن غضبه ضده بسبب ضياع فلسطين، وما تردد عن دور فاروق في صفقة الأسلحة الفاسدة وبدأ فاروق يفقد سيطرته على الأمور، وبدأت خيوط اللعبة تتجمع في يد هذا التنظيم السرى الذين قد اطلقوا على انفسهم لاحقًا الضباط الأحرار، وكما قال هيكل لاحقًا أنه؛ عشية أحداث يوليو 1952، كانت السلطة ملقاة على قارعة الطريق تنتظر من يلتقطها وقد صارح عبد الناصر الإخوان المسلمين بعزمه على قيام الضباط الأحرار بالانقلاب على الملك وطلب مساعدتهم، ورغم ذلك آثرت الجماعة بقيادة الهضيبي على اللعب على الوجهتين، خشية فشل حركة الضباط الأحرار، ففي مجلة الدعوة في العدد 64 وقبيل انقلاب يوليو بحوالي شهرين ونصف، لم تفوت الجماعة فرصة عيد الجلوس الملكي لتظهر صورة فاروق على الصحفة الأولى وبجانبها كتبت المجلة: تحتفل مصر اليوم بعيد جلوس حضرة صاحب الجلالة فاروق الأول ملك مصر والسودان على عرش آبائه وأجداده، ونحن إذ نرفع إلى مقام صاحب الجلالة الملك وإلى الأسرة المالكة الكريمة أجل تهانينا، وندعو الله مخلصين أن يجيء هذا العيد الميمون في العام المقبل ووادي النيل يرفل في حلة قشيبة من حلل الحرية الحقة والاستقلال الكامل والوحدة المنشودة. (مجلة الدعوة، العدد 64) ولكن المولى تجلت حكمته لم يستجب دعاءهم، فلم يأت هذا العيد الميمون في أي عام تال، وحلت محل صور فاروق صورة محمد نجيب على عدد خاص أصدرته الدعوة عن حركة الجيش على طريقة مات الملك عاش الرئيس. --- ### الخطية الأصلية عند أوغسطين [١] - Published: ۲۰۲۵-۰۱-۲٤ - Modified: 2025-01-24 - URL: https://tabcm.net/35006/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: آدم, أنبا أنجيلوس، أسقف عام شبرا الشمالية, أنبا إيساك، الأسقف العام, أنطون جرجس, حواء, دار المشرق, سعد الله سميح جحا, قديس أوغسطينوس، أسقف هيبو, كنيسة مار جرجس، سبورتنج, مدينة الله, يوحنا الحلو عندما يتألم إنسان، رغمًا عنه بإرادة الآخرين، وذاك أيضًا بفعل الإرادة، وليس بإرادة مَن يتألم، بل بإرادة الله القدير، ولو كانت المسألة مسألة إرادة عاجزة عن التأثير، فهذا يعني أنها وجدت عائقًا أمامها في إرادة أقوى قد تكون الإرادة الشخصية لهذا الإنسان وإنْ عجز عن إتمامها، وليس عليه أن ينسبها إلى البشر، ولا إلى إرادة الملائكة، ولا إلى أرواح مخلوقة، بل إلى إرادة الله الذي وحده يُولِي الإرادات القدرة (أوغسطينوس، مدينة الله) في هذه السلسة سنتعرف على الاختلاف حول مفهوم "الخطية الجدية" ووراثة الخطية بين بعض آباء الكنيسة في الشرق والغرب. أوغسطينوس، أسقف هيبو نبدأ بالحديث عن فكر أوغسطينوس، أسقف هيبو بشمال إفريقيا، كممثِّل عن اللاهوت الغربيّ، حول وراثة الخطية الأصلية ونتائجها على الجنس البشريّ، لنرى الاختلاف العميق والشديد بين النظرة الشرقية المتفائلة والنظرة الغربية التشاؤمية لمسألة العصيان والسقوط. وسوف يتضح لنا عمق الاختلاف الشديد بين المنظومة اللاهوتية الشرقية حول قضية الإنسان وسلوكه وعصيانه وسقوطه وآثار ذلك، وبين المنظومة اللاهوتية الغربية حول نفس الصدد. وراثة وزر عقاب خطية آدم يؤكد أوغسطينوس، على عكس تعليم الآباء اللاهوتيون الشرقيون، التي سنتطرق لها فيما بعد، بأننا نحمل وزر العقاب الذي يعاني منه آدم في ذريته كلها كالتالي: ((أوغسطينوس، العظات على سفر المزامير ج5، ترجمة: سعد الله سميح جحا، دار المشرق، 2018، العظة في مزمور 122، ص 551. )) لأننا نحمل وزر العقاب الذي يعاني منه آدم في ذريته كلها. (أوغسطينوس، العظات على سفر المزامير ج5) وراثة عبء دَّين الخطية الأصلية يشير أوغسطينوس إلى أننا نرث عبء دَّين خطية آدم، فالطفل ابن يوم حامل للخطيئة الأصلية، ونحن وصلتنا الخطيئة من الخطيئة الأولى، كالتالي: ((أوغسطينوس، العظات على سفر المزامير ج5، ترجمة: سعد الله سميح جحا، دار المشرق، 2018، العظة في مزمور 103: 6، ص 98، 99. )) يخبر الكتاب أن ذاك التنين أغوى المرأة الأولى حواء فأعطاها مشورة موت، حين تسلل إلى قلبها الضعيف مثل حية، وأغواها بحيلةٍ ماكرةٍ؛ فكان ما كان مما نعرفه ويؤلمنا من جراء فعلتها وفعلتنا نحن أيضًا. والحال أن أبوينا هما أصل الجنس البشريّ كله: منهما انتقل الموت إلينا، ومنهما الخطيئة التي انتقل عبء دَّينها إلى الأبناء. يقول الكتاب: مَن يأتي بطاهرٍ من نجسٍ؟ ((سفر أيوب 14: 4 )). مَن طاهرٌ في عينيك، يا ربّ؟ لا أحد، ولا حتى طفلٌ ابن يومه. من الخطيئة الأولى، وصلتنا الخطيئة، ومن الحكم الأول بالموت وصلنا الموت وانتقل إلينا من جيلٍ إلى جيل. وتعرفون أيضًا ماذا قيل للمرأة، أو بالأحرى، للحية، عندما عاقب الله خطيئة الإنسان الأول: نسلها يسحق رأسك، وأنت ترصدين عقبه ((سفر التكوين 3: 15 )). (أوغسطينوس، العظات على سفر المزامير ج5) القدرية والجبرية عند أوغسطين يقول أوغسطينوس في سياق تعليمه عن القدرية والجبرية إن الإنسان عندما يتألم رغمًا عنه بإرادة الآخرين، فذاك أيضًا بفعل الإرادة، وليس بإرادة مَن يتألم، بل بإرادة الله القدير. لأنه لو كانت المسألة مسألة إرادة عاجزة عن التأثير، فهذا يعني أنها وجدت عائقًا أمامها في إرادة أقوى قد تكون الإرادة الشخصية لهذا الإنسان وإنْ عجز عن إتمامها، وليس عليه أن ينسبها إلى البشر، ولا إلى إرادة الملائكة، ولا إلى أرواح مخلوقة، بل إلى إرادة الله الذي وحده يُولِي الإرادات القدرة. حيث يقول التالي: ((أوغسطينوس، مدينة الله مج1، ترجمة: الخورأسقف يوحنا الحلو، دار المشرق، 2014، 5: 10، ص 237. )) وهكذا حين نقول: من الضروري أن نريد بحريتنا، نقول حقيقة لا شك فيها، علمًا أننا لا نُخضِع اختيارنا الحر إلى الضرورة التي تقضي على حريتنا. بل إرادتنا ملك لنا، وتعمل ما نعمل بإرادتنا، وما لا نعمل، لأننا نرفض عمله. وعندما يتألم إنسان، رغمًا عنه بإرادة الآخرين، وذاك أيضًا بفعل الإرادة، وليس بإرادة مَن يتألم، بل بإرادة الله القدير، ولو كانت المسألة مسألة إرادة عاجزة عن التأثير، فهذا يعني أنها وجدت عائقًا أمامها في إرادة أقوى قد تكون الإرادة الشخصية لهذا الإنسان وإنْ عجز عن إتمامها، وليس عليه أن ينسبها إلى البشر، ولا إلى إرادة الملائكة، ولا إلى أرواح مخلوقة، بل إلى إرادة الله الذي وحده يُولِي الإرادات القدرة. (أوغسطينوس، مدينة الله مج1) يؤكد أوغسطينوس على أن الله هو العلة الأولى لجميع الأشياء سواء الصالحة أو السيئة، في إطار تعليمه عن القدرية والجبرية والحتمية الإلهية، كالتالي: ((أوغسطينوس، الثالوث، ترجمة: د. أنطون جرجس، مراجعة: الأنبا أنجيلوس الأسقف العام، 2021، 3: 3: 7، ص 218. )) فأتساءل: هل هناك أية علة أخرى لكل هذه العلل والحقائق المرئية والمتغيرة سوى إرادة الله الخفية غير المتغيرة التي تستخدم كل هذا سواء الأنفس العاقلة السيئة والأجساد المائتة، وسواء هذه الأجساد التي تتنفس وتحيا بهذه الأنفس، أو الأجساد المجرَّدة من كل إحساس بواسطة هذه النفس المستقيمة كمقر لحكمته الإلهية. (أوغسطينوس، الثالوث) يرى أوغسطينوس، في سياق تعليمه عن القدرية والجبرية والحتمية الإلهية، أن الله يحرك جميع الأشياء من خلال الملائكة التي تنشر ذاتها في كل الأشياء بالحركات المخلوقة الأكثر كمالًا كالتالي: ((أوغسطينوس، الثالوث، ترجمة: د. أنطون جرجس، مراجعة: الأنبا أنجيلوس الأسقف العام، 2021، 3: 4: 9، ص 220. )) حيث إرادة الله الصانع ملائكته رياحًا وخدامه نارًا ملتهبًة ((مزمور 104: 4 ))، وحيث يملك الله وسط الأرواح المتحدة والمترابطة في سلام كامل، وتشترك في مشيئة واحدة بلهيب المحبة الروحية في موضع عالي مقدس وسريّ، أي في بيتها الخاص، أو في هيكلها الخاص، وتنشر ذاتها من هذا الموضع في كل الأشياء بالحركات المخلوقة الأكثر كمالًا وتدبيرًا، فتستخدم الجميع حسب السعادة في غايتها الروحية الثابتة أولًا ثم في غايتها المادية، سواء في الروحيات أو في الماديات، سواء في الأنفس العاقلة أو غير العاقلة، سواء في الأنفس الصالحة بنعمة الله، أو الشريرة بإرادتها الخاصة، وكما أن الأجسام الأكثر طمعًا ودونيةً محكومة بالتدبير الحسن من البشر الأكثر مهارًة وقوًة، هكذا أيضًا كل الأجسام محكومة بالروح الحي، وبالروح الحي غير العاقل، وبالروح الحي العاقل، حيث يرتكب الروح الحي العاقل الضعفات والخطايا، أما الروح الحي العاقل البار والصالح فمحكوم من الله نفسه، حيث الخليقة العالمية الجامعة والشاملة محكومة من خالقها الذي ’منه وبه وفيه خُلِقَ الكل وتأسس‘، لذلك إرادة الله هي العلة الأولى والأسمى لجميع الظهورات والحركات المادية، فلا يوجد شيء مصنوع ظاهريًا أو حسيًا إلا بسلطان وبإذن من البلاط الملكيّ السريّ وغير المرئيّ والعقليّ للحاكم الأعلى حسب العدل غير الموصوف للمكافأة والعقوبات وللنعمة والجزاء في الاتحاد اللامتناهي والصعب المنال للخليقة كلها. (أوغسطينوس، الثالوث) يؤكد أوغسطينوس، في سياق تعليم القدرية والحتمية الإلهية، على أن طريق البر الذي تسير فيه حياتنا هو الطريق الذي هيأه الله لنا، وهو يجعل ما له كأنه طريقنا نحن، فهو يمنحنا ما يريده هو، وكل ما فينا هو من الله كالتالي: ((أوغسطينوس، الطبيعة البشرية وعمل النعمة، ترجمة: الأنبا إيساك، كنيسة مار جرجس سبورتنج، 1997، الفصل 36، ص 50. )) الله يمنحنا ما يريده هو، فكل ما فينا هو من الله، أمَّا لو كانت فينا أمور لا يرضاها، وليست حسب مشيئته، فينبغي ألا نرضى بها نحن أيضًا كما قال الإنجيل: ما نسيناكولا خُنا في عهدك، لم يرتد قلبنا إلى الوراء، ولا مالت خطواتنا عن طريقك ((مزمور 44: 18؛ سفر إشعياء 63: 17 )). فالطريق الذي تسير فيه حياتنا هو طريق البر الذي هيأه الله لنا، وهو ما يجعل ما له كأنه طريقنا نحن! فالمسيح هو الذي يعطينا امتياز الإيمان به، والرجاء بأنه سيُوصِّلنا إلى كمال البرّ. (أوغسطينوس، الطبيعة البشرية وعمل النعمة) يؤكد أوغسطينوس، في سياق تعليمه عن القدرية والحتمية الإلهية، على أن جميع الأفعال التي يفعلها الملائكة سواء الأبرار أو الأشرار هي بسماح من الله كالتالي: ((أوغسطينوس، الثالوث، ترجمة: د. أنطون جرجس، مراجعة: الأنبا أنجيلوس الأسقف العام، 2022، 3: 8: 13، ص 226. )) بالتالي، يكون اعتقاد خاطئ أن الملائكة الأشرار أو حتى الملائكة الأبرار هم خالقون، ولكنهم رغم ذلك يعرفون بذور الأشياء الأكثر غموضًا بالنسبة لنا بسبب دقة إدراكهم وجسدهم، وتنشرها سريًا بالتفاعلات المناسبة للعناصر، فتزيد فرص إنتاج الأشياء وتسريع فرص نموها. ولكن لا يفعل الملائكة الأبرار هذه الأشياء إلا بسماح من الله، ولا يفعل الملائكة الأشرار هذه الأشياء بشكلٍ جائرٍ وظالمٍ، بل بسماح من الله لغاية صالحة. لأن شر الإنسان الشرير يجعل إرادته شريرة وفاسدة، ولكنه يستمد القوة لفعل ذلك بالعدل سواء لعقابه الخاص أو في حالات أخرى لمعاقبة الأشرار أو لمكافأة الأبرار. (أوغسطينوس، الثالوث) ويرى أوغسطينوس أن المسيح هو مخلصنا وخالقنا، لذا فكما خلقنا بدون مشاركة منا، هكذا يخلصنا بدون الحاجة إلى طبيعتنا غير القادرة على أن تشاركه أو تعوقه عن خلاصنا، مهما دافعت بأنها عاقلة ولها قدرات كاملة، وهذا يتسق مع تعليمه عن القدرية والجبرية كالتالي: ((أوغسطينوس، الطبيعة البشرية وعمل النعمة، ترجمة: الأنبا إيساك، كنيسة مار جرجس سبورتنج، 1997، الفصل 49، ص 68. )) إن مخلِّصنا لا يقل في شيء عن خالقنا، فكما أنه خلقنا بدون مشاركة منا، هكذا يخلصنا بدون الحاجة إلى طبيعتنا غير القادرة أن تشاركه أو تعوقه عن خلاصنا مهما دافعت بأنها عاقلة ولها قدرات كاملة وشاملة. (أوغسطينوس، الطبيعة البشرية وعمل النعمة) يتحدث أوغسطينوس أيضًا، في سياق تعليمه عن القدرية والجبرية الإلهية، عن أن كل الأعمال سواء أعمال صالحة أو أعمال شريرة للملائكة وللبشر، أو لأيّ نوع من الحيوان، تكون حسب سلطان الله المطلق كالتالي: ((أوغسطينوس، الثالوث، ترجمة: د. أنطون جرجس، مراجعة: الأنبا أنجيلوس الأسقف العام، 2022، 3: 8: 14، ص 226. )) بالتالي، كما في الحالة الروحية نفسها، لا يعرف أحد ما في أذهاننا إلا الله، لذلك يستطيع البشر الكرازة بالإنجيل كوسيلة خارجية للصلاح فقط بإخلاصٍ، بل أيضًا للشر بعلةٍ ((رسالة بولس إلى فيلبي 1: 18 ))، كذلك في خلق وإبداع الأشياء المنظورة يعمل الله في الداخل، أما الأعمال الخارجية سواء أعمال صالحة أو أعمال شريرة للملائكة أو للبشر أو حتى لأيّ نوع من الحيوان، فتكون حسب سلطان الله المطلق لتوزيع القدرات والرغبات المتعددة للأمور السعيدة، التي قد علمها الله وخصَّصها بنفسه لطبيعة هذه الأشياء، حيث خلق الله كل الأشياء في داخلها بالمثل كما يحدث في الزراعة بالنسبة للتربة. (أوغسطينوس، الثالوث) --- ### تعثر الإصلاح التواضروسي لتركة البابا شنودة - Published: ۲۰۲۵-۰۱-۲۳ - Modified: 2025-01-23 - URL: https://tabcm.net/31899/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: أنبا أنجيلوس، أسقف عام شبرا الشمالية, أنبا بيشوي، مطران دمياط وكفر الشيخ, أنبا دافيد، أسقف نيويورك ونيو إنجلاند, إشعياء المقاري, إكليروس, الأب متى المسكين, القرعة الهيكلية, المركز الثقافي القبطي, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, بابا فرنسيس، بابا الڤاتيكان, بولس السادس, چورچ حبيب بباوي, چوزيف موريس فلتس, حماة الإيمان, دير الأنبا مقار الكبير, سينوت دلوار شنودة, ڤاتيكان, كنيسة الإسكندرية بعد مرور أكثر من 12 عامًا لماذا تبدو خطوات البابا تواضروس الإصلاحية متعثرة أمام التركة الصعبة والثقيلة التي تركها سلفه البابا شنودة؟ منذ أن وقع الاختيار على الأنبا تواضروس أسقف عام البحيرة في 4 نوفمبر 2012 ليكون بابا الإسكندرية وبطريرك الكرزاة المرقسية رقم 118، أعلن بكل وضوح عن حاجة الكنيسة للمأسسة، موضحًا أنه ليس مثل البابا الراحل شنودة الثالث ولا يمتلك قدراته التي أدار بها الكنيسة طيلة 40 عامًا، واتجه البابا تواضروس لإعادة تنظيم بعض الأمور داخل الكنيسة بشكل مؤسسي، لكن بعد مرور أكثر من 12 عامًا لماذا تبدو خطوات البابا تواضروس الإصلاحية متعثرة أمام التركة الصعبة والثقيلة التي تركها سلفه البابا شنودة؟ أعتقد أن إجابة هذا السؤال سهلة وصعبة في نفس الوقت، فالسهولة تكمن في أنه يمكن لأي متابع لشؤون كنيسة الإسكندرية العريقة عن قرب أن يضع يده على مواطن الخلل ويحدد ذلك في نقاط محددة، لكن الصعوبة تكمن في أنه لا يمكن علاج هذا الخلل بسهولة، لأنه طوال عهد البابا شنودة الذي أدار فيه الكنيسة منفردًا بشخصيته القوية، تكونت حوله شبكة مصالح كبيرة استقرت مدة أكبر من 40 عامًا، وصارت مسيطرة على مفاصل مهمة في بناء الكنيسة الإداري والسلطوي، ولا يمكن تفكيك تلك الشبكة بسهولة، حتى أنه في سنوات حبريته الأخيرة التي بدأ المرض يهزم جسده فيها، لم يعد له القدرة للسيطرة عليهم أو ردعهم، وعانى من صراعاتهم ضد بعض. تلك الشبكة ناصبت البابا تواضروس العداء منذ اللحظة الأولى لاختياره، حتى يمكن العودة لتاريخ نشأة الصفحة "المهكرة" للرابطة إياها سنجد أنها تأسست في أوائل أكتوبر 2012، وهو توقيت خروج الأنبا بيشوي مطران دمياط الراحل من الترشيحات على الكرسي البابوي مرغمًا، بعدما تقدمت وثائق تمنع ترشحه وفقًا للقواعد المتواجدة بلائحة 1957 التي جرت عليها الانتخابات، وجرت الانتخابات في 29 أكتوبر من نفس العام، وبعدها في 4 نوفمبر كانت مراسم القرعة الهيكلية. بين 10 و13 مايو 2013 زار البابا تواضروس البابا فرنسيس في الفاتيكان في نفس موعد زيارة البابا شنودة 1973 للبابا بولس السادس، وكان واضحًا أن البابا تواضروس يرغب في إعادة فتح باب التواصل والحوار  اللاهوتي بين كنيستي الإسكندرية وروما، هذا الأمر لم يعجب مجموعة الأساقفة القدامى وخصوصًا الأنبا بيشوي ممثل الكنيسة في أي حوار لاهوتي طوال عهد البابا شنودة، وتعامله بتضليل مع الكنائس الأخرى باعترافه هو شخصيًا في إحدى اللقاءات، وكان يتم تجهيز مجموعة من شباب المرتلين داخل المركز الثقافي القبطي للتظاهر ضد البابا تواضروس في الكاتدرائية، وربما منع حدوث ذلك هو  مشاركة الأنبا بيشوي في وفد الأساقفة المرافق للبابا في زيارة الفاتيكان. وحينما شعرت شبكة المصالح بالتهديد من علم وتواضع الأنبا إبيفانيوس رئيس دير الأنبا مقار، الذي عينه البابا تواضروس ليكون مراقب بابوي على الحوار اللاهوتي، وكثيرًا ما انتدبه ليمثل كنيسة الإسكندرية في عديد من اللقاءات والحوارات اللاهوتية، بدأ التحريض على قتله علنًا على صفحات التواصل الاجتماعي التابعة لهم، إلى أن قُتل فعلًا، وأصبح قتل إبيفانيوس بمثابة تهديد، لمن يحاول الاقتراب من مصالح تلك الشبكة سواء بقصد أو دون قصد، والأكثر أنهم يتمادون في تهديدهم وتحريضهم بكل فجاجة على أي صوت ينشر التعليم والمعرفة. أزمة السيمنار نموذجًا الضجة التي حدثت حول سيمنار الأساقفة في نوفمبر الماضي ما هي إلا حلقة ضمن سلسلة الاغتيالات المعنوية التي تُمارس ضد كل من يعلم تعليم أكاديمي في الكنيسة، فالهجوم على دكتور جوزيف موريس فلتس ودكتور سينوت دلوار شنودة، من قبل بعض الأساقفة الذين اعتراضوا على وجودهم كمحاضرين، وكذلك من قبل لجانهم على السوشيال ميديا، هو حلقة مما يمارس حاليًا ضد القمص يوحنا نصيف بعد الهجوم عليه ووسم تعليمه بالهرطقة من حساب الأنبا ديفيد أسقف نيويورك، الذي مسح المنشور بعد انتقادات موسعة له على مواقع التواصل الاجتماعي ثم خرجت اللجان الإلكترونية تارَة يحاولون نفي أن يكون هذا هو حسابه الشخصي، وتارة يبررون ما نشره ويدعون لمحاكمة القمص يوحنا نصيف، وحتى يضفون مشروعية على ما يدعون فإنهم يأتون بمقاطع فيديو للبابا شنودة في المقابل للادعاء بأن الشخص الذي يهاجمونه يعلم تعليم خاطئ، ولا يدرون أنهم يضعون البابا شنودة نفسه في ميزان المراجعة هو الآخر لما كان يعلم به، وهل يتوافق مع إيمان الكنيسة وفكر الآباء الأوائل أم يبعد عنه؟ ما يحدث مع القمص يوحنا نصيف وقبله وقت أزمة السيمنار حدث من قبل مع الأنبا أنجيلوس أسقف عام حي شمال شبرا بالقاهرة، بعد محاضرته الهامة عن الرمزية في تفسير الكتاب المقدس، ومن قبله مع دكتور جورج حبيب بباوي والأب متى المسكين والأنبا غريغوريوس أسقف الدراسات العليا، وغيرهم من الأكاديميين والكهنة الذين تم اغتيالهم معنويًا في عهد البابا شنودة وعن طريق الأنبا بيشوي مطران دمياط مسؤول المحاكمات الكنسية. تحديات وقرارات غير مناسبة بعد عرض جانب كبير من التحديات التي تواجه الكنيسة فمن الواضح أن هناك أزمة في التعامل معها من قبل البابا تواضروس، فالبابا الذي يستطيع أن يكون في يديه سلطة مطلقة يستخدمها كما يشاء كما فعل سلفه يرفض ذلك تمامًا، بل ويغلب المحبة دائمًا في كل المواقف، وهذا أمر جيد، لكن هذا النهج تسبب في تمادي الراهب الفاسد إشعياء المقاري إلى أن قتل أسقفه الذي سامحه كثيرًا، ودائمًا ما كان يوفر له فرص جديدة، فكان جزائه القتل. لذا ربما من الأفضل أن يكون بجانب المحبة وجود شيء من الحزم والحسم والمحاسبة لمن يتجاوز، لأن هذا الصمت، يجعل المنزعجين من أسلوب تلك المجموعة أن يواجهوهم بنفس أسلوبهم، وهذا مردوده سيء على سلام الكنيسة. ورغم خطوات البابا الإصلاحية في تنظيم الكنيسة بتعديل عدة لوائح مثل لائحة المجلس الإكليريكي وتفكيك مركزيته، والعودة لبنود لائحة 1938 الخاصة بالأحوال الشخصية وتحديد أسباب الطلاق، التي ألغاها البابا شنودة في 2008 واختزل أسباب الطلاق التسعة في الزنى فقط، إلا أن هناك مشكلة وهي اختزال الكنيسة في الإكليروس، وخصوصا طائفة الرهبان التي يأتي منها الأساقفة، وكأن الكهنة المتزوجين في مرتبة أقل من الرهبان، إضافة لعدم الثقة في العلمانيين وإبعادهم عن التواجد والاستفادة من خبراتهم في المجالات المختلفة، وكل حسب تخصصه في إدارة الكنيسة، والنتيجة ينفرد الرهبان فقط بإدارة شؤون الكنيسة، ونرى الحال التي وصلنا لها الآن من تخبط وتكون شبكات مصالح وفساد تختطف الكنيسة في اتجاه خاطئ نهايته ستكون مؤلمة على الكنيسة وتهدد سلامها وبقائها. --- ### مصر والنيل: التاريخ والمصالح - Published: ۲۰۲۵-۰۱-۲۲ - Modified: 2025-02-02 - URL: https://tabcm.net/33918/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: آلان ماكراي مورهيد, أحمد زيور باشا, أدريان دانينوس, أوليفير فيتزماورس ستاك, إدموند هنري هاينمان ألنبي, إمبراطور منليك الثاني, إمبراطور هيلا سيلاسي, الحرب العالمية الثانية, العصور الوسطى, المركز القومي للترجمة, الهيئة المصرية العامة للكتاب, بطرس غالي, ثورة ١٩١٩, ثورة ٢٣ يوليو, حسن أحمد الشربيني, خديوي إسماعيل كامل, خديوي توفيق, دار الكتب والوثائق القومية, دار المعارف, ر. ب. بلاك, رمسيس الثاني, سعد زغلول, عبد الرحمن الرافعي, عبد الفتاح عبد الصمد منصور, لورد كرومر, محمد توفيق نسيم باشا, محمد عبد المؤمن عبد الغني, محمد علي باشا الكبير, ملك فؤاد, هـ. أ. هرست, هارولد ماكميلان, هوراشيو هربرت كتشنر, ونستون ليونارد سبنسر تشرشل, يوسف مرقس سميكة منذ أقدم العصور، كانت أعين حكام مصر تمتد نحو الجنوب لتأمين منابع النيل التي كانت ما تزال مجهولة في وقتهم. فنجد أن ملوك مصر القدماء كانوا في أوقات الازدهار دائمًا ما يبسطون نفوذهم على النوبة. وعبر تاريخ مصر حتى العصور الوسطى، كانت النوبة في معظم الفترات تابعة لحكام مصر، ولم يتجاوز الحكم المصري النوبة إلى ما وراءها، حيث ربوع السودان الشاسعة، إلا في فترة حكم الوالي محمد علي. فمحمد علي، في طموحه لبناء إمبراطورية عظيمة في المشرق، كان، ككل من سبقه، ينظر إلى منابع النيل كما أسلفنا، فإن حياة مصر ترتبط ارتباطًا وثيقًا بنهر النيل. لذلك، ومنذ أقدم العصور، كانت أعين حكام مصر تمتد نحو الجنوب لتأمين منابع النيل التي كانت ما تزال مجهولة في وقتهم. فنجد أن ملوك مصر القدماء كانوا في أوقات الازدهار دائمًا ما يبسطون نفوذهم على النوبة. ومعبد رمسيس الثاني الهائل بأبو سنبل في أقصى جنوب مصر شاهد على نفوذ المصريين القدماء في هذه المنطقة. وعبر تاريخ مصر حتى العصور الوسطى، كانت النوبة في معظم الفترات تابعة لحكام مصر، ولم يتجاوز الحكم المصري النوبة إلى ما وراءها، حيث ربوع السودان الشاسعة، إلا في فترة حكم الوالي محمد علي. فمحمد علي، في طموحه لبناء إمبراطورية عظيمة في المشرق، كان، ككل من سبقه، ينظر إلى منابع النيل. بدأ محمد علي في إرسال الحملات إلى السودان، أولًا للقضاء على بقايا المماليك الذين فروا إلى هناك بعد مذبحة القلعة في عام 1811، ثم لاحقًا لضم السودان إلى حكمه. ففي عام 1820، انطلقت حملة بقيادة إسماعيل كامل بن محمد علي عبر النوبة، وتمكنت الحملة بنهاية عام 1823 من إدخال النوبة وسنار وكردفان ودارفور في الحكم المصري. وأسس محمد علي مدينة الخرطوم كعاصمة جديدة للبلاد نظرًا لموقعها الاستراتيجي عند ملتقى النيلين الأزرق والأبيض. عند وصول الخديوي إسماعيل إلى الحكم، قرر استكمال فتوحات جده محمد علي، واستطاع ضم سواكن ومصوع على ساحل البحر الأحمر شرقًا، وبحر الغزال وفاشودة جنوبًا حتى الوصول إلى مشارف بحيرة فكتوريا، مؤمنًا بذلك منابع النيل الاستوائية. كما نظر أيضًا نحو هضبة الحبشة، حيث منابع النيل الأزرق، وجرد حملة كبيرة خاضت العديد من المعارك مع الإثيوبيين بين عامي 1874 و1876، إلا أنها باءت بفشل كبير ولم تستطع تحقيق أيٍّ من أهدافها ((لمعرفة المزيد عن محاولات الأوروبيين للوصول إلى منابع النيل، يمكن قراءة: آلان مورهيد، النيل الأبيض، دار المعارف. )). اعترفت بريطانيا في معاهدتها مع مصر عام 1877 بسيادة مصر على السودان وعلى ساحل البحر الأحمر الغربي كله، وإن كانت هذه السيادة في الواقع سيادة رمزية في مناطق كثيرة، نظرًا لضعف التمويل والديون التي وقعت فيها مصر في نهاية عصر إسماعيل. كما أن الخديوي، في حملاته هذه، كان يعتمد على ضباط ومستكشفين أجانب من إنجليز وفرنسيين وأمريكيين، يحملون ولاءهم لأوطانهم قبل ولائهم لمصر، مما جعلهم في أحيان كثيرة يفرطون في مهماتهم ويعملون عكس مصلحة مصر والخديوي ((لمزيد من التفاصيل عن هذه الحقبة، يمكن قراءة الكتب التالية: - عبد الرحمن الرافعي، عصر إسماعيل، دار المعارف (جزءين). - سلسلة تاريخ المصريين، كشوف مصر الإفريقية في عهد الخديوي إسماعيل، الهيئة المصرية العامة للكتاب. )). في عام 1879، أُجبر الخديوي إسماعيل على التنازل عن الحكم، وتولى ابنه توفيق باشا منصب الخديوي. وبعد سنوات قليلة، احتلت الجيوش البريطانية مصر. وهنا بدأت مرحلة جديدة في علاقة مصر بوادي النيل، مرحلة لم تكن مصر فيها تملك قرارها المستقل ((لمعرفة المزيد عن هذه الفترة يمكن قراءة: ونستون تشرشل، حرب النهر: تاريخ الثورة المهدية، الهيئة العامة للكتاب. )). الاحتلال الانجليزي جاء الاحتلال الإنجليزي لمصر في عام 1882 ليجد وضعًا مهلهلًا في السودان وحكمًا على وشك السقوط نتيجة للثورات الداخلية. وبالفعل سقطت الخرطوم في قبضة المهدي وأتباعه عام 1884 لينتهي الحكم المصري في السودان كله عدا منطقة سواكن على ساحل البحر الأحمر. على جانب آخر، عمدت بريطانيا إلى حل المشاكل العالقة بين مصر وإثيوبيا التي نتجت عن حملة إسماعيل الفاشلة. وبالفعل وقع البلدان بالاشتراك مع بريطانيا عام 1884 معاهدة سميت معاهدة أدوا أو معاهدة هيويت . أدت هذه المعاهدة إلى تسوية الخلافات الحدودية والتجارية العالقة بين البلدين وإن لم تتطرق من قريب أو بعيد إلى مياه النيل. بقي السودان في قبضة المهديين حتى قررت بريطانيا استعادة السودان بالنيابة عن مصر في عام 1896 وكان الهدف المعلن هو إعادة هذا الإقليم المتمرد لسيادة مصر. ولكن بالطبع كان الهدف الحقيقي هو مد النفوذ البريطاني إلى هذه البقعة من قلب أفريقيا وتأمين منابع النيل من أجل طموحات بريطانيا الاستعمارية في مصر والسودان. وكانت بريطانيا قد نجحت قبل تلك الحملة في بدايات العقد الأخير من القرن التاسع عشر في بسط سيطرتها على أوغندا وكينيا. استجابت حكومة مصر تحت الاحتلال لطلب بريطانيا بإعداد حملة مصرية تحت قيادة بريطانية ممثلة في هربرت كتشنر، سردار الجيش المصري لاستعادة السودان. ووفرت مصر جزءًا كبيرًا من التمويل وتكفلت بريطانيا بالباقي. وخلال ست أشهر استطاعت الحملة الاستيلاء على أم درمان عاصمة المهديين ثم استعادت الخرطوم ورفعت عليها العلمين المصري والانجليزي. وكان رفع العلمين إيذانًا ببدء عهد جديد في السودان تكون السيادة فيه اسميًا لمصر وفعليًا لبريطانيا. الحكم الثنائي للسودان بعد نهاية الحملة، فرضت بريطانيا على مصر اتفاقية 16 يناير 1899، التي وقعها من جانب بريطانيا المعتمد البريطاني اللورد كرومر ومن الجانب المصري بطرس غالي، ناظر الخارجية وقتها. حددت تلك الاتفاقية الأقاليم التي سيطلق عليها السودان، وهي كل الأقاليم جنوب خط عرض 22 درجة شمالًا. وضعت الاتفاقية نظامًا لحكم السودان يقضي بتعيين حاكم عام بريطاني للسودان تُخوَّل له جميع السلطات العسكرية والتنفيذية والتشريعية. وعُيِّن كتشنر، قائد الحملة، كأول حاكم عام. قررت الاتفاقية ألا تسري القوانين المصرية على السودان إلا بموافقة الحاكم العام. وسُمي هذا النظام بالحكم الثنائي، لكنه في الواقع كان حكمًا فرديًا لبريطانيا. ورغم وضع كل السلطات في يد بريطانيا، التزمت مصر بسد العجز في ميزانية السودان من ميزانيتها وببقاء معظم الجيش المصري بالسودان تحت قيادته البريطانية. مرفقات: تحميل نسخة ضوئية من مخطوط اتفاقية الحكم الثنائي . توطيد المصالح البريطانية عملت بريطانيا على أرض الواقع منذ بداية الحكم الثنائي على فصل السودان عن مصر. كان طريق التجارة الطبيعي لتصريف منتجات السودان هو طريق النيل شمالًا نحو مصر. فعمدت بريطانيا إلى تحويل هذا الطريق بما يمثله من ارتباط بين مصر والسودان إلى طريق البحر الأحمر وربطه بمستعمراتها في الهند. حيث اهتمت بالحصول على تمويل من الحكومة المصرية لإنشاء ميناء بورتسودان على ساحل البحر الأحمر وبناء خط حديدي يربط الخرطوم ببورتسودان. وعلى الجانب الآخر، لم تهتم بربط سكك حديد مصر التي كانت تنتهي عند أسوان بسكك حديد السودان التي تبدأ عند وادي حلفا. الخطوة الثانية لفصل السودان عن مصر كانت بتعديل الحدود الإدارية بين مصر والسودان لخلق حاجز طبيعي بين البلدين. استصدرت بريطانيا قرارين من ناظر الداخلية المصري لتعديل الحدود على أساس أنها حدود إدارية بين أقاليم مصرية. القرار الأول صدر في مارس 1899 بضم منطقة وادي حلفا للسودان، حيث أنها المركز السكاني الرئيسي في بلاد النوبة، وبضمها تصبح المنطقة من أسوان إلى الحدود الجديدة بسكانها القلائل فاصلة طبيعية بين البلدين. أما القرار الثاني الذي صدر في يوليو 1902، فكان بوضع منطقة مثلث حلايب وشلاتين تحت إدارة حكومة السودان لتسهيل إدارتها حيث أنها أقرب للخرطوم منها إلى القاهرة (كان هذا مُبرر القرار). ويمتاز المثلث بثرواته المعدنية ووفرة الأبار والأمطار. كانت الخطوة الثالثة، بعد تأمين فصل السودان عن مصر، هي تثبيت حدود السودان مع إمبراطورية إثيوبيا وتأمين تدفق مياه النيل الأزرق إلى السودان ومصر لضمان استمرار وازدهار الإنتاج الزراعي (وخاصة من المحاصيل النقدية مثل القطن) في البلدين وفقًا لخطط بريطانيا الاستعمارية في تقسيم العمل بينها وبين مستعمراتها. تم ذلك بالفعل في الاتفاقية التي وقعها إمبراطور إثيوبيا مع بريطانيا منفردة نيابة عن مصر والسودان في مايو 1902 . فيما يخص مياه النيل، نصت الاتفاقية في مادتها الثالثة على الآتي: إن جلالة الإمبراطور منليك الثاني، ملك ملوك إثيوبيا، يلزم نفسه أمام حكومة صاحب الجلالة البريطانية بألا يبني أو يسمح ببناء أي أعمال على النيل الأزرق أو بحيرة تانا أو السوباط تمنع تدفق مياهها إلى النيل، إلا بالاتفاق مع حكومة صاحب الجلالة البريطانية وحكومة السودان. (من اتفاقية ١٩٠٢ بين بريطانيا وإثيوبيا) وتعتبر هذه الاتفاقية هي الاتفاقية الوحيدة التي ورد فيها التزام من جانب إثيوبيا تجاه مياه النيل الأزرق ونهر السوباط. مرفقات: تحميل نسخة جامعة كامبريدچ من مخطوط الاتفاقية الإنجليزية الأثيوبية . سبقت تلك الاتفاقية توقيع بريطانيا على بروتوكول مع إيطاليا في روما عام 1891، حُدد فيه حدود منطقة النفوذ الإيطالية المأمولة في شرق إفريقيا ومستعمراتها في أوغندا وكينيا. كانت إيطاليا قد وضعت لها موطئ قدم في عصب على ساحل إريتريا عام 1869، واستطاعت في سنوات قليلة توسيع رقعة مستعمرتها في إريتريا لتشمل معظم مساحة إريتريا الحالية في عام 1889. وفي نفس العام، انتزعت اعترافًا من إمبراطور إثيوبيا منليك الثاني بسيادتها على إريتريا، وتم تحديد الحدود بينهما في معاهدة وتشاله. وبما أن نهر عطبرة ينبع جزء من روافده من إريتريا الإيطالية، فقد ضمنت بريطانيا نصًا في بروتوكول روما لعام 1891 بهذا الخصوص. فكان البند الثالث منه ينص على ألا تقوم إيطاليا بتشييد أي أعمال على نهر عطبرة من شأنها أن تقلل من انسيابه إلى النيل ((Edward C. Keefer, Great Britain and Ethiopia, 1897-1910: Competition for Empire, The International Journal of African Historical Studies, Vol. 6, No. 3 (1973), pp. 468-474 )). ثورة ١٩١٩ استمرت الأمور هكذا في السودان حتى انفجرت ثورة 1919 في مصر. احتفظت بريطانيا بوضع السودان كما هو في تصريح 28 فبراير عام 1922 ضمن تحفظاتها الأربعة بعد إلغاء الحماية على مصر. وعندما وُضع دستور 1923، كان نصه الأصلي يعتبر السودان جزءًا من المملكة المصرية وأن يلقب الملك بملك مصر والسودان. ولكن وقف اعتراض بريطانيا حائلًا أمام صدوره بهذه الصياغة، ورضخت حكومة توفيق نسيم للضغط البريطاني وحذفت النصين المذكورين. أجريت أول انتخابات في مصر وفقًا لدستور 1923، وتولى سعد زغلول رئاسة الوزارة وذهب إلى لندن للتفاوض حول الوضع في مصر. وكان السودان أحد العوائق الرئيسية التي وقفت حائلًا أمام الوصول إلى اتفاق بين البلدين في مفاوضات سعد زغلول مع مكميلان عام 1924. تأثرت جماعة من الطلاب والضباط السودانيين، في أعقاب ثورة 1919 في مصر، بالأحداث هناك، فكونوا في عام 1924 جماعة سميت بـاللواء الأبيض، وطالبت برحيل الإنجليز واستقلال مصر والسودان التام. وفي أغسطس 1924، وقعت مصادمات عنيفة في الخرطوم بين الجنود البريطانيين وأنصار الجماعة وطلاب المدرسة الحربية بالخرطوم. كما وقعت مصادمات أخرى في أنحاء السودان شاركت فيها القوات المصرية والموظفون المصريون في السودان. اتهمت بريطانيا حكومة سعد زغلول بتشجيع هذه الاحتجاجات، فوضعت نصب عينيها الإطاحة بسعد زغلول وإخلاء السودان من الجيش المصري وطرد الموظفين المصريين من حكومة السودان. وعقب اغتيال حاكم السودان وسردار الجيش المصري السير لي ستاك في القاهرة في 19 نوفمبر 1924، اغتنم المعتمد البريطاني اللورد ألنبي الفرصة لتنفيذ خطته، فأرسل إنذارًا لسعد زغلول يطلب فيه سحب الجيش المصري من السودان. ورفض سعد زغلول الإنذار، فقامت قوات الاحتلال باحتلال جمرك الإسكندرية لإهانة الحكومة، مما دفع سعد إلى تقديم استقالته. فقام الملك فؤاد بتكليف أحمد زيور بتشكيل وزارة جديدة، وكان أول قراراتها الموافقة على الإنذار البريطاني. وعلى هذا النحو، خرجت القوات المصرية من السودان وأصبح السودان خالصًا لبريطانيا عدا الرابطة الاسمية فقط مع مصر ((لمزيد من التفاصيل يمكن قراءة البحث الهام: د. عبد الفتاح عبد الصمد منصور، العلاقات المصرية السودانية في ظل الاتفاق الثنائي 1899-1924، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1993. )). مصر وتأمين تدفق مياه النيل منذ قديم الأزل، أقام المصريون العديد من المشاريع الهندسية على نهر النيل، وكان أشهرها تحويل فرع من مياه النيل نحو منخفض الفيوم في عهد الدولة الوسطى في مصر القديمة . وفي العصر الحديث، شهد عصر محمد علي وخلفائه بناء العديد من مشاريع الري والصرف. وكان أشهرها القناطر الخيرية التي ضمنت تنظيم الري في زمام أراضي مصر السفلى، والتي بدأ العمل بها عام 1843 لكنها لم تكتمل تمامًا إلا في عام 1861. إلا أن هذه المشاريع لم تحمِ البلاد من خطر الفيضانات العالية وما كان يشكله ذلك من تهديد مستمر بغرق القرى ودمار المزروعات. كذلك لم توفر إمكانية الزراعة المستمرة لمساحات واسعة من الأراضي التي كانت ما تزال تعتمد على ري الحياض الموسمي.  ولهذا، بدأت الحكومة المصرية بعد الاحتلال بتشجيع من بريطانيا في ثلاثة مشاريع كبيرة في عام واحد وهو عام 1898، وهي مشروع خزان أسوان ومشروع قناطر أسيوط ومشروع قناطر زفتى على فرع دمياط. انتهى العمل في هذه المشاريع في وقت متقارب بين عامي 1902 و1903، وأصبحت لدى مصر إمكانية تنظيم الري بصورة أكبر لحوالي مليون فدان في الدلتا ومثلهم في إقليم مصر العليا عبر قناطر أسيوط، وكذلك تخزين نحو مليار متر مكعب من المياه عبر خزان أسوان للاستفادة به في أوقات الفيضان المنخفض. تمت تعلية خزان أسوان بعد ذلك مرتين، مرة عام 1912 ومرة أخرى عام 1933 حتى وصلت قدرته على التخزين إلى 5 مليارات متر مكعب. كذلك قامت مصر بإنشاء قناطر أسنا عام 1908 وقناطر نجع حمادي التي اكتمل إنشاؤها عام 1930 لتحسين الري بجنوب الصعيد. ونظرًا لقدم القناطر الخيرية، تم إنشاء قناطر جديدة خلفها تحت اسم قناطر محمد علي وافتتحت عام 1939. اكتملت المنظومة بإنشاء قناطر إدفينا على فرع رشيد والتي انتهى بناؤها عام 1951 لتنظيم الري وتخزين نحو مليار متر مكعب من المياه كانت تُفقد في البحر الأبيض المتوسط من فرع رشيد. على جانب آخر، بدأت بريطانيا منذ عام 1910 في التوسع في زراعة القطن بالسودان، وخاصة فيما سُمي بمشروع الجزيرة. أثار ذلك قلق مصر من تأثيره على مياه النيل القادمة إليها، رغم التطمينات البريطانية. وتزامن مع التوسع في المشروع إنشاء خزان سنار على مجرى النيل الأزرق لري أراضي المشروع وتوليد الكهرباء، والذي اكتمل في عام 1925. وكان هذا أول مشروع كبير للري يُقام في حوض النيل خارج نطاق الإقليم المصري. تشكلت عقب أزمة اغتيال السردار، وبناءً على طلب حكومة مصر القلقة من تطورات مشروع الجزيرة، لجنة لمياه النيل لتحديد احتياجات مصر والسودان المائية. وأصدرت اللجنة تقريرها في عام 1925. وكان تقرير اللجنة هو حجر الزاوية لاتفاقية عام 1929 التي وقعتها مصر وبريطانيا. وقعت بريطانيا تلك الاتفاقية باعتبارها شريكًا لمصر في حكم السودان والدولة المستعمرة لكينيا وأوغندا وتنجانيقا ((استقلت تنجانيقا عن بريطانيا عام 1961. وأطاحت ثورة زنجبار عام 1964 بحكومة السلطان ذي الأصول العمانية العربية لمصلحة الأفارقة المحليين. اتخذت الحكومة الجديدة قرارًا في نفس العام بالاندماج مع تنجانيقا، مكونين جمهورية تنزانيا المتحدة. )). كان أهم ما ورد في تلك الاتفاقية: إنّ الحكومة المصرية شديدة الاهتمام بتعمير السودان وتوافق على زيادة الكميات التي يستخدمها السودان من مياه النيل، ولكن دون الإضرار بحقوق مصر الطبيعية والتاريخية في تلك المياه. لا يجوز إقامة أي أعمال ري أو توليد قوى أو أي إجراءات أخرى على النيل وفروعه أو على البحيرات التي ينبع منها، سواء في السودان أو في البلاد الواقعة تحت الإدارة البريطانية، دون اتفاق مسبق مع الحكومة المصرية، إذا كان من شأنها إنقاص مقدار المياه الذي يصل إلى مصر أو تعديل تاريخ وصوله أو تخفيض منسوبه على أي وجه يلحق ضررًا بمصالح مصر. إقرار تقرير لجنة المياه المشكلة عام 1925، بما يتضمن تحديد لكميات المياه المخزنة في خزان سنار على النيل الأزرق والبدء في مشروع خزان جبل الأولياء على النيل الأبيض ، وكذلك إقرار ما اقترحه التقرير من تخصيص 48 مليار متر مكعب سنويًا لمصر و4 مليار متر مكعب سنويًا للسودان. مرفقات: تحميل نسخة كاملة (37 صفحة) من مراسلات المملكة المتحدة ومصر بخصوص اتفاقية النيل . تزامن مع التفاوض حول هذه الاتفاقية دعوة إثيوبيا عام 1927 لشركة أمريكية لدراسة مشروع بناء سد لتخزين المياه في بحيرة تانا. وكان هذا المشروع من ضمن المشاريع التي تسعى بريطانيا ومصر إلى تنفيذها، وجرت بشأنه عدة مباحثات بين بريطانيا وإثيوبيا في الفترة بين عامي 1920 حتى 1924. إلا أن تكلفة المشروع كانت أكبر من قدرات إثيوبيا في ذلك الوقت، مما جعلها تدعو بريطانيا ومصر وحكومة السودان لتمويل السد في مقابل تأجير المياه الزائدة التي سيوفرها بناء السد لحكومتي مصر والسودان. وعلى مدار السنوات من 1931 حتى 1935، دعت إثيوبيا لأكثر من مؤتمر بغرض التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن هذا السد يعظم من فائدتها منه، ولكن تباعد وجهات النظر بين الأطراف حال دون ذلك. وانتهت المفاوضات عام 1935 نتيجة لتدهور الأوضاع في شرق إفريقيا ونشوب الحرب بين إيطاليا وإثيوبيا، والتي انتهت باحتلال إيطاليا لكامل الأراضي الإثيوبية وضمها لمستعمراتها. ((محمد عبد المؤمن عبد الغني، مصر والصراع حول القرن الإفريقي 1945-1981، مركز تاريخ مصر المعاصر، دار الكتب والوثائق القومية، 2011. )). جدير بالذكر أن بريطانيا وقّعت مع بلجيكا، التي كانت تحتل رواندا-أوروندي والكونغو، اتفاقًا منفصلًا عام 1934 بخصوص نهر كاجيرا الذي يصب في بحيرة فيكتوريا ويُعتبر أحد منابع النيل الاستوائية. وكانت قد وقّعت معها قبل ذلك اتفاقًا عام 1906 يحدد الحدود بين مستعمرات البلدين وينص كذلك على ألا تقوم حكومة الكونغو البلجيكي بأي أعمال على نهري السمليكي وإسانجو بما يؤثر على كمية المياه الواردة لبحيرة ألبرت. وهكذا أصبحت هناك حزمة من الاتفاقيات التي تؤمن تدفق مياه النيل من دول المنابع الاستوائية كلها دون عائق إلى أراضي مصر والسودان. أما المنابع الحبشية التي تمد مصر بنحو 85% من مياه النيل فقد كانت تحكمها اتفاقية واحدة، وهي اتفاقية 1902 السابق ذكرها. وكانت مشكلة هذه الاتفاقيات أنها كانت تميل بشكل واضح نحو مصالح بريطانيا في مصر والسودان أكثر بكثير من مصلحة دول المنابع. وهو ما سيصبح مصدرًا للتوتر في العقود اللاحقة. كل هذه المشروعات والاتفاقيات التي سبق ذكرها، سواء داخل مصر أو في السودان، وإن كانت قد تمكنت من تنظيم الري الدائم في مساحات واسعة من وادي النيل، إلا أنها لم تكفل لمصر الاستغلال الكامل لمياه النهر ولم توفر الحماية من سنوات الفيضانات العالية ولا التخزين الكافي لمواجهة سنوات الفيضان المنخفضة. لذا، صدر في عام 1946 عن مصلحة الطبيعيات في وزارة الأشغال العمومية المصرية مشروع متكامل بعنوان المحافظة على مياه النيل في المستقبل يقترح إنشاء عدد من المشروعات في السودان ودول المنابع الاستوائية، بما يكفل تخزين المياه وتقليل الهدر في منطقة السدود، ما يضمن الاستفادة من كامل موارد النهر لمصر والسودان ودول حوض النيل الأخرى ((المحافظة على مياه النيل في المستقبل، تأليف هـ. أ. هرست، المدير العام لمصلحة الطبيعات، ر. ب. بلاك، وكيل المدير العام لمصلحة الطبيعات، يوسف مرقس سميكة، مفتش المباحث المائية ومدير الهيدرولوجيا سابقًا؛ نقله إلى العربية حسن أحمد الشربيني، المهندس بتفتيش المباحث المائية، مصلحة الطبيعيات، وزارة الأشغال العمومية، مصر، 1951. متاح للقراءة في مكتبة وزارة الري وعدد آخر من المكتبات البحثية. )). وفي نفس المرحلة ظهر اقتراح آخر باستبدال هذه المشاريع بسد كبير عند أسوان يحتجز كامل مياه فيضان النيل، اقترحه المهندس المصري اليوناني الأصل أدريان دانينوس عام 1947 في مقال نشره في الدورية الخاصة بالمجمع العلمي المصري ((Ahmad Shokr, Hydropolitics, Economy, and the Aswan High Dam in Mid-Century Egypt, The Arab Studies Journal, Vol. 17, No. 1, Spring 2009, pp. 9-31 )). وتبنت الحكومة المصرية وقتها الاقتراح الأول، وهو خيار إقامة مشروعات التخزين في دول منابع النيل. لم ترغب إثيوبيا، بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وخروج البريطانيين منها ((كانت قوات الحلفاء بقيادة بريطانيا قد نجحت في تحرير إثيوبيا من الاحتلال الإيطالي في عام 1941 وعاد الإمبراطور هيلا سلاسي إلى الحكم عام 1942. عقدت بعدها بريطانيا معاهدة مع إثيوبيا تسمح ببقاء أوجادين تحت الادارة البريطانية لفترة مؤقتة انتهت عام 1948. ))، في التفاوض مجددًا حول سد بحيرة تانا، رغم مطالبات مصر بذلك. وبناءً على هذا، تفاوضت مصر مع بريطانيا مجددًا، بدءًا من عام 1948 حتى عام 1953، للاتفاق على إنشاء سد على نيل فيكتوريا عند مدينة جنجا في أوغندا، لتوليد الكهرباء وتخزين المياه في بحيرة فيكتوريا. وبالفعل، تم الاتفاق على مساهمة مصر في تمويل المشروع، مع الاتفاق على كمية تصرف المياه بما لا يضر بكميات المياه الواصلة لمصر. اكتمل بناء السد عام 1954، وأطلق عليه في البداية سد أوين، ثم تغير اسمه لاحقاً إلى نالوبالي ((نهر النيل: مشاركة في مورد نادر، عرض تاريخي وفني لإدارة المياه ولقضايا اقتصادية وقانونية، ترجمة: توفيق علي منصور، المركز القومي للترجمة، 2010. )). إلا أن قيام ثورة يوليو في مصر وتغير نظام الحكم بها، مع استمرار مشكلة السودان وسعي دول منابع النيل الاستوائية نحو الاستقلال من بريطانيا، جعل القاهرة تعيد النظر في خططها. --- ### هل يذهب الأطفال غير المعمدين إلى الجحيم؟ - Published: ۲۰۲۵-۰۱-۲۱ - Modified: 2025-01-21 - URL: https://tabcm.net/34042/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: Sola Gratia, آدم, أنبا رفائيل، أسقف وسط القاهرة, الخطيئة الأصلية, بروتستانت, بيتر لومبارد, توما الأكويني, چون كالڤن, حواء, دير الأنبا بيشوي, قديس أوغسطينوس، أسقف هيبو, مجمع خلقيدونية, مرقريوس الأنبا بيشوي, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية ولهذا السبب نفسه نُعمِّد حتى الأطفال، ولو أنهم بلا خطية، ولكن لكيما ينالوا بقية العطايا من تقديس، وبر، واختبار للتبني والميراث، حتى يشَّبوا إخوةً وأعضاءً، ويصيروا هيكلًا للروح. (يوحنا ذهبي الفم، عظات على المعمودية) بدايًة، شوف الفيديو المرفق عشان تشوف مدى التضارب! - المتنيح الأنبا بيشوي يقول: في الجحيم طبعًا بدون كلام، (تحت رأيه لون أسود) - الأب إرميا بولس يقول: في الملكوت طبعًا بدون كلام، (تحت رأيه لون أبيض) - أما  الأنبا رفائيل، فيقول كعادته كلامًا متضاربًا وحلول وسط، (تحت رأيه لون رمادي) نظريًا، الثلاثة مسيحيون، ولهم نفس الكتاب المقدس الذي كان حاسمًا في مسألة ضرورة المعمودية، وغامضًا جدًا في مسألة الأطفال، لأن في نفس الكتاب ورد أن ملكوت السموات لمثل هؤلاء ((لأن لمثل هؤلاء ملكوت السماوات. (إنجيل متى 19: 14) ))، ((لأن لمثل هؤلاء ملكوت الله. (إنجيل لوقا 18: 16) ))! نظريًا أيضًا، الثلاثة أقباط أرثوذكس. بينما لاهوتيًا، فلابد من فصل آرائهم عن بعض ونرى من أين جاؤوا بها. - الأب أرميا هو الوحيد الذي قدم رأي أرثوذكسي . - الأنبا بيشوي قدم رأي أوغسطيني . - الأنبا رفائيل قدم رأي أكويني . لكن لأن الأنبا رفائيل يحمل دكتوراه وثقافته موسوعية، فقد تطرق إلى فكر جون كالفن ، وفي هذه النقطة، فإن لاهوت چون كالڤن مبني على توسعة للأصل الأوغسطيني، لذلك لم يبتعد كثيرًا عنه. هذا لتفسير لماذا لم يكن الأنبا رفائيل حاسمًا (أبيض/أسود) مثل الآخرين. والثلاثة لا يخبرونك بأي تأصيل نظري لأفكارهم. . لا يعلمونك أن تقرأ أكثر. . لا يشجعونك على التفكير ولسان حالهم يقول لك "اخرس" ولا نريد صداعًا من أفكارك في مصائر البشر! ! كل واحد يتكلم وكأنه على القهوة ويقول "رأيه الشخصي" الذي لا يأتيه الباطل والذي لا يجوز أن تختلف معه وإلا تكون خارج الكنيسة! أوغسطينوس، أسقف هيبو: أوغسطين كان يحارب الهرطقة البيلاجية التي تقول بأن "المعمودية ليست ضرورية للخلاص"، كرد فعل، زعم أوغسطين أن الأطفال غير المعمدين الذين يموتون محكوم عليهم بالجحيم ((القديس أوغسطينوس، أسقف هيبو، عن الروح وأصلها، الفصل 11. )). إنهم لا يعانون من كل آلامها لأنهم غير مذنبين بالخطايا الشخصية، ولكنهم مذنبين بالخطيئة الأصلية. (القديس أوغسطين، عن الروح وأصلها، الفصل 11) يعني لأن المعمودية ضرورية للخلاص من وراثة خطيئة آدم، إذن فلن يدخلوا الجنة! ولو جال بخاطرك البريء أنه قال لا يعانون كل ألامها، بمعنى تخفيف العذاب، لقلت لك: لا، بل رفض أوغسطينوس صراحة فكرة وجود أي حلول وسط، قائلًا: لا يعد أحد في حالة الأطفال غير المعمدين، بين الدينونة ومملكة السماء، بمكان وسط من الراحة والسعادة. (القديس أوغسطين، عن الروح وأصلها، الفصل 11) توما الأكويني: توما الأكويني اتخذ موقفًا مختلفًا بعض الشيء (على غرار أستاذه بيتر لومبارد)، فزعم أن الأطفال الذين يموتون دون معمودية سيعانون من العذاب النفسي ولكنهم لن يختبروا العذاب الجسدي. ولماذا يا أكويني؟ قال لأنهم لم يستحقوا الجنة بسبب الخطيئة الأصلية، ولم يرتكبوا خطايا شخصية تستحق نار جهنم. وقال الأكويني إن الله سيضعهم إلى الأبد في حجرة خاصة في الجحيم تسمى limbus puerorum ((limbus puerorum: تُنطق ليمبوس بوريريوم، وتُترجم إلى "ليمبو الأطفال". ))، حيث يعيشون في سعادة طبيعية. وفقًا لتوما الأكويني، فإن الله يستبعد هؤلاء الأطفال من الرؤية السعيدة لأنهم ماتوا دون نعمة ، ولكنه لن يعاقبهم بالنار. وسوف يعيش هؤلاء الأطفال في سعادة طبيعية بحتة ولكن ليس سعادة القديسين الخارقة للطبيعة، أو التي تعاين (تنظر) مجد الله. (وهذه الجزئية الأخيرة هي مصدر الفكر الشعبي بأنهم سيذهبون إلى الجنة، ولكن عميان. ) چون كالڤن: چون كالڤن كان مثل أوغسطين في النظر للطبيعة الشريرة للإنسان، بل زايد عليه، وأنه لا إنسان بدون خطية أصلية، وخطايا شخصية، لو عاش يوم واحد على الأرض. وبناء عليه غير المعمدين سبق تعيينهم في الجحيم. وفقا لچون كالڤن، الأطفال لا يولدون من اتحاد والديهم الروحي بل من اتحادهم الجسدي، ومن هنا، سواء أكان الإنسان غير مؤمن مذنب، أم مؤمنًا بريئًا، فهو لا يلد أطفالًا أبرياء بل مذنبين، إذ هو يلدهم من طبيعة فاسدة. فالذنب هو من الطبيعة، أمَّا التقديس فهو من النعمة الخارقة للطبيعة ((چون كالڤن، أسس الدين المسيحي، تلخيص من الصفحات 236، 237. )). إذن، رأينا أن الأساقفة، سواء متطرفين أو معتدلين، هم ناقلون لأفكار غربية (لاتينية) لا علاقة لها بكنيستهم التي تصرف عليهم كي يشخطوا فيمن يسألهم! أما الكاهن المتزوج الذي ليس راهبًا، فهو وإن كان يقول كلامًا دون مصادر، إلا أنه في الواقع ليس أول من أفتى بهذا الرأي في هذه النقطة، فقد سبقه القديس يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية، من المصادر الشرقية . يوحنا فم الذهب، بطريرك القسطنطينية: التفاصيل عند يوحنا فم الذهب ثرية ومهمة، ولا ينبغي اختصارها خشية إفسادها. لكن الخلاصة العامة هي أن يوحنا فم الذهب كان يؤمن بما نسميه الآن "الطبيعة الخيّرة للإنسان"، وأن الإنسان عندما يفعل الشر (الخطايا الشخصية) لا يكون ضد الله فحسب، بل يكون أيضًا "ضد طبيعته" الإنسانية (حتى بعد السقوط). ومن المهم هنا ذكر أنه لا توجد فكرة الخطيئة الأصلية أو وراثة الخطية في اللاهوت الشرقي كله. ويستخدمون مصطلح الخطيئة الطبيعية للإشارة إلى عصيان آدم وحواء وأكلهما من الشجرة. ولهم تركيبات مختلفة في النظر إلى نفس قصة السقوط. وبناء عليه، يرى الآباء الشرقيين أن المعمودية ليست لغفران الخطية الموروثة من آدم، (الأطفال هم بلا خطايا، هذه حقيقة منتهية وطوبها المسيح وقال: لمثلهم ملكوت السموات)، وإنما المعمودية للتقديس ((يوحنا ذهبي الفم، عظات على المعمودية، ترجمة: القمص مرقريوس الأنبا بيشوي، دير الأنبا بيشوي، 2007، عظة 3: 6، ص 64. )). ولهذا السبب نفسه نُعمِّد حتى الأطفال، ولو أنهم بلا خطية، ولكن لكيما ينالوا بقية العطايا من تقديس، وبر، واختبار للتبني والميراث، حتى يشَّبوا إخوةً وأعضاءً، ويصيروا هيكلًا للروح. (يوحنا ذهبي الفم، عظات على المعمودية)   اقرأ أيضًا: --- ### الغطاس: قصبة وقلقاس؟! - Published: ۲۰۲۵-۰۱-۲۰ - Modified: 2025-01-20 - URL: https://tabcm.net/34015/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: آدم, النسطورية, بابا كيرلس عمود الدين, تجسد الكلمة, عيد الغطاس, قديس أثناسيوس الرسولي, ليتورچي "المسيح يسوع اتعمد علشان يعلمنا أهمية المعمودية رغم إنه ما كانش محتاج يتعمد".. الكلام ده واقف في نص المشوار ومش مكمل للآخر، زيه زي اللي جاي. وبعدين بالمرة بقى: اتصلب علشان يعلمنا الصلب، واتجلد علشان يعلمنا الجلد، وهكذا الغطاس: قصبة و قلقاس! ! ! ! واسّفندياية و غيره و غيره. .   كل سنة و إنتم طيبين و ينعاد على الجميع بخير. عيد الغطاس من الأعياد السيدية الكبرى، وواضح إن في إجماع على كده. ومعروف عندنا برضه باسم عيد الظهور الإلهي عند المستوى المتقدم شوية (رغم إنه مش العيد الوحيد للظهور الإلهي، بس ما علينا)، وبرضه واضح إن في إجماع على ده. و إلى هنا تنتهي الإجماعات. . تقريبًا! حبيت بس أتكلم معاكم بسرعة كده في كام نقطة: - "المسيح يسوع اتعمد علشان يعلمنا أهمية المعمودية رغم إنه ما كانش محتاج يتعمد". . الكلام ده واقف في نص المشوار ومش مكمل للآخر، زيه زي اللي جاي. وبعدين بالمرة بقى: اتصلب علشان يعلمنا الصلب، واتجلد علشان يعلمنا الجلد، وهكذا. . بس اتولد ليه يعني مثلاً؟! ! - هذا هو إبني الحبيب الذي به سررت: حسب وعظنا المعاصر، تحس إن الآب توّه ما افتكر إن ده إبنه اللي بيحبه ومسرور بيه! يعني كل المزامير والنبوات في العهد القديم دي كانت إيه؟! طبعاً الكلمتين اللي فوق دول كارفين من وراثة الخطية قوي، ليه؟ قلت لي ليه... أقول لك: لأن المسيح يسوع رب المجد لما اتعمد. . كمل قراية وها نحكي تحت. - "القلقاس رمز والقصب رمز. . واليوستفاندي رمز. . ": وننزل الانتخابات برمز قفص الخضار إن شاء الله، وده استمرار طبيعي لتماجيد شادر التوفيقية اللي مدخل كمان بلح وجوافة وليمون و... . في المعتقد القبطي... . كل الكلام اللي فات ده سطحي... عدم... ويدخل تحت بند العك اللي اتقدس... وده ناتج طبيعي من نتايج الأزمنة الغبرة! نسأسأ واحدة واحدة: بص يا سيدي، كل أعمال المسيح في الجسد هي عطايا للبشرية كلها، حتى اللي إحنا مش فاهمينها أو يبان إنها ما لهاش دعوة بينا. تهت مني؟ طب تعالى: + الميلاد: باركت طبيعتي فيك من عند أبونا القديس غريغوريوس. لما اتولد وخد طبيعتنا، جددها وأعاد خلقتنا مرة أخرى، ولكم في كتاب تجسد الكلمة للكبير أثناسيوس شروحات وفيرة. علشان كدة طبيعي جدًا تسمية بيت لحم مسقط رأس الخليقة الجديدة. + الختان: الإشارة الأكثر صراحة للمعمودية. تأسيس العهد بين الله وشعبه وإعلان تقديسنا لله (التقديس في الأصول اللغوية العميقة بتعني التخصيص) ولكم في تفسير القديس كيرلس الكبير لإنجيل لوقا الشرح المفصل للموضوع ده. ها نفوت الغطاس للآخر ونكمل... . . + الصلب: طبيعتنا احنا اللي بتجوز الموت بوعد القيامة، لكن كان هو في اتحاده العجيب غير المُدرك اللي ممكن يدوس المعصرة دي الأول عشان يعطينا قدرة موت العبور ولا يصبح الموت للهلاك. + القيامة: انتصارنا. ببساطة كده: الموتة خلصانة بعبور ومجد واستعلان تجديد الطبيعة وردنا مرة أخرى إلى كرامتنا الأولى: سرّ الرب أن يرده إلى رئاسته تذاكية الاتنين. + الصعود والجلوس في يمين الآب (ركز في الجلوس دي): يا أبويا بقى على دي، كلام ما لوش زي. . بص على القداس الغريغوري لما بيقول لك وأصعدت باكورتي إلى السماء الله الله الله، دخولنا لمحضر الآب في بشرية الابن المتجسد، لأ وإيه بقى: أجلسنا معه في السماويات زي ما بيقول سفر الرؤيا من يغلب فسأعطيه أن يجلس معي في عرشي ومين يا شاطرين أول إنسان غلب؟... ... برافو عليكم، الكلمة المتأنسن. خلصانة بليتورجيا وآيات كتاب أهوه. + إرسالية الروح القدس وعمله في الكنيسة: سكنى الروح بنفسه، بلا مواهب بلا دياولو! الروح القدس، أقنوم العمل المستتر في إنساننا الداخلي حلّ علينا بشخصه وبذاته لأجل تثبيتنا في الكرمة الحقيقية وتقديسنا جسدًا حقيقيًا للمسيح يسوع (اللي بيقروا بِدَل حفيظة يرجعوا ورا شوية علشان النفس والجو كتمة كده) وطبعًا ده كان لا يمكن يتم من غير عيد الغطاس زي ما ها نحكي. + الغطاس (محل البحث): اليوم يومك يا... (حط اسم أي حد أو وصفه مكان النقط طالما هو كائن بشري). يوم الحلول ويوم المحبة الإلهية المستعلنة. شوف يا سيدي الكبير أثناسيوس بيقول إيه: فإن كان من أجلنا يقدِّس ذاته، ويفعل ذلك بعد أن صار إنسانًا، فمن الواضح تمامًا أن حلول الروح القدس عليه في الأردن، كان حلولًا للروح علينا نحن، بسبب أنه كان لابسًا جسدنا نحن، فلم يكن ذلك من أجل ارتقاء الكلمة ذاته، بل بالحري من أجل تقديسنا نحن، حتى نشترك في مسحته ويُقال عنا: أما تعلمون أنكم هيكل الله وروح الله ساكن فيكم؟ ((رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس 16:3))؟ فلما اغتسل الرب في الأردن بصفته إنسانًا، كنا نحن المغتسلين فيه وبواسطته، ولما قَبِلَ الروح القدس، كنا نحن الذين نقبله بواسطته. (أثناسيوس، المقالة الأولى ضد الأريوسيين) ومعلم التجسد العظيم، القديس كيرلس الإسكندري: لقد جاء صوت الله الآب قائلًا من نحو المسيح في أثناء عماده المقدَّس: هذا هو ابني الحبيب، وكأنما بذلك كان يقبل فيه وبواسطته الإنسان الأرضي. فإن ابن الله الوحيد الحق حسب الطبيعة لما صار مثلنا، قد تعيَّن ابن الله ((رسالة بولس إلى رومية 1: 4 ))، ليس كأنه ينال ذلك لنفسه هو -إذ أنه في ذاته كان ولم يزل كما قلتُ إلهًا حقًا- بل لكي يوصِّل إلينا هذا المجد. فإنه قد صار لنا باكورةً وبكرًا وآدمًا ثانيًا. لأجل ذلك قيل إن كل شيء فيه يصير جديدًا ((رسالة بولس الثانية إلى كورنثوس 5: 17 )). ونحن إذ قد خلعنا عتق آدم، أغتنينا بالجدَّة التي في المسيح. (كيرلس الكبير، تفسير إنجيل معلمنا لوقا) مشكلتنا اليومين دول أنه بسبب أزهى عصور التعليم صدقنا مأساة دونية الإنسان، وجرينا جري ورا مشكلة وراثة الخطية ودول طبعًا -جوز فِرد نايمين- ما ينفعش تمشي بيهم. المسيح يسوع في معموديته، ولأول مرة منذ السقوط، جعل الطبيعة البشرية مسكنًا ومحل راحة وإقامة دائمة للروح القدس، هو فعلًا ما كانش محتاج يتعمد، صح، لكن احنا اللي كنا محتاجين اللي يرد لنا إنسانيتنا الحقيقية، يعيد لينا القدرة على قَبُول الروح القدس قبولًا أبديًا. وعلشان كده الآب أعلنها صراحة إنه قَبِلَ إليه الإنسان مرة أخرى في الابن المتجسد لما نادى علينا في استعلان كامل وقال: هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت، كنا احنا اللي بيستردنا لبنوته مش الابن؛ لأنه عمره أبدًا ما كانوا منفصلين ولا بدون استعلان. لما تكون الخطية محور تفكيرنا، صعب نشوف الغنى ده كله في الحدث، وعشان كده كتبت في الأول إن التفاسير السطحية دي كارفة من وراثة الخطية؛ لأنها شايفة بس المعمودية بنظام "انسف حمامك القديم" ومش بتقدم محبة الله للتبني وسكنى الروح القدس. النهاردة حضرتك وأنا والأخ اللي واقف في طابور العيش والست اللي في آخر الشارع والولد الصغير اللي هناك والبنت الحلوة أم ضفاير و. . و. . و. . كلنا بننال - باستعلان وبغنى المجد - الختم بأننا أبناء الله الآب في المسيح يسوع وبعمل الروح القدس. بلا قلقاس بلا مخاط بلا قصب بلا سلق! ! ! ! خلونا نركز في العيد. ما فيش مشكلة ناكل حاجة بنحبها، بس في مشكلة لما يكون أبوك السماوي بيقول لك أنت ابني وأنت ترد عليه تقول له شكرًا على الطبخة دي! ! ما يصحش برضه. طبعاً المجال مفتوح لحضراتكم تكملوا زي ما تحبوا في بقية الموضوعات اللي تشوفوها. طولت عليكم بس حبيت ما أفوتش المناسبة. ثيؤفانيا مجيد لكل شخص. برشح لكم كتاب أقوال مضيئة لآباء الكنيسة الجزء الخاص بمعمودية المسيح يسوع رب المجد. وافتكروا: أي حد بيسطح لك الكلام وبخرجنا من دايرة عمل المسيح يسوع مش بس تعليمه ضد المسيح (النسطورية بدأت كده بالمناسبة)، لا، ده أكيد من بتوع ديزني لاند! --- ### الإبيفانيا [عيد الغطاس] - Published: ۲۰۲۵-۰۱-۱۹ - Modified: 2025-01-19 - URL: https://tabcm.net/33876/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: آدم, أنطولوچي, الأب متى المسكين, الحرب العالمية الثانية, اليسار, چان پول شارل إيمارد سارتر, عيد الغطاس, قديس بولس الرسول, مارتن هايدجر, مجلة مرقس, ميلاد المسيح الإبيفانيا ، بقلم الأب متى المسكين، كلمة ألقيت في عيد الغطاس بدير القديس أنبا مقار، برية شيهيت. ونُشرت أوّل ما نُشر في مجلة مرقس، عدد يناير ١٩٧٩، الصفحات من ٢٧ إلى ٣٣ لنا في كل عيد غطاس ((كلمة ألقيت في عيد الغطاس بدير القديس أنبا مقار، برية شيهيت. )) تأمل وعظة وعبرة وحياة في عماد المسيح في الماء ونزول الروح عليه في هيئة مجسمة كحمامة. تكلمنا وأفضنا جدًا الكلام في دقائق الأمور الخاصة بالجوانب اللاهوتية والروحية، ولكن في هذا المساء نحاول أن نغطي هذا الموضوع بفكرة كبيرة على مساحة إنسانية وإلهية عريضة تبدأ من سفر التكوين وتنتهي عند جرن المعمودية. أبدأ كلامي من سفر التكوين ((سفر التكوين ١: ١-٣ )): في البدء خلق الله السموات والأرض. وكانت الأرض خربة وخالية، وعلى وجه الغمر ظلمةوروح الله يرف على وجه المياه. وقال الله ليكن نور. (سفر التكوين ١: ١-٣) هنا يبدأ تأملنا، وندخل في الحال في عمق الموضوع: هنا أمامنا الآن عناصر الخليقة الروحانية «من الماء والروح». نرجع للقديس يوحنا الرسول إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله ((إنجيل يوحنا ۳: ۸ )). إذن، هنا وعلى الأرض بدأ باب مفتوح للدخول إلى ملكوت الله. هذا كله قبل كل خليقة مادية وقبل خلقة الإنسان الترابي نفسه، بل وقبل سقوطه وموته. هكذا وضع الله في المشورة العظمى الإلهية، ليس عودة الإنسان وحسب بل وخلقته الأخرى التي ستؤهله للدخول في مُلك الله! اختارنا فيهقبل تأسيس العالم، لنكون قديسين وبلا لوم قدامه في المحبة. (رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس ١: ٤) هذا في الحقيقة شمول رؤيا يلزم أن يعيش فيها الإنسان المسيحي. فالله لا يتدرج في فكره أو يساير الإنسان في مراحله ويعدّل ويبدّل في مشوراته على حسب واقع الإنسان، كما قد يبدو أحيانًا حسب قصر النظر الروحي؛ ولكن الله هو هو أمس واليوم وإلى الأبد، كامل وكماله ينسحب على فكره وعلى إرادته وعلى كل أعماله بالنسبة لكل إنسان منذ آدم حتى آخر إنسان يولد على الأرض. الإنسان يقوم ويسقط، ولكن الله هو الله، عالٍ وفوق كل عالي في قيام الإنسان وسقوطه. والذي يسترعي انتباهنا جدًا -أو كما يقولون- بالدرجة الأولى، أن خلقة الإنسان الروحية كانت مُعدّة للإنسان قبل خلقته الجسدية بل وقبل سقوطه، أليس هذا عجبًا حقًا؟؟ الذي خلصنا ودعانا دعوة مقدسة، لا بمقتضى أعمالنا، بل بمقتضى القصد والنعمة التي أُعطيت لنا في المسيح يسوع قبل الأزمنة الأزلية، وإنما أظهرت الآن بظهور مخلصنا يسوع المسيح، الذي أبطل الموت وأنار الحياة والخلود بواسطة الإنجيل. (رسالة بولس الرسول الثانية إلى تيموثاوس ١: ٩-١٠) أقف هنا لحظة معكم، فليس مثل هذا الكلام الروحي في هذا العالم مقبولًا بالدرجة التي نقبلها نحن الآن، نحن الذين قبلنا وآمنا وولدنا حقًا من الماء والروح. أعود بكم إلى بعض أفكار غير المولودين من الماء والروح، فلنسمع لقول بعض الفلاسفة العظام الذين أضجرهم موضوع الخلق ومصير الإنسان: فمثلًا نسمع من إمام الوجودية المعارضة وهو «هيدجر» ((مارتن هايدجر: (26 سبتمبر 1889 - 26 مايو 1976) فيلسوف ألماني. ولد جنوب ألمانيا ودرس في جامعة فرايبورغ، ثم أصبح أستاذًا فيها عام 1928. وجه اهتمامه الفلسفي إلى مشكلات الوجود والتقنية والحرية والحقيقة وغيرها من المسائل. تميز «هيدجر» بتأثيره الكبير على المدارس الفلسفية في القرن العشرين ومن أهمها: الوجودية، التأويليات، فلسفة النقض أو التفكيكية، ما بعد الحداثة. ومن أهم إنجازاته أنه أعاد توجيه الفلسفة الغربية بعيدًا عن الأسئلة الميتافيزيقية واللاهوتية والأسئلة الإبستمولوجية، ليطرح عوضًا عنها أسئلة نظرية الوجود ، وهي أسئلة تتركز أساسًا على معنى الكينونة . ويتهمه كثير من الفلاسفة والمفكرين والمؤرخين بمعاداة السامية أو على الأقل يلومونه على انتمائه خلال فترة معينة للحزب النازي الألماني. ))، وطبعًا يتكلم في غيبة كاملة عن الإيمان بالله، فيقول: إن الوجود الإنساني هو استسلام الفكر بأن الإنسان كائن قذف به في العالم. (مارتن هايدجر) ثم يعود ويقول: إن الإنسان موجود ليموت. وهذا هو منتهى المأساة الفكرية. (مارتن هايدجر) ثم إذ يسألونه: أليس هذا عجزًا واستسلامًا؟ يقول: لا، بل يلزم أن نقبل الموت والنهاية بشجاعة... (مارتن هايدجر) سراب وخراب! ! ثم لا أريد أن أستفيض معكم بما يقوله الفلاسفة الآخرون المعاصرون مثل «چان پول سارتر» ((چان پول شارل إيمارد سارتر:‏ (21 يونيو 1905 - 15 أبريل 1980) هو فيلسوف وروائي وكاتب مسرحي وناقد أدبي وناشط سياسي فرنسي. بدأ حياته العملية أستاذًا جامعيًا. درس الفلسفة في ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية، وحين احتلت ألمانيا النازية فرنسا، انخرط سارتر في صفوف المقاومة الفرنسية السرية. عرف سارتر واشتهر لكونه كاتب غزير الإنتاج، ولأعماله الأدبية وفلسفته الوجودية، ويأتي في المقام الثاني التحاقه السياسي باليسار المتطرف. )) الذي يجعل مضمون الإنسان أنه: موجود ناقص، يعطي لنفسه الكمال. (چان پول سارتر) أو كما يقول أيضًا: إن الإنسان يجهد ليمنح نفسه وجودًا مطلقًا يخلو من النقص. (چان پول سارتر) الحقيقة والتاريخ كله ينفي ذلك. وفي الحقيقة «سارتر» هنا يترجم دون أن يدري خطية آدم، ويمتد بها ويصرّ عليها حرفيًا، إن آدم يريد أن يصير كالله! ! ولكن نعود الآن نحن المولودين من الماء والروح، الذين كنا ليس ناقصين فحسب، بل وكنا عدمًا بالخطية، كنا أمواتًا بالذنوب والخطايا فأحيانا الله مع المسيح، وصرنا حائزين على وجودنا الأبدي في الله! ! نعود إلى تأملنا في روح الله وهو يرف على وجه الماء والأرض خربة وخالية. عجيبة هنا عناصر الخلقة الروحانية، ولكن بدون أي كائن حي! ! لماذا؟ لأن عناصر الخليقة الروحية هنا بدون "إخصاب" -لو صحّ اللفظ- أي بدون كلمة الله. فإذا نحن استطعنا أن نختزل الأزمنة من بداية سفر التكوين -أي خلقة الإنسان من التراب- ثم أزمنة العصيان ثم السقوط ثم الموت ثم الطرد، ونأتي سريعًا بحسب مضمون موضوع عيدنا «الإبيفانيا»، أي نزول المسيح إلى الأردن في مثل هذا اليوم؛ نرى أن عنصر الإخصاب بدأ يعمل عمله في الحال بين روح الله والماء. هنا دخلت «كلمة الله» الحية الفعالة -اللوغوس- ابن الله، الأقنوم الثاني، بين الماء والروح، ليبدأ الله للإنسان الخليقة الجديدة بواسطة المسيح، لتكون على شبه المسيح ومثاله. وهنا المسيح خالق وكرأس للبشرية الروحانية وأبٌ مُخصب، هو آت بأبناء كثيرين إلى المجد ((رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين ۲: ١٠ )). معمودية يوحنا: كذلك وعبر اللمحة السريعة التي أريد أن أغطي بها هذا الموضوع المتسع، لا أريد أن أعبر على معمودية يوحنا، لا أريد في عبوري أن أغفل معمودية يوحنا، التي قيل عنها أنها بالماء فقط للتوبة. هنا في الحقيقة، الروح القدس غائب، ولا يوجد إلا عنصر التطهير القديم، الماء، الذي يدخل كعنصر مناسب لتطهير الخليقة الترابية العتيقة لإعدادها، مع الاعتراف بالخطايا والذنوب لقبول الخلقة الروحانية الجديدة بوسيط آخر، أي بعنصر تطهيري فائق آخر غير الماء، عنصر تطهير روحي فائق، هو ناري في حقيقة طبعه، وهو الروح القدس! ! حتى يبدد ما في الخليقة العتيقة من موت وفساد وخطية وهلاك، ويجعلها في حالة من الطهر الإلهي -إذا صح هذا التعبير- لتقبل الخليقة السرية بواسطة الماء والروح، عنصر الإخصاب «الكلمة» اللوغوس، لنولد الله على شكل المسيح وبالمسيح من الماء والروح. إذن، ماهي المحصلة التي بلغناها الآن إزاء، أو في موازاة محصلة مارتن هيدجر الفيلسوف الوجودي الرافض؟ إنها محصلة عكسية، فهيدجر يقول إن الإنسان كائن قُذف به في الوجود ليموت. انتبهوا جدًا هنا. بحسب سفر التكوين وبحسب الإبيفانيا والروح القدس والمسيح، وجدنا أن الإنسان كائن وُجد ليحيا. وما الموت الذي لزم أن يجوزه إلا إعدادًا لحياة بلا موت، فالأمر الإلهي بالخلود سبق السقوط والعقاب! ! وملكوت الله معد للإنسان قبل أن يُخلق الإنسان تعالوا يا مباركي أبي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم ((إنجيل متى ٢٥: ٣٤ )). إن هذه المحصلة أو الحقيقة في مفهوم العماد هي -بحد ذاتها- ليست عنصرًا مائيًا منعشًا ومحييًا فقط، بل عنصر رجاء لا يجب ولا يمكن هدمه بأية فلسفة كانت، لأنها حقيقة نحياها وليس نتمناها، فالحياة الأبدية تسري فينا منذ الآن والملكوت نعيشه بالروح. السماء انشقت: وإذا عدنا إلى موضوع عماد المسيح في الأردن الذي فيه اعتبرنا أن مجرد نزول المسيح في الماء وحلول الروح القدس يحوي تكامل العناصر الفعالة للخلقة الروحانية، الماء والروح والكلمة، حيث هنا المسيح خالق ورأس الخليقة الجديدة، أقول نلمح ظاهرة مؤكدة لهذه الحقيقة تصل إلى حدّ العجب، إذ أنه بمجرد أن تم نزول المسيح في الأردن، انشقت السماء. ما هذه الدلالة؟ هذه ظاهرة عجيبة حقًا، لأننا نسمع المقابل لها تمامًا عند حادثة تكميل موت المسيح الكفاري على الصليب من أجل العالم، إذ نستمع أيضًا أن انشقّ حجاب الهيكل الذي كان يفصل حضرة الله عن وجود الناس، حتى الأطهار -أي الكهنة- أي قدس الأقداس عن القدس. وهذا يعني أن الله رفع بنفسه الحجاب المتوسط بينه وبين الإنسان بموت المسيح! ! وضار العالم كله مصالحًا مع الآب بموت ابنه عن خطية العالم كله! ! هنا في الأردن، بعماد المسيح نجد السماء نفسها تنشق، وتتكشف الحضرة الدائمة لله تعبيرًا عن التحام جديد وعجيب بين الله والإنسان، وليس بين السمائيين والأرضيين فقط، وذلك في شخص المسيح! ! هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت ((إنجيل متى ١٧: ٥ )). إذن فهنا دلالة قاطعة على رفع الحجاب الأبدي والكوني الذي يحجز الآب في السماء عن الإنسان، أي إنسان اعتمد في يسوع المسيح. وكأنما الطريق من الأرض إلى السماء قد انفتح بانشقاق السماء، في وجه الأرض. وما نزول الروح القدس في الحقيقة إلا بمثابة الجناحين الجديدين الإلهيين، جناحي الحب الإلهي ليسوع المسيح، اللذين أُعطيا للإنسان الجديد المولود من الماء والروح ليطير ويحلّق بهما في سماء الله في حرية البنين. كذلك فإنه بمجرد أن التحمت عناصر الخليقة الروحانية الفائقة، الماء والروح والكلمة، على أرض الشقاء؛ انفتحت السماء إعلانًا أن الوطن السمائي الذي تأسس للإنسان قد صار حقيقة مشاهدة ننتظرها ونرجوها؛ بل ونسمع صوتًا من السماء يعلن عن هذه المعاهدة الجديدة التي تمت في هذه اللحظات، إذ سلّم الآب ابنه للعالم ليصالح الجميع ويأتي بهم إليه! ظهور الروح القدس بهيئة منظورة مجسمة كحمامة: كذلك تدخل هذه الدلالة دخولًا مباشرًا وعميقًا في مفهوم الخليقة الروحانية الجديدة التي أكملها المسيح لنا في هذا السر المذهل الذي ظهر فيه كخالق للخليقة الروحانية الإنسانية، وكرأس مخصب لأبناء جدد لله الآب. لأن ظهور الحمامة نرى المقابل له في أيام الطوفان، عندما كان الماء هو عنصر الموت، لأنه لم يكن يخلو من روح الله. فكانت النقمة تلازمه وغضب الله فيه، فكان الماء للموت والهلاك، وظهور الحمامة في آخر لحظات هذه الخبرة المؤلمة في تاريخ البشرية كانت بشارة برفع الغضب الإلهي وبدء رضى الله، عندما عادت وفي فمها غصن زيتون أنبتته الأرض بعد الحصار لعنة الهلاك عنها. هنا في المقابل نرى الروح ينزل من السماء على هيئة مجسمة كحمامة، وذلك عن قصد. فهذه الهيئة لا تعبر إطلاقًا عن شكل الروح القدس أو صورته، فنحن رأينا الروح الخمسين على هيئة نار أيضًا. إذن، فظهور الروح القدس بهذه الهيئة -أي كحمامة- كان تعبيرًا إلهيًا عن أن الماء هنا يحوي عنصر الحياة الإلهية، وذلك يتناسب مع عملية الخلق الروحاني الجديد الذي انفتح مجاله للإنسان. وكأنما كان كل زمان البشرية السابق من آدم حتى المسيح هو طوفان مستمر؛ ثم بقبول الكلمة المتجسد النزول إلى الماء وتقبله الروح القدس ليكون رأس الخليقة الجديدة، بدأت حياة الإنسان حقًا مع الله وإلى الأبد. هنا يتضح مرة أخرى أمامنا -ونحن بصدد فلسفة الوجوديين الملحدين- أن الحياة التي أعطاها الله للإنسان هي في حقيقتها الأولى والأخيرة حياة لحياة. والمسيح لن يكون حياةً لموت فيما بعد! ! بل وحياة يلازمها نشيد إلهي رائع في صمت يحكي عنه الروح القدس وهو نازل من السماء كحمامة، وصوت الله، بالسرور، هذا النشيد الصامت تعرف القلوب المؤمنة وحدها أن تترجمه. فهي حياة جديدة مفعمة بالسلام! ! للقلوب الوديعة! ! التي نالت وتنال كل يوم قوة هذا الميلاد عينه من فوق من الماء والروح مع الكلمة ورضى الآب في السماء! ! وهكذا بنزول المسيح في الأردن وحلول الروح القدس عليه وإعلان صوت الآب في السماء، هذا المعبر عنه كنسيًا بعيد الإبيفانيا، أي ظهور الآب والابن والروح القدس، هو في الحقيقة تدشين أول معمودية على الأرض باسم الثالوث، كبدء فعال لا ينتهي ولن ينتهي إلا بانتهاء الزمان، من جهة ميلاد الإنسان ميلادًا جديدًا من الله، روحيًا من فوق، من السماء لحياة أبدية. وهكذا صارت أرض الشوك والشقاء واللعنة، الأرض العاقر التي كانت تسقي الإنسان الألم حتى الموت، والتي كانت تلد الإنسان لتميته فعلًا، وتتركه للأيام لتكفنه بخطاياه، وتدفنه الأيدي الحزينة كل يوم في أعماق لعنتها، هذه الأرض عينها صارت بميلاد المسيح الكلمة ابن الله متجسدًا ثم نزوله في الأردن معتمدًا والروح القدس حالًا عليه، أقول صارت هذه الأرض من داخل الكنيسة ومن داخل جرن معموديتها، بطنًا جديدة سماوية تنسل أبناءً لله جددًا، لسلام وحياة لا تزول.   الإبيفانيا ، بقلم الأب متى المسكين، كلمة ألقيت في عيد الغطاس بدير القديس أنبا مقار، برية شيهيت. ونُشرت أوّل ما نُشر في مجلة مرقس، عدد يناير ١٩٧٩، الصفحات من ٢٧ إلى ٣٣   --- ### حادث حامد جودة - Published: ۲۰۲۵-۰۱-۱۸ - Modified: 2025-01-18 - URL: https://tabcm.net/32598/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: إبراهيم عبد الهادي باشا المليجي, الإخوان المسلمين, رئيس جمال عبد الناصر, صالح العشماوي, مجلس قيادة الثورة, محمد فؤاد سراج الدين, محمود السيد خليل الصباغ, محمود فهمي النقراشي باشا, مصطفى النحاس, مصطفى مؤمن حاول فؤاد سراج الدين التخفيف من حدة الأزمة بين الوفد والجماعة، وأعطى وعدًا في حديث له في صحيفة الأهرام يوم 26 أكتوبر عام 1950 قائلًا؛ سيباشر الإخوان نشاطهم، وانتهى العام الأول لوزارة الوفد، فأعلن فؤاد سراج الدين؛ إن الحكومة تفكر في استبدال قرار حل الإخوان بقانون جديد للجمعيات كان الإخوان يعتبرون إبراهيم عبد الهادي امتداد لحكم النقراشي إن لم يكن أكثر عنفًا منه، ومن ثم قرر الإخوان الفدائيون كما يصفهم محمود الصباغ الرجل القوي في التنظيم اغتيال إبراهيم باشا، فاستأجرت المجموعة المناط لها بتنفيذ العملية شقة على الطريق بمصر القديمة تشرف تمامًا على الطريق الذي يمر به موكب إبراهيم عبد الهادي من منزله في المعادي إلى رئاسة الوزارة بلاظوغلى ذهابًا وإيابًا، وعرضت فكرة قتل إبراهيم عبد الهادي وحده دون المساس بموكبه، لذا استقر التفكير على أن يقود الأخ مصطفى كمال عربة تنطلق مندفعة من شارع بحوار الشقة المستأجرة، حيث تكون مجهزة بعبوات ناسفة يتحقق بها نسف عربة إبراهيم عبد الهادي والعربة التي يقودها مصطفي كمال.  ولكن يبدو أن الأخ مصطفى كمال خشي أن يكون هذا القتل انتحارًا، أو أن يشترك في معركة سافرة مع حراس الموكب فتراجع عن التنفيذ. ثم تقرر تنفيذ الأمر بإلقاء القنابل على الموكب، وبالفعل قامت المجموعة بالتنفيذ في 5 مايو 1949، إلا أنه بعد إلقاء القنابل تبين أن إبراهيم عبد الهادي لم يعد بموكبه في هذا اليوم، ولكن الذي عاد كان حامد جودة رئيس مجلس النواب، ولم يُصب بسوء لأنه استلقى في دواسة العربة، ونجا بسيارته التي أسرع قائدها بالفرار، ولكن جرح الكثير من المارة، وقتل سائق عربة كاروا كانت بحوار الموكب، وفر الذين اشتركوا في الحادث بعد أن ألقوا بأسلحتهم، ولم يتمكن مصطفي كمال عبد المجيد من إلقاء سلاحه وقبض عليه ومعه مدفعه، وكان ذلك بداية الخيط الذي أوصل إلى القبض على جميع المشتركين في الحادث، ولم يدخل عبد الهادي وزارة الداخلية سوى ثلاث مرات خلال السبعة شهور التي عاشتها وزارتها، منها المرة التي تعرض فيها للاغتيال، وبعد القبض على منفذي العملية بدأت محاكمتهم التي استمرت حتي قيام انقلاب يوليو 52، التي اعتبر بعدها أن المتهمين أبطال تحرير، وصدر عنهم جميعًا عفوًا شاملًا بقرار من مجلس قيادة الثورة بقيادة عبد الناصر. الجماعة... قرار حظرها حاضر عند كل صاحب سلطة من دون أن يسلم خاطره من أغراء استخدامها. حل عام 1950، وبعد عداوة طالت سنوات بين الجماعة وحزب الوفد، بدأ هذا المشهد في التغير مع حلول الانتخابات النيابية عام 1950، فتم عقد صفقة إخوانية وفدية بين الإخوان والنحاس باشا شخصيًا، يقوم الإخوان المسلمين بمقتضاها بتأييد حزب الوفد في الانتخابات، مقابل الإفراج عن الإخوان المحتجزين في السجون، وفي يوم 3 يناير 1950 أجريت الانتخابات البرلمانية في مصر، وهي آخر انتخابات برلمانية أجريت في عهد فاروق، ونجح فيها حزب الوفد نجاحًا ساحقًا، بعد أن حصل على 87% من عدد المقاعد التي جرت الانتخابات عليها بدعم الإخوان المسلمين، وهكذا عاد النحاس رئيسًا للوزراء في 12 يناير 1950 وأوفى بوعده للإخوان، وبدأت المفاوضات للإفراج عن المعتقلين من الجماعة وإعادة ممتلكاتهم، وبالفعل خرج معظمهم طبقًا للاتفاق، لكن فؤاد سراج الدين وزير الداخلية وضع 3 شروط لإعادة الشرعية للجماعة وهي: 1- ألا يتم استئناف النشاط الرسمي للجماعة إلا بعد رفع الإعلان بالأحكام العرفية. 2- يمكن استئناف النشاط القديم بصورة رسمية لكن تحت اسم جديد. 3- لا يستخدم الاسم القديم إلا بعد الأحكام العرفية وعودة الجماعة نهائيًا إلى الشرعية. وقد اضطر مصطفى مؤمن أحد أشهر قيادات الإخوان تحت إلحاح الرغبة في إعادة نشاط الجماعة إلى قبول العرض الوفدي تحت أي شروط، وقد ذهب مصطفى مؤمن في ذلك إلى اقتراح اسم جديد للجماعة هو النهضة الإسلامية، ولكن باقي زعماء الجماعة وصالح عشماوي بوجه خاص رفضوا الاقتراحيين بتغيير اسم الجماعة أو تأجيل نشاطها، وانتهى الأمر بفصل مصطفى مؤمن من الجماعة. في أول مايو 1950 تم رفع الأحكام العرفية واجتمع مكتب الإرشاد بقادة الإخوان، وأصبحت جماعة الإخوان المسلمين تنعم بالوجود الشرعي مرة أخرى، وارتفعت راية الجماعة مرة أخرى في جميع أنحاء البلاد، ولكن قوات الأمن مزقت الرايات والشعارات المرتبطة بالجماعة، واحتلت المركز العام وأصر الإخوان على موقفهم. وأصبح الخلاف علنيًا بين الحكومة والجماعة بسبب ما أعلنه وزير الداخلية عن عزمه شراء مبنى المركز العام للجماعة لتحويله إلى نقطة شرطة، فحاول فؤاد سراج الدين التخفيف من حدة الأزمة بين الوفد والجماعة، وأعطى وعدًا للجماعة في حديث له في صحيفة الأهرام يوم 26 أكتوبر عام 1950 قائلًا؛ سيباشر الإخوان نشاطهم، وانتهى العام الأول لوزارة الوفد، فأعلن فؤاد سراج الدين؛ إن الحكومة تفكر في استبدال قرار حل الإخوان بقانون جديد للجمعيات، وبالفعل أعد مشروع القانون مستهدفًا الجمعيات التي تسعى لتحقيق أغراض اجتماعية أو دينية أو علمية أو أدبية إذا زاد عدد أفرادها عن 20 باستثناء جمعيات النشاط المدرسي، ولا يجوز للجمعيات أن يكون لها تشكيلات عسكرية أو شبه عسكرية، وأُلزمت الجمعيات بتسجيل معلومات تفصيلية عن كل عضو وإيداع صورة فوتوغرافية لكل عضو لدى السلطات المختصة. لكن تبين للإخوان المسلمين أن المشروع موجه ضدهم بالذات لتقنيين نشاطهم، وهو الأمر الذي يرفضونه رفضًا تامًا ويمنع حركتهم ويفرض عليهم رقابة بوليسية، رغم أن فؤاد سراج الدين قال؛ إن المشروع لا يعنى جمعية بذاتها، وإنما ينطبق على الجمعيات المختلفة، وتم تقديم مشروع القانون يوم 16 أبريل 1951 إلى البرلمان، وخلال مناقشة القانون أمر صلاح عشماوي الأعضاء بالخروج في مظاهرة ضخمة أمام مبنى البرلمان، فتم تأجيل مناقشة المشروع إلى جلسة يوم 18 أبريل 1951، وتم التصديق عليه، وأعلنت الجماعة على رؤوس الأشهاد أنها لن تسجل نفسها طبقًا للقانون، وأكدت الجماعة تصميمها على المطالبة باستعادة مقارها التي يحتلها البوليس وعياداتها الطبية وأموالها المصادرة. --- ### مفهوم السينرچيا عند ذهبي الفم - Published: ۲۰۲۵-۰۱-۱۷ - Modified: 2025-01-17 - URL: https://tabcm.net/33581/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: الإصلاح البروتستانتي, الشيطان, المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية, بروتستانت, چون كالڤن, سدوم وعمورة, سعيد حكيم يعقوب, سينرچيا, عدنان طرابلسي, قديس أوغسطينوس، أسقف هيبو, قديس بولس الرسول, مارتن لوثر, هابيل, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية يُشدِّد ق. يوحنا ذهبي الفم على المبدأ الأرثوذكسي المهم جدًا وهو مبدأ التآزر أو السينرچيا بين النعمة والأعمال، حيث يرى أننا بعدما تبرَّرنا بالنعمة، فإننا نحتاج لأسلوب حياة مناسب، ونُظهِر محاولةً تليق بهذه العطية لتطبيق مثل هذا الأسلوب، من خلال الاعتناء بالمحبة تاج كل الخيرات، وأن نظهرها بمحاولات كثيرة بمساعدة الآخرين وليس بمجرد الكلام والمحاضرات الكثيرة نستكمل الحديث عن عقيدتي التبرير وعمل النعمة بين چون كالڤن كممثل عن حركة الإصلاح البروتستانتي وكأحد أبرز رجالات الإصلاح البروتستانتي المؤثرين في كافة الطوائف البروتستانتية بجميع أشكالها وأنواعها، وبين ق. يوحنا ذهبي الفم كممثل عن اللاهوت الأرثوذكسي الشرقي، وكأحد أبرز معلمي وخطباء الكنيسة على مر العصور. يهدف البحث إلى إظهار جوانب كل فكر من فكري هذين اللاهوتيين المسيحيين المؤثرين كُلٌّ في مجاله اللاهوتي. مما يسلط الضوء على التباينات الأساسية بين اللاهوت الشرقي الأرثوذكسي واللاهوت المصلح الغربي البروتستانتي. مفهوم الغضب الإلهي يضع ذهبي الفم مفهومًا وتعريفًا للغضب الإلهي، حيث يرى أن المرء عندما لا يتجاوب مع صلاح الله، ولا يرجع حتى بالتحذير من سلوكه المنحرف، فإنه بذلك يقسي قلبه جدًا مستهينًا بمحبة الله الفائقة له. فالسبب في الدينونة ليس الله الذي يدين، بل الإنسان الخاطئ، لذلك عندما يسمع الإنسان عن ”غضب الله“، فلا يتصور أنه في الله بغضة، بل استعلان دينونة الله كالتالي: ((يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية، ترجمة: د. سعيد حكيم، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2013، عظة 6: 2، ص 144. )) عندما لا يتجاوب المرء مع صلاح الله، ولا يرجع حتى بالتحذير عن سلوكه المنحرف. فهل توجد قسوة قلب أكثر من هذا؟ وبعدما أوضَّح الرسول بولس محبة الله للبشر، فإنه يتحدث عن العقاب أيضًا، وكيف أنه لا مفر من العقاب لمن لا يُقدِّم توبةً. لاحظ كيف يستخدم الكلمات بكل دقة، لأنه يقول: تذخر لنفسك غضبًا في يوم الغضب، مبينًا أن الدينونة ستحدث على أية حال، وأن السبب فيها، ليس الله الذي يدين، بل الذي يُدان، أي الإنسان الخاطئ، إذ يقول: تذخر لنفسك، أي أنت الذي تذخر لنفسك الغضب، وليس الله هو الذي يذخره لك. لأن الله فعل ما ينبغي فعله، وخلقك قادرًا أن تميِّز بين الخير والشر، وأظهر لك طول أناة، وأنذرك باليوم المخيف، وكل هذا لكي يقودك إلى التوبة. فلو أنك تماديت في عنادك، فإنك تذخر لنفسك غضبًا في يوم الغضب واستعلان دينونة الله العادلة. ولكيلا تعتقد عند سماعك لكلمة غضب، إنه يوجد لدى الله بغضة، فإنه يضيف عبارة دينونة الله العادلة. وحسنًا قال استعلان، لأن وقتها يُستعلن هذا الغضب، عندما سينال كل واحد ما يستحقه. (يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية) نزول المسيح وكرازته في الجحيم على العكس من تعليم چون كالڤن بعدم نزول المسيح إلى الجحيم، يتحدث ق. يوحنا ذهبي الفم عن نزول المسيح إلى الجحيم، وتحطيمه لطغيان الموت وقوته قائلًا: ((يوحنا ذهبي الفم، شرح إنجيل متى ج2، ترجمة: د. عدنان طرابلسي، 1998، عظة 36: 3، ص 132، 133. )) لأن الحياة الحاضرة هي حقًا أوان المحادثة الحقة، أما بعد الموت فتكون الدينونة والعقاب. قيل: في الهاوية مَن يحمدك؟ ((مزمور 6: 5 )). كيف إذًا كسَّر مصاريع نحاس وقطع عوارض حديد؟ ((مزمور 107: 16 )). بواسطة جسده؛ إذ أظهر أولًا جسدًا خالدًا محطمًا طغيان الموت. ويشير أيضًا هذا إلى تحطم قوة الموت، وليس إلى حل خطايا الذين ماتوا قبل مجيء المسيح. وإن لم يكن الأمر هكذا، بل خلَّص جميع الذين كانوا قبله في الجحيم، فكيف يقول: ستكون لأرض سدوم وعمورةحالة أكثر احتمالًا ((إنجيل متى 10: 15 ))؟ لأن هذا القول يفترض أن أولئك سيُعاقبون أيضًا ولو بصورة أخف. ومع أنهم قاسوا هنا أيضًا العقاب لأقصى شدةً، فرغم ذلك، لن يخلصهم حتى هذا. وإنْ كان الأمر معهم على هذا النحو، فبالأولى كثيرًا مع الذين لم يقاسوا شيئًا. (يوحنا ذهبي الفم، شرح إنجيل متى ج2) مفهوم التبرير من الجانب الشفائي يشير ق. يوحنا ذهبي الفم إلى مفهوم التبرير الشفائي وليس القضائي، حيث يرى أن المسيح، الذي خلَّصنا من الجحيم ومن الخطايا ووهبنا الحياة، مثل شخص أتى إلى شخص آخر مريض بالحمى ولم يخلصه فقط من المرض، بل جعله في حالة بهية وقوية وممجَّدة كالتالي: ((يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية، ترجمة: د. سعيد حكيم، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2013، عظة 11: 4، ص 253. )) لأنه لم يخلِّصنا من الجحيم فقط، ولكن ومن الخطايا أيضًا، ووهبنا الحياة، وتلك الأمور الأخرى التي تكلَّمنا عنها مرات عديدة. تمامًا كما لو أن شخصًا كان مريضًا بارتفاع في درجة الحرارة، وأتى آخر ولم يخلِّصه فقط من المرض، لكن جعله في وضع بهي وقوي وممجَّد، وأيضًا كما لو كان شخص جائعًا ثم أشبعه آخر وليس هذا فقط، بل جعله مالكًا لأموال كثيرة، ثم قاده إلى سلطة كبيرة. (يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية) فيرى ذهبي الفم أن بر المسيح قد لاشى ومحا الخطية، وجرَّد الموت من أسلحته، وقضى وأنهى على مملكة الخطية، ومنحنا خيرات لا تُحصَى، وخيرات الدهر الآتي، والحياة الأبدية. نجد أن محور حديث ذهبي الفم هو عن منح الحياة الحقيقية للإنسان، وليس التركيز على تخليصه من العقوبة والخطية فقط، حيث يقول التالي: ((يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية، ترجمة: د. سعيد حكيم، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2013، عظة 11: 4، ص 254. )) قال هذا لكي يقدم الخطية كما لو كانت ملكًا، والموت مثل جندي يخضع لأوامره، ويأخذ مؤونته منه. وبناءً على ذلك، فلو أن الخطية قدَّمت مؤونةً للموت، فمن الواضح جدًا أن البر الذي لاشى الخطية، والذي أتى بالنعمة لم يُجرِّد الموت فقط من أسلحته، بل وقضى عليه أيضًا، وأنهى على كل مملكة الخطية تمامًا، وذلك على قدر عظمة البر مقارنةً بالخطية، وهذا البر قد أتى لا بمساعدة إنسان أو ملاك، لكنه أتى من خلال معونة الله ونعمته، حتى يقود حياتنا إلى الوضع الأسمى، وإلى خيرات لا تُحصَى، خاصةً وأن حياة الدهر الآتي هي بلا نهاية، لكي تعرف من الآن امتياز هذه الحياة. لأن الخطية انتزعتنا خارج الحياة الحاضرة، لكن عندما أتت النعمة لم تهبنا الحياة الحاضرة فقط، بل وهبتنا الحياة الأبدية أيضًا. كل هذا منحنا إياه المسيح. إذًا، لا تشك في الحياة الأبدية، طالما أنك تبرَّرت، لأن البر هو أسمى من الحياة، إذ إنه هو الذي يلد الحياة الحقيقية. (يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية) دحض المبادلة العقابية ودفع ثمن العقوبة يدحض ق. يوحنا ذهبي الفم فكرة الإبدال العقابي ودفع ثمن عقوبة الخطية مؤكدًا على أن إنساننا العتيق قد دُفِنَ مع المسيح، وأقامنا معه، وأنه قد خلَّصنا، وتبرَّرنا، وصرنا أبناءً، وتقدَّسنا وأصبحنا أخوةً للابن الوحيد الجنس، وورثنا معه، متَّحدين معه في جسدٍ واحدٍ، وإلى هذا الجسد المتَّحد بالرأس ننتمي، لأننا متَّحدين بالابن كالتالي: ((يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية، ترجمة: د. سعيد حكيم، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2013، عظة 11: 2، ص 250. )) لأننا لم نحصل على قدر بسيط من النعمة يكفي فقط لمحو الخطية، بل حصلنا على فيض النعمة. لأنه بالحقيقة قد أُنقِذنا من الجحيم، وابتعدنا عن الشر، ووُلِدنا مرةً أخرى من الله. بل وأقامنا، ما دام أن إنساننا العتيق قد دُفِنَ، وخلَّصنا، وتبرَّرنا، وصرنا أبناءً، وتقدَّسنا وأصبحنا أخوةً للابن الوحيد الجنس، وورثة معه، واتحدنا معه في جسد واحد، وإلى هذا الجسد نحن ننتمي، وكما أن الجسد متَّحد بالرأس، هكذا اتَّحدنا نحن أيضًا به. (يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية) ويستطرد ق. يوحنا ذهبي الفم مشيرًا إلى مفهوم الثمن أو الدَّين، وهو دَّين الموت الذي ماته ليبطل به الموت ويشفي به طبيعتنا الفانية من خلال فيض النعمة التي حصلنا عليها بموته من أجلنا كالتالي: ((يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية، ترجمة: د. سعيد حكيم، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2013، عظة 11: 2، 3، ص 250، 251. )) كل هذا دعاه بولس الرسول فيض النعمة مُظهرًا هكذا أننا لم نحصل فقط على ما يُضمد الجرح، لكن حصلنا على شفاء وجمال وكرامة، وعلى رتب تفوق كثيرًا طبيعتنا الفانية. وكل أمر من هذه الأمور، كان كافيًا وحده أن يبطِل الموت، إلا أنه عندما يتضح أن كل هذه الأمور قد ساعدت معًا في إبطاله، فلن يكون له أثر بعد ذلك، ولن يكون ممكنًا أن يخيِّم بظلاله حولنا، طالما أنه قد انتهى كليةً. تمامًا كما لو أن شخصًا قد وضع آخر في السجن لأنه مديون له بعشرة فلسات، وليس هذا فقط، بل ووضع في السجن أيضًا زوجته وأولاده وخدامه، بسبب هذا الدَّين، ثم أتى شخص آخر ودفع ليس فقط عشرة فلسات، بل ومنح آلاف العملات الذهبية، وقاد السجين إلى الحاشية الملكية، وإلى عرش السلطة العليا، وجعله شريكًا في الكرامة السامية، وفي الأمور الأخرى المشرِقة، فيصير من غير الممكن أن يتذكر بعد ذلك الفلسات التي اقترضها. هذا ما حدث لنا، لأن المسيح دفع أكثر جدًا من قيمة الدَّين الذي كان علينا. وما دفعه كان عظيمًا جدًا، بقدر اتساع البحر، إذا ما قُورِنَ بنقطة ماء صغيرة. إذًا، ينبغي عليك أيها الإنسان ألا تشك في شيء عندما ترى كل هذا الغنى الوفير من الخيرات، ولا تفحص كيف انطفأت شرارة الموت والخطية، عندما غمر هذا البحر الكبير من الهبات الوفيرة هذه الشرارة المتقدة. وهذا ما أشار إليه بولس قائلاً: الذين ينالون فيض النعمة وعطية البر سيملكون في الحياة ((رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 5: 17 )). (يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية) بل يرى ق. يوحنا ذهبي الفم أن الموت لم يكن عقوبةً، بل كان الموت في صالح الإنسان لمنع تأبيد الخطية والشر إلى الأبد، بالتالي، كان الموت خيرًا للبشر وليس عقوبةً كالتالي: ((يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية، ترجمة: د. سعيد حكيم، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2013، عظة 11: 3، ص 252. )) أننا لم نُضار مطلقًا من أن الموت قد ملك على الجميع، بل إننا قد ربحنا، بكوننا قد صرنا فانيين، أولًا، لأنه لو كان لنا جسدًا غير قابل للموت، فإن ذلك سيكون دافع للاستمرار في ارتكاب الخطية، ثانيًا، لكي تكون لدينا دوافع غير محدودة في جهادنا لتحقيق التقوى. لأنه بالحقيقة عندما يكون الموت حاضرًا، وعندما ننتظره، فإنه يقنعنا أن نكون متواضعين، ومتعقلين، وبسطاء، وأن نتخلص من كل شر. ومع هذا، فمن الأفضل أن نقول أولًا أننا ربحنا بالموت خيرات أخرى وفيرة، لأنه من هنا استُعلِنَت أكاليل الشهداء، ومكافآت الرسل. هكذا تبرَّر هابيل، وهكذا تبرَّر إبراهيم الذي قدَّم ابنه ذبيحةً، وهكذا أيضًا تبرَّر يوحنا الذي مات لأجل المسيح، وأيضًا الفتية الثلاثة، كما تبرَّر دانيال. لأنه لو أردنا البر، فلن يستطيع الموت ولا الشيطان نفسه أن يُسبِّب لنا ضررًا أو أذى. (يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية) ويوضح ذهبي الفم أنه يليق بالله أن يخلص وليس أن يعاقب، لذلك فعل كل هذه الأشياء وفقًا لخطته من جهة خلاص البشرية كالتالي: ((يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية، ترجمة: د. سعيد حكيم، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2013، عظة 11: 1، ص 248. )) مع الوضع في الاعتبار أن الخطية ليست مثل الهبة، والموت ليس كالحياة، وأيضًا من المستحيل أن يُوضَع الشيطان في مقارنة مع الله، لأن الفروق غير محدودة ولا تُحصَى. إذًا، هذا قد حدث بالنظر إلى قدرة ذاك الذي فعل كل هذه الأشياء، ووفقًا لخطة الله من جهة خلاص البشرية -لأن ما يليق بالله بالأكثر هو أن يخلص لا أن يُعاقِب- وهنا مكمن التميُّز والانتصار. (يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية) التبرير بالإيمان والأعمال معًا يُشدِّد ق. يوحنا ذهبي الفم على المبدأ الأرثوذكسي المهم جدًا وهو مبدأ التآزر أو السينرچيا بين النعمة والأعمال، حيث يرى أننا بعدما تبرَّرنا بالنعمة، فإننا نحتاج لأسلوب حياة مناسب، ونُظهِر محاولةً تليق بهذه العطية لتطبيق مثل هذا الأسلوب، من خلال الاعتناء بالمحبة تاج كل الخيرات، وأن نظهرها بمحاولات كثيرة بمساعدة الآخرين وليس بمجرد الكلام والمحاضرات الكثيرة كالتالي: ((يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية، ترجمة: د. سعيد حكيم، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2013، عظة 8: 5، ص 190. )) لأنه بعد هذه النعمة التي تبرَّرنا بها، فإن الأمر يحتاج لأسلوب حياة مناسب، فلنُظهِر محاولةً تليق بهذه العطية، لتطبيق مثل هذا الأسلوب، ولنعتني أن نحفظ المحبة التي هي تاج كل الخيرات، وأن نُظهِرها ولو بمحاولات كثيرة. لأن المحبة لا تعني الكلام فقط، ولا المحاضرات الكثيرة، ولكنها تكمن في مساعدة الآخر، إذ أنها تَظهر في الأعمال. (يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية) ويشير ق. يوحنا ذهبي الفم إلى أن البر يُحسَب للإنسان من حيث أنه آمن بالله، ولكن هذا الإيمان لا يُحسَب له برًا إذَا لم يُقدِّم شيئًا كالتالي: ((يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية، ترجمة: د. سعيد حكيم، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2013، عظة 9: 1، ص 207. )) إذًا، هل الذي يعمل يُعد أعظم؟ لا على الإطلاق. لأن البر يُحسَب للإنسان من حيث أنه آمن بالله. إلا أن هذا الإيمان لا يُحسَب له برًا إذَا لم يُقدِّم شيئًا. (يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية) رفض سبق التعيين المزدوج للخلاص أو الهلاك يرفض ق. يوحنا ذهبي الفم فكرة ”سبق التعيين المزدوج“ سواء للخلاص أو للهلاك، التي نادى بها أوغسطينوس ومن بعده قادة الإصلاح مارتن لوثر وچون كالفن، حيث يرى ق. يوحنا ذهبي الفم أن سبق التعيين الذي تحدث عنه بولس الرسول يشير إلى علم الله السابق، وليس لاختياره بعض البشر للخلاص، والبعض الآخر للهلاك كالتالي: ((يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس، ترجمة: د. سعيد حكيم، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2016، عظة 2: 1، ص 47، 48. )) وحتى لا يُعتقَد أن الإرادة الحرة قد أُبطِلَت، وهي موضع مسرة أكثر من أيّ شيء، فإنه يشدد على النصيب الصالح. لأن النصيب المرتبط بالقرعة، لا علاقة له بالفضيلة، بل يأتي عشوائيًا، كما يبدو الأمر كما لو كانت القرعة قد تمت، وبناءً على ذلك تم اختياركم. غير أن الاختيار تم على أساس المشيئة الإلهية الصالحة، لأنه يقول ’سبق فعيَّنهم‘، بمعنى أفرزنا بعدما اختارنا لنفسه، أي أنه عرفنا قبل أن ننال نصيبًا، لأن علم الله السابق عجيب، وهو عالم بكل شيء قبل أن يحدث. ولكن لاحظ كيف يحاول الرسول بولس بكل الطرق أن يبرهن على أن الله لم يغير قراره، بل هذه هي خطته منذ البدء. حتى لا نكون أقل من اليهود في شيء من حيث اختيار الله، ومن أجل هذا صنع كل شيء لتحقيق هذا الغرض. (يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس) ويؤكد ذهبي الفم على أن معنى ”سبق التعيين“ هو علم الله السابق بالذين سيكونون من نصيبه كالتالي: ((يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس، ترجمة: د. سعيد حكيم، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2016، عظة 2: 2، ص 49. )) هنا أيضًا يشير إلى العناية الإلهية الفائقة، من حيث أننا خُتِمنا، فهو لم يشر فقط أنه ميَّزنا لسبق تعييننا أو سبق اختيارنا، بل أشار أيضًا إلى أولئك الذين سيكونون من نصيبه، هكذا أفرز الله أولئك ليؤمنوا، وختمهم لينالوا خيرات الدهر الآتي. أرأيت كيف أنه بمرور الزمن، جعل هؤلاء مستحقين للإعجاب؟ أي أنهم كانوا موجودين في علمه السابق فقط، ولم يكونوا معروفين لأحد، ولكن عندما خُتِموا، صاروا معروفين. (يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس) ويفسر ذهبي الفم معنى ”سبق التعيين“، بأنه علم الله السابق والأزليّ الذي يعرف به الأمور المستقبلية التي ستحدث، وهكذا يكون قد حدَّدها أو عيَّنها حسب قصد الدهور كالتالي: ((يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس، ترجمة: د. سعيد حكيم، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2016، عظة 7: 2، ص 118. )) يقول إنه أُعلِنَ الآن، إلا أنه لم يتقرر الآن (أي سبق تدبيره منذ الأزل)، وتقرر من فوق. حسب قصد الدهور الذي صنعه في المسيح يسوع ربنا، أي بحسب سابق علمه الأزليّ، لأنه كان يعرف مقدمًا الأمور المستقبلية والأمور التي ستحدث، وهكذا فقد حدَّدها أو عيَّنها. حسب قصد الدهور، تلك التي خلقها بيسوع المسيح. أي إن كل شيء قد خُلِقَ بيسوع المسيح. (يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس) --- ### حرائق كاليفورنيا بين الشماتة والاقتصاد - Published: ۲۰۲۵-۰۱-۱٦ - Modified: 2025-01-16 - URL: https://tabcm.net/33766/ - تصنيفات: شئون علمانية تعبر هذه التعليقات عن فرح غريب، وكأن ما أصاب جنوب كاليفورنيا هو غضب إلهي أو انتقام سماوي، وكأن السماء تقاتل لتمنحهم نصرًا افتقدوه في واقعهم، متناسين لها آثارًا اقتصادية سلبية ليس على اقتصاد كاليفورنيا والولايات المتحدة فحسب، بل على الاقتصاد العالمي أيضًا على مدار الأيام الماضية، منذ اندلاع حرائق الغابات في جنوب كاليفورنيا ومنطقة لوس أنجلوس، طفحت علينا العديد من المنشورات والتعليقات من بعض الأشخاص ذوي الخلفيات العربية والإسلامية، تحمل في طياتها سواد الشماتة والغل والبُغضة. تعبر هذه التعليقات عن فرح غريب، وكأن ما أصاب جنوب كاليفورنيا هو غضب إلهي أو انتقام سماوي، وكأن السماء تقاتل لتمنحهم نصرًا افتقدوه في واقعهم، متناسين لها آثارًا اقتصادية سلبية ليس على اقتصاد كاليفورنيا والولايات المتحدة فحسب، بل على الاقتصاد العالمي أيضًا، بسبب الدور المهم الذي تلعبه كاليفورنيا في الاقتصاد الأمريكي والعالمي. وبنفس منطق الشامتين، تعالوا على سبيل المثال لا الحصر نراجع بعض الكوارث الطبيعية الكبرى التي حدثت في السنوات الأخيرة: زلزال تركيا وسوريا 2023 بلغ عدد الوفيات حوالي 50,000 شخص، إضافة إلى آلاف المصابين. وتم تدمير 214,000 مبنى، وتشريد ونزوح أكثر من 3,300,000 شخص. فيضانات وسيول ليبيا 2023 عدد الوفيات تجاوز 11,000 شخص، في حين بلغ عدد المفقودين حوالي 20,000 شخص، بين من جرفتهم السيول إلى البحر ومن دفنوا تحت المباني التي سوتها المياه بالأرض ولم يتم انتشالهم بعد. وتم تدمير 18,500 وحدة سكنية بالكامل. زلزال المغرب 2023 عدد الوفيات وصل إلى حوالي 3,000 شخص، وأكثر من 5,000 مصاب. والخسائر المادية تضمنت تدمير آلاف المنازل وتسوية أحياء بِرُمَّتها بالأرض. تسونامي المحيط الهندي 2004 في إندونيسيا وحدها، بلغ العدد التقديري للوفيات والمفقودين حوالي 50,000 شخص، إلى جانب الخسائر المادية الفادحة. وفي المقابل، دعونا ننظر إلى حرائق كاليفورنيا الحالية: عدد الضحايا حتى الآن هو 24 شخصًا فقط، أي أقل من عدد ضحايا حادث سير لأوتوبيس هنا في مصر! والمباني المتضررة بلغت 12,000 مبنى، وجميعها ستغطيها تعويضات الحكومة وشركات التأمين. لو أردنا أن نحكم وفق نفس روح الحقد والشماتة، فما الذي سيراه الشامتون لو قارنوا حرائق كاليفورنيا بالكوارث المذكورة أعلاه؟ هل سيَرون الغضب والانتقام الإلهي حاضرين في تلك الكوارث التي حلت في بلادهم؟! أم سيقنعون أنفسهم أن هذه الكوارث مجرد ابتلاءات وليست انتقام؟! فأصبح الله يتشكل على حسب رغبتهم كصنم من العجوة، يشكلوه كما تهوى أنفسهم المريضة. نقطة أخيرة، في الكوارث التي ذكرتُها عاليا، كانت أكبر مساعدات مادية وتقنية لتلك البلاد مقدَمة من الولايات المتحدة الأمريكية التي يشمتون الآن في شعبها! الشماتة ليست سلوكًا يعبر عن إنسانية أو تدَيُّن. فمن يشمت في مصائب الآخرين يحتاج أن يتأدب أولًا، ثم يبحث عن إنسانيته المفقودة حتى يُشفَى من أحقاده. الكوارث ليست فرصة لإظهار الكراهية والشماتة، بل هي درس نتعلم منه إظهار التعاطف والمحبة وتقديم العون للآخرين. التأثير السلبي على الاقتصاد العالمي حرائق الغابات الحالية في جنوب كاليفورنيا بالتأكيد سيكون لها أثار اقتصادية سلبية ليس على اقتصاد كاليفورنيا والولايات المتحدة فقط بل على الاقتصاد العالمي أيضًا، بسبب الدور المهم الذي تلعبه كاليفورنيا في الاقتصاد الأمريكي والعالمي. اقتصاد كاليفورنيا يُعد من أقوى الاقتصادات عالميًا، فإذا كانت كاليفورنيا دولة مستقلة، فستكون خامس أكبر اقتصاد في العالم، متقدمةً على دولًا كُبرى مثل بريطانيا وفرنسا والهند((https://www. gov. ca. gov/2024/04/16/california-remains-the-worlds-5th-largest-economy/ )). لذلك، سيكون هناك تأثيرات على التجارة والإنتاج محليًا وعالميًا لعوامل متعددة: 1- جنوب كاليفورنيا توجد به بعض أكبر الموانئ في العالم، مثل ميناء لوس أنجلوس وميناء لونج بيتش، وهما مسؤولان عن نسبة كبيرة من التجارة الأمريكية مع آسيا التي تقترب من 40% من التجارة العالمية((https://www. forbes. com/sites/kenroberts/2022/01/28/for-first-time-majority-of-top-10-us-trade-partners-will-be-asian/ )). فأي تعطل في عمل هذه الموانئ بسبب الحرائق يمكن أن يؤدي إلى تأخيرات في الشحن، مما يؤثر على التجارة العالمية. 2- كاليفورنيا تعتبر واحدة من أكبر الولايات المنتجة للمنتجات الزراعية في الولايات المتحدة. حرائق الغابات قد تدمر الأراضي الزراعية والمزارع، مما يؤدي إلى ارتفاع أسعار بعض المنتجات الزراعية محليًا وعالميًا. 3- شركات التأمين ستواجه خسائر كبيرة بسبب تعويضات الأضرار الناتجة عن الحرائق. مما سيؤدي إلى رفع أقساط التأمين محليًا، بجانب تأثير هذه الخسائر على البورصات العالمية، خاصة إذا كانت شركات التأمين متعددة الجنسيات. 4- تكاليف إعادة الإعمار في المناطق المتضررة تؤدي إلى زيادة الطلب على الموارد مثل الأخشاب والمعادن ومواد البناء الأخرى، مما سيرفع أسعار العقارات محليًا، ويؤثر على أسعار مواد البناء عالميًا. 5- إذا أدت الحرائق إلى تعطيل خطوط الطاقة والبنية التحتية المرتبطة بها، فسيزيد ذلك من تكاليف الطاقة محليًا. بالتالي قد يؤثر على الإمدادات الدولية للطاقة والأسعار في الأسواق العالمية. التأثيرات المباشرة الأكثر وضوحًا ستظهر على المدى القصير في الاقتصاد المحلي لكاليفورنيا والولايات المتحدة، ولكن نظرا للتشابك بين الاقتصاد الأمريكي والاقتصاد العالمي، حيث يتجاوز الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة ربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي((https://ycharts. com/indicators/us_gdp_as_a_percentage_of_world_gdp ))، سيجعل لهذه الحرائق انعكاسات غير مباشر للاقتصاد العالمي ككل. --- ### مصر والنيل: الجغرافيا والمصالح - Published: ۲۰۲۵-۰۱-۱۵ - Modified: 2025-02-02 - URL: https://tabcm.net/33723/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء, الديمقراطية, الشرق الأوسط, القومية العربية, دار الهلال, رئيس محمد أنور السادات, رشدي سعيد, محمد سالمان طايع, وزارة الري والموارد المائية دائمًا ما أرّقني الأسئلة التالية: أين مصلحة مصر؟ أين  هي حدود الأمن القوميّ المصريّ؟ هل أمننا يتوقف عند سلامة حدودنا من الاعتداء؟ أم يمتد إلى ما وراء ذلك؟ هذه السلسلة من المقالات مُخصصة لمحاولة الإجابة عن تلك الأسئلة كنت من الجيل الذي وُلد في مرحلة مُحيرة من عمر هذا البلد في أوائل ثمانينات القرن الماضي. مرحلة شهدت حوار وعراك في بعض الأحيان بين تيّارين كبيرين. التيّار الأوّل: ينادي بالعودة إلى سياستنا الخارجيّة في الستينيات، من تبنّي للقومية العربية ومساندة القضية الفلسطينية ودعم التحرر الوطني في دول العالم الثالث وإفريقيا. تيار يؤمن أن إسرائيل هي العدو الأوّل ويُدين السلام معها ويعتبره خيانة للقضيّة القوميّة وسبب أساسيّ في كل كوارثنا التالية. تيّار يؤمن بأن العالم يتأمر علينا وأن كل كارثة نتاج مُخططات خارجية وناتجة عن إهمال في أمننا القومي. والتيّار الثاني: يتبنى الانفتاح في السياسة الخارجيّة الذي بدأ في عهد السادات، ويتحدث دائمًا عن ”أولوية الداخل عن الخارج” وعن ”مصر أولًا وأخيرًا” وعن ”المصالح الوطنية“. . إلخ. ويدين سياسة مصر الخارجيّة السابقة بحجة أنها أهملت الداخل لمصلحة الخارج وأضاعت الكثير من مواردنا في مساندة قضيّة فلسطين والقوميّة العربيّة ودعم قوى التحرر الوطنيّ. ويُكرر أن التجربة أثبتت أن العمل العربي المشترك لم يجلب لنا سوى الخراب والدمار، لذا يجب علينا أن نبتعد عن مشكلات العالم العربيّ والشرق الأوسط المزمنة والمرهقة. وأعتبر المنادين بهذا الاتجاه أن أمن مصر القوميّ يتوقف عند سلامة حدود الوطن من الاعتداءات، فطالما أن حدودنا غير مهددة وأرضنا حرّة، فلا مشكلة كبيرة لدينا. هذا الفريق أيضًا كان يدعو للابتعاد عن إفريقيا بمشاكلها، والسعي إلى علاقات مصالح متميزة مع أوروبّا وأمريكا بدلًا منها. ما بين التيّارين، دائمًا ما أرّقني الأسئلة التالية: أين مصلحة مصر؟ أين  هي حدود الأمن القوميّ المصريّ؟ هل أمننا يتوقف عند سلامة حدودنا من الاعتداء؟ أم يمتد إلى ما وراء ذلك؟ هذه السلسلة من المقالات مُخصصة لمحاولة الإجابة عن تلك الأسئلة. سنبدأ بكتب الجغرافيا ونفتح معًا الكتاب الذي يطلقون عليه "الأطلس" تيمنًا باسم العملاق الأسطوري عند الإغريق الذي كان مكلفًا بحمل السموات حتى لا تسقط على الأرض! سنجول في صفحات الأطلس حتى نصل لخريطة الشرق الأوسط. لو نظرنا مليا لخريطة الشرق الأوسط، سنجد أن مصر تقع عند موقع التقاء قارتي آسيا وإفريقيا، ويلتقي عندها البحرين المتوسط والأحمر. سنرى أيضًا أن مصر تقع في نطاق الصحراء الكبرى الممتد من البحر الأحمر حتى المحيط الأطلسي، ويخترقها من الجنوب إلى الشمال نهر النيل الذي جعل الحياة في هذه المنطقة الصحراوية ممكنًا عبر توفيره للمياه والأرض الخصبة الصالحة للزراعة. فمن غير الممكن الحياة في جبال ووديان صحراء مصر الشرقية، ولا وسط رمال الصحراء الغربية الشاسعة إلا في بعض الواحات الصغيرة.  لهذا تركزت الحياة والعمران في مصر دائمًا حول شريط وادي النيل الضيق وفي دلتاه، وأصبحت حياة مصر والمصريين مرتبطة بالنيل. من خريطة مصر كذلك ندرك أن حدودها الشرقية في سيناء هي منطقة صحراوية منبسطة دون أي عوائق طبيعية ومفتوحة على منطقة شرق المتوسط أو الشام.  وإذا وصل تصفحنا إلى خريطة العالم سنرى أن مصر ومعها الشام هي أقصر طريق بري بين قارات العالم القديم الثلاث: آسيا وإفريقيا وأوروبا. وأن مصر ومعها البحر الأحمر هو أقصر طريق يربط أوروبا بشرق آسيا حيث الهند والصين. هذه الخصائص والمحاور الجغرافية هي التي حددت تاريخ مصر وحاضرها. ثلاثة محاور رئيسية : الأول محور وادي النيل، والثاني محور الشام، والثالث هو محور البحر الأحمر. ستنقسم هذه الدراسة إلى ثلاثة أجزاء، كل جزء يغطي خصائص وتاريخ أحد المحاور الجغرافية السابقة وسنبدأ بأهم هذه المحاور: النيل. حوض النيل: النهر نهر النيل هو أطول أنهار العالم إذ يمتد من الجنوب إلى الشمال من وسط قارة إفريقيا عند الهضبة الاستوائية المطيرة حتى ساحل البحر المتوسط. يبدأ نهر النيل من بحيرة ڤيكتوريا العظيمة ثاني أكبر بحيرة مياه عذبة في العالم من حيث المساحة التي تقع في وسط الهضبة الاستوائية. يغذي البحيرة عدد من الروافد أهمها نهر كاجيرا الذي ينبع من بحيرة رويرو في مرتفعات روينزوري التي تمثل الحد الغربي للفالق الإفريقي العظيم. تنحدر المياه من البحيرة إلى نيل ڤيكتوريا الذي يصب بعد ذلك في بحيرة كيوجا التي يخرج منها النيل مرة أخرى ليصب في بحيرة ألبرت التي يغذيها من الجنوب نهر السمليكي. ينحدر من بحيرة ألبرت النيل مرة أخرى تحت اسم نيل ألبرت ويلتقي برافد جديد وهو نهر الأسوا عند بلدة نيمولي الواقعة على الحدود بين أوغندا وجنوب السودان. يمتد النهر شمالًا حتى يصل إلى منجلا في جنوب السودان، وعند هذه النقطة يصبح متوسط تصرف المياه التي يحملها النهر سنويًا حوالي 33 مليار متر مكعب. وهذه الكمية هي تقريبًا نفس الكمية التي تخرج من بحيرة ڤيكتوريا إذ أن الزيادات التي ساهمت بها البحيرات والروافد الأخرى قد ضاعت نتيجة البخر قبل وصولها لهذه النقطة. يدخل النهر بعد ذلك في منطقة قليلة الانحدار فيكون منطقة واسعة من المستنقعات تسمى بمنطقة السدود التي تمتد لأكثر من 700كم ويزداد فيها البخر بشدة. ينقسم المجري في تلك المنطقة لعدة فروع أهمها بحر الجبل وبحر الزراف تنتهي جميعًا عند بحيرة نو. يصب في بحيرة نو من الغرب بحر الغزال الذي يعد حوضه من أغزر مناطق النيل الاستوائية مياها، إلا أن مياهه يضيع معظمها في البخر نتيجة كثرة المستنقعات. فمن أصل متوسط 500 مليار متر مكعب من مياه الأمطار يسقط سنويًا على حوض بحر الغزال وبحر العرب، حوالي 600 مليون متر مكعب فقط هو ما يصل عند نهايته عند بحيرة نو ليصب بعد ذلك في النيل الأبيض. ينضم إلى النيل الأبيض عند هذه النقطة قبل مدينة ملكال مباشرة نهر السوباط أول الروافد الإثيوبية الكبرى ويساهم بمتوسط 13 مليار متر مكعب من المياه وهو ما يجعل مجمل المياه في بداية النيل الأبيض في المتوسط 29 مليار متر مكعب سنويًا. وهو ما يعني أن أكثر من نصف المياه القادمة من المنابع الاستوائية قد فُقد في منطقة السدود. ينحدر بعد ذلك النيل الأبيض حوالي 800كم حتى يصل إلى نقطة التقاءه بالنيل الأزرق عند الخرطوم. وقبل لقاءه بالنيل الأزرق يكون قد فقد حوالي مليار متر مكعب من المياه في الطريق أي أصبحت الكمية في المتوسط 28 مليار متر مكعب. يعتبر النيل الأزرق أهم الروافد الإثيوبية إذ يساهم بمتوسط قدره 50 مليار متر مكعب سنويًا ما يجعله أهم مساهم في مياه النهر المنحدرة إلى الشمال من الخرطوم. كذلك يساهم أخر الروافد الإثيوبية وهو نهر عطبرة بما متوسطه 11 مليار متر مكعب سنويًا. هكذا يصبح متوسط كمية المياه عند مدينة دنقلة حوالي 84 مليار متر مكعب تصل إلى أسوان (قبل بناء السد العالي والخزانات الأخرى بالسودان) بمتوسط 80 مليار متر مكعب سنويًا ((محمد سالمان طايع، مصر وأزمة مياه النيل: آفاق الصراع والتعاون، دار الشروق، 2012، ص 122. )). حوض النيل: البشر على مدى العصور تطور عدد السكان في حوض النيل وزادت احتياجاتهم. فمصر التي تعتبر أكثر البلاد اعتمادًا على النهر نظرًا لموقعها ومناخها، زاد عدد سكانها من حوالي 2 مليون عام 1800 إلى 10 ملايين عام 1900 ثم إلى 30 مليون عام 1965 حتى وصلت إلى 100 مليون عام 2019. كذلك السودان وهو ثاني البلاد اعتمادا على النيل من 5 ملايين عام 1900 إلى 43 مليون في 2020.  أما عن إثيوبيا فقد زاد عدد سكانها من 12 مليون عام 1900 إلى 115 مليون عام 2020. ويوضح الشكل التالي عدد سكان دول حوض النيل (بالمليون) وفقا لإحصاءات العام 2018. كما أن معدل النمو السكاني السنوي (بالنسبة المئوية) مازال مرتفعًا في معظم دول حوض النيل كما هو موضح بالشكل التالي ((المصدر للرسم البياني الذي يوضح إحصائيات معدل النمو السكاني في دول حوض النيل هو البنك الدولي. )): يتفاوت اعتماد بلدان النيل على نهر النيل في تأمين كامل احتياجاتها المائية لكافة الاستخدامات. يوضح الجدول التالي مقدار هذا الاعتماد ((رشدي سعيد، نهر النيل: نشأته واستخدام مياهه في الماضي والمستقبل، دار الهلال، 1992. )): الدولة نسبة الاعتماد على نهر النيل مصر 96. 4% رواندا 15. 4% السودان 11. 9% كينيا 6. 6% بوروندي 2. 8% إثيوبيا 2% تنزانيا 1. 3% الكونغو الديمقراطية 0. 08% جنوب السودان لا يوجد بيانات تمثل احتياجات الري والزراعة أكبر مستهلك للمياه في حوض النيل. فمجمل المساحات المنزرعة اعتمادًا على النيل يبلغ حوالي 5,4 مليون هكتار (أي 13. 3 مليون فدان) يقع 97% منهم في مصر والسودان اعتمادًا على 82 مليار متر مكعب من مياه النيل. ويبين الجدول التالي الأراضي المنزرعة المعتمدة على مياه النيل في البلدان المختلفة وكمية المياه التي تعتمد عليها ((H. J. Dumont(ed. ), The Nile: Origin, Environments, Limnology and Human Use, Springer, 2009 )): الدولة المساحة المروية ((المساحة محسوبة بالألف فدان. )) نسبتها المساحة المحصولية ((المساحة المحصولية: هي المساحة التي يحتاجها محصول ما في موسم ما، وفي حالة إمكانية زراعة محصولين سنويًا في نفس الأرض يتم حساب المساحة مرتين. لذلك غالبًا ما تكون المساحة المحصولية أكثر من المساحة القابلة للزراعة أو المروية. في حالة أن المساحة المحصولية أقل من المساحة المروية فهذا يعني وجود أراضي مروية ولكن لا تُزرع. )) نسبتها كمية المياة ((كمية المياة محسوبة بالمليار متر مكعب. )) مصر 8517 64% 12860 79% 66 ((رقم 66 مليار هذا يتضمن حوالي 21 مليار متر مكعب من مياه الصرف الزراعي والصرف الصحي المعالج يعاد استخدامهم. أي إن مصر تستخدم حوالي 45 مليار متر مكعب سنويًا من مياه النيل في الزراعة. )) السودان 4360 33% 2831 18% 13. 9 إثيوبيا 224. 8 2% 331 2% 1. 5 كينيا 118 1% 49 صفر 0. 3 تنزانيا 48. 8 صفر 15. 9 صفر صفر أوغندا 24 صفر 24 صفر 0. 26 بوروندي 37. 8 صفر 21. 4 صفر صفر رواندا 17 صفر 17 صفر 0. 057 جنوب السودان 1. 2 صفر 0. 37 صفر صفر الكونغو الديمقراطية صفر صفر صفر صفر صفر المجموع 13348 ألف فدان 100% 15700 ألف فدان 100% 82. 2 مليار متر مكعب تبلغ كامل احتياجات مصر سنويًا من المياه في المتوسط بين 80 - 82 مليار متر مكعب مقسمين بين 64 - 66 مليار متر مكعب للزراعة و10 مليارات للاستخدامات المنزلية و5 مليارات للصناعة والاستخدامات الأخرى. بينما تبلغ موارد مصر السنوية من المياه حوالي 55. 5 مليار متر مكعب من مياه النيل و2. 1 مليار متر مكعب من المياه الجوفية العميقة و1. 3 مليار من تخزين مياه الأمطار والسيول و0. 35 مليار من تحلية مياه البحر  بما مجموعه 59. 25 مليار متر مكعب، أي إن مياه النيل تمثل أكثر من 93% من موارد مصر المائية ((استراتيجية تنمية وإدارة الموارد المائية في مصر حتى عام 2050، وزارة الري والموارد المائية، مصر، مايو 2016. )). تعوض باقي الاحتياجات من إعادة استخدام مياه الصرف الزراعي ومياه الصرف الصحي المعالج بواقع حوالي 21 مليار متر مكعب ((تهدف خطة وزارة الموارد المائية والري إلى التوسع في تحلية مياه البحر لتزويد مدن ساحلي البحر المتوسط والبحر الأحمر بمياه الشرب، إذ تسعى للوصول إلى قدرة مليوني ونصف متر مكعب يوميًا من المياه بحلول عام 2037، أي حوالي 0. 85 مليار متر مكعب سنويًا. )). بالإضافة لكون الزراعة في مصر هي مصدر رئيسي لغذاء المصريين فإنها كذلك ما زالت من أكبر المشغلين للعمالة بمقدار يمثل 13% من قوة العمل ((النشرة السنوية المجمعة لبحث القوى العاملة، 2018، الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، مصر. )). وبلغ صافي الدخل الزراعي في عام 2017 / 2018 325 مليار جنيه بما يكافئ حوالي 7. 5% من الناتج المحلي الإجمالي ((النشرة السنوية لتقديرات الدخل من الإنتاج الزراعي، 2017 / 2018، الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء، مصر. )). كما بلغت الصادرات الزراعية عام 2018 حوالي 3. 31 مليار دولار بما يوازي 9. 5% من إجمالي الصادرات ((The Observatory of Economic Complexity )). أما عن إثيوبيا فهي تمتلك موارد مائية هائلة، إذ يبلغ متوسط الأمطار الساقطة على هضبة الحبشة حوالي 936 مليار متر مكعب سنويًا ((A. M. Negm (ed. ), Conventional Water Resources and Agriculture in Egypt, Springer International Publishing, 2018, pp. 391-414 )). كما يبلغ متوسط كمية الأمطار الموسمية على غرب هضبة الحبشة بين يونيو وسبتمبر من كل عام حوالي 2275 مليار متر مكعب ((للمقارنة: يبلغ متوسط الأمطار الساقطة على سواحل مصر الشمالية وهي أغزر المناطق في مصر أمطارًا حوالي 200 مليار متر سنويًا. )).   إلا أن هذه الأمطار تقل بشدة في شرق الهضبة مما يعرض هذه المناطق للجفاف في فترات كثيرة. يقع في أراضي إثيوبيا أحواض 8 أنهار و8 بحيرات كبرى بإجمالي مياه سطحية متجددة 122 مليار متر مكعب سنويًا بالإضافة إلى خزانات مياه جوفية يصل مخزونها إلى حوالي 30 مليار متر مكعب ((Nile River Basin, Ecohydrological Challenges, Climate Change and Hydropolitics, Springer, 2014, pp. 97-117 )). يستحوذ حوض النيل على 72 مليار متر مكعب سنويًا من المياه، ويعتبر النيل الأزرق أغزر روافد حوض النيل مياهًا بمتوسط سنوي يقدر بـ55 مليار متر مكعب. قامت الزراعة تاريخيًا في إثيوبيا على الأمطار وما زالت. إذ إن الأراضي التي تعتمد على الري من مياه الأنهار تمثل 3% فقط من الأراضي المزروعة في إثيوبيا ومعظم هذه الأراضي على ضفاف النيل الأزرق. في حين أن المساحات الصالحة للزراعة في حوض النيل داخل إثيوبيا حوالي 2. 3 مليون هكتار (أي 5. 4 مليون فدان) ((Nile River Basin, Ecohydrological Challenges, Climate Change and Hydropolitics, Springer, 2014 )). إلا أن زيادة السكان المطردة في إثيوبيا وباقي بلاد حوض النيل تدفع لمزيد من الاعتماد على مياهه في الزراعة والأنشطة الأخرى. بالتالي بدأت المطالبة بإعادة تقسيم مياه النهر وتخلي مصر والسودان عن حصتهم التاريخية به كونهم يحوذان على الحصة العظمى من المياه. أما عن الكهرباء فمازال أكثر من نصف السكان في بلاد حوض النيل لا يتمتعون بإتاحة الطاقة الكهربية للاستخدامات المختلفة. فيما عدا مصر وكينيا والسودان، يتمتع أقل من نصف سكان بقية الدول بإتاحة الطاقة الكهربية كما يبين الشكل التالي ((المصدر للرسم البياني الذي يوضح إحصائيات الطاقة الكهربائية في دول حوض النيل هو البنك الدولي. )): وهو ما دفع العديد من دول حوض النيل إلى الاستثمار في الطاقة الكهرومائية التي يمكن استغلالها من مرور نهر النيل في أراضيها. يبين الشكل التالي تطور نسبة اعتماد بلدان حوض النيل على الطاقة الكهرومائية من مجمل الطاقة الكهربية المنتجة. مع ملاحظة أن الكونغو الديمقراطية تعتمد على سدود أقيمت خارج حوض النيل ((المصدر للرسم البياني الذي يوضح إحصائيات الطاقة الكهرومائية في دول حوض النيل هو البنك الدولي. )): يتضح من الشكلين السابقين اعتماد إثيوبيا المتزايد على الطاقة الكهرومائية لتغطية عجز الطاقة الكهربية لديها التي تصل إلى نحو 45% فقط من السكان. تملك روافد النيل في إثيوبيا إمكانات كبرى لإنشاء عدد من السدود لتوليد الكهرباء نظرًا لفارق الارتفاع وكميات المياه الكبيرة. إذ تبلغ القدرات الممكنة لتوليد الكهرباء من الأنهار في إثيوبيا حوالي 45000 ميجاوات منهم حوالي 13000 ميجاوات من النيل الأزرق ((Nile River Basin, Ecohydrological Challenges, Climate Change and Hydropolitics, Springer, 2014 )). وهو ما دفعها للتخطيط والسعي لإنشاء عدد من السدود لتغطية العجز لديها في الكهرباء وتوفير إمكانات للنمو الاقتصادي وكذلك للتصدير لدول الجوار. وكان أهم هذه السدود وأكبرها هو سد النهضة الكبير Grand Ethiopian Renaissance Dam (GERD) على النيل الأزرق. --- ### ليه نظام البكالوريا لا يعتبر تطوير للتعليم؟ - Published: ۲۰۲۵-۰۱-۱٤ - Modified: 2025-01-14 - URL: https://tabcm.net/33638/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: القومية العربية, القومية المصرية, كارل هانريش ماركس بيعزز الهُوِيَّة الدينية ويعارض مبدأ تكافؤ الفرص ويؤصل لفكر وسياسة دولة التمييز الديني المتعصبة.. ازدواجية امتحان الدين ستؤدي لازدواجية المعايير، وفي كل سنة هتحصل خناقة امتحان الدين الفلاني كان أسهل من امتحان الدين العلاني، هيحط عبء نفسي على واضعي الامتحان فمستحيل يطلع امتحان متوازن، هيبقى اللي بيحط امتحان إما متساهل مع بني دينه ويجيب امتحان تافه، أو هيبقى جبان وخواف ومش عاوز يتقال عليه إنه منحاز لبني دينه فهيجيب امتحان صعب وأسئلة غير متوازنة هناقش الموضوع في بعض النِّقَاط: الدين لأنه بيعزز الهُوِيَّة الدينية ويعارض مبدأ تكافؤ الفرص ويؤصل لفكر وسياسة دولة التمييز الديني المتعصبة. . ازدواجية امتحان الدين ستؤدي لازدواجية المعايير، وفي كل سنة هتحصل خناقة امتحان الدين الفلاني كان أسهل من امتحان الدين العلاني، هيحط عبء نفسي على واضعي الامتحان فمستحيل يطلع امتحان متوازن، هيبقى اللي بيحط امتحان إما متساهل مع بني دينه ويجيب امتحان تافه، أو هيبقى جبان وخواف ومش عاوز يتقال عليه إنه منحاز لبني دينه فهيجيب امتحان صعب وأسئلة غير متوازنة. كمان هنحول الدين من علاقة طبيعية بين الإنسان وربه، تتهذب فيها روح الإنسان ونفسه وعقله في رحلة طويلة بين الشك والإيمان، إلى علاقة دراسية، مجرد معلومات مكتوبة المطلوب حفظها واسترجاعها وقت الامتحان، وطبعًا ده هيتطلب دروس ومُذكّرات وكتب، ونسمع بقى عن حوت الدين وديناصور العقيدة. كل الدول والأنظمة اللي أجبرت الناس على ممارسة الطقوس والعبادة والدين داخل مدارسها على اختلاف الدين والدول أخرجت للمجتمعات متدينين شكليين وأحيانًا ملحدين أو لادينيين ولكن غالبًا إرهابيين، وحتى لو كان الطرح لمادة دين موحدة أو مادة أخلاق مشتركة يتم إدراجها داخل المجموع، فمجرد إدراجها داخل المجموع يجعل الأخلاق مجرد مظهرًا شكليًا ويزيد الفجوة التي نحاول أن ننكر وجودها ونحن على يقين أن هناك في بعض الأماكن نارًا تحت الرماد. الدين مكانه القلوب، يتعلمه الناس في دور العبادة والبيوت، ومفيش مانع يكون في المدارس، بس يكون بدون دخوله في المجموع. تطوير التعليم يبدأ من تطوير المواد العلمية والإنسانية ومواكبة قطار التطور السريع، وعندما نهذب عقل الإنسان ونفسه سيلجأ بمفرده للبحث عن الله والدين. نظام مرقّع في البداية مصطلح ترقيع للي ميعرفهوش هو إن واحد يكون عنده لبس معين، وليكن قميص لونه أسود، فيحصل أن القميص ده يتقطع منه جزء، فنروح نجيب (رقعة) قطعة قماش بلون ثاني خالص، ونحطها مكان القطع فيبقى قميص مرقّع مُشوّه. محدش ينكر إن منظومة التعليم من أولها لأخرها فيها عيوب لا حصر لها، من أول كثافة الفصول، المناهج التي تعتمد على الحفظ والتلقين، وعزوف الطلاب عن المدارس وتكدسهم في السناتر، وتفشي ظاهرة الدروس كبديل اجتماعي قبل أن يكون وسيلة دراسية مساعدة، وبيع الامتحانات وتسريبها وظاهرة الغِشّ وفساد كنترولات بعض اللجان وتعديل النتائج، إلى نظام التنسيق بكل عيوبه، إلى نهاية الرحلة بخريج جامعي بلا أي مقومات لسوق العمل، علشان يسمع في أول مكان يقبل بيه علشان يشتغل الجملة الشهيرة بتاعة : "انسى بقى كل اللي اتعلمته طول حياتك وهنا هتبدأ من أول وجديد". جملة تكشف مدى فشل وضياع ١٨ سنة على الأقل من حياتك من الروضة إلى الجامعة، أجمل سنين العمر تضيع في حشو العقل بمعلومات دون فهم أغلبها، قهر وضغوطات مالية وجسدية ونفسية يعاني منها الجميع (البعض أصبحوا يخرجون من الثانوية العامة بأمراض نفسية حقيقية)، نقوم احنا كوزارة أو حكومة أو دولة نقولك؛ إحنا حسينا بمعاناتك، وهنصلح أكتر شيء مؤذي في حياتك، دفعت فيه عمرك والمقابل كان أقل بكثير، فاحنا كشعب أو طلبة أو أهالي أو معلمين نفرح ونقول هيبييييه. . بس للأسف مفيش هيييييه. كل اللي فيها إن إحنا رقّعنا النظام، فجبنا السيد الدكتور (اللي مطلعش دكتور) محمد عبد اللطيف عضو مجلس إدارة شركة "فيوتشر إنترناشيونال" العاملة في مجال التعليم، والمدير التنفيذي لمجموعة مدارس السيدة الفاضلة والدته "نرمين إسماعيل"، والعضو المنتدب لشركة "أدفانسد إديوكيشن" لمعادلة شهادات المدارس الأمريكية، بالظبط كده يعني واحد منقوع طول عمره في التعليم الدولي وخصوصًا النظام التعليمي الأمريكي، يعني طبيعي يشوف أن هو ده أفضل منظومة بغض النظر عن البيئة والثقافة والاقتصاد، - طب وماله يا عم ما تجيب نظام الدبلومة الأمريكية واديها رخصة مكان الثانوية العامة وأديك تبقى طبقت نموذج كامل متكامل على بعضه. -لا يا باشا مينفعش، أنت عاوز الناس تاكل وشنا؟! -ليه بس يا سعادة البيه؟! -الناس هتثور علينا علشان طمس الهوية -خلاص حط مادة اسمها التاريخ المصري وخليها إجبارية على الكل؛ اللي بيحفظ واللي مبيعرفش يحفظ واللي هربان من الحفظ واللي داخل طب واللي عاوز هندسة، واللي يعترض قول له أنت خاين ومش مثقف ومش عاوز تعرف تاريخ بلدك، وبالنسبة للحشو مش هنغلب هنحط أي محتوى انشالله سمك لبن تمر هندي ياما عملناها قبل كده. -بس برضه لسه فيه مشكلة. . -إيه تاني ؟! - المجتمع ثقافيًا ونفسيًا عنده عداوة مع كل ما هو أمريكي تروح تقوله نطبق النظام الأمريكي؟ - سهلة، إحنا مش هنجيب سيرة أمريكا في أي حاجة، ولا أي حاجة إنجليزي من الأساس، أقولك إحنا نسمي الشهادة بنفس شهادة الثانوية الفرنسية، إحنا نسميها بكالوريا، والمصريين دمهم خفيف وهيعيشوا نوستالجيا الأفلام الأبيض والأسود ونقعد نضحك كلنا ومحدش هيركز أصلًا أنها شهادة مصرية بسيستم أمريكاني ومحتوى عشوائي واسم فرنسي ودوخيني يا دنيا. - طب متنساش إننا مجتمع متدين بطبعه. . - سهلة، حط الدين مادة أساسية تضاف للمجموع، هتلاقي كل الناس بتهلل لك. - فكرة عبقرية، بس مش كده ضد فكرة الدولة المدنية وتسطيح لمفهوم الدين ذات نفسه؟ - يا باشا، كارل ماركس قالك إيه؟! الدين أفيون الشعوب، يعني عاوز تسيطر على الشعب البسيط أدخل له من حتة الدين، مش علشان هو فعلًا متدين لكن علشان هما بيتستروا بالدين ده وراء جهلهم وأفعالهم المنحلة اللي الدين أصلًا منها ومنهم بريء. - تفضل مشكلة المنهج، هل نكمل بمناهجنا وامتحاناتنا ولا ناخد المنهج الأمريكي وامتحاناته؟ - لا يا باشا طبعًا الناس هتهيج علينا ويقولوا لك مجانية التعليم، إحنا ناخد السيستم الأمريكي والاسم الفرنسي والطالب والمعلم والمنهج المصري، اللي هو كده كده نجيب معلومات كثيرة من كتب كثيرة ونرصها وراء بعض بدون هدف وبدون رؤية، ونعمل كتاب كبير وامتحانات كثير وورق ودرجات ورصد وامتحانات وورق ودرجات ورصد، وامتحانات تاني، وسميها تقيمات وشوية أداءات ودرجات ورصد، وخلي الكل مربوط في الساقية؛ الأب والأم والعيال والمدرسين والإداريين، واللي يعترض هنقول عليه في الأول جاهل ومبيفهمش ولو طول نقول عليه خاين وعميل. - تفتكر الناس هتبلع الطعم؟! - وليه هيعترضوا ما إحنا هنقولهم خففنا المواد وحافظنا على القومية العربية والدينية بتعظيم مكانة منهج اللغة العربية والدين، والقومية المصرية بالتاريخ وأدناكم ٤ فرص للامتحانات بدل فرصة واحدة. - بس كده هيدفعوا فلوس كثيرة وهيعترضوا. - أقول لسعادتك أول كام سنة نخلي أول محاولة ببلاش، والمحاولة الثانية بـ٥٠٠ جنيه للمادة الواحدة، وبعد ما الدنيا تترسأ وتبقى تمام يحلها ١٠٠ حلال. - بس برضه ٥٠٠ جنيه للمادة كثير! يعني ٢٠٠٠ جنيه في تحسين سنة ثانية و ١٥٠٠ في ثالثة، وإحنا أصلا عندنا أكتر من نصف الشعب تحت خط الفقر. - ماهو ده الهدف سعادتك، اللي شايف نفسه ميقدرش يحوّل من الأول تعليم فني، ونبقى خلصنا من الشباب الخريجين اللي فاكرين نفسهم أنهم طالما خارجين من الجامعة يبقوا بهوات، ويبقوا عارفين من أول الطريق أن البلد عاوزاهم فنيين وأسطوات واللي مش عاجبه يشخلل جيبه ويسفر عياله يعلمهم بره، أو يوديهم بقى تعليم دولي خاص أميريكان دبلومة، IG ، IP أي حاجة، المهم ينزاح من فوق قفا ميزانية الدولة، واللي يقدر على كده يكمل جامعات خاصة بقى، وبكده نجيب مستثمرين ودول يفتحوا معاهد وجامعات خاصة أكتر ونجيب عملة صعبة للبلد وأهو نروق على الاقتصاد. - يعني ايه؟ - يعني قدامهم ٣ اختيارات؛ معكش فلوس ومعندكش حيل للمناهدة أدخل تعليم فني، معاك فلوس وشايف البهدلة اللي إحنا بنبهدلها في التعليم اهرب بحياتك لنظام تعليم دولي بس هنبيّعك اللي وراك واللي قدامك، مش عاوز ولا ده ولا ده يبقى تخرس خالص ومسمعش نفسك وكما قيل للفنان عادل إمام؛ لا تناقش ولا تجادل يا أخ علي. - عفارم عليك. - يعني نتكل على بركة الله ونذيع. - ذيع يا وديع تترتا تا تا، اللقطات اللي واخدينها كلها طبيعية والأبطال أنا وانت وهي، أنا وأنت وهي. . --- ### ثقافة الموت في مواجهة لاهوت الحياة - Published: ۲۰۲۵-۰۱-۱۳ - Modified: 2025-01-13 - URL: https://tabcm.net/33641/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: إيريس حبيب المصري, الإمبراطورية الرومانية, الكنيسة القبطية, جايوس فلاڤيوس ڤاليريوس أوريلوس قسطنطينوس, عصر المجامع, قصة الكنيسة القبطية, مجمع خلقيدونية الانفصام الذي تمكّن من عدد غير قليل من الشباب الذي وقر في ذهنة أن الطهارة في التبتل، والزواج -حسب ما تلقنه- هو ثمرة السقوط، فاكتظت بهم محاكم الأسرة، وهجروا بيوتهم وبعضهم ذهب يطرق أبواب الإلحاد. وتئن البيوت بمآسي تنفطر لها القلوب ما أشبه اليوم بالأمس البعيد، الموغل في البعد، ربما لقرون، فيما نشهده من صراعات تشبه صراعات الديكة، في دائرة المتقدمين في دوائرنا الكنسية، ربما الفارق بين شخوص اليوم ونظرائهم في ذاك الأمس هو في قدر المعرفة التي تأسس عليها الصراع، فبينما كان أسلافهم قامات لها ثقلها في علوم اللاهوت والمنطق والتحليل، نجد فرقاء اليوم تستغرقهم الضحالة المعرفية، برغم زعمهم أنهم الأعلون علمًا ومعرفة بحكم مواقعهم المتقدمة، سواء في مقاعد السيطرة أو في صفوف أولى قريبة منها أو مناوئة لها. بعضٌ من مبررات صراع الأولين اختلاف المرجعيات اللغوية والفكرية؛ ففريق منهم ثقافته المعرفية يونانية الفكر واللسان، وفي مقابل فريق ثقافته -فكرًا ولسانًا- لاتينية، الأمر الذي جعل فهم كلاهما لمصطلحات الآخر يحتاج تدقيق واستيعاب لم يتوفرا لبعضهم في خضم احتداد النقاش، الذي لم يكن كثيره مجردًا من تدخلات السياسة وتوازناتها. هذه المبررات ليست الوحيدة، فقد نجم عن استقرار الكنيسة وانتهاء موجات الاضطهاد الممنهج والرسمي بدعم الإمبراطورية الرومانية، أن انطلقت القراءات المخالفة للإيمان المسيحي حسب الكنيسة الأولى، مما استنفر رجال الكنيسة الأتقياء الأمناء للرد عليها وتصويبها، في دوائرهم المحلية، لكن المواجهات تفاقمت لتحدث سجسًا في الشارع يهدد استقرار الإمبراطورية، الأمر الذي دفع الإمبراطور قسطنطين إلى دعوة الفرقاء للاجتماع تحت رعايته للتوافق على صيغة إيمانية واحدة، وكان تحركه هذا لحماية امبراطوريته من الانشقاق، فكان اجتماعهم المسكوني الأول في مدينة نيقية 325 م. ، ليبدأ عصر المجامع المسكونية. وهو العصر الذي انتهى وقد دب الانشقاق الرسمي في جسد الكنيسة، وزوال الإمبراطورية. مشكلة الفرقاء الجدد أنهم لا يقرأون التاريخ، ويصنّمون مجريات عصر المجامع، وينكرون ما كان يحاك فيه من مؤامرات داخل وحول تلك المجامع، وتحالفات بعض قيادات ومتقدمي تلك المجامع مع سيدات القصر اللواتي كنّ يوجهن صراعات جلساتها الرسمية وفق مواقفهن من أطرافها، وقد كشف طيف منها كتاب مجمع خلقيدونية إعادة فحص للأب في. سي. صموئيل، وهو كاهن وباحث ومؤرخ هندي أرثوذكسي، وتعرضت له المؤرخة المصرية إيريس حبيب المصري في موسوعتها قصة الكنيسة القبطية وتحديدًا في كتابها الأول منها. ولنا نموذجًا في حكاية ق. ديسقورس ورسالته لشعبه الهائج، في أثناء انعقاد مجمع خلقيدونية 451م. ، والمرفق بها شعيرات ذقنه وبعض من ضروسه التي سقطت من جراء التعدي عليه، وقد وصفها بأنها ثمن دفاعه عن الإيمان القويم في مخاتلة سياسية فجة. ونحن لا نتعرض هنا لواقعة الاعتداء بذاتها وملابساتها، إثباتًا ونفيًا، فتلك مهمة المؤرخين. فرقاء اليوم يكررون بغباء ينفردون به حصريًا تبادل نفس التشويهات والاتهامات، من جانب، والمعالجات الهزيلة، التي تستحضر التسامح في غير موقعه وظروفه، معولين بوهن على الزمن، على جانب مقابل، وينتظرون بقاء كياناتهم مقدسة جامعة رسولية! ! يصدرون للشارع صورة التقوى فيما الفساد ينخر عظامهم، وتتولى ملابسهم الإمبراطورية، المفارقة للزمن والمنطق، ومجامر عبيدهم الذهبية بهالات بخور تحرق أمامهم، تغييب الوعي وتخدير الحس اللاهوتي، ويحرصون على ألا يطير الدخان. لم أستطع أن أقرأ تطمينات القديس بطرس كما صاغها في رسالته الأولى، على واقعنا، فالبلوى المحرقة الحادثة بيننا ليست لامتحان إيماننا، بل بسبب فساده. وقد اختلط برؤى وثنية كارثية. بإلحاح انقلاب من قفزوا على مقاليد الأمور، الذي اقتحمنا مواكبًا لنكسة عامة تشكلت ملامحها مع قدوم النصف الثاني من القرن العشرين، وكان من نتائجها رهبنة الفضاء العام لحياتنا خارج أسوار الأديرة، وهو توجه وجد قبولًا شعبيًا تحت تأثير التغيرات الضاغطة سياسيًا ومجتمعيًا، آنذاك، مع المد الأصولي في المزاج العام، كان ظاهر هذا التوجه روحيًا لكن باطنه كان تمكينهم من السيطرة برؤاهم النفسانية على العقل الجمعي للتابعين، وكان لهم ما أرادوا. وفي واحدة من نتائجه الكارثية؛ الانفصام الذي تمكّن من عدد غير قليل من الشباب الذي وقر في ذهنة أن الطهارة في التبتل، والزواج -حسب ما تلقنه- هو ثمرة السقوط، فاكتظت بهم محاكم الأسرة، وهجروا بيوتهم وبعضهم ذهب يطرق أبواب الإلحاد. وتئن البيوت بمآسي تنفطر لها القلوب. لذلك يقاومون كل محاولات التواصل الجاد مع الكنائس الأخرى، التي قفزت فوق أسوار الجمود، ووضعت الإنسان فوق السبت وقبله، وفعّلت طاقات الرهبنة لخدمة الإنسان، وامتلكت شجاعة المراجعات في ضوء تطور علوم اللغويات وعلوم الترجمة، ودعت لحوارات مسكونية كنا مشاركين فيها، ولكن جهودنا كسرت على أعتاب بعض أصوليين لم يدركوا فداحة التشرذم. ولم تعي كيف كسرت تلك الكنائس فخ الإنسان العتيق الذي تشَكّل وجدانه هنا بثقافة عثمانية، هذا البعض مازال يتبنى ثقافة الموت والهوان ولم تدركه بهجة الإيمان وفرح الحياة في المسيح، عبر لاهوت الحياة. الأزمة ليست في هذا الأسقف وتحالفاته أو ذاك الشماس وجماعته، بل فيما زُرع والناس نيام وأكلنا ثماره المسمومة. فلنبحث بوعى وموضوعية عن أبواب الخروج. ورد المسلوب وتحرير المأسور، بغير أن يرهبنا منهج المقاومين حماية لمصالحهم ومواقعهم في إثارة العامة وصراخهم؛ اصلبه... اصلبه. --- ### وُلد لكم اليوم - Published: ۲۰۲۵-۰۱-۱۲ - Modified: 2025-01-12 - URL: https://tabcm.net/33633/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: Solus Christus, آدم, الأب متى المسكين, التبني, الشيطان, تارح, حواء, سنكسار, عيد الميلاد, قايين, قديس بولس الرسول, مجلة مرقس, ميلاد المسيح, هابيل "وُلد لكم اليوم"، ‏بقلم الأب متى المسكين، نُشر أوّل ما نُشر في مجلة مرقس، عدد يناير ١٩٧٩، الصفحات من ١٦ إلى ٢٦ يقول الملاك للرعاة: ((إنجيل لوقا  ۲ : ۱۱ )) أنه وُلد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب (إنجيل لوقا  ۲ : ۱۱) ويقول أشعياء النبي عن هذا الحادث عينه: ((سفر أشعياء ٩: ٦-٧ )) لأنه يولد لنا ولد ونعطى ابنًا، وتكون الرئاسة على كتفيه، ويُدعى اسمه عجيبًا، مشيرًا، إلهًا قديرًا، أبًا أبديًا، رئيس السلام. لنمو رياسته، وللسلام لا نهاية على كرسي داوود وعلى مملكته، ليثبتها ويعضدها بالحق والبر، من الآن وإلى الأبد. (أشعياء ٩: ٦-٧) تأملنا في الماضي في علاقتنا بيسوع الطفل علاقة اختبارية عشنا بها هذه السنة، وأشهد أنها كانت ذات أثر فعال فينا وفي كل من اتصل بنا. نريد أن نتأمل معًا في هذا العيد علاقتنا بهذا الميلاد السعيد، لأنه كما سمعتم من الملاك ومن أشعياء النبي أن المولود هو لنا وأنه ابننا: نعطى ابنًا فهو حادث سعيد يخصنا جدًا كما يقول الملاك ها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب ((إنجيل لوقا ٢ : ١٠ )). ولكي أستوفي علاقتنا بهذا الميلاد حقها من الفرح العظيم كاختبار نعيشه، يلزمني أن أعود بكم وأصوّر لكم المواليد السابقة لكل العظماء السابقين، فإبراهيم أب الآباء وُلد في يوم من الأيام في أور الكلدانيين، وجاء الخبر إلى أبيه تارح، وفرح تارح (ولم تفرح البشرية)، ثم مات تارح ومات إبراهيم وبكاه ولداه اسحق وإسماعيل ودفناه في مغارة المكفيلة. وكذلك كان مولد اسحق وموته، فرح وحزن متلاحقان، كذلك مولد يعقوب والأسباط. ويوسف وموسى أعظم قائد عرفه التاريخ سار بأمّة ٢ مليون في برية قفر ٤٠ سنة، ويشوع وجميع الآباء والأنبياء: فرح يوم الميلاد، ونواح وبكاء وعويل كثير يوم الممات! كل البشرية، كل أولاد آدم ماتوا، ماتوا جميعًا، وكان الحزن على موتهم أضعاف أضعاف الفرح في مولدهم، لأن فرح الميلاد إلى يوم، أما الحزن على الميت فإلى أيام كثيرة. ويقول الكتاب عند موت يعقوب أنه بكى عليه المصريون سبعين يومًا ((سفر التكوين ٥٠: ٣ )). هذا في مصر، ثم أخذوا يعقوب إلى أرض كنعان، وعند دفنه في مغارة المكفيلة عادوا فناحوا هناك عليه نوحًا عظيمًا وشديدًا جدًا ((سفر التكوين ٥٠ : ١٠ )). هذا هو ميلاد يعقوب إسرائيل وهذا هو موته. وهذا هو الإنسان عامة حزنه أكثر من فرحه مئة ضعف. ولا يخلو الكتاب من نبي لعن يوم ميلاده عندما أراد الملك ورؤساء الكهنة خنق كلمة الحق في فمه، التي كانت تغلي في عظامه. ولكن من الأمور العجيبة والمفرحة جدًا يا أحبائي، أن ميلاد المسيح هذا الذي تم في آخر الأيام كنهاية لكل ميلاد، ثبت كل هذه المواليد السابقة وجعلها نقطًا مضيئة في تاريخ الخلاص! ! ولو لم يولد المسيح لبقيت هذه المواليد نكرة لدى العالم كله. فكل هذه المواليد التي لكافة الآباء والأنبياء والعظماء كانت تستمد وجودها وكيانها وعملها ونعمتها من هذا الميلاد الفائق. لقد ولدوا على رجاء وماتوا على رجاء، حتى ولد الرجاء الذي لا يموت قط. ولكن اليوم يبشرنا الملاك ها أنا أبشركم بفرح، بفرح عظيم يكون الجميع الشعب. إنه وُلد لكم اليوم مخلّص هو المسيح الرب ((إنجيل لوقا ۲: ١٠-۱۱ )). إنها أول مرة في تاريخ البشرية أن يبشِّر بميلاد مخلّص هو المسيح الرب، ثم أول مرة يقال أنه وُلد لنا، وفي مكان آخر نورًا للأمم ومجدًالشعبك إسرائيل ((إنجيل لوقا ۲: ٣۲ )). هنا أريد أن أنبه ذهنكم وأركز بشدة على قول الملاك وأشعياء النبي أنه وُلد لكم، يُولّد لنا بمعنى أن الطفل المولود، كونه يخصنا أو أنه بتعبير أشعياء النبي نُعطى ابنًا، هو من صميم كياننا، وفي نفس الوقت هو رب ومسيح. فالمولود ينبغي أن يكون موضع فرح عظيم، لأنه مولودنا ويبقى معنا إلى الأبد. الصورة التي يريد أن يصورها الوحي الإلهي، إن كان من فم الملاك أو فم أشعياء النبي، هي وكأننا جميعًا -أي البشرية- أمّ عاقر، أو مصابة في كل أولادها الذين تلدهم، فإنهم يموتون ولا يعيشون، أو كأنهم يولدون ليموتوا سريعًا، أو ربما بأقصى عمق في التعبير؛ أن البشرية كانت تلد أمواتًا أو تلد الموت ذاته عنصر اللعنة الأولى! ! فكان الفرح بميلاد الإنسان، كل إنسان، فرحًا عابرًا أو كذبًا يكذبه نواح الموت الشديد والسواد الذي يغطي كل البيت! ولكن جاء اليوم السعيد حقًا في عمر البشرية، الذي فيه يولد لنا ولد ونعطى ابنًا من السماء يبقى لنا إلى الأبد، وكأننا نحن -أي كل البشرية- حملنا به دون أن ندري، ومخضنا به دون أن نشعر، ثم ولد بمرأى من الملائكة ميلادًا عجيبًا حقًا، اشتركت فيه السماء والأرض معًا، «من الروح القدس والعذراء مريم معًا» - أو كما يقول لحن «بي جين ميسي» البديع الذي يقال ردًا على قراءة السنكسار يا للميلاد البتولي. يا للطلقات الروحانية. يا للعجب العجاب. كقول الأنبياء. وميلاده من الروح القدس يشير بوضوح أنه ابن الله، أما ميلاده من عذراء لم تعرف رجلًا يعمق حقيقة المولود أنه ابن البشرية جمعاء من حيث الجسد ابن الإنسان. هنا يتحد إعلان الملاك وُلد لكم مع نبوة أشعياء يُولد لنا ولد ونُعطى ابنًا في تصوير مبدع للبشرية؛ كأم عاقر انفك عقمها من السماء في شخص العذراء، فولدت ابنًا للحياة، وهو الحياة ذاتها أتى من السماء ويعود إليها، لا يسود عليه الموت أو التراب بل يطأه بقدميه، لأنه هو هو القيامة والحياة، يقوم ويخلّص أسرى الموت، والذين في القبور أنعم عليهم بالحياة الأبدية! ! لهذا ظهر الملاك وجمهور جند السماء يوم ميلاد المسيح ممجدًا الله ومطوّبًا البشرية معًا المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة، ظهر بالبشرى السعيدة هـا أنـا أبشركم بفرح عظيم، فرح عظيم حقًا لأنه لن يلغيه حزن الموت عليه، بل ستثبته القيامة لحياة أبدية. فلم يعد في المسيح حزن على موت، بل صار للموت مع المسيح رجاءٌ وفرحٌ أعظم من فرح الميلاد، بقدر ما أن القيامة أعظم من ميلاد الجسد. أنظر كيف كان يستقبل الشهداء يوم استشهادهم بالفرح والتهليل، وكأنهم في عيد، ثم أنظر كيف نعيّد نحن ليوم استشهادهم باعتباره يوم ميلادهم. ميلاد المسيح نقلنا من الخوف العظيم إلى الفرح العظيم: تقول البشارة وإذا ملاك الرب وقف بهم، ومجد الرب أضاء حولهم، فخافوا خوفًا عظيمًا ((إنجيل لوقا ٢: ٩ )). لماذا هذا الخوف؟ لماذا يخاف رعاة بسطاء طيبون من ظهور ملاك ومن حضور مجد الله؟ إن هذا القول لمحزن ومؤسف للنفس أشد الحزن والأسف، هل لان مجد الرب أضاء حولهم يخافون خوفًا عظيمًا؟ ما كان ظننا هذا! ولكن هذا هو ميراث الإنسان الأليم وخبرته المحزنة مع الله التي ورثها من آدم «آدم آدم، أين أنت؟» فقال آدم: سمعت صوتك في الجنة فخشيت لأني عريان فاختبأت.  ((سفر التكوين ٣: ١٠ )). هذه هي أول خبرة الخطية أي رعبة الخوف والاختباء من الله، التي تغلغلت في أعماق ميراثه النفساني والعصبي، الخوف من مجرد ظهور الله أو سماع صوته! ! ومع الخوف تلقائية سريعة للاختباء، هذا هو سر هروب الناس من الكنائس أو من الصلاة، وذلك واضح كل الوضوح أنه بسبب الخطية الرابضة في أعماق اللاشعور والإحساس بعصيان أوامر الله. وهكذا صار كل عصيان لصوت القدوس يعقبه عريّ، عريّ جسدي ونفسي. فالنفس بالخطية أي بالعصيان تنفصل عن الله وتتعرى من غطاء ستر الله المنير الذي هو الحق والقداسة والكمال، وبالتالي أو بالضرورة تستجيب الحواس الجسدية لهذا الخوف فيظهر الجسد الترابي بعوزه ونقصه مربوطًا بغرائزه منفصلًا عن مصدر كماله وقداسته ونوره. هذه هي أول درجة دخلها الإنسان في خبرة الخوف، وهي الخوف المرعب من ظهور الله بسبب الشعور بالتعري الداخلي والخارجي بسبب الخطية. أما الدرجة الثانية، أو ما نسميه بالدينونة، عندما نطقها الله في وجه آدم ملعونة الأرض بسببك، بالتعب تأكل كل أيام حياتك ((سفر التكوين ٣: ١٧ )) بعرق وجهك تأكل خبزًا حتى تعود إلى الأرض التي أُخذت منها ((سفر التكوين ٣: ١٩ )). وبعد سماع الحكم مباشرة نفذ النطق الإلهي وطُرد آدم وامرأته من أمام وجه الله. وقد يظن أحد أن هذا حدث لآدم فقط، ولكن يلزم أن ندرك أن كل ما حدث لآدم صار ميراثًا للبشرية كلها في صميم كيانها النفسي والجسدي. صدقوني يا أحبائي أنه لو سمع أي ولد مثل هذا الحكم من أب جسدي، فإنه يرتعب ارتعابًا وخصوصًا إذا وجد أحد الخدام يمسك بيده ليخرجه من البيت إلى الأبد! ! هذه هي رعبة الدينونة في الخوف. أما الدرجة الثالثة، فهي خبرة الموت. وكانت أول خبرة هي رؤية آدم وحواء ثمرة الخطية والدينونة، ابنها هابيل واقعًا على الأرض ميتًا مقتولًا بيد أخيه قايين، لقد حبلت حواء بالخطية فولدت موتًا. إنها أول مواجهة للإنسان تجاه حقيقة الموت. إنها رعبة فوق ما يتصور الإنسان يقول عنها القديس بولس الرسول ((رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين ۲: ١٤-١٥ )): فإذ قد تشارك الأولاد في اللحم والدم اشترك هو أيضًا كذلك فيهما، لكي يبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت، أي إبليس، ويعتق أولئك الذين خوفًا من الموت كانوا جميعًا كل حياتهم تحت العبودية. (رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين ۲: ١٤-١٥) إن رعبة الموت مرعبة للغاية، لأن فيها يحس الإنسان الواقف أمام الميت بفقدان كيانه هو، مدركًا في الحال مصيره المحتوم. لذلك أصبح الإنسان عبدًا ذليلًا رعديدًا للموت ولأخبار الموت ولكل ما من شأنه يؤدي إلى الموت! الآن ندرك سر ذلك الخوف العظيم الذي عصف بالرعاة عندما أضاء مجد الرب حولهم وسمعوا صوت الملاك! ! كذلك ندرك سر أيّ خوف أو رعبة تنتابنا من الوقوف في حضرة الله. أنه لا يزال لم يولد لنا ولد ولم نُعط ابنًا هو المخلص، المسيح الرب. وهذا هو سر رعبة الرعاة يوم البشارة بسبب حضور الرب. وهنا مقارنة غاية في القوة والشمول نسمعها مرة أخرى من فم الملاك ((إنجيل لوقا ٢: ٨-١١ )): وكان في تلك الكورة رعاة متبدين يحرسون حراسات الليل على رعيتهم، وإذا ملاك الرب وقف بهم، ومجد الرب أضاء حولهم، فخافوا خوفًا عظيمًا. فقال لهم الملاك: «لا تخافوا! فها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب: أنه وُلد لكم اليوم في مدينة داود مُخلّصٌ هو المسيح الرب». (إنجيل لوقا ٢: ٨-١١) واضح جدًا يا أحبائي قدرة الملاك العجيبة على إدراك سر رعبة وخوف هؤلاء الرعاة. فهو إذ يدرك سبب خوفهم العظيم يسرع فيطمئنهم لا تخافوا! لقد انقضى زمان الخوف والرعبة من الله، ومن منظر مجد الرب عندما يضيء أمام الإنسان. ها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون للجميع، لأنه ولد لكم اليوم من سيخلصكم من كل أسباب الخوف العظيم. هذا المولود، المسيح الرب، سيلغي سلطان الخطية على الإنسان ويكسر عنه شوكة الموت، ويصالح الإنسان بالله وينهي على الدينونة ورعبتها. افرحوا، افرحوا فرحًا عظيمًا! ! لأنه ولد لكم اليوم مُخلّصٌ. إنها بشارة عجيبة حقًا للإنسان البائس، إنها نطق إلهي جديد وعجيب يزيل كل الآثار المرعبة للنطق الأول باللعنة والموت والطرد الذي تغلغل في أعماق نفسية الإنسان. يا أحبائي انتبهوا، فالملاك ينطق هنا بفم الله، لان حضرة الله كائنة ومضيئة مع ظهور الملاك، انتبهوا فالله نفسه يسلم الإنسان نطقًا جديدًا عوض النطق الأول لآدم، الله نفسه يدعونا أن عوض الخوف العظيم الذي عشناه بميراثنا الآدمي ونسجته الخطية والموت والدينونة في الحمنا ودمنا ومحنا وعظامنا، في ظلمة مرعبة هذه الدهور كلها، نطرحه كله الآن كأمر إلهي صدر لنا اليوم بحضرة الله ونوره العجيب، لنفرح فرحًا عظيمًا لأن آدم الثاني المخلّص المسيح الرب وُلد لنا اليوم، فنلنا بميلاده بشرية مجددة فيه، مهيأة للعودة إلى حضن الله الأبوي. فلا رعبة في المسيح من خطية، ولا خوف في المسيح من دينونة، ولا رعدة في المسيح من موت. لذلك يشدو الملاك افرحوا فرحًا عظيمًا، قد وُلد المخلص في مدينة داود. يا أحبائي، يوجد نقطتان على الأرض تخلوان تمامًا من الخطية والدينونة والموت :مغارة بيت لحم، والجلجثة. في الأولى وُلدت الحياة، وفي الثانية اُستعلنت الحياة. وُلد لكم اليوم مخلّص: السؤال الذي نريد استجلاء غوامضه هو: كيف أن طفلًا مولودًا يسمّى بل ويعيّن وهو في المهد، مُخلصًا؟ هذه مضادة عقلية مُحيّرة لان الطفل يحتاج لمن يعينه ويخلصه! ! وبالرجوع إلى نبوة أشعياء ((سفر أشعياء ٩: ٦-٧ )) تزداد المضادة حدة، ولكن يصاحبها الشرح: لأنه يولد لنا ولد ونعطى ابنًا، وتكون الرئاسة على كتفيه، ويُدعى اسمه عجيبًا، مشيرًا، إلهًا قديرًا، أبًا أبديًا، رئيس السلام. لنمو رياسته، وللسلام لا نهاية على كرسي داوود وعلى مملكته، ليثبتها ويعضدها بالحق والبر، من الآن وإلى الأبد. (أشعياء ٩: ٦-٧) هنا المضادة تبلغ أقصى حدتها وعنفها، فالولد الذي يولد كابن لنا هو هو إله قدير، وهو هو للبشرية كلها أب أبدي. ويفصح أشعياء عن هذا الإعجاز غير المدرك عقليًا بقوله ويدعى اسمه عجيبًا. واضح جدًا يا أحبائي من هذه النبوة ومن كل ملابسات البشارة التي نطقها الملاك بحضرة الله ومن ظروف الميلاد البتولي العجيب أن هناك حدثًا إلهيًا خطيرًا، وأمامنا تجسد إلهي، فالولد المولود لنا من لحمنا ودمنا هو ابن الله الإله القدير، وهو نفسه سيصير للبشرية من واقع تجسده أبًا لها يحمل همها وخلاصها إلى الأبد، قديرًا في خلاصه وفدائه لجنسنا الذي اتحد به. . ولكن أين وكيف سر الخلاص في ميلاد المسيح؟ الاتحاد المتبادل: واضح يا أحبائي بحسب السر الحادث أمامنا والسابق التنبؤ به أن ابن الله اتخذ جسدًا طاهرًا من العذراء اتحد به فصار إنسانًا وهو ابن العلي، وهو بذلك يفتح الطريق إلينا لنتحد نحن به كما اتحد هو بنا لنصير فيه وبه أبناء الله مولودين من الله. فكما وُلد المسيح ابنُ الله وصار إبن الإنسان بالاتحاد بطبيعتنا التي اتخذها من العذراء، هكذا فتح لنا الطريق لنولد نحن أيضًا من الله بالروح القدس بالاتحاد بالمسيح. فاتحاد الله بنا فتح الطريق لاتحادنا به. هذا هو سر تهليلنا وفرحنا في هذا العيد. لقد وُلد المسيح لنولد نحن! ! هذا هو سر الخلاص الأبدي والباب والطريق. فالاتحاد الذي أكمله الله بنا في اتضاع المذود فتح الطريق أمامنا لرجاء لا ينتهي! ! ولكن من الأمور البديهية في اللاهوت العقائدي أن اتحاد ابن الله بالطبيعة البشرية يختلف اختلافًا جوهريًا عن اتحادنا نحن بالمسيح. فإبن الله برغم اتحاده بالطبيعة الأقل لم يفقد كإله شيئًا مما كان له قط، ولا صار ذا طبيعتين بل طبيعة واحدة للإله الكلمة المتجسد، إله كامل وإنسان كامل بآن واحد. أما نحن فاتحادنا بالمسيح بالإيمان في المعمودية والأسرار لا يعطينا أي امتياز قائم بذاته بدون المسيح. فسنظل بشرًا إلى الأبد، لأنه اتحاد بالمشاركة. فكل الامتيازات التي ننالها كأبناء الله ننالها في المسيح بالإيمان والأسرار وبدوام الشركة في المسيح، فإذا توقفت الشركة كعلاقة إرادة ونعمة في الصميم، توقفت كل الامتيازات التي للخلاص وتوقفت نعمة التبني. فاتحادنا بالمسيح لا يصيرنا آلهة ولا يصيرنا كالمسيح في جوهر طبيعته الفائقة، ولكن يدخلنا في سر بنوته للآب كبشر خطاة بررهم بدمه ووحدهم في ذاته بنعمته وتبناهم لله. والآن تأملوا معي في هذه المجازفة العظمى التي تحملها الله بنفسه ليصل إلى عمق ذلنا وخوفنا وبؤسنا. تأملوا في هذا الطفل العريان الملقى في مذود بهيمة من طين على حفنة من تبن. هذا التنازل الإلهي الهائل هو لحسابنا، هو دخول فعلى وواقعي بالألم والمعاناة، دخول إلى شركتنا للوصول إلى حل نهائي وأبدي وكامل لقضية بؤس الإنسان وحرمانه من الفرح والنور والسلام الإلهي. هو نزل إلينا حتى إلى طين المذود ليرفعنا من ذلنا إلى مجده. إن اتضاعه يأسرنا! ! الله لم يأتِ إلى عالمنا كملاك أو كضيف عظيم غريب يسمع شكوانا ويهبنا بركاته، وتظل طبيعتنا عاقرًا كما هي تلد للموت وتحيا للألم بلا رجاء ولا معنى. ولكن مرة أخرى، فلنستمع لصوت الملاك المبشر وصوت أشعياء النبي وُلد لكم . . يولد لنا ولد ونعطى ابنُا الله ملكنا ذاته، الله استأمننا على نفسه، فها هو ذا يبدأ معنا من أول الطريق كطفل ليعيش عيشنا، ويذوق ذلنا، ويعاني أعواز لحمنا ودمنا، ويحس بآلام خطيتنا ويدفع ثمنها كله عنا، ويعبر رعبتنا من الموت، ثم كإله يقوم ويقيم طبيعتنا معه، ويهزم الموت ويبدد سلطان الخطية ويرفع اللعنة ويلغي الدينونة، ويرتفع إلى السماء ويصالحنا مع الآب، ويعلن بدء ملكوت الله على قلوب أولاد الله. هذا هو المعنى العظيم للفرح العظيموُلد لكم مخلص لقد بدأت عظمة الجلجثة من داخل مذود بيت لحم. يا للسيمفونية الرائعة بين طين المذود وخشبة الصليب، بين القماط والمسمار! ! الفقر والطهارة في ميلاد المسيح: عسير عليَّ في هذا العيد، عيد الميلاد البتولي، ألا أعرج على مركز البتولية في هذا التلاقي العجيب بين الله والإنسان في سر التجسد. فاليوم يستودع الله سر تجسده لعذراء طاهرة، مريم تفك عقم حواء الذي صار لها باللعنة، مريم تحبل بالروح القدس عوض حواء التي حبلت بالخطية وسلمت لعنتها لكل بني جنسها كقول داود في المزمور بالإثم حُبل بي وبالخطية ولدتني أمي ((مزمور ٥١: ٥ )). حواء حملت وولدت ابنًا لآدم ليحمل لعنة أبويه، واليوم حملت العذراء بروح القداسة وولدت إبن الله الذي جاء ليخلّص كل بني آدم من الخطية واللعنة والموت. المنظر أمامنا اليوم بحسب العين البشرية هو هكذا: فتاة طاهرة، عذراء يتيمة، لا أهل لها ولا أصدقاء، تأوي إلى مغارة في الجبل لأنها لم تجد مكانًا واحدًا في المدينة كلها، بعد رحلة مضنية من الناصرة إلى بيت لحم، والوقت شتاء، وهي في نهاية شهرها التاسع وتحس بمخاض الولادة. بمجرد وصولها إلى المغارة، لا تجد مكانًا تضع فيه طفلها، فوضعته في مذود للبهائم بعد أن لفته بالخرق وجلست تسبح الله وتتقبل هدايا الرعاة زبدًا مع عسلًا فهكذا رأى أشعياء بالنبوة ها العذراء تحبل وتلد ابنًا وتدعو اسمه «عمانوئيل» زبدًا وعسلًا يأكل ((سفر أشعياء ٧: ١٤-١٥ )). هذا ما تراه عين البشر، أما بالرؤيا السماوية، فهنا وفي المذود الله ظهر في الجسد، تراءى لملائكة، سُبِّح به بالمجد، استعلن نورًا للأمم بنجم المجوس الهادي حتى مكان الطفل. فإذا جمعنا رؤية البشر ورؤية السماء معًا وجدنا تقابلًا مذهلًا بين مجد الله وفقر الإنسان. وهكذا يليق فعلًا أن يتقابل الله في مجده مع الإنسان في فقره وطهره! ! وما أبدعه سر للتقابل! ! إنه سيظل قانون المقابلة مع الله إلى دهر الدهور. ففي التجرد والطهارة يُستعلن الله دائمًا للإنسان! ! إن بروتوكول المذود والعذراء سيظل الأصول الأساسية التي تتم فيها كل مقابلة مع الله! ! نعم لا يمكن ولا يجوز أن نعبر على قصة الميلاد العجيب دون أن نشدد ونؤكد أن أول حضن بشري حمل الله هو حضن عذراء طاهرة! وأول مكان استقبل جسد ابن الله هو مذود للبهائم! وتمت نبوة العذراء مريم وهي ما تزال حاملًا ((إنجيل لوقا ا: ٤٩-٥٣ )): لأن القدير صنع بي عظائم، واسمه قدوس، ورحمته إلى جيل الأجيال للذين يتقونه. صنع قوة بذراعه. شتت المستكبرين بفكر قلوبهم. أنزل الأعزاء عن الكراسي ورفع المتضعين. أشبع الجياع خيرات وصرف الأغنياء فارغين. (إنجيل لوقا ا: ٤٩-٥٣) ولقد ظل المسيح نفسه ينبّر بعد ذلك على الفقر والطهارة في إمكانية العبور إلى ملكوت الله مرارًا، وذلك في شرح الصعوبة البالغة على الأغنياء في دخول ملكوت الله أو في أمر الذين خصوا أنفسهم من أجل ملكوت الله. إذن، لم يكن مصادفة ميلاد إبن الله في مذود، أو ائتمانه العذراء على تجسده؛ فقد كان هذا من صميم التدبير الإلهي وقصده المسيح لنفسه عمدًا لكي ينبه قلب الإنسان إلى مكان التلاقي! ! ليس معنى ذلك أن المسيح لا يتلاقى إلا مع الفقراء والعذارى! ولكن كل تلاقي مع المسيح لابد أن ينتهي إلى ذلك! أنظر كيف تلاقى مع السامرية على بئر العالم المعطشة، هذه الخاطئة صاحبة الخمسة أزواج، كيف تحولت في الحال إلى شبه عذراء صهيون وانطلقت مبشرة على الجبال العالية تدعو المدينة كلها إلى توبة وإلى طهارة؟ إنه المسيح طفل المذود الإله ابن العذراء نور العالم، الذي يستطيع من أول مقابلة أن يبدد ظلمة العقل وسلطان الخطية والنجاسة ويهبك قداسته، ويعيد للإنسان كل ما فقده! ! ثم أنظر كيف أنه لمجرد أن وقعت عيناه على ذلك اللاوي المتمرس في فنون الصيارفة من مكسب حلال ومكسب حرام، الغني المنغمس إلى أذنيه في الأموال والأرقام، كيف قام في الحال وألقى بكل شيء مرة واحدة وصار من التابعين الذين يقتاتون من الصندوق، وإنجيليًا يبشر بالطوبى للمساكين. يا أحبائي، أنبه ذهنكم أن السامرية لم تسع للمسيح للتوبة وطلب الطهارة أو البشارة، وحقًا لو حاول كل وعاظ العالم أن يدفعوا هذه المرأة الخاطئة إلى سلوك هذا الطريق ما فلحوا! ! لأن خطية النجاسة تكبل صاحبها بقيود الظلام وتوقعه تحت عبودية الشيطان المُرة. فالمسيح وحده الذي قهر الشيطان وربطه، هو وحده الذي يستطيع ذلك وهو عالم بذُلِّ الإنسان، يسبق وينتظره على بئر الشهوة حيث يذهب مساقًا ليستقي كل يوم. إن المسيح، بدافع من شعوره بسلطان قداسته وطهره، له دائمًا سبق المبادرة مع الخاطئ. إنه على ميعاد دائمًا مع فجورنا. وعند اللحظة الحرجة من الحياة يظهر لتصفية حساب الخمسة أزواج ليقظة الضمير، لفك قيود الظلام وإنارة القلب وإعادة روح الطهارة وجمال البتولية ثم البشارة! ! ما أحوج العالم كله الآن إلى مقابلة سريعة مع المسيح على مستوى المذود والعذراء! !   وُلد لكم اليوم، بقلم الأب متى المسكين، نُشر أوّل ما نُشر في مجلة مرقس، عدد يناير ١٩٧٩، الصفحات من ١٦ إلى ٢٦   --- ### نسف محكمة الاستئناف - Published: ۲۰۲۵-۰۱-۱۱ - Modified: 2025-03-01 - URL: https://tabcm.net/32592/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: الإخوان المسلمين, جمعية الشبان المسلمين, حسن أحمد عبد الرحمن محمد البنا, حقيقة التنظيم الخاص, سيد فايز عبد المطلب, شفيق إبراهيم أنس, صلاح أبو شادي, عبد الرحمن علي فراج السندي, عبد المجيد أحمد حسن, محمد صالح حرب, محمود السيد خليل الصباغ, محمود فهمي النقراشي باشا, مصطفى النحاس, مكرم عبيد, ملك فاروق القصر يتهم الإخوان الذين تبرأ منهم مرشدهم فانقلبوا عليه بعدما علموا بنيته في تسليم أسلحتهم والخطرين منهم إلى السلطات، والإخوان يتهمون القصر والحكومة بالتخلص من المرشد ردًا على اغتيال النقراشي، لكن الأقرب هو الاحتمال الثاني؛ أن يكون الاغتيال تم بإيعاز من الملك فاروق على الأرجح في صباح يوم 13 يناير عام 1949، وبعد يومان فقط من نشر بيان البنا للناس، قام "شفيق إبراهيم أنس" رئيس إحدى خلايا التنظيم السري يحمل حقيبة جلدية بها قنبلة زمنية معدة للانفجار، وذهب بها إلى محكمة الاستئناف بباب الخلق بوسط القاهرة، وأدعى بأنه مندوب من إحدى مناطق الأرياف، جاء بقضايا للعرض على النائب العام، وترك الحقيبة في المكتب في حفظ أحد الموظفين بداخل المحكمة، وذهب بحجة إحضار ساندويتشات لتناول الإفطار. وبعدما غادر المكتب، بدأت شكوك الموظف تتجه نحو الحقيبة الجلدية، وبالفعل فتحها ليجد بداخلها قنبلة تكاد أن تنفجر، فهرع بها إلى خارج المحكمة محاولًا إنقاذ الأرواح، لكن الوقت لم يسعفه، لتنفجر القنبلة في الشارع وتقتل 25 مواطنًا مصريًا بريئًا بما فيهم الموظف ذاته. تم القبض على شفيق أنس وأعترف بأن الغرض من التفجير كان نسف المحكمة والتخلص من أوراق ومستندات قضية السيارة الجيب، وكان ذلك بأمر من سيد فايز مسؤول التنظيم، ويقول محمود الصباغ حول هذا الحادث: وبعد نجاح السرية في هذا العمل الفدائي، نظر السيد فايز فيما تنسبه الحكومة إلى الإخوان من جرائم باطلة، مدعية أنها تستند في كل ما تدعيه إلى حقائق صارخة في المستندات والوثائق المضبوطة في السيارة الجيب، وكان يعلم يقينًا بكذب هذه الافتراءات، ودليل ذلك ما ذكره عبد المجيد أحمد حسن بعد أن قرر الاعتراف علي زملائه، واستندت إليه المحكمة في براءة النظام الخاص مما وجه إليه من اتهامات، ولم يساوره شك في أن الحكومة قد زورت وثائق وقدمتها للنيابة لتدين الإخوان بما ليس فيهم من جرائم واتهامات باطلة، فقرر حرق هذه الأوراق، وكون سرية لهذا الغرض بقيادة الأخ شفيق أنس. وقد رسمت الخطة على النحو الذي ظهر في تحقيقات القضية المسماة زورًا وبهتانًا قضية محاولة نسف المحكمة، وحقيقتها أنها كانت محاولة حرق أوراق قضية السيارة الجيب، وتمكن شفيق أنس من أن يضع حقيبة مملوءة بالمواد الحارقة معدة للانفجار الزمني بجوار دولاب حفظ أوراق قضية السيارة الجيب، إلا أن قدر الله قد مكن أحد المخبرين من ملاحظة شفيق، وهو يترك الحقيبة ثم ينصرف نازلًا على درج المحكمة، فجرى مسرعًا وحمل الحقيبة وجري بها خلف شفيق، الذي أسرع في الجري حتى لا تنفجر الحقيبة على سلم المحكمة أو وسط حشود الداخلين في بهوها، ولما خرج إلى الميدان حذر المخبر من الحقيبة، فتركها فانفجرت في ساحة الميدان دون إحداث خسائر تذكر، وقبض على شفيق. (محمود السيد خليل الصباغ، حقيقة التنظيم الخاص، ص451) كان لهذا الحادث أسوأ الأثر في نفسية البنا لما سببه له الحادث من حرج شديد وجعل الدنيا تضيق في عينيه، فقد تأكد أن الأمر قد أفلت بالفعل من بين يديه، وألا سلطان له على التنظيم الخاص والقائمين عليه بعد ذلك، خصوصًا أنه علم بالحادثة قبل حدوثها ولم يمنعها، أو لم يستطع أن يمنعها مثلما أدعى، لدرجة أنه انهار في حضور صالح حرب قائلًا؛ ماذا أفعل؟ أأنتحر؟ كيف أصدر بيانًا بالأمس استنكر فيه تلك الأعمال فيأتي هذا الولد ويعمل ذلك؟ ماذا يقولون؟ فنصحه حرب باشا بإصدار بيان آخر يدين فيه الفعلة ويبرأ بنفسه من مرتكبيها، وبالفعل أصدر البنا بيانًا آخر نشره بالصحف وعنوانه؛ ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين، قال فيه بصراحة أنه يعتبر أي حادث من هذه الحوادث يقع من أي فرد سبق له الاتصال بجماعة الإخوان موجهًا إلى شخصه ولا يسعه إلا أن يقدم نفسه للقصاص أو يطلب إلى جهات الاختصاص تجريده من جنسيته المصرية التي لا يستحقها إلا الشرفاء الأبرياء وقد صدر البيان موقعًا عليه من البنا. كان لبيان البنا أسوأ الأثر على الإخوان المعتقلين، فقد كان صمودهم واحتمالهم للتعذيب يستمد كل صلابته من البيعة التي بايعوها له، فإذا تخلى زعيمهم عنهم وعن فكرة الجهاد كما لقنها لهم، فماذا يبقى؟ ها هو البنا يتهم أخلص تابعيه الذين أقسموا له على المصحف والمسدس يمين الطاعة التامة في المنشط والمكره، يتبرأ من رهبان الليل وفرسان النهار كما وصفهم في السابق، بل ويضطر إلى مديح الحكومة التي تعذب رجاله أشد العذاب، ويقول إنها حريصة على أمن الشعب وطمأنينته في ظل جلالة الملك المعظم، بل ويحرض الشعب على التعاون مع الحكومة للقضاء على هذه الظاهرة الخطيرة، رهبان الليل وفرسان النهار أصبحوا في أخر بيان للشيخ أولئك من العابثين، وجهادهم أصبح سفاسف. بعد بيان البنا الثاني، توسط محمد صالح حرب لعقد اجتماع آخر بين مصطفى مرعي والمرشد العام، وقرر الوزير أن الأفضل أن يتم اللقاء في بيته على انفراد دون حضور صالح حرب، في هذا اللقاء أبدى البنا أسفه لحادث المحكمة، وكرر طلبه بالإفراج عن المعتقلين، لكن مصطفى مرعي أجابه بحدة؛ معتقلين ايه؟ بقى بعد الحادث ده حد يقدر يتكلم في حاجة؟ أجاب البنا قائلًا المعتقلين ذنبهم إيه مادام واحد مجنون عمل كده؟ فأجاب مصطفى مرعي أن هذا دليل على أن معظم الخطيرين لم يُعتقلوا بعد والسلاح متوفرًا في أيديهم ويجب على البنا أن يرشد الحكومة إليهم مع التعهد بحمايته منهم لو اقتضى الأمر. فوعده الشيخ بإجراء اتصالات، ثم عاد مرة أخرى ليجتمع بالوزير مطالبًا بالإفراج عن المعتقلين أولًا ليعرف منهم المعلومات المطلوبة حسب قوله، فوجد مصطفى مرعي أن البنا يراوغ، فهو لم يكشف سر أحد من رجاله، فتوقفت الاجتماعات بينهم وبدأت السطور الأخيرة لحياة البنا، ويعترف صلاح أبو شادي مسؤول قسم الوحدات في النظام الخاص بانه؛ لو افترضنا أن الجماعة فقدت قدرتها على التحكم في الجهاز الخاص، فلا يمكن إعفاء قيادة الإخوان من مسئولية عدم مساءلة عبد الرحمن السندي، وكان من المحتم إبعاده عن منصبه، ولو تم ذلك، لتجنبت الجماعة الهزة التي حدثت في صفوفها. مقتل حسن البنا بعد اغتيال النقراشي ضيقت الحكومة الحصار على البنا، فصادرت سيارة البنا الخاصة واعتقلت سائقه، فحاول البنا تجديد رخصة السلاح الذي كان يحمله لكن طلبه قوبل بالرفض، وتم سحب سلاحه المرخص، وقُبض على شقيقيه الذين كانا يرافقانه في تحركاته، فكتب البنا خطابًا إلى فؤاد شيرين محافظ القاهرة يقول فيه؛ أشعر أني مهدد بالقتل، وأرجو تعيين جندي مسلح لحراستي على نفقتي الخاصة، وحملهم مسؤولية أي عدوان عليه إذا لم يستجيبوا، وبالفعل لم يستجب أحدًا لندائه، هنا أيقن البنا أنه استبقى ليُصفي، وأصبح ينتظر الموت في كل لحظة بعد أن صار عصفورًا في قفص، لأنه لا معنى لأن يعتقل جميع قيادات الإخوان وهم دونه، إلا أن يكون ذلك لأمر يدبر له خاصة، فأعد وصيته وذهب بها ليسلمها إلى صالح حرب باشا في جمعية الشبان المسلمين في الليلة التي قتل فيها، وهي الليلة الوحيدة التي خرج فيها من بيته منذ أن شعر بأنه مستهدف. في الساعة الثامنة من مساء السبت 12 فبراير 1949، كان حسن البنا يخرج من باب جمعية الشبان المسلمين بشارع رمسيس، ويرافقه رئيس الجمعية صالح حرب باشا لوداعه، عندئذ دق جرس الهاتف داخل الجمعية، فعاد رئيسها ليجيب الهاتف، عندما سمع إطلاق الرَّصاص، فخرج مسرعًا ليرى صديقه حسن البنا وقد أصيب بطلقات تحت إبطه وهو يعدو خلف السيارة التي ركبها القاتل، أخذ صالح حرب رقم السيارة ونوعها وكانت فورد ليموزين 9979، وتبين فيما بعد أنها مملوكة لـ فهيم بولس المحامي ومؤجرة لوزارة الداخلية بمبلغ تسعة وأربعين جنيهًا وستمائة وخمسة وستين مليمًا، ليستقلها الأميرالاي محمود عبد المجيد المدير العام للمباحث الجنائية بوزارة الداخلية، كما هو ثابت في مفكرة النيابة العمومية عام 1952. لم تكن الإصابة خطرة وبقي البنا بعدها متماسك القِوَى كامل الوعي، وقد أبلغ كل من شهدوا الحادث عن رقم السيارة، ثم نقل البنا إلى مستشفى القصر العيني فخلع ملابسه بنفسه، لكنه لفظ أنفاسه الأخيرة في الساعة الثانية عشرة والنصف بعد منتصف الليل أي بعد أربع ساعات ونصف من محاولة الاغتيال بسبب فقده للكثير من الدماء، بعد أن منعت الحكومة دخول الأطباء أو معالجتهم للبنا مما أدى إلى وفاته، ولم يعلم والده وأهله بالحادث إلا بعد ساعتين، وأرادت الحكومة أن تظل الجثة في المستشفى حتى تخرج إلى الدفن مباشرة، ولكن ثورة والده جعلتهم يتنازلون، فسمحت لهم الداخلية بحمل الجثة إلى المنزل بشرط أن يتم الدفن في الساعة التاسعة صباحًا وألا يقام عزاء، واعتقلت السلطة كل من حاول الاقتراب من بيت البنا قبل الدفن من الرجال فخرجت الجنازة والجثمان يحمله النساء، إذ لم يكن هناك رجال غير والد البنا المسن، ومكرم عبيد باشا الذي ذهب للجنازة نكاية في النحاس خصم البنا اللدود، ولم تعتقله السلطات لثقل مركزه. وحتى الآن لم يثبت من هو المرتكب الحقيقي للحادث، فالقصر يتهم الإخوان الذين تبرأ منهم مرشدهم فانقلبوا عليه بعدما علموا بنيته في تسليم أسلحتهم والخطرين منهم إلى السلطات، والإخوان يتهمون القصر والحكومة بالتخلص من المرشد ردًا على اغتيال النقراشي، لكن الأقرب هو الاحتمال الثاني أن يكون الاغتيال تم بإيعاز من الملك فاروق شخصيًا على الأرجح، ولم يهدأ الإخوان بعد اغتيال البنا، ووزعوا منشورًا ضد الملك والحكومة موقع باسم الإخوان المسلمون دون مواربة، وفي عنوانه؛ حكومة فاجرة تغتال زعيمًا إسلاميًا. --- ### الطبيعة البشرية الخيّرة عند ذهبي الفم - Published: ۲۰۲۵-۰۱-۱۰ - Modified: 2025-01-11 - URL: https://tabcm.net/33263/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: آدم, الإصلاح البروتستانتي, التبني, المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية, بروتستانت, چون كالڤن, دار المشرق, دير الأنبا بيشوي, سعيد حكيم يعقوب, سينرچيا, عدنان طرابلسي, غالب خليل إبراهيم, فاسيلياذيس, قديس أوغسطينوس، أسقف هيبو, قديس بولس الرسول, مرقريوس الأنبا بيشوي, مكتبة المحبة, ميشال سابا, نشأت مرجان, يشوع ابن سيراخ, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية نستكمل الحديث عن عقيدتي التبرير وعمل النعمة بين چون كالڤن وبين ق. يوحنا ذهبي الفم كممثل عن اللاهوت الأرثوذكسي الشرقي، وكأحد أبرز معلمي وخطباء الكنيسة على مر العصور نستكمل الحديث عن عقيدتي التبرير وعمل النعمة بين چون كالڤن كممثل عن حركة الإصلاح البروتستانتي وكأحد أبرز رجالات الإصلاح البروتستانتي المؤثرين في كافة الطوائف البروتستانتية بجميع أشكالها وأنواعها، وبين ق. يوحنا ذهبي الفم كممثل عن اللاهوت الأرثوذكسي الشرقي، وكأحد أبرز معلمي وخطباء الكنيسة على مر العصور. يهدف البحث إلى إظهار جوانب كل فكر من فكري هذين اللاهوتيين المسيحيين المؤثرين كُلٌّ في مجاله اللاهوتي. مما يسلط الضوء على التباينات الأساسية بين اللاهوت الشرقي الأرثوذكسي واللاهوت المصلح الغربي البروتستانتي. دحض وراثة الخطية الأصلية من آدم على العكس من اعتقاد كالڤن بوراثة خطية آدم، يرفض ق. يوحنا ذهبي الفم فكرة وراثة الخطية الأصلية من آدم، بل يرى أن الخطية حملت الموت للجميع، أي سار الموت إلى الجميع من جراء شخص آدم، وليس خطيئته نفسها، حيث يقول في تفسيره لرسالة ق. بولس الرسول إلى أهل رومية التالي: ((يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية، ترجمة: د. سعيد حكيم، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2013، عظة 11: 1، ص 246.   )) وقد حاولأن يشرح كيف وبأي طريقة دخل الموت إلى العالم وساد عليه، ويقول إن هذا حدث بخطية الإنسان الواحد. وماذا يعني بقوله: وفي شخصه اجتاز الموت إلى جميع الناس؟، يعني أن الموت قد اجتاز إلى الجميع لأنهسقط في الخطية، وأولئك الذين لم يأكلوا من الشجرة جميعهم صاروا مائتين في شخصه. (يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية) ويشير ق. يوحنا ذهبي الفم إلى أن خطية آدم التي حدثت في الفردوس، قد حملت الموت للجميع، وقد ساد الموت واستبد على البشر كالتالي: ((يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية، ترجمة: د. سعيد حكيم، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2013، عظة 11: 1، ص 246.   )) غير أنه لابد وأن نسأل ما هي الخطية التي وُجِدَت في ذلك الزمان؟يقول البعض إن بولس الرسول يشير إلى الخطية التي حدثت في الفردوس، طالما أنها لم تكن قد بطُلَت بعد، بل إن ثمرها قد أينع، حيث إن هذه الخطية قد حملت الموت إلى الجميع، وقد ساد الموت واستبد. (يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية) ويشرح ق. يوحنا ذهبي الفم كيف ملك الموت على جميع الذين آتوا من آدم، على الرغم من أنهم لم يأكلوا من الشجرة مع آدم كالتالي: ((يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية، ترجمة: د. سعيد حكيم، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2013، عظة 11: 1، ص 247. )) وكيف ملك الموت؟ على شبه تعدي آدم. ولهذا فإن آدم هو مثال للمسيح. وكيف يقول إنه مثال المسيح؟ لأنه كما أن الذين آتوا من آدم على الرغم من أنهم لم يأكلوا من الشجرة، إلا أن الموت ملك عليهم، وهكذا صار آدم سببًاللموت الذي دخل إلى العالم، بسبب الأكل من الشجرة، هكذا أيضًا، فإن أولئك الذين انحدروا من المسيح، على الرغم من أنهم لم يعملوا أعمالاً بارةً، إلا أن المسيح صار سببًا للبر الذي منحه للجميع بواسطة صليبه. (يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية) ويدحض ق. يوحنا ذهبي الفم فكرة إدانة شخص بسبب خطية آخر في سياق دحضه لفكرة وراثة خطية آدم كالتالي: ((يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية، ترجمة: د. سعيد حكيم، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2013، عظة 11: 1، ص 248. )) ما يقولهيعني الآتي: فلو أن الخطية قد استطاعت أن تصنع كل هذا، وبالطبع من خلال خطية إنسان واحد، فكيف لا تستطيع نعمة الله، وليس فقط نعمة الله الآب، بل والابن أيضًا أن تحقق الكثير؟ وهذا يُعد أكثر تماشيًا مع المنطق. لأنه أن يُدان أحد بسبب خطية آخر، فمن الواضح أن هذا ليس مبررًا كافيًا، بيد أن يخلُص أحد بسبب عطية الآخر، فهذا أكثر قبولاً وأكثر تماشيًا مع المنطق. فلو أن البشرية قد أُضِيرت بالخطية، فبالأولى كثيرًا ستنال فيض النعمة وعطية البر. إذًا، فالطبيعي والأكثر تماشيًا مع العقل والمنطق، قد برهن عليه الرسول بولس كما سبق وأشرنا، فطالما أنه قد قَبِلت فكرة أن بخطية الواحد قد اجتاز الموت إلى الجميع، سيصير مِن السهل قبول أنه بعطية الواحد سيخلُص الجميع، وكون أن هذا الخلاص هو ضرورة حتمية، فقد دلَّل عليه في الآيات الآتية. (يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية) ويفسر ق. يوحنا ذهبي الفم آية  لأنه كما بمعصية الإنسان الواحد جُعِلَ الكثيرون خطاة هكذا أيضًا بإطاعة الواحد سيُجعل الكثيرون أبرارًا  ((رسالة بولس الرسول إلى رومية 5: 19 ))، ويوضح كيف جعل آدم نسله خطاةً؟ ولكنه لم يذكر أي شيء عن توريث آدم خطيئته لنسله، بل ما نتج عن خطيئته أن الجميع صاروا فانيين من الفاني كالتالي: ((يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية، ترجمة: د. سعيد حكيم، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2013، عظة 11: 1، ص 251. )) لأنه أن يكون ذاكقد أخطأ وصار فانيًا، وأن كل مَن انحدر منه قد أخطأوا وصاروا فانيين، فهذا لا يُعد أمرًا غير طبيعيًا على الإطلاق، ولكن أن يصير آخرخطيةً بسبب معصية ذاك، فأيّ علاقة طبيعية يمكن أن تقوم هنا؟ لأن هكذا سيُعتبر هذا الإنسان خاطئًا، دون أن يكون مسئولاً عن الحكم، طالما أنه لم يصر من ذاته خاطئًا. إذًا، ماذا تعني هنا كلمة خطاة؟ من ناحيتي يبدو لي أنهم تحت حكم الدينونة ومحكوم عليهم بالموت. ومن حيث أنه بموت آدم، قد صرنا جميعًا فانيين، فهذا قد بيَّنه الرسول بولس بوضوحٍ وبطرقٍ كثيرةٍ. (يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية) ولادة الأطفال بلا خطية يُؤكِّد ق. يوحنا ذهبي الفم على حقيقة أنَّ نفوس الأطفال بعد السقوط ليست شريرة مثلها مثل نفوس الأبرار، وعلى العكس، مما أدَّعى أوغسطينوس وكالڤن بأن نفوس الأطفال شريرة ووارثة للخطية الأصلية رأسًا من نفس آدم الخاطئة كالتالي: ((يوحنا ذهبي الفم، شرح إنجيل متى ج2، ترجمة: د. عدنان طرابلسي، عظة 28: 3، ص 51. )) لأن نفوس الأبرار هي في يد الله ((سفر الحكمة 3: 1 )). وإنْ كانت نفوس الأبرار هكذا، فإن نفوس أولئك الأطفال أيضًا؛ فليست هي شريرة، ونفوس الخاطئين أيضًا تُسَاق مباشرةً من هنا. (يوحنا ذهبي الفم، شرح إنجيل متى ج2) يرى ق. يوحنا ذهبيّ الفم أنَّ الأطفال بلا خطية، وأنهم يُعمَّدون لينالوا عطايا البر، والتقديس، والتبني، وسُكنى الروح القدس فيهم، وليس بسبب وراثة الخطية الأصلية. حيث يقول التالي: ((يوحنا ذهبي الفم، عظات على المعمودية، ترجمة: القمص مرقريوس الأنبا بيشوي، دير الأنبا بيشوي، 2007، عظة 3: 6، ص 64. )) ولهذا السبب نفسه نُعمِّد حتى الأطفال، ولو أنهم بلا خطية، ولكن لكيما ينالوا بقية العطايا من تقديس، وبر، واختبار للتبني والميراث، حتى يشَّبوا إخوةً وأعضاءً، ويصيروا هيكلاً للروح. (يوحنا ذهبي الفم، عظات على المعمودية) يؤكِّد ق. يوحنا ذهبي الفم في سياق تفسيره لحادثة قتل أطفال بيت لحم على خلو الأطفال من أية خطية موروثة أو فعلية، كما يؤكِّد على دخولهم الملكوت ونوالهم المكافآت -على خلاف أوغسطينوس وكالڤن الذين يؤكِّدان على أن مصير الأطفال غير المعمَّدين هو جهنم والهلاك الأبدي- بالرغم من أنهم كانوا قبل تدبير خلاص الرب، ولم يكونوا مُعمَّدين للخلاص من الخطية الأصلية الموروثة حسب المفهوم اﻷوغسطيني والكالڤيني. حيث يقول التالي: ((يوحنا ذهبي الفم، شرح إنجيل متى ج١، ترجمة: د. عدنان طرابلسي، عظة ١: ٣، ص ١٠٧، ١٠٨. )) قد يُقال: أيّ نوع من الخطايا كان لهؤلاء الأطفال بحيث كان يجب أن يمحوه؟ حتى لو لم توجد خطايا، فإنه توجد مجازاة بمكافآت للذين يقاسون الشر هنا. فبأيّ شيء تضرر به الأطفال الصغار لدى ذبحهم لسبب مثل هذا؟ تقولون: لأنهم كانوا سيُحقِّقون أعمالاً عظيمةً وكثيرةً من البر لو عاشوالهذا السبب يدخر الله لهم بشكلٍ مبكرٍ مكافأة ليست بصغيرة بإنهاء حياتهم لسبب كهذا. ولو كان الأطفال سيصيرون أشخاصًا عظامًا لما كان الله قد سمح لهم بأن يُختطَفوا قبلاً؛ لأنه إنْ كان الله يحتمل بآلام عظيمة جدًا الذين سوف يعيشون في الشر على الدوام، فبالحري أكثر ألا يأذن لهؤلاء الأطفال بالرحيل، لو سبق وعرف أنهم سيحرزون أمورًا عظيمةً. (يوحنا ذهبي الفم، شرح إنجيل متى ج١) يرى ق. يوحنا ذهبي الفم، على العكس من أوغسطينوس وكالڤن، أن موت الأطفال الأبرياء مغبوط، حيث يقول صاحب كتاب سر الموت التالي: ((نيقولاوس ب. فاسيلياذيس، سر الموت، ترجمة: أ. غالب خليل إبراهيم والأب د. ميشال سابا، دار المشرق، 2011، ص 410، 411. وقول ق. يوحنا ذهبي الفم مأخوذ من عظة حول الصبر وحول عدم البكاء بمرارة على الموتى، مجموعة الآباء اليونان. آ. 60، 728. )) انظر أنت تعيش خمسين أو مائة عام، تصبح ثريًا، ويصير لك أولادًا، وتعطي مهورًا ليتزوج أبناؤك وبناتك، وتسيطر وتحكم على أمم وشعوب. وبعد كل هذا يأتي الموت، وبعد الموت تأتي الدينونة التي ليس لها نهاية وليس فيها توبة. هذا هو السبب في أننا نعتبر أولئك الذين يموتون أطفالاً مباركين، ولهذا نقول كلنا نتمنى لو أننا مُتنا عندما كُنا أطفالاً! لأنه بالنسبة لنا نحن الأشخاص الأكبر سنًا، يكون كأس الموت خطيرًا بسبب خطايانا، بينما يكون الموت للأطفال نافعًا. وما نعتقده بداية العقاب هناك، فإنه بالنسبة لهؤلاء الأطفال بداية الخلاص، إذ ما هي الأشياء التي سيعطي الأطفال حسابًا عليها إذا لم يختبروا الخطيئة؟ من أجل ماذا سيُعاقبون عندما لا يكونون قد عرفوا الخير والشر بعد؟أيها الأطفال المباركون، إن رقادكم مبارك أيضًا! يا موت غير الفاسدين إنك بداية الحياة الأبدية الحقيقية! أيتها النهاية يا بداية الفرح الذي لا ينتهي. (نيقولاوس ب. فاسيلياذيس، سر الموت) دحض التعليم بخطية الطبيعة أو الخطية الطبيعية ينكر ذهبي الفم فكرة ”خطية الطبيعة“، التي نادى بها كلٌّ من أوغسطينوس وكالڤن، حيث يؤكد ذهبي الفم على حرية الإرادة في اختيار الفضيلة أو الرذيلة أثناء تفسيره لرسالة بولس الرسول إلى أفسس قائلًا: ((يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس، ترجمة: د. سعيد حكيم، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2016، عظة 4: 1، ص 77. )) ماذا يعني بقوله بالطبيعة؟ إنه يقصد بكلمة الطبيعة هنا الولادة، كالباقين أيضًا، أي دون أن نتصرف في أيّ شيء بطريقة روحية. وحتى لا يُتهَم الجسد، ولكي لا يعتقد أحد أن هذا يمثل خطيةً كبيرةً، لاحظ كيف يُجنِّبهم ذلك بقوله: عاملين مشيئات الجسد والأفكار، أي شهوات اللذة. لقد أثارنا غضب الله، أي أننا كنا سبب الغضب، وليس شيئًا آخر سوى ذلك. لأنه كما أن الذي يُولَد من إنسان، هو بالطبيعة إنسان، هكذا نحن أيضًا، وكذلك الباقين، كُنا بالطبيعة أبناء الغضب. (يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس) وينفي ق. يوحنا ذهبي الفم أيضًا موضوع خطية الطبيعة في موضع آخر، قائلًا في تعليقه على سفر أيوب: ((يوحنا ذهبي الفم، تفسير سفر أيوب، ترجمة: نشأت مرجان، مكتبة المحبة، 2008، تعليق على (سفر أيوب ١: ٥)، ص ٢٠. )) إنه قال: ربما أخطأ بنيّ وجدَّفوا على الله في قلوبهم ((سفر أيوب ١: ٥ )). وإنْ كان هذا شيئًا ليس في طبيعتهم، لكنهم على كل حال بشر مُعرَّضون للسقوط. ألم تكن له هو نفسه مثل هذه الأفكار أبدًا؟ لذلك مهم جدًا الخوف والحذر حتى من هذه الخطايا الخفية. (يوحنا ذهبي الفم، تفسير سفر أيوب) حرية والإرادة ورفض الإرادة المقيَّدة بالشر يرفض ق. يوحنا ذهبي الفم فكرة القدرية أو الجبرية على فعل الخير أو الشر، بل يرى أن الله يريد مننا أن نكون صالحين بإرادتنا كالتالي: ((يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس، ترجمة: د. سعيد حكيم، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2016، عظة 3: 2، ص 61. )) أرأيت كيف أن هذاأكثر صعوبةً؟ إذًا، فهو يُبرهن على كل شيء بالإيمان، لأن التأثير على الإرادة بواسطة الأفكار الإنسانية أكثر صعوبةً جدًا من التأثير على الطبيعة. ولهذا السبب فإن الله ذاته يرغب أن نكون صالحين بإرادتنا. (يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس) ويؤكد ذهبي الفم على أن السقوط في الخطية ناتج عن رغبة إرادية، لأن الإنسان لا يُجبَر على ارتكاب الخطية كالتالي: ((يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية، ترجمة: د. سعيد حكيم، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2013، عظة 6: 3، ص 146. )) لكي نُدرِك أن السقوط في الخطية ناتج عن رغبة إرادية، فالإنسان لا يُجبَر على ارتكاب الخطية. (يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية) ويتحدث ذهبي الفم عن أن ممارسة البر أو ممارسة الإثم هو رهن بموقف النفس، وليس له علاقة بطبيعتها، داحضًا بذلك أي تعليم عن القدرية والجبرية، يجعل من البشر أبرارًا أو خطاةً بالطبيعة كالتالي: ((يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية، ترجمة: د. سعيد حكيم، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2013، عظة 12: 4، ص 271، 272. )) وبناءً على ذلك، فإن الجسد يوجد بين حالة الإثم والبر، مثلما يحدث بالنسبة للآلات، وارتكاب الإثم أو ممارسة البر يتوقف على مَن يستخدم الآلات. كما يحدث مع الجندي الذي يحارب من أجل وطنه، والسارق الذي يتسلَّح ليهجم المواطنين، الاثنان يتحصنان بنفس الأسلحة. إذًا، فالجريمة ليست عملًا يتعلق بنوع السلاح المستخدَم، بل هي مسئولية أولئك الذين يستخدمون هذه الأسلحة لكي يفعلوا الشر. وهذا يمكن أن نقوله بالطبع في حالة الجسد، حيث يصير فعل الإثم أو فعل البر رهنًا بموقف النفس، وهذا ليس له علاقة بطبيعتها. لأن العين إذَا نظرت نظرةً غير بريئة للجمال، صارت آلةً للإثم، لا حسب طبيعتها أو عملها، لأن عمل العين هو أن تنظر، لكن هذا النظر لا يكون للشر، ولكن إذَا نظرت العين نظرةً غير نقية، فسيكون ذلك راجعًا للفكر الخبيث الذي أمر بهذا. (يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية) يرفض ق. يوحنا ذهبي الفم فكرة الإرادة المقيدة بالشر بعد السقوط، وفكرة العجز التام للطبيعة البشرية عن فعل الخير، مدافعًا عن حرية إرادة الإنسان في اختيار الخير والشر، الفضيلة والرذيلة، كالتالي: ((يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس، ترجمة: د. سعيد حكيم، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2016، عظة 2: 3، ص 52، 53. )) لكنك قد تقول إني مُضطر بسبب طبيعتي، نعم أنا أحب المسيح، لكنني مجبر بسبب طبيعتي. فإذَا كنت تعاني من العوز والقهر، فستنال الصفح، ولكن إنْ كان سقوطك بسبب اللامبالاة، فلن تنال أيّ صفح. إذًا، لنفحص هذا الأمر بالتدقيق، أي هل كان ارتكاب الخطايا نتيجةً لإجبار وإكراه، أم نتيجة تراخي ولامبالاة كبيرة للغاية. يقول الناموس: لا تقتل، أي إجبار وأي إكراه هنا؟ إذًا، فأنت تُكرِه نفسك على القتل. لأنه مَن منا يريد أن يغمس سيفه في رقبة قريبه، ويصبغ يده بالدماء؟ لا أحد. أرأيت أن العكس هو ما يحدث، فحين يخطئ المرء، لا يكون هذا راجعًا لضغوط وإكراه. لأن الله وضع حنوًا ورفقًا في طبيعتنا، حتى نحب بعضنا بعضًا، لأن الكتاب يقول: كل حيوان يحب نظيره، وكل إنسان قريبه ((سفر يشوع ابن سيراخ 13: 15 )). أرأيت كيف أننا نحمل في طبيعتنا بذور الفضيلة؟ بينما بذور الشر، فهي خارج الطبيعة، فإنْ سادت علينا بذور الشر، فهذا دليل على تراخينا الشديد. (يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس) كما يرفض ذهبي الفم الإرادة المقيدة بالشر في موضع آخر قائلًا: ((يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس، ترجمة: د. سعيد حكيم، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2016، عظة 2: 3، ص 53. )) والقوانين الوضعية أيضًا تعرف أن تصفح عن الخطايا التي تُرتكَب تحت ضغوط، ولا وجود لخطية تُرتكَب تحت ضغوط، بل أن الخطايا تنشأ من الفجور. فالله لم يخلق الطبيعة الإنسانية لترتكب الخطية بهذا الشكل، لأنه لو حدث هذا، لما كان هناك عقاب أو دينونة، لأننا نحن أيضًا لا نُحاسَب عن الخطايا التي تُرتكَب تحت ضغوط أو بالإكراه، وبالأكثر جدًا، يصفح الله الكليّ الصلاح، والمحب للبشر محبة فائقة، عن الخطايا التي تُرتكَب تحت ضغوط. (يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس) وأيضًا يرفض ذهبي الفم فكرة ”خطية الطبيعة“، التي نادى بها أوغسطينوس في صراعه مع الهرطقة البيلاجية، ونادى بها أيضًا چون كالڤن، حيث يؤكد على أن الفضيلة هي التي تتوافق مع الطبيعة، بينما الشر هو بخلاف الطبيعة تمامًا كالتالي: ((يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس، ترجمة: د. سعيد حكيم، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2016)، عظة 2: 4 ص 54. )) أرأيت كيف أن الفضيلة تتوافق مع الطبيعة، بينما الشر هو بخلاف الطبيعة تمامًا، كما هو الحال مع المرض والصحة؟ وما الذي يجبرك أن تكذب وأن تقسم؟ ليس هناك ما يدفع لذلك، فهذا أمر نلجأ إليه بمحض إرادتنا، وليس فيه أيّ إجبار. (يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس) وينكر ذهبي الفم فكرة ”خطية الطبيعة“ والإرادة البشرية المقيَّدة بالشر بعد السقوط، والعجز التام للطبيعة البشرية عن فعل الخير بعد السقوط، بل يؤكد على مبدأ التآزر أو السينرچيا بين النعمة والأعمال، ويشدد على أنه لا يوجد شيء شرير في الطبيعة قائلًا في تفسير رسالة بولس الرسول إلى أفسس: ((يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس، ترجمة: د. سعيد حكيم، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2016، عظة 5: 4، ص 95. )) إن اهتمام الجسد هو التمتع، والإسراف، والطمع، وكل خطية. ولكن لماذا يدعو اهتمام الجسد، حيث إن الجسد لا يمكنه أن يفعل شيئًا بدون النفس؟ إنه لا يقول هذا لإدانة الجسد، مثلما يقول: الإنسان الطبيعيّ ((رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس 2: 14 ))، فهو لا يقول هذا لكي يدين النفس. لأنه لا الجسد ولا النفس لديهما القدرة من ذاتهما أن يصنعا أيّ شيء نبيل وعظيم، إنْ لم ينالا نعمة من فوق. من أجل هذا، فإن الأمور التي تمارسها النفس من ذاتها، تُسمَى ’أمور طبيعية‘، ليس لأنها طبيعية بالحق، بل لأنها تقود إلى الهلاك، إذ إنها لا تنال المعونة من الله. لأن الأعين أيضًا هي أعضاء جيدة، ولكنها بدون النور ترتكب أخطاءً لا حصر لها، وهذا يرجع لمرضها، وليس لطبيعتها. إذًا، لو كانت الأخطاء طبيعية، ما كُنا لنستطيع أن نستخدمها، حيث يجب أن نستخدمها؛ لأنه لا يوجد شيء شرير بالطبيعة. (يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس) يرفض ق. يوحنا ذهبي الفم رفضًا تامًا فكرة أن الطبيعة البشرية تُمارِس الشر بطريقة تلقائية، مثلما تحدَّث أوغسطينوس عن الإرادة المقيَّدة بالشر، والذنب الأصلي، وخطية الطبيعة. حيث يقول في تفسير سفر أيوب: ((يوحنا ذهبي الفم، تفسير سفر أيوب، ترجمة: نشأت مرجان، مكتبة المحبة، 2008، تعليق على (سفر أيوب ١: ١)، ص ١٥. )) لاحظ أيضًا إنهقال عنه: يحيد عن كل شر ((سفر أيوب ١: ١ )) وليس فقط عن شر دون شر. أين هم الذين يقولون إن الطبيعة البشرية مائلة بطريقة تلقائية نحو الشر؟ أية مخالفة وأية شرائع جعلت أيوب على ما هو عليه؟ فلأن الكتاب قال: لأنه لا إنسان صديق في الأرض يعمل صلاحًا ولا يخطئ ((سفر الجامعة ا٧: ٢٠ ))، لذلك وصف الكتاب أيوب بأنه بلا لوم. فليس فقط أنه لم يقترف أي عمل مُلوَّث بالخطية، بل أنه لم يقترف ولا حتى ما هو ملوم ومذموم. (يوحنا ذهبي الفم، تفسير سفر أيوب) --- ### تجسد المسيح والوصول لليقين - Published: ۲۰۲۵-۰۱-۰۹ - Modified: 2025-01-09 - URL: https://tabcm.net/33522/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: عيد الميلاد, قديس أثناسيوس الرسولي بعد التجسد، لم يعد هناك مجال للحزن أو القلق أو الخوف، أو حتى الحقد والكراهية والخصام؛ لأن أي شعور من هذه المشاعر لا يتوافق مع عظمة عمل الله المجاني للبشرية جمعاء، بل يُعد إهانة لعمله. لذلك أصبح الفرح وصيةً كتابيّة، وليس مجرد حالة عابرة عيد الميلاد المجيد هو العيد الذي نحتفل فيه بانتقال البشرية من حالة التيه والضياع، التي جعلت الإنسان يسأل نفسه: "جئت لا أعلم من أين؟" ويصارع ذاته حول قيمته وأصله ومصدره، إلى حالة اليقين والسلام. قبل التجسُّد، كان الكلام عن الله مجرَّد تكهُّنات وأحاديث مُنْقولة، يُمْكِن تصديقها أو لا. لكنَّ البشريَّة عرفت اليقين الحقيقي فقط من خلال المسيح، الذي كان يُقَدِّر أن يَقِف بثقة ويَقُول: "أنا هو". أخيرًا، أصبح لدى الإنسان يقين أنه مهم ومحبوب، وأن قيمته عظيمة، لدرجة أن الله نفسه تجسد واتخذ لقب "ابن الإنسان". ولخص القديس أثناسيوس هذا المعنى العميق في عبارة خالدة: أخذ الذي لنا وأعطانا الذي له. ، أو بالمصري البسيط: ناسبنا الحكومة! النسب الذي به تمجد الله في الأعالي من شدة محبّته واتضاعه، أصبح في إمكان الأرض أخيرًا أن تنعم بسلام عميق حقيقي، ويستطيع كل إنسان أن يعيش سلامه الخاص، بين الجزء الإلهي في داخله والجزء الإنساني الذي تقدّس بالتجسّد، ليستطيع أن يعيش المسرة والفرح الدائمين. الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ. (إنجيل لوقا 2: 14) بعد التجسد، لم يعد هناك مجال للحزن أو القلق أو الخوف، أو حتى الحقد والكراهية والخصام؛ لأن أي شعور من هذه المشاعر لا يتوافق مع عظمة عمل الله المجاني للبشرية جمعاء، بل يُعد إهانة لعمله. لذلك أصبح الفرح وصيةً كتابيّة، وليس مجرد حالة عابرة. أتمنى لكم عيد ميلاد مختلفًا، وفرحًا لا يُنطق به، ومجيدًا يملأ قلوبكم وأرواحكم. وسلام الله العميق ليعمّ الخليقة كلها. --- ### عن سلام الميلاد وفرحه - Published: ۲۰۲۵-۰۱-۰۸ - Modified: 2025-02-02 - URL: https://tabcm.net/33470/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: قديس بولس الرسول وُلِد ملك السلام، ابن الله، متخذًا صورة بشرية، من كلمته وروحه التي حبلت بها مريم. وبالنسبة لحدث خارق مثل هذا، وهو حدث تعجز الكلمات عن وصفه، فإنه لابد من الاعتراف بأن أسلوب التنفيذ كان متواضعًا، والأهم من ذلك أن النتائج أو التبعات جاءت مخيبة للآمال منذ البداية وحتى الآن منذ أكثر من ألفي عام، كما يؤمن به مئات الملايين من البشر اليوم، وُلِد ملك السلام، ابن الله، متخذًا صورة بشرية، من كلمته وروحه التي حبلت بها مريم. وبالنسبة لحدث خارق مثل هذا، وهو حدث تعجز الكلمات عن وصفه، فإنه لابد من الاعتراف بأن أسلوب التنفيذ كان متواضعًا، والأهم من ذلك أن النتائج أو التبعات جاءت مخيبة للآمال منذ البداية وحتى الآن. فبالنسبة لأسلوب التنفيذ أو مسرح الأحداث، فإننا لا نحتاج لمن يذكرنا بتواضع المكان... مجرد تدبير لامرأة تعاني آلام الولادة. ولن تخفي مشاهد زيارة الرعاة وحكماء المشرق حقيقة أن مريم ولدت ابنها البكر وهي مغتربة، دون أن تمتد يد قريب لمساعدتها وإرشادها لأصول تربية وليدها، أو تغطي تسبيحات الملائكة صوت نحيب الألم الذي ارتفع من أمهات، انتزع ملك مجنون أطفالهن الأبرياء من أحضانهن، وذبحهم، في أثناء هروب العائلة المُطاردة والمُهجّرة إلى أرض غريبة. وعادة ما يضفي المؤمنون من كافة المعتقدات هالة من القوة الخارقة على أحداث طبيعية تعطي الإيمان زخمه، فهل أضفنا نحن بالتقاليد والاحتفالات والترنيمات معاني الفرح والسلام على ذكرى الميلاد؟ ولم تكن تبعات هذا الحدث أفضل حالًا، فالطفل الذي بدأ حياته لاجئًا، شبّٓ ليعيش مطاردًا، وينتهي في مقتبل عمره معذبًا ومقتولًا. ومع أن مئات الملايين حول العالم يؤمنون أن قيامةً تبعت هذا الموت المُذل، قيامة تممت خطة الخلاص وبينت أن هذا الميلاد المتواضع والحياة القصيرة والموت المؤلم كان تخطيط مسبق من إله أراد أن يفتدي البشر، إلا أن رسالة المسيح سرعان ما تحولت لدين يتصارع حوله الناس، وعقائد يتجادلون وينقسمون حولها، بل وحتى لحروب حدد المنتصر فيها ملامح وأسس الإيمان. وعلى مدى التاريخ، القديم والمعاصر، عُذِب كثيرون باسم المسيح، وارتكب من يحملون اسمه أبشع المذابح. بعد مضي أكثر من ألفي عام على ميلاد رئيس السلام، لا يزال العالم يعيش حروبًا يُقتل فيها الناس باسم الله، ويتلاعب فيها الساسة بمقدرات البسطاء والضعفاء من عامة البشر. ما زلنا نرى العالم يكتب مواثيق تتعهد بالقضاء على الحروب وعلى الفقر والظلم ليتم خرقها وتجاهلها في كل يوم. لا يزال الناس، باسم الله والدين، يُشيطنون من اختلف عنهم، ويرمون الآخر بكل نقيصة، متناسين فحص ذواتهم قبل إدانة غيرهم. مضت القرون على هذا التدخل الخارق من الله ولم يزل الحب حلمًا بين أقرب الناس، فمَا بالك بين الغرباء والأعداء! ما زلنا نتكلم عن صيغ للعيش المشترك في حين يسعى كل واحد لتملّك الآخر ووصمه وإقصائه. اخترق الله التاريخ، لكنه اخترقه بضعف، فلم يتغير شيء، ومضت الحياة كما هي؛ بقسوتها ولا معقوليتها، قبل وأثناء وبعد ولادة وحياة يسوع، أو هكذا يبدو! لكن المعجزة حقًا هي أن هذا الطفل، المُطارد، الذي شهد مولده الكثير من الألم، كبر، ليُصبح المعلم الذي أرشد الناس إلى أن يحبوا حتى أعداءهم. لم تملأ الصدمات والعنف والمطاردات المستمرة حياة يسوع بالمرارة والتحيز، بل كان الرجل الذي تحدى كل الأحكام المسبقة وعلّم أن القريب يمكن أن يكون من نظنه نحن ألد الأعداء. لم يُثر الفساد والقمع السياسي والفقر وسيطرة المؤسسة الدينية، روح التعصب عند يسوع، فكان المعلم الذي تحدى هيبة رجال الدين وعلم أن الشريعة جُعلت للإنسان لا الإنسان لأجل الشريعة. لم ينخدع يسوع بدعاوى التفوق العرقي، والشعب المختار، والخصوصية الحضارية، أو كل هذه الأكاذيب التي تُروج إما لتبرير الاستبداد أو لمداواة الشعور بالانهزام والتأخر، وكان انفتاحه على الجميع حتى دُعي بصديق الأشرار والمنبوذين. إن المعجزة حقًا أن تستمر الحياة في قسوتها، فنجد فيها من يؤمن بالحب وبإمكانية الغفران لمن اعتدى وأساء. أن ينقسم الناس ويبدو وكأن الحق لا يظهر إلا أن ثبُت أن الآخر على باطل، فنجد من لا يزال مستعدًا لفتح ذراعيه واحتضان الآخر والاغتناء بخبرته. أن تبدو الحياة وكأن لا معنى ولا أمل فيها، فنجد طفلًا جديدًا قد جاء إلى الدنيا تملأ ضحكته القلوب الفاهمة نورًا، وكأنها هدية من الله مع كل طفل جديد تقول أنه لم يفقد الأمل في جنسنا البشري بعد، وإنها لمسؤولية كُبرى إن كانت لدينا الإرادة لجعل هذا العالم مكانًا يليق بأحلام الصغار. هل سيكون العام الجديد أجمل وأرحم؟ الذي أعرفه أنني عليّ أن أعمل وآمل أن يكون كذلك. وبغضّ النظر عما تحمله الأيام، فإن الميلاد يعلمنا أنه حتى عندما تدخّل الله بشكل مباشر في التاريخ، لم يتوقف الشر والألم عن مرافقة السلام والمسرة التي بشر بها جند الملائكة زمن الميلاد. هكذا كانت الحياة، ويبدو أنها ستستمر هكذا. لكن الرسالة الأهم هي أنه وسط الشر والظلمة؛ وُلد رجاء، جعل من الممكن لنا أن نفرح ونحتفل بكل انتصار للخير وإن كان صغيرًا، بكل لمحة نور تكشف طريقًا وسط الظلمة، بمحبة الله الذي في حكمته اختار أن يعلن نفسه بما يبدو وكأنه ضعف وجهل... نحتفل لأننا نعرف أن جهالة الله أحكم من الناس! وضعف الله أقوى من الناس! ((رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس ١: ٢٥ )). --- ### عندما اختار الله أن يكون مجيئه من امرأة - Published: ۲۰۲۵-۰۱-۰۷ - Modified: 2025-01-07 - URL: https://tabcm.net/33360/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: شركاء الطبيعة الإلهية, قديس أثناسيوس الرسولي, ميلاد المسيح, نيقوديموس المسيحية ليست هي لغفران خطايا على يد كاهن، بل المسيحية هي لتجديد طبيعتنا بالاتحاد في المسيح بالإيمان والمعمودية فنصير من لحمه وعظامه، ونصير شركاء في الطبيعة الإلهية من خلال الاتحاد بناسوت المسيح المتحد بلاهوته ولكن لما جاء ملء الزمان، أرسل الله ابنه مولودًا من امرأة، مولودًا تحت الناموس (رسالة بولس إلى غلاطية ٤:٤) لماذا اختار الله في ظهوره ومجيئه للبشرية أن يكون "مولودًا من امرأة“؟ أخذ الذي لنا وأعطانا الذي له (ثيؤطوكية الجمعة، التسبحة) إن ولادة طفل من بطن أمه هو امتداد لطبيعة لأم في طفلها بالحمل، فالحمل هو اتحاد الطبيعة الجسدية بين الأم وطفلها، وفي البدء كان الاثنان جسدًا واحدًا. وأيضًا فإن الحمل ثم الولادة أشبه بموتٍ وقيامة، حتى أن المسيح قال: المرأة وهي تلد تحزن لأن ساعتها قد جاءت، ولكن متى ولدت الطفل لا تعود تذكر الشدة لسبب الفرح، لأنه قد وُلِدَ إنسان في العالم. ((إنجيل يوحنا ٢١:١٦ )) وكأنها ساعة موت وحزن. ثم قيامة وفرح. فيقول المصريون إن الأم قامت بالسلامة، ونوضح لك عزيزي القارئ، كيف أن مجيء الرب "مولودًا من امرأة" كان استعلانًا لهدف مجيء الرب وظهوره للبشر: ففي لحظة قَبُول العذراء لبشارة الملاك بميلاد المسيح، اتحد لاهوت الله بطبيعة طفلها يسوع الناسوتية في أحشائها: فأجاب الملاك وقال لها: «الروح القدس يحل عليك، وقوة العلي تظللك، فلذلك أيضا القدوس المولود منك يدعى ابن الله... فقالت مريم: «هوذا أنا أمة الرب. ليكن لي كقولك» (إنجيل لوقا٣٥:١) فالمسيح هو ”ابن الله" و"كلمة الله“: لاهوتٌ واحد مولودٌ من الآب أزلياً، نور من نور، إله حق من إله حق، مولودغير مخلوق، واحدٌ مع الآب في الجوهر ( قانون الإيمان المسيحي)  والتجسد الإلهي هو اتحاد اللاهوت المولود من الآب أزليًا، بالناسوت المخلوق زمنيًا في أحشاء العذراء القديسة مريم. بالتالي فإن مجيء المسيح ”مولودًا من امرأة“ يشرح كيف ”أخذ الرب الذي لنا“ بتجسده وظهوره بيننا، بل ويشرح أيضًا كيف أن الرب ”أعطانا الذي له“ -أي جسده المتحد بلاهوته - بالإيمان والمعمودية. فالمعمودية المسيحية كما شرحها الرب بنفسه لنيقوديموس هي ولادة ثانية للإنسان، يتم فيها نفس الشيء، لا تتعجب أني قلت لك: ينبغي أن تولدوا من فوق.   ((إنجيل يوحنا 3: 7 )). فالمعمودية هي ولادة ثانية لأنها امتداد نفس الطبيعة ذاتها من كيان إلى كيان ليتحدان معًا. وهي امتداد لميلاد المسيح الذي تم في بطن العذراء فيولد المسيح في كل مَن يؤمن به ويعتمد باسمه. فإن كل ما صنعه المسيح وهو لابس لناسوتنا إنما صنعه لأجلنا. لذلك ففي المعمودية يمتد الروح القدس بناسوت المسيح المتحد بلاهوته ليتحد بكيان المعتمد، فينال ”الخليقة الجديدة للإنسان في المسيح يسوع “. ولهذا السبب يقول القديس أثناسيوس الرسول إن المسيح أعطانا الذي له أي الذي حققه في ميلاده من العذراء مريم من اتحاده بنا. المعمودية إذن هي: ولادة جديدة، لخليقة جديدة من المسيح. في كيان الإنسان المعتمد. هذا الشرح ينقل لك عزيزي القارئ المكتوب في رسالة رومية: أم تجهلون أننا كل من اعتمد ليسوع المسيح اعتمدنا لموته، فدفنا معه بالمعمودية للموت، حتى كما أقيم المسيح من الأموات، بمجد الآب، هكذا نسلك نحن أيضا في جدة الحياة؟ لأنه إن كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته، نصير أيضا بقيامته. عالمين هذا: أن إنساننا العتيق قد صلب معه ليبطل جسد الخطية، كي لا نعود نستعبد أيضا للخطية. (رسالة بولس إلى رومية 6: 3-6) فالمسيحية ليست هي لغفران خطايا على يد كاهن، بل المسيحية هي لتجديد طبيعتنا بالاتحاد في المسيح بالإيمان والمعمودية فنصير من لحمه وعظامه، ونصير شركاء في الطبيعة الإلهية من خلال الاتحاد بناسوت المسيح المتحد بلاهوته: لأننا أعضاء جسمه، من لحمه ومن عظامه... جسدًا واحدًا... أنا أقول من نحو المسيح والكنيسة (رسالة بولس إلى أفسس 5: 30- 32) كما أن قدرته الإلهية قد وهبت لنا كل ما هو للحياة والتقوى، بمعرفة الذي دعانا بالمجد والفضيلة، اللذين بهما قد وهب لنا المواعيد العظمى والثمينة، لكي تصيروا بها شركاء الطبيعة الإلهية، هاربين من الفساد الذي في العالم بالشهوة.  (رسالة بطرس الثانية 1: 3، 4)   --- ### العلمانيون وأخلاق الاختلاف - Published: ۲۰۲۵-۰۱-۰٦ - Modified: 2025-01-06 - URL: https://tabcm.net/32653/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: إكليروس, القرعة الهيكلية, المجلس الملي, المجمع المقدس, بابا شنودة الثالث, كمال زاخر, مجمع نيقية, مدارس الأحد العلمانيون ملف معلق وملتبس، بقلم كمال زاخر موسى، نُشر أوّل ما نُشر في يوم الخميس 7 يناير 2010 عبر حديث ممتد مع قداسة البابا شنودة الثالث على شاشة الفضائية المصرية الأولى، الثلاثاء 5 يناير2010 ((العلمانيون ملف معلق وملتبس، بقلم كمال زاخر موسى، نُشر في يوم الخميس 7 يناير 2010 ))، تعرض الحوار لوضعية العلمانيين، فذكر قداسته أن العلمانيين هم كل قبطي من غير رجال الدين، سيدات ورجال، وعليه فليس من حق مجموعة لا تتجاوز 6 أفراد أن تقول بأنها تمثل "كل" العلمانيين، وأضاف قداسته أننا لا يهمنا الفضائيات أو الصحف أو النت، إنما يهمنا الحق. ونحن كتيار علماني نوافقه تمامًا فيما ذهب إليه، بل لعل القارئ يذكر أننا ونحن نقدم أنفسنا منذ المؤتمر الأول، 14نوفمبر 2006، حرصنا على تأكيد كل هذا؛ فلم نزعم أننا "كل" العلمانيون، أو لدينا وكالة منهم، بل أكدنا على أننا مجموعة "من" العلمانيين، نقدم رؤية في الإشكاليات الكنسية عبر أوراق وأبحاث لها مرجعيتها، تقرأ الواقع في ضوء الكتاب المقدس والتقليد الكنسي وعينها على المستقبل من أجل دعم الكنيسة في أداء رسالتها للأجيال الواعدة والقادمة، وأن مؤسسة بحجم وعراقة كنيستنا القبطية الأرثوذكسية بحاجة إلى هذا العمل لتنقية مسيرتها بشكل متواتر وموضوعي يتجاوز الأشخاص، وحرصنا على تأكيد أننا لسنا في صراع مع أحد، ولا نعمل لحساب أحد داخل أو خارج الكنيسة، وكانت مؤتمراتنا معلنة ومفتوحة، وأوراقنا متاحة للحضور ولمن يطلبها، وحرصنا مع كل مؤتمر أن نُرسل أوراقنا وتوصيات المؤتمر إلى المسؤولين بالكنيسة؛ سكرتارية قداسة البابا والمجمع المقدس والمجلس الملي، يدًا بيد، في إيمان مستقر بأننا أبناء الكنيسة وأعضاء فاعلين فيها. وعندما كان السؤال عن غلق قنوات الاتصال بين العلمانيين والكنيسة؛ علق قداسة البابا بأن الطبيعي أن يذهب من لديه رؤية إلى الكنيسة ويخبرنا بما لديه فنتحاور معه، لا أن يعقدوا اجتماعاتهم ثم يفرضوا علينا رؤيتهم، وهو كلام صحيح تمامًا نوافق قداسته عليه، شريطة أن تكون إمكانية اللقاء ميسرة وممكنة، ولعل قداسته يراجع في هذا سكرتارية المقر الباباوي وبعض الأساقفة العموميين لصيقي الصلة بقداسته، عن محاولاتنا قبل طرح رؤيتنا عبر المؤتمرات، لتحديد لقاء مع قداسته، بل لعله يتذكر يوم التقيته على هامش مؤتمر مستقبل الفكر العربي، بأحد فنادق العاصمة، وموافقة قداسته على تحديد موعد خاص للقاء مُفصّل وأحال تحديد الموعد إلى سكرتيره الأسقف، وبشهادة أسقف لإيبارشية متاخمة للقاهرة -كان قبلًا سكرتيرًا لقداسته- ماطل الأب السكرتير في تحديد الموعد، بل ورفض أن يكون هناك موعدًا بالأساس! ! حتى بعد تأكيد البابا على طلبه في لقاء لاحق على هامش اجتماع لليونز القاهرة، ومع ذلك، عندما دعونا لمؤتمرنا الأول، كانت الدعوة الأولى لكل القيادات الكنسية، وتسلم أيضُا يدًا بيد، وهو ما تكرر في مؤتمراتنا اللاحقة. وعندما تكرر السؤال عن موانع اللقاء؛ قال قداسته إنهم دأبوا على مهاجمة العقيدة (! ! ) وفي ظني أن هذه الإجابة تكشف عن عدم أمانة كاتبو التقارير المقدمة لقداسته، عندما خلطوا عمدًا بين أوراق وأطروحات التيار العلماني، والحوارات التي تدور في فعاليات جلسات المؤتمرات، واجتزاء بعضها والبناء عليها، ولم يقولوا في تقاريرهم إن التيار العلماني بادر عقب هذه المداخلات إلى استبعاد أحد أعضائه عندما خرج على الالتزام برؤية التيار الملتزمة بكل أساسيات الإيمان والعقيدة، ومن المضحكات المبكيات أنهم هللوا لخروج هذا العضو وأعتبروه انقسامًا داخل التيار يكشف هشاشته وضعفه، في حين هو في الحقيقة يكشف زَيف كاتبوا التقارير وعدم أمانتهم، وفي كل الأحوال تبقى أوراقنا شاهدة علينا، وشاهدة لنا. وتعرض قداسته في حواره لقضية القرعة الهيكلية، وأعاد طرح رؤيته الجديدة بشأن تعديل اللائحة، والمناقضة لما وثقه بقلمه في مجلة مدارس الأحد 1947-1954؛ ويبدو أن هناك من تطوع لتبرير ذلك بالقول بأن رؤيته الأولى كُتبت وهو بعد شابًا في حين الأخيرة طرحت من موقع المسؤولية، وهو تحليل يكشف عن ضحالة وفقر معلوماتي، فالمرجعية التي استند إليها عبر صفحات المجلة، وهي ذات المرجعية التي يستند إليها المطالبون بالتعديلات، هي القوانين الكنسية التي تقررت في مجمع نيقية 325م، ومع هذا لم يقتنع المدافعون فراحوا يشككون في نسبة القوانين المتعلقة باختيار البابا البطريرك إلى مجمع نيقية، في جسارة لا يمكن أن تغفر لهم لما لها من آثار مدمرة على مصداقية ما يترتب عليها. وفي تبرير الإصرار على القرعة الهيكلية؛ ذكر بأنها إجراء ينقل الاختيار من البشر إلى الله، لأنه في حال مجيء البطريرك باختيار البشر سيبقى خاضعًا لمطالبهم ورؤيتهم وخاضعًا لسلطانهم لا لسلطان الله، فيمَا يَعرف من يقرأ تاريخ البطاركة أن الاختيار في غالبية الأحوال كان يتم من خلال تشكيل مجموعات استكشافية من أراخنة الأقباط ومعهم ممثلين للإكليروس، تكون مهمتها عمل زيارات للأديرة والتجمعات الرهبانية، والبحث عن الشخصيات المستنيرة والمتميزة من رهبانها، والجلوس معهم للوقوف على قاماتهم الروحية والفكرية والتدبيرية وسلامة معتقدهم اللاهوتي، ويعودون إلى كنيسة البطريركية ويطرحون الأسماء التي استقروا عليها ويجتمعون على ثلاثة أو خمسة أو ما يقرب من هذا العدد، ويفاضلون بينهم، ثم يختارون من بينهم من يرونه الأصلح ويطرحونه على الشعب الذي يعلن رأيه وموافقته، وقد تم اختيار نحو 60% من البطاركة وفقًا لهذه القاعدة، فهل كان كل هؤلاء منساقون وخاضعون لمن اختارهم؟! أتمنى أن يشهد عام 2010 انفراجه موضوعية في الملفات العالقة بين التيار العلماني والكنيسة، تكون مدخلًا لقراءة موضوعية سعيًا لحلها ووصولًا إلى كنيسة واحدة مقدسة جامعة رسولية، مؤسسة على المحبة والأبوة والشفافية في ضمير صالح. --- ### الميلاد في الوجه غير المنظور - Published: ۲۰۲۵-۰۱-۰۵ - Modified: 2025-01-05 - URL: https://tabcm.net/33299/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: الأب متى المسكين, تجسد الكلمة, سمعان بن يونا, عيد الميلاد, قديس بولس الرسول, مجلة مرقس, ميلاد المسيح, يوحنا المعمدان الميلاد في الوجه غير المنظور ‏بقلم الأب متى المسكين، كلمة أُلقيت عل مجمع رهبان دير القديس أنبا مقار ليلة عيد الميلاد المجيد عام ‎١٩٧٩، ونُشرت أوّل ما نُشر في مجلة مرقس، عدد يناير ١٩٧٩، الصفحات من ١٣ إلى ١٥ العهد الجديد أو المسيحية ليست هي المقابل للعهد القديم أو اليهودية ((الأب متى المسكين، كلمة أُلقيت عل مجمع رهبان دير القديس أنبا مقار، ليلة عيد الميلاد المجيد عام ‎١٩٧٩. )). ولكن العهد الجديد هو استعلان وتحقيق لكل وعود وأسرار العهد القديم، ممثلة في المسيا وملكوت الله والخلاص ((رومية ١٥: ٨-١٢ )). وأقول: إن يسوع المسيح قد صار خادم الختان، من أجل صدق الله، حتى يثبت مواعيد الآباء. وأما الأمم فمجدوا الله من أجل الرحمة، كما هو مكتوب: «من أجل ذلك سأحمدك في الأمم وأرتل لاسمك». ويقول أيضًا: «تهللوا أيها الأمم مع شعبه» وأيضًا: «سبحوا الرب يا جميع الأمم، وامدحوه يا جميع الشعوب». وأيضًا يقول إشعياء: «سيكون أصل يسى والقائم ليسود على الأمم، عليه سيكون رجاء الأمم». (رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية ١٥: ٨-١٢) والكنيسة الآن في العالم وفي كل الأمم، هي استعلان وتحقيق آمال كل أسفار العهد القديم عن مملكة الله، حيث المسيح الرأس هو الذي يحكم ويدبر مملكة الخلاص المسكونية، لأن كل أمل ورجاء شعب إسرائيل بكل أنبيائه وأجهزته، كان ينتهي عند الخلاص للعالم كله الذي هو جاري الآن بواسطة الكنيسة. كما يلاحظ أن هناك نموًا في تصوير ملكوت الله الآتي على مدى أسفار العهد القديم، وكذلك من جهة التوضيح والتنبؤ بالمسيا. لذلك في بداية استعلان ملكوت الله في أيام يوحنا المعمدان لما بدأ يكرز بالتوبة، حدث تكتل وازدحام، لم يسبق له مثيل في حياة كافة الأنبياء، لان الوعي والإحساس بقرب ظهور واستعلان الملكوت كان قد بلغ تمامًا نضوجه فكان على أشده، وهذا الترقب والوعي نراه بوضوح في إعلان سمعان الشيخ وحنه النبية. كما كان روح النبوة حاضرًا على لسان زكريا وأليصابات ويوحنا بصورة تؤكد أن الملكوت قد صار بالفعل على الأبواب. ولكن كان يوحنا المعمدان صادقًا جدًا مع نفسه وشعبه: لست أنا المسيا! ! ولا يمكن أن ننسى أنه بسبب صدق وإخلاص يوحنا المعمدان صار قبول المسيح -باعتباره مسيا الخلاص- في بدء خدمته قبولًا شاملًا، فالجموع التي كانت ملتفة حول يوحنا المعمدان، وحتى من أخلص تلاميذه، تحولوا إلى المسيا. وكان يوحنا راضيًا بذلك ينبغي أن هذا يزيد وأني أنا أنقص ((يوحنا ٣: ٣٠ )). ‏ لقد قبل كل الشعب المسيح بصفته الملك الآتي باسم الرب من نسل داود، ليعلن بدء مملكة المسيا المعروف أنها تدوم إلى الأبد. لذلك لما توانى هو في إعلان نفسه، لم يتوانوا هم عن أن يحملوه ليجعلوه ملكا بالقوة! ! ولكنه جاز وسطهم، لأن فهمهم للخلاص ولمُلك الله جاء ناقصًا وخاطئًا. كل هذا يوضح مدى تغلغل عقيدة وإيمان ملكوت الله القادم عند كل الشعب، حتى الأمميين مهم، لان للشعب دائمًا حساسية مرهفة جدًا من نحو عمل الله: «صوت الله من صوت الشعب». كما يلاحظ في تاريخ إسرائيل أن هناك ترابطًا قويا بين أزمنة الأحزان والسبي وتأديبات الله المُرة، وبين تألق الرجاء بمجيء المسيا: للخلاص. لان من الذي يشتهي الخلاص إلا الذي يحس بمرارة السبي سواء كان بالجسد أو الفكر أو الروح؟! ! لذلك لم يؤثر ما عاناه شعب الله بمرور الزمن نحو ‎١٨‏ قرنًا من المآسي والآلام والمحن والاضطهادات لم تطفئ الرجاء بمجيء المسيا في قلب الأجيال، وترقّب استعلان الله في شخص الملك الآتي باسم الرب الذي سيصنع الخلاص علانية! ! ونظرة سريعة إلى سفر المزامير عامة وخاصة في مزمور الرب قد ملك فلتتهلل الشعوبالرب قد ملك فلترتعد الشعوب ((مزمور ٩٩ ))، تكشف مدى حرارة الانتظار ومحاولة رؤيا الملك القادم من خلال العتمة، عتمة الأزمنة والحوادث. وليس المزامير فقط، بل كل النبوات لم تكف عن الإشارة إلى ملكوت الله وإلى المسيا الآتي، ليحكم الأرض كلها بالعدل والبر. يجمع الشعوب تحت رايته ويضم المفديين إلى حظيرته والكل يسبحه ويخدمه. ثم كلما انحرفت أخلاق الشعب وفسدت الضمائر وانقلبت الأعمدة، أي الرؤساء، ‏وساءت الظروف؛ ازداد الرجاء جدًا بمجيء الملك الذي يصحح انهيار أخلاق الشعوب، ويشفي ضربة المرض التي أصابت الشعب من جهة انحلاله الخلقي. وتزداد النبوات إيضاحًا في بعض المواضع لتصور الله أنه هو الذي سيملك بنفسه ويضرب الأمم العاصية بعصي غضبه ويبيد المنافق بنفخة شفتيه! ويصير الله أبًا أبديًا للمفديين الذين يعفي عنهم، ويدعى رئيسًا للسلام علي الأرض! ! ثم يأتي المسيا ويعمل كل الأعمال المنصوص عنها. وهذا يسجله الإنجيل، لما أرسل يوحنا تلاميذه يسألونه هل أنت الآتي أم ننتظر آخر، أي: هل أنت الفادي والمخلّص والشافي الذي سيملك على إسرائيل ويُخضع كل الأمم والشعوب؟ فكان رد المسيح اذهبوا وقولوا له: إن كل الأعمال المنصوص عنها في النبوات أن المسيا الآتي سيعملها ها هي معمولة أمامكم: العمي يبصرون، والعرج يمشون، والبرص يُطهّرون، والصم يسمعون، والموتى يقومون، والمساكين يبشرون. وطوبى لمن لا يعثر فيّ ((متى ١١: ١٥ ))‏، أي: طوبى لمن يقبل المسيح أنه هو هو ملك البر الآتي،  قد وجدنا الذي قال عنه موسى والناموس وكتب الأنبياء، يسوع الناصري ابن يوسف ((يوحنا ١: ٤٥ )). لذلك فإن ملكوت الله معناه الروحي في العهد الجديد هو ميراث ثمين جدًا استلمناه من الأنبياء، بل هو الرجاء الغالي لكل الأجيال التي ماتت على هذا الرجاء! ! لقد كان ملكوت الله المزمع أن يعلنه ويباشره المسيا الآتي هو أعمق وأغلى أمل عند الجميع، لا الأنبياء وحسب، بل وكل الربّيين والمعلّمين وكل الشعب، وعلى أساس ملكوت الله الآتي، كانت تُشرح الأسئلة ويُرد على كل استفسار وقالت المرأة: أنا أعلم أن مسيا الذي يقال له المسيح يأتي. فمتى جاء ذاك يخبرنا بكل شيء ((يوحنا ٤: ٢٥ )). الوجه المنظور للميلاد: لقد اعتدنا أن نركز تأملاتنا السابقة عن الميلاد، فيما تم على مستوى الرؤيا والتاريخ، فالكلمة صار جسدًا ورأينا مجده، والحياة أُظهرت، ورأيناها بعيوننا ولمسناها بأيدينا، والله ظهر في الجسد. والرعاة أخذوا من السماء إشارة مسموعة وتصريحًا للزيارة ليروا الآية في المغارة طفلًا مقمطًا ومضجعًا في المذود بإعلان رسمي أنه هو هو الذي يخلّص شعبه من خطاياهم، والمجوس جاءوا من سفر بعيد للغاية، يرشدهم نجم سمائي تحركه القوة العلوية، لكي تأتي الشهادة لمخلص العالم من خارج إسرائيل، عندما أخفق الرؤساء والربّيون في المعرفة والشهادة لمخلصهم. الوجه غير المنظور لميلاد المسيح: خلاصٌ ومُلكٌ أبديّ: ولكن اليوم نريد أن نتأمل فيما حدث في يوم ميلاد المسيح من الوجه الآخر غير المنظور، والذي تبرهن على مسرح التاريخ والزمن بقوة فائقة. كما تبرهن لدى الرسل والقديسين والكنيسة كلها، أن المولود هو بالفعل الملك الآتي، المخلّص، والفادي، الحامل «لمفتاح» بيت داود الذي يغلق ولا أحد يفتح، ويفتح ولا أحد يغلق، الذي هو ملكوت أبدي ما لن يزول، كما رآه دانيال النبي. هذا الوجه الآخر قد حدث بميلاد المسيح، إذ تم في المسيح وعد الله ببدء أزمنة الخلاص، واستعلان ملكوت الله على الأرض الذي يسوسه ويدبره، الذي طالما تكلم عنه الأنبياء بلا ملل؛ أما الخلاص فشهد له جمهور جند السماء يولد لكم اليوم مخلص. وأما «المُلك الأبدي» فشهد له المجوس أين المولود ملك اليهود، جئنا لنسجد له. إذن نستطيع أن نتحقق في الوجه غير المنظور ليوم الميلاد. سقوط عروش وقيام عروش، وانتهاء أزمنة وابتداء أزمنة، كما قالت العذراء القديسة مريم في تسبحتها الخالدة أنزل الأعزّاء عن الكراسي ورفع المتضعين، صنع قوّة بذراعه. وكما صرح ملاك البشارة بكل وضوح وجلاء هذا يكون عظيمًا وابن العلي يُدعى، ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية. عجيب أيها الأحباء، أن يُعلن ملكوت المسيح الخلاصي، والمسيح في البطن قبل ميلاده، بهذا التأكيد المتعدد الجهات من ملاك البشارة مسبقًا، ثم من العذراء وهي في بدء حملها، ثم من زكريا الكاهن وأليصابات. ثم يتأكد مرة أخرى في يوم ميلاده، من الملائكة وجمهور جند السماء والمجوس الذين تحملوا مشقة السفر الطويل، لكي يروا ملك اليهود ويسجدوا له ويقدموا هدايا تعبر عن يقين إيمانهم بملكوته. تركيز المسيح المتواصل على حقيقة الملكوت: إذن، فالوجه الآخر لميلاد المسيح الطفل وهو مقمط ومضجع في مذود، هو هذا الملكوت المعلن من السماء ومن الملائكة والحكماء، الذي وُلد المسيح ليفتتحه ويدبره لحساب الإنسان. فالمسيح وُلد وعلى كتفه مفتاح بيت داود، كقول ملاك البشارة للعذراء ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه. ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية ((لوقا ١: ٣٣ )). ‏ لذلك يلزم أن نثبت ذهننا على هذا الوجه الآخر، لأنه محور الميلاد وجوهره الذي إذا دققنا في قراءتنا للإنجيل، وجدنا أن هذا الوجه الآخر يظل هو الأقوى والفعال على مدى الإنجيل وكل الأسفار. فلم يركز المسيح في أقواله وأمثاله في شيء، أو على شيء، كما ركز على ملكوت الله! ! بل وكان ملكوت الله موضوع بداية كرازة المسيح من ذلك الزمان ابتدأ يسوع يكرز ويقول توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السموات ((متى ٤: ١٧ )). ولو تذكرون حوادث الإنجيل، نجد أن في ختام تعاليم المسيح بعد القيامة، وعلى مدى الأربعين يومًا التي كان يظهر فيها لتلاميذه، كان المسيح يتكلم معهم عن الأمور المختصة بملكوت الله ((أعمال الرسل، الإصحاح الأول. )). وأظنكم تذكرون جيدًا على مدى الإنجيل أمثال المسيح عن ملكوت الله، التي حاول الرب فيها أن يشرح ويصف ملكوت الله الذي لا يُشرح ولا يوصف بكافة أنواع الأمثال والأوصاف. ومن اهتمام الرب بتقديم هذه الأمثال المتعددة الأوصاف للملكوت، يتضح أمامنا خطورة مفهوم الملكوت كما يراه ‎المسيح، فلم يكن مثل واحد قادرًا أن يصف ملكوت الله، بل ولا كل هذه الأمثال معًا كانت كافية، وإلا ما اضطر المسيح أن يخصص أربعين يومًا وهو في ملء القيامة والتجلي ليشرح ويتكلم أيضًا، فيما يخص ملكوت الله بعد ثلاث سنوات ونصف من الكلام والتعليم المتواصل عن الملكوت بأمثال وعلانية! ! فملكوت الله بعد كل ما قيل في الإنجيل وكل الشروحات، يظل جديدًا باستمرار يحتاج إلى تكميل، حيث بعد كل كلام تنتهي الكلمات وكل معانيها وتبقى حقيقة الملكوت كما هي، حياة لا توصف بل ويلزم أن تُعاش! ! لذلك فمهما تكلمنا عن الملكوت، نجد الكلمات في النهاية قد تضاءلت، وبقي الملكوت حاجة تحتاجها النفس أكثر جدًا مما يحتاجها الفكر أو التصور. سر الميلاد القائم في تجسد كلمة الله، هو الشرح الوحيد لحقيقة ملكوت الله: وكما أن ميلاد المسيح من العذراء في شكله الخارجي هو مجرد إنسان عادي تحيط به أحداث كبيرة وحسب، كما رآه الكثيرون، ولا يزالون، إذ يرون في المسيح مجرد إنسان عظيم وُلد من عذراء في قداسة وبإعجاز غير مفهوم؛ حيث ينتهي هذا الإعجاز بالعقل إلى ما ينتهي إليه أي لغز غير قابل للحل، هكذا تمامًا وبالحرف الواحد كان المسيح يطرح أمثاله عن الملكوت، فيراها البعض مجرد أمثال تحوي ألغازًا حكيمة وحسب، ثم يعود المسيح إلى أخصائه ليكشف لهم علانية سر الأمثال التي كان يقولها عن الملكوت كألغاز! ! (((لوقا ٨: ٩-١٠ )) فسأله تلاميذه قائلين: ما عسى أن يكون هذا المثل؟ فقال قد أعطى أن تعرفوا أسرار ملكوت الله، وأما للباقين فبأمثال، حتى أنهم مبصرين لا يبصرون، وسامعين لا يفهمون. (إنجيل لوقا ٨: ٩-١٠) المسيح وأمثاله عن الملكوت: وهكذا كان المسيح في ميلاده وصليبه وقيامته، كأحد الأمثال التي كان يقولها عن ملكوت الله، فالمسيح المولود من العذراء لا يظهر منه إلا مجرد حكمة أو لغز، أما لذوي العيون التي ترى والآذان التي تسمع فيرون فيه الوجه الآخر للميلاد الله ظهر في الجسد، حيث ينكشف في هذا المولود سر السماء وسر قوة الله وسلطانه ومجده ورسم جوهره! ! والعجيب أن الله لم يجرم المتشككين من نموذج مبكت لغبائهم، وهو نموذج جاء مبكرًا جدًا في شهادته لسر المسيح الذي لا يُستقصى، هذا النموذج هو المجوس الذين جاءوا من المشرق من بعيد جدًا ليسجدوا للطفل الملك المولود في بيت لحم! ! لقد كان المجوس في ملء الوعي من رؤية الوجه الآخر للميلاد، لقد انفتحت عيونهم فرأوا نجمه في السماء، وانفتحت آذانهم فسمعوا السر وفهموا كل شيء، وأطاعوا الرؤيا، ولم يعاندوا الصوت! هذا هو المسيح المولود في بيت لحم، سر مخفي وهو منظور! ! تستطيع أن تكتفي به في وجهه المنظور كقصة أو مجرد حكمة أو لغز، هذا إذا اكتفيت به كمسيح التاريخ وكرواية من روايات الإنجيل، فإذا انفتحت العين والأذن صار المسيح وصار ميلاد المسيح في وجهه غير المنظور، لا تسعه الكتب ولا يسعه عقل الإنسان، لأنه يصير مثل السر الكائن في أمثاله عن الملكوت، مصدر رؤيا لشبع لا ينتهي، ومصدر فهم وحكمة تتجاوز كل المدركات. فهو حبة الحنطة، كما قال عن نفسه، وكما قال -في مثله- عن الملكوت سواء بسواء، فيها سر الموت والقيامة، وفيها سر الجوع والشبع! ! لذلك حينما انشغل المسيح كل الانشغال بشرح ملكوت الله، فهو إنما كان يعلن نفسه ويفسر ميلاده! ! فلو استطعنا أن نرجع إلى أمثال المسيح كلها ونتعمقها بالروح لاستطعنا أن نعرف الكثير عن سر المسيح نفسه! ! وحينما أرسل الرب تلاميذه للكرازة . وضح من إرساليته لهم مدى الصلة القائمة بين الملكوت والمسيح: إذهبوا إكرزوا ببشارة الملكوت، أنتم شهود لي، الذي يقبلكم يقبلني، والذي يقبلني يقبل الذي أرسلني. هنا يضع المسيح نفسه محور الكرازة بالملكوت. صحيح أن الملكوت هو ملكوت أبي، ولكن أنا هو الطريق ولا أحد يأتي إلى الآب إلا بي،  من ليس له الابن ليس له الآب. المسيح الطفل المولود، يكشف عن أسرار الملكوت: صحيح أن ملكوت الله «قوة»، ولكن المسيح المولود في بيت لحم، يكشف لنا عن الوجه المضيء الهادئ الوديع جدًا لهذه القوة. صحيح أن ملكوت الله نظام وترتيب وقانون، ولكن المسيح المولود في بيت لحم يكشف عن صفة القلب المحب العطوف المتواضع والمضحي الذي أُعطى أن يفجر طاقات هذا النظام والترتيب والقانون! ! صحيح أن ملكوت الله بحسب الفكر والنطق سيادة عظمى، وسلطان إلهي فائق، وتدبير سمائي، وإرادة علوية. ولكن الذي حدث في بيت لحم يكشف لنا أن ملكوت الله برهبته ومخافته وسموه الفائق، لم يعد غريبًا عن جنسنا ولا بعيدًا عن رؤيتنا ولا صعبًا لأسماعنا، فالمعجزة الأبدية تمت، والآية الخارجة عن كل منطق بشري كملت وأعلنتها السماء أن وُلد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب، وهذه لكم العلامةتجدون طفلًا مقمطًا مضجعًا في مذود ((لوقا ٢: ١١ )). ‏ فالمسيح الطفل الصغير المولود في المذود يكشف لنا عن الوجه الآخر للملكوت، كيف أنه في ملء البساطة والوداعة واللطف الإلهي الفائق، تقرر نظام الخلاص في هذا الملكوت! ! بساطة المسيح المولود، وبساطة الملكوت: هنا نلاحظ أن استعلان الملكوت «كقوة ونظام وتدبير وسيادة» في شخص المسيح الوديع في صورته، وهو مولود في بيت لحم، يقرب لنا الإحساس بالملكوت جدًا وللغاية. وهو نفس الاصطلاح الذي شدد عليه المسيح تمامًا قد اقترب منكم ملكوت السموات  الرب قريب وفي الحقيقة، لو انتبهنا إلى أن قامة الطفولة التي أمامنا الآن في بيت لحم هي قامة بسيطة غاية البساطة يمكن اغتصابها بالحب، كما يحتضن الإنسان أي طفل ويقبّله، هكذا أراد الرب أن يصف قرب وبساطة ملكوت السموات منا. بل هكذا تحقق لنا قرب هذا الملكوت في بساطته المتناهية، ومفهوم إمكانية اغتصابه بميلاد المسيح في مذود سهل الاقتحام، وليس في قصور الملوك خلف الحواجز والأبواب والخدم والأسياد! ! وفي الحقيقة أرى أن كل الذين ذاقوا الموهبة السماوية، وصاروا شركاء الروح القدس، وذاقوا كلمة الله الصالحة وقوات الدهر الآتي -كما يقول القديس بولس الرسول ((عبرانيين ٦: ٤-‎٥ ))- يدركون الآن جدًا صدق هذا الكلام ويدركون بأي مجانية صارت هذه العطية السماوية وصار اغتصابها وسهولة اقتنائها، كما يقول الكتاب: ((متى ١١: ١٤ )) ملكوت السماوات يُغصب، والغاصبون يختطفونه. (إنجيل متى ١١: ١٤) فلا فارق بين سهولة أن يحتضن الإنسان طفلًا رضيعًا في حضنه وبين أن يقتني الروح القدس في قلبه! ! الملكوت والمسيح بين يدينا: فالآن أدعوكم أن تنظروا معي جيدًا ومليًا في عيني يسوع الطفل المقمط المضجع في المذود، لأن في عينيه سترون الوجه الآخر للميلاد، سترون الملكوت بكل عمقه وعلوه، ننظره فينظر إلينا في بساطة وقبول فائق، احملوا يسوع الطفل على ذراعكم لكي تدركوا وتتحققوا من خفة الملكوت بكل حمله ونيره! ! ولكن لكي تثقوا أن ملكوت الله حقا مُشخّص في المسيح يسوع، اسمعوا الرب نفسه وهو يجمع بين الملكوت (الإنجيل) ونفسه حينا يقول للمتنسكين الذين تركوا كل شيء «من أجلي ومن أجل الإنجيل»، ومعروف طبعًا أن الإنجيل هو بشارة الملكوت! ! هذه الحقيقة التي تربط بين الملكوت والمسيح كانت حاضرة جدًا في ذهن التلاميذ، فيكتبها القديس لوقا البشير بوضوح هكذا ((أعمال الرسل ٨: ١٢ )): ولما صدقوا فيلبس وهو يبشر بالأمور المختصة بملكوت الله وباسم يسوع اعتمدوا رجالًا ونساء. (أعمال الرسل ٨: ١٢) الملكوت المنظور، والملكوت غير المنظور: لقد ألمح الرب إلى هذه الحقيقة بصورة غاية في العمق، عندما قال لتلاميذه ها ملكوت الله داخلكم ((لوقا ١٧: ٢١ ))، وعندما قال للقديس بطرس الرسول أعطيك مفاتيح ملكوت السموات ((متى ١٦: ١٩ ))، ‏ وكان يشير بذلك إلى الاعتراف الذي نطقه أنت هو المسيح ابن الله الحي. فالإيمان بالمسيح هو مفتاح الملكوت بحسب النبوات مفتاح بيت مملكة داود ((إشعياء ٢٢: ٢٢؛‏ رؤيا ٣: ٧ )). ‏ ولكن كثيرًا ما التبست حقيقة الملكوت غير المنظورة على الكثيرين، مثل النساء البسطاء اللاتي كن يخدمنه، فأم ولديّ زبدي انتهزت فرصة مواتية، وتقدمت بطلب إلى الرب أن يجلس ولداها عن يمين ويسار الرب في ملكوته! هذا الإحساس بالملكوت الآتي، أو استعلان الرب في ملكوته بغتة لم يكن غريبًا عن الجو الذي كان يعيشه كل من كان حول المسيح، فقوة المسيح كانت هي هي استعلان ملكوت الله. لذلك فالملكوت ظل يقترب من ذهنهم بعد كل معجزة حتى صار في صميم إحساسهم، حتى قالوا بأنه وشيك الوقوع، وتحمسوا له، لدرجة الترقب الشديد بل والتوتر أحيانًا وكانوا يظنون أن ملكوت الله عتيد أن يظهر في الحال ((لوقا ١٩: ١١ )). ‏ فأخذ المسيح يعلمهم بالمثل أنه لا يزال أمامه رحلة طويلة للعودة بعد زمان كثير ليُستعلن الملكوت بالوجه المنظور: إنسان شريف الجنس ذهب إلى كورة بعيدة ليأخذ لنفسه مُلكًا ويرجع ((لوقا ١٩ ))‏ وكان هذا الشعور بقرب الخلاص وظهور ملكوت الله باستعلان ملكوت المسيح المنظور، كان مسيطرًا أيضًا على كل التلاميذ والجموع في أيام المسيح الأخيرة على الأرض، حتى أن الجموع كلها هتفت له قبل الصليب بأسبوع أوصنا مبارك الآتي باسم الرب. مباركة مملكة أبينا داود الآتية باسم الرب، أوصنا في الأعالي ((مرقس ١١: ٩-١٠ )). ملكوت الله يأتي بقوة: ولكن كان ميعاد هذا الهتاف متقدمًا ‎٥٧‏ يومًا تمامًا، لأن ما حدث يوم الخمسين بحلول الروح القدس بقوة من السماء، كان تحقيقًا لمجيء الملكوت، ولكن بصورته شبه المنظورة أيضًا، حيث تم الخلاص من الأعالي، واستُعلن المسيح مخلصًا وفاديًا، وصار ملكوت الله حقيقة داخلية تملأ كيان التلاميذ وتنطق في أفواههم بكل لسان لكل أمة مدعوة للخلاص! لأن تحقيق مجيء الملكوت بقوة الروح القدس يوم الخمسين هو نفسه الذي ألمح إليه الرب عندما قال هنا قوم لا يذوقون الموت حتى يروا ملكوت الله آتيًا بقوة ((متى ١٦: ٢٨ )). ‏ ولكن بصورة أخرى أعمق وأسبق، رأينا الملائكة يعلنون عن ظهور هذا الملكوت عينه في لحظة ميلاد المسيح في بيت لحم بنفس نشيد أطفال يوم أحد الخوص، حينما هتفت الملائكة مع جمهور جند السماء المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة ((لوقا ٢: ١٤ ))، حيث ربطت الملائكة بين ملكوت الله في السماء وظهوره على الأرض بآن واحد. وهذا الهتاف هو المرادف السري لنشيد الأطفال «أوصنا في الأعالي، مبارك الآتي باسم الرب، مباركة مملكة أبينا داود الآتية باسم الرب». تسبحة الملائكة أنشودة لاهوتية: هنا يهمنا جدًا يا أحبائي أن نستشف قصد الملائكة من الربط بين مجد الله في الأعالي، والسلام والمسرة على الأرض! ! أليست هذه هي حقيقة التجسد؟ والسر المخفي للوجه الآخر لميلاد المسيح في مذود البهائم؟ فالتحام السماء بالأرض وغير المنظور بالمنظور والله بالإنسان، هو حقيقة الميلاد، وهي نفسها حقيقة استعلان ملكوت الله في الناس وبين البشر، عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا. لهذا، فإن نشيد الملائكة ليس مقطوعة موسيقية أو ترنيمة مفرحة، بل هو استعلان لاهوتي وكشف حقيقة سر المسيح إنما بطريقة ملائكية أي بالتسبيح! ! فبالرغم من تجسد الكلمة ابن الله الوحيد، أي «تأنسه» أو بتعبير القديس بولس الرسول حلً فيه كل ملء اللاهوت جسديًا ((كولوسي ٢: ٩ )) والله ظهر في الجسد ((تيموثاوس الأولى٣: ١٦ ))، أقول بالرغم من ذلك ندرك من تسبحة الملائكة أن هذا الاتحاد لم يلغِ كيان السماء أو كيان الأرض، بل ظل المجد لله في الأعالي، وفي نفس الوقت ولنفس السبب حلّ ملء السلام والمسرة في الناس! ! فالاتحاد الذي تم في شخص المسيح لم يلغ شيئًا، بل أضاف مجدًا لله في السماء، بسبب اتضاعه وتنازله، كما أضاف للإنسان سلامًا وسرورًا بسبب الحب والفداء والخلاص الذي أتى به إلى أرض الشقاء والأحزان. هذا هو قصد الملكوت واستعلانه ليكون للإنسان على الأرض كل مشيئة الله ومسرة إرادته التي في السماء، وهذا هو جوهر الصلاة التي علّمها الرب لتلاميذه ليهذوا بها كلما صلوا ليأتِ ملكوتك. لتكن مشيئتك. كما في السماء كذلك على الأرض. فالمسيح لأنه ربط في نفسه مشيئة الآب بمشيئة البشر ليجعل منهما مشيئته الخاصة الواحدة، استطاع أن يهبنا هذه النعمة العظمى أن نصير فيه قادرين أن نكمل مشيئة الله في حياتنا على الأرض، وأن نستقبل في أعماقنا باستمرار بواسطة سر الجسد والدم، وعلى قدر ما نصلي، ملكوت الله الذي نطلبه ليأتي دائمًا! ! فإذا عدنا الآن إلى تسبحة الملائكة المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة، استطعنا أن نرى فيها وعدًا أكيدًا بتحقيق صلاة أبانا الذي في السموات، التي نقولها كل حين، إنما في المسيح يسوع ربنا! ! لأنه كما من أجل ميلاد المسيح في بيت لحم صار تهليل الملائكة وإعلانهم أنه قد صار المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة، هكذا في سر تجسد المسيح نطلب بثقة ليأتِ ملكوتك. لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض! ! هنا، المسيح في الاثنين هو سر هذا الارتباط الفائق بين السماء والأرض، بين الله والبشر. ثم مرة أخيرة، فلننظر إلى المسيح الطفل المولود في المذود، ولنتأمل مدى بساطةواتضاع دخوله إلى عالمنا، لأنه بهذه البساطة عينها وبهذا الاتضاع عينه نستطيع أن نقتحم الوجه الآخر من هذا الميلاد المذهل لنرى الله، نقتحم سر مشيئه  الله وسر ملكوتة الذي صار في متناول أيدينا، مثل هذا الطفل الوديع الراقد في المذود.   الميلاد في الوجه غير المنظور ‏بقلم الأب متى المسكين، كلمة أُلقيت عل مجمع رهبان دير القديس أنبا مقار ليلة عيد الميلاد المجيد عام ‎١٩٧٩، ونُشرت أوّل ما نُشر في مجلة مرقس، عدد يناير ١٩٧٩، الصفحات من ٣ إلى ١٥   --- ### أُكِلت يوم أُكِل الثور الأبيض - Published: ۲۰۲۵-۰۱-۰٤ - Modified: 2025-01-11 - URL: https://tabcm.net/32360/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: إبراهيم عبد الهادي باشا المليجي, الإخوان المسلمين, السيد سابق, الشيوعية, جمعية الشبان المسلمين, حسن أحمد عبد الرحمن محمد البنا, حقيقة التنظيم الخاص, سيد فايز عبد المطلب, شفيق إبراهيم أنس, عبد الرحمن علي فراج السندي, عبد المجيد أحمد حسن, محمد صالح حرب, محمود السيد خليل الصباغ, محمود فهمي النقراشي باشا لا يمكن أن نعتبر قتل النقراشي باشا من حوادث الاغتيالات السياسية فهو عمل فدائي صرف، قام به بعض أبطال الإخوان المسلمين، لما ظهرت خيانة النقراشي باشا صارخة في فلسطين، بأن أسهم في تسليمها لليهود، ثم أعلن الحرب على الطائفة المسلمة الوحيدة التي تنزل ضربات موجعة لليهود (محمود السيد خليل الصباغ، حقيقة التنظيم الخاص) أتى إبراهيم عبد الهادي ليدير ماكينة العنف الرسمي إلى أقصى مداها، ولتتسع دائرة الاعتقالات في صفوف الإخوان فتشمل 4000 معتقل، وتعرض بعض المعتقلين لأقصى درجات التعذيب الوحشي الذي لم تعرف له مصر مثيلًا من قبل، وكانت الستة أشهر التالية لتولي إبراهيم عبد الهادي الحكم صورة راسخة في أذهان المصريين جميعًا للسلطة الرسمية الغاشمة، وقد اكتسب عبد الهادي لنفسه خلالها عداء كافة فئات الرأي العام المصري. ودارت ماكينة العنف البوليسي ضد الإخوان، هؤلاء الذين باركوا دورانها ضد خصومهم من الوفديين والتقدميين والشيوعيين في السابق، فإذا بغول الديكتاتورية يبتلعهم هم أيضًا، والمعتقلات التي افتتحت في ظل مباركة الإخوان وتهليلهم يوم 15 مايو 1948 بمناسبة حرب فلسطين والتي استقبلت خصومهم السياسيين، أخذت تتوسع كي تستقبل الألوف من أعضاء الإخوان، وفي زنازين التعذيب الرهيبة كان أقصى ما يؤلم الإخوان قيام أجهزة الأمن بتعليق الآية الكريمة إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادًا أن يقتلوا، أو يصلبوا، أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، أو ينفوا من الأرض، ذلك لهم خزي في الحياة الدنيا، ولهم في الآخرة عذاب عظيم. ، ولعل شكوكًا كثيرة قد ساورت هؤلاء الشبان من أعضاء الجهاز السري وهم يعانون من التعذيب الوحشي في جدوى عملية الإرهاب ضد خصومهم، وربما في مدى مشروعيتها. خطوات نحو المصالحة أتت حادثة اغتيال النقراشي لتصب الزيت على النيران المشتعلة وتزيد الأمر سوءًا، ووجد البنا نفسه وحيدًا، محتقرًا من الجميع، والجميع ضده، الملك والحكومة والنواب والأحزاب، والشعب ساخط عليه، وجماعته في السجون والمعتقلات ومن نجى منهم من السجن تم نقله إلى أبعد مكان في مصر. حاول البنا التردد على الوزراء في مكاتبهم ومنازلهم فكانوا يتهربون من لقائه، فلم يجد إلا صديقه محمد صالح حرب، رئيس جمعية الشبان المسلمين ليرتمي بين يديه طالبًا محاولة حل الأزمة فوعده بالتصرف، وبناء على طلب البنا أتصل صالح حرب تليفونيًا بمصطفى مرعي وزير الدولة بعد 48 ساعة من تشكيل وزارة إبراهيم عبد الهادي، ليخبره أن البنا طلب لقائه في بيت صالح حرب لأشياء يود أن يصارح بها مصطفى مرعي. كان إبراهيم عبد الهادي رئيس الوزراء قد عهد إلى مصطفى مرعي بإنهاء حالة التوتر بين المرشد والحكومة التي ترتبت على حل الجماعة والتقى الثلاثة فعلًا، فبدأ البنا الحديث عن اعتقالات الإخوان وفصل ونقل الموظفين منهم، والاستيلاء على شركات وأموال الإخوان، وطلب من مصطفى مرعي الإفراج عن المعتقلين، أجاب مرعي بان الجماعة أضحت ملاذًا للجرائم والمجرمين وسبب اهتزاز الأمن في البلاد كلها، فدافع البنا عن نفسه بقوله أن الذين أجرموا قد فعلوا ذلك بغير إرادته، وقد فكر بالفعل في حل الجماعة لكن شق عليه أن يهدم بناءًا أقامه في عشرين عامًا وسأل نفسه في حضورهم إن كان الزمام قد أفلت من يده؟ فأجاب مرعي أن على البنا أن يكتب بيانًا يتضمن تلك المعاني، فشق على البنا أن يفعل ذلك ويتبرأ من أصدقائه ومريديه ومحبيه، فكتب مقالًا جاء فيه عكس ما اتفقوا عليه، فرفضه مصطفى مرعي وطلب منه أن يعلن استنكاره للجريمة صراحة، ويتبرأ من قاتل النقراشي وممن دبروا الجريمة صراحة، فأستجاب البنا في المرة الثانية وفعل البنا ما طُلب منه. وجاءت صحف الصباح يوم 11 من يناير 1949 وفي صفحتها الأولى بيان للناس بقلم المرشد العام للإخوان، حسن البنا، قال فيه؛ إن الأحداث الماضية نُسبت لمن دخلوا الجماعة دون أن يتشربوا من روحها، ورثى النقراشي واعتبره قائدًا للامة، وتبرأ إلى الله من كل تلك الأفعال ومن مرتكبيها. كان البنا قد كتب هذا البيان بهدف إقناع الحكومة بأن الجماعة ليست طرفًا في جريمة اغتيال النقراشي وليست محرضة عليها، ليلقى بالتهمة كلها على عبد المجيد متنصلًا منه ومن فعلته، وكان البنا يريد تهدئة الموقف مع الحكومة وإقناعها بالإفراج عن المعتقلين، فأستغل النائب العام محمود منصور مقال البنا، وعرض نسخة من الجريدة الرسمية على عبد المجيد أحمد حسن قاتل النقراشي وفيها بيان للناس الذي كتبه المرشد العام، وبالرغم من أن عبد المجيد حسن قد صمد لثلاثة أسابيع كاملة في مواجهة تعذيب وحشي ضده وضد أسرته، لكنه انهار تمامًا عندما قرأ بيان الشيخ البنا الذي نشرته الصحف، وأدلى بكل ما في جعبته واعترف اعترافًا صريحًا بانتمائه للجماعة وللجهاز السرى، وأنه قتل النقراشي لإصداره قرارًا بحل جماعة الإخوان المسلمين، وأن السندي قد دبر الحادث من داخل معتقله. وتوالت اعترافات عبد المجيد، وقال أن خطة اغتيال رئيس الوزراء وضعت يوم 18 من ديسمبر، واتفق على التنفيذ في 23 من ديسمبر أي بعد أسبوعين من قرار الحل، ثم أرجئ التنفيذ إلى أن تتخذ التدابير لحماية الشيخ حسن البنا إن اتجه تفكير الحكومة إلى قتله انتقامًا لاغتيال النقراشي المزمع القيام به، وأدت اعترافات عبد المجيد إلى القبض على خمسة من الإخوان المسلمين بتهمة الاشتراك والاتفاق والتحريض والمساعدة من بينهم الشيخ سيد سابق، الذي أقنع عبد المجيد أن القتل حلال في سبيل الله، فالنقراشي قد اعتدى على الإسلام بحل الجماعة، وأستشهد سيد سابق ببعض الآيات القرآنية، واعترف عبد المجيد على ضابط الشرطة أحمد فؤاد الذي أعد كل الاستعدادات للجريمة وكان مقررًا أن يقوم بنفسه باغتيال النقراشي، وانتحر هذا الضابط عند محاولة القبض عليه، ويعترف محمود الصباغ بعد أربعين عامًا من حادث الاغتيال بالمسئولية في كتابه حقيقة التنظيم الخاص قائلًا أن العملية جاءت من باب حماية الدعوة: لا يمكن أن نعتبر قتل النقراشي باشا من حوادث الاغتيالات السياسية فهو عمل فدائي صرف، قام به بعض أبطال الإخوان المسلمين، لما ظهرت خيانة النقراشي باشا صارخة في فلسطين، بأن أسهم في تسليمها لليهود، ثم أعلن الحرب على الطائفة المسلمة الوحيدة التي تنزل ضربات موجعة لليهود. كان الشهيد السيد فايز هو مسئول النظام الخاص عن مدينة القاهرة بعد اعتقال كل من يعلوه في القيادة، سواء رجال الدعوة العامة أو من رجال النظام الخاص، فقد اعتقل جميع أعضاء الهيئة التأسيسية، وحيل بين المرشد العام وبين جميع الإخوان، فأصبح سيد فايز هو المسئول الأول عن حماية الدعوة في هذه الظروف الشاذة وله حق الاجتهاد، وقد نظر السيد فايز في قرار حل الإخوان المسلمين وفي الظروف التي تحيط بهذا القرار سواء في الميدان أو داخل مصر فشعر أنه محكوم بحكومة محاربة للإسلام والمسلمين، وقرر الدخول معها في حرب وعصابات فوق أرض مصر، ولم يكن للسيد فايز من بد في أن يتحمل هذه المسئولية، فكل إخوان الدعوة العامة معتقلون، والمرشد العام محجوب عن اللقاء بالإخوان بوضعه تحت العدسة المكبرة لرجال الأمن طوال ساعات النهار والليل، فليس هناك مجال للاتصال به أو أخذ التعليمات منه، وبدأ السيد فايز مسئول الجهاز الخاص آنذاك المعركة بواد رأس الخيانة محمود فهمي النقراشي، وقد كون فايز خلية من محمد مالك وشفيق أنس وعاطف عطية حلمي والضابط أحمد فؤاد وعبد المجيد أحمد حسن ومحمود كامل، لهذا الغرض. ونجح عبد المجيد أحمد حسن في قتل النقراشي في مركز سلطانه ووسط ضباطه وجنوده وهو يدخل مصعد وزارة الداخلية. (محمود السيد خليل الصباغ، حقيقة التنظيم الخاص) في الوقت ذاته، فتح بيان البنا باب للتفاهم بينه وبين الحكومة، فأوقف مصطفى مرعي بيع منقولات شُعب الجماعة بالمزاد، ولكنه رأى استمرار اعتقال الإخوان لبعض الوقت، وطلب من البنا أسماء الأعضاء الخطيرين، ومكان الأسلحة ومحطة الإذاعة السرية، لكن البنا أبى أن يكشف عن تلك المعلومات إلا بعد أن يخلى سبيل بعض المعتقلين حتى يعرف منهم المعلومات المطلوبة. من الناحية الأخرى أثار بيان البنا ثائرة وغضب أعضاء النظام الخاص داخل المعتقل وعلى رأسهم السندي، كان عبد الرحمن السندي ونظامه الخاص يرى أن البنا قد خانهم وباعهم للحكومة، وبما أنهم جميعًا متورطين في قضية السيارة الجيب فكان لابد من حل سريع يخرجهم من القضية، ولا يوجد حل أفضل من إخفاء الأدلة التي تدينهم، فعمل السندي على إرسال أحد رجاله الذين خارج السجن للتخلص من أوراق القضية. --- ### الخلاص بالنعمة وحدها عند چون كالڤن - Published: ۲۰۲۵-۰۱-۰۳ - Modified: 2025-01-10 - URL: https://tabcm.net/33251/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: Sola Gratia, آدم, أنسلم، أسقف كانتربري, الإصلاح البروتستانتي, الخطيئة الأصلية, بروتستانت, چون دنس سكوت, چون كالڤن, دار منهل الحياة, قديس أوغسطينوس، أسقف هيبو, قديس بولس الرسول, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية يبحث هذا العمل في عقيدتي التبرير وعمل النعمة بين چون كالڤن كممثل عن حركة الإصلاح البروتستانتي المؤثرين في كافة الطوائف البروتستانتية، وبين ق. يوحنا ذهبي الفم كممثل عن اللاهوت الأرثوذكسي الشرقي. يهدف البحث إلى إظهار جوانب كل فكر من هذين اللاهوتيين المسيحيين المؤثرين. مما يسلط الضوء على التباينات الأساسية بين اللاهوت الشرقي واللاهوت المصلح الغربي يبحث هذا العمل في عقيدتي التبرير وعمل النعمة بين چون كالڤن كممثل عن حركة الإصلاح البروتستانتي وكأحد أبرز رجالات الإصلاح البروتستانتي المؤثرين في كافة الطوائف البروتستانتية بجميع أشكالها وأنواعها، وبين ق. يوحنا ذهبي الفم كممثل عن اللاهوت الأرثوذكسي الشرقي، وكأحد أبرز معلمي وخطباء الكنيسة على مر العصور. يهدف البحث إلى إظهار جوانب كل فكر من فكري هذين اللاهوتيين المسيحيين المؤثرين كُلٌّ في مجاله اللاهوتي. مما يسلط الضوء على التباينات الأساسية بين اللاهوت الشرقي الأرثوذكسي واللاهوت المصلح الغربي البروتستانتي. التبرير والنعمة عند چون كالڤن وراثة الخطية الأصلية من آدم يشير چون كالڤن إلى أن الخطيئة انتقلت من الإنسان الأول إلى كل نسله، لأننا نحمل فسادًا فطريًا من رحم أمنا. لذلك نحن جميعًا، وقد انحدرنا من زرعٍ نجسٍ، ووُلِدنا موبوئين بعدوى الخطيئة. إننا في الواقع كنا، قبل أن نرى نور العالم، دنسين وملطَّخين في نظر الله ((چون كالڤن، أسس الدين المسيحي مج1، ترجمة مجموعة من المترجمين، دار منهل الحياة، 2018، 2: 1، ص 234. )). نسمع أن نجاسة الوالدين تنتقل إلى الأولاد، بحيث إن الجميع من دون استثناء يكونون ملوثين منذ ولادتهم. فالخطيئة والموت دخلا مع آدم لكنهما أُبطلتا في المسيح. فالدينونة لا يمكنها أن تطال أولئك الذين لم يطلهم ذنب الخطيئة ((چون كالفن، أسس الدين المسيحي مج1، ترجمة مجموعة من المترجمين، دار منهل الحياة، 2018، 2: 1، ص 235. )). عندما يُقال إننا وقعنا تحت دينونة الله بسبب خطيئة آدم، يجب ألا نفهم ذلك كما لو أننا نحن غير المذنبين والأبرياء، حملنا ذنب خطيئته، بل بمعنى أننا، من خلال تعديه وقعنا في شرك اللعنة، لذلك يُقال إنه جعلنا مذنبين . ثم يستشهد كالفن بأوغسطينوس ليؤكد على وراثة الذنب، حيث يدعو أوغسطينوس الخطيئة غالبًا بـ ”خطيئة الآخر“ ليوضح أنها تنتقل بيننا عن طريق التناسل، لكنه مع ذلك يعلن أنها تخص كل واحد ((چون كالڤن، أسس الدين المسيحي مج1، ترجمة مجموعة من المترجمين، دار منهل الحياة، 2018، 2: 1، ص 237. )). ولادة أطفال مذنبين يوضح كالڤن أن الأطفال لا يتحدون من ولادة والديهم الروحية، بل من ولادتهم الجسدية، ومن هنا، سواء أكان الإنسان غير مؤمن مذنب، أم مؤمنًا بريئًا، فهو لا يلد أطفالًا أبرياء بل مذنبين، إذ هو يلدهم من طبيعة فاسدة. فالذنب هو من الطبيعة ، أمَّا التقديس فهو من النعمة للخارقة للطبيعة ((چون كالڤن، أسس الدين المسيحي مج1، ترجمة مجموعة من المترجمين، دار منهل الحياة، 2018، 2: 1، ص 236، 237. )). لذلك حتى الأطفال الرضع -بينما هم يحملون دينونتهم من رحم أمهم- ليسوا مذنبين بسبب خطيئة آخر، بل بسبب خطيئتهم. فعلى الرغم من أن ثمار خطيئتهم لم تظهر بعد، فإن البذرة موجودة داخلهم. في الحقيقة، كل طبيعتهم هي بذرة خطيئة في عيني الله، لأنه بدون ذنبٍ لا توجد تهمةٌ ((چون كالفن، أسس الدين المسيحي مج1، ترجمة مجموعة من المترجمين، دار منهل الحياة، 2018، 2: 1، ص 238. )). الفساد الكلي للطبيعة البشرية يرى چون كالڤن إن كل ملكات الإنسان -بسبب فساد الطبيعة- مُفسَدة ومنحرفة إلى الباطل، حتى إن كل أفعاله يهددها الاعتلال المتمادي والإفراط في إشباع الشهوات، لأن هذه الميول لا يمكنها أن تنفصل عن عدم التقييد . لهذا نعتبرها فاسدةً شديدة الأذى. وإن أردت الإيجاز، فإننا نعلم أن جميع الشهوات البشرية شريرة، ونتهمها بالخطيئة؛ ليس في كونها طبيعية، بل لأنها جامحة. وإلى ذلك، نعتبرها جامحة لأنه لا يخرج شيء نقي أو مخلص من طبيعة ملوثة وفاسدة ((چون كالڤن، أسس الدين المسيحي مج1، ترجمة مجموعة من المترجمين، دار منهل الحياة، 2018، 2: 1، ص 560. )). نحن منحرفون وفاسدون في كل جزء من طبيعتنا ((چون كالڤن، أسس الدين المسيحي مج1، ترجمة مجموعة من المترجمين، دار منهل الحياة، 2018، 2: 1، ص 237. )). ثم ينتقد كالڤن التعريف المدرسي للخطيئة الأصلية على أنها ”نقص البر الأصلي الذي يجب أن يوجد فينا“ ، حيث يرى أنهم لم يعبِّروا بشكلٍ فعالٍ عن قوة الخطيئة الأصلية وديناميكيتها . فطبيعتنا ليست محرومة وفارغة من الخير فقط، بل خصبة ومثمرة لكل شر بحيث لا يمكنها أن تكون عاطلة عن العمل ((چون كالڤن، أسس الدين المسيحي مج1، ترجمة مجموعة من المترجمين، دار منهل الحياة، 2018، 2: 1، ص 238. )). فيقول كالڤن أن الإنسان بكامله مغمور -كما من طوفان- من قمة رأسه إلى أخمص قدميه، بحيث لا يوجد فيه جزء في مأمن من الخطيئة، وكل ما يخرج منه منسوب إلى الخطيئة ((چون كالڤن، أسس الدين المسيحي مج1، ترجمة مجموعة من المترجمين، دار منهل الحياة، 2018، 2: 1، ص 239. )). خطية الطبيعة أو الخطية الطبيعية يرى كالڤن أن الإنسان بسبب طبيعته المنحرفة هو بالطبيعة مكروه من الله، ومن هنا، لا يخشى أوغسطينوس، بسبب طبيعة الإنسان الفاسدة، أن يسميها ”طبيعية“ تلك الخطايا التي لابد أن تسيطر على جسدنا، في كل مرة تكون فيها نعمة الله غائبة  (( چون كالڤن، أسس الدين المسيحي مج1، ترجمة مجموعة من المترجمين، دار منهل الحياة، 2018، 2: 1، ص 240. ))، ((قارن مع مصطلح ”الخطية الطبيعية“ عند أوغسطينوس: Augustine, On Genesis in the Literal sense, I. i. 3, (MPL 34. 221); Contra Julianum, opus imperfectum, V. x1, (MPL 45. 1477). )). الإرادة المقيَّدة بالشر يشير كالڤن إلى أن أوغسطينوس يسخر من عبارة الإرادة الحرة، عندما يقول: إن الإرادة هي حقًا حرة لكن غير محرَّرة: حرة من البرّ لكن مستعبدة للخطيئة! ويستطرد كالڤن قائلًا إن أوغسطينوس عندما يؤكد أن حرية الإنسان ليست سوى عتق أو تحرير من البر ، يبدو أنه يتهكم على اسمها الفارغ. ويرى كالڤن إنه بسبب عدم إمكانية استخدام هذه العبارة بدون خطرٍ كبيرٍ، فيرى أنه من الأفضل إلغائها؛ لأنه إلغائها يدر بالفائدة الكبيرة على الكنيسة، وهو شخصيًا يفضل عدم استخدامها، ويريد من الآخرين أن يتبعوا نصيحته ويمتنعون عن ذلك ((چون كالڤن، أسس الدين المسيحي مج1، ترجمة مجموعة من المترجمين، دار منهل الحياة، 2018، 2: 1، ص 250، 251. )). ويعترف كالڤن أن كل مفكري الكنيسة ، باستثناء أوغسطينوس، تكلموا بصورة غامضة ومتفاوتة عن هذه المسألة ، بحيث لا يمكن اكتساب أيّ شيء من كتاباتهم ((چون كالڤن، أسس الدين المسيحي مج1، ترجمة مجموعة من المترجمين، دار منهل الحياة، 2018، 2: 1، ص 251. )). كما يؤكد كالڤن أن عقيدة الإرادة الحرة دائمًا ما تسلب الله مجده، لأنه في كل مرة تغزو هذه الشهوة ذهننا، وتدفعنا إلى السعي وراء شيء يكمن فينا وليس في الله، يجب أن ندرك أن الذي أوحى بها ليس سوى المشير ذاته الذي أغوى أبوينا الأولين ليصيرا كالله عارفين الخير والشر (سفر التكوين 3: 5). ((چون كالڤن، أسس الدين المسيحي مج1، ترجمة مجموعة من المترجمين، دار منهل الحياة، 2018، 2: 1، ص 252. )) لذا يقول كالڤن إن الإرادة المجرَّدة من الحرية تكون بالضرورة منجذبة نحو الشر، أو منقادة نحوه ((چون كالڤن، أسس الدين المسيحي مج1، ترجمة مجموعة من المترجمين، دار منهل الحياة، 2018، 2: 1، ص 276. )). رفض التجسّد غير المشروط يرفض كالڤن فكرة تجسُّد الله حتى لو لم يسقط آدم في الخطية، ويناقش الأمر قائلًا: ولنفترض أن عدونا اعترض مرةً جديدةً على خطة الله بحجة أنها تعتمد على سقوط الإنسان الذي سبق أن رآه. يكفيني تمامًا أن أقول، إن كل الذين يعتزمون أن يسألوا أو يسعوا أن يعرفوا عن المسيح أكثر مما رسمه الله بقضائه السرمديّ، يبدأون بجرأةٍ شريرةٍ بابتكار مسيحٍ جديدٍ، ويرى كالڤن أن بولس الرسول تعمَّد أن يضع حواجز حول أذهاننا، بحيث في كل مرة يُشار فيها إلى المسيح لا نبتعد مطلقًا عن نعمة المصالحة ((چون كالڤن، أسس الدين المسيحي مج1، ترجمة مجموعة من المترجمين، دار منهل الحياة، 2018، 2: 1، ص 438، 439. )). ماهية الغضب الإلهي يرى چون كالڤن أن الخطاة واقعون تحت غضب الله ولعنته حتى يغفر ذنبهم. ولما كان الله قاضيًا بارًا، فهو لا يسمح بكسر شريعته بدون عقاب، بل هو على أهبة الاستعداد للمعاقبة ((چون كالڤن، أسس الدين المسيحي مج1، ترجمة مجموعة من المترجمين، دار منهل الحياة، 2018، 2: 1، ص 469. )). ولأن الإنسان انفصل عن الله بسبب الخطية، وأصبح وارثًا للدينونة، وتحت لعنة الموت الأبدي، محرومًا من كل رجاء بالخلاص، بعيدًا عن كل بركة من الله، عبدًا للشيطان، أسيرًا تحت نير الخطيئة، مصيره النهائي هلاك مروع بدأ يعمل فيه منذ الآن؛ وبينما الإنسان في هذه الحال، شفع المسيح له كمحامٍ، واحتمل في جسده العقاب الذي كانت دينونة الله العادلة تنذر بإنزاله بكل الخطاة؛ وطهره بدمه من كل الشرور التي جعلته مكروهًا عند الله؛ وهكذا من خلال كفارة المسيح نال رضا الله الآب، وقُبِلَت ذبيحة المسيح المقدَّمة لأجله. وهدَّأ المسيح غضب الله بشفاعته التي بها حلَّ سلام الله على البشر ((چون كالڤن، أسس الدين المسيحي مج1، ترجمة مجموعة من المترجمين، دار منهل الحياة، 2018، 2: 1، ص 469، 470. )). رفض كالفن نزول المسيح إلى الجحيم يرفض كالڤن نزول المسيح إلى الجحيم وكرازته هناك للأرواح وتحريره لهم من قبضة إبليس، حيث يرى كالفن أن كلمة ’هاوية‘ تُستخدم غالبًا في الكتاب المقدس للإشارة إلى القبر. ’فالهاوية‘ تُفهم غالبًا بمعنى ’القبر‘ ((چون كالڤن، أسس الدين المسيحي مج1، ترجمة مجموعة من المترجمين، دار منهل الحياة، 2018، 2: 1، ص 476. )). فمن السذاجة أن نظن أن تُحتجز أرواح الموتى في سجنٍ. وما الحاجة إذًا لأن ينزل روح المسيح إلى هناك ليحررهم؟ ((چون كالڤن، أسس الدين المسيحي مج1، ترجمة مجموعة من المترجمين، دار منهل الحياة، 2018، 2: 1، ص 477. )) استحقاق ذبيحة المسيح بالنعمة فقط يرى كالفن أنه بمعزل عن مسرة الله لا يقدر المسيح أن يستحق شيئًا. لكن استحقاقه جاء من كونه عُيَّن ليسترضي غضب الله من خلال ذبيحته، وليمحو تعدياتنا بطاعته. باختصار: بقدر ما كان استحقاق المسيح يعتمد على نعمة الله وحدها التي رسمت لنا طريقة الخلاص هذه، فهي تتعارض تمامًا مع كل البر البشري بقدر ما نعمة الله تتعارض ((چون كالڤن، أسس الدين المسيحي مج1، ترجمة مجموعة من المترجمين، دار منهل الحياة، 2018، 2: 1، ص 491. )). التبرير المجاني بذبيحة المسيح المسكنة للغضب الإلهي وهذا يعني أننا نحن الذين ”بالطبيعة أبناء الغضب“ ((رسالة بولس الرسول إلى أفسس 2: 3 )) ومُبعدين عنه بسبب الخطيئة، قد نلنا من خلال ذبيحة المسيح التبرير المجاني واسترضينا الله وسكنا غضبه ((چون كالڤن، أسس الدين المسيحي مج1، ترجمة مجموعة من المترجمين، دار منهل الحياة، 2018، 2: 1، ص 492. )). المبادلة العقابية ودفع ثمن العقوبة فإن كانت نتيجة سفكه دمه هي عدم نسبة خطايانا إلينا، يكون أنه قد تم إرضاء دينونة الله من خلال هذا الثمن ((چون كالڤن، أسس الدين المسيحي مج1، ترجمة مجموعة من المترجمين، دار منهل الحياة، 2018، 2: 1، ص 492، 493. )). فلو لم يصنع المسيح تكفيرًا عن خطايانا، لما كان قيل إنه أرضى الله عن طريق حمله العقاب الذي خضعنا له ((چون كالڤن، أسس الدين المسيحي مج1، ترجمة مجموعة من المترجمين، دار منهل الحياة، 2018، 2: 1، ص 493. )). ويعلن الرسول بوضوح أن المسيح قد دفع الثمن ليفدينا من عقاب الموت ((چون كالڤن، أسس الدين المسيحي مج1، ترجمة مجموعة من المترجمين، دار منهل الحياة، 2018، 2: 1، ص 493. ))، فالله قدَّم ثمن الفداء في موت المسيح، ثم يدعونا إلى الالتجاء إلى دم المسيح، بحيث بعد أن نلنا البر يمكننا أن نقف مطمئنين أمام عرش الله ((چون كالڤن، أسس الدين المسيحي مج1، ترجمة مجموعة من المترجمين، دار منهل الحياة، 2018، 2: 1، ص 493، 494. )). مفهوم التبرير من منظور قضائي يُقال إنه مبرَّر في عيني الله مَن يحسبه الله في حكمه مبررًا، ومَن قُبِلَ من أجل بره هو. في الحقيقة، لأن الخطيئة رجس في عيني الله، لا يستطيع خاطئ أن يكون مرضيًا عنده ما دام يظل خاطئًا. وأينما كانت الخطيئة ظهر غضب الله ونقمته أيضًا. ويُحسَب مبررًا مَن لا يُعتبر في حالة خاطئ، بل في حالة إنسان بار، ولهذا السبب، يقف ثابتًا أمام كرسي دينونة الله فيما يسقط جميع الخطاة. فإذَا دُعِيَ إنسان بريء أمام كرسي قضاء قاضٍ منصفٍ، حيث يُقضَى له على أساس براءته، يُقال إنه ’مبرَّر‘ أمام القاضي. وهكذا يقف مبرَّرًا أمام الله مَن قد تحرَّر من زمرة الخطاة فيشهد الله لبره ويؤكده. وبالطريقة نفسها، مَن وُجِدت حياته في الطهارة والقداسة التي تستحق أن يُشهد لها بالبر أمام عرش الله، يُقال إنه مبرَّر بالأعمال، أو هو مَن بقداسة أفعاله يُرضِي قضاء الله. على العكس، إن مَن لا يفي مقاييس بر الأعمال، فيتمسك بالبر الذي في المسيح بالإيمان، فيلبسه، فهذا هو مَن لا يبدو في نظر الله كإنسان خاطئ، بل كإنسانٍ بار. فالتبرير هو ببساطة القبول الذي يستقبلنا به الله في رحاب نعمته كأبرار. وإنه يعود إلى محو الخطايا ببر المسيح ((چون كالڤن، أسس الدين المسيحي مج 2، ترجمة مجموعة من المترجمين، دار منهل الحياة، 2018، 3: 11، ص 678. )). التبرير بالإيمان والنعمة فقط يرى كالڤن أن التبرير هو بالإيمان فقط، بحيث إن بر الإيمان يختلف عن بر الأعمال إلى درجة أنه إذا ثبتُ الواحد انتفى الآخر. من ثم يلزم منطقيًا أنه ما دام قد بقي أقل جزءٍ ممكنٍ من بر الأعمال، تظل لنا الفرصة للافتخار به. أمَّا إن كان الإيمان ينفي إمكانية الافتخار كليًا، فلا يمكن أن تكون لبر الأعمال علاقةً ببرّ الإيمان. فالبر بحسب النعمة يُنسَب إلى الإيمان، ولا يقوم على الأعمال، ووداعًا إذًا لأحلام الذين يبتدعون برًا نابعًا من الإيمان والأعمال معًا ((چون كالڤن، أسس الدين المسيحي مج 2، ترجمة مجموعة من المترجمين، دار منهل الحياة، 2018، 3: 11، ص 692، 693. )). فالأعمال لازمة لبر الناموس، ولكنها غير مطلوبة لبر الإيمان، فيتبين جليًا من هذه العلاقة، أن الذين يُبرَّرون بالإيمان يُبرَّرون بدون أيّ اعتبار لاستحقاق الأعمال، وفي الواقع، بدون أي استحقاق للأعمال. فنحن ننال الميراث من الإيمان، كما من نعمة. لذلك هذا الميراث مجاني، لأنه يُقتبل بالإيمان، لأنه مرتكز كليًا على رحمة الله وبدون مساعدة الأعمال ((چون كالڤن، أسس الدين المسيحي مج 2، ترجمة مجموعة من المترجمين، دار منهل الحياة، 2018، 3: 11، ص 696، 697. )). لا شك في أن كل ما يستحق المدح في الأعمال إنما هو من نعمة الله؛ وليس من مثقال ذرة منها ما يحق لنا أن نعزوه إلى ذواتنا ((چون كالڤن، أسس الدين المسيحي مج 2، ترجمة مجموعة من المترجمين، دار منهل الحياة، 2018، 3: 11، ص 736. )). سبق التعيين المزدوج للخلاص والهلاك يرى كالفن أن الله قد عيَّن بحسب تصميمه الأزلي الثابت أولئك الذين قضى منذ زمن بعيد مرةً وإلى الأبد، بأن يقبلهم للخلاص؛ وكذلك الذين من الجانب الآخر، يُخصِّصهم للهلاك. ونجزم بأنه، فيما يتعلق بالمختارين، رسم الله قصده من منطلق رحمته المعطاة مجانًا بغض النظر عن استحقاق الإنسان، ولكنه بحسب قضائه العادل الذي لا عيب فيه مع كونه لا يُسبر غوره، قد أوصد باب الحياة أمام مَن سلَّمهم للعنة الأبدية. أمَّا بين المختارين، فنعتبر الدعوة شهادةً لاختيارهم. ثم نؤمن أن التبرير علامة أخرى لإعلانه، إلى أن يأتوا إلى المجد الذي يكمن فيه تحقيق الاختيار. أمَّا الرب فيختم مختاريه بالدعوة والتبرير، بحيث إنه بإيقافه الأشرار من معرفة اسمه أو من تقديس روحه، يعلن بتلك السمات المميَّزة أي نوع من الدينونة ينتظرهم ((چون كالڤن، أسس الدين المسيحي مج 2، ترجمة مجموعة من المترجمين، دار منهل الحياة، 2018، 3: 11، ص 867، 868. )). كما لم يتعد التعيين السابق كونه تطبيق العدالة الإلهية -سرًا، في الواقع، ولكن على حق -لأنه من المؤكد أنهم استحقوا أن يُعيَّنوا لهذه الحال، فمن المؤكد أيضًا أن الهلاك الذي يصيبهم بحسب التعيين السابق هو عين العدل والحق. كما أن هلاكهم يتوقف على اختيار الله السابق بحيث إن علته ومناسبة حدوثه كائنتان في ذواتهم. سقط الإنسان الأول لأن الله رأى ذلك ملائمًا؛ أمَّا لماذا حكم الله هكذا فالأمر خفي عنا. ومع ذلك حكم هكذا لأنه رأى أن مجد اسمه يتجلى بذلك كما ينبغي ((چون كالڤن، أسس الدين المسيحي مج 2، ترجمة مجموعة من المترجمين، دار منهل الحياة، 2018، 3: 11، ص 891. )). --- ### جرائم الكراهية بين التديّن والإلحاد - Published: ۲۰۲۵-۰۱-۰۲ - Modified: 2025-01-03 - URL: https://tabcm.net/32930/ - تصنيفات: شئون علمانية - وسوم: الجماعات الإسلامية, الشرق الأوسط, العلمانية, عيد الميلاد كانت ردود الأفعال عادة تنقسم لفريقين؛ الأول يهاجم الجماعات الإسلامية المتطرفة، والثاني من يحاول تبرئة الدين منهم وأنهم لا يمثلون الإسلام، وأن الإرهاب لا دين له، في هذه الحادثة دار الجدل ذاته، ولكن كانت هناك بعض ردود الفعل الساخرة من الفريق الأول بأنه " لا يمثل الإلحاد الصحيح"، أو "لا يمثل صحيح العلمانية"، بينما دلل الفريق الثاني على وجهة نظره بأن "الإرهاب لا دين له" أمس ومع بداية العام الجديد 2025، أعلنت صحف إيطالية عن قتل الشرطة الإيطالية لمهاجر مصري عمره 18 عامًا، بعدما طعن 4 مواطنين بينهم مسن وفتاة بواسطة سكين منزلي في مدينة ريميني الإيطالية، ولم تُعرف حتى الآن الدوافع لارتكاب هذه الجريمة، مما أعاد للأذهان حادث سوق عيد الميلاد في 20 ديسمبر الماضي بمدينة ماجديبورج عاصمة ولاية ساكسونيا في وسط ألمانيا، حيث دارت وقتها حالة من الجدل على السوشيال ميديا الناطقة بالعربية خاصة بعد توارد المعلومات عن هُوِيَّة مرتكب الواقعة وأنه لاجئ إلى ألمانيا من أصول سُعُودية، ونظرًا لوجود سوابق بارتكاب نفس الحوادث الإرهابية في سنوات مضت من متطرفين إسلاميين، بعضهم أعضاء في تنظيمات إرهابية، والبعض الآخر يدين بالولاء لها بشكل فردي، فراحت ردود الفعل الأولى لهذا التفسير، ولكن كانت المفاجأة عندما عُرف من منشورات مرتكب الحادث على منصة "X" أنه مسلم سابق، وحاليًا ملحد، حيث دار جدل من نوع آخر. في الحوادث السابقة كانت ردود الأفعال عادة تنقسم لفريقين؛ الأول يهاجم الجماعات الإسلامية المتطرفة، والثاني من يحاول تبرئة الدين منهم وأنهم لا يمثلون الإسلام، وأن الإرهاب لا دين له، في هذه الحادثة دار الجدل ذاته، ولكن كانت هناك بعض ردود الفعل الساخرة من الفريق الأول بأنه " لا يمثل الإلحاد الصحيح"، أو "لا يمثل صحيح العلمانية"، بينما دلل الفريق الثاني على وجهة نظره بأن "الإرهاب لا دين له"، وهكذا دارت الجدالات المختلفة على السوشيال ميديا. ما استوقفني في حادثة ألمانيا، أنه على الرغم من التنوع والاختلاف الثقافي الذي تحظى به مختلف دول منطقة الشرق الأوسط أو الدول العربية، إلا أنها جميعا مصابة بداء القبلية الثنائية، ورغبة كل قبيلة في نفي الأخرى ليكون هناك طرف أوحد فقط، وأقصد هنا أن هذه المنطقة دائمًا قائمة على الثنائيات مسلمين/ مسيحيين، مسلمين/ يهود، عرب/ إسرائيليين، سنة/ شيعة، أرثوذكس/ إنجيليين/، مؤمنين/ ملحدين، متدينين/ علمانيين، حتى في مجال الرياضة، أهلاوي/ زملكاوي، هلالي/ نصراوي، وهكذا تدور الصراعات بين أتباع الفرق والقبائل المختلفة في الشرق الأوسط، ويرغب كل طرف في القضاء على الطرف الآخر معتقدين بأن الحياة ستكون أفضل بالقضاء على الآخر. لم يتعلم سكان هذه المنطقة التعايش مع بعضهم البعض حتى الآن، وقبول التنوع والاختلاف والتعددية، ودائمًا، ما يريد أن ينفي كل طرف وجود الآخر بشكل عنيف، ويعود هذا لحالة المسخ الفكري الذي تكونت عليه عقول سكان تلك المنطقة، وهنا لا فارق بين متدين وملحد، ففي الحقيقة لديهم نفس البناء الفكري، ونفس الثقافة الغالبة، والتعاطي مع الأمور بالمنطق القبلي الخاص بمشجي كرة القدم، لذا فلم أتعجب من كون مرتكب حادث سوق عيد الميلاد في ماجديبرج بألمانيا يطلق على نفسه أنه ملحد، فما نُشر عن دوافعه لارتكاب الحادث أنه يرى أن ألمانيا تريد أسلمة أوروبا وتساعد المسلمين القادمين من الشرق الأوسط على حساب الملحدين واللادينيين القادمين من نفس المنطقة، فتفتق ذهنه لكي يعاقبهم على ذلك التصور بأن يفعل نفس ما يفعل أعضاء الجماعات الإرهابية الذين يريدون معاقبة حكام دول أوروبا على موقفهم من القضية الفلسطينية مثلًا، وغيرها من القضايا بدعس أو طعن مواطنين أبرياء ليس لهم بأي مما يعاني منه مرتكبي تلك الحوادث. ثم الأهم أنه أي إنسان ناضج وعاقل ويستخدم مخه جيدا، يدخل في رحلة بحث حول القيم والمعتقدات والأخلاق التي يتبناها، وهذه الرحلة طويلة تمتد بامتداد عمره، وقد لا يستطيع أن يحسم الإنسان خلالها أي أمر بشكل قطعي، لكن سكان الشرق الأوسط يتعاملون مع الأفكار والدين والمعتقدات بمنطق قبلي، سواء يكون الشخص في قبيلة المتدينيين، وإذا لم يعجبه الحال فيقرر أن يتحول فورًا لقبيلة الملحدين أو اللادينيين دون قراءة وبحث جيدين، وأضرب هنا المثل برسام الكاريكاتير الكندي تشارلز تمبلتون (7 أكتوبر 1915- 7 يونيو 2001) فالرجل عبر رحلة حياته، تحول من واعظ ومبشر مسيحي إلى لا أدري وغير مؤمن كما كان سابقًا، وحينما سأله الصحفي الأمريكي لي ستروبل مؤلف ثلاثية كتب (القضية: الإيمان، القضية: المسيح، القضية: الخالق) في لقاء جمعهم ببعض فالرجل لم يحسم أي إجابة حول إيمانه بوجود الله من عدمه، وكان ما تسبب في تشككه وبعده عن الإيمان صورة لطفلة إفريقية تنهش المجاعة في جسدها ويقف بجوارها نسر ينتظر موتها حتى يلتهم ما تبقى من جسدها. لذا فالفارق كبير بين عقليات نشأت على التفكير النقدي، وقبول التنوع والاختلاف، وقدرتها على النقد وطرح الأسئلة حتى لو لم تجد لها إجابات حاسمة، في مقابل عقليات نمت على الدعوة لعدم التفكير، وتعتمد على غيرها ممن يدعون رجال الدين في شرقنا التعيس ليجاوبون على كل أسئلتهم في الحياة باسم الدين، ودعوتهم لهم بألا يفكروا لأن الدين أجاب ولا يجب أن نفكر، فالتفكير خطر. --- ### التقويم القبطي: بين الموروث والتصحيح [٣] - Published: ۲۰۲۵-۰۱-۰۱ - Modified: 2025-03-29 - URL: https://tabcm.net/32667/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أحد الشعانين, أحد توما, التقويم القبطي, الجمعة العظيمة, السنة اليوليانية, الصوم الكبير, الكنيسة القبطية, تذكار ظهور الصليب, خميس العهد, دخول السيد المسيح أرض مصر, دخول السيد المسيح الهيكل, رأس السنة, سبت النور, شم النسيم, صعود جسد السيدة العذراء, صوم الرسل, صوم السيدة العذراء, صوم الميلاد, صوم يونان, عيد البشارة, عيد التجلي, عيد الختان, عيد الصعود, عيد العنصرة, عيد الغطاس, عيد القيامة, عيد الميلاد, عيد النيروز, عيد قانا الجليل ما يجب عمله هو تصحيح التقويم القبطي للشهداء لكي يعمل وفقا لأيًا من التقويمين الأكثر دقة، حتى تعود الأمور لنصابها وطبيعتها. إما أن تصحح الكنيسة التقويم القبطي وفقا لطريقة التقويم الجريجوري الأكثر انتشارًا، أو وفقا لطريقة التقويم اليولياني المراجع، الأكثر دقة من التقويم الجريجوري، أو تتبني تصحيحًا آخر للتقويم القبطي يعيد المواقيت لمواعيدها الطبيعية ما يجب عمله هو تصحيح التقويم القبطي للشهداء لكي يعمل وفقا لأيًا من التقويمين الأكثر دقة، حتى تعود الأمور لنصابها وطبيعتها. إما أن تصحح الكنيسة التقويم القبطي وفقا لطريقة التقويم الجريجوري الأكثر انتشارًا، أو وفقا لطريقة التقويم اليولياني المراجع، الأكثر دقة من التقويم الجريجوري، أو تتبني تصحيحًا آخر للتقويم القبطي يعيد المواقيت لمواعيدها الطبيعية. كيف يتم ذلك؟ من وجهة نظري، يجب أن يتم ذلك على خطوتين: الخطوة الأولى: هي تصحيح التقويم الحالي، فإذا قررنا هذا العام تصحيح التقويم يجب علينا حذف ثلاثة عشر يومًا من العام القبطي الحالي، وهو عام 1741، حتى يعود الاعتدال الربيعي؛ 25 برمهات، موافقًا للاعتدال الربيعي الحقيقي؛ وهو يوم 21 مارس. وهذا يتم بأن تنتهي السنة مبكرًا في يوم 23 مسري الموافق ليوم 28 أغسطس 2025 (بعد حذف الأيام من 23 حتى 30 مسري و5 أيام النسئ). ويبدأ العام الجديد 1742 يوم؛ 29 أغسطس 2025 (1 توت). الخطوة الثانية: تعديل طريق حساب السنوات الكبيسة حتى لا يتراكم الخطأ في التقويم من جديد. وهذا ممكن أن يتم بطريقة من الطرق الآتية: اتباع الطريقة الجريجورية الطريقة الجريجورية: هي التي تستبعد السنوات القابلة للقسمة على 100، عدا السنوات التي تقبل القسمة على 400 من السنوات الكبيسة. ولأن التقويم القبطي تم ضبطه أن تكون السنة الكبيسة فيه في العام السابق للسنة الكبيسة في التقويم اليولياني، ستستمر قواعد حساب السنوات الكبيسة كما هي حتى يأتي العام 1817 للشهداء لينتهي يوم 28 أغسطس 2099 ولا يكون عاما كبيسًا كون عام 2100 في التقويم الجريجوري (وكذلك في اليولياني المعدل) ليس كبيسًا. وهكذا في الأعوام القبطية التي تسبق الأعوام الجريجورية التي تقبل القسمة على 100. وستكون الأعياد في النصف الأول من السنة الكبيسة القبطية زائدة يوم عن مثيلتها بالكنائس التي تتبع التقويم الجريجوري، كون اليوم الإضافي للسنة الكبيسة القبطية يضاف في نهاية شهر النسئ الموافق 29 أغسطس بينما اليوم الإضافي العام الجريجوري يضاف يوم إلى شهر فبراير. بينما سوف تتطابق مواعيد الأعياد في السنوات البسيطة. وبهذا التعديل تصبح أهم الأعياد القبطية الثابتة للعام البسيط وفقًا للجدول التالي (وبين القوسين هو موعد نفس العيد في العام الكبيس): أسماء الأعياد التاريخ القبطي التاريخ الجريجوري عيد النيروز (رأس السنة القبطية) 1 توت 29 أغسطس (30 أغسطس) تذكار ظهور الصليب المجيد 17 توت 14 سبتمبر (15 سبتمبر) رفاع صوم الميلاد 15 هاتور 11 نوفمبر (12 نوفمبر) بدء صوم الميلاد 16 هاتور 12 نوفمبر (13 نوفمبر) عيد الميلاد المجيد 29 كيهك (28 كيهك) 25 ديسمبر عيد الختان (سيّدي صغير) 6 طوبه 1 يناير (2 يناير) عيد الغطاس (سيّدي كبير) 11 طوبة 6 يناير (7 يناير) عيد قانا الجليل (سيّدي صغير) 13 طوبة 8 يناير (9 يناير) دخول المسيح الهيكل (سيّدي صغير) 8 أمشير 2 فبراير (3 فبراير) عيد البشارة المجيد (سيّدي كبير) 29 برمهات 25 مارس دخول المسيح أرض مصر (سيّدي صغير) 24 بشنس 19 مايو عيد الرسولين بطرس وبولس 5 أبيب 29 يونيو رفاع صوم السيدة العذراء 30 أبيب 24 يوليو أول صوم السيدة العذراء 1 مسرى 25 يوليو عيد التجلي (سيدي صغير) 13 مسرى 6 أغسطس صعود جسد السيدة العذراء 16 مسرى 9 أغسطس بينما الأعياد المتحركة المعتمدة على موعد عيد القيامة فستحسب بعد حساب موعد عيد القيامة، فعلى سبيل المثال في العام القبطي القادم 1742 سيكون موعد العيد كالآتي: الاعتدال الربيعي يوم 25 برمهات (الموافق 21 مارس 2026)، واكتمال القمر الأول بعد الاعتدال الربيعي سيكون يوم الأربعاء 1 أبريل 2026. إذن عيد القيامة سيكون الأحد الذي يليه، أي يوم 5 أبريل 2026 الموافق 10 برمودة 1742. وبناءًا على ذلك، تتحدد مواعيد كل الأعياد الأخرى وفقًا للجدول التالي: أسماء الأعياد التاريخ القبطي 1742 التاريخ الجريجوري 2026 رفاع صوم يونان 1 أمشير 26 يناير 2026 أول صوم يونان 2 أمشير 27 يناير 2026 رفاع الصوم الكبير 15 أمشير 9 فبراير 2026 أول الصوم الكبير 16 أمشير 10 فبراير 2026 أحد الشعانين (سيّدي كبير) 3 برمودة 29 مارس 2026 خميس العهد (سيّدي صغير) 7 برمودة 2 أبريل 2026 الجمعة العظيمة 8 برمودة 3 أبريل 2026 سبت النور 9 برمودة 4 أبريل 2026 عيد القيامة المجيد (سيّدي كبير) 10 برمودة 5 أبريل 2026 شم النسيم 11 برمودة 6 أبريل 2026 أحد توما (سيّدي صغير) 17 برمودة 12 أبريل 2026 عيد الصعود (سيّدي كبير) 19 بشنس 14 مايو 2026 عيد العنصرة (سيّدي كبير) 28 بشنس 23 مايو 2026 أول صوم الرسل 29 بشنس 24 مايو 2026 أتباع الطريقة اليوليانية المراجعة الطريقة اليوليانية المراجعة: هي التي تستبعد من السنوات الكبيسة السنوات القابلة للقسمة على 100 عدا السنوات التي باقي قسمتها على900 يعطي باقي 200 أو 600. فإذا اتبعنا تلك الطريقة، ستكون طريقة حساب السنوات الكبيسة مطابقة للطريقة الجريجورية حتى العام 2800. حيث أنه وفقًا للطريقة اليوليانية المراجعة سيكون العام 2800 غير كبيس، وهو ما يستوجب أن يكون العام القبطي الذي يسبقه غير كبيس أيضًا. وعلى هذا تصبح الأعياد مطابقة للجداول السابقة. اتباع طرق أخرى إن لم نرد اتباع أيًا من هاتين الطريقتين السابقتين في حساب السنوات الكبيسة، يمكننا ابتكار طريقتنا الخاصة لحذف يوم كل 128 عامًا من تقويمنا لتصحيح الخطأ به. فلو تم تصحيح التقويم هذا العام (2025) بحذف الـ13 يومًا، سيكون العام القبطي الواجب ألا يكون كبيسًا بعد 128 عامًا، أي سيجيء في العام 2044 (الموافق لعام 1869 للشهداء) وهكذا كل 128 عامًا. ولكن اتباع هذه الطريقة الفريدة في احتساب السنوات الكبيسة قد يعرض القائمين على التقويم للخطأ أو السهو في المستقبل. وفي النهاية يجب أن يكون القرار بتصحيح التقويم القبطي في يد علماء الفلك والتقويم بالاشتراك مع الكنيسة القبطية ومجمعها المقدس، كونه المستفيد والمستخدم الرئيسي لهذا التقويم. أرجو أن أكون أفدت القارئ بهذا العرض، ورجاء إفادتي بآرائكم واقتراحاتكم وأي تصحيحات لأخطاء قد أكون وقعت فيها سهوًا أو جهلًا. كل عام وأنتم بخير. --- ### خرافة تعامد الشمس على المذابح - Published: ۲۰۲٤-۱۲-۳۱ - Modified: 2025-01-02 - URL: https://tabcm.net/32960/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: التقويم القبطي, رمسيس الثاني واحدة من أكثر الخرافات القبطية شيوعًا مؤخرًا هي تعامد الشمس على مذبح كنيسة ما، في تاريخ محدد يرتبط بقديس هذه الكنيسة واحدة من أكثر الخرافات القبطية شيوعًا مؤخرًا هي تعامد الشمس على مذبح كنيسة ما، في تاريخ محدد يرتبط بقديس هذه الكنيسة. وينتشر هذا الهراء عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تُنشر صور ومقاطع فيديو تُظهر أشعة الشمس وهي تسقط بشكل مستقيم على المذبح، زاعمين أن هذا الحدث ﻻ يتكرر إلا في ذلك التاريخ المحدد فقط. وقد تزامن صعود هذه الخرافة مع حدثين: أولهما: تزايد الاهتمام السياحي بتعامد أشعة الشمس على وجه تمثال الملك رمسيس الثاني في قدس أقداس معبده الكائن بمنطقة أبو سمبل جنوبًا. وثانيهما: تزايد الأصوات المطالبة بإعادة ضبط التقويم القبطي، بعد أن تراكم الخطأ السنوي (الفارق بين طول السنة الحقيقي والطول المعتبر في التقويم) لتزيح كل أحداثها إلى ما يقرب من أسبوعين. و هو الأمر الذي يعتبر شديد الحساسية لأصوليي الأقباط، الذين يسبغون القداسة على كل ما لمسته أياديهم المباركة، وكل مقدس لا يمس، مهما كانت فجاعة الخطأ به. ومع أن الأمر محسوم علميًا ومطروح من عدة عقود، حتى أنه لن يغري عنزان للتناطح بشأنه، إلا أن البعض وعلى رأسهم بعض الأساقفة لن يتورعوا عن تكفيرك إن أشرت للموضوع. ولتدعيم موقفهم في مواجهة المنطق العلمي الباهر الذي لا يدحض، يتلمسون هراءات مضحكة من هذه النوعية، يسوقونها للعوام لترسيخ فكرة قدسية التقويم. ولأننا وصفنا الأمر بالهراء، فسيلزمنا بعض المعلومات والشروحات الهندسية، واعتذر مقدمًا عن جفافها. ما هو التعامد؟ التعامد هو أن يتلاقى محوران، يحصران عند التلاقي زاوية قائمة (عدد درجاتها 90 درجة). في الصورة المرفقة يسارًا، ستجد أن رأس الملك رمسيس الثاني المنتصب رأسيًا يستقبل أشعة الشمس الأفقية الساقطة عليه صانعة زاوية قائمة، فنستطيع -بكل أريحية- أن نصف هذا المشهد بالتعامد، تعامد أشعة الشمس على وجه الملك. الأمر نفسه لا نستطيعه إذا كنت -مثلا- تمتلك حمامًا مشمسًا، تدخل أشعة الشمس إليه من نافذة مفتوحة، لتسقط على حوض الغسيل، فزاوية السقوط هنا ليست قائمة، ولن يكون تعامدًا إلا إذا كانت الأشعة تسقط رأسيًا تمامًا من فتحة أعلى الحوض المستقر أفقيًا، وكما انك لا تستطيع اعتبار كل قط تراه هو "مشمش"، فكذلك ليس كل سقوط لأشعة الشمس على جسم ما، هو تعامد. ما الفرادة في معبد رمسيس الثاني؟ لا شك أن الاهتمام بهذا الحدث لا يأتي من فراغ، فالحدث فريد وخلفه عقليات هندسية جبارة، صممت بدقة ارتفاعات الفتحات المتتالية المؤدية إلى القاعات المتعاقبة داخل المعبد، وصولًا إلى قدس الأقداس، وعلاقتها بمنسوب رؤوس التماثيل داخل هذه القاعة الأخيرة، فضلا عن تموضع الجميع على محور واحد بدقة متناهية. الأمر المبهر، أنه مع تقطيع المعبد ونقله وإعادة تركيبه في موقع أخر، حماية له من الغمر بمياه بحيرة السد العالي -ناصر وقتها- وهو المشروع الذي قامت به مؤسسة "اليونسكو"، تم مراعاة هذه العلاقات بدقة تامة، ولا اعلم إن كانت الدراسات قبل الشروع في المشروع قد راعت هذا الانضباط، أم أن تصميم كتل المعبد لم تترك مجالًا للخطأ، على كل الأحوال هو مشروع مبهر أيضا. وحتى نتصور الإبداع الهندسي تأمل الصورتين المرفقتين لمساقط المعبد، وقد قمت بتوقيع مسارات أشعة الشمس عليها، المسافة التي تقطعها الأشعة -الأفقية تمامًا- أفقيًا هي 60 مترا داخل المعبد، وعلى ارتفاع محدد من أرضيته، في هذه اللحظات فقط -مع لحظات أخرى يفصلها عن الأولى ستة اشهر بالتمام والكمال- تستطيع عيني التمثال رؤية "عين" الشمس. التفسير العلمي للظاهرة أي بقعة على الأرض معرضة للشمس تسقط عليها الأشعة طول العام، ولكنها لا تسقط بنفس الزاوية إلا مرتان فقط في العام -يفصلهما ستة اشهر- ولا تستمر زاوية السقوط هذه إلا لحظات معدودة نظرا للحركة النسبية بين الأرض والشمس التي لا تتوقف أبدا. ويمكنك إجراء التجربة بنفسك. ففي أي منطقة مشمسة، قم بتثبيت ماسورة بقطر صغير نسبيًا (ليكن 10 سنتيمترات) وبطول مترين مثلًا، بحيث ترى "عين" الشمس خلالها وقت التثبيت. لن تستطيع أبدًا رؤية الشمس خلال الماسورة إلا بفاصل زمني قدره ست أشهر من نفس توقيت التثبيت، وعلى الرغم أن الشمس تغمر المنطقة كلها طول العام. سترى بالطبع ظلًا للماسورة (يطول ويقصر)، ولكنك لن تجد لها ظلًا مرتين فقط في العام. وفي هاتين المرتين، تكون زاوية سقوط الشمس على هذه البقعة هي نفس زاوية ميل الماسورة على سطح البقعة. وبكلمات أخرى، تكون أشعة الشمس موازية لمحور الماسورة ورواسمها، فلا تترك لها ظلًا. ماذا عن تعامد الشمس على المذابح؟ أكاد لا أصدق كم الكذب الذي يغلف هذا الموضوع، وكم التضليل به، فبداية لا تعامد هناك كما أسلفنا، ثم وهو الـهم، كيف نصدق أن بقعة الشمس هذه لا تسقط على المذبح كل يوم! ! ! الشمس في كبد السماء يوميًا وهناك فتحة في السقف تمرر أشعة الشمس، ومذبح بالأسفل بمساحة كبيرة أضعاف مساحة الفتحة، فما الذي يمنع أشعة الشمس من السقوط والتجول على سطح المذبح كل يوم؟؟ هل تخلفت الشمس أبدًا عن السقوط على حوض غسيل وجهك الذي أشرنا إليه سابقا! ! ألا تستحوا يا رجال الله! ! ! إضاءات أخرى: - في السنوات الكبيسة ستحدث إزاحة لموعد السقوط يوم كامل، لأن الشمس لا تفهم طريقتنا في ضبط التقاويم بإضافة يوم لبعض السنوات. - لا تصدق شيئا عن ارتباط تعامد معبد أبو سمبل بمناسبات خاصة بالملك رمسيس الثاني. أولًا: لأن المعبد شُرع في إنشائه في عهد الملك سيتي الأول، والد رمسيس الثاني. وثانيًا: أية مناسبات مرتبطة بالملك رمسيس الثاني لا توجد مصادر إطلاقًا لمواقيتها. ثالثًا: لأن المعبد نقل من مكانه وتموضع بموقع جديد، سيسفر بالتأكيد عن اختلاف مواقيت التعامد قبل النقل وبعده، والأمر كله إبداع هندسي فقط. - هذه التقنية ستنقلك لجولة داخل المعبد. --- ### التيار العلماني القبطي وأوراقه القديمة - Published: ۲۰۲٤-۱۲-۳۰ - Modified: 2025-01-06 - URL: https://tabcm.net/32649/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: إكليروس, التيار العلماني القبطي, العلمانية, الكنيسة القبطية, المجلس الملي, المجمع المقدس, بابا شنودة الثالث ذهبت لأوراقنا القديمة الموثقة، والمعلنة وقتها، وسوف أعيد نشرها تباعًا، حتى لا تستغرقنا مناظرات تغرقنا في اللغو. ونبدأها اليوم بالبيان الذي صدر عن المؤتمر العلماني الثاني، الذي عُقد يومي 26 و27 أبريل 2007 تحت عنوان: نحو منظومة تشريعية كنسية معاصرة حين أطلقنا فعاليات التيار العلماني القبطي (14 نوفمبر 2006) عبر مؤتمراته الدورية السنوية، كان غالبية شباب اليوم لم يبرحوا سني الصبا بعد، ولم يدركوا كيف كان التيار يدير مواجهاته عبر ثقافة الاختلاف، وحين ننبه اليوم إخوتنا ممن يعترضون على مجريات أمور الكنيسة بضرورة ضبط بوصلة ولغة ومنهج الاختلاف، ولا أقول المعارضة فالكنيسة تعرف وتقر التنوع والاختلاف ولا تعرف الخلاف والمعارضة، يخرج علينا من يقول لنا "وأنتم كنتم معارضة فلماذا تحرمون علينا ما حللتموه لأنفسكم؟! " لهذا ذهبت لأوراقنا القديمة الموثقة، والمعلنة وقتها، وسوف أعيد نشرها تباعًا، حتى لا تستغرقنا مناظرات تغرقنا في اللغو. ونبدأها اليوم بالبيان الذي صدر عن المؤتمر العلماني الثاني، الذي عُقد يومي 26 و27 أبريل 2007 تحت عنوان نحو منظومة تشريعية كنسية معاصرة وهذا نصه: قداسة البابا البطريرك؛ الأنبا شنودة الثالث، الآباء الأجلاء؛ مطارنة وأساقفة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، الأخوة أعضاء المجلس الملي العام للكنيسة - القاهرة، تحية تقدير واحترام، نحن مجموعة من أبناء الكنيسة العلمانيون، اجتمعنا في حلقة نقاشية تناولت الشأن الكنسي بكل ما يعتريه من إشكاليات تضافرت عوامل عديدة على وجودها وتفاقمها، ورأينا أن تركها بغير تحليل ودراسة سيؤدي إلى مزيد من التفاقم المنتج لأثار ليست في صالح الكنيسة، الكيان والشعب والمؤسسة، في عالم متغير لا تصلح معه الأساليب التقليدية في مواجهة وحل تلك الإشكاليات. وكان اجتماعنا تحت مسمى مؤتمر العلمانيين، عقد في دورتين كانت الأولى في 14 - 15 نوفمبر 2006 بعنوان رؤية علمانية في الإشكاليات الكنسية وقدمنا أوراقه البحثية وتوصياته إلى قداستكم عبر نيافة الأنبا موسى أسقف الشباب، وكانت الثانية في 26 - 27 أبريل 2007 الجاري، وجاءت تفعيلًا لتوصيات الدورة الأولى، إيماناً منا بالتكامل بين العلمانيين والإكليروس، وسعيًا ليكون عملنا إيجابيًا وموضوعيًا حرصنا على أن تكون محاور اللقاء محددة في مشروعات قوانين تتناول أليتين من أليات الكنيسة ذات التأثير المباشر على ضبط الحركة داخلها وهما: 1) المحاكمات الكنسية. 2) المجلس الملي. 3) إضافة إلى محور يتناول تحليلًا للدور القبطي في العمل الأهلي العام في إطار تفعيل ثقافة ومبدأ المواطنة. ولما كنا نؤمن بأن تفعيل ما انتهت إليه أعمال المؤتمر في دورتيه يتطلب قرارًا كنسيًا يصدر عن المجمع المقدس للكنيسة، باعتباره السلطة العليا فيها، لذلك كان من الطبيعي أن نقدم لكم ولمجمع الكنيسة المقدس ولأعضاء المجلس الملي العام ملف أوراق وأبحاث المؤتمر الثاني، لدراسته وتحليله وتفعيل ما انتهى إليه من توصيات طالما كانت في صالح الكنيسة وتصب في منحى تطويرها وعصرنتها في إطار ضوابطها التي لا نختلف فيها. ولما كان قداسة البابا هو رئيس المجمع المقدس ورئيس المجلس الملي العام فنحن نقدم له مجموع أعمال المؤتمر كخطوة عملية لتفعيل التواصل بيننا ولقطع الطريق على أصحاب المصالح في إحداث فجوة بين الأبناء وآبائهم، ولنقدم للعالم الصورة الحقيقية للكنيسة المبنية على المحبة والتكامل. وتقبلوا تقديرنا واحترامنا. مؤتمر العلمانيين الثاني منسق عام المؤتمر كمال غبريال ـ صورة إلى المجمع المقدس. ـ صورة إلى وكيل وسكرتير وأعضاء المجلس الملي العام. ـ صورة إلى وكيل وسكرتير وأعضاء المجالس الملية الفرعية. ـ صورة إلى السادة رؤساء تحرير الصحف ووسائل الإعلام. (بيان المؤتمر العلماني الثاني، 2007) وسنواصل نشر طيف من وثائقنا بشكل أسبوعي مادام في العمر بقية. الأسبوع القادم؛ المنسحبون من المؤسسين. --- ### لنأتِ بالملكوت على الأرض - Published: ۲۰۲٤-۱۲-۲۹ - Modified: 2024-12-29 - URL: https://tabcm.net/32609/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: الصلاة الربانية, يهوه سواء صلينا هذه الصلاة بإدراك أو بعدم إدراك فهي صلاة محورية، أي إننا كل وقت نصلي أن يأتي ملكوت الله كما هو الحال في السماء كذلك يأتي على الأرض، وكأن الرب يضع على عاتق وقلب أولاده أن يأتون بالملكوت على الأرض إن الطريق لاكتشاف ومعرفة أسرار الهدف الأسمى الذي يملأ صفحات الكتاب المقدس من سفر التكوين إلى الرؤيا، ألا وهو  "ملكوت السموات" أو "ملكوت الله" الذي أصبح على الأرض، أو بالأحرى أصبح داخل كل مؤمن حقيقي منذ أن وطأت قدم الرب يسوع بالجسد على الأرض، كما يقول الرب نفسة؛ وَلاَ يَقُولُونَ: هُوَذَا ههُنَا، أَوْ: هُوَذَا هُنَاكَ! لأَنْ هَا مَلَكُوتُ اللهِ دَاخِلَكُمْ. ((إنجيل لوقا ١٧: ٢١ )) هذا الطريق هو رحلة حياة المسيحي على الأرض، رحلة تأخذك من مرحلة إلى مرحلة، ومن نمو إلى نمو أعظم، ومن قوة في الإيمان والثبات في شخص الرب إلى إيمان أعظم، هذه الرحلة هي أسلوب حياة، إنها حياة السماء على الأرض كأيام السماء على الأرض. ((سفر التثنية ١١: ٢١ )) وإن كان قد اختلط على البعض أحيانًا لفظ ملكوت السموات أو ملكوت الله، وأعتقد البعض أن هناك فرق ما، لكن ملكوت الله وملكوت السموات يحملان نفس المعني، ولم يأت لفظ ملكوت السموات إلا في إنجيل متى البشير، حيث إنه كتب إنجيله إلى اليهود وكان اليهود قد استبدلوا كلمة الله، يهوه! ! إلى أدوناي أو السيد نتيجة خوفهم من يكتبوا اسم الله، وحفظًا وتقديسًا لهذا الاسم، واستنادًا إلى الآية لاَ تَنْطِقْ بِاسْمِ الرَّبِّ إِلهِكَ بَاطِلًا، لأَنَّ الرَّبَّ لاَ يُبْرِئُ مَنْ نَطَقَ بِاسْمِهِ بَاطِلًا. ((سفر الخروج ٢٠: ٧ )) أما باقي الأناجيل جاء فيها لفظ ملكوت الله، وكما قد عرفنا ملكوت الله في مقالات سابقة أنه مجال حكم وسلطان الله. أيضًا يتضح جليًا من الصلاة الوحيدة التي علمها الرب يسوع المسيح لتلاميذه حينما طلبوا منه أن يعلمهم أن يصلوا. وإذ كان يصلي في موضع لما فرغ قال واحد من تلاميذه يا رب علمنا أن نصلي كما علم يوحنا أيضا تلاميذه ((إنجيل لوقا ١١: ١ )) فقال لهم ما هو معروف لدينا بالصلاة الربانية «أبانا الذي... ليأت ملكوتك... كما في السماء، كذلك على الأرض»، والجميل أننا نصلي هذه الصلاة تقريبًا قبل وبعد كل صلاة، ونصليها في صلوات الإچبيّة، والقداس، وقبل الأكل وبعده، وفي كل مناسبة، وهكذا. الكنيسة المسترشدة بالروح القدس وضعت لنا هذه الصلاة بشكل متكرر، وسواء صلينا هذه الصلاة بإدراك أو بعدم إدراك فهي صلاة محورية، أي إننا كل وقت نصلي أن يأتي ملكوت الله كما هو الحال في السماء كذلك يأتي على الأرض وكأن الرب يضع على عاتق وقلب أولاده أن يأتون بالملكوت على الأرض كما هو في السماء، كذلك على أرضنا، إذن مسؤولية كل مؤمن وكل شخص أن يأتي بالملكوت على الأرض. وإذ كان العالم قد تباطأ في قَبُول الانضواء تحت رعاية ملكوت الله، فهذه هي مسؤوليتنا ككنيسة وكشعب عن إتيان الملكوت داخل قلوب الناس، إذ المسيح يدعو في هدوء وبغير قسر، ويلح في الدعوة للجميع بغير خوف أو اضطراب ويقنع بالحب، يظهر كأنه يلزم بالدخول آلية مع أنه واقف على الباب ويقرع منتظرًا من يفتح له، يتودد إلينا كمن هو في حاجة إلى خلاصنا ينادي ويقول أيها العطاش جميعا هلموا إلى المياه والذي ليس له فضة تعالوا اشتروا وكلوا هلموا اشتروا بلا فضة وبلا ثمن خمرا ولبنا ((سفر إشعياء ٥٥: ١)) فالمسيح يعرض ملكوته من خلال كنيسته على العالم كله، ومن خلال قراءتنا المتأنية للبشاير يستطع القارئ الذي يقرأ كلمة الله ليس كحبر على ورق، ولا كأنها قصص ولكن كلمة الله هي أنفاس الله وكل ما كتب في الكتاب يريد الله توصيل رسالة لكل قارئ، كل حسبما اتسع قلبه ورؤيته وأعطى مساحة للكلمة أن تعمل بداخله، أقول بقراءتنا للكلمة والدخول في شركة حقيقية بواسطة أربع نقاط فيها تتجلى الشركة الحميمة Intimacy بينا وبين الروح القدس، أسردهم هنا في عجالة سريعة بدون إسهاب، إلا وهم المحبة، والمودة المتبادلة بينك والروح القدس، والثالث الامتياز الذي نلناه نحن بهذه الشراكة، كل هذا يقود إلى النقطة الرابعة وهي المسؤولية. أولًا: المحبة، بادئ الأمر لابد أن أدرك أن الله احبني محبة أبدية، محبة غير مشروطة كما يقول رسول المحبة  أَمَّا يَسُوعُ قَبْلَ عِيدِ الْفِصْحِ، وَهُوَ عَالِمٌ أَنَّ سَاعَتَهُ قَدْ جَاءَتْ لِيَنْتَقِلَ مِنْ هذَا الْعَالَمِ إِلَى الآبِ، إِذْ كَانَ قَدْ أَحَبَّ خَاصَّتَهُ الَّذِينَ فِي الْعَالَمِ، أَحَبَّهُمْ إِلَى الْمُنْتَهَى. ((إنجيل يوحنا ١٣: ١ )) إذن محبة الله لنا تحتاج إلى إدراك وقلب يستقبل هذه المحبة، وشكرًا لله أن هذه المحبة قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا ((رومية ٥ ))، إذن حتى أن نبادل الرب محبته لنا ليس فضل منا ولكنها عطية وهبها لنا من خلال الروح القدس. تقودنا المحبة المتبادلة إلى عمق المودة المتبادلة الوثيقة، إذ عندما ننفرد بالرب سواء في مخادعنا أو في اجتماع الصلاة أو في صلوات الكنيسة حينئذ كل ما في العالم يجب أن ينتظر خارج نفسي وكياني ولا يملأ عقلي وذهني إلا مشهد الملك يسوع وكما يقول الكتاب يملئ قلبي الفرح بالرب كمن وجد غنيمة وافرة ((مزمور١١٩ ))، وتتحول العلاقة بيني وبينه إلى علاقة مودة وثيقة و معرفة شخصية ترتقي إلى شركة واتحاد وثيق، مع كل الأسف كثيرين التقوا بالرب علي قارعة الطريق لكنهم افتقدوا إلى هذا الشركة! تقودنا حياة الشركة إلى الدخول في امتياز الثقة المتبادلة ويا له من امتياز أن ندخل في شركة محبة وثقة مع ملك الملوك ورب الأرباب، وهذه الثقة هي الذراع الذي استند عليه وقت التجارب أو الأزمات، هذه الثقة تعطيني جرأة وحق الدخول إلى العمق. الَّذِي بِهِ لَنَا جَرَاءَةٌ وَقُدُومٌ بِإِيمَانِهِ عَنْ ثِقَةٍ. ((رسالة بولس إلى أفسس ٣: ١٢ )) إلى مكان أجد فيه راحة ويجد الرب أيضًا راحة فيه  وَأَرَاحَهُمُ الرَّبُّ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ. ((سفر أخبار الأيام الثاني ١٥: ١٥ )) كل هذا يقودنا إلي حجم المسؤولية الملقاة على عاتقنا كأولاد منوطين بأن نحيا ملء الملكوت على الأرض، إذ أن الرب يبحث عن أولاد ناضجين يعملوا معه في حقله كفعلة وكخميرة تٔخمر العجين، وكنور وملح للعالم. إذن قصد الله لكنيسته وأولاده أن يخرجوا من أنفسهم ويدركوا حجم المسؤولية إلا وهي خلاص النفوس، وهذا أعظم وأهم هدف لوجودنا كمسيحيين ننتمي للمسيح أو بالأحرى يحيا المسيح فينا ويترائ للعالم من خلالنا. صلي أن يعمل الرب فيك وبك عملا عظيمًا وضع ف قلبك أن كل عمل تعمله يحمل الـ intimacy بينك والرب الروح القدس، هو عند الرب كثير الثمن، وتكون هذا العبد الأمين الذي أقامه سيده، ووضع يده في يد السيد وعمل معه بكل أمانة. فَقَالَ الرَّبُّ: فَمَنْ هُوَ الْوَكِيلُ الأَمِينُ الْحَكِيمُ الَّذِي يُقِيمُهُ سَيِّدُهُ عَلَى خَدَمِهِ لِيُعْطِيَهُمُ الْعُلُوفَةَ فِي حِينِهَا؟ ((إنجيل لوقا ١٢: ٤٢ ))  إرادة الرب لي ولك أن نكون أبناء ناضجين، رجال ﴿وكلمة رجل في الكتاب المقدس لا تحمل المعنى الجنسي الحرفي لكنها تحمل معنى الحالة الروحية﴾؛ في تحمل المسؤولية ونتخلى عن كل طفولة روحية، كما قال الرسول: كُونُوا رِجَالاً. تَقَوَّوْا. ((رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس ١٦: ١٣ )) --- ### ما بعد حل الجماعة - Published: ۲۰۲٤-۱۲-۲۸ - Modified: 2025-03-01 - URL: https://tabcm.net/32357/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: إبراهيم عبد الهادي باشا المليجي, الإخوان المسلمين, الحسن بن يسار البصري, الشيوعية, الصهيونية, جامعة الدول العربية, جمعية الشبان المسلمين, حسن أحمد عبد الرحمن محمد البنا, شفيق إبراهيم أنس, عباس محمود العقاد, عبد المجيد أحمد حسن, كريم ثابت, محمد حافظ رمضان باشا, محمد صالح حرب, محمود فهمي النقراشي باشا, ملك فاروق, وهيب دوس أجمع المصريون على استنكار تلك الجرائم الوحشية التي يقدم على ارتكابها الإخوان المسلمين، التي من حقها أن تسمي نفسها جمعية "الخوّان" المسلمين، إن فقيد الوطن النقراشي قد أراح البلاد من عصابات كثيرة قبل عصابة خوّان المسلمين الإجرامية في الصميم ومنها عصابة الخط المشهورة.. إنهم مجرمون من فصيلة الخط، بل من فصيلة أقل منه ومن عصابته (عباس محمود العقاد، بتاريخ 17 يناير 1948) انهار البنا... فحلمه بالخلافة والإمامة الذي قضى عمره كله في بنائه قد انهار في غمضة عين. إنهار حين استبد به الغرور، وظن في نفسه القوة التي لا يمكن لأحد أن يواجهها، وها هو كل شيء قد انهار، وليت الأمر اقتصر على ذلك فقط، إنما وجد البنا نفسه وحيدًا محبوسًا محاصرًا في منزله خائفًا ملتاعًا بلا أتباع وبلا أصحاب، ضاقت الدنيا بحسن البنا وتراجع كثيرًا عن أحلامه، فها هي جماعته التي بناها في عشرين عامًا تنهار أمام عينيه ولا يستطيع أن يفعل شيئًا حيالها، لدرجة أنه فكر في استبدال اسم جماعة الإخوان المسلمين باسم رابطة المصحف، عزمًا على استمرار رسالة الجماعة الدينية ثم تراجع عن الفكرة. ثم عاد وأراد الالتحاق بجمعية الشبان المسلمين، لكن أعضاء الجمعية خافوا على أنفسهم من تعنت الدولة ضدهم إذا استقبلوا البنا بينهم، حتى إن وكيل الجمعية "محمد زكي علي" اعترض رسميًا على حضور البنا، لكن اللواء محمد صالح حرب باشا، رئيس الجمعية، ضرب الحائط برفض الأعضاء للبنا لما كان من صداقة قوية بينهما، وزار المرشد العام في بيته وقال له؛ اعتبر دار الشبان المسلمين دارك ومفتوحة لك في أي وقت، وقال لأحد مسؤولي الجمعية ويدعى محمد الليثي أن يخلي مكتبه للبنا، ويحاول ألا يجتمع مع البنا في المكتب أكثر من ثلاثة أشخاص، حتى لا يطبق عليهم قرار الاعتقال الصادر في قرار الحل، وهكذا صارت جمعية الشبان المسلمين المكان الوحيد الذي يتردد عليه البنا. كالغريق الذي يحاول التشبث بقشة، زار البنا رئيس الحزب الوطني محمد حافظ رمضان باشا يسأله فيما إذا كان من الممكن إثارة موضوع حل الجماعة في البرلمان، لكن حافظ رمضان نصحه بالعدول عن هذا الرأي خشية موافقة الهيئات النيابية على قرار الحل، فبذلك سيكون الموضوع أغلق للابد، فحاول البنا طلب وساطة البعض للصلح بين الإخوان والنقراشي ومنهم وهيب دوس بك المحامي القبطي لكن حافظ رمضان عاد واعترض مرة أخرى على تلك الفكرة، فأقام البنا دعوى أمام مجلس الدولة يطلب فيها إلغاء قرار الحل، في نفس الوقت الذي كتب فيه مقالًا عنوانه قضيتنا مشيعًا نظرية المؤامرات الخارجية، متهمًا فيها بريطانيا بالضغط على الحكومة المصرية لحل الجماعة، وكأنما شيئًا لم يحدث من الجماعة، ولا عنف قامت به، ولا أسلحة ضبطت بحوزتهم ولا أي شيء قد حدث على الإطلاق. في الوقت ذاته، لم يرتدع النظام الخاص بحل الجماعة، بل أرسل تهديد إلى وزارة الخارجية المصرية وديوان المحاسبة ومجلس الدولة مهددين بنسفها، ووُجدت متفجرات في مكتب وكيل وزارة الأشغال قبل انفجارها، وتلقى حزب الأحرار الدستوريين منشورات موقعة باسم مستعار هو كتائب النضال المقدس لتحرير الإسلام، جاء في المنشور اعتراض كاتبيه على قرار الحل، وقالوا إنهم من الجماعة المنحلة، وأنهم عازمون على إرجاء الحق بطريقتهم الخاصة: بالعدوان يرد بالعدوان في نفس الوقت كان البنا يحاول لقاء النقراشي مرة أخرى، لكن النقراشي رفض اللقاء تلك المرة أيضًا، فكتب إليه البنا رسالة مفادها أن الإخوان يعتزمون الهدوء وسيعاونون الحكومة على إقرار الأمن، واجتمع البنا مع إبراهيم باشا عبد الهادي رئيس الديوان الملكي وقدم البنا نفس الرسالة التي أرسلها للنقراشي، ورأى البنا أن يبين موقفه لكل المحيطين بالملك، فقرر الاجتماع بكريم ثابت المستشار الصحفي للملك وطلب وساطته وأبرز له أهمية الإخوان، ومدى الفائدة التي سيكسبها العرش إذا عرف كيف يستفيد من نشاطها الديني، واعترف أن اشتغالهم بالسياسة كان خطًأ كبيرًا، وأن عليهم قصر رسالتهم على خدمة الدين، وطلب من كريم ثابت نقل هذا الحديث للملك، مع الرجاء بأن يتدخل بنفوذه لدى النقراشي ليوقف تدابير الحل والمصادرة، وليبقي على الإخوان كهيئة دينية تنصرف إلى تأدية رسالتها الأخلاقية دون أن تجاوزها، ثم عاد وكرر أن الإخوان من هذا المنطلق هم عون كبير للملك في مقاومة الشيوعية والمبادئ الهدامة، واختتم حديثه بأنه إذا وافق الملك، فهو مستعد تسهيلًا لمهمة الحكومة إذاعة بيان يعلن فيه أن الإخوان لن يعملوا بالسياسة بتاتًا، وأنهم سيوجهون جهودهم للأغراض الدينية وحدها، وظل البنا يردد إن ولائنا للعرش لا ينكره إلا كل مكابر وأن الإسلام لا يتعارض مع النظم الملكية وأنه ملتزم بقول الحسن البصري لو كانت لي دعوة مستجابة لجعلتها للسلطان فإن الله يصلح بصلاحه خلقًا كثيرًا وبالفعل نقل كريم ثابت لقاءه مع المرشد للملك الذي كان في قمة غضبه على حسن البنا، وأخرج من إحدى الأدراج رزنامة من تلك التي تطبعها مصلحة المساحة، ومنزوع منها صورته وملصق مكانها صورة المرشد العام، وناولها لكريم ثابت وعلق عليها بأنها صورة الملك الجديد، أي إن الإخوان يزمعون خلعه وتنصيب حسن البنا بدلًا منه، وكان رجال المباحث قد عثروا عليها في دمنهور، ومن ثم فشلت الوساطة. بعد أسبوع من الحل ألقى ثلاثة من أعضاء الجماعة قنابل على رجال الشرطة في مدرسة الزقازيق الثانوية، وكان المراغي قد حذر النقراشي من انتشار العنف غير المسبوق إن أصر النقراشي على حل الجماعة، وقتها تهكم النقراشي ضاحكًا أعرف ديتها... رصاصة أو رصاصتين في صدري، ولم يدري أنه على بعد عشرين يومًا فقط من تحقيق النبوءة... اغتيال النقراشي منذ قرار حل الجماعة، كان النظام الخاص قد عقد العزم على اغتيال النقراشي باشا، وكان النقراشي بصفته وزير الداخلية والمالية إلى جانب كونه رئيسًا للحكومة، يذهب أيامًا إلى رئاسة مجلس الوزراء وأحيانًا إلى وزارة الداخلية وأحيانًا أخرى إلى وزارة المالية، وقد استدعى الأمر قيام الإخوان بعملية رصد متوال لمعرفة جدوله في توزيع أيامه على وزاراته، كذلك كان يغير طريقه من منزله بمصر الجديدة إلى أي من تلك الوزارات بوسط المدينة، ولذلك استبعدت فكرة اصطياده في الطريق. وفى صباح يوم الثلاثاء 28 من ديسمبر 1948 ذهبت قوة الحراسة المكونة من الصاغ عبد الحميد خيرت، والضابط حباطي علي حباطي، والكونستابل أحمد عبد الله شكري إلى منزل النقراشي لاصطحابه، وانتظروا الباشا حتى نزل إليهم قبل العاشرة صباحًا بعشرين دقيقة، وركب الأول معه في سيارته بينما ركب الآخرون سيارة أخرى تتبع السيارة الأولى، ووصل الركب وزارة الداخلية نحو الساعة العاشرة، ونزل النقراشي باشا من سيارته أمام الباب الداخلي لسراي الوزارة واتجه إلى المصعد مجتازا بهو السراي وإلى يساره الصاغ عبد الحميد خيرت وخلفه الحارسان الآخران هذا بالإضافة إلى حراسة أخرى تنتظر بالبهو مكونة من كونستابل وصول وأومباشي بوليس. وكان أمام الوزارة الداخلية مقهى الإعلام، تم اختياره مسبقًا ليجلس به عبد المجيد أحمد حسن، من إخوان النظام الخاص، وقد تسمى باسم مستعار هو الضابط حسني في انتظار مكالمة هاتفية لتلقي إشارة بأن الموكب قد غادر بيت الرئيس في طريقه إلى الوزارة، وتمت تلك التجربة مرات قبلها، وفي يوم التنفيذ تلقى الضباط حسني إشارة هاتفية بأن الموكب قد تحرك، فغادر المقهى إلى البهو الداخلي لوزارة الداخلية، وهناك كانوا يخلون البهو من الغرباء في انتظار وصول الرئيس، ولكن عبد المجيد وقد ارتدى زي ضابط بوليس لم يطلب إليه أحد الانصراف فهو من أهل البيت، وحين غادر عبد المجيد مقهى الإعلام كانت هناك عيون على مقهى آخر ترقبه. . شفيق أنس في زي كونستابل ومحمود كامل السيد في زي سائق سيارة بوليس، فتبعاه إلى داخل الوزارة. كان موكب النقراشي باشا يأتي من بيته بمصر الجديدة مارًا بشارع الملكة نازلي إلى وسط المدينة، وكان بيت الأخ سعد شهبندر عضو النظام الخاص بشارع الملكة نازلي بالعباسية، فكان هو المكلف بترقب الركب من شرفة بيته حتى إذا مر الركب من أمامه يطلب رقما معينا للتليفون، هو تليفون قهوة الإعلام أمام وزارة الداخلية، ثم يطلب الضابط حسني، وكان عبد المجيد يذكر لصاحب المقهى إنه ينتظر مكالمة هاتفية وأن اسمه حسني، فإذا أجاب عبد المجيد يقول له سعد لقد مر الآن، ولم يكن سعد ولا عبد المجيد يعرف أحدهما من يخاطب، وأجريت ثلاث تجارب أثبتت أن الموكب يصل بعد 14 دقيقة من المكالمة، كان عبد المجيد يتجه بعد المكالمة إلى بهو وزارة الداخلية من الباب الرئيسي وبعد دقيقة يتبعه شفيق من ذات الباب، وبعد دقيقة أخرى يتحرك محمود كامل ليدخل من باب جانبي ثم يسلك إلى البهو من باب صغير يوصل إليه، وترصدت المجموعة صيدها ثلاث أيام. كانت التعليمات أن ينتظروا ثلاث دقائق فإذا لم يصل النقراشي فعليهم بالانصراف حتى لا يثير بقاؤهم انتباه الحراس، وفي اليوم الأول انتظروا خمس دقائق بدافع الحماس والحرص على التنفيذ ثم انصرفوا، وعملوا بعد ذلك من الصحف أنه ذهب في هذا اليوم إلى جامعة الدول العربية بدلًا من وزارة الداخلية، وفي اليوم التالي كان مقررًا أن يذهب إلى وزارة المالية، ولكنه خالف وذهب إلى وزارة الداخلية ربما لعدم ذهابه في اليوم السابق، ولم يكونوا في انتظاره، وفي اليوم الثالث جاء النقراشي باشا في العاشرة وخمس دقائق صباحًا يحيط به ضباط الشرطة يحرسونه وهو يتجه إلى المصعد إلى مكتبه بالدور الثاني بعد دخول عبد المجيد وشفيق إلى البهو مباشرة ودخل محمود كامل من الباب الجانبي، ولكن الأحداث جرت أسرع منه، حيث تقدم عبد المجيد وقام بتحية النقراشي قبل أن يهم بركوب المصعد، ثم أفرغ ثلاث رصاصات في ظهره فأرداه قتيلًا على الفور دون انتظار محمود، فأغلقت جميع الأبواب فورًا واحتجزوا محمود بالخارج، ولم يحاول القاتل الهرب فقبض عليه الرائد عبد الحميد خيرت ياور رئيس الوزراء، واليوزباشي مصطفى علوان الضابط بالمباحث الجنائية. اشترك الملك فاروق في تشييع جنازة النقراشي، وصلّى على الجثمان في جامع الكخيا، وشيع أنصار الحكومة جثمان رئيس وزرائهم هاتفين في صراحة: الموت لحسن البنا، ثم قصد فاروق منزل النقراشي بمصر الجديدة ليعزي أسرته، وعاد إلى قصر عابدين ليجتمع بإبراهيم عبد الهادي رئيس الديوان الملكي ليقرر تعيينه رئيسًا للوزراء خلفًا للنقراشي، وتتشكل الوزارة في ساعة متأخرة من الليل يوم وفاة النقراشي. أما القاتل فقد اعترف بالنذر اليسير، وقال إن اسمه عبد المجيد أحمد حسن طالب في كلية الطب البيطري وأنه قد ارتكب الجريمة لأن النقراشي خائن للوطن وللإسلام بحله الجماعة، وأنقضت ستة عشر يومًا قضاها عبد المجيد أحمد حسن تحت تعذيب وحشي بغير أن يعترف بانتمائه لجماعة الإخوان المسلمين، وكتب محمود عباس العقاد في 17 يناير 1948 عن اغتيال النقراشي قائلًا: أجمع المصريون على استنكار تلك الجرائم الوحشية التي يقدم على ارتكابها الإخوان المسلمين، التي من حقها أن تسمي نفسها جمعية الخوّان المسلمين، إن فقيد الوطن النقراشي قد أراح البلاد من عصابات كثيرة قبل عصابة خوّان المسلمين الإجرامية في الصميم ومنها عصابة الخط المشهورة. . إنهم مجرمون من فصيلة الخط، بل من فصيلة أقل منه ومن عصابته. (عباس محمود العقاد، بتاريخ 17 يناير 1948) وفي مقال آخر له بعنوان "صوت حكيم من شاب حكيم" عام 1949 قال فيه: أولئك الخوّان يعملون ما يتمنى أن يعمله الصهيونيين. وفي مقال له بعنوان "فتنة إسرائيلية" عام 1949 قال فيه: هذه الفتنة ابتليت بها مصر على أيدي عصابة خوّان المسلمين هي أقرب الفتن في نظامها إلى دعوات الإسرائيليين والمجوس. --- ### ولادة المسيح بدون ألم [٢] - Published: ۲۰۲٤-۱۲-۲۷ - Modified: 2024-12-27 - URL: https://tabcm.net/32503/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: آدم, أدريانوس شكور, الروم الأرثوذكس, المكتبة البولسية, بطرس كريسولوغوس, توما الأكويني, جرجس الأنطوني, چيوڤاني بوناڤنتورا, حواء, ساويرس الأنطاكي, قديس أمبروسيوس، أسقف ميلان, قديس أوغسطينوس، أسقف هيبو, قوزما الأورشليمي, ليتورچي, مجمع ترنت, مجمع خلقيدونية, مدرسة الإسكندرية, مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية, ميلاد المسيح, يوحنا منصور بن سرجون الدمشقي ولأن الكلمة الإلهيّ، لم يُحبَلَ به في أحشاء البتول مريم بمشيئة رجل أو من زرعِ بشر، بل تمّ بمسرّة الآب وبقوة الروح القدس الذي حلَّ عليها وظلَّلها (لوقا 35:1)، وكان الحَبَل فوق الناموس الطبيعيّ، وولد المسيح منها بطريقةٍ خارقة للطبيعة، مما يعني أن مريم لم تختبر آلام المخاض مثل أيّ امرأة حُبلى على وشك الولادة نستكمل في هذا البحث موضوع ولادة المسيح من العذراء القديسة مريم بدون ألم ووجع الولادة، من خلال الإشارات الكتابية والآبائية إلى هذا التعليم الأرثوذكسيّ السليم. ق. أمبروسيوس أسقف ميلان يرى ق. أمبروسيوس أسقف ميلان أن مريم هي أم المسيح، وهي من ثمَّ والدة الإله، وقد ولدت ولم تُعانِ ألمًا، ولم تعرف مخاضًا، بل لبثت عذراء قبل الولادة وبعدها. ((كيرلس سليم بسترس وآخرون، تاريخ الفكر المسيحي عند آباء الكنيسة، (لبنان: منشورات المكتبة البولسية، 2001)، ص 712. )) حيث يقول ق. أمبروسيوس التالي: (( Ambrose of Milan, Expositio in Lucam II. 7, on (Luke 1: 26-38). )) لقد سمعنا كلمة الحق، لقد سمعنا تدبير البشارة: دعونا نتعلَّم من السرِّ. فقد كانت مريم مخطوبةً، ولكنها عذراءً. إنها رمزٌ للكنيسة طاهرةً ومُتزوِجةً أيضًا. كعذراءٍ حبلت لأجلنا من الروح القدس، وكعذراءٍ ولدت لأجلنا بدون أيّ صوت ألم. وربما السبب وراء خطوبة القديسة مريم لرجلٍ، وامتلائها بثمرة البطن من آخر، لأن جميع الكنائس المنفردة مملوءةٌ من الروح والنعمة، وفي نفس الوقت مُرتبِطةٌ من الخارج بكاهنٍ بشريّ. (Ambrose of Milan, Expositio in Lucam II) ويُؤكِّد ق. أمبروسيوس في موضعٍ آخر على ولادة المسيح من العذراء القديسة مريم بدون ألم ووجع الولادة أو المخاض قائلًا: ((Ambrose of Milan, Explanatio Psalmi 47, 11. )) لقد ولدت مريم بدون ألم، بل ولدت، وهكذا عَرِفَت أنها ولدت من نفسها الربَّ من أجل الخلاص. (Ambrose of Milan, Explanatio Psalmi) أوغسطينوس أسقف هيبو يُؤكِّد أوغسطينوس أيضًا على ولادة المسيح من العذراء القديسة مريم بدون ألم ووجع الولادة في إحدى عظاته على ”ميلاد المسيح“ قائلًا: ((Augustine of Hippo, Sermon 189 on Nativity of Christ. )) في حبلكِ كُنتِ طاهرةً تمامًا، وفي ولادتكِ كُنتِ بلا ألم. (Augustine of Hippo, Sermon 189 on Nativity of Christ) ق. بطرس كريسولوغوس يُشِير ق. بطرس كريسولوغوس، أحد الآباء اللاتين في القرن الخامس، إلى ولادة المسيح من العذراء بدون ألم قائلًا: (( Peter Chrysologus, Sermon 117: 1. See also Luigi Gambero, S. M. , Mary and the Fathers of the Church: The Blessed Virgin Mary in Patristic Thought, Trans. by Thomas Buffer, (San Francisco: Ignatius Press, 1999), pp. 294, 295. )) حبلت كعذراءٍ، وولدت كعذراءٍ، وبقيت عذراءً. وهكذا يعرف جسدها قوة المعجزة، ولكنه لم يعرف الألم. تنال العفاف في الولادة، ولم تعرف شيئًا من الألم البدنيّ. (Peter Chrysologus, Sermon 117: 1) ق. ساويرس الأنطاكي يُؤكِّد ق. ساويرس الأنطاكيّ على التقليد المتسلسل بولادة المسيح من العذراء القديسة مريم بدون ألم الولادة مع شعور وإدراك العذراء للولادة، ويستخدم أيضًا نبوة (إشعياء ٦٦: ٧) للتأكيد على الحقيقة السابقة قائلًا: ((ساويرس الأنطاكي، رسائل القديس ساويرس الأنطاكي، ترجمة: الراهب جرجس الأنطوني، مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية، ٢٠١٦، رسالة رقم ٦٣ إلى أنطونينوس أسقف بيريا، ص ١٥١، ١٥٢. )) لكننا نسمع عن مارا المذكور، أنه قال هذا أيضًا إن العذراء القديسة لم تشعر بالولادة، في مُعارضةٍ جليةٍ للروح القدس الأسفار التي قيلت بواسطته. فها إشعياء ذو الصوت العاليّ بين الأنبياء يُوضِّح أنه أتى من رباط البتولية، مثل أيّ شيء آخر، وأنه وُلِدَ بطريقةٍ غير مُدرَكةٍ دون نقضها من مريم والدة الإله. حيث يقول: قبل أن يأخذها الطلق ولدت. قبل أن يأتي عليها المخاض ولدت ذكرًا (إشعياء ٦٦: ٧). إن حقيقة أنها تجنبت، تُوضِّح أن الميلاد قد حدث بشكلٍ مُدرَكٍ لمَّن ولدت وليس خيالًا. ويقول غريغوريوس اللاهوتيّ أيضًا في عظته عن القيامة عن ميلاد الطفل حينما وُلِدَ: لكنها صرخت أيضًا بدافع لا يُقاوم من روابط البتولية والأمومة بقوةٍ عظيمةٍ، حينما وُلد ذكرًا من النبية، كما يُعلِن إشعياء. ((Gregory of Nazianzus (St. ), OR. XLV. 13. )) فكيف تكون حقيقة أنها صرخت من دافع لا يُقاوم، ولم يحلَّ رباط بتوليتها بدون إدراك، وبدون إدراك كبير منها وهي التي تلد؟ كما أن هذه الأشياء قد حدثت بطريقةٍ غير مُدرَكة، وفوق كل الأشياء. فإن الذي اشتهى أن يأتي بالحقيقة في كل صفاتنا، وأن يُجعَل مثلنا نحن أخوته، ولكن بدون خطية، وُلِدَ أيضًا في هيئة جسمية ميلادًا حقيقيًا وواضحًا، جاعلاً والدته مُدرِكةً لذلك، بدون أيّ ألم أو مُعاناة، لأن النبي يُصرِّح بأنها ولدت قبل أن تأتيها آلام الولادة، فكيف تتعرض لتجربة الآلام والمعاناة، وهي التي وضعت نهاية لولادة الأطفال بألم، وهذا بحقيقة أن الفرح قد وُلِدَ لكُل الجنس البشريّ؟ (ساويرس الأنطاكي، رسائل القديس ساويرس الأنطاكي) يوحنا الدمشقي يُؤكِّد الأب يوحنا الدمشقيّ، من الجانب الخلقيدونيّ، على نفس التقليد المسلِّم من آباء الكنيسة المعلِّمين بولادة المسيح من العذراء القديسة مريم بدون آلام الولادة والمخاض، مُستخدِمًا نفس نبوة (إشعياء ٦٦: ٧). كما يرى أن العذراء رغم أنها نجت من آلام الطَلْق عند ولادتها المسيح، إلا أنها تألّمت لآلامه وصلبه كالتالي: ((يوحنا الدمشقي، المائة مقالة في الإيمان الأرثوذكسي، ترجمة: الأرشمندريت أدريانوس شكور، منشورات المكتبة البولسية، ١٩٨٤، ٤: ٨٧: ١٤، ص ٢٤٣، ٢٤٤. )) وكما أنّ تلكقد جُبِلَت من آدم بدون جماع، كذلك هيقد حَبِلت بآدم الجديد، مولوداً بحسب الشريعة، ولما كان هو بلا أبٍ، كان ذلك بما يفوق طبيعة الولادة. وبما أنه أتمَّ الزمن المعتاد -كان قد أكمل الأشهر التسعة ووُلِدَ في بدء العاشر- فقد كان الحبل به بموجب الشريعة. وبما أن ذلك كان بلا وجع، فقد كان فوق عادة الطبيعة. فلأنه لم يسبق الولادة لذة، لذلك لم يتبعها وجع، على حسب قول النبيّ: قبل أن تتمخض ولدت، أيضًا قبل أن يأخذها الطلق وضعت ذكرًاولكن تلك المغبوطة نفسها التي استحقت المواهب الفائقة الطبيعة، فإن الأوجاع التي نجت منها وهي تلد، قد احتملتها هي نفسها وقت الآلام. لأنّ انعطاف أمومتها كان يُشعِرها بتمزيق أحشائها. (يوحنا الدمشقي، المائة مقالة في الإيمان الأرثوذكسي) يُشِير الأب يوحنا الدمشقيّ أيضًا، في العظة الثانية من عظاته الثلاثة عن رقاد والدة الإله، إلى ولادة المسيح من العذراء بدون ألم الولادة قائلًا: (( John Damascene, On Holy Images, Trans. by Mary H. Allies, (London: Thomas Baker, 1898), Second Homily on the Dormition of the Mother of God. )) كيف يمكن للموت أن يختطف تلك المباركة حقًا، التي أنصتت إلى كلمة الله بكُل اتضاع، وامتلأت بالروح، وحملت عطية الآب بواسطة رئيس الملائكة، حملت بدون شهوة أو معونة رجل بأقنوم الكلمة الإلهيّ، الذي يملأ الكل، وولدت إياه بدون آلام الولادة، مُتَّحِدًا كليًا بالله؟كان من اللائق أن يُحفَظ جسدها، الذي حفظ بتوليتها كما هي أثناء الولادة، من الفساد حتى بعد الموت. تلك التي أرضعت خالقها كطفلٍ رضيعٍ من ثديها، كان لها الحق أن تكون في المظال الإلهيةكان يليق بتلك التي رأت ابنها يموت على الصليب، وقَبِلت في قلبها سيف الألم الذي لم تشعر به أثناء الولادة، أن تنظر إليه جالسًا بجوار الآب. (John Damascene, On Holy Images) الليتورجيا القبطية نُصلِّي في الليتورجية القبطية، وخاصةً في التسبحة السنوية، ونقول في ثيؤطوكية يوم الإثنين، القطعة التاسعة، التالي: خلَّصت آدم من الغَوَاية، وأعتقت حواء من طلقات الموت. وهنا لا بد أن نُوضِّح أن الموت ليس له طلقات، بل الولادة هي التي لها طلقات، وتُؤكِّد الثيؤطوكية هنا على أن المسيح عتق حواء الأولى التي كانت تُنجِب بوجعٍ وطلقاتٍ أبناءً للموت، وذلك بولادته من العذراء القديسة مريم، حواء الثانية، بدون آلام وأوجاع وطلقات الولادة، فصارت تُنِجب أولادًا للحياة وليس للموت. ونُصلِّي كذلك في التسبحة السنوية، وخاصةً في ثيؤطوكية يوم الخميس، القطعة الخامسة، ونقول: لأن الذي وُلِدَ إله بغير ألم مِن الآب. وُلِدَ أيضًا حسب الجسد بغير ألم مِن العذراء. وهكذا تُؤكِّد هذه الثيؤطوكية على ولادة المسيح حسب الجسد من العذراء القديسة مريم بغير ألم ووجع الولادة. الليتورچيا الرومية ونأتي الآن إلى شهادة بعض الصلوات الليتورجية التي تُصلِّيها كنيسة الروم الأرثوذكس الخلقيدونية، والتي تتضمن عُصارة التعليم اللاهوتيّ والعقائديّ عن ولادة المسيح له كل المجد من العذراء القديسة مريم والدة الإله بدون أوجاع الولادة. وهناك العديد من الشهادات الليتورجية حول هذه النقطة تحديداً، ولكننا سوف نُشِير إلى أهمّها وأكثرها شهرةً، لأنها مألوفة السماع عند المؤمنين كالتالي: ((كتاب المعزي، صليبيّة في سحر يوم الأربعاء، أسبوع اللحن الأول، ص 35. )) لمّا أبصرت البريئة من اللّوم المسيح مرفوعًا على الخشبة بمشيئته، دَهشَت وصرخت باكيةً: إني لم أُعانِ مخاضًا في ولادتكَ يا ابني وإلهي، ولكني الآن أتوجّع من صلبكَ ظُلمًا على أيدي الأثمة. (كتاب المعزي، صليبيّة في سحر يوم الأربعاء، أسبوع اللحن الأول) وهناك إشارة أخرى إلى ولادة المسيح من العذراء بدون أوجاع الولادة في كتاب التريوذي، من تقاريظ جناز المسيح، القسم الثاني كالتالي: ((كتاب التريوذي، من تقاريظ جناز المسيح، القسم الثاني، ص 401. )) في النساءِ وحدي قد وَلدتُكَ يا ابني بلا أوجاعٍ والآن أتحمَّلُ أوجاعًا لا تُطاقُ من جرّاء تألُّمِك. (كتاب التريوذي، من تقاريظ جناز المسيح، القسم الثاني) وفي قانون السبت العظيم المقدَّس، في الأوذية التاسعة منه، التي هي من نظم القديس قوزما الأورشليميّ ناظم التسابيح (760م) تقول الطروبارية الأولى على لسان العذراء التالي: ((كتاب التريوذي، ص 409. )) يا ابني الأزليّ، إني نجوت من الأوجاع في حين ولادتك الغريبة فتطوَّبت بما يفوق الطبيعة، والآن لمَّا أُشاهِدك يا إلهي ميتًا عادم النَسَمة أُطعنُ بحربةِ الحزن بمرارةٍ، لكن انهَض لكي أتعظَّم بك. (القديس قوزما الأورشليميّ، كتاب التريوذي) توما الأكويني يُشِير توما الأكوينيّ، الملقَّب بـ المعلِّم الملائكيّ واللاهوتيّ اللاتينيّ الشهير في القرن الثالث عشر، إلى ولادة المسيح من العذراء بدون ألم الولادة قائلًا: ((Thomas Aquinas, Summa Theologiae iii, q. 35, a. 6. )) آلام الولادة ناتجة عن فتح الرضيع للممر من الرحم. لقد قيل أعلاه، أن المسيح خرج من رحم أمه المغلق، بالتالي، دون أن يفتح الممر. ونتيجةً لذلك، لم يكن هناك ألم في تلك الولادة، كما لم يكن هناك أيّ فساد. بل على العكس من ذلك، كان هناك فرحٌ عظيمٌ، لأن الإله المتأنس ’وُلِدَ في العالم‘، بحسب إشعياء: تَفْرَحُ الْبَرِّيَّةُ وَالأَرْضُ الْيَابِسَةُ، وَيَبْتَهِجُ الْقَفْرُ وَيُزْهِرُ كَالنَّرْجِسِ. يُزْهِرُ إِزْهَارًا وَيَبْتَهِجُ ابْتِهَاجًا وَيُرَنِّمُ. ((سفر إشعياء 35: 1، 2 )) (Thomas Aquinas, Summa Theologiae iii) ويتحدَّث توما الأكوينيّ أيضًا عن أن العذراء حبلت بالمسيح بدون دنس الخطية، وبدون وصمة المعاشرة الجنسية، لذا فهي ولدته بدون ألم الولادة، وبدون أن تفقد بتوليتها قائلًا: ((Thomas Aquinas, Summa Theologiae iii, q. 35, a. 6. )) ولأنها حبلت بالمسيح بدون دنس الخطية، وبدون وصمة المعاشرة الجنسية، لذا فهي ولدته بدون ألم، وبدون تعدي على كرامة بتوليتها، وبدون ضرَّر على براءة عذراويتها. (Thomas Aquinas, Summa Theologiae iii) چيوڤاني بوناڤنتورا يُشِير جيوفاني بونافنتورا، الملقَّب بـ المعلِّم السيرافيميّ واللاهوتيّ اللاتينيّ الشهير، وأحد الآباء اللاتين في العصر الوسيط، إلى ولادة المسيح من العذراء القديسة مريم بدون ألم الولادة قائلًا: ((Giovanni Bonaventura, Psalter of the BVM, 62 )) يا الله، إلهي: سأُمجدِّك في أمك. لأنها حبلت بك حبلاً بتوليًا، وولدتك بدون ألم. (Giovanni Bonaventura, Psalter of the BVM) كاتشيزم مجمع ترنت 1566م يُشِير كاتشيزم مجمع ترنت الكاثوليكيّ عام 1566م إلى ولادة المسيح من العذراء القديسة مريم بدون ألم الولادة كالتالي: (( Robert I. Bradley, S. J. & Eugene Kevane, The Roman Catechism of the Council of Trent, The Creed Article iii, (St. Paul Eds. , 1985), p. 49-50. )) وُلِدَنا من حواء أبناءً للغضب. وقد استقبلنا يسوع المسيح من مريمقيل لحواء: ’بالوجع تلدين أولادًا‘. ولكن قد أستُثنِيت مريم من هذا الناموس، لأنها ولدت يسوع مُحافِظةً على عذراويتهاولم تشعر، كما قد قُلنا بالفعل، بأيّ إحساس الألم. (Robert I. Bradley, S. J. & Eugene Kevane, The Roman Catechism of the Council of Trent) الخلاصة وهكذا نرى الإجماع الآبائيّ المعتبر والتسليم الكتابي والآبائي في الشرق والغرب على ولادة المسيح له المجد من العذراء القديسة مريم والدة الإله بدون آلام الولادة والمخاض، لكي يُزِيل هذه اللعنة التي أصابت الجنس البشريّ بعد السقوط، ورفعها عن البشرية عند ولادته من العذراء بدون آلام الولادة والمخاض. ولأن الكلمة الإلهيّ، لم يُحبَلَ به في أحشاء البتول مريم بمشيئة رجل أو من زرعِ بشر، بل تمّ بمسرّة الآب وبقوة الروح القدس الذي حلَّ عليها وظلَّلها (لوقا 35:1)، وكان الحَبَل فوق الناموس الطبيعيّ، وولد المسيح منها بطريقةٍ خارقة للطبيعة، مما يعني أن مريم لم تختبر آلام المخاض مثل أيّ امرأة حُبلى على وشك الولادة، وذلك لأنّ المسيح ثمرة بطنها البتوليّ، لم يَرِث فساد الطبيعة، كأيّ مولودٍ آخر، وكان ميلاده منها بمنأى عن وراثة فساد الطبيعة ونتيجة السقوط الآدميّ. ولهذا فإنّ مريم كانت مُستثنَاة من هذا القانون الساري على جميع الأمهات العاديّات، لأنّ حَبَلها وولادتها لم يكونا وفقًا للناموس الطبيعيّ للحَبَل والولادة مثل باقي البشر، الذين يُولَدون من أمهاتهم حاملين لطخة السقوط وفساد الطبيعة التي نرثها من آدم. وهنا لابدّ أن نُؤكِّد على العقيدة الأرثوذكسية، أنّ الله الكلمة اتَّخذَ منها طبيعة بشرية كاملة، ووُلِدَ منها ولادة حقيقية، وصار إنسانًا كاملًا بالحقيقة، لا بالوهم أو بالخيال. ولكن في الوقت عينه كانت الولادة خارقة للطبيعة، لأنّ الذي ولدته مريم لم يكن مُجرَّد إنسان، بل كان الله الابن نفسه مُتجسِّدًا منها. --- ### أسطورة الكرامة الإنسانية - Published: ۲۰۲٤-۱۲-۲٦ - Modified: 2025-02-02 - URL: https://tabcm.net/32752/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, كتاب مقدس - وسوم: الشرق الأوسط, قديس بولس الرسول, كوش حاجج الله شعب إسرائيل في القديم ليفهمهم أنه إله الجميع، وأنه لا يميز اليهود كشعب لفضل فيهم. في سفر عاموس، والذي كتب قبل حوالي ٢٧٠٠ سنة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، نقرأ هذه الكلمات التي يعلنها الله ما يميز الإنسان، من منظور علم الاجتماع التطوري، عن غيره من الرئيسيات هو قدرته على التخيل وتوصيل هذا التخيل لغيره من أفراد جنسه بحيث تعمل مجموعات كبيرة من البشر، ربما لم يلتقوا قبلًا، وفقًا لهذا المتخيل، حتى لو لم يكن له أساس على الأرض. هذه القدرة هي التي مكنت الإنسان من صنع حضارات وصولًا لما أصبحنا ندعوه بـ القرية الكونية. انظر مثلًا وثيقة إعلان الاستقلال الأمريكي، التي تبدأ بهذه العبارة الافتتاحية: أن كل البشر خلقوا متساوين. وتؤكد أن هذه "حقيقة بديهية". بعد حوالي مئتي سنة، وبعد ما شهده العالم من أهوال الحربين العالميتين، تبنت الأمم المتحدة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي ينص في افتتاحيته على الاعتراف بالكرامة المتأصلة لجميع أعضاء الأسرة البشرية، وحقوقهم المتساوية، كأساس للحرية والعدل والسلام في العالم. لكن، هل فعلًا البشر متساوون في القيمة والحقوق؟ هل هذه حقيقة بديهية ومتأصلة ولا يمكن التشكيك بها؟ إن تاريخ البشر في معظمه هو أبعد ما يكون عن هذه "الحقائق". في مملكة الحيوان لا يوجد ما يدعى بالمساواة والكرامة، هناك فقط منطق القوة. إن لم تكن قويًا بما يكفي لتدافع عن وجودك فأنك ببساطة ستترك لتموت أو ليأكلك من هو أقوى منك. إن تاريخنا كبشر يظهر أننا لسنا مختلفين، فلطالما رتب البشر بعضهم البعض لدرجات وقبلوا أن بعضهم أهم بما لا يقارن من البعض الآخر. لم نعتمد كبشر على "كرامتنا المتأصلة" لننجو، لكن على صلاتنا بأفراد عشائرنا وقبائلنا وصولًا للانضواء تحت إمبراطورية مهيمنة أو دولة قوية تضمن حمايتنا وحقوقنا. في معظم تاريخنا، آمنّا كبشر أن هناك عبيد وأحرار، وأن بعض الأعراق هي أكثر تميزًا من غيرها. لم تكن المساواة أبدًا "حقيقة بديهية" إذ تطلب تصديقها حروبًا مهلكة، وحروبٍ أطول للحفاظ عليها ضد قانون الغابة الذي حكم معظم تاريخنا كبشر. إن الإنجيل هو البشارة المفرحة بأن عالمنا الساقط سوف يُسترد للمقصد الأصلي لله من خليقته. حاجج الله شعب إسرائيل في القديم ليفهمهم أنه إله الجميع، وأنه لا يميز اليهود كشعب لفضل فيهم. في سفر عاموس، الذي كتب قبل حوالي ٢٧٠٠ سنة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، نقرأ هذه الكلمات التي يعلنها الله ((سفر عاموس ٩: ٧. )) : ألستم لي كبني الكوشيين يا بني إسرائيل، يقول الرب؟ ألم أُصْعِد إسرائيل من أرض مصر، والفلسطينيين من كفتور، والآراميين من قير؟ (سفر عاموس ٩: ٧) في هذه الكلمات المزلزلة يذكر الله شعب إسرائيل أنه إله الجميع ويقارنهم بالكوشيين سمر البشرة من الجنوب، الذين كان ينظر لهم عادة على أنهم أقل قيمة. ليس هذا فحسب، إذ تمضي كلمات الله لتساوي بين التجربة الأكثر قداسة في الفهم اليهودي، تدخل الله لإخراج الشعب من أرض مصر، بتجارب أعدائهم الفلسطينيين والآراميين. يعلن الله أنه هو من كان وراء تكون وحياة هذين الشعبين العدوين لإسرائيل! يعلن الرسول بولس نفس الحقيقة، أن ليس عند الله محاباة((لأن ليس عند الله محاباة (رسالة بولس إلى رومية ٢: ١١). ))، فالمسيح جاء ليتمم القصد والمسرة الإلهية بأن يصالح الكون كله لله، وأنه اختار المؤمنين كلهم كورثة لهذا الفداء ((رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس ١: ٣-١٤. )). مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح، الذي باركنا بكل بركة روحية في السماويات في المسيح، كما اختارنا فيه قبل تأسيس العالم، لنكون قديسين وبلا لوم قدامه في المحبة، إذ سبق فعيننا للتبني بيسوع المسيح لنفسه، حسب مسرة مشيئته، لمدح مجد نعمته التي أنعم بها علينا في المحبوب، الذي فيه لنا الفداء بدمه، غفران الخطايا، حسب غنى نعمته، التي أجزلها لنا بكل حكمة وفطنة، إذ عرفنا بسر مشيئته، حسب مسرته التي قصدها في نفسه، لتدبير ملء الأزمنة، ليجمع كل شيء في المسيح، ما في السماوات وما على الأرض، في ذاك الذي فيه أيضا نلنا نصيبًا، معينين سابقا حسب قصد الذي يعمل كل شيء حسب رأي مشيئته، لنكون لمدح مجده، نحن الذين قد سبق رجاؤنا في المسيح. الذي فيه أيضا أنتم، إذ سمعتم كلمة الحق، إنجيل خلاصكم، الذي فيه أيضا إذ آمنتم ختمتم بروح الموعد القدوس، الذي هو عربون ميراثنا، لفداء المقتنى، لمدح مجده. (رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس ١: ٣-١٤) هذا هو الإنجيل، الأخبار السارة بأننا مخلوقين على صورة الله وافتدينا بفعل عمل المصالحة في المسيح يسوع. لكن يظل هذا لغير المؤمنين بالإنجيل مجرد كلام حالم، لا يمكن أن نحيا به. في شرقنا المعذب بالحروب والعداوات وفقر إدارة الموارد، يصبح من الأصعب أن يقتنع الناس أنه هناك إله يهتم بالعدل والمساواة بين الجميع. لا يمكن أن نلوم أناس لم يروا في حياتهم إلا تهميشًا وسدًا لكل آفاق المستقبل إن هم لم يروا إلا القوة والعنف سبيلًا لتحقيق غاياتهم. وسط كل هذا، هل يمكن للكنيسة الشرق أوسطية أن تظل صوتًا يعلن رسالة الإنجيل؟ وكيف يمكن للناس أن تؤمن بمحبة الله غير المشروطة للجميع إن لم يعش المؤمنون هذه الرسالة وأصبحوا هم أنفسهم دعاة للعدل والحق، دعامتا كرسي الله ((العدل والحق قاعدة كرسيك. الرحمة والأمانة تتقدمان أمام وجهك. (مزمور ٨٩: ١٤). )). إن ظن البعض اليوم أن انشغال الكنيسة بمجتمعها وبآلام وحيرة الناس من الظروف المحيطة بهم هو نوع من البعد عن "روحانية الإنجيل" لصالح أمور دنيوية هو أكبر كذبة وتشويه لروح الإنجيل. إن الكنيسة، إن كل مؤمن فينا، لو انعزلت عن واقعها ولم تختبر الصراع حول كيف يمكن لملكوت الله أن يكون بيننا هنا والآن تكون قد حولت رسالة الإنجيل إلى أسطورة... قصة قد يراها البعض لطيفة وآخرون ربما سخيفة، لكنها تظل قصة لا تمت لواقعنا بصلة! عام جديد يقترب علينا، وتحدياته بدأت من قبل أن يبدأ. أصلي أن تكون بركتنا من الله فيه هو الحيرة والانشغال بواقعنا أكثر من الهروب لمساحات تدين زائفة الأمن. --- ### التقويم القبطي: بين الموروث والتصحيح [٢] - Published: ۲۰۲٤-۱۲-۲۵ - Modified: 2025-02-02 - URL: https://tabcm.net/32438/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: ٢٥ ديسمبر, ٢٩ كيهك, التقويم القبطي, الفصح اليهودي, الكنائس الأرثوذكسية, الكنيسة الرسولية, الكنيسة الروسية, الكنيسة القبطية, الكنيسة الكاثوليكية, توحيد الأعياد, چون ديوي, حساب الأبقطي, خديوي إسماعيل كامل, عيد البشارة, عيد القيامة, عيد الميلاد, كنيسة الإسكندرية, مجمع نيقية, ملتين ميلانكوفتش لم نشعر في مصر بهذا الفرق إلا عندما تبنى الخديوي إسماعيل عام 1875 التقويم الإفرنجي في المعاملات الحكومية بدلًا من التقويم الهجري، وبديلًا عن التقويم القبطي في الزراعة. ووقتها أصبح يوم ٢٩ كيهك يوافق ٦ يناير نتيجة تراكم الفرق بين التقويمين. وبالمثل أصبح ٢٥ برمهات (الاعتدال الربيعي نظريًا الذي بناءًا عليه يحسب عيد القيامة) يوافق يوم ٢ أبريل في مصر استمر الاعتماد على التقويم القبطي، أما في الشرق واليونان وشرق أوروبا الأرثوذكسي فقد استمر الاعتماد على التقويم اليولياني كالمعتاد. وهو ما جعل في تلك السنة التي حدث فيها التعديل الجريجوري للتقويم (١٥٨٢) عندما حل يوم ٢٥ ديسمبر ١٥٨٢ كانت مصر ما زالت في يوم ١٨ كيهك! وعلى هذا أصبح عيد الميلاد الذي نحتفل به يوم ٢٩ كيهك موافقًا ليوم ٤ يناير في التقويم الجريجوري! بينما ظل العيد في دول شرق أوروبا ٢٥ ديسمبر (وفقًا للنظام القديم) الموافق كذلك ليوم ٤ يناير في التقويم الجريجوري الجديد. لم نشعر في مصر بهذا الفرق إلا عندما تبنى الخديوي إسماعيل عام 1875 التقويم الجريجوري (الإفرنجي كما كانوا يسمونه وقتها) في المعاملات الحكومية بدلًا من التقويم الهجري، وبديلًا عن التقويم القبطي في الزراعة. ووقتها أصبح يوم ٢٩ كيهك يوافق ٦ يناير نتيجة تراكم الفرق بين التقويمين. وبالمثل أصبح ٢٥ برمهات (الاعتدال الربيعي نظريًا والذي بناءًا عليه يحسب عيد القيامة) يوافق يوم ٢ أبريل! ولأن عام ١٩٠٠ وفقا للتعديل الجريجوري ليس سنة كبيسة بينما في التقويم القبطي كل اربع سنوات هناك سنة كبيسة دون استثناءات، زاد بعدها يوم إضافي للتقويم القبطي، فتحرك عيد الميلاد إلى ٧ يناير بدلا من ٦ يناير. ولا ننسى أن في السنة القبطية الكبيسة يتحرك ٢٩ كيهك يومًا إضافيًا فيصبح العيد يوافق ٨ يناير، إلا أنه جرت العادة في السنوات الكبيسة أن يتم الاحتفال بعيد الميلاد يوم 28 كيهك حتى يبقى الفرق بين 29 برمهات وعيد الميلاد 9 شهور بالضبط. وهكذا أصبح جيلنا لا يعرف عن موعد عيد الميلاد سوى أنه ٧ يناير غير مدركين أنه عقب العام ٢١٠٠ سيصبح ٨ يناير وهكذا ((لم يحدث ترحيل يوم إضافي بعد العام ٢٠٠٠ رغم كونه عام كبيس، لأنه يقبل القسمة على ٤٠٠ )). واصبح الاعتدال الربيعي النظري يوافق يوم ٣ أبريل، بما جعل عيد القيامة أحيانًا يجيء في شهر مايو، أي بعد قمرين مكتملين من الاعتدال الربيعي الحقيقي بالمخالفة لقرار مجمع نيقية بموعد العيد. موقف الكنائس الأرثوذكسية الشرقية Eastern Orthodox (الخلقدونية) من التقويم الجريجوري: على مدى السنوات التالية لتبني التقويم الجريجوري من قبل الكنيسة الكاثوليكية، بدأت الدول في أوروبا والعالم في تبني التقويم تدريجيًا وكان آخرهم في أوروبا؛ روسيا عام 1917، ثم رومانيا ويوغوسلافيا في 1918، وأخيرًا اليونان عام 1923.  ولكن رغم قبول هذه الدول بالتقويم واستخدامه، إلا أن الكنائس الأرثوذكسية الشرقية (أو كما نسميها نحن الخلقدونية) بهذه الدول رفضت تبني التقويم الجريجوري (لأنه في نظرهم كاثوليكي! ). ولحل هذه المشكلة، عُقد مجمع أرثوذكسي مسكوني (خلقدوني) في القسطنطينية عام 1923 لمناقشة التقويم. في هذا المجمع تم تبني اقتراح العالم الفلكي الصربي ملتين ملانكوفيتش بإصلاح التقويم اليولياني الذي تستخدمه هذه الكنائس، وإقرار تقويم يولياني مراجع revised Julian calendar أدق حسابيًا من التقويم الجريجوري عن طريق زيادة عدد السنوات القابلة للقسمة على 100 المستثناة من كونها سنوات كبيسة ((كل السنوات التي تقبل القسمة على 100 ليست كبيسة، عدا السنوات التي عند قسمتها على 900 يتبقى 200 أو 600. ))، ووفقًا للتقويم الجديد، أصبحت التواريخ مطابقة مع تواريخ التقويم الجريجوري، وستستمر كذلك حتى العام 2800 حين يبدأ الفرق الحسابي الذي وضعه ميلانكوفيتش في الظهور. أقرت هذا التعديل تباعًا كنائس القسطنطينية واليونان وأنطاكية وبلغاريا وبولندا ورومانيا وألبانيا والإسكندرية (للروم الأرثوذكس)، بينما رفضتها كنائس القدس وروسيا وصربيا وجورجيا وأوكرانيا ((تبنت الكنيسة الأوكرانية التقويم الجريجوري في عام ٢٠٢٣ عقب انفصالها رسميًا عن الكنيسة الروسية نتيجة الغزو الروسي لأوكرانيا، واحتفلت لأول مرة بعيد الميلاد في موعده الجديد يوم 25 ديسمبر 2023. )) وأصروا على الاستمرار وفقا للتقويم اليولياني القديم. وهكذا أصبحت اليونان ورومانيا على سبيل المثال تعيد الميلاد يوم 25 ديسمبر مثل الغرب، بينما روسيا وصربيا ما زالت تعيده يوم 7 يناير مثلنا. ورغم تعديل التقويم وتحريك كافة الأعياد والمواسم لتوافق التقويم الجديد، إلا أن كل الكنائس الأرثوذكسية الشرقية ما زالت تحسب موعد عيد القيامة طبقا للتقويم اليولياني ((عدا الكنيستين الأرثوذكسية الفنلندية والأستونية اللتان تبنتا التقويم الجريجوري كليًا بما فيه حساب عيد القيامة. )) قبل تعديله ومعه كل الأعياد المتغيرة الأخرى! موقف الكنائس الأرثوذكسية المشرقية Oriental Orthodox (اللا خلقدونية) من التقويم الجريجوري: استمرت الكنائس الأرثوذكسية المشرقية ((الكنائس الأرثوذكسية المشرقية: هي كنائس؛ الإسكندرية للأقباط الأرثوذكس، أنطاكية للسريان الأرثوذكس، الكنيسة الرسولية للأرمن الأرثوذكس، الكنيسة التوحيدية الأرثوذكسية الإثيوبية، كنيسة إريتريا. )) في استخدام التقويم اليولياني، أو تقويمها الخاص المشابه للتقويم اليولياني، مثل التقويم القبطي في حالة الكنيسة القبطية والتقويم الإثيوبي في حالة كنيسة إثيوبيا، حتى الآن. ولكن بعد تبني معظم الكنائس الشرقية للتقويم الجريجوري في الأعياد الثابتة، بدأ هذا الموقف في التغير. تبنت كنيسة الأرمن الأرثوذكس التقويم الجريجوري في عام ١٩٢٣، وكذلك كنيسة أنطاكية للسريان الأرثوذكس التي تبنته عام ١٩٥٤. ولهذا تختلف هذه الكنائس في موعد الاحتفال بعيد الميلاد بينما تتفق في موعد وطريقة حساب عيد القيامة. وعلى هذا أصبحت الغالبية العظمى من كنائس العالم تتبع التقويم الجريجوري (أو اليولياني المعدل الشبيه به) في الأعياد الثابتة، وتحتفل بعيد الميلاد يوم ٢٥ ديسمبر. ولم يبق على التقويم القديم سوى كنائس؛ الإسكندرية للأقباط الأرثوذكس، والكنيسة التوحيدية الإثيوبية، وكنيسة روسيا، وكنيسة صربيا، وكنيسة جورجيا. هل تصحيح التقويم ضرورة؟ ولماذا؟ وإن كان ذلك ضروريًا، فبأي طريقة؟ قد يسأل أحدهم؛ هل هناك ضرورة لتعديل التقويم الذي نسير عليه منذ مئات الأعوام؟ الإجابة من وجهة نظري هي: نعم. أولًا: أسباب علمية: في التقويم القبطي الحالي، كما أسلفنا، أصبح الاعتدال الربيعي والانقلاب الصيفي والاعتدال الخريفي والانقلاب الشتوي، أي الفصول الأربعة التي تحدد بشكل كبير النشاط البشري من زراعة وعمل وغيرها، مُرحّلة عن موعدها المزمع في التقويم الأصلي بـ13 يومًا، وهذا الفرق يزداد يومًا إضافيًا كل 100 عام، وعلى هذا يزداد اغتراب التقويم عن الظواهر الطبيعية مع الوقت، وهو ما ينتفي معه الغرض من التقويم، إذ إن التقويم من الأصل وضع لمساعدة الناس على معرفة مواقيت الزراعة ومواعيد المواسم المختلفة، فإن انحرف التقويم عن ذلك، وجب تصحيحه. ثانيًا: أسباب عقيدية: وفقًا للأناجيل، فقد حدث صلب وقيامة المسيح في أسبوع الفصح اليهودي. فقد تناول المسيح العشاء مع تلاميذه ليلة اكتمال القمر، أي ليلة 14 نيسان في التقويم اليهودي . ويأتي هذا العيد اليهودي دائمًا في فصل الربيع، متحركًا بين شهري مارس وأبريل، وذلك لأن التقويم اليهودي هو تقويم قمري/شمسي. ولهذا فقد وضع مجمع نيقية القاعدة التي تقول أن الاحتفال بالقيامة يجب أن يكون يوم الأحد التالي لاكتمال أول قمر بعد الاعتدال الربيعي ((الاعتدال الربيعي: يوافق 21 مارس وفقًا للتقويم اليولياني والموافق لـ25 برمهات. )). ولهذا استمرت كنيسة الإسكندرية القبطية الأرثوذكسية في حساب عيد القيامة بهذه الطريقة: الأحد التالي لاكتمال أول قمر بعد الاعتدال الربيعي وفقًا للتقويم القبطي ، وإن وقع اكتمال هذا القمر يوم أحد، يقع العيد في الأحد التالي له. ولكن مع السنوات، لم يعد 25 برمهات يتفق مع الاعتدال الربيعي، وكذلك 21 مارس في التقويم اليولياني، وهو ما دفع كنيسة روما لتبني التقويم الجريجوري كما شرحنا قبلا. وهو ما أدى إلى أن 25 برمهات الآن أمسى يوافق 3 أبريل في التقويم الجريجوري الذي يستخدمه العالم كله. وهو ما يجعل في بعض الأعوام عيد القيامة يقع في شهر مايو، أي بعد قمرين كاملين بعد الاعتدال الربيعي الحقيقي وبعد الفصح اليهودي بأكثر من شهر. وهذا الفرق سيزداد مع مرور السنون، إذ إنه بعد ثلاثة الآف عام من الآن على سبيل التوضيح، سيكون 25 برمهات قد أصبح في نهاية أبريل، وبالتالي قد يأتي عيد القيامة في نهاية مايو أو بداية يونيو، أي بعد ثلاث أقمار مكتملة بعد الربيع، مبتعدًا تمامًا عن الموعد الطبيعي له! وهو ما يوجب تصحيحه للعودة للقاعدة الموضوعة في مجمع نيقية، والمتفقة مع نص الأناجيل. وإن كان هذا سيتطلب كذلك تصحيح الحساب الأبقطي الذي يتم حساب موعد العيد عن طريقه. ثالثًا: أسباب عملية: ضبط التقويم القبطي سيجعل موعد عيد الميلاد متفقًا مع موعد عيد الميلاد الغربي في 25 ديسمبر، وكذلك موعد عيد القيامة (في حالة تصحيح الحساب الأبقطي كذلك)، وهو ما سيجعل حياة مئات الآلاف من المنتمين للكنيسة القبطية الأرثوذكسية في العالم كله أكثر سهولة. فأخيرًا أعيادهم القبطية ستكون متزامنة مع الإجازات الرسمية للبلاد التي يعيشون فيها. ولا يجب هنا أن نخلط بين ضبط التقويم وتوحيد الأعياد. فضبط التقويم سيجعل مواعيد الأعياد واحدة، ولكنه لا يعني أن الكنيسة القبطية ستتحد إيمانيًا أو طقسيًا مع الكنائس الغربية. وهو ما فعله عدد من الكنائس المتحدة معنا في الإيمان، إذ تبنوا التقويم الجريجوري في الأعياد الثابتة، ولم يؤثر ذلك على إيمانهم. أي التقاويم أدق؟ دائمًا ما يكون السؤال عند إثارة موضوع ضبط التقويم هو عن أي التقاويم أدق، هل هو التقويم المعتمد على السنة الفلكية النجمية (سنته متوسطها 365. 256 يومًا)، أم التقويم المعتمد على السنة المدارية الشمسية (سنته متوسطها 365. 242 يومًا)؟ السؤال من وجهة نظري هو ليس أيا من التقويمين دقيق، لأن كل تقويم به نسبة تقريب ونسبة خطأ، ولكن هو أي تقويم يخدم الغرض من التقويم بصورة أفضل. الغرض من التقويم هو تنظيم الفصول والمواسم بطريقة تتفق مع الظواهر الطبيعية. وإذا قارنا بين التقاويم المختلفة من جهة الدقة سنجد أن نسبة الخطأ في تحديد الاعتدال الربيعي (الذي اتفق الجميع على أخذه معيارًا من البداية ومع اعتبار السنة المدارية الشمسية مرجعًا كونها الأنسب لتنظيم الأنشطة البشرية) كالاتي: - التقويم المصري القديم ((التقويم المصري القديم: السنة 365 يومًا. )) : الخطأ يوم كل أربع سنوات. - التقويم اليولياني والتقويم القبطي السكندري ((التقويم اليولياني والتقويم القبطي السكندري: السنة 365 يومًا ويوم إضافي كل اربع سنوات. )) : الخطأ يوم كل 128 سنة. - التقويم الجريجوري ((التقويم الجريجوري: السنة 365 يومًا، ويوم إضافي كل أربع سنوات، عدا السنوات التي تقبل القسمة على 100، إلا إذا كانت تقبل القسمة على 400. )) : الخطأ يوم كل 3236 سنة. - التقويم اليولياني المًراجع ((التقويم اليولياني المًراجع: السنة 365 يومًا، ويوم إضافي كل اربع سنوات، عدا السنوات التي تقبل القسمة على 100، إلا إذا كان باقي القسمة على 900 يساوي 200 أو 600. )) : الخطأ يوم كل 31 ألف و250 سنة. إذن لو كنا نبحث عن الأدق فالتقويم اليولياني المراجع المستخدم حصرا الآن ببعض الكنائس الأورثوذكسية الشرقية هو الأدق. لماذا لا نعود لتقويم مبنى على السنة الفلكية النجمية؟ قد يطرح أحدهم أن ما يجب عمله ليس هو تصحيح التقويم القبطي ليسير وفقا للسنة الشمسية المدارية، بل العودة بالتقويم القبطي كي يتبع السنة الفلكة النجمية التي كانت أساس ابتكاره من البداية. إن سرنا وراء هذا الاقتراح، سنجد أنه لكي يتبع التقويم القبطي الحالي السنة النجمية يجب أولا تحريك بداية العام القبطي ليكون 1 توت موافقًا للشروق النجمي للنجم سوبدت-سريوس وهو يوافق الآن الثالث من أغسطس في التقويم الحالي عند خط عرض 30 (أي كما تم ملاحظته قديمًا عند منف أو هليوبوليس). وهو ما سيجعل عيد الميلاد (29 كيهك) يوافق يوم 29 نوفمبر بدلا من يوم 7 يناير ! ولأن السنة النجمية متوسطها 365. 256 يومًا (أي تزيد حوالي 9 دقائق عن السنة في التقويم القبطي وهي 365. 25 يومًا)، يجب إضافة يوم للتقويم كل 166 عامًا ليبقى التقويم موافقًا للسنة الفلكية. وهو ما يعني أن التقويم سيتحرك نسبة للفصول المدارية كما تحرك التقويم الحالي. أي سنصل لنفس النتيجة، وهي ابتعاد الأعياد، وخاصة عيد القيامة، عن مواعيدها الطبيعية باستمرار، كون عيد القيامة مرتبط ارتباطًا مباشرًا بالاعتدال الربيعي وكذلك بالفصح اليهودي الذي دائمًا ما يقع في الربيع. أذن لا فائدة من الاعتماد على سنة فلكية في حين أن طريقة حساب عيد القيامة معتمدة على ظاهرة مرتبطة بالسنة المدارية، وليس الفلكية. --- ### الله لا يعاقب أوروبا بالإرهاب يا مولانا - Published: ۲۰۲٤-۱۲-۲٤ - Modified: 2025-02-19 - URL: https://tabcm.net/32685/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, شئون علمانية - وسوم: أسامة بن لادن, أنطون جرجس, إيسيذوروس البراموسي, الأب داود لمعي, الأصولية, العدالة الجزائية, توراة, خولاجي, رامي كامل, مكابيين, ملك حزقيا, ملك يوشيا, يهوه في اليومين الماضيين، وعلى خلفية حادث الإرهابي السعودي، والذي تراه المملكة السعودية ملحدًا وليس مسلمًا، لما عاث في أوربا فسادًا وقتل الناس بغير ذنب.. ظهر عندنا في مصر تأويلًا مسيحيًا أصوليًا يرى إن مرتكب الحادث الإرهابي هو ربنا، بغرض تأديب شعوب أوربا على شرورها وضلالها وزيغ إيمانها في اليومين الماضيين، وعلى خلفية حادث الإرهابي السعودي، والذي تراه المملكة السعودية ملحدًا وليس مسلمًا، لما عاث في أوربا فسادًا وقتل الناس بغير ذنب... ظهر عندنا في مصر تأويلًا مسيحيًا أصوليًا يرى أن الحادث هو تأديب من الله لشعوب أوربا على شرورها وضلالها وزيغ إيمانها. ذلك التأويل للواقع المعاصر، عبّر عنه مولانا رامي كامل على صفحته الشخصية بفيسبوك، مستشهدًا بنماذج من نصوص العهد القديم : ولأن الأمر ليس شخصيًا، ومكرر بتخريجات متعددة عقب كل كارثة طبيعية تقريبًا (التسونامي لمعاقبة الأمريكان، والزلزال لمعاقبة الأتراك، وحتى الكورونا اعتبره الأصوليون أصغر جند الله، ((باسم الجنوبي، القط الذي علمني درسا لاهوتيا. ))،  إلخ) ارتأيت أنا أيضًا أن أكتب شيئًا. تصورات أنبياء العهد القديم عن الله ليست ثابتة ينبغي أن نعلم أنه في الفترة المُبكرة من تاريخ الشعب العبراني، ﻻ يوجد اتفاق بين المؤرخين على ماهيّة الدين العبراني في ذاك العصر. نحن نلاحظ -بحسب سفر الملوك على الأقل- أن أغلب الأوقات يعبد اليهود آلهة مختلفة، ﻻ توجد سوى استثناءات بسيطة في تاريخهم الذي يصفه سفر الملوك أيضًا، الاستثناء هو أن يعبد اليهود “يهوَه” فقط كما في فترة حزقيا ويوشيا ((مايكل لويس، المفارقة الكبرى والمحرر الأخير، سلسلة تكوين التوراة. )). نلاحظ أيضًا عبر تعبيرات وتراكيب لغوية في أسفار العهد القديم أكبر من أن تحصى، أن يهوَه يقدّم نفسه باعتباره “إله الآلهة” ، التعبيرات الشبيهة توضح أن يهوَه ليس هو “الإله الوحيد”، لكنه الإله الأعلى، أو الأقوى، أو الوحيد الجدير بالعبادة، لكن ليس بالضرورة الإله الوحيد الموجود. بطريقة أخرى: يقدّم نفسه كإله حقيقي في وسط آلهة مزيفة أو محدودة أو ضعيفة على الأقل. في الفترة المُبكرة من تاريخ الشعب العبراني لم يكن الاعتقاد بوجود "إله واحد" بنفس المعنى الذي يبدو عليه اﻵن، الدين العبراني لم يكن مونوثيستي ((Monotheistic: قمت بتعريبها إلى: مونوثيستي، وتعني التوحيد الأحادي الخالص. )) Monotheistic ، لأن الصورة التي يقدمها سفر الملوك أو الكتب المُبكرة هو أنه أحد أنواع المونولاترية ((Monolatrism: قمت بتعريبها إلى: مونولاترية، وتعني الإيمان بوجود العديد من الآلهة، مع تقديم العبادة الثابتة لإله واحد فقط. )) Monolatrism ، بمعنى أن التوراة ذاتها تدعم الاعتقاد بوجود عدة آلهة، لكن الإله الوحيد الجدير بالعبادة هو يهوَه. بل أن هذا التصوّر لم يكن منتشرًا سوى عند النخبة المثقفة والكهنة والأنبياء، لكن أغلب عوام اليهود كانوا يعبدون عدة آلهة إلى فترة السبي تقريبًا، ولم يحدث أن اليهود عبدوا إلهًا واحدًا بالشكل التوحيدي المونوثيستي سوى في فترات قليلة كالتي تم ذكرها. أما بعد فترة السبي، بدأت الأفكار اليهودية تميل إلى أن يهوه يعاقبنا، ويهوه فقط من يمكنه هذا، وهو من قال لنا هذا، وبدأت الاعتقادات تتحرك إلى شكل Monotheistic بشكل جماعي واسع، ولم يحدث الثبات على الشكل التوحيدي الخالص الأخير إﻻ في عصر مُتأخر قد يصل لعصر المكابيين في القرن الثاني أو الثالث قبل الميلاد ((باسم الجنوبي، رحلة زمنية مع برديات إلڤنتين. )). مفهوم "العدالة الجزائية" من المهم هنا توضيح أن العبرانيين عندما يقومون بتأويل الأحداث الشريرة التي تحيق بهم بأنها "عقاب الله على شرورنا"، فهم هنا يستخدمون مبدأ "العدالة الجزائية" ((كريستين هايز وكرستينا عزيز، أيوب: ثورة إنسان ضد تعاليم التوراة. )) القائمة على تفسير الشر الحادث بالصدفة، على أنه ليس مصادفة، وإنما وراءه إرادة عاقلة ومقصودة ومسببة بسبب زيغهم وفسادهم. الأمر هنا أشبه بشخص أصيب بالكورونا من شخص آخر، فيؤول "المرض" بأنه ابتلاء من الله أو ناس آخرين ضربهم تسونامي وشردهم وتركهم بين حي وميت، عندما يقومون بتأويل السبب؛ ليس لكونهم موجودين في البقعة الجغرافية التي ضربها التسونامي، وإنما التسونامي نفسه جاء من ربنا لكي يعاقبنا. فكرة "العدالة الجزائية" عندما تكون صادرة من المصابين أنفسهم، فهي تعد توظيفًا كهنوتيًا للشر الطبيعي، مثل الكوارث الطبيعية، بحيث تحث الناس على التوبة. . التوظيف هنا جيد (أخلاقي) لأنه يحض الناس على النهوض من مصيبتهم، والتفكير في المستقبل بشكل أفضل (التوبة). لكن هل فكرت في فكرة "العدالة الجزائية" عندما تكون صادرة من الفاعل؟ مثلًا: الشخص الذي أصابك بعدوى كورونا ويقول: "لم أصبك أنا، إنما أنا مجرد سبب لله ليصيبك في مقتل". أو هل فكرت فيها من وجهة نظر الإرهابي السعودي عندما يبرر قتل ضحاياه على أنه هو "عدالة الله" في مجازاة أوروبا؟ أليس نفس الأمر يمكن أن يقال على الهجمات الانتحارية الطائرة (الإرهابية) على مبنى التجارة العالمي، من وجهة نظر بن لادن وأنصاره؟ ثم ماذا عن نفس الفكر عندما يصدر من طرف ثالث، وليس من المصابين أنفسهم؟ يعني أنا مثلًا لم أصب بالكورونا، وقاعد أهبد عن إن الكورونا أصغر جند الله. لست أمريكيًا، وأفتي في تأويل التسونامي على أنه من عند الله، أو لست أوربيًا، وأنظّر حول الحادث الإرهابي، وأنه بسماح من الله لتأديبهم، وبالتأكيد طبعًا لا أنا نبيٌ في السبيِّ كإرمياء وإشعياء، ولا أنا كاهنٌ مازوخيٌّ كداود لمعي الذي يرسل له الربُّ رسالةً نصيَّةً قصيرة كلَّ مصيبةٍ ليشكر الإرهابيين. ببساطة، عندما ﻻ أكون ضمن المصابين بكارثة، وﻻ أنا نبيّ الله الذي لديه توكيل إلهي بالحديث عنه... فهكذا أنا أرتكب جريمة في الإرشاد عن المجرم الأعظم (الله) بوصفه مسبب البلايا كلها ((أنطون جرجس، هل يميت الله البشر؟ . )). بطريقة أخرى؛ فأنت هكذا تحمّل الله مسؤولية الشر، وبدون آليات تسمح لك بمعرفة الله أكثر من غيرك، فتصنّع "إله مجرم" في تصور الناس التي خُرِبَت بيوتها، أو الذين قُتل ذويهم، عشان حضرتك تتعظ وتتربى ((جميل رسمي، ملاحظات على: "سماح الله". ))! الرب صالح يا مولانا... لا يسر بذبائح وﻻ محرقات ((لأنك لا تسر بذبيحة وإلا فكنت أقدمها. بمحرقة لا ترضى. ذبائح الله هي روح منكسرة. (مزمور 51: 16-17). ))، وعلى الرغم من أن المكتوب عن الله في العهد القديم أنه يُسر لرائحتها ((ويوقد الكاهن الجميع على المذبح محرقة، وقود رائحة سرور للرب. (لاويين 1: 9). ))، ويهدأ على البشر عندما يتنسم رائحتها ((فتنسم الرب رائحة الرضا. وقال الرب في قلبه: «لا أعود ألعن الأرض أيضا من أجل الإنسان، لأن تصور قلب الإنسان شرير منذ حداثته. ولا أعود أيضا أميت كل حي كما فعلت. » (تكوين 8: 21). )))، إلا أنه هو نفسه، في نفس الكتاب، قال أنه ﻻ يسر بها وﻻ يحبها ((إني أريد رحمة لا ذبيحة، ومعرفة الله أكثر من محرقات. (هوشع 6: 6). )) وأنه يسعد ﻻ لموت الخطاه، بل أن يحيوا في توبة ((أنت هو الله الرحوم الذي لا يشأ موت الخاطئ مثلما يرجع ويحيا. (إيسيذوروس البراموسي، الخولاچي المقدس وخدمة الشماس). ))، والتصور الذي رسمه المسيح في أذهاننا عن الله أنه يحب الخطاه وﻻ يكرههم أو يريد الانتقام منهم ((إلهنا الصالح، الطويل الروح، الكثير الرحمة، الجزيل التحنن، الذي يحب الصديقين ويرحم الخطاة الذين أولهم أنا. (ارحمنا يا الله ثم ارحمنا، طلبه تقال آخر كل ساعة​). ))، بالطبع يحب توبتهم، لأنها أحسن لهم، مش أحسن له هو! ! ما فرق العهد الجديد عن القديم؟ الفارق هو أن لدينا في العهد الجديد يسوع المسيح كتجسد حقيقي لله (ليس تأويلًا نسبيًا كتصورات أنبياء العبرانيين عن ربهم)، ومن ثم نستطيع أن نقيس تصوراتنا -القديمة- عن الله، بتصورنا الجديد من المسيح، وهو الأمر الذي ﻻ يستطيع أحد أنبياء العهد القديم أن يفعله، لأنه لم ير الله كما رأيناه نحن متجسدًا. فهل يستقيم عقلًا أن المسيح ينتقم ويتشفى (حتى لكي يجعل الناس تتوب)؟ حصلت فين في حياته الحكاية دي، عشان نشوف الله بالتصور -العبراني- ده؟! فالخلاصة: أنبياء وكهنة وكتبة العهد القديم، يرسمون لنا تصوراتهم عن "يهوه" بشكل مفهوم في سياق العهد القديم. . لكن المسيحي المعاصر يجب أن يكون تصوره أفضل منهم، لأنه حظي بما لم يحظوا به من نعمة. وكلامنا أو تصورنا عن الله مختلف، ومتطور، وذو دلالة أمضى، لأننا قد عايناه ولمسناه في شخص المسيح. وبناء عليه يا مولانا، أراك ترتكب جريمة في حق الله... تتقوّل عليه... تنسب له أفعال معاصرة شريرة وإرهابية... تُسقط -كمتدين أصولي- حدث معاصر حصل من أسبوع، على فهم عبراني وتصور يهودي من ثلاثة ألاف سنة... استحضار أصولي للماضي... ولا تؤخذ التصورات عن الله والكتب المقدسة بهكذا طريقة! في الحقيقة لا يوجد "مؤمن" بأي دين، يفعل هذا في العصر الحديث غير فعلة العنف والإرهابيين، لتبرير سلوكياتهم العنيفة والمؤذية للآخرين على إنها خضوع وتسليم لإلههم العنيف والمؤذي... وأنا لا إرهابي، ولا مؤمن بهكذا إله، وإراه إله مصنوع، مزيف، وأتشارك مع أخي الملحد في رفضه! --- ### المحاكمات [التأديبات] الكنسية من منظور أرثوذكسي - Published: ۲۰۲٤-۱۲-۲۳ - Modified: 2024-12-23 - URL: https://tabcm.net/32642/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أنبا بيسنتي، أسقف حلوان والمعصرة والتبين, أنبا ميخائيل، أسقف حلوان, إفخارستيا, التيار العلماني القبطي, الشيطان, المجمع المقدس, بابا بطرس الأول خاتم الشهداء, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس السادس, باسيليوس الكبير، أسقف قيصرية الكبادوك, دسقولية, قوانين الرسل, لبيب حليم لبيب, ليتورچي, مجلة الكرازة, مجمع نيقية, مدارس الأحد البيان الذي ألقاه أبينا الأسقف الأنبا ميخائيل، أسقف حلوان بشأن تجريد أحد كهنة إيبارشيته، أعادنا إلى "المربع صفر" فيما يتعلق بإشكالية المحاكمات الكنسية، التي تفجرت مع مطلع العقد الأخير من القرن العشرين، وكانت محل جدل ممتد شهدته صفحات مجلة مدارس الأحد، وكانت القاطرة التي جرت خلفها فتح مِلَفّ الإشكاليات الكنسية، ويحسب لنيافته تفاعله مع ما حملته صفحات العالم الافتراضي متعلقًا بقراره هذا وحرصه على تفسير ملابساته برؤيته البيان الذي ألقاه أبينا الأسقف الأنبا ميخائيل، أسقف حلوان بشأن تجريد أحد كهنة إيبارشيته، أعادنا إلى "المربع صفر" فيما يتعلق بإشكالية المحاكمات الكنسية، التي تفجرت مع مطلع العقد الأخير من القرن العشرين، وكانت محل جدل ممتد شهدته صفحات مجلة مدارس الأحد، وكانت القاطرة التي جرت خلفها فتح مِلَفّ الإشكاليات الكنسية، ويحسب لنيافته تفاعله مع ما حملته صفحات العالم الافتراضي متعلقًا بقراره هذا وحرصه على تفسير ملابساته برؤيته. نعود لنجد أنفسنا أمام نفس الأسئلة التي طرحت قبلًا، عن ماهية المحاكمات الكنسية وأطرها ودرجاتها التي تضمن توفر أقصى حدود العدالة، وضوابطها، بين صلاحيات من يقوم عليها وحماية المقدمين إليها من عسف استخدام السلطة. اللافت أن كنيستنا حتى اللحظة لم تقترب من منظومة المحاكمات هذه بتقنينها بوضع قانون ينظمها ويضبط إيقاعها عبر مواد قانونية عامة ومجردة وملزمة، تخاطب أطرافها، المحقق والقاضي والشهود والمقدم إليها، في الإطار الكنسي، مع أن أدبيات الكنيسة بتدرجها، من الكتاب المقدس إلى ما استقر من قوانين الرسل إلى قوانين المجامع المسكونية، إلى قوانين الآباء المعتبرين أعمدة، تناولت هذا الأمر وصارت مرجعيات ملزمة، ولكنها لم تترجم في عمل قانوني معاصر كما فعلت بقية الكنائس التقليدية، وتُرِكَ الأمر لتقدير الأب الأسقف. وقد شهدت تلك السنوات التي تفجرت فيها أزمة المحاكمات الكنسية محاولات جادة للاقتراب المنهجي والموضوعي، تبلورت في سلسلة المؤتمرات العامة التي عقدها التيار العلماني القبطي (2006 - 2010)، التي تضمنت ضمن أُطروحاتها بحوثًا تناولت تقنين المحاكمات الكنسية، وقدمت للكنيسة في حبرية قداسة البابا شنودة الثالث، مشروع قانون ينظمها، عكف على إعداده وصياغته المستشار لبيب حليم لبيب نائب رئيس مجلس الدولة، وأعيد تقديمه لقداسة البابا تواضروس عقب إعلان اختياره ضمن مِلَفّ كامل عن رؤية التيار العلماني في الإشكاليات الكنسية وقتها، فضلًا عن دراسة مستفيضة وموثقة قدمها أحد الآباء الرهبان الباحثين في المؤتمر العلماني القبطي الأول (نوفمبر 2006) بعنوان التأديبات الكنسية في الكتاب المقدس والتقليد والقانون الكنسي. ولا يفوتنا هنا الإشارة إلى واحد من أهم الكتب التي تناولت بتدقيق وتوثيق أهم المحاور التدبيرية الكنسية ومنها "القضاء الكنسي"، وهو كتاب التدبير الإلهي في بنيان الكنيسة ديسمبر 2001، إعداد أحد رهبان برية القديس مكاريوس. (حسب البيانات التي حملها غلاف الكتاب). والبداية مع المسمى الذي لا يتسق مع رسالة الكنيسة، التي تقر التأديبات الكنسية على غرار العائلة التي تؤدب أولادها ولا تحاكمهم، والسلطان فيها روحيًا وليس ماديًا، وهو "سلطان المحبة التي تظهرها الكنيسة تجاه أعضائها وسلطان الطاعة التي يظهرها المؤمنون ـ طواعية ـ تجاه الكنيسة" حسب تعبير أحد الآباء المعاصرين. وغاية التأديبات الكنسية تتجاوز إنزال عقاب على المخطئ بل رده عن طريق ضلاله، وهنا تتضح فلسفة العقوبة الكنسية، وفي هذا يقول أحد الباحثين: إن الحكم الكنسي -في حالة التأديب الكنسي على الأخص- يهدف إلى شفاء التائب. ومن هنا بدأ يظهر الخيط الذهبي الرعائي الذي يتغلغل في أحكام التأديب الكنسي في العهد الجديد، فهو تأديب للخلاص والشفاء وليس للعقاب والقصاص والانتقام، كما كان في مجتمع الدولة الرومانية القديم؛ للانتقام من فاعلي الشر ((رسالة بطرس الأولى 2: 14 )). ويحدد الباحث أهم سمات طقس التائبين وقانون التأديبات الكنسية في كنيستنا القبطية: ـ التأديب الكنسي علاج وشفاءٌ من المرض الذي يكمن في نفس التائب. ـ لابد أن يكون لقانون التوبة زمن محدد؛ هو "زمان التوبة". ـ كما أن ليس لكل الخطايا حكم واحد. كما تختلف أعمال التوبة المفروضة حسب أنواع الخطايا، كما يشرح ذلك الفصل الثامن من الدسقولية بأكمله: ولا تحكموا حكمًا واحدًا على الخطايا كلها بل كقدر كل خطية، بفهم عظيم تفحصون كل واحدة من الخطايا... فبعضٌ تقمعهم بالتهديدات فقط، وبعضٌ تحكم بأن يعطوا رحمة للمساكين، وأقوام تحدد لهم أصوامًا، وآخرون تُخرجهم من البيعة إلى مدة معلومة (فصل 68،70 من الدسقولية) ونجد أمثلة لهذه الممارسات في: الرسالة القانونية للقديس غريغوريوس صانع العجائب ((الرسالة القانونية للقديس غريغوريوس صانع العجائب، رسالة رقم 11. ))، وقوانين القديس باسيليوس ((قوانين القديس باسيليوس، رقم 4، 56، 82. )). ويورد الباحث استثناء جدير بالتوقف عنده: إنه استثناء الذين يشرفون على الموت وهم تحت التأديب الكنسي. فإنه كانت تُجرى مصالحتهم متضمنة نوالهم سر الإفخارستيا، كما أمر بذلك صراحة القانون 13 من مجمع نيقية المسكوني (سنة 325م)، كاستثناء من حرفية القانون يتَّصف بالرحمة والمحبة (التي لا تغيب أبدًا في كل معاملات خدام الكنيسة) في هذا الظرف الاستثنائي: فيما يختص بالمحتضرين، فالقانون القديم لا يزال معمولًا به، أعني إذا أشرف شخص على الموت فيجب ألا يحرم الزاد الأخير الذي لا غنى عنه. أما إذا عادت إليه صحته وكان قد مُنح الشركة حين قطع الأمل من حياته، فليقف مع صف المشتركين في الصلوات لا غير. وعلى الإجمال، إذا احتضر شخص وطلب أن يُناوَل القربان فليمنحه الأسقف سؤاله بعد الفحص (القانون رقم 13 من مجمع نيقية المسكوني) كما يرد مثيل لهذا القانون في مجموعة قوانين القديس باسيليوس ((قوانين القديس باسيليوس، القانون رقم 73. )). وفي الوثيقة الإيمانية الأولى (الكتاب المقدس) يؤسس ق. بولس في رسالتيه إلى كنيسة كورنثوس منهجًا كنسيًا رائدًا في قضية التأديب الكنسي، فبعدما أصدر قراره لشخص ارتكب واقعة (زنى محارم)، في رسالته الأولى: أفأنتم منتفخون، وبالحري لم تنوحوا حتى يرفع من وسطكم الذي فعل هذا الفعل؟ فإني أنا كأني غائب بالجسد، ولكن حاضر بالروح، قد حكمت كأني حاضر في الذي فعل هذا، هكذا: باسم ربنا يسوع المسيح - إذ أنتم وروحي مجتمعون مع قوة ربنا يسوع المسيح - أن يسلم مثل هذا للشيطان لهلاك الجسد، لكي تخلص الروح في يوم الرب يسوع. (رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس 5: 2-5) ولأن الكنيسة لا تقر العقوبة المفتوحة، وهي تعاقب بحنو الأبوة، فقد بادر ق. بولس في رسالته الثانية بطلب العفو عن هذا المخطئ، لأنه أي القديس بولس يعيش في حالة حزن من أجله بكل مشاعر الأبوة فيقول لهم: لأني من حزن كثير وكآبة قلب كتبت إليكم بدموع كثيرة، لا لكي تحزنوا، بل لكي تعرفوا المحبة التي عندي ولا سيما من نحوكم. ولكن إن كان أحد قد أحزن، فإنه لم يحزني، بل أحزن جميعكم بعض الحزن لكي لا أثقل. مثل هذا يكفيه هذا القصاص الذي من الأكثرين، حتى تكونوا - بالعكس - تسامحونه بالحري وتعزونه، لئلا يبتلع مثل هذا من الحزن المفرط. لذلك أطلب أن تمكنوا له المحبة. لأني لهذا كتبت لكي أعرف تزكيتكم، هل أنتم طائعون في كل شيء؟ والذي تسامحونه بشيء فأنا أيضا. لأني أنا ما سامحت به - إن كنت قد سامحت بشيء - فمن أجلكم بحضرة المسيح، لئلا يطمع فينا الشيطان، لأننا لا نجهل أفكاره. (رسالة بولس الثانية إلى كورنثوس 2: 4-11) كانت إشكالية "المحاكمات الكنسية" تؤرق أسقف التعليم الأنبا شنودة حتى أنه أفرد لها افتتاحية مجلة الكرازة (يناير وفبراير 1965)، أي المقال الأول للعدد الأول من المجلة الجديدة، وهى بمثابة بحث كتابي آبائي موثق يستعرض فيه أهمية المحاكمات الكنسية وضوابطها، ثم يختتمه بسؤال وإجابته؛ كان السـؤال: ماذا يفعل الأسقف بالخاطئ بعد معاقبته؟... وكانت الإجابة: يقول الآباء الرسل في الباب الرابع من الدسقوليةوالذي مال ياأسقف أعدله، لا تدعه خارجًا بل اقبله . . الذي ضل، إسأل عنه، بل يصل حنان الآباء الرسل إلى حد قولهم: فليحمل الأسقف على نفسه إثم ذاك الذى أخطأ، ويصيره خاصة له. ويقول للمذنب إرجَع أنت. وأنا أقبل الموت عنك، مثل سيدى المسيح. (البابا شنودة الثالث "وقت كان أسقف التعليم"، مجلة الكرازة 1965) وفي تاريخ الكنيسة المعاصر نجد في نهج قداسة البابا كيرلس السادس تطبيقًا عمليًا حياتيًا لمفهوم التأديبات الكنسية، باحتضانه للمشكو في حقه خاصة عندما يكون من الآباء الكهنة، ودعوته لملازمته في قداساته اليومية، إيمانًا منه بقدرة المذبح على تقويم المعوج وضبط حياته، وعودته خادمًا نقيًا غسلته صلوات الليتورجيا وما اكتسبه من ملاصقته للبابا الحكيم. وحسب بيان أبينا الأنبا ميخائيل فإن محاكمة القس صاحب الواقعة تمت بمعرفة لجنة تحقيق داخل الإيبارشية، واعتمدها الأب الأسقف وعرضها على قداسة البابا الذي فوضه في اتخاذ ما يلزم، لنجد أنفسنا أمام تحقيق وقرار تم برؤية الأب الأسقف، وتحت سلطته، وقطع الطريق على الأب الكاهن ـ المدان ـ لاستئناف القرار أمام جهة كنسية أعلى حسب ترتيب الدسقولية التي تعطيه هذا الحق، بنصوص واضحة، بأن يلجأ الى المجمع المقدس أو إلى البابا. ولعل آباء مجمع الكنيسة برئاسة قداسة البابا يضعون نقطة في نهاية سطر مؤرق للكنيسة وقيد الانفجار، بتكليف لجنة مجمعية قانونية ينضم إليها رجال القانون من القضاة والمستشارين والفقهاء القانونيين من أبناء الكنيسة لوضع وصياغة تقنين منظومة القضاء الكنسي وفقًا لما تقول به المراجع الكنسية الكتابية والآبائية. --- ### بين فريسيو العصر والماضي - Published: ۲۰۲٤-۱۲-۲۲ - Modified: 2024-12-23 - URL: https://tabcm.net/32637/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: أنبا بيشوي، مطران دمياط وكفر الشيخ, بابا شنودة الثالث, بروتستانت, چورچ حبيب بباوي, حماة الإيمان, مارتن لوثر, يوسف النجار عندما عايروا د. جورج حبيب بباوي بأن أمه وجدته يهوديتان، أصابتني صدمة، فمن لوح بهذه المعايرة بطريرك الإسكندرية السابق نفسه وعلى رؤوس الأشهاد، ورددها بعد أن قالها ربيبه الفاقد العقل والرشد عندما عايروا د. جورج حبيب بباوي بأن أمه وجدته يهوديتان، أصابتني صدمة، فمن لوّح بهذه المعايرة بطريرك الإسكندرية السابق ((قداسة البابا شنودة الثالث. )) نفسه وعلى رؤوس الأشهاد، ورددها بعد أن قالها ربيبه الفاقد العقل والرشد ((نيافة الأنبا بيشوي، مطران دمياط والبراري. )) وأذهلتني المعايرة! ! أليست ذات المعايرة يمكن أن تقال على يسوع المسيح شخصيًا؟! ألم يكن يسوع المسيح أمه يهودية؟ بل هو نفسه يهودي؟! هل الأصول اليهودية مسبة وسبة وموضع للمعايرة يا شعب المسيح؟! أليس البشير مرقس صاحب كرسينا ورسول بشارتنا أيضًا من أم يهودية؟ كذا كل الإثني عشرة تلميذ قاطبة؟ أليست العذراء مريم التي اُفتتن البعض بها حتى التأليه، كانت يهوديّة ومن أمٍ يهوديّة؟ أسقف ورئيس أساقفة عاجزين أن يروا أنفسهم قبل أن يبحثوا في غيرهم عما يعايرونه به، ثم تخرج قطعان "حماة الإيمان" من التافهين والتافهات لمعايرة البروتستانت أنهم أولاد أمبارح! وهل كانت الكنيسة مخطئة ١٥٠٠ عام حتى يأتي مارتن لوثر والبروتستانت ليصلحوها؟ يا رجل أليس هذا ذاته ما قيل نصًا وفعلًا. . عملًا وقولًا. . أيضًا ليسوع المسيح؟ ألم يكن هذا هو السبب المباشر لصلب يسوع المسيح الذي نفخر بصليبه؟ موسى أعطانا من ١٥٠٠ سنة شريعة وطقوس وناموس، وأنت قادم اليوم لتصلح وتجدد لنا عطية خمسة عشر قرنًا؟ وتقول اهدموا الهيكل، وأنا أُقيمه في ثلاث أيام؟ ألستم يهود اليوم وفريسي العصر الحديث؟ الذين قاتلوا وقتلوا، وقالوا أنه لا تناول دون توبة، فصار لا تناول دون معلقة ((الماستير. ))! معلقة يا عالم يا هو؟! معلقة يا أصحاب القداسة والنيافة والحبورية والملابس المزركشة المقصبة والعروش الذهبية؟! معلقة؟! يا محترمين يا بتوع الدكتوراه وماجستير صافية ((صوفيا. ))؟! ألا نعرفك؟ ألست أنت ابن مريم وابن يوسف النجار؟ ألم تكن هي ذات معايرة يسوع المسيح؟ يا عالم، يا هوه، عندما تقيمون الحجة على مخالفيكم، انتقوها وتمهلوا، لئلا تكون العلة ذاتها فيكم. لا يعجبك مارتن لوثر ولست راضيًا عن البروتستانتية ولا يشبعك سوى كهنوت محسوس مرئي، أنت حر، تريد أن تنتقد البروتستانت واللوثرية، هذا من صميم حقك، لكن ضع حجة لها وزن، اعلن اعتراض له قيمة، "متهبلش". يا عالم، يا هوه، لديكم في علب جماجمكم شيء اسمه "المخ". . عطية مجانية قابلة للاستخدام. . صدقوني. --- ### حل الجماعة - Published: ۲۰۲٤-۱۲-۲۱ - Modified: 2025-01-11 - URL: https://tabcm.net/32354/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: آخر ساعة, أحمد الخازندار, أحمد مرتضى المراغي, إبراهيم عبد الهادي باشا المليجي, الإخوان المسلمين, حسن أحمد عبد الرحمن محمد البنا, حسين سري باشا, حصاد العمر, حقيقة التنظيم الخاص, سعد الدين الوليلي, سليم فريد زكي باشا, صالح العشماوي, صلاح أبو شادي, محمود السيد خليل الصباغ, محمود فهمي النقراشي باشا, ملك فاروق حل جماعة الإخوان المسلمين وجميع شُعبها في مصر، وإغلاق الأمكنة المخصصة لنشاطها، وضبط أوراقها وسجلاتها وأموالها وممتلكاتها، وحظر اجتماع خمس أشخاص أو اكثر من أعضائها، وتسليم كل وثائق الجمعية وأموالها لأقسام الشرطة، لأن الجماعة أمعنت في شرورها بحيث أصبح وجودها يهدد الأمن العام والنظام تهديدًا بالغ الخطر، وبات من الضروري وقف نشاط الجماعة التي تروع الأمن لضمان سلامة أهل البلاد في الداخل وجيوشها في الخارج، وكل من يخالف هذا الأمر يعرض نفسه للحبس كان مقتل اللواء سليم زكي حكمدار شرطة القاهرة، هو القشة التي قصمت ظهر البعير، فأمر عبد الرحمن عمار الرقيب العام في نفس اليوم 4 ديسمبر 1948م بتعطيل صحيفة الإخوان إلى أجل غير مسمى، فأوفد البنا الأخ أبو غدير والشيخ أحمد شريت في نفس اليوم إلى حامد جودة رئيس مجلس النواب يطلبان منه التوسط لدى النقراشي لبدء صفحة جديدة بين الحكومة والجماعة، وقال الرجلان: نحن نبرأ إلى الله مما حدث اليوم ونرجو أن تحل حمامة السلام بين الإخوان والحكومة، لكن حامد جودة رفض وبإصرار مراوغتهم وتنصلهم من المسؤولية، وقال: الجماعة قتلت اليوم سليم زكي، وما بينها والحكومة لا يمكن الوساطة فيه أبدًا، حمل الرجلان هذا الجواب إلى المرشد العام الذي أدرك خطورة الموقف فإن حامد جودة نفسه قد توسط في السابق للإفراج عنه من المعتقل في عهد حكومة حسين سري يوم كان يعلم أن هناك مجالًا للتوفيق. كانت كل الدلائل تشير إلى أن هناك نية لحل الجماعة بعدما استفحل نشاطها الإرهابي، فاتبع الإخوان سياسة المداهنة، وتخوفًا من إصدار النقراشي الأمر بحل الجماعة، حاول البنا مقابلة الملك وفشل، فحاول مقابلة إبراهيم عبد الهادي رئيس الديوان الملكي مرتين ولكن رئيس الديوان أعتذر، فلجأ البنا إلى أحمد مرتضى المراغي مدير الأمن العام في منزله بحلوان، وقال له: عندي رسالة شفوية أرجو أن توصلها إلى القصر، يريد رئيس الحكومة حل الجماعة وهذا قرار بالغ الخطورة وقد يكون له عواقب وخيمة ولابد أن يقع بيننا وبين الحكومة صدام عنيف، ونحن الإخوان نشعر أن النقراشي باشا جر الملك فاروق إلى خصومتنا، وأكد له أنه يريد التعاون مع الحكومة معبرًا عن أسفه إزاء اغتيال حكمدار العاصمة سليم زكي، واصفًا الجرائم التي ارتكبها بعض أعضاء جماعته بأنهم مندسون. فقال مرتضى المراغي إن قيادة الإخوان عجزت عن وضع الماردفي القمقم بعد خروجه وانطلاقه، لقد أصبحت الهيئة العليا للإخوان بلا حول ولا قوة إزاء هذا التنظيم وكأن الشيخ البنا غير قادر على الحد من قوة الجهاز السري والتسلط عليه، ثم وجه حديثه للبنا قائلًا: هل تأذن لي أن أدبر لك مقابلة مع النقراشي باشا لعلك تستطيع بلباقتك وحكمتك أن تصفى الجو بينه وبينكم؟، فرفع البنا يديه وقال: لا أمل في الوفاق معه. . أعرف طباعه. . إنه عنيد. . وإذا ركب رأسه فلن يلوي على شيء وسينفذ رأيه، وانقلب الشيخ الوديع نمرًا هائجًا وقدحت عيناه شررًا كما وصفه المراغي وقال: إنها جريمة نكراء يريد النقراشي ارتكابها! هل يظن أننا لعبة يستطيع تحطيمها بسهولة؟! ، فأجاب المراغي: رسالتك خطيرة، وسأبلغها إلى الملك، وسأنقل رأيك في حل الإخوان وخطورة عاقبته إلى النقراشي. وفي اليوم التالي، قابل المراغي رئيس الوزراء وروى له الرواية، فقال النقراشي: هل تريد أن تقر الإرهاب وتريد أن تعترف بشرعيتهم؟ وهل تسمح لهذه الجماعة أن تتمادى؟ لابد من حلها! ، ثم هز النقراشي رأسه استخفافًا وقال للمراغي: كان أحسن لو لم تقابله! ، ووصل الرد للبنا، فحاول أن يسلك طريقًا آخر لمنع الحل، وأعاد التفكير فيما قاله المراغي عن تهدئة الموقف، فتوجه إلى وزارة الداخلية للقاء عبد الرحمن عمار مدير الأمن العام قائلًا إنه يريد مقابلة النقراشي للتفاهم معه حتى يعدل عن عزمه على حل الجماعة، وأكد أنه سيعود بنشاط الجماعة إلى نقطة البداية، وسيقتصر نشاط الجمعية على الشؤون الدينية البحتة، ولن يتدخل في السياسة، وأنه يريد التعاون مع الحكومة، معبرًا عن أسفه عما فعلت جماعته، ثم بكى كعادته فصدقه عمار. ثم توجه الرجلان -البنا وعبد الرحمن عمار- إلى رئاسة مجلس الوزراء، فأنتظر البنا في غرفة الانتظار بينما دخل عمار إلى مكتب النقراشي يعرض عليه الأمر، ولكن النقراشي رفض لقاء البنا، وتلقى البنا وعدًا زائفًا مطمئنًا من عبد الرحمن عمار بفعل ما سيجده صحيحًا، فتقدم الإخوان بالتماس إلى القصر الملكي يشكون فيه من حملات الاعتقالات التي يتعرضون لها، والتهم التي يواجهونها بلا تحريات جدية، أو تحقيقات تتولاها النيابة، لكن الالتماس لم ينشر بسبب الرقابة على الصحف، فقد كان قرار حل جماعة الإخوان المسلمين قد اتخذ بالفعل بلا رجعة ولم يتبق إلا التنفيذ... في صباح الأربعاء 8 ديسمبر 1948م نشرت مجلة أخر ساعة خبرًا غامضًا يشير إلى أن قرار حل الجماعة سيصدر في اليوم نفسه... لكن الأمل كان لا يزال باقيًا في صدر البنا بعد وعد عبد الرحمن عمار الزائف... قال صالح عشماوي إنه عندما مر النصف الأول من اليوم ولم يصدر قرار الحل، عاد إلى بيته وقد ظن أن الحكومة ستعدل عن قراراها، وبعد صلاة المغرب تجمعت قيادات الجماعة في المقر الرئيسي بالحلمية، وكان الجميع في حالة قلق بالغ، فاتصل المرشد بإبراهيم عبد الهادي باشا لإقناعه بالتدخل في اللحظات الأخيرة لمنع صدور القرار، لكن رئيس الديوان أخذ يماطل، وطلب من المرشد الذهاب إلى عبد الرحمن عمار في وزارة الداخلية، لكن صالح عشماوي اعترض تلك المرة، وقال للمرشد؛ ركب القوم رؤوسهم! والغرض من المقابلة كسب الوقت فضلًا عما فيها من إذلال! ولكن المرشد رأى أنه مكره وغير مخيّر، فاستقل سيارته إلى وزارة الداخلية ليلتقي بعبد الرحمن عمار مرة أخرى، وعاود البنا استجداء عبد الرحمن عمار لمنع قرار الحل حتى العاشرة مساءًا دون رد قاطع من عبد الرحمن عمار، فعاد البنا إلى مقر الحلمية ليطمئن أعضاء الجماعة قائلًا إن روح عبد الرحمن عمار طيبة وقد أبلغني أن حل الإخوان هدم لصرح الإسلام في هذا العصر، ووعدني بإبلاغ النقراشي باشا وأن الأمر سينتهى على خير. وطلب البنا إلى الإخوان المجتمعين في المركز العام الانصراف وبشرهم بحل الأزمة... في الساعة الحادية عشر مساءًا، أعلن الراديو المصري القرار العسكري الذي أصدره النقراشي باشا رئيس وزراء مصر ونصه الآتي؛ أصدر السيد رئيس الوزراء الحاكم العسكري العام، الأمر العسكري التالي: حل جماعة الإخوان المسلمين وجميع شُعبها في مصر، وإغلاق الأمكنة المخصصة لنشاطها، وضبط أوراقها وسجلاتها وأموالها وممتلكاتها، وحظر اجتماع خمس أشخاص أو اكثر من أعضائها، وتسليم كل وثائق الجمعية وأموالها لأقسام الشرطة، لأن الجماعة أمعنت في شرورها بحيث أصبح وجودها يهدد الأمن العام والنظام تهديدًا بالغ الخطر، وبات من الضروري وقف نشاط الجماعة التي تروع الأمن لضمان سلامة أهل البلاد في الداخل وجيوشها في الخارج، وكل من يخالف هذا الأمر يعرض نفسه للحبس مدة تتراوح بين ستة أشهر وعامين وغرامة تتراوح بين مائة جنيه وألف جنيه، والموظف أو الطالب الذي يخالف هذا الأمر يفصل من عمله أو من معهده. (القرار العسكري المذاع على الراديو المصري يوم 8 ديسمبر 1948) وتلى نص القرار أسباب الحل في مذكرة تفسيرية قدمها عبد الرحمن عمار وكيل وزارة الداخلية قال فيها إن الجماعة جمعت الأسلحة والقنابل والمفرقعات وقامت بتخزينها وساعدها في ذلك ما تقوم به بعض الهيئات من جمع الأسلحة والعتاد بمناسبة قضية فلسطين، ووجه عبد الرحمن عمار اتهامًا للإخوان باتخاذ الإجرام وسيلة لتنفيذ مراميهم، وحدد 13 نشاطًا إجراميًا لهم بدأت عام 1942م وانتهت في 15 من نوفمبر عام 1948م من بينها: إلقاء القنابل في مدينة القاهرة بتاريخ 24 من ديسمبر من 1946، والاعتداءات على رجال الشرطة في 29 من نوفمبر 1947، وتهديد الشركات والمحال التجارية وابتزاز أموالها، وإلقاء قنبلة على فندق الملك جورج بالإسماعيلية في السنة نفسها، واعتداءات على خصوم الجماعة في قرية كوم النور مركز غمرة، وحرق أحطاب أحد الملاك في كفر بداواى، وقتل شيخ خفراء البلدة وإطلاق النار على رجال الشرطة في قرية البرامون، وتحريض الفلاحين على زيادة أجورهم، وتحريض عمال تفتيش محلة موسى لوزارة الزراعة على المطالبة بتملك أراضي التفتيش، وضبط كميات ضخمة من القنابل والمفرقعات والبنادق والمسدسات والمدافع ووثائق في 22 من أكتوبر تقطع بأن الجماعة كانت تعد العدة للقيام بأعمال إرهابية واسعة النطاق، إفساد النشء ببذر الإجرام وسط الطلبة والتلاميذ، فانقلبت معاهد التعليم مسرحًا للشغب والإخلال بالأمن وميدانًا للمعارك والجرائم، قتل المستشار أحمد الخازندار بك وكيل محكمة استئناف مصر باستخدام القنابل لإرهاب القضاة، وثبت أن أحد القاتلين كان سكرتيرا خاصا للشيخ البنا، نسف شركة الإعلانات الشرقية يوم 12 من نوفمبر 1948. (عبد الرحمن عمار، وكيل وزارة الداخلية، المذكرة التفسيرية لوزارة الداخلية) فور سماع قرار الحل، أسرع أعضاء الجماعة وأشقاء البنا؛ عبد الرحمن وعبد الباسط ومحمد، إلى المركز العام للجماعة، فوجدوا البنا مع قادة الجماعة لا يزالوا في المقر بعد الصدمة، وفي الحادية عشر وعشرة دقائق وصلت قوة من رجال الأمن السياسي والقسم المخصوص وحاصرت المركز العام بالحلمية الجديدة، وقبضت على كل من فيه، وملأت بهم السيارات لتنفيذ القرار، وتم اعتقال معظم أعضاء الجماعة ما عدا حسن البنا المرشد العام للجماعة ورأسها المدبر، وبقى المرشد ينتظر دوره في الاعتقال، ولكن أحدًا لم يسأله ذلك، ورآه سكرتيره سعد الدين الوليلي الذي اعتقل أيضًا، يصعد سلم إحدى السيارات اللوري فمنعه رجال الشرطة من الصعود، وتشبث بالسيارة ولكن ضابطًا أبلغه بأنه لم تصدر أوامر باعتقاله، فأزداد البنا تشبثًا بالسيارة واعتلى أولى درجاتها سلمها وهو يصيح: لا تأخذوا هؤلاء بجريرتي فأنا أولى منهم بالاعتقال، وإذا كان الإخوان عصابة إجرامية فأنا رئيسها، وتحركت السيارة بالمعتقلين والشيخ متعلق بسلمها إلى دار المحافظة، ولكن رجال الشرطة رفضوا اعتقاله، وبخدعة بسيطة انزلوا الشيخ من السيارة التي تحركت بالأعضاء إلى المعتقل. ومن خدع الحرب أن يضلل المسلم عدو الله بالكلام رد المرشد العام حسن البنا على المذكرة التفسيرية، بمذكرة مضادة علي طريقة ومن خدع الحرب أن يضلل المسلم عدو الله بالكلام، حتي يتمكن منه، فيقتله. وهي أحد تعبيرات البنا الشهيرة، ولكن فضيلة المرشد لم يدرك ساعتها أن بعضًا من رجاله سوف يأتون في زمن لاحق فيذكرون الحقيقة كاملة ليضعوه بعد رحيله بسنوات عديدة في مأزق الاتهام بالكذب، فجاء في المذكرة التفسيرية حول حوادث إلقاء قنابل علي عدد من أقسام الشرطة بالقاهرة ما يلي: كما وقعت بتاريخ 24 ديسمبر سنة 1946م حوادث إلقاء قنابل انفجرت في عدة أماكن بمدينة القاهرة وضبط من مرتكبيها اثنان من جماعة الإخوان قدما لمحكمة الجنايات فقضت بإدانة أحدهما في الجناية 767 لسنة 1946م قسم عابدين، وفي معرض رده على هذا الاتهام يقول البنا: الشخص الذي أدين في قضية الجناية رقم 767 لسنة 1946 قسم عابدين بمناسبة حوادث 24 ديسمبر 1946، لم يثبت أنه أمر بهذا من قبل الإخوان أو اشترك معه فيه أحد منهم، وقد كانت هذه الحوادث شائعة في ذلك الوقت بين الشباب بمناسبة الفورة الوطنية التي لازمت المفاوضات السابقة، ولقد حدث بالإسكندرية أكثر مما حدث بالقاهرة، وضبط من الشباب عدد أكبر وصدرت ضدهم أحكام مناسبة، ولم يقل أحد إنهم من الإخوان المسلمين فتحمل الهيئة تبعة هذا التصرف الذي لاحق فيه ولا مبرر له. (حسن البنا يرد في مذكراته على المذكرة التفسيرية لوزارة الداخلية) لكن بعد أربعين عامًا بالتمام والكمال يأتي أحد تلاميذ البنا، الأخ محمود الصباغ عضو النظام الخاص ليكذبه صراحة، فيروي الصباغ في كتابه "حقيقة التنظيم الخاص" الحقيقة كاملة فيقول: كان لابد للنظام الخاص وقد تطورت الأمور إلي هذا الحد، أن يري كل من الحكومة والإنجليز أن محاولاتهما لتقنين احتلال الإنجليز لمصر لن تمر دون قتال مسلح، فعمد إلي تفجير قنابل في جميع أقسام البوليس في القاهرة يوم 3 ديسمبر 1946 بعد العاشرة مساء، وقد روعي أن تكون هذه القنابل صوتية، بقصد التظاهر المسلح فقط دون أن يترتب على انفجارها خسائر في الأرواح، وقد بلغت دقة العملية أنها تمت بعد العاشرة مساء في جميع أقسام البوليس، ومنها أقسام بوليس الموسكي والجمالية والأزبكية ومصر القديمة ونقطة بوليس السلخانة، ولم يضبط الفاعل في أي من هذه الحوادث، فاشتد رعب الحكومة من غضبة الشعب، وفكرت كثيرًا قبل إبرام ما عزمت عليه، ثم توالى إلقاء القنابل على أقسام بوليس عابدين والخليفة ومركز إمبابة. (محمود السيد خليل الصباغ، حقيقة التنظيم الخاص) وتمضي المذكرة التفسيرية لتذكر حادث آخر ففي عام 1947م حاول الإخوان المسلمون تفجير فندق الملك جورج بالإسماعيلية، فتقول مذكرة حل الجماعة؛ وثبت في تحقيق الجناية رقم 4726 لسنة 1947 أن أحد أفراد جماعة الإخوان قد ألقى قنبلة بفندق الملك جورج بتلك المدينة فانفجرت وأصيب من شظاياها عدة أشخاص كما أصيب ملقيها نفسه بإصابات بالغة. ، ويرد البنا في ثقة في مذكرته: الجناية رقم 4726 لسنة 1947م ثبت أن الذي اتهم فيها غير مسؤول عن عمله، وسقط الاتهام ضده، ومازال في المستشفى إلى الآن، فما وجه الاستشهاد بها في مذكرة رسمية؟ وهل تكون هيئة الإخوان مسؤولة عن عمل شخص يتبين أنه هو نفسه غير مسؤول عن عمله؟! ، وهذه المرة يكذب صلاح شادي رئيس جهاز الوحدات مرشده في مذكراته "حصاد العمر" فيقول: والتقى أمرنا داخل قسم الوحدات على القيام بعملية إرهاب داخل فندق الملك جورج، وكلفنا الأخ رفعت النجار من سلاح الطيران بالقيام بهذه العملية بأن يحمل دوسيهًا له مادة ناسفة يشعلها ثم يتركها في ردهة الفندق إلى جوار الحائط خلف ستارة مدلاة على حائط الردهة، ثم ينهض بعد ذلك ويمضي خارج الفندق. . جرى التنفيذ على أحسن وجه، ولكن ظهر للأخ رفعت عند مغادرته المكان أحد رجال المخابرات من الحراس الإنجليز، الذي أثار شكوكه هذا الدوسيه المتروك، فتوجه الحارس ليمسك به، في حين أصر الأخ رفعت علي إنجاز التفجير، فعاد إلي الدوسيه وأمسكه بيديه، ومنع اقتراب أي شخص منه حتي يتم التفجير في أثناء إمساكه به وليكن ما يكون. (صلاح شادي رئيس جهاز الوحدات، حصاد العمر) وشاءت الأقدار أن يصاب المنفذ في الحادث ويقبض عليه، ولما كانت التهمة ثابتة عليه فإن صلاح شادي يعترف صراحة؛ وأحضرنا له بعض الأخوة المحامين الذين دفعوا بأن قدراته النفسية والعقلية لا تضعانه في مستوى المسؤولية الجنائية، وهو ما ذكره البنا في المذكرة بالحرف، في الوقت الذي يعلم فيه أسرار القصة كاملة. --- ### ولادة المسيح بدون ألم [١] - Published: ۲۰۲٤-۱۲-۲۰ - Modified: 2024-12-20 - URL: https://tabcm.net/32500/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: آدم, أرشمندريت توما ديبو معلوف, المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية, المكتبة البولسية, النسطورية, بابا كيرلس عمود الدين, باناريون للتراث الآبائي, حنا الفاخوري, حواء, زينو من ڤيرونا, سعيد حكيم يعقوب, غريغوريوس العجائبي، أسقف قيصرية, غريغوريوس النزينزي، الناطق بالإلهيات, غريغوريوس النيسي, قديس أثناسيوس الرسولي, قديس إيرينيئوس، أسقف ليون, قديس بروكلس، بطريرك القسطنطينية, ليتورچي, مار أڤرام السرياني, مجمع أفسس المسكوني, مدرسة الإسكندرية, مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية, ميلاد المسيح, نصحي عبد الشهيد بطرس نُناقِش في هذا البحث موضوع ولادة المسيح من العذراء القديسة مريم بدون ألم ووجع الولادة، من خلال الإشارات الكتابية والآبائية نُناقِش في هذا البحث موضوع ولادة المسيح من العذراء القديسة مريم بدون ألم ووجع الولادة، من خلال الإشارات الكتابية والآبائية إلى هذا التعليم الأرثوذكسيّ السليم. يرى أغلب آباء الكنيسة المعلِّمين أن آلام الولادة والمخاض هي أحد نتائج سقوط أبوينا الأولين آدم وحواء، وبالخصوص أمنا حواء، حيث قال الله لأمنا حواء بعد السقوط: وقال للمرأة: تكثيرًا أكثر أتعاب حبلك، بالوجع تلدين أولادًا ((سفر التكوين ٣: ١٦ )). فآلام الولادة حسب رواية سفر التكوين هي أحد نتائج السقوط، وهكذا كان لابد لحواء الثانية أن تلد ابنها آدم الثاني بدون آلام الولادة أو المخاض، لأن المسيح محا نتائج السقوط في تدبير تجسُّده، وكان أحدها هو آلام الولادة أو المخاض. وهناك نبوة في سفر إشعياء تُشِير إلى ولادة المسيح من العذراء القديسة مريم والدة الإله بدون آلام الولادة أو المخاض، حيث يقول إشعياء النبيّ التالي: قَبْلَ أَنْ يَأْخُذَهَا الطَّلْقُ وَلَدَتْ. قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ عَلَيْهَا الْمَخَاضُ وَلَدَتْ ذَكَرًا ((سفر إشعياء ٦٦: ٧ )). لذا تُؤمن الكنيسة الأرثوذكسية وفقًا للكتاب المقدس، وما تسلَّمناه في التقليد المقدَّس وتعليم الآباء القديسين، وبشهادة الصلوات الليتورجية، أنّ ولادة العذراء للمسيح كانت ”ولادةً لا تُفَسَّر ولا يُنطَقُ بها“، أي أنها ولادة فائقة الطبيعة، كما كان أيضًا حَبَلُها بالمسيح فوق نواميس الطبيعة. كما يُلمِّح الإنجيليّ لوقا إلى الولادة المعجزية ((إنجيل لوقا 7:2 )) حيث من الغريب أنّ امرأة تلد بآلام المخاض، التي تستنزف منها آلامًا وجهدًا وطاقةً كبيرة، ومن ساعتها تقوم هي بنفسها بلفِّ المولود بالأقمطة وتُضجِعه في المذود، إذ من المألوف، قديمًا، أنه في تلك الساعة، تُحِيط نساء العائلة بسرير المرأة، وفي أغلب الأحيان تكون معهنّ القابلة ليساعدنها ويخدمنها. أناشيد سليمان نجد إشارة مُبكرة جدًا لولادة المسيح من العذراء بدون وجع الولادة في أناشيد سليمان كالتالي: ((الآباء الرسوليون، أناشيد سليمان، ترجمة: أحد رهبان دير القديس أبو مقار، مركز باناريون للتراث الآبائي، 2019، نشيد 19، ص 478. )) قد وجِدت أحشاء العذراء مخصبة، فحبلت وولدت، وصارت أمًا مُكرَّمة، وحظيت بمراحم كثيرة ونالت نعمة مُعظَّمة. قد أتت الساعة فولدت ابنًا بغير وجيعة، وهذا أمرٌ غريبٌ، لا يحدث أبدًا بدون علة، ولم تحتج قابلةً، ولا طلبت أية معونة، لأنه منحها أن تُخرِج الحياة من حشا بتولية. (الآباء الرسوليون، أناشيد سليمان، ترجمة: أحد رهبان دير القديس أبو مقار) ق. إيرينيؤس أسقف ليون يستخدم ق. إيرينيؤس أسقف ليون بفرنسا، والملقَّب بـ”أبو التقليد الكنسيّ“، نبوة (سفر إشعياء ٦٦: ٧) لكي يُؤكِّد على ولادة المسيح من العذراء مريم بدون آلام الولادة والمخاض قائلًا: ((إيرينيؤس، برهان الكرازة الرسولية، ترجمة:د. نصحي عبد الشهيد ود. چورچ عوض إبراهيم، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، ٢٠٠٩، الفصل ٥٤، ص ١٢١. )) ويُشِير النبيّ نفسه في مكانٍ آخر إلى الميلاد بقوله: قبل أن يأخذها الطلق ولدت، قبل أن يأتي عليها المخاض ولدت ذكرًا ((سفر إشعياء ٦٦: ٧ )). وبهذه الطريقة، فهو يُشِير إلى الولادة العجيبة الفائقة الوصف من العذراء. (إيرينيؤس، برهان الكرازة الرسولية) ق. كبريانوس أسقف قرطاچنة ويُشِير ق. كبريانوس أسقف قرطاچنة أيضًا إلى ولادة المسيح من العذراء بدون ألم الولادة أو المخاض قائلًا: ((حياة والدة الإله على الأرض وتاريخ بعض أيقوناتها العجائبية الشهيرة، ترجمة عن الروسية: الأرشمندريت توما ديبو معلوف، بيت ساحور، سيدات بئر السيدة العذراء للروم الأرثوذكس، 1992، ص 68. )) إنها بقدرة الله استمرَّت عذراء وولدت بلا ألمٍ وبلا مُساعدة قابلة، وخَدَمَت بذاتها وِلادتها بكل ورَعٍ. لأنها كانت تُعانِق ثمرتها المحبوبة وتُقبِّلها وتُغذِّيها بكل ابتهاج وبلا وَجعٍ وبدون أدنى مُساعدة أجنبية. (حياة والدة الإله على الأرض وتاريخ بعض أيقوناتها العجائبية الشهيرة، ترجمة عن الروسية: الأرشمندريت توما ديبو معلوف ) ق. غريغوريوس العجائبي يُؤكِّد ق. غريغوريوس العجائبي، أسقف قيصرية الجديدة بآسيا الصغرى (تركيا حاليًا)، على ولادة المسيح من العذراء بدون أوجاع الولادة قائلًا: ((غريغوريوس العجائبي، عظتان عن البشارة بمجيء المسيح، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، ٢٠١٨، العظة الثانية، ص ٢٥. )) ولن تخاف بنات حواء من اللعنة القديمة، أو من أوجاع الولادة. لأن المسيح، فادي جنسنا، ومُخلِّص كُل البشرية، آدم الروحانيّ، الذي شفى جراحات الخليقة الترابية، جاء من أحشاءك المقدَّسة. مُباركةٌ أنت في النساء، ومُباركةٌ هي ثمرة بطنك، لأن الذي يحمل لنا كُل البركات ظهر كثمرة منك. (غريغوريوس العجائبي، عظتان عن البشارة بمجيء المسيح) زينو من ڤيرونا زينو Zeno من ڤيرونا Verona بشمال إيطاليا، هو لاهوتيّ لاتينيّ معروف من شمال إيطاليا، يتحدَّث عن ولادة المسيح من العذراء مريم بدون ألم الولادة قائلًا: (( Zeno of Verona, Tractatus II, 12. 2. Trans. by Hunter, 2007, p. 188-192. )) لم تلد مريم بألمٍ، بل بفرحٍ، لقد وُلِدَ الابن بدون أب، ولم يأت بالكامل من أمه، لأنه كان مدينًا لنفسه بحقيقة الحبل به، ومنح أمهِ حقيقة ولادته. لقد كانت أول مَن اندهش من أن مثل هذا الابن قد خرج منها، وما كانت لتُصدِق أنه وُلِدَ منها، لولا أنها ظلَّت عذراءً بعد الولادة، كما كانت غير فاسدةٍ بعد الحبل. (Zeno of Verona, Tractatus II) ق. أثناسيوس الرسولي ويُلاحِظ ق. أثناسيوس الرسوليّ وهو يُفكِّر في كلام الإنجيل أنَّ العذراء النقية ولدت بلا واسطة أو مُساعدة القابلة، مُشِيرًا إلى ولادة المسيح من العذراء بدون أوجاع الولادة كالتالي: ((حياة والدة الإله على الأرض وتاريخ بعض أيقوناتها العجائبية الشهيرة، ترجمة عن الروسية: الأرشمندريت توما ديبو معلوف، بيت ساحور، سيدات بئر السيدة العذراء للروم الأرثوذكس، 1992، ص 67. )) إنها بذاتها ولدت وبذاتها قمّطَت! إن هذا لا يتمّ لسائر النساء الاعتياديات إلاّ بطريقةٍ أخرى لأنهنَّ يلِدنَ بمساعدة غيرهنَّ. وغيرهنّ يُقمّطنَ لهنّ أطفالهنّ. ولم تكن الحال هكذا عند ولادة العذراء القديسة لطفلها، لأنها وهي تَلِده بلا أوجاع كانت هي القابلة لذاتها على الرغم من كونها لم تتعلّم صناعة التوليد من أحد. ولم تسمح لأحد أن يمسّ بيدين غير طاهرتين طفلها الفائق الطُهر والقداسة. فهي بذاتها خَدَمت المولود منها وبنفسها قمَّطته ووضعته في المذود. (حياة والدة الإله على الأرض وتاريخ بعض أيقوناتها العجائبية الشهيرة، ترجمة عن الروسية: الأرشمندريت توما ديبو معلوف) مار أفرام السرياني يُؤكِّد مار أفرام السريانيّ، في تفسير سفر التكوين المنسوب إليه، على ولادة العذراء بدون أوجاع الطَلْق، مثل باقي الأمهات اللواتي يَحبَلنَ بالجِماع، لأنّ حَبَلها كان بتوليًا ومُعتَقًا من العقوبة التي أصابت حواء وجنسها بعد السقوط كالتالي: ((أفرام السرياني، تفسير لسفر التكوين منسوب إلى مار أفرام السرياني في المخطوط الماروني هونت 112 في مكتبة أوكسفورد، مقدمة ونشر: الأب يوحنا تابت، جامعة الروح القدس – الكسليك، 1982، القراءة السادسة، ص 51. )) ولذلك، إنَّ سيدتنا والدة إلهنا، لمَّا كان حَبَلُها بغير لذَّةِ رَجُل، لم يكن طَلْقُها بالألم، فكان بها إنحِلالُ العقوبة المحكوم بها على الجنس. (أفرام السرياني، تفسير لسفر التكوين منسوب إلى مار أفرام السرياني في المخطوط الماروني هونت 112 في مكتبة أوكسفورد) ق. غريغوريوس النزينزي يُشِير ق. غريغوريوس النزينزيّ، الملقَّب بـ ”اللاهوتيّ“، إلى حقيقة ولادة المسيح من العذراء مريم بدون آلام الولادة والمخاض، فيقول على لسان العذراء والدة الإله التالي: ((غريغوريوس النزينزي، رسائل لاهوتية وفصلان من مسرحية المسيح المتألم، ترجمة: الأب حنا الفاخوري، منشورات المكتبة البولسية، ٢٠٠٠، الفصل الأول من مسرحية المسيح المتألم، ص ٦٤. )) والدة الإله:أقول إنهم أخوته من ناحيتي أنا التاعِسة، لا من ناحية أبيه الذي هو كلمته المتجسِّد، الذي ولدته بدون رجل، بطريقةٍ أعجوبيةٍ، وبدون آلام الولادة. (غريغوريوس النزينزي، رسائل لاهوتية وفصلان من مسرحية المسيح المتألم) ويُشِير ق. غريغوريوس النزينزيّ (اللاهوتيّ) إلى ولادة المسيح من العذراء مريم والدة الإله بدون آلام الولادة القاسية في موضع آخر قائلًا على لسان العذراء مريم والدة الإله التالي: ((غريغوريوس النزينزي، رسائل لاهوتية وفصلان من مسرحية المسيح المتألم، ترجمة: الأب حنا الفاخوري، منشورات المكتبة البولسية، ٢٠٠٠، الفصل الأول من مسرحية المسيح المتألم، ص ٦١. )) والدة الإله:أنا وَلدته، وأنا أعلم كيف وضعته بدون أن أُمنَى بأوجاع الولادة القاسية، ولكني أرثي للذين استنزلوا الشقاء على رؤوسهم. (غريغوريوس النزينزي، رسائل لاهوتية وفصلان من مسرحية المسيح المتألم) ق. غريغوريوس النيسي يُشِير ق. غريغوريوس النيسيّ إلى ولادة المسيح من العذراء مريم بدون ألم الولادة أو المخاض كالتالي: ((Gregory of Nyssa, Against Eunomius, Book ii, PG 45, 492. )) عندما صار الله معروفًا لنا في الجسد، فإنه لم يقبل أهواء الطبيعة البشرية، ولم تتألم العذراء مريم، ولم يتضاءل الروح القدس بأيّ شكل من الأشكال، ولم تبطل قوة العليّ بأيّ حالٍ من الأحوال. وهذا كُله كان لأن كُل شيء تمَّ بواسطة الروح القدس. وهكذا لم تضعف قوة العليّ، ووُلِدَ الطفل دون أن يلحق أيّ ضرر ببتولية أمه. (Gregory of Nyssa, Against Eunomius) يستعرض ق. غريغوريوس النيسيّ نفس الأمر في موضع آخر مُشِيرًا إلى ولادة المسيح له كل المجد من العذراء القديسة مريم والدة الإله بدون آلام المخاض قائلًا: ((غريغوريوس النيسي، والدة الإله وسمعان الشيخ لقاء بالروح، ترجمة: د. سعيد حكيم يعقوب، ٢٠١٧، ص ٢٧. )) بالحقيقة هو وحده الذي في شخصه، اكتمل الناموس، لأنه قد حُبِلَ به بطريقة لا تُوصَف، ولا يُعبَّر عنها، وعَبَرَ من رحم العذراء المحصَّن، دون ألم، حافظًا لختم بتوليتها، بعد الولادة المعجزية. (غريغوريوس النيسي، والدة الإله وسمعان الشيخ لقاء بالروح) ويُشِير ق. غريغوريوس النيسيّ إلى ولادة المسيح من العذراء مريم والدة الإله بدون ألم الولادة قائلًا: ((غريغوريوس النيسي، عظات آبائية على الميلاد والظهور الإلهي: عظة ميلاد المسيح، ترجمة: د. سعيد حكيم يعقوب، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2003، ص 136.   )) والكلام للعذراء الآن هو عكس الكلام الذي قيل لحواءٍ. فحواء أُدِينَت لأجل خطيتها بالألم والوجع في الولادة ((سفر التكوين 3: 16 ))، بينما في حالة العذراء، فقد طرد الفرح الحزن. بالنسبة لحواء سبقت الأحزان ألم الولادة، أمَّا في حالة العذراء، فإن الفرح يُبعِد الألم. (غريغوريوس النيسي، عظات آبائية على الميلاد والظهور الإلهي: عظة ميلاد المسيح) ق. كيرلس السكندري ويُؤكِّد ق. كيرلس الإسكندريّ على حقيقة البعد الخلاصيّ لولادة المسيح من العذراء القديسة مريم بدون آلام الولادة، حيث كان لابد أن يرفع لعنة الولادة بالألم التي أصابت حواء القديمة بعد السقوط قائلًا: ((كيرلس السكندري، تفسير إنجيل يوحنا مج١، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، ٢٠١٥، تعليق على (يو ٢: ١-٣)، ص ١٧٥. )) ويوجد سبب ثالث، لقد قيل للمرأة سابقًا من قِبَل الله: بالوجع تلدين أولادًا ((سفر التكوين ٣: ١٦ ))، إذًا، ألم تكن الحاجة أكثر إلى القضاء على هذه اللعنة أيضًا؟ وإلا كيف يمكِننا أن نتفادى زواجًا مُدانًا؟ ولكن لأن المخلِّص هو مُحِب البشر، فإنه يرفع هذه اللعنة. (كيرلس السكندري، تفسير إنجيل يوحنا مج١) ويُشِير ق. كيرلس السكندريّ إلى نفس الحقيقة في موضع آخر، حيث يرى أن المسيح له كُل المجد احتمل أن يُولَد من امرأةٍ لأجلنا، لكي يُبطِل اللعنة التي حُكِمَ بها على المرأة الأولى، فقد قيل لها: بالوجع تلدين أولادًا ((سفر التكوين ٣: ١٦ ))، وهكذا قوة اللعنة قد أُبطِلَت، ومع إبطال الموت، أُبطِلَت الأوجاع التي تحملتها الأمهات الأرضيات في الولادة قائلًا: ((كيرلس السكندري، تفسير إنجيل لوقا، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، ٢٠١٦، عظة ٢، ص ٣٨. )) اِفهم أن الابن الوحيد صار جسدًا، وأنه احتمل أن يُولَد من امرأة لأجلنا، لكي يُبطِل اللعنة التي حُكِمَ بها على المرأة الأولى، فقد قيل لها: بالوجع تلدين أولادًا ((سفر التكوين ٣: ١٦ ))، فإنها كانت تلد للموت. ولذلك ذاقوا، أي أولاد المرأة، لدغة الموت. ولكن لأن امرأة قد ولدت في الجسد، عمانوئيل، الذي هو الحياة، فإن قوة اللعنة قد أُبطِلَت. ومع إبطال الموت، أُبطِلَت الأوجاع التي تحملتها الأمهات الأرضيات في الولادة. (كيرلس السكندري، تفسير إنجيل لوقا) ق. بروكلس بطريرك القسطنطينية يُؤكِّد ق. بروكلس بطريرك القسطنطينية، وصديق ق. كيرلس الإسكندريّ، وأحد أبطال مجمع أفسس المسكونيّ 431م، والمدافِع القويّ عن لقب ”والدة الإله“ في وجه نسطوريوس مُنكِر هذا اللقب، إلى ولادة المسيح من رحم العذراء القديسة مريم بدون ألم الولادة أو المخاض كالتالي: ((بروكلس بطريرك القسطنطينية، بروكلس أسقف القسطنطينية، ترجمة: مينا عياد يسري، مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية، 2022، عظة 4: 3، ص 146، 147. )) اليوم من دون اقتران خرج الطفل بلا ألم من الرحم، وكل الخليقة تُقدِّم عطاياها إلى الطفل الذي بلا أب. (بروكلس بطريرك القسطنطينية، بروكلس أسقف القسطنطينية) ويُشِير ق. بروكلس بطريرك القسطنطينية في موضع آخر إلى ولادة المسيح من العذراء القديسة مريم بدون ألم الولادة أو المخاض قائلًا: ((بروكلس بطريرك القسطنطينية، بروكلس أسقف القسطنطينية، ترجمة: مينا عياد يسري، مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية، 2022، عظة 5: 3، ص 161. )) أمٌ لأنها ولدت مَنْ أراد أن يُولَد. عبدةٌ مُعترِفةٌ بطبيعتها ومُنادِيةٌ بالنعمة. سحابةٌ لأنها حبلت بالروح القدس مَن ولدته بغير ألم. (بروكلس بطريرك القسطنطينية، بروكلس أسقف القسطنطينية)   --- ### اغتيال كوكب - Published: ۲۰۲٤-۱۲-۱۹ - Modified: 2024-12-19 - URL: https://tabcm.net/32496/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون هنا عاش رجلٌ حمل معنى اسمه بالحقّ: إبيفانيوس "التجلّي الإلهي" في قلب الصحراء المصريّة، تربض السكينة ويتسلّل الصمت بين الرمال ويبرعم بين الصخور متحدّيًا قساوتها. هنا عاش رجلٌ حمل معنى اسمه بالحقّ: إبيفانيوس "التجلّي الإلهي". كان وجهه يعكس التجلّي الإلهيّ بلطفٍ لا يُحتمل، بوداعة تقضّ مضاجع أصحاب السرائر المتغطرسة. كان وجهه شعاع نورٍ لتجلٍّ إلهيّ يبزغ في ظلمات الصحراء، يحمل في ذاته بساطة الراهب وقوّة العالم، وحكمة العلماء. أغوته المعرفة فانغوى، وتبعها إلى طريق العلم. غازلتْه القداسةُ متجسّدة في المسيح، فهامَ به حيث قاده إلى أحد طرقها، الدير. تعلّم اليونانيّة، القبطيّة، الإنجليزيّة، وغيرها. لم يتعلّمها للرفعة أو التفاخر، بل ليعيد إحياء الكنوز القديمة: المخطوطات والنصوص المنسيّة، والحِكم التي دفنها غبار الأيام. حقّق المخطوطات كمن ينقّب عن جواهر. كتب الكتب كمن يغرس شجرة تظلل الأجيال القادمة أو هو كم يحفر بئرًا يروي العطشى القادمين. "المعرفة من دون حبٍّ لا تنير، والحبّ من دون معرفة سرابٌ" – كان هذا مبدأه الذي سار عليه. عاشَ أسقفًا في ردائه الرهباني البسيط، من دون ألقاب أو ملابس تميّزه عن إخوته الرهبان. كانت نظراته وكلماته انعكاسًا متجليًا لمَن يريد تأمّل وجه الله في دعة لا تهدد الخلائق. عكس وجهه وكلماته صمت البرية الساكن، وهدير الروح المجدّد، وخدمة المعرفة والعلم، بعيدًا عن أطماع العالم وأنانية البشر. لكنه عاش في زمنٍ لم تُعجب فيه الفضيلة بعض القلوب السوداء. ففي ليلةٍ مظلمة، وَسوَسَت المعصيةُ في سويداء قلوب الحاقدين فجمّلت لهم القتلَ والخيانة والعنف. انقادوا خلفها غير متبينين. قتلوه في لحظة غدر، ظنّوا أنّ النور يُطفأ بالخنجر. والشمسَ يحجبها الدمُ! ولكن هيهات! هوى الجسد، لكنّ الروح بقيتّ محلِّة فوق البرّية، تهمس لكل راهب صادق ولكل باحث عن الحق: "الحياة ليست في طولها، بل فيما قامت به من تنوير. العُمر لا تحسبه السنون، بل عددَ الأرواح التي استطاعت تحريرها من براثن الجهل والخطيئة والعبوديّة. في كل صفحة كتبَها، وفي كل مخطوطة حقّقها، وفي كلّ طالب علم وقداسة وجد فيه قدوةً، يبرق اسمُ إبيفانيوس كوكبًا منيرًا سماء الرهبنة. مات إبيفانيوس، لكنّ موته هو موت الحنطة التي ما أن تموتَ إلّا وتثمر. صمتَ لسانه، لكنّ كلماتِه تشقّ السطور فتلج قلوب القارئين وعقولهم. انطفأ جسده، لكن نوره يتوهّج. في تخييم الصمت هذا نعرف أنّ النور الحقيقي لا يُقتل... بل يتجلّى في قلوب مَن يحملونه. --- ### التقويم القبطي: بين الموروث والتصحيح - Published: ۲۰۲٤-۱۲-۱۸ - Modified: 2025-01-27 - URL: https://tabcm.net/32321/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, تاريخ وميثولوچيا - وسوم: ٢٥ ديسمبر, ٢٩ كيهك, أفروديت, إمبراطور جايوس يوليوس قيصر, الإمبراطورية الرومانية, التقويم القبطي, الحانوكا, الفصح اليهودي, الكنيسة الكاثوليكية, بابا ديونيسيوس السكندري, بابا كيرلس السادس, بابا كيرلس عمود الدين, بروتستانت, بطليموس الثالث [إيرجيتيس], جايوس أوريلوس ڤاليريوس دقلديانوس أغسطس, جايوس أوكتافيوس ثورينوس أغسطس قيصر, سوسيجينيس السكندري, عيد الشمس التي لا تقهر, عيد الفصح, عيد القيامة, عيد الميلاد, كنيسة الإسكندرية, مجمع خلقيدونية, مجمع نيقية, ميلاد المسيح, هيرودس الكبير - أخيت : ويمتد من منتصف يوليو حتى انحسار مياه الفيضان عن الأراضي الزراعية في منتصف نوفمبر. - برت : أي ظهور الأرض عقب انحسار الفيضان، ويبدأ من نهاية هذا الفصل حتى منتصف مارس حيث يبدأ فصل الحصاد. - شمو : الذي ينتهي مع بدء فيضان العام الذي يليه. لأن الفلاح المصري القديم في وادي النيل هو أول من بدأ في الاستقرار في أراضيه الخصبة واعتمد على مياه النيل في الزراعة والعيش، كان من الطبيعي أن يكون أول من يحتاج لمعرفة أوقات العام ومواسمه. في تاريخ مجهول من عصور ما قبل الأسرات ((المعتقد أنه في حدود الألفية الخامسة قبل الميلاد. ))، بدأ كهنة منف وهليوبوليس في متابعة أوقات فيضان النيل وفي مراقبة نجوم السماء. ولأن النجوم شبه ثابتة بالنسبة لحركة الأرض حول الشمس، لاحظ الكهنة ظهور نجم ساطع قبل شروق الشمس مباشرة، أو ما يسمى helical rising الشروق النجمي بالتزامن مع بدء قدوم الفيضان عند مدينة منف ((منف: قرب البدرشين بالجيزة حاليًا. )) فيما يقابل من التقويم الذي نستخدمه الآن منتصف شهر يوليو ((The Heliacal Rise of Sirius and Ancient Egyptian Chronology, April 2000, Journal for the History of Astronomy 31(2): 149-155 )). كان هذا هو النجم الذي اطلق عليه قدماء المصريين اسم سوبدت وسمي لاحقا Sirius سريوس من مجموعة canis major الكلب الأكبر  كما اسماها الإغريق، وهو النجم الذي يطلق عليه العرب؛ نجم الشعرى اليمانية ((ورد ذكر النجم الشعرى في القرآن الكريم، سورة النجم، آية 49، وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى. )) وهو أسطع أجرام السماء بعد القمر والكواكب. كان هذا هو ميلاد التقويم المصري القديم. التقويم المدني المصري القديم لاحظ المصري القديم أن 365 يومًا يمرون بين شروق هذا النجم في سماء منف قبل تكرار ظهوره مرة أخرى، ولهذا، قسم العام إلى 12 شهرًا، كل منهم 30 يومًا، وأضاف المصري القديم شهرًا قصيرًا في آخر العام مكون من خمسة أيام فقط لإكمال أيام العام. كذلك قسم العام إلى ثلاثة فصول تدور حول نشاطه الزراعي.  كان كل فصل مكون من 4 شهور: - أخيت : ويمتد من منتصف يوليو حتى انحسار مياه الفيضان عن الأراضي الزراعية في منتصف نوفمبر. - برت : أي ظهور الأرض عقب انحسار الفيضان، ويبدأ من نهاية هذا الفصل حتى منتصف مارس حيث يبدأ فصل الحصاد. - شمو : الذي ينتهي مع بدء فيضان العام الذي يليه. لم يميز المصريين القدماء السنوات بعدّاد يبدأ من زمن معين كما نفعل نحن الآن بل اكتفوا بنسبتها لسني حكم الملك، أي في السنة رقم كذا من حكم الملك فلان. وكان هذا التقويم يختلف عن التقويم الديني الذي كان يعتمد في أعياده على ظهور القمر لذلك سمي civil calendar . ولأن السنة الشمسية المدارية ليست 365 يومًا بالضبط، بل أكثر بربع يوم تقريبًا ، بدأ شروق النجم سوبدت-سريوس الشعرى اليمانية في التأخر عن بداية العام، فبعد أول أربع أعوام أصبح يحدث في اليوم الثاني للشهر الأول، وبعد أربع أعوام أخرى أصبح يحدث في اليوم الثالث، وهكذا دواليك، ويعود مرة أخرى للتزامن مع أول أيام العام بعد مرور 1460 عامًا. استمر الوضع هكذا حتى عهد البطالمة، حيت قرر بطليموس الثالث، الذي كان يحكم مصر في منتصف القرن الثالث قبل الميلاد، إدخال يوم إضافي بحيث يصبح الشهر القصير ست أيام كل أربع سنوات لضبط التقويم وإعادة الفصول لمواضعها، ولكن رفض الكهنة المصريين وبعض من العامة ذلك، واستمر الوضع كما هو دون ضبط. التقويم الروماني القديم قبل تأسيس الجمهورية الرومانية في القرن السادس قبل الميلاد، كان الرومان يتبعون تقويمًا قمريًا غير منتظم به عشرة شهور فقط (أربعة شهور 31 يومًا وستة شهور 30 يومًا) تاركين 55 يومًا في الشتاء دون تسمية، مع اعتبار السنة 360 يومًا فقط. كان العام يبدأ بالربيع في شهر مارس ((مارس: رب الحرب. ))، ثم شهر أبريل ((أبريل / أبرو-إفروديت: ربة الحب. ))، ثم ماي ((ماي: ابنة أطلس رب السموات. ))، ثم چونو ((چونو: رب مدينة روما وحامي البلاد. ))، ثم كوينتيليس ((كوينتيليس: أي الخامس. ))، ثم سيكستيلس ((سيكستيلس: أي السادس. ))، ثم سبتمبر ((سبتمبر: أي السابع. ))، ثم أكتوبر ((أكتوبر: أي الثامن. ))، ثم نوڤمبر ((نوڤمبر: أي التاسع. ))، ثم ديسمبر ((ديسمبر: أي العاشر. )). وكما نرى فمعظم أسماء الشهور استمرت معنا حتى الآن. عند قيام الجمهورية الرومانية، حدث إصلاح للتقويم وفقًا للتقويم اليوناني، وتم إدخال الأيام غير المحسوبة في شهري يناير چانوس ((يناير / چانوس: رب الزمن. )) وفبراير فبروتوس ((فبراير / فبروتوس: احتفال التطهير. )) وأصبحت السنة قمرية مكونة من 355 يومًا. وفي العام 154 قبل الميلاد، تقرر أن يصبح أول يناير چانوس هو بداية العام، بدلًا من أول مارس. التقويم اليولياني كان الإصلاح الأبرز للتقويم الروماني هو اتباع السنة الشمسية المدارية المكونة من 365 يومًا وربع يوم، التي قرر إدخالها يوليوس قيصر بعد اطلاعه على التقويم المصري النجمي على يد الفلكي المصري/الإغريقي سوسيجينيس السكندري. ويتم تعويض الربع يوم عن طريق إدخال يوم إضافي كل أربع سنوات (كما اقترح بطليموس الثالث قبل ذلك). ولضبط الفصول المدارية في مواعيدها، قرر يوليوس قيصر جعل العام 46 قبل الميلاد ((العام 46 قبل الميلاد يعادل العام 708 منذ تأسيس روما، كما كان يتم الحساب وقتها. )) مكونًا من 446 يومًا وبدء التقويم اليولياني المنتظم في يوم 1 يناير 45 ق. م بنفس أسماء وعدد أيام الشهور التي نعرفها الآن، عدا الشهر الثامن الذي كان 30 يومًا واسمه الثامن، وفبراير وكان 29 يومًا . ولكن قام أغسطس أوكتافيوس قيصر بعد وصوله للحكم عام 27 ق. م. بأخذ يوم من فبراير ليصبح 28 يومًا وجعل الشهر الثامن الذي أسماه باسمه؛ أغسطس 31 يومًا، حتى يكون بنفس طول شهر يوليو الذي سمي على اسم سلفه يوليوس قيصر! واتبعت الإمبراطورية الرومانية كلها هذا التقويم منذ ذلك الحين. وكان يتم حساب عدد الأعوام بناءًا على أعوام حكم قنصلي روما، اللذين  كانا يُنتخبان سنويًا ويتوليان الحكم في أول يناير، وأحيانا كان يتم حساب الأعوام بدءًا من العام المفترض لإنشاء مدينة روما ((على سبيل المثال توفي هيرودوس الكبير في العام 750 بعد تأسيس روما. )). التقويم القبطي السكندري اتساقًا مع التقويم الروماني اليولياني الجديد، اصدر أغسطس قيصر فرمانًا عام 25 ق. م ((كانت مصر قد أصبحت ولاية رومانية منذ العام 33 ق. م. )) بإصلاح التقويم المصري بإضافة اليوم المقترح قبل ذلك حتى تكون متسقة مع التقويم اليولياني. ولتمييزه عن التقويم المصري القديم سمي بـالتقويم السكندري ولاحقًا بـالتقويم القبطي. استقرت أسماء الشهور على؛ توت، بابه، هاتور، كيهك، طوبة، أمشير، برمهات، برمودة، بشنس، بؤونة، أبيب، مسرى، النسئ. وأصبحت بداية التقويم "1 توت" ((1 توت توافق 29 أغسطس بالتقويم اليولياني. ))، والاعتدال الربيعي يوم 25 برمهات ((25 برمهات يوافق 21 مارس بالتقويم اليولياني. ))، وتقرر إضافة اليوم الإضافي على الخمسة أيام الزائدة النسئ كل أربع سنوات وذلك في العام الذي يسبق العام الكبيس في التقويم اليولياني. واستمر الوضع كذلك حتى دخلت المسيحية إلى مصر ولاحقا انتشرت في كافة أرجاء الإمبراطورية الرومانية. لماذا تم اختيار "1 توت" الموافق 29 أغسطس ليكون بداية العام؟ عند بداية إصلاح التقويم القبطي بقرار من أغسطس قيصر، توافق بداية العام القبطي مع يوم 29 أغسطس في التقويم اليولياني، أو 30 أغسطس في السنة الكبيسة في التقويم القبطي. المشكلة هي أن هذا اليوم لا يتوافق مع شروق النجم سريوس الشعرى اليمانية الذي يوافق بدء العام عند تأسيس التقويم المصري القديم ((جدير بالذكر أن الشروق النجمي موعده يختلف عند كل درجة عرض، فهناك فرق أربع أيام بين موعده عند الإسكندرية وموعده عند أسوان، لذلك، تم أخذ منف أو هليوبوليس كنقطة مرجعية كونهم عند خط عرض 30 تقريبًا. )). لأن كما أثبتت الحسابات كان الشروق النجمي لسريوس عند مدينة منف يوافق 20 يوليو في التقويم اليولياني في تلك الفترة ((20 يوليو في التقويم اليولياني وهو الذي كان يوم 16 يوليو في العام 3500 ق. م. ، وهو هذا العام حدث يوم 3 أغسطس بالتقويم الجريجوري الذي نستخدمه الآن، والموافق 21 يوليو في التقويم اليولياني القديم. وتغير موعد الشروق النجمي مع مرور القرون سببه فرق 20 دقيقة تقريبًا بين زمن إكمال الأرض دورة كاملة حول الشمس محسوبًا نسبة لتكرار الفصول ونفس الزمن محسوب نسبة لموقع النجوم الثابتة بالنسبة للأرض . )). في كل الأحوال فيوم 29 أغسطس بعيد كل البعد عن موعد الشروق النجمي لسيريوس. إذن لماذا؟ الحقيقة أن كاتب هذه السطور لم يتوصل لسبب اختيار هذا اليوم كبداية للتقويم المحدث. الاحتمال القائم هو أنه كان قرار فوقي من السلطة الرومانية، ولكنه يبقى مجرد تخمين. مجمع نيقية وتحديد موعد الأعياد بعد اعتناق الإمبراطور الروماني قسطنطين للمسيحية وإقراره أن تكون هي الديانة الرسمية للإمبراطورية، عُقد مجمع نيقية سنة ٣٢٥ وفي هذا المجمع تم الاتفاق أن يكون يوم ٢٥ ديسمبر في التقويم اليولياني . وتم اختيار هذا اليوم كونه كان يتفق مع احد الأعياد الوثنية الكبيرة التي كانت يحتفل بها في أنحاء الإمبراطورية الرومانية، ولكي يتم استبدال الاحتفال بميلاد المسيح عند المسيحيين الجدد بالعيد الوثني القديم. كذلك كان هناك تقليد مسيحي قديم أن العذراء بُشّرت من الملاك يوم 25 مارس، وعلى هذا يصبح 25 ديسمبر هو موعد الميلاد. أيضا يبدأ عيد الحانوكا اليهودي يوم 25 ديسمبر، فكان اختيار هذا اليوم لعيد الميلاد لاستبدال هذا العيد عند المسيحيين الذين من اصل يهودي. ولكن لم يتم اختيار 25 ديسمبر لكونه أطول ليل وأقصر نهار كما هو شائع، لأن أطول ليل واقصر نهار عادة ما يقع يوم 21 أو 22 ديسمبر، وإنما الاحتفال الروماني بقدوم الشتاء كان يبدأ من 17 ديسمبر ويستمر حتى الاحتفال الكبير الذي كان يسمى عيد الشمس التي لا تقهر والذي كان يتم يوم 25 ديسمبر. أما عن عيد القيامة، فتم الاتفاق على أن يكون الأحد التالي لاكتمال أول قمر بعد الاعتدال الربيعي حتى يتفق مع رواية الإنجيل التي ذكرت حدث الصليب والقيامة بعد عيد الفصح اليهودي والذي يتزامن مع هذا التوقيت. في ذلك الوقت، كان التقويمان القبطي واليولياني متفقين في حساب السنة على أساس 365 يومًا وربع يوم كما أسلفنا. واستمر استخدام التقويم اليولياني في الإمبراطورية الرومانية ثم في الممالك والإمارات الأوروبية حتى بعد انقسام خلقيدونية، الذي قسم الكنيسة إلى شرقية في القسطنطينية وغربية في روما. متى تم اعتماد سنة ميلاد المسيح كبداية لتعداد سنوات التقويم اليولياني وسنة بدء حكم دقلديانوس لبداية تقويم الشهداء؟ في بداية القرن الرابع الميلادي، بعد نهاية حكم دقلديانوس ونهاية عصر الاستشهاد، قررت كنيسة الإسكندرية اعتماد 29 أغسطس عام 284 كعام البداية epoch لتقويم جديد يتبع نفس توقيتات التقويم القبطي السكندري تحت اسم تقويم الشهداء، وبدأت في وضع توقيتات الأعياد وجداول حساب عيد القيامة للسنوات القادمة اعتمادًا على هذا التقويم، وهو ما استمر في كنيسة الإسكندرية القبطية الأرثوذكسية حتى الآن. لم يُستخدم تقويم الشهداء في الغرب لأن كنيسة روما استمرت في اتباع تقليد تسمية السنوات باسم قنصلي روما أو بداية من تأسيس مدينة روما. في القرن السادس الميلادي كان الراهب ديونيسيوس أكسيجوس، يعيش بروما، وكلفه البابا يوحنا الأول، بابا روما، بأعداد جداول لمواعيد عيد القيامة، وذلك بعد اكتشاف أخطاء في الجداول التي تم إعدادها سابقًا. اعتمد في إعداد الجداول الجديدة على الجداول التي أعدها أحد اتباع البابا كيرلس عمود الدين، بابا الإسكندرية، والتي كانت تتبع القواعد التي تم إقرارها في مجمع نيقية بصورة سليمة، ولكنها بالطبع كانت تستخدم تقويم الشهداء. لم يرد ديونيسيوس استخدام هذا التقويم، وبدلا منه، بدأ في حساب سنة ميلاد المسيح لينسب كل تواريخ جدوله لهذه السنة. وبناءًا على ذلك، كان العام الذي اعد فيه الجداول هو عام الرب anno domini (A. D. ) 525 الذي يوافق 525 عاما منذ ميلاد المسيح وفقًا لحسابات ديونيسيوس. ولكن لم يتم استخدام هذه الطريقة في حساب الأعوام بشكل واسع إلا في القرن الثامن الميلادي بعدما استخدمه عدد من المؤرخين لتسجيل الأحداث، وأصبحت الأعوام السابقة على ميلاد المسيح هي أعوام ما قبل المسيح before Christ (B. C. ). الحسابات الحديثة اللاحقة على عصر ديونيسيوس أوضحت أن حساباته لم تكن دقيقة بما فيه الكفاية، لأنه وفقًا للتقويم الحالي توفى هيرودس الكبير في العام 4 قبل الميلاد، بالرغْم من أن المفترض أن المسيح ولد في عهده وكان يسعى لقتله. ولأن استخدام التقويم الحالي أصبح من الانتشار بحيث يصعب تعديله بخصم أربع أو خمس سنوات منه، فلم يتم التعديل. وأجمع الباحثين على اعتبار أن ميلاد المسيح حدث في سنة ما بين 4 و 6 قبل الميلاد وليس سنة 1 ميلادية. التقويم الجريجوري مع مرور السنين لاحظ علماء الفلك في الغرب أن الاعتدال الربيعي لم يعد يقع بين 20 و21 مارس كما تم ضبطه عند بداية إقرار التقويم في 45 ق. م. ، بل اقترب من نهاية مارس. حسم هذا الموضوع البابا غريغوريوس الثالث عشر، بابا روما، الذي كان محبًا للفلك. حيث استعان بعدد من علماء الفلك وتم حساب السنة، ووجد أنها ليست ٣٦٥ يومًا و٦ ساعات كما كان يتم حسابها في التقويم اليولياني، بل هي في المتوسط ٥ ساعات و48 دقيقة و45 ثانية. وهو ما جعل الاعتدال الربيعي في القرن السادس عشر يصبح يوم ١ أبريل! وبناءًا عليه، تم إقرار تعديل التقويم بجعل بعض السنين التي تقبل القسمة على ٤ ليست سنوات كبيسة لتقليل عدد الأيام الزائدة وتعويض فرق الـ١٠ دقائق هذا ((وذلك بجعل السنوات التي تقبل القسمة على ١٠٠ ولا تقبل القسمة على ٤٠٠ ليست سنوات كبيسة. )). ولكي يتم تصويب التقويم الحالي، قرر البابا في أكتوبر ١٥٨٢ حذف هذه العشرة أيام الزائدة من التقويم، بجعل يوم ١٥ أكتوبر هو التالي مباشرة ليوم ٤ أكتوبر في تلك السنة. وأقرت كل الدول التي تتبع الكنيسة الكاثوليكية هذا التعديل فورًا، بداية من الإمارات البابوية، وممالك ومدن إيطاليا وفرنسا وإسبانيا والبرتغال، وكل الممالك الكاثوليكية ومستعمراتها بالعالم الجديد، ثم توالي اتباعه في أوروبا البروتستانتية تباعًا بعد مقاومة لعشرات السنوات. --- ### تجسد المسيح ونهاية حقبة الناموس - Published: ۲۰۲٤-۱۲-۱۷ - Modified: 2024-12-17 - URL: https://tabcm.net/32271/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: آدم, الشيطان, بابا كيرلس عمود الدين, تجسد الكلمة, شجرة الحياة, عيد الميلاد, ميلاد المسيح, يوحنا الحبيب, يوحنا المعمدان من الصعب أن نعبر على تجسد الكلمة وظهور الله في الجسد واحتفالنا بعيد الميلاد  ما آل إلينا نحن البشر من هبات من هذا التجسد العجيب كما ذكرنا في المقال السابق، دون أن نعبر أيضًا ولو بشكل مبسط على الإعلان عن هذا الظهور الإلهي للعامة والخاصة، أقصد ما حدث يوم عماد الرب يسوع في نهر الأردن في حضور صديق العريس، يوحنا المعمدان. لقد حدث ميلاد الرب بالجسد في صمت لم يشعر به إلا بعض الرعاة ومجوس من المشرق قادهم النجم لمعرفة مكان المولود، نعم منذ ميلاد الرب يسوع بالجسد أصبحت السماء في عمل دؤوب وأصبح الطريق بين السماء والأرض ممهد ومفتوح بعدما  كان قد أغلق منذ سقوط ممثل البشرية، أدم الأول، وطرده من جنة عدن، أي لذة الله، ووضع الرب كروبيم وسيف في وجه البشرية لئلا يأكل من شجرة الحياة ويحيا أدم في فساده إلى الأبد، وهنا يتجلى لنا صلاح الله. فطرد الإنسان وأقام شرقي جنة عدن الكروبيم ولهيب سيف متقلب لحراسة طريق شجرة الحياة (( سفر التكوين ٣: ٢٤ ))، ومنذ ذلك الحين يسيطر على الإنسان شعور عام بأن الله ساكن سماوته وسط عظمته وجبروته يترقب أخطاء البشر ليعاقبهم، لذلك كان وما زال كل ما يشغل فكر وذهن الشخص غير المٌجدد بكلمة الحق وروح الحق هو إرضاء هذا الإله حتى يتجنبوا غضبه ولا ينتقم منهم، وهذا الفكر خارج مسيحيتنا بالكلية. أقول أصبح الطريق ممهد للعمل الأعظم الذي سيضع حدا لتوهان وزيغان وبعَد واغتراب البشرية عن خالقها إلا وهو الفداء وعمل الصليب الكامل. هنا يتجلى لنا أول إعلان للعالم عن قرب خلاصه من براثن الخطية وعبوديته لأفكاره وخضوعه لرئيس قاس والأهم من هذا وذاك هو إعلان عن أن الطريق للسماء أي الشركة بين الإنسان وخالقه قد بدأ في الظهور وأن العداوة بين الأرض والسماء القديمة تكاد تكون في طريقها إلى الزوال كما نصلي في القداس الغريغوري والعداوة القديمة هدمتها وأصلحت الأرضيين مع السمائيين وجعلت الاثنين واحدًا. إذن لقد كان نزول الرب يسوع في نهر الأردن هو بمثابة إعلان إلهي سماوي للأرض والساكنين عليها وكان الوسيط هنا آخر نبي يمثل العهد القديم، كان يوحنا المعمدان صادقًا وأمينا في خدمته لم يطلب لنفسه مجد و كرامه، كان صوت صارخ لإعداد الطريق للمخلص قالها مرة ومرات أنا لست المسيح. أجاب يوحنا الجميع قائلًا أنا أعمدكم بماء ولكن يأتي من هو أقوى مني الذي لست أهلا أن أحل سيور حذائه هو سيعمدكم بالروح القدس ونار (( إنجيل لوقا ٣: ١٦ ))،  أراد من هو أعظم نبي في العهد القديم أن يحول عيني المارة وأرجو أن يحول عيني كل من يقرأ أيضًا إلى الحمل الحقيقي الذي يرفع خطايا العالم الذي مازال يَصرح لكل نفس جائعة وتبحث عن عريسها الحقيقي قائلًا: اسمعي يا بنت وانظري وأميلي أذنك وانسي شعبك وبيت أبيك. فيشتهي الملك حسنك لأنه هو سيدك فاسجدي له (( مزمور ٤٥ :١٠- ١١ ))، وهنا أيضًا إعلان عن بزوغ عهد جديد ونهاية لحقبة الناموس وسلطانه على النفس البشرية. يوحنا المعمدان لم يكن يعرف يسوع بالجسد قبل ذلك اليوم كي لا يقال إن صديقه قبلًا وشهد له لكن من أرسل يوحنا أعطى له العلامة كما يقول الإنجيلي يوحنا الحبيب، وأنا لم أكن أعرفه لكن الذي أرسلني لأعمد بالماء ذاك قال لي الذي ترى الروح نازلا ومستقرًا عليه فهذا هو الذي يعمد بالروح القدس (( إنجيل يوحنا ١: ٣٣ )) إذن عيد الظهور الإلهي أو كما يطلق عليه في الكنيسة الإبيفانيا، هو ظهور معلن للعالم وإعلان موثق من السماء بصوت الآب وفي حضور الابن بالجسد وسط مياه نهر الأردن الذي يرمز للموت في رحلة الشعب في القديم واستقرار الروح القدس على الابن يسوع في صورة حمامة بعد أن خرجت الحمامة من فلك نوح في القديم ولم تجد مستقرًا لها لكن الآن في الإبيفانيا قد وجد الروح القدس مستقرًا له على الأرض أي في الطبيعة البشرية ممثلًا في الابن يسوع، وصار ظهور وحضور الثالوث الآب والابن والروح القدس ونزل عليه الروح القدس بهيئة جسمية مثل حمامة وكان صوت من السماء قائلًا أنت ابني الحبيب بك سررت (( إنجيل لوقا ٣: ٢٢ ))، ومن الارتباط الوثيق بين الميلاد ومعمودية يسوع في نهر الأردن كانت الكنيسة حتى قرب نهاية القرن الرابع تعيَد لميلاد المسيح وعماده معا في يوم واحد وهو عيد الإبيفانيا. نزول الرب يسوع في نهر الأردن كان بمثابة إطلاق الشرارة الأولى في مواجهة مملكة الظلمة، إذ بعد خروج الرب من نهر الأردن ممتلئًا من الروح القدس، لحساب الطبيعة البشرية في جسده ممثلًا لابن الإنسان أو الإنسان الجديد حسب فكر الله منذ خلق الإنسان، ابن الإنسان الذي تمت فيه ولادة البشرية ولادة جديدة من الله ليصير المسيح وإلى الأبد رأس الإنسانية الجديدة المدعوين قديسي العلي حسب تعبير دانيال.   حتى جاء القديم الأيام وأعطى الدين لقديسي العلي وبلغ الوقت فامتلك القديسون المملكة (( سفر دانيال ٧: ٢٢ )). أقول منذ ذلك الحين بدأ دحر مملكة الظلمة وإعلان لتأسيس ملكوت السموات على الأرض وإعطاء الإنسان الجديد فى المسيح يسوع الغلبة مرة أخرى ورد السلطان الذي سُلب منة في جنة عدن، إذ بعد خروج الرب يسوع من الأردن حدث أنه أُصعد بالروح إلى البرية ليجرب من إبليس لحساب البشرية، إذ يقول القديس كيرلس الكبير «إن تجسد الكلمة جعل كل ما يحققه في ذاته له أثرا نافذا في كل الطبيعة البشرية». إذن فقد غلبنا نحن في المسيح على جبل التجربة الذي قد تمكن من آدم في القديم ﴿الشيطان﴾ قد ذهب خائبًا لكي ندوسه تحت أقدامنا لأن الذي غلب وانتصر هو بكرنا وأخونا الأكبر يسوع إذ هو رأس وبداية كل خليقة جديدة إذ هو بكر بين أخوة كثيرين فلنفرح ونتهلل معا ونردد قول الرب بثقة ودخول إلى عمق الانتصار والغلبة على إبليس وجنوده ها أنا أعطيكم سلطانا لتدوسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو ولا يضركم شيء (( إنجيل لوقا ١٠: ١٩ )). نحن في المسيح أعظم من منتصرين ما دمنا نحيا الإبيفانيا أو الثيؤفانيا. --- ### تحولات ستة عقود: قضية الجدل اللاهوتي - Published: ۲۰۲٤-۱۲-۱٦ - Modified: 2025-01-06 - URL: https://tabcm.net/31889/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أنبا غريغوريوس، أسقف البحث العلمي, إبراهيم عبد السيد, إكليروس, الأب متى المسكين, الإخوان المسلمين, الإسلام السياسي, الكنيسة القبطية, انطلاق الروح, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, بيت التكريس, توراة, چورچ حبيب بباوي, رئيس محمد أنور السادات, قديس بولس الرسول, كمال زاخر, نصحي عبد الشهيد بطرس احتفظ البابا شنودة باجتماعه الأسبوعي، الذي أسسه وهو بعد أُسقف، وأعاد إصدار مجلته الشهرية "الكرازة"، في إصدار أسبوعي، وفى شكل يقترب من صحف الـ"تبلويد"، حجم صفحتها نصف صفحة تقريبًا من الجرائد اليومية، ليكون في متناول قاعدة أعرض من القراء. ليصير الاجتماع الأسبوعي بمثابة مصدر لأخبار الكنيسة، سواء في موضوع العظة، والذي كان في وقت الأزمات إعلان لرأى البابا في الحدث المثار، أو من خلال فقرة الأسئلة التي تسبق الكلمة الرئيسية أرجأت الشروع في كتابة هذا الجزء لأكثر من أسبوعين، حتى لا يأتي تحت ضغط الجدل الحاد الاستقطابي الذي صاحب الإعلان عن ترتيبات عقد جلسة حوار، "سيمينار"، في مناسبة الذكرى الثانية عشر لتجليس البابا البطريرك الأنبا تواضروس الثاني، والتي مازالت توابعها تتداعى حتى اللحظة، وهى محفزة للتناول والتحليل فيما بعد.  رغم كونهما -الحدث والجدل- غير بعيدين عن متن الطرح الذى نتناوله، وربما يكونا من نتائجه الطبيعية. في وعي لأهمية ودور الوسائط الإعلامية في التواصل مع الرعية، احتفظ البابا شنودة باجتماعه الأسبوعي، الذي أسسه وهو بعد أُسقف، وأعاد إصدار مجلته الشهرية "الكرازة"، في إصدار أسبوعي، وفى شكل يقترب من صحف الـ"تبلويد"، حجم صفحتها نصف صفحة تقريبًا من الجرائد اليومية، ليكون في متناول قاعدة أعرض من القراء. ليصير الاجتماع الأسبوعي بمثابة مصدر لأخبار الكنيسة، سواء في موضوع العظة، والذي كان في وقت الأزمات إعلان لرأى البابا في الحدث المثار، أو من خلال فقرة الأسئلة التي تسبق الكلمة الرئيسية، وبعضها كان مقصودًا ليجيب على بعض ما يدور في الشارع متعلقًا بالكنيسة والبابا، أو هي رسائل موجهة بحنكة وذكاء لشخوص بعينهم داخل الكاتدرائية والكنيسة وربما خارج أسوارهما. كانت الغيوم تتجمع في سماء الكنيسة وفي سماء الدولة بل وفي العالم بأسره، في عقد السبعينيات، وكان المزاج العام العالمي يتجه نحو الفردية الاجتماعية حتى أُطلق على عقد السبعينيات الذي شهد قدوم البابا الجديد، "عِقد الأنا"، وكانت مصر تعيش أجواء ضبابية، وثلث ارضها تحت الاحتلال، وكان الارتباك عنوان الحالة العامة، ويأتي أكتوبر 73 حاملًا نصرًا عظيمًا، لعله الأول بعد انتكاسات متتالية، من 48 حتى 67. كانت الكنيسة والأقباط على موعد مع موجات جديدة من الاستهداف، بعد أن انقلبت القيادة السياسية على توجهات الستينيات، بتبنيها سياسات الانفتاح الاقتصادي، بغير ضوابط، ليتحول المجتمع من شبه منتج إلى مجتمع استهلاكي، في فوضى غير مسبوقة، أوجزها الكاتب الكبير أحمد بهاء الدين في وصفها "انفتاح السداح مداح"، وفى أعطاف هذا التحول يتحالف السادات مع تيارات الإسلام السياسي، والتي كانت ترى الكنيسة والأقباط العقبة الكبرى في تحقيق مشروعها السياسي الذي وضعت جماعة الإخوان المسلمين أسسه وأطره الفكرية ومرجعياته الفقهية منذ قيامها 1928. إزاء التصعيد المتواتر من تلك التيارات العنفية ضد الكنيسة والأقباط عبر جرائم حرق وهدم الكنائس واستهداف شخوص وممتلكات الأقباط، خطفًا ونهبًا وفرض إتاوات، وقتلًا وتهجيرًا تحت بصر ممثلي الدولة بالقرية والبندر والمدينة والمحافظة، خاصة في محافظات الصعيد حيث الكثافة القبطية، والبعد نسبيًا عن الحكومة المركزية، والتي تعاملت مع هذه الجرائم برخاوة واحيانًا بغض الطرف عنها، إزاء هذا تحصن الأقباط بأسوار الكنيسة التي شرعت أبوابها لهم، في مرحلة فارقة، وبطبيعة الحال تشهد الهجرة إلى دول الغرب تصاعدًا ملموسًا، وفى الداخل راح الأقباط ينشئون مجتمعًا بديلًا وموازيًا، في تجنب الاحتكاك بالشارع والمجتمع الذي تم تغيير عقله الجمعي عند غالبيته وحشده في مناصرة تلك التيارات، وهو ما انعكس على لغته وملبسه وتعاملاته. صارت الأمة بديلًا عن الوطن، والفقه والأعراف بديلًا عن القانون والنظام العام، لتنتعش الجلسات العرفية، وتنكمش دولة القانون وتتراجع، وتتشكل بغير إعلان الدولة الدينية. كانت اختيارات البابا البطريرك لمعاونيه محكومة بالولاء والخضوع الكامل لتوجهاته، لذا جاءت كما اسلفنا من الشباب المفتقر للخبرة، وقد مكث في الدير بضعة شهور، ولم يجتاز خبرة التلمذة على شيوخه، وتحملت الرعية فاتورة إدارة هؤلاء لإيبارشياتهم، ومع توالي الرسامات انزوى شيوخ المجمع وقد صاروا أقلية غير مؤثرة، وتحاشيًا لانفعالات شباب المجمع عليهم، حتى إن اكثر من مطران انقطع عن حضور اجتماعاته. والتوسع في الرسامات أمر يتكرر مع كل بطريرك جديد، وان تعددت الأسباب، وهذا أمر طبيعي، أن يسعى المسئول لاستقدام من يعاونوه في ترجمة رؤيته ومنهجه في إدارته.  ولم يخرج البابا الجديد عما استقر لدى سابقيه من عدم ارتياح للمجلس الملي العام، لكنه لم يرفضه أو يجمده أو يصطدم به كما كان الحال قبله، فدعا إلى الشروع في إجراء انتخابات مجلس ملي جديد، وعقب إعلان قائمة الفائزين اجتمع بهم وقام بسيامتهم شمامسة، الأمر الذي اعترض عليه بعض الأساقفة القدامى، باعتبار أن هذا الإجراء يشكل حاجز أدبي وطقسي يحجر على حريتهم في مراجعة الإكليروس في تصرفاتهم الإدارية والمالية لكونهم، كشمامسة، رتبة كهنوتية خاضعة لهم. وانتهج البابا البطريرك نهج التأملات المرسلة في عظاته، التي لا تحتاج إلى استناد لمراجع أو توثيق آبائي، اعتمادًا على الزخم الذي تحتشد به ذاكرته القوية التي تميز بها، وقد انخرط في خدمة الوعظ بالجمعيات القبطية والكنائس بنشاط ودأب، بعد انضمامه لخدام كنيسة الأنبا أنطونيوس بشبرا. وقد قال بهذا في إجابته على سؤال في أحد اجتماعاته، يقول السائل : لماذا لا يضع البابا أسماء المراجع التي يرجع إليها؟، فأجاب : هو  في الحقيقة أغلبية كتبي تأملات خاصة وليست من مراجع. اللافت أن هذا النهج انتشر في كل الكنيسة، فقلما تجد واعظًا، أسقفًا أو قسًا، يستند في عظاته إلى مراجع، وهى ملاحظة تضع ايدينا على احد أبرز أسباب ارتباكات التعليم. ربما لهذا فرَّق القديس بولس الرسول بين الوعظ والتعليم، فبينما تصلح التأملات للوعظ بقدر ما، فهي لا تصلح منهجًا للتعليم، لأن التعليم يعتمد على ما التوثيق تأسيسًا على ما استقر في الكنيسة الأولى وتوثق عبر مجامعها المسكونية وقوانينها. ولا يملك المعلم الخلط بينها وبين رؤاه الشخصية. ولعلنا ننتبه إلى أن هناك فرق بين العقيدة والتفسير والرأي، إذ نتفق بشكل تام على العقائد الإيمانية، بينما نقبل تعدد التفاسير والآراء، دون الخروج عن جوهر العقيدة، إذ إن الخلط بين هذه الثلاثية أنتج لنا ما شهدته الكنيسة من صراعات ظنها أصحابها صراعات لاهوتية وهى ليست كذلك، بل واستخدمت في العصف بالمختلفين، حتى مع افتراض توافر حسن نية صاحب القرار. فكثيرًا ما تأخذنا النوايا الطيبة إلى مهالك. وتشهد الأروقة الكنسية إعادة إحياء مصطلحي "هرطقة وهراطقة"، وهو الأخطر في أدبياتها، وإطلاقه على كل من يختلف في الرأي أو الموقف مع القيادات الكنسية، في غياب الضوابط الحاكمة له، وهو أمر جد خطير وعبثي بآن. اللافت أن كثيرًا من حلفاء وأصدقاء مراحل التكوين والصعود تم إقصائهم وتحجيمهم، وانتقل بعضهم إلى دائرة الخصوم، والمقاطعة، الإشكالية هنا هو تغليف هذا كله بغطاء "الخلاف اللاهوتي"، ووصمهم بالهرطقة وعدم سلامة تعليمهم، كان من أصدقاء الأمس الأنبا غريغوريوس أسقف البحث العلمي، وقد تغير الموقف منه بعد رسامته أسقفًا، باعتبار أن مهامه هي اقتطاع من مسئوليات وصلاحيات أسقف التعليم، وكذلك الأمر في العلاقة مع الأب متى المسكين، الذي وصفه البابا البطريرك في مستهل كتابه "انطلاق الروح" بأنه أبيه ومعلمه الذي تتلمذ عليه في مقتبل رهبنته، ثم وضعه في دائرة الخصوم، في واحدة من تطبيقات جدلية العلاقة بين السلطة والمثقف، وهى تظهر جلية في العلاقة بين البابا البطريرك وصفيه الدكتور جورج حبيب بباوي، والتي انقلبت من الحميمية إلى العداء، الذي تصاعد إلى قطعه من الكنيسة، بدون محاكمة وبقرار مجمعي صدر بالتمرير. وثمة سؤال اعترف بأنني لا أملك إجابته، في عالم صارت فيه المعلومات -الصحيحة والمدسوسة- في كل يد، وأمام كل عين، وتهدد ذهن المتلقين، وسلامة عقيدتهم، هل الرتبة الكهنوتية تغنى عن الدراسة النظامية الأكاديمية للراعي، وتمنحه استغناء عن الاستعانة بالباحثين المتخصصين في علوم الكنيسة؟ وتصادفنا في سياق الاقتراب من هذه المرحلة تجربة فريدة نجت من المصادمة وهى تجربة الدكتور الباحث والمؤسس للتكريس بغرض البحث اللاهوتي الآبائي؛ الدكتور نصحي عبد الشهيد والذي استطاع بحكمة ومثابرة أن يبتعد عن نقاط التماس مع القيادة الكنسية، بإصراره على بقاءه مكرسًا مدنيًا، واحتفاظه ببيت التكريس بعد أن احتمى غالبية مؤسسيه بالرهبنة، وانتقل به إلى مقره الجديد ونجح فى مأسسته كمركز الدراسات الآبائية، تحت مسمى مؤسسة القديس أنطونيوس للدراسات الآبائية، وقدم للكنيسة عبر تلاميذه كوكبة من الباحثين الذين أوفدهم تباعًا إلى اليونان للدراسة في جامعاتها اللاهوتية، والحصول على دراسات عليا فيها على مستوى الدكتوراه. واستطاع بمنهجه هذا أن يحفظ وجود الكيان، ويُحَيِّد الفرقاء، ويقدم للفكر القبطي، بشخصه وعبر أولاده، كنوزًا معرفية لاهوتية آبائية محققة، تأليفًا وتعريبًا، غاية في الأهمية، والأهم ألا يحسب على أحد. تواكب مع هذا ارتفاع وتيرة وقف وقطع الكهنة بعد أن أسندت مهمة محاكمة الكهنة لسكرتير المجمع الذي تولى منصبه بعد الإفراج عن قداسة البابا وعودته إلى مقره، بعد محنة سبتمبر 1981، وقد أُطلقت يده في العصف بمن يراهم مخالفين، وكان في تصريحاته المعلنة يفخر بأنه عصا البابا الغليظة، ليطال الإيقاف العديد ممن يراهم مخالفين وبدون محاكمة، وكان أبرزهم القمص إبراهيم عبد السيد، الذي شُغل الرأي العام بقضيته، ربما لأنه كان شديد المراس، دارسًا للحقوق، وكان قبل رسامته قسًا يتولى إدارة الشئون القانونية بجهة حكومية، إضافة إلى أنه كاتب صحفي له العديد من الإصدارات المتعلقة بالشأن الكنسي والطقسي، قبل الغضب عليه، وقد أصدر في زمن الأزمة نحو ثلاثين كتابًا يتناول الإشكاليات الكنسية عرضًا وتحليلًا وعلاجًا، لعل أبرزها: المحاكمات الكنسية. أموال الكنيسة من أين؟ وإلى أين؟ المعارضة من أجل الإصلاح الكنسي. البطريرك القادم ممن يختار؟... ومن الذي يختاره؟. . وكيف. . ؟ السلطان الكنسي أبوة لا إرهاب. متى يعود الحب المفقود في الكنيسة القبطية؟ الرهبنة في الميزان. أموال الكنيسة من يدفع؟ ومن يقبض؟ الأحوال الشخصية. . رؤية واقعية. الإصلاح الكنسي عبر العصور. الإرهاب الكنسي. يبقى لنا في اقترابنا الحذر من مرحلة التغيرات الفارقة (1959 ـ 2012) أزمة الصدام مع السادات، ونتناولها في مقال قادم. --- ### من هو القديس؟ - Published: ۲۰۲٤-۱۲-۱۵ - Modified: 2024-12-15 - URL: https://tabcm.net/32383/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: إشعياء المقاري, الغنوصية لا إننا في مصر نعيش في خضم من الخرافات والهلاوس والترهات والأهازيج عن القديس فلان والقديس علان و هذه ظهرت على القباب و ذاك يطير في الهواء وهلما جرا عندما أنعت شخص أنه قديس يستغرب الأخوة التقليديون ويتساءلون: كيف ولماذا تقول عنه قديس؟ ما هي سمات قداسة هذا الشخص؟ عند بعض الكنائس التقليدية شملت القداسة ثلاث أفعال (معجزات) فائقة للطبيعة، يتم تحقيقها والتحقق منها ثم يُعلن الشخص قديس بعد أن يتم أولًا ترقيته إلى طوباوي أو مُكرم. أما في مصر فرغم أن القداسة تعني أيضًا الخوارق والأعاجيب، إلا أن هذا خلط كبير، فالقاعدة أن الشخص تقدس بحضور القدوس في قلبه وحياته، ومن ثم تحدث ظواهر لهذا الحضور المتميز ليست هي الفعل (التقديس) بل هي ثمار هذا التقديس. فالكتاب يقول: هذه الآيات والعجائب تتبع المؤمنين ((إنجيل مرقس 16: 17 ))، إلا إننا في مصر نعيش في خضم من الخرافات والهلاوس والترهات والأهازيج عن القديس فلان والقديس علان، وهذه ظهرت على القباب، وذاك يطير في الهواء وهلم جرا، حتى أنه لدينا راهب أٌدين ((إشعياء المقاري قاتل الأنبا إبيفانيوس)) بالقتل وأعترف بالزنى وأُمسك بالربح القبيح بملايين في حسابات البنوك، لكنه وجد من أفراد عائلته من يعلنه قديس ووجد في مولد وفوضى القداسة من يقدسه. القداسة في مصرنا العظيمة لدى الأقلية القبطية التي بقت على مسيحية ولو أسمية هي درب من دروب "المجاذيب"، فهي قداسة خرقاء لا فقط خارقة. القديس علان والولي فلان لا يستحم! (معفن يعني) ويخلط طعامه بالجاز! (مقزز) ولا مانع عنده أن ينام في المقابر متأبطًا لجمجمة (من الفلكلور القبطي) ورقد في سرير واحد مع بائعة هوى عارية (لزوم الحبكة الدرامية) ولم يعاشرها (عنة جنسية)، بل وصل بنا الأمر حديثًا أن القديس فلان يلبس شراب أحذية في يديه ليحمينا من النور الخارج منها، بل وصل الأمر "أنه من فرط التواضع كان يتعبد بالسجود في برازه! ". عندما أعتبر شخص قديسًا لا أعتبره هكذا بعد أي من هذه الترهات أو الشذوذ، القداسة عندي معيارها الوحيد كلما اقترب الشخص من شخصية المسيح كما رسمتها أربع أناجيل من أربع زوايا، وكما شهد عليها رسله وتلاميذه في 27 سفر، بل وكيف أختبرها مليارات المؤمنين عبر ألفي عام. عندما تُشبه المسيح تصبح قديس وتزيد القداسة كلما زاد الشبه، تعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب ((إنجيل متى 11: 29 )) لا ساحر يصنع سحر. التشبه بالمسيح ليس هو بطولة من القديس قدر ما هو تنازل من القدوس، نحن لا نتشبه بالمسيح عن طريق لعب اليوجا أو ممارسات غنوصية (التطهر بالألم)، روح الله القدوس هو من يأتي بنا إلى محضر الآب في شخص المسيح. ليتم قول الرسول: يا أولادي الذين أتمخض بكم أيضا إلى أن يتصور المسيح فيكم. ((رسالة بولس إلى غلاطية 4:  19)) ويقول أيضًا إن هذا هو ما سيكون عليه أبديتنا. ونحن جميعا ناظرين مجد الرب بوجه مكشوف، كما في مرآة، نتغير إلى تلك الصورة عينها، من مجد إلى مجد، كما من الرب الروح (رسالة بولس الثانية إلى كورنثوس 3: 18) المتعقل المدبر الحصيف حصافة المسيح ليس فيه مكر أو قداسة إبليس، الطيب الوديع الحكيم المتمهل قديس، العفيف المترفع عن الصغائر المتروي قديس، القداسة ليست خرافة بل حصافة، ليست مبالغات بل عاديات ومنطقيات، ورغم هذا لم تعد موجودة القداسة عندي مختزلة وكامنة في شخص المسيح الذي شق التاريخ وغير العالم، المسيح هو أسوتي الحسنة الوحيدة، لا مجاذيب الخوارق والموالد. --- ### الإخوان والحرب - Published: ۲۰۲٤-۱۲-۱٤ - Modified: 2025-01-11 - URL: https://tabcm.net/30455/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أحمد حمروش, أحمد زكي, أحمد زكي حسن, أحمد عادل كمال, إسماعيل صدقي باشا, الإخوان المسلمين, الدمرداش زكي مرسي العقالي, السيد سابق, ثورة ٢٣ يوليو, حسن أحمد عبد الرحمن محمد البنا, رئيس جمال عبد الناصر, سليم فريد زكي باشا, سيد فايز عبد المطلب, صالح أبو رقيق, طاهر عماد الدين, عبد الرحمن علي فراج السندي, محمد علي باشا الكبير, محمود السيد خليل الصباغ, محمود فهمي النقراشي باشا, مصطفى النحاس, مصطفى كمال عبد المجيد, مصطفى مشهور, مكرم عبيد, ملك فؤاد, ملك فاروق ثبت إقدام أفراد الجهاز السري للجماعة على اغتيال اللواء سليم زكى متعمدين، بالرغم أن اللواء سليم زكى لم يقم بأي تحرك ضد الطلبة، ولم يفعل أكثر من أنه نصحهم بالتزام الهدوء وأنهم أحرار في الإضراب أو مغادرة الجامعة، في نفس الوقت الذي ألقيت عليه القنبلة التي أدت لقتله (اللواء حسن طلعت، مدير المباحث العامة، في كتابه: في خدمة الأمن السياسي) كانت حرب فلسطين على الأبواب، ورأى البنا ضرورة اشتراك الجماعة في الحرب ضد عصابات الصهاينة، فحاول البنا إقناع النقراشي عن طريق الصديق المشترك مكرم عبيد، بضرورة مساعدة جيش الإخوان للجيش المصري، فرفض النقراشي الفكرة ضاحكًا من سذاجة البنا الذي تصور أن شخصًا بذكاء النقراشي ودهائه يمكن أن يقع في هذا الفخ الساذج، فعاد البنا وعرض وضع عشرة ألاف شاب تحت تصرف الجامعة العربية للمساهمة في تحرير فلسطين، فرفض النقراشي أيضاً هذا الاقتراح. بالرغم من رفض النقراشي للجيش الشعبي المزعوم بقيادة البنا، لم يستطع البنا تفويت الفرصة فأرسل ميلشياته للحرب، وسافرت أول مجموعة من المتطوعين من الإخوان المسلمين إلى أرض فلسطين عقب قرار التقسيم مباشرة في يناير عام 1948م، وخلال الحرب قام جمال عبد الناصر، العضو بجماعة الإخوان، بتدريب العديد من عناصر الإخوان الذين شاركوا في الحرب وأمدهم بالسلاح. أثناء حرب فلسطين 1948م طلب الشيخ الإخواني سيد سابق من الضباط الإخوان الهجوم على الإسرائيليين كصفوف متجاورة تصديقًا لآية قرآنية تصف المؤمنين بالصفوف المنتظمة، فصُدم الضباط لأن هذا سيؤدى لأبادتهم بالرشاشات... أصر سيد سابق ورفض الضباط، وترك بعضهم الجماعة لاحقًا معتبرينها متخلفة بشدة وتخلط الواقع بالخيال (أحمد حمروش، ثورة يوليو وعقلية مصر) في نفس الوقت، جمع فاروق مستشاريه ليبحث معهم ما يجب أن يفعله إزاء فلسطين، فقالوا أن التيار الشعبي المصري تجاه فلسطين أقوى من أن يقاوم، ولكن يمكن استيعابه وإجهاضه بأن تكون أنت يا جلالة الملك صاحب الجيش الذي يدخل فلسطين مقاتلًا، فلا يزايد عليك الإخوان المسلمون، ولا يكسبون على حسابك ورقة يمكن أن تكسبها أنت، فقرر فاروق دخول القوات المصرية إلى فلسطين. ولم ينس حسن البنا في وسط المعركة نفاق الملك، فتنشر صحيفتهم صورة فاروق بملابسه العسكرية، وتتبع حركاته في الجبهة ولقائه بالعسكريين وحديثه معهم وزيارته للجرحى في المستشفيات العسكرية، وكتبت جريدة الإخوان بمناسبة ذكرى تولي فاروق سلطاته الدستورية تقول؛ إذا كانت الأحداث الماضية وعلى رأسها الحرب ثم يوم 4 فبراير المشؤوم، قد أظهرت وطنية الملك المُفدى في أحلى صورة، فقد كللت معركة فلسطين هامته بفخار تزهو به مصر ويباهي به التاريخ، قدنا يا مولاي ما شئت، فالأمة من ورائك والله من حولك خير حافظ وأقوى معين لكن إعلان فاروق دخول مصر الحرب، جعل البنا يدرك أن البساط سينسحب من تحت أقدامه، ولا فائدة لاستمرارهم في أرض المعركة، كونهم سيذوبون وسط الجيوش العربية السبعة ولن يتصدروا المشهد، ولهذا أصدر حسن البنا أوامره بسحب قوات المتطوعين بفلسطين وعدم الاستمرار في إرسال قوات أخرى. كنا نتدرب في بعض المعسكرات بأسيوط استعدادًا للسفر إلى أرض المعركة في فلسطين حين جاءنا القرار بوقف التدريب وإخلاء المعسكرات من المتطوعين، وقد كان لهذا القرار الذي أصدره المرشد العام أثر مُدوي في قواعد الإخوان حتى إن البعض منهم قد اتهمه بالخيانة، وبعد أن استوعب حسن البنا كل المهاجمين وحركة التمرد في صفوف الإخوان، عقد كتيبة ليلية لأعضاء الجهاز الخاص ليقول لهم أن العمل هنا في مصر وليس في فلسطين، وإن الطريق إلى القدس لابد أن يمر عبر القاهرة، وما يحدث الآن في فلسطين إنما هو مؤامرة لتسليمها إلى اليهود بأسلوب يحبط الإرادة العربية والإسلامية لعدة أجيال قادمة، وقال كلمته الشهيرة؛ كنا نعمل على تنظيف سلم الحياة في مصر بالتربية من أسفل إلى أعلى، فأبى النظام إلا أن يقنعنا بأن السلم لا ينظف إلا من أعلى إلى أسفل. (المستشار الدمرداش زكي مرسي العقالي، أحد أعضاء التنظيم السري) خسر العرب الحرب وعادت ميلشييات الإخوان من فلسطين بعد أن حقق البنا هدفين؛ أولهما هو زرع خلايا إخوانية انطلقت من فلسطين، لتغزو عددًا من دول العالم الإسلامي، وثانيهما لتؤسس قاعدة التنظيم الدولي للإخوان فيما بعد، ويُذكر أنه بعد انتهاء حرب فلسطين وهزيمة الجيوش العربية مجتمعة أمام العصابات الصهيونية، رفضت كتائب البنا تسليم سلاحها وأبت إلا أن تدخل مصر حاملين أسلحة الجيش المصري التي جرى إمدادهم بها إبان الحرب على أيدى أصدقاءهم من العسكريين المصريين وعلى رأسهم جمال عبد الناصر، ولم يتم تسليمها إلا بعد مفاوضات عدة مع البنا، وافق بعدها على تسليم سلاحهم للجيش المصري. بعد الحرب تدهورت سمعة الملك فاروق بشدة بالرغم أنه عند توليه العرش قبل 12 عامًا كان يتمتع بشعبية جارفة نادرًا ما يتمتع بها ملك في التاريخ، لكن الطفيليين الذين أحاط بهم فاروق عرشه قادوه إلى طريق الملاهي الليلية، وبدأت الإشاعات تنتشر حول سلوك فاروق الشخصي ولم يكن هناك من ينكر أن فاروق يتصعلك، وأعد الوفديين ملفًا كاملًا حول السلوك الاجتماعي للملك، لإقناع أعلى سلطة روحية في العالم الإسلامي وهم كبار علماء الأزهر بأن الملك لا يتصرف حسبما يقتضى أن يتصرف ملك مسلم، وبدأت القصص تنتشر حول إهمال الملك لزوجته وأنه يعيش حياة عابثة في قصر عابدين. بعد حرب فلسطين وجد فاروق نفسه متورطًا في عمولات من صفقة الأسلحة الفاسدة للجيش المصري بفلسطين وكانت القضية منظورة أمام المحاكم، وكان فاروق في هذا الوقت في منتصف 1948م قد بلغ الغاية في المجون والفجور وقد شاعت فضائحه الأخلاقية في شتى أنحاء مصر، ثم جاءت الضربة القاضية وهي طلاق فاروق وفريدة في 17 نوفمبر 1948م وزواجه بالملكة الجديدة ناريمان، وانطلقت المظاهرات ضد فاروق عندما طلق زوجته الأولى تهتف؛ خرجت الطهارة من بيت الدعارة، في الوقت ذاته، كانت مجلة الدعوة التابعة للجماعة تهنئ فاروق بعيد جلوسه على العرش، وتنشر صورة الملك في وسط الصفحة. عيدان سعيدان، احتفل يوم الأحد الماضي في جميع أنحاء وادي النيل بعيد جلوس حضرة صاحب الجلالة الملك فاروق الأول على عرش أجداده العتيد... كما احتفل بزواج جلالته بحضرة صاحبة الجلالة الملكة ناريمان... والدعوة إذ تتقدم بعظيم التهنئة بالعيدين، تبتهل إلى الله العلى الكبير أن يحفظ ذات الملك، وأن يجعل أيامه كلها أعياد سعيدة، وأن يعزه بالإسلام ويعز الإسلام به. )مجلة "الدعوة" تهنئ الملك فاروق) بعد انتهاء الحرب أصبحت الجماعة قوة لا يستهان بها، فأصبحت تضم 600 ألف أخ عامل والمؤازرون ضعف هذا العدد، ولها ألفان شعبة في مصر، وخمسون في السودان، وشعب في كل الدول العربية وأندونيسيا وسيلان وأفغانستان وتركيا وأوروبا وأمريكا، وأنشأت الجماعة أعدادًا كبيرة من المستوصفات والمدارس والأندية والجمعيات الاجتماعية وشركتان للإعلانات وثالثة للطباعة ورابعة للنشر تصدر الصحيفة اليومية ومجلة أسبوعية ومجلتين شهريتين وكتبًا إسلامية وعدة شركات منها أربع شركات كبرى للمناجم والنسيج والتجارة واستصلاح الأراضي بنجع حمادي. تفجيرات داخل مصر في يوم 18 مارس 1948م انفجرت قنبلة في دار المعهد البريطاني بالقاهرة، ووُجدت في اليوم التالي قنبلة أخرى لم تنفجر بمبنى كلية فيكتوريا بالإسكندرية، وفي 4 أبريل 1948م حدث ما يعرف بـجرائم الأوكار في شبرا وروض الفرج وشارع السندوبي ووكر الجيزة، ثم ألقيت 3 قنابل بالإسماعيلية يوم 16 أبريل 1948م، وفي 20 يونيو 1948م فجر قسم الوحدات بالتنظيم الخاص عربة يد محملة بالمتفجرات في حارة اليهود بالقاهرة وأحدثت بها تلفيات كبيرة، وبعد أن ذهبت الظنون أن تلك الحارة قد أخذت نصيبها ولن تنفجر مرة آخري، عاد قسم الوحدات وفجر عربة يد محملة بالمتفجرات في حارة اليهود في 22 سبتمبر 1948م فقتل 20 وأصيب 61 شخص، ولما عجز البوليس في الحادث الأول عن الوصول إلى شيء أعلن أن الحادث وليد خلاف طائفي بين اليهود، فهم يضربون بعضهم بعضًا، وأن اليهود القرائين قد نسفوا محل لليهود الربانين، فلما وقع الانفجار الثاني استمر البوليس يقول إن الربانيين انتقموا من القرائين بنسف مماثل. وبين حادثي حارة اليهود فجر قسم الوحدات أيضا تريسكل ممتلئًا بالمتفجرات أسفل محلات اليهود المدنيين شيكوريل وأركو في 19 يوليو 1948م، وكان ذلك في إحدى ليالي شهر رمضان فأفشى بالمحل الخراب، وفي 20 يوليو 1948م نسف شارع فؤاد، وتم القاء القنابل على محلات داود عدس في 28 يوليو 1948م الواقعة بشارع عماد الدين، وفي 13 أغسطس 1948م نُسفت محلات بنزايون بشارع قصر النيل وجاتينيو بشارع محمد فريد المملوكين ليهود مصريين، وترتب عن الانفجار موت عشرات المصريين وجرح 28 مواطن مصري، ونُسفت دور سينما مملوكة لليهود أيضًا، وتم تعطيل سفينة يهودية في ميناء بورسعيد، ونُسفت بعض المساكن في حارة اليهود مرة أخرى. وفي 3 أغسطس انفجر مبنى شركة أراضى الدلتا بالمعادي في ضواحي القاهرة، ومحطة تلغراف ماركوني التي اعتبرت مركزًا للاتصالات اليهودية فأصيب ثلاث ضحايا، ووقع انفجار يوم 24 أغسطس في مطار الإسكندرية بينما كانت طائرة النقراشي القادمة من القاهرة تستعد للهبوط، ولم يُنشر النبأ في الصحف ولكن السفارة البريطانية سجلت الحادث في برقياتها، وفي 28 سبتمبر وقع انفجار بمصنع للزجاج بحلمية الزيتون تملكه محلات شيكوريل. ويعترف المستشار صالح أبو رقيق عضو مكتب الإرشاد في مقال نشره بجريدة الأحرار المصرية في 11 من أغسطس عام 1986 بأنه لا يستطيع إنكار ما قام به الإخوان من أعمال صاحبها العنف، ولكنه يبرر ذلك بأنها؛ كانت كلها وطنية تتجلى فيها الفدائية وفي يوم 8 أكتوبر 1948م قادت الصدفة رجال خفر السواحل الذين كانوا يفتشون العزب القريبة من الإسماعيلية بحثًا عن المخدرات، إلى العثور على كمية كبيرة من الأسلحة والمتفجرات في عزبة الشيخ محمد فرغلي قائد كتائب الإخوان في الإسماعيلية، وكانت الأسلحة في مخبأ تحت الأرض مبني بالخرسانة، فأصدر النقراشي قرارًا عسكريًا في 28 أكتوبر سنة 1948م بحل شعبتي الإخوان المسلمين في بورسعيد والإسماعيلية مهد الحركة، وقام رجال البوليس والمباحث بغلق جميع الشُعب في هذه المنطقة والتحفظ على جميع الأوراق الخاصة بالإخوان، وانطلقت حملة أمنية ضدهم طالت جميع المشتبه فيهم لكن بدون دليل واضح يدين قادة الجماعة. وبدا أن هناك إرهاصات كثيرة عن عزم الحكومة لحل جماعة الإخوان المسلمين، وبالرغم من ذلك تمادى التنظيم الخاص أكثر وأكثر، فألقى شباب التنظيم قنبلتين يدويتين على منزل عبد الفتاح عمرو باشا في 2 نوفمبر، وقبض رجال الشرطة على 350 من أعضاء الجماعة في القاهرة يوم 4 نوفمبر لمنعهم من القيام بمظاهرة احتجاجًا على إغلاق شعبتي الجماعة في الإسماعيلية وبورسعيد، وألقوا القنابل على مكاتب الصحف الأجنبية في مصر يوم 11 نوفمبر من العام ذاته 1948م، وفي 12 نوفمبر 1948م أمر عبد الرحمن السندي بنسف مكاتب شركة الإعلانات الشرقية التي يملكها اليهود آنذاك ويرأسها اليهودي هنري حاييم. وجرى تنفيذ تفجير شركة الإعلانات بسيارة بيك أب ممتلئة بصناديق المتفجرات يقودها "علي الخولي" حتى حشرها في بوابة المبنى الكبير للشركة، وقال بأن بها ورق للشركة ثم تظاهر بتعطليها، وانصرف بحجة إحضار مفك وبعض الأدوات اللازمة لتشغيل السيارة، وبعد انصرافه انفجرت وخربت الدار، وظلت السماء تمطر حجارة من حطامها لدقائق بعدها، وقُتل في الحادث بعض المواطنين منهم الشرطي المصري المكلف بالحراسة، وفي سابقة نادرة أعترف بعض المؤرخين من قادة الجماعة فيما بعد بان الجماعة هي المسئولة عن نسف مكاتب شركة الإعلانات إلا انهم حاولوا التخفيف من المسئولية بقولهم أن النسف تم في وقت الراحة حتى لا يصاب أحد! ، وعرض النقراشي مرة أخرى مكافأة 10 ألاف جنيه لمن يرشد عن الفاعل بلا جدوى. كان مقررًا أن يفتتح صاحب الجلالة البرلمان في 19 نوفمبر 1948م، غير أنه تلقى تهديدات بالقتل، فأوفد في اللحظة الأخيرة ابن عمه وولي عهده الأمير محمد علي إلى البرلمان كي يفتتح الدورة نيابة عنه، وجاء ذلك بعد اتخاذ تدابير أمنية لم يسبق لها مثيل على طول الطريق الذي كان مقررًا أن يسلكه الملك، وفُتشت المباني تفتيشًا دقيقًا بما في ذلك مبني الجامعة الأمريكية، وأُبلغت الجامعة أن يبقى الطلاب في قاعة المحاضرات بين العشرة والنصف صباحًا حتى الواحدة والنصف بعد الظهر، واعتبرت الجامعة هذا الإجراء غير عملي فعطلت الدراسة في ذلك اليوم، وحذر البوليس سكان المنازل على جانب الطريق من استقبال الغرباء وأمروا بألا يلقوا زهورًا خلال مرور الموكب الملكي، وامتنع الملك والوزراء عن الظهور في أي مكان عام خوفًا من رصاص الإرهابيين. قضية السيارة الجيب في 15 نوفمبر 1948م قرر أحمد عادل كمال، العضو بالتنظيم الخاص، وبناء على أوامر عبد الرحمن السندي أن ينقل بعض الأوراق الخاصة بالنظام وبعض المعدات وبعض الأسلحة والمتفجرات من شقة "عادل النهري" بحي المحمدي، إلى شقة إبراهيم محمود علي ويعمل ترزيًا بالعباسية، إلا أن السندي لم يوفر له وسيلة مناسبة لنقل العهدة، وبالصدفة قابل "أحمد عادل كمال" الأخ "مصطفى كمال عبد المجيد" وكان من إخوان النظام، وكانت في عهدته سيارة جيب مملوكة للنظام، مشتراه حديثًا من مخلفات الجيش الإنجليزي ولم تكن لها أرقام، واتفقوا على استخدام السيارة في النقل بمساعدة "طاهر عماد الدين" أحد إخوان النظام، وبالفعل تم نقل كل الأوراق والأسلحة من شقة المحمدي إلى السيارة التي أقلتهم إلى منزل "إبراهيم محمود علي" رقم 38 شارع جنينة القوادر بحي الوايلي بالعباسية، لتودع هذه الموجودات أمانة عنده، وكان ذلك حوالي الساعة الثالثة ظهرًا. كان إبراهيم يسكن في بيت رجل يريد إجباره على إخلاء مسكنه لابنته التي على وشك الزواج من مخبر في البوليس السياسي يدعى "صبحي علي سالم"، وحضر المخبر بالصدفة لزيارة بيت صهره في نفس وقت تفريغ الحمولة ورآها، فارتاب في محتوياتها، وهاله الأمر عندما تبين أن الأمر أكبر من مجرد سيارة بدون أرقام، فقد كان في السيارة كمٌ هائل من الأسلحة والمتفجرات، ولمح أحد أفراد المجموعة المخبر وهو يعبث بمحتويات السيارة، وتأكدوا أن أمرهم قد أنكشف، خصوصًا أن الرجل قد أختفى عن أنظارهم، فظنوا أنه قد ذهب لإبلاغ رؤسائه، فحاول أحمد عادل كمال ورفاقه إعادة كل الحمولة إلى العربة للهرب، ولسوء حظهم لم يدر المحرك بسبب بطارية السيارة، وعاد المخبر وراح يصرخ أنهم صهاينة لحمل الناس على الإيقاع بهم، فتركوا كل شيء وانطلقوا، والمخبر والناس من خلفهم يطاردونهم، حتى قبضوا على أحمد عادل كمال وطاهر عماد الدين، أما مصطفى كمال عبد المجيد فقد استطاع الفرار، وعاد إبراهيم محمود إلى محله حتى قبض عليه ليلًا، وبتفتيش السيارة بواسطة البوليس اتضح أنها تحمل 28 مسدسًا يدويًا ورشاشان ومدفعان برن و2700 قطعة ذخيرة و48 قنبلة يدوية وصندوقين من مادة الجلجنايت أحدهما مرتبط بجهاز تفجير زمني وكمية من الخناجر. أبلغ مصطفى كمال عبد المجيد -الهارب- أحد الأخوة ويدعى سعد كمال صاحب ورشة سيارات في شارع أحمد سعيد قرب تقاطعه بشارع الملكة نازلي بواقعة ضبط السيارة، وأعطاه فكرة عن محتوياتها، وبالصدفة كان هناك اجتماع في نفس اليوم لقيادة النظام بمنزل مصطفى مشهور، الذي يقع منزله قريبًا من ورشة سعد كمال، فتوجه الأخ سعد كمال إلى منزل الأخ مصطفى مشهور دون أن يعلم شيئا عن الاجتماع المنتظر بمنزله، ليبلغه بواقعة ضبط السيارة، كما توجه مصطفى كمال عبد المجيد إلى منزل محمود الصباغ دون أن يعلم هو أيضًا شيئا عن هذا الاجتماع، ليبلغه بواقعة ضبط السيارة، وكان ذلك قبل موعد اجتماع قيادة النظام بما يقرب من ساعتين. فقام مصطفى مشهور بإخلاء منزله من أي أوراق لها علاقة بأعمال النظام، تحسبًا أن يفتش البوليس منزله لأنه من الإخوان المعروفين، فوضع كل الأوراق في حقيبة، وترك رسالة في منزله أنه سيعود حالًا لحضور الاجتماع، وذهب ليودعها عند قريب له لا علاقة له بالإخوان، وبالصدفة وبدون أي أتفاق، كان أحمد عادل كمال ومصطفى وطاهر وإبراهيم يرتديان بنطلونًا من "الفانلة" الرصاصي وبلوفر، فلما فر مصطفى تناقل الناس أن شخصا يرتدى بنطلونا "فانلة" وبلوفر قد فر، وبالصدفة أيضًا ودون أن يدرى، مر مصطفى مشهور حاملًا حقيبته الجلدية من نفس الشارع الذي تم ضبط السيارة الجيب فيه، وتصايح به الناس أنه هو الهارب المطلوب فقبضوا عليه، وشهد الشهود الذين استحضرهم البوليس أنه كان مع المجموعة المقبوض عليها في السيارة. في نفس الوقت ذهب محمود الصباغ وأحمد زكي حسن وأحمد حسنين من قيادة النظام إلى منزل مصطفى مشهور لينتظروه في حجرة الصالون، وذهب البوليس يفتش بيت مشهور، فوجد هؤلاء هناك فاصطحبهم إلى قسم بوليس الوايلي. أما عبد الرحمن السندي تأخر عن موعد الاجتماع، فلما ذهب ووجد البوليس يحيط بالمنزل فلم يدخل وأستمر في طريقه وعاد إلى منزله ولم يقبض عليه في هذا اليوم، ليتم القبض عليه بعد ذلك بأيام قليلة عندما ورد اسمه في التحقيقات، وكانت تلك بداية النهاية. أدى استجواب المقبوض عليهم إلى العثور على عدد من الوثائق شملت رسوم وخرائط للأهداف الحيوية التي يزمع التنظيم الخاص للجماعة مهاجمتها أو تفجيرها مثل السفارة الفرنسية والتي كان مقررًا إلقاء القنابل عليها يوم 15 نوفمبر، والسفارة البريطانية يوم 19 نوفمبر، والسفارة الأمريكية يوم 12 أو 22 من نوفمبر، بالإضافة إلى منازل النحاس والنقراشي وإسماعيل صدقي وشريف صبري ومكرم عبيد وعبد الرحمن عمار وعبد الفتاح عمرو وحسن فهمي رفعت وكيل الداخلية السابق، وعدد من أقسام الشرطة، وتم العثور على خريطة الشركة الشرقية للإعلانات ومبانيها ووُجدت بالسيارة شفرة الإخوان وخططهم السرية. وثبت من الوثائق المضبوطة أن الإخوان المسلمين هم المسئولون عن حوادث الانفجارات التي وقعت في القاهرة خلال الشهور الستة الأخيرة، واعترف الشبان بأنهم نفذوا الهجمات التي تعرضت لها بعض المنشآت، وأظهرت هذه الوثائق أسماء أعضاء التنظيم الخاص ورئيسه عبد الرحمن السندي، ولم تعلن الحكومة عن ضبط السيارة الجيب إلا بعد وقت مناسب حتى استطاعت القبض خلال تلك الساعات على 32 من قيادات التنظيم ومن بينهم السندي الذي حل محله في القيادة المهندس سيد فايز بعد القبض عليه. وهكذا أنكشف النظام الخاص بسقوط السيارة الجيب في قبضة رجال الأمن العام، وفي 25 سبتمبر 1949 وضع النائب العام محمد عزمي بك تقرير الاتهام في هذه القضية، فقدم 32 متهما وعلى رأسهم السندي ومحمود الصباغ ومصطفى مشهور بتهمة الاتفاق الجنائي علي قلب نظام الحكم، وتخريب المنشآت الحكومية، وأقسام ومراكز البوليس، وقتل عدد كبير من المصريين والأجانب، وذلك عمدًا مع سبق الإصرار والترصد، وتعريض حياة الناس وأموالهم عمدًا للخطر باستعمال القنابل والمفرقعات في عدد من السفارات والقنصليات الأجنبية، وفي 21 نوفمبر 1948 نشرت الصحف نبأ أذاعته وزارة الداخلية يقول إنه قد تم ضبط سيارة جيب بها كميات كبيرة جدا من المتفجرات الخطرة والأوراق في دائرة قسم الوايلي أمام أحد المنازل وتبين أن راكبي السيارة الذين تم القبض عليهم من جماعة الإخوان المسلمين. وبدلًا من أن تؤثر الجماعة السلامة حتى تمر العاصفة، حركوا مظاهرة ضخمة للإخوان بكلية الطب بجامعة الملك فؤاد في 4 ديسمبر 1948، فقاد اللواء سليم زكي حكمدار شرطة القاهرة قوات الأمن لفض المظاهرة بنفسه، وإذا بطالب ينتمي لجماعة الإخوان المسلمين يلقى عليه بقنبلة من الطابق الرابع فسقطت بين قدميه وانفجرت فمات على الفور، ويستهين محمود الصباغ بالأمر ويقول في مذكراته؛ كان إلقاء القنابل في المظاهرات من جانب المتظاهرين في هذه الأيام أمرًا عاديًا، وأغلقت الحكومة جامعة الملك فؤاد بما فيها كلية الطب إلى أجل غير مسمى. ثبت إقدام أفراد الجهاز السري للجماعة على اغتيال اللواء سليم زكى متعمدين، بالرغم أن اللواء سليم زكى لم يقم بأي تحرك ضد الطلبة، ولم يفعل أكثر من أنه نصحهم بالتزام الهدوء وأنهم أحرار في الإضراب أو مغادرة الجامعة، في نفس الوقت الذي ألقيت عليه القنبلة التي أدت لقتله، وإصابة 8 من الضباط و54 من الجنود و74 طالب. (اللواء حسن طلعت، مدير المباحث العامة، في كتابه: في خدمة الأمن السياسي) وصورت جريدة النداء الحادث على هيئة مجموعة من القنابل اليدوية وخلفها صورة ترمز إلى شخصية المرشد العام للإخوان المسلمين وجاء تعليق الجريدة الممهور باسم المصري أفندي الذي يبدى إعجابه ودهشته لأن تلك القنابل لها ذقن، وردت صحيفة الإخوان بأن؛ النحاحسةلا يتورعون من إلقاء الاتهامات تمشيا مع أخلاقهم. --- ### مونارخية الآب في الدراسات الأكاديمية [٥] - Published: ۲۰۲٤-۱۲-۱۳ - Modified: 2024-12-13 - URL: https://tabcm.net/31664/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: آريوسية, أوريجينوس ليونايدس أدامانتيوس, الثالوث القدوس, العصور الوسطى, الكنيسة الجامعة, المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية, بابا كيرلس عمود الدين, باسيليوس الكبير، أسقف قيصرية الكبادوك, باناريون للتراث الآبائي, توما الأكويني, توماس نبيل, چورچ عوض إبراهيم, چوهانس كواستن, دار الأكويني, رينهولد سيبرج, سعيد حكيم يعقوب, علامة ديديموس الضرير, غريغوريوس البرموسي, غريغوريوس النزينزي، الناطق بالإلهيات, غريغوريوس النيسي, قديس أثناسيوس الرسولي, قديس أوغسطينوس، أسقف هيبو, كارل رانر, كريستولوچي, كنيسة الإسكندرية, مجمع نيقية, نادر مدحت, نيكلس نسيم نستكمل في هذا الجزء أهم الإشارات إلى عقيدة مونارخية الآب في الثالوث القدوس، في كتابات أهم الأساتذة والباحثين اللاهوتيين من مُختلف الجامعات والمدارس اللاهوتية، سواء المدرسة الإنجليزية، أو الفرنسية، أو الألمانية، أو الأمريكية، أو اليونانية، أو القبطية، بل ومن مُختلف الكنائس والطوائف المسيحية، سواء، الأرثوذكسية، أو الكاثوليكية، أو البروتستانية. للوقوف على أفضل تصوُّر للمونارخية، أو وحدة الرأس، أو الأصل، أو المصدر، أو الينبوع، أو العلة في الثالوث القدوس. وسوف نبحث شروحات هؤلاء الأساتذة والباحثين المرموقين على مستوى العالم لفكر آباء الكنيسة والمجامع المقدَّسة حول مونارخية الآب في الثالوث القدوس. رينهولد سيبرج شرح الثالوث بين ق. أثناسيوس والكبادوك يُشِير البروفيسور الألمانيّ اللوثريّ رينهولد سيبرج، أستاذ اللاهوت في جامعة برلين بألمانيا، إلى الاختلاف في شروحات الثالوث بين ق. أثناسيوس والآباء الكبادوك كالتالي: (( Reinhold Seeberg, Text-Book of The History of Doctrines, Vol. I, Trans. by Charles E. Hay, (Philadelphia: Lutheran Publication Society, 1905), p. 232, 233. )) إن التعديل الذي تمَّ إجراؤه هنا على عقيدة نيقية القديمة واضحٌ جدًا. لقد علَّم أثناسيوس بالإله الواحد، الذي يعيش حياة أقنوميةثالوثية، الذي يكشف عن نفسه على هذا النحو. بينما يُفكِّر الكبادوكيون في ثلاثة أقانيم إلهية، تُظهِر نفس النشاط، ويُعترَف بأنها تمتلك طبيعة واحدة ولها نفس الكرامة. سرّ السابقين يكمن في الثالوث؛ وسرّ الأخيرين يكمن في الوحدة. وهكذا يحفظ الأخيرون أنفسهم بالكاد وبصعوبةٍ من تعدُّد الآلهة. ولكن بهذه الطريقة فقط تحرَّرت العقائد النيقية، بالنسبة للشرقيين، من وصمة السابيلية، وبدت أقنوميةاللوغوس مُؤكَّدةً بما فيه الكفاية. لقد فسَّر الكبادوكيون عقيدة أثناسيوس وفقًا للمفاهيم والمبادئ الأساسية لخريستولوچية اللوغوس عند أوريجينوس. ولكنهم دفعوا ثمنًا باهظًا مُقابل إنجازهم، لم يُدرِكوا حجمه: أي فكرة الإله الشخصيّ. والنتيجة هي ثلاثة أشخاصوجوهر مُجرَّد وغير شخصانيّ. بهذا الشكل تكون الأوسياوالطبيعة عبءً ثقيلًا على العقيدة الخاصة بالله؛ لأنهما يتعارضان مع شخصانيةالله. لقد كان تصحيحًا جزئيًا لهذا، أنهم، بعد كل شيء -بشكلٍ غير مُتسقٍ- عرَّفوا الألوهة بالآب، الذي كان مرةً أخرى من بقايا التراتبية السابقة. الآب هو الألوهة كمصدر يصدر منه الابن والروح: الطبيعة واحدةٌ في الثلاثة، أي الله؛ لكن الاتحاد هو الآب، الذي منه وإليه يُشَار إليهما بدورهما ((غريغوريوس النزينزي، خطبة 42: 15؛ خطبة 20: 8 )). وعلى وجه الخصوص: لأنه من أقنوم الآب نفسه يُولَد الابن وينبثق الروح القدس. وهكذا بالتأكيد أيضًا الواحد، الذي هو علة الأشياء، التي تحدث بواسطته، تدعوه أنتَ إلهًا واحدًا، لأنه أيضًا فيهم (( Greg. Nyss. Ohl. Ii. 226; Apollin. Χαπά μερ. Etc. , pp. 373, 273 )). وهكذا، حلَّت عقيدة الإله الثالوثيّ المشابه في الطبيعة محل تصوُّر إله ثالوثيّ ذي طبيعة واحدة. لقد كان أثناسيوس قادرًا على تحمُّل الأخير، دون أن يدعمه بحماسةٍ، أو يدين ماركيليوس، لأنه يمكن أن يُفهَم مماسبق أنه قد تمَّ حثه على القيام بذلك ((ق. باسيليوس رسالة 125 )). كان هذا هو تعليم الرجال الذين اَعتبروا أنفسهم ورثة قانون الإيمان النيقاويّ ((ق. باسيليوس رسالة، 52: 1 )). لقد أعتقدوا بأن الله الذي نعبده باعتباره فوق الملائكة يجب فهمه بدقةٍ فيما يتعلق بهذه الصيغ (( Bas. Horn. 15. 1 ))، لأنه فيما يتعلق بالتعليم عن الله، فإن الاستخدام المختلف للمصطلحات لم يعدّ غير ضار، لأن ما كان شيئًا صغيرًا آنذاك، لم يعد شيئًا صغيرًا (( Greg. Nyss. Ohl. Ii. 192 )). لقد أنتجت صراعات العصر والتلاعُّب بالصيغ مفهومًا مُرهِقًا عن الأرثوذكسية. لقد صاغ هؤلاء الآباء -بالتحالف مع العالم- أرثوذكسيةً في القالب اليونانيّ. (Reinhold Seeberg, Text-Book of The History of Doctrines) كارل رانر وحدة الألوهة في أقنوم الآب يُشِير اللاهوتيّ الألمانيّ الكاثوليكي الشهير كارل رانر إلى ”مونارخية الآب“ في عقيدة الرسل وكتابات الآباء اليونانيين قائلًا: ((كارل رانر (يسوعي)، الثالوث: الله الواحد مصدر تاريخ الخلاص، ترجمة: نيكلس نسيم وتوماس نبيل، دار الأكويني، 2021، ص 24. )) وإذَا كنا نقصد أن لفظ الجلالة’الله‘في الكتاب المقدس وكتابات الآباء اليونانية يعني في المقام الأول الآب ، عندئذٍ، نجد أن البنية الثالوثية لعقيدة الرسل، التي تتناغم مع اللاهوت اليونانيّ للثالوث، ستؤدي بنا إلى أن نتعامل أولاً مع الآب، وأن نأخذ في اعتبارنا أيضًا، في هذا القسم الأول من عقيدة الله،’جوهر‘الله، أي ألوهية الآب. (كارل رانر اليسوعي، الثالوث: الله الواحد مصدر تاريخ الخلاص) ويُؤكِّد كارل رانر على الحقيقة السابقة في موضع آخر قائلًا: ((كارل رانر (يسوعي)، الثالوث: الله الواحد مصدر تاريخ الخلاص، ترجمة: نيكلس نسيم وتوماس نبيل، دار الأكويني، 2021، ص 66، 67. )) تعترف الكنيسة في إيمانها بإلهٍ واحدٍ قادرٍ على كل شيء، يظهر لها باعتباره الربَّ العامل في تاريخ الخلاص، وخالق كل الحقائق المحدودة، وتؤمن به باعتباره ’الآب‘. وهكذا تبدأ صيغة اعتراف الإيمان: ’نؤمن بإلهٍ واحدٍ، آبٍ قديرٍ‘. بالطبع، كان يمكننا أن نبدأ أيضًا بالاعتراف بالثالوث. على أيّ حال، يجب ألا يعني هذا أنه يوجد نوع من الألوهة بشكلٍ ما -فيما وراء الأقانيم الثلاثة- وأنها مقصودةٌ بشكلٍ كاملٍ من خلال الاعتراف، التي، من ثمَّ، تُفضِي إلى الشخصة الثلاثية. فالاعتراف الإيمانيّ والممارسات الدينية يُقصَد بهما الحفاظ على سلامة الحقيقة الخلاصية. لكن الثالوث، على هذا النحو’ثلاثية‘، بالتالي، يُعدّ مفهوم الوحدة، مفهومًا لاحقًا، بما أنه يجمع’الثلاثة‘معًا في وحدةٍ فيما يتعلق تحديدًا بذاكالذي من خلاله هم متمايزون بشكل تامٍ. وهذا كله يُفسِّر السبب في أنه من المشروع تمامًا، حتى في تنظيم منهجيّ لعقيدة الكنيسة، أن نبدأ كما في العقائد القديمة بالاعتراف الإيمانيّ بالآب. (كارل رانر اليسوعي، الثالوث: الله الواحد مصدر تاريخ الخلاص) شرح الثالوث بين الشرق والغرب يُشِير كارل رانر إلى اختلاف شرح الثالوث بين الشرق والغرب، حيث كانت نقطة انطلاق الكتاب المقدَّس والآباء اليونانيين هي الإله الواحد القائم بذاته، الذي هو آبٌ بالفعل، ولكن نقطة البداية اللاتينية تبدأ من وحدانية الجوهر الإلهيّ وصولًا إلى تمايُّز الأقانيم كالتالي: ((كارل رانر (يسوعي)، الثالوث: الله الواحد مصدر تاريخ الخلاص، ترجمة: نيكلس نسيم وتوماس نبيل، دار الأكويني، 2021، ص 25، 26. )) لا شك في أن مزيدًا من الاهتمام قد خُصِّصَ، ويجب أن يُخصَّص، عندئذٍ، حتى لا يُنظَر إلى هذا’الجوهر‘الإلهيّ نفسه على أنه حقيقة’رابعة‘سابقة الوجود في الأقانيم الثلاثة. وبالنسبة للكتاب المقدَّس والآباء اليونانيين فسيجعلون نقطة الإله الواحد القائم بذاته، الذي هو آبٌ بالفعل حتى من دون معرفة أي شيء بعد عن الولادة والانبثاق. فهو يُعرَف بأنه الأقنوم الواحد القائم بذاته الذي لا يمكن إدراكه’فعليًا‘باعتباره ’مطلقًا‘، حتى قبل أن يُعرَف بوضوحٍ بكونه نسبيًا. لكن نقطة البداية’اللاتينية‘المرتبطة بالعصور الوسطى جاءت مُختلفةً. وهكذا، قد يؤمن المرء بأن اللاهوت المسيحيّ أيضًا ربما، بل ويجب عليه أن يضع البحث في’الإله الواحد‘قبل البحث في’الإله الثالوثيّ‘. ولكن بالنظر إلى أن هذا المنهج تُبرِّره وحدانية الجوهر الإلهيّ، فإن البحث الوحيد الذي يُكتَب، أو من الممكن كتابته، هو’عن الإله الواحد‘. ونتيجةً لذلك، يصبح المبحث فلسفيًا ومُجرَّدًا بالكامل، ولا يشير على الإطلاق إلى تاريخ الخلاص. (كارل رانر اليسوعي، الثالوث: الله الواحد مصدر تاريخ الخلاص) سر مونارخية الآب ووحدة السمو الإلهي يُشِير كارل رانر إلى سر مونارخية الآب ووحدة السمو الإلهيّ كالتالي: ((كارل رانر (يسوعي)، الثالوث: الله الواحد مصدر تاريخ الخلاص، ترجمة: نيكلس نسيم وتوماس نبيل، دار الأكويني، 2021، ص 54، 55. )) وتمشيًا مع هذه الفكرة، بوسعنا أن نشير إلى أن وحدة السمو الإلهيّ الأساسية هي سر لا يُسبَر غوره، التي تظلّ غامضةً إلى الأبد عبر التاريخ، ووحدة سمو التاريخ تحمل أعماقها النهائية وجذورها الأكثر عمقًا في الثالوث، الذي فيه الآب هو الأصل الذي لا يُستقصَى والوحدة الأصلية،و’الكلمة‘هو نطقه في التاريخ، و’الروح القدس‘انفتاح التاريخ على أصله الأبويّ الوثيق وغايته. وعلى وجه الدقة، فإن ثالوث تاريخ الخلاص هذا، على النحو الذي به يُعلِن ذاته لنا بالأعمال هو الثالوث في جوهره . (كارل رانر اليسوعي، الثالوث: الله الواحد مصدر تاريخ الخلاص) جوهانس كواستن الآب هو الينبوع والمصدر عند ق. أثناسيوس يُشِير عالم الآبائيات الكاثوليكيّ الألمانيّ الشهير چوهانس كواستن إلى تفسير ق. أثناسيوس لأية أبي أعظم مني في سياق ثيؤلوجيّ وليس إيكونوميّ، بمعنى أن الآب هو المصدر والينبوع، مع رفض ق. أثناسيوس لتعليم التراتبية Subordinationism في الثالوث قائلًا: ((چوهانس كواستن، علم الآبائيات ”باترولوچيا‘، ترجمة: الراهب غريغوريوس البرموسي ود. نادر مدحت، باناريون للتراث الآبائي، 2021، ص 90، 91. )) ولا يوجد هناك أيّ مجال لأن يكون الابن أقل من الآب Subordinationism في التعليم عن اللوغوس. وإذَا قال الابن: ’أبي أعظم مني‘، فإن هذا يعني أن الآب هو المصدر والينبوع، والابن مولودٌ منه (Or. Arian. 3, 3; 4 EP 760/776). والابن مولودٌ أزليًا من جوهر الآب έκ τής ούσίας τοϋ πατρός، وهو واحدٌ في ذات الجوهر مع الآب όμοούσιος. وقد استخدم مجمع نيقية المصطلحين، ويَعتبرهما ق. أثناسيوس جوهرين بشكلٍ مطلقٍ، بينما تجاهل مصطلح ’مُشابِه‘ όμοιος لأنه غير مُرضٍ. (چوهانس كواستن، علم الآبائيات ”باترولوچيا‘) مونارخية الآب في الدراسات القبطية الحديثة نستعرض في هذا الجزء من بحثنا رأي اثنين من أفضل الباحثين الأقباط في الآونة الأخيرة وهما: المتنيح د. چورچ عوض، والمتنيح د. سعيد حكيم، اللذان كانا باحثين بالمركز الأرثوذكسيّ للدراسات الآبائية بالقاهرة والأستاذين لعلم الآباء ”الباترولوچي“ في الكلية الإكليريكية والمعاهد التعليمية. يتحدَّث الباحثان القبطيان عن ”مونارخية الآب“ في الثالوث وفي تعاليم آباء الكنيسة، وذلك ردًا على الادعاءات الواهية بأن مونارخية الآب هي الهرطقة الآريوسية، وهذا كلام عارٍ تمامًا عن الصحة، ونابع عن جهل وعدم وعي بتعاليم آباء الكنيسة بمونارخية الآب في الثالوث، بل ويتهم آباء الكنيسة ضمنيًا بالهرطقة الآريوسية لأنهم ينادون بمونارخية الآب، وهذا محض عبث وهراء. جورج عوض إبراهيم مونارخية الآب عند ق. كيرلس السكندري يتحدَّث المتنيح د. چورچ عوض إبراهيم، ردًا على الذين يقولون إن آباء كنيسة الإسكندرية لا يعرفون شيء اسمه مونارخية، بأن التعليم باعتبار الآب هو بداءة اللا بداءة للابن والروح القدس يُمثِّل واحدًا من التعاليم الأساسية عن الثالوث عند ق. كيرلس السكندريّ، قائلًا: ((كيرلس السكندري، الكنوز في الثالوث، ترجمة: د. چورچ عوض، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، ٢٠١١، مقدمة دراسية، ص ٢٠. )) إن الرأي العقيديّ بخصوص اعتبار الآب هو بداءة اللا بداءة للابن والروح القدس يُمثِّل واحدًا من التعاليم الأساسية عن الثالوث عند ق. كيرلس الإسكندريّ في شرحه للعلاقة الأزلية بين الآب والابن والروح القدس. (كيرلس السكندري، الكنوز في الثالوث) ويستطرد د. چورچ عوض في نفس السياق مُؤكِّدًا على أن التعبير عن الآب بأنه بداية اللا بداية للابن هو تعبير يصف العلاقة السببية الأزلية بين الآب والابن، أي العلاقة السببية التي توجد بين الآب كعلةٍ أزليةٍ والابن كنتيجةٍ أزليةٍ لهذه العلة كالتالي: ((كيرلس السكندري، الكنوز في الثالوث، ترجمة: د. چورچ عوض، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، ٢٠١١، مقدمة دراسية، ص ٢١. )) التعبير عن الآب بأنه بداية اللا بداية للابن هو تعبير يصف العلاقة السببية الأزلية بين الآب والابن، أي العلاقة السببية التي توجد بين الآب كعلةٍ أزليةٍ، والابن كنتيجةٍ أزليةٍ لهذه العلة، وبذلك فهو يخص المفهوم اللاهوتيّ للولادة الأزلية للابن من الآب. (كيرلس السكندري، الكنوز في الثالوث) المفهوم الأرثوذكسي لمونارخية الآب ويُؤكِّد د. چورچ عوض في موضع آخر على أن الآب هو البداية الازلية، والمصدر الأزلي للألوهية. الحقيقة الوجودية الأكثر عمقًا في الله هو أنه شخصٌ، ولا يوجد بأيّ طريقة أخرى إلا فقط بكونه شخص، فالآب هو علة الوجود الإلهيّ، بل اسمه هو اسم شركة قائلًا: ((چورچ عوض، المعرفة الإلهية بين الثيؤلوجيا والايكونوميا، القاهرة، ٢٠٢٠، ص ٣٨. )) الآب هو البداية η αρχή الأزلية، والمصدر πηγή الأزليّ للألوهية. إذًا، الله هو واحدٌ، لأنه واحدٌ هو الآب الذي يلد أزليًا الابن وينبثق منه الروح القدس أيضًا. هكذا أشخاص الثالوث القدوس هم من نفس الجوهر مع الآب، لكن الابن والروح القدس لهما علتهما الأزلية في شخص الآب. الحقيقة الأنطولوچية (الوجودية) الأكثر عمقًا في الله هو أنه شخصٌ، ولا يوجد بأيّ طريقة أخرى إلا فقط بكونه شخص. الآب هو علة الوجود الإلهيّ، بل اسمه هو اسم شركة. (چورچ عوض، المعرفة الإلهية بين الثيؤلوجيا والايكونوميا) سعيد حكيم أيوب شرح الثالوث بين ق. أثناسيوس والكبادوك يرى المتنيح د. سعيد حكيم أن ق. أثناسيوس تفرد بتقديم رؤية مختلفة عن الآباء الذين علموا بأن الآب هو المبدأ الأقنوميّ لأقنومي الابن والروح القدس مثل العلامة ديديموس الضرير، وق. باسيليوس الكبير، وق. غريغوريوس النيسيّ، وق. غريغوريوس النزينزيّ كالتالي: ((سعيد حكيم، الوحدة والتمايز في الثالوث القدوس حسب فكر آباء الكنيسة، القاهرة، ٢٠١٩، ص ١٣. )) القديس أثناسيوس تفرد بتقديم رؤية مختلفة عن الآباء الذين علَّموا بأن الآب هو المبدأ الأقنوميّ لأقنومي الابن والروح القدس، مثل العلامة ديديموس الضرير، وق. باسيليوس، وق. غريغوريوس النيسيّ، وق. غريغوريوس النزينزيّ، فعندما تناول الآباء موضوع μοναρχία المونارخية، أي وحدة المبدأ، كان للقديس أثناسيوس رأيًا خاصًا فقد أقر في خطابه للأنطاكيين بالاعتراف بثالوث قدوس، لكن لاهوت واحد ومبدأ واحد αρχή، وبأن الابن له ذات الجوهر الواحد مع الآب، كما أن الروح القدس غير منفصل عن جوهر الآب والابن. إلا أن قبوله بصيغة جوهر واحد وثلاثة أقانيم μία ούσία τρείς ύποστάσεις، لم يمنعه من رفض الرأي المنادي بوحدة المبدأ μοναρχία الذي تعتمد فيه وحدانية الله على شخص الآب. فحين يُشَار إلى أن الآب هو العلة αίτιος والمبدأ αρχή للابن، فإن المقصود هو التعبير عن حقيقة ثابتة ومطلقة، وهو أن الآب هو أبو الابن، وإن الابن هو ابن الآب. (سعيد حكيم، الوحدة والتمايز في الثالوث القدوس حسب فكر آباء الكنيسة) مونارخية الآب في تعليم الآباء الشرقيين ويُؤكِّد د. سعيد حكيم على أن الآباء الشرقيين قد نادوا بأن الآب هو المصدر والعلة في الثالوث، وأن الابن والروح القدس هما واحدٌ مع الله الآب في الجوهر قائلًا: ((سعيد حكيم، الوحدة والتمايز في الثالوث القدوس حسب فكر آباء الكنيسة، القاهرة، ٢٠١٩، ص ٢٤. )) لقد تمسك الآباء الشرقيون بمصطلحات العهد الجديد، فالإشارة إلى كلمة الله تتضمن الله الآب وابنه يسوع المسيح، كما جاء في (رو ٢: ٦؛ ٢كو ١١: ٣١؛ أف ١: ٣). فالله الآب هو خالق السماء والأرض، وهو بداية الوحدة الكونية لهذا العالم، الذي هو بالطبيعة خارج نطاق الألوهية، وهو المصدر والعلة، وأن الابن والروح القدس هما واحدٌ مع الله الآب في الجوهر. (سعيد حكيم، الوحدة والتمايز في الثالوث القدوس حسب فكر آباء الكنيسة) ويُؤكِّد د. سعيد حكيم في نفس السياق على أن التعليم اللاهوتيَّ عن الوحدة والتمايُّز في الثالوث القدوس، الذي أرسى مبادئه ق. إيرينيؤس، قد بدأ تقليد امتد إلى العصور اللاحقة، ووجد التعبير الكامل عنه من خلال الآباء الكبادوك، والذي يُقرّ ويعترف بأنه في شخص الله الآب تكمن الوحدة في الله، هذه الوحدة تحمل طابعًا خاصًا وتستند إلى أن الآب هو المصدر والأصل، وليست طبيعة إلهية مجهولة ليس لها كيانًا كالتالي: ((سعيد حكيم، الوحدة والتمايز في الثالوث القدوس حسب فكر آباء الكنيسة، القاهرة، ٢٠١٩، ص ٤٠. )) وهكذا من خلال هذا التعليم اللاهوتيّ عن الوحدة والتمايُّز في الثالوث القدوس، الذي أرسى مبادئه ق. إيرينيؤس، قد بدأ تقليد امتد إلى العصور اللاحقة، ووجد التعبير الكامل عنه من خلال الآباء الكبادوك، الذي يُقرّ ويعترف بأنه في شخص الآب، تكمن الوحدة في الله. هذه الوحدة تحمل طابعًا خاصًا وتستند إلى أن الآب هو المصدر أو الأصل، وليست طبيعةً إلهيةً مجهولةً ليس لها كيانًا. (سعيد حكيم، الوحدة والتمايز في الثالوث القدوس حسب فكر آباء الكنيسة) نستخلص مما سبق عرضه في كتابات د. چورچ عوض ود. سعيد حكيم النتائج التالية: 1) علَّم آباء الكنيسة الجامعة منذ ق. إيرينيؤس وحتى ق. كيرلس الإسكندريّ بمونارخية الآب. 2) علَّم آباء كنيسة الإسكندرية مثل ق. كيرلس الإسكندري والعلامة ديديموس الضرير الإسكندريّ بمونارخية الآب في الثالوث، وليس كما يدَّعي البعض بأن آباء كنيسة الإسكندرية لم يُعلِّموا بشيء اسمه مونارخية من الأساس. 3) القديس أثناسيوس حالة خاصة دون باقي آباء كنيسة الإسكندرية والآباء الكبادوك الذي نادى بمونارخية ثالوثية، وإنْ كان لم يرفض رفضًا تامًا مونارخية الآب، بل فسَّرها في ضوء الولادة الأزلية للابن من الآب. 4) مونارخية الآب ليس تعليمًا آريوسيًا، كما يدَّعي البعض عن جهل وعدم وعي، بل هو تعليمٌ أرثوذكسيّ سليم راسخ وثابت في كتابات آباء الكنيسة الجامعة شرقًا وغربًا وفي تقاليد كنسية مختلفة، سواء، إسكندريّ، أنطاكيّ، كبادوكيّ، غربيّ لاتينيّ قبل أوغسطينوس وتوما الأكوينيّ والعصر الوسيط. --- ### خدعوك فقالوا: كلنا واحد لأننا عرب - Published: ۲۰۲٤-۱۲-۱۲ - Modified: 2024-12-12 - URL: https://tabcm.net/32265/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: چورچ أورويل في العام الماضي 2023، كنت مُفوضًا من شبكة Theosis لزمالة الأقليات، والمنظمة من مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان  (OHCHR) بمقر الأمم المتحدة، چنيڤ، سويسرا. وخلال تواجدي في فندق الإقامة طلب مني أحد موظفي الاستقبال، وهو  من أصل مغربي، أن أساعده في التَّرْجَمَة لمجيء نزيل جديد من ليبيَا ولا يستطيعون التفاهم بينهما، فموظف الفندق يتقن الفرنسية اللغة الرسمية في جنيف، ولغته الأم في المغرب ليست العربية بل لغة محلية للبلدة التي ولد فيها (بالأغلب الأمازيغية) ولا يتحدث العربية، والليبي يتحدث العربية بلهجته الخاصة وأنا كذلك، فكنت أفهم ما يريده الليبي بالعربية وأتواصل مع موظف الفندق بالإنجليزية لأترجم له ما يسأل عنه النزيل الجديد. فلك أن تتخيل عزيزي القارئ أن مصري وليبي ومغربي، ثلاثتهم من المفترض أنهم عرب، لم يستطيعوا التواصل فيما بينهم إلا من خلال الإنجليزية، مع أنه نشأنا على "كليشيه" تم تجرعه بـ"ملعقة الدواء" ونحن  أطفال في المدارس بأن الدول التي تضع اللغة العربية لغة رسمية لها، ثقافتها واحدة، لأن غالبية سكانها يدينون بالإسلام ومن بعد منه توجد أقليات مسيحية وأديان أخرى، فإننا جميعا لنا لغة واحدة وثقافة واحدة، لذا التنميط والقولبة هم أحد أسوأ الأمور التي يرتكبها البشر بحق بعضهم، فإننا نلغي تمايز كل مجموعة عن بقية المجموعات الأخرى، وتفاوت الإنسان داخل نفس المجموعة. على أرض الواقع لا توجد دولة تتكلم العربية كما هي، بل في كل دولة سواء في شمال إفريقيا أو مصر أو سوريا ولبنان والعراق لغات قديمة لازال سكان هذه الدول يتحدثون بها مع استخدام كم أكبر من المفردات العربية، وحتى دول الخليج أو شبه الجزيرة العربية تتحدث كل دول منهم لهجة خاصة بها، كما أن مضمون الكلمات يختلف من دولة لدولة، ومن مدينة لمدينة داخل الدولة الواحدة. إذا اقتربنا بشكل مركز من الدول (الناطقة بالعربية) سنجد أن كل دولة منهم بها تنوع ديني ومذهبي وإثني ولغوي وثقافي كبير جدًا ولا يوجد فيهم مجموعة شبه الأخرى تمامًا، نعم هناك بعض المشتركات، لكن لكل مجموعة ما يميزها وتتفرد به، ومع الآسف فغالبية الدول العربية لا تعرف مفهوم الدولة بالمعنى الحديث حيث لا يوجد للدولة ومؤسساتها لون أو هوية دينية أو ثقافية بعينها، بل يوجد دستور وقوانين تمنع التمييز بين المواطنين بسبب دينهم أو إثنيتهم، وتحترم التعددية والتنوع وتمنح كل فرد في إطار انتمائه الوطني أن يعبر عن نفسه وهويته الفردية تحت مظلة الدولة كما هو حادث في الدول الحديثة، بل أن الدول العربية لا زالت تعيش وتُحكم بمنطق قبلي فكل مجموعة تصل إلى الحكم لا تبني مؤسسات دولة حقيقية عصرية بل تبني مؤسسات تبدو حداثية من الخارج لكنها تدار بمنطق قبلي، ورغم تعاسة الوضع في العديد من هذه الدول فإن قبيلة الحاكم سواء الدينية أو المذهبية تعتقد أنها أسعد حالًا من بقية القبائل، مما يخلق عداوات شعبية بين المواطنين يَجِبُ ألاّ تكون. لذلك، ما يحدث في سوريَا حاليًا، وما حدث مثله من قبل في ليبيَا والعراق واليمن والسودان وغيرها من الدول، هو إزاحة لقبيلة الحاكم من قبيلة أخرى، وكما فهمت من رواية "1984" للعبقري چورچ أورويل، فإن أي تغيير عنيف تحت مسمى الثورة أو الانقلاب، تزول معه طبقة حاكمة وتأتي طبقة أخرى جديدة، سيصحبه مزيدًا من العنف والديكتاتورية.  فإذا كان داخل البلد الواحد، المجموعات المختلفة من سكانه تدخل في عداء وحروب أهلية ومذهبية، فما بالنا بالعلاقة بين سكان الدول المختلفة؟ من خبرة شخصية طوال سنوات مضت، أصبح لي أصدقاء من مختلف الدول (العربية)، ومن بقاع العالم المختلفة، التقيت بهم في مؤتمرات وورش تدريبية وغيرها، ما سمح بوجود علاقات طيبة بيننا هو أن كل إنسان منا أراد أن ينفتح على الآخر ويتعرف عليه، وعلى ثقافته، وهو يدرك أنه"آخر"، وأنه "مختلف"، وأنه يجب أن يستوعبه ويتقبله كما هو. فالوحدة بين الشعوب لا تُفرض بـ"محقن الدواء" في حين على أرض الواقع قد توجد كراهية بين بعض من هذه الدول وشعوبها لأسباب عديدة ومختلفة، بل قد تحدث هذه الوحدة، عندما تركز هذه الدول على ترسيخ دساتير حديثة لا تميز بين مواطنيها، وتتحرر من القبلية، وتنتج مواطن ينتمي لوطنه، يعرف لأنه يحمل جنسيه أرض بعينها أن عليه وجبات وله حقوق يحصل عليها بغض النظر عن دينه أو مذهبه أو عرقه، وقتها عندما يلتقي مع مواطني الدول الأخرى، سيقبلهم ببشاشة لأنه يعي أنهم مختلفون عنه وأنه يحترم هذا الاختلاف، غير ذلك ستظل هذه المنطقة منكوبة بداء القبلية، وستظل صراعتها صفرية، ولا يوجد منتصر دائم وكل مجموعة تسعى للانتقام من الأخرى وإلغائها من الوجود. --- ### چان پول شارل إيمارد سارتر - Published: ۲۰۲٤-۱۲-۱۱ - Modified: 2024-12-11 - URL: https://tabcm.net/30688/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أبو الحسن علي عباس جريج ابن الرومي, أبو الطيب المتنبي أحمد الحسين الجعفي الكندي الكوفي, أبو عثمان عمرو بحر محبوب فزارة الليثي الكناني البصري الجاحظ, أبو فراس همام غالب صعصعة المجاشعي التميمي البصري الفرزدق, الاشتراكية, جابريل مارسيل, چان پول شارل إيمارد سارتر, ڤيودور ميخائيلوڤتش دوستويڤسكي, كارل ثيودور چاسپر الفلسفة الوجودية، المذهب الوجودي، پول سارتر؛ كلمات تجري على الألسنة للمناقشة والمداعبة، تجري على ألسنة الأساتذة الذين تعمقوا الفلسفة، أو العلميين الذين ينشدون دينًا أو مذهبًا يتفق مع الثقافة المادية التي تغمرهم. وتجري على ألسنة الشبان والفتيات الذين وجدوا في مذهب الحرية التي تدعو إليها الوجودية، أو تضطر إلى الاعتماد عليها، أساسًا قويًّا تنهض عليه، وجدوا فيها ما يقارب الإباحة فاستهتروا، ولكنهم لم يخدعوا أحدًا بأنهم فلاسفة أو أن پول سارتر يؤيدهم... لا، هم شبان يضحكون ويمرحون لا أكثر. حضرتُ دراما لپول سارتر في باريس، ولم أستطع الحصول على تذكرتي إلا قبل ميعادها بخمسة أيام لفرط التزاحم على رؤيتها، وكان ثمنها جنيهًا كاملًا، وهذه الدراما هي: «إبليس والله الطيب»، وهي تحوي من الزندقة أو الهرطقة ما لا يطيقه مؤمن، ولكن المتفرجين أنصتوا وكأنهم كانوا في قاعة جامعية يتعلمون. إنهم شعب قد تعلَّم معاني التسامح، وهو أن تتقبل في يسر وصمت ما تتألم منه؛ لأنك تعرف أن لغيرك الحق في أن يعتقد غير ما تعتقد، ولقد رأيت أحد الممثلين ينظر إلى أقدس شخصية عند المسيحيين فيقول: أنت أصم أنت أبكم! ثم يقف ممثل آخر فيقول: الناس متساوون، الناس إخوة، وهم جميعهم في الله، والله فيهم، والروح القدس ينطق من جميع الأفواه، وجميع الناس إنما هم كهنة وأنبياء، وكلهم قادر كفء لأن يقوم بالتعميد، وأن يشهد بالزواج، ويعلن بالبشارة الطيبة، ويغفر الخطايا، وكلهم يحيا الحياة العامة على الأرض في مواجهة الناس كما يحيا الحياة الخاصة مع نفسه في مواجهة الله. وهذه كلمات يستطيع القارئ المسلم أن يتحمل الكثير منها دون معارضة، ولكن المسيحي يجد فيها المناقضة للمبادئ الكنسية إن لم نقل للمبادئ المسيحية المعروفة، ومن هنا الصدمة التي أحدثتها هذه الدراما في باريس للكثيرين من المؤمنين، ولكن حتى هنا نجد سارتر رقيقًا مهذب الكلمة لطيف الإيماءة، أما في كتبه فإنه يصارح بالإلحاد، بل يجعل الإلحاد أساسًا لفلسفته ومذهبه، وهذا على الرغم من أن هناك وجوديين، مثل چاسپر، وجابريل مارسيل، يأخذون بمذهب الوجودية مع الإيمان بالله. وعندي أن وجودية سارتر ليست شيئا جديدًا على أوروبا إلا من حيث لهجتها الهجومية، وهي عندي أيضًا ليست فلسفة، وقصارى ما أفهمه منها أنها مذهب أخلاقي هو في النهاية ثمرة النزعة المادية في العلوم، كما هو ثمرة النزعة الانفرادية التي كانت تسود القرن التاسع عشر في السياسة والأخلاق. ما هي الوجودية؟ هي أنك موجود، هي أنك قد وجدت، ولكن وجودك هذا لم يكن ليزيد على سائر الأشياء الموجودة مثل الحجر والشجرة والملح والسكر، ولكنك أنت تختلف عن هذه الأشياء بأنها هي تبقى «موجودات» لا تزيد على ذلك، أما أنت فإنك تتناول وجودك هذا بعقلك ويدك فتصوغ نفسك وتستخرج أو تستخلص جوهرك. أنت وجود أولًا ثم جوهر ثانيًّا. أنت تولد وتحيا على هذه الأرض سبعين أو ثمانين سنة، ونحن نعرفك وأنت في السنة الأولى من عمرك مثلًا شيئًا «موجودًا» لا أكثر، ولكن بعد أربعين أو خمسين سنة نجد أنك قد «تجوهرت» فظهرت خلاصتك وأصبحت لك دلالة، فأنت وزير أو مؤلِّف أو ثري أو محام أو فيلسوف، وهذا هو الجوهر بعد الوجود، ومن الذي أحالك من الوجود إلى الجوهر؟ أنت نفسك؛ لأن كلًّا منا يتناول حياته من حيث يدري أو لا يدري، كأنها «مشروع» يقوم بإتمامه، وقد يشرع أحدنا في بناء بيت أو متجر أو غير ذلك من المشروعات، ولكن حياتنا «مشروع» أيضًا؛ إذ نحن نبنيها منذ طفولتنا تقريبًا إلى أن نموت، وعلى قدر مهارتنا في البناء تكون حياتنا سامية أو متوسطة أو دون المتوسط، وما دامت الحياة مشروعًا، وما دمت أنت تقوم بإنجاز أو إتمام هذا المشروع، فأنت مسئول عن حياتك، عن جوهرك. أنت مسئول؛ لأنك حر في اختيارك للأشياء التي انتهت بك إلى هذا الجوهر، وواضح أنك قد أخذت أحسن ما وجدت في هذه الدنيا، وهنا يقول سارتر بالحرف: ليس الإنسان شيئًا أكثر من أن يكون المشروع الذي شرعه وخططه لنفسه، ووجوده نفسه ليس قائمًا إلا على الحدود والقياسات التي يحققها لنفسه، وهو إذن ليس شيئًا أكثر من مجموع أعماله، ليس شيئًا أكثر من حياته. (چان پول شارل إيمارد سارتر) نحن أحرار؛ إذ نحن نختار أحسن ما نجد فنخطط مشروع حياتنا، وإذن نحن نخترع شخصيتنا. أجل، إن سارتر يقول: إن الإنسان يخترع الإنسان. ويقول بالحرف: ليس الإنسان شيئًا آخر غير مجموع مشروعاته، هو مجموع علاقاتها الواحد مع الآخر. (چان پول شارل إيمارد سارتر) وهو يلحظ هنا أن هذا المذهب يكرهه كثيرون ممن لن يصيبوا نجاحًا في الحياة، ولكننا نحملهم مسئولية فشلهم؛ لأنهم أساءوا الاختيار حين اختاروا عملًا معينًا يرتزقون منه، أو أخلاقًا معينة اتخذوها للسلوك العام أو الخاص، أو حين اختاروا زوجاتهم أو أصدقاءهم أو نحو ذلك، ويقول: هاك رجلًا يرتبط بعمل ويؤدي خدمة، وهو بهذا قد رسم حياته، بل ليس هناك من حياته ما يزيد على ذلك، وواضح أن هذه الفكرة تبدو قاسية عند أولئك الذين لم ينجحوا في الحياة. (چان پول شارل إيمارد سارتر) ما هي النقطة البؤرية عن سارتر؟ هي إلحاده، هي أن يقول إننا -نحن البشر- يتامى في هذا الكون ليس لنا سند نستند إليه في اتخاذ الأخلاق أو تعيين الأهداف، «نحن هُمّل» نحن سدًى، قد حُكم علينا بالحرية، هي حُكْم علينا، وهي ليست ميزة لنا. ولذلك، لأننا أحرار، نحن في قلق، نحن في حيرة، كيف أختار؟ كي أخطط حياتي؟ كي أنجز مشروع حياتي؟ ويتذكر سارتر هنا قول دوستويڤسكي: إذا لم يكن الله موجودًا فكل شيء «يجوز»؛ أي إن الإنسان عندئذٍ يصبح مجرمًا يرتكب ما يشاء من جرائم كما تمليها عليه شهواته. ولكن سارتر يرد فيقول: لا، إنما الإنسان حر؛ لأنه مسئول، وهذه الشهوات لا تقود الإنسان، إنما الإنسان هو الذي يقودها، وهو مسئول عن التصرف بها. هذه المسئولية هي التي تدفعه في النهاية إلى أن يكون مسئولًا عن المجتمع؛ لأنه ما دام يختار أحسن الأشياء لنفسه فهو أيضًا يختار هذه الأشياء ذاتها للمجتمع الذي يعيش فيه، وهو يقول بالحرف: إننا حين نطلب الحرية لأنفسنا، نجد أنها تتوقف على حرية الآخرين، كما تتوقف على حريتنا. (چان پول شارل إيمارد سارتر) وهذا عنده الرد الكافي على دوستويڤسكي. وإليك منه هذه المقتبسات المثيرة: يجب أن نجعل الاختيار للأخلاق مثل صياغة العمل الفني، نصوغ حياتنا كما لو كانت تحفة فنية. (چان پول شارل إيمارد سارتر) ثم يقول: يصف الوجوديون الرجل الجبان بأنه هو المسئول عن جبنه، وهو ليس جبانًا لأن له قلبًا أو رئة أو مخًّا، ليس جبانًا لأن له نظامًا فسيولوجيًّا معينًا؛ وإنما هو جبان لأنه بنى نفسه على هذه الصورة بأعماله، وأيضًا الجبان قد صاغ نفسه بالجبن، والبطل قد صاغ نفسه بالبطولة. (چان پول شارل إيمارد سارتر) هو مذهب انفرادي ممعن في الانفرادية، كأن المجتمع ليس مسئولًا عن الفرد، وأن الفرد ليس مسئولًا عن المجتمع. وما دام الشأن كذلك فأنت مضطر إلى أن تقول إنك حر، وإنك تختار، وإنك تجمع حياتك، وإنك مسئول عن كل ميزاتك أو نقائصك. اعتبر كلماته هذه: أنا محتاج إلى أن أعيِّن القيم الأخلاقية، وإذن يجب أن نعتبر الأشياء كما هي في الواقع، وإذا قلنا إننا نخترع هذه القيم الأخلاقية فمعنى هذا أنه ليس للحياة أولًا معنًى؛ أي قبل أن تولد أنت لم تكن الحياة شيئًا له معنًى، والقيمة الأخلاقية ليست شيئًا أكثر من هذا المعنى الذي تكسبه أنت للحياة. وإذن تجد أنه من الممكن إيجاد مجتمع بشري على هذا الأساس. (چان پول شارل إيمارد سارتر) أصحيح هذا؟ هل يمكن إيجاد مجتمع بشري إذا كنا نفرض قبل كل شيء أن كل إنسان حر في أن يخترع أخلاقه بنفسه لنفسه؟ إن هذا إمعان في الانفرادية التي قد تنتهي بالفوضى الاجتماعية والأخلاقية. ••• إني عندما أتأمل الوجودية التي طغت على الباريسيين هذه الأيام، أراني أفتقد فيها الفلسفة فلا أجدها، وأنتهي إلى أنها «مذهب» ولكنها مذهب ضار. ذلك أن الفلسفة تمتاز بأنها يمكن البرهنة على صحة قواعدها، ولكن الوجودية تلقي بقواعدها كما لو كانت عقائد دينية، وإن خلت من الأساس للأديان الكبرى من حيث الإيمان بالله. أما أنها مذهب ضار فذلك لإسرافها في الفردية، فالإنسان عند الوجوديين مسئول أمام نفسه ولنفسه فقط، وليس مسئولًا أمام المجتمع ولا أمام الله. ثم هي مع ذلك تفرض للإنسان حرية الاختيار، كأن المجتمع بعاداته ولغته، وسني الطفولة التي تتكون فيها المركبات وتكاد تتجمد، والوسط الثقافي والاجتماعي، ووطأة الحوادث وتنوعها، كل هذا لا يؤثر في تكوين الفرد أو توجيهه؛ إذ هو حر في الاختيار. وينسى سارتر أنه اختيار الضرورة، اختيار الجبر. ولكن السؤال هنا: لماذا نجحت الوجودية في فرنسا بل أوروبا؟ اعتقادي أن نجاحها يرجع أولًا إلى التفكير المادي الذي عم أوروبا وجعل الأوربيين ينفرون من الغيبيات بأنواعها جميعًا. ويرجع ثانيًا إلى إحساس الزهو الذي تضفيه الوجودية على المؤمن بها، من حيث إنه مستقل في هذا الكون له حق الاختيار دون أية قوة أخرى. ويرجع ثالثًا إلى اليسر البديع في أسلوب سارتر الذي يجعل الأستاذ والطالب والحوذي والسمكري يفهمونه بلا استغلاق، ولعل الوجودية أول ما فهموه من أنواع الرطانة الفلسفية، وهم بهذا الفهم سعداء مزهوون. ويرجع هذا النجاح أخيرًا إلى أنها تناقض الأخلاق الاشتراكية التي تقول، أول ما تقول، بأن الإنسان قد تكوَّن بالمجتمع ثم هو يجب أن يكوِّن المجتمع الأمثل. ومعنى هذا أنه أصبح للوجودية معنًى سياسي، حزبي؛ فهي لذلك تتسلسل إلى المنابر ويأخذها الخطباء بالقدح والمدح وتذكر كلماتها وعقائدها أيام الانتخابات البرلمانية؛ ولذلك هي أكثر من «فلسفة»، هي كفاح، هي سياسة، هي حزبية. ••• ولو كنت أخاطب الشبان وأنشد لهم القوة والمجد لدعوتهم إلى الوجودية، وعندئذٍ أكون معتمدًا على ما يسميه القانونيون «أكذوبة شرعية»؛ أي أكذوبة أهدف منها إلى أن أجعل الشاب يحس أنه مسئول، وأنه يستطيع أن يتسلط على القَدر، ويصوغ حياته كما يشاء، وأن عليه أن يأخذ حياته بالجد والبصر؛ إذ هو مستقل، وهو حر، وهو قادر، إذا شاء أن يصل إلى أعلى قمة في المجتمع الذي يعيش فيه. وحين أقول هذا القول أعرف أني، من حيث الفلسفة والسيكلوجية والاجتماع كاذب؛ إذ إن الإنسان ليس حرًّا وأن الحقيقة أن المجتمع يصوغه. وموقفي هنا لا يختلف عن موقف القضاء، فإننا نحاكم المجرمين «كما لو كانوا» مسئولين ليس للمجتمع تأثير عليهم، وعلى هذا الأساس نعاقبهم. وهكذا الشأن أيضًا في الأخلاق يجب أن نقول إن كل إنسان مسئول عن أخلاقه، ونعامله كما لو كان حرًّا قد اختار هذه الأخلاق، وإذن لا تزيد الوجودية على أن تكون مذهبًا ارتقائيًّا في الأخلاق ووسيلة إلى بعث النشاط والحيوية والجد. ••• سبق أن قلت إن «إلحاد» پول سارتر يعد نقطة بؤرية في فلسفته، ولكننا يجب أن نبين هنا أن هذا الإلحاد ليس هوًى وليس طارئًا؛ لأنه إنما يتفق ويتناسق مع فلسفته إذ هو يقول: إننا نوجد أولًا ثم نتجوهر ثانيًا. أي: الوجود، الظاهر لنا، نعرفه أولًا. ثم الجوهر، أو الماهية، أو الأصل خلف الوجود، نعرفه ثانيًا إذا استطعنا ذلك. وإذا عددنا أن الله هو أصل الكون فمحاولتنا لأن نعرفه يجب ألا تكون بداية البحث؛ لأن بداية البحث هو الوجود الظاهر وليست الماهية المستترة، بل ليست هناك عند سارتر ماهية لأي شيء، وإنما هناك وجود فقط. وقد نقول إنك تتجوهر بعد أربعين سنة، ولكن هذا المعنى مجازي هنا؛ لأننا نقصد منه أنك تتكامل وتصل إلى أقصى كفاءاتك وميزاتك. ولذلك سارتر ينكر الإيمان بالله، بل هو يكافح هذا الإيمان. ••• ويحب أخيرًا ألا نقلل من إقدام سارتر على أن يكتب الفلسفة للشعب، أو على حد قوله إنه قد أدخل الفلسفة في السوق، فإنك تقرأه فلا تجد تلك الكلمات النابية أو العبارات المعقدة التي تجدها عند من كتبوا قديمًا حين كانت الفلسفة تُكتب للفلاسفة وليس للشعب، أو كما كان يُكتب الفقه للفقهاء، وليس للشعب. وهو هنا مبتكر ونافع وجريء، ولكن الأدباء العصريين قد سبقوه بأن صاروا يكتبون منذ نحو مائتي سنة للشعب أيضًا. وهنا فرق عظيم بين الأدب الأوروبي والأدب العربي، أو على الأقل الأدب العربي القديم، فإن أمثال المتنبي والجاحظ والفرزدق وابن الرومي كانوا أدباء يكتبون لأدباء مثلهم وليس للشعب، بل إن المتنبي كان يفخر بأن الأدباء أنفسهم لا يفهمونه؛ إذ يختلفون عن معانيه ويناقشونها وهو قاعد هانئ. وهذا التغير إنما يعزى إلى أن «الشعب» لم يكن موجودًا عند الأمم القديمة، والذي أوجده في أوروبا هو الحركة الصناعية الجديدة التي عممت الثراء بين أفراده ثم عممت التعليم، فصار الأدباء والفلاسفة يكتبون للشعب وليس للأدباء والفقهاء والفلاسفة. --- ### الاختيار - Published: ۲۰۲٤-۱۲-۱۰ - Modified: 2024-12-10 - URL: https://tabcm.net/32206/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون - وسوم: التبني, داود النبي والملك, سليمان الحكيم, سمعان بن يونا, قديس بولس الرسول هل فكرت يومًا في الاختيار الذي كان على موسى النبي أن يتخذه حين ترك مصر؟ هذا الاختيار هو ما جعل موسى النبي عظيمًا! «قَدْ جَعَلْتُ قُدَّامَكَ الْحَيَاةَ وَالْمَوْتَ. الْبَرَكَةَ وَاللَّعْنَةَ. فَاخْتَرِ الْحَيَاةَ لِكَيْ تَحْيَا أَنْتَ وَنَسْلُكَ، إِذْ تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ وَتَسْمَعُ لِصَوْتِهِ وَتَلْتَصِقُ بِهِ، لأَنَّهُ هُوَ حَيَاتُكَ وَالَّذِي يُطِيلُ أَيَّامَكَ لِكَيْ تَسْكُنَ عَلَى الأَرْضِ الَّتِي حَلَفَ الرَّبُّ لآبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أَنْ يُعْطِيَهُمْ إِيَّاهَا» (سفر التثنية 30: 19-20) سليمان الملك الحكيم معروف بحكمته، ودانيال النبي معروف برؤاه، وداود الملك معروف بمزاميره، والقديس بطرس الرسول معروف بحماسته؛ لكن موسى النبي أصبح عظيمًا بسبب الاختيار الذي اختاره. نقرأ في سفر العبرانيين الإصحاح الحادي عشر إن موسى من بين أبطال الإيمان عند الرب يسوع. «بِالإِيمَانِ مُوسَى لَمَّا كَبِرَ أَبَى أَنْ يُدْعَى ابْنَ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ، مُفَضِّلًا بِالأَحْرَى أَنْ يُذَلَّ مَعَ شَعْبِ اللهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ تَمَتُّعٌ وَقْتِيٌّ بِالْخَطِيَّةِ، حَاسِبًا عَارَ الْمَسِيحِ غِنًى أَعْظَمَ مِنْ خَزَائِنِ مِصْرَ، لأَنَّهُ كَانَ يَنْظُرُ إِلَى الْمُجَازَاةِ» (رسالة بولس إلى العبرانيين 11: 24-26) موسى النبي، الذي وجدته ابنة فرعون وهو طفل في سلة بين أعشاب نهر النيل، نشأ في قصر فرعون بين الثروة والرخاء والعظمة التي كانت تميز هذا العصر. ولكن عندما بلغ سن الرشد، كان عليه أن يختار بين أمرين: هل يكون مخلصًا لمصر ويرتدي تاج الفراعنة، أم يختار الحياة مع شعب بني إسرائيل؟ فقد كان عبرانيًّا وليس مصريًّا. يا لها من أزمة بالنسبة لهذا الشاب موسى! تخيله وهو يصعد إلى مكان مرتفع وينظر إلى أضواء القصر وهي تتلألأ من المدينة الإمبراطورية - القصر بكل ثرواته وجماله، الأشياء التي اعتاد عليها طوال حياته. ثم لو إنه نظر جنوبًا نحو الأهرامات، حيث كان شعبه يعمل كعبيد لفرعون، يصنعون الطوب؛ وبينما كانوا يعملون على صوت سوط سائق العبيد، بالتأكيد كان قلب موسى يحترق في داخله. كان واحدًا من الشعب العبراني، ولكن إذا اختار أن يكون هكذا، فسوف يتعين عليه أن ينسى كل الرَفَاهيَة التي كان يتمتع بها دائمًا؛ سوف يرتدي زي العبيد المحتقر ويتخلى إلى الأبد عن أمه بالتبني، ابنة فرعون. لكنه اختار، كما تقول كلمة الله «أَنْ يُذَلَّ مَعَ شَعْبِ اللهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ تَمَتُّعٌ وَقْتِيٌّ بِالْخَطِيَّةِ». في ذلك الزمان كانت "ملذات الخطية" أكثر إغراءً مما قد يتصوره المرء من هذا البيان البسيط، لأن مصر في ذلك الوقت كانت المكان الأكثر جاذبية على الأرض. كانت مخازنها مليئة بالحبوب، وكانت ثروات العالم تتدفق إلى خزانتها ــ وكان بوسع موسى أن يرث كل ذلك. لقد تهذَّب موسى «بِكُلِّ حِكْمَةِ الْمِصْرِيِّينَ» ((سفر أعمال الرسل 7: 22 ))، لذلك كان يعرف بالضبط ماذا يعني مثل هذا الاختيار: التحوُّل من خيرات أعظم إمبراطورية على الأرض إلى العبودية! ولكنه لم يكن متعلمًا وحكيمًا فحسب، بل كان بعيد النظر؛ وكان على استعداد للتضحية بالمتعة الحالية من أجل مكاسب مستقبلية: «كَانَ يَنْظُرُ إِلَى الْمُجَازَاةِ» ((رسالة بولس إلى العبرانيين 11: 26 )). بعبارة أخرى، كان يعلم أن ملذات الخطية كان دوامها للحظة فقط، ولكن مجازاة الله للاختيار الصحيح كانت إلى الأبد. لقد فهم موسى أنه بدون رحمة الله، فإن كثير الغنى لا يعدو أن يكون فقيرًا. كتب القديس بولس الرسول عن الرب يسوع «أَنَّهُ مِنْ أَجْلِكُمُ افْتَقَرَ وَهُوَ غَنِيٌّ، لِكَيْ تَسْتَغْنُوا أَنْتُمْ بِفَقْرِهِ» ((رسالة بولس الثانية إلى كورنثوس 8: 9 )). وهذا هو الاختيار الذي اتخذه موسى النبي أيضًا. لقد كان اختياره سببًا في الفقر والمعاناة والإذلال المروع، ولكنه قرر أن يفضِّل أن يكون أصغر أبناء الله هنا في هذا الدهر، وبعد ذلك ينال إكليلًا إلى الأبد في الحياة الأبدية: «طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي يَحْتَمِلُ التَّجْرِبَةَ، لأَنَّهُ إِذَا تَزَكَّى يَنَالُ «إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ» الَّذِي وَعَدَ بِهِ الرَّبُّ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ» (رسالة يعقوب 1: 12)   «كُنْ أَمِينًا إِلَى الْمَوْتِ فَسَأُعْطِيكَ إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ» (سفر الرؤيا 2: 10) ولذلك فقد اتخذ موقفًا مع أبناء الله، حتى يقف معهم أمام الملك الأبدي وينال إكليل الحياة. ربما كان وقوفه على درجات ترقي القصر يبدو وكأنه اختيار أحمق، ولكن وقوفه على درجات عرش الله في السماء، في حين ينظر موسى إلى الوراء، كان اختيارًا حكيمًا ومجيدًا! لقد أصبح واحدًا من أعظم قادة العالم، ويمتد تأثيره إلى يومنا هذا. كثيرون اليوم قصيرو النظر عندما يتخذون خياراتهم؛ لا يرون إلا الحاضر. إنهم يبيعون المستقبل من أجل الحاضر. إنهم غير مبصرين للمكافأة التي كان من الممكن أن تكون لهم. والآن: ماذا عن اختياراتك؟ هل تعاني من قصر النظر الروحي، حيث تعيش في الغالب من أجل الحاضر؟ أم أنك تركز في قلبك وعقلك على المجازاة العظيمة التي وعد بها الرب أولئك الذين وضعوه وملكوته في المقام الأول؟ هل تبعد الملذات بصرك عن المكافأة العظيمة التي أعدها الله لك؟ إن حقائق الأبدية هي نعيم إلى الأبد! الله يحبك ولديه خطط عظيمة لحياتك، لكنه يترك لك الاختيار. فاختر الخيار الصحيح: «اخْتَرِ الْحَيَاةَ لِكَيْ تَحْيَا أَنْتَ وَنَسْلُكَ»! --- ### تحولات ستة عقود: مرحلة التغيرات الفارقة - Published: ۲۰۲٤-۱۲-۰۹ - Modified: 2024-12-09 - URL: https://tabcm.net/31885/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أقباط المهجر, أنبا صموئيل، أسقف الخدمات, إكليروس, الأب متى المسكين, العلمانية, القرعة الهيكلية, الكنيسة والدولة, انتخاب البابا, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس السادس, بابا يوساب الثاني, جماعة الأمة القبطية, حبيب جرجس, دير الآباء السريان, رئيس جمال عبد الناصر, رئيس محمد أنور السادات, رحبعام, قديس بولس الرسول, مجلة الكرازة, مدارس الأحد, مكرم عبيد يرحل قداسة البابا كيرلس السادس بشيبة صالحة ـ 9 مارس 1971م - بعد مرحلة تأسيسية هامة في تاريخ الكنيسة والوطن، وبعد رحيل الرئيس جمال عبد الناصر بشهور قليلة ـ 28 سبتمبر 1970م ـ لتبدأ مرحلة جديدة على المستويين الكنسي والوطني تحمل متغيرات فارقة في كليهما، تراوحت بين المهادنة والمواجهات العاصفة. لم يكن البابا الجديد ـ قداسة البابا شنودة الثالث ـ وجها غريبًا على الشارع القبطي فقد عرفه لنحو عشر سنوات (1962 ـ 1971) بصفته أسقفًا للتعليم، عبر اجتماعه الأسبوعي المستحدث، وفيه أسس لمدرسة جديدة في الوعظ كسرت النمط السائد قبلها، حين كانت اللغة المستخدمة قبله تعتمد الفصحى في أغلبها، وتدعمها بلغة الجسد وتنويعات نبرة الصوت، فإذا به يستخدم لغة تقترب من لغة الصحافة، وفي هدوء باعث للطمأنينة والثقة، يمكن أن توصف بالسهل الممتنع، لم تتنكر للفصحى ولم تقع في تعقيداتها، مدعومة بالحكايات وبعض من طرائف، تكسر الحاجز بين المنصة والقاعة، وكانت اختياراته ذكية، تتلامس مع شجن المتلقين واحتياجاتهم النفسية والروحية، في مناخ عام ضاغط، فمازلت أتذكر اجتماعاته الأولى المفتوحة للكافة في مطعم الكلية الإكليريكية، كانت تدور حول مزامير السواعي، وأكاد أتذكر تفاصيل حديثه عن مزمور يستجيب لك الرب في يوم شدتك... ، الذي تلامس مع كل فرد من الحضور، لعل من عوامل الإبهار آنئذ أن يتاح لنا أن نجلس إلى أسقف، يحادثنا ونسأله، في وقت كان للأسقف هيبته وشموخه. لم يكن وصوله للكرسي البابوي رمية بغير رام، فالمتتبع لسيرته يجد أن سعيه لهذا بدأ مبكرًا، عقب رحيل قداسة البابا يوساب الثاني، 14 نوفمبر 1956م. ، إذ كان اسم الراهب أنطونيوس السرياني ضمن قائمة المرشحين، ولم يكن قد مضى على رهبنته عامين، ومعه كمرشحين بعض من شباب الرهبان، الأمر الذي أقلق الكنيسة والحكام الجدد، ضباط يوليو، وكانوا شبابًا من جيلهم أيضًا، فكان أن تم تعديل لائحة انتخاب البابا البطريرك فيما يتعلق بشروط الترشح، السن ومدة الرهبة، ليحول دون ترشحهم، وقد كان، لكن الزمن يمضى وتسقط هذه الموانع لاستيفائهم تلك الشروط، عندما يرحل البابا كيرلس السادس ويقفز اسم الأنبا شنودة أسقف التعليم مجددًا في قوائم المرشحين، وهو نفسه الراهب أنطونيوس السرياني، وتأتي به القرعة الهيكلية إلى موقع البابا البطريرك. في تقديري هذا الإصرار يعني  أمرين؛ الأول أنه مؤمن ومرتكز على قول القديس بولس الرسول في رسالته الأولى لتلميذه تيموثاوس صَادِقَةٌ هِيَ الْكَلِمَةُ: إِنِ ابْتَغَى أَحَدٌ الأُسْقُفِيَّةَ، فَيَشْتَهِي عَمَلاً صَالِحًا، والثاني أن لديه رؤية ملحة لإدارة الكنيسة وتصحيح ما يراه في إدارتها من عوار، متأثرة بالضرورة بتجاربه السياسية في شبابه، حين اقترب لفترة في بواكير شبابه من المجاهد الأكبر الزعيم مكرم عبيد في حزب الكتلة الوفدية، ولعل هذا أحد أهم الأسباب التي دفعته للرهبنة كطريق أوحد للوصول إلى إدارة الكنيسة، بعد أن فشلت محاولة جماعة مدارس الأحد في الدفع برائدهم الأستاذ حبيب جرجس إلى كرسي الأسقفية، وبعد فشل جماعة الأمة القبطية في فرض التغيير عنوة باختطاف البابا الأسبق الأنبا يوساب وإجباره على توقيع وثيقة تنازل عن موقعه. استلم قداسة البابا شنودة الكنيسة وبها 27 مطرانًا وأسقفًا، وقام على مدى حبريته التي امتدت لنحو أربعين عامًا (1972 ـ 2012) برسامة 116 أسقفًا إضافة إلى رسامة خوري إبسكوبوس واحد، منهم خمسة أساقفة لإريتريا، والباقي لتغطية احتياجات الكنيسة بعد تقسيم إيبارشيات من رحل من المطارنة والأساقفة والبالغ عددهم 41، وتوسعات كنائس المهجر، إضافة إلى الأساقفة العموميين. ((المرجع بحث للأستاذ الدكتور اسحق إبراهيم عجبان نشر بمجلة الكرازة 17 نوفمبر 2017. )). كانت الإيبارشيات وقت تجليس قداسة البابا شنودة الثالث مترامية الأطراف، بعضها تشمل محافظة بأكملها، وبعضها تضم أكثر من محافظة، وكان غالبية الآباء المطارنة من الكهول الذين توالى رحيلهم، فيقوم قداسة البابا بتقسيم الإيبارشية التي يرحل مطرانها إلى كيانات رعوية (إيبارشيات صغيرة) ويقيم على كل منها أسقفًا، سعيًا لخدمة أفضل، فضلًا عن تقسيم إيبارشية البابا إلى أقسام تضم عدد من الأحياء يسند إدارتها لأسقف عام، دون تجليس، فتبقى كما هي إيبارشية أسقفها البابا، يديرها من خلال معاونيه الأساقفة العموميين. وهي رؤية تحتاج لتقييم ومراجعة بعد تراكم خبرات التطبيق وهي ليست في معظمها إيجابية. كان من نتائج هذا التقسيم وقد صارت الإيبارشية تضم عددًا محدودًا من المراكز وما يتبعها من قرى، وفي إيبارشية البابا عدد يتراوح من عشرة إلى نحو عشرين كنيسة يديرها أسقف عام، كان من نتائج هذا أن تقلص دور الأب القمص (الإيغومانس) ليحمل الأسقف مهمة تلقي مطالب وشكاوى القسوس والرعية بشكل مباشر، الأمر الذي أربك سياق الخدمة، ومثل ضغطًا على الأب الأسقف، بجوار مهامه الرعوية الاعتيادية، واللافت قيامه بزيارات مكوكية لأقباط المهجر من أبناء إيبارشيته أو لكشف طبي دوري، أو لتغطية احتياجات الإيبارشية، من عطايا أقباط المهجر. وينعكس هذا سلبًا على واقع الخدمة في كثير من الأحوال. وتتحول رتبة القمصية إلى رتبة شرفية تعطى تكريمًا لكبار القسوس سنًا أو رسامة. ومع التوسع في تقسيم الإيبارشيات تراجعت الشروط الموضوعية في الاختيار من الرهبان لرتبة الأسقفية، وصار لأبناء الطاعة حظًا أوفر من أصحاب الخبرة والحكمة والوعي في الاختيار، وكما أشرنا قبلًا فبعضهم دُفع إلى دخول الدير لشهور قد لا تتجاوز العام ليتم رسامته استيفاء لشرط الاختيار من بين الرهبان، رغم أن القوانين الكنسية ذات الصلة تسمح بالاختيار من المتبتلين دون رهبنة، وتاريخ الكنيسة يشهد لاختيارات عديدة حتى في رتبة البابا البطريرك من المتبتلين غير الرهبان. كانت باكورة رسامات الأساقفة مبشرة بكتيبة خدمة يمكنها أن تقتحم حصون الانقطاع المعرفي والتراجع الذي طال، وتحديات المتربصين بالكنيسة، كتيبة تمتلك قاعدة روحية ومعرفية ولغة خطاب تؤسس لبناء لاهوتي وفكري أرثوذكسي يعيد التواصل مع التراث الآبائي والكتابي، إذ جاءت من رفاق مسيرة الخدمة والتكريس، قامات واعية وباحثة وباذلة، لكن يبدو أن الواقع كان ضاغطًا وأكثر تعقيدًا من الرؤى الطوباوية، فبدت الحاجة إلى تشكيل ظهير يدعم توجه القائد في مواجهة الحرس القديم، ومواجهة إرهاصات جماعات إرهابية بدت تتشكل في الأفق السياسي، لنجد خريطة رسامات الأساقفة تتشعب بين من يدركون مسؤولياتهم وصلاحياتهم، وآخرون يفتقرون للخبرة الرعوية في إدارة إيبارشياتهم، وبعضهم يديرونها برؤى رهبانية متعسفة لا تناسب طبيعة الخدمة خارج الأديرة، وبعضهم يديرونها برؤى ذاتية تفتقر للأبوة والوعي الآبائي المدرك لمسؤولية خلاص الرعية. كانت رسامات في أغلبها من شباب الرهبان، قليلي الخبرة ومن ثم الحكمة، يعيدون للذهن صورة أولئك الشباب الذين استشارهم رحبعام بن سليمان، وأخذ بمشورتهم متغاضيًا عن نصيحة الشيوخ، وكانت النتيجة وبالًا على مملكته. وأتذكر أن الرئيس السادات قال موجهًا كلامه لقداسة البابا في خضم التصعيد بينهما بيِّض لحاهم يا شنودة. قبل خريطة الرسامات تأتي خريطة الرهبنة؛ التي شهدت قفزات كبيرة بدأت مع مغامرة دخول الرواد الثلاثة متى المسكين ومكاري السرياني وأنطونيوس السرياني، وهم من هم في أوساط الشباب، ربما باستثناء الأول الذي تسلل خفية قاصدًا مناخًا ومكانًا يتيحان له تفرغًا كاملًا يتعرف فيه بعمق على حكاية الإنسان ما بين الخلق والسقوط والفداء كما تتكشف في أسفار الكتاب المقدس بحسب روايته التي سجلها مبكرًا بين رهبانه على شريط يحمل عنوان تأثير الإنجيل في حياته الرهبانية. اللافت أن أسوار دير السريان احتوتهم معًا في مرحلة من مراحل البدايات، لكن تأثيرهم قفز فوق تلك الأسوار وراح يتنسمه شباب جيلهم كرائحة بخور ذكية، فتأثر بهم العشرات من حملة الشهادات الجامعية بمختلف التخصصات وقصدوا الاقتداء بهم، فراحوا يطرقون أبواب الأديرة، في أفواج بعثت الحياة في صحرائها. تجري في نهر المجتمع مياه كثيرة يضطرب معها الاقتصاد، ونعرف مصطلحات التضخم والبطالة، والهجرة إلى الخارج، وعلى هامش هذا يلجأ طيف من الشباب إلى الرهبنة، حيث المأوى والحياة حتى بتوفر الحد الأدنى من مقومات الحياة، وقتها، بغطاء يبدو روحيًا، ينخرطون في الحياة الرهبانية، وقد يصادف الحظ بعضهم فيقع عليهم الاختيار للخدمة خارج أسوار الدير. ومع انخراط الأديرة في تطوير ما كان يعرف بـ "عمل اليدين" كمصدر يوفر احتياجات الدير والرهبان من مأكل وضروريات الحياة، مع توفر خبرات المنضمين الجدد من المتخصصين في مجالات الزراعة والتصنيع الزراعي والإدارة، باحت الصحراء لهم بأسرارها، وعرفت الأديرة الزراعات المكثفة، ومشروعات الثروة الحيوانية والداجنة، ومن ثم مشروعات التصنيع الزراعي فكان قبول الهاربين من البطالة يسد احتياجاتها من الأيدي العاملة وبدون تكلفة تذكر، وعرفت الأديرة طريقها إلى دوائر التسويق المحلي وبعضها إلى التصدير. لم تعد نذور الرهبنة قادرة على مقاومة التطورات المتلاحقة التي اقتحمت الأديرة، وهو في بعضه نتج عن سياسات إدارة الدير، بعد أن اتجهت الكنيسة لرسامة أسقف لكل دير، ليصير الاستثناء قاعدة، ويصير أسقف الدير في غالبية الأديرة أب اعتراف أوحد لكل رهبان ديره، وينزوي شيوخ الرهبان، ومعهم تتراجع التلمذة وتختفي، ويطرق الكهنوت قلالي الرهبان، رغم تحذيرات مؤسسي الرهبنة في القرون الأولى من هذا، واعتبروه علامة لاضطراب الرهبنة وربما انهيارها، وعرفت الأديرة قوائم انتظار رسامة رهبانها كهنة، وصار تخطي راهب منها في دوره عقوبة وعلامة غضب عليه من الرؤساء، وخلف الأسوار حكايات عن تداعيات ذلك تصل للاكتئاب وربما الموت كمدًا. وفي مقابل ذلك كان هناك البعض من الرهبان يرفضون الدخول في سلك الكهنوت حتى الشموسية، واحتفظوا بكونهم علمانيين، تأسيسًا على كون الرهبنة بالأساس حركة علمانية لا دخل للإكليروس في تأسيسها، ولم ينل غالبية مؤسسيها أية درجة كهنوتية. تتحول الأديرة حثيثًا إلى مؤسسات اقتصادية منتجة، وتشرع أبوابها للزيارات والرحلات، فضلًا عن الخلوات الروحية التي تتيح للشباب الإقامة بالدير لبضعة أيام، وبين الرحلات والزيات والخلوات يتزايد اتخاذ روادها للرهبان الكهنة آباء اعتراف، بديلًا عن كهنة الكنائس المحلية، والتبريرات حاضرة في تنويعات روحانية تفتقر للتدقيق، وتأتي النتائج سلبية على الراهب الكاهن، والمعترف/ـة، والدير، والكنيسة المحلية، وتزيف الحياة الروحية بجملتها، وتعاني الأسر من شيزوفرينية أبناءها، بل وتختل الأسر الجديدة التي يكون أحد أطرافها من هؤلاء الشباب لتمزقهم بين مفاهيم الحياة المعاشة ونظائرها الرهبانية التي تزاحم أذهانهم. كان من الطبيعي والحال كذلك أن تتراجع الحياة الرهبانية عما استقر في أدبياتها وتراثها، بعد أن زاحمتها أمور من خارجها، لعل أبرزها مغازلة الكهنوت للخدمة خارج أسوارها، واختفاء التلمذة العمود الفقري لنقل الخبرات الرهبانية من جيل إلى جيل، وطوفان الزيارات التي لا تنقطع، وما تحمله من اشتباكات مع النذور الرهبانية الأساسية، سواء وقت الزيارات أو بعد اختلاء الراهب إلى نفسه. ومن الأمور التي زاحمت التزامات الرهبنة التقليدية ضغوط العمل المباشر، أو الإشراف عليه، في المشروعات المستحدثة، وهنا لابد أن نذكر أن هذه المشروعات بدأت في أديرة وادي النطرون انطلاقًا من دير "أبو مقار"، الذي لم ينتبه لتداعياتها وآثارها السلبية على المدى الطويل على طبيعة الرهبنة، ولم يقدم حلولًا توازن بين الالتزامات الرهبانية الحياتية للراهب، وبين متطلبات هذه المشروعات. وكان من الطبيعي أن تتجه الأديرة إلى بناء كاتدرائيات داخل أسوارها والاحتفال بالأعياد والمناسبات في حضور غفير للمصلين من زوار الدير، وعلى أسوارها يتم إنشاء منافذ لتوزيع منتجات الدير بإشراف رهباني فيما يشبه سوق المدينة. ومع اقترابنا من خريطة الرهبنة نستطيع أن نفهم خريطة الرسامات، واختلالاتها، من سبعينيات القرن المنصرم وحتى اللحظة. وهي اختلالات ستظل قائمة ما لم تلتفت الكنيسة إلى إعادة هيكلة منظومة الرهبنة، لتعيد لها انضباطها وخصوصيتها وعمقها تأسيسًا على نذورها الأولى، فيما يخص الرهبنة الديرية التقليدية، وهي حسب أدبياتها؛ العفة (البتولية)، العزلة، عدم القنية (الفقر الاختياري). والتدرج في عودة رئاسة الدير لتسند إلى أحد رهبانها وليس برسامة أسقف لها، وفك الارتباط القسري بينها وبين الكهنوت. وعلى جانب أخر تأسيس وتقنين نمط "الرهبنة الخادمة"، ولكنائس تقليدية تجارب ناجحة فيها، وهي تقدم خدمتها للمجتمع في دوائر التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية للفقراء والمعوزين، والخدمات البحثية للكنيسة. وبطبيعة الحال تبقى نذورها قائمة فيما عدا العزلة إذ تقيم في بنايات خاصة وسط الناس في المدن والقرى حيث مجال عملها. يبقى لنا في سياق التعرض لمرحلة التغيرات الاقتراب من المواجهات العاصفة، وتحديدًا قضيتان اشتعلت بهما تلك المرحلة، الأولى الجدل بين المدارس الفكرية داخل الكنيسة، الذي تصاعد إلى حد اتهام الفرقاء بالهرطقة، والثانية المواجهة بين الكنيسة والدولة التي تصاعدت وتفاقمت وانفجرت في قرارات رئاسية عنيفة في 5 سبتمبر، وسوف نقترب منهما في جزء ثالث من هذا الفصل، في مقال تال. --- ### مَثَل الخميرة وروحانية الصوم في المسيحية - Published: ۲۰۲٤-۱۲-۰۸ - Modified: 2024-12-08 - URL: https://tabcm.net/32157/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: إكليروس, الشيطان, نيقوديموس عجيبةٌ حقًا هي صلوات كنيستنا لمفتوح العينين! ! نصلي في ختام صلوات ساعات النهار(كتاب صلوات الأجبية القبطية): أحطنا يا رب بملائكتك القديسين لكي نكون بمعسكرهم محفوظين ومُرشَدين، لنصل إلى اتحاد الإيمانوإلى معرفة مجدك غير المحسوس وغير المحدود إلى الأبد، آمين (كتاب الأجبية) هنا نصلي طالبين أن يكون لنا أيمان الملائكة القديسين، بالتالي نعاين مجد الرب مثلهم. ولأن -سبحانه- "غير المحسوس وغير المحدود“، لذلك نحتاج إيمان كإيمان الملائكة القديسين. وبينما "الكل يطلب آية" ليؤمن، فإذا بالذين دخلوا "سر الكنيسة" الذي هو "سر المسيح" لا يطلبون -كالباقين- ماهو مرئي أو محسوس بمحدودية قياساتهم. بل أن يعاينوا غير المحسوس، لأنه غير المحدود الذي هو مجد شخص الله ذاته. لقد أشار الرب يسوع المسيح له -المجد- إلى منهج الله في إعلان ذاته أنه سر في قلب كل واحد منا على حِدة... هو ”سر الله“ بالتالي هو ”سر الكنيسة“. وربما من أجمل ما شرح به الرب هذا المنهج هو مثل الخمير والعجين: وقال أيضا: «بماذا أشبه ملكوت الله؟ يشبه خميرة أخذتها امرأة وخبأتها في ثلاثة أكيال دقيق حتى اختمر الجميع» ((إنجيل لوقا 13: 20، 21 )). فأن يملك الله قلبك هو نعمة تأخذها منه مثلما أخذت تلك المرأة الخميرة. والأخذ في المسيحية لا يتطلب قدرات خاصة من الإنسان إلا أن يفتح قلبه لدقات المسيح الواقف يقرع باب كل قلب هأنذا واقف علي الباب وأقرع. إن سمع أحد صوتي وفتح الباب. أدخل إليه وأتعشي معه وهو معي ((سفر الرؤيا 3: 20 )). إن عمل المسيح في القلب سرٌ إلهي خفي ومستمر وقد أشار إليه الرب في حديثه إلى نيقوديموس: الريح تهب حيث تشاء وتسمع صوتها، ولكنك لا تعلم من أين تأتي ولا إلى أين تذهب هكذا كلُ مَن وُلِدَ من الروح  ((إنجيل يوحنا 3: 8 )) لذلك، فبينما نجد العالم يجتهد ليُثبت وجود الله بأدواته البشرية يفشل ثم يعاود البحث، ليس لأن الله مختفي أو غير موجود. فهو الذي ظهر في الجسد وبالإجماع عظيم هو سر التقوى: الله ظهر في الجسد، تبرر في الروح، تراءى لملائكة، كُرِزَ به بين الأمم، أُومِن به في العالم، رُفِعَ في المجد. ((رسالة بولس إلى تيموثاوس 3: 16 ))، ولكن لأن الله هو الذي يُعلِن ذاته للإنسان وليس أن الإنسان هو الذي يكتشف الله ليس أنتم اخترتموني بل أنا اخترتكم، وأقمتكم لتذهبوا وتأتوا بثمر، ويدوم ثمركم، لكي يعطيكم الآب كل ما طلبتم باسمي. ((إنجيل يوحنا 15: 16 )). إن الله هو مَلِك الملوك ورب الأرباب. بذاته سبحانه وليس بأحد غيره. لذلك عندما حاول اليهود أن يختطفوه ويجعلوه ملكًا هرب من وسطهم وأما يسوع فإذ علم أنهم مزمعون أن يأتوا ويختطفوه ليجعلوه ملكًا، انصرف أيضا إلى الجبل وحده. ((إنجيل يوحنا 6: 15 )). لم يكن هروبًا بالمعنى المفهوم بل مثلما جاء:  أما يسوع فاختفى وخرج من الهيكل مجتازا في وسطهم ومضى هكذا ((إنجيل يوحنا 8: 59 ))، إذ مستحيل أن من يتهافتون لينصّبوه ملكًا يختفي عن أنظارهم. الحقيقة أنهم لم يروه لاختلاف الرؤية. فهو الَملِك الذي يمنح المُلك لأنه مصدره. فنراه بعد القيامة يُظِهر ذاته لتلاميذه بعد هذا أظهر أيضا يسوع نفسه للتلاميذ على بحر طبرية. ظهر هكذا ((إنجيل يوحنا 21: 1 )). الرب قال بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئًا ((إنجيل يوحنا 15: 5 )). حتى الإيمان به هو نعمته وُهِب لكم أن تؤمنوا ((رسالة بولس إلى فيلبي1: 29 )). لذلك فإن منهج المسيحية أن لا تنتظر غير الله لتتقابل مع الله. وسوف يأتيك ولا يتأخر. ولكن كصوت هادئ وديع يميزه القلب وليس بالضرورة في عاصفة معجزات وقوى أحداث باهرة. بل كما الخميرة في الدقيق كذلك هو. فالاعتماد على غير ذات الله لإثبات ذاته ينقض الحجة أنه الله. لذلك كان إعلان الله لذاته في العهد القديم أنه قال لموسى عندما سأل الله عن اسمه سبحانه فقال الله لموسى: «أهيه الذي أهيه»(أكون الذي أكون). وقال: «هكذا تقول لبني إسرائيل: أهيه أرسلني إليكم». ((سفر الخروج 3: 14 )). وهو نفس الاسم الذي استخدمه المسيح ليشير إلى ذاته ”أنا هو (أنا أكون/ أنا الكينونة)“. إن إعلان الله ذاته للإنسان لا يعتمد/ لا يحتاج إلا ذات الله. فإن الله إثباته هو في ذاته "أنا هو". وربما يدخل هذا ضمن أسباب سر إخلاء الله لمجده في ظهوره بيننا بالتجسد. إن هدف الله هو قلبك لا انبهارك يا ابني أعطني قلبك ولتلاحظ عيناك طرقي ((سفر الأمثال 23: 26 )). فعمل الله بداخلك وليس بانبهارك الخارجي. بتحريك الله لكيانك الداخلي لتستجيب له، ويعاود روح الله زياراته ليحرك قلبك. أما المؤثرات الخارجية فيجيدها الشيطان ولا عجب. لأن الشيطان نفسه يغيِّر شكله إلى شبه ملاك نور  ((رسالة بولس الثانية إلى كورنثوس 11: 14 )). ينشغل بها الإنسان ويطلبها. إن المسيح إلهنا لم يستجب لطلب رئيس الكهنة أن يثبت له ذاته بقوات خارج القلوب فقام رئيس الكهنة وقال له: «أما تجيب بشيء؟ ماذا يشهد به هذان عليك؟» وأما يسوع فكان ساكتًا. فأجاب رئيس الكهنة وقال له: «أستحلفك بالله الحي أن تقول لنا: هل أنت المسيح ابن الله؟». قال له يسوع: «أنت قلت! وأيضا أقول لكم: من الآن تبصرون ابن الإنسان جالسا عن يمين القوة، وآتيا على سحاب السماء». ((إنجيل متى 26: 62- 64 )). نعيد القول أن الله هو المطلق في ذاته، لا يعتمد أو يعوزه سواه. لذلك كان إخلاء المسيح إلا من إعلانه ذاته بذاته "أنا هو". القادر على تغيير كيان كل من يفتح قلبه عند يسمع صوته "أنا هو" ويفتح بابه. لأن قوته هي فيه: فأخذ يهوذا الجند وخداما من عند رؤساء الكهنة والفريسيين، وجاء إلى هناك بمشاعل ومصابيح وسلاح. فخرج يسوع وهو عالم بكل ما يأتي عليه، وقال لهم: «من تطلبون؟» أجابوه: «يسوع الناصري». قال لهم: «أنا هو». وكان يهوذا مسلمه أيضا واقفا معهم. فلما قال لهم: «إني أنا هو»، رجعوا إلى الوراء وسقطوا على الأرض. ((إنجيل يوحنا 18: 3-6 )). وإليك عزيزي القارئ ما قرأته لأحد عظماء آباء الكنيسة سنة 1976م يتكلم فيه عن منهج روحانية الصوم في الكنيسة الأرثوذكسية حيث لمحت في كلامه نفس ما شرحته الآن في هذا المقال وتطبيقًا له أننا نصوم لأن الرب فينا وليس لكي نستحضر الرب فينا: الصوم في حد ذاته للرب فيه آلام لذيذة طوعية، لكن يستحيل إنها وحدها تكون شركة مع الرب كصوم. ولا تجيب حاجة. ولكن تصيبك بالتعب والدوار والدوخة. في أيه يعني صوم للساعة 5 ولا حتي الأسبوع كله؟ مكثنا سنينَا وبعضٌ منا كان يصوم الأسبوع كله، و بعضنا الآخر كان يصوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء ويفطر الخميس ثم يصوم ثانية الجمعة والسبت. شوفت شوية بيتعبوا زيادة ومش شايف عود شديد قدامي عشان اقوله صوم. العود الشديد مش عافية، ولا جسد، ولا عرق . . لا لا . . أنا ألمح النعمة... إذا كان إنسان في داخله نعمة ويقول لي عايز اصوم الأسبوع أقوله صومه مخافش عليه لانه هيبقي مسنود من ربنا فلا يمرض ، ومسئوليته لا تقع علي أنا . ولكني لا أتجرأ وأعطي تصريح لأحد حتي بيومين علي بعض عندما لا أجد النعمة شغالة فيه بعلامات واضحة أعرفها . الصوم في حد ذاته لو كان يوم او يومين او اسبوع ، ولا يجيب حاجة يا أحبائي، إلي أن ينبض القلب نبضة الحب الإلهي فيصير الصوم ذبيحة، يصير الصوم علي مستوي دق المسامير في الجسد. فتجد النفس فرحانة بالصوم، فرح لا يُنطق به، و تجد الانسان لا يريد أن يفطر في نهاية الصوم . . ليس لأنه نفسه مصدودة . . لأ. . لأ ... هو شبعان جداً . . رويان جدا . . وفي نهاية الاسبوع يبقي ثقيل عليه أوي أوي انه يفطر . . فالصوم الطوعي . . والآلام الطوعية، او الخدمة، او الشغل، او الجهد الجسدي وانت صايم، دي مش ممكن تعتبر شركة في آلام المسيح الا إذا القلب نبض بالحب للمسيح ... وأخيرًا أقدم بوست كتبته ردًا على تساؤل البعض. وهو يُظهِر بعض مظاهر المغالاة في الصوم التي تسربت إلى مفاهيم البعض في الكنيسة، وربما تتعارض مع منهج الروحانية الأرثوذكسية كما نعرفها: الرهبنة المسيحية منهج أصيل لقليلين صناعتهم هي الاشتغال بحب الله. ونتيجة لذلك تناقص اتصالهم المادي بالناس في حياتهم. ولكن بتزايد ضعف الرهبنة، تزايد الخلط في المنهج. وقلَّت صناعة الحب الإلهي وبقيت مظاهر النسك كأولوية بينما هي نتيجة. وبالتدريج انتقل الشكل (النسك) وليس المنهج (الحب الإلهي) إلى حياة الكنيسة خارج الأديرة. وأصبح النسك دليل الحب الإلهي كما في أديان أخرى مثل البوذية وربما الفروض في الإسلام. بينما منهج المسيحية هو العكس، أي أن النسك ليس المُنشِئ بل الكاشف للحب الإلهي. وانتشر النسك كجهد بشري في استطاعة الإنسان، بينما الحب الإلهي كسبب للنسك هو نعمة إلهية وليس جهد بشري ولكن انتماء روح الإنسان للمسيح من التصق بالرب فهو روح واحد. ((رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس 6: 17 )): هذا ظاهر في قول المسيح الذي يصعب تفسيره عند البعض، بأن قلع العين أسهل من قلع الشهوة من القلب وإن أعثرتك عينك فاقلعها وألقها عنك. خير لك أن تدخل الحياة أعور من أن تُلقَى في جهنم النار ولك عينان. ((إنجيل متى 18: 9 )). وهكذا صار النسك يُستَخدَم كمبارزة لإثبات تفوق دين على آخر في مجتمعنا. فالمسلم كثيرًا ما يتعمد تسويق معاناته في صيامه ومن ثمَّة، وبالتدريج وبالمحاكاة، صار المسيحي يتبارى معه بصيامه وتقشفه فيه إلى درجة الامتناع عن العلاقة الحميمية في الزواج. وصار بعض الإكليروس يتبارى في نقل النسك الرهباني إلى شعب كنيسته كعلامة على ورع رجل الدين هذا. إلى درجة أخذ الإذن لممارسة العلاقة الحميمة في الصوم معتبرينها شهوة جسد تُبطِل الصوم. بينما منهج روحانية الصوم شيء آخر كما شرحنا، إضافةً أن الجنس في معناة الإنساني والمسيحي هو نتاج حياة حب وشركة بين الزوجين تُتوَّج بهذا اللقاء الحميمي الذي ربما يوحدهما جسدًا واحدًا في الحب كما لو كان صلاة. --- ### قتل الخازندار - Published: ۲۰۲٤-۱۲-۰۷ - Modified: 2024-12-07 - URL: https://tabcm.net/30445/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أحمد الخازندار, أحمد زكي, أحمد زكي حسن, الإخوان المسلمين, السيد سابق, حسن أحمد عبد الرحمن محمد البنا, حسني أحمد عبد الباقي المليحي, حلمي عبد المجيد, سيد فايز عبد المطلب, صالح العشماوي, عبد الرحمن علي فراج السندي, عبد العزيز كامل, عيد الميلاد, محمد خميس حميدة, محمد علي باشا الكبير, محمود إبراهيم عياط عساف, محمود السيد خليل الصباغ, مصطفى مشهور, يوسف عز الدين محمد طلعت بدأت الكراهية بين الجماعة والقاضي أحمد الخازندار عندما تولى الأخير نظر قضية اعتداء بعض شباب الإخوان على جنود بريطانيين، وهما "حسين السيد عبد السميع" و"عبد المنعم أحمد عبد العال"، حيث إنهما قد اتُهِما بإلقاء قنبلة يدوية على نادي الضباط الإنجليز بالقاهرة في ليلة عيد الميلاد. وبعد القبض عليهما وتفتيشهما، وُجد في جيب الأول قنبلة، وعندما سُئل عنها قال إنه وجدها في الطريق! وقد قُدِّم هذان الشابان إلى محكمة الجنايات برئاسة المستشار أحمد الخازندار، فأصدرت حكمها في 18 يناير 1948 بالسجن ثلاث سنوات على "حسين عبد السميع"، وخمس سنوات على "عبد المنعم أحمد عبد العال". ولم يدر القاضي الخازندار أن ثمة قاضيًا آخرًا قد حكم بموته هو شخصيًا وأنه في انتظار تنفيذ الحكم. جاء الحكم على الشابين رادعًا للجماعة وصادمًا في نفس الوقت، فتلك كانت المرة الأولى التي يُحاكم أحد أعضاء الجماعة ويدان، وتمنى البنا في قرارة نفسه لو استطاع أحدهم التخلص من الخازندار، ولمّح بذلك في اجتماع عقده مع أعضاء مكتب الإرشاد قائلًا: ربنا يريحنا من الخازندار وأمثاله، ثم أدمعت عيناه حزنًا على الإخوان المحكوم عليهم بالسجن، وهو ما أعتبره عبد الرحمن السندي رئيس النظام الخاص بمثابة ضوء أخضر لاغتيال الخازندار. وقع اختيار السندي على "حسن عبد الحافظ" و"محمود سعيد زينهم" لاغتيال الخازندار. وبعد مراقبة الرجل أيامًا عدة، علموا أنه يذهب إلى المحكمة في باب الخلق بالقاهرة ويعود إلى حلوان بالمواصلات العامة. يبدأ خط سيره سيرًا على الأقدام من منزله إلى محطة سكة حديد حلوان، ثم قطار حلوان إلى باب اللوق، ثم المواصلات المعتادة. كذلك وضحت الدراسة أن قسم شرطة حلوان لا تتبعه سيارات، وعلى ذلك وضعت الخطة أن ينتظر خروج الرجل من بيته، فيغتاله حسن بالمسدس بينما يقف له محمود حارسًا وحاميًا لانسحابه بالمسدس وبقنابل يدوية صوتية، ثم ينسحبان ويمنعان تتبعهما من الجماهير بإطلاق الرصاص في الهواء وإلقاء القنابل، ويكون انسحابهما في غير تتبع من أحد إلى بيت عبد الرحمن، ولقد باتا ليلتهما عنده أيضًا في بيت عبد الرحمن السندي. وفي صباح يوم 22 مارس 1948م، وقبل الموعد المعتاد لخروج الخازندار من بيته، كان الصائدان يترصدان ذلك الخروج، ثم خرج القاضي أحمد بك الخازندار من منزله بشارع رياض بحلوان، ليستقل القطار المتجه إلى وسط مدينة القاهرة حيث مقر محكمته، في خطوات وئيدة لا يدري ما هو مبيت له، وكان محمود بعيدًا بعض الشيء، يرقب الطريق والمارة ويرقب أيضًا أخاه في المهمة، بينما تقدم حسن وأطلق بضع طلقات لعلها كانت ثلاثًا لم تصب الهدف، ولم يضع محمود الفرصة فترك مكانه وتقدم نحو الخازندار، وقيل إنه أمسك به من ذراعه وأوقعه على الأرض، فقد كان محمود مصارعًا ورياضيًا وكان مكتمل الجسم، وصوب إليه مسدسه فأفرغ فيه ما شاء، ثم تركه وانسحب بزميله وقد خرجت الأرملة تصيح من الشرفة وتقول "أنا مش قلت لك؟"، في هذا الوقت كان العجلاتي القريب من البيت يفتح محله حين سمع اطلاق الرصاص وصراخ الزوجة، ونظر فوجد الخازندار ممددًا على الأرض في دمائه، فانطلق العجلاتي بإحدى دراجاته إلى قسم البوليس فأبلغ الأمر، وهنا كانت مفاجأة، القسم الذي كان معلومًا خلوه من السيارات تصادف أن جاءته من القاهرة سيارة في تلك اللحظة لنقل بعض المحجوزين به، فانطلق الكونستابل الذي كان يصاحب السيارة بها في أثر الفارين وتغير الموقف، فاتجه محمود وحسن صوب الجبل بدلًا من اتجاههما إلى بيت السندي. الذي يعرف جبل المقطم يعلم أنه ليس مجالًا مناسبًا للفرار في تلك المنطقة، واجتازا في انسحابهما هذا بعض أسوار الحدائق والبيوت، وسقط حسن فجزعت قدمه واضطر محمود أن يحمله أو يسنده بعض الوقت، وتوالت قوات البوليس من القسم نحو الجبل، ثم لم يلبث الجبل أن ضرب عليه حصار من العباسية إلى حلوان على مسافة تزيد عن ثلاثين كيلو مترا، وتقدمت تلك القوات إلى داخل الجبل فقبضت على محمود وحسن، وأنكرا كل صلة لهما بالحادث، وجرى التحقيق ليلتها في قسم حلوان بمعرفة النائب العام محمود منصور ثم نقلًا إلى القاهرة. في قسم الشرطة عُثر بحوزتهما على أوراق تثبت انتماءهما لجماعة الإخوان المسلمين، واستدعت النيابة مرشد الجماعة حسن البنا لسؤاله إن كان يعرف أيًا من الجناة، إلا أن البنا أنكر معرفته بهما تمامًا، لكن النيابة تمكنت من إثبات أن المتهم الأول "حسن عبد الحافظ" كان السكرتير الخاص للمرشد العام للجماعة حسن البنا! ! ، فتراجع البنا عن شهادته السابقة واعترف بمعرفته للمتهم، إلا أنه نفى علمه بنية المتهمين اغتيال القاضي الخازندار، واستنكر الفعلة ونفى قيام جماعته بأية أعمال إرهابية أو أي أشياء من هذا القبيل، وهاجت الدنيا وماجت. في اليوم التالي، أقيمت جلسة عاصفة للجهاز السري للبحث فيما حدث، وقدم الجهاز السري السندي لمحاكمة داخلية تكونت من صالح عشماوي، الشيخ محمد علي، د. خميس حميدة، د. عبد العزيز كامل، محمود الصباغ، مصطفى مشهور، أحمد زكي حسن، أحمد حسنين، د. محمود عساف، سيد فايز، إبراهيم الطيب، يوسف طلعت، حلمي عبد المجيد، حسني عبد الباقي، سيد سابق، وأحمد حجازي، وكان رئيسها هو البنا وعليه يبدو التوتر في حركة عينيه السريعة والتفاته العصبي، وإلى جواره عبد الرحمن السندي رئيس النظام، وكان لا يقل توترًا وتحفزًا عن الأستاذ. كان البنا غاضبًا ثائرًا مما حدث، خصوصًا بعد حالة السخط العارم التي فوجئ بها البنا من الشارع ضد الجماعة، وكعادته، حاول البنا التملص من المسؤولية، وقال إن كل ما صدر منه من قول تعليقًا على أحكام الخازندار في قضايا الإخوان لو ربنا يخلصنا منه أو لو نخلص منه أو لو واحد يخصلنا منه لا يخرج عن الأمنية ولا يصل إلى الأمر، فالأمر محدد وإلى شخص محدد، وهو لم يصدر أمرًا ولم يكلف أحدًا بتنفيذ ذلك، ففهم عبد الرحمن هذه الأمنية أمرًا واتخذ إجراءاته التنفيذية، وفوجئ الأستاذ المرشد بالتنفيذ. وقال البنا نصًا؛ ليس معنى أن يخطئ قاضى في حكمه، أن يُقتل، وأن ما حدث لم أكن أعلم به، فدافع السندي عن نفسه قائلًا أنه سمع فضيلة المرشد يقول بما معناه أن هذا القاضي الخازندار يستحق القتل؛ ربنا يريحنا منه فتصور أن عملية القتل سوف ترضي فضيلته، وأعتبر ذلك أمرًا من الإمام البنا، ونفذ فورًا، ولأن المرشد كان يعلم أن السندي يقول الصدق فقد اجهش بالبكاء، ودافع عن السندي وحاول تبرير موقفه، ويروى د. عبد العزيز كامل في مذكراته "في نهر الحياة" تفاصيل الجلسة الساخنة التي جمعته بالمرشد وعبد الرحمن السندي قائلًا: ووجهت حديثي إلي الأستاذ قائلًا: أريد من فضيلتكم إجابة محددة بنعم أو لا علي أسئلة مباشرة لو سمحتم، فأذن بذلك فقلت: هل أصدرت فضيلتكم أمرًا صريحًا لعبد الرحمن بهذا الحادث؟ قال: لا. قلت: هل تحمل دم الخازندار علي رأسك وتلقي به الله يوم القيامة؟ قال: لا. قلت: إذن فضيلتكم لم تأمر ولا تحمل مسئولية هذا أمام الله. قال: نعم. فوجهت القول إلي عبد الرحمن السندي، واستأذنت الأستاذ في ذلك، فأذن. قلت: ممن تلقيت الأمر بهذا؟ فقال: من الأستاذ فقلت: هل تحمل دم الخازندار علي رأسك يوم القيامة؟ قال: لا. قلت: وهذا الشباب الذي دفعتم به إلي قتل الخازندار، من يحمل مسئوليته؟ والأستاذ ينكر وأنت تنكر، والأستاذ يتبرأ وانت تتبرأ. قال عبد الرحمن: عندما يقول الأستاذ إنه يتمنى الخلاص من الخازندار، فرغبته في الخلاص: أمر منه. فأجاب البنا: أنا لم أقل لك، ولا أحمل المسئولية. وعبد الرحمن يرد: لا، أنت قلت لي، وتتحمل المسئولية. قلت: مثل هذه الأمور ليست بالمفهوم أو بالرغبة وأسئلتي محددة، وإجاباتكم محددة، وكل منكما يتبرأ من دم الخازندار، ومن المسئولية عن هذا الشباب الذي أمر بقتل الخازندار. (عبد العزيز كامل، في نهر الحياة) وهكذا تفرق دَم الخازندار بينهم، ثم صدر حكم المحاكمة الداخلية للتنظيم بما يلي نصه: إن الأخوان اللذان قاما بهذا العمل قد قاما بعمل غير مسبوق، لكنهما لم يقصدا قتل المستشار أحمد الخازندار لذاته، وإنما قصدا قتل روح التبلد لدى هذه الجماعة من المثقفين، ومن ثم لا نكون إزاء قتل نفس بغير نفس. (عبد العزيز كامل، في نهر الحياة) واعتبروا أن الموضوع لا يستحق كل تلك الأهمية، ومن ثم فأن قتل الخازندار كان عن طريق الخطأ، وبالرغم من أن القتل الخطأ يستوجب أن يدفع القاتل ديه المقتول إلا أن الإخوان تملصوا حتى من دفع دِيَة(تعويض) دَم الخازندار لان الحكومة قد دفعت بالفعل تعويض لأسرته. --- ### مونارخية الآب في الدراسات الأكاديمية [٤] - Published: ۲۰۲٤-۱۲-۰٦ - Modified: 2024-12-06 - URL: https://tabcm.net/31661/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: آريوسية, أفنوميوس, الثالوث القدوس, الكنيسة الجامعة, الكنيسة اليونانية, بابا كيرلس عمود الدين, باسيليوس الكبير، أسقف قيصرية الكبادوك, براكسياس, بروتستانت, تدبير الخلاص, جامعة يال, چان چاك روسو, دوغمائية, ضد أفنوميوس, ضد الآريوسيين, ضد براكسياس, علامة ترتليانوس الإفريقي, غريغوريوس النزينزي، الناطق بالإلهيات, غريغوريوس النيسي, قديس أثناسيوس الرسولي, قديس أوغسطينوس، أسقف هيبو, يوسابيوس بامفيلوس القيصري نستكمل في هذا الجزء أهم الإشارات إلى عقيدة مونارخية الآب في الثالوث القدوس، في كتابات أهم الأساتذة والباحثين اللاهوتيين من مُختلف الجامعات والمدارس اللاهوتية، سواء المدرسة الإنجليزية، أو الفرنسية، أو الألمانية، أو الأمريكية، أو اليونانية، أو القبطية، بل ومن مُختلف الكنائس والطوائف المسيحية، سواء، الأرثوذكسية، أو الكاثوليكية، أو البروتستانية. للوقوف على أفضل تصوُّر للمونارخية، أو وحدة الرأس، أو الأصل، أو المصدر، أو الينبوع، أو العلة في الثالوث القدوس. وسوف نبحث شروحات هؤلاء الأساتذة والباحثين المرموقين على مستوى العالم لفكر آباء الكنيسة والمجامع المقدَّسة حول مونارخية الآب في الثالوث القدوس. جيوفري ويليام لامب مونارخية الآب في تعليم آباء الكنيسة الجامعة يذكر چيوفري ويليام لامب، أستاذ اللاهوت في جامعة كامبريدچ بإنجلترا، عقيدة ”مونارخية الآب“ في معجمه الآبائيّ الشهير، المعروف بـ”معجم لامب الآبائيّ“، حيث يُشِير إلى مونارخية الآب، وإلى الصدور الأحادي من الآب فقط كمصدر وحيد في الثالوث، وكمصدر للألوهة في الثالوث، في كتابات الآباء التاليين: يوسابيوس القيصريّ المؤرخ (عن اللاهوت الكنسي ٢: ٧)، والعلامة ترتليان الإفريقي (ضد براكسياس، ٨)، وق. أثناسيوس الرسولي (المقالة الرابعة ضد الآريوسيين ٤: ١)، وق. باسيليوس الكبير (الروح القدس، ٤٥)، وق. كيرلس الأورشليمي (المقالات للموعوظين ٧: ١)، وق. غريغوريوس النزينزي (عظة ٢٩: ٢)، وق. غريغوريوس النيسي (العظة التعليمية الكبرى، ٣)، وق. إبيفانيوس أسقف سلاميس بقبرص (باناريون ضد الهرطقات ٦٢: ٣)، وق. كيرلس الإسكندري (المقالة العاشرة من الكنوز في الثالوث). ((G. W. H. Lampe, A Patristic Greek Lexicon, (Oxford: At The Clarendon Press, 1961), p. 877. )) أليستر ماجراث مونارخية الآب في اللاهوت الشرقي يتحدَّث الكاهن الأنجليكانيّ وأستاذ اللاهوت التاريخي في جامعة أوكسفورد أليستر ماجراث عن تركيز اللاهوت الشرقيّ في شرح الثالوث على ”مونارخية الآب“ قائلًا: ((أليستر أي ماجراث، اللاهوت التاريخي، (لبنان: منهل الحياة، ٢٠٢٢)، ص ٩٧، ٩٨. )) كان الفكر اللاهوتيّ الشرقيّ مائلًا بصفة عامة إلى التركيز على فرادنية الأقانيم الثلاثة المتمايزة، وإلى الحفاظ على وحدتهم، عن طريق التشديد على أن كل من الابن والروح القدس صادر من الآب. فإن العلاقة بين الأقانيم هي علاقة وجودية ، متأصلةً في طبيعة هؤلاء الأقانيم وماهيتهم. وهكذا، جرى تعريف علاقة الابن بالآب بمفردات كونه ’مولودًا‘، أي بمفردات ’البنوية‘. لكن، كما سنرى لاحقًا، حاد أوغسطينوس عن هذه المنهجية، مُفضِّلًا التعامل مع الأقانيم بمفردات علاقاتية . وسنُعاوِد التطرُّق إلى هذه الأفكار في وقتٍ لاحقٍ، في أثناء دراستنا للجدل الفيليوكوي Filioque Controversy. في المقابل، كانت المنهجية الغربية أكثر تميزًا بميلها إلى الانطلاق من وحدانية الله ، ولا سيما في عمل الإعلان والفداء، وإلى تفسير العلاقة بين الأقانيم الثلاثة بمفردات الشركة المتبادلة بينهم. هذا هو الرأي الذي تميَّز به أوغسطينوس، والذي سنستعرضه في جزء لاحق من دراسة الحالة الحالية. (أليستر أي ماجراث، اللاهوت التاريخي) مونارخية الآب حسب الآباء الكبادوك ويستطرد البروفيسور ماجراث في الحديث عن أهم سمة من سمات منهجية الآباء الكبادوك في تناول عقيدة الثالوث، وهي الأولوية أو المونارخية المعطَاة للآب قائلًا: ((أليستر أي ماجراث، اللاهوت التاريخي، (لبنان: منهل الحياة، ٢٠٢٢)، ص ١٠٢. )) من أهم سمات هذه المنهجية المميزة في تناول عقيدة الثالوث هي الأولوية التي أُعطِيَت للآب. فعلى الرغم من تشديد الكُتاب الكبادوكيين على عدم قبولهم لفكرة تبعية الابن أو تبعية الروح القدس للآب، لكنهم مع ذلك ذكروا صراحةً أن الآب ينبغي أن يُعتبر هو مصدر الثالوث أو منبعه. فإن جوهر الآب يُنقَل إلى كل من الابن والروح القدس، ولكن بطريقةٍ مختلفةٍ: فالابن مولود من الآب، والروح القدس منبثق من الآب. وهكذا، أشار غريغوريوس النيسي إلى الأقنوم الواحد للآب، الذي منه يُولَد الابن، وينبثق الروح القدس. (أليستر أي ماجراث، اللاهوت التاريخي) مونارخية الآب في تعليم الآباء الشرقيين اليونانيين ويستعرض البروفيسور ماجراث الصراع حول انبثاق الروح القدس وارتباطه بموضوع المونارخية في الثالوث، مؤكدًا على أن الآباء الشرقيين اليونانيين شدَّدوا على مونارخية الآب في الثالوث قائلًا: ((أليستر أي ماجراث، اللاهوت التاريخي، (لبنان: منهل الحياة، ٢٠٢٢)، ص ١٠٨. )) أصرَّ الكُتَّاب الآبائيون اليونانيون على أنه لا يوجد سوى مصدر واحد للجوهر والكينونة في الثالوث. فالآب وحده هو المصدر الوحيد الفائق لكل شيء، بما في ذلك الابن والروح القدس داخل الثالوث. فالابن والروح القدس صادران من الآب، ولكن بطريقتين مختلفتين. (أليستر أي ماجراث، اللاهوت التاريخي) مونارخية الآب وجدل الفيليوكوي ويُوضِّح البروفيسور ماجراث الاختلافات الأساسية بين الشرقيين والغربيين في سياق الحديث عن جدل الفيليوكوي Filioque، وتركيز الطرف اليوناني الشرقي على مونارخية الآب كالتالي: ((أليستر أي ماجراث، اللاهوت التاريخي، (لبنان: منهل الحياة، ٢٠٢٢)، ص ١١٠. )) كان غرض الطرف اليونانيّ أو من هذا الجدل هو الحفاظ على مكانة الآب باعتباره المصدر الأوحد للألوهية. ولأن كل من الابن والروح القدس صادران منه -ربما بطريقتين مختلفتين، لكنهما طريقتان صالحتان بالقدر نفسه- فقد نجح ذلك في الحفاظ على ألوهيتهما هما أيضًا. وقد بدا لليونانيين أن المنهجية اللاتينية تفيد بوجود مصدرين منفصلين للألوهية في الذات الإلهية، وتقوض التمايُّز الحيويّ بين الابن والروح القدس. ففي حين يرى الرأي اليونانيّ أن الابن والروح القدس يُؤدِيان دورين متمايزين، لكن تكميليين في الآن ذاته، يرى الطرف الغربيّ أن الروح القدس هو روح المسيح. (أليستر أي ماجراث، اللاهوت التاريخي) ديفيد برنارد شرح الثالوث بين ق. أثناسيوس والكبادوك يُشِير أستاذ دراسات العهد الجديد الأمريكيّ البروتستانتيّ ديفيد برنارد إلى مُساهمة الآباء الكبادوك في توضيح اللبس حول عقيدة الثالوث حسب ق. أثناسيوس، الذي أثير بسبب استخدام مصطلح الهوموأوسيوس، واعتبار حزب أشباه الآريوسيين أو حزب الهوميوأوسيوس له أنه تعبير سابيلي، قائلًا: ((David K. Bernard, A History of Christian Doctrine Vol. 1, USA, WAP, 1995, p. 130. )) يستنتج المؤرِّخون في العموم أن العامل الحاسم في انتصار عقيدة الثالوث كان بلاغة وتصميم أثناسيوس نفسه. لقد أدرك أن أشباه الآريوسيين كانوا في الواقع أقرب إلى موقفه من الآريوسية، وشكل تحالف معهم، مما أدى إلى تشكيل الأغلبية مرة أخرى. وفي هذا المسعى، تلقى عونًا كبيرًا من ثلاثة لاهوتيين بارزين من كبادوكية، هم: ق. باسيليوس القيصري، وق. غريغوريوس النيسي، وق. غريغوريوس النزينزي، الذين قاموا باستخدام المفاهيم والمصطلحات الفلسفية اليونانية، وقاموا بتوضيح عقيدة الثالوث بحسب أثناسيوس لجعلها أكثر قبولاً على نطاقٍ واسعٍ. (David K. Bernard, A History of Christian Doctrine) هنري شيلدون مونارخية الآباء في تعاليم آباء الكنيسة يُشِير البروفيسور هنري شيلدون، أستاذ اللاهوت التاريخي في جامعة بوسطن بأمريكا، إلى عقيدة ”مونارخية الآب“ في تعليم آباء الكنيسة الجامعة قائلًا: (( Henry C. Sheldon, History of Christian Doctrine, Vol. I, (New York: Harper & Brothers, Franklin Square, 1886), p. 211 )) أحرزت عقيدة ألوهية الروح انتصارًا كبيرًا في مجمع القسطنطينية عام 381م. وهكذا اكتملت عقيدة نيقية عن الله الثالوث. لقد تحقَّق التوفيق بشكلٍ كافٍ بين الأقنومية الثلاثية مع الوحدة الإلهية من خلال التأكيد على وحدة الأقانيم في الجوهر. ومع ذلك، أضاف البعض إلى هذا الاعتبار أن هناك مبدأ واحدًا في اللاهوت، وهو أن مصدر أقنومية الابن والروح هو الآب ((أثناسيوس، المقالة ضد الآريوسيين 4: 1؛ غريغوريوس النزينزي، خطبة 20: 6؛ وقارن مع يوسابيوس القيصري، عن اللاهوت الكنسي 1: 11، 2: 6 )). وتقترب بعض التعبيرات، خاصةً من جانب غريغوريوس النيسيّ، في ظاهرها بشكلٍ وثيقٍ جدًا من التعليم الثالوثيّ. تلك هي الحالة التي يحاول فيها توضيح وحدة الجوهر في الأقانيم الإلهية من خلال الإشارة إلى حقيقة أن ثلاثة رجال، مثل: بطرس، ويعقوب، ويوحنا، على سبيل المثال، لهم جوهر مشترك ، أي جوهر الإنسانية. ولكن تشير جميع كتابات غريغوريوس إلى أنه لم يقصد أن يُؤخَذ هذا المثال دون قيد أو شرط. يقول دورنر Dorner: ’من الخطأ القول بأن غريغوريوس يتصوَّر التمايُّزات الأقنومية في الثالوث بأنها مرتبطةٌ ببعضها البعض كرجلين منفردين؛ لأنه، على العكس من ذلك، إنه يختزل بالأحرى التمايُّز الكامل بين الآب والابن في ذلك – أن السابق هو العلة αϊτιον والأخير هو المعلول αίτιατόν، بينما التمايُّز بين الرجال الحقيقيين هو أكثر عمقًا‘. (Henry C. Sheldon, History of Christian Doctrine) كارل ردولف هاجينبك مونارخية الآب في التعليم النيقاوي يُؤكِّد البروفيسور البروتستانتي السويسريّ كارل ردولف هاچينبك، أستاذ اللاهوت في جامعة بازل بسويسرا، على ”مونارخية الآب“ في التعليم النيقاويّ قائلًا: (( K. R. Hagenbach, A History of Christian Doctrine, Vo. I, Intro. by E. H. Plumptre, (Edinburgh, T & T Clark, 1883), p. 372, 373. )) حسب الأفكار السائدة لهذا العصر، كان الآب يُعتبر المبدأ المؤثر الوحيد μία άρχή الذي تدين إليه جميع الأشياء بوجودها، الذي يُولَد منه الابن، وينبثق منه الروح القدس، والذي يعمل كل الأشياء من خلال الابن في الروح القدس. وتمَّ التأكيد على عبارة أن الروح القدس مُنبثِق من الآب خصوصًا في مواجهة أعداء الروح القدس Pneumatomachi. وكان من المؤكَّد في مواجهة هؤلاء: ’أن الروح القدس لا يستمد جوهره من الابن بطريقةٍ اعتماديةٍ، بل يقف في علاقة مُتساوِية ومُباشرة مع الآب، باعتباره العلة الأولى المشتركة؛ وكما أن الابن مولودٌ من الآب، كذلك الروح القدس مُنبثقٌ من الآب‘ Neander, Kg. ii. S. 897. (K. R. Hagenbach, A History of Christian Doctrine) جوزيف تكسرون وحدة الألوهة في أقنوم الآب عند ق. أثناسيوس يرى عالم الآبائيات الكاثوليكيّ الفرنسيّ چوزيف تكسرون أن ق. أثناسيوس قد نسب بوضوحٍ إلى الآب اسم ”الله“ كالتالي: (( Joseph Tixeront, History of Dogmas, Vol. II, Trans. by H. L. B, (USA: St. Louis, MO, 1914), p. 75. )) كان من المقرَّر أن يصبح تعليم ق. أثناسيوس عن الثالوث هو تعليم الكنيسة اليونانية؛ ولكنه كان أول تعليم استقبل إضافات مهمة سواء في مصطلحاته أو في نظريته عن الأقانيم الإلهية وعلاقاتهم. نسب ق. أثناسيوس إلى الآب فقط اسم الله بشكلٍ بارزٍ: έν τή έκκλησία είς θεός κηρύσσεται, ό τοϋ λόγου πατήρ (Epist. ad. Epictetum, 9). بل، وعلى الرغم من أنه لم يدين في المجمع المنعقد في الإسكندرية في عام 362م، أولئك الذين يتحدَّثون عن جوهر واحد وثلاثة أقانيم، μία ούσία, τρεϊς ύποστάσεις، إلا أنه هو شخصيًا يُوحِّد بين مصطلحي جوهر όύσία وأقنوم ύποστάσις (De decretis, 27p De synodis, 41; Tomus ad Antioch. , 6)؛ حتى أنه يكتب حوالي عام 369م، في رسالة إلى الأفارقة، 4: Η δέ ύποστασις ούσία έστί, καί ούδέν άλλό σημαινόμενον έχει ή αύτό τό όν؛ علاوة على ذلك، إذ يتحاشى أيضًا استخدام كلمة بروسوبون πρόσωπον، فيترتب على ذلك أن مفرداته لم يكن لديها مصطلح تشير به إلى الأقنوم . بالإضافة إلى أنه لم يدرس ما تُشكِّله الأقانيم الإلهية في حد ذاته، ولا كيف يكونون متمايزين، وكيف يمكن تمييز أحدهما عن الآخر، ولا كيف يمكننا، بواسطة القياسات الخارجية المباشرة، أن نُصوِّر لأنفسنا الأفعال الخفية التي تمنحهم كينونتهم. لم يكن لدى أثناسيوس، كمجادل دائمًا في خضم المعركة، وقت الفراغ، وربما، الرغبة في مُعالجة هذه المسائل المتعلقة بالفلسفة الدينية العميقة. إذًا، تعليمه عن الثالوث غير كامل؛ وينبغي على الكبادوكيين سد هذه الفجوة إلى حدٍ كبيرٍ. (Joseph Tixeront, History of Dogmas) مونارخية الآب في تعليم الآباء الكباوك يُشِير عالم الآبائيات چوزيف تكسرون إلى ”مونارخية الآب“ في تعليم الآباء الكبادوك قائلًا: (( Joseph Tixeront, History of Dogmas, Vol. II, Trans. by H. L. B, (USA: St. Louis, MO, 1914), p. 79. )) ومع ذلك، يرى ق. غريغوريوس النزينزي أنه لا يمكن للمرء أن يُحدِّد بدقةٍ ما الذي يختلف فيه انبثاق الروح القدس عن ولادة الابن ((خطبة 39: 12؛ خطبة 23: 11؛ 31: 8 )). بل ما هو مُؤكَّد ليس إلا هذا: أن الخواص المميزة للأقانيم الإلهية والمفاهيم مُرتبطةٌ بأصل الأقانيم الإلهية وبتمايُّزهم المتبادل ((ق. باسيليوس، ضد أفنوميوس، 1: 45؛ ق. غريغوريوس النزينزيّ، خطبة 31: 9؛ ق. غريغوريوس النيسي، في أنهم ليسوا ثلاثة آلهة، P. G. xlv, 133 ))؛ ويكتب ق. باسيليوس بهذا المعنى: أننا نقول إن الآب أعظم من الابن، ليس لأنه كذلك بالطبيعة، بل لأننا نتصوَّر المبدأ ذهنيًا على أنه أسمى مما ينبع منه ((ضد أفنوميوس، 1: 20 )). وهكذا يتمّ الحفاظ على أولوية الآب بقوةٍ وتأكيدها في اللاهوت الكبادوكيّ. فالآب هو مبدأ الثالوث، الرباط، الذي من خلال الاشتراك في طبيعته، تنشأ وحدة الثالوث ((قارن مع ق. باسيليوس، ضد أفنوميوس 1: 13، 14 )). فهو ينبوع πηγή، وأصل άρχή، وعلة αίτία الألوهة θεότητος، والمصطلحان الآخران هما معلولان ومشتقان من الآب ((ق. غريغوريوس النزينزي، خطبة 42: 15؛ خطبة 20: 7؛ ق. غريغوريوس النيسي، عن المفاهيم العامة، P. G. xlv, 180 )). (Joseph Tixeront, History of Dogmas) لويس بيركهوف الفرق بين مونارخية الجوهر ومونارخية الآب يتحدَّث اللاهوتيّ البروتستانتيّ الألمانيّ الأمريكيّ، وأستاذ اللاهوت في جامعة برنستون بأمريكا، لويس بيركهوف عن ”مونارخية الجوهر“ عند ق. أثناسيوس و ”مونارخية الآب“ عند الآباء الكبادوك قائلًا: ((Louis Berkhof, The History of Christian Doctrines, London, The banner of truth trust, 1969, p. 89, 90. )) وفي غضون ذلك، نشأ فريق نيقيّ أصغر سنًا، يتألَّف من رجال كانوا من تلاميذ المدرسة الأوريجانية، ولكنهم كانوا مدينين بالفضل للقديس أثناسيوس، ولقانون الإيمان النيقاوي، وذلك من أجل تفسير أكثر كمالاً للحقيقة. وكان أهمهم الكبادوكيين الثلاثة: ق. باسيليوس الكبير، وق. غريغوريوس النيسي، وق. غريغوريوس النزينزي. لقد رأوا أن مصدر سوء التفاهم هو في استخدام مصطلح أقنوم كمرادف لكل من أوسيا أو جوهر، وبرسوبون أو شخص، وهكذا، قصروا استخدامه على تحديد وتخصيص الوجود الشخصاني للآب والابن. وبدلاً من أن يتخذوا نقطة انطلاقهم من الجوهر الإلهي الواحد لله، كما فعل ق. أثناسيوس، اتخذوا نقطة انطلاقهم من الأقانيم الثلاثة في الكينونة الإلهية، وحاولوا إرجاعهم لمفهوم الأوسيا أو الجوهر الإلهي. قارن الغريغوريوسان بين علاقة الأقانيم في اللاهوت بالكينونة الإلهية وبين علاقة ثلاث أشخاص ببشريتهم المشتركة. وهكذا بتأكيدهم على الأقانيم الثلاثة في الكينونة الإلهية، حرَّروا العقيدة النيقية من شوائب السابيلية في عيون حزب يوسابيوس، ومن ثم، بدت شخصانية اللوغوس مصونةً بما يكفي. وفي نفس الوقت، حافظوا بشدةٍ على وحدة الاقانيم الثلاثة في اللاهوت، وأوضحوا ذلك بطرق مختلفة. (Louis Berkhof, The History of Christian Doctrines) جستو جونزاليز شرح الثالوث بين ق. أثناسيوس والكبادوك يتحدَّث البروفيسور چستو جونزاليز أستاذ اللاهوت التاريخي بجامعة يال Yale بأمريكا عن دور ق. غريغوريوس النزينزيّ في توضيح عدم سابيلية المصطلحات النيقية، التي استخدمها ق. أثناسيوس، كما أشاع عنها حزب يوسابيوس القيصريّ، قائلًا: (( Justo L. Gonzalez, A History of Christian Thought Vol. 1, USA, Abingdon Press, 1987, p. 311. )) لكن النقطة التي يتجاوز فيها تعليم غريغوريوس تعليم باسيليوس لم تكن ألوهية الروح القدس - التي قَبِلَها باسيليوس، على الرغم من أنها ربما لم تكن صريحةً مثل صديقه - بل العلاقات بين الأقانيم الثلاثة في الثالوث. إن محاولة التمييز بين الآب والابن والروح القدس على أساس خواصهم، والتمييز بين الآب المتعال تمامًا والابن أو الكلمة، القادر على الارتباط بالعالم أدى بالضرورة إلى التراتبية أو التبعية، وفي النهاية إلى الآريوسية. قد كان أثناسيوس على علم بذلك، ولذلك نقى بشكلٍ قاطعٍ ومُتكررٍ كل محاولة لفهم سمو وتعالي الآب بطريقة تجعله يبدو أبعد عن الخليقة من الابن. ولكن هذا التركيز على السمو المتساوي للآب والابن، في حين أنه يقضي على أحد أسس الآريوسية، إلا أنه لم يكن قادرًا على إظهار كيف تختلف العقيدة النيقية عن السابيلية. وكانت هذه المهمة العظيمة هي مهمة الكبادوكيين. إن نهج غريغوريوس قاده إلى التعامل مع هذه المشكلة على أساس العلاقات الداخلية بين الأقانيم الإلهية الثلاثة في الثالوث. وفقًا لغريغوريوس ، فإن التمايُّزات الوحيدة التي يمكن تحديدها بين الأقانيم الثلاثة في الثالوث هي تلك التمايُّزات التي تشير إلى أصل كل منهم. هذه التمايُّزات لا علاقة لها بالجوهر أو الطبيعة، بل فقط بمصدر كل أقنوم. فعندما أتحدَّث عن الله، فينبغي عليك أن تستنير على الفور بشعاع واحد من النور وبالثلاثة. إنهم ثلاثة في الأقانيم، أو إنْ كان أيّ أحد يفضل أن يدعوهم هكذا، أو في الأشخاص πρόσωπα، لأننا لن نختلف حول الأسماء، طالما أن الألفاظ تصل إلى نفس المعنى، ولكنهم واحد بحسب الجوهر - أي الألوهة. لأنهم متمايزون دون انقسام، إن كان لي أن أقول ذلك، ومتحدون في التمايز. لأن الألوهة واحدةٌ في الثلاثة، والثلاثة واحدٌ، وفيهم تكون الألوهة، أو لنقل بأكثر دقة، الذين يكونون الألوهة. الآب هو آبٌ، وغير مولود، لأنه ليس من آخر، والابن هو ابن، ولكنه ليس غير مولود، لأنه من الآب. ولكن إذَا أخذت لفظة أصل أو مصدر بمعنى زمنيّ، فهو غير مولود أيضًا، لأنه صانع الزمن، وغير خاضع للزمن. الروح القدس هو روح حقًا، ويصدر من الآب حقًا، ولكن ليس بحسب طريقة الابن، لأنه ليس بالولادة بل بالانبثاق لأن الآب لم يتوقف عن أن يكون غير مولود بسبب ولادته لشيء ما، ولا الابن يتوقف عن أن يكون مولودًا بسبب أنه من غير المولود، لأنه كيف يمكن أن يكون هذا؟! ولا الروح تغيَّر إلى الآب أو الابن لأنه منبثق، أو لأنه إله. (Justo L. Gonzalez, A History of Christian Thought) ويُعلِّق البروفيسور چستو جونزاليز على الاختلاف في شرح الثالوث بين ق. أثناسيوس والكبادوكيين قائلًا: (( Justo L. Gonzalez, A History of Christian Thought Vol. 1, USA, Abingdon Press, 1987, p. 314. )) هناك بعض الاختلافات بين أثناسيوس والكبادوكيين، ترجع إلى سياقهم التاريخيّ المختلف، والبعض الآخر إلى أساليبهم اللاهوتية المتنوعة. كان على أثناسيوس والكبادوكيين أن يواجهوا خصومًا، على الرغم من أن الآريوسيين جميعهم كانوا مختلفين، إلا أن ق. أثناسيوس واجه الآريوسية عندما لم تكن عواقبها النهائية قد ظهرت بعد، لذلك، كان من الضروري دحضها وإدانتها من خلال إظهار ما اَعتبره أنه آثارها السلبية على الإيمان المسيحي. أمَّا الكبادوكيون فقد قاوموا الآريوسية الناضجة والمكتملة، التي أصبحت ثمارها معروفة بالفعل. لذلك، لم تكن مهتهم محاولة اكتشاف نتائج الآريوسية، بل كانت دحض هذه النتائج وتطوير بديل لها. وهكذا، فإن المسافة التي تفصل بين النقيين القدامى والجدد، يمكن، بل ويجب، إلى حدٍ كبيرٍ تفسيرها على أساس المسافة التي تفصل بين الآريوسيين القدامى والجدد. علاوة على ذلك، اختلف الكبادوكيون عن ق. أثناسيوس في المنهجية اللاهوتية. فقد كان الأسقف الاسكندريّ العظيم يحيل كل مسألة تتعلق بألوهية الابن إلى نتائجها الخلاصية. بينما كان الكبادوكيون يميلون إلى استخدام الحجج المنطقية والكتابية، دون بذل مجهود مستمر وواعٍ لربط عقيدة الثالوث بالتعليم الخلاصيّ المسيحيّ. فبالنسبة لهم، ما هو محل خلاف هو عقيدة أساسية في المسيحية، وليس نقطة انطلاق ضرورية للتعليم الخلاصيّ المسيحيّ. فالمعركة على وشك الانتهاء، ومهمة الكبادوكيين تتمثَّل في تنظيم وترتيب إيمان الكنيسة وشرحه بأكبر قدر ممكن من الوضوح المنطقيّ. ربما يكون هذا أحد الأسباب التي جعلتنا، مع ق. غريغوريوس النيسيّ، نجد أنفسنا مرة أخرى في الإطار الأصلي الذي يبدو أن ق. أثناسيوس قد خلفه ورائه. (Justo L. Gonzalez, A History of Christian Thought) جيمس فرانكلين بيثون بيكر الآب الينبوع عند ق. أثناسيوس يُشِير البروفيسور چيمس فرانكلين بيثون بيكر أستاذ اللاهوت في جامعة كامبريدچ إلى وصف أثناسيوس للآب بأنه الينبوع، والابن بأنه النهر، قائلًا: (( J. F. Bethune-Baker, An Introduction to the Early History of Christian Doctrine, London, Methuen, 1903, p. 211. )) يجب أن نعتمد على الكتاب المقدس، حيث يصف الكتاب الآب بالينبوع، والابن بالنهر، ونحن نشرب من الروح، أو يصف الآب بالنور، والابن بالشعاع، ونحن نستنير بالروح. الآب هو وحده الحكيم، والابن حكمته، ونحن ننال روح الحكمة. ولا يمكن بأي حال من الأحوال فصل أحدهما عن الآخر. (J. F. Bethune-Baker, An Introduction to the Early History of Christian Doctrine) مونارخية الآب عند ق. غريغوريوس النيسي ويتحدَّث البروفيسور چيمس فرانكلين بيثون بيكر عن ”مونارخية الآب“ عند ق. غريغوريوس النيسيّ قائلًا: (( J. F. Bethune-Baker, An Introduction to the Early History of Christian Doctrine, London, Methuen, 1903, p. 221, 222. )) من الواضح في هذا البرهان أنه تمَّ الاعتراف بالاشتراك في الأزلية، والمساواة المطلقة للأقانيم الثلاثة. لا تؤدي فكرة العلية إلا إلى التمييز بين أنماط الوجود الثلاثة. فالله واحد ό θεος، ولكن داخل وجوده، هناك علة τό αϊτιον التي يتناسب معها اسم الآب، وهناك معلول τό αίτιατόν، الذي يتضمن المعلول المباشر τό προσεχώς έκ τοϋ προώτου، الذي يتناسب معه اسم الابن، وهناك المعلول الوسيط τό διά τοϋ προσεχώς έκ τοϋ προώτου، الذي يتناسب معه اسم الروح القدس. فالروح القدس هو من الآب، كما هو أيضًا من خلال الابن. وارتباط الروح هذا بالابن والآب هو تعليم ق. غريغوريوس النيسيّ أيضًا في كتاباته الأخرى، إن لم يكن بنفس المصطلحات دائمًا. (J. F. Bethune-Baker, An Introduction to the Early History of Christian Doctrine) نستنتج مما سبق تكامُّل وتضافر الشرحين الأثناسيوسيّ والكبادوكيّ مع بعضهما البعض في شرح عقيدة الثالوث، حتى وإن اختلف الاثنان في نقطة الانطلاق، وذلك راجع كما عرضنا إلى عدة أسباب يمكن تلخيصها في النِّقَاط التالية: 1) نقطة انطلاق ق. أثناسيوس في مواجهة الآريوسية المبكرة، آريوسية آريوس ويوسابيوس النيقوميديّ، هي سوتيريولوچية أو خلاصية، أي من علاقة الأقانيم الثلاثة في الجوهر الإلهيّ الواحد بالخليقة في إطار تدبير الخلاص، لذا شدَّد على وحدة الجوهر الإلهيّ في إطار علاقته مع الخليقة من أجل تدبير الخلاص، أي في سياق تدبيريّ. 2) نقطة انطلاق الكبادوك في مواجهة الآريوسية الناضجة، آريوسية آتيوس وأفنوميوس، هي ثيؤلوجية أو لاهوتية وشخصانية وأنطولوچية، أي ينطلق الكبادوك من العلاقات الأقنومية داخل الثالوث وصولًا إلى وحدة الجوهر الإلهي، لذا شدَّد الكبادوك على ”مونارخية الآب“ كاسم شركة أو علاقة يدل على علاقته بالأقنومين الآخرين في إطار ثيؤلوجيّ صرف. 3) اختلاف السياقات التاريخية بين النيقيين القدامي والجدّد والآريوسيين القدامى والجدّد، وبالتالي، اختلاف مُتطلبات الشرح اللاهوتيّ لعقيدة الثالوث بين ق. أثناسيوس والآباء الكبادوك في مُواجهة هذه السياقات التاريخية. 4) هناك دور رئيسيّ للشرح الكبادوكيّ في إزالة الشبهات الواهية بالسابيلية المزعومة عن الشرح الأثناسيوسيّ. --- ### چون ديوي - Published: ۲۰۲٤-۱۲-۰٤ - Modified: 2024-12-04 - URL: https://tabcm.net/30680/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أبو العلاء أحمد عبد الله سليمان محمد القضاعي التنوخي المعري, أبو علي الحسن هاني عبد الأول الصباح الحكمي المذحجي نواس, أحمد شوقي علي أحمد شوقي, أفلاطون, أوديب, إيڤان بتروڤيتش باڤلوڤ, تشارلز روبرت داروين, چون ديوي, محمد حافظ إبراهيم كنت أتحدث ذات مرة مع الدكتور كليلاند، مدير الجامعة الأمريكية بالقاهرة، عن مركّب أوديب أو مركب النقص لا أدري، فأنصت إليَّ ثم رفع عينيه في وجهي يسأل في خبث: هل هناك إحصاءات عن هذا الموضوع؟ وبهذا السؤال أفحمني وأضحكني معًا. فإني أحسست أن السؤال أمريكي، هو سؤال ينبع من الوسط الأمريكي الذي يعتمد على العلم، ويحيا على أساس المعارف العلمية، وهو التجربة، والإحصاء يقوم في علم الاجتماع مقام التجربة في الطبيعيات أو الكيمياء من العلوم المادية. ويجب أن نسلم بأن الكثير من معارفنا السيكولوجية لم يرتفع إلى مقام العلم، وقصارى ما نقول عن هذه المعارف: إنها «فروض» ننتفع بها في تفكيرنا، وإن هناك ما يرجح صحتها؛ لأننا حين نعمل بها نجد النتائج الحسنة، ولكنها ليست علمًا، وإنما العلم هو ما قام به بافلوف الذي جرب التجارب في الكلاب واستنتج النتائج، هو أيضًا تلك الحقائق التي استطاع السيكولوجيون أن يستخرجوها بالاحصاء بالتجارب التي قاموا بها بين الطلبة أو العمال أو الأزواج أو المسجونين أو نحوهم. والعلم هو شيء جديد في عصرنا؛ إذ ليس هو محض التفكير والاستنتاج، وإنما هو التخيل أولًا، ثم التجربة باليد، ثم التفسير بما يتلاءم مع النتائج من هذه التجربة. وشيوع الأسلوب العلمي في أيامنا قد جعل الفلاسفة والأدباء يتشككون في قيمة ما يمارسون من فلسفة وأدب؛ ولذلك أصبحت الفلسفة «تجريبية»، وصاحب هذا الرأي أو هذه الدعوة إلى اتخاذ الأسلوب العلمي في الفلسفة هو چون ديوي الذي مات قبل سنتين، والذي يعد من أكبر الفلاسفة الأمريكيين، كما أنه مؤسس المدارس «الارتقائية» الجديدة التي دعا فيها إلى أن تكون المدرسة مجتمعًا صغيرًا يمثل المجتمع الذي سيعيش فيه التلميذ أو الطالب بعد ذلك، وفلسفته عن التعليم تندغم في فلسفته عن الحياة، وأنا أحاول هنا أن أشرح فلسفته التي تأثرتُ بها، والتي ما زلتُ أسترشد بها وأعتمد على أسلوبها في حياتي الذهنية. وأبدأ بما أستطيع أن أسميه «مفتاح» التفكير الفلسفي «ديوي»، وهو أنه ليس في هذا الكون شيء كائن -أي ثابت لا يتغير- لأن كل ما فيه من ناس أو حيوان أو نبات أو جماد هو أشياء «صائرة»؛ أي إنها في تغير لا ينقطع، أو بكلمة أخرى هي في تطور. نحن وكل شيء حولنا في صيرورة تغير، ولسنا في كينونة ثابتة، واعتقادي أن الذي غرس هذه الفكرة في الأذهان العصرية هو داروين حين أثبت أن التطور هو الأصل، والمبدأ في عالمنا، وما دام التغير أو التطور هو الأساس لوجودنا فيجب لذلك أن نقول بالتجربة؛ أي التجربة في الفلسفة والتجربة في الاجتماع، والتجربة في التربية، ذلك أن مجتمعنا ليس نهائيًّا؛ إذ هو سيتطور، وما دام هذا شأنه يجب أن نتناول بالتغير كلما وجدنا الحاجة إلى هذا التغيير. هذا هو المفتاح الأول، أما المفتاح الثاني الذي يفتح لنا أبواب الفلسفة عند ديوي فهو أن الفصل بين الماديات والمعنويات الذي قال به أفلاطون ليس حقيقة، وإنما هو وهمٌ؛ فالمادة والروح، والجسم والعقل، والفكرة والمادة، كلها شيء واحد، وهو يجبهنا بالقول بأننا لم نعرف قط عقلًا بلا جسم، ولا فكرة بلا مادة. أما المفتاح الثالث فهو التسليم بأن معارفنا عن الكون والأشياء موقتة؛ أي لوقتنا أو لعمرنا هذا فقط، وهي ليست نهائية، ولا نستطيع لذلك أن نقول إنها صادقة؛ لأن هذه الأشياء في تطور، وقصارى ما نستطيع أن نقوله عن المعارف البشرية أنها «آلة» و«وسيلة» نفهم بها الأشياء. وغاية هذا الفهم غير النهائي إنما هي التسلط على الطبيعة واستغلالها لمصلحة البشر، لو كانت الأشياء ثابتة، ولو كان الكون ثابتًا، ولو كانت عقولنا ثابتة، لكان فهمنا لهذه الأشياء ثابتًا نهائيًّا، ولكننا نحن جميعًا في صيرورة، نصير ونتغير؛ ولذلك فإن هذا الفهم أيضًا سيتغير، ولا يمكن أن يكون نهائيًّا، وما عندنا من فهم عن الكون والأشياء إنما هو صورة وقتية ننتفع بها، ويجب أن ننتفع بها في استخدام قوى الطبيعة لمصلحة الإنسان لا، ليست الغاية من الفلسفة أن نعرف أسرار الطبيعة، وإنما هي أن نستخدم قوى الطبيعة. أما المفتاح الرابع فهو أن الذكاء البشري اجتماعي، فما عندنا من أفكار وآراء وعقائد، وعواطف وفلسفات إنما مرجعها جميعها إلى المجتمع الذي نعيش فيه، وكان يمكن ديوي هنا أن يقول إن اللغة اجتماعية، وإنها الوسيلة للذكاء؛ إذ لا يستطاع التفكير بلا لغة. هذه هي الأسس لفلسفة ديوي التي يسميها «الآلية»؛ أي إن الفلسفة يجب أن تكون آلة أو وسيلة للفهم وللتسلط بهذا الفهم على الطبيعة. وربما يكون من الحسن أن ألخص هذه الأسس الأربعة فيما يلي: (١) أننا وكل شيء حولنا في صيرورة ولسنا ثابتين على حال لا تتغير. (٢) كل ما في هذا الكون هو وحدة لا تنقسم، فليس هناك فرق بين الماديات والمعنويات، ولا بين الحياة والمادة ولا بين الجسم والعقل، بل ليس هناك عقل مستقل أو نفس مستقلة. (٣) معارفنا عن الأشياء مؤقتة؛ إذ هي في تغير، كما أن عقولنا التي نعرف بها في تغير. (٤) الذكاء البشري اجتماعي؛ أي إننا ننبعث بنظرياتنا وعقائدنا وأفكارنا بقوة الإيحاء الاجتماعي الذي ينغرس في نفوسنا في المجتمع الذي نعيش فيه. هذا هو ديوي الفيلسوف، فما هو ديوي المربي؟ إن شهرته في التربية أكبر من شهرته في الفلسفة، وقد دعته تركيا وروسيا والصين كي ينظم لها وسائل التعليم، وإليه تعزى هذه الأساليب الجديدة في التعليم في الولايات المتحدة نفسها. التربية عند ديوي هي النمو الذهني، ولكن لما كان الذهن في كل حال اجتماعيًّا، فإن المدرسة يجب أن تكون اجتماعية، فإذا كان المجتمع الأمريكي مثلًا يتنقل أفراده بالسيارة، فإن التلميذ يجب أن يتعلم قيادة السيارات، وإذن يجب على المدرسة أن تخلق لتلاميذها اختبارات اجتماعية، بحيث يختبرون ويحاولون حل المشكلات كما لو كانوا كبارًا على اهتمام يقظ بكل ما يحدث في بلادهم بل في الدنيا أيضًا. المدرسة عند ديوي هي جنين المجتمع، وحين تنطوي المدرسة على نفسها، وتعلم النظريات وتلقي الدروس التي لا علاقة لها بالمجتمع العصري، حين تفعل ذلك، تعود بالضرر على تلاميذها؛ ولهذا يجب ألا تنقطع بتاتًا عن الاتصال بالمجتمع. وقيمة المدرسة عند ديوي تقاس بدرجة ما تخلقه في التلميذ من الرغبة في النمو، وهذا النمو هو في النهاية تجدد ذاتي، وهو دءوب في التوسع الذهني بالاستطلاع والاختبار والدرس. وكان أول مؤلفاته كتاب «المدرسة والمجتمع» في عام ١٨٩٩ واسم الكتاب يدل القارئ على الاتجاه الذي اتخذه ديوي في فلسفته الاجتماعية. في هذا الكتاب يصف النشاط الذهني بأنه لا يختلف عن أي نشاط آخر نؤديه بعضلاتنا؛ أي إنه تفاعل مع الوسط، هو أقرب الأشياء إلى الرؤية، فإننا حين نرى شيئًا بعيوننا لا نحس أن الرؤية هي شيء داخلي فينا، إنما هي تفاعل بيننا وبين هذا الشيء؛ أي إنها حدث قد حدث بيننا وبين هذا الشيء. وكذلك الشأن في التفكير فإننا لا نفكر إلا لأننا قد التفتنا إلى شيء خارج عنا أو اهتممنا به؛ وإذن ليست التربية ادخار المعارف، وإنما هي غرس العادات الحسنة في التفكير حتى نصل إلى أحسن النتائج، وأحسن النتائج هي استخدام المعارف كما لو كانت آلات لخدمة البشر؛ أي المجتمع. والهدف من التربية هو إيجاد التلاؤم بين الفرد والمجتمع. وليست الأخلاق عند ديوي شيئًا مطلقًا، وليست هناك أخلاق مثلى دائمة، وإنما هناك تغيرات اجتماعية تؤدي إلى تغيرات أخلاقية، وما دامت غايتنا هي سعادة العيش، فإذن يجب أن نجعل الملاءمة بين الفرد والمجتمع غاية التربية. ثم ينتهي بأن الأخلاق المثلى في مجتمع ما ليست سوى الأخلاق العلمية، كما أن خير المجتمعات هو المجتمع العلمي. وبالطبع هنا شطط؛ فإن ما يزعمه ديوي من أن غاية التربية يجب أن تكون الملاءمة بين المجتمع والفرد قد يحملنا على القول بأن هذه الملاءمة تقتضينا أن نعيش فيه، حتى ولو كان ظالمًا، ورجل الثورة الذي يحتاج إليه رقي الأمم من وقت لآخر هو رجل لا يتلاءم مع المجتمع، ومن هنا ثورته، وهي فضيلته. والواقع أن ديوي رأى قبل أن يموت شطط هذا الاندفاع في التساوق مع المجتمع، فقد عُقد مؤتمرٌ أمريكي بلغ أعضاؤه نحو ٦٠٠ من خريجي الجامعات وأساتذتها، وعرض هذا الاقتراح على المؤتمرين: أيهما أنفع، أن نعلم الطلبة اللغة الإغريقية أم نعلمهم فن الرقص؟ فكانت الأغلبية الساحقة في جانب الرقص؛ وذلك اعتقادًا بأن المجتمع العصري يحتاج الفرد فيه كي يكون متلائمًا معه إلى الرقص، أما لغة الإغريق فيمكن الاستغناء عنها أو على الأقل تركها للمتخصصين. لا، ليست التربية الحقة أن نتلاءم على الدوام مع المجتمع. والأغلب أن ديوي قد احتاج إلى الإكبار من شأن الاتصال بالمجتمع، وإلى جعله الأساس للتربية كي يحمل المعلمين والمربين على أن يضعوا القيمة العملية فوق القيمة النظرية في التربية، وعلى أن يجعلوا من المدرسة مجتمعًا يتهيأ فيه التلميذ أو الطالب لأن يكون فردًا اجتماعيًّا له عادات اجتماعية ارتقائية، وليس محض خزانة للمعارف الكيماوية والرياضية والتاريخية والجغرافية. عضو نافع متطور في مجتمع ارتقائي متطور. وقد نجح في هذا الشأن، فإن «المدارس الارتقائية» في الولايات المتحدة هي ثمرة فلسفته هذه، وهي جنات للصبيان والشبان يجدون فيها سعادة كان أسلافهم يحرمونها بالدءوب في دراسة واختزان المعارف. أعتقد أنني انتفعت كثيرًا في تربيتي الذهنية بچون ديوي، وأول انتفاعي به أنه ألحَّ عليَّ مرارًا وتكرارًا بضرورة الالتزام للأسلوب العلمي في المشكلات الاجتماعية، وبالطبع كلنا يعرف قيمة الأسلوب العلمي، ولكن هناك من الأفكار ما نحتاج إلى أن نكرر القول فيه، ونبدي ونعيد حتى يصير عادة ذهنية ثابتة، وليس فكرة عابرة أو طارئة. ••• هل هناك إحصاءات عن هذا الموضوع؟ هذا السؤال الأمريكي الذي سألنيه «كليلاند» هو ما يسأله جون ديوي في كل مشكلة؛ ولذلك هو لا يفتأ ينشد التجربة التي تصحح منطق الفكر المجرد وتوضح ما لعله قد أهمله هذا المنطق. التجربة في كل شيء؛ في الفلسفة، وفي الأدب، وفي الموسيقا، وفي الأغاني، وفي الاجتماع... ولم لا؟ أذكر أنه عندما عمدت إحدى الوزارات الماضية إلى إلغاء البغاء بالأحكام العرفية أني طلبت التجربة، فقلت: إننا نستطيع أن نلغي البغاء الرسمي في القاهرة، وندعه في الإسكندرية مدة عام، ثم نقوم بتحقيقات بشأن الصحة الجسمية والنفسية بين فريقين مختلفين من الشبان آخر هذا العام، فإذا ثبت لنا أن الإلغاء في القاهرة قد نقص من الأمراض الزهرية، ولم يؤدِّ إلى تفشي الأمراض النفسية، وتفشي الشذوذات التي تنشأ من التوترات الجنسية، فإننا نعمم الإلغاء في القطر كله، أما إذا ثبت العكس فإننا نعيد البغاء الرسمي. هذه تجربة اجتماعية نحاول بها حل مشكلة معينة في مجتمعنا حلًّا علميًّا يقوم على الإحصاءات، وقل مثل ذلك في الفلسفة التي تنشد صلاح العيش، وتحقق السعادة للإنسان، بل كذلك في الفن الذي ينشد سعادة النفس، وجمال الذهن، وجلال العاطفة، نجرب ألحاننا وما يحدث في نفوسنا من إحساسات الشجاعة والشهامة أو الخسة والدعارة. ونجرب أشعار شوقي أو حافظ أو أبي نواس أو المعري، بحيث نجعل أحد الفصول في الأقسام الثانوية يدرس واحدًا من هؤلاء ويستغرق في إحساساته وقوافيه، ثم نحقق آخر العام أثر هذا في النفس والذهن والعاطفة ونخرج بالنتيجة التي توضح لنا ما نجهله. بل كذلك التجربة في أغانينا وموسيقانا بالمقارنة إلى الأغاني والموسيقا الأوروبية، أيتهما تبعث على الانتعاش الروحي والصحة النفسية والإحساس الفني؟ أجل ليست التجربة في الكيمياء والطبيعيات وما إليها فقط؛ إذ هي يجب أن تشمل حياتنا الاجتماعية كلها، نجرب في نظام الدولة، ونجرب في نظام المجتمع ونجرب في الزواج والطلاق ونجرب في طرق التعليم، وفي معايش الناس حين يمارسون الزراعة أو الصناعة. هذه واحدة مما تعلمت من چون ديوي. وأخرى هي أن المجتمع هو الذي يربينا؛ ولذلك هو يقول إن المجتمع كان يمكن أن يكون هو المربي الوحيد لنا بلا مدارس، ولكننا نحتاج إلى المدرسة كي نجمع الاختبارات المختلفة التي تزيد قيمتها على غيرها فنلتفت إليها دون غيرها مما هو أقل خطورة؛ وبذلك نستطيع أن نُكسب الطالب من هذه الاختبارات المختارة في عام أكثر مما يستطيع أن يكسب من المجتمع في سنين حين ينتظر طروء هذه الاختبارات عليه جزافًا. التربية للمجتمع والمجتمع للتربية، وإذا انفصلت المدرسة عن المجتمع، وإذا انفصل إنسان، رجلًا كان أو امرأة، عن المجتمع فهو — بقدر هذا الانفصال — تنقص أو تنعدم تربيته. ••• وقصة صغيرة أخيرة أرويها عن چون ديوي؛ لأنها تكاد تلخص لنا إيماءة حياته وهدف فلسفته، فإن هذا الرجل كان يحيا كي ينشد الاختبارات في هذه الدنيا، وهو يختبر كي يفلسف ويستقطر الحكمة والسعادة من اختباراته؛ ولذلك نجده قبل نحو ست سنوات يقصد إلى قرية أو مدينة صغيرة يعيش فيها آخر أيامه بعيدًا عن صخب العواصم وهرولتها. وهو يحب حتى في سني شيخوخته في هذا المعتكف أن يؤدي عملًا أو خدمة للمجتمع، فهو يربي البقر ويستدر اللبن، فإذا جاءت طلائع الصباح حمل اللبن على عربته وهرع إلى البيوت يوزعه بالثمن المجزي. وهو يقص علينا في فكاهة أن إحدى السيدات التي فتحت له الباب كي تتسلم منه زجاجات اللبن طلبت منه ألا يقرع هذا الباب، وإنما يقصد إلى الباب الخلفي الذي يؤدي إلى المطبخ. فيلسوف لا غش فيه! --- ### حساسية الضمير - Published: ۲۰۲٤-۱۲-۰۳ - Modified: 2024-12-03 - URL: https://tabcm.net/32019/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: الثالوث القدوس, قديس باخوميوس الكبير أب الشركة قرأت في احد الكتب الأدبية عبارة للكاتب الكبير أنيس منصور، توقفت عندها كثيرًا، بل إنني استخدمتها في كلمة عن حساب النفس في كل عام جديد، هذه العبارة هي: إني أقلب نفسي بيدي وأتفرج عليها. . برفق كأنني احبها، وبقسوة كأنني أكرهها، فهي تصلح منهجًا لحساب النفس خصوصا للخدام علي اختلاف درجاتهم، فحساب النفس برفق حتي لا يسقط الإنسان في صغر النفس أو اليأس، وبقسوة حتي لا يتهاون أو يصاب بالاستهتار. تذكرت هذه المقولة لاستهل بها كلامي عن حساسية الضمير. يحكي لنا التاريخ الكنسي قصة وقعت مع القديس الأنبا باخوميوس، أب الشركة، ويسرد لنا التاريخ بأن الأنبا باخوميوس لم يكن في قلايته وقت أن زاره ملك البلاد، إذ كان الأنبا باخوميوس ينعزل في مغارة بعيدة كل فترة. ولم يكن لدي الملك وقتًا وأراد الانصراف، فطلب الملك من تادرس تلميذ الأنبا باخوميوس أن يعطيه معطف معلمه الأنبا باخوميوس -كبركة- في مقابل أن يترك الملك معطفه الملكي الفخم ليستخدمه الأنبا باخوميوس في البرد بدلا من معطفه. وكان معطف الأنبا باخوميوس كراهب، قديمًا وليس في حالة جيدة، وانصرف الملك حاملًا معه معطف الأنبا باخوميوس، ولما عاد الأنبا باخوميوس إلى قلايته وشعر بالبرودة فطلب من تلميذه تادرس إحضار المعطف، فاحضر له تادرس تلميذه المعطف الملكي وقص عليه ما حدث مع الملك، فغضب الأنبا باخوميوس من تصرف تلميذه وانتهره قائلًا: هل هذا هو لباس الرهبان؟ فبكي تادرس طالبًا من معلمه السماح، ويقال أن الأنبا باخوميوس أفاق من غضبه وكان يصلي لمدة طويلة قائلًا: سامحني يا رب لأني أحزنت قلب تلميذي. لماذا أذكر هذه القصة في هذا المقال؟ أذكرها مثالًا علي حساسية الضمير، والإحساس بمشاعر الغير، ومسئولية الآباء الروحيين نحو الرعية، فبمجرد أن شعر الأنبا باخوميوس بجرحه لتلميذه تادرس، شعر بتأنيب الضمير لأنه جرح مشاعر تلميذه وأحزن قلبه، وطلب من الرب المغفرة والسماح. منذ فترة رأيت بعيني رأسي وسمعت بأذني كاهنًا ينتهر طبيبًا شماسًا وشيخًا في سن الخامسة والثمانين من عمره، لأنه تأخر في إحضار الشورية، وفعل ذلك أمام كل الشعب دون مراعاة لمكانته، وسنه، فقد كان هذا الطبيب طبيبًا شهيرًا قبل أن يولد هذا الكاهن، وبعد القداس كأن شيئا لم يكن، انصرف الكاهن بكل كبرياء دون أن يطيّب قلب الشماس الشيخ، وطيبت قلب الرجل الشيخ الوقور الذي رفض أن يجلس في بيته بعد سن المعاش وفضل خدمة الكنيسة في ما تبقي من عمره. والكتاب المقدس ذكر لنا في وصفه للرب يسوع المسيح له المجد: قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لاَ يَقْصِفُ، وَفَتِيلَةً مُدَخِّنَةً لاَ يطفئ (إنجيل متى 12: 20) أما ما نراه الآن في خدامنا من مطارنة وأساقفة وكهنة ورهبان وخدام هو تجاهل تام لمشاعر الرعية، وبجرح الراعي أبناؤه بكل قسوة دون أي تأنيب للضمير، تري ما هي أسباب قساوة القلب التي نشاهدها في جميع الرتب الكهنوتية في كنيستنا القبطية الأرثوذكسية هذه الأيام، وكيف نصل إلي حساسية الضمير في الخدمة. أري أن هناك أسبابًا كثيرة لقساوة القلب وعدم حساسية الضمير أو بالأحرى موت الضمير في رجال الكهنوت، ويشترك في المسئولية الرعاة والرعية. أوجز بعض هذه الأسباب في النقاط الآتية: ١. السلطة المطلقة، فالكاهن أو الأسقف تعود ان يسمع كلمات المدح فقط من المنافقين حوله، ويضيق صدره بأي انتقاد حتي لو كان الكاهن ملومًا، فقد تعود علي الطاعة العمياء من الشعب البسيط دون أي مناقشه، يأمر فيطاع، وإذا اعترض أحد فلن يأخذ البركة ويهدد أبناؤه مستخدمًا المقولة الشهيرة ابن الطاعة تحل عليه البركة. ٢. تكوين شخصية رجل الكهنوت والبيئة المحيطة التي نشأ فيها، وهل شبع من الحب العائلي أم انه عاني كثيرًا في صغره. ٣. بساطة غالبية الشعب وتعوده علي الخضوع الكامل الذي يصل إلى الخنوع والطاعة العمياء للكاهن ظنا منهم أنّه لا يخطئ مما يجعل الراعي يتمادى في تسلطه. ٤. خوف كثير من الشعب من غضب الكاهن وإن شيئًا سيئًا سيحدث لهم كانتقام من الله في حالة عدم الطاعة، ناسين أن الله عادل ويعامل الجميع كأبناء متساويين بغض النظر عن الكرامات الأرضية مما يشجع الآباء علي التمادي في السلطة وإلقاء الأوامر دون أي دراسة أو النظر في موائمة هذه الأوامر ومطابقتها لروح تعاليم الرب يسوع المسيح له المجد. ٥. الآباء المتسلطون، يتناسون أن الذي أوصلهم لهذه الكرامة هو صاحب الكرم لخدمة أولاده والوصول بهم إلى حضن الآب السماوي، بل ويتباهى بعضهم ويسرد كيفية معاملته الخشنة مع الشعب واصفا ذلك بالحكمة المطلوبة ظانًا أن هذا هو الحزم حتي يسيطر علي الرعية. ٦. تعود الآباء علي الخدمات الطقسية والتي قد تؤدى من البعض منهم في تسرع مخل ودون روح وتكاد لا تفهم ما يقال، وهؤلاء يكتفون بذلك معتقدين أن هذه هي الخدمة وكفي، ويضيق صدرهم بأي شكوي من الرعية. ٧. سطحية العلاقة مع صاحب الكرم وعدم التعمق في العلاقة بالثالوث القدوس ويكتفي ببعض التعبيرات الدينية والتي توهم الشعب بقداستهم وامتيازهم. ٨. السعي وراء جثث الآباء وبدلا من إكرامهم يقسمون رفاتهم بلا رحمة حتي يجذبوا الشعب إلى الكنيسة لأخذ بركة القديسين، مما يزيد من دخل الكنيسة المادي، من شموع وتبرعات وما شابه ذلك، حتي تجرأ البعض ووضعوا جوربًا كان يرتديه أحد الآباء المتنيحين في أنبوبة تزف في تذكار نياحة القديس. ٩. تهاون قادة الكنيسة في أخطاء الآباء بل والدفاع عنهم مدعين أن هذه هي المحبة والستر وعدم نشر الغسيل الغير نظيف علي العلمانيين، بالرغم من قول الكتاب أفمت حراسًا علي أورشليم. مما جعل بعض الآباء يتهاونون في الخدمة ويعاملون الشعب بتسلط دون أي حساسية للضمير. هناك أسبابًا أخرى كثيرة، فالموضوع محتاج مراجعة علي أعلي مستوي في الكنيسة، لوضع حدودا فاصلة للعلاقة بين الرعاة والرعية. ١٠. تحويل بيت الآب السماوي الذي هو الكنيسة إلى بيت تجارة، بدأت في الأديرة ثم انتشرت في الكنائس، من جمعيات تعاونية لبيع المواد الغذائية والمشروبات مما اخل بشعور الفرد بقدسية الكنيسة وتميزها عن أي مكان في العالم. في جميع ما أكتب عن الإصلاح الكنسي، لا أتطرق إطلاقًا إلى الأمور والخلافات اللاهوتية، لأننا لكي نتفق في الأمور اللاهوتية، لابد من إصلاح البيت من الداخل، حينئذ سوف تختفي الخلافات اللاهوتية بالإتضاع والانفتاح علي اللاهوت العالمي لفهم الآخر وبثقافة الحوار والوصول إلى مشتهي قلب ربنا يسوع المسيح وبروح المحبة الحقيقية التي هي رباط الكمال والاتحاد دون التفريط في أساسيات الإيمان المقدس. --- ### تحولات ستة عقود (10مايو1959: 17مارس2012) - Published: ۲۰۲٤-۱۲-۰۲ - Modified: 2024-12-09 - URL: https://tabcm.net/31881/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أنبا بيمن، أسقف ملوي, أنبا صموئيل، أسقف الخدمات, أنبا غريغوريوس، أسقف البحث العلمي, إكليروس, الأب متى المسكين, الاشتراكية, القرعة الهيكلية, الكنائس الأرثوذكسية, الكنيسة والدولة, المجلس الملي, المجمع المقدس, انتخاب البابا, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس السادس, بابا يوساب الثاني, بولس السادس, بيت التكريس, ثورة ٢٣ يوليو, جماعة الأمة القبطية, حنا يوسف حنا, دير الأنبا مقار الكبير, رئيس جمال عبد الناصر, صليب سوريال, ليتورچي, مجلة الكرازة, مدارس الأحد, معهد الدراسات القبطية كان من الضروري زيادة رسامات كهنة الكنائس، واتجهت الكنيسة ـ في تلك المرحلة ـ إلى الاختيار من خارج صفوف الإكليريكيين، اكتفاءً بكونهم خدام بمدارس الأحد واجتماعات الشباب، ظنًا أن مؤهلاتهم الدراسية العليا في الجامعات تكفي، ولم يكن هذا صحيحًا، لتشهد الكنائس تراجع التعليم المرجعي والاستغراق في نسق التأملات المفتوحة وفق خلفيات كل كاهن. ولم ننتبه إلى أن هذه الرسامات تقلص الحضور القبطي المجتمعي في مختلف المجالات التي يُرسم كوادرها كهنة. ارهاصات التحولات بدأت، في تقديرى، قبل هذا التاريخ، حين تجمعت تيارات كنسية عدة في سعي عزل أو تحجيم البابا يوساب الثاني، ما بين جماعة الأمة القبطية التي ترجمت سعيها على الأرض باقتحام مقر البابا وإجباره على التوقيع على وثيقة تنازل عن موقعه البابوي، واقتياده إلى إقامة جبرية في أحد أديرة الراهبات بمصر القديمة، وهي وقائع مازالت بحاجة إلى فحص لمعرفة مدى اتصالها بالأجهزة المعنية في ذاك الوقت. وبين جماعة مدارس الأحد التي جندت مجلتها للهجوم المتصاعد على قداسته بمقالات نارية تحفيزية ضده. وبين المجمع المقدس الذي قرر تحديد إقامته وإيداعه المستشفى القبطي حتى وفاته. كان السبب المعلن الذي تم ترويجه آنذاك فساد حاشيته، واتهامه بالسيمونية، فيما تم إغفال ما أنجزه في رعايته للإكليريكية، وحرصه عليها، ونقلها من مقرها القديم إلى مقرها بالأنبا رويس في قرار حاسم وعاجل، وتدشينه لمعهد الدراسات القبطية، ودعمه لبيت التكريس بحلوان، وتواصله مع حكومة الثورة لإقرار إجازات رسمية لأعياد الأقباط، واهتمامه بضبط ترتيب الخدمة بالإسكندرية بشكل نظامي مقنن. ظني أن طرقه لأبواب التواصل مع الكنائس الأرثوذكسية بعائلتيها، وحصوله على إجازات علمية عليا من جامعات اليونان التي تم ابتعاثه إليها ـ من مدرسة الرهبان ـ وهو بعد راهبًا، هو الذي حرك الجناح المحافظ ضده، حتى إلى تحالف الفرقاء. وعندما نقترب من المراحل اللاحقة فنحن لا نقترب من أشخاص بل من قرارات وردود فعل في دائرة عملهم، ونقر ابتداءً باحترامهم وتقديرهم، بعيدًا عن الشخصنة. ولا يمكن لمنصف أن لا يشهد للتطور الذي لحق بالكنيسة ونقلها إلى دوائر أرحب على الأقل جغرافيًا سعيًا لخدمة الأجيال المصرية الجديدة التي راحت تسعى في كل بقاع العالم، عملُا أو هجرة بتعدد الدوافع والأسباب. لم يكن اسم الراهب مينا البرموسي (القمص مينا المتوحد)، على قائمة المرشحين للكرسي البابوي بعد رحيل البابا يوساب الثاني، وكانت الكنيسة والدولة ينظران بتوجس للمرشحين من شباب الرهبان، فاتفقا على تعديل لائحة انتخاب البابا البطريرك بما يحول دون أحقية هؤلاء الشباب في الترشح، وقد كان، لتصدر اللائحة المعدلة عام 1957م وقد أضيف فيها ضمن شروط الترشيح أن لا يقل سن المرشح عن أربعين عامًا وألا تقل مدة رهبنته عن خمسة عشر عامًا، وهكذا تم استبعاد أسماء كل الشباب إجرائيًا؛ ليقفز أمامهم اسم مرشدهم الراهب القمص مينا المتوحد، ولم يكن مرشحًا، فسعوا لدى بعض المطارنة ونجحوا ـ من خلالهم ـ في طرحه كمرشح، وتُجرى الانتخابات ويكون اسم القمص مينا ضمن الثلاثة مرشحين أصحاب أعلى الأصوات وتأتي القرعة الهيكلية، وهو إجراء مستحدث وقتها، ليفوز فيها الراهب القمص مينا المتوحد، ويحمل اسم البابا كيرلس السادس في 10 مايو 1959م. وتسترد به الكنيسة عرفها المستقر بأن يكون البابا من الرهبان الذين لا تعلو رتبتهم الكهنوتية عن رتبة "القمص"، بعد ثلاثة بطاركة اختيروا من المطارنة، كان البابا الجديد رجل صلاة، ويرسي تقليدًا جديدًا بإقامة قداس يومي، سرعان ما انتقل إلى بقية الكنائس بالقاهرة، ثم أغلب ايبارشيات الكنيسة. وعندما نقترب من دائرة قداسة البابا كيرلس السادس، لابد أن تتوقف عند القمص صليب سوريال، أحد مؤسسي مدارس أحد الجيزة، وخدمة القرية، وهو ابن خالة البابا كيرلس، ومهندس ضبط العلاقات داخل الكنيسة آنئذ، مع رفيق خدمته الأستاذ سعد عزيز (الأنبا صموئيل أسقف الخدمات فيما بعد)، ولكونه خريج كلية الحقوق جامعة فؤاد الأول (القاهرة) فقد كان له دور رئيس في توثيق طيف كبير من القوانين الكنسية خاصة فيما يرتبط بالأحوال الشخصية، وأُسند إليه عام 1964م تدريس مادة القانون في الكليات الإكليريكية بمصر والخارج. وكان الدينامو في سعي المصالحة بين قداسة البابا كيرلس والأب متى المسكين، ونجح في مسعاه ليتم الصلح في العيد العاشر لرسامة البابا، الذي يرسله إلى دير القديس أبو مقار، بموافقة الأنبا ميخائيل مطران أسيوط ورئيس الدير. وهو الذ قدم حلًا فقهيًا يعطي للبابا حق رسامة أساقفة عموميين، بالإرادة المنفردة، فكانت رسامة أسقفى التعليم (الأنبا شنودة)، والخدمات (أنبا صموئيل)، في 30 سبتمبر1962م. ، ثم بعدهما في 10 مايو 1967م رُسم أسقف البحث العلمي (أنبا غريغوريوس)، باعتبارهم يؤدون خدمات عامة في عموم الكنيسة معاونة للبابا البطريرك، دون أن يسند لهم إيبارشية معينة. وفي الدائرة الحيوية للبابا كيرلس نلمح شخصية أخرى كان لها دورها في مطبخ إدارة الكنيسة وهو الاستاذ الدكتور حنا يوسف حنا، الذي يرقى في علاقته بالبابا إلى اعتباره تلميذًا له، ومن فرط محبته لأبيه البابا كان كلما ذكر اسمه ينعته بـ "العظيم عند الله والناس"، وكان مقربًا من الرئيس جمال عبد الناصر في نفس الوقت. ويُذكر له أنه اقترح على البابا تعيين الراهبين مكاري السرياني وأنطونيوس السرياني في سكرتارية البابا، كنوع من تقدير سعيهما لطرح اسم الراهب القمص مينا المتوحد في قائمة المرشحين للبابوية، إضافة إلى الدفع بدماء شابة في منظومة إكليروس الكنيسة، بما يملكان من طاقة وقدرة تنظيمية وعلاقات متعددة يمكن توظيفها لخدمة الكنيسة، واستجاب له البابا، ثم عاد بعد فترة ليقترح عليه رسامتهما أسقفين ليصيرا أعضاء بالمجمع المقدس ومن ثم يدعمان قرارات قداسته داخل المجمع، وللمرة الثانية يستجيب له البابا. وحسب القمص صليب سوريال كان للدكتور حنا يوسف حنا دورًا لوجيستيًا فاعلًا في نقل ما يخص الأب متى المسكين ورهبانه من دير الأنبا صموئيل لدير الأنبا مقار بشاحنات واحدة من الشركات التي يشرف ويراجع حساباتها. لم يختلف قداسة البابا كيرلس عن سابقيه في الموقف المناوئ للمجلس الملي باعتباره رقيبا ماليًا على البابا، في مناخ مجتمع أبوي، خارج الكنيسة وداخلها، وظني أن لهذا علاقة ما بصدور القانون رقم 264 لسنة 1960م الذي أنشأ هيئة الأوقاف القبطية، ليدير ويشرف على أوقاف الكنيسة، وهي المهمة التي كان يقوم بها المجلس الملي العام، ضمن عديد من المهام الأخرى، واللافت أن المجلس الملي يتم اعتماد تشكيله بقرار من وزير الداخلية، فيما يتم تشكيل هيئة الأوقاف القبطية بقرار جمهوري يعتمد ترشيحات الكنيسة. والمتابع لمهام المجلس الملي العام يلحظ تقلصها بالتتابع، بدءًا من صدور القانون رقم 462 لسنة 1955 الذي يقضى بإلغاء المحاكم الشرعية والمحاكم الملية وإحالة القضايا المنظورة أمامها للمحاكم الوطنية، ثم تشكيل هيئة الأوقاف القبطية التي أشرنا إليها قبلًا، ثم تتوالى القرارات الاشتراكية التي كان من نتائجها إحالة تبعية المدارس القبطية لوزارة التربية والتعليم، والمستشفيات القبطية لوزارة الصحة، ولم يتبق للمجلس سوى الوجاهة الاجتماعية، واعتبار أعضائه من المقربين للكنيسة الأمر الذي يدفع بهم الى رأس القائمة التي يُختار منها المعينون في البرلمان او غيره من المؤسسات الرسمية في الدولة. ولا يمكن الاقتراب من هذه المرحلة دون ذكر حدثين كبيرين في تاريخ الكنيسة، الأول وضع حجر أساس الكاتدرائية المرقسية بالعباسية وهي المقر الرسمي للبابا البطريرك، فى 24 يوليو 1965م مواكبًا للاحتفال بذكرى ثورة يوليو 52، في رسالة ذات مغزى للعالم أجمع، وحضر الاحتفال مشاركًا في وضع حجر الأساس الرئيس جمال عبد الناصر، والإمبراطور هيلاسيلاسي إمبراطور إثيوبيا، والعديد من رؤساء الكنائس في العالم. والثاني عودة رفات القديس مرقس الرسول مؤسس الكنيسة المصرية وأحد كتاب الإنجيل الأربعة، وكان البابا كيرلس السادس قد انتدب وفدًا رسميا للسفر إلى روما لتسلم الرفات من البابا بولس السادس، يتألف من عشرة من المطارنة والأساقفة بينهم ثلاثة من المطارنة الإثيوبيين، إضافة إلى ثلاثة من كبار أراخنة الأقباط. وعادوا به في 24 يونيو 1968م، وتم استقبال الرفات في احتفال مهيب بدأ من مطار القاهرة حتى الكاتدرائية المرقسية، في ثاني يوم لافتتاحها رسميًا، الذي تم في حضور الرئيس جمال عبد الناصر، والإمبراطور هيلاسيلاسي. وفى مشهد مهيب وضع صندوق الرفات في المزار المعد له تحت الهيكل الكبير ووضع الصندوق في جسم المذبح الرخامي القائم في وسط المزار وغطي بغطاء رخامي ومن فوقه مائدة المذبح. على الجانب الآخر في مقابل الإنجازات التاريخية نرصد أمورًا أسست لإشكاليات تحتاج مراجعة وإعادة هيكلة، لعل أهمها قرار البابا كيرلس إغلاق مدرسة الرهبان بحلوان وعودة الرهبان الدارسين فيها إلى أديرتهم ـ وقد أشرنا إلى هذا قبلًا ـ وقيل في تبرير ذلك أنها صارت عبئًا على ميزانية الكنيسة، وهناك من يرى أن إغلاقها يأتي في سياق قرار البابا بعودة الرهبان إلى أديرتهم دون استثناء، وقد أشار القمص صليب سوريال، في واحدة من محاضراته المسجلة، إلى حوار له مع قداسة البابا عن استثناء الأب متى ورهبانه من قرار العودة للدير تأسيسًا على أنهم يقومون بدور بحثي آبائي تكريسي -بحلوان أيضًا ـ لكن الأب البطريرك رفض أية استثناءات. وعادت الكنيسة للاختيار من الرهبان دون إعداد أو تأهيل للانتقال من مناخات الرهبنة إلى الفضاء الرعوي، وهو الأمر الذي تفاقم فيما بعد، إلى حد دفع من يراد رسامته أسقفًا لدخول الدير لشهور استيفاءً لشرط الاختيار من بين الرهبان، وكان لهذا أثره المربك للكنيسة. ثمة أمرًا آخر يبدو ظاهريًا أنه تعميق للروحانية وهو تعميم آداء صلاة القداس يوميًا، ومن البديهيات أن من يقترب من هذا الأمر سعيًا للعودة إلى اقتصار آداء القداسات على أيام الأحد والأربعاء والجمعة، سيواجه بهجوم ممتد بأنه لا يستوعب روحانية الطقس وأهمية الليتورجية، وقد يتهم بإضعاف الكنيسة وكسر وصية الكتاب أنه ينبغي أن يُصلى كل حين. ومن يعود للكنيسة الأولى يتيقن أنها كانت تجتمع في يوم الرب للصلاة وكسر الخبز، وأن إضافة يوم الجمعة، مؤخرًا، جاء تلبية لاحتياج الرعية التي صار قطاع كبير منها يعمل بوظائف حكومية أو في هيئات وشركات خاصة إجازاتها الأسبوعية الجمعة، فقررت الكنيسة إتاحة صلاة القداس لهم يوم الجمعة بل ونقلت أو أضافت خدمة مدارس الأحد إلى يوم الجمعة لكون إجازات المدارس الجمعة. والكاهن القبطي مثقل بالتزامات رعوية وطقسية تبتلع يومه وجل حياته، ما بين صلوات القداسات والعشيات، وصلوات الجنازات والأكاليل ومسحة المرضى وحل مشكلات الأسر سواء الأزواج أو الأبناء، ورعاية المعوزين وخدمة الكلمة في الاجتماعات المتنوعة وترتيبها، فضلَا عن مسؤولياته الأسرية، وعلاقته بإخوته الكهنة وبأبيه الأسقف، وقبل هذا كله هو محمل بكيف يرضي الرب! ، وغالبًا ما تتضارب وربما تتعارض هذه الدوائر وبعضها، وهو ما رصده أبينا الأسقف الأنبا بيمن أسقف ملوي بالمشاركة مع القمص يوسف أسعد في كتابهما الكاهن القبطي (1986). وحتى تلتزم الكنيسة بشيوع القداس اليومي من جانب، وزيادة أعداد الرعية من جانب آخر، كان من الضروري زيادة رسامات كهنة الكنائس، واتجهت الكنيسة ـ في تلك المرحلة ـ إلى الاختيار من خارج صفوف الإكليريكيين، اكتفاءً بكونهم خدام بمدارس الأحد واجتماعات الشباب، ظنًا أن مؤهلاتهم الدراسية العليا في الجامعات تكفي، ولم يكن هذا صحيحًا، لتشهد الكنائس تراجع التعليم المرجعي والاستغراق في نسق التأملات المفتوحة وفق خلفيات كل كاهن. ولم ننتبه إلى أن هذه الرسامات تقلص الحضور القبطي المجتمعي في مختلف المجالات التي يُرسم كوادرها كهنة. وفي مرحلة لاحقة انحصرت الرسامات ـ خاصة في إيبارشية البابا ـ في خريجي القسم المسائي من الكلية الإكليريكية ـ الذي يلتحق به حملة المؤهلات الجامعية ـ وكانت وقتها لا تعدو مستوى اجتماعات الشباب، لافتقارها للكوادر المؤهلة للتدريس بها. الأمر الذي انعكس على خريجي القسم النهاري ـ عصب الكلية ـ فراحوا يبحثون عن رساماتهم في الأقاليم أو يستسلمون للبطالة أو اللجوء لتحويل المسار بالسعي لاكتساب مهارات لأعمال أخرى. ولنا عودة لإشكاليات التعليم في الجزء التالي من هذا الفصل. استحداث رسامة أسقف عام، أسقف تسند إليه مهام كنسية عامة بدون إيبارشية، أفرز العديد من الأزمات، لعل أبرزها تنازع الاختصاصات مع أساقفة الإيبارشيات، وكان هذا واضحًا في عمل أسقف التعليم، في جولانه بالإيبارشيات المختلفة والاجتماع مع شبابها ورعيتها لإلقاء محاضراته، وهو الأمر الذي أثار قلق أساقفة تلك الإيبارشيات، واعتباره تدخل في أعمالهم، حتى أن بعضهم منعه من دخول إيبارشيته، ويسجل التاريخ تصادمه مع قداسة البابا نفسه، الأمر الذي دعاه لرسامة أسقف للبحث العلمي، تحجيمًا لصلاحيات أسقف التعليم، الذي اعتبره اعتداء على صلاحياته باعتبار أن البحث العلمي ومعهد الدراسات القبطية ضمن اختصاصاته، وانعكس هذا على علاقة الأسقفين حتى بعد تجليس أسقف التعليم بطريركًا، ما دفع البابا الى الأمر برجوع أسقف التعليم إلى ديره، الذي شن حملة هجوم ضارية على البابا في مجلة الكرازة في إصدارها الأول. اللافت أن رسامة الأساقفة العموم لم تتوقف بعد رحيل البابا كيرلس بل استمرت حتى اللحظة، بل تطورت إلى رسامتهم بدون مهام محددة، لحين تجليسهم على الإيبارشيات التي يرحل أساقفتها، وهو أمر يحتاج مراجعة وضبط على القوانين والأعراف الكنسية المنظمة لضوابط اختيار الأساقفة ودوائر مسؤولياتهم، باعتبارهم رعاة لرعية. وشهدت حبرية البابا كيرلس إقبال الشباب على الرهبنة انبهارًا بتجربة الرواد الثلاثة؛ الأب متى المسكين والراهبان مكاري وأنطونيوس السريانيين، (الأنبا صموئيل أسقف الخدمات، والأنبا شنودة أسقف التعليم فيما بعد)، وإن تعددت الدوافع والأهداف، في ظل مجتمع عام ضاغط وطارد، وفي المقابل اتجهت الكنيسة لتعميم رسامة أساقفة للأديرة، بعد أن كانت أغلبيتها يتولى إدارتها أحد رهبانها، وكان لهذين المتغيرين انعكاساتهما على الأديرة، سلبًا وإيجابًا وهو ما سنعرض له ضمن أطروحات الجزء التالي من هذا الفصل. --- ### الأسلمة الجبرية للأطفال - Published: ۲۰۲٤-۱۲-۰۱ - Modified: 2025-03-03 - URL: https://tabcm.net/32015/ - تصنيفات: المرأة القبطية - وسوم: الزواج الكنسي, سر الزيجة, فرنسيس بيكون في المقال ده هنتكلم عن صفحة في ملف (اختفاء القبطيات)، الصفحة دي هيكون اسمها (الأسلمة الجبرية للأطفال). ناخد مثل علشان نفهم: عندنا بنت مسيحية جميلة اتعرفت على شاب مسيحي جميل برضه. بعد نظرة ولقاء وإعجاب، ومباركة من أسرتهم، أخدوا قرار أمام الله والناس وعلى مذبح كنيسة المسيح إنهم يكونوا زوجين. اللحظة دي بكل جمالها هي في الحقيقة إقرار من الطرفين، وبعد اتباع قوانين الدولة، إن كل واحد فيهم هيراعي التاني ويقدم كل اللي عنده ومن خلال مشاركة اجتماعية على تأسيس حالة من الشراكة (شركة) على أسس مسيحية. ويكون هدف الشركة دي حاجتين: 1. هنعيش مع بعض في السراء والضراء حتى الموت. 2. إن نتاج الزيجة دي هيكون أطفال لازم يكونوا أسوياء، متعلمين إيمانهم، مخلصين لبلدهم وإيمانهم وأهلهم. بعد الحالة الجميلة دي، وبعد تمام الزيجة وإنجاب الأطفال، ولسبب أو عدة أسباب، أحد الزوجين قرر إنه مش قادر أو مش عارف أو مش عايز يكمل، وجايز يكون عنده حق كمان. وبسبب صعوبة الطلاق عند المسيحيين، فأحدهم قرر ياخد الطريق الأسرع وقام رايح على الأزهر الشريف وقال: "خلاص، أنا عايز أبقى مسلم وأخلص من الرابط الأبدي ده". وصلنا للنقطة دي؟ تعالوا نشوف الحاجات المشتركة بين الزوجين هيحصل فيها إيه: 1. عقد الزواج الكنسي والرسمي: هنا، الطرف اللي أخد قرار الهروب من مركب الزيجة المسيحية لو هو الراجل، هيرفع دعوى إثبات طلاق بإرادة منفردة. لأن القانون في حالة اختلاف الدين أو الملة والطائفة بيطبق أحكام الشريعة الإسلامية. طيب لو الطرف ده الزوجة، هنا القانون بيعتبر إن عقد الزواج المسيحي عقد غير قانوني. لأن الشريعة الإسلامية بترفض زواج المسلمة من الكتابي حسب الشريعة وأقوال الأئمة. فيحصل دعوى للزوج لدخول الإسلام ولو رفض يحل العقد ويتحكم بالتفريق لمخالفته نص القانون. 2. حقوق الزوجة في حالة الطلاق أو التفريق: زي العفش والحضانة للأطفال وغيرها من الحقوق اللي من النوعية دي. دي بتكون حقوق محفوظة بموجب القوانين الخاصة بمحكمة الأسرة. 3. الأطفال! ! وهنا احنا في ورطة: دين الأطفال المسيحيين المولودين من زواج مسيحي، واللي كان في عهد من قبل ما يتولدوا إنهم يكونوا في نشأة مسيحية، في الحالة دي هيكون إيه؟ في الحقيقة، إن أحكام مجلس الدولة وأحكام الشريعة بتقول إن الأطفال بيكونوا تابعين لأعلى الأبوين دينًا. وكان التفسير إن الدين الأعلى هنا هو الإسلام. بس، لأجل الأمانة، في تنظيم للكلام ده من وزارة الداخلية، وبرضه في تلاعب. يعني لو اللي أعلن إسلامه هي الأم، فتغيير بيانات الأطفال طبقًا لتعليمات الأحوال المدنية لازم يكون من الأب -دي القاعدة- لكن كتير بتقدر الأم تغيير بيانات الأطفال. طيب، لو الأب هو اللي أسلم؟ هو من حقه تاني يوم إشهار إسلامه إنه يغير بيانات أطفاله ويحولهم لدينه، لكن بيفضل حق الأم في حضانتهم طول سن الحضانة. طيب، لو الأب أو الأم محدش غير البيانات؟ بشكل أوتوماتيكي، عند سن الـ16 هيتم تحويل بيانات الأطفال، ويفضل من حق الطفل في سن البلوغ إنه يطلب العودة للمسيحية. أزمة تانية: المتعاطفين من دين الأغلبية والغيورين منهم بيكونوا سبب ضغط كبير على الأطفال وعلى الطرف الباقي على إيمانه لدعم الطرف المنضم ليهم. والضغط ده أحيانًا بيوصل للعنف والتعنيف. حضراتكم مقدرين حجم الضرر النفسي اللي بيحصل لطفل عمره في الكنيسة وبيحضر حصة الدين المسيحي في المدرسة وفجأة يتقاله: "تعالى يا حبيبي، أنت بقيت مجبر تحضر حصة الدين الإسلامي؟". طيب، أنتم مقدرين فكرة إن الإنسان اللي فضل متمسك بقواعد الشركة هو اللي بيتعاقب لما عياله يتخدوا منه واسمه يتشال من أولاده؟ وإن الطرف الهربان، واللي أخل بالعقد والعهد، بيكون صاحب الغنيمة والكسب وبيأخذ نتاج الشركة (الأطفال)؟ مسألة إجبار الأطفال في الحالة دي بتكون من أحد الأبوين نكاية وإذلال للطرف الملتزم، مع وجود رعاية مجتمعية من الأغلبية، وبتنظيم قانوني. مسألة تحتاج إلى إعادة فحص... ولكن، مين يسمع؟ --- ### الإخوان والدم - Published: ۲۰۲٤-۱۱-۳۰ - Modified: 2024-11-30 - URL: https://tabcm.net/30420/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أحمد عادل كمال, أدولف هتلر, الإخوان المسلمين, الحاج محمد أمين الحسيني, الحرب العالمية الثانية, الشرق الأدنى, الشرق الأوسط, المجلس الإسلامي الأعلى, حسن أحمد عبد الرحمن محمد البنا, سيد فايز عبد المطلب, صالح أبو رقيق, صلاح أبو شادي, عبد الرحمن علي فراج السندي, عمر عبد الفتاح عبد القادر مصطفى التلمساني, عيد الميلاد, محمد حسين هيكل, محمود فهمي النقراشي باشا, ملك فاروق سجلت محاضر الشرطة أول أحداث عنف حقيقية من الجماعة بإلقاء قنبلة على النادي البريطاني في ليلة عيد الميلاد 1942م، وتطور نشاط الجماعة بداية من نوفمبر 1944م، إلى الحد الذي دفع "صالح أبو رقيق" الذي أصبح فيما بعد من كبار قادة الجماعة، إلى التبرع بمهر عروسته للتنظيم الخاص لشراء سيارة تحتاج الجماعة إليها فيما سُمي بالعمليات الفدائية ضد الإنجليز، وتكررت عمليات ذلك الجهاز عام 1945م، واستمرت الاعتداءات، لكن لم يتم القبض على أحد بسبب نقص الأدلة. حصل الإخوان بتوسط من الجامعة العربية والهيئة العربية العليا لدى وزارة النقراشي، على تصريح بجمع السلاح من صحراء مصر الغربية، حيث كانت بقايا معارك الحرب العالمية الثانية ما زالت متناثرة حيث دارت، وكان التصريح لاثنتين من سيارات جريدة الإخوان عليهما اسم الجريدة وشارة الإخوان، غير أن النقراشي ما لبث أن سحب التصريح، ولم يكن بوسع الإخوان إذ سُحب التصريح أن يمتنعوا عن جمع السلاح، بعد أن صار لهم ألفان من المتطوعين لهم وجودهم الفعلي في الميدان ويفنون فيه أكبر الفناء في معاونة الجيوش النظامية، بل ونجدتها كلما تورطت أو وقعت في شرك... فكان يلزمهم السلاح والذخيرة... واستمرت حركة الجمع، وكان إخواننا الذين يجوبون الصحراء وراء السلاح يشاهدون اليهود يفعلون نفس الشيء من صحرائنا، وفى مصر أنشأنا بعض الترسانات المجهزة بالعدد والأدوات لترميم ذلك السلاح وفحص الذخيرة والمفرقعات وكافة أدوات الحرب التي نحصل عليها بعد أن بقيت بالعراء ما بين ثلاث سنوات إلى سبع. (أحمد عادل كمال، عضو التنظيم الخاص، نقط فوق الحروف) ووقعت هجمات على أعداد كبيرة من البريطانيين المدنيين في سينما ميامي يوم 10 مارس عام 1946م، وقذفت إحدى السيارات قنبلة خارج مبنى جمعية الشبان المسيحين يوم 5 مايو من نفس العام فأصيب 16 من أفراد القوات المسلحة البريطانية وسيدتان بريطانيتان، وألقيت قنبلة أخرى خارج ثكنات الجيش البريطاني بالعباسية فأصيبت سيدتان مصريتان تلك المرة، ودمرت أجزاء من سينما مترو في القاهرة بالقنابل في 6 مايو 1947م، ونسفت دور سينما ميامي وسينما كوزموس وسينما متروبول، وأعلنت الحكومة عن مكافأة قدرها عشرة ألآف جنيهًا لمن يرشد على الفاعل. وقد اتهم د. محمد حسين هيكل في مذكراته الإخوان بإلقاء القنابل، لكن صلاح شادي، رئيس قسم الوحدات بالجماعة، ألقى التهمة على رابطة الشباب الوفدية. وتتابع إلقاء القنابل على سينما الامباير كلوب الصيفية في 7 يونيو 1946م، وأخرى على كوبري قصر النيل في 10 يوليو 1946م، وارتكبت في 4 يوليو 1946م حوادث تفجير ضد السيارات والأندية الليلية للقوات البريطانية، وأعلن الإخوان عن "يوم الحريق" وهو يوم غير معلن موعده تحرق فيه الجرائد والمجلات والكتب الإنجليزية كرمز لمقاطعة الإنجليز وإعلامهم وثقافتهم، وتم ذلك فجأة في ليل 25 نوفمبر 1946م في أماكن عديدة من القاهرة والأقاليم، وقد شاركت في إحراق بعض أجولة في تقاطع شارع الملكوشارع الملكة نازليوقد تم ذلك عن طريق شعب الإخوان وكانت هذه لشعبة حدائق القبة، إضافة إلى القنابل التي أُلقيت على عدد من أقسام الشرطة بالقاهرة في 26 نوفمبر 1946 ضد مشروع معاهدة صدقي - بيفن. (أحمد عادل كمال، عضو التنظيم الخاص، نقط فوق الحروف) وألقى أعضاء النظام القنابل على نادي الاتحاد المصري الإنجليزي ليلة عيد الميلاد للمسيحين الغربيين 24 ديسمبر عام 1946م، فأصيب 3 من المصريين ولم يصب بريطاني واحد، وقبض على ثلاثة من الجماعة، ووُجدت مع أحدهم قنبلة يدوية، وحدث تفجيرًا آخر في فندق الملك جورج في نفس العام، وحاول أومباشي مصري منتمي للجماعة نسف فندق بالإسماعيلية يوم 17 يناير 1947م، بحجة أنه يقيم فيه جنود بريطانيون. كلفنا الأخ رفعت النجار من سلاح الطيران بالقيام بهذه العملية، بأن يحمل دوسيه به مادة ناسفة يشعلها ثم يتركها في ردهة الفندق إلى جوار الحائط خلف ستارة مدلاة على حائط الردهة، ثم ينهض بعد ذلك ويمضي خارج الفندق، وجرى التنفيذ على أحسن وجه، ولكن ظهر للأخ رفعت عند مغادرته المكان أحد رجال المخابرات من الحراس الإنجليز الذي آثار شكوكه هذا الدوسيه المتروك، فتوجه الحارس ليمسك به، في حين أظهر الأخ رفعت لىٌالتفجير، فعاد إلى الدوسيه وأمسكه بيديه، ومنع اقتراب أي شخص منه، حتي تم التفجير في أثناء إمساكه به. (صلاح شادي، رئيس قسم الوحدات، الإخوان المسلمون وسنوات الحصاد) وأصيب منفذ العملية إصابات بالغة، وقد استخدم الإخوان هذا السلوك الانتحاري في تبرئة منفذ العملية: أحضرنا له بعض الأخوة المحامين الذين دفعوا بأن قدراته النفسية والعقلية لا تضعانه في مستوى المسؤولية الجنائية التي تمكن النيابة من تقديمه للمحاكمة. وتوجه الأخ رفعت للإقامة بمستشفى الأمراض العقلية بالقاهرة بالعباسية؛ فترة اختبار، انتهت بكتابة تقرير طبي من مستشفى الأمراض العقلية بالعباسية إلى المحكمة بالإسماعيلية بعدم مسؤوليته الجنائية عن هذا الحادث. (صلاح شادي، رئيس قسم الوحدات، الإخوان المسلمون وسنوات الحصاد)   إن السندي بث الفزع في قلوب المحتلين بتوقيت ليلة عيد الميلاد واختيار النادي البريطاني الذي كان مكتظًا بالجنود الإنجليز وضباطهم. (عمر التلمساني، المرشد الثالث لجماعة الإخوان المسلمين) ويتناسى التلمساني أنه لم يقتل بريطاني واحد في تلك الليلة وكل القتلى ثلاثة أبرياء من المصريين الذين لا ذنب لهم!   حادثة الجبل في 19 يناير سنة 1948م، ضُبط خمسة عشر شخصًا من جماعة الإخوان المسلمين، بمنطقة جبل المقطم، يتدربون على استخدام الأسلحة النارية والمفرقعات والقنابل، وكانوا يحرزون كميات كبيرة من هذه الأنواع، ضبط معهم 165 قنبلة وغيرها من أدوات التدمير والقتل. (عن التحقيقات الرسمية التي ذُكرت في مذكرة حلّ جماعة الإخوان)   هؤلاء الخمسة عشرة الذين ضُبطوا، بعضهم من الإخوان ومعظمهم لا صلة له بالإخوان أصلًا، ولقد برروا عملهم بأنهم يستعدون للتطوع لإنقاذ فلسطين حينما أبطأت الحكومة في إعداد المتطوعين وحشد الجماهير، وقد قبلت الحكومة منهم هذا التبرير وأفرجت عنهم النيابة في الحال، فما وجه إدانة الإخوان في عمل هؤلاء الأفراد؟ خصوصًا وقد لوحظ أنه نص في قرار النيابة بأن الحفظ لنبل المقصد وشرف الغاية. (حسن البنا) ويأتي عام 1987م ليروي أحمد عادل كمال عضو الجهاز السري لجماعة الإخوان المسلمين في كتابه "النقط فوق الحروف" قصة حادثة الجبل بالتفصيل، وكيف كان يتم تدريب أعضاء التنظيم السري قائلًا: كُلفنا بالبحث عن مكان مناسب بجبل المقطم يصلح للتدريب على استخدام الأسلحة والمفرقعات، فكان جبل المقطم، فهو لا يحتاج إلي إجازات أو سفر، والمطلوب أن يكون المكان موغلًا في الجبل ميسور الوصول إليه بالسيارة، وأن يكون صالحًا كميدان ضرب نار، وأن يكون مستورًا عن العين، وأن يكون به ما يصلح أبراج مراقبة للحراسة، وبدأ التدريب في ذلك الموقع بمعدل مجموعتين في اليوم الواحد، مجموعة تذهب مع الفجر حتى العصر وأخرى تذهب مع العصر وتعود مع الفجر، وكان الذهاب والعودة يتم بسيارة ستيشن واجن، وكان الترتيب ألا ترى مجموعة الأخرى، وأن يكون هناك بصفة دائمة في مكان مرتفع من يرقب المجال حول الموقع بمنظار مكبر، هذا الحارس كان في استطاعته أن يري أي سيارة قادمة بسرعة قبل أن تصل بثلث ساعة على الأقل، وكانت هناك حفر معدة ليوضع بها كل السلاح والذخيرة ويردم عليها لدى أول إشارة، وبذلك تبقى المجموعة في حالة معسكر وليس معها ممنوعات قانونية، واستمر ذهاب المجموعات وعودتها بمعدل مرتين كل يوم ولمدة طويلة حتى صنعت السيارة مدقًا واضحًا مميزًا في الجبل... وحتى لفت منظر الحجارة في محاجر الجبل بأول الطريق الانتباه إليها، وبلغ الخبر إلى البوليس ونحن لا نشعر، وكان مسؤول التدريب يدرب مجموعة هناك، ومن تكرار التدريب في أمن وسلام فقد تغاضى عن حذره فتجاوز عن وضع الحارس مكانه، ولم يشعر والمجموعة معه إلا بقمم الجبل حوله قد ظهرت من فوقها قوات البوليس شاهرة سلاحها وتطالبهم بالتسليم وهم منهمكون في تدريبهم، كان ذلك يوم 19 يناير 1948م ونشرت الصحف الخبر. (أحمد عادل كمال، عضو التنظيم الخاص، نقط فوق الحروف) وقال زعيم المجموعة سيد فايز وكان اسمه جديدًا تمامًا على البوليس برغم أنه كان رئيس التنظيم السري المؤقت بدلًا عن عبد الرحمن السندي المقبوض عليه؛ إن السلاح يجري تجميعه من أجل فلسطين، وأن الشباب يتدرب من أجل فلسطين، وأكد "أنهم اشتروا السلاح من العرب (البدو) من أجل العرب (الفلسطينيين)، وتحت ضغوط ووساطات من الجماعة أفرج عن سيد فايز وزملائه. هذه الحالة كان هناك إعداد لمواجهتها، أجاب إخواننا المقبوض عليهم بأنهم متطوعون لقضية فلسطين، وهي إجابة كان متفقًا عليها، وفي نفس الوقت كانت هناك استمارات بأسمائهم تحرر في مركز التطوع لقضية فلسطين، كما تم اتصال بالحاج محمد أمين الحسيني مفتي فلسطين ورئيس الهيئة العربية العليا، وشرحنا له الوضع على حقيقته، وكان متجاوبًا معنا تمامًا، فأقر بأن المقبوض عليهم متطوعون من أجل فلسطين وأن السلاح سلاح الهيئة، وبذلك أُفرج عن الإخوان وسلم السلاح إلى الهيئة العربية العليا، ثم أخذ أمين الحسيني السلاح وسلمه مرة أخرى للجماعة. (أحمد عادل كمال، عضو التنظيم الخاص، نقط فوق الحروف) وهكذا شارك إخوان مصر بقيادة البنا، وإخوان فلسطين بقيادة مفتي القدس، الحاج أمين الحسيني، في خداع السلطات المصرية التي أفرجت عن الشباب لنبل المقصد وشرف الغاية، ولم يكتف البنا بذلك ولكنه راح يسجلها نقطة لصالح جماعته ببجاحة يحسد عليها. ومع ذلك فقد كان للحادث أثر بعيد، ذلك أنه عُثر مع المسؤول عن المجموعة على كشف، اشتهر فيما بعد بأنه كشف الجبل، يحوي مئة اسم من أسماء إخوان النظام الخاص وأرقامهم السرية مرتبين في مجموعات، هي المجموعات التي كان مزمعًا تدريبها تباعًا من منطقة جنوب القاهرة، ولم يعلم أحد من المسؤولين عن النظام في حينها شيئًا عن كشف الجبل ولم يذكره المسؤول، لكن ذلك الكشف ظهر بعد ذلك في القضايا وكان من قرائن الاتهام القوية، فضلًا عن أنه فضح الأسماء التي احتواها. (أحمد عادل كمال، عضو التنظيم الخاص، نقط فوق الحروف) أما عن الحاج أمين الحسيني، مفتي فلسطين في ذلك الوقت، فيعرف عنه موالاته للألمان، وسبق للزعيم النازي أودلف هتلر استقباله لدعم وجود النازية في الشرق الأوسط، ويذكر أنه درس في الجامع الأزهر ولكنه أخفق في إكمال دراسته، ثم عمل مترجمًا لوكالة رويترز للأخبار في القدس، وتعرض للاعتقال عام 1920م، ولكن البريطانيين أطلقوا سراحه ثم قاموا بترقيته وتعيينه مفتيًا للقدس رغم أنه لا يتمتع بمؤهلات علمية بل أن البريطانيين قاموا بتزوير الانتخابات بقصد تعيينه مفتيًا عام 1921م، ولكنه أقيل من هذا المنصب عام 1937م بعد اكتشاف علاقته بالنازية الألمانية، ولكن البريطانيين سرعان ما قاموا إثر الإقالة بإنشاء المجلس الإسلامي الأعلى عام 1938م وعينوه رئيسًا عليه، وكان المجلس مسؤولًا عن الأوقاف الإسلامية. وسبق للحسيني إقامة مؤتمر إسلامي في القدس عام 1931م بدعم مباشر من جماعة الإخوان، ثم سافر إلى عدة بلدان لجمع المال وحشد الدعم، وقبل ذلك كان مسؤولًا في برلين عن النشرات الألمانية الدعائية المؤيدة لهم في منطقة الشرق الأوسط، كما ساهم في تأسيس شبكة من الجواسيس، كان أغلبهم من البوسنيين المسلمين، ولكنه غادر ألمانيا بعد انهزامها في الحرب، وذهب إلى فرنسا، لكن البريطانيين قرروا استغلال نفوذه ودعايته السياسية بدلًا من اعتقاله، فارسلوه إلى مصر عام 1946م في ضيافة الملك فاروق. ومن المهام التي أوكلتها الاستخبارات البريطانية للحسيني الإشراف على محطة الشرق الأدنى الإذاعية، وقد انبهر البريطانيون بكفاءة الحسيني في حشد عواطف الناس، وفي العام نفسه قام الحسيني وحسن البنا بتشكيل قوات شبه عسكرية تحت مسمى المنقذين، بلغ تعدادها نحو 10 آلاف فرد مسلح، وفي عام 1947م عاد الحسيني إلى غزة ليعلن قيام الدولة الفلسطينية وينصّب نفسه رئيسًا لها، لكن الحسيني لم يهنأ كثيرًا بذلك التنصيب بعد هزيمة الجيوش العربية 1948م أمام إسرائيل. --- ### مونارخية الآب في الدراسات الأكاديمية [٣] - Published: ۲۰۲٤-۱۱-۲۹ - Modified: 2024-11-30 - URL: https://tabcm.net/31658/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: آريوسية, أفلاطون, أوريجينوس ليونايدس أدامانتيوس, الثالوث القدوس, الغنوصية, المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية, المكتبة البولسية, بابا ديونيسيوس السكندري, باسيليوس الكبير، أسقف قيصرية الكبادوك, براكسياس, رواقية, سابيليوس, علامة ترتليانوس الإفريقي, غريغوريوس النزينزي، الناطق بالإلهيات, غريغوريوس النيسي, قديس أثناسيوس الرسولي, قديس أوغسطينوس، أسقف هيبو, قديس هيلاري، أسقف بواتييه, قديس يوستينوس الشهيد, ليتورچي, مجمع نيقية, مطران يوحنا زيزيولاس, يوحنا منصور بن سرجون الدمشقي نستكمل في هذا الجزء أهم الإشارات إلى عقيدة مونارخية الآب في الثالوث القدوس، في كتابات أهم الأساتذة والباحثين اللاهوتيين من مُختلف الجامعات والمدارس اللاهوتية، سواء المدرسة الإنجليزية، أو الفرنسية، أو الألمانية، أو الأمريكية، أو اليونانية، أو القبطية، بل ومن مُختلف الكنائس والطوائف المسيحية، سواء، الأرثوذكسية، أو الكاثوليكية، أو البروتستانية. للوقوف على أفضل تصوُّر للمونارخية، أو وحدة الرأس، أو الأصل، أو المصدر، أو الينبوع، أو العلة في الثالوث القدوس. وسوف نبحث شروحات هؤلاء الأساتذة والباحثين المرموقين على مستوى العالم لفكر آباء الكنيسة والمجامع المقدَّسة حول مونارخية الآب في الثالوث القدوس. جان كلود لارشيه مونارخية الآب في التعليم الأرثوذكسي الشرقي يُشِير اللاهوتيّ الأرثوذكسيّ الفرنسيّ چان كلود لارشيه إلى ”مونارخية الآب“ حسب تعليم اللاهوت الشرقيّ الأرثوذكسيّ، وخاصةً تعليم الآباء الكبادوك قائلًا: ((چان كلود لارشيه، في إطار الحوار الأرثوذكسي الكاثوليكي: انبثاق الروح القدس من الآب والابن، مسعى للتقارب أم تكريس للتباعد، ترجمة: الأب الدكتور يوحنا اللاطي، مراجعة: الأرشمندريت توما البيطار، (لبنان: عائلة الثالوث القدوس، ٢٠٠٤)، ص ٣٨. )) ولنلاحِظ، من ثمَّ، أن الابن والروح القدس، حسب التصور الشرقيّ، بالرغم من كونهما يستمدان بشكلٍ متوازٍ، كل من الأقنوم والطبيعة الإلهية، فهما مُتَّحِدان فيما بينهما بالآب بطبيعتهما التي يشترك فيها الثلاثة معًا، وكذلك بواقع أن أصلهما معًا هو في الآب: هنا بالذات نعود فنلقى معنى ’السيادة/الرئاسة‘ μοναρχή، التي هي غالية على قلوب الكبادوكيين. (چان كلود لارشيه، في إطار الحوار الأرثوذكسي الكاثوليكي: انبثاق الروح القدس من الآب والابن، مسعى للتقارب أم تكريس للتباعد) يوحنا زيزيولاس مونارخية الآب في تعليم الآباء اليونانيين نستعرض الآن مونارخية الآب حسب المطران يوحنا زيزيولاس. فمنذ عمله الأول، وقد عبَّر زيزيولاس بشكلٍ مُتكررٍ عن إصراره على الأسبقية العلية للآب داخل حياة الثالوث. ويُعبِّر عن موقفه قائلًا: (( John D. Zizioulas, Being as Communion, (New York: Saint Vladimir's Seminary Press, 1997), pp. 40-41 )) وحدة الله بين الآباء اليونانيين، والإله الواحد، و’المبدأ‘الأنطولوچيّ، أو’العلة‘الأنطولوچية لكينونة وحياة الله، لا تتمثَّل في الجوهر الإلهيّ الواحد، بل في الأقانيم، أي في أقنوم الآب. فالإله الواحد ليس هو الجوهر الواحد، بل الآب، الذي هو’علة‘كُلٌّ من ولادة الابن وانبثاق الروح القدس. وتبعًا لذلك، يُعزَا’المبدأ‘الأنطولوچيّإلى الله، ومرةً أخرى، إلى الأقنوم. بالتالي، عندما نقول إن الله’يكون‘، فنحن لا نُقيِّد الحرية الشخصانيةللهبل ننسب الكينونة الإلهية إلى حريته الشخصانية. وبطريقة أكثر تحليلًا، معنى هذا أن الله كآب وليس كجوهر، دائمًا ما يُؤكِّد من خلال’الكينونة‘على حرية إرادته في الوجودوهكذا، الله كشخص-كأقنوم الآب- يجعل من الجوهر الإلهيّ الواحد أن يكون ما يكونه: إلهٌ واحدٌ. (John D. Zizioulas, Being as Communion) وهكذا يُميِّز زيزيولاس هنا بين طريقتين مُتضادتين لتعريف وحدة أو وحدانية الله كالتالي: 1) عن طريق الجوهر الإلهيّ، وهو الموقف الذي يعزوه زيزيولاس إلى التقليد الأوغسطينيّ والتقليد الغربيّ في العموم (سواء في العصر الوسيط أو في العصر الحديث). 2) عن طريق أقنوم الآب، وهو التصوُّر الغالب إن لم يكن الحصريّ لوحدة الله في التقليد الآبائيّ اليونانيّ. الآب هو العلة الأنطولوچية حجة زيزيولاس لصالح المونارخية المنفرِدة للآب مُرتبِطة بطرح ثلاثيّ الأوجه كالتالي: ((John D. Zizioulas, Communion and Otherness, Edit. by Paul McPartlan, (London & New York: T&T Clark, 2009), p. 35. )) بجعل شخصالآب هو التعبير عن الأصل άρχή الأنطولوچيّالواحد في الله، فنحن نجعل من الغيرية مقومًا أو قوامًا أنطولوچيًافي الكينونة الإلهية. بالتساوي عن طريق إيعاز الكينونة الإلهية إلى علة شخصانيةبدلًا من الجوهر، فنحن نسمو بالخصوصية والغيرية إلى حالة أنطولوچيةأولية. وفي الأخير، عن طريق إيعاز العلية الأنطولوچيةالأوليةإلى شخصواحد وحيد في الثالوث، فنحن نُؤكِّد على أن الواحد في الأنطولوچياالأفلاطونية واليونانية لا يسبق’الكثرة‘، بل هو نفسه’الواحد‘في’الكثرة‘المونارخية الأنطولوچية للآب، التي لها كينونة علائقية، وربط العلية الأنطولوچيةبه، يُساعِد على الحفاظ على انسجام وتطابُّق الواحد والكثرة في الكينونة الإلهية. (John D. Zizioulas, Communion and Otherness) مونارخية الآب في اللاهوت الشرقي ويُفسِّر المطران يوحنا زيزيولاس ”مونارخية الآب“ في الثالوث حسب اللاهوت الشرقيّ قائلًا: ((يوحنا زيزيولاس، الوجود شركة، ترجمة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، ٢٠٠٦)، ص ٢١، ٢٢. )) إذًا، الوجود شركة بمعنى دقيق يُعبِّر عنه اللاهوت الشرقيّ بدقةٍ، أي أن جوهر الله ليس غامضًا وفكرة مُجرَّدة، بل كيان أبوة يخلق شركة، وليس مُجرَّد بناء وجوديّ نتأمله من الخارج ونتقرب منه لأنه موجود من أجل التمتُّع بالوجود، بل وجود الله وجوهره هو وجود وجوهر في أشخاص أو أقانيم الثالوث، حيث الآب نفسه هو علة وسبب وجود أقنوميّ الابن والروح القدس. يتَّضح إذَا تأملنا حقيقة الإيمان المسيحيّ. فالأبوة في الله هي شخص أو أقنوم حر، بالتالي، الكيان والوجود الإلهيّ ليس فكرة أو مبدأ أو بناءً خاضعًا لضرورات الوجود، بل هو الآب أي الأقنوم. (يوحنا زيزيولاس، الوجود شركة) نستنتج مما سبق أن ”مونارخية الثالوث“ هي مُحاولة لإقحام الأوغسطينية والتوماوية في اللاهوت الآبائيّ اليونانيّ الشرقيّ. حيث تُنادِي الأوغسطينية والتوماوية بأسبقية وحدة الجوهر على تمايُّز الأقانيم، وهكذا تجعل من الأقانيم مُجرَّد علائق أو علاقات داخل الثالوث القدوس، وليست أقانيم لكُلٌّ منهم كيان أقنوميّ قائم بذاته داخل الجوهر الإلهيّ الواحد. ومونارخية الثالوث تجعل من الخاصية الأقنومية المتفرِدة للآب كأنها خاصية مشتركة بينه والأقنومين الآخرين، أي الابن والروح القدس، مع أن الخاصية الأقنومية التي تُميِّز أقنوم الآب عن الخاصية الأقنومية لكُلٌّ من الأقنومين الآخرين، هي خاصية المونارخية أو المصدرية أو العلية أو الأبوة، وهي ما تجعل نمط وجوده الأقنوميّ قائم، لأنه لو لم يلد الآب الابن بالطبيعة، ولو لم يبثق الروح القدس بالطبيعة، لن يكون هناك وجود لأقنوم الآب، بالتالي، فلن يلد الابن ولن يبثق الروح القدس، وبالنتيجة، لن يكون هناك ثالوث بالأساس، في حين مونارخية الآب في الثالوث القدوس تُحافِظ على الوحدة والتمايُّز أو الغيرية في الثالوث القدوس. ثم أن مونارخية الثالوث بمعنى اشتراك الابن والروح القدس في خاصية المصدرية والعلية مع الآب تجعل من الأقانيم الثلاثة عبارة عن ثلاثة رؤوس أو علل أو مصادر أو أصول داخل الثالوث، بالتالي، تنتفي الوحدانية تمامًا داخل الثالوث القدوس. ولكن الأدق والأصح هو مونارخية الثالوث في علاقته مع الخليقة كرأس وينبوع ومبدأ واحد للخليقة، وليس في داخل الثالوث الأزليّ نفسه في العلاقات الأقنومية بين الأقانيم الثلاثة. الشماس اسبيرو جبور مفهوم مونارخية الآب في الثالوث يُفسِّر الشماس الأرثوذكسي المغبوط اسبيرو جبور ”مونارخية الآب“ في الثالوث قائلًا: ((اسبيرو جبور، الله في اللاهوت المسيحي، (لبنان، ١٩٩٦)، ص ٨١. )) الآب مُنتشِر ومُتحدِّد في الروح والابن وإليه معادهما. وهو منبع، ومصدر الوحدة والألوهة في الثالوث. يمنح الابن والروح طبيعته التي تبقى واحدًة، وغير متجزئة، وغير مقسومة، ومعادلة لنفسها في الثلاثة. الابن والروح القدس نابعان من شخص الآب: الابن بالولادة والروح القدس بالانبثاق. الآب هو العلة. شخص الآب يلد ويبثق، شخصه هو العلة. (اسبيرو جبور، الله في اللاهوت المسيحي) فالتر كاسبر سوف نتطرق الآن إلى رأي واحد من أهم اللاهوتيين في العالم وهو الكاردينال الألمانيّ الكاثوليكيّ ”فالتر كاسبر“، أسقف روتنبرج بألمانيا، ورئيس لجنة الحوار الكاثوليكيّ من أجل الوحدة المسيحية، حيث يتتبع مونارخية الآب في تعاليم آباء الكنيسة في القرون الخمسة الأولى وفي صيغ اعتراف الكنيسة في العصور المسيحية المبكرة، وفي النصوص الليتورچية المبكرة، التي تتحدَّث عن ”مونارخية الآب“ في الثالوث القدوس. مونارخية الآب في صيغ الاعتراف القديمة والليتورجية القديمة في الكنيسة يتحدَّث فالتر كاسبر عن الاعتقاد بـ”مونارخية الآب“ في الثالوث منذ فجر المسيحية في صيغ الاعتراف الإيمانية القديمة وفي النصوص الليتورچية القديمة قائلًا: ((فالتر كاسبر، إله المسيحيين، ترجمة: المطران يوحنا منصور، (لبنان: منشورات المكتبة البولسية، ٢٠٠٦)، ص ١٧٨. )) واليقين الأساسيّ بأن الله يدل أولًا ومُباشرةً على الآب تُعبِّر عنه أيضًا صيغ الاعتراف في الكنيسة القديمة. فاعترافات الكنيسة الأولى تتوجه دومًا إلى الله، الآب القادر على كل شيء. بالتالي، فالآب وحده يُعد المبدأ، الذي لا مبدأ له άρχή، لكل حقيقة. فهو principium sine principo أي المبدأ الذي لا مبدأ له. وما يدل على ذلك خصوصًا لغة الصلاة في الليتورچيات الأولى القديمة. فأقدم صلاة إفخارستية نُقلت إلينا تتوجه إلى الآب: إننا نشكرك، يا أبانا، لأجل الكرامة المقدسة لداود خادمك، الذي منحتنا أن نعرفه بيسوع خادمك. ولك المجد إلى الأبد. (فالتر كاسبر، إله المسيحيين) مونارخية الآب عند يوستينوس وإيرينيؤس وترتليانوس يُشِير فالتر كاسبر إلى مونارخية الآب عند الآباء المدافعين، يوستينوس، وإيرينيؤس، وترتليانوس قائلًا: ((فالتر كاسبر، إله المسيحيين، ترجمة: المطران يوحنا منصور، (لبنان: منشورات المكتبة البولسية، ٢٠٠٦)، ص ١٧٨. )) لقد استعاد التقليد المسيحيّ القديم كلام الكتاب المقدَّس في الله كأب، وسمَّى الله بمعنى مطلق بـ’الآب‘. يوستينوس وإيرينيؤس وترتليانوس يتكلمون كلهم بلغة واحدة. وعندما يكون المقصود هو الله، فالكلام عن الآب. (فالتر كاسبر، إله المسيحيين) مونارخية الآب عند العلامة أوريجينوس والأب يوحنا الدمشقي يتحدَّث فالتر كاسبر عن ”مونارخية الآب“ عند العلامة أوريجينوس والأب يوحنا الدمشقيّ، وكيف أولى الآباء اليونانيون هذه العقيدة أهمية كبرى قائلًا: ((فالتر كاسبر، إله المسيحيين، ترجمة: المطران يوحنا منصور، (لبنان: منشورات المكتبة البولسية، ٢٠٠٦)، ص ١٨٠. )) بذلك تحدَّد هذا الأمر: أن الله هو منذ الأزل أبو ابنه الذي هو من ذات جوهره. أما في داخل الثالوث، فالقول الآن إن الآب هو المبدأ άρχή والينبوع πηγή كما كان يقول اليونانيون، أو المبدأ principium كما كان اللاتين يقولون. أما في الخارج كان القول بأن الخلق وتاريخ الخلاص هما عمل الثالوث بأجمعه. فالعقيدة التي نشأت من قبل عند أوريجينوس، والمنطلقة من الآب كمبدأ وينبوع للألوهية، قد أولاها الآباء اليونانيون على الخصوص أهمية كبرى. ويوحنا الدمشقي قد لخصها مرةً أخرى أيضًا في كتاب’المائة مقالة في الإيمان الأرثوذكسيّ‘الذي صار عمليًا الكتاب المدرسيّ في الكنيسة الأرثوذكسية. (فالتر كاسبر، إله المسيحيين) مونارخية الآب عند العلامة ترتليان الأفريقي يشرح فالتر كاسبر ”مونارخية الآب“ في تعليم العلامة ترتليان الإفريقي قائلًا: ((فالتر كاسبر، إله المسيحيين، ترجمة: المطران يوحنا منصور، (لبنان: منشورات المكتبة البولسية، ٢٠٠٦)، ص ٢٧٠. )) إذاك تصون عقيدة ترتليانوس عن الثالوث وحدة سيادة الآب monarchia الذي منه ينبثق كل شيء وكذلك التدبير oiconomia، أي النظام الحسيّ لتلك السيادة، الذي به يجعل الآب الابن مُشارِكًا في سيادته ويُمارِسها من خلاله. وعليه يستطيع ترتليانوس أن يصون الوحدة في الله، مع إبراز الفرق، بخلاف الشكليين modalists الذي من بينهم يسترعي براكسياس على الخصوص انتباه ترتليانوس. فهؤلاء لا يرون في الابن والروح سوى شكلين مختلفين لظهور الآب، وينسون أن الآب ليس آبًا إلا بالنسبة إلى الابن، وبالعكس. وعليه فالوحدة في الثالوث تعني أن الثلاثة يتميَّزون لا بالحالة بل بالدرجة، لا بالجوهر بل بالشكل، لا بالقدرة بل بالهيئة. فخلافًا للغنوسية، ليس هناك انفصال، ولكن، خلافًا للشكليةmodalism ، هناك تمييز بين الأشخاص وليس بين الجواهر. ويصوغ ترتليانوس ذلك صياغةً لا مثيل لها: الثلاثة هم وحدة وليس واحدًا tres unum sunt non unus . (فالتر كاسبر، إله المسيحيين) مونارخية الآب عند ق. ديونيسيوس الإسكندري يُوضِّح فالتر كاسبر عقيدة ”مونارخية الآب“ في تعليم ق. ديونيسيوس الإسكندريّ، أحد أهم الآباء الإسكندريين، الذي كان يُلقَّب بـ ”مُعلِّم المسكونة الكبير“، قائلًا: ((فالتر كاسبر، إله المسيحيين، ترجمة: المطران يوحنا منصور، (لبنان: منشورات المكتبة البولسية، ٢٠٠٦)، ص ٢٧١. )) لقد كان لتوضيحات ترتليانوس ودقتها تأثيرًا حاسمًا خصوصًا في عقيدة الثالوث الغربية التي رُسِمَت خطوطها الأساسية في وقت باكر نسبيًا. ويبدو هذا التأثير جليًا في النزاع بين الديونيسيوسين. ففي كتاب وجهه أسقف روما ديونيسيوس سنة ٢٦٢م إلى سميه ديونيسيوس أسقف الإسكندرية، أبدى اعتراضه على ثلاثية الآلهة tritheisme المزعومة عند نظيره في الإسكندرية، وعلى شكلية modalism سابيليوس. من الواجب ألا تُحل الوحدة الإلهية إلى ثلاث ألوهيات منفصلة تمامًا tritheisme، وألا يُماهَى الآب والابنmodalisme. وإذَا تساءلنا كيف يجب، مع ذلك، التفكير في الاثنين معًا، فلن نجد جوابًا عند ديونيسيوس. ولكن من المفيد مُلاحظة أنه لا يضع وحدة سيادة الآب في الجوهر الإلهي الواحد، بل في الآب، الذي يتَّحد به الابن، وفيه يبقى ويسكن الروح. فليس الروح، أو، كما عند أوغسطينوس لاحقًا، بل الآب هو هنا رباط الوحدة في الثالوث. ونجد في الغرب المسيحي، بعد قرن، عند هيلاريوستصوُّرًا مماثلًا. وعليه استقر في الغرب اللاتينيّ تصوُّر للثالوث، يُناسِب اهتمام الشرق، يصون وحدة سيادة الآب. (فالتر كاسبر، إله المسيحيين) مونارخية الآب في مجمع نيقية المسكوني ٣٢٥م يُشِير فالتر كاسبر إلى عقيدة ”مونارخية الآب“ في مجمع نيقية المسكونيّ الأول ٣٢٥ قائلًا: ((فالتر كاسبر، إله المسيحيين، ترجمة: المطران يوحنا منصور، (لبنان: منشورات المكتبة البولسية، ٢٠٠٦)، ص ٢٧٥. )) هذا التفسير للهوموأوسيوس όμοούσιος يتضمن، بالنسبة إلى عقيدة الثالوث التي هي في أساس مجمع نيقية، ويحتوي على ما يلي: لا ينطلق المجمع بطريقةٍ توحيديةٍ من الذات الإلهية الواحدةللكلام لاحقًا فقط بطريقةٍ ثالوثيةٍ على الآب والابن والروح القدس، كأشكال ثلاثة توجد بها واقعيًا هذه الذات الإلهية الوحيدة. ينطلق الاعتراف بالعكس، من الآب الذي تفهمه’كذروة الوحدة‘الذي فيه يتَّحد الابن والروح القدس. فنحن بالتالي أمام تصوُّر تكوينيّ للألوهة ينبثق من الآبويجري في الابن وفي الروح القدس. (فالتر كاسبر، إله المسيحيين) مونارخية الآب عند الآباء الكبادوك وأخيرًا، يُشِير فالتر كاسبر إلى عقيدة ”مونارخية الآب“ في تعليم الآباء الكبادوك، ويُوضِّح التكامُّل والانسجام بين شرح ق. أثناسيوس والآباء الكبادوك، وليس التعارُّض بينهما، قائلًا: ((فالتر كاسبر، إله المسيحيين، ترجمة: المطران يوحنا منصور، (لبنان: منشورات المكتبة البولسية، ٢٠٠٦)، ص ٢٧٥، ٢٧٦. )) كان أنصاف الآريوسيين يريدون صيانة الفارق بين الآب والابن، إذ كان يبدو لهم موضع شبهة شكليةبكلمة هوموأوسيوس όμοούσιος، فزادوا حرفًا وتكلَّموا على هوميوأوسيوس όμοιούσιος. ولكن لم يكن القبول بهذه التسوية ممكنًا، لأنها لا تفي بالمقتضى العميق للهوموأوسيوسόμοούσιος . وبدا حل، عندما قام أثناسيوس، المدافع الكبير عن النزعة النيقاوية، ببعض التقريب، في مجمع الإسكندرية عام ٣٦٢م، وسوَّغ التمييز بين ثلاثة أقانيم hypostases وذاتوحيدة. فجرى التمييز، إذًا، عندئذٍ، بين مفهومين كانا لا يزالان في نيقية مترادفين. التوضيح الأدق لهذين المفهومين كان من عمل الكباودكيين الثلاثة. يرى باسيليوس أن الجوهر ούσία يعني بالفلسفة الرواقية العمومية غير المحدَّدة. بالتالي، على سبيل المثال، يمكن نسبة الجوهر الإنسانيّ إلى أناس عدة معًا. أمَّا الأقانيم ύποστάσεις، فهي بالمقابل التحقيق الفعليّ الفرديّ لهذا الجوهر. وهي توجد بفضل مجموعة من الـ idiomata، أي خصوصياتتُنتِج أفرادًا. إلا أن هذه الخصوصيات لا تُعتبر أعراضًا، بل هي مكونات constitutiva الكائن الفعليّ. خصوصية الآب إنه ليس لوجوده أية علة أخرى، وخصوصية الابن أن يكون مولودًا من الآب، وخصوصية الروح أن يكون معروفًا بعد الابن ومعه، وأن تنشأ ذاته من الآب. (فالتر كاسبر، إله المسيحيين) نستخلص من هذا أن عقيدة مونارخية الآب في الثالوث القدوس كانت عقيدة راسخة ومتغلغلة في المسيحية منذ نشأتها وخاصةً في القرون الخمسة الأولى في جميع التقاليد اللاهوتية والكنسية والليتورچية المختلفة وفي نصوص صيغ الإيمان المسيحي القديمة المبكرة. --- ### قلوب من فولاذ وجروح تستحق العناء - Published: ۲۰۲٤-۱۱-۲۸ - Modified: 2024-11-28 - URL: https://tabcm.net/31900/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون زوجة أحد قواد الجيش الهندي (اسمه أخيليش) في إحدى الحروب التي انتهت عام 1999م، تشهد كيف يجب على الجنود أن يتصالحوا معًا بسبب الإصابات التي لحقت بهم في القتال فغيرت حياتهم. هذا مثال لكل الشعوب التي تعاني من آلام الحروب والدمار في أراضيها. كنت أشهد مشهدًا يوميًّّا بينما كنت أسير من غرفة الضيوف إلى جناح الضباط في الصباح. فبالقرب من مفترق الطرق، كان موظفو المستشفى يحملون التوابيت نحو المشرحة. كانت هذه جثث جنودنا الشجعان الذين قدموا التضحية القصوى في حرب كارجيل. كنت أضم يدي معًا في الصلاة من أجل المغادرين وعائلاتهم، الذين كانوا يتلقون توابيتهم بقلوب مكسورة. كنت أدعو الله أن يمنحهم الشجاعة لمواجهة الحقيقة المريرة لحرب قبيحة، لأنهم في النهاية كانوا هم الذين يعانون. فبالنسبة لهم قد توقف الزمن، ولن يرَوا أحباءهم مرة أخرى. كانت البلاد يوميًّا تفقد أبنائها الأكثر إخلاصًا وشجاعة. كان الناس يتذكرونهم دائمًا بالفخر والاعتزاز، لكن هذا لم يكن ليعوض أبدًا الفراغ الذي شعر به أحبابهم. لم تكن التوابيت هي الملاحظة الوحيدة التي كانت تسترعي اهتمامي كل يوم. ففي المساء، كنت أزور المطعم الصغير في الحرم الجامعي وكنت أرى العديد من الجنود. كانوا جميعًا مصابين. بعضهم لن يمشي مرة أخرى، وبعضهم لن يبصر مرة أخرى، وبعضهم فقد أطرافه. بعضهم سُحِقَت عظامه إلى قطع صغيرة لدرجة أن الأطباء اضطروا إلى تجميعها معًا بقضبان فولاذية ومسامير. كانت الجروح على أجسادهم مغطاة بالضمادات، بينما كانت وجوههم الكئيبة وعيونهم الفارغة تشهد على العذاب الذي تحملوه. كانوا يكافحون مع أصغر المهام لبقية حياتهم. كان وضعهم المعوَّق سيؤدي إلى خفض رتبتهم في الجيش لأسباب طبية. لم يطلب منهم الجيش المغادرة، لكن احترامهم لذاتهم لم يسمح لهم بالبقاء. تم تحقيق كل انتصار على قمم كارجيل بدفع ثمن باهظ. غالبًا ما كان الكابتن أخيليش يستيقظ من التشنجات في أحلامه في منتصف الليل. كانت تطارده صور الحرب المروعة: الدماء على الأرض، والثلج يتحول إلى اللون الأسود، والدخان في كل مكان، والجروح الدموية لرفاقه، وتوجيهه لإطلاق نيران المدفعية. كان يصرخ ويقول إنه يريد العودة ومحاربة العدو! وبعد أن تمكن أخيليش من التحرك على كرسي متحرك، طلب مني أن آخذه إلى جناح الجنود. كان يريد مقابلة رجاله. كان عنبرًا ضخمًا به أسرَّة مصطفة على كلا الجانبين، مما يترك مساحة للمشي بينهما. وعندما رأوني أنا والكابتن أخيليش، أصبح الجنود في الجناح مسرورون. "سيدي، ماذا سأفعل الآن؟" كان أحد قواد الجيش يبكي، فقد بُترت ساقاه. "لدي أطفال صغار وزوجة ووالدان عجوزان. من سيوفر لهما الرعاية الآن؟" مدّ الكابتن أخيليش يده لتعزيته. ثم أكمل هذا القائد قائلًا: "سيدي، أريد أن أموت. لا يمكنني أن أعيش حياة شخص معاق". طمأنه الكابتن أخيليش قائلًا: "أنت جندي وتبكي؟ لقد فقدت ساقيك أثناء القتال من أجل بلدك. الجيش سوف يعتني بك وبأسرتك". أجاب القائد: "سيدي، نحن نعلم أن الجيش سوف يعتني بنا، لكننا نحن الذين سنستمر في الحياة بإعاقاتنا. بدون يدي سأضطر أن أعتمد الآن على عائلتي. كان من الأفضل لي لو مت"، هكذا قال أحد الرجال من السرير المجاور. "سيدي، الحقيقة المرة للحياة لن تتغير بالنسبة لي. لا يوجد سوى الظلام أمام عيني،" هكذا قال جندي آخر من السرير المجاور. كان هناك الكثير من الأسئلة، والكثير من عدم اليقين والكثير من الحزن. كان الجميع ينظرون إلينا وكأننا نستطيع شرح الظروف التي فرضتها الحياة عليهم. ثم سألهم أخيليش هذا السؤال، "هل أنتم جميعًا نادمون على خوض الحرب ضد العدو لحماية بلدنا؟" "لا، سيدي، سنذهب مرة أخرى إذا أتيحت لنا الفرصة. نحن على استعداد للتضحية بحياتنا من أجل بلدنا"، قالها أحد الجنود، وأومأ الآخرون برؤوسهم موافقين. "الشهادة شرف لا يناله إلا المحظوظون. أما الباقون فسوف يجدون المجد في إعاقاتهم. أنتم جميعًا جنود قاتلتم من أجل بلدكم. لا أحد يستطيع أن يسلبكم هذا الشرف. لقد قدمتم أعظم خدمة للأمة"، هكذا شجعهم الكابتن أخيليش. لابد أن الأخبار عن البيئة البائسة في أجنحة المستشفى قد وصلت إلى قائد مستشفى القاعدة. بالتالي فتح بوابات المستشفى للزيارة من الساعة 11 صباحًا حتى الواحدة ظهرًا، للأشخاص الذين يرغبون في مقابلة أبطال حرب كارجيل، لشكرهم وتكريمهم على شجاعتهم وتضحياتهم. في أحد الأيام أثناء إفطار الكابتن أخيليش، رأيت من خلال النافذة العديد من أطفال المدارس مصطفين في الممر بالخارج. دخلت الممرضة وأخبرتنا أن الأطفال يرغبون في مقابلة أبطال حربهم. كانوا يحملون بطاقات وشوكولاتة ورسائل للضباط الجرحى. غمر الكابتن أخيليش شعور بالفخر وامتلأت عيناه بالدموع. كان ذلك الصباح هو الذي أسس المجد في تاريخ الهند الحديثة. وغمرت عناوين الصحف كافة: أعلنت الهند يوم 26 يوليو 1999 "يوم انتصار كارجيل" (كارجيل فيجايديواس). وكان الجيش الهندي قد أعلن عن "تتويجًا ناجحًا لعملية فيجاي"، معلنًا النصر بعد معركة دامت ثلاثة أشهر تقريبًا على قمم كارجيل الجليدية. وتم تطهير المنطقة من كل المتسللين. وذرفنا جميعًا دموع الفرح. كان يومًا للابتهاج وقرر الضباط الاحتفال به مع جنودهم. فساهموا جميعًا في طلب أطباق شهية من المطاعم، وبمساعدة طاقم المستشفى زينوا جناح الجنود بالزهور والأضواء والبالونات. ورقصوا وهم يحملون عكازاتهم وزجاجات الجلوكوز في الهواء، على ساق واحدة، دون استخدام أية أيادي. إن انتصار كارجيل ليس مجرد قصة انتصار؛ بل إنه قصة ألم وفخر؛ قصة حيث الموت ليس هو النهاية. (عن كتاب "الأمة أولًا" للكاتبة شيخا أخيليش ساكسينا) --- ### ألبرت شڤايتزر - Published: ۲۰۲٤-۱۱-۲۷ - Modified: 2024-11-28 - URL: https://tabcm.net/30490/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: ألبرت شڤايتزر, الاشتراكية, سيجموند شلومو فرويد, ليڤ نيكولاياڤيتش تولستوي, مهاتما غاندي, وليام شكسبير, يوهان سباستيان باخ كانت نية أبويه أن ينشأ نشأة دينية. وقضى ألبرت تلمذته والتحق بالجامعة في ستراسبورج، وحصل على الشهادة الجامعية في الإلهيات، ولكنه طوال دراسته يكب على الموسيقى دراسة ومرانة، ونبغ في العزف على الأرغن، وهو أكبر آلة موسيقية لا تخلو منها كنيسة كبرى في أوروبا. واحتضان الكنائس للموسيقى قد رفع من قيمة هذا الفن وأكسبه الاحترام الذي لا نجده للأسف في بلادنا السيكولوجية هي التجسس على النفس، وقد تعودتُ بما كسبته من الدربة السيكولوجية، أن أتجسس على المؤلفين وأن أسأل عن حياتهم ومكانتهم الاجتماعية، وتربيتهم حين أرغب في الوقوف على البواعث التي حملتهم على الدعوة إلى فكرة معينة أو اتخاذ أسلوب خاص. ثم كثيرًا ما أحس كما سبق لي أن أشرت إلى ذلك، أن حياة المؤلف هي نفسها كتابه الأول، وأنه إذا لم يكن قد أحسن تأليفها فإنه لن يحسن شيئًا آخر، وأن مشكلاته الخاصة التي عاناها في حياته هي نفسها المشكلات العامة التي عالجها في مؤلفاته. اعتبر مثلًا تولستوي فإنه جحد مناعم الحضارة، والانغماسات الكئولية والجنسية، وحياة الترف والثراء، بل إنه بعد أن قضى سِنِي النضج والإيناع وأخرج المؤلفات الفنية البديعة، عاد فجحد الفن وعدَّه استهتارًا يجب أن نتجنبه وأن نقنع بسذاجة العيش بل بالفقر والكفاف، وكل هذه المؤلفات كانت ثمرة حياته أو مرآة حياته، فقد انغمس في اللذات الجنسية أيام شبابه ثم نفضها وجحدها، ولكنه أحس من التوترات ما جعله يكافح جسمه ويضغط أعصابه، وكانت مؤلفاته تفريجًا أو شرحًا أو علاجًا لهذه التوترات والضغوط. وكان يقول بأننا يجب أن نتجنب المرأة إلا بغية التناسل، ثم كان ينهزم أمام هذا العزم فيطلب زوجته ويترضاها، وبلغ من كراهته للفن أن قاطع تأليف القصة باعتبارها تسلية وخيمة تنأى عن جد الحياة، ولكنه وهو فوق الثمانين، كان يؤلف القصة ثم يخبئها في درج المنضدة. وكان يحاول أن يعيش بالكفاف، وأن يحترف صنع الأحذية وأن ينزل عن أرضه للفلاحين، ولكنه كان ينهض في الفجر و«يأمر» خادمه بأن يلجم جواده ويخرج به إلى الحقول فيعدو به في وجه الريح ويلتذ هذه «السيادة» على الأرض بل هذا الكفاح للريح والطبيعة. وليس شك أنه كان بعد أن يعود إلى غرفته، يندم على ضعفه ويحاول أن يكف، لا بل أن يربي نفسه من جديد، فيخرج من درج المنضدة المشرط والأديم كي يصنع حذاءً سخيفًا ركيكًا لأحد الفلاحين. وما أعتقد أن حملته على شكسبير كانت إلا تفريجًا عن إحساسه بالخطيئة التي كان يرتكبها هو بانغماسه في الفن، فإن شكسبير كان فنانًا عظيمًا، وكان تولستوي فنانًا عظيمًا أيضًا، وقد رأى صورته في شكسبير فلعن في شخصه هذا الشاعر الإنجليزي العظيم، وهو إنما كان يلعن نفسه ويحاول التخلص من هذه المتناقضات التي كانت تحطم أعصابه. وأي تناقض أكبر من هذا الانفصال بين ناس يعيشون في ترف الفن يؤلفون الأشعار والقصص، وبين الملايين الكادحة التي تحيا بلا حياة وبلا فن؟ إن عقولنا تزداد فطنة وبصيرة حين نتعمق حياة المؤلف ونسأله من أين لك هذا؟ من أين لك هذه الأفكار؟ وما هي الأحداث التي نزلت بك ثم أنتجت هذه الأفكار في مؤلفاتك؟ ومن أين لك هذا الأسلوب؟ وما هي العلاقة بينه وبين مكانتك الاجتماعية؟ هل أنت مع الشعب تخاطب الشعب بلغته؟ أم أنت في مكانة اجتماعية عالية تعلو على الشعب فتتعالى عليه بأسلوبك؟ إني حين أجد مؤلفًا يبغض التعصب الديني ويكافح الغيبيات ويدعو إلى مذهب العقليين، ويقول بضرورة الاشتراكية، أسأل: هل هو فرد في طائفة من طوائف الأقليات تعاني ضغطًا اقتصاديًّا أو اجتماعيًّا بحيث يحب هذه المبادئ وينقلها إلى الوجدان الفني؟ أليست علة ذلك أنه قد أحس أن الغيبيات تفصل بين البشر، وأنه لذلك بشري العقيدة اشتراكي المذهب؟ واعتقادي أنه إذا كان رجل السياسة مكلفًا أن يجيب عن سؤالنا: «من أين لك هذا؟» بتقديم الحساب المفصل عن ممتلكاته، فإنه يجب على الأديب أن يجيب عن مثل هذا السؤال بأن يكتب تاريخ حياته حتى نفطن إلى البواعث ونتعمق الأسرار ونتربى ونستبصر بكوارثه. ••• ولكن هناك من المؤلفين والمفكرين من لا يحوجنا إلى مثل هذا السؤال؛ لأن حياتهم مكشوفة، وقد كشفوها هم بأعمالهم أو كفاحهم؛ ولذلك نحن نقرأ سيرتهم في هذه الأعمال أو هذا الكفاح لنسترشد ونتعلم ونقتدي، فضلًا عن النور الذي نستضيء به من مؤلفاتهم، وهذا هو الشأن في ألبرت شفايتزر. هو مؤلف في الأدب والاجتماع والفلسفة والمسيحية قد استطاع أن ينير الأذهان ويهذب الحيوان في الإنسان، ولكنه زيادة على المؤلفات قد عمل وكافح، حتى إننا لنجد في هذا الكفاح ما يغنينا عن قراءة مؤلفاته، كما نجد في كفاح غاندي ما يغنينا عن مؤلفاته. قضى شفايتزر قرابة أربعين سنة وهو في «لامبارينيه» في سنغال الفرنسية بإفريقيا الغربية يعالج أمراض الزنوج بالمجان، ويجمع لهم التبرعات من أوروبا وأمريكا، وقد بنى لهم مستشفًى وأعدَّ له كل ما يحتاج إليه من عتاد صحي وعلاجي إلى الأطباء الذين أقنعهم بترك أوروبا والرضا بالعيش لخدمة المرضى من الزنوج في شمس إفريقيا  المحرقة، وكان هذا عملًا جليلًا أرصد له حياته وعاد إلى بلاده وهو أعمى إذا لم تتحمل عيناه شمس أفريقيا، ولكنه عاد بعد أن أنجز وعد حياته كما ينجز أحدنا وعدًا من وعود المجد والشرف والإنسانية. وهو يقيم هذه الأيام (عام ١٩٥١) في قريته القريبة من «ستراسبورج» ينتظر الموت بعد أن جاوز الثمانين. كان ألبرت شفايتزر صبيًّا ألمانيًّا نشأ في أسرة ألزاسية حيث تتاخم ألمانيا فرنسا، وأحيانا تخالطها وكانت نية أبويه أن ينشأ نشأة دينية. وقضى ألبرت تلمذته والتحق بالجامعة في ستراسبورج، وحصل على الشهادة الجامعية في الإلهيات، ولكنه طوال دراسته يكب على الموسيقى دراسة ومرانة، ونبغ في العزف على الأرغن، وهو أكبر آلة موسيقية لا تخلو منها كنيسة كبرى في أوروبا. واحتضان الكنائس للموسيقى قد رفع من قيمة هذا الفن وأكسبه الاحترام الذي لا نجده للأسف في بلادنا. وكان يحصل من العزف في الكنائس على أرباح كبيرة، وذاع اسمه حتى كانت الكنائس الكبرى تدعوه في الأعياد والحفلات، وله مؤلفات عن باخ وعن الموسيقى تعد صفحاتها بالآلاف. وإلى هنا يتساءل القارئ: رجل حصل على الثقافة وعلى الحرفة وعلى الكسب! ما الذي بقي من حياته يذكر فيؤثر؟ والجواب أن الباقي كان كل شيء، فإنه جحد حياته الماضية كلها وآثر عليها كفاحًا إنسانيًّا يحتاج إلى الدم والدموع؟ فقد تساءل شفايتزر وهو شاب: ماذا أفعل كي أخدم الزنوج الذين سحقهم الاستعمار؛ البريطاني والفرنسي والهولندي والبلجيكي، وكيف أستطيع خدمتهم؟ وأجاب المبشرون بأنه يمكنه أن يرحل إلى أفريقيا حيث يبشر الوثنيين من الزنوج بالمسيحية، أليس هو دكتور في الإلهيات؟ ولكنه أحس مرارة التهكم في هذا الاقتراح، فإنه كان يعرف بل يوقن أن كثيرًا من المبشرين كانوا أعوانًا للاستعمار، وزيادة على ذلك تساءل هو: كيف نقدم للزنوج تعاليم المسيحيين، وهم قد عرفوا أن هؤلاء المسيحيين الذين تعلموا هذه التعاليم هم أنفسهم الذين ينهبونهم ويذلونهم ويحرمونهم الثقافة والمدنية والعدل والشرف؟ لا، إنه لن يكذب عليهم، ولن يزعم لهم أن المسيحيين المستعمرين أشراف، وإذن ماذا يفعل؟ لقد بلغ الثالثة والثلاثين، وكل ما يحذقه من المعارف دراية ومرانة عظيمتان في فن الموسيقى، وأيضًا فقهيات جدلية في المذاهب المسيحية، وإنها لسوف تكون سخرية حقًّا أن يقصد إلى الزنوج ويعرض عليهم هذه البراعات، لا إنه لن يفعل ذلك. وحزم رأيه، ثم حزم أمتعته، ورحل من ستراسبورج إلى باريس، وهناك عاد تلميذًا وهو في الثالثة والثلاثين، والتحق بكلية الطب. إنه حين يكون طبيبًا يستطيع أن يرحل إلى أفريقيا وأن يعالج المرضى من الزنوج، حتى يعرفوا أن بين الأوروبيين من يواسي جراحهم، ويعالج أمراضهم كما عرفوا من آلاف الاستعماريين المجرمين. وبعد أربع سنوات نال شهادة الطب فحزم رأيه وحزم أمتعته ورحل إلى «لامبارينيه» في سنغال الفرنسية، وهناك أسس مستشفًى وأقام مع زوجته يخدمان الزنوج نحو أربعين سنة عاد بعدها في سنة ١٩٤٩ إلى قريته التي عرفها وهو صبي بالقرب من ستراسبورج، عاد وهو أعمى. وإلى هنا نستطيع أن نقتنع بأننا عرفنا إنسانًا بارًّا بالإنسانية، ولكن شفايتزر، كما كان رجل عمل وكفاح، كان مفكرًا عميقًا يبحث ويستقصي ويحاول أن يهتدي إلى يقين، ومن هنا مؤلفاته العديدة، فقد ألَّف عن الموسيقى، ثم ألَّف عن المسيح وحواري المسيح بولس. ولا بد أنك، أيها القارئ، ستقول: إن ها هنا إنسانًا مسيحيًّا قد درس الإنجيل، وعمل بتعاليم المسيح. وهذا حق، ولكنه ليس كل الحق؛ ذلك أن شفايتزر ألَّف كتابًا عن المسيح الذي أحبه وعمل بتعاليمه، ولكنه عالج حياته بمشرط فرويد بما لا يرضى المسيحيين. وقد قرأت الكتاب وأحسست وأنا في الفصول الأخيرة أن الحلوى التي كنت ألوكها بلساني قد استحالت إلى علقم مر لا أسيغه ولا أطيقه، ولكنه -أي شفايتزر- يقول وكأنه يحس برعشة الاشمئزاز الذي أحدثه تحليله السيكولوجي القاسي: وماذا علينا أن نؤمن بالفلسفة العظيمة حتى ولو كان داعيتها؟ إنها مأساة، وإننا نحن البشر لا نطيق كل الحق، وإذن ما هو اليقين الذي يستند إليه شفايتزر؟ ما هو اليقين الذي يحمله على أن يترك الثراء والمجد والراحة والمدنية ويرحل إلى أفريقيا، ويقضي هناك أحسن سِنِي عمره في خدمة الزنوج بعد أن يستعد لخدمتهم بالدراسة أربع سنوات في جامعة باريس؟ هذا اليقين هو احترام الحياة، إننا يجب أن نحترم الحياة كائنة ما كانت، ولا نقتل نملة إلا إذا حتَّمت الضرورة ذلك، ألسنا نحن الأحياء جميعًا من العشب الذي ندوسه إلى الجواد الذي نركبه، إلى الكلب الذي يرافقنا إلى الشجرة الخضراء؟ ألسنا جميعًا ننتمي إلى أصل واحد ونسير في موكب التطور نحو المستقبل؟ ثم احترام الحياة هو مفتاح يهيئ لنا التفكير السليم في تطور المجتمع البشري. فهل نقنع من شفايتزر بذلك؟ إنه يستطيع أن يقول: انظروا إلى حياتي. لقد أحببت شفايتزر على الرغم من العلقم الذي ملأ به فمي، وعلى الرغم من السحب الباهرة الناصعة التي أحالها إلى قتام أسود، ورضيت وأنا كاره أن أستمع بعقلي إلى أقواله، كما هدأت نفسي إلى عجزي عن الرد عليه، وتقبلت دعوته إلى الحياة في ترحيب وسرور؛ لأن دراستي للتطور قد جعلتني على إحساس عميق بوحدة الحياة نباتًا وحيوانًا وإنسانًا. ثم هو بعد كل هذا، لم يعترض بكلمة واحدة على سمو الأخلاق التي دعا إليها المسيح. --- ### للخروج بالكنيسة من مأزقها - Published: ۲۰۲٤-۱۱-۲۵ - Modified: 2025-01-06 - URL: https://tabcm.net/31893/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: الكنيسة القبطية, المجمع المقدس, بابا كيرلس السادس, سليمان الحكيم, ليتورچي نتحدث هنا عن الملفات الرئيسية التي على مجمع الكنيسة فحصها وحسمها: ملاحظة مفتاحية تمر الكنيسة بلحظة ضاغطة مرتبكة، لها مقدماتها وتراكماتها التاريخية، داخلها وخارجها وحولها، التي أسهمت في احتدامها. وهي كيان راسخ تقليدي له رسالة روحية حمّلها لها مؤسسها، تحرص عليها وتسعى لإنفاذها، بحرص وأمانة شديدين، انعكسا على منهجها في التعاطي مع مجتمعها الذي ترعاه، ومع متغيراته التي ينتجها حَراك الزمن وتطوراته وصراعاته. وهي مجتمع عماده الإنسان لذا فهو يمر ـ ككائن حي ـ بقمم وقيعان، الأمر الذي يفرض على مدبريها الانتباه لدورها كمنارة هادية بما تملك من أدوات، لعل في مقدمتها إرشاد الروح القدس، والحرص على تأصيل وحدانية القلب (الفكر) التي للمحبة، كما تردد يوميًا في صلواتها. وهو الأمر الذي أعطى الكنيسة الأولى أن تعلن بجسارة وصدق أن قراراتها لم تأت بإرادة منفردة، بل بشركة وإرشاد الروح القدس لأَنَّهُ قَدْ رَأَى الرُّوحُ الْقُدُسُ وَنَحْنُ... ، والسؤال هل نملك جسارة القول بهذا، الآن؟ فكثير من متاعب الكنيسة وانشقاقاتها جاءت من تزييف هذه الشركة. كما أنها كيان استقرت تخومه (حدوده) الإيمانية، ويلتزم مدبروه القائمين على رعايته بنصيحة سليمان الحكيم لاَ تَنْقُلِ التُّخْمَ الْقَدِيمَ الَّذِي وَضَعَهُ آبَاؤُكَ، بغير أن يتخطى الأمر حدود الإيمان ومن ثم العقيدة، وإلا تحول الكيان إلى عبء وقيد على وعي الإنسان بإيمانه. التُّخُم حسب معاجم اللغة هي المعالم التي يُهتَدَى بها في الطريق، وقد وضعت الكنيسة لمؤمنيها معالم يهتدون بها في وإلى طريق الإيمان في ترجمة أمينة لما أسسه رب المجد وأعلنه تلاميذه ورسله، في صلواتها الليتورجية (القداس والتسبحة). وكان هذا منهج القديس البابا كيرلس في ردوده المقتضبة على سائليه في الأمور الخلافية، في شرح الإيمان أو تدبير الكنيسة. بأن يشير إليهم بالعودة إلى جملة أو فقرة بصلوات الكنيسة الليتورجية تجيب عليهم وترشدهم. أرى للخروج من مأزق اللحظة أن يبادر مجمع الكنيسة بمناقشة وحسم الملفات التالية: • مأسسة الكنيسة إداريًا. • عودة دور المدنيين (الأراخنة) المشارك ـ وليس الاستشاري ـ في إدارة الكنيسة. • ضبط منظومة الرهبنة الديرية. • تأسيس منظومة الرهبنة الخادمة. • ترتيب مرحلة انتقالية بين وجود الراهب في الدير وبين توليه مسؤولية الأسقفية والخدمة في المجتمع خارجه. • مراجعة وفحص وضبط لائحة المجمع المقدس فيما يتعلق بالنقاط الأتية: • تحديد المراكز القانونية فيها وتحديد وتوصيف المهام والمسؤوليات والالتزامات والعلاقات البينية. • بيان آليات العمل داخل المجمع. • ضبط العضوية اكتسابًا وانتهاءً، ومناقشة قضية تقاعد الأسقف ـ إداريًا ـ في ضوء الصلاحيات الذهنية والعمرية، حماية للشخص والخدمة والكنيسة. مع توفير مقومات حياة لائقة لما بعد التقاعد -في أحد الأديرة أو في بناية في حرم الكاتدرائية تحفظ له رتبته وكرامته وحياته برعاية لائقة. وجدير بالبحث معرفة تجارِب الكنائس التقليدية التي سبقتنا في هذا الأمر. وهذا يتطلب تصويب ما استقر في العرف السائد بأن الأسقف تزوج الإيبارشية، الذي يستند إلى قول أحادي غير متكرر، فعريس الإيبارشيات مجتمعة (الكنيسة) هو الرب يسوع المسيح حسب الكتاب والتقليد الصحيح. • وضع (دستور إيمان) يعكف على إعداده نخبة من الأكاديميين الكنسيين الثقاة، يضم كل العقائد الإيمانية التي تعتمدها الكنيسة، تأسيسًا على الكتاب المقدس وقوانين المجامع المسكونية والتقليد (المحقق)، بصياغات دقيقة ومعاصرة. • وضع دستور طقسي، يراجع وينقي الطقوس الكنسية في دراسة فاحصة، تنقيه مما تسلل إليها في فترات الضعف. --- ### كنز عظة البابا تواضروس المخفي عن السمينار - Published: ۲۰۲٤-۱۱-۲٤ - Modified: 2024-11-24 - URL: https://tabcm.net/31855/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: بابا تواضروس الثاني, فريدريك فيلهيلم نيتشه الحقيقة أنا من أكتر الناس سعادة بالعظة اللي قالها قداسة البابا تواضروس يوم عيد جلوسه الثاني عشر في حضور غالبية الآباء المطارنة والأساقفة، وسبب سعادتي هو رؤيتي ليها بوجهة نظر مختلفة شوية وهي أن كلمات قداسة البابا أظهرت جانب مهم من شخصيته وقيمه اللي بيدير (بيرعى) بيها الكنيسة ولأن قداسة البابا تواضروس قليل الكلام بهذا القرب والمستوى الشخصي من الحديث فأنا أزُعم، أنه بعد ١٢ سنة بطريركية، إن قليلين جدًا من يعرفونه بعمق وهم اللي يعرفوه أو تعاملوا معاه عن قرب. مخافة الله القيمة الأولى أو المحرك الأول لكل أفعال ومواقف بل وحياة البابا هي مخافة الله، والمخافة هنا لا تعني أبدًا الخوف من الله ولكن علشان أشرحها هاعمل زي ما علمنا المسيح وأضرب مثل. كان في أب تعب وشقي وكون امبراطورية اقتصادية كبيرة فيها شركات ومزارع وأموال كتيرة وكان عنده أبناء اختار منهم اتنين وادى لكل واحد فيهم شركة كبيرة يديرها والأب عايش، الأول قال أنا الابن، أنا المسؤول، أبويا اختارني أدير علشان عارف قدراتي ايه! ! هنا هيمشي رأيي والكل هينفذ اللي أنا بقوله واللي مش عاجبه هامشيه لأن أنا المدير. التاني قال أبويا تعب وشقي وعمل كل ده لازم أنا كمان اتعب علشان أحافظ على اللي عمله أبويا وأكبره، أبويا اختار الناس اللي شغالين معانا دول وأنا لازم أرعاهم وأهتم بيهم لأن أبويا وكلني عليهم وهكذا. فالابن التاني ده عنده مخافة الله لأن حاضر في ذهنه دايمًا أبوه وعمله ووجوده، وهو نفسه موجود لكن في ظل أبوه، ودي مخافة الله اللي هي حجر الزاوية لمنهج إدارة قداسة البابا للكنيسة. سلام الكنيسة القيمة التانية هي سلام الكنيسة، وعلى قد ما ده ما يهمش ناس كتير، لكن البابا بيفكر فيه قبل كل خطوة، ودي اللي بتؤدي أحيانًا لمواقف أولاده والداعمين ليه بيبقوا أكتر الغاضبين منها، لكن بيبقوا شايفين أنه ببساطة يقدر ياخد مواقف ينهي بيها على ناس عاملين صداع ليه وللكنيسة كلها، وهو في ايديه كل الأدوات اللي تخليه يعمل كده، لكن يتفاجئوا أنه ما بيحصلش، ولو حصل وكشر بس البابا يرجع الشخص يعتذر، فيقبل البابا الاعتذار وتعدي الأمور، فالناس تشوف ده تراجع وضعف، لكن اللي هو شايفه سلام الكنيسة اللي أهم من أي موقف أو حتى كرامة شخصية ليه. المحبة المسيحية ودي القيمة اللي ياما قداسة البابا، واحنا اتكلمنا فيها، لكن القريبين قبل المغرضين زهقوا منها، وبدأوا ينتقدوه ويستخدموها ضده، هي المحبة لكن اللي ظهر في العظة دي هو شكل ومفهوم المحبة اللي بيتبناه قداسة البابا واللي هو أعمق من مفهومنا شوية، وهو محبة المسيح اللي فاتح حضنه ومادد ايده وبيقدم جسده ودمه يوم خميس العهد وهو عارف معرفة اليقين وليس التوقع أن وسط اللي قاعدين قدامه دول اللي بايعه فعلًا ومتفق على تمن رخيص ليه، واللي لسه هينكره، واللي هيشك فيه، واللي واللي. . لكن محبته ليهم نقية ومتساوية ليوحنا اللي قاعد في حضنه زي يهوذا اللي باعه قبل ما يقعد معاه، وعلى قد ما الفكرة صعبة، لكن وصلت لنا من كلمات قداسة البابا ومن تعبيراته ولغة جسده شفنا أنه يفيض محبة حقيقية ومش تمثيل، شوفنا وحسينا قد إيه هو متألم من اللي خان واللي كتب واللي جمع، لكنه يفضل أنه يوصل لهم محبته ليهم كلهم كأخوة ورغبته أن يكون بينهم علاقة محبة حقيقية. وهنا تحضرني كلمات الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه: كن حريصًا وأنت تصارع الوحوش، كي لا تصبح واحدًا منهم (فريدريك نيشته، ما وراء الخير والشر) واللي بيفسرها في كتابه " ما وراء الخير والشر:  أن من ينازع وحوشًا يجب أن ينتبه جيدًا، كي لا يتحول هو بدوره إلى وحش. فحين تُطيل النظر إلى الهاوية، تنظر الهاوية إليكَ أيضًا وتنفذ فيك ومن خلالك، وأعتقد إن ده المبدأ اللي بيطبقه قداسة البابا واللي لولاه كان ممكن تتحول الكنيسة إلى حلبة صراع ليس فيه فائز وأكثر الخاسرين هو المسيح ذاته وجسده الذي هو الكنيسة أي (كل جماعة المؤمنين). المسؤولية كنعمة وكرامة والنقطة اللي بعدها يرجع ده لفايدة الناس ويفكرهم بمسؤوليتهم عن الشعب الرعية اللي المسيح ائتمنهم عليها ويفكرهم في نقطة بالنسبة لي جوهرية ولازم اعترف إني ما فكرتش فيها وإن علشان هو يقولها لازم يكون بيمتلك اتضاع حقيقي مصدرة الوحيد هو المسيح، والمسيح فقط لما قال إن المسؤولية دي (يقصد بيها الكهنوت والأسقفية والبطريركية) هي نعمة وكرامة حصلنا عليها مجانًا ما عندناش حاجة علشان ناخدها ولكن الله اختارنا ليها والمفهوم ده ثوري في الخدمة والقيادة في الكنيسة مع أنه يعني منطقي وواضح لكن ناس كتير تناسته أو مش بتركز عليه. كلمة أخيرة أتمنى أن كل إنسان يسمع العظة دي لكن فيها كنز تعليمي وحياتي ومنهج قيادة عظيم من رجل الله وأب حقيقي وإذا كان لي كلمة أتجاسر وأقولها له أو أطلبها منه فهي: افتح قلبك يا أبى وأتكلم على قد ما تقدر بهذا القدر من الصراحة والانفتاح والبساطة لأن المسيح عنده دروس كتير عاوز يعلمها لنا من فيض نهر حكمته ومحبته اللي أنعم بيهم عليك مسيحنا، يديمك لينا أب وراعي ومثل وقدوة سنين كتير كلها صحة وخير ،وترى بعينيك ثمر المحبة والحكمة التي زرعتها. --- ### انشقاق البنا والسكري - Published: ۲۰۲٤-۱۱-۲۳ - Modified: 2024-11-23 - URL: https://tabcm.net/30412/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أحمد السكري, إسماعيل صدقي باشا, الإخوان المسلمين, الديمقراطية, جريجوري يافيموڤيتش راسبوتين, حسن أحمد عبد الرحمن محمد البنا, رئيس جمال عبد الناصر, صوت الأمة, عبد الحكيم عدوي عابدين, فلاديمير بوتين, محمد فؤاد سراج الدين, محمود فهمي النقراشي باشا كانت الصدمة الكبرى في تاريخ الجماعة هي انفصال وكيل الجماعة أحمد السكري عنها، بعد خلافات مع صديق عمره وطفولته حسن البنا، الذي آثر الزعامة وفضلها على الصداقة. وفقًا لرواية الإخوان الرسمية، فإن أسباب فصل السكري بدأت عندما شن السكري هجومًا على البنا في سلسلة مقالات على صفحات جريدتي صوت الأمة والكتلة، ذكر فيها أن البنا له اتصالات ببعض الشخصيات الأجنبية، واتهم السكري البنا بالاستبداد في اتخاذ القرار، فقررت الهيئة التأسيسية لجماعة الإخوان المسلمين؛ إعفاء كل من الأستاذ محمد عبدالسميع الغنيمي أفندي، والأستاذ سالم غيث أفندي، والأستاذ أحمد السكري أفندي من عضوية الجماعة، لما تعرفه الهيئة من تصرفات الأستاذ أحمد السكري، واعتباره مناقضًا للعهد حانثًا باليمين، خارجًا على الجماعة، محاربًا للدعوة، وكذلك كل من اتصل به أو ناصره وأسهبت أدبيات الإخوان في وصف السمات الشخصية السيئة للسكري، التي اعتبروها ليست تجريحًا في شخصه ولكنها مواقف تضئ لهم تفسير حادث خروج السكري عن الجماعة، فهو مُحب للظهور والزعامة، وكان يتجسس على مخاطبات البنا الشخصية، وسرب وثائق الإخوان السرية إلى فؤاد سراج الدين لينشرها في حزب الوفد، فضلًا عن أنه استغل الدعوة لأغراض شخصية وفى المقابل، نشر السكري 24 مقالًا في جريدة صوت الأمة تحت عنوان كيف انزلق البنا بدعوة الإخوان؟ لكن السبب الحقيقي لفصل السكري وكيل الجماعة هو عبد الحكيم عابدين زوج شقيقة البنا. كان عبد الحكيم عابدين من أوائل من بايعوا مؤسس الجماعة حسن البنا، ولقد اختاره البنا ليزوجه شقيقته، وبذلك أصبح أحد أكثر الأعضاء قربًا من المرشد العام للجماعة. وكان عبد الحكيم عابدين شخصًا شديد الالتزام في الظاهر لا يمكن أن تتطرق إليه أي شبهة أخلاقية، علاوة على ذلك فهو من الرعيل الأول للجماعة ومن أوائل من بايعوا المرشد العام، لذلك فما أن دعا عبد الحكيم عابدين لإنشاء نظام للتزاور بين أسر الإخوان لتعميق الترابط والحب بين الإخوان وبعضهم البعض، فقد لاقي هذا المقترح ترحيبًا كبيرًا، ووكلت إلى عبد الحكيم عابدين مهمة تنظيم هذه الأمور والإشراف عليها ومتابعتها، فكانت هناك لقاءات أسرية وزيارات متبادلة بين الإخوان وبعضهم البعض في المنازل بدعوى تأليف القلوب. وفي العام 1945 بدا واضحًا للعيان أن هذا النظام حمل في طياته العديد من الفضائح الأخلاقية التي وصفها بعض الإخوان أنفسهم بأنها يشيب من هولها شعر الوليد، وأصبح واضحًا لكل ذي عينين أن عبد الحكيم أقرب ما يكون إلى راسبوتين الجماعة، ولم يكن أمام المرشد إلا الأمر بإجراء تحقيقات مكتوبة مع عابدين بمعرفة بعض كبار أعضاء الجماعة، تلك التحقيقات التي لا يعرف أحد أين ذهبت وثائقها، التي نقل بعض الإخوان في مذكراتهم أن عبد الحكيم كان يتمرغ في الأرض ويبكي وينهار وهو يواجه بالتهم البشعة الموجهة إليه، وبعد انتهاء التحقيقات التي أكد الكثير من الإخوان أنها انتهت إلى إدانة واضحة لعبد الحكيم عابدين، اختار المرشد العام التكتم على الأمر مع حل نظام الأسر وتصفيته. لكن مع ذلك ظل عبد الحكيم عابدين صاحب نفوذ واسع في الجماعة، بل وحتى بعد اغتيال حسن البنا، وأسفرت فضيحة عبد الحكيم عابدين عن خروج عدد كبير من الإخوان، وأحدثت شرخًا هائلًا في بنيان الجماعة، وأثارت التساؤلات لدى الكثيرين عن مدى مصداقية القائمين عليها، وكان على رأس الخارجين أحمد السكري وكيل الجماعة ومؤسسها الحقيقي ورفيق درب حسن البنا، الذي كانت فضيحة عابدين السبب الحقيقي لانشقاقه وخروجه، ومرت الأيام وغادر عبد الحكيم عابدين مصر في 1954، قبل وقوع محاولة اغتيال جمال عبد الناصر، وعاد إليها عام 1975، وتوفي عام 1977، ومات وسره معه. حتى الآن لم يعرف أحد حقيقة ما حدث بالضبط، ولماذا اختار حسن البنا التضحية بشريكه في تأسيس الجماعة أحمد السكري على أن ينزل بعابدين العقاب، وحتى الآن لا تزال أوراق التحقيق مع عابدين في طي الكتمان، والجماعة الغامضة لا تريد أن تكشف عن الحقائق المتعلقة بهذه القضية، رغم أنها كانت من أخطر الأزمات التي واجهتها إن لم تكن الأخطر على الإطلاق، فقد كان خروج أحمد السكري من جماعة الإخوان المسلمين هو سبب المصائب التي حلت عليها بعد ذلك، فالرجل كان يمثل درعًا سياسيًا صلبًا، يرسم لحسن البنا كيفية التعامل مع القصر والحكومات والإنجليز، فلما زال هذا الدرع، تخبط حسن البنا ولم يعد قادرا على التعرف على الاتجاه الصحيح. وبدأت صحف الوفد تهاجم الجماعة، وتنقل اتهامًا وجهه لوكيل الإخوان؛ أحمد السكري، الذي أنفصل مؤخرًا، بأن الشيخ حسن البنا حاول الحصول على مبلغ 50 ألف جنيه من حزب الوفد ثمنًا لتأييد الوفد ضد وزارة إسماعيل صدقي، واتهم السكري الشيخ البنا أيضًا بإجراء اتصالات مع رئيس الديوان الملكي، تعهد خلالها المرشد العام بأتباع سياسة معتدلة إزاء الحكومة مقابل مساعدة القصر، ولم تنف جريدة الإخوان الخبر وإنما ردت بأن حسن البنا مستعد للتعاون مع الوفد إذا تبرع هذا الحزب بمبلغ الـ 50 ألف جنيه لتنظيم سياسة قومية تساهم فيها كل الأحزاب حسب إمكاناتها. وتصاعدت حملة الصحف الوفدية ضد البنا وجماعته، فكُتب في مايو ويونيو 1947؛ يمعن الشيخ في التضليل فيزعم انه ليس حزبًا سياسيًا، إذن ماذا أنت وجماعتك يا هذا؟ أنت تزاول نوعًا من السياسة هو أرخص وأقذر الأنواع، وتكمل قائلة؛ انحسر آخر قناع عن وجه الشيخ البنا، فإذا به أقبح سياسي لعب على مسرح السياسة في الجيل الحاضر، وتكتب رسالة للبنا تقول فيها؛ إلى زعيم عصابة الإخوان: صليتم تظاهرًا، وتصدقتم تفاخرًا، واتخذتم هيئة الصلاح لتتسلطوا على عقول البسطاء، وتحذره بقولها؛ الإسلام ليس لحية ولا عمامة ولا سفسطة، بل هو تعالم نبيلة رفيعة تطبع المؤمنين بطالع الشرف والأخلاق والسمو وعدم الإسفاف، لا الجري وراء المال الحرام باستخدام التهريج والدجل والضحك على الدقون ويرد الإخوان على الوفد فينشرون وثائق تثبت أن السلطات البريطانية ساعدت شباب الوفد في حملتهم ضد الجماعة، لكن برقيات السفارة البريطانية أكدت أن هذه الوثاق مزورة ومفبركة، فلا تجد الجماعة إلا ورقة الدين ليلعبوا بها، فهي الورقة الرابحة في كل معركة خاسرة، فتكتب صحيفة الإخوان؛ إن صحف الوفد تفيض إباحية وفجورًا، وأن على الوفديين أن يجددوا إسلامهم، فهم في تصرفاتهم خصم للإسلام، وحرب على تقاليده وتشريعاته وفي نهاية أغسطس ‏1946، نشرت صحيفة‏ "صوت الأمة"‏ الوفدية هجومًا عنيفًا ضد الإخوان ومرشدهم‏ وقالت إن البنا يتعرض لهتافات معادية في أثناء زياراته للأقاليم‏ ويصفه المتظاهرون بأنه صنيعة الإنجليز، وأطلقت عليه الصحيفة اسم الشيخ حسن راسبوتين من باب السخرية‏ في إشارة إلي المشعوذ الروسي الشهير، وقد اعتمدت الحملة الوفدية ضد الإخوان علي عداء الجماعة للديمقراطية،‏ واعتمادها علي تشكيلات شبه عسكرية. وعلي الرغم من محاولات التوفيق بين الوفد والجماعة‏ فقد استمر العداء،‏ ووصفت صوت الأمة البنا بأنه حكومي أكثر من الحكوميين،‏ ونقراشي أكثر من النقراشيين، وهكذا تتغير مواقف الإخوان من معاداة النقراشي إلى مساندته إلى عداوته وهكذا، وكانوا مع الوفد فأصبحوا ضده ثم تحالفوا معه وهكذا، كانوا في أحضان القصر ثم عايروه بتصرفاته ثم ارتموا وراء العظمة التي يلقيها جلالته لهم. --- ### مونارخية الآب في الدراسات الأكاديمية [٢] - Published: ۲۰۲٤-۱۱-۲۲ - Modified: 2024-11-23 - URL: https://tabcm.net/31653/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: الثالوث القدوس, الصوفية, المكتبة البولسية, بابا ديونيسيوس السكندري, باسيليوس الكبير، أسقف قيصرية الكبادوك, جورج فلوروفسكي, چون أنتوني مكجوكين, رسالتنا للنشر والتوزيع, غريغوريوس النزينزي، الناطق بالإلهيات, قديس أثناسيوس الرسولي, كاليستوس الأول، أسقف روما, مجمع نيقية, مطران چورچ خضر, منشورات النور مونارخية الآب في الدراسات الأكاديمية الحديثة والمعاصرة سوف نستعرض في هذا البحث أهم الإشارات إلى عقيدة مونارخية الآب في الثالوث القدوس، في كتابات أهم الأساتذة والباحثيين اللاهوتيين من مُختلف الجامعات والمدارس اللاهوتية، سواء المدرسة الإنجليزية، أو الفرنسية، أو الألمانية، أو الأمريكية، أو اليونانية، أو القبطية، بل ومن مُختلف الكنائس والطوائف المسيحية، سواء، الأرثوذكسية، أو الكاثوليكية، أو البروتستانية. للوقوف على أفضل تصوُّر للمونارخية، أو وحدة الرأس، أو الأصل، أو المصدر، أو الينبوع، أو العلة في الثالوث القدوس. وسوف نبحث شروحات هؤلاء الأساتذة والباحثين المرموقين على مستوى العالم لفكر آباء الكنيسة والمجامع المقدَّسة حول مونارخية الآب في الثالوث القدوس. المطران كاليستوس وير مونارخية الآب بحسب التعليم الكبادوكي يشرح المطران كاليستوس وير مونارخية الآب في الثالوث حسب تعليم الآباء الكبادوك قائلًا: ((كاليستوس وير، الكنيسة الأرثوذكسية إيمان وعقيدة، (منشورات النور، ١٩٨٢)، ص ٣٢. )) ولكن إذَا كان لكل أقنوم ميزته الخاصة، فما الذي يجمع الثالوث القدوس؟ تُجِيب الكنيسة الأرثوذكسية عن هذا السؤال، وفقًا لآراء الآباء الكبادوكيين، أن الله واحدٌ لأن الآب واحدٌ. وفي التعبير اللاهوتيّ، الآب هو علة الألوهة ومصدرها. وهو مبدأ αρχή الوحدة بين الثلاثة. وتتحدَّث الأرثوذكسية في هذا المعنى عن مونارخية الآب μοναρχή. أمَّا الأقنومان الباقيان فيرجع أصلهما للآب ويُحدَّدان حسب علاقتهما به. الآب هو مصدر الألوهة، وهو غير مولود، ولم ينبثق من أحد. والابن مولود من الآب منذ الأزل (قبل كل الدهور على حد تعبير قانون الإيمان)، والروح القدس منبثق من الآب منذ الأزل. (كاليستوس وير، الكنيسة الأرثوذكسية إيمان وعقيدة) بول أفدوكيموف مونارخية الآب في تعليم الآباء الكبادوك يُفسِّر اللاهوتيّ الأرثوذكسيّ الروسيّ بول أفدوكيموف ”مونارخية الآب“ في تعليم الآباء الكبادوك قائلًا: ((بول أفدوكيموف، الروح القدس في التراث الأرثوذكسي، ترجمة: المطران إلياس نجم، مراجعة: المطران چورچ خضر، (لبنان: منشورات المكتبة البولسية، ١٩٨٩)، ص ٤٢، ٤٣. )) إن للأقانيم في الثالوث جوهرًا واحدًا، ولكُلٌّ منهم خصائص شخصية. هذه الخصائص هي الصفات الأقنومية التي تُميِّز الآب بوصفه غير مولود ومبدأ الألوهة وينبوعها وجذرها، والابن بوصفه مولودًا والروح بوصفه منبثقًا. وهذه الصفات من شأنها التمييز بين الأقانيم والتعبير عن الطرائق الوجودية في الأقانيم. فالآب، آبٌ منذ البدء، والابن مولودٌ بدون ابتداء، كائنٌ معه، مُساوٍ له كصورته الحية وصورة جوهره. وانبثاق الروح القدس لا يختلط أصلًا بهذا الإيلاد، ويظلّ مُكتنفًا بالأسرار. غير أن الآب يُصدِر الروح القدس كما يلد الابن. إن كلمتي الولادة والانبثاق تشيران إلى مصدر ومبدأ الولادة والانبثاق، وكلاهما صدور باطنيّ، لا يمكن فصلهما عن الآب الذي يعطي الجوهر الذي لا ينقسم كله، جوهر الألوهة. وهكذا، فالآب هو مبدأ الابن والروح، وهو جذر وينبوع، ولأجل هذا، فالألوهة معبودةٌ في وحدة الرئاسة contra sabellius. Hom. 24. PG. 31. 609 ، كما يقول ق. باسيليوس. ويُفسِّر ق. غريغوريوس النزينزيّ ذلك بقوله: إن وحدة الرئاسة تعني الكرامة المتساوية في الطبيعة، وتوافق الفكر، والذاتية حيال الآب إن وثوق الصلة التي بين الأقانيم تجعل الثلاثة في اتحادٍ لا ينفصم في وحدة الله الواحد Hom. 29. 2. PG. 36. 76 (بول أفدوكيموف، الروح القدس في التراث الأرثوذكسي) المطران إيريثيؤس فلاخوس المفهوم الأرثوذكسي لمونارخية الآب يشرح المطران الأرثوذكسيّ إيريثيؤس فلاخوس، مطران نافباكتوس وفلاسيوس في اليونان، وأستاذ اللاهوت في جامعات تسالونيكي وأثينا باليونان، ”مونارخية الآب“ في الثالوث، كالتالي: ((إيريثيؤس فلاخوس، الأعياد السيدية، ترجمة: الأب أنطوان ملكي، (لبنان: مكتبة البشارة، بانياس، 2017)، ص 315. )) بالرغم من أن الآب هو المصدر، والابن مولودٌ، والروح مُنبثقٌ، إلا أن الثلاثة لهم نفس الطبيعة والجوهر والإرادة والقوة. يشترك أقانيم الثالوث القدوس الثلاثة في نفس الطبيعة، ونفس الفكر، ونفس القوة، وأيٌّ منهم ليس أعظم من الآخرين. بكلماتٍ أخرى، ليس الابن ولا الروح القدس أدنى مرتبةً من الآب. وعندما نتحدَّث عن الأقانيم الأول والثاني والثالث في الثالوث القدوس، نحن لا نُقارِن بينهم بحسب القيمة والرفعة والقدرة، بل بحسب طريقة الكينونة . في النهاية، يعجز المنطق البشريّ والفهم البشريّ والكلمات عن صياغة سر الإله الثالوثيّ. (إيريثيؤس فلاخوس، الأعياد السيدية) جورج فلوروفسكي مونارخية الآب في تعليم ق. باسيليوس الكبير يشرح الأب چورچ فلوروفسكي، أستاذ اللاهوت الأرثوذكسيّ في جامعات هارفارد وبرنستون بأمريكا، والعميد السابق لمعهد سرجيوس بباريس وسانت فلاديمير بأمريكا، ”مونارخية الآب“ عند ق. باسيليوس الكبير قائلًا: ((Georges Florovsky, The Eastern Fathers of Fourth Century, Vol. 7,(Nordland publishing Co. , 1972), p. 58. )) تكشف أسماء الثالوث عن سر الوحدة الإلهية. وبحسب ق. باسيليوس، ’فإن الوحدة حاضرةٌ في فكرة جوهرهم. وعلى الرغم من وجود تمايُّز في عدد وخصائص كُلٌّ منهم، إلا أن الوحدة موجودة في فكرة الألوهة نفسها. وذلك لأن مبدأ واحد، ومصدر واحد، وعلة واحدة، للوجود الإلهيّ‘ متأصلة في الله. فالآب هو المبدأ والعلة للابن المولود والروح المنبثق. إنه النقطة المركزية للوجود الإلهي والحياة الإلهية. فالعلية أو السببية الموجودة في الحياة الإلهية هي أزلية، لأن كل شيء في الألوهة لا يتغيَّر ولا يتبدل. إن تضاد ’ما يُسبَّب‘ مع ’ما هو السبب‘، والتمييز بين الأول والثاني، لن يكون له معنى إلا في سياق عملية الاستدلال لدينا. إنهما يُحدِّدان الترتيب الذي يمكننا به فهم الألوهة. (Georges Florovsky, The Eastern Fathers of Fourth Century) مونارخية الآب في تعليم ق. غريغوريوس اللاهوتي يُوضِّح الأب چورچ فلوروفسكي ”مونارخية الآب“ في تعليم ق. غريغوريوس النزينزيّ اللاهوتيّ قائلًا: ((Georges Florovsky, The Eastern Fathers of Fourth Century, Vol. 7,(Nordland publishing Co. , 1972), p. p. 78, 79. )) على الرغم من أن الأقانيم أزلية وفائقة على الزمن، إلا أنها ليست مستقلة عن بعضها البعض. الابن والروح ليس لهما بداية من جهة الزمن، لكنهما ليسا بلا مصدر أوليّ مطلق. ولكن الآب لا يوجد قبلهما، لأنه لا هو ولا هما خاضعون للزمن. إن الابن والروح أزليان، لكن، على عكس الآب، لم يكونا بلا مصدر، لأنهما من الآب، ولكنهما ليسا بعده. وهذه العلية أو السببية الغامضة لا تتضمن تسلسلاً أو استحداثًا. لا شيء في الثالوث يأتي إلى الوجود، أو ينشأ أبدًا، لأن اللاهوت هو الكمال، بحرٌ لا نهاية له من الوجود. يُدرِك ق. غريغوريوس أن هذا التمييز لم يكن من السهل فهمه، وأنه يمكن أن يكون مُربِكًا للناس البسطاء. صحيح أن ما ليس له بداية هو أزليّ، لكن ما هو أزليّ، ليس بالضرورة بلا مصدر، إنْ كان هذا المصدر هو الآب. (Georges Florovsky, The Eastern Fathers of Fourth Century) أندرو لاوث وحدة الألوهة في أقنوم الآب يرى الأب أندرو لاوث، أستاذ اللاهوت الأرثوذكسيّ في جامعة أوكسفورد، في سياق تأكيده على ”مونارخية الآب“ في الثالوث، أن اللاهوت اليونانيَّ يُشِير إلى وحدة الألوهة في أقنوم الآب، خاصةً في القرنين الرابع والخامس كالتالي: (( Andrew Louth, Introducing Eastern Orthodox Theology, (USA: IVP Academics, 2013), p. 22. )) هناك، ولا يزال في اللاهوت اليونانيّ على وجه الخصوص، شعور بأن الله هو الآب؛ فهو تعبيرٌ شائعٌ في اللاهوت اليونانيّ في القرنين الرابع والخامس، وفي الواقع، يتحدَّث في وقتٍ لاحقٍ عن ho theo kai pater، أي ’الله والآب‘، وغالبًا ما يُترجَم بتكاسلٍ إلى ’الله الآب‘. لذلك هناك شعور قوي جدًا في العهد الجديد وفي اللاهوت اليونانيّ اللاحق بأن كلمة ’الله‘ ho theos تُشِير إلى الآب. يُوضِّح هذا الاستعمال أن توحيد العبرانيين هو أمرٌ يُؤكِّده الإيمان المسيحيّ ولا يُقوِّضه. وما حدث – بسرعةٍ كبيرةٍ، وفي غضون عقود من صلب المسيح – هو أن المسيح يُنظَر إليه على أنه في نفس مرتبة الله الآب، مع الروح القدس أيضًا. (Andrew Louth, Introducing Eastern Orthodox Theology) مونارخية الآب في تعليم مجمع نيقية 325 يشرح الأب واللاهوتيّ الأرثوذكسيّ أندرو لاوث مفهوم ”مونارخية الآب“ في الثالوث في قانون إيمان نيقية قائلًا: ((Andrew Louth, Introducing Eastern Orthodox Theology, (USA: IVP Academics, 2013), p. 27, 28. )) أول مصطلح تقنيّ تمَّ تقديمه هو تعبير ’هوموأوسيوس‘، أو مُساوٍ في الجوهر: لقد تمَّ التأكيد على الابن في قانون إيمان نيقية، والمجمع المسكونيّ الأول ٣٢٥م، أنه هوموأوسيوس، مُساوٍ للآب في الجوهر، أي أنه يستمد ذاته من الآب، وأنه مُساوٍ له، وليس بنوعٍ من التراتبية. وفي وقتٍ لاحقٍ من هذا القرن، أصبح من الواضح أن الروح القدس أيضًا مُساوٍ للآب في الجوهر. ويقتضي هذا التأكيد على أنه لا يوجد سوى كينونة واحدة أو جوهر إلهيّ واحد، أو أوسيا واحدة، وأن هذا يُعبِّر عن وحدة الألوهية. لكن الأوسيا أو الجوهر الإلهيّ لا يجب أن يُفهَم -كما هو بمصطلحات عامة أخرى- مثلما يعني أن تكون إلهيًا، فلا يحفظ هذا وحدانية الله، كما أن الطبيعة البشرية الواحدة لا تعني إنسان واحد فقط. بل بالأحرى، كان يُفهَم أن الأوسيا الإلهيّ هو كيان الآب -كينونة الإله الواحد الذي ندعوه بالآب- الذي امتد باستمراريةٍ غير مُنقطِعة إلى الابن، من خلال الولادة، وإلى الروح القدس، من خلال الانبثاق. (Andrew Louth, Introducing Eastern Orthodox Theology) جون رومانيدس مونارخية الآب حسب تعليم آباء الكنيسة يُؤكِّد الأب يوحنا رومانيدس على أن الآب هو مصدر وجود الكلمة والروح القدس في إطار شرحه لمونارخية الآب في الثالوث حسب تعاليم آباء الكنيسة قائلًا: ((يوحنا رومانيدس، اللاهوت الآبائي، ترجمة الخورية چولي عطية، مراجعة: الأب أنطوان ملكي، (القاهرة: دار رسالتنا للنشر والتوزيع، ٢٠٢١)، ص ١٩٥. )) الآب هو مصدر وجود الكلمة والروح القدس، أي هو يمنح الوجود للكلمة والروح القدس. إنه يمنح الوجود لأقانيمهم، ولكنه لا يمنح الوجود لجوهر الكلمة والروح القدس، أو لقوة جوهرهما الطبيعية. بمعنى آخر، إن جوهر الآب هو في شركة مع جوهر الكلمة وجوهر الروح القدس، والقوة الطبيعية لجوهر الله هي في شركة مع القوة الطبيعية لجوهرهما، ولكن يبقى الآب هو مصدر وجود أقنوم الكلمة وأقنوم الروح القدس. (يوحنا رومانيدس، اللاهوت الآبائي) جون ماكجوين مونارخية الآب في تعليم ق. غريغوريوس اللاهوتي يشرح الأب چون ماكجوين، أستاذ اللاهوت الأرثوذكسي في جامعة أوكسفورد، ”مونارخية الآب“ في الثالوث حسب تعليم ق. غريغوريوس النزينزيّ اللاهوتيّ كالتالي: (( John Anthony McGuckin, The Orthodox Church: An introduction to its history, doctrine & spiritual culture, (USA: Blackwell publishing, 2008), p. 170. )) إن اللاهوت الأرثوذكسيّ الخاص بالانبثاق الأحادي للروح القدس قد عبَّر عنه بوضوحٍ ق. غريغوريوس اللاهوتيّ، مُتبِعًا العبارة العقائدية روح الحق الذي من عند الآب ينبثق. ((إنجيل يوحنا ١٥: ٢٦ )). كما دافع عنه بقوة في القرن التاسع ق. فوتيوس الكبير. يرى ق. غريغوريوس أن الانبثاق هو خاصية الروح، كما أن البنوة هي الميزة الفريدة لأقنوم الابن. فالابن يصدر من الآب عن طريق الولادة، كما أن الروح يصدر من الآب عن طريق الانبثاق. ويأتي كُلٌّ من الابن والروح القدس من نفس الآب، ولهما طبيعة ذلك الآب كطبيعتهما الخاصة. بالتالي، هناك طبيعة واحدة للاهوت في الثالوث القدوس مع ثلاثة أقانيم يُعبَّر عنها بشكلٍ مُميَّزٍ: يُعبِّر الآب عن طبيعته الخاصة باعتباره العلة الفريدة غير المعلولة للألوهية Monas Aitios، ويُعبِّر الابن عن طبيعة الآب كأقنوم مولود، ويُعبِّر الروح عنها كأقنوم منبثق. وهكذا، فإن الانبثاق الأحاديّ الوحيد لكُلٌّ من الابن والروح من الآب وحده حافظ على المعنى المسيحيّ للألوهة الواحدة السامية. علاوة على ذلك، فإن مصطلحات ومفاهيم البنوة والانبثاق هي عناصر الوحي المقدَّسة، المذكورة في الكتاب المقدَّس، ولا ينبغي استبدالها أو إعادة التعبير عنها كأوصاف لحياة الله كثالوث. (John Anthony McGuckin, The Orthodox Church: An introduction to its history, doctrine & spiritual culture) فلاديمير لوسكي مونارخية الآب في تعليم الآباء اليونانيين يشرح اللاهوتيّ الأرثوذكسيّ الروسيّ فيلاديمير لوسكي ”مونارخية الآب“ في الثالوث بحسب تعليم الآباء اليونانيين قائلًا: ((فلاديمير لوسكي، بحث في اللاهوت الصوفي لكنيسة المشرق، ترجمة: نقولا أبو مراد، مراجعة: رهبنة دير ق. جاورجيوس - دير الحرف، (لبنان: منشورات النور، ٢٠٠٠)، ص ٤٩. )) أكَّد الآباء اليونانيون دائمًا على أن مبدأ الوحدة في الثالوث هو شخص الآب. ولأنه مبدأ الشخصين الآخرين، فالآب هو أيضًا حدّ العلائق، ومنه تأخذ الأقانيم خصائصها المميَّزة بإصداره الشخصين، يُحدِّد الآب علائق أصلهما -الولادة والانبثاق- بالنسبة إلى مبدأ اللاهوت الوحيد. لهذا السبب عارض الشرق صيغة الفيلويوكيه التي بدت وكأنها تُبطِل أولية الآب: فكان يجب إمَّا كسر الوحدة للقول بمبدأين للاهوت، أو تأسيس الوحدة على الطبيعة المشتركة التي تنتقل بهذا إلى الصدارة مُحوِّلةً الأشخاص إلى علائق في وحدة الجوهر. عند الغربيين العلائق تُنوِّع الوحدة الجوهرية، أما عند الشرقيين فهي تعني في وقت واحد تنوعًا ووحدًة، وذلك لأنها ترتبط بالآب الذي هو مبدأ الثالوث وخلاصته. بهذا المعنى يفهم ق. أثناسيوس جملة ق. ديونيسيوس الإسكندريّ: نبسط الوحدة في الثالوث دون أن نُقسِّمها، ثم نُلخِّص الثالوث في الوحدة دون أن نُنقِصه De sententia Dionysii, PG C. 25, col. 505A، ويقول في موضع آخر: ثمة مبدأ واحد للاهوت وتاليًا رئاسة واحدة μοναρχή على نحوٍ مُطلقٍ Contra Arianos or. IV, PG. t. 26, col. 468B. إله واحد إذ هناك آب واحد، حسب قول الآباء اليونانيين المأثور. تُوضَع الأشخاص والطبيعة، إذَا صح القول، في وقتٍ واحدٍ، من دون أن تسبق الواحدة الأخرى منطقيًا. يُصدِر الآب، ينبوع اللاهوت في الثالوث، الابن والروح القدس مانحًا إياهما طبيعته التي تبقى واحدة غير مُنقسِمة، ذاتها في الثلاثة. عند الآباء اليونانيين، الاعتراف بوحدة الطبيعة هو إقرار بالآب كمصدر وحيد للشخصين اللذين يتقبلان منه هذه الطبيعة عينها. (فلاديمير لوسكي، بحث في اللاهوت الصوفي لكنيسة المشرق)   --- ### هربرت چورچ ويلز - Published: ۲۰۲٤-۱۱-۲۰ - Modified: 2024-11-20 - URL: https://tabcm.net/30481/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أبو عثمان عمرو بحر محبوب فزارة الليثي الكناني البصري الجاحظ, أحمد لطفي السيد, إيڤان بتروڤيتش باڤلوڤ, الاشتراكية, الديمقراطية, الشيوعية, تشارلز روبرت داروين, توراة, جيولوجي, چورچ برنارد شو, چول جابرييل ڤيرن, ديڤيد هيوم, فيلسوف أرسطو, ڤيودور ميخائيلوڤتش دوستويڤسكي, ليڤ نيكولاياڤيتش تولستوي, نظرية التطور, هربرت چورچ ويلز يجب أن نؤلِّف هذه الموسوعة على مبدأ الورق السائب بحيث يستطيع المقتنون للموسوعة أن يستبدلوا بالأوراق التي قدمت وعقمت معارفها أوراقًا جديدة تحوي المعارف الجديدة، وتبقى الموسوعة بهذه الطريقة يطرد تجددها على مدى السنين الصحافة أدب جديد لم يكن يعرفه أسلافنا، غايته أن يرتبط الكاتب بمجتمعه ويكتب عن عصره ويدرس مشكلاته. ولهذا الأدب قواعده بل سُننه التي يجب أن يلتزمها الصحفي. وإذا كانت البلاغة لم تدرس إلى الآن هذا النوع من الأدب؛ فذلك لأنها تبني قواعدها على حال اجتماعية قد مضى عليها أكثر من ألف سنة، ومن هنا عقم هذه القواعد في عصرنا وخيبة نتائجها. قواعد البلاغة القديمة تعلمنا كيف نكتب في جِد الجاحظ، أو هزل الحريري، ولكن الصحفي الذي يكتب عن شئون البورصة، أو الفيتامين الجديد في الخميرة، أو مناقشات مجلس النواب، أو نقل البريد بالطائرات، أو القنبلة الذرية يجد قصورًا عظيمًا في لغتي الجاحظ والحريري وبلاغتيهما. وإذا كان الأديب يكبر بمقدار مسئولياته، فإن الصحفي هو أعظم الأدباء في عصرنا؛ لأن أعظم ما يؤثر في الجمهور ويغيره ويوجهه للخير أو للشر هو الجريدة؛ وذلك لقوة الإيحاء الذي ينشأ من تكرار ظهورها كل يوم أو كل أسبوع. ولذلك أول شرط لبلاغة الأدب الصحفي أن يكون من يمارسه أمينًا لقرائه مخلصًا لمثلياته ومبادئه، لا يخون ولا ينحرف؛ لأن في خيانته أو انحرافه إفسادًا للقراء وبعثًا للشر. ثم يجب أن يكون على دراسة مثابرة للمشكلات العامة؛ إذ هي موضوعه الذي يتجدد كل يوم. ومهمته هنا أن ينير ويرفع مستوى البحث من ظلام الجهل والعمية إلى نور المعرفة والثقافة، وأيضًا من العاطفة إلى التعقل. ويجب أن تكون له أهداف فلسفية يتجه بها ويوجه قراءه إليها. والفلسفة ألزم للصحفي مما هي لأي أديب آخر لقوة التوجيه التي يملكها أكثر مما يملكها أي أديب آخر. وقد يضحك قارئ الصحيفة الأسبوعية المبهرجة من كلماتي هذه، ولكني أذكِّره بأن أعظم من مارسوا الصحافة في مصر هو لطفي السيد، وهو فيلسوف يهتم بأرسطوطاليس كما يهتم بترقية الزراعة أو الصناعة. وكذلك الشأن على مدى أوسع في صحف أوروبا وأمريكا، وصحافة بلا فلسفة هي صحافة العوام يكتبون للعوام. لقد عرفت أديبين صحفيين من أعظم أدباء العصر هما برنارد شو وﻫ. ج. ويلز. كان كلاهما يكتب في الصحف، ويؤلِّف الكتب، ولكن مؤلفاتهما هي أدب صحفي ممتاز؛ ولأنه ممتاز قد جُمع وحُفظ في صيغة الكتاب. وما من كتاب ألَّفه هذا الاثنان إلا وهو يعالج مشكلة بشرية أو اجتماعية أو اقتصادية يجب أن تعالجها الصحيفة اليومية أو الأسبوعية. ومؤلفاتهما قد لا تقل عن مائة مجلد، وقد كان من حظي أن أرافقهما وأتعلم منهما نحو نصف قرن، فقد كتب برنارد شو عن فضائح الإنجليز في دنشواي، وعن الأثمان والأسهم في البورصة، وعن المجلس البلدي في لندن، وعن الحب والزواج، وعن الإلحاد والإيمان، وعن التأميم، وعن الحرب والسلم، وعن اللغة والهجاء، وكل هذه الموضوعات صحفية. وكذلك الشأن في ﻫ. ج. ويلز، فقد كان آخر ما كتبه قبيل وفاته بأيام مقالًا عن أخطار القنبلة الذرية، وقد دعا إلى الإيمان بالأديان بقوة وتكرار وإلحاح، ثم رأى أن يدعو دعوةً أخرى مضادة استغرقت سائر حياته. ولكنه كان مخلصًا حتى عندما نُعدُّه ضالًّا منحرفًا، وكان مخلصًا في الدعوتين؛ لأنه كان متطورًا. وحياة ويلز الأدبية منذ شرع يكتب حوالي عام ١٨٩٥ إلى وفاته في عام ١٩٤٥ هي تاريخ نصف قرن من التطور الذهني لكاتب عظيم إزاء التطورات والانقلابات العلمية والاقتصادية والسياسية، ومؤلفاته الأولى كلها تفاؤل واستبشار بالمستقبل؛ العلوم تسود المعارف وتغربلها، تزويد سلطة الإنسان على الأرض والماء والسماء، الأمراض تهزم وتنمحي، المحصولات الزراعية تزيد وتلغي الجوع، الروح التنظيمي يعم العالم بالاشتراكية والتعليم يزداد. أجل وسوف تؤلف لجنة عالمية تتصل بعصبة الأمم أو بالأمم المتحدة تؤلف موسوعة من نحو ثلاثين أو أربعين مجلدًا، ثم تترجم إلى جميع لغات العالم، وعندئذٍ تتداول جميع الشعوب هذه المعارف المثقفة بأرخص الأثمان، ويدخل ويلز في التفاصيل فيقول: يجب أن نؤلِّف هذه الموسوعة على مبدأ الورق السائب بحيث يستطيع المقتنون للموسوعة أن يستبدلوا بالأوراق التي قدمت وعقمت معارفها أوراقًا جديدة تحوي المعارف الجديدة، وتبقى الموسوعة بهذه الطريقة يطرد تجددها على مدى السنين. وهذا الاستبشار بالمستقبل يملؤه طربًا، فهو داعية حب وخير وإيمان، حتى ليكتب عن الكوارث التي وقعت بأيوب، وهو أيوب عصري، وليس نورانيًّا، بحيث يذهب المال والولد والنسل والضرع، يذهب كل شيء، ولكن يبقى الإيمان، الإيمان بالله ملك الملوك. ثم تأتي الحرب الكبرى الأولى فيخمد شيء من هذا اللهب، ولكن يبقى منه شيء كبير. إذا هو يؤلِّف لنا في عام ١٩١٩ تاريخًا للعالم كله يقول فيه إننا أمة واحدة، وإن هذه الدنيا قريتنا الكبرى التي يجب أن ننظمها ونخطط حركة المرور فيها، وإننا يجب أن نتهيأ لإيجاد حكومة واحدة مع إدارة عامة موحدة للتعليم في دول الدنيا. ولكن بعد عشر سنوات نرى هذا الاستبشار بالمستقبل يتقهقر، فهو غاضب حانق يائس، وهو يدعونا إلى مادية صرفة، مادية منظمة يتوافر فيها الطعام والمسكن والمعرفة، ويقول إن هذا هو الدين. وبعد أن كان يستخرج من التوراة شخصية معذبة ينقلها إلى عصرنا ويثقلها الهموم والمتاعب، وينتهي بها بعد كل ذلك إلى الإيمان والرضا والفرح، يعود بعد عام ١٩٣٠ فيجمع أشياء أخرى من التوراة يهاتر بها ويسب ويقدح. حتى إذا بلغ عام ١٩٤٥ يعمه اليأس العلمي الذي كان أساس الأمل من قبل، فيتحدث عن انقراض البشر بالقنبلة الذرية. ••• لقد عشت مع هذا الإنسان وأحببته، وإليه أعزو روح الجد في برنامجي الثقافي والآفاق الموسوعية في معارفي، والاتجاه الديني الذي أتجهه في الصحافة فضلًا عن التأليف، فإني أدرس جغرافية هذا العالم وتاريخه بالروح الديني، واهتمامي بما يجري في إسبانيا على أيدي الفاشيين، أو في الصين على أيدي الشيوعيين، يفوق اهتمامي بشئوني الشخصية، وأحداث العالم الكبرى يزيد وقعها في نفسي على الكوارث التي تقع بشخصي ومشكلة القنبلة الذرية هي أكبر من أن أقول إنها مشكلة لي. ولم أكره ويلز إلا في يوم واحد، وذكري لهذه الكراهة يدل على أنها حزَّت في نفسي حزًّا لم يبرأ إلى الآن؛ ذلك أنه قال في مقال صحفي إنه لو كان على سفينة ومعه برنارد شو وبافلوف العالم الروسي، ثم تعرضت السفينة للغرق واضطر إلى الاختيار بين إنقاذ شو أو إنقاذ بافلوف لأنقذ بافلوف دون شو. وآلمتني هذه الكلمة كما آلمت برنارد شو كثيرًا حتى إنه كررها في مضض. وعندي أنه لو كانت نفس برنارد شو من ذهب، فإن نفس ويلز من طين، حتى لو قيل لي إن الطين أنفع من الذهب. وأستطيع أن أقول لروح ويلز: أنت روح من طين؛ لأن ويلز لم يجنَّ هذا الجنون المقدس الذي رأيناه من شو في حادث دنشواي، أين كانت بشريتك التي تزعم أنها ديانتك السيامية حين شنق أبناؤنا وجلدوا أمام أمهاتهم وأبنائهم وزوجاتهم وآبائهم؟ لقد كنت أنخرس حين نطق، بل حين صرخ برنارد شو. وبافلوف عالم سيكولوجي، وشو أديب ولكنه في أدبه يعلو على العلم، ونزعة ويلز العلمية هي التي أسقطته هذه السقطة. نشأ ويلز في بدرون الحياة الاجتماعية؛ إذ كانت أمه خادمة في منزل لأحد الأثرياء، وأول ما يذكره من ذكريات الطفولة هو رؤية لأحذية الناس وهم يسيرون على طوار الشارع، وهو قاعد في أسفل الطبقة البدرونية يتطلع من النافذة إليهم فيرى أحذيتهم دون وجوههم، وله كتاب أو رسالة تدعى «تَعِسُ الأحذية». واستطاع أن يتعلم ويصل إلى كلية العلوم حيث تخصص في البيولوجي -أي «علم الحياة»- وألَّف كتابًا عن تشريح الأرنب. وكان الدكتور هيوم، الذي كان يدير مصلحة الجيولوجيا في حكومتنا، زميله في الكلية. وحوالي عام ١٨٩٠ حين شرع ويلز يكتب كانت الأصداء للمناقشات الفلسفية والعلمية لنظرية التطور تتردد في ذهنه، ومن هنا مؤلفاته الأولى التي تنزع إلى الخيال العلمي وتجري على نسق «جول فيرن»، وإن تكن على مستوًى أعلى، وهي تتدرج من التافه مثل قصة «طعام الآلهة» إلى الجليل مثل «حرب العوالم». ورويدًا رويدًا ينجذب العَالِم ويلز إلى الأدب والفلسفة والاقتصاد والسياسة بضغط الحوادث؛ إذ هو يعيش في مجتمع حي ويقرأ صحفًا مرآوية تنقل إليه صورة العالم المعذب بالإمبراطورية البريطانية والاستعمار الفرنسي، والتعطل الذي يشقي ملايين العمال، والجهل إلى يعم الفقراء والمرض الذي يُبليهم، فيشرع في الدراسة وينتهي إلى تأليف كتاب «عوالم جديدة للقدامى» يقول فيه إن العلاج الوحيد للعالم هو الاشتراكية، وليس شيء غير الاشتراكية. وهنا يتعين موقفه فهو اشتراكي ارتقائي يساري، وعندئذٍ يدعوه زعماء الجمعية الفابية كي يكون عضوًا فيها حتى تنتفع بمواهبه الأدبية في نشر الاشتراكية. ويدخل الجمعية ويلقي المحاضرات، ولكنه يصطدم ببرنارد شو، وينهزم فيخرج من الجمعية، فهذه هي الحزازة الأولى بين الأديبين، وقد تركت على لسانه مرارة جعلته ينطق بتلك الكلمات الحاقدة عن موت برنارد شو وحياة بافلوف. وكان الخلاف بشأن برنامج الجمعية، فإن ويلز أصر على أن يكون ضمن هذا البرنامج، وفي أساسه تحرير المرأة، والتحرير هنا يزيد عشرة أضعاف على ما يفهمه القارئ المصري عن معنى التحرير. وعارض برنارد شو هذا الاقتراح، لا لأنه يكره التحرير؛ بل لأنه كان يرى أن الجمعية يجب أن يقتصر نشاطها على نشر الاشتراكية، وحسبها هذا دون التطلع إلى أية دعوة أخرى. حدث هذا حوالي عام ١٩٠٦، ومن ذلك العام إلى يوم وفاته في عام ١٩٤٥ نجد في ويلز المجاهد المتوسع في جهاده، وجهاده هذا للعالم وليس لبريطانيا وحدها، فهو يدعو إلى إيجاد قانون أساسي عام ينص فيه على حق كل إنسان، فلكل إنسان الحق في العيش وفي العمل، كما أن له حق التفكير والعمل، وكذلك الحق في المعرفة؛ أي يجب أن يتعلم. وهو يدعو إلى ارتباطات ونظم عالمية لا تزال في نمو وارتقاء، حتى تتقلص الحكومات العديدة القائمة وتزول في حكومة عالمية واحدة، وهو يدعو إلى إيجاد قانون عام لصيانة الثروات العامة باعتبارها ملكًا مشاعًا للأمم، للبشر، أي يجب أن يحافظ على مناجم الفحم في إنجلترا أو عيون البترول في إيران، وغابات أفريقيا والهند ووحوش الغابات، باعتبار أن كل هذه الكنوز إنما هي ملك عام مشاع للبشر، وليس للأمة أن تستأثر بواحد منها. وهو يطلب التنظيم العلمي للإنتاج، ويذكرنا أن مدينة برمنجهام وحدها تستخدم من القوة في أيامنا لإنتاج مصنوعاتها مقدار ما كانت تستخدمه بريطانيا جميعها أيام الملكة إليصابات حوالي عام ١٦٠٠، وأن العلم هو الذي أدى إلى ذلك، وأننا حين نستخدم العلم في الزراعة والصناعة والبناء في أقطار العالم، فإن الجوع يزول كما أن الوقت يتوافر لجميع أبناء البشر كي يهنئوا بالسعادة، وكي يتعلموا طوال أعمارهم. والتعليم هو وسواس ويلز، وسواسه النبيل؛ فإنه يرى أن التنظيم العلمي لأحوال عالمنا جدير بأن يهيئ الفرصة لكل إنسان كي يحظى بتعليم جامعي. وبداية هذا التعليم هو إخراج الموسوعة التي أشرنا إليها. لست أشك في أن هناك من يحبون أن يسألوني حين أكتب عن أحد الأدباء عن قيمته الفنية، وإذن ما هي قيمة ويلز الفنية؟ وجوابي أن الفن؛ أي العناية بالتعبير الجميل، وتصوير الأهداف، والصور الجميلة ليست في ويلز أو شو أو تولستوي أو أي أديب آخر أحببته، وإنما أحببته لأنه انغمس في مهمة أكبر وأخطر وأجلَّ وأسمى من هذا الذي يسميه البادئون والذاهلون والمموهون فنًّا. أين يكون الفن في حبل المشنقة الذي يمسح بالصابون كي يأخذ بعنق المشنوق، ويضغطه كما يقول تولستوي؟ أين يكون الفن في البَغِيِّ تبيع عِرضها لكل قادم كي تجد القروش التي تأكل بها كما يقول برنارد شو؟ أين يكون الفن في ويلز وهو يكافح من أجل التنظيم العالمي، ويبحث الوسائل لإلغاء الحروب والجوع والجهل؟ الحق أن قصص ﻫ. ج. ويلز ودراما برناد شو هي جميعها لإبراز الأفكار، وليست لإبراز الأشخاص، وهي جميعها لعرض المشكلات وليست للفن، لقد عالج هؤلاء المؤلفون أقذارنا وقروحنا، ولطخوا أيديهم في المعالجة بالوحل والدم، كي نتعلم النظافة والصحة، فلم يجدوا مع الوحل والدم مجالًا للفن، فإذا ذكرت لي أن دوستويڤسكي قد عالج الوحل والدم وكان مع ذلك فنانًا، فإني أجيب بأنه لم يكن من البشر إنه كان قديسًا فوق البشر. وأخيرًا يجب أن نختم الكلام عن ويلز بأن نتعمق قلبه ونسأل عن إيمانه وديانته. والقارئ لمؤلفاته العديدة يستطيع أن يقول إن هذا الإيمان أو هذه الديانة هما العالمية أو البشرية، من حيث إن تنظيم العالم يؤدي في النهاية إلى خدمة البشر. وقد انتهى إلى النفور من الغيبيات، بل إلى القول بضرورة مكافحتها، وألَّف في ذلك رسائل وكتبًا. وعند ويلز أن الدين، وهو الدين البشري، ضرورة حتمية للنفس، وهو يعرفه بأنه تشوف الإنسان إلى ما هو أعلى منه وسعيه لمصلحة عالمية تعلو على مصلحته الشخصية، وهو يقول هنا إنه ليس هناك هناءة أو سعادة إلا حين نلغي ذواتنا ومصالحنا في سبيل ذات ومصلحة تعلوان علينا، وهذه الذات هي البشرية جميعها وهذه المصلحة هي العالم كله، والهدف الذي يهدف إليه هذا الإيمان هو بكلمات ويلز نفسها: الانتصار المتدرج على الجوع، والعطش، والمناخ، والمادة، والقوة الآلية، والألم الجسمي، أو العقلي، والفضاء، والمسافة، والوقت، وعلى الأشياء التي تبدو لنا كأنها قد فقدت في الماضي، وكذلك على الأشياء الممكنة في المستقبل. وسيبقى نوعنا، النوع البشري، في امتداد هذا الكون الأوسع كي نعيش فيه على وجدان أكبر. (هربرت چورچ ويلز) كلمات مادية صرفة، ولكنها تهدف إلى خدمة البشر فاختراع آلة «لتكييف الهواء» هو انتصار على المناخ فهو دين، ومخترع البنسيلين هو رجل دين أيضًا؛ لأنه تغلب بهذا العقار على ألم جسمي أو عقلي، فإذا سألنا ويلز: ما هي هذه البشرية التي تهدف في ديانتك إلى خدمتها، لأجاب بأنها البشرية المتدرجة في التفوق، وقبل سنين دعته جريدة الماتان الفرنسية إلى أن يدلي برأيه بشأن المشروع الذي كانت تعده الحكومة؛ كي تصدر قانونًا لمساعدة العائلات على زيادة التناسل، فكتب يقول بأن الآباء الذين يستحقون هذه المساعدة هم الأكفاء جسمًا وعقلًا، أما من كانوا غير أكفاء؛ أي مَن كانوا ناقصين في صحة الجسم أو صفاء العقل، فليس من المصلحة البشرية أن ندعوهم إلى زيادة التناسل، وهذا اتجاه تطوري دارويني. أجل إن نظرية التطور قد غمرت العالم المثقف بروح ديني جديد؛ لأن الإنسان يجب أن يُعلى عليه؛ إذ هو مَعْبر بين القرد والسوبرمان. ويلز فيلسوف الصحافة، هو ثمرة الاندفاع العلمي في القرن التاسع عشر، قد وجد في ديمقراطية القرن العشرين الجديدة ميدانًا لتعاليمه؛ لأن هذه الديمقراطية عممت التعليم بالمدارس، حتى أصبح العالم الإنجليزي يطبع في العام أكثر من عشرين ألف كتاب جديد، وهذه زيادة على مئات الجرائد اليومية والمجلات التي تعلم وتثقف هؤلاء المتعلمين الديمقراطيين وكان ويلز قوة توجيه لهم، وكانت النبرة العالمية في صوته هي: هذا العالم هو عالمنا، هو قريتنا، هو حديقتنا وعلينا أن نصلحه وننظمه. وإني أكتب هذه الكلمات في صبيحة أول يناير من عام ١٩٥١ اليوم الأول من النصف الثاني من القرن العشرين فأحس كلمات ويلز بل أحس قوة الصدق فيها؛ ذلك أننا قبل أربعين أو خمسين سنة كنا نقول إن حربًا قد تقع بين دولتين أو ثلاث دول لا شأن لنا بها، ولكن هذا القول لم يعد يصدق في أيامنا، فإن حربًا تقع بين روسيا وأمريكا هي حرب أهلية للعالم كله، هي قتال جنوني يشتبك فيه جميع سكان هذه القرية، هذا العالم، في تشنجات دموية تزلزل وتحطم... هذه هي عبارة ويلز وهذه هي رسالته. --- ### مرور جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يعود أسقف إلى ديره - Published: ۲۰۲٤-۱۱-۱۹ - Modified: 2025-01-23 - URL: https://tabcm.net/31482/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: الكنيسة القبطية, بابا تواضروس الثاني, حماة الإيمان, مفهوم الرهبنة لقد تابع الكثير من المسيحين المهتمين بالشأن الكنسي على مدار الأسابيع الماضية القضية التي شغلت مواقع التواصل الإجتماعي وأشعلت جروبات حماة الإيمان المسيحي وكانت مسار جدلي بين التجمعات على جميع المستويات ومختلف الأعمار بل أنها أخذت الحيز الأكبر والأعم بين حوارات العامة والخاصة، إنها قضية تقديم الأسقف العام في المقطم الأنبا أبانوب استقالته لبطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية البابا تواضروس الثاني. بعد أسابيع من الجدل انتهت القضية كما قرأنا بتقديم هذا الأسقف اعتذار رسمي لقداسة البابا بعد أن قد صرح الأخير بأن هذا الأسقف قد قدم استقالته بمحض إرادته وهي قيد الدراسة، لكن ما أسفرت علية الأمور أن يبقى الحال على ما هو عليه، وقراءتي لهذه الأحداث هي أن عودة أسقف  إلى ديره وانتزاع السلطة من يده هو بمثابة دخول جمل من ثقب إبرة. كلنا نعلم ما هي الرهبنة؟ هي موت حقيقي عن العالم، أم تعريف الرهبنة أخذ مفهوم آخر؟ أليست الرهبنة هي الانعزال والانفصال عن العالم أو عن الكل للالتصاق بالواحد، أم أن مفهوم الرهبنة أصبح هو الدخول للدير كطريق يؤدي إلى كرسي الأسقفية وما أدراك ما الأسقفية! أنها السلطة المطلقة بلا قيود ولا حساب. ورغم أن هذا الأسقف هو أسقف عام مساعد للبطريرك، أي لم يتم تجليسه على كرسي إيبارشية، ومع هذا رفض هو ومن خلفه من مجموعات حماة الإيمان تركه موقعه، فكل منهم له حجته فهذا الأسقف أو غيره وهنا انتقل من الخاص عن هذا الأسقف إلى العام في المجمل، فقد نسي السبب الرئيس الذي لأجله ترك العالم وذهب إلى الدير... بل كيف يرجع إلى الدير وينزل به المستوى المعيشي إلى أن يسكن في غرفة أو قلايه ويخدم نفسه مرة أخرى بعد أن ذاق رغد العيشة في العالم وهو خرج من العالم وهو علماني سواء كان يحمل مؤهل جامعي أم لا، كانت له وظيفة أم لا، كان له دخل مادي يستطيع أن يسد حاجته أم لا. هل لو كان استمر في العالم كانت ستكون له خدمه ومركز وكرامة بل تنحى له الهامات؟ هل كان سيصل إلى ما وصل إليه اليوم؟ هل كانت ستصبح تحت يده ويأتمرون بأمره خدام يخدمونه من أكل وشرب؟ هل كانت ستكون تحت يده وأمره سيارة فارهة وسائق خصوصي ينحني له عند دخوله وخروجه؟ هل لو ظل في العالم فكان بالكاد يمتلك شقة ويتنقل في وسائل المواصلات ويظل مجهول الهوية كواحد من الناس الغلابة فكيف يترك هذا وتلك ويرجع إلى الدير ويترك كل هذا، فنحن من ننادي بعودة هذا الأسقف أو غيره ممن يخطئون الطريق، فإننا نشبه الحمقى الذين ينادون فِي السُّوقِ: يشبهون أولادا جالسين في السوق ينادون بعضهم بعضا ويقولون: زمرنا لكم فلم ترقصوا. نحنا لكم فلم تبكوا. (إنجيل لوقا ٧: ٣٢) فنحن في نظر هؤلاء ضد الإيمان المسلم مرة للقديسين، بل ضد التسليم الرسولي بل نحن وصلنا إلى الهرطقة ولولا أنه لا يوجد في المسيحية مبدأ إقامة الحد وقطع اليدين كانت صدرت أوامر بهذا. عزيزي القارئ،  إن كنت أسقف  أو كاهن أو راهب أو علماني، احكم على نفسك وضع هذا الحكم بينك وإلهك الذي أنت تعبده، فمن الواضح أن كل منا صنع لنفسه إله رسمه في مخيلته وصار يتعبد له. فإن كنت أسقف، احكم على نفسك أن تخلع الزي ولو مؤقتا وترجع إلى ديرك حتي ولو لفترة وجيزة تختبر نفسك هل تكتسب هويتك من الزي والعمامة والسلطة والسيارة والسائق الخاص، والكرسي ... الخ،  أم  هويتك في المسيح وتستطيع أن تقول مع بُطْرُسُ: هَا نَحْنُ قَدْ تَرَكْنَا كُلَّ شَيْءٍ وَتَبِعْنَاكَ (إنجيل لوقا ١٨: ٢٨) هل تستطيع أو تقبل أن تجلس في الصفوف الخلفية وتجلس تسمع وتتعلم أم لا تستطيع إلا أن تكوم في المقدمة فقط؟ جرب نفسك. . جَرِّبُوا أَنْفُسَكُمْ، هَلْ أَنْتُمْ فِي الإِيمَانِ؟ امْتَحِنُوا أَنْفُسَكُمْ. أَمْ لَسْتُمْ تَعْرِفُونَ أَنْفُسَكُمْ، أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ فِيكُمْ، إِنْ لَمْ تَكُونُوا مَرْفُوضِينَ؟ (رسالة بولس الثانية إلى كورنثوس ١٣: ٥) اختبر نفسك. . اخْتَبِرْنِي يَا اَللهُ وَاعْرِفْ قَلْبِي. امْتَحِنِّي وَاعْرِفْ أَفْكَارِي. وَانْظُرْ إِنْ كَانَ فِيَّ طَرِيقٌ بَاطِلٌ، وَاهْدِنِي طَرِيقًا أَبَدِيًّا. (مزمور ١٣٩: ٢٣، ٢٤) --- ### إعادة ضبط البوصلة - Published: ۲۰۲٤-۱۱-۱۸ - Modified: 2024-11-20 - URL: https://tabcm.net/31728/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: الأب متى المسكين, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس عمود الدين, حياة الصلاة الأرثوذكسية, علامة إكليمندس السكندري, علامة ترتليانوس الإفريقي, قديس أثناسيوس الرسولي, قديس إيرونيموس چيروم, قديس بولس الرسول, قديس كيرلس الأورشليمي, قوانين الرسل, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية, يوسابيوس بامفيلوس القيصري من أخطر ما تسلل إلى البعض ربط الزواج والتناسل بالخطية، وأن الجنس كغريزة جاء عقابًا نتيجتها، بينما يخبرنا سفر التكوين في إصحاحه الأول: وَقَالَ اللهُ: «نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا، فَيَتَسَلَّطُونَ عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى الْبَهَائِمِ، وَعَلَى كُلِّ الأَرْضِ، وَعَلَى جَمِيعِ الدَّبَّابَاتِ الَّتِي تَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ». فَخَلَقَ اللهُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَرًا وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ. وَبَارَكَهُمُ اللهُ وَقَالَ لَهُمْ: «أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ، وَأَخْضِعُوهَا، وَتَسَلَّطُوا عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى كُلِّ حَيَوَانٍ يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ». وَرَأَى اللهُ كُلَّ مَا عَمِلَهُ فَإِذَا هُوَ حَسَنٌ جِدًّا. وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْمًا سَادِسًا. (سفر التكوين 1 : 26 ـ 28 و 31) وفي ذات السياق يحذرنا القديس بولس الرسول من هذا الفكر المختل: وَلكِنَّ الرُّوحَ يَقُولُ صَرِيحًا: إِنَّهُ فِي الأَزْمِنَةِ الأَخِيرَةِ يَرْتَدُّ قَوْمٌ عَنِ الإِيمَانِ، تَابِعِينَ أَرْوَاحًا مُضِلَّةً وَتَعَالِيمَ شَيَاطِينَ، فِي رِيَاءِ أَقْوَال كَاذِبَةٍ، مَوْسُومَةً ضَمَائِرُهُمْ، مَانِعِينَ عَنِ الزِّوَاجِ (رسالة بولس الأولى الى تيموثاوس 4 : 1 ـ 3). ويضع القديس بولس الزواج في سياق أشمل ضمن محددات حياتنا التي تقودنا للارتباط بالمسيح لِيَكُنِ الزِّوَاجُ مُكَرَّمًا عِنْدَ كُلِّ وَاحِدٍ، وَالْمَضْجَعُ غَيْرَ نَجِسٍ. وَأَمَّا الْعَاهِرُونَ وَالزُّنَاةُ فَسَيَدِينُهُمُ اللهُ. لِتَكُنْ سِيرَتُكُمْ خَالِيَةً مِنْ مَحَبَّةِ الْمَالِ. كُونُوا مُكْتَفِينَ بِمَا عِنْدَكُمْ، لأَنَّهُ قَالَ: «لاَ أُهْمِلُكَ وَلاَ أَتْرُكُكَ» حَتَّى إِنَّنَا نَقُولُ وَاثِقِينَ: «الرَّبُّ مُعِينٌ لِي فَلاَ أَخَافُ. مَاذَا يَصْنَعُ بِي إِنْسَانٌ؟» اُذْكُرُوا مُرْشِدِيكُمُ الَّذِينَ كَلَّمُوكُمْ بِكَلِمَةِ اللهِ. انْظُرُوا إِلَى نِهَايَةِ سِيرَتِهِمْ فَتَمَثَّلُوا بِإِيمَانِهِمْ. يَسُوعُ الْمَسِيحُ هُوَ هُوَ أَمْسًا وَالْيَوْمَ وَإِلَى الأَبَدِ. لاَ تُسَاقُوا بِتَعَالِيمَ مُتَنَوِّعَةٍ وَغَرِيبَةٍ، لأَنَّهُ حَسَنٌ أَنْ يُثَبَّتَ الْقَلْبُ بِالنِّعْمَةِ، لاَ بِأَطْعِمَةٍ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا الَّذِينَ تَعَاطَوْهَا (رسالة بولس إلى العبرانيين 13: 4-9) ولست بحاجة إلى التأكيد أنه لا علاقة لهذا التحذير وبين الرهبنة، التي تعد اختيار شخصي كطريق يرى صاحبه أنه ينتهي به إلى التعرف على والارتباط بشخص الرب يسوع المسيح، وتعميق الشركة مع الثالوث، وترك الكل لأجل الواحد، ويتضح مضمونها من نذورها التي تشكل حياة الراهب "العفة والبتولية، النسك، العزلة، الفقر الاختياري، الطاعة". الرهبنة حركة بدأت وتشكلت خارج الكنيسة  ـ المؤسسة ـ التي اعتمدتها كواحدة من المسارات إلى المسيح. وفي تعرضه للمفهوم الكنسي لمعنى النسك، يخبرنا كتاب "حياة الصلاة" باكورة كتابات الأب متى المسكين ـ الذي كتب مقدمة طبعته الأولى قداسة البابا شنودة الثالث ـ بأن: هذا الاصطلاح بدأ يأخذ صفته الكنسية ـ قبل تأسيس الرهبنة ـ في قوانين الرسل فى القانون 51: أيما أسقف أو قس أو شماس أو من كان من زمرة الكهنوت بالجملة أو أي فرد من الشعب، امتنع عن الزيجة واللحوم والخمر، لا لغرض النسك بل لكونه يشمئز منها على أنها دنسة مرذولة، ناسيًا ما قيل بأن كافة الأشياء هي حسنة جدًا... فإما أن يتقوَّم أو يُقطع ويُطرح من الكنيسة. (الأب متى المسكين، حياة الصلاة الأرثوذكسية) ويتوسع الكاتب في عرض المفهوم الكنسي لكلمة نسك، فيراه يشمل كل ممارسة صادقة لأي وصية إنجيلية... ويشير إلى أن الصبر على الآلام والتعذيب والسجن حفظًا للإيمان يعتبره يوسابيوس القيصري نسكًا، كما يعتبره القديس أثناسيوس الرسولي "أعظم نسك". ويواصل الكاتب: الذي يداوم على الصلاة والطلبة مثل حنة النبية تعتبره الكنيسة "ناسكًا" (القديس كيرلس الأورشليمي: عظة 1: 19) الذي يهب ممتلكاته للفقراء ويختار حياة الفقر لنفسه تعتبره الكنيسة "ناسكًا" (العلامة جيروم: تاريخ الكنيسة 76: 41) الذي يعيش منكرًا لذاته تعتبره الكنيسة "ناسكًا" (القديس كيرلس الكبير الإسكندري: شرح انجيل يوحنا 13 : 35) الذي يمارس الفضيلة الإنجيلية هو في الحقيقة ناسك لأنه يدرب ويضبط نفسه (القديس يوحنا ذهبي الفم: شرح أعمال الرسل 2: ب) الذي يتخصص في خدمة الفقراء حبًا في التقوى تعتبره الكنيسة "ناسكًا" (المؤرخ يوسابيوس: شهداء فلسطين: 11). الذي يتخصص في دراسة الكتاب المقدس واهبًا حياته لهذه الدراسة يعتبره العلامة ترتليان "ناسكاً".   (الأب متى المسكين، حياة الصلاة الأرثوذكسية) ويعلق الكاتب على هذه الاستشهادات بقوله: على الرغم من هذا المعنى المتسع لكلمة "ناسك"، فإنها يمكن بكل سهولة اقتصارها على كل مسيحي يجاهد ليحفظ وصية المسيح بإيمان وحب، أيًّا كان وأينما كان وكيفما كان! ! . (الأب متى المسكين، حياة الصلاة الأرثوذكسية) وفيما يتعلق بالحياة الرهبانية وارتباطها بالنسك فيقول الكاتب: أما الذين أرادوا أن يتوفروا على تطبيق الحياة النسكية، أي الحياة المسيحية، توفرًا دقيقًا كاملًا: فيصبح عليهم أن ينزحوا من الدنيا ويسكنوا القفار والجبال، فيعتبرهم "كليمنضس" أنهم هم الذين يشهدون بأنهم "مختارون أكثر من المختارين" حيث صارت لهم قوانين نسكية خاصة. (الأب متى المسكين، حياة الصلاة الأرثوذكسية) ويختتم الكاتب سطوره: أما القوانين النسكية بالنسبة للمسيحى العادى فهى وصايا الإنجيل. أما القوانين النسكية بالنسبة للرهبان والمتوحدين فهي ضمانات إضافية تكفل ـ لهم ـ تنفيذ وصايا الإنجيل الأساسية. (الأب متى المسكين، حياة الصلاة الأرثوذكسية) ويتضح من هذا أنه لا تحسب رهبنة، تلك الحياة المنفصلة عن وصايا الإنجيل. --- ### الإخوان وحكومة صدقي - Published: ۲۰۲٤-۱۱-۱٦ - Modified: 2025-01-18 - URL: https://tabcm.net/30391/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: إبراهيم عبد الهادي باشا المليجي, إسماعيل صدقي باشا, الإخوان المسلمين, الشيوعية, حسن أحمد عبد الرحمن محمد البنا, سليم فريد زكي باشا, صوت الأمة, عبد الرحمن الرافعي, علي ماهر باشا, محمد حافظ رمضان باشا, محمد حامد أبو النصر, محمد حسن العشماوي, محمد حسين هيكل, محمود السيد خليل الصباغ, محمود فهمي النقراشي باشا, مصطفى النحاس, مصطفى مؤمن, مكرم عبيد, ملك فؤاد, ملك فاروق جاء صدقي رئيسًا للوزارة للمرة الأولي في عهد الملك فؤاد في 20 يونيو 1930، وتولى منصب وزير الداخلية بالإضافة لرئاسة الحكومة، وفي بعض الإضرابات الطلابية، أمر صدقي البوليس فاقتحم المدارس وضرب الطلاب بالرصاص في الفصول في سابقة لم تحدث من قبل، وأستمر صدقي في معاداته للشعب، فقام بتغيير الدستور المصري في 22 أكتوبر سنة 1930 بعد أن أُلغى دستور 1923 في تحدى حقيقي لإرادة الشعب، حتى أن الملك فؤاد لم يكن يتصور أن ينضم الأمراء والنبلاء لمقاومة دستور صدقي باشا، وزاد الأمر سوءًا بعد أن وقع هؤلاء الأمراء على قرارات المؤتمر الوطني الذي دعا إليه حزب الوفد والأحرار الدستوريين، ورفعوا هذه القرارات للملك الذي فوجئ بتوقيع الأمراء عليها، فقام الملك بدوره بحذف أسمائهم من كشوف الأمراء والنبلاء، وكما لم يسلم الأمراء من بطش الملك فؤاد، لم تسلم النساء كذلك من البطش بهن، ووصل الأمر إلى حد اعتقال عدد منهن في سابقة هي الأولى من نوعها في ذلك الوقت. وبعد اعتقال النساء، خرج الطلبة في ثورة ضد الحكومة ورئيسها المستبد ووزرائها الجهلاء، ولأول مرة تم إنشاء جماعة حقوق الإنسان لمعارضة الحكومة، وامتدت المعارضة لسياسات صدقي الاستبدادية إلى خارج البلاد ووصلت إلى سويسرا وفرنسا، وهو الأمر الذي أدهش صدقي باشا كثيرًا، حتى القضاء والقضاة نالوا نصيبهم من اضطهاد صدقي باشا، وتم التنكيل بهم، واتخذ هذا التنكيل عشرات الأشكال حيث تم إصدار قرارات لانتدابات مصحوبة بتهديدات في بعض الأوقات والإغراءات في أوقات أخرى، كما تم نقل بعض القضاة، وتخفيض معاشات، والتدخل في أحكام القضايا، كما تم إحالة العديد من القضاة إلى المعاش لإصدارهم أحكامًا في قضايا سياسية اعتبرتها الحكومة مخالفة لسياستها، واستمر الحال كذلك حتى تم إلغاء دستور 1930 عام 1935 وعاد العمل بدستور 1923. جاءت وزرارة إسماعيل صدقي الثانية خلفًا للنقراشي في 16 فبراير 1946، متزامنة مع القلاقل والاضطرابات والموقف المعادي الذي اتخذه طلبة الجامعة من فاروق، فلم يجد فاروق مفر من اللجوء للإخوان مرة أخرة لإنقاذ الموقف، وبات واضحًا للجميع أنهم عائدون إلى أحضان القصر من جديد، وبدا ذلك مؤكدًا عندما وقع اختيار الملك فاروق على إسماعيل صدقي لتولى رئاسة الحكومة، فبعث فاروق برسول إلى حسن البنا ليستشيره في أمر مجيء رئيس الوزراء الجديد، ولم يخب ظن فاروق، فقد سر المرشد العام أن ملك مصر أصبح يستشيره في أمور السياسة العليا، ووافق موافقة تامة على الاختيار، وفي اليوم التالي لتأليف الوزارة ذهب إسماعيل صدقي في زيارة إلى المركز العام للإخوان ورد له حسن البنا الزيارة، ووقف زعيم الإخوان في الجامعة مصطفى مؤمن يوجه الشكر للملك على استقالة النقراشي ويشيد برئيس الوزراء الجديد. حاولت قوى المعارضة الوطنية بمختلف فصائلها أن توحد صفوف الجامعة باتجاه وطني، وكانت البداية دعوة لمؤتمر بكلية الطب في 7 أكتوبر 1945، وفي محاولة لإفشال هذا المؤتمر سارع الإخوان المسلمين بعقد مؤتمر خاص بهم قالوا أنه قد حضره 6000 طالب ووجهوا باسم هذا المؤتمر رسالة إلى رئيس الوزراء قالوا أنها تعبر عن أرض مصر الخضراء، ثم حضروا إلى اللجنة التحضيرية لمؤتمر 7 أكتوبر مطالبين الجميع بالموافقة على مقررات مؤتمرهم، فلما رفض الحاضرون، وجد الإخوان في ذلك حجة كافية للانسحاب، وأستمر الحلف الوطني يبلور نفسه في الجامعة في إطار اللجنة التحضيرية للجنة الوطنية للطلاب، والتي مثلت الطلاب من الوفديين والشيوعيين وغيرهم، بينما بقي الإخوان المسلمون خارج إطارها يحاولون العمل في خط مناوئ كعادتهم. وشهدت الجامعة تحركين؛ تحرك القوى الوطنية في اللجنة الوطنية للطلاب، وتحرك الإخوان المسلمين في اتجاه مضاد، وخلال الإعداد المكثف ليوم الإضراب العام في 21 فبراير 1946، أوفدت اللجنة الوطنية للطلبة والعمال التي تعبر عن تحالف القوى الطلابية والعمالية الوطنية مندوبين لمقابلة البنا لدعوته للاشتراك في هذا اليوم والإعداد له، لكن البنا راوغهم في البداية، ثم رفض في حسم بحجة أن الإخوان غير جاهزين"، مع أن الإخوان كانوا جاهزين تمامًا قبلها بعشرة أيام وتحديدًا في 11 فبراير، عندما سيروا مظاهرة ضخمة، قادها زعيم طلبة الإخوان في الجامعة "مصطفى مؤمن" لتتجه في حراسة البوليس نحو قصر عابدين وتردد شعارات موالية للملك. أيضًا كان الإخوان جاهزين تمامًا بعدها للاحتفال بعيد جلوس الملك في مايو 1946 باحتفالات مبالغ فيها إلى حد كبير، ففي هذا العام الذي سجلت فيه الجماهير الشعبية بدمائها وشهدائها رفضها للاحتلال ولعملائه في القصر الملكي ومجلس الوزراء، أقام الإخوان مهرجانات كثيفة في مختلف أنحاء القطر المصري احتفالًا بجلوس الملك، وشارك البنا وأعضاء مكتب الإرشاد العام في هذه الاحتفالات المتحدية لمشاعر المصريين جميعًا، ونشرت جريدة الإخوان خبرًا يقول؛ جاءنا من المحلة الكبرى أن استعراضًا جميلًا مؤلفًا من خمسمائة وألف من جوالة الإخوان المسلمين هناك، أقيم بعد ظهر الأمس ابتهاجًا بهذه المناسبة السعيدة، وفوق ذلك حاول البنا صرف الأنظار بعيدًا عن القضايا الوطنية، معلنًا أن القضية الأساسية هي استعادة الخلافة الضائعة، ولعله بذلك كان يغرى الملك إذ يقدم له وعدًا بعمامة الخلافة. بدأ إسماعيل صدقي يخطب ود الإخوان، وقام إبراهيم رشيد باشا بالوساطة بين صدقي والمرشد العام، وطلب علانية الصفح عن ماضي صدقي الملقب بـجلاد الشعب مقابل الكثير من العطايا التي سال لعاب البنا لها، وفي إبريل ‏1946 كتب حسن البنا في مجلة الإخوان المسلمين،‏ كلمة عنوانها؛ الرجال السبعة،‏ يطالب فيها رموز الحياة السياسية المصرية بمساندة حكومة صدقي في مفاوضاتها، وكان يقصد بهؤلاء السبعة مصطفي النحاس،‏ علي ماهر،‏ محمود النقراشي، ‏ الدكتور محمد حسين هيكل،‏ مكرم عبيد،‏ حافظ رمضان، وعبد الرحمن الرافعي. وفي المقابل، أجزل جلاد الشعب المنح للجماعة، فألغي تدابير الحكومة السابقة بمنع اجتماعات الإخوان المسلمين، وأعطاهم ترخيص لإصدار صحيفة رسمية يومية في مايو 1946، وامتيازات في شراء ورق الطباعة بالأسعار الرسمية التي تقل عن أسعار السوق بنسبة تتراوح بين ‏%20‏ إلى ‏30%، وتسهيلات خاصة بالجوالة تتمثل في تخفيض سعر زيها الرسمي، وحرية الحركة واستخدام معسكرات الحكومة، ومنح الإخوان قطع من الأرض لإقامة المباني والمشاريع الخاصة بهم،‏ كما قدمت لهم إعانات مالية من وزارتي المعارف والشئون الاجتماعية، كما ضمت الحكومة محمد حسن العشماوي كوزير للمعارف وهو معروف بميوله الدينية، حتى أن صدقي عرض على البنا تعيينه وزيرًا للأوقاف لكن البنا رفض خشية أن ينتهي به الحال مجرد وزير سابق لا قائد للإخوان. وكذلك تمتعت الجماعة ببعض المساعدات غير المباشرة من وزارتي التعليم والشئون الاجتماعية، وكلف حسن رفعت باشا وكيل وزارة الداخلية من جانب صدقي باشا بتنفيذ هذه السياسة، حتى أن المفوضية الأمريكية فقد كتبت إلى واشنطن تقول؛ يتزايد تنظيم الإخوان كل يوم كقوة سياسية، وبالذات منذ تولى صدقي باشا السلطة، وقد رفع رئيس الوزراء الحظر الذي فرضه النقراشي باشا على اجتماعات الإخوان وهو يجامل الإخوان، ربما بدعم مالي بأمل فصل ارتباطهم بحزب الوفد. وكان ذلك حقيقي تمامًا، فما من مظاهرة خرجت وعارضت وزارة إسماعيل صدقي إلا وتصدى شباب الإخوان المسلمين لها بالسكاكين والعصي، حتى أتي يومًا دخل فيه طلاب الإخوان المسلمين إلى قاعة الاحتفالات الكبرى بجامعة الملك فؤاد بعد أن كسروا الأبواب وعقدوا مؤتمرًا كبيرًا لتأييد إسماعيل صدقي، افتتحه وخطب فيه زعيم الإخوان بالجامعة وطالب الهندسة؛ مصطفى مؤمن، مثنيًا على وعود إسماعيل صدقي في المفاوضة، مستشهدًا بالآية القرآنية؛ واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولًا نبيًا اتهمت صحف الوفد الجماعة بامتصاص الحركة الوطنية، وأنهم تقاضوا الثمن من إسماعيل صدقي مقابل إجهاض الحركة الوطنية ضد جلاد الشعب، ولعب رئيس الديوان الملكي الجديد القيادي السعدي إبراهيم عبد الهادي دورًا بارزًا في تدعيم الروابط والعلاقات بين الملك ومرشد الإخوان‏ مرة أخرى،‏ من منطلق العداء المشترك للوفد من ناحية،‏ وللحد من تغلغل انتشار الشيوعية من ناحية أخري، والجدير بالذكر أن وزارة إسماعيل صدقي مثلت قمة الارتباط بين فاروق والإخوان، وأصبح صدقي مع حكومته مرتكزان على الإخوان المسلمين الذين زادت قوتهم إلى درجة كبيرة، حتى إن حسن البنا في فبراير‏1947 دعي إلى إحدى ولائم قصر عابدين، لكنه اعتذر لان الحضور لابد أن يكون بـ "الردنجوت" وهو لا يملك المال الذي يشتريه به حسبما قال. وينقل عن القائم بالأعمال البريطاني في نهاية سبتمبر 1948، أن القصر في بعض الظروف يقدم على تأييد الإخوان لأنهم التنظيم الديماجوجي الوحيد ذو القوة الكافية التي تمكن فاروق من الحصول على التأييد الشعبي وإحكام الموازنة في حالة عودة الوفد للحكم، وبالطبع توترت العلاقة بين الوفد والإخوان‏ وتبادلا الهجوم الحاد،‏ ووصل الصراع إلي ذروته في يوليو ‏ 1946 وقت زيارة للمرشد لمدينة بورسعيد المعروفة بولائها التقليدي للوفد، حيث تجمع أعضاء الجماعة ليقيموا زفة بلدي ترحيبًا بالمرشد، واستقبلوه في المحطة استقبال الملوك، فحدثت مناوشات بين الوفديين والإخوان انقلبت في الحال إلي العنف، وألقي أنصار الإخوان ثلاث قنابل حطمت واجهات الكثير من المحلات، ثم أخذوا يطلقون الرصاص من مسدسات يحملونها واستلوا خناجرهم وأعملوها في أجسام الناس كأنهم أعلنوا الحرب، مما أسفر عن مقتل أحد الوفديين وإصابة العشرات وحوصر المرشد العام حسن البنا،‏ حتي أفلت بصعوبة من أيدى الجماهير الغاضبة وسط تغاضى الجميع ملكًا ورئيس حكومة عن تصرفاتهم، وانتقامًا مما حدث؛ تجمع الوفديين في ثورة غضب مضاد، وحاولوا إحراق دار الإخوان المسلمون في منفلوط، والنادي الرياضي، واطلقوا النار ليلًا على محمد حامد أبو النصر المرشد الرابع للجماعة فيما بعد، وألقى الشباب الوفدي الغاضب الحجارة على مؤتمر الإخوان المقام في مسجد أبو النصر في منفلوط. بدعم إخواني، بدأ صدقي مفاوضاته الفاشلة لاستقلال مصر مع الإنجليز، تلك المفاوضات التي قوبلت برفض شديد من الشارع المصري، ورفض الشعب مشروع اتفاق صدقي - بيڤن برمته، ونشطت المظاهرات أكثر وأكثر ضد صدقي بسبب تلك المفاوضات، وقوبلت التظاهرات بالقمع والاعتقال وتعقب الطلبة ونشطاء الحركة الوطنية، في نفس الوقت الذي طالبت فيه الجماعة أعضائها بالوقوف خلف صدقي لنجاح المفاوضات، وتوهم صدقي أن للإخوان قاعدة شعبية ذات وزن، لدرجة أنه استدعى المرشد بعد عودته من لندن بساعتين وأطلعه على مشروع اتفاقية صدقي - بيڤن، وحصل على موافقته على المشروع قبل أن يطلع عليه النقراشي وهيكل المشاركين في المفاوضات، وعندما تصاعدت المظاهرات الشعبية ضد هذه الاتفاقية، طلب صدقي باشا من المرشد أن يركب سيارة سليم زكي باشا، مساعد الحكمدار، المكشوفة ليعمل على تهدئة الجماهير، واستجاب المرشد لطلب صدقي باشا فعلًا. مرت الأيام، وبدأ البنا يتدارك الأمر ويضعف أمام رفض الشارع لصدقي ومشروع اتفاقيته، وبدأت شعبية الإخوان في الشارع وقدرتهم على استمالة الجماهير تضمحل، وبما أنهم قد استفادوا من صدقي وما عادوا في حاجة إليه الآن خصوصًا أنه في طريقه لفقدان منصبه كرئيس للحكومة، بدأ الإخوان في مهاجمته وانقلبوا عليه، وأعلنت الجماعة رفضها التام للمفاوضات واعتبرتها وسيلة الضعفاء! ودعت الجماعة إلى عرض القضية على مجلس الأمن! ! ولما عاد صدقي من لندن بعد توقيع المعاهدة بالأحرف الأولى، هاجمه الإخوان هجومًا شديدًا ونسوا أنه؛ صادق الوعد! واشتدت المظاهرات العنيفة من قبل الأخوان ضده يوم 2 ديسمبر، وأحرقوا الكثير من محلات الأجانب وألقوا القنابل في وقت واحد على عدد من أقسام الشرطة بالقاهرة، وألقيت قنبلة يوم 3 ديسمبر على منزل الدكتور محمد حسين هيكل باشا رئيس حزب الأحرار الدستوريين ورئيس الشيوخ الذي عرف بعدائه للجماعة ومعارضته لهم، ورصدت الحكومة مكافأة 3000 جنيه لمن يرشد عن المتهم وهو مبلغ كان يعد ثروة في هذا الوقت. تفجير القنابل تم في جميع أقسام البوليس في القاهرة يوم 3/12/ 1946 م بعد العاشرة مساء، وقد روعي أن تكون هذه القنابل الصوتية، بقصد التظاهر المسلح فقط، دون أن يترتب على انفجارها خسائر في الأرواح، وقد بلغت دقة العملية أنها تمت بعد العاشرة مساء في جميع أقسام البوليس، ومنها أقسام بوليس الموسكي والجمالية والأزبكية ومصر القديمة ونقطة بوليس السلخانة، ولم يُضبط الفاعل في أي من هذه الحوادث، فاشتد رعب الحكومة من غضبة الشعب وفكرت كثيرًا قبل إبرام ما عزمت عليه، ثم توالى إلقاء القنابل على أقسام بوليس عابدين والخليفة ومركز إمبابة وعلى المعسكرات البريطانية، وعمد النظام الخاص إلى إرهاب الحزبين الذين منحا صدقي باشا الأغلبية البرلمانية للسير قدمًا في تضييع حقوق مصر دون أن تقع خسائر في الأرواح، وذلك بإلقاء قنابل حارقة على سيارات كل من؛ هيكل باشا رئيس حزب الأحرار الدستوريين، والنقراشي باشا رئيس حزب السعديين في وقت واحد، وقد نفذ عملية هيكل باشا الإخوان: أحمد البساطي ومحمد مالك، أما عملية قنبلة النقراشي باشا فلم تنفذ لعدم العثور على سيارته في ذلك اليوم، ولقد زادت هذه العملية من رعب الحكومة وأعوانها خاصة أن كل فئات الشعب كانت ثائرة ضد ما اعتزمت الحكومة أن تقدم عليه، فأضرب المحامون واشتدت المظاهرات، حتى اضطر صدقي باشا إلى النزول على إرادة الأمة، وتقديم استقالته في 9 ديسمبر سنة 1946 ولم يكن أمام القصر بد من قبولها. هاجمت جريدة صوت الأمة الجماعة قائلة أن "الإخوان أسوأ مثال للأدب والأخلاق، وقد بليت البلاد بهذه الشرذمة الفاسدة التي تتكون من مجموعة ميكروبات يجب استئصالها حرصًا على المجتمع وعلى سلامة الدعوة الدينية الإسلامية. (محمود السيد خليل الصباغ، عضو التنظيم الخاص، في كتابه؛ حقيقة التنظيم الخاص)   الإخوان المسلمين والحركة العمالية الحقيقة إن موجة العداء التي تصاعدت ضد الإخوان وسط صفوف العمال لم تكن فقط بسبب الممارسات السياسية المعادية للمشاعر الوطنية، والتي وقفت بالإخوان في صف رئيس الوزراء الطاغية إسماعيل صدقي، وضد حركة الجماهير الشعبية المعادية للاستعمار بقيادة اللجنة الوطنية للعمال والطلبة، وإنما كانت بسبب ممارسات محددة ضد مصالح العمال المباشرة، وأشهر الوقائع كان إضراب شبرا الخيمة الشهير. ففي سبتمبر 1945 قاد العمال إضرابًا شاملًا وناجحًا في منطقة شبرا الخيمة، حيث توقفت كل مصانع تلك المنطقة عن العمل، وتشكلت قيادة سرية للإضراب عجز البوليس عن الوصول إليها، وفي البداية، أيدت جماعة الإخوان الإضراب، لكنها ما لبثت أن انسحبت منه وبدأت حملتها ضده، بل أرسلت وفودًا من دعاتها إلى المنطقة لإقناع العمال بالعدول عن الإضراب بحجة أن الدين يحرم الإضراب، لأن فيه خسارة لأصحاب المصانع من المسلمين، وانتهي الإضراب بالفعل فترة مؤقتة، وما لبث أن عاد عمال شبرا الخيمة إلى الإضراب من جديد في إضراب أكثر شمولًا وأكثر تنظيمًا استمر طوال شهري مايو ويوليو 1946. وقف الإخوان ضد الإضراب، واتهم قادة الإضراب أعضاء جماعة الإخوان بأنهم؛ سلموا البوليس قوائم بأسماء وعناوين القادة السريين للإضراب، ونتيجة لهذه المعلومات ألقي القبض على أكثر من مائة من القادة العماليين، لكن الإضراب استمر بالرغْم ذلك، وصمم أصحاب المصانع على عدم السماح للعمال بالعودة للعمل إلا إذا تعهدوا كتابة بعدم العودة للإضراب، وأيدت جريدة الإخوان ذلك، ودعت العمال إلى؛ إنهاء الإضراب، والتوقيع على التعهد الذي طلبه منهم أصحاب المصانع ومكتب العمل بعدم اللجوء إلى سلاح الإضراب في المستقبل، وقالت الجريدة أنها: تؤمل بعد عودة العمال للعمل وتوقيعهم على التعهد المطلوب أن تعمل الحكومة على حل مشاكل العمال كما أن جريدة الجماعة تواطأت مع السلطات في محاولة تخريب الإضراب، فنشرت خبرًا غير صحيح يستهدف تصفية الإضراب قالت فيه؛ وفدًا من عمال شبرا الخيمة أعلن اعتزام العمال إنهاء الإضراب، وردت عليها إحدى صحف حزب الوفد ببيان لقيادة الإضراب نفت فيه هذه الواقعة، وأكدت أن الإخوان يتجسسون في صفوف العمال لحساب البوليس، في نفس الوقت الذي واصلت فيه صحيفة الجماعة الدفاع عن موقف معلن وصريح يستهدف تصفية الإضراب، وأكدت أن منظمي الإضراب مُهيِجون محترفون وكمكافأة للإخوان عقب إسهامهم في إفشال الإضراب الكبير عام 1946، بدأ أصحاب المصانع في تعيين العديد من الإخوان كرؤساء للعمال ليضمنوا خصومته لأي توجه يساري وسط العمال، وقد مكّن ذلك الجماعة من استقطاب عدد محدود من العمال، وإن كان قد أكسبها كراهية ونفورًا وسط الجموع العمالية، ولعل أحد الأدلة الهامة على ضعف النشاط العمالي للجماعة أن المذكرة التفسيرية للأمر العسكري الصادر بحل الجماعة في عام 1948 تتحدث عن نشاط الجماعة تفصيلًا من خلال ثلاثة عشر بندًا تتضمنها المذكرة، فتشير إلى نشاطها وسط الطلبة والموظفين والفلاحين بدون إشارة واحدة للنشاط وسط العمال، ويفسر البعض ذلك بأن نشاط الجماعة وسط العمال كان دومًا في خدمة أجهزة الأمن وبالتنسيق معها. --- ### مونارخية الآب في الدراسات الأكاديمية [١] - Published: ۲۰۲٤-۱۱-۱۵ - Modified: 2024-11-17 - URL: https://tabcm.net/31646/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: Sola Fide, آريوسية, أفنوميوس, أمجد رفعت رشدي, أنبا إسطفانوس، أسقف ببا والفشن, أوريجينوس ليونايدس أدامانتيوس, الثالوث القدوس, الشرق الأوسط, الكنيسة الجامعة, المتفرقات, المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية, المكتبة البولسية, بابا ثاؤفيلوس, بابا ديونيسيوس السكندري, بابا كيرلس عمود الدين, باسيليوس الكبير، أسقف قيصرية الكبادوك, براكسياس, ثيؤفيلوس الأنطاكي, جرجس الأنطوني, چورچ عوض إبراهيم, چورچ نصور, حنا الفاخوري, رسالتنا للنشر والتوزيع, سعيد حكيم يعقوب, ضد أفنوميوس, ضد براكسياس, عادل ذكري, علامة إكليمندس السكندري, علامة ترتليانوس الإفريقي, غريغوريوس النزينزي، الناطق بالإلهيات, غريغوريوس النيسي, قديس أثناسيوس الرسولي, قديس أمبروسيوس، أسقف ميلان, قديس إيرينيئوس، أسقف ليون, قديس بوليكاربوس، أسقف سميرنا, قديس هيلاري، أسقف بواتييه, مدرسة الإسكندرية, مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية, مكاري البهنساوي, مكتبة المحبة, منشورات النور, موريس تاوضروس, نصحي عبد الشهيد بطرس, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية مفهوم ”مونارخية الآب“ كما شرحه آباء الكنيسة الجامعة شرقًا وغربًا هو أن أقنوم الآب هو الرأس، أو الأصل، أو العلة، أو الينبوع، أو المصدر الوحيد لأقنومي الابن والروح القدس في الثالوث القدوس. وهكذا يُؤكِّد آباء الكنيسة على ولادة الابن من الآب كرأس ومصدر قبل كل الدهور أزليًا وبلا بداية زمنية، كما يُؤكِّدون على انبثاق الروح القدس من الآب فقط كأصل ومصدر قبل كل الدهور أزليًا وبلا بداية زمنية معنى مصطلح ”مونارخية“: مصطلح ”مونارخية“ هو مصطلح يونانيّ يتكوَّن من مقطعين هما: مونو μονο وهي كلمة يونانية معناها واحد وحيد، و άρχή وهي كلمة يونانية معناها رأس، أو أصل، أو بداية، أو مصدر. مفهوم ”مونارخية الآب“ مفهوم ”مونارخية الآب“ كما شرحه آباء الكنيسة الجامعة شرقًا وغربًا هو أن أقنوم الآب هو الرأس، أو الأصل، أو العلة، أو الينبوع، أو المصدر الوحيد لأقنومي الابن والروح القدس في الثالوث القدوس. وهكذا يُؤكِّد آباء الكنيسة على ولادة الابن من الآب كرأس ومصدر قبل كل الدهور أزليًا وبلا بداية زمنية، كما يُؤكِّدون على انبثاق الروح القدس من الآب فقط كأصل ومصدر قبل كل الدهور أزليًا وبلا بداية زمنية. لمحة سريعة عن مونارخية الآب في تعليم آباء الكنيسة الجامعة سوف نستعرض بإيجازٍ شديد عقيدة ”مونارخية الآب“ في كتابات آباء الكنيسة الجامعة شرقًا وغربًا، لنُؤكِّد على أن هذه العقيدة هي عقيدة راسخة ومتغلغلة في فكر ووجدان الكنيسة الأولى منذ نشأتها وإلى الآن. مونارخية الآب عند الآباء السكندريين يُشِير العلامة كليمندس الإسكندريّ إلى ”مونارخية الآب“ في الثالوث، حيث يرى أن الآب هو علة كل شيء جيد، وأنه ملك الكل، وأن الابن هو الثاني، وكل شيء به كان حسب إرادة الآب، والروح القدس هو الثالث، وكل شيء به كان وفقًا لإرادة الآب قائلًا: ((كليمندس الإسكندري، المتفرقات (نسخة إليكترونية)، ترجمة: الأب الدكتور بولا )) حتى أنه عندما يقول: ’حول ملك الكل، كل شيء يوجد، وبسببه كل شيء. وهو علة كل الأشياء الجيدة. وحول الثاني الأشياء الثانية في الترتيب، وحول الثالث الثالثة‘. فإنني لا أفهم شيئًا آخر سوى أن المقصود هو الثالوث القدوس، لأن الثاني هو الابن الذي به كان كل شيء وفقًا لإرادة الآب، والثالث الروح القدس، الذي به كان كل شيء وفقًا لإرادة الآب. (كليمندس السكندري، المتفرقات) ويشير العلامة أوريجينوس الإسكندريّ إلى ”مونارخية الآب“ في الثالوث، مُؤكِّدًا على أن الآب هو بداية الابن في الأزلية، وذلك في سياق تفسيره لآية ((إنجيل يوحنا 1: 1 )) في البَدْء كان الكلمة كالتالي: ((أوريجينوس، تفسير إنجيل يوحنا ج1، ترجمة: الراهب مكاري البهنساوي، تحت إشراف: الأنبا إسطفانوس، أسقف ببا والفشن، (القاهرة، 2020)، ص 122، 123. )) يمكن للمرء أن يفترض بالاستناد على نقطة أن الله نفسه هو بداية كافة الأشياء، أن الآب هو بداية الابن. وهكذا إن الفساد هو بداية أعمال السخط، فبكلمةٍ واحدةٍ، هو بمثابة البداية لكل ما هو موجودٌ. هذا الرأي مدعوم من قبلنا في البدءكان الكلمة. ففي لفظة يمكن للمرء أن يرى الابن، ولأن كان في الآب، فمن هنا يمكن بالمثل أن يُقَال إنه، أي الابن، كان أيضًا في البدء . (أوريجينوس، تفسير إنجيل يوحنا ج1) يُشِير ق. ديونيسيوس الإسكندريّ في إشارة واضحة إلى ”مونارخية الآب“ في الثالوث القدوس، حيث يُؤكِّد على وحدة مشيئة الآب والابن في تدبير الآلام الخلاصية، وهكذا يُكرِّم الابن الآب كرأسٍ له قائلًا: ((ديونيسيوس الإسكندري، القديس ديونيسيوس السكندري الكبير، ترجمة: أمجد رفعت رشدي، (القاهرة: مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية، 2017)، تفسير إنجيل لوقا (لو 22: 42-48)، ص 211، 212. )) قطعًا ويقينًا إن إرادة الابن ليست شيئًا آخر غير إرادة الآب، لأنَّ مَن يريد ما يريده الآب تكون له نفس مشيئة الآب. هذا بشكلٍ هندسيّ، لذلك فعندما يقول: ’لا إرادتي بل إرادتك‘، فليس معناها أنه يرغب أن تنزاح عنه الكأس، بل إنه يشير إلى أن إرادة الآب هي في أن يتألم، وهكذا يُكرِّم الآب كرأسٍ άρχήν، لأنه إذَا لقَّب الآباء إرادة شخص بأنها مُجرَّد رأي ، وإنْ كانت مثل هذه الإرادة ترتبط بما هو خفيّ وله غاية كامنة، فكيف يقول البعض إن الربَّ الذي هو فوق كل هذه الأشياء له إرادة شكلية؟ إن هذا واردٌ فقط إذَا كان لدينا خلَّل في الفكر. (ديونيسيوس السكندري، القديس ديونيسيوس السكندري الكبير، ترجمة: أمجد رفعت رشدي) يُوضِّح العلامة الإسكندريّ ديديموس الضرير، في سياق تأكيده على ”مونارخية الآب“ في الثالوث، أن الروح القدس يخرج من الآب مثلما يخرج الابن أو المخلِّص نفسه من الله، ويشير إلى أن الروح القدس يُقَال عنه أنه ينبثق من عند الآب ((إنجيل يوحنا 15: 26 ))، وفق خاصة الآب المتفردة، ووفق مفهوم الأبوة، أي المصدرية. وبالرغم من أن المسيح قال إنه قد خرج من قِبَل الله، لكنه لم ينسب لنفسه خاصية الانبثاق عند حديثه عن علاقته بالآب، لأن خاصية الانبثاق هي خاصة بالروح القدس فقط كالتالي: ((ديديموس الضرير، الروح القدس، ترجمة: أمجد رفعت رشدي، (القاهرة: مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية، 2015)، 4: 113-115، ص 73-75. )) فعلينا أن ندرك أن الروح القدس يخرج من الآب مثلما يخرج المخلِّص نفسه من الله، وهو ما شهد لهبقوله: لأني خرجت من قِبَل الله وأتيت ((إنجيل يوحنا 8: 42 ))وهكذا فعلينا أن نُؤمن بالإقرارات التالية التي استخدمت كلمات لا يُنطَق بها وهي مُدرَكة بالإيمان وحده عن أن المخلِّص خرج من عند الآب ((إنجيل يوحنا 8: 42 ))، وروح الحق الذي من عند الآب ينبثق ((إنجيل يوحنا 15: 26 ))، والآب نفسه الذي قال: الروح الذي يخرج مني ((سفر إشعياء 57: 16 سبعينية )). وبالحقيقة قد قيل حسنًا بالنص: روح الحق الذي من عند الآب ينبثق ((إنجيل يوحنا 15: 26 )). وكان من الممكن أن يقول:’من الله‘، أو’من الربّ‘، أو’من ضابط الكل‘، ولكنه لم يستعمل أيًا من هذه. بل عوضًا قال: من الآب، وهذا مردَّه لا لأن الآب مُختلِف عن الله ضابط الكل -فإن مُجرَّد التفكير في هذا يُعدّ جرمًا- بل بالحري أن روح الحق يُقَال عنه ينبثق من الآب ((إنجيل يوحنا 15: 26 ))، وفق خاصة الآب المتفرِدة، ووفق مفهوم الأبوة. وبالرغم من أن المسيح قال في مواقفٍ عديدةٍ إنه قد خرج من قِبَل الله، لكنه لم ينسب لنفسه المزيَّةالتي ناقشناها لتونا، عند حديثه عن علاقته بالآب، بل عندما يتحدَّث عنها يقول: أنا في الآب والآب فيَّ ((إنجيل يوحنا 14: 10 ))، وفي موضع آخر: أنا والآب واحدٌ ((إنجيل يوحنا 10: 30 )). والقارئ الحصيف سيجد في الإنجيل فقرات أخرى عديدة مُشابهة لهذه. (ديديموس الضرير، الروح القدس) يصف ق. أثناسيوس الإسكندريّ الآب بأنه البَدْء والينبوع في الثالوث القدوس، مُميِّزًا بينه وأقنومي الكلمة والروح القدس كالتالي: ((أثناسيوس، الرسائل عن الروح القدس للأسقف سرابيون، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد ود. موريس تاوضروس، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2018)، 1: 28، ص 96. )) وهكذا يُكرَز بإلهٍ واحدٍ في الكنيسة: الذي على الكل وبالكل وفي الكل ((رسالة بولس إلى أفسس 4: 6 )). على الكل أي كأب وكبدءٍ وكينبوع، و بالكل أي بالكلمة، وفي الكل أي في الروح القدس. هو ثالوث ليس فقط بالاسم وصيغة الكلام، بل بالحق والوجود الفعليّ. (أثناسيوس، الرسائل عن الروح القدس للأسقف سرابيون) يشير ق. كيرلس الإسكندريّ إلى ”مونارخية الآب“ في الثالوث، في سياق رده على ادعاء الآريوسيين الهراطقة بأن الآب هو علة وجود الابن المخلوق، مُؤكِّدًا على أن الآب هو علة وجود الابن كوالدٍ حسب الطبيعة، وليس كخالق، قائلًا: ((كيرلس الإسكندري، الكنوز في الثالوث، ترجمة: د. چورچ عوض إبراهيم، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2011)، مقالة 10: 10، ص 124. )) بأية طريقة، يا مُحارِبي المسيح، تزعمون أن الآب صار علة وجود الابن؟ حسنًا. إذَا كُنتم تظنون أنه مخلوق، فإنه عندئذٍ يكون مخلوقًا وليس ابنًا، مُحارِبين بوضوحٍ الآب الذي يقول للذي ولده: ولدتك من بطني قبل يوسيفوروس((مزمور 109: 3 سبعينية )). أمَّا لو اعترفتم بأنه -حقًا- هو الابن وآمنتم بأنه هكذا يكون، عندئذٍ يتحتم عليكم ألا تقولوا إن الآب علة الابن كخالق، بل كوالدٍ بحسب الطبيعة. ولن يُعِيقكم عن ذلك شيءٌ؛ لأن الذي يأتي من آخر بحسب الطبيعة، يتحتم أن يكون من نفس جوهره، حتى لو كان ذاك هو علة وجوده. (كيرلس الإسكندري، الكنوز في الثالوث) مونارخية الآب عند آباء فلسطين يرى ق. كيرلس الأورشليميّ في تأكيده على ”مونارخية الآب“ أن الآب هو رأس الابن، وأن الابن ليس له مبدأن، بل له مبدأ وحيد هو الآب قائلًا: ((كيرلس الأورشليمي، العظات، ترجمة: الأب چورچ نصور، (لبنان: رابطة معاهد اللاهوت في الشرق الأوسط، الكسليك، 1982)، 11: 14، ص 173. )) ولكن كما أن الآب أزليّ، فقد ولده منذ الأزل، وبكيفية لا تُوصَف، ابنًا وحيدًا ليس له أخوة. وكذلك ليس له مبدآن، ولكن رأس الابن هو الآب، المبدأ الوحيد (1كو 11: 3). لأن الآب ولد ابنه، وهو إلهٌ حق، يُدعَى عمانوئيل (إش 7: 14) الذي تفسيره: الله معنا (مت 1: 23). (كيرلس الأورشليمي، العظات) ويُوضِّح ق. إبيفانيوس أسقف سلاميس بقبرص أن قول المسيح عن الآب إنه ”الإله الحقيقيّ وحده“، فإنه يقودنا إلى وحدة الرأس أو المبدأ، أي ”مونارخية الآب“، قائلًا: ((إبيفانيوس أسقف سلاميس، أنكوراتوس (المثبَّت بالمرساة)، ترجمة: راهب من دير الانبا أنطونيوس، (البحر الأحمر: دير أنبا أنطونيوس، 2018)، 2: 4-6، ص 139، 140. )) لذا ففي قوله الإله الحقيقيّ وحدك، قد قادنا إلى’وحدة الرأس/المبدأ‘، لكي لا نكون خاضعين تحت أركان العالم ((رسالة بولس إلى غلاطية 4: 3 )) فيما بعد،إذًا، فإن الآب هو الله الواحد والإله الحقيقيّ وحده، والابن الوحيد هو الله. لذا فهو ليس غريبًا عن الله وعن الوحدة. لكن بما أن الابن من الآب، لذا فهو الإله الحقيقيّ وحده. لكنه الإله الحقيقيّ وحده، لأن الابن الوحيد هو وحده من الوحيد، والروح القدس وحده. فإنه هناك ثالوث في وحدة، وإله واحد، آب وابن وروح قدس. (إبيفانيوس أسقف سلاميس، أنكوراتوس "المثبَّت بالمرساة") مونارخية الآب عند الآباء الأنطاكيين يُؤكِّد ق. ثيؤفيلوس الأنطاكيّ على ”مونارخية الآب“ في الثالوث، مُشِيرًا إلى أن الآب هو مصدر كل شيء قائلًا: ((ثيؤفيلوس الأنطاكي، الرد على أتوليكوس، ترجمة: عادل ذكري، (القاهرة: مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية، 2019)، 1: 3، ص 39. )) وإذَا دعوته الآب، فأنا أتحدَّث عنه كمصدر كل شيء. (ثيؤفيلوس الأنطاكي، الرد على أتوليكوس) يتحدَّث ق. يوحنا ذهبي الفم عن وحدة المبدأ الأبويّ في الثالوث، أو مونارخية الآب في الثالوث، وينفي فكرة وجود علتين أو أصلين في الثالوث، حيث يقول كالتالي: ((يوحنا ذهبي الفم، تفسير إنجيل يوحنا ج1، ترجمة: راهب من برية شيهيت، (القاهرة: مكتبة المحبة، 2008)، عظة 2، ص26. )) وإنْ كان لشخص ما أن يسأل: لماذا لم يذكر العلة الأولى، بل هو يحدَّثنا في الحال عن العلة الثانية؟ إننا نستعفي من الحديث عن العلة الأولى والثانية، لأن الألوهة فائقة على الأعداد الحسابية وتتابُّع الزمن. لذا تحاشينا استعمال هذه التعابير، ونُؤكِّد على أن الآب غير مولود، والابن مولود من الآبإنه يعلم أن البشر يُكرِّمون جدًا العلة الأولىوأنه ليس له بداية واعتبروه الله. (يوحنا ذهبي الفم، تفسير إنجيل يوحنا ج1) يُشِير ق. ساويروس الأنطاكيّ إلى ”مونارخية الآب“، مُؤكِّدًا على أن الآب هو جذر ومصدر الابن والروح القدس قائلًا: ((ساويروس الأنطاكي، رسائل القديس ساويروس الأنطاكي (الرسائل 1-52)، ترجمة: الراهب جرجس الأنطوني، (القاهرة: مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية، 2016)، رسالة 23 إلى الكهنة والأرشمندريتين يوناثان وصموئيل ويوحنا العموديين، ص 113. )) وهذا يُوضِّح أننا بدورنا نؤمن بإلهٍ واحدٍ وفي جوهرواحد، وهو موجود ويُعرَف في ثلاثة أقانيم. إذ إن الابن قد وُلِدَ من الآب، والروح مُنبثِق من الآب، بالرغم من أن ذلك منذ الأزل وبغير زمن، وأن رجوعهما هو إليه كما إلى جذر ومصدر، وأنهما منه، إلا أنهما ليسا بعده. ولهذا السبب، بينما نعترف بثلاثة أقانيم، لا نُؤمن بثلاثة أسبابأولية، ولكن بسببأوليّ واحد، وملك واحد. (ساويروس الأنطاكي، رسائل القديس ساويروس الأنطاكي "الرسائل 1-52") مونارخية الآب عند آباء آسيا الصغرى يُشِير ق. غريغوريوس العجائبيّ، أسقف قيصرية الجديدة بآسيا الصغرى (تركيا حاليًا)، إلى ”مونارخية الآب“ في الثالوث، حيث يرى أن الآب هو العلة الأولى الصانعة لجميع الأشياء بواسطة الابن قائلًا: ((غريغوريوس العجائبي، خطاب إلى المعلم أوريجينوس، ترجمة: مكاريوس جبور وناتاشا يازجي، (لبنان: منشورات النور، 2000)، فصل 38، ص 7. )) أمَّا من جهتنا نحن البشر، فوسيلتنا الوحيدة لإظهار العرفان بالجميل والورع، تجاه كل الخيرات التي نتلقاها من الآب، لن تكون إلا بواسطة الابن الذي من خلاله، نُقدِّم عرفان الجميل بحسب إمكانيتنا مُعترِفين أن السبيل الوحيد لإظهار التقوى إنما يكمن بالتذكُّر الدائم للعلة الأولى الصانعة جميع الأشياء بواسطة الابن. (غريغوريوس العجائبي، خطاب إلى المعلم أوريجينوس)يتحدَّث ق. باسيليوس الكبير بوضوحٍ عن ”مونارخية الآب“، مُشِيرًا إلى أن الآب هو العلة والمصدر في الثالوث القدوس قائلًا: ((باسيليوس الكبير، ضد أفنوميوس، ترجمة: د. سعيد حكيم، مراجعة: د. نصحي عبد الشهيد، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2020)، 3: 1، ص 206. ))لأنه كما أن الابن بحسب الترتيب، هو الثاني في علاقته بالآب، لأنه آتى منه، وبحسب رتبة البنوة، هو الثاني، لأن الآب هو المصدر والعلة، طالما أنه أبو الابن، ولأنه عن طريقه، قد آتى الابن وعاد إلى الله الآب، لكنه بحسب الطبيعة، ليس ثانٍ، لأن الألوهية واحدة في كليهما. (باسيليوس الكبير، ضد أفنوميوس) يُؤكِّد ق. غريغوريوس اللاهوتيّ على ”مونارخية الآب“، وذلك في سياق شرحه لموضوع العلة في الثالوث القدوس، وتشديده على أن الآب هو مبدأ وعلة الألوهة للابن والروح القدس أزليًا، أي من دون سابق زمنيّ في الثالوث. حيث إن مفهوم العلية كما جاء في الفلسفات اليونانية وبالأخص الفلسفة الأرسطية، مبني على وجود فاصل زمنيّ بين العلة الأولى، أي الله، وبين الخليقة المعلولة له، ولكن لا ينطبق هذا المفهوم على الحال في الثالوث، لأنه في الأزلية خارج الزمن لا يوجد سابق ولاحق، بل العلة في اللازمكان، علة مُختلِفة تمامًا عن العلة في الزمكان كالتالي: ((غريغوريوس النزينزي، الخطب 27-31 اللاهوتية، ترجمة: الأب حنا الفاخوري، (لبنان: منشورات المكتبة البولسية، 1993)، خطبة 29: 3، ص 82. )) فكيف لا يكونان مع الآب بدون مبدأ إذَّا كانا معه أزليين؟ فما لا مبدأ له أزليّ، ولكن ما هو أزليّ ليس بالضرورة بلا مبدأ، ما دام ذلك يتعلق بالآب الذي هو المبدأ. فليسا بلا مبدأ من حيث العلة، ولكنه من الظاهر أن هذه العلة لا تسبق مَنْ كانا معلولين لها مثلما لا تكون الشمس سابقة لنورها. فهما بدون مبدأ من حيث الزمن. بالرغم من فزَّاعتك التي تعمل بها على ترويع السذج، إذ لا يخضع للزمن مَنْ يصدر عنهم الزمن. (غريغوريوس النزينزي، الخطب 27-31 اللاهوتية) يُشدِّد ق. غريغوريوس النيسيّ على ”مونارخية الآب“ في الثالوث قائلًا: ((غريغوريوس النيسي، خطاب إلى اليونانيين ’عن الاصطلاحات العامة‘، ترجمة: أمجد رفعت رشدي، (القاهرة: دورية مدرسة الإسكندرية عدد 29، 2020)، ص 19، 20. )) بالنسبة للثالوث القدوس لا ينطبق هذا: أن الأقنوم الواحد نفسه هو بالتحديد: أقنوم الآب، الذي يُولَد الابن منه، الذي ينبثق الروح القدس منه ((قارن إنجيل يوحنا 15: 26)). ولذلك ندعوه بحزمٍ دون ارتياب الأصل مع مَنْ يصدر منه الإله الواحد، لأن له نفس الوجود معهما. فأقانيم الألوهية غير مُنفصِلين عن بعضهم البعض في الزمان، ولا في المكان، ولا في الإرادة، ولا في العمل، ولا في الطاقات، ولا في شيء مما يحدث منهم، ولا في هذه الأمور التي توجد عند البشر؛ إلا في واحدة فقط، أن الآب آب وليس ابنًا، والابن ابن وليس آبًا، وبالمثل فإن الروح القدس ليس الآب ولا الابن. ولذلك لا نُضلِّل أنفسنا بأيّ استنتاج منطقيّ لندعو الأقانيم الثلاثة، ثلاث آلهة. (غريغوريوس النيسي، خطاب إلى اليونانيين ’عن الاصطلاحات العامة‘) مونارخية الآب في الكنيسة الغربية يُؤكِّد ق. إيرينيؤس -أسقف ليون بفرنسا، والملقَّب بـ ”أبي التقليد الكنسيّ“، الذي كان تلميذًا للقديس بوليكاربوس أسقف سميرنا (حاليًا أزمير بتركيا)، الذي كان بدوره تلميذًا للقديس يوحنا الرسول- على أن الآب هو رأس المسيح في سياق تأكيده على ”مونارخية الآب“ في الثالوث قائلًا: ((إيرينيؤس، ضد الهرطقات ج2، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2019)، 5: 18: 2، ص 318. )) وهكذا يُعلِن إله واحد، الله الآب، الذي فوق الكل، وخلال الكل، وفي الكل. فالآب هو حقًا فوق الكل، وهو رأس المسيح، أمَّا الكلمة فهو خلال كل الأشياء، وهو نفسه رأس الكنيسة، بينما الروح هو فينا جميعًا، وهو الماء الحيّ ((إنجيل يوحنا 7: 39 ))، الذي يمنحه الربُّ للمؤمنين به باستقامةٍ ويحبونه، والذين يعرفون أنه يوجد آب واحد الذي على الكل، وبالكل، وفينا كُلنا ((رسالة بولس إلى أفسس 4: 6 )). (إيرينيؤس، ضد الهرطقات ج2) يُشِير العلامة ترتليان الأفريقيّ إلى ”مونارخية الآب“، مُؤكِّدًا على أن كلمة مونارخية لا تعني أي شيء آخر سوى مبدأ الشخص الواحد المفرد، ولكن لا تمنع هذه المونارخية من أن يكون لهذا الشخص ابنًا في إشارة واضحة إلى شخص الآب كرأس ومبدأ واحد في الثالوث قائلًا: ((ترتليان الإفريقي، ضد براكسياس أو عن الثالوث القدوس، ترجمة: أمجد رفعت رشدي، (القاهرة: مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية، 2017)، الفصل 3، ص 87. )) فأنا مُتأكِّد أن كلمة مونارخية ليس لها معنى آخر سوى مبدأ الشخص الواحد المفرد، لكن رغم هذا، إن هذه المونارخية ولأنها تعني رئاسة شخص، لا تمنع هذا الشخص الذي لهمن أن يكون له ابنٌ، أو أن يجعل لنفسه ابنًا، أو أن يُدبِّر مونارخيتهالخاصة من خلال مَن يريد. بل بالأكثر، فأنا أؤكد أنه لا توجد مونارخية لواحدٍ وحيد، فهل سيكون رأسًا لنفسه مُنعزِلاً لهذا الحدّ؟ فهل تكون هذه مونارخية، تلك التي لا تُدبَّر من خلال أشخاص آخرين مُقرَّبين إليها؟ ولكن إذَا كان هناك ابن لصاحب المونارخية، فإن هذا لا يجعله منقسمًا، ولا تتوقف مونارخيته، حتى لو افترضنا أن الابن شريكٌ فيها، فهي ستبقى دائمًا لهذا الذي تنتقل منه إلى الابن، وطالما كانت له، فستبقى دائمًا مونارخية هي التي تُقَام بالاثنين، وتجعلهما مُتَّحِدين معًا. (ترتليان الإفريقي، ضد براكسياس أو عن الثالوث القدوس) ويُؤكِّد نوفاتيان الإفريقيّ على ”مونارخية الآب“، حيث يشير إلى أن الابن يُقدِّم نفسه للآب مُطِيعًا في كل شيء، برغم من أنه هو الله أيضًا، إلا أنه بإطاعته يُظهِر أن الآب الذي يستمد منه أصله هو الله الواحد قائلًا: ((نوفاتيان الإفريقي، عن الثالوث، ترجمة: عادل ذكري، (القاهرة: رسالتنا للنشر والتوزيع، 2022)، 31: 15، 16، ص 146، 147. )) وبينما يُقدِّمنفسه إلى الآب مُطِيعًا في كل شيء، برغم من أنه هو الله أيضًا، إلا أنه بإطاعته يُظهِر أن الآب الذي يستمد منه أصله هو الله الواحد. ونتيجةً لذلك، لا يستطيعأبدًا أن يُشكِّل إلهًا ثانيًا؛ لأنه لا يُشكِّل أصلًا ثانيًا، بقدر ما يحصل على مصدر ولادته قبل كل الأزمنة من ذاك الذي هو بلا بداية. ولأن ما هو غير مولود، مثل الله الآب وحده، الذي يسمو عن أيّ أصل، الذي منه مَن هو مولود، هو أصل كل الأشياء الأخرى، فإن مَن هو مولود منه يأتي بحقٍ ممَّن هو بلا أصل. هذا يثبت أنغير المولود هو الأصل الذي منه الابن ذاته. وحتى برغم أن المولود هو الله، إلا أنه يُظهِر أن الله واحدٌ، لأن المولود أكَّد أنههو بلا أصل. (نوفاتيان الإفريقي، عن الثالوث) يُشدِّد ق. أمبروسيوس أسقف ميلان على أن الآب هو ينبوع وأصل كينونة الابن في سياق تأكيده على ”مونارخية الآب“ في الثالوث قائلًا: ((أمبروسيوس أسقف ميلان، شرح الإيمان المسيحي، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2018)، 4: 10: 133، ص 263. )) لأنه هو الابن المولود من الآب، إنه يحيا بالآب لأنه من جوهر واحد معه، بالآب لأنه هو الكلمة الذي يُولَد من قلب الآب ((مزمور 44: 1 سبعينية ))، لأنه جاء من الآب لأنه مولود من أحشاء الآب ((مزمور 109: 3 سبعينية ))، لأن الآب هو ينبوع وأصل كينونة الابن (أمبروسيوس أسقف ميلان، شرح الإيمان المسيحي) ويُؤكِّد ق. هيلاري أسقف بواتييه، والملقَّب بـ”أثناسيوس الغرب“ على ”مونارخية الآب“، مُشِيرًا إلى أن الآب هو المصدر الفريد للابن، لأن الابن هو المولود الوحيد منه كالتالي: ((هيلاري أسقف بواتييه، عن الثالوث، ترجمة: راهب من دير البحر الأحمر، (البحر الأحمر: دير أنبا أنطونيوس، 2017)، 3: 4، ص 276. )) الآب في الابن، لأن الابن منه؛ الابن في الآب، لأن الآب هو مصدره الفريد؛ المولود الوحيد هو في غير المولود، لأنه المولود الوحيد من غير المولود. (هيلاري أسقف بواتييه، عن الثالوث) --- ### رسالة من أبناء كنيسة الإسكندرية القبطية - Published: ۲۰۲٤-۱۱-۱٤ - Modified: 2025-02-02 - URL: https://tabcm.net/31557/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: إكليروس, الكنيسة القبطية, چوزيف موريس فلتس, سينوت دلوار شنودة, كنيسة الإسكندرية منذ تأسيسها رسوليًا، وعت كنيستنا وحافظت على إنها كنيسة الشعب، ليست "الكنيسة" بدون الشعب، ولا وجود للأسرار في غياب الشعب، صلوات الكاهن في غياب الشعب تمتمات لا تنتج أثرا، طبقت كنيستنا النموذج الرسولي الوارد في سفر أعمال الرسل بصرامة.  الإكليروس للرعاية وفقط للرعاية، الشعب هو من يختارهم ويجلسهم ويمنحهم المشروعية، ويصادق روح الله على الاختيار. الأمر ليس كذلك الآن لأسباب لا داعي للخوض فيها، لكن هذا الحيود الحاد عن النموذج الرسولي يمثل أخطارًا جوهرية تمس وجود الكنيسة ذاتها على المدى الذي ليس بعيدًا كثيرًا. منذ نشأتنا الرسولية، وقبل أن يعرف إكليروسنا البتولية، ملابسهم المزركشة وتيجانهم المرصعة، كان العلم هو أداة روح الله لنمو الكنيسة، وساق لهذا رجالًا علمانيين استغرقهم العلم حتى البتولية، رجال سرى وسيسري طيب ذكرهم في المسكونة والملكوت، كنوز ما تركوا من كتابات لا زالت تجوب كنائس العالم ومعاهده اللاهوتية ولا زالت تثير الدهشة والإعجاب، بُني مجد كنيستنا وقيادتها للعالم المسيحي فكريًا من بين أناملهم الدقيقة. وحين خبت مدرستنا، خابت كنيستنا. . نحن نعي جيدا أن كنيسة بدون معاهد لاهوتية دؤوبة، وباحثين متقدي الذهن، وطلاب نابهين، هي تينة يابسة بلا ثمر، كما نعلم القاع الذي استقرينا به لظروف تاريخية ضاغطة، الذي يجب أن نغادره بكل ما نملك من قوة. المؤسف هو أن كثيرين لا يشاركوننا الرأي ولا يشاطروننا الرؤية، انطلاقًا من رؤية ذاتية ضيقة لا تعبر عن صالح الكنيسة وإنما تعبر عن الاستئثار بالسلطة، بل تسعى للحفاظ على مكانة وحظوة تم تحصيلها في مناخ الجهل السائد، وغني عن البيان أن هذا لن يفت في عضدنا، فمن يضع كنيسته نُصْبَ عينيه لن يلتفت لأفعال الصغار. نحن نؤمن أن لدينا مسؤولية أخلاقية تجاه الكنيسة، أن افتقدها البعض، فنحن لها حتى نعيد الأمور إلى نصابها. فلا اتهامات إلا في قنواتها الشرعية وبالأدلة الكافية للفحص، أما إطلاق الاتهامات على عواهنها ودون مسؤولية، وهي الآفة التي انتشرت في كنيستنا مع التجييش والاحتكام لغير المؤهلين، فلا يمكننا قبوله ولا يليق بكنيستنا. وهنا انطلاقًا من الأخذ في الاعتبار كل ما سبق، وسعيًا لتصحيح خطأ من أخطاء الصغار، نحن الموقعون أدناه مُلاك هذه الكنيسة وآباء وأمهات ورثتها، وتأسيسًا على مسؤولية المُلاك عن أفعال عمالهم، نتقدم بداءة بالاعتذار لكل من: + الأستاذ الدكتور جوزيف موريس فلتس. + الأستاذ الدكتور سينوت دلوار شنودة. عما طالهما، وما قد يكون ماسًا بمكانتهما العلمية والأدبية، التي نقدرها حق قدرها، ونطلب منهما بإلحاح وبدالة الجسد الواحد الذي يجمعنا ألا يثنيهما ما حدث عن الاستمرار في الخدمة بكل طاقاتهما، فلدينا أعمالًا جليلة تنتظرهما، ونتقدم لهما ختامًا بعميق احترامنا وحار تحياتنا. للانضمام والتوقيع وتسجيل موقف شعبيّ، يمكنكم استخدام هذا الرابط. --- ### مهاتما غاندي - Published: ۲۰۲٤-۱۱-۱۳ - Modified: 2024-11-13 - URL: https://tabcm.net/30472/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: ألبرت أينشتاين, ألبرت شڤايتزر, الكنيسة الروسية, توراة, جواهر لال نهرو, چورچ برنارد شو, چون راسكين, رالف والدو إمرسون, رومان رولان, قاسم أمين, كارل هانريش ماركس, ليڤ نيكولاياڤيتش تولستوي, مصطفى كمال أتاتورك, مهاتما غاندي, هنري ديڤيد ثورو هو سياسي لا يقوم نجاحه على الحيلة أو المهارة في الوسائل الفنية، إنما على القوة الاقتناعية في شخصيته، وهو مكافح مظفر يحتقر على الدوام أساليب العنف، وهو حكيم متواضع قد تسلح بالإرادة كي يتناسق سلوكه، وقد أرصد كل قواه لأن ينهض بشعبه ويرقى بمصيره، وقد جابه توحش أوروبا بوقار إنسانيته، ولذلك كان على الدوام يرتفع عليها. إن الأجيال القادمة سوف تشك في أن إنسانًا مثل هذا سعى بقدميه على أرضنا وُلد غاندي إنسانًا ومات قديسًا. ولم يكن غاندي مؤلفًا من حيث فن التأليف الكتابي وإخراج الكتب، ولكنه ألَّف ما هو خير من الكتب، ألَّف حياته التي كانت مصباحًا منيرًا نحو أربعين سنة للبشر من جميع الطبقات، وقد كانت دعواته أو رسالاته متعددة، فقد دعا إلى الوطنية الهندية ومحاربة الاستعمار وإلى الاستقلال والحرية، كما دعا إلى المغزل والمنسج وإلى الطعام النباتي، ولكن كل هذه الدعوات كان يسودها روح القداسة. ولذلك نستطيع أن نقول إن دعوته الأولى هي القداسة؛ ذلك أن وطنيته لم تكن للهند وحدها، وإنما كانت إخاءً بشريًّا لسكان هذا العالم كله. ولم يكن كفاحًا دمويًّا قائمًا على البطش والدم، وإنما كان مقاومة سلبية تنهض على حض الهنود على ألا يتعاونوا مع المستعمرين لهضم حقوقهم وضغط حرياتهم، ولم يكن تدينه لديانة آبائه فقط -أي الهندوكية- إذ هو كان يجعل صلاته حافلة جامعة للإنجيل والتوراة والقرآن، والكتب الهندوكية المقدسة، وقد صام أكثر من نصف عام على فترات كي يحمل الهندوكيين والمسلمين على الإخاء، وبذلك رفع السياسة إلى مستوى القداسة. وقد كتب تاريخ حياته في أسلوب شعبي ساذج يخلو من التبرج؛ لأنه لم يكن كاتبًا أديبًا لعوبًا، ومن هذا الكتاب نُحسُّ قداسته، ونهفو إلى ذكراه في حنين وحنان معًا، كما نهفو إلى ذكرياتنا للأم الحبيبة أو للعشيقة التي أوسعتنا سعادة السنين، أو للابن الذي حملناه على صدورنا وقبَّلنا وجنتيه الطريتين. وذكرى غاندي عندي هي نشوة يغمرني فيها إحساس فني كذلك الإحساس الذي أنتعش فيه حين أرى الشفق الزاهي والحقول النضرة والرسم الرائع. وليست عظمة غاندي من ذلك النوع الذي يحملنا على احترامه؛ إذ ليس هناك مكان في قلوبنا لذكراه سوى الحب، وحيث يكون الحب العميق لا يكون الاحترام. وإني لأكتنز كنوزًا نفيسة في حياتي لا أرضى بها بدلًا، هي أني عشت وعاصرت تولستوي وبرنارد شو وشفايتزر وغاندي، وكلهم قديس، وليست قداستهم من ذلك النوع القديم حين كان ينزوي الراهب في صومعته بعيدًا عن المجتمع كي ينشد خلاص نفسه بالصلاة؛ لأن هذا الراهب هو في صميمه أناني يطلب الخلاص لنفسه فقط، ولكنَّ هؤلاء القديسين العصريين كانوا يتألمون ويصومون ويكافحون من أجل خلاص البشر، وقد استطاعوا أن يغيروا الأوزان والقيم البشرية، وأن يغرسوا في قلوبنا حبًّا جديدًا وأن يعلمونا أسلوبًا فلسفيًّا للعيش. مات غاندي في سنة ١٩٤٧ وهو أعظم رجل في العالم، ومع ذلك كان كل ما يملك عنزة تُدِرُّ له اللبن، وشملة تكسو جسمه لا يزيد ثمنها على ثلاثة أو أربعة قروش. وكان يغزل بيده ويكتب ويشتري القليل من الفواكه أو الجبن بما يكسب؛ وبذلك نصب غاندي أمام العالم كله مثالًا يحتج به على أساليب عيشتنا الاقتنائية، ويوضح لنا أن السعادة والشرف والمكانة أيسر من أن نتكلف من أجلها جميعًا هذا الجهد، بل هذا العذاب في اقتناء المال والهرولة التعسة التي نعيش بها من أجل التكاثر بهذا المال. والفهم العام للنسك هو أنه عادة أو رهبنة دينية قد نشأت في الأمم الشرقية، وهو كذلك إذا فهمناه على أنه انزواء في صومعة. ولكن الحرمان الذي فرضه على نفسه كلٌّ من برنارد شو وتولستوي وغاندي وشفايتزر هو نسك آخر، نسك غربي ينهل على أسس من الثقافة الغربية غايته خدمة المجتمع، وإنهاض البشرية وتجديد القيم الاجتماعية، بل إنه ليس نسكًا؛ لأن المعنى الأصيل للنسك أنه الحرمان من بعض الملذات في الطعام أو الشراب أو اللباس أو السكنى أو إشباع الشهوات، ولكن هؤلاء الأربعة الناسكين لم يحسوا، وهم يحرمون أنفسهم ما نحسب أنه متاع، أنهم قد فقدوا شيئًا لأنهم قد أخذوا بقيم جديدة تجعل ما نعتز أو نلتذ أو نفخر به من ثراء أو اقتناء تافهًا لا يحرص عليه الرجل العظيم بل لا يباليه. حادثة واحدة في حياة غاندي تدلنا على أن استغناءه لم يحمل معنى القهر، وهو انقطاعه عن الاتصال الجنسي منذ بلغ الرابعة والثلاثين، فهو لم يكن يقصر نفسه على هذا الحرمان، ولم يكن يحس أنه حرمان؛ ذلك لأن الآمال والآفاق التي كان يترامى إليها تفكيره كانت تغمر نفسه، وتشغل كل وقته وتهيب به، بما تحمل من عظمة ومجد، أن ينسى ما دونها من ملذات أخرى. فهو لم يكن يشتهي طعام اللحم، أو الاتصال بالمرأة، أو اقتناء الثراء؛ لأن نفسه كانت مغمورة بما هو أسمى. فالانكفاف هنا ليس قهريًّا أمريًّا، وإنما هو سيكلوجي؛ أي إن غاندي قد سد القنوات في شهواته؛ لأنه جمعها كلها نهرًا واحدًا نحو غاية موحدة هي الإنسانية. وكي يفهم القارئ هذه الحال عليه أن يذكر مثلًا ذلك الأب الذي يفقد ابنه الحبيب، فإن كثيرًا من الآباء في هذه الحال يحسون صدودًا عن المرأة كأن الشهوة الجنسية قد أصبحت حرامًا لا يجوز لهم الاستمتاع بها بعد أن ثكلوا الابن الذي أحبوا. وهذا الصدود هو في منطق النفس نذر لشيء آخر، وكان نذر غاندي الذي سد قنوات شهواته جميعها تقريبًا هو حب البشر، واستقلال الهند، ومحو النجاسة، وطرد الإنجليز. ••• ومما ينبهنا في حياة غاندي أنه على الرغم من المسحة البدائية الساذجة التي تبدو بها صورته لنا، إنما كان غريبًا في ذهنه عصريًّا في فكره، بل أكاد أقول إنه كان ماركسيًّا في أسلوب كفاحه للإنجليز، من حيث إنه فهم الاستعمار على أنه استغلال للأرض والبشر في الهند لمصلحة الإنجليز فجعل مكافحته قائمة على الاستكفاء الاقتصادي بتعميم المغزل والمنسج ومقاطعة المصنوعات الإنجليزية. ولم تكن دعوته للمغزل إطارًا لهذه الآلة اليدوية الصغيرة على مصانع الغزل والنسيج التي يعمل فيها على الحديد والنار، وإنما هو وجد أن ظروف الهند، وهي ظروف الحرمان والفاقة والفراغ، مع الجوع في الريف وترصد الإنجليز لأية نهضة اقتصادية وتصديهم لقتلها في المهد، كل هذا جعله يفكر في الوسيلة التي تعم البيوت الهندية حيث يعمل الأب والأم والأبناء في العمل دون أن يستطيع الإنجليز أن يتدخلوا ويمنعوها. والمتأمل للحركات الوطنية في مصر والهند وتركيا يجد ظاهرة تستحق الالتفات، هي أن جميع الوطنيين في هذه الأقطار الذين قادوا هذه الحركات قد امتازوا بثقافة أوروبية وأخذوا بالقيم والأوزان الأوروبية. أما الشرقيون الذين نشئوا في حضن الثقافات التقليدية الدينية أو الاجتماعية فلم يدركوا هذه الحركات، ولم يستطيعوا أن يعدوها بتفكيرهم؛ فإن دعاة الوطنية الهندية طلاك وغاندي ونهرو قد تعلموا جميعهم في أمر واحد هو أن أتاتورك مقاطعًا مجاهدًا في مقاطعته للأخلاق الشرقية. وهذا هو الشأن أيضًا في مصر حيث نجد أن الزعامة الوطنية والانتهاض القومي العام والدعوة للاستقلال يحمل علمها ولا يزال يحمله أولئك المصريون الذين تعلموا في أوروبا أو أخذوا بالثقافة الأوروبية، وما تحمل من أوزان ونظم جديدة في السياسة والأخلاق والاجتماع. وقد كان الاستعمار البريطاني في الهند يؤيد تقديس البقرة، ويؤيد نظام المنبوذين ويؤيد حجاب المرأة؛ لأن أعظم ما يؤخر هذه الأمم الشرقية هو هذه التقاليد المحجرة، بل لولا هذه التقاليد لما استطاع الاستعمار أن يطأ بقدميه أرض الهند أو مصر. ولعلنا لا ننسى هنا أن الإنجليز كانوا يعارضون حركة قاسم أمين بشأن تحرير المرأة، وكانت ناظرة المدرسة السنية الابتدائية للبنات تصر على اتخاذهن للبرقع، ولكن الاستعمار مذهب غربي وهو مع أنه يدوس الأمم الشرقية، لا يزال يحمل في طياته السم الذي يقتله في النهاية؛ لأنه ينقل معه الثقافة الأوروبية التي تحيل بعض الشرقيين إلى أوربيين في الذهن والعاطفة والنظرة، وهؤلاء يفكرون وينتهون إلى دعوة الاستقلال والتحرير من شيئين معًا؛ وهما الاحتلال الأجنبي وأيضًا التقاليد المحتجرة. ولذلك ما كاد الهنود يُجلون الإنجليز حتى عمدوا أول ما عمدوا إلى إلغاء نظام الطبقات الذي كان يؤيد بقاء المنبوذين، وولوا منبوذًا وزارة المعارف، كما منحوا المرأة حق المساواة بالرجل في الميدان الاجتماعي، وأيضًا حق الانتخاب للبرلمان وللوزارة، وهم في ذلك يشبهون مصر. وليس شيء في الدنيا أسوأ من الاستعمار الأجنبي سوى التقاليد الشرقية المتحجرة، وليس شيء في الدنيا أسوأ من التقاليد المتحجرة سوى الاستعمار الأجنبي، ولكن مع ذلك حين أتأمل بعض الأمم التي لا تزال تعيش في استقلالها واستبداد تقاليدها أحس كأني أرغب في استعمار أجنبي يصفعها الصفعة المنبهة التي توقظها وتنبهها وتحملها على إلغاء تقاليدها. ••• ثلاثة رجال يبرزون في حياة غاندي من حيث تكوينه وتوجيهه في التفكير الاجتماعي، وهؤلاء هم: ثورو وتولستوي وراسكين، وكانوا جميعًا من المتمردين على الحضارة الأوروبية يحاولون الارتداد عنها إلى ما هو أبسط وأقل تعقدًا، وأميل إلى الخدمة والتعاون دون السلطة والاستثمار، ولا يستطيع المتأمل لنشاط هؤلاء الثلاثة، الدارس لأفكارهم ونظرياتهم ومثلياتهم، أن يقول إنهم كانوا على بصيرة تامة بالحضارة الأوروبية ومنتهاها، ولكن تمردهم كان بمثابة التنبيه إلى ما فيها من أخطار تلصق بالمجتمع الاقتنائي الذي انتهت إليه حيث يعيش كل فرد وغايته الاقتناء والإثراء في مباراة عنيفة قاتلة. كان ثورو أمريكيًّا، وُلد في عام ١٨١٧ ومات في عام ١٨٦٢، واشتغل بالتعليم وبغيره، ولكنه في عام ١٨٤٥ ترك حياة المدن وهاجر إلى الغابة، حيث بنى لنفسه كوخًا، وجعل يعيش حياة بدائية بصيد السمك من بحيرة قريبة، ويأكل الثمار البرية، ويعمل بالأجرة في الحقول القريبة، وكان يقضي معظم وقته في تأمل الحيوان والنبات في الغابة وهو واضع عبارة «العصيان المدني» التي أخذها عنه غاندي، وكان يعني بهذه العبارة أن لكل فرد الحق في أن يستقل بشخصيته، ويرفض العادات والمطامع الاجتماعية، ويعيش وفق مثلياته الخاصة، وهو عاصٍ لا يخضع للمجتمع، وبقي إلى عام ١٨٤٧ بالغابة حين عاد إلى المدينة وعاش مع صديقه «إمرسون» وألَّف كتابًا بعنوان «والدن» أو الحياة في الغابة، وهو يروي في هذا الكتاب اختباراته، وكيف أن حاجاته جميعًا من لباس وغذاء وسكنى لم تكن تكلفه سوى القليل من الجهد والقليل جدًّا من النقود. وواضح أن غاندي حين ترك المدن وآوى إلى معتكفه في الطبيعة يقنع بما تدره عليه عنزته من اللبن والجبن، وأيضًا بقنوعه بتلك الشملة التي كان يشتمل بها دون أي لباس آخر، إنما كان يستضيء بثورو في حياته في الغابة. ومكافحته للإنجليز الاستعماريين بشعاره «العصيان المدني» يعود إلى القدرة على الاستغناء، فإنه نبذ الرفاهية فضلًا عن البذخ وقنع بالقليل الذي لا يستطيع الإنجليز أن يحرموه منه، وكان ثورو على الدوام في ذهنه: رجل قانع يعمل عندما يحتاج ويرتاح ويتأمل الشمس والشجر والماء والسحاب عندما لا يحتاج، والحضارة القائمة تدعونا إلى الاقتناء والإثراء والجهد والمباراة، ولكن عبارة ثورو هي كيف نستغني؟ وليس كيف نقتني؟ أما تولستوي فليس هناك من يجهله، فقد ولد في عام ١٨٢٨، ومات في عام ١٩١١، وكان فنانًا عظيمًا يؤلف القصص الخالدة كما كان أخلاقيًّا متمردًا على الحضارة أيضًا مثل ثورو، وقد حرمته الكنيسة الروسية؛ لأنه ألَّف كتابًا عن إيمانه وصف فيه المسيح باعتبار أنه إنسان عظيم لا أكثر، وأن دعوة المسيح إلى الحب البشري هي الخلاص لجميع الناس وأن «ملكوت الله» كما جاء في الإنجيل ليس حياة أخرى بعد الموت، وإنما هو في قلوبنا وأنفسنا وعالمنا هذا، وأنه يتحقق بالحب بين البشر. وقد عاش في الأرض التي ورثها عن عائلته، وحاول تسليم هذه الأرض للفلاحين، ولكن عائلته منعته، وكان يصنع الأحذية بنفسه للفلاحين، كما أنه أنشأ مدرسة لأولادهم وأصدر مجلة في التربية، وقبل وفاته بنحو عشرة أيام خرج هاربًا من بيته يريد أن يرضي ضميره ويعيش كأحد الفلاحين. وقرأ غاندي مؤلفاته وهو في أفريقيا الجنوبية فتأثر بها كثيرًا، وكان أن أسس ما سماه «مزرعة تولستوي» حيث كان يُعلم أبناء الهنود ويزرع أرض المزرعة، ومن هنا نشأت عنده فكرة التعلم بالعمل، وهي الفكرة التي أحالت التعليم إلى تربية. ويرى كثير من الناقدين أن الخطة التي اتبعها غاندي في مكافحته للاستعمار في الهند وهي «المقاومة السلبية»؛ أي تقبل العدوان في صمت وثبات إنما ترجع إلى تعاليم تولستوي في شرحه للمسيحية، هذا الشرح الذي جلب عليه حرمان الكنيسة له حتى قال رومان رولان الأديب الفرنسي المعروف: وحسبي ما قلت كي أبين أن غاندي كان ينطوي على قلب إنجيل خافق تحت كساء من الإيمان الهندوكي. أما راسكين الذي أحبه أيضًا غاندي فكان من الأدباء الإنجليز، وقد وُلد في عام ١٨١٩، ومات في عام ١٩٠٠، وألَّف عددًا كبيرًا من الكتب في الفنون والأخلاق والاجتماع، ولما مات أبوه عام ١٨٥٥م ترك له ثروة قدرت وقتئذٍ بمبلغ مائة وخمسين ألف جنيه، فلم يمتلكها بل تبرع بها للمنشآت الاجتماعية والتعليمية وقنع هو بأن يعيش بقلمه. ••• لم يكن غاندي يضع القواعد كي يتقيد بها، وإنما كان يفرض القاعدة أو المبدأ للاسترشاد الأخلاقي في الخطة العملية؛ ولذلك نجد أن التزامه للمقاومة السلبية لم يكن جامدًا؛ إذ هو كان يلجأ إلى العمل الإيجابي من وقت لآخر؛ أي إن «العصيان المدني» لم يكن عنده ركودًا أو اعتزالًا أو خمودًا، وإنما كان أيضًا عصيانًا مباشرًا كما نرى في حادث الملح. ذلك أن الحكومة الهندية كانت في استغلالها الإمبراطوري تحتكر صناعة الملح، وهو إدام أو تابل يحتاج إليه كل فرد، فالكسب عظيم منه والضرورة تكفل رواجه الدائم، ورأى غاندي في سنة ١٩٣٠ أن ها هنا فرصة يجب أن تُستغل لتحريك التمرد على الاستعمار وتجرئة الشعب الهندي على عصيان القوانين، والأخذ بالشجاعة فدعا إلى مظاهرة شعبية تبدأ من معتكفه حيث كان يقيم إلى شاطئ البحر حيث الملاحات الحكومية. وهناك يخالف غاندي القانون عمدًا وينزل المتظاهرون إلى الملاحات ويحملون الملح مجانًا، وكافح المستعمرون هذه المظاهرة بكل الوسائل ووجدوا من الهنود أنفسهم من أيَّدهم في تزييف هذه الحرية أو شلها، فمنعوا القطارات من السفر إلى الشاطئ، ومنعوا الخطابات، وعطلوا الصحف وراقبوها وأوفدوا البوليس والجيش يحمل كل فرد منهم هراوة ضخمة، ثم أنحوا على المتظاهرين بالضرب أو بالأحرى بالخبط حتى تحطمت الرؤوس والأجسام، وخضبت الأرض بالدماء، وألقوا القبض على رأس الفتنة، وداعية العصيان غاندي. ولكن كل هذا لم يهزم المتظاهرين، وبقي العصيان يفشو ويزداد وامتلأت السجون وفاضت، فأسس الإنجليز حظائر من الأسلاك يحبسون فيها الثائرين، وأصبح المسجونون يعدون بمئات الألوف، وانتشر روح التمرد في جميع أنحاء الهند فامتنع المالكون من أداء الضرائب، واستقبال ألوف الموظفين، وتراءى للإنجليز أن الثورة تسير في طريق النجاح وأن الأداة الحكومية قد شُلَّت، وعندئذٍ فكروا في أسلوب آخر للمكافحة، فإنهم إلى جنب الضرب والاعتقال عمدوا إلى الحكم بالغرامات، ولكنها كانت تجربة تعلم منها غاندي وتعلم الهنود كيف يكافحون وفهموا وفكروا ودبروا. وفي عام ١٩٣٩ عند شبوب الحرب الكبرى الثانية ترك غاندي هذا الأسلوب القديم للمكافحة، ودعا دعوة أخرى هي «اتركوا الهند»، وترك الإنجليز الهند في عام ١٩٤٨ وتحقق الاستقلال. ••• وكان الهنود يعيشون أيام الإنجليز في تقاليد الفقر والجهل والمرض، وليس شيء يعمل للذلة والهوان مثل هذه العناصر الثلاثة التي تجمع شرور العالم كلها، وهي العون الأول للاستعمار؛ ولذلك حاربها غاندي جميعها بطراز جديد من المدارس يلائم ظروف القرية الهندية، وهذا الطراز هو ما يسمى الآن «التربية الأساسية». في عام ١٩٤٥ كتب أينشتاين عن غاندي هذه الكلمات البليغة: إن غاندي يتزعم الشعب الهندي، لا تؤيده في هذه الزعامة أية سلطة خارجية، وهو سياسي لا يقوم نجاحه على الحيلة أو المهارة في الوسائل الفنية، إنما على القوة الاقتناعية في شخصيته، وهو مكافح مظفر يحتقر على الدوام أساليب العنف، وهو حكيم متواضع قد تسلح بالإرادة كي يتناسق سلوكه، وقد أرصد كل قواه لأن ينهض بشعبه ويرقى بمصيره، وقد جابه توحش أوروبا بوقار إنسانيته، ولذلك كان على الدوام يرتفع عليها. إن الأجيال القادمة سوف تشك في أن إنسانًا مثل هذا سعى بقدميه على أرضنا. (ألبرت أينشتاين) وهذه كلمات عظيم قد رأى العظمة في غيره وفطن إليها. ••• علمنا غاندي أيضًا أن حكمة الحكيم ليست بالاقتناء، وإنما هي بالاستغناء، وأننا نستطيع أن نحقق السعادة والمكانة، وأن ننجز وعد حياتنا على الأرض، بالقليل من الحاجات دون هذا البذخ الذي يضنينا بلوغه ثم لا يسعدنا الحصول عليه، وأن ضرورات العيش من مسكن وملبس ومطعم قليلة، بل إننا إذا أقللنا منها عشنا على أحسن حال كما تتوافر لنا بهذه القلة القوة والوقت للاستمتاعات العالية، وعلمنا نحن الشرقيين أن الاستعمار عدو لا شك فيه، ولكن هناك ما هو أعدى منه لنا، وهو الاستمساك بعادات وتقاليد وقيم ثقافية واجتماعية شرقية لا يصلح أن تبقى في القرن العشرين. --- ### الظهور الإلهي إعلان شركة الإنسان وخالقه - Published: ۲۰۲٤-۱۱-۱۲ - Modified: 2024-11-12 - URL: https://tabcm.net/31352/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: آدم, الشيطان, بابا كيرلس عمود الدين, تجسد الكلمة, شجرة الحياة, عيد الميلاد, ميلاد المسيح, يوحنا الحبيب, يوحنا المعمدان من الصعب أن نعبر عن تجسد الكلمة وظهور الله في الجسد واحتفالنا بعيد الميلاد وما آل إلينا نحن البشر من هبات من هذا التجسد العجيب كما ذكرنا في المقال السابق، دون أن نعبر أيضًا ولو بشكل مبسط عن الإعلان عن هذا الظهور الإلهي للعامة والخاصة، أقصد ما حدث يوم عماد الرب يسوع في نهر الأردن في حضور صديق العريس، يوحنا المعمدان. لقد حدث ميلاد الرب بالجسد في صمت لم يشعر به إلا بعض الرعاة ومجوس من المشرق قادهم النجم لمعرفة مكان المولود، نعم منذ ميلاد الرب يسوع بالجسد أصبحت السماء في عمل دؤوب وأصبح الطريق بين السماء والأرض ممهد ومفتوح بعد كان قد أغلق منذ سقوط ممثل البشرية، آدم الأول، وطرده من جنة عدن، أي لذة الله، ووضع الرب كروبيم وسيف في وجه البشرية  لئلا يأكل من شجرة الحياة ويحيا آدم في فساده إلى الأبد، وهنا يتجلى لنا صلاح الله. فطرد الإنسان وأقام شرقي جنة عدن الكروبيم ولهيب سيف متقلب لحراسة طريق شجرة الحياة (سفر التكوين ٣ : ٢٤) ومنذ ذلك الحين يسيطر على الإنسان شعور عام بأن الله ساكن سماوته وسط عظمته وجبروته يترقب أخطاء البشر ليعاقبهم، لذلك كان وما زال كل ما يشغل فكر وذهن الشخص الغير مٌجدد بكلمة الحق وروح الحق  هو إرضاء هذا الإله حتى يتجنبوا غضبه ولا ينتقم منهم، وهذا الفكر خارج مسيحيتنا بالكلية؟ أقول أصبح الطريق ممهد للعمل الأعظم الذي سيضع حدا لتوهان وزيغان وبعَد واغتراب البشرية عن خالقها آلا وهو الفداء وعمل الصليب الكامل. وهنا يتجلى لنا أول إعلان للعالم عن قرب خلاصه من براثن الخطية وعبوديته لأفكاره وخضوعه لرئيس قاس والأهم من هذا وذاك هو إعلان عن أن الطريق للسماء أي الشركة بين الإنسان وخالقه قد بدأ في الظهور وأن العداوة بين الأرض والسماء القديمة تكاد تكون في طريقها إلى الزوال كما نصلي في القداس الغريغوري: والعداوة القديمة هدمتها وأصلحت الأرضيين مع السمائيين وجعلت الاثنين واحدًا (القداس الغريغوري) إذن لقد كان نزول الرب يسوع في نهر الأردن هو بمثابة إعلان إلهي سماوي للأرض والساكنين عليها وكان الوسيط هنا أخر نبي يمثل العهد القديم، كان يوحنا المعمدان صادقًا وأمينًا في خدمته لم يطلب لنفسه مجد وكرامة، كان صوت صارخ لإعداد الطريق للمخلص قالها مرة ومرات: أنا لست المسيح. أجاب يوحنا الجميع قائلًا أنا أعمدكم بماء ولكن يأتي من هو أقوى مني، الذي لست أهلا أن أحل سيور حذائه هو سيعمدكم بالروح القدس ونار (إنجيل لوقا ٣: ١٦) أراد من هو أعظم نبي في العهد القديم أن يحول عيني المارة وأرجو أن يحول عيني كل من يقرأ أيضًا إلى الحمل الحقيقي الذي يرفع خطيه العالم الذي مازال يَصرح لكل نفس جائعة وتبحث عن عريسها الحقيقي قائلًا: اسمعي يا بنت وانظري وأميلي أذنك وانسي شعبك وبيت أبيك. فيشتهي الملك حسنك لأنه هو سيدك فاسجدي له (مزمور ٤٥ :١٠- ١١) وهنا أيضًا إعلان عن بزوغ عهد جديد و نهاية لحقبة الناموس وسلطانه على النفس البشرية. يوحنا المعمدان لم يكن يعرف يسوع بالجسد قبل ذلك اليوم كي لا يقال إن صديقه قبلًا وشهد له لكن من أرسل يوحنا أعطى له العلامة كما يقول الإنجيلي يوحنا الحبيب. وأنا لم أكن أعرفه لكن الذي أرسلني لأعمد بالماء ذاك قال لي الذي ترى الروح نازلا ومستقرًا عليه فهذا هو الذي يعمد بالروح القدس (إنجيل يوحنا ١: ٣٣) إذن عيد الظهور الإلهي أو كما يطلق عليه في الكنيسة الإبيفانيا، هو ظهور معلن للعالم وإعلان موثق من السماء بصوت الآب وفي حضور الابن بالجسد وسط مياه نهر الأردن الذي يرمز للموت في رحلة الشعب في القديم واستقرار الروح القدس على الابن يسوع في صورة حمامة بعد أن خرجت الحمامة من فلك نوح في القديم ولم تجد مستقرًا لها لكن الآن في الإبيفانيا قد وجد الروح القدس مستقرًا له على الأرض أي في الطبيعة البشرية ممثلًا في الابن يسوع، وصار ظهور وحضور الثالوث الآب والابن والروح القدس. ونزل عليه الروح القدس بهيئة جسمية مثل حمامة وكان صوت من السماء قائلًا أنت ابني الحبيب بك سررت (إنجيل لوقا ٣ : ٢٢) ومن الارتباط الوثيق بين الميلاد ومعمودية يسوع في نهر الأردن كانت الكنيسة حتى قرب نهاية القرن الرابع تعيَد لميلاد المسيح وعماده معا في يوم واحد وهو عيد الإبيفانيا. نزول  الرب يسوع  في نهر الأردن كان بمثابة إطلاق الشرارة الأولى في مواجهة مملكة الظلمة، إذ بعد خروج الرب من نهر الأردن ممتلئًا من الروح القدس، لحساب الطبيعة البشرية في جسده ممثلًا لابن الإنسان أو الإنسان الجديد حسب فكر الله منذ خلق الإنسان، ابن الإنسان الذي تمت فيه ولادة البشرية ولادة جديدة من الله ليصير المسيح وإلى الأبد رأس الإنسانية الجديدة المدعوين قديسي العلي حسب تعبير دانيال. حتى جاء القديم الأيام وأعطي الدين لقديسي العلي وبلغ الوقت فامتلك القديسون المملكة (سفر دانيال ٧ : ٢٢) أقول منذ ذلك الحين بدأ دحر مملكة الظلمة وإعلان لتأسيس ملكوت السموات على الأرض وإعطاء الإنسان الجديد في المسيح يسوع الغلبة مرة أخرى ورد السلطان الذي سُلب منة في جنة عدن. إذ بعد خروج الرب يسوع من الأردن حدث أنه أُصعد بالروح إلى البرية ليجرب من إبليس لحساب البشرية، إذ يقول القديس كيرلس الكبير: أن تجسد الكلمة جعل كل ما يحققه في ذاته له أثر نافذ في كل الطبيعة البشرية. إذن فقد غلبنا نحن في المسيح على جبل التجربة الذي قد تمكن من آدم في القديم ﴿الشيطان﴾ قد ذهب خائبًا لكي ندوسه تحت أقدامنا لأن الذي غلب وانتصر هو بكرنا وأخونا الأكبر  يسوع إذ هو رأس وبداية كل خليقة جديدة إذ هو بكر بين أخوة كثيرين فلنفرح ونتهلل معا ونردد قول الرب بثقة ودخول إلى عمق الانتصار والغلبة على إبليس جنوده ها أنا أعطيكم سلطانا لتدوسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو ولا يضركم شيء (إنجيل لوقا ١٠: ١٩) نحن في المسيح أعظم من منتصرين ما دمنا نحيا الإبيفانيا أو الثيوفانيا. --- ### الرهبنة.. اقتراب من أزمتها - Published: ۲۰۲٤-۱۱-۱۱ - Modified: 2024-11-11 - URL: https://tabcm.net/31563/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس السادس, يوأنس التاسع عشر ضبط حياة الراهب والتزاماته ونذوره الرهبانية التقليدية (البتولية والعفة، العزلة، الفقر الاختياري، عدم القنية، الطاعة) هي القضية التي شغلت الكنيسة المعاصرة، وكانت عودة الرهبان المقيمين خارج الأديرة إلى أديرتهم القرار الأول أو الرئيسي الذي أصدره الآباء البطاركة؛ البابا كيرلس السادس والبابا شنودة الثالث والبابا تواضروس الثاني، وشهد هذا الأمر مع ثلاثتهم صورا كثيرة للتحايل عليه وكسره حتى الآن. وثمة ظاهرة أخذة في التوسع في العصور الثلاثة، وهي منح الراهب رتبة كهنوتية (قس) التي بدأت على استحياء مع حبرية البابا كيرلس، لتتفاقم حتى صارت الأديرة تضع قوائم انتظار لرسامة رهبانها كهنة، بعد أن كان الاسقيط بجملته يخدمه كاهن واحد عُرف في أدبيات الرهبنة بـ(قس الاسقيط). ترتب على ذلك أن صار من حق الراهب القس تلقي اعترافات زوار الدير- أو من يزورهم خارجه- وينفتح أكبر باب للحرب الروحية على الراهب والمعترفين والمعترفات، وتختل منظومة الاعتراف بالتبعية في الكنائس المحلية، حيث يفضل الشباب الاعتراف بعيدًا عن كنيسته لأسباب متوهمة وربما نفسية. ومع التطور في مشاريع الأديرة الإنتاجية في استصلاح الأراضي أو التنمية الحيوانية والداجنة وما استتبع ذلك من مشاريع التصنيع الزراعي، تحول الراهب إلى تُرْس في آلة الإنتاج الكبيرة، لترتبك التزاماته الأساسية ونذوره وتغازله (القنية) وتطارده محبة المال. ومن ضمن الضربات اليمينية التي حذر منها مؤسسو الرهبنة وأعلامها إنشاء إكليريكيات للرهبان، داخل الأديرة، الأمر الذي يخلق داخل الراهب شعورًا يصل إلى حد اليقين بأنه صار مؤهلًا ليكون معلمًا، فتضيق عليه قلايته ويسعى للنزول لخدمة الكنيسة في العالم، وهو أمر يختلف عن الحرص على تعليم الراهب، أصول الرهبنة ونمو حياته الروحية والتتلمذ على فضائل الرهبنة وآبائها، ويتوجب التفريق هنا بين التعليم الإكليريكي والتعليم الرهباني، وهو ما انتبهت إليه الكنيسة في حبرية البابا يوأنس التاسع عشر الذي أنشأ مدرسة الرهبان بحلوان لإعداد من يرشح من الرهبان لرتبة الأسقفية، وقدمت للكنيسة العديد من الأساقفة الأتقياء، حتى أُغلقت في مطلع ستينيات القرن الماضي. ملاحظة: إكليريكية دير المحرق تعد الكهنة من الشمامسة المدنيين. لذا وجب أن تدرس الكنيسة تفكيكًا لكل هذه المخاطر، وبشكل موضوعي إنشاء نسق الرهبنة الخادمة أو العاملة، وترتب لها المهام والحياة الخاصة بها (بعيدًا عن الرهبنة التقليدية التي لها دورها الروحي الداعم للكنيسة والحافظ لتراثها). وقد سبقتنا كنائس تقليدية رسولية في هذا الأمر، وقد شهدنا بمصر منذ القرن الثامن عشر هذه الرهبانيات الخادمة فيمَا عرف بالإرساليات، التي أسست العديد من المدارس والمستشفيات ودور الإيواء، وما زالت، وشرّعت أبواب خدماتها لكل المصريين، وكانت عنصرًا مؤثرًا في دعم سلام المجتمع. --- ### دفاعا عن د. جوزيف موريس فلتس - Published: ۲۰۲٤-۱۱-۱۰ - Modified: 2024-11-12 - URL: https://tabcm.net/31529/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: آدم, آريوسية, أنبا بيمن، أسقف ملوي, التبني, الثالوث القدوس, العصور الوسطى, النسطورية, بابا كيرلس عمود الدين, بولس البوشي, تادرس يعقوب ملطي, تجسد الكلمة, تدبير الخلاص, چوزيف موريس فلتس, سر الزيجة, ضد الآريوسيين, قبل السقوط, قديس أثناسيوس الرسولي, قديس أوغسطينوس، أسقف هيبو, قديس إيرينيئوس، أسقف ليون, قديس بولس الرسول, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية شرف لا أستحقه أن أكتب عن د. جوزيف موريس فلتس الذي لا يحتاج لدفاع، إذ إن معظم كتاباته إما أنها ترجمات أو اجترار لكتابات وأفكار الآباء الأولين، فالدفاع عنه هو دفاع عن فكر الآباء والذين لا يحتاجون لدفاع. بل بالحري من يتأففون من كلمات الآباء هم المحتاجين لمن يدافع عنهم شرف لا أستحقه أن أكتب عن د. جوزيف موريس فلتس الذي لا يحتاج لدفاع، إذ إن معظم كتاباته إما أنها ترجمات أو اجترار لكتابات وأفكار الآباء الأولين، فالدفاع عنه هو دفاع عن فكر الآباء والذين لا يحتاجون لدفاع. بل بالحري من يتأففون من كلمات الآباء هم المحتاجين لمن يدافع عنهم... إلا أن في أيامنا هذه، يبدو أننا لابد أن نُدافع عن التراث الآبائي ومترجميه أمام اتهامات يسطرها البعض غالبًا عن جهل. أتُهم د. جوزيف بالاتهامات التالية من خلال صفحات مشبوهة على وسائل التواصل الاجتماعي، إذ إن محاربيه لا يمتلكون الشجاعة الكافية لمواجهته. فكيف يواجهوا من يقرأ الآباء بلغاتهم الأصلية وغالبيتهم لم يقرأ بعد كل ترجماته... أولًا: القول بأن المسيح كان سيتجسد لو لم يخطئ آدم المسيح كان سيتجسد لو لم يُخطئ آدم. طبعًا ده سؤال افتراضي. لكن لما نشوف خطة تدبير الله للخلاص، نقدر نقول أيوة. لأن علاقة آدم قبل السقوط بالله لم يكن فيها هذا الاتحاد بين الطبيعة البشرية والطبيعة الإلهية التي تمت في شخص يسوع المسيح. هو كان عاوز يوحدنا بيه وده متمش غير في الخليقة الجديدة... فإحنا حتى ساعات لما بنتكلم وبنقول عن وضعنا... هل إحنا بعد الخلاص وبعد تجديد الطبيعة وبعد التجسد، هل عدنا كما كنا قبل السقوط؟ بل وأفضل. كانت علاقة آدم بالله وعلاقة الله بآدم كانت علاقة فيها شركة لكن مفيهاش اتحاد كده... اللي يخلينا نعرف ونقيم بالضبط ونقدر بالضبط اللي عمله المسيح معانا. (جوزيف موريس فلتس) من الواضح أن د. جوزيف يعي أن السؤال افتراضي، ولا يمكن إزاء الأسئلة الافتراضية سوى التخمين، ولكن طريقة التخمين تعكس ما إذا كانت آلية البحث عن الإجابة هي آلية أرثوذكسية أم لا. فبالنسبة له، التجسد لم يكن مجرد إبطال أو إلغاء لخطية آدم، بل أنه أكثر من ذلك فهو اتحاد بين الطبيعة اللاهوتية والطبيعة البشرية، الأمر غير الممكن بمعزل عن التجسد. ويا للعجب فهؤلاء يروا في هذه الإجابة التي تُعظم من قدر التجسد والخلاص تقليلًا من ِشأن عقيدة الخلاص... هنا نورد نصًا كتابيًا من رسالة أفسس ((رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس 1: 3-12، 22-23 )) مُبَارَكٌ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي بَارَكَنَا بِكُلِّ بَرَكَةٍ رُوحِيَّةٍ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ، 4 كَمَا اخْتَارَنَا فِيهِ قَبْلَ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، لِنَكُونَ قِدِّيسِينَ وَبِلاَ لَوْمٍ قُدَّامَهُ فِي الْمَحَبَّةِ، 5 إِذْ سَبَقَ فَعَيَّنَنَا لِلتَّبَنِّي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ لِنَفْسِهِ، حَسَبَ مَسَرَّةِ مَشِيئَتِهِ، 6 لِمَدْحِ مَجْدِ نِعْمَتِهِ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْنَا فِي الْمَحْبُوبِ، 7 الَّذِي فِيهِ لَنَا الْفِدَاءُ بِدَمِهِ، غُفْرَانُ الْخَطَايَا، حَسَبَ غِنَى نِعْمَتِهِ، 8 الَّتِي أَجْزَلَهَا لَنَا بِكُلِّ حِكْمَةٍ وَفِطْنَةٍ، 9 إِذْ عَرَّفَنَا بِسِرِّ مَشِيئَتِهِ، حَسَبَ مَسَرَّتِهِ الَّتِي قَصَدَهَا فِي نَفْسِهِ، 10 لِتَدْبِيرِ مِلْءِ الأَزْمِنَةِ، لِيَجْمَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ، مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، فِي ذَاكَ 11 الَّذِي فِيهِ أَيْضًا نِلْنَا نَصِيبًا، مُعَيَّنِينَ سَابِقًا حَسَبَ قَصْدِ الَّذِي يَعْمَلُ كُلَّ شَيْءٍ حَسَبَ رَأْيِ مَشِيئَتِهِ، 12 لِنَكُونَ لِمَدْحِ مَجْدِهِ، نَحْنُ الَّذِينَ قَدْ سَبَقَ رَجَاؤُنَا فِي الْمَسِيحِوَأَخْضَعَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ، وَإِيَّاهُ جَعَلَ رَأْسًا فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ لِلْكَنِيسَةِ، 23 الَّتِي هِيَ جَسَدُهُ، مِلْءُ الَّذِي يَمْلأُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ. (رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس 1: 3-12، 22-23) ودون شك لا يوجد تغيير في الله، فقصد التجسد كان في علم الله منذ الأزل. وإن كنا معينين في يسوع المسيح منذ تأسيس العالم إذن فالتجسد كان أمرًا حتميًا لا عرضيًا. ولعل أفضل طريقة لحسم هذا الموضوع هي أن نبحث عما كان عليه آدم قبل السقوط وما صارت إليه الإنسانية بعد التجسد والفداء واكتمال تدبير الخلاص. فلو عاد الإنسان لما كان عليه قبل سقوط، لكان التجسد لن يحدث ما لم يُخطئ آدم، ولكن لو أن ما نحن فيه من فعاليات الخلاص يسمو على ما كان فيه آدم قبل السقوط، إذن فمن المحتمل أن تكون الإجابة المنطقية هي أن الكلمة كان سيتجسد حتى ولو لم يُخطئ آدم ليعطي هذه النعم الإضافية التي لم تكن متاحة لآدم حتى قبل سقوطه. وسنحصر هنا بعض من أقوال الآباء في هذا الموضوع مركزين بالأكثر على أقوال القديسين إيرينيئوس وأثناسيوس وكيرلس: فإن كانوا وهم في الحالة الطبيعية حالة عدم الوجود، قد دعوا إلى الوجود بقوة الكلمة وتحننه، كان طبيعيًا أن يرجعوا إلى ما هو غير وجود، عندما فقدوا كل معرفة بالله. لأن كل ما هو شر فهو عدم، وكل ما هو خير فهو موجود. ولأنهم حصلوا على وجودهم من الله الكائن، لذلك كان لابد أن يُحرموا إلى الأبد، من الوجود. وهذا يعني انحلالهم وبقائهم في الموت والفساد. فالإنسان فانٍ بطبيعته لأنه خلق من العدم، إلا أنه بسبب خلقته على صورة الله الكائن كان ممكًنا أن يقاوم قوة الفناء الطبيعي ويبقى في عدم فناء لو أنه أبقى الله في معرفته كما تقول الحكمة حفظ الشرائع تحقق البلى، وبوجوده في حالة عدم الفسادكان ممكًنا أن يعيش منذ ذلك الحين كالله كما يشير الكتاب المقدس إلى ذلك حينما يقول أنا قلت إنكم آلهة. وبنوا العليّ كلكم، لكن مثل الناس تموتون وكأحد الرؤساء تسقطون. ((أثناسيوس الرسولي، تجسد الكلمة 4: 5-6 )) (أثناسيوس الرسولي، تجسد الكلمة 4: 5-6)   لقد صار مثل هذا الاتحاد، لكي يصير ما هو بشري بحسب الطبيعة متحدًا بالذي له طبيعة اللاهوت، فيصير خلاصه وتأليهه مضمونًا. ((أثناسيوس الرسولي، ضد الاريوسيين 2: 70 )) (أثناسيوس الرسولي، ضد الاريوسيين 2: 70)   لم يكن ممكنًا أن نشترك في عدم الفساد وعدم الموت، إلا باتحادنا بذاك الذي هو نفسه عدم الفساد وعدم الموت. ولكن كيف كان يمكن أن نتحد بالذي هو عدم الفساد وعدم الموت ما لم يكن عدم الفساد وعدم الموت هو نفسه قد سبق وصار على حالنا ، حتى يُبتلع الفاسد من عدم الفساد والمائت من عدم الموت، فننال التبني. ((إيرينيؤس، ضد الهرطقات 3: 19: 1 )) (إيرينيؤس، ضد الهرطقات 3: 19: 1)   فالكلمة الذي من الله الآب يرفعنا إلى هذه الامتيازات، إذ يجعلنا شركاء طبيعته الإلهية، بواسطة الروح القدس، وبذلك صار له اخوة مشابهون له، ولابسون صورة طبيعته الإلهية. ((كيرلس الكبير، ضد نسطور 3 )) (كيرلس الكبير، ضد نسطور 3)   اقتنى لنفسه جسدًا قابلًا للفساد بحسب طبعه الخاص، لكي يستطيع بكونه هو نفسه الحياة أن يزرع في الجسد امتيازه الخاص الذي هو الحياة. ((كيرلس الكبير، المسيح واحد )) (كيرلس الكبير، المسيح واحد)   والآن لو أن الموت كان خارج الجسد لكان من الملائم أيضًا أن تصير الحياة خارج الجسد أيضًا. ولكن ما دام الموت قد صار داخل نسيج الجسد وبوجوده في كيانه صار سائدًا عليه لذلك كان من اللازم أن تصير الحياة داخل نسيج الجسد أيضًا حتى إذا لبس الجسد الحياة بدل الموت فإنه يطرح عنه الفساد. وإضافة إلى ذلك فلو افترضنا أن الكلمة قد جاء خارج الجسد وليس فيه، لكان الموت قد هُزم منهبحسب قانون الطبيعة، إذ إن الموت ليس له سلطان على الحياة. ولكن رغم ذلك، كان الفساد سيظل باقيًا في الجسد. لهذا السبب كان من الصواب أن يلبس المخّلص جسدًا لكي إذا اتحد الجسد "بالحياة" لا يعود يبقى في الموت كمائت، بل إذ قد لبس عدم الموت فإنه يقوم ثانية ويظل غير مائت فيما بعد. ولأنه كان قد لبس الفساد فإنه لم يكن ممكًنا أن يقوم ثانية ما لم يلبس الحياة. وكما أن الموت بحسب طبيعته لم يكن ممكًنا أن يظهر إلا في الجسد لذلك لبس الكلمة جسدًا لكي يلاقي الموت في الجسد ويبيده. لأنه كيف كان مستطاعًا البرهنة على أن الرب هو "الحياة " ما لم يكن قد أحيا ما كان مائًتا؟ ((أثناسيوس الرسولي، تجسد الكلمة 44: 5-6 )) (أثناسيوس الرسولي، تجسد الكلمة 44: 5-6)   إن التأكيد على أن الكلمة حل فينا هو نافع، لأنه يعلن لنا أيضًا سرًا عميقًا جدًا، لأننا كنا كلنا في المسيح. فالعنصر المشترك للبشرية قد تركز في شخصه، وهذا هو السبب في تلقيبه بآدم الأخير، فهو أغنى طبيعتنا البشرية المشتركة بكل ما يوصل لها الفرح والمجد، مثلما فعل آدم الأول إذ أفقرنا بكل ما أتى بها إلى الفساد والحزن... وهذا هو بالتحديد السبب في أن الكلمة حل فينا كلنا حينما حل في كيان بشري مفرد، لأنه من خلال هذا الواحد الذي تعين ابن الله بقوة من جهة روح القداسة ((رومية 1: 4 ))، فإن كل البشرية ترتفع إلى قامته، حتى إن الآية القائلة أنا قلت أنكم آلهة وبنو العلي كلكم ((مزمور 82: 6 ))، كرر ذكرها المسيح ((يوحنا 10: 34 ))، ومن خلال تطبيقها على واحد مناتنطبق علينا جميعًا... وهكذا يحلفي الجميع، لما حل وسكن في هيكل واحد مأخوذ منا و لأجلنا، إذ احتوانا كلنا في نفسه لكي يصالحنا جميعًا في جسد واحد مع الله الآب كما يقول بولس الرسول. ((كيرلس الكبير، تفسير يوحنا 1: 14 )) (كيرلس الكبير، تفسير يوحنا 1: 14)   لذلك يُدعى المسيح آدم الثاني، لأنه استطاع أن يوصل إلى طبيعتنا كل نعم السعادة والخلود والمجد، وذلك بالمثل كما استطاع آدم الأول أن يوصل إلى طبيعتنا لعنه الفساد والمذلة. ((كيرلس الكبير، تفسير يوحنا 1:14 )) (كيرلس الكبير، تفسير يوحنا 1:14)   إن المسيح هو إنسان بدء، فقد صار أصلًا وباكورة للذين يتحولون إلى حياة جديدة في الروح، فهو من الآن ينقل إلى كل الجنس البشري بالنعمة والمشاركة، عدم فساد جسده وثبات لاهوته. ولذلك كتب بولس اللاهوتي، كما لبسنا صورة الترابي سنلبس أيضًا صورة السماوي. ((كيرلس الكبير، في تجسد الابن الوحيد )) (كيرلس الكبير، في تجسد الابن الوحيد)   لقد جاء ابن الله وتأنس لكي يرد الذي لنا في نفسه هو أولًا إلى ميلاد جديد وحياة جديدة مقدسة عجيبة واعجازية بالحقيقة. فقد صار هو بصفته الأول مولودًا من الروح القدس. أقصد بحسب الجسد. لكي تصل النعمة إلينا عن طريقه، فنرتقي نحن أيضًا إلى ميلاد جديد روحي لا من دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل لكن من الله بواسطة الروح. ((كيرلس الكبير، المسيح واحد )) (كيرلس الكبير، المسيح واحد)   حينئذ استقر الروح عليه... حتى يسكن فينا نحن أيضًا الروح، من حيث إنه استقر على الباكورة الثانية لجنسنا، أي على المسيح الذي دُعي لهذا السبب آدم الثاني. لذلك فقد تجددت أعماقنا إلى حالة أفضل بلا قياس وربحنا الولادة الجديدة الفائقة الصلاح من الروح إذ لم تعد لنا بعد الولادة الأولى الجسدية، أي التي للفساد والخطية... بل الولادة الفوقانية التي من الله بالروح إن كان حقاً ما كُتب للذين ليسوا من دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل لكن من الله ولدوا. ((كيرلس الكبير، تفسير يوئيل 2: 27 )) (كيرلس الكبير، تفسير يوئيل 2: 27)   لأنه لم يكن محتاجًا أن يأتي من أجل نفسه هو، بل قد جاء ليصير لنا جميعًا بداية وطريقًا وبابًا للخيرات السماوية. ((كيرلس الكبير، تفسير يوحنا 1: 32-33 )) (كيرلس الكبير، تفسير يوحنا 1: 32-33)   فكما أنه قريب للآب والآب قريبه بسبب وحدة الطبيعة، هكذا أيضًا نحن أقرباؤه وهو قريبنا من حيث إنه صار إنسانًا. ((كيرلس الكبير، تفسير يوحنا 10: 14 )) (كيرلس الكبير، تفسير يوحنا 10: 14)   نحن صرنا له أخوة بسبب أنه هو صار مثلنا. ((كيرلس الكبير، تفسير مزمور 21: 23 )) (كيرلس الكبير، تفسير مزمور 21: 23)   وبالإجماع قد صرنا أقرباء لله الآب بالجسد في سر المسيح. ((كيرلس الكبير، تفسير يوحنا 8: 73 )) (كيرلس الكبير، تفسير يوحنا 8: 73)   الكلمة من جهة متحد بالبشرية بسبب الجسد المتحد به، ومن جهة أخرى هو متحد اتحادًا طبيعيًا بالآب، كونه إلهًا بحسب الطبيعة. وهكذا يرتقي العبد إلى درجة البنوة بواسطة اتحاده بالذي هو ابن بالحقيقة. فيُدعى ويرتقي أيضًا إلى الامتياز الخاص بالذي هو وحده ابن بحسب الطبيعة. ((كيرلس الكبير، تفسير يوحنا 1: 32 )) (كيرلس الكبير، تفسير يوحنا 1: 32)   يأخذ الذي لنا... لكي يُنعم علينا بالذي له. ((أثناسيوس الرسولي، الرسالة إلى إبكتيتوس )) (أثناسيوس الرسولي، الرسالة إلى إبكتيتوس)   لقد صار مثلنا، أي إنسانًا، لكي يجعلنا مثله أعنى آلهة وأبناء، وهكذا أخذ لنفسه خاصة ما هو لنا وأعطانا عوضًا ما هو له. ((كيرلس الكبير، تفسير يوحنا 20: 17 )) (كيرلس الكبير، تفسير يوحنا 20: 17)   صار إنسانًا لكي يؤلهنا نحن. ((أثناسيوس الرسولي، تجسد الكلمة 54: 3 )) (أثناسيوس الرسولي، تجسد الكلمة 54: 3)   كان آدم قبل المعصية، نائلًا النعمة من الخارج دون أن يقتنيها متحدة بالجسد. ((أثناسيوس الرسولي، ضد الآريوسيين 2: 68 )) (أثناسيوس الرسولي، ضد الآريوسيين 2: 68)   إن البشرية تكمّلت فيهفهي استردت ما كانت عليه في خلقتها منذ البدء، ولكن بنعمة أكبر. ((أثناسيوس الرسولي، ضد الاريوسيين 2: 67 )) (أثناسيوس الرسولي، ضد الاريوسيين 2: 67)   فإن قالوا ما الذي اضطره للتجسد؟ يقال لهم ومن الذي اضطره لخلقه آدم و ذريته؟ فإن سألوا عن ذلك، يقال لهم جوده و تفضله ((بولس البوشي، مقالة في الثالوث والتجسد )) (بولس البوشي، مقالة في الثالوث والتجسد) مما سبق لا يوجد مجالًا للتشكك في أن ما آلت عليه حالة البشرية من نعم بعد التجسد، تجعل البشرية الآن في حالة أفضل بكثير لا تُقارن بما كان عليه آدم قبل السقوط. يكفينا أن البشرية كانت لا تشترك في جسد الرب ودمه والآن صار هذا ممكنًا. وإذ يتبين أن هناك ما أضيف لحالة الطبيعة البشرية بالتجسد عن مجرد رد البشرية لرتبتها الأولى، يصير من الممكن، بل ومن الطبيعي أن نتوقع حدوث التجسد لأجل إعطاء هذه النعم الإضافية ولو لم يكن هناك حاجة لغفران الخطايا. وجاء رد بن المكين في العصور الوسطى حاسمًا في هذا الموضوع ((جرجس بن المكين، القرن الثالث عشر، الحاوي ))، ((جرجس بن المكين، القرن الثالث عشر، مختصر البيان في تحقيق الإيمان )): إن التجسد كان أمرًا واقعًا سيحدث وذلك في حال أخطأ آدم أو لم يخطئ... إنه لا يصح أن يُقال أن آدم أب البشر لو لم يخالف الوصية ويخرج من الفردوس لم يكن التجسد المجيد فهذا الاعتقاد خاطئ... إذ يجب أن نعلم أن التجسد كان أمرًا ضروريًا في ظهوره لخليقته، وأنه قيل إنه لسبب آدم أو لعلة خارجية أو لحادثة من الحوادث الخارجة عن ذاته تعالى كان ذاك قدحًالجوده تعالى، ويترتب على زعمهم هذا، إن التجسد كان بطريق عرضي صادر عن خطية آدم وفي الحق أنه لا يجب أن يُوقف جود الله على شرط حادث... لكن لما كان من كمال جوده أن يجود بنهاية الجود وأكمله، وهو ذاته تعالى، فلذلك أظهر كمال جوده بواسطة تمكن البشر من مباشرتها والقرب منها ولو مُنع ظهور الله متجسدًا وما نتج من جزيل النفع مع القدرة على إمكانياته. (جرجس بن المكين، القرن الثالث عشر، الحاوي)   الخلاصة: وإذا صح القول عند التحقيق أن ظهور هذا السر كان أمراً مزمعاً نقلا وعقلا قبل كون العالمين. فلا يجب أن يقال أن سقطة أدم ومخالفته كانت وجهاً من الوجوه في ظهوره. وإلا لزم أن يكون جوده قد ظهر بطريق العرض علي شرط حادث. وهذا من أشنع القول وأفسده فجوده الذي ظهر بواسطة تجسد كلمته هو بالذات لا بالعرض. (جرجس بن المكين، القرن الثالث عشر، مختصر البيان في تحقيق الإيمان) وفي العصر الحديث، يقول نيافة الأنبا بيمن بالشيء ذاته ((نيافة الأنبا بيمن، التجسد الإلهي، صـ 4-5 )): "وإذ يوضح أن هذه المشيئةكانت من سابق الدهور يقول أيضًا كما اختارنا فيه قبل تأسيس العالم لنكون قديسين وبلا لوم قدامه في المحبة إذ سبق فعيننا للتبني بيسوع المسيح لنفسه حسب مسرة مشيئته ((أفسس 1: 4-10 )). يا لعظم هذه المشيئة التي امتلأت حبًا! ! هذه التي جعلت بعض آباء الكنيسة يقولون إن العالم لم يخلق إلا بغية أن يصبح كنيسة. وأن قصد الآب من تجسد ابنه لم ينحصر في فداء آدم وبنيه فحسب؛ ولكن حبه امتد لكي يشترك الإنسان في الحياة الإلهية... حياة الثالوث القدوس الفائق الغنى. (نيافة الأنبا بيمن، التجسد الإلهي، صـ 4-5) فمن يود أن يُسائل د جوزيف عن إجابة سؤال افتراضي—الأمر الذي لا يمكن وصفه إلا بالعبث—فيجب عليه أن يُسائل هؤلاء أيضًا. ثانيًا: القول بأن ذهبي الفم يعادل بين فراش سرير الزوجية وفراش المذبح يقول ذهبي الفم أن الملاية الموضوعة على السرير الذي ينام عليه الرجل مع أمرأته ويمارسوا سر الزيجة تحت أيقونة السيد المسيح الموضوعة فوق السرير. هذه الملاية تعادل ستر المذبح اللي بيتحط عليه جسد ودم الرب... ويُسأل ذهبي الفم: ليه؟ لأن هناك تقدم ذبيحة حب وهنا تقدم ذبيحة حب. (جوزيف موريس فلتس) وهنا أبدأ بأني لم أجد المصدر لهذه الكلمات إلا أنني وجدت الكلمات التالية ليوحنا ذهبي الفم، والتي لا تبعد كثيرًا في نقاوة فهمها للزيجة ((يوحنا ذهبي الفم، العظة الثانية عشر )): كيف يصيران جسدًا واحدًا؟ كأن قطعة من أنقى جزء من الذهب تمتزج بذهب آخر، هكذا بالحقيقة تتقبل المرأة أغنى جزء لتلتحم كما في بهجة فيحدث انتعاش وتدليل، وتقوم بالمشاركة معه لإنجاب كائن بشري. هكذا يكون الطفل جسرًا خلاله يصير الثلاثة واحدًا... أنا أعرف أن البعض يخجلون مما أقوله، ذلك بسبب نجاستهم ودنسهم... لماذا نخجل مما هو مكرَّم... إنكم تدينون الله الذي سِنَّ هذه الأمور. (يوحنا ذهبي الفم، العظة الثانية عشر)   بالتأكيد لو كان الزواج مُدانًا لما كان القديس بولس يدعو المسيح والكنيسة عريسًا وعروسًا. ((يوحنا ذهبي الفم، العظة العشرون )) (يوحنا ذهبي الفم، العظة العشرون) جدير بالذكر أن كلا الاقتباسين وردا في كتاب دعوني أنمو من تأليف القمص تادرس يعقوب ملطي والذي كتبه للشباب المراهقين... إلا أن عقول مهاجمي د. جوزيف لم تنضج أو ترتقي بعد لمستوى عقول المراهقين الذين يكتب لهم القمص تادرس. وإن كانت هذه الاقتباسات غير كافية لإثبات قدسية الزيجة وربطها بسر المسيح والكنيسة، فكلمات ق. أغسطينوس التالية لا تدع مجالًا للشك في كون هذا المفهوم متماشي مع المفهوم الأرثوذكسي للربط بين الزيجة والصليب بل وتزيد عن القول المنسوب ليوحنا ذهبي الفم من قِبَل د. جوزيف أعلاه ((Augustine, Sermo Suppositus, 120:3 )): كعريس ذهب المسيح لفراش الزوجية... جاء لفراش زوجية الصليب وهناك صعد فوقه وتمم زيجته. وحين سمع تأوهات الخليقة في أنفاسها، أسلم ذاته حبًا للعذاب بدلاً عن عروسه ووحد نفسه بها إلى الأبد. (Augustine, Sermo Suppositus, 120:3) --- ### الإخوان وحكومة النقراشي - Published: ۲۰۲٤-۱۱-۰۹ - Modified: 2024-11-12 - URL: https://tabcm.net/30382/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أحمد السكري, أحمد حسنين باشا, أحمد عادل كمال, أحمد ماهر باشا, إسماعيل صدقي باشا, الإخوان المسلمين, الحرب العالمية الثانية, الشيوعية, اليسار, حسن أحمد عبد الرحمن محمد البنا, رئيس محمد أنور السادات, عبد الرحمن الرافعي, عبد الرحمن علي فراج السندي, فيليب إيرلاند, كريم ثابت, مايلز ويديربيرن لامبسون, محمود فهمي النقراشي باشا, محمود لبيب, مصر الفتاة, مصطفى أمين, مصطفى مؤمن, ملك فؤاد, ملك فاروق, يوسف رشاد أثار مقتل أحمد ماهر خوف الملك فاروق، وهذا دعاه إلى تكليف الرجل القوي محمود فهمي النقراشي لرئاسة الوزارة بالإضافة إلى منصب وزير الداخلية في نفس الوقت، ليعود بالأمن إلى البلاد ويحد من نشاط الجماعة، وجاء النقراشي إلى سدة الوزارة في جو تسوده المظاهرات والاضطرابات التي عمت البلاد.  كان النقراشي بالرغم من عنفه الشديد معروفًا بصدق الوطنية وعفة النفس واليد، وفي خطاب العرش قال النقراشي للملك؛ اعتزمت على سياسة الحزم في تحقيق الأمن والنظام. وقد كان الغضب ملأ فاروق من ناحية الإخوان وعنفهم الذي ملأ البلاد، فأعطى كل الصلاحيات للنقراشي للتصدي لهم وبكل قوة، ولم يكن النقراشي يحتاج لأي أوامر من فاروق، فهو يحمل بداخله غضبًا من اغتيال رفيقه أحمد ماهر وشريك نضاله في حزب الوفد ثم في كتلة السعديين ، ولم يضيع النقراشي الوقت كما قال، فأصدر بكل سرعة وحزم قراراته بمنع الاجتماعات لكلًا من الإخوان المسلمين وحزب مصر الفتاة واللجنة العليا للحزب الوطني، كون البلد في حالة حرب وسيولة وتفكك، وتم القبض على كل العناصر القيادية في كل الحركات التخريبية وعلى رأسهم حسن البنا وأعضاء مكتب الإرشاد لمخالفتهم قرار الحاكم العسكري بمنع الاجتماعات، لكنه أفرج عنهم بعد عشرة أيام، فالأمر لم يكن يعدو أكثر من تمليصة أذن، لكى يعلم البنا وجماعته أنهم ليسوا بمنأى عن الاعتقال مثل غيرهم. وقد وعى البنا الدرس جيدًا وعلم أنه ليس بعيد عن أنياب النقراشي، وشعر بالخطر وباقتراب النهاية، وكخطوة لأثبات حسن النوايا، ذهب البنا للنقراشي في مكتبه لتقديم العزاء في وفاة أحمد ماهر الذي قتله عبد الرحمن السندي بيد باردة، معلنًا للنقراشي خضوعه التام ومستنكرًا ما حدث لأحمد ماهر، نافيًا أن يكون للجماعة يد في قتله، وفي نفس الوقت محاولًا عقد صفقة تحالف بين النقراشي وحكومته، لكن النقراشي لم تنطلي عليه مهاترات البنا، فرفض رفضًا قاطعًا أن يناقش حتى اقتراحه بالتحالف، فأدرك البنا والإخوان الآن أنهم في وضع حساس وبلا أي غطاء يحميهم وبلا أي دعم حكومي، مع فقدان جزء لا يستهان به من شعبيتهم في الشارع خاصة بعد تخلي القصر عنهم. كان النقراشي قد أتى رئيسًا للحكومة رغمًا عن الإنجليز الذين لم يكن النقراشي على وفاق معهم أبدًا، ولكن نظرًا للتسيب الحادث في البلد، وافق الإنجليز به على مضض ليتصدى للانفلات الأمني والحوادث الإرهابية، وفي الوقت ذاته، أصدر البنا قراره بتنفيذ العديد من العمليات الإرهابية حتى يثبت فشل النقراشي في إعادة الأمن، فلا يعود هناك مبررًا لتغاضى الإنجليز عن وجوده فيطيحون به في أقرب وقت، في نفس الوقت كانت تلك التفجيرات تستهدف محال اليهود -بغض النظر عن كونهم مدنيين عزل ومصريين صميمين-، فتعود شعبية الجماعة في الشارع مرة أخرى. لكن موجة العنف أتت بعكس ما أراد البنا، ودفعت لامبسون إلى التمسك أكثر بالنقراشي وقبضته الحديدية، فدعي الإخوان لمظاهرة كبرى في الجامع الأزهر شارك فيها الطلبة ضد اليهود يوم الجمعة 2 نوفمبر 1945، وقدم الإخوان سيارات النقل التابعة للجماعة لنقل الطلاب، وقذفوا المتاجر اليهودية والمعبد اليهودي بالموسكي بالحجارة، حتى بلغت خسارة أحد محلات الملابس المملوكة ليهودي 60 ألف جنيه مصري وهو مبلغ مهول بمقياس هذا التاريخ، وتجمعت الشرطة محاولة فض هذا الشغب بلا جدوى، حتى إن النقراشي بنفسه شارك في القبض على بعضًا من مثيري الشغب دون أن فائدة، حتى أتى البنا مختالًا كطاووس وأمر الجماهير بفض المظاهرة، فأطاعوه. كانت العلاقة بين الملك فاروق والبنا قد ساءت كثيرًا في الآونة الأخيرة، فقد تأكد لفاروق أن البنا لا يلعب لصالح القصر بل لصالح جماعته، فسعى البنا بمساعدة الصاغ محمود لبيب، وكيل الإخوان المسلمين للشئون العسكرية، إلى مقابلة أنور السادات الضابط في الحرس الحديدي للملك، ليطلب منه بدوره أن يساعده في مقابلة يوسف رشاد طبيب الملك والمسئول عن الحرس الحديدي طلبًا في مقابلة الملك شخصيًا لطلب الغفران وتقديم فروض الولاء والسمع والطاعة، ولتحسين الأوضاع بين الجماعة وبين الملك، فطلب يوسف رشاد الإذن من فاروق لمقابلة البنا، فرفض فاروق في المرة الأولى، ثم عاد ووافق في المرة الثانية. والتقى البنا والسكري مع يوسف رشاد الذي رفض طلب البنا بمقابلة الملك، ولكنه وعده بتوصيل طلباته للملك، إلا أن البنا تمادى في حديثه، وساوم رشاد على أن تغمض الجماعة أعينها عن تصرفات الملك وسهراته الماجنة وعن تصرفات الملكة الأم، مقابل أن تعمل الجماعة على تحسين صورة فاروق في الشارع مرة أخرى وترفع من شعبيته، وساوم أيضًا على أنه هو وجماعته سيكونون الحائط الصلب ضد الشيوعيين والحركة الشيوعية، وأنهم سيكونون خط الدفاع الأول عن الملك، مقابل أن يرفع النقراشي يده عن الإخوان. أعجب يوسف رشاد بعرض البنا، ونقل الصفقة للملك فاروق، لكن فاروق أجابه؛ حسن البنا ضحك عليك. ، والواقع أن اقتراح البنا على يوسف رشاد يحمل هدفًا مزدوجًا، الأول؛ هو حماية فاروق، والثاني؛ هو ضرب الشيوعين، فقد رأى الإخوان في قوى اليسار والشيوعيين خطرًا كبيرًا خاصة بعد أن لاقوا شعبية كبيرة بين الطبقات الفقيرة البائسة من خلال برامجهم عن العدالة وحقوق الفقراء، فعمد الإخوان إلى تشويههم وقالوا عنهم أنهم أخطر من التبشيريين، وإنهم سيهدمون المساجد ويمنعون العبادة ويبيحون الأعراض ويذلون الأديان، ووصل الأمر بالإخوان إلى حد التحالف مع الغرب وأمريكا لضرب قوى اليسار، حتى إن البنا قد طلب من فيليب إيرلاند، السكرتير الأول للسفارة الأمريكية بالقاهرة، في 29 أغسطس 1947، إنشاء مكتب مشترك بين الإخوان والأمريكان لمكافحة الشيوعية، على أن يكون أغلب أعضاءه من الإخوان وأن تتولى أمريكا الإدارة ودفع مرتبات أعضاءه من الإخوان مذبحة كوبري عباس كان الشعب المصري تحدوه آمال عريضة في الاستقلال، خصوصًا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وتأسيس عصبة الأمم التي أخذت تلعب دورًا مناصرًا للشعوب في تقرير مصيرها، فأعاد فاروق فتح باب المفاوضات مرة أخرى مع بريطانيا حول الجلاء، ولكن الرد البريطاني في 26 يناير 1946 عاد وأكد علي الثوابت الرئيسية التي قامت عليها معاهدة 1936، والتي أعطت مصر استقلالًا منقوصًا يتمثل في بقاء قوات بريطانية في مصر لتأمين قناة السويس، فكان الرد البريطاني بمثابة صفعة لكل آمال الشعب المصري، فاندلعت المظاهرات العارمة للطلبة في كل أنحاء مصر تطالب بالجلاء وقطع المفاوضات. وفي يوم 9 فبراير 1946، خرج الطلبة في مظاهرة من جامعة الملك فؤاد الأول إلي قصر عابدين، وسلكوا طريق كوبري عباس، وتصدي لهم البوليس وحاصرهم فوق الكوبري، واختلفت الآراء حول مسألة فتح الكوبري ومحاصرة الطلبة من عدمه، فبينما يروى خصوم النقراشي بما فيهم الإخوان المسلمون أنه تم فتح الكوبري لمحاصرة الطلبة، فأضطر العديد من الطلبة إلى إلقاء أنفسهم من فوق الكوبري في النيل فرارًا من البوليس، لكن جريدة الأهرام -التي كانت وقتئذ جريدة مستقلة غير تابعة لأي حزب من الأحزاب- سردت في عددها الصادر في 10 فبراير 1946 واقعة مختلفة تمامًا تخالف ما تم الترويج له من قِبل خصوم النقراشي، فأكدت أن كوبرى عباس كان مفتوحًا لمرور السفن الشراعية ومغلقًا للمشاة في ذلك الوقت، ولقد أجبر الطلبة المهندس المختص على إغلاق الكوبري حتى يتسنى لهم المرور على الضفة الأخرى للنيل، وقد تصدت لهم قوات الشرطة على الطرف الآخر من الكوبري، وتعاملت معهم بعنف، لكنه لم يسفر عنه سوى مقتل طالب واحد سقط تحت عجلات سيارة النقل رقم 26572. وقد أكد المؤرخ عبد الرحمن الرافعي تلك الواقعة في كتابه "ثورة 1919"، بالرغم من أنه كان ينتمى لحزب مغاير لحزب النقراشي، وأيدت شهادة أحمد عادل كمال، عضو التنظيم الخاص، في كتابه "النقط فوق الحروف" ما رواه الرافعي، رغم التناقض الواضح بين الألفاظ المنتقاة، فهو يقرر أنها كانت مذبحة لكن لم يقتل فيها أحد، والواقع فإن مذكرة الأمن التي صدرت في أعقاب هذه الأحداث قد حددت عدد المصابين من الطلبة والأهالي الذين شاركوا في المظاهرات بـ 125 شخصًا، مقابل إصابة 46 من رجال الشرطة. إسقاط النقراشي بدأت تتزايد مظاهرات الطلبة ضد الملك وخاصة في احتفالات عيد ميلاده، ولم يدرك فاروق تغير المزاج العام ضده، فحمل الوزارة مسئولية الاضطرابات، وبالطبع استغل الإخوان الفرصة لإزاحة النقراشي عدوهم اللدود من طريقهم عن طريق عقد صفقة مع الملك يتم بمقتضاها إزاحة النقراشي في مقابل إظهار التأييد للملك في فبراير 1946، ويحكي أحمد عادل كمال، عضو التنظيم الخاص، عن هذه قصة الصفقة بين الإخوان والملك قائلًا: في منتصف الليل، تقف سيارة ملكية فاخرة في الحي الشعبي؛ الحلمية الجديدة، أمام البيت المتواضع الذي يسكنه الرجل الفقير الذي يهز الدولة ويهز العرش... حسن البنا، وطلب الرجل لمقابلة عاجلة مع رئيس الديوان الملكي أحمد حسنين باشا، وكان موقف حسن البنا حاسمًا وواضحًا... لقد أساء النقراشي بالاعتداء على أبنائنا الطلاب الذين لم يقترفوا إثمًا إلا المطالبة بأمانينا القومية... إنهم لم يطلبوا إلا جلاء قوات الاحتلال ووحدة وادي النيل، وهي مطالب مشروعة لا ينكرها إلا خائن... ولذلك لابد أن يخرج النقراشي من الوزارة، ولم يخرج الرجل من سراي عابدين إلاّ ومعه وعد بذلك. (أحمد عادل كمال، عضو التنظيم الخاص، نقط فوق الحروف) ويكمل قائلًا: وفي نفس الوقت كانت اتصالات أخرى تجري معنا نحن الطلاب، اتصل بي عمر أمين، سكرتير قسم الطلاب آنذاك وكان طالبًا بكلية الهندسة، وطلب مني الحضور مندوبًا عن كلية التجارة في موعد حدده بميدان عبد المنعم بـالدقي، لمقابلة رئيس الديوان الملكي، وفي الموعد وجدت مندوبين من الإخوان عن سائر الكليات. كنت في العشرين من عمري وكانوا نحو ذلك، وتقدمنا إلى الفيلا التي كان يقطنها أحمد حسنين باشا فأدخلنا إلى حجرة الصالون... وعلمت أن واسطة الاتصال بين الباشا وبيننا كان الصحافي المعروف الأستاذ مصطفى أمين، وكان هو نفسه حاضرًا، كما شهد جانبًا من الاجتماع كريم ثابت المستشار الصحفي للقصر الملكي، وجاء الباشا وكان حريصًا كل الحرص إن يتبسط معنا في الحديث، وذكر أن الملك شاب مثلنا، وأنه يحبنا لأننا من جيله، ولأنه يحس بأحاسيسنا ويشعر بمشاعرنا، وسقط كريم ثابت فقال إن الملك مثلنا يحب معاكسة الفتيات، ولم يكن منتبهًا فيما يبدو إلى أننا إخوان مسلمون، وأراد حسنين باشا أن يتدارك الأمر ولكن بعد فوات الأوان، واستمر يقول؛ إنه لذلك فهو عاتب علينا أشد العتب لما فعله الطلاب في الجامعة، وأجبنا بأن النقراشي أساء وضربنا، وقال؛ هناك سلطة عليا في البلاد وهي الملك، وأنه كان باستطاعتنا أن نشكو النقراشي إلى الملك، قلنا؛ إن النقراشي منع مظاهرة سلمية من الوصول إلى قصر عابدين، وزج بإخواننا في السجون، وما زال يبحث عنا للقبض علينا، وانتهى الحديث بيننا إلى أن أصبح صفقة؛ النقراشي يخرج من الحكم، ويفرج عن المقبوض عليهم، وتُحفظ القضايا، ونحن نقوم بمظاهرة من الجامعة إلى قصر عابدين تهتف بحياة الملك حفاظًا على كرامتنا في البلاد، وقد ضحى الملك بالنقراشي وكان كل ما يهمه هيبته هو، وكان ما يهمنا هو سقوط النقراشي والإفراج عن إخواننا. (أحمد عادل كمال، عضو التنظيم الخاص، نقط فوق الحروف) وبالفعل قام فاروق بتغيير وزارة النقراشي وتشكيل وزارة جديدة برئاسة إسماعيل صدقي في 16 فبراير 1946، وهو المتمرس في قمع الحركات الوطنية والملقب بـجلاد الشعب. حكومة النقراشي الثانية رشح إسماعيل صدقي "محمود فهمي النقراشي" لرئاسة الوزارة بدلًا منه، ليصبح رئيس وزراء مصر للمرة الثانية في نفس العام في 9 ديسمبر 1946، وذلك بعد استقالته في منتصف فبراير 1945، واحتفظ النقراشي تلك المرة لنفسه بوزراتي الداخلية والخارجية، واستمر البنا وجماعته في معارضة النقراشي، فعندما رأس النقراشي وفد مصر إلى مجلس الأمن، ودافع عن حق مصر في الاستقلال في خطاب عنيف أمام المجلس في 5 أغسطس 1947 قائلًا: لم نعد نعيش في ظلمات القرن التاسع عشر، إن مصر لم تكن طرفًا حرًا عند إبرام معاهدة 1936 لان القوات البريطانية كانت تحتل أراضيها، كان الإخوان يوفدون خطيبهم المفوه مصطفى مؤمن إلى مجلس الأمن مرافقًا ومراقبًا للوفد المصري! ! وفي 22 أغسطس 1947، وقعت واحدة من أطرف الحوادث التي تدل على التخبط في صنع القرار الإخواني، ففي نيويورك وأثناء اجتماع مجلس الأمن وبعد خطاب النقراشي، ألقى مصطفى مؤمن خطبة ملتهبة من شرفة الزوار، وأشهر وثيقة موقعة بدماء الطلاب تستنكر المفاوضات من أساسها وتطالب بالجلاء التام، وعندما طرد مؤمن من قاعة المناقشات، نظم مظاهرة خارج مبنى الأمم المتحدة. في نفس التوقيت في القاهرة كان الإخوان يؤيدون خطاب النقراشي في مجلس الأمن وينشروه كاملًا، وينظم البنا مظاهرة تجمعت في الأزهر لتأكيد وقوف مصر وراء النقراشي وتأييده في مجلس الأمن! --- ### مفهوم الغضب الإلهي عند كيرلس السكندري - Published: ۲۰۲٤-۱۱-۰۸ - Modified: 2024-11-09 - URL: https://tabcm.net/31476/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: أنسلم، أسقف كانتربري, أوريجينوس ليونايدس أدامانتيوس, المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية, بابا ديونيسيوس السكندري, بابا كيرلس عمود الدين, بابا لاون الأول، بابا روما, بروتستانت, توما الأكويني, چورچ عوض إبراهيم, چوزيف موريس فلتس, چون كالڤن, حوار حول الثالوث, سمعان بن يونا, علامة إكليمندس السكندري, علامة ترتليانوس الإفريقي, غريغوريوس الكبير, قديس أثناسيوس الرسولي, قديس أوغسطينوس، أسقف هيبو, كنيسة الإسكندرية, مارتن لوثر, مدرسة الإسكندرية, نصحي عبد الشهيد بطرس, يوحنا المعمدان نناقش في هذا البحث ماهية ومفهوم الغضب الإلهي في فكر وكتابات القديس كيرلس السكندري، الملقَّب بـ”عمود الدين“، حيث يُعد ق. كيرلس سليل مدرسة الإسكندرية اللاهوتية العريقة، والوراث لتراثها العميق والمؤثر في العالم المسيحي كله. بالتالي، يُعد ق. كيرلس امتدادًا لفكر آباء كنيسة الإسكندرية العظام أمثال: العلامة كليمندس السكندري، والعلامة أوريجينوس السكندري، والعلامة ثيؤغنوستس، والقديس ديونيسيوس السكندري، والقديس أثناسيوس الرسولي، والعلامة السكندري ديديموس الضرير. لماذا نبحث موضوع الغضب الإلهي في فكر ق. كيرلس؟ لأنه كثُر اللغط في أيامنا هذه حول لاهوت ق. كيرلس الإسكندري، حيث يدَّعي البعض عن جهل ودون وعي بأن لاهوت ق. كيرلس السكندري يتشابه مع اللاهوت الغربي اللاتيني ممثلًا في العلامة ترتليان، وأوغسطينوس أسقف هيبو، ولاون الكبير، وغريغوريوس الكبير، أو مع لاهوت العصر الوسيط ممثلًا في أعلامه أنسلم الكانتربري، وبرنارد من كليرفو، وتوما الأكويني، أو مع اللاهوت البروتستانتي ممثلًا في رجالاته مارتن لوثر، وفيليب ميلانكتون، وجون كالفن. فأرادنا توضيح الاختلاف الشديد والعميق في لاهوت ق. كيرلس الإسكندري عن هؤلاء في موضوع الغضب الإلهي. الله عديم الهوى أو الأباثيا في الله معروف في اللاهوت الشرقي اليوناني أن الله يتميز بالأباثيا أو اللا هوى، أي إنه غير خاضع للأهواء البشرية المتغيرة والمتبدلة من حال إلى حال في الطبيعة المخلوقة، بل الله ثابت كما هو في ذاته على الدوام لا يتغير ولا يتبدل من حال إلى آخر، ولا يخضع للأهواء البشرية من الغضب، والاضطراب، والكراهية، والحنق، وغيرها من الأهواء البشرية التي يستحيل وجودها في الله. وحتى لو استخدم الكتاب المقدس هذه التعبيرات البشرية الغريبة عن طبيعة الله كما هي في ذاتها، ولكن هذا من أجلنا نحن بسبب قصور وضعف لغتنا البشرية في التعبير عن الطبيعة الإلهية كما هي في ذاتها. وتُعتبر التعبيرات البشرية في الكتاب المقدس هي مجرد إسقاط على حالة الإنسان في علاقته مع الله. لذا يقول ق. كيرلس السكندري إن الله استخدم في العهد القديم تعبيرات بشرية عن ذاته بسبب تنازله من نحونا لأجل مساعدتنا وبسبب استعمال اللغة وعجزها كالتالي: ((كيرلس السكندري، شرح إنجيل يوحنا مج 2، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرين، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2015، ص 76. )) ورغم أنك قد تقول إن الله قال في كتاب العهد القديم لليهود: أصوامكم وأعيادكم بغضتها نفسي ((انظر سفر إشعياء 1: 13، 14 سبعينية ))، وتعبيرات أخرى مشابهة، إلا أننا نقول إنه استعمل طريقتنا في الكلام، خاصةً بسبب تنازله من نحونا لأجل مساعدتنا، وبسبب استعمال اللغة وعجزها، فهو يتحدث عن طبيعته غير الجسدية على أن لها وجهًا، وعيونًا، وأعضاءً أخرى. (كيرلس السكندري، شرح إنجيل يوحنا مج 2) كما يشير ق. كيرلس إلى أننا ينبغي أن نوجه اللوم إلى فقر لغتنا البشرية التي لا تستطيع التعبير عن الحقائق الإلهية بطريقة مناسبة قائلًا: ((كيرلس الإسكندري، شرح إنجيل يوحنا مج 2، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرين، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2015، ص 333. )) فلا ينبغي أن نعثر بسبب هذا، بل بالحري ينبغي أن نوجه اللوم إلى فقر لغتنا البشرية، التي لا تستطيع أن تعبر عن الحقائق الإلهية بطريقة مناسبة. فما هي اللغة التي تكفي أن تشرح طبيعة الله ومجده اللذين يفوقان كل تعبير. (كيرلس السكندري، شرح إنجيل يوحنا مج 2) وهكذا نرى ق. كيرلس السكندري يؤكد على أن الله عديم الهوى أو خالي من الهوى απαθής أي الأهواء البشرية كالتالي: ((كيرلس السكندري، الكنوز في الثالوث، ترجمة: د. جورج عوض، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2011)، 11: 6، ص 138، 139. )) وبما أن الابن يُقارن بالآب من جهة الأعظم والأدنى، وهذه المقارنة تقع خارج الهوى، خاصةً وأن الله عديم الهوى απαθής، وبما أن الآب لا يتفوق على الابن، باعتبار أن الابن له نفس جوهر الآب، ولا يمكن للابن أن يعاني شيئًا أو يتأثر بشيءٍ، فالقول ’أعظم‘، إنما يُقال فقط من جهة بداية الابن الأزلية من الآب. (كيرلس السكندري، الكنوز في الثالوث) كما يؤكد ق. كيرلس السكندري مثله مثل جميع آباء الشرق اليوناني، وبالخلاف عن اللاهوت الغربي اللاتيني، ولاهوت العصر الوسيط، واللاهوت البروتستانتي، على أن الله هو هو دائمًا، لا يتحول ولا يتغير من حال إلى حال، وأن عدم التغير في الله ليس صفة عرضية، بل يرجع إلى جوهر الله نفسه كالتالي: ((كيرلس السكندري، حوار حول الثالوث، ترجمة: د. جوزيف موريس فلتس، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2018، الحوار الأول، ص 16. )) بينما الله فوق كل ذلك، والنفس الإنسانية عُرضة لتقلبات كثيرة من الصالح إلى الطالح، ومن الطالح إلى الصالح، ولكن الله هو هو دائمًا، صالح إلى الأبد، ولا يتحول ولا يتغير من حال إلى حال. وعدم تغيُّر الله ليس صفةً عرضيةً، بل يرجع إلى جوهره. (كيرلس السكندري، حوار حول الثالوث) ويشير ق. كيرلس أيضًا إلى احتمال الله للبشر الذين يصبون جام غضبهم عليه، ليكون هو نفسه مثالًا للهدوء الكامل الخالي من الأهواء كالتالي: ((كيرلس السكندري، شرح إنجيل يوحنا مج 2، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرين، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2015، ص 427. )) فقد أتى مخلصنا مرًة إلى قرية السامريين بالقرب من اليهودية؛ فلم يقبلوه وثار التلاميذ بسبب هذا الأمر، وقالوا له: يارب أتريد أن نقول أن تنزل نار من السماء فتفنيهم ((إنجيل لوقا 9: 52-56 )). فأنتهرهم المخلص ورفض أفكارهم. لأنه لم يأت كإله ليستخدم قوته الإلهية ضد أولئك الذين يصبون جام غضبهم عليه، بل بالحري ليعلِّمنا أن نحتمل ونصبر في كل الضيقات، وليكون هو نفسه مثالًا للهدوء الكامل الخالي من الأهواء. لذلك قال أيضًا: تعلَّموا مني لأني وديع ومتواضع القلب ((إنجيل متى 11: 29 )). (كيرلس السكندري، شرح إنجيل يوحنا مج 2) الله لطيف في غضبه وهكذا يؤكد ق. كيرلس على أن طبيعة الله هي طبيعة بسيطة، وحتى إن كانت أفعاله متنوعة، ولها إرادة بسيطة حكيمة، فما يعمله الله في غضبه هو نتيجة لطفه، وهكذا ينسجم غضب الله مع لطفه كالتالي: ((كيرلس السكندري، شرح إنجيل يوحنا مج 2، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرين، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2015، الحوار الثاني، ص 70. )) هل لمجرد أن قُلنا إن الطبيعة الإلهية طبيعة بسيطة، ينكرون أن تكون أفعال الله متنوعة. يجب عليهم أن يعرفوا أن هذه الطبيعة لها إرادة بسيطة حكيمة، وليس إرادات متعددة، وذلك لأن الله يمكن أن يلوم الذين يمدحهم، ويؤدب الذين يحبهم. والذي يعمله الله في غضبه هو نتيجة لطفه، وهكذا فغضب الله ينسجم مع لطفه. وأنا أريد أن أُضيف شيئًا آخر: إن اللاهوت طبيعة واحدة بسيطة، ولكنه أيضًا هو الحياة والقوة والحكمة والمجد. (كيرلس السكندري، شرح إنجيل يوحنا مج 2) ماهية الغضب الإلهي غير المدرَكة يشير ق. كيرلس إلى أن الجوهر الإلهي غير خاضع للأهواء البشرية مثل الغضب، ويوضح أن غضب الله يكون بالطريقة المعروفة لنفسه فقط وبطريقة طبيعية بالنسبة لذاته وحده، لأن طرقه لا يمكن النطق بها على الإطلاق كالتالي: ((كيرلس السكندري، شرح إنجيل يوحنا مج 2، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرين، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2015، ص 108. )) حينما يريد الكتاب الإلهي أن يعبر عن غضب الله ضد الخطط الشريرة من أي نوع، فهو يقتبس الكلمات من التعبيرات المستعمَلة بيننا، ويتحدث عن الغضب بعباراتٍ بشريةٍ؛ رغم أن الجوهر الإلهي غير خاضع لهذه الأهواء بأي طريقة يمكن مقارنتها بمشاعرنا، ولكنه يتحرك بالسخط بالدرجة المعروفة لنفسه فقط، وبطريقة طبيعية بالنسبة لذاته وحده، لأن طرقه لا يمكن النطق بها على الإطلاق. ولكن الكتاب الإلهي، كما قُلنا، يسجل أشياء أعلى بكثير من قدرتنا البشرية. (كيرلس السكندري، شرح إنجيل يوحنا مج 2) رفض الانفعالات الناموسية القانونية ويعترض ق. كيرلس على انفعال بطرس الرسول على عبد رئيس الكهنة، مؤكدًا على أن المسيح جاء ليعطينا تعليمًا أسمى من الناموس، ولكي يصلحنا ويحولنا إلى وداعة قلبه، وهكذا يلوم المسيح الانفعالات التي حسب الناموس، التي لا تتوافق مع الكمال اللائق بالفضيلة الحقيقية كالتالي: ((كيرلس السكندري، شرح إنجيل يوحنا مج 2، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرين، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2015، ص 428. )) لذلك فإن انفعال بطرس كان مشروعًا حسب القوانين القديمة؛ ولكن ربنا يسوع المسيح حينما جاء ليعطينا تعليمًا أسمى من الناموس، ولكي يصلحنا ويحولنا إلى وداعة قلبه، يلوم تلك الانفعالات التي حسب الناموس، على أنها لا تتوافق مع الكمال اللائق بالفضيلة الحقيقية. لأن الفضيلة الكاملة لا تكون بمجازاة الفعل بمثله، بل بالحري تظهر في الترفق الكامل. (كيرلس السكندري، شرح إنجيل يوحنا مج 2) غضب الله المربي والمفيد للبشرية ويشير ق. كيرلس إلى أن غضب الله لم يمنعه من أن يربي ويفيد البشرية بطرق متنوعة، وأنه بإضافة المتاعب والمشقات يكبح جماح أولئك الذين تم تضليلهم وينقلهم إلى ما يفيدهم كالتالي: ((كيرلس الإسكندري، شرح سفر هوشع، ترجمة: د. جورج عوض، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2020، تعليق على (هوشع 2: 7)، ص 79. )) لكن بالإضافة إلى هذا، لاحظ أن غضب إله الكل في هذه الحالة، لم يمنعه من أن يربي ويفيد بطرقٍ متنوعةٍ، وأنه بإضافة المتاعب والمشقات يكبح جماح أولئك الذين أُضِلوا وينقلهم إلى ما يفيدهم. (كيرلس السكندري، شرح سفر هوشع) وهكذا يؤكد ق. كيرلس على أن الله لا يريد أن يُعرَف بأنه يفكر في الشر، وأنه يمد غضبه حتى يشمل الجيل الرابع، لأنه كيف يكون طويل الأناة وكثير الرحمة، أو كيف يغفر المعاصي والخطايا، إن كان لا يستطيع أن يجعل العقوبة محصورة في الشخص المخطئ، فمن الحماقة تمامًا أن نفترض أن الله مع محبته ولطفه بالبشر، يخص نفسه بالغضب المستمر وغير المعقول. وهكذا يدحض ق. كيرلس أولئك القائلين بوراثة العقوبة من الآباء إلى أبنائهم حتى الجيل الرابع قائلًا: ((كيرلس السكندري، شرح إنجيل يوحنا مج 1، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرين، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2015، ص 658. )) ولهذه الغاية فهو يعلن أن: الرب طويل الروح وكثير الإحسان، يغفر الذنب والسيئة ((سفر عدد 14: 18 )). ولذلك فهو لا يريد أن يُعرَف بأنه يفكر بالشر، وأنه يمد غضبه حتى يشمل الجيل الرابع. لأنه كيف يكون طويل وكثير الرحمة، أو كيف يغفر المعاصي والخطايا، إن كان لا يستطيع أن يجعل العقوبة محصورة فقط في الشخص الذي أخطأ، بل يمدها إلى ما بعد الجيل الثالث، فيكون بذلك كنوع من الرعد الذي يصعق حتى البريء. إذًا، فإنه مما لا يُصدَق بالمرة ومن الحماقة التامة أن نفترض أن الله، مع محبته للبشر ولطفه، يخص نفسه بالغضب المستمر وغير المعقول. (كيرلس السكندري، شرح إنجيل يوحنا، مج 1) كما يوضح ق. كيرلس أن الله بطيء الغضب جدًا نحو آثام الذين يحزنونه بخطاياهم كالتالي: ((كيرلس السكندري، شرح إنجيل يوحنا مج 1، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرين، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2015، ص 459. )) وإذ هو بطيء الغضب جدًا نحو آثام أولئك الذين يحزنونه بخطاياهم طبعًا، وإذ هو يفي بوعده للآباء القديسين، فإنه يصعد ليعلمهم ويضع أمامهم تعاليم الخلاص. (كيرلس السكندري، شرح إنجيل يوحنا مج 1) الغضب الإلهي الشفائي يؤكد ق. كيرلس على أن اليهود بعدم إيمانهم أوقعوا أنفسهم تحت الغضب الإلهي، ولكن الرب كطبيب ماهر يُظهِر ضعفهم من ناحية، ومن ناحية أخرى، يكشف عن سببه، لكي لا يبقوا رازحين تحته، بل لكي يهدئوا غضب رب الجميع الذي حزن كثيرًا لأجلهم لأسباب عادلة كالتالي: ((كيرلس السكندري، شرح إنجيل يوحنا مج 1، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرين، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2015، ص 374. )) لم يقل الرب فقط: لقد رأيتموني، ولستم تؤمنون، لكن كان من الضروري أن يُورِد ذكر السبب في عماهم، ليعرفوا أنهم قد وقعوا تحت الغضب الإلهي. لهذا، وكطبيب ماهر فإنه يُظهِر ضعفهم من جهة، ويكشف عن سببه من جهة أخرى، لا لكي إذا ما علموا بأمره يبقوا رازحين فيه، بل لكي يهدئوا غضب رب الجميع، الذي حزن لأجلهم كثيرًا لأسباب عادلة. (كيرلس السكندري، شرح إنجيل يوحنا مج 1) الغضب الإلهي وحالة الأشرار ويُعرِّف ق. كيرلس الغضب الإلهي على أنه عذابات الأشرار وعقوباتهم، فهذا هو ما يسميه الكتاب المقدَّس ”غضب الله“، فالغضب الإلهي هو إسقاط على حالة الأشرار في انفصالهم عن الله بالخطية وعدم إيمانهم كالتالي: ((كيرلس السكندري، شرح إنجيل يوحنا مج 1، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرين، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2015، ص 218، 219. )) يقول: والذي لا يؤمن بالابن لن يرى حياة، بل يمكث عليه غضب الله. لكن إن كان من الممكن إدراك أن غير المؤمن سوف يُحرَم من الحياة في الجسد، لكان بالتأكيد قد أضاف على الفور: بل يمكث عليه الموت، لكن حيث إنه يسميه غضب الله، فمن الجلي أنه يعقد مقارنة بين عقاب الأشرار وتنعمات القديسين، وأيضًا يصف هذه الحالة بكلمة الحياة، التي هي الحياة الحقيقية في مجدٍ مع المسيح، أما عذابات الأشرار فيسميها غضب الله، وكثيرًا ما يُسمَى ذلك العقاب في الكتاب المقدس أنه غضب، وسوف اقتبس من شاهدين؛ بولس ويوحنا المعمدان: إذ يقول الأول للمهتدين من بين الأمم: وكنا بالطبيعة أبناء الغضب كالباقين أيضًا ((رسالة بولس إلى أفسس 2: 3 ))، ويقول الآخر للكتبة والفريسيين: يا أولاد الأفاعي مَن أراكم أن تهربوا من الغضب الآتي ((إنجيل متى 3: 7 )). (كيرلس السكندري، شرح إنجيل يوحنا مج 1) الإنسان علة الغضب الإلهي وليس الله الغضوب ويشدد ق. كيرلس على أن الإنسان الذي يهمل وصايا الله الواجبة، ويصير أسيرًا للخطية، هو علة الغضب الإلهي، وليس الله هو المتسبب في ذلك، فهذا غير منطقي تمامًا، فالغضب الإلهي هو عدم شمول عطف الرب لنا، وهكذا لن يكون هناك عائق أمام الخطية يمنعها من تعذبينا بسبب ضعف طبيعتنا، مما يقود إلى سيادة الشر علينا كالتالي: ((كيرلس السكندري، السجود والعبادة بالروح والحق، ترجمة: د. جورج عوض، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2017، المقالة الأولى، ص 46، 47. )) بلاديوس: إذًا، هل عندما نهمل وصايا الله الواجبة، ونصير أسرى للخطية، نلقي اللوم على الله، ونشتكي من غضبه، وندَّعي أننا بسبب هذا الغضب أخطأنا؟ كيرلس: بالطبع، لا يمكن أن يكون الله هو المتسبب في هذا؛ وإلا كان ذلك غير منطقي. لكن عندما نفول: أنت سخطت إذ أخطأنا، نقصد أنه إذا لم يشملنا عطف الرب، فلن يكُن أمام الخطية أي عائق يمنعها من تعذيبنا، وذلك بسبب ضعف طبيعتنا، مما يقود إلى سيادة الشر علينا. (كيرلس السكندري، السجود والعبادة بالروح والحق) الغضب الإلهي الممزوج بالوداعة يشير ق. كيرلس إلى أن غضب الله على العاصين ممزوج بالوداعة، فلم يسمح ناموس الطبيعة -الذي وضعه الله للخلق واستمرار الحياة- بحدوث فساد ودمار شامل عام كالتالي: ((كيرلس السكندري، السجود والعبادة بالروح والحق، ترجمة: د. جورج عوض، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2017، المقالة العاشرة، ص 424. )) إذًا، لا يسمح ناموس الطبيعة بحدوث فساد ودمار شامل وعام، ولكنه يعلن إن الغضب على العاصين، إنما هو ممزوج بالوداعة، وفي نفس الوقت يستخدم الحرف للمعرفة عن طريق الأمثلة والنماذج. فالكائنات لا تُساق تمامًا نحو العدم، يسودها فساد طائش، لكنها تبقى يتعاقب الواحد من خلال الآخر، والواحد سيخلُص من خلال الآخر قياسًا بالقرابة والجنس اللذان ينتسبان إليهما. هكذا أبعد الله الهلاك الشامل عن مخلوقاته، إذ مكتوب الآتي: فإنه خلق كل شيء لكي يكون، وإن خلائق العالم مفيدة وليس فيها سم مهلك، ولا مُلِك لمثوى الأموات على الأرض؛ لأن البر خالد ((سفر الحكمة 1: 14 )). (كيرلس السكندري، السجود والعبادة بالروح والحق)   --- ### قصة مدينتا "سو" و"مي" - Published: ۲۰۲٤-۱۱-۰۷ - Modified: 2024-11-08 - URL: https://tabcm.net/31403/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون خمن عزيزي القارئ من تكون "سو" ومن تكون "مي" وشاركنا في التعليقات في قديم الأزمان، كانت البلاد متباعدة عن بعضها بسبب اختلاف اللغات فيما بينها. لذلك كانت الملمات حين تصير في إحدى البلدان، لا تسمع بها البلد الأخرى إلا بعد فترة ما حتى تأتي لنجدتها. فكانت مدينة تسمى "سو" قليلة السكان وفقيرة الحال وشعبها متواضع الموارد، إنما كانت أرضها خصبة، فكان الشعب يزرع من الأرض ما يكفي لقوت بنيه وكفى.  أما جارتها المسماة "مي" فكان اكتشاف الحديد فيها قد أثر على نشاط شعبها، فبدأوا في صنع أدوات تفيد في الحياة اليومية، مثل رماح الصيد إذ كانت الغزلان والطيور قريبة المنال، وأدوات الزراعة المتنوعة مثل الفؤوس وما إلى ذلك. وسارت الأيام كما تسير في كل زمان ومكان، حتى جدَّ أمر خطير، وهو أن سكان البلدة الأولى "سو" بدأوا في تركها وهجرها، فقلَّ عدد سكانها ولم يعُد أحد يهتم بما تحتاجه أرضها. بينما كانت البلدة الأخرى "مي" في عمل مستمر وناجحة في عملها وتعدادها يزيد باستمرار مما جعل الموارد لا تكفي شعبها. ومع طول الوقت والزمان ضاقت أحوال البلاد واحتار الناس فيما يفعلون. هنا جاءت وتحتمت الضرورة أن تلجأ "مي" إلى "سو"! ! ماذا حدث؟ ذهب عدد من حكماء البلدة الأولى إلى الثانية، وتكلموا معهم قائلين: إن وضعنا هكذا لا يؤدي إلى خير الشعب في البلدتين. فلنبحث معًا في نهضة شعبينا لخيرنا جميعًا. الأرض لدينا والإمكانيات لديكم، والأيدي العاملة في بلدينا. فلنشترك في زراعة مساحة كبيرة من الأرض تكفي لشعبينا وللخير الأمة كلها.  فاتفقوا على زراعة 10 مليون فدان من الأرض، 5 ملايين لكل بلدة. ولأن الزراعة تحتاج إلى طقس معتدل، فقد استعملوا أوراق النخيل لتظلل على الزراعات ((أي ما نسميه الآن بزراعة الصوب، ولكن بطريقة بدائية )). وهكذا بدأت الزراعة في أراضي البلدة "سو"، بهمة ونشاط البلدة الثانية "مي". وفي غضون ثلاث سنوات أثمر المحصول أربعة أضعاف ما كان ينتجه في أية بلدة أخرى. وهكذا استقرت الأحوال في البلدتين وصارت المنطقة المتوسطة التي بينهما نموذجًا للشعوب المجاورة، للتعاون البناء بين الشعوب، فقد فهموا الدرس إن التعاون في المجالات التي تخص الشعوب فيما بينها يؤول إلى نهضتها جميعًا. وكتبوا على حجرٍ ضخم جملة العهد الذي أخذوه على شعوبهم، كتبوا هكذا: هذه الأرض زرعناها لخير بلدينا "سو" و"مي"، لا يقل أحد إنها تخصه هو؛ بل هي أرض "سو" واهتم بزراعتها "مي" و"سو" لخير بلدينا. واستمرت الأرض هكذا في نمو وازدهار أثرى كلا الشعبين، وتوالت شعوب وراء شعوب، وكوارث وأحداث كثيرة لم يتمكن التاريخ من رصدها ونقلها إلينا إلا شفويًّّا على أفواه الأقاصيص التي كانوا يروونها فيما بينهم ولأولادهم وأحفادهم. ولكن، لا زالت الدروس المستفادة حتى الآن نسمعها تتردد بين أقاويل الشيوخ، مثل "الاتحاد قوة"، وقصة العصي التي إذا جمعت كثرة منها يصعب كسرها، وقصص أخرى لا تفوت على فطنة القارئ. يا أيها القارئ اللبيب، إن الوقت مقصر والأيام تمر سريعًا، وأحوال البلدان تحتاج إلى نهضتها، فيا من تستطيع أن تزرع شجرة، لا تتركها لئلا تذبل فيصعب زراعتها. بادر بخطوة مباركة واشترك مع أخيك لينهض كلٌّّ منكما ببيته، والله يعين كل من يعمل خيرًا أن يجد أمثاله، ليس فقط سبع أضعاف، بل سبع وسبعون ضعفًا.   --- ### چورچ برنارد شو - Published: ۲۰۲٤-۱۱-۰٦ - Modified: 2024-11-07 - URL: https://tabcm.net/30402/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أصل الأنواع, أفلاطون, إرنست رينان, إلين تيري, الاشتراكية, اليسار, بينيتو أندريا موسوليني, تروفيم دينيسوفيتش ليسينكو, تشارلز روبرت داروين, جاليليو جاليلي, چان پاتيست پيير أنطوان دو مونيه شوفاليه دو لامارك, چان پول شارل إيمارد سارتر, چان چاك روسو, چورچ برنارد شو, سيدني چيمس ويب, فرانسوا ماري آروويه، ڤولتير, فريدريك فيلهيلم نيتشه, فريدريك ليوبولد أوغسط ڤيسمان, فيلسوف أرسطو, ليوناردو دي سير بيرو دافينتشي, مارتن لوثر, مهاتما غاندي, هربرت چورچ ويلز, هنري لويس برجسون, هنريك يوهان إبسن, يوهان ڤولفجانج ڤون جوته أحسن ما اقتنيت في حياتي هو ذكرى برنارد شو، فقد لقيته حين كانت لحيته لا تزال صهباء، وتحدثت إليه وسمعت خطبه وقرأت مؤلفاته، وإني لأحس إحساس أولئك الذين نغبطهم ممن عاصروا أفلاطون أو أرسطوطاليس، واستمتعوا بحديثهما، وقرءوا وناقشوا مؤلفاتهما، ورأوا ضمائرهما الذهنية تتفشى في حياتهم. ولقد عرفته في عام ١٩٠٩، ورافقته إلى سِنِيه الأخيرة إلى أن مات في الرابعة والتسعين، وهي أربع وتسعون سنة من الخلود. ولقد درست فلسفته فكان لي منها توجيه وإرشاد. ولكني لم أنتفع بمؤلفاته قدر ما انتفعت بحياته، وفلسفته التي -إلى مدى بعيد- تنبع من حياته أكثر مما تتألف من أفكاره، أو أن حياته قد اندمغت في أفكاره فعاش عيشًا فلسفيًّا. ولست أنكر النشوة الذهنية التي كنت أجدها عندما أقرأ له مؤلفًا جديدًا، ولكن الإيحاء الدائم والتنبيه المزعج لأسلوب عيشي واختيار أهدافي، إنما كانا ينبعان من حياته أكثر من مؤلفاته. فقد تناول برنارد شو حياته كما لو كانت مادة خامة، وجعل يعتملها ويصوغها حتى أخرجها تمثالًا جميلًا. وقد ألَّف نحو أربعين كتابًا ودراما، ولكن أعظم مؤلفاته هو حياته. وإني ألتفت كثيرًا إلى المؤلفين من هذه الناحية؛ أي كيف ألَّفوا حياتهم وصاغوها وجعلوا منها بناء جميلًا، كما لو كانوا يرسمون صورة أو ينحتون تمثالًا أو يصفون بطلًا في قصة أو دراما؟ وإني لأذكر هنا روسو، وجوته، وغاندي، وڤولتير، فإن كلًّا من هؤلاء قد ألَّفوا الكتب العظيمة، ولكن أعظم ما ألَّفوه هو حياتهم، ولو أنه طُلب إليَّ أن أؤلف في ترجمة برنارد شو وفلسفته كتابًا يحتوي عشرة مجلدات لوجدت هذا الواجب سهلًا أنهض به راضيًا في شهور. ولكني أجد صعوبة كبرى في كتابة هذا الفصل عنه، وهي صعوبة الإيجاز والضغط والاختيار، ويجب أن أبدأ بكتابه الأكبر وهو حياته، فإنه اتبع أسلوبًا من العيش يتفق وكلمته: يكون الإنسان فاضلًا إذا أعطى المجتمع الذي عاش فيه أكثر مما أخذ منه. (چورچ برنارد شو) ومعنى هذا أن المجتمع قد كسب بحياته فضائل وأخلاقًا وعلمًا وأدبًا وحكمة. وقد نظر إلى جسمه كأنه تحفة غالية، وفهم من الطهارة أكثر مما نفهم فجعلها في أمعائه؛ إذ رفض أن يجعل جسمه خيانة لجثث الحيوانات. والتزم الطعام النباتي وعاش ٩٤ عامًا سليمًا، فبرهن على أنه كان بصيرًا بالغذاء الملائم للتعمير والصحة، وقد كان التعمير بعض أهدافه، كما كان بعض فلسفته، فإنه كان يقول: إن أعمارنا قصيرة لا تتسع للدرس والعمل والاستمتاع، ويجب أن نعيش نحو ثلاثمائة سنة على سبيل العلاج الوقتي لمشكلاتنا الاجتماعية، أما الهدف الأخير فيجب ألا تقل أعمارنا فيه عن أُلوف السنين؛ لأنه إذا طالت أعمارنا اهتممنا بالدنيا وأصلحناها، أما ما دامت أعمارنا قصيرة فإننا نخطف اللذة والمتعة، ولا نبالي إصلاح هذه الدنيا؛ لأننا زائلون منها قريبًا. وقد أحبَّ واشتعل في نفسه لهبُ العشق فلم يطفئه، ولكنه أيضًا لم يؤججه حتى لا يحترق به، فقد عرف الممثلة «إلين تيري» وكانت الروعة في الجمال والحكمة في العيش، وكانت تجمع إلى هذا ذكاء الإحساس، فكان يذهب إليها كل مساء ويراها وهي تمثِّل، فإذا كان الصباح التالي كتب إليها خطابًا يتسامى فيه بحبه وبسط لها أعاجيب من إحساسه وذكائه في تفطن وحماسة. ولم يقابل أحدهما الآخر. وقد طبعت مراسلاتهما بعد ذلك، وهي جديرة بأن تكون دليلًا للمحبين الذين يرتفعون بالحب إلى الثلث الأعلى من الجسم البشري. ولم يحظَ بتعليم جامعي ولا مدرسي، ولكن أوروبا الفهيمة عرفت فيه بعد ذلك أسمى نفس بشرية تعيش في عصرنا، ذلك أنه جعل سِنِي عمره الطويل جميعها سني دراسة. ومؤلفاته هي مشكلات اجتماعية قد سلط عليها جهده وذكاءه فدرسها وأخرجها في دراما كوميدية فنية، نقرأها أو نراها على المسرح، فنحس بالضمير الواخز، والعامل الحافز حتى حين نضحك من أشخاصها ووقائعها. وقد كان المسرح قبله ميدانًا للشخصيات، فأحاله إلى ميدان للأفكار، وكان ميدانًا للتبذخ بوصف الحياة في القصور، أو صلصلة السيوف، أو الخيانة الزوجية الرخيصة، بإيجاد الشخص الثالث بين الزوجين، فجعله مكانًا للتفطن في معاني الحب والبطولة، ومعايش الفقراء والمبئوسين، ومعالجة الطموح الديني وتطور الإنسان بعد آلاف السنين. وكل هذه المشكلات كانت مشكلاته الخاصة التي درسها؛ لأنها بعض تربيته. عرف برنارد شو الفقر والثراء، وعرف الكفاح في السياسة والفلسفة والعلم والأدب، وصرخ صرخة ڤولتير في مأساة دنشواي، وكشف عن لؤم السياسة الإمبراطورية البريطانية في الحرب الكبرى الأولى، ونال جائزة نوبل فسلمها لجمعية تنمية العلاقات بين نِرِوج وبريطانيا. ودفع ثلاثين ألف جنيه لبناء منازل للعمال. ولم يعرف قط التدخين، وكان يقاطع الخمر إلى ما قبل وفاته بنحو عشر سنوات. وطاف حول الدنيا، وصادق العظيمين؛ «سيدني ويب»، وزوجته، وكانا يرتفعان إلى مستواه في روح البر بالدنيا، وكانا يمتازان بالدراسة الاقتصادية. ••• قبل أن ألقى برنارد شو وجهًا لوجه كنتُ قد قرأت بعض مؤلفاته، فوجدت القوة التحريرية فيها تعادل أو تزيد على ما لقيته في ڤولتير ونيتشه، ولما التقيت به في الجمعية الفابية في لندن أحسست كأني إزاء أجمل رجل في العالم؛ فقد كان مهديد القامة، أحمر شعر اللحية والرأس، وكان في نغمات صوته صحلة خفيفة محببة. وكانت كلماته للساسة الإنجليز بشأن دنشواي قد جعلتني أحس كأنه واحد منَّا نحن المظلومين المضرورين المشنوقين؛ لأنه بكى كما بكينا. ولم أترك له كلمة بعد ذلك لم أقرأها إلى يوم وفاته، بل إن حبي له قد حملني إلى أن أقتدي به في التزام الطعام النباتي، وبقيت على ذلك سنة كدت أموت في نهايتها من الهزال، ولم يكن هزالي بسبب المذهب النباتي وإنما كان لجهلي قيمة البيض واللبن عند النباتيين. كان برنارد شو يعد نفسه صحفيًّا قبل كل شيء، وقد رأينا نحن فيه الفيلسوف العميق، والمؤلف المسرحي المبدع، والأديب الرصين، بل أحيانًا العالِم الذي يستطيع أن يجادل العلميين في أخص نظرياتهم، ولكنه كان يجهل كل هذه الكفاءات بقوله إنها «صحفية» من حيث إنها تتصل بالمشكلات العصرية، والصحفي العالمي يجب أن يرتفع في تفسير هذه المشكلات ومعها إلى المستوى الفلسفي، وأن يكون العلم والأدب بعض شئونه الدراسية. ولد برنارد شو في عام ١٨٥٦، أي: قبل افتتاح قناة السويس بثلاث عشرة سنة، وكانت سنُّه ٢٦ سنة حين وطئت أقدام الإنجليز أرض وطننا، ولست أذكر هذين التاريخين اعتباطًا، ذلك أن الحادث الأول قد أبرز مصر في وجدان الأوروبيين، وأما الحادث الثاني فقد أبرز للمفكرين من الإنجليز رجال حزب الأحرار ودناءتهم ورياءهم بشأن الحرية التي داسوها في مصر، ونفوا زعيمها العظيم إلى سيلان، وكان من هذا أن مكر بعض الأحرار في ترك حزب الأحرار وإنشاء الجمعية الفابية لنشر الدعوة الاشتراكية، وكادت هذه الجمعية التي التحقتُ أنا بها، والتي أحالتني من شرقي خافٍ إلى أوربي متمدن، كانت السبب الأول لإيجاد حزب العمال الذي أسندت إليه رئاسة الحكومة البريطانية أكثر من مرة، وكان برنارد شو أحد مؤسسيها وأكبر داعية لنشر الاشتراكية الفابية؛ أي التدريجية التي تحلل وتعالج دون أن تثور وتهدم. عاش برنارد شو طوال عمره وهو يدعو إلى الاشتراكية، وقد اتخذ الطرف اليساري منها هذه السنين الأخيرة من عمره، ولكنا على الرغم من أننا نجد أن نظرياته ثورية، فإن خططه كانت عملية؛ وهو لذلك يُعنى أكبر العناية بالبحث في مسائل المجالس البلدية التي يجد فيها بؤرة العمل الاشتراكي، وهو أفلاطوني الذهن حين يتحدث عن العمال؛ إذ يستصغر شأنهم ويقول بإيجاد صفوة معينة لمعالجة الساسة، وكأنه هنا فاشي يتحدث، كما كان يتحدث موسوليني، ولكن فترات اليأس هذه قليلة عنده، وسرعان ما كان يفيق منها إلى الاعتماد على الشعب. وهو بالطبع عدو الاستعمار وعدم الاستغلال، ويقول بالتأميم. ومؤلفاته رسائل وكتبًا عن الاشتراكية عديدة وهي تتسم جميعها بأنها شعبية وإيضاحية. واختصاص برنارد شو الأدبي هو التأليف المسرحي، وهو يضع لكل دراما أو كوميديا مقدمة قد تزيد أحيانًا على مئة صفحة، يوضح فيها وجهته الفلسفية التي حملته على تأليف هذه المسرحية، بل هو أحيانًا يزيد على المقدمة بملحق يبرز أو يشرح فيه بعض ما احتاج إلى إيجازه على لسان أحد الممثلين، ومن هنا نقرأ الدراما أو الكوميديا كأنها كتاب مستقل زيادة على قيمتها المسرحية. وأسلوب برنارد شو هو الأسلوب العصري؛ أي الأسلوب الديمقراطي، فهو يكتب للشعب بلغة الشعب، وهو لا يعرف التبذخ أو التظرف فضلًا عن التبهرج، ونحن نقرؤه كما لو كنا نقرأ مؤلفًا في الدين أو الفلسفة أو التاريخ، ومرجعه -أي: مرد جذوره- في المسرح، هو «هنريك إبسن» الذي جعل الدراما الأوروبية اجتماعية. وقد ألَّف برنارد شو في بداية حياته الأدبية كتبًا في الدفاع عن إبسن، ولكن إبسن كان فنانًا مسرحيًّا قبل أن يكون باحثًا اجتماعيًّا، أما برنارد شو فعكس ذلك؛ إذ هو باحث اجتماعي قبل كل شيء، وهو يستعمل المسرح وسيلة لشرح المشكلات الاجتماعية، وليس هو مع ذلك الوسيلة الوحيدة، وقد بحث الدين ومستقبل الإنسان، والحب، والحكومة، والبغاء، والفلسفة في نحو ثلاثين أو أربعين مسرحية، ومعظم مسرحياته كوميديات قد طعَّم فيها التفكير الاجتماعي بالفكاهة، وقد تجددت المسارح الأوروبية بهذا الاتجاه الجديد الذي ابتدعه هنريك إبسن، ودعمه برنارد شو، فالدرامة الأوروبية واقعية، تجابه الحقائق وتعالج المشكلات، وليست رومانتيكية خيالية تعيش في الأحلام والأماني. ••• الكلام عن فلسفة برنارد شو يحتوي أيضًا بحث ديانته وأدبه وفنه؛ لأنه يعالجها جميعها بالروح الديني، وقد ولد قبل أن يظهر كتاب داروين «أصل الأنواع» بثلاث سنوات، ورأى واشتبك في المعارك الثقافية حول هذا الموضوع، ورأى الصدمة التي أحدثتها العقيدة الجديدة، وهي أن الإنسان والحيوان من أصل واحد. وعندما نقرأ درامته الكبرى «الإنسان والسوبرمان» نحس أن هذا الكتاب هو الامتداد لكتاب أصل الأنواع، كما هو إيمان ديني جديد يدعو إليه برنارد شو خلاصته أن ارتقاء الحضارة في المسكن والملبس والتنقل ليس ارتقاءً للإنسان، وإنما الارتقاء الصحيح هو أن يطول عمره إلى ألف سنة، ويزيد مخه إلى كيلو جرامين، وأن يكون حصينًا من الأمراض منذ ولادته إلى يوم وفاته، وهذا هو السوبرمان الذي يجب أن يُستولد من الإنسان بالانتخاب الحكومي، بحيث يكون منا كما نحن من القردة، أعلى في سلم التطور، وأذكى ذهنًا وأسلم غرائز. وقد اصطدم برنارد شو مع الداروينيين من حيث إيمانه بأن الصفات المكتسبة تورَّث، وأن الوراثة ليست جامدة كما اعتقد فيسمان. وفي السنة الماضية عندما احتدم النقاش بشأن هذا الموضوع بين ليسينكو الذي دافع عن وراثة الصفات المكتسبة، وبين القائلين بأنها لا تورث، وأن الوسط لا يؤثر في تغيير العناصر الوراثية، وقف برنارد شو إلى صف ليسينكو، أو قل إلى صف لامارك قبيل مائتي سنة. وديانة شو كما نفهمها من مؤلفاته ومن حياته أيضًا هي الديانة البشرية التي تنأى عن الغيبيات، فإن درامته عن المسيحية «أندروكليس والأسد» تحملنا على الاعتقاد بأنه لا يختلف عن رينان في بشرية المسيح، وأن الله كائن في الإنسان، ولكن إله برنارد شو هو قوة الحياة التي تقف خلف التطور، وتعمل للارتقاء وتسير مكافحة نحو النور والحب. وإلى هنا تقف «غيبياته»، غيبيات لا ترضي المؤمن، ولا تُقنع الملحد، وهي أقرب الأشياء إلى برجسون، وعندي أنها بعض رواسب القرن التاسع عشر التي علقت به هو وبرجسون، كما تعلق أساليب الطفولة بالرجل الناضج، وهو يقول: إنسان بلا دين هو إنسان بلا شرف.  وهذه عبارة سلبية قد استنتجها من حياته؛ إذ هو لم يؤلف قط كتابًا أو رسالة إلا بروح الدين، أي بروح المسئولية أمام المجتمع، بل ماذا أقول؟ أمام البشر والأحياء والتطور! ومن هذه العبارة أيضًا نفهم أن نظرته للدين اجتماعية أخلاقية. ومهمة الفلسفة هي في النهاية إيجاد النظريات، والجاهل يحتقر النظريات، ويزعم أنه عملي، ولكن ليس هناك من الأشياء العملية ما هو أفضل من النظرية الحسنة؛ لأننا نقتصد بها، ونستغني بها عن كثير من المجهود العابث. وكلاهما برنارد شو وبول سارتر يقول بحرية الفرد من حيث حقه في أن يعمل كما يشاء، ولكن الهدف يختلف بينهما، فإن برنارد شو يبغي من هذه الحرية خير المجتمع، من حيث إن حرية الإنسان تسير به نحو الخير إذا أدى الخير، ونحو الهلاك إذا قدم الشر، فالمجتمع كاسب من هذه الحرية، دعوا السكير والنَّهِم والمستهتر والمجرم يمارس كلٌّ منهم حريته؛ لأنها في النهاية ستقضي عليه بالهلاك فينتفع المجتمع. ولكن پول سارتر يقول في خسة فلسفية ليس لها نظير: «أنا وحدي» وعلى المجتمع السلام. وبرنارد شو مثل ويلز، ينظر النظرة البيولوجية للإنسان فيقول بضرورة التطور، أجل إن التطور هو الديانة الأصلية عند شو. مات برنارد شو وكان أجمل الأساطير في حياتي، ولقد رافقته وتعلمت منه، وحاولت أن أقتدي به، فكنت أصل أحيانا وأُقَصِّر أحيانًا، ولقد حرصنا بالقدوة والعمل على أن نمارس الأدب لخدمة الجمهور، وبعض هذه الخدمة أن نجعل ساستنا وقادتنا متمدنين مستنيرين، وهذا هو ما حاولت، ولكني للأسف لم أنجح. ولقد أوصى بأن يحرق جثمانه في المرمدة، وقد أُحْرِقتْ زوجتُه فيها من قبل، كما أُحرق جثمانا صديقه ولز وزوجته، وهذا الاحتراق هو طهارة أخرى مارسها شو في موته كما مارس النباتية في حياته. ••• مما يستحق الملاحظة أن الأمم العربية جميعها فهمت النهضة على أنها التحرر من الأجنبي المستعمر، ومن الوطني المستبد، فطالبت بالاستقلال والدستور، واعتقدتْ أن كل شيء من أمانيها قد تم. ولكن الأمم الأوروبية فهمت النهضة أو النهضات المتوالية فيها على أنها قبل كل شيء تحرير الضمير البشري، ففصلت الدين من الدولة، وكافحت التقاليد، وتمردت على سلطة البابا، وألغتها واعتنقت العلوم، ومارست الفنون التي تعمل للتنوير الذهني والسعادة البشرية، وهذا ما لم تفكر فيه الأمم العربية إلى الآن مع أنها تحمل من أعباء الظلام ما يرهق الضمائر ويسود العقول. والناهضون في أوروبا هم علماؤها وأدباؤها وليسوا ساستها، وهم جاليليو الذي خالف الكنيسة وأثبت أن الأرض تدور حول الشمس، هم مارتن لوثر الذي انفصل من البابا وترجم الكتاب المقدس، هم دافنشي الذي قال بأن الجبال كانت البحار تغمرها، هم داروين الذي أرجع الإنسان والحيوان إلى أصل واحد، هم رينان الذي قال ببشرية المسيح، هم إبسن الذي رفع المرأة من الأنثوية إلى الإنسانية. هؤلاء هم الناهضون الذين غيروا أوروبا، وبرنارد شو واحد منهم، فإنه بأسلوب عيشه ومؤلفاته المسرحية دعانا إلى حياة الطهر، ومكافحة النفاق الاجتماعي، وكانت مهمته تحرير الضمير البشري من الخرافات والتقاليد والجبن الفكري، وبعث الآمال في مستقبل البشر على هذه الأرض. وصحيح أنه كافح قوات الظلام التي يمثلها الاستعمار والاستبداد، ولكنه كافح أيضًا، وبقوة أكبر، قوات الظلام التي تمثلها التقاليد وموروث العقائد الغيبية. ولو فهمنا نحن المصريين دلالة النهضات الأوروبية وعملنا لتحرير ضميرنا، لكان لنا إلى جنب الحرية السياسية حرية أخرى أكفل للسعادة، وأعمل لتكوين الشخصية، ولكان لنا منها موقف آخر حيال المشكلات الاقتصادية والأخلاقية والثقافية، وفي هذه الحال ما كان لمستبد أن يحبس عقولنا بقوانين تحد من حرية الصحافة، أو يسلط علينا بوليس الأفكار؛ كي يعين لنا ما يجوز وما لا يجوز أن نفكر فيه ونكتب عنه. أجل، إننا ما زلنا بعيدين عن دلالة النهضات الأوروبية! ••• ليس من الصدق أن أزعم أني اقتديت ببرنارد شو فإنه رفع نفسه إلى مستوًى عالٍ من «العيش الساذج مع التفكير السامي» وعاونه على ذلك وسط متمدن لم أجد أنا مثله إلى يوم خُلع فاروق في مصر، حيث يكافأ الرذل على رذيلته، ويعاقب الفاضل على فضله، والأصل في هذه الحال المعكوسة هو الإنجليز من ناحية والتقاليد الشرقية من أخرى، ولكني حاولت، وكررت المحاولات، ولم أتعب ولم أسأم. وخير ما أخذت عن برنارد شو هو هذا الروح العلمي الذي يسود مؤلفاتي فإني مثله علمي الذهن، أدبي الوسيلة، فلسفي الهدف، أمتاز بالتفكير العلمي، والتعبير الأدبي، وهذا إلى أنه حبب إليَّ الاشتراكية ونقلها عندي من منطق العقل إلى عاطفة القلب. أجل إنه جعلها ديانتي العملية فليس البر عندي إحسانًا وصدقة، وإنما هو البرنامج الاشتراكي الذي يوفر لكافة الشعب طعام الجسم، وغذاء الذهن، وحرية الضمير، والإقدام على المستقبل، وهو بعد داروين الذي جعلني أستمسك بالتطور، وأجعل منه الديانة المذهبية لحياتي، وفكري وموقفي البشري. وقد كان هو يقول بالحاجة إلى «وزارة للتطور» تعمل لترقية السلالات البشرية، وهذا تفكير يعلو علوًّا عظيمًا على الصغائر التي يشتبك فيها صغار الأدباء. وحين أعود إلى الأفكار التي بثها في نفسي برنارد شو، وحين أنظر إلى الدنيا من عدسته، أحس السرور والغضب والإقدام والشجاعة والجهد والإرادة، أجل أحس أن حياتي ترتفع إلى مقام التاريخ وأن لوجودي دلالة فلسفية. ••• مات برنارد شو بعد أن ملأ الدنيا بفكاهاته، وهي فقاقيع الحكمة فكنا نضحك ونتعلم. نحن الآن أقل ثراء في النفس وذكاء في العقل مما كنا في أيامه، وقبل أن يموت بأيام قال زعيم الفكاهة هذا يصف عالمنا في عام ١٩٥٠: إن بين كل أمة وأمة حربًا باردة، وبين كل فرد وفرد من أبناء الأمة الواحدة حربًا باردة، وبين كل إنسان ونفسه حربًا باردة! هذا ما قاله زعيم الفكاهة، وهي كلمات موجعة تصف عالمنا التعس الحاضر. ••• لما مات برنارد شو أطفئت الأنوار في نيويورك خمس دقائق، وكذلك أُغلقت المدارس في الهند يومًا كاملًا، وجرى مثل ذلك أو قريب منه في أقطار أخرى، ولكن مصر لم تفعل شيئًا من هذا، كأنها تعيش في ذهول لا تقدِّر القيم الأدبية والاجتماعية في العالم، والواقع أنها كذلك. ولو كانت هناك أمة مدينة لبرنارد شو لكانت مصر، فإن الصفحات القليلة التي كتبها عن دنشواي تحمل من غلواء الذهن والعاطفة ما ينظمها في عداد الأدب العالمي والبلاغة السامية، وستعيش هذه الصفحات وسيقرؤها -كما قرأها- الملايين الذين سيغضبون من الاستعمار وسيعرفون منها حق مصر وباطل بريطانيا. ولو كنا أمة عصرية لنقلنا إلى لغتنا جميع مؤلفات برنارد شو، ولكانت هذه المؤلفات جديرة بأن تُحدِث نهضة اجتماعية وأدبية، فإن تفكيرنا السياسي جامد، ونشاطنا الأدبي إما رجعي يتعمق ظلام القرون الماضية، وإما سطحي يتبهرج بالألوان على صفحات الجرائد والمجلات كأنه عبث الصبيان؛ ولذلك ما كان أحوجنا إلى التوجيه السيكلوجي الاجتماعي الذي يتسم به أدب برنارد شو، بل ما أحوج الأديب والسياسي معًا إلى هذا التوجيه. --- ### التجسد حدث فارق في طبيعتك - Published: ۲۰۲٤-۱۱-۰۵ - Modified: 2024-11-06 - URL: https://tabcm.net/31347/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: آدم, أوريجينوس ليونايدس أدامانتيوس, إفخارستيا, التبني, الحق الإلهي, بابا كيرلس عمود الدين, بيلاطس البنطي, تجسد الكلمة, سقوط آدم, عيد الميلاد, قديس أثناسيوس الرسولي كنت أنتوي اليوم أن أواصل معكم حسبما أنهيت حديثي السابق عن العهود بداية من العهد مع آدم إلى العهد الذي نعيش فيه الآن وما يسمى بالعهد الجديد. ولكنني أخضعت نفسي لقيادة الروح القدس وإرشاده في ماذا أكتب حيث الروح يتكلم في هذه الأيام عن حدث في الزمن  منذ أكثر من  2020 سنة ومازال يحدث جديدًا كل يوم، أنه حدث في الزمن نعم بكل تأكيد! !   ولكنه حدث خارج الزمن أيضًا، حيث أنه «الرب» الذي  لا يحده زمان ولا مكان كيف؟! وهو خالق المسكونة وما عليها بِكَلِمَةِ الرَّبِّ صُنِعَتِ السَّمَاوَاتُ، وَبِنَسَمَةِ فِيهِ كُلُّ جُنُودِهَا. ((مزمور  ٣٣ : ٦ )). أنه الحدث الأعظم في كل التاريخ الإنساني، أنه الحدث الذي قسم الزمن ومازال يضع زمانا فاصلًا بين ما قبل وما بعد في حياة كل شخص قٓبٔل بالإيمان في قلبه هذا الحدث  وقٓبٔل أن ميلاد الطفل يسوع في بيت لحم في القديم هو بمثابة ميلاده الجديد كابن في ملكوت الابن (يسوع) كما يقول الرسول: الَّذِي أَنْقَذَنَا مِنْ سُلْطَانِ الظُّلْمَةِ، وَنَقَلَنَا إِلَى مَلَكُوتِ ابْنِ مَحَبَّتِهِ ((رسالة بولس إلى كولوسي ١ : ١٣ )). أنه كما يقول الكتاب المقدس هو سر عظيم وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ ((رسالة بولس الأولى إلى تيموثاوس ٣ : ١٦ )). أنه سر من أسرار الملكوت المملوء بالأسرار لن ندركه بعقولنا البشرية المنطقية المحدودة ولكن الروح الذي فينا يفحص أعماق الله ويخبرنا بأسراره، ومن عظم محبة الرب غير المشروطة للبشر يعلن نفسه ويتنازل في صورة إنسان عادي جدًا بكل ما تحمله الكلمة من معانٍ مثلنا في كل شيء بلا خطية، إنسان كامل يحوي فيه كل ملء اللاهوت  كما يقول الكتاب المقدس فَإِنَّهُ فِيهِ يَحِلُّ كُلُّ مِلْءِ اللاَّهُوتِ جَسَدِيًّا ((رسالة بولس إلى كولوسي ٢ : ٩ ))، أنه الإله المتأنس. أول من أطلق لفظ الإله المتأنس كان العلامة أوريجينوس، أي إله كامل، وإنسان كامل، بغير امتزاج ولا تغير ولا اختلاط بين اللاهوت والناسوت،  نعم إنه سر ولكن الله أعلن نفسه بميلاده في الجسد فبعد أن كان الله يتكلم في العهد القديم مرة في شكل ملاك ومرة في شكل لهيب في عليقه وبطرق أخرى كما تقول الرسالة إلى العبرانيين 1-1:2. فالتجسد الإلهي هو إعلان عن توهج الحب الإلهي في قلب الآب للجنس البشري كله. لن أخوض فيه كثيرًا لأنه لا توجد كلمات تعبر عن لهيب الحب الذي تجسد في ملء الزمان في صورة إنسان، كما يقول أحد الآباء أن الحب صار إنسانًا، ولكن ما أود أن أكتب فيه اليوم ماذا يعني التجسد أو الميلاد لي ولك كإنسان؟!   ولن أتجاوز قامتي الروحية وأتكلم عن أمور تبدو لي أعلى مني مثل تأله الإنسان وخلافه. وإن أردت عزيزي القارئ تمتلئ من هذا الحق الإلهي المًعلن في سر التجسد أنصحك أن تقرأ لآباء كنيستنا الشرقيين وأخص بالذكر هنا من تأثرت بهم في دراستي للكلمة المقدسة وهما القديس أثناسيوس الرسولي وكتابه تجسد الكلمة و القديس كيرلس الكبير. لكن دعوني أتناول الأمور ببساطه، فالكل يعلم أنه بسقوط آدم فسدت طبيعتنا بل سقطت الخليقة كلها، ففساد طبيعتنا كان يلزم تغير الطبيعة نفسها من الداخل وهنا نذكر قول للقديس أثناسيوس حامي الإيمان: وإذ رأى الكلمة أن ناموس فساد البشرية لا يمكن إبطاله إلا بالموت وأنه من المستحيل أن يتحمل الكلمة الموت لأنه خالد، باق، غير خاضع لناموس الموت. . أخذ بنفسه جسدًا قابلًا للموت حتى باتحاده بالكلمة يكون جديرًا أن يموت عن الجميع، إن الله بتجسده قد أوجد الإنسان حسب النموذج الكامل الذي في قصده ولنتذكر جميعًا ما هو أحب لقب كان قريب جدًا إلى قلب الرب يسوع وهو في الجسد أنه «ابن الإنسان» وهنا يحضرني قول بيلاطس البنطي في محاكمته للرب يسوع  فَقَالَ لَهُمْ بِيلاَطُسُ:"هُوَذَا الإِنْسَانُ! . ((إنجيل يوحنا ١٩ : ٥ )) فالإنسان بعد التجسد صار حاضرًا أمام الآب كل حين وأصبح المسيح شفيعًا وحيدًا ووسيطًا وحيدًا لدخول الإنسان إلى أقداس الآب، أيضاً الإنسان بعد التجسد وتغير الطبيعة، كما نقول في القداس الغريغوري باركت طبيعتي فيك. واكملت ناموسك عني، أصبح ابن وهو أعظم وأسمى ما يحصل عليه الإنسان أن يكون ابن لله بالتبني، حيث يسوع هو الابن الوحيد لله الآب ولكن كل من قُبٔل الابن يسوع صار ابنا بالتبني وأصبح لك ولي الحق أن أدعو الله أبويَا أنه امتياز  خارج إدراكنا العقلي كما يصرح الكتاب المقدس ثُمَّ بِمَا أَنَّكُمْ أَبْنَاءٌ، أَرْسَلَ اللهُ رُوحَ ابْنِهِ إِلَى قُلُوبِكُمْ صَارِخًا:"يَا أَبَا الآبُ. ((رسالة بولس إلى غلاطية ٤ : ٦ )). بتجسد الابن فينا انسكبت كل جمرات الحب الإلهي المتوهجة بين الآب والابن في داخلي كما أوضح يسوع في صلاته الأخيرة قبل الصليب في الإصحاح الذي يقول عنه الآباء أنه قدس أقداس العهد الجديد يوحنا  وَعَرَّفْتُهُمُ اسْمَكَ وَسَأُعَرِّفُهُمْ، لِيَكُونَ فِيهِمُ الْحُبُّ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي بِهِ، وَأَكُونَ أَنَا فِيهِمْ. ((إنجيل يوحنا ١٧ : ٢٦ )). التجسد  أيضًا فتح لنا المجال أن نخرج خارج حدود بشريتنا المحدودة بالزمكان أي حدود الزمان والمكان، حيث اتحادنا بالله غير المحدود الأزلي الأبدي، إذن لا سقف ولا حدود لإيمانك ولا تدع أحد أي من كان أن يضع حدود لك في علاقتك بالله ولا فيما قد يصنعه الرب معك لأنه إن كنا نأخذ الرب نفسه ونتحد به في الإفخارستيا وهو الإله العجيب كما يقول النبي في القديم:  وَلكِنْ يُعْطِيكُمُ السَّيِّدُ نَفْسُهُ آيَةً:... . . وَتَدْعُو اسْمَهُ "عِمَّانُوئِيلَ. ((سفر إشعياء ٧ : ١٤ )) ما اسم هذا الإله العجيب أنه الله معنا أو بالأحرى فينا، متحد بنا اسمه عجيب وعمله فينا ومن خلالنا عجيب أيضا. أَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْنًا، وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيبًا، مُشِيرًا، إِلهًا قَدِيرًا، أَبًا أَبَدِيًّا، رَئِيسَ السَّلاَمِ. ((سفر إشعياء ٩ : ٦ ))، إذن فلن يعود فيما بعد حجاب يحجز ولا ناموس حرفي يضع لي عراقيل ولست في حاجة إلى وساطة للدخول إلى أعماق الله إذ هو بنفسه متحد بيً. عزيزي القارئ نحن لا نعيد بعيد الميلاد أو تجسد ابن الله كطقس فقط لكن التجسد هو حدث فارق في طبيعتك، هو حدث أعلى من إدراكك لكنه متحد بك لتحيا فيه كل لحظة، أنه ظهور مشتهى كل الأمم نفسه خالق الزمن، ظهوره في الزمان وفي جسدي وجسدك أيضًا و هذا ما أوضحه رسول المحبة يوحنا وقال: وَكُلُّ رُوحٍ لاَ يَعْتَرِفُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْجَسَدِ، فَلَيْسَ مِنَ اللهِ. وَهذَا هُوَ رُوحُ ضِدِّ الْمَسِيحِ. ((رسالة يوحنا الأولى ٤ : ٣ )) نعم كل من لا يعترف أن يسوع المسيح جاء في الجسد، هو أناثيما أي محروم من أن يتواجد اسمه مكتوبًا في سفر الحياة. فلنفرح ونتهلل معا لأن الله ارتضى بكل جلاله وبهائه وجبروته أن يسكن فيّ وفيك ونتغنى مع تسبحه يوم الاثنين في كنيستنا الأرثوذكسية قائلين «كل الأنفس تفرح وتمرح مع الملائكة مسبحين الملك المسيح صارخين قائلين المجد لله في الأعالي... لأنه نقض الحاجز المتوسط وقتل العداوة بالكمال ومزق كتاب يد العبودية... وصيرنا أحرارًا». --- ### نحو بناء وعي قبطي أرثوذكسي - Published: ۲۰۲٤-۱۱-۰٤ - Modified: 2024-11-04 - URL: https://tabcm.net/31358/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: الثالوث القدوس, الغنوصية, الكنيسة القبطية, بابا بطرس الأول خاتم الشهداء, بيشوي بشرى, تادرس يعقوب ملطي, سمعان بن يونا, علامة إكليمندس السكندري, غريغوريوس النيسي, قديس بولس الرسول, قديس كيرلس الأورشليمي, كاتيشيزم, مشروع الكنوز القبطية, يشوع ابن سيراخ, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية صفحات من موقع مشروع الكنوز القبطية. . القمص تادرس يعقوب والشماس بيشوي بشرى. الكاتيشيزم هذا الفصل هو جزء من كتاب: كاتيكيزم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية  – جـ1 – مقدمات في الكاتيشيزم القبطي. .  القمص تادرس يعقوب و الشماس بيشوي بشرى. الكاتيشيزم 1 - ماذا تعني كلمة كاتيشيزم Catechism؟ كلمة كاتيشيزم يونانية معناها تعليم ديني مختصر يُقدم إماَ شفهيًا أو كتابة مبادئ وأساسيات التعليم والقيم المسيحية غالبًا عن طريق الأسئلة والأجوبة ((استخدمت هذه الكلمة باللغة اليونانية منذ العصر الرسولي (إنجيل لوقا 1: 4؛ سفر أعمال الرسل 28: 35). ))، قدم آباء الكنيسة الأولى مقالات أو محاضرات للموعوظين Catechetical Lectures، من بينهم القديسين كيرلس الأورشليمي وغريغوريوس أسقف نيصص. 2 - ما هي غاية الكاتيشيزم (التعليم بالأسئلة والأجوبة)؟ أولًا: تقديم معرفة إيمانية غايتها التعرف على الله وعمله الخلاصي. وقد ميّز القديس إكليمندس السكندري ((من القرن الثاني )) بين المعرفة لدى الغنوصيين الذين نادوا بأن الإنسان قادر بالمعرفة العقلانية البحتة أن يخلص، وبين المعرفة التي تقوم على تقديس العقل بالنعمة الإلهية، والتفاعل مع الإيمان للتعرف على الله والارتباط بحبه، وطلب عمل نعمته في حياتنا. وكما يقول يهوذا الرسول: أن تجتهدوا لأجل الإيمان المُسلّم مرة للقديسين ((رسالة يهوذا 3 ))، والرسول بطرس: نائلين غاية إيمانكم خلاص النفوس ((رسالة بطرس الأولى1: 9 )). يدعونا بولس الرسول للإيمان، قائلًا: ولكن بدون إيمان لا يمكن إرضاؤه، لأنه يجب أن الذي يأتي إلى الله يؤمن بأنه موجود، وأنه يجازي الذين يطلبونه ((رسالة بولس إلى العبرانين 11: 6 )). إذ نؤمن به ونسلمه كل حياتنا في المسيح يسوع، نختفي فيه ((رسالة بولس إلى كولوسي 3: 3 ))، ونهرب من الفساد الذي في العالم بالشهوة ((رسالة بطرس الثانية 1: 4 )). يقول الرسول: تمموا خلاصكم بخوفٍ ورعدةٍ، لأن الله هو العامل فيكم أن تريدوا وأن تعملوا من أجل مسرته ((رسالة بولس إلى فيلبي 2: 12 )). بهذا نتمتع بالحياة المقدسة، أي بالإيمان العامل بالمحبة ((رسالة بولس إلى غلاطية 5: 6 )). ثانيًا: لا يقوم الكاتيشيزم على بنود تحفظ بطريقة جافة، أو تقوم على مناقشات ليس فيها روح الحب. يرى القديس يوحنا ذهبي الفم بأن ثمار أوقية من الحب أفضل من ثمار طنٍ من المناقشات. لذا أرجو أن يكون خط هذا العمل هو بث روح الحب والدعوة للعمل في حياة كل المؤمنين في العالم من الطفل الصغير حتى الكهل بروح الفرح مع التواضع. وكما يقول ابن سيراخ إن المؤمن لا يتوقف عن العمل حتى النسمة الأخيرة من حياته. اثبت على عهدك، واهتمّ به، وأبلغ الشيخوخة فى عملك ((سفر يشوع ابن سيراخ 11: 18 )). ثالثًا: أرجو من الشباب خاصة في أرض المهجر إعادة كتابة هذا العمل بأسلوب يناسب كل الأعمار، طالبين عمل روح الله القدوس فيهم وفينا. رابعًا: أرجو أن يفتح هذا العمل مجالًا لوضع برامج التربية الكنسية للاستفادة العامة لكل أفراد الكنيسة. خامسًا: إبراز غنى الحياة الكنسية وإمكانياتها في المسيح يسوع والتطلع إلى المستقبل بروح الرجاء ما دمنا تحت قيادة روح الله القدوس، وربط التعليم بروح الأبوة أو الأخوة التي يختبرها الجميع بلقائهم مع الله محب البشر. سادسًا: التمتع بالروح الناري الذي لا يعرف الركود أو الخمول بل الانطلاق من مجدٍ إلى مجدٍ ((رسالة بولس الثانية إلى كورنثوس 3: 18 ))، مع التجديد المستمر والنمو في المعرفة الحقيقية. سابعًا: بث روح الكرازة والشهادة لعلم الثالوث القدوس في كل مؤمن، أيًا كان عمره أو ثقافته، وذلك بروح الحكمة والتمييز. ثامنًا: تأكيد أن التعليم والعبادة والكرازة والخدمة بكل أشكالها تمثل أوتارًا متباينة لتُصدر سيمفونية حب يُسرّ الله بها وتُبهج السمائيين والقديسين الذين رحلوا من هذا العالم مع عضويتهم في كنيسة المسيح الواحدة. تاسعًا: إدراك أن الالتزام بالتقليد (التسليم) لا يعني الجمود والسقوط تحت عبودية الحرف بلا روح. عاشرًا: التلامس مع عمل الثالوث القدوس في كل حياتنا، وإدراك الحضور الإلهي حتى في أحلامنا التي تبدو أنها بغير إرادتنا. --- ### رؤية عن المسيرة ومنهجها المختلف - Published: ۲۰۲٤-۱۱-۰۳ - Modified: 2024-11-03 - URL: https://tabcm.net/31193/ - تصنيفات: إصلاح كنسي إن لم نكن نحن الكنيسة الملتصقة بالمسيح فإن كل جهاد من أجل إصلاح الكنيسة المنظورة في مجمع للإكليروس هو سيف يقضي على حقيقتنا أننا كنيسة المسيح خَتْم الرب تجسده ثلاثين سنة بميكس mix يصلب العقل: صليب وقبر وقيامة وصعود. صار هذا هو تاريخ الكنيسة بالضرورة موجزًا ومتجسدًا في سيرة المسيح نفسه ثلاثين سنة. لا تلمح فيه العين البشرية انتصارًا ماحقًا وهزيمة نكراء للأعداء كما في بعض تاريخ الإسلام مثلًا وبعض أنظمة قامت وتقوم في العالم. لكن. . المسيح جاء متجسدًا ثلاثين سنة،  وأبطل في ذاته كل شر من أجلنا من أجلهم أقدس أنا ذاتي لكي يكونوا هم مقدسين في الحق جاء الرب متجسدًا ثلاثين سنة، وترك لنا كلام هو "روح وحياة" ينقل من يقبله من الموت إلى الحياة. أنتم الآن طاهرون من أجل الكلام الذي أكلمكم به. لقد استمر الشر بعد مجيء المسيح فتركه المجرب إلى حين وسيستمر الفساد في الكنيسة. فما قيمة مجيء المسيح ثلاثين سنة إذن إن كان الفساد مستمرًا في الكنيسة؟ الإجابة:  إن الفساد غير مستمر فينا نحن شخصيًا، الكنيسة جسد المسيح من لحمه وعظامه. إن لم تكن هذه هي الحقيقة في تبعيتنا للمسيح فسيكون مصيرنا وسلامنا وفرح نصرتنا مرتهنًا ورهن لأولئك السراق واللصوص. إن لم نكن نحن الكنيسة الملتصقة بالمسيح فإن كل جهاد من أجل إصلاح الكنيسة المنظورة في مجمع للإكليروس هو سيف يقضي على حقيقتنا أننا كنيسة المسيح، وبه نحيا ونتحرك ونوجد. ولنا منه الكهنوت الملوكي الذي به نحاول أن نصلح أو نعزل كل من تغرب أو صار ذئبًا من خدام أسرار كهنوت المسيح الذي فينا، أولئك الذين أقمناهم لخدمة كهنوت المسيح فينا.   --- ### الإخوان المسلمين والبرلمان - Published: ۲۰۲٤-۱۱-۰۲ - Modified: 2024-11-02 - URL: https://tabcm.net/30317/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أحمد السكري, أحمد حسن الباقوري, أحمد ماهر باشا, أدولف هتلر, الإخوان المسلمين, السيد سابق, حسن أحمد عبد الرحمن محمد البنا, خالد محمد خالد, سليمان عيد, صالح العشماوي, عبد الحكيم عدوي عابدين, عبد الرحمن الرافعي, عبد الرحمن علي فراج السندي, علي إبراهيم عطا, مايلز ويديربيرن لامبسون, محمد حامد أبو النصر, محمد فؤاد سراج الدين, محمود العيسوي, مصطفى النحاس, ملك فاروق يا شيخ حسن عايز أعرف أنتم جماعة دينية أو حرب سياسي؟ أحنا معندناش مانع أبدا أنكم تكونوا حزب سياسي، أعلنوا على الملأ إنكم بتشغلوا بالسياسة وأنكم كونتم حزب سياسي ولا تتستروا بستار الدين ولا تتخفوا في زي الدين، أما أن تتستروا تحت شعار الدين وفى نفس الوقت تقوموا بالعمل السياسي وتباشروا السياسة الحزبية فهذا غير معقول، لأنه يخل بمبادئ تكافؤ الفرص بينكم وبين الأحزاب السياسية. أنا كرجل سياسي حزبي لا أستطيع أن أهاجم جماعة دينية تنادى بشعارات دينية سامية وإلا سأكون محل استنكار من الرأي العام (فؤاد سراج الدين لحسن البنا) بعد توليه الوزارة بثلاثة أيام، حل النحاس مجلس النواب، فقرر الإخوان دخول المعركة الانتخابية التي قاطعتها تقريبًا كل الأحزاب الأخرى بـ 17 مرشحًا انتهازًا للفرصة كما سيفعلون مستقبلًا في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي سبقت الثورة المصرية في نوفمبر 2010 وأجمعت القوى الوطنية على مقاطعتها. وعلى الرغم من تأكيدات حسن البنا على أن الإخوان ليسوا حزبًا سياسيًا ولا طامعين في السلطة بل هم دعاة وفقط، وبالرغم من اعتراض بعض الإخوان على دخول البنا معترك السياسة بشكل رسمي بهدف قصر نشاط الجماعة على الدعوة فقط، لكن طموح البنا فوق أي معارضة، فقد برر البنا تبني الإخوان للعمل السياسي بحجة تنافر الأحزاب، مصرحًا بأنه؛ في حالة تخلف قادة الشعب عن تولي الأمور، فأنه سيتقدم ليقود الشعب. وكان قرار حسن البنا بدخول البرلمان هو رد فعل لعودة الوفد عدو الجماعة إلى صدارة المشهد السياسي وتولى النحاس رئاسة الحكومة، وكاستغلال لحالة السخط التي أصابت النخبة السياسية والشعب من حزب الوفد بعد قبول النحاس تولي الوزارة بالقوة كنتيجة لإجبار "لامبسون" لفاروق بتولي النحاس رئاسة الوزارة، ولإثبات الوجود وجس النبض واختبار قوة وتأثير وشعبية الجماعة في الشارع. قال البنا وهو يرشح نفسه عن دائرة الإسماعيلية؛ إن الترشيح يتم في ظل الإسلام وتحت راية القرآن، وتركزت دعاية البنا على ضرورة تطبيق الشريعة الإسلامية، وجاء في مقال نشرته إحدى الصحف أن البنا سيكون زعيم المعارضة في البرلمان، واختار البنا بلدة الإسماعيلية الصغيرة كي يترشح على مقعدها، كونها المكان الذي شهد ميلاد الجماعة والتي بدأ فيها دعوته، وبسبب شعبيته القوية بالطبع هناك، لكن حزب الوفد الذي يقف ضد خلط الدين بالسياسة بالمرصاد، لم يعجبه الأسلوب الذي تمارس به الجماعة دعايتها، فأرسل النحاس يطلب لقاء البنا شخصيًا ليناقشه في مسألة ترشيحه للبرلمان بفندق مينا هاوس وليقنعه بسحب الترشيح، وخيره النحاس بين العمل في الدعوة أو العمل في السياسة، وعليه أن يختار ما بين الاثنين لا أن يجمع بينهما، فأنتهز البنا الفرصة للمساومة والخروج بأكبر عدد من المكاسب نظير عدوله عن الترشيح. كان البنا قد فُرضت عليه قيود من الحكومة السابقة كعدم مغادرته القاهرة مثلاُ إلا بعد الحصول على إذن رسمي من وزارة الداخلية اتقاء لما يمكن أن يفعله إن غاب عن أعينهم، فوعده النحاس بتذليل أي عقبات تقف أمام الجماعة بشرط أن يوجهوا نشاطهم في سبيل الدعوة فقط، وكان هذا مرضيًا للبنا مؤقتًا، فتذليل العقبات أمامهم كفيلة بمضاعفة نشاطهم الذي حدته الحكومة السابقة، وكان للبنا طلب آخر، هو أن تعده الحكومة باتخاذ الإجراءات اللازمة لحظر المشروبات الكحولية والدعارة، فوافق النحاس، وأمر بعد فترة وجيزة بفرض قيود على بيع المشروبات الكحولية في أوقات معينة يوميًا وخلال شهر رمضان وفي الأعياد الدينية، وبالطبع كان هذا أقصى ما يتمناه البنا، وفي المقابل أرسل البنا إلى النحاس رسالة أعلن فيها ولاء المرشد العام والجماعة للحكومة والتزامه بمعاهدة 1936. لكن وكالمتوقع لم يف حسن البنا ولا الإخوان بالتزاماتهم، ولم يبتعدوا عن السياسة كما وعد البنا، خصوصًا أنه بعد اتفاق النحاس وحسن البنا على تنازل الأخير عن ترشيح نفسه أوقف فاروق المعونات المالية التي كان يمن بها على الجماعة، ولم يعد هناك أي تفاهم محدد بين الطرفين لاستشعار الملك أن البنا لم يعد يلعب لحسابه ضد الوفد، بل لحساب مصلحة الجماعة أينما وُجدت تلك المصلحة، فتدارك البنا الأمر سريعًا، وصدرت صحيفة الإخوان في 29 أغسطس 1942 يتصدر غلافها صورة للملك فاروق وفي يده المسبحة، ثم ذهب وفد من الجماعة برئاسة حسن البنا إلى قصر عابدين لرفع هذا العدد إلى صاحب الجلالة الملك المحبوب أيده الله. ومرة أخرى تتدخل السفارة البريطانية ضد الإخوان، فحظرت الحكومة الوفدية الاجتماعات العامة للجماعة في سبتمبر 1942، وهددت الإخوان باتخاذ المزيد من الإجراءات الانتقامية نحوهم، وتلقى المرشد العام تحذيرًا قويًا من القيام بأية أنشطة معادية لبريطانيا أو الحكومة حتى لا تتعرض قيادات الجماعة للاعتقال، واستدعى فؤاد سراج الدين، وزير الداخلية وقتئذ، المرشد العام وقال له: يا شيخ حسن عايز أعرف أنتم جماعة دينية أو حرب سياسي؟ احنا معندناش مانع أبدا أنكم تكونوا حزب سياسي، أعلنوا على الملأ إنكم بتشغلوا بالسياسة وأنكم كونتم حزب سياسي ولا تتستروا بستار الدين ولا تتخفوا في زي الدين، أما أن تتستروا تحت شعار الدين وفي نفس الوقت تقوموا بالعمل السياسي وتباشروا السياسة الحزبية فهذا غير معقول، لأنه يخل بمبادئ تكافؤ الفرص بينكم وبين الأحزاب السياسية. أنا كرجل سياسي حزبي لا أستطيع أن أهاجم جماعة دينية تنادي بشعارات دينية سامية وإلا سأكون محل استنكار من الرأي العام. (فؤاد سراج الدين) حادثة القصاصين في عصر يوم 15 نوفمبر 1943 كان الملك فاروق يقود السيارة التي أهداها له الزعيم النازي أودلف هتلر بسرعة كبيرة بجوار ترعة الإسماعيلية عائدًا من رحلة صيد، وفوجئ بمقطورة عسكرية إنجليزية كانت قادمة من بنغازي وقد انحرفت يسارًا فجأة وسدت الطريق أمامه لكي تدخل المعسكر، فانحرف لتفادي السقوط في الترعة، واصطدمت مقدمة المقطورة بسيارته وطارت عجلاتها الأمامية، وحطمت الباب الأمامي ووقع في وسط الطريق، وكاد الحادث أن يؤدي بحياته، وتم نقله إلى داخل المعسكر لإسعافه، ثم حملته السيارة الملكية إلى المستشفى العسكري القريب في القصاصين، وقد أحاط جنود مصريين بعد الحادث بالمستشفى من تلقاء أنفسهم، وتم إبلاغ القصر الملكي وحضر الجراح علي باشا إبراهيم بالطائرة من القاهرة لإجراء العملية له. وبعد انتشار الخبر في أرجاء مصر، زحفت الجماهير بالألوف وأحاطت بمستشفى القصاصين طوال إقامته فيه بعد الجراحة التي ظل يعانى من آثارها طوال حياته، وسببت له السمنة المفرطة بعد ذلك، وسرت شائعات بأن الحادث كان مدبرًا للتخلص منه بسبب تفاقم الخلاف الحاد بينه وبين السفير البريطاني السير "مايلز لامبسون" بعد حادث 4 فبراير، ورأس حسن البنا وفدًا من المركز العام وسافر به إلى القصاصين عقب الحادث، وانتقل وفود من شعب الأقاليم وفرق الجوالة إلى المستشفى، ووصفتهم صحيفة الإخوان بأنهم؛ يحدوهم جميعًا شعورهم نحو مليك البلاد، حفظه الله، وعجل له بالعافية وسرعة الشفاء. واستمرت صحف الإخوان في نفاق الملك فاروق، فأشادت به عندما ترك الاحتفال بعيد ميلاده وذهب إلى الصعيد؛ يواسي المنكوبين منه ويزور الفقراء المعدمين ويصلهم بعطفه وبره. ، وتستمر احتفالات الجوالة بالمناسبات الملكية، فتشارك في الاحتفالات بعودة الملك للقاهرة، فحين تقرر عودته للقاهرة، أصدر مكتب الإرشاد العام أمره إلى جميع الفروع في الأقاليم ليصطف الأعضاء بأعلامهم وجوالتهم على المحطات التي يقف فيها القطار الملكي؛ لأداء فروض الولاء والاحتفاء بالطلعة المحبوبة، وعندما زار الملك عبد العزيز آل سعود مصر، استعراض الإخوان جوالتهم أمام شرفة قصر الضيافة، وكان يقف إلى جوار الملك أحمد السكري الوكيل العام للإخوان، في حين اندس حسن البنا بين الجماهير يشاهد الاستعراض، وتكررت الاستعراضات في عيد ميلاد الملك أو عيد جلوسه، وتصف مجلة النذير الجوال بأن عليه؛ أن يكون مخلصًا لله وللوطن وللملك ولوالديه ولرؤسائه ومرؤوسيه، وبهذه الصورة أثبت الإخوان ولاءهم للملك حرصًا منهم على المحافظة على الأرض التي اكتسبوا، وإيمانًا منهم بأن الحكومات متغيرة ولكن العرش ثابت. في 8 أكتوبر 1944 أقال فاروق حكومة النحاس الذي قد تولى الوزارة رغمًا عن أنف فاروق، وتولى أحمد ماهر باشا رئيس الحزب السعدي المنشق عن حزب الوفد تشكيل الوزارة الجديدة خلفًا للنحاس، وبإقالة الوزارة الوفدية تغير الوضع، ولم يعد هناك تنازع بين الملك وحكومته، وكان على الإخوان الانعطاف كلية نحو القصر والحصول على المساندة الملكية، فانتهزت صحيفة الإخوان فرصة عيد ميلاده عام 1945 ليحمل غلافها صورته، وسطرت الجريدة بأن؛ عيد الملك هو عيد الشعب، وأن الحب الذي يكنه له هذا الشعب لم يمنحه لغيره من قبل، ويشيد حسن البنا في مقاله رحلة الحجاز بالمقابلة بين فاروق وابن سعود، ويبعث ببرقية باسم الإخوان إلى رئيس الديوان لرفعها للملك يهنئه فيها بسلامة العودة وأنه؛ يعز الإسلام والعروبة بالفاروق العظيم. الانتخابات البرلمانية مرة أخرى بعد قيام أحمد ماهر بحل البرلمان يوم 15 نوفمبر 1944، حاول الإخوان جس النبض مرة أخرى في الانتخابات البرلمانية، التي أتت بعد دعوة ماهر إلى انتخابات برلمانية جديدة في 8 يناير 1945، تلك المرة كرر الإخوان تجربتهم السابقة مع النحاس، وأن كانوا قد زجوا بعدد أقل من الإخوان في الانتخابات تلك المرة، فقط خمسة مرشحين، حسن البنا عن دائرة الإسماعيلية، وأحمد السكري عن دائرة المحمودية في البحيرة، صالح عشماوي عن دائرة مصر القديمة، عبد الحكيم عابدين عن دائرة فدمين في الفيوم، ومحمد حامد أبو النصر عن دائرة منفلوط في أسيوط، كما رشح الشيخ أحمد حسن الباقوري نفسه عن دائرة الخليفة الذي لم يكن من مرشحي الإخوان لكنه كان من المقربين للجماعة، وقد أعطاه الإخوان أصواتهم, لم يكن أحمد ماهر رئيس الوزراء الجديد في صراحة النحاس، فبدلًا من أن يطلب ماهر من البنا سحب الترشيح كما فعل النحاس سابقًا وكما تمنى البنا، تركه يخوض المعركة ليزعم أن الانتخابات حرة، وتوقع البنا أن ينجح من الجولة الأولى، فالإسماعيلية شهدت ميلاد الجماعة ونموها، كما أقام الإخوان 60 سرادقًا للدعاية الانتخابية للمرشد العام، وأتت الحشود كل شعب الجماعة على خط القنال لتأييده وهم يهتفون إلى البنا. . يا برلمان، لكن بالرغم من ذلك أتت النتائج مخيبة للآمال، فلم يحصل أيا من المرشحين المتنافسين، حسن البنا، والدكتور سليمان عيد متعهد توريد الأغذية لقوات الجيش البريطاني في منطقة القناة، على العدد المطلوب للفوز في الجولة الانتخابية الأولى، فتم إعادة  الانتخابات بينهما، وأتت نتائج الجولة الثانية صادمة للمرشد ورجاله، فقد سقط سقوطًا مروعًا في تلك الانتخابات هو وكل مرشحي جماعته. واختلف الكثيرون حول سبب فشل البنا بالذات، فقد تساوى في المرحلة الأولى مع منافسه الدكتور سليمان عيد لكنه خسر في جولة الإعادة، وأنصاره يتهمون أحمد ماهر وحكومته بتزوير الانتخابات من الباطن، وأحمد ماهر يرد عليهم بأن شعبية البنا الجارفة لا توجد إلا في مخيلتهم، وأن شعبيتهم الحقيقية في الشارع لا تكفي لدخول البنا البرلمان، وفي الحالتين فأن النتيجة واحدة، إن البنا خسر تلك المعركة بجدارة ولزم الانتقام من أحمد ماهر شخصيًا. لم يضيع البنا وقتًا فصدرت الأوامر إلى عبد الرحمن السندي رئيس التنظيم الخاص باختيار أحد شباب الجماعة لاغتيال أحمد ماهر باشا كعقاب له على تزويره الانتخابات وإسقاط البنا، فأختار عضو التنظيم الخاص الشاب "أحمد عبد الفتاح طه" لإتمام العملية، ولكنه جبن في اللحظة الأخيرة، وتراجع عن قتل أحمد ماهر وعاد إلى أعضاء الجهاز السرى يعترف بجبنه، فجند السندي أخ ثان للقيام بالعملية يدعى "محمود العيسوي" من شباب التنظيم السرى المنتمين شكليًا للحزب الوطني. وفى اليوم التالي مباشرة، اغتال "محمود العيسوي" رئيس الوزراء داخل دار البرلمان يوم 24 من فبراير 1945 وهو ينتقل من مجلس الشيوخ إلى البهو الفرعوني لمجلس النواب ليعلن قرار مصر بدخول الحرب حتى يتسنى له حضور مؤتمر الصلح طبقًا لقرارات الحلفاء في اجتماعهم بمدينة "يالتا". واعترف العيسوي بجريمته وقال إن قرار إعلان الحرب وما قد يجره على البلاد من نكبة محققة لو دخلت حربًا، دفعه على قتل رئيس الوزراء، وقال إنه ينتمى إلى الحزب الوطني، وأكد هذا الادعاء أنه كان يتمرن على المحاماة في مكتب "عبد الرحمن الرافعي" ثم في مكتب "عبد المقصود متولي" وهما من كبار رجالات الحزب الوطني، وألقى القبض على "عبد العزيز على" وهو من قادة النضال السري للحزب الوطني وصهره "عبد السلام مصطفى" المحامي، بتهمة الاشتراك في الجريمة لأنهما من الحزب الوطني ومن أصدقاء القاتل أيضا. وحتى اليوم لا زلت الجماعة تدافع عن اتهامها بمقتل أحمد ماهر باشا بهذا التبرير، بينما يؤكد الشيخ سيد سابق، وهو من قادة الإخوان، مسؤولية الجماعة عن قتل ماهر في حديثه للكاتب الأستاذ خالد محمد خالد مؤكدًا أن؛ محمود العيسوي من صميم الإخوان المسلمين، وفي مذكرات الشيخ أحمد حسن الباقوري قال: إن النظام الخاص أو الجهاز السري للإخوان رأي الانتقام من أحمد ماهر، لأنه أسقط الشيخ البنا في الانتخابات بالإسماعيلية، فوُجِه محمود العيسوي لاغتيال رئيس الوزراء. ينما يدافع فصيل آخر بقولهم أن هذا الاغتيال تم بمعرفة السندي وتدبيره وتخطيطه، ولكن دون علم المرشد. --- ### مونارخية الآب في اللاهوت الآبائي السكندري [٢] - Published: ۲۰۲٤-۱۱-۰۱ - Modified: 2024-12-17 - URL: https://tabcm.net/31127/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: Sola Fide, آدم, آريوسية, أمجد رفعت رشدي, أوريجينوس ليونايدس أدامانتيوس, الثالوث القدوس, المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية, بابا ديونيسيوس السكندري, بابا كيرلس عمود الدين, باسيليوس الكبير، أسقف قيصرية الكبادوك, چورچ عوض إبراهيم, صموئيل كامل عبد السيد, ضد الآريوسيين, علامة إكليمندس السكندري, علامة ديديموس الضرير, قايين, قديس أثناسيوس الرسولي, كنيسة الإسكندرية, مدرسة الإسكندرية, مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية, موريس تاوضروس, نصحي عبد الشهيد بطرس نستكمل في هذا الجزء ما بدأنها في الجزء الأول حول الإشارات إلى مونارخية الآب في تعليم وكتابات آباء كنيسة الإسكندرية في حِقْبَة ما قبل نيقية وحقبة نيقية وما بعد نيقية، من أجل الوقوف على أفضل تصور حول مفهوم المونارخية في الثالوث، وهل كان يؤمن آباء الإسكندرية بمونارخية الآب أم بمونارخية الثالوث، كما يدَّعي بعض الباحثين في العصر الحديث؟ العلامة ديديموس الضرير خروج الابن والروح القدس من الآب يُوضِّح العلامة ديديموس أن الروح القدس يخرج من الآب مثلما يخرج الابن أو المخلِّص نفسه من الله، ويشير إلى أن الروح القدس يُقال عنه أنه ينبثق من عند الآب ((إنجيل يوحنا 15: 26 ))، وفق خاصة الآب المتفردة، ومفهوم الأبوة، أي المصدرية. وبالرغم من أن المسيح قال إنه قد خرج من قِبَل الله، لكنه لم ينسب لنفسه خاصية الانبثاق عند حديثه عن علاقته بالآب، لأن خاصية الانبثاق هي خاصة بالروح القدس فقط كالتالي: ((ديديموس الضرير، الروح القدس، ترجمة: أمجد رفعت رشدي، (القاهرة: مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية، 2015)، 4: 113-115، ص 73-75. )) فعلينا أن ندرك أن الروح القدس يخرج من الآب مثلما يخرج المخلِّص نفسه من الله، وهو ما شهد لهبقوله: لأني خرجت من قِبَل الله وأتيت ((إنجيل يوحنا 8: 42 ))وهكذا فعلينا أن نؤمن بالإقرارات التالية التي استخدمت كلمات لا يُنطق بها وهي مُدرَكة بالإيمان وحده عن أن المخلِّص خرج من عند الآب ((إنجيل يوحنا 8: 42 ))، وروح الحق الذي من عند الآب ينبثق ((إنجيل يوحنا 15: 26 ))، والآب نفسه الذي قال: الروح الذي يخرج مني ((سفر إشعياء 57: 16 سبعينية )). وبالحقيقة قد قيل حسنًا بالنص: روح الحق الذي من عند الآب ينبثق ((إنجيل يوحنا 15: 26 )). وكان من الممكن أن يقول: من الله، أو من الربّ، أو من ضابط الكل، ولكنه لم يستعمل أيًا من هذه. بل عوضًا قال: من الآب، وهذا مردَّه لا لأن الآب مختلف عن الله ضابط الكل -فإن مجرَّد التفكير في هذا يُعدّ جرمًا- بل بالحري أن روح الحق يُقال عنه ينبثق من الآب ((إنجيل يوحنا 15: 26 ))، وفق خاصة الآب المتفردة، ووفق مفهوم الأبوة. وبالرغم من أن المسيح قال في مواقفٍ عديدةٍ إنه قد خرج من قِبَل الله، لكنه لم ينسب لنفسه المزيَّةالتي ناقشناها لتونا، عند حديثه عن علاقته بالآب، بل عندما يتحدَّث عنها يقول: أنا في الآب والآب فيَّ ((إنجيل يوحنا 14: 10 ))، وفي موضع آخر: أنا والآب واحدٌ ((إنجيل يوحنا 10: 30 )). والقارئ الحصيف سيجد في الإنجيل فقرات أخرى عديدة مُشابهة لهذه. (ديديموس الضرير، الروح القدس) ق. أثناسيوس الرسولي الآب هو أصل الابن ووالده يشير ق. أثناسيوس إلى أن الآب هو أصل الابن ووالده، وأن الآب هو آب، وهو لم يكن ابنًا لأحد، والابن هو ابن وليس بأخ، ولا يوجد أصل سابق عليهما في الوجود كالتالي: ((أثناسيوس، المقالات الثلاثة ضد الآريوسيين، ترجمة: أ صموئيل كامل وآخرين، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2017)، 1: 5: 14، ص 61. )) فالآب والابن لم يُولَدا من أصل سابق عليهما في الوجود، حتى يمكن اعتبارهما أخوين، ولكن الآب هو أصل الابن وهو والده. والآب هو آب، وهو لم يكن ابنًا لأحد، والابن هو ابن وليس بأخٍ. (أثناسيوس، المقالات الثلاثة ضد الآريوسيين) الله الآب هو الينبوع الأزلي لحكمته الذاتية يرى ق. أثناسيوس أن الله الآب هو الينبوع الأزليّ لحكمته الذاتية، أي أقنوم الكلمة أو الابن، ولمَّا كان الينبوع أزليًا، فبالضرورة تكون الحكمة أزليةً أيضًا كالتالي: ((أثناسيوس، المقالات الثلاثة ضد الآريوسيين، ترجمة: أ صموئيل كامل وآخرين، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2017)، 1: 6: 3، ص 70. )) أمَّا الحقيقة فتشهد بأن الله هو الينبوع الأزليّ لحكمته الذاتية، ولمَّا كان الينبوع أزليًا، فبالضرورة يجب أن تكون الحكمة أزليةً أيضًا، لأنه من خلال هذه الحكمة خُلِقَت كل الأشياء. (أثناسيوس، المقالات الثلاثة ضد الآريوسيين) الآب هو البَدْء والينبوع يصف ق. أثناسيوس الآب بأنه البَدْء والينبوع في الثالوث القدوس، مُميِّزًا بينه وبين أقنومي الكلمة والروح القدس كالتالي: ((أثناسيوس، الرسائل عن الروح القدس للأسقف سرابيون، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد ود. موريس تاوضروس، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2018)، 1: 28، ص 96. )) وهكذا يُكرَز بإلهٍ واحدٍ في الكنيسة: الذي على الكل وبالكل وفي الكل ((رسالة بولس إلى أفسس 4: 6 )). على الكل أي كأب وكبدءٍ وكينبوع، وبالكل أي بالكلمة، وفي الكل أي في الروح القدس. هو ثالوث ليس فقط بالاسم وصيغة الكلام، بل بالحق والوجود الفعليّ. (أثناسيوس، الرسائل عن الروح القدس للأسقف سرابيون) ويصف ق. أثناسيوس أقنوم الآب أيضًا بأنه يَنبوع ونور وأب، ولا يمكن أن يكون الينبوع جافًا بدون ماء، ولا أب بدون ابن، ولا نور بدون شعاع كالتالي: ((أثناسيوس، الرسائل عن الروح القدس للأسقف سرابيون، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد ود. موريس تاوضروس، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2018)، 12: 2، ص 113، 114. )) إذَا كان الله ينبوعًا ونورًا وأبًا، فليس من الجائز القول بأن الينبوع جافٌ، أو أن النور بلا شعاع، أو أن الله بلا كلمة، لئلا يكون الله غير حكيم، وغير عاقل، وبلا شعاع. وإذًا، فحيث إن الآب أزليّ، فبالضرورة يكون الابن أيضًا أزليًا، لأن كل ما هو للآب فهو بلا شك للابن أيضًا. (أثناسيوس، الرسائل عن الروح القدس للأسقف سرابيون) ق. كيرلس السكندري الآب هو المصدر والينبوع في الثالوث يتحدَّث ق. كيرلس السكندريّ عن أن الآب هو المصدر أو الينبوع في الثالوث، وأن أقنوم الكلمة فيه لأنه حكمته وقوته وصورة جوهره وشعاع مجده قائلًا: ((كيرلس الإسكندري، شرح إنجيل يوحنا مج1، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرين، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2015)، 1: 1، ص 43. )) أمَّا بالنسبة للابن فالبدء ليس بدءًا زمنيًا ولا جغرافيًا، فهو أزليّ وأقدم من كل الدهور، ولم يُولد من الآب في الزمان، لأنه كان مع الآب، مثل الماء في الينبوع، أو كما قال هو خرجت من عند الآب وقد أتيت إلى العالم ((إنجيل يوحنا 16: 28 )). فإذَا اعتبرنا الآب المصدر أو الينبوع، فإن الكلمة كان فيه لأنه حكمته وقوته وصورة جوهره وشعاع مجده. هل من اعتراض على أن الابن في الآب مثل الماء في الينبوع، أو أن الآب هو الينبوع؟ إنَّ كلمة يَنبوع تعني هنا المعية. لأن الابن في الآب وهو من الآب، ليس كمَّن يأتي من الخارج في الزمن، بل هو من ذات جوهر الآب. (كيرلس السكندري، شرح إنجيل يوحنا مج1) الآب هو البَدْء غير المبتدئ للطبيعة الإلهية يشير ق. كيرلس السكندريّ إلى أن الآب هو بَدْء الابن، والبدء غير المبتدئ للطبيعة الإلهية قائلًا: ((كيرلس الإسكندري، شرح إنجيل يوحنا مج1، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرين، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2015)، 1: 1، ص 44. )) ولذلك وصف القديسون الله الآب أنه هو بدء الابن، وكانوا يقصدون من ذلك أنه مع الآب. وحقًا سوف يأتي مع الآب لأنه في الآب، وهو البدء غير المبتدئ للطبيعة الإلهية، وهي التي تجعل الآب هو البدء بالنسبة للابن من ناحية المعية لأن الابن من الآب. (كيرلس السكندري، شرح إنجيل يوحنا مج1) الآب هو البدء والقوة والسيادة في الطبيعة الإلهية ويوضح ق. كيرلس السكندري أن الآب هو البدء άρχή بمعنى القوة والسيادة على الكل، أي الطبيعة الإلهية التي فوق الكل، والتي تحت أقدامها تستقر الطبائع المخلوقة المدعوة للوجود بإرداة اللاهوت كالتالي: ((كيرلس الإسكندري، شرح إنجيل يوحنا مج1، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرين، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2015)، 1: 1، ص 45. )) والإنجيليّ المبارك -على ما يبدو لي- يُسمِّي الآب البَدْء άρχή أي القوة والسيادة التي على الكل، أي الطبيعة الإلهية التي فوق الكل، التي تحت أقدامها تستقر الطبائع المخلوقة التي هي كائنة ومدعوة للوجود بسبب إرادة اللاهوت. في هذا البَدْء άρχή الذي هو فوق الكل وعلى الكل كان الكلمة، ليس مع الطبائع المخلوقة التي تحت قدمي البَدْء، وإنما عاليًا عنها جميعًا، لأنه في البَدْء أي من ذات الطبيعة والكائن دائمًا مع الآب، وله طبيعة الذي ولده كمكانٍ أزليّ قبل الكل. لذلك هو مولودٌ حرٌ من الآب الحر، ومنه ومعه له السيادة άρχή على الكلّ. (كيرلس السكندري، شرح إنجيل يوحنا مج1) ويشير ق. كيرلس أيضًا إلى أن الآب هو البَدْء للابن، موضحًا مفهوم ’في البَدْء‘ أن البَدْء ليس أي شيء آخر سوى الآب ذاته قائلًا: ((كيرلس الإسكندري، الكنوز في الثالوث، ترجمة: د. جورج عوض إبراهيم، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2011)، مقالة 32: 121، ص 504. )) يبدو الإنجيليّ الطوباويّ، وكأنه يُفسِّر لنا بوضوحٍ تامٍ مفهوم البدء، فيقول ليس البدء شيئًا آخر إلا الآب ذاته، الذي منه أشرق الكلمة المحيي، مثل النور من الشمس، والذي يُدرَك على أنه شيء آخر غير الشمس، لكنه ليس خارجًا عن جوهر ذاك الذي بعثه. فبدء الابن إذن هو الآب. (كيرلس السكندري، الكنوز في الثالوث) الآب هو أصل الكلمة الخالق يقول ق. كيرلس، مثله مثل ق. أثناسيوس الرسوليّ، أن الآب هو أصل الكلمة الخالق، وأنه كائن طبيعيًا في الابن كالتالي: ((كيرلس الإسكندري، شرح إنجيل يوحنا مج1، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرين، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2015)، 1: 1، ص 80. )) لأن الابن هو قوة أقنوم الآب الخاصة به وبجوهره. وأيضًا عندما يعمل الابن، يعمل الآب أيضًا، فالآب أصل الكلمة الخالق، وهو كائن طبيعيًا في الابن مثل النار في الحرارة الصادرة منها. (كيرلس السكندري، شرح إنجيل يوحنا مج1) الآب هو الجذر والينبوع للابن يؤكد ق. كيرلس السكندريّ على أن الآب هو الجذر والينبوع لوليده، أي ابنه الوحيد، وهكذا كل ما يعمله الابن يُنسَب إلى الآب الذي يصدر منه الابن كالتالي: ((كيرلس الإسكندري، شرح إنجيل يوحنا مج2، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرين، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2015)، ص 401. )) لأن الآب يعمل بواسطة الابن. لأن كل ما يعمله الابن يُنسَب إلى الآب الذي منه يصدر الابن، إذ أن الآب هو الجذر والينبوع لوليده. (كيرلس السكندري، شرح إنجيل يوحنا مج2) الآب هو البداية الأزلية للكلمة يُفرِّق ق. كيرلس بين البداية الأزلية للكلمة في الآب خارج حدود الزمان والمكان، وبين البداية الزمنية للمخلوقات كالتالي: ((كيرلس الإسكندري، الكنوز في الثالوث، ترجمة: د. جورج عوض إبراهيم، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2011)، مقالة 15: 50، ص 252. )) وحين حدَّد الكتاب أن الكلمة هو بداية المخلوقات، يقول: في البدء خلق، بينما عن كلمة الله ’في البدء كان الكلمة‘. بالنسبة للمخلوقات، البداية هي الزمن، بينما بالنسبة لكلمة الله، الكائن منذ الأزل، فإن البداية άρχή هي فقط أباه الأزليّ، الذي ليس له بداية، طالما أنه كائن معه أزليًا. (كيرلس السكندري، الكنوز في الثالوث) الآب هو بداية الابن يفسر ق. كيرلس، مثله مثل ق. أثناسيوس((يفسر ق. أثناسيوس آية أبي أعظم مني كالتالي: ”لذلك، فإن الابن نفسه لم يقل أبي أعظم مني حتى لا يظن أحدٌ أنه غريب عن طبيعة الآب، بل قال: أعظم مني، ليس من جهة الحجم ولا من جهة الزمن، بل بسبب ميلاده من أبيه ذاته، فإنه حتى عندما يُقال: أعظم مني، أَظهر مرةً أخرى أنه من ذاتية جوهره الذاتيّ (أثناسيوس، المقالات الثلاثة ضد الآريوسيين، ترجمة: أ. صموئيل كامل وآخرين، القاهرة، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2017، 1: 13: 58، ص 140). )) وق. باسيليوس الكبير، أن الآب أعظم من الابن، لأن الابن كمساوٍ للآب في الجوهر ومتماثل معه في كل شيء، اتَّخذ الآب الذي بلا بداية كبدايةٍ له لأنه يأتي منه، بالرغم من أن وجوده أزليّ معه كالتالي: ((كيرلس الإسكندري، الكنوز في الثالوث، ترجمة: د. جورج عوض إبراهيم، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2011)، مقالة 11: 4، ص 137. )) إذًا، الابن مساوٍ للآب من جهة الجوهر ومتماثل معه في كل شيء، لكنه يقول عن الآب إنه أعظم؛ لأنه أتَّخذ الآب الذي بلا بداية فقط بسبب أنه يأتي منه، بالرغم من أن وجوده أزليّ معه. (كيرلس السكندري، الكنوز في الثالوث) الآب هو علة وجود الابن كمولود طبيعي منه يرد ق. كيرلس على إدعاء الآريوسيين الهراطقة بأن الآب هو علة وجود الابن المخلوق، مؤكدًا على أن الآب هو علة وجود الابن كوالدٍ حسب الطبيعة، وليس كخالق قائلًا: ((كيرلس الإسكندري، الكنوز في الثالوث، ترجمة: د. جورج عوض إبراهيم، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2011)، مقالة 10: 10، ص 124. )) بأية طريقة، يا محاربي المسيح، تزعمون أن الآب صار علة وجود الابن؟ حسنًا. إذَا كُنتم تظنون أنه مخلوق، فإنه عندئذٍ يكون مخلوقًا وليس ابنًا، محاربين بوضوحٍ الآب الذي يقول للذي ولده: ولدتك من بطني قبل يوسيفوروس ((مزمور 109: 3 سبعينية )). أمَّا لو اعترفتم بأنه -حقًا- هو الابن وآمنتم بأنه هكذا يكون، عندئذٍ يتحتم عليكم ألا تقولوا إن الآب علة الابن كخالق، بل كوالدٍ حسب الطبيعة. ولن يعيقكم عن ذلك شيءٌ؛ لأن الذي يأتي من آخر حسب الطبيعة، يتحتم أن يكون من نفس جوهره، حتى لو كان ذاك هو علة وجوده. (كيرلس السكندري، الكنوز في الثالوث) ويستطرد ق. كيرلس في شرح كيف أن الآب هو علة وجود الابن، إلا أن الابن من نفس جوهر الآب، مولود منه أزليًا خارج حدود الزمان والمكان، وهو كائن معه أبديًا كالتالي: ((كيرلس الإسكندري، الكنوز في الثالوث، ترجمة: د. جورج عوض إبراهيم، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2011)، مقالة 10: 12، ص 125. )) إنْ لم يكن الابن شبيهًا بالآب حسب الجوهر، ولا مساويًا للآب في الجوهر، باعتبار أن الآب لا يأتي من علةٍ ما، بينما الآب هو علة الابن، فما الذي يمنع أن نقول أيضًا إن قايين لم يكن مساويًا لأبيه في الجوهر؟ لأن آدم لم يُولَد من أحد؛ لأنه كان الإنسان الأول، وفي ذات الوقت كان آدم هو علة قايين، إذ صار قايين منه. وبما أن هذا الافتراض كاذب (لأن قايين كان من نفس جوهر آدم)، فيكون الابن أيضًا - على أية حال - من نفس جوهر الآب، حتى لو كان الآب بالنسبة له علة وجوده، طالما أتىمنه أزليًا، وهو كائن معه أبديًا. (كيرلس السكندري، الكنوز في الثالوث) الخلاصة نستخلص من هذا البحث تعليم الآباء السكندريين بدءًا من العلامة كليمندس السكندري وصولاً إلى ق. كيرلس السكندريّ بمونارخية الآب، وهكذا يتفق التعليم السكندريّ مع التعليم الكبادوكيّ بمونارخية الآب. حيث يرى العلامة كليمندس السكندريّ في سياق تعليمه عن مونارخية الآب أن الآب هو علة الابن. ويتبعه تلميذه العلامة أوريجينوس السكندريّ في نفس الأمر، حيث يرى أن الابن يأخذ من الآب ما هو عليه، وأن الآب هو بداية الابن، وهكذا يأخذ الابن كيانه من الآب بلا بداية أو زمان. كما يؤكد العلامة أوريجينوس على أن الآب هو مبدأ ومصدر الابن والروح القدس، وأن الآب هو مصدر الألوهية في الثالوث. وهكذا يتبع العلامة أوريجينوس تلميذه ق. ديونيسيوس السكندريّ، الذي يؤكد على اتحاد الابن والروح القدس في الآب الرأس، ويشير ق. ديونيسيوس إلى إكرام الابن للآب كرأسٍ له. ويرى أن الآب هو مصدر الابن، وأن الآب نبع الابن. ويشدد العلامة ديديموس الضرير، أحد تلاميذ العلامة أوريجينوس، على خروج أو صدور الابن والروح القدس من الآب. ويتبع ق. أثناسيوس الرسوليّ التقليد الإسكندريّ السابق عليه، الذي يؤكد على مونارخية الآب. يقول ق. أثناسيوس بأن الآب هو أصل الابن ووالده، وأن الله الآب هو الينبوع الأزليّ لحكمته الذاتية، ويصف الآب بأنه البدء والينبوع في الثالوث القدوس. ويتبعه في ذلك ق. كيرلس السكندريّ الذي يؤكد على أن الآب هو المصدر والينبوع في الثالوث، وأن الآب هو البَدْء غير المبتدئ للطبيعة الإلهية. ويرى ق. كيرلس أن الآب هو البَدْء والقوة والسيادة في الطبيعة الإلهية، ويقول، مثلما قال ق. أثناسيوس، بأن الآب هو أصل الكلمة الخالق. ويؤكد ق. كيرلس في نفس السياق أيضًا على أن الآب هو الجذر والينبوع للابن، وأن الآب هو البداية الأزلية لأقنوم الكلمة. ويقول، كما قال العلامة أوريجينوس من قبله، إن الآب هو بداية الابن. ويقول، مثلما قال الآباء الإسكندريين والكبادوكيين من قبله، إن الآب هو علة وجود الابن كمولود طبيعيّ منه. --- ### آوان تقنين استقالة وتقاعد الأساقفة - Published: ۲۰۲٤-۱۰-۳۱ - Modified: 2025-03-03 - URL: https://tabcm.net/30637/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أنبا أبانوب، أسقف المقطم, أنبا إبيفانيوس المقاري, أنبا بيسنتي، أسقف حلوان والمعصرة والتبين, أنبا بيشوي، مطران دمياط وكفر الشيخ, أنبا موسى الأبيض، أسقف عام الشباب, إكليروس, العلمانية, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, چورچ حبيب بباوي, چوزيف موريس فلتس, دير الأنبا مقار الكبير, سينوت دلوار شنودة, قوانين الرسل, مجمع الأساقفة, مجمع نيقية لا زالت أصداء الجدل حول سيمنار الأساقفة الذي تم تأجيله لوجود 2 من الأكاديميين العلمانيين يحاضرون فيه حول مجمع نيقية تلقي بظلالها على الكنيسة، وأخرها خبر تقديم الأنبا أبانوب الأسقف العام في منطقة المقطم لاستقالته/ إعفائه من الخدمة هناك وفقا لما صرح به البابا تواضروس الثاني، مساء الأربعاء 30 أكتوبر خلال زيارته لكنيسة الأنبا بيشوي بحي زهراء المعادي، فبعد البيان المسرب بتوقيع 17 أسقف يعترضون فيه على وجود أستاذ اللاهوت دكتور جوزيف موريس فلتس وأستاذ التاريخ سينوت دلوار شنودة، خرج الأنبا أبانوب وهو أحد الموقعين على البيان بتسجيل فيديو مثل الأنبا موسى أسقف الشباب ليبدي اعتراضه على وجود الأكاديميين. ورد البابا تواضروس على ما انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي قبل يوم من زيارته لإيبارشية المعادي بأنه "تم اجبار الأنبا أبانوب على الاستقالة والعودة إلى الدير" بأن هذا غير صحيح، والأنبا أبانوب هو من طلب إعفائه، وأشار البابا لوجود مشكلات و"ضعفات" تخص الأنبا أبانوب في الخدمة -لم يذكرها- وأوضح أن هذا الطلب لازال قيد الدراسة، وحذر البابا من الشائعات المنتشرة من قبل ما أسماهم "صفحات الإثارة أو السوداوية" على مواقع التواصل الاجتماعي، مؤكدًا أن الكنيسة صاحبها المسيح، وكل الإكليروس خدام في يد المسيح، ويحكمهم أمانة العمل، وأضاف أن الأسقف العام رُسم دون تزكية من الشعب، ليؤدي دور معين وحدث به بعض الضعفات. بعد هذه الإجراءات لدي عدة ملحوظات: يقول المثل: "أن تأتي متأخرًا أفضل من ألا تأتي أبدًا"، هذا الإجراء تجاه أسقف المقطم تأخر كثيرًا، ليس معه فقط، بل مع أساقفة آخرين يسببون مشاكل وعثرات في الكنيسة، وكلما حدث تأخر في اتخاذ قرارات في وقتها وتم التروي والانتظار كثيرًا كلما كانت الفاتورة أفدح، وهذا ما قد ظهرت بوادره الآن. اتسم عصر البابا شنودة الثالث بالمحاكمات الكنسية الجائرة وغير القانونية، سواء مع إكليروس أو علمانيين وقادها سكرتير مجمع الأساقفة في عهده الراحل الأنبا بيشوي مطران دمياط، وعانت الكنيسة بسبب إبعاد بعض الأساقفة مثل الأنبا أمونيوس أسقف الأقصر والأنبا تكلا أسقف دشنا والأنبا متياس أسقف المحلة، إضافة إلى عزل دكتور جورج حبيب بباوي بقرار دون محاكمة قانونية يدافع فيها عن نفسه وفق القوانين الكنسية، ولم يسمح لأحد أن يعارضه أو يطلق رأي مخالف لرأيه، حتى يتخيل البعض حتى الآن أن مواقف وآراء البابا الراحل شنودة الثالث هي جوهر إيمان وعقائد الكنيسة، ولعل عبارة "لا طلاق إلا لعلة الزنا" هي أكبر مثال. في حين جاء البابا تواضروس ليأخذ الطرف النقيض تمامًا فلم تجر في عهده محاكمات كنسية كما كان يحدث سابقًا، يتعرض لهجوم مستمر من لجأن مأجورة على مواقع التواصل الاجتماعي، ويخرج بعض الأساقفة معدومي الثقافة والدراسة لمهاجمته والتعليق على قراراته وعظاته بطرق مباشرة وغير مباشرة ولم يتخذ إجراء واحد قانوني تجاههم رغم تصرفاتهم التي تؤهلهم للمحاكمة. وللأسف التطرف في الاتجاهين مضر بشؤون الكنيسة وأحوالها فما فعله البابا شنودة سابقًا، أخفى أي صوت أو رأي من الكنيسة، وما يفعله البابا تواضروس حاليًا بتغليب روح المحبة دائمًا دون وقفة مع المتجاوزين يصل إلى حد السلبية، ولنا في مقتل الأنبا إبيفانيوس رئيس دير الأنبا مقار في 29 يوليو 2018 أكبر مثال، فقد تهاون الأسقف المغدور مع تجاوزات قاتله كثيرًا، وكانت النتيجة فقداته حياته على يد راهب فاسد كان يجب تجريده وطرده من الدير فور أول مشكلة افتعلها. لذا أن يحقق البابا سواء بنفسه أو من خلال لجنة من أعضاء مجمع الأساقفة مع تجاوزات أي أسقف لهو أمر في غاية الأهمية، ويجب أن تشهد لائحة عمل الأساقفة بعض التعديلات الإدارية المهمة، فيما يخص تقديم الأساقفة لاستقالتهم أو إحالتهم للتقاعد/ المعاش عند سن محدد، فما حدث في نهايات عهد البابا شنودة مع كبر سنه واشتداد المرض عليه كان يستوجب وجود قانون للتقاعد، وهو ما تكرر مع الأنبا بسنتي أسقف حلوان السابق في نهاية أيامه، واضطر البابا للتدخل لوقف ما حدث في تلك الإيبارشية من تجاوزات ومراجعة كافة قرارات الأسقف الإدارية والمالية، ولنا في الفيديو الأخير الذي صدر عن الأنبا موسى أسقف عام الشباب خير مثال فالرجل قد كبر سنه، وتم الزج به في صراعات لا يدري بها، ويبدو أن من حوله طلبوا منه أن يفعل ذلك. لذا فلماذا الإصرار على قواعد قديمة، ثبت اليوم إننا في حاجة لتغييرها؟ طبعا سيخرج علينا المستفيدين من الوضع الحالي برفض ذلك، بدعوى أنها قوانين الرسل، لكن هؤلاء يجورن على الروح القدس الذي وعد المسيح بأن يظل عامل في الكنيسة. الأمر الآخر لا يصح أن يتم اختيار الأساقفة من الرهبان فقط، فإذا كان شرط البتولية أساسي في اختيار الراعي فيمكن اختيار ذلك من العلمانيين أيضًا، ولكن الشرط الأهم لاختيار الأساقفة والرعاة، هو الدراسة الأكاديمية وأن يكون الأسقف حاصل على دراسات أكاديمية ودكتوراه في إحدى فروع الدراسات اللاهوتية والرعوية والعلوم الإنسانية من جامعات دولية ومعترف بها أكاديميًا، حتى يتم اختياره أسقفًا، ولكي لا نكرر تجارب فاشلة مثل تجربة أسقف المقطم وغيره ممن لا يصلحون للأسقفية ولا الرعاية.   --- ### أليكسي مكسيموڤيتش بيشكوڤ جوركي - Published: ۲۰۲٤-۱۰-۳۰ - Modified: 2024-10-30 - URL: https://tabcm.net/30310/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أليكسي مكسيموڤيتش بيشكوڤ جوركي, إيڤان سيرجييڤيتش تورجينيڤ, الاشتراكية, اليسار, صموئيل سمايلز, طلعت حرب, ڤيودور ميخائيلوڤتش دوستويڤسكي, قاسم أمين, ليڤ نيكولاياڤيتش تولستوي, نظرية التطور, يعقوب صروف وكان تولستوي ودوستويڤسكي داعيتي هذه الحركة الصقلبية، كما كان تورجينيڤ وجوركي داعيتي الاتجاه الأوروبي، وكان التصادم الفكري بينهما كثيرًا، وهذا التصادم قد رأينا مثله في مصر، ففي الخمسين أو الستين سنة الماضية رأينا دعاة السفور للمرأة، مثل قاسم أمين، يتجهون نحو الغرب ويقولون بالأخذ بالحضارة العصرية، كما رأينا دعاة الحجاب، مثل طلعت حرب، يقولون بأننا شرقيون لنا تقاليدنا التي تفضل التقاليد الغربية في القرن التاسع عشر، وخاصة في نصفه الثاني، كانت روسيا التي هي الآن جمهورية من جمهوريات الاتحاد السوفييتي، تتنازعها حركتان أدبيتان -أو الأحرى اجتماعيتان- إزاء ضغط الثقافة الأوروبية التي كانت تزحف إليها من أوروبا الغربية، والتي فتح لها بطرس الأكبر صدره حين أراد أن ينقل روسيا من الشرق إلى الغرب. وكان إزاء هذا الضغط الزاحف، تنشط حركة أخرى يقول دعاتها إن الروس صقالبة لا شأن لهم بالأوروبيين، وإن لهؤلاء الصقالبة روحًا وتقاليد وعادات يجب على الروس أن يحافظوا عليها وألا يتلوثوا بالحضارة الأوروبية الفاسدة. وكان تولستوي ودوستويڤسكي داعيتي هذه الحركة الصقلبية، كما كان تورجينيڤ وجوركي داعيتي الاتجاه الأوروبي، وكان التصادم الفكري بينهما كثيرًا، وهذا التصادم قد رأينا مثله في مصر، ففي الخمسين أو الستين سنة الماضية رأينا دعاة السفور للمرأة، مثل قاسم أمين، يتجهون نحو الغرب ويقولون بالأخذ بالحضارة العصرية، كما رأينا دعاة الحجاب، مثل طلعت حرب، يقولون بأننا شرقيون لنا تقاليدنا التي تفضل التقاليد الغربية. بل كذلك حدث في اليابان والصين والهند، ولكن في جميع هذه المصادمات يتغلب دعاة الحضارة الغربية لسبب مفرد بسيط، هو أنها ليست غربية؛ إذ إن وصفها الحقيقي أنها عصرية جديدة، في حين أن ما يسمى حضارة شرقية، أو صقلبية، إنما هو تلك العادات والتقاليد القديمة التي أثبت الاختبار أنها ليست كفئًا للوقوف في وجه الحضارة العصرية. الحضارة العصرية الصناعية منتجة، توفر المال والقوة للغربيين، أما الحضارة الشرقية الزراعية القديمة فلم تكن منتجة إلى حد الوفرة؛ ولذلك يحيا أبناؤها في فقر وضعف يغري المستعمرين الأوروبيين باستغلالهم واستعمار بلادهم. بقيت هذه المعركة بين دعاة القديم الشرقي والجديد الغربي مستعرة إلى عام ١٨٨١، حين قُتل القيصر إسكندر الثاني، وعندئذٍ سادت البلاد رجعية سوداء كان من نتائجها أو وسائلها منع المؤلفات اليسارية الأوروبية من الدخول في روسيا واضطهاد المؤلفين الاشتراكيين، وفي مثل هذه الظروف تجري الدعايات المضطهدة في الظلام، وتختمر بأشد وأعنف مما كانت تختمر لو كانت مكشوفة؛ إذ عندئذٍ يدخلها العنف الذي لا يتفق والحركات المكشوفة؛ ولذلك فشت الجمعيات السرية التي يحدثنا عنها جوركي، الذي كان وقتئذٍ شابًّا حوالي العشرين، يجوس خلال الأفكار والناس، ويحيا شريدًا يتنقل من حرفة إلى حرفة لسد الرمق. وفي هذا الضغط أو الكبت، عقب مقتل القيصر، تبخَّر الصراع بين دعاة الصقلبية، أي الشرق، وبين دعاة الحضارة الغربية، وأخذ مكانه صراع أعمق وأبعد بين الرأسمالية والاشتراكية. وكانت الرأسمالية بازغة في روسيا، قد جلبها المستعمرون -أي المستغلون- من الغربيين الذي ألَّفوا الشركات لإيجاد المصانع، واشترك معهم الأثرياء من الروس الذين آمنوا بالحضارة الغربية، والذين وجدوا الظروف ملائمة لاستغلال الثروة المادية، والبشرية الروسية، وذلك عقب إلغاء النظام الإقطاعي السابق وتحرير عبيد الأرض -أي العمال- الذين لم يكن يسمح لهم من قبل بترك الأرض إلا بإذن المالكين. واتحد الاشتراكيون والأحرار في التوجيه السياسي للشعب الروسي، وحدثت ثورة عام ١٩٠٥ التي كانت في صميمها مظاهرة أحالها طغيان الحكومة القيصرية إلى مجزرة قُتل فيها أكثر من خمسمائة، غير آلاف الجرحى، وكان يقودها إلى الفشل الكاهن «جابون» الذي دعا المتظاهرين إلى ألا يحملوا السلاح ضد «الأب الصغير» -أي القيصر - ولكن الأب الصغير كان يحمل السلاح هو وآلاف من جنوده، استعملوا جميعهم السلاح لقتل الجماهير المتظاهرة، والتي لم تكن تطلب من القيصر أكثر من حكومة دستورية عادلة توفر الخبز والعمل لأبناء الشعب الجائعين. وهنا نجد مكسيم جوركي لأول مرة يشترك في هذه الثورة، ويتعلم منها. وكان أول ما تعلم من دروسها أن عرش القيصرية لن يهدمه الأحرار، وأن أحزاب الأحرار لم يعد لها مكان في القرن العشرين، وأن الاشتراكية وحدها تتحمل عبء التغيير المنتظر بإيجاد جمهورية بدلًا من القيصرية. وقصته العظيمة «الأم» التي ظهرت في عام ١٩٠٧ هي التعليق على ثورة ١٩٠٥ الفاشلة، كما هي إرشاد وإلهام للشباب الثائرين في روسيا حتى لا يقنطوا من النجاح المنشود في ثورات أخرى. ••• ذكرت الصراع بين دعاة الصقلبية الشرقيين، وبين دعاة الحضارة العصرية الغربيين، هذا الصراع تغير -أو تطور - إلى حركتين جديدتين فيما بين عامي ١٩٠٠ أو ١٩١٤، فإن الاتجاه الاشتراكي بين المفكرين والأدباء حملهم على الانحياز للإنسانية ضد الوطنية. «نحن للعالم ولسنا لروسيا. لسنا وطنيين، نحن عالميون. » هذا كان موقفهم، وكان منطقهم هنا أنه ما دمنا نعمل للاشتراكية فيجب ألا تكون هناك فوارق في الوطن، وإنما نهدف إلى خدمة الإنسان مهما يكن سواء أكان روسيًّا أم مصريًّا أم صينيًّا أم إنجليزيًّا، في حين كان خصومهم يقولون: روسيا أولًا، نحن وطنيون. وجاءت الحرب في عام ١٩١٤ فتغلب بالطبع الوطنيون، ولكن لفترة قصيرة، واستحالت الوطنية إلى نزعة حربية عنيفة ضد ألمانيا، وهذا ما كان يُنتظر. ولكن جوركي بقي على ما كان عليه داعية للسلم حتى مدة الحرب، داعية للإنسان؛ الإنسان العالمي. ••• عاش جوركي أربعين سنة، وهو يكافح في صدره مرض الدرن -أي السل- وأمضى معظم حياته في جنوب إيطاليا ابتغاء الشمس والدفء، ولم يستسلم لهذا المرض، ولم ينم له، بل كان يعمل، ويخرج في الهواء ويمرن عضلاته؛ لأنه كان يحس أنه في سباق مع الموت. وعاش ٦٨ سنة كان يمكن بالطبع أن تكون ٨٠ أو ٩٠ لولا هذا المرض، ولولا هذا الكفاح الآخر الذي كافح به الفقر والحرمان في صباه كله وبعض شبابه. لقد نشأ جوركي في أسرة من الفقراء الذين جرَّ عليهم الفقر طائفة غير صغيرة من الكوارث، فرأى بعينه الإجرام في أعضاء أسرته. كما أن الجوع قد حمله على أن يحترف أوضع الحرف، بل كان احترافه لهذه الحرف أقرب إلى التشريد منه إلى الاحتراف فعمل خبازًا، وبائعًا جوالًا، وجامعًا للخرق، وبستانيًّا، وبائعًا للأيقونات المقدسة. بل إنه احتاج أن يصيد العصافير كي يأكلها ويشبع بها جوعه. وليس غريبًا علينا أن نفهم أن قصته «من الأعماق السفلى» تحتوي أشخاصًا يشهدون أو يطابقون أولئك الذين خالطهم في صباه وشبابه، بل ليس غريبًا علينا أن نفهم أنه قد ألْهَم الواقعية في الأدب؛ لأن ما رآه من واقع حياة هؤلاء الناس قد ألهمه هذا المذهب، إنما الغريب أن نعرف أنه تغلب على هذا الوسط السيئ فلم يقتدِ بأحد من أولئك المجرمين، بل رفع نفسه فوق وسطه، فلم يتعود شرب الخمور، ولم يقنع بالبطالة والتشرد، ولم يقع في جريمة أو فساد آخر، وإنما خرج من هذا الظلام ينشد النور في درس المذاهب واقتناء الكتب والتفكير في الإنسانية، وترقية شخصيته. تغلب على وسطه، وتغلب على هذا الميكروب الذي كان يأكل رئتيه مدة أربعين سنة. ونحن هنا إزاء رجل نجح في الأدب وأخرج الكتب العظيمة، ولكنه قبل أن يُخرج كتابًا من مطبعة أخرج لنا حياته التي نجح في تأليفها، وحياته هذه هي خير مؤلفاته، وهي التي تلهمنا أكثر من أي كتاب من كتبه، ولكن ما هو الحافز في هذه الحياة؟ ••• أعتقد أن أعظم نعمة أنعمت بها الأقدار على مكسيم جوركي أنه منذ بداية شبابه، كما يخبرنا هو عن ذلك في ترجمة حياته، عرف المذهب الاشتراكي، وكان هذا المذهب جديرًا بأن يلصق بقلبه أكثر مما يلصق بقلب أي إنسان آخر؛ لأنه رأى بعينيه، واختبر بأسلوب عيشه في الفقر والتشريد والصعلكة، أكثر مما كان يرى ويختبر غيره، فكان للاشتراكية الوقع العميق في نفسه، وهذا الوقع هو الذي نقله من الواقعية إلى الرومانسية. لقد اكتسب الواقعية مما رأى واختبر، فصار ينقل إلينا في أدبه صورًا من الفقر والحرمان، وما يجران على الفقير المحروم من الانهيار النفسي والتفكك الأخلاقي في بعض الأحيان، كما يبعثان في أحيان أخرى قوة جديدة للتغلب والسيطرة على الوسط. ولكن هذه الواقعية التي اكتسبها من واقع حياته الأولى استحالت عنده بالمذهب الاشتراكي إلى رومانسية علمية، فصار يرسم لنا الأهداف الجديدة للارتقاء الشخصي، وأيضًا للارتقاء الشعبي عن طريق العلم الذي خدم الإنسان، ويسخر الطبيعة ويغيرها لتوفير الرفاهية للجميع. إن بعض الناس يؤمنون بالاشتراكية لأنها عدل ورحمة، ولكن المفكر العلمي يؤمن بها لأنها علم تتفتح لنا أبوابه في النظام الاشتراكي فقط حين تنطلق الطاقات لجميع أبناء الشعب للإنتاج والاختراع والاكتشاف والثراء والرخاء، وهذه هي اشتراكية جوركي، وهذا الأمل في تحقيقها هو الذي يجعله يحلم بالسعادة، ويعود رومانسيًّا يرسم لنا ما سوف نستمتع به بعد تعميم هذا النظام للعالم. ••• قبل ثورة عام ١٩٠٥ الفاشلة كان جوركي يؤلِّف القصص القصيرة التي يعالج فيها أعماق الفقر والبؤس ويبعث فيها بخمائر الثورة، وكان موقفه الاجتماعي من مؤلفاته الفنية هو أن الفقر ساحق عام، ولكننا نستطيع أن نلغيه بالعلم والاشتراكية، وأن الفقير زريٌّ في معظم أحواله؛ لأنه يحيا في وسط سيء يحمله على الإجرام والرذيلة، بل يحمله على أن يفر من الجوع والبؤس بالخمر. ثم رأى بعد الثورة الفاشلة في عام ١٩٠٥ أن هنا يأسًا عامًّا، وأن السلطات الروسية قد استأنفت قسوتها ووحشيتها، فألَّف «الأم». ومغزى هذه القصة أن الثائرين يجب ألا ييأسوا، وهو يشرح، كأنه الدليل المرشد، كيف يجب أن يستعد المتآمرون، وكيف يعرفون الخائن فيتقونه، وكيف يحذرون الجواسيس. وقصة «الأم» من هذه الجهة ليست قصة فقط؛ إذ هي قبل كل شيء دليل يوضح أساليب الثورة، وهذا هو المغزى العام منها. ولكن هناك مغزًى آخر يمكن أن نسميه المغزى الشخصي من الثورة، هو أن العامل الفقير، عندما ييأس يُفْسِد، ويهرب من الحياة بالخمر والرذيلة، ولكنه عندما ينهض، ويحس أنه رجل له آمال في الارتقاء العام وتغيير النظم الاستبدادية، عند ذلك يعمد إلى نفسه هو فيرقي شخصيته، ويغير أخلاقه، فيشرع في التعلم، أو ما نسميه التثقيف الذاتي، فما هو أن تمضي عليه سنوات قليلة حتى يكون قد انتقل من العامية المهنية إلى الثقافة العالية، وخاصة إذا كانت هذه الثورة التي ينشدها هي النظام الاشتراكي. ••• كما أن هناك «عقدًا» أو «مركبات» في الأخلاق تعين لنا سلوكنا وأهدافنا، كذلك نحن في دراستنا وثقافتنا نجد أننا في أسر هذه العقد أو المركبات الذهنية النفسية التي تكسبنا الحوافز، وتبعث فينا النشاط للدرس، وتفتأ تملؤنا اهتمامات تكاد تكون همومًا مؤلمة، لا نرتاح إلا بعد أن نحلها وننفرج من أسرها. وهنا كلمة عن شخصي أنا من حيث اختباراتي للشهوة الثقافية والإرشاد للعلوم والآداب، فقد وجدت عقدتين في حياتي كان لهما كل الأثر في توجيه أبحاثي ودراساتي. العقدة الأولى: هي نظرية التطور التي طرأت عليَّ، ولمَّا أبلغ السابعة عشرة من عمري، وكانت مجلة المقتطف تسميها نظرية النشوء والارتقاء، وما هو أن عثرت عليها حتى وجدتني في عاصفة من التفكير والتردد. هذه النظرية، هذه العقدة، جعلتني أبحث الأديان، وأدرس البيولوجيا -أي علم الحياة- وأقتني عشرات بل مئات الكتب عن الإنسان البدائي ونشأة الحضارات، وأسلوب الحياة عند المتوحشين في أيامنا، وثورة العلم على التقاليد في النهضة الأوروبية، ومعاني التطور الاجتماعي، وتاريخ الأرض، وأصل الكون، ومستقبل الإنسان، وأخيرًا السيكلوجية -أي علم النفس-، كل هذه الدراسات كانت ولا تزال عندي، تعود إلى العقدة الأولى التي غرستها في نفسي نظرية التطور. والمهم الذي يجب أن أذكره أني ما زلت في أسر هذه العقدة، وأن استطلاعاتي الجديدة للثقافة تعود إلى جذورها الأولى حين كانت سني ١٧ سنة، وهي الأصل في اتجاهاتي العلمية. والعقدة الثانية: هي الاشتراكية التي طرأت عليَّ وأنا حوالي العشرين في لندن حين التحقتُ عضوًا بالجمعية الفابية؛ فقد حفزني هذا المذهب على بحوث واستطلاعات اجتماعية جديدة. ما هي علة الفقر؟ ما هو معنى الاستعمار؟ هل البغاء عند محترفاته استهتار أم فقر؟ هل الجرائم تعود إلى ما يسميه بعضنا «سوء الأخلاق»، أم إلى الفقر؟ بل كذلك المرض، يعود إلى عادات سيئة، أم إلى قلة التغذية؟ إلخ... إلخ. ودفعتني هذه البحوث إلى أن أدرس العناصر التي يتألف منها الغذاء الحسن، بل إلى أن أدرس طرق الزراعة العلمية والتقليدية، وإلى أن أدرس مشكلة السكان... إلخ. ولكن نظرية التطور، ثم نظرية الاشتراكية، زيادة على ما حملتني كل منهما على الدرس، حملتني أيضًا على الآمال البعيدة، بل أحيانًا المسرفة، في مستقبل الإنسان القريب بالاشتراكية. والذي أفهمه من حياة جورجي أنه انبعث بدراسة العلم والاشتراكية إلى الآمال الإنسانية العظيمة التي نَصِفُها بأنها رومانسية. إننا في حديثنا العام نفرض على الدوام أن المذهب الاشتراكي مذهب إنساني بار، وأن الاشتراكيين يضحون ولا يكسبون منه شيئًا، ولكني باختباراتي أستطيع أن أُكذِّب هذا الفرض، وأنا أقول إني اكتسبت من إيماني بالاشتراكية هذه الدراسات والاستطلاعات التي لا تنقطع، والتي أحس منها أن ذهني حي، وأنه في شباب، ينمو وينضج، وأني أتفاءل في حياتي بالمستقبل، ولا أخشاه، ولا أتشاءم. ••• ولكننا نجد في جوركي شذوذًا، أو فذاذة عجيبة فيما يختص بتأثير الوسط على الأخلاق، فإن الوسط الذي نشأ فيه وسط الأسرة من الجدود والأعمام والأخوال، هذا الوسط كان هاوية من الخسة والشراسة والإجرام والرذيلة، وأيما مفكر قد تشبَّع من الثقافة الاجتماعية، ويقرأ عن هؤلاء الأشخاص الذين نشأ بينهم جوركي، لا يتمالك الإحساس بأنه -أي هذا الوسط- كان جديرًا بأن يخلق منه أعظم مجرم في العالم، ولكن جوركي كذَّب هذا المنطق ونشأ أعظم إنسان في العالم، وصحيح أنه كانت له في هذا الوسط جدة بارة أحبته وخدمته، ولكن هل يكفي للنشأة الحميدة أن يكون هناك شخص واحد فاضل بين عشرة من الأرزال؟ وإذا لم يكن الشأن كذلك فإِلَام تعزو هذه النشأة العصامية التي اتسمت بها حياة جوركي؟ كان جوركي عصاميًّا، ولكن ليس في جمع المال كما هو المعنى العرفي، وإنما في تأليف شخصيته وتربية إنسانيته. وليس عندنا من تفسيرٍ لهذه الظاهرة الفذة سوى أنه تقلَّب كثيرًا في الحرف والمهن، ورأى وقارن بين الناس، واستعمل ذكاءه في الفهم والمقارنة، وعرف في غضون ذلك المذهب الاشتراكي، واستطاع أن يصوغ حياته وفق خياله، وخياله هو الاشتراكية. وهنا العبرة لكل شاب، بل لكل فتاة، فإني لا أكاد أتخيل وسطًا عائليًّا أسوأ من الوسط الذي نشأ فيه جوركي، ومع ذلك تغلب على هذا الوسط كما تغلب على مرضه؛ السل، مدة أربعين سنة، وامتلأ آمالًا في المستقبل الاشتراكي. ••• ومع ذلك لا نستطيع أن ننكر تأثير الوسط أو قيمته في جوركي، أو بالأحرى في مؤلفاته، ونحتاج هنا إلى المقارنة بين تولستوي وجوركي، فإن الذي لا شك فيه أن نشأة المؤلف، ووسطه العائلي والاجتماعي يؤثران على موقفه من الدنيا وآرائه وفلسفته واتجاهاته، بل كذلك على أسلوب تعبيره وموضوع تفكيره، ولا يكاد أحدنا يتغير ويخالف هذه القاعدة إلا إذا عاش في وسط اجتماعي آخر يزعزع عاداته وعقائده السابقة. فقد نشأ تولستوي على القمة، في أسرة يرأسها كونت. ونشأ جوركي في الهوة، في أسرة أكثر أفرادها من المجرمين؛ ولذلك نجد أن تولستوي على الرغم من يقظته وبغضه لمعيشة النبلاء مما يضارعونه في الجاه والثراء، لا يزال يحس إحساسهم، فهو لا يؤمن إيمانًا كاملًا بالاشتراكية، بل لا يؤمن بالحضارة الصناعية، وكل ما نجد فيه أنه إقطاعي رحيم بالفقراء الذين قلما يكتب عنهم؛ لأن أبطاله جميعهم تقريبًا من النبلاء أمثاله أو من المتيسرين، والرحمة المسيحية عند علاج المساوئ الاجتماعية، وهو يؤمن بالدين، وإن كان يجحد الكنيسة. العدل عند تولستوي هو الرحمة، وألا نقاوم الشر مقاومة إيجابية. ولكن العدل عند جوركي هو الحق، ومذهبه مكافحة الشر بالسيف والنار. وأبطال جوركي هم أولئك الذين أسقطهم الفقر على الحضيض، ولكنه يعمل على رفعهم بإيقاظهم، وإيجاد الوعي الإنساني في قلوبهم. تولستوي لم يدعُ إلى الثورة، ولكنه أوجد السخط الذي هيأ لها. وجوركي دعا إلى الثورة واشترك بنفسه في ثورة عام ١٩٠٥، ثم عاد إلى روسيا بعد ثورة عام ١٩١٧، وخدمها في أمانة وحماسة إلى أن مات في عام ١٩٣٦. إن التصادم عند جوركي، بين واقع حياته وأماني نفسه، هو الذي ينعكس أثره في أدبه حين يصف لنا رجال قصصه، فيصف الإنسان بأنه بليد وخسيس وجاهل وراكد وأرعن ومغفل. هذه هي الصفات التي رآها في الناس، في الواقع، ولكنه يعود فيثب من الواقعية إلى الرومانسية، فيقول لنا على لسان إبليس في قصة «الأعماق السفلى»: الإنسان، ما أعظمها كلمة! أجل، إن الإنسان سينتصر على بلادته وركوده. واقعة جوركي جاءت من حياته السفلى مع أخواله وأعمامه، رومانسيته جاءت من آماله، بعد أن عرف الثائرين الاشتراكيين، وبعد أن اشترك معهم بعقله وجهده، كان يعيش في الظلام الرأسمالي، ويؤمل في النور الاشتراكي، كان يعيش في الرق والفاقة، ويفكر في الحرية والرفاهية. إن القبح في الواقع جعله -في الخيال- يفكر في الجمال، وكان اليأس يبعث فيه الأمل. كان يحلم وهو في عبودية المجتمع الروسي أيام القيصر في سيادة الإنسان على الطبيعة وعلى الآلة، وفي قدرة الإنسان بعقله على محو الخرافات. يجب ألا نتعب من تكرار القول بأن الأديب يجب أن يستنبط من شخصه «نفسًا أدبية» قبل أن يؤلِّف في الأدب، يجب أن يكون رجلًا مكافحًا وإنسانًا اشتراكيًّا، فأين هي عوامل الرجولة والإنسانية في جوركي؟ لقد صار يتيمًا وهو في السنة السابعة من عمره، وصار عاملًا يكسب عيشه وهو في التاسعة من عمره، وبعد ثلاث سنوات من العمل المتواصل، وفي حيرة وتنقل من عمل إلى آخر وفِّق اختياره؟ هذه الأعمال كانت بعد ذلك المواد الخامة التي صنع منها قصصه. وفيما بين عامي ١٩٠٤ و١٩١٣ أسس واشترك في دار نشر تدعى «زنانيا» لنشر الأدب الذي يحمل دلالة اجتماعية. وبقي طيلة حياته بعد ذلك يفهم من الأدب أنه وسيلة لتغيير المجتمعات والناس. وبقي أربعين سنة يكافح مرض السل (الدرن) الرئوي. وفي سنة ١٩٠٨ وصف الشعب في كتابه «الاعتراف» بأنه «خالق الآلهة، خالق المعجزات. » ويقول فيه أيضًا: إن قوة الشعب حين يسترشد بالإرادة الذكية، لا تعرف حدودًا تعوقها عن التقدم. هذا الأمل العظيم إنما أحس به بعد الكوارث العظمى التي جعلته يتألم من الفقر في صباه، ومن المرض أربعين سنة حتى حاول الانتحار والفرار من الدنيا، ولكنه خرج من هذا اليأس إلى الأمل الواسع، فأصبح أعظم مرشد للناس يرشدهم إلى طريق الخير الاشتراكي، وما زلنا نحن، بعد وفاته نسترشد به ونبني، أو نحاول أن نبني حياتنا على غراره. ••• وُلد جوركي في عام ١٨٦٨ ومات في عام ١٩٣٦، ونفهم من هذين التاريخين أنه أمضى ٣٢ سنة في القرن التاسع عشر و٣٦ سنة في القرن العشرين، ونفهم أيضًا أنه ألَّف قبل الثورة الروسية في عام ١٩١٧، وبعدها، فكان من دعاتها المكافحين المضطهدين ثم كان بعد ذلك من أبنائها الموالين. كان مولده، فيما كنا نسميه قبل الحرب «نجني نوفجورود» ثم صارت بعد الثورة تسمى باسمه «جوركي» على نهر الفولجا الذي نجد ذكره يتكرر في مؤلفاته، وكانت روسيا قد ألغت الرق الإقطاعي، ولكن ذكراه كانت لا تزال عالقة بالأذهان، ورأى جوركي في صباه ناسًا كانوا أرقَّاء، لهم أخلاق إقطاعية في الدرجات السفلى، ولكنه رأى أيضًا بزوغ الحركة الصناعية والرواج التجاري في المدن حيث المصانع والمتاجر. كانت روسيا في فترة الانتقال تصطدم فيها الأخلاق الإقطاعية التي تعتمد على الإيمان والتواكل والمحافظة التي تقارب الجمود، والأخلاق الجديدة؛ أخلاق المتجر والمصنع. وكلنا -نحن أبناء القاهرة الذين أمضوا بعض حياتهم في الريف- نعرف الفرق بين الفلاح، هذا الإنسان القديم، الذي يخرج علينا بأخلاق الفراعنة، والذي تغلبت عليه الأخلاق الإقطاعية، ثم هذا الإنسان الجديد العامل في المصنع أو المتجر، بل أيضًا صاحب المصنع أو صاحب المتجر، هؤلاء جميعًا قد تغلبت عليهم الأخلاق التجارية الصناعية، وهم يعيشون في المدينة الصناعية المنبهة بينما الفلاحون يعيشون في القرى النائمة الغافلة. رأى جوركي القرية التي لم تكد تتخلص من أخلاقها الإقطاعية، كما رأى المدينة الصناعية. ومع أنه عرف أن مكانه هو المدينة، هو الحضارة، هو الصناعة، هو استقلال الشخصية، هو التعقل والتساؤل بدلًا من الإيمان والتسليم، فإنه مع ذلك وجد في المدينة ما يكره، وأعظم ما كان يكره هو المتاجر والعقلية التجارية. كان ظهور المصانع نتيجة لإلغاء الإقطاع، وكذلك كان ظهور المتاجر، وهنا تثب إلى أذهاننا كلمة عصامي، أو الرجل الذي يصنع نفسه، ينشأ فقيرًا، ثم لا يزال يَجِدُّ حتى يجمع الثروة الطائلة، ثم يحصل على لقب ويشيد كنيسة في بلدته، هو رجل متحرر من قيود الإقطاع، يجد جيوشًا من العمال يختار منهم ويعيِّن الأجور لعملهم ويجمع للثروة بعرقهم وجهدهم. ونحن نعرف العصاميين في بلادنا، ينشأ أحدهم عاملًا يقطع الحجر للبناء أو ينقله إلى القاهرة، ثم لا يزال يقتِّر على نفسه حتى يجمع ثمن عربة يجرها حمار أو جواد للنقل، ثم يسرف في التقتير حتى يشتري عربة نقل كبيرة، ولا تمضي عليه السنوات القليلة حتى يكون مقاولًا يبني العمارات. والثروة الضخمة تأتي إليه عندئذٍ بلا عائق؛ لأنه يستطيع أنه يقتطع من الأجور مقدارًا يدخره، ثم يعود «رأس مال». قبل أكثر من خمسين سنة قرأت كتابًا ترجمه «يعقوب صروف» مؤسس مجلة «المقتطف» عن صموئيل سمايلز، وكان عنوانه «سر النجاح»، وفي «سر النجاح» هذا قصص متوالية للعصاميين الإنجليز الذين نهضوا من الفقر إلى الثراء، كانوا عمالًا فأصبحوا سادة، يملكون المتاجر أو المصانع ويستخدمون العمال. قصص نهوض رأس المال في القرن التاسع عشر. ولكن صموئيل سمايلز لم يسأل، وهو يروي تواريخهم، كيف جمعوا هذه الثروات؟ وهل كانوا يجمعونها لو أنهم كانوا يؤدون الأجور الحقة لعمالهم؟ كما لم يسأل يعقوب صروف هذين السؤالين عندما ترجم الكتاب. ويشير جوركي إلى هذا الكتاب بالذات ويسخر به، ويعلن كراهته للتاجر الذي أثرى بإذلال العمال وحرمانهم مما كانوا في حاجة إليه من طعام أو مسكن أو كساء، وفي جميع مؤلفاته تقريبًا نجد هذه الكراهة للتاجر والصانع؛ أي للرأسمالي، صاحب المتجر أو صاحب المصنع الذي يُثري بما يكسبه من عرق العمال. --- ### فريسيين العصر مبعوثي العناية الالهية - Published: ۲۰۲٤-۱۰-۲۹ - Modified: 2024-10-29 - URL: https://tabcm.net/30980/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أخيتوفل, أنبا أبانوب، أسقف المقطم, أنبا أغاثون، أسقف مغاغة والعدوة, أنبا بنيامين، مطران المنوفية وشبين الكوم, أنبا بولا، مطران طنطا, أنبا بيشوي، مطران دمياط وكفر الشيخ, أنبا دافيد، أسقف نيويورك ونيو إنجلاند, أنبا رفائيل، أسقف وسط القاهرة, أنبا زوسيما، أسقف أطفيح والصف, أنبا موسى الأبيض، أسقف عام الشباب, إكليروس, القرعة الهيكلية, الكنيسة القبطية, المجمع المقدس, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, مجمع الأساقفة, مينا أسعد كامل ما زالت تداعيات سيمينار المجمع المقدس تملأ وسائل التواصل الاجتماعي، بين مؤيد ومعارض. بيانات وأحاديث متضاربة أثرت سلبا على سلام الكنيسة، نلخصها في الآتي: + ظهر علينا مطران المنوفية يستنكر في حديث تلفزيوني أن علمانيين يعلموا الأساقفة، وكأن الرتبة الأسقفية تجعل منه عالمًا لاهوتيًا عملاقًا من الخطأ أن يتعلم من علماني، حتي ولو كان هذا العلماني حاصلًا على أعلى الدرجات العلمية المتخصصة الأكاديمية من أعرق جامعات اللاهوت. من وجهة نظر هذا المطران أن الأسقف يُعلّم ولا يَتَعَلَم. + وأصدر مطران طنطا بيانًا متفلسفًا كعادته، يرى أن هناك توجه ما مش فاهمينه. طيب يا مطران العلاقات الزوجية وحالات الطلاق، احضر وناقش واثبت إيمانك الصحيح، بدلًا من الاستنكار وإثارة البلبلة. ثم أصدر نفس المطران بيانًا آخر يؤكد فيه إنهم عملوا جروب على WhatsApp من 17 مطرانًا وأسقفًا، وكان بينهم من لا يريد الحضور، وآخرين قالوا سوف نحضر ونرد، وقد تغيب عن هذا الجروب الأنبا موسى والأنبا أبانوب لذلك سجلوا أحاديث بالمساندة لهم. + وأسقف نيويورك يلمح بأن البابا محتاج محاكمة كنسية ويفتخر بأنه تعلم اللاهوت على يد أكبر عالم لاهوتي هو المتنيح الأنبا بيشوي، مطران دمياط، وأي لاهوتي يختلف مع ما تعلمه يُعتبر هرطقة. + ثم يأتي الأنبا رفائيل الذي كان مع البابا في القرعة الهيكلية، واُختير سكرتيرًا للمجمع القدس ولكنة لم يستمر ولم يتحمل توجيهات من البابا. فأصدر بيانًا متناقضًا تمامًا مع ما يدلي به من أحاديث تلفزيونية مسجلة، ليدعي أن المجمع لا يوجد به خلافات وأنهم يقدرون قداسة البابا تواضروس ويستنكر القائمة المطبوعة والمنتشرة على غالبية وسائل التواصل الاجتماعي. صدق المثل الشعبي القائل: أسمع كلامك، أصدقك. . أشوف أمورك استعجب. ‎+ وفي نفس الوقت خرج علينا أسقف الشباب -المُسن- بحديث مسجل ليؤكد العكس، ويعلن تأييده الشديد للآباء المعارضين. + وأيضًا حديث آخر لأسقف المقطم الذي رسمه البابا تواضروس وسانده في كثير من المشاكل في منطقته. يؤيد فيه الآباء المنشقين ويشكرهم للحفاظ على الإيمان الأرثوذكسي. + وأسقف أطفيح لا يفوت أي فرصة في عظاته إلا ويدس السم في العسل ونفث ببعض السموم في داخل العظة. + لن أتكلم عن الأسقف المغاغي، لأنه ينفذ ما يؤمر به. ولا يعلم ألف باء اللاهوت العقيدي، ولكن الأخ دياكون المزرعة وشماشرجي أسقف مغاغة دائم التطاول على قداسة البابا تواضروس الثاني ويلومونه على إحضار مواد جاهزة لعمل الميرون بدلًا من الطحن بالهون، وعلى استخدام الرولة في تدشين الصور بالميرون، حتى إذا كان الارتفاع عالي جدًا ولا يستطيع الوصول إليه في بعض الكنائس والأديرة. لا أريد أن أتمادى في تذكيركم بهذا اللغط، + ولكن الذي زاد الطين بله، ووضعنا في موقف حرج أمام غير المؤمنين، خروج الداعية الإسلامي معاذ عليان ليفضح هذه المواقف المتناقضة من آباء منوط بهم الحرص على الكنيسة بالعقل والحكمة، وبكل خبث يتساءل، أين هي المحبة التي يعظون بها الناس؟ وأصبحت أخبار المجمع في الكنيسة القبطية مجالًا للسخرية. طوال هذه الأحداث كان هناك صمت كامل من البطريركية، وأحاديث متناقضة بين الآباء وبيانات ركيكة مسكنه ولا تعالج السبب الرئيس للمرض. حتى خرج علينا المقر البابوي ببيان تحت عنوان المحبة لا تسقط أبدًا، ومضمونه تأجيل السيمينار المزمع عقده لمزيد من الدراسة والبحث بسبب ملاحظات الآباء التي وردت للبطريركية، ودعوة اللجنة الدائمة لمجمع الأساقفة للاجتماع قريبًا، هذه اللجنة أعضاءها 23 مطرانًا وأسقفًا، ومنهم على الأقل 4 آباء ممن يناصبون البابا العداء. بالرغم من أن البيان قد يخمد النيران قليلًا، إلا أنه خيب آمال الكثيرين من المخلصين للكنيسة، إذ أنهم كانوا يتوقعون وضع حدا لهذا الهراء، لأنه كما يقول الكتاب كأس الأموريين قد امتلأت الأساقفة المارقين، كان لا يستطيع أحد منهم أن يُبدي ولو مجرد رأي مخالف للبابا شنودة، وكانت تتجمع الإمضاءات بمرور الورقة علي الآباء وعليهم التوقيع دون سؤال، وإلا ستتم محاكمتهم برئاسة مطران المحاكمات الملفقة، الآن كل منهم يحاول أن يأخذ دور البطولة في الحفاظ على الإيمان. في بداية عصر البابا تواضروس كنا نظن أن الآباء كانوا في كبت كامل لفترة طويلة وبدأنا في عملية التنفيس عما بداخلهم، فترة وستنتهي! ولكنهم تمادوا، وكلما قدم لهم قداسة البابا تنازلًا بروح المحبة والاتضاع، كلما زادوا في عنادهم ومعاداتهم لأي إصلاح كنسي. أرى أن السبب الرئيس لمعارضة قداسة البابا هو نقص المحبة لدي هؤلاء الآباء، والمحبة هي رباط الكمال، وأيضًا استغلال طيبة وتسامح البابا استغلالًا سيئًا، نفس الأفعال التي كان المتنيح البابا شنودة الثالث وكانوا يقبلونها بكل ترحاب بل ويمجدون فيها ويكيلون المديح له، يعترضون عليها إذا فعلها قداسة البابا تواضروس الثاني، يلومونه في أي شيء، يلومونه على علاقته الطيبة مع الدولة، ومع الطوائف الأخرى، ويلومونه على المحبة التي ينادي بها ويعيشها، لأنهم تعودوا على الأسلوب التصادمي والثورجي لمدة طويلة. وكما قال الرب يسوع المسيح له المجد؛ زمرنا لكم فلم ترقصوا، نحنا لكم فلم تبكوا، وصدق المثل القائل؛ حبيبك يبلع لك الزلط، وعدوك يتمنى لك الغلط. وللأسف الشديد هؤلاء الآباء يعظون في الكنائس عن الطاعة، وابن الطاعة تحل عليه البركة، وعن المحبة التي تستر كثرة من الخطايا، وعن الاتضاع لان الله يقاوم المستكبرين، أما المتواضعين فيعطيهم نعمة، ما هذا التضارب والتناقض الشديد بين الأقوال والأفعال؟ كما اعترض الكتبة والفريسيون المراؤون علي السيد المسيح لأنه كان يشفي في يوم السبت، نرى ونشاهد الفريسيين الجدد يفعلون نفس الشيء دون خجل، فعلًا ما أشبه الليلة بالبارحة. غالبية المطارنة والأساقفة المارقين المنشورة أسماءهم على الميديا، لم يتشبعوا من الروح الرهبانية، الرهبنة عندهم ليست انحلال من الكل للارتباط بالواحد، بل كانت الطريق الوحيد للأسقفية، وبعد الأسقفية ظن كل واحد منهم أنه مبعوث العناية الإلهية، خصوصًا عندما تطول فترة خدمة الأسقف، فتخدعه نفسه ويظن أنه هو صاحب هذه الخدمة وبدونه لم تكن لتستمر، ولا يتخيل نفسه بدون هذه الخدمة، ولا يتخيل الخدمة بدونه. والنتيجة هي أن يتعامل مع خدمته كملكية خاصة ويكوّن لنفسه شللية تدعم ذاته ونفوذه فيشعر بالقوة ثم يبدأ في إعلان استقلاليته وتمرده على الرئاسة الكنسية. معظم هؤلاء المطارنة والأساقفة، خصوصا القدامي، كان لهم مناصب بالإضافة إلى إيبارشياتهم، وكانوا يتواجدون في المقر الباباوي بصفة شبه مستمرة، والآن انحسر عنهم الضوء في وجود أجيال جديدة، وبعد استبدالهم بآباء جدد وكل منهم يحاول أن يكون له دور وتحت الأضواء عملا بالقول الشائع الإيد البطالة نجسة من وجهة نظري المتواضعة، الحل للمشكلة الحالية والسجس المنتشر بين أعضاء المجمع من مطارنة وأساقفة يكمن في الآتي: ١. التأييد الكامل من كل المطارنة والأساقفة المستنيرين والخدام العلمانيين الغيورين لقداسة البابا تواضروس الثاني في كل التحركات الإصلاحية التي يتخذها. فالكنيسة هي جماعة المؤمنين إكليروسًا وشعبًا. ويجب أن يشعر قداسة البابا بأن الشعب يحبه ويلتف حوله إلا بعض النفوس المريضة التي اصطادت الرتبة الأسقفية اصطيادًا وكل منهم يعلم في داخله كيف وصل لهذه الرتبة ‎٢. طبقًا للبيان البابوي، تأجيل السيمينار وعدم إلغاءه، والبقاء عليه بنفس المتكلمين، ومن أراد أن يحضر فليحضر، والممتنع يعرض نفسه لعقوبة كنسية. السيد المسيح بنفسه قال من أراد أن يقبّل فليقبل. ‎٣. اتخاذ قرار له صفة القانون من اللجنة الدائمة لمجمع الآباء، خصوصا أن بها كثير من المستنيرين والذين يرفضون ما حدث، هذه اللجنة إذا وافق علي قرارها ٧٥٪؜ من أعضائها يكون للقرار قوة القانون الكنسي. ٤. في حالة ثبوت خطأ المعترضين والتأكد من الإيمان السليم للأكاديميين، يجب إرغام الآباء المعترضين ولو بقرار مجمعي بالاعتذار العلني وإصدار بيان للشعب بذلك. ٥. يجب أن نطالب قداسة البابا تواضروس بتوعية الشعب حتى لا ينخدع من هؤلاء، وفتح المجالات لزيادة دور العلمانيين في الكنيسة، وأنشطتها المختلفة، خصوصا أصحاب الاختصاص، فلا يعقل أن يكون المشرف على مستشفى تابع للكنيسة كاهنًا ليس طبيبًا في وجود أطباء كثيرين. أو وجود كاهن مسؤول عن المباني في وجود مهندسين متخصصين وهكذا. ٦. قرار بمنع أي أسقف من التحكم في ماليات الإيبارشية، وعمل لجان مالية لضبط الحسابات، لأن كثرة المال مع السلطة تفسد، ويظن الأسقف أنه كل شيء في الإيبارشية دون رقيب أو حسيب. ٧. إذا كان قداسة البابا لا يريد المواجهة مع قدامى المطارنة والأساقفة، على الأقل يجب أن يحاسب من رسمهم مثل أسقف أطفيح وأسقف المقطم وأسقف شمال الجيزة، حيث أنهم من أبناؤه واختياره، وإلا فليرجعوا إلى أديرتهم. مع واحد من رسامات العهد السابق، ويا حبذا لو كان الأسقف المغاغي الذي لوث أفكار الكثيرين ودائمًا ما يسلك طريق أخيتوفل، فليرجعوا إلى أديرتهم إذا كانوا فعلًا ترهبنوا من أجل الوحدة وليس من أجل السلطة الكهنوتية. ‎فليحفظ الرب كنيسته من كل شر وينير أعين القادة العميان حتي لا يسقطون مع الشعب في حفرة. --- ### دستور إيمان قبطي أرثوذكسي وآخر طقسي - Published: ۲۰۲٤-۱۰-۲۸ - Modified: 2025-01-06 - URL: https://tabcm.net/31191/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أثناسيوس المقاري, أسرار الكنيسة, المجمع المقدس, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس عمود الدين, باسيليوس الكبير، أسقف قيصرية الكبادوك, باسيليوس المقاري, باناريون للتراث الآبائي, دير الأنبا مقار الكبير, قديس أثناسيوس الرسولي, مدارس الأحد, مركز دراسات الآباء, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية تلقيت بشكل مكثف سؤالًا متكررًا، يحمل بعض ممن يطرحه رغبة في التفسير وبعضه ينطلق من صدمة (فكرية) وبعضه ينطق بالتهكم والتسفيه: ما الذي تقصده من طرحك على الكنيسة وضع دستور إيمان يضم عقائد الكنيسة؟ ونحن لدينا "قانون الإيمان" الذي يحفظه الطفل في مدارس الأحد؟ تلقيت بشكل مكثف سؤالًا متكررًا، يحمل بعض ممن يطرحه رغبة في التفسير وبعضه ينطلق من صدمة (فكرية) وبعضه ينطق بالتهكم والتسفيه: ما الذي تقصده من طرحك على الكنيسة وضع دستور إيمان يضم عقائد الكنيسة؟ ونحن لدينا "قانون الإيمان" الذي يحفظه الطفل في مدارس الأحد؟ كانت إجابتي: الفارق بين دستور الإيمان الكنسي الذي نترجاه وبين قانون الإيمان، إنه تفصيل واضح مدقق لما أجمله قانون الإيمان. بحيث يضم العقائد الأساسية؛ بدءًا من عقيدة الثالوث والتجسد والفداء وموت الصليب والقيامة والصعود وإرسالية الروح القدس وصولًا إلى أسرار الكنيسة، والقائمة ممتدة بامتداد خريطة الإيمان الذي تسلمناه بالتواتر عبر الأجيال. ويصير هذا الدستور المرجع الذي نحتكم إليه في كل قضايانا الإيمانية، بشكل مدقق، وهو عمل مضني ويحتاج إلى تعاون فكري ولاهوتي بين المتخصصين في كل مكونات الكنيسة، وتحت متابعة ومراجعة من الكنيسة. ويُسند للجان نوعية متخصصة مشهود لها بالوعي الأرثوذكسي والتقوى والأمانة، ومن إنعامات ربنا علينا توفر المراجع الآبائية بلغاتها الأصلية وعبر ترجمات لمؤسسات قبطية أمينة، ويمكن توفيرها من المكتبات العريقة والأكاديميات ذات الصلة. وأضيف هنا أنه لدينا إسهامات قدمها العديد من الباحثين في إصدارات رصينة، من باحثين أكاديميين، في مؤسستين بارزتين يعملان في صمت وانضباط، مركز دراسات الآباء (مؤسسة القديس أنطونيوس للدراسات الآبائية)، ومؤسسة باناريون للتراث الآبائي، وكلاهما قدم للمكتبة القبطية ترجمات عربية عن اليونانية لكتابات ورسائل الآباء وعلى رأسهم القديس أثناسيوس الرسولي والقديس كيرلس الكبير والقديس يوحنا ذهبي الفم، وغيرهم. فضلاء عن إنتاج باحثين رهبان؛ أذكر منهم على سبيل المثال نموذجان من دير الأنبا مقار: الراهب باسيليوس المقاري الذي قدم للمكتبة، ضمن عديد من الإصدارات، ثلاث كتب يؤسسون لما طرحته: * التدبير الإلهي في تأسيس الكنيسة ١٩٩٧. * السلطان الروحي في الكنيسة ١٩٩٨. * التدبير الروحي في تدبير الكنيسة ٢٠٠١. وكنت قد طرحت في ذات السياق، حاجة الكنيسة لوضع (دستور طقسي) يضم الطقوس الأرثوذكسية القبطية الأصيلة بعد تنقيتها من الإضافات التي تسللت إليها في عصور الضعف، وهو ما أشار إليه قداسة البابا شنودة الثالث في بداية حبريته. ولست بحاجة إلى القول بأن الاقتراحين مطروحين للبحث وإضافة ما يدعمهما من مراجع ودراسات وإسهامات أخرى لمصلحة الأجيال الواعدة والقادمة التي تحاصرها سيولة المعلومات على شبكات العالم الافتراضي الذي يحمل بجوار المراجع الآبائية المعتمدة كنسيًا، سيل من التعاليم المخالفة بشكل يصعب عليهم معرفة الغث من الثمين. ولدينا العديد من المراجع التي تؤسس لهذا الأمر أذكر منهم على سبيل المثال أعمال الراهب القس أثناسيوس المقاري الذي قدم عشرات المراجع في هذا الصدد عبر العديد من السلاسل: * سلسلة مصادر طقوس الكنيسة. * سلسلة مقدمات في طقوس الكنيسة. * سلسلة طقوس أسرار وصلوات الكنيسة. * سلسلة طقوس أصوام وأعياد الكنيسة. وتقع السلاسل الأربعة في نحو ٤١ كتاب. أقدم اقتراحي هذا للجنة الدائمة في المجمع المقدس المزمع انعقادها قريبًا. وأتمنى ألا يُختطف طرحي لصخب الجدل الذي صار خبز يوم المتربصين عن غير علم وعن غير وعي. --- ### أزمة السيمينار وصراع الشر ضد الكنيسة - Published: ۲۰۲٤-۱۰-۲۷ - Modified: 2024-10-27 - URL: https://tabcm.net/31185/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: الأب متى المسكين سيظل الفكر الإنساني السليم مصلوبًا أمام استيعاب منهج الرب. منهج الشيطان: زرع الزوان. ومنهجنا نحن الخدام: سرعة اقتلاع الزوان. ومنهج الله: يصبر حتى وقت الحصاد. "صعب عليك أن ترفس مناخس". . الرب قال لشاول القاتل: "صعب عليك"، ولكن ليس "مستحيل" ويضيف لأنها "ساعتكم وسلطان الظلمة". الرب سمح للشرير أن يضل ولو أمكن المختارين أيضًا (يهوذا، أنبا موسي. . ) إلى أن علقوه على خشبة. بينما منهج الشرير "هذا هو الوارث هلم نقتله (إبيفانيوس، تكفير متى المسكين وبباوي وجوزيف وأنا وأنت. . ). يا إخوة. . إنها ليست دعوة للاستكانة أمام الذئاب الخاطفة داخل حظيرة الكنيسة. فلازالت الدعوة قائمة "اعزلوا الخبيث من وسطكم". وهذا عملكم والروح القدس فيكم أن تأمروا الشرير بصوت الرب على جبل التجربة "اذهب يا شيطان... فتركه الشيطان إلى حين". ولكن لازال رافائيل، وبنيامين، وأغاثون، وإرميا، ومن معهم يحاربونكم. . ونجحوا أن يصلبوا المسيح/ إبيفانيوس/ وقريبًا تواضروس. يا إخوة. . مقالتي كلها يأس وإحباط وغضب وسخرية ورفض كل من اقتصر نشاطه في هذا المجال أن يهزم الشر وينتصر على رموزه كما شرحت بعاليه. فبينما نحن نعمل من أجل هذا، ولكنه ليس هدفي في الحقيقة. وأرجو أن يكون هدفكم أيضًا. فالهدف أن "تكون لي الحياة هي المسيح والموت هو أفضل". بينما مقاومة الشرير وأذنابه هي نافلة. وتذكروا قول الرسول "نحن لا نفشل"، في حين الشرير وأعوان الملعون "صلبوه"! ! ! هذه هي المسيحية ومسيحها وانتصارها وفرحها في عمق أعماق قلوبنا مهما كانت "رجسة الخراب"، فلن ينزع أحد فرحكم منكم". والسُبح لله. كونوا معافين. --- ### المواجهة الأولى - Published: ۲۰۲٤-۱۰-۲٦ - Modified: 2024-10-26 - URL: https://tabcm.net/30287/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أحمد حسنين باشا, أدولف هتلر, الديمقراطية, تشارلز بومروي ستون, توفيق دوس باشا, حسن أحمد عبد الرحمن محمد البنا, حسن صبري باشا, حسين سري باشا, عبد الحكيم عدوي عابدين, عبد المعز عبد الستار, علي ماهر باشا, مايلز ويديربيرن لامبسون, محمد حسين هيكل, مصطفى النحاس, ملك فاروق, ونستون ليونارد سبنسر تشرشل لم تستمر حكومة علي ماهر الموالية للألمان كثيرًا لمعادتها للإنجليز، ولأنها كانت تعمل عن طريق البنا وجماعته على زيادة شعبية هتلر والألمان في الشارع المصري، لدرجة أن البنا قد نشر في جريدته النذير كذبة مضحكة صدقها الشعب تقول إن هتلر قد اعتنق الإسلام وسمى نفسه الحاج "محمد هتلر"، بغير أن يفسر كيف اخترق هتلر الأراضي السعودية ليؤدي فريضة الحج، فطلب السفير البريطاني في القاهرة السير "مايلز لامبسون" من فاروق إقالة حكومة علي ماهر وتشكيل حكومة متزنة، فتقدم ماهر ووزارته يوم 23 يونيو بطلب الاستقالة التي قبلها فاروق يوم 27 يونيو بعد عشرة أشهر وسبعة أيام من تكليف ماهر بتشكيلها، ثم عين فاروق حسن صبري باشا رئيسًا للحكومة لكن القدر لم يمهله كثيرًا، فقد توفي وهو يلقي خطاب العرش في البرلمان يوم 14 نوفمبر 1940 بعد 139 يومًا من تشكيل وزارته فأتى فاروق بـ "حسين سري" بديلًا لـ "حسن صبري" رئيسً الحكومة. كان حسين سري مهندس مثقف بثقافة غربية لا تعرف خلط الدين بالسياسية لما فيه من استهزاء بكلاهما، ورجلًا حازمًا قوي الشخصية، فأعد مشروع يحرم على الجمعيات الخيرية العمل السياسي، في محاولة لفك الالتباس بين السياسة والدين، وكان نتيجة هذا القانون إغلاق مطابع الإخوان ومنعهم من إصدار أي منشورات سياسية، فرد حسن البنا بمقالة ينتقد فيها حكومة سري باشا لانحرافها عن صحيح الإسلام على حد تعبير البنا، أي إن من يعادى الجماعة هو بالقطع معادي للإسلام، ولم تجد الجماعة إلا النحاس باشا الذي هاجموه مرارًا وتكرارًا، فاستنجدوا به ليتدخل بنفوذه لصالحهم، فعاود الإخوان إصدار مجلتهم في 29 أغسطس 1942، وطلبت السلطات البريطانية من حسين سري الحد من نشاط البنا السياسي المدعوم بالصبغة الدينية، فرأى رئيس الوزراء أن نقل البنا إلى بلد نائي بالصعيد قد يفي بالمطلوب ويحد من نشاطه، فطلب من د. محمد حسين هيكل وزير المعارف في ذلك الوقت نقل البنا إلى قنا في صعيد مصر ونقل السكري إلى دمياط. كان البنا يحاضر في المركز العام للإخوان مساء الخميس عن نظرة الإسلام للمرأة عندما تقدم إليه أحد الأعضاء بورقة مكتوبة، فلما قرأها اعتذر عن المحاضرة وخرج، وبعد فترة وقف الشيخ عبد المعز عبد الستار ليقول بأنه صدر أمر عسكري بنقل الأستاذ البنا إلى قنا، واجتمع مكتب الإرشاد ورأى معظم الأعضاء تحدي القرار والامتناع عن تنفيذ النقل، وأن يستقيل المرشد العام حتى لا يكون لأحد سلطان عليه، وفكر البنا في الاستقالة من الوظيفة كونه لا يحتاجها أصلًا، لكن وفي ظل الحرب والأحكام العرفية وتقهقر الإنجليز أمام الزحف الألماني، وجد أن الإنجليز لن يتراجعوا أمامه، وأن مرحلة المواجهة لم تأت بعد ولا يحسن التعجيل بها، فآثر البنا أن يمتص الضربة بدلًا من أن يصدها فيأتي ما هو أسوأ منها، وقال للأعضاء: أمر الاستقالة سهل لا يتطلب سوى ورقة وقلم، ولكن هل سيقف الأمر عند الاستقالة؟ إن أمرًا عسكريًا سيصدر باعتقالي في الحال، فالأحكام العسكرية مفروضة على البلاد والعباد، والنقل أيسر الأضرار، وأنفع للدعوة من الاعتقال، وهي فرصة تعطي للصعيد حقه في نشر الدعوة. (حسن البنا) وهكذا وافق الشيخ على النقل، وسافر البنا إلى قنا في أول قطار لينقل نشاط الجماعة إليها، ولتكون فرصة لتثبيت مواقعه ونشر تنظيماته في صعيد مصر، فأستهل نشاطه بعقد مؤتمر للمسلمين والمسيحيين، في هذا المؤتمر بيّن المرشد العام أهمية الحكم بالشريعة الإسلامية وبدد مخاوف الأقباط من الدعوة للحكم بالقرآن الكريم قائلًا؛ في ظل الشريعة الإسلامية عاش المسلمون والمسيحيون في وئام ليس له مثيل. ، وأكد أن: الإسلام لا يعرف معنى الديمقراطية التي يحدد مدللوها الناس حسبما تقضي مصالحهم، والإسلام لا يعرف المتغيرات، بل هو شريعة العدل، لا تتغير ولا تتبدل تبعا للمصالح والأهواء. (حسن البنا) وبالرغم من قرار البنا بالرضوخ والامتثال لقرار النقل، إلا أن الجماعة لم تهدأ، فأقاموا الدنيا وأقعدوها وتوسطوا لدى أصدقائهم من نواب البرلمان ورؤساء الأحزاب الصديقة لهم لكى يضغطوا على سري باشا لإعادة النظر في القرار، حتى تدخلت السراي لإعادة البنا من الصعيد إلى القاهرة مرة أخرى، وعقب إعادة البنا بتأثير السراي، قال السفير البريطاني مايلز لامبسون: إن القصر الملكي بدأ يجد في الإخوان أداة مفيدة، وأن الملك أصدر بنفسه أوامر لمديري الأقاليم المحافظين بعدم التدخل في أنشطة الإخوان الذين يعملون بلا أطماع شخصية لرفاهية البلاد، وبلا شك أن الجماعة استفادت كثيرًا من محاباة القصر لها. (مايلز لامبسون) أتت المواجهة الثانية بين سري والبنا بعد ذلك بشهور قليلة، فقد طلبت السلطات البريطانية من سري باشا اعتقال البنا مرشد الجماعة، والسكري وكيلها، وعبد الحكيم عابدين سكرتيرها العام، بناءًا على تقارير أجمعت على قيام الجماعة بعمليات تخريبية، فاعتقلتهم الحكومة في 16 أكتوبر 1941 في معتقل الزيتون بالقاهرة، وتم ذلك وسط أجواء الحرب والأحكام العرفية مما لا يعطى أملاً للمرشد ووكيل الجماعة في إفراج قريب، لكن تحرك كثيرون مرة أخرى للدفاع عن البنا، منهم توفيق دوس المحامي المسيحي نائب منفلوط، الذي قدم استجوابًا إلى مجلس النواب بشان اعتقال البنا، وكعادة الإخوان في الحشد، اعتصم طلاب الإخوان في مسجد السلطان حسين اعتراضًا على اعتقال مرشدهم، ونتيجة للضغط قرر حسن سري الإفراج عن البنا وزملائه في 13 نوفمبر بعد أقل من شهر على اعتقاله. وأثمر الضغط بأكثر من الإفراج عن البنا، فقد جعل الجماعة تشعر أنها على درجة كبيرة من القوة، وأن باستطاعتهم فرض ما يشاؤون بالتهديد على حسن سري الذي بدأ يدرك جيدًا ضعف حكومته التي لا تتمتع بتأييد البرلمان، وفي نفس الوقت فقدت تأييد الملك والإنجليز، فبدأ تقارب حقيقي بين الملك والإخوان مرة أخرى، وسعى سري باشا لتحسين صورة البنا لدى السلطات البريطانية بناءً على تعليمات مباشرة من الملك، وما لبث أن تم اتفاق بين المرشد والإنجليز للتعاون على محو أسطورة الحاج محمد هتلر التي أشاعها الإخوان أنفسهم بناءً على اتفاق مسبق مع الألمان مقابل مساعدات مادية، ومقابل التغاضي عن نشاط الإخوان في المدن والقرى، وقد حدث ذلك بالفعل والأدلة كثيرة فقد تزامن ذلك مع تقدم الألمان داخل صحراء مصر الغربية وسحقهم للقوات البريطانية، وبدأت المظاهرات في القاهرة وعلا هتاف الطلاب قائلين؛ إلى الأمام يا روميل، أما الإخوان الملتزمين بالاتفاق مع القوات البريطانية فلم يشتركوا بالطبع في المظاهرات الشعبية الوطنية وخفت صوتهم تمامًا. حادثة فبراير 1942 لم تستمر الحكومة طويلًا مثل باقي الحكومات لكن نهايتها كانت مختلفة عن السابقين، كان الوضع قد تدهور في مصر ولزم تولي رئيس قوي لحكومة قوية إدارة البلاد بديلًا عن سري الذي لا يتمتع بأي شعبية في الشارع المصري، وكما أنهى السفير البريطاني مايلز لامبسون حكومة علي ماهر من قبل، طلب تلك المرة إنهاء حكومة حسين سري، لكنه تلك المرة طلب تحديدًا تولي النحاس لرئاسة الحكومة تحديًا لفاروق الذي يحمل عداوة فائقة مع النحاس. لكن فاروق تقبل الأمر في البداية على أن يتولى النحاس رئاسة حكومة ائتلافية من جميع الأحزاب، لكن النحاس الذي يشكّل حزبه الوفد أغلبية البرلمان تعنت ورفض هذا الاقتراح، ورفض تولي رئاسة أي وزارة غير وفدية بالكامل، فقرر فاروق أن يضرب بتحذير لامبسون عرض الحائط ويأتي بآخر لتولي الوزارة. وفي صباح يوم 4 فبراير 1942 طلب السفير لامبسون مقابلة رئيس الديوان الملكي أحمد حسنين باشا، وسلمه إنذارًا موجهًا للملك، هدده فيه بأنه إذا لم يعلم قبل الساعة السادسة مساءًا إنه قد تم تكليف مصطفى النحاس بتشكيل الحكومة فإنه يجب عليه أن يتحمل تبعات ما يحدث، وكان السفير جادًا في هذا الإنذار، وفي مساء هذا اليوم توجه السفير ومعه قائد القوات البريطانية في مصر، الجنرال ستون، ومعهما عدد من الضباط البريطانيين المسلحين الذين قاموا بمحاصرة ساحة قصر عابدين بالدبابات والجنود البريطانيين، ودخلا إلى مكتب الملك، وكان معه رئيس الديوان أحمد حسنين باشا، ووضع أمامه وثيقة تنازله عن العرش، وقد كتب فيها: نحن فاروق الأول ملك مصر، تقديرًا منا لمصالح بلدنا فإننا هنا نتنازل عن العرش ونتخلى عن أي حق فيه لأنفسنا ولذريتنا، ونتنازل عن كل الحقوق والامتيازات والصلاحيات التي كانت عندنا بحكم الجلوس على العرش، ونحن هنا أيضًا نحل رعايانا من يمين الولاء لشخصنا. (صدر في قصر عابدين في الرابع من فبراير 1942) وعندما وضع السير لامبسون وثيقة التنازل أمام الملك تردد لثوان، وقال لامبسون في مذكراته أنه أحس للحظة إن الملك سوف يأخذ القلم ويوقع، لكن رئيس الديوان الملكي أحمد حسنين باشا تدخل باللغة العربية وقال له شيء ما، ثم توقف الملك وطلب من لامبسون فرصة أخرى أخيرة ليستدعي مصطفى النحاس على الفور وفي وجوده إذا أراد، وأن يكلفه على مسمع منه بتشكيل الوزارة، فسأله لامبسون إذا كان يفهم وبوضوح إنه يجب أن تكون الوزارة من اختيار النحاس وحده؟ فقال فاروق إنه يفهم. وفي اليوم التالي انطلقت المظاهرات تهتف بحياة النحاس وحزب الوفد ورئيس وزراء بريطانيا وعدو مصر مستر تشرشل وسير لامبسون سفير بريطانيا العظمى التي تحتل مصر، والتي اكتسب الوفد شعبيته من مواجهتها، في تصرف متناقص اعتاد الشعب المصري ممارسته دومًا، وهكذا عاد النحاس مرة أخرى لمواجهة الجماعة وعاد البنا لمواجهة النحاس. --- ### مونارخية الآب في اللاهوت الآبائي السكندري [١] - Published: ۲۰۲٤-۱۰-۲۵ - Modified: 2024-12-17 - URL: https://tabcm.net/31124/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: آريوسية, أمجد رفعت رشدي, أنبا إسطفانوس، أسقف ببا والفشن, أوريجينوس ليونايدس أدامانتيوس, الثالوث القدوس, الغنوصية, المتفرقات, المكتبة البولسية, بابا ديونيسيوس السكندري, بولا ساويرس, چورچ خوام البولسي, عادل ذكري, علامة إكليمندس السكندري, كنيسة الإسكندرية, مدرسة الإسكندرية, مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية, مشروع الكنوز القبطية, مكاري البهنساوي نستعرض في هذا البحث الموجز الإشارات إلى مونارخية الآب في تعليم وكتابات آباء كنيسة الإسكندرية في حقبة ما قبل نيقية وحقبة نيقية وما بعد نيقية، من أجل الوقوف على أفضل تصور حول مفهوم المونارخية في الثالوث، وهل كان يؤمن آباء الإسكندرية بمونارخية الآب أم بمونارخية الثالوث، كما يدَّعي بعض الباحثين في العصر الحديث؟ العلامة إكليمندس السكندري الآب هو علة الابن يشير العلامة إكليمندس السكندريّ إلى العلاقة العليّة والسببية بين الآب والابن، فلا يسبق الابن الآب: ((كليمندس السكندري، المتفرقات، ترجمة: الأب الدكتور بولا ساويرس، مشروع الكنوز القبطية، 8: 9: 18-20، ص 1429، 1430. )) وكل سبب يُدرَك كسبب بالعقل، ينشغل بشيءٍ ما، ويُدرِك صلته بشيءٍ ما. أي إن البعض يُؤثِّر، كما السيف في القطع. ولبعض الموضوعات، كتلك التي لها استعداد، كما النار في الخشب، لأنها لن تحرق الصُلب. والسبب يخص الأشياء التي لها علاقة بشيءٍ ما. لأنه يُدرَك بعلاقته بشيءٍ آخر، حتى أننا نستخدم أذهاننا في الاثنين، لكي نتصوّر السبب كسبب. نفس العلاقة نجدها في الخالق، والصانع، والآب. فالشيء ليس سببًا لذاته، ولا المرء أبًا لنفسه. لأن الأول سيصير الثاني. الآن، السبب يعمل ويُؤثِّر. فالمنتج بالسبب هو مفعول ومُتأثر. ولكن نفس الشيء عندما يُؤخَذ في حد ذاته لا يمكن أن يكون فعلاً ومُتأثرًا، ولا يمكن أن يكون ابنًا وأبًا. وإلا يسبق السبب ما قام به، كأنالقطع السيف. ونفس الشيء لا يمكن أن يسبق في نفس اللحظة، كما للمادة كسبب، وفي نفس الوقت أيضًا، تكون بعد ولاحقة لأثر السبب. والآن تختلف الكينونة عن الصيرورة، كما السبب عن الأثر، والآب عن الابن. لأن نفس الشيء لا يمكن أن ’يكون‘ وأن ’يصير‘ في نفس اللحظة. بالتالي، هو ليس سببًا لنفسه. فالأشياء ليست أسبابًا لبعضها البعض، ولكنها أسبابٌ لكلٌّ من الأخرى. (إكليمندس السكندري، المتفرقات) ويضيف العلامة إكليمندس السكندريّ في نفس السياق مؤكدًا على أن الآب هو العلة الأبعد وأبو الكون، وهو الأقدم والأكثر خيرية للجميع: ((كليمندس السكندري، المتفرقات، ترجمة: الأب الدكتور بولا ساويرس، مشروع الكنوز القبطية، 7: 1: 4، 5، ص 1210، 1211. )) إذًا، هدفنا هو إثبات أن الغنوسيّ وحده قديس وتقي، ويعبد الإله الحقيقيّ بطريقةٍ جديرةٍ به. وأن هذه العبادة المقدَّمة لله، يتبعها حبوحب من الله. يكثرث بالفلسفة الأكثر قدمًا، وبالنبوة الأولى. ومن بين الأفكار المعقولة،بما هو أقدم في أصله، وبالمبدأ الأول الذي بلا زمن أو نشأةٍ،هو بادئ الوجود -الابن- الذي منه يتعيَّن أن نتعلَّم العلة الأبعد، أبُ الكون، الأقدم والأكثر خيرية للجميع، غير القابل للتعبير عنه بكلامٍ، ولكن يُبجَّل بالتبجيل والصمت، والعجب المقدَّس، ويُبجَّل بأقصى درجة. ويُعلَن عنه بواسطة الرب، بقدر ما يكون أولئك الذين تعلَّموا قادرين على الإدراك والفهم، مِن أولئك الذين أختارهم الربّ للمعرفة، ’الذين صارت لهم الحواس مُدرَّبةً‘، كما يقول الرسول.   (إكليمندس السكندري، المتفرقات) يرى العلامة إكليمندس السكندريّ أن الآب هو العلة الأولى لجميع الأشياء التي تتمُّ بواسطة الابن قائلًا: ((كليمندس السكندري، المتفرقات، ترجمة: الأب الدكتور بولا ساويرس، مشروع الكنوز القبطية، 6: 17: 36، ص 1192. )) وبشكلٍ عامٍ، كل الفوائد الخاصة بالحياة، في أقصى تعقل لها، تنبع من سلطان الله، الذي هو الآب للجميع، وتتمُّ بالابن، الذي هو أيضًا، بسبب كُونه ’مخلِّص جميع الناس ولا سيما المؤمنين‘، كما يقول الرسول ((رسالة بولس الأولى إلى تيموثاوس 4: 10 ))، أقرب إلى العلة الأولى، أي إلى الربّ. (إكليمندس السكندري، المتفرقات) ويشير العلامة إكليمندس إلى أن الآب هو علة كل شيء جيد، وأنه ملك الكل، وأن الابن هو الثاني، وكل شيء به كان حسب إرادة الآب، والروح القدس هو الثالث، وكل شيء به كان وفقًا لإرادة الآب: ((كليمندس السكندري، المتفرقات، ترجمة: الأب الدكتور بولا ساويرس، مشروع الكنوز القبطية، 5: 14: 28، 29، ص 945، 946. )) حتى أنه عندما يقول: ’حول ملك الكل، كل شيء يوجد، وبسببه كل شيء. وهو علة كل الأشياء الجيدة. وحول الثاني الأشياء الثانية في الترتيب، وحول الثالث الثالثة‘. فإنني لا أفهم شيئًا آخر سوى أن المقصود هو الثالوث القدوس، لأن الثاني هو الابن الذي به كان كل شيء وفقًا لإرادة الآب، والثالث الروح القدس، الذي به كان كل شيء وفقًا لإرادة الآب. (إكليمندس السكندري، المتفرقات) العلامة أوريجينوس السكندري الابن يأخذ من الآب ما هو عليه يشير العلامة أوريجينوس في إشارة إلى مونارخية الآب، أن الابن الوحيد المولود من الآب، يأخذ منه ما هو عليه، دونمَا أي بَدْء زمنيًا كان أم تعليليًا كالتالي: ((أوريجينوس، في المبادئ، ترجمة: الأب چورچ خوام البولسي، منشورات المكتبة البولسية، 2002، 1: 2: 2، ص 85. )) لهذا، نعلم أن الله هو أبدًا أب لابنه الوحيد المولود منه، والآخذ عنه ما هو عليه، دونما أيّ بدء، زمنيًا كان أم تعليليًا، مما يقدر العقل وحده أن يتمثله في ذاته ويُمحِّصه في فهمه المجرَّد، إلى حدّ ما، وفي تفكيره. (أوريجينوس، في المبادئ) ويؤكد العلامة أوريجينوس على المفهوم السابق في موضع آخر، حيث يشير إلى أن الابن يستمد من الآب كل ما هو عليه، إذ لم يكن هناك وقت لم يكن الابن في الآب، داحضًا بذلك المزاعم الآريوسية بأن هناك وقت كان فيه الآب بدون الابن: ((أوريجينوس، في المبادئ، ترجمة: الأب چورچ خوام البولسي، منشورات المكتبة البولسية، 2002، 1: 2: 9، ص 94، 95. )) هو-كما يقول الكتاب- بخار قوة الله الأولى وغير المولودة، يستمد منه كل ما هو عليه، إذ لم يكن حينٌ لم يكن فيه. (أوريجينوس، في المبادئ) الآب هو بداية الابن يوضح العلامة أوريجينوس أن الابن هو بخار قوة الله، وإنه كان هكذا على الدوام، ولم يكن للابن بدءًا آخر سوى الله الآب نفسه كالتالي: ((أوريجينوس، في المبادئ، ترجمة: الأب چورچ خوام البولسي، منشورات المكتبة البولسية، 2002، 1: 2: 9، ص 95. )) يُبيِّن هذا أن بخار قوة الله هذا كان دائمًا ولم يكن له بدء ما خلا الله نفسه. إذ لا يليق، في سائر الأحوال، أن يكون قد حظى بابتداءٍ آخر له سوى الله نفسه، الذي يستمد منه الكيان والولادة. (أوريجينوس، في المبادئ) ويشير العلامة أوريجينوس في موضع آخر إلى أن الآب هو بداية الابن في الأزلية، وذلك في سياق تفسيره لآية (إنجيل يوحنا 1: 1) في البَدْء كان الكلمة... : ((أوريجينوس، تفسير إنجيل يوحنا ج1، ترجمة: الراهب مكاري البهنساوي، إشراف: الأنبا إسطفانوس أسقف ببا والفشن، 2020، ص 122، 123. )) يمكن للمرء أن يفترض بالاستناد على نقطة أن الله نفسه هو بداية كافة الأشياء، أن الآب هو بداية الابن. وهكذا إن الفساد هو بداية أعمال السخط، فبكلمةٍ واحدةٍ،هو بمثابة البداية لكل ما هو موجودٌ. هذا الرأي مدعوم من قبلنافي البدء كان الكلمة. ففي لفظةيمكن للمرء أن يرى الابن، ولأنكان في الآب، فمن هنا يمكن بالمثل أن يُقال أنه، أي الابن، كان أيضًا في البدء. (أوريجينوس، تفسير إنجيل يوحنا ج1) ويؤكد العلامة أوريجينوس على أن الآب هو بداية الابن، والابن بدوره هو بداية كل الذين خُلِقوا حسب صورة الله كالتالي: ((أوريجينوس، تفسير إنجيل يوحنا ج1، ترجمة: الراهب مكاري البهنساوي، إشراف: الأنبا إسطفانوس أسقف ببا والفشن، 2020، ص 125-128. )) بالإضافة إلى هذه المعاني، فهناك ما نتحدَّث فيه عن البَدْء أو البداية حسب الشكل . ومن هناأنه لئن كانبكر كل مخلوق أو كائن يُمثِّل صورة الإله غير المنظور. هكذا فإن الآب يُعدّ كبدايته. وبنفس الطريقة، فإن المسيح هو مبدأ هؤلاء الذين خُلِقوا حسب صورة الله. لأنه إذَا كان البشرحسب الصورة، أمَّا الصورة فهي حسب الآب، ففي الحالة الأولى، فإن الآب هو مبدأ المسيح، وعلى الجانب الآخر، فإن المسيح هو بمثابة الأصل أو الابتداء بالنسبة للبشر، هؤلاء الذين خُلِقوا ليس حسب ما هو عليه، بل حسب الصورة. (أوريجينوس، تفسير إنجيل يوحنا ج1) الابن يأخذ كيانه من الآب بلا بداية أو زمان يرى العلامة أوريجينوس أن كيان الابن يتحدر من الآب نفسه، ولكن بطريقةٍ لا زمنيةٍ وبلا بداية، بل من الله نفسه: ((أوريجينوس، في المبادئ، ترجمة: الأب چورچ خوام البولسي، منشورات المكتبة البولسية، 2002، 1: 2: 11، ص 99. )) فالحكمة أزلية وضياء أزليته في آنٍ واحدٍ. إن نفهم جيدًا هذا يغدُ جليًا أن كيان الابن يتحدر من الآب نفسه، ولكن بطريقةٍ لا زمنيةٍ ودونمَا بَدْء، بل من الله ذاته. (أوريجينوس، في المبادئ) الآب هو مبدأ ومصدر الابن والروح القدس يشير العلامة أوريجينوس إلى أن الآب هو الجودة في مبدئه، التي منها وُلِدَ الابن الذي هو صورة الآب في كل شيء، لذا يلائمه والحق يُقال أن الابن يُدعَى صورة جودته، إذ ليس في الابن جودة أخرى سوى الجودة التي عند الآب: ((أوريجينوس، في المبادئ، ترجمة: الأب چورچ خوام البولسي، منشورات المكتبة البولسية، 2002، 1: 2: 13، ص 100. )) فالآب هو، بلا مراء، الجودة في مبدئه؛ منها وُلِدَ الابن الذي هو صورة الآب في كل شيء. لذا يلائم والحق يُقال أن يُدعَى صورة جودته؛ إذ ليس في الابن من جودة أخرى غير الجودة التي عند الآب. وقد دُعِيَ بصوابٍ صورته، لأنه لا ينحدر من سوى هذه الجودة التي هي المبدأ، حتى لا تُرى في الابن جودةٌ غير تلك التي عند الآب، ولا جودة مغايرة أو مختلفة. بل يجب وضع الجودة في الآب في مبدئها، كما قُلنا أعلاه. فالابن المولود منه، أو الروح القدس الذي منه ينبثق، يستنسخان في ذاتهما بلا أدنى ريبٍ طبيعة هذه الجودة المكنونة في المصدر، الذي منه يُولد الابن وينبثق الروح القدس. (أوريجينوس، في المبادئ) الآب هو مصدر الألوهية في الثالوث يؤكد العلامة أوريجينوس على أنه لا يوجد أقل أو أكثر في الثالوث، مادام هناك مصدر ألوهية وحيد هو الآب يسوس الكون بكلمته وعقله، ويُقدِّس بروح فيه كل خليق بالتقديس: ((أوريجينوس، في المبادئ، ترجمة: الأب چورچ خوام البولسي، منشورات المكتبة البولسية، 2002، 1: 3: 7، ص 113. )) وفي سائر الأحوال، ما من أكثر أو أقل في الثالوث، ما دام مصدر ألوهيةٍ وحيدٌ يسوس الكون بكلمته وعقله، ويُقدِّس بروح فيه كل خليق بالتقديس، على حسب ما كُتِبَ في المزمور: بكلمة الرب صُنِعَت السماوات، وبروح فيه كل جنودها ((مزمور 32: 6 )). أجل، إنها عملية رئيسية من قِبل الله الآب، علاوةً على تلك التي يمنح بموجبها الكائنات جميعًا أن توجد، على وفق طبيعة كل منها. (أوريجينوس، في المبادئ) ويشير العلامة أوريجينوس أيضًا إلى أن الآب هو نبع الألوهة للابن والروح القدس: ((أوريجينوس، تفسير الرسالة إلى رومية ج1، ترجمة: د. عادل ذكري، مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية، 2020، 4: 9: 12، ص 312. )) والله دُعِيَ محبة، والمسيح لُقِّبَ بأنه ’ابن المحبة‘، بالتالي، إذَا وجدنا ’روح المحبة‘، و ’ابن المحبة‘ و ’إله المحبة‘، فمن المؤكَّد أنه يجب أن نفهم أن الابن والروح القدس كليهما ينبعان من نبعٍ واحدٍ لألوهة الآب. (أوريجينوس، تفسير الرسالة إلى رومية) ق. ديونيسيوس السكندري الابن والروح القدس متحدان في الآب الرأس يشير ق. ديونيسيوس السكندري إلى مونارخية الآب أو وحدة الرأس في الآب، حيث يؤكد على أن الكلمة الإلهي مُتَّحِد بإله الكل، وإن الروح القدس قائم في الله ومستقر فيه، وهكذا فإن الثالوث القدوس متجمع معًا ومتَّحِد في واحد، أي أنهم مُتَّحِدون في الرأس الذي هو الله الآب ضابط الكل: ((ديونيسيوس السكندري، القديس ديونيسيوس السكندري الكبير، ترجمة: أمجد رفعت رشدي، مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية، 2017، الرسالة الثانية عن الثالوث ضد من يؤمنون بثلاثة آلهة وضد السابيليين، ص 167. )) لأنه لا محالة إن الكلمة الإلهيّ مُتَّحِد بإله الكل، وإن الروح القدس قائم في الله ومُستقر فيه، وهكذا، فإن الثالوث القدوس مُتجمِع ومُتَّحِد في واحد، كما قيل، إنهم متحدون في هذا الرأس، الذي هو اللهضابط الكل. (ديونيسيوس السكندري، الرسالة الثانية عن الثالوث ضد من يؤمنون بثلاثة آلهة وضد السابيليين) ويستطرد ق. ديونيسيوس مؤكدًا على مونارخية الآب في نفس الرسالة، حيث يرفض فصل الوحدة الإلهية العجيبة إلى ثلاث ألوهيات، ضد مَن يؤمنون بثلاثة آلهة في الثالوث، ويؤكد على تمايُّز الأقانيم الثلاثة في الثالوث القدوس، ضد السابيليين القائلين بأقنوم واحد في الثالوث القدوس. وهكذا ينسب ق. ديونيسيوس لقب ”ضابط الكل“ لله الآب أبو ربنا يسوع المسيح. ويُشدِّد على أننا ينبغي أن نؤمن بالله الآب ضابط الكل، وبيسوع المسيح ابنه، وبالروح القدس. ويشير إلى أن الكلمة مُتَّحِد بإله الكل، لأنه قال: أنا والآب واحدٌ ((إنجيل يوحنا 10: 30 ))، وكذلك أنا في الآب والآب فيَّ ((إنجيل يوحنا 14: 10 ))، مُميِّزًا بين أقنوم الآب وأقنوم الابن. وفي النهاية، يُؤكِّد على ضرورة حفظ الثالوث الإلهيّ ووحدة المصدر أو المونارخية في الآب دون انتقاص: ((ديونيسيوس السكندري، القديس ديونيسيوس السكندري الكبير، ترجمة: أمجد رفعت رشدي، مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية، 2017، الرسالة الثانية عن الثالوث ضد من يؤمنون بثلاثة آلهة وضد السابيليين، ص 168، 169. )) فلا ينبغي إذًا أن نفصل الوحدة الإلهية العجيبة إلى ثلاثة ألوهيات، ولا ينبغي أن كرامة الرب وعظمته الفائقة تُنتقص الوصف’مصنوع‘، لكن لا بد أن نؤمن بالله الآب ضابط الكل، ويسوع المسيح ابنه، وبالروح القدس، وبأن الكلمة مُتَّحِد بإله الكل، لأنه قال: أنا والآب واحدٌ ((إنجيل يوحنا 10: 30 ))، وكذلك أنا في الآب والآب فيَّ ((إنجيل يوحنا 14: 10 ))، وهكذا يكون من البيَّن أن الثالوث الإلهيّ، ووحدة المصدر، يكونان محفوظين دون انتقاص. (ديونيسيوس السكندري، الرسالة الثانية عن الثالوث ضد من يؤمنون بثلاثة آلهة وضد السابيليين) إكرام الابن للآب كرأس له يشير ق. ديونيسيوس في إشارة واضحة إلى مونارخية الآب في الثالوث القدوس، حيث يؤكد على وحدة مشيئة الآب والابن في تدبير الآلام الخلاصية، وهكذا يُكرِّم الابن الآب كرأسٍ له: ((ديونيسيوس السكندري، القديس ديونيسيوس السكندري الكبير، ترجمة: أمجد رفعت رشدي، مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية، 2017، الرسالة الثانية عن الثالوث ضد من يؤمنون بثلاثة آلهة وضد السابيليين، تفسير إنجيل لوقا (لو 22: 42-48)، ص 211، 212. )) قطعًا ويقينًا إن إرادة الابن ليست شيئًا آخر غير إرادة الآب، لأنَّ مَن يريد ما يريده الآب تكون له نفس مشيئة الآب. هذا بشكلٍ هندسيّ، لذلك فعندما يقول: لا إرادتي بل إرادتك، فليس معناها أنه يرغب أن تنزاح عنه الكأس، بل إنه يشير إلى أن إرادة الآب هي في أن يتألم، وهكذا يُكرِّم الآب كرأسٍ άρχήν، لأنه إذَا لقَّب الآباء إرادة شخص بأنها مُجرَّد رأي،وإنْ كانت مثل هذه الإرادة ترتبط بما هو خفيّ وله غاية كامنة، فكيف يقول البعض إن الربَّ الذي هو فوق كل هذه الأشياء له إرادة شكلية؟ إن هذا واردٌ فقط إذَا كان لدينا خلَّل في الفكر. (ديونيسيوس السكندري، الرسالة الثانية عن الثالوث ضد من يؤمنون بثلاثة آلهة وضد السابيليين) الآب هو مصدر الابن يشير ق. ديونيسيوس إلى ولادة الابن من الآب غير المبتدئ، مؤكدًا على أن الابن كنسلٍ ليس بلا مصدر، لأن مصدره هو الله الآب نفسه غير المولود: ((ديونيسيوس السكندري، القديس ديونيسيوس السكندري الكبير، ترجمة: أمجد رفعت رشدي، مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية، 2017، الرسالة الثانية عن الثالوث ضد من يؤمنون بثلاثة آلهة وضد السابيليين، أسئلة وأجوبة، ص 237، 238. )) السؤال الأول: أيهمَا هل الابن ولد نفسه أم وُلِدَ من الآب؟ الإجابة: الابن وُلِدَ من الآب، وليس هو الذي وَلَدَ نفسه. السؤال الثالث، أنت تقول: غير مبتدئ من غير مبتدئ ؟ الإجابة: هو كنسلٍ ليس بلا مصدر، ولكن الآب غير مبتدئ، لأنه غير مولود. (ديونيسيوس السكندري، الرسالة الثانية عن الثالوث ضد من يؤمنون بثلاثة آلهة وضد السابيليين) الآب هو نبع الابن يستخدم ق. ديونيسيوس مثل النبع والنهر لتشبيه الولادة الأزلية للابن من الآب، مشبهًا الآب بالنبع الحقيقيّ والابن هو النهر المتدفق من هذا النبع كالتالي: ((ديونيسيوس السكندري، القديس ديونيسيوس السكندري الكبير، ترجمة: أمجد رفعت رشدي، مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية، 2017، الرسالة الثانية عن الثالوث ضد من يؤمنون بثلاثة آلهة وضد السابيليين، رسالة ق. ديونيسيوس السكندري إلى البابا ديونيسيوس الروماني، ص 289. )) لأنه لا يمكن أن يُدعَى النبع نهرًا ولا النهر نبعًا، لكنهما يظلان حقيقتين، وأن هذا النبع هو الآب بالحقيقة، بينما النهر هو الماء المتدفِق من النبع. لقد قيل بعاليه أن الله هو علة كل الأشياء الصالحة، لكن الابن دُعِيَ النهر الذي يتدفق منه، لأن الكلمة هي لفظة العقل، أو باللغة البشرية، هي منبعثة بواسطة الفم من العقل. لكن الفكر الذي يُنطَق باللسان هو متمايز عن الكلمة الموجودة في العقل. لأن هذه الأخيرة بعدما تلفظ الأولى، تبقى كما كانت عليه مِن قبل، لكن الفكر قد أُرسِلَ وانتشر في كل مكانٍ من حوله، وهكذا كل منهما يكون في الآخر، رغم أن الواحد ينبع من الآخر، وهم واحدٌ رغم أنهما اثنان. وبنفس الطريقة، نقول إن الآب والابن هما واحدٌ، وأحدهما يكون في الآخر. (ديونيسيوس السكندري، الرسالة الثانية عن الثالوث ضد من يؤمنون بثلاثة آلهة وضد السابيليين) ويستطرد ق. ديونيسيوس في نفس السياق مؤكدًا على أن العقل هو آب الكلمة الموجود في ذاته، لكن الكلمة كابنٍ للعقل، لا يمكن أن يكون موجودًا قبله أو بدونه، لكنه موجود معه، ووجد فيه المنبع والمصدر، هكذا الآب ضابط الكل والعقل الكونيّ كان له ابن قبل كل الأشياء، هو الكلمة والنطق، وهو إعلانه والمخبِر عنه: ((ديونيسيوس السكندري، القديس ديونيسيوس السكندري الكبير، ترجمة: أمجد رفعت رشدي، مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية، 2017، الرسالة الثانية عن الثالوث ضد من يؤمنون بثلاثة آلهة وضد السابيليين، ص 292، 293. )) وبالمثل لأن العقل هو آب الكلمة، موجود في ذاته، لكن الكلمة كابنٍ للعقل، لا يمكن أن يكون موجودًا قبله أو بدونه، لكنه موجود معه، ووجد فيه المنبع والمصدر. وبنفس الطريقة، فإن الآب ضابط الكل والعقل الكونيّ له ابن قبل كل الأشياء، هو الكلمة والنطق، وهو إعلانه والمخبِر عنه. (ديونيسيوس السكندري، الرسالة الثانية عن الثالوث ضد من يؤمنون بثلاثة آلهة وضد السابيليين) --- ### مواقف البابا المتأخرة دائما والناقصة أبدا - Published: ۲۰۲٤-۱۰-۲٤ - Modified: 2024-10-24 - URL: https://tabcm.net/31081/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: إكليروس, الكنيسة القبطية, بابا تواضروس الثاني يداري البيان علي الحقائق -كما هي، وكما حدثت، وكما يعرفها الجميع- علي نحو يغمرنا بالخجل الدائم المرتبط بالبيانات البطريكية؛ التي تتسم علي طول الخط بانعدام الصراحة، والانكفاء علي الأحداث لتغطيتها، بمداراة واهية مكشوفة، مهما تأججت ألسنة اللهب المتصاعدة من تحت الغطاء انتظر الأقباط الأرثوذكس -على سطح صفيح ساخن- ردة فعل البطريركية المرقسية على البلبلة الشديدة التي حدثت بشأن ردود الأفعال العنيفة حول انعقاد السيمينار السنوي العاشر في نوفمبر القادم. أيامًا بدت كأنها دهرًا، حتى صدر البيان البطريركي المرفق ليطرح حلًا توافقيًا، يخمد الفتنة الصاعدة، للمصيبة الانقسامية التناحرية الأخيرة، التي شاعت تحت عنوان عريض: أزمة المحاضرين العلمانيين لتثقيف المطارنة/ الأساقفة بالمجمع. وهذا الحل التوافقي؛ لم يتعد تأجيل التصادم إلى أجل غير معلوم لمزيد من الدراسة والإعداد، وفقًا للبيان البطريركي. يداري البيان علي الحقائق -كما هي، وكما حدثت، وكما يعرفها الجميع- علي نحو يغمرنا بالخجل الدائم المرتبط بالبيانات البطريكية؛ التي تتسم على طول الخط بانعدام الصراحة، والانكفاء على الأحداث لتغطيتها، بمداراة واهية مكشوفة، مهما تأججت ألسنة اللهب المتصاعدة من تحت الغطاء. فالادعاء الذي يريد البيان أن يوحي به ويرسخه لوظيفة السيمينار، بوصفه مؤتمرًا دراسيًا حول أحد موضوعات الخدمة والرعاية، يناقض الثوابت الذائعة والمعروفة لهدف تأسيس السيمينار وانعقاده السنوي كمنصة تخصصية لمناقشة الموضوعات الخلافية التي تحتاج إلى تحديد مفاهيمي، وتأصيل كتابي أو لاهوتي، بغرض التوافق عليها بين الإكليروس، وعدم التناحر بشأنها في خطاب المطارنة/ الأساقفة والكهنة، تفاديًا للبلبلة التي يحدثونها في خدمتهم لكنيسة الله على النحو المؤسف المشين الذي تمت معايشته في السنوات الأخيرة، من تضاربات حادة بين الأساقفة والكهنة على تفسير التاريخ الكتابي، أو الشرح اللاهوتي، أو النكوصيات اللفظية الصاعدة بشدة بين كل الوعاظ والمتكلمين، بشأن أركان الإيمان الصحيح للمسيحية بحق الإنجيل، والأرثوذكسية بصحيح الاعتقاد. فإذا تحول السيمينار -كما يريد البيان أن يصوره- إلى مجرد اجتماع سنوي لمناقشة موضوعات الخدمة والرعاية، فوجوده كعدمه، لا نفع فيه ولا جدوى، لأن موضوعات الخدمة والرعاية هي ذاتها العمل اليومي للكهنوت كله، ومناقشتها قائمة دائمة طوال العام؛ التي رغم وفرة كل الفرص لتطويرها، لا تزل حافلة بالمثالب والأغلاط والعيّ والقصور والضعف والنسبية، تنتظر قيامًا جذريًا من سكونها الآسن، وذلك حديث آخر ذو شجون. فإذا سألنا بحرقة وانزعاج: لماذا لا تكون البيانات البطريركية أكثر صراحة في مخاطبة شعبها الذي يقف خلفها، ويدعمها، بقلبه وروحه وأمانته وصلواته؟ الذي لا شك يساندها أكثر وأكثر لو خوطب بالحقيقة المجردة؟ لا نجد إجابة سوي أن الحل الوحيد الذي تلجأ إليه البطريركية في كل الإشكاليات مهما كان حجمها، ومهما كانت عواقبها؛ لا يعدو إهالة التراب على الحقائق وإخفائها، فتعصب الجرح على القيح الذي قد يبلغ الغرغرينا، حيث انفجار السم في الجسد لن يبقى عليه ولن يذر. وإذا كان المجلس القانوني للمجمع هو المنوط به مناقشة اللاهوتيات والعقيدة؛ لماذا ترك هذا المجلس المبجل البلبلة في مفاهيم اللاهوتيات والعقيدة تتصاعد حاليًا إلى حد الفتنة؟ لماذا وهو الحارس على المفاهيم والحقائق؟ أليس السبب هو حاجة المجلس الشديدة للتثقف العميق في موضوعات اللاهوت والعقيدة حتي يمكنه البت بالقول القاطع في كل القضايا الخلافية بشدة الآن، التي يتعين أن تكون واحدة موحدة في التعليم والتوجيه الروحي والعقلي والإيماني في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية؟! هذه البيانات الفاجعة المغيبة للوعي لا تطرح حلا بقدر ما تزيد النار اشتعالًا من تحت غطاء المحبة لا تسقط أبدًا، والذي لا يثبّت المحبة بقدر ما يضيعها. --- ### هنري هاڤلوك إليس - Published: ۲۰۲٤-۱۰-۲۳ - Modified: 2024-10-23 - URL: https://tabcm.net/30280/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: الديمقراطية, سيجموند شلومو فرويد, هنري هاڤلوك إليس ولكن هذين الزوجين كانا على نية الابتداع لبدعة جديدة هي الزواج الانفصالي، فإنهما بعد انقضاء شهر العسل عاد كل منهما إلى منزله، يتلاقيان بمواعيد، ويشتركان في سريرهما بمواعيد، كأنهما عاشقان وليسا زوجين. ولم يكن هذا الانفصال يرجع إلى ضعف أو نقص في حبهما وإنما كان عن مبدأ، وهو أن كلًّا من الزوجين يجب أن يستقل بحياته وحرفته وسكناه وبرنامج يومه لا يفسدهما عليه ذلك زوجه الآخر مات «هاڤلوك إليس» قبل الحرب الكبرى الثانية، ووصفته إحدى المجلات الأوروبية الكبرى حينئذٍ بأنه كان أعظم رجل متمدن في أوروبا. وأنا أحاول هنا أن أروي للقارئ تاريخ حياته، ووصف مؤلفاته، كي يستخرج العبرة من هذا الوصف؛ لأني أعتقد أن عندنا في مصر من يخالف هذا الرأي، فيحكم بأن هاڤلوك لم يكن متمدنًا وإنما كان متوحشًا، وأنه لم يعشِ الحياة الصالحة، وإنما هو أفسد حياته بل حياة زوجته! والواقع أن شيئًا من هذا الفساد قد وقع لزوجته، ولكن ليس هناك ما يدل على أن أسلوب الحياة الذي اتخذه هو الذي أدى إلى هذا الفساد، وإن كان هناك شبهات تبعث على هذا الظن. وإذا أنت سألت عن هاڤلوك إليس في إحدى المكتبات بالقاهرة عرفت أنه معروف مشهور بمؤلفاته الجنسية، وهي نحو ستة مجلدات ضخمة هي أدب وعلم وفلسفة، تحس وأنت تقرؤها أن كاتبها رجل فن وعلم وفلسفة، وهو يكتب بأسلوب مكين قد أُحكمت عباراته كما نقيت من الزوائد، وهو كثير الإشارة إلى أقوال الفلاسفة من الإغريق القدماء إلى الأمريكيين المحدثين. وهو لا يرتجل الفكرة ولا يلتزم مذهبًا، وإنما يزن الآراء ويعرض لها في إسهاب شرحًا ونقدًا، ثم ينتهي إلى الخلاصة التي يستقر عليها ويدعو إليها. وهذه المجلدات الستة عن الشؤون الجنسية هي أروع ما كُتب عن هذا الموضوع في لغة من لغات العالم، وإنك لتعجب حين تقرأ له فصلًا واحدًا عن البغاء؛ إذ تدهش لما يروي لك عن تاريخه في الأمم القديمة والحديثة، وعن قيمته ومكانته من الحضارات المتعاقبة، وعن أقوال القديسين المسيحيين الذين أيدوه، وعن القوانين العصرية التي تناولته. وحبذا لو قرأ هذا الفصل ودرسه أولئك الذين عملوا لإلغاء البغاء في مصر، ولكن نكبة الساسة في مصر أنهم لا يدرسون الكتب الأوروبية المنيرة. كان هاڤلوك إليس من الرواد الذين شقوا الطريق وبسطوا الآفاق لهذه الدراسات قبل فرويد، فإن نشاطه العلمي كان في ذروته فيما بين عامي ١٨٩٠ و١٩٢٠. وهناك فرق أصيل بينه وبين فرويد؛ ذلك أن هاڤلوك إليس كان يبحث الشئون الجنسية من حيث إنها نشاط سليم يتصل بالأصحاء من الناس، ويبحث أثرها في حياة الشبان العزب والمتزوجين، وفي الحياة العائلية وتربية الأطفال وملكاتها في الحضارة. أما فرويد فيبحث النشاط الجنسي من ناحية المرض لا الصحة. وقد كان فيما بين عامي ١٨٩٠ و١٨٩١ يرأس تحرير سلسلة من الكتب العلمية التي تتناول المجتمع بالبحث العلمي، وتضم مجلدات تبحث الإجرام، وأخرى تبحث المشكلة اليهودية، وأخرى تبحث الوراثة... إلخ كما أن له مؤلفات يكفي ذكر أسمائها كي نعرف أن موضوعاتها أدبية، مثل «رقص الحياة»، و«روح أوروبا». وهو في كل ما يكتب يمتاز بالنضج والإحاطة والنزاهة؛ إذ هو لا ينتسب إلى حزب أو طائفة ولا يدافع عن مذهب، وإذا نحن اتهمناه بالغرض أو بشيء منه، فإن هذا الاتهام ينحصر في إكباره من شأن النظرية العلمية، وهو هنا يُعذر فإنه عاش في أواخر القرن التاسع عشر وامتد نشاطه إلى الثلث الأول من القرن العشرين، وكان الإيمان بالحضارة والرقي يعتمد أكبر الاعتماد على العلم، فإن الأمم الأوروبية طوال القرن التاسع عشر كانت على اقتناع بأنها قد اهتدت عن طريق العلم إلى مفتاح يفتح لها جميع الأبواب المغلقة، وأن سعادة الإنسان وقوته وصحته وثقافته كلها ترتبط بالعلم. وقد نشأ طبيبًا، ولكنه لم يمارس الطب؛ لأنه قنع بالتأليف وقضى معظم حياته وهو في فقر لم يشك منه. ولكن المتأمل لسيرة حياته التي كتبها بنفسه يحس الضيق الذي كان يعانيه، فإنه كان يسكن مسكنًا وضيعًا ويطبخ طعامه بنفسه؛ إذ لم يكن يكسب من قلمه ما يكفي لتناول طعامه في المطاعم أو يمكنه استخدام خادم. ولكنه في السنوات الأخيرة من عمره تمكن من الاتصال بإحدى الصحف الأمريكية التي كانت تستكتبه مقالًا أسبوعيًّا عن شؤون أوروبا، وقد صرَّح بأن الأجر الذي كان يتناوله عن هذه المقالات كان يزيد أضعافًا على ما كان يحصل عليه من التأليف والصحافة معًا في بريطانيا. ومع أنه قد مات منذ أكثر من عشر سنوات فإن مؤلفاته ما تزال تُقرأ وتجد الأنصار والخصوم لحيويتها، حتى لقد قرأت هذا الأسبوع إعلانًا عن كتاب جديد ينشر له في الولايات المتحدة، ويقول الناشر إنه لم يسبق نشره. وفي كل ما ذكرنا لا نجد شيئًا فذًّا أو شاذًّا في حياة هاڤلوك إليس؛ إذ هو مؤلف أو صحفي مثل سائر المؤلفين أو الصحفيين، وإن كان يمتاز عنهم بأنه جادٌّ مثابر نزيه مفكر متبصر، وليست هذه الصفات عامة بين من يؤلفون أو يكتبون للصحف، ولكن ميزته الأصلية أنه اتخذ أسلوبًا معينًا في عيشه لم يتخذه غيره، وهذا الأسلوب هو الذي حفزنا إلى كتابة هذا الفصل كي ننبه القارئ المصري إليه، ولسنا نشك أنه سوف يجد التقبيح والازدراء من تسعين في المائة من القراء كما قد يجد الاستحسان من عدد قليل، ولكن ليس هذا غرضنا إنما نحن نقصد إلى أن نوضح العوامل التي أدت إلى اتخاذ هذا الأسلوب وتقديره في الحضارة القائمة. فقد عرف هاڤلوك إليس فتاة إنجليزية تدعى الآنسة «إديث ليز» قبل نحو ستين سنة، وكانت هذه الفتاة من أولئك الفتيات الجديدات اللائي كنَّ يُسمَّيْن في إنجلترا باسم المرأة الجديدة، وقد كنَّ منذ عام ١٨٩٠ أو قبل ذلك يدعون دعوات جريئة مثل التعليم الجامعي للمرأة، ومثل حقوق الانتخاب للمجالس النيابية، والمساواة الاقتصادية بين الجنسين، وتولِّي الوظائف العامة. وكانت إديث ليز أكثر إيمانًا بهذه الحقوق وأكثر إسرافًا في الدعوة إليها، وكانت سكرتيرة لأحد الأندية النسوية في لندن، وكانت تقول: إن البيت على حالته الحاضرة -أي حوالي سنة ١٨٩٠- هو طاحون تُسَخَّر فيه الزوجة، فتعمل طول نهارها وبعض ليلها، وهي مجهدة لا يتوافر لها الوقت للراحة أو الاستمتاع الاجتماعي أو الثقافي، وإن هذا الكد المستمر في البيت، من حيث الاشتغال بالطبخ والغسل والكنس، يمكن الاستغناء عنه بأن نتناول وجباتنا في المطاعم، وإنه يجب على كل امرأة أن تؤدي عملًا اجتماعيًّا بأن تحترف حرفة تكسب منها كما يفعل الرجال؛ لأن الاحتراف هو تربية دائمة لها، وهو يكسبها المال الذي يرفعها إلى كرامة اقتصادية يحسها الزوج فيحترمها، وهي حين تحترف تحس مسئوليات كبيرة لم تكن لتحس بها لو أنها كانت قد قنعت بالنشاط المنزلي في الطبخ والغسل والكنس، وإن الحرفة هي الوسيلة لتكوين الشخصية، ولن تكون للمرأة شخصية إذا هي قنعت بأعمال البيت. والحق أن هذه الآراء كانت عامة حوالي سنة ١٨٩٠، ولكنها كانت آراء في الهواء؛ إذ لم تكن تجد ما يدعمها من النظام الاقتصادي السائد وقتئذٍ؛ لأن الرجال كانوا يستوعبون الأعمال، ولم يكن هناك غير عدد صغير جدًّا من النساء اللائي كنَّ يعملن ويكسبن. ويجب أن أقول إن هذه الحال قد تغيرت في أيامنا هذه، فإن نحو عشرين مليون امرأة يحترفن الحرف التجارية والصناعية والمكتبية كالرجل سواء في الولايات المتحدة، وليس هناك شكٌّ في أنهنَّ قد كسبن الشخصية التي أشارت إليها إديث ليز، ولم تعم هذه الحالة الجديدة لدعوة نسوية، وإنما لأن هناك قوات اقتصادية جديدة دعت إليها، هي -قبل كل شيء- هاتان الحربان الكبيرتان؛ لأنهما لما جندتا للجيوش والمصانع الكثير من الرجال أكرهتا المجتمع الأمريكي، بل المجتمعات الأوروبية أيضًا على استخدام المرأة في المصانع والمتاجر والمكاتب. ومما زاد هذا الاتجاه قوةً أن واجبات المنزل قد اختصرت بالمخترعات الجديدة، فإن الطبخ بالضغط وبالكهرباء قد جعل تهيئة الطعام عملًا لا يتجاوز دقائق بينما كان يستغرق الساعات قبل خمسين أو ستين سنة والكنس الكهربائي، وكذلك الغسل الكهربائي، قد أصبحا في ميسور أفقر العائلات الأمريكية والأوروبية الغربية، بل إن التليفون قد أخذ مكان الخادم. وإذا كانت المرأة الأوروبية أو الأمريكية كانت تجد في المنزل ما يشغلها طوال نهارها قبل خمسين سنة، فهي لا تجد فيه ما يشغلها نصف ساعة في اليوم كله، فهي من ناحية تجد أن الأعمال العامة خارج البيت تناديها وتقدم لها المرتب الحسن في المتاجر والمصانع والمكاتب، ومن ناحية أخرى لم تعد تجد في البيت ما يغريها بالبقاء فيه أو يضطرها إليه. فهذا الذي أبصرت به إديث ليز قبل نحو ستين سنة قد تحقق في أيامنا، ولا بد أنها قد بصرت بهذه القوات الاقتصادية التي كانت تعمل في الخفاء، وتسري في المجتمع، وتنقل المرأة من المنزل إلى المصنع. وهي في دعوتها إنما كانت تعبِّر عن هذه القوات، أو عن بوادرها الخفية كما كانت تحسها وتتوقع نموها. كانت إديث ليز قبل نحو خمسين سنة تحلم بما تم في أيامنا من الوعود الاقتصادية التي حققت استقلال المرأة وكوَّنت شخصيتها، وكانت آراؤها تغري أمثال هاڤلوك إليس بحبها والتعلق بها وقد تعارفا، وبقيا مدة غير قصيرة وهما يتعاونان في الدراسة ويتبادلان في عطف هذه الآراء التجديدية التقدمية... وكانت لندن تختمر في تلك السنين بآراء تقدمية عديدة. وتم زواجهما، وهنا تبدأ قصتنا أو عِبرة القصة التي قصدنا إليها حين قلنا إنه -أي هاڤلوك إليس- قد اتخذ أسلوبًا معينًا من العيش. ذلك أننا نفهم من الزواج أنه ارتباط مادي كما هو ارتباط روحي، بحيث يعيش الزوجان في منزل مشترك، وإن لم يناما في سرير مشترك، يشتركان في الراحة والنوم، ويأكلان من مائدة واحدة، ولهما اقتصاديات منزلية مشتركة. ولكن هذين الزوجين كانا على نية الابتداع لبدعة جديدة هي الزواج الانفصالي، فإنهما بعد انقضاء شهر العسل عاد كل منهما إلى منزله، يتلاقيان بمواعيد، ويشتركان في سريرهما بمواعيد، كأنهما عاشقان وليسا زوجين. ولم يكن هذا الانفصال يرجع إلى ضعف أو نقص في حبهما وإنما كان عن مبدأ، وهو أن كلًّا من الزوجين يجب أن يستقل بحياته وحرفته وسكناه وبرنامج يومه لا يفسدهما عليه ذلك زوجه الآخر. أو بكلمة أخرى: نحن نرى في الزواج حياة شاملة تحتوي على جميع التفاصيل الأخرى، في حين كان هذان الزوجان يريان فيه أنه بعض الحياة فقط، وأنه يجب أن يترك الزوج حرًّا لا يتدخل الزواج في تفاصيل حياته ولا يشملها؛ إذ هو -أي الزوج- إنسان أولًا له طموحه وآماله وحرفته وهوايته وملذاته، وهو يحب أن يجد الحرية كي يمارسها جميعها في خلوة وفي استقلال لا يفسدهما عليه الزوج الآخر. وقد عاشا على هذا الأسلوب أكثر من عشرين سنة يتزاوران كأنهما ضيفان، وفي كل عام يقصدان إلى قرية في الريف أو إلى أية بلدة على الشاطئ للتشتية أو الاصطياف، فيقضيان نحو شهر معًا في بيت واحد، حتى إذا عادا إلى لندن استقلَّ كلٌّ منهما بمنزله دون الآخر. ومما يذكر أن غريبًا لقيهما في القطار فلم يعرف من حديثهم أنهما زوجان؛ إذ كان كل منهما يداعب الآخر، ويلاطفه أو يناغيه وظن أنهما عاشقان. على أن هذه السعادة «الزوجية» لم تدم، فإن الزوجة أحسَّت هوى جنسيًّا استسلمت له، فأحبت شابًّا، ثم عادت فأحسَّت انحرافا فأحبت فتاة، وفسدت العلاقة الزوجية بسبب ذلك، ولكنهما لم يعمدا إلى الطلاق. وهنا يعلل بعض القراء هذا الشذوذ الذي وقعت فيه الزوجة بأنه كان النتيجة المحتومة لهذا الانفصال. واعتقادي أن هذا الاستنتاج قد يكون صادقًا، فإن الرجل حين يعيش منفردًا معتزلًا للمرأة، وكذلك المرأة حين تعيش منفردة معتزلة للرجل، كلاهما يعود عرضة للشذوذ الجنسي، وخاصة إذا كانت هناك زعزعة نفسية سابقة، كما نستطيع أن نستنتج مما حدث لهذه الزوجة المسكينة التي احتاجت في فترة من حياتها أن تلجأ إلى مستشفى الأمراض العقلية. الواقع أننا نجد في أخلاق هذه الزوجة رعونة وتقلبًا لا يدلان على عقل رصين متزن، فإنها احترفت الزراعة سنوات، ثم احترفت النشر؛ أي نشر الكتب، وأخفقت في العملين، وكان من رعونتها هذه أن طلبت الانفصال الشرعي، وهو في إنجلترا دون الطلاق. فهل نعلل إخفاق حياتها بهذا الزواج الانفصالي، أم نعزوه إلى أنها كانت من الأصل مزعزعة النفس لم تستطع الاستقرار؟ أظن أن التعليلين مسئولان. والذي نحسه حين نقرأ سيرة هاڤلوك إليس بقلمه أن حبه لها قد بقي إلى يوم وفاتها، بل هو يقص علينا إحساساته الأليمة حين رآها تجري وراء هذا الشاب الجميل، ثم بعد ذلك حين زاغت بها الشهوة إلى إحدى الفتيات، ثم هو يصف لنا في مرارة كيف حمل جسمها إلى المرمدة حيث أحرق، وكيف حمل اللحاد الرماد وذرَّه في الجهات الأربع في الحديقة. ••• والآن نقف كي نتأمل هذا الزي الجديد للزواج أو هذا الأسلوب الجديد للعيش... وهما زي وأسلوب يتفشيان هذه السنين الأخيرة في الولايات المتحدة بدرجة خطيرة، وفي أوروبا الغربية، ولكن ليس إلى المدى الذي بلغا بين الأمريكيين. وكان «ليون بلوم» الرئيس الاشتراكي السابق للوزارة الفرنسية يدعو إليه، ويقول إنه خير الأساليب للعيش. وعلينا هنا أن نفترض الافتراضات والاحتمالات، فنقول إن خروج المرأة من البيت إلى المجتمع في النصف الأول من هذا القرن كان منتظرًا، وقد زادته الحربان الأخيرتان تأكيدًا لحاجات المصانع إلى عمل المرأة بدلًا من الرجل الذي ذهب إلى ميادين القتال. ثم إن المساواة في التعليم قد جعلت للمرأة كفايات حرفية أهَّلتها للعمل والكسب، وأخيرًا إحالة المنزل من مؤسسة تقوم على العمل اليدوي إلى أخرى تقوم على العمل الكهربائي، قد جعل بقاء المرأة في المنزل طوال النهار شيئًا غير معقول. وجميع هذه الاعتبارات قد بلغت ذروتها في الولايات المتحدة؛ لأن المنزل هناك «مكهرب» والمرأة تكسب كالرجل، وكلمة «الشخصية» قد اكتسبت لهذا السبب معناها العصري للمرأة في أمريكا. والمرأة التي تنشد تكوين شخصيتها إنما تنشدها بالتعلم والاحتراف والاختلاط بالمجتمع، وليس بالانزواء في البيت؛ وهي لذلك حين تتزوج تصر على استبقاء حرفتها ونشاطها الاجتماعي، وتزيد هذا الإصرار قوة بأن تطلب بقاءها منفصلة في منزلها وقت الزواج كما كانت أيام عزوبتها. وحجتها أن حياتها الخاصة، وما جمعت حولها من أصدقاء وكتب واهتمامات يجب ألا تنقطع بالزواج، ولكن اشتراكها في منزل زوج يؤكلها ثلاث وجبات كل يوم، ويقحم أصدقاءه على حياتها الخاصة، وربما يعترض على أصدقائها هي، هذا الاشتراك لا يترك لشخصيتها المجال الحيوي كي تنمو وترقى؛ لذلك يجب أن تعيش حياتها الخاصة بعد الزواج كما يعيش هو حياته الخاصة، ووسيلة ذلك أن يعيش كل منهما في منزله الذي كان يعيش فيه أيام العزوبة. وكثير من الأزواج الذين اضطلعوا بمهام واشتغلوا باهتمامات تزيد على مألوف العامة يحسُّون الوجاهة في هذا المنطق. وليست المرأة وحدها هي التي تطلب في أمريكا وأوروبا الغربية هذا الزواج الانفصالي، وإنما هو للرجل أيضًا حين يرصد نفسه لأهداف اجتماعية يحس أن الروابط الزوجية تقيده وتحول بينه وبين بذل ماله وعمره لتحقيقها، فإن رجل العلم أو رجل الأدب أو رجل الفن أو السياسة كل هؤلاء يجدون أن الحياة العائلية بمألوفها وارتباطاتها لا تتفق وما يضطلعون به من مسئوليات جسيمة سواء أكانت لأشخاصهم أم لوطنهم. ••• عاش هاڤلوك إليس نحو عشرين سنة أخرى بعد وفاة زوجته، وقد شُغفت به بعد ذلك سيدة فرنسية وعاشت معه إلى يوم وفاته منذ نحو عشر سنوات. وقد قرأتُ معظم ما ألَّفه هافلوك إليس، وإني أحس أنه كان على فهم عميق للحضارة الأوروبية، وأعني بهذا الفهم العميق أنه كان يصل حاضر أوروبا بعصر نهضتها فيما بين عام ١٤٥٠ وعام ١٥٥٠ حين شرعت تغير عقائدها وأسلوب معيشتها. وما زالت أوروبا حتى هذا العام في سبيل هذه النهضة تغيِّر عقائدها وأسلوب معيشتها، وهذا الزواج الانفصالي هو بعض تجاربها التي سوف تثبت الأيام أنها حسنة أو سيئة. والفرق بين أوروبا وأقطار الشرق أن الأولى دائبة في التجارب، تجدد وسائل عيشها وتغير في مؤسساتها، أما الشرق فيضفي على مؤسساته قداسة تجمد تطوره وتجعل أبناءه يعيشون في عام ١٩٥١، كما لو كانوا يعيشون في عام ٩٥١؛ أي قبل ألف سنة. وقد رأى الأوربيون أن العائلة كانت في الماضي تربي الشخصية، أما الآن فإنها تعوق هذه التربية؛ لأن الإنسان الجديد قد زاد إحساسه الاجتماعي عمَّا كان عليه قبل مائة سنة، فهو في المجتمع بذهنه وجسمه في عصرنا أكثر مما كان من قبل؛ لأنه يشترك في السياسة والتطور الاجتماعي، ويشتبك في المشكلات الاجتماعية والاقتصادية. والعائلة بتأليفها الماضي هي إلى حدٍّ ما ضد المجتمع، كما نرى مثلًا في ذلك الرجل العائلي المسرف في التزام بيته، من مكتبه إلى بيته، يعيش مع أولاده، ولا يفكر في غير سعادتهم، فهو «فاضل» من الناحية العائلية، ولكن اهتماماته الاجتماعية في هذه الحال ضعيفة. ونحن نلاحظ أنه عندما يقوى المجتمع، ويتولى الحكم، وتكون له الكلمة العليا كما هي الحال في الأمم الديمقراطية، بريطانيا وفرنسا، والولايات المتحدة، تضعف الروابط العائلية؛ إذ يكثر الطلاق، وأيضًا يتجه الرجل كما تتجه المرأة إلى نشاط آخر خارج البيت. ولكن ليس شك أن الرجل الاجتماعي، وكذلك المرأة الاجتماعية، كلاهما يمتاز بشخصية أكبر وأنضج من الرجل العائلي أو المرأة العائلية، وخاصة إذا كان هذا المجتمع حرًّا لا تدوسه حكومة مستبدة، ولا تطغى عليه قوات بوليسية تحرمه تطوره وارتقاءه، إننا نحس حنينًا نحو العائلة، وما فيها من استمتاعات الطفولة بين الأبوين، ولكننا ننسى أن الأم في السنين الأولى من العمر هي كل شيء، وأن قيمة الأب ضئيلة، والزواج الانفصالي، كما هو شائع في أيامنا في الأمم الغربية، يجعل التصاق الأم بأطفالها مكفولًا كما كان الشأن قبلًا. وبالطبع، هذا الزواج الانفصالي لا يمكن أن ينشأ، إلا إذا كان الزوجان يريان ضرورته لرقيهما، أما إذا لم يجدا هذه الضرورة فإنهما يعيشان معًا، وأغلب الظن أن هذا الزواج الانفصالي لا يزيد في الوقت الحاضر على واحد في المائة، أو أكثر أو أقل قليلًا في الأمم الغربية التي أشرنا إليها؛ وذلك لأن هذا الإنسان الجديد الذي ارتقت شخصيته وزاد إحساسه الاجتماعي على إحساسه العائلي لا يمكن أن يزيد على واحد في المائة من السكان في أرقى أمة. وعبارة «الإحساس الاجتماعي» تعني الاهتمامات المتعددة بالعلم والفلسفة، والفن، والاختراع، والاكتشاف؛ لأن هذه الاهتمامات تحتاج إلى إرصاد القوى كلها لإتمامها في خلوة واستقلال. وقد كان هافلوك إليس من هذه الناحية إنسانًا جديدًا، ولكننا لا نستطيع أن نبت برأي في هذه الجدة، هل هي للسعادة والخير، أم للتعاسة والشر؟ --- ### مقتل أسقف يحول مسار الحركة المسكونية في مصر - Published: ۲۰۲٤-۱۰-۲۲ - Modified: 2024-10-22 - URL: https://tabcm.net/31000/ - تصنيفات: شئون علمانية - وسوم: ٢٥ ديسمبر, Theosis Across Borders (TABcm Network), أنبا سيرابيون، مطران لوس أنجلوس وجنوب كاليفورنيا وهاواي, إشعياء المقاري, الإخوان المسلمين, التقويم القبطي, الشرق الأوسط, الكنيسة القبطية, بابا تواضروس الثاني, بابا فرنسيس، بابا الڤاتيكان, دير الآباء السريان, دير الأنبا مقار الكبير, رئيس عبد الفتاح السيسي, رئيس محمد محمد مرسي عيسى العياط, ڤاتيكان, ليتورچي, مصطفى رحومة, وائل سعد وكالة RNS، ترجمة لتقرير استقصائي  Coptic abbot's murder points to strains over ecumenism in Egypt، بتاريخ ٧ سبتمبر ٢٠١٨. لا يزال المجتمع القبطي الأرثوذكسي في مصر يعاني من تداعيات قتل رئيس دير القديس مقاريوس (أبو مقار) من قبل المحافظين الملتصقين بنفس إيمانه، في الدير الذي اشتهر بالتأمل والمعرفة منذ القرن الرابع الميلادي، على بعد ٩٦ كيلومتر شمال غرب القاهرة. فالضحية، الأسقف أنبا إبيفانيوس، ٦٤ عامًا، كان الرجل المحوري في جهود البابا تواضروس الثاني للمصالحة بين كنيستهم والفاتيكان. كان الباباوان، الروماني الكاثوليكي والقبطي الأرثوذكسي، قد استكشفا خطوات نحو الاعتراف المتبادل بمعمودية واحدة، ومواقع الحج إلى الأماكن المقدسة، وحتى التوفيق بين تقاويمهم الليتورجية. في ٢٩ يوليو ٢٠١٨، توفي إبيفانيوس نتيجة ضربة على الرأس بجسم حاد. حصل المحققون على اعتراف من الراهب وائل سعد، ٣٤ عامًا، بعد أن حاول عضو آخر في ترتيب الرهبنة، هو ريمون رسمي منصور، ٣٣ عامًا، الانتحار عن طريق شق معصميه وإلقاء نفسه من أعلى مبنى في الدير. ((في ١٨ أغسطس ٢٠١٨، أحال النائب العام أوراق القضية لمحكمة جنايات الإسكندرية لتحديد جلسة محاكمة كل من؛ وائل سعد تاوضروس، الراهب السابق المدعو إشعياء المقاري، والراهب فلتاؤس المقاري، وبالميلاد ريمون رسمي منصور، بتهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد للأنبا إبيفانيوس أسقف ورئيس دير القديس أنبا مقار بوادي النطرون. )) ويواجه كلاهما المحاكمة في ٢٣ سبتمبر بتهمة قتل الأنبا إبيفانيوس. ((في ٢٤ أبريل ٢٠١٩، أصدرت محكمة جنايات دمنهور حكمًا بالإعدام شنقًا على الراهبين، وذلك في القضية المقيدة برقم ٣٠٦٧ لسنة ٢٠١٨ جنايات وادي النطرون. وفي ١ يوليو ٢٠٢٠، أيدت محكمة النقض حكم الإعدام على وائل سعد (إشعياء المقاري) وتخفيف حكم الإعدام إلى السجن المؤبد على الراهب فلتاؤس المقاري. )) انتُخب إبيفانيوس رئيسًا لدير القديس مقاريوس في عام ٢٠١٣، وهو عام مضطرب شهد احتجاج مئات الآلاف من المصريين على الرئيس محمد مرسي، أحد زعماء جماعة الإخوان المسلمين. وفي العام نفسه، أطاح الجيش بقيادة الفريق أول عبد الفتاح السيسي آنذاك، رئيس مصر الحالي، بمرسي. حمَّل العديد من المسيحيين المصريين مرسي وأتباعه مسؤولية تصاعد أعمال العنف ضد كنائسهم وضد رجال الدين ((جيكوب ورشيفتر ومينا نادر، يو. إس. إيه توداي، Egypt's new cathedral may be a big target for ISIS, Coptic Christians fear ))، وتكثّفت تلك الهجمات عندما اختبأ الإسلاميون المسلحون بعد الإطاحة بمرسي. وفي ٢٠١٧، تزايدت حدة الهجمات على المسيحيين، فشملت طعنًا قاتلًا أودى بحياة أب كاهن في أكتوبر، وقتل ٢٨ زائرًا مسيحيًا كانوا في طريقهم إلى دير بالقرب من مدينة المنيا في مايو ((جيكوب ورشيفتر ومينا نادر، واشنطون تايمز، Egypt’s Coptic Christians seek Abdel-Fattah el-Sissi’s protection ))، وتفجيرات عيد الشعانين يوم أحد السعف في كنيستين بالإسكندرية وطنطا نجم عنها مقتل ٤٤ شخصًا في أبريل ((مينا نادر، وكالة أر. إن. إس، Egyptian Copts prepare for Easter amid rising fears for their safety )). وكانت عمليات قتل ٧ مسيحيين في العريش على يد فرع تنظيم الدولة الإسلامية في مصر في فبراير قد أدت إلى نزوح جماعي لمئات المسيحيين من الجزء الشمالي من شبه جزيرة سيناء. كان رد فعل الفاتيكان على الهجمات الجهادية ((مينا نادر وجيكوب ورشفتر، يو. إس. إيه توداي، Egypt: At least 9 killed in attack outside Coptic church )) هو التوجه إلى الأقباط بموجات متجددة من التضامن ((باسم الجنوبي، Theosis Across Borders، واحد منا، طُعِن لأجل المسيح. ))، بلغت ذروتها بزيارة البابا فرانسيس ((جيكوب ورشفتر ومينا نادر، يو. إس. إيه توداي، Pope Francis to visit Egypt after terror attack on Christians )) في عام ٢٠١٧ إلى القاهرة ((جيكوب ورشفتر ومينا نادر، يو. إس. إيه توداي، Pope backs Egypt's moderate Muslims in battle against extremists )) والمجتمع الكاثوليكي في مصر، والذي يقدر تعداده بنحو ٢٠٠ ألف شخص ((جيكوب ورشفتر ومينا نادر، يو. إس. إيه توداي، Pope Francis in Egypt: Charity is the only acceptable kind of fanaticism )). ويُعتقد أن الأقباط، وهم طائفة مسيحية قديمة، يشكلون ما بين ١٠ إلى ١٥ في المائة من سكان مصر البالغ عددهم نحو ١٠٠ مليون نسمة. خلال تلك الزيارة، قالت الكنيسة القبطية إنها لن تطلب من الكاثوليك الذين تزوجوا في كنيستهم أن تُعاد معموديتهم بصفتهم أقباطًا أرثوذكس. كما فتحت الكنيستان باب المناقشات حول قبول ٢٥ ديسمبر عيدًا للميلاد بدلًا من استخدام التقويم الجريجوري القديم لتحديد أيام الأعياد في الكنيسة. إعادة المعمودية -ما يعني قبول أعضاء طائفة مسيحية واحدة في مجتمع كنسي جديد حتى لو تم تعميدهم في كنائسهم الخاصة- تثير عادةً اختلافاتٍ لاهوتية كبيرة بين الطوائف (المجامع). لكن المحافظين من الأرثوذكس، انتقدوا تواضروس وإبيفانيوس، وهو عالم لاهوتي يحظى بالاحترام لترجماته العربية للمصادر المسيحية المبكرة المكتوبة باللغة اليونانية القديمة واللغة القبطية ما قبل الإسلام. العديد من الأقباط يرفضون مفهوم الوحدة، ولا يخجلون من التعبير عن مشاعرهم على صفحة الفيسبوك الخاصة برابطة حماية الإيمان، وهي المجموعة التي نشطت في معارضة إصلاحات البابا تواضروس. بدأ ما يسمى بالحماة في إنشاء ميلشييات على الإنترنت، لمهاجمة ومضايقة واتهام البابا وحلفائه بالهرطقة. (أيمن عريان، باحث قبطي بمعهد دراسات التنمية، جامعة ساسكس، إنجلترا)   نحن لدينا تراث لاهوتي وروحي ثري للغاية. أسلوبنا الخاص في الترنيم والتسبيح مشتق من قدماء المصريين. ويجب الاحتفاظ بالتقويم القبطي واللغة القبطية حتى لا نذوب في الكنيسة الغربية. (سامي ميخائيل، طالب صيدلة، جامعة عين شمس) الكاثوليكية الرومانية هي وافدة متأخرة نسبيًا إلى مصر، حيث وصلت في القرن التاسع عشر، عندما بنى المبشرون الكاثوليك الإيطاليون والفرنسيون المدارس وقدموا الرعاية الطبية الحديثة. قال الأسقف سيرابيون، المطران القبطي لإيبارشية لوس أنجلوس وجنوب كاليفورنيا وهاواي، إن المعارضة للاعتراف بالمعمودية المتبادلة مع الكنيسة الرومانية يمكن أن تكون مسألة جغرافية أكثر من كونها مسألة عقيدة. إن الأساقفة في صعيد مصر الذين يجدون أن الكنائس الكاثوليكية المحلية تبذّل جهودًا تبشيرية بين الأقباط في الريف، يميلون إلى أن تكون لهم وجهة نظر مختلفة عن تلك الموجودة بيننا نحن في الخارج. من الأهمية أن يسعى البابا تواضروس إلى الوحدة، لكن قضية التبشير تُعيقنا عندما يتعلق الأمر بالاعتراف المتبادل بالأسرار والتقويم. (الأنبا سيرابيون، أسقف لوس أنجيلوس) هكذا أضاف سيرابيون، الذي سافر إلى روما مع الأنبا تواضروس في أول اجتماع له مع البابا فرانسيس في سنة ٢٠١٣، وهو من مواليد أسيوط في صعيد مصر وتم تكريسه في دير السريان على بعد حوالي ١٦ كيلومترًا جنوب غرب دير القديس مقاريوس (أنبا مقار). وجاء بالتقارير القضائية المقدّمة في الثالث من سبتمبر، أن النيابة العامة في الإسكندرية ذكرت إن الراهبين قتلا إبيفانيوس بسبب خلافات أيديولوجية ومالية. وفقا للرهبان، كانت هناك صراعات مع رئيس الدير. سيطر الشيطان على الراهب. من المستحيل بالنسبة لي المشاركة في قتل الأسقف إبيفانيوس. (أمير نصيف، محامي وائل سعد) هكذا قال أمير نصيف، الذي استقال من صفته محامي وائل سعد بعد نشر نص اعتراف المتهمين أمام الشرطة. تم تجريد وائل سعد من اسمه الرهباني؛ إشعياء المقاري ((تم تنفيذ حكم الإعدام في ٩ مايو ٢٠٢١ بحق وائل سعد تاوضروس (إشعياء المقاري)، بينما لم يتم تجريد الراهب فلتاؤس المقاري حتى الآن. ))، لكن السلطات الكنسية لم تجرد أو تشلح من الرتبة الكهنوتية شريكه ريمون رسمي، المعروف باسم فلتاؤس المقاري ((مصطفى رحومة، الوطن، البابا لـ"الوطن": سنجرد فلتاؤس المقاري من الرهبنة ولكنه ليس أمرا عاجلا. )). شكّل الأنبا إبيفانيوس تهديدًا للأصوليين بعد أن استخدم مخطوطات من دير القديس مقاريوس لإثبات أن الكنيسة المصرية لم تُعِد معمودية الكاثوليك حتى القرن التاسع عشر. (باسم الجنوبي، ناشط قبطي ليبرالي) قبل أربع أشهر من جريمة القتل، بدأ الرهبان المتشددون وغيرهم من الأصوليين في انتقاد إبيفانيوس، بعد أن قال في مؤتمر بالقاهرة حول المسيحية في الشرق الأوسط أن شرط إعادة المعمودية كان من مخلّفات المنافسة بين الكنيستين الرومانية والقبطية الأرثوذكسية التي بدأت فقط عندما وصل المبشرون الكاثوليك الأوروبيون إلى مصر في القرن التاسع عشر. في أواخر يوليو، تعرض إشعياء المقاري (وائل سعد) لجزاءات تأديبية قبل قتل الأنبا إبيفانيوس لاستخدامه "غير اللائق" لوسائل التواصل الاجتماعي، ولكن رغم ذلك، لم يتم تجريده من الرهبنة والرتب الكنسية المقدسة، بعد أن وقّعت مجموعة من الرهبان على عريضة تعارض إبعاده. وفي أعقاب جريمة القتل مباشرة، أمر البابا تواضروس الرهبان بتعطيل جميع حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي. هذه السلوكيات ليست صحيحة للحياة الرهبانية. (البابا تواضروس الثاني) هكذا علّق البابا تواضروس الثاني، الذي فرض أيضًا تعليقًا لمدة سنة على قبول رهبان جدد. في غضون ذلك، يلف الحزن الأقباط لفقدانهم لاهوتيًا مهمًا. إنهم ضد البابا ويخشون مشروع الوحدة مع الكنائس الأخرى. ولكنني أقول أنه لا يوجد في مجمعنا المقدس من يُقارن بإبيفانيوس من حيث المعرفة والتقوى، ونياحته خسارة كبيرة للكنيسة. (أيمن عريان، باحث قبطي بمعهد دراسات التنمية، جامعة ساسكس، إنجلترا)   --- ### كما في السياسة، كذلك في القيادات الدينية - Published: ۲۰۲٤-۱۰-۲۱ - Modified: 2024-10-21 - URL: https://tabcm.net/30956/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: أنبا باخوميوس، مطران البحيرة, المجمع المقدس, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس السادس, بابا يوساب الثاني, تجسد الكلمة, چوزيف موريس فلتس, رئيس جمال عبد الناصر, رئيس عبد الفتاح السيسي, رئيس محمد أنور السادات, رئيس محمد حسني مبارك, رئيس محمد نجيب, سينوت دلوار شنودة, قديس أثناسيوس الرسولي, ملك فاروق كما في السياسة كذلك في القيادات الدينية، تتحدد المواقف حسب خريطة الولاءات، ومنها تتشكل خريطة الموالاة والمعارضة. على غير تمهيد وفى هجوم تكتيكي مباغت، خرجت علينا بعض القيادات الكنسية القبطية الأرثوذكسية ببيان يرفضون فيه بعض أسماء المحاضرين في لقاء نقاشي دوري، سوف يعقد في مناسبة الاحتفاء بذكرى جلوس البابا البطريرك الأنبا تواضروس. وأصحاب الهجوم يزعمون أن هدفهم حماية الإيمان، فيما هم يسعون لنشر السجس في الشارع القبطي لينالوا من بقاء قداسة البابا في موقعه. وهم مجموعة تجمع نوعين؛ منهم من لم يحالفهم الحظ في الوصول للكرسي البابوي، ومنهم من يؤمن بأن البابا شنودة أخر البطاركة الكبار وكان على من يخلفه أن يكون صورة مستنسخة منه. وكلاهما يضمر رفضا للأنبا تواضروس ولكلٍ دوافعه! لأنه جلس حيث كانوا يمنون أنفسهم به عند الفريق الأول وكانوا يتهيؤون له، ولأنه قفز على ما استقر في عهد سابق، وبحكم خلفياته العلمية والجيلية انتهج نهج مأسسة الكنيسة وسعى للانتقال من الفرد للمؤسسة، ورد الاعتبار لمبدأ مجمعية الكنيسة. ولم تعد القرارات تصدر بالتمرير كما كان قبلا بيد سكرتير مجمع الفترة السابقة رجل البابا الحديدي. ولما كانت المعرفة الأكاديمية هي أساس أيّة نهضة مرتجاة، فقد استن البابا تواضروس سُنّة جديدة في مناسبة الاحتفال بذكرى تجليسه وهى عقد سيمينار (مؤتمر بحثي نقاشي) لآباء المجمع، يحاضر فيها متخصصون من الأكاديميين اللاهوتيين والتاريخيين. بدلًا من كونها مهرجانًا تقريظيًا وممالأة لشخص البابا. تأتى الاعتراضات، بحسب ما نشره بعض هؤلاء المعترضين، مبنية على زعم أن بعض المتكلمين في سيمينار هذا العام يطرحون تعاليم مخالفة لما تقول به الكنيسة، بدرجة تصل إلى الهرطقة. وهو ما ينفيه تسجيلات لحلقات تليفزيونية كان المحاور فيها من رتب للحملات الأخيرة، وكان المستضاف فيها الأستاذ الدكتور چوزيف موريس فلتس أستاذ اللاهوت في المعاهد القبطية، وهو الاسم الأول المعترض عليه، فيما كان محل تقدير عند مقدم البرنامج لكونه لاهوتي أرثوذكسي رصين له إسهاماته العميقة، في إثراء الفكر القبطي والمكتبة القبطية. وهو أحد أعلام الترجمة لكتب آباء الكنيسة الكبار في القرن الرابع وما بعده، عن لغتها الأصلية، اليونانية، واشهر أعماله هذه كتاب تجسد الكلمة للقديس البابا أثناسيوس الرسولي، العمدة في كتب الكريستولوچى. ولم ينتبه أصحاب تجريدة تشويه السيمينار أن المتكلم الثاني الذي يرفضونه، د. سينوت دلوار شنودة، يغلب على أنتاجه الفكري الكنسي البعد التاريخي، فأين الهرطقة في تحليل الوقائع والأحداث التاريخية؟ ومن يقترب من المستقر في دوائر القيادات الكنسية بجد أنهم يعتبرون أنفسهم أصحاب الحق حصريًا في التعليم، وانهم لا يتعلمون من بشر، فهم مسوقون ومتعلمون من الروح القدس مباشرة، فكيف يسمحون لمن هم دونهم من العلمانيين أن يجلسوا في موقع المعلم لهم؟ الصدام الأخير هو محك اختبار للكنيسة، إما أن تكمل مسيرتها للخروج إلى النهار، أو ترتد إلى مراحل الانقطاع المعرفي وتنكفئ على ذاتها فى كهف تغلق منافذه بفعل أصولييها بحسب رؤيتهم المكذوبة لأنفسهم. قوة وحيوية الكنيسة في أبنائها وهم من قدموا، على مدار التاريخ، أرواحهم بطيب خاطر بل وبفرح حفاظًا على أمهم أم الشهداء، وبقاء الكنيسة مرتهن بقدرتهم على الحفاظ على إيمانهم وهم لهذا فاعلون، بدعم وحماية الروح القدس لها بوعود حاسمة، تؤكدها خبرة الكنيسة عبر عمرها المديد وإلى آخر الدهور. لكن الكنيسة بحسب التتبع التاريخي تعبر بقمم وقيعان فيما يتعلق بالرعاية، وقد نبه رب المجد الرعاة لهذا، وحذر من الرعاة الأردياء، الذين يركنون إلى طول آناته، لذلك ختم كلامه بأن صاحب الحقل سينزع الرعاية منهم ويعطيها لأخرين. وأزمات حقبة الأب البابا البطريرك الأنبا تواضروس لم تصنعها الرعية، بل طيف من رعاة زماننا، بشكل متواتر وملح ومتنوع عسى أن يخلقوا حالة غضب شعبي ينتهى إلى عزله، في تكرار لما حدث في منتصف القرن المنصرم، في مقاربة لم تنتبه للمتغيرات الجيلية، ولانتفاء وجود مبررات تدعم سعيهم، وإنما أغراض ذاتية بعضها يراود أصحابها القفز على الموقع بديلًا، وبعضها صدمه أن البابا البطريرك ليس صورة مستنسخة لأحد، بل له رؤيته المبنية على خلفيته العلمية المرتبة، في تطور طبيعي يتناسب مع التطور في طبيعة واحتياجات الرعية. وهو أمر تشهده الكنيسة مع كل بطريرك في جيله، في متلازمة مصرية واضحة، وقد شاهدناها في ثنائية البابا والحاكم، * أ. يوساب والملك فاروق والرئيس محمد نجيب، * أ. كيرلس والرئيس جمال عبد الناصر، * أ. شنودة والرئيسين السادات ومبارك، * أ. باخوميوس ومرحلتي الحكم الانتقاليتين، * أ. تواضروس والرئيس السيسي (حفظهما الله). نتمنى أن تنتهى زوبعة السيمينار المفتعلة وتسترد الكنيسة سلامها، وتعود لجدول أعمالها: * تستكمل سعيها في الانتقال من الفرد للمؤسسة، عبر تقنين وضعية وعمل مكوناتها (السلطات والمسئوليات والواجبات). * تضبط منظومة الرهبنة الديرية تأسيسًا على نذورها ومسئولياتها ودورها المتقدم في الفضاء القبطي والكنسي. * تدرس تأسيس منظومة الرهبنة الخادمة العاملة وسط الناس لخدمة الكنيسة والمجتمع في مجالات التعليم والصحة والثقافة والخدمات الاجتماعية، أسوة بكنائس تقليدية شقيقة. * تدرس ترتيب مرحلة انتقالية بين وجود الراهب في الدير وبين توليه مسئولية الأسقفية والخدمة في المجتمع خارجه، ونموذجنا القريب -نسبيًا- تجربة مدرسة الرهبان بحلوان. نفحصها ونقف على أسباب إغلاقها، رغم أنها قدمت للكنيسة نموذجات خادمة مؤثرة وفاعلة، جمعت بين العلم اللاهوتي والكنسي والخدمة المثمرة الواعية. * تضع لائحة المجمع المقدس تحت الدراسة في ضوء تجربة تطبيقها في حبرية البابا شنودة والبابا تواضروس، وهى تفتقر لتحديد المراكز القانونية فيها، المهام والمسئوليات والالتزامات والعلاقات البينية، وآليات العمل داخل المجمع، وضبط العضوية اكتسابًا وانتهاءً، ومناقشة قضية تقاعد الأسقف في ضوء الصلاحيات الذهنية والعمرية، حماية للشخص والخدمة والكنيسة. مع توفير مقومات حياة لائقة لما بعد التقاعد -في أحد الأديرة أو في بناية في حرم الكاتدرائية- تحفظ له رتبته وكرامته وحياته برعاية لائقة. وجدير بالبحث معرفة تجارب الكنائس التقليدية التي سبقتنا في هذا الأمر. وهذا يتطلب تصويب ما استقر في العرف السائد بان الأسقف تزوج الإيبارشية، والذي يستند إلى قول أحادي غير متكرر، فعريس الإيبارشيات مجتمعة (الكنيسة) هو الرب يسوع المسيح بحسب الكتاب والتقليد الصحيح. * يبقى أن الكنيسة بحاجة إلى توثيق (دستور إيمان) يعكف على إعداده نخبة من الأكاديميين الكنسيين الثقات، يضم كل العقائد الإيمانية التي تعتمدها الكنيسة، تأسيسًا على الكتاب المقدس وقوانين المجامع المسكونية والتقليد (المحقق)، بصياغات دقيقة ومعاصرة، وكذلك دستور طقسي، يراجع وينقى الطقوس الكنسية في دراسة فاحصة، تنقيه مما تسلل إليها في فترات الضعف. ومن المؤكد أن هذين العملين، دستور الإيمان، والدستور الطقسي، مضنيان، يحتاجان إلى قلب جسور وتكاتف أمين يؤمن باستحقاق كنيستنا التي كانت يومًا ابرز معلمي المسكونة، أن تسترد عافيتها وتعمق وعيها اللاهوتي والروحي. --- ### خطاب مفتوح لمجمع الأساقفة
بخصوص سيمينار المجمع المقدس - Published: ۲۰۲٤-۱۰-۲۰ - Modified: 2024-10-23 - URL: https://tabcm.net/30941/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أنبا دانيال، سكرتير المجمع المقدس, إكليروس, العلمانية, المجمع المقدس, مجمع الأساقفة إلى نيافة الجليل الأنبا دانيال، سكرتير مجمع الأساقفة، تحية امتنان وتقدير، نلتمس معها مبارك صلواتكم عنا، ما بين الدهشة والغضب، تابعنا مجريات الساحة الكنسية حول سيمينار مجمع الأساقفة المقرر عقده في نوفمبر المقبل، وقيام بعض الإكليروس بتشويه اسمين من أراخنة شعبنا واغتيالهما معنويًا. فالمُشار إليهما بعدم استقامتهما هما من القامات العلمانية الأكاديمية التي لا تتكرر كثيرًا، وإسهاماتهما في الشأن الكنسي لا مجال لإنكارها، وكلاهما مارس ويمارس التعليم في معاهدنا الكنسية منذ فترة ليست بالقصيرة. ومع اعتيادنا على توقع الزوابع وشغب العاصين في شهر نوفمبر وعند كل دورة انعقاد للسيمينار، ومع اعتيادنا التسريبات الأسقفية غير المسؤولة، إلا أن هذه المرة مختلفة؛ فنحن لا نراها شأنًا أسقفيًا يُحل داخليًا في مناقشات مجمع الأساقفة، بل تطال شخوصًا علمانية من خارج المجمع، ولا تهدف إلا للحط من شأنهما، دون أدنى احترام لمكانتهما العلمية والأكاديمية، ومركزهما الاجتماعي، بل وأسرهما وما يشكلانه عند الطلبة والدارسين والمتابعين في الداخل والخارج. توجيه اتهامات بالتعليم غير المستقيم لا يعني كنسيًا وعمليًا سوى الاتهام بالهرطقة، وهو منزلق أصولي وعِر لا نعرف كيف انزلق إليه بعض الأساقفة الذين يُفترض فيهم المسؤولية والعلم بأنه في حالة فشل هكذا اتهام، فهو يرتد على صاحب الاتهام فورًا. فإذا بنا نجد بيننا أساقفة عموم وإيبارشيات يطرحون الاتهامات الضميرية المهينة والخطيرة على أنها "رأي"، وأن من حقهم التعبير عن هذا الرأي! ويفترضون أن مخاطبة غبطة البابا بهكذا إفصاح هو "قناة شرعية" ينبغي أن تُدار بسرية ودون معرفة الشعب! وما تكون المؤامرات إلا هكذا. الاتهام يبدو مريبًا وشديد التنظيم، ولا يستقيم مع كون الشخصين يقومان بالتدريس في معاهدنا الكنسية وفي قلب درة إكليريكيتنا العريقة دون أدنى غضاضة. وقد تعاقب على وكالة هذه المعاهد عدد من الأحبار الأجلاء المعاصرين والمتنيحين. فهل يطولهم لمز التكفير واتهام الهرطقة أيضًا؟ وماذا عن الباباوات السابق والحالي، ورئاسة المعاهد الدينية تقع تحت إشرافهم المباشر؟ وماذا عن الأساقفة خارج المعاهد من المعترضين؟ كيف لنا أن نتهاون في تقصيرهم وسكوتهم عن تعليم خاطئ؟ ولماذا الفزعة في الاتهام جاءت الآن؟ هل إلقاء محاضرة في سيمينار أكثر أهمية من التدريس المستمر لكهنة المستقبل، ونقل الإيمان المعيب إليهم؟! ! المُصدرون لهذا الخطاب لا يعرفون مسارات كنسيّة لهذا المأزق الذي وضعنا فيه بعض الإكليروس سوى طريقين لا ثالث لهما: - إما توجيه الاتهام بصورة مباشرة إلى شخصيهما وإجراء جلسات استماع مُذاعة علنًا لتقرير أرثوذكسية تعليمهما من عدمه. - وإما محاسبة كل من ورد اسمه في هذه الوريقة المشبوهة دون إبطاء، وتقديم اعتراف وتوبة إلى الله واعتذار للمطعونين في إيمانهما، آملين في تسامح ومحبة كليهما. تجاهل هذا المأزق هو الطريق الثالث الذي لا يمكن قبوله، لأن هناك افتئاتًا غير مقبولًا على الكنيسة وحرية البحث العلمي واللاهوتي بها. ولا نستطيع اعتباره موجهًا إليهما فقط، بل هو موجّه لكل أكاديمي، ولكل دارس، ولكل طالب لاهوت، ولكل علماني من الشعب. كما أن رفض الأساقفة التعلم من الأكاديميين المتخصصين يُعد استكبارًا غير مقبول ممن يُفترض أنهم خدام الشعب، خاصةً أن تعليم البعض الذي ورد اسمه من الإكليروس يُثير الكثير من التساؤلات التي قد تصل إلى حد الهرطقات، وقد أُثيرت هذه التساؤلات بالفعل في السابق. الصمت هو تأصيل لفكرة أن "الحقوق" لا مكان لها في كنيستنا، وأنه مهما كانت أخطاء الإكليروس وتعدياتهم فلا ساكن يتحرك. ونحن نحذر بشدة أن يسفر هذا الخذلان والإهمال المتكرر عن شيوع الإحباط بين صفوف الداعمين، وترسيخ الشعور بالغربة وعدم الانتماء بين كثير من الفئات. بكتابنا هذا، نتوجه إلى نيافتكم موضحين خطورة الموقف الذي وضعنا به البعض بطفولية وعدم مسؤولية، آملين سرعة تصحيحه. الكنيسة هي الملجأ والأم الرؤوم، وموطن الحق ونبع النبالة. فإن حاول البعض تحويلها إلى وكْر للدسائس والمؤامرات وإلقاء التهم الجزافية، فيجب أن يتصدى له الجميع: رئاستهم الدينية أولًا ثم الشعب. ونحن نثق بأننا نضع الأمر بين أيدٍ مباركة وعقول متفهمة لمسؤوليات الجميع. وتفضلوا بقبول فائق التقدير والاحترام --- ### نشأة النظام الخاص - Published: ۲۰۲٤-۱۰-۱۹ - Modified: 2024-10-19 - URL: https://tabcm.net/30229/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أبو العلاء أحمد حسن المودودي, أدولف هتلر, الإخوان المسلمين, الحاج محمد أمين الحسيني, بينيتو أندريا موسوليني, حامد شريت, حسن أحمد عبد الرحمن محمد البنا, حسين كمال الدين أحمد إبراهيم, رئيس محمد أنور السادات, صالح العشماوي, عبد الرحمن علي فراج السندي, عبد العزيز أحمد, عمر عبد الفتاح عبد القادر مصطفى التلمساني, فرج فودة, محمد أحمد خلف الله, محمد الغزالي, محمد المأمون الهضيبي, محمد سمير سرحان, محمد عمارة, محمد مهدي عاكف, محمود السيد خليل الصباغ, محمود عبد الحليم, محمود لبيب تنتهي الصلاة ويصمت الشيخ برهة ثم تدوى منه صيحة عالية؛ هل أنتم على استعداد للاستشهاد في سبيل الله؟، فيردون؛ نعم، يقول الشيخ؛ وهل أنتم مستعدون لقتال أعداء الله؟، فيقولون؛ نعم، يقول الشيخ؛ هل تقسمون على الوفاء بالعهد؟، فيقولون؛ نقسم، فيقدم الشيخ المصحف ليقسموا عليه، فيقول؛ استودعكم الله وموعدنا الجنة، فيخرجون وفى عزمهم شيء واحد… القتل! كانت فكرة البنا القديمة قد اختمرت تمامًا ولم يتبق إلا التنفيذ، كانت الفكرة هي بناء جهاز سرى يقوم بأعمال العنف التي لا تستطيع الجماعة القيام بها في العلن، متأثرًا بأفكار هتلر النازية، وأفكار موسوليني الفاشية، لدرجة أنه من شده أفتنانه بالفكر الفاشي، كتب مقال شهير عنوانه؛ السنيور موسوليني يشرح مبدأ من مبادئ الإسلام، مشيدًا بأفكار موسوليني وبخطبته الشهيرة التي ألقاها من فوق ظهر دبابة، مرسخًا لأفكاره الديكتاتورية. رأى البنا أن الجيل الأول "جيل المستمعين" قد اكتمل وحان الوقت للجيل الثاني من الإخوان أن يبدأ عمله، وهو الجيل الذي يحارب، فسعى لجمع السلاح وتخزينه لهذا الغرض، ويقول أنور السادات في مذكراته؛ إن حسن البنا كان في ذلك الوقت يجمع السلاح ويشتريه ويخزنه ولم يكن أقرب الناس إليه من كبار الإخوان على علم بشيء من ذلك. ، ويشير البعض إلي أن البنا حدد وظائف هذا التشكيل بـشن الحرب علي الاستعمار البريطاني، وقتال الذين يخاصمون الجماعة وردعهم، وإحياء فريضة الجهاد، وهو ما يعني أن البنا قد فكر أول مرة في إيجاد تشكيل مؤسساتي، يتصدى لمن يخاصم الدعوة ويردعه. بدأ النظام السرى في صورة نشاط رياضي كشفي وكان البنا قد ألف أول شعبها وتولى تدريبها بنفسه، ومع انتقال المركز العام للإخوان من الإسماعيلية إلى القاهرة، تطورت فرق العمل وفرق الرحلات وتعددت أغراضها وأصبح أولها التدريب العسكري، وتغير اسم فرق الرحلات إلى الجوالة، وزاد الاهتمام بها في أعقاب مؤتمر الإخوان الثالث عام 1935، فأصبح تنظيمًا مستقلًا يتبع المركز العام مباشرة، وفي عام 1939 عين البنا محمود لبيب الضابط السابق بالجيش قائدًا عامًا لفرق الجوالة، وكوّن لها مجلس قيادة من سبعة أشخاص، ويقول عمر التلمساني دفاعًا عن النظام الخاص: لم يفكر حسن البنا والإخوان في اغتيال مصري، بل كانوا يصيدون الإنجليز واليهود. (عمر التلمساني) لكن الحاج أمين الحسيني، مفتى فلسطين، ظل يردد؛ إن اليهود ليسوا فقط في فلسطين وإنما في مصر أيضًا، وفي كثير من البلاد التي لهم فيها نفوذ. (إشارة إلى موافقته الضمنية على اغتيال اليهود المصريين كما سنرى قريبًا) وفى عام 1945 عرض مرشد الإخوان حسن البنا على خمسة أشخاص هم : صالح عشماوي، حسين كمال الدين، حامد شريت، عبد العزيز أحمد، ومحمود عبد الحليم، إنشاء نظام خاص تواجه به الجماعة مسئولياتها إزاء الإنجليز في الداخل والصهاينة في فلسطين، وأسند إلى هؤلاء الخمسة قيادة هذا النظام وعهد إليهم بإنشائه وتدريب أفراده على أسس الأصول الإسلامية للجندية، التي تحكم نوازع الفكر والسلوك ونبضات المشاعر، وكلف هؤلاء الخمسة بإحاطة هذا الأمر بالسرية المطلقة على أن يكون تمويل هذا القسم من اشتراكات أفراده، ورتبت قيادة هذا النظام ابتداء من صالح عشماوي إلى حسين كمال الدين إلى محمود عبد الحليم إلى حامد شريت انتهاء بعبد العزيز أحمد. اختار البنا صالح عشماوي، وكيل عام الجماعة، لرئاسة الجهاز في البداية، ثم اسند قيادته بعد ذلك إلى محمود الصباغ، ثم إلى عبد الرحمن السندي، وهو موظف كتابي بوزارة الزراعة لم يتم دراسته العليا، وأدى السندي البيعة أمام المرشد العام وتعهد بألا يقدم على عمل إلا بعد الرجوع إلى لجنة القيادة وإلى المرشد شخصيًا، وتألف النظام الخاص من ثلاث شعب أساسية هي: التشكيل المدني، وتشكيل الجيش، وتشكيل البوليس، وألحقت بالنظام تشكيلات تخصصية مثل جهاز التسليح وجهاز الأخبار، وقد عمل الجهاز الأخير كجهاز استخباري للجماعة. يقوم التنظيم السرى أو النظام الخاص، أو كما كان المرشد يطلق عليه "جيش الإخوان السري"، على نظام الخلايا العنقودية المتسلسلة التي تبدأ من الخلية الأم المكونة من الخمسة المؤسسين للتنظيم وأميرهم البنا نفسه، وكل فرد منهم يتولى تكوين خلية من خمسة رجال آخرين ويصبح أميرها، ويظل الأمر متسلسلًا إلي ما لا نهاية، وكان نظام الخلايا يحافظ على سرية التنظيم ككل حتى إذا انكشفت إحدى الخلايا تم انتزاعها من جسم التنظيم دون المساس بباقي الخلايا. ولم يكن الانضمام للنظام الخاص بالأمر اليسير، فالشخص المرشح يمر بسبع جلسات بمعرفة أمير الخلية، وتبدأ هذه الجلسات بالتعارف الكامل على المرشح، ثم جلسات روحية تشمل الصلاة والتهجد وقراءة القرآن، ثم جلسة للقيام بمهمة خطرة تكون بمثابة الاختبار، حيث يطلب من الشخص كتابة وصيته قبلها، ويستتبع ذلك مراقبة هذا المرشح وسلوكه ومدى نجاحه في المهمة التي كلف بها، إلى أن يتدخل أمير الخلية في آخر لحظة ويمنع الشخص المرشح من القيام بالمهمة، ويستتبع ذلك جلسة البيعة التي كانت تتم في منزل بـ "حي الصليبة" بجوار سبيل أم عباس، حيث يدعى المرشح للبيعة والشخص المسئول عن تكوينه بالإضافة لـ عبد الرحمن السندي، حيث يدخل الثلاثة المرشح للبيعة وأمير الخلية والسندي، لغرفة البيعة التي تكون مطفأة الأنوار ثم يجلسون على فرش على الأرض في مواجهة شخص مغطى جسده تمامًا من قمة رأسه إلي قدمه برداء أبيض، يخرج يداه ممتدتان علي منضدة منخفضة (طبلية) عليها مصحف شريف. يبدأ هذا الشخص المغطى بتذكير المرشح بآيات القتال وظروف سرية هذا الجيش، ويؤكد عليه بأن هذه البيعة تصبح ملزمة بمجرد القسم، وتؤدي خيانتها إلى إخلاء سبيل الخائن من الجماعة، ثم يخرج هذا الشخص مسدسًا من جيبه ويطلب من المرشح تحسس المصحف والمسدس والقسم بالبيعة وبعدها يصبح المرشح عضوًا في الجيش الإسلامي، الشخص المغطى هو صالح عشماوي وكيل الجماعة الذي كان يأخذ البيعة عن المرشد، أما عن البيعة فقد استند فيها حسن البنا إلى حديثين شريفين الأول يقول؛ من مات وليس في عنقه بيعة فقد مات ميتة جاهلية. ، والثاني يقول؛ من بايع إمامًا فأعطاه صفقة يده وثمرة قلبه، فليطعه ما استطاع، فإن جاء آخر ونازعه فاضربوا عنق الآخر. ، واستند أيضًا إلى أقوال أبو الأعلى المودودي لا ينتخب للإمارة إلا من كان المسلمون يثقون به وبسيرته وبطباعه وبخلقه، فإذا انتخبوه فهو ولي الأمر المطاع في حكمه ولا يعصى له أمر ولا نهي. ، وقد بايع الأتباع إمامهم بيعة كاملة في المنشط والمكره، وعاهدوه على السمع والطاعة. يقول البنا أن الإمام أو الأمير من حقه أن يملي رأيه حتى على الأغلبية؛ فالإسلام لا يجعل من كثرة الأصوات ميزانًا للحق والباطل، فإنه من الممكن في نظر الإسلام أن يكون الرجل الفرد أصوب رأيًا وأحد بصرًا من سائر أعضاء المجلس، ولم يكن حسن البنا يخفي ذلك على الناس، فهو لم يكن يقبل منهم بأقل من السمع والطاعة دون نقاش، ويصف البعض تأثير البنا على اتباعه قائلين؛ إن سيطرة البنا على أتباعه كانت مطلقة وكاملة وتصل إلى درجة السحر. ، وتصف إحدى الصحف تأثير البنا في تهكم واضح؛ إذا عطس المرشد في القاهرة، قال له الإخوان في أسوان يرحمكم الله. ، ويقول صالح عشماوي وكيل الجماعة؛ الأخ بين يدي مرشده كالميت بين يدي مغسله، يقلبه كيف يشاء، وليدع الواحد منا رأيه، فإن خطأ المرشد أنفع له من صوابه، ولقد ترتب على البيعة بمفهوم البنا أنه ليس مسموحًا بالخلاف مع المرشد. وكان للجهاز السرى محكمة تنعقد لمحاكمة من يعتبرهم الجهاز خصومًا للإخوان أو خونة في حق الوطن والدين، وحين تصدر هذه المحكمة حكمها فإنها تختار بضعة من الشباب تتراوح أعمارهم بين الثامنة عشرة والعشرين، وتعد حجرة تضاء بشموع قليلة ويطلق فيها البخور حتى تنعدم الرؤية، وتنطلق في أرجائها سحابة تضفى عليها رهبة المعبد وقداسته، ويؤمر الشباب بدخول الحجرة عند منتصف الليل بعد أن يخلعوا نعالهم، ليجدوا منصة مرتفعة قليلًا عن الأرض مفروشة بالسجاد، وعليها وسائد مغطاة بالسواد يتكئ عليها شيخ يرتدى قلنسوة سوداء عيناه نصف مغمضتين وبيده مسبحة طويلة فيجلسون أمامه، يمضى الشيخ في همهمته وتمتمته، ويدير حبات المسبحة والبخور ينطلق، والشيخ لا يزال مطرقًا لا ينظر إليهم، وعيون الشباب تختلس النظر إليه، ويستمر الشيخ في صلاته الخافتة قرابة نصف ساعة، فتتعطل حواس الشباب عن التفكير في أي شيء، حتى ينسوا أنفسهم، فيفتح الشيخ عينيه ويحدق فيهم طويلًا فتنحسر أبصارهم من الرهبة كأن له عينا يشع منها "مغناطيس" عجيب، إن تحديقه فيهم يخدرهم ويسلبهم القدرة على الحركة، بينما البخور يدغدغ إحساسهم، وكأنه يدخل رؤوسهم لتخيم سحبه على عقولهم، ويقوم الشيخ متثاقلًا ويقول لهم؛ حان وقت صلاة الفجر، ويصلى ذاكرًا في صلاته آيات الذين يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون ولهم الجنة، تنتهي الصلاة ويصمت الشيخ برهة ثم تدوى منه صيحة عالية؛ هل أنتم على استعداد للاستشهاد في سبيل الله؟، فيردون؛ نعم، يقول الشيخ؛ وهل أنتم مستعدون لقتال أعداء الله؟، فيقولون؛ نعم، يقول الشيخ؛ هل تقسمون على الوفاء بالعهد؟، فيقولون؛ نقسم، فيقدم الشيخ المصحف ليقسموا عليه، فيقول؛ استودعكم الله وموعدنا الجنة، فيخرجون وفى عزمهم شيء واحد... القتل! ولا يتردد محمود عبد الحليم عضو الهيئة التأسيسية لجماعة الإخوان المسلمين وأول مؤرخ لتاريخ الجماعة في كتابه "الإخوان المسلمون أحداث صنعت التاريخ"، في الاعتراف والتبرير لاستخدام الجماعة العنف والإرهاب في الأحداث المروعة التي شهدتها القاهرة عام 1948، فيقول نصًا: إن الحكومة سدت المنافذ أمام الشباب لإنقاذ الوطن، فاضطر الشباب إلى المخاطرة باقتحام البيت من منافذ أخرى، ويواصل قائلًا: كانت أعمالًا بطولية رائعة قوضت فيها صرح الأمن الذي أقامه حاكم مصر للمستعمر ينعم فيها ويستمتع، ويكفي أن نسجل أن هذه الأعمال البطولية قد راح ضحيتها الكثيرون من عابري السبيل والبسطاء من هذا الشعب. (محمود عبد الحليم، الإخوان المسلمون: أحداث صنعت التاريخ) وفي فيديو نادر للمستشار مأمون الهضيبي مرشد جماعة الإخوان المسلمين السادس، بتاريخ 8 يناير 1992 في مناظرة بمعرض الكتاب بين المفكر الراحل فرج فودة ومحمد أحمد خلف الله، دعاة الدولة المدنية، وفي المقابل الشيخ محمد الغزالي والدكتور محمد عمارة ومأمون الهضيبي، دعاة الدولة الدينية، والتي أدارها الدكتور سمير سرحان، فيفتخر المرشد بالتنظيم السرى قائلًا؛ أما عما نقوله عن الإرهاب والجهاز السري، نحن نفخر ونتقرب إلى الله بالجهاز السري. ، فتضج القاعة بالهتاف؛ الله أكبر ولله الحمد، ويقول مهدي عاكف مرشد جماعة الإخوان المسلمين السابع عن النظام السري: أن الأستاذ البنا قد أنشأه لمحو الأمية العسكرية في الشعب المصري، لأن كانت الأمية العسكرية في الشعب المصري طاغية وهو بلد محتل، فكانت مهمة النظام الخاص هو استكمال تربية الإخوان، فرسالة التعليم تهتم بتربيهم عقائديًا وتربويًا ورياضيًا إلى آخره، ناقص التربية العسكرية، فإنشاء النظام الخاص لتربية الإخوان؛ تربية عسكرية. (محمد مهدي عاكف) --- ### التأله في تعاليم يوحنا ذهبي الفم - Published: ۲۰۲٤-۱۰-۱۸ - Modified: 2024-10-18 - URL: https://tabcm.net/30900/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: آريوسية, أنسلم، أسقف كانتربري, الانجماع الكلي, البدلية العقابية, التبني, المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية, بروتستانت, سعيد حكيم يعقوب, عقيدة التأله, قديس أثناسيوس الرسولي, قديس إيرينيئوس، أسقف ليون, قديس بولس الرسول, مكتبة المحبة, نشأت مرجان, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية نستعرض في هذا البحث الموجز الإشارات إلى عقيدة التأله والانجماع الكلي في المسيح في تعليم ق. يوحنا ذهبي الفم، أحد أهم الآباء اليونانيين الشرقيين، لتوضيح الفرق الكبير والعميق في تعليم ق. يوحنا ذهبي الفم عن تعاليم اللاهوت الغربيّ اللاتينيّ واللاهوت البروتستانتي الكالفيني الذي يسود عليه السمة الشرعية القانونية والقضائية العقابية. ويختلف تمامًا عن السمة الخلاصية الشفائية والتربوية والإصلاحية والتجديدية التي تسود اللاهوت الآبائي الشرقيّ اليونانيّ، الذي يحاول البعض عن جهل ودون وعي إلصاق الفكر القضائي القانوني الغربي به. التأله بالتبني لله الآب يستخدم ق. يوحنا ذهبي الفم الصيغة التبادلية التي استخدمها من قبله ق. إيرينيؤس وق. أثناسيوس الرسوليّ، ليؤكدوا على أن هدف التجسُّد هو تأليه البشر ونوالهم التبني لله الآب، وليس كما يدَّعي أتباع البدلية العقابية الأنسلمية الكالفينية لكي يوفي العدل الإلهيّ حقه، ويسترضي الله الآب، ويهدئ من غضبه ويسكنه، وغيرها من الصور المشوهة الوثنية والصنمية التي ينسبوها لله باطلًا. فيقول ذهبي الفم التالي: ((يوحنا ذهبي الفم، شرح وعظات إنجيل يوحنا ج1، ترجمة: الشماس نشأت مرجان، مكتبة المحبة، 2008، عظة 11، ص 107. )) إن الإنجيلي قال: والكلمة صار جسدًا وحلَّ بيننا، وإذ قد أعلن أن الذين قبلوه وُلِدوا من الله، وصاروا أولادًا لله، فهو أقام العلة والسبب لهذا الشرف الذي لا يُنطَق به. إن السبب هو ’إن الكلمة صار جسدًا‘، والسيد أخذ شكل العبد وصار ابن الإنسان، مع أنه هو الابن الحقيقيّ لله؛ لكي يجعل أبناء البشر أولادًا لله. وبالحق إذَا خلطنا العالي مع الوضيع، فهذا الأمر لا يُسبِّب أي نقصان لكرامة العالي، بل يرتفع بالوضيع من حالته المنحطة. بناءً على ذلك، فهذا الأمر حقيقيّ أيضًا في حالة المسيح. إنه بهذا النزول لم يحط أبدًا من قدر طبيعته، بل رفعنا نحن الذين كُنَّا في حالة ظلمة وخزي إلى مجدٍ لا يُنطَق به. (يوحنا ذهبي الفم، شرح وعظات إنجيل يوحنا ج1) ويستخدم ق. يوحنا ذهبي الفم آية (مزمور 82: 6): أنا قلت أنكم آلهةٌ وبنو العلي كلكم كإشارة إلى تأليه الإنسان ويربطها بالتبني لله الآب، ويُفرِّق بين التبني لله في العهد القديم والتبني في العهد الجديد قائلًا: ((يوحنا ذهبي الفم، شرح وعظات إنجيل يوحنا ج1، ترجمة: الشماس نشأت مرجان، مكتبة المحبة، 2008، عظة 14، ص 134. )) فمن أين سنبدأ؟ هل تريدون أن نبدأ من التبني ذاته؟ فما هو الفرق بين تبني العهد القديم وتبني العهد الجديد؟ ذاك كان يحمل الاسم كشيءٍ فخريّ، بينما الاسم يُحمَل هنا كأمر حقيقيّ. وعن الأول يقول الكتاب: أنا قلت أنكم آلهةٌ وبنو العلي كلكم ((مزمور 82: 6 )). لكن عن الثاني يقول: الذين وُلِدوا من الله ((إنجيل يوحنا 1: 13 )). كيف وبأي طريقة؟ بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس ((رسالة بولس إلى تيموثاوس 3: 5)). وأيضًا فبعد أن دُعوا الذين في العهد القديم أولادًا، فإنهم لا يزالون يحتفظون بروح العبودية، لكن ولو أنهم باقون عبيدًا، لكنهم قد تشرفوا -بالرغم من ذلك- بهذه التسمية. ولكن نحن الأحرار أخذنا الشرف ليس فقط بالاسم بل بالفعل. وهذا قد أوضَّحه بولس بقوله: إذ لم تأخذوا روح العبودية أيضًا للخوف، بل أخذتم روح التبني الذي به نصرخ: يا آبا الآب ((رسالة بولس إلى رومية 8: 15 )). وإذ قد وُلِدنا من فوق -وإنْ جاز القول- أُعيد تشكيلنا، فإننا بهذه الطريقة دُعِينا أبناءً. (يوحنا ذهبي الفم، شرح وعظات إنجيل يوحنا ج1) تأليه الإنسان هو غاية تأنس الابن الوحيد ويدحض ق. يوحنا ذهبي الفم إنكار الهراطقة لألوهية الابن الوحيد مستخدمًا عقيدة التأله، حيث يتعجب كيف لا يكون إلهًا حقيقيًا، ذاك الذي يجعلنا آلهةً وأبناءً لله الآب، وهكذا يربط أيضًا بين التبني لله الآب وعقيدة التأله كغاية لتأنسه. ويدحض ق. يوحنا ذهبي الفم مُنكري عقيدة تأليه الإنسان في العصر الحديث بنفس الحجة التي استخدمها ق. أثناسيوس الرسوليّ مع الآريوسيين والمنحرفين الهراطقة في دفاعه عن ألوهية الكلمة والروح القدس، وهي حجة تأليه الإنسان بواسطة اتحاد الكلمة الإلهيّ بطبيعتنا البشرية وسكنى الروح القدس فينا أقنوميًا كالتالي: ((يوحنا ذهبي الفم، شرح وعظات إنجيل يوحنا ج3، ترجمة: الشماس نشأت مرجان، مكتبة المحبة، 2008، عظة 80، ص 128. )) لعلني أتساءل: ومَن هو ليس إنسانًا حقيقيًا، فماذا نُسمِّيه؟ بالطبع، لن نُسمِّيه إنسانًا. وهكذا لو أن الابن ليس إلهًا حقيقيًا، فكيف يكون إلهًا؟ علاوة على ذلك، كيف يجعلنا هو آلهةً وأبناءً، إنْ كان هو ليس إلهًا حقيقيًا؟ لكن أنا قد ناقشت هذه الأمور بتفصيلٍ أكثر في موضع آخر، لذلك فلنكمل الحديث مع النص الذي يلي ذلك. (يوحنا ذهبي الفم، شرح وعظات إنجيل يوحنا ج3) التمييز بين التأله بالطبيعة والتأله بالنعمة يُميِّز ق. يوحنا ذهبي الفم بين مفهوم التأله بالطبيعة الخاص بالله وحده، وبين مفهوم التأله بنعمة التبني لله الآب والاتحاد بالله الخاص بالبشر، بالتالي، يدحض ذهبيّ الفم حجة مُنكري عقيدة تأليه الإنسان بالنعمة في العصر الحديث، الذين يخلطون بين تأله الله بالطبيعة وتأليه الإنسان بالنعمة والاتحاد بالله والتبني لله الآب قائلًا: ((يوحنا ذهبي الفم، شرح وعظات إنجيل يوحنا ج3، ترجمة: الشماس نشأت مرجان، مكتبة المحبة، 2008، عظة 75، ص 65، 66. )) في ذلك اليوم تعلمون أني أنا في أبي وأنتم فيَّ وأنا فيكم ((إنجيل يوحنا 14: 20 )). لذلك فالجزء الذي يشير إلى الآب من هذا القول يؤكد على جوهره، بينما ما قاله من جهة الرسل يشير إلى اتحادهم مع الله والمعونة التي حصلوا عليها منه. سوف تسألني: من فضلك كيف يُعقَل هذا؟ وأنا بدوري أسألك: فكيف أن العكس معقول؟ لأن الفرق بين المسيح وتلاميذه عظيم ولا نهائيّ. وأيضًا لو أن نفس الكلمات استُخدِمَت لكليهما فلا تتعجب من هذا. لأن الكتاب اعتاد مرارًا كثيرة استخدام نفس الكلمات لكُلٌّ من الله والبشر. ولو أنه ليس بنفس المعنى. مثلما دُعِيَنا آلهةً وأبناءً لله ((إنجيل يوحنا 10: 34؛ رسالة بولس إلى غلاطية 3: 26 ))، فلو أن التعبير استُخدِمَ من جهتنا ومن جهة الله، لكن ليس له نفس الفاعلية لكليهما. علاوة على ذلك، فالابن دُعِيَ صورة الله ومجده، ونحن أيضًا دُعِيَنا هكذا، لكن هناك فرق عظيم، وأيضًا أنتم للمسيح والمسيح لله ((رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس 3: 23 )) (يوحنا ذهبي الفم، شرح وعظات إنجيل يوحنا ج3) تجديد الطبيعة البشرية هو غاية الخلاص يشير ق. يوحنا ذهبي الفم إلى أن غاية الخلاص هي تجديد طبيعتنا الطبيعة البشرية الساقطة، ويشبه المسيح بالمهندس المعماري الماهر الذي يُجدِّد بيتًا آيل للسقوط بفعل الزمن قائلًا: ((يوحنا ذهبي الفم، شرح وعظات إنجيل يوحنا ج1، ترجمة: الشماس نشأت مرجان، مكتبة المحبة، 2008، عظة 12، ص 115. )) وكمثل المهندس المعماريّ الماهر الذي يُجدِّد بيتًا آل إلى السقوط بفعل الزمن، كذلك هو أيضًاجدَّد طبيعتنا البشرية. وكمثل مهندس معماريّ عضَّد الأجزاء التي انكسرت وربط سويًا الأجزاء المنفصِلة والمفكَّكة، وأقام ثانيةً ما قد سقط تمامًا. لكن ماذا يمكن للإنسان أن يقول عن إعادة تشكيل النفس وصياغتها من جديد، الأمر الذي هو أهم بكثير من إعادة تشكيل الجسد؟ إن صحة أجسادنا هو أمرٌ عظيمٌ، لكن أعظم منها هي صحة نفوسنا، وبالحق هي أكثر عظمةً بقدر ما أن النفس أكثر سموًا من الجسد. ومع ذلك، فهو ينجح حتى في ذلك، وكل نوع من الشرور قد تمَّ طرده. وكما حوَّل الأجساد التي شُفِيت ليس فقط إلى الصحة، بل حتى إلى أعلى مستوى للصحة الجيدة، كذلك هو ليس فقط قد انتزع من النفوس أسوأ الشرور، بل أيضًا صعد بها إلى أعلى قمم الفضيلة. (يوحنا ذهبي الفم، شرح وعظات إنجيل يوحنا ج1) خلاص المسيح الشفائي وليس القانوني يوضح ق. يوحنا ذهبي الفم أن الطبيب والأدوية مُعدَّة للجميع وفي متناول كل إنسان، ولكن الشفاء يتوقف على إرادة الذين يختارون الاستفادة منه، فالذي يستخدم العلاج كما ينبغي، ينال الشفاء كالتالي: ((يوحنا ذهبي الفم، شرح وعظات إنجيل يوحنا ج1، ترجمة: الشماس نشأت مرجان، مكتبة المحبة، 2008، عظة 14، ص 140. )) فكُلٌّ من الطبيب والأدوية مُعدَّة للجميع وفي متناول كل إنسان. لكن الشفاء ليس بنفس الدرجة في كل مرة، بل يتوقف على إرادة أولئك الذين يختارون الاستفادة منه أو عدم الاستفادة منه. لذلك فالذي يستخدم العلاج كما ينبغي له، ينال الشفاء. لكم مَن لا يستخدمه لجرحه، فإنه يُسبِّب تزايد تلوث الجرح، وبذلك يجعل نفسه عُرضة لأسوأ النهايات. لذلك بينما نحن نستشفي ليتنا لا نتذمر، بل بالأحرى نبتهج حتى لو كانت طريقة التعليم تُسبِّب ألمًا مرًّا، لأنها ستنتج لنا فيما بعد أشهى الثمار. لذلك ليتنا نعمل كل شيء لهذه الغاية، حتى إذَا تطهَّرنا من الجروح التي طبعتها أسنان الخطية في نفوسنا، ننطلق على الطريق المؤدي إلى تلك الحياة الأبدية. (يوحنا ذهبي الفم، شرح وعظات إنجيل يوحنا ج1) الانجماع الكلي في المسيح يشير ق. يوحنا ذهبي الفم إلى أن الله في تواضعه أخذ جسدنا لنفسه في مقابل كبرياء وغطرسة اليهود المعتدين بأنفسهم، مؤكدًا على تعليم الانجماع الكلي لبشريتنا في المسيح كالتالي: ((يوحنا ذهبي الفم، شرح وعظات إنجيل يوحنا ج2، ترجمة: الشماس نشأت مرجان، مكتبة المحبة، 2008، عظة 63، ص 198. )) لأن التصرف الأول نابع من التنازل وعذره ضعف الذين يتعلَّمون، أو بالأحرى السبب لهذا كامنٌ في حث السامعين على التأمل في تواضعه وأخذه جسدنا لنفسه، وأن يُعلِّم سامعيه ألا يقولوا عن أنفسهم شيئًا ما عظيمًا. (يوحنا ذهبي الفم، شرح وعظات إنجيل يوحنا ج2) ويؤكد ذهبي الفم على الانجماع الكليّ للبشرية في جسد المسيح الواحد، وأنه جمَّع كل البشر من جميع أرجاء المسكونة كأعضاء في جسده الواحد، فلا يوجد أي شيء يعادل هذا الانجماع، حيث يكون المسيح رأس الكل كالتالي: ((يوحنا ذهبي الفم، شرح وعظات إنجيل يوحنا ج2، ترجمة: الشماس نشأت مرجان، مكتبة المحبة، 2008، عظة 65، ص 212. )) إنه جعلهم جسدًا واحدًا، أي أن الذي يقيم في روما يَعتبر مَن يقيم في الهند عضوًا له في الجسد الواحد. أيّ شيء يمكنه أن يعادل هذا التجمع والمسيح هو رأس الكل؟ (يوحنا ذهبي الفم، شرح وعظات إنجيل يوحنا ج2) ويوضح ق. يوحنا ذهبي الفم كيف أن المسيح هو الوسيط بيننا والله الآب، لأنه هو الباكورة الحية، وحيث أنه حيّ، فنحن أحياء، لأن الله أحيانا مع المسيح، لأنه عندما مات وقام الرأس أقامنا معه، وحينما يجلس الرأس في السماويات يُجلِس الجسد معه في السماويات. بالتالي، يشدد ق. يوحنا ذهبي الفم على تعليم الانجماع الكلي للبشرية في المسيح، ويدحض بذلك التعليم النظريات الغربية عن البديل العقابيّ وتهدئة غضب الآب بمعاقبة الابن بديلًا عن البشرية الخاطئة، التي أهانت الله بالخطية والشرور، وكأن المشكلة هي كرامة الله التي أهدرها الإنسان، وليس أن المشكلة هي هلاك الإنسان الضعيف الساقط واندفاعه نحو الفناء والعدمية بانفصاله الإراديّ عن الله. لا يؤمن لاهوتيّ أرثوذكسي شرقي بالبدلية العقابية، ويؤمن في نفس الوقت بالانجماع الكليّ للبشرية في المسيح وقت آلامه وموته وقيامته وصعوده وجلوسه عن يمين الآب، لا يتفق ولا يتقابل الأمران معًا أبدًا، ولا يتوهم أحد أن يستطيع التوفيق بين نقيضين لا يمكنهما أن يتقابلا في نقطة مشتركة، إما بدلية عقابية أو انجماع كلي وتأليه للإنسان في المسيح كالتالي: ((يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس، ترجمة: د. سعيد حكيم يعقوب، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2016، عظة 4: 2، ص 78، 79. )) المسيح هنا أيضًا وسيط، وبناءً على ذلك، فالأمر يستحق منَّا الإيمان. لأنه إذَا كان الباكورة حيّ، فنحن أحياء، أي أن الله أحيانا مع المسيح. أرأيت كيف أن كل شيء قد قيل عن المسيح المتجسِّد؟ أرأيت عظمة قدرته نحونا نحن المؤمنين، فإنه قد أحب الأموات أبناء الغضب. أرأيت مدى عظمة رجاء دعوته؟ أرأيت غنى مجد ميراثه؟ فمن حيث أنه أقامنا معه، فهذا معروفٌ، وأيضًا أجلسنا معه في السماويات في يسوع المسيح، لكن كيف يكون هذا أمرًا مؤكدًا؟ تمامًا مثلما أنه أقامنا معه. لأنه حتى قيامة المسيح، لم يكن أحد قد قام على الإطلاق، إلا فقط حين قام الرأس، فأقامنا معه،وهكذا أجلسنا معه، فحينما جلس الرأس جلس الجسد معه. ولأنه قد تكلَّم عن الأمور المختصة بالمسيح، التي تبدو وكأنَّ لا علاقة لنا بها، فقد يقول أحد: وماذا يهمنا نحن إنْ كان المسيح قد قام؟ لذلك أظهر أن ما يختص بالمسيح، يخصنا نحن أيضًا، لأن المسيح مُتَّحِد بنا، إذ قال: ونحن أمواتًا بالخطايا أقامنا معه، وأجلسنا معه في السماويات. فكما سبق وذكرت، إن المسيح هو رأس الجسد، وإنه يريد لنا النعمة الغنية، وهذا سيبرهن عليه في الدهور الآتية. (يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس) ويشير ق. يوحنا ذهبي الفم إلى انجماع كل البشرية من الأمم، والرسل، والأنبياء، والمسيح معًا في جسدٍ واحدٍ مُظهرًا الاتحاد الذي حصل بيننا وبينه، وأننا جميعًا مبنيين في بناءٍ واحدٍ على أساس الرسل والأنبياء والمسيح هو حجر الزاوية كالتالي: ((يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس، ترجمة: د. سعيد حكيم يعقوب، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2016، عظة 6: 1، 2، ص 100، 101. )) لاحظ كيف أنه يجمع دومًا الأمم، والرسل، والأنبياء، والمسيح معًا، فمن ناحية، قد صرنا جسدًا واحدًا، ومن ناحية أخرى، قد صرنا مبنيين. وفضلًا عن ذلك، فإنه يُظهِر الاتحاد الذي حصل فيما بيننا ويقول: ’مبنيين على أساس الرسل والأنبياء‘، أي أن الأساس هو الرسل والأنبياء. وهو هنا يضع الرسل أولًا، وإنْ كانوا قد أتوا حَسَبَ الترتيب الزمنيّ بعد الأنبياء، فقد أراد أن يبني بهذا أساس وأصل واحد للجميع، وأن يكون الجميع بناءً واحدًا. ويقول بعد ذلك إن الذي فيه كل البناء هو المسيح. لأنه هو حجر الزاوية يضبط ويمسك الحوائط والأساسات. لاحظ كيف أنه يربط الجميع معًا، إن الرسول بولس يجعل المسيح تارةً يحفظ ويدعم البناء من فوق، حتى يمسك ويضبط كل الجسد، وتارىة أخرى، يجعله يدعم البناء من أسفل، بأن يكون هو هذا البناء، ويوضِّح ذلك بقوله: ’لكي يخلق الاثنين في نفسه إنسانًا واحدًا جديدًا‘. لقد جمع الجدارين معًا، ووحَّدهما بنفسه، كما خلق البناء كله فيه. ويقول أيضًا إنه ’بكر كل خليقة‘ ((رسالة بولس إلى كولوسي 1: 15 ))، أي أنه يسند كل شيء (يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس) الله لا يريد أن يعاقبنا يشير ق. يوحنا ذهبي الفم إلى أن الله لا يريد أن يتركنا أو يعاقبنا، وأنه حتى عندما يعاقبنا العقوبة الشفائية التأديبية، فإنه يعاقبنا كارهًا وعن غير رغبة منه، فالله لا يسرّ بموت الخاطئ مثلما يرجع ويحيا كالتالي: ((يوحنا ذهبي الفم، شرح وعظات إنجيل يوحنا ج2، ترجمة: الشماس نشأت مرجان، مكتبة المحبة، 2008، عظة 68، ص 245. )) في الحقيقة نحن عندما نُترَك من الله، نُسلَّم إلى إبليس، وعندما نُسلَّم له نُبتلى بنتائج مميتة لا تُعدَّ. والكتاب المقدَّس من أجل يخيف سامعيه قال: إنه قسي، و إنه أسلَّمهم. وكشهادة على أنه هو نفسه ليس فقط لا يتخلى عنَّا، بل أيضًا لا يتركنا ما لم نرد نحن هذا، اسمع لِمَّا قاله: ألم تفصل آثامكم بيني وبينكم ((سفر إشعياء 59: 2 ))، وأيضًا هوذا البعداء عنك يبيدون ((مزمور 73: 27 )). وصرَّح هوشع أيضًا: لأنك نسيت شريعة إلهك، أنسى أنا أيضًا بنيك ((سفر هوشع 4: 6 )). وهو نفسه أعلن في الإنجيل: كم مرة أردت أن أجمع أولادك ولم تريدوا ((إنجيل لوقا 13: 14 )). ويقول إشعياء أيضًا في موضع آخر: لماذا جئت وليس إنسان، ناديت وليس مجيب ((سفر إشعياء 50: 2 )). إنه قال هذه الأشياء ليُظهِر أننا نحن الذين نبدأ عملية الابتعاد، ونصير بذلك مسئولين عن هلاكنا. لأن الله ليس فقط لا يريد أن يتركنا أو يعاقبنا، بل حتى عندما يعاقبنا، فهو يعاقبنا كارهًا وعلى غير رغبة منه. وهو في الواقع يقول: إني لا أُسرّ بموت الخاطئ، بل بأن يرجع ويحيا ((سفر حزقيال 18: 32 )). بل إن المسيح بكى على خراب أورشليم كما نبكي نحن في حالة موت أصدقائنا. لذلك حيث إننا نعرف هذه الأمور، فلنبذل كل جهد كيلا ننفصل عن الله، بل على العكس، ليتنا نجتهد في العناية بنفوسنا وخلاصها، وبإظهار الحب لبعضنا البعض. (يوحنا ذهبي الفم، شرح وعظات إنجيل يوحنا ج2) الانجماع الكلي وذبيحة المسيح على الصليب يشرح ق. يوحنا ذهبي الفم مفهوم ذبيحة المسيح على الصليب، بعيدًا عن نظريات البديل العقابيّ التي سادت العصر الوسيط، وتسود على اللاهوت البروتستانتيّ الكالفينيّ. حيث يشرح ق. يوحنا ذهبي الفم مفهوم ذبيحته على الصليب بأنها تكريس البشرية لله الآب وتقديمها له بارةً ونقيةً ومُقدَّسةً، لأنه هو رأس البشرية المفتداة فيه، وهكذا ستُذبَح البشرية مع المسيح كذبيحة لله على الصليب. كما أننا عندما نُقدِّم ذواتنا كذبيحة للاستشهاد، فهذه الذبيحة هي امتداد لذبيحة المسيح على الصليب، فنحن نُذبَح من أجل المسيح، كما ذُبِحَ هو أولًا لأجلنا على الصليب قائلًا: ((يوحنا ذهبي الفم، شرح وعظات إنجيل يوحنا ج3، ترجمة: الشماس نشأت مرجان، مكتبة المحبة، 2008، عظة 82، ص 144، 145. )) ما معنى أقدِّس أنا ذاتي؟ أي أقدِّم لك ذبيحة. والآن فإن كل الذبائح تُدعَى مُقدَّسةً، أي أنها تُقدِّسنا، والأشياء التي كُرِّسَت لله تُدعَى بطريقةٍ خاصةٍ مُقدَّسةٍ. وحيث إن التقديس منذ القديم قد سبق تمثيله بالحمل، والآن لم يكن مُجرَّد حمل رمزيّ، بل هو الحمل الحقيقيّ. لذلك قال: ليكونوا هم أيضًا مُقدَّسين في الحق ((إنجيل يوحنا 17: 19 )). أقول هذا لأني كرَّستهم لك وقدَّمتهم لك. لقد قال ذلك إما بسبب أن رأسهمسيصير ذبيحةً، أو بسبب أنهم هم سيُذبَحون كذبيحة لله. لأن الكتاب يقول: قدَّموا أعضاءكم ذبيحةً حيةً مُقدَّسةً ((رسالة بولس إلى رومية 12: 1 ))، وحُسِبنا مثل غنم للذبح ((مزمور 44: 22 ))، وهكذا بدون موت كان يجعلهم ذبيحةً وقربانًا. في الواقع واضح تمامًا من الكلمات التي تلت قوله: أُقدِّس أنا ذاتي، إنه كان يشير بطريقةٍ غير مباشرة إلى ذبحه. (يوحنا ذهبي الفم، شرح وعظات إنجيل يوحنا ج3) الخلاصة نستخلص من البحث السابق أن ق. يوحنا ذهبي الفم لا يؤمن بنظريات العصر الوسيط من ترضية ودفع الثمن وإيفاء العدل الإلهي، أو يؤمن بنظريات البدلية العقابية وتهدئة وتسكين الغضب الإلهي بمعاقبة الابن بديلًا عن البشرية الخاطئة. بل نراه يؤكد على أن تأليه الإنسان هو غاية التجسُّد والخلاص. كما يشدد ذهبيّ الفم على تعليم الانجماع الكليّ للبشرية في المسيح، وأننا نحن البشر جميعًا كنا في المسيح منجمعين فيه، عندما كرَّسنا وقدَّسنا في ذاته وقدَّمنا لله الآب ذبيحةً وقربانًا نقيًا مُقدَّسًا. وبما أنه هو الوسيط بين الله والإنسان، فإنه مات بباكورة بشريتنا وأقامها وأحياها في ذاته، وقد أجلس باكورة بشريتنا في السماء، ونحن كبشر جسد المسيح الواحد سوف نجلس مع رأسنا الجالس عن يمين أبيه، أي المسيح. --- ### نداء للرعاة: تمم خدمتك - Published: ۲۰۲٤-۱۰-۱۷ - Modified: 2024-10-17 - URL: https://tabcm.net/30852/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: آريوسية, أثناسيوس فهمي چورچ, أوريجينوس ليونايدس أدامانتيوس, الكرسي المرقسي, الكنيسة الجامعة, بابا تواضروس الثاني, ديمتريوس الكرام, قديس أثناسيوس الرسولي, قديس بولس الرسول, مريم ومرثا فكرت كثيرًا ما هو الموضوع الذي أكتبه ليساعد ولو بجهد متواضع في عملية الإصلاح الكنسي، حتي امتلأت وسائل التواصل الاجتماعي بأخبار القائمة السوداء لبعض مطارنة وأساقفة الكنيسة المنشقين عن باقي أعضاء المجمع وعلي رأسهم قداسة البابا تواضروس الثاني. لا أرى سببًا واضحًا لحقدهم وكرههم الواضح لقداسة البابا منذ توليه الكرسي المرقسي إلا التمسك بالماضي بكل أخطائه ورفض عملية الإصلاح، مع خوف شديد من فضح جهلهم وسطحية آرائهم، مع كبرياء شديد مستتر تحت شعار حماية الإيمان، وهذا الكبرياء يمنعهم من الاستماع والاستفادة من أساتذة في اللاهوت، حاصلين على درجات أكاديمية في اللاهوت واللغات القديمة من أعرق كليات اللاهوت في العالم. لا يستطيع غير الكاهن أن يعظ في حضرة الأسقف. (البابا ديمتريوس الكرام، في خضم صراعه مع العلامة أوريجينوس ((القمص أثناسيوس فهمي جورج، مدخل في علم الآبائيات: الباترولوجي، 79- العلامة أوريجانوس: سيرة - تعاليم - أقوال. )) ) كيف يتعلم الأسقف صاحب القيافة من علماني لا يرتدي الزي الأسود؟ مع أنهم يفتخرون بالقديس أثناسيوس الرسولي لأنه قاوم فكر آريوس في وسط مجمع مسكوني وهو شماس صغير، تخيلوا معي لو قاوم الآباء أثناسيوس ومنعوه من دحض الفكر الآريوسي لأنه مجرد شماس وهم الآباء الكبار معلمي المسكونة، ماذا كان حال الكنيسة الجامعة وقتها؟ للأسف الشديد، منذ حوالي خمسين عامًا، يتم تجاهل دور العلمانيين في الكنيسة، ويوضع كل شيء في أيدي رجال الكهنوت الذين يفتقدون إلى أصحاب الخبرة والدراسة. فالفراجية السوداء لا تصنع عالمًا لاهوتيًا أو مفكرًا كنسيًا. والمثل واضح في الأسقف المغاغي الذي يرتئي فوق ما ينبغي أن يرتئي، بالرغم من ضعف إمكانياته وانغلاقه الفكري، يتقمص دور البطولة وكأنه الوحيد الذي يحافظ على الإيمان. أُذكّر الرعاة ورجال الكهنوت بكل رتبهم: هل تمتّ خدمتك التي اُئتمنت عليها؟ أرى عددًا كبيرًا جدًّا من رجال الكهنوت وفتور الخدمة في أغلب مناطق الكرازة، مع ازدياد كبير في عدد الملحدين بسبب العثرات الكثيرة من الآباء. هذا المقال لك يا عزيزي الراعي المبجل، اعتبره رسالة من الرب واقبله بتواضع، كما قبل الأنبا أنطونيوس، أب الرهبان، أن يتعلم من امرأة عارية حينما نصحته بأن يدخل إلى البرية الجوانية. الخدمة عمل كرازي مقدس، وحقل واسع يُمنح بحسب الموهبة المعطاة للراعي. وأرغب في تجنب السلبيات العديدة التي انتشرت بين الرعاة، مثل جمع المال والتحرش والاكتفاء بالشعائر الدينية فقط. لذلك أطرح بعض الأسئلة على كل راع ليجيب عليها حسب ضميره: ١. هل أنت قدوة في كل ما تعمله، أم انك سبب عثرة لكثيرين؟ هل ما تعظ به الشعب للتصدير الخارجي فقط أم للاستهلاك المحلي لك؟ تذكر الآية الإنجيلية في رسالة بولس الرسول إلى تلميذه تيموثاوس: لا يستهن أحد بحداثتك، بل كن قدوة للمؤمنين في الكلام، في التصرف، في المحبة، في الروح، في الإيمان، في الطهارة. (((رسالة بولس الرسول الأولى إلى تيموثاوس 4: 12 )). ٢. هل أنت تحمل سمات الرب يسوع المسيح له المجد؟ ٣. هل تدرك فروق الناس الفردية كما أدركها المسيح، فتراه يعامل يوحنا المحب بطريقة تختلف عن معاملته لبطرس المتحمس دائمًا، الأول يسمح له أن يتكئ علي صدره، والثاني يوبخه في حب وحنان علي اندفاعه ليحول حماسه إلى الروح الوديع الهادي. ٤. هل تهتم بزيارات الافتقاد والمحبة كما كان الرب يفعل مع مريم ومرثا ولعازر؟هل تهتم بظروف الناس كما فعل المسيح مع بطرس حينما مرضت حماته فشفاها، وكما شارك المحتفلين أفراحهم في عرس قانا الجليل؟ ٥. هل مارست العمل الفردي وتهتم بكل فرد لتخلصه؟ أم أن الفرد ليس له أهميه ويضيع وسط الزحام وكثرة المنافقين من حولك؟ ٦. هل تجول تصنع خيرًا، فتجلس في وليمة العشار، وتبحث عن السامرية، والمزدري وغير الموجود؟ ٧. هل أنت طبيبًا حقيقيًا للأرواح؟ تداوي وتعالج أم أنت عثرة للآخرين بدلًا من أن تحول الخطاة إلى قديسين؟ ٨. هل تهتم بكل احد، وكل فئة، المطيعين والعاصين، هل تهتم بالأرملة، واليتيم، والغريب، والضيف كما تقول في الصلوات؟ هل تهتم بالمسن، والطفل الصغير، والغني والفقير، دون تفرقة وعلى حدٍ سواء؟   نصيحة من أصغر واحد في الكنيسة، نشأ وتربي مع كبار الآباء، مملوء بالغيرة علي الكنيسة وشعبها ورعاتها... أيها الراعي، بدلًا من انشغالك وتضييع وقتك بحجة الدفاع عن الإيمان الذي يحميه الرب يسوع المسيح له المجد، أيها الراعي. . تمم خدمتك. --- ### جرافتون إليوت سميث - Published: ۲۰۲٤-۱۰-۱٦ - Modified: 2024-10-16 - URL: https://tabcm.net/30209/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: إيزيس, الإمبراطورية الرومانية, الحق الإلهي, الديمقراطية, تشارلز روبرت داروين, جرافتون إليوت سميث, چورچ برنارد شو, چورچي صبحي, چيمس هنري برستد, سيجموند شلومو فرويد, علي إبراهيم عطا, فريدريك فيلهيلم نيتشه, ڤيودور ميخائيلوڤتش دوستويڤسكي, مهاتما غاندي, هربرت چورچ ويلز وفي مصر يُسمِّي الأقباط أسقفهم أحيانًا باسم إيسوذوروس، وفي أوروبا تسمَّى المرأة باسم إيسيدورا، ومعنى الاسمين «عبد إيزيس»؛ أي الربة إيزيس، وكهنة مصر الآن هم ورثة الكهنة أيام الفراعنة، وكانت شارة الكاهن المصري القديم ذلك الثعبان الذي كان يحيط بالرب رع، وهو -أي الثعبان- لا يزال شارة الأسقف القبطي، وهو يُرى على رأس عصاه إلى الآن حين أتأمل الشخصيات العظيمة التي أثَّرت في حياتي تغييرًا أو توجيهًا، وأبحث القوة الجذبية التي جذبتني إليها، أجد أنها ثلاثة طرز: فأما الطراز الأول فهو أولئك الذين تتسم حياتهم أو مؤلفاتهم بغلواء حين يحيون أو يفكرون على القمة والذروة. فَهَمُّ نيتشه في جنونه المقدس، يُحيل حياته إلى مغامرة فلسفية، ويدعونا إلى أن ننسلخ من رواسب الخرافات الماضية ونتولى بأنفسنا مصير مستقبلنا، وهَمُّ دوستويڤسكي في غلواء الحب الغامر للبشر، والإحساس الديني الذي تتذبذب به أوتار نفسه. وهَمُّ غاندي الذي يكافح إمبراطورية سوداء بكلمات عذبة من الطهر والشرف فيخجل منه العالم ويسلم باستقلال الهند. وأما الطراز الثاني فهو أولئك الذين أعطوني منهجًا للحياة، فهَمُّ جيته الذي عاش طالبًا مدى حياته يزيد وجدانه بالتوسع في الثقافة والزيادة من الاختبارات، ويشتغل بالسياسة والأدب والعلم والفنون، وهَمُّ برنارد شو يجعل من أدبه كفاحًا للظلم والاستبداد والدناءة والقبح، وهَمُّ «ﻫ. ج. ويلز» يرفع الصحافة إلى مقام الفلسفة، فيدرس شئون العالم إلى تدين بشري جديد كأنه إحساس يغمر قلبه وعقله. وأما الطراز الثالث فهم أولئك الذين أعطوني المعارف الخصبة أو الأفكار الحوامل، مثل فكرة التطور التي أحدثت لي مركبات ثقافية، كأنها العقدة النفسية في المريض تدأب في تفرع، ولكن مع التسلل والتستر. ولقد استطاعت هذه الفكرة الداروينية أن تجعل حياتي جميعها استطلاعًا دائمًا. وهَمُّ فرويد الذي حملني على دراسة العشرات من الكتب. وهَمُّ «إليوت سميث» الذي فتح لي من أبواب التاريخ البشري ما لا أزال أنفذ منه إلى ميادين فسيحة من الفهم والعلم. هؤلاء علموني... أكسبوني بالحياة الغالية التي عاشوها على القمم إيحاءات كأنها صلوات بالقلب، أو أعطوني منهجًا أعيش به عيش الخدمة والكرامة والشرف مع الرضا بالتضحية، أو غرسوا في ذهني غراسًا صالحة تنمو وتتفرع كأنها نبت ينير خلايا المخ ويسطع أنوارًا تقشع ظلام الجهل. ••• التاريخ هو في صميمه درس العوامل الجغرافية والاقتصادية التي أثرت وغيرت المجتمعات البشرية، التي عاشت في بقعة معينة من الأرض. وتاريخ مصر هو جغرافيتها، هو زراعتها التي أوجدت مجتمعًا مستقرًّا يثبت في مكانه ثبات الزراعة في الأرض. وليس لأمة تاريخ ما لم يكن هناك تفاعلات اقتصادية بين الأفراد بحيث تؤدي هذه التفاعلات إلى إيجاد مؤسسات، مثل المحاكم والمعابد ونحوهما، أما ما دام ليس هناك مؤسسات، كما هي الحال بين الإسكيماويين حول القطب الشمالي، فإنه لن يكون هناك تاريخ. ثم ما دام كل فرد يكسب لنفسه وأولاده فقط، ولا يستطيع أن يزيد، فإن المجتمع لن يستطيع أن يدخر مقدارًا من المال لإيجاد هذه المؤسسات الاجتماعية التي يحتاج إليها، ولذلك ليس عند الإسكيماويين حكومة؛ لأنه ليس هناك فائض من كسب الأفراد يكفي لإيجاد مجموعة المؤسسات التي نسميها حكومة، ولذلك أيضًا ليس لهم تاريخ. وقد كان الإنسان قديمًا يعيش في الغابات كما لا تزال تعيش القردة العليا، وكان يجمع طعامه ولا ينتجه، والفرق عظيم جدًّا بين الجمع وبين الإنتاج، فإن البشر ينتجون طعامهم هذه الأيام، ولذلك بلغوا ٢٣٠ مليونًا في حين أنهم كانوا لا يزيدون على أربعة أو خمسة ملايين حين كانوا يجمعون الطعام من الغابات جمعًا، أي يلتقطون الثمرة البرية، أو يقتلعون الجذور الطرية، أو يصيدون الوحش، أو يأكلون الحشرات والزواحف وسائر الحيوان. ولكن ليس الفرق بين الجمع والإنتاج كميًّا فقط؛ لأن هذا الفرق هو في صميمه فاصل بين الإنسان البدائي الساذج الجوال، وبين الإنسان المتمدن المستقر الذي عرف الزراعة؛ أي عرف الإنتاج. وهنا قيمة إليوت سميث. ••• كان إليوت سميث أستاذًا للتشريح في كلية (مدرسة) قصر العيني، قبل نحو أربعين أو خمسين سنة، وقد تعلم على يديه كثير من أطبائنا مثل علي إبراهيم، وجورجي صبحي، وأحمد شفيق، وكانت له هواية إلى جنب الحرفة، وكان كما هو المألوف يهتم بهوايته وبحرفته، بل انتهى في أخريات حياته إلى احتراف الهواية، وهذه الهواية هي تاريخ مصر. ولكنه لم يكن يدرس تاريخ مصر كي يتعرف على تاريخ مصر، وإنما كان يهدف إلى درس تاريخ الحضارة البشرية في العالم كله عن طريق الدرس لأصول الحضارة المصرية التي انتشرت حول ضفتي النيل في العشرة آلاف سنة الأخيرة. واستطاع أن يثبت أن مصر هي أصل الحضارة للعالم كله؛ وليس ذلك لأن أسلافنا كانوا أذكى من سائر البشر؛ وإنما لأن جغرافية مصر قد تفاعلت مع الإنسان المصري بما لم يتفاعل أي وسط آخر مع الإنسان، فكانت النتيجة ظهور الحضارة في مصر. وبهذه النظرية نقل إليوت سميث دراسة الحضارة من تعدد الأصل إلى وحدته، كما سبق أن فعل داروين حين رد الأحياء إلى أصل واحد، وأصبحنا نتتبع تطور الحضارة وتنقُّلها من قُطْرٍ إلى آخر عن سبيل الكلمات والآثار والعادات الفرعونية. ولهذا الرأي الجديد مدرسة يعد تلاميذها بالألوف، ولا تقل المؤلفات في تأييد هذا الرأي عن ثلاثمائة كتاب في لغات مختلفة. وقد كانت مؤلفات إليوت سميث عندي انبلاجًا ذهنيًّا قادني إلى دراسات مختلفة، كما أثمر مركبات ثقافية ما زلت في اشتباكتها. وقد ألَّفت كتابي: «مصر أصل الحضارة» وأنا في غبطة الفرح بهذا الفهم الجديد للدنيا والبشر، ولا يعدل هذه الغبطة عندي سوى اهتدائي إلى نظرية «التفسير الاقتصادي للتاريخ» وهي النظرية التي جعلت التاريخ علمًا يقاس ويوزن، وليس روايات لذيذة أو مصادفات غير معللة، والحق أن نظرية الأصل المصري للتاريخ البشري كله تستند في أساسها إلى العوامل الاقتصادية، وأهمها هذا النيل الذي يروي الوادي فينتج الزرع. ••• وبؤرة البحث عند إليوت سميث تنحصر في أن الإنسان البدائي الذي كان يجمع الطعام جمعًا من الغابات رأى في مصر على توالي السنين أن فيضان النيل يعم الوادي في مواعيد معينة كل عام، حتى إذا انحسر انطلقت النباتات وكست الأرض بالخضرة النضرة التي كان يجد فيها طعامًا، كما كان يجد فيها صيدًا لوفرة الحياة الحيوانية، ففهم بالتكرار أن الماء هو أصل الحيوية، وهو أصل النبات، فشرع يحتجز الماء هنا ويطلقه هناك، ويضبط الري، وهذه هي الهندسة الأولى. وظهر عندئذٍ التخصص: مهندسون ينظمون الري، وفلكيون يعينون الأوقات الزراعية، وهؤلاء لا يزرعون وإنما يعيشون بالفائض من المحصول. وهنا تنشأ الحكومة التي يرأسها مهندس أو فلكي تُنسب إليه صفات الألوهية؛ لأنه يدري ما لا يدريه غيره من الهندسة أو الفلك، وهو يعيش كأنه ملك، بل ملك يطاع، فإذا مات أصبح قبره معبدًا، كما نرى في عصرنا كيف يميز العامة الممتازين بأضرحة يتبركون بها ويزورونها، وأرض مزروعة تحتاج إلى حدود تحترم من الجيران، وإلى أوصاف تعيَّن للزراعة، وإلى محكمة تعاقب المعتدي على الحدود أو المحصول، وإلى صناع يصنعون الآلات الزراعية، وكل هؤلاء لا يزرعون. فنشأ من ذلك الحكومة والتجارة والفنون، وهذه هي الحضارة. ثم يموت العظماء فتنشأ الأضرحة العظيمة التي تستحيل إلى معابد، وهذا هو الدين البدائي. ويجب ألا ننسى هنا أن كلمات القمح والبُر والحِنْطة هي جميعًا فرعونية؛ وذلك لأن أسلافنا هم الذين زرعوها لأول مرة في التاريخ، وعينوا أسماءها. ولعله كانت هناك فروق بين بذور القمح أدت إلى تعدد هذه الأسماء. والزراعة هي الأساس الأول الذي نبتت عليه الحضارة الأولى، أما قبل الزراعة فلم يكن هناك غير التجوال للبشر، بلا ثقافة غير المعارف القليلة الخاصة بالصيد، والتقاط الثمار، واقتلاع الجذور، فالزراعة أوجدت الاستقرار بدلًا من التجوال، وبسطت الآفاق لثقافة الفنون والعلوم ونظام الحكم. ••• وإلى هذا نفهم كيف نشأت الحضارة الأولى في مصر، وبقي علينا أن نعرف كيف خرجت من مصر إلى سائر العالم. وقد استطاع إليوت سميث أن يكشف لنا عن أسرار النفس البشرية، أو بالأحرى يهتدي إليها عن طريق البحث في انتقال الحضارة المصرية الأولى إلى أقطار العالم المختلفة. فهو يوضح لنا أن غاية الإنسان البدائي أن يطيل عمره وأن يتقي الموت. ونحن نعرف من التحنيط أن المصري القديم كان يعتقد في سذاجة أنه ما دامت الجثة قد حُنِّطت واستحالت إلى مومياء متقنة، فإن الحياة ستمتد بها في العالم الآخر. وكان التحنيط يحتاج إلى بعض المواد النباتية والمعدنية من الأقطار البعيدة، وهذه المواد كانت تقف الفساد في الجثة كما تكسبها عطرًا حسنًا. وتنقَّل المصريون في جلب هذه المواد، ونقلوا معهم حضارتهم إلى أقطار بعيدة، وخاصة عندما نعرف أن بعض البعثات المصرية كان ينقطع بها الطريق، فلا تعود بل تبقى في قُطر ناءٍ بين شعب غريب بدائي لا يعرف الزراعة، فتنقل هذه البعثة إلى هذا الشعب الفنونَ المصرية، وتعيش هناك إلى الأبد. ومن هنا نعرف لماذا وُجد تمثال الرب آمون في روسيا بالقرب من جبال أورال، ولماذا عُبِدَ ربُّ الشمس في مكسيكا، كما عُبد في مصر، من حيث إحاطته بالثعبان، ولماذا حُنِّطت الجثة في أمريكا على الطريقة المصرية، ولماذا وُجدت الأهرام في إيطاليا والسودان، ولماذا توجد في اللغة الفنلندية كلمات فرعونية، ولماذا ترجع أبجدية الخطوط في جميع اللغات إلى الهيروغليفية المصرية، ولماذا يعمِّم التقويم المصري (الشهور والأيام) أوروبا بل العالم كله إلى الآن، ولماذا بُنيت المعابد وذُكرت الأساطير على الطريقة المصرية، بل لماذا يوصف إمبراطور اليابان بوصف الفراعنة، ابن الشمس؛ أي ابن رع، وأخيرًا لماذا تكون الحبوب الأولى التي يأكلها الإنسان ولا يزال يأكلها مصرية الاسم كما سبق أن ذكرتها وهي: قمح، بُر، حِنطة. وفي مصر يُسمِّي الأقباط أسقفهم أحيانًا باسم إيسوذوروس، وفي أوروبا تسمَّى المرأة باسم إيسيدورا، ومعنى الاسمين «عبد إيزيس»؛ أي الربة إيزيس، وكهنة مصر الآن هم ورثة الكهنة أيام الفراعنة، وكانت شارة الكاهن المصري القديم ذلك الثعبان الذي كان يحيط بالرب رع، وهو -أي الثعبان- لا يزال شارة الأسقف القبطي، وهو يُرى على رأس عصاه إلى الآن. ولكن لما كان الكاهن المصري طبيبًا وساحرًا أيضًا، فإن الثعبان هو الآن شارة الطبيب في أوروبا. وفي اللغة العربية لا يزال معنى الطب هو: السحر، الكهانة. بل هناك إشارات صغيرة تدل على تسلسل الثقافة الفرعونية من منف وطيبة إلى باريس ولندن، اعتبر قول الأوربيين: «يوم أحمر وليلة حمراء» للدلالة على أوقات السرور والقصف والاحتفال، ونحن نقول في مصر «ليلة حمراء» في هذه المعاني أيضًا، والأصل هو عادة أسلافنا في كتابة أيام الأعياد بمداد أحمر، والعيد قصف ولهو. هذه الثقافة المصرية القديمة التي تفشَّت في العالم القديم لم يكن من الضروري أن يكون القائمون بها مصريين؛ لأن البعثة المصرية التي وصلت إلى الصين مثلًا حيث تركت التمساح وجعلت تمثاله شعارًا للصينيين ليست هي التي ذهبت إلى أمريكا، وأوجدت التحنيط وعبادة الشمس التي تحيط بها هالة الثعبان؛ لأن هذه البعثة التي ذهبت إلى أمريكا كانت في الأغلب هندية أو صينية أو جاوية قد تأثر أفرادها بالثقافة المصرية. وأذكر البقرة هاتور المصرية، وأذكر تقديس البقرة في الهند، وأذكر أيضًا ملوك أفريقيا المتوحشين، وكيف يضربون الجهات الأربع بالقوس، كما كان يفعل الفراعنة عندما كانوا يتولون العرش رمزًا إلى الاستيلاء على العالم. بل أذكر أيضًا دعوى الحق الإلهي لملوك أوروبا، وهي الدعوى التي كافحتها الشعوب الديمقراطية، ولا ننسى دعوى الألوهية عند الفراعنة. بل هناك ما يرجِّح أن معظم الأسر المالكة في العالم يرجع إلى أصل فرعوني؛ وذلك لأن كل بعثة كانت تخرج من مصر لجلب المواد والطيوب للتحنيط كان يرأسها أحد أفراد أسرة فرعون، فإذا لم ترجع البعثة صار هذا الفرد ملكًا على البقعة التي كانت تحتلها بعثته حتى إذا استقر العرش الجديد خرجت بعثة أخرى... إلخ. ولم يكن التحنيط الباعث الوحيد لهجرة المصريين إلى الأقطار البعيدة، فإن الإنسان المصري الذي كان يرغب في بقاء حياته بالتحنيط، كان أيضًا يحب أن يطول عمره على الأرض قبل التحنيط، فكان يجمع الودع ويحمله للمشابهة العظيمة بين الودعة وبين عضو التناسل في المرأة؛ ذلك أنه كان يعتقد أن هذا العضو هو أصل الحياة، ومن هنا هذا الاشتقاق العربي وهو «الحياة من الحيا»؛ أي عضو التناسل في الأنثى. ثم صار أيضًا يجلب الذهب ويصوغه ودعًا لجماله، ثم نقل ميزة الودعة إلى الذهب، فصار الذهب يُطلب لذاته؛ لأنه يطيل الحياة مثل الودعة، بل صار الذهب إكسير الحياة، الذهب حجر الفلاسفة، الذهب أصل النقود، كل هذا من الاعتقاد المصري القديم بأنه -أي الذهب- يطيل العمر. ثم أذكر بعد ذلك الكيمياء التي نشأت من الرغبة في إحالة المعادن إلى ذهب، بل ماذا أقول؟ إن كلمة كيمياء نفسها مصرية، وهي خيمي أو كيمي؛ أي مصر، أي الأرض السوداء. والكيمياء هي «العلم المصري». وبعد الذهب صار الإنسان المصري يجلب الأحجار الكريمة اعتقادًا بأنها تطيل العمر، وما زلنا في مصر نشفي العين العليلة بتعليق حجر عليها أو فوقها... وما زلنا ننشد البخت بضرب الودع، وكلمة «المرجان» تنطوي على معنى الحياة الطويلة في الفارسية. وإطالة أعمارنا على الأرض بالذهب والأحجار الكريمة، وإطالة أعمارنا بعد الموت بالتحنيط، كلتاهما دفعت الإنسان المصري إلى الهجرة إلى الأقطار النائية، فتفشَّت الحضارة المصرية بهذه الهجرة في أنحاء العالم، وأخرجت الإنسان من التوحش وجمع الطعام من الغابات إلى التمدن وإنتاج الطعام بالزراعة، والزراعة أوجدت الحكومة، والدين، والفلك، والحساب، والهندسة، والبناء، والقانون. ••• نشأ الدين البدائي في مصر، وكانت غايته استبقاء الحياة بعد الموت بتحنيط الجثة، فإذا كان الميت عظيمًا صار إلهًا بعد موته. فلما عُرفت الزراعة أصبح للدين مهمة أخرى هي إخصاب الأرض وإنتاج المحاصيل. وإلى عصر الإسكندر بقي هذا التفكير البدائي حتى إن كهنة مصر قد حالوا الإسكندر إلى إله، وقرن آمون لا يزال منقوشًا على النقد الإغريقي الباقي من أيامه، ولا يزال الكهنة يباركون على الزراعة في أوروبا إلى الآن. ومن الممارسات الدينية الباقية نعرف الكثير من نشأة الدين المصري القديم، فإن البخور كان يطلق على تمثال الميت كي يكسبه رطوبة وعرقًا كأن الحياة قد عادت إليه، وقد نشأت الفنون من هذه الثقافة الدينية القديمة، فإن التمثال صُنع أولًا كي تلجأ إليه الروح إذا كان الجسم قد فسد، والرسوم التي تروي لنا حياة الميت قد احتاجت إلى الرسامين والمعبد، وهو في الأصل الضريح الذي احتاج أيضًا إلى البنائين والنحاتين. وجميع الفنون الحديثة ترجع إلى بؤرة مفردة هي الضريح المصري ومركباته السيكلوجية، ورسم الميزان للعالم الآخر مألوف لا يخلو منه معبد، وهو يعين الجنة التي تحوي الشجر والثمر للبررة، كما يعين جهنم التي تحتوي النار للفجرة، ومن هنا ظهر معنى العدل. بل إن تحنيط الميت هو الأصل في توبلة الطعام؛ لأن الملح والطيب والأفاوية التي كان يحتاج إليها الميت صارت تستعمل في الطبخ كي يطيب الطعام، ومن هنا كان القول العامي المألوف في أيامنا أن الطعام «محنط»؛ أي متوبل. ودراسة التاريخ المصري القديم هي دراسة البدايات: بداية الزراعة، وبداية الصناعة، وبداية الحضارة والثقافة. وإن الغيبيات التي سادت الأذهان البشرية نحو ستة آلاف سنة لتتكشف واضحة الأسس مفهومة البناء عندما ندرس الضريح المصري. ••• لم أكن أنبعث في دراساتي للفراعنة بباعث وطني، ولم يكن لفتوحات تحتمس ورمسيس وأمثالهما ذلك الوقع الذي يحسه أولئك الذين يستخدمون التاريخ لإشعال الوطنية، بل كذلك لم تكن دراسة التاريخ عندي محض السرد القصصي والتراجم والحروب، وظني أنه لو لم يكن وراء دراسة الفراعنة هذه النظرية القائلة بانتشار الثقافة من بؤرة الضريح المصري لما كان التفاني يزيد على المطالعة العابرة. ولكن هذه النظرية كانت تحوي العديد من المركبات الثقافية التي جذبتني وحملتني على التفطن لأصول الحضارة، ومن هنا إغراؤها القوي لاستمرار الدراسة، وإحساسي نحو الفراعنة هو لذلك بشري وليس وطنيًّا. ولقد قرأت «فجر الضمير» للمؤرخ الأمريكي «بريستد» وهو يشيد بالأخلاق العالية للمصريين قبل أربعة أو خمسة آلاف سنة، بل إنه يقارن بين الأخلاق التي دعا إليها موسى في الوصايا العشر، وبين الأخلاق المصرية فيقول بأفضلية هذه على تلك، ويضرب المثل بأن موسى قد حرَّم الشهادة بالزور فقط، ولكن المصريين قد حرَّموا الكذب إطلاقًا، والكذب بالطبع يشمل شهادة الزور، ولكن ليس العكس كذلك. ولكني، أنا المصري، أحسُّ أني أبعد ما أكون عن هذا الإحساس، يجب أن ندرس التاريخ بالروح البشري، وأن نذكر أنه إذا كانت مصر قد أنشأت الحضارة الأولى فإن الفضل في ذلك يعود إلى النيل الذي قهر المصري على أن يتعلم الزراعة لمواظبة فيضانه ولانبساط الوادي، وليس لذكاء فذٍّ في أسلافنا. ••• والحضارة عالمية قد أسهم كل شعب بنصيب فيها، وإذا كان للمصريين فضل الاختراع للكتابة، فإن للهنود فضل الاختراع للأرقام، وما كان يمكن أن تكون هناك نهضة علمية لولا هذه الأرقام الهندية. ولولا الإغريق لما انفصلت الحقائق الفنية والعلمية عن «المعارف» الدينية؛ أي ما كان يمكن للمنطق أن يتغلب على العقيدة. ولولا الإمبراطورية الرومانية ثم الإمبراطورية العربية، لما تعارفت الشعوب هذا التعارف الذي انتهى بوجداننا البشري الحاضر. ومع أني قد قرأت في هذه النظرية وارتباطها نحو خمسين أو ستين كتابًا فإني ما زلت في اشتباكاتها أترصد مكتشفاتها الجديدة في جميع أنحاء العالم، وأحس بأواصر الأجيال الماضية التي تربطنا نحن المصريين بكافة البشرية. --- ### أساقفة وبيانات مضروبة - Published: ۲۰۲٤-۱۰-۱۵ - Modified: 2024-10-19 - URL: https://tabcm.net/30786/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أنبا بيشوي، مطران دمياط وكفر الشيخ, أنبا دانيال، سكرتير المجمع المقدس, أوريجينوس ليونايدس أدامانتيوس, الأب متى المسكين, الكرسي المرقسي, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, بابا فرنسيس، بابا الڤاتيكان, چورچ حبيب بباوي, چوزيف موريس فلتس, سيرافيم البراموسي, سينوت دلوار شنودة, ڤاتيكان, كنيسة الإسكندرية, مدرسة الإسكندرية مع كل سيمنار أو اجتماع لمجمع أساقفة كنيسة الإسكندرية القبطية الأرثوذكسية، يخرج علينا مجموعة الأساقفة "إياهم" ((إياهم هنا عائدة على من يتم وصفهم من معارضيهم بالحرس القديم من الأساقفة أبناء وأيتام البابا الراحل الأنبا شنودة الثالث )) ببيانات أقل ما توصف أنها "خايبة"، تحتوي على كلام مرسل يدعون من خلالها خوفهم على الكنيسة وحماية الإيمان -وكأنه طفلة قاصر- ولكن تصرفات بعضهم تظهر عكس ما يدعون، وأصبحت نَغْمَة "حماية الإيمان" سخيفة ومملة سواء من هؤلاء الأساقفة أو لجانهم المأجورة على مواقع التواصل الاجتماعي. فجأة وبدون مقدمات خرج علينا في هذا الأسبوع بيان بتاريخ 11 أكتوبر 2024،  عليه  أسماء 17 مطران وأسقف من داخل مصر وخارجها دون توقيعات، يعترضون على المشاركة في السيمنار المنعقد بين 18 إلى 21 نوفمبر المقبل بدعوى وجود شخصيات تم دعوتهم لإلقاء محاضرات على أساقفة المجمع ولديهم اعتراض على أفكارهم وتعاليمهم، وطالبوا في الخطاب الموجه للبابا تواضروس والأنبا دانيال سكرتير المجمع بتغييرهم. ثم مع موجة الغضب التي ظهرت كرد عبر مواقع التواصل الاجتماعي من البيان والأساقفة الموقعين عليه، خرج بعض من "صبيانهم" ولجانهم على السوشيال ميديا للتشكيك في البيان والادعاء بأن بعض ممن ذكرت أسمائهم من الأساقفة غاضبين لأنه تم وضع أسمائهم دون موافقتهم، إلا أن هذا الادعاء لم يدم طويلًا، فقد ضم عليهم 2 أساقفة عموم في تسجيلات فيديو تالية يعلنون تأييدهم لهذا البيان والأساقفة الموقعين عليه ما ينفي أي ادعاء بأن بعضهم لم يرغب في وجود اسمه، حيث لم يصدر أي نفي رسمي من أي أسقف حتى كتابة هذا المقال. اللافت للنظر أنها ليست المرة الأولى، التي يصدر فيها مثل هذا البيان، ففي يونيو عام 2019 وقبل اجتماع المجمع السنوي أصدر 4 أساقفة 3 منهم ممن وردت أسمائهم في البيان الأخير، وأحدهم ظهر في فيديو قصير يدعمهم، بيانًا عرف إعلاميًا باسم "بيان الأساقفة الأربعة"، يتحدثون أيضًا عما أسموه "تعاليم خاطئة"، وكان موجه بالأساس ضد "مدرسة الإسكندرية اللاهوتية" التي أسسها الراهب سيرافيم البراموسي، في محاول لإحياء نهج المدرسة الفلسفية واللاهوتية القديمة للكنيسة، التي انتشرت طيلة القرون الأربعة الأولى وبفضل أساتذتها وأكاديميها اكتسبت كنيسة الإسكندرية شهرتها اللاهوتية، قبل أن ينقض عليها سلطان الجهل ويطارد مديرها وأساتذتها.   أما في هذه المرة فالأسماء المستهدفة هم دكتور جوزيف موريس فلتس أستاذ اللاهوت، والمهندس سينوت دلوار شنودة المهتم بالتأريخ الكنسي، فبمجرد إعلان جدول أعمال السيمنار  صدر بيان الأساقفة يطالب بتغييرهم، لكن كان رد الفعل على بيان الأساقفة كبيرًا ودعا البعض البابا تواضروس وسكرتارية المجمع باتخاذ موقف قانوني وفقا لقوانين الكنيسة مع هؤلاء الأساقفة والمطارنة واعتبروا بيانهم بمثابة إعلان انشقاق ويشق وحدة الكنيسة. قد يبدو أن هذه البيانات غَيْرَة على الإيمان وخوفًا على الكنيسة ولكنها في حقيقة الأمر تكشف عن العطب الذي أصاب جسم الكنيسة ليس اليوم، ولكن منذ أن استخدم البابا "الأمي/ الجاهل" ديمتريوس الملقب بـ"الكرام" رقم 12 في سلسال بابوات الإسكندرية سلطانه الكهنوتي ضد العلامة أوريجانوس مدير مدرسة الإسكندرية اللاهوتية في الربع الأول من القرن الثالث الميلادي، فقد طرد البابا ديمتريوس أوريجانوس، وتجاوز قوانين الكنيسة من أجل حرمانه وطرده من الإسكندرية وطارده خارج مصر، ومن يومها والأكاديميين والمفكرين والدارسين مطاردين في الكنيسة، ويجلس على الكرسي المرقسي غير المتعلمين أو أنصاف المتعلمين، بعدما جلس خلف مار مرقس مؤسس الكنيسة في الإسكندرية 10 بطاركة من الثاني وحتى الحادي عشر وكانوا جميعا مدرسين في مدرسة الإسكندرية اللاهوتية. نفس الأمر تكرر على يد البابا شنودة عندما طارد الأب متى المسكين أستاذه في الرهبنة، بسبب كتاباته التي اعتمدت بشكل كبير على تَرْجَمَة فكر آباء الكنيسة من اللغة اليونانية التي لم يكن يتقنها البابا شنودة، وتكرر الأمر مع الدكتور جورج حبيب بباوي الذي اصطفاه البابا مقدمًا وقربه منه وشارك معه في سفره للفاتيكان، كما فعل ديمتريوس مع أوريجانوس وعينه مدير مدرسة الإسكندرية، ثم انقلب عليه، فكذلك انقلب البابا شنودة على الدكتور بباوي منذ عام 1984 بعدما رفض الأخير طلب البابا بمراجعة كتب الأب متى المسكين ومحاولة إخراج أخطاء منها، حسب ما ذكر بباوي في لقاء "أون لاين" حضرته معه قبل وفته بعدة أشهر. واجه الدكتور بباوي حملة شعواء من البابا الراحل وبعض رجاله مثل الأنبا بيشوي مطران دمياط الراحل، انتهت بحرمان بباوي بقرار وقع عليه البابا شنودة و66 أسقفًا دون محاكمة قانونية، في قرار هو بمثابة "عار" في تاريخ الكنيسة أتمنى أن يأتي "بطريرك" يعتذر عنه وعن الحرمان الذي طال أوريجانوس باالباطل أيضًا، وغيرهم من الأكاديميين، كما فعل البابا فرنسيس واعتذر عن كثير من الأمور السيئة التي جرت في تاريخ كنيسة روما الكاثوليكية. الأمر الأخير الذي أود مناقشته في هذا الموضوع هو اعتقاد قطاع كبير من أصحاب العمم المنتفخة من حاملي عصا الرعاية أنه لكونه نال رتبة الأسقفية فهو العلامة الذي يجب أن يتعلم منه الجميع، ولا يجب أن يجلس في مَقْعَد المتعلم، وللأسف لا يوجد تعليم أكاديمي حقيقي في كنيستنا يحصل عليه الأساقفة والرهبان والكهنة قبل اختيارهم للخدمة، كما يحدث في الكنائس الأخرى، بالتالي من لم يتعلم جيدًا ويملك سلطان مطلق يقول إنه من الله ويستطيع أن يحل ويربط، وأعتاد أن يهابه الجميع ويقولون له: نعم فقط، لا يمكن أن يقبل وأغلبهم تجاوز سن الـ60 أن يجلسوا في مَقْعَد التلميذ داخل السيمنار، ويتعلمون على يد علمانيين أكاديميين يجب أن يقبلوا أيديهم، أو آباء كهنة أقل منهم في الرتبة الكنسية. https://youtu. be/7v2TkLzoMjw? si=TgdZ1XvFcXrKnwMW وهذا ما بدأ يلفت نظر بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي الذين استحضروا جملة للفنان حسن مصطفى (الناظر عبد المعطي) في المسرحية الشهيرة مدرسة المشاغبين: بقى يا بنتي عايزين يعينوا مُدرسة معاها دكتوراه، وأنا ناظر ومعايا إعدادية. (الناظر عبد المعطي، مسرحية مدرسة المشاغبين) هذه العبارة كنت كتبت عنها منشور في عام 2020 بأنها تلخص واحدة من أزمات الكنيسة العميقة، وحلها كان في جلوس الأكاديميين على كرسي مار مرقس وليس الرهبان، فحتى لا يشعر الجالس على الكرسي بنفس شعور الناظر عبد المعطي أمام المُدرسة يجب أن تصحح الكنيسة منظومة التعليم وأن تسعى لوجود كليات ومعاهد معتمدة أكاديميًا يدرس فيها أبنائها وكل من سيدخل في سلك الكهنوت أو الأسقفية أو البابوية يجب أن يتم دراسته الأكاديمية المعتمدة ولا يتعين أسقفًا إلا من أجرى دراسة الماجستير والدكتوراه في أحد الفروع اللاهوتية والعلوم الإنسانية.   لأنه غير ذلك سنظل ندور في دائرة مفرغة نهايتها ستكون انقراض كنيستنا التي عاشت على مدار 2000 عام وقاومت الكثير والكثير من الظروف الصعبة والخارجية، ولكنه ستنقرض على يد أولادها، فجيب أن نمنح الفرصة ولدينا بالفعل بعض من الأساقفة والرهبان والكهنة والشباب من درسوا دراسات أكاديمية محترمة ويمكن أن نبني عليهم وعلى مجهودهم ليكون نواة لانطلاقة حقيقة نحو نور العلم والمعرفة بدلا من سيطرة شبكات الفساد والمصالح بسلطان الجهل. --- ### مسارات الحراك القبطي وتكريس محايد - Published: ۲۰۲٤-۱۰-۱٤ - Modified: 2024-10-15 - URL: https://tabcm.net/30246/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أنبا بيمن، أسقف ملوي, أنبا صموئيل، أسقف الخدمات, إبراهيم فهمي هلال, إكليروس, الأب متى المسكين, التقويم القبطي, العلمانيون والكنيسة, المجمع المقدس, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس السادس, بابا يوساب الثاني, بيت التكريس, ثورة ٢٣ يوليو, جماعة الأمة القبطية, چورچ حبيب بباوي, حبيب جرجس, دير الآباء السريان, دير الأنبا صموئيل المعترف, رئيس جمال عبد الناصر, رئيس محمد نجيب, رمسيس نجيب, صليب سوريال, صموئيل كامل عبد السيد, عبد الرحمن الشرقاوي, عبد الرزاق السنهوري, مجمع نيقية, مدارس الأحد, نصحي عبد الشهيد بطرس شهد الفضاء القبطي الكنسي تحولات أعادت تشكيل خريطة الخدمة الكنسية وتوازناتها مع نهايات حقبة الأربعينيات من القرن العشرين، كان الشباب المصري في تلك اللحظة يمور بالتمرد على ما هو قائم، سواء في الفضاء العام أو نظيره الكنسي، فبينما يأتلف نفر من ضباط الجيش المصري من الرتب الشابة الوسيطة ليفجروا حركة عسكرية تطيح بالحكم الملكي وتضع يدها على زمام الحكم -يوليو 52- كان الشباب القبطي يتوزع على مسارات متعددة: شباب جماعة مدارس الأحد هم مجموعة من الشباب الواعد الذين التفوا حول الأستاذ المؤسس حبيب جرجس الأب الروحي لهم، وأُسندت إليهم مهمة تعليم النشء مبادئ المسيحية مطعمة بطيف من الطقوس الكنسية وعقائدها وسير القديسين ودروبهم، مستعينة بالمتوفر من مراجع غالبيتها مترجمة، وقد أشرنا إليها قبلًا، قليلها تراثي وغالبيتها عن مراجع غربية، وداخل هذه الجماعة تعددت المدارس، مجموعة الأنبا انطونيوس بشبرا، ومجموعة جزيرة بدران، ومجموعة الجيزة، تعدد بلا قطيعة أو تنافر، وظهر هذا التعدد في مجلة مدارس الأحد التي صدرت عام 1947، ومازالت. وكانت المجلة لسان حال هذه الجماعة التي تبنت مطالبات الإصلاح الكنسي عبر مقالات محرريها، بل وكان غلافها المتكرر في سنيها الأولى يعكس توجهها، ما بين غلاف يحمل صورة للسيد المسيح حاملًا مصباحًا يضيء الطريق وبين غلاف يحمل فيه المسيح سوطًا يطرد به باعة الهيكل. كانت الكلمة سلاحهم تنويرًا وتطهيرًا، تكوينًا ومعارضًة، وقد قفزت إلى ذهني، وأنا أقلب في صفحات المجلة، كلمات كتبها الكاتب الشاعر عبد الرحمن الشرقاوي، ابن جيلهم، في واحدة من مسرحياته، عن الكلمة: أتعرف ما معنى الكلمة؟ مفتاح الجنة في كلمة. . دخول النار على كلمة. . وقضاء الله هو كلمة. . الكلمة لو تعرف حرمه. . زاد مزخور. . الكلمة نور. . وبعض الكلمات قبور. . وبعض الكلمات قلاع شامخة. . يعتصم بها النبل البشري. . الكلمة فرقان بين نبي وبغي. . بالكلمة تنكشف الغمة. . الكلمة نور. . ودليل تتبعه الأمة. . عيسى ما كان سوى كلمة. . أضاء الدنيا بالكلمات وعلمها للصيادين. . فساروا يهدون العالم. . الكلمة زلزلت الظالم. . الكلمة حصن الحرية. . إن الكلمة مسؤولية. . إن الرجل هو كلمة. . شرف الله هو الكلمة. . (عبد الرحمن الشرقاوي، مسرحية: الحسين ثائرًا) وكم كان للكلمة المكتوبة، آنذاك، من تأثير واسع الأمد، إذ تكاد تكون المصدر الأول للمعرفة ومتابعة ما يحدث هنا وهناك، فقد كانت ملكة الإعلام مع موجات الإذاعة وقتها، قبل أن يخطف التلفزيون منهما الأولوية، بامكاناته الفارقة من حيث السرعة ومواكبة الأحداث ثم إبهار الصورة التي توثق الأخبار. شباب جماعة الأمة القبطية تعرفنا في الجزء الثاني من هذا الطرح على هذه الجماعة، التي لم تدم في إطارها الرسمي كثيرًا، إذ تأسست 11 سبتمبر 1952، وصدر قرار حكومي بحلها في 24 أبريل 1954، كان اختيار يوم التأسيس رسالة لها مدلولها، إذ يوافق في أدبيات الأقباط عيد الشهداء، الذي يبدأ به التقويم القبطي، اللافت أن يأتي التأسيس بعد شهرين من قيام ثورة يوليو. وتبرز الصحف وقتها لقاء مؤسس الجماعة الأستاذ إبراهيم فهمي هلال مع قيادات الثورة اللواء محمد نجيب والبكباشي (الرائد) جمال عبد الناصر. ولا يقل تاريخ حل هذه الجماعة إثارة للإلتفات، لأنه يأتي بعد عزل محمد نجيب، وبعد تقديم الجماعة مذكرة إضافية تحمل رؤيتها للدستور المزمع وضعه 1954، وحسب مؤسسها فقد أثنى عليها المستشار عبد الرزاق السنهوري بأنها؛ أكثر الرؤى إحكامًا، وهو رأس له وزنه لصدوره عن أحد أهم الفقهاء الدستوريين ورئيس لجنة إعداد الدستور، الجدير بالإشارة أن مشروع الدستور هذا لم ير النور. لكن هذا لم يكن رأي السلطة الحاكمة، التي رأت في هذه الجماعة خطرًا، وهو ما تكشفه قائمة الاتهامات التي اعتمدتها المحكمة العسكرية العليا في إدانة عناصر قيادة الجماعة، وكانت تتصدرها ما ورد في مذكرة الجماعة المقدمة للجنة إعداد الدستور في سبتمبر1953، والعمل على تكدير السلم العام ومقاومة السلطات، ثم يأتي في مؤخرة قرار الاتهام أنهم؛ قبضوا بدون وجه حق على غبطة بطريرك الأقباط الأرثوذكس، الأنبا يوساب الثاني، وتمكنوا من اقتياده خارج الدار البطريركية، وإقصائه عن مقر منصبه، وتم الترويج للتهمة الأخيرة ولم تأت وسائل الإعلام وقتها، ولا من تناول سيرة هذه الجماعة فيما بعد لغيرها، وقد انتهت محاكمتهم إلى صدور أحكام بحبس غالبيتهم، وكان نصيب مؤسسها سبع سنوات قضاها كاملة بسجن طرة، قام خلالها بتأسيس مكتبة قراءة للمساجين داخل السجن. وقد تولدت عندي عديد من الأسئلة عن دوافع الحل المباغت مازالت بلا إجابات: • هل لأنها ترجمت معارضتها لسياسة الكنيسة وواقعها المتردي إلى فعل لم تعتده أروقتها، ولا يتسق مع طبيعة الأقباط، حين توجهت إلى دار البطريركية، وألزمت البابا البطريرك (أنبا يوساب) بالتوقيع على وثيقة تنازل عن إدارة الكنيسة؟ ... ربما. • هل لأنها مدت تطلعاتها إلى خارج أسوار الكنيسة، وارتفعت بمطالبها لتتجاوز السقف الذي يسمح به المجتمع والنظام الحاكم آنذاك، حتى بدت لكثيرين أنها تطلعات مجنونة، وهي تضع على قمة مطالبها عودة الأمة القبطية، لغة وممارسة وحياة؟ ... ربما. • هل لأنها وجدت تأييدًا شعبيًا جارفًا منذ يوم إعلانها، كان يؤسس لتفعيل المشاركة السياسية للأقباط، مع اختلاف تقييم هذا التحرك؟ ... ربما. • هل لأنها ترجمت ما تؤمن به إلى خطوات عملية تشابكت بها مع الشارع ومع الكنيسة ومع الدولة؟ ... ربما. • هل لأنها سجلت رؤيتها في شأن "الأمة المصرية" في مشاركتها بالمذكرة التي قدمتها إلى لجنة مشروع الدستور، بعد أن طلبت منها الجهات الرسمية المشاركة في ذلك، ووضعت يدها على واحدة من أخطر معوقات المواطنة والدولة المدنية، فتصادمت مباشرة مع الخلفيات الذهنية لكثيرين من شخوص ثورة يوليو الوليدة، رغم تقريظ العالم الدستوري الدكتور عبد الرزاق السنهورى وثناءه على المذكرة؟ ... ربما. • هل لأنها قادت حركة معارضة شعبية قبطية، بدعم وتأييد من المجمع المقدس، ضد اتجاه الثورة إلى إصدار قانون للأحوال الشخصية للمسيحيين، الذي يحيل الفصل في قضايا الطلاق للمحاكم المدنية بعد أن كانت حقًا مطلقًا للكنيسة، وكذلك ضم الأوقاف القبطية للدولة، الأمر الذي حسب مقاومة لتوجه الحكام الجدد؟ ... ربما. في ظني أن "جماعة الأمة القبطية" تجربة تستحق أن نقترب منها، وأن تعرفها الأجيال المعاصرة بعد أن قوبلت بموجات عاتية من التعتيم ومن التشويه، تجربة مصرية حاول من لم يسترح لها أن يحصرها في خندق الطائفية، فهل هي كذلك كما يبدو للوهلة الأولى من مسماها "الأمة القبطية" أم هي حركة وطنية تسعى لبعث التواصل التاريخي لتعود "الأمة المصرية" كما يقول قادتها، ثم هل هي حلم أم هي كابوس؟!   ((لمزيد من التعرف على هذه الجماعة راجع كتابي العلمانيون والكنيسة. . صراعات وتحالفات، الصادر عام 2009. )). الرهبنة إرهاصات بعث جديد يتجه نفر من جيل شباب أربعينيات القرن العشرين نحو الرهبنة، مع انتصاف القرن، تبدأ المسيرة عام 1948، بالدكتور يوسف إسكندر، والأستاذ سعد عزيز، وفي عام 1954 يلحقهما الأستاذ نظير جيد في مسار الرهبنة بدير السريان، ورغم تقارب أزمنة رهبنتهم إلا أن دوافعهم كانت مختلفة، وقد نعود لتحليلها فيما بعد، الأهم أن إقدامهم على الرهبنة كان محفزًا لكثيرين أن يقتدوا بهم. كان الدكتور يوسف إسكندر، بوصلة الحراك الرهباني، كانت رهبنته في دير الأنبا صموئيل المعترف، وقد اختاره لأنه دير مقفر وبعيد عن العمران إذ يقع في جبل القلمون بصحراء مغاغة بالمنيا، وبه نفر قليل من شيوخ الرهبان، متتلمذًا على الراهب القمص مينا المتوحد رئيس الدير، ومكث بالدير ثلاث سنوات، ثم ذهب إلى دير السريان للعلاج، وهناك رسمه رئيس الدير الأنبا ثيئوفيلوس قسًا بأسم الأب متى المسكين، وكان اختيار هذا الاسم لوجود راهب من القدامى اسمه متى، ولما كان رهبان الدير الواحد إخوة فجرى العرف ألا يتكرر الإسم الواحد مرتين. يلتئم شمل الرهبان الثلاثة بدير السريان؛ الأب متى المسكين، والأب مكاري السرياني (سعد عزيز)، والأب أنطونيوس السرياني (نظير جيد)، ومعهم تشهد الأديرة تقاطرًا شبابيًا من الجامعيين، طلبًا لخلوة يتكشفون خلالها ماهية الرهبنة، الطريق والنذور، يتلمسون زادًا روحيًا من هؤلاء الرواد، وتتشكل دوائر شبابية حول ثلاثتهم، سرعان ما طلبوا قبولهم في صفوف الرهبان، وتجري في نهر الأديرة مياه جديدة وغزيرة. تتقارب الخيوط وتتباعد، ما بين التحالفات والمصادمات، وتشتبك إلى درجة تستعصي على فكها، بعد أن صار لكل من الرواد الثلاثة مكانه ومكانته، على خريطة الرهبنة والكنيسة، وهو ما سنقترب منه، اقتراب حذر ـ بقدر ما تحتمل الحالة القبطية السائدة، في الحلقة القادمة، وربما تكون الخاتمة لهذا الطرح الذي طال. حركة التكريس القبطي يشهد عام 1954 حراكًا لمجموعة أخرى من شباب الكنيسة؛ يخايلهم حلم بعث الكنيسة من جديد، كانوا في سنواتهم الجامعية الأخيرة، من كليات مختلفة، نصحي عبد الشهيد،كلية الطب، كمال حبيب، كلية الآداب، يسري لبيب، كلية التجارة، وغيرهم، يراودهم حلم التكريس لا الرهبنة، تتطلع مجموعتهم إلى إجابات لتساؤلات عديدة، وتبحث عن مخرج لأزمة الكنيسة "في الداخل صراعات ومن الخارج تربصات"، انتهوا إلى تأسيس "بيت التكريس" في حدائق القبة (نوفمبر 1958)، ثم ينتقلون وقد ضاق بهم المكان إلى ضاحية حلوان (مارس 1959)، كان السعي أن يعبروا إلى عموم الناس خارج أسوار الأديرة، هكذا رأوا التكريس ومسؤولياته، وآمنوا أن إعادة بناء ما تهدم يبدأ فكرًا، لذلك كان عنوانهم "بيت التكريس لخدمة الكرازة"، وطفقوا يترجمون كتابات الآباء؛ آباء ما قبل مجمع نيقية وآباء مجمع نيقية وآباء ما بعد نيقية، عن اللغات الحية، وينضم إليهم أحد أعمدة اللغة اليونانية الأستاذ صموئيل كامل عبد السيد، للبدء في تعليمها لأعضاء بيت التكريس ومريديه. ويرى رائدهم أن: بيت التكريس يجب أن يكون سندًا للكنيسة ومعاونًا لها بصفته مركزًا للخدام العلمانيين في الكنيسة التقليدية، فنحن نكرِّم الكهنوت ونخضع له ونعاونه في خدمة النفوس. وأنا أرى-والكلام مازال للرائد-أنه بدون خدمة العلمانيينبهذه الصورة فستنهار خدمة الكهنوت وتنهار كرامتها في نظر الأجيال القادمة، لأن الكهنوت ابتدأ من الآنفي عدم القيام بواجبه. في الكنيسة الأولى كان الموهوبون من أعضاء شعب الكنيسة هم الذين يقومون بالخدمة، بينما الأسقف هو الذى يرتِّبهم ويرعاهم، وكان الكهنة خدامًا للأسرار الكنسية. فلما تشددت الرهبنة ابتلعت الخدمة والخدام من أعضاء شعب الكنيسة. ويواصل كلمته فيقول بشكل تقريري: وهكذا ترك العلمانيون الخدمة للرهبنة. ولما ضعفت الرهبنة ضعفت الخدمة، كما أصبح العلمانيون لا يقومون بعملهم ولا يعرفون مسئولياتهم في الخدمة. رغم الضغوط العديدة التي تعرض لها بيت التكريس التي دفعت بعض أعضاءه للرهبنة، ظل الدكتور نصحي عبد الشهيد، متمسكًا ببقاءه علمانيًا وبمواصلة البيت لرسالته، فعاد أدراجه إلى مقره القديم بحدائق القبة ليبدأ مرحلة جديدة، وينأى بنفسه وبخدمته وبالبيت، بجَلَد وإصرار، عن صراعات تلك الفترة، ولا يشتبك في أية معارك، متسلحًا بالصمت المطبق، فقد أدرك مبكرًا أهمية رسالة التكريس التي نذر نفسه لها. وغير بعيد نتابع تجربة بيت الشمامسة بالجيزة الذي أسسه الأرشيدياكون رمسيس نجيب الذي انتبه إلى خدمة الشباب الجامعي المغترب، في عام 1955 وكان في البداية اسمه “بيت الشباب الجامعي” وفكرة إنشاء البيت جاءت من خدمة المغتربين للدراسة بجامعة القاهرة، وهذا البيت جاء من قلب الخادم القدير الأب القمص صليب سوريال صاحب كتاب “نظم الخدمة” وكان هذا الكتاب بمثابة دستور للخدمة والعمل الروحي، وفي عام 1975 افتتح بيت للشمامسة فرعًا بمدينة 6 أكتوبر للمغتربين هناك. وللارشيدياكون العديد من الكتب الموجهة للشباب، التي اقتحمت وقتها تابوات الحب والجنس ليطرح من خلالها الرؤية المسيحية فيهما، وكيف يتعامل الشباب مع قضاياهما، وفي هذا يقول: اتخذت أسلوبًا بسيطًا في الإصدارات التي ينشرها “بيت الشمامسة” وهي أن تضع للقارئ المعلومة من خلال قصة تدخل “قلبه” وبهذا المنهج تجد سلسلة “فضائل في حياة القديسين” التي منها كتب “المحبة والعفة” وهناك أسلوب التساؤلات الشبابية، فالقارئ اليوم يحتاج إلى “سندوتش” ومن خلال خدمة الشباب طوال هذه السنوات تكررت عندي الأسئلة التي يطرحونها فالموضوعات تدرس عشرات المرات، مما يعطي خبرة كبيرة في مجال الأمور الاجتماعية... ويظهر ذلك في كتب “طهارتي" و"الاختلاط"... وإلى جانب ذلك هناك كتب عامة مثل: “معاملات المسيح مع الخطاة”... والمهم في الكاتب أن يحترم بالأساس ثقافة الاختلاف. . وأذكر عبارة جميلة تقول: كان عندي 5 أولادـ ربيتهم، بالأحرى تربيت على أيديهم، وهذا هو الأب والخادم والقسيس الناجح فالذي يعلمه هو نفسه يتعلمه. وتخرج في هذا البيت أجيال من الشباب انخرطوا في الحياة العامة في ربوع مصر وخارجها فكانوا سفراء للمسيح والكنيسة والوطن يقدمون صورة حية فاعلة ومؤثرة في تلاحم وسلام المجتمع. وقد حرص بيت الشمامسة على أن يقف بعيدًا عن أجواء الصراع أو الصدامات، شأنه شأن تجربة الدكتور نصحي عبد الشهيد. يبقى لنا في هذا السياق الاقتراب من قضية ابتعاث الدارسين من الشباب للخارج لاستكمال دراستهم الأكاديمية العليا، ونعرض من خلالها لأزمة الدكتور جورج حبيب بباوي، بقدر وافر من الموضوعية، بعيدًا عن صخب فرقاء المشايعين. ثم نحاول أن نجيب على سؤال معلق: ماذا حدث للكنيسة، وفيها، في النصف الثاني من القرن العشرين والعقد الأول من القرن الحالي الذي انتهى بنا إلى ما صرنا إليه؟ هذا ما سنتعرض له في الجزء الرابع من طرحنا هذا. --- ### كيف نثق أن ما نؤمن به هو الحق ولا تحريف فيه؟ - Published: ۲۰۲٤-۱۰-۱۳ - Modified: 2024-10-13 - URL: https://tabcm.net/30632/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: التبني, الحق الإلهي, حواء, سقوط آدم, ميلاد المسيح وتعرفون الحق، والحق يحرركم (إنجيل يوحنا ٣٢:٨)  الآية ”وتعرفون الحق، والحق يحرركم“ تكشف/ تَستعلِن لنا أن الطريق الوحيد لكي” تعرفون الحق“ هو الحق ذاته، لأن ”الحق يحرركم“ من كل زَيف، حينئذ تستطيعون أن تعرفوا الحق. لذلك ”ليس أحد يقدر أن يقول: «يسوع رب» إلا بالروح القد“ ((رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس 12: 3 )). لأن الروح القدس هو ”روح الحق“. فالحق يستعلن ذاته بذاته مباشرة دون وسيط لأي إنسان يطلبه صادقًا. وشرط الصدق هو أن يكون لك الفكر الإنساني الحر والمجرَّد من كل فكر أيديولوجية أو تأثير مُسبَق. وليس أحد قادر أن يحررك من زَيف معرفة مصدرها الشيطان الكاذب إلا الحق ذاته ”الحق يحرركم“، لأن الشيطان مكتوب عنه أنه يظهر في صورة ملاك من نور مثل نبي. وهكذا خدع وسيطر على فكر البشر. لذلك حرص الرب أن تكون العلاقة بينه والإنسان مباشِرة منذ خلق آدم. وكانا يتكلمان فمًا لأذن بدون حجاب أو وسيط. فلا مجال للبس أو شِبه ظن في أن ما يحدث هو الحق. لم يكن هناك حاجزًا بين طبيعة الله والإنسان مع أن كلاهما كائن آخر بالنسبة للآخر. كان العامل المشترك الضامن لسلامة التواصل دون تحريف هو روح الله القدس الذي نفخه الله في أنف آدم عند الخلق ونفخ في أنفه نسمة حياة، فصار آدم نفسًا حية (( سفر التكوين٧:٢ )). فكان التماثل هو ضمان وضوح التواصل بين المِثل والمثيل. وبمجرد حدوث تغيُّر في طبيعة الإنسان بتغربه عن القداسة، حدث التنافر الذي استلزم اختباء آدم وحواء من وجه الله خلف أوراق شجر الجنة ((سفر التكوين )) وانتهى الأمر بخروجهما من حضرة الله لعدم تجانس طبيعة القداسة وطبيعة الشر ”لا شركة للنور مع الظلمة. . لا يدوم روحي في الإنسان بَعد. . ففارقه روح الله“. فإن طَرد آدم من الجنة ليس عقوبة بل نتيجة. ولكي يعود الإنسان إلى الحالة الأولى وانفتاح المعرفة المباشرة مع الله التي كانت موجودة قبلًا، كان لابد أن يزول الحاجز المتوسط الحاجب للتماثل في القداسة فترجع حياة الشركة. وقد حقق الله هذا التدبير عبر مراحل متتالية مع الإنسان منذ السقوط. ونجد تلخيص هذا التاريخ في عبرانيين ١ ”الله بعد ما كلم الآباء بالأنبياء قديمًا بأنواع وطرق كثيرة، كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه، الذي جعله وارثًا لكل شيء، الذي به أيضًا عمل العالمين“. فاختار الله له أناسًا في كل جيل -أي الأنبياء- وخصصهم له بتقديس روح الله فيكون لهم -في أثناء التنبؤ - شبه تلك الحالة الأولى للإنسان في معرفة الله وإرادته الصالحة. وأخيرًا ظهر الله نفسه في الجسد ليكون بشخصه، هو المجال والعلاقة والتواصل والاتحاد مع الإنسان دون وسيط. وهذا يعكسه اللقب اللاهوتي للمسيح أنه ”كلمة الله ... ابن الله“ وأنه أيضًا ”ابن الإنسان“. فلأن القداسة والتقديس شرط وضمان وضوح الصلة والاتصال والاتحاد مع الله، لذلك تجسد المسيح وحقق قداسة الإنسان في ذات ناسوته ثم نقلها للمؤمنين به من أجلهم أقدس أنا ذاتي لكي يكونوا مقدسين في الحق ((إنجيل يوحنا ١٩:٧ ))، من خلال مراحل خلاص المسيح للبشر الذي تضمن: التكفير  (إلغاء خطية الإنسان). التبرير (منح الإنسان بر مجاني من الله، هو بر المسيح يسوع ”ابن الإنسان“). التقديس (الوصول بكيان الإنسان للقداسة التي تليق بمعيَّة الله). التمجيد (اتحاد الإنسان بالله والدخول إلى مجال مجده وأبديته وخلوده). إن التجسد الإلهي بميلاد المسيح ابن الله، الله ظهر في الجسد ((رسالة بولس الأولى إلى تيموثاوس ١٦:٣ )) هو الحدث -المُطلَق- لتواصل الله مع الإنسان، بأن كلمنا ”في ابنه“ بدون وسيط من أنبياء، بحيث أن الله ذاته هو الوحي المقدس متجسدًا، أي كلمة الله ذاته منطوقًا ومسموعًا وملموسًا ومرئيًا وحيًا بشخصه في وسطنا الذي كان من البَدْء، الذي سمعناه، الذي رأيناه بعيوننا، الذي شاهدناه، ولمسته أيدينا، من جهة كلمة الحياة ((رسالة يوحنا الأولى 1: 1 )). ونلاحظ ختام الآية بعبارة ”من جهة كلمة الحياة“ لتأكيد أن تواصل الله بكلامه -كلام الحياة- إلى الإنسان صار محسوسًا ملموسًا حيًا في شخص المسيح يسوع ربنا. بخلق آدم صار الإنسان موجودًا في حضرة الله، و بالتجسد الإلهي حلَّ الله في كيان الإنسان. بل وضمن الله دوام حلوله في كيان محبوبه الإنسان بأن سكن الروح القدس قلبه منذ يوم الخمسين وصار روح الله حاميًا للمصير الأبدي للإنسان ضد كل رِدَّة كسقوط آدم الأول. لقد كان أنبياء العهد القديم ”مسوقين بالروح القدس“، أما الآن فالذين في المسيح -إن صدق إيمانهم وانتبه وعيهم- فهم أعظم من أنبياء بسبب روح الله الساكن فينا: وأما متى جاء ذاك روح الحق، فهو يرشدكم إلى جميع الحق ((إنجيل يوحنا 16: 13 )). واضح أن روح الله القدوس في اتصاله المباشر بالإنسان هو الضامن لأن نعرف جميع الحق الذي هو بالضرورة ليس خارج الله سبحانه الذي هو جميع الحق: ذاك(الروح القدس)يمجدني، لأنه يأخذ مما لي ويخبركم. وكل ما للآب هو لي. لهذا قلت إنه يأخذ مما لي ويخبركم ((إنجيل يوحنا 16 14،15 )). فكل مَن كان صادقًا وطائعًا لترتيب الله وتدبير خلاصه في المسيح يسوع، يصير أعظم من نبي. ليس فقط يتكلم بكلام الله مثل نبي بوحي من روح الله، بل الروح نفسه يملأه ويفيض منه شهادةً لله في العالم، مَن آمن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه أنهار ماء حي. قال هذا عن الروح الذي كان المؤمنون به مزمعين أن يقبلوه، لأن الروح القدس لم يكن قد أُعطِي بَعد لأن يسوع لم يكن قد مُجِد بعد ((إنجيل يوحنا ٣٨:٧ )). قال الرب يسوع المسيح: بعد قليل لا تبصرونني ثم بعد قليل أيضًا ترونني  لأني ذاهب إلى أبي ((إنجيل يوحنا ١٦:١٦ )). هذا الكلام للرب ليس فقط عن غياب زمني مؤقت للمسيح بسبب القبر ثم ظهورات الرب بعد القيامة، ولكني أقرأ فيه بالروح عن نعمة العهد الجديد في التغييرات الكيانية في التلاميذ (والمسيحيين) بفعل قيامة الرب المجيدة. فما كان قبلًا محصورًا في نظرة إنسانية قاصرة ”تبصرونني“، صار الآن رؤية“ تتجاوز العين المادية إلى ما وراء حجاب الجسديات. ويكمل الرب قائلًا: قد كلمتكم بهذا بأمثال، ولكن تأتي ساعة حين لا أكلمكم أيضا بأمثال، بل أخبركم عن الآب علانية. في ذلك اليوم تطلبون باسمي. ولست أقول لكم إني أنا اسأل الآب من أجلكم، لأن الآب نفسه يحبكم، لأنكم قد أحببتموني، وآمنتم أني من عند الله خرجت. خرجت من عند الآب، وقد أتيت إلى العالم، وأيضا أترك العالم وأذهب إلى الآب». قال له تلاميذه: «هوذا الآن تتكلم علانية ولست تقول مثلا واحدًا. الآن نعلم أنك عالم بكل شيء، ولست تحتاج أن يسألك أحد. لهذا نؤمن أنك من الله خرجت». (إنجيل يوحنا 16: 25- 30 )) نفهم من حديث الرب لتلاميذه أن هناك تحول حدث في العلاقة بين الإنسان والله بسبب قيامة المسيح وإتمام الخلاص. وهو زوال الحجاب الذي وُجِد بين الله والإنسان بعد سقوط الإنسان وأدى إلى اختباء آدم وحواء بين شجر الجنة عند سماعهما صوت الرب يقترب منهما فلم يعد التواصل المباشر مع الله كما كان قبلًا. أما الآن وبعد القيامة يقول المسيح عن الذين صار لهم نعمة التبني لله في المسيح، إنه لا يسأل الآب من أجلهم، لأنهم ليسوا منفصلين عنه. والدليل أنه علَّمنا أن نصلي ونقول لله ”أبانا الذي في السموات“. أيها الأخوات والأخوة في العالم كله... اعلموا هذا: بعد قيامة المسيح لم يعد الحق الإلهي في حاجة إلى دليل خارجي لتأكيده، لأن دليله فيه... ”وتعرفون الحق والحق يحرركم“... إن الإنجيل ليس حروف وكلمات بل شخص الرب ذاته . ومثلما ”الكلمة (المسيح ابن الله) صار جسدًا وحلَّ بيننا“ ((إنجيل يوحنا١ )) بالتجسد، صار شخص المسيح كلمة حية مقروءة في الإنجيل المقدس: الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة ((إنجيل يوحنا ٦٣:٦ )). ولهذا قال له المجد: أنتم الآن أنقياء بسبب الكلام الذي كلمتكم به ((إنجيل يوحنا ٣:١٥ )). وهذا هو معنى "الحق يحرركم"، وفإن حرركم الابن فبالحقيقة تصيرون أحرارًا ((إنجيل يوحنا ٣٦:٨ )). وفي كل كلمات الرب -لا يذكر سبحانه- أي طرف آخر غيره يضمن إثبات صدقه أنه الحق لأن : كلمة الله قوية وفعالة وأمضى من كل سيف ذي حدين، وخارقة إلى مفرق النفس والجسد والروح ومميزة أفكار القلب، ونياته. ((رسالة بولس إلى العبرانيين ١٢:٤ )). وفي كل زمان ومكان فإن كل مَن يشتاق أن يتلاقى بشخص الحق سبحانه عليه أن يلجأ إلى الصدق الإنساني والوعي الإنساني المخلوق فيه كنعمة ربانية لأن المسيح يسوع ربنا لن يتركه بلا شاهد للحق، لأنه هو الذي وعد قائلًا:  "أنا هو الطريق والحق والحياة... ومن يُقبِل إليَّ لا أُخرِجه خارجًا “. --- ### الإخوان والعمل السياسي - Published: ۲۰۲٤-۱۰-۱۲ - Modified: 2025-01-11 - URL: https://tabcm.net/30221/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: الإخوان المسلمين, الحرب العالمية الثانية, الصوفية, جمعية الشبان المسلمين, حسن أحمد عبد الرحمن محمد البنا, علي ماهر باشا, لورد كيلرن, ليبرالية, محمد مصطفى المراغي, مصر الفتاة, مصطفى النحاس, مكرم عبيد, ملك فاروق مائة ألف شاب مؤمن تقي من شباب الإخوان المسلمين في كل ناحية من نواحي القطر ومن ورائهم هذا الشعب، كلهم يعملون في جد وهدوء ونظام يترقبون هذه الساعة… إن الجنود على تمام الأهبة، وإن الكتائب معبأه وقد طال بها أمد الانتظار (حسن البنا، النذير) في عام 1937 اتسعت الهوة بين الملك الصغير والوفد بفضل على ماهر الذي لم ينجح فقط في استمالة الملك بعيدًا عن الوفد، وإنما نجح في صنع خلاف قوى بين فاروق من ناحية وبين النحاس والوفديين جميعًا من ناحية أخرى، وعندما طالب مصطفى النحاس بالحد من نفوذ الملك غير الدستورية على مؤسسات الدولة، حاول فاروق إقالة وزارة النحاس باشا، فخرجت جماهير الشعب تهتف؛ الشعب مع النحاس، فخرجت جموع الإخوان في المقابل تهتف؛ الله مع الملك في نفاق فج وانتهازية بلاد حدود، واضعين مصالحهم فوق كل اعتبار. وأخذ علي ماهر باشا يشجع نوادي وجمعيات الشباب، وكان الهدف انتظام الأجيال القادمة تحت راية الملكية الوطنية المتطرفة، وكراهية الأجانب، والمفهوم التقليدي للإسلام في مواجهة التيارات الليبرالية وحزب الوفد خصوصًا، نظرًا لنفوذ لأقباط داخل الحزب، حيث كان مكرم عبيد باشا سكرتيرًا عامًا للوفد، ويبرق السفير البريطاني، اللورد كيلرن، إلى لندن مؤكدًا هذا الأمر قائلًا: عمل على ماهر باشا بنشاط من وراء الكواليس لتأكيد سياسته الخاصة بالحركات المعادية للأجانب من خلال التنظيمات الإسلامية مثل جمعية الشبان المسلمين وحركة مصر الفتاة وجماعة الإخوان المسلمين وعدد آخر من الجمعيات الإسلامية الأقل شهرة والتى تمارس نشاطها في الخفاء. (اللورد كيلرن، مذكرات اللورد كيلرن) وأظهرت بعض التحقيقات الحديثة وجود علاقات لحسن البنا بالألمان في بداية الحرب العالمية الثانية، حيث قام البنا باستخدام كاريزماته القيادية في عام 1939 بتنظيم مظاهرات تندد بالبريطانيين وترحب بالألمان والإيطاليين، وذلك مقابل مبالغ مالية تقاضها البنا من الألمان، وكشفت وثيقة بتاريخ 18 أغسطس 1939 تم الكشف عنها في مكتب الدعاية النازية بمصر، ونُشرت بجريدة الأهرام بتاريخ 30 ديسمبر 2006، جاء فيها: لقد أرسلت البعثة إلى حسن البنا مرة أخرى ذات المبلغ بذات الطريقة لكن الإخوان المسلمون طلبوا مزيدًا من المال رغم أنى سلمتهم مبلغ الألفي جنيه التي وصلت باسمهم من ألمانيا، والتي وعدناهم بها. (جريدة الأهرام بتاريخ 30 ديسمبر 2006) وفي نفس العام، وبعد ورود أخبار وصور عن رحلة الأسرة المالكة في أوربا وأمريكا، وعن تصرفات رأى الشعب أنها لا تليق بملكة زوجة ملك وأم ملك، خرج المصريون يهتفون لفاروق؛ ويكا يا ويكا، هات أمك من أمريكا تنديدًا بالسلوك المستهتر للأسرة المالكة، كان حسن البنا يكتب تحت عنوان؛ حامي المصحف الذي يبايعه الجميع، وعلى استعداد للموت بين يديه جنودًا للمصحف، وأن الله قد اختاره واصطفاه ملكًا ليثبت المعنى وينشر الدعوة، ويكمل البنا نفاقه مشيرًا إلى فاروق: إلى أنه إذا كان قد ضم القرآن إلى قلبه ومزج به روحه، فإنه لا يخدم نفسه في الدنيا والآخرة فحسب ولكنه بذلك يضمن لمصر حسن التوجيه، ويحول بينها وبين العناد، ويقيمها على أفضل المناهج، ويسلك بها أقرب الطرق إلى كل خير، وهو في الوقت نفسه يضمن ولاء أربعمائة مليون من المسلمين في آفاق الأرض، وتشرئب أعناقهم وتهفوا أرواحهم إلى الملك الفاضل الذي يبايعهم على أن يكون حامي للمصحف، فيبايعونه على أن يموتوا بين يديه جنودًا للمصحف، وأكبر الظن أن الأمنية الفاضلة ستصير حقيقة ماثلة، وأن الله قد اختار لهذه الهداية العامة الفاروق، فعلى بركة الله يا جلالة الملك ومن ورائك أخلص جنودك. (حسن البنا، النذير) ويكمل البنا حديثه فيذكر أنه في أثناء رحلة فاروق للصعيد أخرج أحد المرافقين له فصًا أثريا وقال: إنه الذي يجلب له الحظ والخير، وأخرج آخر مفتاحًا وادعى نفس الادعاء، فما كان من فاروق إلاّ أن أخرج مصحفًا، وقال: إن هذا هو مفتاح كل خير عندي، وبعد ذلك الموقف بعام واحد، وفي 1938، ينافق حسن البنا مليكه في مقال بعنوان: الفاروق يحيي سنة الخلفاء الراشدين، وذلك على إثر خطبته في رمضان، التي حملت بين طياتها الترضية للجماعة فيما يختص بالسعي لخير مصر والأمم الإسلامية. جاء زواج الملك سنة 1938 ليحدث ما يعكر صفو العلاقات بين جماعة الإخوان والملك، فقد عكفت الجماعة عن المشاركة في حفل الزواج لما حدث به من اختلاط ورقص وخمور في وقت كانوا ينادونه فيه بأمير المؤمنين، وانتقدت مجلة الإخوان المسلمون المفاسد التي جرت في حفل زفاف الملك، لكنها ألقت اللوم في ذلك على الشيخ المراغي لأنه لا يحض الملك والحكومة على التزام الإسلام، وطالبته بالحرص على اللقب وحض الملك والحكومة على تطبيق شريعة الإسلام تحت عناوين؛ هدية الإخوان المسلمين إلى عرش مصر... إلى الأستاذ الأكبر، أهكذا تكون إمارة المؤمنين؟ وعادت الجماعة وأكدت عدم تخليها عن تأييد الملك والسعي معه لتحقيق أمنية الخلافة، وأعلنت صحيفتهم إنهم يهبونه الروح، ونشرت جريدة الإخوان في هذه الفترة عدة مقالات لكتاب تابعين للملك، وقد لقب أحدهم نفسه بـ المحرر العربي بالديوان الملكي الإسلامي واستمرارًا لسياسة المغازلة بين حسن البنا والقصر، قام البنا بحشد فرق جوالة الجماعة، وهو على رأسهم بالطبع، في عرض عسكري لتأدية التحية للملك في أثناء أداءه لصلاة الجمعة في مسجد سيدي جابر بالإسكندرية، تقربًا من الملك وإظهارًا لقوة الإخوان للشعب، وفي ذكرى عيد الجلوس الملكي، رددوا يمين الولاء لفاروق في ميدان عابدين؛ نمنحك ولاءنا على كتاب الله وسنة رسوله، ويلاحق الإخوان تحركات فاروق فحين يتقرر عودته إلى القاهرة، يصدر مكتب الإرشاد العام أمره إلى جميع الفروع في الأقاليم ليصطف الأعضاء بأعلامهم وجوالتهم على المحطات التي يقف فيها القطار الملكي، لأداء فروض الولاء والاحتفاء بالطلعة المحبوبة. ويكتب حسن البنا تحت عنوان ملك يدعو وشعب يجيب. . إلى جلالة الملك الصالح فاروق الأول من الإخوان المسلمين، ويرفع إليه صورة من المظاهر التي لا تتفق مع الإسلام من بؤر الخمور ودور الفجور وصالات الرقص وأندية السباق والقمار والمرأة السافرة المتبرجة، وكيف أن حدود الله معطلة، ويطلب البنا من فاروق أن يصدر أمرًا ملكيًا بألا يكون في مصر المسلمة إلا ما يتفق مع الإسلام. فإنه مائة ألف شاب مؤمن تقي من شباب الإخوان المسلمين في كل ناحية من نواحي القطر ومن ورائهم هذا الشعب، كلهم يعملون في جد وهدوء ونظام يترقبون هذه الساعة... إن الجنود على تمام الأهبة، وإن الكتائب معبأه وقد طال بها أمد الانتظار. (حسن البنا، النذير) كان انتقال البنا إلى القاهرة إيذانًا بدخول الجماعة مرحلة جديدة من حيث عدد المنتمين إليها، ومواردها المادية، وشهرتها وشعبيتها ومريديها. قد يبدو أن السياسة لم تكن من اهتمامات حسن البنا في السابق، حيث إن الجماعة قد نشأت كجماعة دعوية فقط، لكن الحقيقة كانت شيئًا آخر، فبريق السياسة قد أعمى البنا منذ اليوم الأول، بالرغم من نصح معلميه له بالابتعاد عن تعاطى السياسة لأن السياسة تفسد الدين والدين يفسد السياسة، لكن البنا ومنذ قيام حركته ظلت إحدى عينيه على الدين والأخرى على السياسة، وربما كان ذلك العامل هو الذي دفعه إلى أن يكون الوحيد من بين مؤسسي الحركات الدينية، الذي ظل يرتدى البدلة الإفرنجية والطربوش حتى يوم مماته، وبمجرد أن أشتد عود الجماعة وأصبحت ذات صيت وشأن في القطر المصري، زين له خياله إمكانية دخول المعترك السياسي من أنجح وأسهل أبوابه وهو باب النفاق والانتهازية، وبالرغم من إعلان البنا في السابق أن جماعته ليست حزبًا سياسيًا ولن تكون، فإن ذلك لم يمنعه هو وأتباعه من الضلوع في السياسة، والمشاركة في الانتخابات البرلمانية عندما تحين الفرصة كما سيأتي لاحقًا، وهنا يبرز الفارق بين جميع الحركات الإسلامية التي سبقت حركة الإخوان، وبين الإخوان المسلمين أنفسهم، فجميع الحركات الإسلامية في هذا الوقت اقتصرت على الدين ولكن جماعة الإخوان وحدها اشتغلت بالسياسة منذ اللحظة الأولي لنشأتها حتى غطت الطبيعة السياسية للجماعة على نشاطها الديني. كان الشيخ حسن البنا حريصًا على اظهار جماعته كجماعة دعوية تعمل بأسلوب الحكمة والموعظة الحسنة، إلا أنه في مايو 1938، ومع ظهور العدد الأول من مجلة الإخوان الرسمية الأسبوعية؛ النذير، وبالتزامن مع بلوغ شعب الجماعة 300 شعبة، خرج البنا عن طمأنته السابقة للأحزاب بأن الجماعة ليست طرفًا سياسيًا، وأعلن عن التحول من دعوة الكلام وحده، إلى دعوة الكلام المصحوب بالنضال والأعمال، وشدد أن الجماعة ستخاصم جميع الأحزاب والزعماء خصومة لا سلم فيها ولا هوادة معها، وجاءت حجة تبني الإخوان للعمل السياسي بحجة تنافر الأحزاب مصرحًا بأنه في حالة تخلف قادة الشعب عن تولي الأمور فأنه سيتقدم ليقود الشعب. وطرح البنا أول مرة الشعار الإخواني الشهير؛ الإسلام دين ودولة. . ومصحف وسيف، وفي ذلك العدد من النذير كان عنوان المقال الرئيس الذي كتبه البنا ووقعها بتوقيعه وصفته كمرشد عام للجماعة هو؛ خطوتنا الثانية إلى الأمام دائمًا، الدعوة الخاصة بعد الدعوة العامة. . أيها الإخوان تجهزوا، في هذا المقال قال البنا نصًا: إن دعوة الإخوان بدأت منذ عشر سنين، وكانت مصر يوم أن نبتت هذه الدعوة المجددة لا تملك من أمر نفسها قليلًا ولا كثيرًا، يحكمها الغاصبون، أصبح للإخوان دار في كل مكان، والآن قد حان وقت العمل، وآن أوان الجد، ولم يعد هناك مجال للإبطاء، فإن الخطط تُوضع، والمناهج تُطبّق، سننتقل من حيز دعوة العامة إلى حيز دعوة الخاصة، أيضًا ومن دعوة الكلام وحده، إلى دعوة الكلام المصحوب بالنضال والأعمال، وسنتوجه من المسؤولين من قادة البلد وسندعوهم إلى منهاجنا، إلى الآن أيها الإخوان لم تخاصموا حزبًا وهيئة، كما أنكم لم تنضموا إليهم، ولقد تقول الناس عليكم، فمن قائل إنكم وفديون نحّاسيون، ومن قائل إنكم سعديون ماهريون، ومن قائل أنكم أحرار دستوريون، ومن قائل أنكم بالحزب الوطني متصلون، ومن قائل أنكم إلى مصر الفتاة تنتسبون، إنكم من كل ذلك بريئون. (حسن البنا، النذير) وحدد برنامجه فقال؛ كان موقفكم أيها الإخوان سليبًا فيما مضى، أما اليوم في هذه الخطوة الجديدة فستخاصمون هؤلاء جميعًا، في الحكم وخارجه، خصومه شديدة، ولكن الإخوان الذين أعلنوا أنهم يخاصمون الأحزاب كلها استثنوا الملك بالطبع، فقال البنا في ختام مقاله: إن لنا في جلالة الملك المُسلم -أيّده الله- أملًا محققًا، وفي الشعب المصري الذي صقلته الحوادث ونبهته التجارب ومعه الشعوب الإسلامية المتآخية بعقيدة الإسلام، نظرا صادقاً. (حسن البنا، النذير) ثم أتى المؤتمر العام الخامس للجماعة في يناير 1939، وهو الأهم والأضخم في تاريخ الجماعة، الذي تزامن مع مرور عشرة سنوات على إنشاء الجماعة، وهو الذي أعلن فيه البنا تبنى الإخوان للعمل السياسي وإعادة تنظيم الجماعة وأوضح نصًا أن جماعة الإخوان المسلمين دعوة سلفية، وطريقة سنية، وحقيقة صوفية، ومنظمة سياسية، وجماعة رياضية، ورابطة علمية ثقافية، وشركة اقتصادية، وفكرة اجتماعية وتأرجحت علاقة الإخوان بالتيارات والأحزاب السياسية بين وفاق وشقاق وفقًا للمصلحة، كما اتبع الإخوان سياسة الإقصاء والمحاربة لمختلف التيارات طمعًا في انفرادهم بالساحة السياسية، فقام الإخوان باتهام مصر الفتاة بالتناقض وأدانوا تغيير انتماءاتهم الفكرية، دون الالتفاف إلى تناقضهم هم ذاتهم، حيث تبني حزب مصر الفتاة برنامج سياسي ذو طابع إسلامي رافعًا شعار؛ مصر فوق الجميع، فأتهمهم الإخوان بتقليد الفاشية والنازية لأنهم -أي النازيين- أول من رفعوا شعار "ألمانيا فوق الجميع" مستنكرين عليهم ولائهم لمصر، مطالبين إياهم بتغيير الشعار ليكون؛ الإسلام فوق الجميع --- ### ضد التهود: الآباء اليونانيون - Published: ۲۰۲٤-۱۰-۱۱ - Modified: 2024-10-11 - URL: https://tabcm.net/30184/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: آريوسية, أسفار موسى, أوريجينوس ليونايدس أدامانتيوس, التبني, الكنيسة الجامعة, المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية, المكتبة البولسية, بابا كيرلس عمود الدين, باسيليوس الكبير، أسقف قيصرية الكبادوك, بولا رأفت, چورچ فرج, حنا الفاخوري, سعيد حكيم يعقوب, ضد الآريوسيين, عدنان طرابلسي, غريغوريوس النيسي, قديس أثناسيوس الرسولي, مرقس داود, مرقيون السينوبي, مكتبة المحبة, نصحي عبد الشهيد بطرس, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية, يوسابيوس بامفيلوس القيصري سوف نبحث في هذا الجزء صراع الآباء اليونانيين مع بدع التهود والمتهودين التي ظلَّت تلاحق الكنيسة على مر عصورها وإلى يومنا هذا. العلامة أوريجينوس التهود وإتباع ناموس اليهود يشير العلامة أوريجينوس إلى جماعة الأبيونيين المتهودين الذين كانوا يتظاهرون بالمسيحية، حيث كانوا يقبلون بيسوع ويفتخرون بأنهم مسيحيون، ولكنهم مازالوا يريدون العيش وفق ناموس اليهود كجموع اليهود، ولكن يُقرَّ العلامة السكندريّ بأنهم يُقدِّمون أفكارًا غريبةً لا تنسجم مع العقائد التقليدية التي تسلَّمناها من الرب يسوع لنكون مسيحيين: ((أوريجينوس، ضد كلسس ج2، ترجمة: القس بولا رأفت، 2022، 5: 61، ص 269. )) ولنعترف بأن البعض يقبلون يسوع أيضًا، ولهذا السبب يفتخرون بأنهم مسيحيون مع أنهم لا يزالون يريدون العيش وفق ناموس اليهود كجموع اليهود. هذه هي طائفتا الأبيونيين، الأولى تعترف كما نفعل بأن يسوع وُلِدَ من عذراء، والثانية تؤمن بأنه لم يُولَد فيها بهذه الطريقة، ولكن مثل الرجال الآخرين. (أوريجينوس، ضد كلسس ج2) ق. أثناسيوس الرسولي التهود والتظاهر بالمسيحية يُشبِّه ق. أثناسيوس الآريوسيين بأنهم مثل اليهود، لا يؤمنون بألوهية المسيح، ويطالبهم بأن يُختتنوا مثل اليهود، ولا يتظاهرون بالمسيحية، ويحاربونها في الخفاء، وهذه هي صورة التهود التي تتسلل دائمًا إلى الكنيسة، حيث يتظاهر البعض بالمسيحية والدفاع عن العقائد المسيحية، بل ويلبسون ثياب المسيحية، ولكن للأسف عقولهم وقلوبهم وأفكارهم مملوءة ومتشبعة بأفكار التهود وعقائده غير المسيحية: ((أثناسيوس، المقالات الثلاثة ضد الآريوسيين، ترجمة: مجموعة من المترجمين، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2017، 1: 11: 38، ص 104. )) لماذا، إذًا، وهم يعتقدون مثل اليهود، لا يختتنون مثلهم، بل يتظاهرون بالمسيحية، بينما هم يحاربونها، لأنه لو كان غير موجود، أو لو كان موجودًا ثم رُقِيَ فيما بعد، فكيف خُلِقَت كل الأشياء بواسطته، وكيف يفرح به الآب لو لم يكن كاملاً؟ (أثناسيوس، المقالات الثلاثة ضد الآريوسيين) التهود ورفض التبني لله الآب ويصف ق. أثناسيوس بدعة الآريوسيين مُنكري ألوهية اللوغوس، بأنها بدعة المتهودين المعاصرين، حيث يشرح المتهودون الثالوث بصورة تتطابق مع الشرح الآريوسيّ، بحيث أن السامع لا يمكنه إدراك الفرق بين الأرثوذكسية والتهود أثناء الحديث، ويتعجب ق. أثناسيوس من كلام المتهودين الجدد الذين يرفضون بنوة الله الآب، وإعلان الابن المتجسِّد عنه كأب حقيقيّ للبشر: ((أثناسيوس، المقالات الثلاثة ضد الآريوسيين، ترجمة: مجموعة من المترجمين، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2017، 1: 11: 39، ص 106. )) وهؤلاء المشارِكون الأولون كيف لا يُشارِكون اللوغوس؟ وهذا التعليم ليس حقيقيًا، بل هو بدعة المتهودين المعاصرين. فكيف، إذًا، في هذه الحالة –يمكن لأيّ أحد على الإطلاق، أن يتعرَّف على الله كأب؟ لأن من غير المستطاع أن يحدث التبني بغير الابن الحقيقيّ، وهو نفسه القائل: ولا أحد يعرف الآب إلا الابن ومَن أراد الابن أن يُعلِن له ((إنجيل متى 11: 27 )). (أثناسيوس، المقالات الثلاثة ضد الآريوسيين) التهود وتحريف تفسير نصوص الكتاب المقدس يُشبِّه ق. أثناسيوس الآريوسيين، بأنهم مثل اليهود يتبنون أسلوب قيافا في تحريف معاني أقوال الكتاب المقدَّس، حيث أنهم بذلك يريدون أن يتهودوا، وهكذا يُحرِّفون معاني الكتاب المقدَّس لخدمة أغراضهم غير الأرثوذكسية، بل ولا يستخدمون الأقوال الرسولية في العهد الجديد: ((أثناسيوس، المقالات الثلاثة ضد الآريوسيين، ترجمة: مجموعة من المترجمين، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2017، 1: 13: 53، ص 130، 131. )) ولكنهم بدلا من المعنى الحقيقيّ، فإنهم يلقون بذور سم هرطقتهم الخاصة، لأنهم لو عرفوا لما صلبوا رب المجد ((رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس 2: 8 ))، ولما كانوا يُحرِّفون معاني أقوال الكتاب الحسنة. إذًا، فإنْ كانوا يتبنون أسلوب قيافا صراحًة، فإنهم يكونون تبعًا لذلك قد قرَّروا أن يتهودوا، حتى أنهم يجهلون المكتوب بأنه حقًا سيسكن الله على الأرض ((سفر زكريا 2: 10 ))، دعهم لا يفحصون الأقوال الرسولية، لأن هذا ليس من سمة اليهود. (أثناسيوس، المقالات الثلاثة ضد الآريوسيين) التهود وإلباس اليهودية اسم المسيحية ويُحارِب ق. أثناسيوس تهود الآريوسيين، الذين يتظاهرون بالمسيحية، ولكنهم في حقيقتهم ينكرون حقيقة التجسُّد الإلهيّ، وينكرون ألوهية وأزلية المخلِّص، مثل اليهود، فيدعوهم أن يُختتنوا ويتهودوا علانيةً. نفس الأسلوب الذي يتبعه المتهودون في كل عصر، يتظاهرون بالمسيحية، وهم ينكرون في داخلهم العقائد المسيحية الأرثوذكسية، ويحاولون إلباس اليهودية اسم المسيحية: ((أثناسيوس، المقالات الثلاثة ضد الآريوسيين، ترجمة: مجموعة من المترجمين، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2017، 3: 26: 28، ص 329. )) إذًا، طالما أن هذا الضلال هو يهوديّ، ويُوصَف هكذا نسبةً إلى يهوذا الخائن، فدعهم إذًا يعترفون صراحةً بأنهم تلاميذ قيافا وهيرودس، بدلًا من أن يُلبِسوا اليهودية اسم المسيحية، ولينكروا تمامًا كما سبق أن قُلنا حضور المخلِّص في الجسد، لأن هذا الإنكار أقرب إلى بدعتهم. أو إنْ كانوا يخافون أن يُختتنوا ويتهودوا علنًا بسبب خضوعهم للملك قسطنطيوس، ولأجل أولئك الذين خُدِعوا منهم، إذًا، فدعهم لا يقولون ما يقوله اليهود، لأنهم إنْ تخلوا عن الاسم فيلزمهم عن حق أن يرفضوا العقيدة المرتبطة بالاسم، لأننا نحن مسيحيون. أيها الآريوسيون –نعم نحن مسيحيون ونحن نتميَّز بأننا نعرف جيدًا ما تقوله الأناجيل عن المخلِّص، ونحن لا نرجمه مع اليهود عندما نسمع عن ألوهيته وأزليته، كما أننا لا نعثر معكم، في الكلمات المتواضعة التي قالها من أجلنا كإنسان. (أثناسيوس، المقالات الثلاثة ضد الآريوسيين) يوسابيوس القيصري التهود والخلاص بالناموس والمسيح يتحدَّث يوسابيوس القيصريّ عن جماعة المتهودين التي تُدعَى بـ ”الأبيونية“، التي نادت بأن المسيح مُجرَّد إنسانًا عاديًا، وأنه تبرَّر فقط بسبب فضيلته السامية، وإنه كان ثمرة لاجتماع رجل مُعيَّن مع القديسة مريم، ويعتقدون بأنه مِن الضروريّ الاحتفاظ بالناموس الطقسيّ، لأنهم لا يستطيعون الخلاص بالإيمان بالمسيح فقط: ((يوسابيوس القيصري، تاريخ الكنيسة، ترجمة: القمص مرقس داود، مكتبة المحبة، 1999، 3: 27، ص 130. )) وقد كان الأقدمون مُحقين إذ دعوا هؤلاء القوم ’أبيونيين‘ لأنهم أعتقدوا في المسيح اعتقادات فقيرة ووضيعة. فهم اَعتبروه إنسانًا بسيطًا عاديًا، قد تبرَّر فقط بسبب فضيلته السامية، وكان ثمرة لاجتماع رجل مُعيَّن مع مريم. وفي اعتقادهم أن الاحتفاظ بالناموس الطقسيّ ضروريّ جدًا، على أساس أنهم لا يستطيعون أن يخلُصوا بالإيمان بالمسيح فقط وبحياة مماثلة. وقد حافظوا مثلهم على السبت وسائر نظم اليهود، ولكنهم في نفس الوقت حافظوا على أيام الرب مثلنا كتذكار قيامة المخلِّص. ولهذا أُطلِقَ عليهم اسم ’أبيونيون‘ الذي يُعبِّر عن فقرهم في التفكير. لأن هذا هو الاسم الذي يُطلَق على رجلٍ فقير بين العبرانيين. (يوسابيوس القيصري، تاريخ الكنيسة) ق. باسيليوس القيصري الكبير الناموس هرم وشاخ يُشدِّد ق. باسيليوس الكبير على أننا ينبغي أن نعبد الله لا بالمعنى القديم للحرف، بل بالمعنى الجديد للروح. لأنه مَن لا يلتزم بحرف الناموس، بل بفهم روح الناموس، هذا يغني للرب أغنية جديدة: ((باسيليوس الكبير، تفسير سفر المزامير ج 1، ترجمة: د. سعيد حكيم، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2020، عظة 6: 2، ص 186، 187. )) غنوا له أغنية جديدة ((مزمور 33: 3 )) بمعنى، أن تعبدوا الله، ليس بالمعنى القديم للحرف، بل بالمعنى الجديد للروح. فهذا الذي لا يلتزم بحرف الناموس، بل بفهم روح الناموس، هذا يُغنِي للرب أغنية جديدة. لأن ذلك الذي هرم وشاخ، قد مضى وانقضى من الوعد. أمَّا نحن فقد تَبِعنا الترنيمة الجديدة والمتجدِّدة التي لتعليم الرب، والذي يُجدِّد مثل النسر شبابنا ((مزمور 3: 1-5 ))، عندما يفنى إنسان الخارج، ونتجدَّد يوما فيوم. (باسيليوس الكبير، تفسير سفر المزامير ج 1) ق. غريغوريوس النيسي الناموس ظل وصورة يرى ق. غريغوريوس النيسيّ أن الناموس الذي أُعطِيَ منذ البَدْء هو ظل وصورة لمَّا سيأتي، لذا فإنه يظل غير صالح للمعارك الحقيقية، ولكن المسيح هو مُتمِّم الناموس: ((غريغوريوس النيسي، حياة موسى أو الكمال في مجال الفضيلة، ترجمة: الأب حنا الفاخوري، منشورات المكتبة البولسية، 1996، القسم الثاني، ص 85. )) والناموس الذي أُعطِيَ منذ البدء كظلٍ وصورةٍ لمَّا سيأتي، يظلُّ غير صالحٍ للمعارك الحقيقية ((رسالة بولس إلى العبرانيين 8: 5 )). وقائد الجيش هو الذي ’يُتمِّم الناموس‘؛ وهو الذي بُشِّر به مِن قبل وكان مُشترِكًا في الاسم مع خليفة موسىالذي كان على رأس جيش إسرائيل. (غريغوريوس النيسي، حياة موسى أو الكمال في مجال الفضيلة) ق. يوحنا ذهبي الفم الناموس القديم جزئي وناقص يشير ق. يوحنا ذهبيّ الفم إلى أن المعرفة بناموس العهد القديم كانت جزئية وناقصة إذَا ما قُورنت بمعرفة العهد الجديد الآتية، وهكذا يُبطل الجزئيّ والناقص بالمعرفة الأخرى الكاملة، لأنه متى جاء الكامل فحينئذٍ يبطل ما هو بعض، فهل يجرؤ أحد المتهودين الجدد على الادعاء بأن ذهبيّ الفم كان ماركيونيًا أو يتبع فكر الهرطقة الماركيونية؟ ((يوحنا ذهبي الفم، شرح إنجيل متى ج 1، ترجمة: د. عدنان طرابلسي، 1996، عظة 16: 6، ص 182. )) مِن كل هذه الاعتبارات يتضح أنه ليس مِن أيّ سوء في ناموس العهد القديم فشل في أن يأتي بنا، وإنما لأنَّ الوقت الآن هو وقت الوصايا الأسمى. وإنْ كان أنقص من الجديد فلا يعني هذا أنه شرير: وإلا بناءً على هذا المبدأ سيكون الناموس الجديد ذاته في الحالة نفسها شريرًا. فإن معرفتنا، في الحقيقة، إنْ قُورنت بالمعرفة الآتية، فهي نوع من الأمر الجزئيّ والناقص الذي يبطل بمجيء المعرفة الأخرى . يقول: لكن متى جاء الكامل فحينئذٍ يبطل ما هو بعض رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس 13: 10)، كما حدث للناموس القديم من خلال الجديد. ومع ذلك فنحن لا نلوم الناموس الجديد على هذا، لأنه يُفسِح المجال لحصولنا على الملكوت، لكنا ندعوه عظيمًا بسبب هذا كله. (يوحنا ذهبي الفم، شرح إنجيل متى ج 1 ) العهد الجديد أكثر أهمية من القديم يناقش ق. يوحنا ذهبي الفم معضلة صعوبة تفسير نبوات العهد القديم وسهولة تفسير العهد الجديد، مع أن العهد الجديد يتحدَّث في أمور أكثر أهمية من العهد القديم، مثل: ملكوت السموات، وقيامة الأموات، والخيرات التي لا تُوصَف: ((يوحنا ذهبي الفم، القصد من غموض النبوات، ترجمة: د. چورچ فرج، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2017، عظة 1: 3، ص 53، 54. )) فدعونا نفتح آذاننا، طالما سوف نستمع إلى ألغاز نبوية لأن أقوال الأنبياء تُشبِه الألغاز، وتوجد صعوبة شديدة لفهمها في العهد القديم كما أن أسفاره عسرة الفهم، بينما العهد الجديد أكثر وضوحًا وأكثر سهولةً. ويمكن لأيّ أحد أن يتساءل ولماذا قد دُوِّن العهد القديم بهذه الطريقة، مع أن العهد الجديد يتحدَّث في أمور أكثر أهمية مثل ملكوت السماوات، وعن قيامة الأموات، وعن الخيرات التي لا تُوصَف وتتجاوز حدود العقل البشريّ؟ (يوحنا ذهبي الفم، القصد من غموض النبوات) ق. كيرلس السكندري كلمات الناموس مجرد رموز وظلال يدحض ق. كيرلس السكندريّ بدع المتهودين بضرورة إتباع الناموس، حيث يُؤكِّد على أن كلمات أسفار موسى هي مُجرَّد ظلال ورموز لكلمات المخلِّص الرب يسوع المسيح، لأن كلمات المسيح أسمى وهي الحق، فهل يمكن أن يتجرأ المتهودون الجدد في عصرنا على الادعاء بأن ق. كيرلس الإسكندريّ كان ماركيونيًا في جعله لكلمات المسيح أسمى وأحق من كلمات أسفار موسى؟! ((كيرلس الإسكندري، شرح إنجيل يوحنا مج1، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2015، 3: 1، ص 313. )) قد يظن وبشكلٍ خاطئ أن أسفار موسى تفوق كلمات المخلِّص. لأن هذا ما تبدو عليه الآية بحسب الظاهر، وبقدر ما يقول قائل، معتبرًا الآية دون تدقيق، تسبغ على أسفار موسى شهرة أكثر من كلمات المخلِّص. لأنه بقوله: فإن كُنتم لستم تصدقون كُتب ذاك، فكيف تصدقون كلامي ((إنجيل يوحنا 5: 47 )). فإنه بطريقة ما يعطينا أن نفهم أن كتب موسى في موضع أسمى من كلماته هو. لكن طبيعة الأمر إذَا ما تفحصناه بعمقٍ سوف يكشف لنا عن مدى حماقة تلك الفكرة البعيدة عن التصديق والقبول، لأنه كيف يمكن أن تُعرَف كتب موسى بأنها تفوق كلمات المخلِّص، بينما كلماته كانت رموزًا وظلالاً وكلمات المسيح هي الحق؟ (كيرلس الإسكندري، شرح إنجيل يوحنا مج1) معرفة الناموس ناقصة يرى ق. كيرلس أن تعليم الناموس لم يكن كافيًا لتتميم حياة التقوى في خدمة الله، ولم يُكمِّل شيئًا. ويرى أن المعرفة التي أُعطِيت عن الله في الناموس هي معرفة ناقصة، ولكن يُعلِّم ربنا يسوع المسيح بأمورٍ أفضل مما كانت تحت الناموس. فهل يجرؤ أحد المتهودين الجدد في عصرنا على اتهام ق. كيرلس الإسكندريّ، الملقَّب بـ”عمود الدين“، وبـ”ختم الآباء“، بأنه كان ماركيونيًا؟ ((كيرلس الإسكندري، شرح إنجيل يوحنا مج 2، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2015، ص 369. )) لأنه كما أن الناموس حينما أتى بهذا التعليم، الذي لم يكن كافيًا لتتميم حياة التقوى في خدمة الله، لم يُكمِّل شيئًا. هكذا أيضًا المعرفة التي أُعطِيت عن الله تحت الناموس كانت ناقصة، وكانت فقط تستطيع أن تمنع الناس من عبادة الآلهة الكاذبة، وتُقنِعهم أن يعبدوا الإله الحقيقيّ الواحد، لأنه يقول: لا يكن لك آلهة أخرى أمامي ((سفر الخروج 20: 3 ))، وللرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد ((إنجيل متى 4: 10 من تث 6: 13 )). ولكن يُعلِّم ربنا يسوع المسيح بأمور أفضل من التي كانت تحت الناموس، ويُعلِّم تعليمًا أوضح من وصية الناموس، ويُقدِّم للجميع معرفةً أفضل وأوضح من معرفة العهد القديم. لأنه أوضَّح لنا بأن وضع نفسه أمامنا على أنه صورة الآب قائلاً: مَن رآني فقد رأى الآب ((إنجيل يوحنا 14: 9 )). وأيضًا أنا والآب واحد ((إنجيل يوحنا 10: 30 )). (كيرلس الإسكندري، شرح إنجيل يوحنا مج 2) عدم كمال الناموس يشير ق. كيرلس إلى أن المسيح أنقص من قوانين الناموس، وأضاف إليها مُحوِّلاً الرمز إلى الحقيقة، فالمسيح لم يكن مثل الكتبة الذين كانوا يُطبِّقون تعليم الناموس في كل مرة في أحاديثهم معه، بل لم يكن المسيح يتبع الرموز التي كانت في كتب الناموس كأنه مُستعبَد لها، بل كانت كلمته مُميَّزةً بالقوة الإلهية: (((كيرلس الإسكندري، شرح إنجيل يوحنا مج 2، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2015، ص 390. )) لأن الكتبة كانوا يُطبِّقون تعليم الناموس في كل مرة في أحاديثهم معهم، أمَّا ربنا يسوع المسيح فلم يكن يتبع الرموز التي في كتب الناموس كأنه مُستعبَد لها، بل إذ هو يجعل كلمته مميَّزةً بالقوة الإلهية، فإنه يُنادِي: سمعتم إنه قيل في القديم لا تزن. أمَّا أنا فأقول لكملا تشتهي ((إنجيل متى 5: 27، 28 )). رغم أن الناموس يقول صراحةً إنه لا ينبغي لأيّ واحد أن يضيف على قوانين الله أو يُنقِص منها. ولكن المسيح أنقص منها وأيضًا أضاف إليها، مُحوِّلاً الرمز إلى الحقيقة. لذلك، فلا يمكن أن يُحسَب أنه مِن بين الذين هم تحت الناموس، أيّ مِن بين المخلوقات، لأن مَن وُضِعت على طبيعته وصية العبودية، يكون بالضرورة تحت الناموس. (كيرلس الإسكندري، شرح إنجيل يوحنا مج 2) الخلاصة: نخرج من هذا البحث ببعض النتائج الهامة والضرورية، وهي أن مجال الدراسات اليهودية هو مجال بحثيّ وأكاديميّ مهم في فهم الخلفية الحضارية، والتاريخية، والاجتماعية، والدينية لنصوص العهد الجديد، ولكن تفسير عقائد وتعاليم العهد الجديد ينبغي أن يكون في ضوء عمل المسيح وتدبيره للخلاص، وليس في ضوء تعاليم العهد القديم العتيق. حيث يُؤكِّد آباء الكنيسة الجامعة على أن قد تحرَّرنا من أحكام ووصايا الناموس اليهوديّ، وحارب آباء الكنيسة بدع التهود والمتهودين في القرون الأولى منذ نشأة المسيحية، متمثلة في جماعة الأبيونيين وغيرهم من المسيحيين المتهودين، الذين كانوا يتظاهرون بقبول المسيحية، ولكنهم ما زالوا يتبعون ناموس اليهود وتفاسيرهم وتأويلاتهم، ويطبقونها في تفسير نصوص العهد الجديد، وهو ما نراه الآن يحدث في عصرنا الحديث تحت دعوى دراسة الخلفية اليهودية للأناجيل والرسائل على اعتبار أن المسيح والرسل كانوا يهودًا في الأصل، ولكن هذه في الحقيقة دعوات للارتداد إلى التهود بصورةٍ مُقنَّعةٍ وغير واضحة. لقد أكَّد جميع الآباء والمعلمين الكنسيين بلا استثناء في القرون الأولى للمسيحية على أن العهد الجديد قد أبطل وصايا وشرائع العهد القديم، لأن العهد القديم كان مُجرَّد ظل وصورة ورمز للعهد الجديد. كما واجه آباء الكنيسة خطر التهود والارتداد إلى اليهودية، الذي بدا واضحًا في دخول التفاسير والتأويلات اليهودية للعقائد المسيحية الأساسية، فحذَّر آباء الكنيسة المؤمنين الحقيقيين من الانسياق وراء هذه المعتقدات والتفاسير والتأويلات اليهودية. وناشد آباء الكنيسة المؤمنين المسيحيين الحقيقيين عدم التعاطي مع هذه المعتقدات والأفكار اليهودية الدخيلة على إيمان الكنيسة المسلَّم من المسيح إلى الرسل. وأشار آباء الكنيسة أيضًا إلى أن تعاليم وناموس العهد القديم هي تعاليم رمزية ومؤقتة بطُلت بمُجرَّد مجيء المرموز إليه وهو شخص الرب يسوع نفسه، مُتمِّم الناموس ومُكمِّله، وحجر الزاوية لكنيسة العهد الجديد. كما أكَّد آباء الكنيسة على أن تعاليم الناموس والعهد القديم هي تعاليم جزئية وناقصة كمُلت بمجيء تعاليم العهد الجديد الأسمى والأكمل، وأنه حينما يأتي الكامل فحينئذٍ يبطُل كل ما هو جزئيّ وناقص. وعندما كان آباء الكنيسة يصفون تعاليم العهد الجديدة بتلك الأوصاف، لم يخشوا من الاتهامات بالهرطقة الماركيونية، التي يُطلِقها البعض في أيامنا هذه عن جهل وعدم وعي، على كل مؤمن حقيقيّ يريد التمسُّك بتعاليم الأرثوذكسية كما هي في الكتاب المقدَّس، وكما شرحها آباء الكنيسة بكل أمانة وتقوى. فهل يجرؤ هؤلاء المتهودون الجدد على إطلاق هذه الاتهامات الباطلة على آباء الكنيسة الأرثوذكسيين في سياق وصفهم لتعاليم العهد القديم، بأنها تعاليم ناقصة وجزئية عند مقارنتها بتعاليم العهد الجديد الكاملة والسامية؟! --- ### هل نعيد الاعتبار لنيقية؟ - Published: ۲۰۲٤-۱۰-۱۰ - Modified: 2024-10-10 - URL: https://tabcm.net/30639/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: إكليروس, التقويم الشمسي, التقويم القمري, الفصح اليهودي, جايوس فلاڤيوس ڤاليريوس أوريلوس قسطنطينوس, عيد القيامة, كارل چوزيف ڤون هيفيليه, كنيسة الإسكندرية إحدى أكبر الأكاذيب التي ترتبط بمجمع "نيقية" هو علاقته بتحديد موعد عيد القيامة، بالطريقة التي نحدد بها موعد العيد حاليًا. في الواقع إن الإسهام الملموس لهذا المجمع فيمَا يخص هذا الموضوع هو فقط تخطئة بدعة "الأربعشرية" وهي الاحتفال بالصلب يوم أربعة عشر نيسان مع الفصح اليهودي إحدى ضروب "الهلس" الإكليروسي هو إسباغ القداسة على المجامع، وإضفاء العصمة على قراراتها، "مستدعين" الروح القدس لينسبوا إليه هذه القرارات دون حياء. واستعمل هنا مفردة "الهلس" لأن الأمر مشاع بين الغرض والغباء، بعض الإكليروس وكنائسهم ينتهجون هذا "الهلس" لأغراض بناء أسوار بين شعوبهم والتفكير، في حين ينتهج الآخرون هذا "الهلس" لأنهم هم "هلس"، فلا يستطيعون إنتاج شيئا أفضل من "الهلس". الكذب على المجامع مظهر آخر للإكليروس "الهلس"، ومرة أخرى نصفهم بـ"الهلس" لأن الأمر أيضًا مشاع بين الغرض الخبيث والغباء والجهل، بعضهم يكذب واعيًا عامدًا متعمدًا، والبعض سمع الكذب فاستمر يجتره كالجاموسة "العشر" وجميعهم في "الهلس" سواء. إحدى أكبر الأكاذيب التي ترتبط بمجمع "نيقية" هو علاقته بتحديد موعد عيد القيامة، بالطريقة التي نحدد بها موعد العيد حاليًا. في الواقع إن الإسهام الملموس لهذا المجمع فيمَا يخص هذا الموضوع هو فقط تخطئة بدعة "الأربعشرية" وهي الاحتفال بالصلب يوم أربعة عشر نيسان مع الفصح اليهودي. عدا هذا قرر المجمع ثلاث محددات لعيد القيامة: الأولى: أن يحتفل بالعيد يوم الأحد حصرًا. (وذلك للقضاء على بدعة الأربعشرية) الثانية: ألا يُحتفل بالعيد إذا توافق مع الفصح اليهودي في نفس اليوم. (وهذا أيضًا يرتبط بالقضاء على بدعة الأربعشرية) الثالثة: منع الاحتفال بالعيد مرتين في عام واحد. وهذا البند الأخير هو ما يستحق التعليق، فالمقصود كما يقول "هيفيليه" في موسوعته الأكثر موثوقية والأشمل "تاريخ المجامع" هو اعتبار الاعتدال الربيعي كنقطة مرجعية وليس أي تاريخ آخر، وحيث أن الاعتدال الربيعي هو موعد محدد ثابت سنويًا، لا علاقة له بالقمر، يكون الاحتفال بالعيد في ميعاد ثابت لاحق للاعتدال الربيعي هو ما قرره آباء نيقية. قبل أن نتطرق لكيفية تعامل الكنائس مع ما وصل إليه المجمع، دعنا -عزيزي القارئ- نزيح الفرايا والأكاذيب التي ربطوها بالمجمع. هل هناك أي ارتباط مجمعي لتاريخي القيامة والفصح اليهودي؟ على الإطلاق، لا رمز ولا مرموز، لا قبل ولا بعد، ولا أدنى علاقة، العكس تمامًا، حرص المجمع على نفي أي وشيجة لهذا الارتباط. هل حسم المجمع الخلاف في طرق حساب موعد العيد بين الكنائس المختلفة؟ بعد أن حسم المجمع قراره بفض الارتباط بين موعد الصلب وموعد الفصح اليهودي بحرمه لبدعة الأربعشرية، تجاهل الاختلافات بين طرق حسابات تحديد موعد العيد. الخلاف الأشهر كان بين الإسكندرية وروما، بداية من موعد الاعتدال الربيعي، فبينما كان السكندريون يحتفلون به في 21 مارس بالتقويم اليولياني، كان الرومان يحتفلون به في 18 مارس، وكلاهما في محاولة للربط بين التقويم الشمسي اليولياني والتقويم القمري العبري (لتحديد موعد بَدْء الفصح اليهودي) استعمل دورة مختلفة، فبينما استعمل السكندريون الدورة الميتونية ذات التسعة عشر عامًا، استعمل الرومان دورة طولها 84 عامًا. كان هذا الاختلاف كفيلًا ألا يتطابق موعد العيد في أحيان كثيرة بين الكنيستين. والسؤال هنا: هل تجاهل المجمع هذا الخلاف على الرغم من اهتمامه الشديد بتوحيد موعد العيد بين الجميع، أم أنه بتحديده القاطع بمنع الاحتفال بالعيد مرتين في سنة واحدة، كان يوجه الكنائس إلى تثبيت موعد العيد في ميعاد محدد؟ لن تسعفنا المصادر المتاحة للوصول إلى إجابة ناجزة على هذا السؤال. هل أتى ذكر الأبقطي (طريقة الحساب السكندرية لموعد العيد) في مناقشات المجمع؟ لا، لم يحدث. هل كلف المجمع كنيسة الإسكندرية -لباعها الطويل في شئون الفلك- بتحديد موعد العيد وإعلانه لباقي الكنائس؟ لا توجد في قرارات المجمع ورسائله أية إشارة لهذه الفرية، حتى رسالة "قسطنطين" إلى شعب الإسكندرية التي جمل فيها قرارات المجمع لم تحمل هذه البشارة، ولو كانت حقيقية لكان ضروريًا أن تحوي هذه الرسالة ما يشير لهذا التكليف. مع هذا، أورد "هيفيليه" مقولة للقديس كيرلس دون ذكر مصدرها (حاولت البحث عنها ولم أصل إليها، وأظنها مدسوسة) ودون ربطها بنيقية، بل ربما تكون في تقديري -في أحسن أحوالها- اقتراحًا لأحد المجامع المحلية اللاحقة لنيقية وتحديدًا أنطاكيَة المنعقد سنة 341م أو سرديقية المنعقد سنة 343م، التي أعادت مناقشة الأمر مرة أخرى في محاولة للتوحيد، فيقول القديس كيرلس: إن المجمع كلف الإسكندرية تحديد موعد العيد وإرساله لروما التي تتولى إعلانه لباقي الكنائس بـ"السلطان الرسولي" لبابا روما. فهل يقبل من يروجون لهذه الكذبة هذه الصياغة؟ ومع هذا لم تنفذ هذه التوصية. كيف تعاملت الكنائس مع قرارات نيقية؟ باستثناء أصحاب الأربعشرية، لم تلتزم أي كنيسة بهذه القرارات، وبقيت كل كنيسة على طريقتها المستخدمة لتحديد موعد العيد، حتى أن العيد اللاحق مباشرة لنيقية لم يكن موحدًا، واستمر الاختلاف في سنوات عديدة لاحقة. هل آن الأوان لتفعيل قرارات نيقية؟ كما أسلفت، فقد تجاهلت جميع الكنائس المحدد الثالث لموعد عيد القيامة في موقف يثير الاندهاش حتما، مع هذه القداسة التي يسبغونها على المجامع وسنينها والمجتمعين فيها. والأكثر دهشة، أنهم يستعملون طرق بهلوانية -أرجو ألا يظنوا أنها مقدسة- لتحديد شيء غامض لا أفهمه؛ يقولون إنهم عن طريقها يصلون لموعد "ذبح خروف الفصح"، وإن سألت لماذا وما علاقتنا نحن بالفصح اليهودي! لهم فصحهم ولنا فصحنا، ستسمع إجابات ما أنزل الله بها من سلطان عن الرمز والمرموز وهراء آخر ثقيل لن تطيقه معدتك. الأدهى، إنك بسهولة ستكتشف أن طريقة الحساب هذه نادرًا ما تصادف الموعد "الفعلي" لذبح خروف الفصح، بل أن الفارق يصل أحيانًا لخمسة أسابيع كاملة، وإن استفهمت، ستسمع عجبًا، أن ما نحدده هو موعد ذبح الخروف "الحسابي" وأنه لا شأن لنا بموعد ذبح الخروف الفعلي، ولا تعلم وقتها أين ذهبوا بالرمز والمرموز. فإن وجب علينا الارتباط بموعد الفصح اليهودي، فيجب أن نحتفل بالقيامة في الأحد الواقع في أسبوع الفصح وهو ما لا يحدث إلا نادرًا، وإن لم يجب علينا هذا الارتباط، فما الداعي لهذه الأكروبات الحسابية؟ فعليا الأمر في منتهى البساطة، وهو واضح وضوح شمس أغسطس، يجب ألا نحتفل بالعيد مرتين في عام واحد كما يفعل اليهود الضالين وهذا بنص كلمات قسطنطين في رسالته لمن لم يحضر المجمع. ولا يعني هذا سوى الاحتفال به في أسبوع محدد سلفًا، تالي للاعتدال الربيعي، ولا يتبقى إلا اتفاق الكنائس على هذا الأسبوع، ويعيدوا الاعتبار إلى نيقية، الذي يتشدقون بقدسيته. خاتمة أولى: لا أحمل تقديرًا كبيرًا للمجامع وأحداثها، وأراها ملاعب فخمة للشيطان، ولكني ولا شك أقبل منها كل ما يتفق مع عقلي، الأمر الذي ينطبق على هذا الموضوع. خاتمة ثانية: بالتأكيد لن أعدم من يقول تعليقًا على المكتوب: "يعني بعد القرون دي كلها، أنت اللي جبت التايهة! ! " وسأجيبه: نعم، وعليه أن يتوقع مني أن آتيه دائمًا بالتايهة، لسبب بسيط، هو إنني لست مغرضًا أو غبيًا. --- ### سيجموند شلومو فرويد - Published: ۲۰۲٤-۱۰-۰۹ - Modified: 2024-10-09 - URL: https://tabcm.net/30144/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أفلاطون, ألفرد أدلر, أوديب, إرنست كريتستشمير, إيڤان بتروڤيتش باڤلوڤ, الديمقراطية, تشارلز روبرت داروين, سيجموند شلومو فرويد, كارل جوستاف يونج إن المجتمع يفرض لنا أسلوبًا للارتزاق، فيعين لنا بهذا الأسلوب ووسائله العواطف التي تسود نفوسنا من غيرة، وتحاسد إلى تعاون وحب، ومن مباراة تهدف إلى التفوق وتحمل في غضونها ما يلابسها من إحساسات القلق، وطينة تجمعنا في وجهة موحدة نحو خير المجموع، وعواطفنا التي تحرك نشاطنا هي جميعها ثمرة هذا النظام الارتزاقي الذي يرتِّب لنا معاني الضعة والشرف والخسة والسمو، ولن نستطيع أن نفهم معنى الانتحار أو الثأر والأمانة، أو الخيانة الزوجية، أو قوانين الزواج أو الطلاق، إلا إذا رجعنا إلى تلك النظم الأصلية في النصف الأول من القرن العشرين خطا كثير من العلوم خطوات تقرب الوثبات، فإن انتهاء الطبيعيات بالطاقة الذرية يعد وثبة، وإن تكن وثبة جامحة في الظلام؛ إذ ما كان أحد ينتظر أن يصل عالمنا إلى هذا الكشف العظيم قبل مئات السنين؛ ولذلك فوجئنا بالقنبلة الذرية فكانت شر البدايات التي عمَّمت الذعر. والتقدم في الطبيعة والكيمياء والبيولوجيا كان منتظرًا منذ أكثر من مائة سنة؛ لأن لهذه العلوم تاريخًا يعود في بعضها إلى أكثر من مائتي سنة، ولكن السيكولوجية كانت إلى نهاية القرن الماضي علمًا مغلقًا أو كالمغلق، ولعل أكبر ما عاق تقدمه بل ميلاده، هو أنه نشأ نشأة زائفة في حضن الفلسفة التي كانت تنأى عن التجربة، وتقتصر على التفكير المجرد. ثم جاء فرويد فكشف عن النفس قناعاتها بمفتاح جديد هو «العقل الكامن» أو الكامنة. وفكرة الكامنة هي إحدى الفكرات المحورية أو البذرية، فكرة خصبة ولدت، وتوالد أولادها، حتى ظهر من الأولاد ما عاق الأم، ولكنه في عقوقه قد أثمر ونفع. وفي العقد الأول من هذا القرن كان صوت فرويد هامسًا خافتًا، فما هو أن بلغنا العقدين الثاني والثالث حتى صخب وعلا بل طغى، وأحس العالم أن ها هنا قوة فكرية توجه الثقافة توجيهًا جديدًا لم نكن نعرفه من قبل. وإذا كان النصف الثاني من القرن التاسع عشر قد حفل بالصراع الفكري بشأن داروين والتطور، فإن النصف الأول من القرن العشرين قد حفل بصراع آخر بشأن فرويد والعقل الكامن، وبين الفكرتين شبه كبير؛ ذلك أن نظرية داروين قد أثبتت لنا أن الجسم البشري هو ثمرة التطور، وأنه لذلك يخفي كثيرًا من الأعضاء الأثرية القديمة التي ورثناها من الأرومة الحيوانية التي نشأنا منها. وكذلك الشأن في نظرية فرويد، فإنه أثبت أن النفس البشرية قد ورثت وظائف وحشية قديمة، وأننا نألم ونبتئس لأننا في صراع لا ينقطع بين هذه الوظائف الطبيعية القديمة، وبين قيود الحضارة التي تمنعنا من ممارستها. وقد قضيت كثيرًا من سِنِي عمري في ضوضاء هذه النظرية، وتأثرت بها كما يبدو من مؤلفاتي، فإني أعد منها خمسة أو ستة ألَّفتها في هذا الموضوع بالذات، أو تناولت الموضوعات الاجتماعية والثقافية بالشرح والتعليل السيكولوجيين، فإن كتبي «فن الحياة» و«كيف نسوس حياتنا بعد الخمسين» و«التثقيف الذاتي» و«الشخصية الناجعة» هي معالجات سيكلوجية لهذه الموضات، وهذا فضلًا عن كتابي «أسرار النفس» و«عقلي وعقلك» و«محاولات سيكولوجية» وهي في صميم السيكولوجية الشعبية. وقد انتفعت كثيرًا بهذا الاتجاه السيكولوجي في ثقافتي، ولكني لم أنتفع به كثيرًا في حياتي اليومية؛ لأني على الرغم من السيكولوجية ما زلت أعيش وفق ما نشأت وتدربت عليه أيام طفولتي إلا القليل، بل القليل جدًّا الذي استطعت أن أنفضه عن نفسي من أخلاق وعادات ذهنية طفلية، وأنا هنا شاهد على صحة التعاليم الفرويدية وهو أن للسنين الأولى من العمر أكبر الأثر في التوجيه الأخلاقي. ولكن جمعي بين فكرة التطور وفكرة العقل الباطن قد أخصب ذهني، وحرَّكني إلى تفكير أخلاقي جديد، فمن ذلك مثلًا أني تجنبت الخبط الذي يرجم به الكتَّاب في موضوعات مختلفة مثل السعادة، فإني وثبت فورًا وبداهة إلى أن السعادة هي الوجدان؛ أي ما يسميه عامة كتَّابنا «الوعي»، وأنه بمقدار ما عندنا من وجدان ودراية نكون سعداء، وبمقدار ما يستولي علينا العقل الكامن أو الكامنة نكون تعساء. وهكذا الشأن في موضوعات أخرى. وقولي إن فرويد قد هداني ووجهني ليس معناه أني قد سلمت له بلا قيد أو شرط، ولكنه كان البذرة التي أخصبت في نفسي، وأخصبت أحيانًا ضد ما أراده فرويد. وحسبي من ذلك أن أقول إني أوشك أن أكون «بافلوفيا» هذه الأيام من حيث الإيمان بأن الأفكار البشرية جميعها إنما هي رجوع انعكاسية مكيفة؛ أي معدولة عن الرجع الأصلي، ولكني ما زلت في شك. وقد كانت رحلتي في السيكولوجية وأنية متعثرة، بدأت بفرويد ثم يونج ثم أدلر، ثم أولئك الأمريكيين التجريبيين، ثم كرتشمر ثم بافلوف، ولكن فرويد هو الذي فتح لي الكوة، وبسط لي الميدان، وأكسبني الحافز. وفرويد هو بعد ذلك المفكر الأساسي بين السيكولوجيين، فإنه حط على الحقيقة الأولى، وهي الكظم العام للشهوة الجنسية، وما يؤدي إليه من اضطرابات شخصية. وهو حين يجعل هذه الشهوة حافزًا أوليًّا للنشاط البشري لا يعدو الحقيقة في عالم الحيوان كله. ثم هو حين يعلق مستقبلنا الأخلاقي والمزاجي والعاطفي على السنين الأولى من الطفولة إنما يوضح حقيقة بل أكبر الحقائق في مبادئ التربية، وقيمة العائلة الحاسمة في التوجيه الاجتماعي الصحيح. وأخيرًا هو الذي جعلنا نعرف أننا نسير في هذا العالم بقوة العواطف المستترة في الكامنة أكثر مما نسير بقوة الوجدان اليقظ الذي ندري به ما نفعل، فنحن نحب ونكره، ونخاف ونشجع، ونشمئز ونقبل، بعواطف اندست في كامنتنا منذ الطفولة ونكاد لا ندري بها إلا بعد التحليل الشاق. فقد يحب أحدنا فتاة ويتزوجها على اعتقاد أنه يحبها؛ لأنها جميلة أو وديعة، أو أن عينيها ساحرتان أو غير ذلك، وهو إنما أحبها لسبب طفلي هو أنها تشبه أمه أيام كانت تحمله على صدرها للرضاع، أو هو قد يكون مدللًا نشأ على احساس الحاجة إلى الأم، وقد وجد في هذه الفتاة رعاية الأم؛ لأنها أكبر سنًّا منه، فهو يستجملها لهذا السبب، أو هو وجد فيها كبرياء وتسلطًا وهو «مازوخي» يحب أن يتألم فهو يحبها؛ لأنه يحس في جانبها أنه ذليل (وأيضًا مَحمي)، أو قد يكون عكس ذلك؛ أي إنه سادي يحب إيقاع الأذى والقسوة بغيره، فهو يختارها صامتة منكسرة أو ضئيلة الجسم؛ لأن انكسارها وضآلتها يشبعانه ويزيدان إحساسه بالقوة، أو قد يكون شاذًّا، فهو يحبها لأنها تشبه الصبيان والشبان. وقد يكره أحدنا بعض الأطعمة، بل لعله يشمئز من رؤيتها بحيث يكاد يعتقد أن هذا الاشمئزاز «طبيعي»، وهو إنما يردد في نفسه ظرفًا معينًا سابقًا أو أسلوبًا للعيش قد تعلمه في طفولته. وقد نجد شخصًا له «إرادة حديدية» لا يتراجع ولا ينحرف عن هدفه مهما اعترضه من صعوبات، وكأنه معجزة عجيبة في التزامه هذا الهدف وفي توفيقه بتحقيقه، وحقيقة أمره أنه لظروف سابقة معينة قد تخيل هذا الهدف، وتجسم هذا الخيال الذي ربما يكون قد نشأ أيام الطفولة، ثم صار هذا الخيال يوجهه من حيث لا يدري، إلى هذا الهدف، ولبعض المجانين مثل هذه الإرادة الحديدية. والإيحاءات المختلفة من أبوينا، ومن المجتمع، ومما نقرأ، ومما نصادف في شبابنا، توجهنا وتعين لنا الحسن والقبيح، بحيث نعتقد أننا نحن الذين نعيِّن هذا الحسن وهذا القبيح، بل قد نتأثر بوحي أحلامنا ونحن نيام، ونسلك في الصباح وفق الرجوع التي أحدثها الحلم، ثم نبرر سلوكنا أو نسوغه بالمنطق. وكل هذا يدل على أن ما نحسبه منطقًا في سلوكنا إنما هو رجوع واستجابات لا شأن للمنطق فيها. ثم هو -أي «فرويد»- حين يوضح أن كلًّا منَّا -أي «الذات البشرية»- مؤلفة من ثلاثة أقانيم: أقنوم الإيد (id) وهو طبيعتنا الحيوانية وغرائزنا البدائية الكامنة، ثم أقنوم الإيجو، وهو شخصيتنا الوجدانية الاجتماعية التي ندرى بها، ثم أقنوم السوبر إيجو، وهو ضميرنا وما نتطلع إليه من شرف وبر وفضيلة، في كل ذلك لا نستطيع أن نخالف فرويد. وكذلك عندما يوضح لنا أن ضميرنا إنما يرجع في الأصل إلى مجموعة المحظورات التي تعلمناها منذ الطفولة، نضطر إلى التسليم بقوله. بل كذلك أيضًا لا نستطيع أن نخالفه حين يقرر أننا في الطفولة نحس دوافع لذية مبهمة تتفاوت بين القوة والضعف، من الغرام الصريح إلى الحب الأفلاطوني. كل هذا قد سلَّمت به وانتفعت به في مركباتي الذهنية، ولكني اضطررت إلى مخالفته في أساس نظريته وهو مركب أوديب هذا؛ ذلك أن فرويد يعتقد أن الطفل يحب أمه حبًّا جنسيًّا ويجد لذة جنسية في الرضاع والتمسح بجسمها، وهو يضطر إلى كظم هذا الحب خوفًا أو حياءً من أبيه، وأن هذا الكظم يدور في دورات مختلفة بعد ذلك في نفسه وهو يفرج عنه بنشاط بدلي كالتسامي، إلى إيجاد مؤسسات الحضارة أو إلى ألوان أخرى من الثقافة أو قد يمرض منه. ولم أستطع أن أقنع نفسي بكل هذا، ولكني مع ذلك أسلِّم بالعواطف المركَّبة في الطفل نحو الأب وهي حب وكراهة واحترام وعداء، وهي تُعزى في بعضها إلى مركب أوديب، فإن الطفل يغار على أمه من أبيه غيرة أظنها غير جنسية، أو هي إذا كانت جنسية فإن الإحساس الجنسي فيها ضعيف حتى لا يكاد يؤبه به؛ أي إن مركب أوديب ليس ميزان النفس البشرية، وليس أساس المركبات النفسية في الشباب. اختلافي هنا مع فرويد في الدرجة كما هو في الموضوع، فأنا أسلِّم بأن خيال الأم أيام الطفولة يلصق بالطفل سائر حياته حتى ليختار زوجته من طراز أمه، وهو ينظر إلى رئيسه الأعلى ومن دونه إلى الرؤساء نظرته الطفلية إلى أبيه. ولكن إذا سلَّمنا بأن هناك دوافع جنسية بين الطفل وأمه فإننا يجب ألا ننسى ما هو أهم منها، وأحرى بأن يكون الميزان الذي توزن به السكينة أو الاضطراب النفسي طوال العمر؛ ذلك أن تعلق الطفل بأمه والتصاقه بها أيام الطفولة، يجعله يحس نحوها بأنها مركز أمنه وطمأنينته، وهي موئله ومكان استغاثته عند الخوف، ومركب أوديب في هذا المعنى هو مركب الاحتماء من الخوف والخطر أكثر مما هو مركب الاشتهاء الجنسي. والأم هنا تمثِّل المجتمع، فإذا كانت قد أسرفت في حماية طفلها فإنه ينشأ عاجزًا كارهًا للاقتحام ينشد السلامة مهما كانت وضيعة... وإذا كانت قد أسرفت في تقييد حريته، فإنه ينشأ خائفًا ضائقًا بالصعوبات والأخطار الخفية، وهو ينشد مَن يحميه أو ما يحميه في شخص كالزوجة أو الرئيس، أو في عمل مستقر قد يكون قليل الكسب. ولما كانت حياتنا الاجتماعية الاقتصادية حافلة على الدوام بالأخطار، غير مطمئنة إلى المستقبل، يكثر فيها الإفلاس والتعطل وخوف المرض والموت والقلق على الوظيفة أو الأبناء، وخوف الهزيمة في الحب أو المباراة الاقتصادية العامة، فإن القلق الذي يصيبنا من جميع هذه الحالات يتخذ الأسلوب الذي نشأ عليه مع الأم أيام الطفولة. ولكن إذا كانت علاقة الأم بطفلها أو مركب أوديب، قائمة على التوسعة للطفل في مجال الحرية، بحيث يتعود الجراءة ويقدم ويخترع اختراعاته الصغيرة، فإنه عندما يكبر يستطيع تحمل الصعوبات بل يضحك من الأخطاء، ولا يخشى عليه من نيوروز أو سيكوز؛ أي من مرض عصبي أو عقلي. ولست أجد في كل هذا تناقضًا مع بافلوف الذي يرد عاداتنا الذهنية وعقائدنا وأفكارنا إلى تلك الرجوع الانعكاسية الأولى أيام الطفولة، ثم ما ينشأ منها من رجوع مكيفة؛ أي معدولة عن أصلها. ويكاد الفرق بين فرويد وبافلوف يكون سيميائيًّا أو لغويًّا في اختيار الكلمة أو أسلوب التعبير، ولكني لست فرويديًّا من حيث إيمان فرويد بأن لنا غرائز ثابتة موروثة في الرغبة في العدوان أو الموت، أو في هذا الاتجاه الأخلاقي، أو نحو ذلك. فقد وصلت بدراساتي الاقتصادية إلى أن التربية وحدها: العائلية، والاجتماعية، هي التي تعين لنا عواطفنا من حب وكراهية واستلطاف أو اشمئزاز، وكفر أو إيمان، وخضوع أو تمرد، وظني أن هذا هو الفرق الأساسي بين فرويد وبافلوف؛ الأول يكاد يكون غريزيًّا مائة في المائة، والثاني يكاد يكون اجتماعيًّا مائة في المائة. وبكلمة أخرى أقول إن المجتمع يفرض لنا أسلوبًا للارتزاق، فيعين لنا بهذا الأسلوب ووسائله العواطف التي تسود نفوسنا من غيرة، وتحاسد إلى تعاون وحب، ومن مباراة تهدف إلى التفوق وتحمل في غضونها ما يلابسها من إحساسات القلق، وطينة تجمعنا في وجهة موحدة نحو خير المجموع، وعواطفنا التي تحرك نشاطنا هي جميعها ثمرة هذا النظام الارتزاقي الذي يرتِّب لنا معاني الضعة والشرف والخسة والسمو، ولن نستطيع أن نفهم معنى الانتحار أو الثأر والأمانة، أو الخيانة الزوجية، أو قوانين الزواج أو الطلاق، إلا إذا رجعنا إلى تلك النظم الأصلية التي يرتزق بها الناس من صناعة أو زراعة ونحو ذلك. وأنا أعد نفسي ممتازًا على فرويد من هذه الناحية التي أعجب من إهماله لها، وهو إهمال خطير؛ لأن سيكولوجية فرويد الغريزية تعد راكدة جامدة إلا من حيث إنها تدعو إلى التفريج كي يقل الكظم، ولكن هذه السيكولوجية الاجتماعية التي تعلل العواطف بنظام المجتمع تعد متحركة ارتقائية؛ لأنها تنشد ترقية المجتمع لإيجاد العواطف البارة السارة، بل إن العلاقات الجنسية نفسها، على ما تنبني عليه من أساس طبيعي، تتكيف بالمجتمع بحيث تكون سوية أو شاذة؛ لأن الشذوذ الجنسي العدواني مثلًا هو اجتماعي في أصله، أو إذا كان هناك أساس طبيعي له فإن هذا الأساس لا يعلل أكثر من أربعة في المائة من الاتجاه العدواني. وكذلك الشأن في مركز المرأة العاطفي من الرجل، فإنها كما أثبتت «مارجريت ميد» ليست على الدوام مطلوبة مغرية مزدانة كما هو الشأن في مجتمعنا؛ إذ هي قد تكون عكس ذلك كله. وقد يزدان الرجل ويطلب من المرأة أن تغازله وتحاول استرضاءه واجتذابه. ومع أن المدارس «التحليلية» قد تعددت واختلفت أساليبها، فإنها جميعها ترجع إلى فرويد، ولا يكاد يوجد فيها إلا القليل الذي أوجده أدلر بما أسماه «مركب النقص». فرويد يعلق النشاط الذهني والاجتماعي والفني والديني إلى «اللبيد» الجنسي الذي نشأ من الكظم السابق أيام الطفولة بحب الأم وكراهة الأب؛ أي بمركب أوديب. وأدلر يعلق هذا النشاط، أو النشاط الشخصي على الأقل، بالنقص الكامن الذي نشأ في الطفولة ثم حرك عواطف تحفز وتوجِّه سائر العمر. و«يونج» يعلق هذا النشاط إلى الطاقة الطبيعية؛ أي الغرائز الأولى، وأيضًا إلى تراث العقائد والممارسات القديمة وكلمات اللغة والعادات البدائية كالسحر القديم، وهو يرى أن هذا التراث يحيا في الكامنة من وقت لآخر. لنفرض أن هناك كاتبًا ثائرًا نحاول أن نحلل ثورته التي ينشد منها الديمقراطية أو مكافحة الاستبداد، فإن من الواضح أن الناس ليسوا سواء في تحمل المظالم أو في الرغبة الحارة في التغيير الاجتماعي، فلماذا اختُصَّ هذا الكاتب بهذه الدعوة؟ فعند فرويد أن مرجع ثورته «مركب أوديب»؛ لأنه كان يكره أباه وخاصة إذا كان هذا الأب قد أساء إليه في طفولته واستبد به، وهو حين يكبر يضع الوزير أو الأمير المستبد مكان الأب، ويوجه إليه كراهيته وكفاحه. وعند أدلر أن هذا الكاتب كان أيام طفولته يجد نقصًا في جسمه أو شوهة في وجهه، وكان الخجل يحز فيه ويوجهه نحو التمرد على الرؤساء الذين أخذوا مكان المجتمع الذي كان يعيره أو يقف منه موقف التعيير أيام طفولته. وعند يونج أن هذا الكاتب ورث روح البطولة واحساس العدل من الثقافة البشرية العامة منذ نشأت الحضارات الأولى، فهو يمثل في كفاحه دعوة دينية ونهضة شعبية كثيرًا ما تكررت في التاريخ البشري. ومن هنا قيمة الأحلام، وهي قيمة كبيرة عند فرويد ولكنها أكبر عند يونج، ولا تكاد تكون لها عِبرة كبيرة عند أدلر. وإنما يكبر يونج من قيمة الأحلام؛ لأنها تبرز هذه الثقافات القديمة وقت النوم، فنحن نحلم كما لو كنا نعيش قبل عشرين ألف أو عشرة آلاف سنة؛ أي نعيش في بيئة الوحوش المفترسة، والغابات المظلمة، والكهوف الصخرية، والفزع والفرار مع الاستعانة بما يشبه قواعد السحر القديم والكيمياء المنقرضة. والحق أن في الأحلام شيئًا كثيرًا من هذا، وليس لنا الحق في أن نرفض وراثة الأفكار أكثر مما لنا الحق في أن نرفض وراثة الأعضاء، فإننا في أيامنا ننزع إلى الإيمان بوراثة العادة — كما كان يقول لا مارك — التي تعيِّن وظيفة للعضو في الجسم، كما نرى في طول العنق عند الزرافة أو الجمل؛ إذ إن هذا الطول نتيجة لمد العنق كي يصل كلٌّ منهما إلى الأعشاب. وكذلك الشأن في الأفكار، فإنها بالعادة والتكرار تورَّث وتعود كما لو كانت غرائز، وهذا الحلم العام الذي لا يكاد يخلو منه طفل، وهو السقوط، برهان على أن خوف السقوط من الشجر، وهو كارثة كان يجب على كل أسلافنا أن يتقوها بألا يستسلموا للنوم العميق، هذا الحلم التحذيري يدلنا ببقائه عندنا على أننا نرث الأفكار. لقد كانت دراسة فرويد عندي بمثابة الخميرة التي تفشَّت في ذهني، وكانت علة العشرات بل المئات من الرجوع الذهنية، فإنه هو الذي كان يحفزني، من حيث أدري أو لا أدري، إلى دراسة المجتمع، وكيف يجب أن نتقي الإجرام أو نعيِّن أصول التربية، أو نتقي الحرب، أو نفكِّر في الشئون الجنسية، أو نقدِّر الثقافة، أو نصف الشخصية الحسنة، أو نحدد المعنى من الذكاء أو البلادة. وقد ألَّفت كتابي «أسرار النفس» في عام ١٩٢٧ وأنا متأثِّر بفرويد؛ ولذلك لا يتجاوز موضوعه «العقل الباطن» — أي الكامنة أو العقل الكامن — ولكني عندما ألَّفت كتابي الآخر «عقلي وعقلك» في عام ١٩٤٧ كنت قد تجاوزت فرويد إلى غيره من السيكولوجيين، وإلى شيء من الاستقلال الفكري الذي لم أكن أجرؤ عليه في عام ١٩٢٧. والعالم المتمدن أسعد حالًا وأهنأ في عيشه بما حظي من التوجيه السيكولوجي الجديد على يد فرويد وتلاميذه، فإن فرويد حرَّر الأطفال من القسوة والخوف، وأبرز القيمة الكبرى للحياة الطفلية الهانئة في مستقبل العمر أيام الشباب والكهولة؛ لأنه أوضح لنا كيف تعيش المركبات، وكيف تنشأ الصعوبات التي ربما تؤدي إلى خيبة الشاب أو الفتاة أو إلى انتحار أحدهما بسبب الأخطاء التي تعرَّضا لها أيام طفولتيهما من أحد الأبوين. كما أنه أوضح لنا فداحة النتائج التي تنشأ من الكظم الجنسي، وقد عاد كثيرون ممن ذهب وجدانهم واضمحل تعقلهم لتغلب العقل الكامن عليهم، عادوا من ظلام الجنون إلى نور العقل بفضل التحليل النفسي. وإنه لَمِمَّا يؤلم جميع الذين انتفعوا بعبقرية هذا السيكولوجي العظيم أن يعرفوا أنه لم يستمتع بشيء من الرخاء الذي كان يمكن أن يخفف عنه الشيخوخة، فإنه عقب الحرب الكبرى الأولى خسر جميع ما أدخره من المال بسبب التضخم في النقد، وفي الحرب الكبرى الثانية طاردته النازية حتى مات في لندن بعيدًا عن بيته ومدينته. وتراثنا من فرويد هو «التحليل النفسي» وهو لا يمكن أن يموت، وقصارى ما سوف يحدث أن تتغير الأسماء والعبارات؛ لأن صميم التحليل النفسي هو الانتقال من الفكرة الكامنة المتسلطة بالعاطفة إلى الوجدان؛ أي إلى الدراية. وحتى مع اتجاه السيكولوجية في أيامنا إلى التجربة، وهو اتجاه عظيم القيمة جدًّا، فإن التحليل سيبقى مفتوحًا للنفس البشرية نفهم منه خباياها ونتعمق أسسها. وقد وُلد فرويد من أبوين يهوديين في عام ١٨٥٦، ومات في عام ١٩٤٠ منفيًّا مطاردًا من وطنه فيينا عاصمة النمسا، فإن النازيين الذين استولوا على النمسا طاردوا اليهود، وكان فرويد على الرغم من إلحاده معدودًا بين اليهود. وحفلت عواصم أوروبا فيما بين عامي ١٩٠٠ و١٩٤٠ بالمناقشات الحامية بشأن التحليل النفسي، كما حفلت بالانشقاقات والخصومات، مما دلَّ على أن السيكولوجية الفرويدية كانت ولا تزال في طور المذاهب، ولا ينقص هذا من فضل فرويد. ولمَّا نزلْ في هذا الطور لم نستقر، ولكن فرويد كان كما قلت، بمثابة الخميرة التي بعثت سلسلة من الأفكار لما تنتهِ حلقاتها، وهذا هو أكبر فضله في تربيتي. --- ### ليس الخطأ في الناموس - Published: ۲۰۲٤-۱۰-۰۸ - Modified: 2024-10-08 - URL: https://tabcm.net/30564/ - تصنيفات: كتاب مقدس بكل تأكيد ليس الخطأ في الناموس حيث الناموس روحي وصالح وعادل ومقدس أيضًا، إذن أين يكمن الخطأ؟ ولماذا الناموس إذن؟ تلخص هذه الآية هدفين جاء الناموس لأجلهم. لأَنَّهُ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ كُلُّ ذِي جَسَدٍ لاَ يَتَبَرَّرُ أَمَامَهُ. لأَنَّ بِالنَّامُوسِ مَعْرِفَةَ الْخَطِيَّةِ (رسالة بولس إلى رومية ٣: ٢٠) الهدف الأول، في الحقيقة إن الله لم يعط الناموس كي يجعل الشخص بارًا، لأنه يستحيل أن يتبرر الإنسان بمعرفة الناموس أو بأعمال الناموس كما أوضحت سابقًا أن الجميع فشلوا بلا استثناء، إذن الله كان يعلم بهذا، نعم! ! بكل تأكيد، فكان لابد أن يكتشف الإنسان عجزه وضعفه بل لابد أن يكتشف أيضًا أن حياته هي العدم ما دام مٌنفصل عن حياة الخالق (حياة الله) وهذا لم يتأت بدون الاتحاد بالله و هذه هي الغاية والهدف الأسمى الذي لأجله تجسد إبن الله وشاركنا في اللحم والدم. هذا يقودنا إلى الهدف الثاني وهو المذكور في الآية نفسها وهو بالناموس معرفة الخطية، لأني قبل أن يأتي الناموس لم نكن نعرف ما هي الخطية حسب تعبير الرسول هنا. فَمَاذَا نَقُولُ؟ هَلِ النَّامُوسُ خَطِيَّةٌ؟ حَاشَا! بَلْ لَمْ أَعْرِفِ الْخَطِيَّةَ إِلاَّ بِالنَّامُوسِ. فَإِنَّنِي لَمْ أَعْرِفِ الشَّهْوَةَ لَوْ لَمْ يَقُلِ النَّامُوسُ: لاَ تَشْتَهِ. (رسالة بولس إلى رومية ٧ : ٧) ولتعريف الخطية أنها عدم إصابة الهدف الذي لأجله خٌلقت إذن الخطية في مجملها هي حالة في العدم أكثر منها فعل معين، أما الهدف الثالث الذي لأجله جاء الناموس توضحه رسالة غلاطية: إِذًا قَدْ كَانَ النَّامُوسُ مُؤَدِّبَنَا إِلَى الْمَسِيحِ، لِكَيْ نَتَبَرَّرَ بِالإِيمَانِ ((رسالة بولس إلى غلاطية ٣: ٢٤ )) والكلمة اليونانية التي ترجمت إلى «مؤدب» هي كلمة Paidagogs وهي الكلمة التي اشتقت منها كلمة Pedagogue والكلمة في الأصل تشير إلى عبد قديم في بيت رجل غني، يكون مسئولًا عن الأطفال في سنواتهم الأولى، فيقوم بعملين أولهم تعليم الأطفال المبادئ الأساسية في التعليم (مثل الحروف الأبجدية والطاعة والصواب والخطأ)، ثم عندما يتخطى الأطفال هذه المرحلة فوظيفته أن يقودهم في الطريق ويوصلهم إلى المعلم الحقيقي في المدرسة الحقيقية! إذن دور الناموس أن يعلن لنا عن ضعفنا وقصور طبيعتنا وأيضًا يؤدي بنا إلى المعلم الحقيقي «يسوع» كما يوضحه الرسول هنا لأَنَّ غَايَةَ النَّامُوسِ هِيَ: الْمَسِيحُ لِلْبِرِّ لِكُلِّ مَنْ يُؤْمِنُ ((رسالة بولس إلى رومية ١٠ : ٤ )). هل معنى ذلك أن الناموس انتهى؟! كلا! ! بل سيثبت الناموس إلى الأبد لأنه جزء من كلمة الله وكلمة الله ستثبت ولن تسقط إلى الأبد، إذن عودة إلى السؤال أين يكمن الخطأ؟! يرسم لنا بولس الرسول في رسالة رومية الإصحاح السابع ورسالة غلاطية الإصحاح الرابع صورة توضيحية عن علاقتنا بالناموس قبل وبعد مجيء المسيح واتحادنا بشخص الرب المُقام. إذ يقول إن حياتك تحت الناموس تشبه عقد زواج يربط الناموس بطبيعتك الجسدية وفي هذه الحالة بالرغم من أنك صاحب ميراث ولك كل الميراث في الله لكنك ما دمت تحيا تحت الناموس فأنت تحت أوصياء ووكلاء لأنك لا تستطيع أن تؤتمن على الميراث مادمت تحيا تحت طبيعتك الجسدية أو ما يطلق عليه بولس جسد الخطية. عَالِمِينَ هذَا: أَنَّ إِنْسَانَنَا الْعَتِيقَ قَدْ صُلِبَ مَعَهُ لِيُبْطَلَ جَسَدُ الْخَطِيَّةِ، كَيْ لاَ نَعُودَ نُسْتَعْبَدُ أَيْضًا لِلْخَطِيَّةِ. (رسالة بولس إلى رومية ٦: ٦) إذن لا مفر ولا مناص لكي تستلم الميراث وتؤتمن عليه أن تتخلص إما من الناموس وهذا بكل تأكيد يستحيل، لأن كلمة الله مثبته في السموات إلى الأبد، أو أن تتخلص من جسد الخطية، وفي الحقيقة أن لا تفعل هذا ولا ذاك بذاتك ولكن عندما تسلم إرادتك للملك السماوي وتؤمن وتتحد مع المسيح المقام من خلال الروح القدس فتصير لآخر  «رومية٧-٤» ونستطيع أن نقول أيضًا «أما الآن فقد تحررنا من الناموس، كيف؟ إذ مات الذي كنا مٌمسكين فيه ﴿جسد الخطية﴾ إذن بصليب المسيح قد صُلب الجسد مع الأهواء والشهوات، «وَلكِنَّ الَّذِينَ هُمْ لِلْمَسِيحِ قَدْ صَلَبُوا الْجَسَدَ {جسد الخطية﴾ مَعَ الأَهْوَاءِ وَالشَّهَوَاتِ. ((رسالة بولس إلى غلاطية ٥: ٢٤ )). حينئذ نستطيع أن نعبد الرب بجدة الروح لا بعتق الحرف والناموس ((رسالة بولس إلى رومية ٧-٦ )) صديقي! ! عندما نتزوج بالجسد، فإننا نجلب نسلا بالجسد، لكن عندما نتحد بالمسيح المقام كما كان يتغنى أباء كنيستنا الشرقيين، بهذه المقولة الشهيرة «أخذ الذي لنا. . وأعطانا الذي له» أي أن الكلمة يسوع أخذ كل ما لطبيعتنا. لكي يعطينا مما له. هذا ما يسمى بالمبادلة الخلاصية، إذن نحن نحيا ليس حسب الجسد بل باتحادنا بالمسيح المقام نحمل ونثمر ما له من بر و فرح ومحبه و ثمار الروح ((رسالة بولس إلى غلاطية ٥-٢٢ ))، إذن الأمر لم يعد مرتبط بما تفعله بل بمن نحن متحدين فيه لأَنَّهُ إِنْ كُنَّا قَدْ صِرْنَا مُتَّحِدِينَ مَعَهُ بِشِبْهِ مَوْتِهِ، نَصِيرُ أَيْضًا بِقِيَامَتِهِ ((رسالة بولس إلى رومية ٦: ٥ )). لكي نصل إلى غاية الحياة المسيحية الحقيقية ونحيا مٌقادين بالروح القدس. لأن أبناء الله يُقادون بروح الله، أي نستطيع أيضًا نقول إن كل من هو يُقاد بروح الله هو ابن ناضج للرب وكل ابن ناضج يٌقاد بالروح القدس، يملك في الملكوت كملك، يؤتمن على ميراثه وميراثنا هو الله ((رسالة بولس إلى رومية ٨-١٧ ))، يحيا في العهد المقام بين الآب والابن يسوع وهذا حديثنا في العدد القادم، بنعمة الرب! ! --- ### الدور العلماني الذي كان - Published: ۲۰۲٤-۱۰-۰۷ - Modified: 2024-10-07 - URL: https://tabcm.net/30242/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: إبراهيم فهمي هلال, إسكندر حنا, إكليروس, الإخوان المسلمين, الحرب العالمية الثانية, المجلس الملي, بابا كيرلس الخامس, بابا كيرلس الرابع أبو الإصلاح, بابا يوساب الثاني, بانوب عبده, برنارد مونتجمري, بطرس غالي, جماعة الأمة القبطية, حبيب جرجس, رئيس جمال عبد الناصر, رئيس محمد نجيب, عبد الرزاق السنهوري, عياد عياد, فؤاد باسيلي, قديس بولس الرسول, مدارس الأحد ينتصف القرن العشرين، فيما يجتاح العالم موجات من التحولات السياسية العاتية، بعد سنوات قليلة من نهاية الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945) التي أعادت رسم خريطة التحالفات في العالم، وكذلك الخريطة العسكرية والبنى الاجتماعية، وتوصف هذه الحرب بأنها الأكثر دموية في تاريخ الحروب، الأمر الذي دفع الحلفاء المنتصرين إلى البحث عن آلية تُجَنّب العالم تكرارها، وحل الصراعات البينية والإقليمية قبل استفحالها. فتم الاتفاق على إنشاء منظمة الأمم المتحدة، 1945، فيما أفرز الواقع الجديد بروز قوتين عظميين؛ الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، ومعه تبدأ "الحرب الباردة"، التي تجلت في الصراع بين القوتين في سباق السيطرة على العالم بدون مواجهات مباشرة بينهما، فانتقل الصراع إلى خارج أراضيهما، وفى تكوين الأحلاف العسكرية والسياسية. لم تكن مصر بعيدة عن الأحداث فعلى ارضها -العلمين 1942- تتكبد قوات المحور أكبر انكسار أمام قوات الحلفاء، وكان انتصار الحلفاء في العلمين، بقيادة مونتجمري، بداية النهاية. حتى وضعت الحرب أوزارها عام 1945. ينتصف القرن وتشهد مصر ثورة عسكرية في يوليو 52، استقر لها الأمر بغير عناء، كان من قاموا بها في مجملهم شباب من الجيش تدور أعمارهم حول الثلاثين، ورتبهم من القيادات الوسيطة، يقودهم اللواء محمد نجيب. اللافت أنهم جميعهم من المصريين المسلمين، وإن تردد وجود واحد أو أكثر من الضباط لمصريين المسيحيين في الصف الثاني منهم، لكنها معلومة تحتاج إلى توثيق. ورغم تعدد الانتماءات السياسية لقيادات الثورة، إلا أن علاقتهم مع جماعة الإخوان المسلمين كانت جلية وواضحة، يدعم هذا الرأي تأثرهم في تشكيل وزارة الثورة أن الوزارة المعنية بالإعلام سميت "وزارة الإرشاد" تأسيًا بمكتب إرشاد الجماعة، وسرعان ما انفض التحالف بينهما بسبب النزاع على الولاية والسلطة، ويتم الإطاحة باللواء محمد نجيب، فبراير 1954، ليبزغ نجم الكباشي (الرائد) جمال عبد الناصر، ليصبح قائدًا للثورة ثم رئيسًا للجمهورية. في هذا السياق يجتمع نفر من شباب الأقباط ليعلنوا تأسيس جماعة أسموها "جماعة الأمة القبطية" بقيادة الشاب إبراهيم فهمي هلال، تأسست 11 سبتمبر 1952، وصدر قرار بحلها في 24 أبريل 1954، واستطاعت خلال عامها الأول أن تضم إلى عضويتها نحو 90 ألف عضو. ويمكن أن نكتشف توجهاتها عبر المسمى الذي يناظر مسمى جماعة الإخوان المسلمين، وكذلك شعارها؛ الله ملكنا، ومصر بلادنا، الإنجيل شريعتنا، والصليب رايتنا، والمصرية لغتنا، والشهادة في سبيل المسيح غاية الرجاء، ومن يتابع رحلة هذه الجماعة يكتشف أن قرار حلها لم يكن بسبب حادثة خطف البابا يوساب الثاني التي قاموا بها، 26 يوليو 1953، فبعد عودة البابا إلى مقره والقبض على العناصر التي ارتكبت هذه الجريمة، أرسل البابا مناشدة لحكومة الثورة بالعفو عنهم لأنهم أولادي، وتمت الاستجابة لمناشدته وأفرج عنهم. لعل السبب فى حل هذه الجماعة نكتشفه من استقراء وثائق تلك الجماعة وتخوف الثورة من رؤى هذه الجماعة والتي تجلت في المذكرة التي تقدمت بها إلى لجنة إعداد دستور للبلاد برئاسة الفقيه الدستوري د. عبد الرزاق السنهوري، وفيها مطالب الأقباط في مشروع الدستور، والذي لم يصدر. وأعقب ذلك تقديم قيادات جماعة الأمة القبطية للمحاكمة وصدرت بحقهم أحكام بالسجن لبعض القيادات. على الأرض كانت هناك منظومة مدارس الأحد التي أسسها الأستاذ حبيب جرجس، وكانت تتبنى مهمة تربية النشء وتعليمهم مبادئ الإيمان المسيحي وعقائد وطقوس وتاريخ الكنيسة، وتبنت في عملها العام توجه الإصلاح الكنسي السلمي، فأسست جمعية وملجأ مدارس الأحد، وشرعت في إصدار مجلة شهرية لنشر التعليم الكنسي ونشر مطالبهم الإصلاحية، وفى خطوة عملية سعوا لترشيح الأستاذ حبيب جرجس مطرانًا للجيزة بعد خلو كرسيها، وحشدوا افتتاحيات المجلة بالنصوص القانونية التي تدعم رسامة علماني للأسقفية، واستعانوا في ذلك، بجوار القوانين الكنسية، بالسوابق التاريخية المماثلة في رسامة المتبتلين من غير الرهبان، لكن الكنيسة لم تقبل بهذا وخاب مسعاهم. لم يكن التحرك العلماني القبطي محصورًا في جماعة الأمة القبطية ومنظومة مدارس الأحد، بل كان قبلهم في العمل الأهلي التطوعي، خاصة في تأسيس الجمعيات الأهلية، التي تتبنى العمل الاجتماعي بداية من مساعدة الأسر الفقيرة، بمساعدات دورية من تبرعات القادرين والأعيان، وامتدت أنشطة الجمعيات إلى إنشاء وإدارة المدارس والمستشفيات والملاجئ ودور الإيواء، وتخصيص نسبة داخلها لغير القادرين. ومن ابرز هذه المؤسسات مدارس التوفيق ومدارس الإيمان، ومدارس ثمرة المحبة، وغيرها إضافة إلى سلسلة مدارس الأقباط الكبرى التي أنشأها البابا كيرلس الرابع، ومن المستشفيات مستشفى القبطي ومستشفى التوفيق ومستشفى دار الشفاء وغيرها سواء في القاهرة أو المحافظات، ومن ابرز الملاجئ الملجأ البطرسي (نسبة إلى بطرس باشا غالي رئيس الوزراء آنئذ)، وملجأ رعاية المكفوفين وآخر لرعاية المكفوفات. وكانت المدارس والمستشفيات تقدم خدماتها لكل المصريين بلا تفرقة، ولعل هذا كان أحد العوامل المهمة في دعم السلام المجتمعي. في سياق مواز، انتبه أعيان الأقباط ومثقفيهم إلى اتساع رقعة الأوقاف القبطية وانعدام مردوده المخصص لإعانة الفقراء والمشروعات الخيرية وذلك بسبب سيطرة نظار الوقف عليه وإدارته لصالحهم، فاتفقوا على تأسيس كيان قانوني لإدارة الأوقاف؛ العقارات والأراضي الزراعية وكافة الممتلكات الموقوفة، وعرضوا الأمر على البابا البطريرك الأنبا كيرلس الخامس فوافق عليه وكذلك الدولة التي صادقت عليه ليولد المجلس الملي. وقد أضيف إلى مهامه فيما بعد الفصل في نزاعات الأحوال الشخصية للأقباط، ولذا تشكلت من خلاله المحاكم الملية، بالتوازي مع المحاكم الشرعية للمصريين المسلمين، وقدر صدر قانون بحلهما فيما بعد في 1955، وإحالة تلك القضايا إلى المحاكم المدنية، المعروفة بمحاكم الأحوال الشخصية، والتي في تعديل لاحق سميت بمحاكم الأسرة. وامتدت خدمة العلمانيين إلى داخل الكنيسة إذ اسند اليهم مهمة عظة القداس، في وجود الكاهن (أسقف أو قمص أو قس) وكان الإكليروس يتفرغ لأداء القداس والصلوات والخدمات الطقسية، في استيعاب واع لما قال به القديس بولس الرسول في رسالته إلى رومية وَلكِنْ لَنَا مَوَاهِبُ مُخْتَلِفَةٌ بِحَسَبِ النِّعْمَةِ الْمُعْطَاةِ لَنَا: أَنُبُوَّةٌ فَبِالنِّسْبَةِ إِلَى الإِيمَانِ، أَمْ خِدْمَةٌ فَفِي الْخِدْمَةِ، أَمِ الْمُعَلِّمُ فَفِي التَّعْلِيمِ، أَمِ الْوَاعِظُ فَفِي الْوَعْظِ، الْمُعْطِي فَبِسَخَاءٍ، الْمُدَبِّرُ فَبِاجْتِهَادٍ... ، والأجيال القديمة ما زالت تتذكر أسماء الوعاظ؛ بانوب عبده، عياد عياد، فؤاد باسيلي، إسكندر حنا على سبيل المثال. ربما بهذا كانت الكنيسة تترجم التكامل، إذ يتحمل الشمامسة، وهم علمانيون غير متفرغين أو مكرسين، مهمة الوعظ فيما يتفرغ الكاهن للمسئوليات الطقسية ويتفرغ الأسقف لمهمة للتدبير (إدارة إيبارشيته). في السياق الكنسي؛ كانت الكنيسة تحتضن كل التيارات والتوجهات في توازن وتكامل، طالما كانت متسقة مع رسالة الكنيسة، ولم تكن تفرق بين الإكليروس والعلمانيين، بل تعتبرهما جناحا الخدمة، ولم تكن تميز بين الخادم المكرس المتبتل وبين الخادم المتزوج وله أسرة، بل كانت حريصة على سلام المتبتلين النظاميين (الرهبان في أديرتهم)، تهيئ لهم أجواء الحفاظ على نذورهم، وتستعين بهم في خدمتها في أضيق الحدود، فتحمى كل الأطراف؛ الدير والراهب وشعب الكنيسة برؤية روحية عملية ثاقبة وواعية. إذ كان للدير خصوصيته ونظامه وانضباطه، وكان للكنيسة خارج الأديرة نظامها وخدمتها وكهنتها المشتبكين مع هموم ومشاكل واحتياجات الرعية، تأسيسًا على كونهم مختبرين حياة الأسرة وأطوارها. تبلورت في هذه الحقبة توجهات العلمانيين (المدنيين) الأقباط في ثلاث محاور: ــ محور الخدمة الكنسية الطقسية وتراتبيتها. ــ محور التكريس سواء النظامي (الرهبنة) أو التكريس خارج الأديرة. ــ محور العمل العام عبر الجمعيات والمؤسسات الخدمية. كان التوازن يحكم العلاقة بينهم، وكانت الكنيسة تحصد منه سلامًا وبنيانًا وتكاملًا. على أن هذا التوازن ارتبك ولم يدم بفعل تحولات داخل الكنيسة وخارجها، وهو ما سنحاول تناوله في مقال تال. --- ### ما بين العنف والنفاق - Published: ۲۰۲٤-۱۰-۰۵ - Modified: 2024-10-05 - URL: https://tabcm.net/30153/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أحمد حسين, أدولف هتلر, الإخوان المسلمين, ثورة ٢٣ يوليو, حسن أحمد عبد الرحمن محمد البنا, علي ماهر باشا, عمر عبد الفتاح عبد القادر مصطفى التلمساني, محمد علي باشا الكبير, محمد مصطفى المراغي, مصر الفتاة, مصطفى النحاس, مصطفى كمال أتاتورك, ملك فؤاد, ملك فاروق في أكتوبر 1932، صدر قرار بنقل حسن البنا من الإسماعيلية إلى القاهرة ليزاول عمله كمدرس بمدرسة عباس بالسبتية. وهيأ البنا انتقال الجماعة معه إلى مقرها الجديد بحلمية الزيتون. ولكن عندما كان المرشد يستعد لمغادرة الإسماعيلية، اختلف مع بعض أعضاء الجماعة هناك حول من يخلفه في قيادة الشعبة. وحاول البنا مهادنة المختلفين معه، لكنهم صمموا على اختلافهم وأبلغوا ضده النائب العام، متهمين إياه بتبديد أموال الجماعة. فلما خرج من التحقيقات بريئًا، حاولوا ملاحقته بالاتهام لدى ناظر مدرسته بالقاهرة. وهنا ظهرت لأول مرة قوة الردع البدني في الجماعة، حيث تجمع عدد من أصدقاء المرشد واعتدوا على المنشقين بالضرب، فقبض عليهم وقدموا للمحاكمة. الواقع أن هذا المظهر كان جديدًا وغريبًا على أوضاع الإخوان التي لم تعرف إلا الوحدة الكاملة والاندماج الكامل، فرأي أحدهم هو رأي كلهم. (حسن البنا، الدعوة والداعية) ويؤكد البنا أن المخالفين له قد تلبسهم الشيطان، فأمرت بهم، فضربوا علقة ساخنة. ثم لا يلبث أن يسميهم بالخوارج، ويؤكد ضرورة أخذهم بالحزم قائلًا: فإن من يشق عصا الجمع، فاضربوه بالسيف كائنًا من كان، ثم يتأسف البنا لأننا تأثرنا إلى حد كبير بالنظم المائعة، التي يسترونها بألفاظ الديموقراطية والحرية الشخصية، هذه العبارة تلخص فلسفة البنا والإخوان في العمل التنظيمي وفي حقوق المختلفين معه في الرأي، وهي تشرع للإخوان الحق في أن يضربوا المختلفين معهم في الرأي بالسيف. وبعد حادثة مدرسة عباس الابتدائية بالسبتية، أصبح الاعتداء البدني على خصوم الجماعة أسلوبًا معتمدًا من الإخوان. ما كان السيف إلا كالدواء المر الذي تحمل عليه الإنسانية العابثة المتهالكة حملا ليرد جماحها ويكسر طغيانها، فالسيف في يد المسلم كالمشرط في يد الجراح لحسم الداء الاجتماعي. (حسن البنا، مجلة النذير، عدد رمضان 1357هـ) وكتب والده الشيخ عبد الرحمن مطالبًا مرسخًا نفس المبدأ في مجلة النذير، فقال: ولتقم على إعطائه فرقة الإنقاذ منكم، فإذا الأمة، أبت فأوثقوا يديها بالقيود، وأثقلوا ظهرها بالحديد، وجرعوها الدواء بالقوة، وإن وجدتم في جسمها عضوا خبيثًا؛ فاقطعوه، أو سرطانًا خطيرًا؛ فأزيلوه. (عبد الرحمن البنا، مجلة النذير، عدد محرم 1357هـ) سياسة النفاق لم يكن البنا جديدًا على فكرة التقرب من العرش فقد حرص منذ نشأة الجماعة على التأكيد في كل مناسبة صغيرة كانت أو كبيرة على مديح الملك فؤاد والثناء عليه، ويذكر الشيخ البنا في مذكراته أنه في عام 1930 خلال فترة وجوده بالإسماعيلية، وشى به البعض لدى السلطات واتهمنه بالعيب في الذات الملكية، ويروي هو بنفسه أنه عندما تم التحقيق معه، ثبت من التحقيق بطلان التهمة وأن البنا كان يملي على طلبته في دروس الإملاء موضوعات يتوخى فيها الثناء على الملك فؤاد وتعداد مأثره، وهو إلى ذلك دفع العمال يوم زيارة الملك للمدينة إلى التجمع لتحيته حتى يفهم الأجانب في هذا البلد أننا نحترم ملكنا ونحبه على حد قوله، ويكمل البنا حديثه قائلًا أن أحد رجال البوليس كتب تقرير بهذه المناسبة أشاد فيها بأثر الجماعة الروحي في تقويم من لم تنفع معهم وسائل التأديب البوليسية، وأقترح؛ أن تشجع الحكومة الجماعة وتعمل على تعميم فروعها في البلاد حتى يكون في ذلك أكبر خدمة للأمن والإصلاح. كان الملك فؤاد يكره حزب الوفد العدو اللدود للجماعة ويعاديه، فوجدها البنا فرصة سانحة كي يضرب عدة عصافير بنفس الحجر، فمن ناحية يتصدى لشعبية الوفد الجارفة بمباركة الملك فؤاد، ومن ناحية أخرى ينال من العطايا الملكية مقابل وقوفه ضد الوفد ويكون له حظوة لدى الملك، ويتوالى نفاق البنا للملك حتى أنه وصفه عام 1933 في خطاب يناشده فيه منع البعثات التبشيرية بـ"الملك الرشيد" ويختم خطابه بقوله؛ لا زلتم للإسلام ذخرًا، وللمسلمين حصنًا، كما وصفه المرشد في خطاب لاحق بأنه مثلًا يحتذى في التمسك بعقيدته الإسلامية، وعندما يموت فؤاد تتوالى مراثيهم له معتبرين أنه حامي الإسلام ورافع رايته، فكتبت جريدة الإخوان في رثاء فؤاد مقال شهيرة صار علامة في عالم النفاق السياسي بعنوان مات الملك... يحيا الملك، قالوا فيه: مصر تفتقد اليوم بدرها في الليل الظلماء، ولا تجد النور الذي اعتادت أن تجد الهدى على سماه، فمن للعامل والفلاح من للفقير يروي غلته، ويشفي علته، ومن للدين الحنيف يرد عنه البدع، ومن للإسلام يعز شوكته، ويعلي كلمته. (من مقال "مات الملك... يحيا الملك"، جريدة الإخوان المسلمون) ونعتت صحيفتهم الملك الجديد فاروق في مقالة بأنه؛ أسوة حسنة، وفخر الشباب، وحامي المصحف، وأمير المؤمنين، وحامي حمى الدين، فقد كان الغرض هو جذب عطف الملك الجديد فاروق الذي كان يتولى رعايته دينيًا الشيخ المراغي، ودعوته للتمسك بالتقاليد الإسلامية التي كان يتحلى بها والده كما ذكر المقال. واستمرت الصحيفة في نشر عدة مقالات تدور حول مدح فاروق ووصفه بـ سمو النفس، وعلو الهمة، وأداء فرائض الله، واتباع أوامره، واجتناب نواهيه، وتحت عنوان؛ جلالة الفاروق... المثل الأعلى لأمته تولت صحيفة الإخوان المسلمين مهمة تعبئة الرأي العام ولفت نظره إلى خطوات فاروق الدينية، فتبين الصحيفة كيف ملك فاروق قلوب رعيته بغيرته على الدين، وتصف استقبال الجماهير له وهو في طريقه إلى مسجد أبي العلاء لتأدية الصلاة ودعواتهم له وهتافاتهم بحياته، وتنقل بعض اللقاءات وتأتي بالقصص التي تنم على أن هناك الأبناء الفاسدين قد قوموا وعرفوا طريق المساجد وانصرفوا إليها، والسبب أنهم اتخذوا من الملك الأسوة الحسنة، لأنه المثل الأعلى لأمته. ويوم شهد فاروق احتفالًا بعيد الهجرة، قالت مجلة الإخوان منافقة فاروق أنه؛ أعاد صورة سالفة، صورة الرسول الكريم حينما طلع البدر على أنصاره طلوع البدر، وبلغت الجماعة أية في النفاق لدرجة أنها عاودت الحديث عن دعوة الخلافة مرة أخرى، ونادت بها لفاروق تحت عنوان؛ الخلافة جامعة المسلمين موحدة لجهودهم، وقال البنا في مجلة الإخوان المسلمون موجهًا حديثه لفاروق: إن ٣٠٠ مليون مسلم في العالم تهفو أرواحهم إلى الملك الفاضل الذي يبايعن على أن يكون حاميًا للمصحف فيبايعونه على أن يموتوا بين يديه جنودًا للمصحف وأكبر الظن أن الله قد اختار لهذه الهداية العامة الفاروق فعلى بركة الله يا جلالة الملك ومن ورائك أخلص جنودك. (حسن البنا، الخلافة جامعة المسلمين موحدة جهودهم، مجلة الإخوان المسلمون عدد فبراير 1937) طرق الحظ باب حسن البنا يوم أن استدعاه علي ماهر، رئيس وزراء مصر آنذاك، لمقابلته شخصيًا في منزله لمناقشة أمر الملك الجديد. فاتفق حسن البنا مع ماهر على أسلوب النفاق الديني، وهم أدرى الناس به، كوسيلة للملك الجديد لصنع شعبية زائفة. لاحقًا، ردت الجماعة الجميل لعلي ماهر مضاعفًا، حتى طُرح اسم علي ماهر -الملكي الفكر أكثر من الملك نفسه- على قيادات ثورة يوليو ليتولى الوزارة بعد ثورة 1952 بإيعاز من الإخوان المسلمين. في 29 يوليو 1937 انتهت الوصاية على فاروق ببلوغه ثمانية عشر عامًا قمرية بالتحايل على الدستور الذي ينص على أن يكون سن الملك 18 عام ميلادية، وأصبح ملكًا رسميًا على البلاد، وظهرت أصوات الإخوان تطالب بأن يتم التتويج في حفلة دينية تقام في القلعة ويقلده فيها الشيخ المراغي، شيخ الجامع الأزهر، سيف جده محمد على، وأن تقام الحفلة لأداء اليمين الدستورية فيؤم الملك الناس إثر التتويج باعتبار أنه الإمام الذي تصدر باسمه أحكام الشريعة، لكن لم ترق تلك التصرفات للنحاس باشا زعيم الوفد ورئيس الحكومة، ورأى فيها إقحامًا للدين فيما ليس من شئونه وإيجاد سلطة دينية خاصة بجانب السلطة المدنية، واعتبر أن إقامة الحفلة الدينية إلى جانب أداء اليمين الدستورية أمام البرلمان إنما يكون معناه أن الملك يتلقى بعض سلطته من غير البرلمان، وأعلن ذلك صراحة. فرد عليه البنا؛ إن هذه الحركة وليدة واجب حتمي مفروض، إن لم يقم الناس به فقد أثموا إثمًا عظيمًا، لكن النحاس أصر على وقفه مستندًا للدستور ولشعبيه الوفد، فعندما وجد البنا الباب مغلقًا أمام تلك المسرحية الهزلية لجأ لاستعراض الجوالة أمام الملك، وعقد الإخوان مؤتمرهم الرابع للاحتفال بهذه الذكرى وحشدوا عشرين ألفًا أو يزيد من فرق الجوالة ووفود شعبهم في الأقاليم وهتفوا بمبايعتهم للملك المعظم مع هتافات إسلامية، وانهمر سيل الإخوان إلى ساحة سراي عابدين، رافعين أعلامهم يهتفون؛ الله أكبر ولله الحمد، الإخوان المسلمون يبايعون الملك المعظم، نبايعك على كتاب الله وسنة رسوله، واستغل حسن البنا استعراضات الجوالة ليظهر قوة الجماعة ويظهر بها أن جماعته القوية تؤيد الملك وتسانده، ويبرر عمر التلمساني الاستعراض الحافل الذي أقامته جوالة الإخوان للاحتفاء بالملك فاروق بأنه؛ استعراض لقوة الإخوان أمام الملك لجذب اهتمامه ولصرفه عن المنكرات. لم يكتف الإخوان باستعراض جوالتهم، فلجأوا لمسرحية أخرى بترتيب علي ماهر والبنا، فجاء استقبال فاروق أشبه بمسرحية هزلية كوميدية بطلها فاروق ومؤلفها حسن البنا ومخرجها علي ماهر باشا رئيس الديوان الملكي، ففي ذهابه للصلاة في المسجد الحسين هتفت الجماهير؛ عاش فاروق الأول ملك مصر، فرفع فاروق يده للناس قائلًا؛ الملك هو الله، وأنا مجرد عبد من عبيده مدغدغًا الحاسة الدينية للشعب، فتعالت الهتافات أكثر وأكثر تهتف بحياة الملك الشاب، وعندما حاول الحرس الملكي فرش بساط للملك رفض فاروق وجعل عمر فتحي كبير الياوران يمنعهم مرددًا؛ كل المسلمين في المسجد سواسية، وداخل المسجد وأثناء الخطبة نظر الملك فوجد بعضًا من حرسه واقفون وسط المصلين لحمايته فاستدعى عمر فتحي مرة أخرى متسائلًا من هؤلاء؟ فأجابه عمر فتحي إنهم حراسة جلالتك يا مولاي، فعاجله فاروق بصوت قصد أن يكون مسموعًا؛ أنا والحراسة في حراسة الله. . خلى الحراسة يصلوا فرض ربنا يا عمر. وحصد البنا مكافأته من علي ماهر نظير خدماته للملك الصغير، التي تمثلت في ترخيص مجلة "النذير"، بالإضافة إلى تبرع سخي لخزينة الإخوان، إلى جانب بعض الامتيازات الأخرى، مثل السماح لجوالة الإخوان بارتداء زي خاص يميزهم، على غرار أصحاب القمصان الزرقاء التابعين لحزب الوفد، والقمصان الخضر التابعين لحزب مصر الفتاة بقيادة أحمد حسين، مقلدين جماعة القمصان البنية والسوداء التابعين للنازي في ألمانيا والفاشي في إيطاليا على الترتيب. وبالطبع، لا حاجة للتعريف بأن جماعات القمصان الملونة جميعها كانت ميلشييات حزبية تؤدي الدور العضلي لنصرة أحزابها عند فشل الطرق الأخرى، وقد بدأها الحزب النازي بقيادة هتلر. وكانت جماعة الجوالة التابعة لجماعة الإخوان المسلمين هي المفرخة التي استخرج منها البنا لاحقًا أبناء التنظيم السري. وعندما أصدر الملك فاروق قراره عام 1937 بحل تنظيمات القمصان الزرقاء والخضراء التابعين لحزبي الوفد ومصر الفتاة لأنهما شبه عسكريتين، استثنى فرق العمل التابعة لجماعة الإخوان لأنها تتبع الكشافة على حد تبريره. وقد أثارت فرق الجوالة الكثير من الجدل، فالهيئة العامة للكشافة قاومت في بداية الأمر نشاطها، لأن القانون الكشفي يؤكد أن الكشاف لا يتدخل في السياسة. لكنها رضخت بالطبع للأوامر القادمة من السرايا. ونجح البنا في أن يبرز جماعته في صورة زاهية، فقد كانوا حريصين دائمًا على خدمة الجمهور وقدموا بالفعل خدمات هامة خاصة في أوقات المحن العامة مثل وباء الكوليرا والملاريا. جاء الصدام الأول بين البنا والوفد عندما أشاد النحاس في تصريح لصحيفة الأهرام بكمال أتاتورك، زعيم تركيا، وقال إنه من المعجبين بعبقريته، فرد عليه البنا في صحيفة الإخوان قائلًا؛ موقف الحكومة التركية الحديثة من الإسلام وأحكامه معروف، فقد حذفت القانون الإسلامي وحكمت بالقانون السويسري، فهل يفهم من هذا أن يكون لأمة مصر برنامج كالبرنامج الكمالي؟ وعندما عقد النحاس معاهدة 1936 مع بريطانيا، عارضها الإخوان وأطلقوا عليها اسم المعاهدة المشؤومة، وهاجم البنا معظم وزراء النحاس وانتقد وزير الداخلية لأنه سافر ظهر الجمعة وترك أداء فريضتها. --- ### ضد التهود: الآباء المدافعون - Published: ۲۰۲٤-۱۰-۰٤ - Modified: 2024-10-04 - URL: https://tabcm.net/30182/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: آدم, آمال فؤاد, المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية, باناريون للتراث الآبائي, قديس إيرينيئوس، أسقف ليون, قديس يوستينوس الشهيد, كنيسة مار جرجس، سبورتنج, لوقا يوسف, مرقيون السينوبي, ميلتيوس، أسقف ساردس, نصحي عبد الشهيد بطرس نستعرض بداية وتطور حركة التهود التي أزعجت الكنيسة في القرون الأولى لأنها كانت رافضة لرسالة الإيمان المسيحيّ، في كتابات الآباء المدافعين في القرون الأولى للمسيحية. ق. يوستينوس الشهيد إبطال العهد الجديد للعهد القديم يُؤكِّد ق. يوستينوس الشهيد في القرن الثاني على رفض الكنيسة للتهود والمتهودين، بل ويشير إلى أن ناموس المسيح قد أبطل الناموس الموسويّ وفرائضه ووصاياه، وأن المقصود منه كان اليهود فقط وليس المؤمنين المسيحيين. بل ويُصرِّح ق. يوستينوس الشهيد تصريحًا، قد يبدو للمتهودين في أيامنا هذه تصريحًا صادمًا، وهو أن العهد الجديد قد أبطل العهد القديم، وأنه حلَّ محله، ولا يُفرَض علينا أيً من فرائضه أو وصاياه. فهل كان ق. يوستينوس الشهيد بهذا التصريح ماركيونيًا كما يدَّعي البعض كذبًا في هذه الأيام على الناطقين بالحق الأرثوذكسيّ بأنهم ماركيونيون؟ فيقول التالي: ((القديس يوستينوس الفيلسوف والشهيد، الدفاعان والحوار مع تريفون ونصوص أخرى، ترجمة: أ. آمال فؤاد، مركز باناريون للتراث الآبائي، 2012، الحوار مع تريفون اليهودي: 11، ص 148، 149. )) غير أن رجاءنا ليس بموسى أو الناموس، وإلا صارت عاداتنا كعاداتكم. وقد قرأت أنه ينبغي أن يكون هناك ناموسًا حاسمًا وعهدًا مُلزِمًا أكثر من العهود الأخرى، يحترمه جميع الذين يسعون إلى ميراث الله. فإن الناموس الذي أُعطِيَ على جبل حوريب قد أُبطِلَ وكان المقصود به اليهود فقط. بينما الناموس الذي أتحدَّث عنه أنا هو ببساطة لجميع الناس. وكما أن أيّ قانون جديد إذَا تعارض مع قانون القديم، فهو يُبطِل القديم، فهكذا العهد الجديد يحل محل القديم. لقد أُعطِيَنا ناموسًا أبديًا كاملًا، وهو المسيح ذاته، وأخذنا عهدًا جديرًا بالثقة لن يكون بعده أيّ ناموس أو فريضة أو وصية. (يوستينوس، الدفاعان والحوار مع تريفون ونصوص أخرى) ق. إيرينيؤس أسقف ليون رفض التهود والارتداد إلى الناموس يُوضِّح ق. إيرينيؤس في صراعه مع التهود أن الرب لا يريد للمؤمنين المسيحيين أن يرتدوا إلى ناموس موسى، لأن الناموس قد تحقَّق بالمسيح، وأننا نخلُص بواسطة الإيمان والمحبة نحو ابن الله وبجدة الحياة بمعونة الكلمة كالتالي: ((إيرينيؤس، برهان الكرازة الرسولية، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2009، الفصل 89، ص 146. )) وأيضًا يُعرِّفنا إشعياء أن الرب لا يريد للمؤمنين أن يرتدوا إلى ناموس موسى، لأن الناموس قد تحقَّق بالمسيح، لكن بواسطة الإيمان والمحبة نحو ابن الله نخلُص بجدة الحياة بمعونة الكلمة، بقوله: لا تذكروا الأوليات والقديمات لا تتأملوا بها. هأنذا صانع أمرًا جديدًا. الآن ينبت. ألا تعرفونه. اجعل في البرية طريقًا في القفر أنهارًا. يُمجِّدني حيوان الصحراء الذئاب وبنات النعام لأني جعلت في البرية ماء أنهارًا في القفر لأسقي شعبي مختاري. هذا الشعب جبلته لنفسي، يُحدِّث بفضائلي ((سفر إشعياء 43: 18-20 سبعينية. )) (إيرينيؤس، برهان الكرازة الرسولية) التهود ورفض التجسُّد الإلهي يتحدَّث ق. إيرينيؤس عن شيعة الأبيونيين، وهم فرقة مسيحية مُتهودة كانت تُحافِظ على التقاليد والتفاسير اليهودية جنبًا إلى جنب مع التفاسير المسيحية، وكانوا يُوؤِّلون نصوص العهد الجديد في ضوء نصوص العهد القديم، حيث يرفضون عقيدة التجسُّد الإلهيّ واتحاد الله بالإنسان في المسيح كالتالي: ((إيرينيؤس، ضد الهرطقات مج2، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2019، 5: 1: 3، ص 274. )) باطلون أيضًا هم الأبيونيون، الذين لا يقبلون الإيمان في نفوسهم بالاتحاد بين الله والإنسان، بل يظلون في الخميرة القديمة التي للميلاد الطبيعيّ، ولا يريدون أن يفهموا أن الروح القدس حلَّ على مريم، وقوة العلي ظلَّلتها ((إنجيل لوقا 1: 35 ))، لذلك، فالذي وُلِدَ منها قدوس وابن العلي، الله آب الكل، الذي تمَّم تجسُّد هذا الكائن، وأظهر نوعًا جديدًا من الولادة، حتى أنه كما بالولادة السابقة ورثنا الموت، هكذا بهذه الولادة الجديدة نرث الحياة. لذلك، هؤلاء الناس يرفضون مزج الخمر السمائيّ، ويريدون أن يكون ماء العالم فقط، فلا يقبلون الله لكي يكون لهم اتحاد معه، بل يظلون في ذلك الآدم، الذي انهزم وطُرِدَ من الفردوس، غير مُقدِّرين أنه كما في بداية خلقتنا في آدم أن نسمة الحياة التي صدرت من الله إذ اتَّحدت بما كان قد شُكِّلَ قبلاً، فإنها أحيت الإنسان، وأظهرته ككائن مُنِحَ له عقل، هكذا أيضًا في أزمنة النهاية، فإن كلمة الآب وروح الله، إذ قد صارا مُتَّحِدين بالجوهر القديم لخلقة وتكوين آدم، جعلا الإنسان حيًا كاملاً، ومستعدًا لتقبل الآب الكامل، حتى كما في آدم الطبيعيّ، كُنا جميعًا مائتين، هكذا في الروحانيّ نصير كُلنا أحياء. (إيرينيؤس، ضد الهرطقات) ق. ميلتيوس أسقف ساردس الناموس العتيق ووقتية المثال يشير ق. ميلتيوس أسقف ساردس إلى سر الفصح بأنه كان قديمًا حسب الناموس، ولكنه جديدًا حسب الكلمة نفسه، وأنه كان مؤقتًا حسب المثال، ولكنه خالدًا حسب النعمة كالتالي: ((ميلتيوس أسقف ساردس، رحلة عبورنا إلى القيامة (العظة الفصحية)، ترجمة: القس لوقا يوسف، كنيسة مار جرجس سبورتنج، 2009، الفصول 2-4، ص 25-27. )) فافهموا، إذًا، يا أحبائي، كيف يكون سر الفصح: جديدًا وقديمًا، أبديًا ومؤقتًا، قابل للفساد وغير قابل للفساد، زائلًا وخالدًا. قديمًا حسب الناموس ولكنه جديدًا حسب الكلمة. مؤقتًا حسب المثال، لكنه خالدًا حسب النعمة. قابل للفساد بذبح الحمل، وغير قابل للفساد بحياة الرب. زائلًا بدفنه في الأرض، وخالدًا بقيامته من بين الأموات. قديم هو الناموس، ولكن جديد هو الكلمة. مؤقت هو المثال، أبدية هي النعمةففي الخروف كان المثال، وفي الرب ظهرت الحقيقة. (ميلتيوس أسقف ساردس، رحلة عبورنا إلى القيامة ) إبطال مثال الناموس بحقيقة الإنجيل يعقد ق. ميلتيوس مقارنة بين الناموس والإنجيل، وبين الشعب الإسرائيليّ والكنيسة، ويُؤكِّد على أن الناموس هو كتاب الأمثال والرموز، ولكن الإنجيل هو شرح الناموس وكماله، وليس العكس كما يدَّعي المتهودون الجدد ذلك، ويُحاولون تفسير العهد الجديد في ضوء العهد القديم. كما يشير ق. ميلتيوس إلى إبطال مثال الناموس مانحًا صورته للإنجيل الذي هو حقيقيّ بالطبيعة، وهكذا بطُل الشعب الإسرائيليّ لمَّا قامت الكنيسة كالتالي: ((ميلتيوس أسقف ساردس، رحلة عبورنا إلى القيامة (العظة الفصحية)، ترجمة: القس لوقا يوسف، كنيسة مار جرجس سبورتنج، 2009، الفصول 40-43، ص 43. )) فشعب إسرائيل كان مثال الصورة الأولية، والناموس كان كتاب الأمثال؛ والإنجيل كان شرح الناموس وكماله، والكنيسة هي مستودع الحق. وهكذا، فالمثال كان مُكرَّمًا قبل الحقيقة، والرمز كان عجيبًا قبل التفسير؛ أعني أن الشعب كان مُكرَّمًا قبل أن تُشيَّد الكنيسة، والناموس كان عجيبًا قبل أن يُنير الإنجيل. ولكن، لمَّا شُيَّدت الكنيسة، وظهر الإنجيل، بطُلَ المثال مانحًا قوته إلى ما هو حقيقيّ، وأُكمل الناموس مُسلِّمًا قوته للإنجيل. وبنفس الطريقة، حين بطُلَ المثال مانحًا صورته لِما هو حقيقيّ بالطبيعة، وحين أُكمِلَ الرمز مُستنيرًا بالتفسير، هكذا، أُكمِلَ الناموس لمَّا أضاء الإنجيل، وبطُلَ الشعب لمَّا قامت الكنيسة؛ ونحلَّ المثال بظهور الرب. واليوم، ما كان مُكرَّمًا مرةً بات مُحتقرًا، بعد أن ظهر ما هو مُكرَّمًا بالطبيعة. (ميلتيوس أسقف ساردس، رحلة عبورنا إلى القيامة )    --- ### ليڤ نيكولاياڤيتش تولستوي - Published: ۲۰۲٤-۱۰-۰۲ - Modified: 2024-10-02 - URL: https://tabcm.net/30129/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أفلاطون, أليكسي مكسيموڤيتش بيشكوڤ جوركي, أنا كارنينا, إرنست رينان, إيڤان سيرجييڤيتش تورجينيڤ, الإخوة كرامازوف, الاشتراكية, الجريمة والعقاب, الكنيسة الكاثوليكية, بروتستانت, بورجوازي, توراة, چان چاك روسو, سيجموند شلومو فرويد, ڤيودور ميخائيلوڤتش دوستويڤسكي, كارل هانريش ماركس, ليڤ نيكولاياڤيتش تولستوي, مارتن لوثر, مهاتما غاندي, وليام شكسبير, يوهان ڤولفجانج ڤون جوته خطرت بذهني فكرة، هي تأسيس ديانة جديدة تتفق والحال الحاضرة للنوع البشري، أعني الديانة المسيحية التي تتطور من العقائد الجامدة ومن الغيبيات، بحيث تصير ديانة عملية لا تهبنا سعادة المستقبل ، وإنما سعادة الحاضر على هذه الأرض وُلد تولستوي في عام ١٨٢٨ ومات في عام ١٩١٠، ومن هذين التاريخين نرى أنه عاصر القرن التاسع عشر كله تقريبًا، ولكنه لم يكد يعيش في القرن العشرين، فقد مات قبل الحرب الكبرى الأولى بأربع سنوات، وما كان أحوجنا إلى أن نسمع صوته عن هذه المجزرة البشرية العظمى. ولكنه في القرن التاسع عشر رأى كثيرًا واختبر كثيرًا، فقد اشترك في حرب القرم في عام ١٨٥٤، ورأى بعد ذلك حرب السبعين بين فرنسا وألمانيا، ورأى أحد القياصرة يُقتل، ورأى تحرير العبيد في عام ١٨٦١، واصطدم بالكنيسة وطرد منها، واصطدم بعائلته حين أراد تسليم أرضه المورثة للفلاحين وانهزم، وصمت. وكان طيلة حياته في النصف الثاني للقرن التاسع عشر ضمير أوروبا، يرتئي الرأي ويعظ الموعظة، ولكنه قلَّما كان يزيد على ذلك، وهنا أكبر إهماله أو خطئه، كان ضمير أوروبا، كما كان غاندي -منذ ١٩٢٠ إلى ١٩٤٨- ضمير الهند والعالم، كلاهما تولستوي وغاندي، صورتان لشخص واحد، هما صورة الأستاذ وتلميذه، ولكن هذا التلميذ؛ غاندي، حاول أن يجعل آراء تولستوي ومواعظه أعمالًا منفَّذة. في هذه الحياة الطويلة التي عاشها تولستوي رأى أهوالًا من الشقاء البشري كان أولها حرب القرم، فإنه يذكر أنه عقب هذه الحرب لم يُطق إلا أن يأخذ قلمه ويكتب، وأن ينذر قلمه لمحو هذا الشقاء البشري؛ أي الحرب، ولكن حرب القرم يمكن، بالمقارنة إلى حروبنا الجديدة التي تخيم على عالمنا العصري، بالذرة المنشقة والذرة الملتحمة، يمكن أن تعد مباراة في كرة القدم، ولو أن تولستوي كان حيًّا في أيامنا، وكان يسمع أو يقرأ ما يقال عن الحرب المنتظرة، لطالب بإرسال جميع المسئولين إلى المارستان. إنها الحرب التي جعلته يقول في عام ١٨٥٤: لم أتمالك أن أتناول القلم وأكتب، وكل رجل شريف له قلم يجب أن يقول مثل هذا القول هذه الأيام. والحرب بؤرة لمشكلات عديدة، اضطر تولستوي، كما يضطر غيره في مثل هذه الظروف، إلى أن يشتبك فيها، فاشتبك في معنى الدين، ودلالة الفن، وهدف الثقافة، وأسلوب العيش، وعادات الحب والزواج، وكتب القصة الفنية، والرسالة المناقشة وحاول أن يحس وفق ما يقول ويؤمن، ونجح قليلًا وفشل كثيرًا. نجح من حيث إنه عمَّم الإيمان بأن المجتمع يعاني من الأسواء، ويحمل من الأوضار ما يجب أن يبعثنا على إصلاحه، فكانت بذلك مؤلفاته إيحاءً للثورة، وفشل من حيث إنه كان يعتقد الاعتقاد الديني بأن إصلاح الفرد يؤدي إلى إصلاح المجتمع... ولم يفقه قط إلى أن الفرد مسيَّر بعادات المجتمع وأساليب عيشه، ونظم أخلاقه وعاداته، وأنه لن يتغير إلا إذا غيره المجتمع أو هيأ له أسباب التغير. كان تولستوي مثاليًّا ولم يكن ماديًّا. ••• نجد في حياة تولستوي ظروفًا أو حوادث رسمت له خطوط حياته، فإن حرب القرم بفظائعها جعلته كاتبًا يكتب عن قهر وإلزام؛ لأنه لا يُطيق الصمت، وهذه الحال أعظم ما يهيئ التفوق والنبوغ في الكاتب. ثم رأى هول النظام الإقطاعي في روسيا، والرق الزراعي الذي كان يقضي بخضوع الفلاحين لصاحب الأرض، لا يتركونها إلى غيرها؛ إذ هم عبيد تملكهم الأرض ولا يملكونها. وقد أُلغي الرق في عام ١٨٦١، ولكن تولستوي حرر عبيده تطوعًا قبل أن يُسن هذا القانون. ورأى تولستوي في حياته الأدبية صراعًا بين المستغربين والمستشرقين، فإن دعاة الإصلاح انقسموا فريقين: أحدهما يقول بالتزام روسيا لمبادئها الشرقية، والآخر يقول بأخذها بالأساليب الغربية، وهذا التردد أوقع بالشعب في بلبلة كسب منها الرجعيون؛ أي القيصريون والكنسيون، أليست القيصرية والكنيسة مؤسستين شرقيتين وطنيتين يجب المحافظة عليهما؟ ولذلك كان القول بتحرير العبيد من الرق الزراعي، وتعليم المرأة في الجامعات، والتفكير الاجتماعي في معاني الدين، بل البرلمان نفسه، كل هذا كان من بدع المستغربين الذين يعدون خونة للمبادئ الشرقية الروسية. وكان في الجانب الآخر دعاة الحضارة الغربية العصرية الذين أخذوا بالمذهب الماركسي في الاشتراكية، والذين كانوا يطالبون بإلغاء القيصرية واحتضان الثقافة العلمية الأوروبية. وانتقلت هذه المعركة إلى الأدب الروسي واحتلَّت مركز المناقشة فيه، ففي ناحية نجد دوستويڤسكي ينعي على أوروبا ماديتها ويدعو روسيا لاستيفاء شرقيتها، ومن ناحية نجد تورجينيڤ يدعو إلى الغرب. ومن هنا نشأت كلمة «العدمية: النيهلزم» التي سكَّها تورجينيف؛ كي يبين البلبلة أو اليأس الذي يقع فيه شبان روسيا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر حين كان يحملهم قنوطهم على طلب العدم؛ لأن الوجود لا يطاق، الوجود لا يطاق إزاء ناس أشرار يطلبون بقاء القيصرية والكنيسة المستبدين، وبقاء الرق الزراعي، وبقاء المرأة للبيت، وبقاء الاستسلام والخضوع والرضا بالفقر. ••• لكل كاتب أب روحي ينتمي إليه، أو هو يعتقد أنه ينتمي إليه، وفي هذا الانتماء أُنْسَةٌ تتولد منها شجاعة وإصرار، وإحساس بالسلامة بالبعد عن الأخطار. ولا عبرة بأن يكون الأديب المنتمي مخطئًا، وإنما العبرة بالإيمان. وكان الأب الروحي لتولستوي چان چاك روسو، كما كان الأب الروحي بعد ذلك لغاندي، تولستوي نفسه. وقد صرح تولستوي بأن في شبابه كان يعبد روسو، وأنه كان يحمل ميدالية عليها صورة هذا الأديب الفرنسي العظيم، ولقد قال في أحد مؤلفاته: إني أحس، وأنا أقرأ لبعض الصفحات من روسو، كأني أنا قد كتبتها. ونحن نجد بين الاثنين قاسمًا مشتركًا، فإن كلا منهما وجد في الرجوع إلى بساطة الحياة حلًّا للعُقد الاجتماعية التي أوجدتها الحضارة العصرية، والتي جعلت حياتنا شاقة بالطموح المسرف، والمباراة القاتلة، واتخاذ القصد المخطئ في الجهد لجمع المال، والعيش في البذخ. لقد دعا روسو إلى العودة إلى الطبيعة وإلى المعيشة الساذجة، وقد عاش روسو في هذه الطبيعة الساذجة حين آثر الريف على المدينة، والالتصاق بالأرض والإنتاج الزراعي على مركبات الحضارة العصرية التي كثيرًا ما تستحيل إلى عُقد، ونحن نجد في اعترافات روسو، ثم اعترافات تولستوي، أمكنة عديدة للمشابهة، ولكن يجب أن نسأل قبل أن نلتفت إلى هذه الاعترافات: لماذا كتبها روسو وتولستوي؟ بل لماذا كتب غاندي، تلميذ تولستوي، اعترافاته أيضًا التي سماها «تجارب في الحياة»؟ السبب هو القلق، فإن هؤلاء الثلاثة الذين هدفوا إلى الطمأنينة والسلام والسعادة في كتابتهم، كانوا قلقين لهذا السبب نفسه؛ أي إن جهدهم لتحقيق الطمأنينة والسلام والسعادة قد أحالهم إلى مفكرين مكافحين مخاصمين للمجتمع الذي عاشوا فيه، وقد تألموا جميعهم، فإن روسو طورد كما لو كان مجرمًا، بل إنه عاش بعض سني حياته وهو مختبئ أو هارب، وتولستوي طورد من الكنيسة التي كان يرفع دينها إلى أعلى مرتبة، وأما غاندي فقد ضُرب وحُبس، ثم أخيرًا قُتل. ولسان هؤلاء الثلاثة جميعًا يقول، كما كان يقول أرميا: «ربي، لم جعلتني مشاقًّا لأهلي؟» أي ربي، لم جعلتني على شقاق مع مجتمعي؟ ولكن أرميا كان يجهل أن كل من يطلب الإصلاح والتطور والارتقاء لن يمكنه أن يؤدي هذه الرسالة إلا بعد شقاق بينه وبين أهله. وهؤلاء الأهل، أو هذه الشعوب والمجتمعات، بعد أن تضرب النبي أو الفيلسوف والأديب، وتحبسه وقد تقتله، بعد ذلك تقيم له التمثال الذي يخلِّد صورته وتحتفل بذكراه وتدرس أقواله. وعظماء الأدباء في أيامنا هم الأنبياء، وهم الفلاسفة. ••• لما كان تولستوي في شبابه وجد نفسه نبيلًا ممتازًا على الشعب بالثروة والمقام، وله عبيد زراعيون يجري عليهم حكم الرق، فأعتق عبيده هؤلاء. ولكنه بعد ذلك وجد أن المباراة التجارية الجديدة، واستخدام رأس المال الوطني والأجنبي، وظهور طبقة جديدة من الأثرياء الذين يطلق عليهم اسم «بورجوازيين»؛ وجد أن المناخ الاقتصادي الاجتماعي الجديد، على ما يزينه من طلاء الحضارة والثقافة، هذا المناخ أسوأ من المناخ الزراعي القديم، فكره الحضارة الغربية العصرية ودعا دعوة الحياة الساذجة الفطرية، دعوى روسو قبل مائة سنة. وهنا نحتاج إلى أن نتلبث قليلًا ونبحث الموقف السيكلوجي، فإن چان چاك روسو حين خبر المظالم الملوكية والإقطاعية في فرنسا، وحين شاهد البذخ النجس في الطبقات البشرية إلى جنب الفقر الساحق المهين في عامة الشعب، حين رأى ذلك قال إن الحضارة كلها نجاسة يجب أن نتجنبها ونعيش في سذاجة، لا نشتري الذهب، ولا نبني القصور، ولا نأكل على الموائد المطهمة، ولا نقتني الحرير. وكذلك تولستوي حين رأى غزو النزعات التجارية، والجشع؛ أي الاستكثار من الثراء بالمباراة القاتلة وسحق الفقراء من العمال، ثم ما ينبني على ذلك من مدن يحيا فيها الأثرياء مع التعطل والدعارة إلى جنب آلاف العمال الجائعين الذين يعيشون في البدرومات، حين رأى ذلك قال أيضًا بأن حياة الريف خير من حياة المدن، وأن الصناعات الصغيرة في القرى خير من المصانع الكبيرة في المدن. وقد تعلم هو صناعة الأحذية كي يحس راحة الضمير، وكان يحرث الأرض، وكان يقول إن المتمدنين الغربيين يلعبون الألعاب الرياضية؛ لأنهم لا يؤدون أعمالًا مجهدة، ولو أنهم كانوا يعيشون مثل الفلاحين على الأرض لما احتاجوا إلى الرياضة البدنية. ثم جاء غاندي فأحب تولستوي كما كان هذا يحب روسو، وأسس مزرعة باسم «مزرعة تولستوي» حين كان في أفريقيا الجنوبية يدرس مشروعاته في مقاومة الشر بالخير، وكان يعمل ويجرب في أساليب الحياة التي أصبحت مذهبًا عاش به الهنود، فلبسوا الخيش وأكلوا الخضراوات، وصاروا يغزلون وينسجون كي يستغنوا عن الأقمشة الإنجليزية الواردة إليهم من إنجلترا. ••• أرجو ألا يفهم أحد أني أمدح هؤلاء الثلاثة على الخطط الأساسية التي زعموا أنها تصلح للحياة العالمية، وإنما وجدت أنه يجب كي نفهم تولستوي أن نذكر هذا الاتجاه الذي لم يخل منه عصر، ويكفي أن نقرأ قصة «نشيد الإنشاد» في التوراة كي نعرف أن هذا الاتجاه قديم؛ إذ إن هذا السفر لا يعدوا أن يكون دعوة إلى الطبيعة والسذاجة والقناعة ضد الحضارة، وفي قلب كل منا شيء يهفو إلى هذه الحياة، ونحن نزداد تفكيرًا فيها عندما نجد أن مركبات الحياة المتمدنة قد استحالت إلى عقد يعسر علينا حلها، وأننا نقع في مضاعفات تقلقنا وتؤسينا وتمرضنا. التفكير في العودة إلى الطبيعة، والتفكير في القناعة بحياة الريف، والتفكير في لبس الخيش وطعام النبات، كل هذا هروب من عُقَد الحضارة العصرية ومضاعفاتها والعجز عن حلها. أما متى وُجد الحل فإن أحدًا لا يفكِّر كما فكَّر هؤلاء الأبطال الثلاثة. ••• تمتاز القصة الروسية على وجه عام بالواقعية، وهذا هو الأثر الذي تخلِّفه قراءة قصة روسية عند القارئ العربي الذي يعرف الآداب الروسية، وتولستوي واقعي يتعمق البواعث الخفية، ويكشف عنها في صراحة كثيرًا ما فزعت منها الطبقات الحاكمة في روسيا. وهو في كل ما يكتب لا ينسى أن ينبِّه إلى أن الحضارة العصرية غير إنسانية، وأشخاص قصصه فضلاء مستقيمون إذا كانوا فلاحين ساذجين مثل «لڤين» في قصة «أنا كارنينا»، وهم أرذال منحرفون إذا كانوا متدينين مثل «فردمنسكي» في هذه القصة نفسها، وهذا تحيز واضح له أصول في روسو معلمه الأول. ثم هو، مثل روسو قبله، ومثل غاندي بعده، شعبي؛ أي مع عامة الشعب والفقراء والمسحوقين والمحرومين، ومن هنا دعوته إلى تبسيط اللغة الروسية، بل إن كراهيته لشكسبير تعزى إلى حدٍّ بعيد، إلى أن هذا الشاعر الإنجليزي يتعالى على الشعب ويسميه غوغاء لا يفهمون، وإلى أن معظم أبطاله ملوك وأمراء. بل إنه يسرف هنا حتى يقول إنه يفضِّل أغاني الشعب الروسي العامية على أشعار جوتيه شاعر ألمانيا العظيم، وأسلوبه لهذا السبب شعبي، هو حديث يكاد يكون عاميًّا، لا نجد فيه تلك الكلمة المضيئة أو العبارة المزوقة التي اعتدنا أن نجدها في كتب الأدب الأخرى، ولكنه في كل ما يكتب سيكلوجي عميق لا يعلو عليه هنا غير دوستويڤسكي الذي عرف سيكلوجية فرويد قبل فرويد. ••• وربما يكون من المنير هنا أن نقارن بين تولستوي ودوستويڤسكي، فإن كلاهما كاتب عظيم من كتَّاب القصة، بل لا نغالي إذا قلنا إنهما أعظم كاتبين للقصة في العالم كله، ومع ذلك أنا أوثر عليهما جوركي، ولكن ليس ذلك لأنه يعلو عليهما في فن القصة؛ وإنما لأني أجد فيه مزاجي ونزعتي واتجاهي في الثورة التي لا يرضى عنها تولستوي أو دوستويڤسكي المسيحيان. وهناك فرق أصيل بين دوستويڤسكي وبين تولستوي، ذلك أن دوستويڤسكي يهدف إلى إيجاد أشخاص، بل أبطال، لكلٍّ منهم شخصيته الفذة التي يختلف بها عن سائر المجتمع، فهم فلاسفة أو مجرمون أو حتى مجانين، ولكنهم عباقرة، ولكن عبقريتهم في الإحساس أكثر مما هي في العقل. هم أذكياء في الإحساس فإن «رسكلنيوف» بطل «الجريمة والعقاب» وهي القصة التي كنت أول من حاول ترجمتها في عام ١٩١٢، هذا البطل يقتل امرأة عجوزًا عن تعقُّلٍ منطقي، ولكنه يعترف بعد ذلك بالجريمة، ويرضى بحكم الإعدام أو النفي المؤبد عن إحساس إنساني. ولهذا المؤلف أشخاص متدينون في قصته العظيمة «الإخوة كرامازوف» تتأمل دينهم العميق فتشك في إيمانهم: هل هم مسيحيون أم إنسانيون؟ وهل ينشرون النور أم الظلام؟ نحن نقرؤه ونحن نعاني لذة أليمة، وكأننا في قبضة محلل سيكلوجي نستجيب لأسئلته بومضات الذهن وارتجاف القلب. جميع أبطال دوستويڤسكي شواذ، مرضى، ولكنهم عبقريون أذكياء. أما تولستوي فمن الشعب يكتب للشعب، رجاله عاديون، وهو يعبر عن أعمالهم وصفاتهم بلغة شعبية بعيدة عما يسميه الاحتيالات البلاغية. المثل الأعلى عند دوستويڤسكي هو الرجل الشاذ الذكي الذي يحس أكثر مما يتعقل. والمثل الأعلى عند تولستوي هو الرجل العادي الذي لا يشذ عن المجتمع، ولكن هذا المجتمع يجب أن يكون ساذجًا يحيا في الطبيعة والصلاح، هو الرجل الطيب في معنى الطبيعة الشعبية، بل أكاد أقول العامية. البطل عند دوستويڤسكي هو من ينفصل عن المجتمع، والبطل عند تولستوي هو من يندمج في المجتمع. وأحسن أشخاص القصص عند تولستوي هو «ليڤين» صاحب الأرض في قصة «أنا كرنينا» وهو مزارع طيب يتسم بأفكار عرفية؛ أي اجتماعية، عن الحب والزواج والعائلة والصلاح، هو تولستوي نفسه وسائر المزارعين. وأحسن الأشخاص عند دوستويڤسكي هو الطالب «رسكلنيكوف» القاتل الفاجر الذي يقتل العجوز كي يسرق أموالها؛ لأن حياتها «لا تزيد في القيمة على حياة برغوث» أليس هذا هو المنطق؟ منطق العقل وحده.  ولكن دوستويڤسكي يعود بعد ذلك فيشرح في أكثر من مائتي صفحة أن هذا المنطق خطأ. وأبطال دوستويڤسكي يختلفون في معاني الحب من أشخاص تولستوي؛ البطل عند دوستويڤسكي يحب المرأة البغيَّ، ويعبدها؛ لأنه يعبد آلامها وينغمس في دموعها، ويكرع تعاستها، وكأنه يبكي في هذا الحب تعاسة الناس وبغاء حياتهم وجوعهم، وهو يستنبط من هذا الحب المعاني الإنسانية التي تجعلك تسمو على نفسك. أما أبطال تولستوي فيحبون هذا الحب الأفلاطوني الذي يتوهم الناس أنه الحب السطحي، مع أن أفلاطون قصد منه إلى الحب الشامل للإنسان والحيوان والنبات، والصدق والشرف، والحقيقة والفن والطبيعة، الحب عند تولستوي هو الحب للناس أولًا، ثم بعد ذلك لهذا الكون بكل ما فيه من مخلوقات، ولهذا السبب كان تولستوي يقيس كل شيء بقيمته للشعب، فالكتاب أو الصورة أو اللحن إنما هي جميعها وسائل لزيادة الاتحاد، بل الاندغام بين أفراد الشعب، وعنده أنَّا كلما اندغمنا في الشعب كنا أسعد، وكلما انفصلنا كنا أتعس، ومن هنا كراهيته لشكسبير الذي يكتب أحيانًا في وقاحة، ويصف الشعب أنه غوغاء، وكذلك كراهته لجوته، حتى قال إن الأغاني الشعبية الروسية تحوي من الفن أكثر مما تحويه أشعاره. وكذلك احتقاره لما كان يسميه «الاحتيالات البلاغية»؛ لأن فنون البلاغة للخاصة وليست للشعب، ثم أخيرًا نجده يحرث الأرض ويصنع الأحذية بيديه، إنه يريد أن يكون من الشعب ويؤدي الأعمال الشعبية، وهو هنا بالطبع مسرف. ولكنَّ لهذا الموقف وجهًا يستحق أن نبحثه من ناحية المزاج النفسي والإحساس العاطفي، وليس من ناحية الارتقاء البشري والتقدم العلمي، بل إن لهذا الموقف مغزًى لا يُستهان به حين نتأمل خطط غاندي الشعبية في الهند والنتيجة التي انتهت إليها. ••• تغمر إحساسات الحب حياة تولستوي، الحب الأفلاطوني الذي يشمل الحياة والطبيعة: حب روسو. وأكبر الظن أن روسو هو الذي نبَّه ذهنه إلى الحب، أو هو الذي أيَّده وبعث فيه الاستطلاع والتعرف؛ ولذلك لا نستغرب من تولستوي أن يلتفت إلى معاني الحب التي دعا إليها الإنجيل، ولكن التفاته هذا أدى به إلى الاصطدام بالكنيسة. والواقع الذي يثبته تاريخ أوروبا أنه كلما اقتربنا من الإنجيل، وحاولنا أن نفهم تعاليمه منه مباشرة، ونقرؤه مثل أي كتاب آخر، كلما فعلنا ذلك، ابتعدنا عن الكنيسة، ونعني بالكنيسة هنا كهنتَها، فإن لوثر، المصلح البروتستانتي، حين شرع يدرِّس الإنجيل مباشرة طردته الكنيسة الكاثوليكية، وكذلك فعلت مع رينان، وكذلك فعلت الكنيسة الأرثوذكسية مع تولستوي. إن للكهنة تفسيرات «رسمية» للإنجيل، فمن تجرأ من المسيحيين على أن يفهم كلمات الإنجيل، خارج هذه التفسيرات الرسمية، فإنه عندئذٍ يكون عرضة للوم والحرم، وليس هذا شأن الكنيسة أو الكنائس البروتستانتية، التي تعلمت من طرد لوثر ألا تطرد أحدًا يخالفها. وكان طرد تولستوي أو إلقاء الحرم عليه، قائمًا على أنه نظر إلى المسيح النظرة الإنسانية، ووجد في الأخلاق التي دعا إليها، وعمادها الحب، أخلاقًا لا تحتاج إلى وحي إلهي، بل إنه يقول إنه هو نفسه؛ أي تولستوي، كان يمكنه أن يقول بما قال به المسيح في الأخلاق دون أن يحتاج إلى وحي إلهي؛ لأن هذه الأخلاق هي أفضل ما نعرف وأليق ما تكون للمجتمع البشري، هي أخلاق علمية. وهو يقول في إحدى مذكراته حين كان يقاتل في حرب القرم حوالي عام ١٨٥٥: خطرت بذهني فكرة، هي تأسيس ديانة جديدة تتفق والحال الحاضرة للنوع البشري، أعني الديانة المسيحية التي تتطور من العقائد الجامدة ومن الغيبيات، بحيث تصير ديانة عملية لا تهبنا سعادة المستقبل ، وإنما سعادة الحاضر على هذه الأرض. (ليڤ نيكولاياڤيتش تولستوي) وهو يستخلص من موعظة الجبل في الإنجيل هذه الوصايا الخمس: (١) لا تغضب. (٢) لا تَزْنِ. (٣) لا تُقْسِم. (٤) لا تقاومِ الشر. (٥) لا تكن عدوًّا لأحد. هذا هو كل ما يؤمن به من الإنجيل، وما عدا ذلك فزيادات يمكن الاستغناء عنها. ولكن تولستوي مع ذلك لم يجابه كل الحقائق، ولو كان قد فعل لاستقر على العلم وحده. ••• حقيقة الموت من أعظم الحقائق التي تواجهنا عندما نفكر في الحياة البشرية، لماذا نموت؟ ولماذا نخاف الموت؟ وقد فكر تولستوي كثيرًا في هذا الموضوع، وله قصة تسمى «ثلاث توبات» توضح لنا رأيه في الموت، وقد كتبها في عام ١٨٥٨. والموتات الثلاثة هي موت سيدة ثرية متمدنة، وموت فلاح فقير ساذج، ثم موت شجرة. وهو يصف تدرج الموت، منذ بدايته حتى نهايته، في هذه الأحياء الثلاثة، وله نظرية في ذلك هي أنَّا نتألم من الموت ونخشاه؛ لأننا نحيا في الحضارة على وعي بأن كلًّا منا فرد منفصل، ويزداد هذا الإحساس إذا كنَّا متمدنين متعلمين؛ ولذلك تخشى في السيدة الموت. أما الفلاح؛ فلأنه ساذج، يحيا مع الطبيعة ولا يحس فرديته إلا بمقدار صغير؛ أي إنه ليس على وعي خاص بحياته، هذا الفلاح يتحمل الموت ويستقبله بأقل الألم وأقل الخوف. أما الشجرة التي تخلو من الوعي، وليس لها أي إحساس بفرديتها؛ إذ هي جزء متم لا ينفصل من الطبيعة، هذه الشجرة لا تحس بتاتًا بالموت، ونحن حين نقطع غصونها ونكسر ساقها لا نجد فيها ما يدل على ألم أو خوف. والمغزى الذي يستخرجه تولستوي من هذه المقارنة بين الموتات الثلاث، أنه كلما ازددنا ثقافة وتمدنا ومعرفة، ازددنا أيضًا وعيًا وانفصالًا من المجموعة البشرية، ونحن نتألم لهذا الوعي والانفصال وقت الموت، ولكن لو كان وعينا وانفصالنا ضعيفين أو معدومين لكنَّا مثل الفلاح، بل مثل الشجرة؛ لأن موتنا جزئي إذ نحن أحياء في المجتمع أو الطبيعة لأننا لم ننفصل منهما، إذ يكون موتنا بمثابة من تكسر أصبعه أو يده فقط. إن تولستوي طبعة أخرى لروسو، إنه يمدح الحياة البدائية، بل يمدح الطبيعة غير الواعية، ويجد فيها الفلاح آلام الموت والشقاء من الخوف من العدم. وهو بالطبع لا يؤمن بالغيبيات التي تلي الموت، ولا يشتهي، ولا ينتظر أطباق الحلوى بعد الموت، هذه الأطباق التي يعتقد بعضنا أنها تخفف من ألم الموت وتزيد الخوف منه، مع أن الواقع يثبت غير ذلك. ••• إن تولستوي يستحق النقد هنا. ذلك أنه نظر إلى الموت من حيث إنه مواجهة العدم للإنسان، وأنه نهائي ليست بعده حياة أخرى، ولكن عبرة الموت يجب أن تنعكس على الحياة. إذن ما دامت الحياة تنتهي بالموت انتهاء تامًّا؛ فيجب لذلك أن نحيا حياتنا بأقصى وأعمق ما نستطيع، وأن نجعل من هذه الدنيا نعيمًا لأبناء البشر، نحيا في سعادة وسلام وعلم وثقافة واستمتاع، ونعمُّ الخيرَ والعدل، ونتحمل نحن وحدنا المسئولية في كل ذلك بدلًا من إلقاء المسئولية على قوات غيبية، ولكن تولستوي لم يكن يرتفع إلى هذا التفكير؛ لأنه لم يكن ثوريًّا، والثورة وحدها؛ أي السعي لإيجاد ثورة تغير المجتمع، هي التي نقلت الاهتمام النفسي والذهني من التفكير في الدين إلى التفكير في الدنيا. وكراهة تولستوي للثورة يعود إلى إيمانه المطلق بأن الشر يجب ألا يقاوم، وأن الموقف السلبي من المظالم والشرور جميعها هو الموقف الذي اتخذه بعد ذلك غاندي، وقد اتخذه غاندي نقلًا عن تولستوي. لم يكن تولستوي يؤمن بالثورة؛ إذ كان يقنع بالإيمان بالمسيحية، بالإخاء المسيحي، ولكننا مع ذلك نظلمه إذا قلنا إنه لم يعمل لتعجيل الثورة، ذلك أنه عمم السخط بين طبقات المثقفين في روسيا؛ لأنه أبرز مظالم المجتمع والحكومة والكنيسة، وهذا السخط كان الاختبار الذي سبق الانفجار بالثورة. لم يكن اشتراكيًّا، ولم يكن له برنامج، ولم يكن له كفاح عملي مذهبي سوى تسليم الأرض للفلاحين، وقد حاول هو نفسه أن يفعل ذلك واصطدم بعائلته التي منعته من إنفاذ نيته. لم يكن تأثيره إرشاديًّا للثورة، ولكنه كان إيحائيًّا. ••• ولا نستطيع أن نقول إن غاندي قد أرشد الثورة في الهند بالتعاليم التي أخذها عن تولستوي، وإنما قصارى ما نقول عنه إنه أوحى بها ولونها بلون الوداعة التي انتهت بالمقاطعة، مقاطعة الإنجليز المستعمرين. وكلاهما؛ أي تولستوي وغاندي، يجهل الأساس الوحيد الذي تنبني عليه المجتمعات وتتغير بتغيره وتتطور بتطوره؛ هذا الأساس هو الأساس الاقتصادي. كان كلاهما «مثاليًّا» وليس «ماديًّا»، كان كلاهما يطلب الأخلاق ثم الإصلاح، الأخلاق عند كلٍّ من تولستوي وغاندي تؤدي إلى الإصلاح، وهذا هو الخطأ الفادح؛ لأن الأخلاق ليست شيئًا سوى الثمرة أو الثمرات، التي يثمرها النظام الاقتصادي، فإذا كان هذا النظام حسنًا عادلًا فإن الأخلاق تكون حسنة عادلة. كان كلاهما يطلب إصلاح الفرد، ثم يؤدى ذلك في منطقه إلى إصلاح المجتمع، ولكن العكس هو الذي نؤمن نحن به الآن، فإننا نقول إننا نحتاج إلى مجتمع عادل لكي يتعلم أفراده بنظامه، محض نظامه، ويمارسون العدل في علاقاتهم الواحد مع الآخر. موقف غاندي وتولستوي هو الموقف المسيحي، وهو أن على الفرد واجبات إذا أداها صار المجتمع صالحًا. ولكن هل نجحت المسيحية في ذلك؟ إنها لم تنجح، بل انتهت بعد ألفي سنة من تعاليمها باختراع القنابل الذرية الهيدروجينية، أقوى أسلحة الشر في تاريخ العالم. إن أسوأ ما في تولستوي وغاندي معًا أنهما لم يفهما، ولم يدرسا التفسير الاقتصادي للتاريخ، ولكن هل معنى هذا أنهما لم يخدما عصرهما؟ لا؛ لأن الواقع أنهما كما قلنا، أوجدا سخطًا أدى إلى اختمار، ثم انتهى الاختمار بالانفجار، فكانت الثورة الاشتراكية في روسيا، ثم ثورة الاستقلال في الهند. السخط جعل الناس يفكرون ويغضبون، وانتهى التفكير والغضب إلى الثورة التي شبَّت بعد وفاة تولستوي بسبع سنوات في عام ١٩١٧. ولكن هذا السخط الذي جعل الناس يفكرون ويبتكرون جعل تولستوي نفسه يبتئس ويشقى؛ إذ كان هو يسخط ويتآكل ببخاره؛ لأنه لم يكن له برنامج اجتماعي للثورة، ولذلك أيضًا وجدناه بعد حياة بلغت ٨٢ سنة ينهض من فراشه في الفجر ويترك بيته وأولاده ويفر إلى حيث لا يعرف؛ إذ لم يكن له وجهة ولم يكن له قصد، كان يريد الفرار فقط، فر من الحياة البائسة إلى الموت، ومات. وبموته أثبت أن ما كان ينشده من الارتباط العضوي بالمجتمع، على الطريقة التي رسمها لم يعد ممكنًا؛ لأنه لم يعد من الممكن أن ننزل عن وعينا بالنزول عن ذكائنا وثقافتنا، ونحيا حياة الفلاح أو حياة الشجرة، ولكن هناك ارتباطًا آخر يحسه الرجل المثقف الواعي في أيامنا، هو هذه الاشتراكية التي ننشدها، فنحن في حياتنا، بل كذلك في موتنا، أجزاء متممة للمجتمع، نرقى برقيه... فلا نشقى من الحياة، ولا نخاف من الموت. ومع كل ما ذكرت عن تولستوي وروسو وغاندي، ومع كل ما نجد في حياتهم وتعاليمهم من أخطاء، فإننا نهفو إليهم كما نهفو إلى النسيم المنعش، لما نجد فيهم من إخلاص وسذاجة وحب تفسدها علينا الحضارة العصرية. --- ### اللاجئين وانقسام المصريين - Published: ۲۰۲٤-۱۰-۰۱ - Modified: 2024-10-01 - URL: https://tabcm.net/30105/ - تصنيفات: شئون علمانية - وسوم: الضباط الأحرار, داود عبد السيد وقعت مصر على اتفاقيات ومواثيق دولية عديدة، وتستضيف مقر مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. ولها وزن ودور في المنطقة المضطربة التي نعيش فيها، التي تشهد اندلاع الحروب من كل جانب. وبالتالي، تقع علينا مسؤولية كدولة وشعب لاستقبال اللاجئين ومساعدتهم، بالتنسيق مع المفوضية ووفقًا لإمكاناتنا وقدراتنا مِلَفّ اللاجئين في مصر واحد من الأمور التي تثير الجدل بين قطاعات كبيرة من المواطنين وبقايا التيارات السياسية التي لدينا، وتنقسم المواقف من اللاجئين إلى اتجاهين إما الرفض القاطع لوجودهم والمطالبة بترحيلهم، أو الترحيب الزائد عن اللازم، وكلاهما خطأ، إضافة إلى موقف الدولة المتسبب في هذا الجدال بسبب عدم تحديد قواعد قانونية واضحة لاستقبال اللاجئين من الدول المختلفة التي تعاني من مشاكل وحروب حولنا، والإصرار على عدم المهنية من قبل الحكومة المصرية بوصفهم بـ"ضيوف مصر"، فلفظة "ضيوف" ليس لها محل من الإعراب في القانون الدولي والاتفاقيات والعهود الدولية، ولكن لفظة "لاجئين"  هي اللفظة الرسمية. بداية حركة الهجرة واللجوء للبشر ممتدة عبر التاريخ، وليس فقط في التاريخ المعاصر، وفي جميع أرجاء الكوكب، وفي النصف الأول من القرن العشرين مع اندلاع الحربين الأولى والثانية، كانت مصر قبلة لعديد من الجنسيات مثل الأرمن، واليونانيين والإيطاليين، ومن بلاد الشام، وغيرهم من دول أوروبا المختلفة، واحدة من اللقطات الرائعة في السينما المصرية التي أبرزت هذا التنوع في فيلم "رسائل البحر" لشاعر السينما المصرية المخرج داود عبد السيد، حينما أراد "يحيى" بطل الفيلم أن يعرف ما في الرسالة التي وجدها وبأي لغة كتبت، فمرت على جنسيات من شرق أوروبا مثل المجر والتشيك وروسيا، ثم اليونان وإيطاليا وغيرهم، واختفى هذا التنوع مع الوقت بعد حركة الضباط الأحرار في 23 يوليو 1952م، وصرنا نتحسر على التنوع الذي كان في المجتمع المصري. بعد الحرب الأهلية في سوريَا عام 2011 م، بدأ السوريون في النزوح بالملايين إلى مختلف البلدان بين تركيا ومنها إلى بقية دول أوروبا، والأردن ومصر ولبنان، وفيما يخص مصر لم يتم استقبالهم في مخيمات مثلما حدث في بعض البلدان الأخرى، ولكن دخلوا وسط المصريين وعاشوا على مدار أكثر من 12 عامًا، وصار لهم تجارتهم الخاصة، وسكنوا كثير من المدن الجديدة والأحياء المختلفة في القاهرة، وكان المصريين منفتحين على وجود السوريين في البداية، ومن بعدهم تواجد مجموعات من اليمنيين، إضافة لجنسيات أخرى من مختلف البلدان في إفريقيَا، وأخيرًا، العدد الأكبر من الوافدين على مصر؛ كان من السودان بعد اندلاع الحرب هناك في أبريل 2023،  وقت تحوّل المِزَاج الشعبي العام، والذي في غالبيته يرفض وجود اللاجئين في ظل أزمة اقتصادية طاحنة، وارتفاع معدلات التضخم بشكل غير مسبوق على مدى الأعوام الثلاثة الأخيرة ووصول سعر صرف الدولار الأمريكي إلى نحو 50 جنيها مصريًا الآن. كانت أزمة اللاجئين السوريين مثار جدل بين قادة الاتحاد الأوروبي على مدار السنوات الماضية، ورفضت بعض الدول استقبال لاجئين مثل المجر، في حين حاولت ألمانيا استقبالهم وتوزيعهم على بعض الدول الأوروبية الأخرى، لكنها وضعت شروط كأي دولة تستقبل لاجئين لتحصل على نصيب ممن يفيدون في سوق العمل، ومع ذلك حدثت مشاكل وتحولات مجتمعية هناك بسبب اختلاف الثقافة بين اللاجئين والمواطنين الألمان، وفي الحقيقة فهذا تعبير مهذب للإشارة لانتشار حوادث التحرش من قبل اللاجئين، وارتفاع ظاهرة العنف ضد المرأة في ألمانيا. وقررت بعض دول الشمال الأوروبي دفع معونات لدول أخرى حتى يظل اللاجئين بها، أو ليظلوا في بلدهم دون النزوح إليهم. هناك تفاوت في أرقام اللاجئين في مصر، في حين أن تصريحات رسمية من مسؤولين بالحكومة المصرية أشارت إلى استقبال مصر لأكثر من 9 مليون لاجئ من مختلف البلدان، فإن المسجلين لدى مفوضية شئون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة في مصر أقل من ذلك بكثير. تستضيف مصر أكثر من ٧٥٦ ألف لاجئ وطالب لجوء مسجلين من ٦٢ جنسية مختلفة. مع نهاية أكتوبر ٢٠٢٣، أصبحت الجنسية السودانية هي الأكثر عددًا، يليها الجنسية السورية، تليها أعدادًا أقل من جَنُوب السودان وإريتريا وإثيوبيا، واليمن، والصومال، والعراق. ارتفع عدد السوريين المسجلين مع المفوضية في مصر بشكل كبير من ١٢,٨٠٠ في نهاية عام ٢٠١٢ إلى أكثر من ١٥٣,٠٠٠ شخص في نهاية عام ٢٠٢٣، ممثلين خلفيات اجتماعية واقتصادية ودينية مختلفة. نتيجة للأزمة في سوريَا والسودان، فإن مصر تستضيف الآن أكبر عدد من اللاجئين وطالبي اللجوء المسجلين في تاريخها. في الوقت نفسه، دفع تجدد الصراعات وانعدام الاستقرار السياسي في شرق إفريقيَا والقرن الأفريقي وكذلك الاضطرابات في العراق واليمن قد دفع  آلاف الأشخاص من جَنُوب السودان وإثيوبيا والعراق واليمن إلى اللجوء إلى مصر. حتى ٢٦ أغسطس ٢٠٢٤، وصل عدد اللاجئين المسجلين لدى المفوضية إلى ٤٦٩,٦٦٤ لاجئًا من السودان و١٥٧,٦٧٣ من سوريا و٤٥,٠٧٩ من جَنُوب السودان و٣٨,٩٣٨ من إريتريا و١٨,٧٢١ من إثيوبيا و٨,٦٤٩ من اليمن و٨,٤١١ من الصومال و٥,٧٢٢ من العراق وأكثر من ٥٤ جنسية أخرى. (مفوضية شئون اللاجئين بمصر) بطبيعة الحال، يرجع هذا التفاوت في الأرقام بين ما تقوله الحكومة والمسجلين رسميًا لدى مفوضية شئون اللاجئين إلى عدم وجود إحصاء رسمي بكل من دخلوا مصر من قبل الحكومة. ويعيش كثيرون في مصر ويعملون دون إقامات أو أوراق ثبوتية. وفي عام 2024 الجاري، قررت الحكومة منح المقيمين على أراضيها فرصة لتسوية أوضاعهم القانونية واستخراج إقامات، أو ترحيلهم إلى بلدانهم. وكان من المفترض أن تنتهي المهلة في سبتمبر الماضي، قبل أن تمدها الحكومة عامًا خلال زيارة رئيس ألمانيا لمصر في نفس الشهر. وقد أثار هذا القرار سخطًا شعبيًا تجاه الحكومة، في ظل استمرار الأزمة الاقتصادية وارتفاع معدل التضخم، بالإضافة إلى ارتفاع أسعار العقارات المباعة والمؤجرة عدة أضعاف عن ثمنها الحقيقي، نتيجة ارتفاع الطلب من الوافدين الجدد واستعدادهم لدفع مبالغ أكبر من المعروضة بين المصريين. هذا الوضع الفوضوي لم يتسبب فيه اللاجئين أو الوافدين إلى مصر من دول الصراع وحدهم، بل مسؤول عنه مسؤولية كاملة؛ الحكومة، التي من المفترض أن تنظم الأمور  في أطر قانونية تحفظ النظام العام، ولا تترك الأمور مباحة على مصراعيها لتحولات ديموغرافية قد تنبئ بكوارث مستقبلًا، إذا ظل هؤلاء بصراعاتهم التي أتوا بها من بلدانهم إلى مصر. نأتي إلى فريق الرافضين، فمصر تعاني من وضع اقتصادي صعب منذ عام 2011، وتفاقمت الأزمة الاقتصادية في عام 2022، وبدأ الجنيه في التهاوي أمام العملات الأخرى خاصة الدولار الأمريكي. وبالتالي، فإن جزءًا من سخط القطاع الرافض لوجود اللاجئين يكمن في الأزمة الاقتصادية أساسًا، بالإضافة إلى ممارسات بعض اللاجئين المستفزة تجاه مصر ومناصبتها العداء بالرغم من معيشة بعضهم على أراضيها. أما فريق المرحبين فغالبيتهم من تيارات سياسية قومية ويسارية، ويتعاملون مع الموقف على طريقة المزارع الكريم في الريف المصري الذي يدعو كل من يمر عليه لتناول الطعام والشاي معه. هذا الكرم الريفي المصري الأصيل قد ينفع في الحالات الفردية، لكنه لا يصلح عندما تدعو الملايين للدخول إلى بلدك التي تعاني اقتصاديًا، وتفتقر إلى الموارد وتواجه أزمة مياه، خاصة وأن كل هؤلاء المرحبين ينتقدون الحكومة بسبب الأزمة الاقتصادية والأداء غير المرضي في حلها. إن ما ينفع في إدارة المنزل أو الحقل لا ينفع في إدارة الدولة، وهذه إحدى أزمات السياسيين والمثقفين في مصر. وقعت مصر على اتفاقيات ومواثيق دولية عديدة، وتستضيف مقر مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة. ولها وزن ودور في المنطقة المضطربة التي نعيش فيها، التي تشهد اندلاع الحروب من كل جانب. وبالتالي، تقع علينا مسؤولية كدولة وشعب لاستقبال اللاجئين ومساعدتهم، بالتنسيق مع المفوضية ووفقًا لإمكاناتنا وقدراتنا. ويجب ألا نتحمل عبئًا يفوق طاقتنا، وإلا انهرنا نحن أيضًا. --- ### كانت أديرة مقفرة وكنيسة تبحث عن بوصلتها - Published: ۲۰۲٤-۰۹-۳۰ - Modified: 2024-09-30 - URL: https://tabcm.net/30237/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أنبا أنطونيوس، مطران سوهاج, أنبا بطرس، مطران أخميم وساقلته, أنبا ثاؤفيلس، أسقف ورئيس دير السريان, أنبا فيلبس، مطران الدقهلية, أنبا كيرلس، مطران البلينا, أنبا مرقس، مطران أبوتيج وطهطا, أنبا مكاريوس، أسقف قنا, أنبا مكسيموس، مطران القليوبية ومركز قويسنا, أنبا ميخائيل، أسقف حلوان, أنبا ميخائيل، مطران أسيوط, أنبا مينا، مطران جرجا, المجلس الملي, بابا كيرلس الخامس, بابا كيرلس الرابع أبو الإصلاح, بابا كيرلس السادس, بابا يوساب الثاني, باسيليوس صبحي, تريزة شنودة, جريدة الدستور, حسين رشدي باشا, دير الآباء السريان, دير الأنبا أنطونيوس, عبد الخالق ثروت باشا, قاسم أمين, ليتورچي, مجلة الكرازة, محمد علي باشا الكبير, يوأنس التاسع عشر جرت في نهر الكنيسة مياه كثيرة، ما بين مد وجزر، وواجهت تحولات عاتية داخلها وخارجها، سنعرض لها في جزء تال من هذا الطرح الذي قد يجيب على السؤال الحائر: ماذا حدث لنا حتى صرنا لما نحن عليه، من تراجعات وصدامات وربما صراعات، عند قمة الهرم الكنسي وسفحه، تشهد عليها ساحات العالم الافتراضي، بالمخالفة لما كان ينبئ به الحراك الكنسي الذى نقترب بحذر منه؟ كانت الأرض خربة وخالية، على غرارها كانت غالبية الأديرة القبطية حتى بدايات القرن التاسع عشر، بالكاد يسكن كل واحد منها نُفر من الرهبان الشيوخ، منقطعين عن العالم، والدروب إليهم محجرة وغير ممهدة، كانت الحكايات عنهم تشبه الأساطير، والحياة فيها بسيطة وقاسية، يلفها الغموض، تتواتر حولها حكايات عن السحر وعن القداسة، بآن واحد، خاصة أديرة الصعيد العتيقة. باستثناء دير الأنبا أنطونيوس بالصحراء الشرقية البحر الأحمر، ودير المحرق بأسيوط إذ كانا مأهولين بالرهبان. شهدت القرون المتأخرة زيارات متقطعة من المستشرقين المولعين بكل ما هو مصري، لم تكن الآثار الفرعونية وحدها التي ينقبون عنها، بل كانوا يبحثون عن المخطوطات القبطية بين الأديرة، لم يكن الشيوخ البسطاء يدركون قدرها، فهي مكتوبة باليونانية أو القبطية، وكلاهما انقطع عنها لساننا، إلا ما احتفظت به الصلوات الليتورچية وألحانها، وحتى هذه نحفظها، ولا يقرأها عن فهم كلغة إلا القليل. وهو ما سهل على الرحالة الاستيلاء عليها بحيل مختلفة، وإن أودعوها متاحف ومكتبات الجامعات الكبرى لتجد حقها في البحث والدراسة. كان لهذا أثره على الكنيسة خارج نطاق الأديرة وقد أوكلت إدارتها للمختارين من الرهبان، ربما لهذا كانت الإيبارشيات تضم أكثر من محافظة أو مديرية بوصف ذاك الزمان، ولم يزد عدد المطارنة والأساقفة عن ثمانية عشر حتى حبرية البابا كيرلس السادس. لكن هذا لا ينفى مجهودات عديدة قامت بها الكنيسة لمعالجة هذا التراجع والكمون، ولعل أشهر من تصدى لهذا البابا كيرلس الرابع فأستحق أن يدعى "أبو الإصلاح" فشرع في بناء سلسلة من المدارس العامة عرفت بمدارس الأقباط الكبرى، وسبق قاسم أمين في إتاحة الفرصة لتعليم البنات بما يزيد على الثلاثة عقود. وكانت مدارسه تقبل التلاميذ من كل المصريين بلا تفرقة، وتخرج فيها أعلام سياسية منهم على سبيل المثال رؤساء الوزراء عبد الخالق ثروت باشا، وحسين رشدي باشا، فضلًا عن الوزراء عبد الحميد مصطفى باشا وزير المالية، محمود عبد الرازق باشا وزير الداخلية، وإسماعيل حسين باشا وزير المعارف (التربية والتعليم). واستقدم ثالث مطبعة بعد مطبعة الحملة الفرنسية ومطبعة بولاق التي أسسها محمد علي باشا باني مصر الحديثة، واحتفى باستقبالها بطقوس الفرح يتقدمها الكهنة والشمامسة. فعل كل هذا رغم سني حبريته القليلة (1853 ـ 1861م)، وكانت وفاته محل ريبة، وإشارت بعض أصابع الاتهام إلى الحرس القديم. يوثق تاريخ الكنيسة تأسيس البابا يوأنس التاسع عشر عام 1929م، مدرسة الرهبان بحلوان في خطوة عملية، تنتقي من كل دير عناصر رهبانية يرى فيها إمكانية صقل أذهانها بعلوم الكنيسة والعلوم المدنية؛ الفلسفة والمنطق وغيرها، وتستهدف أمرين: أولهما إتاحة مساحة زمنية معرفية لطلابها للتحول من الثقافة المنعزلة النسكية إلى التعاطي مع الكنيسة خارج الأديرة وتفهم احتياجات الرعية فيها. وثانيهما أن يظل التعليم الإكليريكي بعيدًا عن الأديرة الساعية لتعميق توجهها النسكي الذي تعمقه بالتلمذة على شيوخها، حسب التقليد الرهباني، وحتى لا يُحارب قاطنيها بفكر التبرم من عزلتهم وسعيهم للخدمة في العالم، تأكيدًا لتعليم مؤسسي الرهبنة بالفصل بين الرهبنة والكهنوت، ولعل هذا يفسر لنا فكرة قس الإسقيط الذي كان يجوب أديرة البرية على فترات متباعدة لعمل قداس لرهبانها الذين انقطعوا عن العالم. أثمرت المدرسة عددًا غير قليل من أحبار الكنيسة خلال القرن العشرين، الذين صاروا أعمدة في الخدمة الطقسية والتعليمية والرعوية، منهم البابا يوساب الثاني (الـبطريرك 115)، والبابا كيرلس السادس (الـبطريرك 116)، والأنبا مرقس، مطران أبوتيج وطهطا، الأنبا ميخائيل، مطران أسيوط، والأنبا كيرلس، مطران البلينا، والأنبا ثاؤفيلس، أسقف ورئيس دير السريان، والأنبا أنطونيوس، مطران سوهاج والمنشاة، والأنبا بطرس، مطران أخميم وساقلته، والأنبا مينا، مطران جرجا، والأنبا مكسيموس، مطران القليوبية ومركز قويسنا، والأنبا إسطفانوس، مطران أم درمان وعطبرة، والأنبا مكاريوس، أسقف قنا ونقاده وقوص، والأنبا فيلبس، مطران الدقهلية وبلاد الشرقية. ((القس باسيليوس صبحي، مقال: مدرسة الرهبان اللاهوتية بحلوان، مجلة الكرازة، عدد 24 يوليو 2020. )). وكلهم كانوا أعلامًا في العلوم الكنسية، عقيدة وطقس وتاريخ، وفي أدارة إيبارشياتهم، حكمة وعلمًا وأبوة. ويسجل التاريخ أن أحد خريجي هذه المدرسة الراهب القس إقلاديوس الأنطوني (البابا يوساب الثاني فيما بعد) أوفده البابا كيرلس الخامس في بعثة علمية إلى أثينا سنة 1902 حيث درس في جامعتها اللاهوتية أربعة سنين أتم في نهايتها دراسته وحصل على إجازتها العلمية، وقد أجاد اللغتين الفرنسية واليونانية إلى جانب اللغتين القبطية والعربية. وحسب سيرته الموثقة؛ عاد محملًا برؤية مستنيرة، انعكست على قراراته حين اُختير لقيادة الكنيسة، فيذكر عنه اهتمامه بالأديرة وسعيه لرفع مستوى الرهبنة، ودعمه لمدرسة الرهبان بحلوان، وتصدى بجسارة وحكمة لسعي وزارة التربية والتعليم الاستيلاء على المبنى المقام على أرض الأنبا رويس بالعباسية والاستفادة منه، إذ سارع بدعوة المجلس الملي للانعقاد في جلسة طارئة برئاسته وانتهى معهم إلى قرار بنقل المدارس الإكليريكية من مقرها بمهمشة إلى المبنى الجديد (1953) في ظرف 24 ساعة من القرار، وافتتح معه القاعة اليوسابية ، ثم افتتح المعهد العالي للدراسات القبطية (1954). وشهدت حبريته صدور العديد من الكتب والمجلات القبطية، وامتدت خدمته إلى جَنُوب إفريقيا وإثيوبيا والسودان ولبنان، وسعى لدى الدولة لمنح الأقباط من موظفي الحكومة إجازات رسمية في أعيادهم، ونجح في إقرار خمسة أيام متفرقة إجازة لهم في مناسبات دينية مسيحية مختلفة، وإقرار السماح لهم بالتأخر ساعتين صباح كل يوم أحد لحضور القداس.  ((كمال زاخر، الكنيسة. . صراع أم مخاض ميلاد؟ الفصل الخامس: البابا يوساب: من ينصفه؟ )) وهو الأمر الذي يحاصر ما تم ترويجه عنه من مثالب وأخطاء. تعثرت مدرسة الرهبان بحلوان لأسباب مختلفة، إدارية في الغالب، وتعطلت سنة 1961 بعد أن استمرت في العمل نحو ثلاث عقود وأُجلِي الرهبان عنها، وجُعِلت غرفها نزلًا للطلبة المغتربين وبعض موظفي المصانع القريبة من حلوان، وحين قرر البابا كيرلس السادس إقامة إيبارشية حلوان جعل مبنى المدرسة مقرًا لأسقف حلوان، في ١٠ مايو ١٩٦٧م، عندما تم سيامة القمص إقلاديوس الأنطوني (الأنبا بولس) كأول أسقف لهذه الإيبارشية الجديدة. في تصريحات للأنبا ميخائيل، أسقف حلوان الجديد في حفل تجليسه، رصدتها الصحفية تريزة شنودة، أعلن عن إعادة تدشين مدرسة حلوان للعلوم اللاهوتية التي كانت متوقفة لعدة سنوات، وقال: دعونا نركز على الاهتمام بالتعليم والرعاية من خلال إعادة تدشين مدرسة حلوان للعلوم اللاهوتية التي تخرج منها العظماء من الرهبان والأساقفة وأبرزهم المطران الراحل الأنبا ميخائيل مطران أسيوط السابق. وأكد أن؛ هذه المدرسة ستكون بَذْرَة للتعليم اللاهوتي للخدام والشباب والكهنة لأن في التعليم استنارة.  ((تريزة شنودة، أسقف حلوان يعلن عن إعادة تدشين مدرسة حلوان اللاهوتية، جريدة الدستور بتاريخ 20 أبريل 2024. )) جرت في نهر الكنيسة مياه كثيرة، ما بين مد وجزر، وواجهت تحولات عاتية داخلها وخارجها، سنعرض لها في جزء تال من هذا الطرح الذي قد يجيب على السؤال الحائر: ماذا حدث لنا حتى صرنا لما نحن عليه، من تراجعات وصدامات وربما صراعات، عند قمة الهرم الكنسي وسفحه، تشهد عليها ساحات العالم الافتراضي، بالمخالفة لما كان ينبئ به الحراك الكنسي الذي نقترب بحذر منه؟ --- ### كيف نشأت الجماعة؟ - Published: ۲۰۲٤-۰۹-۲۸ - Modified: 2024-09-28 - URL: https://tabcm.net/30140/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: الإخوان المسلمين, الإسلام وأصول الحكم, حسن أحمد عبد الرحمن محمد البنا, سلامة موسى, عباس محمود العقاد, عبد العزيز فهمي, على عبد الرازق, علي عبد الرازق, محمد الخضر حسين, محمد بخيت المطيعي, محمد حسين هيكل, محمد رشيد رضا, مصطفى كمال أتاتورك, ملك فؤاد في مطلع القرن العشرين كان العالم الإسلامي لا يزال في عنفوان صدمة إسقاط الخلافة العثمانية الإسلامية على يد مصطفى كمال أتاتورك عام 1924، الأمر الذي أدى إلى ردة فعل عكسية لدى الأمة الإسلامية التي اعتادت على وجود دولة الخليفة والخلافة في مطلع القرن العشرين كان العالم الإسلامي لا يزال في عنفوان صدمة إسقاط الخلافة العثمانية الإسلامية على يد مصطفى كمال أتاتورك عام 1924، الأمر الذي أدى إلى ردة فعل عكسية لدى الأمة الإسلامية التي اعتادت على وجود دولة الخليفة والخلافة، حتى لو كانت هي نفسها دولة الظلم والاستعباد، ففي حقيقة الأمر أن دولة الخليفة العثماني لم تكن إلا دولة استعمارية تعيش على الجزية المسلوبة من الدول التابعة لها، هي فقط مغلفة بإطار ديني، ونتيجة لأسقاط الخلافة العثمانية بدأت فكرة الخلافة تداعب أحلام الكثيرين في كل البقاع الإسلامية بعد إلغاءها في الآستانة، ليصبحوا هم الخليفة الجديد ليحلوا محل الخليفة المطاح به. أكثر من داعبه هذا الحلم كان السلطان فؤاد الذي أصبح فيما بعد الملك فؤاد، الذي حاول أن يستخدم الأزهر بثقله العالمي الكبير لفرض نفسه خليفة للمسلمين، في نفس الوقت الذي حاول كثيرون الوصول لنفس المنصب مثل أمير الأفغان وأمير مكة وغيرهم، فأنفرط عقد المؤتمر الذي دُعي إليه لاختيار الخليفة الجديد دون أن يبدأ. سبب أخر لفشل تولى الملك فؤاد لمنصب خليفة المسلمين، هو مقاومة المستنيرين الذين خرجوا من عباءة الأزهر نفسه مثل الشيخ على عبد الرازق القاضي بمحكمة المنصورة الشرعية الذي ألف كتابه الأشهر "الإسلام وأصول الحكم" الذي صدر في 1925م، وقد أحدث الكتاب ضجة في مصر بسبب رفضه لفكرة الخلافة والدعوة إلى مدنية الدولة، وقد أدى هذا الكتاب إلى معارك سياسية ودينية كبيرة، حتى قامت هيئة كبار العلماء في الأزهر بمحاكمة علي عبد الرازق وأخرجته من زمرة العلماء وفصلته من العمل كقاضي شرعي بناءًا على طلب الملك من الأزهر. وتمت مصادرة الكتاب، لكي يضمن فؤاد استمرار خطته في عودة الخلافة، ووجهت الهيئة للشيخ على عبد الرازق سبع تهم تتهمه هو وكتابه بالضلال، وقامت معارك شرسة بين منافقي الملك الذين تباروا في الدفاع عنه واثبات حقه في تولى الخلافة وأشهرهم الإمام الأكبر محمد الخضر حسين في كتابه "نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم" الذي صدر عام 1926، ومفتي الديار المصرية محمد بخيت المطيعي في كتابه "حقيقة الإسلام وأصول الحكم" الذي صدر في عام 1926 أيضًا من ناحية، وبين المستنيرين الذين دافعوا عن الكتاب، منهم الدكتور محمد حسين هيكل حيث كتب مقالًا شديد السخرية في جريدة السياسة يسخر من قرار فصل على عبد الرازق، واستقال عبد العزيز فهمي من وزارة الحقانية في وزارة زيور باشا في 13 مارس 1925 م احتجاجًا على الظلم، ووقف إلى جوار علي عبد الرازق، وكذلك دافع عباس محمود العقاد عن عبد الرازق في مقال في صحيفة البلاغ، وكتب سلامة موسى مقالًا في جريدة المقتطف دافع فيه عن حرية الفكر والإبداع ورفض الرقابة الفكرية من ناحية أخرى. لم يكن الملك فؤاد وحده هو الذي يحلم أن يكون خليفة المسلمين، بل كان هناك من راوده نفس الحلم ورغب في المنصب ذاته، حسن البنا، وربما كانت تلك الرغبة من أكبر العوامل التي دفعت بالمدرس الفتى حسن البنا لتأسيس جماعته آملًا في أن يعيد بها الخلافة المنهارة ويصبح هو خليفة المسلمين، وهكذا كان سقوط الخلافة سببًا في ظهور كل الحركات الإسلامية الراديكالية المعاصرة في العالم العربي. ولد حسن البنا في 17 أكتوبر 1906 في مدينة المحمودية التابعة لمحافظة البحيرة إحدى محافظات مصر لأسرة بسيطة، فقد كان والده أحمد عبد الرحمن البنا مأذونًا وإمامًا لمسجدها، كما كان يعمل بتصليح وبيع الساعات، ولكن دخله من تلك المهنة لم يكن يفي احتياجات الأسرة بعد قدوم الأبناء وزيادة الأعباء، فزين له البعض أن يفتتح محل بقالة، ولكنها كانت تجربة فاشلة خسر فيها الشيخ كثيرًا ، وعندما فكر مرة أخرى في عمل إضافي اختار تجليد الكتب. في تلك الأسرة الفقيرة وتلك الظروف السيئة نشأ حسن البنا، ويبدو أن مقومات الزعامة والقيادة كانت متوفرة لديه منذ الصغر، ربما لتعويض العوز أو الحاجة، ففي مدرسة الرشاد الإعدادية كان متميزًا بين زملائه ومرشحًا لمناصب القيادة بينهم، حتى أنه عندما تألفت جمعية الأخلاق الأدبية، وقع اختيار زملائه عليه ليكون رئيسًا لمجلس إدارة هذه الجمعية، غير أن تلك الجمعية المدرسية لم ترض فضول هذا الناشئ وزملائه المتحمسين، فأنشؤوا جمعية أخرى خارج نطاق مدرستهم سموها؛ جمعية منع المحرمات، وكان نشاطها مستمدًا من اسمها، وكانت طريقتهم في منع المحرمات هي إرسال خطابات تهديد لكل من تصل إلى الجمعية أخباره بأنه يرتكب الآثام ولا يحسن أداء العبادات كنوع من ممارسة الحسبة. ثم تطورت الفكرة لاحقًا بعد أن التحق بمدرسة المعلمين بدمنهور فأنشأ الجمعية الحصافية الخيرية التي زاولت عملها في حقلين مهمين؛ الأول هو نشر الدعوة إلى الأخلاق الفاضلة ومقاومة المنكرات والمحرمات المنتشرة، والثاني هو مقاومة الإرساليات التبشيرية والتي رأى فيها البنا أنها اتخذت من مصر موطنًا تبشر فيه بـالمسيحية تحت ستار التطبيب وتعليم التطريز وإيواء الطلبة، مع أن الإرساليات التبشيرية المسيحية لم تكن تستهدف المسلمين أصلًا، بل كانت تستهدف المسيحين من الطائفة الأرثوذكسية الطائفة الأم في مصر لتحويلهم للطائفة الكاثوليكية. بعد انتهائه من الدراسة في مدرسة المعلمين، انتقل البنا إلى القاهرة وانتسب إلى مدرسة دار العلوم العليا ثم اشترك في جمعية مكارم الأخلاق الإسلامية، وكانت الجمعية الوحيدة الموجودة بالقاهرة في ذلك الوقت، ويبدو أن فكرة تأسيس جماعة الإخوان قد تبلورت في رأسه أول ما تبلورت وهو طالب بدار العلوم، فقد كتب موضوعًا إنشائيًا كان عنوانه "ما هي آمالك في الحياة بعد أن تتخرج؟"، قال فيه: إن أعظم آمالي بعد إتمام حياتي الدراسية؛ أمل خاص وأمل عام، فالخاص هو إسعاد أسرتي وقرابتي ما استطعت إلى ذلك سبيلًا، والعام هو أن أكون مرشدًا معلمًا أقضي سحابة النهار في تعليم الأبناء وأقضي ليلي في تعليم الآباء أهداف دينهم ومنابع سعادتهم، تارة بالخطابة والمحاورة، وأخرى بالتأليف والكتابة، وثالثة بالتجول والسياحة. (حسن البنا) وحصل البنا على دبلوم دار العلوم العليا سنة 1927 ولقب بـحسن الدرعمي نسبة لكلية دار العلوم، وعين معلمًا للخط العربي بمدرسة الإسماعيلية الابتدائية الأميرية في سبتمبر من نفس العام. لم يكن إنشاء جماعة الإخوان المسلمين وليد اللحظة، بل سبقها ظهور جماعات وتيارات دينية كثيرة أشهرها جمعية الشبان المسلمين التي نشأت في نهاية 1927، والتي ساندها البنا عندما كان يعمل مندوبًا محليًا لمجلة الفتح الناطقة بلسان التجمعات الإسلامية المحافظة التي أشرف على تحريرها محى الدين الخطيب مدير المكتبة السلفية وأحد مؤسسي جمعية الشبان المسلمين، وهو نفسه الذي عمل وسيطًا مع الشيخ محمد رشيد رضا اللبناني الأصل وصاحب مجلة المنار بين الدولة السعودية الناشئة حديثًا في شبه الجزيرة العربية وبين حسن البنا لنشر الفكر الوهابي في مصر مقابل إمداده بالدعم اللازم المادي والمعنوي بدلًا من سفره للعمل في السعودية، إذ وجدوا أن وجوده في مصر أكثر إفادة للدولة الناشئة. كانت الإسماعيلية بداية الانطلاقة الحقيقية لحسن البنا والميلاد الفعلي لجماعة الإخوان المسلمين، ففي مجتمع الإسماعيلية شرع البنا في نشر آرائه عن طريق التعليم والإرشاد والدعوة واستغلال كل الموارد والوسائل المتاحة في ذلك المجتمع لجذب الناس له ولدعوته، بدءًا من المسجد وانتهاءًا بالمقهى، كان أسلوب الدعوة على المقاهي مبتكرًا فهو لا ينتظر أن يأتي المستمعين إلى المسجد بل قرر أن يذهب هو اليهم، فأختار البنا ثلاث مقاه يتردد على كل منها مرتين أسبوعيًا ليعظ الناس التي ما تأتى إلى المساجد، واستطاع حسن البنا أن يجتذب إليه الناس ببساطته وتبسطه بدعوته وعظاته حتى عرفه الناس على انه الإمام المعلم، وساعده على ذلك طبيعة الإسماعيلية كبلدة صغيرة ترزح تحت نير الاستعمار البريطاني وتعج بالأجانب الذي كان المصريون ينفرون من تحررهم، كما استطاع البنا أن يحدد العوامل المؤثرة في هذا المجتمع والتي حددها بأربعة :العلماء ثم مشايخ الطرق ثم الأعيان ثم رواد الأندية. وبفضل تأثير محاضرات البنا، حضر إليه ستة من عمال المعسكرات ممن تأثروا به وبدعوته من أهالي الإسماعيلية يوم الجمعة 23 مارس 1928 وهم حافظ عبد الحميد (نجار)، أحمد الحصري (حلاق)، فؤاد إبراهيم (مكوجي)، عبد الرحمن حسب الله (سائق)، إسماعيل عز (جنايني) وزكي المغربي (عجلاتي)، ليهنئون بأول أيام العيد الفطر ويعاهدون ابتداء من ذلك اليوم على العمل للإسلام والمسلمين، فقد وجدوا في الدين خلاصًا من الاحتلال البريطاني، فحدوثه في شأن الطريق العملي الذي يجب أن يسلكوه لنصرة الإسلام والعمل لخدمة المسلمين، وعرضوا عليه ما يملكون من مال بسيط، وأقسموا له على الطاعة والولاء. ويلاحظ أنهم جميعًا من بسطاء القوم ومن غير المتعلمين ممن تسهل قيادتهم بسهولة، وقال قائلهم "بم نسمى أنفسنا؟ وهل نكون جمعية أو ناديًا، أو طريقة أو نقابة حتى نأخذ الشكل الرسمي؟" ، فأجابه البنا؛ لا هذا ولا ذاك، دعونا من الشكليات ومن الرسميات، نحن إخوة في خدمة الإسلام، فنحن إذن الإخوان المسلمون. وأوضح البنا لجماعته الوليدة انهم يحتاجون لأجيال ثلاثة لتنفيذ خططهم، الجيل الأول؛ يستمع، أي جيل التكوين، الجيل الثاني؛ يحارب، يقصد جيل التنفيذ، والجيل الثالث؛ ينتصر، يعنى أنه الذي يقطف ويجنى الثمار، وبحماس لا يهدأ بدأ البنا بإعداد الجيل الأول، وخلال عامين كان البنا قد أنشأ شعبًا للجماعة حول الإسماعيلية وبور سعيد والعريش، وخلال أربع أعوام من تأسيس الجماعة، كان البنا قد تمكن من تأسيس عدة فروع للجمعية على امتداد منطقة شرق الدلتا بالإضافة إلى السويس وأبو صير، حتى بلغ عدد فروع الجمعية عشرة. وجاءت أولى التبرعات للكيان الوليد من شركة قناة السويس وهو مبلغ خمسمائة جنيه للمساهمة في إنشاء مسجد، لكن بعض المخلصين من أتباعه قد فزعوا بشأن جواز قبول تبرع من شركة استعمارية كشركة قناة السويس، وحول جواز بناء مقر للجماعة ومسجد بهذا المال، فيقرر الشيخ أن تلك الأموال لن يبنى بها المسجد لأنها "مال كفار" لكن يمكن أن يبنى بها مقر للجماعة، ويحكى البنا في مذكراته عن تلك الواقعة تحت عنوان "فقه أعوج" ما نصه: وثارت ثائرة المغرضين حين علموا هذا النبأ، وانطلقت الإشاعات تملأ الجو، الإخوان المسلمون يبنون المساجد بمال الخواجات؟، وآزرتها الفتوى الباطلة ممن يعلم وممن لا يعلم، كيف تصح الصلاة في هذا المسجد وهو سيُبنَى بهذا المال؟ ، وأخذنا نقنع الجمهور بأن هذه خرافة، فهذا مالنا لا مال الخواجات، والقناة قناتنا، والبحر بحرنا، والأرض أرضنا، وهؤلاء غاصبون في غفلة من الزمن، وأراد الله أن يكون المسجد قد تمَّ والحمد لله، فلم توضع فيه أموال الخواجات، ووضعت في دار الإخوان المسلمين بالذات، وكان الله على كل شيء قديرًا، وبذلك سكنت الثائرة وانطفأت الفائرة، وهكذا يكون الفقه الأعوج، ولله في خلقه شؤون. (حسن البنا) بذلك أعتمد البنا مبدأ "اللا مبدأ" كمبدأ لجماعته، فهو يهاجم الاحتلال والإنجليز وشركة القناة في نفس الوقت الذي يقبل منهم التبرعات المادية. --- ### ضد التهود: الآباء الرسوليون - Published: ۲۰۲٤-۰۹-۲۷ - Modified: 2024-10-04 - URL: https://tabcm.net/30180/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: باناريون للتراث الآبائي, برنابا, قديس أغناطيوس الأنطاكي في هذا البحث نسلط الضوء على قضية التهود، والتهود في معناه البسيط هو الارتداد عن المسيحية إلى الطقوس والعقائد والممارسات اليهودية، وتُعتبر هذه القضية من أخطر القضايا التي واجهت الكنيسة منذ نشأتها وحتى عصرنا هذا. فلا يوجد عصر من العصور لم يتسلل فيه التهود إلى الكنيسة، ولا يوجد عصر من العصور لم يوجد فيه المتهودون المؤمنون بالأفكار والعقائد اليهودية بشكلٍ مباشرٍ أو بشكلٍ غير مباشر. يتسلل التهود إلى الكنيسة بطريقة خفية من خلال دراسة الخلفية اليهودية للعهد الجديد من الناحية التاريخية والطقسية والعقائدية، وهذا شيء لا غبار عليه، ولكن عند التوغل في هذه الدراسة لدرجة تصل إلى تفسير العهد الجديد على مقياس العهد القديم فهذا يدق ناقوس الخطر، وينبئ عن انزلاق غير محسوس نحو التهود، وعودة الفكر اليهوديّ مرة أخرى ليسود الكنيسة في ثوبٍ جديدٍ، ويُعتبر هذا من أخطر الأمور على الإيمان المسيحيّ الأرثوذكسيّ، لأن الذين يقومون بذلك يقعون فريسة للتهود دون دراية بدافع دراسة الخلفية اليهودية لنصوص العهد الجديد، فيبدأ هنا الارتداد عن المسيحية للسقوط في هوة التهود. نستعرض في هذا البحث كيف واجه آباء الكنيسة قضية التهود منذ العصر الرسوليّ وفي القرون الأولى للمسيحية، وسوف نستعرض أهم صور التهود التي رفضها آباء الكنيسة وحاربوها بشدة، وسوف نطرح وجهة نظر آباء الكنيسة حول عقائد وممارسات وطقوس العهد القديم وعلاقتها بعقائد وممارسات وطقوس العهد الجديد. الآباء الرسوليون سوف نستعرض في هذا الجزء موقف الآباء الرسوليين من بدع التهود في بداية المسيحية منذ القرن الأول وما بعده، وسوف نرى كيف كانت الكنيسة تنظر إلى الناموس والذبائح اليهودية في العصر الرسوليّ. رسالة برنابا إلغاء الذبائح والفرائض الناموسية يشير كاتب رسالة برنابا إلى رفض الله لكافة الذبائح والمحرقات والتقدمات اليهودية عن طريق أنبيائه، وأنه ألغى كل الأمور الناموسية لكي يكون ناموس ربنا يسوع المسيح الجديد خاليًا من نير الفروض والإجبار كالتالي: ((الآباء الرسوليون، ترجمة: مجموعة من المترجمين، مركز باناريون للتراث الآبائي، 2019، رسالة برنابا 2: 4-6، ص 39، 40. )) لأنأعلن لنا عن طريق كل أنبيائه أنه لا يحتاج ذبائح، ولا محرقات، ولا تقدمات، قائلًا: لماذا كثرة ذبائحكم لي؟ يقول الرب. شبعتُ من محرقات الكباش ودهن الحملان، ولا أريد دَم العجول والتيوس، ولا أن تأتوا لتظهروا أمامي. لأنه مَنْ طلب هذا من أيديكم؟ لا تسيروا في ساحتي مرةً أخرى. حينما تحملون لي دقيقًا فاخرًا، فهو بلا قيمة لي، وحين تُقدِّمون بخورًا فهو نجس، ولم أعد أحتمل أعياد أول الشهور والسبوت التي لكم ((سفر إشعياء 1: 11-13 )). وهكذا ألغىكل هذه الأمور، لكي يكون ناموس ربنا يسوع المسيح الجديد حاليًا من نير الإجبار، ولا يقبل تقدمة يُجبَر البشر على تقديمها. (الآباء الرسوليون، رسالة برنابا) ولكن بعد ذلك نجد البعض بمنتهى الغرابة ينادي بالإلغاء الجزئيّ للناموس اليهوديّ وفرائضه، وينادون بكل جرأة بأن أحكام الناموس اليهوديّ لا زالت قائمة وسارية في المسيحية وعلى الكنيسة المسيحية، يا له من تعليم متهود فاسد! الرسالة إلى ديوجنيتوس رفض المعتقدات والحرفية اليهودية يطلب كاتب الرسالة إلى ديوجنيتوس من المؤمنين المسيحيين ألا يتعلموا أيّ شيء بشأن المعتقدات والتأويلات اليهودية حول الطعام، وأيام السبوت، والختان، والصوم، والأعياد اليهودية، ويطلب منهم الابتعاد عن سخافات اليهود النجسة كالتالي: ((الآباء الرسوليون، ترجمة: مجموعة من المترجمين، مركز باناريون للتراث الآبائي، 2019، الرسالة إلى ديوجنيتوس 3: 5؛ 4: 1-6، ص 429، 430. )) وبالنسبة لأولئك الذين يظنون أنهم يُقدِّمون له ذبائح دموية ورائحة دُهْن الذبائح، والمحرقات، ويعتقدون أنهم يُكرِّمونه بواسطة هذه التقدمات، فبالنسبة لي، فإن هؤلاء لا يختلفون شيئًا عن أولئك الذين يُقدِّمون هذه الكرامة للأوثان الصماءوأكثر من ذلك وسوستهم بخصوص الطعام، ومعتقداتهم بخصوص أيام السبوت، وتباهيهم الباطل بالختان، وزعمهم بخصوص الصوم وأوائل الشهور، فهذه أمور سخيفة، ولا تستحق أيّ حديث، وأنا لا أظن أنك تحتاج إلى أن تتعلَّم مني أيّ شيء من تلك الأمورأعتقد الآن، أنك قد تعلَّمت بشكلٍ كافٍ أن المسيحيين هم على حق في ابتعادهم عن سخافات اليهود النجسة هذه، وحرفيتهم الخادعة، وافتخارهم، ولكن بالنسبة لسر عبادتهم الخاصة، فلا تتوقع أن تستطيع تعلُّمها من إنسان. (الآباء الرسوليون، الرسالة إلى ديوجنيتوس) القديس أغناطيوس الأنطاكي رفض التهود والمتهودين يرفض ق. أغناطيوس الأنطاكيّ التهود بكل أشكاله رفضًا قاطعًا مُستنكرًا أن يتلفظ البعض باسم يسوع المسيح، ولكنهم مازالوا يعيشون ويُفكِّرون كما يعيش ويُفكِّر اليهود، فليست المسيحية هي التي آمنت باليهودية، بل اليهودية بالمسيحية كالتالي: ((الآباء الرسوليون، ترجمة: مجموعة من المترجمين، مركز باناريون للتراث الآبائي، 2019، رسالة ق. أغناطيوس الأنطاكي إلى كنيسة مغنيسيا 10: 2، 3، ص 336، 337. )) اِطرحوا عنكم الخمير الفاسد العتيق، وتحوَّلوا إلى الخمير الجديد الذي هو يسوع المسيح. وليكن هو ملح حياتكم حتى لا يفسد واحدٌ منكم، لأنكم من رائحتكم تُعرَفون. إنه من غير اللائق أن تتلفظ باسم يسوع المسيح، وأنت تعيش كما يعيش اليهود. فليست المسيحية هي التي آمنت باليهودية، بل اليهودية بالمسيحية، التي فيها اجتمع كل إنسان يؤمن بالله. (الآباء الرسوليون، رسالة أغناطيوس الأنطاكي إلى كنيسة مغنيسيا) الرفض التام للتفاسير اليهودية يُشدِّد ق. أغناطيوس الأنطاكي على مقاطعة أيّ أحد يُفسِّر المسيحية من خلال التفاسير اليهودية، ويُشبِّه هؤلاء المتهودين الذين لا يتحدَّثون عن المسيح بتاتًا بأنهم كشواهد القبور الحجرية وكقبور الأموات تحمل فقط أسماء الأشخاص المائتين كالتالي: ((الآباء الرسوليون، ترجمة: مجموعة من المترجمين، مركز باناريون للتراث الآبائي، 2019، رسالة ق. أغناطيوس الأنطاكي إلى كنيسة فيلادلفيا 6: 1، ص 356، 357. )) إذَا فسَّر لكم أحدٌ وفقًا لليهودية، فلا تسمعوا له. لأنه مِن الأفضل أن تسمعوا مختونًا يكرز بالمسيحية، مِن أن تسمعوا غير مختونٍ يكرز باليهودية. وإذَا لم يكلِّمكم أيٌّ منهما عن يسوع المسيح، فهما بالنسبة لي كشواهد القبور الحجرية، وكقبور الأموات، كُتِبَ عليها فقط أسماء الأشخاص الموتى. (الآباء الرسوليون، رسالة أغناطيوس الأنطاكي إلى كنيسة فيلادلفيا)   --- ### هنري ديڤيد ثورو - Published: ۲۰۲٤-۰۹-۲۵ - Modified: 2024-09-25 - URL: https://tabcm.net/30022/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: ألبرت شڤايتزر, أنا كارنينا, فرانسوا ماري آروويه، ڤولتير, ليڤ نيكولاياڤيتش تولستوي, مهاتما غاندي, هنري ديڤيد ثورو لم أكن أقصد إلى الاعتكاف ما لم يكن هذا ضروريًّا، إنما أردت أن أعيش في عمق وأن أمتص مخ الحياة، وأن أحيا في قوة حياة إسبرطية تُبعد عني ما ليس من الحياة، وأن أدفع الحياة إلى مأزق، وأن أصل منها إلى أن أدوِّن ما فيها، فإذا كانت خسيسة فإني سوف أعلن خستها للعالم، وإذا كانت سامية فإني أريد أن أعرف هذا السمو وأجربه وأقدم عنه حسابًا سبق لي أن أوضحت بعض الأسباب التي تجعلني أحب أحد المؤلفين دون الآخرين، ولكن هناك حالات من الحب تتعمق قلبي وتتغلغل في خلايا مخي بحيث أعجز عن التحليل، فلا أصل إلى الجذور التي تربطني بأحد المؤلفين، وقصارى ما أقول عندئذٍ إني أحبه كما أحب اللحن الموسيقي العظيم، أو أعجب به كما أعجب بالتمثال الرائع، وأتعلق به برباط من الحنان كما لو كان هذا المؤلف أبًا أو أمًّا. فإني أعجب بتولستوي مثلًا؛ لأنه ألَّف قصة خالدة رائعة تدعي «أنا كارنينا» هي في الذروة من الفن، ولكن حبي له لا ينبني على هذه القصة وحدها، بل أحرى أن تبعث هذه القصة في نفسي إعجابًا بقدرته، ولكني لا أحبه لأنه قادر فقط، وإنما لأنه ضعيف عاجز أيضًا، قد ارتكب أخطاء وتورط في مشاكل لم يعرف كيف يتخلص منها، فإحساسي نحوه هو الحنان والرقة، هو عندي: بابا تولستوي، لهذه الأخطاء والتورطات نفسها. عاش تولستوي عيشة الفسق وهو شاب، ثم حاول أن يكون شيخًا طاهرًا وأسرف في معنى الطهارة حتى قال، وحاول أن يمارس ما كان يقول به: إن الزوج يجب ألا يتصل بزوجته إلا بغية التناسل. ولكن أخفق؛ إذ كان يصارع جسده وهو فوق السبعين، ويعود من هذا الصراع خائبًا. وقضى شبابه وهو لا يكاد يدري أن في هذه الدنيا أديانًا يؤمن بها الناس ويجعلون منها دستور حياتهم، حتى إذا اكتهل شرع يشتغل بالدين ويحاول الإيمان، فإذا به يتورط في ارتباكات ذهنية وعادات سلوكية انتهت به آخر حياته إلى اثني عشر يومًا من الضلال والدمار، ثم الموت. وكان شريفًا له لقب كونت، وعنده آلاف الأفدنة، يستغل عشرات الفلاحين في زراعتها، ثم انبلج له نور جديد، فإذا به يجمع هؤلاء الفلاحين ثم يعرض عليهم أن يوزع الأرض بينهم؛ إذ لا حق له في استغلالهم، ويغادر الفلاحون منزله، وفي نفس كل منهم شك أو شبهة في سلامة عقله. ثم تدري عائلته بما جرى في هذا الاجتماع فتكفه عن التصرف وتمنعه من التنازل عن أرضه، وتستمر على الرغم منه في استغلال الفلاحين. وألَّف عشرات القصص الخالدة، وكلها فن ومجد وحب، ملأت الدنيا موسيقى وأدخلت السعادة إلى قلوب الملايين من البشر، ثم يختمر في نفسه الإيمان الجديد بأن الناس لا يحتاجون إلى الفن، وإنما يحتاجون إلى الحنان والخير والقناعة وسذاجة العيش، فيكفُّ عن التأليف ويرفض أن يتناول قرشًا من أرباحه من هذه القصص، ثم لا يكتفي بهذا بل يعمد إلى شراء الجلود ويصنع بيديه أحذية للفلاحين؛ لأن صنع حذاء يدفئ قدم الفلاح خير من إخراج كتاب يجد فيه القارئ لذة فنية، وتثور العائلة في وجهه، وتضرب عليه حصارًا حتى لا يتورط في عمل أرعن جديد. وكان له صديق طبيب من أولئك الرجال الذين يحابي القدر بهم بعض الناس، فهم حب وإخلاص وتضحية، وهم سعادة لأصدقائهم ونور للعقل والقلب. وكان تولستوي إذا جاءه هذا الصديق شهق شهقة الخلاص، فهو يستقبله ويدخله غرفته ويقفل الباب، ويبقى الاثنان يتناجيان. ولكن زوجة تولستوي لا تطيق كل هذا الحب ينحرف عنها من زوجها إلى هذا الطبيب، فهي تغار وهي تحقد، ثم تنفجر، فتكتب في مذكراتها بأنها نظرت من صير القفل، ولا تشك في أن بين تولستوي وبين هذا الطبيب حبًّا جنسيًّا شاذًّا، وكلا الرجلين قد أوشك على الثمانين. وهذا حقد الغيرة، وعمى الغيرة، وكفر الغيرة. ويستقر في ذهن تولستوي أنه قد فشل في حياته، فلا هو استطاع أن يوزع الأرض على فلاحيه، ولا هو استطاع أن يؤمن بالإيمان الساذج الذي كان ينشده بإحساسه، ولا هو قادر على أن يعيش العيش الساذج الذي قال به ودعا إليه، بل إن نفسه لتهفو حتى وهو في هذا النسك إلى أن يؤلف قصة غرامية، وأنه مع دعواه بأن التناسل هو الغاية المفردة من التعارف الجنسي ليتقدم في ذل إلى زوجته. والدنيا حوله في آلام، فقر وجوع ودنس وظلم، أجل، ليس له الحق في أن ينعم بطعام طيب أو فراش دافئ، وهو يحس أنه قد اقترب من الليل الطويل والنوم الأخير، وأنه يجب أن يتنكر الإنكار العظيم لحياته الماضية، وأن يفر من الدنيا إلى... إلى الله، وكيف يفر إلى الله هذا الشيخ الذي بلغ الثانية والثمانين؟ في الساعة السادسة من صباح يوم ٢٨ أكتوبر من عام ١٩١٠ تأتي إليه عربته التي ينتظرها بميعاد، ويحرص الحوذي على الصمت والسكون حتى لا يستيقظ أحد آخر، ثم تسير به العربة إلى محطة السكة الحديدة، فينزل ويجد صديقه الطبيب في انتظاره، ويأتي القطار فيركبان في إحدى عربات الدرجة الثالثة، وينزل كلاهما في إحدى المحطات، ويسيران إلى دير حيث تستقبلهما الراهبات، ولكن لا تمضي أيام حتى تعرف ابنة تولستوي -وهي فتاة في السادسة والعشرين- مكانه، فتذهب إليه وتدخل الدير وتقف إلى جنب والدها، ولكنه هو يحس من هذه الزيارة أن الدنيا قد شرعت تجره إليها بعد أن تركها، فهو يستيقظ في الرابعة من الصباح، والثلوج تكسو روسيا بأجمعها، فيفر مرة أخرى مع ابنته والطبيب. ويحس قشعريرة تلجئه إلى أن يرتاح في غرفة بإحدى محطات السكك الحديدية، وبعد أيام بين يدي ابنته، يموت... يموت موتًا عظيمًا بعد أن عاش حياة عظيمة، لقد ألَّف تولستوي عشرات القصص الجميلة، ولكن قصة حياته أجمل بل أخلد، إنها كانت جهادًا شاقًّا وأخطاءً متوالية في سبيل الحق والشرف، ونحن أعجز من أن ننهج هذا النهج في الحياة، ولكن هذا العجز يزيدنا حبًّا له. وحياته هي رؤيا دائمة، هي دعوة إلى أن نتحرى الحق ونجرب التجارب في العيش، فننفض العادات، والتقاليد، والعرف، إذا لم نجد أنها تلائم العيش المثمر البار. وتجارب العيش هي في النهاية أثمن ما يطلبه من المؤلف أو المفكر، ونحن ننتفع ونسترشد بحياة المؤلف كما ننتفع بمؤلفاته، بل ربما أكثر؛ لأن حياة المؤلف هي نهج جديد للبشر. وكثيرًا ما أقارن بين حياة ڤولتير ومؤلفاته، فأجد أن كفاحه الشخصي للتعصب الديني قد ربَّى أوروبا وعلمها معاني جديدة لشرف الفكر، رباها وعلمها بأكثر مما ربتها وعلمتها مؤلفاته، وكذلك الشأن في حياة غاندي أو شڤايتزر؛ ذلك لأننا لسنا واثقين بأننا نعيش في حضارتنا الراهنة الحياة الفضلى على المستوى الأرحب، ومن الحسن أن نصدم من وقت لآخر بمن يوضحون لنا الخطأ والخطل في عيشنا الحاضر، أو على الأقل يغرسون الشك في نفوسنا حتى لا نسرف في عاداتنا الاجتماعية المورثة ونتقيد بها كما لو كانت شعائر دينية، فمجتمعنا الذي نعيش فيه مثلًا هو مجتمع اقتنائي يعلمنا كيف نقتني، ويغرس في نفوسنا عواطف الكسب والجمع والغيرة والحسد، وكثيرًا ما نسير إلى أقصى حد مع هذه العواطف فنقع في هموم هي سموم تأكل في نفوسنا وأجسامنا معًا، ونشقى بما نقتني. وقد رفض غاندي أن يعيش وفق المبادئ التي يدعو إليها هذا المجتمع، فقنع من الدنيا بشملة وعنزة، وعاش سعيدًا إلى سن الثمانين تقريبًا، ولعله كان يعيش أكثر لو لم يقتل، وكانت له مبادئ في الخير والبر والإخاء والحب هي ثمرة هذا العيش الساذج، أو على الأقل كانت بعض ثمرته؛ لأننا يجب ألا ننسى أن أسلوب عيشنا «يكيِّف» أفكارنا ويعين أخلاقنا إلى حدٍّ بعيد، وأسلوب الاقتناء في العيش يبعث الطمع والحسد، وأسلوب القناعة في العيش يبعث الطمأنينة. ••• وإني أذكر هنا رجلًا جرَّب تجربة في العيش كانت إلهامًا لغاندي هو هنري ثورو الكاتب الأمريكي، الذي كسب غاندي عنه أسلوب العيش، كما أخذ عنه شعار الثورة الهندية على الإمبراطورية البريطانية، وهو «العصيان المدني». وقد كان هنري ثورو يقصد من هذه العبارة إلى أننا نكون أحرارًا بحيث لا يربطنا المجتمع بعاداته وأهدافه وأساليبه وقيمه؛ لأن لكل منا حق الاستقلال في تنظيم عيشه وفق مبادئه الشخصية، حتى حين يخالف العرف المألوف، وقد خرَّج غاندي هذه العبارة تخريجًا آخر هو أن الهنود يجب ألا يتعاونوا مع الإنجليز. ولد ثورو في عام ١٨١٧ ومات في سنة ١٨٦٢، وقد ألَّف كثيرًا، ولكن ميزته أنه أدخل الطبيعة في الأدب الأمريكي، وأثار الوجدان لجمال الريف والغابة والطير والوحش، وكان الروح التجاري والاقتنائي في أيامه على أشده في الولايات المتحدة، فعمد هو إلى صده، وترك المدينة وأقام في الغابة، وكتابه «والدين» هو أثره العظيم الذي يذكر لنا فيه تجاربه وإحساساته عن هذه الحياة الفطرية التي عاشها.  وهو يقول عن تجربته هذه: لقد أردت أن أعيش عن قصد، وأن أجابه حقًّا عمق الحياة الأصلية فقط؛ كي أعرف ما يمكن أن تعلمني هذه الحياة، حتى إذا قاربت الموت أكون واثقًا بأني قد عشت، ولم أكن أرغب في أن أحيا بما لم يكن أصيلًا في الحياة؛ لأن الحياة غالية، كما أني لم أكن أقصد إلى الاعتكاف ما لم يكن هذا ضروريًّا، إنما أردت أن أعيش في عمق وأن أمتص مخ الحياة، وأن أحيا في قوة حياة إسبرطية تُبعد عني ما ليس من الحياة، وأن أدفع الحياة إلى مأزق، وأن أصل منها إلى أن أدوِّن ما فيها، فإذا كانت خسيسة فإني سوف أعلن خستها للعالم، وإذا كانت سامية فإني أريد أن أعرف هذا السمو وأجربه وأقدم عنه حسابًا. (هنري ديڤيد ثورو) هذا كلام جِد وعمل جِد، فإننا لم نقف قط هذا الموقف من الحياة، وإنما الأنبياء وحدهم الذين وقفوه وجربوه؛ إذ لست تجد نبيًّا إلا وله فترة من الاعتزال والاعتكاف يترك فيها المجتمع، ويبحث فيها عن مراسيه في الدنيا، وهو في هذا الاعتكاف «عاصٍ مدني» يحاول أن يتخلص من القيم والأوزان الاجتماعية كي يصل إلى ما يقابلها من القيم والأوزان البشرية التي تعلو على العادات والعرف. والأديب المخلص في حاجة إلى مثل هذا الاعتزال والاعتكاف من وقت لآخر، ولكن ثورو لم يكن يريد من فراره إلى الغابة أن يعتكف للتأمل فقط، وإنما كان يريد أن يجد ويجرب طريقة أخرى للعيش لعلها تكون أفضل من عيش المتمدنين. لقد نشأ ثورو في مدينة صغيرة ولكنها مع صغرها كانت تحوي جميع التأنقات التي تمتاز بها المدن، هي مدينة كونكورد في الولايات المتحدة، وعاش ثورو فيها واحترف التعليم، ولكنه تركه للأدب، ولم يوفق كثيرًا، بل الحق أن شهرته في أيامنا تزيد عشرات المرات على شهرته حين كان حيًّا يدعو دعوته الحارة إلى الطبيعة. وإحساس ثورو للطبيعة عميق، يدهشنا أحيانًا بعمقه، انظر إليه حين يقول: إن الطبقة العليا من التربة التي تحتوي جذور الأعشاب تحوي من الأدوات الميكانيكية ما هو أدق من أدوات الساعة، ومع ذلك نحن ندوسها بأقدامنا، وهذه الحركة التي تجري في التربة في الظلام، وهذه الكيمياء التي تتخلل ألياف العشب قبل أن تظهر ورقة واحدة منه فوق الفتات البالي لجديرتان، لو أننا فهمناهما، بأعظم كشف في الطبيعة. (هنري ديڤيد ثورو) ولم يكن ثورو يدعونا إلى التخصص في دراسة الطبيعة، وإنما كان يطالبنا بأن نعيش في الطبيعة، وهو يوضح لنا أن ارتباطنا بالمجتمع أو الحرفة أو السياسة أو الحكومة أو غير ذلك من المؤسسات الاجتماعية إنما هو شيء ثانوي إلى جانب ارتباطنا بالطبيعة؛ بالأرض والجبل والنهر والشجر والحيوان والطائر، فيجب أن نعيش مع هذه الأشياء أو فيها. ثم يجب على الإنسان أن يكون قادرًا على أن يعيش منفردًا متوحدًا يأنس إلى الطبيعة دون الحاجة إلى مجتمع. كما يجب أن يَنشد سعادته واختباراته من الطبيعة وليس من النجاح المالي أو الاجتماعي، وهو هنا لا ينكر قيمة الصداقة بل يكبر من شأنها، ولكنها صداقة الزمالة في الطبيعة. إن الإنسان الاجتماعي كائن صغير إزاء الإنسان الطبيعي؛ الأول يعيش في المدينة، وهو محدود الاختبارات والآفاق، له هموم صغيرة تستوعب نهاره بل بعض ليله، وهو يعمل جادًّا متعبًا كي يجمع ثروة أو يحقق غاية اجتماعية طول عمره، ولكن الإنسان الطبيعي لا يحتاج إلى أن يكد ويتعب إلا للحصول على طعامه وكسائه، أما سائر وقته فينقضي في الالتصاق بالطبيعة. وهنا يصدمنا ثورو بقوله: لماذا يفرض علينا العمل ستة أيام في الأسبوع ثم يومًا من الراحة؟ أليس العكس هو الأولى؟ وهو يعني أننا إذا عمدنا إلى ترك التكاليف الاجتماعية الباهظة، وارتضينا بساطة العيش بين أحضان الطبيعة، فإن يومًا واحدًا من العمل في الأسبوع يكفل لنا جميع حاجاتنا، أما الأيام الباقية فهي للاستمتاعات والاختبارات. ترك ثورو مدينة كونكورد إلى بقعة نائية في عام ١٨٤٣، وكانت سِنُّه وقتئذٍ لا تزيد على ستٍّ وعشرين سنة، وهناك بنى بنفسه كوخًا من الخشب، وكان قريبًا منه غابة يحصل منها على خشب الوقود، وكذلك بالقرب منه بركة تحوي القليل من السمك. وكان عندما يحتاج إلى أكثر مما يحصل عليه من البِركة والغابة، يؤجر نفسه للمزارعين المجاورين ويشتري بعض حاجاته بما يكسبه من أجر عمله. وقد كلفه بناء الكوخ ثمانية وعشرين دولارًا، وكان طوله ١٥ قدمًا وعرضه ١٠ أقدام، وهو يصفه بأنه يحوي من المرافق أكثر مما يحتوي المسكن العادي في المدينة: «ولم يكن له قفل على الباب أو ستار على النافذة، وكان جزءًا من الطبيعة بقدر ما كان جزءًا من العمل البشري. » وهو حين يصف الطبيعة تحس كأنه قد انتشى بها كما ينتشي أحدنا بالخمر، بل كأنه قد تزوجها ويحس فيها طربًا جنسيًّا قد بلغ الذروة. وهو يستخرج منها لهذا السبب الإحساسات والمعاني التي تخطر على بال من يعيشون في المدن حيث معظم اللذات مصنوع، انظر إلى قوله: الإنسان الحيوان ابن عم أشجار الصنوبر وأحجار الصخر. ليست الأرض التي أدوسها هامدة ميتة؛ إذ هي جسم وروح، وليس لأمعائها الدقيقة نهاية، هنا كيمان من الأنوار، من الأكباد، من الأمعاء، أليس لك أمعاء؟ إن للطبيعة أمعاءً، ثم هي أم البشرية، وعندما نضع البذور فيها تتجرد ثم تنمو. (هنري ديڤيد ثورو) هذا هو الانتشاء بالطبيعة، وهو مثل كل انتشاء يحوي شيئًا من الهذيان، ولكنه هذيان ملهم يدل على حقائق. وهو يقول أيضًا: يجب أن تصعد فوق الجبل كي تعرف العلاقة بينك وبين المادة؛ أي بين جسمك وبين المادة، لأن جسمك يجد بيته هناك. انظر إلى أصابعي، وكيف أتناول وأعبث بها! أجل، إنها هذه الأصابع، قد تكون جزءًا من قمة هذا الجبل الذي أصعد إلى قمته، كي أرى أبناء عمومتي، إنه يحوي أصابع الأيدي والأقدام كما يحوي الأمعاء، ومن هنا اهتمامي. عِش في كل فصل من فصول السنة، تنفَّس الهواء، واشرب الشراب، وتذوق الفاكهة، واستسلم لها جميعًا، ولتدفعك جميع الرياح، وافتح مسامَّك جميعًا، واستحمَّ في مدِّ الطبيعة وفي أنهارها ومحيطاتها في جميع الفصول. وإذا كنت تحس أنك تستقبل النهار والليل في طرب وفرح، وإذا كانت الحياة تنقل إليك أنفاس الزهر والعشب في أرج جميل، فأنت موفَّق، والطبيعة تهنِّئك، ولك الحق عندئذٍ في أن تحس أنه قد بورك عليك. (هنري ديڤيد ثورو) ••• لم يقضِ هنري ثورو عمره كله في كوخه؛ إذ هو رجع بعد سنة وشهور إلى المدينة، وهو بهذا يحملنا على أن نفهم أن عودة البشر إلى حياة الفطرة في الغابة لم تعد ممكنة، وإنما قصارى ما نفهمه من تجربته أنه أومأ إيماءة لنا بأن التكاليف الاجتماعية الباهظة نستطيع أن نستغني عنها، وأن في «الفقر الإداري» كما سماه قيمة يجب ألا نستهين بها، فإن حياة المدينة وما فيها من هرولة وعصبية وهموم، كل هذا يمكن النجاة منه بأن نجعل شعارنا: كيف نستغني؟ بدلًا من كيف نقتني؟ والولايات المتحدة بعد مائة سنة من تجربة ثورو أحوج إلى عِبرته مما كانت في عام ١٨٥١؛ لأن المباراة التي يعيش فيها الأمريكيون في هذه الأيام هي أقتل للنفس، وأبعث للقلق والخوف، مما كانت في أيامه. والأمريكي الذي ينبعث في عام ١٩٥٠ إلى مثل تجربة ثورو هو رجل سعيد بالمقارنة إلى المهرولين العصبيين الذين يملئون أَسِرَّةَ المستشفيات للأمراض العقلية، وإنه لمن الحسن أن ينبهنا كاتب، بإسرافه في الحب للطبيعة، إلى أنه، إلى جنب الشارع والنادي وسهرات الكئول، وعد النقود، وشراء الأرض، واقتناء الضياع أو الأسهم في الشركات، إلى جنب هذا توجد أرض وسماء وأشجار وزهور وأنهار وجبال، وأن القمر يضيء في الليل ويكسو الحقول بأشعته، وأن النجوم تنادينا في الظلام كي نتأملها ونتحدث إليها، وأننا من وقت لآخر يجب أن نختلي ونستوحد، كي نعيد النظر في حياتنا، ونسأل هل نحن نعيش مسوقين بضغط العادات الاجتماعية التي لم نفكر من قبل في قيمتها؟ وألا يجدر بنا أن نغير هذه العادات أو ننقحها بإلهام الطبيعة التي تردنا إلى الأصول التي تردنا على الأصول والجذور؟ --- ### النضوج الروحي - Published: ۲۰۲٤-۰۹-۲۳ - Modified: 2024-09-23 - URL: https://tabcm.net/30061/ - تصنيفات: كتاب مقدس إذ تخطينا مرحلة الصراع القائم داخل القديس بولس بل داخل كل من وُلد من الماء والروح وأصبح الإنسان الجديد داخله حسب تعبير بولس الرسول: وَتَلْبَسُوا الإِنْسَانَ الْجَدِيدَ الْمَخْلُوقَ بِحَسَبِ اللهِ فِي الْبِرِّ وَقَدَاسَةِ الْحَقِّ. ((رسالة بولس إلى أفسس ٤ : ٢٤ )). أو إنسان القلب الخفي حسب تعبير بطرس الرسول: بَلْ إِنْسَانَ الْقَلْبِ الْخَفِيَّ فِي الْعَدِيمَةِ الْفَسَادِ، زِينَةَ الرُّوحِ الْوَدِيعِ الْهَادِئِ، الَّذِي هُوَ قُدَّامَ اللهِ كَثِيرُ الثَّمَنِ. ((رسالة بطرس الأولى ٣ : ٤ ))، أقول إذ تخطينا مرحلة المخاض هذه وهي مرحلة تتسم بصراع داخلي ينبري بوضوح في الإصحاحين السابع والثامن من رسالة رومية، واستطعنا أن نعبر داخلنا من الإصحاح السابع إلى الثامن بنجاح سوف نختبر ما نصبو إليه إلا و هي جمله ذكرتها في مقال سابق، ألا وهي« القيادة بالروح القدس» أو النضوج في الحياة الروحية، أو بتعبير آخر، تٓسيد الإنسان الجديد داخلنا وهذا هو موضوع رومية ٨. دعونا نناقش في هذا المقال واحدة من أهم أسباب عدم الوصول إلى مرحلة النضوج الروحي ألا وهو فهمنا للناموس مقابل النعمة، يشرح الكتاب المقدس بوضوح أنهما أسلوبان لا يمكن الجمع بينهما، فإن كنت تطلب وتبتغي الوصول للبر أو النضوج الروحي من خلال الناموس أو إن أردت أن تعيش جزءًا بالناموس وجزءًا بالنعمة فتفشل حتما. لنعطي تعريف للناموس؛ الناموس هو القانون الجبري اللازم تنفيذه أو عبارة عن مجموعة من الشرائع والقواعد عليك أن تحفظها وتسلك فبها كل الوقت ليس لبعض الوقت بل أعني كل الوقت، إذن لكي تكون بارًا عليك أن تحفظ كل الناموس طوال الوقت، لكنك ستصطدم أيضًا عندما تعلم أنه إذ سقطت في قانون واحد من كل القوانين هذه ستصير مجرمًا في الكل حسب المكتوب  لأَنَّ مَنْ حَفِظَ كُلَّ النَّامُوسِ، وَإِنَّمَا عَثَرَ فِي وَاحِدَةٍ، فَقَدْ صَارَ مُجْرِمًا فِي الْكُلِّ. (( رسالة يعقوب ٢ : ١٠ )). وكما أوضح الرسول يعقوب هذا الحق، أيضًا ذكر بولس الرسول حق إلهي لا يجب أن تعبر عليه دون أن تتأمل فيه ونضعه نصب أعيننا، ألا وهو إن عدم حفظك للناموس، وأقصد بها عدم السلوك كما هو مكتوب في الناموس، يضعك تحت لعنة، نعم تحت لعنة لأَنَّ جَمِيعَ الَّذِينَ هُمْ مِنْ أَعْمَالِ النَّامُوسِ هُمْ تَحْتَ لَعْنَةٍ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: "مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ لاَ يَثْبُتُ فِي جَمِيعِ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي كِتَابِ النَّامُوسِ لِيَعْمَلَ بِهِ. ((رسالة بولس إلى غلاطية ٣ : ١٠ ))، لهذا إن أردت أن تتجنب اللعنة وتعيش تحت البركة فعليك أن تستمر طوال الوقت في فعل كل الأشياء المذكورة في الناموس، ليس بإمكانك أن تحفظ الوصايا التي تعتقد مهمة فقط و تترك الأخرى، عزيزي القارئ، لا يوجد شخص واحد أكمل الناموس أو نجح في حفظ الناموس كاملًا على الإطلاق بما فيهم كل رجال الله على مدار الكتاب المقدس كله بلا استثناء، الجميع فشلوا في حفظ الناموس، وهذه الحقيقة أوضحها بولس الرسول قال: الْجَمِيعُ زَاغُوا وَفَسَدُوا مَعًا. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلاَحًا لَيْسَ وَلاَ وَاحِدٌ. ((رسالة بولس إلى رومية ٣ : ١٢ )) لذلك تجد بولس يصرخ صرخة مدوية في رومية ٧، وهذه الصرخة حال كل من هو مولود ولادة ثانية لكن لم يُعلن له الحق الكامل -رجاء اقرأ الآيات من عدد ٧ إلى العدد ٢٠ أكثر من مرة-  لأَنِّي لَسْتُ أَعْرِفُ مَا أَنَا أَفْعَلُهُ، إِذْ لَسْتُ أَفْعَلُ مَا أُرِيدُهُ، بَلْ مَا أُبْغِضُهُ فَإِيَّاهُ أَفْعَلُ. فَإِنْ كُنْتُ أَفْعَلُ مَا لَسْتُ أُرِيدُهُ، فَإِن... ... فَالآنَ لَسْتُ بَعْدُ أَفْعَلُ ذلِكَ أَنَا، بَلِ الْخَطِيَّةُ السَّاكِنَه فِيَّ. فَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ سَاكِنٌ فِيَّ،_أَيْ فِي جَسَدِي_، شَيْءٌ صَالِحٌ. لأَنَّ الإِرَادَةَ حَاضِرَةٌ عِنْدِي، وَأَمَّا أَنْ أَفْعَلَ الْحُسْنَى فَلَسْتُ أَجِدُ. لأَنِّي لَسْتُ أَفْعَلُ الصَّالِحَ الَّذِي أُرِيدُهُ، بَلِ الشَّرَّ الَّذِي لَسْتُ أُرِيدُهُ فَإِيَّاهُ أَفْعَلُ. ((رسالة بولس إلى رومية ٧: ١٥-١٩ )). إذن هنالك صراع يبدو مُرا وغير مْحتمل على ضمير الإنسان المـُخلص والمُجدد بالولادة الثانية وعلى فكره أو ذهنه أيضًا بسبب إمكانية السقوط في الشر مع وجود روح القداسة في ذات الوقت داخله، وهذا الصراع العنيف إشارة جيدة جدا لكل من وُلد من الروح وذلك دليل قوي وواضح بأن روح القداسة والنعمة بدأ يأخذا طريقهما داخل الإنسان، هنا ينبري لنا دور النعمة في تجديد الذهن، لكن قد يسأل سائل لماذا الناموس إذن؟! سأجيبك عزيزي على هذا السؤال في مقالي المقبل، ولكن قبل أن اختم هنا يجب أن أشير إلى النعمة وأعطي تعريف النعمة أنها صلاح الله المُعطي مجانًا لمن لا يستحقه أو بتعريف أكثر عمقًا أنها القوة المُعطاة لكل من يقبلها مجانًا وهذه القوة قادرة أن تحفظ من يعيش تحت مظلتها في المشيئة الإلهية بل تــٌُخلص أيضا لأنه مكتوب لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ. ((رسالة بولس إلى أفسس ٢ : ٨ )). بل تعطيك حق الإقامة فيها أيضا الَّذِي بِهِ أَيْضًا قَدْ صَارَ لَنَا الدُّخُولُ بِالإِيمَانِ، إِلَى هذِهِ النِّعْمَةِ الَّتِي نَحْنُ فِيهَا مُقِيمُونَ، وَنَفْتَخِرُ عَلَى رَجَاءِ مَجْدِ اللهِ. ((رسالة بولس إلى رومية ٥ : ٢ )). عزيزي القارئ أنت لست تحت الناموس بل تحت النعمة  (رومية ٦-١٤)، أنت في المسيح لست تحت الناموس، لست تحت وصايا وشرائع ونصوص وقوانين فشل كل الذين سمعوها أن يثبتوا فيها بل استعفوا من أن تزاد لهم كلمه (عبرانين 12)، بل أنت مًُقيم ومغموس في النعمة القادرة أن تحفظك هي بل كما يذكر بطرس هنالك عمل كامل للنعمة، هنالك أربعه أفعال يذكرها الرسول هنا  وَإِلهُ كُلِّ نِعْمَةٍ الَّذِي دَعَانَا إِلَى مَجْدِهِ الأَبَدِيِّ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، بَعْدَمَا تَأَلَّمْتُمْ يَسِيرًا، هُوَ يُكَمِّلُكُمْ، وَيُثَبِّتُكُمْ، وَيُقَوِّيكُمْ، وَيُمَكِّنُكُمْ. ((رسالة بطرس الأولى٥ : ١٠ )) فالنعمة قادرة أن: ١- تُكملكم. تُكمل كل عمل خلاصي قدمه لك الرب مجانًا على الصليب. ٢- تُثبتكم. تثبت ما يزرعه الروح القدس داخلك، لكي لا تُحمل بكل روح تعليم غريب كما يقول كاتب العبرانيين، لاَ تُسَاقُوا بِتَعَالِيمَ مُتَنَوِّعَةٍ وَغَرِيبَةٍ، لأَنَّهُ حَسَنٌ أَنْ يُثَبَّتَ الْقَلْبُ بِالنِّعْمَةِ، لاَ بِأَطْعِمَةٍ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهَا الَّذِينَ تَعَاطَوْهَا. ((رسالة بولس إلى العبرانين ١٣ : ٩ )) ٣- تُقويكم. تعطيك القوة والقدرة ((٢بط ١-٣ )) أن تسلك حسب الناموس الملوكي حسب تعبير القديس يعقوب ((يع ٢-٨ )) وليس حسب ناموس الوصايا والشرائع، وأخيرًا وليس أخرا -حيث عمل النعمة لا ينتهي. ٤- تُمكنكم. أي كأنها -أي النعمة الإلهية - تُمكنك أي وكأنها هنا تشبه عمل الـ « screw driver». لتُمكن وتُثبت كل وديعة سماوية داخلك. لتغطى أيها القارئ الحبيب بالنعمة، اطلب نعمة فوق نعمة كل الوقت من إله كل نعمة. يتبع بنعمة الرب. --- ### سفر التكوين: الإنسان صورة الله - Published: ۲۰۲٤-۰۹-۲۱ - Modified: 2024-09-21 - URL: https://tabcm.net/30034/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: إيمانويل كانط لكن لكي يكون الإنسان موجودًا لا بُدّ من وجود عنصر ثانٍ أيضًا. فالمادة الأساسية هي التراب، ومنها يأتي الإنسان إلى الوجود بعد أن يكون الله قد نفخ في أنفاسه في الجسد الذي تكوَّن منها. تدخل الحقيقة الإلهية هنا. إن رواية الخلق الأولى التي تناولناها في تأملاتنا السابقة تقول الشيء نفسه من خلال صورة أخرى أكثر عمقًا وتأملًا. تقول إنّ الإنسان مخلوق على صورة الله ومثاله ((راجع تكوين 1: 26-27 )). في الإنسان تتلامس السماء والأرض. في البشريّة يدخل الله إلى خليقته؛ فالإنسان يرتبط مباشرةً بالله. فالإنسان مدعو من الله. كلمات الله في العهد القديم صالحة لكل إنسان على حدة: ”أنا أدعوك باسمك وأنت لي“. كل إنسان يعرفه الله ويحبه. كل إنسان هو إرادة الله، وكل إنسان هو صورته. في هذا بالتحديد تكمن الوحدة الأعمق والأكبر للبشرية - أن كل واحد منا، كل إنسان على حدة، يدرك مشروع الله الواحد، وأن أصله أو أصلها في فكرة الله الخلاقة نفسها. ومن هنا يقول الكتاب المقدس إنّ كل من يعتدي على إنسان ينتهك ملكية الله ((تكوين 9: 5)). فالحياة البشرية تقع تحت حماية الله الخاصة، لأن كل إنسان، مهما كان بائسًا أو عظيمًا، مهما كان مريضًا أو متألّمًا، مهما كان صالحًا أو غير ذي نفع، سواء كان مولودًا أو غير مولود، سواء كان مريضًا مرضًا عضالاً أو مشعًا بالصحة - كلّ واحد يحمل نفَس الله في نفسه، كل واحد هو صورة الله. هذا هو السبب الأعمق لحرمة الكرامة الإنسانية، وعليه تقوم في النهاية كل حضارة. عندما لا يعود يُنظر إلى الإنسان على أنه يقف تحت حماية الله ويحمل أنفاس الله، يبدأ النظر إلى الإنسان بطريقة نفعية. عندئذٍ تظهر الهمجية التي تدوس على الإنسان. والعكس بالعكس: عندما يُنظر إلى هذا الأمر، عندئذٍ تظهر بوضوح درجة عالية من الروحانية والأخلاق. إنّ مصيرنا جميعًا يعتمد على ما إذا كان بالإمكان الدفاع عن هذه الكرامة الأخلاقية للإنسان في عالم التكنولوجيا، بكل إمكانياتها. فهنا يوجد إغراء معيّن لعصرنا العلمي التقني. لقد أنتج الموقف التقني والعلمي نوعًا محددًا من اليقين - أي ذلك الذي يمكن إثباته عن طريق التجربة والمعادلة الرياضية. وقد أعطى هذا للبشرية تحررًا معينًا من القلق والخرافة، وسلطة معينة على العالم. ولكن هناك الآن ميل إلى رؤية ما يمكن إثباته عن طريق التجربة والحساب فقط على أنه معقول، ومن ثم على أنه جاد. وهذا يعني أن ما هو أخلاقي ومقدس لم يعد له أي أهمية. بل يُحسبان على أنهما ينتميان إلى مجال ما يجب تجاوزه، مجال ما هو غير عقلاني. ولكن كلما فعلنا ذلك، كلما أسسنا الأخلاق على الفيزياء، فإننا نطفئ ما هو إنساني بشكل خاص، ولا نعود نحرر الإنسان بل نسحقه. يجب علينا أن ندرك بأنفسنا ما أدركه كانط وعرفه تمام المعرفة، وهو أن هناك نوعين من العقل، كما يقول: العقل النظري والعقل العملي. ويمكننا أن نسميهما العقل العلمي الطبيعي المادي، والعقل الأخلاقي الديني. من غير اللائق أن نشير إلى المنطق الأخلاقي على أنه غير عقلاني وخرافة جسيمة لمجرد أن معالمه ونطاق معرفته ليست رياضية. بل هو في الواقع أكثر السببين جوهرية، وهو وحده القادر على الحفاظ على الأبعاد الإنسانية لكل من العلوم الطبيعية والتكنولوجيا، كما أنه وحده القادر على منعهما من تدمير البشرية. وقد تحدّث كانط عن أسبقية العقل العملي على العقل النظري وعن حقيقة أن ما هو أهم وأعمق وأكثر حتمية هو ما يدركه العقل الأخلاقي للإنسان في حريته الأخلاقية. لأنه هناك، يجب أن نضيف أننا هناك نتصور الله وهناك نكون أكثر من ”التراب“. دعونا نذهب إلى أبعد من ذلك. يكمن جوهر الصورة في حقيقة أنها تمثّل شيئًا ما. عندما أراها أتعرف، على سبيل المثال، على الشخص الذي تمثله، أو المنظر الطبيعي، أو أي شيء آخر. إنها تشير إلى شيء أبعد من ذاتها، وهكذا فإن خاصية الصورة ليست مجرد ما هي عليه في حد ذاتها - على سبيل المثال، الزيت والقماش والإطار. إن طبيعتها بوصفها صورة لها علاقة بحقيقة أنها تتجاوز ذاتها، وأنها تُظهر شيئًا ليست هي نفسها. وهكذا، فإن صورة الله تعني، أولًا، أن البشر لا يمكن أن ينغلقوا على أنفسهم. فالبشر الذين يحاولون ذلك يخونون أنفسهم. أن يكون الإنسان صورة الله يعني ضمنًا العلاقة. إنها الديناميكية التي تجعل الإنسان يتحرّك نحو الآخر كليًّا. ومن ثم فهي تعني القدرة على العلاقة؛ إنها قابلية الإنسان لله. فالإنسان، كمتتالية متسلسلة، يكون إنسانًا أكثر عمقًا عندما يخرج من ذاته ويصبح قادرًا على مخاطبة الله بطريقة مألوفة. في الواقع، فيما يتعلّق بالسؤال عمّا يميّز الإنسان عن الحيوان، عمّا هو مختلف عن الإنسان تحديدًا، يجب أن تكون الإجابة هي أنه الكائن الذي جعله الله قادرًا على التفكير والصلاة. إنهم أعمق ما يكونون عليه عندما يكتشفون علاقتهم بخالقهم. لذلك، فإن صورة الله تعني أيضًا أن البشر كائنات الكلمة والمحبة، كائنات تتحرك نحو الآخر، وتتجه إلى إعطاء ذاتها للآخر ولا تستقبل ذاتها في المقابل إلا في عطاءٍ حقيقي للذات. يمكّننا الكتاب المقدس من أن نخطو خطوة أخرى إذا اتّبعنا مجددًا قاعدتنا الأساسية - أي أنه يجب أن نقرأ العهدين القديم والعهد الجديد معًا، وأنه في الجديد فقط يمكن العثور على المعنى الأعمق للعهد القديم. يُشار إلى المسيح في العهد الجديد على أنه آدم الثاني، وآدم النهائي، وصورة الله ((راجع مثلاً 1 كورنثوس 15: 44-48؛ كولوسي 1: 15 )). هذا يعني أن فيه وحده تُظهر الإجابة الكاملة على السؤال عن ماهية الإنسان. فيه وحده يظهر المعنى الأعمق لما هو في الوقت الحاضر مسودة تقريبية. إنه هو الإنسان النهائي، والخليقة هي رسم أولي يشير إليه. وهكذا يمكننا القول بأنّ البشر هم الكائنات التي يمكن أن تكون إخوة يسوع المسيح أو أخواته. الإنسان هو المخلوق الذي يمكن أن يكون واحدًا مع المسيح، وبذلك يكون واحدًا مع الله نفسه، ومن هنا فإن علاقة المخلوق بالمسيح، علاقة آدم الأول بآدم الثاني، تدل على أن البشر كائنات في الطريق، كائنات تتميز بالصيرورة. إنهم ليسوا أنفسهم بعد؛ يجب أن يصيروا أنفسهم في النهاية. هنا في خضم أفكارنا عن الخلق يظهر فجأة سر الفصح، سر حبة الحنطة التي ماتت. على البشر أن يموتوا مع المسيح مثل حبة الحنطة لكي يقوموا حقًا، أن يستقيموا ويثبتوا ويكونوا أنفسهم ((يوحنا 12: 24 )). لا ينبغي فهم البشر من منظور تاريخهم الماضي أو من تلك اللحظة المعزولة التي نشير إليها بالحاضر. إنهم موجَّهون نحو مستقبلهم، وهو وحده الذي يسمح بظهور حقيقتهم بشكل كامل ((جـ 1يوحنا 3: 2 )). يجب أن نرى دائمًا في البشر الآخرين أشخاصًا سنشاركهم يومًا ما فرح الله. يجب أن ننظر إليهم بوصفهم أشخاصًا مدعوين معنا ليكونوا أعضاء في جسد المسيح، والذين سنجلس معهم يومًا ما على المائدة مع إبراهيم وإسحق ويعقوب، ومع المسيح نفسه، بصفتهم إخوة وأخوات، وبصفتهم إخوة المسيح وأخواته، وبصفتهم أبناء الله. الكاردينال جوزيف راتسنجر (البابا بندكتوس السادس عشر) ترجمتي عن الإنجليزيّة: Joseph Cardinal Ratzinger, Boniface Ramsey - In the Beginning... '_ A Catholic Understanding of the Story of Creation and the Fall-Wm. B. Eerdmans. --- ### إشارات التقليد اللاتيني - Published: ۲۰۲٤-۰۹-۲۰ - Modified: 2024-09-20 - URL: https://tabcm.net/29020/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: أوريجينوس ليونايدس أدامانتيوس, إفخارستيا, إيسيذوروس الفرمي, الشيطان, العشاء الأخير, الكنيسة الجامعة, بابا ديونيسيوس السكندري, بابا كيرلس عمود الدين, باسيليوس الكبير، أسقف قيصرية الكبادوك, بولا رأفت, توما الأكويني, ديونيسيوس الأريوباغي، أسقف أثينا, علامة ترتليانوس الإفريقي, غريغوريوس النزينزي، الناطق بالإلهيات, قديس أمبروسيوس، أسقف ميلان, قديس أوغسطينوس، أسقف هيبو, قديس إيرونيموس چيروم, قديس كيرلس الأورشليمي, كنيسة الإسكندرية, مار أڤرام السرياني, مار ديونيسيوس يعقوب بن الصليبي السرياني, مار ساويرس موسى بن كيفا, مار غريغوريوس بن العبري, مرقيون السينوبي, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية نستعرض في الجزء الأخير من هذه السلسلة الإشارات المتنوعة في كتابات آباء الكنيسة اللاتينية الغربية عبر العصور إلى حادثة تناول يهوذا الإسخريوطيّ من سر الإفخارستيا في العشاء الأخير وتداعيات ذلك الحدث من الناحية الرعوية والكنسية في مسألة قبول الخاطئ المتقدِّم إلى التناول من سر الإفخارستيا من عدمه. العلامة ترتليان الأفريقي 160-240م نجد عند العلامة ترتليان الإفريقيّ أقدم تقليد كنسيّ في الغرب اللاتينيّ يتحدَّث عن تناول يهوذا الإسخريوطيّ من سر الشكر، أي الإفخارستيا، حيث يستخدم نبوة (مزمور 41: 9) للإشارة إلى تناول يهوذا الإسخريوطيّ من الإفخارستيا تحقيقًا لهذه النبوة كالتالي: ((ترتليان، ضد ماركيون، ترجمة: القس بولا رأفت، 2023، 4: 40، ص 341، 342. )) حتى أنه أراد بشدةٍ أن يُتمِّم رمز دمه الفادي، ربما يكون قد خانه أي غريب، ألا أجد أنه تمَّم حتى هذا المزمور: أيضًا رجل سلامتي الذي وثقت به آكل خبزي. رفع عليَّ عقبه! ((مزمور 41: 9 ))، وتعرض للخيانة بلا ثمن، لأنه لا يوجد حاجة إلى خائن في حالة شخص قد قدَّم نفسه علانيةً للشعب، وكان من الممكن أن يُؤخَذ بالقوة وبنفس السهولة التي أُؤخِذَ بها عن طريق الخيانة؟ ربما كان هذا بلا شك جيدًا وكافيًا لمسيحٍ آخر، لكنه لم يكن مناسبًا لمَّن كان يُحقِّق النبوات. لأنه مكتوب: باعوا البار بالفضة ((سفر عاموس 2: 6 ))، المبلغ نفسه والجهة التي خُصِّصَ لها المال الذي تمَّ استرداده بسبب ندم يهوذا عن الغرض الأول من المال، والمخصَّص لشراء حقل الفخاريّ، كما ورد في إنجيل متى، حيث تنبأ إرميا عنها بوضوحٍ: ثلاثين من الفضة. ألقها إلى الفخاريّ الثمن الكريم الذي ثمَّنوني به ((سفر زكريا 11: 12-13 ))، عندما أعرب بكل جدية عن رغبته في أكل الفصح، أَعتبره عيدًا خاصًا به؛ لأنه كان من غير المستحق أن يرغب الله في أن يشترك فيما ليس له. ثم أخذ الخبز وأعطى تلاميذه، وجعله جسدًا خاصًا به، قائلاً: هذا هو جسدي ((إنجيل لوقا 22: 19 )). (ترتليان، ضد ماركيون) ق. أمبروسيوس أسقف ميلان 339- 397م يتحدَّث ق. أمبروسيوس أسقف عن تناول يهوذا خبز الإفخارستيا من المسيح، وكان يتغذَّى مع المسيح ويشرب معه، ولكن دخل الشيطان في قلبه، وخان المسيح، ففارقه المسيح، لأن يهوذا تركه وأتبَّع الشيطان، وذلك في سياق تأكيده على تناول يهوذا من سر الإفخارستيا كالتالي: (( Ambrose of Milan (St. ), Selected Works & Letters, NPNF, Ser. II, Vol. 10, Trans. by H. De Romestin, E. De Romestin & H. T. F. Duckworth, Edit. by Philip Schaff, (Grand Rapids MI: Christian Classics Ethereal Library, 1819-1893), Letter to the Church at Vercellae LXIII: 95, p. 990. )) ولنا مثال على ذلك، لأنه عندما أخذ يهوذا الخبز من المسيح، دخل الشيطان في قلبه كأنه يطالب بما له، كأنه يحتفظ بحقه في نصيبه، كأنه يقول: ليس لك بل ليَّ. من الواضح أنه خادمي، خائنك، ومن الواضح أنه ليَّ. يجلس معك ويخدمني. يتغذَّى معك ولكنني أُغذِّيه. يتناول منك الخبز ومني المال. يشرب معك، ويبيع ليَّ دمك. وأثبت مدى صدق كلامه. ومن ثمَّ، فارقه المسيح، ويهوذا نفسه أيضًا ترك يسوع وتَبِعَ الشيطان. (Ambrose of Milan (St. ), Selected Works & Letters) أوغسطينوس أسقف هيبو 354-430م يُؤكِّد أوغسطينوس أسقف هيبو على أن تناول بطرس من الإفخارستيا كان للحياة، أمَّا تناول يهوذا من الإفخارستيا فكان للموت، في سياق تأكيده على تناول يهوذا من الإفخارستيا قائلاً: (( Augustine of Hippo, NPNF Ser. I, Vol. 7, Tractates on John, Trans. by John Gibb & James Innes, Edit. by Philip Schaff, (Grand Rapids MI: Christian Classics Ethereal Library, 1818-1893), Tract. L. , Ch. 11: 10, p. 467. )) اشترك بطرس ويهوذا في خبزٍ واحدٍ، ولكن أية شركة للمؤمن مع غير المؤمن؟ كانت شركة بطرس للحياة، أمَّا شركة يهوذا فكانت للموت. لأن الخبز الجيد كان كالمذاق الشهي. لأنه كالمذاق الشهي، كذلك أيضًا الخبز الجيد يحيي الأبرار ويميت الأشرار. لأنه مَن يأكل بدون استحقاق، يأكل ويشرب دينونة لنفسه ((رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس 11: 29 )). (Augustine of Hippo, Tractates on John ) ويشير أوغسطينوس إلى اشتراك يهوذا مع باقي التلاميذ في العشاء المقدَّس، مؤكدًا على تناول يهوذا من الإفخارستيا كالتالي: ((Augustine of Hippo, NPNF Ser. I, Vol. 4, Answer to the Letters of Petilian, the Donatist, Trans. by J. R. King, Edit. by Philip Schaff, (Grand Rapids MI: Christian Classics Ethereal Library, 1819-1893), Book II, Ch. 107-243, p. 1177. )) لأن بولس نفسه لم يشترك في خطايا الآخرين، لأنه احتمل الأخوة الكذبة الذين يئن لأجلهم في وحدة الجسد. كما أن الرسل الذين سبقوه لم يشتركوا في سرقة يهوذا وجريمته، لأنهم اشتركوا معه في العشاء المقدَّس، عندما قد باع ربه بالفعل، وأشار إليه الربُّ على أنه خائنٌ. (Augustine of Hippo, Answer to the Letters of Petilian, the Donatist ) يرى أوغسطينوس أن يهوذا، الذي أعطاه الرب لقمة الإفخارستيا، هو الذي أعطي مكانًا للشرير في داخله، لأنه لم يتناول ما هو سيء، بل تناوله بطريقةٍ سيئةٍ، كذلك كل مَن يتناول سرّ الربّ، لا يتسبَّب في أن يكون التناول سيئًا، بل لأنه هو نفسه سيء، فإنه لم يأخذ شيئًا، لأنه لم يأخذ المناولة لخلاصه، وذلك في سياق تأكيده على تناول يهوذا من الإفخارستيا كالتالي: ((Augustine of Hippo, NPNF Ser. I, Vol. 4, On Baptism, Against the Donatists, Trans. by J. R. King, Edit. by Philip Schaff, (Grand Rapids MI: Christian Classics Ethereal Library, 1819-1893), Bk. V, Ch. 8-9, p. 832. )) كما أن يهوذا، الذي أعطاه الرب ’لقمةً‘، أعطي مكانًا للشيطان في نفسه، لم يتناول ما هو سيء، بل تناوله بطريقةٍ سيئةٍ (يو13: 27)، لذلك، كل مَن يتناول سرّ الربّ، لا يتسبَّب في أن يكون سيئًا، بل لأنه هو نفسه سيء، أو أنه لم يتناول شيئًا، لأنه لم يتناول للخلاص. فهو ليس إلا جسد الرب ودم الرب، حتي فيمَّن قال لهم الرسول: مَن يأكل بدون استحقاق، يأكل ويشرب دينونةً لنفسه ((رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس 11: 29 )). (Augustine of Hippo,On Baptism, Against the Donatists) يتحدَّث أوغسطينوس عن تناول بطرس من الأسرار المقدَّسة للخلاص، وتناول يهوذا من نفس الأسرار المقدَّسة للدينونة، وذلك في إطار تأكيده على تناول يهوذا من سر الإفخارستيا كالتالي: (( Augustine of Hippo, NPNF Ser. I, Vol. 4, Answer to the Letters of Petilian, the Donatist, Trans. by J. R. King, Edit. by Philip Schaff, (Grand Rapids MI: Christian Classics Ethereal Library, 1819-1893), Bk. II, Ch. 40-96, p. 1076. )) فمَّن منَّا يقول إنه ثمة شركة بين البر والإثم، حتى إنْ كان البار والأثيم، كما في حالة يهوذا وبطرس، يشتركون في الأسرار على حد سواء؟ لأنهما من نفس الشئ المقدَّس، تناول يهوذا دينونةً لنفسه، وتناول بطرس الخلاص، كما تتناول أنت القربان مع أوبتاتوس Optatus فإنْ كُنت لا تشبهه، فلِمَ تشترك إذًا في سرقاته. (Augustine of Hippo, Answer to the Letters of Petilian) ق. جيروم 342-420م يناقش ق. چيروم قضية الاستحقاق للتناول من جسد الرب ودمه، ويرى ق. چيروم اختلاف الاستحقاق حسب استحقاق المتناولين، فمَّن يتناول ويشرب بدون استحقاق يكون مذنبًا في جسد الربِّ ودمه. يتساءل ق. چيروم هل لأنَّ يهوذا شرب من نفس الكأس مثل بقية الرسل، يكون هو وهم بنفس الاستحقاق؟ تناول يهوذا من الافخارستيا قائلاً: ((Jerome (St. ), NPNF Ser. II, Vol. 6, Against Jovinianus, Trans. by W. H. Fremantle, G. Lewis & W. G. Martley, Edit. by Philip Schaff, (Grand Rapids MI: Christian Classics Ethereal Library, 1819-1893), Bk. II: 25, p. 890. )) في الأسرار المسيحية، هناك وسيلة واحدة لتقديس السيد والعبد، النبيل والوضيع، الملك وجنوده، ولكن كُلٍّ يختلف حسب استحقاق المتناولين منه. فمَّن يتناول ويشرب بدون استحقاق، يكون مذنبًا في جسد الربِّ ودمه ((رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس 11: 27 )). هل لأنَّ يهوذا شرب نفس الكأس مثل بقية الرسل، فيكون هو وهم بنفس الاستحقاق؟! لكن لنفترض أننا لم نختر تناول السرِّ، ففي جميع الأحوال، لدينا جميعًا نفس الحياة، ونتنفس نفس الهواء، ولدينا نفس الدم في عروقنا، ونتغذَّى على نفس الطعام. (Jerome (St. ), Against Jovinianus) توما الأكويني 1225-1274م يناقش الأب توما الأكوينيّ، أحد أهم اللاهوتيين المدرسيين في العصر الوسيط، قضية تناول يهوذا الإسخريوطيّ من سر الإفخارستيا، في سياق إجابته على سؤال: هل أعطى المسيح جسده ليهوذا؟ ويخلص الأكوينيّ، بعد مناقشة طويلة لكافة الاعتراضات على عدم تناول يهوذا، إلى أن يهوذا قد تناول جسد الرب ودمه مع التلاميذ الآخرين، كما يقول ديونيسيوس في كتابه (الطغمات الكنسية: 3 )، وأوغسطينوس أسقف هيبو في (مقالة 73 على إنجيل يوحنا). ويؤكد الأكوينيّ على أن المسيح لم يطرد يهوذا من المناولة؛ وذلك لتقديم مثال على أنه لا ينبغي أن يصد الكهنة الآخرون هؤلاء الخطأة المتخفين، وهكذا يجب أن نفهم أن ربنا قد وزَّع بالفعل سر جسده ودمه على جميع تلاميذه، بما فيهم يهوذا أيضًا، كالتالي: (( Thomas Aquinas, Summa Theologiae, III, Q 81, Art )) الاعتراض الأول، يبدو أن المسيح لم يعطِ جسده ليهوذا. لأنه كما نقرأ في إنجيل متى ((إنجيل متى 26: 29 ))، قال ربنا لهم، بعد أن أعطى جسده ودمه للتلاميذ: لا أشرب من الآن من ثمر الكرمة هذا إلى ذلك اليوم عندما أشربه معكم من جديد في ملكوت أبي. ويتَّضح من هنا أن الذين أعطاهم جسده ودمه كان عليهم أن يشربوا منه أيضًا. ولكن يهوذا لم يشرب منه بعد ذلك معه. لذلك، لم يتناولجسد المسيح ودمه مع التلاميذ الآخرين. الاعتراض الثاني، علاوة على ذلك، فإن ما أوصى به الرب قد أتمَّه بنفسه، كما جاء في أعمال الرسل ((سفر أعمال الرسل 1: 1)) وابتدأ يسوع يعمل ويُعلِّم. ولكنه أعطى وصية في إنجيل متى ((إنجيل متى 7: 6 )) لا تعطوا القدس للكلاب. لذلك، بسبب معرفته بأن يهوذا خاطئ، يبدو أنه لم يعطه جسده ودمه. الاعتراض الثالث، علاوة على ذلك، إن هذا يتعلق بآية إنجيل يوحنا ((إنجيل يوحنا 13: 26 )) حيث أعطى المسيح يهوذا خبزًا مغموسًا. والتالي، إنْ كان قد أعطاه جسده، فواضح أنه أعطاه إياه في اللقمة، خاصةً أننا نقرأ في  إنجيل يوحنا ((إنجيل يوحنا 13: 26 )) بعد اللقمة دخله الشيطان. ويقول أوغسطينوس في هذا المقطع ((مقالة 112 على إنجيل يوحنا )) ’نتعلَّم من هذا كيف يجب علينا توخي الحذر من تلقي الخير بطريقةٍ شريرةٍلأنه إذَا ’توبَّخ‘ مَن ’لا يُميِّز‘، أي يُميِّز جسد الرب عن اللحوم الأخرى، فكيف ينبغي أن ’يدين‘ مَن يتظاهر بأنه صديق، ويأتي إلى مائدته عدوًا‘؟ لكنلم يتناول جسد ربنا باللقمة المغموسة؛ وهكذا علَّق أوغسطينوس على إنجيل يوحنا ((إنجيل يوحنا 13: 26 ))، ’فلما غمس وأعطى ليهوذا سمعان الإسخريوطيّ‘، (( نسخة الفولوجاتا: ليهوذا بن سمعان الإسخريوطي. . ((مقالة 62 على إنجيل يوحنا)) ’لم يتناول يهوذا جسد المسيح وقتها، كما يظن البعض الذين يقرأون بدون اهتمام‘. لذلك، يبدو أن يهوذا لم يتناول جسد المسيح. ولكن على العكس من ذلك، يقول فم الذهب في عظته على إنجيل متى ((عظة 82 على إنجيل متى)) ’لم يتغيَّر يهوذا عند تناوله من الأسرار المقدَّسة: لذلك أصبحت جريمته أشنع من كلا الجانبين، لأنه مُشبَّع بهذه الغاية واقترب من الأسرار، ولأنه لم يصبح أفضل بالاقتراب، ولا من الخوف، ولا من المنفعة التي تلقاها، ولا من الشرف الممنوح له‘. فأجيبُ على ذلك، إن هيلاري، في تعليقه على متى ((إنجيل متى 26: 17 ))، رأى أن المسيح لم يعطِ جسده ودمه ليهوذا. وكان من الممكن أن يكون هذا صحيح تمامًا، إذَا أخذنا في الاعتبار خبث يهوذا. ولكن بما أن المسيح ينبغي أن يخدمنا كنموذج للعدل، فلا يتفق مع سلطانه للتعليم أن يقطع يهوذا، الخاطئ المستتر، عن الشركة مع الآخرين بدون تهمة ودليل واضح لئلا يكون قدوةً لأساقفة الكنيسة في فعل ذلك، ولئلا يغتاظ يهوذا نفسه وينتهز الفرصة لارتكاب الخطيئة. لذلك، يبقى أن نقول إن يهوذا قد تناول جسد الرب ودمه مع التلاميذ الآخرين، كما يقول ديونيسيوس في كتابه ((الطغمات الكنسية : 3 ))، وأوغسطينوس في مقاله على إنجيل يوحنا ((مقالة 73 على إنجيل يوحنا )). الرد على الاعتراض الأول، هذه حجة هيلاري لإثبات أن يهوذا لم يتناول جسد المسيح، ولكنها حجة غير مقنعة، لأن المسيح يتكلَّم مع التلاميذ الذين انفصل يهوذا عن شركتهم، ولم يكن المسيح هو الذي استبعده. لذلك، فالمسيح من جانبه يشرب الخمر حتى مع يهوذا في ملكوت الله، ولكن يهوذا نفسه رفض هذه المائدة. الرد على الاعتراض الثاني، كان المسيح يعرف شر يهوذا لأنه الله؛ ولكنه لم يعرفه بالطريقة التي يعرفه بها البشر. وبالتالي، لم يطرد المسيح يهوذا من المناولة؛ وذلك لتقديم مثال على أنه لا ينبغي أن يصد الكهنة الآخرون هؤلاء الخطأة المتخفين. الرد على الاعتراض الثالث، بدون أدنى شك، لم يتناول يهوذا جسد المسيح في الخبز المغموس؛ لقد تناول خبزًا فقط. ومع ذلك، كما يلاحظ أوغسطينوس ((مقالة 62 على إنجيل يوحنا )): ’ربما تظاهر يهوذا بغمس الخبز؛ تمامًا كما يتمُّ غمس بعض الأشياء من أجل صباغتها‘. ولكن إذَا كان الغمس يعني هنا أي شيء جيد ، ’فهل تبعت الدينونة جحوده للخير نفسه بدون استحقاق‘. وبسبب هذا الجحود ’صار الخير بالنسبة له شرًا، كما يحدث للذين يتناولون جسد المسيح بدون استحقاق‘. وكما يقول أوغسطينوس ((مقالة 12 على إنجيل يوحنا )): ’يجب أن نفهم أن ربنا قد وزَّع بالفعل سر جسده ودمه على جميع تلاميذه، بما فيهم يهوذا أيضًا، كما يروي لوقا: وبعد ذلك، نصل إلى هذا، حيث يعلن ربنا بوضوحٍ أنه خائنه من خلال غمس اللقمة وتسليمها إليه، وفقًا لرواية يوحنا. (Thomas Aquinas, Summa Theologiae) الخلاصة نستخلص مما سبق أن هناك نبوة ((مزمور 41: 9 )) تشير نبويًا وسريًا إلى الرجل الذي أكل من الخبز وسلَّم المخلص، أي تناول يهوذا من سر الإفخارستيا في العشاء الأخير الذي أسَّسه السيد المسيح ليلة آلامه وصلبه، ولقد استخدم ق. يوحنا في إنجيله هذه النبوة وكذلك استخدمها أغلب آباء الكنيسة للتأكيد على تناول يهوذا من سر الإفخارستيا. وهناك رواية إنجيلي لوقا ويوحنا تشير إلى حضور يهوذا الإسخريوطيّ لتأسيس سر الإفخارستيا وتناول يهوذا من سر الإفخارستيا. هناك شهادات عديدة من تقاليد كنسية مبكرة مختلفة عن تقليد يقول بتناول يهوذا الإسخريوطيّ من سر الإفخارستيا، فنجد العلامة أوريجينوس السكندريّ، وق. كيرلس السكندريّ، وق. إيسيذوروس الفرميّ، يشيرون إلى تناول يهوذا من سر الإفخارستيا، وهذا تقليد كنيسة الإسكندرية. هناك تقليد مبكر في كنيسة أورشليم بفلسطين يشير فيه ق. كيرلس الأورشليمي إلى تناول يهوذا من سر الإفخارستيا. نجد ق. يوحنا ذهبي الفم يشير بوضوحٍ في مواضع عدة من كتاباته إلى تقليد كنيسة أنطاكية الذي يؤكد تناول يهوذا من سر الإفخارستيا، وكان يستخدم هذا الأمر في أمور رعوية، حيث كان يدعو الخطأة إلى التناول من سر الإفخارستيا لكي يكون ذلك سببًا في بداية توبتهم واستمرارهم في حياة البر. نجد ق. غريغوريوس النزينزي اللاهوتي، وق. باسيليوس الكبير، وديونيسيوس الأريوباغيّ، يؤكدون على تناول يهوذا من سر الإفخارستيا، وهذا يُعبِّر عن تقليد كنيسة كبادوكية بآسيا الصغرى (تركيا حاليًا) الذي يؤكد على تناول يهوذا من سر الإفخارستيا. هناك تقليد غربيّ لاتينيّ مبكر عند العلامة ترتليان الأفريقيّ، وق. أمبروسيوس أسقف ميلان، وأوغسطينوس أسقف هيبو بشمال أفريقيا، وق. چيروم، وحتى عصر الأب توما الأكوينيّ في العصر الوسيط يشير إلى تناول يهوذا من سر الإفخارستيا. نجد أيضًا تقليد سريانيّ مبكر عند مار أفرام السرياني، ومار ساويروس موسى بن كيفا، ومار ديونيسيوس الصليبي، ومار غريغوريوس بن العبري، يشير إلى تناول يهوذا من سر الإفخارستيا. نستخلص مما سبق أن هناك إجماع كبير من تقاليد كنسية مختلفة على مر العصور أن يهوذا الإسخريوطيّ قد تناول من سر الإفخارستيا في العشاء الأخير الذي أسَّسه الرب يسوع ليلة آلامه وموته. وهذه قائمة آباء الكنيسة الجامعة شرقًا وغربًا الذين يؤكدون على تقليد تناول يهوذا من سر الإفخارستيا كالتالي: 1) العلامة أوريجينوس السكندري 2) ق. كيرلس السكندري 3) ق. إيسيذوروس الفرمي 4) ق. كيرلس الأورشليمي 5) ق. يوحنا ذهبي الفم 6) ق. غريغوريوس اللاهوتي 7) ق. باسيليوس الكبير 8) ديونيسيوس الأريوباغي 9) العلامة ترتليان الأفريقي 10) ق. أمبروسيوس أسقف ميلان 11) أوغسطينوس أسقف هيبو 12) ق. چيروم 13) الأب توما الأكويني 14) مار أفرام السرياني 15) مار ساويروس موسى بن كيفا 16) مار ديونيسيوس الصليبي 17) مار غريغوريوس بن العبري --- ### ڤيودور ميخائيلوڤتش دوستويڤسكي - Published: ۲۰۲٤-۰۹-۱۸ - Modified: 2024-09-18 - URL: https://tabcm.net/29901/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أرنولد بينيت, ألبرت أينشتاين, ألبرت شڤايتزر, أليكسي مكسيموڤيتش بيشكوڤ جوركي, أناتول فرانس, أندريه جيد, أنطون بافلوفيتش تشيخوف, إيڤان سيرجييڤيتش تورجينيڤ, الإخوة كارامازوف, الجريمة والعقاب, الديمقراطية, تشارلز چون هوڤام ديكنز, چان باتيست چوزيف فورييه, چان چاك روسو, چورچ برنارد شو, فاليريان نيكولايفيتش مايكوف, فرانسوا ماري آروويه، ڤولتير, فريدريك فيلهيلم نيتشه, فيساريون جريجوريفيتش بلينسكي, ڤاليريان نيكولايڤيتش مايكوڤ, ڤيودور ميخائيلوڤتش دوستويڤسكي, ليڤ نيكولاياڤيتش تولستوي, مهاتما غاندي, نابليون بونابرت, نيقولاي فاسيليفتش جوجول, هربرت چورچ ويلز إن دوستويڤسكي يكره أوروبا؛ لأنها تركت الإنجيل والمسيح، ونيتشه يكرهها لأنها اعتنقتهما، فالأخلاق العامة في أوروبا تحولت في رأي دوستويڤسكي إلى أخلاق المادية العلمية، والمباراة الاقتصادية، والبعد عن الإخاء والرحمة، ونيتشه يكره الأخلاق الأوروبية؛ لأنها ابتعدت عن الفطرة الحيوانية واستبقت الضعفاء والعجزة والمرضى الذين يفسدون المادة البشرية؛ لأنها أخلاق مسيحية كان من حظي الحسن أن هبطتُ على الأدباء الروس وأنا حوالي العشرين، فارتفعت بذلك إلى مستوًى من التقدير للفن القصصي، جعلني في مستقبل عمري أتأنق وأُحجم عن قراءة تلك القصص الإنجليزية والفرنسية والأمريكية، التي لا ترتفع إلى مقام المؤلفات العظيمة التي ألَّفها تولستوي ودوستويڤسكي وجوركي وجوجول وتيشخوف وتورجينيف. والحق أن الانتقال من دوستويڤسكي الروسي إلى أرنولد بنيت الإنجليزي هو وثبة إلى الحضيض يفزع منها الإنسان، والانتقال من تولستوي إلى أي أديب آخر في أوروبا أو أمريكا هو انهيار فادح. وأحيانًا أحاول أن أعلل حبي لهؤلاء الأدباء الروس بأن الحال الاجتماعية التي وصفوها كانت تشبه حالنا في مصر، وأن الوسط الاجتماعي الأوروبي الأمريكي كان يجري على نظم ديمقراطية حرة، لا تتيح للأوروبي أن يستمرئ هذا المجتمع الروسي القديم، وما حفل به من فوضى وفاقة واستسلام وركود. ولكن هذا التعليل لإحساسنا بتفوق الأدب الروسي على الآداب الغربية لا يكفي، وقد حدث لي ما يشبه ذلك في الموسيقى، فإني في مقتبل عمري عرفت الموسيقى الأوروبية الكنسية والمسرحية، فارتفع ذوقي إلى حد الكراهية، بل العداء للموسيقى الشرقية الباكية الجنسية المخنثة، فلست أطيق إلى الآن أغنية أو لحنًا مصريين، بل إني أوثر عليها «موالًا» من تلك المواويل التي يغنيها فلاحونا، فإن فيه أحيانًا من الصدق والرجولة ما يبعث على الاحترام، في حين نشمئز من الأغاني والألحان المصرية الحاضرة لما فيها من التباكي والتخنث. ولعل ميزة أوروبا علينا في الموسيقى أنها أدخلتها الكنائس، فأكسبتها شيئًا يقارب حرمة الدين، وهذا في الوقت الذي تركنا نحن فيه موسيقانا وأغانينا تعيش وترافق الرقص الذي كانت تمارسه البغايا، وقد كان رقصًا جنسيًّا مخنثًا فسقطت مكانة الموسيقى والأغاني في نفوسنا. ••• وُلد دوستويڤسكي في عام ١٨٢٢ ومات في عام ١٨٨١، وكان مريضًا طوال حياته، تنتابه نوبات من الصرع، وقد أخرج قصته الأولى «المساكين» في عام ١٨٤٦ ووثب بها إلى مصاف الأدباء الأفذاذ، وفي عام ١٨٤٩ أُلقي القبض عليه بتهمة الاشتراك في جمعية سياسية غير مشروعة، وحكم عليه بالإعدام ثم خفِّف الحكم إلى النفي إلى سيبريا حيث قضى أربع سنوات ألَّف عنها كتابًا بعد ذلك باسم «ذكريات من بيت الموتى». وبعد سنوات أخرى في الجندية والسياحة استقرَّ على التأليف القصصي، فأخرج «الإخوة كارامازوف» وهي الأولى بين قصص العالم جميعها، وأخرج أيضًا قصة «الجريمة والعقاب»، وقد بعثتني حماستي لها أني في سنة ١٩١١ ترجمت منها نصفها، ثم طبعت الربع بهذا الاسم ولم أتمم الترجمة. وتتسم قصصه بحنان ورقة يشيعان في نفوسنا إحساس الدين، وهي جميعًا دعوة إلى الخير وحب الأطفال وحماسة الأمومة، ولذة التضحية، وارتفاع عن الدنايا المادية ونحو ذلك، وقد كانت حياته هو نفسه مليئة بهذه العواطف. ••• ولنذكر شيئًا مما وقع له، ولعله كان لهذه التجربة القاسية أثر في فنه. ففي يوم ٢٢ أبريل من عام ١٨٤٩ أُلقي القبض في بطرسبورج على نحو ثلاثين شابًّا كان بينهم دوستويڤسكي، وكانت التهمة الخطيرة التي اتهموا بها أنهم اجتمعوا واحتفلوا بميلاد الكاتب الفرنسي فورييه، وكان فورييه مشهورًا ببرنامج يقترحه لتغيير المجتمع، وهو حين نقرؤه هذه الأيام نجد فيه سخفًا عظيمًا؛ ذلك أنه ينص على تأليف جماعات لا تزيد إحداها على ١٦٠٠ شخص يعيشون معًا متعاونين مستقلين عن الجماعات الأخرى. وقيل إن هؤلاء الثلاثين المجتمعين في بطرسبرج قد تآمروا على ترجمة كتاب فورييه هذا. ومما زاد في هذه «المؤامرة» الخطيرة أن أحد الحاضرين قرأ خطابًا من أديب يدعى بيلنسكي إلى القصصي جوجول يوبِّخه فيه؛ لأنه عاد إلى الإيمان بعد الكفر، وبعد أن قضى المتهمون سبعة أشهر في السجن حُكم عليهم بالإعدام، ثم قضوا شهرًا آخر قبل التنفيذ، وفي يوم التنفيذ نصبت أعمدة في أكبر ميدان في بطرسبرج ثم أُلبس المتهمون جلاليب بيضاء، وعلى رأس كلٍّ منهم طرطور وأُخرجوا في الصباح من يوم ٢٢ ديسمبر، والثلج يغطي الأرض. ثم حضر قسيس يحمل صليبًا من الفضة، ويطلب إلى كل منهم تقبيله حتى يُغفر لهم في العالم الآخر. ووقف ستة عشر جنديًّا يحملون البنادق، ورُبط كل منهم إلى العمود كي يتلقى الأعيرة النارية، ثم أمر الجنود بفتح الأزندة استعدادًا لإطلاق النار، وفي هذه اللحظة فقط أعلنوا جميعهم بأن القيصر قد استبدل بحكم الإعدام الحكم بالنفي إلى سيبيريا أربع سنوات. وبعد هذه المأساة أو المهزلة سافروا إلى سيبريا، وقبل السفر كتب دوستويڤسكي إلى شقيقه هذا الخطاب التالي: قلعة بطرس وبولس في ٢٢ ديسمبر سنة ١٨٤٩ أخي، صديقي الحبيب، كل شيء قد تم، وحكم عليَّ بالسجن والأشغال الشاقة أربع سنوات في القلعة ، وبعد ذلك ألتحق بالجيش جنديًّا، وفي هذا اليوم ٢١ ديسمبر نادونا إلى مكان العرض في سميونوف وقرءوا علينا الحكم بالإعدام، ثم أمرونا بأن نلثم الصليب، ثم كسروا سيوفنا فوق رءوسنا، ثم نزعوا ملابسنا وألبسونا القمصان البيض، وبعد ذلك ربطوا ثلاثة منا إلى عمود كي يضربوا بالبنادق، وكان ترتيبي السادس، وكان النداء على ثلاثة كل مرة، وكنت أنا بذلك في الفرقة الثانية فلم يكن باقيًا لي من الحياة سوى دقيقة، وقد ذكرتك أيها الأخ أنت وأولادك، وفي هذه الدقيقة لم أذكر سواك يا أخي وحبيبي، وعرفت عندئذٍ مقدار حبي لك، وقد تمكنت من أن أقبِّل بلاتسياف ودوروف، وكانا واقفين جانبي وودعتهما، وأخيرًا نفخ البوق وأعلن الأمر بالرجوع، وحُلَّ الذين كانوا قد ربطوا إلى العمود، ثم قُرئ علينا أمر صاحب الجلالة الإمبراطورية بمنحنا حياتنا، والحكم علينا بالأحكام الجديدة. ولم يفرج عن أحد سوى بالم الذي أُرجع إلى الجيش برتبته السابقة. وقد أُبلغت يا أخي الحبيب بأنهم سيرسلونني اليوم أو غدًا، وقد طلبت رؤيتك، ولكنهم أخبروني بأن هذا محال، وأن كل ما يستطيعونه أن يسمحوا لي بالكتابة إليك، فأسرع وابعث لي الرد. وأنا أخشى أن يكون قد بلغك الحكم علينا بالإعدام، فقد نظرت من نافذة العربة التي حملتنا إلى ساحة الإعدام ورأيت في الطريق جمهورًا كبيرًا، وخشيت أن يكون من رأوني قد أبلغوك وآلموك بذلك، ولكن الآن يمكنك أن تهنأ بشأني. يا أخي، لا تظن أن الحكم قد هدني أو غم علي، فالحياة في كل مكان هي الحياة، هي في داخلنا وليست فيما هو خارج عنا، وسيكون قريبًا مني أناس، وسأكون رجلًا بينهم وأبقى كذلك إلى الأبد، ولن يهن قلبي أو تفشل عزيمتي أمام المصائب، وهذا في اعتقادي هو الحياة أو الواجب في الحياة، وقد حققت ذلك وصار هذا الخاطر جزءًا من لحمي ودمي. أجل، هذا صحيح، فهذا الرأس الذي كان يبتكر ويعيش في أسمى الحياة الفنية، والذي حقق أسمى الحاجات الروحية واعتقادها، هذا الرأس قد قطع من عاتقي ولم يبقَ عندي سوى الذكريات والخيالات التي أخترعها، ولكنها لم تتجسم فيَّ بعد، وإني لأعرف أنها ستمزقني، ولكن ما يزال باقيًا لي قلبي وهذا اللحم والدم الذي ما يزال قادرًا على الحب والألم والرغبة، ولا تنسَ أن هذه هي الحياة، أجل ما زلت أرى الشمس. والآن وداعًا يا أخي ولا تحزن من أجلي. والآن هلمَّ إلى الماديات، إن كتبي وعدة أوراق من مخطوطاتي، وتخطيط دراما، وقصة أخرى كاملة قد أُخذت كلها مني، والأرجح أنك ستتسلمها، وقد تركت معطفي وملابسي فيمكنك أن تأخذها. والآن يا أخي أظن أنني سأمشي مسافة طويلة وأحتاج إلى نقود، أخي الحبيب، إذا تسلمت هذا الخطاب وكان يمكنك أن تحصل على قليل من النقود فأرسلها إليَّ بأسرع وقت، فأنا أحوج الآن إلى المال مني إلى الهواء ، وابعث لي ببضع كلمات، ثم إذا جاءت نقود من موسكو فتذكرني ولا تنسى، وهذا كل ما أريده، وأنا أعرف أن عليَّ ديونًا ولكن ماذا أفعل. قَبِّل زوجتك وأولادك واذكرني عندهم كثيرًا ولا تجعلهم ينسونني فَعَلَّنا نلتقي يومًا ما! أخي، أوصيك بالعناية بنفسك وأولادك، وأن تعيش في هدوء ويقظة، وأن تفكر في مستقبل أولادك، عش عيشًا إيجابيًّا، إني ما شعرت قط بوفرة الحياة الروحية في شخصي كما أشعر بها الآن وأنا مريض بالإسقربوط، ولكني لا أبالي بذلك. أخي، لقد كابدت من الحياة الشيء الكثير حتى ما يكاد شيء يخيفني الآن في العالم، فليكن ما هو كائن، وسأكتب إليك في أول فرصة، وابعث لأسرة مايكوف بتسليماتي وتحياتي، واشكر لهم اهتمامهم بحظي، وقل بضع كلمات حارة يمليها عليك قلبك ليوجينيا بتروفيا، فأنا أدعو لها بالسعادة وسأذكرها على الدوام بجميلها، واضغط يد نيكولاي أبولو نوفتش أبولون مايكوف، وجميع الآخرين، وابحث عن يانوفسكي واضغط يده واشكره. وأخيرًا صافح جميع أولئك الذين لم ينسوني، وقبِّل أخي كوليا، واكتب خطابًا إلى أخي أندريه وأخبره بكل شيء عني واكتب لعمي وعمتي، وافعل ذلك باسمي وابعث لهم تحياتي، واكتب لأخواتي اللواتي أدعو لهن بالسعادة، وربما نلتقي يا أخي في المستقبل. لا تهمل العناية بنفسك بل عِش وابق حيًّا حتى نلتقي ثانيًا، فَعَلَّنا نتعانق يومًا ونذكر شبابنا ذلك الوقت الذهبي، ذلك الشباب وتلك الآمال التي أمزقها الآن من قلبي ودمي كي أدفنها، هل يمكن حقًّا أني لن أتناول القلم بيدي مرة أخرى؟ أظن أني سأعود إلى الكتابة بعد هذه السنوات الأربع، وسأرسل لك كل شيء أكتبه إذا كتبت شيئًا، وا رباه! كم من خيالات عشت فيها أو اخترعتها ستموت وتنطفئ في دماغي، أو تتمزق وتسير في دمي كالسهم، أجل، إذا لم يُسمح لي بالكتابة فإني سأموت، وخير لي من ذلك أن أُسجن خمس عشرة سنة، ويكون في يدي قلم. اكتب لي كثيرًا، واكتب بالتفصيل والإسهاب واذكر لي حقائق، حقائق كثيرة، وفي كل خطاب اكتب لي عن شئون الأسرة مع التفصيل، ومع ذكر الأشياء التافهة، ولا تنس هذا فهذه الخطابات تعيد إليَّ الرجاء والحياة. آه لو تعرف كيف أحيتني وأتعستني خطاباتُك التي أرسلتها إليَّ وأنا في هذه القلعة، وقد كان الشهران والنصف شهر الماضية، حين مُنعنا من كتابة الخطابات أو تسلمها، من أشق ما كابدته، وقد كنت مريضًا. ولما أهملت أنت إرسال النقود إليَّ ساورني القلق من أجلك؛ لأني فهمت من عدم إرسالك للنقود أنك أنت في حاجة شديدة. قَبِّل الأطفال مرة أخرى، فإن وجوههم الحلوة الصغيرة لا تغيب عن بالي، لتكن لهم السعادة! وأنت يا أخي كن سعيدًا، كن سعيدًا، ولكن لا تحزن، وبحبك الله لا تحزن لأجلي، وثق أني لم أهن وتذكر أن الرجاء لم يهجرني، وبعد أربع سنوات سيخفف عني ما فعلته الأقدار، وأصير جنديًّا فينقضي سجني، وتذكر أني سأعانقك يومًا ما. لقد كنت اليوم في قبضة الموت ثلاثة أرباع الساعة، وعشت هذه المدة بهذا الخاطر وبلغت آخر لحظة من الحياة، وها أنا ذا حي مرة أخرى، وإذا كان أحد يتذكرني بسوء، أو إذا كنت قد تشاجرت مع أحد أو أسأت إلى أحد، فأخبره إذا لقيته بأن ينسى الإساءة، وليس في نفسي مرارة أو نقمة على أحد، وأود لو أعانق في هذه اللحظة كل واحد من أصدقائي السالفين، وقد شعرت اليوم بالراحة وأنا أودع أحبابي الأعزاء قبل الموت، وخطر ببالي في هذا الوقت أن خبر إعدامي سيقتلك، ولكن استرح الآن فإني ما زلت حيًّا، وسأعيش راجيًا بأن أعانقك يومًا ما، وهذا كل شيء في بالي الآن. ماذا تفعل، وبماذا فكرت اليوم، وهل عرفت شيئًا عنا؟ وماذا كان مقدار البرد اليوم؟ آه ما أشوقني إلى أن يصل خطابي هذا إليك بسرعة، وإلا فإنه إذا تأخر فإني سأبقى أربعة أشهر بدون خطاب منك، وقد رأيت الظروف التي أرسلت فيها النقود لي مدة الشهرين الماضيين، وكان عنواني مكتوبًا عليها بخطك وسررت برؤية الخط، وعندما ألتفتُ إلى الماضي وأتذكر مقدار الوقت الذي ضاع عبثًا وكم منه ضاع في الأوهام والكسل والجهل بالعيش، وكيف أني لم أقدِّر الوقت حق قدره، وكيف جنيت على قلبي وذهني! أحس بأن قلبي يسيل دمًا، أجل إن الحياة عطية وهي سعادة، وكان من الممكن أن نجعل من كل دقيقة منها عصرًا طويلًا من السعادة. آه لو عرف الشباب ... والآن هذه حياتي تتغير، وأنا أولد من جديد في شكل آخر. أخي أقسم لك أني لن أفقد الأمل، وسأصون روحي وقلبي في الطهارة، وميلادي الجديد سيكون إلى حال أحسن من حالي الماضية، وهذا كل رجائي، وهذا كل عزائي. إن حياة السجن قد قتلت في جسمي مطالب اللحم التي لم تكن كلها طاهرة، ولم أكن قبل هذه الحياة أُعنى بنفسي كثيرًا، أما الآن فالحرمان لا قيمة له عندي؛ ولذلك لا تخشَ عليَّ من المشاق المادية وتحسب أنها ستقتلني، كلا لن يحدث هذا، وداعا. وداعًا يا أخي، إني أعانقك بقوة وأقبِّلك بحرارة، تذكَّرني ولكن بلا ألم في قلبك، فأرجوك ألا تحزن، وفي الخطاب الآتي سأخبرك بما يتم لي، وتذكر عندئذٍ ما أخبرتك به ألَّا تَعِش جزافًا دائمًا، دبِّر حياتك ورتِّب حظك وتفكَّر في أولادك. آه لو أراك، وداعًا، إني أنزع نفسي الآن من كل شيء أحببته، وهذا النزاع مؤلم ومن الموجع أن أقطع نفسي نصفين وأشق قلبي شقين، وداعًا ... وداعًا، ولكني سأراك، أنا واثق، واعٍ أنا فلا تتغير، وأحبني، ولا تدع ذاكرتك تبرد ... وذكرى حبك ستكون أحسن شيء في حياتي، ومرة أخرى وداعًا، وداعًا، وداعًا، وداعًا لكم جميعًا. أخوك فيدور دوستويڤسكي لما قبض عليَّ أخذوا مني كتبًا عدة، ولم يكن بينها سوى كتابين ممنوعٌ تداولهما، فهل لك أن تطلب الباقي لنفسك، ولكنَّ لي طلبًا، وهو أن أحد الكتب يحتوي على مؤلفات فاليريان مايكوف، وهو مقالاته الانتقادية، وهذه النسخة كنت أخذتها من أوجينيا بتروفنا، وكانت تعدها كنزًا، وقد أقرضتها لي، ولما قُبض عليَّ طلبت من الشرطي أن يرد إليها الكتاب وأعطيته عنوانها، ولا أعرف إذا كان قد رده، اسأل عن ذلك لأني لا أحب أن أحرمها هذه الذكرى، وأخيرًا وداعًا وداعًا. أخوك ف. دوستويڤسكي على الهامش: لا أعرف هل أمشي أو أركب فرسًا، وأظن أنهم سيركبون الخيول، ربما، قَبِّل يد إميلي فيدروفنا، وقَبِّل الصغار واذكرني عند كريافسكي، اكتب لي عن القبض عليك وحبسك والإفراج عنك. ••• هذا الخطاب هو جزلة حية ترشح بالدم من نفس دوستويڤسكي. تمتاز قصص دوستويڤسكي بأن أشخاصها يتسمون بالإحساس والذكاء معًا فإن بطل «الجريمة والعقاب» طالب في الجامعة يتأمل ويتفلسف ويتساءل: لماذا لا يقتل هذه العجوز الثرية المقترة التي لا تزيد قيمة حياتها على حياة برغوث؟ أليس هو أولى بثرواتها ينفقها في الخير والنفع؟ ثم يقتلها، ثم يعود إلى التأمل والفلسفة فيسلم نفسه في النهاية إلى البوليس حيث يحاكم ويُحكم عليه بالنفي إلى سيبيريا، ويرضى لنفسه هذا المصير؛ لأنه وجد شيئًا أكبر من ذكاء العقل هو ذكاء الإحساس. وسائر قصصه على هذا الغرار، إحساس فوق الذكاء، وخيال فوق العقل، وقصصه تكاد جميعها تخلو من العقدة إلا القليل جدًّا، وفي النهاية نجد أنه يهدف إلى خيال الشعر، فهو يتناول الواقع ثم يسير به نحو آيات من الفن والشعر، وهذا هو ما يجب أن يكون؛ لأن القصة هي التفسير الخيالي للحياة حيث يرتفع المؤلف بالواقع إلى المثليات، فيكسب هذا الواقع دلالة جديدة، فالفتاة التي تبيع عرضها كي تنقذ إخوتها من الجوع، والسكير الفاني الذي يتعلق بالدين ولا يزال يؤمل الآمال، والراهب الذي يحب ولكنه لا يسقط، والشاب الذي يملأ الشرف صدره فيذهب إلى أحد الأثرياء، ويعرض عليه في غرارة وسذاجة مشروعًا للخير فلا يجد سوى الاستهزاء، والأبله الذي يؤمن بالعلم فيرتكب جريمة الاغتيال استنادًا إلى العلم، وهذا يذكرنا بالبُله العلماء الذين اخترعوا القنبلة الذرية. كل هذا يقع في قصص دوستويڤسكي، وهو بفرط حنانه وجمال خياله قد يناقض العقل والمنطق، ولكن كما كان يناقضه غاندي أو تولستوي... وقد كسبت من دوستويڤسكي أكثر مما كسبت من غيره، وهو ذلك الإحساس الأدبي الذي لا يختلف من الإحساس الديني أو الموسيقي، وذلك أننا إزاء الدين والأدب والموسيقى لا «نعرف» وإنما نحس. وقد قلت في أول هذا المقال إن هبوطي المبكر على القصصيين الروس قد جعلني أستصغر شأن الأدباء الأوروبيين، والحق أني قرأت برنارد شو، وولز، وديكنز، وأناتول فرانس، وأندريه جيد، وكثيرًا غيرهم فكان تقديري لهم اجتماعيًّا أكثر مما كان أدبيًّا، وقد وجدت عندهم الرأي والمعرفة أكثر مما وجدت الفن والإحساس، وعندما أتأمل هؤلاء الأدباء الروس جميعهم، حتى مكسيم جوركي، أجد أنهم ينشدون الدين، فإن الإحساس الديني البشري في هذا الكاتب الأخير على الرغم من إلحاده كبير جدًّا. وقد استطاع دوستويڤسكي وتولستوي أن يجعلا المسيحية دينًا وأدبًا معًا، بل إنهما أبرزا الميزة الأصلية لهذه الديانة، وهي الحب البشري العام أكثر مما أبرزها كهنة هذه الديانة أنفسهم. كان دوستويڤسكي يكره الشبان الثائرين على القيصر، وكثيرًا ما نجد في قصصه ثائرًا أو أكثر يستهزئ بأفكارهم ويسخر من عقائدهم، ولكن كراهيته لهم لم تكن تستند إلى حبه للنظام الاستبدادي الذي كان يسود حكومة القيصر ويوجهها، وإنما كان يكره أوروبا أيضًا لهذا السبب، وقد دعا إلى مقاطعة الثقافة الأوروبية في الوقت الذي كان يدعو فيه تورجينيف إلى اعتناقها. وعندما نتعمق أقوال دوستويڤسكي لا نتمالك الإحساس بأنه يكره العلوم المادية جميعها، ويكره الحركات الاجتماعية الارتقائية القائمة عليها، وأن في نفسه شوقًا ملحًّا إلى أن يعيش الناس في إيمان بالله قانعين بكلمات الإنجيل التي يجب أن تكون الأساس الذي تنبني عليه الأخلاق، وقد عجز دوستويڤسكي عن أن يفطن للحقيقة الأوروبية البازغة وهي أن الأوروبيين قد شرعوا منذ أوائل القرن التاسع عشر في استبدال الرؤيا البشرية للرقي والأخلاق والدين برؤيا الكنيسة، وأن الإحساس الديني البشري الجديد، على الرغم من أنه لا يزال ضعيفًا، يجد أنصارًا أقوياء يسلكون في حماسة وحب للبشر، ويخدمون ويضحون للإنسانية. ولكنه فطن إلى أن عِلمًا بلا دين هو دمار بشري عام، بل نستطيع أن نقول إنه بصر بقوة العلم الطاغية في القنبلة الذرية التي يخرج بها طيار يشرب كأسًا من الكونياك في نزق ومجانة، ثم يقتل ثمانين ألف إنسان في ثانية، ويعود ضاحكًا إلى معسكره كما حدث في هيروشيما في أغسطس من عام ١٩٤٥. بعد أن قضى دوستويڤسكي مدة عقوبته في سيبيريا وأُفرج عنه كتب إلى السيدة ڤون ويسين خطابًا جاء فيه: ومع ذلك فإن الله يُمتِّعني أحيانًا بلحظات من الهدوء الكامل، وفي هذه اللحظات أجد الإيمان الذي يتجلى لي فيه كل شيء في وضوح وقداسة، وإيماني هذا في غاية البساطة، وهو أني أعتقد أنه ليس هناك ما هو أروع وأحب وأعقل وأشجع وأكمل من المسيح، وليس هذا فقط بل إني لأقول لنفسي في إحساس المحب الغيور إنه لا يمكن أن يكون هناك شيء أكثر من هذا، وهو أنه لو أن أحدًا قال لي: المسيح يجافي الحق، ولو أن هذا القول كان صحيحًا، لآثرت البقاء مع المسيح على التزام الحق. (فيدور دوستويڤسكي، خطاب إلى السيدة: ڤون ويسين) وقصص دوستويڤسكي جميعًا تَنشد الإيمان الذي يستطيع أن يستقر به الإنسان على هذه الدنيا حتى ولو كان هذا الإيمان يخالف منطق العيش وأسلوب البحث العلمي، وقد وجد دوستويڤسكي حافزًا عظيمًا للاعتماد على الإيمان، هو هذا الاختبار المؤلم حين وقف أمام الجنود ينتظر إطلاق النار، فإنه بقيَ طوال عمره بعد ذلك ينظر إلى الحياة من موقف الموت، وهو موقف جدير بأن يغير النظرة والنبرة للحياة معًا، وواضح أنه لم ينسه بتاتًا في كل ما كتب. وأكاد هنا أقول إن الدين ليس شيئًا آخر سوى النظر إلى الحياة من موقف الموت، فإن الموت أكبر حقيقة بشرية، وهو عندما نتأمله نجد أنه يغير القيم والأوزان ويحيلها من التقدير الاجتماعي إلى التقدير البشري، فنحن في هرولة الحياة الاجتماعية نتعب ونلهث لأجل الثراء أو الوجاهة أو ننساق في أنانية بشعة، لا نبالي مصالح الغير، ولا نرحم من ندوسه في سبيل الاقتناء أو التغلب، وكلنا على هذه الحال بدرجات متفاوتة، ولكن فكرة الموت تنقدح فجأة في أذهاننا فنقف في طريق الحياة ونتساءل عن نهايته، وهذا وجدان أكبر الوجدان بالحياة التي تتخلص عندئذٍ من ملابساتها الاجتماعية، وعندئذٍ نحس كما أحس دوستويڤسكي، بل كما يعلم ويكرر في جميع قصصه، إننا نحن بنو البشر كيان واحد قد تعددت أجزاؤه وانفصلت، ولكن انفصالها لم يمنع بينها التراحم والحب والحنان، فكلنا عندئذٍ بعد تأمل الموت، أب وأم وأخ لأبناء البشر جميعًا. وهذا هو إحساس المسيح، وغاندي، وتولستوي، بل ڤولتير، وروسو، وشڤايتزر بل كل إنسان استطاع أن يقف عن هرولته الاجتماعية ويتأمل حقيقة الموت. أجل، إن تأمل الموت هو كشف ديني، كأني -حين أوقن أني في إحدى اللحظات سأفارق هذا العالم فلا يبقى لي فيه جسم أو اسم أو ذكرى- لا أسأل عندئذٍ عن هذا الرجل هل هو باشا أو بك؟ وثري أو فقير؟ وهل يملك ضيعة أو أتومبيلًا أو قصرًا؟ وإنما أسأل عن ميزاته الإنسانية، بل إني لأهتم به وأتأمله كثيرًا عندما أعرف أنه يحب الزهور، ويحنو على الأطفال، ويفرح لرؤية الشفق، وتلتمع في ذهنه أشعة الذكاء وشهوة الحرية، ويحس قرابته للحيوان بل للنبات. إن يقيننا بالانعدام بعد الموت يزيدنا وجدانًا بالحياة، وهذا هو إحساسنا عندما نقرأ دوستويڤسكي، فإن الحياة تصخب حولنا وتكاد تتجمع في بركان تحتبس فيه العواطف ثم تنفجر. ومع أن القارئ لقصصه يحس من وقت لآخر أن إيمانه بالله يتزعزع، هنا وهناك، فإن إصراره على الإيمان يتكرر في لهجة التأكيد والغضب من المنطق العلمي وتفشي المادية الأوروبية، فهل نستطيع أن نفسر ذلك بأن رهبة الموت حين وقف لتلقي النار قد حملته أيضًا على التشبث بالإيمان فرارًا من معاني القلق والشك والخوف، وجميعها من معاني الموت؟ قد يكون ذلك، ولكن هذا الإيمان قد جعل قصصه تذوب، رحمة وحنانًا وإخاءً وبرًّا حتى لنحس ونحن نقرأها هذه الفضائل تسري في كياننا، كما لو كانت بلسمًا، وترفعنا فوق أنفسنا. ••• لا نتمالك ونحن نقرأ دوستويڤسكي أن نقارن بينه وبين نقيضه نيتشه، وقد عرف داعية القوة وعدو المسيحية داعية الرحمة والمسيحي الأول من إحدى قصصه. والعجب أننا على الرغم من هذا التناقض بينهما نجد اشتراكًا في الأسلوب الفكري، حتى لقد أحب نيتشه دوستويڤسكي وقال عنه: هو الإنسان الوحيد الذي علمني شيئًا عن السيكلوجية. وهما يشتركان في الكراهة للحضارة العصرية، ولكن لسببين متناقضين، فإن دوستويڤسكي يكره أوروبا؛ لأنها تركت الإنجيل والمسيح، ونيتشه يكرهها لأنها اعتنقتهما، فالأخلاق العامة في أوروبا تحولت في رأي دوستويڤسكي إلى أخلاق المادية العلمية، والمباراة الاقتصادية، والبعد عن الإخاء والرحمة، ونيتشه يكره الأخلاق الأوروبية؛ لأنها ابتعدت عن الفطرة الحيوانية واستبقت الضعفاء والعجزة والمرضى الذين يفسدون المادة البشرية؛ لأنها أخلاق مسيحية. ولكنهما يتفقان من حيث إن لكلٍّ منهما رؤية بشرية، فكلاهما حالم، ولكن حلم دوستويڤسكي هو المسيحية العامة، وحلم نيتشه هو تنازع البقاء. وقد قال كلاهما: إن البطولة خير من السعادة، ولكن البطل عند دوستويڤسكي هو ذلك الذي يضع إحساسه البشري فوق عقله المنطقي، والإحساس هنا هو الرحمة والحب، وكذلك نيتشه يزدري العقل والمنطق، ويقول بالإحساس ولكن إحساسه هنا هو أن الصقر يجب أن يأكل العصفور ولا يرحم. لقد انتهى رسكلنيكوف في قصة «الجريمة والعقاب» الذي قتل العجوز كي يحصل على مالها إلى أن يجحد عقله ويعود إلى إحساسه، ويرضى بالتكفير عن جريمته في سيبيريا، ولو أن نيتشه كان قد ألَّف هذه القصة لسخر من هذه النهاية، ولكنه مع سخره هذا، لم يكن ليقبل قتل العجوز؛ لأنه لم يكن داعية للفوضى، وإنما الأغلب أنه كان يطلب نظامًا اجتماعيًّا منطقيًّا يؤدي إلى الاستغناء عن العجزة الذين انتهى نفعهم للبشر. وحين نقرأ قصص دوستويڤسكي لا نتمالك أن نحس أنه يريد أن نفهم منه أن الإنسان مزيج من الخير والشر، وأن في نفس المجرم الآثم أو الشرير القارح جواهر من الشرف والبر، وهذا صحيح. وثلاثة يمثلون العبقرية البشرية، هم نابليون الذي يمثل عبقرية الإرادة، وأينشتاين الذي يمثل عبقرية الذهن، وأخيرًا دوستويڤسكي الذي يمثل عبقرية الإحساس. --- ### صراع الهويات في مصر.. الإجابة سويسرا - Published: ۲۰۲٤-۰۹-۱۷ - Modified: 2024-09-19 - URL: https://tabcm.net/29948/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: كايسيد, مركز الحوار العالمي عشت أكثر من شهر في العام الماضي 2023، بمدينة جنيف في سويسرا خلال انضمامي لزمالة الأقليات المنظمة من قبل مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة، تخللها زيارة لمقر البرلمان السويسري في مدينة برن، وزيارة أخرى إلى مقر مجلس أوروبا والبرلمان الأوروبي في مدينة ستراسبورج بفرنسا، وكانت فرصة جيدة للاطّلاع على الأنظمة المختلفة لتعامل الدول والهيئات الإقليمية والدولية مع مِلَفّ الأقليات ودمجهم داخل مجتمعاتهم، وكانت زيارة البرلمان السويسري ولقاء أحد أعضائه فرصة طيبة للتعرف على التنوع والتباين داخل المجتمع السويسري، وكيف يرى السويسريون أنفسهم. يعيش في سويسرا أربع مجموعات لغوية، الغالبية للناطقين باللغة الألمانية، يليهم الناطقين باللغة الفرنسية، ثم مجموعة أقل من الناطقين باللغة الإيطالية، وأخيرًا بضعة آلاف من مجموعة الرومانش ولهم لغة وثقافة مختلفة، ومع ذلك هذه المكونات اللغوية الأربعة ممثلين في كل شيء سواء البرلمان أو الحكومة أو في وسائل الإعلام. اللغات الرسمية الثلاث للبرلمان السويسري هي الألمانية والفرنسية والإيطالية، ويتحدث داخل البرلمان كل نائب بلغته وعلى الآخرين أن يفهمونه دون وجود تَرْجَمَة لأن من يتحدث الألمانية يستطيع سماع وفهم الفرنسية والإيطالية، والعكس بالنسبة للغات الأخرى، مثلما نفهم في مصر اللبنانيين حين يتحدثون بلهجتهم وهم يفهموننا حين نتحدث بلهجتنا المصرية. ولأن كثيرين في مصر يرون إننا عربًا لأننا نتحدث باللغة العربية، فيأتي الرد إليهم من نائب البرلمان السويسري، الذي أوضح أن الشعب السويسري، يعتز ببلده، ولا يعتقد السويسري المتحدث بالألمانية في قرارة نفسه أنه ألماني أو يفكر في الوحدة مع ألمانيا أو النمسا المتحدثين بالألمانية مثله، ولا يرغب السويسري الناطق بالفرنسية الاتحاد بفرنسا أو بلجيكا، وهكذا المتحدث بالإيطالية، فكل منهم يرى نفسه سويسري وفقط واللغة هي الوسيلة التي يعبر بها كل مواطن عن نفسه. لكن ما السبب الذي يبعد الشعب السويسري عن الاندماج مع شعوب أخرى؟ ببساطة الدستور والقوانين في سويسرا تطبق مبدأ المواطنة كما قال الكتاب، فكل مواطن سويسري أمامه دستور وقوانين تساوي بينهم جميعًا، لا تفرق بين مواطن وآخر، ولا تفضل الأغلبية الناطقين بالألمانية على الأقل عددًا من الناطقين بالفرنسية أو الإيطالية أو الرومانش، وهنا المواطنة هي الضامن لكل شخص منهم أن يعبر عن هويته الفرعية، فالوطن مظلة تتسع للجميع، وإن كان الشعب السويسري غير منفتح بشكل كبير على دخول وافدين من خارج سويسرا عليهم، حسب ما قال النائب، بالرغم من وجود مهاجرين من كافة دول العالم يسعون للعيش في سويسرا. ولأني منشغل بموضوع الهُوِيَّة، وأرى أن مصر بها أزمة هُوِيَّة ضخمة واغتراب لأسباب كثيرة لن أخوض فيها حاليًا، ربما في مقال آخر،  حينما بدأت مشروع "بودكاست سلام" مع زميلتي هاجر عثمان وبدعم مركز الحوار العالمي "كايسيد" كانت أول حلقة بعنوان "مين هما المصريين؟"، وكان ضيفنا دكتور يسري مصطفى الذي وللمصادفة قال كلام مشابه للنائب بالبرلمان السويسري، ففي دولة المواطنة والقانون الحديثة، كل شخص يملك جنسية الدولة، ولديه بطاقة هُوِيَّة وطنية، له نفس الحقوق وعليه نفس الواجبات دون تمييز، بهذه الطريقة يمكن أن يعبر كل شخص عن هويته الفرعية أو الأصغر، فلن يهم إذا كنت ترى نفسك مسيحيًا أو مسلمًا، أو ملحدًا، عربيًا أو قبطيًا أو كميتيًا أو نوبيًا، أهلاويًا أم زملكاويًا، لأنه في الأساس أنت مواطن مصري. https://open. spotify. com/episode/6nodZM0eYS87GkpOOxwqeO? si=yf6ye7UwTMyb5jyG32lBAg&fbclid=IwY2xjawFVkMhleHRuA2FlbQIxMAABHUfiGR5cJb8nwDiJj51oPUdWGHSa89ZJlhzcDhWTGzf2V-oyrqY5Dx-7TQ_aem_VU4MeouLccYb0eVLscwo4Q&nd=1&dlsi=c500e16e0f384b4a ولكن لأننا لدينا أزمة في التحول إلى دولة مواطنة حقيقية تراعي كل مواطنيها، ولا تتخذ من هُوِيَّة فرعية واحدة، لتفرضها باعتبارها هُوِيَّة عامة لكل المصريين، وكأنه لا يوجد تنوع، فإننا نعاني من صراع الهويات الفرعية، ونرى صداه على مواقع التواصل الاجتماعي.   --- ### أزمات الزواج المختلط في مصر - Published: ۲۰۲٤-۰۹-۱٦ - Modified: 2024-09-16 - URL: https://tabcm.net/29816/ - تصنيفات: المرأة القبطية - وسوم: الزواج المختلط في هذا السياق، سأركز على الزواج القانوني بين المواطنين المصريين، تاركًا جانبًا زواج الأجانب. كما لن أتناول المسائل العقائدية للمسيحيين أو المسلمين، بل سأركز على الجانب القانوني البحت. وسأستعين بقصة لتوضيح مفهومي للقراء غير القانونيين. يتمتع كريستين وأحمد بعلاقة حب مميزة للغاية. يتميز أحمد بأنه متسامح للغاية ويحترم حرية الدين. فقد عبر لكريستين عن موقفه قائلًا: "لا أمانع أن نتزوج وأن نحتفظ كلانا بدينه. فأنا أقدر ارتباطك بدينك وأسعد بأن أوصلك إلى الكنيسة بنفسي كل يوم أحد". إشكالية تسجيل عقد الزواج تقدم أحمد لخطبة كريستين، إلا أن أهلها رفضوا بسبب اختلاف الأديان. لكن كريستين صرّحت أن "اختلاف الدين لن يقف عائقًا أمام قلبين تحابا". فهربت من منزلها وأعلنت بقوة "أحمد لي وأنا له". يقرر أحمد، المعروف باحترامه، إضفاء الشرعية والقانونية على علاقتهما. بدأ أحمد بالاستفسار عن كيفية الزواج، وتلقى الرد التالي: "نأسف لإبلاغك، يا أحمد، أن الزواج في مصر يتم من خلال موثق معتمد من الدولة. بالنسبة للمسلمين، يكون الموثق شيخًا، وللمسيحيين يكون قسيسًا، وللأطراف الأجنبية يكون موظفًا في وزارة العدل". صُدمت كريستين وسألت: "كيف سنتزوج؟"، فكان الرد أن الحل الوحيد هو عقد زواج عرفي لدى محامٍ، ثم فيما بعد تُرفع دعوى إثبات زواج أمام المحكمة. وعند صدور الحكم، يتم تسجيله في الأحوال المدنية إشكالية تسجيل الأطفال وديانتهم بعد سنتين أو ثلاث، أنجبت كريستين طفلين، صبيًا وفتاة. هنا تظهر إشكالية جديدة حول دين الأطفال، الأطفال سيكون دينهم على حسب الأب أم الأم؟ طبقًا للقانون المصري والأحكام القضائية، الأطفال هنا سيكون دينهم تابعًا لأفضل الأبوين دينًا والمقصود هنا الدين الإسلامي. إشكالية الميراث بعد عشر سنوات من الزواج وبعد حياة مستقرة أحمد تعرض لحادث ومات للأسف، نبدأ في إجراءات الدفن والعزاء، ثم أعلام وراثة لحفظ الحقوق، فمَا هي الإجراءات؟ بعد عقد من الزواج، تلقى نبأ محزن بفقدان أحمد إثر حادث مأساوي. بدأت إجراءات ما بعد الوفاة على الفور، بما في ذلك: إجراءات الدفن والعزاء: (التواصل مع الجهات المختصة لترتيبات الدفن، تحديد موعد ومكان العزاء، إخطار الأقارب والأصدقاء بموعد العزاء. ) إعلام الورثة: (إخطار الورثة الشرعيين بوفاة أحمد، بما في ذلك الزوجة والأبناء والوالدين. تقديم المستندات اللازمة لإثبات الورثة. ) الحفاظ على الحقوق: (حصر ممتلكات المتوفى، بما في ذلك العقارات والسيارات والأموال. تقديم طلب إصدار شهادة حصر الورثة من المحكمة المختصة. استخراج وثائق إثبات ملكية الممتلكات باسم الورثة. ) مدام كريستين: "احنا آسفين حضرتك ملكيش ميراث"، تسأل كريستين: "ليه؟ أنا كنت زوجة عشر سنوات ومات وأنا زوجته! "، فيجيبون: "أصل حضرتك دين مختلف عن دين الزوج واختلاف الدين من موانع الميراث"، "نعم؟! " تسأل كريستين في تعجب واستنكار، فيجيبون: "أيوة يا فندم ده الشرع والقانون ومن باب الأمانة لازم تعرفي أولادك برضو، لا هينفع تورثي منهم ولا تورثيهم، عشان تبقي عارفه، فلو يعني عندك حاجة، لازم تكتبيها ليهم بيع وشراء". إشكالية الوصاية على الأطفال كريستين تفكر وتقول: "مش مشكلة أنا أخدت حظي من الدنيا وكنت عايشه مع إنسان بحبه أنا هعيش عشان أولادي ربنا يخليهم ليّ". يكون الرد: "معلش يا مدام كريستين، والله ما قصدي أزعلك حضرتك، أمهم على عينينا ورأسنا، لكن الحضانة من حقك حتى لو كنتي كتابيه، القانون قال كده، بس الوصاية مش ليكي، مينفعش يكون ليكي ولاية على الأطفال دول". تسأل كريستين: "أمال هتكون لمين؟"، يكون الرد:  "أب أو أخ للزوج، أم الزواج أو أخته"، ترد كريستين: "يعني أخت جوزي اللي كانت مطلعة عيني هي هتبقى الوصي؟"، فيجيبون: "أيوة، وأي فلوس للقاصر أو تعامل مادي أو مصيري أو حتى نقل من مدرسة لمدرسة هي اللي هتعمله". تسأل كريستين: "يعني إيه؟"، يكون الرد: "يعني زي ما حضرتك سمعتي، ده القانون ودي الحقوق والواجبات". تقول كريستين: أيوه بس أنا مكنش أعرف كده! لأن حضرتك مسألتيش قبل ما تدخلي العلاقة. كريستين فهمت، فقالت: "أليس هذا هو  نفس وضع الجارية قديمًا؟! " --- ### بين الإنسان والشيطان وسلطان الحل والربط - Published: ۲۰۲٤-۰۹-۱۵ - Modified: 2024-09-15 - URL: https://tabcm.net/29776/ - تصنيفات: لاهوتيات خلق الله الإنسان سيدًا على الخليقة والعالم. وقال الله: «نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا، فيتسلطون على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى البهائم، وعلى كل الأرض، وعلى جميع الدبابات التي تدب على الأرض». (سفر التكوين: 1: 26) فدعا آدم بأسماء جميع البهائم وطيور السماء وجميع حيوانات البرية. (سفر التكوين 2: 20) كل هذا السلطان الذي كان لآدم على الأرض من طبيعة وسائر المخلوقات استولى عليه الشيطان بإخضاع آدم تحت سلطان الشيطان عندما أغواه أن ينتمي للشر والعصيان. وصار الشيطان بديلًا لآدم رئيسًا لهذا العالم ”لأن العالم قد وُضِعَ في الشرير“ وآدم هو الذي وضعه. وكلما زاد خضوع البشر واستعبادهم لشهوات الشر الذي تملَّك على العالم والخليقة، كلما كان الشيطان رئيس هذا العالم قادرًا أن يحرك كل ما هو مخالف للخير الذي خلقه الله عليه. لذلك كانت الأمراض والموت المبكر واضطراب الطبيعة بالكوارث. أما الله فهو منزَّه عن أن يكون سببًا لما حدث من سقوط الإنسان ومعه الخليقة: لا يقل أحد إذا جرب: «إني أجرب من قبل الله»، لأن الله غير مجرب بالشرور، وهو لا يجرب أحدا. ولكن كل واحد يجرب إذا انجذب وانخدع من شهوته. ثم الشهوة إذا حبلت تلد خطية، والخطية إذا كملت تنتج موتا. (رسالة يعقوب 1: 13- 15) والعكس صحيح ! ! فلما تجسد المسيح ابن الله وأخذ جسد آدم -بعد السقوط- وطرد منه الشيطان وسلطان الشر رئيس هذا العالم يأتي وليس له فيَّ شيء ((إنجيل يوحنا 14: 3 ))، رأينا كيف استعاد المسيح في بشريته الجديدة للإنسان سلطانه على المادة والطبيعة: وفي الهزيع الرابع من الليل مضي إليهم يسوع ماشيًا على البحر (إنجيل متى 14: 25)  فقام وانتهر الريح والبحر: أسكت أبكم. فسكنت الريح وصار هدوء عظيم (إنجيل مرقس 4:39)  فهذا السلطان ليس هو سلطان اللاهوت بل سلطان الخليقة الجديدة للإنسان في المسيح يسوع الذي صار للمؤمنين باسمه: فرجع السبعون بفرح قائلين: «يا رب، حتى الشياطين تخضع لنا باسمك! ». فقال لهم: «رأيت الشيطان ساقطا مثل البرق من السماء. ها أنا أعطيكم سلطانا لتدوسوا الحيات والعقارب وكل قوة العدو، ولا يضركم شيء. ولكن لا تفرحوا بهذا: أن الأرواح تخضع لكم، بل افرحوا بالحري أن أسماءكم كتبت في السماوات» (إنجيل لوقا 10: 17- 20) وفي عدد 20 يشير المسيح له المجد إلى سلطان أعظم - هو الأصل - هو الذي نفرح به ، ألا وهو السلطان الروحي على الشياطين وقوى الشر الذي لنا بفداء المسيح الذي أبطل الخطية والموت بموته على الصليب. الحق أقول لكم: كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطا في السماء، وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولًا في السماء. (إنجيل متى 18: 18) لقد صار لنا نحن المؤمنون بالمسيح السلطان على عدو الخير فنربطه بل ونربط سلطانه علينا وعلى الآخرين. وبذلك نحِّل أنفسنا من رباطات العدو. وكل من ينفك من عبودية الشيطان بسلطان المسيح فإنه يدخل مجال حياة الله الذي يغفر له الخطايا. لقد قال المسيح هذا في عشية يوم القيامة دليلًا ونتيجة لغلبته على الشيطان، وأنه أبطل سلطان الخطية والموت على الإنسان. والنتيجة لهذا غفران الخطايا: نفخ وقال لهم: «اقبلوا الروح القدس. من غفرتم خطاياه تُغفَر له، ومن أمسكتم خطاياه أمسكت». (إنجيل يوحنا 20: 22) إن هذا هو سلطان المسيح الذي أعطاه المؤمنين والمؤَسَسَ على قيامة المسيح فيحل الإنسان من قبضة الشيطان ويغفر له خطاياه عندما يتوب ويقبل المسيح. وهذا السلطان نناله بقوة الروح القدس الذي حلَّ وسَكن في المؤمنين بعد قيامة المسيح. وهنا تجدر الإشارة إلى أن سفر أعمال الرسل هو تكملة لإنجيل لوقا ويذكر حادثة حلول الروح القدس في يوم الخمسين لتأسيس الكنيسة. ولكن إنجيل يوحنا ليس كذلك بل إصحاحات 14- 17 من إنجيل يوحنا هي إصحاحات الروح القدس وتتضمن موهبة الروح القدس للكنيسة من أجل تأسيس الكنيسة من خلال نفخ المسيح الروح القدس في التلاميذ. وبذلك فإن يوحنا 14- 17 لا تلغي ما ذكره سفر الأعمال عن يوم الخمسين. بل هي دمجًا له في نهاية إنجيل يوحنا باعتبار أنه إنجيل خاتم لذاته. --- ### الله الخالق: رواية الخلق (سفر التكوين) (٣) - Published: ۲۰۲٤-۰۹-۱٤ - Modified: 2024-09-14 - URL: https://tabcm.net/29448/ - تصنيفات: كتاب مقدس الجزء الثالث وحدة الكتاب المقدّس بوصفها معيارًا لتفسيره ما أهمّيّة هذه الرؤية لفهم رواية الخلق؟ لم تكن هذه الرؤية مجرد قصص خيالية. بل كانت تعبر عن الحقائق المقلقة التي عاشها البشر في العالم وفيما بينهم. فكثيرًا ما يبدو الأمر كما لو كان العالم عرين تنين ودم الإنسان دَم تنين. ولكن على عكس كل التجارِب القمعية تقول الرواية الكتابية إن الأمر لم يكن كذلك. كل قصة هذه القوى الشريرة تتلاشى في بضع كلمات: ”كَانَتِ الأَرْضُ خربة خاوية“. وراء هذه الكلمات العبرانية يكمن التنين والقوى الشيطانية التي يُتحدّث عنها في مكان آخر. الآن الفراغ هو الذي يبقى وحده ويقف وحده بصفته القوة الوحيدة ضد الله. وفي مواجهة أي خوف من هذه القوى الشيطانية يقال لنا إنّ الله وحده، الذي هو العقل الأزلي الذي هو الحب الأزلي، خلق العالم وهو بين يديه. بهذا فقط يمكننا أن نقدر المواجهة المأساوية التي ينطوي عليها هذا النص الكتابي الذي يرفض كل هذه الأساطير المشوشة ويعطي العالم أصله في عقل الله وفي كلمته. يمكن أن يظهر هذا الأمر في النص الحالي كلمة بكلمة تقريبًا - على سبيل المثال، عندما يُشار إلى الشمس والقمر على أنهما سراجان علقهما الله في السماء لقياس الزمن. لا بد أنه كان يبدو للناس في ذلك العصر تدنيسًا رهيبًا أن يُسمّى الآلهة العظيمة الشمس والقمر سراجين لقياس الزمن. هنا نرى جرأة واعتدال الإيمان الذي، في مواجهة الأساطير الوثنية، جعل نور الحقيقة يظهر من خلال إظهار أن العالم لم يكن مسابقة شيطانية بل نشأ بفعل الله واستند إلى كلمة الله. من هنا يمكن النظر إلى رواية الخلق هذه على أنها ”تنوير“ حاسم للتاريخ، وخروج من المخاوف التي كانت تقمع البشرية. لقد وضعت العالم في سياق العقل واعترفت بمعقولية العالم وحريته. لكن يمكن أن يُنظر إليها أيضًا على أنها الاستنارة الحقيقية من حيث أنها وضعت العقل البشري على أساس أولي من العقل الذي خلقه الله، من أجل تأسيسه في الحقيقة والمحبة، الذي من دونهما سيكون ”التنوير“ باهظًا وحمقًا في نهاية الأمر. يجب أن يضاف إلى هذا شيء آخر. لقد قلتُ للتو كيف أن شعب بني إسرائيل اختبر تدريجيًا في مواجهة بيئته الوثنية وقلبه الخاص ما هو ”الخلق“. إن الحقيقة الضمنية هنا هي أن رواية الخلق الكلاسيكية ليست نص الخلق الوحيد في الكتاب المقدس. فبعده مباشرةً يأتي نص آخر مؤلَّف في وقت سابق ويحتوي على صور أخرى. وفي المزامير هناك نصوص أخرى، في المزامير تتقدم حركة توضيح الإيمان فيمَا يتعلق بالخلق: في مواجهته للحضارة الهلنستية، يعيد الأدب الحكمي صياغة الموضوع من جديد من دون التمسك بالصور القديمة مثل الأيام السبعة. وهكذا، نستطيع أن نرى كيف أن الكتاب المقدس نفسه يعيد باستمرار تكييف صوره مع طريقة تفكير تتطوّر باستمرار، كيف أنه يتغيّر مرارًا وتكرارًا لكي يشهد، على الشيء الوحيد الذي وصل إليه، في الحقيقة، من كلمة الله، وهو رسالة فعله الخالق. في الكتاب المقدس نفسه الصور حرة، وهي تصحح نفسها باستمرار. وبهذه الطريقة تُظهر، عن طريق عملية تدريجية وتفاعلية، أنها ليست سوى صور تكشف عن شيء أعمق وأعظم. الكاردينال جوزيف راتسنجر (البابا بندكتوس السادس عشر) ترجمتي عن الإنجليزيّة: Joseph Cardinal Ratzinger, Boniface Ramsey - In the Beginning... '_ A Catholic Understanding of the Story of Creation and the Fall-Wm. B. Eerdmans. --- ### إشارات التقليدين الكبادوكي والسرياني - Published: ۲۰۲٤-۰۹-۱۳ - Modified: 2024-09-13 - URL: https://tabcm.net/29015/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: المكتبة البولسية, باسيليوس الكبير، أسقف قيصرية الكبادوك, حنا الفاخوري, ديونيسيوس الأريوباغي، أسقف أثينا, غريغوريوس النزينزي، الناطق بالإلهيات, مار ثاوفيلوس جورج صليبا, مار ساويرس موسى بن كيفا, مار غريغوريوس بن العبري نستعرض معًا أهم الإشارات إلى تناول يهوذا الإسخريوطيّ من سر الإفخارستيا في التقليد الكبادوكيّ، في إطار التأكيد على الإجماع الآبائي من مختلف التقاليد الكنسية على هذه الحادثة وأبعادها الرعوية والكنسية. ق. غريغوريوس اللاهوتي النزينزيّ 329-390م يشير ق. غريغوريوس النزينزيّ الملقَّب بـ”اللاهوتي“ إلى أن المسيح لم يمانع في مناولة يهوذا جزءًا من الإفخارستيا، وذلك في سياق تأكيده على تناول يهوذا من سر الإفخارستيا قائلًا: ((غريغوريوس النزينزي، رسائل لاهوتية وفصلان من مسرحية المسيح المتألم، تَرْجَمَة: الأب حنا الفاخوري، منشورات المكتبة البولسية، ٢٠٠٠، ص ٥٨. )) أصغ، يا يهوذا، إلى كل الخير الذي صنعه إليك. أخرجك من ظلمات الجهل، خلَّصك، أراك نور الخلاص؛ أنعم عليك برؤية معجزات كثيرة، وقال إنك ستجلس مع رسله لتدينوا جميع أسباط إسرائيل. وبجعله المال كله بين يديك جنّبك عذر الفقر. لقد كنت سارقًا، ولا تظن أنه كان على غفلةٍ من ذلك. ولكنه هو، في رحمته العظمى، لم يوجِّه إليك أي تأنيب؛ لم يكن ليتأثر بموقفك. وإنه، وإنْ كان على علم تام بحالك، قبل جريمتك، لم يتردَّد في غسل رجليك المجرمتين، ومناولتك جزءًا من خبز الإفخارستيا. وبعدما نلت منه هذه الحسنات، يا أقبح البشر، خُنته، وقبلت ثمن الدَّم حين لم تكن بحاجةٍ إلى مال. (غريغوريوس النزينزي، رسائل لاهوتية وفصلان من مسرحية المسيح المتألم) ق. باسيليوس الكبير 330-379م يُؤكِّد ق. باسيليوس الكبير في الليتورچية حسب تسليم كنيسة الروم الأرثوذكس في يوم خميس العهد (التريودي باللحن السادس) على أن يهوذا سلَّم المخلِّص على الرغم من وجود الخبز السماويّ، أي الإفخارستيا في فمه، مشيرًا إلى تناول يهوذا من سر الإفخارستيا كالتالي: ((قداس ق. باسيليوس الكبير حسب تسليم كنيسة الروم الأرثوذكس، يوم الخميس العظيم. )) إنَّ يهوذا، بالحقيقة، هو ابن الأفاعي الآكلين المنَّ في القفر والمتذمرين على المغذِّي، لأن غير الشكورين، إذ كان الطعام في أفواههم، كانوا يتذمرون على الله. وكذلك هذا الرديء العبادة، إذ كان الخبز السماويّ في فمه، صنع التسليم على المخلِّص. فيا له من عزم فاقد الشبع، ويا لها من جسارة وحشية، لأنه باع المغذِّي، وأسلَّم إلى الموت، السيد الذي كان يحبه. (قداس ق. باسيليوس الكبير حسب تسليم كنيسة الروم الأرثوذوكس) ديونيسيوس الأريوباغي 485م يشير ديونيسيوس الأريوباغيّ أو المنحول في كتابه الطغمات الكنسية إلى أن مُؤسِّس الأسرار الإلهية، أي المسيح، يستبعد مَن يتناول العشاء الإفخارستيّ معه، مثل يهوذا بطريقةٍ غير تقوية وغير مناسبة لشخصه قائلًا: ((Dionysius the Areopagite, the Works of Dionysius the Areopagite, Trans. by John Parker, (Grand Rapids, MI: Christian Classics Ethereal Library, 1897), Ecclesiastical Hierarchy, 3: 3: 1, pp. 192-93 )) هنا أيضًا، يا بُنيَّ الرائع، حسب الصور، آتي بالترتيب والإجلال الواجبين إلى الواقع الإلهيّ للنماذج الأصلية، قائلًا هنا لأولئك الذين صاروا أهلًا، من أجل التوجيه المتناغم لأرواحهم، أن التكوين المتنوع والمقدَّس للرموز لا يخلو من التأمل الروحيّ لهم، كما يُقدَّمون بشكلٍ ظاهريّ. لأن أقدس الترانيم والقراءات النبوية تعلِّمهم نظام الحياة الفضلى، ويسبق ذلك، التطهير الكامل من الشر المدمِّر؛ والتوزيع الأكثر ألوهةً والأعم والأسلم لنفس الشيء، أي الخبز والكأس، الذي يربطهم بشركةٍ تقويةٍ في الشخص، مثل الشركة في الطعام، ويُذكِّرهم بالعشاء الإلهيّ الكامل، وممارسة الرموز الأصلية للطقوس، التي بموجبها يستبعد مُؤسِّس الرموز نفسه، بكل عدل، مَن تناول في العشاء معه من القُدسات بطريقةٍ غير تقويةٍ ((يو 13: 11 )) وغير لائقةٍ بشخصه؛ ويُعلِّم في الحال، بطريقةٍ واضحةٍ وإلهيةٍ، أن الاقتراب من الأسرار الإلهية بعقلٍ صادقٍ يمنح أولئك الذين يقتربون الشركة في العطية بحسب شخصيتهم. (Dionysius the Areopagite, the Works of Dionysius the Areopagite) ونتتبع أيضًا الإشارات إلى تناول يهوذا الإسخريوطيّ من سر الإفخارستيا في كتابات آباء الكنيسة السريانية، وذلك في إطار التأكيد على الإجماع الآبائيّ على هذه الحادثة المهمة وتداعيات ذلك الأمر من الناحية الرعوية والكنسية في مسألة قَبُول مناولة الخاطئ المتقدِّم إلى سر الإفخارستيا من عدمه. مار أفرام السرياني 306-373م يتحدَّث مار أفرام السريانيّ في شذرات تفسيره على الدياطسرون عن تناول يهوذا الإسخريوطيّ من الخبز المقدَّس، وإنه ورث الحياة الأبدية به، لذا يبتكر نظرية نزع القداسة من العناصر عن طريق غمس الخبز في الماء، وهذا ما سوف يُؤكِّده مار ساويروس موسى بن كيفا في شهادته عن مار أفرام السريانيّ فيمَا يلي، حيث يقول مار أفرام التالي: ((The Venerable Ephraim the Syrian, Works (Russian Version, 1995), p. 279 )) وكذلك فصل الربُّ بالماء يهوذا عن تلاميذه عندما أعطاه خبزًا مغموسًا في الماء، لأنه لم يكن مستحقًا لذلك الخبز الذي وزَّع مع الخمر على الرسل الأثنى عشر. لأنه لا يجوز أن الذي أسلَّمه إلى الموت، أن يأخذ في شكل خبز، ذاك الذي يُخلِّص من الموت. (The Venerable Ephraim the Syrian, Works) مار ساويروس موسى بن كيفا 813- 903م يشير مار ساويرس موسى بن كيفا إلى شهادة كُلٍّ من مار ايوانيس ومار سويريوس الأنطاكيّ ومار أفرام السريانيّ ومار يعقوب السروجيّ ومار يعقوب الرهاويّ وآخرون كثيرون عن مشاركة يهوذا الإسخريوطيّ في الأسرار، ويستعرض شواهد كل أب من هؤلاء الآباء الذين أكَّدوا على تناول يهوذا في كتاباتهم. حيث قال مار ايوانيس ذلك في ميمره على خيانة يهوذا، وفي الميمر الحادي والثمانين من تفسير إنجيل متى، وقال مار سويريوس ذلك في المعنيث الثاني، وقال مار أفرام السريانيّ ذلك في تفسير الإنجيل، وقال يعقوب السروجيّ أيضًا ذلك في الميمر على الآلام وقال مار يعقوب الرهاويّ ذلك الأمر في قوانينه كالتالي: ((ساويرس موسى بن كيفا، المواعظ، نقله إلى العربية: الشماس الإنجيلى بهنام دانيال البرطلى، دار المشرق الثقافية، ٢٠١٣، عظة في خميس الأسرار، فصل ١٤، ص. ٢٢٨. )) إذَا ما شارك يهوذا فى الأسرار أم لا؟ نقول: يقول مار ايوانيس ومار سويريوس ومار أفرام ويعقوب السروجيّ ويعقوب الرهاويّ وآخرون كثيرون أنه شاركه فى الأسرار، كذلك قال ايوانيس فى ميمره على خيانة يهوذا، وفى الميمر الحادى والثمانين من تفسير إنجيل متى، وسويريوس فى المعنيث الثانى، ومار أفرام فى تفسير الإنجيل ويعقوب السروجيّ فى الميمر على الآلام ويعقوب الرهاويّ فى قوانينه. أمَّا القديس مار فيلكسينوس فى تفسير إنجيل متى فقد قال إنه لم يشاركه فى الأسرار وذلك لأن الشيطان قد دخله منذ زمن بعيد، ومن تسليم مار فيلكسينوس جرت الكنيسة ألا يُعطَى القربان للذين يتخبطون من الشياطين. قال مار افرام ويعقوب السروجيّ إنه شاركه فى الأسرار، ولكن يضيفون أنه بغمسة الخبز بالماء نزع عنه طُهرهوأنه أعطاه خبزًا بسيطًا. (ساويرس موسى بن كيفا، المواعظ) مار ديونيسيوس بن الصليبي 1166- 1171م يشهد مار ديونيسيوس بن الصليبيّ بتناول يهوذا الإسخريوطيّ من سر الإفخارستيا، ويستعرض أسماء الآباء الذين قالوا بتناول يهوذا من سر الإفخارستيا، ويحدِّد المواضع التي قالوا فيها بتناول يهوذا الإسخريوطيّ في كتاباتهم كالتالي: ((ديونيسيوس يعقوب بن الصليبي السرياني، الدرّ الفريد في تفسير العهد الجديد ج1، أعاد طبعه وكتب مقدمته مار ثاوفيلوس جورج صليبا مطران جبل لبنان، جبل لبنان، ٢٠١٧، تفسير إنجيل متى، الإصحاح ٢٦، ص ٥٢٠-٥٢١. )) وقد اختلف المعلِّمون في هل أشرك السيد يهوذا بالأسرار أم لا؟ فالذهبيّ الفم في مقالته عن خيانة يهوذا وفي مقالته الحادية والثمانين من تفسير إنجيل متى، وساويرس في المغيث الثاني، والقديس أفرام في تفسير الإنجيل، ويعقوب السروجيّ في ميمر الآلام، ويعقوب الرهاويّ في كتاب القوانين، وغيرهم، يقولون إن المسيح أشرك يهوذا في الأسرار. أمَّا القديس فيلوكسينوس في تفسيره بشارة متى فيقول إنه لم يُشرِكه لأن الشيطان كان قد سبق واستولى على يهوذا ومن فيلكسينوس هذا قد جرت العادة في الكنيسة ألا يُعطَى القربان للممسوسين من الشياطين. أمَّا القديس أفرام ويعقوب السروجيّ فقالا بأن السيد أشرك يهوذا في الأسرار ولكنه بلَّ الجسد بالماء فزالت منه القداسة غير أن مُعلِّمين آخرين يقولون إن الجسد المبلول بالماء لا تزول منه القداسة، وإن الماء لا يقدر أن يزيل القداسة والروح الذي فيه، قال داود الراهب ابن بولص الموصليّ محب موسى ابن الحجر إن سيدنا وإنْ لم يبل جسده الذي ناوله ليهوذا بالماء، لكنه أزال قداسته خفيةً لعدم استحقاق يهوذا الخائن له، ولا يخفى إن الحنفي إذَا أكل القداس يأكله خبزًا بسيطًا لأنه يأكله بدون ايمان، ويعقوب الرهاويّ يقول إن السيد ناول يهوذا خبزًا يابسًا كانوا يغمسونه في الأطعمة ويأكلونه، فمن هذا الخبز غمس غمس سيدنا وناوله لا من خبز الأسرار الذي قدَّس جسده منه. (ديونيسيوس يعقوب بن الصليبي السرياني، الدرّ الفريد فى تفسير العهد الجديد) مار غريغوريوس بن العبري 1226-1286م يُؤكِّد مار غريغوريوس بن العبريّ، مثله مثل الآباء السريان السابقين عليه، على أن مار يعقوب السروجيّ، ومار أفرام السريانيّ، وق. يوحنا ذهبيّ الفم، وق. ساويروس الأنطاكيّ، وداود الراهب بن بولس، قالوا بتناول يهوذا من الأسرار المقدَّسة في كتابه ”التعليقات على الأناجيل“ كالتالي: (( BAR-HEBRAEUS, Commentary on the Gospels, Trans. & Edit. By Wilmot Eardley, (London: Society for promoting Christian knowledge, 1925), p. 63)) يقول مار أفرام ومار يعقوب أن ربنا اشترك مع يهوذا في الأسرار، ولكن بعدما قد نزع القداسة من الخبز بغمسه في الماء. ويقول الآخرون إن الأسرار لا تُنزَع من القداسة حتى لو غُمِسَت في الماء. ويقول ق. يوحنا وساويروس أنه اشترك في الخبز، بالرغم من أنه لم يكن مُجرَّدًا من القداسة ويقول داود الراهب، ابن بولس، إنه اشترك فيه، أي في العناصر غير منزوعة القداسة، ولكن يهوذا أكل منه كخبزٍ عاديّ بدون إيمان. (BAR-HEBRAEUS, Commentary on the Gospels) --- ### العبودية المختارة: فرحة للسماء وألم للنساء - Published: ۲۰۲٤-۰۹-۱۲ - Modified: 2024-09-12 - URL: https://tabcm.net/29795/ - تصنيفات: المرأة القبطية - وسوم: إيتيان دو لا بويسيه, الكنيسة الإنجيلية, بابا شنودة الثالث, بروتستانت لا أقصد هنا قصة أم عبد السيد التي اختارت العبودية طواعية واندمجت فيها مع زوج عنيف وأب أجبرها على الزواج في سن الطفولة. لكني أسلط الضوء على أولئك الذين يستغلون قصتها للترويج لفكرة التصالح مع الإساءة وتمجيدها تحت ستار التسامح. يهدف هؤلاء إلى خلق "المواطن المستقر" الذي وصفه المفكر الفرنسي، والذي يتكيف تدريجيًا مع الاستبداد حتى يصبح في النهاية مستبدًا أو على أقل تقدير مروّجًا له ومدافعًا عنه تُشدد الكنائس والاجتماعات الروحية على أهمية الصلاة من أجل المخطئين والمسيئين، استنادًا إلى وصية المسيح "صلوا لأجل الذين يسيئون إليكم". عندما تفشل كل جهودنا لتغيير شخص أو موقف، نلجأ إلى الصلاة، ونسلم الأمر لقوة أعلى. يُدرك كل من يتلقى النصيحة ويقدمها أن اللجوء إلى الله في أوقات الشدة أمر مفهوم، وهو مبدأ مشترك في معظم الأديان والمعتقدات. ومع ذلك، عندما تُوجه هذه الرسائل إلى النساء اللاتي يتعرضن للإساءة الزوجية وتحثهن على التحمل، فإنها تؤدي إلى أن ينحرف مسار التسليم لله، وتحوله إلى مسار يميل إلى التطبيع مع العنف أو حتى تمجيده. وإن كان قلبه حجرًا. . بالصلاة، سيتحول إلى قلب لحمي. تلك كانت عبارة لواعظة شهيرة في الكنيسة الإنجيلية بمصر، موجهة للسيدات المتزوجات بهدف حثهن على مواصلة الصلاة من أجل تحويل قلوب أزواجهن. وشددت على ضرورة عدم الاستسلام لسنوات المعاناة، حتى لو امتدت لثلاثين عامًا. وضربت مثالًا لسيدة صلّت بإصرار من أجل زوجها، الذي ظل غريبًا عن المسيح لسنوات عديدة. وبشكل غير متوقع، اعترف الزوج على فراش الموت أنه يشعر بالذنب بسبب ابتعاده عن الإيمان وأبدى ندمه على ذلك. على الرغم من أن السبب الأساسي وراء هذه العبارة في المثال السابق هو ابتعاد الزوج عن الله، فإن الهدف الرئيسي للواعظة في الفيديو المتداول على وسائل التواصل الاجتماعي هو تشجيع الزوجة على الصلاة من أجل عودة زوجها الروحية إلى الله. ومع ذلك، فإن نفس التعليمات توجه بقوة إلى النساء المسيحيات في الاجتماعات الدينية بهدف تشجيعهن على تحمل العنف والقسوة، وخاصة الزوجة. ذكرت لي إحدى الصديقات عن محادثة لها مع لجنة الكنيسة المعنية بحل مشكلات الزواج -التي يطلب استشارتها من يفكر في الطلاق-. قالت إن ردود أعضاء اللجنة الخمسة، رجالاً ونساءً، اتسمت بأن النساء مُقدر لهن تحمل الإساءة، وأن جميع المتزوجات يتحملن بالفعل الأسوأ، فلماذا لا تتحمل هي أيضًا؟ طرحوا عليها أسئلة متحيزة مثل: "هل تسبب العنف بإصابات جسدية دائمة؟ هل يحدث يوميًا؟ هل هجر المنزل ويتجاهل أطفاله؟" وبعد أن نفت صديقتي هذه المزاعم، أصدروا حكمًا عليها بقولهم “أنتِ بتدلعي”، متجاهلين العواقب النفسية والعاطفية المدمرة التي تعرضت لها، التي دفعتها إلى العلاج النفسي من الانهيار العصبي. وبالرغم من أن العنف الذي عانت منه تسبب في ضرر عميق، إلا أنهم قللوا من شأنه لأنه لم يترك ندوبًا جسدية مرئية. ونصحوها بازدراء الذات بالقول: "صلّي من أجل الصبر وأن تتحملي أنتِ أولًا، وثم بعدها ادعي أن يتغير زوجك". الصلاة للمخطئين. . فرحة للسماء وألم للنساء أتصور حوارًا تخيليًا، يجد القادة الدينيون أنفسهم في مواجهة النساء اللواتي يطالبن بالعدالة والإنصاف في قضايا الأحوال الشخصية: يعتذر القادة بصراحة: "لا يمكننا تغيير واقعك أو تحريرك منه. أيدينا مقيدة، ولا يمكننا مساندتك في سعي لتحقيق كرامتك. " ويضيفون: فإذا فعلنا ذلك، فهذا يعني تقويض سلطتنا ودورنا في التحكم فيك وفي قضايا الأحوال الشخصية. لقد رددنا منذ سنوات “لا طلاق إلا لعلة الزنا”، ولن نتخلى عن هذه السيطرة. إن أفلتِ أنتِ من زيجة سامّة. . فماذا سنفعل نحن في الباقي من عمرنا؟ وعلى من نلقي باللوم؟ هل سنترك هكذا النساء تنفلت من أيدينا لصالح كرامتهن واحدة وراء أخرى؟ الأسهل أن نخبرك بمزايا التحمل، دعينا نعدُك بنعيم سمائي بانتظارك يعوضك عن معاناتك الأرضية. يمكنك الآن أن تموتي بسلام، أليس كذلك؟ دعينا نكون أكثر صراحة. ألا يحق لكِ أن تسعي إلى حياة أفضل؟ أليس من الأفضل أن تتحملي وتصلي ﻷجل زوجك وإن كان يَضرب، يُعنف، يُسيء، يحيل عشرته إلى كارثة. . لا يهم طالما أن طريق الانفصال الفعلي مغلق فهناك بابًا مفتوحًا أمامك عزيزتي المرأة عليك ألا تُوصديه هو باب السماء. فقط صلي. . صلي ﻷجلك ولأجل تحملك أنتِ أولًا، ثم لأجل ربح آخرة زوجك تاليًا. . نعم آخرته في يدك كما في يده، فإذا ما اعترف في نهاية العمر بخطأه حدثت فرحة في السماء كما على الأرض، لا يهم عمرك الضائع سيدتي وسنوات شبابك المارة أمامك. . إن تعرضت ﻷقسى أنواع التعذيب، ففرحة السماء تكفي، ولا تنسي، أنتِ لست وحدك. هل سمعتي عن أم عبد السيد؟! هناك العديد من النساء اللاتي واجهن تحديات مماثلة. قصص مثل قصة أم عبد السيد يمكن أن تمنحك الأمل والقوة. أم عبد السيد وتقديس العبودية اشتهرت قصة "أردينا مليكة يوسف"، المعروفة باسم "أم عبد السيد" أو "أم الغلابة"، على نطاق واسع بين المسيحيين الأرثوذكس بعد رحيل البابا شنودة الثالث. وقد أُنتج فيلم ديني عن حياتها يحمل نفس الاسم. وتتناول القصة نموذجًا للمرأة الفاضلة التي تتحمل حياة من البؤس والتضحية من أجل أهداف سامية، مثل الحفاظ على وصية عدم الطلاق في دينها، والحفاظ على استقرار الأسرة حسب رواية المروجين للقصة. وُلدت "أردينا"، ذات الأصول الصعيدية، عام ١٩١٠ لعائلة ثرية بقرية الشيخ علام ببلدة الكوامل بمحافظة سوهاج. بعد وفاة والدتها في طفولتها، نشأت تحت رعاية والدها. انتقلت لاحقًا إلى القاهرة، حيث استقرت في حي شبرا مصر وخدمت في كنيسة مار مينا بشبرا مع القمص أخنوخ سمعان. الجانب اﻷبرز في حياة هذه السيدة كان زواجها القسري في الخامسة عشرة من عمرها، لمنعها من متابعة شغفها بالرهبنة التي طالما سعت إليها، ولسوء حظها كان زوجها شخصًا قاسيًَا، عاشت معه سنوات طويلة تحملت فيها معاملات غير آدمية. فقد كان يضربها -مثلًا- بخشبة ذات مسامير على جسدها ورأسها حتى تنزف أمامه، وظلت أربعين سنة تتعرض للتعذيب والإهانة دون سبب. وبحسب سيرتها والروايات المتداولة عنها، كانت امرأة متدينة للغاية وتصلي كثيرًا من أجل زوجها. حتى في أشد لحظات الألم، كانت تدعو بصوت مرتفع إلى الله أمام الناس، وتتوسل: ده شريك حياتي، يرضيك يا رب تسيبه عايش في الخطية؟ يعنى أنا أروح السما وهو يروح جهنم؟ ده حرام، أوعى يا رب تكتب على جوزي خطية. (نادية رفيق، في دور: أم عبد السيد، من فيلم: أم الغلابة) العبودية المختارة بواسطة الدين عندما تُواجَه النساء بنصائح تدعوهن لتحمل العنف الزوجي بحجة أن الانفصال مستحيل، أتذكر كلمات المفكر الفرنسي إيتيان دو لا بويسيه في مقاله الشهير "العبودية المختارة" الذي نُشر ككتاب عام 1576. ووصف فيه نوعًا جديدًا من العبودية حيث يتكيف الأفراد مع القمع لدرجة أنهم يتخلون عن الحرية طواعية. عندما يتعرض بلد ما لقمع طويل تنشأ أجيال من الناس لا تحتاج إلى الحرية وتتلائم مع الاستبداد، ويظهر فيه ما يمكن أن نسميه المواطن المستقر. (إيتيان دو لا بويسيه، العبودية المختارة) وفقًا لبويسيه، يؤدي القمع المستدام إلى توليد أجيال من الأفراد "المستقرين" على الانقياد، الذين يتصالحون مع السلطة الاستبدادية ويفقدون الدافع للتغيير. وهذا يتجلى بشكل مماثل في حالة العديد من النساء ضحايا العنف المنزلي، حيث يصبحن "منقادات" لوضعهن، متقبلات العنف كجزء من حياتهن. في أجواء سياسية مشحونة وشديدة التعقيد، حيث بلغت الصراعات الدينية ذروتها بين الكنيستين الكاثوليكية والبروتستانتية في المجتمع الفرنسي، أنجز بويسيه كتابه. وتحول الصراع الديني تدريجيًا إلى سياسي، حيث استغلت السلطات الحاكمة هذه الخلافات الداخلية لإلهاء الشعب عن خسائره في الحروب والسياسة الخارجية. يمكن ملاحظة مفهوم العبودية الطوعية لإيتيان دو لا بويسيه في جميع جوانب الحياة. في السياق الديني، قد يصبح المواطن "المستقر" أسيرًا لتوقعات دينه، دون أن يسمح له ذلك بتشكيل معتقداته وتصرفاته بشكل مستقل. في الأوقات الصعبة، قد يلجأ هذا المواطن إلى الدين كملجأ، لكنه يتجنب اتخاذ موقف نشط تجاه حياته المرتبكة. لا أقصد هنا قصة أم عبد السيد التي اختارت العبودية طواعية واندمجت فيها مع زوج عنيف وأب أجبرها على الزواج في سن الطفولة. لكني أسلط الضوء على أولئك الذين يستغلون قصتها للترويج لفكرة التصالح مع الإساءة وتمجيدها تحت ستار التسامح. يهدف هؤلاء إلى خلق "المواطن المستقر" الذي وصفه المفكر الفرنسي، الذي يتكيف تدريجيًا مع الاستبداد حتى يصبح في النهاية مستبدًا أو على أقل تقدير مروّجًا له ومدافعًا عنه. يمكن أن تكون الصلاة من أجل المسيئين بمثابة بوابة للسلام الداخلي عند اتباعها بتدابير حاسمة مثل مواجهة المعتدي، أو يمكن أن تكون هربًا من محيطه، أو وقف دائرة العنف بالقوة إذا لزم الأمر. في هذه الحالات، تعتبر الصلاة من أجل الجاني مفيدة وضرورية لأنها توفر فترة هدوء وسلام في خضم عواصف الإساءة وعواقبها الداخلية. ومع ذلك، يمكن أن تتحول الصلاة إلى لعنة إذا أدت إلى إنشاء ضحية لا حول لها ولا قوة تتكيف مع الإساءة. بمرور الوقت، يمكن أن يتحول العنف إلى نمط، قد توقف عند الضحية في أفضل الأحوال، أو يمكن أن تكرره مع آخرين، مما يخلق دائرة مفرغة من الإساءة والعنف. وفي عودة الزوج انتصارات! في القصة الأولى للواعظة الإنجيلية، عاد الزوج تائبًا بعد سنوات من الانفصال الروحي، وفي قصة القديسة أم عبد السيد، غادر الزوج تاركًا أسرته، ثم عاد نادمًا بعد مرضه. فخدمته زوجته ورعته حتى وفاته. هكذا تُروى الحكايات على مسامع نساء مسيحيات، يتم وعدهن بنهايات سعيدة يجب أن يتحملن من أجلها الشر والاستبداد. "تحملي، فالنهاية سعيدة. سيعود، يتوب، ويبكي". ولا يهم عمرك الضائع، أو السنوات التي يمكنك المقامرة بعددها. فمن وجهة نظر قادتنا الدينيين، لا يهم 30 أو 60 عامًا من الإهانة. فقط انتظري، وانتظري، ولا تكوني "دلوعة"، كما أطلق أعضاء اللجنة وعضواتها على صديقتي. انتظرتي؟ مبارك عليكِ عودة زوجك ومعنفك باكيًا. . مع دموعه أصبحتِ حاملة لقب خادمة الله، وعبدة سيدها الإنسان، أو كما أطلق عليها إيتيان دو لا بويسيه هي مرحلة “العبودية المُختارة”. --- ### إرنست رينان - Published: ۲۰۲٤-۰۹-۱۱ - Modified: 2024-09-18 - URL: https://tabcm.net/29738/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أبو الوليد محمد أحمد محمد أحمد أحمد بن رشد الأندلسي, ألبرت شڤايتزر, إرنست رينان, الكنيسة الكاثوليكية, توراة, جمال الدين الأفغاني, جواهر لال نهرو, چاك أونري برناردين دي سان بيير, چان چاك روسو, سعد زغلول, شيخ محمد عبده, علي عبد الرازق, فرانسوا ماري آروويه، ڤولتير, فرح أنطون, محمد علي محمد عربي الحاتمي الطائي الأندلسي, مهاتما غاندي في السنين الأولى من هذا القرن كان شاب لبناني يدعى فرح أنطون يصدر في مصر مجلة صغيرة تسمى «الجامعة»، وكانت الثقافة الغالبة على هذا الشاب فرنسية، وهو كان يكتب اللغة الفرنسية بكلمات عربية؛ وكان لذلك فهمه للثقافة والأسلوب والأدب يختلف عما كنا نفهمه من كتَّابنا المصريين البارزين الذين كانت تغلب عليهم الثقافة العربية القُحَّة. وقد عرفت عن طريق فرح أنطون كتَّابًا فرنسيين بعثوا في نفسي استطلاعًا للثقافة الأوروبية، وغرسوا في ذهني شكًّا في العقائد والعادات الشرقية، ووصلوا بيني والآداب البشرية بِصلة القربى والرحم وحبَّبوا إليَّ الطبيعة، وفتحوا عيني إلى الأجواء والآفاق، فلا يغرب عني نشاط فكري، ولا يفصل بيني وكاتب قديم أو حديث فاصل من دين أو عنصر أو لغة. وقد رأيت في حياتي كُتَّابًا أضلَّهم الاستغراق العنصري أو الديني أو القومي وعمرتهم موجاته، ومع أن هذه الموجات قد مستني بطلاوتها السطحية، فإني سرعان ما كنت أتخلَّص منها بل أتطهَّر منها، ذلك أن فرح أنطون قد وجَّهني نحو أوروبا الجديدة؛ أوروبا البشرية، أوروبا التي كانت تسترشد بفولتير وروسو ورينان. وما زلت أذكر طرب الحماسة الذي غمرني حين كنت أقرأ قصة صغيرة تُرجمت إلى العربية باسم «الكوخ الهندي» لمؤلِّفها الفرنسي برناردين دي سان بيير، فقد كان هذا المؤلِّف يصف سذاجة العيش وجمال الحب وروعة الطبيعة بكلمات ساحرة تترك في النفس إحساسًا دينيًا نحو المرأة والشجرة والسماء والأرض، كما تفتح الذهن لمعاني القناعة والاستغناء. وكان هذا المؤلف من أولئك الذين دعوا دعوة الطبيعة مع جان جاك روسو، وأعطوا أوروبا عيونًا جديدة رأت من خلالها وعرفت بها هيئة الجبال وروعة الأشجار، ومعنى الاصطياف على الشواطئ، والانغماس في الماء، بالرجوع إلى الطفولة التي أفسدتها الحضارة، التي يجب ألا تفارقنا طوال أعمارنا في القدرة على الاستمتاع بحيوية الحياة ولذة اللعب والنفور من تعقد العيش وارتباكات الترف المرهقة. وهناك من لا يزالون يستصغرون قيمة الأديب العظيم في توجيه الحضارة وتكوين الأذواق، ولهؤلاء نذكر جان جاك روسو، فإن العالم قبله لم يكن يعرف معنى التَّجْوال في الحقول أو الاصطياف على الشواطئ. وهذه الحقول والشواطئ كانت مع ذلك في مكانها كما هي الآن قبل روسو، ولكنها كانت خالية ممن يجول فيها ويتأمل سماءها وأرضها وأشجارها أو ينغمس في مياهها، ولكن روسو بدعوته الحارة إلى الطبيعة، وتقديسه لها، ردَّ إلى الناس هذا الإحساس وبسط لهم ميادين جديدة للاستمتاع النفسي كانوا يجهلونها قبله. وحين أجد شفيتزر يدعو إلى تقديس كل شيء حي، وحين أجد ثورو يتساءل: لماذا لا تقرع النواقيس في الكنائس حين تقتلع شجرة من مكانها نعيًا لها وحزنًا على الطبيعة المجروحة؟ وحين أجد غاندي يترك المدن، ويقنع بأن يعيش في كوخ بين الحقول بثلاثة قروش في اليوم، وحين أجد الطرب البشري يغمر سواحل الإسكندرية أو بورسعيد في أطفال وفتيات وشبان يمرحون و«يزأطون» في الماء والهواء، وقد خلعوا مركبات المدنية وعادات العرف، حين أجد كل هذا لا أتمالك أن أذكر جان جاك روسو نبي الطبيعة وأديبها، الذي غيَّر أذواق الناس ووجَّه النفوس وجهات جديدة زادت البشر سرورًا واستمتاعًا وحبًّا. لقد عرفت روسو أول ما عرفته، بقلم فرح أنطون. ثم عرفت أديبًا آخر بقلمه أيضًا كان له أبلغ الوقع وأبعد الأثر في ثقافتي وتربيتي، هو إرنست رينان، وهو الذي غرس في نفسي الروح البشري، وبهذا الروح أحببت تلك الشخصية السامية التي وصفها رينان في كلمات الحب والإعزاز، التي أحاول مع العجز، ولكن مع الأمل، أن أرتفع إلى الأخلاق التي رسمها في شخصية المسيح. وقد تحطم فرح أنطون بما وقع فيه من مناقشات تاريخية مع الشيخ محمد عبده بسبب إرنست رينان، وتحطم إرنست رينان بسبب كتابه عن المسيح، ومثل هذه المعارك الأدبية تحتاج إلى الشرح الذي لا يسمح له هذا الفصل، ولكن قُصَارَى ما أقول: إن فرح أنطون نقل عن رينان اضطهاد الحكومات الإسلامية للأحرار، فردَّ عليه الشيخ محمد عبده بأن اضطهاد الحكومات المسيحية كان أكبر وأقسى، ودارت المساجلات بين الاثنين، هذا يكتب في الجامعة، وهذا يكتب في المنار، ولم يكن الجَمهور المثقف يتحمل في ذلك الوقت الوهج اللاسع من هذه المساجلات. وانهزم فرح ورحل إلى أمريكا كي يعود بعد ذلك إلى مصر وينغمس في الثورة الوطنية إلى حب سعد. أما إرنست رينان فكان تحطمه أكبر وأبلغ، فقد ولد هذا الأديب في عام ١٨٢٣ ومات في عام ١٨٩٢ وقضى من العمر نحو أربعين أو خمسين سنة وهو يخيم على أوروبا ويضيء عقولها ويربي نفوسها، وأوروبا بعده غير أوروبا قبله، بفضل ما كتب وبفضل ما تألم، وقد تعلم كثيرًا. وما زلت أحس كأن سكينًا تمزق أحشائي حين أذكر أن هذا الأديب العظيم، بعد أن حرمته الكنيسة الكاثوليكية ومنعت رعاياها من قراءة مؤلفاته، وبعد أن حطَّت عليه الشيخوخة حتى كادت تُقعده، بعث بخطاب إلى ناظر المدرسة الابتدائية التي كان قد تعلَّم فيها قبل ستين سنة يطلب منه أن يأذن له بزيارتها، كي يرى الفصل الذي تعلَّم فيه حروف الهجاء، والفِناء الذي لعب فيه مع أقرانه، وكي يلمس جدرانها التي تمسح بها، ويصلي في إحدى غرفها على اختلاء، صلاة الحب والذكرى لهذه الأيام الماضية، التي تنفصل عن حاضره بما يشبه قرنًا من الزمان. وتسلم ناظر المدرسة الخطاب وكانت المدرسة دينية كاثوليكية، كما كان ناظرها راهبًا يعرف أن رينان مطرود من الكنيسة وأن مؤلفاته من المحظورات، فلما قرأ الخطاب وتأمل الإحساسات الجميلة التي يحتويها، كتب إلى رينان في رقة بالغة يشكره على أن تَذكَّرَ الرهبان الذين علموه طفولته، وتذكر الأقران من الصبيان، بل لعله تذكر صلاة الصبح التي كان يقولها في ابتهال قبل ابتداء الدروس، ثم بعد ذلك يقول له إنه لا يستطيع أن يأذن له بزيارة المدرسة؛ لأنه... لأنه كافر، منبوذ من الكنيسة، ولا بد أن رينان قد تضور على فرشه من ألم هذه الصدمة، بل لابد أنه بكى وانهمرت دموعه وبللت هذا الخطاب. ولكن ليست هذه هي الدموع الأولى التي انهمرت من المؤلفين الذين علموا أوروبا، ولولا هذه الدموع، ولولا هذه الآلام، لبقيت أوروبا خامدة متأخرة مثل الشرق. نشأ رينان نشأةً كنسية؛ إذ تعلَّم في مدرسة للإلاهيات ولكنه تركها وآثر دراسة اللغات والأدب، ودرس اللغات السامية وأتقن اللغة العربية، ودرس فلسفة ابن رشد ونقلها ووضَّحها في اللغة الفرنسية. وقد نقل فرح أنطون عنه هذا الكتاب تلخيصًا وترجمة تحت عنوان «ابن رشد وفلسفته». وأوفدت الحكومة الفرنسية في عام ١٨٦٠ بَعثة إلى فلسطين لدراسة الآثار كان هو من أعضائها، وكانت أخته أفريت ترافقه، وعاد إلى باريس وحاولت الحكومة الفرنسية أن تعيِّنَه أستاذًا للغات السامية، ولكن الكنيسة اعترضت؛ لأنه كان قد ألَّف كتابًا عن المسيح بعنوان «حياة يسوع» في عام ١٨٦٣ باعتباره إنسانًا لا أكثر. وتتابعت مؤلفاته عن الشئون السامية، مثل «تاريخ إسرائيل» ومثل «محاورات فلسفية» ومثل «مستقبل العلم». وزاره جمال الدين الأفغاني في باريس فوصفه رينان بأنه ملحد عظيم، وهنا مجال للتفكير ومراجعة الآراء في مصر، وقد سبق أن شرح لنا علي عبد الرازق (باشا) هذا الموضوع. ولم يكتب أحد في سحر الأسلوب الذي كتب به رينان وضوحًا ويسرًا، وقد قيل عنه إنه كان يفكِّر كما لو كان امرأة، ويعمل كما لو كان طفلًا، وهذا أحسن أو من أحسن ما يقال عن كاتب أرصد عمره للتفكير المثمر، فإن المفكر العميق يجب أن يكون عميقًا أيضًا في إحساسه، أما من حيث العمل فإن هذا ليس من شأنه، وإنما هو شأن زوجته أو صديقه؛ إذ ليس له وقت أو كفاءة للعمل. وكانت ثقافته تنبسط إلى الآفاق أكثر مما تسير الأعماق؛ ولذلك نجد له الإشارات والإيضاحات عن العرب والإغريق واليهود والعلم والأدب، ولكننا نجد أنه حين يتخصص لا يتعمق. وكتابه عن حياة المسيح الذي ترجمه فرح أنطون إلى اللغة العربية في تلخيص غير مخل، هو جوهرة من جواهر الأدب الفرنسي بل الأدب العالمي، ومع أنه قد جرد شخصيته من الغيبيات فإنه أبرز ميزاته الأخلاقية ودعوته الإنسانية، بحيث إن القارئ للكتاب سواء أكان تقليديًّا أم عصريًا ينتهي بالحب والاحترام؛ إذ يجد في المسيح جمالًا وفتنة كما يجد في دعوته تحديًا لكل رجل في شرفه وأسلوب حياته. ومن هنا يعد إرنست رينان من دعاة البشرية، وهو إن لم يكن قد دعا هذه الدعوة مباشرة ومواجهة، فإنه بمؤلفاته العديدة قد دعا إليها مداورة ومواربة؛ إذ هو يجمع بين الأدباء والأنبياء والفلاسفة ويضعهم جميعًا في صف لتربية الضمير البشري، فهو مسيحي مسلم يهودي بوذي، وهذا هو شأن الكثيرين من أدباء عصرنا الممتازين، بل كذلك هذا هو إيمان الساسة الممتازين أمثال غاندي ونهرو، بل ماذا أقول؟ لقد كان هذا إيمان السلطان أكبر الذي حاول أن يوجِد ما أسماه «الدين الإلهي» حين عقد مؤتمرًا في الهند من المسلمين والمسيحيين واليهود والهندوكيين والبوذيين، بل لقد كان هذا إيمان محيي الدين بن عربي حين قال هذه الأبيات الخالدة: لقد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي إذا لم يكن ديني إلى دينه داني وقد صار قلبي قابلًا كل صورة فمرعًى لغزلان ودير لرهبان وبيت لأوثان وكعبة طائف وألواح توراة ومصحف قرآن أدين بدين الحب أنى توجهت ركائبه فالحب ديني وإيماني (محمد علي محمد عربي الحاتمي الطائي الأندلسي الشهير بـ: "محيي الدين بن عربي") أجل، دين الحب، هذا هو الذي دعا إليه رينان، وهو رسالة حياته. --- ### الله الخالق: رواية الخلق (سفر التكوين) (٢) - Published: ۲۰۲٤-۰۹-۰۷ - Modified: 2024-09-10 - URL: https://tabcm.net/29444/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: إله إسرائيل, السبي البابلي الجزء الثاني وحدة الكتاب المقدّس بوصفها معيارًا لتفسيره ما أهمّيّة هذه الرؤية لفهم رواية الخلق؟ أول ما يمكن قوله هو هذا: لقد أمن بنو إسرائيل دومًا بالإله الخالق، وهذا الإيمان كان مشتركًا مع جميع الحضارات العظيمة في العالم القديم. لأنه، حتى في اللحظات التي انحسر فيها التوحيد، عرفت جميع الحضارات العظيمة دائمًا خالق السماء والأرض. هناك أحادية مشتركة مدهشة هنا حتى بين الحضارات التي لم تكن على اتصال مع بعضها البعض. في هذه القواسم المشتركة يمكننا أن ندرك جيدًا الاتصال العميق الذي لم ينقطع أبدًا بين البشر وحقيقة الله. في إسرائيل نفسه مرّ موضوع الخلق بمراحل مختلفة. لم يكن أبدًا غائبًا تمامًا، لكنه لم يكن دائمًا على نفس القدر من الأهمية. كانت هناك أوقات كان فيها بنو إسرائيل مشغولين بآلام تاريخهم وآماله، ومتمسكين تمامًا بِالهُنا والآن، لدرجة أنه لم يكن هناك أي فائدة من النظر إلى الخلق؛ بل بالكاد كان من الصعب أن يُنظَر إلى الوراء. حدثت اللحظة التي أصبح فيها الخلق موضوعًا مهيمنًا خلال السبي البابلي. في ذلك الوقت، اتخذت الرواية التي سمعناها للتو - القائمة بالتأكيد على تقاليد قديمة جدًا - شكلها الحاليّ. لقد فقد بنو إسرائيل أرضهم وهيكلهم. وفقًا للعقلية السائدة في ذلك الوقت كان هذا أمرًا غير مفهوم، لأنه كان يعني أن إله إسرائيل قد هُزم - إله يمكن أن يُنتزع منه شعبه وأرضه وعباده. كان يُنظر إلى الإله الذي لا يستطيع الدفاع عن عباده وعبادته في ذلك الوقت على أنه إله ضعيف. في الواقع، لم يكن إلهًا على الإطلاق؛ فقد تخلى عن ألوهيته. وهكذا، فإن طردهم من أرضهم ومحوهم من الخريطة كان بمثابة محنة رهيبة لبني إسرائيل: هل هُزم إلهنا وبَطَلَ إيمانُنا؟ الكاردينال جوزيف راتسنجر (البابا بندكتوس السادس عشر) ترجمتي عن الإنجليزيّة: Joseph Cardinal Ratzinger, Boniface Ramsey - In the Beginning... '_ A Catholic Understanding of the Story of Creation and the Fall-Wm. B. Eerdman --- ### التقليدين الأورشليمي والأنطاكي - Published: ۲۰۲٤-۰۹-۰٦ - Modified: 2024-09-06 - URL: https://tabcm.net/29012/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: إفخارستيا, چورچ نصور, سعيد حكيم يعقوب, عدنان طرابلسي, قديس كيرلس الأورشليمي, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية سوف نستعرض معًا الإشارات إلى تناول يهوذا الإسخريوطيّ من سر الإفخارستيا في التقليد الأورشليميّ، في إطار تأكيد التقليد الأورشليميّ على هذه الحادثة من أجل أمور رعوية وكنسية آنذاك تتعلق بتقدُّم الخاطئ إلى سر الإفخارستيا وقبول مناولته من عدمه. ق. كيرلس الأورشليمي 314-387م يرى ق. كيرلس الأورشليميّ أن يهوذا قد خان السيد المسيح إذ قد كفر بنعمة رب البيت، لأنه بعد أن جلس إلى مائدته وشرب كأس البركة، فأراد مقابل كأس الخلاص أن يسفك دمًا ذكيًا: الآكل خبزه قد داسه بالأقدام ((مزمور 40: 10 ))؛ وبينما لم تتلق بعد يداه خبز البركة حتى أسرع ليسلِّمه إلى الموت، ويستخدم ق. كيرلس الأورشليمي أيضًا، مثل ق. كيرلس الإسكندريّ، نبوة (مزمور 40: 10) كنبوة مُسبَقة عن تناول يهوذا من سر الافخارستيا كالتالي: ((كيرلس الأورشليمي، العظات، ترجمة: الأب چورچ نصور، رابطة معاهد اللاهوت في الشر الأوسط - جامعة الكسليك، 1982، عظة 13: 6، ص 214. )) هل تريد أن تعرف بوضوحٍ أن مجد يسوع هو الصليب؟ فاسمع إذًا ما يقوله يسوع نفسه وليس أنا: كان يهوذا قد خانه إذ كفر بنعمة رب البيت، بعد أن جلس إلى مائدته وشرب كأس البركة، وأراد مقابل كأس الخلاص أن يسفك دمًا ذكيًا: الآكل خبزه قد داسه بالأقدام ((مزمور 40: 10 ))؛ لم تتلق بعد يداه خبز البركة حتى أسرع ليسلِّمه إلى الموت، حبًا بمال الخيانة. لقد اضطر أن يؤمن إذ هو سمع: أنت قلت ((إنجيل متى 26: 25 ))، ومع ذلك خرج ليسلِّمه. (كيرلس الأورشليمي، العظات)نأتي إلى إشارات التقليد الأنطاكيّ لحادثة تناول يهوذا الإسخريوطيّ من سر الإفخارستيا في العشاء الأخير الذي أقامه الرب يسوع ليلة آلامه وصلبه، في إطار التأكيد على أهمية هذه الحادثة من الناحية الرعوية والكنسية آنذاك. ق. يوحنا ذهبي الفم 347-407م يُؤكِّد ق. يوحنا ذهبيّ الفم على أن المسيح له المجد لم يطرد يهوذا الخائن من المائدة المقدَّسة، بل باشتراكه مع بقية التلاميذ، جعله شريكًا في الأسرار، أي الإفخارستيا، في سياق تأكيده على تناول يهوذا من سر الإفخارستيا قائلًا: ((يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الأولى إلى أهل كورنثوس ج٢، ترجمة: د. سعيد حكيم، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، ٢٠١٧، عظة ٢٧: ٣، ص ١٥٠، ١٥١. )) إذًا، فالمكان الواحد يسعكم جميعًا، وتتحدوا معًا في شركة واحدة، لكن المائدة ليست واحدة في هذا الاجتماع. ولم يقل، فحين تجتمعون ولا تأكلون معًا، أو لا تأكلون في شركةٍ واحدةٍ، لكنه تكلَّم بأسلوبٍ آخر، وأدانهم بصورةٍ مخيفةٍ، بأن قال: ليس هو لأكل عشاء الرب. وأحالهم - انطلاقًا من هذا الكلام -إلى تلك الليلة التي فيها سلَّم المسيح الأسرار المهيبة. لذلك فقد دعا إلى العشاء الأفضل، لأن العشاء الأخير يشترك فيه الجميع على نفس المائدة كل يوم. وإنْ كان الفارق بين الأغنياء والفقراء ليس بالقدر الذي عليه الفارق بين المعلِّم والتلاميذ، لأن ذلك الفارق كان بلا حدود. ولماذا أتحدَّث عمَّا كان من فارق بين المعلِّم والتلاميذ؟ فكَّر في المسافة التي تفصل بين المعلِّم والخائن، ومع هذا فإن هذا الخائن جلس مع التلاميذ، ولم يطرده المسيح له المجد، بل باشتراكه مع بقية التلاميذ، جعله شريكًا في الأسرار. (يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الأولى إلى أهل كورنثوس ج٢) يشير ق. يوحنا ذهبيّ الفم إلى أن يهوذا بعدما تناول الإفخارستيا في العشاء الأخير في تلك الليلة الأخيرة، فإنه ذهب مسرعًا في حين بقي الآخرون على مائدة الإفخارستيا كالتالي: (( John Chrysostom (St. ), On the Feast of the Epiphany, Reflection 26-2, Synaxarion Orthodoxia)) يهوذا بعدما تناول في العشاء الأخير في تلك الليلة الأخيرة، ذهب مسرعًا بينما بقا الآخرون على المائدة. (John Chrysostom (St. ), On the Feast of the Epiphany) ويُحذِّرنا ق. يوحنا ذهبيّ الفم من التقدُّم إلى مائدة الإفخارستيا الرهيبة مثل يهوذا الشرير الذي بعدما تناول خبز الإفخارستيا، دخله الشيطان فسلَّم الربَّ، في سياق تأكيده على تناول يهوذا من سر الإفخارستيا قائلًا: ((النص اليوناني للعظة: PG XLIX, 389-390؛ والنص القبطي للعظة: MS Copto Vat. XCVIII fol. 232v-233. )) هذا هو يوم التقدُّم إلى المائدة الرهيبة. فلنتقدَّم كلنا إليها بطهارةٍ، ولا يكُن أحدُنا شريرًا مثل يهوذا، لأنه مكتوبٌ: لما تناول الخبز دخله الشيطان فسلَّم ربَّ المجد. وليفحص كلٍّ واحد منا ذاته قبل أن يتقدَّم إلى جسد ودم المسيح لكيلا يكون له دينونة، لأنه ليس إنسان الذي يُناوِل الخبز والدم، ولكن هو المسيح الذي صُلِبَ عنا، وهو القائم على هذه المائدة بسرٍّ، هذا الذي له القوة والنعمة يقول: ’هذا هو جسدي. (النص اليوناني للعظة: PG XLIX, 389-390؛ والنص القبطي للعظة: MS Copto Vat. XCVIII fol. 232v-233) يُؤكِّد ق. يوحنا ذهبيّ الفم على حضور يهوذا في أثناء تأسيس السيد المسيح لسر الإفخارستيا عندما قال: ”هذا هو جسدي“ و ”هذا هو دمي“، وإنه اشترك في المائدة المقدَّسة، مثله مثل باقي الرسل، وذلك في سياق تأكيده على تناول يهوذا من سر الإفخارستيا قائلًا: (( Daniel J. Sheerin, The Eucharist (Message of the Fathers of the Church Series, Vol. 7), (M. Glazier, 1986), pp. 144-145. )) وبينما هم يأكلون ويشربون أخذ يسوع الخبز وكسر، وقال: هذا هو جسدي الذي يُكسَر لأجلكم لمغفرة الخطايا. والذين انضموا إلي الكنيسة يعرفون هذه الكلمات. وأيضًا قائلًا عن الكأس: هذا هو دمي الذي يُسفَك عن كثيرين لمغفرة الخطايا. وكان يهوذا حاضرًا عندما قال المسيح هذه الكلمات. هذا هو الجسد الذي بعته أنت بثلاثين قطعة من الفضةيا لمحبة المسيح الفائقة للجنس البشري، ويا لعظم جنون وانعدام العقل ليهوذا، لأنه باع المسيح بثلاثين دينارًا، ولكن المسيح مع هذا لم يرفض أن يعطيه غفران الخطايا، أي الدَّم نفسه الذي باعه يهوذا، لأن يهوذا كان هناك حقًا واشترك في المائدة المقدَّسة. وكما أن يسوع غسل قدمي يهوذا مع باقي الرسل، هكذا أيضًا مع باقي الرسل، كان مشتركًا في المائدة المقدَّسة، لكيلا يكون له عذرًا في الدفاع عن خيانته. («Daniel J. Sheerin, The Eucharist «Message of the Fathers of the Church Series) يتحدَّث ق. يوحنا ذهبيّ الفم عن الذين يتناولون بغير استحقاق من الأسرار الإلهية، أن هؤلاء على وجه الخصوص هم الذين يغزوهم الشرير، ويدخل فيهم أيضًا، مثلما فعل الشيطان مع يهوذا قديمًا عندما تناول يهوذا من الإفخارستيا كالتالي: (( John Chrysostom (St. ), On the Betrayal by Judas 1. 6, ACC IV b, CIII )) لتكونوا غير مخادعين، غير ممتلئين بالشر، غير حاملين للحقد في عقولكم، لئلا تناولكم يؤدي إلي دينونة. لأنه بعد أن تناول يهوذا مما قُدِّمَ، دخل الشرير فيه، ليس لأن الشرير يزدري بجسد الربِّ، ولكن يزدري بيهوذا وخزيه. ولهذا فيمكنكم أن تتعلَّموا أنه فيمَا يتعلق بمَّن يتناولون بغير استحقاق من الأسرار الإلهية، أن هؤلاء على وجه الخصوص هم الذين يغزوهم الشرير، ويدخل فيهم أيضًا، مثلما فعل الشيطان مع يهوذا قديمًا. (John Chrysostom (St. ), On the Betrayal by Judas) ويُؤكِّد ق. يوحنا ذهبيّ الفم على دينونة يهوذا الخائن بسبب مشاركته في مائدة المسيح وفي الأسرار وفي الطعام، وذلك لكي يؤكد على حادثة تناول يهوذا من سر الإفخارستيا قائلًا: ((يوحنا ذهبي الفم، شرح إنجيل متى ج4، ترجمة: د. عدنان طرابلسي، (لبنان، 2008)، عظة 81: 1، ص 125. )) وعند حلول المساء اتكأمع الإثني عشر ((إنجيل متى 26: 20 )). يا لخزي يهوذا! لأنه هو أيضًا كان حاضرًا أيضًا هناك، وأتى ليشارك في الأسرار والطعام معًا، وقد أُدِينَ عند نفس المائدة، حيث كان سيُروَّض لو كن وحشًا ضاريًا. لهذا السبب يشير الإنجيليّ أيضًا إلى أن المسيح تحدَّث عن خيانته بينما كانوا يأكلون، لكي يُظهِر شرَّ الخائن بواسطة وقت الحديث وبالمائدة معًا. (يوحنا ذهبي الفم، شرح إنجيل متى ج4) ويُوضِّح ق. يوحنا ذهبيّ الفم أيضًا أن يهوذا الخائن ظلَّ على حاله بالرغم من مشاركته في الأسرار، ورغم أن المسيح سمح له بالمجيء إلى المائدة الأكثر رهبةً، إلا أنه لم يتغيَّر، وذلك في سياق تأكيده على تناول يهوذا من سر الإفخارستيا كالتالي: ((المرجع السابق، عظة 82: 1، ص 131. )) آهٍ! ما أعظم عمى الخائن! حتى بعد المشاركة في الأسرار، بقي على حاله؛ وبعد أن سمح له بالمجيء إلى المائدة الأكثر رهبةً لم يتغيَّر! . (يوحنا ذهبي الفم، شرح إنجيل متى ج4) ويستطرد ق. يوحنا ذهبيّ الفم في نفس السياق، مؤكدًا على أن خطية يهوذا صارت أبشع حقًا لسببين، لأنه أتى إلى الأسرار في موقف الخيانة، ولأنه لم يصر أفضل بعد الاقتراب من الأسرار كالتالي: ((المرجع السابق، عظة 82: 1، ص 131. )) ويُظهِر لوقا هذا بالقول إنهبعد هذا دخل إبليس فيه ((إنجيل لوقا 22: 3؛ إنجيل يوحنا 13: 27))، ولا يقصد لوقا أن يحتقر جسد الربِّ، بل ضحك ازدراءً منه على خزي الخائن من الْآنَ فصاعدًا. لأن خطيئته صارت أبشع حقًا لسببين: لأنه أتى إلى الأسرار بموقف كهذا، ولأنه لم يصر أفضل بعد أن اقترب منها، لا من الخوف، ولا من الفائدة، ولا من الكرامة. لكن المسيح لم يمنعه مع أنه كان يعرف كل شيء، لكي تتعلَّموا أنه لا يُغفِل أيّ شيء من الأشياء التي تخص الإصلاح. (يوحنا ذهبي الفم، شرح إنجيل متى ج4) ويُوضِّح ق. يوحنا ذهبيّ الفم أن المسيح أراد تخجيل الخائن، ولكنه بعد المشاركة في الخبز، أهان المائدة، وبالرغم من مشاركته في كرم المسيح، لم يُردِعه هذا، وذلك في سياق تأكيده على تناول يهوذا الإسخريوطيّ من سر الإفخارستيا كالتالي: ((يوحنا ذهبي الفم، شرح وعظات إنجيل يوحنا ج3، ترجمة: راهب من برية شيهيت، (القاهرة: مكتبة المحبة، 2008)، عظة 72، ص 32. )) وحتى الطريقة التي استخدمها المسيح كان مُقدَّرًا لها أن تُخجِّل الخائن. لأن بعد المشاركة في نفس الخبز، أهان المائدة. وبفرض أن مشاركته في كَرَم المسيح لم يُردِعه، فمَّن هو الشخص الذي لا تستميله المحبة نحو المسيح لنوال اللقمة منه؟ لكنها لم تستمل يهوذا. لذلك، فبعد اللقمة دخله الشيطان ((إنجيل يوحنا 13: 27)) مستهزئًا به لوقاحته. (يوحنا ذهبي الفم، شرح وعظات إنجيل يوحنا ج3) --- ### فريدريك فيلهيلم نيتشه - Published: ۲۰۲٤-۰۹-۰٤ - Modified: 2024-09-04 - URL: https://tabcm.net/29630/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أدولف هتلر, ألبرت شڤايتزر, أندريه جيد, الديمقراطية, العشاء الأخير, بينيتو أندريا موسوليني, تشارلز روبرت داروين, چورچ برنارد شو, فريدريك فيلهيلم نيتشه, فريدريك ليوبولد أوغسط ڤيسمان, ڤيودور ميخائيلوڤتش دوستويڤسكي, مهاتما غاندي عديني أنني عندما أموت لن يقف حول نعشي سوى أصدقائي، ولن يكون حولي أحدٌ من الغوغاء المتسائلين، واعملي على ألا يلقي قسيس على قبري أكاذيب، وأنا عاجز عن حماية نفسي، وودعيني إلى قبري وأنا وثني شريف اثنان انخدعت بهما سنوات كثيرة، أولهما: ڤيسمان الذي غرس في ذهني أن الصفات المكتسبة لا تورَّث، وإحساسي الآن نحو هذا الرجل هو البغض. أما الثاني: فهو نيتشه الذي خدعني، فافتننت به سنوات، قبل أن أتخلص منه، وإحساسي نحوه هو الحب. وقد عرفت نيتشه في عام ١٩٠٩ وكنت منغمسًا في نظرية التطور، وكان «تنازع البقاء» و«بقاء الأصلح» و«الطبيعة حمراء بين الناب والمخلب» من المعاني التي أقبلها في صمت وتسليم، وهذه المعاني جميعها تنقض الديانات التي تقول بالرحمة والتعاون والإخاء البشري وحماية الضعيف. وهبط عليَّ نيتشه كما لو كان وحيًا أو كشفًا، نثرٌ ساحرٌ كأنه أبيات من الشعر، وخيال يرتفع إلى آفاق المستقبل، وجرأة تكاد تجمِّد ذهن الناشئ رهبةً وجزعًا، أو تنفضه حماسة وطربًا. ثم إلى ذلك فلسفة تعلو على برود المنطق، وتأخذ بحماسة الإيمان وغلواء التفاؤل، وفي كل ذلك ارتباط بالتطور. إني أعلمكم علم السوبرمان، أو الإنسان الأعلى، ما هو القرد إزاء الإنسان؟ أضحوكة أو خزي، وكذلك يجب أن يكون الإنسان إزاء السوبرمان، أضحوكة أو خزي! إنما الإنسان معبر أو جسر يصل بين القرد والسوبرمان، سوف يكون السوبرمان ازدهارًا وخيرًا وتعبيرًا نهائيًّا للأرض، أستحلفكم أن تكونوا أمناء للأرض، وأن تكفوا عن التطلع إلى النجوم تنشدون منها آلامًا ومكافآت، إن عليكم أن تضحوا بأنفسكم للأرض حتى يتاح لها أن تنجب يومًا ما السوبرمان... الإنسان شيء يُعلى عليه، فماذا فعلتم كي تعلوا عليه؟ (فريدريك فيلهيلم نيتشه) كلمات رائعة كان وقعها في نفسي، وأنا حوالي العشرين، وحيًا أو كشفًا، فتعلقت به، وكتبت عنه مقالًا في مجلة المقتطف في عام ١٩٠٩ بعنوان: «نيتشه وابن الإنسان». وقد كانت نظرية التطور جديدة في أوروبا، وكانت تكشف عن صورة وحشية للتطور، وقد استلهم منها أعداء المسيحية برهانًا جديدًا يقيمونه لنقضها، وكانوا قبل ذلك يقنعون بالمقارنات التاريخية بين الأناجيل، يوضحون زيف الأساطير في الدين، ولم يكن يجرؤ أحدهم على القول بأن الأخلاق المسيحية ليست هي الأخلاق المثلى، أو أنها تؤخر البشرية أو أن هناك ما هو أرقى منها. ولكن نيتشه لم يبالِ الأساطير أو المعجزات؛ إذ عمد إلى دعوة المسيحية التي امتازت بها وهي الرحمة وحب المعجزات وحب المساكين والضعفاء، فحمل عليها ووجد فيها ميدانًا لبحث القيم والأوزان التي يعيش بها الأوروبيون المسيحيون، فقال إن هذه الأخلاق تعارض بقاء الأقوياء «الصقور» وتصدهم عن حقهم الذي تنطق به الطبيعة، وهو أن الصقر يجب أن يأكل العصفور، فإن بين البشر عصافير ضعفاء يستحقون الفناء، كما أن بينهم صقورًا قوية تستحق البقاء، وهو في هذا المنطق لا يذكر داروين، مع أن القارئ لمؤلفاته لا يتمالك أن يذكر نظرية التطور. ونيتشه أديب من الطراز الأول، وهو أيضًا لغوي وفيلسوف، ومن هنا سحره الذي لا يقاوم، فإنه يفكر تفكير الفيلسوف ويكتب بلغة الأديب، وهو يرجع بحثه إلى التاريخ. فإن الرومانيين القدماء كانوا قبل أن يعتنقوا المسيحية يتخذون السيف شعارًا والقوة مذهبًا، وكانت أخلاقهم تنزع إلى البطولة كما يتضح من كلمة Virtue ومعناها الفضيلة، فإنها مشتقة من كلمة Vir ومعناها الرجولة، فالفضيلة كانت عند الرومانيين صفة الرجولة أو أهم خصائصها. ولكن المسيحية جاءت في زعم نيتشه فاستبدلت بالرجولة والبطولة ضعفًا زريًّا نرى نتائجه في شعوب أوروبا الحاضرة حيث تتفشى الأمراض وتكاد تكون خالدة؛ لأننا نحمي كل مريض ونعنى بعلاجه. ولد نيتشه في عام ١٨٤٤ ومات في عام ١٩٠٠ وكان أبوه قسيسًا، كما كانت أمه امرأة متدينة، وقد هُيِّئ لأن يدرس في كلية دينية كي يكون قسيسًا، ولكنه التفت إلى اللغات فبرع فيها، ومن تحليل الكلمات القديمة استطاع أن يحلل التطور الأخلاقي في أوروبا، ونستطيع أن نلخِّص فلسفته بأنها ترمي إلى أن تجعل غاية الحياة خدمة الأقلية من الشخصيات السامية، وليس خدمة الأكثرية أو سواد الأمة، وهو هنا بالطبع غير ديمقراطي، بل عدو الديموقراطية، وهو بكلمة أخرى يطلب أخلاق السادة بدلًا من أخلاق «القطيع» كما يصف سواد الشعب. ومما ينبهنا هنا أن هتلر كان كبير الإعجاب به، وقد أهدى مجموعة فاخرة من مؤلفاته إلى موسوليني، وكلاهما — أي هتلر وموسوليني — كان عدوًّا للديمقراطية، ولكننا لا نعني من هذا القول أن نيتشه يحمل قارئه على الاعتقاد بأن الفاشية نظام حسن، فإن فيه أحيانًا من سمو الفكرة ونضج الحكمة ما يجعلنا نشمئز من المقارنة بينه وبين هذين الطاغيتين. ونحن نضحك منه حين يقول: اللحادون والمسيحيون، والبقر والنساء، والإنجليز وسائر الديمقراطيين، ينتمون إلى أصل واحد. ولكننا نحس بروعة أفكاره حين يقول: الزواج هو اجتماع إرادتين لإيجاد شخص ثالث أعلى من الزوجين. وقوله: لا يجب فقط أن نتناسل، إنما يجب أن نتناسل إلى أعلى. وهذا أحسن ما قيل عن الزواج، فإنه رفعه من معاني السعادة واللذة إلى معاني التطور والتضحية؛ أي يجب أن يدبر الزواج بحيث يؤدي إلى الرقي البيولوجي، وإيجاد السوبرمان وزيادة الذكاء والصحة والقوة. وحملة نيتشه على المسيحية تتساوق مع فلسفته، فإنه يجد فيها دعوة إلى التواضع والخضوع والطيبة، في حين هو يطلب الارتفاع والكبرياء والقسوة، أو يمكن أن يقال إن المسيحية تنشد مجتمعًا أفقيًّا يتساوى فيه الجميع، بل يمنع التفوق لبعض أفراده ويعيد الجميع إلى حال سواء من التوسط، ولكن نيتشه ينشد مجتمعًا عموديًّا يتيح للعظماء أن يتفوقوا ويسودوا. وعنده أن «الشرف» وثني روماني أرستقراطي، أما «الضمير» فمسيحي يهودي ديمقراطي، وأن أوروبا لهذا السبب مهددة ببوذية جديدة تنكر فيها الحياة، ومن أقواله: الغريزة هي أسمى أنواع الذكاء التي اكتشفت إلى الآن. ونصيحتي إليكم أيها الإخوان هي: كونوا قساةً صلابًا. علينا أن نفر من أقرب الناس إلينا، من جيراننا، ونحب أبعد الناس عنا. تفاوت الحقوق هو الشرط الأساسي لوجود الحقوق. لصغار الناس صغار الفضائل، ولكني لا أعرف ما حاجتنا إلى صغار الفضائل. ليس للأنانية قيمة في الأرض أو في السماء، وجميع المسائل العظيمة تحتاج إلى حب عظيم. الانتقام الصغير أكثر إنسانية من العفِّ عن الانتقام. ما هو الشيء الحسن؟ هو كل ما يزيد الإحساس بالقوة؛ أي إرادة القوة، أي القوة ذاتها في الإنسان. وما هو الشيء السيئ؟ هو كل ما ينشأ من الضعف. عيشوا في خطر، شيدوا مدنكم إلى جنب فيزوف، ابعثوا بسفنكم إلى بحار مجهولة. لأنك جعلت الخطر حرفتك؛ لذلك أدفنك بيدي. (فريدريك فيلهيلم نيتشه) ومن هذه المختارات الموجزة نجد أن نيتشه لا يقدم لنا فلسفة ومنطقًا، بمقدار ما يقدم لنا أشعارًا أو مذهبًا وعقيدة، خلاصتهما أن نتخلص من الضعف ونقسو على أنفسنا وعلى غيرنا. ومع أننا نحس من اتجاهاته الفكرية أنه على التصاق واعتناق لمذهب داروين في التطور البيولوجي، فإن الميزة واضحة في أنه لا يطلب سوبرمانًا للمستقبل بمقدار ما يطلب منا أن نكون نحن على سمو وارتفاع فوق العامة، وعلى مقاطعة للأخلاق المسيحية. وإنسان المستقبل (السوبرمان) الذي يرتفع فوقنا بمقدار ما نرتفع نحن فوق القردة، لا يحتاج لإيجاده إلى القسوة الأخلاقية بمقدار ما يحتاج إلى التنظيم الاجتماعي للزواج والتناسل، وهذا يتم بالتعاون والرفق أكثر مما يتم بالتنازع والقسوة. ومنطق المسيحية هو المنطق الإنساني بالتعاون، ومنطق نيتشه هو المنطق الفطري بالتنازع. وقسوة المبادئ الإمبراطورية، والقول بأن هناك سلالات بشرية لها حق السيادة على الشعوب السوداء أو السمراء أو الصفراء، هما أبعد ما يكونان عن تفكير نيتشه عندما نتأمل ونتعمق مؤلفاته. ولكن ليس هناك شك أن الدراسة السطحية قد عملت لتأييد هذه الاتجاهات، كما يتضح من إكبار النازيين الألمان والفاشيين الإيطاليين لمؤلفاته لاعتقادهم أنه يؤيدهم. ••• والقارئ لنيتشه في حملته على المسيح يحس وجاهة الرأي الذي يقول به «أندريه جيد» وهو أن نيتشه يغار غيرة شخصية من المسيح، فإن كلماته تحمل أحيانًا بذاءً أكثر مما تحمل نقدًا، وهو في كتابه «هكذا تكلم زرادشت» يقحم الإنجيل ويكذِّب كلمات المسيح، بل نحس ونحن نقرأ هذا الكتاب أنه يقلب العبرة والدلالة من كلمات المسيح، ويضع مكانها كلمات أخرى لها نقيض الأخلاق المسيحية، ثم يزيد على هذا فيحاكي أسلوب الإنجيل، فكما أن المسيح كان يجادل الفريسيين ويناقضهم، كذلك نيتشه قد جاء كي يجادل «الطيبين العادلين؛ لأن عقولهم مقيدة في سجون ضمائرهم»، ثم يخاطب تلاميذه بما يشابه، أو يطابق خطبة الجبل حين خاطب المسيح تلاميذه، ولكن مع الفرق في العبرة والدلالة؛ إذ حيث يدعو المسيح إلى الرحمة والحنان والإخاء البشري في أبوة الله، يدعو نيتشه إلى القسوة وضرورة التفاوت. ولنيتشه كما للمسيح خلوته واستيحاؤه، وله أيضًا «العشاء الأخير» الذي يقول عنه بلسان زرادشت: هذا العشاء لتذكروني. ثم تزداد الغيرة إلى حد الجنون فيقول: ما هي أعظم الخطايا على الأرض إلى يومنا هذا؟ أليست هي قول ذلك القائل: ويل لكم، أنتم الذين تضحكون في هذا العالم؟!  وهو هنا يشير إلى المسيح، ثم يحاكي ويناقض بما في قوله على لسان زرادشت. صحيح أنكم إذا لم تصيروا كالأطفال الصغار، فإنكم لن تدخلوا ملكوت السموات، ولكننا لا نرغب في أن ندخل هذا الملكوت؛ لأننا قد صرنا رجالًا، ولهذا نحن ننشد ملكوت الأرض. (زرادشت، هكذا تكلم زرادشت، لفريدريك فيلهيلم نيتشه) بل يتحدث في جنون، فيأسف على أن المسيح لم يُعَمَّر طويلًا، ويقول: إنه لو كان قد عَمَّر طويلًا لنقض آراءه التي كان قد قال بها، ثم يقول: حقًّا لقد مات هذا العبراني! لم يكن قد عرف في حياته سوى دموع العبراني وأحزانه، مع كراهة الطيبين والعادلين، هذا المسيح العبراني، ثم إذا ببيداء الموت تطويه... ولم يعش في البيداء بعيدًا عن الطيبين والعادلين، لعله لو كان قد فعل لكان قد عرف كيف يعيش، وكان عندئذٍ يحب الأرض والحياة أيضًا! ثقوا يا إخواني، إنه مات دون أن يعمل، ولو أنه كان قد عاش مثلما عشت، وعمَّر مثلما عمرت، لنقض ما كان قد قاله. أجل، إنه كان على شرف يحمله على أن ينقد ما كان قد قاله. ولكنه لم ينضج وحبه، إنما كان حب الشباب الذي ينقصه النضج، وهذا هو علة كراهته للأرض والحياة. (فريدريك فيلهيلم نيتشه) ••• إن كثيرًا من أقوال نيتشه يوهم الهوس إنْ لم نقل الجنون، وربما مما لا شك فيه أنه قضى نحو عشرين سنة وهو في جنون يكاد يكون مطبقًا؛ إذ كان في الدور الأخير من السفلس، ولعل هذا الجنون كان قد تسلل وئيدًا قبل أن يطبق عليه، ولعل أيضًا بعض هذيانه يعزى إلى هذا المرض، على أن كثيرًا من «الهذيان» لا يزيد أن يكون إسرافًا وتوترًا في التعبير، ولكن ليس من الصواب أن نحذف نيتشه بدعوى الهوى أو الهذيان أو الجنون، فإنه قد عرض لقضية إنسانية واضحة يجب على كل فيلسوف أن يواجهها في صراحة، وأن ينتهي منها إلى حكم فاصل، وليس ثَمَّ مفر من هذه المواجهة، وهذه القضية هي أن مصلحة البشر وارتقاء الإنسان يقتضيان محاربة الضعف والمرض والنقص، كما يقتضيان تشجيع وتأييد الصفات العالية كالصحة والقوة والذكاء، فما دام هذا هو الهدف، فهل من الخير للناس أن يؤسسوا المستشفيات لمعالجة المرضى؟ وهل من الخير أن يباح الزواج للأبله والمغفل والأشوه؟ ثم ما دمنا نؤمن بأننا كنا على مستوًى منخفض من الذكاء قبل مليون سنة، حين كنا والحيوان سواء، فلماذا لا نعمل في اطراد التطور، كي نزداد صحة وقوة وذكاء؟ لقد كنا في الغابة نعيش بالفطرة، وكانت الطبيعة قاسية لا ترحم ولا تعرف دواء لمعالجة المرضى، وكان الموت يفشو ويفتك بالآلاف، ولا يبقى منا غير الصالح القوي القادر على المشقات، ثم جاءت الحضارة فجمعت الضعيف إلى جانب القوي، وسادتنا أخلاق الرحمة والإخاء والتصدق، فعاش بهذه الأخلاق ناس ما كانوا ليستطيعوا العيش في الغابة، ثم هم مع ذلك يتزاحمون ويتناسلون فيجعلون المرض والضعف والدمامة مخلدة في العناصر البشرية. وصيحة نيتشه هنا: عودوا إلى شريعة الغابة، ثم عودوا إلى تنازع البقاء، هي صيحة تستحق النظر والتأمل، ولا يغني فيها القول بأنه كان مريضًا بالسفلس أو أن هذا القول هذيان؛ إذ ليس هذا هذيانًا. لقد كان القرن التاسع عشر عصر الإيمان بالوراثة، وهي القَدَر الذي يعيِّن لنا حظنا في الحياة بما ورثنا من كفايات من آبائنا. ومع أن القرن العشرين قد نقض كثيرًا من هذا الرأي، وأدحض بعض الأركان لهذا القدر، فإن الوراثة لا تزال تحتل جزءًا كبيرًا من التفكير البيولوجي، وكلنا يثق هذه الأيام بقيمة الوسط في التغير والتطوير، ولكن مع اختيار السلالات التي تعينت لها صفات واستقرت فيها خصائص بحيث نعود فنستغل هذه الصفات والخصائص في الوراثة. وقد ظهرت «اليوجنية» أي علم ترقية السلالات البشرية بناءً على الإيمان بالوراثة، وهي إلى الآن يوجنية سلبية، بمعنى أن الأمم المتمدنة تعمد إلى تعقيم الناقصين والبُلْه حتى لا يتناسلوا، وقد عمد هتلر إلى شيء من اليوجنية الإيجابية بتشجيع المتفوقين على التناسل وخصهم بميزات لم يكن يحصل عليها سائر أفراد الشعب، وذلك أيام النازية. وهذا كله من وحي نيتشه كما هو من التعاليم التي فشت عقب نظرية التطور. وقد كان لكتاب البيولوجي ڤيسمان «الجرثومة المنوية» أكبر الأثر في الإسراف في الإيمان بالوراثة، وقد أفسد هذا الرجل ذهني بل أخلاقي مدة طويلة، ولكن رويدًا رويدًا تغيرت النبرة في التطور، فبدلًا من القول بتنازع البقاء في الطبيعة أثبت كوربنكين أن التعاون، وليس التنازع هو شريعة الغابة، ثم انتهينا في السنوات العشر الأخيرة إلى التسليم بأن الوسط يغير الحي، نباتًا أو حيوانًا أو إنسانًا، وأن هذا التغير الوسطي يعود فيثبت بالوراثة. ففي ضوء التطورات، وفي تجارب الوسط لا نستطيع أن نسلم بمذهب نيتشه بأن نكون قساة لا نرحم، فالتطور يصبح بالتعاون، والوسط يستطيع أن يغير، ونحن البشر بما وصلنا إليه من معارف بيولوجية نستطيع أن نزيد سرعة التطور بالتنظيم الاجتماعي الذي يحقق الارتقاء البيولوجي. ••• كثيرًا ما أعود إلى قراءة نيتشه، لا لأنني مقتنع بمنطقه؛ ولكن لأني أجد سحرًا على الدوام في تعبيره وأحيانًا في تفكيره، انظر إلى ما يقوله عن الرحمة: إن الرحمة تناقض الشهوات الحية المنعشة التي ترفع نشاط البشر وتزيد إحساس القوة؛ إذ هي تكرب وتغم، ونحن نفقد حيويتنا حين نمارس الرحمة. وما نفقده من قوة وحيوية بسبب الألم مثلًا، يزداد ويتضاعف بالرحمة، حتى ليصير الألم معديًا بالرحمة، وقد يؤدي في بعض الظروف إلى أن نفقد الحياة ذاتها، وإذا شئت برهانًا على ذلك فاذكر هذا المسيح الذي انتهت به رحمته لأبناء البشر إلى الصليب. (فريدريك فيلهيلم نيتشه) وأيضًا تُفسد الرحمةُ شريعةَ التطور التي تقول ببقاء الأصلح، وهيتستبقي ما كان يجب أن يموت، كما تعمل لمصلحة الذين حكمت عليهم الطبيعة، وهي تضفي على الحياة لونًا قاتمًا بعدد الناقصين الفاسدين الذين نعولهم، وهي تضاعف التعس كما تحافظ عليه، وهي الأداة الأولى لترويج الانحطاط، وهي تؤدي إلى الفناء، إلى إنكار الغرائز التي تنبني عليها الحياة. (فريدريك فيلهيلم نيتشه) وليس شك أن في هذا الكلام هذيانًا كثيرًا، ولكنه كان هذيانًا يسحرني لأول وقعه في نفسي، وأنا خام أخضر في سن العشرين كان يسحر وينبه؛ إذ كان يبعث على المراجعة والفحص عن الأخلاق العامة والتقاليد الموروثة التي كنا نعيش فيها مستسلمين غير متسائلين أو مستطلعين. أو انظر على ما يقوله عن الحياة: إنما الحياة في صميمها امتلاك واحتياز وإيذاء، ومحق للضعفاء والعاجزين عن التلاؤم والتكيف، وهدف الحي هو إبراز شخصه والتمكن من تأدية وظائفه غير معارض أو معطل. (فريدريك فيلهيلم نيتشه) وهذه المقتبسات التالية هي صورة المجتمع والحضارة كما يراهما نيتشه؛ إذ يقول: إن نظام الطبقات هو السُّنة السائدة للطبيعة، وهي سُنَّة لا تستطيع أية قوة بشرية أن تتغلب عليها، ففي كل مجتمع صحيح توجد ثلاث طبقات لكل منها أخلاقه وعمله وما يفهمه من معاني الكمال والسيادة. وتتألف الطبقة الأولى من أولئك الذين يمتازون بالتفوق الذهني على سواد الأمة، وتتألف الثانية من أولئك الذين يمتازون بالتفوق العضلي، أما الطبقة الثالثة فمن المتوسطين. (فريدريك فيلهيلم نيتشه) وللطبقة الأولى ميزة التمثيل للجمال والسعادة والطيبة على الأرض، وأفراد هذه الطبقة يقبلون هذا العالم كما هو، ويستخدمونه بما في مستطاعهم. وهم يجدون سعادتهم في تلك الشئون التي تدمر من هم دونهم في الصعوبات، والقسوة نحو أنفسهم ونحو غيرهم من الجهد ولذتهم في حكم أنفسهم. والنسك عندهم طبيعة وضرورة وغريزة، وهم يتحملون الواجبات الشاقة كما لو كانت امتيازات يمتازون بها، وهم يرتاضون بتحمل الأعباء التي تسحق غيرهم إلى الموت. وهم زبدة الناس وأكثرهم حبًّا وفرحًا، وهم يحكمون عفو طبيعتهم، كما أنهم ليسوا أحرارًا في أن ينتظموا في الصف الثاني. أما الطبقة الثانية فتتألف من الأوصياء وحفظة النظام والأمن، رجال الحرب والأشراف والملك، وفوق هؤلاء القضاة حماة القوانين، وهم أسمى طرازًا من المقاتلين الحربيين، فإنهم ينفذون أوامر الطبقة الأولى ويريحونها من الأعمال اليدوية أو الخشنة التي يحتاج إليها الحكم. وفي أسفل توجد الطبقة الثالثة من أفراد الصناعات اليدوية والتجارة ومعظم الفنون والعلوم. ومن سنن الطبيعة أن يكون كل هؤلاء من المرافق العامة في الأمة أو دواليب تدور ووظائف تؤدى. والسعادة الوحيدة التي يستطيعها أفراد هذه الطبقة هي قدرتهم على أن يكونوا آلات ذكية؛ لأن الرجل المتوسط يفهم من السعادة أنها حال التوسط. والتخصص أو التفوق في تدريب معين هو غريزتهم، ولا يليق بالذهن الضيق أن يعارض حال التوسط هذه؛ لأن هؤلاء المتوسطين ضرورة للمجتمع البشري؛ إذ يتيحون للرجل الفذ أن يوجد. منْ مِنَ الناس أكرهه أكثر من غيره؟ أكره ذلك الاشتراكي الذي يهدم الغرائز السليمة عند العامل، بأن ينزع منه إحساس القناعة بمكانه ويجعله حسودًا ويعلمه الانتقام. أجل يجب أن نعرف أنه ليس هناك ظلم في تفاوت الحقوق. ••• مات نيتشه في عام ١٩٠٠، أي دفن في هذه السنة، ولكن الواقع أنه كان ميتًا منذ حوالي عام ١٨٨٥ للمرض الذي أشرنا إليه، وهو مرض لم يُقعد جسمه فقط بل أمات ذهنه، ولم يكد العالم المتمدن يحس بوجوده إلا بعد وفاته، وكان الإحساس عندئذٍ حادًّا، فمنذ عام ١٩٠٠ إلى عام ١٩٥٠ ونيتشه يعلو على جميع المفكرين الأوروبيين، بل يمثل مشكلة الضمير الأوروبي، مشكلة السياسة الأوروبية، سياسة التنازع إزاء سياسة التعاون. وهو لو كان فيلسوفًا فقط، يكتب بالرطانة الفلسفية التي لا يفهمها غير المثقفين، لما كان خطره كبيرًا، لكنه كان شاعرًا يتغنى ويترنم؛ ولذلك كان ولا يزال يجذب إليه الشباب الذين يقودهم إلى الضلال أو يهديهم إلى الرشاد، فهو غواية وفتنة كما هو نور ومعرفة، هو جنون وعقل. وأكاد أقول عندما أجد شابًا يقرأ نيتشه: حذار! لا تقدم، إنك على طرف هاوية، وقد تنزلق فتتردى، ولكن اقرأ دوستويفسكي وغاندي وشفايتزر وبرنارد شو، فهم الترياق الذي تحتاج إليه إذا قرأت نيتشه. لا بل يجب أن تقرأ نيتشه؛ لأن أقل ما فيه أن يحثك على التساؤل والاستطلاع، ويحول بينك وبين التسليم المطلق للعرف والعادة؛ إذ هو قوة تحريرية عظمى، ولكنه أيضًا يُحملك تبعات سامية بشأن المستقبل البشري على هذه الأرض، ويُكسبك العقلية الفلكية التكهنية في الفلسفة، وعندئذٍ ستعرف أن القيمة العظمى في الفلسفة ليست نظامًا منطقيًّا يقول بأن اثنين واثنين يساوي أربعة، وإنما هي في تعيين القيم والأوزان الأخلاقية التي تخدم رقي الإنسان، وفي التكهن بالمستقبل البشري والاستعداد له. وميزة نيتشه هنا أنه استطاع أن يقنع أوروبا بأن الأخلاق يجب أن تنبني على أساس بيولوجي بشري. كتب نيتشه حوالي عام ١٨٨٠ إلى أخته يقول: عديني أنني عندما أموت لن يقف حول نعشي سوى أصدقائي، ولن يكون حولي أحدٌ من الغوغاء المتسائلين، واعملي على ألا يلقي قسيس على قبري أكاذيب، وأنا عاجز عن حماية نفسي، وودعيني إلى قبري وأنا وثني شريف. (فريدريك فيلهيلم نيتشه) ومات في عام ١٩٠٠ مغمورًا لم ترثه جريدة، ولم تذكره جامعة، ولكنه بعث بعد موته؛ إذ أصبح الضجة الكبرى والصيحة العالية في جميع الأوساط المثقفة، ولا يزال دويه عاليًا واسمه رمزًا للتساؤل. وفي نفسي له حب وأسف وإقبال وصدود. --- ### الراهب القس أغاثون.. وما وراء الأحداث - Published: ۲۰۲٤-۰۹-۰۲ - Modified: 2025-01-22 - URL: https://tabcm.net/29659/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أغاثون الأنبا بيشوي, إكليروس, الأب متى المسكين, الكنيسة والدولة, المجمع المقدس, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس الخامس, بابا كيرلس السادس, دير الآباء السريان, دير الأنبا بيشوي, دير الأنبا مقار الكبير, رئيس محمد أنور السادات, سبت النور, عيد الغطاس, عيد القيامة, كمال زاخر, مدارس الأحد على هامش رحيل ونياحة الدكتور عادل شكري، رئيس تحرير مجلة مدارس الأحد، نعيد نشر المقال الذي كان أحد أسباب سحب اعتراف الكنيسة بالمجلة. المقال سبق نشره بمجلة مدارس الأحد، عدد أغسطس 1994، تحت عنوان: الراهب القس أغاثون.. وما وراء الأحداث!! على هامش رحيل ونياحة الدكتور عادل شكري، رئيس تحرير مجلة مدارس الأحد، نعيد نشر المقال الذي كان أحد أسباب سحب اعتراف الكنيسة بالمجلة. المقال سبق نشره بمجلة مدارس الأحد، عدد أغسطس 1994، تحت عنوان: الراهب القس أغاثون. . وما وراء الأحداث! ! تأتى الأحداث في شهر يونيو 1994 منذرة بأن علاقات راسخة قد اهتزت ومفاهيم مستقرة قد باتت في مهب الريح، لكن مجال عملها هذه المرة ينحصر في الكنيسة! ! ها هي منطقة مصر القديمة، التي تحمل لنا مجد الماضي ودروس الاتضاع والحب، وتمثل حِقْبَة من أخصب حقب تاريخنا الضارب في القدم، تزأر بصدام وتنفض عنها رداء الجسد الواحد، فتتناثر إلى أشلاء يلملمها الغريب ونلبسها نحن رداء الجسد! ! ها هي أحداث الكنيسة المفروض أنها تجمع المتفرقين إلى واحد -هكذا ينظر إليها الله ويستنجد بها العالم- تؤكد على الفرقة وتحسب الصدام نصرًا ولا تقيم وزنًا لعثرة أبنائها فيها ومنها! ! شيء ما حدث في مصر القديمة: هزيمة. . صدام. . عثرة. .  خلّف وراءه مرارة في النفوس، ونحن هنا لسنا بصدد سرد للأحداث والحكم عليها، لكننا نستقرئ ما خلف السطور ونستشف -إن أمكن- ما بالصدور، نستصرخ أصحاب الضمائر التي ما زالت حية بفعل وفاعلية الروح القدس في الكنيسة أن يجتمعوا في قلب واحد في إيجابية ليتدارسوا واقعها ويقيموها من عثرتها. وإن كنا في كل وقت محتاجين للصلاة فإننا في هذه الأيام أكثر احتياجًا إلى صلاة الدموع. لقد وجدنا أنفسنا فجأة أمام أخبار متسارعة: • صدر قرار من قداسة البابا بإبعاد القس أغاثون الأنبا بيشوي، كاهن كنيسة أبي سيفين بمصر القديمة، عن الخدمة، ليس فقط في كنيسة أبي سيفين، بل في القاهرة كلها، صادف هذا مناسبة الاحتفال بعيد هذا القديس والشعب كله يملأ الكنيسة في فرح ابتهاجًا بقدوم هذه الذكرى المقدسة. • زار البابا الكنيسة مفاجئًة، وهى الزيارة الأولى من قداسته للكنيسة على مدى خمسة عشر عامًا وذلك يوم العيد نفسه، وكانت مدة الزيارة خمس دقائق فقط، وفي هذا يقول الأب أغاثون إنه كثيرًا ما ألح من قبل على قداسة البابا أكثر من مرة أن يزور الكنيسة ليتابع أعمال الترميم والتطوير لكنه لم يستجب. أما هذه الزيارة فقد جاءت في أعقاب القرار الذي أحدث صدمة في نفوس الشعب فكانت الأحداث المؤسفة التي أدت أن تنال من الهيبة وتنذر -لولا عناية الله- بوقوع كارثة. ((لم يكن الأب أغاثون في شرف استقبال قداسة البابا، وذلك حسب تعليمات مشددة عبر التليفون من الأنبا يوأنس، الأسقف العام. )). • توقف العمل في تطوير المنطقة المحيطة بالكنيسة فورًا بعد نحو اثنا عشر عامًا من الجهد الدؤوب العلمي الصامت والمنظم في ترميم الكنيسة الذي قاده وأشرف عليه الأب أغاثون ومعه فريق من المتخصصين كل في مجاله، وإن كانت الناحية الفنية اختص بها مجموعة من المتخصصين فإن الشئون المالية للكنيسة كانت من اختصاص لجنة الكنيسة برئاسة اللواء سمير حكيم، ولم يكن للقس أغاثون أي تدخل أو صلاحيات إيداع أو صرف أموال الكنيسة التي كانت تتم بتوقيع رئيس اللجنة وأمين الصندوق، اللذان ذكرا أن للكنيسة وديعة بالبنك قيمتها 35 ألف جنيهًا مصريًا تم تسليمها للجنة المشكّلة لاستلام الكنيسة ومتعلقاتها. أما ثمار هذه الجهود فكانت كما يلي وفقًا للتسلسل الزمني: 1. ترميم الشروخ في الحوائط والقباب التي كانت على وشك الانهيار في غضون عام 1983 بواسطة مهندسين أكفاء وشركة كوماچ تحت إشراف المهندس محروس أديب. 2. علاج وإصلاح جميع أخشاب الأسطح التي كانت بغير غطاء تمامًا، وكذلك الأحجبة الخشبية الثمينة التي أتت عليها الرطوبة وصارت وكرًا للوطاويط كأي مكان مهجور ((كانت الكنيسة مغلقة تمامًا منذ عام 1971 حتى عام 1981 عندما بدأ الأب أغاثون العمل بها. ))، وتولى الإشراف على هذا العمل مع الأب أغاثون؛ م. نبيل لطفي، م. ممدوح إبراهيم. 3. ترميم الأرضيات أسفر عن اكتشاف أقدم مغطس في مصر القديمة. وأشرف على هذه الأعمال بكفاءة عالية مهندس سامي سعد ((المغطس هو حجرة تحت مستوى الأرض أبعادها 4×4×3متر، وحتى القرن العاشر تقريبًا كان الأقباط في عيد الغطاس يغطسون فيها تذكارًا لعماد السيد المسيح في نهر الأردن. )). 4. ترميم ما يزيد عن 300 أيقونة أثرية مما جعل الكنيسة تحوي متحفًا قبطيًا متميزًا بكل المعايير، حسب شهادة وزير الثقافة في أثناء زيارته المفاجئة، التي جاءت خلال جولته بالمنطقة. وقد تم هذا العمل -الذي توقف بعد الأحداث الأخيرة- على يد الخبيرة الهولاندية؛ د. سوزان إسكالوفا يساعدها نفر من الشباب القبطي المتخصص فيما يحسب نواة لمعهد علمي لترميم الأيقونات يقوم على القواعد العلمية والخبرات العملية المتنامية. 5. تسجيل وثائقي لأكثر من 3 آلاف صورة على سلايدز في طريقها إلى النقل على ميكروفيلم لكل حجر وصورة وأيقونة وجدار وأثر في الكنيسة، وهو عمل ضخم جبار، ، فضلًا عن تصوير أكثر من فيلم تلفزيوني عن مراحل الترميم تحكي قصة الكنيسة قبل الترميم وخلاله وبعده، وذلك بواسطة فريق متخصص في التوثيق الفيلمي يتألف من؛ الأستاذ شفيق شماس، والفنان التشكيلي إيهاب شاكر، والكاتبة الصحفية سميرة شفيق، والمؤرخة البريطانية چيل كاميل، والدكتورة سوزان اسكالوفا، والدكتور جوزيف الذي أنهى دراسته مؤخرًا للآباء في اليونان، والدكتور چون المحاضر المعروف في جمعية الآثار. 6. تسجيل تاريخي للعمل حسب القواعد المقررة؛ فعلى سبيل المثال، لا الحصر، يوجد في الدور الثاني للكنيسة هيكل باسم القديس الأنبا أنطونيوس، ضمن أربعة عشر هيكلًا تضمهم الكنيسة، التي كانت في حِقْبَة مزدهرة من تاريخ الكنيسة مقرًا للكرسي البابوي، ومدفون تحت مذبحها الكبير 14 بطريركًا. ترك فريق العمل رسالة تاريخية من خلال هذا الهيكل للأجيال القادمة برسم ثلاث أيقونات جدارية بالموزاييك: ـ الأولى للأنبا أنطونيوس صاحب المكان. ـ والثانية للأنبا كيرلس الذي أقام فيه مدة ثلاث سنوات حين كان راهبًا وكان أب اعتراف راهبات دير أبى سيفين. ـ والثالثة لقداسة البابا شنودة الثالث الذي تم الترميم في عصره. 7. الامتداد بالتطوير إلى المنطقة المحيطة بالكنيسة في خطوات متأنية ومدروسة، وفي محبة وهدوء من خلال اتفاق الأب أغاثون والأم إيريني، رئيسة دير الراهبات، على السعي لإخلاء المساكن العشوائية المحيطة بالكنيسة والدير ((تزيد عن 30 بيتًا وتشمل نحو 50 أسرة، تم إخلائها بالتراضي من خلال إيجاد مسكن بديل لكل أسرة بجهد دير الراهبات ومساهمة الأب أغاثون الذي كان منهجه تقديم المحبة أولًا. )). وبعد الإخلاء يضم الدير المنطقة الخلفية باعتبارها امتدادًا طبيعيًا للدير، وتعادل مساحتها ثلاث أمثال مساحة الدير الأصلية الذي بناه البابا كيرلس الخامس. أما المساحة التي في الممرات بداخل باطن الكنائس الثلاثة (أبو سيفين، أنبا شنودة، العذراء الدمشيرية) فتضم إلى هذه للكنائس الثلاث للانتفاع بها، وكان هذا الاتفاق بحضور كل من؛ الأستاذ شارل فلتس، والمهندس سامى سعد، والمهندس محب بولس، والمهندس ماهر إندراوس، واللواء سمير حكيم، فضلًا عن مهندس كنيسة الأنبا شنودة ومهندس كنيسة العذراء، وقد تم هذا الاتفاق منذ نحو 4 سنوات وبالإجماع، وتم إنجاز نحو 90% من هذا الاتفاق في السنة الأولى وبنى الدير 150 قلاية، و150 دورة مياه على المساحة التي خصصت له طبقًا لما تم الاتفاق عليه. 8. إقامة حزام حول الكنائس والدير يحفظ المنطقة للأجيال والتاريخ كقيمة حضارية، الأمر الذي دفع وزارة الثقافة باعتبارها راعية وحامية للآثار المصرية إلى ضم جهودها إلى تلك الجهود الجبارة في خطة جسورة لتحويله إلى مركز أثري حضاري معاصر في إسهام جاد لتنشيط السياحة وتأصيلًا لمصرية ووحدة كل المصريين، ودون المساس بحرمة دير الراهبات. جدير بالذكر أن الأب أغاثون ومجموعة العمل طلبوا أكثر من مرة تحديد موعد للقاء مع الأخ المسؤول والراعي لدير الراهبات عمليًا وله الكلمة الأولى واليد الطولى فيها، ولكنه لم يتجاوب معهم أو يقابلهم بل تجاهل جهود الآخرين. تعالوا نبحر نحو الجذور: كان لابد لنا من لقاء مع أطراف الصدام، ولم يتح لنا إلا لقاء مع الأب أغاثون، لأسباب لم تعد خافية على أحد ((اقتصر لقاء قداسة البابا على صحفيي أكتوبر والأهرام في اللقاء الصحفي الذي أشير إليه في جريدة الأهرام 15 / 7 / 1994. )).  وأحسب أن صفحات المجلة، مجلة مدارس الأحد، ستظل مفتوحة وترحب برأي أيّ طرف آخر يقدر الحوار ويقدر على التحاور. كان إبحارنا مع الأب أغاثون نحو الجذور فيما نراه ضرورةً لإلقاء الضوء على منهج اتخاذ القرار. فقبل نحو ثلاث وثلاثين عامًا، توجه بعض من شباب كنيسة الأنبا أنطونيوس بشبرا لزيارة دير أبي سيفين ببلدة طموه بالجيزة، وكان به راهب واحد فقط ((أبونا أغاثون، أو الأنبا أغاثون، الأسقف العام، فيما بعد، وكان أسقفًا عامًا للكرازة. وفي عام 1974؛ أُسندت إليه رئاسة دير الأنبا بولا. وفي 29 مايو 1977 رُسم أسقفًا للإسماعيلية، ثم مطرانًا للإسماعيلية في 17 نوفمبر عام 1991، وتنيح في 30 مايو 1999. )). كان صبري نجيب قزمان ضمن هؤلاء الشباب، ولأول مرة يلتقي راهبًا في حياته. كان لقاءً أبويًا بين راهب يجد الشباب عنده ارتياحًا وبين شاب يخطو خطواته الأولى في خدمة مدارس الأحد، وهو لم يتجاوز بعد سن السادسة عشر. وعاد الشاب مع رفاقه إلى بيته وقد تحرك في قلبه شوق الرهبنة. وحفظ الله هذا الشوق في زق عبده. ويجري الزمن حتى يتوقف عند عام 1976. في ذلك اليوم، حزم المهندس صبري أمره ومعه القليل من أمتعته الشخصية وتوجه إلى دير الأنبا مقار ببرية شيهيت ليترجم شوقه القديم إلى واقع مُعاش. وعندما انضم إلى رهبان الدير، فوجئ بأن اسمه الرهباني أصبح أغاثون، وهو نفس اسم الراهب الذي قابله لأول مرة بدير طموه! ! وقد اعتبرها إشارة واضحة لقضاء الله الذي يسمع خفقات قلوب البشر. لم يكن اختياره لدير أنبا مقار بالذات رمية بغير رام، بل لأنه يعرف أن هذا الدير ليس له مكان على خريطة الخدمة الكنسية الرسمية منذ عام 1971، فتكون رهبنته للرهبنة المجردة. . حلمه وشوقه وشهوة قلبه. وفي أوائل عام 1979 يرى رؤيا يكشفها لأبيه الروحي، ويعود قلبه ليتحرك مرة أخرى ويلح عليه خاطر: لماذا لا يكون لك دور إيجابي -وأنت تملك مقوماته- في المصالحة بين الدير وقيادة الكنيسة؟ ويكشف خاطره لأبيه الروحي ويلح في طلب فرصة لمسعاه ويُعطَى الفرصة، وينطلق بسيارة الدير ويقصد دير الأنبا بيشوي ويقابل قداسة البابا شنودة الثالث، ويفشل في مسعاه، لأسباب موثقة ومسجلة وقد يأتى زمان يحتمل كشفها، ولا يعود إلى ديره بحسب تحذير وشرط مسبق من الأب متى المسكين، ويبقى بدير الأنبا بيشوي. ويضمه قداسة البابا إلى سكرتاريته بقرار بابوي، ويبدي الأب أغاثون تحفظين وهو مقبل على عمله الجديد: الأول: أن تبقى دائرة خدمته في مصر ولا يبرحها إلى بلاد المهجر. الثاني: ألا تكون تمهيدًا لرسامته أسقفًا. ويجاب إلى طلبه.  ورُسِمَ قسًّا لمقتضيات الخدمة في 18/7/1979 في اليوبيل الفضي لرهبنة البابا شنودة وما يزال على هذه الرتبة حتى يومنا هذا. ويصدم في عمله الجديد أنه تقريبًا بلا عمل، وكلما حاول أن يعرض المشاكل التي ترد إليه ويضع تصورًا لحلها يجد أن المنطق السائد؛ دع المشاكل للزمن... لا تقربها إلا عندما تسقط أمامك -بفعل الزمن- ومعها حلها! ! . ولحبه للخدمة راح يبحث لنفسه عن دور روحي، فانخرط في خدمة الاجتماعات بالكنائس المختلفة. حتى جاء عام 1980 بأحداثه المريرة والمتلاحقة منذرة بصدام وشيك بين الكنيسة والدولة، فيتخذ المجمع المقدس قرارًا بعدم الاحتفال بعيد القيامة والاعتذار عن تلقي التهنئة الرسمية بالعيد. وعلى الفور، يترك البابا القاهرة متوجهًا إلى مقره بدير الأنبا بيشوي. وتمر الأحداث متثاقلة. وفي نهار يوم سبت النور، يدق جرس الهاتف في مكتب سكرتارية البابا، وكان على الطرف الآخر "مكتب السيد نائب رئيس الجمهورية". وكانت الرسالة: ضرورة إبلاغ قداسة البابا رجاء أن يصلي العيد بالقاهرة مع وعد بتدارس الأمر المعلق والمقلق من أجل الصالح العام. ويعقب ذلك اتصالات هاتفية أخرى من شخصيات رفيعة المستوى ((كان الاتصال من السيدة جيهان السادات من الولايات المتحدة الأمريكية. )) تحوي نفس المضمون ((شهد هذه الواقعة ثلاثة: الأب أغاثون، د. يوسف منصور، الشماس مايز چورچي. )). ويسقط في أيديهم، ويأتي الأنبا صموئيل من بيته بالجيزة ليقف على آخر الأخبار. ويعرف قصة الاتصالات ويسأل بدوره: ماذا نفعل؟ فينبرى الأب أغاثون ويحمل مهمة إبلاغ قداسة البابا فيما حسبه وقتها من أجل صالح الكنيسة والوطن. وينطلق بسيارته الخاصة -التي أهداها له والده لمساعدته في خدمته- إلى الدير، ويتقابل مع الأنبا صرابامون أسقف الدير الذي يبلغه أن قداسة البابا يرفض المقابلات ولكن إن كان على مسؤوليتك الشخصية فاتصل به بالتليفون الداخلي. فيتصل ليرد عليه عم وديع وينقل له موافقة قداسة البابا على مقابلته. فيتقدم نحو المقر... يستقبله قداسة البابا وعندما يعلم بفحوى الرسالة يثور في وجهه ويعنفه -بغير تفسير واضح- فيلملم أبونا أطرافه ويقصد قلايته. وعندما يأتي المساء يشترك في قداس العيد الذي ينتهي نحو الساعة الثانية من صباح الأحد، فيشهد الدير في هذا التوقيت زيارة مفاجئة من أبونا متى المسكين الذي يقابل قداسة البابا ويحمل له رسالة رسمية بنفس المعنى ويعود لتوه بغير راحة إلى ديره بغير نتيجة. ويعلم الأب أغاثون أن الأب متى المسكين كان يقوم برحلات مكوكية بين البابا وجهة أخرى ((كان بدير أنبا مقار هاتف أرضي مباشر، يتم من خلاله إجراء الاتصالات مع خارج الدير. ))، ربما وصل عددها إلى أربعة قبل لقاء صبيحة الأحد هذا. وتتلاحق الأحداث متصاعدة، ويحدث الصدام المدوي في سبتمبر 1981، وتتشكل اللجنة الخماسية فيما يُعد تجنبًا لمزيد من التصعيد، ويُسند فيما بعد إلى الأب أغاثون مهمة الخدمة في كنيسة أبي سيفين بمصر القديمة في تطور لاحق بأمر من قداسة البابا. دعونا نعبر بغير توقف إلى ما حدث في مصر القديمة بالأمس القريب، لنرى أبونا أغاثون متحيرًا يبحث عن تفسير بشأن القرار الصادر ضده، والذي تغير وتبدل ثلاث مرات على مدى ثلاث أيام: - في اليوم الأول: عليه الذهاب إلى دير الأنبا بيشوي. - في اليوم الثاني: بل عليه الذهاب إلى دير السريان. - في اليوم الثالث: لا... عليه البقاء في بيت الأسرة بمصر الجديدة. وعندما يتوفر لديّ الوقت، سأستدعيه! ! وتبقى أسئلة: • هل صدام 94 يمتد بجذوره إلى عام 1980 وأحداثه؟ وقد توقف العمل فيما ينذر بسحب مشروع وزارة الثقافة المبنى والمرتبط بجهود الأب اغثون داخل الكنيسة، يكون السؤال: لمصلحة من نخسر دعمًا حكوميًا ضخمًا وما زالت الحكومة تمد يدها بالمعاونة؟! • هل صحيح أن سبب تفجر الموقف: الخلاف على اسم الشركة المنفذة لمشروع التطوير؟ وإذا كان هذا صحيحًا، فما مدى مسؤولية أبونا أغاثون وصلاحياته في اتخاذ قرار الإسناد، علمًا بأن المشروع في الأساس حكومي وله قواعده المنظمة والمعروفة؟ • هل صحيح أن مسؤول دير الراهبات قد تراجع عن تعهده السابق في جلسة الاتفاق وأصبح يطمع في ضم بقية الأراضي بل والكنائس أيضًا إلى دير الراهبات؟ وما الذي سيفيده دير يعيش في عزلة عن خدمة المنطقة؟ • أما كان من الأجدى، ولحساب المصلحة الكنسية العامة، وكما هو متبع في الأوساط المتحضرة، والكنيسة محسوبة بحكم تاريخها وقيمها واحدة منها، أن يتم نقل الإشراف على كنيسة أبي سيفين بشكل سلمي يتم فيه تسليم العمل بشكل منظم يضمن استمراريته؟! • ومن المسؤول عن استدعاء الأمن لتنفيذ قرار تنحية الأبونا أغاثون وما الذي كان سيحدث لو أنه رفض الخروج؟ وعلى من تقع مسؤولية الصدام حينئذ؟ لقد كان عملًا استفزازيًا لمشاعر المئات من شعب المنطقة وفيه تعسف في استخدام السلطة، ولعل هذا يفسر لنا مبررات الاستقبال غير الودي بل والعدائي الذي حدث، مما يحتم على المجمع المقدس أن يتخذ خطوة حاسمة في اتجاه المصالحة وإنهاء الأزمة. وتبقى قضيتنا: لعل هذا الحدث النموذجي، وهو نمط يتكرر كثيرًا وعلى مستويات متعددة، نجده في علاقات الأساقفة بالكهنة والكهنة باللجان الكنسية، وعلاقات أمين مدارس الأحد بالخدام، وعلاقات رئيس الدير بالرهبان، كنتيجة طبيعية لتأصل فكر الحكم المطلق. لعل هذا الحدث النموذجي وتداعياته ينبهنا إلى قضية عامة أولى بالبحث، وهي التدبير الكنسي اليوم، أو بلغة أخرى الإدارة الكنسية: ما هي أحكامها وضوابطها وحدودها؟ وما هي درجاتها ونتائجها التي تصب في النهاية في وعاء السلام الكنسي وتؤثر بالضرورة في حيوية الخدمة وأبدية أبناء الكنيسة بمقادير متفاوتة؟ ويبقى لنا في النهاية؛ تصوّر: أتصور أن الأمر أعمق من أن تقدم حلوله في مقال، أو ملف في عدد، أو حتى عدد خاص، وإن كانت هذه كلها تقدم مداخل لدراسات متخصصة؛ ذلك لأنه يمس مصير وأبدية بل وبقاء شعب الكنيسة كله، صاحب الحق والمصلحة في أن يعيش كنيسة واعية لمهامها وأدوات تحقيقها. أحسب أن الأمر يحتاج إلى الدعوة لعقد ندوات علمية كنسية لتدارس الأمر على مدى زمن معين بحسب القضايا المطروحة، وفق جدول أعمال مدروس، تحت عنوان مقترح؛ التدبير الكنسي، وأثره على السلام الكنسي. تُطرح فيه كل الرؤى لتتفاعل بعضها مع البعض الآخر لتخرج بتوصيات شعبية مؤثرة في شكل برامج عمل ولوائح تنفيذية تحدد مهام وضوابط عمل كل القوى العاملة في الكنيسة؛ الإكليروس بدرجاته، الأديرة، المجالس الملية، مدارس الأحد، الأسقفيات العامة، كيفية الإدارة، ضوابط الإشراف على موارد الكنيسة وقنوات صرفها... إلخ. ثم توضع كلها أمام مدبري الكنيسة لينتهوا إلى ميثاق عمل يلتزم به كل الأطراف. ويبقى السؤال من يأخذ المبادرة الشعبية؟! ويبقى لنا تعليق: وبعيدًا عن الأشخاص، وحتى لا نصطدم بقرار متعجل بعودة الآباء الرهبان إلى أديرتهم، نرى ضرورة طرح بديل ثالث يوفق بين حاجة الكنيسة إلى خدمة المتبتلين في دائرة الكهنوت وبين خصوصية الرهبنة من حيث أنها تفرغ للعبادة والدراسة. وهو دراسة استحداث شكل جديد للخدمة يسمح للمتبتلين من غير الرهبان بالدخول إلى خدمة الكهنوت بغير المرور على الدير حتى لا يصبح الدير مجرد قناة للدخول إلى الخدمة الكهنوتية، بشرط إعدادهم إعدادًا كاملًا للخدمة من خلال معاهدنا التعليمية. ونحسب أن الأمر يحتاج إلى رأي القراء والمتخصصين في هذا الشأن. --- ### الله الخالق: رواية الخلق (سفر التكوين) (١) - Published: ۲۰۲٤-۰۸-۳۱ - Modified: 2024-08-31 - URL: https://tabcm.net/29438/ - تصنيفات: كتاب مقدس الجزء الأول  الفرق بين الشكل والمضمون في رواية الخلق هناك إجابة واحدة سبق أن توصلنا إليها منذ بعض الوقت، حيث كانت النظرة العلمية للعالم تتبلور تدريجيًا، وربما صادفها الكثير منكم في تعليمكم الدينيّ. تقول هذه الإجابة إنّ الكتاب المقدس ليس كتابًا في العلوم الطبيعية، ولا يهدف إلى أن يكون كذلك. إنه كتاب ديني، ومن ثم لا يمكن للمرء أن يحصل منه على معلومات عن العلوم الطبيعية. لا يمكن للمرء أن يحصل منه على تفسير علمي لكيفية نشأة العالم؛ يمكن للمرء أن يستخلص منه فقط الخبرة الدينية. أي شيء آخر هو صورة وطريقة لوصف الأمور التي تهدف إلى جعل الحقائق العميقة ممكنة الفهم للبشر. يجب التمييز بين شكل التصوير والمضمون الذي يجري تصويره. فالشكل كان يمكن اختياره مما كان مفهومًا في ذلك الوقت -من الصور التي كانت تحيط بالناس الذين كانوا يعيشون آنذاك، وكانوا يستخدمونها في الكلام وفي التفكير، وبفضلها استطاعوا فهم الحقائق الكبرى. والواقع الذي يسطع من خلال هذه الصور هو فقط ما كان مقصودًا وما كان باقٍ حقًا. وهكذا لا يريد الكتاب المقدس أن يخبرنا عن كيفية ظهور الأنواع المختلفة من الحياة النباتية بالتدريج، أو كيف نشأت الشمس والقمر والنجوم. إن الغرض منه في نهاية الأمر هو أن يقول شيئًا واحدًا: لقد خلق الله العالم. فالعالم ليس، كما اعتاد الناس أن يعتقدوا آنذاك، فوضى من القوى المتعارضة، وليس مسكنًا لقوى شيطانية يجب على البشر أن يحموا أنفسهم منها. فالشمس والقمر ليسا إلهين يحكمانهم، والسماء التي تنبسط فوق رؤوسهم ليست مليئة بالآلهة الغامضة والمتعارضة. بل كل هذا يأتي من قوة واحدة، من عقل الله الأزلي الذي صار -في الكلمة- قوة الخلق. كل هذا يأتي من نفس كلمة الله التي نلتقي بها في فعل الإيمان. وهكذا، فبقدر ما أدرك البشر أن العالم جاء من الكلمة، توقّفوا عن الاهتمام بالآلهة والشياطين. بالإضافة إلى ذلك، تحرّر العالم لكي يرفع العقل نفسه إلى الله ولكي يقترب البشر من هذا الإله بلا خوف. الكاردينال جوزيف راتسنجر (البابا بندكتوس السادس عشر) ترجمتي عن الإنجليزيّة: Joseph Cardinal Ratzinger, Boniface Ramsey - In the Beginning... '_ A Catholic Understanding of the Story of Creation and the Fall-Wm. B. Eerdmans. --- ### إشارات التقليد الإسكندري - Published: ۲۰۲٤-۰۸-۳۰ - Modified: 2024-08-30 - URL: https://tabcm.net/29010/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: أوريجينوس ليونايدس أدامانتيوس, إفخارستيا, إيسيذوروس الفرمي, الشيطان, العشاء الأخير, المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية, بابا كيرلس عمود الدين, چورچ عوض إبراهيم, شيريمون, عيد الفصح, كنيسة الإسكندرية, نصحي عبد الشهيد بطرس سوف نستعرض في هذا الجزء إشارات آباء كنيسة الإسكندرية عبر العصور المختلفة إلى تناول يهوذا الإسخريوطيّ من سر الإفخارستيا في العشاء الأخير، للتأكيد على وجود اتفاق في التقليد الإسكندريّ على هذه الحادثة، وكيف استخدم آباء كنيسة الإسكندرية هذه الحادثة من أجل أمور رعوية وكنسية تختص بالموقف من مُناولة الخاطئ المتقدِّم إلى سر الإفخارستيا. العلامة أوريجينوس 185-253م يُؤكِّد العلامة الإسكندريّ أوريجينوس، الذي كان على دراية بالتقاليد والطقوس اليهودية في عيد الفصح، على تناول يهوذا من الإفخارستيا، ويُعتبر التقليد الذي ينقله العلامة أوريجينوس هو من أقدم التقاليد التي تؤكِّد على تناول من سر الإفخارستيا في العالم المسيحيّ عامةً وفي التقليد الإسكندريّ خاصةً كالتالي: ((Origen of Alexandria, In Johannem, 32, 24 GCS, 4, 468 )) لأن مَن يأكل بدون استحقاق خبز الربِّ أو يشرب كأسه، يأكل ويشرب دينونة، لأن القوة العظيمة الموجودة في الخبز والكأس، تثمر صلاحًا في النفوس الصالحة، وينتج عنها أمور شريرة في النفوس الرديئة! اللقمة التي أخذها يهوذا من يسوع كانت هي نفس اللقمة، التي أعطاها لباقي الرسل الآخرين قائلاً: خذوا كلوا، كانت خلاصًا لهم ودينونةً ليهوذا، لذلك بعد اللقمة، دخله الشيطان (Origen of Alexandria, In Johannem) ق. كيرلس الإسكندري 376-444م يُؤكِّد ق. كيرلس الإسكندريّ على تناول يهوذا من سر الإفخارستيا في تفسيره لإنجيل لوقا، حيث تلطف الرب وأدخله إلى المائدة المقدَّسة، وإلى أعلى الكرامات، ولكنه صار الواسطة والوسيلة لقتل المسيح بخيانته كالتالي: ((كيرلس الإسكندري، تفسير إنجيل لوقا، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2016)، عظة 148، ص 720  )) كما أنه يضيف إلى ذلك أنه أحد الأثنى عشر، وهذا أيضًا أمرٌ له أهمية عظيمة ليُظهِر بوضوحٍ تامٍ شناعة جريمة الخائن. لقد كان معادلاً في الكرامة للباقين، وكان مُزيَّنًا بكل الكرامات الرسولية، ولكن هذا المختار والمحبوب، والذي تلطَّف الربُّ وأدخله إلى المائدة المقدَّسة، وإلى أعلى الكرامات، صار الواسطة والوسيلة لقتل المسيح، لأن واحدًا من البشيرين القديسين يقول بخصوصه إنه بينما كان المخلِّص متكئًا على المائدة مع باقي التلاميذ، فإنه أعطاه لقمةً بعد أن غمسها في الصفحة: فبعد اللقمة دخله الشيطان((إنجيل يوحنا 13: 27)). (كيرلس الإسكندري، تفسير إنجيل لوقا) ويُوضِّح ق. كيرلس الإسكندريّ في سياق تأكيده على تناول يهوذا الإسخريوطيّ من سر الإفخارستيا أن الربَّ سمح ليهوذا، وتنازل، ودعاه إلى المائدة، وقد حُسِبَ أهلاً للطف اﻹلهي حتى النهاية، لكن بهذا صارت عقوبته أكثر شدةً قائلاً: ((المرجع السابق، عظة 142، ص 694 )) أمَّا يهوذا الخائن الذي كان يأكل معه فقد توبخ بتلك الكلمات التى قالها المسيح: ’ولكن هوذا يد الذي يسلِّمني هي معي على المائدة‘. ﻷنه ربما تخيل في حماقته العظيمة، أو ربما باﻷحرى لكونه امتلأ بكبرياء إبليس أنه يمكنه أن يخدع المسيح مع أنه اﻹله، لكن كما قلتُ، إنه أُدين لكونه باﻹجمال شريرًا ومبغضًا لله وخائنًا. ومع هذا فقد سمح له الرب وتنازل ودعاه إلى المائدة، وقد حُسِب أهلاً للطف اﻹلهي حتى النهاية، لكن بهذا صارت عقوبته أكثر شدةً. (كيرلس الإسكندري، تفسير إنجيل لوقا) ويشير ق. كيرلس الإسكندريّ إلى اشتراك يهوذا في المائدة المقدَّسة مع المسيح مثله مثل باقي التلاميذ، وهكذا يؤكِّد ق. كيرلس على تناول يهوذا من عشاء الفصح واشتراكه أيضًا في التناول من المائدة المقدَّسة، في سياق تأكيده على تناول يهوذا من سر الإفخارستيا كالتالي: ((كيرلس الإسكندري، شرح إنجيل يوحنا مج2، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرين، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2015)، تعليق على (يو 18: 3)، ص 422. )) لأن ذاك الذي كان يتعشى مع المسيح منذ قليل، وأكل معه، واشترك في المائدة المقدَّسة، ومثل بقية التلاميذ كانت له فرصة الانتفاع بكلماته التي تحث على البرِّ، وقد سمعه وهو يعلن بوضوحٍ إن ’واحدًا منكم يُسلِّمني‘، وكأنه إذ سمع هذا القول، قفز من مكانه على نفس المائدة، وبعد أن كان متكئًا معه، أسرع في الحال إلى اليهود ليأخذ أجرة خيانته منهم، فهو لم يهتم بكلمات المسيح الملهمة، ولم يُفكِّر في المجد الآتيّ، ولم يُبالِ بالكرامة المعطَاة له، وباختصارٍ، فإنه فضَّل مبلغًا ضئيلاً وخسيسًا من المال على السعادة الكاملة التي لا نهاية لها، وبرهَّن أنه هو الشبكة أو الفخ الذي اصطاد به الشيطان المسيح، هذا الشيطان الذي هو المحرِّك والعامل مع اليهود في شرهم ضد الله. (كيرلس الإسكندري، شرح إنجيل يوحنا مج2) ويستخدم ق. كيرلس الإسكندريّ نبوة (مز 41: 9) ”الذي يأكل خبزي رفع عليَّ عقبه“، وما خبز الربِّ الذي أكله يهوذا سوى جسده المقدَّس، وذلك في سياق تأكيده على تناول يهوذا الإسخريوطيّ من سر الإفخارستيا قائلًا: ((المرجع السابق، تعليق على (يو 13: 23-26)، ص 111. )) ولكن المخلِّص لم يُعطِه أي توضيح أكثر عن الأمر سوى ما سبق أن أنبأ به الأنبياء قديمًا بالقول: الذي يأكل خبزي رفع عليَّ عقبه ((مز 41: 9 )). فحينما غمس اللقمة، أعطاها ليهوذا، مبينًا أنه هو الذي كان يأكل خبزه. وهكذا أزال الخوف الذي شعر به التلاميذ القديسون، كما يبدو أيضًا إنه يُذكِّرهم بنبوةٍ أخرى، وهي التي تقول: بل أنت إنسان عديلي إلفي وصديقي. الذي معه كانت تحلو لنا العشرة: إلى بيت الله كُنَّا نذهب في الجمهور ((مزمور 55: 13-14 )). ففي وقت ما كان الخائن نفسه رفيقًا وصديقًا للمخلِّص، يأكل معه على نفس المائدة، ويشترك في كل شيء مما يُحسَب علامة مُميَّزة للتلمذة؛ إذ إنه كان له نصيب بين التلاميذ الآخرين، الذين كرَّسوا كل حياتهم للمخلِّص. (كيرلس الإسكندري، شرح إنجيل يوحنا مج2) ويستطرد ق. كيرلس في نفس السياق مُطبِّقًا نبوة (مزمور 41: 9) على تناول يهوذا من الإفخارستيا، حيث يؤكِّد على أن اللقمة التي أخذها يهوذا لم تكن هي سبب امتلاك الشيطان عليه، ويستنكر أن تكون لقمة البركة التي أخذها يهوذا، أي الإفخارستيا، هي التي أعطت فرصة للشرير أن يدخل فيه كالتالي: ((المرجع السابق، تعليق على (يو 13: 26-27)، ص 112. )) لأنه حينما غمس اللقمة أعطاها له، مبينًا بذلك مَن هو الذي أكل خبزه، وكان على وشك أن يرفع عليه عقبه. ولكن الإنجيليّ الحكيم جدًا يخبرنا أن الذي قاده وغرس فيه عدم تقواه والقسوة الملعونة ضد المسيح، والمخترع لكل الخطة، قد دخل قلب الخائن، أي الشيطان بكل قوته الشريرة قد سكن في داخله بعد أن أخذ اللقمة. ولا ينبغي أن يظن أحدٌ أن اللقمة التي أخذها الخائن كانت هي سبب امتلاك الشيطان له، فنحن لم نصل إلى حدّ الجنون، ولن نكون فاقدين لكل ذكاء حتى نظن أن مثل هذه البركة هي التي أعطت الفرصة للشرير أن يدخل فيه، بل بالحري نقول -حسب ما يتفق مع الحق من جهة الخائن- رغم المحبة الكاملة التي عُومِلَ بها، ورغم الكرامة التي أُعطِيَت له، فإنه ظلَّ متعلقًا بشدةٍ بنفس الأفكار الشريرة، ولم يحاول أن يصلح أفكاره بالتوبة، ولم يحول قلبه بعيدًا عن خططه المضادة التقوى. (كيرلس الإسكندري، شرح إنجيل يوحنا مج2) ويرى ق. كيرلس الإسكندريّ أن يهوذا لم يُقدِّر موهبة الإفخارستيا التي نالها من المسيح، بل أسرع للخيانة دون تريث أو تفكير أو مراجعة نفسه للحظةٍ واحدةٍ، وذلك في سياق تأكيده على تناول يهوذا من سر الإفخارستيا قائلًا: ((لمرجع السابق، ص 113. )) لذلك، فما حدث هو أن الخائن لم يفزع من التوبيخات التي قيلت سرًا وبهدوء، ولم يقدِّر قوة المحبة غير المغلوبة، ولا الكرامة والمجد والنعمة، ولا قدَّر موهبة الإفخارستيا التي نالها من المسيح. بل أسرع دون تريث ليفكِّر أو يراجع نفسه لحظة واحدة، بل إذ كانت عيناه مثبتةً على ذلك وحده، الذي ثبُت أن له تأثير قوي عليه، وأعني بذلك لعنة الطمع، فإنه وقع في الشرك في نهاية الأمر، وهوى إلى الدمار التام. (كيرلس الإسكندري، شرح إنجيل يوحنا مج2) ويُوضِّح ق. كيرلس الإسكندريّ أن يهوذا لم ينتفع بهبة البركة التي أخذها من المسيح، وذلك في سياق تأكيده على تناول يهوذا من سر الإفخارستيا كالتالي: ((المرجع السابق، تعليق على (يو 13: 30)، ص 118. )) هويمضي مسرعًا طاعةً لإرادة الشيطان، ومثل إنسان أصابه جنون يخرج من المنزل. وهو لا يرى أي شيء يمكن أن يتغلب على حبه للربح، وكم هو أمرٌ غريبٌ إننا سنلاحظ إنه لم ينتفع بالمرة من هبة البركةالتي نالها من المسيح، وهذا بسبب ميله الشديد للحصول على المال. (كيرلس الإسكندري، شرح إنجيل يوحنا مج2) ويشير ق. كيرلس الإسكندريّ أيضًا إلى مقاومة الشيطان لاحتمالية توبة يهوذا بسبب القوة الفعَّالة للقمة البركة التي تناولها يهوذا من المسيح، وذلك في إطار تأكيده على تناول يهوذا من سر الإفخارستيا كالتالي: ((المرجع السابق، ص 119. )) فمثلاً هويجبر يهوذا، بعد أن أخذ اللقمة مباشرةً، إذ أصبح الآن تحت سلطانه، أن يُسرِع في الحال إلى إتمام الفعل الشرير؛ إذ ربما كان خائفًا - بالإضافة إلى احتمال توبة يهوذا، من القوة الفعَّالة التي لهبة بركة المسيح، لئلا تضيء هذه النعمة كنورٍ في قلب يهوذا، وتحثه بالحري أن يفكر بتروٍ ويختار العمل الصالح، أو على الأقل تولد طبعًا مخلصًا أصيلاً في شخص كان قد دُفِعَ ضد مشاعره الطيبة، أن يفكِّر في الخيانة. (كيرلس الإسكندري، شرح إنجيل يوحنا مج2) ق. إيسيذوروس الفرمي 450م يُؤكِّد ق. إيسيذوروس الفرميّ، أحد آباء كنيسة الإسكندرية، مثله مثل الآباء السابقين عليه، على أن تناول يهوذا الإسخريوطيّ من سر الإفخارستيا، حيث يقارن بين مَن يتهاون بالسر ويمد يده باستمرارٍ على الأسرار الإلهية، ويتناول بوقاحةٍ من الأسرار التي لا يُسمَح له بالاقتراب منها ولمسها، وبين طلب يهوذا الإسخريوطيّ للتناول من سر الإفخارستيا، وهو يُخطِّط للخيانة في داخله قائلًا: ((إيسيذوروس الفرمي، رسائل القديس إيسيذوروس الفرمي مج1، ترجمة: د. چورچ عوض إبراهيم، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2018)، الرسالة 170 إلى شيريموناس، ص 186. )) أشخاصٌ يقولون عنك إنك تفعل ما هو ممنوع وغير مسموح أن تفعله، ومراتٍ كثيرةٍ ترتكب أفعالًا مخالفةً، وأنت تستمر في مد يدك على الأسرار الإلهية، وتتناول بوقاحةٍ من الأسرار التي لا يُسمَح لك أن تقترب منها وتلمسها. وأنا أندهش من غرورك، بينما تجلس وتشبع على مائدة الشياطين، لا تخاف من المشاركة في مائدة الربِّ ((1كو 10: 21 )). إذًا، توقَّف حتى لا يضيق عليك الخناق ((أع 1: 18 )) مثل يهوذا الذي سقط في اليأس بسبب وقاحته، الذي طلب التناول، بينما كان يُخطِّط للخيانة في داخله ((يو 13: 27 )). (إيسيذوروس الفرمي، رسائل القديس إيسيذوروس) وهنا يُشدِّد ق. إيسيذوروس ويُحذِّر الخطأة المستشرين في خطيئتهم من التهاون بالأسرار الإلهية، فهم يتناولون بكل سهولة ويسر وعدم توبة حقيقية من الأسرار الإلهية دون التوقف عن ارتكاب المخالفات والمحرَّمات.   --- ### نقد الأيديولوجيا في التعليم والمجتمع - Published: ۲۰۲٤-۰۸-۲۹ - Modified: 2024-08-31 - URL: https://tabcm.net/29308/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: الأصولية, الديمقراطية, العدالة الاجتماعية, العلمانية, فريدريك تشارلز كوبلستون, مراد وهبة عنوان هذا المقال هو عنوان لكتاب قيم صدر الشهر الماضي يضم بين دفتيه حوالى ٥٠٠ صفحة من القطع الكبير، من تأليف الأستاذ الدكتور حسن البيلاوى أستاذ علم اجتماع التربية بجامعة حلوان وأمين عام المجلس العربي للطفولة والتنمية،  والكتاب صادر عن مركز المحروسة للنشر والخدمات الصحفية والمعلومات. في تقديمه للكتاب كتب الفيلسوف المصري الكبير الأستاذ الدكتور مراد وهبة: إذا أردت أن تقرأ في فلسفة التربية أو فلسفة التربية في زمن الإرهاب فإن هذا الكتاب يأتى في الصدارة بلا منافس. (مراد وهبة، مقدمة كتاب: "نقد الأيديولوجيا في التعليم والمجتمع) ويضم الكتاب تسعة فصول، «تمهيد في ضرورة النقد: المعنى والمنهج»، «الثقافة والتربية والأيديولوجية»، «إشكاليات إصلاح التعليم»، «المرتكزات الأساسية في إصلاح التعليم: التنوير نسق ثقافي مغاير»، «أوهام وأساطير الدعوة إلى التعليم الفني قبل الجامعي»، «رباعية الديموقراطية عند مراد وهبة»، «الديموقراطية والتنوير في حجرة الدراسة»، «قضية التنوير كمدخل لمحو الأمية»، «عمل الأطفال». ويدعو الكتاب في مجمله إلى فتح حوار عقلاني وناقد لواقعنا الثقافي والاجتماعي بما يمكن من كشف ما نعيشه من إشكاليات كامنة في ثلاثية الثقافة والتربية والأيديولوجيا، وعلاقة تلك الثلاثية بالتنمية، وضرورة الوصول إلى مقاربات فكرية مستنيرة تتجاوز إشكاليات الواقع، وتضيء طريقًا على مسار تقدم الحضارة. ويؤكد الدكتور البيلاوى أن الهيمنة الثقافية والأيديولوجية في مجتمعنا خليط من تخلف ثقافي ماضوي موروث، تعيد إنتاجه وديمومته قِوَى أصولية دينية ظلامية استطاعت إسدال هيمنتها على ثقافة الحس العام المشترك بين الجماهير، والنفاذ إلى مؤسسات الدولة من خلال ٣ محاور: اقتناص كثرة الجماهير بأوهام امتلاك الحقيقة المطلقة واحتواء الجماهير بالدين ودغدغة العواطف الدينية وأيضًا اختراق معظم مراكز البحث العلمي والمؤسسات الأكاديمية، خاصة الكليات التطبيقية العملية والتربوية، وكذلك استطاعة القوى الأصولية خلال سبعينيات القرن الماضي أن تدخل في تحالف عضوي مع الفئات الطفيلية التي جلبت أموالها من دول البترول، مما نتج عنه أن الفكر الأصولي الظلامي تواجد وتموضع في قوى اجتماعية اقتصادية مؤثرة في الواقع الاجتماعي في مصر. ولا خلاص من كهف الهيمنة الظلامية الأصولية سوى بالشجاعة في المواجهة وإعمال العقل ونشر ثقافة التنوير، وهنا قال فريدريك كوبلستون «إذا أراد المرء أن يجد علمًا من أعلام تأسيس عصر التنوير كرجل دولة لن يجد أفضل من فريدريك الأكبر». وهنا يحتاج الأمر لتأسيس تيار قوى للتنوير من المثقفين بغية مواجهة الفكر الظلامي في امتلاك الحقيقة المطلقة، وأيضًا يعملون على إثراء وعي الناس وخلق حس عام مشترك راق مستنير مفتوح يرسخ لمثل التنوير العقل والعلم والإنسانية والعلمانية والتقدم، فلا ديمقراطية بدون علمانية ولا تقدم ولا مواطنة ولا عدالة اجتماعية بدون مناخ ثقافي علماني راسخ يؤسس للتسامح، ولا علمانية بدون مثل التنوير، فالتنوير نسق ثقافي مغاير. --- ### هنريك يوهان إبسن - Published: ۲۰۲٤-۰۸-۲۸ - Modified: 2024-09-04 - URL: https://tabcm.net/29300/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أمينة السعيد, برتراند أرثر وليام راسل, بيت الدمية, جوستاڤ فلوبير, چورچ برنارد شو, چون ستيوارت مل, درية شفيق, سيزا نبراوي, قاسم أمين, نور الهدى محمد سلطان الشعراوي, هنريك يوهان إبسن نحن الرجال لا نتعلَّم ونرتفع إلى المقام الاجتماعي أو المكانة الذهنية أو الفهم المحيط، كما لا تتكون لنا شخصية؛ إلا لأننا نختلط بالمجتمع ونعالج الخطأ ونقع حتى في الخطر، وليس هناك رجل يفخر بأنه ساذج أو طاهر أو بريء على نحو ما تحب أن تكون المرأة عليه؛ لأن كل هذه الصفات تعني في النهاية أننا نحب جهل المرأة وإبقاءها طفلة أو «لعبة» كما يقول إبسن هنريك إبسن هو داعية الاستقلال الروحي للإنسان عامة وللمرأة خاصة، وقد ألَّف درامته «لعبة البيت» في دعوة المرأة الأوروبية إلى أن تستقل، وتنشد الآفاق، وتجرِّب التجارب، وتختبر الدنيا، وتربِّي نفسها، بدلًا من أن تعيش خلف الرجل يكسب حولها ويحوطها برعايته ويدللها في البيت ويقصر حياتها على الزواج والأمومة. والاتجاه القديم للمرأة، سواء في الشرق أو في الغرب، كان يُنظر إليها باعتبار أنها تابعة للرجل، وأنها خُلقت للبيت، وفي أمم الشرق القديمة بولغ في هذا الاتجاه حتى انتهى إلى أن المرأة أنثى فقط تزوِّد الرجل بلذاته الجنسية، وفي هذا قال شاعر عربي: ما للنساء وللخطابة، والقراءة والكتابة هذا لنا ولهن منا، أن يبتن على جنابة ولم يكن العرب متفردين في هذا النظر فإن أوروبا على الرغم من المظاهر الخادعة كانت تنظر أيضًا إلى المرأة هذه النظرة في القرون الوسطى. ولكن أوروبا كانت تمتاز بميزة كبرى، هي أنها لم تفصل قط بين الجنسين في المجتمع، ولم تعرف الحجاب إلا في أيام الإغريق، ومع ذلك لم يكن هذا الحجاب الإغريقي يغلق الأبواب إغلاقًا محكمًا كما كانت الحال عندنا أيام القرون الوسطى، ولكن مظهر الحرية الأوروبية كان خلابًا خادعًا أكثر مما كان واقعيًّا حقيقيًّا إلى بداية القرن التاسع عشر، فإن كثيرًا من الأمم الأوروبية كان يحرم المرأة الميراث، كما كان يحرمها التعلم في الجامعات؛ ولذلك بقيت محرومة من الاحتراف والاستقلال والكسب بممارسة الطب أو الهندسة أو سائر العلوم والفنون. ولكن الضمير الأوروبي كان في بداية القرن التاسع عشر قد تنبَّه إلى وجدان جديد هو استقلال العقل البشري، وطرح التقاليد بفصل الدين من الدولة. كما أن الحركة الصناعية كانت قد جذبت آلافًا وملايين العمال الزراعيين من الريف إلى المدينة. والمناخ الذهني في المدن هو مناخ الحرية والاستقلال والتساؤل والشك، ولذلك وجدت الأفكار التحريرية تربة خصبة في المصانع والمدن. وقد جذبت الصناعة أيضًا عددًا كبيرًا من النساء إلى المصنع، ووجدت المرأة في هذه المصانع جوًّا منعشًا بعث فيها الإقدام والاستقلال. واحتاج هذا التطور إلى ألسنة تنطق وتعبِّر في بلاغة الأديب وقوة المنطق ونظريات الفكر، فظهرت قصة «مدام بوفاري» للكاتب الفرنسي جوستاف فلوبير، كما ظهر كتاب ستيوارت مل «إخضاع المرأة». ومدام بوفاري قصة امرأة تزوجت أحد الأطباء في الريف، ثم وجدت الحياة دون نشاطها وآمالها فحطمت ما تعلمته من أخلاق واندفعت في تيار من الشهوات، قضى عليها في النهاية فانتحرت، وكأن المؤلِّف يقول لنا إن حال المرأة الأوروبية سيئ، وإننا لا نفتح لها أبواب الرقي، ولذلك تنزل إلى مهاوي الشهوة الجنسية كي تخفف من سأم العيش المبتذل بين جدران المنزل، وكأنه يقول أيضًا افتحوا أبواب العمل والنشاط الاجتماعيين للمرأة. أما كتاب «ستوارت ميل» فهو تاريخ لاستبداد الرجل بالمرأة، وأن هذا الاستبداد لا يضر المرأة وحدها ويعطِّل كفايتها ويحول دون رقيها باعتبارها إنسانًا، وإنما هو يعطل المجتمع كله نساءً ورجالًا. وجاء إبسن حوالي منتصف القرن التاسع عشر، فتبلورت فيه هذه الآراء وأخرجها درامة موجعة سامية اهتزت منها المجتمعات الأوروبية، وأصبحت «نورا» بطلة هذه الدرامة قدوة المرأة الناهضة ومشعلًا تهتدي بنوره. وقد عاش إبسن فيما بين عامي ١٨٢٨ و١٩٠٦. وقد غيَّر أوروبا الأدبية وأحالها إلى الآراء العصرية؛ إذ غرس فيها بذرة «البشرية الدينية» كما أبدل أخلاقها من تراث التقاليد إلى القيم البشرية التي توزن بميزان العقل، ودعا إلى الاستقلال النفسي، وإلى ضرورة الجِد في الحياة، بحيث نربي أنفسنا ونكوِّن شخصياتنا أحرارًا مفكرين مكافحين مستقلين. وإبسن نِروجي نشأ في بيت ريفي، ولكنه قضى صباه خادمًا أو مساعدًا في صيدلية، ولم يكن شيء يفتح العين وينبه العقل إلى الأكاذيب الاجتماعية مثل الخدمة في صيدلية وتركيب العقاقير فيما بين عامي ١٨٠٠ و١٨٥٠؛ لأن الصيدليات في تلك السنين كانت تعيش بما يقارب النصب؛ إذ لم تكن عقاقيرها سوى مواد غريبة الأسماء معدومة النفع، ولم يكن المريض ينتفع منها بأكثر من الوهم، ولا بد أن إبسن قد تعلم تحطيم الأصنام من هذه المرانة الأولى في الصيدليات. ثم احترف الصحافة في «كرستيانيا» والتحق بالمسرح في «بيرجن» وبقي متصلًا بالمسرح للإدارة وللإخراج والتأليف مدة طويلة في كلتا هاتين المدينتين: بيرجن وكرستيانيا التي كانت وقتئذٍ عاصمة نِرْوِج. وهذا الاتصال بالمسرح أكسبه بصيرة في الفن كما أكسبه رؤيا في التأليف، فإن دراماته غاية في الدقة الفنية، وكثير منها يجري على الأسس الإغريقية للفن المسرحي، وهي أن الدراما لا تزيد على أن تكون جِلسة في مكان وزمان معينين لا يتغيران من الفصل الأول إلى الفصل الأخير. وقد نقل الدراما الرومانتية إلى الواقعية، وجعلها اجتماعية تعالج المشكلات التي يعانيها المجتمع، ففي إحدى الدرامات يعالج مرض السفلس وعواقبه الوخيمة، وفي أخرى يعالج المسيحية والوثنية، وفي أخرى يعالج استقلال الشخصية... إلخ. ولكنه كان في كل ذلك شاعرًا، يرى الرؤيا فتمتد نظرته إلى الآفاق البعيدة. وفيما بين عامي ١٨٧٠ و١٨٩٠ كان يعيش في ألمانيا مستوحدًا لا يكاد يعرف الأصدقاء، وكان يُخرج دراسة واحدة كل سنتين تقريبًا، وقد أوجد مسرحًا جديدًا في أوروبا. وعندما نقرأ «برنارد شو» نجد أن إبسن مضمَر فيه، فقد ألَّف «شو» كتيبًا في الدفاع عن إبسن وأسلوبه الواقعي. وكما أن إبسن كان يرى رؤيا الشاعر، فإنه أيضًا كان يلتزم الحقائق، وهذا هو شأن برنارد شو. أما أفكاره وفلسفته فتتلخص في قيمة الشخصية البشرية وضرورة استقلالها وتربيتها، وأن هذا هو الواجب الأول على الرجل والمرأة. ومن هذه البؤرة تتسع واجبات أخرى، هي أن نأخذ أنفسنا بالجِد وأن نعتمد على العقل ونحيا الحياة الشريفة الفنية الراقية، وألا نخضع لأطياف الماضي وأشباحه. وقد كتب إلى أخته خطابًا قال فيه: أحب أن أرى كل شيء في وضوح وصفاء، ثم أحب بعد ذلك أن أموت. وهو يعني بهذه الكلمة الإيمائية أنه يجب أن يرى المشكلات الاجتماعية مكشوفة، واضحة خالية من المركبات التاريخية والتقليدية التي تحول دون رؤيتها على حقيقتها؛ أي يجب على الأديب أن يكون واقعيًّا يرى الواقع الملموس ثم يبني خياله على أساسه، ويرى رؤياه من خلال عدسته. وأبعد ما كان يبتعد عنه إبسن هو البرج العاجي الذي يعيش فيه الأديب السخيف، يحلم ويتخيل في عزلة عن المجتمع ومشكلاته، كأن الأدب لذة موسيقية فقط، وكأنه يجب أن يترفع عن معالجة الجوع والبغاء والمرض والظلم والاستبداد. «الشخصية البشرية» هي إنجيل إبسن وإذن لم يكن مفر من أن يسأل عن شخصية المرأة، وهل الحضارة في عصره كانت تهيئ لها أن تكون إنسانًا راقيًا مُجِدًّا، لها أهداف شريفة تعيش من أجلها وتحسُّ أنها تؤدي رسالتها في الحياة، كما أن لها أسلوبًا فلسفيًّا تتخذه في عيشها، أم لا؟ هذه هي المشكلة التي عالجها إبسن في دراما «بيت الدمية» أو «لعبة البيت» واللعبة هنا هي الدمية التي تلعب بها الطفلة، وهو يرمي من هذه التسمية إلى أن المرأة الأوروبية (حوالي عام ١٨٧٠) هي لعبة الرجل عامة يقوِّمها ويقدِّرها بما تتَّسم به من سذاجة وجهل، وهي تولد في بيت أبويها فتعامل منهما كما لو كانت لعبة تزخرف بالملابس الزاهية، وتدرَّب على إنكار نفسها، فلا تتحدَّث عمَّا يتحدث عنه الرجال، فضلًا عن أن تمارس أعمالهم، فتنشأ محدودة الفهم قليلة المعارف قد سدَّت في وجهها أبواب العمل الكاسب الذي يعمله الرجال ويكسبون منه أرزاقهم كما يكوِّنون به شخصياتهم. و«نورا» هي هذه الفتاة، تترك بيت أبويها إلى بيت زوجها في جمال وبراءة وطهارة وسذاجة، لها وجه كأنه قد صُنع من وريقات الورد، وكأنه قد خُلق للقبلات فقط، وجسم قد شيدته الطبيعة كأنه يمثل النبل والروعة. وهي تتحدث بلغة قد هذِّبت كلماتها، فلا تنطق بما ينطق به الرجال. أما العقل فهو العقل الساذج الذي لم يختبر الدنيا ولم تمر به الأخطاء والأخطار فيتعلم ويتدرب. ويتلقاها زوجها فيعاملها كما كان يعاملها أبواها، فهي حتى عندما تبلغ الأربعين أو الخمسين ستبقى طفلة. وإبسن يثور على هذا الوضع ويتساءل: لماذا تبقين طفلة؟ أين شخصيتك وذكاؤك؟ ولماذا تُحرمين اختبارات هذه الدنيا؟ وتجري الدراما في سياق التمثيل الذي يوضِّح لنا أن المرأة لن تكون نحو ما تحب أن تكون المرأة عليه؛ لأن كل هذه الصفات لا تعني في النهاية إنسانًا إلا عندما ترفع نفسها من الأنثوية، وأن هذا لن يكون إلا عندما تأخذ نفسها مأخذ الجِد، فتستقل بشخصيتها وتتعلم وتختبر، ونحن الرجال لا نتعلَّم ونرتفع إلى المقام الاجتماعي أو المكانة الذهنية أو الفهم المحيط، كما لا تتكون لنا شخصية؛ إلا لأننا نختلط بالمجتمع ونعالج الخطأ ونقع حتى في الخطر، وليس هناك رجل يفخر بأنه ساذج أو طاهر أو بريء على نحو ما تحب أن تكون المرأة عليه؛ لأن كل هذه الصفات تعني في النهاية أننا نحب جهل المرأة وإبقاءها طفلة أو «لعبة» كما يقول إبسن. ونورا بعد أن ينكشف لها حالها هذه تترك بيت الزوجية، تترك الزوج والأطفال، بعد أن تشرح لزوجها أنها طفلة، وأنها لن تقبل أن تعيش سائر حياتها في هذه الطفولة، وأنها ستخرج إلى الدنيا كي تعامل وتختبر، حتى تنجز لنفسها وعد حياتها، وحتى تؤدي حق إنسانيتها، بأن تبني شخصيتها بالمعرفة والاختبار والدرس مهما ارتكبت من أخطاء أو وقعت في أخطار؛ ذلك لأن رسالة الإنسان في هذه الدنيا أن يعرف الدنيا ولا يُحاط بسياج من الواجبات الاجتماعية يحول دون فهمه أو بنائه لشخصيته. وقد أحدثت هذه الدراما ضجة كبرى في العالم الأوروبي؛ لأنها صدمت العقائد والتقاليد، ولكن الضجة هدأت أو انفثأت عن انتصار المرأة والتسليم بأن جمالها القديم، جمال الوجه والصدر والقامة والفخذين، هو جمال الأنثى، وأما جمال المرأة الجديدة فيجب أن يعلو على ذلك. أي يجب أن ينطوي على العقل النيِّر والشخصية الراقية التي تدربت بالتجارب والاختبارات، وارتقت بالثقافة واشتركت في شئون المجتمع، وقد كان إبسن رؤياي المنيرة حين كنتُ حوالي العشرين، أتلمس المثليات الأوروبية والقيم العصرية، وأبني شخصيتي الذهنية، وكان مركز المرأة المصرية يحزُّ في صدري كأنه خزي أبدي لولا هذه المحاولات الصغيرة العظيمة في مثل كتابي قاسم أمين، ثم بعد نصف قرن في نشاط هدى شعراوي وسيزا نبراوي ودرية شفيق وأمينة السعيد وأمثالهن. ونحن الشرقيين قد ورثنا تراثًا سيئًا من القرون المظلمة، هو تراث الرق والخصيان والحجاب، وأولئك الذين يدافعون عن الحجاب ينسون خصاء الزنوج كي يتممه. أي يتمم الحجاب، ولعلهم يخجلون حين يذكرون ذلك. لقد تعلمت من إبسن شرفًا جديدًا لم أكن أعرفه حين تركت بلادي إلى أوروبا في عام ١٩٠٧، هو شرف الإنسانية التي يجب ألا يحدها حجاب المرأة، هو شرف الزواج الذي يقوم على الإخاء والمساواة، ليس فيه سيد وعبد، وهو شرف الأمة التي ترفع نساءها إلى مقام الوزيرات والنائبات وتفتح لهن المدارس والجامعات. قبل خمسين سنة كنا نقعد إلى المرأة فنجد الجهل مع السذاجة، جهل وسذاجة يبعثان الاشمئزاز الذهني في الرجل الناضج، ولا تزال هذه الحال باقية في معظم أوساطنا، ولكن الدنيا تتغير، وهي تتغير لمصلحة المرأة ورفعتها وترقيتها، ولن ترتقي المرأة المصرية وتبلغ النضج أو الإيناع إلا عندما تختلط بمجتمعنا نحن الرجال، وتمارس أعمالنا وتغب من اختباراتنا وتشترك في الصناعة والتجارة والسياسة وتواجه الأخطاء والأخطار. وليست عبرة «لعبة البيت» مقصورة على المرأة، فإنها تمس الرجال إلا القليل من الناضجين، ذلك أن الرجل العادي في كثير من تصرفاته يعيش بلا استقلال، وليس له من الشخصية سوى الاسم، يخضع للتقاليد وينساق في تيار العُرف، وصحيح أن الدنيا تربِّيه وتصلب عوده وتخصب شخصيته بالاختبارات والاصطدامات التي تُحرم منها المرأة، فهو يخطئ ويصيب ويتعلم ويقف على كثير من الأكاذيب الاجتماعية التي تفتح ذهنه وتنير رؤياه، وكل هذا لا تصيب المرأة منه شيئًا؛ لأنها محبوسة بسياج أو حجاب من التقاليد. ودعوة إبسن هنا: لتكن لكلٍّ منا شخصية، ولينظر كلٌّ منا إلى الدنيا كما لو كان هو محورها، ليس لأحد ولا لعقيدة سلطانٌ عليه إلا ما يرى بعد التفكير الاستقلالي أنه نافع له ولمجتمعه. إننا نطلب الحرية من القوانين والدساتير، ولكن كل ما تستطيع هذه أن تهبنا من حقوق هو على الدوام دون ما نهب أنفسنا؛ لأن قيود التقاليد واصطلاحات العرف الاجتماعي تقيدنا أكثر مما تقيدنا به مظالم المستبدين التي تحاول الدساتير والقوانين محوها أو مكافحتها. وحتى حين يستبد بنا حاكم ظالم ويستعين بالقوة المادية على تقييد حريتنا نستطيع الاحتفاظ بكرامتنا والإحساس باستقلالنا؛ لأننا نقاوم ونكافح استبداده وجبروته ونحن على وجدان بأننا أرقى منه، ولكن استبداد التقاليد ينغرس في نفوسنا، ويعين مزاجنا، ويعودنا عادات ذهنية ونفسية تجعل كلًّا منَّا أسيرًا، أجل وأسير نفسه مع ذلك، فالمرأة التي نشأت على الحجاب لا تحس هوانه كما لا تعرف جهلها؛ وهي لذلك لا تقاوم ولا تكافح. وكذلك شأن الرجل الذي يعيش في أسر التقاليد وكأنها من طبيعة الأشياء التي لا تتغير، بل لا تحتاج إلى التغيير، والفرق بينه وبين المرأة هو فرق الدرجة فقط؛ إذ هو في حجاب نفسي وذهني، وهذه الدنيا هي ملك الإنسان وعلينا جميعًا رجالًا ونساءً أن نتعلَّم وننضج ولا نكون لعبة الأقدار أو لعبة المجتمع، وعلينا أن نستقلَّ وندرس ونخبر الحقائق، وليس هذا واجب «نورا» وحدها، ولا واجب النساء وحدهن، وإنما هو واجب الرجال أيضًا. ونِعم هذا الدرس الذي علمنا إياه إبسن، درس حق كل إنسان في تقريره مصيره وتربية شخصيته. ••• كنت قبل سنوات أصطاف بالإسكندرية، وكنا نقعد رجالًا ونساءً في اجتماعات عائلية على الشاطئ نتجاذب الحديث، وما كان أسخف ما كانت تتحدث عنه النساء؛ شئون الخدم، وزواج هذه الآنسة أو تلك الأرملة، وهذا الخطيب الثري المنتظر لهذه الفتاة، وخاتم الخِطبة، ومبلغ المَهر لتلك الفتاة الأخرى، والسكنى في الزمالك والأتومبيل الجديد عند فلان «بك» وهذه الخياطة البارعة، وذلك القماش الجديد... إلخ، أحاديث تافهة من شخصيات تافهة، واهتمامات زائفة نشأت من حبسة البيت وحبسة النفس، فلم يكن بين هؤلاء النسوة من كانت تهتم ببحث العبرة والدلالة للطاقة الذرية، أو لهيئة الأمم المتحدة، أو لفلسفة برتراند رسل أو للمخترعات الطبية أو لمستقبل المرأة في الهند ومصر، أو لمعنى الدين أو برامج المدارس. وكأنهنَّ لم يكنَّ يقرأن الجرائد فضلًا عن الكتب. ولكن كان في هذا الوسط فتاتان لم تتزوجا وإنما احترفتا التمريض في أحد المستشفيات بالقاهرة، وكنت عندما أقعد إليهما وأتحدث أحسُّ أني إزاء شخصيتين عالميتين، فقد اكتسبتْ كل منهما نظرة عالمية أخرى غير المنزل والخدم والطبخ وأحمر الشفاة والفستان الجديد، وقد استمعت إلى حديث إحداهما عن المرضى والأمراض، واختلاف الناس في استقبال الموت، أو الحكم بالموت، عندما يعرف المريض أن سرطانًا قديمًا قد نبت وتفرع في جوفه. ووصفت لي إحداهما كيف رأت رجلًا قبيل النزع وكيف خففت عنه. وكنا في سيدي بشر وهي تبعد عن الإسكندرية بنحو عشرة كيلومترات، فاقترحنا على أن ننهض ذات صباح ونسير على الأقدام بحذاء الشاطئ إلى الإسكندرية، وكنت أحس وأنا أتحدث إلى كلٍّ منهما أني إزاء إنسان قد استحال إلى شخصية ناضحة تمتاز بجمال وكرامة وذكاء؛ وذلك لأن اختلاطهما بالمجتمع وخدمتهما له قد زاد ذكاءهما وكوَّن شخصيتهما، ولو أن كلًّا منهما كانت قد نشأت النشأة المألوفة عند غيرهن، اللاتي يعشن في البيت وينتظرن الزوج، ثم يتزوجن ويقصرن اهتماماتهن على اللباس والخدم وقصص الزواج والثراء، لما كانت لها هذه الشخصية. والذكاء ينهض على أساس طبيعي ولكنه يُربَّى بالمجتمع، ونحن الرجال بما نمارس من اختبارات ونكابد من كسب أو خسارة ونصادف من أخطار، بل بما نرتكب من أخطاء، نتعلم وننمو ونزيد حكمةً. والمرأة كذلك لن تكون إنسانًا حكيمًا إلا إذا مارست جميع الأعمال التي يعملها الرجال واقتحمت ميادينهم وتعرضت للأخطار مثلهم. وهذه الصورة الجديدة للمرأة قد لا تعجب بعض الرجال الذين يؤثرون جهل الزوجة على معرفتها وقصورها على نضجها، وهم يجسون سيطرة ويمارسون تسلطًا عليها في هذه الحال، ويلتذون هذه المرتبة أو الميزة العالية لهم عليها. ولكن المرأة الرشيدة يجب أن تتنبه وترفض أن تكون لعبة الرجل كما رفضت «نورا». ونحن الرجال نعرف أن المدرسة والجامعة لا تربياننا وإنما الذي يربينا هو هذا المجتمع الذي نختلط به ونصطدم بمشكلاته، ونحن لا نستقطر الحكمة، وننضح النضج الفلسفي إلا بعد أن نخطئ ونصيب ونخسر ونكسب، وننساق ساعة الهوى، ثم نُفيق عقبها سنين؛ لأننا عرفنا الحقائق بالخبرة، ومارسنا هذه الدنيا في حرية واستقلال بلا خوف من سلطة أو تقاليد، وهذه الحكمة التي ننالها نحن الرجال من اختباراتنا لهذه الدنيا يجب أن تنالها المرأة بمثل الوسائل التي نتوسل نحن بها؛ أي بالعمل والإنتاج والاختلاط والاستقلال والاختبار. وهذه الصورة الجديدة التي رسمها لنا إبسن في نورا قد تحققت في المرأة الأمريكية إلى أبعد حدٍّ، وكذلك تحققت إلى حدٍّ ما في المرأة الإنجليزية والإسكندناوية والروسية حيث تعمل المرأة إلى جنب الرجل وتستقل بما تكسب، ولم يعد الرجل يعولها، وقد أصبحت شخصيتها قوية جلية تواجه الدنيا في شجاعة، وتحترف الحرف التي ترقيها وتنبه ذكاءها وتفتل عضلاتها، وهي في كل ذلك لم تهمل مهمتها البيولوجية في الزواج والحمل والولادة. وقد جدَّت ظروف جعلت هذا الاتجاه نحو استقلال المرأة يسير بسرعة، ذلك أن وفرة الآلات الميكانيكية في البيت الأمريكي أغنت المرأة عن العمل في الطبخ والغسل، فزاد فراغها الذي احتاجت إلى أن تشغله بالعمل والكسب خارج البيت، ومعنى هذا أن التغير في الإنتاج المنزلي قد أحدث تغيرًا في أخلاق المرأة، وحققت هذه الآلات الكهربائية دعوة إبسن من حيث لم يكن ينتظرها. والمقارنة بين المرأة الأمريكية التي تعمل في المصانع والمتاجر والمكاتب، وتستقل بعواطفها، وترسم بيدها خارطة حياتها، وتقرأ وتناقش وتكسب وتخسر وتصيب وتخطئ، وقد تكوَّنت لها شخصية رصينة بصيرة قوية من هذه الحياة، نقول إن المقارنة بينها وبين المرأة الأوروبية في الأقطار الجنوبية مثل إسبانيا وإيطاليا واليونان حيث لا يزال المطبخ يجري على تقاليده، وحيث يستأثر المطبخ والغسل بمعظم الوقت، وحيث يسود الرجلُ المرأةَ، وله عليها الكلمة العليا، بحيث يقرِّر لها، أو يكاد يقرر لها مصيرها؛ هذه المقارنة توضح لنا سمو المرأة الأمريكية الجديدة، باعتبارها إنسانًا عاقلًا مستقلًّا، على هذه المرأة الأوروبية الجنوبية التي لا تزال مقيدة بالتقاليد. إن العمل والكسب والاختبار والإصابة والخطأ والاختلاط بالمجتمع قد ربَّى المرأة الأمريكية، في حين أن الانزواء في البيت قد قيَّد النمو الذهني للمرأة الأوروبية الجنوبية، ولا نذكر المرأة الشرقية. --- ### تعاليم المسيح لا تعني المداهنة - Published: ۲۰۲٤-۰۸-۲۷ - Modified: 2024-08-27 - URL: https://tabcm.net/29236/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: العصور الوسطى, دون كيخوتي دي لا مانتشا قد يكتسب الأشخاص والمجموعات الضعيفة ثقافة الخنوع والمداهنة لمسايرة أمورهم مع الأقوياء أو الأغلبية، وهو ما شاهدته في منشور لأحد المسيحيين "اتنحرر" كما نقولها في لغتنا الدارجة، أي انتفض رافضًا الهجوم على أحد المتطرفين الذي لا يترك أحدًا سواء من دينه أو من خارج دينه إلا ووصمه بـ"التكفير"، مختلقًا عداوات مع "طوب الأرض"، مدعيًا أنهم خطرًا على دينه وأنه يقف لهم مثل "دون كيخوته" محارب طواحين الهواء للتصدي لهم. هذا المسيحي أدعى في منشوره أنه يرفض الإسارة لهذا المتطرف باعتبار أنها تعاليم السيد المسيح، فما كان من المتطرف بدلًا من شكره، يطالبه بدفع الجزية قبل الدفاع عنه، وهنا لابد من وقفة على أكثر من مستوى. لم يدع المسيح أبدًا للدفاع عن المتطرفين والمتنطعين من أمثال هذا المتطرف، بل تصدى المسيح بنفسه للمتطرفين في عصره، ووقف في ووجههم وهال عليهم الويلات، المسيح كان يناصر الضعفاء والمستضعفين، والمكروهين والمرذولين في مجتمعه. لم يكن المسيح خانع أو مهزوم ويمارس التقية والمداهنة، بالعكس كان ينطق ويشهد بالحق، وأي كاهن أو أسقف أو كنيسة يعلمون بغير ذلك فهم يحيدون عن طريق المسيح. لقد خلقت الكنيسة من المسيحيين جبناء يهابون الآخرين ويخافون بل ويصل الأمر لأن ينكرون إيمانهم بدعوى أنه من الحكمة فعل هذا، وتروج خطأ  لقول المسيح "من لطمك على خدك الأيمن حول له الآخر أيضًا". بديهيًا، لم تكن دعوة المسيح ألا نقاوم الشر في المطلق، كما يعتقد ويروج كثير من مرتادي منابر الكنائس على الأقل في أخر 7 عقود، عشنا وعاصرنا نتائج خطابهم، بل طلب أن لا نقاوم الشر بنفس أسلوبه وهو الشر، بل يجب أن نقاومه بطريقة أخرى، وهنا في حالة هذا المتطرف لا يجب أن ندافع عنه أو نرفض الإساءة إليه عما يفعله من أفعال شريرة تجاه الآخرين، بل يجب مواجهته ووقفه عن ممارسة خطاب الكراهيَة والعنصرية تجاه الآخرين، وهنا يمكن أن نلجأ للقانون، فلن يمنحك أحد حقك إلا إذا سعيت وبحثت عنه. هذا المتطرف ومن على شاكلته من المتطرفين حينما يقولون لي أنا المصري المسيحي (القبطي) -صاحب الجذور الممتدة للمصريين القدماء- أن أدفع الجزية يكون ردي عليهم "وأنتم غزاة محتلون يجب طردكم من مصر"، فالرد على النطاعة هو الحزم والحسم، وقتها سيعرف أنه لا ينتمي إلى هذه الأرض الطيبة، التي يجب أن يكون انتماء شعبها لها قبل أي انتماءات أخرى فرعية. وهنا للدولة دور في مواجهة خطاب الكراهيَة والعنصرية، بتطبيق القانون على من يدعو لمثل هذا خطاب، وأن تكون دولة بحق تطبق دستورها الذي يرفض مثل هذا خطاب، وعلى الدولة والمجتمع معا ترسيخ مبدأ المواطنة، وهو يعني ببساطة أن تمنح الدولة جميع مواطنيها أيًا كان لونهم أو دينهم أو عرقهم أو جنسهم نفس الحقوق، وأن يكونوا سواء أمام القانون والقضاء، وألا تميز بينهم، ويؤدون جميعًا نفس الواجبات تجاه الدولة والمجتمع، فكل من يتمتع بجنسية الدولة هو مواطن، وأن نتخطى مرحلة القبلية التي تسيطر على مجتمعنا الذي من المفترض أنه عبر من العصور الوسطى إلى الحداثة على الورق. --- ### سأظل أكتب - Published: ۲۰۲٤-۰۸-۲٦ - Modified: 2024-08-26 - URL: https://tabcm.net/29102/ - تصنيفات: مقالات وآراء سأظل أكتب. . لا من باب الرفاهية، أو تمضية لوقت طال بثوانيه التي تتقمص بُعد الساعات، الكتابة عندي إلزام تفرضه سنوات تثقل كاهلي، وتصقل حروفي وتختطفها من مربع الوعظ ثقيل المردود، إلى براح مراقبة التغيرات الجيلية المتسارعة، ومحاولة الإسهام في إنارة دروبهم. سأظل أكتب. . رغم ما جلبته الكتابة عليّ من متاعب تجاوزتني إلى دائرتي الحميمة، بفعل فارق السرعات في استشعار الأخطار التي تتشكل حولنا بشكل مخادع، ترتدي أغطية مقدسة، في دائرة، وأردية وطنية في دوائر أخرى، وتلعب كلاهما على اشتياقات الشارع لحياة أفضل، مع نضوب الإمكانات، واستبعاده من المشاركة في رسم مستقبله الديني والسياسي، فهو مازال قاصرًا لا يعرف مصلحته، في كلَا المسارين، والوصاية عليه أمر إلهي. أو هكذا يروجون! ! سأظل أكتب رغم أن القلم قاب قوسين أو أدنى من السقوط بفعل اقترابي من خط نهاية مارثون طال. وكثيرًا ما سألني من يقابلني لمن تكتب؟ كانت إجابتي التي لم تتغير بامتداد عقود؛ أكتب لجيل وربما أجيال لم تولد بعد، ستأتي وقد تشكل وجدانها وذهنها بعيدًا عن الانحياز لشخوص صنعوا سيطرتهم في مراحل مفصليه بأدوات مخاتلة، وحجبوا عن مريديهم حق التنفس بعيدًا عن دوائر سيطرتهم. وإلا طالهم الاتهام بثلاثية التكفير (الهرطقة) والتخوين وضلوعهم في مؤامرة كونية، تهدد سلام واستقرار وأمن الكون. سأظل أكتب. . مادام في العمر بقية، لأجيال الفضاءات المفتوحة العصية على المصادرة والحرم والقطع والحجر، وأثق أن زجاجتي العائمة على وجه الغمر سيلتقطها نفر من تلك الأجيال يفكون أسر سطوري ويترجمونها إلى فعل استنارة يصنعون بها غد أفضل. سأظل أكتب. . لأني رغم كل شيء مازلت متفائلًا حتى لو كان التفاؤل ضرب من ضروب الجنون... أو درب إلى الجنون. --- ### حلول الروح القدس بين المسيح والتلاميذ - Published: ۲۰۲٤-۰۸-۲۵ - Modified: 2024-08-25 - URL: https://tabcm.net/29043/ - تصنيفات: لاهوتيات يناقش هذا المقال الفارق بين حلول الروح القدس على بشرية المسيح في الأردن، وحلول الروح القدس على التلاميذ في العليَّة يوم الخمسين، أو للتوضيح أكثر فنقول: لماذا المسيح بعد أن أعطي الروح القدس لإنسانيته على ضفاف نهر الأردن لم يعطيه لبقية البشر، بل حدث هذا في يوم الخمسين بعد قيامة الرب وصعوده؟ يقول القديس كيرلس السكندري في كتاب قصد الدهور ما قاله القديس أثناسيوس الرسولي عن المسيح إنه ”يأخذ الذي لنا، ويرفعه عنا ذبيحة فيبطله عنا، لكي يعطينا الذي له“. إن كل ما أنجزه المسيح لأجلنا في جسده، قد تأصَّل فينا بالنعمة (أي صار غير قابل لأن تفقده الإنسانية بعد، كما فقدته عندما سقط آدم ”فقال الرب لا تدوم روحي في الإنسان إلى الآبد فهو بشر“)، وصار ممنوحًا لإنسانيتنا في إنسانية المسيح. فإن الجسد الذي مات على الصليب ودفنوه في القبر هو جسد آدم الأول العتيق. والجسد الذي قام من القبر هو جسد آدم الثاني. لأن المسيح كلمة الله كان حيًا، مع أن جسده كان يذوق الموت. فجسد المسيح هو جسد الحياة، وقد خضع للموت لكي يبيد الموت. جسد المسيح على الصليب هو باكورة الأجساد التي ماتت فيها الخليقة العتيقة لآدم الأول. وجسد المسيح بعد القيامة هو باكورة الأجساد التي خلعت عنها هذا الجسد العتيق الذي لآدم الأول، وصارت فقط الخليقة الجديدة للإنسان الجديد الذي على صورة الله التي قصدها الله خليقةً للإنسان عندما خلقه أولًا. هذا يفسر لنا سر الحية النحاسية التي رفعها موسى في البرية بأمر الرب لكي ينظر إليها كل مَن عبد العجل الذهبي في برية سيناء فلدغته الحية فلا يموت. فالحية كانت من نحاس أحمر بشكل الدم ومعلقة على خشبة بلا حياة. وكانت إشارة إلى الجسد العتيق الذي لخليقة آدم ومات بالخطية. لهذا يقول الكتاب لأنه كما في آدم يموت الجميع، هكذا في المسيح سيَحَيَا الجميع ((١كور١٥ )). ففي جسد المسيح (التجسد الإلهي)، صار لإنسانيتنا كل ما أنجزه المسيح لنا من موت للعتيق وحياة للجديد. وبذلك صار جسد المسيح هو الطريق الوحيد الذي وصل بنا نحن البشر إلي الآب : فإذ لنا أيها الأخوة ثقة بالدخول إلي الأقداس بدم يسوع. طريقًا كرسه لنا حديثًا حيًا، بالحجاب أي جسده“ (عب ١٩:١٠). إن الروح القدس الذي فارق آدم عندما سقط، قد أعاده الرب إلى إنسانيته في الأردن عندما صار كلمة الله إنسانًا وقَبِلَ الروح القدس كواحدٍ منا (وليس أن المسيح يأخذ الروح القدس لنفسه لأنه ابن الله مُعطي الحياة). إن أتحاد اللاهوت بالناسوت في جسد المسيح الخاص كان دخولًا للحياة إلى جسد آدم العتيق (الذي أخذه المسيح من العذراء)، فطهره المسيح بلاهوته وأبطل الموت والفساد الذي فيه، بالتالي لم يبق ليتم لنا في المسيح المتجسد إلا أن يميت على الصليب هذا الجسد العتيق، فيصير الكل جديدًا. إذ ”لا يرث الفاسد عدم فساد“. ومن ثمَّة يكون صعود المسيح بالخليقة الجديدة بعد القيامة في حين الخليقة العتيقة قد ماتت على الصليب. فلم يكن الصعود ليتم لو لم يمت العتيق على الصليب ويقوم الجديد. هنا نفهم عمق معنى قول ق. كيرلس وأثناسيوس إن المسيح ”يأخذ الذي لنا (أي الخليقة العتيقة) ويرفعه عنا ذبيحة فيبطله عنا، ثم يعطينا الذي له“، وهذا تم على الصليب عندما صلب المسيح الخليقة العتيقة وماتت فأبطلها عنا وصار لنا الطريق (في جسده) مفتوحًا لحلول الروح القدس على البشر بعد القيامة سواء كان في نفخة الروح القدس من المسيح للتلاميذ أو في يوم الخمسين عندما حل الروح القدس على الكنيسة كلها. --- ### نهضة العذراء - Published: ۲۰۲٤-۰۸-۲٤ - Modified: 2024-08-24 - URL: https://tabcm.net/28985/ - تصنيفات: مقالات وآراء في هذا الموسم من كل سنة أي موسم الصوم الذي يطلق عليه بين العامة صوم  القديسة العذراء مريم، وهو بالطبع تسمية خاطئة كمسميات كثر في الكنيسة تحتاج لمراجعة وتثقيف الناس، لكن دعونا من المسميات والتعريفات التي تنم عن جهل صارخ بين الشعب القبطي الذي يصر على تجهيل نفسه إذ يصر على عدم القراءة والبحث وراء ما هو موروثات شعبية بدعوى البساطة، ولقد كتبت عدة مقالات عن هذا الأمر ولكن هيهات أن يقرأ أو يسمع أحد لدرجة إنني شخصيًا فقدت الشغف للكتابة إذ وجدت ألا جدوى للكتابة مع أن ما أقوله الآن ضد كلمة الله إذ يقول الكتاب المقدس: اِرْمِ خُبْزَكَ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ فَإِنَّكَ تَجِدُهُ بَعْدَ أَيَّامٍ كَثِيرَةٍ ((سفر الجامعة ١١: ١ )). وأيضا  في العهد الجديد  يقول: إِذًا لَيْسَ الْغَارِسُ شَيْئًا وَلاَ السَّاقِي، بَلِ اللهُ الَّذِي يُنْمِي. وَالْغَارِسُ وَالسَّاقِي هُمَا وَاحِدٌ، وَلكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ سَيَأْخُذُ أُجْرَتَهُ بِحَسَبِ تَعَبِهِ ((رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس ٣: ٧، ٨ )) إذ لست أنا المسؤول عن الثمر ولا أنا المسؤول عن جهل الناس، لأنني ببساطة لست في وضع مسؤولية، ولكنني أتكلم من وضع المسؤولية التي وضعها الرب يسوع على عاتق كل مؤمن أو ابن له، وأيضا من منطلق الحق الكتابي لأن من أخذ شيء من الروح القدس لابدَّ أن يعطي وألا وقف النبع الإلهي من أن يعطي ما لم تعطي ما أخذت. الآيات في هذا الصدد كثيرة جدا إذ أردت عزيزي القارئ يا من تقرأ هذه السطور أن تقرأ عن هذا الأمر، اقرأ ما كتبه الوحي المقدس عن عمل الروح القدس في إنجيل يوحنا مَنْ آمَنَ بِي، كَمَا قَالَ الْكِتَابُ، «تَجْرِي مِنْ بَطْنِهِ أَنْهَارُ مَاءٍ حَيٍّ». قَالَ هذَا عَنِ الرُّوحِ الَّذِي كَانَ الْمُؤْمِنُونَ بِهِ مُزْمِعِينَ أَنْ يَقْبَلُوهُ، لأَنَّ الرُّوحَ الْقُدُسَ لَمْ يَكُنْ قَدْ أُعْطِيَ بَعْدُ، لأَنَّ يَسُوعَ لَمْ يَكُنْ قَدْ مُجِّدَ بَعْدُ ((إنجيل يوحنا ٧: ٣٨، ٣٩ )) و أيضا إصحاحات ١٤، ١٥، ١٦ من نفس الإنجيل. لكن إذ أردت عن تعرف من هم المسؤولين عن تجهيل الشعب القبطي، اسأل نفسك أولا، رجوعًا إلى مقدمة مقالي هذا عن نهضة السيدة العذراء في كنيسة العذراء مريم بمدينة مسيساجا كندا 🇨🇦، في هذا الموسم تجد الكنيسة عن بكرة أبيها مزدحمه وتعج من الشعب وهذا بالطبع حسب الضيف المتكلم ويا حبذا لو كان من الأسماء اللامعة في سماء الوعظ المسيحي ومن الأسماء التي تجذب الناس وتصنع رواجًا تجاريا، وهم معرفون سواء هنا في كندا أو في المجتمع الكنسي في مصر، وكما يقولون إنه موسم والكل يستفيد سواء ببيع منتجات من صور أو أيقونات أو هدايا وخلافه، بالطبع الكتب تأتي في مؤخرة المبيعات، فشاء الرب أن أذهب يومًا إلى ذلك الحفل الكنسي ولم أجد مكان للسيارة إذ المكان كان مزدحمًا جدا كما قلت إنه موسم فالناس تحب أن تحضر نهضة العذراء -علشان دي  عادة وربنا ما يقطع لك عادة كالعادة- دخلت الكنيسة و كانت فترة الأسئلة قبل العظة وأنا لست من مستمعي الضيف ولا تستهويني طريقته في العظات ولكن فترة الأسئلة كانت كافية جدا لكي أتشبع وأدرك تمام الإدراك أنه كما قال سعد زغلول المقولة المشهورة على لسان المصريين  "ما فيش فايدة"، كم الأسئلة  و نوعيتها تنم عن أكثر من نقطة سوف ألخصهم في نِقَاط كالتالي: ١- الوعي بين المسيحيين لا يفرق شيئًا عن الوعي الإسلامي من حيث الإيمان بالقضاء والقدر والحظ وأعمال السحر والعكوسات وخلافه. ٢-  لا يوجد من يهتم ويسأل سؤال روحي سواء لاهوتي أو خلافه فكل الأسئلة تندرج تحت عنوان الأمور الاجتماعية والزواج والمشاكل الزوجية والطلاق وزواج الأبناء والخلافات بين الأسرة والحقائد وخلافه. ٣- من نوعية الأسئلة تكتشف أن هنالك فجوة واسعة بين الكهنة والشعب. إما أن الشعب لا يثق في كهنته وآرائهم في حل المشاكل السابق ذكرها   أو أنه لا يوجد اتصال مباشر أو افتقاد بالمعنى المتعارف عليه ،فالكل مشغول بمشغولياته. ٤- المستوى الذي وصل له شعبنا القبطي من التجهيل يحتاج إلى سنوات لمحو هذا الذنب بالتعليم كما كان يقول البابا شنودة الثالث إذ سألت نفسي هذا السؤال وأنا خارج من الكنيسة إذ قمت بدعوى اجتماع لدراسة الكتاب المقدس أو اجتماع تعليم كم من هؤلاء سوف يبدي استعداده للحضور؟! اترك الإجابة لكم! --- ### إشارات الكتاب المقدس - Published: ۲۰۲٤-۰۸-۲۳ - Modified: 2024-08-30 - URL: https://tabcm.net/29005/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: إفخارستيا, العشاء الأخير, الكنيسة الجامعة, ترجمة فاندايك, يوحنا الحبيب نحاول في هذا البحث توضيح الإشارات إلى تناول يهوذا الإسخريوطيّ، أحد تلاميذ السيد المسيح الأثنى عشر، من سر الإفخارستيا في العشاء الأخير، الذي أقامه الربُّ يسوع مع تلاميذه ليلة آلامه وصلبه. ونستعرض الإشارات إلى تناول يهوذا الإسخريوطيّ من سر الإفخارستيا في العهدين القديم والجديد، ثم الإشارات إلى هذا الحدث في كتابات آباء الكنيسة الجامعة شرقًا وغربًا في مختلف الكنائس ومن مختلف التقاليد الكنسية، سواء إسكندريّ، أنطاكيّ، أورشليميّ، سريانيّ، كبادوكيّ، لاتينيّ، وذلك لتقديم صورة كاملة وشاملة عن تأكيدات آباء الكنيسة الجامعة من مختلف الكنائس والتقاليد المختلفة عبر العصور والأزمنة على حدث تناول يهوذا الإسخريوطيّ من سر الإفخارستيا. حيث كان يستخدم آباء الكنيسة شرقًا وغربًا هذه الحادثة للتأكيد على ضرورة تناول الخاطئ المتقدِّم إلى سر الإفخارستيا، مهما كانت حالته، كفرصة للتوبة والرجوع عن خطاياه، ولذا كان آباء الكنيسة يستشهدون عادةً بحادثة تناول يهوذا الإسخريوطيّ، تلميذ المسيح الخائن، الذي خانه وسلَّمه إلى اليهود والرومان بقبلةٍ في بستان جثسيماني ليلة خميس العهد، في مقابل ثلاثين من الفضة كثمن الخيانة. يرى آباء الكنيسة الجامعة أن السيد المسيح كان طويل الأناة ورحوم على يهوذا الإسخريوطيّ إلى أخر فرصة، ولم ييأس أبدًا في رجوعه حتى وهو عازم على تسليمه إلى قادة اليهود والرومان، حتى وهو عازم على خيانته وقد قبض ثمن خيانته، بل منحه الرب سر الإفخارستيا في العشاء الأخير لعله يتراجع عن خيانته، وهكذا منحه فرصة للتوبة والرجوع عن خطيته لأخر وقت ولأخر فرصة، لكي يؤكد على أنه يستمر إلى أخر وقت يطلب خلاص الخاطئ ولا يسرُّ أبدًا بهلاكه وفنائه حتى لو أراد هو نفسه ذلك. ولكن للأسف لم يستفد يهوذا الإسخريوطيّ من هذه المحاولة وغيرها من المحاولات السابقة من قِبَل الرب يسوع لكي يتوب ويرجع عن خطيئته، وأسلَّم عقله وقلبه وفكره وإرادته للشيطان وصمَّم على خيانة سيده وتسليمه إلى اليهود والرومان مقابل ثلاثين من الفضة. نستعرض في هذا الجزء الإشارات إلى تناول يهوذا الإسخريوطيّ، من سر الإفخارستيا في العشاء الأخير، في العهدين القديم والجديد، للتأكيد على أن هذه الحادثة لها جذور في نبوات العهد القديم تحقَّقت في العهد الجديد كما سنرى. العهد القديم هناك إشارة واضحة إلى تناول يهوذا من خبز الإفخارستيا في نبوة (مزمور 41: 9)، وااستخدم آباء الكنيسة هذا الشاهد في التأكيد على تناول يهوذا الإسخريوطيّ من سر الإفخارستيا رَجُلُ سَلاَمَتِي، الَّذِي وَثِقْتُ بِهِ، آكِلُ خُبْزِي، رَفَعَ عَلَيَّ عَقِبَهُ! (مز مور 41: 9 ترجمة فاندايك) العهد الجديد رواية إنجيل لوقا نجد إشارة واضحة إلى تناول يهوذا من سر الإفخارستيا في العشاء الأخير بعد أن أسَّس السيد المسيح سر الإفخارستيا حين وَأَخَذَ خُبْزًا وَشَكَرَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَاهُمْ قَائِلاً: ’هذَا هُوَ جَسَدِي الَّذِي يُبْذَلُ عَنْكُمْ. اِصْنَعُوا هذَا لِذِكْرِي ((إنجيل لوقا 22: 19 فاندايك )). وَكَذلِكَ الْكَأْسَ أَيْضًا بَعْدَ الْعَشَاءِ قَائِلاً: ’هذِهِ الْكَأْسُ هِيَ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ بِدَمِي الَّذِي يُسْفَكُ عَنْكُمْ ((إنجيل لو 22: 20 فاندايك )). يشير لوقا البشير إلى حضور يهوذا الإسخريوطيّ في أثناء تأسيس السيد المسيح لسر الإفخارستيا حيث يقول المسيح نفسه إن يد مُسلِّمه هي معه على المائدة كالتالي: وَلكِنْ هُوَذَا يَدُ الَّذِي يُسَلِّمُنِي هِيَ مَعِي عَلَى الْمَائِدَةِ ((إنجيل لوقا 22: 21 فاندايك ))، ويستطرد السيد المسيح مؤكدًا على حضور يهوذا لسر الإفخارستيا وتحدَّث عن يهوذا الإنسان الذي سوف يُسلِّمه قائلاً: وَابْنُ الإِنْسَانِ مَاضٍ كَمَا هُوَ مَحْتُومٌ، وَلكِنْ وَيْلٌ لِذلِكَ الإِنْسَانِ الَّذِي يُسَلِّمُهُ! ((إنجيل لو 22: 22 فاندايك )). هنا يروي البشير لوقا حَيْرَة التلاميذ وتساؤلهم فيمَا بينهم حول مَن هو هذا الإنسان الذي أخبر السيد المسيح أنه سوف يُسلِّمه، مما يؤكد أن يهوذا كان لا يزال موجودًا وحضر تأسيس سر الإفخارستيا وتناول من السرِّ كالتالي: فَابْتَدَأُوا يَتَسَاءَلُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ: ’مَنْ تَرَى مِنْهُمْ هُوَ الْمُزْمِعُ أَنْ يَفْعَلَ هذَا؟ ((إنجيل لوقا 22: 23 فاندايك )). رواية إنجيل يوحنا ويستخدم البشير يوحنا نبوة (مز 41: 9) في التأكيد على أن يهوذا قد حضر تأسيس سر الإفخارستيا، وهي النبوة التي أعتمد عليها آباء الكنيسة فيما بعد للتأكيد على تناول يهوذا من سر الإفخارستيا، حيث يقول المسيح نفسه التالي: لَسْتُ أَقُولُ عَنْ جَمِيعِكُمْ. أَنَا أَعْلَمُ الَّذِينَ اخْتَرْتُهُمْ. لكِنْ لِيَتِمَّ الْكِتَابُ: اَلَّذِي يَأْكُلُ مَعِي الْخُبْزَ رَفَعَ عَلَيَّ عَقِبَهُ ((إنجيل يوحنا 13: 18 فاندايك). ثم أعلن السيد المسيح أن هناك واحد من التلاميذ سوف يسليمه كالتالي: لَمَّا قَالَ يَسُوعُ هذَا اضْطَرَبَ بِالرُّوحِ، وَشَهِدَ وَقَالَ: ’الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ وَاحِدًا مِنْكُمْ سَيُسَلِّمُنِي! ((إنجيل يوحنا 13: 21 فاندايك )). هنا تساءل التلاميذ فيمت بينهم وهم متحيرون عن هُوِيَّة الخائن مُسلِّم المسيح كالتالي: فَكَانَ التَّلاَمِيذُ يَنْظُرُونَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ وَهُمْ مُحْتَارُونَ فِي مَنْ قَالَ عَنْهُ ((إنجيل يوحنا 13: 22 فاندايك )). وكان البشير يوحنا صاحب الرواية الإنجيلية شاهد عِيان على الحدث وَكَانَ مُتَّكِئًا فِي حِضْنِ يَسُوعَ وَاحِدٌ مِنْ تَلاَمِيذِهِ، كَانَ يَسُوعُ يُحِبُّهُ ((إنجيل يوحنا 13: 23 فاندايك )). وهنا أشار ق. بطرس إليه أن يسأل المسيح عن هُوِيَّة الخائن كالتالي: فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ سِمْعَانُ بُطْرُسُ أَنْ يَسْأَلَ مَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ الَّذِي قَالَ عَنْهُ ((إنجيل يوحنا 13: 24 فاندايك )). وسأل ق. يوحنا الحبيب المسيح عن هُوِيَّة الخائن قائلًا: فَاتَّكَأَ ذَاكَ عَلَى صَدْرِ يَسُوعَ وَقَالَ لَهُ: ’يَا سَيِّدُ، مَنْ هُوَ؟ ((إنجيل يوحنا 13: 25 فاندايك ))، فكانت إجابة المسيح وإشارته إلى الشخص الذي سوف يغمس اللقمة ويعطيه إياها كالتالي: أَجَابَ يَسُوعُ: ’هُوَ ذَاكَ الَّذِي أَغْمِسُ أَنَا اللُّقْمَةَ وَأُعْطِيهِ! ‘. فَغَمَسَ اللُّقْمَةَ وَأَعْطَاهَا لِيَهُوذَا سِمْعَانَ الإِسْخَرْيُوطِيِّ ((إنجيل يوحنا 13: 26 فاندايك )). ويلفت البشير يوحنا إلى تناول يهوذا من سر الإفخارستيا، وهكذا بعدما تناول يهوذا من السر دخله الشيطان وذهب ليسلِّم المخلص كالتالي: فَبَعْدَ اللُّقْمَةِ دَخَلَهُ الشَّيْطَانُ. فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: ’مَا أَنْتَ تَعْمَلُهُ فَاعْمَلْهُ بِأَكْثَرِ سُرْعَةٍ ((إنجيل يوحنا 13: 27 فاندايك )). ويُقرِّر البشير يوحنا أن التلاميذ لم يفهموا ما حدث بين المسيح ويهوذا في وقتها، واعتقدوا أن المسيح أرسله  ليشتري حاجة العيد ويعطيها للفقراء، لأن يهوذا كان معه صندوق المال المدخَر لمثل هذه الأمور كالتالي: وَأَمَّا هذَا فَلَمْ يَفْهَمْ أَحَدٌ مِنَ الْمُتَّكِئِينَ لِمَاذَا كَلَّمَهُ بِه، لأَنَّ قَوْمًا، إِذْ كَانَ الصُّنْدُوقُ مَعَ يَهُوذَا، ظَنُّوا أَنَّ يَسُوعَ قَالَ لَهُ: اشْتَرِ مَا نَحْتَاجُ إِلَيْهِ لِلْعِيدِ، أَوْ أَنْ يُعْطِيَ شَيْئًا لِلْفُقَرَاءِ ((إنجيل يوحنا 13: 28، 29 فاندايك )). --- ### فريدريك ليوبولد أوغسط ڤيسمان - Published: ۲۰۲٤-۰۸-۲۱ - Modified: 2024-08-21 - URL: https://tabcm.net/28883/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: ألدوس هكسلي, تروفيم دينيسوفيتش ليسينكو, تشارلز روبرت داروين, تشيزري سيزار لومبروزو, جريجور يوهان مندل, چان پاتيست پيير أنطوان دو مونيه شوفاليه دو لامارك, فريدريك فيلهيلم نيتشه, فريدريك ليوبولد أوغسط ڤيسمان, فريدريك وود چونز, لوثر بيربانك, هربرت سبنسر ذكر فيسمان أنه قطع أذناب الفئران لعدة أجيال فلم يستطع إيجاد سلالة من الفئران خالية من الأذناب، ثم ضرب مثلًا بالختان عند اليهود فقال: إنهم على الرغم من ممارسة هذه العادة أكثر من ثلاثة آلاف سنة لا يزال أطفالهم يولدون وهم غلف لم يتأثروا بالختان أفسد ذهني نحو أربعين سنة، بل لعله أفسد أخلاقي أيضًا من حيث إنه غرس في نفسي فلسفة اجتماعية خاطئة، فجفت عندي ينابيع السخاء البشري، وتولدت عندي نظريات بشأن تنازع البقاء ما كنت لأومن بها لولا هذا المؤلف الألماني المدعو «فيسمان»؛ ذلك أني كنت في الأول من هذا القرن مشغول الذهن بنظرية داروين عن تنازع البقاء وبقاء الأصلح، وكانت هذه النظرية في ذلك الوقت هي عند جميع المفكرين علة التطور؛ فإن أوروبا المثقفة كانت قد سلمت بأن الأحياء تتغير وتتطور، وأنها تعود كلها إلى أصل واحد، ولكن كان هناك خلاف بشأن العلة أو السبب لهذا التطور. وكان لامارك قبل داروين، قد علل التطور بالعادات؛ أي إن الحي عندما يتغير وسطه الذي يعيش فيه، سواء أكان ذلك بتغيير المناخ أم الطعام أم الأعداء، هذا الحي يتعود عادات جديدة تلائم هذا الوسط الجديد، ويتغير بذلك جسمه بعض الشيء، ثم يأتي نسله فيرث شيئًا من هذا التغير، ثم تتراكم التغيرات على مدى الأجيال المتعاقبة بالمئات والألوف فتظهر سلالات جديدة تختلف من أسلافها، ثم تتراكم هذه التغيرات في هذه السلالات حتى تفصل ما بينها وبين الأسلاف، وتعود السلالات القريبة أنواعًا مستقلة منفصلة. هذا ما كان يعلل به لامارك التغيرات التي تؤدي إلى التطور، وقد سلَّم داروين -إلى حد ما- بهذا التعليل، ولكنه لم يقصر التغيرات التطورية عليه، بل اعتمد على ما سماه «تنازع البقاء». والقارئ لمؤلفاته يفهم أن التغييرات تحدث لأسباب نجهلها، ولكنها تورَّث، فإذا كانت الصفة المورثة حسنة فإنها تؤدي إلى انتصار الفرد المتصف بها من الحيوان أو النبات في تنازع البقاء؛ أي في مباراته لغيره من نوعه أو الأنواع الأخرى. ولكن مع كل ما قاله داروين هنا يجب أن نذكر أنه قال إن تأثير الوسط في الحي لم يدرس الدراسة الكافية، وبذلك ترك الباب مفتوحًا للشك والبحث شأن الباحث العلمي المنصف. وفيما بين سنة ١٩٠٠ وسنة ١٩١٠ كان النقاش يدور حول الصفات المكتسبة؛ أي العادات، أتورث أم لا تورث؟ ولزيادة الإيضاح نقول: هل طال عنق الزرافة؛ لأنها تعودت مد هذا العنق إلى الغصون العليا من الأشجار أو الأعشاب السفلى على الأرض، ثم أورثت ذريتها هذه العادة حتى طالت أعناقها؟ أم أن هناك سببًا أو أسبابًا أخرى لهذا الطول؟ والمعقول الذي يسلِّم به المفكر لأول وهلة أنه لا يمكن أن يكون هناك سبب آخر لهذا التغير والتطور سوى الذي كانت تعيش فيه الزرافة؛ أي إنه إذا لم يتغير الوسط، ويؤدي تغيره إلى أن يغير الحي عاداته، فلن يكون هناك سبب ما للتغير والتطور. ومعنى هذا أن لامارك كان مصيبًا كل الإصابة في تعليله للتطور بالعادات التي يتعودها الفرد. هذا هو المعقول، ولكن إذا لم يتفق المعقول مع الواقع، وجب أن نسلم بالواقع ونرضى بالنزول عن هذا المعقول؛ لأن ما عقلناه ربما قد خفيت عنا فيه أشياء. ووقع في يدي حوالي سنة ١٩٠٩ كتاب يدعى «الجرثومة المنوية» للمؤلِّف الألماني فيسمان، وكان هذا المؤلِّف علمي الذهن، لا يسأل ما هو المعقول؟ وإنما يبحث عن الواقع الذي تثبته المشاهدة والتجربة، وقد وجد بالمشاهدة الميكروسكوبية أن الجراثيم المنوية؛ أي التناسلية في الحيوان، مستقلة تمام الاستقلال عن الخلايا الجسمية، وهي تسكن في أجسامنا وتتغذى من دمائنا، ولكنها لا تتأثر بحياتنا أقل التأثر ونحن نتسلم هذه الجرثومة من آبائنا ونسلمها لأبنائنا، وهؤلاء يسلمونها للأحفاد دون أن تتأثر بالأجسام التي التصقت بها وعاشت عليها. وقد وصل فيسمان إلى هذه النتيجة بالمشاهدة، فإن الجنين في أولى ساعات تكوينه يتألف من خليتين: إحداهما خلية تناسلية، والأخرى خلية جسمية، والأولى تبقى راكدة لا تنمو إلا عند المراهقة، حين تنشط وتتكاثر، أما الثانية فتتكاثر منذ الساعات الأولى لتكون الجنين، وهي التي يبنى منها الإنسان أو الحيوان أو النبات. وإذا فمهنا تغير الوسط من البرد إلى الحر، أو من السهل إلى الجبل، أو من الرطوبة إلى الجفاف، ومهما تغير الغذاء من النبات إلى الحيوان أو العكس، ومهما تغيرت حركات الجسم بالعمل والكفاح، ومهما تغير نشاط العقل بالدراسة أو عدمها، ومهما تغيرت عاداتنا السلوكية، فإن الجراثيم المنوية التي تسلمناها من جدودنا وأسلافنا سنسلمها لأبنائنا وأحفادنا كما هي دون أن تتأثر بما تأثرت به أجسامنا نحن؛ ولذلك ليس في ترقية الوسط أية ترقية للإنسان، لأن التفاوت في الكفايات لا يعود إلى تفاوت في الوسط، وإنما إلى تفاوت في الوراثة، هذه الوراثة التي لا نعرف في زعم فيسمان كيف تؤثر فيها أو تغيرها. وقد كافح هربرت سبنسر هذا القول، وكانت عباراته: إذا لم يكن الوسط سببًا لتغير الأنواع، فلا أعرف سببًا آخر للتطور.  ومع أن هذه الكلمات يُنادي بل يصيح بها المنطق والتفكير السليم فإني لم أستطع إلا التسليم بما قاله فيسمان؛ لأنه قائم على المشاهدة التي هي بيِّنة العلم. ثم عرفت بعد ذلك تجارب الراهب «مندل» التي كان قد أجراها في القرن الماضي في اللوبيا أو الفاصوليا وبعض الحبوب الأخرى، «وأثبت» أن الوراثة صارمة، وأنها تجري على أرقام معينة كأنها لا تتأثر بالوسط بتاتًا، وانتهيت أنا إلى الإيمان بهذه الوراثة الجامدة، وبأن الوسط لا قيمة له أصلًا في تغير السلالات وتطورها؛ ذلك لأني اعتمدت على ما كان يقوله الثقات، ولست أنا ثقة مجربًا في هذه العلوم، فيجب أن أقبل ما يقوله المجربون. ولكن بقي التطور عندي بلا تعليل؛ لأني أخرجت منه تأثير الوسط. لا، بقي شيء واحد هو تنازع البقاء؛ أي يجب أن نسلِّم بأن الأفراد من الحيوان والنبات والإنسان تتفاوت في الكفايات، ونحن -مع أننا نجهل المصدر لهذا التفاوت- مضطرون إلى التسليم به؛ إذ هو واقع يشاهد، وإن كان هذا التسليم يشبه التسليم بالغيبيات التي لا تعلل، أو بالقدر الذي لا يحتسب. وكان لهذه العقيدة مركبات نفسية عندي تتلوها مركبات اجتماعية؛ ذلك أن تنازع البقاء في الطبيعة يجب أن يكون له صداه في مجتمعنا، كأن نقتل العاجز العليل أو نتركه يموت دون أن نعمل على شفائه، فهؤلاء العاجزون عن التفوق يستحقون تخلفهم، وليس من الواجب علينا أن نساعدهم على أن يرتقوا؛ لأنهم إنما ولدوا وارثين لهذا العجز الذي يصلحه الوسط، ثم لماذا يبقى هؤلاء الزنوج أحياء ما دامت هناك شعوب أرقى منهم؟ وما دام إصلاحهم بإصلاح الوسط غير ممكن لأنه غير علمي؟ فزوالهم إذن خير من بقائهم، وفي هذا القول بالوراثة تعليل علمي، وتسويغ اجتماعي للاستعمار والاستغلال؛ لأن الأقوياء بالوراثة هم الذين يستعمرون ويستغلون الضعفاء بالوراثة، وقد التهمتُ نيتشه التهامًا؛ لأنه كان يدعو إلى إبادة الضعفاء، ومضت عليَّ سنوات كنت أحس عندما أرى إنسانًا يتصدق على سائلٍ بقرش أنه جنى على المجتمع وأفسد الأجيال القادمة؛ لأنه بهذا الإحسان قد استبقى الضعف واستولده. ولكن يجب أن أعترف أني لم أسلِّم كل التسليم بأن الطبيعة كافرة إلى هذا الحد، ولكني كنت أقف مترددًا، أكاد أحبس نفسي عن السخاء والحنان والرقة العطف، وكنت أظن أني بذلك قد أصبحت «علميًّا»؛ وذلك أني كنت على الدوام أهجس بالهاجس الفلسفي المنطقي، وهو أنه ليس هناك سبب لتغير الحيوان أو النبات سوى تغير الوسط؛ أي إن عادات الفرد في حياته، وصفاته التي اكتسبها من هذه العادات، ترثها أعقابه ثم تتراكم وتتبلور حتى تصير صفات جسمية أو غريزة جديدة. وأخيرًا التفتُّ إلى الهورمونات الجنسية، تلك المركبات التي تفرزها الخصيتان في الرجل والمبيضان في المرأة، وتؤثر في قوام الجسم وشكله بحيث يتغير شكل الجسم حين نقطعها (كما نرى في الخصيتان)، فرأيت أنه ليس من المعقول أن تؤثر الجراثيم المنوية في أجسامنا دون أن تتأثر هي بأجسامنا. وقرأتُ بعد ذلك كتابًا للأستاذ «وود چونز» عنوانه «العادة والوراثة» أوضحَ فيه أن العادات التي يتعودها الحيوان بل الإنسان تنتهي إلى أن تكون وراثية، وقد ذكر حقيقة كبيرة القيمة جدًّا تنقض ما قاله فيسمان من أن خلايا الجسم تنفصل من خلايا الجرثومة المنوية، وهي أن الرحم قد نزعت من بعض الفئران والأرانب فعادت إلى النمو، بل ذكر أن مثل هذا قد حدث لبعض النسوة اللاتي نزعت أرحامهن، وبذلك أثبت أن نزع الجرثومة المنوية من جسم الفأر والأرنب والمرأة، وهي الجرثومة التي ينمو فيها الرحم هذا النزع والمحو لا يمنعان الجسم من إنماء جرثومة أخرى، وإذا كان الأمر كذلك فإن تأثر الجراثيم المنوية في الذكر والأنثى بخلايا الجسم لا يترك مجالًا للشك، ومن هنا يجب أن نسلم بأن الصفات المكتسبة؛ أي العادات التي يتعودها الجسم، تتأثر بها الجراثيم المنوية فتعود هذه العادات وراثية، وقد ذكر فيسمان أنه قطع أذناب الفئران لعدة أجيال فلم يستطع إيجاد سلالة من الفئران خالية من الأذناب، ثم ضرب مثلًا بالختان عند اليهود فقال: إنهم على الرغم من ممارسة هذه العادة أكثر من ثلاثة آلاف سنة لا يزال أطفالهم يولدون وهم غلف لم يتأثروا بالختان. ولكن هذين المثلين لا يدلان على أن فيسمان كان بصيرًا بمعنى التطور، فإن قطع أذناب الفئران وختان اليهود لا يزيد في دلالته على ما نفعل نحن عندما نقص شعور رؤوسنا؛ إذ ليست هذه الأعمال عادات. ذلك أن معنى العادة أكبر من هذه الأمثلة، فالحيوان يتعود العادة لأنها تنفعه، فهو يجد أولًا متكلفًا جاهدًا حتى تسهل عليه بالمرانة، ثم تصير المرانة عادة يؤديها وهو لا يكاد يلتفت إليها، كعازف الكمان، يبدأ متعلمًا متعثرًا متكلفًا ثم ينتهي بالمرانة إلى أن يعزف وهو يتحدث إليك لا يلتفت إلى الأوتار. وهكذا الشأن في الزرافة، حين كانت قصيرة العنق تمده إلى الأغصان فتشد عضلاته؛ أي تمطها، ثم تكرر هذا بالمرانة حتى صارت العضلات تطول بالوراثة. وهذا هو الشأن في ثفنات الجمل؛ أي تلك الأجزاء المتجلدة الخشنة التي تلاصق الرمل عندما يبرك، فإننا نعرف أن أقدامنا تتجلد وتخشن عندما نمشي على سطح خشن، أو عندما يضيق علينا الحذاء، والإخشيشان في ثفنة الجمل هو عادة نشأت من مقاومة الجسم للرمل الخشن، ثم صارت بعد ذلك وراثية، بل هذا هو الشأن في عنق الجمل الذي يمده كي يصل إلى أعشاب الأرض، فالزرافة والجمل احتاج كلاهما إلى خواص مكتسبة، صارت بعد ذلك موروثة؛ لأنها نافعة، أما قطع ذنب الفأر، وختان اليهود، وقص شعورنا، فليس منها أية منفعة لنا ولسنا نجهد في تعودها؛ ولذلك ليس هناك ما يدعو إلى أن تكون وراثية. ••• ثم عدتُ إلى قواعد مندل في الوراثة فوجدت أنها ليست مُحكمة؛ أي ليست علمية، حتى أصبح المندليون أنفسهم يقولون إن هناك شذوذًا في بعض الصفات المورثة. وهذا كلام لا يستطيع الذهن العلمي أن يسيغه؛ لأن القاعدة العلمية لا تتسع لأقل الشذوذ. ثم انظر إلى النبات الذي استغله الإنسان لغذائه كالقمح مثلًا، فإنه إنما نشأ في بقعة صغيرة في الأصل، ولكنه يزرع الآن في الأقاليم الثلجية التي تتاخم القطب الشمالي، وفي الأقاليم الحارة بأفريقيا وليس لهذا من سبب إلا أن القمح قد تعود مختلف الأقاليم التي زرعه الإنسان فيها، وأورث عاداته، أي صفاته المكتسبة، لسلالاته المختلفة. وهكذا الشأن في البقر الذي يعيش في السودان الحار، وفي نروج الباردة، مع أن الأسد لا يعيش إلا في أواسط أفريقيا لا يتجاوزها، ولو كان الأسد مدجنًا كالبقر، ينقله الإنسان معه إلى مهاجره البعيدة، لكان قد تعود المناخ البارد وعاش في نروج كما يعيش الآن في أفريقيا. وحيوان اليابسة الذي نزل إلى البحار مثل: القيطس والفقمة والدولفين يبين بوضوح كيف أن الوسط قد غيَّره، وكيف أن سلائل هذا الحيوان قد ورثت التغير. بل إن هناك أمارات تدل على أن كفاح الحيوان للأمواج قد غيَّر في وضعه التشريحي، مثال ذلك أننا عندما نسبح يكون همنا رفع الرأس حتى لا نختنق بالماء، وهذا الرفع يجعل العنق مشدودًا من الأمام مثنيًّا إلى الخلف، فتندفع فقاره إلى الأمام في العنق، وهذا هو ما نراه الآن في الفقمة، فإن فقارها أقرب إلى نحرها منها إلى قفاها. وقد كان «بيربانك» الأمريكي يطعم الأشجار بغصون من أشجار أخرى فكان يجد الفواكه التي تنشأ على هذه الغصون تكتسب صفات جديدة من الشجرة الظئر؛ أي الأم، ثم تورث سلائلها هذه الصفات، مع أن الغصن لم يأخذ من الشجرة سوى الغذاء، وهو بعض الوسط. وهذا الذي حققه بيربانك قد حققه أيضًا «ليسينكو» على أبعاد كبيرة، الغصن يؤثر في الشجرة الظئر، والشجرة الظئر تؤثر في الغصن، وهذا الفهم الجديد بشأن الوراثة والوسط قد عاد فأحدث لي مركبات نفسية واجتماعية أخرى، وأكسبني فهمًا آخر للتطور، وهو أن داروين قد أخطأ خطأ فادحًا عندما زعم أن «تنازع البقاء» هو كل شيء أو يكاد يكون كذلك، وإن كان فهمه لتنازع البقاء ليس ساذجًا أو ليس محض القوة والعداوة كما يتوهم القارئ. وشرعت أبصر أن التعاون في الطبيعة أكبر أثرًا من التنازع، بل لا يكاد يكون هناك تنازع في عالم الحيوان بالمعنى البشري الذي نفهمه من هذه الكلمة، فالأسد لا يقتل الأسد، والخروف لا يقتل الخروف، وقد يكون هناك صراع دموي بشأن الأنثى، ولكنه لا ينتهي بالموت في كل حال. ثم هو صراع قصير الأجل. أما الإنسان فيقتل الإنسان بالملايين، لا بمحض طبيعته ولكن باتجاه حضارته، أو بما نشأ عليه من عواطف اجتماعية، ونحن نخطئ خطأ كبيرًا حين ننقل هذا المعنى المتوحش لتنازع البقاء من مجتمعنا إلى الحيوان في الغابة؛ لأن الطبيعة ليست كما قال «هكسلي» أو غيره وهو متأثر بداروين: حمراء بين الناب والمخلب. وهذا الفهم الجديد للتطور يحملنا على الإكبار من شأن الوسط البشري وضرورة ترقيته حضاريًّا وثقافيًّا؛ لأن العادات التي يتعودها الإنسان بكفاحه لمصاعب الوسط سوف تنتقل كما لو كانت غرائز إلى الأجيال القادمة. وليس ما نسميه غرائز طبيعية سوى عادات تبلورت بتعاقب الأجيال. والدلالة الأخلاقية لهذا النظر الجديد هي أننا إذا تركنا الناس أو بعض الفئات تعيش في عادات سيئة، فإننا سوف نرى السوء لا يقتصر على الجيل القائم، بل ينتقل إلى الأجيال القادمة بالوراثة، والوراثة في جمودها الذي اعتقده فيسمان تشبه القدر؛ لأننا نعجز عن تغييرها، والإيمان بها يدعو إلى التشاؤم وإلى اليأس من إصلاح الطبيعة البشرية بغير الوسائل الإنتاجية التي لا تتفق دوامًا وما نفهمه من العدالة والإنسانية. وقد كانت الوراثة هي المركب السيكلوجي السيئ الذي ختم على عقل «لومبروزو» وجعله يقول إن إصلاح المجرم غير ممكن؛ لأنه يرث النزعة الإجرامية. وإني عندما أقلِّب صفحات ذاكرتي أجد مركبات ذهنية كبيرة انتفعت بها، ولكن المركبات التي نشأت في ذهني من الإيمان بالوراثة قد أفسدت تفكيري نحو أربعين سنة، بل أفسدت أخلاقي وجعلتني أتشاءم كثيرًا. أما إيماني بالوسط فقد أعاد إليَّ اتزاني الذهني والأخلاقي، وملأني تفاؤلًا بمستقبل البشر. هذه هي قصة الكتاب الذي أفسد ذهني، ولكن المناخ الذهني في بداية هذا القرن كان يهيئ للإيمان بالوراثة ويؤيدها. --- ### قراءاتٌ في سفر الهوية - Published: ۲۰۲٤-۰۸-۲۰ - Modified: 2024-08-20 - URL: https://tabcm.net/28925/ - تصنيفات: إصلاح كنسي اضطراب الهُوِيَّة الجمعي بيجعل الأشخاص في الثقافة التي يمكن اعتبارها ثقافة مهزومة إنها تبحث عن ثقافة الغالب. "اللي تغلب به، العب به"! يظهر هذا في أبسط مظاهر الحياة. أنا في ثقافة مهزومة، أبحث على الأماكن التي تمنحني شعور زائف بالتفوق. إنها أمامي سلسلة مطاعم عديمة الطعم -ولا داعي لذكر اسمها- أدخل واستمتع لأن ردائة الطعم والذوق لما أتناوله من طعام  يغطي عليه الشعور إني- أنا كده زيي زي الأمريكان مثلًا، أهو باكل زيهم بالظبط وبعمل أوردر. بنفس طريقتهم- هذا الموضوع يدخل في نفس الممارسات الروحية واللاهوتية والثقافية. مثلًا أن أنكر أن اللغة العربية هي لغتي لأنها لغة دين آخر أو إنها لغة محتل. مع أن الموقف نفسه لا يعيشه أغلب سكان أمريكا اللاتينية، فلغتهم لغة المحتل من ٥ قرون -كان محتل كاثوليكي- بالعكس بهذا يقوي اللغة ويضيف لها وينتج من خلالها أدب وفلسفة ولاهوت وعلوم. أظن أنه كفى. فنحن نحتاج حاليًا أن نرى كيف تتشكل هويتنا مما بين أيدينا وما الذي نستطيع بالفعل أن نعمله ونتميز فيه. اللغة والثقافة المحلية من أهم الأدوات التي تساعدنا إننا نتقدم وننتج ونؤثر في مجتمعنا وعالمنا. عمود آخر مُهمل من الأعمدة التي تشكل الهويّة المصريّة، مصر دولة متوسّطيّة: ١. البحر الأبيض المتوسّط يسألنا؟ نشأَ بيان "نحو لاهوتٍ نابعٍ من البحر الأبيض المتوسّط" عن الإصغاء إلى ما يجري في البلدان المطلّة على البحر الأبيض المتوسّط. البيان إذًن محاولةُ بعض لاهوتيّي البحر الأبيض المتوسّط الذين شعروا بالحاجة لوضع أسّسٍ يمكن الانطلاق منها لصياغة لاهوت سياقيّ للبحر الأبيض المتوسّط. ولتأسيس لاهوتٍ سياقيّ، يطرح البيان هذه الأسئلة بصفتها نقطة انطلاق «ماذا نسمع؟ وماذا نرى؟ وماذا نلمس؟ وماذا نختبر عندما نُصغى بعمقٍ إلى البحر الأبيض المتوسّط؟». إلّا أنّه قبل البَدْء في محاولة الإجابة على بعض تساؤلات البحر الأبيض المتوسّط، ربّما يجدر بالمرء أوّلًا الإجابة على السؤال: ما سماتُ لاهوتٍ نابعٍ من البحر الأبيض المتوسّط؟ ١. لاهوتٌ نابعٌ من البحر الأبيض المتوسّط يأخذ في اعتباره الإرث المشترك بين دول حوض البحر الأبيض المتوسّط جميعها. تتعدّد الثقافات واللغات بالطبع. فهو إذًا لاهوتٌ ليس ذا مركزيّه أوربية، ولكنّه لا يهمل تراث أوربّا في اللاهوت. وفي الوقت عينه هو لاهوت ينفتح على ثقافات وتراث كلّ دول حوض البحر المتوسّط. ٢. اللغة. لا يعتمد اللاهوت النابع من البحر الأبيض المتوسّط على اللغات الأوربية فقط. ذلك من شأنه أن يجعل اللاهوت منذ نشأته يتخطى الحدود الثقافية والسياسية. وإذ يستخدم فيها اللاهوتيّون لغاتهم المحلّيّة يسهم بشكلٍ أكبر في تفادي سوء الفهم ومشكلات المصطلحات اللاهوتية، والاغتراب اللغويّ. من وحي العمل عضوًا في فريق المعهد الكاثوليكيّ المتوسّطيّ بمارسيليا، فرنسا. --- ### مراجعة تقبيل يد الكاهن ومناداة الأسقف بـ"سيدنا" - Published: ۲۰۲٤-۰۸-۱۹ - Modified: 2024-08-19 - URL: https://tabcm.net/28910/ - تصنيفات: إصلاح كنسي تقبيل أيدى الآباء (والأمهات) كانت عادة مصرية اجتماعية في الأجيال السابقة، وكنا ننادي "الجد والجدة" بـ"سيدي وستي"، ولم تكن ألقابًا تحمل معنى العبودية، إنما دلالة على التقدير والاحترام، بمعايير زمانهم. وبمد الخط على استقامته، صرنا نقبل يد "أبونا الكاهن" وننادي الأب المطران. باعتباره (أبو أبونا) بسيدي، دون أن يحمل اللقب معنى السيد والعبد. تطور المجتمع واختفت من بيوتنا -خاصة في الحضر- عادة تقبيل اليد هذه، ولم نعد ننادي الجدود بلقب سيدنا. ولكون الكنيسة جزء من المجتمع ومكونهما البشري واحد كان من الطبيعي أن تختفى عادة تقبيل أيدي الآباء الكهنة ويختفى لقب سيدنا. وهو ما حدث في كنائس تقليدية شقيقة. وظني أن هذا سيتحقق مع أجيال قادمة في ضوء نشأتهم المنفتحة على الفضاءات المفتوحة. اُقدِر واتفهم انزعاج البعض من تناول هذا الموضوع وهو من ضمن الممارسات الاجتماعية في فضاء العبادات القبطية، وأحسب أن ترجمته إلى ردود غاضبة أمر صحي، يضعنا على عتبات العصف الذهني ويقودنا إلى أعتاب المراجعة الموضوعية، التي قد تتبلور إلى عمل ثقافي لاهوتي تتبناه الكنيسة بكونها كائن حي ينقي صفحته، بشكل دوري، بالمراجعات الفكرية الموضوعية على ـرضية الكتاب والآباء. واستند إلى نصيحة القديس بولس الرسول بتجديد أذهاننا، لنتغير إلى تلك الصورة المرتجاة. وَنَحْنُ جَمِيعًا نَاظِرِينَ مَجْدَ الرَّبِّ بِوَجْهٍ مَكْشُوفٍ، كَمَا في مِرْآةٍ، نَتَغَيَّرُ إِلَى تِلْكَ الصُّورَةِ عَيْنِهَا، مِنْ مَجْدٍ إِلَى مَجْدٍ، كَمَا مِنَ الرَّبِّ الرُّوحِ. (رسالة بولس الثانية إلى كورنثوس 3: 18) ويحذرنا أحد المختبرين من التواني والتفريط والكسل؛ في عملية المراجعات، منبهًا إيانا لكنوز النعمة التي في حوزتنا، كما صاغها آباؤنا، بتدقيق وعمق، عبر زمن الكنيسة، زمن النعمة، فما من طقس -أصيل- إلاّ يشرح عقيدة نؤمن بها، وهي في مجملها تقودنا لمعرفة حقيقية وعلاقة وثيقة بربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح. وتكشف لنا عمق وسمو لاهوت التجسد الذي ينطلق من محبة الله لنا. التي بدونها لا نستوعب تنازل الله وتجسده وموته من أجلنا، وانتصاره على الموت، وانتصارنا فيه. فَكَيْفَ نَنْجُو نَحْنُ إِنْ أَهْمَلْنَا خَلاَصًا هذَا مِقْدَارُهُ (رسالة بولس إلى العبرانيين 2: 3) --- ### لا لتعظيم الخطية - Published: ۲۰۲٤-۰۸-۱۷ - Modified: 2024-08-21 - URL: https://tabcm.net/28870/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: الحق الإلهي, بابا كيرلس عمود الدين, قديس أثناسيوس الرسولي, كليف ستيبلز جاك لويس عندما بدأت في كتابة سلسلة "ملكوت الله سيمتد"، خيل لي أنني سأتتبع الحق الإلهي الخاص باستعلان ملكوت الله من سفر التكوين للرؤيا في غضون أسابيع قليلة. ولكن ما هو حادث الآن هو إنني ما زلت في جملة عٓرضية توقفت عندها قليلًا في مقال سابق "المسحة بالروح القدس"، ومن الواضح إنني سأتوقف عندها كثيرًا، وذلك لعدة أسباب؛ منها أن كلنا بلا استثناء نحتاج أن ندع نور ومصباح كلمة الله يُسلط بقوة على هذا الحق الإلهي لتجديد أذهاننا، وأيضًا هذا التعليم هو الصخر والأساس الذي لابد أن نبني عليه بيتنا الروحي ليصبح بيتًا مؤسسًا على الصخر. كما قال الرب. فَكُلُّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالِي هذِهِ وَيَعْمَلُ بِهَا، أُشَبِّهُهُ بِرَجُل عَاقِل، بَنَى بَيْتَهُ عَلَى الصَّخْرِ. (إنجيل متى ٧ : ٢٤) لأنه من المستحيل أن نبني بيتًا دون أن نضع أساسًا لذلك البيت وإلا سيسقط حتما، عزيزي القارئ الأيام المقبلة في عمر العالم ستشهد تحديات كبيرة خاصة لأولاد الرب، فلابد أن نكون مؤسسين على صخر غير قابل للسقوط، لذا لزامًا على كل ابن حقيقي للرب أن يعلن بوق الحق. لذا سنواصل سويًا هنا، أنهيت مقال "المسحة بالروح القدس" بجملة "أن الولادة الثانية تحول الخطاة إلى أبناء لله ولكن القيادة بالروح القدس تجعل منا رجال ناضجين"، إذن بمجرد إدراكنا إننا ولدنا ثانيًة يجب أن نكون باستمرار منقادين بروح الله كما يقول الكتاب: لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَنْقَادُونَ بِرُوحِ اللهِ، فَأُولئِكَ هُمْ أَبْنَاءُ اللهِ. ((رومية ٨: ١٤ )) لكن الحقيقة المحزنة هي أن كثيرين من اعتمدوا ووُلدوا ثانية وقبلوا عطية و شركة الروح القدس لم ينقادوا بالروح، بالتالي لم يصلوا إلى حالة النضج ولم تظهر عليهم ملامح المؤمن الكامل حسب قلب الله حسب المكتوب لِكَيْ تَكُونُوا تَامِّينَ وَكَامِلِينَ غَيْرَ نَاقِصِينَ فِي شَيْءٍ. ((يعقوب ١: ٤ ))، هنا يظهر أمامنا السؤال لماذا؟! واحذر يا صديقي أن تقول كلمات استسغنا أن نقولها ونرضي ضمائرنا الشريرة للأسف، مثال إننا بشر، طبيعتي خاطئة، نحن تراب ورماد، وأمثال ذلك من خدع إبليس الذي يتشكل لنا في هيئه ملاك نور ليصطادنا في الفخ، فالحق الكتابي واضح و قد حان الوقت لكي ما ننفض من على أذهاننا وأرواحنا تراب السنين الذي التصق بنا وصار هو الحق مع أنه الباطل وصار الحق الإلهي باهت يصل إلى حد الباطل في أذهاننا. صديقي العزيز أنت خليقة جديدة، أنت مُطالب أن تُقاد بالروح القدس كل لحظة هذا هو الحق وخلاف ذلك هو تعاليم الناس! وَبَاطِلاً يَعْبُدُونَني وَهُمْ يُعَلِّمُونَ تَعَالِيمَ هِيَ وَصَايَا النَّاسِ. ((إنجيل متى ١٥: ٩ )) عودة إلى سؤالي لماذا؟ بادئ ذي بدء كون إنك ابن للرب واعتمدت وقبلت الروح القدس هذا لا يعني مطلقًا أنك لا تخطئ وإن أخطأت تفقد خلاصك في الحال وتفقد أبديتك، هذه كذبه إبليس، لان يوحنا الرسول يكتب لمؤمنين قبلوا الخلاص وشركة الروح القدس قائلًا: إِنِ اعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ. ((١يوحنا ١: ٩ ))، نعم نحن مطالبين أن تكون ثيابنا بيضاء {بلا خطيئة} في كل حين ولا يعوز رأسنا الدهن ﴿رمز لمسحه الروح القدس﴾ كما يقول سفر الجامعة ٩-٨. إن كان الأمر كذلك إذن لماذا لا نُقاد بالروح القدس؟ ولماذا نصدق في الخطيئة ونضخمها أكثر من أن أصدق في الهبة السماوية والنعمة؟ ولماذا أعيش في العالم غير منتصر رغم أن الإعلان الإلهي يقول، يجب أن نكون أعظم من منتصرين. . وَلكِنَّنَا فِي هذِهِ جَمِيعِهَا يَعْظُمُ انْتِصَارُنَا بِالَّذِي أَحَبَّنَا. ((رومية ٨: ٣٧ )). لماذا تبدو لي بعض آيات الكتاب المقدس غامضة؟! وكيف أسمع لصوت الله؟ كيف نقرأ العهد القديم من خلال العهد الجديد وكيف استمتع بقراءة العهد القديم بالرغم من غموضه أحيانًا كثيرة؟ أسئلة حائرة كثيرة بين المؤمنين في الكنائس، كل هذه الأسئلة وأخرى لا نستطيع أن نجيب عليها ونحن ما زلنا مثقلين بفكر أو تعليم يقودنا فقط إلى تعظيم الخطيئة وإخفاء النعمة؛ فكر يلقي الضوء على الناموس أكثر من النعمة؛ فكر يغذي فينا ضمير الخطايا أكثر بكثير من أن يطعمنا بكلمة الحق التي تغسل وتطهر هذا الضمير وتحوله إلى ضمير صالح، فكر يخفي حقيقة أن ابن الله الأزلي الأبدي أصبح إنسانًا لينتج فينا غًله ومحصولًا جديدًا من نفس نوع البَذْرَة أعطاه الرسول العظيم بولس اسم الإنسان الجديد أو الإنسان الداخلي وهذا ما صاغوه الآباء الشرقيين والغربيين معا. ففي صلوات الكنيسة الأرثوذكسية القبطية نقول في إبصالية الاثنين: -وكلمة إبصالية تعني ترنيمة موسيقية للرب- فليكن اسم الرب فينا ليضئ علينا في إنساننا الداخلي، وأيضا نقول في إبصالية الأربعاء: فلنا الجوهرة اللؤلؤة كثيرة الثمن، الاسم الحلو المملوء مجدًا، الذي لربنا يسوع المسيح، الذي إذ ما لازمناه في إنساننا الداخلي فهو يجعلنا أغنياء حتى نعطي آخرين. وهذا صاغه أيضًا سي. إس. لويس في كتابه "ما وراء الشخصية" وقال: الفداء والتجسد ليس مجرد وسيلة لتقدم وتطور الإنسان بالرغم أنه من الطبع يؤدي إلى ذلك في كل زمان و مكان... لكن الرب صار إنسانًا ليحول كل إنسان ابنا له، ليس لمجرد أن يصنع انسانا أفضل من نفس النوع القديم لكن ليصنع انسانا جديداً من نوع جديد (سي. اس. لويس، ما وراء الشخصية) وإذ تتبعت معي في المقالات المقبلة عزيزي القارئ جواهر وكنوز تعليم القديس أثناسيوس الرسولي والقديس كيرلس الكبير وهما أعمدة تعليم كنيستنا الأرثوذكسية في هذا الحق المُعلن بقوة في الإعلان الإلهي سوف تزلزل ثوابت فينا استقيناها من تعليم خاطئ أو من مجتمعنا بالفطرة. إذن داخلك يا صديقي إنسان جديد، لكن هذا الإنسان الجديد مولود كطفل يحتاج إلى النمو كما قال القديس بطرس وَكَأَطْفَال مَوْلُودِينَ الآنَ، اشْتَهُوا اللَّبَنَ الْعَقْلِيَّ الْعَدِيمَ الْغِشِّ لِكَيْ تَنْمُوا بِهِ ((١بط ٢: ٢ )). إذن النمو والنضوج في إنساننا الداخلي هما أسلحتنا وبهما نُملك وننتصر في الملكوت. وهما ما اُطُلق عليهما الجهاد في حياتنا الروحية. نستكمل العدد القادم بنعمه الرب. --- ### أصل النفس في تعليم آباء الكنيسة [٢] - Published: ۲۰۲٤-۰۸-۱٦ - Modified: 2025-03-07 - URL: https://tabcm.net/28629/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: Creationism, Traducianism, أبوليناريوس، أسقف اللاذقية, أفلاطون, أوريجينوس ليونايدس أدامانتيوس, إبيفانيوس، أسقف سلاميس, الكنيسة الجامعة, المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية, بابا كيرلس عمود الدين, باسيليوس الكبير، أسقف قيصرية الكبادوك, بولا ساويروس, چورچ حبيب بباوي, چورچ عوض إبراهيم, دار المشرق, دار جذور للترجمة والنشر والتوزيع, دير الأنبا أنطونيوس, دير السيدة العذراء البرموس, ساويرس الأنطاكي, سعد الله جحا, علامة إكليمندس السكندري, علامة ترتليانوس الإفريقي, علامة ديديموس الضرير, غريغوريوس آفا مينا, غريغوريوس النيسي, قديس أثناسيوس الرسولي, قديس أمبروسيوس، أسقف ميلان, قديس أوغسطينوس، أسقف هيبو, قديس إيرونيموس چيروم, قديس كيرلس الأورشليمي, قديس ميثوديوس الأوليمبي, قديس هيلاري، أسقف بواتييه, موريس تاوضروس, موقع االكنوز القبطية, نصحي عبد الشهيد بطرس, يوحنا كاسيان, يوحنا، أسقف أورشليم, يوسف حبيب نُكمل في هذا المقال تعاليم آباء الكنيسة عن أصل النفس. ق. إبيفانيوس أسقف سلاميس وهذا ما يؤكِّده ق. إبيفانيوس، أسقف سلاميس بقبرص على أن النفس مخلوقة على صورة الله، حيث حدث تراشق الاتهامات بينه وبين يوحنا، أسقف أورشليم في العظات آنذاك، واتهمه الأخير بهرطقة الأنثروبومورفيزم أو تجسيم (أنسنة) اللاهوت Anthropomorphism، هذه الهرطقة التي انتشرت آنذاك بين رهبان فلسطين الذين خرج منهم ق. إبيفانيوس، ولكن دافع ق. إبيفانيوس أسقف سلاميس عن نفسه؛ مؤكِّدًا أن النفس مخلوقة في الأصل على صورة الله، ورفض أن تكون النفس مولودة لتجنب اتهامه ببدعة تجسيم اللاهوت من يوحنا الأورشليمي. ولكنه كان يُحارِب في نفس الوقت تعاليم أوريجينوس والأوريجانيين بالوجود السابق للأرواح قبل الأجساد كالتالي: ((إبيفانيوس أسقف سلاميس، أنكوراتوس (المثبت بالمرساة)، ترجمة: راهب من دير الأنبا أنطونيوس، البحر الأحمر: دير الأنبا أنطونيوس، ٢٠١٨، ٥٥: ٩، ص ٢٧٥. )) نحن نعتقد أن النفس مخلوقة مثلها مثل الجسد. كيف خُلِقت؟ يقول:‘نفخ’، ونحن لا نقول إن النفس جزء من الله، ولا إنها شيء غريب عن النفخة. لكن كيف يمكن التفكير في ذلك بحسب التفصيل الدقيق؟ الله وحده يعلم. (إبيفانيوس أسقف سلاميس، أنكوراتوس "المثبت بالمرساة") ق. يوحنا كاسيان ويدحض ق. يوحنا كاسيان، مؤسس الرهبنة في فرنسا، وأحد أهم الآباء المعلمين والنساك في الغرب اللاتينيّ، في محاورته مع الأب سيرينوس (أحد الآباء النُساك الكبار في البرية المصرية آنذاك) التعليم بالنفس المولودة عن طريق المعاشرة الجنسية بين الأبوين، لكي تنتقل من الأبوين إلى أولادهما عن طريق التناسل، بل يؤكد على أن الجسد أو اللحم هو الذي يُولد من الأبوين عن طريق التناسل، بينما الروح مخلوقة من الله أبي الأرواح وفاطرها قائلًا: ((يوحنا كاسيان، المحاورات (نسخة إليكترونية)، ترجمة: الأب الدكتور بولا ساويروس، موقع االكنوز القبطية، المحاورة 8: 25: 1، ص 425- 427. )) لأنه كما قلنا منذ برهة قليلة، الروح لا تلد روحًا، تمامًا مثلما لا تقدر النفس أن تلد نفسًا، على الرغم من أننا لا نشك في أن مجموع اللحميتكوّن من نسل الإنسان، حسبما يُميِّز الرسول بوضوحٍ بين كل مِن الجوهرين، أعني اللحموالروح، ما يُنسَب إلى كل منهما كفاطر له، ويقول: وقد كان لنا آباء أجساد مؤدبين، وكُنا نهابهم. أ فلا نخضع بالأولى جدًا لأبي الأرواح فنحيا ((عبرانين 12: 9 )). فماذا يمكن أن يُظهِر بأكثر وضوح التمييز، عن أن يُقرِّر أن البشر هم آباءٌ لحمنا. ولكنه يُعلِّم دومًا أن الله وحده هو أبو النفوسوفاطرها. على الرغم من أنه حتى في هذا الجسد الفعليّ، فإن وظيفة الخدمة وحدها هي التي تُعزى إلى البشر، ولكن الجزء الرئيسيّ في تكوينهإلى الله خالق الكل، كما يقول داود: يداك صنعتاني وأنشأتاني ((مزمور 119: 73 )). ويقول المبارك أيوب: ألم تصبني كالجبن. كسوتني جلدًا ولحمًا، فنسجتني بعظامٍ وعصبٍ ((أيوب 10: 10، 11 )). ويقول الرب لإرميا: قبلما صوَّرتك في البطن عرفتك. وقبلما خرجت من الرحم قدَّستك ((إرميا 1: 5 )). ولكن يجمع سفر الجامعة بوضوحٍ ودقة شديدة طبيعة كل جوهر وبداياته ويفحص النشوء والبدايات التي نشأ منها، ويتمعن في النهايات التي يصل إليها كل منهما، ويقر أيضًا التقسيم إلى جسدٍ ونفسٍ. ويقول ما يلي: فيرجع التراب إلى الأرض كما كان، وترجع الروح إلى الله الذي أعطاها ((جامعة 12: 7 )). ماذا يمكن أن يُقال بأكثر وضوح من الإعلان بأن مادة اللحم التي شكَّلها هي تراب، لأنها تنبع من نسل البشر، وتبدو أنها زُرِعَت بواسطته. ولذلك بما أنها مأخوذة من الأرض، يجب أن ترجع ثانيةً إلى الأرض. بينما يوضِّح أن الروح التي لم تُولَد بالمعاشرة الجنسية، ولكنها تنتمي إلى الله وحده بطريقةٍ خاصةٍ تعود إلى خالقها؟ وهذا أيضًا متضمن في نسمة الله تلك التي نال بها آدم الأول حياته. (يوحنا كاسيان، المحاورات) ق. چيروم وهذا أيضًا ما دافع عنه ق. چيروم في كتابيه “ضد روفينوس” الأكويليّ، الذي كان يدين بتعاليم أوريجينوس عن الوجود السابق للأرواح قبل الأجساد، حيث يُقرِّر أوغسطينوس في سياق مراسلاته وتساؤلاته لچيروم عن أصل النفس أن چيروم يؤمن بالنظرية الخلقية في أصل النفس كالتالي: ((أوغسطينوس، الرسائل المتبادلة بين القديسين هيرونيموس وأوغسطينوس، ترجمة: سعد الله جحا، دار المشرق، ٢٠١١، رسالة ١٦٦: 8، ص ١١٨. )) لنختصر. لأنكتعتقد بأن الله يخلق نفسًا لكل إنسان يأتي إلى العالم؛ ولئلا يُواجَه رأيك هذا بأن الله أنهى عمل الخلق في اليوم السادس، وفي اليوم السابع استراح، فإنك تورد هذا القول من الإنجيل: أبي يعمل حتى الآن وأنا أعمل ((يو٥: ١٧ )). هكذا كتبت إلى مرسيلينوس، وفي رسالتك هذه تلطفت وتكلمت عني بكثير من العطف. (أوغسطينوس، الرسائل المتبادلة بين القديسين هيرونيموس وأوغسطينوس) ولقد ناقش ق. چيروم موضوع أصل النفس في البشر في رسالته إلى مرتشلينوس وأنابسيكيا زوجته، وعرض جميع الآراء الشائعة في عصره حول أصل النفس كالتالي: ((چيروم، رسائل هيرونيموس ج2 (الرسالة إلى مارتشلينوسوأناباسيكا زوجته)، ترجمة: سعد الله جحا، دار المشرق، 2008، رسالة 126، ص 741. )) أصل النفس وهي إحدى المسائل المهمة التي عصفت بالكنيسة، فهل أن النفوس تنحدِر من السماء وتحل في الأجساد، حسب رأي فيثاغورس، وأوريجانوس، وكل الأفلاطونيين؟ أم هي جزء من جوهر الله كما يرى الرواقيون، وماني، والبريسيليانيون الذين نَشَروا ضلالاتهم في إسبانيا؟ أم أنها خُلِقت منذ بَدْء العالم وأُحكِمَ الإقفال عليها في خزائن الله، لكي تُوزَّع لاحقًا على الأجساد، كما يتوهم عن جهل بعض أبناء الكنيسة الجامعة؟ أم أن الله يخلق كل يوم نفوسًا عديدة ليُسكِنها الأجساد ساعة ولادتها، حسب ما أشار إليه الإنجيل: إن أبي يعمل حتى الآن، وأنا أعمل أيضًا ((يوحنا ٥: ١٧ ))؟، أم أنها تنتقلُ من الآباء إلى الأبناءكما يعتقد ترتليانوس، وأبوليناريوس، وغربيون كثيرون، بحيث تتوالد في البشر، كما في الحيوان من نَفْس أخرى، مثلما يتوالد الجسد من جسدٍ آخر؟. (چيروم، رسائل هيرونيموس ج2) ويسرد ق. چيروم هنا خمسة آراء كانت موجودة في الكنيسة تخص أصل النَفْس في البشر، وهي كالتالي: 1) الوجود السابق للأنفس pre-existence of souls قبل الانحباس في أجسادها حسب الفيثاغوريين، والأفلاطونيين، وأوريجينوس، وأضيف عليهم ديديموس الضرير أيضًا. 2) النفس هي جزء من جوهر الله حسب الرواقيين، والمانويين، والبريسيليانيون. 3) النفوس مخلوقة منذ البَدْء في مخازن مُحكَمة القُفْل، وتُوزَّع على الأجساد بعد ذلك حسب العلامة كليمندس الإسكندري. 4) النفس المخلوقة Creationism، أي يخلق الله نفسًا جديدةً لكل جسد مولود حسب إجماع آباء الكنيسة مثل: ق. أثناسيوس، وق. كيرلس السكندري، وق. كيرلس الأورشليمي، وق باسيليوس الكبير، وق. غريغوريوس اللاهوتي، وق. إبيفانيوس أسقف سلاميس، وق. ميثوديوس الأوليمبي، وق. أمبروسيوس أسقف ميلان، وق. هيلاري أسقف بواتييه، وق. جيروم. ويعتمد هؤلاء الآباء في ذلك على آيات خلق الله للنفس في الإنسان كالتالي: وَجَبَلَ الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ تُرَابًا مِنَ الأَرْضِ، وَنَفَخَ فِي أَنْفِهِ نَسَمَةَ حَيَاةٍ. فَصَارَ آدَمُ نَفْسًا حَيَّةً ((تكوين ٢: ٧ ))، ووَحْيُ كَلاَمِ الرَّبِّ عَلَى إِسْرَائِيلَ. يَقُولُ الرَّبُّ بَاسِطُ السَّمَاوَاتِ وَمُؤَسِّسُ الأَرْضِ وَجَابِلُ رُوحِ الإِنْسَانِ فِي دَاخِلِهِ“ (زك12: 1)، و ”فَيَرْجعُ التُّرَابُ إِلَى الأَرْضِ كَمَا كَانَ، وَتَرْجعُ الرُّوحُ إِلَى اللهِ الَّذِي أَعْطَاهَا ((جامعة 12: 7 )). 5) النفس المولودة Traducianism، أي تنتقل النفس من الآباء إلى الأبناء عن طريق الولادة مع الأجساد حسب العلامة ترتليان ، وأبوليناريوس اللاوديكي، وق. غريغوريوس النيسي ، وأوغسطينوس. ق. كيرلس السكندري يؤكِّد ق. كيرلس السكندريّ على أن النفس مخلوقة في سياق مقاومته لبدعة تجسيم أو أنسنة اللاهوت التي تفشت في عصره بين رهبان برية شيهيت بمصر، وبين رهبان سوريا وفلسطين، وفي سياق مقاومته لتعاليم أوريجينوس والأوريجانيين بالوجود السابق للأرواح قبل انحباسها في أجسادها بعد السقوط من عالم الغبطة في معية الله. حيث يقول التالي: ((كيرلس السكندري، شرح تجسد الابن الوحيد، ترجمة: د. جورج حبيب بباوي، جذور للنشر والتوزيع، ٢٠١٥، الفصل ٢٨، ص ٦٨. )) ولا أظن أن أحدًا سيفترض أن النفس لها طبيعة الجسد، أو أنها تتكوَّن معه، وإنما الله -بطريقة غير معروفة- يغرسها في الجسد وتُولَد معه. ولذلك، نحن نُحدِّد أن الكائن الحي الواحد المولود هو من اثنين. (كيرلس السكندري، شرح تجسد الابن الوحيد) ويشير ق. كيرلس السكندريّ في سياق حديثه عن تجسُّد الرب إلى أن الأمهات يمنحن الجسد اللحميّ فقط، ولكن يُرسِل الله النفس بكيفيةٍ معروفةٍ له فقط في اللحم البشريّ لتتحد به، وتُكوِّن إنسانًا كاملًا مُركَّبًا، بحيث تلد الأمهات على الأرض إنسانًا كاملًا مُكوَّنًا من جسد ونفس عاقلة. ويُؤكِّد ق. كيرلس على أن النفس في أصلها مخلوقة مُباشرةً من الله، ولا تُولَد مثل الجسد اللحميّ من الأم والأب قائلًا: ((كيرلس الإسكندري، رسائل القديس كيرلس الإسكندري، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد ود. موريس تاوضروس، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2020، الرسالة رقم (1) إلى الرهبان: 20، ص 9. )) إن سر تجسُّده هو بكيفيةٍ ما مماثل لولادتنا، لأن أمهات أولئك الذين على الأرض الخاضعات لقوانين الطبيعة فيما يخص الولادة، لهم لحم يثبت في الرحم، وهو الذي ينمو قليلًا قليلًا حسب أفعال الله غير المدرَكة، ويصل إلى النضوج في هيئة إنسان. ويرسل الله الروح في الكائن الحي بكيفيةٍ معروفةٍ له، وهذا حسب قول النبي: وجابل روح الإنسان في داخله ((زكريا 12: 1 )). وإن الكلام عن الجسد شيء، والكلام عن النفس شيء آخر، ومع ذلك فحتى لو كانت هؤلاء النسوة هن فقط أمهات للأجساد التي على الأرض، إلا أنهن يلدن الكائن الحي كله، وأنا أعني كائنًا مُكوَّنًا من جسد ونفس، ولا يُقال عنهن أنه يلدن جزاءًا من الكائن، ولن يقول أحد إن أليصابات، مثلًا كانت أمًا للجسد فقط، وليست أمًا ولدت نفسًا في العالم إلى جانب الجسد. لأنها ولدت المعمدان إنسانًا ذا نفس، وكائنًا حيًا مُكوَّنًا من الاثنين. وأنا أعني إنسان له نفس وجسد معًا (كيرلس الإسكندري، رسائل القديس كيرلس الإسكندري) ق. ساويرس الأنطاكي يستشهد ق. ساويرس الأنطاكي برسالة ق. كيرلس السكندريّ الأولى إلى الرهبان ليؤكِّد على إيمانه بأن أصل النفس هو الخلق وليس الولادة، حيث يُعتبر ق. ساويرس الأنطاكي تلميذًا أمينًا وفيًا للقديس كيرلس السكندريّ، والتعليم بالنفس المخلوقة عند ق. ساويرس هو تعليم آباء الشرق اليونانيّ، حيث يرفض ق. ساويرس الأنطاكيّ، مُتبعًا ق. كيرلس السكندريّ، التعليم بأن أصل النفس هو الولادة من الأبوين كالتالي: ((ساويروس الأنطاكي، كيرلس محب الحق، ترجمة: الراهب القس غريغوريوس آفا مينا، مراجعة: د. چورچ عوض، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2020، الباب الرابع، ص 494، 495. )) “الفصل السادس والستون للمعارض للقديس كيرلس من رسالته الأولى إلى الرهبان ’لكن ربما تقول هذا: قل لي إذًا، هل العذراء صارت والدة اللاهوت؟ وردًا على هذا نجيب أن كلمة الله الحي والأقنوم، وُلِدَ بالحقيقة من نفس جوهر الله الآب، وهو المتمتع بوجود أبديّ بلا بداية زمنية، والموجود مع مَنْ ولده، ويُعرَف كائنًا فيه ومعه. إلا أنه في أزمنة الدهر الأخيرة، ولأنه صار جسدًا أي اتَّحد بجسد ذي نفس عاقلة، قيل عنه أيضًا أنه وُلِدَ جسديًا بواسطة امرأة. إن السر الخاص به يتشابه مع طريقة ولادتنا. ففي الحقيقة، إن أمهات أولئك الذين على الأرض، الخاضعات لطبيعة الإنجاب، لهن في بطونهن لحمًا، الذي قليلًا قليلًا يأخذ شكلاً جسديًا، وبفضل عمليات إلهية غير مُفسَّرة ينمو ويكتمل هناك مُحققًا هيئة إنسانية. ويغرس الله الروح في داخل الكائن الحي بطريقة هو وحده يعرف سرها. فهو جابل روح الإنسان في داخله ((زكريا 12: 1 ))، كقول النبي. لأن ماهية الجسد شيء، أمَّا ماهية النفس فشيء آخر. (ساويروس الأنطاكي، كيرلس محب الحق) ويُفرِّق ق. ساويرس الأنطاكيّ بين جوهر الجسد الماديّ المخلوق من الطين، وبين جوهر النفس العاقلة الروحانية غير المادية المخلوقة من الله، التي وضعها الله في الجسد عند خلقته قائلًا: ((ساويروس الأنطاكي، سيرة ومقالات القديس ساويروس الأنطاكي مج1، ترجمة: يوسف حبيب، وادي النطرون: دير السيدة العذراء البرموس، 2017، عظة عن الصوم، ص 201. )) ولما كانت هذه الآفاق بعيدة جدًا ومنفصلة، أعني العالم الروحانيّ والعالم المنظور، ولا يوجد بينهما أي اختلاط أو شركة، فقد خلق الإنسان بفعلٍ عجيبٍ، ووضعه بين الاثنين. شكَّل أولًا جسدًا من الطين، كما يقول هو نفسه لأيوب في هذه العبارات: تتحوّل كطين الخاتم وتقف كأنها لابسةٌ ((أيوب 38: 14 ))، ثم وضع في هذا الجسد نفسًا عاقلةً روحانيةً غير مادية. أنت الذي بعد أن أخذت طينًا شكَّلت من التراب كائنًا حيًا، ووهبته النطق، ثم وضعته على الأرض. هكذا يُذكِّر الإنسان حقًا بالعالم المنظور بجسده، وبالعالم غير الماديّ وغير المنظور بروحه، وبرؤيته ذاك ‘العالم المنظور’ بعين الروح، يكتشف حكمة الخالق الظاهرة في كل منهما، ويشعر بالفرح والتهليل، عند تفكيره في أنه يسكن على الأرض مثل ملاك آخر، فيكون في نفس الوقت منظورًا وغير منظور، ويُظهِر في ذاته أكثر من الملائكة بالعقل الذي لا يمكن فحصه الذي لله الحكيم وحده. هو ذاته في الواقع روح وجسد، وهو منظور؛ وليس منقادًا في عقله على الإطلاق بسبب الاتحاد بالجسد، وأنه أيضًا ليس منحنيًا أو مائلًا إلى أسفل مِن جراء حركات الروح العاقلة؛ لأن له جسدًا ضعيفًا، متجهًا إلى فوق، يتبع الإرادة المستقلة للروح كأنها سلطان يستمد منه التوجيه. (ساويروس الأنطاكي، سيرة ومقالات القديس ساويروس الأنطاكي) الخلاصة نستنتج من خلال هذه الجولة السريعة بين تعاليم آباء الكنيسة الجامعة شرقًا وغربًا أن النظريةالخلقية Creationism في أصل النفس هي نظرية الكنيسة الجامعة، وليس كما يدَّعي البعض خطاءً بأن النظرية التوالدية Traducianism هي نظرية الكنيسة الجامعة في أصل النفس. --- ### مدرسة تيرانس، والمراجعات الفكرية - Published: ۲۰۲٤-۰۸-۱۵ - Modified: 2025-02-21 - URL: https://tabcm.net/28711/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: Theosis Across Borders (TABcm Network), آريوسية, أبوليناريوس، أسقف اللاذقية, أثر الفراشة, أثناسيوس فهمي چورچ, أسد جبرائيل رستم مجاعص, أفلاطون, أنبا إبيفانيوس المقاري, أنبا ديوسقورس، أسقف المنوفية, أنثروبولوچي, أنثروبومورفية, أوريجينوس ليونايدس أدامانتيوس, إفخارستيا, إكليروس, الأب متى المسكين, الأخوة الطوال, الأصولية, الإمبراطورية الرومانية, التفسير الرمزي, الثالوث القدوس, الحل والربط, الحلول الأقنومي, الروم الأرثوذكس, العصابات السوداء, العلمانية, الكرسي المرقسي, الكنيسة القبطية, المجمع المقدس, ايه. سي. زينوس, بابا ثاؤفيلس الأول, بابا ديونيسيوس السكندري, بابا كيرلس السادس, بابا كيرلس عمود الدين, بارابولاني, بولا ساويرس, بونتياس، أسقف روما, بيشوي القمص, تادرس يعقوب ملطي, تجسد الكلمة, جايوس فلاڤيوس ڤاليريوس أوريلوس قسطنطينوس, چورچ عوض إبراهيم, چوليا أفيتا ماميا, دير الأنبا مقار الكبير, ديمتريوس الكرام, سقراط, سقراط القسطنطيني, سلوى بكر, سيڤيروس ألكسندر ماركوس أوريليوس, ضد الآريوسيين, ضد الذين يتصورون أن لله هيئة بشرية, عقيدة التأله, علامة هيبوليتوس الرومي, غريغوريوس النيسي, غمالائيل, فوطيفار, فيلسوف أرسطو, قديس أثناسيوس الرسولي, قديس إيرونيموس چيروم, قديس بولس الرسول, قديس ميثوديوس الأوليمبي, قوانين الرسل, كارل هانريش ماركس, كرسي القسطنطينية, كريستولوچي, كنيسة الإسكندرية, كنيسة القسطنطينية, لجنة التاريخ, مدرسة الإسكندرية, مدرسة تيرانس للتعليم والوعظ, مدينة الله, مرسوم ميلان, ميخائيل مكسي إسكندر, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية, يوسف تادرس الحومي كان المسيحيون في ذلك العصر، يعتقدون بأنهم يقدمون خدمة لله. إذ ينتظمون جماعات جماعات وينطلقون لتهديم هياكل الآلهة الوثنية. وكان الوثنيون يطلقون عليهم لقب “العصابات السوداء”. وثاؤفيلوس كان يقود بنفسه فرقًا من الجنود. فكان هذا الفرعون لا يتوارى عن إصدار الأوامر بالتعذيب. يل ويشترك في هذا العمل الوحشي. واهتم ببناء الكنائس كحجر ونسي واحتقر البشر. وابغض جميع الناس. راسلتني صديقة من المتابعين لإنتاج مدرسة تيرانس للتعليم والوعظ، بآخر محاضرة للأب الفاضل يوسف تادرس الحومي (عضو لجنة التاريخ بالمدرسة)، والتي كانت بعنوان: ما بين البابا ثاؤفيلس السكندري والقديس يوحنا فم الذهب. وكان للصديقة تحفظ على تعبير واحد، وطلبت تعقيبًا. وفضلت أن يكون التعليق عامًا لأن هذا ليس نقاشًا شخصيًا، وقد يهم غيرنا. كبداية، أسجل سعادتي بأن أرى مدرسة تيرانس قررت الاشتباك مع أطروحات الشباب على فيسبوك، وبشكل محترم أقرب إلى المناقشات الأكاديمية، ومختلف عن طريقة "الرد على الشبهات" التي تتقنها بعض الصفحات الأصولية سيئة السمعة، وأتمنى أن يستمر هذا، وأتمنى ألا تؤخذ انتقاداتي بشكل محبط لهم، بل بالعكس، فلو لم أكن مهتمًا لما اشتبكت أنا أيضًا. من ناحية أخرى، وبعبارة صريحة قد تكون قاسية، لست أتوقع لهذا المسار النجاح في تيرانس، ليس بسبب ضعف إمكاناتهم وإنما لأن تيرانس من منشأها "كهنوتية"، ومصممة للتعليم والوعظ، أي الحوار الداخلي وليس الاشتباك الأكاديمي. من الصعب جدًا أن نجد كاهنًا حرًا في تقييم تاريخي لبطاركة الإسكندرية كموضوع المحاضرة مثلًا، أو الأساقفة عمومًا، أي رؤساء الكهنة، أي رؤسائه! وربما كان هذا واضحًا أكثر في تعقيب الأب الفاضل أثناسيوس فهمي جورج (مقدم المحاضرة، ومدير مدرسة تيرانس) بأن الكنيسة لا تعطي عصمة لأحد. هذا صحيح، لكنها واقعيًا تنحاز لبطاركتها عاطفيًا وتبرئهم من الجرائم التاريخية. إذن الكنيسة تعصم رغم أنها تقول لا تعصم! قدّم الأب الفاضل، بصراحة شديدة، تعقيبًا سيئًا للغاية برفضه نقد الرئاسة الدينية، بل وتوجيهه الدارسين بالصلاة من أجلهم! هذا كلام كهنوتي محترم بالطبع، أي أنه غير علماني، ومن ثمّ ما عاد يصلح في العصر الذي يُختار فيه رئيس الجمهورية بالانتخاب، وحزمة قوانين تجيز وتثمن حق النقد على "المسؤولين"، فكيف يُستثنى الرئيس الديني من هذا الحق النقدي؟ كما استشهد الأب أثناسيوس بأقوال -رائعة حقًا- تنص على ترك تقييم الرؤساء الدينيين للتاريخ. حسنًا، لقد أصبحوا بالفعل تاريخًا، فلا أفهم متى وكيف ينوي لفيف الكهنة تقييم جرائمهم! ؟ وإذا لم نكن سنُطلق على الجرائم اسمها الحقيقي، فكيف يمكن الادعاء بعدم عصمة أحد؟ بعد توضيح الأدلجة العقائدية (الكهنوتية) وقيادة عقل المتلقي -بالسلطة الدينية- إلى الخضوع السلبي والمُبتعد عن الأكاديمية في تناول التاريخ والشخصيات التاريخية المفصلية فيه، لنحاول سويًا النظر إلى نفس المحاضرة بالشكل البديل، أو العلمي، أو الأكثر أكاديمية، الذي يتعامل معه العالم المتحضر: الخلط بين السكندري والقبطي "فلان السكندري" تعني أن فلان منسوب لمدرسة الإسكندرية، وليس مدينة الإسكندرية. وفي الأدبيات التاريخية تعني أنه "مواطن من الدرجة الوسطى"، لأن مصر في عصر الإمبراطورية كانت فيها ثلاث درجات من المواطنة: أ) مواطن من الدرجة الدنيا: وتعني الذين يعملون في الزراعة، وهم المواطنون الأقباط. ب) مواطن من الدرجة الوسطى: وتعني المثقفون والمهنيون بالحِرف ذات الصلة بالكتابة والإنتاج الفكري، وهم المواطنون السكندريون. جـ) مواطن من الدرجة العليا: وتعني المصرح لهم بحمل السيف، وهم المواطنون الرومان. عندما نسمع عن القديس "فلان الروماني" على سبيل المثال، فهذا لا يعني أنه وُلد في روما، بل قد يكون لم يرها طوال حياته! ولكن هذا يعني شيئين: الأول: أنه عاش بعد القرون الأربعة الأولى، لأن قبلها كانت المسيحية تمنع حمل السلاح ولو دفاعًا عن النفس ((إن كان إكليروس وقع في دنس القتل حتى لو دفاعًا عن النفس يسقط من الكهنوت الذي دنسه هو بهذه الجريمة البشعة (القانون الخامس من قوانين القديس غريغوريوس النيسي) ))، وتمنع التجنيد الإلزامي ((الإنسان المسيحي لا يتجند. لا يجب أن يصير المسيحي جنديًا إلا إن تم إجباره من رئيس أن يحمل السيف. لا يحمّل ذاته خطيّة الدماء. وان شارك في سفك الدم لا يشترك في الأسرار، إلا إن خضع لتأديب، وتوبة، وبكاء ودموع، ولا يأتي للكنيسة مخادعًا بل في خوف الله. (القانون ١٤ من قوانين هيبوليتس، القرن الرابع) ))، والانضمام للجيش ((إن كان أسقف، كاهن، أو شماس منخرطًا في أعمال عسكرية، ويبتغي أن ينتمي للرومانية كما للمنصب المقدس، فهو يسقط من منصبه الكنسي. (القانون ٨٣ من قوانين الرسل) )). الثاني: أنه مُصرح له بحمل سيف (حتى ولو على سبيل السلاح الشخصي، وليس بالضرورة أن يكون جنديًا أو شرطيًا). فالمصرح لهم بحمل السيف هم الطبقة العليا التي تخضع لقانون روما مباشرة. ولا يمكن الترقي من مواطن درجة دنيا إلى درجة عليا، بل يجب أن يكون في درجة وسطى لعدد معين من السنوات. ينطبق هذا على كامل الإمبراطورية الرومانية. على سبيل المثال، في الكتاب المقدس، يصف الرسول بولس (القرن الأول) نفسه بأنه طرسوسي ((أنا رجل يهودي ولدت في طرسوس كيليكية، ولكن ربيت في هذه المدينة مؤدبًا عند رجلي غمالائيل على تحقيق الناموس الأبوي.  (سفر أعمال الرسل 22: 3) )) للإشارة إلى خلفيته الثقافية كفريسي، أي مثقف من الطبقة الوسطى وليس من العامة، ومرة ​​أخرى يصف نفسه بأنه روماني مولود في الرومانية ((فلما مدوه للسياط، قال بولس لقائد المئة الواقف: «أيجوز لكم أن تجلدوا إنسانًا رومانيًا غير مقضي عليه؟» فإذ سمع قائد المئة ذهب إلى الأمير، وأخبره قائلًا: «انظر ماذا أنت مزمع أن تفعل! لأن هذا الرجل روماني». فجاء الأمير وقال له: «قل لي: أنت روماني؟» فقال: «نعم». فأجاب الأمير: «أما أنا فبمبلغ كبير اقتنيت هذه الرعوية». فقال بولس: «أما أنا فقد ولدت فيها». وللوقت تنحى عنه الذين كانوا مزمعين أن يفحصوه. واختشى الأمير لما علم أنه روماني. (سفر أعمال الرسل 22: 25-29) )) للدلالة على مواطنته المميزة وحقه في التقاضي وحمل السلاح. والإسكندرية ليست حالة خاصة في هذه المسألة، فقد كان الرومان في كل ولاية يعملون على تأسيس مدينة شبيهة بالإسكندرية تكون ذات طابع كوزموبوليتاني (دولي) تضم جميع المستويات التعليمية المرتفعة، وكذلك تضم "التجار" (("التجار" في الأدبيات الماركسية هم نواة الطبقة الوسطى. )) من جميع الأعراق والدول. فالإسكندرية هنا ليست مجرد عاصمة لمصر، وإنما المدينة الكوزموبوليتانية التي تضم المثقفين من مصر، فإذا كنت مصريًا قبطيًا من المزارعين وترغب في ترك الزراعة والتوجه إلى الفلسفة على سبيل المثال، فعليك أن تسافر إلى الإسكندرية تحديدًا وتدرس هناك، وشهادتك أو الليسانس الخاص بك لمزاولة الفلسفة هو أن تنال لقب "السكندري"، على الرغم من أنك لم تولد في الإسكندرية، وقد تتركها وتهاجر إلى أي مكان آخر وتظل "سكندريًا"، طبقة وسطى، أو حاملًا لشهادة دراسية. لماذا التوسع التاريخي؟ لأن الأب يوسف الحومي قد قال إن أول ٣٧ بطريركًا كانوا سكندريين، ثم بعدها خرجت البطريركية لبطاركة من الدلتا. في الحقيقة، يُطلق على جميع بطاركة مصر اسم "سكندريين" بغض النظر عن موطنهم أو مكان إقامتهم. كما يُطلق على جميع معلّمي الكنيسة المصرية اسم "سكندريين" أيضًا، ولا يعني ذلك أنهم من الإسكندرية، ولا علاقة للأصل الجغرافي بذلك، لأن هناك قواعد دينية تحظر الانتساب الإقليمي والقومي، ولا يزال صدى هذه القواعد موجودًا في الرهبنة، حيث يُنسب الراهب إلى ديره لا إلى وطنه، إذ لا يوجد له وطن أرضي. هذه المسميات ليست شكلانية، وإن شئت اعتبارها "طبقية فكرية" أو نخبوية، فليكن. لكن هذا هو التأصيل التاريخي المنضبط في عصر الإمبراطورية الرومانية. وعلى فكرة، كلمة "قبطي" في ذلك العصر سيئة وتحمل مدلولًا مشابهًا لاستخدامنا المعاصر "فلان فلاح"، لأن فلاح هنا لا تعني مهنة الزراعة وإنما الثقافة الريفية "فِلح"! ستجد أهل الإسكندرية عندما يريدون شتم أحدهم يقولون له "يا فلاح" حتى وقتنا هذا. باختصار: "فلان السكندري" تعني أن فلانًا يحمل شهادة من الدولة تثبت أنه ليس من العوام، وإنما حصل على درجة علمية وتأهيل ثقافي رفيع. إذن فلا علاقة لها بالجغرافيا ولا بالروحانيات، إنما بالتأصيل العلمي. فالدين يُعلّم، الدين يُدرس ويُدرّس يا سادتي الكهنة، وليست "علاقة روحانية" هي المؤهلات لكي يصير الأسقف أسقفًا أو البطريرك بطريركًا. في الأصل، جاءت فكرة أن يُختار بطاركة الإسكندرية من الرهبان كتطور بعد أن كان يتم اختيارهم من مديري مدرسة الإسكندرية (الفلاسفة العظام دوليًا ومسكونيًا). ولم نكن لنتوقع أن يعترف القديس أثناسيوس الرسولي بالرهبنة أو أن يلبس إسكيم الرهبان، إلا كمحاولة محترمة ومُثمنة منه لمعالجة الانحطاط الذي فعله ديمتريوس الكرام وجاهل لا يعرف القراءة والكتابة] في صراعه ضد الأكاديميا والمثقفين متمثلًا في إغلاق مدرسة الإسكندرية وتحويلها إلى إكليريكية خاصة بالكهنة. هذه الأشياء الصغيرة ستحدد كثيرًا من تقييماتنا التاريخية عندما نلاحظ أن ثاؤفيلس هو أوّل من وصف كنيسة الإسكندرية بكنيسة الأقباط في خضم صراعه مع ذهبي الفم. في خضم صراع الكراسي، راسل ثاؤفيلس ذهبي الفم رافضًا تقدم كرسي القسطنطينية على كرسي الإسكندرية في الكرامة، لا لشيئ سوى كونه قبطي بين أقباط ((أوّل ذكر تاريخي لقبطيّة كنيسة الإسكندرية كان هنا، بشكل يجعلنا نؤكد أن ثاؤفيلس أول من أطلق على كنيسة الإسكندرية الأرثوذكسية مسمى كنيسة الأقباط الأرثوذكس في خضم صراعه مع كنيسة القسطنطينية. ))، وإنّه: وإن كان يجب أن أُحاكم، تكون محاكمتي أمام المصريين، ولا أن أحاكم أمامك، أنتالذي يفصلنا عنك طريق يستغرق خمسة وسبعين يومًا!  ((تادرس يعقوب ملطي، القديس يوحنا ذهبي الفم (سيرته، منهجه وأفكاره، كتاباته)، الفصل الثامن مشكلة الإخوة الطوال. )). بالمقابل، يعظ ذهبي الفم متسلقًا على جدار الدين لتوجيه ضربات قوميّة لخصمه القبطي بشكل انتهازي وعنصري ضد الأقباط والمصريين، على سبيل المثال نجده في تفسيره للرسالة الثانية إلى أهل تسالونيكي، وعندما يتحدث عن يوسف كعبد في بيت فوطيفار المصري، يقول: كان يقدم حساباته لمصري. وأنتم تعرفون أن هذا الجنسمندفع، يثأر لنفسه. إذا ما نال سلطة لا يمكن وقف غضبه. ((تادرس يعقوب ملطي، القديس يوحنا ذهبي الفم (سيرته، منهجه وأفكاره، كتاباته)، الفصل الثامن مشكلة الإخوة الطوال. )) إذن فكلا البطريركين، السكندري والقسطنطيني، ليسا مسالمين وديعين يقرآن الإجبية ويصليان السواعي! بل كانا شخصيتين سليطتي اللسان محترفتي الشغب والتلاعب اللفظي بالكتاب المقدس. ولا يُعقل أن يُؤخذ كلامهما الديني على أنه عقيدة، بل رأي، ورأي يشوبه التطرف والنعرة القومية، وساقط في أخطاء عنصرية وتعميمات مسيئة لا يمكن تمريرها. خطورة التفسير الروحي تلك المشكلة موجودة لدى كثيرين، وربما هي غير هامة لدى أغلب الأقباط، لكنها تتفاقم لمشكلة كبيرة إذا صدرت من شخص قوي ومحترف مثل الأب يوسف الحومي. فالتفسير الروحي لا يعني كلامًا يهدهد روح المتلقي وينعش وجدانه كما يتم استخدامها، بل يعني الإيمان بالوساطة الروحية للمُفسّر عبر آلية الحلول الأقنومي. جزء كبير من مشكلة "التفسير الروحي" هو افتراض أن المُفسر ليس إنسانًا عاديًا، ليس مثلنا، وإنما هو وسيط روحي، أي مكشوف عنه الحجاب، ويحل عليه الروح القدس أثناء التفسير، ويكون الاثنان متحدين (المُفسر والروح القدس). وعلى إيماننا بإمكانية الاتحاد بالروح القدس، بل وعلى ممارستنا جميعًا لهذا الاتحاد في كل الأسرار، وليس الواضح منها فقط كالمعمودية أو الإفخارستيا، إلا أن هكذا صار معناها أن المفسر لا ينطق من عنده، وإنما الروح القدس هو الذي ينطق على لسانه. هذا الاعتقاد بالوساطة الروحية هو الأصل في التعبير الكارثي: كلام اﻵباء وحي وهو اعتقاد خطير للغاية؛ لأنه هكذا لو اختلفت مع المفسر فيما يقول، فحينئذٍ تكون مختلفًا مع الروح القدس فيما يقول. بمعنى: مختلف مع الله ذاته! تخيل مثلًا إن لم يعجب مصري كلام يوحنا ذهبي الفم عن المصريين كلهم (وهذا حقه بالتأكيد، لأنه كلام عنصري ضده)، فإنه وقتها لم يعجبه كلام الله الناطق في كلمات ذهبي الفم! ! من الذي يفهم هذا الكلام جيدًا؟ الأب أثناسيوس جورج! ولهذا فأنا بصراحة أرى أن تعقيبه (الذي وصفته بأنه سيئ) هو فعليًا مجبر عليه كي لا تتفكك توازنات كهنوتية وعقائدية أخرى لدى المتلقي. العظيم أوريجينوس معظم الدارسين لا يمكنهم التعرض لمشكلة ثاؤفيلس وذهبي الفم إلا بالتعرض لمشكلة الأخوة الطوال، الذين تظلموا عند ذهبي الفم من ثاؤفيلس. ولا توجد وسيلة يمكن من خلالها تبرير جرائم ثاؤفيلس التي تضمنت إجراء عمليات تعذيب وحشية ضد الأخوة الطوال، إلا بطرح الأخوة الطوال كمجموعة أوريجانية مارقة. ولتكون "أوريجانية مارقة"، فلا بد من طرح أوريجانوس كمهرطق ومارق هو الآخر. هذه التبريرات السخيفة يجب أن تتوقف فورًا. أ) لا توجد حرمانات ضد أوريجانوس، ولا توجد هرطقة اسمها الأوريجانية الحرمان الوحيد لأوريجانوس كان نفيُا إداريًا من ديمتريوس الكرام، ومطعون عليه لوجود خلاف شخصي بينهما ((إن الحسد هو الذي حمل ديمتريوس على هذا كله (أيرونيموس جيروم) ))، ومطعون عليه لكونه صادر من كهنة تم ترقيتهم بالمخالفة إلى أساقفة خصيصًا لحرمانه. التفاصيل تقول إن ديمتريوس دعا مجلس الكهنة المكون من سبعة أفراد لحرمان أوريجانوس. فرفض مجلس الكهنة بأغلبية أربع أصوات حرمانه، مكتفين باستبعاده عن الإسكندرية، فما كان من ديمتريوس إلا أن قام بسيامة المؤيدين الثلاثة أساقفة، فصنع منهم عام ٢٣٢م أول مجمع أساقفة بالمخالفة للقانون الكنسي ((الأنبا ديوسقورس، أستاذ التاريخ بالإكليريكية وأسقف المنوفية الراحل، موجز تاريخ المسيحية، إعداد: ميخائيل مكسي إسكندر. ))، لأن الأسقف المنفرد لا يجوز له رسم أسقف على درجته، ولابد أن يكون هناك أسقفان على الأقل لسيامة أسقف واحد. استجابةً لما فعله ديمتريوس من مخالفة لقوانين الرسل، أقام بونتياس، أسقف روما، مجمعًا موازيًا وصنع لنفسه أساقفة هو أيضًا، وأيد هذا المجمع قرارات مجمع الإسكندرية، بينما رفض القرار أساقفة فلسطين والعربية وأخائية وفينيقية وكبادوكية. إن لقبي "بابا" و"بطريرك" كلاهما غير مستلمين، ولقب "بطريرك" أقدم وهو بدعة أنطاكية، بينما لقب "بابا" أحدث وهو بدعة سكندرية. لكن العمر لم يسعف ديمتريوس أن يكون أول بابا لأنه مات بعدها بقليل، فخلفه ياروكلاس، أول من لُقب بابا الإسكندرية، والذي قام منفردًا بسيامة عشرين أسقفًا حين لم تلق مخالفات سلفه معارضات، بل ترحيبًا من روما، وانشغالًا من بقية أساقفة المسكونة برفض قرار الحرم، وتسابقًا في استقبال أوريجانوس لديهم. كل هذه التحولات المفصلية في هيكلة الكراسي لم تكن لأسباب رعوية، وإنما لأسباب سيئة السمعة، وثمنها القضاء على العظيم أوريجانوس السكندري، الذي لا يزال ملهما للكثيرين حتى من غير المسيحيين ومن آخرهم د. سلوى بكر، صاحبة رائعة البشموري، التي عادت للكتابة بعد انقطاع طويل برواية أروع: أدامانتيوس ((أدامانتيوس: كلمة يونانية تعني الألماسي، وهي أحد ألقاب العلامة أوريجانوس. )). الألماسي، أوريجانوس ليونايدس أدامانتيوس، الذي قال عنه الأب يوسف الحومي: وأنا كنت أتمنى إنه كان يروح يستشهد، أحسن له، وأحسن لنا، وأحسن للكنيسة كلها! ومن الواضح الجليّ أن الأب الفاضل، عضو لجنة التاريخ، لا يعرف شيئًا عن أوريجانوس التاريخي، فمصادره عن الثلاثة ثيتا تشي بالتعمق الشديد في السير الشعبية، والتي تُدرج دائمًا كأحد أنواع الفن الشعبي الذي يجنح للمبالغات لا أحد مصادر التاريخ! أذكر عن أوريجانوس التاريخي على سبيل المثال لا الحصر أنه في عام ٢٢٨م أرسلت الإمبراطورة ماميا ((الإمبراطورة چوليا أفيتا ماميا: هي والدة الإمبراطور سيڤيروس ألكسندر ماركوس أوريليوس، وكانت الوصيّة على العرش حين كان ابنها الإمبراطور سيڤيروس لا يزال قاصرًا. )) حامية عسكرية تستدعي فيها أوريجانوس إلى أنطاكيا لاستشارته في بعض الأسئلة الفلسفية عن وجود الله. فكانت النتيجة أنها صارت مسيحية، ومن هنا، ستتسلل المسيحية خلسة داخل زوجات الأباطرة حتى تأتي والدة الأمبراطور قسطنطين الكبير وتصارح ابنها بولادتها مسيحية من أبوين مسيحيين وأن أباه الوثني الوحيد في الأسرة، فيصدر مرسوم ميلان الشهير منهيًا عصور الاضطهاد وبدأ عصر الإمبراطورية المسيحية! والعبرة من هذه المقابلة التاريخية أن نرى أثر الفراشة لأوريجانوس السكندري! فلم يكن لكل هذه التبعيات العظيمة أن تحدث بهذه الكيفية لو أستشهد أوريجانوس طفلًا، وأراح قلب أبونا! عودة إلى سياقنا، ليس من المنطقي أن نرى فسادًا إداريًا كنسيًا مكتوبًا وموثقًا وواضحًا بهذا الشكل للانقضاض على المعلم الأخير، ونقول بعده أن هذا قرار صحيح، وأنه سلطان الحل والربط والأسطوانة (الدينية) تلك كلها. بل هناك قرار حرمان فاسد إداريًا، وموافقتنا عليه أو على مشروعيته هي موافقة على الفساد الإداري في الكنيسة، والذي سيكون ضحاياه كثيرين في المستقبل، ولن أذكر أسماء من المعاصرين الذين كانوا ضحايا حرمانات كنسية فاقدة لضمانات العدالة بحسب أحكام القضاء الإداري. إن استقراءنا للتاريخ ليس مسألة أوريجانوس (ليس مسألة شخصية) وإنما تتعلق بتقييماتنا لمدى مزاجية الجالس على كرسي مار مرقس في توقيع الحرمانات على من يكرههم وفقًا لأهواءه، ودون نظام يردعه. وإلا فكيف نقول بأننا لا نعطي عصمة لأحد؟ ثم لدينا البابا رقم ٢٠، أثناسيوس الرسولي ، صاحب أهم كتاب لاهوتي في الكريستولوچيا تجسد الكلمة. كان شابًا صغيرًا وقت أن تم الاستعانة به لحضور المجمع المقدس بغرض التصدي لآريوس، فكان يستشهد في تصديه ببراهين أوريجانوس الشهيرة، وتكلم عن أوريجانوس بتبجيل رفيع على أنه أستاذه ((متى المسكين، القديس أثناسيوس الرسولي (سيرته، دفاعه عن الإيمان ضد الآريوسيون، لاهوته)، مطبعة ‬‫دير‬ ‫القديس‬ ‫أنبا‬ ‫مقار‬. )). فهل من المنطقي أن المجمع سيسمح لشاب صغير يستشهد بمهرطق ويلقّبه بمُعلّمه؟ هذا الحدث وحده يعني أن المعاصرين لم يكن لديهم على أوريجانوس علة لاهوتية واحدة ((سقراط القسطنطيني، التاريخ الكنسي لسقراتيس سكولاستيكوس عن الفترة ٣٠٦م – ٤٣٩م، الكتاب السادس، الفصل الثالث عشر، ترجمة ايه. سي. زينوس، تعريب د. بولا ساويرس، مراجعة الأنبا إبيفانيوس، أسقف ورئيس دير الأنبا مقار. )). فأثناسيوس المدافع عن عقيدة المساواة في الجوهر يستشهد بإستمرار بهذا المؤلّفوعلى إيمانه في حديثه "ضد الآريوسيين"، وينسج كلامه بكلامه الخاص ويقول: إن أورجينوس المبجّل والمجتهد يؤكد بشهادته على عقيدتنا بشأن ابن الله، مؤكدًا أنّه أزلي مع الآب. لذلك، أولئك الذين نعتوه بخزي إنما يغفلون عن عمد حقيقة أنّ سبابهم ينصب في نفس الوقت على أثناسيوس الذي قرّظ أورجينوس. (سقراط القسطنطيني، التاريخ الكنسي، مجلد ٦، فصل ١٣، فقرة ٥) أثناسيوس الرسولي الذي صار بطريرك الإسكندرية، ولفّق له أخصامه الاتهامات حتى نُفي من كرسيه خمس مرات. لماذا خلت قائمة التلفيق من الاتهام بالأوريجانية؟ أو أنّه من تلاميذ أوريجانوس المهرطق المحروم؟ وهنا أعود لنقطة ذكرها الأب يوسف الحومي: أنّ أوريجانوس قد حُرِمت أفكاره في أحد المجامع السبعة التي يعتمدها "الروم الأرثوذكس": بداهةً، هذا ليس بحرم، وإنما تقنين لاهوتي مستحدث بعد الاستقرار على الشكل الأرثوذكسي، الذي لم يكن مُستقرًا عليه أيام أوريجانوس. والحرم هنا للردع المستقبلي ولا ينسحب على السابقين. ثم أننا لا نعتمد سوى مجامع ثلاثة وهذا ليس منها. فهل قررتم التحول للبيزنطية خصيصًا من أجل التصيد لأوريجانوس؟ أم لعلك ترى أن كنيسة الإسكندرية جانبها الصواب في عدم الاعتراف بمجامع لم تشترك فيها في المطلق؟ أو ربما تطلب منا أن نمتثل من سكات على أشياء لم نناقشها لطالما ناقشها البيزنطيون قبلنا؟ ببساطة، هذه الانتقائية والتصيد ضد أوريجانوس لحماية فساد ديميتريوس أو ثاؤفيلس، ستوقع صاحبها والكنيسة في مشاكل أكبر. لما كانت افتراءات المفترين قد فُرضت على الكثيرين من الأشخاص، ونجحت في إبعادهم عن قراءة أعمال أورجينوس كما لو كان كاتبًا مجدفًا، فإنني أحسب من غير المناسب ألا أذكر بضعة ملاحظات بشأنه. إن الشخصيات التي بل وزن أو قيمة، وتفتقر لهذا إلى القدرة في الوصول إلى التميّز، تسعى غالبًا إلى الحط من أولئك الذين يتفوقون عليهم. فأولا كان ميثودويوس الأولمبي يعاني من هذا الداء، ثم يوستاثيوسومن بعده أبوليناريوس، وأخيرا ثيوفيلس. هؤلاء المنافسون الأربعة قد هتكوا سيرة أورجينوسولكنني أؤكد أنه قد نجم عن انتقاد هؤلاء الرجال مديحًا متزايدًا لأورجينوس. لأن أولئك الذين سعوا إلى الحط من قدره، ولم يستطيعوا مع ذلك أبدًا أن يقدموا اتهامًا ثابتًا برأي غير سليم بشأن الثالوث القدوس، إنما هم في الواقع قد قدموا شهادة قوية على وجه الحصر بأرثوذكسيته. لقد مدحوه بشهادتهم الخاصة. (سقراط القسطنطيني، التاريخ الكنسي، مجلد ٦، فصل ١٣، الفقرات ١-٤) ب) الأخوة الطوال هم جماعة أوريجانية هذا صحيح، ولكن هذا لا يعني أنهم مهرطقون، بل يعني أنهم يؤمنون بالتفسير الأفلاطوني (الرمزي) للكتاب المقدس، والبديل لذلك هو التفسير الأرسطوطالي (المادي) للكتاب المقدس. وفي الحقيقة، فإن جميع المسيحيين الحاليين بمختلف طوائفهم ومذاهبهم هم أوريجانيون، أي يعتمدون التفسير الرمزي للكتاب المقدس. أما البديل الأصولي المكافئ، فقد حسمه البابا كيرلس عمود الدين بأنه هرطقة أنثروبومورفية ((القديس كيرلس السكندري، ضد الذين يتصورون أن لله هيئة بشرية، ترجمة د. چورچ عوض إبراهيم، جذور للتوزيع. )) (من أنثروبولوچيا، أي تجسيد الله وإسناد وجه وفم وعينين وشفتين له - على غرار زندقة الشبوهية والمجسّمة في الإسلام). وبالتالي لا يوجد مبرر لثاؤفيلس للاعتداء على رهبنة الإخوة الطوال، المؤمنين بالمدرسة الرمزية في التفسير والبعد عن التفسير المادي؛ سوى كونه هو نفسه مادي ومهرطق أنثروبومورفي. لم تكن مشكلة الأخوة الطوال ((الأخوة الطوال: هي أقدم حركة رهبنة ديرية ذكرتها المراجع المكتوبة، يبدأ ذكرها حول سنة ٣٧٠م بمنطقة نتريا باسم رهبنة آمون والذي تبعه أخوته الثلاثة، وقد كانوا طوال القامة فدعي الأربعة بالإخوة الطوال. تتباين المصادر التاريخية في إحصائهم من ٧٠ إلى ٥٠٠ راهب. )) هي المشكلة الوحيدة التي تم تدويلها إلى القسطنطينية، فهناك مشكلة القس إيسيذورس ((تادرس يعقوب ملطي، القديس يوحنا ذهبي الفم (سيرته، منهجه وأفكاره، كتاباته)، الفصل الثامن مشكلة الإخوة الطوال. ))، والقمص بطرس ((سقراط القسطنطيني، التاريخ الكنسي لسقراتيس سكولاستيكوس عن الفترة ٣٠٦م – ٤٣٩م، الكتاب السادس، الفصل التاسع، ترجمة ايه. سي. زينوس، تعريب د. بولا ساويرس، مراجعة الأنبا إبيفانيوس، أسقف ورئيس دير الأنبا مقار. )). وقد أنصف التاريخ هؤلاء جميعًا وأشاد بصدق روايتهم. وبناء على ذلك، ينتفي وجود أي مبرر لمعاداتهم (لو افترضنا أنّ التعذيب والعنف الدموي وسيلة مشروعة للعداء). القصة التاريخية تتجلى في تلاعبه اللفظي مع رهبان وادي النطرون (الأنثروبومورفيت) عندما رفضوا رسالته الفصحية، فزحفوا إلى الإسكندرية وحاصروا ثاؤفيلس مهددين بقتله لأنه كافر. فنزل وتملقهم بالتعبير: إذ أراكم، أرى وجه الله ((سقراط القسطنطيني، التاريخ الكنسي لسقراتيس سكولاستيكوس عن الفترة ٣٠٦م – ٤٣٩م، الكتاب السادس، الفصل السابع، ترجمة ايه. سي. زينوس، تعريب د. بولا ساويرس، مراجعة الأنبا إبيفانيوس، أسقف ورئيس دير الأنبا مقار. )) فاعتبروه مثلهم مؤمنًا بأن لله هيئة بشرية وله وجه ونصبوه زعيمًا أنثروبومورفيًا، الأمر الذي ساعده بعد ذلك على استخدامهم في تنظيم مليشيات البارابولاني ((بارابولاني: πᾰρᾰβολᾶνοι (parabolânoi)، هي كلمة تعود بأصولها إلي تعبير paraballesthai ten zoen بمعنى: الذين لا يقيمون وزنا للحياة الدنيا، كان أول ظهور للبارابولاني في عهد البابا "ديونيسيوس الكبير" في النصف الثاني من القرن الثالث، كأخوية دينية متطوعة لدفن الموتى خلال وباء الطاعون الذي ضرب الإسكندرية، ومنذ ذلك الحين أستمر البارابولاني تحت سلطة بطريرك الإسكندرية كنوع من الحرس الخاص وكانت لهم سلطة دينية واجتماعية باعتبارهم وكلاء البطريرك. استخدمهم البطريرك ثاؤفيلس في تعذيب وحرق قلالي الرهبان في أحداث وادي النطرون، وأعاد البطريرك كيرلس تنظيمهم للاستعانة بهم في الأحداث التي تستدعي القمع بالقوة. وفي الأعوام 416، 418م ظهرت مراسيم إمبراطورية تحظر أن يزيد عددهم عن 500 فردًا، مع تجريم وجودهم في الأماكن العامة بسبب سلوكهم القتالي العنيف. )) والقيام بحملات القتل والتطهير والتعذيب التي وُصف بأنه يشترك في هذا العمل الوحشي بنفسه ((كان المسيحيون في ذلك العصر، يعتقدون بأنهم يقدمون خدمة لله. إذ ينتظمون جماعات جماعات وينطلقون لتهديم هياكل الآلهة الوثنية. وكان الوثنيون يطلقون عليهم لقب “العصابات السوداء”. وثاؤفيلوس كان يقود بنفسه فرقًا من الجنود. فكان هذا الفرعون لا يتوارى عن إصدار الأوامر بالتعذيب. يل ويشترك في هذا العمل الوحشي. واهتم ببناء الكنائس كحجر ونسي واحتقر البشر. وابغض جميع الناس. (أسد رستم، كنيسة مدينة الله أنطاكية العظمى المجلد الأول ٣٤–٦٣٤م، الفصل التاسع عشر) )) بحسب تعبير أسد رستم ((أسد رستم: أسد جبرائيل رستم مجاعص، عالم وثائق، ومؤرخ لبناني، وأستاذ التاريخ العربي في الجامعة الأمريكية في بيروت، ومن أوائل من كتب في منهجية البحث التاريخية في العصر الحديث، وبحسب المصادر الروم-أرثوذكسية فهو أول من حصل على لقب «دكتور في التاريخ» في الوطن العربي من جامعة شيكاغو. )) لطالما الأب يوسف ذو هوى بيزنطي. ونعود هنا إلى لفت النظر مجددًا لتعقيب الأب الكاهن أثناسيوس جورج؛ إننا لا نؤمن بعصمة أحد. عظيم، نحن لا نؤمن بعصمة أحد، لكن لدينا ثاؤفيلس السكندري، مهرطق أنثروبومورفي، ويذكر مع الآباء الذين تسلمنا منهم الإيمان في المجمع كما قال الأب يوسف الحومي! السؤال هنا: ما معنى الإيمان بعدم عصمة ثاؤفيلس -المهرطق- مثلًا؟ إن كنا لا نستطيع رفعه، على الأقل من سلسلة تكريم الآباء الذين تسلمنا الإيمان عنهم؟ ثم ما هو الإيمان الذي تسلمناه عن ثاؤفيلس بالأساس؟ ليس له إنتاج لاهوتي! أي أننا لم نتعلم منه شيئًا! ماذا تعني ميامر ثاؤفيلس؟ وما وجه لزومها؟ ما هو الحدث الجلل الذي سيخل بموازين المسيحية إن تم حذفه بميامره من سجل تكريم الآباء السابقين نتيجة لما قام به من أحداث عنف وهرطقة وقيادة رهبان لقتل رهبان؟ هل نحن نضع أسماء "أي كلام وخلاص" لمجرد ظبط العنعنة أن تنهي بمار مرقس؟ الأمر مختلف مثلا مع خليفته، البابا كيرلس عمود الدين، والذي وإن كان من رهبان وادي النطرون وشاهد وشارك هو أيضًا في عمليات تطهير ديني، أقربها ضد يهود الإسكندرية، ويده ملوثة بالدم الذي سال في خلال استلاب معابد الديانات المصرية القديمة لتحويلها إلى كنائس مسيحية ((بيشوي القمص، الذين لا يقيمون وزنا للحياة، Theosis Across Borders. ))، لكنه على الأقل كتب ضد الذين يتصورون أن لله هيئة بشرية ضد الهرطقة الأنثروبومورفية. أي أنه كتب ضد خاله! كيرلس عمود الدين هو حقيقة من نستطيع أن نقول بتسلمنا عنه الإيمان، ولا يخلو أي نقاش كريستولوچي من ذكر اسمه واستخدام براهينه في المحاججة. هذا يعني أن له إنتاجًا لاهوتيًا فعليًا موجودًا بين أيدينا، وليس مجرد "أي كلام". ومن هذا الإنتاج ما هو ضد ثاؤفيلس! ونحن نضع الاسمين في سلسلة المجمع؟! الأنثروبومورفي المهرطق والأرثوذكسي الذي رفض الأنثروبومورفية؟؟ هل هذا معقول؟ سلامة الخاطف والمخطوف أيضًا؟ عمومًا، نعود فنؤكد على أنه من الجيد والمهم فتح باب الحوار في المراجعات التاريخية، وبالأخص في الموقف ضد العنف. ليس لدينا سوى حادثتين أو ثلاث في تاريخ طويل من السلمية دفعنا فيه الثمن بالموت دون رفع السلاح لأربعة قرون. لكن للأسف، لست مقتنعًا بأن الكنيسة (وبالأخص الكهنة) يمكن أن يقودوا مثل تلك المراجعات. وما زلت أنصح الشباب بممارسة المزيد من الضغوط، لأن التاريخ يعلمنا أنه لا مراجعات فكرية تتم في أي مكان إلا تحت الضغط. فعذرًا لموقفي، آملًا تفهّمكم ورحابة صدركم. وبالنهاية، يعلم الله أن النوايا هدفها الإصلاح لا الهدم، وأنني سعيد جدًا بهذه المحاضرة ((يوسف تادرس الحومي، ما بين البابا ثاؤفيلس السكندري والقديس يوحنا فم الذهب، مدرسة تيرانس للتعليم والوعظ. )). https://www. youtube. com/watch? v=5lYJmDqwM2Q --- ### تشارلز روبرت داروين - Published: ۲۰۲٤-۰۸-۱٤ - Modified: 2024-08-15 - URL: https://tabcm.net/28716/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أدولف هتلر, أصل الأنواع, ألفريد راسل والاس, برتلمي سنت هيلار, تشارلز روبرت داروين, توماس روبرت مالتوس, جاليليو جاليلي, چان پاتيست پيير أنطوان دو مونيه شوفاليه دو لامارك, چورچ كوڤييه, فيلسوف أرسطو, نظرية التطور, يوهان ڤولفجانج ڤون جوته أنت لا تُعنى إلا بصيد الكلاب، واقتناص الجرذان، وسوف تكون عارًا على نفسك وعلى عائلتك. أنت لا تُعنى إلا بصيد الكلاب، واقتناص الجرذان، وسوف تكون عارًا على نفسك وعلى عائلتك. (داروين الأب لابنه) هذه هي الكلمات التي تلقاها داروين من أبيه في وقت كان يلوح لأي إنسان يتأمل داروين أنها صحيحة، وأن هذا الشاب قد خاب الخيبة التامة. فقد تسكع في دراسات مختلفة، ولكنه لم يستقر على واحدة منها، فقد التحق بكلية الدين ثم تركها، والتحق بكلية الطب ثم تركها، وفي غضون ذلك كان يلعب، أو على الأقل كان يبدو كأنه يلعب، يخرج إلى الحقول ويجمع النبات ويصيد الحشرات ويقارن بين الأحياء، ويفكر تفكيرًا سريًّا كأنه يتآمر على الكون كله، كي يغيره أو يغير البصيرة البشرية فيه. والآن بعد أكثر من مائة سنة من هذه الكلمات القاسية التي قالها أبوه عنه لا يعد داروين عارًا على عائلته، بل هو فخر أمته يتباهى به التاريخ الإنجليزي. وبعد نحو خمسين سنة من هذا التوبيخ الأبوي تأمل داروين حياته الماضية، ومبلغ ما أتمه من الخدمة في التوجيه الذهني للعالم فقال: أظن أن أبي قد قسا عليَّ بعض القسوة. ومات داروين في عام ١٨٨٢ بعد كفاح ثقافي طويل، ونحن الآن بعد وفاته بأكثر من نصف قرن، نستطيع أن نقول إنه أكسبنا فهمًا جديدًا للطبيعة والكون والإنسان، وزودنا بمنهج للتفكير لم نكن نعرفه من قبل، فإن كتابه «أصل الأنواع» الذي أخرجه في عام ١٨٥٩ حمل إلى القراء شيئين؛ أولهما: معارف تكاد تكون حقائق عن أصل الأنواع في الحيوان والنبات، وأنها جميعها ترجع إلى أصل واحد أو أصول قليلة. وثانيهما: منهج للدراسة هو أن الاستقرار لا يُعرف في الطبيعة، وأن الإنسان والحيوان والنبات في تغير مستمر. ونحن الآن لا نبالي الحقائق أو المعارف التي شرحها داروين؛ لأننا نعرف أكثر منها، ولكننا قد اتجهنا الوجهة التي عينها لنا. ونحن هنا بهذه المثابة نفسها نحو أرسطوطاليس، فإننا نعرف أكثر منه من حيث الكم في المعارف، ولكنه أكسبنا المنهج، فنحن نفكر في التطور الدارويني ونفكر متطورين، وقد أصبح التطور حقيقة علمية نقيمها بالمليمتر والمليجرام في الحيوان والنبات، كما أصبح أيضًا مذهبًا دينيًّا، أو مبدأً أخلاقيًّا عند المثقفين، وانفسح به التاريخ البشري آفاقًا إلى ملايين السنين، بل مئات الملايين خلف البشر وبعد البشر. لقد قيل إن جاليليو حط الإنسان من عليائه، حين أعلن أن الأرض ليست مركز الكون، وأنها كوكب صغير يدور حول الشمس، بل الشمس أيضًا نجم صغير لا يختلف عن ملايين النجوم التي نراها كل ليلة في المساء. ولكن داروين رفع الإنسان إلى هذه العلياء من جديد، وأثبت أنه لم يكن عاليًا فسقط، وإنما هو كان ساقطًا يعيش على حضيض الطبيعة، حيوانًا كسائر الحيوانات والحشرات، ثم ارتفع. وبهذه الكرامة الجديدة انتقل من أسر القدر، وأحس أنه تاج التطور، وأن له الحق في تدبير هذا العالم، وفي تعيين السلالات القادمة، بل ماذا نقول؟ في إيجاد البشرية الجديدة... ومع ذلك لا أعتقد أن داروين نفسه كان يقدِّر الطاقة الكامنة في نظريته. ولا ينقص هذا من عظمته، فإن تفكيرنا الشخصي يسير بقوات اجتماعية، لا نكاد نبصر بها أو نتعمق أصولها، ذلك أننا نفكر بحواجز من العواطف التي نكتسبها من المجتمع، بما يفرضه علينا من القيم والأوزان، وما يرسمه لنا من المطامع والآمال، والمجتمع يطالبنا باستجابات مختلفة تستحيل في كياننا النفسي إلى عادات عاطفية لا نستطيع الخروج منها، فنفكر في منهج خاص هو ثمرة هذا التوجيه الاجتماعي الذي لا نحسه؛ لأنه لا يرتفع إلى وجداننا وتعقلنا. ولذلك نستطيع أن نقول إن نظرية داروين وجدت الحافز الأول على التفكير فيها من المجتمع الذي عاش فيه داروين؛ ذلك أن داروين قضى زهرة حياته إلى نضج الشباب وإيناع الكهولة فيما بين عامي ١٨٢٠ و١٨٦٠، وكان عمره وقتئذٍ بين العشرين والخمسين، وكانت إنجلترا في تلك السنين ترغي وتزبد بالحركة الصناعية الجديدة، فالمصانع تحتشد بالعمال من الرجال والنساء والصبيان، والثروات تنمو، والمزاحمة على أقصاها وإنجيل النجاح يدرس بل يعبد، والسياسة تخدم الاقتصاد، وتضرب الأمم النائية وتؤسس الأسواق والمستعمرات. وأصبحت انجلترا سيدة البحار؛ لأنها احتاجت إلى أكبر أسطول يحمي مستعمراتها وأسواقها التي تباع فيها مصنوعاتها الفائضة. وعاش داروين في تنازع البقاء هذا الذي لا يفتر في لانكشاير وغير لانكشاير من الأقاليم الصناعية في إنجلترا. وفي تلك السنين أيضًا قرأ كتابًا أحبه وتعلق به؛ لأنه وجد فيه الاستجابة لنظرياته مما تكبد له من عواطف أحدثها الوسط الإنجليزي، هو كتاب القسيس «مالتوس» عن السكان. فإن القسيس كان من المحافظين الإنجليز الذين يكرهون العامة، ولا يرونهم سوى غوغاء، فلما انفرجت الثورة الفرنسية واستولى بها الشعب على السادة من الملوك والعظماء، ثم أعلن رجالها مبادئ الإخاء والمساواة والحرية، فكر مالتوس كثيرًا بحافز من عواطفه، فأخرج كتابه عن السجن، وكان المعنى الذي قصده إليه أن هذه الآمال الفرنسية في الإخاء والحرية لن تتحقق؛ لأن الدنيا لا تكفي الناس الذين يتوالدون على تضاعفي ٢ و٤ و٨ و١٦ إلخ في حين أن المحصولات لا تنتج إلا نظام حسابي ١ و٢ و٣ و٤ و٥ إلخ، فإذا عاش الناس بلا مرض أو لم تكفهم المحصولات، وإذن فالمرض والحرب والحرمان رحمة بالناس أو ضرورة لهم. وتأمل داروين هذا الكتاب الذي ألَّفه مالتوس عن المجتمع البشري فتساءل: لم لا ينطبق هذا الكلام على المجتمع الحيواني في الطبيعة؟ فإن الطعام لا يكفي جميع الأحياء التي تحيا أو تتكاثر بالألوف، فهي يجب أن يزاحم بعضها بعضًا فتكون فيما بينها، أي تنازع البقاء، كما في لانكشاير ومصانعها تمامًا. وفي عام ١٨٣١ أنفذت الحكومة البريطانية سفينة «البيجل» كي تطوف حول العالم وتسبر الأعماق وتدرس الشواطئ، وتقيس الأبعاد. ولكن لماذا عمدت الحكومة البريطانية وحدها دون سائر الحكومات إلى الاهتمام بهذا الموضوع؟ ما هي العاطفة الحافزة إلى هذه العملية التي لم تفكر فيها ألمانيا أو روسيا أو إيطاليا؟ العاطفة الحافزة اجتماعية أيضًا، وذلك أن الحكومة البريطانية في تلك السنين كانت تخدم الصناعات البريطانية؛ لأن السياسة على الدوام تسير خلف الاقتصاد. وكانت أسواق العالم وقفًا على المصنوعات الإنجليزية؛ لأن الحركة الصناعية الإنجليزية سبقت الحركات الأخرى في جميع الأمم، فمن هنا كان الاهتمام بالبحار والملاحة والأقطار النائية، ومن هنا أيضًا كانت الفرصة لداروين في أن يلتحق بالسفينة «بيجل» كي يدرس الحيوان والنبات. ولم يكن داروين جديدًا في هذا البحث عن أصل الأنواع، فإن لامارك الفرنسي سبقه إليه، وهو صاحب القول بأن عنق الزرافة قد طال؛ لأنها بالمرانة التي ورثت جيلًا بعد جيل قد اشرأبت وسعت للوصول إلى الغصون العليا في الأشجار، فكأن ما يكسبه الحيوان بجهده من صفات يورَّث جيلًا بعد جيل. بل إن جد داروين قد بحث هذا الموضوع، فكانت النظرية «في الهواء» تحتاج إلى من يرتب أصولها وفروعها ويعلل مظاهرها. بل كانت أكثر من ذلك، فإن جوته الأديب الألماني كان يشتغل بها ويسأل عنها، وكان يتابع النقاش الحامي بين كوفييه الذي كان يقول بثبات الأحياء، وبين سنت هيلار الذي كان يقول بتحولها. كان داروين شابًّا في الثالثة والعشرين حين شرع في رحلته على البيجل، فلما وصل إلى أمريكا الجنوبية، وجد حيوانها ونباتها يختلفان عما هما في القارات القديمة، ثم لما وصل إلى الجزر المنعزلة غرب أمريكا الجنوبية وجد أن انعزال الجزيرة يؤدي إلى انعزال الحيوان، فتكون له أشكاله التي ينفرد بها من الأشكال العامة على القارات. وإلى هنا يكاد يتوهم القارئ أنه ليس هناك أي فضل لداروين لتعليل النظرية، فقد سبقه إليها جده كما سبقه إليها لامارك الفرنسي. ثم هناك الظروف الأخرى: مالتوس وقلة الإنتاج الغذائي إزاء تضاعف السكان، ثم تنازع البقاء وبقاء الأصلح وفناء الضعيف في المزاحمة العنيفة في لانكشاير حيث الحركة الصناعية في عنفوانها. ولكن لا؛ لأننا مع التسليم بأن الوسط الاجتماعي أو البيئة الثقافية في أوسع معانيها حين تشمل المعيشة والاتجاه أو العادات والعواطف، هي الحافز للتفكير، فإننا مع ذلك يجب ألا نغفل الشخصية؛ إذ لو لم يكن داروين ذكيًّا لما فكر في هذا الموضوع الخطير ولما حمله هدفه في الحياة. لقد قال داروين عن نفسه: إن الحقائق تضطرني إلى الاعتراف بأن عقلي لم يخلق للتفكير.  ولكن داروين ظلم نفسه في تواضعه بهذه الكلمات، لأن الحقيقة أنه لم يعرف نفسه؛ إذ إن الواقع أنه لا يقول هذه الكلمات إلا رجلٌ مفكرٌ قد أسرف في التفكير وعُنيَ العناية الكبرى بغربلة الحقائق من المعارف، وعرف الصعوبة الكبرى في هذا الجهد، ولو أنه لم يكن يجهد لما قال هذه الكلمات؛ إذ إنها ما كانت لتخطر في باله. الحقيقة الواضحة من حياة داروين أنه احترف التفكير، وأنه كان مريضًا أو متمرضًا، في نفسه حزازة قديمة هي جرح الكرامة، هذا الجرح الذي أحدثه أبوه وعيره به كما نرى مثلًا من وصف أبيه له بأنه سوف يكون عارًا لعائلته. فقد كان لا ينام في الليل إلا بعد أرق الساعات، وكان في هذه الساعات يفكر ويؤلف، فإذا جاء إليها كتب كلماته القليلة، ثم يبقى سائر نهاره مريضًا. ومرضه هو هذا المرض النفسي الذي يخترعه النيوروزي ويعيش به ويستقر عليه كأنه يقول: طلبتم مني النجاح والتفوق وكيف أستطيع هذا وأنا مريض؟ مرض يصون الكرامة المجروحة (أنت عار لعائلتك) وفي الوقت نفسه يهيئ الفرصة للتفكير في حضانة ليلية يسميها الأصحاء أرقًا. ولو أن داروين نجح وصار قسيسًا أو طبيبًا كما كان يشتهي أبوه لكسب العالم قسيسًا أو طبيبًا يمارس حرفته ويكسب منها، ولكن العالم كان يخسر عندئذٍ هذه العبقرية المرضية التي زعزعت الثقافة العالمية من أساسها، بل زلزلتها وعينت أهدافًا جديدة للإنسان، وأكسبته بصيرة جديدة لرؤية الماضي ورؤيا المستقبل. لقد بقي داروين نحو ثلاثين سنة وهو يفكر في التطور، ولكنه لا يخرج كتابًا عنه ولا يكتب مقالًا، ثم حدث حادث أزعجه فانتفض منه، هو أن «والاس» كان في بعض الجزر التي تقع في الجنوب الشرقي من آسيا يجمع الأزهار والحشرات ويحنطها ويبعث بها إلى الجمعيات العلمية، وكان مشغولًا بالموضوع نفسه؛ أي التطور، وكان يعرف أن داروين مشغول به أيضًا، فأرسل إليه رسالة علمية يشرح فيها رأيه في هذا الموضوع، وصعق داروين إذ وجد أن وولاس قد سبقه إلى تعليل التطور بأن الطعام قليل في الطبيعة، وأن التوالد كثير بين أنواع الحيوان والنبات، فلا بد أن يكون هناك تزاحم؛ أي مسابقة من أجل الطعام، وفي هذا التزاحم أو المسابقة لا يبقى غير الأقوى الأصلح للبقاء حين يموت العاجز الضعيف وينقرض. وسارع داروين إلى إبلاغ الهيئات العلمية في إنجلترا عن رسالة والاس، وشرع هو أيضًا يؤلف كتابه «أصل الأنواع». ونستطيع أن نتخيل داروين في حزنه ونزاهته معًا، ولكن والاس بعد ذلك بسنين اعترف بأن العالم كسب ولم يخسر بتزعم داروين لهذه النظرية؛ لأنه كان أوفى منه معرفةً وأنصع بيانًا وأدق منطقًا. وأخرج داروين كتابه «أصل الأنواع» في عام ١٨٥٩ فتغيرت الرؤية والرؤيا البشريتان. وكثير من النظريات التي غيرت التفكير البشري تبدو غاية في السهولة والبساطة، حتى ليتساءل الناس: كيف جهل السالفون هذه النظرية على وضوحها؟ فإن داروين يتحدث عن الحمام والكلاب وغيرهما مما يربيه الناس، وكيف استطاعوا أن يخلقوا العشرات والمئات من السلالات الجديدة، وما استطاعه الإنسان في مئات السنين القليلة فقد استطاعته، وأكثر منه، الطبيعة في ملايين السنين الماضية، حتى أخرجت الأنواع فضلًا عن السلالات. فهناك، في الغابات والبحار والسهول، إنتاج محدود من الطعام، ولكن هناك توالدًا يتضاعف بين الحيوان والنبات، ولا يمكن أن يكفي الطعام هذه الملايين بل ملايين الملايين من النبات والحيوان، فلا بد إذن من أن تتنازع الأفراد لأجل البقاء؛ أي لأجل الحصول على الطعام. وقد يكون السبب للتفوق في هذا التنازع ثم البقاء خفيًّا هو كما في النفس الأخير، في الثواني القليلة، في صراع يدوم الساعات، أو في القدرة على الجوع أو العطش، أو في طرق الحماية للنسل، أو في القدرة على التطفل، أو في الجراءة والبطش. وما دام كل فرد يولد مختلفًا عن الآخر في الحيوان والنبات، فإن هذا الاختلاف ينطوي بلا شك على ميزة أو عجز، فهو يساعد في الحال الأولى على البقاء والانتصار في معركة الحياة، وهو يهيئ الهزيمة في الحال الثانية، ولا نعرف الأسباب لهذا الاختلاف، ولكننا نشاهده ونسلم به، ولذلك لابد أن يستمر التغير جيلًا بعد جيل، فإذا تراكمت التغيرات أحدثت السلالات الجديدة، وإذا زاد الاختلاف بين السلالات ظهرت الأنواع الجديدة. وعلى هذا يجب أن نسلم بأن الأحياء، نباتًا وحيوانًا، ليست الآن كما كانت قبل مليون أو مائة مليون سنة؛ لأن التغير والتطور هما طبيعتها. ونستطيع أن نستنتج أنه ما دام لنا تاريخ ماضٍ في التطور فسوف يكون لنا تاريخ قادم أيضًا تتغير فيه الأحياء. وهذه هي الدلالة الخطيرة التي انتهى إليها قراء داروين، وهي أن الحياة في بوتقة لم تتجمد قط، وأن البوتقة لا تزال تصهر وتخرج عناصر مركباتها، وهذا هو التوجيه الجديد الذي سدَّد داروين عقولنا إليه ونحن في بداية هذا، هو التوجيه الذي يخشى كثير منا دلالته؛ لأنه يحمل في طياته مشروعات بشرية خطيرة، ولأنه يضع النظام المادي للإنسان والحيوان والنبات مكان النظام الغيبي. لقد عالج داروين تطور الأحياء، وحاول تعليل التطور، ونجح إلى حد ما في هذا التعليل، ولكنه لم ينجح كل النجاح؛ وذلك لأن عواطفه الاجتماعية التي اكتسبها من المزاحمة الصناعية التجارية في لانكشاير، ومن كفاح الإمبراطورية لخطف الأسواق وإذلال الأمم، هذه العواطف هي التي حملته على أن يُكبِر من شأن التنازع؛ تنازع البقاء. وحال هذا بينه وبين رؤية التعاون في الطبيعة؛ لأن الواقع أن البقاء عن طريق التعاون بين الحيوان والنبات أكبر وأوسع من البقاء عن طريق التنازع. ونحن نعرف الآن كثيرًا؛ أي أكثر مما كان يعرف داروين، ولكن لداروين فضل التوجيه وتعيين الخطط للبحث، وأنه زودنا برؤيا بشرية جديدة، وأطلق أذهاننا من أغلال العقيدة إلى حرية البحث والدرس، فقد نقلت نظرية التطور من الأحياء في الطبيعة إلى الناس في المجتمع، وصار من المألوف أن نجد دراسات منظمة عن الأخلاق والأديان وفق النظرية التطورية، ما كنا لنراها لولا داروين، وانبسطت للبشر آمال في المستقبل، وتغير معنى الارتقاء البشري؛ لأننا نقلنا هذا المعنى من وسط الإنسان إلى الإنسان نفسه، كما أصبح التطور فنًّا نمارسه في إيجاد سلالات جديدة من القطن أو القمح أو الفاكهة. وقد اجترأ هتلر وأعوانه على أن يفكروا في سلالات بشرية جديدة. ويجب ألا يعمينا الاستغراض الديموقراطي عن هذا الابتكار النازي الذي دعا إليه هتلر، فإن نظرية التطور لابد أن تخرج من التفكير إلى التطبيق... بل هي كذلك الآن، ومنذ مئات السنين في حيواناتنا ونباتاتنا، ونقلها إلى النوع البشري لن يعدو وثبة كبيرة. ••• أراني بعد كتابة ما تقدم أني التفتُّ إلى شخصية داروين وتحليلها أكثر مما التفتُّ إلى تحليل نظريته ودلالتها؛ ولذلك أحتاج إلى الإشارة إلى التنقيحات التي طرأت على هذه النظرية، وأولها وآخرها هو الرجوع إلى لامارك: إن الصفات المكتسبة تورَّث.  وداروين نفسه لم يُنكِر هذه الوراثة ولكنه لم يبرزها كما أبرر «تنازع البقاء وبقاء الأصلح» ومع أن داروين التفتَ كثيرًا إلى الدواجن، وكيف أن الإنسان استطاع أن يخرج مئات السلالات من الحمام والدجاج والكلاب والخيول، ومع أنه نقل هذا المنطق من الإنسان إلى الغابة، باعتبار أن تنازع البقاء يحيي ويبيد، ويقف من النبات والحيوان موقف الإنسان في اختيار الصفات التي تعمل لبقاء الأفراد، فإن الموقف البيولوجي ينكر هذه الأيام قيمة هذه المقارنة بين التنوع في الدواجن والتنوع في الأوابد؛ ذلك لأن المشاهدة تثبت أن التنوع في الطبيعة قليلٌ جدًّا أو يكاد يكون معدومًا، كما يثبت أن ما أحدثناه نحن البشر من التنوع في الدواجن إنما هو عن بعيد مصلحة هذه الدواجن، وهو أشبه بالمرض منه بالصحة وقد أحدثناه بحياة غير طبيعية لهذه الدواجن؛ ولذلك نحن ننزع هذه الأيام إلى «داروينية جديدة» تعتمد على أن عادات الآباء يرثها الأبناء حتى إذا تراكمت أوجدت العضو الذي يؤديها، كالجمل الذي عاش في الصحراء وكان يحتاج إلى أن يبرك على الحصا الذي يجرح جلده، فتضخم الجلد في أمكنة الملامسة وأصبحت هذه الخاصة وراثية، وكاللجاة (التي كانت مثل السلاحف على اليابسة) احتاجت إلى السمك طعامًا فنزلت إلى البحر، وما زالت تمارس السباحة حتى استحالت يداها إلى زعنفتين... إلخ. ••• ولا أعرف كاتبًا تأثرت منه أكثر مما تأثرت من داروين، فإنه أعطاني القلب الذي أزن به أحيانًا، وأحيانًا أهدم به التقاليد، وجعل التطور مزاجًا تفكيريًّا ونفسيًّا عندي، بل جعله عقيدتي البشرية التي تنأى عن الغيبيات. وقد أصبحت أقيس الأمم بمقدار تطورها، وأقيس آمالي الاجتماعية بمقدار ما أجد من قدرة على التطور؛ ذلك أن التطور في أساسه منطق علمي، ولكنه قد استحال عندي إلى عقيدة قلبية. وإذن يجب أن أعد داروين المعلم الأول الذي علمني. --- ### أسئلة حائرة متوجسة - Published: ۲۰۲٤-۰۸-۱۲ - Modified: 2024-08-12 - URL: https://tabcm.net/28679/ - تصنيفات: إصلاح كنسي المشهد المسيحي الفيسبوكاوي يدعو للحسرة والحزن، ويخرج بآلية الفيسبوك من كونها وسيلة لتطارح وتبادل الأفكار البناءة إلى حلبة صراع عنفية تخلو من أى "كلمة منفعة". وتفتقر للرقي والسمو الفكري، والنقد الموضوعي غاب عنها لتحتل مكانه أسلحة التكفير (الهرطقة) والتخوين والمؤامرة، والبحث في الضمائر والنوايا. هالني فيه احتلال أنصاف المتعلمين لجل ساحته بجسارة عنفية، تعلن امتلاكها للحقائق المطلقة، ويحار المرء في الرد عليهم أو مناقشتهم، فلا نعرف من هؤلاء المختبئين خلف الشاشات وتنقر أصابعهم لوحة الحروف. هل هم صبية لم يشبوا بعد عن الطوق فلم يصلوا إلى النضج؟ أم هم شباب في طور المراهقة؟ أم كبار لم تكتمل رؤيتهم؟ أم لجان إلكترونية تنفث سموم مموليها لتخريب عقل جمعي مستهدف، حماية لمصالح استقرت وتعاليم فاسدة تسللت بحنكة وسطوة لتفترش -وتفترس- عقول البسطاء؟ اللافت أن بعض الكنسيين أصحاب المواقع المتقدمة انزلقت أقلامهم الى هوة الجدل السقيم، بشخوصهم، أو بوكلائهم، وأهملوا مهامهم تجاه رعيتهم، ليصيروا نوافذ مشرعة يقفز منها الإلحاد إلى محل إقامتهم، ودور عبادتهم، التي تحولت بهم إلى مواقع طرد وقطع وفرز، ولم تعد مستشفى للمرضى والجرحى، أو ملجأ للطريد، أو مأوى للنفوس الشاردة. إجابتهم حاضرة لمن يسأل عن النفوس المتعطشة لكلمة الحياة؛ أنهم أبناء الهلاك! ! بعقل بارد وجلد سميك، وحجج حاضرة، وضمائر تختلق سواتر لتبرير مواتها. لسان حالهم: أحارس أنا لأخي؟ ويبقى أسئلة لست أنا الذي يطرحها: إِنْ كَانَ النُّورُ الَّذِي فِيكَ ظَلاَمًا فَالظَّلاَمُ كَمْ يَكُونُ! (إنجيل متى 6: 23) أَنْتُمْ مِلْحُ الأَرْضِ، وَلكِنْ إِنْ فَسَدَ الْمِلْحُ فَبِمَاذَا يُمَلَّحُ؟ (إنجيل متى 5: 13) --- ### عن اللاهوت والسياسة والمجتمع - Published: ۲۰۲٤-۰۸-۱۰ - Modified: 2024-08-10 - URL: https://tabcm.net/28651/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: اللاهوت السياسي اللاهوت السياسيّ يبدو الحديث عن لاهوت سياسي في العالم العربي، لأولئك الذين يعرفون معناه الحقيقي، على أنه ليس خلطًا بين اللاهوت والسياسة، نوعًا من الرَفَاهيَة الفكرية، أو الرَفَاهيَة اللاهوتية. فهو لاهوت وليد العالم الغربي، حيث تختلف الأوضاع الاجتماعية والسياسية هناك اختلافًا كبيرًا عن الوضع في العالم العربي. لا يمكن أن ننكر الاختلافات، إلا أنه علينا النظر إلى خبرة الشعوب الأخرى، حتى لا نسقط في الأخطاء عينها التي وقعوا فيها. وأيضًا، إن كنا بصدد تطوير لاهوت جديد، يناسب عالمنا العربي المعاصر، توجب علينا النظر فيما وصل إليه علماء لاهوت وفلاسفة سابقون، حتى يصبح بناء صرح لاهوت جديد متينًا وعلميًا. في الغرب، يُعرّف اللاهوت السياسي بالمعنى الشامل على أنه تيار بعض اللاهوتيين يشرحون رسالة الإنجيل بشأن خلاص الإنسان، من خلال المعايير التي تقدمها النظريات السياسية الحديثة. كذلك يستخلص هؤلاء اللاهوتيون المضمون السياسي للكتاب المقدس، ليكون حاضرًا في ضمير المؤمنين عند اختيار توجهاتهم وأنشطتهم السياسية الاجتماعية. ففي البلدان التي يستطيع الإنسان فيها أن يقرر مصيره بنفسه عن طريق السياسة الديمقراطية، يبدو الإيمان وكأن لا علاقة له بالواقع. والسؤال في مجتمع كهذا، في الغرب مثلًا: ما فائدة الإيمان في مجتمعنا؟ هنا، يقرأ بعض علماء اللاهوت السياسي توجهات وجذور الحركات السياسية والاجتماعية على ضوء الكتاب المقدس نفسه، ويرون فيها نصًا ثوريًا، يسعى إلى تأسيس عالم لا وجود فيه للطبقات الاجتماعية أو الاستغلال. عالم خالٍ من الفقر، والقهر، والعنف، وغياب العدالة. أن يكون المرء مسيحيًا في هذا المجتمع يعني أن يلتزم ويشارك في النضال ضد الظلم والاستبداد السياسي، والقهر الاجتماعي للمستضعفين في الأرض. فالمشاركة السياسية الفعالة لتحقيق هذا المجتمع، صورة أخرى لتضامن الكنيسة مع البشرية جمعاء، وتعبير ملموس عن الإيمان بإله عادل وصالح. يكتب كريستوس ياناراس: «يمكن اعتبار السياسة فصلًا من فصول اللاهوت». اللاهوت والمجتمع إذًا ما تنحى اللاهوت جانبًا وأغمض عينيه عن المسألة الاجتماعية والسياسية، أما يكون قد قام بخصخصة للإيمان؟ أي أن يصير الدين شأنًا خاصًا وشخصيًا فحسب، ومن دون أي طابع جماعي أو اجتماعي؟ اللاهوت السياسي كما يقدمه اللاهوتيّ الألمانيّ "متس" هو لاهوت يفضح ويصحح كل أسس فكرية لاهوتية، قد تُستخدم ضد جنس بعينه، أو فئة بعينها، بل ويسعى إلى حمايتهما. نستطيع القول إن اللاهوت يعي أن يسوع نفسه قد قُتل بسبب هذا التلاعب، والنفاق والمصالح المشتركة بين أصحاب التيارين الديني والسياسي. وعلى غرار ما حدث ضد يسوع، يُباح دَم الأبرياء، كما حدث في حكم النازيين، وضياع الفقراء في العالم، وما يحدث على أرض فلسطين ضد سكانها الأصليين من مسيحيين ومسلمين على يد قوى الاحتلال الإسرائيلي. إنه لاهوت يحاول أن يمنع تكرار ما حدث ليسوع، وما حدث لليهود في "أوشفيتز" مرة أخرى. --- ### أصل النفس في تعليم آباء الكنيسة [١] - Published: ۲۰۲٤-۰۸-۰۹ - Modified: 2024-08-15 - URL: https://tabcm.net/28627/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: Creationism, آدم, آمال فؤاد, أفلاطون, أمجد رفعت رشدي, أوريجينوس ليونايدس أدامانتيوس, الغنوصية, الكنيسة الجامعة, المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية, المركز الثقافي القبطي, بابا ديونيسيوس السكندري, باسيليوس الكبير، أسقف قيصرية الكبادوك, باناريون للتراث الآبائي, بولا عطية, تادرس يعقوب ملطي, تيموثاوس المحرقي, چوزيف موريس فلتس, علامة ترتليانوس الإفريقي, قديس أثناسيوس الرسولي, قديس إيرينيئوس، أسقف ليون, قديس كيرلس الأورشليمي, قديس ميثوديوس الأوليمبي, قديس هيلاري، أسقف بواتييه, قديس يوستينوس الشهيد, كنيسة مار جرجس، سبورتنج, لوقا يوسف, مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية, نصحي عبد الشهيد بطرس, وليمة العشر عذارى, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية يُعتبر موضوع أصل النفس مهمًا جدًا في سياق دراسة موضوع الخطية الجدية في التعليم الآبائي، وهناك آراء عديدة في هذا الموضوع. ولكن كانت النظرية السائدة في الكنيسة الجامعة حول أصل النفس هي النظرية الخلقية Creationism، أي إن الله يخلق لكل مولود نفس جديدة. حيث يرى الآباء أن الله خلق الإنسان على صورة الله، والله روح، ولا يمكن أن تكون صورة الله صورة مادية، بل صورة روحية، وهكذا يرى الآباء أن صورة الله في الإنسان هي النفس البشرية المخلوقة على صورة الله، ويرفض الآباء فكرة النفس المولودة، لأنهم يرون أن نظرية النفس المولودة تجعل من النفس شيئًا ماديًا عكس طبيعة النفس الروحية غير المادية، وأنها نفخة من الله. ق. يوستينوس الشهيد نبدأ من ق. يوستينوس الفيلسوف والشهيد الذي يُؤكِّد أن النفس مخلوقة، لأن الكون مخلوق، ويرفض فكرة الوجود السابق للأرواح قبل أجسادها، النظرية التي علَّم بها أفلاطون والفلاسفة الأفلاطونيون المحدثون أمثال أفلوطين وبورفيري، والغنوسيون في عصر يوستينوس الشهيد: ((يوستينوس، الحوار مع تريفون اليهودي، تَرْجَمَة: أ. آمال فؤاد، باناريون للتراث الآبائي، ٢٠١٢، الفصل الخامس، ص ١٤١، ١٤٢.   )) لأنه إذَّا كان الكون مخلوقًا، فالنفس أيضًا بالضرورة تكون مخلوقةً. وقد كان وقت لم تكن الأنفس موجودةً فيه، لأنها خُلِقت لأجل الإنسان والكائنات الحية الأخرى. (يوستينوس، الحوار مع تريفون اليهودي) ق. إيرينيؤس أسقف ليون ويتحدَّث ق. إيرينيؤس أبو التقليد الكنسي عن أن النفس في أصلها هي نفخة من الله، في حين الجسد الماديّ مأخوذ من تراب الأرض: ((إيرينيؤس، ضد الهرطقات ج٢، تَرْجَمَة: د. نصحي عبد الشهيد، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، ٢٠١٩، ٣: ٢٢: ١، ص ١٠٩. )) ولكن يرى الجميع أننا مُكوَّنون من جسد مأخوذ من الأرض، ونفس حاصلة على نفخة من الله. (إيرينيؤس، ضد الهرطقات) ق. ميثوديوس الأوليمبي يُؤكِّد ق. ميثوديوس الأوليمبيّ على أن النفس مخلوقة في الأصل في مقابل تعاليم أوريجينوس والأوريجانيين بالوجود السابق للأرواح قبل انحباسها في أجسادها بعد سقوطها من عالم الغبطة، حيث يقول: ((ميثوديوس الأوليمبي، وليمة العشر عذارى (الكتابات النسكية في القرون الثلاثة الأولى)، تَرْجَمَة: الراهب القمص تيموثاوس المحرقي، ٢٠٠٩، ٦: ١، ص ١٤٩، ١٥٠. )) لأن روح الإنسان تُشبِه بدقة الله الذي أنجبها وشكَّلها، وتعكس شبه وملامح صورته الظاهرة، التي شكَّلها الله ليعطيها شكلًا خالدًا لا يفنى، فتبقى كذلك. لأن الجمال المعنويّ غير الماديّ-الذي ليس له بداية وغير فاسد، ولا يتغير، ولا تصيبه الشيخوخة، ولا يحتاج إلى شيء- يستريح في نفسه، وفي ذات النور الذي في أماكن لا يمكن التحدث عنها، أو الاقتراب منها، وتشمل كل الأشياء في محيط قوته، حيث يخلق ويرتِّب، الروح على صورته. ولذلك فهيعاقلة وخالدة، لأنها خُلِقَت على صورة الابن الوحيد -كما قُلت- ولذا فلها جمال لا يفوقه شيء. (ميثوديوس الأوليمبي، وليمة العشر عذارى) ويشير ق. ميثوديوس في موضع آخر إلى أن النفس مخلوقة من الله، ويدحض التعليم بالنفس المولودة، ويؤكد على أن الله وحده الذي نفخ الروح في الإنسان، الجزء الذي لا يموت ولا يضمحل: ((ميثوديوس الأوليمبي، وليمة العشر عذارى (الكتابات النسكية في القرون الثلاثة الأولى)، تَرْجَمَة: الراهب القمص تيموثاوس المحرقي، ٢٠٠٩، 2: 7، ص 109. )) ولو حاول التعليم -بالرغم من ذلك- بأن الطبيعة الخالدة للروح، قد زُرِعَت مع الطبيعة الفانية للجسد، فلن يصدق أحد، لأن العلي وحده هو الذي نفخفي الإنسان، الجزء الذي لا يموت ولا يضمحل؛ كما أنه هو وحده خالق الغير منظور والغير فاني، لأنه قال: ونفخ في أنفه نسمة حياة. فصار آدم نفسًا حيةً ((تكوين 2: 7 )). هذا هو الله صانع كل إنسان، ولذلك أيضًا حسب قول الرسول: الذي يريد أن جميع الناس يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون ((1تيموثاوس 2: 4 )). (ميثوديوس الأوليمبي، وليمة العشر عذارى) ق. ديونيسيوس السكندري يؤكد ق. ديونيسيوس السكندري على أن النفس مخلوقة بالأمر من الله، ويرفض التعليم بالوجود السابق للأرواح قبل أجسادها كالتالي: ((ديونيسيوس الإسكندري، تَرْجَمَة وتقديم: أمجد رفعت رشدي، مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية، 2017، شذرة من تفسير سفر الجامعة، ص 227. )) لأجل هذا يضيففيرجع التراب إلى الأرض كما كان ((جامعة 12: 7 ))، هذه الأمور تخص طبيعة الجسد البشريّ، أمَّا بالنسبة للروح، فكما قال عن صُنع الخالق لخلقة الجسد، يقولوترجع الروح إلى الله الذي أعطاها ((جامعة 12: 7 )). ويقول بعد قليل: وهكذا، لأن أنفس الإله ذاتها تمضي بالأمر وبالخلقة، فهي بذلك لم تكن موجودةً من قبل. من أجل ذلك، فنحن بالحقيقة ندين له بالشكر دائمًا وعلى كل شيء. (ديونيسيوس السكندري، تَرْجَمَة أمجد رفعت) ق. أثناسيوس الرسولي يُؤكِّد ق. أثناسيوس الرسوليّ على أن النفس مخلوقة على صورة الله في مقابل الغنوسيين، والمانويين، والأفلاطونيين المحدثين، والأوريجانيين، الذين كانوا يؤمنون بالوجود السابق للأرواح في عالم الطوباوية قبل أن تفتر وتُعاقَب على فتورها بانحباسها في أجسادها في العالم الماديّ: ((أثناسيوس، ضد الوثنيين، تَرْجَمَة: د. جوزيف موريس فلتس، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، ٢٠١٥، ٨: ١، ص ٢٤، ٢٥. )) لذلك فالنفس وقد تحوّلت وتناست أنها قد خُلِقت على صورة الله الصالح، لم تعد لديها القدرة على رؤية الله الكلمة الذي خُلِقت على مثاله، ولكنها ابتعدت عن ذاتها، فصارت تتوهم وتتخيل ما ليس له وجود. (أثناسيوس، ضد الوثنيين) ق. كيرلس الأورشليمي ويُحارِب ق. كيرلس الأورشليميّ أيضًا التعليم بالوجود السابق للأرواح قبل أجسادها المنتشرة في عصره؛ مؤكِّدًا على أن النفس مخلوقة على صورة الله خالقها: ((تادرس يعقوب ملطي، القديس كيرلس الأورشليمي (حياته - مقالاته لطالبي العماد - الأسرار)، كنيسة مار جرجس سبورتنج، ٢٠٠٦، ٤: ١٨، ص ٨٥. )) أَعرف أيضًا أن لك نفس سيدة ذاتها؛ هي أسمى أعمال الله، خُلِقت على صورة الله خالقها. إذ وهبها الله الخلود. إنها كائن حي عاقل، غير فاسد، إذ وهبها الله هذه النعم. (تادرس يعقوب ملطي، القديس كيرلس الأورشليمي) ق. هيلاري أسقف بواتييه يُؤكِّد ق. هيلاري أسقف بواتييه الملقَّب بـ “أثناسيوس الغرب” على أن النفس مخلوقة في الأصل، ويرفض رفضًا تامًا فكرة النفس المولودة التي تجعل من الروح شيئًا ماديًا، التي نادى بها العلامة ترتليان من قبله في الغرب اللاتيني، وهذا في سياق شرحه لسر التجسُّد الإلهيّ من العذراء مريم، وكيف أخذ المسيح جسده من العذراء مريم، وخلق نفسه الخاصة به في جسده: ((هيلاري أسقف بواتييه، عن الثالوث، تَرْجَمَة: راهب من دير أنبا أنطونيوس، دير أنبا انطونيوس، ٢٠١٧، ١٠: ٢٠، ص ٧٠٢. )) “فهم يظنون أنه كما أخذ الكثير من العذراء، قد أخذ أيضًا نفسه منها؛ مع أن الجسد يُولَد دائمًا من الجسد، لكن كل نفس هي العمل المباشر لله”. (هيلاري أسقف بواتييه، عن الثالوث) ويوضح ق. هيلاري أيضًا في نفس السياق أن النفس مخلوقة من الله، وليست مولودة من الأبوين: ((هيلاري أسقف بواتييه، عن الثالوث، تَرْجَمَة: راهب من دير أنبا أنطونيوس، دير أنبا انطونيوس، ٢٠١٧، ١٠: ٢٢، ص ٧٠٤. )) لكن كما أنه اتخذ جسدًا من العذراء بعمله الخاص، هكذا أيضًا اتخذ نفسًا من ذاته؛ ومع ذلك فحتى في الولادة البشرية المعتادة، لا تنشأ النفس أبدًا من الأبوين. (هيلاري أسقف بواتييه، عن الثالوث) ق. باسيليوس الكبير يُفرِّق ق. باسيليوس الكبير بين الجسد المجبول والنفس المخلوقة، مُفرقًا بين فعلي ‘جبل’ و‘خلق’ في نص سفر التكوين، في سياق شرحه لخلق الإنسان، مُؤكِّدًاعلى أن النفس مخلوقة: ((باسيليوس الكبير، خلقة الإنسان، تَرْجَمَة: القس لوقا يوسف، المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي، ٢٠١٤، عظة ٢: ٣، ص ٣٤، ٣٥. )) قال البعض إن الفعل ‘جبل’ قيل عن الجسم والفعل ‘خلق’ عن النفس. ربما لا تكون هذه الفكرة بعيدة عن الحقيقة. لأنه عندما قال الكتاب: ‘فخلق الله الإنسان على صورته. على صورة الله خلقه’، استخدم الفعل ‘خلق’، وعندما تحدَّث الكتاب عن وجود الجسم استعمل الفعل ‘جبل’. فيُعلِّمنا داود المرتِّل الفرق بين خلق وجبل، عندما يقول: يداك خلقتاني وجبلتاني ((مزمور ١١٨: ٧٣؛ وأيوب ١٠: ٨ )). لقد خلق الإنسان الداخليوشكَّل أو جبل الخارجي. فالتشكيل يتناسب مع التراب، والخلق يتناسب مع ما هو على حسب صورة الله، ومثلما شكَّل الجسد، خلق النفس. (باسيليوس الكبير، خلقة الإنسان) ق. يوحنا ذهبي الفم يُفرِّق ق. يوحنا ذهبي الفم الفرق بين خلقة النفس الجزء غير الجسديّ في تركيب الإنسان، وبين خلقة الجسد من تراب الأرض مثل النباتات والكائنات غير العاقلة، وهكذا يؤكد ق. يوحنا ذهبي الفم على أن النفس مخلوقة من الله مباشرةً، وليست مولودة مثل الجسد الترابيّ من الجسد الترابيّ للوالدين: ((يوحنا ذهبي الفم، التفسير الكبير لسفر التكوين ج2، تَرْجَمَة: القس بولا عطية، 2023، العظة 12: 14، 15، ص 23، 24. )) لذلك، عندما يعود مرةً أخرى، يعلمنا أيضًا طريقة بنياننا وبداية خلقتنا، ومن ثم خلقة الإنسان الأول وكيفية خلقته. رغم أن هذه التعاليم ورغم المعرفة بأن الإنسان أخذ بداية خلقته من الأرض، مثل النباتات والكائنات غير العاقلة، وأن خلقة النفس الجزء غير الجسديّ قد أعطاها سموًا بارزًا، بفضل الله المحِب البشر، عن طريق منحه العقل ونوال السلطان على كل المخلوقاتكان هذا بهدف إحضار أكبر قدر ممكن من التعلم حسب التعاليم الفلسفية. أمَّا من أين نستمد جوهر تكويننا فتقول الآية: ‘وجبل الرب الإله آدم ترابًا من الأرض، ونفخ في أنفه نسمة حياة. فصار آدم نفسًا حيةً’. بما أنه تم توضيح للإنسان ما لم يمكن إدراكه بأي طريقة أخرى غير التي وضَّحنا بها، لقد أضاف هذا النوع من الكلمات المادية، وقد أراد أيضًا أن يُعلِّمنا عن إرادة الرب المحِب للبشر من خلال تشكيل هذا المخلوق من الأرض وحصوله أيضًا على الوجود العقليّ عن طريق جوهر النفس، لكي تصبح هذه الكائنات الحية مثالية وكاملة. ‘ونفخ في أنفه نسمة حياة. فصار آدم نفسًا حيةً’، المخلوق من الأرض، وُهِبَ هذه النفخة كقوة محيية، وأصبحت بنية خلق جوهر النفس، على أية حال، أضاف النص: ‘فصار آدم نفسًا حيةً’، هذا المخلوق من تراب، استقبل النفخة من نسمة الحياة، فصار نفسًا حيةً، متمتعًا بالقوة المحيية، حاصلًا لجسده على العضو المسؤول عن هذه القوة المحيية والخاضعة لإرادته. (يوحنا ذهبي الفم، التفسير الكبير لسفر التكوين) يدحض ق. يوحنا ذهبي الفم التعليم المانويّ بأن النفس تأتي من جوهر الله، كما يدحض التعليم بالنفس المولودة عن طريق التناسل الجنسيّ، لكي تتحول إلى جوهر ماديّ أسوأ من الوحوش البرية، ويصف هذه التعاليم بأنها حماقة، وتجعل من الله شيئًا ماديًا مركبًا، مشيرًا إلى هرطقة تجسيم أو أنسنة اللاهوت، التي كانت سائدة في عصره آنذاك، وهكذا يفرق ذهبي الفم مرةً أخرى بين كيان الجسد الترابيّ وكيان النفس غير الماديّ والخالد، الذي يتفوق كثيرًا على الجسد: ((يوحنا ذهبي الفم، التفسير الكبير لسفر التكوين ج2، تَرْجَمَة: القس بولا عطية، 2023، العظة 13: 7-10، ص 29-31. )) يا له من جنون! يا لها من حماقة! ويا لها من طرق خاطئة أعدَّها إبليس لمن عزم على إتباعه! لإدراك ذلك، ضعوا في اعتباركم كيف تؤدي هذه المسارات إلى اتجاهاتٍ مختلفةٍ تمامًا. يستغل البعضقراءة النص: ‘نفخ’، ليقولوا أن الأنفس تأتي من جوهر الله، بينما يقول آخرون على العكس من ذلك، إنها تتحوّل إلى جوهر أسوأ من الوحوش البرية. ماذا يمكن أن يكون أسوأ من هذه الحماقة؟ نظرًا لأن تفكيرهم بليد، وفقدوا المعنى الحقيقيّ للكتاب المقدَّس، فهم مثل رجال عميان البصيرة، يتعثرون في اتجاهات مختلفة أسفل المنحدرات، يمنح البعض النفس كرامةً ساميةً، والبعض الآخر يخفضها دون داعٍ. لأنهم إذَا أرادوا نسبها إلى فم الله حسب قول الكتاب المقدَّس: ‘ونفخ في’، فسيتعين عليهم تجهيزه بأيدي أيضًا، لأنه يقول: وجبل آدم تأملوا إذًا ضعفنا، وما يُقال بخصوص الله، فلنقبل الكلمات على أنها مماثلة للتحدّث عن الله؛ دعونا لا نقلِّل الألوهية في شكل الأجساد وتركيب الأعضاء، لكن نفهمها بأكملها بطريقةٍ تناسب الله. نوضح أن الله غير مركَّب وبلا شكل؛ إذَا أردنا أن نشكِّل انطباعًا في أنفسنا ونريد أن ننسب نظامًا للأعضاء إلى الله، فسنكون في خطر السقوط في جهل اليونانيين عديمي التقوى. لاحظوا أيضًا في هذه الرواية الفرق بين هذا الكائن العاقل الرائع، وخلقة البهائم. فيما يتعلق بهم، تذكروا أنه يقول: لتفض المياه زحافاتٍ ذات نفسٍ حيةٍ، وفي الحال خرجت الكائنات الحية من المياه، وبالمثل في حالة الأرض بكلماتٍ متشابهةٍ: لتُخرِج الأرض ذوات أنفس حية. لكن ليس الأمر كذلك في حالة الإنسان، أولًا: يتكوَّن جسده من التراب، وبعد ذلك يُعطَى له قوة الحياة، وهذه هي طبيعة النفس. وفقًا لذلك قال موسى عن البهائم: ‘لأن نفس الجسد هي في الدَّم’، ولكن في طبيعة الإنسان كيانها غير ماديّ وخالد، ولها تفوق كبير على الجسد، بنفس المدى الذي يتفوق فيه الشكل غير الماديّ على الماديّ. (يوحنا ذهبي الفم، التفسير الكبير لسفر التكوين) --- ### يوهان ڤولفجانج ڤون جوته - Published: ۲۰۲٤-۰۸-۰۷ - Modified: 2024-08-14 - URL: https://tabcm.net/28449/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أفلاطون, الديمقراطية, تشارلز روبرت داروين, جيولوجي, چان چاك روسو, چان لو رون دالمبير, دنیس دیدرو, فاوست, فرانسوا ماري آروويه، ڤولتير, فيلسوف أرسطو, ليوناردو دي سير بيرو دافينتشي, نابليون بونابرت, يوهان ڤولفجانج ڤون جوته, يوهان كريستوف فريدريك ڤون شيلر هل بلغت الثمانين؟ وهل يجب عليَّ لذلك ألا أتغير، بل أعمل كل يوم مثل اليوم السابق؟ إني أحس كأني أختلف عن سائر الناس، وأبذل مجهودًا أكبر منهم كي أفكر كل يوم في شيء جديد، حتى أتجنب السأم، أجل! يجب أن نتغير على الدوام وأن نجدد شبابنا على الدوام، وإلا تَعفَّنا المشهور عن جوته أنه أديب عظيم، وقد نقل إلى اللغة العربية من مؤلفاته قصة «آلام فرتر» ودراما «فاوست» وله أشعار رائعة تذكر أبياتًا وقصائد؛ لأن كثيرًا من سطورها يحوي الحكمة العالية. وقد كان جوته يكتب يومياته؛ أي إنه كان يدوِّن الحوادث التي مرت به في أيامه يومًا بعد يوم، كي يحاسب نفسه على ما أنجز من أعمال، ونحن ننقل هنا يومين في حياته كما دوَّنهما. في الصباح انتهيت من المقطوعة الرابعة وأرسلتها للنسخ. قرأت «فروسشموزلر» عن أنواع الحشرات. تجارب في الكهربية الجلفانية. في المساء مع شيلر: أثر العقل والطبيعة في سلوك البشر. ثم في الصباح المبكر صححت قصيدتي... ثم قمت بتشريحات الضفدع. استراحة في الصباح في حديقة شيلر الجديدة... تحدثنا عن تخطيطها... وقبل ذلك أعدت النظر في المقطوعتين الأولى والثانية. وفي الصباح صنعت جدولًا للألوان. (يوهان ڤولفجانج ڤون جوته) والمتأمل لهذه التدوينات في يومين من أيام جوته يحتاج إلى التساؤل: أأديبًا كان جوته أم عالمًا؟ وهذا السؤال هو موضوع بحثنا هنا. إن عبقرية جوته لم تكن في الأدب أو العلم أو الفن، وإنما كانت في شخصيته، وصحيح أن له مآثر في هذه الثلاثة، ولكن مأثرته الأولى هي شخصيته، فقد عيب عليه ذات مرة أنه لا يُعنى كثيرًا بموهبته في الشعر والأدب، فكان جوابه: إن من حقي أن أُعنى بشخصيتي، وهي أكبر من أدبي. إن همَّ الأديب الصغير أن يصقل قصيدة أو يحسن تأليف قصة أو مقال، ولكن همَّ جوته كان تأليف شخصيته وتربية نفسه. وجمهور القراء يعرف أدب جوته، ولكن قليلًا منهم من يعرفون أبحاثه العميقة في العلوم، فإن له مكتشفات في الجيولوجية والبيولوجية والبصريات، وقد سُمِّي نوع من الصخر باسمه برهانًا على فضله في الجيولوجية. وكان كبير الاهتمام بأصل الأنواع، وهي المشكلة التي أرصد «داروين» بعد ذلك حياته لحلها. وقد استطاع جوته أن يكشف عن أن المخ هو امتداد للنخاع الشوكي. ومما يُذكر عنه عقب هزيمة نابليون أنه قَدِمَ إليه نبيل ألماني، فسأله عن رأيه في الزعزعة الجديدة التي تعمُّ أوروبا، فأجابه النبيل بأن «الخلفاء» قد أساءوا السياسة في مؤتمراتهم وأن نابليون... ولكن لم يكد النبيل يتم جملته حتى صاح به جوته: أنا لا أسأل عن هذا، لستُ أبالي هذا، إنما أسأل عن هذا الخلاف بين سانت هيلير وكوفيه ولا مارك عن أصل الأنواع وتطورها. وكان هذا الموضوع يزعزع نفس جوته، وكان يهتم به أكثر مما كان يهتم بالسياسة الأوروبية التي زلزلها نابليون، ومن هنا اهتمامه بترتيب الحشرات وتشريح الضفدع والطاقة الكهربية... إلخ. ••• ومن الخطأ أن يقال إن جوته كان يهتم بالآداب والعلوم؛ لأن اهتمامه الأول كان بالحياة، فكان يحب ويختبر ويسيح ويملأ المناصب الحكومية. بل إنه لم يجعل الأدب أو العلوم هدفه؛ لأن الهدف الوحيد الذي سدد إليه نشاطه هو شخصيته؛ وتعبيره حين كان يقول: إنه يبني «هرم» شخصيته، يدل القارئ على أن الثقافة كانت عنده وسيلة وليست غاية. وإذا كان لكل كاتب عظيم رسالة، فإن رسالة جوته لم تكن الشعر أو القصة أو العلوم، وإنما كانت الشخصية باعتبارها التحفة الأولى للإنسان المثقف الذي يحيا حياة الوجدان والعقل. ومن هنا كلمة «برانديس» الأديب الدنمركي: إن حضارة الأمم تقاس بمقدار تقديرها لجوته. والمعنى أن الأمة التي ارتقت في ثقافتها إلى المرتقى الذي تستطيع أن تفهم فيه أن رسالة الحياة هي الحياة نفسها، هي الأمة الراقية، أما إذا كانت تجعل الحياة وسيلة لأي نشاط أو هدف آخر، مثل الثقافة أو الصناعة أو الثراء أو غير ذلك، فهي غير راقية، بل إننا حين نقول إن الحياة هي الهدف، إنما نستوعب بهذا التعريف جميع الألوان الأخرى للنشاط البشري، ونستوعبها مع ذلك في تناسق يتفق والحياة العالية. وستبقى قيمة جوته خالدة على هذا الأساس، وهو أننا يجب أن نحيا حياتنا في تعلم واختبار واستمتاع. ولد جوته في سنة ١٧٤٩ ومات في سنة ١٨٣٢، فعاصر روسو وديدرو وفولتير ودالمبير، هؤلاء النجوم الذين أحدثوا النهضة الأوروبية الثانية. ثم رأى مخاض العصر الجديد في الثورة الفرنسية، وفي شهابها الساطع نابليون، ورأى — عقب هزيمة نابليون في عام ١٨١٥ — المؤتمرات الأوروبية تومئ إلى الاتحاد الأوروبي بل لقد رأى هذه الفكرة تختمر أيام نابليون. أجل إنه عاش في عصر عاصف، ولكنه لم يترك العواصف تمر به وهو جامد، بل استجاب لها وتفاعل معها. وقد درس القانون في الجامعة، وعرف دوق فيمار الذي أحبه وعيَّنه وزيرًا لهذه الدوقية الصغيرة، ولم يقبل جوته هذا المنصب لما فيه من أبهة؛ وإنما قبله لأنه وجد فيه وسيلة للتدخل في السياسة الأوروبية وفهمها. وزار إيطاليا، فعرف فيها جمال الشمس وجمال الفن، وتزوَّج واستمتع بمسرات العائلة كما كابد همومها، ومارس الزراعة واقتنى ضَيعة. وأشرف على المسرح وأحب فتاة حبًّا كان يحمله على البكاء وهو في السبعين. وكان مفراحًا يحب الاجتماع. ولكن هذا المزاج الفرح كان أحيانًا — كما هو الشأن فيه — يحمله على الاعتزال والاعتكاف، ولكن أوقات نشاطه وإلهامه كانت تنحصر في أيام الفرح والاجتماع. ••• من علامات النضج في الإنسان أن يميز بين المعارف والحقائق؛ إذ ليس كل ما نعرف حقيقيًّا، وأن يجمع معارفه واختباراته في فلسفة أو دين؛ أي يستخرج العبرة البشرية والسلوك الأمثل مما عرف واختبر. وأن يعتاد استخراج الكليات من الجزئيات بحيث لا يشتغل بالشجرة قدر ما يشتغل بالغابة. وأن يحس حركة التاريخ في كل يوم من أيامه. وأن يكون على إحساس واتصال بالدنيا، هذه الدنيا، وهذا الكون. وأن يكون قد وصل بما لديه من حقائق وبما تربى عليه من تفكير في الكليات إلى تفاؤل بمستقبل البشر، فالرجل الناضج هو الرجل المتفائل، وتفاؤله يحمله على كفاح ما لمصلحة البشر. والرجل الناضج متدين، يحترم الحياة، وكي نحترم الحياة يجب أن نعمل لرقيها وتطورها إلى أعلى، ومقياس العلو في التطور هو مقياس بشري على كل حال. وقد كان جوته يجمع كل هذه الصفات التي يتكون منها الرجل الناضج. ••• ومن علامات النضج في الإنسان أن يرتفع من همومه الشخصية إلى الاهتمامات العالمية. ومن علامات النضج في الأديب أن يرفع الأدب من آراء وإحساسات تكتب إلى ممارسة في الحياة، ففن الكتابة عنده يستحيل عندئذٍ إلى بعض الفن في حياته هو. ومن علامات النضج أيضًا أن يتعرَّف الأديب إلى قوات الخير البازغة فيؤديها وينضم إليها ويكون من جنودها أو قوادها. وقد حقَّق جوته كل هذه الأنواع الثلاثة من النضج، فإن اهتمامه بالعالم طغى على كل اهتمام شخصي آخر: نظرية التطور، قناة السويس، اتحاد أوروبا، الديانات الشرقية. وحقق الفن والحب في حياته، فإن كلمة الحب لم تكن من كلمات القصص التي كان يؤلفها وإنما كانت عاطفته الغالبة التي كان يمارسها. وقد عاش في أيام الانتقال من حكم النبلاء والنظم الإقطاعية إلى حكم الصيارفة والصناعيين والتجاريين، هذا الحكم الذي عمم الديمقراطية والحرية فانضم إلى هذه القوة الجديدة ودعا إلى تأييدها، بل إننا نستطيع أن نجد هذا الاتجاه في قصته «فاوست»، بل لعل هذا الاتجاه هو التفسير الحقيقي لهذه القصة. وهناك بالطبع مَن يسأل عن مذهب جوته في الحياة والأدب والحضارة، ولكننا نحن الذين أحببنا جوته لا نكسب منه معارف؛ لأن معارفنا أكبر جدًّا من معارفه، كما هي أكبر من معارف أرسطو طاليس أو أفلاطون، وإنما نحن نكسب منه منهج الحياة الذي اتبعه، وهو منهج التعلم والاختبار والاستمتاع. نكسب منه الحياة الفنية، أو كما كان يقول حرية الروح: إن أي إنسان عرف وفهم مؤلفاتي وشخصيتي حق الفهم، يضطر إلى الاعتراف بأني قد حققت لنفسي حرية الروح. ••• كيف كان يعيش جوته؟ وكيف كان ينظر إلى نفسه؟ أي ما مقدار وجدانه بشخصيته؟ كان جوته يخشى الشتاء؛ لأن النهار يقصر والليل يطول، وكان يتعب من القراءة في ضوء الشموع، وكان هو الذي يقص بنفسه فتيلة الشمعة، وكانت آخر كلمة نطق بها قبل الوفاة: «النور»؛ لأن النور كان عنده وسيلة التثقيف والتفكير، والحياة الحيوية، ولذلك كان يحب الصيف ويكره الشتاء. وكان يعيش نهاره كله، فلا ينام؛ أي لا يقيل، وكان يفطر في الساعة الحادية عشرة بفنجان من اللبن والشيكولاتة، ثم يتغذى في الساعة الثانية، ثم يتنزه، ثم يكون العشاء، فالقراءة والدراسة. ولما بلغ الثمانين كتب في يومياته: هل بلغت الثمانين؟ وهل يجب عليَّ لذلك ألا أتغير، بل أعمل كل يوم مثل اليوم السابق؟ إني أحس كأني أختلف عن سائر الناس، وأبذل مجهودًا أكبر منهم كي أفكر كل يوم في شيء جديد، حتى أتجنب السأم، أجل! يجب أن نتغير على الدوام وأن نجدد شبابنا على الدوام، وإلا تَعفَّنا. ومن أقواله في شيخوخته أيضًا: إني أمتاز بالخط الحسن في شيخوختي؛ لأني أجد في ذهني أفكارًا، لو أني شئت أن أواليها حتى تنكشف لاحتجت إلى أن أعيش حياتي مرة أخرى. وكان يكتب يومياته، وكأنه يحاسب نفسه على درجات رقيه وبناء شخصيته يومًا بعد يوم. وكانت حياته خصبة بالحب، ولم يكن يعرف النسك أو التقشف، ولم تكن فترات اعتكافه عن رغبة في النسك، وإنما هي بعض المزاج العام في الفرحين، وكأنها ادخار للقوة للانتفاع بها أيام السرور. وكانت اختباراته كثيرة واستمتاعاته الإحساسية شاملة، كما كانت ثقافته موسوعية لم يحصر ذهنه في تخصص. فقد أحس الحب الحناني وهو في التاسعة عشرة فألَّف قصة «آلام فرتر» ثم جحدها؛ لأنها تحفل بالحنان واليأس والضعف، وكان يقول إنه يخجل منها عندما أينعت شخصيته وأخذ وجدانه وتعقله مكان إحساسه وعاطفته. ••• بدأ جوته حياته الذهنية بتعلم القانون وتأليف قصة اليأس والموت في «آلام فرتر»، وانتهى في سِنِي نضجه وإيناعه باتجاه إيجابي بنائي للحياة البشرية، فدعا إلى وحدة أوروبا. وألَّف قصيدة في مدح نابليون قال فيها: إن الذي يقدر على كل شيء، يقدر أيضًا على السلام. ما أبدعه هنا! وكان يفكر في قناة السويس وقناة بنما، ويشتهي أن يعيش خمسين سنة أخرى كي يراهما محفورتين مسلوكتين؛ ذلك أنه اتجه الوجهة العالمية فأصبح يقول، كما كان يقول شيلر: وطني هو العالم؛ ولذلك صار يهتم بهندسة هذا العالم وتنظيمه كما لو كان مملكته الخاصة. ••• جوته هو واحد من أولئك الذين تعلمت منهم، ولم أتعلم فنًّا أو أدبًا أو علمًا، وإنما هو منهج الحياة التي عاشها جوته كان ينبهني من وقت لآخر كي أعيش على مستواه. ولست أجد في جميع مؤلفات جوته من الشعر أو القصص شيئًا عظيمًا سوى القليل من اللآلئ، وهو من حيث الشعر يدمن ذلك الطراز الذي يذكر له البيت الذي يتوهج بالحكمة، ولا تذكر له القصيدة التي تعالج موضوعًا؛ ولذلك نحن لا ندهش ولا نتعلم كثيرًا حين نقرأ مؤلفاته، ولكننا نتعلم وننتبه ونحس كأننا كنا نيامًا ثم استيقظنا حين نقرأ حياته. هو منهج الحياة الذي يعيد إلينا ذكر «دافنشي» الرسام المثال الجيولوجي المهندس الفيلسوف الأديب الرياضي العاشق، الذي تعددت اهتماماته لا لأنه تعمد هذا التعدد؛ وإنما لأنه نظر إلى الطبيعة النظرة الموضوعية الموسوعية التي تثير الاستطلاع وتهيئ المشكلات الثقافية التي يشتغل بها الذهن. وكان جوته مثل دافنشي ينظر إلى الطبيعة، بل إلى الفنون، هذا النظر الموضوعي، ومن هنا زاد استطلاعه وتعددت اهتماماته، وأصبحت ثقافته موسوعية. والحق أن الأدب لم يكن عند جوته فنيًّا، وإنما كان الفن الذي اهتم به هو فن الحياة، ثم كان الأدب جزءًا من فن الحياة. ••• نتعلم من جوته أن غاية الحياة هي الحياة، أي ترقية الشخصية بتربيتنا، وبسط الآفاق أمامنا للتعلم والاختبار حتى نزداد فهمًا لأنفسنا وللطبيعة، فنزداد بذلك استمتاعًا. ونتعلم منه أننا يجب أن نؤلِّف شخصيتنا قبل أن نؤلِّف أي شيء آخر ليس هناك ما هو أهم منها عندنا؛ وذلك بأن نطلب الاختبارات، ولو كان الخطر فيها. ونتعلم منه أن التخصص ضرر، وأن الآفاق للثقافة لا حد لها، فيجب أن ندرس الأدب كما ندرس الكيمياء والقنبلة الذرية، بل كما ندرس جنون الشيزوفرينيا وقوانين الوراثة، ونتعلم منه أننا يجب أن نشتري الاختبارات إذا لم تصادفنا، فنقرأ ونسيح ونحب ونمارس السياسة ونختلط بالمجتمع ونشتغل بترقيته. ونتعلم منه أننا -حتى في الشيخوخة- يجب أن نستبقي شباب الذهن والعاطفة، ولن يكون هذا إلا بهيئة سابقة. وأخيرًا نتعلم منه أننا أبناء هذا الوطن الكبير: العالم. ••• قلنا إننا لا نكسب من جوته معارف، وإنما ننتفع به من حيث أسلوب حياته: حياة فلسفية تتغذى بالثقافة وتهدف إلى تربية الشخصية بالنمو الذي يستحيل إلى نضج. ولكننا مع ذلك نجد أن لجوته عبرته ودلالته في الموقف الثقافي الأوروبي بين عامي ١٨٠٠ و ١٨٢٩. ذلك أن المذهب الانفصالي كان لا يزال قائمًا بين النفس والجسم أو العقل والمادة، وداعية هذا المذهب الثنوي هو أفلاطون الذي فصل بين الفكرة والمادة. وقد أيدت العقائد الدينية هذا الانفصال. ولكن جوته رأى غير ذلك، بل ربما كان هو أول أديب دعا إلى الوحدة الوجودية في أوروبا؛ أي إن الجماد والنبات والحيوان والإنسان والمادة والعقل كلهم شيء واحد، وأن الإنسان ليس مخلوقًا منفصلًا، وإنما هو تعبير خاص للطبيعة العامة التي في الجماد والحيوان والنبات، وأن الحقيقة الأولى في هذا العالم هي التغير والاستحالة، فالطبيعة دائبة في التغير والتشكل بأشكال مختلفة، وأن الفكر البشري قد نبع من الطينة التي نبضت بالحياة الأولى. وقد قال ذات مرة إن أعظم ما يصبوا إليه أن يهتدي إلى قانون شامل عام تنتظم به التغيرات والاستحالات في الجماد والنبات والحيوان والإنسان. ولو كان جوته يعيش في عصرنا لعبَّر عن هذه الشهوة بأنه ينشد التفسير الذري للجماد والحياة والفكر البشري والماء السائل. وهذا هو ما ننشده جميعًا ونوشك أن نهتدي إليه. --- ### الخلقة الجديدة - Published: ۲۰۲٤-۰۸-۰٦ - Modified: 2024-08-06 - URL: https://tabcm.net/28538/ - تصنيفات: كتاب مقدس كما أشرنا سابقًا إلى أن حلول الروح القدس في العهد القديم كان حلولًا فقط لغرض مهمة معينة! وليس سكنى وذلك لأن طبيعة الإنسان بعد السقوط ((راجع تكوين ٣. )) حدث فيها خلل جلل (ليس مجاله الآن) وعلي مدار أسفار العهد القديم أراد الله أن يعلن عن غايته وقصدة وهدفه الأسمى ألا و هو سكنى الله مع الإنسان أو بالأحرى في الإنسان. وهناك إشارات واضحة تشير إلى ذلك الحق الإلهي، ففي سفر حزقيال يقول: وَأَجْعَلُ رُوحِي فِي دَاخِلِكُمْ, وَأَجْعَلُكُمْ تَسْلُكُونَ فِي فَرَائِضِي وَتَحْفَظُونَ أَحْكَامِي وَتَعْمَلُونَ بِهَا ((سفر حزقيال 36:27 )) وأيضًا يقول: وَأُعْطِيهِمْ قَلْبًا وَاحِدًا، وَأَجْعَلُ فِي دَاخِلِكُمْ رُوحًا جَدِيدًا، وَأَنْزِعُ قَلْبَ الْحَجَرِ مِنْ لَحْمِهِمْ وَأُعْطِيهِمْ قَلْبَ لَحْمٍ ((سفر حزقيال 11: 19 )) بل أتجرأ وأقول أن هدف الرب وقصده أعمق من هذا وهو مُعلن لنا في الحق الإلهي في رسالة أفسس (رسالة السماء على الأرض) إذ يقول: إِذْ عَرَّفَنَا بِسِرِّ مَشِيئَتِهِ، حَسَبَ مَسَرَّتِهِ الَّتِي قَصَدَهَا فِي نَفْسِهِ، لِتَدْبِيرِ مِلْءِ الأَزْمِنَةِ، لِيَجْمَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ، مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ ((رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس 1: 9-10 )) إذن مسرة الله وقصده أن يجمع الكل في المسيح وهو ما أطلق عليه الكتاب تدبير ملء الأزمنة أي بأكثر وضوحًا هو اتحاد الله بالإنسان. لكن هيهات! ! ! فنتيجة الخلل الذي حدث في طبيعتنا إذ كان يتطلب حدث جلل أيضًا على نفس المستوى بل أعظم بكثير مما حدث في السقوط وهو ما صرخ من أجله أيوب في القديم وقال: لَيْسَ بَيْنَنَا مُصَالِحٌ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى كِلَيْنَا!  ((سفر أيوب 9: 33 )) ولكن شكرًا للرب فقد حدثت المصالحة في شخص الإنسان يسوع المسيح بما له في جوهره طبيعة الله وطبيعة الإنسان في آن واحد، وبصلب وبقيامة الرب يسوع من الأموات حدث تغير كلي للطبيعة البشرية. وهناك إشارة واضحة جدًا في إنجيل يوحنا 20 بعد قيامة الرب وَلَمَّا قَالَ هَذَا نَفَخَ وَقَالَ لَهُمُ: «اقْبَلُوا الرُّوحَ الْقُدُسَ» ((إنجيل يوحنا 20: 22 )) وكٱن عملية خلق جديدة قد حدثت. إذن كان لابد من تغير الطبيعة وليس إصلاحها! ! لتكون مهيأة لسكنى الروح القدس، والروح القدس عزيزي القارئ هو الله نفسه إذ نقول في قانون إيماننا نؤمن بالروح القدس. . المنبثق من الآب. .  وأيضًا يطلق الكتاب على الروح القدس "روح الابن"، "روح الحق"، "روح الآب"، "روح المسيح" أو الروح القدس، كل هذا يقودنا إلي الأمر الثاني الذي أشرنا إليه سابقًا لكي نملك في ملكوت الله ألا وهو:  الولادة الثانية أو الولادة الجديدة. من هنا تبدأ حياتنا المسيحية الحقيقية فبمعموديتنا في الماء والروح ننال خلقة جديدة يطلق عليها الكتاب عدة مسميات سنتطرق إليها لاحقا في مقالات مقبلة، ولكن ما أود أن أركز عليه الآن هو أنه بإدراكنا بما حدث لنا في المعمودية من تغير للطبيعة داخلنا وسكنى المسيح بروحه داخلنا أصبح المسيح فينا كما يقول بولس في رسالة كولوسي الَّذِينَ أرَادَ اللهُ أنْ يُعَرِّفَهُمْمِ... السر...   الذي هُوَ الْمَسِيحُ فِيكُمْ رَجَاءُ الْمَجْدِ ((رسالة بولس الرسول إلى أهل كولوسي 1: 27 )) وتعبير المسيح فينا أو فيّ على المستوى الشخصي ليس تعبيرًا مجازيًا ولكنه حقيقي جدا، وهذا التعبير ذكره رسول الأمم بولس في كل رسائله أكثر من 164 مرة، وهذه الحقيقة نأخذها منذ معموديتنا  لأَنَّ كُلَّكُمُ الَّذِينَ اعْتَمَدْتُمْ بِالْمَسِيحِ قَدْ لَبِسْتُمُ الْمَسِيحَ ((رسالة بولس الرسول إلى غلاطية 3:27 )) ففي المعمودية وإدراكك لعمق السر والتغيير الذي حدث لك يمتنع أن يقول أحد إن المسيح ليس فيه، أو إن المسيح يكون في المتقدمين روحيًا والقديسين فقط. أما أنا فمبتدئ وخاطئ، إلى أخر الخدع والكذب، التي يحاول بها إبليس وجنوده أن يجعلننا نتنكر لوجود المسيح فينا، لأن هذا أول سلاح لنا ضده، و لمن يقول أو يصدق ما يُقال مثل هذا القول من أيًا من كان، أسألك هل اعتمدت باسم الآب والابن والروح القدس؟ هل آمنت أنك ابن لله والله ساكن داخلك؟ دعني أهمس في أذنك أن معموديتك وخلاصك لا يمحيا إلى الأبد، إذ كنت ختمت بختم الروح القدس فلن تستطيع أي خطيئة مهما كانت أن تمحي أو تكشط هذا الختم الملكي، فمهما زاد شرك، مهما سقطت في الخطيئة فالمسيح فيك لا يمكن أن يُمحى ختمه لأنك مختوم بدم كريم كما من حمل بلا عيب معروف سابقا قبل تأسيس العالم وبختم روح أزلي. المسيح فينا! ! حقيقة لا يمكن أن تُنزع منا أبدا. كانوا المسيحين الأوائل يتغنون بهذة الحقيقة أن المسيح فينا، فمثلاً القديس إغناطيوس الأنطاكي كان يقدم نفسه على أنه «إغناطيوس الثيئوفورس» أي الحامل الإله، ويكتب إلى أهل أفسس عبارات ما أجملها إذ يقول: إنكم جميعا شركائي في الطريق؛ حاملين الإله،حاملين هيكل الله، حاملين المسيح، حاملين القدوس بعد هذه التعبيرات التي تأخذ العقل والقلب معًا إلى مكان روحي ينعدم فيه الزمكان، أي مكان ليس من هذا العالم خارج حدود المكان والزمان، لا يسعني أمامها إلا أن أحني ركبتي وأسجد جاثيًا أمام هذا الإله الذي رفعني إلى مرتبة الملوك وسكن فيّ أنا وصار لي الحق كل الحق أن أصرخ أنا في المسيح والمسيح فّي. . رجاء المجد. . مجدا للرب. . هليلويا. --- ### "الله محبة".. المُنشِئ لخلق الإنسان - Published: ۲۰۲٤-۰۸-۰٤ - Modified: 2024-08-04 - URL: https://tabcm.net/28431/ - تصنيفات: كتاب مقدس خلقهما ذكرًا وأنثي على صورة الله ثم تجسد، كاشفٌ ”الله محبة“. سقوط الإنسان: الله ليس السبب في الشرور والخراب الذي يحدث في الخليقة. عندما رفَضَ الإنسان الله الذي"فيه كانت الحياة، والحياة كانت نور الناس“ (يوحنا١) بمشورة الشيطان، حدث أن اختَّل استقرار الإنسان الطبيعي والمستمد من الله هوذا بيتكم يُترَك لكم خرابًا (متي ٢٣) هذا يشرحه سفر الحكمة: ولا تجلبوا عليكم الهلاك بأعمال أيديكم، إذ ليس الموت من صنع الله، ولا هلاك الأحياء يسره. لأنه إنما خلق الجميع للبقاء؛ فمواليد العالم إنما كونت معافاة، وليس فيها سم مهلك، ولا ولاية للجحيم على الأرض، لأن البر خالد. لكن المنافقين هم استدعوا الموت بأيديهم وأقوالهم. ظنوه حليفا لهم فاضمحلوا، وإنما عاهدوه لأنهم أهل أن يكونوا من حزبه. (سفر الحكمة 1: 12- 16) وهكذا بالسقوط فقد الإنسان النعمة الأولى، وغادر الروح القدس الخليقة: لا يدين روحي في الإنسان إلى الأبد لزيغانه. هو بشر (تكوين٣:٦). ولا أخُفِيكم القول أني ألمح في عبارة الله ”هو بشر“ بعض الأسى ولكن عدم اليأس من التعطل المؤقت لتدبير الله نحو الخليقة بأن يتأله الإنسان بسكنى روح الله فيه إلى الأبد. وكأن الله يقول -لو جاز لنا القول طبعا- ”معلهش. . ملحوقة. . إن تدبير التجسد الإلهي سيَجبِر (يشفي) ضعف الإنسان الذي حدث بسبب غَوَاية إبليس، فيتأله الإنسان بالاتحاد ببشرية المسيح ابن الله، الذي سيعيد سكنى الروح القدس في بشرية المسيح إلى الأبد (وهو الذي حدث في عماد المسيح في نهر الأردن). الشجرة والتفاحة ورمزية التعبير عن تدبير الله: الله خلق الإنسان من العدم. والعدم في لغة الكتاب هو الفساد أي عدم الوجود. ولقد خلقه بهدف أن يعطيه الخلود أي الحياة الأبدية وعدم الفساد، لكي يصير بذلك شريكًا في الطبيعة الإلهية مصدر الحياة الأبدية والخلود. فإن الخلود يُقرِّب الإنسان من الله (سفر الحكمة ١٩:٦) لم يكن الإنسان حين خُلِق يمتلك في نفسه الخلود/ عدم الفساد. لأنها صفات تخص الله وحده. فتدبير الله كان أن يمنحه الخلود والشركة في أبدية حياة الله بقبول وإرادة الإنسان الحرة. لذلك نسبح الله في القداس على تدبير الله لخلود الإنسان الذي حتمًا كان ليتم ”يا الله العظيم الأبدي الذي خلق الإنسان علي غير فساد“. ونذكر كيف حاول الشرير تعطيل تدبير الله ”والموت الذي دخل إلي العالم بحسد إبليس هدمته“. ومن دلائل التدبير الإلهي لتحقيق شركة الإنسان في طبيعة الله بالخلود: ”ونفخ في أنفه نسمة حياة. فصار آدم نفسًا حية“ (تكوين٧:٢). الله أعطي روحه القدوس/ روح الحياة ليسكن الإنسان. وبهذا دُعِي الإنسان ليكون شريكًا في الطبيعة الإلهية الخالدة. ”فخلق الله الإنسان على صورته. على صورة الله خلقه. ذكرًا وأنثى خلقهم” (تكوين٢٧:١). إذ كان لابد أن شيئًا من الطبيعة الإلهية يُمزَج بالطبيعة الإنسانية ليجعلها تنعطف وتميل أن تكون علي مثال طبيعة الله. فكان جوهر تدبير خِلقة الإنسان هو أن يكون في طبيعته قبسٌ من الحب (كما سنشرح في المقال لاحقًا). وأن يكون الإنسان ذكرًا وأنثى، ليكون فيه المُحِب والمحبوب، فيوحِّدهما الروح القدس... روح المحبة القدوس. وبهذا يصير الإنسان على صورة الله الواحد الثالوث. ويتأهل للثبات والنمو في محبة الله والاتحاد بالله. ”الله محبة“ هي المُنشِئ لخلق الإنسان. خلقهما ذكرًا وأنثى على صورة الله ثم تجسد، كاشفٌ ” الله محبة “ ”ونحن قد عرفنا وصدَّقنا محبة الله التي فينا. الله محبة، ومن يثبت في المحبة يثبت في الله والله فيه“ (١يو ١٦:٤). بالتمعن في هذه الآية نرى إن طبيعة الله حب مطلق ”الله محبة “. وأن الله غرسها كيانيًا في طبيعة الإنسان عندما خلقه على صورته” نخلق الإنسان على صورتنا كشبهنا“. وبهذا استعلن الله طبيعته باطنيًا في طبيعة الإنسان. ولكي تتحقق معرفة الله داخليًا في كينونة الإنسان بأن ينفتح وعيه على استعلان الله فيه. فيعرف أن الله حبٌ، ويصدِّق أن الحب هو طبيعة الله. هذه علاقة وجودية أي مرتبطة بوجود الإنسان منذ الخلق. لذلك لم يخلو مكان عاش فيه الإنسان عبر التاريخ من أثار تثبت تلك العلاقة. لقد بدأ الله هذا الاستعلان في داخل الإنسان عندما خلقه على صورة الله/ صورة المسيح. ثم ضمن لهذا الاستعلان ألا يكون عرضة لأي مُعطِّل بشري، بأن أظهر الله ذاته للإنسان وفي باطن طبيعة الإنسان عندما لبس الله طبيعة الإنسان جسدًا خاصًا له في تجسد المسيح. عندئذ انفتحت طبيعة الإنسان لتعرف طبيعة الله بلا عائق، بأن صارت للإنسان النعمة الإلهية أن يتحد بناسوت الله الخاص في المسيح يسوع ربنا. لذلك فإن معرفة الإنسان أن الله محبة، هي عمل كياني داخلي، من خلال كيان الإنسان نفسه، وبخبرة كيانية فيه. هذا ما يقوله الوحي المقدس: ”ونحن قد عرفنا أن الله محبة (عندما صدَّقنا) محبة الله التي فينا “. وليس بغريب إذن أن يخلق الله الإنسان ذكرًا وأنثي ليستعلِن الحب الإلهي الذي في الإنسان حياتيًا بأن يعيش الإنسان عمره محبٌ ومحبوب، بالتالي، بل وبالضرورة يحل فيهما الروح القدس روح المحبة روح الله ويوحدهما. هذا هو الزواج المسيحي الذي لا يرقى إليه أي زواج بين البشر، بل وأتجرأ وأقول بل حتى الزواج الكنسي الطقسي! ! . --- ### تعاليم چون كالڤن عن صليب المرض والتجارب - Published: ۲۰۲٤-۰۸-۰۲ - Modified: 2024-08-02 - URL: https://tabcm.net/27762/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: الإصلاح البروتستانتي, بروتستانت, چون كالڤن, دار منهل الحياة سوف نستعرض في هذا الفصل تعاليم چون كالڤن، أحد أهم رجال الإصلاح البروتستانتي عن صليب المرض والتجارب، وسوف نجد أن مصدر هذه التعاليم هو كالڤن وأتباعه من حركة الإصلاح البروتستانتيّ الذين يرون في التجارب والأمراض أنها صليب، وكأن الصليب صار مرضًا وتجربةً، وليس هو علامة النصرة على التجارب والقوة والشفاء من الأمراض. الصليب تجربة وامتحان يرى چون كالفن أن هناك البعض الذين يُمتحَنون بنوعٍ مُعيَّنٍ من الصليب، ويُمتحَن الآخرين بغيره: ((چون كالڤن، أسس الدين المسيحي، مجلد 1، دار منهل الحياة، 2018، 3: 8: 5، ص 652. )) من هذا يُرى أن البعض يُمتحون بنوعٍ مُعيَّنٍ من الصليب، فيما يُمتحَن آخرون بغيره. ولما كان الطبيب السماويّ يعالج البعض بمزيدٍ من اللطف، وآخرين بعلاجاتٍ أكثر قساوةً، بينما يشاء الصحة للجميع، فهو لا يترك أحدًا من دون أن يلمسه لأنه يعرف أن الجميع، كلاً بمفرده، في حاجة إلى الدواء. (چون كالڤن، أسس الدين المسيحي) ويحث چون كالڤن على احتمال البلايا والمهانة من أجل الدفاع عن البرّ، ويدعونا أن نقبل التجارب برضا وسرور من يد الربّ، بحسب ادعائه، حيث يرى أن المؤمنين يتميَّزون بهذا النوع من صليب التجارب والبلايا: ((چون كالڤن، أسس الدين المسيحي، مجلد 1، دار منهل الحياة، 2018، 3: 8: 8، ص 653. )) بهذه التحذيرات وما يُشابِهها، يُعطِينا الكتاب المقدَّس وافر العزاء سواء في المهانة أو في البلايا التي نتحملها من أجل الدفاع عن البرّ. لذا نُنكِر الفضل على نحوٍ مُشينٍ، إنْ لم نقبل تلك التجارب برضا وبسرور من يد الربِّ؛ وخصوصًا أن هذا النوع من الصليب يتميَّز به المؤمنون، وبه يشأ المسيح أن يتمجَّد فينا. (چون كالڤن، أسس الدين المسيحي) ابتلاء الله للبشر يُشِير چون كالڤن إلى أن الله يبتلينا لا ليُدمِّرنا أو ليُفنينا، بل بالأحرى لكي يُحرِّرنا من الدينونة التي يدين بها العالم، فيقول التالي: ((چون كالڤن، أسس الدين المسيحي، مجلد 1، دار منهل الحياة، 2018، 3: 8: 6، ص 652. )) فهو يبتلينا لا يُدمِّرنا أو ليُفنينا، بل بالأحرى لكي يُحرِّرنا من الدينونة التي يدين العالم بها. (چون كالڤن، أسس الدين المسيحي) صليب المرض يرى چون كالڤن أنه يمكننا أن نثبت في احتمالنا مهما كان نوع الصليب الذي نُعانِي منه، حتى لو كان ذلك من أشد عذابات النفس، فإذَا ابتُلِينا بالمرض فسوف نئن ونتوجع ونتوق إلى الصحة، ونرزح تحت وطأة الفقر فتخزنا سهام الهمّ والأسى، وهكذا ينتابنا ألم المهانة والاحتقار والظلم: ((چون كالڤن، أسس الدين المسيحي، مجلد 1، دار منهل الحياة، 2018، 3: 8: 10، ص 655، 656. )) وهكذا يمكننا أن نثبت في احتمالنا مهما كان نوع الصليب الذي نُعانِي منه، حتى لو كان ذلك من أشد عذابات النفس. هذا لأن الضيقات ذاتها سوف تأتي بمنغصاتها؛ فإن ابتُلِينا بالمرض فسوف نئن ونتوجع ونتوق إلى الصحة؛ ومن ثمَّ، نرزح تحت وطأة الفقر فتَخزنا سهام الهمّ والأسى؛ وهكذا ينتابنا ألم المهانة والاحتقار والظلم. (چون كالڤن، أسس الدين المسيحي) الله هو مصدر التجارب والبلايا يُوضِّح چون كالفن أن العلة الرئيسية لحمل صليبنا من وحي المشيئة الإلهية، ويجب أن نفهم أننا مُجرَّبون بيد الله من خلال شدائدنا، وهكذا ينبغي إطاعة الله في هذه التجارب والشدائد، يا له من منطق بائس ومأساويّ! فالله هو مصدر كل الصالحات. وهكذا يرى چون كالفن إننا إذَا كنا نعاني من الفقر أو المنفى أو السجن أو الإهانة أو المرض أو الحزن أو غير ذلك، ينبغي أن نعتقد بأنه لا يحدث شيء من دون مشيئة الله وعنايته، وأنه لا يفعل شيئًا إلا من قِبَل نظام عدالته. وهكذا يُرجِع چون كالفن كافة البلايا والشدائد التي يتعرض لها الإنسان إلى مشيئة الله ونظام عدالته. الله غير المجرِّب بالشرور، والذي لا يُسقِط البشر في التجارب والشدائد، بل إبليس هو الذي يُسقِط البشر في التجارب، ويجعلهم ينشغلون بها، حتى لا يخرجوا منها إلا هالكين، صار الله، بحسب منطق چون كالفن، يفعل كل هذه البلايا للبشر بحسب مشيئته ونظام عدالته. وهذا عكس ما رأيناه في تعاليم آباء الكنيسة العظام، بل هو تشويه مُتعمِّد لصلاح الله ومحاولة لتقديم صورة مُشوَّهة عن الله كليّ الصلاح والرحمة والرأفة. فيقول كالفن التالي: ((چون كالڤن، أسس الدين المسيحي، مجلد 1، دار منهل الحياة، 2018، 3: 8: 11، ص 656. )) أمَّا الآن، وقد اتَّخذنا العلة الرئيسية لحمل صليبنا من وحي المشيئة الإلهية، فقد لزم أن نُميِّز في بضع كلمات الفرق بين المفهوم الفلسفيّ للصبر والمفهوم المسيحيّ له. مما لا ريب فيه أن القليلين من الفلاسفة ارتقوا إلى مستوى رفيع كهذا من المنطق، حتى يفهموا أننا مُجرَّبون بيد الله من خلال شدائدنا، وأن يحسبوا أنه من هذا المنطلق ينبغي أن نُطيع الله. ولكنهم، علاوة على ذلك، لا يُقدِّمون لها سببًا سوى أنه هكذا كان ينبغي أن يكون. فسواء كنا نُعانِي الفقر أو المنفى أو السجن أو الإهانة أو المرض أو الحزن أو غير ذلك، ينبغي أن نعتقد بأنه لا يحدث شيءٌ من دون مشيئة الله وعنايته، وأنه لا يفعل شيئًا إلا من قِبَل نظام عدالته. ماذا إذًا؟ ألا تستحق تعدياتنا اليومية العديدة أن تُعاقَب بقضبانٍ أكثر قساوةً من الشدائد التي يُوقِعهاعلينا من فرط لطفه؟ألا يحق عدل الرب وحقه ما يُصِيبنا من مصاعب؟ لكن لمَّا كان عدل الله المؤكَّد يظهر في الشدائد، فلن يمكننا أن نتذمر أو نُقاوِمه من دون أن نخطئ. وحيث إننا نُسرّ بما ندرك أنه لخلاصنا ولمصلحتنا، يعزينا أبونا العظيم المراحم في هذا المجال أيضًا، إذ يُؤكِّد لنا أنه يعمل لخلاصنا في كل صليب يُجرِّبنابه. (چون كالڤن، أسس الدين المسيحي) --- ### كنائس لا تعرف المسيح؟ الصورة ليست قاتمة تمامًا - Published: ۲۰۲٤-۰۸-۰۱ - Modified: 2024-08-01 - URL: https://tabcm.net/28427/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: فيروس كورونا, مجمع الأساقفة أود أن أشير إلى أن الضغط على هذه الكنائس تسبب فيه أيضًا، تلميع بعض كهنتها على حساب غيرهم، فصاروا نجوم شباك يطلب منهم أن يذهبوا للوعظ في المناسبات بالكنائس الأخرى، بالتالي من يريد أن يستمع إليهم عليه أن يذهب إلى اجتماعاتهم في الأسبوع الماضي كتبت عن أزمة التقسيم الطبقي لمرتادي بعض كنائس حي مصر الجديدة بقلب القاهرة، وغلق الباب في وجه من هم ليسوا سكان المربع السكني للكنيسة ومنعهم من حضور القداسات، وقصر الأمر على سكان الحي فقط، بالرغم من فتح الباب لمن هم خارج الحي السكني لإقامة "الإكليل" طقس الفرح في تلك الكنائس لأنها تفتح أبوابها لهم نظير مقابل مادي، ولم أكن أتوقع رد الفعل الواسع على المقال ومشاركة كثيرين معي في مناقشة ما طرحه المقال، والبعض أمدني بشهادات عما حدث لهم في بعض من هذه الكنائس، في حين أشار البعض الآخر لعدة مشكلات واجهت تلك الكنائس وحاولوا البحث عن حلول لها، فكان نظام تسجيل العضوية والحجز المسبق وسيلتهم. وصلتني شهادات من بعض الأصدقاء عن مواقف تعرضوا لها في تلك الكنائس، واحدة منهم بعد 15 سنة حضور للقداسات، أجبرت من بعد كورونا على عدم الحضور لأنها ليست من المربع السكني، وتحكي أنها "تذللت حرفيًا" لبعض كهنة واحدة من تلك الكنائس، ولم يستجب لها أحد، بل وجدت معاملة سيئة من سكرتارية كهنة تلك الكنيسة، وشهادة أخرى حول أمينة خدمة بإحدى تلك الكنائس لم تستطع حضور  صلوات أسبوع الآلام لأنه لا تسكن في نطاق الكنيسة. الهدف من مناقشة هذا الموضوع ليس الاستمرار في انتقاد تلك الكنائس بل محاولة فهم لماذا اتجهوا لهذا القرار، ومما جمعته من معلومات يمكن حصر الموضوع في عدة نِقَاط: - المستوى المادي المرتفع لتلك الكنائس يجعلها تلفت نظر كثيرين ممن يريدون الترقي الاجتماعي خاصة أن الكنيسة لم تعد مكانًا للصلاة بل صارت مجتمع صغير للأقباط يجدون فيه كل ما يهمهم، فرصة للزواج والعلاقات الاجتماعية، فرصة للتحقق والشعور بالنجاح خاصة في مجال الخدمة، مع أنه مجال تطوعي لكن انعزال غالبية الأقباط عن الاحتكاك بالمجتمع الأكبر أدى لذلك. ولهذا حديث آخر. - هذه الكنائس لأنها "غنية" فهي تقدم مساعدات لمن هم من خارج المربع السكني أو لكنائس فقيرة في إيبارشيات أخرى، وهذا يجذب من يريدون الحصول على تلك المساعدات، وأيضا من يريدون المساهمة في خدمة "إخوة الرب" من ميسوري الحال. - قبل عدة سنوات فتحت هذه الكنائس أبوابها لتنظيم اجتماعات لفئات معينة يقبل عليها شباب لا يقطنون المربع السكني القريب، ونظرا لذيوع صيت تلك الاجتماعات وتحقيقها لنجاحات ملموسة زاد الضغط عليهم، فمثلا هناك اجتماع في واحدة من تلك الكنائس يهتم بمساعدة المدمنين وحقق نجاحات معقولة، وأصبح من يخدمون فيه من عانوا مع الإدمان سابقًا، ونجوا منه، وصار لديهم الخبرة في مساعدة من لازالوا تحت تأثيره، وهذا نموذج جيد. لكن كل تجرِبة تبدأ بمنحنى تصاعدي وتصل لقمة النجاح ثم يبدأ المنحنى في الهبوط، مثل دورة حياة الإنسان، فمع الوقت زاد الضغط على تلك الكنائس ولم تعد قادرة على استيعاب أعداد أكبر من الحضور، ثم جاءت فترة  الحظر بسبب فيروس كورونا وعند العودة بدأت الكنائس في تفعيل نظام الحجز حتى يمكن العودة لممارسة الصلوات والأنشطة المختلفة والسيطرة على عدد الحضور حتى لا يتفشى الفيروس من جديد، ومن بعدها تم تفعيل نظام الحضور لمن هم أعضاء الكنيسة في المربع السكني. - أود أن أشير إلى أن الضغط على هذه الكنائس تسبب فيه أيضًا، تلميع بعض كهنتها على حساب غيرهم، فصاروا نجوم شباك يطلب منهم أن يذهبوا للوعظ في المناسبات بالكنائس الأخرى، بالتالي من يريد أن يستمع إليهم عليه أن يذهب إلى اجتماعاتهم، وصارت هذه الكنائس كأنها نبراس أو نموذج غير موجود بالكنائس في الأحياء السكنية الأخرى داخل القاهرة الكبرى، وأصبح البعض يشعرون أن كنائسهم ينقصها شيئا ما وعليهم اللجوء لتلك الكنائس حتى يجدوه، وهذه الأزمة مسؤول عنها الجميع، قيادات الكنيسة بداية من مجمع الأساقفة، وكهنة ومسؤولي كنائس حي مصر الجديدة، وكهنة ومسؤولي كنائس الأحياء الأخرى، الذين جعلوا المؤمنين يشعرون بأن هناك فرقا بين كنيسة وكنيسة. هل الصورة قاتمة إلى هذا الحد أم أن هناك من يفعل نظام آخر عكس نظام الطبقية المتبع في بعض كنائس حي مصر الجديدة؟ أشهد أن هناك كنائس اتبعت نظام الحجز حتى فترة قريبة من بعد عودة الحياة إلى ما قبل كورونا، لكنها  لم تقسم الناس بنظام طبقي أو تشترط أن يكونوا من سكان المربع السكني، بل تسمح لكل من يريد الحضور أن يحضر شريطة أن يسجل حضوره في يوم غير مزدحم، وهذا جيد، كما أنهم منظمين في كافة الأمور ومواعيد القداسات فلا يطيلوا زيادة عن اللازم في المناسبات والأعياد أو حتى في أيام الجمعة والأحد. أود أن أشير إلى نموذج لأحد الآباء الأساقفة المتواجد في نطاق القاهرة، ويختلف البعض معه فكريًا، لكن لا يمكن الاختلاف معه على طريقته في الرعاية والتدبير الكنسي، فهو يزور بشكل دوري جميع كنائس الإيبارشية في مواعيد ومناسبات محددة، يصلي يوم محدد في الأسبوع وبعدها، يجلس في مكتبه وبابه مفتوح للجميع، سواء من هم في نطاق الإيبارشية أو من خارجها، لديه فريق سكرتارية من الكهنة، يقابل كل شخص ليفهم منه لماذا يريد مقابلة الأب الأسقف، يقابل الجميع من يريدون السلام فقط أو من لديهم مشاكل يستمع إليهم ويوجههم لأحد الكهنة أو أحد مساعديه المسؤول عن معالجة ملف بعينه، ويتابع هل تمت تلبية طلباتهم أم لا؟ والموقف الذي أقدره أن أحد الأصدقاء ذهب إليه وليس بينهم سابق معرفة وطلب منه أن يعمد طفله، فقبل على الفور ووضح المواعيد التي يصلي فيها في مختلف كنائس الإيبارشية ليختار صديقي منها ما يناسبه وقد كان. ما أشيد به هنا باعتباره أمرا رائعًا من المفترض أنه الطبيعي الذي يجب أن يقدمه كل راعٍ سواء كان أسقف أو كاهن، ولكن لأننا نفتقد هذه الطريقة في أغلب كنائسنا صرنا نتغنى بها عندما نراها من أحد الرعاة. النموذج الثاني الذي أود الإشارة إليه هو أحد الآباء الكهنة الذي كان ملء السمع والبصر قبل رسامته، لكنه رسم كاهنًا ليكون مسؤولًا عن كنيسة جديدة تبنى من الصفر في واحدة من المدن الجديدة، وهناك لا توجد أضواء ما قبل الرسامة لكنه قرر الابتعاد عنها، ويحاول جاهدًا أن يبني مع سكان تلك المدينة حديثة النشأة كنيسة جديدة، وهنا لا أقصد معماريًا بل يسعى معهم لأن يكونوا جميعًا أعضاء جسد المسيح، يخدمهم ويفتقدهم، ويكلمهم عن الوحدانية في جسد المسيح، وأنه لا يمارس سيادة عليهم بل يقدم نفسه بمثابة أخ لهم، وأنهم جميعًا أخوة في جسد رأسه هو المسيح، وهذا خطاب لم نعتده من أغلب الكهنة، إضافة إلى أن عظاته تكون لاهوتية بطريقة سلسلة يفهمها الجميع ولا يلجأ للاستسهال بعظات مرسلة بلا دراسة، باعتبار أن الناس بسطاء ولا يجب أن نشغلهم بالأمور اللاهوتية والمعقدة كما يروج كثيرين. أخيرًا لم يكن هدفي منذ كتابة المقال الأول التشهير أو الإساءة لأشخاص بعينهم، ولم أذكر أسماء الكنائس، وأيضًا حين ضربت أمثلة جيدة لم أرد الإشارة للأشخاص، حتى لا يهتم الناس باسم الشخص وصفته، بل يهتموا بعمله الذي يقدم من خلاله المسيح، فالمشكلة ليست في أشخاص فقط بل في النهج والنظام نفسه، فكما تسبب نهج طبقي في عثرة البعض من الكنائس، كذلك يقدم رعاة وخدام نهجًا آخر يحتوي ويقدم المسيح لمخدوميهم، وأتمنى أن تزداد النماذج الإيجابية. اقرأ أيضا: --- ### فرانسوا ماري آروويه، ڤولتير - Published: ۲۰۲٤-۰۷-۳۱ - Modified: 2024-10-02 - URL: https://tabcm.net/28350/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: إسحاق نيوتن, الديمقراطية, الكنيسة الكاثوليكية, الكنيسة والدولة, رينيه ديكارت, فرانسوا ماري آروويه، ڤولتير, فرنسيس بيكون إني أجهل كيف تكوَّنتُ وكيف وُلدتُ. وقد قضيت ربع حياتي وأنا أجهل تمامًا الأسباب لكل ما رأيت وسمعت وأحسست. وكنت ببغاء تلقنني ببغاوات أخرى. ولما حاولت أن أتقدم في الطريق الذي لا نهاية له، لم أستطع أن أجد طريقًا مُعبَّدًا ولا هدفًا معينًا، فوثبت وثبة أتأمل الأبدية ولكنني سقطت في هوة جهلي يهفو الذهن إلى ذكرى فولتير كلما هبَّت على الأمة عواصف الظلام التي تقيد الحرية، وتسوغ الاعتقال، وتمنع الكتب، وتراقب الصحف، وتضع الحدود والسدود للعقول، وتنهك النفوس البشرية بأفظع مما ينهك الفاسق الأجسام البشرية. ذلك لأن فولتير عاش من أجل الحرية، وكانت إيماءة حياته احترام الإنسان وكرامة الناس وحريتهم. ومن الأحسن أن نقرأ تاريخه، ومن الأحسن أن يقرأه أولئك الذين حملوا النيابة العامة في مصر على أن تقوم بأكثر من أربعمائة تحقيق مع الصحف في أقل من سنتين بين سنة ١٩٤٤ و١٩٤٦، ثم بعد ذلك منعوا بعض الكتب الأوروبية من الدخول إلى مصر، كما منعوا بعض المؤلفين من طبع مؤلفاتهم ونشرها. وُلد فولتير في عام ١٦٩٤ ومات في عام ١٧٧٨. وتغير تاريخ أوروبا بحياته؛ إذ نقل هذه القارة من التعصب إلى التسامح، ومن التقييد إلى التحرير، وغرس بذلك شجرة الديمقراطية، وحمل على العقائد والخرافات الضارة فحطمها، كما بسط الآفاق لحكم العقول، فظهرت الحكومات المدنية العصرية. وقد كان فولتير يمثِّل الطبقة الجديدة البازغة، طبقة الصناعيين والتجاريين الذين شرعوا يأخذون مكان النبلاء في المجتمع الأوروبي، ومن هنا كان إحساسه بضرورة الحرية واحترام الكرامة البشرية عميقًا؛ لأن النبلاء الإقطاعيين كانوا يستعبدون الفلاحين. وعاش فولتير طول عمره وفي نفسه حزازة، فإن أحد النبلاء استطاع أن يحبسه في سجن الباستيل وأن يراه وهو يُجلد انتقامًا منه لبضعة أبيات من الشعر ألفها عنه فولتير. وقد خرج من السجن وهو يبغض النبلاء ويدعو إلى إلغاء النظام الإقطاعي. وسافر إلى إنجلترا وبقي بها أربع سنوات، فأعجب بشيئين هما: الدستور الإنجليزي الذي ينص على أن الحكم للشعب، وأيضًا العالِم الرياضي نيوتن. ولما عاد إلى فرنسا دعا إلى الأخذ بقواعد الدستور الإنجليزي في الحكم. ولو أن الحاكمين تنبهوا في ذلك الوقت إلى قيمة هذه الدعوة لعملوا بها، وعندئذٍ كانوا يتفادون بلا شك من جموح الثورة الفرنسية الكبرى. وأسوأ ما تصاب به أمة أن يتحد الدين مع الاستبداد، وأن يتحالف الطغاة مع الكهنة، بحيث يستند الدين إلى قوة البوليس، ويستند الاستبداد إلى أساطير الدين، وهذا ما فشا في فرنسا في القرن الثامن عشر، فقد صدر قانون في عام ١٧٥٧ بإعدام المؤلفين الذين يهاجمون الدين. وصحيح أن هذا القانون لم ينفذ؛ لأن الذين وضعوه أحسوا بالأخطاء التي يُستهدفون لها إذا جرؤوا على تنفيذه، ولكن حركة التأليف وقفت أو كادت بسبب هذا القانون، واستمر إحراق الكتب إلى عام ١٧٨٨؛ أي قبل الثورة بعام واحد. ولكن فولتير استطاع أن يُخرج العشرات من الرسائل الحرة بأسماء مستعارة؛ أي مزورة، كي ينجو من خطر الإعدام، وكان في هذه الرسائل يحطم الأساطير ويحمل على الطغيان الحكومي والكنسي، وقبل كل شيء يدعو إلى التسامح، وأن الناس إخوة ولو كانوا مؤمنين أو ملحدين، مسيحيين أو مسلمين، يهودًا أو بوذيين. ولقي فولتير عنتًا في دعوته إلى الحرية، وخاصة حرية العقيدة؛ لأن الكنيسة الكاثوليكية كانت تحالف في أيامه الحكومة الفرنسية، وكانت تحمل الحكومة والشعب معًا على التعصب وإيذاء غير الكاثوليك... وقد كتب فولتير بقلمه وأنفق من ماله كي ينقذ العائلات التي وقع بها الاضطهاد الديني، وكي يدعو إلى التسامح وحرية العقيدة. واحتال كي يعيش وكي يرصد حياته للكفاح في سبيل الحرية، وكان من احتياله أن اشترى أرضًا في سويسرا وأرضًا أخرى في فرنسا، وكانتا تتجاوران وذلك ترقبًا للاضطهاد من إحدى الحكومتين السويسرية أو الفرنسية بحيث يستطيع الفرار إلى فرنسا إذا وجد الحملة عليه من الأولى، أو إلى سويسرا إذا وجد الحملة عليه من الثانية، وعاش على هذه الحال السنين الطويلة كي يؤدي رسالته، وهي صيانة الحرية من الوحوش الآدميين، الذين كانوا يكرهون من لا يؤمن بإيمانهم. وقد كان في باريس شيء يسمى «برلمان» ولكنه لم يكن يمثل الشعب؛ ولذلك كان أعضاؤه يسيرون وينقادون إلى دعاة الاستبداد من الحكومة والكنيسة معًا. وقد عني هذا «البرلمان» بأن يحرق قصيدة لفولتير. وألَّف فولتير المعجم الفلسفي، فمنعت الحكومة الفرنسية، بل معظم الحكومات الأوروبية تداوله، وحكم على مؤلِّفه بالكفر. وشاعت لفولتير أخيرًا شهرة بأنه زعيم الحرية، فكانت تصل إليه شكاوى المضطهدين من الأحرار من جميع الأقطار يطلبون منه الدفاع والإسعاف، وكان يجمع لهم المال كي ينقذهم من حكوماتهم ومن كنائسهم. وما زلنا إلى الآن نسمع عبارة فولتير: «اسحقوا الخزي»، وهذا الخزي هو اضطهاد الأحرار المخالفين للكنيسة. ومع كل ما اتهم به فولتير لم يكن كافرًا، فإنه كان يؤمن بالله أعظم الإيمان، ولكنه كان يعتقد أن الكنيسة يجب ألا تحتكر الدين، وأننا يجب أن نكون «إلهيين» قبل أن نكون مسيحيين أو يهودًا أو هندوكيين، وهو يقول: إن كلمة الإلهي هي الوصف الوحيد الذي يجب أن يتصف به الإنسان، والكتاب الوحيد الذي يجب أن يُقرأ هو كتاب الطبيعة، والديانة الوحيدة هي أن نعبد الله، وأن يكون لنا شرف وأمانة، وهذه الديانة الصافية الخالدة لن تكون سببًا للأذى. وكان فولتير يرى الله في كل مخلوق، حتى قال: إن في البرغوث شيئًا من الألوهية. وكتب عن نفسه في المعجم الفلسفي يقول: إني أجهل كيف تكوَّنتُ وكيف وُلدتُ. وقد قضيت ربع حياتي وأنا أجهل تمامًا الأسباب لكل ما رأيت وسمعت وأحسست. وكنت ببغاء تلقنني ببغاوات أخرى. ولما حاولت أن أتقدم في الطريق الذي لا نهاية له، لم أستطع أن أجد طريقًا مُعبَّدًا ولا هدفًا معينًا، فوثبت وثبة أتأمل الأبدية ولكنني سقطت في هوة جهلي. (فرانسوا ماري آروييه - ڤولتير) والواقع أننا حين نتأمل حياة فولتير نجد أن الكنيسة الكاثوليكية قد انتفعت بعداوته لها؛ لأنها كفَّت عن اضطهاد المخالفين، وكان هذا الاضطهاد أكبر ما توصم به في القرن الثامن عشر كما كان أكبر ما يعمل لفسادها. وكذلك انتفعت بفصلها من الدولة؛ لأن اعتلاء الدين للدولة يضر الدين ويحطه؛ إذ يغنيه عن القوة الروحية والأخلاق السامية بما يستمتع به من قوة بوليسية وحماية قانونية. والدين يجب أن يتجرد من أي سلطان مادي؛ أي حكومي أو بوليسي، حتى يستنبط قواه الروحية المستقلة ويصل إلى القلوب عفوًا دون مساعدة خارجية. وهذه هي مهمة فولتير التي علَّمها لأوروبا، مهمة الحرية الفكرية وفصل الدين من الدولة. وليس لفولتير عبرة أو دلالة واحدة لعصرنا، وإنما له عبر ودلالات كثيرة، فإننا نفهم منه أن حرية العقل وحرية العقيدة وحرية الضمير هي أثمن ما يملكه البشر، وأن الحكومة أو الهيئة التي تنتهك هذه الحريات ترتكب أفظع الجرائم، وهي جريمة الخيانة للروح البشري. وعبرة أخرى نستخلصها من حياته هي أن الأديب ليس رجل القلم والحبر، وتقليب الكتب واجترار الأقوال القديمة، وإنما هو المكافح المبتكر الذي يشترك في هموم البشر واهتمامات المفكرين دعاة التطور والرقي، وأن أدباء البرج العاجي الذين يقفون بعيدًا عن معترك الحياة الاجتماعية والأخلاقية والسياسية لا قيمة لهم ولا منفعة منهم، بل هم بمثابة الجندي الفار من المعركة. وعبرة ثالثة هي أن بؤرة الأديب شخصيته، من حيث إنه يكتب عن إحساس ووجدان بما يحس ويجد، ثم يصدر عن ذلك مفكرًا للتنظيم والتوجيه؛ ولذلك قيل إن أسلوب الكاتب هو شخصيته أو هو أخلاقه، ومن المحال أن يقنعنا كاتب فاسق بضرورة الطهارة، أو كاتب يتعلق بالمستبدين وينتفع منهم بضرورة الديمقراطية. ولقد عشت حياتي وهنئت أيما هناء، وتعزيت أحيانًا أيما عزاء، بمرافقة فولتير وتأمل كلماته وتتبع حياته في أخطائها وأخطارها وتطوراتها، وعرفت منه معرفة الإحساس والوجدان معًا أن حرية العقل هي قدس الأقداس في النفس البشرية. كانت حياة فولتير كفاحًا نجح فيه، وردَّ إلى الإنسان حريته بعد أن كانت قد حرمته إياها الكنيسة والدولة، واستطاع أن يحمل جماهير أوروبا على الإيمان بالطبيعيات بدلًا من الغيبيات إلى حدٍّ بعيد، كما استطاع أن يرد إلى التاريخ مكانته، وأن يجعل للتنقيب التاريخي فضل الاهتداء إلى الحق والباطل في العقائد. ودعا إلى العقل دون العقيدة، وأكبر لذلك من شأن «بيكون» داعية التجربة و«ديكارت» داعية العقل. وكان على وجدان برسالته التاريخية من حيث إنه رائد العصر الجديد، عصر القلم والعلم. وقد كتب في عام ١٧٦٠ إلى «هيلفيتبوس» يقول: إن هذا القرن بدأ يرى انتصار العقل. ولقد عشت في هذا الوطن الأسيف -مصر- نحو ثلاثين سنة من عام ١٩١٤ إلى عام ١٩٤٩ في أسر الأحكام العرفية والرقابة القلمية؛ وذلك كي يعيش المستعمرون من الإنجليز، والمستبدون من المصريين، وهم في تحالف لمنع الحريات عن الشعب. وقد ألَّفت كتابين عن الحرية هما: «حرية الفكر»، وهو تاريخ للأبطال الذين كافحوا التعصب والاستبداد والرجعية والجهل. ثم «حرية العقل في مصر»، وهو دعوة إلى إلغاء إدارة المطبوعات التي تمنع إصدار الجرائد والمجلات إلا بعد تأدية غرامة مالية (في صورة تأمين). وفي كلا الكتابين أنعام تتردد من ذكرى فولتير. وقد كان فولتير يقول: إني قلَّما أتعمق، ولكني واضح الفكرة على الدوام.  وهذه كلمة أستطيع أن أقولها أنا أيضًا، وإذا كنت في حياتي الأدبية قد وصلت إلى أن أختص بأسلوب، فإني أعترف هنا بأني لم أقصد قط إلى هذا الهدف، وإنما كانت غايتي أن أصل إلى التعبير الجلي الذي يوضح فكرتي، وأظن أني نجحت في ذلك. وعند الفرنسيين مثل يقول: «ما ليس واضحًا ليس فرنسيًّا»، ولهم الحق في ذلك، وهذا الوضوح يعزى إلى التزامهم المنطق السليم الذي تعلموه من فولتير وأمثاله. --- ### المسحة بالروح القدس - Published: ۲۰۲٤-۰۷-۳۰ - Modified: 2024-07-30 - URL: https://tabcm.net/28359/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: قديس أثناسيوس الرسولي تحدثنا بإيجاز في سطور في العدد السابق عن اختبار الله للبشرية (لي ولك) وبالطبع لن نستطيع أن نعطي لهذا الموضوع الحيوي جدا في أساسيات إيماننا المسيحي حقه في مقال أو أكثر. ولكن أوجزنا الأمر في مجملة أن الله  -في صورة الابن المتجسد: يسوع- جاء إلي العالم كلة وقدم نفسة كفارة عن الجميع بلا استثناء، ليغفر جميع خطايا كل العالم، لأنة كما هو مكتوب: لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. ((يوحنا ٣ : ١٦ )) إذ ليس عبد ولا حر؛ ليس يهودي أو أممي؛ ليس أبيض أو أسود؛ المسيح جاء إلى العالم كله واختار الجميع بغض النظر عن خلفيتك أو لونك أو جنسك أو ديانتك. ولكن كما سردنا سابقًا، هذا الاختيار لا يلغي حريتنا، فلك عزيزي القارئ أن تختار أن تقبل الرب وتتمسك بإقرار الرجاء بثبات إلى نهاية الطريق أو ترفضه. عجيب هذا الإله الذي أنا له والذي أنا أعبده، فلم ندرك أعماقه، لكن شكرًا لشركة ومعيه الروح القدس الذي يعلن لنا أعماق الله حسب استقبالنا وتحملنا... في السطور التالية نلقي الضوء علي أمرين غاية في الأهمية في كيف نملك في ملكوت الله في حياتنا كما أشرنا لهما سابقا: الأمر الأول: المسحة: كلمة المسحة خاصة بالروح القدس؛ ففي العهد القديم كان يُمسح بالمسحة؛ وهي كانت عبارة عن قنينة دهن  أو قرن دهن   كما يقول الكتاب وَتَصْنَعُهُ دُهْنًا مُقَدَّسًا لِلْمَسْحَةِ. عِطْرَ عِطَارَةٍ صَنْعَةَ الْعَطَّارِ. دُهْنًا مُقَدَّسًا لِلْمَسْحَةِ يَكُونُ. ((خروج ٣٠ : ٢٥ )) كان يُمسح  كل من الملوك والأنبياء و الكهنة، إشارة إلي ما سوف يحدث لنا في المسيح يسوع، فكل من هؤلاء كانوا يُمسحوا لمهمة ووظيفة محددة، إذن فالمسحة إشارة واضحة لحلول الروح القدس، ولكن هنآك فارق بين حلول الروح القدس في العهد القديم والجديد، إذ في القديم كان يحل الروح القدس مؤقتًا على شخص ما لمهمة ما وُضع لها، لكنة لا يسكن فيه، وكلمة المسحة ليست بغريبة عن العهد الجديد إذ يقول الكتاب وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَكُمْ مَسْحَةٌ مِنَ الْقُدُّوسِ وَتَعْلَمُونَ كُلَّ شَيْءٍ ((رسالة يوحنا الأولى ٢ : ٢٠ ))، كما يذكر سفر الأعمال آية في غاية الدهشة تحتاج إلي وقفة ليست مجالها الآن وهي يَسُوعُ الَّذِي مِنَ النَّاصِرَةِ كَيْفَ مَسَحَهُ اللهُ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَالْقُوَّةِ، الَّذِي جَالَ يَصْنَعُ خَيْرًا وَيَشْفِي جَمِيعَ الْمُتَسَلِّطِ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ، لأَنَّ اللهَ كَانَ مَعَهُ. (أعمال الرسل ١٠ : ٣٨ )) إذن حتي الرب  يسوع في الجسد مُسح بالروح القدس، وقالها الرب نفسة عن نفسة عندما دُفع آية السفر في إنجيل ق لوقا إصحاح 4 وفتحة علي نبوة أشعياء النبي وقال لهم "رُوحُ الرَّبِّ عَلَيَّ، لأَنَّهُ مَسَحَنِي... ((لوقا ٤ : ١٨ )) وأكمل  أنة اليوم قد تم هذا المكتوب، أنة سر المسحة أو سر الروح القدس أو كما يقول القديس أثناسيوس أن الروح القدس  يُدعي  المسحة و يُدعي  الختم أيضا مستندًا علي الآية الَّذِي فِيهِ أَيْضًا أَنْتُمْ... الَّذِي فِيهِ أَيْضًا إِذْ آمَنْتُمْ خُتِمْتُمْ بِرُوحِ الْمَوْعِدِ الْقُدُّوسِ، ((أفسس ١ : ١٣ )) ويؤكِّد القديس أثناسيوس أن الروح القدس هو روح المسيح الخاص، ويستدل على ذلك من أن الذين يُمسحون به تصير لهم رائحة المسيح الزكية لله والذين يُختمون به تنطبع عليهم صورة المسيح الكلمة: ولذلك فالذين يقبلون المسحة يقولون: «نحن رائحة المسيح الزكية لله». (أثناسيوس الرسولي، إلى سيرابيون ١: ٢٣) والختم يحمل نفس صورة المسيح الذي يختم، ولذلك فالذين يُختمون تصير لهم شركة هذه الصورة، ويتحوَّلون إليها بحسب كلمات الرسول: يا أولادي الذي أتمخَّض بكمإلى أن يتصوَّر المسيح فيكم. (أثناسيوس الرسولي، إلى سيرابيون ١: ٢٣) إذن المسحة والختم و حلول الروح القدس كلها مرادفات لنفس المعني و كما أن الرب يسوع أتى في الجسد  كملك وككاهن وكنبي، هكذا كل من يُمسح بالروح القدس لدية إمكانية أن يعيش كملك ( يحكم ويحتكم بكلمة الحق)، كما قال القديس يوحنا الرائي وَجَعَلَنَا مُلُوكًا وَكَهَنَةً للهِ أَبِيهِ، لَهُ الْمَجْدُ وَالسُّلْطَانُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ. آمِينَ. ((رؤيا يوحنا اللاهوتي ١ : ٦ ))، وأيضا لدية روح النبوة، وهي الكلمة النبوية أو شَهَادَةَ يَسُوعَ هِيَ رُوحُ النُّبُوَّةِ. ((رؤيا يوحنا اللاهوتي ١٩ : ١٠ )). وهذا ما يفسر كيف تحول شاول الملك إلى رجل آخر و أُعطي قلبا آخر حتي قُيل عنه وَلَمَّا رَآهُ جَمِيعُ الَّذِينَ عَرَفُوهُ مُنْذُ أَمْسِ وَمَا قَبْلَهُ أَنَّهُ يَتَنَبَّأُ مَعَ الأَنْبِيَاءِ، قَالَ الشَّعْبُ، الْوَاحِدُ لِصَاحِبِهِ: "مَاذَا صَارَ لابْنِ قَيْسٍ؟ أَشَاوُلُ أَيْضًا بَيْنَ الأَنْبِيَاءِ؟ ((صموئيل الأول ١٠ : ١١)) لم يحدث هذا لشاول إلا بعد أن مسحة صموئيل بدهن المسحة إشارة إلي حلول الروح القدس. و كما جاء المسيح حاملًا ملكوت الله بكل قوته ومجدة وسلطانة، اتحد بنا واستودع ملكوته فينا...   هَا مَلَكُوتُ اللهِ دَاخِلَكُمْ. ((لوقا ١٧ : ٢١ )) ولأن سكني الروح القدس في الإنسان يتطلب تغيير كلي  للطبيعة البشرية، وهذا لم يحدث إلا بعد قيامة الرب من الأموات! ! ! ! أم كيف أعطي لشاول قلبًا آخر وتحول إلى رجل آخر وتنبأ؟ هذا إشارة إلي الأمر الثاني وهو الولادة الثانية؛ عزيزي القارئ أكاد أن أصدمك بخبر ليس بجديد ولكنة حيوي جدا، لا توجد مسيحية بدون ولادة جديدة أو ما يسميه الكتاب الولادة الثانية، وهذا ما نتناوله في الحلقة القادمة --- ### كنيسة تنتحر [٤] - Published: ۲۰۲٤-۰۷-۲۹ - Modified: 2024-07-29 - URL: https://tabcm.net/28313/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أنبا بولا، مطران طنطا, إفخارستيا, إكليروس, الإخوان المسلمين, الإمبراطورية الرومانية, الصلاة الربانية, الكنيسة القبطية, بيت التكريس, جماعة الأمة القبطية, راحيل, ليتورچي, مدارس الأحد, يهوه نختتم بسطورنا هنا سلسلة "كنيسة تنتحر"، واستدعى من الذاكرة البعيدة حكاية سمعتها وأنا بعد صبي يجلس في صفوف مدارس الأحد؛ عن شيوخ التَّرْجَمَةً السبعينية المجتمعين في الإسكندرية في ضيافة ورعاية الملك بطليموس فيلادلفوس في ثمانينيات القرن الثالث قبل الميلاد، لترجمة الكتاب المقدس -العهد القديم- من اللغة الآرامية إلى اليونانية التي كانت سائدة آنئذ في أرجاء الإمبراطورية الرومانية، وبطلب من الملك نفسه، فاستجاب رئيس الكهنة في أورشليم وأرسل له ستة علماء من كل سبط للقيام بمهمة التَّرْجَمَةً (6×12) ليكون مجموعهم 72 لذا سميت التَّرْجَمَةً السبعينية، التي تمت في جزيرة فاروس بالإسكندرية. تقول الحكاية إنه كلما قابل المترجم في النص اسم الله (يهوه) يقوم ليغسل ريشته ويغتسل ويبدل ثيابه، تعبيرًا عن إجلاله وتقديسه لهذا الاسم، وقد انتابني ذات الشعور وأنا اقترب من كنيسة الله المقدسة والمفدية والمغسولة بدمه الطاهر المسكوب على الصليب، وترددت كثيرًا في اقترابي هذا. كان لترددي أسبابه؛ فأمامي كائن مهيب مثخن بالجراح، وهي في بعضها -وهو غير قليل- نيران صديقة، تتنازعه وتتصارع حوله، وكل يظن أنه يدافع عنها متحصنًا بنصوص مقدسة وأخرى تراثية، في حين تتصدر ذوات الفرقاء المشهد، وأرصد تراجع التعليم الأرثوذكسي العميق ليفسح مكانه لتعاليم تُغيب العقل وتدغدغ المشاعر وتقيم الأنصبة والسواري، وتحول أنظارنا عن شخص الرب ولاهوت تجسده وحدث الفداء العظيم القائم والدائم. كنت أتساءل هل يمكن لكنيسة أن تنتحر؟ كيف وهي جسد "الحي الذي لا يموت"؟! ويصدمني توصيف ملاك الرؤيا وَاكْتُبْ إِلَى مَلاَكِ الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي سَارْدِسَ... أَنَّ لَكَ اسْمًا أَنَّكَ حَيٌّ وَأَنْتَ مَيْتٌ، وكنت أتعلق ببقية ما قاله كقارب نجاة كُنْ سَاهِرًا وَشَدِّدْ مَا بَقِيَ، الَّذِي هُوَ عَتِيدٌ أَنْ يَمُوتَ، لأَنِّي لَمْ أَجِدْ أَعْمَالَكَ كَامِلَةً أَمَامَ اللهِ. فَاذْكُرْ كَيْفَ أَخَذْتَ وَسَمِعْتَ، وَاحْفَظْ وَتُبْ. ((رؤيا يوحنا اللاهوتي، الإصحاح الثاني. )) ولكن ما سر "حياة" الكنيسة؟ حسب ما وقر في ذهني التصاقها بمصدر النور فتستنير وتحيا، ثُمَّ كَلَّمَهُمْ يَسُوعُ أَيْضًا قَائِلًا: «أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلاَ يَمْشِي فِي الظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ». حسب تأكيده "إِنِّي أَنَا حَيٌّ فَأَنْتُمْ سَتَحْيَوْنَ.  ((إنجيل يوحنا 8: 12 )) ولست بحاجة إلى التأكيد على أن الكنيسة جسد المسيح بامتداد التاريخ واتساع الجغرافيا أبدًا لا ولن تموت، بل ستبقى حية حتى يأتي عريسها ويأخذها إلى حياة أبدية معلنًا مجده، وحسب سفر أعمال الرسل يعلن لنا إِنَّ يَسُوعَ هذَا الَّذِي ارْتَفَعَ عَنْكُمْ إِلَى السَّمَاءِ سَيَأْتِي هكَذَا كَمَا رَأَيْتُمُوهُ مُنْطَلِقًا إِلَى السَّمَاءِ». فيمَا يحدثنا الرب يسوع المسيح نفسه حسب إنجيل يوحنا "أَنَا أَمْضِي لأُعِدَّ لَكُمْ مَكَانًا، وَإِنْ مَضَيْتُ وَأَعْدَدْتُ لَكُمْ مَكَانًا آتِي أَيْضًا وَآخُذُكُمْ إِلَيَّ، حَتَّى حَيْثُ أَكُونُ أَنَا تَكُونُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا، وَتَعْلَمُونَ حَيْثُ أَنَا أَذْهَبُ وَتَعْلَمُونَ الطَّرِيقَ ((أعمال الرسل، الإصحاح الأول. )) كلامي وتحليلي عن كنيسة محددة في زمن محدد، وإيماني أن الكنيسة هنا على الأرض هي كيان إلهي بشري، وعندما ينحرف المكون البشري -في زمن محدد من الأزمنة وفي رقعة محددة من الأرض- فهي تذهب إلى إعلان انفصالها عن مصدر حياتها، فيضربها الفتور ويلاحقها الموت. وفي تحديد أكثر أتناول حال الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في زمن القرن العشرين وما بعده حتى لحظة كتابة هذه السطور، الذي بدأ بصحوة انطلقت لأسباب عديدة داخلها وخارجها، في العقود الأولى من القرن العشرين، لكنها كانت صحوة تحتاج إلى دعم وتأصيل فكري ولاهوتي لم يكن متوفر لروادها وقتها، لكنه توفر بشكل تراكمي مع ظهور حركة التَّرْجَمَةً والتعريب التي أشرنا إليها في سياق طرحنا هذا، وقفز قفزات واسعة مع بداية حركة التكريس التي انطلقت مع سنوات النصف الثاني من ذاك القرن، 1958، بتأسيس بيت التكريس بحلوان، وتبنيه التَّرْجَمَةً والتعريب عن المصادر الآبائية اليونانية. وشهدت حركة التكريس وبيت التكريس مع انطلاقهما مقاومة عاتية من جناح آخر كان يسعى هو أيضًا للخروج بالكنيسة من عزلتها، لكن برؤى محكومة باسترداد مجد غابر، والبحث عن مكان في خريطة السياسة والوجود على الأرض، وغير بعيد كانت تتشكل جماعة تتبنى العنف وسيلة وتعلن شعارها وميثاقها الذي يحاكى -قبطيًا- شعار وتوجهات جماعة الإخوان المسلمين. حتى في محاكاة المسمى "جماعة الأمة القبطية". ووجدت تجاوبًا لافتًا وقتها -11 سبتمبر 1952- إلى درجة أن تقفز عضويتها في سنتها الأولى إلى نحو تسعين ألف عضو! ! . لكنها كانت ضحية توجهها المفارق للحس المسيحي وضحية صراعات أجنحة ضباط يوليو، التي أصدرت قرارًا بحلها في أبريل 1954. نحن إذن أمام ثلاث توجهات كانت لهم تأثيراتهم المهمة في رسم الصورة الآنية للكنيسة إيجابًا وسلبًا. أرصد هنا مؤشرات أخشى أن تتفاقم لتنتهى بنا إلى انفصال واقعي عن مصدر الحياة بعيدًا عن الشخصنة أو اتهام أحد بعينه أو توجه ما بمسؤوليهما عما جرى، حتى لا يختطف الطرح إلى "حوار جدلي مفرغ من مضمونه"، تستدعي ثلاثية التكفير (الهرطقة) والتخوين والمؤامرة. * فيمَا تسلمنا من كنيسة الرسل أن الكنيسة تسير على قدمين متوازنين (الإكليروس والأراخنة) إذا بالإكليروس ينفردون بإدارة الكنيسة، على ألا يبارح الأراخنة مقاعد المستشارين في أحسن الأحوال، ويمد الإكليروس ذراعهم للنزاعات المادية الأسرية والتجارية وحلها، وخلافات الأزواج لوصف العلاج، وغيرها من الأزمات التي ليس لهم خبرة فيها، حتى استشارات العلاقات الحميمية؛ وتزداد الطينة بلة بتصدي رهبان لحل هذا النوع من الأزمات، فكانت النتيجة أنين وانهيار عديد من الأسر خاصة في أوساط الشباب، وانهيار جداران رهبانية عديدة، بعضها وجد طريقه للنشر، وتظل راحيل تبكي على أولادها ولا تريد أن تتعزى لأنهم ليسوا بموجودين. * وفى سياق استبعاد الأراخنة تنحصر مهمة الوعظ في القداسات على الإكليروس، الذي بطبيعة مهامه الممتدة والمتشابكة، لا يجد وقتًا لإعداد العظة فيقف على باب الهيكل ليستمع لقراءة الإنجيل ويرتب على عجل ما سيقوله في العظة وكثيرًا ما يحشوها قصص من التراث غير الموثق، ويغيب المسيح عما يقول فيمَا القطمارس بتكامل قراءاته يقدم وجبة لاهوتية للكنيسة، ويبرز بشكل واضح شخص المسيح كمحور للقراءات، خاصة في قراءات السبوت والآحاد، فيعمق لاهوت التجسد ولاهوت الفداء. مع أن الكنيسة رتبت إمكانية إسناد الوعظ للدياكون والأرشيداكون، سواء المتفرغين أو غيرهم، ممن أعطاهم الروح القدس موهبتي الوعظ والتعليم. * وعلى ذكر الرهبان نتوقف مع حال الأديرة موطن الرهبنة، كاختيار إرادي حر ومنهج حياتي خاص من المفترض أنه يفضي بصاحبه إلى طريق الأبدية مع نذوره؛ البتولية والعزلة والنسك والفقر الاختياري، في ضوء أنهما -الأديرة والرهبنة- المصدر الأوحد للاختيار لرتبة الأسقفية الجليلة. * تعيش الأديرة على التلمذة وإنكار الذات وعدم القنية (الاقتناء)، عندما نقترب منها ماذا نجد؟ ـ اختفاء أو في أفضل الأحوال انزواء الشيوخ وندرتهم، بعد أن استقر الأمر هناك على أن رئيس الدير، الأسقف‘ هو أب اعتراف كل رهبان ديره، فيتم تنميط الدير بما يتفق ورؤية أسقفه. ـ بعد أن كان للأسقيط "قس" يجول بين أديرته ليتمم سر الإفخارستيا، طَرق الكهنوت أبواب كل الأديرة، وصار حقًا لكل راهب وفق قائمة انتظار معروفة ترتبهم حسب أسبقية الرهبنة، وصار تجاوز أحدًا ممن جاء على دفعته دور الرسامة بمثابة عقوبة وإعلان عدم رضاء أسقفه عنه. ـ وبما أن الراهب صار كاهنا فمن حقه، وفقًا لطقس الرسامة، أن يتلقى اعترافات زائري الدير، ولنا أن نتصور تداعيات هذا على كليهما؛ الراهب القس والشخص المعترف، ويمتد الأثر إلى آباء الكنيسة في الكنائس خارج الدير. والأكثر دراية بحال أبنائهم وما ينفعهم وما يحتاجونه من توجيه أو إرشاد روحي. ـ أضف إلى ذلك أن كل الأديرة صارت تشرع أبوابها للزيارات اليومية، بلا ضوابط، ليجد الدير وقاطنوه أنفسهم أمام مفارقة، رهبان تركوا العالم، واعتزلوا الكل ليرتبطوا بالواحد، فإذا بالعالم يقتحمهم وبرضا وترتيب قيادة الدير. ! ! وترتبك نذور الرهبنة. وتقفز أمامي قولنا في الصلاة الربانية "ولا تدخلنا في تجرِبة". ـ وعبر رصد انساق اختيار الرهبان لرسامتهم أساقفة نجد أن كثيرهم لم يمكثوا في الدير ما يكفى لاختبار الحياة الديرية، وترسيخ نذورهم، والتلمذة على شيوخ البرية، بافتراض وجودهم والسماح لهم بتلمذة حديثي الرهبنة، بل أن بعضهم يتم ترتيب إلحاقهم بالدير ثم رسامتهم أساقفة في غضون سنة أو اكثر قليلًا، لتعاني منهم الكنيسة حتى يتوفاهم الله، فلا تلمذة ولا خبرة روحية ولا ارتباط بتراث الآباء. * وقبل أن نغادر دائرة الأديرة، هل من تفسير لإقامة مزارات لآباء معاصرين فيها، وامتداد هذا الأمر لعديد من الإيبارشيات، بشكل لافت حتى أن البعض يقيم مزاره في حياته وقبل رحيله، والأفدح أن المزار يشبه المذبح المقدس، فنجد الزائرون يسجدون له ويضعون فوقه طلباتهم ومشاكلهم في طلب أن تجد عند "صاحب المقام" استجابة وحل لها، فيما يذكر سفر الرؤيا وبشكل رمزي الذين ماتوا لأجل إيمانهم ((رؤيا يوحنا اللاهوتي 6: 9-11. )) ولما فتح الختم الخامس، رأيت تحت المذبح نفوس الذين قتلوا من أجل كلمة الله، ومن أجل الشهادة التي كانت عندهم، وصرخوا بصوت عظيم قائلين: «حتى متى أيها السيد القدوس والحق، لا تقضي وتنتقم لدمائنا من الساكنين على الأرض؟» فأعطوا كل واحد ثيابا بيضا، وقيل لهم أن يستريحوا زمانا يسيرا أيضا حتى يكمل العبيد رفقاؤهم، وإخوتهم أيضا، العتيدون أن يقتلوا مثلهم. (رؤيا يوحنا اللاهوتي 6: 9-11) * اللافت في غالبية الأساقفة المغالاة في فخامة الزي الأسقفي سواء في أوقات الخدمة الليتورجية أو خارجها، ويرد البعض هذا الأمر الى قيام الملك قسطنطين -القرن الرابع- بإهداء الأساقفة المجتمعين في نيقية أردية وتيجان وكراسي شبيهة بردائه وتاجه وكرسيه، وتوارث الأساقفة هذا، بل امتد الأمر إلى الكهنة بشكل لافت، وقد تناول توثيق ونقد هذا الأمر أحد الكهنة المعاصرين في كتاب بعنوان "مثل ولغز الأنبا بولا". * ثمة أمر يحتاج إلى تفسير هو قَبُول غالبية الأساقفة لسجود الناس لهم ـ علمانيون وكهنة ـ فيمَا يسمى زورًا الميطانية، بل ذهب أحدهم في مؤتمر حاشد للخدام في إجابته عن أداء الميطانية في أيام الخمسين وهي أيام فرح بقيامة الرب يسوع المسيح، بأن الميطانية باعتبارها تعبير عن الانسحاق والتوبة، لا تجوز في أيام الخمسين المقدسة، باستثناء أداء الميطانية أمام الأساقفة باعتبارها تعبيرًا عن التقدير والاحترام لهم (هكذا! ! ). (الميطانية هي التوبة، وحسب معناها الحرفي في اليونانية هي "تغيير الفكر" أي "تجديد الذهن"حسب قول الرسول بولس "تغيروا عن شكلكم بتغيير أذهانكم ـ رومية 2:12" ولها معنى أخر هو ندم وتأسف على الخطية كعمل ضد محبة الله" "كتاب : مُعجم المصطلحات الكنسية"). * وفي تطور آخر تتسابق الكنائس لاقتناء رفات قديسين وتضعها في أنابيب خشبية تتصدر مكانًا بارزًا في الكنيسة بجوار أو أمام خورس الشمامسة، وصار من المشاهد المتكررة أن يتجه المصلي لتلك الأنابيب ليتبرك بها ولا يلتفت للمذبح بالرغم إعلان الشماس في الليتورجيا "هوذا عمانوئيل إلهنا كائن معنا على المذبح"، وفيما كانت الكنائس قديمًا تضعهم في الجهة الغربية للكنيسة، فلا تشغل المصلين بهم وكأنها تقول لهم "إن القديسين يشتركون معكم في الصلاة في تأكيد ـ بشكل رمزي إيماني ـ على أن الموت لم يمنع حضورهم". * ثمة ظاهرة أشير إليها في ختام طرحي وهي انتشار اللجان الإلكترونية الموجهة لمهاجمة كل محاولات التقارب أو حتى مجرد الحوار مع الكنائس الأخرى، رغم مشاركة موجهيها فى اجتماعات مجلس كنائس مصر والشرق الأوسط ومجلس الكنائس العالمي. في ازدواجية لافتة. أضع سطوري هذه أمام سنودس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، على أمل أن يجد الآباء الأساقفة لديهم وقت لرأب الصدع قبل أن يباغتنا الانهيار، لعلنا نصل معًا إلى تحقيق حلم الأجيال بكنيسة واحدة مقدسة جامعة رسولية. --- ### ميلاد المسيح سر إلهي وإنساني - Published: ۲۰۲٤-۰۷-۲۸ - Modified: 2024-07-28 - URL: https://tabcm.net/28143/ - تصنيفات: لاهوتيات إذا كان الله نورًا أبديًا، فإن هذا النور العظيم لابد أن يكون له شعاع نور، وإلا ما عاد نورًا. و شعاع النور هو النور. بالتالي هو ابن النور، لأنه واحد مع النور وفي النور ومن النور وبالنور أنا والآب واحد، من رآني فقد رأى الآب. فإن من يرى شعاع النور فقد رأى النور. هذا ما حدث في التجسد الإلهي، وهو افتقاد الله لخليقته التي تغرَّبت عنه بعيدًا بغواية الشيطان. فإن الله ظهر في الجسد لكي نستطيع أن نقترب منه وقد اتخذ له جسدًا بطبيعة إنسانية كاملة مثلنا من العذراء مريم. فمثلما يدخل شعاع الشمس غرفتنا فنقول أن الشمس دخلت غرفتنا، ومثلما لا نستطيع أن نقترب من الشمس ذاتها بل من شعاعها، وكما أنه بدون شعاع الشمس لا حياة للإنسان. هكذا التجسد الإلهي. فالشمس ذاتها لا يقترب منها بشر ويعيش الآب لم يره أحد قط. الابن الوحيدالذي هو في حضن الآب هو خبَّر. فالذي نزل من السماء ليس هو جسد المسيح، ولكنه شعاع نور الآب. والقول بأنه ابنه هو لتأكيد أنه نور الآب ذاته، لأن الابن ليس هو طبيعة مختلفة عن الآب مثلما الشعاع والنور. أما جسد المسيح فهو مخلوق من جسد العذراء مريم من الأرض. وعندما نزل شعاع النور/ ابن الله الحقيقي من السماء، ولبس له جسدًا مخلوقًا من الأرض، فإنه بالضرورة أعطى لجسده الخاص هذا صفته ”ابن الله“ لأنه اتحد به. هنا تأتي وسيلة الإيضاح الثانية أنه عندما يُوضَع الحديد في النار فإن الحديد يكون ممتلئًا بكل فعالية النار. وبينما هو بطبيعته مازال حديدًا فبالرغم من ذلك يعمل بقوة النار. هكذا المسيح ابن الله وشعاع نور الآب، فإنه وَحَّد ذاته الإلهية بجسده الخاص في سر عظيم نسميه سر التجسد الإلهي، ومنح جسده الخاص قوة إعطاء الحياة: من يأكل جسدي ويشرب دمي فله حياة أبدية... من يأكلني يحيا بي (يوحنا ٦). عظيم هو سر التقوي، الله ظهر في الجسد وقد أطلق الكتاب على سر التجسد الإلهي أنه سر التقوي، لأنه لا سبيل لإنسان أن تتغير طبيعته من طبيعة آدم الساقطة التي فقدت اتصالها بالله مصدر التقوى والقداسة وتسترجع أصلها إلا عندما تتحد بأصلها مرة أخرى. عندئذ فقط نقول أنها تجددت. هذا هو ما أكده الرب من ضرورة اتحاد بشريته الجديدة المطهَرة والمطهِرة (بفتح الهاء ثم بكسر الهاء) ببشرية كل من يؤمن بسر التجسد الإلهي لينال تلك الطبيعة الجديدة للإنسان التي أسسها الله في سر ظهوره في الجسد ولذلك صار سر التجسد الإلهي هو سر خاص بالله بمقدار ماهو سر خاص بتقوى الإنسان ورجوعه إلى أصل خلقته سر التقوي في الله عظيم هو سر التقوي، الله ظهر في الجسد. --- ### مقتطفات من رئيس الأساقفة هيلدر كامارا - Published: ۲۰۲٤-۰۷-۲۷ - Modified: 2024-07-27 - URL: https://tabcm.net/28316/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون - وسوم: مارتن لوثر كنج, مهاتما غاندي 1- هل التطويبات دعوة لتدجين الشعوب؟ إن التطويبات ليست مشورات للضعف ولا تؤدي إلى الضعف. أتعلم، إنه لمن الأسهل أن تحيا في الكراهيَة من أن تحيا في الضعف. فقط الأقوياء يستطيعون دائمًا بنعمة الله أن يحيوا في الوداعة. ولكن من الغريب أن ترى كيف أن ذوي السلطة في هذه الأرض يخافون من هذه الوداعة، فاللاعنف يمثل لهم مشكلة شنيعة. ما أسهل أن تستخدم القوة في مقابل القوة، ولكن في مواجهة المقاومة غير العنيفة يعجز المقتدرون عن فعل أي شيء، فحلّهم الوحيد هو قتل قادة اللاعنف: غاندي، مارتن لوثر كنج، وآخرون لا ترد أسمائهم في الصفحات، ولكنّي أعرفهم، هم ضحايا الظلم الذي يملؤه اللاعنف رعبًا. لا، إن التطويبات لا تتواطأ مع الضعف بأي وسيلة من الوسائل. ((الإنجيل بعيون معاصرة، ترجمة جون جبرائيل، حوارات مع رئيس الأساقفة دوم هلدر كمارا، منشورات نور على الطريق، معهد التربية الدينية، القاهرة. )) 2- «طوبى لَكُم أَيُّها الفُقَراء، فإِنَّ لَكُم مَلَكوتَ الله» بداية، حينما يتحدث المسيح عن بركة الفقر، لا يقصد مباركة البؤس، فالبؤس هو إهانة للخالق. ما يعيش فيه ثلثا البشرية اليوم ليس فقرًا بل بؤسًا. والمسيح قطعًا لم يبارك البؤس. خذ عندك مثلًا القديس فرنسيس فهو تغنّى "بالسيد الفقر" ولكنه لم يتغنَّ "بالسيد البؤس"، فلو كان هنا اليوم لتغنّى "بالسيدة العدالة". ((المرجع نفسه. )) رئيس الأساقفة وبائعة الهوى كنتُ سائرًا ذات يوم لإعطاء مَسْحَة المرضى. وقد كانت تمطر بغزارة. فسمعت صوت امرأة تحيّيني من سيارة عابرة! دوم هلدر أتريد مساعدة؟ أجبتُ: نعم، لابدّ أن أذهب، فهناك مريضٌ ينتظرني" فقالت: إذً سأنزل وأدَع السائق يوصلك. فقلتُ لا، لا... لا تخرجي، سأركب معك. أنا سأجلس بجانب السائق في حين أنتِ تجلسين في المِقعد الخلفيّ. فقالت لا، بالطبع. إلّا أني بعد ذلك لاحظت أنها عاهرة عائدة من الحيّ الأحمر، لذلك لم تشأ أن تعرِّض سُمعتي للإساءة. فقلتُ، أنا مُصِرٌّ فكلّنا إخوة وأخوات. أنا سأجلس هنا في الخلف بجوارك. فقالت: ياه، يا دوم هلدر، لا بد أن السيّدة العذراء بعثت بك إليّ، فقد كان عيدها بالأمس. إنّني مريضة، وقد أموت في أيّ وقت، وكنت أرجو سيدتنا العذراء أن تمنحني فرصةً للقائك. أنظر، لديّ ستّ حقائب يد، في كلّ واحدة منها وضعتُ صورة لك أيّها الأسقف هلدر. الآن أنا على شفَا الموت، أفكّر في الماضي وأقول: "يا ربّ، أنا لا أستحقّ أيّ شئ، ولكن ارأف بي بسبب راعيََّ". أيَّ تواضع في هذه المرأة أو أيّ إيمان! ((المرجع نفسه. ))   --- ### مفهوم العدالة الإلهية - Published: ۲۰۲٤-۰۷-۲٦ - Modified: 2024-07-26 - URL: https://tabcm.net/27760/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: آريوسية, أمجد رفعت رشدي, أنبا سارافيم، أسقف الإسماعيلية, أوريجينوس ليونايدس أدامانتيوس, الابن الضال, الغنوصية, المانوية, المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية, المكتبة البولسية, بابا كيرلس عمود الدين, تادرس يعقوب ملطي, چورچ خوام البولسي, چورچ فرج, صموئيل كامل عبد السيد, ضد الآريوسيين, علامة ديديموس الضرير, غريغوريوس النيسي, قديس أثناسيوس الرسولي, قديس إيرينيئوس، أسقف ليون, قديس بولس الرسول, قديس كيرلس الأورشليمي, كنيسة مار جرجس، سبورتنج, مار إسحق السرياني, مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية, مريض بركة بيت حسدا, نصحي عبد الشهيد بطرس, يوحنا منصور بن سرجون الدمشقي سوف نحاول في هذا الفصل توضيح رؤية ومفهوم آباء الكنيسة عن العدالة الإلهية، وهل يتفق مفهوم العدالة الإلهية مع مفهوم العدالة البشرية؟ وهل الله عادلٌ بنفس المفهوم البشريّ لعدالة المحاكم البشرية، أن يسمو مفهوم العدالة الإلهية السامية والكاملة على العدل البشريّ الناقص والنسبيّ. ق. إيرينيؤس أسقف ليون عدل الله هو صلاحه وحكمته نرى ق. إيرينيؤس أبو التقليد الكنسيّ في رده على الهرطقة الماركيونية، يربط بين عدل الله وصلاحه مُؤكِّدًا على أن صلاح الله لا يهجره عندما يُمارِس عدله، بل على العكس، فإن صلاحه يتقدَّم إلى الأمام ويأخذ الصدارة أثناء ممارسته لعدله الصالح الحكيم والرحيم: ((إيرينيؤس، ضد الهرطقات ج2، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2019، 3: 25: 3، ص 121. )) لذلك فالآب سيفوق في الحكمة كل حكمة بشرية وملائكية، لأنه هو ربٌّ، قاضي وهو العادل، والحاكم فوق الكل. لأنه صالح، ورحيم، ومتأني، ويُخلِّص الذين يجب أن يخلصهم. كما أن صلاحه لا يهجره عندما يُمارِس العدل، كما أن حكمته لا تنتقص، لأنه يُخلِّص الذين يجب أن يُخلِّصهم، ويدين أولئك الذين يستحقون الدينونة: كما أنه لا يكون عادلاً بطريقةٍ غير رحيمةٍ؛ لأن صلاحه يتقدَّم إلى الأمام بلا شك ويأخذ الأسبقية. (إيرينيؤس، ضد الهرطقات) العلامة أوريجينوس السكندري عدل الله هو صلاحه وقداسته يُشِير العلامة أوريجينوس إلى أن القداسة والعدل إنما مردها إلى صفة الصلاح، بمعنى أن العدل والقداسة هما الصلاح، ولا اختلاف جوهري أو معنوي بين الكلمات الثلاثة: ((أوريجينوس، في المبادئ، ترجمة: الأب چورچ خوام البولسي، منشورات المكتبة البولسية، 2002، 2: 5: 4، ص 190-192. )) ثم يسألون: ماذا إذًا؟ ما طبيعة شجرة الناموس؟ فإن الأمر ظاهر للعيان من ثمارها، أي من أقوال فرائضه. فإن وُجِدَ الناموس صالحًا، يمكن الاعتقاد بلا أدنى ريبة بأن الذي وضعه هو الله الصالح أيضًا؛ ولكن، إن كان الناموس عادلاً أكثر منه صالحًا، فالاعتقاد أن إلهه مُشرِّع عادل. ولم يلتف بولس الرسول على العبارة، عندما قال: إذًا، الناموس صالح، والوصية مقدَّسة وعادلة وصالحة ((رومية 7: 12 )). ويتَّضح من هذا أن بولس لم يتلق علومه في كُتب هؤلاء الذين يفصلون بين العادل والصالح، وإنما تعلَّم من الله -واستنار بروح هذا الإله- القدوس، والصالح، والعادل. فإذ تفوه بما ألقى عليه روحه، قال إن وصية الناموس مُقدَّسة، وعادلة، وصالحة. وريثما يجلو جلاءً بيَّنًا أن في الوصية من الصلاح أكثر مما فيها أيضًا من القداسة والعدل، لا يلبث يُردِّد كلامه مقتصرًا به على الصلاح عوض عن هذه الثلاث، ويقول: أ فيكون لي ما هو صالح، إذًا، ميتًا؟ حاشا ((رومية 7: 13 )). وذلك إنما لعلمه بأن الصلاح يمثل الجنس، بين الفضائل، والعدل والقداسة نوعي الجنس. لذلك، فيما ذكره أعلاه اسم الجنس والنوعين، ردَّد الجنس فقط حينما فاه ثانيةً بهذه الكلمة. بيد أنه يقول لاحقًا: لقد فعلت الخطيئة الموت، بواسطة ما هو صالح (رو 7: 13). إنه يختم بالجنس ما كان قد بسطه قبلاً بالنوع. ويجب أن تُفهَم هذه الكلمات على المنوال ذاته أيضًا: الإنسان الصالح، من كنز قلبه الصالح يُخرِج الصلاح؛ والإنسان الشرير من كنزه الشرير يُخرِج الشر ((لوقا 6: 45 )). فقد عمد الكاتب هنا أيضًا إلى الجنس، الصالح والشرير، مظهرًا بلا أدنى ريبة أن العدل والقسط والفطنة والتقوى وكل أمر يُسمَّى صالحًا، أو يُفهَم بأنه صالح، لفي الإنسان الصالح. وتحدَّث كذلك عن الإنسان الشرير الذي هو بالتأكيد إنسان لا عدل فيه، ونجس، وكافر، وكل ما من شأنه أن يصور الإنسان الشرير بعناصره المتنوعة. فكما لا يمكن أحدنا أن يتخيل إنسانًا أنه شرير، بدون هذه الرجاسات، وألا يمكنه أن يكون شريرًا، كذلك من الثابت أنه ليس في وسع أحد أن يُقال فيه إنه صالح بدون هذه الفضائل. (أوريجينوس، في المبادئ) ق. أثناسيوس الرسولي عدل الله هو قداسته يربط ق. أثناسيوس الرسوليّ بين العدل والقداسة في طبيعة الله المحب للفضيلة: ((أثناسيوس، المقالات الثلاثة ضد الآريوسيين، ترجمة: أ. صموئيل كامل وآخرون، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2017، 1: 12: 52، ص 128. )) ولكنه لكونه إله وكلمة الآب، فهو قاضٍ عادلٍ ومُحِب للفضيلة، وبالأحرى هو مانح الفضيلة. إذًا، فهو عادل وقدوس بطبيعته. فلهذا يُقَال إنه يحب البر ويبغض الإثم ((إشعياء 61: 8 )). وهذا يعادل القول القائل إنه يحب الصالحين ويعينهم. (أثناسيوس، المقالات الثلاثة ضد الآريوسيين) العلامة ديديموس الضرير عدل الله هو صلاحه ورحمته يُؤكِّد العلامة الإسكندريّ ديديموس الضرير على ارتباط العدل والصلاح في جوهر الله مُشِيرًا إلى أن رحمة الله هي بنفس قدر عدله، وذلك في سياق مقاومته للهرطقة الماركيونية والمانوية التي تفصل بين إله العهد القديم الإله العادل وإله العهد الجديد الإله الصالح والرحيم: ((ديديموس الضرير، الروح القدس، ترجمة: أمجد رفعت رشدي، مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية، 2015، 4: 202-204، ص 97، 98. )) فربنا ومخلصنا يعاملنا بحسب رحمته بمنحنا كل شيء يُفضِي إلى خلاصنا. كما أنه عندما يعاملنا بحسب رحمته بتوقيع عقوبة علينا، فهي دائمًا ما تكون مشفوعة بصلاح رحمته. ووفق هذا النص ((إشعياء 63: 7 ))، فعلينا أن نواجه خطأ هؤلاء الهراطقة الذين ينزعون الصلاح عن العدل، ويخترعون إلهًا صالحًا وآخر عادلًا. ولتحكم أنت بنفسك في النهاية كيف يُظهِر النص الحالي الله نفسه بكونه صالحًا وعادلاً، ويجازي بحسب رحمته وعدله، وأن رحمته هي بنفس قدر عدله. وعليه، فلا يفيدهم نفعًا دفاعهم عن التعاليم المنحرفة التي ينادون خلالها بأن إله الإنجيل صالح، بينما إله العهد القديم عادل. لأنه في فقرات أخرى عديدة، كما هو الحال في نص النبي الحالي، يُوصَف الله بأنه ’العادل والصالح‘. (ديديموس الضرير، الروح القدس) ق. كيرلس الأورشليمي الله عادل وصالح في آن واحد يُوضِّح ق. كيرلس الأورشليميّ إن الله عادلٌ وصالحٌ في نفس الوقت في مواجهة الهرطقات الغنوسية والمانوية والماركيونية التي تنادي بإلهين، مؤكدًا على عدم وجود صراع بين صفتي العدل والصلاح في جوهر الله: ((تادرس يعقوب ملطي، القديس كيرلس الأورشليمي (حياته -مقالاته لطالبي العماد- الأسرار)، كنيسة مار جرجس سبورتنج، 2006، مقالة 4: 4، ص 79. )) إنه صالحٌ وعادلٌ في نفس الوقت، فإنْ سمعت مِن هرطوقيّ يُنادِي بوجود إله عادل وآخر صالح، تذكر في الحال سهام الهراطقة المسمومة. إذ يتجاسر البعض في كفرٍ أن يقسموا الله الواحد. وقال البعض إن واحد خالق للنفس وآخر إله الجسد. وهذا التعليم غامض وشرير. لأنه كيف يمكن لإنسان أن يصير خادمًا للسيدين، بينما يقول ربنا في الإنجيل: لا يقدر أحد أن يخدم سيدين؟!  ((متى 6: 24؛ لوقا 6: 13 )). يوجد الله، واحد وحيد، خالق للنفوس والأجساد، واحد هو خالق السماء والأرض، وصانع الملائكة ورؤساء الملائكة. هو خالق لكثيرين، لكنه أب لواحد وحيد قبل كل الدهور، الابن الواحد الوحيد ربنا يسوع المسيح، الذي به خلق كل شيء، ما يُرَى وما لا يُرَى ((يوحنا 1: 3؛ لوقا 1: 16 )). (تادرس يعقوب ملطي، القديس كيرلس الأورشليمي (حياته -مقالاته لطالبي العماد- الأسرار) ) عدل الله وصلاحه ويُؤكِّد ق. كيرلس الأورشليميّ على أن الله هو إلهٌ واحدٌ صالحٌ وعادلٌ في نفس الوقت ضد الهراطقة الغنوسيين والمانويين، فيربط بين صلاح الله وعدله في نفس الوقت، فعدله لا ينفصل عن صلاحه، وصلاحه لا ينفصل عن عدله، وعدل الله مرده إلى صلاحه، وصلاح الله مرده إلى عدله: ((تادرس يعقوب ملطي، القديس كيرلس الأورشليمي (حياته -مقالاته لطالبي العماد- الأسرار)، كنيسة مار جرجس سبورتنج، 2006، مقالة 6: 36، ص 123. )) إنه يوجد طريق الخلاص، إنْ ازدريت بالقيء ومقتهم من قلبك، وانفصلت عنهم بنفسك لا بشفتيك، إنْ تعبدت لأب المسيح إله الشريعة والأنبياء، إنْ عرفت أن الصالح والعادل إلهٌ واحدٌ بنفسه. (تادرس يعقوب ملطي، القديس كيرلس الأورشليمي (حياته -مقالاته لطالبي العماد- الأسرار) ) ق. غريغوريوس النيسي عدل الله هو صلاحه وحكمته وقوته يربط ق. غريغوريوس النيسيّ بين صفات القوة والعدل والصلاح والحكمة في الله، مؤكدًا على اتحاد هذه الصفات مع بعضها البعض في الجوهر الإلهي، وأن مَرد كل الصفات هو لصلاح الله في تعامله مع الإنسان المتقلب والمتغير الإرادة: ((غريغوريوس النيسي، تعليم الموعوظين، ترجمة: د. چورچ فرج، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2022، 3: 20: 1-3، ص 172، 173. )) وبناءً عليه يقر الجميع أنه يجب أن نؤمن أن اللاهوت ليس فقط قويًا، بل وأيضًا عادلاً، وصالحًا، وحكيمًا، وفيه كلّما يخطر على الذهن من صفات سامية، وبالتالي، فيما يخص التدبير موضوع حديثنا الحالي، فإن الله لا يمكنه من ناحية أن يرغب في أن تظهر واحدة من صفاته العالية في الخليقة، ومن ناحية أخرى، ألا تظهر إحدى صفاته الأخرى. وبشكلٍ عامٍ، لا تنفصل أي واحدة من الصفات السامية الإلهية عن الصفات الأخرى، فالفضيلة ليست بمفردها، ولا الصلاح يكون صلاحًا حقيقيًا، إن لم يكن مُتَّحِدًا مع العدل والحكمة والقوة، لأن الظلم والحماقة والضعف ليسوا بصلاحٍ، وأيضًا القوة المنفصلة عن الحكمة والحق لا تُعتبر فضيلةً، لأن هذا النوع من القوة يُعتبر توحشًا وطغيانًا. والأمر نفسه ينصرف على باقي الصفات، إن كانت الحكمة خارج العدل، أو لو كان العدل لا يصاحبه القوة والصلاح، فإن تلك الصفات بالأحرى تُسمَّى شرًا، فكيف يُحسَب غياب الخير من ضمن الصالحات؟ فإنْ كانت كل هذه الصفات من اللائق أن تترافق معًا فيما نعتقده عن الله، فعلينا أن نفحص هل في التدبير بالتجسُّد كإنسان، تغيب أيٌ من هذه الصفات التي تليق بالله؟ وما نطلبه في الله دائمًا هو سمات الصلاح، فأية شهادة للصلاح أكثر وضوحًا من استعادة الإنسان الذي هجر الله إلى الخصم، إذ أن طبيعة الله غير المتغيِّرة والراسخة في الصلاح، لم تتأثر بتقلب إرادة الإنسان المتغيِّرة؟ لأنه لم يكن ليأتي ليُخلِّصنا، كما يقول داود ((مزمور 105: 4، 5 ))، إنْ لم يكن الصلاح يُحرِّك تلك الإرادة. (غريغوريوس النيسي، تعليم الموعوظين) ق. كيرلس السكندري عدل الله هو صلاحه ورأفته يربط ق. كيرلس السكندري بين العدل والصلاح والرأفة في حادثة شفاء الرب يسوع لمريض بركة بيت حسدا: ((كيرلس السكندري، شرح إنجيل يوحنا، مجلد1، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرين، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2015، ص 287. )) لذلك كان حكم المخلص عادلًا وصالحًا ولم يعوقه حتى يوم السبت عن أن يكون رؤوفًا عطوفًا على العليل، لكنه إذ هو الإله يعرف كيف يتمم هذا الأمر؛ لأن الطبيعة الإلهية هي نبع الصلاح، وهذا ما فعله حتى يوم السبت. (كيرلس السكندري، شرح إنجيل يوحنا) مار إسحق السرياني عدل الله هو صلاحه ورحمته يربط مار إسحاق السريانيّ عدل الله وصلاحه مُؤكِّدًا على أن ابن الله أظهر كيف أن الله صالحٌ وطيبٌ ورحومٌ: ((إسحاق السرياني، الميامر النسكية، ترجمة: الأنبا سارافيم، أسقف الإسماعيلية، دير العذراء البراموس، 2017، الميمر 51، ص 480. )) كُن كارزًا بصلاح الله، لأن الله يملك عليك، برغم عدم استحقاقك، وبرغم أنك مدين له بالشيء الكثير جدًا، فهو لا يطالبك بالدفع؛ وعلى الأعمال الصغيرة التي تقوم بها يمنحك مكافآت عظيمة. لا تدعُ الله عادلًا، إذ أن عدله لا يظهر في الأمور التي تخصك. وإذا كان داود دعاه عادلًا ومستقيمًا ((مزمور 25: 8؛ مزمور 145: 17 ))، فلقد أظهر ابن الله أن الله صالح وطيب. فهو يقول: إنه صالح مع الأشرار والخطاة ((لوقا 6: 35 )). كيف تدعو الله عادلًا عندما تقرأ ما جاء في الإنجيل عن أجرة الفعلة؟ يا صاحب ما ظلمتك! فإني أريد أن أُعطِي هذا الأخير مثلكأم عينك شريرة لأني أنا صالح ((متى 20: 13-15 ))، كيف يستطيع الإنسان أن يدعو الله عادلًا عندما يقرأ ما جاء عن الابن الضال الذي بدَّد ثروته بعيشٍ مسرفٍ، وأنه لأجل الندم فقط الذي أظهره، ركض الأب وعانقه وسلَّطه على كل غناه ((لوقا 5: 11 ))؟ لم يقل هذه الأمور بخصوص الله شخص آخر، بل ابنه ذاته، لئلا نشك فيها، وبهذا شهد الابن لله. فأين إذًا عدالة الله، لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا ((رومية 5: 8))، ولكن إذا كان الله رحومًا هنا، فلنؤمن بأنه لن يتغيّر. (إسحاق السرياني، الميامر النسكية( الأب يوحنا الدمشقي عدل الله هو صلاحه وحكمته يشرح الأب يوحنا الدمشقيّ عدل الله وصلاحه وحكمته في تدبير خلاص الإنسان من أسر الشيطان، فعدل الله ظهر في انتشال الله للإنسان من الموت: ((يوحنا الدمشقي، المائة مقالة في الإيمان الأرثوذكسي، ترجمة: الأرشمندريت أدريانوس شكور، منشورات المكتبة البولسية، 1984، 3: 45: 1، ص 151، 152. )) ومن ثمَّ، فإن الرب البارئ نفسه قد اتخذ على عاتقه الدفاع عن جبلته الخاصة، فصار بعمله معلمًا. فإن العدو لما كان قد خدع الإنسان بأمل التأله، فقد انخدع هو بظهور جسد، واتضح للحال صلاح الله وحكمته وعدله واقتداره: فقد ظهر صلاحه تعالى بأنه لم يحتقر ضعف جبلته الخاصة، بل انعطف عليها في سقطتها ومدَّ لها يده. وقد ظهر عدله بأن الإنسان لما كان مغلوبًا، لم يترك الله لغيره أن يقهر الطاغي ولا انتشل الإنسان بالقوة، بل إن الصالح والعادل قد جعل ذاك نفسه الذي كان الموت قديمًا قد استعبده بالخطايا يعود اليوم من جديد فينتصر، فخلَّص المثل بمثله. وقد كان الأمر مستعصيًا، وكان من شأن الحكمة أن تجد حلًا لائقًا جدًا للأمور المستعصية. (يوحنا الدمشقي، المائة مقالة في الإيمان الأرثوذكسي) --- ### المؤلفون يغيرون الدنيا - Published: ۲۰۲٤-۰۷-۲۵ - Modified: 2024-07-26 - URL: https://tabcm.net/28275/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: ألبرت أينشتاين, الصوفية, باروخ سپينوزا, تشارلز روبرت داروين, جواهر لال نهرو, چان پاتيست پيير أنطوان دو مونيه شوفاليه دو لامارك, چورچ برنارد شو, چيمس واط, فريدريك فيلهيلم نيتشه, ڤيودور ميخائيلوڤتش دوستويڤسكي, كارل هانريش ماركس, ليڤ نيكولاياڤيتش تولستوي, مهاتما غاندي, ونستون ليونارد سبنسر تشرشل أنا لا أبالي ما يقال عن أسلوب الكتابة، ولكني أبالي أسلوب الحياة، ولا أعبأ ببلاغة العبارة، ولكني أُعنى بأن تكون الحياة بليغة، بحيث نحيا متعمقين متوسعين. ومع أني ألَّفت نحو خمسة وثلاثين كتابًا فإن كتابي الأول الذي عنيت بتأليفه هو حياتي؛ هذا المشروع، هذه الخارطة التي رسمتها والتي أعود إليها من وقت لآخر بالمحو والتنقيح والتصحيح. بل إن الكتب التي ألفتها هي فصول من كتابي الأول من حياتي الحياة مشروع نضع تخطيطاته منذ نبدأ الوجدان وندري ما نفعل، أو هي خارطة نأخذ في رسمها مدة سبعين أو ثمانين سنة. فنحن المسئولون عن إتمام هذا المشروع أو رسم هذه الخارطة. ومع أننا نعرف من السيكلوجية الحديثة أن سلطة الأبوين، وسط العائلة، وطراز المجتمع الذي نعيش فيه، وتراثنا البيولوجي، نعرف أن لكل هذا أثره في تكويننا وتوجيهنا، فإن النظر إلى الحياة باعتبارها مشروعًا يخطط أو خارطة ترسم، هذا النظر يستحق الاعتبار، ويجب أن تكون له مكانة في الطاقة النفسية لكل إنسان. وإذا كانت «الوجودية» تجعل من الفرد المسئول الأول عن أعماله، وتزعم أن هذا فلسفة، فلا أقل من أن نسلِّم نحن بهذا الزعم ونهدف منه لا إلى الفلسفة، ولكن إلى البناء الأخلاقي. وحَسَنٌ في الأخلاق أن نقول إننا مسئولون عما نفعل، وفيما يلي بعض الخطوط التي أنقلها إلى القارئ الشاب عن مشروع حياتي أو خارطتها، فقد يكون فيها عبرة صغيرة إلى جانب الزَّبد الكثير. بدأت أرسم خارطة حياتي حوالي عام ١٩٠٦ حين ساء الوسط العائلي، وكان يتعقبني بالعذاب «رجل نيوروزي» جعلني أبيت وأصبح في كرب لا يطاق، ففررت إلى أوروبا. وهناك انبسطت لي آفاق، وحلمت أحلامًا ورأيت رؤًى، وشرعت أدرس اللغتين الفرنسية والإنجليزية، وأختلط بعناصر جديدة في المجتمعات والعائلات، وأقرأ من الكتب ما يشِعُّ النور في عقلي ويبعث الشجاعة في قلبي، فقررت من ذلك الوقت، وأنا حوالي العشرين أن أكون متمدنًا ومثقفًا. وقد مضى عليَّ نحو خمس وأربعين سنة وأنا أعاني الخصومات بسبب هذا القرار السري! رأيت شعوبًا حرة لكل منها الكلمة العليا التي تتضح في الانتخابات البرلمانية، ورأيت مشاكل الشعب تدرس في البرلمان الذي له وحده حق تعيين الوزارات وإسقاطها، ورأيت جرائد تعالج المذاهب وتناقش الساسة، ورأيت الاجتماعات التي يجتمع فيها الرجال والنساء ويبحثون فيها مشاكل العالم. ورأيت البيت النظيف، والشارع النظيف، والكتب العديدة، والمكتبات المجانية، واختلطت بكل ذلك، وتحدثت إلى الفرنسيين والإنجليز، وشرعت عندئذٍ آخذ بأساليب المتمدنين، وأهدف إلى أهدافهم، وأدرس وأتعلم وأتجول وأتأمل... وعرفت فوق ما عرفت أن المرأة يمكن أن تكون إنسانًا حرًّا لا يختبئ من الدنيا وينظر إليها من صير القفل، ولكن يواجهها في شجاعة، تتعلم وتعمل وتتحمل المسئوليات. ورأيت جمالًا في الحب بين الشبان والفتيات، رأيت التمدن! وعنيت أكبر العناية بتعلم اللغتين الإنجليزية والفرنسية، واتصل عقلي عن سبيلهما، بأكبر العقول القديمة والحديثة، وكثيرًا ما كنت أسهر الليل كله حتى الصباح، وأنا في لذة الحماسة بقراءة كتاب لنيتشه أو قصة لدوستويفسكي أو كتاب للعقليين أعداء القرون المظلمة. والتحقت بالجمعية الفابية، ورأيت برنارد شو في لحمه ودمه، وكانت هذه الجمعية تومئ في بداية هذا القرن إلى منتصفه، وكانت دعوتها إلى الخير والبر ترافقها دعوة أخرى إلى الشرف والشجاعة، وسمعت من منبرها رجالًا ونساءً من الإنجليز يقولون: «يجب أن نخرج من مصر»، فأحببت الإنجليز... وكرهت الاستعمار. ورأيت بين أعضائها رجالًا ونساءً يقبلون على الأدب الروسي، ويدرسون المشاكل التي خلَّفها داروين، ويبحثون «تنازع البقاء» ومعاني «العصرية»، ويتعمقون الطبيعة لاستخراج ما فيها من أخلاق، من تنازع أو تعاون. ورشحتْ نظرية التطور إلى وجداني وتشبَّعتُ بها فصارت مزاجي وأسلوبي، وكبرت قيمة الإنسان في نفسي؛ لأني عرفتُ تاريخه الماضي في مئات الملايين من السنين، كما صرت أحس بتاريخه القادم في المئات من السنين أيضًا، وتحملت بهذه المعرفة مسئولية وأحسست دينًا، ولم يُنقص من قيمة هذا الدين أنني وقفت على مئات الخرافات التي وقع فيها الإنسان، لا، بل إن هذه الخرافات قد زادتني احترامًا وحبًّا للإنسان؛ إذ هي كانت محاولاته المتكررة للوصول إلى الحقائق، فقد انتقل من السحر إلى العلم، ومن النجامة إلى الفلكيات، ومن الكهانة إلى الضمير، ومن ذلق الرق إلى شرف الإنتاج. وكان أكبر جزء في «مشروع» حياتي أني احترفت الثقافة، فكانت حرفة وهواية معًا، لا أبالي ما فيها من تعب وعرق. وقد بنيت بها شخصيتي وأنضجت بها وجداني، واستطعت أن أنسلخ من عقائد الطفولة، وأن أصل إلى اليقين الجديد بهداية داروين وأينشتاين، وأصبح عقلي عالميًّا عامًّا أحس صداقتي لنهرو، وخصومتي لتشرشل، وأُعنى بدراسة الصحارى، واحتمال زراعتها في آسيا وأفريقيا، وأفكِّر في مستقبل الأحياء، وأخشى انقراض بعضها. أجل أحس أن العالم كله قد أصبح وطني، ليس لي حق التفكير في مصالحه فقط، بل عليَّ هذا الواجب. وثقافتي لذلك ليست عربية أو إنجليزية أو فرنسية، وإنما هي عالمية، هي في التاريخ وعلى مستوياته، قديمة ووسطية وعصرية، مهما اختلفت لغاتها أو مؤلفوها. ومع أن ثقافتي قد فصلت بيني وبين الكثير من الناس لاختلاف مستويينا، فإنها بسطت لي آفاقًا شاسعة من الفرح والأمل والتأمل والعبرة، فجعلت حياتي أكثر حيوية، وحبِّي للطبيعة أحم وأعمق، وفهمي للكون أوفى وأنور. وقد عرفت هذا الفرق بيني وبين سائر الناس حين وقفت أمام الديناصور قبل أربعة شهور في متحف التاريخ الطبيعي في باريس، فإني وقفت عنده وجعلت أدور حوله وأتأمله وأتخيله أكثر من ساعة. وكنت أرى بالطبع الهيكل العظمي فقط لهذا الحيوان الذي كان يعيش على أرضنا قبل نحو مائة مليون سنة، وكان أكبر من الفيل يزيد عليه في الجرم نحو أربع أضعاف. كان لا يختلف كثيرًا من السحلية أو الورنة، وكان يبيض مثلهما، وقد انقرض لأنه كان جسمًا بلا مخ أو بمخ صغير يفضله مخ البطة أو الكلب ألف مرة، فلما تغير مناخ الدنيا ضاقت حياته، فعجز ومات وانقرض. وقد بقيت شهورًا أقرأ وأفكر في موضوع الديناصور، ثم في ماضي النوع البشري ومستقبله بعد إذ دخلنا في العصر الذري، هذا العصر الخطر الذي تكاد تتغير فيه وجهة التطور بإبادة الإنسان، ثم تحيا الأرض بعد ذلك نحو مليون سنة في الظلام، إلى أن يكون الشمبانزي قد تهيأ للسيادة والتسلط عليها! ومع أني احترفت الأدب والعلم والثقافة، فإن هذه جميعها هي عندي حياة كفاح أكثر مما هي حرفة؛ ولذلك أنا لا أبالي ما يقال عن أسلوب الكتابة، ولكني أبالي أسلوب الحياة، ولا أعبأ ببلاغة العبارة، ولكني أُعنى بأن تكون الحياة بليغة، بحيث نحيا متعمقين متوسعين. ومع أني ألَّفت نحو خمسة وثلاثين كتابًا فإن كتابي الأول الذي عنيت بتأليفه هو حياتي؛ هذا المشروع، هذه الخارطة التي رسمتها والتي أعود إليها من وقت لآخر بالمحو والتنقيح والتصحيح. بل إن الكتب التي ألفتها هي فصول من كتابي الأول من حياتي. وليست حياتي هذا العمر القصير الذي أحياه بدمي ولحمي، وإنما هي تعود إلى ألف مليون سنة مضت، ألم أكن سمكة في يوم ما؟ ألم أعش على الشجر في وقت ما؟ لقد حمل جسمي آثار هذه الملايين من السنين الماضية ولا يزال بعض هذه الآثار واضحًا، أراه بعيني إلى الآن كما أرى بعيني وأسمع بأذني كلمات مصر الفرعونية وآثارها في العقائد العامية بل الشعبية. وكذلك ليس هذا الماضي هو كل العمر، فإني أحمل من الاهتمامات بمستقبل البشر ما يعد همومًا شخصية لي؛ لأني أدين بنظرة، كدت أقول عقيدة، التطور، ولذلك لا أُطيق عبث الأطفال الذين يقيدون حرية الفكر، أو يكرهون الكتب، أو يؤخرون الصناعة، أو يستمسكون بالخرافات والتقاليد المؤدية؛ إذ هم أعداء التطور. ومن أجمل الإحساسات التي أستمتع بها في فترات اليأس، والتي تُحيل هذا اليأس إلى رجاء أن مؤلفاتي وأفكاري، ومنهجي وكفاحي، كل هذا لن يموت بعد موتي؛ إذ هو سيبقى ويؤثر ويوجِّه ويفتح النوافذ للنور، وأنا بذلك أتجاوز حياتي، وأحيا بعد موتي. وقد قرأت أكثر من ألف كتاب، وأخصبت الكتب حياتي، وجعلتني مثمرًا مضيئًا، ولكن الكتاب الأول الذي له فضل الصياغة والتوجيه لشخصيتي هو كتاب داروين «أصل الأنواع»، فإنه زاد عمري من سبعين سنة إلى ألف مليون سنة، وجعلني أحس الوجدان، ليس على هذه الأرض فقط، بل إزاء الكون كله بنجومه وكواكبه وشظايا ذراته، وأحس أن للطبيعة أخلاقًا. هذا هو مشروع خارطة حياتي، فما هو مشروعك؟ كيف رسمت، كيف ترسم خارطة حياتك أيها القارئ؟ هناك زعم أو وهم يقول بأن الساسة يغيرون الدنيا بالاستعمار والحروب والمعاهدات، وقراءتنا المتوالية للصحف تعمم هذا الزعم أو الوهم؛ إذ إننا نجد الأسماء البارزة للساسة، ونقرأ أخبار الحرب الكبرى الأولى، ثم الحرب الكبرى الثانية فيتأيد هذا الزعم أو الوهم. وليس شك في أن الحروب والمعاهدات تغير، وقد غيرت الجغرافية السياسية للأقطار، كما أنه ليس شك في أن المباشرين لهذه التغييرات كانوا من السياسيين أو العسكريين، ولكن هذه التغيرات لم تكن تصل إلى صميم النفس البشرية. ومع ذلك عندما نتأمل ونتعمق الأسباب والبواعث لهذه الحروب نجد أنها كانت ثمرة أو نتيجة لابتكارات علمية قام بها مفكرون اخترعوا الآلات، أو ابتكروا الأساليب، أو ألَّفوا الكتب لإعلان نظريات جديدة. أعتبر هاتين الحربين الكبريين الأخيرتين، فإننا نسمع فيهما عن رجال السياسة ورجال الحرب، ولكن هؤلاء الرجال قد باشروا هاتين الحربين فقط ولم يكونوا السبب لإثارتها؛ لأن السبب يرجع إلى الآلة البخارية التي أخرجها رجل مفكر هو جيمس واط في عام ١٧٧٦، ذلك أن هذه الآلة قد عمَّمتِ الإنتاج الكبير، في المصنوعات فاحتاج هذا الإنتاج الكبير إلى الحرب والاستعمار. وما زلنا نحن في حرب واستعمار بسبب هذه الآلة التي أحدثت ولا تزال تحدث مزاحمة دموية بين جميع الأمم الصناعية. والمعنى والدلالة هنا أن السياسي والعسكري قد سار كلاهما في أثر المفكر المخترع الذي انبعث إلى التفكير بقوات اجتماعية أخرى. وقد غيَّرت الحربان الأخيرتان تخوم الأقطار؛ أي غيرت الجغرافية السياسية، ولكنها لم تغير الاتجاه البشري أو الاتزان النفسي، فالأوروبي الآن هو الأوروبي الذي يعيش قبل سنة ١٩١٤ من حيث إيمانه أو طموحه أو تفكيره أو عاطفته. ولكن الدنيا تغيرت بالكتب، وعندنا على ذلك المثل الأكبر، فإن كتب الدين قد غيَّرت النفس البشرية؛ إذ عيَّنت لنشاطها اتجاهًا وأكسبتها أهدافًا لم تكن لتعرفها من قبل. وهذا الخلاف الخطير القائم الذي قد يؤذن بالحرب الكبرى الثالثة بين الكتلة الشرقية والكتلة الغربية، كتاب ألَّفه كارل ماركس. وهناك عشرات من الكتب الأخرى لها مثل هذا الأثر أو ما يقاربه. ولكن المؤلِّف المبتدع لا يبني على الهواء أو يفكر في الخواء؛ ذلك لأنه يعيش في مجتمع معين يكسب منه عواطفه ويتَّجه اتجاهاته، فإذا كان ذكيًّا تبلورت فيه بعض الاتجاهات البازغة، فصار يمايز بينها ويختار أحسنها، فيدفعها بتفكيره، ويزيدها بيانًا وقوة حتى تتغلب على غيرها من الاتجاهات، وهو بهذه المثابة يتفاعل مع مجتمعه، فينشأ على أوضاعه ثم يعود فيحاول نشأة جديدة له؛ أي للمجتمع. وهناك كتب قد غيرت نفوسنا كما لو كانت ديانات جديدة، بل إن الاختلاف بشأن نظرياتها يشبه إلى حد كبير الاختلاف الديني، فإن المختلفين على كتب نيتشه في مذهب القوة يحتدون ويتعصبون، وكتاب داروين عن أصل الأنواع لا يزال يُحدث مصادمات ذهنية بين التقليديين والابتداعيين، فهو كفر مظلم عند أولئك، وهو رؤيا مثيرة عند هؤلاء. وإني واحد من أولئك الذين تغيروا بنظرية داروين... لأن التطور عندي مذهب سامٍ، قدَّس نفسي وغيرني ووجهني. وهو ليس عندي تفكيرًا فحسب، وإنما هو إحساس وعاطفة وحب وروحية. فقد كان سبينوزا يقول بالوحدة الوجودية على نحوٍ من المذاهب الصوفية الشرقية، ولكنه في ذلك لم يستطع سوى إيجاد الفكرة والفلسفة؛ إذ لم يكن هناك من الأدلة المادية الحسية ما يثبت قوله. أما نظرية التطور فإنها قد غلَّفت عقولنا ثم استقرت في عواطفنا، فهي إحساس وشهوة تنبض بهما عروقنا وتخفق بهما قلوبنا، وإني حين أقعد تحت ظل شجرة خضراء وأستسلم للأفكار الخضراء أحس بدافعٍ من هذه النظرية، بتلك الوحدة الوجودية حتى لأقول كما كان يقول ذلك القديس المسيحي: أخي الطير وأخي الشجر وأخي الوحش. بل أحس كأني أريد أن أنكبَّ على الأرض كما كان يفعل «اليوشا» في قصة «الإخوة» لدوستويفسكي... هذه الأرض الطيبة، هذه الأم القديمة. وهذا كتاب واحد من عشرات الكتب التي غيرتني. ولم يقتصر التغيير على العقل، إذ قد تجاوزه إلى النفس، فتغيرت رؤياي للدنيا وتغيرت نفسي ومزاجي وعاطفتي. وهو تغيير يحسبه الجاهل كفرًا وأحسبه أنا إيمانًا. وهناك كما قلت عشرات من الكتب البذرية التي تنمو وتتفرع وتتوالد في كثرة لم يكن يتوقعها حتى مؤلفها. أعتبر الفكرة البذرية في أحد مؤلفات برنارد شو، وهي أن البشر يجب أن يهدفوا إلى استنتاج السوبرمان الذي سوف يتفوق علينا ذهنًا وروحًا وجسمًا بمقدار ما نتفوق نحن على القردة. ما أطيبها من فكرة وما أبرها من مذهب! إنها مذهب من أرقى المذاهب البشرية الجديدة. أو أعتبر الفكرة البذرية في كتاب أينشتين، هذا الكون الدائري، وهذه الطاقة الذرية، وهذه المادة التي تذوب في الطاقة، وهذه الطاقة التي تتكاثف إلى المادة. بل أعتبر هذه القوة الجديدة في هذا العلم الجديد: «علم الطاقة الذرية»؛ فإن المفكرين الذين أحزنهم وهد ضمائرهم إلى إلقاء القنبلة على هيروشيما يسمعون الآن في طرب محاولة الروس نقل المياه التي تذهب عبثًا وخسارة إلى المحيط القطبي الشمالي إلى بحر قزوين المتاخم لإيران حيث تروي خمسة ملايين فدان تستحيل من صحراء قاحلة كالحة إلى أرض نضرة تبتسم بالخيرات. وكل هذا من أثر الكتب. إنها لكتب مقدسة هذه التي تغير الدنيا وتغير اللفتة البشرية، كتب داروين، ولامارك، وأينشتاين، وتولستوي، وبرنارد شو، وغاندي وأمثالهم من الذين يرسمون لنا خطوات الفهم والشرف نحو المستقبل. والذهن الذي تربى على هؤلاء المؤلفين، وأكل وهضم من موائدهم. يبصق بصقة الاحتقار على دعاة الرجعية من الكتاب التافهين. والذهن الذي تربى على هؤلاء المؤلفين وأمثالهم لا يستطيع أن يتسامح في جريمة القتل أو الفسق أو البطش أو الخيانة. ولكنه يعرف أن هناك جريمةً تعلو على جميع هذه الجرائم في الخسة والنذالة والحقارة والخيانة، هي الحجْر على الذهن البشري ومنعه من التطور بتعيين الكتب التي لا تقرأ ... هذه هي الخيانة الكبرى للإنسانية. والحكومة التي تجترئ على مثل هذه الخيانة، فتمنع كتابًا قيِّمًا من الدخول إلى بلادنا، أو من الطبع أو التداول، هي حكومة تخون الإنسانية وتنتهك الفكر البشري المقدس. وهي بهذا الانتهاك تقاوم الفهم والذكاء عند أبناء الشعب كأنها تحاول أن تجعلهم بُلداء أغبياء. ••• من الأسئلة التي يضعها كاتب سخيف لقراء سخفاء هذا السؤال: لو أنه حُكم عليك بالانفراد سائر عمرك في جزيرة أو سجن، أي كتاب كنت ترغب في اقتنائه حتى تأنس أو تنتفع به؟ وسخف هذا السؤال يرجع إلى أن العقل العصري الراقي قد أصبح عقلًا مركبًا يحتاج إلى التناقض والتناسق، وإلى المنطق والإيمان، وإلى الخيال والتعقل، وإلى التحليل والتركيب، وإلى الحقائق الموضوعية والأفكار الذاتية. وكل هذا لا يمكن أن يحويه كتاب واحد. ونحن نختار الكتاب في العادة كي نتزيد في معارفنا، ولكن المعارف الموضوعية هي المادة الخامة للثقافة؛ إذ ليست الثقافة معارف فقط، وإنما هي موقف واتجاه وعواطف وعادات في الحياة والممارسة الفلسفية. وصحيح أن كل هذا ينبني على المعارف الموضوعية، ولكن هذه المعارف هي الدرجات الأولى أو الأسس التي نبني عليها حياتنا الفلسفية. وهناك من الأذكياء من حظوا بمركبات نفسية تبعثهم على الاستطلاع، فيجدون فيها الإيحاء والتوجيه دون الحاجة إلى مَن يرشدهم. ولكن معظم القراء يحتاجون إلى المؤلف الذي يثير الاستطلاع ويبعث إليهم بالخسائر ويوجه ويرشد؛ إما لأنهم ليسوا على درجة عالية من الذكاء المتسائل، وإما لأنهم قد خلوا من تلك المركبات النفسية التي صادفت غيرهم لاختبارات أو كوارث وقعت بهم فكانت المنبه والمحرك لنشاطهم الذهني. والمؤلف العظيم الذي يعلمنا هو ذلك الذي يستنبط من المعارف موقفًا فلسفيًّا جديدًا، أو خطة واتجاهًا جديدين للفكر البشري. والكاتب هو الذي يوجهنا أو يغيرنا. وأحيانًا يتغير القارئ لأنه انساق في موجة جديدة قد أحدثها كاتب عظيم قد لا يعرفه هذا القارئ، ولكن الموجة التي مست غيره قد انتهت إليه فأثرت فيه وأحدثت وقعًا جديدًا في نفسه وعقله. وليس كل منا كما قلنا قادرًا على الاستنباط الفلسفي من المعارف، أو ليس قادرًا على الاستنباط الأمثل؛ ولذلك نحن نحتاج إلى المؤلفين المستنبطين الذين يبسطون أمامنا آفاقًا جديدة، أو يرشدوننا إلى دلالات أخرى غير ما تعودنا، أو يبرزون لنا الفكرة الإيمائية من بين العشرات من الفكرات المألوفة. وقد تغيَّرت الثقافة بهؤلاء الكتاب الإيمائيين من عصر لآخر، وبعض العصور يساعد على هذا التغيير؛ لأنه بمركباته الاجتماعية المتغيرة ينشط الذهن بل أحيانًا يلهبه، في حين أن العصر الزراعي مثلًا يعمم الركود، فلا ينبه المؤلف؛ ولذلك يكثر مؤلفو التاريخ ودعاة التقاليد في المجتمع الزراعي الراكد، أما المجتمع الصناعي أو التجاري المتغير فإنه يبعث المؤلف على بحث الأخلاق والعقائد والأفكار، وقد يهتدي في هذا البحث إلى ما يلائم من خطة أو فلسفة أو وجهة جديدة، وهذه هي النهضة. وحيث تكون النهضات، كما في إيطاليا في القرن السادس عشر، أو فرنسا في القرن الثامن عشر، نجد التساؤل والاستطلاع، ثم الاستنباط تحليلًا وتركيبًا. فالمؤلف يسلط النور والحرارة معًا على المجتمع المتغير الذي يعيش فيه، فيؤلف عن وجدان اجتماعي وإحساس روحي واختلاق فني، وقد يحدث من ذلك أحيانًا اختلاط وفوضى، ولكنهما ليسا أمارة الانحلال، وإنما هما علامة النشاط في مجتمع يمرح مرح الطفولة التي تزخر بالحياة. وهذا بعكس المجتمع الزراعي حيث ركود التاريخ والتقاليد، فإن مثل هذا المجتمع لا يربِّي المؤلِّف المجدِّد، بل هو قد يمنع الكتب التجديدية الأجنبية من الانتشار، ويحظر التفكير في ميادين دينية أو اقتصادية أو اجتماعية؛ إذ هو كالمريض يكره الحركة ولا يتمنى أكثر من الهدوء، ولو كان هدوء الموت؛ ذلك لأنه لا يجد في هذا التجديد ما ينبهه تنبيه الصحة، ولكنه يجد فيه ما يزعجه بل يزلزله. وعلى القارئ أن يختار الكتب كما يختار المعلمين والأصدقاء الذين ينشد فيهم النور والنار معًا. وهذه الكتب هي التي تخرج به عن مألوفه، وكما يخرج الفقير الذي يعيش في زقاق محدود إلى الحقول، فينتعش ويتنفس الهواء الجديد، كذلك يجب على القارئ أن يخرج عقله من المعارف المألوفة؛ أي من الطريق الدهس، إلى تلك الآفاق الرحبة حيث النور والهواء المنعشان. أجل، وحيث الوعورة في الطبيعة البكر التي تبعث على التفكير البكر الوعر. ولكل عصر مناخه الثقافي، ولكننا نعيش في مصر في مناخ لا يلائم القرن العشرين، وإنما يلائم القرن العاشر! أجل نحن في عقم ثقافي، ومن هنا كان تخلفنا الاجتماعي والاقتصادي، ومن هنا أيضًا تفاهة التفكير في المفكر التافه، حين يقول إن الطربوش شعار وطني، أو إن المكان الطبيعي للمرأة هو البيت، أو حين يتحدث عن الكم الطويل والكم القصير، كأن هذا الموضوع يرتفع في اعتباره إلى مقام المشكلة الفلسطينية. ومرجع هذا أن هؤلاء المساكين لم يرتقوا بكتاب توجيهي ينقلهم من الركود إلى النشاط؛ ولذلك كثيرًا ما أقعد إلى أحد هؤلاء فأجد أنه قد بلغ الستين من السن الزمنية، ولكنه لا يزيد على صبي في العاشرة من حيث النضج السيكلوجي. ولا أستطيع أن أقول إن الكتب العربية ترتفع إلى مقام يتيح لها تخريج الرجل الناضج الذي يتساءل ويستطلع، وإن كان هناك قليل من الكتب المترجمة قد يؤدي هذه الخدمة. وقد كان في مقدورنا أن نترجم نحو مائة كتاب عالمي من تلك الكتب التي غيرت المجتمع ووجهته، ولكن مجتمعنا الزراعي الحاضر يكره هذا التغيير وهذا التوجيه؛ ولذلك أقول مرة أخرى إننا في عقم ثقافي لا نلد ولا نتوالد؛ ولذلك أقول أيضًا في صراحة مؤلمة إن القارئ المصري لن يكون متمدينًا على ذكاء نشيط وعلى ثقافة عصرية، إلا إذا درس لغة أوروبية واستمد منها حاجته من الكتب العظيمة والمؤلفين العظماء الذين يستنبطون الفكرة الخصبة من المعارف الخامة، فينعطف التاريخ ويتغير وجه الأرض، وهؤلاء هم المؤلفون الإيمائيون. وقد قرأت في حياتي مئات الكتب التي زادت وجودي في الدنيا والتي نحوت وتربيت بها، وقد اخترت من مؤلفيها بضعة عشر كان لهم الأثر الأكبر في ترتيب ذهني وتنظيم ثقافتي، ولكن اختياري لهم لا يعني أني أشير على القارئ أن يقرأهم ويعرفهم؛ لأني إنما أردت أن أبسط له بعض الأسباب والنتائج في تكوين شخصيتي، وأن أشير إلى الأعلام البارزة في رحلتي الثقافية عبر عمر قد تجاوز السادسة والستين، وبعض هؤلاء المؤلفين قد عرفتهم قبل أربعين سنة، وإني بالطبع لا أذكرهم هنا إلا لأنهم كانوا اختبارًا عميقًا أثَّر في نفسي طوال هذه السنين. وللقارئ أن ينتقد، وأن يعرف من إصاباتي كيف أصبت، ومن أخطائي كيف أخطأت، ثم بعد ذلك عليه أن يستخرج العبرة ثم يستطلع ويتساءل ويختار، ثم يشق طريقه بنفسه. --- ### المعجزة كخطاب: من ڤسپاسيان إلى حسن البنا - Published: ۲۰۲٤-۰۷-۲٤ - Modified: 2025-03-18 - URL: https://tabcm.net/27951/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: آرثر ماكين, إمبراطور أولوس ڤيتليوس, إمبراطور ثيؤدوسيوس الكبير, إمبراطور جايوس يوليوس قيصر, الإخوان المسلمين, بابليوس كورنليوس تاسيتوس, باسيليدس الغنوصي, تريڤور لوك, توني كاي, تيبيريوس كلوديوس قيصر أوغسطس جرمانيكوس, تيتوس فلاڤيوس قيصر ڤسپاسيانوس أغسطس, ثيؤدورت أسقف قورش, جايوس أوكتافيوس ثورينوس أغسطس قيصر, جايوس سويتونيوس ترانكويليوس, حسن أحمد عبد الرحمن محمد البنا, حسن إسماعيل الهضيبي, زينب محمد الغزالي الجبيلي, سيرابيس, طارق عبد الفتاح سليم البشري, لوسيوس كاسيوس ديو كوكايانوس, مارلون براندو, محمود عبد الحليم, ملك كورش الكبير, نهى ميلور, يوسيفوس فلاڤيوس تحدثنا في السابق عن شهادة الجموع عن الحدث المعجز، واتفقنا على أن انتشار خبر بين الناس لا يعني بالضرورة أن الحدث قد حصل بسبب اعتبارات نفسية كثيرة لم تكن معروفة في ذلك الوقت ولكنها معروفة الآن بشكل تجريبي، كما قدمنا أمثلة، واتفقنا أيضًا على أن كل حدث يحتاج إلى دراسة منفصلة دون فتح باب كسر الطبيعة على مصراعيه. واليوم سنتحدث عن الدور الأيديولوجي للمعجزة، وكيف يتم سردها لدعم أيديولوجية وكيف أن هذا السرد سمة عامة لدى معظم الجماعات. وبالطبع لن نتحدث عن المعجزات التي تعرفها، وليس هدفي الطعن في صحتها، ببساطة الله قادر على كل شيء! لكن دعونا نتحدث عن المعجزات التي من الممكن ألا تعرفها لكي ترى الظاهرة في السياق الأوسع، ووسط جماعات قد لا تتخيل وجود معجزات عندها. وسنبدأ من زمن أبعد، من عند الوثنيين! بعد انتصار الإمبراطور ڤسپاسيان في صراعه مع ڤيتليوس، أصبح الحاكم الأوحد، ومن أجل تعزيز حكمه، سار على خطى الأباطرة الذين سبقوه مثل يوليوس قيصر، وأغسطس قيصر، وكلوديوس قيصر. نال "يوليوس قيصر" ألقابًا إلهية، وبعده تم تأليه "أغسطس قيصر" وأصبح يُطلق عليه "إله ابن إله". قرر ڤسپاسيان أن يسير على نفس النهج وأن يدعم نفسه بأيديولوجيا تحمي مُلكه من أي ثورات وتمنحه سلطة على عقول وقلوب الناس. من ضمن هذه الدعاية كانت فكرة أنه رجل تقي يصنع المعجزات! بل إن بعض المؤرخين ينقلون هذه المعجزات أيضًا، ومن بينهم المؤرخون المشهورون مثل تاسيتس وسويتونيوس وكاسيوس ديو ((عاش تاسيتس وسويتونيوس في عصر ڤسپاسيان. )). المعجزة الأولى عن اثنين من الإسكندرية، أحدهما كفيف والآخر يده مشلولة. عندما رأيا الإمبراطور قادمًا، رميا نفسيهما أمامه وطلبا منه أن يشفيهما لأن الإله سيرابيس ظهر لهما وقال إن الإمبراطور عنده القدرة على شفاء الإعاقات، وأيضًا حدد سيرابيس طريقة الشفاء التي ستحدث، حيث قال سيرابيس إن بُصاق ڤسپاسيان سيُشفى الأعمى، ولمسه من كعب رجله ستُشفى الذي يده مشلولة ((سويتونيوس في كتابه عن ڤسپاسيان الفصل 7، الفقرة 2 و3. )). في البداية، كان الإمبراطور مترددًا، ولم يرغب في التجربة، لكن المُحيطين به توسلوا إليه حتى قرر أن يحاول. فسمع الكلام الذي قاله سيرابيس واستخدم البصاق في شفاء عين الأعمى، فأبصر فعلًا. وبالنسبة للذي يده لا تتحرك، جعله يمد يده ومر بخطواته من فوقها، فشُفيت واستطاع تحريكها. ڤسپاسيان لم يكن يشفي فقط، بل كان يرى رؤى أيضًا. فمثلًا، رأى في معبد سيرابيس رؤيا عن شخص يُدعى باسيليدس، وكان هذا الأخير مريضًا طريح الفراش في مدينة بعيدة. رأى ڤسپاسيان في منامه باسيليدس وهو يُغدق عليه العطايا الرمزية وكأنه يُنصّبه على الحُكم. يحكي سويتونيوس أن بعد موت ڤسپاسيان، جلس ابنه تيطس على العرش. وفي وقته، في سنة 80م، حدث وباء شديد. يذكر سويتونيوس أن تيطس أخذ رداء أبيه وقدّم نفسه على أنه سيرابيس الجديد وبدأ يلمس الناس ويشفيهم. يشير تريڤور لوك إلى أن معجزات تيطس كانت معروفة في وقت مبكر قريب من الوقت الذي كتب فيه المؤرخ اليهودي فلافيوس يوسيفوس كتابه عن حروب اليهود. ويذكر يوسيفوس أن اليهود في فلسطين جففوا آبار المياه لمقاومة الرومان، لكن تيطس وجيوشه حصلوا على كميات كبيرة من المياه بشكل معجزي. ((تريڤور لوك، Theologies of Arrival at Rome in the First Century، 2010، ص. 85. )). بعد المسيحية، ظل الأباطرة يصنعون المعجزات بشكل عادي جدًا، ولكن بدلًا من أن يقوم بها سيرابيس، أصبحت تحدث في سياق مسيحي. فمثلًا، نقرأ عن الإمبراطور ثيؤدوسيوس الكبير أنه في يوم 6 سبتمبر 394م، وفي وسط حرب طاحنة، قرر ثيؤدوسيوس أن يطلب معونة الله. ولما صلى، جاءت رياح عظيمة وضربت جيش الأعداء وفرقت أسلحتهم، فلم يقدروا أن يطلقوا ولو سهم واحد. وغطت سُحب ترابية عظيمة جيش الأعداء وأجبرتهم على إغلاق عيونهم، فهاجمهم جيش الإمبراطور وقتلهم جميعًا. هذه القصة برواية المؤرخ ثيؤدورت، أسقف قورش، الأمر الذي يجعلنا نرى أن كتابة التاريخ وقتئذ لم تصل حتى للتحقيق الصحفي المعاصر للخبر. وأن الكتابات التاريخية الكلاسيكية كثيرًا ما تخلط الأحداث الطبيعية بما هو ميتافيزيقي بشكل عادي جدًا، والمهم أن المُنتج النهائي يحقق الأجندة التي يريد الكاتب نشرها بين الناس. في سياق موازٍ، سأحكي لك قصة مشابهة، قصة رجل كان يهاجم معسكر الأعداء في مهمة شديدة الخطورة. ولما دعا ربه استجاب له، وجعل جيش العدو لا يراه، فدخل من بوابة المُعسكر ونفذ عمليته بداخله وخرج، ولم يره أحد قط بشكل مُعجز. هذا الرجل ليس من جيش ڤسپاسيان ولا تيطس، بل هو مجاهد يحكي عنه حسن الهضيبي، المُرشد الثاني لجماعة الإخوان المسلمين. قصة هذا المجاهد أنه كان ينفّذ عملية ضدّ الإنجليز في الأربعينيات من القرن الماضي بهدف تدمير مستودعات ذخيرة بالقرب من قناة السويس. يروي الهضيبي أنّ المعسكر كان شديد الحراسة وأنّ الإخوة كانوا يشعرون بالانكسار وضميرهم يؤنبهم على ذنوبهم. وبعد أن دعا الأخ وطلب المغفرة من الله، حصلت المعجزة ووجد أبواب المعسكر تُفتّح لوحدها وعمى الله أبصارهم عن رؤيته ((نهى ميلور، Voice of the Muslim Brotherhood، ص. 44. )). نفس خط المُعجزات يمثل جُزء أساسي من أيديولوجيا الإخوان المسلمين، في فيديو مشهور لها، وفي مُذكراتها بعنوان: أيام من حياتي، تقول "زينب الغزالي" أنّها تعرضت لتعذيب في السجون المصرية، ولكنها كانت تُشفى بشكل مُعجزي ((زينب الغزالي، في مُذكراتها بعنوان: أيام من حياتي. )). الكلاب تتسلق جسدي كله، أحس أنيابًا في فروة رأسي، في كتفي، في ظهري، أحسها في صدري، في كل جسدي، أخذت أنادى ربى هاتفة: اللهم اشغلني بك عمن سواك، اشغلني بك أنت يا إلهي، يا واحد يا أحد يا فرد يا صمد، خذني من عالم الصورة، اشغلني عن هذه الأغيار كلها، اشغلني بك، أوقفني في حضرتك، اصبغني بسكينتك، ألبسني أردية محبتك، ارزقني الشهادة فيك، والحب فيك، والرضا بك، والمودة لك، وثبت الأقدام يا الله، أقدام الموحدين. كل هذا كنت أقوله بسري، فالكلاب ناشبة أنيابًا في جسدي. مرت ساعات ثم فتح الباب وأخرجت من الحجرة. كنت أتصور أن ثيابي البيضاء مغموسة في الدماء، كذلك كنت أحس وأتصور أن الكلاب قد فعلت. لكن يا لدهشتي، الثياب كأن لم يكن بها شيء، كأن نابًا واحدًا لم ينشب في جسدي. سبحانك يا رب، إنه معي، يا الله هل أستحق فضلك وكرمك، يا الله، إلهي، لك الحمد. (زينب الغزالي، أيام من حياتي) قصص مُماثله كانت تُحكي عن الإمام "حسن البنا" نفسه، يحكي محمود عبد الحليم، عضو الهيئة التأسيسية لجماعة الإخوان المسلمين، أن حسن البنا كان يصلي ليلة الامتحان، فظهر له شيخًا يُمسك الكتاب ويقرأ بعض الأجزاء منه، وهي نفس الأجزاء التي أتى منها الامتحان في اليوم التالي ((محمود عبد الحليم، الإخوان المسلمون: أحداث صنعت التاريخ، وكتاب نهى ميلور، Voice of the Muslim Brotherhood، ص. 44. )). ويحكي طارق البشري، أن والد حسن البنا، يقول إنه وهو طفل رضيع تم إنقاذه بطريقه مُعجزيه من حيَّة كانت وصلت لحد رأسه، وأنّه نجا من مواقف كثيرة بشكل مُعجزي مثل أن وقع عليه هو وأخوه سقف المنزل، لكن السقف تعلّق في السلم ولم يحدث لهما ضرر البتّة. وأنه في مرة أخرى كان على فرس جموح، وكادت رأسه أن تُصدم بجذع صدمة قاتلة لولا أن “ألهمه الله” أن يستلقي على ظهره -فوق الحصان- كي تمر رأسه بسلام. وما إلى ذلك الكثير والكثير ((طارق البشري، الحركة السياسية في مصر، ص. 132. )). بطبيعة الحال، تصديقك أو عدم تصديقك للرواية متوقف على هل أنت بالأصل مُتبنِّيًا لفكر المجموعة التي تحكي القصة، أم لا. ولو أطلعتك على عشرات الأمثلة الموازية من التراث القبطي ستصدق القصة التي تنتمي لجماعتك وسترفض قصة الآخر. المعيار هنا هو أين تقف أنت، وليس المعيار هل نستطيع التحقق من القصة تاريخيًا. وهذا يعني أن المعجزة أدبيًا ليها دور أيديولوجي. حيث أن المُعجزة تخدم أجندة مجموعه مُعينة، ولابد أن تكون مُدركًا في التعامل مع الظاهرة أن الموضوع يتخطَّى القدرة على الإثبات، لأن المُتلقِّي أساسًا مُهيَّأ للتصديق دون إثبات. وهذا ليس احتجاجًا على “استحالة” حدوث المُعجزة، لأن هذا في حد ذاته ادعاء غير قابل للبرهنة، لأن لا أحد يستطيع إثبات النفي، ولكن تستطيع اعتبارها دعوة للنظر للروايات المُعجزية بنظرة أكثر رحابة عن اعتبارها تاريخ مُجرَّد، لا تشوبه الأيديولوجيا ولا الأجندات السياسية، ولكن باعتباره حدث ذو سياق ويستهدف جماعه مُعينة لكي يدعَّم فكرتها عن شخص مُعيَّن. في الحرب العالمية الأولى سنة 1914، وتحديدًا ما بين يوم 22 و 23 أغسطس، اشتبكت قوّه بريطانية مع الألمان كي تُأمن تراجع الجيش الفرنسي في مدينة Mons. عدد الجيش الألماني كان أكبر بكثير من القوّة البريطانية، ولكن استطاع البريطانيون ليوم أن يصمدوا أمام الألمان ثم انسحبوا في اليوم التالي. وإلى هنا والقصة تبدو عاديه وليس بها أي شيء غريب. يوم 29 سبتمبر من نفس السنة (بعد الموقعة المذكورة بحوالي شهر وأسبوع) نشر الكاتب الويلزي آرثر ماكين قصة قصيره بعنوان The Bowmen أو رجال القوس في جريده The Evening News، وكانت القصة مُستوحاه من أحداث موقعة Mons لأنه كان مراسلًا لأخبار الموقعة وكتب عنها تقارير ومقالات صحفية سابقة في خلال الشهر والأسبوع الماضيين. قصة ماكين كانت تحكي عن جندي طلب مُساعدة قديس والقديس أرسل له كتيبه بأقواس وأسهُم ودمروا كتيبه ألمانية. أسلوب القصة يندرج تحت نوع أدبي اسمه false document، في هذا النوع الأدبي يكتب الكاتب قصة غير حقيقية يمتزج فيها المُختلق بالتاريخي، والأسطوري بالواقعي. في نفس العدد من الجريدة، كان هناك كاتب آخر نشر قصة اسمها Our Short Story. ولسبب ما بدأت تأتي لماكين رسائل كثيرة تطلب منه نشر مصادر تؤكد الأحداث التي حكاها في قصته القصيرة. ما حدث أن القراء خلطوا بين قصة ماكين وبين القصة الثانية، واعتقدوا أن ماكين يدّعي أنّ الأحداث التي حكاها حقيقية. لكن ماكين رد وقال أن ليست لديه مصادر لأن القصة غير حقيقية، وأن ليست لديه أي رغبه في اختلاق شائعات، بل هو مُجرّد مستخدم لنوع أدبي مُشوِّق لا أكثر. بعد بضعة أسابيع، وصله طلبٌ من مجلة تابعة لكنيسةٍ، يطلبون منه نشر القصة في كتيب، فوافق ماكين. لكنّه تفاجأ بعدها بأنّ القسَّ المشرف على إصدار المجلة بعث إليه يطلب منه كتابة مقدمة للقصة يذكر فيها مصادره. فأخبره ماكين أنه لا مانع لديه من نشر القصة لكن لا مصادر لها. فردَّ عليه القسُّ قائلًا: إنّه لابد من وجود مصادر بما أنّ القصة حقيقية. فأعاد ماكين الرّدَّ عليهِ مُجدّدًا وأكّدَ أنّ القصةَ ليست حقيقيةً. ونشر كتابًا سنة 1915 بعنوان The Bowman and other Legends of the War كتب فيه أنّه يبدو أنّ هناك مجموعة في كنيسة معيّنة انتشرت بينهم القصة على أنّها مُعجزة حقيقية، ولذلك كانوا مهتمين بالتواصل معه ونشرها، وأنّ الرواية الأدبية التي كتبها تحوّلت إلى قصة دينية منتشرة على نطاق واسع، شبهها بكرة الثلج التي وصلت إلى حجم رهيب، ما اضطره إلى شرح الأمر للناسِ كل مرة بأنها مجرد خيال. بعدها بعام، وفي سنة 1915، نشرت مجلة Spiritualist الدينية البريطانية أخبارًا عن رؤى رآها الناس وقت معركة Mons، وزعمت أن ملائكةً تدخلت لصد الألمان، وأن هذا هو سبب قدرة الكتيبة البريطانية على الاستمرار ليوم كامل في وقف زحف الجيش الألماني الذي كان يتخطاهم في العدد بشكل كبير جدًا. ليس هذا فحسب، بل بدأ الناس يتحدثون عن تفاصيل الملائكة وملابسهم، لدرجة أن البعض زعموا أنهم رأوا جثث الجنود الألمان وعليها جروح تشبه جروح الأسهم. بعض هذه القصص، أثناء انتشارها، كانت مصحوبة بحجج تهدف لإخفاء أسماء الأشخاص المنسوب إليهم أنهم شاهدوا تفاصيل الحادثة. فمثلًا، كان البعض، بعد أن يَحكي القصة، يقول: "لأسبابٍ عسكرية، أسماء شهود العيان لن تُعلَن". وبطبيعة الحال، كل المحاولات التي اُتُّبِعَت لتتبع القصة ومصادرها والذين شاهدوها كانت توصل إلى أنه لا يوجد أي شيء تمامًا، حتى المصدر الأول لها كان يعاني لكي ينفي أنها قصة حقيقية، ويقول إنه لم يكن يعرف كيف يسيطر على انتشار القصة وتطورها. كرد فعل على الأخبار التي انتشرت في إنجلترا وفرنسا، بدأت الصحف البريطانية تنشر ردود الألمان الذين كانوا يحاولون شرح ما حدث يوم الحرب. وفي عام 1930، ظهر شخص يُدعى فريدريك هيرزنورث ونشر مذكراته التي ذكر فيها أن الألمان كانوا يحاولون تخويف الإنجليز عن طريق عكس النور على السحاب، لكن الخطة فشلت واعتبرها الإنجليز معجزة لصالحهم. المشكلة أن ما ذكره هيرزنورث في عام 1930، لم تكن التكنولوجيا اللازمة له متاحة في عام 1914. كما أنه لا يوجد في السجلات الألمانية الخاصة بالحرب ما يُشير إلى أن هذه الخطة كانت جزءًا منها، ولا يُعد اسم فريدريك هيرزنورث من بين أسماء القادة في الحرب أساسًا. وقد أكدت الصحف البريطانية نفسها ذلك عندما نشرت ردًا من ألمانيا ينفي وجود شخصية حقيقية بهذا الاسم. في عام 2001، نُشرت مقالة في صحيفة The Sunday Times البريطانية عن مذكرات وفيلم وصور تؤكد حادثة ملائكة Mons، وكانت منسوبة لجندي حارب في الحرب العالمية الأولى اسمه ويليام دويدج. وظهرت قصص أخرى تُفيد بأنّ ممثلين مشهورين مثل مارلون براندو  وتوني كاي أرادوا شراء هذه المذكرات لتحويلها إلى فيلم (على غرار الإشاعات التي انتشرت في مصر أواخر التسعينيات عن عادل إمام الذي سيدفع ديون مصر مقابل وضع صورته على العملة الورقية). وبدأت البرامج والصحف بنشر أخبار عن الأدلة الجديدة التي ظهرت، وأصبحت القصة أكثر تفصيلًا، وحدّدت مكانًا لاكتشاف المذكرات والصور، وشخصًا معينًا اكتشفها، وقصة عن اكتشافها في مكان قريب من مكان ولادة ماكين. كل هذا بسبب قصة قصيرة خيالية كتبها عام 1914 ولم يضع عليها عنوانًا يشير إلى أنها خيالية. ختامًا، هناك فرق بين استعدادك للتصديق بسبب تصورك عن العالم أو الأيديولوجيا التي تتبناها تجاه نص أو شخص أو جماعه، وبين قدرتك على الاستدلال التاريخي على التصديق. من حقك تصدق أي شيء، والله قادر على كل شيء، ولكن كم الادعاءات التي من الصعب إثباتها والمُنتشره عند كل الجماعات يستدعي الكثير من الحذر في التعامل مع هذه الأخبار. التروِّي والتعقُّل في التعامُل مع المُعجِز هما سمت العُقلاء. ليس بالضرورة أن تكون القصة التي تدعم وجهة نظرك صحيحة، فالحكمة تقتضي منك التعامل بحرصٍ أكبر مع الادعاءات، خصوصًا التي ليس لها دليل تاريخي، والتي من الواضح أنها تخدم إيديولوجيا أو وراءها ظواهر نفسية أصبحنا في عصرنا الحاضر أكثر قدرةً على دراستها وفهمها بشكل أفضل بكثير من السابق. --- ### كنائس لا تعرف المسيح - Published: ۲۰۲٤-۰۷-۲۳ - Modified: 2024-07-23 - URL: https://tabcm.net/28160/ - تصنيفات: إصلاح كنسي تعلمنا أن الكنيسة هي سفينة وميناء راحة بالنسبة للمؤمنين، وهي المكان الذي نذهب إليه لمقابلة المسيح والتعرف عليه، لكن قد تصدم حين تذهب للكنيسة ولا تجد المسيح هناك، وتكتشف أن بعض الكنائس لا تعرفه! وممارساتها تؤكد أنهم لا يعرفون المسيح، ولم يسمعوا منه، بل على العكس ينفذون عكس وصاياه، فالمسيح أراد أن يجمع كل البشر، والقائمين على بعض الكنائس في حي مصر الجديدة شرق القاهرة يفرقون بين المؤمنين على أساس طبقي. في مثل الخروف الضال حكى المسيح أن الراعي ذهب للبحث عن الخروف الضال ليعيده إلى الحظيرة مع الـ99 الآخرين، ولكن الكنائس لا تنفذ وصايا المسيح بل صارت تلفظ بعض المؤمنين، وتحولت إلى مؤسسات اجتماعية واقتصادية، ورياضية وفنية ربحية، تفكر في الربح المادي، وتناست دورها الرعوي في كسب نفوس البشر وفتح الآفاق أمامهم لمعرفة المسيح، فبعض تلك الكنائس وللمفارقة تمنع حضور القداسات والتناول على من هم خارج عضوية الكنيسة أي لا يقطنون الحي السكني، وكذلك حضور مدارس الأحد بالنسبة للأطفال، وتقسمها لقسم خاص بأبناء الأغنياء وآخر لأبناء العاملين الذين يعملون في هذا الحي، لكنهم يسمحون بصلاة الإكليل (الفرح) لمن هم خارج الحي السكني طالما يدفعون ثمن تأجير الكنيسة الذي يتراوح في هذه الكناس بين 3 آلاف جنيهًا و12 ألف جنيهًا وربما أكثر. أعود لما قُتل بحثًا، ونحفظه جميعًا عن ظهر قلب بأن تعريف الكنيسة أنها "جماعة المؤمنين"، وإننا جميعًا نشترك في كوننا "أعضاء جسد المسيح"، هذه الشركة تم فضها قديمًا، بسبب صراعات سياسية على السلطة بين قادة الكراسي فولدت الفرقة والانشقاق، وحاليًا يتم ممارسة سلطوية من بعض الإكليروس على بقية أعضاء جسد المسيح، إضافة للتفرقة الطبقية والمسيح لم يفرق بين البشر بل بحث عن الفقراء والمرذولين والمنبوذين. قد يجيبني البعض بأن ما يحدث في هذه الكنائس هو نوع من أنواع التنظيم لضبط الخدمة وسهولة التعامل مع الرعية، واتفق مع هذا الطرح ولا أعترض على وجود نظام، فهو مهم، لكن لنفحص النظام المتبع في تلك الكنائس، وهل هو جيد وفي صالح الكنيسة (جماعة المؤمنين- أعضاء جسد المسيح) أم لا؟ منذ انتشار وباء كورونا والدخول في حظر مدة عامين تقريبًا، توقفت صلوات القداس والخدمات المختلفة، ثم مع انحصار الوباء بدأت الكنائس تعود لممارسة الصلوات ونشاطاتها مع مجموعة من الضوابط والإجراءات الاحترازية. وبالفعل بدأت الكنائس في تلك الفترة إقامة القداسات يوميًا وتقسيم أعداد المؤمنين على أيام الأسبوع للتقليل من الزحام، ومع ذلك تم التمسك بمنتهى الجمود بـ "الماستير" (ملعقة التناول) ورفض التنازل عنها، وهي ملعقة وحيدة ستمر على أفواه الجميع من الكاهن والشماس لأصغر طفل، وهذا ليس موضوعونا الآن، لكن مع انحسار كورونا تمامًا منذ عامين عادت الكنائس وكافة أنشطة البشر لما كان قبل كورونا. وهنا أذكر مواقف مر بها مقربين لي مع تلك الكنائس، الأول حينما أراد صديق يمر بكنيسة تقع في أشهر ميادين حي مصر الجديدة لحضور القداس والتناول، فرفضوا دخوله للكنيسة بداعي أنه ليس من أبنائها، وأن الحضور بالحجز، أما الموقف الثاني فهو لأصدقاء أرادوا أن يحضر ابنهم مدارس الأحد في الكنيسة القريبة من بيت جده وتقع في الحي القريب من مطار القاهرة، ولكن رفض المسؤولين عن تلك الكنيسة ذلك الأمر، ولم يسمحوا بذلك إلا بعد أن شاهدوا أصدقائي في بيت الجد لفترة طويلة امتدت لشهور، أما الموقف الثالث فهو لكنيسة تقع في نطاق إحدى المدن الجديدة شرق القاهرة ولا يسمح المسؤولين عنها بدخول أحد من خارج الـ"كمباوند" الخاص بهم. لم أرد ذكر أسماء تلك الكنائس لآن الهدف ليس التشهير، ولكن الهدف من هذا المقال هو وقف سياسات ونظام متبع في بعض الكنائس ليس له علاقة بالمسيح وتعاليمه، فهو أرسل تلاميذه ليبشروا ويعمدوا كل الأمم، وقال لهم مجانا أخذتم مجانا أعطوا، ولكن ما يحدث من الإكليروس اليوم وبعض من أعضاء جسد المسيح الذين يرون أنهم مميزون عن غيرهم لأنهم يمتلكون مالًا أو نفوذًا أو سلطة هو أمر في غاية الآسف ويدين تلك الكنائس والقائمين عليها. هذا المقال هو دعوة لمراجعة تلك الكنائس وكهنتها ومجالسها والأساقفة العموم المسؤولين عن بعضها إن وجدوا، فهل من مستجيب؟ أم أن الطبقية صارت أمر مرحب به؟ --- ### كنيسة تنتحر [٣] - Published: ۲۰۲٤-۰۷-۲۲ - Modified: 2024-07-22 - URL: https://tabcm.net/28210/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: إكليروس, الكنيسة القبطية, الكنيسة الكاثوليكية, المدرسة الإكليريكية, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس الخامس, بابا كيرلس السادس, تجسد الكلمة, حبيب جرجس, عصر المجامع, فريدريك براذرتون ماير, قديس أثناسيوس الرسولي, قس ماثيو هنري, ليتورچي, مدارس الأحد عرضنا في الجزء الثاني من مقال "كنيسة تنتحر" نموذجًا محزنًا لكنيسة صارت أثرًا بعد عين، كنيسة شمال أفريقيا، ويشهد لها التاريخ أنها قدمت العديد من القديسين المفكرين المؤسسين للفكر المسيحي وما زالت كتاباتهم منهل للعطشى لفهم لاهوت التجسد، والارتواء من نبع معرفة المسيح، وقدمت جحافل من الشهداء، لكنها لم تقو على صد موجات الاستهداف البربري الوحشي. وساعد على تسارع انهيارها واندثارها روح التشاحن والصراع الفكري، بين مؤمنيها، وحال كبرياء الفرقاء من قادتهم وتشامخ روحهم دون امتلاك قدرة التماسك ودرء شبح الاندثار. ظروف شمال أفريقيا لم تكن مختلفة كثيرًا عن مثيلتها في مصر، غير أن أمران صنعا الفارق: الأرض السمراء، والنيل. كانت الزراعة -في مصر- تعتمد ري الحياض توافقا مع طبيعة النهر، ودورة الفيضان والانحسار، فكان زمن الفلاح متسع أمامه، فملأه أهازيج وتواتر الحكايات. كانت الكنيسة حاضرة، تملأ بحكمة فراغ يوم الفلاح الطويل ألحانًا تترجم إيمانها، وكانت العقائد وسير القديسين محور الحكايا والأهازيج، فكان الفلاح سر بقاء الكنيسة رغم الأنواء، وكانت الليتورچيا (القداسات والتسبحة) التي يحفظها عن ظهر قلب كلمة السر، وكان في الخلفية الذهنية الموروث الحضاري المصري القديم بتجلياته التي تحمل إشارات تكاد تنطق بالثالوث والتجسد والفداء وان كانت غائمة وسط أساطير الأولين. لعلنا نجد هنا احد مبررات الألحان الطويلة الموقعة على النغم الصوتي البشرى، هو فن غنائي فرعوني، رأينا طيف منه في موكب المومياوات في رحلة انتقالها من المتحف المصري إلى متحف الحصارات على مشارف الأهرامات ـ السبت 3 أبريل 2021 ـ والتي هزت وجدان المصريين من كل الأطياف رغم اختلاف اللغة. كان قبول المصريون للمسيحية ناعمًا وقد وجدوا فيها ما يترجم ويفسر غموض موروثهم وما وقر في أذهانهم عبر قرون، وإن واجهوا صراعًا وصدامًا دمويًا مع كهنة المعابد الذين اهتزت الأرض تحت أقدامهم وترنحت معابدهم أمام القادم الجديد. وصارت مصالحهم وسطوتهم ومكتسباتهم في مهب الريح. دعونا نعبر عصر الاستشهاد الذي دشنته الامبراطورية الرومانية ضد المسيحية منذ عصورها الأولى وقد جرت فيه دماء المسيحيين انهارًا، وكانت الرهبنة إحدى تجلياته، وقد أعطى مؤسسوها ظهورهم للعالم ليستكملوا سحابة الشهود التي رصدها كاتب العبرانيين واستحقوا أن يوصفوا معهم بان العالم لَمْ يَكُنِ مُسْتَحِقًّا لَهُمْ. تَائِهِينَ فِي بَرَارِيَّ وَجِبَال وَمَغَايِرَ وَشُقُوقِ الأَرْضِ. في تطور لاحق تقر الإمبراطورية -لأسباب عديدة، كثيرها سياسي- المسيحية ضمن الديانات المعترف بها، لتستريح الكنيسة إلى حين، ثم تدخل معارك الصراعات اللاهوتية، فيما عرف بعصر المجامع في محاولة لرأب الصدوع، ولم تكن القوميات والإثنيات والسياسة بعيدة عنها. ويجد مصطلح "الهرطقة" طريقه إلى الفرقاء، ويستقر في أدبياتهم، وتبدأ معاناة الانشقاق والانقسام والعداوات. يجرى الزمن محملًا بتطورات عديدة لتنهار امبراطوريات وتقوم أخرى، ونعانى في الشرق من تلك التغيرات العاصفة، ويغير الأقباط لسانهم للمرة الثانية ليستقروا عند العربية لسانًا والقبطية تراثًا، وتتحول كنيستهم إلى كنيسة أقلية، وتتحصن القبطية بصلوات وألحان الكنيسة ولا تجرؤ أن تطل على أصحابها خارج أسوارها، وتشهد مصر -بجملتها- وبامتداد أربعة قرون أسوأ عصورها تحت الحكم العثماني، وتدخل الكنيسة نفقًا مظلمًا، وتنكفئ على نفسها تزدرد وتجتر مخزونها اللاهوتي في أقبية ليتورجيتها كنز لاهوتها العتيد. تحرص على تناقله خفية حتى لو انقطعت بها السبل مع فهمها. وان لم يخل الأمر من ومضات تبرق بين حين وآخر. تأتى الصحوة مرتبكة، فكل أدواتها حبيسة لغات متروكة، ما بين اليونانية التي هجرناها مبكرًا وبين القبطية السماعية التي نتداولها مع ألحان الكنيسة دون أن نتقنها، ولم ننجح كأقباط أن نجعلها لغة حياة، او حتى لغة ثانية. كانت بدايات الصحوة مع ترجمة ما عند إخوتنا في كنائس المشرق، أو كنائس الغرب، بمجهودات فردية لعل أبرزها ما قام به الأستاذ حافظ داوود (القمص مرقس داوود كاهن كنيسة مار مرقس بشبرا)، وكانت أهم ترجماته كتب شرح أسفار الكتاب المقدس للكاتب الإنجليزي فريدريك براذرتون ماير، (ف. ب . ماير)، وكذلك القس الإنجليكاني ماثيو هنري (متى هنري)، والعديد من المؤلفات عن القداسات الإثيوبية والموضوعات الروحية، وترجم كتاب "تجسد الكلمة" للقديس أثناسيوس الرسولي، عن الترجمة الانجليزية، ويرجع له الفضل في بعث الاهتمام بالكتاب المقدس بين الأجيال الواعدة للأقباط في جيله. ثم الأستاذ حبيب جرجس، مؤسس منظومة مدارس الأحد. واليه يعود الفضل في دعم المدرسة الإكليريكية التي تخرج فيها ثم صار مدرسًا بها فناظرًا لها في حبرية البابا كيرلس الخامس وبدعمه، وعكف على دعم المكتبة القبطية بالكتب اللاهوتية وإن تعددت مصادرها، بين الروم الأرثودكس والكنيسة الكاثوليكية، ربما باعتبارهما كنائس تقليدية تشترك معنا في نسق الأسرار المقدسة وأبرزها الكهنوت. وتتلمذ على الأستاذ حبيب جرجس كل رواد النهضة الحديثة، وقيض لكثيرهم أن يصيروا أهم القيادات الإكليروسية القبطية الأرثوذكسية وفى مقدمتهم قداسة البابا شنودة الثالث. شهدت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تحولان، في النصف الثاني من القرن العشرين؛ الأول هو استئثار واستحواذ الإكليروس منفردين بإدارة الكنيسة في مضادة لطبيعتها التي كانت تسير على قدمين، متوازنين، الإكليروس والأراخنة، والثاني استقدام الرهبان وبثهم في كل مفاصل الكنيسة، شخوصًا وفكرًا، بغطاء إكليروسي، وكان لهذا تداعياته السلبية على الذهنية القبطية، لاختلاف النهج الرهباني عن نظيره في الحياة العامة، لاختلاف طبيعة ونذور كليهما، خاصة وأن هذا الأمر استقر لأكثر من نصف القرن ومازال متبعًا حتى اللحظة. مع التأكيد على اتفاقهما -نظريًا- في الغاية النهائية لهما؛ معرفة شخص ربنا يسوع المسيح وتأكيد الشركة معه وفيه، لكن كل بأدواته. ويبقى السؤال : وما علاقة كل هذا بعنوان المقال؟ هذا ما سنختتم به طرحنا في جزء رابع وأخير. --- ### التدبير الإلهي في خلق العالم والإنسان - Published: ۲۰۲٤-۰۷-۲۱ - Modified: 2024-07-21 - URL: https://tabcm.net/28141/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: آدم, الترجمة العربية المشتركة, بابا كيرلس عمود الدين, قديس أثناسيوس الرسولي, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية خلق العالم مكتوب في بداية سفر التكوين عن خلق العالم: كان مساء وكان صباح يومًا واحدًا ولم يقل اليوم الأول، لأن الزمن لم يكن موجودًا قبل بَدْء الخليقة، لأن الشمس والقمر خُلقا في اليوم الرابع وبدونهما لا يحدث تعاقب لليل والنهار وتحديد يوم أول أو ثاني. النور الذي خُلِق في اليوم الأول هو الطاقة. وليس هو الشمس ونورها (أشعة جاما) التي خُلِقت في اليوم الرابع. الله خلق الطاقة، ثم وُجِدَت العناصر من خلال الانفجار العظيم. والعناصر تكونت منها المادة الأساسية في صورة النجوم والكواكب والمجرات. والمادة الأساسية هي لخلق الكون الذي نعرفه. نعرف أن المادة تتحول إلى طاقة، ولكن العكس صحيح أيضًا فالطاقة تتحول إلى مادة. هذا تظهره: بالإيمان نفهم أن العالمين أتقنت بكلمة الله، حتى لم يتكون ما يرىمما هو ظاهر. (عبرانيين ٣:١١) وفي الترجمة العربية المشتركة هكذا: بالإيمان ندرك أن الله خلق الكون بكلمة منه فصدر ما نراهمما لا نراه. ( عبرانيين٣:١١، الترجمة العربية المشتركة) خلق الإنسان إن تعبير سفر التكوين عن خلق الله للكون هكذا: ليكن... فكان... ، أما عن خلق الله للإنسان فقال: نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا، لأنه كان ختم صورة الله الحر الحكيم المبدع البار القدوس. قال ق. يوحنا ذهبي الفم عن هذا: قال الله: ”لنعمل الإنسان“ وليس ”ليكن الإنسان“، كأنه يعبِّر عن إرادة وفكر وإعلان إلى شخص آخر له نفس الكرامة. فأي من خلائقه أخذ هذا الشرف العظيم؟ إنه الإنسان الكائن الرفيع والحَرِّي بالإعجاب الذي هو عند الله الأكثر كرامة من كل المخلوقات. (القديس يوحنا فم الذهب) فهل هذا الشرح يشير بطريق غير مباشر إلى تطور الإنسان من خليقة كانت موجودة واختار الله منها أن يخلق الإنسان وهو ما يقول به العلم الحديث؟ الله خلق الإنسان على صورته، وأعطاهم شركة في قوة الكلمة، فأصبح لهم، إذ صار لهم بعض من ظلّ الكلمة، أن يصيروا عقلاء ويصبحوا سعداء ولهم الحياة الحقيقية. 
الإنسان روح ونفس وجسد
الحيوان نفس وجسد. ويقول ق. أثناسيوس إن روح الإنسان هي مركز الحكمة والإرادة في الإنسان التي لا تمتلكهما الحيوانات. فالحيوانات لها نفس وهي مركز المشاعر والغرائز وردود الأفعال. ولكنها غير قادرة على التفكير والإبداع واتخاذ القرار والتغيير. فالروح الإنسانية هي مرآة لروح الله، إذ أن الله نفخ في أنف آدم نسمة حياةفصار آدم نفسُا حية. إن ”النفس“ في التعليم الآبائي القديم تشمل الروح والنفس الإنسانية. و”نسمة حياة“ هي الروح القدس، الذي اتحد بروح الإنسان فصارت نفس الإنسان (التي هي نفسه وروحه معًا) فيها حياة الله. 
وكما يقول ق. كيرلس الكبير: الله نفخ في آدم نفخة الحياة بواسطة الروح القدس الذي استلمه وسكن فيه. (كيرلس الكبير، تفسير إنجيل يوحنا، الجزء الثاني، ص ١١٥) وكما نسبح في ثيؤطوكية يوم الإثنين: لأن آدم أبانا المخلوق الأول بيدي الله الخالق الابن والروح القدس. إن الابن والروح القدس هما يدي الآب وهذا يوضح أن أعمال الله الواحد كلها ثالوثية. --- ### إيماننا غير متعلق بتعليم الأنبا شنودة - Published: ۲۰۲٤-۰۷-۲۰ - Modified: 2024-07-20 - URL: https://tabcm.net/27946/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أنبا رفائيل، أسقف وسط القاهرة, بابا شنودة الثالث, شريعة الزوجة الواحدة, قديس بولس الرسول منذ أيام، نشرت صفحة قناة MESat فيديو للأنبا رفائيل، أسقف كنائس وسط القاهرة، بعنوان: لماذا تهاجم صفحات السوشيال ميديا تعاليم البابا شنودة الثالث؟ ورجاء مشاهدته كاملًا قبل استكمال القراءة:  أعتقد أن هذا الكلام كارثي؛ كارثة إن كان إيماننا بالكنيسة مرتبطًا بصحة تعليم شخص، أيًا كان، من عدمه. كارثة لو كان الشعب لا يعرف إيمانه، ولا يتسلمه إلا من خلال البطاركة، في حين أن التاريخ يخبرنا أن هناك بطاركة حادوا عن الحق، ومنهم من جلس على كرسي البطريركية اختلاسًا وسيمونية. كلام الأنبا رفائيل هو كلام إنسان عالق في القرن السابع. حتى استشهاده بمثال بولس الرسول هو استشهاد وقياس تلفيقي لأن الرسول بولس في موضع ثانٍ رجع إلى الأعمدة ليوثق كرازته. وإنما صعدت بموجب إعلان، وعرضت عليهم الإنجيل الذي أكرز به بين الأمم، ولكن بالانفراد على المعتبرين، لئلا أكون أسعى أو قد سعيت باطلًا. (رسالة بولس إلى غلاطية ٢ : ٢) على عكس الرسول بولس، لم يستند قداسة البابا شنودة الثالث في كتاباته إلى كتابات الآباء. بدلًا من ذلك، استمد تعاليمه من أفكاره وتأملاته وفهمه الشخصي. وقد اعترف بذلك بنفسه في سؤالٍ وُجه له في إحدى المحاضرات، ودُون في كتاب سنوات مع أسئلة الناس عن سبب عدم توثيقه لمراجع في كتاباته. صرح قائلًا: أنها تأملاته هو، ولم يرجع إلى مراجع إلا في كتاب شريعة الزوجة الواحدة! عذرًا يا أنبا رفائيل، إن اضطرارك للدفاع عن البابا شنودة، وإرغام الناس على ذلك للحفاظ على إيمان الكنيسة، يعني أنك ترى أن الكنيسة هشّه، اعتمادية، مختزلة في شخص وليس في جسد المؤمنين ككل، وتجبر الناس على قَبُول تعليمه مهما كان لئلا يتزعزع استقرار هذه الكنيسة، وتناسيت وتجاهلت المسيح رأس الكنيسة وأساس قوتها الحقيقية، والروح القدس معلمها ومرشدها إلى كل الحق. إن الكنيسة الحقيقية ليست مبنية على شخصية كاريزمية أو مجموعة محدودة من تعاليمه الوعظية. بل على إيمانها في يسوع المسيح كمخلصها وربها، والتوجيه المستمر من الروح القدس. هذا الإيمان بالمسيح هو حجر الأساس الذي تقوم عليه الكنيسة. إنه ليس مجرد اعتقاد عقلي لا يتجاوز الموافقة العقلانية على الحقائق الدينية. إنه يتضمن تجرِبة وعلاقة حية وتفاعلية مع الله من خلال المسيح. ومن خلال هذه العلاقة، يتلقى المؤمنون قوة الروح القدس الذي يرشدهم في فهم الحقيقة الإلهية ويخولهم للعيش حياة مسيحية. التوجيه المستمر للروح القدس هو العنصر الحيوي الآخر للكنيسة الحقيقية. فالروح القدس هو الذي يقود الكنيسة إلى فهم أعمق لله ويوجهها في شهادة رسالتها للعالم. من خلال عمل الروح القدس تتجدد الكنيسة باستمرار وتتكيف مع الظروف المتغيرة، مع بقائها وفية دائمًا لإيمانها الأساسي بالمسيح، ورسالتها للكرازة بالإنجيل، وخدمتها للعالم. لكنك تجاهلت الكنيسة وتجاهلت كتابات الآباء الرسوليين وآباء ما قبل وما بعد نيقية، وظننت أن الناس جهلاء يجلسون في كتاتيب ليتعلموا من لسان الإمام ويؤمنوا على قوله! ليست هذه المسيحية يا (سيدنا). --- ### مفهوم العقوبة الإلهية - Published: ۲۰۲٤-۰۷-۱۹ - Modified: 2024-07-19 - URL: https://tabcm.net/27757/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: آمال فؤاد, أمجد رفعت رشدي, أنبا سيداروس، أسقف عام كنائس عزبة النخل, أوريجينوس ليونايدس أدامانتيوس, إستفانوس حداد, إمبراطور يوليانوس, إيسيذوروس الفرمي, الغنوصية, المتفرقات, المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية, المكتبة البولسية, بابا ديونيسيوس السكندري, بابا كيرلس عمود الدين, باسيليوس الكبير، أسقف قيصرية الكبادوك, باناريون للتراث الآبائي, برسوم عوض, بولا رأفت, بولا ساويرس, تادرس يعقوب ملطي, جايوس ميسيوس كوينتوس تراجانوس ديسيوس, چورچ خوام البولسي, چورچ عوض إبراهيم, حنا الفاخوري, داود النبي والملك, سدوم وعمورة, سعيد حكيم يعقوب, سليمان الحكيم, علامة إكليمندس السكندري, غريغوريوس النزينزي، الناطق بالإلهيات, غريغوريوس النيسي, فهيم حنا, قديس إيرينيئوس، أسقف ليون, قديس بولس الرسول, قديس كيرلس الأورشليمي, قديس يوستينوس الشهيد, كبريانوس الإفريقي، أسقف قرطاچنة, كنيسة مار جرجس، سبورتنج, مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية, مشروع الكنوز القبطية, مكتبة المحبة, ملك حزقيا, ملك منسى, ملك نبوخذ نصر الثاني, منشورات النور, نبي موسى, نشأت مرجان, نصحي عبد الشهيد بطرس, هارون الكاهن, هوميروس, يربعام بن نباط, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية, يوحنا كاسيان نحاول في هذا المقال استعراض رؤية آباء الكنيسة وتعاملاتهم مع البشر في حالة انتشار الفساد والشرّ بصورةٍ مفرطةٍ في العالم، وذلك من خلال مفهوم الآباء ونظرتهم لتأديبات الله للبشرية، وكيف يُؤدِّب الله البشر بسبب شرورهم وفسادهم. ق. إيرينيؤس أسقف ليون طول أناة الله في إصلاح الإنسان يرى ق. إيرينيؤس أبو التقليد الكنسيّ، وأسقف ليون بفرنسا، أن الله طويل الأناة في مسألة إصلاح الإنسان: ((إيرينيؤس، ضد الهرطقات، ج2، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2019، 3: 23: 1، ص 112. )) لكن طالما أن الله لا يُغلَب، وهو طويل الأناة، فقد أظهر نفسه أنه طويل الأناة في مسألة إصلاح الإنسان وامتحان الجميع. (إيرينيؤس، ضد الهرطقات) شفاء الإنسان من مرض الخطية يُؤكِّد ق. إيرينيؤس على أن الخطية هي مرض ينبغي أن يُشفَى الإنسان منه لكي يتمجَّد، وهكذا يستطيع رؤية ربه: ((إيرينيؤس، ضد الهرطقات، ج2، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2019، 4: 38: 3، ص 261. )) لأن غير المخلوق هو كاملٌ، أي الله. كان ضروريًا أن يُخلَق الإنسان أولًا، وبعد أن يُخلَق يجب أن ينمو، وعندما ينمو يجب أن يتقوى، وبعد أن يتقوى يجب أن يكثر، وبعد أن يكثر يجب أن يُشفَى من مرض الخطية، وبعد أن يُشفَى يتمجَّد، وبعد أن يتمجَّد يجب أن يرى ربه. (إيرينيؤس، ضد الهرطقات) ويستطرد ق. إيرينيؤس مُشِيرًا إلى أن الله الابن قد شفى الإنسان بغفران خطاياه، وهكذا أظهر نفسه مَن يكون هو، لأنه لا يستطيع أحدٌ أن يغفر الخطايا إلا الله وحده، وبينما الرب غفرها، فإنه شفى الناس وأظهر ألوهيته: ((إيرينيؤس، ضد الهرطقات، ج2، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2019، 5: 17: 3، ص 316. )) لذلك، فهو شفى الإنسان بغفران الخطايا، بينما أظهر نفسه أيضًا مَن يكون هو، لأنه إنْ كان لا يستطيع أحدٌ أن يغفر الخطايا إلا الله وحده، بينما الرب غفرها وشفى الناس، فواضح أنه هو نفسه كلمة الله الصائر ابن الإنسان. (إيرينيؤس، ضد الهرطقات) ق. يوستينوس الشهيد المسيح هو الطبيب الشافي يشير ق. يوستينوس الشهيد إلى أن المسيح طبيبنا قد خلَّصنا من شهوات الجسد، فهو يشفي البشر من مرض الشهوات، فالله يهدف إلى شفاء الإنسان وليس معاقبته لإهلاكه: ((يوسينيوس، القديس يوستينوس الفيلسوف والشهيد، ترجمة: أ. آمال فؤاد، مركز باناريون للتراث الآبائي، 2012، شذرات من كتاب عن القيامة : 10، ص 422. )) ولكن إذَا كان طبيبنا وإلهنا المسيح قد خلَّصنا من شهوات الجسد، ونظَّم رغباته من خلال حكمته وناموسه، فهذا دليلٌ دامغٌ على وعد المسيح للجسد بالخلاص، كما هو الحال بالنسبة للطبيب الذي لصالح المريض الذي يأمل في شفائه، لا يدعه يفعل كل ما يشتهيه. (يوستينوس الشهيد، شذرات من كتاب: عن القيامة) العلامة كليمندس السكندري الله لا يعاقب بل يؤدب يُؤكِّد العلامة كليمندس الإسكندريّ على أن الله لا يُعاقِب، لأن العقاب هو قصاص الشرّ، ولكنه يُؤدِّب من أجل خير أولئك الذين يُؤدِّبهم جماعيًا وفرديًا: ((إكليمندس السكندري، المتفرقات (نسخة إليكترونية)، ترجمة: الأب د. بولا ساويرس، موقع مشروع الكنوز القبطية، 7: 16: 31، ص 1367. )) لأن هناك تقويمٌ جزئيّ، يُسمَّى التأديب، والذي يتكبده الكثيرون منَّا عندما نبتعد بالمعصية عن شعب الربِّ. ولكن كأطفال يُؤدَّبون من مُعلِّميهم، أو والدهم، هكذا نحن أيضًا من قِبَل العناية الإلهية. ولكن الله لا يُعاقِب، لأن العقاب هو قصاص الشرّ. ومع ذلك، هو يُؤدِّب، من أجل خير أولئك الذين يُؤدِّبهم، جماعيًا وفرديًا. (إكليمندس السكندري، المتفرقات) العلامة أوريجينوس السكندري العقوبة الإلهية التربوية يتحدَّث العلامة أوريجينوس عن قيمة العقوبة التربوية من الله، وإنها لتقويم وتصحيح الخطاة، وليس المقصود إهلاكهم وفنائهم، حيث يرد على ادعاءات الغنوسيين بقسوة إله العهد القديم وبصلاح ورأفة إله العهد الجديد بحسب زعمهم الباطل بوجود إلهين في الكتاب المقدَّس بعهديه: ((أوريجينوس، في المبادئ، ترجمة: الأب چورچ خوام البولسي، منشورات المكتبة البولسية، 2002، 2: 5: 3، ص 190. )) ليتهم يخبرون عن فضيلة ففضيلة مُنكِبين على فحص الكتب، فلا يسعوا إلى التملُّص بقولهم: إنَّ الله الذي يُجازِي كل أحد بحسب أعماله يُجازِي على السوء بسوءٍ حنقًا منه على الأشرار؛ وإنه لا يُبادِر الذين أخطئوا وهم في احتياج إلى العناية بهم بأدويةٍ ناجعةٍ، بعلاجٍ يبدو أنه يحمل الألم إليهم في الآن الحاضر لأجل إصلاحهم. فهم لم يقرأوا ما كُتِبَ عن رجاء الذين لقوا حتفهم في أثناء الطوفان، الرجاء الذي قال عنه بطرس في رسالته الأولى: لقد مات المسيح بحسب الجسد، ولكنه مُحيي بحسب الروح، وبهذا الروح مضى وبشَّر الأرواح المضبوطة في السجن، تلك التي عصت قديمًا إذ كان حلم الله يتأنى، أيام كان نوح يبني الفلك الذي نجا فيه، بالماء، عدد يسير من الناس - ثمانية أنفس بالضبط. وأنتم أيضًا يُخلِّصكم اليوم بالعماد على النحو نفسه. ويا ليتهم يقولون لنا، في موضوع سدوم وعمورة، هل يعتقدون بصدور الأقوال النبوية عن الله، الذي نُقِلَ عنه أنه أمطر عليهم وابلاً من نار وكبريت! ماذا يقول حزقيال عن هاتين المدينتين؟ ستعود سدوم إلى قديم حالها. فإذ إنه اقتصّ من الذين استحقوا القصاص، ألم يفعل ذلك لمنفعتهم؟ فقد قال مُخاطِبًا بنت الكلدانيين: عندك حجر، فاقعدي عليه يُثبِك خيرًا. وفي شأن الذين سقطوا في البرية، ليُصغِي الزنادقة إلى ما جاء خبره في المزمور ٧٧، منسوبًا بعنوانه إلى آساف: إذ كان يقتلهم كانوا يلتمسونه. لم يقل إنّ بعضًا منهم إذ قُتِلوا، كان آخرون يلتمسونه، بل إنّ الذين قُتِلوا قد لقوا حتفهم، بحيث إنهم كانوا يلتمسون الله عندما قضوا نحبهم. فهذا كله يُظهِر أنَّ الله العادل والصالح، إله الناموس والأناجيل، إله واحد هو هو نفسه، وأنه يعمل الخير بعدلٍ، ويُعاقِب بصلاحٍ، إذ ليس الصلاح دون العدل، ولا العدل دون الصلاح، علامة منزلة الطبيعة الإلهية. (أوريجينوس، في المبادئ) ويستمر العلامة أوريجينوس بالرد على الغنوسيين وادعاءاتهم الفاسدة بإلهين في الكتاب المقدَّس في سياق تفسيره لشفاعة موسى وهارون أمام الله أثناء حادثة تمرد قورح وداثان وأبيرام وانتشار الوباء بين العبرانيين ((عدد 16: 46 )). حيث يُذكِّر العلامة أوريجينوس بلطف الله الذي تمتع به تلاميذ المسيح، لكيلا يتزعزع أحد بتأثير الهراطقة فهم يقولون إنَّ رب الشريعة ليس مُحبًا لكنه عادل، وإن شريعة موسى لا تُعلِّم المحبة بل العدل. فلينظروا هؤلاء المحارِبون لله، والمحارِبون للشريعة كيف أنَّ موسى نفسه وهارون هذان الرجلان في العهد القديم قد خضعا مُقدَّمًا لتعاليم الإنجيل. موسى ”أحب أعداءه وصلى لأجل مُضطهِديه“. هذا ما علَّمته بكل دقة تعاليم المسيح في الأناجيل. لنتعلَّم حقًا كيف سجدا ووجههما للأرض، وصليا لأجل الثائرين الذين أرادوا أنْ يقتلوهما. إذًا، نجد قوة الإنجيل في الشريعة، ولا تُفهَم الأناجيل إلا على أساس الشريعة. ((أوريجينوس، عظات على سفر العدد، ج1، ترجمة: القس برسوم عوض، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2006، عظة 9: 4، ص 103. )) دحض العقوبة الجزائية الانتقامية ويرى العلامة أوريجينوس أن الله يُوقِع التعب والعقوبات على الأشرار كأدوية لهدايتهم، مُشِيرًا إلى العقوبات الشفائية التربوية للأشرار، وليست العقوبات الجزائية الانتقامية: ((أوريجينوس، ضد كلسوس، ج2، ترجمة: القس بولا رأفت، مراجعة: الأنبا سيداروس الأسقف العام، 2022، 3: 75، ص 84. )) لماذا لا نُحسِّن نفوس أولئك الذين يُؤمِنون بالإنجيل لتكون أفضل؟ العقيدة المسيحية لا تُعلِّم أن الرجل فاقد الوعي أو فاقد العقل يستحق العقاب لأنه رجل شرير، ولكنها تُظهِر أن الله يُوقِع التعب والعقوبات على الرجال الأشرار كأدوية لهدايتهم. هذا هو رأي المسيحيين الأذكياء، مع أنهم يتقبلون الأفكار البسيطة كما يفعل الآباء مع الأولاد الصغار جدًا. (أوريجينوس، ضد كلسوس) ق. ديونيسيوس السكندري الانفصال عن الله أعظم عقاب للبشرية يرى ق. ديونيسيوس السكندري، بطريرك الإسكندرية ومُعلِّم المسكونة، أن ترك الإنسان بلا عناية وبلا افتقاد من الله هو أعظم عقاب لذنوبه الجسيمة: ((القديس ديونيسيوس السكندري الكبير، ترجمة وتقديم: أمجد رفعت رشدي، مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية، 2016، شذرة إلى أفروديسيوس، ص 233. )) أن يُترَكبلا عناية وبلا افتقاد من الله، وأن نصير يتامى ومتروكين، فهذا هو أعظم عقاب لذنوبنا الجسيمة التي تجعلنا غرباء في الحال. (ديونيسيوس السكندري، شذرة إلى أفروديسيوس) التأديب الإلهي التربوي يشير ق. ديونيسيوس إلى تأديب الله التربويّ لنا بالتجربة، فهو يؤدبنا ولا يضرنا أو يهلكنا بالتجربة، لأن الله غير مُجرِّب بالشرور، أمَّا عن تجربة إبليس فهي تجربةٌ تؤدي إلى هلاكنا وليس خلاصنا: ((القديس ديونيسيوس السكندري الكبير، ترجمة وتقديم: أمجد رفعت رشدي، مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية، 2016، شذرات تفسير إنجيل لوقا 22: 46، ص 221، 222. )) وقد علَّمهم أن يصلوا حتى لا يدخلون في تجربةٍ، عندما قال: ولا تُدخِلنا في تجربة، التي تعني ’أدِّبنا لكن لا تُوقِعنا في التجربة‘، ولأنه لم يقصد أنهم سيكونون بمنأى عن التجارب، بل أنهم سينجون من الشرير، فقد أضاف قائلًا: لكن نجنا من الشرير، ولعلك تسأل عمَّا الفرق بين أن يكون أحدٌ مُجرَّب وأن يسقط ويبقى في التجربة؟ حسنًا، فإذَا كان أحدٌ منتصرًا على الشرِّ، فهل ينتصر عليه دون أن يُجاهِد ضده، ودون أن يحميه الله بستره، هذا الإنسان يكون قد دخل التجربة ووقع فيها كمَّن اُقتيد إليها مأسورًا. لكن إذَا كان يُقاوِم ويحتمل، فتقول عن هذا الإنسان إنه مُجرَّب، لأنه لم يدخل فيها أو يسقط داخلها. وهكذا اُقتيد المسيح بالروح، لكن ليس لكي يدخل في التجربة، بل ليُجرَّب من إبليس ((متى 3: 1 ))، وهكذا إبراهيم أيضًا لم يدخل بنفسه إلى التجربة، ولم يقتاده الله إليها، لكن الله قد جرَّبهلكنه لم يدفعه فيها. وحتى الربَّ نفسه قد اختبر التلاميذ. ولكن عندما يُجرِّبنا الشرير يستميلنا إلى التجارب، فينشغل الإنسان في تجارب الشرير. لكن عندما يُجرِّبالله، فإن تجاربه غير مُجرِّبة بالشرور. فقد قيل عن الله إنه غير مُجرَّب بالشرور، لكن الشيطان يسحبنا للتجربة بعنفٍ، ويُلقِينا في الهلاك، أمَّا الله فيقودنا بيديه ليُدرِّبنا من أجل خلاصنا. (ديونيسيوس السكندري، شذرات تفسير إنجيل لوقا) ق. كيرلس الأورشليمي شفاء مرض الخطية يرى ق. كيرلس الأورشليميّ إن الخطية هي شر مُرعِب للغاية، لكنها ليست بالمرض المستعصِي شفائه، هي مُرعِبة لمنْ يلتصق بها، لكن مَنْ يتركها بالتوبة يُشفَى منها بسهولة. ((تادرس يعقوب ملطي، القديس كيرلس الأورشليمي (حياته -مقالاته لطالبي العماد- الأسرار)، كنيسة مار جرجس سبورتنج، 2006، مقالة 2: 1، ص 57. )) رحمة الله ورأفته بالخطأة يُؤكِّد ق. كيرلس الأورشليميّ على عظم محبة الله للبشر، وترفقه وطول أناته الشديدة عليهم من أجل توبتهم، ويُعدِّد أمثلة رحمة ورأفة الله بالخطاة، وتعامُّله معهم كما يتعامل الطبيب الماهر مع مرضاه، فيذكر طول أناته على جبابرة الأرض الخطاة خمسمائة عامًا يُهدِّدهم بالطوفان لكي يهبهم مُهلة للتوبة، فلو أنهم تابوا لما أخفقوا في التمتُّع بمحبة الله المترفِقة. ونفس الشيء صنعه الله مع راحاب الزانية الوثنية، ومع هارون عندما أخطأ في حق أخيه موسى، وترفُّقه بداود الساقط، ورحمته بسليمان وآخاب ملك السامرة، ويربعام الملك عابد الأوثان، ومع منسى الملك الشرير، ومع حزقيا الملك، ومع نبوخذ نصر الملك وغيرهم الكثيرين. ((تادرس يعقوب ملطي، القديس كيرلس الأورشليمي (حياته -مقالاته لطالبي العماد- الأسرار)، كنيسة مار جرجس سبورتنج، 2006، المقالة 2: 6-20، ص 60-67. )) يُواجِه ق. كيرلس الأورشليميّ هرطقة الغنوسيين القائلين بإلهين في الكتاب المقدَّس، واحد للعهد القديم والآخر للعهد الجديد، إنَّ الأسفار المقدَّسة وتعاليم الحق تُعرِّفنا بإله واحد وحده، مُدبِّر كل الأمور بقدرته، يتحمل كثيرًا بإرادته. إنه صاحب سلطان على الوثنيين، وبطول أناته يحتملهم. له سلطان على الهراطقة الذين لا يُقِيمونه عليهم إلهًا، وبطول أناته يحتملهم. له سلطان على الشياطين وبطول أناته يحتملهم، ليس لأنه مُحتاج إلى سلطان كمَّن هو ضعيف، لقد سمح للشياطين أن تعيش لغرضين: لكي تُخزِي نفسها بنفسها بالأكثر في حربها، ولكي يتكلّل البشر بالنصرة. يا لعناية الله الحكيمة! التي تستخدم نية الشرير كأساس لخلاص المؤمنين! لا شيء يفلت من سلطان الله الذي يحكم الكل وبطول أناته يحتمل حتى المجرِمين واللصوص والزناة مُحدِّدًا وقتًا مُعيَّنًا لمجازاة كل أحد، لكن إنْ أصرَّ مَنْ يُحذِّرهم على عدم التوبة من القلب ينالون دينونة عظيمة. ((تادرس يعقوب ملطي، القديس كيرلس الأورشليمي (حياته -مقالاته لطالبي العماد- الأسرار)، كنيسة مار جرجس سبورتنج، 2006، المقالة 8: 4، 5، ص 133، 134. )) ق. يوحنا ذهبي الفم الله لا يريد معاقبتنا يرى ق. يوحنا ذهبيّ الفم أن الله لا يريد أن يتركنا أو يُعاقِبنا، وأنه حتى عندما يُعاقِبنا العقوبة الشفائية التأديبية، فإنه يُعاقِبنا كارهًا وعن غير رغبة منه، فالله لا يُسرّ بموت الخاطئ مثلما يرجع ويحيا: ((يوحنا ذهبي الفم، شرح وعظات إنجيل يوحنا، ج2، ترجمة: الشماس نشأت مرجان، مكتبة المحبة، 2008، عظة 68، ص 245. )) في الحقيقة نحن عندما نُترَك من الله، نُسلَّم إلى إبليس، وعندما نُسلَّم له نُبتلَى بنتائج مميتة لا تُعدَّ. والكتاب المقدَّس من أجل يخيف سامعيه قال: إنه قسي، وإنه أسلَّمهم. وكشهادة على أنه هو نفسه ليس فقط لا يتخلى عنَّا، بل أيضًا لا يتركنا ما لم نرد نحن هذا، اسمع لِمَّا قاله: ألم تفصل آثامكم بيني وبينكم ((إشعياء 59: 2 ))، وأيضًا هوذا البعداء عنك يبيدون ((مزمور 73: 27 )). وصرَّح هوشع أيضًا: لأنك نسيت شريعة إلهك، أنسى أنا أيضًا بنيك ((هوشع  4: 6 )). وهو نفسه أعلن في الإنجيل: كم مرة أردت أن أجمع أولادك ولم تريدوا ((لوقا  13: 14 )). ويقول إشعياء أيضًا في موضع آخر: لماذا جئت وليس إنسان، ناديت وليس مجيب ((إشعياء 50: 2 )). إنه قال هذه الأشياء ليُظهِر أننا نحن الذين نبدأ عملية الابتعاد، ونصير بذلك مسئولين عن هلاكنا. لأن الله ليس فقط لا يريد أن يتركنا أو يُعاقِبنا، بل حتى عندما يُعاقِبنا، فهو يُعاقِبنا كارهًا وعلى غير رغبة منه. وهو في الواقع يقول: إني لا أُسرّ بموت الخاطئ، بل بأن يرجع ويحيا ((حزقيال 18: 32 )). بل إن المسيح بكى على خراب أورشليم كما نبكي نحن في حالة موت أصدقائنا. لذلك حيث إننا نعرف هذه الأمور، فلنبذل كل جهد كيلا ننفصل عن الله، بل على العكس، ليتنا نجتهد في العناية بنفوسنا وخلاصها، وبإظهار الحب لبعضنا البعض. (يوحنا ذهبي الفم، شرح وعظات إنجيل يوحنا) يليق بالله الخلاص وليس العقوبة ويُوضِّح ذهبيّ الفم أنه يليق بالله أن يُخلِّص وليس أن يُعاقِب، لذلك فعل كل هذه الأشياء وفقًا لخطته من جهة خلاص البشرية: ((يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية، ترجمة: د. سعيد حكيم، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2013، عظة 11: 1، ص 248. )) مع الوضع في الاعتبار أن الخطية ليست مثل الهبة، والموت ليس كالحياة، وأيضًا من المستحيل أن يُوضَع الشيطان في مُقارنة مع الله، لأن الفروق غير محدودة ولا تُحصَى. إذًا، هذا قد حدث بالنظر إلى قدرة ذاك الذي فعل كل هذه الأشياء، ووفقًا لخطة الله من جهة خلاص البشرية -لأن ما يليق بالله بالأكثر هو أن يُخلِّص لا أن يُعاقِب- وهنا مكمن التميُّز والانتصار. (يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية) غاية الله هي الخلاص وليس العقوبة يرى ق. يوحنا ذهبيّ الفم أن الله لم يمت لكي يقف أمامه أناس يستوجبون العقوبة ومحكوم عليهم، بل لكي يُقدِّم لهم العون بموته وقيامته لأجل تبريرهم: ((يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية، ترجمة: د. سعيد حكيم، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2013، عظة 10: 1، ص 229. )) لأنه لم يمت لكي يقف أمامه أناسٌ يستوجبون العقاب ومحكوم عليهم، بل لكي يُقدِّم لهم العون، لهذا مات وقام لأجل تبريرنا. (يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية) ق. غريغوريوس النيسي البشر يعاقبون أنفسهم بأنفسهم يستنكر ق. غريغوريوس النيسي أولئك الذين ينسبون إنزال الله للشرِّ بالبشر، بل البشر هم الذين يستسلمون لشرورهم بإرادتهم الحرة، وهم الذين يجلبون على أنفسهم الشرور والعقوبة، فهم يعاقبون أنفسهم بأنفسهم جراء شرورهم وأهوائهم الفاسدة: ((غريغوريوس النيسي، حياة موسى أو الكمال في مجال الفضيلة، ترجمة: الأب حنا الفاخوري، منشورات المكتبة البولسية، 1996، القسم الثاني، ص 63، 64. )) ولكن إذَا كان صحيحًا أن الكتاب المقدَّس يتكلَّم هذا الكلام، وإذَا كان الله لا يُسلِّم إلى الأهواء الفاسقة إلا مَن يستسلم لها، فليس تصلُّب فرعون بإرادةٍ إلهيةٍ، وليست الحياة الخسيسة من ثمار الفضيلة. فإذَا كانت الألوهة تستطيع أن تريد ذلك وتفعله، توقفت الحرية عن أيّ عمل، وزال كل فرق بين الخير والشرّ. لا، ليس الأمر كذلك، ونحن نرى أناسًا يختارون هذه الحياة، وآخرين يختارون أخرى، ونرى هؤلاء يترقون في الفضيلة، وأولئك ينزلقون في الرذيلة. ومن ثمَّ، فليس من الصحيح أن نُعلِّق بقدرٍ فائقٍ الطبيعة وقائم بإرادةٍ إلهيةٍ، هذه الاختلافات التي هي، عند كل إنسانٍ، من شأن اختياره الحر. ولكننا سنُضمِّن الأمر معنى صحيحًا، ونقول إن الحرمان من النور، عند مَن لا يرى هو سبب سقوطه في الحفرة. وهكذا، يجب أن نفهم قول الرسول، عندما يتكلَّم على مَن يغفلون عن معرفة الله، وأن الله يُسلِّمهم إلى أهوائهم الفاسدة، كما يجب أن نفهم تصلُّب قلب فرعون، لا أن الإرادة الإلهية تُحدِث التصلُّب في النفس، ولكن الحرية، بانحرافها إلى الشرِّ، تصد الكلمة التي تعمل على تليين مقاومتها. (غريغوريوس النيسي، حياة موسى أو الكمال في مجال الفضيلة) الإنسان يجلب العقوبة على نفسه يُوضِّح ق. غريغوريوس النيسي مفهوم العقوبات الإلهية في سياق تفسيره للضربات العشرة التي حلَّت بالمصريين، إنه يجب ألا نستنتج أنَّ هذه الضربات التي حلَّت بمَّن يستحقونها جاءت مُباشرةً من الله، بل يجب أن نُلاحِظ أنَّ كل إنسان يجلب على نفسه الضربات بإرادته الحرة بسبب ميوله، ويُخاطِب بولس الرسول مذلة هذا الشخص، قائلًا: ولكنك من أجل قساوتك وقلبك غير التائب تُذخِر لنفسك غضبًا في يوم الغضب واستعلان دينونة الله العادلة، الذي يُجازِي كل واحد حسب أعماله ((رومية 2: 5 ))، ويُؤكِّد النيسي أيضًا أننا عندما نقول إنَّ الانتقام المباشر يحل من الله على مَّن يسيئون استخدام إرادتهم الحرة، فمِن المنطقيّ أنْ نُلاحِظ أنَّ أصل هذه المعاناة وسببها هو في أنفسنا، حيث لا يُمكِن أنْ يحلَّ بنا شرّ إلا باختيارنا الحر. ((غريغوريوس النيسي، حياة موسى، ترجمة: د. فهيم حنا، كنيسة مار جرجس سبورتنج، 2021، 2: 85- 88، ص 62، 63. )) ق. كيرلس السكندري إحياء الوثنية من جديد وينتقد ق. كيرلس السكندري القدرية والجبرية وإنزال العقوبات من قِبل الله في سياق حديثه عن ادعاء الشعراء الوثنيين الذين ينسبون المتاعب والشرور والانفعالات لآلهتهم الوثنية، حيث يقول هوميروس في أشعاره إن الإله ”ذياس“ يتحدَّث مع آلهة أخرى عن زنا ”إيجيستوس“، وعن الجزاء الذي يستحقه. ويا للأسف، كيف يتهم البشر الزائلون الآلهة باتهامات ثقيلة، ويقولون إن الشرور تأتي من الآلهة، وهكذا فإن أولئك يتألمون بعصيانهم، وليس من القَدَرَ. فلأيّ سبب ينسب البعض للآلهة متاعبهم، ولا ينسبونها إلى أخطائهم التي تُسبِّب لهم النكبات؟ فإذا اختار المرء أنْ يعيش حياة مُستقِيمة، وتكون حياته مملوءة بالحكمة واللياقة، فإن عليه أن يسلك بثباتٍ مُتخطِيًا الصعاب، وذلك بناءً على قراره الصحيح والمشورة المستقيمة، ولا يترك نفسه أسيرةً للأعمال الشريرة. لأن في مقدورنا أن نرى الاتجاهين، أقصد الخير والشرير. والذين يُقدِّرون الطريق الصحيح سوف يصلون إلى جمال الفضيلة، أمَّا الذين يحبسون أنفسهم في الشر ويُفضِّلون الظلم، هؤلاء يُفسِدون الحياة نفسها، ويكونون هم سبب هلاكٍ لأنفسهم. ((كيرلس السكندري، السجود والعبادة بالروح والحق، ترجمة: د. چورچ عوض، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2017، مقالة 6، ص 254. )) العقوبة الإلهية الممزوجة بالمحبة يتحدَّث ق. كيرلس السكندري أيضًا في سياق تفسيره لشريعة القتل في الناموس الموسويّ عن مفهوم العقوبة الإلهية الممزوجة بالمحبة، حيث إذَا حدث وقتل شخص أحد عن غير عمد، فإنَّ الناموس يُحاكِمه بعقوبة الهروب المستمر، إذ يمزج الله هنا العقوبة بمحبته للبشر؛ حيث لا يجعل عقوبة الجريمة التي هي عن غير قصد، في نفس مستوى جرائم العمد، لذلك أمر الناموس أن تُحدَّد ثلاث مدن اسمَّاها مدن الملجأ لكي يلجأ إليها الذين يرتكبون أخطاءً غير مقصودة. ويعقد مقارنة بين تلك الشريعة وبين الخطاة الذين أُسِروا بخطاياهم، كأنهم قاتلون لأنفسهم، بالرغم من أنهم انجرفوا إلى هذا الوضع السيئ دون إرادتهم، وصاروا مُخالِفين لله، كما يقول الكتاب: لأنَّ تصوُّر قلب الإنسان شرير منذ حداثته ((تكوين 8: 21 )). فكمَّا ساد ناموس الشهوة الجسدية غير الملجَّمة على أعضاء الجسد، هكذا تُعاقَب نفس الإنسان التعيسة، بالهرب من العالم ومن الجسد في منفى، كما لو كان في مدينةٍ بعيدةٍ. وهذا يُشِير إلى أقسام الأرض السفلى، أيّ الهاوية التي تنزل إليها النفس بالموت، كما حدث قديمًا، وقضت النفوس أزمنةً هناك، ولكن عندما جاء رئيس الكهنة المسيح ومات من أجل الجميع، نزل إلى الجحيم، وفتح أبوابه، وحرَّر النفوس من القيود. ((كيرلس السكندري، السجود والعبادة بالروح والحق، ترجمة: د. چورچ عوض، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2017، مقالة 8، ص 339. )) العقوبة ليست مشورة الله وإرادته ويرى ق. كيرلس أن العقوبة الإلهية هي النتيجة الفعلية لحماقة البشر، وليست نتيجة عن مشورة الله أو إرادته: ((كيرلس السكندري، تفسير إنجيل يوحنا، مجلد2، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2015، ص 99. )) رغم كل ذلك، فإنه أكرمه بنفس درجة إكرامه للباقين، وغسل قدميه أيضًا، مبينًا دائمًا علامات محبته، ولم يعط فرصةً للعقاب إلا بعد أن يكون استنفذ كل محاولات الإصلاح. ويمكنك أن تلاحظ أن هذه الصفة أيضًا هي خاصة بالطبيعة الإلهية. لأنه رغم أن الله يعرف ما سيحدث، إلا أنه لا يُوقِع عقابه قبل الأوان على أي إنسان. بل بالحري، بعد أن يصبر على الخاطئ لأطول مدة لازمة، حينما يرى أنهم لا ينتفعون من صبره عليهم، بل بالحري يظلون مُستمِرين في طريقهم الشريرة التي اختاروها بأنفسهم، فحينئذٍ يُعاقِبهم، مُبينًا أن عقابه لهم هو النتيجة الفعلية لحماقتهم وانحرافهم، وليس ناتجًا عن مشورته أو إرادته، فحزقيال يقول مثلًا: حي أنا يقول السيد الرب، إني لا أسر بموت الشرير، بل بأن يرجع الشرير عن طريقه ويحيا ((حزقيال 33: 11 )). (كيرلس السكندري، تفسير إنجيل يوحنا) العقوبة نتيجة الفعل نفسه ويدحض ق. كيرلس تعليم القدرية والجبرية مؤكدًا على ضرورة توافر حرية الإرادة في النفس، لأنها لو حادت عن الحق وفي طيش تعدت مشيئة مُعطِي الناموس، فيقع عقاب تعديها عليها، فالعقوبة هي نتيجة التعدي والعصيان: ((كيرلس السكندري، تفسير إنجيل يوحنا، مجلد1، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2015، ص 396. )) لأن كلمة التعليم تتطلب أن تتوفر للنفس الإرادة الحرة والاختيار الحر لكي تسعى لطلب المكافآت العادلة لأعمالها الصالحة، وهي إنْ حادت عن الحق، وفي طياشة تَعدَّت مشيئة مُعطِي الناموس، يقع عليها عقاب تعديها وهذا أمر معقول جدًا. (كيرلس السكندري، تفسير إنجيل يوحنا) لا يوجد أذى في طبيعة الله ويُؤكِّد ق. كيرلس على أن ”الله لا يؤذي إذ ليس في طبيعته أذى“. وذلك ردًا على مَن يقولون أن الله يرسل الأمراض والآلام والتجارب الشريرة على البشر لإهلاكهم وأذيتهم. ((كيرلس السكندري، تفسير إنجيل يوحنا، مجلد1، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2015، ص 116. )) ق. إيسيذوروس الفرمي العقوبة الإلهية للإصلاح والتقويم يُوضِّح ق. إيسيذوروس الفرميّ مفهوم العقوبة الإلهية، ويرى أنَّ تقويم وتصحيح الخطايا الذي يقوم به الله لأجل تحسيننا، لا يجب أنْ نسميه ’غضبًا‘ ولا ’سخطًا‘، بل بالحري ’نُصحًا‘ و ’موعظةً‘. لكن لو اعتبره البعض غضبًا، قاصدين بذلك الإعلان عن محبة الله للبشر، فذلك لأنهم يُؤمِنون بأنَّ الله يتنازل إلى مستوى الأهواء والعواطف بسبب البشر، وصار إنسانًا لأجلهم: ((إيسيذوروس الفرمي، رسائل القديس إيسيذوروس الفرمي، مجلد1، ترجمة: د. چورچ عوض، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2018، رسالة 344 إلى سلوانس، ص 273. )) تقويمالخطايا الذي يقوم به الله لأجل تحسيننا، لا يجب أنْ نُسمِّيه ’غضبًا‘ ولا ’سخطًا‘، بل بالحري ’نُصحًا‘ و ’موعظةً‘. لكن لو اَعتبره البعض غضبًا، قاصدين بذلك الإعلان عن محبة الله للبشر، فذلك لأنهم يُؤمِنون بأنَّ الله يتنازل إلى مستوى الأهواءبسبب البشر، وصار إنسانًا لأجلهم. (إيسيذوروس الفرمي، رسالة إلى سلوانس) العقوبة الإلهية التربوية ويُؤكِّد ق. إيسيذوروس أيضًا على نفس المفهوم الشفائيّ والتربويّ عن العقوبة الإلهية في موضع آخر، حيث يرى أن الطبيعة الإلهية وغير الدنسة قد أعطتنا كل أمثلة العقوبات مكتوبةً؛ حيث فُرِضَت عن حقٍ للخطايا، حتى بالخوف من الجحيم ذاته، نتجنب الشركة في الأعمال الخاطئة. إذًا، إنْ خاف أحد التأديبات، ليته يُحافِظ على احترام العقائد: ((إيسيذوروس الفرمي، رسائل القديس إيسيذوروس الفرمي، مجلد1، ترجمة: د. چورچ عوض، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2018، رسالة 467 إلى الدياكون إيسيذوروس، ص 335. )) لقد أعطتنا الطبيعة الإلهية وغير الدنسة كل أمثلة العقوبات مكتوبةً؛ حيث فُرِضَت عن حقٍ للخطايا، بهدف تقويمنا، حتى بالخوف من الجحيم ذاته، نتجنب الشركة في الأعمال الخاطئة. إذًا، إنْ خاف أحد التأديبات، ليته يُحافِظ على احترام العقائد. (إيسيذوروس الفرمي، رسالة إلى الدياكون إيسيذوروس) ق. باسيليوس الكبير مفهوم الدينونة الإلهية يُناقِش ق. باسيليوس الكبير موضوع الدينونة الإلهية والعقاب، ويُفسِّرها وكأنه يتحدَّث بلسان حال أيامنا الحاضرة: ((باسيليوس الكبير، تفسير سفر المزامير، ج1، ترجمة: د. سعيد حكيم، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2020، عظة 2: 4، ص 83- 85. )) الحديث عن الدينونة تكرَّر في مواضع كثيرة من الكتاب المقدَّس، باعتباره أمر مُلزِم، وقادر أن يحفظ أولئك الذين آمنوا بالله في المسيح يسوع في تعليم التقوى. ولأن الكلام عن الدينونة قد كُتِبَ بطرق مُختلفة، فمِن الواضح أنه أحدث التباسًا لدى أولئك الذين لا يُميِّزون المعنى بدقةٍ. ولكن من الواضح أن كلمة ’أدان‘ نتقابل معها في الكتاب المقدَّس، تارة بمعنى ’أُجرِّب‘، وتارة أخرى بمعنى ’أحكم على نفسي‘وقيل أيضًا إن الرب سيدين أو سيُجازِي كل إنسان، أو يُحاسِب كل إنسان، أيّ عندما يفحص الله كل إنسان، سيضع ذلك الإنسان نفسه في مواجهة الدينونة أو القضاء، وسيضع الله مقابل وصاياه أعمال أولئك الذين أخطأوا. وسيُبيِّن في دفاعه أن كل ما كان منوط به عمله لأجل خلاص جميع المدانين، فهذا قد عمله وتمَّمه، حتى يقتنع ويثق الخطاة أنهم مُذنِبين، بسبب ما ارتكبوه من خطايا، وبعدما يقبلون بالقضاء الإلهيّ، سيقبلون العقوبة المفروضة عليهم بإرادتهم. (باسيليوس الكبير، تفسير سفر المزامير) العقوبة الإلهية الشفائية ويستطرد ق. باسيليوس الكبير في نفس السياق مُوضِّحًا معنى العقوبة الإلهية، التي يهدف الله من خلالها إلى الخلاص وليس الهلاك: ((باسيليوس الكبير، الله ليس مسببًا للشرور، ترجمة: د. چورچ عوض، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2012، ص 22. )) فالمجاعات والسيول هي نكبات مُشتركة تأتي على المدن والأمم لكي تُوقِف وتُحجِّم فعل الشر المتفاقِم. إذًا، مثلما نصف الطبيب دائمًا بأنه مُحسِن وكريم حتى لو تسبَّب في إيلام الجسد أو النفسهكذا الله هو صالح يُدبِّر الخلاص من خلال مُحصلة بعض الإجراءات. (باسيليوس الكبير، الله ليس مسببًا للشرور) ق. غريغوريوس اللاهوتي النزينزي العقوبة الإلهية التربوية يُؤكِّد ق. غريغوريوس النزينزي على العقوبة الإلهية التربوية والشفائية لنا عندما نخطئ، فهو يرى أن العقوبة الإلهية ليست عقوبة قانونية جزائية تعسفية وانتقامية: ((غريغوريوس النزينزي، مختارات من القديس غريغوريوس اللاهوتي النزينزي، ترجمة: الأسقف إستفانوس حداد، منشورات النور، 1994، الخطاب الثاني ضد يوليان الجاحد، ص 89. )) وحق هو الكلام القائل: مَنْ يحبه الرب يؤدبه، ويؤدب الرب كل ابنٍ يحبه، والذي يهتم به. والله تعالى جعل العصمة من الخطأ فوق الطبيعة البشرية. وأمَّا إذَا أخطأنا وعُوقِبنا حتى شُفِينا، ينبغي علينا أن نستمر في وجدان التربية الإلهية، ومع الله على الخط التربويّ، وأن نتجنب عقوبةً ثانيةً مرتبة على خطيئة ثانية. (غريغوريوس النزينزي، الخطاب الثاني ضد يوليان الجاحد) الله يعاقب بقياسات التربية ويرى ق. غريغوريوس النزينزيّ أن الله الكلمة يُوقِف المصيبة بالعطف والشفقة، ويعاقب بقياسات التربية والتأديب التي يعرفها الله جيدًا: ((غريغوريوس النزينزي، مختارات من القديس غريغوريوس اللاهوتي النزينزي، ترجمة: الأسقف إستفانوس حداد، منشورات النور، 1994، الخطاب الثاني ضد يوليان الجاحد، ص 75. )) ذلك تقدير الكلمة الصانع الحكيم، وذلك هو تصرفه في عنايته بنا، وهو خازن أمورنا وشئوننا في مخازن حكمته وتدبيره. أجل هو الذي يعرف أن يُوقِف المصيبة بالعطف والشفقة، وأن يُلجِّم القباحة والوقاحة بالزجر والعقاب، أعني بقياسات التربية والتأديب التي يعرفها جيدًا. (غريغوريوس النزينزي، الخطاب الثاني ضد يوليان الجاحد) العقوبة عمى روحي وانفصال عن الله يشرح النزينزي معنى العقاب والدينونة الإلهية كظلمة وعمى روحيين وانفصال عن التنعُّم بمعاينة الله: ((غريغوريوس النزينزي، مختارات من القديس غريغوريوس اللاهوتي النزينزي، ترجمة: الأسقف إستفانوس حداد، منشورات النور، 1994، عظة المعمودية والمعمدون، ص 164. )) فآمن أنت يا هذا بالقيامة والدينونة والمجازاة العادلة من عند الله. وافهم هذه المجازاة على أنها نور للمطهَّرين في أذهانهم أعني أنهم سيرون الله وسيعرفونه كل واحد على قدر الطهارة التي هو فيها، وهو ما نسميه ’الملكوت السماوي‘. وافهم أيضًا أن العقاب إنما هو ظلمة للذين عموا وضلوا عن جادة الحق والصواب. فأي تغرُّب عن الله هو بنسبة ما عندنا هنا من العمى. (غريغوريوس النزينزي، عظة المعمودية والمعمدون) ق. كبريانوس أسقف قرطاجنة تأديبات الله للتقويم والإصلاح يرى ق. كبريانوس الشهيد، أسقف قرطاچنة، أن تأديبات الله هي للتقويم والإصلاح، وليس للهلاك: ((كبريانوس، مقالات روحية للقديس كبريانوس، ترجمة: راهب من برية شيهيت، مكتبة المحبة، مقالة رداء العذارى : 1، ص 11، 12. )) وأخذنا من سليمان توصيات الحكمة التي تنصحنا قائلةً: يا ابني، لا تحتقر تأديب الربِّ، ولا تكره توبيخه. لأن الذي يحبه الربُّ يُؤدِّبه ((أمثال 3: 11-12 )). فإنْ كان الله يُؤدِّب الذي يحبه، ويُؤدِّبه لكي يتقوَّم، لذلك على الأخوة، وبالأخص الكهنة، ألا يبغضوا مَن هم يُؤدِّبونهم لكي يتقوَّموا ، إذ أن الله تنبأ من قبل بفم إرميا، وأشار إلى زماننا بقوله: وسأعطيكم رعاةً بحسب قلبي، وسيغذونكم، ويرعونكم بالتأديب ((إرميا 3: 15 )). (كبريانوس أسقف قرطاجنة، مقالة رداء العذارى) ق. يوحنا كاسيان العقوبة الإلهية الشفائية ينقل ق. يوحنا كاسيان رأي الأب ثيؤدور، أحد آباء البرية المصرية، عن مفهوم العقوبة الإلهية كعقوبة تأديبية شفائية: ((تادرس يعقوب ملطي، القديس يوحنا كاسيان (حياته - كتاباته - أفكاره)، كنيسة مار جرجس سبورتنج، 1997، المناظرات 6: 6، ص 156، 157. )) اعتاد الكتاب المقدَّس أن يستخدم بعض التعبيرات في غير معناها الأصليّ. فيستخدم كلمة ’الشرور‘ عن ’الأحزان والضيقات‘ ليس لأنها شر، أو طبيعتها شريرة، بل لأن مَنْ تحل بهم هذه الأمور لأجل صالحهم يَعتبرونها شرًا. فحينما يتحدَّث الحكم الإلهيّ مع البشر، يتكلم معهم حسب لغتهم ومشاعرهم البشرية. فالطبيب يقوم بقطع أو كي الذين يعانون من القروح لأجل سلامة صحتهم، ومع هذا يراه مَنْ لا يقدرون على احتماله أنه شر. والمنخاس أو السوط يكون مُفيدًا للحصان الجموح. والتأديب يُعتبر مرًا بالنسبة للمُؤدِّبين، إذ يقول الرسول: ولكن كل تأديب في الحاضر لا يُرى أنه للفرح بل للحزن، وأمَّا أخيرًا فيُعطِي الذين يتدربون به ثمر بر السلام ((عبرانيين 12: 11 ))، الذي يحبه الرب يُؤدِّبه ويجلد كل ابن يقبله فأيّ ابن لا يُؤدِّبه أبوه؟! ((عبرانيين 12: 6-7 )). (يوحنا كاسيان، القديس يوحنا كاسيان (حياته - كتاباته - أفكاره) ) --- ### هل هناك خطة إصلاح غير الصلاة؟ - Published: ۲۰۲٤-۰۷-۱۸ - Modified: 2024-10-07 - URL: https://tabcm.net/27611/ - تصنيفات: إصلاح كنسي نعم، الصلاة تُغيِّر، ولكن السؤال: هل الصلاة تُغيِّر الظروف أم تُغيِّرنا نحن؟ السؤال، رغم بساطته، فقد ألف فيه كثير من المؤلفين كتبًا كثيرة، وأنا لست بصدد الكتابة عن هذا السؤال: هل الصلاة تغير فكر الله أم تغيرنا نحن وتغير داخلنا ومشيئتنا لتتفق مع مشيئة الله؟ بدأتُ بهذا السؤال لكي أفتح ذهن القارئ لموضوعي اليوم، وهو مُتشعِّبٌ نوعًا ما. أوَّلًا، على المستوى الشخصي: إن سألتَ نفسك هذا السؤال؛ فلن تجدَ إجابةً وافيةً ومُريحةً إلَّا وأنت في حالةٍ روحيةٍ جيِّدة. وأقصد بالحالة الروحية الجيدة أن تكونَ أنت في محضر الله، مُتشبِّعًا بكلمته، وتَعرف كيفَ تدخل في عُمق شركةٍ معه. أما السؤال الأهم فهو على المستوى العام: وأقصد بالمستوى العام هو حال الكنيسة الآن. فكل يوم تقريبًا نرى ونسمع ونقرأ عن خيبة أمل هنا وهناك، من أشخاص يجلسون في الصف الأول في الكنيسة، بل يحتكرون المشهد تمامًا لدرجة أن صوتهم يعلو ويغرد منفردًا، سواء على القنوات التي تسمى مسيحية أو على مواقع التواصل الاجتماعي. فحدث ولا حرج، ستجد بلا مبالغة كارثة تعليمية أو ما يطلقون هم عليه بلغتهم "هرطقة"، وينسبونها إلى الآخرين وكأن هؤلاء الذين يختلفون مع متصدري المشهد الكنسي هم مهرطقون لمجرد أن تتلفظ برأي أو تعليم يخالف وجهة نظرهم، التي تختلف اختلافًا كليًا مع عقيدة آباء الكنيسة التي ينتمون إليها. بالرجوع إلى سؤالي الذي بدأنا به: هل نصلي فقط من أجل إصلاح الكنيسة؟ أم أن هناك خطوات لابد من اتخاذها من أجل هذا الإصلاح؟ هل ندخل مخادعنا ونسجد ونركع ونتوسل إلى الله الضابط الكل من أجل التغيير؟ أم أن هناك أمورًا حسية مادية لابد أن نرسمها ونعمل على تنفيذها من أجل إصلاح ما فسد؟ فمن يتسترون بالدين وهم سعداء بهذا اللفظ، فلديهم من الدروشة الدينية ما يكفي لكي يجزموا بالاكتفاء بالصلاة فقط، أما من لديهم شركة حقيقية وصداقة مع الروح القدس، فهم يؤمنون بأن الصلاة مهمة جدًا، وهي نقطة الانطلاق لكي نستمتع بمعية وقيادة الروح القدس. هل نكتفي بالصلاة وننتظر معجزة من السماء؟ أم نؤمن أن الله  يعمل من خلال آنية خزفية بشرية منحها العقل والفكر والإرادة الحرة والقدرة علي التغير والتفكير؟ الإصلاح يبدأ عندما ندرك أن هناك خطأ، ولكن هؤلاء الذين يتصدرون المشهد لا يدركون أن هناك خطأ فيهم! فبالتالي الإصلاح هنا يصبح مستحيلًا ما دام هؤلاء في المشهد. إذن ما هو الحل؟ ألا يوجد حكماء في الكنيسة من خارج هؤلاء؟ أم أن كنيسة مار مرقس خلت تمامًا من الحكماء؟ أؤمن بأن هناك الكثير ممن هم غير ظاهرين لأحد لديهم الحكمة والحنكة اللتان تؤهلانهم لقيادة الكنيسة، لكن من سيعطيهم المجال والمساحة؟ ومن سيأخذ المتكأ الأخير؟ --- ### الذين لا يقيمون وزنا للتاريخ - Published: ۲۰۲٤-۰۷-۱۷ - Modified: 2024-08-22 - URL: https://tabcm.net/27966/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, شئون علمانية - وسوم: أدولف هتلر, أفلاطون, أنبا بيشوي، مطران دمياط وكفر الشيخ, أنبا شنودة، رئيس المتوحدين, أنثروبومورفية, أوريستوس, إدوارد چيپون, إفسابيوس، أسقف نيقوميذية, إكليروس, إمبراطور جايوس يوليوس قيصر, إمبراطور يوليانوس, الأخوة الطوال, الإمبراطورية الرومانية, الحرب العادلة, العصابات السوداء, العصور الوسطى, القداس المرقسي, الكنيسة الجامعة, الكنيسة القبطية, الكنيسة الكاثوليكية, اللاهوت النظري, الموسوعة الكاثوليكية, الموعظة على الجبل, النسطورية, ايه. سي. زينوس, بابا تواضروس الثاني, بابا ثاؤفيلس الأول, بابا ديونيسيوس السكندري, بابا كيرلس عمود الدين, بارابولاني, باسيليوس الكبير، أسقف قيصرية الكبادوك, برتراند أرثر وليام راسل, بروتستانت, بولا ساويرس, بيشوي عبد المسيح, تادرس يعقوب ملطي, تريومفيراتوس, تشارلز كينجسلي, جايوس فلاڤيوس ڤاليريوس أوريلوس قسطنطينوس, جايوس ميسيوس كوينتوس تراجانوس ديسيوس, چون أنتوني مكجوكين, چون تولاند, داماسكيوس, دير الأنبا مقار الكبير, سانت تكلا هيمانوت, سانت كاترين, سقراط القسطنطيني, سنكسار, سهندرين, سوزمين, عصر المجامع, علامة هيبوليتوس الرومي, عمرو صابر عبد الجليل, عين للدراسات والبحوث الانسانية والاجتماعية, غريغوريوس النيسي, فرانسوا ماري آروويه، ڤولتير, فيلسوف أرسطو, فيلسوفة هيباتيا بنت ثيون, فيلوباتير مرقوريوس أبو سيفين, قديس أثناسيوس الرسولي, قديس أمبروسيوس، أسقف ميلان, قديس أوغسطينوس، أسقف هيبو, قديس بولس الرسول, قديس مقاريوس الكبير, قسطنطين الثاني, قنسطانطيوس الثاني, قوانين الرسل, كرسي القسطنطينية, كريستولوچي, كنيسة الإسكندرية, كنيسة القسطنطينية, ليون الثالث عشر، بابا روما, ماركوس أنطونيوس, ماركوس توليوس سيسرو, مدرسة أنطاكية, مدرسة الإسكندرية, مدينة الله, مرسوم ميلان, هرمان زوتنبرج, وليام برايت, ويل ديورانت, يوحنا النقيوسي, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية ألم يأمرنا الإمبراطور "يوليان" ألا نعذب المسيحيين؟ وأنه يكفيهم عذابًا الخيالات والأباطيل التي يعتقدون بصحتها ويعذبون أنفسهم في سبيلها؟ (هيباتيا، كما كتبها: تشارلز كينجسلي) منذ أيام، كانت ذكرى القديس كيرلس الكبير، الملقب بـ"عمود الدين". قدّم القديس كيرلس لاهوتًا شرقيًا تستعين به الكنيسة في فهم الثالوث والجدل حول الكريستولوجيا. لجأت الكنيسة الكاثوليكية لأعماله عندما رأت فيه شاهدًا من الآباء اليونانيين الكبار على انبثاق الروح القدس من الآب والابن ((في القرن التاسع عشر، أعلن البابا ليون الثالث عشر اعتبار القديس كيرلس معلمًا للكنيسة الجامعة. )). لكن في الوقت ذاته، وبعيدًا عن التنظير اللاهوتي وما ساهم به من إنجازاتٍ غير مسبوقة، فمن مدخل الدفاع عن الأرثوذكسية ضلع بما نسميه اليوم؛ تطهيرًا على أسس دينية. أكثر ما اشتهر به في كنيسة الإسكندرية هو كتاباته بخصوص الصراع النسطوري ((أنبا غريغوريوس أسقف عام للدراسات اللاهوتية العليا والبحث العلمى، مذكرة: علم اللاهوت المقارن، الكلية الإكليريكية اللاهوتية للقبط الأرثوذكس، الصفحات 106 - 107. )). لا يعلم أغلب الأقباط شيئًا عن توسعه في مفهوم الاستشهاد بحيث يشمل المبادرين بالاعتداء بشكل لم تعرفه المسيحيّة قبله، أو توليه سدة الإسكندرية بعد يومين فقط من وفاة خاله، البطريرك ثاؤفيلس، مؤسس الهرطقة الأنثروبومورفية ((عزت إندراوس، موسوعة تاريخ أقباط مصر، التاريخ والبابا ثاؤفيلس البطريرك رقم 23. )) وزعيم رهبنة العصابات السوداء، البارابولاني ((بارابولاني: πᾰρᾰβολᾶνοι (parabolânoi)، هي كلمة تعود بأصولها إلي تعبير paraballesthai ten zoen بمعنى: الذين لا يقيمون وزنا للحياة الدنيا، كان أول ظهور للبارابولاني في عهد البابا "ديونيسيوس الكبير" في النصف الثاني من القرن الثالث، كأخوية دينية متطوعة لدفن الموتى خلال وباء الطاعون الذي ضرب الإسكندرية، ومنذ ذلك الحين أستمر البارابولاني تحت سلطة بطريرك الإسكندرية كنوع من الحرس الخاص وكانت لهم سلطة دينية واجتماعية باعتبارهم وكلاء البطريرك. استخدمهم البطريرك ثاؤفيلس في تعذيب وحرق قلالي الرهبان في أحداث وادي النطرون، وأعاد البطريرك “كيرلس” تنظيمهم للاستعانة بهم في الأحداث التي تستدعي القمع بالقوة. في الأعوام 416، 418م ظهرت مراسيم إمبراطورية تحظر أن يزيد عددهم عن 500 فردًا، مع تجريم وجودهم في الأماكن العامة بسبب سلوكهم القتالي العنيف. )) والذين أخضعهم كيرلس، ربيب دير القديس مكاريوس الكبير، والذي شهد فيه تعذيب وقتل رهبان أمونيوس ((موقع سانت تكلا هيمانوت، سير القديسين والشهداء في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية الأب أمونيوس الطويل. )) بواسطة رهبان وادي النطرون ((عزت إندراوس، موسوعة تاريخ أقباط مصر، مشكلة الأخوة الطوال. )). لا يعلم المعاصرون شيئًا عما هو مُتهم به باستثناء ما تجادل حوله المؤرخون في واقعة تعذيب الفيلسوفة هيباتيا. جديد هذا العام، أن بعض المعترضين صاغوا اعتراضاتهم بشكل قوي فكريًا، وخطهم العريض كان استنكار محافظة الكنيسة القبطية على التراث دون أي مراجعات فكرية تتناسب مع معايير العصر، وإصرار الكنيسة على أن الرجل كان بارًا رغم جرائمه. في المقابل، لم ألحظ تطورًا موازيًا عند التراثيين، وما زلوا متوقفين عند استنكار مقتل هيباتيا المحقق تاريخيًا، بشكل هجومي أكثر من كونه دفاعًا خاليًا من التحيزات. يوجد من رفض ما سطره المؤرخ داماسكيوس (لأنه وثني! ) والمؤرخ سقراط القسطنطيني (لأنه قسطنطيني! ) والمؤرخ يوحنا النقيوسي (لأنه كتب بعد قرنين! ) وموسوعة Suda (لأنها بيزنطية! ) وڤولتير (لأنه علماني! ) وبيرتراند راسل (لأنه ملحد! ) وچون تولاند (لأنه بروتستانتي! ) وإدوارد چيپون (لأنه كاثوليكي تحول للبروتستانتية! ) ووليام برايت (لأنه أنجليكاني! ) وچون أنتوني مكجوكين (لأنه أرثوذكسي لكن خلقيدوني! ) وتشارلز كينجسلي (لأنه أنجلوساكسوني! ) والموسوعة الكاثوليكية (لأنها استعانت بما سبق! ). الأصوليون، كعادتهم، يأخذون على غيرهم "انحيازاتهم" الدينية والقومية، بينما يفترضون أن الأسقف كيرلس غير منحاز دينيًا وقوميًا! هل هذه مزحة؟ هل هي ازدواجية معايير؟ ألا يعلمون معنى "التحقيق التاريخي" وأنه يتعامل مع كل هذا وأصعب؟ أم تراهم لا يعرفون أن الأدلة التاريخية على سلخ هيباتيا بقشور المحار أكثر من الأدلة على جلد المسيح قبل صلبه؟ لو أخذنا هذا التعسّف بالجدية الملائمة وطبقناه على 99% من سير القديسين والشهداء، بحيث نعاملهم معاملة هيباتيا في التحقق، فماذا سيحدث؟ ستبقى هيباتيا، ويتحول السنكسار كله إلى وهم قصصي لا دليل عليه! لذلك، فأنا هنا لمناقشة من هو جاد في الحوار العقلاني، لا لمحاولة تغيير قناعات أولئك المتجمدين على نهج "محصلش"، و"أثبت"، وانتهاءً بـ"أبقى اشتكيني"، أو المؤمنين بأن لهذا الجمود معنى! المطالبة بمراجعات فكرية يجب أن نعترف أن المراجعات الفكرية والتراثية مهمة طوال الوقت، لكن ربما تتعجب عندما أقول أن فكرة توليد العنف من المسيحية هي بالأصل نتيجة مراجعات فكرية في مرحلة أسبق. تُقدم مسيحية القرون الأربعة الأولى موقفًا سلبيًا جدًا بإلغاء العنف من معاملات الحياة العامة. في الموعظة على الجبل وحدها، طوّب المسيح الحزانى، والمُعايرين المطرودين، والمتآمر عليهم كذبًا، ووعدهم بتصحيح كل هذا بعد الموت في حياة أُخرى. وعلى خلاف عظات أساقفتنا لحث الشعب على دفع النقود للكنيسة، يقدم المسيح إلهًا غير متسوّل للذبائح والقرابين، بل لا يقبل الهدايا المقدمة له من البشر المتخاصمين. يقول المسيح صراحة: اترك هناك قربانك قدام المذبح، واذهب أولًا اصطلح مع أخيك، وحينئذ تعال وقدم قربانك ((إنجيل متى 5: 24. )). لكن الوجه الآخر لوصيّة المسيح أن تعيش في العالم غير آمل في عدالة أو إنصاف، وعليك تقبّل أن تعيش بلا كرامة، كعبد تم تسخيره للعمل، وسعيد بقبول عبوديته:  من سخرك ميلًا واحدًا، فاذهب معه اثنين - لا تقاوموا الشر، بل من لطمك على خدك الأيمن فحول له الآخر أيضًا - من أراد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك، فاترك له الرداء أيضًا. ((راجع الموعظة على الجبل في إنجيل متى، الإصحاح الخامس. )). يتم تفسير نفس الكلمات بأن المسيح لم يمنع مقاومة الشر، وإنما منع فقط مقاومته بوسائل شريرة؛ لا يغلبنك الشر بل اغلب الشر بالخير ((رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 12 : 21. ))، ولا بأس من أن تجد أحدهم يفسّر لطمك على خدك الأيمن على أن المعتدي يقف خلفك، وإلا ما أصاب خدك الأيمن بيمناه، وبناء عليه تصبح حول له الآخر معناها أن تستدير لتواجهه وتلقنه درسًا. حسنًا؛ كل هذا قولٌ جميل ومنطقي و"بلح"! لست سعيدًا بإخبارك هذا؛ لكن لا يوجد أي شيء من هذا في رسالة بولس الرسول صاحب التعبير لا يغلبنك الشر بل اغلب الشر بالخير في خاتمة نفس الإصحاح الذي يشرح الكيفية لذلك، وهي ببساطة أن تغيّر أنت من ذهنك، ولا تحاول تغيير الواقع لا تشاكلوا هذا الدهر، بل تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم ((رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 12 : 2. )). الأمر الذي دعى القديس أمبروسيوس، أسقف ميلان، للقول بإن المسيحي ﻻ يجب أن يرد عنف السارق المسلح لئلّا في أثناء دفاعه عن نفسه يدنِّس محبته لأخيه، الذي هو السَّارق هنا ((چون إدوارد، ورقة بحثية عن المسيحية وفقه العنف، مقال بعنوان: فقه العنف والمسيحية. )) هناك عشرات الكتب التي انتقدت سلبية المسيحية بشكل موضوعي، أغلبها قُدم من فلاسفة غير مسيحيين (وثنيين)، في مقابل عشرات الكتب من الآباء الأولين لم تأبه لمثل هذه الانتقادات ورسّخت لبقاء المسيحيّة خالية من العنف حتى لو كان هذا يعرّض المؤمنين أن يصيروا ضحايا ومستعبدين بين الأمم. تُجمع كل قوانين الكنيسة اﻷولى على تجريم حمل السلاح ولو دفاعًا عن النفس، وترفض الانخراط بالجندية، وإن تم إجبار المسيحي على التجنيد اﻹلزامي فهو يعامل كخاطئ يحتاج توبة ويُحرم من حياة الشركة ((الإنسان المسيحي لا يتجند. لا يجب أن يصير المسيحي جنديًا إلا إن تم إجباره من رئيس أن يحمل السيف. لا يحمّل ذاته خطيّة الدماء. وان شارك في سفك الدم، لا يشترك في الأسرار، إلا إن خضع لتأديب، وتوبة، وبكاء ودموع، ولا يأتي للكنيسة مخادعًا بل في خوف الله. (القانون ١٤ من قوانين هيبوليتس، القرن الرابع) ))، وإن كان كاهنًا فمصيبته أعظم، إذ لو دافع عن نفسه ولو بغرض صد الأذى، يقطع من الكهنوت ((إن كان إكليروس وقع في دنس القتل، حتى لو دفاعا عن النفس، يسقط من الكهنوت الذي دنسه هو بهذه الجريمة البشعة. (القانون الخامس من قوانين القديس غريغوريوس النيسي) ))، والأمر أعقد وأكثر قسوة مع الأساقفة وقوانين الرسل التي تحظر عليهم الانتماء للرومانية كما للمنصب الكنسي ((إن كان أسقف، كاهن، أو شماس منخرطًا في أعمال عسكرية، ويبتغي أن ينتمي للرومانية كما للمنصب المقدس، فهو يسقط من منصبه الكنسي. (القانون ٨٣ من قوانين الرسل) )). لا مراجعات تتم إلا بالإجبار يخبرنا التاريخ أن كل ما سبق قد تمت مراجعته فكريًا في القرن الخامس على يد القديس أوغسطينوس، أسقف هيبو، في كتاب مدينة الله ما بين عاميّ 413-426م. وقد كتب أوغسطين هذا الكتاب استجابةً لتحديات واجهت الإمبراطورية الرومانية خلال تعرضها لهجمات شرسة من قبائل الجرمان الذين نجحوا في دخول روما ونهبها عام 410م. ((چون إدوارد، ورقة بحثية عن: المسيحية وفقه العنف، مقال بعنوان: أغسطينوس والحرب العادلة. ))التحدي المطروح أمام أوغسطين هو: كيف يستطيع المسيحي ممارسة العنف اللازم للحرب دون أن يستلزم ذلك كسره لمسيحيته؟ كيف يقدر أن يحمل السلاح ويقتل العدو مع إطاعة: أحبوا أعدائكم؟ ولكي يتمكن أوغسطين من ذلك، قام بعمل مجموعة من التمييزات المهمة. من بينها أن المسيحي لا يستقيم مع حب الحرب، ولكنه يحارب -مُكرهًا- لو اضطرته الضرورة. لذلك، يُشترط في المُقاتل المسيحي أﻻ يحب الحرب وألا يطلبها. الأمر الذي اختصره القرآن بعدها بقرنين: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ((سورة البقرة ٢١٦. )).  القصة طويلة وثرية بالتفاصيل المهمة، وأنصح فيها بقراءة سبع مقالات ثمينة كتبها الزميل چون إدوارد، متوافرة على الشبكة في سلسلة: المسيحية والعنف. في عصر القديس أوغسطينوس، تمت معالجة التحديات التي تواجه جيش الإمبراطورية في نسخة جديدة من المسيحية، تستطيع توظيف فكرة الحرب العادلة للفيلسوف سيسرو ((ماركوس توليوس سيسرو: هو شيشرون، كاتب روماني وخطيب في روما القديمة، ولد سنة 106 ق. م، صاحب إنتاج ضخم يعتبر نموذجًا مرجعيًا للتعبير اللاتيني الكلاسيكي، أثارت شخصيته الكثير من الجدل خاصة في الجانب السياسي من حياته، فهو تارة مثقف عربيد، وتارة أخرى ثري إيطالي صاعد في روما، وثالثة انتهازي متقلب و«أداة طيعة في يد الملكية» و«متملق لبومبي ثم قيصر». تميز النصف الأخير من القرن الأول الميلادي بالفوضي والحروب الأهلية وديكتاتورية جايوس يوليوس قيصر، ولكن شيشرون حارب ضده وقام بمناصرة الحكم الجمهوري التقليدي. وبعد وفاة يوليوس قيصر، أصبح شيشرون عدوًا لمارك أنتوني في الصراع على السلطة الذي أعقب ذلك، فقام شيشرون بالهجوم عليه بسلسلة من الخطب. وخلال حكم تريومفيراتوس الثاني أو الحكم الثلاثي الثاني -وهو التحالف السياسي الرسمي من إثر اغتيال يوليوس قيصر- أصبح شيشرون عدوًا للدولة، وتم اغتياله في 7 ديسمبر 43 ق. م. )). بالطبع نحن نتحدث هنا عن لاهوت لاتيني (غربي) تم في روما، وتم توريثه للشرق مع إنشاء روما الجديدة: القسطنطينية. نتيجة لمجهودات المراجعات الفكرية هناك، ظهر لدينا في مصر لأول مرة "شهداء محاربين". وعلى الرغم من قناعتي الشخصية أن نصف هذه الشخصيات الحربية مُختلقة ونصف أسطورية ومزيدة وشعبية، إلا أنني ساهمت منذ عقود في تنقيح السنكسار. وسأذكر واحدة من القصص التي تم حذفها عن شخص (اسمه جرجس، وليس قديسًا مهمًا مثل مار جرجس، بل هو تافه) عاصر مرسوم الإمبراطور ثيودوسيوس الكبير بتحويل معبد مصري قديم إلى كنيسة. بطبيعة الحال، كانت هذه ديانة قائمة ولها أتباع، فتجمع الأتباع داخل المعبد لحمايته. وجاء الأقباط المسيحيون لمحاصرة المكان بالفؤوس والمعاول حتى نجحوا في اقتحامه، ودارت معركة انتهت بفوز الأغلبية المسيحية.  هذا الـ"جرجس" التافه لم يقم بأي عمل في سيرته بالسنكسار سوى كونه شارك في الهجوم على المعبد المصري، وقُتل. وبالطبع، قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار! فتم قيده في السنكسار ليكرم وتتعلم منه الأجيال الشابة عبر الزمن. القصة مرفوعة حاليًا من النسخ المنقحة، لكنها واحدة مما يشير إلى فترة من "الاستشهاد الرخيص". بالمقابل، فهناك بالضرورة قصص عن "استشهاد الطرف الآخر" من أصحاب المعتقدات المصرية القديمة نتيجة لقوانين "دين ودولة" جائرة، بشكل يجعلنا نعتقد أن المعايير تداخلت حتى في المسيحية الشرقية. وأباطرة روما أيضًا يراجعون أفكارهم في عام 313م، راجع الإمبراطور الروماني قسطنطين الكبير أفكاره، فأصدر مرسوم ميلان، الذي أعلن فيه إلغاء العقوبات المفروضة على المسيحيين، وأنهى حقبة الاضطهاد بعدما اعتنق المسيحية، وجعلها ديانة شرعية في الإمبراطورية الرومانية. وتوفي عام 337م، مورثًا ابنيه قسطنطين الثاني وقنسطانطيوس الثاني: اسمه، ودينه، وقميص الفتن ((بيشوي القمص، مقال بعنوان: الذين لا يقيمون وزنا للحياة. )). كان للإمبراطور قسطنطين ثلاثة أبناء وليس إثنين، اشتعلت الحرب بينهم فور وفاته. ما يهمنا هو حفيده، طفل في السادسة من عمره، شهد إعدام أسرته المسيحية بواسطة عمه المسيحي، ونجا من الموت بأعجوبة. كان هذا الطفل اسمه جوليان/ يوليان/ يوليانوس، وأما عمه فكان الإمبراطور "قسطنطين الابن". الطفل يوليان كان مقررًا ذبحه أيضًا لولا تدخل إفسابيوس، أسقف نيقوميدية، وظل تحت رعايته في حياة ديرية نسكية متبتلة، وعندما توفى الأسقف تم نفيه 6 سنوات في قيصرية، ثم نُفي 7 سنوات أخرى في القسطنطينية، ثم بعدها تقرر إعادته إلى نيقوميدية. ((باسم الجنوبي، مقال بعنوان: المرتد / الكافر / الجاحد. )) خلال الحياة الديرية النسكية، تربى الصبي يوليان مع الصبي “باسيل” قبل أن يصير أحدهما إمبراطورًا رومانيًا واﻵخر بطريركًا كبادوكيًا. إلى هنا فالمتوقع لـ”يوليان” حياة مسيحية مليئة بالتقوى، وربما هذا بعض ما حدث فعلًا، إﻻ أن ذبح أسرته أمام عينيه وهو طفل قد شكّل لديه موقفًا ﻻ عنفيًا تفوق فيه على المسيحيين الرومان المولعين بالعنف. فراجع الطفل الإمبراطوري أفكاره! لم يعودوا أمامه “مسيحيون” بعد، بل “جليليون”، (نسبة للجليل، موطن المسيح) وكتب فيهم كتبًا نقدية أشهرها ثلاثية: ضد الجليليون، ويقصد هنا نسخة المسيحية المبنية على العنف والاستقواء الديني. أثار هذا غضب البطريرك باسيليوس الكبادوكي، وشرع الرهبان في تأليف اﻷكاذيب عنه، حتى رماه غوغاء أنطاكيَة بالتراب وبالحجارة، ومع كل هذا الاستفزاز لم يجنح الإمبراطور مرة إلى اضطهادهم وكان يقول: يجب ألا يستشهد أحد. ((سلامة موسى، حرية الفكر وأبطالها في التاريخ، الجزء الأول: حرية الفكر في العصور القديمة، 1927، آخر التسامح: يوليان وهيباطية. )). ألم يأمرنا الإمبراطور "يوليان" ألا نعذب المسيحيين؟ وأنه يكفيهم عذابًا الخيالات والأباطيل التي يعتقدون بصحتها ويعذبون أنفسهم في سبيلها؟ (هيباتيا، كما كتبها: تشارلز كينجسلي) في وقت تعرض الإمبراطورية الرومانية لغزو الفرس، خرج الإمبراطور يوليان لصد خطرهم، وفي الطريق، تعرض للخيانة من أحد جنود الحرس المسيحي الإمبراطوري، وطعنه بطعنات نافذة من الخلف بكل خسة، ومات غدرًا. هذا القاتل الخائن الخسيس، مشهور شعبيًا تحت اسم: القديس العظيم فيلوباتير مرقوريوس، أبو سيفين! بالطبع تورط الشهيد أبو سيفين في المسألة هو تورط هزلي في خرافيته! فهو لم يعش في عصر يوليان بالأساس ولم يعاصره، لكن التقاليد الكنسية الشرقية كلها تنسب جريمة اغتيال سياسي ضلع فيها القديس باسيليوس، ذلك بالصلاة أمام أيقونة الشهيد المسيحي القديم، الذي غادر أيقونته في بعض القصص ثم عاد لها وسيفه ملوث بدماء الإمبراطور يوليان. بطريقة أخرى: القديس باسيليوس يصلي، وشهيد يعود للحياة وينفذ جريمة قتل، استجابة من الله لصلوات قديسيه ذوي الكراهية الحارة ((موقع سانت تكلا هيمانوت، سير القديسين والشهداء في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، الشهيد فيلوباتير مرقوريوس أبو سيفين، القديس باسيليوس يطلب صلواته. )). لنلتقط بعض أنفاسنا. . ونفكّر. . كما القديس كيرلس الكبير مُتهم غير مُدان في مقتل هيباتيا، فالقديس باسليوس الكبير مُتهم غير مُدان في مقتل الإمبراطور يوليان. المسؤولية السياسية والتاريخية دومًا مُربكة، ومختلفة تمامًا عن المسؤولية القانونية والجنائية. في حين أن المسؤولية الجنائية، كما هو واضح من اسمها، تستهدف الجاني بهدف تقديمه للعدالة التي تنظم عملية العقاب، يرى فقهاء القانون بمختلف توجهاتهم أن العقاب ذاته ليس هدفًا، بل الردع المجتمعي. فعند معاقبة الجاني، لن يستفد المجني عليه ولن يعود للحياة بعد أن قُتل، بل تكمن العبرة في ردع هذا النوع من الجرائم مستقبلًا، وجعل "مشاريع الجريمة" تعيد حساباتها خشية العقاب. على الجانب الآخر تأتي المسؤولية السياسية والتاريخية. حتى لا ندخل في جدل الاصطلاحات، فالمقصود هنا هو مدى مسؤولية القائد عن تحريك مرؤوسيه. والمثال الواضح مسؤولية أدولف هتلر عن قيادة الحزب النازي. ففي حين أنه مارس دوره بإخلاص في تحسين الظروف السياسية والاقتصادية للشعب الألماني، تسببت سياساته في قتل ملايين المدنيين والعسكريين. هنا يُطرح السؤال الأخلاقي الكبير: هل يبرر إخلاصك لشعبك معاداة وقتل ملايين من الشعوب الأجنبية لتحسين الظروف المعيشية لجماعتك؟ والإجابة سهلة إن كنا نتحدث عن هتلر، المتعصب اليميني الذي يؤمن بتفوق الجنس الآري. سهلة لأنك لست ألمانيًا ولا نازيًا. أما إذا كان هتلر الخاص بنا واحدًا منا، قبطيًا أرثوذكسيًا مخلصًا لشعبه، ومؤمنًا بتفوقنا نحن المسيحيين على الأمم الوثنية الكافرة، فستكون الإجابة صعبة للغاية. تشرح الأناجيل للقارئ المسيحي تفاصيل الأيام الأخيرة قبل قتل المسيح. فهي توضح خيانة يهوذا وتعاونه مع قيافا، رئيس مجمع السنهدرين المقدس ((كان قيافا في السياق التاريخي بمثابة بطريرك ليهود أورشليم، كما كان باسيليوس الكبير لمسيحيي أنطاكية، وكيرلس الكبير لمسيحيي الإسكندرية. )). كما يتجلى تأثير قيافا على رؤساء الكهنة والخدام في تحريض الغوغاء على صلب المسيح: فلما رآه رؤساء الكهنة والخدام صرخوا قائلين: اصلبه! اصلبه! ((إنجيل يوحنا 19: 6. )). بالرغم من هذا، تلقي الأناجيل باللائمة الأعظم على يهوذا باعتباره المنفذ الواضح، وليس قيافا، المحرك الخفي للأحداث والمستفيد منها وصانع مؤامرة العنف المقدس والمحرض الشعبي عليه. إن صناعة بيئة متطرفة دينيًا، تحض على العنف الجماعي تجاه المخالفين دينيًا، تقع دائمًا على عاتق الرئيس الديني للجماعة. ولكن يبدو أننا لم ندرك هذا. في صلاة تجنيز الأنبا إبيفانيوس، أسقف ورئيس دير الأنبا مكاريوس الكبير، قال قداسة البابا تواضروس الثاني درسه المُستفاد من كل ضحايا وشهداء العنف الديني: كل ١٢ تلميذ، في بينهم يهوذا. . وقتها، وجدت نفسي استكمل مقولته بدرس من التاريخ: وكل يهوذا يقف خلفه قيافا رئيس كهنة عظيم في مجمع سنهدريم مقدس. . فالتاريخ يعلمنا ألا نخشى يهوذا الذي يقتل نفسه ندمًا في مراجعة فكرية، إنما المخيف حقًا هو مسؤولية قيافا، الذي قاد الجموع لقتل المسيح ذاته، إيمانًا منه بأنه يعاقب "المجدف على الله"، وأنّه بقتل المسيح يكون حاميًا للإيمان الأرثوذكسي المستقيم. قداسة موظّفة لحماية القتلة ربما يكون باسيليوس الكبادوكي قد اختلق قصة الصلاة أمام أيقونة فليوباتير مرقوريوس ونشرها شعبويًا لإضفاء سمة القداسة على حادث الاغتيال وتبرئة الجندي المسيحي، لا أحد يعلم كيف بدأ هذا، لكن المؤكد أن هذه القصة الشعبية ستترسخ كمعجزة على يد المؤرخ الكنسي “سوزمين” الذي كتب عن البطريرك ومرقوريوس بعد أكثر من 80 عامًا من اغتيال اﻹمبراطور يوليان. ومن كتابات “سوزمين” الكنسية، ستصبح هذه القصة مصدرًا في التقاليد الشرقية المتعددة لسيرة الشهيد فيلوباتير مرقوريوس، بل حتى أيقوناته الطقسية، التي يظهر فيها وهو يقتل “يوليان” من ظهره، وفي الخلفية يقف القديس “باسيليوس الكبادوكي” وهو يصلي بوداعة ((باسم الجنوبي، مقال بعنوان: المرتد / الكافر / الجاحد. )). وكما اعتدى المسيحيون من غوغاء أنطاكيا على الإمبراطور يوليان بالتراب وبالحجارة استجابة لضغائن الرهبان، قامت جماعة من رهبان الإسكندرية بالتهجم على عربة الحاكم الروماني، أوريستوس، خلال سيرها في شوارع الإسكندرية، وقام الراهب أمونيوس من جماعة البارابولاني برجم أوريستوس بحجر شج رأسه، فقبضت الحامية العسكرية على أمونيوس وعاقبته بالقتل طبقًا للقانون الروماني. اعتبر كيرلس ما حدث جريمة في حق الراهب، وصلى عليه بنفسه، وألقى عظة أعلن فيها أمونيوس شهيدًا للمسيحية وقام بتغيير اسمه إلى ثاوماسيوس ((بيشوي القمص، مقال بعنوان: الذين لا يقيمون وزنا للحياة. )). وعلى الرغم من عدم وجود نص تاريخي يقطع بتورط كيرلس في مهاجمة الحاكم الروماني، إلا أن رد فعله على ما حدث يدل على أن عنف الرهبان ضد الحاكم الروماني كان حائزًا على رضائه، ويثاب فاعله المعتدي "الرائع"، وأن كيرلس يتوّج العنف والاعتداء على الحاكم بتاج الاستشهاد. القديس كيرلس له إنتاج لاهوتي تأسيسي في الكنيسة القبطية، وهو نفسه من قام بالتوسع في مفهوم "الاستشهاد" بحيث يشمل أمونيوس رغم كونه مبادرًا بالاعتداء ولاقى جزاءه وفقًا للقانون السائد وقتئذ. وبناءً عليه، أزعم أنّ القديس كيرلس استحدث مُدخلات ثقافية دخيلة على المسيحية النقية، وأفسدها فسادًا عنفيًا ولا أخلاقيًا ودمويًا، ولا يقارن بما قدمه من إيجابيات في علم اللاهوت النظري. بدأت المسيحية كجماعة سلمية مضطهدة. أسس المسيح ذاته قواعد جماعته اللاعنفية. دأب الوثنيون لأربعة قرون على الازدراء بسلميتها ولا عنفيتها وأنها "جماعة عبيد بائسة"، بينما تمسك الرسل والآباء الأولون بقواعد صارمة تحظر حمل السلاح أو الدفاع عن النفس أو حتى مقاومة الشتيمة بشتيمة. لكن المشهد في القرن الخامس كان معكوسًا تمامًا ومجنونًا حد الارتباك! فالوثنيون صاروا أقلية مسالمة تتبنى الأفلاطونية الجديدة، وكان فلاسفتهم متفوقين أخلاقيًا وسلميًا على نسخة جديدة من المسيحية المتطرفة التي صارت دين الأغلبية ودين الشعبوية ودين تسيير الحياة اليومية بين العوام والرعاع وقطاع الطرق. تاريخ يكتبه أساقفة عن الأساقفة التاريخ يكتبه المنتصر، وفي عصر المجامع، تفتتت الكراسي بسبب صراعات قومية يقودها أساقفة ضيقي الأفق. وتحولت مدرسة الإسكندرية الأفلاطونية إلى مُتهم بالتفلسف والفلسفة في ظل نمو عصابي لرهبانيات الشوارع والأزقة التي ترى الفلسفة ترفٌ يعيق الرهبنة عن الجهاد ضد قوات الظُلمة، وتحولت مدرسة أنطاكية الأرسطوطالية إلى المورد الحصري لأساقفة القسطنطينية ، وتحول بطريرك الإسكندرية وأساقفتها إلى أداة تأديب وإصلاح في يد زوجات الأباطرة ((چون جبرائيل الدومنيكي وباسم الجنوبي، ورقة بحثية بعنوان: هل كان نسطور نسطوريا؟. )). في خضم صراع الكراسي، راسل ثاؤفيلس ذهبي الفم رافضًا تقدم كرسي القسطنطينية في الكرامة لا لشيئ سوى كونه البطريرك القبطي ((أوّل ذكر تاريخي لقبطيّة الكنيسة السكندرية كان هنا، بشكل يجعلنا نؤكد أن ثاؤفيلس أول من أطلق على كنيسة الإسكندرية الأرثوذكسية مسمى كنيسة الأقباط الأرثوذكس في خضم صراعه مع كنيسة القسطنطينية. ))، وإنّه: وإن كان يجب أن أُحاكم، تكون محاكمتي أمام المصريين، ولا أن أحاكم أمامك، أنتالذي يفصلنا عنك طريق يستغرق خمسة وسبعين يومًا!  ((تادرس يعقوب ملطي، القديس يوحنا ذهبي الفم (سيرته، منهجه وأفكاره، كتاباته)، الفصل الثامن مشكلة الإخوة الطوال. )). بالمقابل، يعظ ذهبي الفم متسلقًا على جدار الدين لتوجيه ضربات قوميّة لخصمه القبطي بشكل انتهازي وعنصري ضد الأقباط والمصريين، مثلاً نجده في تفسيره للرسالة الثانية إلى أهل تسالونيكي، وعندما يتحدث عن يوسف كعبد في بيت فوطيفار المصري، يقول: كان يقدم حساباته لمصري. وأنتم تعرفون أن هذا الجنسمندفع، يثأر لنفسه. إذا ما نال سلطة لا يمكن وقف غضبه. ((تادرس يعقوب ملطي، القديس يوحنا ذهبي الفم (سيرته، منهجه وأفكاره، كتاباته)، الفصل الثامن مشكلة الإخوة الطوال. )) التاريخ يكتبه المنتصر، وفي هذا العصر، يرى كل مهزوم نفسه منتصرًا ويكتب تاريخًا خاصًا ويسميه "تاريخ مدينة الله العظمى"، سواء كان اسم المدينة الإسكندرية أو أنطاكية، فلا فرق مهم! المهم فقط أن تنحاز لمدينة في الأرض وتُنتج قومية محليّة منفصلة عن النظام المسكوني وتسميها استقلالًا، حتى لو سمى العالم ذلك انفصالًا، فلن تختلف المسميات كثيرًا وكل المهم أن تصير مدينتك هي كنيستك هي جسدك وكل الباقي هراطقة وأعداء المسيح! تقديس هيباتيا هل تذكر ما بدأنا به عن أولئك المستنكرين لما كتب التاريخ عن مقتل هيباتيا، وأننا لو أخذنا هذا التعسّف بالجدية الملائمة: ستبقى هيباتيا، ويتحول السنكسار كله إلى وهم قصصي لا دليل عليه؟ هل سمعت عن القديسة سانت كاترين؟ وهل تعرف أنها: إسكندرانية؟ تعذيب وقتل الفيلسوفة هيباتيا كان مماثلاً لموت الشهداء المسيحيين في الإسكندرية أثناء اضطهاد ديسيوس (250م). وهناك جوانب أخرى من حياة هيباتيا تصب أيضًا في قالب الشهيد المسيحي، مثل عذريتها طوال حياتها. وفي العصور الوسطى المبكرة، خلط المسيحيون استشهاد هيباتيا بقصص شهداء ديسيوس وأصبحت جزءًا من تأسيس أسطورة سانت كاترين السكندرية. سانت كاترين، شهيدة مسيحية، قيل إنها من الإسكندرية، عذراء، شديدة الحكمة، ومثقفة. يعود تاريخ أول إجازة لتقديس سانت كاترين إلى القرن الثامن، أي بعد حوالي ثلاثمائة عام من استشهاد هيباتيا. تحكي إحدى القصص عن مواجهة سانت كاترين لخمسين فيلسوفًا وثنيًا سعوا لتحويلها عن دينها، لكنها بدلًا من ذلك حوّلتهم جميعًا إلى المسيحية بفضل بلاغتها. زعمت أسطورة أخرى أن القديسة كاترين كانت طالبة لدى القديس أثناسيوس في الإسكندرية. المؤرخون المعاصرون لهيباتيا في القرن الخامس مصدران: 1. المؤرخ الكنسي سقراط القسطنطيني ((سقراط القسطنطيني، التاريخ الكنسي لسقراتيس سكولاستيكوس عن الفترة ٣٠٦م – ٤٣٩م، الكتاب السابع، الفصل الخامس عشر، ترجمة ايه. سي. زينوس، تعريب د. بولا ساويرس، مراجعة الأنبا إبيفانيوس، أسقف ورئيس دير الأنبا مقار. )). 2. المؤرخ الوثني داماسكيوس (458-538م) ((داماسكيوس، في كتابه: حياة إيسيدور، عام 527م. )). وكلاهما ذكرها بتفاصيل خطفها بواسطة جماعة مسيحية، ومحاكمتها كنسيًا أمام شماس اسمه بطرس، في كنيسة قيصرون حيث تم البدء بسلخها وجرها في الشوارع، ثم جرها مقتولة لمكان اسمه سينارون واحراق جثتها. في القرن السابع ظهر مصدر أهم: 3. الأسقف يوحنا النقيوسي John of Nikiû، ((القمص بيشوي عبد المسيح، وكيل مطرانية دمياط، تاريخ العالم القديم ودخول العرب مصر ليوحنا النقيوسي، ترجمه: ليزة عزيز إسكندر، موجهة اللغة الفرنسية، عن النص الفرنسي Chronique de Jean de Nikious للمستشرق الفرنسي: Hermann Zotenberg، باريس، 1883، مراجعة الأنبا بيشوي، مطران دمياط وكفر الشيخ وبراري بلقاس. )) وهو أهم لأنه يوضح وجهة نظر الكنيسة من الحدث بعد قرنين من هدأة الصراعات والفورات العاطفية. هذا نصّ ما كتب: ((عمرو صابر عبدالجليل، تاريخ مصر ليوحنا النقيوسي: رؤية قبطية للفتح الإسلامي، عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية، 2003، الصفحات 127-130. )) وفي هذه الأيام ظهرت امرأة وثنية فيلسوفة بمدينة اسكندرية اسمها أنبادياتخصصت لعمل السحر وللأسطرلابات وأدوات اللهو في كل وقت، وغررت بكثير من الناس بتموية الشيطان، وكان حاكم المدينةيكبرّها كثيرًا لأنها خدعته بسحرها. ثم قامت جماعة المؤمنين بالرب مع القاضي بطرس، وكان بطرس هذا مؤمنًا تمامًا لكل ما ليسوع المسيح، وذهبوا للبحث عن هذه المرأة الوثنية التي كانت تضلل أهل المدينة والحاكم بأسحارها. وحين عرفوا المكان الذي كانت به ساروا إليها فوجدوها تجلس على كرسى، فأنزلوها من الكرسي وسحبوها حتى أوصلوها إلى الكنيسة العظيمة التي تسمى قيصرون، وكان هذا في أيام الصوم، ونزعوا ملابسها، وسحبوها حتى أحضروها إلى شوارع المدينة حتى ماتت، وألقوا بها في مكان يدعى سينارون وأحرقوا جسدها بالنار. (يوحنا النقيوسي، تاريخ مصر ليوحنا النقيوسي، ترجمة: عمرو صابر عبد الجليل) وينهي النقيوسي قصته بهذه الإشارة الفخورة: ((عمرو صابر عبدالجليل، تاريخ مصر ليوحنا النقيوسي: رؤية قبطية للفتح الإسلامي، عين للدراسات والبحوث الانسانية والاجتماعية، 2003، ص130. )) وكان كل الشعب يحيط بالبطريرك كيرلس ويسمونه ثاوفيلوس الجديد، لأنه أزال باقي الأوثان من المدينة. (يوحنا النقيوسي، تاريخ مصر ليوحنا النقيوسي، ترجمة: عمرو صابر عبد الجليل) في عصر التنوير، تم تحقيق الحدث بواسطة إدوارد چيپون، واستخدم ڤولتير قصتها في مؤلفه إسحقوا العار الذي كتبه من منفاه. ثم من بعده برتراند راسل معلقًا بامتعاض إنّ الإسكندرية، بعد هذا الحادث، خلت من متاعب الفلاسفة. في القرن العشرين كتب الكثيرون، أبرزهم تشارلز كنجزلي، الذي استعنا باقتباس له بالأعلى، وچون تولاند، ووليام برايت، وچون أنتوني مكجوكين، والموسوعة الكاثوليكية، وكريستوفر هاس، وأصبح الأمر مفروغًا منه لدرجة إن المؤرخ ويل ديورانت في مجلدات قصة الحضارة استعان بالحدث لإثبات ضعف الدولة البيزنطية. --- ### الغباء وجدران الأعضاء - Published: ۲۰۲٤-۰۷-۱٦ - Modified: 2025-02-02 - URL: https://tabcm.net/27932/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: الأوطاخية, النسطورية, بابا شنودة الثالث, كارلو م. شيبولا, مجمع أفسس الثاني, مجمع خلقيدونية قبل هذا التصاعد المتسارع في التواصل الاجتماعي، كان اكتشاف الغباء محصورًا في دائرة الأمهات. الأم فقط من كانت تعرف أن "المحروس" غبي. الآن، أصبحت حالة "المحروس" معلنة وعلى رؤوس الأشهاد بمجرد أن ينشر شيئًا، باستثناء ربما عند من يشاركونه نفس الظرف. يحاول المرء أن ينجو بنفسه وينأى عن "المحروسين" قدر طاقته، مع "رقة" جدران أعضاء جسده التي نال منها التعرض لمحروسين آخرين سابقًا، فأصبحت مرشحة للانفجار في لحظة غير متوقعة، مع قراءة أيّ مكتوب لأحدهم. الإشكالية هنا أن المحروسين كثر، أكثر بكثير مما تتوقع، وليس هذا توقعًا أو استشرافًا، بل دراسة علمية بديعة عن "الغباء البشري" أعدها البروفيسور "كارلو شيبولا"، أستاذ تاريخ الاقتصاد في إحدى جامعات الولايات المتحدة المرموقة. يخبرنا "شيبولا" أنهم مع كثرتهم غير المتوقعة فهم متواجدون في كل الطبقات والمهن والأجناس، لا فضل لواحدة عن أخرى. سيتواجدون في أرقى منتدى اقتصادي، بنفس النسبة التي يتواجدون بها في ورشة نجارة في قرية بكفر الشيخ، وعليه فإن المرء واقع في براثنهم حتمًا، وسيكون من المبالغة أن يشكو من وجودهم، فالأمر واقع، وعليه أن يتعايش معه ويحمي أعضاءه. الخطورة الحقيقية أن يتصدّر الأغبياء المشهد، ويعتلوا المنابر، فيعلنوا أنفسهم معلمين للشعب وناطقين باسمه، وموجهين لرأيه. والخطورة هنا لا تتوقف عند الفرد وأعضائه، بل إنها تمتد فعليًا إلى المجتمع ووعيه بل ووجوده ذاته. وهنا أستند إلى رأي "شيبولا" الذي يحذرنا من أن "الغبي" هو الكائن الأخطر بلا منازع. منذ عدة سنوات أنقذت العناية الإلهية أعضاءنا، وربما أعضاء الذكور على وجه الخصوص، من برنامج كان يبث على فضائية قبطية وكان شديد الخطورة عليهم. وتم إلغاء البرنامج في خطوة تستحق الامتنان العميق لصاحب القرار. إلا أن ما يثير الريبة هو وجود قناة قبطية تبث من خارج مصر لا تنقل إلا ما اقتصر على الغباء. غباء متنوع وعلى جميع الألوان والأشكال والقياسات، وهو ما يخل بجسامة النسبة الطبيعية لتواجد الغباء في واقع ما. وبدون إمعان في التفكير، ستصل إلى أن من يدير الأمر هم أذكياء يوظفون الغباء لغرض ما. ولست حصيفًا بما يكفي لأكتشف هذا الغرض، فأحيل الأمر برمته إلى من هم أكثر حصافة، وأكتفي بالإشارة إلى أن هناك شيئًا ما عفنًا هناك. الغبي -حسب شيبولا- هو شخص يتسبب للآخرين بخسائر دون أن يستفيد هو بشيء، بل غالبًا يكون هو أيضًا من زمرة الخاسرين. لن ينطبق هذا التوصيف بأفضل من انطباقه على "بوست" نشره أحدهم، سأنقله هنا بكلماته: لم تكن خطورة هرطقة أوطاخي في مضمونها بقدر ما كانت متلونه كالحية القديمة. . كان راهبًا ورئيس دير. . بل كان أيضا يكتب مدافعًا ضد نسطور. . فظهر أولًا كمدافعًا أمينًا! ! ! حاول الآباء القديسين نصحه مرارًا وتكرارًا إلا أنه استمر في ضلالاته. . كان أوطاخي مراوغًا تظهر كتاباته فيما يظهر تعليمًا سليمًا. . وفي باطنها هرطقات دنسة. . عندما دعي للمحاكمة كان كالزئبق ينسلت من محاوريه. . ويقول الجمل ذات عشرات المعاني. . ربما سبب تعلق البعض به هو اعتقادهم أن لما يكتبه هو عمقًا وثقافًة وفكرًا منفتحًا. . الأرثوذكسية الحقه هي تعليم واضح وصريح ليس تلاعبًا لفظيًا ولا هو غموض في المعنى. يُثير كاتب "البوست" هنا الكثير من إعجابي، فهذا النوع من الغباء العريق يستحق الإعجاب والاندهاش: كيف استطاع الاستئثار بشخص واحد هكذا؟ الفقرة مريبة حقًا، دع عنك أنه لا شيء بها صحيح على الإطلاق. فأوطاخي لم يكتب شيئًا على الإطلاق، لا مدافعًا عن نسطور ولا مراوغًا، لم يكتب شيئًا على الإطلاق سوى إعلان إيمان رفض المتآمرون في مجمع القسطنطينية المكاني الذي يسميه كاتب البوست "محاكمته" قراءته. ما أثار حنقي فعلاً هي هذه الجملة: حاول الآباء القديسون نصحه مرارًا وتكرارًا، إلا أنه استمر في ضلالاته. هلا أخبرنا الجهبذ الأريب، العالم ببواطن الأمور وظواهرها، مَن مِن الآباء القديسين قد نصح هذا المارق الزنيم؟ لم يقرأ كاتب البوست شيئًا عن "أوطاخي" على الإطلاق، لكنه يتصدى للكتابة عنه، لماذا؟ حتى يطعن القديس ديسقوروس في شرفه المسيحي، بل وشرف الإسكندرية بكامله، فيطيح بمجمع أفسس الثاني الذي يجب أن يعاد إليه الاعتبار، بل ويسبغ المشروعية على قرارات خلقيدونية. هل رأيت يا عزيزي القارئ غباءً أجمل من هذا؟ أليس مثيرًا للإعجاب حقًا؟ يقول صديقي: شعب بلا نخبة، هو شعب أعمى. رغم كل التخريب الذي أحدثه "شنودة الثالث" في مجتمعنا وكنيستنا، حتى أنه لم يترك حجرًا على حجر فيها، فلعل أخطر ما فعله هو القضاء التام والمبرم على نخبتنا الفكرية. لم يكتفِ فقط بقتل النخبة التي عاصرها، بل أخصى الشعب نفسه وعقّمه عن ولادة "نخبة". فعم الغباء وتُركت الساحة لهؤلاء يقذفون بهراءهم في عقول الأقباط. نظرة سريعة حولك، ولن تحتاج إلى جهد حتى ترى كم الغباء الذي يحيط بنا، بدءًا من "مجمعهم" وصولًا إلى أي خادم في أصغر قرية.   اقرأ أيضا:   --- ### إدارة المعرفة والصناعات الإبداعية والثقافية - Published: ۲۰۲٤-۰۷-۱۵ - Modified: 2024-07-15 - URL: https://tabcm.net/27823/ - تصنيفات: مقالات وآراء تُعدّ إدارة المعرفة والصناعات الإبداعية والصناعات الثقافية مجالات مترابطة، تلعب دورًا حاسمًا في تطوير وتقدم المجتمعات والدول. ومع أنّ كل مجال يركز على جانب محدد، فإن تأثيرها المشترك يؤثر بشكل كبير على النمو الاقتصادي، والحفاظ على الثقافة، وجودة الحياة عمومًا.   إدارة المعرفة   التعريف والغرض: إدارة المعرفة هي عملية تنظيم وتخزين ومشاركة واستخدام المعرفة والمعلومات داخل المنظمة بطريقة تعزز الابتكار والكفاءة وتحسن اتخاذ القرارات. الهدف الأساسي هو ضمان وصول الخبرة الصحيحة إلى الشخص المناسب في الوقت المناسب. عناصر إدارة المعرفة: التقاط المعرفة: جمع المعرفة من المصادر الداخلية والخارجية. استخدام تقنيات مثل الدروس المستفادة والممارسات الجيدة والتوثيق. 2. تخزين المعرفة: تنظيم المعلومات بطرق تسهل الوصول إليها. استخدام قواعد البيانات والمستودعات الرقمية وأنظمة إدارة الوثائق. 3. مشاركة المعرفة: تسهيل نقل المعرفة بين الموظفين. استخدام الأدوات مثل الشبكات الاجتماعية المؤسسية، والندوات، وورش العمل. 4. استخدام المعرفة: تطبيق المعرفة في الممارسات اليومية لتحسين الأداء. اتخاذ قرارات بناءً على معلومات دقيقة ومحدثة. https://www. youtube. com/watch? v=DYJLj8-sAZw&t=18s   الصناعات الإبداعية   التعريف والنطاق: تتضمن الصناعات الإبداعية المجالات التي تولد قيمة اقتصادية من خلال الإبداع والمهارات الفنية. تركز هذه الصناعات على تصميم وإنتاج منتجات وخدمات جديدة تعزز الابتكار وتعزز القدرة التنافسية الاقتصادية. أمثلة على الصناعات الإبداعية: التصميم الجرافيكي تصميم المنتجات تطوير الألعاب البرمجيات تصميم الأزياء التسويق الهندسة المعمارية الدور والتأثير: تساهم الصناعات الإبداعية في النمو الاقتصادي من خلال تطوير حلول مبتكرة، وتعزيز القدرة التنافسية، وخلق فرص عمل جديدة. تلعب أيضًا دورًا في تشكيل الاتجاهات الثقافية وتفضيلات المستهلكين. https://www. youtube. com/watch? v=3L6uSM5uFV4   الصناعات الثقافية   التعريف والنطاق: تركز الصناعات الثقافية على إنتاج وتوزيع السلع والخدمات المتعلقة بالثقافة والفنون. إنها أساسية للحفاظ على التراث الثقافي وتعزيز التعبير الفني. أمثلة على الصناعات الثقافية: السينما التلفزيون الموسيقى المسرح المتاحف المعارض الفنية الحرف اليدوية https://www. youtube. com/watch? v=cWQWr8A23GM&t=17s الدور والتأثير: تدعم الصناعات الثقافية الهوية الثقافية، وتحافظ على التراث التاريخي، وتعزز جودة الحياة من خلال الترفيه والتعليم. تساهم أيضًا في النمو الاقتصادي من خلال جذب السياحة وتوليد الإيرادات.   أوجه التشابه والتداخل الأهمية الاقتصادية: تساهم المجالات الثلاثة في التنمية الاقتصادية من خلال خلق فرص عمل، وزيادة الإيرادات الضريبية، وجذب الاستثمار الأجنبي. تحسن إدارة المعرفة الأداء التنظيمي، بينما تولد الصناعات الثقافية والإبداعية النمو الاقتصادي من خلال مخرجاتها المختلفة. استخدام المعرفة والمهارات: تعتمد كل مجال على مزيج من المعرفة والمهارات الإبداعية أو الفنية. إدارة المعرفة تنظم وتستخدم الخبرات، بينما تطبق الصناعات الإبداعية التفكير المبتكر في التصميم والتطوير، وتستخدم الصناعات الثقافية المهارات الفنية لإنتاج المنتجات الثقافية. التأثير الاجتماعي: تشكل هذه المجالات القيم والمواقف والسلوكيات في المجتمع. تؤثر إدارة المعرفة على الثقافة التنظيمية، وتدفع الصناعات الإبداعية الاتجاهات الثقافية، وتحافظ الصناعات الثقافية على الهوية الثقافية وتعززها.   المستقبل النمو والتطور: من المتوقع أن تستمر هذه المجالات في النمو والتطور بفضل التقدم التكنولوجي وزيادة الطلب على المنتجات والخدمات الإبداعية والثقافية. سيساهم دمج التقنيات الجديدة والممارسات المبتكرة في تطويرها في المستقبل. إدارة المعرفة والصناعات الإبداعية والصناعات الثقافية هي أساسية لتقدم المجتمعات. تشكل هذه المجالات الثلاثة مزيجًا ديناميكيًا يثري الحياة، ويدعم التراث الثقافي، ويعزز النمو الاقتصادي. إن فهم واستغلال هذه المجالات يمكن أن يؤدي إلى عالم أكثر إبداعًا وثقافيًا ونشاطًا اقتصاديًا. https://www. youtube. com/watch? v=Se0l25cz42s في الختام، هذه المجالات ليست مجرد مفاهيم نظرية صماء غبية، لا هي عوالم ثرية وحية نابضة شكل دراماتيكي كبير. عامة تشكل هذه المجالات الثلاثة معا ثالوثًا سحريًا مقدس يوفر لنا عالمًا لطيفا جميلًا مليئًا بالإبداع والابتكار والتنوع، وكل ما علينا فعله حاليًا فعلا هو استغلال هذا "السحر" المبهر لتحسين حياتنا اليومية بشكل جذري وإثراء مجتمعاتنا خصوصا التي تسيطر عليها أفكار الرجعية والتخلف! وللحديث بقية إن كان للعمر بقية. --- ### الكنيسة الأثيوبية.. اليوم - Published: ۲۰۲٤-۰۷-۱٤ - Modified: 2024-07-14 - URL: https://tabcm.net/27879/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: أديسيوس, أنبا تكلا هيمانوت, أنبا ثاوفيلس، أسقف هرر, إمبراطور هيلا سيلاسي, الأب متى المسكين, الكنائس الأرثوذكسية, الكنيسة الإثيوبية, الكنيسة الروسية, الكنيسة القبطية, المجمع المقدس, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس السادس, بابا يوساب الثاني, تيرانيوس روفينوس, فرومنتيوس, قديس أثناسيوس الرسولي, مجلة مرقس, مدارس الأحد "الكنيسة الإثيوبية اليوم" ‏بقلم الأب متى المسكين، نُشر أوّل ما نُشر في مجلة مرقس، عدد أغسطس ١٩٧٩، الصفحات من ٣٩ إلى ٤١ دخلت المسيحية أثيوبيا في القرن الرابع الميلادي على يد القديسين فرومنتيوس وأديسيوس (من مصر ((الأبحاث الحديثة الدقيقة أثبتت أنها من مصر وليس من صور كما ورد في معظم الكتب التاريخية. )) ). وبحسب رواية المؤرخ روفينوس فإن هذين المبشرين دخلا إثيوبيا أولًا كأسيرين لكنهما اكتسبا عطف الإمبراطور الذي أطلق سراحيهما. وقد توجه فرومنتيوس إلى الإسكندرية حيث قابل البابا أثناسيوس وسرد عليه ما حدث، فرسمه البابا أسقفًا، وعاد إلى أثيوبيا ليكمل بشارتها بالمسيح. وقد ظل بابوات الإسكندرية يرسلون الأساقفة للكنيسة الإثيوبية ((فيما عدا فترات قليلة متقطعة أورد التاريخ ذكرها. )) حتى عصر البابا يوساب الثاني (١٩٤٦ - ١٩٥٦)‏ الذي سام للإثيوبيين لأول مرة خمسة أساقفة إثيوبيين عام ‎١٩١٥م، وفى عصر البابا كيرلس السادس (١٩٥٩‏ - ١٩٧٠‎) سام لهم بطريركًا جاثليق هو الأنبا باسيليوس، ولما تنيح هذا الأخير عام ‎١٩٧١‏ في أثناء خلو كرسي بابا الإسكندرية الذي يخول له القانون الكنسي رسامة البطريرك الإثيوبي، قام الإثيوبيون وحدهم -دون الرجوع إلى الكنيسة القبطية حسب التقليد المتوارث- برسامة بطريرك لهم وهو الأنبا ثاوفيلس، أسقف هرر، وكان ذلك في مايو ١٩٧١. وبعد قيام الانقلاب العسكري ضد الإمبراطور هيلا سلاسي عام ‎١٩٧٤،‏ قام النظام العسكري الجديد بمطالبة الكنيسة بالضرائب المستحقة عن أوقافها (وهى تمثل حوال نصف أراضي الدولة)، وعزلوا البطريرك الإثيوبي الأنبا ثاوفيلس (بدعوى أن رسامته تمت خلافًا للتقاليد الكنسية المرعية)، وعملوا على رسامة راهب بطريركًا باسم الأنبا تكلا هيمانوت، وتم ذلك يوم ‎٧‏ يوليو عام ‎١٩٧٦. وقد وردت في أخبار متعددة منذ ذلك الحين عن مضايقات تتعرض لها الكنيسة على يد الحاكم العسكري هناك. آخر تقرير عن حالة الكنيسة الإثيوبية: أما عن الحالة اليوم في الكنيسة الإثيوبية. فقد نشر مجلس الكنائس العالمي تقريرًا أعدته لجنة خاصة ((تتكون اللجنة من أعضاء من الكاميرون وكينيا وألمانيا والكنيسة الروسية، وأعضاء من مجلس الكنائس ‏العالمي. )). بعث بها المجلس إلى إثيوبيا للتعرف عن كثب على ما يجرى في إثيوبيا تجاه الكنيسة هناك. وكان ذلك خلال شهر فبراير من العام الحالي: قال التقرير ما يلي: - ليس هناك ثمة برهان على وجود اضطهاد منظم من قبل الدولة ضد الكنيسة أو المسيحيين بسبب إيمانهم أو ممارساتهم الدينية. - إلا أن هناك دلائل على وجود حوادث عرضية عن مواقف اتخذت ضد بعض الأفراد، من بينها الحكم بالسجن دون محاكمة، وكذلك بعض حالات تعذيب، وفي حالات منفردة وجود بعض الإجراءات ضد مؤسسات كنسية (كنائس وأديرة). وقد اعتبرت اللجنة هذه الحالات خطيرة. لكن اللجنة أشارت إلى أنه ليس ثمة أحكام بالإعدام، وأن أخبار إغلاق كل الكنائس الأرثوذكسية في «كافا» غير صحيحة على الإطلاق. - الأحداث التي ترتبت على الحكم العسكري عام ‎١٩٧٤‏ تركت الكنيسة في وضع مذبذب تمامًا. والكنيسة بالرغم من ترحيبها بالإجراءات الإصلاحية إلا أنها تأثرت ماليًا بتأميم أوقاف وممتلكات الكنيسة. - خلال عام ‎١٩٧٨‏ تم تجديد كامل للمجمع المقدس للكنيسة الإثيوبية بلغ أوجه في يناير ‎١٩٧٩ ‏برسامة ‎١٣ أسقف جديد. وقد وافق المجمع المقدس أخيرًا عل نظام مجالس الإيبارشيات التي انتشرت في ١٦ إيبارشية حتى الآن. وتسعى هذه المجالس إلى تأكيد بنيان إدارة الكنيسة على مستوى الشعب. - الانطباع الذي خرجت به اللجنة من زيارتها أن الحكومة ليست معادية للكنيسة، والكنيسة مدعوة إلى الإسهام في مشروعات التعليم الرسمي وغير الرسمي بين صفوف الشعب. ((نقلًا عن وكالة ‎EPS )). تبين الصور المنشورة على الصفحة المقابلة بعض أوجه الحياة الروحية الكنسية بين الإثيوبيين. فهم ما زالوا يحتفظون بنظام الخوارس في الكنيسة، فبينما يقف داخل الكنيسة الكهنة والشمامسة والمرتلون، والمتناولون من الشعب، يقف خارج الكنيسة في الفناء المحيط بها باقي الشعب الذي تمنعه عوائق شخصية أو روحية عن الدخول إل بيت الله. ويلاحظ الملابس البيضاء التي يرتديها المصلون يوم الأحد. ويستخدم الشمامسة في الكنيسة آلة لضبط الألحان اسمها «السيسترون» (مثل الدف عندنا) وهي تلك التي يمسكها الشماسان الواضحان في الصورة. وفي صورة أخرى يُرى بعض الإثيوبيين يسجدون على الأرض، ذلك أن الإثيوبي يحمل في قلبه توقيرًا خاصًا للكنيسة، فإذا ما شاهدها أو اقترب منها فلابد أن يحييها وذلك بأن ينزل عن دابته ويخلع قبعته و ينحني أمام الكنيسة أو يسجد عل الأرض، هذا إذا كان بعيدًا عنها، أما إذا كان بالقرب منها فيقبل حائط الكنيسة الخارجي. وفي صورة أخرى يُرى راهب يسجد داخل مغارته التي نحتها في صخور المرتفعات المنتشرة في بلاد إثيوبيا. بينما في صورة أخرى راهبة تحتضن طفلًا تعتني به ضمن أطفال ملجأ في أديس أبابا. أخيرًا تُرى صورة أسقف إثيوبي هو الأنبا بطرس وسط أطفال مدارس الأحد في إيبارشيته. وكان أول خريج أثيوبي في الكلية الإكليريكية بالقاهرة عام ‎١٩٥٤ حينما كانت الكنيسة الأثيوبية ترسل وفودها إلى مصر (لدى الكنيسة الإثيوبية الآن مبعوثون كثيرون في الكليات اللاهوتية بالعالم: في أثينا وتسالونيكي وروسيا ورومانيا وفرنسا وأمريكا وغيرها). ندعو الله أن تأتي الأيام التي تلتحم فيها هذه الكنيسة الأرثوذكسية العتيقة المحبوبة بالكنيسة الأم كنيسة مصر مرة أخرى. ليفيض عليها الله من نعمته وسلامه بشفاعة القديس مار مرقس وبدعاء قداسة البابا شنودة الثالث الذي لا يزال هو راعيها الأعلى بحسب التقليد. آمين. الكنيسة الإثيوبية اليوم ‏بقلم الأب متى المسكين، نُشر أوّل ما نُشر في مجلة مرقس، عدد أغسطس ١٩٧٩، الصفحات من ٣٩ إلى ٤١ --- ### التقليد والتسليم والتلمذة - Published: ۲۰۲٤-۰۷-۱۳ - Modified: 2024-07-13 - URL: https://tabcm.net/27743/ - تصنيفات: إصلاح كنسي التسليم أو التقليد هو ما تواتر عن الكنيسة الأولى ومن مفردات حياتها في المسيح ومعه، بمعنى ترجمة إيمانهم على يومهم، وهو ما يسمى في عصرنا التلمذة، التي من خلالها تنتقل خبرات الأجيال. تتابعا، وتراكم عليها، والذي يحميها من الشطط هو المعيار الكتابي الذي وثق لنا أساسيات ومحاور تعليم رب المجد، والقدر اليسير من ترتيب الكنيسة الأولى في عصر الرسل والموثق في سفر أعمال الرسل سجل يوميات الكنيسة والممتد حتى اليوم وحتى مجيء الرب ثانية. والكتب المقدسة -خاصة في العهد الجديد- كيف وصلت إلينا ولماذا هي بالذات التي اعتمدها المؤمنون؟ ولما رُفضت كتابات كثيرة رغم التصاقها بأسماء تعد أعمدة بالكنيسة الأولى؛ إنجيل مريم، إنجيل توما، إنجيل بطرس،، وغيرها الكثير؟ ببساطة شديدة وفي غير إخلال بعلوم الكتاب المقدس، كان معيار قانونيتها، قياسها على ما وقر في ذهن وعقل شهود الكنيسة الأولى التي أسماها لوقا البشير الأمور المتيقنة عندنا ((إنجيل لوقا ١ : ١ ))، وكانت افتتاحية إنجيله توجز قضية التسليم (التقليد) هنا: ((إنجيل لوقا ١ : ١-٤ )) إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا، كما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخدامًا للكلمة، رأيت أنا أيضا إذ قد تتبعت كل شيء من الأول بتدقيق، أن أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفيلس، لتعرف صحة الكلام الذي علمت به. (إنجيل لوقا ١: ١-٤) التسليم لفظًا هو ما يسلمه طرف إلى طرف آخر، وهو في دائرة الكنيسة تسليم خبرة إيمان جيل سابق إلى جيل لاحق، وهو ليس تسليمًا عشوائيًا بل يقاس على ما استقر في الكنيسة الأولى -كنيسة الرسل- ومعياره في حده الأدنى ما وثقته الأناجيل ورسائل الرسل. صحة التسليم إذن في تأكيده لمحبة الثالوث التي تجلت في التجسد والفداء والمصالحة التي بها رد آدم إلى رتبته الأولى قبل السقوط. وما الطقوس والترتيبات الطقسية للعبادة إلا تجليات لهذا. فإذا اُغتصِب مجد المسيح وأُعطِى لغيره، فلا يمكن أن يعتمد تسليمًا صحيحًا مهما تواتر بين الأجيال، ولا يكتسب قانونيته بطول زمنه، أو بلغة أهل القانون؛ "بالتقادم". قس على ذلك ما حدث في ترتيبات استقبال الرتب الكنسية العليا، وفي مظاهر التعظيم لها، والسلطات المطلقة لهم، والتعسف في حق الحِل والربط، الذي أساسه رد الخاطئ عن طريق ضلاله، وليس اعتماده سيفًا على رقاب من لا يروقون لهم. وما يصدمك الترويج لكرنفال الملابس الكهنوتية باعتباره تسليمًا أو تقليدًا، وهي مفارقة لروح العبادة وذائقة الاتضاع. وهذا يدعونا لتصحيح ما وقر في ذهننا، بشأن تكريم القديسين، وهم يستحقون التكريم كعلامات مضيئة تنير لنا الطريق إلى معرفة المسيح، أزمتنا في احتلالهم لمكان رب المجد، حتى كدنا أن ننزلق إلى الصنمية، وعلامة هذا تلك الأنابيب التي تزاحم وجود المسيح في بيته، سجودًا وتضرعًا، وأي محاولة لمراجعة موضوعية تواجه بقائمة اتهامات ممتدة تشكك في أرثوذكسية المطالب بها. والسند هو ما يحسب تسليمًا. التقليد الكنسي وفض اشتباك الأفيال في تقديري أن التقليد، حسبما ذكرنا، هو مراكمة لخبرات كنيسة تعيش المسيح، وتعلنه فيها باعتبارها عمود الحق وقاعدته، والمسيح هو الحق، حسب تعريفه لنفسه. وظني أنّ صحة التقليد تقاس بقدرته على ترجمة الحياة في المسيح إلى فعل وديمومة. أزمتنا بغير تعميم وبغير تخصيص هي في ضبابية معرفتنا للمسيح بعد كل هذا الزمان؛ وربما نكون امتدادًا لفيلبس الذي لم يدرك ماهية الرب يسوع وإعلانه للآب، وأظن أن سؤال، أو قل عتاب المسيح له، موجه إلينا: قال له يسوع: «أنا معكم زمانًا هذه مدته ولم تعرفني يا فيلبس! الذي رآني فقد رأى الآب، فكيف تقول أنت: أرنا الآب؟ ((إنجيل يوحنا ١٤: ٩ )). نحن بحاجة إلى مراجعة مواجهاتنا لبعض في اجتزاء للتاريخ أو أحيانا إنكاره، وبحاجة إلى الانتباه أن شخص المسيح وتجسده وعمله الفدائي لم تعد -عند كثيرين- على قائمة تعاليمهم أو على الأقل في أولوياته، وكثير من عباداتنا الطقسية صارت منزوعة الروح والدسم. والسؤال لماذا كل هذا الإتلاف؟! ألا يستحق الأمر مزيد من التحرك نحو حوار جاد جسور لا يخشى خفافيش الظلام ومؤامراتهم؟ ويقاوم حراك أصحاب المصالح -الساذجة- المرتهن بقائها ببقاء الأمر على ما هو عليه؟ --- ### معضلة الألم والمرض والشر - Published: ۲۰۲٤-۰۷-۱۲ - Modified: 2024-07-12 - URL: https://tabcm.net/27754/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: آمال فؤاد, أمجد رفعت رشدي, أيام الخليقة, إستفانوس حداد, المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية, المكتبة البولسية, بابا ديونيسيوس السكندري, بابا كيرلس عمود الدين, باسيليوس الكبير، أسقف قيصرية الكبادوك, باناريون للتراث الآبائي, بيشوي الأنطوني, تادرس يعقوب ملطي, تجسد الكلمة, جرجس الأنطوني, چورچ عوض إبراهيم, چورچ فرج, چوزيف موريس فلتس, حنا الفاخوري, دار القديس يوحنا الحبيب للنشر, ساويرس الأنطاكي, سعيد حكيم يعقوب, شيريمون, غريغوريوس النزينزي، الناطق بالإلهيات, غريغوريوس النيسي, قديس أثناسيوس الرسولي, قديس أمبروسيوس، أسقف ميلان, قديس كيرلس الأورشليمي, قديس يوستينوس الشهيد, مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية, مطبعة الأنبا رويس, مكتبة المحبة, منشورات النور, نشأت مرجان, نصحي عبد الشهيد بطرس, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية, يوحنا كاسيان نحاول في هذا البحث الموجز أن نفحص معضلة الألم والمرض والشر، وما هو سبب هذه المعضلة التي حيَّرت الكثير من الفلاسفة واللاهوتيين العظام، ولكننا في هذا البحث سنقوم بمقاربة حذرة بعض الشيء من هذه المعضلة الكبيرة المحيرة، والتي وقف أمامها كبار الفلاسفة واللاهوتيين عاجزين عن تفسير أعماقها وتعقيداتها الكثيرة. سبب هذا البحث هو ادعاء البعض أن الله هو مصدر التجارب المؤذية المهلكة للبشر، متناسين أن الله عندما يُعاقِب فهو يُعاقِب من أجل التأديب والإصلاح والتقويم، وليس من أجل هلاك البشر وفنائهم. يدَّعي البعض أن مصدر الألم والمرض وغيرها من البلايا والشدائد والضيقات هو الله، وهذا بعيد كل البعد عن الحقيقة الكتابية والآبائية المعلَنة لنا. كما يرون أن المرض هو صليب والصليب مرض، وهذا الادعاء هو تجديف حقيقيّ على الصليب قوة الله للخلاص، فالصليب هو شفاء وقوة، وليس ضعف ومرض وابتلاء من الله. سنحاول في هذا البحث توضيح أن التجارب مصدرها هو الشيطان الذي يريد هلاك البشرية وإسقاطها في التجارب لهلاكها وفناءها، كما أن البشر هم علة عقاب أنفسهم ويسقطون بإرادتهم الشريرة إلى التجارب الشريرة، ويجلبون العقوبة على أنفسهم، فهم يعاقبون أنفسهم بأنفسهم بشرورهم وشهواتهم الفاسدة. نهدف أيضًا إلى توضيح حقيقة أن الصليب هو قوة ونصرة وليس مرض وضعف وابتلاء كما يدَّعي هؤلاء عن جهل ودون معرفة حقيقية بالله كليّ الصلاح والرحمة والرأفة، شافي الأمراض ومُبدِّد الضعفات والضيقات والآلام التي تواجه البشرية. الفصل الأول: مقاربة آبائية من معضلة الألم والمرض والشر نُحاوِل في هذا المقال توضيح وجهة نظر آباء ومُعلِّمي الكنيسة الكبار في معضلة الألم والمرض والشر، وكيف عالج آباء الكنيسة هذه المعضلة الكبيرة والمعقَّدة. ق. يوستينوس الشهيد المسيح هو شافي آلامنا يُؤكِّد ق. يوستينوس الشهيد على أن الكلمة صار إنسانًا لأجلنا وشاركنا آلامنا لكي يشفينا، فالمسيح يشفي الآلام ولا يصيب الإنسان بهذه الآلام، كما يدَّعي البعض عن جهل وضيق أفق: ((يوسينيوس الشهيد، القديس يوستينوس الفيلسوف والشهيد، ترجمة: أ. آمال فؤاد، مركز باناريون للتراث الآبائي، 2012، الدفاع الثاني : 13، ص. 120. )) لأننا نعبد ونحب الكلمة الذي هو من الله الآب غير المولود، غير الموصوف، فالكلمة صار إنسانًا لأجلنا وشاركنا آلامنا لكي يشفينا. (يوسينيوس الشهيد، الدفاع الثاني) المسيح ينقذنا من نار تجارب إبليس يرى ق. يوسينوس أن الله قد انتشلنا وأنقذنا من نار تجارب إبليس وأعوانه، وليس هو مَن يُرسِل هذه التجارب الشريرة لهلاكنا: ((يوسينيوس الشهيد، القديس يوستينوس الفيلسوف والشهيد، ترجمة: أ. آمال فؤاد، مركز باناريون للتراث الآبائي، 2012، الحوار مع تريفون اليهودي : 116، ص 287. )) فنحن قد انتُشِلَنا كما من نار عندما طهَّرنا الله من خطايانا السابقة، وأنقذنا من نار التجارب التي يُجرِّبنا بها الشيطان وأعوانه. ومِن مثل هذه الأخطار ينتشلنا يسوع ابن الله، فهو قد وعد بأن يُلبِسنا الثياب المعدَّة لنا إنْ حفظنا وصاياه وسيُكافئنا بملكوتٍ أبديّ. (يوسينيوس الشهيد، الحوار مع تريفون اليهودي) ق. ديونيسيوس السكندري التجربة من أجل خلاصنا وليس هلاكنا يرى ق. ديونيسيوس السكندري، بطريرك الإسكندرية ومُعلِّم المسكونة، أن الله لا يُجرِّب الإنسان بالشرور، فهو يختبر الإنسان، ولكنه لا يدفعه إلى التجربة دفعًا، وإنه عندما يُجرِّبنا ويختبرنا، فهو يُجرِّبنا من أجل خلاصنا وليس هلاكنا: ((ديونيسيوس السكندري، القديس ديونيسيوس السكندري الكبير، ترجمة: أمجد رفعت رشدي، مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية، 2017، شذرات من تفسير إنجيل لوقا 22: 42-48، ص 212. )) وهكذا، اُقتِيد المسيح بالروح، ليس لكي يدخل في التجربة، بل ليكون مُجرَّب من الشرير، وهكذا، إبراهيم أيضًا لم يُدخِلبنفسه إلى التجربة، ولم يقتده الله إليها، لكن قد جرَّبهالله لكنه لم يدفعه فيها. وحتى الربّ نفسه قد اختبر التلاميذ. لكن عندما يُجرِّبنا الشرير يستميلنا إلى التجارب، فينشغل الإنسان في تجارب الشرير. لكن عندما يُجرِّبالله، فإن تجاربه غير مُجرِّبة بالشرور. فقد قيل عن الله إنه غير مُجرَّب بالشرور. لكن يسحبنا الشيطان للتجربة بعنفٍ، ويُلقِينا في الهلاك، أمَّا الله فيقودنا بيديه ليُدرِّبنا من أجل خلاصنا. (ديونيسيوس السكندري، شذرات من تفسير إنجيل لوقا) ويُؤكِّد ق. ديونيسيوس على أن تجارب واختبارات الله لمنفعتنا ولا يصنع شيئًا شريرًا لنا، لأنه غير مُجرِّب بالشرور، فالله عكس الشيطان، الذي يُجرِّب من أجل قتل وإهلاك منقاديه، فالله لا يميت ولا يُهلِك أحدًا كما يدَّعي البعض عن جهل وضيق أفق بطبيعة الله كليّ الصلاح: ((ديونيسيوس السكندري، القديس ديونيسيوس السكندري الكبير، ترجمة: أمجد رفعت رشدي، مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية، 2017، شذرات من تفسير رسالة يعقوب، ص 232. )) عندما يختبر الله، فإنه يمتحن من أجل منفعتنا، وليس لأجل صُنع شيئًا شريرًا؛ إذ قيل إن الله غير مُجرِّب بالشرور. وبعد قليل، مَن يحتمل التجارب يُتوَّج بكرامةٍ، وهناك تجارب أخرى تأتي من الشيطان. هذا يُجرِّب كي يقتل مُنقاديه. هو أيضًا لا يعرف إلى ماذا يؤول الأمر، أمَّا الربُّ فيعرف، ولذلك، أعطى للبشر أن يفعلوا ما يحلو لهم بكامل إرادتهم. (ديونيسيوس السكندري، شذرات من تفسير رسالة يعقوب) الله غير مُجرِّب بالشرور يُؤكِّد ق. ديونيسيوس على أن الله غير مُجرِّب بالشرور، بل هو يريد أن يعطينا أكثر جدًا مما نطلب أو نفتكر: ((ديونيسيوس السكندري، القديس ديونيسيوس السكندري الكبير، ترجمة: أمجد رفعت رشدي، مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية، 2017، شذرات من تفسير إنجيل لوقا 22: 42 وما بعده، ص 215. )) لأنه مع الله لا توجد تجربة بالشرِّ، لأنه يُرِيد أن يُعطِينا أكثر جدًا مما نطلب أو نفتكر. (ديونيسيوس السكندري، شذرات من تفسير إنجيل لوقا وما بعده) الله كلي الصلاح ليس علة الشر ينتقد ق. ديونيسيوس أولئك الذين يزدرون بالله الإله الحقيقيّ، وينسبون الشرَّ إلى الله كليّ الصلاح: ((ديونيسيوس السكندري، القديس ديونيسيوس السكندري الكبير، ترجمة: أمجد رفعت رشدي، مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية، 2017، الخطاب الثالث إلى زيستوس رئيس أساقفة روما، ص 120. )) فوجب علينا أن نَعتبره دنسًا كل مَن يزدري بالله الحقيقيّ الواحد الوحيد، خالق وربّ السماء والأرض وكل الأشياء، ويجعله أدنى وأقل توقيرًا مِن بعض الآلهة الأخرى، وينسبون الشرَّ إلى كليِّ الصلاح، أو لا يؤمنون أنالمحبوب هو مُخلِّصنا يسوع المسيح. (ديونيسيوس السكندري، الخطاب الثالث إلى زيستوس رئيس أساقفة روما) ق. أثناسيوس الرسولي سبب الألم هو ضعف الطبيعة البشرية يرى ق. أثناسيوس أن علة الموت والانحلال والألم هو ضعف طبيعتنا البشرية، وليس الله هو علة هذه الأمور، بل الله هو القوة والحياة عينها، ومعطي القوة والحياة والشفاء للبشر وليس الألم والمرض والموت، كما يدَّعي البعض: ((أثناسيوس الرسولي، تجسد الكلمة، ترجمة: د. چوزيف موريس فلتس، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2003، 21: 4، ص 61. )) إن الموت الذي يصيب البشر عادةً يأتيهم بسبب ضعف طبيعتهم، وإذ هم لا يستطيعون البقاء لزمنٍ طويلٍ، فإنهم ينحلون في الزمن. وبسبب هذا أيضًا تنتابهم الأسقامفيمرضون ويموتون. أمَّا الربُّ، فإنه ليس ضعيفًا، بل هو قوة الله، وكلمة الله، وهو الحياة عينها. (أثناسيوس الرسولي، تجسد الكلمة) الألم هو أحد نتائج السقوط يشير ق. أثناسيوس إلى أن الألم والحزن والهم هي نتائج سقوط الإنسان، لأن الإنسان في حالته الفردوسية الأولى كان بلا ألم ولا حزن ولا هم، فكيف يُرسِل الله الألم والمرض للإنسان وهو أحد نتائج سقوط الإنسان؟! فالألم والمرض لا يوجدان في الله، فكيف يُرسِلهما للإنسان؟! بل الإنسان هو مَن جلب على نفسه الألم والمرض والموت بسقوطه وليس الله: ((أثناسيوس الرسولي، تجسد الكلمة، ترجمة: د. چوزيف موريس فلتس، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2003، 3: 4، ص 9. )) وأعطاهم وصيةً حتى إذَا حفظوا النعمة واستمروا صالحين عاشوا في الفردوس بغير حزن ولا ألم ولا هم، بالإضافة إلى الوعد بالخلود في السماء. أمَّا إذَا تعدوا الوصية وارتدواوصاروا أشرارًا، فليعلموا أنهم سيجلبون الموت على أنفسهم حسب طبيعتهم، ولن يحيوا بعد في الفردوس، بل يموتون خارجًا عنه، ويبقون إلى الأبد في الفساد والموت. (أثناسيوس الرسولي، تجسد الكلمة) عدمية الشر يؤكد ق. أثناسيوس على أن كل ما هو شرّ فهو عدم، وكل ما هو خير فهو موجود، فكيف يُرسِل الله للبشر الشر العدميّ في صورة هلاك، أو أمراض، أو آلام، بل الله كليّ الصلاح يُرسِل كل ما هو خير وصالح، أي كل ما هو موجود، وليس عدميّ كالشرّ: ((أثناسيوس الرسولي، تجسد الكلمة، ترجمة: د. چوزيف موريس فلتس، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2003، 4: 5، ص 11. )) لأن كل ما هو شرٌ فهو عدمٌ، وكل ما هو خيرٌ فهو موجودٌ. (أثناسيوس الرسولي، تجسد الكلمة) ق. كيرلس الأورشليمي الصليب شافي الأمراض وليس مرض يؤكد ق. كيرلس الأورشليميّ على أن الصليب يشفي الأمراض إلى اليوم، وبالتالي، يدحض ادعاء البعض عن جهل ودون وعي أن الصليب مرض والمرض صليب، المرض ليس صليبًا، لأن الصليب هو قوة الله للخلاص والشفاء، وليس مرضًا، هذا للأسف تجديف على قوة صليب رب المجد المخلِّصة والشافية للآلام والأمراض: ((تادرس يعقوب ملطي، القديس كيرلس الأورشليمي (حياته - مقالاته لطالبي العماد - الأسرار)، كنيسة مار جرجس سبورتنج، 2006، مقالة 13: 40، ص 198. )) إنه بالحري شعار حضرة الخلاص، أي صليب يسوع، الذي جمعكم كلكم هنا. هو الذي قهر الفرس، ولجَّم السكيثيين، ووهب المصريين معرفة الله عوض القطط والكلاب، وأضاليلهم العديدة. إنه إلى اليوم يشفي الأمراض، ويطرد الشياطين، ويُفسِد مفعول السموم والسحر. (كيرلس الأورشليمي، مقالة 13: 40) ق. باسيليوس الكبير الله الشافي ليس علة الأمراض يرفض ق. باسيليوس الكبير أن يكون الله هو علة الأمراض، بل يؤكد على أن الله هو شافي الأمراض: ((باسيليوس الكبير، الله ليس مسببًا للشرور، ترجمة: د. چورچ عوض، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، ٢٠١٢، ص ٢٣. )) أننا نعرف جيدًا أنه في حالة إصابة أحد بأيّ مرض، فإنه يُعطَى له علاجًا مُفيدًا ليُشفَ، ولكن عندما يُصاب بمرض لا يقبل الشفاء تصير الحاجة إلى قطع العضو غير القابل للشفاء حتى لا ينتشر المرض في كل أعضائه الحية والنشطة. إذًا، كما أن الطبيب ليس هو السبب في إجراء الجراحة أو الكي، بل المرض نفسه، هكذا فالخطايا هي التي تُسبِّب دمار المدن، وليس الله المنزَّه عن أيّ تهمة. (باسيليوس الكبير، الله ليس مسببًا للشرور) ويرفض ق. باسيليوس الكبير أيضًا أن يكون الله هو علة الشر والأمراض والموت: ((باسيليوس الكبير، أيام الخليقة الستة، ترجمة: القمص بيشوي الأنطوني، مراجعة: نيافة الأنبا بطرس الأسقف العام، دار القديس يوحنا الحبيب للنشر، 1996، عظة 2: 5، ص 29. )) الواقع إنني أتعجب كيف أن هؤلاء القوم لا تتملكهم الرعدة لمجرَّد تفكيرهم وتصوُّرهم لمثل هذه التجاديف المنفَّرة. كما أنه من الخطأ روحيًا أن يُقَال إن الشرَّ استمده وجوده من الله، لأن الضد لا ينتج مما هو ضده. الحياة لا تلد موتًا، والنور لا ينبثق من الظلام، كما أن الصحة لا تنتج من المرض، إنما هذا يُعتبَر تغيير من حالة إلى عكسهاويجب التنويه على أن ما يصيب الإنسان من مرض وفقر وموت، لا يُعتبَر من الشرور. ذلك لأن بعض هذه الأمور التي تُصِيب الإنسان تتحوَّل لفائدته. (باسيليوس الكبير، أيام الخليقة الستة) ق. غريغوريوس النيسي الله ليس علة الأمراض الجسدية يرفض ق. غريغوريوس النيسيّ أن يكون الله هو سبب الأمراض الجسدية، وأن التفكير في ذلك هو من خصائص الطبيعة غير العاقلة أيّ الطبيعة الحيوانية: ((غريغوريوس النيسي، تعليم الموعوظين، ترجمة: د. چورچ فرج، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، ٢٠٢٢، ٨: ١٥، ص ١٤٥. )) أن يدعو أحد الله بأنه جابل الشرور بسبب الآلام الجسدية التي تصيب بالضرورة طبيعتنا المتقلِبة، أو أن يدَّعي أنه ليس خالق الإنسان بالكلية حتى لا يُظن أنه علة أحزاننا، فهذا يُعتبر الحد الأقصى لضيق الأفق لأولئك الذين يريدون أن يُميِّزوا بين الخير والشر بميزان الحواس، أولئك الذين لا يعرفون أن ما هو وحده صالح بالطبيعة لا يمكن إدراكه بالحواس، أمَّا ما هو وحده شر، فهو المغاير للصلاح. فالحكم بواسطة الألم واللذة على ما هو خير وما هو ليس بخير هو من خصائص الطبيعة غير العاقلة، إذ لا مجال لها في فهم الخير الحقيقي، لأنها لا تشترك في ملكة الذهن والتفكير. (غريغوريوس النيسي، تعليم الموعوظين) البشر هم علة آلامهم وليس الله يرى ق. غريغوريوس النيسيّ أن الله ليس هو سبب وعلة الآلام التي يُعانِي منها مُستحقوها، بل كل واحد هو لنفسه سبب الشقاء الذي يلم به: ((غريغوريوس النيسي، حياة موسى أو الكمال في مجال الفضيلة، ترجمة: الأب حنا الفاخوري، منشورات المكتبة البولسية، 1996، القسم الثاني، ص 67. )) والمهم أن نُدرِك أن السبب الرئيسيّ لجميع هذه الضربات هو حرية المصريين، وأن التنفيذ وحده كان لعدالة الله غير الفاسدة التي تتفق وهذه الحرية. فلا يخطر لنا على الإطلاق، إذَا تقيَّدنا بحرفية التاريخ، إن الله سبب الآلام التي عاناها مَن استحقوها، ولكن كل واحدٍ هو لنفسه سبب الشقاء الذي يُلم به، إذ يبذل قصاراه، وبملء إرادته، لجرِّ ذلك الشقاء عليه، على حد قول الرسول لإنسانٍ من هذا النوع: بقساوتك وقلبك غير التائب تُدخِر لنفسك غضبًا ليوم الغضب واعتلان دينونة الله العادلة الذي سيُكافئ كل واحدٍ بحسب أعماله ((رومية 2: 3-6 )). (غريغوريوس النيسي، حياة موسى أو الكمال في مجال الفضيلة) ق. غريغوريوس النزينزي اللاهوتي الشر منا ومن الشرير يرى ق. غريغوريوس اللاهوتيّ أنه لا يوجد أصل للشرّ من صُنع الله، حاشا! وإنما الشرّ منَّا ومن الشرير، ودخل فينا بسبب إهمالنا وعدم احتراسنا، وليس لله علاقة به: ((غريغوريوس النزينزي، مختارات من القديس غريغوريوس اللاهوتي النزينزي، ترجمة: الأسقف إستفانوس حداد، منشورات النور، 1994، عظة المعمودية والمعمدون، ص 164. )) وآمنوا أنه لا يوجد أصل للشرّ من صُنع الله حاشا! وإنما الشرّ منَّا ومن الشرير. هو ما دخل فينا بسبب إهمالنا وعدم احتراسنا، وليس لله علاقة به. (غريغوريوس النزينزي، عظة المعمودية والمعمدون) ق. يوحنا ذهبي الفم الأمراض نتيجة ضعف الطبيعة البشرية يرى ق. يوحنا ذهبيّ الفم أن الأمراض والعاهات والعيوب ناتجة عن ضعف طبيعتنا البشرية: ((يوحنا ذهبي الفم، شرح وعظات إنجيل يوحنا، الجزء 2، ترجمة: راهب من برية شيهيت، مكتبة المحبة، 2008، عظة 56، ص 101. )) وحيث إن كل هذه العاهات والعيوب ناتجة عن ضعف طبيعتنا البشرية، فعندما يشفيها فهو يُظهِر قوته. (يوحنا ذهبي الفم، شرح وعظات إنجيل يوحنا) الأذى غريبٌ عن طبيعة الله يُؤكِّد ق. يوحنا ذهبي الفم على أن الأذى أمرٌ غريبٌ عن طبيعة الله، وأن وفرة الفوائد والمنافع هي السمة المألوفة والمعروفة في الله، وذلك ردًا على الذين يدَّعون أن الله باعث تجارب الأمراض المهلكة والصعبة، وكأنَّ الله يعمل على أذى الإنسان، حاشا! هذا تجديفٌ على الله: ((يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس، ترجمة: د. سعيد حكيم يعقوب، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2016، عظة 12: 2، ص 197. )) أمَّا فيما يخص الله، فليس هناك أذى، لأن الأذى أمرٌ غريبٌ عن طبيعة الله، بل إن وفرة الفوائد والمنافع هي الملمح والسمة المألوفة والمعروفة في الله. (يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس) الخطية شر وليس مصائب الحياة ويرى ذهبيّ الفم أيضًا أن الشرّ ليس في مصائب هذه الحياة، بل الخطية وحدها هي الشرّ: ((يوحنا ذهبي الفم، شرح وعظات إنجيل يوحنا، الجزء 2، ترجمة: راهب من برية شيهيت، مكتبة المحبة، 2008، عظة 56، ص 101. )) لذلك ليس الشرّ في مصائب هذه الحياة، ولا الخير في نعمها، بل الخطية وحدها هي الشرّ، والعمى ليس في حقيقته شرًا. (يوحنا ذهبي الفم، شرح وعظات إنجيل يوحنا) الله شافي المرض وليس علة المرض ويُؤكِّد ذهبيّ الفم أن المرض سببه شيء آخر غير الله، بل الله استخدمه لمجد اسمه بأن يشفي من هذا المرض، وليس أن يجلب المرض ويُجرِّب الإنسان بالمرض كما يدَّعي البعض: ((يوحنا ذهبي الفم، شرح وعظات إنجيل يوحنا، الجزء 2، ترجمة: راهب من برية شيهيت، مكتبة المحبة، 2008، عظة 62، ص 174. )) لأن المرض نتج من سبب آخر، لكنهاستخدمه لمجد الله. (يوحنا ذهبي الفم، شرح وعظات إنجيل يوحنا) تفسير آية يجرح ويعصب يُفسِّر ذهبيّ الفم آية يجرح ويعصب ((أيوب ٥: ١٨ )) أن الله يضع حدًا ونهاية للبلايا، ويحولها إلى ما يضادها، ويجعل الإنسان ينعم بسلامٍ عميقٍ، وليس الله هو مُرسِلها ويبتلي بها البشر: ((يوحنا ذهبي الفم، تفسير سفر أيوب، ترجمة: نشأت مرجان، مكتبة المحبة، ٢٠٠٨، تعليق على سفر أيوب ٥: ١٨، ص ٨١. )) إنْ كان الله هو الذي يضع نهاية البلايا، ويُحوِّلها إلى ما يضادها، ويجعل الإنسان ينعم بسلامٍ عميقٍ، فهذا لا يفعله بفكرٍ مختلفٍ، إنما في الواقع العملي هو الذي يقود في كلا الأمرين. (يوحنا ذهبي الفم، تفسير سفر أيوب) وهكذا، نجد حديث ذهبيّ الفم هنا عن تدخُّل الله من أجل وضع نهاية للبلايا التي يتعرض لها الإنسان، وليس هو علة بلايا الإنسان، فيُحوِّل الله الشر إلى خير، ولا يصنع هو بنفسه الشر (حاشا)! البشر هم خالقو الأعمال الشريرة يُفرِّق ق. يوحنا ذهبي الفم بين الأمور الإلهية الصالحة التي تحدث مع الإنسان خلال اليوم، وبين الأعمال الشريرة التي يخلقها البشر الأشرار خلال فترة السنة كلها: ((يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس، ترجمة: د. سعيد حكيم يعقوب، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2016، عظة 19: 1، ص 267. )) فإنْ كان ما يحدث خلال فترات اليوم أعمالًا إلهيةً، فهي أمورٌ صالحةٌ، وتُعتبر شريرةً إنْ كانت مُرتكَبة من أناس أشرارًا. وبناءً على ذلك، فإن البشر هم الذين يخلقون الأعمال الشريرة التي تحدث خلال فترة السنة كلها. (يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس) الإنسان هو علة فساد الخليقة يرى ق. يوحنا ذهبيّ الفم أن الإنسان بسقوطه في الفساد أفسد الخليقة كلها معه، باعتباره تاج الخليقة، وأخضعها إلى البطل والفساد، ومن ثمَّ، كل الكوارث الحادثة في الخليقة من زلازل وبراكين هي نتاج خضوع الخليقة للبطل والفساد بسبب الإنسان: ((يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية، ترجمة: د. سعيد حكيم يعقوب، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2013، عظة 15: 5، ص 357، 358. )) إذًا، هذا ما يُوضِّحه بولس الرسول هنا، فيُشخِّصن الخليقة، ويقول كيف أنها تئن وتتمخض، لا لأنه سمع أنينًا يخرج من الأرض ومن السماء، لكن لكي يُشِير إلى خيرات الدهر الآتيّ الوافرة جدًا، ويُعلِن الرغبة في التخلُّص من الشرور التي كانت سائدةً. إذ أُخضِعَت الخليقة للبطل، ليس طوعًا، بل من أجل الذي أخضعها على الرجاء. ماذا يعني أن الخليقة أُخضِعَت للبطل؟ يعني أنها صارت فاسدةً. لأيّ سبب ولماذا صارت فاسدةً؟ حدث هذا من أجلك أنت أيها الإنسان. لأنك أخذت جسدًا فانيًا وضعيفًا، ولأن الأرض قَبِلَت اللعنة وأنبتت شوكًا وحسكًا. (يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية) محبة الله الفائقة رغم الشرور يرى ق. يوحنا ذهبيّ الفم أن الله غني في الرحمة، لأنه بالرغم من الشرور الكثيرة التي لم تكن تستحق محبته ورحمته، بل تستحق الإدانة الكبرى والغضب، إلا أنه بسبب غنى رحمته كانت محبته الفائقة: ((يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس، ترجمة: د. سعيد حكيم يعقوب، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2016، عظة 4: 2، ص 78. )) ليس فقط رحيمًا، بل غنيًا في الرحمة، مثلما يقول في موضع آخر: ككثرة مراحمك ((مزمور 69: 16 ))، وأيضًا أرحمنى يا اللهحسب كثرة رأفتك ((مزمور 51: 1 )). ثم يقول: من أجل محبته الكثيرة التي أحبنا بها ((أفسس 2: 4 )). ومن أين يتَّضح أنه أحبنا؟ لأن تلك الأمور لم تكن مستحقة للمحبة، بل للغضب، ولإدانة كبرى. إذًا، فمحبته هذه هي بسبب غنى رحمته. (يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس) ق. أمبرسيوس أسقف ميلان إخضاع الضعفات بالصليب يُبيِّن ق. أمبروسيوس أسقف ميلان قوة الصليب في إخضاع الضعفات البشرية، وليس الصليب هو مرض وضعف بشريّ، كما يدَّعي البعض عن جهل ودون وعي: ((أمبروسيوس، شرح الإيمان المسيحي، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2018، 5: 14: 174، ص 337. )) لذلك، فكما أنه على الصليب، لم يكن هو ملء اللاهوت الذي أُخضِعَ، بل ضعفنا، هكذا أيضًا فإن الابن سيخضع للآب بالطبيعة التي اشترك فيها معنا، حتى أنه حينما يتم إخضاع شهوات جسدنا، لا يكون للقلب أيّ اهتمام بالغنى، أو الطمع، أو اللذات، بل يكون الله هو الكل بالنسبة لنا، إنْ عشنا حسب صورته ومثاله، بأقصى ما يمكننا البلوغ إليه في كل شيء. (أمبروسيوس، شرح الإيمان المسيحي) الصليب هو نصرة على الألم يُؤكِّد ق. أمبروسيوس على أن ميراث الصليب قد منحنا النصرة على الألم، وليس كما يدَّعي البعض عن جهل أن الصليب مرض والمرض صليب: ((أمبروسيوس، شرح الإيمان المسيحي، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2018، 5: 6: 80، ص 303. )) لقد منحتكم النصرة على الألم، أي ميراث الصليب. (أمبروسيوس، شرح الإيمان المسيحي) الإيمان بالمسيح هو شافي آلامنا يشير ق. أمبروسيوس إلى أن الإيمان بالمسيح هو العلاج الفعَّال لأصل الألم ومصدره، وليس هو مصدر الألم والشدائد، فالإيمان بالمسيح هو الدواء الممتاز والشافي لجراحاتنا وخطايانا: ((أمبروسيوس، شرح الإيمان المسيحي، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2018، 2: 11: 92، ص 137. )) حقًا إنه علاجٌ فعَّالٌ، لا ينزع فقط ندبة الجرح القديم، بل وأيضًا يقطع أصل الألم ومصدره. أيها الإيمان الأثمن من كل خزائن الجواهر؛ أيها الدواء الممتاز الشافي لجراحتنا وخطايانا! . (أمبروسيوس، شرح الإيمان المسيحي) ق. كيرلس السكندري الله ليس علة بلايا البشر يُفسِّر ق. كيرلس السكندري آية هل توجد مصيبة في المدينة لم يصنعها الرب؟ ((عاموس ٣: ٦ )) مُستنكِرًا أن يكون الله علة بلايا البشر، ويَعتبر التفكير فيه هو انصراف الذهن إلى الفحشاء: ((كيرلس السكندري، شرح سفر عاموس، ترجمة: د. چورچ عوض، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، ٢٠٢٢، تعليق على سفر عاموس ٣: ٦، ص ٩٠. )) أمَّا من ناحية الأقوال بما يُحدِثه الله في المدينة، فلا يجب أن ينصرف الذهن إلى الفحشاء، بل الإساءة فقط، أي الغضب وإعلانه، إذ يُهدِّد الذين يخطئون مقنعًا إياهم أن يرجعوا إلى ما يليق وما يجب. (كيرلس السكندري، شرح سفر عاموس) إعلان العجز أمام معضلة الألم والمرض ولكن يُعلِن ق. كيرلس في الأخير عجزه أمام معضلة الألم والمرض المعقدة وصعبة الحل والتفسير: ((كيرلس السكندري، شرح إنجيل يوحنا، مجلد 1، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2015، 6: 1، ص 664، 665. )) ولكن ليس من السهل أن نُدرِك ما هو نوع الشرح الذي يمكن أن يُقدِّمه أي أحد بطريقةٍ مقنعةٍ بخصوص أولئك الذين يتألمون بآلامٍ مرعبةٍ منذ ولادتهم وسنوات حياتهم الأولى، أو حتى يُصَابون بأمراضٍ وهم لا يزالون في الرحم. حقيقة لا نستطيع أن ندرك بعقولنا تلك الأمور التي تعلو فوقنا جدًا. وأنا أنصح العقلاء وفوق الكل أنصح نفسي، بالابتعاد عن الرغبة في فحص هذه الأمور بطريقةٍ عميقةٍ. ينبغي أن نعترف بتقوى أن الله وحده يعرف هذه الأمور بكيفية تخصه هو وممتازة في نفس الوقت، وينبغي أن نُؤكِّد ونُؤمِن أنه بما أنه هو ينبوع كل برّ، فهو لن يفعل شيئًا ولن يُقرِّر شيئًا في شئون البشر أو في أمور باقي الخليقة يكون غير لائق بذاته، أو يتعارض بأيّ حال مع الاستقامة الحقيقية للبرّ. (كيرلس السكندري، شرح إنجيل يوحنا) ق. ساويرس الأنطاكي الإنسان هو علة فساد الخليقة يرى ق. ساويرس الأنطاكي أن آدم الإنسان الأول بعصيانه وتعديه الوصية جلب الفساد والموت على نفسه وعلى الخليقة، وهكذا فقدت الخليقة نعمة عدم الفساد وعدم الموت التي كانت من الله، ولذلك حُكِمَ على الإنسان ذاته بالموت وخدمت الخليقة نفسها الفساد وخضعت للبُطْل: ((ساويروس الأنطاكي، رسائل ساويروس الأنطاكي، ترجمة: الراهب جرجس الأنطوني، مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية، 2016، رسالة إلى يوحنا وثيؤدور ويوحنا الكهنة والأرشمندريتين، ص 143. )) ومرةً أخرى، لو أن الإنسان الأول كان قد حفظ الوصية، ولم يضل بالخطية التي بغواية الحية، لبقيتْ الخليقة ذاتها مُحتفِظةً لنفسها بنعمة عدم الموت من الله. لأنه بموجب الحالة التي نحن فيها كما وُجِدَت من أجلنا، تزول أجزاؤها أيضًا. ولهذا السبب أيضًا حينما حُكِمَ على الإنسان ذاته بالموت، خدمتْ هي ذاتها أيضًاالفساد، وأُخضِعَتْ للبُطْل ((رومية 8: 20 ))، كما يقول الرسول، لكنها تأمل أن تكتسب معنا، ما كان لها منذ البدء، وسيكون لها خلودًا بغير فساد، حينما نبلغ القيامة وملكوت السماوات. حيث يقول بولس ذاته الأكثر حكمةً ويصرخ أيضًا: لأَنَّ الْخَلِيقَةَ نَفْسَهَا أَيْضًا سَتُعْتَقُ مِنْ عُبُودِيَّةِ الْفَسَادِ إِلَى حُرِّيَّةِ مَجْدِ أَوْلاَدِ اللهِ ((رومية 8: 21 )). (ساويرس الأنطاكي، رسائل ساويرس الأنطاكي) ويُؤكِّد ق. ساويرس على أن الله لم يخلق العالم من أجل الفساد، لأن خليقة الله جيدةٌ. ولكن لأن طبيعتها مائعة جدًا فهي قابلة للفساد، ولذا فهي تحتاج إلى تدخل الله لكي ما تشترك في عدم الفساد: ((ساويروس الأنطاكي، رسائل ساويروس الأنطاكي، ترجمة: الراهب جرجس الأنطوني، مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية، 2016، رسالة إلى يوحنا وثيؤدور ويوحنا الكهنة والأرشمندريتين، ص 143. )) ولكن يا صديقي الصالح، في الواقع، إن الله لم يخلق العالم لكي يفسد، لأن كل خليقة الله جيدةٌ كما قد سمعتَ. ولكن بما أنها من طبيعة مائعة جدًا، فعلى النقيض، قد أوجدها كيما تشترك في عدم الفساد، لأنه في الواقع الْخَلِيقَةَ نَفْسَهَا أَيْضًا سَتُعْتَقُ مِنْ عُبُودِيَّةِ الْفَسَادِ إِلَى حُرِّيَّةِ مَجْدِ أَوْلاَدِ اللهِ ((رومية 8: 21 )). (ساويرس الأنطاكي، رسائل ساويرس الأنطاكي) ق. يوحنا كاسيان عدم سماح الله بالشر ينقل ق. يوحنا كاسيان شهادة الأب ثيؤدور، أحد الآباء النساك الكبار آنذاك في البرية المصرية، عن أن الله لا يسمح بالشرّ إطلاقًا على قديسيه أو عن طريق آخرين، فلا يفرض أحدٌ شرّ الخطية على آخر قهرًا، إنما يحدث هذا من خلال تراخيه أو شهوات قلبه الفاسدة: ((تادرس يعقوب ملطي، القديس يوحنا كاسيان (حياته - كتاباته - أفكاره)، مطبعة الأنبا رويس، 1997، مناظرة 6: 4، ص 156. )) الاحتفاظ بهذا التمييز الواضح الثابت وتلك المعرفة، بأنه ليس شيئًا خيرًا إلا الفضيلة وحدها، ولا يُحسَب شيء شريرًا سوى الخطية وحدها والانفصال عن الله، هذا يجعلنا نُدرِك بكل حرص: هل الله يسمح للشر أن يُفرَض على قديسيه مُباشرةً، أو عن طريق آخرين؟ بالتأكيد، لا يمكن أن يحدث هذا. إذ لا يفرض أحدٌ شر الخطية على آخر قهرًا. إنما يحدث هذا خلال تراخيه أو شهوات قلبه الفاسدة. (القديس يوحنا كاسيان، مناظرة 6) الله كلي الصلاح غير متغير وينقل ق. يوحنا كاسيان شهادة الأب شيريمون، أحد آباء البرية المصرية العظام آنذاك، عن أن الله لا ينفعل غضبًا بسبب الأخطاء، ولا يتأثر بانفعالات خطايا البشر، إذ هو على الدوام كليّ الصلاح وغير مُتغيِّر: ((تادرس يعقوب ملطي، القديس يوحنا كاسيان (حياته - كتاباته - أفكاره)، مطبعة الأنبا رويس، 1997، مناظرة 11، ص 237. )) أمَّا المحبة فتتعلق بالله، وبالذين نالوا في داخلهم أن يكونوا على صورة الله مثاله. لأن الله وحده هو الذي لا يصنع الصلاح خوفًا، ولا ابتغاء كلمة شكر، أو نوال جزاء، إنما يصنع الصلاح ببساطةٍ من أجل محبة الصلاح. وذلك كقول سليمان: الربّ صنع الكل لغرضه ((أمثال 16: 4 )). فبصلاحه يُغدِق بالخير على المستحقين وغير المستحقين، لأنه لا ينفعل غضبًا بسبب الأخطاء، ولا يتأثر بانفعالات خطايا البشر، إذ هو على الدوام كليّ الصلاح وغير مُتغيِّر. (القديس يوحنا كاسيان، مناظرة 11) الله ليس علة الموت ينقل ق. يوحنا كاسيان شهادة الأب شيريمون عن أن الهالكين يهلكون بغير إرادة الله، لأن الله ليس بصانع الموت: ((تادرس يعقوب ملطي، القديس يوحنا كاسيان (حياته - كتاباته - أفكاره)، مطبعة الأنبا رويس، 1997، مناظرة 13، ص 255. )) وإذ الهالكون يهلكون بغير إرادة الله، لهذا يمكننا أن نقول بأن الله ليس بصانع الموت، وذلك كشهادة الكتاب المقدَّس القائل: إذ ليس الموت من صُنع الله ولا هلاك الأحياء يسره ((حكمة 1: 13 )). (القديس يوحنا كاسيان، مناظرة 13) نستنتج من هنا أن الله ليس علة الأمراض الجسدية، بل الله الصالح هو الشافي والمخلص للآلام، وواضع النهاية لها، ولا يسمح الله بالأمراض كأنه مُشترِك أو مُتورِّط في إصابة البشر بالأمراض، بل الله يُحوِّل الشر إلى خير، ويُحوِّل المرض إلى صحة، وليس العكس، فالله في طبيعته صالح وخيّر وإلى الأبد رحمته، وليس مرض وموت وشر في طبيعته، حاشا! لا توجد فكرة ما دام الله لا يسمح بالمرض يبقى إله ميت في ذاته، هذا كلام غير منطقي. الله خلق نظام طبيعي فيه علل طبيعية تحدث جميعها في انسجام وتوافق، هل معنى اختلال هذه العلل الطبيعية هو اختلال وخلل في خالقها، أم نقص في طبيعتها يتدخل الله بتدبيره وعنايته ليُصلِّحه؟ المرض والموت والألم والشر وغيرها من مترادفات دخلت بعد السقوط وانفصال الإنسان عن الله مصدر الصحة، والحياة، والسعادة، والخير، ولم يكن المرض والموت والألم والشر في طبيعة الله؟ فهل يرتد مرض، وموت، وألم، وشر الإنسان على الله، ويصبح الله علة هذه الأشياء، لأنه هو خالق ومُوجِد هذا النظام الطبيعيّ؟ أمَّا تدبير وعناية الله بالخليقة، فهذا شيءٌ مفروغٌ منه، أمَّا القول إذَا كان الله لا يسمح بالمرض، فلا يسمح بالشفاء، فهذا مغالطة منطقية، لأنه الأصل هو الصحة، وليس المرض، المرض هو اختلال في النظام الطبيعيّ الذي خلقه الله، لا ترتد علته على الله خالق النظام الطبيعيّ، بل علته في ضعف النظام الطبيعيّ، لذا يتدخل الله بعنايته وقدرته لإصلاح الخلَّل، وليس هو علة الخلَّل من الأساس. --- ### ملكوت شاول - Published: ۲۰۲٤-۰۷-۱۱ - Modified: 2024-07-11 - URL: https://tabcm.net/27607/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: الحق الإلهي, قديس بولس الرسول, ملك شاول, يهوه الله يحترم حريتنا ولا يفرض علينا نعمته قسرًا. فبقدر تجاوبنا وبكامل حريتنا مع هذه النعمة، بقدر ما نأخذ قوتها. هكذا يتعامل الرب، يهوه اسمه، معي ومعك. يتعامل معنا ككائنات حرة خلقه على صورته ومثاله. وهكذا تعامل الرب مع الشعب في القديم عندما طلبوا بإلحاح من صموئيل النبي، قائلين: أعطنا ملكًا يقضي لنا. ((سفر صموئيل الأول ٨ : ٦ )) فكانت ردة فعل الرب غريبة في نظرنا نحن، إذ صدّق الرب على طلبهم ولكن كانت إجابته لصموئيل في غاية الوضوح؛ أنهم رفضوني أنا كملك. لك أن تتخيل إننا في طلبنا لآخر يتسلط ويملك على حريتنا وحياتنا، أيًا كان هذا الآخر، سواء كان شخصًا ما، أو فكرًا، أو شهوة ما، فهذا رفض للرب نفسه. وهنا تتضح شخصية الرب وتعامله معنا بالنعمة، وأنّ الله لا يقف مكتوف الأيدي أمام طلبنا وحريتنا! فاختار لهم الرب ملكًا حسب فكرهم. اختار لهم: ابن اسمه شاول، شاب وحسن، ولم يكن رجل في بني إسرائيل أحسن منه. من كتفه فما فوق كان أطول من كل الشعب. ((سفر صموئيل الأول ٩ : ٢ )). وفي اختيار الملك شاول كأول ملك يحكم الشعب، أكثر من أمر مهمّ، نود أن نشير إليهم على عجالةٍ سريعةٍ: الأول: اهتمام هذا الرجل واتجاه قلبه يتضح وضوحًا كاملًا في بحثه عن الأتن الضالة ((سفر صموئيل الأول ٩ : ٢٠ )). كان يبحث عن حماراته الضالة، وكان اهتمامه منصبًا على نفسه وممتلكاته وما تراه عيناه. ورغم محاولات رجل الله صموئيل معه، فقال له أرفع عينيك من على نفسك ومن على ما تراه إلى ما هو أعمق؛ ولمن كل شهي إسرائيل؟ أليس لك ولكل بيت أبيك؟ ((سفر صموئيل الأول ٩ : ٢٠ )). وكأنه يقول له: كفّ عن انحسارك في نفسك، ليس لك كل ما هو للرب؟ ألم يعطك الرب كل شيء بغنى لكي تتمتع به؟ فلماذا تنحصر في حماراتك المفقودة وتلهث باحثًا عنها، مع أنّ في يديك ومعروض لك ما هو أعظم؛ أن تملك مع الرب في مُلكة إلى الأبد... الثاني: عدم إدراكه للنعمة التي وهبها الله له، وانغماسه في نفسه قد أصبح السبب الجذري لمعظم مشاكله، والعقبة الرئيسية أمام تقدمه الروحي. وهذا ما يُعرف بصغر النفس... والروح القدس يشير ويركز أكثر من مرة على هذا العائق المرير في تقدمنا ومسيرتنا الروحية. نجد إشارة واضحة في سفر الخروج عندما أراد الرب أن يخرج الشعب من أرض مصر (أرض العبودية) وأرسل لهم موسى. يقول الوحي المقدس: ولكن لم يسمعوا لموسى من صغر النفس، ومن العبودية القاسية. ((سفر الخروج ٦ : ٩ )). إنها صغر النفس أيضًا التي عملت في شاول الملك. عندما بدأوا يبحثون عنه، تخيل عزيزي أين وُجد؟ هوذا قد اختبأ بين الأمتعة. ((سفر صموئيل الأول ١٠: ٢٢ )) مختبئًا بين الأمتعة؟! إنها صغر النفس التي ما زالت تعمل في كل من لم يصدق المكتوب والحق المُعلن له شخصيًا في كلمة الحق، بأنه ملك في ملكوت ابن محبته! ! الثالث: إنه الأمر الأهم، وهو الرب في المشهد، ويتضح أن الله يتعامل معنا من منطلق شخصيته، من منطلق نعمته وليس بناءً على رد فعل لأفعالنا. إنه الرب، يهوه اسمه، ملك الملوك وليس العبيد. فاختار الرب لهم بنفسه ملكًا ومسحه وأراد له أن يملك على الشعب باسم الرب ويفعل شريعته. وأعطاه الرب قلبًا آخر وحل عليه روح الرب فتحول شاول إلى رجل آخر... وهنا إشارات واضحة تحمل معنى الظل والمثل لما حدث لنا في المسيح يسوع في العهد الجديد. وسنشير إلى الاختيار هنا، ونستكمل في الأعداد القادمة إن شاء الرب وعشنا. في العهد الجديد يقول الوحي المقدس في رسالة أفسس آية محورية في الإيمان المسيحي: ((رسالة بولس إلى أفسس ١ : ٤ )) كما اختارنا فيه قبل تأسيس العالم، لنكون قديسين وبلا لوم قدامه في المحبة. (رسالة بولس إلى أفسس ١ : ٤) أن الله اختارنا في المسيح يسوع قبل تأسيس العالم. الكل مدعو والكل مختار من الرب. ولكن ماذا عن اختيارك أنت؟ هل تدرك هذه الدعوة؟ إن الذي خلصك دعاك أيضًا في نفس اللحظة، وكل هذا حدث قبل الأزمنة الأزلية، أي بدون تدخل بشري منك، حسب الآية:الذي خلصنا ودعانا دعوة مقدسة، لا بمقتضى أعمالنا، بل بمقتضى القصد والنعمة التي أعطيت لنا في المسيح يسوع قبل الأزمنة الأزلية. ((رسالة بولس الثانية إلى تيموثاوس ١ : ٩ )). إذن خلاصك ودعوتك واختيارك معروضون لك في المسيح يسوع، وعلى حساب النعمة وعمله على الصليب. لكن الأمر يتوقف على قبولك لهذا الخلاص وهذه الدعوة وهذا الاختيار والسلوك حسب مقوماتهم، أي العمل بالكلمة والوصية. فهل لك أن تقبل بكل قلب وتسلك في كل ما تممه لك الرب وتتمسك بالحق الإلهي في الأعمال التي صنعها وأعدها لك الملك من قبل تأسيس العالم، وتعيش مثل ملك في مملكته؟ يا رب، تجعل لنا سلامًا لأنك كل أعمالنا صنعتها لنا. (سفر إشعياء ٢٦ : ١٢) --- ### الوجه المظلم للأخلاق - Published: ۲۰۲٤-۰۷-۱۰ - Modified: 2025-03-18 - URL: https://tabcm.net/27584/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: Cambridge, Merriam Webster, إفخارستيا, الرأسمالية, الشرق الأوسط, كارل پول رينهولد نيبوهر, مارتن لوثر, مارتن لوثر كينج جونيور في الجوهر، فإن الأخلاق -سواء وجدتها مريحة أم لا- هي عنصر من عناصر هيكل السلطة. تنشئ المجموعات مدونات سلوك محددة يجب على أعضائها الالتزام بها. ونتيجة لذلك، قد تتأثر علاقتك بالمجموعة إذا رفضت الامتثال لقواعدها. ولذلك، قد تضطر بعض الأحيان للتماهي مع الجماعة من أجل تجنب النبذ أو الرفض الأخلاق مفهوم يُفهم على نطاق واسع على أنه مجموعة من القيم الإيجابية مثل التهذب والاحتشام والاحترام واللطف والتواضع واحترام كبار السن. ومع ذلك، غالبًا ما نغفل عن جانب آخر من الأخلاق: الجانب الذي نتفق جميعًا ضمنيًا على تجاهله من أجل الحفاظ على النظام الأخلاقي. إنه جزء من الصفقة الأخلاقية التي نلتزم بها معًا، ولكننا نتجنب مناقشته. يُطلب منا قبوله ونسيانه، لأنه بمجرد تسليط الضوء عليه، تصبح الأخلاق أكثر تعقيدًا وصعوبة في التعامل معها. دعونا في البداية نعرّف الأخلاق، ولكن ليس بتعريف لطيف مثل الذي قرأته في الفقرة الأولى. حسب المعجم الوسيط، الخُلُق: حالّ للنفْس راسخة تصدر عنها الأفعالُ من خيرٍ أو شرٍّ من غير حاجةٍ إلى فكرٍ ورويَّةٍ. ، أي إن نتائج الأخلاق ليست بالضرورة أفعال خيِّرة، بل الأخلاق يمكن أن تنتج الشرّ أيضًا. يعتبر تعريف قاموس المعاني الوسيط قديمًا إلى حد ما. على سبيل المثال، يذكر أن الأخلاق هي حالة نفسية راسخة لدى الفرد تؤدي إلى أفعال معينة. ومع ذلك، يعتبر هذا تعريفًا غير كامل. لذلك، دعونا نستكشف تعريفات القواميس الإنجليزية لمعرفة ما إذا كانت تقدم وصفًا أكثر دقة أم لا. وفقًا لقاموس ميريام وبستر، فإن الأخلاق هي مجموعة المبادئ التي تحكم تصرفات الفرد والمجتمع، أو النظرية أو النظام الذي يُحدد به الفرد القيم التي يتحرك بها، أو التوافق الذي يُنشئ مجموعة من القواعد التي تحدد ما يُعتبر صوابًا وما يُعتبر خطأ. يُعد هذا التعريف أفضل من تعريف المعجم الوسيط لأنه يبين لنا البعد الاجتماعي لظاهرة الأخلاق. أما قاموس كامبريدج فيُعرّف الأخلاق على أنها المعايير التي يُحكم بناءً عليها على السلوك بالصواب والخطأ. استنادًا إلى المعطيات السابقة، يمكننا استخلاص تعريف للأخلاق على النحو التالي: الأخلاق هي نظام اجتماعي متفق عليه بمثابة إطار يمكن للأفراد والجماعات من خلاله تقييم السلوك. ونتيجة لهذا الإطار، فإن سلوك الأفراد والجماعات يتأثر لأنه يميل إلى توجيههم نحو التصرف بما يعتبرونه صحيحًا وتجنب ما يعتبرونه خاطئًا. ومن المهم التمييز بين المستويين الفردي والجماعي، حيث أن ما يقتنع به الفرد قد لا يتم ممارسته عندما يكون جزءًا من مجموعة، وما هو مسموح به للجماعة قد لا يكون مسموحًا به للفرد. في خطابه الصادر في أغسطس 1963، المعروف باسم خطاب من سجن برمنجهام، يقول مارتن لوثر كينج الابن إن الجماعات تكون أكثر لا أخلاقية من الأفراد، مُرددًا عبارة اللاهوتي الأمريكي رينولد نيبور والباحث في مجال الأخلاق. ويحذر الناس من الانفعال بفكرة العنف في أثناء مطالبتهم بحقوقهم، قائلًا إنه عندما تدافعون عن حقوقكم، يجب أن تدركوا أن وجودكم في جماعات يعرضكم لخطر الانحدار إلى أفعال غير أخلاقية. التفسير الذي أعتقد أنه صحيح للموضوع هو إننا نفكر في الجُرم باعتباره شيئًا ماديًا يُقسَّم إلى أجزاء أصغر. فعندما يقوم أحدهم بجُرم منفردًا، يتحمله بالكامل منفردًا، ولكن عندما يكون الجُرم جماعيًا، يتصوّر كل فرد أن ذنبه أقل لأن الجُرم مُقسَّم على عدد كبير، بالتالي يكون أكثر تهاونًا في ارتكابه. فالشخص الذي لديه إطار أخلاقي يمنعه عن القتل، من الممكن أن يشارك بضربة واحدة تُفضي إلى موت لو كان وسط الجماعة. والشخص الذي لا يسرق في الظروف الطبيعية، لو كان وسط ألف شخص يسرقون محلًا تجاريًا، يمكنه محاكاة الجماعة وتبرير السرقة لنفسه بأي تبرير يُعلي من دوافع الجماعة التي نفذت السرقة، مثلًا إنهم رأسماليون وأساسًا سارقين حقوق الشعب ونحن نأخذ حق الشعب منهم، وكأن الشعب كله يتمثَّل في الألف الذين اقتحموا المحل التجاري. إذن، حتى الآن، رأينا أن الأخلاق ليست شيئًا إيجابيًا على نحو مطلق. الأخلاق ليست شيئًا ثابتًا وقد تختلف باختلاف معايير كل جماعة، وقد تختلف أيضًا بين نفس الجماعة وأفرادها. فعلى المستوى الفردي، قد يكون هناك شيء مرفوض، لكن الجماعة تطور موقفًا أيديولوجيًا يبرر ويسمح بما قد يتعفف عنه الأفراد. ما يهمني بالأكثرية في هذا المقال هو الجانب الاجتماعي للأخلاق أكثر من الجانب الفردي النفسي. الكود الأخلاقي الذي يتوافق عليه الناس ليس مجرد مجموعة أفكار، ولكنه أفكار وأفعال وتراتبية (Hierarchy) يتحدد بناءً عليها مكانة الشخص الاجتماعية والاقتصادية والسياسية. فمثلًا الشخص الذي يوصم بشيء لا أخلاقي يتعامل معه المجتمع باعتباره منبوذًا -إلا إذا كان عنده نفوذ يجعل النبذ المجتمعي لا يناله- وعلى هذا، فإن الفرد أمامه شيئًا من اثنين، إما يواجه المجتمع بأن يمشي بالكود الأخلاقي الفردي الخاص به، أو أن يكون عنده أكثر من كود أخلاقي يستخدم واحدًا في السياق الجماعي وواحدًا في السياق الفردي كي يتقي شر الأذى الجمعي. إذن الأخلاق في حد ذاتها هي أداة قوة، مثلها مثل رأس المال، مثلها مثل النفوذ، ومثلها مثل التأثير بالخطابة... تخيل إنني في هذا المقال أمارس عليك قوة بمحاولتي لإظهار فكرتي باعتبارها أكثر منطقية وترتيبًا كي تقتنع بالفكرة وتنشرها. كل هذه علاقات قوة، حتى لو تم تغليفها في غلاف خيّر أو حتى لو كان الدافع وراءها خيّرًا بالفعل فشئت أم أبيت كل شيء تفعله يخلق تراتبية قوة وله تأثير. الأخلاق ليست جزيئات حرة موجودة في الهواء، لكنها تلتصق بنظم أخرى تتفاوت في القوة والتأثير. فعلى سبيل المثال، تتغلغل الأخلاق في المعاملات التجارية، وفي الجوانب الاجتماعية الخاصة بالزواج، وبالطبع في الظاهرة الأكثر نفوذًا في الشرق الأوسط وهي الدين. قد تقول مثلًا إن الدين هو الذي يحدد الأخلاق، أقول لك: صحيح، ولكن هذا جزء من الصورة، والصورة الأكبر هي أن الأخلاق أيضًا تحدد الدين! الآن قد رفعت حاجبك (أو كليهما، وربما بعض الشتائم أيضًا)، فدعني أضرب مثالًا قبل أن تكمل الشتيمة. هل تعلم يا عزيزي الدوق أن العبودية مثلًا لم تُحرم في الأديان الإبراهيمية الثلاثة؟ وهل تعلم يا عزيزي الدوق أن مقاومة العبودية تطورت كامتداد لنظام أخلاقي يتضمن عوامل منها العامل الديني ولكن ليس المحرك الوحيد؟ أراك قد رفعت حاجبك مرة أخرى وقلت: ماذا تقصد يا عم، هذا الكلام متناقض! امشِ معي خطوة بخطوة. . اليهودية، على سبيل المثال، تحتوي على تشريعات للعبودية، وتحدد متى يُستعبد الفرد ومتى يُعتق ومتى تنتهي عبوديته إذا تعرض لأذى بدني، لكنها لا تتضمن نصًا صريحًا يلغي العبودية ويحرر جميع البشر. جاءت المسيحية في السياق الروماني، وقدمت مساواة روحية بين السادة والعبيد وجمعتهم على مائدة إفخارستيا واحدة، لكنها لم تعلن إلغاء التراتبية الاجتماعية، بل أعلنت أن الجميع متساوون عند معموديتهم بالمسيح. في الوقت نفسه، استُحضرت النصوص الدينية المسيحية واليهودية (العهدان) باستمرار في المناقشات المتعلقة بتحرير العبيد، لكن المنطلق لم يكن أن النصوص ألغت العبودية، وإنما أننا مطالبون بالتحرك نحو أخلاق أكثر كمالًا. يعني على سبيل المثال، نفس النص الذي لم يحرم العبودية، تحدث عن مساوئ العبودية وذكر أنها تجرِبة بغيضة ومُرّة. بالتالي، إن كانت تجرِبة بغيضة، فلا يصح فرضها على إخواننا من نفس البلد. ومن هنا، كان هناك اتجاه لتطوير فكرة موجودة في النص الديني، حتى يقتنع بها المؤمنون بالنص الديني، حتى وإن لم يكن هناك نص صريح عليها في النص الديني. كل هذا حدث ضمن ديناميكية أكبر، وهي الدولة. وأصبحت هناك قوة أخرى تسمى قوة المواطنة، وأصبح النص الديني يُفسّر لجعلها أقوى. وبعد ذلك، جعل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان احترام الإنسان قيمة عليا، تمكن العالم من الضغط بها على دول كثيرة كانت تمارس العبودية لإلغاء هذه الممارسة. لكنني لن أذكر أسماء الدول حتى لا تخاف. سأتركك تبحث عنها بنفسك، وليس من الضروري أن أقول لك كل شيء فأتعرض للسب. هل يعني هذا وجود صراع منظومات وأكواد أخلاقية كثيرة؟ بالضبط، هكذا بدأت الفكرة تصل إليك. الأخلاق ليست شيئًا واحدًا، بل هي اتفاق جماعي، بالتالي إذا توافقت مجموعة أخرى على فعل ما باعتباره فعلًا أخلاقيًا، فستمارسه وتمتنع عن عكسه. مع ملاحظة النقطة التي ذكرتها لك أعلاه، وهي أنه من الخطر أن ترسم علاقات سببية بين هذه المنظومات على اعتبار أن بعضها يؤثر في البعض الآخر بعلاقات من اتجاه واحد، من نوعية الدين يُشكّل الأخلاق، والمجتمع والأخلاق لا يشكّلان الدين. أعتقد أنه لو نظرت إلى تاريخ الأفكار في العالم، فستجد أشياء مفاجئة في هذا الموضوع. في الجوهر، فإن الأخلاق -سواء وجدتها مريحة أم لا- هي عنصر من عناصر هيكل السلطة. تنشئ المجموعات مدونات سلوك محددة يجب على أعضائها الالتزام بها. ونتيجة لذلك، قد تتأثر علاقتك بالمجموعة إذا رفضت الامتثال لقواعدها. ولذلك، قد تضطر بعض الأحيان للتماهي مع الجماعة من أجل تجنب النبذ أو الرفض. هنا نأتي إلى مشكلة نعاني منها في مجتمعنا المصري، وهي مشكلة الحريات الشخصية. بعض السياقات التاريخية والاجتماعية والدينية أنتجت نمطًا من الأخلاق يسمح ويحث الإنسان على التدخل في حياة وخصوصيات غيره تحت كليشيات مثل النصيحة والخير المشترك والحب والاهتمام والأخوة والعائلة والالتزام وما إلى ذلك من سلسلة لا حصر لها. في الحقيقة، هنا تتحول الأخلاق من تحديد لما هو صحيح أو خاطئ حسب تعريف الجماعة إلى أداة يستخدمها كل فرد لاقتحام مساحات لا يمكنه اقتحامها من دون رفع راية الأخلاق. الأخلاق شيء رائع لأنها تنظم معاملات الناس، لكنها في الوقت نفسه تُستخدم لمنح طرف سلطة على الآخر. تخيّل الموضوع كأنه طبخة، فكلما زادت إحدى المقادير تغيرت الطبخة. فلو زادت في الطبخة الحرية، سيقل فيها الكود الذي يجعل الناس متماثلين حد التطابق. ولو زاد فيها التنسيق وتوافق السلوك والخطاب، سيقل فيها التنوع والحرية والإبداع. وهذه الطبخة لن تضبط أبدًا بشكل يعجب الجميع. ولا بد أن تفهم أن هذه الطبخة ليست لك وحدك، وليس لها كتالوج يجعل طبختك صحيحة وطبخة غيرك خاطئة. لكن يمكنك القول إن مجموعة من الأفراد تحب الطبخة بطريقة معينة ومجموعة أخرى تريد الطبخة أيضًا ولكن بمقادير مختلفة. والمهم هنا أنه لا يوجد طرف يقرر أن يأكل الناس جميعًا نفس الطبخة على مزاجه، معتقدًا أنه سيجبرهم على مصلحتهم أو معتقدًا أنه مُوكّل على الجميع لإصلاحهم. الضابط الوحيد الذي يجب إجبار الكل على الالتزام به هو القانون الذي ينظم حقوق المواطنة، أي شيء لا يخالف قانون المواطنة الذي تمثله سيادة الدولة هو قانون قابل للتنوع والتفاوض ويخضع للأذواق والحريات الشخصية. --- ### الطاعة العمياء أم الطاعة المستبصرة المستنيرة؟ - Published: ۲۰۲٤-۰۷-۰۹ - Modified: 2024-07-09 - URL: https://tabcm.net/27573/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: إكليروس, الحل والربط, الصوم الكبير, الكرسي الأورشليمي, الكنيسة القبطية, مدارس الأحد نتساءل: ما هي حدود الطاعة للآباء؟ هل الروح القدس يعمل في الآباء فقط ولا يعمل فينا ويرشدنا؟ ألم يقل الكتاب: أما تعلمون أنكم هيكل الله، وروح الله يسكن فيكم، فما هي حدود ووجوب طاعة الأبناء للآباء الروحيين؟ كثيرًا ما نقرأ في بعض قصص الفولكلور الرهباني عن الطاعة العمياء، حيث يأمر الأب تلميذه أن يذهب يوميًا ليسقي خشبة جرداء على بعد أميال من مغارته. يحمل التلميذ جرة ماء على كتفه ويقطع هذه المسافة الطويلة يوميًا طاعة لمعلمه. وبعد فترة، ينسى المعلم ما أمر به تلميذه حتى يأتي إليه بالثمر، إذ أثمرت الخشبة وأصبحت شجرة تُسمى شجرة الطاعة حسب الرواية المذكورة. أيضًا نقرأ عن الذي يأمر تلميذه بأن يحضر له الضبعة، فلما أطاعه التلميذ وأمسك بها عنفه معلمه لأنه أتى إليه بجرو بدلًا من الضبعة حتى لا يتكبر. وهناك عشرات من القصص المشابهة التي تُحكى للأطفال في مدارس الأحد، حتى أصبح آباء الكنيسة القبطية الأرثوذكسية على اختلاف رتبهم يذيلون رسائلهم وأوامرهم في أي موضوع بالعبارة الشهيرة: ابن الطاعة تحل عليه البركة، حتى وإن كان الأمر مخالفًا للقواعد الإنسانية وروح الإنجيل والتعاليم المسيحية والقوانين الكنسية. فمثلًا الأسقف الذي يصدر قرارًا بدفع مبالغ باهظة لإقامة صلاة الإكليل في كنيسة معينة، ويكتب تحت القرار ابن الطاعة تحل عليه البركة، هل في حالة المخالفة لأوامر هذا الأسقف يُحرَم من البركة؟ أتكلم وفي قلبي مرارة لأن أحد أصدقائي بالولايات المتحدة اضطر لإقامة إكليل لابنه في إحدى إيبارشيات مصر المحروسة، واضطرت العائلة بأكملها للسفر إلى مصر والكل يعلم حجم التكلفة التي تكلفتها الأسرة. أما أسقف الإيبارشية المبجل جزيل الاحترام، فقد أصدر أوامره باعتبار أي قادم من الخارج يستخدم الكنيسة عليه سداد الرسوم بالعملة الصعبة وهي الدولار. ونظرًا لظروف العائلة، قدرها بثلاثة آلاف دولار فقط، بما يعادل مائة وخمسين ألفًا من الجنيهات المصرية فقط لا غير، لاستخدام الكنيسة لمدة ساعة فقط لأن الكنيسة قريبة من إحدى سواحل البحر الأحمر، وابن الطاعة تحل عليه البركة. الرب يسوع المسيح له المجد أعطانا حرية مجد أبناء الله؛ إن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحرارًا ((إنجيل يوحنا 8: 36 )). ومع ذلك، يستخدم الآباء ما يعتقدون أنه سلطانهم في الحل والربط لإخافة الشعب والرعية لقيادتهم حسب رغباتهم الخاصة، كأن يأمر الكاهن شعب الكنيسة بانتخاب أشخاص معينين للجنه الكنيسة، ووصل الأمر لحرمان من ينتخب أشخاصًا لا يرغب فيهم الكاهن، والشعب البسيط يطيع. هنا نتساءل: ما هي حدود الطاعة للآباء؟ هل الروح القدس يعمل في الآباء فقط ولا يعمل فينا ويرشدنا؟ ألم يقل الكتاب: أما تعلمون أنكم هيكل الله، وروح الله يسكن فيكم؟ ((رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس 3: 16 ))، فما هي حدود ووجوب طاعة الأبناء للآباء الروحيين؟ أولًا: طاعة أعضاء المجمع للبابا البطريرك أعتقد أنه من الواجب طاعة جميع رتب الإكليروس للبابا البطريرك، طالما لم يخالف الوصية الإنجيلية، وكلامه يتفق مع وصايا الرب يسوع المسيح له المجد شخصيًا؛ فهي طاعة واجبة في الرب، فهو الوحيد الجالس على الكرسي الرسولي، والأب أو الأخ الأكبر بين إخوته المطارنة والأساقفة. ولن تستقيم الأمور إذا كانت كل إيبارشية لها فلسفتها وطقوسها المختلفة. جميع كنائس العالم لها نظام واحد؛ فإذا دخلت أي كنيسة في أي إيبارشية، تجد نفس النظام في الصلوات والأكاليل والجنازات. الاختلاف فقط في فنون الإدارة وأنشطة كل إيبارشية حسب إمكانات مطرانها أو أسقفها وكهنتها المعاونين له، وحسب طبيعة شعبها وشبابها من الناحية العلمية والاجتماعية والإقليمية والاقتصادية والثقافية. فالذي يصلح في إيبارشيات المهجر لا يصلح في إيبارشيات صعيد مصر، وما يصلح في إيبارشيات مصر لا يصلح في إيبارشية الكرسي الأورشليمي، وهكذا. ثانيًا: طاعة الكهنة للأب المطران أو الأسقف المشكلة هنا تكمن في مدى صَلاحِيَة الأسقف للقيادة. يشعر الكاهن أحيانًا بذاته وتهتز صورة الأسقف أمامه فيدير الكنيسة حسب رغباته الخاصة دون أي اعتبار لرأي أو مشورة الأسقف. نرى أن التدقيق في اختيار الأسقف أمر ضروري للغاية. ويجب قبل رسامته أن يدرس فنون الإدارة. المدير المثالي يعرف كيف يحلل ويستنتج كل ما يحدث حوله دون استخدام عيون للتجسس. فإذا درس الأسقف فنون الإدارة مع دروس في الرعاية حتى تكون إدارة روحية، ولا يتصور أنه محافظ أو وزير، ويكون الجميع واحدًا وتكون هناك حياة شركة بينه والكهنة وأفراد الشعب في حب وتناغم دون تسلط واستعباد، ويتضع حتى يصل إلى خدمة غسل الأرجل، هنا سيخضع له الجميع عن حب وليس عن خوف. لقد زرت كنائس كثيرة في مصر وخارجها، يقع بعضها في نفس الإيبارشية وكل كنيسة لها نظامها الخاص وكأن الكاهن يدير عزبته الخاصة. مثال حي: كبرياء وجشع كاهن وضعف وعدم حكمة الأسقف أحد كهنة الخارج الذي كنت أعرفه منذ طفولته، تغير كثيرًا بعد الكهنوت. ونُقل بين ثلاث إيبارشيات في مصر والخارج بسبب مشاكله المتكررة. ولما تعاطفنا معه وزكيناه ليخدم كنيسة جديدة، وعد وعودًا كثيرة مبشرة. وبعد شهور قليلة، ظهر على حقيقته؛ فقد رفض وجود لجنة بالكنيسة وأقالها بإرسال بريد إلكتروني للأعضاء للاستغناء عنها، دون أخذ رأي الشعب الذي انتخبها. وبدأ يتسلط ويصدر الأوامر حتى للشيوخ كبار السن، وينتهرهم دون مراعاة لمشاعرهم، مع أنهم أكبر منه سنًا ومن والده. وحينما رُسم أسقفًا جديدًا للإيبارشية، استبشرنا خيرًا كي يحد من عنجهية وتجبّر وكبرياء هذا الكاهن الذي قال حرفيًا: كل واحد فيكم في وظيفته، الدكتور والمهندس والمحاسب، محدش بيتدخل في شغلكم. أنا كاهن! آخذ مفاتيح الكنيسة وأدورها زي ما أنا عاوز، لأن دي شغلتي ومش من حق حد يتدخل. ولو البابا بنفسه أو أي مطران أو أسقف حضر، لازم يستأذن مني أولًا قبل ما يدخل الكنيسة. ألغى هذا الكاهن وظيفة أمين الصندوق وأمسك بالماليات بنفسه حتى اشتكى الشعب لقداسة البابا، الذي بدوره أصدر قرارًا بابويًا بالتحقيق معه، بواسطة اثنين من المحاسبين القانونيين بأمريكا، وتقديم تقرير لقداسته. وكنت أحد هذين المحاسبين القانونيين، وقد رأينا الأهوال. لقد اعتبر الكاهن أنّه وأموال الكنيسة كما المثل القائل الجيب واحد. ومن بين الأهوال التي رأيناها أنه اختلس 26 ألف دولار أمريكي من أموال مباني الكنيسة الجديدة لشراء سيارة جديدة له، مع أنّ الكنيسة اشترت له سيارة جديدة من طراز Honda Accord لم يمر عليها أكثر من خمس سنوات. وعندما التقينا مع قداسة البابا، وبعدما تقابل قداسته مع الكاهن، فوض قداسة البابا الأسقف الجديد لاتخاذ ما يلزم من إجراء مع الكاهن حتى تصبح له كلمة في الإيبارشية. لم يفعل هذا الأسقف له شيئًا لأن الكاهن أغلق الباب ووطي وضرب ميطانية وكان هيبوس جزمته، فعل هذا فيما بينهما، أما أمام الناس قال الكاهن إن كل شيء كذب في كذب بدليل أنه لا يوجد عقاب. وبعدها رفع الكاهن مرتبه لنفسه دون موافقة أحد، وضحي الأسقف بشعب الكنيسة الذي تعهد بأن يحافظ عليه وأن دمه في رقبته. أما الشعب المغلوب على أمره، فانضم أغلبه إلى طوائف أخرى، بعضها أرثوذكسية وبعضها غير أرثوذكسية، دون أن يتحرك ضمير الأسقف أو كهنة إيبارشيته. فللأسف، الأسقف مشغول عن إيبارشيته الحقيقية بالعاصمة الأمريكية، التي يتمنى أن تنضم إلى إيبارشيته رسميًا بدلًا من الانتداب فقط. وأصبح واضحًا أنه لا يعلم شيئًا عن إيبارشيته التي رسم عليها، وبعض كنائسها لا تراه إلا مرة كل عام أو أكثر قليلًا من العام. نأتي للنقطة الأخيرة التي أريد أن أناقشها مع حضراتكم: ثالثًا: طاعة الشعب للكاهن شخصيًا، أرفض تمامًا الطاعة العمياء، لأن الروح القدس، كما قال المخلص: يأخذ مما لي ويخبركم ((إنجيل يوحنا 16: 14 )). فكيف لي أن أطيع طاعة عمياء لا تتفق مع وصايا الإنجيل ووصايا الرب يسوع المسيح له المجد؟ على سبيل المثال، عندما يقف كاهن ويقول: "لا يوجد حل لانتخاب فلان في لجنة الكنيسة لأنه على خلاف مع هذا الشخص"، فإن هذا الحرمان يقع على الكاهن نفسه. وأنا لا أطيعه وضميري مرتاح تمامًا. كذلك، عندما يقول كاهن: "من لم يصم الصوم الكبير من أوله لا يتقدم للتناول"، فإذا كان شخصًا بعيدًا عن الحياة الروحية واشتاق للعودة إلى حضن السيد المسيح، فهل منعه من التناول حكمة من الكاهن ويجب طاعته؟ هل نضمن رجوع هذا الأخ وهو في نفس حالة الاشتياق للتناول؟ مثال آخر مضحك ومخجل شهدته وحضرت بنفسي في بداية الثمانينيات في مصر قبل هجرتي إلى الولايات المتحدة الأمريكية: كان لي صديق يذهب إلى الكنيسة ولكنه بعيد عن الخدمة، وغير متعمق. تزوج من خادمة متزمتة، ولما جاء الصوم الكبير وأراد أن يقيم معها العلاقة الزوجية المقدسة، رفضت قبل أن تسأل أب اعترافها. ولما سألت الكاهن قال لها أوعي تسألي فيه. وكان هذا الشاب متعبًا جدًا ورأيته بعد فترة منهارًا لأنه سقط في خطية الزنا مع زميلة له في العمل. وطبعًا هذه الخادمة كان من حقها الطلاق لدخول طرف ثالث لولا حكمة الأب الأسقف وقتها لمعالجة الأمر ومنع الكاهن من أخذ اعتراف السيدات حتى ينضج بعد أن أخذ قانون كنسي في أحد الأديرة. والشيء الأكثر غرابة أن هذا الكاهن المُخرّب قد رزق بمولودة جديدة، وأحد أطباء النساء بالكنيسة أفتى بأن هذه الطفلة لا يمكن أن تكون قد تكونت إلا خلال فترة الصوم الكبير. وسمعت بأذني أحد قدامى الآباء الكهنة زملائه يتهكم قائلًا: إيه يا أبونا فلان! بنتك جت إزاي في الوقت ده؟ حبل بها من الروح القدس؟ هنا يحتاج الشعب إلى روح الحكمة والإفراز، فليس كل من يرتدي الأسود وله لحية كلامه صحيح. أقول هذا وأنا من عائلة كهنوتية حتى لا أتهم بأنني غير أرثوذكسي. للأسف، غالبية الشعب يردد: قال أبونا فلان، أبونا فلان هو الذي علّمنا هذا. أتمنى أن تتغير هذه التعبيرات إلى: قال الرب يسوع كذا، أو قرأت هذه العبارة في أقوال الآباء. وليعطينا الرب روح الاستنارة لنفرق بين الخطأ والصواب. --- ### قبطيتنا المعاصرة: مسيحية أم Cult؟ - Published: ۲۰۲٤-۰۷-۰۸ - Modified: 2025-02-02 - URL: https://tabcm.net/27521/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: بابا شنودة الثالث يفتقر قاموس اللغة العربية إلى مصطلح يعادل "cult" ولن تجد لهذا المصطلح مرادفًا بالعربية، وسيسعدني أن انحت هنا مصطلح "النُظمة" كمرادف له، وتجمع على "نُظمات"، وكلتاهما بضم النون، آملًا أن يوثق التاريخ هذه المساهمة. لن تلاحظ غياب المرادف عن العربية وحسب، بل يرافقه غياب تام لتعريف دقيق ودراسات معمقة حول هذا المصطلح. ويبدو أن الأمر -للغرابة- لم يسترع انتباه ناطقي الضاد. سأعتمد هنا على بعض الدراسات التي أعدها معهد Cult Education Instute، وهي مؤسسة أمريكية غير ربحية تخصصت في دراسة هذه الظاهرة بعد أن استيقظ المجتمع الأمريكي على كوارث تسببت فيها بعض "النُظمات". "النظمة"، هي تجمع بشري تربطه وشائج قوية، عمادها هو "التنظيم الطقسي"، مصممة لخدمة أهداف ورغبات قيادة النُظمة فقط دون أيّ اعتبار أخر، وغالبا ما تكون هذه القيادة عنقودية هرمية، يتربع على قمتها شخصية كاريزمية، يدين لها الجميع بالولاء المطلق. على أن غياب الشخصية الكاريزمية لن يفسد "النُظمة" طالما استمرت القيادة في الحفاظ على القواعد المحددة لهيكل النُظمة. لضمان "طفو" النظمة، فسلب إرادة الأتباع وشل عقولهم، هو العمل اليومي للقيادة، وذلك لتحويلهم إلى كائنات اعتمادية تحتاج إلى رأي القيادة حتى في أدق الشئون الشخصية، بدءًا من اختيار نوعية الدراسة أو شريك الحياة وليس انتهاءً بممارسة الحب مع الشريك، ومطيعة تنصاع بدون بحث لما يُطلب منها، ربما يشمل هذا التنازل عن ممتلكات أو حتى الانتحار الجماعي. للوصول إلى هذه الدرجة من "برمجة" الأتباع، يمارس القادة العديد من التكتيكات: ما يمكن وصفه بالتلاعب النفسي، الممارسات الخادعة، وأحيانا السلطوية، معرفة أدق أسرار الاتباع أداة هامة للسيطرة والنفاذ إلى نفس التابع، قد تلجأ القيادة -سبيلًا لهذه المعرفة- للتجسس اللصيق أو الاستجواب الطوعي، وعلى الجانب الأخر، احدي التكتيكات الهامة هي تغذية الشعور بالفرادة والفوز المحقق لدى الاتباع، حتى أن التابع لا يمسه أدنى شك انه "محبوب الأقدار" التي قذفت به هنا تحت أقدام هذه القيادة الحكيمة. يفصل المعهد المشار إليه آنفًا عشر سمات لو توافرت في تجمع ما، انتقل فورًا من الدين إلى خانة "النُظمة"، تتناصف بين ما يخص سلوك القيادة وقناعات الاتباع. 1- الاستبداد القيادي المطلق المتعلق بكل ما يخص النُظمة، دون السماح بأي قدر من مساهمة الاتباع. 2- عدم السماح -أو التسامح- مطلقًا مع نقد أسلوب القيادة أو حتى الأسئلة عنه. 3- غياب تام للشفافية والإفصاح المالي، على الرغم من أن الاتباع غالبًا هم مصدر الإيرادات. 4- التسجيل والتوثيق "الدقيق" المُسيطر عليه لتعاليم القيادة وتصرفاتها بحق الاتباع. 5- عمل القيادة على غرس وترسيخ شعور دائم لدى الاتباع بعدم قدرتهم بمفردهم أن يكونوا "جيدين" بما يكفي. 6- إيمان لا يقربه الشك من الاتباع أن القيادة دائمًا على حق ولا يأتيها الباطل. 7- اعتقاد راسخ لدي الاتباع بأن القيادة هي الوسيلة الحصرية لبلوغ "الحقيقة" أو إثبات صحة أمر ما. 8- حضور مخاوف دائمة من العالم الخارجي، واضطهاده وتآمره على النُظمة. 9- الوثوق بأن السبب وراء خروج بعض الاتباع من النظمة هو نتاج بعض المؤامرات المحكمة، فلا مبرر أو سبب مشروع لهجر النُظمة. 10- عدم الاستياء من إساءة القيادة إلى فرد أو مجموعة من الاتباع، مهما كانت غير مبررة أو مقنعة. والآن عزيزي القارئ، هل لديك أدنى شك انك عضو نُظمة، ليس لها من المسيحية إلا اسمها وشكل طقوسها؟ نُظمة نسجها بعناية وتدقيق شخص كاريزمي فذ، حتى وصلت خيوطها إلى رقبتك (يمكنك قراءة ما فعله الأنبا شنودة الثالث من هنا). لهذا المقال جزء ثان، نتدارس فيه كيف نستعيد مسيحيتنا التي تفصلنا عنها الآن مصاعب جمة، إلا أنني أود قبل أن اختم هذا المقال الإشارة إلى نقطتين: أولهما: أن هذا المآزق دخيل على كنيستنا، ونتاج حبرية شنودة الثالث، وحقبة لا زلنا نعيشها اسميها "الشندجة". (منحوتة أخري سيدين لي التاريخ فيها بالفضل) وثانيهما: أن الأمر ليس جديدًا على المسيحية، والتي تحمل في هيكل خدمتها نظامًا كهنوتيًا يسهل امتطاؤه من المغامرين. ولكن الفارق كل الفارق يصنعه الشعب، وفقط الشعب المحب لمُخلّصه. --- ### الخميرة الصغيرة - Published: ۲۰۲٤-۰۷-۰۷ - Modified: 2024-07-07 - URL: https://tabcm.net/27545/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: الأب متى المسكين, الشيطان, الشيوعية, مجلة مرقس "الخميرة الصغيرة"، عن رسالة كتبت سنة ‎١٩٥٧‏بقلم الأب متى المسكين، نُشرت أوّل ما نُشرت في افتتاحية مجلة مرقس، عدد أغسطس ١٩٨٠، الصفحات من ١ إلى ٣ هكذا يعمل الله، و يتمم مقاصده ويحول العالم إلى حقه وإيمانه. إنه يصل إل ذلك كله عن طريق... ((عن رسالة كتبت سنة ‎١٩٥٧‏. )) الخميرة الصغيرة كثيرون يشعرون بضيقة قاسية من ناحية اختلال مواز ين الحق عند من يُطلب منهم الحق، وانحطاط القيم الروحية عند من تُطلب منهم الروح! فالعالم كله يجوز محنة اختبارية قاسية من جهة الإيمان، وقد انعكست صورتها على شعبنا أيضًا... وليس الناس كأفرادهم الذين سيجربون بشدة في هذه الأيام، ولكن سوف تمحص الحكومات أيضًا، وتُدان بمقتضى ناموس الإيمان الذي سلّم إليها فاحتقرته، وسارت كأنما لا إيمان لها، وسلكت مسلك من لا ناموس لهم ولا دين. هذه أمريكا وانجلترا وفرنسا وغيرها من الذين دُعي اسم المسيح عليهم للفخر والتفاخر، ولكنهم سيدانون أخيرًا بمقتضاه... وقد بدأت الدينونة وستستمر إلى أن تُفضح أعمالهم، و يتبرأ المسيح منهم، ويتزكى الدم من لوثة أعمالهم... لابد أن يكون هذا كله، لا يمكن إلا أن يكون... وإلا سنحيا في أوضاع فاترة ونعيش على الباطل كأنه حق... أترك الكرَّام يعمل عمله لأنه حان أوان الغضب، وأنتظر بثقة أثمارًا تليق برب الكرم. لا تظن أن الأوضاع الشكلية المزيفة -مهما تساندت- تستطيع أن تغير الحقائق؛ فالصور لا تتكلم، والتماثيل لا تتحرك مهما بلفت من الإتقان. ولقد قيل في سفر الرؤيا إن كل من يسجد لها سوف يدان و يقطع من قطيع الصالح. لا تشك أبدًا في قدرة القدير كأنه جبار عاجز، أو إله لا يسمع ضجة صراخ مجموعات القلوب المتراصة أمام مذبحه كل يوم... ولكنه ساهر على كلمته ليجريها وعمله في وسط السنين يحييه، وإن تمهل فلا يُحسَب له ذلك تباطؤ، فملكوت السموات يشبه خميرة (صغيرة) أخذتها امرأة وخبأتها في ثلاث أكيال دقيق، (وانتظرت) حتى اختمر العجين كله. إن وصاياه تظهر أحيانا كأنها معطلة، ومبادئه تبدو كأنها مهملة ومحتقرة، ولكن الحق الذي فيها لا يهدأ حتى يخرج النور من الظلمة، ويشهد للحق الذي فينا، لأنه قوة غير مقهورة... والخميرة جادة في عملها بهدوء، ولكن بثقة أكيدة إلى أن تأتي الساعة التي تصير الأرض كلها للرب ولمسيحه. في الطريق ربما يختفي بعض أشخاص أتقياء باضطهاد أو استشهاد، وربما تسد أفواه كريمة ناطقة بالحق والحياة، بل تشل حركة الكرازة في مكان أو كل مكان. أو تختفي دولة بأكملها من حظيرة الصالح كروسيا حينا خرجت وطال خروجها منذ ١٩١٧... ‏ ولكن ما زال الأب جالسًا عل الباب ينتظرها باشتياق يوم أن تعود! فالخميرة لن تخيب من عملها، إلى أن يختمر العجين كله، ولكن لا نهملن عامل الزمن أو نحتقرن الصبر. ربما تحتقر بعض مبادئ المسيح على ضوء فلسفة جديدة، أو جنوح أمة مسيحية عن الحق الذي في الوصية، أو ظهور نظرية علمية جديدة، فتظهر كلمة الله إلى حين كأنها أصيبت في الصميم، وينتهز الشيطان فرصة مثل هذه ليضرب قويًا وينهب كثيرًا... ولكن حالًا تتبلور هذه المعاثر جميعًا وتتسلط عليها أشعة الحق بأكثر شدة، إلى أن يظهر خزيها أو عجزها أو خضوعها. ثم تستمر الخميرة في عملها وكأنما المعاثر بالنسبة لها عامل تنشيط لابد منه. ولكن لا تظن أن ناموس الله فيه اعتساف أو فيه تشويش، وإن اختلّت موازين توزيع الكوارث والآلام في نظرنا، أو استُهدف الأبرار مظالم جارفة، أو انهزم الصديقون في موقعة الأشرار... ففي كل هذا وكل ما هو أكثر اختلالًا وإيهامًا نجد ناموسًا آخر وميزانًا آخر غير الذي ألفناه في عدل البشر ومحاكمهم، لا يعاقب بقدر ما يداوي، ولا يضرب بقدر ما يعصب، ولا ينتقم بقدر ما يتحنن... بل إنه ما يشاء أبدًا، وبقسم، أن يميت الخاطئ أو يجازي الأثيم، بل يود لو يحيا الجميع ويقبلون الحق، لولا أنهم يحبون الظلمة أكثر من النور، ويلحون أن يخرجوا من حضرته، فنور قداسته يؤلمهم، وحضرة بره تزعجهم، فلم تعد لهم راحة إلا في الظلمة والبكاء وصرير الأسنان. أما هو فقد غلب الشر بالألم، وغلب الألم بالحب. لما صرخ إليه المتألمون، لم يشأ أن يرفع عنهم الألم كعاجز، بل كجبار حمل الآلام وسار أمامنا قائلًا: اتبعوني... وهكذا صارت النصرة على الألم لا في التخلص منه، بل في حمله واحتماله، وبذلك، وبذلك فقط يصير نير ربنا سهل الحمل، وحمله خفيفًا على المناكب. وأعود فأقول إنه لابد من الانتظار والصبر الطويل، فربما نرى النتائج في حياتنا، أو لا نراها إلا هناك. ولكن لابد أن نراها هنا أو هناك، فنعلم يقينًا أن كل أعماله بحكمة قد صُنعت، وأنه مستحق أن يأخذ الكرامة والمجد والعز والسلطان والسجود، وباسمه تسجد بالحق كل ركبة ما في السماء، وما على الأرض. وإنه إذا كانت الأرض قد استلزمت ملايين السنين لتطورات عديدة چيولوچية وطبيعية حتى صارت صالحة لسكن الإنسان كما يقول العلماء، فكم بالحري يجب أن تنتظر البشرية وتستهدف لتغييرات كثيرة عديدة لابد منها. نعم، لابد منها، هكذا قال السيد المسيح، حتى الحروب لابد منها لأنها لازمة أخلاقية من لوازم التغيير (تثيرها وتصطلي بنارها الشعوب المتنازعة) إلى أن يتآلف العنصر البشري و يطرق طرقًا بشدة (فيعلم نتيجة فكره المنحرف) إلى أن يخضع خضوعًا كاملًا اختياريًا عن حب لناموس الروح في المسيح يسوع. وإنه وإن كان العالم يبدو أكثر انحرافًا الآن وراء العلم ونظرياته المتعددة، إلا أن نقطة التحول لابد وأن يصدم بها وعن طريق العلم نفسه، ليرتد أكثر اقتناعًا وأشد خضوعًا لرب العقل والعلم والعلماء. وأنه وإن هتفت روسيا بإيمان يكاد لا يقل عن إيمان أشد المتدينين؛ بمستقبل باهر لمبادئها الشيوعية في خلق عالم متساو لسيادة الإنسان، ورفاهية الفقراء، وتحطيم فوارق البشرية... فلابد أن تصطدم بالحقيقة المرة: إن العالم هو العالم، والإنسان إنسان، وقد وُضِع الأول في الشرير، والثاني في الخطية. ومن الشر والخطية لن ينشأ نعيم أو فردوس. لذلك فهما طبقوا من نظريات مبدعة، وعدالة كاملة، فستظل الحقيقة هي هي: أن ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان سعيدًا، بل بكل كلمة حية تخرج من فم الله. وطالما كلمة الله والإيمان قصة معطلة في إنسان ما، أو في شعب من الشعوب... فلن يبلغ ذلك الإنسان أو الشعب إلى السعادة المنشودة، التي يرعى فيها الأسد مع الخروف، أو يلعب الطفل مع الصلّ... بل سيظل الشر يتهدد الإنسان ويطارده، والظلم والجور والتعسف يرصده و يصارعه، كمذكرٍ للإيمان المُهمَل، ومؤنب مزعج لكلمة الحياة المُزدرى بها... إلى أن يعود الإنسان، هناك في آخر المطاف، حينما يكمل زمان اختمار العجين، بعد نضال الأجيال، ليجد سعادته وحياته في ظل من يستطيع أن يسعد ويحرر ويحيا بالحق. لقد ظلت (الشعوب) المسيحية تُجيز نظام الرقيق، ولا تجد غضاضة في استعباد الإنسان كالبهيمة يُشترى ويُباع حتى لدى القلوب الرحيمة الناضجة، ولكن في طول هذه الحقبة كانت خميرة الوصية تعمل في القلب الإنساني لإعلان حقيقة الحرية وواجباتها في المسيح. وكذلك ظلت (الشعوب) المسيحية أيضًا تجيز نظام استعباد الشعوب، ولا تبد غضاضة في فرض نظام العبودية والعنف على الشعوب المحكومة بنفس سلطان السيد على العبد المُشترى وأشد تعسفًا... إلى أن حان الزمن لتعلم الأرض كلها أن الحرية الدولية هي بند من بنود المسيحية كالحرية الفردية، وأن من دم واحد قد صنع الله كل أمة على الأرض. وهكذا بعد آلام وحروب كثيرة ومريرة، تعدل ميزان العالم. وكما في الأفراد، كذلك يكون في الشعوب أنه بضيقات كثيرة ينبغي أن ندخل ملكوت الله. وكما أن التواضع مقبول ومطلوب في الأفراد، كذلك أيضًا في الشعوب، كما علمناه أيضًا في البلاد. عندما طُوّبت بيت لحم ولعنت كفرناحوم، وسيكون للشعوب أيضًا دينونة. فليذكرنا الرب في هذه الأيام، ويتعهدنا برحمته كمثل الأيام الأُوَل، لنكمل أيامنا بخوف وإيمان متمسكين بوعده وكلمته إلى آخر نسمة من حياتنا. الخميرة الصغيرة عن رسالة كتبت سنة ‎١٩٥٧‏بقلم الأب متى المسكين، نُشرت أوّل ما نُشرت في مجلة مرقس، عدد أغسطس ١٩٨٠، الصفحات من ١ إلى ٣ --- ### كنيسة تنتحر [٢] - Published: ۲۰۲٤-۰۷-۰٦ - Modified: 2024-07-06 - URL: https://tabcm.net/27481/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: آريوسية, الكنيسة الجامعة, الكنيسة الكاثوليكية, بولس دي سيزييه اليسوعي, جرجس كامل يوسف, علامة ترتليانوس الإفريقي, قديس أوغسطينوس، أسقف هيبو, قديس إيرينيئوس، أسقف ليون, كبريانوس الإفريقي، أسقف قرطاچنة, كميل حشيمة اليسوعي, مجمع قرطاچنة حيث تكون الكنيسة، يكون روح الله؛ وحيث يكون روح الله، تكون الكنيسة، ويكون ملء النعمة. (القديس إيرينيئوس، أسقف ليون، القرن الثاني الميلادي) يعكف صديقي السكندري؛ د. جرجس كامل يوسف، على ترجمة جديدة لكتاب "كنيسة الروح القدس" للأب نيقولا آفانا سييف، من الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، وقد أرسل لي مقتطف مما ورد بهذا الكتاب في تعريف الكنيسة: إن اسمَ الكنيسةِ ذاته، الذي نجدُه منذ أقدمِ العصورِ لوجودها، يشيرُ ضمنًا إلى فكرةِ وجودِ جماعةٍ منظمةٍ من الناسِ؛ ليسوا رعاعًا أو حشدًا يتحدى أيَ نظامٍ أو هيكل. لم يكُن من الممكن أن يقبلَ العقلُ المسيحيُ مصطلحَ "كنيسة" لو كانت الحياة الكنسية للكنيسة الأولى تسترشدُ بالفوضى وغياب أية سلطة. لقد تم تحديدُ محتوياتِ هذا المصطلحِ بدقةٍ تامة، لدرجةِ استبعادِ أي غموضٍ فيما يتعلقُ بمعناه. الكنيسة ekklêsia هي كنيسة لأنها جماعة شعبِ اللهِ في المسيح، وليست جماعة عشوائية أو تجمعَ مسيحيين اجتمعوا بالصدفة. ما يظهرُ الكنيسة كاجتماعٍ في المسيحِ هو الاجتماعُ الإفخارستي، لأن المسيحَ حاضرٌ فيه. الوصية الأخيرة التي أعطاها المسيحُ للرسلِ قبلَ آلامه اصنعوا هذا لذكري ((كورنثوس الأولى 11: 24 )). لا يمكنُ أن تشيرَ إلى تجمعاتٍ عشوائية لأتباعه، بل إلى شعبِ اللهِ الجديدِ الذي صنعَ معه العهدَ الجديد بدمِ ابنه. (د. جرجس كامل يوسف، كنيسة الروح القدس) وعندما عدت لمقدمة الكتاب -في ترجمة سابقة- وجدت الأب نيقولا يؤكد في تقديمه على أن: إنّ أساس الكنيسة الوحيد هو الروح القدس، فالكنيسة جسم مواهبي، لا لأنها أخذت يومًا ما عطايا الروح القدس وحفظتها في أحشائها كما يُحفظ الكنز المخبَّأ، ولا لأن الكثيرين يأخذون منها موهبة، بل لأنها تحيا وتُفّعل بالروح، ولأنها مكان عمله. فلا حياة في الكنيسة ولا عمل داخلها ولا كهنوت إلاَّ بالروح، ومن دونه لا توجد كنيسة. فقد أنشأها الرب في العشاء السري ثم جعلها حقيقة لما أرسل روحه بمجد على تلاميذه في العنصرة، ومنذ ذلك الحين يسكن الروح في الكنيسة وتعيش الكنيسة بالروح. فـ "كنيسة الله في المسيح" هي كنيسة الروح القدس، كما في عصر الآباء كذلك اليوم. (الأب نيقولا آفانا سييف، كنيسة الروح القدس، ترجمة د. جرجس كامل يوسف) ويختتم الأب نيقولا مقدمته بفقرة قد تكون صادمة لكنها صادقة: إننا نعيش في عصر صعب إلى أبعد حد، وإذا أراد أحد أن يطلق أيّ اتهام لحياتنا الكنسية فإنه لن يستطيع أن يبرئ نفسه، فكلنا مسؤولون. نحن نعلم أن ثمة عصورًا كعصرنا كانت فيه الكنيسة مشوشة، وكانت حروب وانشقاقات واتهامات متبادلة ووشايات وضغوطات، ولكن ثمة فارقًا بين ما كان حاصلًا وبين ما يحصل اليوم. فالحروب العقائدية كانت دائمًا أساس الاضطرابات التي يذكرها التاريخ، بينما في عصرنا تنتشر الأهواء البشرية في وضح النهار، ودون أن تخجل أو تتقنع بالنزاعات العقائدية. إن حياتنا الكنسية تسير في طريق مسدود. (الأب نيقولا آفانا سييف، كنيسة الروح القدس، ترجمة د. جرجس كامل يوسف) ويواصل الكاتب موضحًا: ثمة مبادئ عرفناها منذ أمد بعيد تُنتهك اليوم ولا تقود إلا للعجز؛ فنحن ننظر للكنيسة كأنها منظمة خاضعة للأنظمة البشرية وخادمة للغايات البشرية، لأن الإرادة البشرية هي التي تسيطر عليها بالدرجة الأولى. وهذه الإرادة -الغريبة عنها- تحاول أن تجعل من كنيسة الله وسيلة للوصول إلى غايتها الخاصة. (الأب نيقولا آفانا سييف، كنيسة الروح القدس، ترجمة د. جرجس كامل يوسف) ويستطرد الكاتب: إنّ المؤرخ، خاصة إذا كان مؤرخًا للكنيسة، لا يحيا خارج الزمن. ويجب أن يخدم عمله الكنيسة، إذا كان يعتبره مهمة كنسية، أفلا يجب عليه إذن أن يتذكر في مؤلفاته أن للكنيسة مبادئ خاصة: • أنها ليست منظمة بشرية بل مقام إلهي، • وأن الإرادة الإلهية لا الإرادة البشرية هي المؤثرة فيها بواسطة الروح القدس؛ • وأنها تحيا وتعمل بمواهب الروح التي يوزعها الله بغير حساب، • وأننا نحن "مواطنون في السماء ومنها ننتظر مخلصنا الرب يسوع المسيح" ((فيلبي 3 : 20 )). أفلا يجب أن نتذكر، في رتابة حياتنا اليومية، أنه "حيث تكون الكنيسة يكون روح الله؛ وحيث يكون روح الله تكون الكنيسة، ويكون ملء النعمة. "؛ وأن الكنيسة هي كنيسة الروح القدس، وأنها رغم وجودها في الزمن تنتمي إلى "بداية الأيام الأخيرة". (الأب نيقولا آفانا سييف، كنيسة الروح القدس، ترجمة د. جرجس كامل يوسف) ولعل القارئ يراجع كلمة القديس بطرس في يوم الخمسين واستعارته لنبوة يوئيل النبي ((أعمال الرسل 2 : 14-21 )). دعونا نقترب من كنائس أفريقيا، وتحديدًا كنيسة شمال أفريقيا من ليبيا إلى المغرب وموريتانيا، ومن أهم ما يرتبط بها أنها انجبت قديسين عظماء ولاهوتيين نبغاء أمثال ترتليانوس وكبريانوس وأوغسطين. وفى عام 411 م انعقد مجمع قرطاجنة (حاليًا مدينة قرطاج وتقع في الشمال الشرقي لتونس) وحضره نحو 547 أسقفًا (! ! ) وقد سقطت قرطاجة في يد العرب عام 696م، الذين اجتاحوا إسبانيا عام 710م. وقد طرح كتاب "أسباب زوال الكنيسة في أفريقيا الشمالية بعد الفتح العربي" تأليف الأب بولس دي سيزييه اليسوعي، تعريب الأب كميل حشيمة اليسوعي، وهو يردها إلى صراع المملكة الفاندالية في قرطاج (وكانوا من اتباع بدعة آريوس) مع الكنيسة الجامعة، وجحد الكثيرون الإيمان، حتى زال عهد الفاندال بعد مضى نحو قرن (533م)، ولم يمض قرن أخر حتى احتل العرب شمال أفريقيا بدءًا من ليبيا في القرن السابع (643م. ) ثم سقطت قرطاجنة (696م. ) ليتم اجتياح إسبانيا (710م. ). يستعرض الكاتب عديد من الأسباب والصراعات بين القوى الدولية آنذاك ثم يقول: يضاف إلى الأسباب السابقة أن المسيحيين في شمال أفريقيا كانوا ميالين إلى المشاحنات والتحزبات. فالقرن السادس كان مليئًا بالنزاعات الدينية الحادة، وقام أصحاب البدع بشق الصفوف، وراح الأفارقة -في شمال أفريقيا- وهم التواقون أبدًا إلى الثورة على السلطة المركزية يهاجمون الإمبراطور ويتهمونه بالهرطقة. (الأب بولس دي سيزييه اليسوعي، أسباب زوال الكنيسة في أفريقيا الشمالية بعد الفتح العربي، ترجمة الأب كميل حشيمة اليسوعي) فكان التفكك والصراع هو أفضل تمهيد للاجتياح العربي. يتساءل الكاتب هل كان للبنية الكنسية دورها في اضمحلال المسيحية هناك؟ ويجيب: مما لا شك فيه أن مطالعة الوثائق تظهر أهمية الدور الذي قام به الأساقفة والمكانة التي كانت لهم. فالانطباع السائد فيها هو أن الكنيسة هي الأساقفة ومؤسساتهم، وأن الجماعة هي الأسقف. لذلك كان الأساقفة هم المستهدفون من الفرق المنشقة على الكنيسة وقتها، وقتلوا أعدادا كبيرة من الأساقفة، حتى زوال دولة الفندال (533م. ) (الأب بولس دي سيزييه اليسوعي، أسباب زوال الكنيسة في أفريقيا الشمالية بعد الفتح العربي، ترجمة الأب كميل حشيمة اليسوعي) يذكر الكاتب أن تلك الاضطرابات هبطت بالكنيسة إلى أدنى المستويات، ولما استقر العرب في شمال أفريقيا كانت الإيبارشيات لا تتعدى الأربعين (من اصل أربعمائة)، فهل يعود الخلل إلى تضخم التنظيم الأسقفي وطغيان التراتبية فيه، بحيث أنه لما زال زالت معه حيوية الكنيسة في شمال أفريقيا، وبقيت الجماعات المسيحية مستفردة لا تقوى على تأمين تضامن لابد منه؟ يواصل الكاتب: ومع انعدام الأساقفة ما لبثت الكنيسة أن تفككت أوصالها وتقلص ظلها حتى لم يعد لها في البلاد مع بروز القرن الحادي عشر سوى أساقفة ثلاثة. ! ! (الأب بولس دي سيزييه اليسوعي، أسباب زوال الكنيسة في أفريقيا الشمالية بعد الفتح العربي، ترجمة الأب كميل حشيمة اليسوعي) ومع ذلك -بحسب الكاتب- تستمر المشاحنات بين الفرق المسيحية المتناحرة، ويبدو، كما يرصد الكاتب، أن كل تلك المنازعات قد امتصت آخر قوى الفكر والبحث في كنيسة أفريقيا الشمالية، ولم يعد لأمثال ترتليانوس وكبريانوس وأوغسطينوس من وجود، وقد هاجر المثقفون إلى صقلية وإيطاليا. ويختتم الكاتب طرحه الذي تناول أسباب اضمحلال كنيسة شمال أفريقيا بقوله: إن انكفاء الجماعات المسيحية -على ذاتها وعزلتها- لم يكن على الصعيد العددي بقدر ما كان على الصعيد الفكري والثقافي. فقد باتت تلك الجماعات غير قادرة على أن تجد في ذاتها المقومات الروحية والمادية الكفيلة بتأمين بقائها على قيد الحياة، كما أنها انعزلت انعزالًا تامًا عن المصادر الأوروبية والمشرقية، واستطاع الموحدون المتزمتون القضاء عليها بلا شديد عناء، فماتت بسبب ضعفها الناتج عن جوعها. (الأب بولس دي سيزييه اليسوعي، أسباب زوال الكنيسة في أفريقيا الشمالية بعد الفتح العربي، ترجمة الأب كميل حشيمة اليسوعي) عبر كتابين احسبهما مهمين في الإشكالية التي نتناولها، وهى محاولة الإجابة على السؤال المزعج هل يمكن لكنيسة أن تنتحر؟ فالأول يحلل الجانب اللاهوتي بشكل من الأشكال؛ ويشرح دور الروح القدس في تأسيس وبنيان الكنيسة برؤية أرثوذكسية، ويضبط تعريف الكنيسة وخطورة اعتبارها مؤسسة خاضعة للأنظمة البشرية وخادمة للغايات البشرية، لأن ذلك ينتهى بنا إلى كنيسة مشوشة، تفترسها حروب وانشقاقات واتهامات متبادلة ووشايات وضغوطات، بين الفرقاء داخلها. والثاني، يحاول أن يجمع، عبر جهد شاق، الأسباب التي انتهت بكنيسة قدمت للمسيحية قديسين عظماء ولاهوتيين نبغاء أمثال ترتليانوس وكبريانوس وأوغسطينوس، آثروا الفكر المسيحي بشكل لا يمكن إغفاله، إلى الاندثار. وأهمية هذا الكتاب أنه بقلم احد أفطاب الرهبنة اليسوعية والتابعة للكنيسة الكاثوليكية، عن كنيسة كانت تقع في نطاق الكنيسة الكاثوليكية، واستطاع أن ينجو من فخاخ الاستقطاب والدفاع عن كنيسته بشكل قبلي، ليغسل يدها من مسئولية هذا الاضمحلال الذي لحق بتلك الكنيسة التاريخية. دعونا نستكمل، في جزء ثالث وأخير، الإفصاح عن المخاطر التي يمكن أن تجرفنا إلى مصير مؤلم. لا نتمناه ولا نسلم به لكنيستنا. --- ### هل يميت الله البشر؟ [٢] - Published: ۲۰۲٤-۰۷-۰۵ - Modified: 2024-07-08 - URL: https://tabcm.net/27088/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: آمال فؤاد, أمجد رفعت رشدي, أنبا بطرس، الأسقف العام, أنبا سارافيم، أسقف الإسماعيلية, أوغريس البرموسي, إستفانوس حداد, المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية, المركز الثقافي القبطي, المكتبة البولسية, بابا ديونيسيوس السكندري, بابا كيرلس عمود الدين, باسيليوس الكبير، أسقف قيصرية الكبادوك, باناريون للتراث الآبائي, بولا رأفت عزيز, بوليكاريا, بيشوي الأنطوني, تادرس يعقوب ملطي, تجسد الكلمة, تيموثاوس المحرقي, ثيؤفيلوس الأنطاكي, چورچ عوض إبراهيم, چورچ فرج, چوزيف موريس فلتس, دار القديس يوحنا الحبيب للنشر, دير الأنبا أنطونيوس, ساويرس الأنطاكي, سعيد حكيم يعقوب, شجرة الحياة, شيريمون, عادل ذكري, غريغوريوس آفا مينا, غريغوريوس النزينزي، الناطق بالإلهيات, غريغوريوس النيسي, قديس أثناسيوس الرسولي, قديس إيرينيئوس، أسقف ليون, قديس بروكلس، بطريرك القسطنطينية, قديس مقاريوس الكبير, قديس ميثوديوس الأوليمبي, قديس هيلاري، أسقف بواتييه, قديس يوستينوس الشهيد, لوقا يوسف, مار أوغريس البنطي, مار إسحق السرياني, مجمع أفسس المسكوني, مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية, مطبعة الأنبا رويس, مطران كيرلس بسترس, منشورات النور, مينا عياد فوزي, نصحي عبد الشهيد بطرس, نقولا بسترس, نوفاتيان الأفريقي, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية, يوحنا كاسيان, يوسف حبيب, يونان المقاري سوف استعرض في هذا الفصل من بحثنا تعاليم الآباء القديسين المعلِّمين في الكنيسة الجامعة التي تُؤكِّد على أن الله لم يخلق الموت، وليس هو علة الموت، بل الموت كان نتيجة عن الخطية، وأن الموت والإماتة ليسا لهما وجود في طبيعة الله، بل الله حيّ ويُحِيي الأشياء، كما يقول الكتاب: لأَنَّنَا بِهِ نَحْيَا وَنَتَحَرَّكُ وَنُوجَدُ ((أعمال الرسل 17: 28 )). كما يُؤكِّد آباء الكنيسة المعلِّمين على حقيقة مهمة جدًا، ألا وهي أن الموت دخل إلى العالم بحسد إبليس وبخطية الإنسان، متبعين الكتاب المقدَّس في ذلك. ولم يكن الموت عقوبة من الله للبشر، بل يُؤكِّدون على أمر غريب جدًا، ألا وهو أن الموت كان لصالح الإنسان حتى لا يظلّ الإنسان يُمارِس الشرَّ والخطية إلى الأبد، بالتالي، تأبيد الشرِّ والخطية واستمرارهما إلى الأبد. لأنه إذا كانت العقوبة القانونية في حالة العقوبات البشرية القضائية العادية مثل عقوبة السجن على سبيل المثال، تُعتبر سلبًا لحرية الشخص المعاقَب، وعقوبة الإعدام هي سلب لحياة الشخص المعاقَب، بالتالي، تُعتبر العقوبة البشرية القانونية شرًا بالنسبة للشخص المعاقَب، وليس خيرًا أو في مصلحته. وهكذا، لو كانت العقوبة الإلهية -حسب المنادين بالعقوبة القانونية الجزائية- هي عقوبة قانونية أو جزائية أو انتقامية من الله للبشرية، فسوف تكون العقوبة هي شرٌّ بالنسبة للكائن المعاقَب، وليست لصالحه، لأنها سوف تُؤدِي إلى هلاك الشخص المعاقَب وموته. بل يرى آباء الكنيسة على العكس من ذلك أن الموت الذي دخل إلى العالم بعد السقوط كان في مصلحة البشرية، وليس شرًا للإنسان، وبالتالي، لم يكن الموت عقوبةً قانونيةً من الله للبشرية، بل كان الموت في مصلحة البشرية من أجل الحفاظ عليها من البقاء في الشر والخطية إلى الأبد. ق. إيرينيؤس أسقف ليون حواء هي سبب الموت لنفسها يُشِير ق. إيرينيؤس أبو التقليد الكنسيّ، وأسقف ليون بفرنسا، إلى أن حواء غير المطيعة كانت هي سبب الموت لنفسها وللجنس البشريّ كله، وليس الله كما يدَّعي البعض عن جهل ودون وعي: ((إيرينيؤس، ضد الهرطقات ج 2، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد،  المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2019، القاهرة، 3: 22: 4، ص 111. )) وإذ صارتغير مطيعة، كانت هي سبب الموت لنفسها وللجنس البشريّ كله، هكذا أيضًا، فإن مريم إذ كانت مخطوبةً لرجلٍ، ومع ذلك كانت عذراءً، وأذعنت بطاعةٍ، فصارت سبب الخلاص لنفسها ولكل الجنس البشريّ. (إيرينيؤس أسقف ليون، ضد الهرطقات) الشيطان هو جالب الموت على الإنسان يرى ق. إيرينيؤس أن آدم الأول صار إناءً للشيطان الذي امتلكه، وأمسكه تحت سلطانه، بأن أدخل الخطية إليه ظلمًا، وتحت ستار عدم الموت أورثه الموت، لأنه بينما وعد بأنهم سيكونون آلهةً، وهو ما لا يمكن حدوثه، فإنه جلب الموت إليهم: ((إيرينيؤس، ضد الهرطقات ج 2، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد،  المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2019، القاهرة، 3: 23: 1، ص 112.   )) لأن آدم الأول صار إناءً للشيطان الذي امتلكه، وأمسكه تحت سلطانه، بأن أدخل الخطية إليه ظلمًا، وتحت ستار عدم الموت أورثه الموت. لأنه بينما وعد بأنهم ينبغي أن يكونوا آلهةً، وهو ما لا يمكن حدوثه، فإنه جلب الموت إليهم. (إيرينيؤس أسقف ليون، ضد الهرطقات) الموت كان لصالح الإنسان يُؤكِّد ق. إيرينيؤس على أن الموت كان لصالح الإنسان، وليس عقوبة من الله للإنسان، حتى لا يستمر الإنسان خاطئًا إلى الأبد: ((إيرينيؤس، ضد الهرطقات ج 2، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد،  المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2019، القاهرة، 3: 23: 6، ص 115، 116.   )) لذلك أيضًا، طرد الله الإنسان من الفردوس، ونقله بعيدًا عن شجرة الحياة، ليس لأنه يحسده على شجرة الحياة، كما يزعم البعض، بل لأنه أشفق عليه، ولم يرغب له أن يستمر خاطئًا إلى الأبد، ولا تكون الخطية، التي أحاطت به خالدةً، ولا يكون الشر غير مُتناهٍ، وعديم العلاج. ولكنه وضع حدًا لخطيئته بأن أدخل الموت، وهكذا أوقف الخطية، بأن وضع لها نهاية بانحلال الجسد، الذي يحدث في داخل الأرض، حتى أن الإنسان، إذ يكف عن الحياة في الخطية، ويموت عنها، ويبدأ أن يحيا لله. (إيرينيؤس أسقف ليون، ضد الهرطقات) ق. ثيؤفيلوس الأنطاكي الإنسان جنى الموت بالعصيان ينفي ق. ثيؤفيلوس الأنطاكيّ أن يكون الله هو علة موت الإنسان، بل الإنسان جنى بالعصيان الموت لنفسه، بالتالي، الإنسان هو المسؤول عن موته، وليس الله هو المسؤول: ((ثيؤفيلوس الأنطاكي، الرد على أتوليكوس، ترجمة: عادل ذكري، مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية، 2019، القاهرة، 2: 27، ص 82.   )) مرةً أخرى، لو خلقه الله فانيًا، كان سيبدو أن الله مسئول عن موتهولكن إنْ توجهإلى أعمال الموت عاصيًا الله، صار مسئولًا عن موتهلأنه كما بالعصيان جنى الإنسان الموت لنفسه، هكذا بالطاعة (رومية5: 18، 19) لمشيئة الله، يستطيع كل مَن أراد أن يحصل على الحياة الأبدية لنفسه. (ثيؤفيلوس الأنطاكي، الرد على أتوليكوس) ظهور الموت بسبب حسد إبليس ويُؤكِّد ق. ثيؤفيلوس الأنطاكيّ أن بداية الموت ظهرت في العالم بسبب حسد إبليس، وليس أن الله أوقع الموت على البشر، وهكذا حرَّض إبليس قايين على قتل أخيه هابيل، فظهرت بداية الموت في العالم: ((ثيؤفيلوس الأنطاكي، الرد على أتوليكوس، ترجمة: عادل ذكري، مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية، 2019، القاهرة، 2: 29، ص 84.   )) عندما رأى إبليس أن آدم وزوجته ليسا فقط أحياء، بل أنجبا ذريةً أيضًا، غُلِبَ من الحسد، لأنه لم يكن بالقوة الكافية ليميتهم. ولأنه رأى أن هابيل يُرضِي الله، فعمل على أخيه المُسمَّى قايين، وجعله يقتل أخاه. ومِن ثم ظهرت بداية الموت في هذا العالم، ليصل الجنس البشري بكامله إلى هذا اليوم. (ثيؤفيلوس الأنطاكي، الرد على أتوليكوس) ق. يوستينوس الشهيد البشر جلبوا الموت على أنفسهم يرى ق. يوستينوس الشهيد أن البشر هم الذين جلبوا الموت على أنفسهم مثل آدم وحواء بعصيانهم، وليس أن الله يجلب الموت على البشر: ((يوستينوس الشهيد، الحوار مع تريفون اليهودي، ترجمة: أ. آمال فؤاد، باناريون للتراث الآبائي، 2012، القاهرة، الفصل 124، ص 299.   )) ولكنني لا أنوي الخوض في هذه النقطة، بل أن أثبت أن الروح القدس يُوبِّخ الناس المخلوقين على صورة الله، متحررين من الألم والموت بشرط إطاعة وصاياه، وحُسِبوا مستحقين أن يُدعوا أبناء الله، ولكنهم مثل آدم وحواء جلبوا الموت على أنفسهم. (يوستينوس الشهيد، الحوار مع تريفون اليهودي) ق. ميثوديوس الأوليمبي الله وضع نهاية للخطية بالموت يُؤكِّد ق. ميثوديوس الأوليمبيّ على حقيقة أن الله وضع نهاية للخطية بالموت، وليس أن الموت عقوبة من الله للبشر: ((ميثوديوس الأوليمبي وليمة العشر عذارى، ترجمة: الراهب القمص تيموثاوس المحرقي، 2009، القاهرة، حوار 9: 2، ص 201.   )) والآن، كانت خيمتنا في الأول مُزوَّدةً بحالة سامية ثابتة؛ لكن تحوَّلت بواسطة التعدي، وانحنت إلى الأرض. ولكن الله وضع نهاية للخطية بالموت، خشية فناء الإنسان من أن يعيش خاطئًا، وتعيش الخطية فيه، فيكون مُعرضًا للعنة الأبدية. (ميثوديوس الأوليمبي، وليمة العشر عذارى) الإنسان هو علة موته وفنائه يُشِير ق. ميثوديوس إلى أن الإنسان قد وُضِعَ في مكان وسط بين الفساد وعدم الفساد، الموت وعدم الموت، ولكنه عندما أختار الفساد، فإنه أصبح فاسدًا وفانيًا: ((ميثوديوس الأوليمبي وليمة العشر عذارى، ترجمة: الراهب القمص تيموثاوس المحرقي، 2009، القاهرة، حوار 3: 7، ص 118، 119.   )) والآن كون الإنسان بين الجانبين، لا يكون خيَّرًا أو شريرًا، لكنه وُضِعَ في مكانٍ وسط، بين الفساد وعدم الفساد. ميله إلى أحد الجانبين يكون باشتراك الطبيعة، التي وُضِعَت عليه. فعندما يميل إلى الفساد، يصبح فاسدًا وفانيًا؛ وعندما يميل إلى عدم الفساد، يصبح طاهرًا وخالدًا. (ميثوديوس الأوليمبي، وليمة العشر عذارى) نوفاتيان الأفريقي عقوبات الله الشفائية يرى نوفاتيان الأفريقيّ -وهو أحد الآباء اللاتين- أن العقوبات الإلهية هي عقوبات شفائية، ولا تنبع في الله من رذيلة أو ضعف، بل لإرجاع البشر إلى المسار الصحيح: ((نوفاتيان، عن الثالوث، ترجمة: عادل ذكري، رسالتنا للنشر والتوزيع، 2022، القاهرة، 5: 1، ص 37.   )) كذلك حقيقة أن الله يغضب لا تنبع من أي رذيلة فيه. وإنما يتصرف هكذا لمنفعتنا. فهو رحيمٌ حتى عندما يُهدِّد، لأنه بهذه التهديدات يُرجِع البشر إلى المسار الصحيح. فالخوف أمرٌ ضروريّ لمَّن يفتقدون إلى الحافز إلى الحياة الصالحة، حتى أن الرافضين للعقل يتحرَّكون على الأقل بدافع الخوف. ولذلك، فكل هذه المواضع عن الغضب والكراهية وما شابه ذلك من جانب الله، قد أُعلِنَت، كما يتبيَّن من حقيقة الأمر، لشفائنا، وهي تنبع عن قصد مُتعمَّد، وليس من رذيلة أو من ضعف. (نوفاتيان الأفريقي، عن الثالوث) ق. ديونيسيوس السكندري لا يشأ الله موت الخاطئ على الإطلاق يُؤكِّد ق. ديونيسيوس السكندريّ أن الله لا يريد موت الخاطئ على الإطلاق، بل أن يتوب: ((ديونيسيوس السكندري، القديس ديونيسيوس السكندري الكبير، ترجمة وإعداد: أمجد رفعت رشدي، مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية، 2017، القاهرة، الخطاب إلى فابيوس أسقف أنطاكية: 3، ص 78.   )) فهم يتشفعون لبعض الأخوة الساقطين، الذين جلبوا على أنفسهم اتهامات تقديم ذبائح للأوثان، يترقبون عودتهم وتوبتهم، ويقبلونها بكونها مقبولةًالذي لا يريد على الإطلاق موت الخاطئ، بل أن يتوب. (ديونيسيوس السكندري، القديس ديونيسيوس السكندري الكبير) ق. أثناسيوس الرسولي الموت هو نتيجة التعدي يُؤكِّد ق. أثناسيوس الرسوليّ أن الموت هو نتيجة تعدي الإنسان للوصية، ولم يكن الموت من الله على الإنسان، حيث جلب البشر الموت على أنفسهم: ((أثناسيوس الرسولي، تجسد الكلمة، ترجمة: د. چوزيف موريس، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2003، القاهرة، 3: 4، ص 9.   )) أمَّا إذَا تعدوا الوصية وارتدوا عن الخير، وصاروا أشرارًا، فليعلموا أنهم سيجلبون الموت على أنفسهم حسب طبيعتهم. (أثناسيوس الرسولي، تجسد الكلمة) البشر هم علة فساد الموت ويُشِير ق. أثناسيوس إلى أن البشر هم أنفسهم السبب فيما حدث لهم من فساد الموت، وليس الله كما يدَّعي الجهلاء: ((أثناسيوس الرسولي، تجسد الكلمة، ترجمة: د. چوزيف موريس، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2003، القاهرة، 5: 1، ص 13.   )) ولكن البشر حوَّلوا وجوههم عن الأمور الأبدية، وبمشورة الشيطان تحوَّلوا إلى أعمال الفساد الطبيعيّ، وصاروا هم أنفسهم السبب فيما حدث لهم من فساد بالموت. لأنهم كانوا -كما ذكرت سابقًا- بالطبيعة فاسدين، لكنهم بنعمة اشتراكهم في الكلمة، كان يمكنهم أن يفلتوا من الفساد الطبيعيّ، لو أنهم بقوا صالحين. (أثناسيوس الرسولي، تجسد الكلمة) دخول الموت إلى العالم بحسد إبليس ويُؤكِّد ق. أثناسيوس أن الموت دخل إلى العالم بحسد إبليس، وليس من الله: ((أثناسيوس الرسولي، تجسد الكلمة، ترجمة: د. چوزيف موريس، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2003، القاهرة، 5: 2، ص 13.   )) وبسبب أن الكلمة سكن فيهم، فإن فسادهم الطبيعي لم يمسهم كما يقول سفر الحكمة: ’الله خلق الإنسان لعدم فساد، وجعله على صورة أزليته، لكن بحسد إبليس دخل الموت إلى العالم ((حكمة 2: 23- 24 ))، وبعدما حدث هذا بدأ البشر يموتون. (أثناسيوس الرسولي، تجسد الكلمة) جلب البشر الموت على أنفسهم ويُكرِّر ق. أثناسيوس أيضًا أن البشر هم الذين جلبوا الموت والفساد على أنفسهم، ولم يُنزِل الله عليهم الموت: ((أثناسيوس الرسولي، تجسد الكلمة، ترجمة: د. چوزيف موريس، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2003، القاهرة، 5: 3، ص 13.   )) فالبشر لم يقفوا عند حد مُعيَّن في خطاياهم، بل تمادوا في الشرِّ، حتى أنهم شيئًا فشيئًا تجاوزوا كل الحدود، وصار يخترعون الشرَّ حتى جلبوا على أنفسهم الموت والفساد. (أثناسيوس الرسولي، تجسد الكلمة) الموت لتلافي النتيجة المرعبة يُشِير ق. أثناسيوس الرسوليّ إلى أن الله أعلن حكم الموت بسبب التعدي، حتى لا تصير النتيجة مرعبة وغير لائقة، ألا وهي تأبيد الشر والخطية: ((أثناسيوس الرسولي، تجسد الكلمة، ترجمة: د. چوزيف موريس فلتس، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2003، القاهرة، 6: 2، ص 15.   )) لأن الموت أيضًا، وكما قُلت سابقًا، صارت له سيادة شرعية علينا، ومنذ ذلك الوقت فصاعدًا، وكان من المستحيل التهرُّب من حكم الناموس، لأن الله هو الذي وضعه بسبب التعدي، فلو حدث هذا لأصبحت النتيجة مُرعِبة حقًا وغير لائقة في نفس الوقت. (أثناسيوس الرسولي، تجسد الكلمة) ق. هيلاري أسقف بواتييه لا يوجد موت في الله يرى ق. هيلاري أسقف بواتييه الملقَّب بـ ”أثناسيوس الغرب“ أن الله لا يوجد فيه موت البتة، بل هو غير المائت، فكيف يدَّعي البعض عن جهل وبدون علم أن الله يُمِيت البشر: ((هيلاري أسقف بواتييه، عن الثالوث، ترجمة: دير الأنبا أنطونيوس، دير الأنبا أنطونيوس، 2017، البحر الأحمر، 2: 7، ص 242، 243.   )) مرةً أخرى، إنْ كنتم تسمعون أنه ذاتيّ المنشأ، إلا أنه لا يوجد مثلٌ يكون فيه مُعطِي نعمة الحياة مطابقًا للحياة التي تُعطَى. إنْ كنتم تسمعون أنه غير مائتٍ، إذًا، فهناك شيءٌ لم ينبثق منه وليس له اتصال معه بطبيعته ذاتها؛ وفي الواقع، الموت ليس هو الشيء الوحيد الذي يدَّعي تعبير ’غير مائت‘ أنه بعيدٌ عن الله. (هيلاري أسقف بواتييه، عن الثالوث) ق. باسيليوس الكبير الله لا يميت أحد بل يحيي يُؤكِّد ق. باسيليوس الكبير أن الله لا يميت أحد ويُحِيي آخر، بل يُحِيي بالأشياء المائتة، ويشفي بالأمور المؤلمة: ((باسيليوس الكبير، الله ليس مسببًا للشرور، ترجمة: د. چورچ عوض، 2012، القاهرة، ص 26.   )) إذًا، الله لا يُمِيت أحد، ويُحِيي آخر، ولكن هو يُحِيي بالأشياء التي تُمِيت، ويشفي بالأمور التي تجرح. (باسيليوس الكبير، الله ليس مسببًا للشرور) الإنسان أمات نفسه بنفسه ويُوضِّح ق. باسيليوس الكبير أن الإنسان أمات نفسه بنفسه بخطيئته، وجلب وصنع الموت لنفسه، فالموت ليس له كيان في حد ذاته، بل هو انعدام الحياة: ((باسيليوس الكبير، الله ليس مسببًا للشرور، ترجمة: د. چورچ عوض، 2012، القاهرة، ص 34.   )) إذًا، فهو الذي وقع في الخطية عن طريق اختياره السيئ، ومات بسبب الخطية، لأن أجرة الخطية هي موت ((رومية 6: 23 ))، أي إن كل مَن يبتعد عن الحياة، يقترب من الموت، لأن الله هو الحياة، وغياب الحياة هو موت. هكذا جلب آدم الموت على نفسه، وصنعه بابتعاده عن الله وفق المكتوب في المزمور لأنه هوذا البعداء عنك يبيدون ((مزمور 73: 27 )). هكذا ليس الله هو خالق الموت، لكن نحن الذين جلبناه على أنفسنا بالإرادة الشريرة. (باسيليوس الكبير، الله ليس مسببًا للشرور) سقوط الإنسان في الموت بالخطية يُشِير ق. باسيليوس أيضًا إلى أن الإنسان سقط في الموت بالخطية عن طريق خداع الحية، ولم يكن الله هو المنفِّذ لهذا الموت: ((باسيليوس الكبير، تفسير المزامير، ج1، ترجمة: د. سعيد حكيم يعقوب، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2020، القاهرة، عظة 5: 5 على مز 30، ص 171.   )) لقد كُنتُ حسنًا بالطبيعة وصالحًا، ولكنني ضعيف، لأني سقطت في الموت بالخطية عن طريق خداع الحية. (باسيليوس الكبير، تفسير المزامير) الإنسان جلب الموت بإرادته ويُؤكِّد ق. باسيليوس الكبير نفس الأمر أيضًا أن الله لم يخلق الموت، بل جلب الإنسان الموت عليه بإرادته الشريرة، وهكذا لم يوقف الله الموت حتى لا يظل المرض أي الخطية إلى الأبد بلا نهاية: ((باسيليوس الكبير، الله ليس مسببًا للشرور، ترجمة: د. چورچ عوض، 2012، القاهرة، ص 34.   )) لأن أجرة الخطيئة هي موت ((رومية 6: 23 )) أي كل مَن يبتعد عن الحياة، يقترب من الموت، لأن الله هو الحياة، وغياب الحياة هو موت. هكذا جلب آدم الموت على نفسه، وصنعه بابتعاده عن الله وفق المكتوب في المزمور: لأنه هوذا البعداء عنك يبيدون ((مزمور  73: 27 )). هكذا ليس الله هو الذي خلق الموت، لكن نحن الذين جلبناه على أنفسنا بالإرادة الشريرة. لكن الله لم يُوقِف الانحلال الذي يحمله الموت حتى لا يظلّ المرض بدون نهاية. (باسيليوس الكبير، الله ليس مسببًا للشرور) لا يوجد الموت مع الحياة في الله ويستنكر ق. باسيليوس الكبير أيضًا أن يكون الله هو علة الموت، ويرفض أن يجتمع في الله الشيء وضده، فلا يجتمع الموت والحياة معًا في الله، وبالتالي، يدحض ادعاءات الذين يقولون إن الله يُهلِك ويُمِيت البشر: ((باسيليوس الكبير، أيام الخليقة الستة، ترجمة: القمص بيشوي الأنطوني، مراجعة: نيافة الأنبا بطرس الأسقف العام، دار القديس يوحنا الحبيب للنشر، 1996، القاهرة، عظة 2: 5، ص 29.   )) الواقع إنني أتعجب كيف أن هؤلاء القوم لا تتملكهم الرعدة لمجرَّد تفكيرهم وتصوُّرهم لمثل هذه التجاديف المنفَّرة. كما أنه من الخطأ روحيًا أن يُقَال إن الشرَّ استمده وجوده من الله، لأن الضد لا ينتج مما هو ضده. الحياة لا تلد موتًا، والنور لا ينبثق من الظلام، كما أن الصحة لا تنتج من المرض، إنما هذا يُعتبَر تغيير من حالة إلى عكسهاويجب التنويه على أن ما يصيب الإنسان من مرض وفقر وموت، لا يُعتبَر من الشرور. ذلك لأن بعض هذه الأمور التي تُصِيب الإنسان تتحوَّل لفائدته. (باسيليوس الكبير، أيام الخليقة الستة) ق. غريغوريوس النزينزي اللاهوتي الموت في مصلحة الإنسان يُؤكِّد ق. غريغوريوس النزينزيّ الملقَّب بـ ”اللاهوتيّ“ أن الموت كان في مصلحة الإنسان حتى لا يصير الشر خالدًا، فكيف يكون الموت عقوبةً جزائيةً انتقامية من الله على البشرية، ويكون في مصلحة البشرية في نفس الوقت لكي يمنع تأبيد الشرِّ: ((غريغوريوس النزينزي، عظات القيامة، ترجمة: القس لوقا يوسف، المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي، 2015، القاهرة، العظة الفصحية الثانية 45: 8، ص 25.   )) وأول نتيجةأن أدركه الخجل والخزي، واختفى عن الله، وربحالموت، وقطع الخطيئة، لئلا يصير الشر خالدًا، وهكذا يبيت العقاب إحسانًا بالبشر، لأني هكذا أؤمن بأن الله يُجازِي. (غريغوريوس النزينزي، عظات القيامة) لا يريد الله موت الخاطئ يُشِير ق. غريغوريوس النزينزيّ إلى أن الله لا يريد موت الخاطئ، بل أن يرجع ويحيا، فهو الذي أنارنا نحن الذين كنا في ظلمة الموت وظلاله: ((غريغوريوس النزينزي، مختارات من القديس غريغوريوس اللاهوتي النزينزي، ترجمة: الأسقف استفانوس حداد، منشورات النور، 1994، لبنان، الخطاب الثاني ضد يوليانوس الجاحد، ص 87.   )) هذا، إذًا، ما يُؤثِره الله، فله الحرية والقدرة والسجود. ومَن يدري إذَا كان الله الذي يحلُّ قيود المائتين، ويصعد من أبواب الموت، وهو الذي لا يريد موت الخاطئ إلى أن يرجع ويحيا، وهو الذي أنارنا نحن الذين كُنا في ظلمة الموت وظلاله؟ مَن يدري إذَا كان سيتعهد يومًا ويُدرِك برحمته هؤلاء الضالين ويرعاهم بعصا رعايته، جاعلًا إياهم تحت تأديب عصاه الحديدية. (غريغوريوس النزينزي، مختارات من القديس غريغوريوس اللاهوتي النزينزي) ق. غريغوريوس النيسي الموت عقيم لم يغرسه الله يرى ق. غريغوريوس النيسيّ، مثله مثل جميع الآباء السابقين عليه، أن الموت لم يغرسه الله في الإنسان عندما كان في الفردوس، ولم يغرسه بالطبع بعدما خرج الإنسان من الفردوس، لأن الموت في حدّ ذاته عقيم، وليس له أصل أو جذر، ولم يطرأ تغيُّر على الله قبل وبعد سقوط الإنسان، بحيث قبل السقوط لم يكن يُمِيت الإنسان، ثم صار بعد السقوط، يُمِيت الله الإنسان: (( Gregory of Nyssa, Commentary on the Song of Songs, Tans. by C. Mc Cambley, Intro. by Panagiotes Chresteu, Hellenic College Press, 1987, Homily 12, p. 216. See also Gregory of Nyssa, Homilies on The Song of Songs, Trans. & Intro. by Richard A. Norris, Atlanta: Society of Biblical Literature, 2012, Homily 12, p. 369.   )) والدرس الذي يجب أن نتعلَّمه هو أن الحياة هي المركز الأصليّ لكل عمل الله، ولم يغرس الله الموت، ولم يكن له جذر ولا مكان له في الفردوس، لأن الموت عقيمٌ، ولأن الحياة كانت هي مركز كل شيء خلقه الله، وللموت طبيعة، وهي توقف الحياة. (غريغوريوس النيسي، تعليقات على نشيد الإنشاد) الشيطان هو مصدر الموت وينفي ق. غريغوريوس النيسيّ أن يكون الله هو خالق الموت، بل الشيطان هو مصدر الموت، لأن الموت دخل إلى العالم بحسد إبليس: ((Gregory of Nyssa, on the inscriptions of the Psalms, Trans. by C. Mc Cambely, Hellenic College Press, 1988, p. 139. See also Gregory of Nyssa, Treatise on The Inspections of The Psalms, Trans. & Intro. by Ronald E. Heine, Oxford: Clarendon Press, 1995, 2: 271, p. 209.   )) لم يخلق الله الموت، وإنما أبو ومصدر الموت هو ملك الشر أيّ الشيطان، لأن الموت دخل إلى العالم بحسد إبليس. (غريغوريوس النيسي، تفسير المزامير) الشر هو بداية الموت وليس الله يُوضِّح ق. غريغوريوس النيسيّ أن الشر هو بداية الموت وأساس الفساد، وليس الله: ((غريغوريوس النيسي، خلق الإنسان، ترجمة: المطران كيرلس بسترس والأب نقولا بسترس، منشورات المكتبة البولسية، 2021، لبنان، الفصل 20، ص 109.   )) فيما الشرّ هو مختلف الألوان، ويمثلُ أمامنا بحيث نحسبه شيئًا، ومع الخبرة يتبيَّن لنا شيئًا آخر. وإن معرفته، أي تقبله بالخبرة، هي بداية الموت وأساس الفساد. (غريغوريوس النيسي، خلق الإنسان) الله ليس خالق الموت ويُشِير ق. غريغوريوس النيسيّ إلى أن الله لم يخلق الموت، بل ملك الشرّ، أي إبليس الذي حرم ذاته من الحياة، وصار هو أبو الموت، لأن الموت جاء إلى العالم بحسد إبليس: ((Gregory of Nyssa, on the inscriptions of the Psalms, Trans. by C. Mc Cambely, Hellenic College Press, 1988, 16, PG 44: 601C.   )) لم يكن الله هو خالق الموت، بل ملك الشرّ، إبليس، الذي حرم ذاته من الحياة. صار أبًا للموت. لأن الموت جاء إلى العالم بحسد إبليس. (غريغوريوس النيسي، تفسير المزامير) التعدي هو أم الموت يُؤكِّد النيسيّ على أن التعدي بالآكل من شجرة معرفة الخير والشر هو أم الموت بالنسبة للبشر، وليس الله هو مُنزِله على البشرية: ((غريغوريوس النيسي، خلق الإنسان، ترجمة: المطران كيرلس بسترس والأب نقولا بسترس، منشورات المكتبة البولسية، 2021، لبنان، الفصل 20، ص 109.   )) وأصبحت هذه الأكلة أم الموت بالنسبة إلى البشر. (غريغوريوس النيسي، خلق الإنسان) دخول الموت لمنع تأبيد الشر يُشِير ق. غريغوريوس النيسيّ في نفس سياق الآباء السابقين إلى دخول الموت إلى العالم، حتى لا يظل الشر مُؤبَّدًا في البشر: ((غريغوريوس النيسي، تعليم الموعوظين، ترجمة: د. چورچ فرج، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2022، القاهرة، 8: 4، ص 140.   )) ولكن لأن كل جلد ينفصل عن الحيوان هو شيء ميت، أعتقد أن شافي شرّنا ببصيرته، قد كسا بعد ذلك البشر بهذه القوة نحو الموت، التي هي خاصية الطبيعة غير العاقلة، حتى لا يبقى الشرّ بعد ذلك في البشر إلى الأبد. لأن الأقمصة هي شيء يُوضَع خارجنا مُقدِّمةً خدمة مؤقتة لأجسادنا، وليست متأصلةً في طبيعة الإنسان. (غريغوريوس النيسي، تعليم الموعوظين) ويُوضِّح ق. غريغوريوس النيسيّ نفس الأمر في موضع آخر أنه كيلا يستمر الشرّ الكامن فينا إلى الأبد، يتحلَّل الجسد مؤقتًا من خلال العناية العظمى للموت، فالموت هو تنقية من الشر: (( Gregory of Nyssa, Panegyric on Queen Pulcheria, PG 46: 876D-877A.   )) الموت ليس أكثر من تنقية من الشرِّكي لا يستمر الشرّ الكامن فينا إلى الأبد، يتحلَّل الجسد مؤقتًا من خلال العناية الأعظم للموت، وبإزالة الشرِّ على هذا المنوال، فإن الطبيعة الإنسانية يُعَاد تشكيلها لتقوم مرةً ثانيةً، فتنفصل عن الشرّ، وتعود إلى حياتها الأولى. (غريغوريوس النيسي، في مديح الملكة بوليكاريا) الإنسان أمات نفسه بنفسه يُشِير ق. غريغوريوس النيسيّ إلى أن الإنسان بقبوله الحرّ لعرض الشرير، وضع نفسه أعلى من الله، الذي هو مصدر الحياة، ولذلك أدخل الإنسان برغبته أشياءً غير طبيعية وجديدة على نفسه: ((Gregory of Nyssa, on Virginity, 12, PG 46: 372A.   )) الإنسان، بقبوله الحرّ لعرض الشرير، وضع نفسه أعلى من الله الذي هو أصل الحياة. ولهذا السبب، فإن الإنسان أدخل، وبرغبته، أشياءً غير طبيعية وجديدة على نفسه. (غريغوريوس النيسي، عن العذراوية) ق. يوحنا ذهبي الفم الخطية سبب الموت وليس الله يُؤكِّد ق. يوحنا ذهبيّ الفم، مثله مثل الآباء السابقين واللاحقين عليه، أن خطية الإنسان هي سبب الموت، وليس الله نفسه هو علة الموت: ((يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس، ترجمة: د. سعيد حكيم، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2017، القاهرة، عظة 42: 3، تعليق على (1كو 15: 65)، ص 426.   )) لأن خطية الإنسان كانت هي سبب الموت، ولكن بعد أن أتى المسيح، أبطل الخطية، وحرَّرنا منها عن طريق المعمودية. (يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس) يتساءل ق. يوحنا ذهبي الفم عن سبب الموت، فيجيب بنفسه أن سبب الموت هو الخطية، وليس الله هو علة الموت، بل هو الذي قضى على الموت وجرَّده من كل أسلحته، وأنهى على كل مملكة الخطية: ((يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية، ترجمة: د. سعيد حكيم، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2013، القاهرة، عظة 11: 4، ص 254.   )) إذًا، ما هو سبب الموت؟ سبب الموت هو الخطية، قال هذا لكي يُقدِّم الخطية كما لو كانت ملكًا، والموت مثل الجندي يخضع لأوامره، ويأخذ مؤونته منه. وبناءً على ذلك، فلو أن الخطية قدَّمت مؤونةً للموت، فمن الواضح جدًا أن البرَّ لاشى الخطية، والذي أتى بالنعمة لم يُجرِّد الموت فقط من أسلحته، بل وقضى عليه أيضًا وأنهى كل مملكة الخطية تمامًا. (يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية) لذا، فمَّن يقول أن الله يُمِيت البشر فهو دون أن يدري يُساوِي بين الله والخطية، حاشا! ويجعل من الله علة الموت كما الخطية وحاشا أن يكون الله كذلك! الموت في صالح الإنسان ويرى ق. يوحنا ذهبيّ الفم أن الموت لم يكن عقوبةً، بل كان الموت في صالح الإنسان لمنع تأبيد الخطية والشر إلى الأبد، وبالتالي، كان الموت خيرًا للبشر وليس عقوبةً: ((يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية، ترجمة: د. سعيد حكيم، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2013، القاهرة، عظة 11: 3، ص 252.   )) أننا لم نُضَار مطلقًا من أن الموت قد ملك على الجميع، بل إننا قد ربحنا، بكوننا قد صرنا فانيين، أولًا، لأنه لو كان لنا جسدًا غير قابل للموت، فإن ذلك سيكون دافع للاستمرار في ارتكاب الخطية، ثانيًا، لكي تكون لدينا دوافع غير محدودة في جهادنا لتحقيق التقوى. لأنه بالحقيقة عندما يكون الموت حاضرًا، وعندما ننتظره، فإنه يُقنِعنا أن نكون متواضعين، ومتعقلين، وبسطاء، وأن نتخلص من كُل شرّ. ومع هذا، فمن الأفضل أن نقول أولًا إننا ربحنا بالموت خيرات أخرى وفيرة، لأنه من هنا استُعلِنَت أكاليل الشهداء، ومكافآت الرسل. هكذا تبرَّر هابيل، وهكذا تبرَّر إبراهيم الذي قدَّم ابنه ذبيحةً، وهكذا أيضًا تبرَّر يوحنا الذي مات لأجل المسيح، وأيضًا الفتية الثلاثة، كما تبرَّر دانيال. لأنه لو أردنا البرَّ، فلن يستطيع الموت ولا الشيطان نفسه أن يُسبِّب لنا ضررًا أو أذى. (يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية) الموت فائدة للإنسان ويُؤكِّد ق. يوحنا ذهبيّ الفم على أن الموت كان لفائدة الإنسان في موضع آخر، حيث يرى أن كسر الوصية جلب الموت على الإنسان، وهكذا أصبح الإنسان عرضةً للفساد وخاضعًا في المستقبل لحاجات الجسد، فطرده الربُّ من الفردوس، ودبَّر الموت على نحوٍ مفيد لكيلا يبقى في الخطيئة إلى الأبد، إذَا ما أكل من شجرة الحياة التي تُقدِّم الحياة الأبدية، وهكذا منع الله بتدبيرٍ حسن تأبيد الشر والخطية، ويُؤكِّد ذهبيّ الفم أيضًا أن دافع الله الوحيد من هذا الإجراء كان حبه للإنسان، وليس كما يدَّعي البعض عن جهل أنه عقوبة جزائية انتقامية من الله لكي يُهلِك ويُمِيت الإنسان الخاطئ، مُجدِّفين على الله وناسبين إليه إفناء وإماتة البشرية. بل يرى ذهبيّ الفم أيضًا أن الطرد من الجنة كان علامةً على الرعاية وليس الغضب من قِبَل الله، وهكذا كشف الله عن رعايته لنا في العقاب، فالعقاب من أجل التقويم والإصلاح والتعليم، وليس الهلاك والفناء كما يدَّعي الجهلاء دون وعي: ((يوحنا ذهبي الفم، التفسير الكبير لسفر التكوين، ج 2، ترجمة: القس بولا رأفت عزيز، 2023، القاهرة، عظة 18: 8-9، ص 109، 110.   )) وقدَّم أمثلة هناك هاتين الشجرتين، واحدةٌ للحياة والأخرى للموت -إذَا جاز التعبير-، بمعنى أن تذوقها وكسر الوصية جلب الموت عليه. لذلك، عندما أكل من هذه الشجرة أصبح عُرضةً للفساد وخاضعًا في المستقبل لحاجات الجسد، وكانت بداية دخول الخطيئة، وتمَّ تدبير الموت على نحوٍ مُفيد من قِبَل الربِّ، فلم يسمح بعد لآدم بالبقاء في الجنة لكنه أمره بمغادرتها، مُوضِّحًا لنا أن دافعه الوحيد للقيام بذلك هو حبه له. بعبارةٍ أخرى، بما أنه أظهر بأمثلةٍ كثيرةٍ الفجور من خلال الوصية التي أعطاه إياها بالفعل وأصبح عُرضةً للفساد، لئلا يمد يده إلى هذه الشجرة التي تهب حياة أبدية ويبقى في الخطيئة إلى الأبد. فإنه من الأفضل له أن يتمَّ طرده من هنا. وهكذا كان الطرد من الجنة علامةً على الرعاية وليس الغضب. كشف ربُّنا بذلك عن عنايته لنا في العقاب بما لا يقل عن منحه العطايا، وحتى عقابه في هذه الحالة من أجل التعليم. (يوحنا ذهبي الفم، التفسير الكبير لسفر التكوين) الموت ليس شرًا بل خيرًا يرى ق. يوحنا ذهبي الفم أن الموت ليس شرًا، ولكنه خيرٌ، فالموت هو تحرُّر من الهموم ومعونة للمعذَّبين، ويُوقِّفنا عن فعل الخطية، ويرى ذهبيّ الفم أن الموت هو نتيجة لخطايانا، وليس الله هو علته وفاعله: ((يوحنا ذهبي الفم، بين موت الخطية وموت الجسد (تأملات كتابية ومختارات آبائية)، ترجمة وإعداد: د. چورچ عوض، 2017، القاهرة، عظة عن الصبر منسوبة للقديس يوحنا ذهبي الفم، ص 20.   )) لا يمكن أن يُعتبر الموت شرًا يا أخوتي، ولكنه خيرٌ. ولست أقول هذا من ذاتي، بل أيوب الصديق يُعلِنه بقوله: الموت راحةٌ للإنسان ((أيوب 3: 5 )). ويُعلِن بولس الرسول: الذي مات قد تبرأ من الخطية ((رومية 6: 7 )). الموت تحرُّر من الهموم ومعونةٌ للمعذَّبين. الموت يُوقِّفنا عن فعل الخطية. أرأيت محبة السيد الربّ للبشر. لقد جعل العقاب الذي نتج عن خطايانا -أي الموت- خلاصًا. لأنه إنْ لم يوجد الموت، لمَّا كان لنا أن نتوقف عن فعل الشرِّ، وإنْ كنا لا ننتظر الديَّان الآتيّ، لمَّا ابتعدنا عن الفساد الذي لَحقَ بطبيعتنا نتيجة الخطية، وإنْ كنا لا ننتظر الدينونة، لمَّا أصبح لنا رجاء. (يوحنا ذهبي الفم، بين موت الخطية وموت الجسد، تأملات كتابية ومختارات آبائية) ق. كيرلس السكندري الخطية هي علة الموت وليس الله يُؤكِّد ق. كيرلس السكندريّ على قبول آدم للموت كنتيجة للعصيان والخطية، لذا نستنتج أن الخطية والعصيان هما علة الموت، وليس الله: ((كيرلس السكندري، الجلافيرا على سفر التكوين، ترجمة: د. چورچ عوض، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2018، القاهرة، المقالة الأولى، ص 125.   )) وكما أن آدم قَبِلَ الموت كنتيجة للخطية والعصيان، أصبح التبرير بواسطة المسيح جرمًا بحسب جهل اليهود، هكذا، فإنه بألم الموت، كُلِّل المسيح بالكرامة والمجد بحسب كلمات بولس الطوباويّ ((أنظر عبرانيين 2: 9؛ فيلبي 2: 9 )). (كيرلس الإسكندري، الجلافيرا على سفر التكوين) الإرادة الإلهية تمقت إفناء المخلوقات يتحدَّث ق. كيرلس السكندريّ عن أن الإرادة الإلهية تُمقِت إفناء المخلوقات، لأن الله خلق كل شيء للوجود، وليس للفناء: ((كيرلس السكندري، السجود والعبادة بالروح والحق، ترجمة: د. چورچ عوض، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2017، القاهرة، المقالة السادسة، ص 231.   )) لأنه يقول: الله خلق كل شيء ليكون موجودًا، وتكوين العالم خلاص، ولا توجد مملكة الجحيم على الأرض. بل جاء الموت إلى العالم من حسد الشيطان ((حكمة 1: 14 )). فقد بدَّلت الإرادة الإلهية الموت، وأبطلت الفساد، وهي تُمقِت إفناء المخلوقات؛ لأن الله خلق كل شيء لكي يوجد كما هو مكتوب. (كيرلس الإسكندري، السجود والعبادة بالروح والحق) الخطأة هم قتلة أنفسهم ويُؤكِّد ق. كيرلس السكندريّ بوضوحٍ في موضع آخر أن الخطاة هم قتلة أنفسهم، وليس الله يُعاقِبهم بالموت كما يدَّعي البعض عن جهل: ((كيرلس السكندري، السجود والعبادة بالروح والحق، ترجمة: د. چورچ عوض، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2017، القاهرة، المقالة الثامنة، ص 339.   )) ليس أمرًا غير متوقع أن يُحسَب كل الذين أُسِروا بخطاياهم، كأنهم قاتلون لأنفسهم، بالرغم من أنهم انجرفوا إلى هذا الوضع السيئ دون إرادتهم، وصاروا مُخالِفين لله كما يقول الكتاب: لأن تصوُّر قلب الإنسان شرير منذ حداثته ((تكوين 8: 21 )). (كيرلس السكندري، السجود والعبادة بالروح والحق) الموت في مصلحة الإنسان ويرى ق. كيرلس السكندري أن وجود الموت الجسدي كان في مصلحة الإنسان حتى لا يصل الإنسان إلى مرحلة الدمار الكامل كالتالي: ((كيرلس السكندري، الجلافيرا على سفر التكوين، ترجمة: د. چورچ عوض، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2018، القاهرة، المقالة الأولى، ص 114، 115.   )) هكذا حُكِمَ على الإنسان بالموت والفساد، لأن الله رأى أن هذا الحكم هو لصالحه. بمعنى أنه طالما مال الإنسان مرةً للخطيئة، وأصاب طبيعته مرض الميل للشرِّ، مثل الأرواح النجسة، وانعطف نحو الشرِّ. فحسنًا، بطريقةٍ مفيدةٍ، وُجِدَ الموت الجسدي الذي لم يُؤدِ بالإنسان إلى الدمار الكامل. (كيرلس السكندري، الجلافيرا على سفر التكوين) دخول الموت بحسد إبليس ويُشِير ق. كيرلس الإسكندريّ إلى أن الموت دخل بواسطة الخطية، وأنها بعد ذلك تسبَّبت في الموت، فالله لم يخلق الموت، بل دخل الموت إلى العالم بحسد إبليس: ((كيرلس السكندري، شرح إنجيل يوحنا، المجلد الأول، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرين، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2015، القاهرة، تعليق على (يوحنا 1: 9)، ص 122، 123.   )) ولكن من الواضح أن الموت دخل بواسطة الخطية ((رومية 5: 12 )). لقد خلق الله كل شيء في عدم فساد، وهو لم يخلق الموت، بل دخل الموت بحسد إبليس ((حكمة 1: 13؛ 2: 24 )). (كيرلس السكندري، شرح إنجيل يوحنا) ق. بروكلس بطريرك القسطنطينية الشيطان مسلمنا إلى الموت يُشِير ق. بروكلس، رئيس أساقفة القسطنطينية، وأحد أبطال مجمع أفسس المسكوني الثالث 431، إلى أننا بسبب الخطيئة سُلِّمَنا للشيطان، وبالشيطان سُلِّمَنا إلى الموت: ((بروكلس أسقف القسطنطينية، بروكلس أسقف القسطنطينية (حياته - تعاليمه - عظاته)، ترجمة: مينا عياد فوزي يسى، مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية، 2022، القاهرة، عظة 1: 7، ص 99.   )) لأنه كما قال بولس: إذ الجميع أخطأوا ((رومية 3: 23 ))؛ لأنه بسبب الخطيئة سُلِّمَنا للشيطان، وبالشيطان سُلِّمَنا للموت. (بروكلس أسقف القسطنطينية، بروكلس أسقف القسطنطينية (حياته – تعاليمه – عظاته) ) قطف آدم الموت لنفسه يرى ق. بروكلس القسطنطينيّ أن آدم عندما مدَّ يده إلى الشجرة قطف الموت، بينما المسيح بسط يديه على الصليب وعانق العالم: ((بروكلس أسقف القسطنطينية، بروكلس أسقف القسطنطينية (حياته - تعاليمه - عظاته)، ترجمة: مينا عياد فوزي يسى، مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية، 2022، القاهرة، عظة 2: 7، ص 116.   )) هذامدَّ يده إلى الشجرة وقطف الموت، ولكن هذا بسط يديه على الصليب وعانق العالم، وصرخ في الأناجيل قائلاً: وأنا إنْ ارتفعت عن الأرض أجذب إليَّ الجميع ((يوحنا 12: 32 )). (بروكلس أسقف القسطنطينية، بروكلس أسقف القسطنطينية (حياته – تعاليمه – عظاته) ) ق. ساويرس الأنطاكي الموت نتيجة طبيعية للضعف الجسدي يُؤكِّد ق. ساويرس الأنطاكيّ على أن الموت هو بالفعل نتيجة طبيعية لضعف الجسد: ((ساويروس الأنطاكي، كيرلس محب الحق، ترجمة: الراهب القس غريغوريوس آفا مينا، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2020، القاهرة، ص 616.   )) التعرض للموت هو بالفعل نتيجة طبيعية لضعف الجسد. ولكن كلمة الله القادر على كل شيء، والذي هو نفسه القدرة والحياة، قد وحَّد أقنوميًا معه هذا الجسد الضعيف المحيَي بنفسٍ عاقلةٍ. أمَّا أنه تألم في الجسد من أجلنا، فهذا تؤكده الكتب الإلهية. (ساويروس الأنطاكي، كيرلس محب الحق) سيادة الموت والهموم بعد السقوط يُشِير ق. ساويرس الأنطاكيّ إلى أن الضيق والتعاسة وفساد الموت لم يحدث للإنسان إلا بعد تعديه الوصية والحكم عليه بالسقوط من الفردوس، رغم أن الله نفسه لم يصنع الموت، ولا يسر بهلاك الأحياء: ((ساويروس الأنطاكي، سيرة ومقالات القديس ساويروس الأنطاكي، المجلد الأول، إعداد: المؤرخ يوسف حبيب، دير العذراء البرموس، 2017، وادي النطرون، مقالة عن الصوم، ص 202.   )) لأن ما قاله الحكيم: فإن الجسد الفاسد يُثقِّل النفس والخيمة الترابية عبء للعقل الكثير الهموم ((حكمة 9: 15 )). هذا لم يحدث إلا بعد تعدي الوصية، وبحدوثه حُكِمَ على الإنسان بالسقوط من الفردوس، وبالمضايقات وبالتعاسة وبالأحزان وبفساد الموت؛ فكان يسمع فعلًا: وشوكًا وحسكًا تنبت لك وتأكل عشب الحقل. بعرق وجهك تأكل خبزًا حتى تعود إلى الأرض التي أُخِذت منها. لأنك تراب وإلى ترابٍ تعود ((تكوين 3: 18-19 )). لكن قبل أن يعصي وصية الله الذي كان يمتحن حريته، كان مُكرَّمًا بنعمة الخلود؛ لأن الذي قال: فإن الجسد الفاسد يُثقِّل النفس، قال قبل ذلك بقليل: لأن الله لم يصنع الموت ولا يُسرّ بهلاك الأحياء ((حكمة 1: 13 )). إن الهموم أيضًا قد سادت بسبب الخطية والشرِّ، ومكتوب فعلًا في سفر أيوب المملوء حكمةً: الشرير هو يتلوى كل أيامه وكل عدد السنين المعدودة للعاتي ((أيوب 15: 20 )). (ساويروس الأنطاكي، سيرة ومقالات القديس ساويروس الأنطاكي) دخول الموت إلى العالم بحسد إبليس يُؤكِّد ق. ساويرس الأنطاكيّ على أن الموت دخل إلى العالم بحسد إبليس، رغم أن الله خلق الإنسان لعدم الفساد، وجعله صورة ذاته الإلهية، لأن الإنسان الأول، آدم، قد خُدِعَ وأطاع وصية الوسوَّاس المملوءة حسدًا: ((ساويروس الأنطاكي، سيرة ومقالات القديس ساويروس الأنطاكي، المجلد الأول، إعداد: المؤرخ يوسف حبيب، دير العذراء البرموس، 2017، وادي النطرون، مقالة بعنوان ”مَن هو أعظم في ملكوت السموات“، ص 296.  )) وأخصُّ بكلمتي سقوط الطبيعة البشرية الذي حدث بالحيلة، حينئذٍ أحزن وأئن، فإن الله خلق الإنسان لعدم الفساد وجعله صورة ذاته الإلهية، لكن بحسد إبليس دخل الموت إلى العالم ((حكمة 2: 23-24 ))، لأن آدم، الإنسان الأول، قد خُدِعَ وأطاع وصية الوسوَّاس التي أملاها الحسد. (ساويروس الأنطاكي، سيرة ومقالات القديس ساويروس الأنطاكي) مار أوغريس البنطي لا يشأ الله موت أحد يُؤكِّد مار أوغريس ”إيفاجريوس“ البنطيّ، أحد أهم آباء الرهبنة المصرية في عصره، على أن الله لا يشأ موت أحد، ليس لكونه لا يستطيع أن يخلق كائنًا أبديًا مثله لا يرتكب خطية، بل لأنه لا يوجد شيء يمكن أن يعمله ضد طبيعته، وهذا يؤكد على أن الله لا يُمِيت البشر كما يدَّعي البعض عن دون وعي: ((أوغريس البنطي، مار أوغريس البنطي (من آباء الرهبنة الأولين)، إعداد: الراهب أوغريس البرموسي، مراجعة: الأنبا إيسيذوروس، دير العذراء البرموس، 2021، وادي النطرون، الرسالة الكبرى إلى ميلانيا، ص 491، 492.   )) هناك ثلاثة أشياء مستحيلة عند الله، أن تعجز إرداته، أو قدرته الخلاَّقة، أو قدرته الفاعلة. فهو لا يشأ موت أحد ((بطرس الثانية 3: 9 ))، ليس لكونه لا يستطيع أن يخلق كائنًا أبديًا مثله لا يرتكب خطيةً. لكن لا يوجد شيء يمكن أن يُعمَل ضد طبيعته. (أوغريس البنطي، مار أوغريس البنطي (من آباء الرهبنة الأولين) ) لا يوجد الموت والحياة في نفس الشخص والوقت ويُشدِّد مار أوغريس على استحالة وجود الحياة والموت في نفس الشخص وفي نفس الوقت، فما بالك الله الذي هو الحياة ومصدر كل حياة، كيف يدَّعي هؤلاء أن الله يُمِيت البشر ويُهلِكهم: ((أوغريس البنطي، مار أوغريس البنطي (من آباء الرهبنة الأولين)، إعداد: الراهب أوغريس البرموسي، مراجعة: الأنبا إيسيذوروس، دير العذراء البرموس، 2021، وادي النطرون، براكتيكوس، الفصل 18، ص 137.  )) تمامًا كما أن الحياة والموت لا يمكن أن يوجدا معًا في نفس الشخص وفي نفس الوقت. هكذا أيضًا من المستحيل للمحبة أن توجد مع محبة المال. (أوغريس البنطي، مار أوغريس البنطي (من آباء الرهبنة الأولين) ) موت النفس هو الشر ويُشِير مار أوغريس إلى أن موت ومرض النفس هو الشر، وليس الله هو مُهلِكها وفانيها: ((أوغريس البنطي، مار أوغريس البنطي (من آباء الرهبنة الأولين)، إعداد: الراهب أوغريس البرموسي، مراجعة: الأنبا إيسيذوروس، دير العذراء البرموس، 2021، وادي النطرون، كيفالايا غنوستيكا 1: 41، ص 174. )) موت ومرض النفس هما شرٌ. (أوغريس البنطي، مار أوغريس البنطي (من آباء الرهبنة الأولين) ) مار إسحق السرياني لا يوجد الموت في الله يرى مار إسحق السريانيّ، أحد أهم الآباء النساك الذي أثرت ميامره النسكية في العالم المسيحي كله بكافة طوائفه، أن الخطيئة وجهنم والموت لا يوجدوا إطلاقًا مع الله كونهم نتائج أو تأثيرات، وليسوا جواهر أو مواد في حد ذاتهم: ((اسحاق السرياني، الميامر النسكية، ترجمة: أنبا سارافيم أسقف الإسماعيلية، دير السيدة العذراء البرموس، 2017، وادي النطرون، ميمر 27، ص 297.   )) إن الخطيئة وجهنم والموت لا يوجدوا إطلاقًا مع الله كونهم نتائج، وليسوا جواهر أو مواد. فالخطيئة هي ثمرة الإرادة الحرة. كان هناك وقت لم توجد فيه الخطيئة، وسوف يأتي وفت حين لا تكون موجودةً أيضًا. جهنم هي ثمرة الخطيئة. وجهنم بدأت في وقتٍ مُعيَّنٍ من الزمن، إلا أن نهايتها غير معروفة. الموت، على كل حال، هو تدبير أو حكم صادر من حكمة الخالق. وهو سوف يملك إلى فترة قصيرة فقط على الطبيعة؛ ثم بعد ذلك سوف يُلغَى تمامًا. اسم الشيطان جاء من انحرافه الإراديّ عن الحق؛ وهو لا يشير إلى وجوده هكذا بصورةٍ طبيعيةٍ. (مار اسحق السرياني، الميامر النسكية، ميمر 27) ق. مكاريوس الكبير موت الإنسان عن الله يرى ق. مكاريوس الكبير، أحد أهم آباء الرهبنة المصرية في عصره، أن آدم عند اقتنى نيات وأفكار شريرة، فإنه مات عن الله، وهكذا ندرك أن الموت هو نتيجة العصيان وفعل إراديّ خاص بالإنسان الذي يموت بخطيته ونياته وأفكاره الشريرة عن الله، فالإنسان أمات نفسه بنفسه عن الله بمعصيته: ((مكاريوس الكبير، العظات الخمسون، ترجمة: الراهب يونان المقاري، دير القديس أبو مقار، 2019، وادي النطرون، عظة 12: 1، 2، ص 254.   )) هكذا كانت الضيعة -التي هي شخص آدم- ثمينةً قبل المعصية، ولكن لأنه اقتنى نياتٍ وأفكارًا شريرةً، مات عن الله. غير أنا لا نقول إنه قد فَنِيَ بالتمام وهلك ومات؛ فإنه مات عن الله ولكنه ما فتئ يحيا بطبيعته الخاصة. (مكاريوس الكبير، العظات الخمسون) الإنسان هو علة هلاكه وموته يُشِير ق. مكاريوس الكبير إلى أن الإنسان هو علة لاكه وموته إذَا أراد، لأن الله منحه إرادة حرة كما أن الله له إرادة حرة وما يريده يفعله: ((مكاريوس الكبير، العظات الخمسون، ترجمة: الراهب يونان المقاري، دير القديس أبو مقار، 2019، وادي النطرون، عظة 15: 23، ص 298.  )) لهذا، فإنك أنت على صورة الله وشبهه، لأنه كما أن لله إرادة حرة وما يريهده يفعله -فإنْ كان يشاء، فبحسب سلطانه، يُرسِل الأبرار إلى جهنم والخطأة إلى الملكوت، ولكنه لا يختار هذا ولا يقبله لأن الربَّ هو الديَّان العادل- هكذا أنت أيضًا لك سلطانٌ على ذاتك، وحتى إلى الهلاك إنْ كنت تشاء. فأنت ذو طبيعة قابلة لتغيير مسارها، فإن أردت أن تُجدِّف أو سمًا وتقتل به أحدًا، فليس مَن يُقاوِمك أو يمنعك. (مكاريوس الكبير، العظات الخمسون) موت النفس بانفصالها عن الروح القدس يرى ق. مكاريوس الكبير أن النفس الإنسانية تكون ميتة عن الملكوت وذلم بانفصالها عن الروح القدس، الروح الإلهيّ: ((مكاريوس الكبير، العظات الخمسون، ترجمة: الراهب يونان المقاري، دير القديس أبو مقار، 2019، وادي النطرون، عظة 30: 3، ص 460.  )) هكذا بدون النفس السماوية، أي الروح الإلهيّ، تكون النفس ميتةً عن الملكوت، إذ لا قدرة لها على فعل شيءٍ مما لله بدون الروح القدس. (مكاريوس الكبير، العظات الخمسون) ق. يوحنا كاسيان الله ليس صانع الموت ينقل ق. يوحنا كاسيان شهادة الأب شيريمون، أحد آباء المصرية الكبار آنذاك، عن أن الهالكين يهلكون بغير إرادة الله، لأن الله ليس بصانع الموت، وليس كما يدَّعي الجهلاء أن الله يُمِيت البشر ويُهلِكهم: ((تادرس يعقوب ملطي، القديس يوحنا كاسيان (حياته - كتاباته - أفكاره)، مطبعة الأنبا رويس، 1997، القاهرة، مناظرة 13، ص 255.   )) وإذ الهالكون يهلكون بغير إرادة الله، لهذا يمكننا أن نقول بأن الله ليس بصانع الموت، وذلك كشهادة الكتاب المقدَّس القائل: إذ ليس الموت من صُنع الله ولا هلاك الأحياء يسره ((حكمة 1: 13 )). (تادرس يعقوب ملطي، القديس يوحنا كاسيان (حياته - كتاباته - أفكاره) ) --- ### دقة النقل الشفاهي - Published: ۲۰۲٤-۰۷-۰۳ - Modified: 2024-07-03 - URL: https://tabcm.net/27399/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: بيكهو أنالايو, روب بيركس, لوقيان السميساطي, مارك جوديكر, هيو همفري في ورقة بحثية بعنوان: Early Buddhist Oral Transmission and the Problem of Accurate Source Monitoring، تُجرى مقارنة بين التقاليد الشفوية البوذية سعيًا لاستنتاج آلية انتقال النصوص شفويًا عبر القرون وكيفية توسعها وتطورها. في هذه الورقة، يدرس الباحث بيكهو أنالايو نصين بعنوان Aṭṭhaka-vagga و Ūdāda ، ويحلل كيف تسللت النصوص التعليقية والشروحات إلى متن النصوص الأصلية بمرور الوقت. وتكمن أهمية هذه الدراسة في أنها تدرس انتقال النصوص وسط جماعات متحفظة ومنظمة للغاية، فإذا كانت هذه الجماعات المنظمة تشهد مثل هذه التغييرات في نصوصها، فما بالك بالنصوص التي انتقلت بحرية عبر مساحات جغرافية أوسع؟ في بداية الورقة، يربط أنالايو بين ممارسة تمارين التأمل وعلاقتها بالذاكرة الزائفة. ويقول إن الشخص وهو يحاول أن يتذكر الماضي يتأثر بمواقف لاحقة، وهذا يجعل عقله يخترع تفاصيل لم تحدث في الماضي أو حدثت لاحقًا ولكنه ينسبها للماضي. الـ Ūdāna هي أقوال موحى بها بحسب الفكر البوذي، تتكون في هيئة نثر، وفي هذه الدراسة يُقارن بين نسختين منها. نسخة موجودة بلغة بالي، والنسخة الأخرى منتشرة بالصينية والسنسكريتية ولغة التبت، والتي لا يوجد فيها سرد نثري على عكس نسخة بالي، ولكن بها نصوص وعليها تعليقات وشروحات (بدل السرد). في حوالي 80 نصًا من الأودانا، يتشابه 3 نصوص فقط في السرد النثري مع المقابل الصيني لنفس النص. يقول أنالايو أنّ النمط الملحوظ خلال النقل البوذي الشفوي المُبكِّر؛ تدخل نصوص نثرية لنصوص الأودانا لشرحها وتوضيحها، ويقتبس باحث آخر اسمه Lamotte قائلًا أنّ السرد نفسه هو دخيل على الأقوال، وإنه دخل على الأقوال المُقدَّسة في مرحلة لاحقة، فيقول: الروايات التي في الأودانا ليست في قِدَم الأبيات نفسها. يقول أنالايو أنّ تطور النص لا يحدث بشكل مفاجئ ولكنه يكون تراكمًا وتدرجًا طويلًا. ولكي يضمن الناقل للنص ألا يختلط محتواه فإنه يتّبع ترتيبًا موضوعيًا، بحيث تكون كل مجموعة نصوص مرتبطة بموضوع معين يضمن وجود النصوص حوله بعد ذلك أثناء نقلها شفويًا. لكن لاحظ أيضًا أن دقة الترتيب الموضوعي في أول النص أعلى بكثير من آخره. فمثلًا، في الفصول الأربعة الأولى يوجد عشر أقوال لهم موضوعات مشتركة مثل السعادة والنسك والوعي. أما في الفصلين الخامس والسادس، فأربع أقوال من عشر أقوال مرتبطة بموضوع. وفي الفصلين السابع والثامن، اثنان فقط من عشر أقوال مرتبطان بموضوع. وكأن الدقة أعلى في بداية تعامل ناقل النص مع النص، ومع مرور الوقت يقل تركيزه ودقته. هناك شيء من هذا القبيل يسمى ظاهرة الـ Editorial Fatigue ، وقد تحدّث عنها متخصص العهد الجديد؛ مارك جوديكر. باختصار، هذه الظاهرة تعني أن أي شخص يقوم بعمل أدبي يتضمن التحرير، فإنه مع مرور الوقت يقل تركيزه، وبالتالي في البداية يكون دقيقًا ويتبع نمطًا ثابتًا، وبعد ذلك تقل دقته عندما يتعب، فيصبح نمطه غير متسق. من طرق تناقل الأقوال بشكل شفوي كانت طريقة اسمها Concatenation، وهذا يعني أن كل بيت ينتهي بكلمة أو فقرة تتكرر في الجزء الذي يليه لتذكرك بترتيب النص. الغريب إنّ استخدام الـ Concatenation يحدث فيه بالضبط ما حدث للترتيب الموضوعي. أول 3 فصول بها Concatenation، وفي الرابع يوجد القليل منها فقط، ومن الخامس إلى الثامن لا يوجد فيها. توجد نقطة أخرى مهمة يذكرها أنالايو، أن تحليله للتغيُّر في الأنماط الموجودة في فصول نسخة بالي من أودانا، هو أن ما ربط محتوى الفصول الأربعة الأولى هو اعتمادها على الأقوال. وبمجرد أن قلّت الأقوال في الفصول الأخيرة وأصبح الاعتماد على السرد، اختفى الترابط الموضوعي. يمكن تلخيص كلام أنالايو في أن النصوص الأقدم هي الأقوال، والسرد القصصي دخيل عليها. وكلما كانت الأقوال متقاربة من بعضها، كلما كان هناك ترتيب موضوعي وتشابه لفظي. وكلما دخل السرد وصار التركيز عليه، يقل الترابط اللفظي والترتيب الموضوعي. بعد أن حلل أنالايو تناقل نص الأودانا، بدأ يتحدث عن تناقل نص الأحتاكا فاجا. وأول ملاحظة يقولها هي أنه في نسخة بالي من الأحتاكا فاجا، يوجد زيادة على الأقوال المقدسة، وهذه الزيادة هي شرح لأسباب وجود الأقوال، أو بمعنى أصح المناسبات التي قيلت فيها. وفي وجهة نظره، كان العالم القديم يجد صعوبة في التعامل مع الأقوال التي ليس لها سياق. والفكرة هذه كان قد تحدث عنها الدارس هيو همفري في كتابه From Q to Secret Mark، وتحدث فيه عن كيفية وجود توجه لوضع أقوال المسيح في سياق لكي يضمن الدعاة بأن الأقوال تُفهم بشكل صحيح. إن وجود أقوال أو نص كامل من أقوال بدون سياق يعرض النص لتنوع التفسير وخروجه عن معناه، وبالتالي فإن الضامن الوحيد لثبات معنى الأقوال وضمان فهمها بشكل صحيح هو وضعها في سياق قصصي، وهذا بالضبط ما حدث في حالة نصوص الأحتاكا فاجا في نسخة بالي. بمقارنة نسخة بالي بالنسخة الصينية وبأجزاء من الاودانا، نُدرك أن نصوص الأحتاكا فاجا كانت موجودة بشكل منفصل. فعلى سبيل المثال، في الأودانا في الفقرتين ٥ و٦، يسأل بوذا ناسكًا بوذيًا أن يخبره بالتعاليم التي تعلمها، فيسرد الناسك الـ١٦ بندًا الخاصة بالأحتاكا فاجا كمجموعة متتالية من التعاليم. يُظهر لنا هذا الحوار أن هذه النصوص كانت بنودًا تعليمية متتالية، وتطورت من خلال تضمين سياق سردي يبرر السياق الذي قيلت فيه من أجل حوكمة تفسيرها. في نسخة بالي، يروي بوذا في جزء قصصي أنه استحضر صورة ذهنية لنفسه لمناقشتها ومجادلتها في معنى أقواله. وهذه تقنية أدبية معروفة يختلق فيها الكاتب شخصية وهمية لمناقشتها، وهنا أراد الكاتب أن يفسر بوذا نفسه أقوال بوذا، وبالتالي جعله هو المحاوِر والمحاوَر. وعلى الجانب الآخر، نجد في النسخة الصينية قصة مختلفة يواجه فيها بوذا ستة من المعلمين من عصره من خلال المعجزات التي كان يصنعها. فعند التدقيق في الروايتين، نجد نفس الأقوال موضوعة في سياقين مختلفين، مما يدل على أن وجود الأقوال نفسها سبق وجود السرد الذي يفسرها. بعد ذلك، يقترح أنالايو تصورًا عن الذي حدث في النصوص المذكورة، ويقول إن الموضوع ليس صراعًا بين الشفاهة في مقابل الكتابة، ولكن الواقع أن الاثنين يتفاعلان مع بعضهما البعض؛ أي كان هناك نص مُدوَّن تم تناقله شفاهةً، وهذا جعله يدخل سلسلة طويلة من التطور أنتجت النصوص النهائية التي تُسمى الأودانا والأحتاكا فاجا. وبعبارة أصح، في تصوُّره الشفاهة فقط والكتابة فقط هما تجزئة فاسدة أو false dichotomy، والأوقع هو تفاعل وتقاطع الشفاهة والكتابة. نقطة مهمة جداً يذكرها أنالايو بخصوص السرد الشفاهي، هو أنه يضع المتكلم وسط نقيضين؛ الالتزام الكامل بالنص، واحتياجات المجتمع أو المجموعة التي يخاطبها. هو يريد الالتزام بالنص بشكل كامل، لكنه يدرك أنه يخاطب مجموعة تحتاج إلى سماع تفاصيل معينة تتعلق بأسئلتها وظروفها، وبالتالي يحاول الالتزام بالنص ولكن عند نقاط معينة يطرح إضافات تساعده على توصيل فكرته وتفيد المستمعين. شيء كهذا يشبه الجدلية التي كان يواجهها مغنو القصص الشعبية أو الـ"rhapsodists" الذين كانوا يتنقلون بين المدن ويحكون القصص. هم أيضًا كانوا بين شقي رحى، الأول هو أنهم يريدون أن يحكوا للناس القصص المشهورة، والثاني هو أنهم يريدون أن تكون قصتهم جديدة حتى لو كان المستمع قد سمعها من قبل. كيف تجعل القديم جديدًا والجديد هو نفسه المشهور القديم؟ وبالتالي، كان الـ"rhapsodist" دائمًا بحاجة إلى تجديد قصصه، وإضافة مواقف فيها وجعلها أكثر عاطفية، وجعل أقوالها أكثر وضوحًا وتأثيرًا وتتضمن مواعظ يتذكرها الناس ويطلبون سماعها مرة أخرى، وإلا فلو كان يكرر كلامه طوال الوقت، لملّ الناس منه وفقد عمله، أو لكانوا يستمعون إلى شخص آخر قادر على جعلهم يستمتعون بالقصة. بناءً عليه، لا توجد قصص شفوية بدون تجميل أو تحسين أو تطوير أو تعديل أو إضافة أو حذف. أخيرًا، يتحدث أنالايو عن تأثير تمارين التأمل على الذاكرة، وينقل عبارة خطيرة جدًا عن باحث يُدعى ويلسون: يبدو أن تأمل اليقظة الذهنية يقلل دقة مراقبة الواقع. فباعتناق وقبول حالة الوعي الخالية من الحكم، يجد المتأملون التمييز بين المصادر المعرفية الداخلية والخارجية أكثر صعوبة. يعني هذا الكلام أنه، وفقًا للتجارب التي سردها أنالايو والتي أظهرت أن قطاعًا كبيرًا من الممارسين لرياضات التأمل لديهم زيادة ملحوظة في الذاكرة الخاطئة عندما خاضوا تجارب تستخدم "الإغواءات الحرجة"، أي أنهم يأخذون قائمة تحتوي على كلمات ويُطلب منهم تذكرها، ثم يُسألون في مجموعة كلمات عما إذا كانت موجودة في القائمة التي كانت معهم أم لا، بشرط أن يكون هناك بعض الكلمات مرتبطة بكلمات القائمة ولكنها ليست منها، مثل علاقة كلمة "مخدة" بكلمة "سرير" أو كلمة "نوم". وفقًا لتفسير ويلسون، فكلما انخرط الشخص في تمارين التأمل، فإنه يفقد قدرته على تمييز الداخلي عن الخارجي، أو الذاتي عن الموضوعي، وهذا يظهر في زيادة معدلات الأخطاء في الذاكرة. ومع ذلك، ذكر أنالايو آراء شخص آخر تخالف هذا الموضوع، لكن رأيهم لا يفسر نتائج التجارب والارتباط بين مدة التأمل وزيادة الذاكرة الخاطئة، وكل ما فعلوه هو القول بأن هذا لم يحدث في جميع الحالات. في محاضرة أُلقيت في تركيا عام 2018، تحدث روب بيركس، المتخصص في التاريخ الشفاهي، وقال إنه من بين مشاكل دراسة التاريخ الشفاهي في الماضي أن الناس كانت تُجري نسخًا للتسجيلات الصوتية ثم تحرقها بعد ذلك. وانتقد بيركس هذا التصرف وقال إن الدراسات الحديثة في التاريخ الشفاهي تُبين أن النسخ أو تحويل المحتوى الصوتي إلى محتوى مكتوب يحوي مجموعة كبيرة من الانحيازات وأن المصدر الوحيد الصالح للدراسة هو التسجيلات الصوتية، وأن جميع النسخ تُعد إشكالية. وهذا الكلام لو تعلمون خطير! لماذا تُعد هذه المعلومات خطيرة؟ لإن الدارسين في أواخر القرن العشرين والقرن الواحد والعشرين لديهم شكوك في دقة نقل التسجيل الصوتي إلى نص مكتوب، ويفضلون دائمًا العودة إلى التسجيلات الصوتية لمراقبة نبرة الصوت والصمت وعلامات التردد والارتباك، وهي أشياء لا يبينها غالبًا تحويل النص من صوتي إلى مكتوب. فما بالك بالأخبار التي وصلتنا في صورة مكتوبة فقط، ولم تكن من الشخص نفسه ونتجت عن عملية انتقال حر وغير حر على نطاق ضيق أو واسع ولمدة عدة قرون. تتجاوز هذه الإشكاليات الأسئلة البسيطة حول صحة المعلومات من عدمها، لأنك لا يمكنك ضمان صحة انتقال المعلومات وقدرتها على تجاوز جميع الحواجز والانحيازات المذكورة سابقًا. يقول أنالايو إنه مع الانتقال الشفهي المستمر، يظل الحد الفاصل بين النص الأصلي والإضافات التفسيرية ضبابيًا إلى حد كبير، مما يعني أنه مع استمرار نقل المعلومات، لا توجد آلية تمكنك من استخراج النص الأصلي من النص التفسيري بيقين. يمكن القول إن أقصى ما يمكن الوصول إليه هو الاعتماد على التحليل الداخلي باستخدام نوع النص وتراكيبه النحوية، ويمكن بناء نظرية على أساس التشابه، بحيث يكون المتشابه مع ما تفترض أنه الأقدم قديمًا والمختلف حديثًا، وبالطبع فإن هذا له صعوباته ولن يوصلك إلى يقين تام. دراسة التاريخ الشفوي مهمة جدًا لأنها الحجة الأهم لتأصيل المعلومات في العالم القديم. نختم بقصة ساخرة عن تسرع الناس في قبول القصص الشفاهية.  في كاتب سوري كتب باليونانية اسمه لوقيان السميساطي ((لوقيانوس / لوقيان السميساطي: كان أديبًا وبليغًا من سورية، عاش في القرن الثاني الميلادي، وعرف بكتاباته باللغة اليونانية القديمة. ولد لوقيان عام 125، في مدينة سميساط على الفرات في شمال سوريا وتوفي ما بين 175 إلى 180. )) عاش في القرن الثاني الميلادي، له كتاب اسمه The Passing of Peregrinus أو "عبور (موت) بريجرينوس"، يحكي فيه قصة رجل اسمه بريجرينوس ألقى نفسه في النار سنة 165م في وسط مراسم الأوليمبياد. الطريف في هذه القصة أن لوقيانوس بعدما رأى بريجرينوس وهو يحرق نفسه، قابل آخرين وحكى لهم عما حدث، وحكى أن الناس جلسوا يسألونه أسئلة كثيرة ويضغطون عليه بشدة في التفاصيل، فلما كان يجد أحدًا ناصحًا كان يحكي له التفاصيل بدقة، ولكن عندما كان الذي يسأله يبدو عليه السذاجة، كان لوقيانوس يعطيه تفاصيل مختلقة كي تجعل القصة أحلى. فمثلًا قال للناس إنه لما رمى بريجرينوس نفسه في النار حدث زلزال عظيم وخرج نسر من النار وطار ناحية السماء وقال بصوت بشري: أنا انتهيت من الأرض، والآن سأتحرك ناحية الأوليمب. فبالطبع عندما سمع الناس هذه التفاصيل اندهشت، وظلت تسأله عن تفاصيل أكثر، مثلًا؛ النسر تحرك ناحية الشرق أم الغرب، وحكى أنه كان يعطيهم أي إجابة كانت تأتي في ذهنه. بعد ذلك، حدث في أثناء عودته للاحتفال بالأولمبياد، أن قابل رجلًا يروي قصة بريجرينوس، ويصفه لوقيانوس بأنه رجل ذو شعر رمادي ولحية تمنحه هيبة وتجعله يبدو موثوقًا وأمينًا. بينما كان الرجل يروي كيف ألقى بريجرينوس بنفسه في النار، بدأ يحكي كيف خرج نسر من وسط النار وطار نحو السماء، وكان يقسم للناس أنه رأى النسر بنفسه، ويقول لوقيانوس: أما أنا فقد أطلقت النسر بنفسي لأستهزئ ببعض الحمقى المغفلين. مُجال التاريخ الشفاهي أو التاريخ المسموع (Aural History)، هو مُجال صاعد بقوة حاليًا. ودراسته ليست مُباشرة ولا يقينية، وإنما هي نتاج مجموعة كبيرة من التخصصات، منها التاريخ واللُسانيات وعلم الاجتماع وعلم النفس. وعندما تُطالع هذه المجالات الأربعة، ستدرك أبعادًا مُختلفة لظاهرة الذاكرة والسرد وانتقالهما. وهذا يُبيّن أن الثقة العمياء في الذاكرة هي أمر أبعد ما يكون عن الصحة، ولكنها تظل مصدرًا مُهمًا للمعلومات، خصوصًا في المُجتمعات التي يقل أو ينعدم اعتمادها على الكتابة. وبالتالي، فإن الموقف المُعتدل ما بين الاهتمام بالشفاهية وإدراك صعوباتها ونواقصها واختلافاتها هو المرحلة الأولى لدراسة هذه الظاهرة بإنصاف. --- ### "هاني ملاك" وشغف المجتمع بقضايا التحول الديني - Published: ۲۰۲٤-۰۷-۰۲ - Modified: 2025-01-23 - URL: https://tabcm.net/27448/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, شئون علمانية - وسوم: بابا شنودة الثالث, تطليق, مصريون ضد التمييز الديني, هاني ملاك لن تتغير الرشوة وتصير حلالًا لأنها قُدمت في شكل رحلة عُمرة، ولن تتغير “زفة العريس” المفرحة بالنسبة لك عن أن تكون مؤذية لغيرك وتخالف القاعدة الذهبية، ولن يتغير فضولك بنوعيه المعرفي والاستنكاري عن كونه دليلًا على ازدواجية المعايير، وتحتاج أولًا أن تعمل على تطوير نفسك وعلى تطوير مجتمعك وتُخلّصه من الازدواجية حتى يصبح كلامك معقولًا وقابلًا لطرحه علانية ومن الممكن احترامه عندما يرتدي الإفلاس ثوب الدين، فإنه يخلق بيئة سامة من الانقسام الطائفي الذي يعوق التقدم ويغرقنا في مستنقع التخلف. في البداية، دعني أذكرك بأننا لم نتعرف على موضوع التحول الديني للمعيد بهندسة جنوب الوادي، هاني ملاك، من صفحته الشخصية المحدودة بقدر معارفه القليلين، وإنما عرفناه من خلال حملة جمع تبرعات نظمها طلاب كلية الهندسة في الجامعة التي يعمل بها. للوهلة الأولى وبعد حذف الأديان من المشهد؛ يجمع الطلاب أموالًا للمعيد الخاص بهم. ونظرًا لأن هؤلاء طلاب جامعيين ولديهم مصالح تعليمية مشتركة مع المعيد الذي يصحح اختباراتهم، فمن المنطقي الافتراض أنهم ربما كانوا يحاولون تقديم رشوة مالية له، وهو أمر غير قانوني. فما الحل لتجاوز قيود القانون؟ تصاغ الرشوة على شكل هدية، ويا حبذا لو أخذت شكلًا دينيًا لتحظى بالدعم الشعبوي. أضف إلى ذلك أن هناك رحلتين عمرة مجانيتين قد قُدمتا بالفعل، إحداهما من شركة علام تراڤل، والأخرى من شركة الأراضي المُقدسة، وبالتالي، فإن هؤلاء الطلاب يجمعون نقودًا لغرضٍ آخر لأن العمرة جاءت بالمجّان. كما أن هناك معرضًا للأثاث في طهطا، سوهاج، اسمه "موبليات التعلب" كان قد شارك بغرفة نوم هدية في استجابة عابرة للحدود الإقليمية والاقتصادية. باعتقادي الشخصي، كل هؤلاء يعانقون الرشوة باسم الدين؛ فيرشون ويرتشون! النقطة الثانية التي أود توضيحها هي ملاحظات مِهنية، لاحظتها بسبب كوني عضوًا مؤسسًا في مصريون ضد التمييز الديني وناشطًا في مجال "حرية المعتقد". هذا يعني أني قابلت مشاهير المتحولين دينيًا في جلسات تحظى بالثقة والأريحية بعيدًا عن دوائر الأضواء، وترتب على ذلك معرفة شخصية عميقة بظروف التحول الديني. أتحدث هنا عن معرفة ميدانية تتجاوز الأطر الرسمية المعلنة. ومن خلال تلك الخبرات، يمكنني القول بكل ثقة أن التحول من دين إلى آخر يشكل مؤشرًا قويًا على وجود مشكلات اقتصادية أو اجتماعية، أو رغبة في السفر وتغيير المجتمع، أو أي دوافع أخرى غير مسألة القناعة العقائدية ومتداخلة معها. وأنا هنا لا أقول أن هذا هو السبب الرئيسي للتحول، لكنني ألاحظ هذا كنمط متكرر في جميع حالات التحول الديني. يحفّز من هذا فكرة "الهدايا والمكافآت" الإيمانية، سواء أكانت اقتصادية أو حتى امتيازات اجتماعية، مثل اعتبار المتحول دينيًا قد خاض "تجربة إيمانية"، فيجيء به ليحكي تجربته الخاصة أمام جمهور غفير، ويتحول إلى "نجم شباك" عند الكنيسة أو المسجد، أو حتى الامتيازات التي يطمح إليها المتحول نفسه وإن لم ينلها، كل هذا يطيح ويهدم مسألة القناعة القلبية (على عكس المتحول إلى الإلحاد أو اللادينية، لأنه من الناحية الواقعية قد حقق خسائر اجتماعية ولم يكسب شيئًا على الإطلاق). يتزامن مع كل ذلك مجتمع متدين ومحافظ و"حشري" بطبعه. بمجرد أن يسمع عن حالة تحول دينيّ، يعقد العزم على أن يدس أنفه ويفهم أسباب هذا التحول، تلك الأسباب التي لابدَّ أن تكون إيجابية تجاه الذات وسلبية تجاه المخالف. بالتالي، فهذا ليس فضولًا معرفيًا (إلا عند الفريق الفائز، الذي ينتظر في الحكاية دليلًا إعجازيًا أو روحيًا على صحة اعتقاده، يتسوله من الوافد الجديد)، أما الفريق الخاسر فيكون بالضرورة فضوله استنكاريًا. فضول مثل فضول المحقق أو وكيل النيابة في استجواب ضميري وتفتيشي نتيجته لابد أن تنتهي بأن هذا التحول نجم عن قِصر نظر صاحبه الذي أودى بنفسه إلى التهلكة، وغدًا يعض أصابع الندم أما اليوم فـ"خليه يغور". كمثال خفيف على ذلك، صديقة كاثوليكية استنكرت على المتحول دينيًا فرضية أنه أحب فتاة من دين آخر ويريد الزواج منها. استنكارها اتخذ شكل؛ "المشاعر تتغير وتتبدل"! حسنًا، إن سلّمنا جدلًا أنها تتغير وتتبدل، فلماذا إذن لا يوجد طلاق في الكاثوليكية؟! ونفس الأمر يمكن أن يُقال لأي أرثوذكسي من المؤمنين أن عبارة لا طلاق إلا لعلة الزنا هي عبارة قالها المسيح وليس البابا شنودة! هذه الأفكار التي تعبر عن ازدواجية المعايير تستنكر الواقع ومشكلاته وحلوله بشكل مريض للغاية. بينما يمكن لشخص آخر أن يرى هذا سببًا كافيًا للتحول للإسلام الذي يتعامل بشكل عملي مع "تغير المشاعر" وتقلباتها بإمكانية الطلاق والتطليق والخُلع. أو على الأقل فالإسلام المعاصر ليس مثل المسيحية المعاصرة التي جعلت من الزواج "فخًا" تدخله ولا تخرج منه! ويقدم لنا "فقهاء التبتل" مشروع قانون مخالف للإعلان العالمي لحقوق الإنسان بجعل الأصل في الزواج هو الحظر لا الإباحة! في مصر ممنوع الزواج إلا بموافقة الكنيسة! كما أن الدين مسألة حساسة للغاية عند معتنقيه، ومن ثم فإن مسألة إشهاره علنًا ونظام "زفّة المطاهر" التي يقوم به الفريق الفائز، يجب أن ندرك أنها على حساب مشاعر الفريق الآخر. ونعم، هناك أيضًا في "كأس الأديان" فرق ومباريات ومكاسب وخسارة وفريق فائز وفريق مهزوم، ومهما كانت روحك الرياضية، فإن هذا لا يعني سوى تقبلك للخسارة بمشاعر باردة بناءً على اعتقادك بأن المباريات لم تنته بعد ولا تزال هناك فرصة للتعويض قبل نهائي يوم القيامة. أيضًا يجب أن ندرك أن الدين والانتماء الديني مسألة دنيوية بحتة وليست أخروية، لأن المسألة الأخروية محسومة مسبقًا بأن مصيرك الشخصي لن يتأثر بمصير والديك أو أقربائك، فما بالك بشخص غريب عنك! إذن، فكل ما تبقى هو دنيوي بحت وقابل لكل وساخة وقذارة قد صارت بحكم التكرار أمرًا عاديًا للغاية! لن تتغير الرشوة وتصير حلالًا لأنها قُدمت في شكل رحلة عُمرة، ولن تتغير "زفة العريس" المفرحة بالنسبة لك عن أن تكون مؤذية لغيرك وتخالف القاعدة الذهبية لكل الأديان: عامل الآخرين بما تحب أن يعاملوك به، ولن يتغير فضولك بنوعيه المعرفي والاستنكاري عن كونه دليلًا على ازدواجية المعايير، وتحتاج أولًا أن تعمل على تطوير نفسك وعلى تطوير مجتمعك وتُخلّصه من الازدواجية حتى يصبح كلامك معقولًا وقابلًا لطرحه علانية ومن الممكن احترامه! علينا أن نأخذ موقفًا واضحًا من كل هذا؛ بعدم النبش وراء أسباب التحول الديني، على الأقل من باب احترام خصوصية الحق الشخصي. فالدين "حق شخصي" وليس حقًا عامًا، وعلاقتك بالله مبنيّة عليك وحدك وليس شخص آخر. وحتى الأسباب المادية المحتملة، سواء "قصة حب" أو "سفرية" أو غيرها، فهي أيضًا شخصية. إن التوغل في المسائل الشخصية لهذا القدر الموغر في تفتيش الضمائر دائمًا ما أراه تطفّل فضولي غرضه اللاواعي تسفيه وتسخيف أسباب التحول الديني. وفي ذلك عدم احترام لأوجاع الناس ومشاكلهم، ومن ثم حقهم في تحسين أوضاعهم، بما فيها الأوضاع الدينية أو الاجتماعية. --- ### وسلطانه إلى دور فدور - Published: ۲۰۲٤-۰۷-۰۱ - Modified: 2024-07-01 - URL: https://tabcm.net/27373/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: عالي الكاهن في رحلتنا الروحية لاستيعاب الرؤى الإلهية عن ملكوت الله على شعبه، وإعلان ملكوته بين صفحات الكتاب من سفر  التكوين إلى سفر الرؤيا، نصل إلى لحظة أخرى من رؤية كاتب الكتاب المقدس في إعلان ملكوت الله، والمفارقة العجيبة بين صلاح الله ومحبته للإنسان وعشقه وشوق قلبه وشهوته بالأحرى أن يسكن كملك بينهم ويلتصق بشعبة ((سفر إرميا ١٣: ١٢ ))، وترقية الإنسان من مقام العبودية إلى رتبة الشرفاء والملوك بي تترأس الرؤساء والشرفاء، كل قضاة الأرض. ((سفر الأمثال ٨: ١٦ ))، ومع ذلك، يرفض الإنسان المتمثل في شعب الله في العهد القديم  لهذا الملك... فها نحن أمام حِقْبَة أخرى من تلك المفارقة المخزية، مرحلة بزوغ آخر قاضٍ وأول نبي للشعب، ألا وهو صموئيل النبي والكاهن. إشارة إلى شخص الرب يسوع الذي هو قاضينا كما قال الكتاب: فإن الرب قاضينا. الرب شارعنا. الرب ملكنا هو يخلصنا. ((سفر إشعياء ٣٣: ٢٢ ))، ففي سفر صموئيل الأول، يذكر الوحي الحالة الروحية المحزنة التي وصل إليها الشعب. وهناك إشارة واضحة للسبب وراء تلك الحالة، ألا وهو: وكانت كلمة الرب عزيزة في تلك الأيام. لم تكن رؤيا كثيرًا. ((سفر صموئيل الأول ٣: ١ )). كانت كلمة الله شحيحة، فبدون كلمة جديدة من الرب وبدون رؤيا واضحة، نجم عن ذلك فتور وضعف روحي، وحينئذ اتسعت الفجوة بين خطة الرب العجيبة لنا وبين رفضنا وتعطيلنا لعمل الرب... هكذا كان حال الشعب آنذاك، فبينما نرى ضعف عالي الكاهن وفجور أولاده، نرى أيضًا صورة أخرى تدل على أمانة الرب. فإنه قبل أن ينطفئ سراج الله، شق الرب طريقًا آخر باختيار صموئيل، وينتهى الأمر بموت عالي الكاهن وأولاده. والمُحزن في الأمر هو أخذ تابوت عهد الرب من وسط شعبه، وهو إشارة لحضور الملك، حتى أن كنة عالي الكاهن دعت اسم ابنها المولود "إيخابود" أي زوال المجد، ولم نسمع بهذا الاسم فيمَا بعد على الإطلاق. ورغم ذلك، بقي الرب أمينًا إلى الأبد، فكان مع شعبه في حروبه. لكن حدثت المفارقة، فبينما شاخ صموئيل وكبر، حوّل الشعب أعينهم عن عمل الرب معهم، ونظروا إلى صموئيل وكبر سنه وأولاده غير السالكين بالكمال، وطلبوا طلبًا غريبًا، وهو أن يجعل لهم ملكًا عليهم، والأسوأ هو تبريرهم لطلبهم، وهو أن يكونوا كسائر الشعوب؟! فقالوا له: فالآن اجعل لنا ملكًا يقضي لنا كسائر الشعوب. ((سفر صموئيل الأول  ٨: ٥ )). وهنا، عزيزي القارئ، يتحتم عليّ أن أَقف وقفة عند هذين الحدثين لما لهما من أهمية وعمق روحي أراد الروح القدس أن يُشير إليهما بكل وضوح. الحدث الأول: عندما ننظر إلى شخص أو أشخاص، مهما كان اسمهم، ونحول أعيننا عن الرب ونتكل على آخر غيره، سواء في قوته أو ضعفه، ستحدث المفارقة غير المرضية للرب بكل تأكيد، وهي أن نطلب ملكًا آخر غير الرب أن يملك علينا. وهذا الأمر جد خطير، وظاهر بين صفحات الكتاب المقدس، حتى وصل ذروته في العهد الجديد عندما أقر الشعب بكل وضوح، ووصل بهم الحال وإلحاحهم وصراخهم إلى صلب الرب نفسه واعترافهم علنًا: ليس لنا ملك إلا قيصر!  يا للخزي ويا للعار! فصرخوا: خذه! خذه! اصلبه! ليس لنا ملك إلا قيصر! ((إنجيل يوحنا ١٩: ١٥ )). حذار أن يصل بنا الحال إلى هذه المرحلة! لأننا حينئذٍ سنسقط في عبرة العصيان... وهذا طامة كبرى! ! الحدث الثاني: وهو أن نسعى مع كل الأسف والخزي أن نصير مثل باقي الناس، كما قال شمشون لدليلة في سفر القضاة: إن حلقت أو فقدت نذري أضعف وأصير كواحد من الناس ((سفر القضاة ١٦: ١١ )). مع أن خطة الرب لنا أن نكون خاصة له، أن نكون ميراثًا له كما هو ميراث لنا... أن نكون نصيبًا له كما هو أيضًا نصيبنا... إن قسم الرب هو شعبه. يعقوب حبل نصيبه. ((سفر تثنية الاشتراع ٣٢ : ٩ )). قارئنا العزيز، أنت لست مثل سائر الناس. أنت ابن الملك، حامل للحضور الإلهي، هيكل للروح القدس ((رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس ٦ : ١٩ ))، بيت الله ((رسالة بولس إلى العبرانيين ٣ : ٦ ))، مميز جدًا ((مزمور ١٣٩ )). لأنك امتزت عجبًا ليس لكونك صالحًا ولا لعملك الصالح ولا لأجل برك، إطلاقًا، بل لأن الله أحبك حتى المنتهى ووضع فيك كلمة المصالحة لتكون ابنًا وملكًا. --- ### قضية القداسة في كنيسة الله - Published: ۲۰۲٤-۰٦-۳۰ - Modified: 2024-06-30 - URL: https://tabcm.net/26313/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: Sola Ecclesia, أوريجينوس ليونايدس أدامانتيوس, إفخارستيا, إكليروس, الأب متى المسكين, الزواج الثاني, الغنوصية, الكنيسة الجامعة, المجمع المقدس, المجيء الثاني, بابا ديونيسيوس السكندري, براكسياس, ثيئودوتس، أسقف أنقرة, جايوس ميسيوس كوينتوس تراجانوس ديسيوس, دوناتية, سابيليوس, سوسنة العفيفة, ضد براكسياس, علامة ترتليانوس الإفريقي, علامة هيبوليتوس الرومي, قديس أغناطيوس الأنطاكي, قديس أوغسطينوس، أسقف هيبو, قديس إيرونيموس چيروم, قديس إيرينيئوس، أسقف ليون, قديس بوليكاربوس، أسقف سميرنا, قديس فالنتين, قديس يوستينوس الشهيد, كاليستوس الأول، أسقف روما, كبريانوس الإفريقي، أسقف قرطاچنة, كورنيليوس، أسقف روما, مجلة مرقس, مرقيون السينوبي, مونتانس, نوئيتوس، أسقف بطلومايس, نوفاتیان, هرماس, يوسابيوس بامفيلوس القيصري "قضية القداسة في كنيسة الله، وحواران من القديس كبريانوس والعلامة هيبوليتس مع أسقفي روما في عصرهما" بقلم الأب متى المسكين، نُشر أوّل ما نُشر في مجلة مرقس، عدد مارس ١٩٧٩، الصفحات من ٤١ إلى ٤٩ قضية القداسة في كنيسة الله وحواران من القديس كبريانوس والعلامة هيبوليتس مع أسقفي روما في عصرهما الكنيسة "مقدسة" هي، لأن المسيح "قدوس الله" حاضر فيها كرأس للجسد، أو كينبوع طاهر فياض يروي أرضًا عطشانة. وقد رأينا كيف عبر القديس إيرينيئوس عن ذلك حينما تكلم عن الينبوع الذي فاض من جنب المسيح على الصليب، مشيرًا إلى نعمة المعمودية أو الإفخارستيا أو كليهما معًا. وترتكز صفة "القداسة" في الكنيسة على حقيقة الكنيسة كجسد المسيح "السري"، بسبب الحضور السري للمسيح وسط المؤمنين، من خلال الإفخارستيا أولًا، ذلك السر الذي كان مركز اجتماع المؤمنين المنتظم للعبادة، وينبوع القداسة الذي ينهل منه أعضاء الكنيسة أولًا بأول. لذا، فالكنيسة كانت معتبرة أنها الواسطة الأولى للنعمة التي من خلالها تصل إلينا صفات المسيح نفسه وأولاها صفة "القداسة". لقد رأينا أن عقيدة الكنيسة كجسد المسيح السرى كانت على فم الآباء منذ البداية. فالقديس أغناطيوس الأنطاكي لا يكف عن وصف الكنيسة بهذه الصفة مؤكدًا أنه حيث يكون المسيح فهناك الكنيسة الجامعة. ثم يأتي القديس إيرينيئوس ليقدم التكميل اللازم لهذا الحضور، حينما تكلم عن الروح القدس أيضًا كحال وسط الكنيسة؛ حيث تكون الكنيسة فهناك روح الله، وحيث يكون روح الله فهناك الكنيسة وكل نوع من النعمة  ((إيرينيئوس، ADV. HAER، ٣: ١:٢٤ )). والكنيسة والكهنوت والأسرار كلها تسمى مقدسة، سواء لأنها هي في حد ذاتها مقدسة، أو لأنها تجعل الناس مقدسين بسبب النعمة التي توصلها لهم. ثم -وفي القرن الرابع- أُلحقت صفة "القداسة" رسميًا بالكنيسة بمقتضى قانون الإيمان النيقاوي ((وبجانب صفة "القداسة" ألحقت صفة "الوحدة" بها أيضًا، كصفة ملازمة لصفة "القداسة". وهذا مناسب جدًا، لأن الفهم اللاهوتي للقداسة يبين لنا أن هناك علاقة وثيقة عميقة جدًا بين قداسة الكنيسة ووحدة الكنيسة. وقد أصبحت وحدة الأسرار ضرورية للحفاظ على وحدة الكنيسة رب واحد. إيمان واحد. معمودية واحدة.  )). وصارت هذه القداسة التي هي من فضل نعمة حلول المسيح وسكنى الروح القدس في الكنيسة، صارت هي صفة كل عضو في الكنيسة. وقد كانت "سوسنة العفيفة" رمز "الكنيسة"، عند العلامة هيبوليتوس، وهي تحمل مضمون التحرر من خطايا الجسد. هذا التحرر هو علامة الكنيسة وكل عضو فيها (دا ١٤: ١، ١٥). أما القديس كبريانوس فهو يرى في قصة سوسنة رمزًا للكنيسة أيضًا ولطهارتها، سواء الطهارة العقائدية أو الطهارة السلوكية (رسالة ٤:٣٩). لقد دخل كل من العلامة هيبوليتوس والقديس كبريانوس، كل على حدة، في حوار عقائدي حاد حول قضية قداسة الكنيسة، الأول مع كورنيليوس والثاني مع كاليستوس، وكلاهما كانا أسقفين لروما في القرن الرابع. ولنبدأ قصة كل منها: على مدى الثمانين سنة بين عام ١٤٠م. والسنة التي اعتلى فيها "كاليستوس" أسقفية روما، تعاقب على روما لاهوتيون أجانب متعددون، بالإضافة إلى ما كان فيها من معلمين رومانيين من مواطني روما: مرقيون عدو العهد القديم، فالنتين أبو الغنوسية، يوستينوس المدافع عن الإيمان، بوليكاربوس أسقف أزمير الشهيد، ثيئودوتس الذي أنكر لاهوت المسيح، نوئيتوس وبراكسياس، سابيليوس الذي خلط شخص المسيح بشخص الله الآب، إيرينيوس المعلم الإنجيلي من ليون، أوريجانوس العلامة السكندري. وكل هؤلاء -باستثناء بوليكاربوس وإيرينيوس وأوريجانوس- استقروا ولو إلى فترات كبيرة كمعلمين في مدارسها المختلفة. وقد كان للعلامة هيبوليتس مدارسه وتلاميذه المخصصين، وبحسب رواية جيروم فقد حضر أوريجانوس إحدى محاضرات هيبوليتس في الكنيسة، وقد أشار آنئذ هيبوليتس في نهاية حديثه إلى وجود معاصرة الشاب المشهور ضمن مستمعيه هذا المساء. ويستخدم هيبوليتس كلمة "مدرسة" لمثل هذه المراكز التعليمية ذات التأثير. وبعد أن اختلف مع كاليستوس، أسقف روما، على بعض المسائل اللاهوتية والطقسية، وبعد أن أقام جماعة منشقة استمرت لعدة سنوات، اتهم كاليستوس بأنه أسس مدرسة ضد الكنيسة، واشتكى بأن مدرسته ما زالت مستمرة تحافظ على عاداته وتقاليده، غير مميز مع من ينبغي أن يدخل في شركة، بل معطيًا الشركة لكل إنسان بلا تمييز. ومعظم هؤلاء المذكورة أسماؤهم - ما عدا قلة - حولوا "مدرستهم" إلى كنائس منشقة، لأن طموحهم كان ذاتيًا شخصيًا. في هذا الإطار اعتلى كاليستوس أسقفية روما، مواجهًا هرطقات عدة تختص بلاهوت المسيح. وكان يحس بأن واجبه أن يلقى بكل ثقله لحفظ الوحدة، ليس وحدة اللاهوت في السماء فحسب، بل وحدة الكنيسة على الأرض أيضًا. أما الحوار حول قداسة الكنيسة، فقد بدأ حينما أصدر كاليستوس منشورًا بالتساهل في بعض مستويات قانون النظام الأخلاقي الصارم داخل الكنيسة، والذي كان متبعًا في العصور الأولى للمسيحية. فقد فتح كاليستوس الباب أمام التوبة العلنية، والرجاء في إعطاء الحل للمسيحيين الذين سبق أن سقطوا في خطايا الجسد. أما هيبوليتس فكان يرى بأن مثل هؤلاء الخطاة. يجب أن يُحرموا من نعمة الحل إلى الأبد مهما طلبوها أو ألحوا في طلبها. وكان المسيحيون في العصور المبكرة للمسيحية، إذا ما سقط أحدهم في إحدى الخطايا الجسيمة، كان يوضع تحت قانون توبة، مفتوح المدة. فكان إذا ما اعترف بخطيته أمام الأسقف كان يدرج اسمه في طقس التائبين إلى فترة محددة، قد تمتد إلى سنين عدة. وفي هذه الفترة كان يُحرم من التناول، ويُعزل عن حضور العمادة المشتركة، وكان هو من جهته يضع نفسه تحت طاعة الأسقف ووعظه وتأديبه، ثم يطلب صلوات الأسقف ووضع يدى الحل والبركة عليه. وكثيرًا ما كان يلبس التائبون المسوح ويجلسون في الرماد، يسكبون الدموع ويرفعون توسلات الرحمة. وكانوا يقرنون كل هذا بممارسات التقوى الخاصة كالصوم وتقديم الصدقة، وإن كانوا غير متزوجين فكانوا يقضون بقية حياتهم في البتولية، وإن متزوجين فكانوا يمتنعون عن معاشراتهم. وكان يطلب منهم الابتعاد عن أماكن اللهو العامة، والتزام ممارسة النسك الصارمة. وفى الميعاد المحدد كانت توبتهم تقبل وتعاد شركتهم في الكنيسة باحتفال مهيب. ولكن لم يكن الأمر ينتهي بهم عند هذا الحد، بل كانوا يظلون تحت نظام نسكي مناسب حتى نهاية حياتهم. أما إذا ارتد واحد من هؤلاء ثانية، فلم يكن في إمكانه أن يمارس قانون التوبة هذا لمرة ثانية. ولكنه كان يوصى بأن يحيا حياة تقشف قاسية بدموع، على رجاء أن يغفر له الله، حيث لا حل كانت تعطيه الكنيسة لمرة ثانية. وكان الاعتقاد الشائع لدى الكنيسة في عصورها المبكرة، أن خيانة جندي المسيح مرتين، أمر لا يمكن تصوره على الإطلاق. على أن قانون الحل هذا، لم يكن يمتد إلى من ارتكب خطية القتل أو الزنا. لكن الوضع أيام كاليستوس كان ذا طبيعة خاصة. فالاضطهادات لم تكن متواترة، بل كانت هناك فترات هدوء نسبية، فصار ارتخاء بين صفوف المجاهدين. وحالما صار كاليستوس أسقفًا لروما وضع قانونًا للتوبة، فيه يُتاح لمرتكب الزنا والقتل فرصة للتوبة مرة أخرى. وهذا ما أثار هيبوليتس ثورة عارمة على كاليستوس. لقد كان هيبوليتس يدافع عن صفة "القداسة" في الكنيسة باعتبار الكنيسة هي المجمع المقدس للذين يعيشون بحسب البر. ((دا ۷:۱۷:۱ )). بينما دافع كاليستوس عن موقفه مستندًا على برهانين كتابيين: corpus permixtum ۱- مثل القمح والزوان، هذا المثل صار هو السائد في دفاع الكنيسة الجامعة فيما مكون من القديسين بعد عن فكرة أن الكنيسة هي جسد مختلط مكون من القديسين والخطاة. ٢- والمثل الثاني، فلك نوح الذي كان يضم الحيوانات الطاهر منها مع غير الطاهر جنباً إلى جنب ((راجع هيبوليتس: الهرطقات ۱۲:۹، ۲۲، ۲۳ )). هذه الأمثلة عرضها كاليستوس لتبين أن صفة القداسة للكنيسة مؤسسة على المغفرة أكثر مما على قداسة اختبارية لأعضائها. بينما الزوان هو في نظر كاليستوس هو الخطاة في الكنيسة. وإذا لخصنا القضية بين الاثنين فستكون هكذا: هيبوليتس: يرى الكنيسة أنها هي جماعة القديسين التي قداستها مضمونه بطهارة أعضائها الدائمة من خطايا الجسد. كاليستوس: الكنيسة لا يمكن أن تفقد سماتها ككنيسة جامعة حتى في حالة وجود أعضاء غير مستحقين فيها. إن تعليم كاليستوس كان يهدف إلى جعل فداء المسيح والبشارة بالخلاص حقيقة واقعية في حياة أعضاء الكنيسة. أما الحوار الذي دار في شمال أفريقيا بين القديس كبريانوس، أسقف قرطاجنة، والأسقف الروماني كورنيليوس، فكان ينحو نحوًا آخر. ففي أول عام ٢٥٠ م. أمر الإمبراطور ديسيوس كل المواطنين أن يشاركوا في تقديم ذبيحة عامة للآلهة الخالدين وكان هذا بمثابة إعلان للوحدة الوطنية التي لم تطلب فقط من المسيحيين، بل وضعتهم في شبه محنة. فقد أُمروا أن يحرقوا القليل من حبات البخور أمام الأوثان ليس إلا! مقابل شهادات تمنح لهم. وكثيرًا ما كانت هذه الشهادات لازمة أمام السلطات العامة أكثر من أي إجراء آخر. وللأسف أطاع كثير من المسيحيين -بما فيهم اثنان من الأساقفة في أفريقيا- هذا الأمر وبخروا للأوثان. ثم عبرت العاصفة، وبدأ السؤال يثور كيف تواجه الكنيسة هؤلاء المرتدين؟ وقد كان في قرطاجنة عدد من الكهنة الذين أعادوا بعض هؤلاء المرتدين إلى الشركة، بناء على طلب أو توسط من فئه "المعترفين" ((المعترفون: هم الذين عانوا من الاضطهاد في أجسادهم، ولكن دون أن يستشهدوا، وقد كان لهؤلاء رأى مسموع لدى الأساقفة والمجامع الكنسية، وكان يُسمح لهم بالتشفع من أجل الخطاة الذين يقضون فترات تأديب كنسي. ))، دون أن يطالبوهم بأداء توبة ولا لمدة محددة. وقد أعد القديس كبريانوس رأيه في هذه المشكلة، لكنه بينما لم يحرم على المعترفين أداء دورهم كشفعاء لهم كلمتهم، إلا أنه جاهر بأن المرتدين يمكن قبولهم مرة أخرى في الشركة، ولكن بشرط اجتيازهم فترة تأديب كنسي طويلة. ومن حيث إن توبتهم ورجوعهم للمسيحية يظل غير مأمون دوامه، لذا فلا يمكن مصالحتهم إلا وهم على فراش الموت. وبذلك، يكون القديس كبريانوس أكثر تشددًا في مطالب التوبة، من الكهنة الذين واجههم، لكنه كان أيضًا أقل تشددًا من سابقه العلامة ترتليان، الذي اعتبر أن هناك خطايا معينة ومنها الارتداد على الأخص، لا يمكن للكنيسة أن تعطى الحل عنها، وأنه لا مجال لإعادة التوبة عنها. وقد صار موقف القديس كبريانوس هو الموقف التقليدي للكنيسة. وقد مارسه البابا ديونيسيوس السكندري وأساقفة روما، ومن بينهم كاليستوس الذي اعتبره العلامة هيبوليتوس متساهلًا، وهرماس صاحب كتاب الراعي الذي رفضه ترتليانوس تمامًا ((ينبغي ألا نعجب من موقف هؤلاء المتشددين، لأن المستوى الأخلاقي لأعضاء الكنيسة في ذلك الوقت كان من الرفعة والسمو ما يجعل أي انحراف من جانب عضو في الكنيسة أمرًا شاذًا مثيرًا للتساؤل عن أصالة إيمان هذا العضو. فالعلامة ترتليانس كتب مثلًا -وهو بعد منضمًا للكنيسة الأرثوذكسية في عصره- مفتخرًا بأن أعضاء الكنيسة وحدهم -دون باقي رعايا الامبراطورية الرومانية الآخرين- لم يكونوا يقعون تحت اتهام في أي جريمة (الدفاع ١:٤٥)، وأنه لم يكن في السجون الرومانية أي مسجون واحد مسيحي بسبب أي جريمة غير كونه مسيحيًا! ! )). وسمات هذا التعليم التقليدي المختص بقبول المرتدين ثانية، يتلخص في أن عدد مرات هذا القبول غير محدود، لكنه يتطلب التزامات ثقيلة. لقد اضطرت الكنيسة إلى التشديد في مراعاة هذه الالتزامات حتى يمكن الحد من خطر أي ارتداد آخر. كما رأت الكنيسة أن هذه الخطية يمكن علاجها بالتوبة وليس بمعمودية ثانية، لأن التوبة معتبرة أنها امتداد بالمعمودية. وقد أبلغ القديس كبريانوس موقفه هذا للكنائس الأخرى، ومن بينها كنيسة روما، وقد انتخب كورنيليوس أسقفًا لروما عام ٢٥١م. ولكن كاهنًا رومانيًا اسمه نوفاتیان نصب نفسه أسقفًا مناوئًا ضد كورنيليوس. وأعلن هذا موقفه صراحة من مشكلة المرتدين، بأنه لا قبول لرجوع المرتدين، وكان هذا بمثابة تجديد للصراع الذي سبق اضطرامه بين هيبوليتس وكاليستوس، حيث سنظل نجد تيارين متضادين مستمرين في روما. هذه المعركة كانت تعبيرًا عن نظريتين عن الكنيسة: نوفاتيان: الكنيسة جماعة صغيرة من ذوى النزعة الروحانية، وهي في صراع لا مفر منه مع الوطن الأرضي: هي كنيسة أنبياء وشهداء. الأسقف: الكنيسة هي الجسد الذي يجمع كل الناس، والذي يجب أن يأخذ في اعتباره المستويات المختلفة لهذا العدد الوفير من الناس داخل الكنيسة. إلا أن هناك مكاناً للنخبة من أعضاء الكنيسة ذوى النزعة الروحانية، وذلك في طقس الرهبنة الذي يمكن أن يروى ميولهم ويحقق دعوتهم، كما أن هناك مكانًا أيضًا الجمهور الناس العاديين الذين يعيشون المسيحية بالبساطة اليومية. في هذا الموقف ليس من تساهل في متطلبات الإنجيل، وهذا هو الاتجاه التقليدي الذي ساد في الكنيسة. وقد كان القديس كبريانوس شاهدًا على هذا التقليد. إن مفهوم قداسة الكنيسة لدى القديس كبريانوس عميق ومتشعب بآن واحد. فمثال الكنيسة الطاهرة يجب أن يخضع لمفهوم الكنيسة باعتبارها المكان حيث تتوفر فيه القداسة بأجلى صورها ((رسالة ٥٤: ١٥، ١٦ )). ومن جهة أخرى، فإن القديس كبريانوس يواصل احتجاجه ضد التطبيق الأعمى المثل الحنطة والزوان على طبيعة الكنيسة ((رسالة ٣:٥٠ )). والحل الذي قدمه القديس كبريانوس لهذا التضاد بين المفهومين عن قداسة الكنيسة، يأتي في معرض حواره مع أسقف روما فيما بعد عن شرعية المعمودية خارج الكنيسة. فبالرغم من أنه سبق أن سلّم -اضطرارًا- بأن وجود الأعضاء الخطاة لا يعطل شرعية قداسة الكنيسة، إلا أنه صرح بأن ذلك لم يكن يسمح في نظره بالتهاون في وجود الكهنة الخطاة. والشعب لا يمكنه التنصل من سم الخطية القاتل إن كان يدخل في شركة مع كاهن خاطئ ((رسالة ٣:٦٧ )). وهنا يتضح موقف القديس كبريانوس وهو يؤكد على أن الشرط الأساسي لاعتباره الكنيسة كجسد مختلط يتطلب من الأساقفة ورجال الإكليروس أن يكونوا هم أنفسهم أطهارًا، حتى يكون في إمكانهم أن يخدموا الأسرار الكنسية التي بها يمكن للشعب أن يتطهر ويتقدس. إن إعادة تفسير قداسة الكنيسة قدر لها أن تكون إحدى النقاط الأساسية في الجدل مع الهرطقة الدوناتية ((الدوناتية: نسبة إلى "دوناتس"، وهو أسقف منشق عن كنيسة شمال أفريقيا (سنة ٢١٣م. )، وهي شيعة متطرفة اعتبرت نفسها هي وحدها الكنيسة المكونة من القديسين، وكان الذي يرغب في الانضمام إليها يعاد تعميده. ))، لكنها أيضًا أيدت وجهة نظر القديس كبريانوس عن الكنيسة باعتبار لا خلاص خارجًا عنها ((لا خلاص خارج الكنيسة، لأن الخلاص مذخر في الكنيسة بصفتها جسد المسيح، باعتبارها امتدادًا للمسيح نفسه، امتدادًا لسر التجسد، سر الاتحاد غير المنفصم بين الله والإنسان، فكل من دخل هذا السر ينال الخلاص، هنا "الكنيسة" في هذا الشعار يعنى بها ذلك النبع الفياض الذي يغمر المتحدين بها بالنعمة، من خلال الأسرار وكلمة الإنجيل. )). ففلك نوح الذي كان يعني لكاليستوس أن الطاهر وغير الطاهر مقدر لهما أن يخلصا، كان يعنى للقديس كبريانوس أنه فقط الذين هم "داخل الكنيسة" يمكن أن يخلصوا ((رسالة ٧٥: ۱٥، ۷۷، ۲۱ )). وقد أشار القديس كبريانوس إلى ذلك بشعار معروف لا خلاص خارج الكنيسة. هذا المبدأ ينقلنا في الحال إلى أمر حتمي هو الحفاظ على "وحدة الكنيسة"، وهذا الموضوع كرس له القديس كبريانوس معظم مقالته الشهيرة بهذا الاسم. فوحدة الكنيسة مثل قداستها، متمثلة في الأسقفية، وهي حقيقة اختبارية لا مفر منها: سر الوحدانية المقدس هذا، رباط التوافق المتين الذي لا ينفك. . الذي صوره الإنجيل بأنه ثوب المسيح الذي لم يقسم أو يمزق على الإطلاق. . لأن هذا الذي يمزق ويقسم كنيسة المسيح لن يكون له نصيب في ثوب المسيح على الإطلاق. (كبريانوس، وحدة الكنيسة ٧) والقديس كبريانوس بإثارته قضية الوحدة، كاختبار تعيشه الكنيسة، كان يعبر عن اعتقاد الكنيسة الجامعة منذ البدء. فالهرطقة والانقسام متلازمان تمام التلازم، لأن كليهما يمزق وحدة الكنيسة. وكما اتضح لنا من قبل -في رسائل القديس أغناطيوس الأنطاكي- فإن الكنيسة تدعى مقدسة (مرة واحدة في كل الرسائل)، بينما تدعى "واحدة" في أكثر من موضع . فوحدة الكنيسة هي إحدى المشغوليات الطاغية على الرسائل في عصر الآباء الرسوليين، لدرجة أنه يمكن الاستنتاج بأن أهم أساس من أسس كنيسة الآباء الرسوليين كان هو وحدتها ((R. Grant, The Apostolic Fathers 1:137,38 )). ونفس الأمر نراه لدى القديس كبريانوس، فهو يرى الانقسام بمثابة روح تحزب ((لقد باءت كل جهود المصلحين المسيحيين والأوغسطينيين في القرون الوسطى بالفشل، ليفرضوا على آباء القرن الثاني والقرن الثالث نشوء فكرة ما يسمى بالكنيسة "المنظورة" والكنيسة "المخفية" أو يحاولوا تفسير أفكار أوريجانوس بوجود ثنائية بين كنيسة سماوية وأخرى أرضية على أنها تؤيد هذا الاتجاه، فليس على الأرض سوى كنيسة واحدة، وهي ليست منفصلة بأي حال عن ذلك الكيان السرائري الكهنوتي، هذه الكنيسة بحد تعبير العلامة أوريجانوس هي شمس الكون، لأن المسيح قد صار شمس الكنيسة، وهو بحد ذاته النور الأزلي للكون (تفسير أيوب ٣٠١:٥٩:٦). على أن سمة هذه الكنيسة الأصيلة لا تجدها منطبعة بالحق إلا في قلوب الأمناء على عهد الرب، ولو كانوا مختفين في آخر صفوف العابدين. )). ختامًا؛ ومن قراءتنا لهذين الحوارين الذين حفظهما لنا التاريخ، نطلع على طرف من اهتمامات آباء الكنيسة ومعلميها في أواخر القرن الثالث، وحرصهم على مستوى قداسة أعضاء الجسد الواحد، باعتبار أن فساد أي عضو بالخطية إنما ينعكس أثره على الجسد بأكمله، وبالتالي يحجب نور المسيح، ويعطل الكرازة بخلاصه الأبدي. على أن قضية "القداسة" في الكنيسة، كما شغلت آباء الكنيسة ومعلميها، كذلك أثارت عديدًا من الانشقاقات والهرطقات من جانب من أسماهم الآباء بالحماسيين ἐνθουσιασταί, enthusiastics ومن أخطر هذه الانشقاقات التي قامت كرد فعل لهبوط مستوى "القداسة" داخل الكنيسة، انشقاق المونتانية. وقد بدأت هذه الحركة في النصف الأخير من القرن الثاني، على يد "مونتانس" في فريجية بآسيا، الذي ادعى أنه "بوق الروح القدس" وأنه حامل نبوات وإعلانات من الله، وأن أورشليم السماوية سوف تنزل على يديه على مدينة قريبة من موطنه "فريجية". وكأنه بهذا ينبه إلى الاستعداد لمجيء المسيح الثاني الذي سيتم حالًا. وقد ادعت هذه الحركة إمكانيتها على إرجاع القداسة للكنيسة عن طريق الممارسات الغريبة. وقد أكد يوسابيوس المؤرخ الكنسي أن مونتانس تكلم وأتى بأصوات غريبة. لكن الأمر انتهى بمونتانس هذا أن ادعى أنه هو نفسه "الروح القدس"! وقد لوحظ في كل هذه الانشقاقات أنها قامت أولًا كرد فعل للاسترخاء الروحي والأخلاقي في الكنيسة، أو لإنكار دور الروح القدس المباشر في الفداء والتقديس، ففرضت على أتباعها مستويات صارمة من النسك والسلوك، مثل تحريم الزواج الثاني، وإدانة كل تهاون في الصوم، ومنعت إعطاء الحل للتائبين عن خطايا الجسد، وادعت أنها وحدها تتحدث وتتنبأ بالروح القدس؛ لكنها انتهت -في النهاية- إلى الخرافات شديدة عن التعليم الصحيح. وبعد أن أزعجت المونتانية الكنيسة ردحًا من الزمن، وبعد أن امتدت إلى نواحي متفرقة من العالم ((وصلت كنيسة شمال أفريقيا أيام العلامة ترتليانوس، وقبل عصر القديس كبريانوس، عام ٢٠٦ م. ))؛ بدأت تفقد قوتها، حينما بدأ الكنيسة تدرك وتعي حقيقة حضور الروح القدس وسطها، من خلال الأسرار والتقليد أكثر منه من خلال حالات الغيبوبة والنبوة المزعومة كما ادعى مونتانس وأتباعه. على أن تاريخ الكنيسة لم يكف -من جهة أخرى- عن عصور تفيض بالمواهب الفائقة للروح القدس التي بدت في حياة آباء الرهبنة -منذ أواخر القرن الثالث- تلك الحركة التي ولدت وعاشت داخل حضن الكنيسة جسد المسيح الحي، وتغذت على الحضور السري للرب وسط تلاميذه الممتد في كل عصر ومن جيل إلى جيل. وكانت شاهدًا على أن عصر النبوة والإلهام بالروح القدس لم يكف عن حياة الكنيسة أبدًا ((العلامة هيبوليتوس وهو يهاجم "المونتانية" وما ادعته من مجيء سريع للمسيح ومن ادعاء بالنبوة والوحي، دفع بالمجيء الثاني للمسيح إلى المستقبل البعيد، كما دفع بزمن النبوة إلى الماضي السحيق، منكرًا وجود إلهام بالروح القدس بعد عصر الرسل. )). فمجيء المسيح لم يعد مؤجلًا تمامًا إلى المستقبل، ولا هو مرتد تمامًا إلى الماضي، ولكنه محصلة الحقيقة التاريخية الماضية والحدث الأخروي المنتظر معًا، متركزين في سر الحضور الإلهي غير المدرك، المستعلن للمؤمنين من خلال سر التناول من جسد الرب ودمه الأقدسين. قضية القداسة في كنيسة الله وحواران من القديس كبريانوس والعلامة هيبوليتس مع أسقفي روما في عصرهما بقلم الأب متى المسكين، نُشر أوّل ما نُشر في مجلة مرقس، عدد مارس ١٩٧٩، الصفحات من ٤١ إلى ٤٩ --- ### كنيسة تنتحر - Published: ۲۰۲٤-۰٦-۲۹ - Modified: 2024-06-29 - URL: https://tabcm.net/27361/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: الإمبراطورية الرومانية, بابا شنودة الثالث, بابا يوساب الثاني, برنابا, عصر المجامع, قديس بولس الرسول, كرسي القسطنطينية, كرسي روما, كنيسة الإسكندرية, مدارس الأحد مع أن هذا العنوان حين نشرته جملة منفردة، بلا زيادة أو نقصان، في فضاء الـ"فيسبوك" أثار موجات عارمة من الدهشة والغضب، والرفض أحيانًا، بل وبسبب هذا، حرصت أن أُبقي عليه على رأس سطوري، فقد جاءت ردود الفعل خاصة الغاضبة من فئة عمرية تحكمها العاطفة والغيرة ـ المحمودة ـ على الكنيسة، وبالتوازي فهي تفتقر لكثير من معرفة الواقع الذي نحياه، والمخاطر المحدقة بنا وبالكنيسة، وهي أمور وحقائق عرضنا لها بامتداد ثلاث عقود ويزيد، وتحديدًا منذ العام 1992 على صفحات مجلة "مدارس الأحد" التى كان يرأس تحريرها في سنيها الأولى قداسة البابا شنودة الثالث، (1952 ـ 1954) حين كان علمانيًا وحتى دخوله سلك الرهبنة، وشهدت عبر قلمه معارك عاتية في مواجهة سياسات الكنيسة وقتها، وتصاعد الأمر حتى إلى المصادمة مع قرارات البابا يوساب الثاني، ورفضها. وحتى لا يستغرقنا التاريخ بما تحمله أحداثه وحكاياته من تباينات بين القمم والقيعان، وهي في مجملها تحتاج إلى قراءة متأنية قادرة على القفز فوق الانبهار والقنوط، وهو أمر يتطلب التسلح بكثير من الموضوعية والتجرد، وضغط اللحظة. دعونا نبدأ بضبط المصطلح؛ وهل يمكن لكنيسة أن تنتحر؟! من وما هي الكنيسة؟ نقطة البداية عندما كان الرب يسوع مجتمعًا مع تلاميذه بعد قيامته، في ختام ظهوراته لهم بامتداد أربعين يومًا، كان خلالها يتكلم معهم عن الأمور المختصة بملكوت الله، وفيما هو مجتمع معهم أوصاهم أن لا يبرحوا من أورشليم، بل ينتظروا "موعد الآب" الذي سمعوه منه، مشيرًا إلى حلول الروح القدس عليهم، وأوضح لهم أنهم سينالون قوة بهذا الحلول، ويكونون له شهودًا في أورشليم وفي كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض. صعد المسيح، وكانوا شهودًا على هذا الحدث، ثم رجعوا إلى أورشليم من الجبل الذي يدعى جبل الزيتون، بالقرب من أورشليم، وصعدوا إلى العلية التي كانوا يقيمون فيها، وكانوا يواظبون بنفس واحدة على الصلاة والطلبة، مع النساء، ومريم أم يسوع، ومع أخوته. ولما حضر يوم الخمسين كان الجميع معًا بنفس واحدة، وصار بغتًة من السماء صوت كما من هبوب ريح عاصفة وملأ كل البيت حيث كانوا جالسين، وظهرت لهم ألسنة منقسمة كانها من نار واستقرت على كل واحد منهم، وامتلأ الجميع من الروح القدس، وابتدأوا يتكلمون بألسنة أخرى كما أعطاهم الروح أن ينطقوا. بقي التلاميذ والرسل في أورشليم "وكانوا لا يزالون كل يوم في الهيكل وفي البيوت معلمين ومبشرين بيسوع المسيح"، حتى واقعة استشهاد ق. استفانوس. وهي واقعة شهدت أول مرافعة تشجب اتهامات وادعاءات اليهود وكهنتهم، عرض فيها استفانوس موجز عمل المسيح الفدائي استنادًا إلى سرد العهد القديم، منذ لقاء الله مع إبراهيم، وهجرته من أرض بين النهرين إلى أرض كنعان، ويستطرد في سرد الأحداث المحورية حتى وصول يوسف ـ حفيد اسحق ابن إبراهيم ـ إلى مصر، واستقراره بها بعد معاناة، يصل استفانوس في سرده الدقيق إلى موسى وحكايته الممتدة، وكيف خرج بشعبه من مصر، ثم يختتم مرافعته التاريخية قائلًا: "يا قساة الرقاب، وغير المختونين بالقلوب والآذان! أنتم دائمًا تقاومون الروح القدس. كما كان آباؤكم كذلك أنتم، أي الأنبياء لم يضطهده آباؤكم؟ وقد قتلوا الذين سبقوا فأنبأوا بمجيء البار، الذي أنتم الآن صرتم مُسَلّميه وقاتليه، الذين أخذتم الناموس بترتيب ملائكة ولم تحفظوه". لم يحتمل اليهود وكهنتهم هذا الكلام "فصاحوا بصوت عظيم وسدوا آذانهم، وهجموا عليه بنفس واحدة، وأخرجوه خارج المدينة ورجموه. والشهود خلعوا ثيابهم عند رجلي شاب يقال له شاول. فكانوا يرجمون استفانوس وهو يدعو ويقول: "«أيها الرب يسوع أقبل روحي»، ثم جثا على ركبتيه وصرخ بصوت عظيم: «يا رب، لا تقم لهم هذه الخطية». وإذ قال هذا رقد. ". كان استشهاد استفانوس نقطة تحول وانطلاق في مسيرة الآباء الأوائل "وحدث في ذلك اليوم اضطهاد عظيم على الكنيسة التي في أورشليم، فتشتت الجميع في كور اليهودية والسامرة، ما عدا الرسل... . فالذين تشتتوا جالوا مبشرين بالكلمة". ليحققوا ما قاله لهم الرب يسوع "ويكونون له شهودًا في أورشليم وفي كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض. " وكانت الدوائر تتسع، أورشليم، كل اليهودية، السامرة في أول انطلاقة خارج حدود اليهودية، ثم إلى أقصى الأرض. كانت المهمة محددة من فم الرب يسوع "فتقدم يسوع وكلمهم قائلًا: «دُفع إليَّ كل سلطان في السماء وعلى الأرض؛ فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به. وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر». ". اذهبوا، تلمذوا، عمدوا، علموا، لم يمض وقت طويل حتى تشكلت تجمعات بارزة من المؤمنين، يرصد بداياتها سفر أعمال الرسل، أما الذين تشتتوا من جراء الضيق الذي حصل بسبب إستفانوس فاجتازوا إلى فينيقية وقبرس وأنطاكية، وهم لا يكلمون أحدًا بالكلمة إلا اليهود. ولكن كان منهم قوم، وهم رجال قبرسيون وقيروانيون، الذين لما دخلوا أنطاكية كانوا يخاطبون اليونانيين مبشرين بالرب يسوع. وكانت يد الرب معهم، فأمن عدد كثير ورجعوا إلى الرب، فسمع الخبر عنهم في آذان الكنيسة التي في أورشليم، فارسلوا برنابا لكي يجتاز إلى أنطاكيَة. . ثم خرج برنابا إلى طرسوس ليطلب شاول. ولما وجده جاء به إلى أنطاكيَة، فحدث أنهما اجتمعا في الكنيسة سنة كاملة وعلما جمعا غفيرًا، ودعي التلاميذ «مسيحيين» في أنطاكيَة أولًا. كانت البداية كنيسة أورشليم، ثم تظهر كنيسة أنطاكيَة في المشهد، ويجول التلاميذ والرسل الدوائر القريبة على ضفاف المتوسط، فتتأسس كنيسة روما، وكنيسة الإسكندرية، فيمَا تضم آسيا الصغرى العديد من الكنائس التي أسسها القديس بولس الرسول في رحلاته التبشيرية، وتمتد البشارة إلى شمال إفريقيَا وإسبانيا. تعتمد الإمبراطورية الرومانية المسيحية ضمن الديانات المعترف بها، ونحن نقف على مشارف القرن الرابع، وفق منشور التسامح الديني، ثم يأتي قسطنطين، وقد أدرك كقائد سياسي وحربي جسارة المسيحيين، وتصديهم للموت ببسالة، يعلن إيمانه بالمسيحية، ويفرد مظلة حمايته على الكنائس، ثم يؤسس كنيسة عاصمته "القسطنطينية" ويضمها إلى الكنائس الرسولية، لتلي فى الترتيب كرسي روما وتسبق كرسي الإسكندرية وتتوزع خريطة المسيحية ـ أنئد ـ بين خمسة كراسي رسولية: • كرسي أورشليم. • كرسي روما. • كرسي القسطنطينية. • كرسي الإسكندرية. • كرسي أنطاكيَة. ومع قسطنطين اقتحمت السياسة مدارات الكنيسة، لتشهد سلسلة من الخلافات بين قادتها، وتشهد معها سلسلة من دعوات الوفاق التي كان يوجهها الأباطرة، بخلفيات سياسية تدرك أن عروشهم لن تستقر مع تصاعد صراعات الكنائس، وكانوا محقين. ليبدأ عصر المجامع بعد انتهاء عصر الاستشهاد. كان الأباطرة أحكم من القادة الدينيين وأبعد نظرًا، ولكن الأخيرين كانوا أكثر سطوة على الشارع المسيحي وقدرة على توجيهه، فلم تمض سنوات، عقب عصر المجامع الممتد من القرن الرابع وحتى القرن السابع، حتى تفككت الإمبراطورية الرومانية وبدأ نجم الفُرس يزهو، وإن خبأ مع بزوغ نجم العرب، الذين اجتاحوا قطاعات واسعة من العالم القديم خاصة في الشرق. وتتراجع كراسي الشرق عن مواقع الصدارة وتتحول بالتتابع إلى كنائس أقلية، فيمَا تندثر كنائس آسيا الصغرى وشمال إفريقيَا، بالرغم مما قدمته للكنيسة الجامعة من قديسين وعلماء لاهوتيين أفذاذ. وهو ما سنعرض له في الجزء الثاني من طرحنا هذا ونحن نتناول سؤال "هل يمكن لكنيسة أن تنتحر؟". --- ### هل يميت الله البشر؟ [١] - Published: ۲۰۲٤-۰٦-۲۸ - Modified: 2024-06-28 - URL: https://tabcm.net/27085/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: أنبا متاؤس، أسقف دير السريان, إيسيذوروس البراموسي, الثالوث القدوس, الشيطان, الغنوصية, الكنيسة الجامعة, المانوية, حواء, خولاجي, دير الآباء السريان, سليمان الحكيم, سمعان بن يونا, قديس بولس الرسول, ليتورچي, يعقوب الرسول سوف نحاول في هذا البحث الموجز، عزيزي القارئ، الإجابة عن تساؤلات في غاية الأهمية تمس قضية الموت، وهي: - هل الله يميت البشر؟ - هل الله يعاقب البشر بالموت؟ - هل الله يهلك البشر؟ - هل الله هو علة موت البشر؟ تساؤلات جد خطيرة تمس واقعنا المسيحي المعاصر. لقد خرج علينا البعض يدعون زورًا وبهتانًا على الله أنه إله يميت ويقتل ويهلك البشر. بل ويقدمون صورًا مشوهة عن الألوهة مستغلين آيات الكتاب المقدس التي يأوّلونها حسب أهوائهم وأفكارهم الضحلة والمشوهة عن الألوهة المنزهة عن الموت والهلاك والفناء. فالله كلي الصلاح، وبسبب صلاحه جلب الإنسان من العدم إلى الوجود، فكيف يُرسله بيديه مرة أخرى إلى العدم؟ هل هذا معقول؟ هؤلاء يفعلون كما فعل الوثنيون قديمًا حيث كانوا ينسبون الموت إلى إله الموت وذلك في سياق تعدد الآلهة، وكأنهم لم يسمعوا عن الله معطي الحياة الذي أُظهر بالكامل وأُعلن عنه بالكامل في ابنه ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح، الذي خبَّر عن الله الذي لم يره أحد قط. فالمسيح هو الإعلان الحقيقي والكامل عن الله الحي، لم يقل المسيح عن نفسه في الإنجيل أنا هو الموت، لم يقل عن نفسه أنا هو المهلِك، ولم يقل أنه هو علة هلاك البشرية وسبب إماتتها، بل قال عن نفسه أنا هو القيامة والحياة من آمن بي ولو مات فسيحيا، جئت لأُخلِّص العالم لا لأُدين العالم. هؤلاء لم يعرفوا المسيح القائم من بين الأموات بعد، هؤلاء لا زالوا قابعين في حرفية الناموس والفريسية البغيضة التي طالما رفضها السيد المسيح، هؤلاء لا زالوا في مرحلة البداوة الروحية، للأسف مازال هؤلاء يُفكِّرون بمنطق همجيّ بربريّ عن الألوهة ناسبين إليها فعل الإماتة والإهلاك والإفناء للبشرية، هؤلاء أبناء الموت وليسوا أبناء الحياة. هؤلاء يُمثِّلون ردة إلى اليهودية والتهود، بل يُمثِّلون ردة إلى عصور ما قبل التاريخ البشري المتحضر، ينسبون للألوهة ما ليس فيها، ويسقطون أفكارهم المريضة والمشوشة عن الألوهة كلية الصلاح والرحمة والرأفة، معتقدين أنهم بذلك يعبدون الإله الحقيقي المهلك المميت في نظرهم، بل يعتقدون أنهم يُقدمون خدمة لله بالدفاع عنه كمبيد وقتال للبشر، ونسوا أن إبليس الكذاب وأبو الكذب هو الذي كان قتالًا للناس منذ البدء، إبليس مخترع الموت والخطيئة، الذي أغوى الإنسان وأسقطه في الخطيئة بإرادته، فصار الإنسان علة موته مشاركًا في هلاكه وفنائه بسبب خضوعه لغواية إبليس وتعديه وعصيانه لله، وانفصاله الإرادي عن مصدر حياته، أي الله، فصار هو نفسه علة موته وهلاكه، وليس الله جابله وخالقه ومانحه الحياة. سنحاول الإجابة على سؤال: هل الله يميت البشر؟ وذلك من خلال شهادات الكتاب المقدس وشهادات آباء الكنيسة الجامعة المعلمين، وشهادة صلوات الليتورجية المقدسة. وأود التنويه إلى أن النصوص الكتابية والآبائية المذكورة في هذا البحث هي جزء من كل، فهناك العديد والعديد من الشهادات والنصوص الكتابية والآبائية والليتورجية التي تؤيد هدف البحث، وهو أن الله لا يميت البشر، بل هو المحيي ومانح وواهب الحياة والخلاص من الموت للبشرية جمعاء. شهادات الكتاب المقدس يدَّعي البعض عن جهل وبدون وعي أن الله يُنزِل الموت على البشر كعقوبة، وكأنَّ الله هو علة موت الإنسان. وهذا التعليم عارٍ تمامًا عن الصحة، بل وضد تعاليم الكتاب المقدس والتقليد الرسولي والآبائي.  يُعدّ الموت في تعاليم الكتاب المقدس هو نتيجة التعدي والعصيان، وليس من الله، حيث قال الله للإنسان: وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا، لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتًا تَمُوتُ ((سفر التكوين 2: 17 )). ويذكر سليمان الحكيم أن الشرير يموت من خطيته وليس بإنزال الله الموت عليه: الشِّرِّيرُ تَأْخُذُهُ آثَامُهُ وَبِحِبَالِ خَطِيَّتِهِ يُمْسَكُ. إِنَّهُ يَمُوتُ مِنْ عَدَمِ الأَدَبِ، وَبِفَرْطِ حُمْقِهِ يَتَهَوَّرُ ((سفر الأمثال 5: 23 )). ويقول إرميا النبي أن الموت هو نتيجة ذنب الشخص نفسه: بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ يَمُوتُ بِذَنْبِهِ. كُلُّ إِنْسَانٍ يَأْكُلُ الْحِصْرِمَ تَضْرَسُ أَسْنَانُهُ ((سفر إرميا 31: 30 )). ويتحدَّث سفر الحكمة أن الموت هو نتيجة أفعال البشر الشريرة، وليس من الله كما يدَّعي البعض عن جهل: لا تغاروا على الموت في ضلال حياتكم ولا تجلبوا عليكم الهلاك بأعمال أيديكم، إذ ليس الموت من صُنع الله ولا هلاك الأحياء يسره ((سفر الحكمة 1: 12، 13 ))، ويُؤكِّد سفر الحكمة أيضًا أن البشر هم مَن جلبوا الموت على أنفسهم بأيديهم وأقوالهم، وليس الله هو مَن أنزل الموت: لكن المنافقين هم استدعوا الموت بأيديهم وأقوالهم ظنوه حليفًا لهم فاضمحلوا وإنما عاهدوه لأنهم أهل أن يكونوا من حزبه ((سفر الحكمة 1: 16 ))، ويُؤكِّد سفر الحكمة أن الموت دخل إلى العالم بحسد إبليس، ولم يكن الله هو علة موت الإنسان: فإن الله خلق الإنسان خالدًا وصنعه على صورة ذاته، لكن بحسد إبليس دخل الموت إلى العالم ((سفر الحكمة 2: 23، 24 )). ويُؤكِّد حزقيال النبي أن النفس التي تخطئ هي التي تموت، وليس الله هو مَن يميتها: اَلنَّفْسُ الَّتِي تُخْطِئُ هِيَ تَمُوتُ ((سفر حزقيال 18: 4 ))، ويقول الله في سفر حزقيال إنه لا يسره موت الشرير، فكيف يكون الله هو علة موته: هَلْ مَسَرَّةً أُسَرُّ بِمَوْتِ الشِّرِّيرِ؟ يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. أَلاَ بِرُجُوعِهِ عَنْ طُرُقِهِ فَيَحْيَا؟ ((سفر حزقيال 18: 23 )). ويُؤكِّد يشوع بن سيراخ أن الموت دخل إلى العالم بخطية المرأة حواء، وليس من الله: من المرأة ابتدأت الخطيئة وبسببها نموت نحن أجمعون ((سفر يشوع بن سيراخ 25: 33 )). ويُؤكِّد سفر المكابين الثاني أن الله هو رب الحياة وليس رب الموت: ودعا رب الحياة والروح أن يردهما عليه ثم فاضت نفسه ((سفر المكابين الثاني 14: 46 )). ويُشدِّد المسيح له كل المجد أن الله هو إله أحياء وليس إله أموات: لَيْسَ اللهُ إِلهَ أَمْوَاتٍ بَلْ إِلهُ أَحْيَاءٍ ((إنجيل متى 22: 32 )). وهكذا يؤكد بولس الرسول أن الموت دخل إلى العالم بالخطية، وليس من الله: مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ ((رسالة بولس إلى رومية 5: 12 )). ويُشدِّد بولس الرسول على أن أجرة أو ثمن الخطية هو الموت، وبالتالي، الموت نتيجة للخطية وليس من الله: لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ، وَأَمَّا هِبَةُ اللهِ فَهِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا ((رسالة بولس إلى رومية 6: 23 )). وهذا ما يقوله مُعلِّمنا يعقوب الرسول أن الموت هو نتيجة عن الخطية، وليس نتيجة عن الله كما يدَّعي البعض عن جهل: ثُمَّ الشَّهْوَةُ إِذَا حَبِلَتْ تَلِدُ خَطِيَّةً، وَالْخَطِيَّةُ إِذَا كَمَلَتْ تُنْتِجُ مَوْتًا ((رسالة يعقوب 1: 15 )). وهكذا نجد أن الكتاب المقدس بعهديه يؤكد على أن الخطية والشر هما علة الموت، وليس الله هو علة الموت. فالله لم يقل في الكتاب المقدس: ”أنا هو الموت“ حاشا! بل قال: أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا، وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيًّا وَآمَنَ بِي فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى الأَبَدِ ((إنجيل يوحنا 11: 25 ))، وقال أيضًا: أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ ((إنجيل يوحنا 14: 6 )). فالحياة هي صفة جوهرية من صفات الجوهر الإلهي منذ الأزل، فالله هو معطي الحياة وواهبها، وجابل الخليقة من العدم إلى الحياة، فكيف يميت الله الإنسان بعدما أحضره من العدم إلى الوجود والحياة؟! الحياة هي صفة من صفات أقانيم الثالوث القدوس ولا يوجد الموت كصفة من صفات الجوهر الإلهي، فكيف يميت الله البشر، أو يُنزِل الموت عليهم؟ هل الموت صفة أزلية في الله الثالوث يمارسها بين أقانيمه منذ الأزل كصفات المحبة، والقداسة، والحكمة، والبر، والحياة... إلخ؟ بالطبع، لا. بل الآب والابن هما مصدر الحياة ولهما الحياة في ذاتيهما وليس الموت أو الإماتة كما يدَّعي البعض عن جهل، حيث يقول يوحنا الرسول: لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الآبَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ، كَذلِكَ أَعْطَى الابْنَ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ لَهُ حَيَاةٌ فِي ذَاتِهِ ((رسالة يوحنا 5: 26 )). وتُمارِس أقانيم الثالوث فعل الإحياء، وليس فعل الإماتة، كما يقول يوحنا الرسول: لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الآبَ يُقِيمُ الأَمْوَاتَ وَيُحْيِي، كَذلِكَ الابْنُ أَيْضًا يُحْيِي مَنْ يَشَاءُ ((رسالة يوحنا 5: 21 )). والروح القدس هو روح الحياة وليس روح الموت. فأريد أن أسأل أولئك الذين يدَّعون بالباطل على الله أنه يميت البشر، كيف يميت الله خليقته التي جلبها من العدم إلى الوجود، ليرجعها مرةً أخرى من الوجود إلى العدم؟ فلماذا جلبها بالأساس من العدم إلى الوجود لكي يعيدها مرةً أخرى من الوجود إلى العدم؟ أليس هذا تناقض صارخ؟! يُشِير الكتاب المقدَّس في إشارات عديدة إلى أن إبليس هو الذي كان قتالًا للناس منذ البدء، وليس الله هو الذي يعاقب البشر بالموت. حيث يؤكد الكتاب المقدس على أن الشر هو الذي يميت الشرير، وليس الله: الشَّرُّ يُمِيتُ الشِّرِّيرَ، وَمُبْغِضُو الصِّدِّيقِ يُعَاقَبُونَ ((مزمور 34: 21 )). وهكذا نرى في قصة طوبيا أن الشيطان هو الذي كان يقتل أزواج سارة، لذا نجد طوبيا يتحدث عن أن الشيطان هو الذي قتل أزواج سارة السبعة: فأجاب طوبيا وقال: إني سمعت أنه قد عُقِدَ لها على سبعة أزواج فماتوا، وقد سمعت أيضًا أن الشيطان قتلهم ((سفر طوبيا 6: 14 )). فالشيطان إذًا هو الذي يقتل البشر وليس الله. يتحدَّث السيد المسيح له كل المجد عن أن الشيطان كان قتالًا للناس، ويميت البشر منذ البدء، وليس الله: أَنْتُمْ مِنْ أَبٍ هُوَ إِبْلِيسُ، وَشَهَوَاتِ أَبِيكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَعْمَلُوا. ذَاكَ كَانَ قَتَّالاً لِلنَّاسِ مِنَ الْبَدْءِ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْحَقِّ لأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَق. مَتَى تَكَلَّمَ بِالْكَذِبِ فَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُ مِمَّا لَهُ، لأَنَّهُ كَذَّابٌ وَأَبُو الْكَذَّابِ ((إنجيل يوحنا 8: 44 )). ويُؤكِّد بولس الرسول أن إبليس هو مَن له سلطان الموت، أيّ القدرة على إماتة البشر، وليس الله هو الذي يعاقب البشر بالموت: فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ الأَوْلاَدُ فِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ اشْتَرَكَ هُوَ أَيْضًا كَذلِكَ فِيهِمَا، لِكَيْ يُبِيدَ بِالْمَوْتِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ ((رسالة بولس إلى العبرانين 2: 14 )). ويُشبِّه بطرس الرسول إبليس خصم البشر بأنه كأسد زائر يلتمس مَن يبتلعه ويميته، وليس الله هو الذي يميت البشر: اُصْحُوا وَاسْهَرُوا. لأَنَّ إِبْلِيسَ خَصْمَكُمْ كَأَسَدٍ زَائِرٍ، يَجُولُ مُلْتَمِسًا مَنْ يَبْتَلِعُهُ هُوَ ((رسالة بطرس الأولى 5: 8 )). ويتحدَّث بولس الرسول عن تسليم الخاطئ إلى الشيطان لهلاك الجسد مؤكدًا على أن الموت والهلاك من الشيطان، وليسا عقوبةً من الله للبشر: أَنْ يُسَلَّمَ مِثْلُ هذَا لِلشَّيْطَانِ لِهَلاَكِ الْجَسَدِ، لِكَيْ تَخْلُصَ الرُّوحُ فِي يَوْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ ((رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس 5: 5 )). ولكن قد يتحجَّج البعض ويقول إن الكتاب يذكر عن الله أنه يحيي ويُمِيت: الرَّبُّ يُمِيتُ وَيُحْيِي. يُهْبِطُ إِلَى الْهَاوِيَةِ وَيُصْعِدُ ((سفر صموئيل الأول 2: 6 ))، فنرد أن الكتاب ذكر أيضًا أن الله هو خالق الظلمة وخالق الشر: أَنَا الرَّبُّ وَلَيْسَ آخَرُ. مُصَوِّرُ النُّورِ وَخَالِقُ الظُّلْمَةِ، صَانِعُ السَّلاَمِ وَخَالِقُ الشَّرِّ ((سفر إشعياء 45: 6-7 )). فنتساءل هل الله هو خالق الظلمة والشرّ أيضًا مثلما يُمِيت؟ بالطبع لا، ولكن الكتاب المقدَّس كان يهتم بالإعلان عن وحدانية الألوهة في وسط الشعوب التي تُؤمِن بمذهب تعدُّد الآلهة، ويجعلون لكل شيء إله، إله للنور، وإله للظلام، وإله الخير، وإله الشرّ، وإله الموت... إلخ. وكانت هناك الشعوب التي تُؤمِن بمذهب ثنائية الألوهة كالزرادشتية والغنوسية والمانوية، حيث يرون أن هناك إلهان: إله الخير وإله الشرّ، النور والظلمة، الحياة والموت، وهكذا. لذا كان يُحارِب الكتاب المقدَّس هذه المذاهب المنحرِفة عن الألوهة بنسب كل الأشياء إلى الإله الواحد الوحيد، حتى لو كان الله ليس هو خالق الظلمة، أو الشر، أو الموت، بل الله صالحٌ وهو خالق النور والخير والحياة، بالتالي، لابد أن ننتبه إلى حديث الكتاب المقدَّس عن وحدانية الألوهة للتأكيد على وجود كل الأشياء في دائرة سيطرة الله وتدبيره وعنايته بالخليقة كلها، فلا يحدث شيء خارج سيطرة الله الواحد الوحيد. شهادة الليتورجية القبطية دخول الموت بحسد إبليس تحتوي الليتورجية القبطية على العديد من الإشارات التي تنفي أن يكون الله علة موت الإنسان، أو يميت الإنسان كعقوبة له على الخطية، بل خلق الله الإنسان على غير فساد (موت)، بينما دخل الموت إلى العالم بحسد إبليس. حيث يُصلي الكاهن في صلاة الصلح في القداس الباسيلي ((إيسيذوروس البراموسي، الخولاجي المقدس وخدمة الشماس، مراجعة: نيافة الأنبا متاؤس أسقف دير السريان، القاهرة: مكتبة مار جرجس بشبرا، 1994، ص 142. )) الآتي: يا الله العظيم الأبديّ الذي جبل الإنسان على غير فساد: والموت الذي دخل إلى العالم بحسد إبليس هدمته بالظهور المحيي الذي لابنك الوحيد الجنس ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح (إيسيذوروس البراموسي، الخولاجي المقدس وخدمة الشماس) الإنسان اختطف الموت لنفسه وهكذا يُصلِي الكاهن في القداس الغريغوريّ في صلاة ”قدوس“ مُؤكِّدًا على أن الإنسان هو الذي بإرادته خالف الوصية، واختطف له قضية الموت، ولم يكن الله هو الذي عاقبه بالموت ((إيسيذوروس البراموسي، الخولاجي المقدس وخدمة الشماس، مراجعة: نيافة الأنبا متاؤس أسقف دير السريان، القاهرة: مكتبة مار جرجس بشبرا، 1994، ص 200. )) كالتالي: غرسٌ واحدٌ نهيتني أن آكل منه، فأكلتُ بإرادتي، وتركتُ عني ناموسك برأيي. وتكاسلت عن وصاياك. أنا اختطفتُ لي قضية الموت (إيسيذوروس البراموسي، الخولاجي المقدس وخدمة الشماس) تأديبات الله المؤدية للحياة ويُصلِي الكاهن أيضًا في طلبة ”أنت يا سيدي“ في القداس الغريغوريّ مُخاطبًا الله الذي حوَّل عقوبة الموت إلى خلاص، وليس هو الذي عاقب الإنسان بالموت، بل وأدَّب الله الإنسان بالتأديبات المؤدية للحياة، وليس إلى الموت ((إيسيذوروس البراموسي، الخولاجي المقدس وخدمة الشماس، مراجعة: نيافة الأنبا متاؤس أسقف دير السريان، القاهرة: مكتبة مار جرجس بشبرا، 1994، ص 201. )) كالتالي: أنت يا سيدي حوَّلت ليَّ العقوبة خلاصًا. كراعٍ صالحٍ سعيت في طلب الضال. كأبٍ حقيقيّ تعبت معي أنا الذي سقط. أدَّبتني بكل التأديبات المؤدية إلى الحياة. أنت الذي أرسلت لي الأنبياء من أجلي أنا المريض (إيسيذوروس البراموسي، الخولاجي المقدس وخدمة الشماس) لا يشأ الله موت الخاطئ بل توبته ويُصلِي الكاهن في صلاة المجمع بالقداس الغريغوريّ مُؤكِّدًا على أن الله لا يشاء موت الخاطئ مثلما يرجع ويحيا، وليس أن الله يُمِيت الخاطئ كعقوبة له على خطيئته كما يدَّعي البعض عن جهل ودون وعي ((إيسيذوروس البراموسي، الخولاجي المقدس وخدمة الشماس، مراجعة: نيافة الأنبا متاؤس أسقف دير السريان، القاهرة: مكتبة مار جرجس بشبرا، 1994، ص 213. )) قائلًا: لأنك أنت هو الله الرحوم الذي لا يشأ موت الخاطئ مثلما يرجع ويحيا. ردنا يا الله إلى خلاصك. وأصنع معنا كصلاحك (إيسيذوروس البراموسي، الخولاجي المقدس وخدمة الشماس) نستنتج مما سبق، أن الله لا يُعاقِب البشر بالموت، بل الموت دخل إلى العالم بحسد إبليس، ونتيجة خطية الإنسان لصالح الإنسان وخيره، وذلك لإنقاذه من البقاء في الشر والخطية إلى الأبد. لأنه لو الموت له أصل إلهيّ في الله، لصار الموت سرمديًا أيّ أزليًا وأبديًا، وهذه هي الثنائية الغنوسية والمانوية، التي تجعل من الموت كيانًا مُوازيًا لله، طالما أن الله يُعاقِب البشر بالموت، فمعنى ذلك أن فعل الإماتة أو إنزال الموت كعقوبة له أصل أزليّ في الله، فيكون الموت أزليّ أبديّ، وعلى هذا، معنى ذلك تأليه الموت والعدم، وهذه هي الهرطقة الغنوسية والمانوية عينها التي تجعل من الشر والموت والظلام إلهًا في مُقابل إله الخير والحياة والنور. --- ### أزمة "دوماديوس" والحاجة للإصلاح - Published: ۲۰۲٤-۰٦-۲۷ - Modified: 2024-06-27 - URL: https://tabcm.net/26928/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أنبا أبرآم الثالث، مطران ورئيس أديرة الفيوم, أنبا بولا، مطران طنطا, إكليروس, القرعة الهيكلية, الكنيسة القبطية, الكنيسة الكاثوليكية, المجلس الملي, انتخاب البابا, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, دوماديوس حبيب إبراهيم إبراهيم الراهب, دير الأنبا بيشوي, دير الأنبا مقار الكبير, عيد القيامة, ڤاتيكان, كنيسة الإسكندرية, مجمع الأساقفة أخيرًا، أظهرت الكنيسة القبطية كرامة في ضبط جزء من حالة الانفلات الإكليروسي، التي يمارسها مجموعة من الأساقفة والكهنة بلا حسيب ولا رقيب، ضاربين بقوانين الكنيسة -غير المفعلة- عُرْضَ الحائط، بعدما تمت محاسبة القس دوماديوس حبيب المشهور باسم "دوماديوس الراهب"، الذي شغل منصات التواصل الاجتماعي في مصر، طوال الأسبوعين الماضيين، عقب انتشار أخبار عن نيّته شراء بقرة لذبحها كأضحية في عيد الأضحى، مشاركةٌ منه لإخوانه في الوطن من المسلمين. وعلى الرغم من أن هذا التصرف كان من شأنه أن يجعله رمزًا للوحدة الوطنية، إلا أن الرياح جرت بما لا تشتهي السفن، إذ لاقى هجومًا عنيفًا من المسيحيين والمسلمين على حدّ سواء. فالمسلمون أوضحوا أن الأضحية لها شروط دينية محددة لا تنطبق عليه، في حين رأى المسيحيون في تصرفاته نوعًا من أنواع المداهنة والتملق تجاه الأغلبية المسلمة على حساب إيمانه المسيحي. وقد بدأ بعض الشباب في تتبع قصته، وكُشف النقاب عن الكثير من المعلومات عنه خلال الأيام الماضية. لمعرفة قصة القس دوماديوس وكيف بدأت في فبراير 2013، حينما أحرق سكان مسلمون متطرفون كنيسة مارجرجس سرسنا بمحافظة الفيوم ومشاكله مع الأنبا إبرآم، مطران الفيوم، وصولًا إلى بيان الكنيسة الأخير بالتبرؤ من أي نشاط له ووقفه عن أي نشاط رعوي وعودته إلى أحد الأديرة لمدة عام، وقد نُشر هنا في الشبكة تقرير مُفصّل يمكن العودة إليه (من هنا). السؤال المُلح في قصة القس دوماديوس وغيره من "رجال الدين" المنفلتين الذين يفعلونما يشاؤون دون حسيب أو رقيب: أين هي قوانين الكنيسة التي يتشدق بها الكثيرون، وخاصة المتشددون مدّعي حماية الإيمان، في محاسبة هؤلاء؟ ولماذا تظل غير مفعلة؟لإجابة هذا السؤال أعود إلى اليوم التالي لإجراء القرعة الهيكلية -4 نوفمبر 2012- التي أسفرت عن اختيار الأنبا تواضروس، أسقف عام البحيرة، لرئاسة كرسي مار مرقس، فحالفني الحظ بمقابلة البابا الجديد حيث كان موجودًا بدير الأنبا بيشوي بمدينة وادي النطرون، محافظة البحيرة، وأعلن آنذاك أنه يولي اهتمامًا كبيرًا بترتيب البيت الكنسي من الداخل، والانتقال بالكنيسة إلى المؤسسية، وكان نهجه فيما بعد هو تعديل اللوائح القديمة لتواكب تطورات العصر، وإضافة الجديد، وبالفعل تم تعديل بعض اللوائح في السنوات الأولى لحبريته، كلائحة انتخاب البابا ولم يكن التعديل على القدر المنشود. نجح البابا تواضروس الثاني في تفكيك منظومة المجلس الإكليريكي الخاص بقضايا الزواج والطلاق والتي ظلت خاضعة لسيطرة الأنبا بولا، مطران طنطا، حتى اندلعت ثورة أصحاب المشكلة عام 2011 في حبرية البابا شنودة، والتي عُرفت إعلاميًا لاميًا بـ"موقعة الكلب"، بسبب محاولة تفريق المتظاهرين باستخدام كلاب حراسة كانت متواجدة وقتها، وقد تم تحويل المجلس المركزي إلى 6 مجالس إقليمية داخل مصر وخارجها، يترأس كل مجلس منها أسقف، ويضم في عضويته كهنة وقانونيين واستشاريين نفسيين، لمدة 3 سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، وبعدها يتم تغيير المجلس بالكامل. بالرغْم من هذا النجاح، لكن مع مرور الوقت لم يحدث جديد بنقل الكنيسة إلى المؤسسية، خاصة بعد مقتل الأنبا إبيفانيوس، رئيس دير الأنبا مقار، ولا يمارس البابا تواضروس سلطة مطلقة كسلفه البابا شنودة، الذي حكم الكنيسة كفرد أوحد لا ينازعه أحد، وكان يخافه كل الإكليروس من أساقفة وكهنة. (لا يسري هذا على السنوات السبع الأخيرة من حبريته بسبب اشتداد المرض وكبر السن) ويواجه البابا تواضروس مقاومة الحرس القديم من رجال البابا شنودة في مجمع الأساقفة، الذين يريدون بقاء الوضع السابق / الحالي خلال حبرية البابا الراحل كما هو، حيث يمتلكون سلطة مطلقة لإدارة كل شيء في إيبارشياتهم، ولا يجرؤ أحد على محاسبتهم أو المراقبة عليهم ماليًا وإداريًا. ولنا في موسم الهجرة إلى أمريكا وكندا كل عام بعد عيد القيامة نموذجًا، فبينما كنا نكتوي خلال الأسبوعين الماضيين بموجات حارة في مصر، كان عدد لا بأس به من الأساقفة يقضي وقتًا طيبًا في أمريكا الشمالية في طقس أخف وطأة في حرارته. "في الهوا سوا" هو اسم لفيلم مصري قديم كوميدي، لكنه تعبير يشير إلى "إننا كمجموعة في نفس المركَب". هذه العبارة، بالرغم من بساطتها، إلا أنها توضح أزمة الكنيسة وغياب المحاسبة والشفافية فيها. فالكنيسة تعني وفق الإنجيل "جماعة المؤمنين"، وتنقسم هذه الجماعة إلى جناحين: أولهم العلمانيون (الشعب)، وثانيهم الخدام / الإكليروس / الكهنة. ومنذ عهد رسل المسيح الذين كانت مهمتهم التبشير وخدمة الكلمة، ولكي يتفرغوا لها، أوكلوا الجانب الاجتماعي إلى الشمامسة، فاختار سبعة كان من رئيسهم إستفانوس، أول شهيد في المسيحية -لم يكن من الرسل وشهد للإيمان أمام قاتليه- للجانب الاجتماعي، أي خدمة الموائد. لكن ما حدث في كنيسة الإسكندرية مؤخرًا هو تغول فئة على حساب الأخرى، وأصبحت هناك طبقية؛ فالإكليروس أصبحوا سادة على الشعب وليسوا خدامًا له -إلا فيما ندر من كهنة وأساقفة يعرفون دورهم جيدًا لكنهم قلة ويتم محاربته من الأغلبية- وداخل الإكليروس تغوَّل الرهبان على الكهنة المتزوجين، وأصبحوا فوقهم لأن منهم يتم اختيار الأساقفة الذين يقودون الكهنة، فكل راهب هو أسقف محتمل، وتم استبعاد العلمانيين / الشعب من المشاركة في إدارة الكنيسة، بإلغاء المجلس الملي وهيئة الأوقاف القبطية، فلم يتم انتخابهم منذ أبريل 2011، وتم حصر اختيار الأساقفة من الرهبان فقط، مما يغلق الباب أمام المتبتلين من العلمانيين لشغل تلك المهمة، فلا يهم إذا كنت دارسًا أكاديميًا للاهوت والعلوم المختلفة المُتطلب توافرها لهذه الرتبة كما في الكنائس التقليدية الأخرى، سينظر لك نظرة دونية، ولكن من المهم أن تكون من الرهبان، حتى لو كنت غير متعلم أو لديك شهادة دبلوم كأحد الأساقفة في محافظة المنيا. لذا فإن أزمة الكنيسة الحالية تكمن في تغوَّل الرهبنة على بقية مكوناتها، والحل يكمن في إعادة التوازن بين أجنحة الكنيسة من إكليروس وشعب، وإذا لم يتم ذلك، سيظل الوضع في تردٍ إلى أن نصل إلى نقطة اللا عودة، وعندها  لن يفيد الندم على انهيار كنيستنا العريقة، والأفضل لنا جميعًا أن يدعو البابا إلى نقاش على طريقة مجمع الفاتيكان الثاني الذي انعقد بين عامي  1962 و1965، حيث راجعت خلاله الكنيسة الكاثوليكية جميع أمورها بمشاركة كل مكوناتها، كما شاركت الكنائس الأخرى في المجمع كمراقبين. إننا بحاجة إلى الحوار والإصلاح، ذلك أفضل من الوصول إلى طريق مسدود والانهيار، فهل من مستجيب لتلك الدعوة؟ --- ### قضايا أفسدها شهود العيان - Published: ۲۰۲٤-۰٦-۲٦ - Modified: 2024-06-26 - URL: https://tabcm.net/26474/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: ديڤيد هيوم كل هذا يُمكن أن يُدهشني، ولكني مازلت سأجيب أن احتيال وغباء النّاس ظاهرة مُنتشرة، وأنه من الأفضل أن أُصدِّق أن أشد الأحداث غرابة يُمكنها أن تَنشأ من تَواطئهم على أن أُقِرَّ بأن قوانين الطَّبيعة قد اختلّت (ديفيد هيوم) اثنتان من أهم وسائل إضفاء الموثوقيّة على الادعاءات في العالم القديم -وحتى اليوم- هما: - حجّة شهود العيان (فلان رأى أو سمع كذا، وفلان موثوق، إذا كذا حدث). - وحُجّة التَسَلسُل الروائي (فلان قال لفلان، وفلان قال لفلان، وكلهم مشهود لهم بالأمانة، إذن المعلومة يقينًا انتقلت بشكل سليم). في هذا المقال سنتحدث عن شهود العيان، وإشكاليات الاعتماد عليهم من منظور علم النفس والأدب والتاريخ. في عام 1975، تم خطف روبرت هينسون، المدير المساعد لفرع من فروع متجر كولينز، حيث وضعه الخاطفان (كانا اثنين) في سيارة دودج بيضاء اللون، وذهبا به إلى الفرع لكي يفتح لهم الخزنة. وعندما أخبرهم أنه لا يعرف أرقام الخزنة، تركوه ليرحل بعد أن سرقوا الأموال التي كانت في جيبه (35 دولارًا). عندما اُختُطف هينسون في السيارة، رأى وجوه الخاطفين للحظة قبل أن يغطوا وجوههم. وبعد أن تركوه، ذهب هينسون وأبلغ الشرطة وقال لهم إن أحد الخاطفين كان يبدو من أصل إسباني وإن أحدهم كان يشبه شخص تقدم لوظيفة في شركته مؤخرًا. وبناءً على هذه التفاصيل، رسمت الشرطة صورة مركبة للمشتبه به ونشرتها. وبعد ثلاثة أيام، تم القبض على شقيقين كانا يقودان سيارة دودج بيضاء، وهما لوني سوير (18 عامًا) وساندي سوير (20 عامًا). في المحكمة، قال هينسون إن لوني وساندي هما اللذان خطفاه بالفعل، وأنهما هدداه بالسلاح. وبالرغم من أن لوني وساندي قدما دليلًا على تواجدهما في أماكن أخرى وقت الحادثة، إلا أنهما تمت إدانتهما بالفعل، وحُكم عليهما بالسجن لمدة 28 - 32 عامًا للوني و32 - 40 عامًا لساندي، حيث كان عليه جريمة سابقة أدت إلى حكم مشدد. وبعد محاكمتهما، أخبر لوني وساندي أهلهما بضرورة الطعن على هذا الحكم لأنهما لم يرتكبا أي جريمة. ظل الأهل متابعين لهذا الموضوع، واستعانوا بمحققين لكي يحاولوا اكتشاف الحقيقة. وبعد فترة، قال أحد المسجونين في السجن الذي كان فيه لوني وساندي إن هناك شخصًا يدعى روبرت توماس كان أحد الذين خطفوا هينسون. قرر أحد المحققين تتبع هذه المعلومة، ووجد استمارة باسم توماس كان قد ملأها للتقدم لوظيفة في متجر كولينز، كما وجد أيضًا أحد معارف توماس لديه سيارة دودج بيضاء. وفي عام 1977، تمت إعادة محاكمة الأخوين وحكم ببراءتهما في يوم 7 يناير. لوني وساندي كانا محظوظين أكثر من المتهمين في جريمة القتل التي حدثت يوم 15 أبريل 1920. في ذلك اليوم، كانت آني نيكولز واقفة عند النافذة تأخذ قسطًا من الراحة من أعمال المنزل. وفجأة ظهر رجلان، أحدهما أمين خزنة في مصنع يحمل حقيبة نقود والآخر حارسه. وفجأة، أخرج أحد الرجلين اللذين كانا يسندان على السياج في الشارع مسدسًا وقتل الحارس. كما قُتل أمين الخزنة وهو يحاول حماية الحقيبة التي كان يحملها. كانت آني نيكولز تتابع المشهد من النافذة، وفجأة جاءت سيارة أخذت الرجلين الذين ارتكبا الجريمة، وأخذا النقود ولاذا بالفرار. آني وبقية الشهود لم يستطيعوا إعطاء الشرطة أي تفاصيل عن الذي ارتكب الجريمة. قال أحدهم إنه كان أسمر، لكن شاهدًا آخر قال إنه كان أشقر جدًا وربما كان سويديًا أو فنلنديًا. وقال شاهد ثالث إن السائق كان لديه شارب، لكنه غير أقواله لاحقًا وقال إنه لم يكن لديه شارب وكان حليق الذقن جيدًا. بعد بضعة أسابيع، تم القبض على نيكولا ساكو (صانع أحذية) وبارتولوميو فانزيتي (صياد سمك) واتُهِما بالقتل والسرقة. كان كلاهما يحملان سلاحًا بالفعل، وكان ساكو يحمل نفس نوع السلاح الذي استُخدم في الجريمة. لكن لم يكن لدى أي منهما سجل إجرامي. على الرغم من أن الشهود لم يروا أي تفاصيل عن مرتكبي الجريمة وكان كل كلامهم متناقضًا، وصرح أحدهم أنه لم يرى جيدًا، إلا أنه أثناء المحاكمة، شهد خمسة شهود بأن ساكو كان أحد الجناة. كما صرح أربعة شهود بأن فانزيتي كان واقفًا بالقرب من مكان الجريمة، على الرغم من أن أحد الشهود قال لصديق له أنه اختبأ بمجرد أن رأى المسدس وأنه لن يتعرف على الجناة لو رآهم مرة أخرى. وبالرغم من ادعاء الشهود بأنهم لم يروا جيدًا، إلا أن جميع المترددين تحولوا إلى أشخاص واثقين تمامًا من شهاداتهم واتهموا ساكو وفانزيتي. بالرغم من أن ساكو وفانزيتي قدما دليلًا على أنهما كانا في أماكن أخرى وقت الجريمة (كان ساكو في القنصلية الإيطالية وكان يحمل صورة عائلية لتجديد جواز سفره، وتذكره الموظف لأن الموقف كان غريبًا ومضحكًا، وكان فانزيتي يصطاد في منطقة بليموث وتاجر تذكره هناك)، إلا أنه لم يؤخذ بشهادة هذين الشاهدين واعتُبرت شهادة شهود الإثبات أقوى، وحُكم عليهما بالإعدام ونُفذ الحكم في 23 أغسطس 1927. هذه المواقف مهمة لأنها تبين أن شهود العيان ليسوا مجرد أشخاص يرون حقائق وينقلونها بشكل مجرد ومباشر غير قابل للخطأ. حتى وإن كان شهود العيان موجودين ويجري التحقيق معهم لسنوات، تظل المعلومات التي يقولونها تتغير، وتظل شهادتهم تتناقض، ويظلون يقولون كلامًا جديدًا لم يقولوه في وقت التحقيق القريب من الحدث. يتحول عدم اليقين إلى يقين، وتتغير مواصفات الأشخاص، وتزداد المعلومات تفاصيلها بشكل أكبر مع الوقت. هذا ما تؤكده دراسات الذاكرة وعلم النفس وعلم الأعصاب، وبالإضافة إلى ذلك توجد إشكاليات أخرى مثل الذكريات الوهمية أو الذكريات الخاطئة. الشهادة للمُعجزة في كُتيب صغير عن المُعجزات، يناقش ديفيد هيوم دور الشهادات أو الأخبار التي يتناقلها الناس في إثبات الأحداث، ويُطبِّق ذلك تحديدًا على الأخبار التي تتضمن أحداثًا مُعجزيّة أو خارقة للطبيعة. ومن الأفكار اللطيفة جدًا التي طرحها في هذا الكتاب أننا نثق في الأخبار التي يتناقلها الناس عندما لا يكون لديهم دوافع للكذب، وعندما يكون عددهم كبيرًا، وعندما تكون شهاداتهم مُتّسقة. وهذه الثقة لدينا بسبب "العادة". أي إننا بالمُلاحظة تعودنا أن هذا العدد لا يكذب، وهذا وذاك لا يكذبان لأنهما لا يملكان مصلحة في ذلك، جرت العادة على هذا. فأضاف هيوم لهذا الجزء جانبًا آخر، وهو أن تعريفنا للمعجزة هو أنها شيء يخالف العادة. فمثلًا لو مات شخص في سن صغير فلا يُقال أن ذلك حدث معجز، لأنه شيء لا يخالف المعتاد والملحوظ. لكن لو وضعت حديدًا في الماء ولم يغرَق حينئذٍ تقول إن في شيء "مش عادي" أو "مخالف للملاحظة". ولكن عندما يأتي شخص ويقول لك إنه ذهب إلى المسطح المائي الذي يبعد عن بيتك كيلومترين ووضع حديدًا هناك والحديد لم يغرَق، والشخص هذا أنت تثق فيه بناءً على العادة، إلا أنك تثق أيضًا بأن الحديد لا يطفو على الماء بناءً على العادة، فهنالك تناقض بين شيئين كلاهما مبني على الملاحظة والعادة، إما أن فلانًا الذي ليس من عادته أن يكذب قد كذب أو توهم أو اختلط عليه الحديد بمادة أخرى، أو أن طبيعة الحديد قد تغيرت وأصبح يطفو على الماء. السؤال المهم هنا: لو لم يكن لديك القدرة على التحقق من الأمر بنفسك، ماذا يجعلك تغلّب العادة السائدة بأن فلانًا لا يكذب على العادة السائدة بأن الحديد لا يطفو؟ ضع في اعتبارك وأنت تُجيب أن حصر الموضوع في كذب فلان هو تجاهل لاحتمالات أخرى كثيرة ممكنة تجعله يقول معلومة خاطئة -بحسن نيّة- وهو نفسه لا يدري، مثل أن يكون لديه شيء غير الحديد يطفو عادة واختلط عليه الأمر. ولكن حتى يكون السؤال أوضح، فلنحصر الاحتمال في الكذب فقط. ماذا يجعلك تقول إن العادة السائدة بأن الحديد لا يطفو هي التي كُسرت وليس العادة السائدة بأن فلانًا الذي تعرفه يكذب؟ لنفترض أن جميع المؤرخين الذي درسوا إنجلترا اتفقوا على أنه في يناير من عام ١٦٠٠ ماتت الملكة إليزابيث، وأنه قُبيل وبعد موتها قد عاينها الأطباء والعاملين بالبلاط، كما هو الحال مع من هم في نفس مكانتها. ولنفترض أنه تم الاعتراف بمن تسلَّم الحكم بعدها وأُعلن حاكمًا في البرلمان، وأنه بعد دفن الملكة إليزابيث بشهر، ظهرت ثانية، وتولَّت مقاليد الحُكمِ، وحكمت إنجلترا لثلاثة سنوات. ينبغي أن أعترف أني سأكون مُتفاجئًا لحدوث تِلك الظروف الغريبة الكثيرة، ولكني لن أميل مطلقًا لتصديق حَدَث معجزيّ كهذا. لن أشَكِّكَ في موتها المزعوم، ولا في الأحداث التي تبعته. يُمكن فقط أن أفترض أن موتها كان مفتعلًا، وأنه بالتأكيد لم ولن يكن حقيقيًا. يُمكن أن تُجادِل سُدىً أنه من الصَّعب بل من المُستحيل أن تخدَع العالم بأكمله في أمر بتِلك الفداحة. وأنه مع حكمة وحُسنِ حكم هذا الملكة المعروفة فما الميزة القليلة أو ربما المُنعدمة التي يُمكن أن تتحصَّل عليها من خدعة رخيصة كهذه، كل هذا يُمكن أن يُدهشني، ولكني مازلت سأجيب أن احتيال وغباء النّاس ظاهرة مُنتشرة، وأنه من الأفضل أن أُصدِّق أن أشد الأحداث غرابة يُمكنها أن تَنشأ من تَواطئهم على أن أُقِرَّ بأن قوانين الطَّبيعة قد اختلّت. (ديفيد هيوم، مقالة عن المعجزات، ١٨٤٠ ((David Hume, Essay On Miracles, 1840 )) ) --- ### هل نحن متمسكون بالظلام؟ - Published: ۲۰۲٤-۰٦-۲۵ - Modified: 2024-06-25 - URL: https://tabcm.net/27209/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: أوريجينوس ليونايدس أدامانتيوس, إبيفانيوس، أسقف سلاميس, إفخارستيا, إكليروس, الكنيسة القبطية, الكنيسة الكاثوليكية, النسطورية, بابا كيرلس عمود الدين, باسيليوس الكبير، أسقف قيصرية الكبادوك, سنكسار, غريغوريوس النزينزي، الناطق بالإلهيات, قديس أوغسطينوس، أسقف هيبو, قديس بولس الرسول, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية كثيرًا ما نسمع في الكنيسة القبطية عن المباحثات التي دعانا القديس بولس الرسول أن نتجنبها؛ المباحثات الغبية والسخيفة اجتنبها، عالما أنها تولد خصومات ((تيموثاوس الثانية 2: 23 ))، ففي الحقيقة أنا لست هنا لكي أتباحث عن سيرة شخص من الإكليروس، أو حدثًا يشغل الرأي العام، فالكثير منها موجود ومثار بشدة، يكفي أن تفتح أي وسيلة من وسائل التواصل وتري بعينك ما هو الترند اليوم وتري التحليلات، التي من وجهة نظري مهمة إن كانت تسعي لتحقيق فكرة وليست تنفيسًا عن كبت، أو كما نقول؛ تركز على الخطية وليس الخاطئ، وأن تطرح حلولًا وﻻ تكتفي بطرح المشكلات، بل أنا اليوم أحاول إلقاء نظرة عامة على المواضيع المطروحة في الكنيسة القبطية، وهل هي بنّاءة؟ وإن كانت لا، فأين تكمن المشكلة؟ ربما تكمن في أننا نتكلم كثيرًا عن الظلمة ونتفنن في وصفها وكأننا قد نسينا النور، ونسينا كيف أن خيطًا واحدًا خافتًا يمكنه أن يبدد تلك العتمة. نهتم بالتكلم عن الهرطقات والمهرطقين ونسينا أن نتكلم عن الإيمان، أو أن نعيش الإيمان، فبقيت أفكارنا مجرد مفردات نظرية نتداولها لنجادل بعضنا البعض دون أن نعيش تلك المفردات بطريقة عملية، وبقيت القداسة عبارة عن نصوص جامدة، نثبت من خلالها أننا قديسين دون أن نعيش بالإيمان تلك القداسة، فانتشر الوهم والجهل وغيرهما من أمور الظلمة بكثرة حديثنا عن الظلمة. أتذكر في إحدى فصول التربية الكنيسة، كان أول درس في المنهج الصيفي عن الخطية، وما تفعله الخطية، وتأثير الخطية، حتى أتذكر تمامًا في ذلك اليوم أني خرجت مثقلًا أكثر مما دخلت بسبب الكلام عن الخطية، فنحن نعلم ذلك، وعشنا مرارة الخطية، ونعلم ما هي الخطية، وعشنا في الخطية، ولكننا لم نعش النعمة، لم نختبرها، ولم نستوعب أين كانت طيلة تلك الساعات؟ هل مازلنا مقتنعين بكل ما نعلّم به في العظات والكنائس والاجتماعات بالحديث عن الخطية وعن الظلمة دون وجود للنعمة؟ ولماذا لا نعيش الإيمان بل نتكلم عنه فقط؟ العظات كثيرة، دون أن نرى ثمار هذه العظات في داخل المتكلم، فحتى وإن كان التعليم صحيحًا يصبح تعليم أجوف، ليس له أصل في القلب. وربما تكمن المُشكلة أيضا بأننا لا نقبل الأخر إن كان مختلفًا معنًا، وكأننا نحن النور نفسة لا شهود للنور، وكأننا الكنيسة الناجية، أو الطريق الوحيد للخلاص، بل وصل الأمر ببعضنا أننا صرنا مقياس الاستقامة لغيرنا وكأننا الله ذاته، فصرنا كالشياطين نعادي من يحيد عن طريقنا وفكرنا ورأينا. هل لنا أن نسترجع بعض من ذكريات كنيستنا -المتواضعة قديمًا المنحدرة حديثًا- ونذكر بعض من تراث آبائنا؟ مثل أوغسطينوس التائب فهو قديس في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بالرغم من كونه من معلمين عقيدة انبثاق الروح القدس من الآب والابن الذي تؤمن به الكنيسة الكاثوليكية الآن، وهو ما ترفضه الكنيسة الأرثوذكسية، فلماذا هو أب وقديس في الكنيسة القبطية؟ أليست تعاليمه للعقيدة مختلفة عنا ونرفضها؟ كيف قبلناه قديسًا ونذكره في السنكسار؟ أليس أيضًا باسيليوس وغريغوريوس الثيؤلوغوس، واضعين القداس الباسيلي والغريغوري، كانوا تلاميذ لأوريجينوس في مدرسة قيصرية فلسطين؟ أوريجينوس الذي وصفه إبيفانيوس أسقف سلاميس بالهرطوقي؟ لماذا إذن نصلي بقداسات اتباع الهراطقة؟ لماذا نصلي بقداسات فلاسفة ليسوا أقباط حتي؟ وكيف قبلتهم الكنيسة الأرثوذكسية في الأساس؟ لقد كانت التعددية وقبول الآخر أفضل كثيرًا في العصور الأولى عن عصرنا الحالي، والفرق الواضح هو في النظرة الاستعلائية تجاه الذات حد الغرور، ففي تلك الأيام يعلموننا أن نكره كل شيء، نكره الخطاة والزناة ولا نقترب منهم لئلا يصيبنا الدنس، لا أن نفعل مثلما فعل يسوع، أن ندخل بيوتهم ونتعشى عندهم. إذن الفرق في الاتضاع والمحبة وحسن الفهم والتماس الأعذار، ولو لم نعد لتلك القيم المسيحية الأساسية فلربما نرى في اختلاف الآخرين خطايا لا تُغتفر، حتى وإن كانوا قديسين. نحن نتعلم أن نحب أعدائنا، ولكن نكره أعداء الله! لأنه قال في الكتاب المقدس أحبوا أعدائكم لا أعداء الله ((عظة لشخص مشهور. )) ما هذا الكم من العفن الذي انصبّ علينا؟ فهذا ليس مسيحنا بالمرة وهو بريء من كل ذلك. ها كيرلس الكبير عندما أرسل إلي نسطور قائلًا له عزيزي نسطور أنا احبك، ولكني احب المسيح اكثر. لكن أن نحرمهم من ترياق الحياة؟ نحرمهم من الخلاص من الموت ونحرمهم من الإفخارستيا؟! تخيل معي أب يمنع عن ابنه العلاج، فليس له محبة، ليس له قبول، ليس له المسيح داخله، هذا هو حالنا الآن! المسيح هو الدواء لكل مرض، والكنيسة هي المشفى ((القديس يوحنا ذهبي الفم. ))، المسيح هو مسيح العالم كله وليس مسيح طائفة فقط ((القمص متي المسكين. ))، المسيح يحب الكل، ويقبل الكل، وليس له نظرة استعلائية أو ذات منتفخة، المسيح يقبلني، ويحبني، وأنا في عمق الخطية. يدعونا بأننا أحباب لا عبيد، المسيح يحب فقط؛ فهلا صرنا مثله؟ نحتاج أن نتكلم عن الذي أبصرنا من خلاله نورًا عظيمًا ((إنجيل متى، الإصحاح الرابع. ))، نحتاج إلى النور لكي يدوم لنا النور فنأمن بالنور لنصير أبناء النور ((إنجيل يوحنا، إصحاح ١٣. ))، نحتاج إلى الحكمة أيها الأحباء، لا أن نهملها، لان الذين أهملوا الحكمة، لم ينحصر ظلمهم لأنفسهم بجهلهم الصلاح، ولكنهم خلفوا للناس ذكر حماقتهم، بحيث لم يستطيعوا كتمان ما زلوا فيه. ((سفر الحكمة ١٠ : ٨. )) بما أن الرب طويل الأناة، فلنندم على هذا ونلتمس غفرانه بالدموع المسكوبة، إنه ليس وعيد الله كوعيد الإنسان، ولا هو يستشيط حنقا كابن البشر. لذلك، فلنذلل له أنفسنا، ونعبده بروح متواضع، ولنسأل الرب باكين أن يؤتينا رحمته بحسب مشيئته، لنفتخر بتواضعنا مثلما اضطربت قلوبنا بتكبرهم. فإنا لم نجر على خطايا آبائنا الذين تركوا إلههم وعبدوا آلهة غريبة، فأسلموا من أجل ذلك الإثم إلى السيف والنهب والخزي بين أعدائهم، لكنا نحن لا نعرف إلها غيره، فنترجى بالتواضع تعزيته. (سفر يهوديت ٨ : ١٤-٢٠ ) --- ### دوماديوس.. القس التائب - Published: ۲۰۲٤-۰٦-۲٤ - Modified: 2024-06-25 - URL: https://tabcm.net/27113/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, شئون علمانية - وسوم: آدم, أقباط متحدون, أميرة هشام, أنبا أبرآم الثالث، مطران ورئيس أديرة الفيوم, أنبا إكليمندس، الأسقف العام لشرق مدينة نصر, إسحق إبراهيم, الإخوان المسلمين, الإسلام السياسي, البوابة نيوز, الزواج المختلط, الصوفية, الكنيسة الإثيوبية, الكنيسة السريانية, الكنيسة القبطية, المبادرة المصرية للحقوق الشخصية, المجمع المقدس, المصري اليوم, اليوم السابع, بابا تواضروس الثاني, بابا يوساب الأول, بنتاتوخ, بوابة الأهرام, تقي الدين المقريزي, توراة, جريدة وطني, حزب التحالف الشعبي الاشتراكي, حزب الدستور, حزب المصري الديمقراطي الاجتماعي, حزب المصريين الأحرار, حماة الإيمان, حواء, دوماديوس حبيب إبراهيم إبراهيم الراهب, رئيس محمد أنور السادات, رئيس محمد محمد مرسي عيسى العياط, روسيا اليوم, سلامة عبد القوي, صدى البلد, عماد توماس, عماد خليل, عمر عبد الرحمن, قديس بولس الرسول, ماسبيرو, مايكل فارس, محمد بديع عبد المجيد سامي, محمد خيرت سعد عبد اللطيف الشاطر, مصطفى رحومة يتعامل الأب دوماديوس في بساطة مفرطة تلامس حد قصر النظر. فهو يترجم الأمور المعقدة إلى مفاهيم بسيطة، ويثق في أن مساعي الحب ستؤتي ثمارها، متجاهلاً العواقب التي قد تتجاوز نواياه المتواضعة. هذا الثقة المفرطة تجعله غافل عن التداعيات التي لم يفكر فيها، مما يؤدي إلى عواقب غير مقصودة قد تكون أكبر بكثير من أفعاله الأولية البداية: فبراير ٢٠١٣الجمعة ١٥ فبراير ٢٠١٣:تجمع عشرات المسلمين من قرية سرسنا بالقرب من كنيسة مار جرجس. صعد البعض إلى منزل مجاور وألقوا الطوب وزجاجات المولوتوف الحارقة على الكنيسة. جاء ذلك بعد أن قامت الكنيسة بتوسعات في أرض فارغة تملكها، مما أدى إلى تحطيم جزء من قبة الكنيسة الخشبية والعديد من المقاعد. كما تحطمت نوافذ زجاجية واشتعلت النيران في قطع خشبية قبل إخمادها. وفقًا لروايات متعددة، كانت العلاقة بين الجار "حسين كامل" وكاهن الكنيسة "دوماديوس حبيب"، محتقنة دينيًا. حفر الجار ثقبًا في السور الذي يفصل منزله عن أرض الكنيسة لمراقبة ما يحدث داخلها، في الخميس، ١٤ فبراير، أعترض "حسين كامل" على أعمال الخرسانة، وعلى الصلاة التي تُقام لأنها تصل لأبنائه وهو ما يرفضه. تجمع عشرات المسلمين في القرية وأعلنوا معارضتهم لوجود الكنيسة التي أقيمت في الثمانينات وجددت عام ٢٠٠٠ بعد ترخيص رقم ٣٤٧ كدار مناسبات، ويحرسها خدمات أمنية مثل باقي الكنائس. تبلغ مساحة مبنى الكنيسة ١٧٠ مترًا على دور واحد بارتفاع ٢. ٨ متر من الطوب اللبن، وتزينها قبة خشبية، وبجوارها مساحة فضاء ٤٠٠ متر تمتلكها الكنيسة وتفصلها عن الجار. ((المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، بيان صحفي على خلفية الاعتداء على كنيسة مار جرجس بقرية سرسنا في الفيوم، نُشر بتاريخ ١٧ فبراير ٢٠١٣. )) اتصل دوماديوس، كاهن الكنيسة، بالسلطات الأمنية التي وصلت وحاولت التفاوض مع الطرفين، وأثناء وجود مأمور قسم طامية، صعد نحو خمسين مسلمًا سطح المنزل المجاور، وألقوا الحجارة وزجاجات المولوتوف، ما أدى لاشتعال النيران بالقبة الخشبية، وعدد من المقاعد، وتحطمت نوافذ الكنيسة الزجاجية. استمرت الاعتداءات نحو الساعتين دون تدخل من قوات الأمن المتواجدة، ولم تقبض على المعتدين. وتدخلت عائلة "عبد الحميد عبد الفتاح" لحماية كاهن الكنيسة وتأمين خروجه من القرية ومنعت تعرضه للاعتداء ((المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، بيان صحفي على خلفية الاعتداء على كنيسة مار جرجس بقرية سرسنا في الفيوم، نُشر بتاريخ ١٧ فبراير ٢٠١٣. )).  السبت، ١٦ فبراير ٢٠١٣:عُقدت جلسة عرفية برعاية مأمور مركز طامية في منزل "عبد الفتاح عبد الحميد"، حضرها جيران الكنيسة المسلمين، وأربعة شهود مسلمين، وسبعة أقباط. تجددت الاعتداءات على الكنيسة أثناء الجلسة حيث ألقى المعتدون قطع قماش مشتعلة مرددين هتافات تطالب بإغلاق الكنيسة ("مش عايزين كنيسة"). أجبر ذلك المشاركين في الصلح العرفي على نقله إلى مقر مركز طامية ((المبادرة المصرية للحقوق الشخصية، بيان صحفي على خلفية الاعتداء على كنيسة مار جرجس بقرية سرسنا في الفيوم، نُشر بتاريخ ١٧ فبراير ٢٠١٣. )). وفقًا لإفادة من أحد الحضور، نص محضر الجلسة على: • بناء الكنيسة لجدار عازل بينها وبين الجار. • عدم البناء على الأرض الفضاء المملوكة للكنيسة، وبقاءها كمخزن فقط. • عدم ضم الأرض الفضاء للمبنى الذي تقام فيه الشعائر الدينية. • بقاء مبنى الكنيسة على وضعه الحالي دون تعلية، وألا يزيد ارتفاعه عن ثلاثة أمتار (عدم وضع صليب، لأن هذا يعد تعلية). • تضع الكنيسة مادة عازلة للصوت أعلى سقفها، وأيضا طبقة من البلاط أعلى سقف منزل الجار المسلم على نفقة الكنيسة. أفاد مدير نيابة طامية بأنه حتى مساء السبت لم تتمكن النيابة العامة من معاينة الكنيسة بناءً على توصيات الشرطة لدواعٍ أمنية، وأضاف أن النيابة تنتظر تحريات المباحث والاستماع إلى كاهن الكنيسة باعتباره شاهدًا. علاوة على ذلك، منعت قوات الأمن الصحفيين ومراسلي القنوات الفضائية من دخول الكنيسة وتصوير الخسائر، وطالبتهم بالحصول على إذن مسبق من مطران الفيوم أو المحافظ. في نفس اليوم، السبت، ١٦ فبراير ٢٠١٣، ونحو الساعة التاسعة مساءّ، ظهر كاهن كنيسة مار جرجس سرسنا، الأب "دوماديوس حبيب إبراهيم إبراهيم الراهب"، على قناة CTV الفضائية شارحًا الاعتداء الذي حدث. في اليوم نفسه، أصدر موقع الهيئة الوطنية للإعلام ، بيانًا لشباب الثورة، يدين الاعتداء على كنيسة "سرسنا"ويحمل الرئيس المسؤولية، كما أعلنت تنسيقية شباب الثورة انضمامها لمسيرة ينظمها نشطاء أقباط يوم الأحد، ١٧ فبراير ٢٠١٣، تنطلق من شبرا وتتوقف للاحتجاج أمام دار القضاء العالي. دعا التحالف كل القوى الثورية والسياسية للتضامن مع "شركاء الثورة والدم"، "أخوتنا في الوطن" ((الهيئة الوطنية للإعلام، شباب الثورة يدين الاعتداء على كنيسة "سرسنا"ويحمل الرئيس المسؤلية، نُشر بتاريخ ١٦ فبراير ٢٠١٣. )).  الأحد، ١٧ فبراير ٢٠١٣:أصدرت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بيانًا صحفيًا: على خلفية الاعتداء على كنيسة مار جرجس بقرية سرسنا في الفيوم، ومنه عرفنا كل ما سبق دفعة واحدة. ((مادلين نادر، جريدة وطني، قضايا قبطية: على خلفية الاعتداء على كنيسة مار جرجس بقرية سرسنا في الفيوم، نُشر بتاريخ ١٧ فبراير ٢٠١٣. )) أجهزة الأمن والنيابة العامة تساعدان دون تقديم المسؤولين للمحاكمة العادلة، فقد امتنعت الشرطة عن القيام بدورها في حماية المنشأة الدينية وعدم تعرضها للاعتداء، كما أنها لم تقبض على المحرضين والمنفذين للاعتداءات أثناء قيامهم بها، على الرغم من تواجد مأمور مركز طامية وأعداد من قوات الأمن بموقع الأحداث قبل تفاقمها، كما أن أجهزة التحقيق لم تتحرك لمعاينة الكنيسة والتحقيق مع الأطراف المختلقة وانتظرت فقط تحريات المباحث. (إسحق إبراهيم، مسؤول ملف حرية الدين والمعتقد، المبادرة المصرية للحقوق الشخصية) جلسات الصلح العرفي التي ترعاها الشرطة هي بديل عن تنفيذ القانون، وتسهيل لإفلات المعتدين من العقاب القانوني، وعدم جبر الضرر للمضارين. رعاية الدولة للصلح العرفي صارت أشبه بإذن بالسماح بتكرار الاعتداءات الطائفية. (إسحق إبراهيم، مسؤول ملف حرية الدين والمعتقد، المبادرة المصرية للحقوق الشخصية) مساء يوم الأحد، تسابق نشطاء الدولة المدنية والمعارضين لحكم الإخوان، على التوافد لمحيط دار القضاء العالي، شارك في الاحتجاج ممثلين من الأحزاب المدنية مثل التحالف الشعبي الاشتراكي، حزب الدستور، المصري الديمقراطي الاجتماعي، والمصريين الأحرار ((ميشيل عبد الله، الوطن: قيادي بـ"التحالف الشعبي" يحمل أجهزة الدولة مشكلة "كنيسة سرسنا" بالفيوم. نُشر بتاريخ ١٨ فبراير ٢٠١٣. ))، منددين بأخونة الشرطة، ورعاية الجلسات العرفية، ومطالبين بدولة ذات قانون. الهتافات استهدفت الممول خيرت الشاطر، والمرشد محمد بديع، بالإضافة للرئيس محمد مرسي ((تسجيل فيديوي للاحتجاجات بعنوان وقفة دار القضاء احتجاجا على حرق كنيسة مارجرجس الفيوم1. ))، ((تسجيل فيديوي للاحتجاجات بعنوان وقفة دارالقضاء احتجاجا على حرق كنيسة مارجرجس الفيوم2. )).  الإثنين، ١٨ فبراير ٢٠١٣:تناقلت وكالات الأنباء العالمية مسيرة اليوم السابق، ونجح بعضهم في التواصل مع أهالي سرسنا، الذين أضافوا أن ناشطًا سلفيًا حرض عقائديًا على مهاجمة الكنيسة، وأنه قال أن الشريعة تُحرم أن تُوجد كنيسة بجوار بيت مسلم. ((روسيا اليوم، RT العربية نقلا عن وكالات: الأقباط في القاهرة يحتجون على هجوم تعرضت له كنيسة في الفيوم، نُشر بتاريخ ١٨ فبراير ٢٠١٣. )). في الوقت الذي تضامنت فيه صحف القاهرة ((عماد خليل، المصري اليوم: مسيرة من دوران شبرا احتجاجًا على الاعتداء على كنيسة «مار جرجس» بالفيوم. نُشر بتاريخ ١٧ فبراير ٢٠١٣. )) والعالم العربي ((إيمان، نورت اللبنانية: الأقباط في القاهرة يحتجون على هجوم تعرضت له كنيسة في الفيوم، نُشر بتاريخ ١٨ فبراير ٢٠١٣. )) مع أقباط سرسنا. فاجأنا نيافة الأنبا إبرآم، مطران الفيوم، بأنه لا يوجد حريق، ولا اعتداء على الكنيسة، ولا مولوتوف أو أقمشة مشتعلة، ولا إصابات! وأن كل القصة أن راعي كنيسة مار جرجس سرسنا، الأب دوماديوس حبيب، تشاجر مع جيرانه المسلمين، وأنه المُحرض على افتعال أزمة مع الإخوان لم تحدث. وصل الأمر بمطران الفيوم أن عبّر عن استياءه من قناة CTV المسيحية عبر إعلان مدفوع الأجر في جريدة "الأهرام"، وطالب القناة والمذيع تحري الدقة ((الأنبا إبرآم، مطران الفيوم، إعلان مدفوع الأجر على عمودين منشورين بجريدة الأهرام الورقية. )). تزامن مع قنبلة الثلج الباردة التي نشرها مطران الفيوم؛ عشرات التصريحات الإلكترونية للقمص ميخائيل استراس، وكيل المطرانية، تهمّش مما حدث ((عماد توماس، الأقباط متحدون: وكيل مطرانيه الفيوم ينفى حرق كنيسة مار جرجس بقرية "سرسنا" بالفيوم. نُشر بتاريخ ١٦ فبراير ٢٠١٣. )) وقامت بسببه أول انتفاضة للأقباط بعد ماسبيرو منادية بسقوط نظام الإخوان ((رباب الجالي، اليوم السابع: مطرانية الفيوم: أزمة "سرسنا" خلاف شخصي بين راعي الكنيسة وأحد الجيران. نُشر بتاريخ ١٦ فبراير ٢٠١٣. )). الأمر إذن لا يعدو عن كونه مشاجرة مواطن مع أخيه المواطن (على حد تعبير السادات في وصف أحداث الخانكة والزاوية الحمراء)، والعالم كله لديه معلومات خاطئة مصدرها دوماديوس. ومؤسسات المجتمع المدني تهيّج الجماهير، وماسبيرو والهيئة الوطنية للإعلام لا تفهم سماحة الإخوان المسلمين كما تفهمها مطرانية الفيوم، أما شباب الثورة والأحزاب المدنية فهم يتصيدون في الماء العكر لتحريض الأقباط على الخروج عن سلطة السلطان محمد مرسي، حتى إن من يقاوم السلطان يقاوم ترتيب الله، والمقاومون سيأخذون لأنفسهم دينونة ((رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية ١٣: ٢. )). هذا التدخل من مطرانية الأقباط الأرثوذكس ليس غريبًا إذا ما كنت من قرّاء تاريخ الكنيسة القبطية، فهو نفس ما حدث من البابا يوساب الأول إبان الثورات البشمورية ((باسم الجنوبي، الواقفون أمام الموت. . والكنيسة. . ، جزء من سلسلة: كلام علمانيين عن قيصر والمسيح، الورقة الثامنة. ))، وهي ثورات اجتماعية دارت في مستنقعات الدلتا قرب الفيوم، وانتهت بإبادة جماعية عام ٨٣١م في زمن الخليفة العباسي المأمون. يصف المقريزي تلك النهاية المأساوية في سطر واحد: انتفض القبط فحكم فيهم المأمون بقتل الرجال وبيع النساء، فبيعوا وسُبي أكثرهم. حينئذ ذُلْت القبط في جميع أرض مصر ((تقي الدين المقريزي، في كتابه: تاريخ الأقباط)).   المذنب: مارس ٢٠١٣ اندلعت احتجاجات في سرسنا. فالناس لا تستطيع الصلاة بأمان والمطران يقول لم يحدث شيئ والإخوان يحكمون مصر وسنموت جميعًا! فخرج إليهم الأب دوماديوس لتهدئتهم وقال: لو عايزيني أمشي قولوا وأنا أمشي. فهتفوا بأنهم يريدونه ولا يريدون المطران. ((مصدر هذه الفقرة هو تسجيل فيديوي للاحتجاجات وسط محاولات دوماديوس للتهدئة، وفشلت في العثور عليه مجددًا، لذا فأنا أكتب الآن من الذاكرة. )) أثار هذا غضب المطران، وأصّر على أن دوماديوس تعمّد استرضاء الشعب كي يثيرهم عليه. أدين الأب دوماديوس، وتم إيقافه عن الخدمة في الفيوم، وأُرسل مكانه إثنين من الكهنة الجدد على كنيسة مار جرجس سرسنا. حاول أهالي سرسنا التواصل مع الأنبا إبرآم في قصره بدير العزب، إلا أن محاولاتهم قوبلت بالرفض. يقول أهالي سرسنا إن أحد الحرس رفع مسدسه في وجوههم مهددًا بإطلاق النار إن عادوا ((تسجيل فيديوي للأهالي من داخل كنيسة سرسنا بعنوان: شهادة شعب سرسنا عن طردهم من الدير بالسلاح. )). في السياق نفسه، نظم أهالي قرية سرسنا وقفتين احتجاجيتين أمام المقر البابوي قبيل عظة البابا الأسبوعية، احتجاجًا على تصريحات الأنبا إبرآم وللمطالبة بعودة الأب دوماديوس بعد استبعاده على خلفية أحداث الاعتداء، قوبل الاحتجاج الأول بوعد من سكرتير البابا، الأب أمونيوس، أن يعود دوماديوس لكنيسته يوم الأحد القادم ((مايكل فارس، اليوم السابع: البابا تواضروس يحتوى أزمة كاهن الفيوم المستبعد، نُشر بتاريخ ٦ مارس ٢٠١٣. ))، وعندما لم يعد في الموعد المحدد، تكررت الوقفة الاحتجاجية في الأسبوع الذي يليه ((ميرا توفيق، صدى البلد: أبناء كنيسة "مارجرجس" بالفيوم يتظاهرون أمام الكاتدرائية للمطالبة بعودة "الكاهن"، نُشر بتاريخ ١٣ مارس ٢٠١٣. )). مطران الفيوم يقدّم استقالته في يوم ٢٤ مارس ٢٠١٣، فجّر الأنبا إبرآم، مطران الفيوم، قنبلة ثلج جديدة بتقديم استقالته. أكد الأنبا إبرآم أنّه اعتذر عن أي منصب كنسي. وأضاف في تصريحات خاصة للأهرام أنه قدم مذكرة للبابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، يطلب فيها إعفاءه من أي منصب كنسي، وقبلها البابا منه وتم إعفاؤه بالفعل. واضعًا البابا تواضروس الثاني في حرج التفسير ((أميرة هشام، الأهرام: الأنبا إبرام لـ"بوابة الأهرام": اعتذرت عن عمادة الكلية الإكليريكية وأي منصب كنسي لظروفي الصحية، نُشر بتاريخ ٢٤ مارس ٢٠١٣. )). لاحقًا، في ١٥ أغسطس ٢٠١٧، التقيت مع ٩ آخرين بقداسة البابا في جلسة مغلقة ((خاص، الأقباط متحدون: البابا يلتقي 10 من أبرز معارضيه، نُشر بتاريخ ١٥ أغسطس ٢٠١٧. ))، نفى خلالها قداسته أيّ صلة بمسألة الاستقالة وأنه قرأ الخبر مثلنا. مؤكدًا أنّه حاول إثناء مطران الفيوم عن موقفه دون جدوي، ما دفعه لتحويل الأمر إلى اللجنة المجمعية لشؤون الإيبارشيات ((مصطفى رحومة، الوطن: تواضروس يلتقي نشطاء الأقباط: أبنائي. . وليسوا معارضين كما يصفهم الإعلام، نُشر بتاريخ ١٥ أغسطس ٢٠١٧. )). يتبقى أن نؤكد أن الربط بين استقالة المطران بعد أيام من وعد سكرتارية البابا بإلغاء قرار الإيقاف، هو ليس استنتاجًا شخصيًا، بل صياغة الخبر في صحيفة "الأهرام" التي يفضّلها المطران وينشر فيها إعلانات مدفوعة، حيث ذُكر على خلفية الاستقالة: يأتي هذا بعد تكذيب الأنبا إبرام لما قالته قناة ctv القناة الرسمية للكنيسة الأرثوذكسية بخصوص كنيسة مارجرجس بطامية الفيوم في إعلان مدفوع الأجر بجريدة الأهرام، يقول فيه: إن الكنيسة لم تصب بأي آذي، في حين أن وسائل الإعلام نقلت تعرض الكنيسة لأعمال عنف وإلقاء المولوتوف عليها، وقيام الأنبا إبرام باستبعاد القس دوماديوس حبيب كاهن كنيسة مارجرجس بطامية على خلفية أحداث هذا الاعتداء. (أميرة هشام، بوابة الأهرام، نُشر بتاريخ ٢٤ مارس ٢٠١٣) لاحقًا، سيعدل الأنبا إبرآم، مطران الفيوم، عن استقالتة في مارس ٢٠١٨ ((رانيا سعد، البوابة نيوز: أسقف الفيوم يتراجع عن استقالته. . تقرير، نُشر بتاريخ مارس ٢٠١٨. ))، أي بعد خمس سنوات من استبعاد دوماديوس، الذي قد نساه الجميع، ومن وقتها والكاهن دوماديوس حبيب إبراهيم إبراهيم الراهب، موقوفًا عن خدمة الكهنوت.   المُطارد: سبتمبر ٢٠١٤ تاريخ طويل من التطرف التصق بمحافظة الفيوم، حيث أصبحت منذ تسعينيات القرن الماضي بؤرة حاضنة للجماعات التكفيرية وتوابعها، بدأ الأمر مع تولي الشيخ "عمر عبد الرحمن"، مفتي تنظيم "الجهاد"، منصب الإمام لأحد المساجد بالمحافظة، ومنذ ذلك الحين، ظهرت العديد من الأسماء البارزة لقادة الجماعات التكفيرية، بما في ذلك "شوقي الشيخ" مؤسس تنظيم "الشوقيين"، وجماعة "المسلمون" التي عُرفت إعلاميُا باسم "التكفير والهجرة"، ومنها خرجت تنظيمات "التوقف والتبين"، "الناجون من النار"، "أنصار محمد"، وغيرها من الجماعات التي لا اسم معروف لها، والتي حرمت التعليم، والاختلاط، والتقاضي في محاكم الدولة، ورفض كل مظاهر الدولة بما فيها حمل البطاقات الشخصية، كما كانت الفيوم من المحافظات التي استقبلت عشرات الشعب الإخوانية التي سيطرت على شوارع الفيوم وقراها خلال فترة وصول الإخوان المسلمين للسلطة، ومنها خرج الانتحاري الذي فجّر الكنيسة البطرسية في ديسمبر ٢٠١٦، عقب الإفراج عنه من الاعتقال الذي تم في عهد مبارك ((المصري أفندي، قناة القاهرة والناس، تقرير فيديوي بعنوان: الفيوم وجذور التطرف . . من الشوقيين إلى انتحاري الكنيسة. )). إن أردت معرفة أين تقع قرية سرسنا، مركز طامية، على خريطة التطرف بالفيوم، يمكنك أخذ فكرة من هذا التسجيل الفيديوي، الملتقط في سبتمبر ٢٠١٤: https://www. youtube. com/watch? v=1cj2AKLpQTo لماذا هذا الانعطاف السياسي والأيديولوجي الحاد؟ ولماذا هذا الفيديو الآن وقد مضى عليه عشر سنوات؟ لأن هؤلاء المتدينون من قرية سرسنا، هم بعينهم من اعتدوا على كنيستها لأسباب دينية وعقائدية. وعلى هذا، ليس بالضرورة أن يكون قرار الأنبا إبرآم، مطران الفيوم، تحديًا لأقباط سرسنا كما يبدو لنا المشهد من القاهرة، بل ربما الإيقاف غير المُبرر لدوماديوس، هو إجراء ضروري لحماية أرواح الأقباط في سرسنا. ولسنا هنا بصدد شعارات حقوقية نحفظها ونكتبها، فالسيف أصدق أنباءً من الكُتبِ.   المنتهي الصلاحية: سبتمبر ٢٠١٨   الخاطئ: أغسطس ٢٠٢٣   المثير للجدل: يونيو ٢٠٢٤ يتمتع الأب دوماديوس بالبساطة المفرطة إلى حدود قصر النظر. نحتته المهنة ككاهن، والبيئة في سرسنا، والتجربة والخبرات الشخصية، بطريقة لا تخيب أبدًا مع العلاقات السطحية والكثيفة والعابرة في العاصمة. فهو يترجم الأمور المعقدة إلى مفاهيم بسيطة، ويثق في أن المساعي المدعومة بالحب ستؤتي ثمارها، متجاهلاً العواقب التي قد تتجاوز نواياه المتواضعة. هذه الثقة المفرطة تجعله غافلٌ عن التداعيات المحتملة التي لم يقصدها أو لم يفكر فيها، مما يؤدي إلى عواقب غير مقصودة قد تكون أكبر بكثير من أفعاله الأولية. لنأخذ على سبيل المثال لا الحصر كيف ينظر شيخ أزهري مثل الشيخ "سلامة عبد القوي" لمسألة تصدّق القس المسيحي على المسلمين ((الشيخ سلامة عبد القوي، فيديو بعنوان القس دوماديوس يشتري عجل للأضحية! ! ويوزع العيدية على المسلمين. ))، الذي يبدو لنا انتماؤه الأيديولوجي، كمحب لجماعة الإخوان المسلمين، دافعًا على أنّ يكون أكثر صدقًا وجرأة عن نظرائه من الأزاهرة الذين تربطهم تعاملات أكثر حميمية مع الكنيسة: هل تبدو لك نظرته التحليلية مبالِغة في سوء الظن والفكر التآمري؟ حسنًا، تجدر الإشارة إلى أن جميع الأعمال الخيرية كانت دائمًا محل إنتقاد المتخصصين في العمل التنموي منذ ستينيات القرن الماضي، حتى خصوم الإخوان يتهمونهم باستخدام الخدمات في شراء ولاء الناس ومحبتهم ومعها تأييدهم غير المشروط في صندوق الانتخاب. وبالمثل، يوجّه الإخوان نفس الانتقادات للمرشحين المنافسين، بما في ذلك رئيس الجمهورية، وأيضًا طال التراشق السياسي توزيع "كرتونة رمضان" على إنها شراء للدعم بالمال السياسي. بالطبع انتقادات الأقباط لدوماديوس مختلفة، فهي لا تتعلق بفعل الخير ذاته وإنما تتعلق بنصوص دينية صريحة تحظر الظهور قدام الناس وإلا ستعد عند الله مستوفيًا أجرك. ودوماديوس كاهن، أي أنه يحفظ تعاليم المسيح جيّدًا. ومن ثم هو في عيون الأقباط يحابي الوجوه مع الناس وليس لوجه الله. لكن هذا لا يعدو عن كونه استهجانًا داخليًا وليس جريمة، وبدقة أكبر، أغلب إفادات المسيحيين تقول عنه: باع التعاليم "علشان اللقطة"، و"بيستكرد" المسلمين. أما مسألة المشاركة في شعائر غير مسيحية، أو الصلاة المشتركة حتى ولو مع طوائف مسيحية مغايرة لكنيسة الأقباط الأرثوذكس التي هو كاهن عليها، فكل هذه تعد أفعال تستوجب المراجعة والتنسيق والإذن من رئاستة الدينية، على الأقل لضمان تطبيق السياسات العامة للمؤسسة الدينية وتماشيها مع السياسة العامة للدولة أيضًا. ودعونا هنا نضرب مثالًا خفيفًا بأن كنيسة الأقباط هي كنيسة شقيقة لكلٍ من الكنيسة السريانية والكنيسة الإثيوبية على المستوى العقائدي. لكن هل يمكن مقارنة حركة العلاقات الدولية نتيجة ما تمر به سوريا حاليًا من أزمات إقتصادية؟ ألن يؤثر بناء سد النهضة على توتر العلاقة مع أثيوبيا كما أثر النزاع حول "دير السلطان"؟ الجدل حول الصلاة المشتركة دعني أذكرك بإن قداسة البابا تواضروس الثاني كان قد تعرض لحملات عزل من مسيحيين أصوليين، وأحد أبرز اتهاماتهم له هو إنه شارك في الصلاة مع طوائف مسيحية مغايرة لا تجمعهم شركة رسمية مع كرسي مار مرقس. ربما يكون الاتهام بالصلاة سخيفًا بالنسبة لك (هو كذلك بالنسبة لي) لكن مآخذ حماة الإيمان -الجادة- لها أصل كهنوتي، فالمسيحي العلماني حر لكن الكاهن ليس حرًا، وﻻ شيخ الأزهر حر في أن يصلي خلف ملالي إيران، أو دخول مسجد في طهران، لأنه بالصلاة المشتركة في طقوس متشابهة (قداس مثلًا) وكأنه يضفي شرعية كهنوتية على طقوس مختلف عليها أو غير مُعترف بشرطونية مؤديها. فما بالك كأديان؟ اعتدنا أن الصلاة هي علاقة بين الفرد وربه، هذا صحيح على مستوى الفرد، أما الصلاة المشتركة بين المؤسسات الدينية فهي ليست كذلك، ليست علاقة فردية على الأقل، ولا تعبّر الصلاة المشتركة إلا عن مدى تقارب الجماعات الراعية للصلاة المشتركة بين بعضهما البعض. ودعنا هنا نضرب مثالًا خفيفًا أيضًا حول الحرب الروسية الأوكرانية، إذ سبقها إنفصال إداري وهيكلي لكنيسة أوكرانيا عن كنيسة روسيا، أوكرانيا ترى هذا "إستقلالًا" بينما روسيا تشيطن نفس الفعلة وتراها "إنشقاقًا". وعلى الرغم أنهما كنيستين أرثوذكسيتين متطابقتين عقائديًا، إلا أنه بالتأكيد غير مسموح لأحدهما بالصلاة المشتركة مع الآخر لدواعي الحرب. ومن الوارد أن يكفّر ويشيطن كلاهما الآخر بأداوتٍ دينية وعقائدية، ومن الطبيعي أن يتغيّر هذا لشكل أكثر تقاربًا إذا ما تغيرت ظروف الحرب. مسألة "الصلاة المشتركة" يمكن فهمها بشكل أعمق من خلال الأحوال الشخصية وعلاقة الزواج الرسمي، فالصلاة المشتركة بين جماعتين تعني إمكانية الزواج المختلط بين هاتين الجماعتين. الجدل حول الذبح كفداء الذبح ليس مجرد طعام للمقتدرين، بل شعيرة دينية ذات قدسية وهناك طقس ديني لنحر الأضحية يستوجب صلاة العيد قبل النحر. لكن كل هذا طبقًا لشعائر الإسلام والمشكلة الأعقد هنا هي لاهوتية.  يرى المسلمون أن قضية ذبح الأضاحي تعود إلى أبي الأنبياء إبراهيم، والمشار إليها في القرآن بقوله وفديناه بذبح عظيم، أما في المسيحية، فموضوع "الذبيحة" أقدم من موقف إبراهيم، ويعود إلى الله نفسه في قصة آدم وحواء عندما أكلا من الشجرة وعرفا إنهما عريانين. التفاصيل في التوراة تقول إنهما غطّيا جسديهما بورق التين (التوت في القرآن) فصنع الله لهما أقمصة من جلد ((سفر التكوين ٣ : ٢١. )). والجلد يعني ذبح حيوان حتى يؤخذ جلده. تحول كل هذا إلى مبدأ فلسفي في اليهودية بأنّ الله هو أوّل من ذبح، وذبح حيوانًا بريئًا لستر خطية (عورة) الإنسان الأول. يُختصر هذا المبدأ في التعبير بدون سفك دم لا تحصل مغفرة ((رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين ٩ : ٢٢. )). والمعنى من هذا المبدأ أنه -في الشريعة اليهودية- فالتوبة ليست كافية للمغفرة، بل لابد من أن تُقرن التوبة بتقديم ذبيحة. هذا هو عصب ومحور كهانة اليهود، والذين هم أصل الكهنة. عملهم تقديم الذبائح. ﻻ ذبيحة تُقبل دون كاهن، وليس أي كاهن، بل له مواصفات خاصة، ومنحدر من سبط (نسل) معين. والمسيحية لم تلغ المبدأ العام، لكنها تؤمن إن المسيح قدم نفسه ذبيحة على الصليب، ومن ثمّ لم يعد الإنسان مرغمًا على تقديم ذبيحة عندما يخطئ. من الشروحات السابقة، يمكنك أن تفهم الاعتقاد المسيحي بشكل أكثر عمقًا عندما يرى أن دوماديوس قد داس على فداء المسيح، أو أبطله، واستعاد شعيرة يهودية مُلغاة (أنت قد تراها إسلامية، لكنها في معتقداته هو شعائر يهودية) وهو أمر أشبه بالإرتداد لليهودية ويتطلب مراجعة أفكاره الاعتقادية. الجدل حول تمجيد الحسين مسألة "تمجيد الحسين" لا بأس بها، المشكلة ربما تكون حول الصلوات المشتركة مع الشيعة. كان دوماديوس قد تعامل مع جهات أجنبية مثل مؤسسة أصيل الإيرانية، وأنتجا معًا إصدارة من "مناجاة المحبين"، وهي المناجاة التاسعة من المناجاة الخمسة عشر للإمام علي بن الحسين زين العابدين. هو يقول أنها صلاة، أي إنه يعلم أنها صلاة، وفعل ذلك دون إخطار ودون تنسيق ودون إذن مستغلًا عدم وجود رئيس ديني مباشر عليه. وبقية الجدل في هذا المبحث يمكن إحالته إلى ما ذكرناه حول الصلاة المشتركة في كونها ليست مُعبّرة عن السلوك الفردي المعتاد في الصلاة، بل يجب أن تضبط بضوابط الجماعة الدينية التي يعتنقها الفرد لكونها معبّرة عن سياسة جماعية وليس إرادة فردية. الجدل حول علاقته بطهران تلك هي المشكلة الأخطر حسبما أعلم، إذ من الثابت زيارة دوماديوس لطهران في سبتمبر ٢٠٢٣، دون تنسيق أو إذن أو تفويض من قداسة البابا تواضروس الثاني، كما ثبت استقباله هناك بشكل يوحي بالرسمية، وكأنه منتدب من الكنيسة القبطية المرقسية إلى طهران، وهو ما لم يحدث، ويضع الكنيسة المصرية في حرج شديد. الأمر الذي دعى البابا تواضروس إلى التحقيق معه فور عودته للقاهرة في أغسطس الماضي، وإيقافه عن الخدمة الكهنوتية في ١٢ أغسطس ٢٠٢٣. لم يتسم هذا الإيقاف بالعلانية لتفادي التشهير بالكاهن، لكنه حوسب وروجع إداريًا في أغسطس الماضي، وبناء عليه تم إيقافه (للمرة الثالثة). الجدل حول علاقته بالكنيسة هذه الصورة ملتقطة "سكرينشوت" من حساب منصة إكس (تويتر) الخاص بالسيد "عبد الحميد قطب"، الذي هو دائم النشاط في مجال الإسلام السياسي، وتسجّل أحد التغريدات بتاريخ ١٩ مارس ٢٠٢٤، وهي تغريده أبلغ من كل بيان. ونكرر ما قد بدأنا به؛ يتعامل الأب دوماديوس في بساطة مفرطة تلامس حد قصر النظر. فهو يترجم الأمور المعقدة إلى مفاهيم بسيطة، ويثق في أن مساعي الحب ستؤتي ثمارها، متجاهلاً العواقب التي قد تتجاوز نواياه المتواضعة. هذا الثقة المفرطة تجعله غافل عن التداعيات التي لم يفكر فيها، مما يؤدي إلى عواقب غير مقصودة قد تكون أكبر بكثير من أفعاله الأولية. الجدل حول علاقته بالمسلمين في ١٩ سبتمبر ٢٠٢٣، ظهر تصريح للأب دوماديوس على وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء (ارنا) ((وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء (ارنا): قس مصري: زيارتي لمدينة مشهد المقدسة غيّرت وجهة نظري تجاه المسلمين، نُشر بتاريخ ١٩ سبتمبر ٢٠٢٣. ))، وبثّ صوتيًا على إذاعة طهران، وقال نصًا: تغيرت وجهة نظري تجاه المسلمين بعد زيارتي إلى إيران والتعرف على الإسلام الحقيقي هناك. كانت فكرتي عن المسلمين هي إنهم تكفيريون يضرمون النار في الكنائس. تأثرت بالشائعات التي كنت قد سمعتها عن المسلمين بما أدى إلى تخوفي من زيارة إيران. (دوماديوس حبيب، تسجيل صوتي لإذاعة طهران، ومفرّغ على وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء (ارنا) ) بالأخذ في الاعتبار أن هذه هي الوكالة الرسمية للأنباء الإيرانية، وقد عنونت التصريح قس مصري، فهذا هو المهم. هذا يعني أن الانطباع المُتلقى هنا يعبر عن الكهنة المصريين أكثر من كونه انطباعًا شخصيًا. نتفهم بالتأكيد الحاجة الإيرانية للفوز في المقارنات التي قدمها دوماديوس ببساطة الحملان. وإن لم يكن الأمر واضحًا فسنشرح بعجالة التوابع الكارثية. • يوحي مفهوم الإسلام الحقيقي المزعوم في إيران ضمنًا بأن الإسلام الموجود في مصر هو غير حقيقي (مزيف، مُحرف، ملعوب فيه، ضع ما شئت من تعبيرات) • يقع القول فكرتي عن المسلمين هي أنهم تكفيريون في فخ التعميمات المسيئة، لو قال "بعضهم" أو حتى "أغلبهم" لعذرناه، لكن بهذه الصياغة فنجم الوحدة الوطنية لم يجد مسلمًا في وطنه إلا تكفيريًا يؤمن بحرق الكنائس. كلهم! • لم يرد أفكاره تلك لتجاربه الشخصية (لو فعلها لعذرناه) لكنه ردها لـتأثره بالشائعات. وهنا أنا لا أعلم هل يتراجع عن أقواله في حريق كنيسة سرسنا، فيكون وقتها هو من يبث الشائعات وجاء ليتوب في إذاعة إيران! ؟ أم يشير لآخرين يرددون شائعات عن حرق المسلمين للكنائس، وفي هذه الحالة فمصدر الشائعات الخبيثة لن يكون سوى الكنيسة، فمن غير المنطقي أن ينشر المسلمون شائعات ضدهم! ؟ خط رفيع يفصل بين الديبلوماسية والنفاق. أما هذه الكلمات القصيرة فملئية بأطنان من النفاق والمداهنة والتملق تجاه الشيعة على حساب كل من الكنيسة والأزهر، الإتنين! ! ويظل الطريق إلى الجحيم مملوء بأصحاب النوايا الحسنة.   صحافة وإعلام طائفيين في يوم الخميس٢٠ يونيو ٢٠٢٤، أُعلنت نتيجة التحقيق مع الكاهن دوماديوس حبيب إبراهيم إبراهيم الراهب، وقُرر معاقبته بموجب القانون الكنسي بسنة من العُزلة بأحد الأديرة، مع إيقافه (الرابع) عن الخدمة الكهنوتية، وعدم الظهور الإعلامي. نشر المتحدث باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية البيان، الذي يُعتبر إلزاميًا بحسب تعهد طاعة الكاهن، وقد نشر الأب دوماديوس البيان الصادر بحقه على صفحته، وعقّب عليه بإعلان خضوعه، والتزامه بتنفيذ القانون الصادر بحقه دون تحفظات. الشيء الانتهازي في المسألة، إن مؤسسات صحفية رسمية وقنوات فضائية نشرت نصّ البيان، وتجاوزت لتبريره بأنّه نتيجة زيارة دوماديوس لضريح السيد البدوي! ! وادعى آخرون ذوو توجهات إسلامية أن الكنيسة تعاقبه على جهوده في "الوحدة الوطنية" ومظاهر التقارب مع الإسلام! تُظهر التغطية الطائفية للموقف من قبل الأفراد والمؤسسات غير المهنية مغالطات واضحة. وتُسِلط مثل هذه الأعمال الانتهازية الضوء على التوازن الدقيق بين نقل المعلومات الواقعية، والتأثير على الرأي العام من خلال لغة وإطار العرض لتلك المعلومات. وقد وصلت معارك القنوات الفضائية المعارضة لنظام الحكم في مصر حد السخافة، مما دفعها لاعتبار الكنيسة أداة لـ"دين أبوهم" دون أي احترام للقانون الكنسي أو الإداري أو حتى النظر لمدى الشعبية حيث كانت محاسبته مطلبًا معلنًا لقطاعات واسعة من الأقباط. الأب دوماديوس لم يزر السيد البدوي في حياته، وجميع الصور المنشورة له في ضريح تم إلتقاطها يوم الثلاثاء ١٩ سبتمبر ٢٠٢٣، في أثناء زيارته للحرم الرضوي وليس السيد البدوي، أي في طهران وليس في طنطا، والحرم الرضوي هو مرقد الإمام علي بن موسى الرضا، ثامن أئمة أهل البيت. وعلى هذا فإن الصور تُظهر تفاعله مع طائفة شيعية إيرانية، وليس مذهبًا صوفيًا مصريًا! البابا هو المسؤول عن الأمور العامة في الكنيسة، وهو الذي يمثلها أمام الدولة، وأمام الكنائس الأخرى، وكل الهيئات الرسمية والدينية. (مادة ٥٤، اللائحة الأساسية للمجمع المقدس) بموجب المادة السابقة ((مادة ٥٤ من اللائحة الأساسية للمجمع المقدس، الفصل الثامن: رئيس وأعضاء المجمع. ))، فإنّ أيّ حوار أو تمثيل مع أي هيئة رسمية أو دينية (بما في ذلك الهيئات والطوائف المسيحية) يستلزم تفويضًا من البابا مباشرة، ويعتبر أي تصرف مخالف لذلك بمثابة فوضى تنظيمية وتنسيقية، وانتهاكًا لصلاحيات البابا. ولذلك يبدأ بيان المتحدث الرسمي بتوضيح أن الكنيسة الرسمية لا تتحمل مسؤولية أي تصرفات قام بها دوماديوس (حتى لو كانت حسنة)، لأنه لم يكن مفوضًا لتمثيل الكنيسة، ولم يُخطر أيّ جهة كنسيّة في مصر بنيّته في الذهاب إلى طهران، أو ذبح عجل في الكنيسة الأسقفية بالجيزة. على النقيض من ذلك، صورت إذاعة وتلفزيون طهران الرسمي الأب دوماديوس على أنه ممثل للكنيسة. وتورط في ذلك العديد من الجهات ومنهم الكنيسة الأرمنية في طهران، التي استقبلته رسميًا باعتباره "كنيسة شقيقة". وكل هذا بالطبع تخبّط و"عك" لم تعرفه الكنيسة المصرية في حينه! الأمر الخاص برسمية التمثيل يمكن أن يقال عن نوع من الصحافة المصرية الطائفية غير المهنية، التي تُصر على تصوير أي سلوك "علماني" لدوماديوس، على أنه رسمي وكهنوتي وكنسي. ومن الواضح إننا أمام نوع من صحافة المقاولات الطائفية تتلاعب عمدًا بقيم "الوحدة الوطنية" عبر وضع "عباءة دينية" على السلوك الإنساني دون الحد الأدنى من المهنيّة! الكاهن "إنسان" على فكرة! يأكل ويشرب ويتبول وله صداقات وخصومات لا تختلف عن أيّ مرتدي للقميص والبنطال! من الذي يفترض أنّ سلوك الفرد يُحسب على الكنيسة وعلى الكهنوت وعلى الدين المسيحي؟ كما أن الفكرة المسيطرة عند البعض بتقديم رجال الدين في الصحافة المصرية على أنهم أبطال ونجوم "الوحدة الوطنية" هي حماقة يجب أن تتوقف فورًا، فهي تشجع على فكرة دولة طائفية بمحاصصات دينية وتنحرف عن المفهوم السليم لقيم الوحدة الوطنية. ناهيك أنها لا تعني عند أي ناضج سوى تسول مظاهر التعايش السلمي بين الأديان على أنها بطولة مُفتقدة أو مبتغاة! بالإضافة إلى ذلك، فإن ربط السلوك الانساني بمظاهر الاعتقاد الديني هو أمر خطير جدًا ثقافيًا، إذ -بنفس المبدأ- يمكن أن يُضار الإسلام من سلوكيات الإرهابيين، إذا ما تم النظر الطائفي المكافئ لديانة الإرهابي، أو تم اعتماد ما يدعيه من ثقافة كراهية على إنها امتثال منه لتعليمات الله وكتابه ورسوله! وتبقى كلمة أخيرة لمقاولي الوطنية. . "الوحدة الوطنية" قيمة مدنية وليست دينية. ولا يمكن تحقيقها من خلال مظاهر التدين، بل من خلال التخلي عنها لصالح قيم أعلى وأكثر فعالية. المثال الواضح على هذا هو الشاب النبيل "محمد يحيى" الذي خاطر بحياته لإنقاذ أطفال محاصرين في حريق كنيسة المنيرة الغربية (الجيزة)، لو فكر "محمد" في أن هذه كنيسة ذات صليب وأن الأطفال "مسيحيون" وهو "المسلم"، فربما لم يكن ليعرض حياته للخطر ووقف مشفقًا متحسرًا كحال أغلبنا. لكن "محمد يحيى" لم ير صلبانًا ولا مصاحفًا وتلاشى العالم في عيونه فلم يعد يرى سوى أطفال تصرخ في معاناة داخل ألسنة اللهب، وسمع في صراخاتهم أصداء أطفاله وأهله. فقفز إلى الجحيم دون تفكير. هذا هو جوهر الوحدة الوطنية: قيمة أخلاقية وإنسانية ﻻ تعرف حدودًا دينية أو أيديولوجية أو ثقافية. إنها أحيانًا تتجاوز حتى حدود الوطن لتشمل أشخاصًا غُرباء كما لو كانوا ضمن عائلتنا أيضًا. إن الأخلاق المدنية قيم إنسانية عالمية لا تقتصر على بلد معين ولا تتوقف عند حدود الوطن. --- ### حلول الروح القدس يوم الخمسين موعد الآب - Published: ۲۰۲٤-۰٦-۲۳ - Modified: 2024-06-23 - URL: https://tabcm.net/26661/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: الأب متى المسكين, التبني, بستان الرهبان, تدبير الخلاص, عيد القيامة, غريغوريوس النزينزي، الناطق بالإلهيات, قديس أثناسيوس الرسولي, قديس بولس الرسول "حلول الروح القدس يوم الخمسين؛ موعد الآب" بقلم الأب متى المسكين، نُشر أوّل ما نُشر في كتاب "الروح القدس الرب المحيي"، بمناسبة عيد الخمسين ١٩٧٣، الصفحات من ٦٦٧ إلى ٦٧٨ إكمال الفداء: إذ كنا قد تكلمنا عن الصعود الذي أكمله الرب في الأربعين، فأكمل به الفداء الذي بدأه على الصليب: لأنه لما انطلق في ذلك اليوم وعَبَر الحجاب الذي كان يفصلنا عن الآب، ودخل إلى ما داخل الحجاب كسابق من أجلنا، دخل ودمه على يديه وتراءى أمام الآب مذبوحًا بالحب والطاعة في جسم بشريته، ارتدّ غضب الله عن معصية الإنسان إلى الأبد، إذ صار الابن بذاته ذبيحة فداء عن عجز البشرية وقصورها، لذلك قيل: دخل يسوع كسابق من أجلنا فوجد لنا فداءً أبديًا ((راجع عبرانيين ٦: ٢٠، ٩: ١٢ )). فبالصعود والجلوس عن يمين الآب أكمل المسيح التدبير الذي نزل من السماء من أجله، أكمل الفداء وضمن الخلاص لكل من يؤمن به. ماذا بعد الفداء: ولكن الجديد في الأمر، يا أحبائي، الذي يلزم جدًا أن ننتبه إِليه أنه، ومن بعد الفداء والخلاص، يتبقى أن ندخل في شركة الآب، لنحيا معه بالحب كبنين! ! لأنه أن نموت مع المسيح ونقوم معه ونجلس معه في السماويات شيء؛ ولكن أن نحيا الآن مع الآب في شركة حب البنين فهذا شيء آخر! هذا هو التدبير الذي أكمله الروح القدس الذي سبق وقيل عنه أنه "موعد الآب"، الذي تحدد له يوم في تاريخ الإنسان، وتنبأ عنه الأنبياء، وتكلم عنه المسيح، وتحقق يوم الخمسين. عمل الابن وعمل الآب: فنحن نعلم أن المسيح أكمل لنا التدبير بالجسد: الذي هو الموت والقيامة والصعود، والجلوس عن يمين الآب، وأما في يوم الخمسين فالآب أكمل التدبير بالروح القدس، لأن غاية المسيح كانت الخلاص برفع الخطيئة، وعقوبتها، واستعادة مركز الإنسان مع الله على أساس صلح دائم، أما غاية الآب فهي أن نحيا معه بالحب، في شركة البنين، الذي هو عمل ما بعد الفداء والخلاص والمصالحة. لما رفع الابن العداوة بالجسد، انسكب حب الآب بالروح القدس: وحيث ينتهي اختصاص الابن بالخلاص والمصالحة، يبدأ اختصاص الآب بالحب والتبني. وفي هذا يقول الرب بغاية الوضوح: في ذلك اليوم تطلبون باسمي ولست أقول لكم إني أنا أسأل الآب من أجلكم لأن الآب نفسه يحبكم. لأنكم أحببتموني وآمنتم أني من عند الله خرجت ((يوحنا ١٦: ٢٦، ٢٧ )). أما قوله: الآب نفسه يحبكم، في ذلك اليوم، فهذا قد تحقق بصورة محددة يوم الخمسين، عندما أرسل الآب الروح القدس، روحه الخاص، روح الحب الأبوي المعبَّر عنه بموعد الآب. وهذا يشرحه بولس الرسول بقوله: لأن محبة الله قد انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطى لنا ((رومية ٥: ٥ )). أي إن أول صورة ينبغي أن تنطبع في أذهاننا وقلوبنا عن هذا اليوم العظيم يوم الخمسين، هي انعطاف الآب نحونا بالحب الأبوي الناري الذي سكبه على البشرية، بعد أن أكمل لها الابن كل أعواز الفداء والخلاص، بعدما غسلها بالدم وصنع لها تطهيرًا كاملًا لكل خطاياها، مصالحًا إياها مع الآب بصليبه. هذا هو نصيبنا الفاخر في هذا اليوم المشهود، يا أحبائي، هذا هو كنز الحب الذي اغترف منه الأتقياء بالجهد في كل زمان ومكان ولم يفرغ أبدًا، كنز يوم الخمسين، كنز حرارة تضطرم بالحب الأبوي تجعلنا لا نكف عن الصراخ "يا أبّا الآب"، لأن روح يوم الخمسين روح ناري مرسَل توَّا من عند الآب، يحمل في لهيبه حنو الآب، وانعطافه الشديد الذي ظل محتجزًا عن الإنسان آلاف السنين. حب الآب روح ناري يلد ويجدد ويرفع من الأرض إلى السماء: آه يا أحبائي! لو أدركتم فاعلية هذا الحب الناري ونوعيته لأن سره عميق، فقد ثبت أنه قادر على الولادة، وطبيعته ظهرت كنار إلهية قادرة أن تحول طبيعتنا، كما تحول النار التراب إلى ذهب. لأن بالحب الذي أحب الله به ابنه الوحيد المحبوب هكذا ارتضى في هذا "اليوم الإلهي" (يوم الخمسين) -إن جاز هذا التعبير- أن يحبنا بذات الحب الإلهي، ويسكب من روح قدسه علينا علناً؛ فنقلنا من عبيد إلى أبناء، ومن الأرض إلى السماء، كرامة لابنه الذي نزل إلى ترابنا، الذي ذبح ذاته من أجلنا! الروح القدس وثيقة تبنَّي أعظم من قَسَمٍ: في القديم لما أطاع إبراهيم الله وأقدم على ذبح ابنه طوعًا لصوت القدير، نال إبراهيم تعطفات الله الجزيلة وأقسم له بذاته أن يباركه ويجعله بركة؛ الآن يا أحبائي، وفي يوم الخمسين، هذا الذي به تباركت كل أيامنا، لما أكمل المسيح التدبير بالجسد وأطاع أباه حتى الموت موت الصليب، وصعد وتراءى بجسده المذبوح أمام الآب، لم يقسم الله في هذه المرة، بل صنع ما هو أعظم من القسم، إذ فاضت أحشاؤه على البشرية كلها وسكب روحه القدوس المذخر فيه كل حنان الله ولطفه وإحسانه على كل بشر، كقول يوئيل نبي العنصرة، وبهذا الروح الأبوي تباركت كل الأرض. وماذا كانت صورة هذا الحب؟ كانت وثيقة تبنّي! ! ؛ لأنه كما أحب الآب القدوس ابنه، هكذا وبذات الروح أحبنا وأرسل روح ابنه إلى قلوبنا ((غلاطية ٦:٤ ))، فكان التبنِّي، الذي أصبح لنا به كل الحق أن ندعو الله "يا أبَّا الآب". الروح القدس الذي سكبه علينا الآب هو ذاته الذي يصرخ فينا شاهدًا أننا أولاد الله! هذا هو روح التبني الذي أدخلنا في شركة ميراث المسيح، أي في بنوة الله! ! كما يقول بولس الرسول: "بل أخذتم روح التبني الذي به نصرخ "يا أبَّا الآب"، "الروح نفسه أيضًا يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله. فإن كنا (صرنا) أولادًا فإننا ورثة أيضًا ورثة الله، ووارثون مع المسيح! " ((رومية ٨: ١٦، ١٧ )). موعد الآب بالروح القدس مسحة بنوة تحمل حياة لا تزول: وهكذا أكمل "موعد الآب" بالروح القدس، وتمت عملية التبني التي طالما وعد بها الرب وطالما انتظرها التلاميذ بعد أن هيأ لها الابن في ذاته كل ما هو لازم لها؛ كما اجتمع تلاميذه في العلية أيضًا، حسب الوصية، يترقبون الموعد بصلاة وطلبة و بنفس واحدة. وتحقق الوعد بمسحة نارية من لدن الآب تحمل للإنسان قوة حياة لا تزول، في شركة مع الله أعمق من أن يَنطق بها لسان بشر، نعيشها الآن بملء العلانية، قوامها وجوهرها حب أبوي هو بحد ذاته محيي، يحمل سر الولادة من فوق! ! جعل نفسه ذبيحة إثم يرى نسلا تطول أيامه، ومسرة الرب بيده تنجح. من تعب نفسه يرى ويشبع. (إشعياء ٥٣: ١١،١٠) فيا لفرحة يسوع المسيح في ذلك اليوم وهو جالس في السماء عن يمين الآب، يرى الروح القدس يختم بختم الآب على كل تدبيره الذي أكمله بالآلام، ويرى تلاميذه وقد تبناهم الآب ككنيسة تدخل في عهدها الجديد عهد مسرة الآب، عهد الحب الأبدي الذي لن يُنزع منها إلى طول الأيام. كان ينبغي أن يفرح المسيح بذلك لأن هذه كانت طلبته التي سبق أن قدمها إلى أبيه، بإلحاح، متوسلًا أن يكون فيهم الحب الذي أحببتني به! ((يوحنا ١٧: ٢٦ )). هذه هي مسحة الآب التي سكبها، حسب طلب المسيح وإكرامًا لحبه، على الكنيسة المجتمعة بنفس واحدة يوم الخمسين، والتي لا زالت مجتمعة وجامعة حتى هذا اليوم تحت يد الآب، لقبول هذه المسحة عينها، مسحة الابتهاج، مسحة الحب الأبوي بالروح القدس على مثال مسحة الابن "المتجسد" على نهر الأردن، عندما تقبَّل الروح النازل عليه بصوت الآب قائلًا: هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت! ! يا أحبائي، التساوي هنا بين حب الآب لابنه وحبه للإنسان الجديد، الممثَّل في كنيسة الرسل المجتمعة في العلية، أمر يفوق العقل! لأن الحب الذي ينسكب بالروح القدس من الآب في الابن صار بنفس الصورة والمثال ينسكب أيضًا، وبالروح القدس، من الآب في البشرية الجديدة، على كل من يقبل الفداء والتبني في المسيح! : ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به. شركة حياة جوهرها حب في الآب وفي الابن بالروح القدس: وقد سبق وقلت إن الروح المنسكب من الآب بمسحة الحب هو في حقيقته حياة في الآب! الروح هنا يضم البشرية إلى شركة مع الآب، شركة حب وحياة أبدية معًا، لأن حب الآب هو الحياة، والحياة في شركة الآب هي منتهى الحب! المسيح كان يرى هذا اليوم العجيب يوم أن تحيا الكنيسة بحب الآب! فكانت ترتاح نفسه إلى مصير قطيعه الصغير؛ وهكذا كان يطمئنهم عندما خيَّم عليهم ظل الصليب بأحزانه المبكرة إذ قال لهم: لأني أنا حيٌّ فأنتم ستحيون ((يوحنا ١٩:١٤ )). أما هذه الحياة فكان قد سبق وشرح لهم مصدرها بوضوح بقوله: أنا حي بالآب ((يوحنا ٦: ٥٧ )). وهكذا ينجلي المعنى في الآيتين معًا هكذا: لأني أنا حي بالآب، فأنتم ستحيون معي بالآب، هذه هي شركة الحياة مع الآب والابن بالروح القدس، التي رآها وعاشها وفرح بها التلاميذ، وسجلها يوحنا الرسول بعد ذلك، وعلمنا أنها هي هي ذات الشركة القائمة والمعروضة علينا الآن: فإن الحياة أُظهرت، وقد رأينا ونشهد ونخبركم بالحياة الأبدية التي كانت عند الآب وأُظهرت لنا. الذي رأيناه وسمعناه نخبركم به، لكي يكون لكم أيضًا شركة معنا. وأما شركتنا نحن فهي مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح. ونكتب إليكم هذا لكي يكون فرحكم كاملًا. (رسالة يوحنا الأولى ١: ٢-٤) التلذذ بهذه الشركة يحتاج إلى إضرام مواهب الروح كالنفخ في النار: ونحن، كرهبان، يا أحبائي، لا نستطيع أن نعبر على هذا الكلام دون أن نحس في أعماقنا بهذه الشركة، شركة الحب والحياة مع الآب ومع الابن بالروح القدس الذي انسكب يوم الخمسين، واستوطن الكنيسة وسكن هياكلنا بوداعة وسكينة واتضاع مذهل. صحيح، يا أحبائي، أن روح يوم الخمسين كان محسوسًا ومنظورًا كألسنة نارية، ولكن الروح لم يبرد ولم ينطفئ، فناره مخفية للقلوب التي تعرف أن تضرمه بالصلاة، وتلهبه بالاتضاع والحب. نار الروح القدس حية، تحتاج فقط لمن ينفخ فيها، هي لا يمكن أن تموت، بل تنتظر زيت النعمة لتشتعل بها المواهب وتتزكى المسحة. فطوبى لمن يجمع كل يوم ولو قطرة زيت واحدة، لأنه سيرى بعينيه كيف يشتعل الروح وتفوح رائحة المسيح الزكية. زيتنا، يا إخوة، نجمعه كما تجمع النحلة النشيطة العسل من رحيق الزهور بالسهر، بالخدمة، بالبذل، بالمسكنة الصادقة، بالفقر الحلو، بالصوم المبهج، بالصلاة التي لا تنقطع، بتكريم كل إنسان، بالشكر على كل حال، بلسان يبارك على كل اسم. فالزهور كثيرة في بستان الرهبان والرحيق مختبئ لا تكتشفه إلا النحلة الذكية. أما الروح القدس فهو بحسب طبيعته، وديع وهادئ لا يسمع أحد صوته ولم تُرى هيئته قط، إلا للذين اجتمعوا بنفس واحدة في أُلفة المحبة يطلبون موعد الآب، أو بالحري فتحوا قلوبهم وفغروا أفواههم ورفعوا عيونهم إلى فوق حيث المسيح جالس، يطالبون بحق البنين و يترجُّون وجه الآب. لهؤلاء يظهر الروح كنور يملأ البصيرة ونار تملأ القلب حتى يفيض كل لسان بتمجيد الله. الشبان يرون بالرؤيا "نور العالم"، والشيوخ يتحققونه بالأحلام. الشركة مع الرسل في مواهب وبركات يوم الخمسين لم تنقطع قط من الكنيسة: ولكن لا ننسى أبدًا أيها الأحباء أن بحلول الروح يوم الخمسين، الذي لا يزال مخيمًا على الكنيسة منذ ذلك اليوم، ولا يزال يملأنا حياة ونورًا وحبًا، قد صار لنا به نصيب مع القديسين لا ينقطع، لأنه روح شركة صادقة حقيقية ممتدة من الرسل أنفسهم منذ ذلك اليوم بلا انقطاع، حيث لا يعوزنا إلا أن نتمسك بهذا الروح حسب الوعد لأنه روح الموعد القدوس الحي على الدوام، نمسكه بقلوبنا ولا نرخيه قط، نستنشقه بأرواحنا ونتودد إليه بكل مشاعرنا حتى ندرك كمال نصيبنا فيه مع القديسين ومع المسيح نفسه، كما يقول بولس الرسول: شاكرين الآب الذي أهَّلنا لشركة ميراث القديسين في النور الذي أنقذنا من سلطان الظلمة ونقلنا إلى ملكوت ابن محبته ((کورنثوس ۱: ۱۲، ۱۳ )). هذا كله، يا أحبائي، هو منتهى طلب المسيح الذي قدمه للآب بإلحاح ورجاء أيها الآب أريد أن هؤلاء الذين أعطيتني يكونون معي حيث أكون أنا ((يوحنا ١٧: ٢٤ )). نفخة المسيح بعد القيامة وحلول الروح القدس يوم الخمسين: وقد بلغني، أيها الأحباء، أن بعضًا منكم يسأل عن علاقة نفخة المسيح للروح القدس في تلاميذه بعد القيامة مباشرة وحلول الروح القدس يوم الخمسين، باعتبار أني تكلمت سابقًا عن كل منهما بالنسبة للخليقة الجديدة وميلاد الإنسان الجديد ((راجع كتيب عيد القيامة المجيد والخليقة الجديدة، صدر في أبريل ١٩٧٩. )). وقد رجعت إلى القديس أثناسيوس ((أثناسيوس الرسولي، رسائل أثناسيوس عن الروح القدس، ص ٩٦. )) في هذا الأمر فوجدته يقول هكذا: وإذ نفخ في وجه "التلاميذ" أعطاهم الروح القدس من عنده، وبهذه الكيفية سكبه الآب "على كل بشر" كما هو مكتوب. (أثناسيوس الرسولي، رسائل أثناسيوس عن الروح القدس، ص ٩٦) و يعني بذلك أن المسيح أعطاه للتلاميذ والآب أعطاه لكل بشر، أي أن الآب أكمل عمل الابن على نفس المستوى أو "بهذه الكيفية". ورجعت أيضًا إلى القديس غريغوريوس الثيئولوغوس ((غريغوريوس الثيئولوغوس، عظة على يوم الخمسين N. &P. N. F. , vol. VII, p. 383 )) فوجدته يقول هكذا: إن التلاميذ تقبَّلوا الروح القدس على ثلاث مراحل، بقدر ما استطاعوا، وفي ثلاث مناسبات: قبل أن يتمجد المسيح بالآلام، وبعد أن تمجد بقيامته، و بعد صعوده أي عودته إلى السماء. في المناسبة الأولى استُعلن الروح بشفاء المرضى وطرد الأرواح النجسة التي لا يمكن أن تتم بدون الروح القدس، وهكذا النفخة التي نفخها فيهم بعد القيامة تُظهر بوضوح أنها إلهام إلهي، وهكذا أيضًا توزيع الألسنة النارية التي نعيَّد لها اليوم. في المناسبة الأولى استُعلن الروح بغير وضوح، وفي الثانية بوضوح أكثر، أما هذهفبكمال أكثر إذ فيها لم يعد وجوده بالقوةبل نستطيع أن نقول أنه بجوهرهيشترك معنا ويسكن فينا. (غريغوريوس الثيئولوغوس، عظة على يوم الخمسين N. &P. N. F. , vol. VII, p. 383) ومن كلام القديس غريغوريوس الثيؤلوغوس نفهم أن عمل الروح القدس بنفخة المسيح بعد القيامة كان فعلًا إلهيًا، لم يحدده القديس غريغوريوس. أما حلوله يوم الخمسين فكان تواجدًا ذاتيًا، وأيضًا لم يحدد القديس غريغوريوس نوع عمله. ولكن يبدو لنا أن العلاقة بين نفخة المسيح للروح القدس بعد القيامة وحلول الروح القدس يوم الخمسين هي علاقة وطيدة للغاية ومكملة بعضها لبعض. فعمل الابن الذي أكمله بالتجسد والفداء، ينتهي عند الخليقة الجديدة التي ولدها ثانية لرجاء حي بقيامة يسوع المسيح من الأموات ((بطرس الأولى ٣:١ )) على صورته نافخًا فيها من روحه القدوس لتحيا، بصفته الابن الخالق، وآدم الثاني الروح المحيي! ! ولكن إذ يلزم تكميل هذه الخلقة بعمل الآب، أمر المسيح تلاميذه، حتى وبعد هذه النفخة، أن لا يبرحوا من مكانهم بل أن ينتظروا أيضًا "موعد الآب". أي أنه بعد أن أكمل التلاميذ "موعد الابن" انتظروا حتى يكملوا "موعد الآب": + حيث "موعد الابن" هو في حقيقته شركة مع المسيح بالروح القدس، فالمسيح نفخ فيهم الروح القدس بعد القيامة، لتكون لهم شركة كاملة في موته وقيامته كخليقة جديدة، إذ يستحيل أن يحصل التلاميذ على شركة مع المسيح بدون الروح القدس. + وحيث "موعد الآب" هو أيضًا شركة مع الآب بالروح القدس بقبول التبني. لذلك نرى أن نفخة المسيح -إبن الله- التي نفخها في تلاميذه بعد قيامته بالروح القدس، ثم حلول الروح القدس من عند الآب كمسحة يوم الخمسين، يكملان معًا عملًا واحدًا في الإنسان مع أنها فعلان سرِّيان، كل منها قائم بذاته، كالمعمودية والمسحة. فكل منها سر لفعل الروح القدس ولكنهما معًا يكملان عملًا واحدًا لخلقة الإنسان الجديد بالروح القدس باسم الآب والابن والروح القدس! ! ! هو سيعمدكم بالروح القدس ونار ((متى ۱۱:۳ )). هذان الفعلان اللذان أكملهما كل من الابن بنفخة الروح القدس بعد القيامة، والآب بإرسال موعده القدوس للتلاميذ في يوم الخمسين، نتقبلهما نحن الآن معًا بالمعمودية والمسحة باسم الآب والابن والروح القدس، لقبول نفس ما قبله التلاميذ بعد القيامة وفي يوم الخمسين، أي الميلاد الجديد لخليقة جديدة، ككنيسة حية، كجسم المسيح. لماذا ارتباط عطية يوم الخمسين بصعود المسيح؟ ومعلوم من قول الرب أن إرسال "موعد الآب" أي الروح القدس، يوم الخمسين، حاملًا مسحة الآب بالحب والتبني في شركة حياة أبدية معه، كان رهن عودة الابن إلى الآب، حاملًا في ذاته كمال إرساليته: أي بشرية جديدة مفدية ومكمَّلة، واضعًا إياها موضع المصالحة مع الآب بجلوسه الكريم المكرم الذي أجلسه لنا عن يمين العظمة في الأعالي. فإذ أكمل الابن إرساليته هكذا محققًا كل مشيئة الآب من نحونا، وإذ لم يعد يتبقى أي عائق يمنعنا عن الحياة مع الآب بلا لوم، حصل لنا المسيح بالتالي على موعد الآب ب توسط جلوسه عن يمين الآب، شفيعًا إلى الأبد للبشرية المتغربة على الأرض. وفي هذا يقول بطرس الرسول في يوم الخمسين: وإذ ارتفع بيمين الله وأخذ موعد الروح القدس من الآب، سكب هذا الذي أنتم الآن تبصرونه وتسمعونه ((أعمال الرسل ۲: ۳۳ )). لماذا المسيح باكورة ثم الذين للمسيح وهكذا سيحيا الجميع؟ من قول بولس الرسول: لأنه كما في آدم يموت الجميع هكذا في المسيح سيحيا الجميع... المسيح باكورة ثم الذين للمسيح في مجيئه ((کورنثوس الأولى ٥ ۱: ۲۲، ۲۳ ))، ندرك أن الشركة التي حصل عليها المسيح لنا مع الآب في جسم بشريته (بتجسده)، عندما أكملها بالجلوس عن يمين الآب، كانت هي العربون، أو الباكورة، أو النموذج الكامل، الذي تقرر في تدبير المسيح أن تقوم عليه شركة حياة البشرية كلها مع الآب والابن بالروح القدس. لذلك لم يتوقف المسيح عن عمله بعد ما صعد وجلس عن يمين العظمة في الأعالي، لأنه لم يكن ممكنًا أن يرتاح المسيح في ذاته "أو يكمل فرحه"، إلا بكمال تدبيره، عندما يرى البشرية قد نالت في ذاتها شركة مع الآب، وعلاقة أبدية وحبًا، وتبنيًا، يساوي ما حصل عليه لنا في جسم بشريته! هذا كان موضع طلبة خاصة وتوسل من المسيح لدى الآب قبل الصليب هكذا: أما الآن فإني آتي إليك وأتكلم بهذا في العالم ليكون لهم ,,فرحي كاملًا،، فيهم ((يوحنا ١٣:١٧ )). البشرية خلعت ثوب تيتُّمها يوم الخمسين وقبلت سر الآب: لقد شعر المسيح، عند اقتراب الساعة، أن البشرية أصبحت محتاجة أشد الاحتياج إلى روح أبوة الآب، حتى لا يعيش الإنسان بعد يتيمًا بإحساس من لا أب له. واستطاع المسيح أن يملأ هذا الإحساس بالنسبة للتلاميذ، باعتباره الابن النازل من السماء من حضن الآب حاملًا صورة الآب وحنانه، وها هو يتركهم، فكيف يعيشون بعده بدون حنان أبوة الله ورعايته؟ لذلك وعد تلاميذه أنه بمجرد صعوده سيطلب من الآب أن يرسل لهم الباراكليت، روح التعزية، من الآب، حاملًا للبشرية كلها أحشاء تحننات الأبوة كشركة حياة تدوم إلى الأبد مع الله الآب! ! لذلك قال لتلاميذه: لن أترككم يتامى! ! ((يوحنا ١٤: ١٨ )). إن روح يوم الخمسين هو حقيقة روح حنان الأبوة لعزاء الإنسان كي يعيش كابن في بيت الله إلى الأبد. لقد أدخلنا الآب يوم الخمسين في شركة معه هي -علي درجة ما- مما هو موجود وحاصل بينه وبين ابنه الحبيب! لدرجة أن الروح القدس أصبح عليه أن ينقل لنا حديث الآب القدوس الخاص مع ابنه، حديث الحب الإلهي الخالص، متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم... يأخذ مما لي ويخبركم، كل ما للآب هو لي ((يوحنا ١٦: ١٣-١٥ )). وهكذا أدخلنا الروح القدس في سر شركة الآب مع الابن! أليس هذا أيها الأحباء ما استطاع بولس الرسول أن يدركه و يشرحه قائلًا: إن الروح يفحص كل شيء حتى أعماق الله، ثم ما لم تر عين ولم تسمع به أذن ولم يخطر على قلب بشر ما أعده الله للذين يحبونه، فأعلنه الله لنا نحن بروحه، ثم ونحن لم نأخذ روح العالم بل الروح الذي من الله لنعرف الأشياء الموهوبة لنا من الله ((کورنثوس الأولى ۲: ۹-۱۲ )). جلوس المسيح عن يمين الآب هو بحد ذاته توسط دائم لتكميل ملء البشرية: هذا هو الروح القدس الذي سكبه الآب يوم الخمسين، حسب وعده القدوس،ليعرَّفنا بما لم يخطر على قلب بشر، ولينقل لنا سر الآب مع ابنه، و يلقِّنَّا الحب الأبوي، ردًا على الخضوع والطاعة التي أظهرها الابن من نحو الآب في الصليب والآلام حتى الموت! ... ثم ليهب لنا كل بركات أسرار الشركة التي بين الآب والابن، تمامًا كما استطاع الابن بصعوده بجسم بشر يتنا أن يجلسنا معه في السماويات عن يمين الآب! ! ! لأنه كما أجلس المسيح البشرية في ذاته عن يمين الآب مرة، بصعوده وجلوسه عن يمين الآب، هكذا توسط المسيح لدى الآب أن يرسل الروح القدس يوم الخمسين ليكمل على الدوام وحتى النهاية شركة الإنسان مع الآب على مستوى البنين. وبولس الرسول يكشف لنا الصلة الجوهرية بين صعود المسيح وجلوسه عن يمين الآب، وبين تكميل ملء البشرية بالروح القدس، للدخول في نفس الشركة التي أكملها المسيح في السماء إذ يقول: صعد أيضًا فوق السموات لكي يملأ الكل ((أفسس ١٠:٤ )). وإن كلمة "لكي" توضح أن صعود المسيح كان بداية وعلة أساسية وسببًا جوهريًا مستمرًا لاكتمال ملء البشرية في الشركة مع الله! وهذا توضحه أيضًا الآية التي سبق أن قلناها دخل كسابق من أجلنا ((عبرانيين ٦: ٢٠ )). لذلك، يا أحبائي، لم أستطع أن أكتب لكم عن الصعود دون أن أكتب لكم عن يوم الخمسين، فالصلة بينهما وثيقة وجوهرية في تدبير الخلاص الذي لا يزال المسيح يكمله لنا بتوسط جلوسه عن يمين العظمة في الأعالي! ... حتى إلى الملء الكلي! لذلك أيضًا أنبه ذهنكم إلى نصيبنا المبارك في المسيح الجالس فوق، حتى لا نكفّ عن التطلع إليه بشخوص القلب، بنداء الحب، لأن سيرتنا الحقيقية أيها الأحباء هي في السموات التي ننتظر منها المخلص ((فيلبي ٢٠:۳ )) ! ... وحينما نكثر التطلع إلى فوق حيث الذبيحة قائمة، تتحرك أحشاء الآب نحونا ليضرم روحه القدوس فينا، ليكمل عمله فينا حتى إلى ملء قامة بشرية المسيح الجالس في حضنه الأبوي. حلول الروح القدس يوم الخمسين موعد الآب بقلم الأب متى المسكين، نُشر أوّل ما نُشر في كتاب الروح القدس الرب المحيي، بمناسبة عيد الخمسين ١٩٧٣، الصفحات من ٦٦٧ إلى ٦٧٨ --- ### ملكوته ملكوت أبديّ - Published: ۲۰۲٤-۰٦-۲۲ - Modified: 2024-06-29 - URL: https://tabcm.net/26700/ - تصنيفات: كتاب مقدس تدبير الله منذ القدم أن يكون هو الملك وسط خاصته (مملكته)، وإذ تتبعنا الوحي المقدس سنجد ملكوت الله يلمع بشدة بين حروف كلمة الله. في سفر التكوين الإصحاح (٣٢) حادثة شهيرة فيها التقى الرب بمختاره، يعقوب، وصارع يعقوب الرب حتى طلوع الفجر، ولما رأى أنه لا يقدر عليه ضربه على حق فخذه، وسأل الرب يعقوب عن اسمه فقال: يعقوب، ويعقوب هو الشخص الذي يعتمد على ذاته. فقال: «لا يدعى اسمك في ما بعد يعقوب بل إسرائيل، لأنك جاهدت مع الله والناس وقدرت» (سفر التكوين ٣٢: ٢٨) وإسرائيل تعني أمير مع الله أو مجاهد مع الله، وهنا إشارة واضحة أن الرب يؤسس مملكته، حيث لا يملك في ملكوت الله إلا الملوك والأمراء فقط. ونحن إسرائيل العهد الجديد. بعد خروج شعب إسرائيل من أرض مصر، أرض العبودية، كانوا في عين الرب كأجناد أو كجنود وراء ملك. في ذلك اليوم عينه، أن جميع أجناد الرب خرجت من أرض مصر (سفر الخروج ١٢: ٤١) كانت مشيئة الرب أن يصل الشعب إلى أرض الموعد، أرض كنعان، وكنعان هي أرض الامتلاك، هي أرض تفيض لبنًا وعسلًا، وهي صورة أرضية لملكوت الله مع شعبة حيث اللبن يشير إلى الشبع أشبع إذا استيقظت بشبهك (مزمور ١٧: ١٥)، والعسل يشير إلى التلذذ بالرب ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب! (مزمور ٣٤: ٨). وكنعان لا تشير إلى السماء، كنعان هي أرض الامتلاك نعم، وهي ظلٌ لما سوف يكون، ألا وهو ملكوت الله على الأرض، أي أن يملك الرب بين شعبه. وأستطيع أن أبرهن على أن كنعان ليست السماء، فعند عبور الشعب نهر الأردن في إشارة إلى موت وقيامه الرب يسوع، كانت هناك مواجهات وحروب عنيفة بين ملوك تلك الأرض وبين شعب الرب، وما أكثر المواجهات في الملكوت لأن كل المواجهات مع ملوك كما قال الكتاب: إذ أسلحة محاربتنا ليست جسدية، بل قادرة بالله على هدم حصون (رسالة بولس الثانية إلى كورنثوس ١٠: ٤) إذن أسلحة مواجهاتنا في الملكوت ليست جسدية بل هي روحية، لكن في السماء ليست هناك حروب كم أيّ نوع بالتأكيد، وكما قال الكتاب: وسيمسح الله كل دمعة من عيونهم، والموت لا يكون في ما بعد، ولا يكون حزن ولا صراخ ولا وجع في ما بعد، لأن الأمور الأولى قد مضت (سفر الرؤيا ٢١: ٤) وهكذا فكر الرب من جهة شعبه، يريد الرب أن يملك كملك وسط ملوك، ففي سفر يشوع وهو سفر الامتلاك، مُلك أرضي يشير إلى ملكوت روحي في العهد الجديد، حيث أن كل بركات العهد القديم هي أرضية زمنية، لكن كل ميراثنا في الملكوت في العهد الجديد هو روحي لا زمني! بعد أن عبر يشوع، ويشوع هو إشارة إلى يسوع العهد الجديد، وقسّم يشوع الأرض حسب أسباط إسرائيل الإثني عشر؛ حيث لم يكن لسبط لاوي نصيب في الأرض، واستراحت الأرض من الحرب ((راجع سفر يشوع الإصحاحات ١٤ و١٥))، ولكن، مع كل الأسف، لم يدرك الإنسان كعادته نتيجة ما ورثته الخطية من صغر النفس والعبودية القاسية داخلنا، لم يدرك ميراثه الحقيقي. ورفض الشعب لمُلك الرب يظهر جليًا في أحلك فترة مرت على شعب الرب ألا وهي في سفر القضاة! ففي سفر القضاة يظهر عدم خضوع الشعب لمُلك الرب عليهم، ورفض الشعب أن يطرد سكان الأرض واعتقدوا أنهم يستطيعون أن يتعايشوا مع سكان تلك الأرض، ونحن إلى الآن نعاني من هذا الفكر داخلنا ألا هو عدم الانفصال عن العالم. إذ أردت أن تحيا لله، عليك أن تنفصل عن العالم وما يخص العالم، أي كل ما هو للعالم بداخلك!  وأنا لا أقصد أن نخرج من العالم ونتركه، كلا! ! بل نحن مدعوين أن نؤُثر في العالم ولا نتأثر بالعالم كما قال السيد في صلاته للآب: لست أسأل أن تأخذهم من العالم بل أن تحفظهم من الشرير (إنجيل يوحنا ١٧: ١٥) وترتب على عدم طرد شعوب الأرض واختلاطهم بعاداتهم وعباداتهم، أن فقدوا الرؤية وفقدوا أيضًا الوعد، حتى أن الكتاب يذكر أنه بعد موت يشوع أنه: وقام بعدهم جيل آخر لم يعرف الرب، ولا العمل الذي عمل لإسرائيل (سفر القضاة ٢: ١٠) وساروا وراء آلهة أخرى وعبدوها، حتى أن الوحي المقدس يذكر أية في غاية الأهمية، تُذكر أربع مرات في هذا السفر، ألا وهي: وفي تلك الأيام لم يكن ملك في إسرائيل. كان كل واحد يعمل ما يحسن في عينيه (سفر القضاة ١٧: ٦) عزيزي القارئ، إذا كنت تفعل ما يحسن في عينيك أنت، فأنت تحتاج أن تخضع للملك، وتفعل ما يحسن في عينيه هو، كما قال الرب: الحق الحق أقول لك: لما كنت أكثر حداثة كنت تمنطق ذاتك وتمشي حيث تشاء. ولكن متى شخت فإنك تمد يديك وآخر يمنطقك، ويحملك حيث لا تشاء (إنجيل يوحنا ٢١: ١٨) أعط مساحة للروح القدس أن يقودك حيث هو يشاء! شكرًا للرب، فإن كان يشوع العهد القديم قد مات، وإذ لم يكن ملك في عصر القضاة، فيسوعنا حيّ لا يموت وملكوته أبديّ، والوعد باقٍ لا يموت لأنه صدر من الحي الذي لا يموت. هللويا. . --- ### إلى متى تعرجون بين الفرقتين - Published: ۲۰۲٤-۰٦-۲۱ - Modified: 2024-06-21 - URL: https://tabcm.net/27030/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أنبا أبرآم الثالث، مطران ورئيس أديرة الفيوم, أنبا إرميا، الأسقف العام, أنبا إكليمندس، الأسقف العام لشرق مدينة نصر, أنبا صليب، أسقف ميت غمر ودقادوس والشرقية, إكليروس, الثالوث القدوس, الكنيسة القبطية, المجمع المقدس, المركز الثقافي القبطي, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, حماة الإيمان, دوماديوس حبيب إبراهيم إبراهيم الراهب, رئيس محمد أنور السادات, شهداء ليبيا, قمص ميخائيل إبراهيم, قناة مي سات ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تشبهون قبورا مبيضة تظهر من خارج جميلة وهي من داخل مملوءة عظام أموات وكل نجاسة، هكذا انتم أيضا من خارج تظهرون للناس أبرارا ولكنكم من داخل مشحونون رياء وإثمًا. (إنجيل متى ٢٣ : ٢٧) سأتكلم اليوم في ثلاثة مواضيع متشابهة أثارت الرأي العام المسيحي بكافة طوائفه واتجاهاته، وبالأكثر الكنيسة القبطية الأرثوذكسية التي ينتمي إليها الأشخاص المشار اليهم. 1) الأسقف إرميا طالعتنا بعص الصحف وكثير من مواقع السوشيال ميديا بمقالات لكثير من الكتاب، مسلمين ومسيحيين، عن البيان الذي أصدره رجل الحكومة والأمن العام، الأسقف إرميا، الذي جرح فيه شعور الكثيرين من الأقباط ووضع الكنيسة في وضع محرج لا تحسد عليه بين شقي الرحى، فأي رد فعل في أي اتجاه قد يحسب عليها وعلي قيادتها. وكما يقال أن أول القصيدة كفر، فبدأ بيانه باسم الإله الواحد الذي نعبده جميعًا، وكان مثله الأعلى في ذلك المتنيح البابا شنودة الثالث الذي بدأ هذه المقولة في خطابه أمام السادات، ثم اتبعه بعد ذلك غالبية أبناءه الذين يعتبرون كل ما تفوه به البابا شنودة كلامًا مقدسًا وصحيحًا غير قابل للنقض أو النقاش، مع أن هذه العبارة بها إنكار لإيماننا بالثالوث القدوس الذي لا يعبده معنا الآخرون، وكما قال الرب يسوع المسيح له المجد من ينكرني قدام الناس أنكره أنا أيضا قدام أبي الذي في السماوات، وكان الأدق أن نبدأ بعبارة (باسم الإله القوي القدوس) إذا كنا في خجل من ذكر باسم الآب والابن والروح القدس، في حين أن رجال السياسة وشيوخ الإسلام يقولون ما تعودوا عليه حتي في داخل الكنيسة، أين انتم يا رجال الإكليروس من إيمان فرد واحد من شهداء ليبيا البسطاء الذين سلطت الأسلحة علي رقابهم ولم يهتزوا أو يتركوا الإيمان. أقول ذلك للجميع خصوصًا مجموعة حماة الإيمان أو كما اطلق عليهم حفاة الإيمان، لان فاقد الشيء لا يعطيه. ثاني هذه الأخطاء في هذا البيان الصغير حجمًا ومعنى، هو دفاع الأسقف عن السنة النبوية المشرفة، ويسعى للحفاظ عليها ويرفض بشدة ولا يقبل إنكارها، وهو يعلم تمامًا أن هذه السنه هي التي تكفر المسيحيين، وتأمر بتضييق الطريق عليهم، وبدفعهم الجزية عن يد وهم صاغرون، وبعدم تهنئتهم في أعيادهم المسيحية، ويقول عن ذلك؛ الثوابت الدينية كما تسلمناها -عجبًا يا مولانا! - كنت أعتقد أنّك كنت تتسلم ألحان الكنيسة وتدرس في الكتاب المقدس وتاريخ الكنيسة والمجامع المسكونية واللاهوت وكل فروع العلوم الكنسية، أسف، لم أكن أعلم أنّك قضيت حياتك في تسلم السنة النبوية المشرفة! شرفتنا فعلًا يا جناب الأسقف المبجل جزيل الوقار! ثالثًا يقول أيضا التقليد الكنسي السابق للكتاب بعهديه القديم والجديد، هل هناك تقليدًا كنسيًا قبل العهد القديم؟ قد يكون هناك تقليدًا يهوديًا وليس تقليدًا كنسيًا، لكن الأسقف الذي يلهث دائمًا وراء الأضواء في كل مكان أضاف إلى معلوماتنا... شكرًا جزيلًا... نورت المحكمة بنورك الساطع! وأخيرًا، بدلا من أن يوقع باسمه فقط، ذيّل التوقيع بموقعه ومنصبه الكنسي وكأنه يمثل الكنيسة في هذا البيان ومندوبًا عنها، علي غرار نحن فاروق الأول ملك مصر والسودان! كان توقيعه رئيس المركز الثقافيـ القبطي الأرثوذكسي، والأمين العام المساعد لبيت العائلة المصرية. حفظ الله فضيلتكم، ويجعله عامر. 2) القمص دوماديوس حبيب امتلأت صفحات التواصل الاجتماعي بموضوع الكاهن المدعو دوماديوس حبيب إبراهيم إبراهيم الراهب، وهو من رسامات الأنبا أبرآم الثالث، مطران الفيوم الحالي، رسمه وهو شاب في عمر ٢٦ عامًا، ثم اكتشف أخطاؤه الكثيرة واخلي طرفه من إيبارشية الفيوم، ليتنقل بين كنائس القاهرة حتي استقر في المنطقة التابعة للأنبا إكليمندس، الأسقف العام لشرق مدينة نصر، وبعد فترة استغني عنه أيضا وأعطاه إخلاء طرف، وللآن لا أستطيع أن أفهم أن كاهنًا يخطئ أخطاء جسيمة بدلًا من أن يُشلح من الكهنوت، يُعطى إخلاء طرف بحيث يبحث عن أي كنيسه خارج حدود الإيبارشية ويخدم بها وتتكرر نفس الأخطاء! ! وإذا كان الخلاف بين المطران أو الأسقف والكاهن خلافًا بسيطًا في وجهات النظر في الخدمة، إخلاء الطرف يكون مناسبًا جدًا، مثلما حدث مع الكاهن المبارك القمص ميخائيل إبراهيم، أما أن يكون كاهنًا متحرشًا -مثلًا- فلابد أن يُشلح ويقضي بقية حياته في توبة ولكن دون علاقة مع الشعب. حدث في أمريكا أن أحد الآباء من صعيد مصر جاء ليخدم بولاية فلوريدا، واعتدى علي أكثر من حاله، ولما حاول أهل الضحية مع الأسقف، طلب منهم مسامحته وننسي و... حتي رفع أهل الفتاة قضية مدنية فأُعطىّ الكاهن إخلاء طرف، وظل يخدم في ولايات متعددة، لا يعلمون عنه أي شيئ! حتي تكررت أخطاؤه وكثرت ضحاياه، فتم شلحه قبل انتقاله من هذا العالم بقليل. فإذا لم يُشلح مثل هذا الكاهن فمن هو الذي يُشلح؟ وهنا احيي واثمن دور الأسقف المستنير الأنبا صليب، أسقف ميت غمر الذي شلح كاهنًا دون تردد بعد أن ثبتت إدانته. كاهن يأخذ بركات الحسين الكاهن دوماديوس حبيب مثال آخر، له أكثر من فيديو وهو يشتري عجلًا لعيد الأضحى، وفيديو آخر وهو يترنم بتواشيح إسلامية علي وزن مراثي إرميا، وفيديو آخر وهو يتكلم مع سمسار أراضي وعقارات وكان يتكلم عن شقة أو عقار ثمنه ٤ ملايين جنية، آخر تصاريح هذا الكاهن بعد أن زار الحسين قال: مجد البشرية كتب بدم الحسين طيب ياحاج. حج مقبول وذنب مغفور. فعلا من امن العقاب أساء الأدب! 3) القس سلوانس فكري كاهن ثالث لا أعلم مكان خدمته، اسمه سلوانس فكري، ينسي إلهه وينكر مسيحه في سبيل مجاملة الآخر معتقدًا أن ذلك ذكاء منه، قال بالحرف الواحد أمام شيوخ وجموع المسلمين طمعًا في رضاهم وتصفيقهم الحاد: نحن موحدين بالله، الله واحد ليس له شريك، قل هو الله أحد، الله الصمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد. هؤلاء ثلاث عينات عشوائية لرتبة الأسقفية والقمصية والقسيسية في عصرنا الحالي! نناشد قداسة البابا تواضروس الثاني وآباء المجمع المقدس المستنيرين الحقيقيين بأن يتخذوا موقفًا موحدًا تجاه هذه الأمور المعوجة وغيرها. ليس لدينا إلا الكتابة، أما أنتم فلكم القرار والسلطة لترفعوا العثرة عن الشعب، ونذكر أنفسنا أولًا ونذكركم بقول الكتاب؛ مبرئ المذنب ومذنب البريء كلاهما مكرهة الرب. --- ### أيامنا حضور متجدد ودائم في المسيح - Published: ۲۰۲٤-۰٦-۲۰ - Modified: 2024-06-20 - URL: https://tabcm.net/27013/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: أثناسيوس المقاري, الفصح اليهودي, بابا خرستوذولس, بابا خريستوذولوس, صوم الرسل, عيد الفصح, عيد القيامة, ليتورچي, معجم المصطلحات الكنسية نحتفل معًا الأحد القادم بعيد حلول الروح القدس على الرسل (العنصرة)، والذي يحسب عيد تأسيس الكنيسة، القائمة والدائمة إلى الأبد، كعروس تتزين لعريسها، الرب يسوع المسيح، والمقاوِمة لكل الأنواء في صمود صار أحد اهم سماتها. وبحسب ما سجله سفر أعمال الرسل (أحد أسفار العهد الجديد وكاتبه هو القديس لوقا الرسول) نقرأ: ولما حضر يوم الخمسين كان الجميع معا بنفس واحدة، وصار بغتة من السماء صوت كما من هبوب ريح عاصفة وملأ كل البيت حيث كانوا جالسين، وظهرت لهم ألسنة منقسمة كأنها من نار واستقرت على كل واحد منهم. وامتلأ الجميع من الروح القدس، وابتدأوا يتكلمون بألسنة أخرى كما أعطاهم الروح أن ينطقوا. (أعمال الرسل 2: 1-4) ويذكر كتاب معجم المصطلحات الكنسية في معنى "العَنصَرة" ((أثناسيوس المقاري، معجم المصطلحات الكنسية، الطبعة الثالثة، ٢٠١٢ )): لفظة عبرانية معناها اجتماع أو محفل، واستخدمت لتشير إلى عيد الخمسين اليهودي؛ الذي كان يجتمع فيه كل ذَكَر من اليهود من كل بقاع الأرض إلى أورشليم للاحتفال بالعيد، ويقع عيد الخمسين اليهودي بعد سبع أسابيع كاملة من عيد الفصح اليهودي، لذلك سُمى "عيد الأسابيع" (أثناسيوس المقاري، معجم المصطلحات الكنسية) وقد أطلقت الكنيسة هذا الاسم على عيد الخمسين المسيحي الذي فيه حل الروح القدس على المجتمعين في علية صهيون، فصار يُدعى في العهد الجديد "عيد العنصرة" في العبرية، أو "عيد البنديكستي" في اليونانية. (أثناسيوس المقاري، معجم المصطلحات الكنسية) يعتبر عيد الخمسين، العنصرة أو البنديكستي، العيد الثاني في الكنيسة بعد عيد القيامة. ومنذ عصور المسيحية المبكرة أُطلقت كلمة بنديكستي أو زمن العنصرة ليس على يوم العيد نفسه فحسب بل وأيضًا على طيلة الأسبوع الذي يليه. (أثناسيوس المقاري، معجم المصطلحات الكنسية) ويأتي حدث حلول الروح القدس بعد الصعود -اليوم الذي صعد فيه المسيح للسماء بعد قيامته من الأموات بأربعين يومًا- والصعود بحسب سفر أعمال الرسل هو: اليوم الذي ارتفعفيه، بعد ما أوصى بالروح القدس الرسل الذين اختارهم. الذين أراهم أيضا نفسه حيا ببراهين كثيرة، بعد ما تألم، وهو يظهر لهم أربعين يومًا، ويتكلم عن الأمور المختصة بملكوت الله. وفيما هو مجتمع معهم أوصاهم أن لا يبرحوا من أورشليم، بل ينتظروا «موعد الآب الذي سمعتموه مني، لأن يوحنا عمد بالماء، وأما أنتم فستتعمدون بالروح القدس، ليس بعد هذه الأيام بكثير» (أعمال الرسل 1: 2-5) وبالفعل حل عليهم الروح القدس بعد عشرة أيام من حدث الصعود. صيام الرسل وارتباطه بالعنصرة: كانت الكنيسة الأولى تمارس هذا الصوم (صوم الرسل) بعد صعود المسيح مباشرة وحتى حلول الروح القدس، أي عشرة أيام فقط. ثم مر الصوم بمراحل مختلفة في مدته حتى قننه البابا خريستوذولوس في مجموعة قوانينه، وفيها حدد أن تكون بدايته اليوم التالي لعيد العنصرة. وهو تاريخ غير ثابت لارتباطه بعيد القيامة وهو غير ثابت، بينما نهايته محددة بتاريخ محدد، لذلك تتأرجح مدة هذا الصوم ما بين ١٥ و ٤٩ يومًا. مطلب تدبيري: لعل الكنيسة ترد هذا الصوم إلى أصله كما كان في كنيسة الرسل، وتضبط حسابات السنة الليتورجية مجددًا، اتفاقًا مع ما قاله الرب يسوع المسيح ردا على من سألوه "لماذا لا يصوم تلاميذك؟! " وكان تلاميذ يوحنا والفريسيين يصومون، فجاءوا وقالوا له: «لماذا يصوم تلاميذ يوحنا والفريسيين، وأما تلاميذك فلا يصومون؟» فقال لهم يسوع: «هل يستطيع بنو العرس أن يصوموا والعريس معهم؟ ما دام العريس معهم لا يستطيعون أن يصوموا. ولكن ستأتي أيام حين يرفع العريس عنهم، فحينئذ يصومون في تلك الأيام». (إنجيل مرقس ٢ : ١٩ - ٢٠) وهكذا استطاعت الكنيسة أن توقع الأحداث الكبرى على أيام السنة، واسمتها السنة الليتورجية، والتي فيها يصير الرب يسوع المسيح في ذهننا على مدار أيامنا... أمسنا ويومنا وغدنا. --- ### دور الثقة في الخبر - Published: ۲۰۲٤-۰٦-۱۹ - Modified: 2024-06-19 - URL: https://tabcm.net/26470/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: جلوريا أوريجي, جوزيف شيبر, ريتشارد لانجتون جريجوري, سي إيه جيه كودي, فيليب نيكل نحن حريصون على الثقة بالمؤشرات القويّةعلى الرغم من أنه أحيانًا نُخدَع بخصوص قوَّة المؤشرات لأن خبرتناهي خبرة غير مُباشرة. أن نتبنَّى موقفًا من الثقة فيمن نتخاطب معهم يعني أن نقبَل تعرُّضنا لدرجة من التهديد الذهني/المعرفي بأن نقبل أنا نُشاركهم عدد كبير من الفرضيَّات والتصوُّرات والنظريات التي تُطرح بغرضِ التَّخاطُب. نحن لا نثق في مُخاطبينا كيما يمدوننا بالمعرفة. يحدُثُ أنّ نتحصَّل على المعرفة بالتّواصلِ، من خلال إدراج من نُخبَر به في سياق أفكارنا وأهدافنا المعرفية. (جلوريا أوريجي، الثقة والسُمعة كآليّة ترشيح معرفيّة ((Gloria Origgi, Trust and Reputation as Filtering Mechanisms of Knowledge, in The Routledge Handbook of Social Epistemology, 2020, p. 82, 83-84 )) ) "الثقة"؛ واحده من المعايير التي نستخدمها جميعًا في تقييم المصادر التي نستقي منها المعلومات. عادة تُناقش كتب الإبستمولوجيا الاجتماعية مسألة انتقال المعلومات بين الأفراد في الحاضِر أو الماضي القريب، لأنه في هذه الحالات يوجد مصادر أخرى نستطيع من خلالها تقيِّم إن كانت المعلومة التي انتقلت من خلال الخبر الشفوي بين الأفراد في المُجتمع سليمة ولا لأ. لكن تخيّل لو كانت المعرفة مرتبطة بحدث بعيد في الماضي، حدث مش باقي منه حاجة غير كلام ناس عنُّه، هل نقدر في الحالة دي نقول إن “الثِّقة” في الأفراد تُنتج معرفه صحيحه مُبرره؟ الحقيقة إن بيتفق كتير من دارسي المعرفة الاجتماعية على وجود مساحة من المجهول تُسد بفرضيات مُسبقه عند مُتلقّي المعلومة، وفقًا للسياق الاجتماعي والاعتقادي اللي هو عايش فيه. يعني انت بتصدق لأن عندك الرّغبة والاستعداد والاعتقاد المُسبق اللي يخليك عايز تصدَّق مش لأن الدَّليل ضخم ولا يُقاوَم. كلما تبتعد عن المصدر الذي تقيِّمه، كلما صارت ثقتك افتراضية أكتر، أو تعتمد في ثقتك في المصدر على ثقتك في حد تاني أقرب للمصدر، وهنا انت ممكن تقول إنك مُبَرَّر أو مسوَّغ في الثقة، لكن متقدرش تقول إن ما تتبناه هو “معرفة” سليمة، اللي عملته هو تتنازل عن حقَّك في تقييم المصدَر وتُحيل حُكمك لحُكم شخص تاني. وهي دي بالظبط النقطة اللي فيها الخطأ، لأن سلسلة التنازل عن الحُكم على المصدر لصالح آخرين من الجائز عقليًا وتجريبيًا أن يشوبها كل أنواع الخطأ، وبالتّالي مينفعش يصدر منها يقين معرفي، ممكن تسميه تسويغ لأنك شايف مُبرر للتصديق، لكن مش معرفة. تجارب قياس احتمالية تصديق/ مرور الكذب في إحصائية لطيفة نقلها جوزيف شيبر ((Joseph H. Shieber, Socially Distributed Cognition and the Epistemology of Testimony )) عن إكمان وأوسيلفيان اللي في دراستهم عملوا حصر للدراسات والتجارب التي تحاول تُحصي قدرة الفرد على اكتشاف الكذب أو إن الطرف اللي بيكلمهم مُخادِع. في كل الدراسات الناس مكانتش دقيقة في تحديد الكذب، وكانت معدلاتهم بالكاد فوق ٦٠%، وقطاع منهم وصل ل ٥٠% (اللي هي الرقم العشوائي) وبعض المجموعات كانت معدلاتها أسوأ من ٥٠%. والنتايج دي انطبقت على المتخصصين اللي وظايفهم مبنيه على قدرتهم في اكتشاف الكذب زي ضباط الجمارك (دراسة عملها كراوت وبو) والشرطة الفيدرالية (دراسة عملها ديباولو وفايفر) وضباط الشرطة (دراسه عملها كونكان). يعني حضرتك سيادتك سعادتك لما بتاخد معلومه بناءًا على ثقتك في شخص، في احتمال يقارب الـ٥٠% إنه لو حاول يخدعك هايخدعك، حتى لو انت سبع البرومبة في مجال انت متدرب عليه. ولما بتاخد معلومة انتقلت من كذا شخص قبل ما توصلك، ف في كل مرة بيحصل فيها نقل للمعلومة يوجد قدر لا بأس به من الاحتمالية إن يكون في خِداع أو كدب أو على الأقل خلل أو خطأ. مينفعش بعد كل دراسات علم النفس المعرفي، والإبستمولوجيا الاجتماعية تيجي تقولي أنا عايز أخد معلومات اللي قبلي باعتبارها لا يتخللها الشَك وباعتبارها تؤسس ليقين مُطلق، إنت كده ضدّ الدّليل التجريبي. التخلي عن عبء الإثبات في مقال بعنوان Assurance Views of Testimony بيستخدم فيليب نيكل عبارة passing the buck في التعبير عن الناس اللي بتخلط ما بين دور الشهاده كمُسوِّغ للمعرفه وبين كونها دليل للمعرفه. عبارة passing the buck في الأصل معانا إنك تلوم حد على حاجة كان المفروض انت اللي تعملها. والمقصود هنا لو قولتلي معلومة وأنا سألتك عن الدليل، المفروض تديني الدليل بما أنك استخدمت المعلومة، لكن اللي ممكن يحصل إنك بدل ما تديني دليل على المعلومة ترمي عبء الإثبات على حد تاني -أو على الشهادة- ف تقولي أنا سمعت المعلومة من فلان. في الحالة دي انت بترمي عبء المسئولية والإثبات على فلان، وفي نفس الوقت بترتكب مُغالطه لما بتدّعي إن معرفتك صحيحة في حين إنك معندكش دليل عليها، كل اللي عندك هو مُبرِّر للتصديق وهو إنك بتثق في فلان. طب افرض أنا مش بثق في فلان؟ افرض انت بتثق فيه بناءًا على أسباب مرتبطه بالعاطفة أو الأيديولوجيا وانت شايفها كافيه للتصديق، بس أنا معنديش نفس الروابط العاطفية والأيديولوجية مع فلان وبالتّالي مش هاصدّق كلامه بدون دليل، وفي نفس الوقت انت معندكش دليل ورميت المسئولية على فلان. في الحالة دي الموضوع أصبح فيه معلومة عمالة تلف بين الناس ولم تنتهي إلى دليل، ولكن فقط إلى رغبة الناس في إنها تصدَّق على عُهدة فلان. في كتاب Eye and Brain للطبيب النفسي ريتشارد جريجوري،  يحكي جريجوري عن حالة لمريض مكانش بيشوف، وعمل جراحه في عينيه، وبيقول إنه كان محظوظ إنّه يدرس الحاله دي first hand، يعني عاين الحالة بشكل مباشر ويُعتبر هو شاهد عيان عليها. وبيحكي لما الجراح كشف الضمادات عن عين المريض لأول مره بعد العملية مكانش شايف أشكال مُحدده لأي حاجه حتى وش الجراح مكانش شايفه، كان سامع صوته، لكن كل حاجه ضبابية. وبيستكمل إن بعد كده خلال أيام قليلة بدأ نظره يتحسن ويقدر يستخدم نظره بشكل عملي، ف بقى يقدر يمشي من غير ما يحتاج يسند على حاجة تدله على الطريق، وبقى يقدر يشوف الوقت في الساعة الكبيرة اللي في المستشفى بدل ساعة الجيب اللي كان بيستخدمها باللمس، وبقى يقدر يقف في الشباك يتفرج على العربيات. وبيقول إن المريض كان سعيد جدًا بالتحسن السريع في حالته وبيحكي إنهم خدوه بندن بعد كده وفرجوه على كل المعالم اللي عمره ما شافها ((C. A. J. Coady, Testimony: A Philosophical Study, 1995, p. 9-10 )). لحد هنا القصة مفيهاش أي شيء مميز أو غريب. لكن اللي بيعلق عليه كودي في كتاب Testimony: A Philosophical Study هو إنه لما راجع الكتاب الأول اللي نشره جريجوري مع باحث تاني إسمه والاس، اكتشف إن جريجوري مكانش موجود في أول سبع أسابيع بعد العملية، وإنه وصل متأخر، وكل اللي حكاه باعتباره "شاهد عيان" عليه هو معلومات مجمعها من الناس اللي في المستشفى. الفكرة هنا مش إن جريجوري كداب، أو إنه بينسب لنفسه مشاهدة حاجه مشافهاش، ولكن جريجوري كان يثق في اللي شافو الحالة، لدرجة إن قربه من التفاصيل بالشكل ده مخليه مؤهل يتحقق من التفاصيل ويسردها باعتباره شاهد عيان، حتى لو كان بيسرد حاجات مكانش موجود فيها في المكان أساسًا. المعيار اللي جريجوري استخدمه هنا هو ثقته الشخصية في سردية الأشخاص اللي كانوا موجودين في أول سبع أسابيع بعد العملية. هنا جريجوري راجل مُدرَّب وباحث أكاديمي، ومع ذلك خلط ما بين تصديقه للي سمعه، وبين كونه شاهد عليه. وكمان المُشكلة بانت أكتر بسبب إن جريجوري نفسه كاتب كتاب تاني بيحكي فيه التفاصيل، وبالتالي مقارنة النصوص وضّحت المشكلة. طب لو جريجوري دي كان حد عايش من ألف سنه، ومكتبش غير كتاب واحد بيحكي فيه رؤيته لحدث ما، هل نقدر نجزم بإن كلام جريجوري معناه إنه شاف فعلًا زي ما قال في كتاب "عينٌ وعقلٌ"؟ لأ منقدرش، مهما كان بيوصف تفاصيل واضحة، ومهما كان بيأكد إنه شاف، متقدرش تاخد الشهادة بتاعته باعتبارها حقائق، لأن مفيش شيء يساعدك تفحص الشهادة دي وتقيسها عليه. بالمناسبه، كتاب "الشهادة: دراسة فلسفية" بتاع كودي هدفه يوصل لعكس النتيجة اللي أنا بقولها لك، يعني هو عايز يثبت إن الشهادات موثوقة، بس المشكلة إن كل الأمثلة اللي بيستخدمها لحد دلوقتي معاصره أو من الماضي القريب جدًا، اللي هو أساسًا في عليه مُعطيات كتير أوي تساعدك تفحص الشهادات. وهابقى أكتب مقال آخر عن الجدلية بتاعت كودي لو كان فيها حاجه تصلح لدراسة الماضي البعيد. --- ### الفاتيكان ينشر وثيقة بابوية تعمل على الوحدة - Published: ۲۰۲٤-۰٦-۱۷ - Modified: 2024-06-17 - URL: https://tabcm.net/26666/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: الكنائس الأرثوذكسية, الكنيسة الرسولية, الكنيسة الكاثوليكية, المجمع الفاتيكاني الثاني, بروتستانت, ڤاتيكان نشر الفاتيكان يوم الخميس١٣ يونيو دراسةً من ١٣٠ صفحة حول الأولوية البابوية، تحتوي الدراسة على اقتراحات من الكنائس الأرثوذكسيّة والبروتستانتيّة حول كيف يمكن أن يتشكّل دور أسقف روما في "كنيسة موحَّدة" في المستقبل. الوثيقة الدراسيّة بعنوان: أسقف روما: الأولوية والمجمعيّة في الحوار المسكونيّ، وردود الفعل على الرسالة العامة؛ Ut Unum Sint ، والتي هي أول نصٍّ فاتيكاني، منذ المجمع الفاتيكاني الثاني، يحدّد النقاش المسكوني بأكمله حول المكانة الأولى لبابا روما. وإضافة إلى تحديد الأسئلة اللاهوتية المحيطة بسيادة البابا في الحوار المسكوني، فإن الوثيقة تخطو خطوة أبعد لتقديم اقتراحات "للخدمة الوحدوية في كنيسة موحدة"، بما في ذلك "ممارسة متمايزة لسيادة أسقف روما". يشتمل الجزء الأخير من النصّ المنشور في ١٣ يونيو / حزيران، على جزء من مقترحات أمانة تعزيز وحدة المسيحيين حول "ممارسة الأولوية في القرن الحادي والعشرين"، بما في ذلك توصيات من أجل "ممارسة مجمعيّة" للأسبقية البابوية. السينودسية تخلص سكرتارية تعزيز وحدة المسيحيّين إلى أنّ "المجمعيّة المتنامية مطلوبة داخل الكنيسة الكاثوليكيّة" وأنّ "العديد من المؤسّسات والممارسات المجمعية للكنائس الكاثوليكيّة الشرقيّة، يمكن أن تكون ملهمة للكنيسة اللاتينية". وتضيف أن "المجمعيّة الإضافيّة" يمكن أن تشمل اجتماعات منتظمة بين الممثّلين المسيحيّين على المستوى العالمي في "زمالة مجمعيّة" لتعميق الشركة. يستند هذا إلى الحوار مع بعض الممثلين الأرثوذكس الذين أكدوا أن "أيّ استعادة للشركة الكاملة بين الكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية سيتطلب، من كلا الجانبين، تعزيز الهياكل المجمعية وفهمًا متجددًا للأولوية الجامعة، حيث يخدم كلاهما الشركة بين الكنائس". في مؤتمر صحفي عقد في الفاتيكان في ١٣ يونيو / حزيران، قال الكاردينال ماريو جريتش، الأمين العام للأمانة العامة للسينودس، إن وثيقة الدراسة هذه تصدر في "وقت مناسب جدًا" فيما تستعد الكنيسة للدورة الثانية من السينودس حول المجمعية في الخريف. وأكد ممثل الكنيسة الرسولية الأرمنية، رئيس الأساقفة؛ خاجاك بارساميان، الذي انضم إلى المؤتمر الصحفي عبر الفيديو، أن "مجمعية الكنيسة الكاثوليكية هي معيار مهم للكنائس الأرثوذكسية الشرقية في طريقنا نحو الشركة الكاملة". تحديد مسؤوليات البابا تؤمن الكنيسة الكاثوليكية أن يسوع جعل من بطرس "صخرة" كنيسته، وأعطاه مفاتيح الملكوت وأقامه راعيًا لجميع الرعيّة. وإن البابا بصفته خليفة مار بطرس هو "المصدر والأساس الدائم والمرئي لوحدة الأساقفة وجميع المؤمنين على حد سواء"، كما هو موضح في إحدى الوثائق الرئيسية للمجمع الفاتيكاني الثاني، تحت عنوان: Lumen Gentium . تقترح الوثيقة الدراسية الجديدة "ضرورة التمييز بشكل أكثر وضوحًا بين المسؤوليات المختلفة للبابا، وبشكل خاصّ بين خدمته كرئيس للكنيسة الكاثوليكية، وبين خدمته من اجل الوحدة بين جميع المسيحيين، أو بشكل أكثر تحديدًا بين خدمته البطريركيّة في الكنيسة اللاتينية وخدمته الأساسية في شركة الكنائس". ويشير النص إلى إمكانية "توسيع هذه الفكرة للنظر في كيفية ارتباط الكنائس الغربية الأخرى بأسقف روما بصفته كبير الأساقفة، مع وجود قدر معين من الاستقلالية والحكم الذاتي لأنفسهم". وتشير الوثيقة إلى أن الكنائس الأرثوذكسية، والأرثوذكسية الشرقية، قد شددت على أهمية القيادة الإقليمية في الكنيسة ودعت إلى "التوازن بين الرئاسة الأولى والأولويات". ويضيف النص أن بعض الحوارات المسكونية مع الجماعات المسيحية الغربية طبّقت ذلك أيضًا على الكنيسة الكاثوليكية من خلال الدعوة إلى "تعزيز المجالس الأسقفية الكاثوليكية، بما في ذلك على المستوى القاري، وإلى استمرار "اللامركزية" المستوحاة من نموذج الكنائس البطريركية القديمة”. مستشهدة بمبدأ التبعية، الذي يعني أنه لا ينبغي نقل أي مسألة يمكن معالجتها بشكل صحيح على مستوى أدنى إلى مستوى أعلى، يصف النص كيف أن بعض الحوارات المسكونية جادلت بأن "سلطة أسقف روما لا ينبغي أن تتجاوز المطلوب لممارسة خدمته للوحدة على المستوى العالمي واقترحت تقييدًا طوعيًا في ممارسة سلطته". "في مسيحية متصالحة، تتطلب مثل هذه الشركة أنّ تكون علاقة أسقف روما بالكنائس الشرقية وأساقفتها... مختلفة بصورة جوهريًة عن العلاقة المقبولة الآن في الكنيسة اللاتينية”. هكذا قالت الوثيقة الدراسية. --- ### الروح القدس يمنحنا القيامة - Published: ۲۰۲٤-۰٦-۱٦ - Modified: 2024-06-12 - URL: https://tabcm.net/26498/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: Sola Ecclesia, الأب متى المسكين, سمعان بن يونا, طبيعة المسيح, قديس بولس الرسول "الروح القدس يمنحنا القيامة"، بقلم الأب متى المسكين، نُشر أوّل ما نُشر في كتاب "الروح القدس الرب المحيي"، بمناسبة عيد الخمسين ١٩٧٩، الصفحات من ٦٥١ إلى ٦٦٣ الروح القدس في الكنيسة منذ يوم الخمسين وحتى الآن يحضرنا كل يوم مع المسيح لندخل بكل كياننا داخل مجال المسيح، مجال القيامة، مجال فعل الخلاص بكل دقائقه، ونستلهم الإنجيل بكل دقائق معناه الصحيحة لنعيش فعل المسيح وكلمته، لأن الروح الذي أقام المسيح هو الآن معنا حاضر في الكنيسة يضيء في قلوبنا سر قيامة المسيح في كل لحظة ليقيمنا من لعنة موت الخطية. فالإطار العام لعمل الروح القدس ينحصر في أن حلول الروح القدس يوم الخمسين أعطى للإنسان الوجه الآخر الحي والفعّال لقيامة المسيح. فبحلول الروح القدس دخلت قوة قيامة المسيح إلى العالم لتصير فعّالة ومجددة للطبيعة البشرية. لذلك يشدد الرسول بطرس قائلًا: مولودين ثانية لرجاء حي بقيامة يسوع المسيح من الأموات ((بطرس الأولى ١ : ٣ ))،‏ هذا يكمله القديس بولس الرسول بقوله: إن كان الروح الذي أقام يسوع من الأموات ساكنًا فيكم، فالذي أقام المسيح من الأموات سيحيي أجسادكم المائتة أيضًا بروحه الساكن فيكم ((رومية ٨ : ١١ )). ‏ ولكن الروح القدس لا يعطي قوة القيامة من لعنة الموت الساكنة في الأعضاء ميكانيكيًا، بل يلزم الاعتماد الشديد والقوي على الروح القدس بالانقياد له، و بإلقاء كل الرجاء على النعمة إن كنت بالروح تميتون أعمال الجسد فستحيون ((رومية ٨ : ١٣ )). ‏ هنا الروح القدس يميت ويحيي، وهذه إحدى صفات الله العجيبة والمشجعة والتي تحفظ تجديد الخلقة بالروح القدس. على أن كل من حصل على روح القيامة، أي الموت عن العالم والحياة لله في هذا الدهر بقوة الروح القدس وفعاليته والانقياد له بالسلوك العلني والخفي، فإنه ينال سر القيامة العتيدة، لأن سكنى الروح القدس الآن في الكيان الإنساني بفعل الإيمان والشهادة والأسرار وقوة الكلمة، يعطي قدرة قيامة الجسد في الحياة الأبدية كما يتكلم جميع آباء الكنيسة في هذا الأمر، وهذا برهانه العملي: الفرح المذهل الذي يعيشه المؤمنون في هذا الدهر. إذن فحضور الروح القدس في يوم الخمسين والآثار القوية التي صاحبت حضوره وحلوله، والتي لا تزال تعمل في الكنيسة ككل وفي المؤمنين كأفراد (المواهب)، هو في الحقيقة الوجه الآخر والدائم لقيامة المسيح، لذلك إن كانت الكنيسة تعيش بالفعل في قيامة المسيح (خريستوس آنستي)‏ فهي لأنها نالت روح القيامة وتعيشه وتتنفس به. طبيعة الروح القدس وطبيعة الإنسان تغيير وتجديد للطبيعة عن طريق الشركة: يظل علم اللاهوت يوضح و يدقق، للتفريق الهائل بين الطبيعة الإلهية والطبيعة البشرية. فالفارق بينهما هائل ومطلق ولا يقوى أي عمل أو نطق أن يصور مقدار الهوة التي تفصل بينها. فالله هو «آخر» كلي ومطلق بالنسبة للإنسان، ولا يستطيع الإنسان أن يتصوره أو يقيّمه. وبعد أن اتحد «الكلمة» اللوغس -أي كلمة الله إبن الله- بالطبيعة البشرية، مولودًا من الروح القدس والعذراء مريم، جمع في نفسه هذا النقيض الهائل، أي الإلهي والبشري معًا في نفسه! ! دون أن يفقد الكامل المطلق ‏ -أي الإلهي فيه- شيئًا؛ ولكن زاد الناقص العاجز ‏ -أي البشري فيه- كل شيء وكل كرامة. أقول، وبالرغم من هذا الاتحاد الإعجازي الفائق، فقد ظلت الطبيعة الإلهية بالنسبة لنا نحن كأفراد شيئًا لا يُقترب إليه لا بالفكر ولا بالحس ولا بالأثر الفعال. فواضح من حياة التلاميذ الأخصاء مع المسيح أنهم على مدى كل حياته على الأرض، وبالرغم من كل ما أتاه من معجزات، ثم في صلبه وموته وحتى بعد قيامته وظهوره، لم يدركوا لاهوته. والسبب في ذلك أن القربى والاتحاد والتصالح الذي تم بين الطبيعة الإلهية والطبيعة البشرية فيه ظلت منحصرة في أقنومه الشخصي، كما يحدده اللاهوت أنه «اتحاد أقنومي»، أي اتحاد شخصي. وظل هذا الاتحاد بآثاره الهائلة نحو البشرية كلها ينتظر حلول الروح القدس في الأفراد المؤمنين باسمه. لذلك شدد المسيح أنه خير لكم أن أنطلق، لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزِّي ((يوحنا ١٦ : ٧ )). إذن فخير البشرية ومجدها العظيم والبعيد الأثر، كان ينتظر قيامة الرب وصعوده بعد القيامة، لكي يرسل الروح القدس، ليكمل عمل الرب الخلاصي. ثم شدد المسيح أيضًا على تلاميذه أن لا يبرحوا من مكانهم في أورشليم مجمدًا حركتهم تجميدًا كليًا حتى يُلبسوا قوة من الأعالي، وذلك ليتهيأوا للبشارة والشهادة. وذلك بأن يكونوا هم أولًا على مستوى المسيح في تكميل عمل الخلاص، أي على مستوى القيامة، أي جدة الحياة الإنسانية الأشياء العتيقة قد مضت. هوذا الكل قد صار جديدًا ((كورنثوس الثانية ٥ : ١٧ )). لقد ولد الإنسان من جديد من طبيعة المسيح المقام بواسطة الروح القدس. و بقبول الكنيسة، يوم الخمسين، الروح القدس، أي بسكنى روح الله في قلب الإنسان وكيانه باتحاد صميمي سري، اختزلت الهوة التى كانت تفصل الله عن الإنسان، أي دخلت الطبيعة البشرية في شركة حية وفعالة مع الطبيعة الإلهية على أساس أن ينال الإنسان ثمار اتحاد الطبيعة الإلهية بالطبيعة البشرية التى تمت جوهريًا وأقنوميًا في المسيح، واستعلنت بالقيامة من جهة روح القداسة، لننالها تحن بالنعمة بصفتنا أبناءً نرث ميراث المسبح في المجد، وبذلك تم شفاء عجز الطبيعة البشرية وقصورها وموتها ونوال قوة قيامتها وكرامة ومجد صعودها إلى السماء الذي تم لها في المسيح المقام، ولكن بالنعمة، كهبة، دون أن تفقد الإنسانية بشريتها إنما مجرد اكتساب مواهب المسيح، أعطيهم المجد الذي أعطيتني  أنا فيهم وأنت فيَّ ((يوحنا ١٧ : ٢٢، ٢٣ )). ولكي نوضح ذلك على المستوى العملي نشير إلى كيف أن بولس الرسول يفصل بين إنسان نال الروح القدس ودخل في شركة الطبيعة الإلهية عن إنسان لم ينل هذه الشركة ولم يصر روحيًا بعد هكذا: وأنا أيها الإخوة لم أستطع أن أكلمكم كروحيين، بل كجسديينكأطفال في المسيح، سقيتكم لبنًا لا طعامًا، لأنكم لم تكونوا بعد تستطيعون، بل الآن أيضا لا تستطيعون، لأنكم بعد جسديون. فإنه إذ فيكم حسد وخصام وانشقاق، ألستم جسديين وتسلكون بحسب البشر؟ لأنه متى قال واحد: «أنا لبولس» وآخر: «أنا لأبلوس» أفلستم جسديين؟ (كورنثوس الأولى ٣ : ١-٤) فالروح القدس حينا يعمل في الطبيعة البشرية يرفع الإنسان فوق كل انقسام أو تحزب أو حسد مهما كان... نخلص من هذا، أن سكنى الروح القدس في الإنسان وإنهاء طبيعة الإنسان بالقلب والفكر والإرادة لوصايا الرب مع الاشتراك في أسرار المسيح، هذا يكون له ثمار حية سلوكية تشهد في حياة الإنسان، وهي التي تختم على مدى صحة الشركة في الروح القدس والاقتداء بالمسيح والنمو في عمل النعمة بشهادة الضمير والسلوك. مواهب الروح القدس أ. الموهبة الأولى: تجاه المسيح نفسه: والإعلان الهام بل والتحذير الخطير الذي يتحدانا هو أنه بالرغم من أن جميع مواهب الروح القدس مهما تعددت، فالروح واحد، ولكن تبقى موهبة «معرفة الكلمة» على أسس صحيحة من الإنجيل وبفهم صحيح وإدراك صحيح بحسب الفكر الإنجيلي واللاهوتي، تبقى هي الأساس الأول الذي لا غنى عنه والذي عليه يتوقف عمل كل موهبة أخرى، ويكفي أن نتصور إنسانًا يسعى لينال موهية الخدمة أو التعلم أو النبوة أو التكلم باللسان أو الشفاء أو الوعظ، وهو غير متأسس على معرفة الإنجيل بعهديه معرفة متقنة، فالعثرة والتخبط والبلبلة التي قد يقع فيها كفيلة لا أن تلغي كل موهبة أخرى، بل وتشكك في مصدرها وتهدم الكنيسة. وهكذا فقبل الانشغال بمواهب الروح القدس، يتحتم أن يكون الانشغال أولًا بالمسيح، بالإيمان الصحيح على أساس دراسة الكلمة وفهم معناها على أصوها الرسولية التقليدية، ثم الدخول في اختبار فاعليتها وصدقها، لأن كل معرفة بالمسيح بدون شهادة إنجيلية وبدون خبرة روحية تسليمية تصير بحرد علم لا يبني بل ينفخ. ومن هنا يتضح ضرورة، بل حتمية، اجتماع أصحاب المواهب معًا تحت قيادة المسيح في عمل جسد واحد موحد داخل الكنيسة. كيا يستحيل نجاح موهبة تعمل بمفردها، لأن من الرأس الواحد تنبع كل الأعمال بانسجام نحو غاية واحدة. هذا يدخلنا مباشرة في موضوع عمل الروح القدس الأول والأساسي بالنسبة لخلاصنا وحياتنا وفرحنا الدائم الحقيقي، وهو علاقتنا الشخصية جميعًا بالرب على أساس كلمته الحية إن أحبني أحد يحفظ وصاياي ((يوحنا ١٤ : ٢٣ )). فإذا اتحدنا في حفظ الوصية اتحدنا في حبه! ! أي أن كل مواهب الروح القدس إذا انحصرت في الإنسان بدون علاقة حية دائمة ومعرفة وثيقة بالمسيح، فإنها تصبح بلا قيمة بلا وبلا ثمرة، بل ولا تغني عن الدينونة! يا رب، يا رب! أليس باسمك تنبأنا، وباسمك أخرجنا شياطين، وباسمك صنعنا قوات كثيرة؟ فحينئذ أصرح لهم: إني لم أعرفكم قط! اذهبوا عني يا فاعلي الإثم! (متى ٧ : ٢٢-٢٣) هذه هي الحياة الأبدية: أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته. (يوحنا ١٧ : ٣) ب. الموهبة الثانية: تجاه الآخرين: هذا بدوره ينقلنا مرة أخرى إلى عمل الروح القدس في علاقتنا بالآخرين، الآخرين من كل نوع، الأحباء والأعداء والأهل والإخوة والزملاء والرؤساء والخدم والحكومة وقوانين الدولة، والعقائد والأديان الأخرى. وأخطر ما يلاقيه المنشغلون بنوال المواهب، هو اختراع مبادئ وأفكار جديدة لهم كأنها من إلهام الروح القدس، وهي انعكاس شخصي ذاتي لخبراتهم وإخفاقاتهم وخساراتهم السابقة، أو ربما انعكاس لطموحات ذاتية ولأمراض نفسية مختفية لم تظهر لهم وللمجتمع بوضوح، فنسمع عن تصرفات غريبة عن المفهوم التقليدي المسيحي والكنسي بحسب الإنجيل. علمًا بأن الروح القدس نفسه لا يعمل شيئًا من ذاته، أي لا يمكن أن يشير بمشورة غير ما أشار بها المسيح، كما يقول الرب هذا لا يتكلم من ذاته، بل يأخذ مما لي ويخبركم... و يذكّركم بكل ما قلته لكم ((يوحنا ١٦ : ١٣-١٤، ويوحنا ١٤ : ٢٦ )). وهكذا يتضح أن مشورة الروح القدس ستظل محدودة تمامًا في حدود وصايا المسيح وتعليمه فقط، ولا جديد بالمرة. ووصايا المسيح واضحة محددة مفهومة بكل بساطة وإعجاز... (+) فن جهة من هو قريبي: أعطى المثل ((السامري الصالح، لوقا ١٠ : ٢٩-٣٧ )) ضد السلام الاجتماعي الذي يقوم على المصالح العنصرية أو الأسرية، جاعلًا معنى القرابة في مفهوم إنساني رائع ينحصر في معنى البذل والرحمة دون النظر إلى أي عوامل معاكسة مهما كانت، فاليهودي الذي كان على شفا الموت أنقذه عدوه السامري بينا كهنة اليهود لم يرثوا لحاله وعبروا عليه وتركوه. (+) ومن جهة الإخوة: فأخذ ولدًا وأقامه في وسطهم ثم احتضنه وقال لهم: من قبل واحدًا من أولاد مثل هذا باسمي يقبلني، ومن قبلني فليس يقبلني أنا بل الذي أرسلني (مرقس ٩ : ٣٦) إذا أراد أحد أن يكون أولًا فيكون آخر الكل وخادمًا للكل (مرقس ٩ : ٣٥) أنتم تعلمون أن الذين يُحسبون رؤساء الأمم يسودونهم وأن عظماءهم يتسلطون عليهم. فلا يكون هكذا فيكم. بل من أراد أن يصير فيكم عظيمًا يكون لكم خادمًا. ومن أراد أن يصير فيكم أولًا يكون للجميع عبدًا (مرقس ١٠ : ٤٢-٤٤) وبهذا يكون المسيح قد أسس قانون العلاقات التي تربط أي جماعة تجتمع باسم المسيح وتعمل بقوة الروح القدس، فالأخوّة المسيحية لا تقبل السيادة، والخدمة شرف. (+) ومن جهة الرؤساء: على كرسي موسى جلس الكتبة والفريسيون فكل ما قالوا لكم أن تحفظوه فاحفظوه وافعلوه. ولكن حسب أعماهم لا تعملوا لأنهم يقولون ولا يفعلون (متى ٢٣ : ٢-٣) (+) ومن جهة الخدم: أنتم تدعونني معلمًا وسيدًا وحسنًا تقولون لأني أنا كذلك. فإن كنت وأنا السيد والمعلم قد غسلت أرجلكم فأنتم يجب عليكم أن يغسل بعضكم أرجل بعض. لأني أعطيتكم مثالًا حتى كما صنعت أنا بكم تصنعون أنتم أيضًا (يوحنا ١٣ : ١٣-١٥) وبهذا العمل الواحد ألغى المسيح من الكنيسة أي محاولة للتعالي الطبقي في الوظائف الكهنوتية. (+) ومن جهة الحكومة والقوانين: أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله (متى ٢٢ : ٢١) هنا يصالح المسيح المسيرة الروحية الخالصة بواجبات السياسة، أي الدولة عن أمر والتزام ، ثم الالتزام بقوانين الدولة حتى الجائر والخطأ منها: «ماذا تظن يا سمعان؟ ممن يأخذ ملوك الأرض الجباية أو الجزية، أمن بنيهم أم من الأجانب؟» قال له بطرس: «من الأجانب». قال له يسوع: «فإذا البنون أحرار. ولكن لئلا نعثرهم، اذهب إلى البحر وألق صنارة، والسمكة التي تطلع أولا خذها، ومتى فتحت فاها تجد إستارا، فخذه وأعطهم عني وعنك» (متى ١٧ : ٢٥-٢٧) وهكذا استعبد المسيح نفسه لقانون الضرائب لغاية رائعة وكريمة وهي أن لا يُعثْر أحد في ولائه لصاحب السلطان! ! ! (+) ومن جهة العقائد الأخرى: فأجابه يوحنا قائلًا: يا معلم رأينا واحدًا يخرج شياطين باسمك وهو ليس يتبعنا، فمنعناه لأنه ليس يتبعنا. فقال يسوع: لا تمنعوه. لأن من ليس علينا فهو معنا. (مرقس ٩ : ٣٨-٤٠) وهكذا ارتفع السبح فوق التحزب والتبعية والتشيع للمبادئ والأشخاص. أما الذين يقاومون الطر يق الصحيح فقانونهم عند المسيح: أتركوهم هم عميان قادة عميان (متى ١٥ : ٤) (+) ومن جهة الأديان الأخرى: لي خراف أُخر ليست من هذه الحظيرة ينبغي أن آتي بتلك أيضأ فتسمع صوتي وتكون رعية واحدة وراع واحد (يوحنا ١٠ : ١٦) في كل أمّة الذي يتقيه ويصنع البر مقبول عند الله (أعمال الرسل ١٠ : ٣٥) (+) ومن جهة الأعداء ومجابهة التحدي والظلم والاضطهاد: أحبوا أعداءكم (متى ٥ : ٤٣) إن جاع عدوك فاطعمه وإن عطش فاسقه (رومية ١٢ : ٢٠) لا تنتقموا لأنفسكم أيها الأحباء بل اعطوا مكانًا للغضب. لأنه مكتوب لي النقمة أنا أجازي يقول الرب (رومية ١٢ : ١٩) لا تغرب الشمس على غيظكم ولا تعطوا إبليس مكانًا (أفسس ٤ : ٢٦-٢٧) طوبى لكم إذا عيروكم وطردوكم وقالوا عليكم كل كلمة شريرة من أجلي كاذبين. افرحوا وتهللوا (متى ٥ : ١١-١٢) (+) من جهة الولائم: وقال أيضا للذي دعاه: «إذا صنعت غداء أو عشاء فلا تدع أصدقاءك ولا إخوتك ولا أقرباءك ولا الجيران الأغنياء، لئلا يدعوك هم أيضا، فتكون لك مكافأة. بل إذا صنعت ضيافة فادع: المساكين، الجدع، العُرج، العُمي، فيكون لك الطوبى إذ ليس لهم حتى يكافئوك، لأنك تُكافأ في قيامة الأبرار (لوقا ١٤ : ١٢-١٤) وبهذا يكون المسيح قد وضع أسس العلاقات الإنسانية على المستوى الروحي للذين يريدون أن يعيشوا بالتقوى بقيادة الروح القدس حسب الإنجيل. ج. الموهبة الثالثة: الانفتاح على الجماعة (الكنيسة): فإذا تم هذا تتجلى الكنيسة كمجتمع مسيحي منقاد بالروح القدس يحوي كل طبقات الشعب بكل ضعفاتها وأعوازها وأمراضها. ليس كجماعة روحية عالية مصلية باللسان متحابة بالفكر ومتكتلة تحت اسم، بل جماعة تحوي حتمًا كل المتناقضات الإنسانية وكل القامات، و بواسطة الروح القدس تتصالح المتناقضات وتأتلف المفارقات. فالكنيسة بأسقفها جماعة تائبين، جسم يموت ويحيا كل يوم، ينسى ما هو وراء ويمتد إلى قدام، يفقد أعضاء ميتة ويقبل أعضاء حية، يتغير عن شكله، يتجدد بذهنه. هكذا أسس المسيح الكنيسة على أساس الاغتسال الدائم، وهكذا وضع الروح القدس فها ليصنع هذا التقديس والتطهير لحساب المسيح الرأس الواحد. بل إن تأليف وحدة جسم الكنيسة من هذه المتناقضات هو البرهان الوحيد على أن قوة الروح القدس فعالة في الكنيسة بالحب الإلهي، وفعل دم الخلاص الذي له القوة والقدرة أن يمسح و يزيل كل وسخ الجسد والروح لكي يجعل الإثنين واحدًا، و يرفع العداوة والحاجز المتوسط بين الإنسان وأخيه الإنسان بل وبين الإنسان والله نفسه، ويضم القريبين والبعيدين معًا في ألفة الجسد الواحد. والقديس بولس الرسول يشرح هذا بكل اعتناء ووضوح في رسالة كورنثوس الأولى الإصحاح الثالث عشر، حيث يقطع أن كل موهبة حتى ولو كانت هي الإيمان نفسه القادر أن ينقل الجبال أو حتى بلوغ التكلم مع الملائكة بلسانهم، بدون الاتحاد بالقريب في حب والتفاعل مع المجتمع البشري في إخلاص وتصديق وصبر واحتمال وعدم تململ أو دينونة، إنما تكون مواهب باطلة لا تفيد شيئًا إلا ضجيجًا كضجيج القرع على الصنوج، ثم يذهب طنينها مع الرياح! ! مراجعة وفحص لكل موهبة: أ. لمجد المسيح: أما الاختبار النهائي الذي يحكم على كل موهبة مهها كانت عظيمة، وإن كانت هي تعمل حقا من الروح القدس أو هي انفعالات مهمة غير معروف مصدرها وغايتها، فهي النتيجة التي تنتهي إليها هذه المواهب، فإذا كانت وظلت واستمرت «لمجد المسيح» وحده، تكون حقًا من عمل الروح القدس، لأن معيار عمل الروح القدس قدّمه المسيح بوضوح ذاك يمجدني. والمسيح لا يمكن فصله عن الكنيسة كجسد كامل الأعضاء. ب. خطأ الانغلاق: أما علامة انحصار الموهبة في الذاتية الإنسانية، فتكون واضحة عند تكوين الحلقات الضيقة، أي الشِلل المغلقة التي تتعصب لقائدها بصورة عمياء. هذا لبولس وهذا لأبلوس. ألعل بولس صلب لأجلكم. أم باسم بولس اعتمدتم؟ (كورنثوس الأولى ١ : ١٠-١٣) وهكذا كانت تنحصر سعادة بعض الجماعات في مجرد التأملات، بحيث لا تقوى هذه الكنائس على الانفتاح العام للشركة العامة، بل ولا تقوى بالفعل على مجابهة استيعاب العلانية الكنسية. وحينئذ لا تحتمل أي نقد أو توجيه في هذا الأمر، فكان مآلها للزوال. وينبغي أن لا يخفى قط على كل من أراد أن يعيش في دائرة الإيمان الصحيح بالمسيح، أنه لا يمكن أن تحسب أية جماعة مجتمعة باسم المسيح أنها تعيش وتعمل بالروح القدس، إلا إذا كان المسيح هو بنفسه وهو وحده قائدها، والمسيح لا يقود أحدأ قط لا فردًا ولا جماعة ولا كنيسة إلا على أساس أن يوحدها بجسده الكلي، أي الكنيسة كلها، فكل اجتماع وكل صلاة لأي جماعة أو حلقة أو عقيدة أو كنيسة لا تنشئ رغبة ملحّة في الاتحاد بأعضاء المسيح، أي بالكنيسة كلها في كل العالم، في شوق بل في اجتهاد، بل في حرارة ودموع بل في توسل وبذل، بل في تذلل وانسحاق، فإن مثل هذا الاجتماع لا يكون مساقًا بالروح القدس بحسب الحق والإنجيل. لأن المجتمعين بهذا الشكل لا يكونون مفتوحين على قلب المسيح وفكره، ولا يكونون بالتالي منقادين بالروح القدس. لأن كل الذين ينقادون بروح الله فأولئك هم أبناء الله (رومية ٨ : ١٤) وأولاد الله هم عائلة واحدة، هم «أهل بيت الله » بحسب تعبير الرسول بولس. وأولاد الله بيت واحد لا ينقسمون، لا يعيشون ولا يسعدون أفرادًا وجماعات، بل سعادتهم تتوقف على إحساسهم أنهم جسد واحد، إنسان واحد كامل في المسيح، عروس مزيّنة بالفضائل لعريسها الوحيد، كنيسة مجتمعة في حضرة الله، مستضيئة كلها بالروح القدس والمسيح فيها الكل في الكل. من هذا كان يشدد الآباء الرسوليين على أن لا خلاص خارج الكنيسة. جـ. خطر الانشقاق: من هنا كان اهتمام بولس الرسول أن يقدم المؤمنين جميعهم كعذراء عفيفة للمسيح، كنيسة متجلية ومنيرة بالروح القدس، بفكر واحد وقلب واحد ونفس واحدة، حيث لا يمكن أن يتم هذا إلا بتفريغهم من ذواتهم. وكان اهتمام الرسول بولس شديدًا بأن يلغي من الكنيسة كل تحزب وكل شقاق وكل انقسام وكل تجمعات خاصة تحت أسماء بشرية خاصة، مهما كانت، حتى ولو كانت باسم بولس نفسه أو أبولس أو بطرس ((كورنثوس الأولى ١ : ١٠-١٣ ))، منبهًا بشدة أن أي خروج من تحت قيادة المسيح نفسه لإتباع آراء بشرية هو جحد للمعمودية والموت والقيامة التي قبلها المؤمنون باسم المسيح فقط، الذي مات لأجل كل واحد ليجمع الكل في نفسه مبرهنًا أنه ليس اسم آخر تحت السماء يمكن أن نخلص به عن طريق مباشر أو غير مباشر. لذلك اعتبر القديس بولس الرسول أن أي انقسام في الجماعة يعني غياب الروح القدس وهو حتمًا ينشئ خصومة، وبالتالي ينشئ نقدًا ودينونة وحسدًا للمتقدمين بالروح. وبالتالي ينطفئ الروح القدس، فيتوقف النور الذي عليه نسير، وأكد ذلك يوحنا الرسول في بساطة متناهية أن المحبة تجمع المؤمنين وتمنحهم أبوّه الله بصفة مستمرة الذي يحب فقد وُلد من الله ((يوحنا الأولى ٤ : ٧ )) وأن انقسام القلب وفقدان المحبة من الجماعة تفرط عقّدها وتعمي بصيرتها من نحو الحق فيتوقف سيرها في طريق المسيح. لا يعلم إلى أين يمضي لأن الظلمةقد أعمت عينيه (يوحنا الأولى ٢ : ١١) د. الدينونة والحسد والغيرة: والحقيقة أن أخطر ما واجهته الكنيسة على مدى تاريخها الطويل هو الانقسام، ليس الناشئ فقط عن عدم الإيمان أوعدم المعرفة أوعدم الفهم، بل والناشئ أيضًا من حلول الروح القدس وإعطاء مواهب ممتازة لكنيسة دون كنيسة ولجماعة دون جماعة ولفرد دون فرد، وهذا لم يكن مفاجئًا للمفهوم الكنسي أو اللاهوتي، فالرب سبق وأنذر: ما جئت لألقي سلامًا بل سيفًا ((متى ١٠ : ٣٤ ))،‏ وهو سيف الكلمة الذي يفرق من يؤمن عمن لا يؤمن، وكذلك قول الرسول بولس أن هناك مواهب متعددة كتعدد الأعضاء وأهميتها في الجسد والواحد لا يعطي كالآخر، بل كما قُسم لكل واحد من إيمان، فلا ينبغي أن يرتئي الإنسان فوق ما ينبغي أن يرتئي. والقديس بولس الرسول يوبخ بشدة الذين نالوا المواهب وبدأوا يفتخرون بها على الذين لم ينالوا مثلها، قائلًا: فهذا أيها الإخوة حولته تشبيها إلى نفسي وإلى أبلوس من أجلكم، لكي تتعلموا فينا: «أن لا تفتكروافوق ما هو مكتوب»، كي لا ينتفخ أحد لأجل الواحد على الآخر. لأنه من يميزك؟ وأي شيء لك لم تأخذه؟ وإن كنت قد أخذت، فلماذا تفتخر كأنك لم تأخذ؟إنكم قد شبعتم! قد استغنيتم! ملكتم بدوننا! وليتكم ملكتم لنملك نحن أيضا معكم! (كورنثوس الأولى ٤ : ٦-٧) من هذا يتضح أن الحصول على إحدى المواهب الفائقة لا يعصم الإنسان من الخطأ، بل يكون أكثر تعرضًا لحرب الشيطان للسقوط في الكبر ياء والتعالي. ثم يعود بولس الرسول و يوبخ كذلك الذين لم يأخذوا المواهب ويهاجمون الذين أخذوا موضحًا مدى الخطورة التي ستحدث لهم إذ سيفارقهم الروح القدس نفسه، إذا كان تهجمهم عن غير فحص وامتحان وتدقيق شديد للتمييز بالروح بين ما هو نافع وغير نافع وبين ما هو خطأ وصواب. افرحوا كل حين. صلوا بلا انقطاع. اشكروا في كل شيء، لأن هذه هي مشيئة الله في المسيح يسوع من جهتكم. لا تطفئوا الروح. لا تحتقروا النبوات. امتحنوا كل شيء. تمسكوا بالحسن. امتنعوا عن كل شبه شر. (تسالونيكي الأولى ٥ : ١٦-٢٢) ثم يحسم هذا الصراع الحادث داخل الكنيسة من جهة السعي نحو المواهب من جهة، ومن جهة أخرى مهاجمة الذين نالوا مواهب ممتازة وفائقة، ثم احتقار الذين نالوا المواهب للذين لم ينالوا، يحسم الأمر هكذا: جدُوا للمواهب الفائقة، ولكن أريكم طريقًا أفضل. وهو المحبة. لأن المحبة هي أفضل المواهب قاطبة. وهي الموهبة التي بدونها لا يمكن أن تُحسب أي موهبة أخرى أنها موهبة. ((خلاصة الإصحاحات ١٢، ١٣، ١٤ من الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس. ))وهكذا يقلب بولس الرسول كل خطط الشيطان التي يستخدمها لانقسام الكنيسة بسبب الغيرة والحسد من المواهب الفائقة، جاعلًا المحبة، وهي أسهل وأبسط وأعم موهبة، فوق أعظم وأعلى المواهب تفوقًا وامتيازًا. وهي في متناول الجميع. الروح القدس يمنحنا القيامة بقلم الأب متى المسكين، نُشر أوّل ما نُشر في كتاب الروح القدس الرب المحيي، بمناسبة عيد الخمسين ١٩٧٩، الصفحات من ٦٥١ إلى ٦٦٣ --- ### ملكوت الله سيمتد - Published: ۲۰۲٤-۰٦-۱۵ - Modified: 2024-06-15 - URL: https://tabcm.net/26412/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: أسفار موسى, قديس بولس الرسول, نبي إشعياء ملكوته ملكوت أبدي، وسلطانه إلى دور فدور. (سفر دانيال 4 : 3) لم يأت الرب يسوع إلى عالمنا منذ أكثر من عشرين قرنا ليؤسس دينًا جديدًا، ولم يأت كمعلم ليعطي العالم تعاليم خارجة عن الإنسان، لقد كان الناموس مملوء بالتعاليم والوصايا والشرائع والأحكام، حتى أنة إذا حصرنا وصايا الناموس سنجدها تحوي ما يقرب من ٦١٣ وصية. أيضًا لم يأت الرب إلى عالمنا بالجسد ليصلح ما قد فسد في الوعاء الإنساني، الذي قد فسد وأصبح طبيعة غير قابلة للإصلاح. الجميع زاغوا وفسدوا معا. ليس من يعمل صلاحًا ليس ولا واحد (رسالة بولس إلى رومية 3: 12) وأيضًا  يقول النبي إشعياء: على م تضربون بعد؟ تزدادون زيغانًا! كل الرأس مريض، وكل القلب سقيم. من أسفل القدم إلى الرأس ليس فيه صحة، بل جرح وإحباط وضربة طرية لم تعصر ولم تعصب ولم تلين بالزيت (سفر إشعياء 1: 5-6) بل جاء المسيح إلى عالمنا بجسدنا ليؤسس مملكة وملكوت الله على الأرض. وهذا يظهر جليًا في أول جملة نطق بها الرب نفسه في بداية خدمته في إنجيل الخادم (إنجيل مرقس الرسول) ويقول: «قد كمل الزمان واقترب ملكوت الله، فتوبوا وآمنوا بالإنجيل». (إنجيل مرقس 1 : 16) إذن، قد جاء الرب يسوع في الجسد ليؤسس ملكوته، وملكوت الرب هو من طبيعة الرب نفسه، فإذا كان الرب هو الروح أو الله روح... اَللهُ رُوحٌ. (إنجيل يوحنا 4: 24)، فطبيعة الملكوت من نفس طبيعة الرب نفسة أي هو ملكوت روحي، وكما قال الرسول العظيم بولس  في رسالتي رومية وكورنثوس: لأن ليس ملكوت الله أكلا وشربا، بل هو بر وسلام وفرح في الروح القدس (رسالة بولس إلى رومية 14: 17) لأن ملكوت الله ليس بكلام، بل بقوة (رسالة بولس الأولى  إلى كورنثوس 4: 20) إن تعبير ملكوت الله، أو ملكوت السموات، مرادفات لنفس المعنى، ورسالة الإنجيل من بدايته إلى نهايته تتمحور حول رسالة  ملكوت الله، وإذ بحثنا بتدقيق حول أكثر تعبير مكرر في الأربعة أناجيل بالإضافة إلى سفر أعمال الروح القدس في الكنيسة (سفر أعمال الرسل) ستجد أنه تعبير ملكوت الله، إذن تأسيس وامتداد ملكوت الله هو الهدف الأسمى من الإرسالية العظمى التي وضع أساسها الرب يسوع في متي  28. فملكوت الله ليس تعبير مجازي نٓعبر علية عبور الكرام في قراءتنا لكلمة الله، ولا هو مجرد أمر سيأتي لاحقًا في السماء إن شاء الله إن جاز التعبير، بل هو أمر حقيقي جدًا، بل هو حق  الحق نفسه. ملكوت الله داخل كل مؤمن حقيقي نال بالحق معمودية الماء والروح واختار الولادة الجديدة، كما قال الكتاب:لأَنْ هَا مَلَكُوتُ اللهِ دَاخِلَكُمْ". (إنجيل لوقا 17: 21) وتأسيس ملكوت الله ليس فكرة مستحدثة في فكر الرب في العهد الجديد، لكنه هو هدف الله منذ أن اختار الرب أبرام في القديم لينتخب له شعبا، ففي أول لقاء لابرآم بعد هزيمة الملوك الخمس في عمق السديم الذي هو عمق الملك، (تكوين14) في مقابلة خاصة جدًا بين ابرآم وملكي صادق، فأعطاه ابرآم عُشرًا من كل شيء و هو ما وضحة الرسول بولس في رسالته إلى العبرانيين مؤكدًا أن ملكي صادق يشير إلى الرب يسوع في الجسد. مدعوا من الله رئيس كهنة على رتبة ملكي صادق (رسالة بولس إلى العبرانيين 5: 10) لأن ملكي صادق هذا، ملك ساليم، كاهن الله العلي، الذي استقبل إبراهيم راجعا من كسرة الملوك وباركه (رسالة بولس إلى العبرانيين 5: 10) أيضًا يقودنا الوحي الإلهي في سفر الخروج في الإصحاح 19 إلى صورة وظل آخر لملكوت الله؛ حينما أراد الرب أن يؤسس ملكوته بين شعبه فقال الرب لموسى اصعد أنت وكل الشعب إلى جبل سيناء ليجعلهم مملكة كهنة، أو بلغة العهد الجديد؛ ملوك في ملكوت، لكن الشعب إرتعب وخاف من صوت الرب الذي تراءى لهم في الجبل، بالتالي رفضهم للرب ترتب عليه أن لا يقبلوا مُلك الرب نفسة  عليهم، لأنه حيثما ووجد الملك فهنالك مملكته وسلطانه. ومنذ ذلك الحين وخلال صفحات العهد القديم مرورًا بأسفار موسى الخمسة، وأيضًا الأسفار الشعرية وكذا أسفار الأنبياء الكبار أو الصغار، فشغل الكتاب الشاغل هو الملك وملكوته الذي سيمتد لنمو  رئاسة لا نهاية. يتبع في المقال المقبل. --- ### تفاصيل مقابلة متى المسكين للسادات - Published: ۲۰۲٤-۰٦-۱٤ - Modified: 2024-06-14 - URL: https://tabcm.net/26524/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أنبا أنطونيوس، مطران سوهاج, أنبا إندراوس، أسقف دمياط وكفر الشيخ, أنبا غريغوريوس، أسقف البحث العلمي, الأب متى المسكين, المجمع المقدس, بابا شنودة الثالث, بطرس جيد, جميل رزق الله, چورچ حبيب بباوي, دير الأنبا بيشوي, رئيس محمد أنور السادات, راغب عبد النور, شفيق عبد الملك, عادل بسطوروس, عثمان أحمد عثمان, عيد القيامة, كمال هنرى أبادير, مدارس الأحد, يوسف يواقيم "تفاصيل مقابلة متى المسكين للسادات"، بقلم الأنبا غريغوريوس، أسقف البحث العلمي، نقلًا عن السيرة الذاتية للأنبا غريغوريوس، الجزء الثاني، الصفحات: ٥٣٩، ٥٤٠ الثلاثاء ١٥ أبريل ۱۹۸٠مغادرنا إلى دير الأنبا بيشوي، ووصلنا إلى مقر البطريرك نحو الساعة ١١ صباحًا، التقيت بالقمص بطرس جيد شقيق البابا البطريرك، فعلمت منه أن البابا مريض متعب، وعندما دخلت الصالون الأسفل وجدت أعضاء المجلس الملّي العام وأعضاء مجلس ملّي الإسكندرية وأعضاء هيئة الأوقاف مجتمعين، وسلمت عليهم واحدًا واحدًا. ثم صعدت إلى الطابق الثاني فوجدت أعضاء المجمع جميعًا، يتحدثون في الأحوال الراهنة، والبابا شنودة ترك رئاسة الجلسة لنيافة الأنبا أنطونيوس، مطران سوهاج، ليفحصه الأطباء ، وعلمت فيما بعد من دكتور يوسف يواقيم أن تعب البابا شنودة هو نقص في ضغط الدم ٦٥/١١٠ فساعدوه وعالجوه حتى استرد صحته، وعاد بعد ذلك. . في أثناء انعقاد المجمع، استقر الرأي على عمل بيان من المجمع لنشره في الصحافة، وإرساله طبعا قبل ذلك إلى الرئيس ونائب الرئيس، ورئيس الوزراء، ومجلس الشعب... وكلّفوني بعمل هذا البيان، فاستأذنتهم في الاختلاء في غرفة مجاورة، ثم عدت إليهم وقرأته عليهم فوافقوا عليه مع بعض تعديلات وإضافات. بعد ذلك عاد البابا البطريرك الأنبا شنودة، ثم طلب أن ينضم إلى المجمع جميع أعضاء المجلس الملّي العام، ومجلس ملّي الإسكندرية وهيئة الأوقاف وشخصيات أخرى قبطية، وحضر أيضًا بدعوة من البابا؛ القمص متى المسكين، واتفقوا على بيان موجز يصدر من المؤتمر بما يضمه من المجمع المقدس وجميع تلك الهيئات، وكتب البابا النص المختصر، وفتح باب المناقشة، فتكلم كثيرون منهم وكيل المجلس الملّي العام ود. شفيق عبد الملك، ود. راغب عبد النور، واللواء جميل رزق الله، ود. عادل بسطوروس وآخرون. ثم أعطيت الكلمة للقمص متى المسكين، وقدم البابا كلمة "الأب الموقر القمص متى المسكين"، وبدأ القمص متى المسكين حديثًا مسهبًا؛ روى مقابلته للرئيس السادات، وكيف سعى لهذه المقابلة بعد استئذان البابا شنودة، وقضى معه عددًا من الساعات في أيام الأربعاء والخميس والجمعة من أسبوع الآلام، وبعد أن قابل الرئيس عاد إلى البابا في يوم السبت بعد قداس العيد نحو الساعة ٢:٣٠ بعد منتصف الليل، يروى له خبر هذه المقابلة التي تمت. ولكنه في الاجتماع أدلى بتفصيلات كثيرة، كيف أنه وجد صعوبة كبيرة في الالتقاء بالرئيس ولكنه أصر على ذلك، وقابل عددًا من الوزراء وشخصيات أخرى منهم المهندس عثمان أحمد عثمان، وكيف أنه انسجم معهم وانسجموا معه جدًا، ونجح المهندس عثمان أحمد عثمان في أن يجعله يقابل الرئيس، على الرغم من ضيق وقت الرئيس قبيل سفره إلى واشنطن، وعلى الرغم من انتظار بعض الشخصيات المهمة، وعلى الرغم من أنه كان رافضًا أن يفاتحه أحد في المسألة القبطية، وأخيرًا دخل إلى الرئيس فعانقه الرئيس وأخذ يحدثه حديثًا أعجب به الرئيس، وكان من أثره أن قال الرئيس كلامًا جميلًا عن محبته للمسيحيين، وأنه قرأ الإنجيل وهو متهم عند المسلمين بأنه يحابي المسيحيين لدرجة أن القمص متى المسكين تأثر من حديثه وبكى، وأخرج منديله ومسح دموعه. وكلّمه القمص متى كلامًا روحيًا حلوًا كان له وقع جميل، واقترح عليه حلولًا وافق الرئيس عليها، وقد اقترحها على البابا والمجتمعين. أولها أن يكتب البابا للرئيس خطابًا يقول له فيه أنه ترك المسألة بين يديه، وبيانًا عامًا للنشر في الصحف ولكن بعد أن يطلع عليه الرئيس ويوافق عليه، وثالثًا؛ أن يشكل الرئيس لجنة من خمسة من عقلاء المسلمين المحبين للمسيحيين وخمسة آخرين من الأقباط أعضاء مجلس الشعب، للنظر والتحقيق في مطالب الأقباط ومتاعبهم ودراستها واحدة واحدة ومعالجتها، وذلك بتفويض هذه اللجنة سلطات للدراسة والتنفيذ، فوافق الرئيس. ومما قاله القمص متى المسكين أن قرار المجمع كان قرارًا خاطئًا وتوقيته كان خاطئًا ((القرار كان عدم الاحتفال بعيد القيامة بسبب الأحداث التي حدثت في الإسكندرية و أسيوط )) كذلك قال أن المشكلة الآن صارت مشكلة بين الرئيس وبين الأنبا شنودة شخصيًا. وكان البابا شنودة رد على كل من اقترح عليه أن ينزل إلى القاهرة، بأنه لا يستطيع ذلك خوفًا من أنه يتكلم فتحسب الدولة كلامه إثارة، وإذا لم يتكلم يحسب الأقباط ذلك منه جبنًا وخوفًا، فهو يؤثر البقاء في الدير، ووافقه البعض ولم يوافقه البعض، وكان من رأى القمص متى المسكين أنه من الخير أن يبقى في الدير الآن إلى أن تصلح الأمور بينه وبين الرئيس، فإذا وافق الرئيس، ينزل البابا بكرامته معززًا مكرمًا. وطالت الجلسة إلى ما بعد الظهر، فتغذوا وبعد الغذاء استأنفوا الجلسة إلى المساء إلى نحو الساعة السابعة والنصف، ثم صلى البابا، وانصرف الجميع. (الأنبا غريغوريوس، أسقف البحث العلمي ((السيرة الذاتية للأنبا غريغوريوس، الجزء الثاني، الصفحات: ٥٣٩، ٥٤٠. )) )الثلاثاء ٢٤ مارس ۱۹٧١م ترشيحه للقمص متى المسكينوروى لي أيضًا أنّه في جلسة الاجتماع الموسّع الأخير، الذي ضمّ أعضاء المجمع وهيئة الأوقاف، وأعضاء اللجنة الملّية، وقف الأنبا إندراوس ومعه أعداد مجلّة مدارس الأحد، ومقالات الأستاذ نظير جيّد سابقًا وقرأ بعض ما جاء فيها، وقرأ أيضًا مقالات "الكرسي الشاغر" وما إليها، فقوطع تارة وأُستحسن قوله تارة أخرى، ووقف الأنبا شنودة متألمًا وقال إنّه لم يتنكّر لمقالاته التي كتبها ولا زال متمسكًا بما ذكره... وأخيرًا استقر الرأي على العمل باللائحة الداخلية الحاليّة، وطلب مني الأنبا إندراوس ((الأنبا إندراوس، أسقف دمياط وكفر الشيخ ورئيس دير القديسة دميانة، في الفترة من ديسمبر ۱۹٦۹ إلى أغسطس ۱۹٧٢ (عامين وثمانية أشهر فقط) قيّدت نياحته المبكّرة "حمّى تيفود" أدت لارتفاع درجة الحرارة فوق الأربعين مسببة "جلطة في المخ"، فيما رأى د. جورج حبيب بباوي أنه؛ "قُتل بدس السم". )) أن أوقّع على ورقة بترشيح القمص متى المسكين، فوقّعت عليها بارتياح. وقضيت ليلتي الباقية في راحة وصلوات وبعض القراءات. (الأنبا غريغوريوس، أسقف البحث العلمي ((السيرة الذاتية للأنبا غريغوريوس، الجزء الثاني، الصفحة: ١٤٤. )) ) --- ### خواطر متفرقة عن وحدة التعليم - Published: ۲۰۲٤-۰٦-۱۳ - Modified: 2024-06-13 - URL: https://tabcm.net/26442/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أخيتوفل, أنبا غريغوريوس، أسقف البحث العلمي, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس السادس, بيشوي كامل, چورچ حبيب بباوي, سر الزيجة, مدارس الأحد تُعاني كنيستنا القبطية الأرثوذكسية من تعدد الآراء في الموضوع الواحد. فإذا سألت مجموعة متفرقة من الآباء المطارنة أو الأساقفة أو الكهنة عن أي موضوع روحي أو لاهوتي أو حتى طقسي أو تاريخي؛ ستجد إجابات متفرقة من هنا وهناك، وقلما تجد رأيان يتفقان، وكل واحد من الآباء يدعي أن كلامه هو الإيمان الصحيح المسلم مرة للقديسين الذي دفعني إلى الكتابة عن موضوع وحدة التعليم هو أنني تذكرت واقعة حدثت عام ١٩٧٤، حينما قرر المتنيح البابا شنودة الثالث رسامة أسقفًا وخوري إبيسكوبوس لفرنسا، بعد انضمامهما للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وقبل قراءة الرسائل طلب البابا اعداد كرسيين أمام المذبح ليجلس عليهما الآباء الفرنسيين للرسامة، وهذا الأمر بجري عادة في رسامة الأساقفة، الذين توضع عليهم الأيادي بعد قراءة الإبركسيس لأنهم مكملين لخدمة الآباء الرسل. فلما رأي الكرسيين المتنيح العلامة الأنبا غريغوريوس، أسقف البحث العلمي، انفرد بالبابا في جانب من الهيكل في نقاش لم يستطع أحد معرفته وقتها، ولكن بعد النقاش أمر البابا بإزاحة أحد الكرسيين وترك كرسي واحد فقط، وبدأ البابا في شرح الأمر للشعب، بان الأسقف فقط سيرسم بعد الإبركسيس، أما الخوري إبسكوبوس فهو ليس من الدرجات الأسقفية بل رتبة الخوري إبيسكوبوس هي من الدرجات القسيسية ، ولذلك تتم رسامته كأي كاهن بعد صلاة الصلح، وهو لا يحمل عصا رعاية، وتجاوزا، فصّلت لهما نفس العمامة ومن الصعب تغييرها لضيق الوقت، ولولا حصافة وعلم وعمق الأنبا غريغوريوس لكنا للآن لا نعرف الفرق بين الأسقف والخوري إبيسكوبوس. تُعاني كنيستنا القبطية الأرثوذكسية من تعدد الآراء في الموضوع الواحد. فإذا سألت مجموعة متفرقة من الآباء المطارنة أو الأساقفة أو الكهنة عن أي موضوع روحي أو لاهوتي أو حتى طقسي أو تاريخي؛ ستجد إجابات متفرقة من هنا وهناك، وقلما تجد رأيان يتفقان، وكل واحد من الآباء يدعي أن كلامه هو الإيمان الصحيح المسلم مرة للقديسين. هذا عن الآباء، فما بالك بخدام مدارس الأحد في المراحل المختلفة؟ أعتقد أن هذا ناتج عن أسباب كثيرة ومتشعبة ومتنوعة، وسأحاول إيجازها في الـ ١٠ نقاط الأتية: ١. الاعتماد علي النقل السمعي وليس عن الدراسة المستفيضة الأكاديمية الإنجيلية واللاهوتية والتاريخية والطقس الكنسي، حيث يكتفي الآباء بما هو مخزون في ذاكرتهم من معلومات سمعية أغلبها غير دقيق. ٢. لا يوجد مصدر واحد ورأي موحد في الإجابة علي الموضوعات الشائكة، وكل واحد من الآباء يفتي برأيه الخاص خصوصًا بعد أن ابتعدنا عن أقوال الآباء والتي كُتبت باللغة اليونانية، وتم التعتيم علي المراكز التي قامت بترجمة أقوال آباء العصور الأولي قبل الانقسام. ٣. الصلف والكبرياء الذي أصاب البعض، حتي أنّه يخجل من أن يقول أنّه لا يعلم، ويشعر أنه لابد وأن يعطي إجابة حتي ولو كانت الإجابة خاطئة. ٤. عدم اللجوء إلى الله في صلاة بقلب منسحق طلبا للإرشاد، فهو فاحص القلوب وعيناه تخترقان أستار الظلام، وهو القائل: يعطيكم ما تتكلمون به. ٥. المنافسة بين الآباء والبحث عن الفرقعة الإعلامية، حتي أنني سمعت أحد الآباء الكبار في صعيد مصر يقول الراجل اللي ميسمعش كلام مراته؛ هيروح النار، وأظنّه قال هذا إرضاءًا لسيدات الصعيد، ماذا يعرف هذا الأسقف أو المطران الذي رقي حديتا عن سر الزيجة؟ هل له سابق خبرة؟ ولا هو كلام دون دراسة؟ وأكيد حد ثاني ممكن يقول العكس؛ "اللي متسمعش كلام جوزها؛ هتروح النار. دي أمنّا "سارة" كانت مطيعة لأبينا "إبراهيم" وكانت تخاطبه: سيدي! ! دي نصّ كتابي! ! "، كله خاضع لرغبات الآباء دون أي مجهود في الدراسة والقراءة، والبحث الجاد المثمر.   ٦. الانشغال بالموالد والمزارات والرفات والمعجزات والمهرجانات دون أي عمق روحي أو لاهوتي، وأظنه نوعًا من الاستسهال والاستمتاع بالقصص والغيبيات التي تشد انتباه البسطاء. ٧. الاهتمام بالكم وليس الكيف، المهم كم عظة ألقيت خلال هذا الشهر، قد تتكرر العظات من مكان لآخر، المهم أن تلقي أكبر عدد من الدعوات للعظات من أماكن مختلفة، وبالتالي نصائح للشعب تشمل الكم أيضا دون الاهتمام بالكيف، كم هي كمية الصوم وعدد مرات الصلاة. تعجبني جدا مقولة صاحب كتاب بستان الروح: الله مزمع أن يدين العالم بكلمة كيف، كيف صليت؟ كيف صمت؟ كيف أعطيت العشور... وهكذا. ٨. عدم وجود مناهج تعليمية موحدة علي مستوي الكرازة المرقسية لإعداد الخدام وأيضا للكهنة، فكل إيبارشية تخضع لرغبات أسقفها أو مطرانها الذي قد يعتبرها مملكته الخاصة يديرها كيفما بشاء دون حساب، وأعتقد أنّه يجب حساب الأسقف الذي يتغيب عن جلسات المجمع لمدة ثلاث جلسات متتاليه، دون عذر قهري، ولابد من تقديم كشف حساب لكل أسقف أمام المجمع عما يفعله في إيبارشيته، فقد سمعنا عن أساقفة تفرض أموالا باهظة علي الشعب في الأفراح، والبعض يفرض شروطًا غير منطقية، والبعض يتعدى علي رجل في سن أبيه بالضرب، وكانهم من طائفة غير البشر، فهم الأسياد والشعب العبيد. مع أن المسيح الفادي له المجد أوصي قائلًا: مَن أراد أن يكون فيكم عظيمًا فليكن لكم خادمًا، ومَن أراد أن يكون فيكم أولًا فليكن لكم عبدًا، وهذا هو مقياس العظمة في المسيحية. ٩. الفرق الرهيب بين التعليم من فوق المنبر والسلوك الشخصي أو القدوة. قد يتكلم الخادم عن موضوع معين، ثم يفعل العكس تمامًا أمام الشعب الذي يُعثر بسببه وويل لمن تأتي من قِبَلِه العثرات. سر عظمة القديس البابا كيرلس السادس هي القدوة، فقد رآه الشعب يصلي كل يوم عشية وتسبحة وقداس وهو راهب بسيط وأيضا وهو بابا وبطريرك علي رأس وقمة الهرم الكنسي، لم يتغير، تخيل معي عزيزي القارئ لو وعظ البابا كيرلس السادس مئات العظات عن أهمية الصلاة، كان سيأتي بنفس النتيجة حتي يُعرف بانه رجل الصلاة؟ نفس الكلام ينطبق علي القديس القمص بيشوي كامل، لو تكلم عن الخدمة ومساعدة الآخرين في مئات العظات، لم يكن يأتي بنفس النتيجة كما فعلها بكثرة الافتقاد وإنكار الذات ومساعدة كل من يحتاج إليه بروح الأبوة منقطعة النظير. ١٠. عدم وحدة الفكر في الكنيسة، فقد انتشرت في الآونة الأخيرة تعبيرات كما قال الكتاب أنا لبولس، وأنا لأبلّوس، وأنا لصفا، وأنا للمسيح، بحجة الدفاع عن الإيمان، وهم بعيدون كل البعد عن الإيمان الحقيقي، واتهم البعض أبناء العلامة المتنيح القمص متي المسكين بأنهم الـ"متاويين" وكأنها تهمة يجب عليهم التبرؤ منها، وأيضا اتهموا أحباء عالم اللاهوت الدكتور جورج حبيب بباوي بانهم أتباع المحروم المهرطق، وهم لا يستطيعون كلهم مجتمعين أن يكتبوا بضعة أسطر مما كتب دكتور جورج بباوي في اللاهوت، ألم يجدوا في كل ما كتب القمص متي المسكين أو دكتور جورج حبيب بباوي شيئا صالحا يتعلموا منه؟ هل هذا يقود إلى وحدة الفكر والتعليم؟ هل هذه هي المحبة المسيحية؟ للأسف من يقولون هذا من حاملي الرتب الكهنوتية من رتبه الشموسية الكاملة إلى رتبة الأسقفية، هؤلاء يجب عليهم أن يتواروا لأنهم اقتنوا لهم رتبا بثلاثين من الفضة، أو اصطادوا الًرتب بمكر ودهاء. نصلي إلي الرب أن ينقذ كنيسته من مشورة أخيتوفل، ولنعمل معًا لخلق كنيسة متسقة ومتعلمة وموحدة، ونصلي إلى الرب أن يساند قداسة البابا تواضروس في مساعيه نحو الإصلاح. --- ### التعلم بالخبر - Published: ۲۰۲٤-۰٦-۱۲ - Modified: 2025-03-18 - URL: https://tabcm.net/26463/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: برنارد چي وايس, بيتر جراهام, دال أليسون, دالي أليسون, روبرت إتش ستاين, روبرت إن أودي, زخاري باشمان, فرنسيس بيكون إن المؤرخ الذي يتّبع منظورًا إمبريقيًاصارمًا مُلزَمٌ برفض إمكانية معرفة الحقيقية التي من شأنه بحثها. المعرفة الوحيدة التي هو مؤهلٌ لادعاءها هي معرفة ما في داخل مصادرهِ نفسها؛ معرفة المُعطيات هذه المُعطيات غالبًا ما تكون أخبارًا عن أحداثٍ مضت، ولكن أيضًا توجَد مُعطيات غير لفظيةوهي أيضًا مفيدة المعطيات أو الأخبار عن أحداث الماضي هي ما يختَبِره المؤرِّخ، لا أحداث الماضي ذاتها. تِلك هي “الحقائق” الملموسة التي منها يُحاول أن يُعيد بناء صورة عن أحداث الماضي. هذه الصورة تنعكس في سرديته المكتوبة والتي يرويها عن الحدث الماضي الصُّورة أو السَّردية عن حدث ما في الماضي تُحاكَم بكونها مُتوافقة مع أو مُحتملة بدرجة قريبة أو بعيدة بالمُقارنة بالمُعطيات. المُعطيات يجب، بالطبع، أن تُغَربَل بقواعد منهجية مُتّفق عليها، وسيسعى المؤرِّخ للاعتماد على المُعطيات ذات أفضل موثوقية منهجية من المفترض كون بعد الأخبار عن الماضي أكثر صحّة من غيرها، وأن بعضها صحيح والبعض خاطئ. ولكن، هذه الصحة أو الخطأ لا يُمكن تحديدها إمبريقيًاإذ لا يُمكن للمؤرِّخ أن يختبرَ الحدث. لذا فمن الضروري إيجاد معايير منهجية يُمكن بها تقييم فائدة المُعطيات في بناء صور وسرديات مُتَّسقة مع الحدث الماضي، أو يُمكننا القول أنه بهايُمكننا أن نحدِّدَ مَدى الحقيقيةالحقيقة المبرهنة إمبريقيًا]التي يمكن أن ننسبها للأخبارالماضي. (برنارد جي وايس، معرفة الماضي: نظرية التواتر عند الغزالي ((Bernard Weiss (1985, p. 82), Knowledge of the Past: The Theory of “Tawâtur” According to Ghazâlî. Studia Islamica, No. 61, 1985, pp. 81-105 )) )   التعلًّم بالخبر؛ هو واحد من المصادر الأساسية التي نتعلِّم بها جميعًا من مرحلة الطفولة وحتى المراحل المتقدمة في حياتنا ومعرفتنا بأي مجال.  الـ"خبر" هو ببساطه إن شخص (لنسميه "ب") يعرَف شيئ من شخص (لنسميه "أ") يعرف الشيء ده. وهنا لازم يتحقق شرطين؛ - لازم يكون "أ" يعرف الحاجة دي، - ولازم "ب" يكون بيثق في "أ"، عشان ياخد منه المعلومة. السلسلة دي من الإخبار ممكن تكون أطول من كده، بحيث واحد يقول لواحد، والواحد ده يقول لشخص تاني، والتاني يقول للتالت، وهكذا. لكن لازم السلسلة دي تنتهي للعارف الأول ، يعني لازم يكون في شخص “حصل عنده معرفه” بالشيء اللي بيتكلّم عنه، ومينفعش يكون مصدره إن حد تاني قال له، لأن كده هنبقى قدام تسلسل لا نهائي من الأخبار، وهذا لا يثبُت به معرفة. خليني أوضحلك الفكرة بمثال قالوه بيتر جراهام وزخاري باشمان: تخيل مثلًا إنك دخلت تشتري حاجه ومش معاك فلوس، فا جه حد ودفع لك. هنا في مديونية (وهي مقابل للمعرفة الصحيحة)، أنت الشخص اللي عليك المديونية، يعني أنت مُطالب بمعرفة، لكنها مش عندك، فا يجي حد ويتبرَّع هو بكونه مصدر لمعرفتك. بس تخيَّل لو اللي ها يدفع لك ده، هو نفسه ها يستلف من حد تاني عشان يدفع لك. هنا المديونية أتسددت من عليك، لكن مازال في شخص مديون، وعليه مبلغ مش مدفوع، يعني في شخص قدِّم لك معرفة، لكن هو نفسه معندوش المعرفة دي وبياخدها على عهدة حد تاني. وبالتّالي عشان يكون عندك معرفه سليمة، لازم المعرفة دي تنتهي لشخص وصل للمعرفة بواحد من مصادرها الأوليَّة زي إنه شاهد وعاين الحدث بنفسه، مش مجرد متلقي للمعرفة من مصدر غير معروف أو بينشُر معرفة غير قابلة للتحقُّق منها بمصادر المعرفة الأوليّة. في المثال اللي فات في تمييز مُهم، من الضروري نفهم الفرق بين المعرفة knowledge ومُسوِّغ المعرفة justification of knowledge. في المثال اللي فوق؛ أنت مكنتش تعرف معلومة مُعيَّنة، فا رحت خدت المعلومة دي من شخص تاني. لو أنت تثق في الشخص ده، ومعندكش سبب للاعتقاد في خطأ المعلومة؛ هاتصدقها، بالتالي في الحالة دي عندك مُسوِّغ للتصديق أو عندك justified belief ، بس ده يختلف تمامًا عن كون المعلومه اللي أنت خدتها منه صحيحه فعلًا أو لأ. يعني ممكن يكون عندك مُبِّرر سليم للتصديق بس اللي صدقته أخطأ في المعلومة أو كذب. بالتّالي مش كُلّ شيء تظُن إنه مُبرَّر بالضَّرورة يوصل لمعرفة سليمة. عشان كده الفيلسوف روبرت أودي بيقول إن شهادة الأخبار والذاكرة ، بيتطلَّبوا الرجوع للحواس في تأكيدهم. يعني مثلًا (وده حصل فعلًا) لو أنا عندي ذاكرة إني رحت الشغل، وأخدت معايا التابليت بتاعي، وإني خلصت شغل ولميت حاجتي وشيلت قلم التابليت في الشنطة، وفاكر كل ده كويس جدًا، بس لما رحت البيت ملقيتش القلم في الشنطة، هنا وجود الذاكرة -حتى لو كانت واضحة عندي- مش معناه إنها حقيقيَّه، المعيار هنا إني أروح الشغل تاني يوم، وأدور عليه ، ولو لقيته على مكتبي ساعتها أعرف إن الذاكرة دي ذاكرة كاذبة، لكن لو لقيت القلم في الشنطة تبقى الذاكرة سليمه. الشهادة أو الخبر بنفس المنطق؛ لازم يرجعوا في الآخر للحواس كتأكيد ليهم. بالنسبة بقى لعملية الإخبار نفسها، الشخص الذي يتلقَّى الخبر لازم يشوف الشخص الذي يقدم المعلومة باعتباره صادق عشان يصدَّقه، زي مثلًا لما بتسمع معلومة من حد من أصحابك وبشكل تلقائي بتصدَّقه، هنا بتصدقه على عُهدة معرفتك السابقة به. النوع ده من المعرفة اسمه inferential knowledge ، المعرفة دي مبنية على مقدمات ونتائج، بحيث تكون المقدمات في الصورة التالية: (1) أنا أعرف فلان من زمان، وبثق فيه، لأنّه مكدبش علىّ قبل كده، (2) فلان قال كذا، (3) إذن "كذا" صحيح، لأن مفيش سبب يخليني أشك في عدم صدقة هذه المرة. ده يوريك ليه الخبر مش من المُسوِّغات المعرفيَّة الأوليَّة، لأنه يتخلَّله مقدمات ونتائج واستدلالات، لو واحده منها اختلت بتختل النتيجة النهائية. طب في هنا مُشكله تانية وكبيرة، وهي إن المعرفة الناتجة عن الخبر معرفه خاصَّة، يعني عشان تصدَّق الشخص اللي بتسمعه لازم تكون أساسًا مُهيَّأ لتصديقه، لو شخص تاني معندوش سبب للتصديق أو عنده سبب للشك في الرواية، من الطبيعي إنه هايتوقَّف قُدّام السؤال وهايرفض التصديق بصحة المعلومة. وبالتّالي، الخبر يتطلَّب استعدادًا مُسبقًا للتَّصديق، لو معندكش الاستعداد المُسبَق مش هاتشوف التسويغ الناتج من المعرفة؛ سليم. هاتقولي طيب في حالات تأتيك المعلومة من عدد من الأشخاص اللي ميعرفوش بعض، ومفيش بينهم مساحة تلاقي تخلي الخبر ينشأ بالكذب ما بينهم خصوصًا لما ترجع المعلومة اللي بينقلوها للحواس. ها أقولك صحيح، ده نوع مُنتشر جدًا من المعرفة، ولو قدرت تتوثَّق من تحقُّقه بيكون بدرجة كبيرة سليم، ولكن. . لازم هنا نميِّز ما بين معرفة الشيء والمعرفة عن الشيء. يعني مثلًا لو شاهدت دخان خارج من شارع، وناس تصرخ بصوت عالي، فأنت هنا شاهدت الدخان وليس سبب الدخان (مشفتش نار)، وبالتَّالي لو عشر أشخاص شهود على وجود حريق في بيت بناءًا على رؤية الدخان فده مش بالضّرورة صحيح، قد يكون الدخان ملوش علاقة بالصراخ، ومثلًا حد حرق أي حاجة (قمامة مثلًا) أو قد يكون ناتج عن حريق في عربية على جانب الشارع وليس حريق في البيوت، أو إن ناس بتصوَّر مشهد في مسلسل أو فيلم. يعني لازم تميِّز بين نقل الشخص لمعلومة وبين نقل الشخص لاستنتاج مبني على المعلومة، وأوقات يتطلَّب هذا استجواب الشهود عشان تميِّز بين اللي يعرفوه واللي استنتجوه واللي سمعوه من ناس تانية وأخبروا بيه بدون رجوعهم للحواس كمصدر أوّلي، يعني ما يسردون وهم مسوغين في تصديقه ليس تأصيلًا حقيقيًا لمعرفة صحيحة. وخلي بالك إن ده مش متاح في التعامُل مع “كل” أخبار التاريخ. . مهما عملت من منهجيَّات في التعاطي مع الشهادات التاريخيَّة، ومع فقدانك أهم وسيلتين للتحُّقق من الشهادات وهما؛ الحِس المُباشر، واستجواب الشهود، ستظل المعرفة المبنية على الشهادة مرهونة بطبيعة الشهود وبرغبتك أو استعدادك لتصديقهم. لكن من هم خارج دائرتك في الثقة وليس عنده مبررات لتصديق شهودك، حتى وإن سلِّم لك بأنّك مُسوِّغ في تصديقهم، فلن يسلم بأنّ معرفتك معرفة صحيحة، لأنه لا توجد وسيلة للتحُّقق من الخبر الذي تم في الماضي. ممكن نبقى نتكلِّم في مشكلة الـ"استقراء" في مقال آخر، لكنها باختصار بتقول إن مش معنى إن في شيء مُتكرِّر إنك تقدر تستنتج إنه مش هايتغيَّر. أو مش معنى إنك تعرف واحد مكدبش عليك قبل كده، إنه مش هيكدب عليه في وقت تاني، ومش معنى إنه لم يختلق أو يتوهَّم شيء قبل كده، إنه مش هيختلق أو يتوهَّم بعدين. في موضوع الشهادات المتعددة؛ يقول روبرت ستاين في مقال بعنوان Criteria of Authenticity إن تعدد المصادر وسيله لا غنى عنها بالنسبة للمؤرِّخ، ولكنها لا تكفي لتحقيق “اليقين” بنفسها، لأن وجود مصادر متعددة وقديمة لمعلومة معناه إن المعلومة قديمة لكن مش معناه إن المعلومة صحيحة. وأيضًا يضرب دال أليسون مثال في مناقشة الشهادات المتعددة فيقول ما معناه؛ تخيل مثلًا لو عندنا شخص مؤثِّر اسمه X، وكان قُريِّب زمنيًا ومكانيًا من شخص مُهم اسمه Y، وهو محل البحث التاريخي، الشخص المؤثِّر X ده ممكن يتكلِّم وينسب أقوال ل Y، والناس تنقل عن Y على لسان X، ويجيلك شهادات مُتعدده عن حاجات قالها Y وتوصلك كمؤرِّخ بعد قرون وكلها أساسًا مصدرها X كشخص مؤثر. هنا أنت أمام شهادات مُتعددة، لكن مش بالضَّرورة تقدر تقول إنها راجعة لـY، تقدر بس تقول إنها ظهرت بشكل مُبكِّر، لكن مصدرها إيه؟ وهل هو X وﻻ Y؟ ده سؤال متقدرش المصادر المُتعددة تجاوبه، ولا تقدر تستخدم المعيار ده في مُعالجة والوقوف على مصدَر الأخبار والأقوال. وهنا نرجع تاني للفرق ما بين التسويغ والمعرفة. المؤرِّخ في بحث الأسئلة القديمة ميقدرش يوصل لمعرفه يقينيَّة صحيحة، ولكن يقدر يبني صورة مُسوَّغة بأدواته مبنية على المعطيات المتاحة. يعني تخيَّل لو في حدث كتب عنه 20 مصدر، منهم 10 يكتبون من منظور، و10 يكتبون من منظور مضاد أو منافس، ثم ضاع من المصادر دي 17، منهم الـ 10  من ذوي منظور مضاد، كده إتبقالك 3 مصادر، ممكن تقدر تبني عليهم صوره كمؤرِّخ، وهاتكون مُسوَّغ في التصوُّر اللي بتبنيه، لأن دي المعطيات المتبقية، لكن متقدرش تقول إن “انتشار الخبر” أو “البناء التاريخي” اللي عملته بيوصَّل لليقين، أو إنه مساوي للإدراك بالحس، أو إنه يصل لمعرفة كاملة. أقصى ما يُمكن تحقيقه هو تسويغ بناءًا على المُتاح. --- ### متى المسكين.. الفكرة والرمز - Published: ۲۰۲٤-۰٦-۱۱ - Modified: 2024-06-11 - URL: https://tabcm.net/26423/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: الأب متى المسكين, صمويل روبنسون متى المسكين لم يكن فقط عالم ومعمر وقائد وراهب وأب روحي لبضعة رهبان لكنه كان أيضًا رمز، أصبح قائدًا للمرذولين والمبعدين والمتعدى على أبسط حقوقهم، وهي التعبير والاستفسار والنقد أكثر شخصية كنسية مثيرة للجدل في عصرنا الحالي هو الأب متى المسكين، كثيرين نادوا بنفس الأفكار واستخدموا نفس المصطلحات لكن لم يصلوا لنفس الدرجة، فمَا السر؟ متى المسكين لم يكن فقط عالم ومعمر وقائد وراهب وأب روحي لبضعة رهبان لكنه كان أيضًا رمز، أصبح قائدًا للمرذولين والمبعدين والمتعدى على أبسط حقوقهم، وهي التعبير والاستفسار والنقد. لم يكن هدفه أن يقود حركة ثورية معاكسة داخل الكنيسة، لأنه لو كان هذا هدفه لكان اشتبك فكريًا مع الفكر المضاد ولعمق فكرة أسلوبه وثقافته لكان ربح، لكنه فضل أن يرتقي ويترفع عن المشاحنات الفكرية. إذن كيف أصبح متى المسكين قائدًا ثوريًا؟ كيف أصبح أب لملايين والكثير منهم لم يقرئوا ولو حتى كتيبًا كاملًا من كتبه؟ الحقيقة إن أعدائه هم أكبر سبب لنجاحه عندما ظنوا أنهم بسهولة يمكنهم إبعاده عن المشهد مستغلين تأثيرهم على العامة، لكن هيهات، فهذا الاضطهاد في حد ذاته أصبح مرآه لكثيرين رأوا فيها واقعهم وسبل التعامل معه. كل من أُجبر على الانبطاح لسوء استخدام سلطة الكهنوت، وجد فيه الثائر الذي لا يبالي ويمشي سائرًا في الدفاع عن مبادئه، حتى أن تعرضت حياته للخطر. كل من تخبط في خدمه هدفها لا يطابق مثالية الخدمة الكنسية، وواجه نفاق وازدواجية الحياة الكنسية، هرع له ليجد فيه من لا يتنازل ولا يساوم على مبادئه. كل من طُلب منه أن يترك عقله وثقافته والأنترنت الخاص به خارج بوابة الكنيسة تحت ادعاء أن الفلسفة ليس مكانها الكنيسة، وجد فيه من يشتبك مع كل الأفكار أيًا كانت طباعها بأريحية ويبارز علماء اللاهوت الغربيين على أرضهم ويخرج منتصرًا، أو على الأقل ينتزع منهم احترامًا كعالم مساوٍ لهم. كل من فقد طريقه ووجد نفسه في دوامة الحياة لا يعلم من أين أتى وجد الجزور الآبائية للحياة الأرثوذكسية في هذا الأب الذي اختطف القرون الخمسة الأولى إلى القرن العشرين غصبًا وطوعها وأحياها في سياق جاد ينافس ما بعد الحداثة. كل من تعب من الهجايص  الدونكيشوتية والشعارات والتصفيق، وجد فيه من جاوب سؤال وماذا بعد؟ بعد الشعارات كي نعود للحياة الشاقة؟ كيف نجد معنى؟ كل من تعب من ركاكة التعبير اللاهوتي والاستسلام لفكرة "حط رأسك في ضهر إلى قدامك" وجد فيه من أحيا التقليد وجعله لخدمة الإنسان. كل من بحث عن معنى لنفسه وسط زحمة التبكيت والتحقير ولم يجده، و لكن في طيات كتابات متى المسكين كان الجواب من الارتقاء بالإنسان في تحدٍ سافر للفكر السائد. متى المسكين لم يكن المسيح الثائر الذي يطوق إليه جميع الأقباط، ولكن لن ينتظروا آخر لأن المنظومة بعنادها ورفضها التعامل الفكري الموضوعة معه جعلته مصدر إلهام لكثيرين وجعلته شهيد القلم بغير سفك دَم. بسذاجة منعوا كتبه فزاد الإقبال عليها، أخرجوها من المكتبات فأصبحت على كل موبايل وجهاز كمبيوتر. شتمه الأساقفة فمدحه الأكاديميين، وأصبح من أهم المفكرين المسيحيين في كتاب صمويل روبنسون، والمنتديات على الأنترنت، تجاهلته المحافل الكنسية فأصبح موضوع المؤتمرات العالمية ومواقع التواصل. خرجت ضده الكتب فدخل هو وبقوة كل حوار لاهوتي في الكنيسة. متى المسكين لم يكن هدفه تكوين جيش من التابعين ولكن كثيرين يحجون لتلك المقبرة المجهولة وسط الصحراء المالحة حيث يلتقي التراث بالحداثة في قلعة بلا أسوار تقف شامخة تدافع عن المسيحي المبعد من المعبد. --- ### بالقناع أو بدونه.. أرني روحك - Published: ۲۰۲٤-۰٦-۱۰ - Modified: 2024-06-10 - URL: https://tabcm.net/25835/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: أوسكار وايلد, يوسف وهبي مهما كانت الأقنعة التي نرتديها، فإن الحقيقة التي تعلمناها هي أنه لا ينبغي أن ننخدع بالصور المثالية التي يقدمها لنا الآخرون. فوراء كل قناع، تكمن قصة، قد تكون أحيانًا مأساوية ومحزنة للغاية. قد نرى شخصًا يبدو واثقًا وسعيدًا، لكن خلف ابتسامته قد يكمن ألم عميق أو صراع داخلي. قد نرى شخصًا يبدو ناجحًا ومنظمًا، لكن تحت هذا القناع قد يكمن شعور بالوحدة أو عدم الكفاءة. قد نرى شخصًا يبدو قويًا وغير قابل للتأثر، لكن في أعماق قلبه قد يكون هشًا وجريحًا تفرض علينا ضرورات الحياة ويجبرنا تعدد أدوارنا فيها على التعامل مع بعضنا البعض من وراء الأقنعة. ففي عالم يضجّ بالسطحية والادعاءات والمظاهر، ويحتدم فيه الصراع وتتصادم المصالح، نجد أنفسنا مضطرين لإخفاء حقيقتنا وراء واجهات مختلفة تناسب كل دور وموقف. ولأن البعض يُسرف في ادعاء ما ليس فيهم لأغراض خبيثة في نفوسهم وسعيًا لما لا يستحقون من المكاسب المادية أو المعنوية، لهذا تشوهت فكرة الناس عن الأقنعة وطالها كثير من سوء السمعة، وربط الكثيرون بينها و بين الخداع والاحتيال. ومع ذلك، من المهم التمييز بين استخدام الأقنعة المشروع وغير المشروع. ففي بعض الحالات، يمكن أن تكون الأقنعة بمثابة حماية ضرورية للأفراد، خاصة في المواقف التي تتطلب الحفاظ على خصوصيتهم أو سلامتهم. يمكن للأقنعة إخفاء هُوِيَّة الأفراد في المواقف التي يرغبون فيها الحفاظ على سرية هويتهم، مثل الاحتجاجات السياسية أو التحقيقات الصحفية. كما يمكن للأقنعة أن توفر حماية جسدية للأفراد من العنف أو الاعتداء، خاصة في المواقف عالية الخطورة مثل مناطق الحرب أو الصراعات المسلحة العنيفة. كما يمكن استخدام الأقنعة للتعبير عن جوانب مختلفة من الشخصية، مثل الإبداع أو الفكاهة. الأقنعة يمكن أن تكون وسيلة للتعبير عن الذات الإبداعية دون قيود الرسميات، حيث تسمح للأفراد باستكشاف شخصيات مختلفة وإظهار مواهبهم الفنية. كما يمكن أن تكون بمثابة أدوات هزلية أو فكاهية لإضفاء جو من المرح على المواقف. لذا، بدلًا من إدانة الأقنعة بوجه عام، يجب أن نكون حذرين ونفهم الدوافع الكامنة وراء استخدامها. فبينما قد تكون بعض الأقنعة تهدف إلى خداع الآخرين، يمكن للبعض الآخر أن يكون وسيلة للتأقلم أو التعبير عن الذات، خاصة بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من القلق الاجتماعي أو الخجل، يمكن أن توفر الأقنعة شعورًا بالأمان والراحة. كما يمكنها تمكين الأفراد من التفاعل مع الآخرين دون الشعور بالضغط أو التعرض للأحكام المسبقة. وفي هذه الحالات، يمكن اعتبار ارتداء الأقنعة آلية تكيف صحية تساعد على تحسين جودة الحياة. ومن خلال التمييز بين هذه الاستخدامات المختلفة، يمكننا الحفاظ على نظرة متوازنة لفكرة الأقنعة وتجنب الحكم عليها بشكل خاطئ. من خلال الاعتراف بهذه الاستخدامات المتنوعة للأقنعة، يمكننا الحفاظ على نظرة أكثر تعاطفًا وتفهمًا لهذا الجانب المعقد من السلوك البشري.  لكن تعميم الفكرة السلبية المغلوطة للأقنعة هو ببساطة؛ خاطئ، فكلنا نرتدي الأقنعة سواء شئنا الاعتراف بذلك، أم أبينا. بعضنا يستخدمها كدرع ليحمي نفسه من التألم، وبعضنا يرتديها هربًا من عالم يراه قبيحًا مستهجنًا لكن لا تسمح له ظروفه بالانعزال عنه بشكل واقعي فيواجهه من وراء القناع، وبعضنا يرتديها ليستر بها عيوبه كي يكون مقبولًا مجتمعيًا، وكلنا يستخدمها للعب أدوار اجتماعية متنوعة كدور الأب أو الزوج أو المدير. والأمثلة كثيرة تنأي عن الحصر، فالكاتب الذي يكتب تحت اسم مستعار، والفتاة التي تُكثر من وضع المساحيق، والشخص الذي يُكثر من المجاملة، ومن يبتسم ليداري توعكًا بالقلب، ومن يتظاهر بالثقة ليخفي شعورًا داخليًا بأنه أقل من الآخرين، ومن يدعي الشجاعة في حين ينتفض داخله خوفًا وجزعًا. غالبًا ما يتم ارتداء هذه الأقنعة دون وعي أو قصد، حيث يحاول الأفراد إخفاء عيوبهم أو تعزيز مظهرهم أو التعامل مع مشاعرهم الداخلية. مسألة استخدام الأقنعة إذن ليست زيفًا كلها. فاختياراتنا للأقنعة فيها شيئ من الصدق، إذ إننا لا نختار إلا الأقنعة التي تشبهنا، أو تلك التي نريد أن نكونها، ولذا تظل هناك دائمًا علاقة بين كينونتنا الداخلية وما نحاول أن نكون في الظاهر. فالناس مع الوقت يصبحون ما يتظاهرون به إلى درجة أن يصعب عليهم هم شخصيًا التفرقة بين حقيقتهم وقناعهم. ومن هنا كانت إحدى نظريات علم النفس الخاصة بتعزيز الثقة في النفس عن طريق ترديد أقوال إيجابية عن الذات لمقاومة الإحباط الداخلي. بمعنى أن ترتدي القناع حتى تصدقه أنت نفسك وأن تلعب الدور حتى تتقمصه أنت شخصيًا. ويبدو أن الدنيا فعلًا مسرح كبير كما قال القدير يوسف وهبي، بل إن كلمة personality بمعنى شخصية، هي كلمة مشتقة من الكلمة اللاتينية persona، التي تعني حرفيًا قناع المسرح. فقد كان القناع في بداية تاريخ المسرح يستخدم كأكسسوار ومع تطور الفن المسرحي قام بعض المخرجين بإستخدامه كأداة وتقنية مسرحية ترمي إلى تجميد وجوه وأشكال الممثلين بحيث يستطيع المتفرج النظر إلى داخل الشخصية وجوهرها وليس إلى مظهرها الخارجي. المفارقة هنا هي أن استخدام القناع في هذه الحالة كان يرمي إلى الكشف عن الحقيقة لا إلى إخفائها كما يُظن، ما حدا بأوسكار وايلد إلى القول بأن القناع قد ينبئك بأكثر مما ينبئك به وجه الشخص الحقيقي. مهما كانت الأقنعة التي نرتديها، فإن الحقيقة التي تعلمناها هي أنه لا ينبغي أن ننخدع بالصور المثالية التي يقدمها لنا الآخرون. فوراء كل قناع، تكمن قصة، قد تكون أحيانًا مأساوية ومحزنة للغاية. قد نرى شخصًا يبدو واثقًا وسعيدًا، لكن خلف ابتسامته قد يكمن ألم عميق أو صراع داخلي. قد نرى شخصًا يبدو ناجحًا ومنظمًا، لكن تحت هذا القناع قد يكمن شعور بالوحدة أو عدم الكفاءة. قد نرى شخصًا يبدو قويًا وغير قابل للتأثر، لكن في أعماق قلبه قد يكون هشًا وجريحًا. من خلال فهم أن لكل فرد قصة وراء قناعه، يمكننا أن نصبح أكثر تعاطفًا وتفهمًا تجاه الآخرين. يمكننا أن نتعلم أن ننظر إلى ما وراء السطح وأن نعامل الناس باحترام وكرامة، بغض النظر عن الصورة التي يقدمونها لنا. الأقنعة مثلها مثل أدوات ضرورية أخرى كثيرة في حياتنا، استخدامها ليس شرًا في حد ذاته، إنما طريقتنا وأهدافنا هي ما يسبغ عليها جدارتها وشرفها. --- ### قيامة المسيح وصعوده في لاهوت أثناسيوس وكيرلس - Published: ۲۰۲٤-۰٦-۰۹ - Modified: 2024-06-09 - URL: https://tabcm.net/26236/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: آدم, إمبراطور يوليانوس, الأب متى المسكين, التبني, النسطورية, بابا كيرلس عمود الدين, تجسد الكلمة, قديس أثناسيوس الرسولي, قديس بولس الرسول, مجلة مرقس, والتر جون بورغهاردت "المسيح في قيامته وصعوده وكهنوته السماوي من أجلنا في لاهوت القديسين أثناسيوس الرسولي وكيرلس الكبير"، بقلم الأب متى المسكين، نُشر أوّل ما نُشر في مجلة مرقس، عدد مايو ١٩٧٩، الصفحات من ٩ إلى ٢٤ المسيح في قيامته وصعوده وكهنوته السماوي من أجلنا في لاهوت القديسين أثناسيوس الرسولي وكيرلس الكبير مقدمة: اللاهوت الخلاصي: لقد اصطبغ علم اللاهوت عند آباء الكنيسة الأولين، وعلى الأخص آباء الإسكندرية، بالاتجاه الخلاصي في دراسة اللاهوت، ومضمونه أن كل ما فعله المسيح إنما يختص بخلاصنا أولًا وأخيرًا، وأن ليس لنا أن نبحث عن أي شيء في علم اللاهوت من أجل المعرفة النظرية المجردة بل لنستفيد به من أجل خلاصنا. فإن كان القديس أثناسيوس قد تحمس للدفاع عن مساواة الابن للآب في الجوهر، وإن كان القديس كيرلس قد انبرى للدفاع عن الاتحاد الأقنومي أي وحدة كيان المسيح البشرى الإلهي؛ فإن سر حماسهما في الدفاع عن ذلك هو رؤيتهما الواضحة للعلاقة الصميمية بين هذه الحقائق اللاهوتية وخلاصنا نحن. وهكذا نراهما دائمًا في كلامهما عن سر الثالوث أو عن تجسد المسيح وميلاده ومعموديته وصومه وآلامه وموته وقيامته وصعوده وكهنوته السماوي، نراهما يعودان باستمرار إلى ربط هذه الحقائق بخلاصنا نحن وبالمنفعة الروحية التي عادت علينا من كل ما فعله المسيح من أجلنا. وسنكتفي في هذا المقال بتقديم أقوالهما عن قيامة المسيح من أجلنا على أن نقدم في العدد القادم إن شاء الله أقوالهما عن صعود المسيح من أجلنا وجلوسه عن يمين الآب من أجلنا ككاهن سماوي أبدي...   أولًا - قيامة المسيح من أجلنا في لاهوت القديس أثناسيوس: إن القيامة في لاهوت القديس أثناسيوس تحقق غاية التجسد كله: فالمسيح تجسد أصلًا لكي يعيد طبيعة الإنسان إلى عدم الفساد بالقيامة من الأموات. فمن المفاهيم الأساسية في فكر القديس أثناسيوس مفهوم الفساد φθόρα، وعدم الفساد ἀφθαρσία، والفساد من طبيعة جميع المخلوقات، وعدم الفساد من طبيعة الله وحده. فكل ما هو مخلوق من العدم فاسد بطبعه أي عنده ميل طبيعي للعودة تدريجيًا إلى العدم الذي جُذب منه ((أثناسيوس  الرسولي، تجسد الكلمة ٤ : ٦ )). وإن كان آدم قد نال في الفردوس -قبل أن يخطئ- شيئًا من عدم الفساد الذي من طبيعة الله، فلم يكن ذلك إلا بفضل شركته في الكلمة ((أثناسيوس  الرسولي، تجسد الكلمة ٥: ١-٢)) اللوغوس المحيي غير الفاسد بطبعه. فلما أخطأ آدم وفصل نفسه بإرادته عن هذه الشركة الحية، للوقت عاد إلى طبيعته الأصلية التي هي الفساد ((أثناسيوس  الرسولي، تجسد الكلمة ٤ : ٤ ))، ولم يكن سبيلٌ لتجديده وإعادته إلى عدم الفساد إلا بأن يأتي اللوغوس نفسه، الذي له وحده عدم الفساد، ويتحد بجسد الإنسان الفاسد ويظهر فيه عدم الفساد بالقيامة من الأموات ((أثناسيوس  الرسولي، تجسد الكلمة ٧ : ٤-٥، ٨ : ٤ )). لذلك فقيامة المسيح حققت الغاية من تجسده، لأن قيامتنا التي نبعت من قيامته كانت هي السبب الأول الذي من أجله تأنس المخلص ((أثناسيوس  الرسولي، تجسد الكلمة ١٠ : ٥-٦ )). لقد كان الرب مهتمًا بصفة خاصة بقيامة جسده التي كان معتزمًا أن يكملها. لأنه كان يريد أن يقدمها كدليل على غلبته على الموت، وليؤكد للجميع أنه أزال كل أثر للفساد، وأنه بالتالي أعطى أجسادهم عدم الفساد من ذلك الحين. ولهذا حفظ جسده غیر فاسد كضمان وبرهان على القيامة التي تنتظر الجميع. (أثناسيوس  الرسولي، تجسد الكلمة ٢٢ : ٤) والقيامة هي النتيجة الحتمية للتجسد الإلهي، لأنه إذا كان الجسد المائت بطبعه قد صار جسدًا لمن هو "الحياة"، تكون النتيجة الحتمية لذلك أن يقوم الجسد إلى عدم موت بفعل الحياة التي اتحد بها: كان لائقًا جدًا أن يلبس المخلص جسدًا حتى إذا ما اتحد الجسد "بالحياة" لا يبقى في الموت كمائت، بل يقوم إلى عدم موت إذ لبس عدم الموت. وما دام قد لبس الفساد سابقًا، لم يكن ممكنًا أن يقوم ثانيةً ما لم يكن قد لبس الحياة. (أثناسيوس  الرسولي، تجسد الكلمة ٤٤ : ٦) ولكي نتعمق في فكر القديس أثناسيوس بخصوص قيامة الرب وأثرها فينا، ينبغي أن نعرف أن "عدم الفساد" الذي قصد الرب أن يعيده إلينا بفعل قيامته إنما يشمل مفهومين: * عدم الفساد الجسدي: أي الغلبة على الموت. * عدم الفساد الخلقي: أي الغلبة على الخطية. وابتداءً من هنا تصير كلمات القديس أثناسيوس بخصوص القيامة عملية للغاية. فهو سيبيِّن لنا إلى أي مدى تؤثر قيامة الرب في صميم أخلاق المؤمنين به حتى أنهم يصيرون لا يهابون الموت، بل يُقبلون عليه بلا خوف بعد أن كانوا يرتعبون منه، فيصيرون بذلك شهودًا لقيامة الرب وغلبته على الموت، ثم إلى أي مدى تتغير حياتهم السلوكية من الانحلال الخلقي إلى الطهارة والقداسة بفعل نعمة الحياة الجديدة التي انتقلت إليهم من قيامة الرب. نتائج القيامة فينا: أ. عدم الخوف من الموت: يقول القديس بولس الرسول إن غاية المسيح من تجسده واشتراكه في اللحم والدم هي لكي يبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت ويعتق أولئك الذين خوفًا من الموت كانوا كل حياتهم تحت العبودية. ((عبرانيين ٢ : ١٤-١٥ )). والقديس أثناسيوس يسلك في نفس الخط الفكري. فقد وجدناه يقول إن غاية التجسد هي أن يبطل المسيح بموته الفساد والموت ويجعلنا بقيامته نلبس عدم الفساد وعدم الموت ((من أكثر الآيات التي يكررها القديس أثناسيوس في حديثه عن القيامة: إن هذا الفاسد لابد أن يلبس عدم فساد وهذا المائت يلبس عدم موت... فحينئذ تصير الكلمة المكتوبة ابتلع الموت إلى غلبة (كورنثوس الأولى ١٥ : ٥٣-٥٤)، أنظر تجسد الكلمة ٢١ : ٢، الرسائل الفصحية ٦ : ٤، ١١ : ١٤ والرسالة ٥٩ : ٦ )). والدليل على أن المسيح قد نجح في ذلك هو أن كل من يؤمن بالمسيح إيمانًا صادقًا ينال منه قوة لاحتقار الموت وللتغلب على الفساد. فإن كان كل تلاميذ المسيح يحتقرون الموت ويتحدونه ولا يعودون بعد يخشونه بل بعلامة الصليب والإيمان بالمسيح يدوسونه كميت، كان هذا برهانًا غير يسير بل بالحري بيَّنة واضحة على أن الموت قد أُبيد، وأن الصليب صار النصرة عليه وأنه لم يعد له سلطان بل مات موتًا حقيقيًا. فقديمًا، قبل الظهور الإلهي للمخلص، كان الموت مرعبًا حتى للقديسين، وكان الكل ينوحون على الأموات كأنهم هلكوا. أما الآن، وقد أقام المخلص جسده، فلم يعد الموت مرعبًا بعد، لأن كل الذين يؤمنون بالمسيح يدوسونه كأنه لا شيء ويفضِّلون أن يموتوا عن أن ينكروا إيمانهم بالمسيح. لأنهم يعلمون يقينًا أنهم عندما يموتون لا يهلكون بل يبدأون الحياة فعلًا ويصبحون عديمي الفساد بفضل القيامة. أما ذلك الشيطان الذي بخبثه فرح بالموت قديمًا، فإنه الآن إذ انحلت أوجاعه قد بقى هو الوحيد الميت موتًا حقيقيًا، والدليل على ذلك أن البشر قبل أن يؤمنوا بالمسيح يرون الموت مفزعًا ومرعبًا ويجبنون أمامه. ولكنهم عندما ينتقلون إلى إيمان المسيح وتعاليمه فإنهم يحتقرون الموت احتقارًا عظيمًا لدرجة أنهم يسارعون إليه ويصيرون شهودًا للقيامة التي انتصر بها المخلص عليه، وبينما تراهم لا يزالون في عنفوان الشباب إذا بهم يسارعون إلى الموت، لا الرجال فقط بل النساء أيضًا، ويمرنون أنفسهم للجهاد ضده. وقد وصل الضعف بالشيطان حتى أن النساء أنفسهن اللواتي قد خُدعن قديمًا يهزأن به الآن كميت ومنحل القوى. فكما أنه عندما يُغلب الظالم أمام ملك حقيقي وتوثق يداه ورجلاه يصبح هزأة لدى كل من يمر به ويُحتقر ويزدرى به ولا يعود أحد يخشى غضبه أو وحشيته بسبب الملك الذي ظفر به، كذلك الموت أيضًا إذ قهره المخلص وشهر به على الصليب وأوثق يديه ورجليه، فإن كل الذين في المسيح يدوسونه إذ يمرون به، ويهزأون به شاهدين للمسيح ويسخرون منه مرددين ما قيل عنه في القديم أين غلبتك يا موت، أين شوكتك يا هاوية(۱ کو ۱٥: ٥٥) (أثناسيوس  الرسولي، تجسد الكلمة ٢٧ كله)   فإن كان الشبان والشابات في المسيح يحتقرون هذه الحياة ويرحبون بالموت، فهل هذا برهان هيَّن على ضعف الموت؟ أم هذا إيضاح ضئيل للنصرة التي نالها المخلص عليه؟ فالإنسان بطبيعته يرهب الموت ويفزع من انحلال الجسد. ولكن المدهش جدًا أن من يتقلد الإيمان بالصليب والقيامة يحتقر ما هو مفزع بالطبيعة، ولا يرهب الموت بسبب المسيح. (أثناسيوس  الرسولي، تجسد الكلمة ٢٨ :  ١-٢)   لأنه عندما يرى المرء أن البشر الضعفاء بطبيعتهم يصارعون الموت ويتهافتون عليه دون أن يخشوا عوامله المفسدة أو أن ينزعجون من النزول إلى الهاوية، بل يتحدونه بحماس دون أن يجزعوا من التعذيب، بل بالعكس يصارعون الموت مفضلينه على الحياة على الأرض. فمن هو ذلك الغبي المتشكك أو عديم العقل الذي لا يرى ولا يدرك أن المسيح الذي يشهد له البشر هو الذي يعضدهم بنفسه، ويهب لكل واحد النصرة على الموت، ملاشيًا كل قواته في كل من يتمسك بإيمانه ويحمل علامة الصليب. (أثناسيوس  الرسولي، تجسد الكلمة ٢٩ :  ٤) إذن فهذا التعضيد السرى الذي يناله المؤمنون من الرب هو أعظم دليل على أنه حيّ وفعال الآن، وبالتالي فهو أعظم برهان على صحة قيامته: إذن فما قررناه إلى الآن ليس برهانًا هينًا على أن الموت قد أُبطل... وهكذا نرى أن قيامة الجسد إلى عدم الموت التي حققها المسيح مخلِّص الجميع وحياة الجميع، يكون إثباتها بالوقائع أكثر وضوحاً من إثباتها بالحجج والبراهين. (أثناسيوس  الرسولي، تجسد الكلمة ٣٠ : ١) والحقيقة أن القديس أثناسيوس يدعونا بهذا القول إلى وقفة لنراجع نفوسنا. لأنه إذا كان الكثيرون قد بدأوا يشكون اليوم (وعلى الأخص من علماء اللاهوت المحدثين) في حقيقة قيامة الرب. أليس السبب في ذلك هو ضعف حياتنا المسيحية؟ فالقديس أثناسيوس يقول بكل وضوح أن قيامة الرب يتأتى إثباتها الأقوى "بالوقائع أكثر من الحجج والبراهين" أي من واقع حياة المسيحيين وسلوكهم حينما تظهر فيهم إشراقة الحياة الجديدة التي أظهرها المسيح بقيامته من الأموات. فالشهادة لقيامة المسيح تكون بالسلوك في هذه الحياة الجديدة التي يدعوها الإنجيل الولادة من فوق ((یوحنا ۳ : ۳ )) أو الولادة الثانية؛ مبارك الله... الذي ولدنا ثانية... بقيامة يسوع المسيح من الأموات ((بطرس الأولى ١ : ۳ ))، وهذا ينقلنا إلى تقديم أقوال القديس أثناسيوس بخصوص النتيجة الثانية لقيامة الرب فينا: ب. التغلب على الخطية: أي السلوك على مستوى الحياة الجديدة التي أظهرها الرب بقيامته: يعود القديس أثناسيوس عدة مرات إلى تأكيد هذه الحقيقة الأساسية وهي أن حياة المسيحيين الفائقة الطبيعة هي أوضح برهان وشهادة على قيامة الرب ولاهوته: على أن هذه البراهين التي قدمناهالا تستند إلى مجرد حجج كلامية ولكن هنالك اختبارات عملية تشهد لصحتها: فليذهب من أراد ويعاين دليل العفة في عذارى المسيح، والشبان الذين يعيشون حياة العفة المقدسة أو دليل الثقة في الخلود في ذلك العدد الجم من شهدائه. (أثناسيوس  الرسولي، تجسد الكلمة ٤٨ :  ١-٢)   لأنه إن كان الإنسان الميت تبطل قواه وينتهى نفوذه وسلطانه عند القبر، وإن كانت القدرة على العمل والتأثير على الآخرين لا تخص إلا الأحياء، فلينظر كل من أراد وليحكم شاهدًا للحق مما يبدو أمام عينيه: لأنه إن كان المخلص يعمل الآن أعمالًا عظيمة كهذه بين البشر ولا يزال كل يوم بكيفية غير منظورة يقنع الجماهير العديدة من كل ناحية، سواء من سكان اليونان أو البلاد الغربية، ليقبلوا إلى إيمانه ويطيع الجميع تعاليمه، فهل لا يزال يوجد من يتطرق الشك إلى عقله أن القيامة قد أتمها المخلِّص أو أن المسيح حي أو بالحري أنه هو نفسه الحياة؟ وهل يُتاح لشخص ميت أن ينخس ضمائر البشر فيثوروا ضد نواميسهم الموروثة ويخضعوا لتعاليم المسيح؟ وإن كان المسيح لم يعد بعد فاعلًا متحركًا بل له خواص الأموات فهل يستطيع أن يصدَّ الأحياء عن حركاتهم وأعمالهم حتى يكف الزاني عن الزنى والقاتل عن القتل والظالم عن الظلم والاغتصاب وحتى يصبح الدنس فيما بعد متدينًا؟ أو كيف يستطيع لو أنه لم يقم بل لا زال ميتًا - أن يطرد ويطارد ويحطم تلك الآلهة الكاذبة التي يدَّعى الملحدون أنها حية والأرواح الخبيثة التي يعبدونها؟ (أثناسيوس  الرسولي، تجسد الكلمة ٣٠ :  ۳-٥)   فمن ذا الذي بموته طرد الشياطين قط؟ ومن ذا الذي خلّص البشر من شهوات وضعفات الإنسان الطبيعية حتى صار الفجار عفيفين والقتلة لا يحملون السيف فيما بعد والذين تملّكهم الجبن والخوف قديمًا تشجعوا؟ وبالإيجاز من ذا الذي أقنع البشر في البلاد الهمجية وجماعة الوثنيين ليتخلوا عن جنونهم ويعملوا للسلام غير الإيمان بالمسيح وعلامة الصليب؟ أو من ذا الذي أكد للبشر حقيقة الخلود كما فعل صليب المسيح وقيامته بالجسد؟ (أثناسيوس  الرسولي، تجسد الكلمة ٥٠ :  ٤-٥) فكل هذه الأفعال العظيمة التي يعملها المخلِّص في البشر بقوة قيامته هي دليل قاطع على أنه قائم الآن وحى وفعال. وأما قيامة الرب فهي دليل قاطع على لاهوته. فكما يقول القديس بولس الرسول أن المسيح تعيَّن ابن الله بقوة بالقيامة من الأموات ((رومية١ : ٤ ))، هكذا يستخلص القديس أثناسيوس أيضًا من قيامة الرب برهان لاهوته ((أثناسيوس  الرسولي، تجسد الكلمة ١٩ :  ۳، ٥٠ : ٦ )). وأخيرًا نستطيع أن نلخص فكر القديس أثناسيوس بخصوص القيامة وكأنه يتساءل: ما هو أعظم دليل على لاهوت المخلص؟ إنه قيامته... وما هو أعظم دليل على قيامته؟ إنه حيّ وفعال في حياة المؤمنين، إنه يجعلهم لا يهابون الموت، إنه يعضدهم تعضيدًا سريًا حتى يسلموا نفوسهم للاستشهاد دون أن يجزعوا من التعذيب، إنه يجدد حياتهم ويغيَّر صفاتهم حتى يصير الدنِس فيما بعد متدينًا والقاتل لا يحمل السيف والشبان يعيشون في القداسة والأمم الهمجية تتخلى عن جنونها وتعمل للسلام. في لاهوت القديس كيرلس الكبير: لقد رأينا القديس أثناسيوس يركز اهتمامه الأكبر بخصوص قيامة الرب على إظهار مفاعيل قوة قيامته فينا كدليل على لاهوته، وذلك لأن اهتمامه الأساسي في جميع كتاباته كان أن يثبت لاهوت المسيح تجاه كل من ينكره من الوثنيين والأريوسيين. أما القديس كيرلس فقد كان اهتمامه الأساسي طوال حياته أن يدافع عن عقيدة الاتحاد الأقنومي، أي وحدة لاهوت المسيح بناسوته. وقد جعله هذا الاهتمام يعتبر باستمرار في جميع مراحل حياة الرب وموته وقيامته وصعوده أنه كان لنا وجود سرى فيه من خلال ناسوته المقدس الذي كان يمثل بنوع ما كل جنس البشرية أو بالحري الذي كان يحملنا جميعًا فيه سرًا ((لم يكن القديس كيرلس أول من تكلم عن وجودنا السرى في شخص المسيح، فقد سبقه في ذلك القديس أثناسيوس كما سنرى حينما نعرض أقواله عن صعود الرب من أجلنا إذ يقول صراحة أنه صعد من أجلنا نحن الذين كان يحملنا في جسده (تجسد الكلمة ٦:٢٥). ومن البين أن أول من أوحيت إليه هذه الحقيقة هو القديس بولس الرسول حيث يقول إن الله أقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات (أفسس ٦:٢)، غير أن القديس كيرلس هو بلا شك أكثر من بلور هذه الفكرة وعممها على جميع مراحل حياة الرب. )). إنه قام حاملًا في نفسه كل طبيعتنا من حيث أنه كان إنسانًا وواحدًا فينا. (كيرلس الكبير، تفسير يوحنا ٧ : ٣٩)   نحن جميعًا كنا في المسيح والشخصية البشرية في عموميتها قامت فيه من جديد. (كيرلس الكبير، تفسير يوحنا ١ : ١٤)   لذلك فالموت لما ابتلع الحمل المبذول من أجل الجميع اضطر أن يتقيأ الجميع معه وفيه. فإننا جميعًا كنا في المسيح الذي من أجلنا وبسببنا مات وقام أيضًا. (كيرلس الكبير، تفسير يوحنا ١ : ٢٩)   إنه يحوى جميع المؤمنين في ذاته، في وحدة روحية، وإلا فكيف كان يمكن لبولس أن يكتب قائلًا أنه أقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات؟ فمنذ أن جعل نفسه مثلنا، صرنا نحن ذوى جسد واحد معه ouoowpot وصار هو يحملنا كلنا في نفسه... فلما رجع الرب إلى الحياة وقدَّم نفسه لله كباكورة للبشرية حينئذ بكل تأكيد تحولنا نحن أيضًا إلى حياة جديدة. (كيرلس الكبير، جلافير علي العدد ب. ج. ٦٩ : ٦٢٤-٦٢٥)   مع كونه هو الحياة بطبعه فقد مات بالجسد من أجلنا لكي يغلب الموت عنا ويقيم الطبيعة البشرية كلها معه، لأننا جميعًا كنا فيه بسبب أنه صار إنسانًا. (كيرلس الكبير، تفسير يوحنا ١ : ٣٢-٣٣ ((أنظر أيضا كيرلس الكبير، تفسير يوحنا ٦ : ٥١ (قول ٣٨). )) ) فالمسيح لم يقم من أجل نفسه هو باعتباره الإله الكلمة الأزلي، بل قام بالجسد من أجلنا نحن الذين كنا محمولين في هذا الجسد أو على الأقل ممثَّلين فيه. والقديس كيرلس يعود باستمرار إلى تأكيد هذه الحقيقة: أن الرب قام ليقيمنا نحن فيه: إن المسيح لما استعاد الحياة ناقضًا سلطان الموت لم يكمل قيامته من أجل نفسه هو إذ أنه هو في ذاته الكلمة الإله، ولكن حيث أن طبيعة الإنسان كانت بكاملها في المسيح مقيدة بسلاسل الموت لذلك قام ليمنحنا بركة القيامة من خلال نفسه وفى نفسه. (كيرلس الكبير، تفسير يوحنا ١٧ : ٢٤)   قد عرفتني سُبُل الحياة: هذا القول يعلمنا أن الذي صار مثلنا واقتنى شخصية البشرية το πρόσωπον τῆς ἀνθρωπότητος ینطق بأقوال تناسب حالنا نحن ولا تناسب حاله هو باعتباره إلهًا. ففي حديثه كمن يتكلم عن نفسه باعتباره بدء البشرية الجديدة، هو في الواقع يستدعي علينا نحن شركة الخيرات السماوية. لأنه بقوله أنها أعطيت له هو في الواقع يقدَّمها للطبيعة البشرية. وبهذه الكيفية قد اغتنينا نحن بافتقاره كإنسان. (كيرلس الكبير، تفسير أعمال الرسل ٢ : ٢٨ ) والقيامة هي غاية التجسد الأساسية ((وفي ذلك يتفق القديس كيرلس مع القديس أثناسيوس، (أنظر قول ٥) )): ولهذه الغاية اقتنى كلمة الله المحيي جسدًا خاصًا له وجعله خاضعًا للموت حتى إذ يظهره غالبًا للموت والفساد يجعل بذلك النعمة تنتقل إلينا نحن أيضًا لأنه كما أننا في آدم قد خضعنا للموت هكذا أيضًا في المسيح تحررنا من طغيانه وتشكلنا من جديد بصورة الخلود. (كيرلس الكبير، الكتاب الثاني ضد تيودور)   فقد لبس جسدنا لكى يقيمه من الموت ويفتح أمام الجسد الذي استسلم للموت طريق العودة إلى عدم الفساد. (كيرلس الكبير، تفسير لوقا ٢٢ : ١٩)   فقد اقتنى لنفسه جسدًا قابلًا للفساد بحسب طبعه الخاص لكي يستطيع بكونه هو نفسه الحياة أن يزرع في الجسد امتيازه الخاص الذي هو الحياة. (كيرلس الكبير، المسيح واحد ب. ج. ٧٥ : ١٣٥٢) ومن هذا القول يتضح أن القيامة جاءت كنتيجة مباشرة وحتمية للاتحاد الأقنومي أي للاتحاد الذي تم في المسيح بين جسدنا "الفاسد بحسب طبعه الخاص" وبين اللوغوس "الذي هو نفسه الحياة". فهذا الاتحاد الفائق أنتج بالضرورة القيامة، لأنه كان لابد من أن يموت هذا الجسد وفقًا لطبعه الخاص، ثم كان لابد أيضًا من أن يقوم من جديد لحياة جديدة لا يسود عليها الموت بعد لأنه كان جسدًا للكلمة الذي هو نفسه الحياة: فإن الجسد قد خضع لنواميس طبيعته الخاصة وقَبِل مذاقة الموت من أجل التدبير بسماح من اللوغوس المتحد به، غير أنه استعاد الحياة بفعل القوة المحيية التي للوغوس المتحد به أقنوميًا. (كيرلس الكبير، ضد نسطور ٥ : ٦) وهكذا تظهر القيامة كنتيجة مباشرة للاتحاد الأقنومي، أو يمكن القول أنها كانت قوة مذخرة في المسيح منذ لحظة تجسده بسبب الاتحاد الكامل الذي تم فيه بين العنصر الفاسد بطبعه (أي الجسد) والعنصر الحي والمحيي بطبعه (أي اللوغوس). وهذا هو ما يقرره القديس كيرلس في تفسيره للآية يوحنا ١ : ١٤ والكلمة صار جسدًا إذ يقول أننا نرى في شقّي هذه الآية (أي الجسد والكلمة): ما ((ويلاحظ في هذا القول أن القديس كيرلس يحرص ألا يُدخل ثنائية في شخصية المسيح، فهو يشير إلي الجسد بأنه ما وليس الذي، مبينًا بذلك أن الكلمة اقتنى لنفسه واسنتا ولم يقتن لنفسه إنسانًا له شخصية مغايرة له كما كان يدعي نسطور. )) قد سقط في الموت والذي أقامه من جديد إلى الحياة، ما قد وقع تحت الفساد والذي طرد عنه الفساد، ما قد أمُسك في الموت والذي هو أقوى من الموت، ما قد حُرم من الحياة والذي هو معطى الحياة! (كيرلس الكبير، تفسير يوحنا ١ : ٤) لذلك فنتيجة الاتحاد الأقنومي الأساسية هي أن تنتقل الحياة من اللوغوس إلى الجسد، أي إلينا نحن الذين كنا ممثَّلين في هذا الجسد: وحيث أن الابن الوحيد كلمة الله الذي هو بطبعه الحياة قد صار جسدًا، لذلك فقد امتلأت طبيعة الإنسان من جديد بالحياة وهكذا صار المسيح متقدمًا لنا في كل شيء، لأنه كما أننا في آدم قد خضعنا للموت هكذا أيضًا في المسيح تحررنا من طغیانه. (كيرلس الكبير، الكتاب الثاني ضد تيودور)   فيه قد عادت طبيعة الإنسان إلى حياة جديدة في التقديس وعدم الفساد بالقيامة من الأموات. وهكذا قد أُبيد الموت إذ لم يحتمل الحياة بطبعهأن يخضع جسده للفساد لأن المسيح لم يكن ممكنًا أن يمسك من الموت بحسب كلمات بطرس الإلهية. وهكذا انتقلت منه إلينا بركات هذا النصر. (كيرلس الكبير، المسيح واحد ب. ج. ٧٥ : ١٣٥٣)   واحتمل الموت تدبيريًا في جسده الخاص حتى يدوس الموت ويقوم بصفته هو الحياة ومعطى الحياة، فيتمكن بذلك أن يحوَّل إلى عدم فساد ما كان معذبًا تحت سطوة الموت أعني الجسد. وهكذا فاض منه إلينا ما أكمله في نفسه وامتد منه إلى سائر جنسنا. (كيرلس الكبير، ضد نسطور ٥ : ١)   لقد تغير الأموات، وجسدهم الفاسد قد لبس عدم فساد، لما صار المسيح مشابهًا لنا وغيَّر الموت إلى عدم موت والفساد إلى عدم فساد، وذلك في نفسه هو أولًا، وبذلك صار لنا في الواقع طريقًا للحياة. (كيرلس الكبير، عن الإيمان القويم إلى الأميرات ب. ج. ٧٦ : ١٢٨١-١٢٨٤) ويظهر من هذه الأقوال أن القديس كيرلس يتفق مع القديس أثناسيوس في اعتبار القيامة في جوهرها انتقالًا من حالة "الفساد" الخاصة بطبيعة الإنسان إلى حالة "عدم الفساد" التي هي أصلًا من طبيعة الله وحده. ولكن ما هو الذي يقصده الآباء من الفساد وعدم الفساد؟ هل المقصود من الفساد هو مجرد تحلل أعضاء الجسد وعودتها إلى تراب الأرض الذي أُخذت منه؟ وهل عدم الفساد هو مجرد استمرار الحياة الجسدية أم أن لهما معنًى أكثر شمولًا؟ الحقيقة أن مفهوم الفساد وعدم الفساد عند الآباء عمومًا وعلى الأخص عند القديس كيرلس لا يختصان فقط بالموت الجسدي والحياة الجسدية، ولكن لهما معنى أغنى وأعمق يختص بالحياة الروحية أي بالخطية والبر (( Burghardt , The image of God in man according to Cyril of Alexandria, p. 99 )).  والقديس كيرلس نفسه يقول في إحدى عظاته: إن الموت الجدير بأن يُدعى بهذا الاسم ليس هو الموت الحادث من انفصال النفس عن الجسد بل هو بالحري الحادث من انفصال النفس عن الله. الله هو الحياة فمن ينفصل عن الحياة فهو الميت حقًا. (كيرلس الكبير، عظة ١٤ ب. ج. ٧٧ : ١٠٨٨-١٠٨٩ ((ولا شك أن هذا المفهوم الروحي للموت له أساس كتابي بحسب: سفر الرؤيا ٣ : ١ إن لك اسمًا أنك حي وأنت ميت، وتيموثاوس الأولى ٥ : ٦ وأما المتنعمة فقد ماتت وهي حية. )) ) وعلى ذلك فنعمة القيامة التي ننالها من قيامة الرب لا تنحصر في استعادة حياة الجسد بعودة النفس إليه بل تمتد أيضًا إلى مستوى روحي أعلى بالقيامة الروحية الحياة جديدة بحسب الروح. وكثيرًا ما يكرر القديس كيرلس أن قيامة الرب أثَّرت على البشرية على مستويين: الأول: عام يدرك جميع الناس بلا استثناء بقيامة أجسادهم في اليوم الأخير. الثاني: خاص للذين يقبلونه وهو القيامة الروحية لجدة الحياة: إننا نعتقد أن السر الحاصل بقيامة المسيح يمتد ويدرك جميع طبيعة الإنسان. فنحن نؤمن أن طبيعتنا كلها -فيه هو أولًا- قد انعتقت من الفساد، لأن الجميع سيقومون على مثال ذلك الذي أُقيم لأجلنا، وهو حامل الجميع في نفسه من حيث أنه إنسان. وكما أننا سقطنا جميعًا في الموت في الإنسان الأولهكذا أيضًا سيقوم الجميع في الذي صار بكرًا لنا، ولكن الذين صنعوا الخير إلى قيامة الحياة كما هو مكتوب والذين صنعوا الشر إلى قيامة الدينونة. وأنا أوكد أن القيامة للعذاب هي أصعب وأقسى من الموت نفسه. (كيرلس الكبير، تفسير يوحنا ٦ : ٥١) فنعمة القيامة تنتقل إلى الجميع بقيامة أجسادهم سواء شاءوا أم لم يشاؤوا بفعل التغيير الجذري الذي أجراه الرب في صميم طبيعتنا لما قام بالجسد حاملًا طبيعتنا بكاملها في هذا الجسد، غير أن الذين يتجاوبون مع نعمة القيامة منذ الآن تجاوبًا روحيًا ولا يسلكون في "جدة الحياة" التي قدمها لنا المسيح بقيامته، إنما يحولون نعمة القيامة لهلاك نفوسهم فتصير لهم أقسى من الموت نفسه. إن القيامة أدركت جميع الناس من خلال قيامة المخلص الذي تسبب في إقامة طبيعة الإنسان بشمولها معه غير أنها لن تفيد شيئًا لأولئك الذين يحبون الإثم. (كيرلس الكبير، تفسير يوحنا ١٠ : ١٥) ويعود القديس في موضع آخر إلى التمييز بين نوعين من القيامة أو نوعين من الحياة: الرب يقول: قد أتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم أكثر. لأنه بالإضافة إلى استعادة الحياة ينال المؤمنون به رجاء جميع الخيرات الصالحة. وغالباً ما تشير كلمة أكثر إلى ذلك النوع الفائق من الحياة الأوفر والأكرم، وفي هذا إشارة ضمنية إلى المشاركة الكاملة في الروح القدس ولو بأسلوب سرى جدًا. لأن استعادة الحياةستكون عامة للقديسين والخطاة كليهما، ولكن المشاركة في الروح القدس فلن تكون عامة للجميع لأنها هي الحياة "الأكثر" أي التي تفوق ما هو عام للجميع. (كيرلس الكبير، تفسير يوحنا ١٠ : ١٠) هنا يحدد القديس كيرلس أن النوع الفائق من الحياة المعطاة لنا بقيامة الرب إنما هو بالذات المشاركة في الروح القدس. وسنعود إلى هذه النقطة بعد قليل ولكن ما يهمنا أن نلاحظه الآن هو تأكيد القديس كيرلس على أن قيامة الرب صارت لنا ينبوعًا لحياة من نوع جديد على مستوى الروح. وهو في ذلك يستند إلى قول القديس بولس الرسول حتى كما أُقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضًا في جدة الحياة ((رومية ٦ : ٤ )). ويقول في تفسير هذه الآية: لابد أننا نحن الذين دُفنَّا مع الربنقوم أيضًا معه روحيًافإن كان الاشتراك في الدفن معه معناه الموت عن الخطية فمن أوضح ما يمكن أن الاشتراك في القيامة معه يعنى بالضرورة الحياة في البر. (كيرلس الكبير، تفسير رومية ٦ : ٣)   لقد تبررنا بالإيمان بالمسيح الذي أُسلم لأجل خطايانا وأُقيم لأجل تبريرنا لأن فيه بصفته باكورة جنسنا قد أُعيد تشكيل طبيعة الإنسان كلها إلى حياة جديدة حتى أنها تطبعت من جديد بطبع القداسة. (كيرلس الكبير، تفسير يوحنا ١٧ : ١٨-١٩)   فيه قد عادت طبيعة الإنسان إلى حياة جديدة في التقديس وعدم الفساد بالقيامة من الأموات. (كيرلس الكبير، المسيح واحد ب. ج. ٧٥ : ١٣٥٣)   لما رجع الرب إلى الحياة وقدم نفسه الله كباكورة للبشرية حينئذ بكل تأكيد تحولنا نحن أيضًا إلى حياة جديدة. (كيرلس الكبير، جلافير علي العدد ب. ج. ٦٩ : ٦٢٤-٦٢٥) والآن أكثر ما يهمنا هو أن نتعرف على معالم هذه الحياة الجديدة المعطاة لنا بقيامة الرب حتى نستطيع أن نقبلها ونتفاعل معها روحيًا. هذه الحياة الجديدة في رأى القديس كيرلس هي في جوهرها علاقة حية بالثالوث، حتى أنه يمكننا أن نلخص فكر القديس بخصوص المفاعيل الروحية لقيامة الرب فينا في أنها تتركز في إدخالنا في علاقة حية مع كل من الآب والابن والروح القدس: * فالقيامة تمنحنا الروح القدس. * والقيامة تشكلنا على صورة الابن. * والقيامة ترجعنا إلى الآب بالتبني. أ. القيامة تمنحنا الروح القدس: من المألوف لدى القديس كيرلس أن يقارن بين الخلقة الأولى للإنسان التي تمت بأن نفخ الله فيه "نسمة حياة" وبين الخليقة الجديدة التي أكملها لنا الرب بقيامته وسلمها لنا لما نفخ في وجه تلاميذه قائلًا اقبلوا الروح القدس ((إقرأ مثلًا تفسير إنجيل يوحنا ۲۰ : ۲۲. وقد صدرت ترجمة عربية لتفسير الإصحاح العشرين من هذا الإنجيل ترجمة د. جورج حبیب (مجلة مرقس، عدد مايو، ١٩٧٦) ويعود القديس كيرلس مرارًا كثيرة إلى المقارنة بين تكوين ۷:۲، يوحنا ۲۲:۲۰، أنظر مثلًا: في الثالوث ٤ ب. ج. ٧٥ : ٩٠٨، في الثالوث ۷ ب. ج. ٧٥ : ١٠٨٨، تفسير متى ٥١:٢٤. )) فالروح القدس فينا هو روح الخليقة الجديدة، هو روح الحياة الجديدة التي أسسها الرب من أجلنا بقيامة جسده ونقلها إلينا لما نفخ قائلًا اقبلوا الروح القدس، والقديس كيرلس يدعوه روح التجديد ((وهو يتفق في ذلك مع ما جاء في رسائل القديس بولس الرسول: وتجديد الروح القدس الذي سكبه علينا بغنى بيسوع المسيح (رومية ٧ : ٦)، نعبد بجدة الروح لا بعتق الحرف (رومية ٧ : ٦). )) لقد وُهب لنا روح التجديد أي الروح القدس ينبوع الحياة الأبدية، بعد أن تمجد المسيح أي بعد قيامته إذ نقض أوجاع الموت وأظهر نفسه فائقًا لكل فساد وعاش حياة جديدة حاملًا في نفسه كل طبيعتنا... فلماذا لم ينسكب الروح قبل القيامة بل بعدها؟ لأن المسيح قد صار باكورة الطبيعة المتجددة لما عاش من جديد ناقضًا أوجاع الموت... فكيف كان يمكن قبل ظهور الباكورة أن تتجدد حياة الذين يتبعونه؟ (كيرلس الكبير، تفسير يوحنا ٧ : ٣٩) ويستطرد قائلًا: لأنه كما أن النبات لا يمكن أن ينبت من الأرض قبل أن يتكون أصله أولًا، هكذا نحن أيضًا إذ صار الرب يسوع المسيح أصلًا لنا لعدم الفساد، لم يكن ممكنًا أن ننبت قبل أصلنا. (كيرلس الكبير، تفسير يوحنا ٧ : ٣٩) أي لم يكن ممكنًا أن ننال نعمة الخليقة الجديدة بالروح القدس قبل أن تتكون هذه الخليقة أولًا في المسيح بالقيامة من الأموات. ولكي يُظهر الرب أن زمان حلول الروح القدس علينا قد أقبل بعد قيامته من الأموات، لذلك نفخ في وجه تلاميذه قائلًا: اقبلوا الروح القدس. (كيرلس الكبير، تفسير يوحنا ٧ : ٣٩) وفي مواضع عديدة يقول إن الرسل القديسين، بصفتهم باكورة البشرية الجديدة، كانوا أول من نالوا نعمة الحياة الجديدة بالروح القدس لما نفخ الرب في وجوههم مساء أحد القيامة قائلًا اقبلوا الروح القدس ((تفسير يوحنا ٧ : ٢٤، ٣٩، ٢٠ : ٢٢، ١٢ : ١٦، في الثالوث ٦، تفسير يوئيل ٢ : ٢٨، تفسير متي ٢٤ : ٥١، تفسير لوقا ٥ : ٢٤، إلخ... )). وأما نحن فإننا ننال نفس هذه النعمة في المعمودية: فقد تجددت أعماقنا إلى حالة أفضل بلا قياس وربحنا الولادة الجديدة من الروح الفائقة الصلاح إذ لم تعد لنا بعد الولادة الأولى الجسدية أي التي للفساد والخطية بل الولادة الثانية الفوقانية التي من الله بالروح. (كيرلس الكبير، تفسير يوئيل ٢ : ٨) ومعروف أن هذه الولادة الثانية تتم فينا بفضل قيامة الرب من الأموات: مبارك الله... الذي ولدنا ثانية... بقيامة يسوع المسيح من الأموات ((بطرس الأولى ٣:١ ))، ولذلك فالمعمودية التي تمنحنا الروح القدس هي في نفس الوقت شركة في موت الرب وقيامته. يقول القديس كيرلس في شرحه لسفر الخروج ما معناه: إننا في المعمودية نشترك روحيًا في موت المسيح وقيامته بحسب ما يقوله القديس بولس الرسول في رومية ٦ : ٤-٥، وبفعل هذا الموت وهذه القيامة تتغير صورتنا إلى صورة المسيح ((كيرلس الكبير، جلافير علي الخروج ٢ ب. ج. ٦٩ : ٤٤١. أنظر أيضا ضد يوليانوس ٧ ب. ج. ٧٦ : ٨٨٠.  )). وهذا ينقلنا إلى النقطة التالية من مفاعيل القيامة فينا: ب. القيامة تُغيِّرنا إلى صورة المسيح: هذه النقطة مبنية على سابقتها، لأن الروح الذي نأخذه بفعل قيامة الرب عمله الأساسي فينا هو أن يوحدنا بالمسيح فتتغير صفاتنا الداخلية إلى صفات المسيح ((وأقوال القديس كيرلس بهذا المعنى كثيرة جدا حتى يصعب حصرها (أنظر مجلة مرقس عدد يوليو ١٩٧٧ ص ٤٤، ونوفمبر وديسمبر ١٩٧٧ ص ١٣-١٥). )). يقول القديس كيرلس في تفسيره للآية في يوحنا ٢٠ : ۲۲ نفخ وقال لهم اقبلوا الروح القدس: إن الروح القدس يطبع صورة المخلص في قلوب الذين يقبلونه. والمسيح لا يمكن أن يتصور في أحد إلا بالمشاركة في الروح القدس وحياة مطابقة للإنجيل. ولهذه الغاية جعل المسيح روحه القدوس يحل في تلاميذه حتى يصيروا باكورة للخليقة الجديدة على صورة الله في المجد وعدم الفساد. (كيرلس الكبير، تفسير يوحنا ٢٠ : ۲۲)   لقد صار المسيح أصلًا وباكورة للذين يتغيرون بالروح القدس إلى حياة جديدة. ولما علم ذلك بولس كتب قائلًا: كما لبسنا صورة الترابي سنلبس أيضًا صورة السماوي. (كيرلس الكبير، عن الإيمان القويم إلى ثيؤدوسيوس ٢٠ : ٤)   فلما ظهر آدم الثاني بيننا وهو الإنسان الإله الذي من السماء الذي جاهد من أجل خلاص العالم وربح بموته حياة جميع الناس وأبطل قوة الفساد وقام لحياة جديدة، حينئذ تغيرنا نحن أيضًا إلى صورته. (كيرلس الكبير، تفسير يوحنا ١٩ : ٤۲) وفي تفسيره لقول القديس بولس الرسول وإن كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته نصير أيضًا بقيامته ((رومية ٦ : ٥ )))، يبيِّن أنه مع أن الفاعلية الكاملة لقيامة الرب لن تُعطى لنا إلا في الحياة الأخرى حينما تقوم أجسادنا معه في المجد، إلا أننا منذ الآن نستطيع أن نتحد روحيًا بقيامته فننال منها قوة روحية لتغيير صفاتنا إلى صفاته المقدسة. إننا نصير متحدين معه بقيامته من وجهين: فإننا من جهة سنحيا مع المسيح بأن تعود أجسادنا إلى الحياة، ومن جهة أخرى نحن نحيا معهحينما نقرِّب له نفوسنا فتتغير صفاتنا الداخلية إلى القداسة لسيرة صالحة في الروح القدس. (كيرلس الكبير، تفسير رومية ٦ : ٥) ج - القيامة تجعلنا أبناء الآب السماوي بالتبني: وهذه النقطة أيضًا متصلة بسابقتها لأنه حينما تغيرنا قوة القيامة إلى صورة المسيح حينئذ يرى الآب فينا صورة ابنه الحبيب فيحبنا نحن أيضًا كما يحبه هو ويعتبرنا أبناء له فيه. يقول القديس كيرلس ذلك في تفسيره للآية في يوحنا ۱۷: ۲۳ وأنك أحببتهم كما أحببتني: كما أننا في المسيح -الذي هو باكورة جنسنا- سنصير بل قد صرنا بالفعل منذ الآن مشابهين الصورة قيامته ومجده هكذا قد صرنا مثله أيضًا محبوبين من الآب... فإننا نصير محبوبين من الآب كأبناء له على قدر ما نشابه ذلك الذي هو في الواقع ابنه الوحيد بحسب الطبيعة. (كيرلس الكبير، تفسير يوحنا ١٧ : ٢٣-٢٤) والقديس كيرلس يرى أن نعمة التبني قد أُعلنت للبشرية في صباح أحد القيامة لما قال الرب للمجدلية: قولي لإخوتي أني أصعد إلى أبي وأبيكم: إنه يدعونا إخوة ويدعو الله أبًا مشتركًا له ولنا... وكأن الابن قد مزج نفسه بنا ليمنَّ على طبيعتنا بالكرامة الخاصة به وحده حتى أنه يدعو الذي ولده أبًا مشتركًا لنا جميعًا. (كيرلس الكبير، تفسير يوحنا ٢٠ : ١٧)   إن المولودين من الله يفوقون جميع مواليد النساء، لأن هؤلاء لهم آباء أرضيون وأما نحن فلنا الآب السماوي. لأننا قد نلنا هذا الامتياز أيضًا من المسيح الذي دعانا إلى التبني وإلى الأُخوَّة معه. لأنه لما قامَ المسيح وسبى الجحيم، حينئذ أعطى روح التبني للذين يؤمنون به وأولهم الرسل القديسون. لأنه نفخ في وجوههم قائلًا: اقبلوا الروح القدس. (كيرلس الكبير، تفسير لوقا ٧ : ٢٨) ونريد أن نلاحظ هنا تأكيد القديس كيرلس على أن التبني قد صار لنا كنتيجة مباشرة لقيامة الرب. ويكرر نفس هذا القول في تفسيره لإنجيل متى: لما عاد المسيح إلى الحياة بعد أن سبى الجحيم حينئذ أُعطى روح التبني. (كيرلس الكبير، تفسير متى ١١ : ١١) ويلاحظ أيضًا أنه ينسب نعمة التبني إلى الروح القدس. والحقيقة أن مفاعيل القيامة فينا كلها متصلة بعضها ببعض، وإن كنا اضطررنا في هذه المقالة أن نقسمها لسهولة العرض والتبويب، لكن لا ينبغي أن يغيب عن ذهننا شدة الاتصال بينها: فالروح القدس المأخوذ بفعل القيامة هو الذي يغيِّرنا إلى صورة الابن، وحينما يرى الآب فينا صورة ابنه حينئذ يحبنا ويعتبرنا أبناء له: إن الروح بكل لياقة، وحسبما يرى الروح نفسه يشكِّل ويغيِّر إلى صورة الابن صفات الذين يحل فيهم بالمشاركة، حتى إذا ما رأى الله الآب معالم ابنه الخاص المولود منه واضحة فينا يحبنا نحن أيضاً كأبناء ويمجدنا ويشرق علينا بالكرامات الفائقة لهذا العالم. (كيرلس الكبير، عظة فصحية ١٠) وهكذا ينطبق على عمل القيامة فينا المعيار العام الذي عبَّر به القديس كيرلس عن غاية جميع أعمال الثالوث من أجلنا: إن كل شيء يُستعاد مجددًا إلى الآب من الابن بواسطة الروح القدس. (كيرلس الكبير، تفسير يوحنا ١٧ : ١٨-١٩) وهكذا تتحقق بالقيامة عودة البشرية إلى الآب السماوي. فقسمة القيامة تقول إن المسيح بقيامته رفع الناس معه وأعطاهم قربانًا الله أبيه، والقديس كيرلس يلاحظ بنفس هذا المعنى أن المسيح قد قام يوم ١٦ نيسان الذي فيه كانت تُقدَّم في العهد القديم باكورات الأرض لله. فقد قام الرب في نفس هذا اليوم مقدمًا لله أبيه في نفسه باكورة الجنس البشرى الجديد ((كيرلس الكبير، العبادة بالروح والحق، ١٧ ب. ج. ٦٨ : ١٠٩٢-١٠٩٦. )). وسنتعمق في هذا المعنى أكثر حينما نعرض أقوال القديس الخاصة بصعود الرب "كسابق من أجلنا". المسيح في قيامته وصعوده وكهنوته السماوي من أجلنا في لاهوت القديسين أثناسيوس الرسولي وكيرلس الكبير بقلم الأب متى المسكين، نُشر أوّل ما نُشر في مجلة مرقس، عدد مايو ١٩٧٩، الصفحات من ٩ إلى ٢٤ --- ### قديسون لا علمانيون - Published: ۲۰۲٤-۰٦-۰۸ - Modified: 2024-06-08 - URL: https://tabcm.net/25963/ - تصنيفات: كتاب مقدس, مقالات وآراء - وسوم: أحمد راتب, إكليروس, العلمانية, قديس بولس الرسول وبعبارة أخرى، فإن هؤلاء الأفراد يعتقدون أن الروح القدس لا يسكن إلا في رجال الدين وبإذن منهم. الروح القدس لا يسكن في العلمانيين إلا بأمر مني أنا شخصيًا. فأنا الحاكم هنا وليس الرب، بل أنا من يقول للروح اسكن في هذا ولا تسكن في ذاك. تتطلب أوراق اعتمادك كخادم لدى حراس الشريعة اعترافًا أساسيًا. والمقصود هنا هو اعترافك بأنك ناقص بدونهم وتحتاج إليهم في كل شؤون حياتك، سواء داخل الخدمة أو خارجها. فهم يرون أنه يجب عليك الحصول على موافقتهم على أي فكرة تتبادر إلى ذهنك، حتى لو كانت مستوحاة من الروح القدس. وإذا تفوهت مجرد التفوّه أن الروح القدس قد أرشدك في هذا الأمر أو ذاك، فهنا الطامة الكبرى، وهنا "وقعت في المحظور يا أخ علي"، على غرار مقولة أحمد راتب في فيلم "الإرهابي"، فهذا يعد محظورًا لأنك تدعي أمورًا تفوق قدراتك. فمن أنت حتى تتحدث بهذا الهذيان؟ هل هبطت روح الرب عليك أنت الذي ترتدي القميص الأبيض وتتكلم معك أنت العلماني؟ وكأنهم يقولون: من أين عبر روح الرب مني ليكلمك؟ ((سفر ملوك الأول ٢٢ : ٢٤ )). هل دراستك المفرطة للكتب قد أدت بك إلى الهذيان كما قيل عن بولس الرسول: وبينما كان يحتج بهذا، قال فستوس بصوت عظيم: "أنت تهذي يا بولس! الكتب الكثيرة تحولك إلى الهذيان! ". ((سفر أعمال الرسل ٢٦ : ٢٤ )). وبعبارة أخرى، فإن هؤلاء الأفراد يعتقدون أن الروح القدس لا يسكن إلا في رجال الدين وبإذن منهم. الروح القدس لا يسكن في العلمانيين إلا بأمر مني أنا شخصيًا، فأنا الحاكم هنا وليس الرب، بل أنا من يقول للروح اسكن في هذا ولا تسكن في ذاك. وهنا لا أعرف من أول من أطلق علينا نحن معشر الشعب الذي لم يرتد ثوب الإكليروس لقب "العلمانيين" وكأنها صارت سبة أو شتيمة! لم يكن مصطلح "العلماني" في البداية بمثابة إهانة. إنه يشير ببساطة إلى أولئك الذين لا ينتمون إلى رجال الدين. كلمة "علماني" مشتقة من "العالم" وليس من "العِلم"، وليس معنى ذلك أن العَلمانية هي توجه مغاير للعِلم، بل تعني التركيز على الشؤون الدنيوية بدلًا من الأمور الدينية. لذلك، فهي تعني عندهم التمييز والفرز والدنيوية والتدني والانتساب للعالم الشرير بمعايير المقدس. لذلك أيها القارئ العزيز، إذا وصفك أحد بأنك علماني، فاعلم أنه يوجه إليك إهانة أو شتيمة. فهو بذلك يزعم أنك تنتمي إلى العالم على الرغم من تحذير الرسول يوحنا في رسالته الأولى لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم. إن أحب أحد العالم فليست فيه محبة الآب. لأن كل ما في العالم: شهوة الجسد، وشهوة العيون، وتعظم المعيشة، ليس من الآب بل من العالم. ((رسالة يوحنا الأولى ٢ : ١٥-١٦ ))، ويقول يعقوب في رسالته: أيها الزناة والزواني، أما تعلمون أن محبة العالم عداوة لله؟ فمن أراد أن يكون محبًا للعالم، فقد صار عدوا لله. ((رسالة يعقوب ٤ : ٤ ))، فكيف نقبل علي انفسنا أن نُدعي علمانيين أي ننتمي إلى العالم؟ مع أنّ الكتاب المقدس لم يميّز في أي موضع بين رسل المسيح وأصغر واحد في شعبه، بل يضم وفرة من الآيات التي تشير إلى أن الرسل أنفسهم، إن جاز التعبير، قد أصبحوا أقل منزلة وكرامة واحترامًا من الآخرين. فعلى سبيل المثال لا الحصر في رسالة بولس الأولى إلى أهل كورنثوس، يصف الرسول نفسه والرسل الآخرين ((رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس ٤ : ٨-١٣ )) إنكم قد شبعتم! قد استغنيتم! ملكتم بدوننا! وليتكم ملكتم لنملك نحن أيضا معكم! فإني أرى أن الله أبرزنا نحن الرسل آخرين، كأننا محكوم علينا بالموت. لأننا صرنا منظرا للعالم، للملائكة والناس. نحن جهال من أجل المسيح، وأما أنتم فحكماء في المسيح! نحن ضعفاء، وأما أنتم فأقوياء! أنتم مكرمون، وأما نحن فبلا كرامة! إلى هذه الساعة نجوع ونعطش ونعرى ونلكم وليس لنا إقامة، ونتعب عاملين بأيدينا. نشتم فنبارك. نضطهد فنحتمل. يفترى علينا فنعظ. صرنا كأقذار العالم ووسخ كل شيء إلى الآن. (رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس ٤ : ٨-١٣) فأنا هنا أرفض شخصيًا أن يُطلق عليّ لقب علماني. إذا كنت أيها القارئ العزيز تؤمن بالمسيح وقبلته، فلست بعد من العالم لأنك الآن مسيحي، وهويتك سماوية. فلستم إذا بعد غرباء ونزلا، بل رعية مع القديسين وأهل بيت الله ((أفسس ٢ : ١٩ )) فنحن لسنا أجانب وﻻ لاجئين غير أصليين، بل رعية واحده مع القديسين وأهل بيت الله. وهنا ندخل في صدام آخر مع حراس الشريعة: أنت تدعي أنّك قديس وواحد من الرعية مع القديسين، بل أنت تدعي أنك من أهل بيت الله! من المهم توضيح أن "بيت الله" المذكور هنا لا يشير إلى البنية المادية للكنيسة وجدرانها. وكما نُوقش سابقًا، فإن الكنيسة ليست مجرد مبنى مكون من طوب. بل إن "بيت الله" الذي يشير إليه بولس هو من سكن فيه الله، أو هو هيكل الله، الذي هو أنا، وأنت، أيها المؤمن "العلماني". أنت هيكل الله، وأنا بيت الله، وفينا الله يسكن على الأرض. هل تتخيل أيها المؤمن؟ هل تفهم هذا؟ أنت لست مجرد علماني، بل أنت قديس ومقام إلهي وموضع سكنى الإله على الأرض. أعلم أن هذه الكلمات قد تصدم حراس الشريعة، فهي بالنسبة لهم كالمطرقة التي تحطم ثوابتهم الاعتقادية المازوخية الراسخة. يرددون في أنفسهم: "هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟ إنما يتذكر أولو الألباب". هل يمكن مقارنة من هم في الصفوف الأولى بمن لا صفة لهم؟ وهيهات ثم هيهات أن يستويان. --- ### يكذبون كما يتنفسون - Published: ۲۰۲٤-۰٦-۰۷ - Modified: 2024-06-07 - URL: https://tabcm.net/26288/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: بابا شنودة الثالث, ڤاتيكان, مجمع الأساقفة, مطران چورچ خضر لم أكن أعرف أن سطوري تؤرق مضاجعهم إلى حد تكليف لجانهم الإلكترونية بتمزيق كاتبها، أيما تمزيق، كان أبرز هؤلاء المستكتبين، يتخذ من "الدهاليز" عنوانًا لدكانه، ويحشد كل معلوماته -الهزيلة- ليبنى سياجًا يظن أنه يحمي مواليه، وفي جرأة يحسد عليها، يزعم ما لم تقله سطوري، أو حتى تشير إليه، ويبنى عليه مرافعته القشيبة، فلم أُشِر أو ألمح إلى أن مولاه قد تقدم بأوراق ترشحه للمقام الرفيع، وكيف له أن يزاحم أستاذه؛ مكتشفه وربيب نعمته؟ ولعل صاحب الدهليز يخبرنا ما هي رتبة مولاه، وهل الألقاب التي يحيطون بها أنفسهم وردت في طقس رسامتهم، وهل لم يسمع عن أبرز  مطارنة الشرق، وأغزرهم ثقافة واشتباكًا مع هموم رعيته ووطنه، أن لقبه المتداول إعلاميًا وفى دوائر الحراك الثقافي هو "المطران جورج خضر" دون أن يحسبه أحدًا تقليلًا من شأنه؟ وقد اعتاد أن يزور مصر مرتين كل عام، وفيهما يستقبله البابا شنودة، في الكاتدرائية وفى الكلية الإكليريكية. وراح صاحبنا المستكتب يبني على أساس فريته ثلاث أرباع صراخه ويختمه بها، ولا يعلم أن ما بني على باطل فهو باطل. لكنى أشهد أنه خفيف الظل فقد قرأ وصف السكرتير المناظر بأنه الأثير عند البابا السابق، على أنه إساءة للبابا (هكذا) وراح يتساءل هل يليق أن يقال عن البابا إنه البابا الأثير؟ لا أعرف من أين أتى بهذا، يبدو أنه قرأها الأسير! ! . عفارم عليه. وهاله أن أشير إلى لائحة مجمع الأساقفة بأنها بحاجة إلى ضبط في صياغتها، وهي أصلًا ليست تقليدًا ولا أنجيلًا، وإنما مجموعة من القواعد التنظيمية الإدارية تنظم عمل هذا المجمع، ويمكن لطالب قانون مبتدئ أن يكتشف قصورها، بعيدًا عن صراخ الفرق بين الخضوع للرئاسة الدينية والخضوع للحق، لكنها واحدة من تداعيات الكتابة برعونة. وخلط -عن عدم علم- بين موقع بابا الإسكندرية وبين موقع بابا روما، فالأول رئيس ديني لكرسي رسولي، بينما الأخير يجمع بين كونه رئيس ديني لكرسي رسولي ورئيس لدولة الفاتيكان، لأسباب تاريخية، ويمثله سفراء لدى غالبية دول العالم، يعرف السفير منهم بـ"القاصد الرسولي"، وهو بهذه الصفة يتكلم في السياسة ويتدخل لحل المنازعات الدولية. ويعترض المستكتب على الإشارة إلى تنظيم إدلاء الأساقفة بآرائهم في الشأن العام والكنسي المجتمعي عبر آلية منضبطة، تحمى الكنيسة. ويعتبره تطاول لمن يقربه. عدت إلى القاموس لأعرف معنى كلمة دهاليز، وجدته: (دهاليز السِّياسة: منعطفاتها وأماكن لقاءاتها الخفيَّة. ) وعلى سبيل حب الاستطلاع تتبعت ما قاله القاموس فصدمني مصطلح مشتق منه وهو "أبناء الدهاليز"؛ واعتذر للقارئ، على سبيل المزحة، لعدم قدرتي على إيراده هنا. أتذكر سلسلة مقالات كتبتها في زمن عنفوان السكرتير الأسبق لسنودس الكنيسة، والتي استغرقت نحو اثنتي عشر مقالة بجريدة روز اليوسف اليومية، آنذاك، تحت عنوان موحد "المطران بيشوى... مرحبا! ! "، كان العنوان الفرعي للمقال الأخير فيها؛ "إن عدتم عدنا". --- ### الفعلة كثيرون.. أين الحصاد؟ - Published: ۲۰۲٤-۰٦-۰٦ - Modified: 2024-06-06 - URL: https://tabcm.net/26090/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أنبا أرسانيوس، مطران المنيا, أنبا إيساك، أسقف الفيوم, أنبا باخوميوس، مطران البحيرة, أنبا بيمن، أسقف ملوي, أنبا تادرس، مطران بورسعيد, أنبا غريغوريوس، أسقف البحث العلمي, أنبا مرقس، مطران البحيرة, أنبا مينا أفا مينا, الثالوث القدوس, العلمانية, المجمع المقدس, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس الخامس, بابا كيرلس السادس, چورچ حبيب بباوي, خديوي إسماعيل كامل, مدارس الأحد, وهبة بك الجيزاوي يكشف التاريخ أن تأخر رسامة البابا كيرلس الخامس كان بسبب تدخل وهبة بك الجيزاوي، رئيس المالية، الذي دعم الأنبا مرقس، مطران البحيرة، القائمقام الذي كان يطمح في الكرسي البطريركي. نجح وهبة بك في إقناع الخديوي إسماعيل بمدى ملاءمة الأنبا مرقس وصلاحيته دون غيره للكرسي البطريركي، بينما فضل الشعب اختيار ورسم القمص يوحنا البراموسي، المعروف باسم يوحنا الناسخ. خلال هذه المنازعات، تنيح كثير من الأساقفة مما قلل بشكل كبير من عدد أعضاء المجمع المقدس. فذهب وفد من الأساقفة بقيادة الأنبا إيساك، أسقف الفيوم، إلى وهبة بك الجيزاوي وأعربوا عن قلقهم من تأخير رسامة البطريرك الجديد. قالوا له: "نخشى أن تتأخر الرسامة فلا نجد العدد القانوني لتنصيب البطريرك". وأعطوه مهلة ثلاث أيام. لكن بعد الكثير من الجدل، تدهورت صحة وهبة بك الجيزاوي بشدة، ومات قبل نهاية اليوم الثالث لأنه اعتمد على السلطة المدنية متجاهلًا مصلحة الكنيسة. وعند سيامة البابا كيرلس الخامس عام 1874، كان عدد الأساقفة في المجمع المقدس الذي قام بسيامته سبعة أساقفة فقط. وحينما تنيح القديس البابا كيرلس السادس، كان عدد أعضاء المجمع المقدس أقل من ثلاثين، وكان من بينهم آباء قديسون وآباء علماء لاهوت رفيعو المستوى وآباء في الرعاية أحدثوا تغييرات أشبه بالمعجزات في إيبارشياتهم. لماذا هذه المقدمة الطويلة؟ لأنه بعد تنصيب البابا شنودة الثالث، أطلق حملة بعنوان "تركيز الرعاية"، والتي تمثلت في تقسيم الإيبارشيات إلى وحدات أصغر. ونتيجة لذلك، ارتفع عدد آباء المجمع المقدس بشكل كبير، حيث تجاوز عدد آباء المجمع مائه وعشرون مطرانًا وأسقفًا. يمكننا القول أنّه كان موفقًا في البداية في رسامة الأنبا باخوميوس، مطران البحيرة الحالي، والأنبا يوأنس، أسقف الغربية المتنيح، وبعض الآباء الآخرين مثل؛ الأنبا بيمن، أسقف ملوي، والأنبا أرسانيوس، مطران المنيا، والأنبا تادرس، مطران بورسعيد، والأنبا مينا أفا مينا، الرجل التقي. ولكن بعد ذلك، وحتى يستطيع أن يزيد أبناؤه في المجمع المقدس، اضطر لاختيار شباب صغار لم يتجاوزوا الثلاثين، ممن كانت كل أمانيهم أن يروا البابا البطريرك مشاهده العين فقط، فإذا بهم يصيرون شركاءه وإخوته في الخدمة الرسولية. واستُبدل أي أسقف يتنيح بخمسة أساقفة، وكان الأساقفة الجدد يخشون غضب البابا جدًا حيث أنه نقلهم من العلمانية مرورًا بالرهبنة والكهنوت إلى الأسقفية في مدة لا تتجاوز سنتين أو ثلاث سنوات، حتى أصبح المجمع المقدس أكثر من مئة وعشرين عضوًا. وماذا كانت النتيجة؟ ١. لإرضاء البابا، تسابق الآباء في التعمير والبناء العمراني دون التركيز علي الرعاية الروحية الحقيقية، فكان البابا يفرح بالأسقف الذي يبني كنائس ويشجّعه أكثر من الأسقف الذي يهتم بالرعاية الروحية وبناء النفوس. ٢. أصبح المجمع المقدس فكر واحد ورأي واحد لفارق السن، والخبرة الرهبانية أو الكنسية بينهم وبين وليّ نعمتهم الذي نقلهم هذه النقلة الفجائية. ٣. اصبح الامتداد الكنسي في العالم امتداد عمراني فقط، توسع افقي، واهمل التوسع الرأسي الذي يربط الإنسان المسيحي بالثالوث القدوس له كل المجد. ٤. انتهج الأساقفة الجدد نفس المنهج في رسامة الكهنة. عدد كبير في كل كنيسة، ويغلب علي غالبية الآباء الخمول والكسل والذعر من ارتكاب أخطاء وإلا أقيمت المشانق. ٥. توسع الآباء في مجاملات الوحدة الوطنية بشكل يضر بالتمايز في الهويّة المسيحية، حتي أن بعض الكهنة يعلقون فوانيس رمضان ويستشهدون بآيات قرآنية وأننا نعبد إله واحد، ونفس هؤلاء الآباء إذا رأوا شخصا مسيحيًا حقيقيًا ولكن من طائفة أخرى، يكيلون له الويلات ويحذرون الشعب منه وكأننا الفرقة الناجية من النار. ٦. تباري الأساقفة في السفر للخارج، وركوب احدث السيارات، وبعضهم يثق بنفسه حتى أصيب بعقدة التسلط وأصبح لا يقبل أي رأي آخر. ٧. وُضعت جميع السلطات والمشاريع الكنسية تحت قيادة الكهنة فقط، فلم يعد هناك دور للجان الكنائس، حتي المستشفيات التابعة للكنيسة يديرها كاهن؛ قد يكون طبيبًا لم يمارس الطب وليس لديه خبرة، وقد يكون تعليمًا متوسطًا معدوم المعرفة ويفرض رأيه علي الأطباء العاملين بالسلطة الروحية. ٨. حتي يأخذ الأساقفة الجدد وضعهم، تم تهميش كل الآباء الكبار وعلماء اللاهوت مثل الأنبا غريغوريوس، أسقف البحث العلمي، والدكتور جورج حبيب بباوي، والأب متي المسكين، ولم يتم سداد هذا الفراغ لان غالبية الأساقفة الجدد غلب عليهم المظهر دون الجوهر، ومعظمهم لا تزيد معلوماتهم الدينية عن خادم مدارس الأحد للأطفال. ٩. في اختيار الكهنة، كل كاهن يريد أن يكون الكاهن الذي سيرسم معه أضعف منه حتى يظهر هو، فاختار الأضعف والأقل في الخدمة والإمكانيات والمعلومات، والأضعف سيختار من هو اضعف منه، حتي اصبح بعض الكهنة مثل موظفي الأرشيف. ١٠. خلاصة ما سبق، لم يعد أحد يعمل لحساب الرب يسوع المسيح له المجد، بل لحساب أنفسهم ومجدهم الشخصي، وكما قال الرب بفمه المبارك ومن لا يجمع معي فهو يفرق. ومن ليس معي فهو عليّ. هذه رؤية شخصية، اجتهدت قدر إمكاني أن تكون موضوعية، لبعض الأوجاع التي نعاني منها، لعلها تفيق الشعب والآباء لنبحث جميعًا عن وسائل الإصلاح. وهذا موضوع مقالات أخرى، إن أحب الرب وعشنا. --- ### التقليد Q - Published: ۲۰۲٤-۰٦-۰۵ - Modified: 2024-06-05 - URL: https://tabcm.net/25965/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, كتاب مقدس - وسوم: أريانوس النيقوميدي, الإسكندر الأكبر, التقليد [Q], الصلاة الربانية, الغنوصية, الموعظة على الجبل, بابياس، أسقف هيرابوليس, بارتيماوس, بيرنت هيلمان ستريتر, روبرت ديرينباكر السبب وراء صعوبة المشكلة الإزائية هو أن العلاقة بين النصوص لا تعتمد فقط على من كتبوها، ولكن من نقلوها أيضًا. كما وضّحنا سابقًا مرقس هو البشارة الأقدم، ولكن بعد تدوين متّى ولوقا، ندر استخدام مرقس في القرن الثاني لوجوده متضمنًا في متّى، وبذلك صارت بشارة متّى هي البشارة الأكثر استخدامًا، ومع انتشار التقليد الذي يعتبر متّى البشارة الأقدم (راجع تعليق بابياس) من الوارد اتجاه بعض النسّاخ لتعديل نصوص مرقس ولوقا لتتوافق نصًا مع متّى لاحظ الدارسين أن إنجيليّ متى ولوقا لا يتفقان إلا في المادة المشتركة مع مرقس، وفي مجموعة أقوال ليسوع لا توجد في مرقس. هذه الاتفاقات تُظهر تشابهًا شديدًا في النصّ بين متّى ولوقا، ولا يمكن تفسيرها إلّا بفرضيّة واحدة من ثلاث: - اعتماد إنجيل متى على نصّ لوقا، - اعتماد إنجيل لوقا على نصّ متى، - أو أن كلاهما قد اعتمد على مصدر أقدم. توجد إشكاليات حقيقية في فرضيّة استخدام متّى للوقا أو لوقا لمتّى، وهي عدم وجود مبرر لحذف لوقا للمواد التي يتفرّد بها متّى والعكس، وعدم تأثر لوقا بتعديلات متّى لمرقس أو العكس. عادة ما تظهر في بشارة لوقا صورة أقرب لمرقس مقارنة بمتّى، ونصّ أبسط للأقوال مقارنة بمتّى. لذلك، فالافتراض المنطقي هو اعتماد متّى ولوقا، بجانب نص مرقس، على تقليد آخر غير مرقس كمصدر للأقوال، ومن دون أن يعرف أحدهما الأخر، وتم الاصطلاح على تسميه هذا التقليد؛ "المصدر Q"، من الألمانية Quelle، أيّ مصدر. في تلك الحالة سيتفق متّى ولوقا في المادّة المأخوذة من مرقس ومن مصدر الأقوال Q، وسينفرد متّى ولوقا بمادتهم الخاصّة التي صاغوها، أو تِلك التي أخذوها من مصادر يتفرّد بها كلّا منهم. قبل شرح نظرية وجود مصدرين للأقوال وأدلّتها، يجب أن نوضح أنّه لا توجَد حلول بسيطة للمشكلة الإزائية قادرة على شرح جميع النّصوص. لذلك فالشّكل السابق هو التصور الكلاسيكي لنظرية المصدرين، والذي نكتفي في هذه الورقة بتقديمه. السبب وراء صعوبة المشكلة الإزائية هو أن العلاقة بين النصوص لا تعتمد فقط على من كتبوها، ولكن من نقلوها أيضًا. كما وضّحنا سابقًا مرقس هو البشارة الأقدم، ولكن بعد تدوين متّى ولوقا، ندر استخدام مرقس في القرن الثاني لوجوده متضمنًا في متّى، وبذلك صارت بشارة متّى هي البشارة الأكثر استخدامًا، ومع انتشار التقليد الذي يعتبر متّى البشارة الأقدم (راجع تعليق بابياس) من الوارد اتجاه بعض النسّاخ لتعديل نصوص مرقس ولوقا لتتوافق نصًا مع متّى. ومن ثمّ ما بين أيدينا الآن هو بشارة مرقس المحررة بصورتها النهائية، وليست الشكل البدائي الأولي. وهنا يصبح الشكل التالي هو الأكثر دقّة: أحد العوامل الأخرى التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار هو ما سبق ذكره عن وجود تعديل لاحق على مرقس بعد استخدام متّى ولوقا له. من المُعضل للفرضية الكلاسيكية للمصدرين تفسير اتفاق متّى ولوقا على غياب كلمة “إنجيل” من متّى ولوقا بالرغم من ورودها عدّة مرات في مرقس، أو اسم بارتيماوس الوارد في مرقس١٠ : ٤٦، وهكذا. لتلك الأسباب، قدّم العديد من الدارسين نظريات أكثر تعقيدًا بنوها على نظرية المصدرين، مثل نظرية التعديل اللاحق لمرقس، ونظرية إنجيل مرقس القديم وغيرهما. في الجدول القادم مثال مبسط لأنواع المادة في الأناجيل بحسب فرضية أسبقية مرقس، وهي كالتالي: - مادة خاصة بمتّى؛ ، - مادة خاصة بمرقس؛ ، - مادّة خاصة بلوقا؛  ، - مادة مشتركة بين متّى ولوقا؛. في ضوء هذا المثال الإيضاحي نجد أن أسبقية مرقس ووجود مصدر منفصل للأقوال يفسران المعطيات المتاحة بأفضل ما يمكن: بشارة متّى بشارة مرقس بشارة لوقا متى ... لوقا مرقس مرقس مرقس مرقس مرقس مرقس ... متى ... لوقا مرقس مرقس مرقس ... متى ... لوقا مرقس مرقس مرقس مرقس مرقس مرقس ... مرقس مرقس مرقس متى ... لوقا ١- إن فرضنا أنّ بشارة متّى هي الأقدم، فحينها علينا تفسير حذف مرقس لكل فقرات ،التي تتضمن الميلاد العذراوي، وأقوال يسوع بما في ذلك الكثير من الأمثال، والموعظة على الجبل، والصلاة الربانية، وهو أمر يصعب تفسيره. لذلك فالأرجح هو أسبقية مرقس ومع كونه مصدرًا لمتّى ولوقا استخدمه كلاهما بمعزل عن الآخر. ٢- إن فرضنا معرفة لوقا بنصّ متّى على أساس أنّه الأقدم، فعلينا أن نفسر حذف لوقا لكل فقرات وإبقاؤه على بعض مادة الأقوال (مما أنتج فقرات)، ويصبح هذا السؤال أكثر تعقيدًا حينما يُطبّق على إطار النصوص نفسها، حيث نجد لوقا معتمدًا على مرقس بشكل مباشر ولا يظهر في نصوصه أي تأثر مباشر بتعديلات متّى لنصّ مرقس، وأيضًا في فقرات الأقوال تبدو قراءة لوقا أبسط من قراءة متّى في مناسبات كثيرة. لذلك، فالأرجح هو اعتماد متّى ولوقا على مصدرين بدون معرفة كلّ منهم بنصّ الآخَر.   فقرة إزائية مقارنة (٥) مسلسل إنجيل متى ١٢ : ٣١-٣٢ إنجيل مرقس ٣ : ٢٨-٢٩ إنجيل لوقا ١٢ : ١٠ ١ لذلك أقول لكم: كل خطية وتجديف يغفر للناس، الحق أقول لكم: إن جميع الخطايا تغفر لبني البشر، ... ٢ ... والتجاديف التي يجدفونها... . ٣ وأما التجديف على الروح فلن يغفر للناس. ولكن من جدف على الروح القدس فليس له مغفرة... ... ٤ ومن قال كلمة على ابن الإنسان يغفر له، ... وكل من قال كلمة على ابن الإنسان يغفر له، ٥ وأما من قال على الروح القدس فلن يغفر له، ... وأما من جدف على الروح القدس فلا يغفر له. ٦ لا في هذا العالم ولا في الآتي. إلى الأبد، بل هو مستوجب دينونة أبدية... . تُظهر هذه المقارنة أن متّى يكرر أنّه لا مغفرة لمن جدف على الروح ، ولا يبدو أن لوقا قد اعتمد على متّى، فإن افترضنا اعتماده على متّى، علينا أن نفترض أن لوقا حذف ١، ٣، ٦ من متى ومرقس. فلماذا يخالف لوقا مصدريه بهذا الشكل؟ التحليل الأفضل للفقرة يأتي من نظرية المصدرين، مرقس كُتب أولًا، ولكن تظهر الفقرة في المصدر Q أيضًا. - قام متّى بدمج قرائتي مرقس والمصدر Q، مما سبب التكرار في الأرقام؛ ٣، ٥. - بينما فضّل لوقا قراءة المصدر Q على مرقس. - أخيرًا، وبعدما استخدم متّى قراءة مرقس الأوّليّة، حدث التّحرير اللاحق لمرقس وتمت إضافة ٢ للنصّ. مما سبق، يمكن أن نلخص استخدام متى ولوقا لمصدريهما بأن؛ متّى عادة ما يدمج مصادره إذا قدما نفس المعلومة، بينما يعتبر لوقا قراءة المصدر Q أسبق على قراءة مرقس، وفي حالة اتفاقهما يختار قراءة المصدر Q وحدها ((B. H. Streeter, The Four Gospels: A Study of the Origins 1930, p. 187, Macmillan )).   فقرة إزائية مقارنة (٦) مسلسل إنجيل متى ٤ : ١-١١ إنجيل مرقس ١ : ١٢-١٣ إنجيل لوقا ٤ : ١-١٣ ١ ثم أصعد يسوع إلى البرية من الروح... وللوقت أخرجه الروح إلى البرية، أما يسوع فرجع من الأردن ممتلئًا من الروح القدس، وكان يقتاد بالروح في البرية ٢ ليجرب من إبليس. وكان هناك في البرية أربعين يومًا يجرب من الشيطان. أربعين يومًا يجرب من إبليس. ٣ فبعد ما صام أربعين نهارًا وأربعين ليلة، جاع أخيرًا... . ولم يأكل شيئا في تلك الأيام. ولما تمت جاع أخيرًا. ٤ فتقدم إليه المجرب وقال له: «إن كنت ابن الله فقل أن تصير هذه الحجارة خبزا» ... وقال له إبليس: «إن كنت ابن الله، فقل لهذا الحجر أن يصير خبزا» ٥ فأجاب وقال: «مكتوب: ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله» ... فأجابه يسوع قائلا: «مكتوب: أن ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة من الله» ٦ ثم أخذه إبليس إلى المدينة المقدسة، وأوقفه على جناح الهيكل، ... ثم أصعده إبليس إلى جبل عال وأراه جميع ممالك المسكونة في لحظة من الزمان. ٧ وقال له: «إن كنت ابن الله فاطرح نفسك إلى أسفل، لأنه مكتوب: أنه يوصي ملائكته بك، فعلى أياديهم يحملونك لكي لا تصدم بحجر رجلك» ... وقال له إبليس: «لك أعطي هذا السلطان كله ومجدهن، لأنه إلي قد دفع، وأنا أعطيه لمن أريد. فإن سجدت أمامي يكون لك الجميع» ٨ قال له يسوع: «مكتوب أيضا: لا تجرب الرب إلهك» ... فأجابه يسوع وقال: «اذهب يا شيطان! إنه مكتوب: للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد» ٩ ثم أخذه أيضا إبليس إلى جبل عال جدا، وأراه جميع ممالك العالم ومجدها، ... ثم جاء به إلى أورشليم، وأقامه على جناح الهيكل ١٠ وقال له: «أعطيك هذه جميعها إن خررت وسجدت لي» ... وقال له: «إن كنت ابن الله فاطرح نفسك من هنا إلى أسفل، لأنه مكتوب: أنه يوصي ملائكته بك لكي يحفظوك، وأنهم على أياديهم يحملونك لكي لا تصدم بحجر رجلك» ١١ حينئذ قال له يسوع: «اذهب يا شيطان! لأنه مكتوب: للرب إلهك تسجد وإياه وحده تعبد» ... فأجاب يسوع وقال له: «إنه قيل: لا تجرب الرب إلهك» ١٢ ثم تركه إبليس، وكان مع الوحوش. ولما أكمل إبليس كل تجربة فارقه إلى حين. ١٣ وإذا ملائكة قد جاءت فصارت تخدمه. وصارت الملائكة تخدمه... . - لاحِظ وجود "التجربة على الجبل" في مرقس، لكن بدون تفاصيل متّى ولوقا. - التشابه بين متّى ولوقا يُشير إلى وجود نصّ مشترك استخدمه كلاهما؛ المصدر Q. - الأرقام ٦، ٧، ٨ في متى، هي بعينها الأرقام ٩، ١٠، ١١ في لوقا، والعكس صحيح. - اختتم متّى فقرته بعبارة مرقس (لاحظ ١٣) بينما فضّل لوقا الالتزام بمصدر الأقوال. من الوارد أيضًا أن نسأل عن مدى توافق نظرية المصدرين مع ما نعرفه عن الأدب القديم، ويجيب ديرينباكر على هذا السؤال بمقارنة استخدام متّى ولوقا لمرقس والمصدر Q، بكُتّاب سيرة الإسكندر الأكبر المقدوني. يقتبس ديرينباكر ما كتبه المؤرخ أريانوس عن منهجيته في تدوين سيرة الإسكندر ((R. A. Derrenbacker Jr, Ancient Compositional Practices and the Synoptic Problem, 2001, p. 56 - PhD thesis submitted to Wycliffe College, Biblical Department, Toronto School of Theology )): أينما ذكر بطليموس بن لاجوس و أريستوبولوس بن أريستوبولوس نفس المعلومة عن الإسكندر بن فيليب، فطريقتي هي تسجيل ما يقولاه كحقيقة. لكن متى اختلفا، أختار النُسخة التي أراها أكثر أهلًا للثقة، وأكثر استحقاقًا للرواية. (R. A. Derrenbacker Jr, Ancient Compositional Practices and the Synoptic Problem, 2001, p. 56) بالرّغم من أن المصدر Q يحتوي على تقاليد معاد بناءها من متّى ولوقا، وبالتالي لا يضيف أقوالًا جديدة ليسوع، إلا أن أهمية التقليد Q تكمن في كونه يمثل نافذة على مجتمع مسيحي أقدم من مجتمع متّى ولوقا. الجدير بالذكر أيضًا، أن التقليد Q يضم مجموعة أقوال حرة من السياق، ظهر بعضها موضوعًا في سياق مرقس والبعض الآخر في سياق متّى و/ أو سياق لوقا. قارن سياق متّى ١٥ : ١٤ هم عميان قادة عميان. وإن كان أعمى يقود أعمى يسقطان كلاهما في حفرة. ((هم عميان قادة عميان. وإن كان أعمى يقود أعمى يسقطان كلاهما في حفرة. (متى ١٥ : ١٤) ))، مع لوقا ٦ : ٣٩ وضرب لهم مثلا: «هل يقدر أعمى أن يقود أعمى؟ أما يسقط الاثنان في حفرة؟ ((وضرب لهم مثلا: «هل يقدر أعمى أن يقود أعمى؟ أما يسقط الاثنان في حفرة؟ (لوقا ٦ : ٣٩) )). في متّى قالها يسوع عن الفرّيسيين، وفي لوقا جاءت في سياق مختلف تمامًا كوصيّة للكمال، اتبع الكامل تكن كاملًا واتبع الأعمى تسقط معه في حفرة. ما حدث هنا هو أن متّى ولوقا وجدا قولًا، وتبناه كل منهما في سياق مختلف. تعتبر تلك الأمثلة من المفاتيح المهمة في نقد نظرية اعتماد لوقا على متّى، فإن أخذ لوقا النصّ من متى، فلماذا يسقط سياق النص في متّى ويعيد وضع النص في سياق أخر؟ لتكون الصورة أكثر وضوحًا، أنظر المقارنة التالية بين النصوص السابق ذكرها مع متّى ٧ : ١-٥ ومتّى ١٠ : ٢١ -٢٨ فقرة إزائية مقارنة (٧) - يبدو أن لوقا احتفظ بأقوال التقليد Q في نفس الترتيب، - بينما نقل متّى الفقرة Q (٦ : ٣٩) إلى متّى (١٥ : ١٤)، - ونقل الفقرة Q (٦ : ٤٠) إلى متّى (١٠ : ٢٤). وعلى هذا، فدراسة أقوال يسوع في ضوء نظرية المصدرين قد يفتح بابًا لإعادة قراءة الأقوال في بشارتي متّى ولوقا لا كنصوص فسرها يسوع، بل كنصوص تناقلتها الجماعة الأولى كأقوال حكمة تم تقنينها لاحقًا بتضمينها في نصوص لتحديد معناها. تتيح تلك القراءة مجالًا أوسع للإلمام بطبيعة أقوال يسوع في المجتمعات الأولى وكيفيّة تناقلها ومحاولات تفسيرها في سياق مرقس ومتّى ولوقا، وإنجيل توما، وصولًا لكتابات الآباء الرسوليين وحتى استقرار نصّ العهد الجديد.   دعم إنجيل توما مع بداية نظرية المصدرين، اعترض الكثير من الدارسين على فرضية التقليد Q لأن فرضية وجود نصوص بلا سياق في وثيقة وحدة لا تجد دعمًا في أنواع النصوص الأدبية القديمة، ولكن جاء الدعم ممثلًا في إنجيل توما ضمن مخطوطات نجع حمادي سنة ١٩٤٥. وإنجيل توما؛ هو عبارة عن ١١٤ قولًا بلا سياق قصصي، البعض منها في صورة حوار بين يسوع والتلاميذ، وبالرغم من ظهور بعض العلامات الغنوصية اللاحقة على نصّ إنجيل توما، إلا أن الكثير من الدارسين يرون أن بعض أقوال إنجيل توما تعكس مرحلة من التقليد Q، أو على الأقل بعض أقوال يسوع في صورة قديمة ربما تسبق البشائر الإزائية مرقس ومتّى ولوقا.   فقرة إزائية مقارنة (٨) مسلسل إنجيل متى ١٠ : ٢٦-٢٧ إنجيل مرقس ٤ : ٢٢-٢٣ إنجيل لوقا ١٢ : ٢-٣ إنجيل توما ٥-٦ ١ فلا تخافوهم. لأن ليس مكتوم لن يستعلن، ولا خفي لن يعرف. لأنه ليس شيء خفي لا يظهر، ولا صار مكتومًا إلا ليعلن. فليس مكتوم لن يستعلن، ولا خفي لن يعرف. قال يسوع: اعرفوا ما هو أمام أنظاركم، وما هو مخفي عنكم سيُعلن لكم، فإنّه لا خفيّ إلا وسيُعلن. ٢ الذي أقوله لكم في الظلمة قولوه في النور، والذي تسمعونه في الأذن نادوا به على السطوح، إن كان لأحد أذنان للسمع، فليسمع. لذلك كل ما قلتموه في الظلمة يُسمع في النور، وما كلمتم به الأذن في المخادع يُنادى به على السطوح. قال يسوع: لا تكذبوا ولا تعملوا ما تكرهون، لأن كل الأشياء تحت نظر السماء. لأنه لا خفيّ لن يُعلن، ولا مستور لن يُكشف. نجد في تلك المقارنة أن سياق القول في الأربع أناجيل يختلف تمامًا، - في إنجيل مرقس؛ يلعب القول دورًا ختاميًا لمثل الزّارع (مرقس ٤ : ٣-٢٠) ((اسمعوا! هوذا الزارع قد خرج ليزرع، وفيما هو يزرع سقط بعض على الطريق، فجاءت طيور السماء وأكلته. وسقط آخر على مكان محجر، حيث لم تكن له تربة كثيرة، فنبت حالا إذ لم يكن له عمق أرض. ولكن لما أشرقت الشمس احترق، وإذ لم يكن له أصل جف. وسقط آخر في الشوك، فطلع الشوك وخنقه فلم يعط ثمرا. وسقط آخر في الأرض الجيدة، فأعطى ثمرا يصعد وينمو، فأتى واحد بثلاثين وآخر بستين وآخر بمئة». ثم قال لهم: «من له أذنان للسمع، فليسمع» ولما كان وحده سأله الذين حوله مع الاثني عشر عن المثل، فقال لهم: «قد أعطي لكم أن تعرفوا سر ملكوت الله. وأما الذين هم من خارج فبالأمثال يكون لهم كل شيء، لكي يبصروا مبصرين ولا ينظروا، ويسمعوا سامعين ولا يفهموا، لئلا يرجعوا فتغفر لهم خطاياهم». ثم قال لهم: «أما تعلمون هذا المثل؟ فكيف تعرفون جميع الأمثال؟ الزارع يزرع الكلمة. وهؤلاء هم الذين على الطريق: حيث تزرع الكلمة، وحينما يسمعون يأتي الشيطان للوقت وينزع الكلمة المزروعة في قلوبهم. وهؤلاء كذلك هم الذين زرعوا على الأماكن المحجرة: الذين حينما يسمعون الكلمة يقبلونها للوقت بفرح، ولكن ليس لهم أصل في ذواتهم، بل هم إلى حين. فبعد ذلك إذا حدث ضيق أو اضطهاد من أجل الكلمة، فللوقت يعثرون. وهؤلاء هم الذين زرعوا بين الشوك: هؤلاء هم الذين يسمعون الكلمة، وهموم هذا العالم وغرور الغنى وشهوات سائر الأشياء تدخل وتخنق الكلمة فتصير بلا ثمر. وهؤلاء هم الذين زرعوا على الأرض الجيدة: الذين يسمعون الكلمة ويقبلونها، ويثمرون: واحد ثلاثين وآخر ستين وآخر مئة. (مرقس ٤ : ٣-٢٠) )). حين يأتي ملكوت الله؛ يُستعلن مَن مِن السّامعين كان لكلمة الله كالطّريق، ومن كان لها كالحجر، ومن كان شوكاً، ومن كان أرضاً جيّدة تُثمر ثلاثين وستّين ومئة. - أما في إنجيل متّى؛ فالقول عن الاضطهاد (متّى ١٠ : ١٦-٢٥) ((ها أنا أرسلكم كغنم في وسط ذئاب، فكونوا حكماء كالحيات وبسطاء كالحمام. ولكن احذروا من الناس، لأنهم سيسلمونكم إلى مجالس، وفي مجامعهم يجلدونكم. وتساقون أمام ولاة وملوك من أجلي شهادة لهم وللأمم. فمتى أسلموكم فلا تهتموا كيف أو بما تتكلمون، لأنكم تعطون في تلك الساعة ما تتكلمون به، لأن لستم أنتم المتكلمين بل روح أبيكم الذي يتكلم فيكم. وسيسلم الأخ أخاه إلى الموت، والأب ولده، ويقوم الأولاد على والديهم ويقتلونهم، وتكونون مبغضين من الجميع من أجل اسمي. ولكن الذي يصبر إلى المنتهى فهذا يخلص. ومتى طردوكم في هذه المدينة فاهربوا إلى الأخرى. فإني الحق أقول لكم: لا تكملون مدن إسرائيل حتى يأتي ابن الإنسان. ليس التلميذ أفضل من المعلم، ولا العبد أفضل من سيده. يكفي التلميذ أن يكون كمعلمه، والعبد كسيده. إن كانوا قد لقبوا رب البيت بعلزبول، فكم بالحري أهل بيته! (متّى ١٠ : ١٦-٢٥) )).  فعلى السّامعين أن يحتملوا الاضطهاد حتّى يأتي ملكوت الله ويستعلن كل مكتوم وخفي ويعترف إبن الإنسان بمن اعترفوا به. - في لوقا وتوما ٦ القول هو تحذير ضد الرياء (لوقا ١٢ : ١) ((وفي أثناء ذلك، إذ اجتمع ربوات الشعب، حتى كان بعضهم يدوس بعضا، ابتدأ يقول لتلاميذه: «أولا تحرزوا لأنفسكم من خمير الفريسيين الذي هو الرياء، (لوقا ١٢ : ١) )). - أمّا في توما ٥، فهي عن يسوع نفسه، فهؤلاء التلاميذ متى عرفوا من هو أمام أعينهم صار لهم كل خفيّ مُعلن. - على الرغم من تشابه توما ٦ مع لوقا ١٢ : ٢، إلا أن توما ٥ تحتفظ بقراءة تختلف عن متّى ومرقس ولوقا، كما يختلف المقصود بالعبارة في متّى ومرقس ولوقا أيضًا. تتطلب دراسة إنجيل توما وقتًا أطول، ولكن في حدود غرض تلك الورقة البحثيّة يكفي أن نظهر بدائية استخدام إنجيل توما لبعض الأقوال بشكل لا يعكس اعتماد طبقاته الأولى على الأناجيل الإزائية.   الخُلاصات الأخيرة: ١- مصدر الأقوال Q هو نظرية تتبع استنتاج منطقي مبني على مقارنة نصوص متّى ولوقا. ٢- بالرغم من كون Q هو نصّ نظريّ، إلّا أنّه يشرح أغلب الفقرات المشتركة بين متّى ولوقا، وأيضًا بعض فقرات توما. ٣- نصّ Q هو مجموعة من الأقوال التي استخدمها متّى ولوقا كلٌّ على حدة. ٤- إن وُجد قول في مرقس والتقليد Q معًا، عادة ما يدمج متّى؛ مرقس وQ، بينما يُفضّل لوقا قراءة Q. ٥- يُشار إلى رقم فقرات Q بترقيم لوقا، مثلًا Q (٦ : ٤٠) تعني لوقا (٦ : ٤٠) وما يوازيه في متّى. استخدام ترقيم لوقا يرجع لاتفاق الدارسين على احتفاظ لوقا بترتيب أقرب لنصّ Q وكثيرًا ما يحتفظ بقراءة أقرب له أيضًا. ٦- من غير المرجح استخدام لوقا لمتّى، لعدم وجود مبرر لحذفه لمادة متّى التي يتفرد بها، ومن غير المنطقي أنّ نظنّ إنّ لوقا قد استخرج الأقوال من سياق متّى، وأعاد تخليق سياق مختلف لها (راجع فقرة إزائية مقارنة ٨، ٩). ٧- اكتشاف مخطوطات نجع حمادي، ومن قبلها بردية إنجيل توما اليونانية Oxyrhynchus 655 المكتشفة في البهنسا بمحافظة المنيا ما بين ١٨٩٧ - ١٩٠٤ تثبت وجود نوع أدبي من النصوص يحتوي على أقوال بلا سياق قصصي، مما جعل فرضية Q أكثر احتمالية. ٨- تتفق فرضية المصدرين مع ما نعرفه من المصادر القديمة عن طريقة تعامل المؤرخين مع مصادرهم، كما شرح أريانوس في كتابته لسيرة الإسكندر المقدوني. ٩- مقارنة نصوص متّى ولوقا تظهر أن الكاتبين قد عدّلا قراءات مرقس، ووضعا أقوال Q في سياقات مختلفة تمامًا. --- ### ماذا يريد الأسقف إرميا؟ - Published: ۲۰۲٤-۰٦-۰٤ - Modified: 2024-06-04 - URL: https://tabcm.net/22942/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: ١٥٠ يوم في تاريخ مصر, أسامة الأزهري, أسامة هيكل, أنبا أغاثون، أسقف مغاغة والعدوة, أنبا إرميا، الأسقف العام, أنبا زوسيما، أسقف أطفيح والصف, الإخوان المسلمين, الديمقراطية, الكنيسة القبطية, الكنيسة الكاثوليكية, المجلس العسكري, المركز الثقافي القبطي, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, بروتستانت, دير الأنبا مقار الكبير, رئيس عبد الفتاح السيسي, عماد جاد, عيد الميلاد, قناة مي سات, كنيسة الإسكندرية, ماسبيرو, مجمع الأساقفة, نور الشريف يرسم الأنبا إرميا، الأسقف العام في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، صورة عن نفسه بأنه رجل غامض. جزء من هذه الصورة ترسخ بأنه لا يتحدث كثيرًا، لكن حينما يتحدث أو تصدر عنه تصريحات ينسف هذه الصورة تمامًا. وأخرها البيان الذي أصدره بالتضامن مع الشيخ أسامة الأزهري ضد مركز الأبحاث الوليد "تكوين"، مورطًا الكنيسة والأقباط فيما لا يخصهم من جدال. أذكر أنني كنت شاهدًا على واحدٍ من تلك المواقف التي تحدث فيها الأنبا إرميا في المقر البابوي داخل الكاتدرائية المرقسية في العباسية، ثاني يوم رحيل البابا شنودة الثالث في 17 مارس 2012، ومعها نسف صورة الغموض التي يصدرها عن نفسه. تحدث الفنان الراحل نور الشريف من قبل عن شخصية "كمال" في فيلم "العار"، واللازمة الشهيرة التي كان يؤديها برفع يده. وهكذا فعل الأسقف إرميا، حين رأيته أنا ومجموعة من زملائي الصحفيين يتحرك في فناء المقر البابوي جيئة وذهابًا بتلك اللازمة وهو يقول: أنا مش مسؤول، أنا مش مسؤول، لكن الذي أعلن أنه ليس مسؤولًا عن شيء، كاد أن يتسبب في كارثة. فبينما كان الناس يدخلون من اتجاه ويخرجون من آخر لإلقاء نظرة الوداع على البابا الراحل في الكاتدرائية، تدخل وفتح المسارين على بعض، فكان كثيرون على شفَا الاختناق بسبب الزحام والتدافع. منذ نهايات عصر البابا شنودة، يقحم الأسقف إرميا نفسه في الملفات المرتبطة بالعلاقات مع مؤسسات وأجهزة الدولة، لدرجة أنه نال العديد من الألقاب على مواقع التواصل الاجتماعي، فمرة يقال عنه "رجل الأمن في الكنيسة"، و"رجل الإخوان في الكنيسة"، وحاليًا "رجل الأزهر في الكنيسة"، ليس بسبب البيان الأخير الذي أعلن فيه تضامنه مع الشيخ أسامة الأزهري فحسب، بل أيضًا لعضويته في الأمانة العامة لمؤسسة "بيت العائلة المصرية"، التي تأسست لمواجهة الطائفية. إلا أنه توجد علامات استفهام كثيرة على أداءها في ظل رعايتها لجلسات صلح عرفية مجحفة للطرف الضعيف -أي الأقباط- في بعض الاعتداءات الطائفية على المسيحيين، ما يضع الأسقف إرميا في موضع المسؤولية السياسية عن بعض الأحداث والوقائع، ومنها ما حدثت عندما كان سكرتيرًا للبابا الراحل شنودة الثالث، وكان يتولى التفاوض أو نقل رسائله للمسؤولين، وأبرزها وأهمها أحداث "ماسبيرو". وبما أن الأسقف إرميا هو رجل كل العصور، ودائمًا ما يبحث عن موطئ قدم له مع المسؤولين، لا ليعمل لمصلحة الأقباط وقضاياهم ومشاكلهم بل لمصالحه الشخصية، فهو دائمًا ما يبادر بدعم كل من يصل إلى الكرسي. ولا ننسى خطابه الشهير، بعد وصول محمد مرسي مرشح الإخوان للحكم، فلم يكتفِ بتهنئة بروتوكولية تكون مقبولة، بل أشار إلى أنه أول رئيس منتخب بملء إرادة الشعب تطبيقًا لحرية الاختيار والديمقراطية ومبادئ المواطنة. وناشد الذين اختاروا الدولة المدنية الديمقراطية بالتعاون معه. ألم نعش تلك الأيام التي تم التهديد فيها بحرق مصر ودخول إرهابيين من على الحدود لو لم يتم إعلان فوز مرسي؟ والأسقف إرميا يحدثنا عن الديمقراطية والمواطنة والدولة المدنية في فوز مرسي! ولنا في منشور شخصية مرموقة وبرلماني سابق، بعد تنظيم المركز الثقافي القبطي لحفل كُرّم خلاله وزير الإعلام الأسبق أسامة هيكل، الذي خرج في عهده تحريض علني ضد الأقباط وقت أحداث ماسبيرو، وقد ألمح البرلماني السابق إلى أن قيادة عسكرية قالت له بعد فض بؤرتي رابعة والنهضة في أغسطس 2013، بأن يتم اختيار شخص آخر يكون همزة الوصل مع الدولة، لأن الذي يتحدث عنه البرلماني، وهو من نظم تكريم أسامة هيكل، كان يحضر اجتماعات مع المجلس العسكري، وفور خروجه منها يتصل بمكتب إرشاد الإخوان يبلغهم تفاصيل اجتماعات مفترض أنها سرية، في وقت عصيب عانى خلاله الشعب المصري تحت حكم تلك الجماعة الإرهابية عمومًا، والأقباط خصوصًا، حينما كان يتم التحريض عليهم من قيادات تلك الجماعة، بوصف المتظاهرين ضد مرسي بعد الإعلان الدستوري المعيب في 5 و6 ديسمبر 2012 أن 80% منهم أقباطًا. انتهى ذلك العهد وطويت تلك الصفحة، وجاءت صفحة جديدة زار فيها رئيس الجمهورية الجديد، عبد الفتاح السيسي، الكنيسة في قداس عيد الميلاد. فيترك القداس ليكون أول شخص في استضافة الرئيس والسير بجانبه، ثم يرافقه دونًا عن بقية الأساقفة والكهنة إلى خارج الكنيسة، مظهرًا وكأنه صديق الرئيس الشخصي. مع أن الأسقف إرميا لم يتفوه بكلمة واحدة ضد البابا تواضروس الثاني، مثلما يفعل بعض الأساقفة بإعلان عصيانهم علانيًة للبابا، إﻻ أنه يحترف المعارضة بالوكالة، مثل أغاثون أسقف مغاغة والعدوة، وزوسيما أسقف أطفيح، الذي فتح له إرميا قناة "مي سات" -المسماة زورًا قناة الكنيسة ومختطفة من قبله للترويج له ولرجاله- لتقديم برنامج "إيماننا الأقدس"، الذي كان يخرج من خلاله أسقف أطفيح لمعارضة البابا والرد على عظاته، وتم وقف البرنامج بقرار من البابا تواضروس بعد تعديات زوسيما المتكررة، إضافة لترويجه التعصب ومعلومات سطحية عن الأعياد والمناسبات، وتأملات في البلح والجوافة. ولنا في التسريب الشهير للأسقف إرميا، حيث أعلن حزنه عن وقف برنامج الأسقف زوسيما، متسائلًا متعجبًا: "عايز واحد يقولي الأنبا زوسيما شتم البطريرك؟"، كما تحدث عن أحد الأساقفة وادعى حسب التسريب أنه أراد تلفيق تهمة للأسقف زوسيما، وقال: "ممكن يلفقوا تهم. . دول لا دين لهم". السؤال هنا: كيف مر هذا التسريب الواضح دون محاسبة من مجمع الأساقفة، حين يقول أسقف على بقية الأساقفة إنه لا دين لهم؟من المعروف أن هناك أشخاصًا بعينهم وصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي تمثل لجانًا إلكترونية -مثل لجان الإخوان المسلمين التي لا تزال تحرض ضد مصر والمصريين- لمهاجمة البابا تواضروس والتيار الإصلاحي. ومن قبل، حرضوا على الأنبا إبيفانيوس، رئيس دير الأنبا مقار، قبل مقتله. هؤلاء يدعون زورًا وبهتانًا حماية الإيمان والحفاظ عليه، ويهاجمون الحوار بين كنيسة الإسكندرية والكنائس الأخرى، ويرفضون أي مساعي للوحدة في توقيتات الأعياد، ويفتحون "مندبة" لا تنتهي على ضياع الإيمان والتفريط فيه لمجرد الرغبة في توحيد مواعيد الأعياد المرتبطة بالتقويمات وليس بالإيمان. ولكن عندما بدأ الأسقف إرميا بيانه بعبارة البابا شنودة "بسم الإله الواحد الذي نعبده جميعًا"، خرجوا للدفاع عنه ومعهم الأسقف أغاثون الذي قال إنها عبارة لاهوتية صحيحة. والسؤال هنا: "منين بيودي على فين؟" كل "شلة" اللجان الإلكترونية ومعهم الأسقف أغاثون يروجون بأن مركز "تكوين" يسعى لهدم الأديان ويروجون لمؤامرة في خيالهم بتوحيد الأديان تحت راية دين جديد يسمى "الدين الإبراهيمي". وفي نفس ذات الوقت يهللون لعبارة "بسم الإله الواحد الذي نعبده جميعًا". أليست هذه العبارة تصب في ترسيخ "الدين الإبراهيمي الجديد"؟ لستُ في مجال مقارنة الأديان، ولكن أبسط الأمور هو أن مفهوم الله في المسيحية يختلف تمامًا عن مفهوم الله في الإسلام. ومع ذلك، يروج الأسقف أغاثون وبقية اللجان الإلكترونية لتقارب كنيستنا في مفهومها عن الله مع الإسلام أكثر من تقاربها مع الكنيسة الكاثوليكية والكنائس البروتستانتية، الذين نشترك معهم في "قانون الإيمان النيقاوي". ويدّعون أن "مسيحنا غير مسيحهم". سؤال موجه إلى أصحاب العقول النابهة الذين يلمحون التفاصيل الصغيرة ويربطون الأشياء ببعضها: لماذا يهاجم الأسقف أغاثون واللجان الإلكترونية البابا تواضروس، بينما انبروا للدفاع عن الأسقف إرميا الذي يرفض إنكار "السنة المشرفة"؟ أضيف صوتي أخيرًا للدكتور عماد جاد نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في المنشور الذي كتبه على حسابه بـ"فيسبوك"، عن الأسقف إرميا وتصرفاته، ومطالبه بـ"عدم خلط الدين بالسياسة ومع دولة مدنية حديثة، تنهض على أساس المواطنة والمساواة وحكم القانون، تفصل الدين المقدس والمطلق عن السياسة النسبية المتغيرة، واقتصار دور رجال الدين في المجال الروحي فقط"، والمطالبة بـ"حركة تصحيح تعيد رجال الدين المسيحي إلى أدوارهم الروحية ويتوقفوا عن اللعب على الأحبال السياسية". --- ### أيتام بين مطرقة الكنيسة وسندان الدولة - Published: ۲۰۲٤-۰٦-۰۳ - Modified: 2024-06-06 - URL: https://tabcm.net/25996/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, شئون علمانية - وسوم: Theosis Across Borders (TABcm Network), أقباط متحدون, أمين بك إبراهيم, أنبا أرسانيوس، مطران المنيا, أنبا مكاريوس، أسقف المنيا, أيمن يونس, إبرآم زكي, إكليروس, الإخوان المسلمين, التبني, المجلس الملي, الهيئة الهندسية للقوات المسلحة, اليوم السابع, بابا كيرلس السادس, بيمن فايق, جريدة الدستور, جمال عبد المجيد, جمعية جنود المسيح القبطية الأرثوذكسية, رأس السنة, رئيس جمال عبد الناصر, سارة علام شلتوت, صدى البلد, عيد الميلاد, فيلوباتير مرقوريوس أبو سيفين, نادر شكري, وصفى عزيز تسلط قصة أمين بك إبراهيم الضوء على دور العلمانيين المسيحيين في المجتمع، وتحول وصمة "عدم الإنجاب" إلى قوة بناءة. وتحمل القصة رسالة للعلمانيين المسيحيين بالدفاع عن دورهم في الكنيسة. كما تكشف عن التحديات الأخلاقية في المجتمع الكنسي، مثل هيمنة رجال الدين على القرارات والممتلكات. وتثير القصة مخاوف بشأن مستقبل المجتمع المسيحي في ظل الدور المتزايد للدين، والمال الذي يسيطر عليه رجال الدين في عام ١٩٤٥، قام أحد الأثرياء الأقباط، ويدعى أمين بك إبراهيم، بوقف أحد القصور التي يملكها، ونتيجة لوفاة زوجته قبله وعدم إنجابهما للأطفال، قرر أن يتحوّل هذا القصر إلى ملجأ أيتام ((جمال عبد المجيد، جريدة الدستور، تحقيق بعنوان: بالصور والفيديو. . تشريد أيتام "أمين بك إبراهيم" بعد حرق إرهابيين لملجأهم. نُشر بتاريخ ٦ نوفمبر ٢٠١٣. )). يُعرف الآن باسم ملجأ أمين بك إبراهيم، والكائن بوسط مدينة المنيا بالقرب من ميدان بالاس، أحد أشهر ميادين المدينة. بعدها بعامٍ واحد، صدر القانون ٤٨ لسنة ١٩٤٦ لتنظيم الأوقاف، فأصبحت إدارة الملجأ أكثر تنظيمًا تحت إشراف أراخنة الأقباط الذين كان أمين بك واحدًا منهم. ومع ذلك، بعد إعلان النظام الجمهوري، نشبت أزمة في عام ١٩٥٩ بسبب رغبة الدولة في تطبيق قوانين الإصلاح الزراعي على أوقاف الكنيسة. تعاملت الدولة مع الأوقاف القبطية كما لو كانت ملكية فردية لشخصٍ إقطاعي ﻻ ملكيّة عامة، محاولة مصادرته. وبعد المساومات الهادئة مع البابا كيرلس السادس، تم حل المجالس الملية التي تدير الوقف القبطي، واعتبار أوقاف كل إيبارشية وكأنها مملوكة لأسقف أو مطران وكأنه شخص إقطاعي أيضًا. قد تبدو هذه الحجة منطقية لو كانت الأوقاف القبطية كلها أطيان زراعية حتى تُطبّق أحكام الإصلاح الزراعي. ومع ذلك، فإن ما شهدناه هو استيلاء الدولة على جميع المقتنيات التي تُعرض حاليًا في المتحف القبطي، والتي كانت ملكًا للكنيسة المصرية، وإلى الدولة يؤول الريع العائد من تذاكر المتحف، ﻻ الكنيسة. بالإضافة إلى استيلاء الدولة على كنائس أثرية كاملة مثل كنائس مصر القديمة. المشكلة الأكبر والتي استمرت بعد عصر البابا كيرلس السادس هي مشكلة صراع اجتماعي طبقي، حيث وفرت اشتراكية عبد الناصر البيئة المناسبة لمؤسسة الكنيسة كي تعمل على تأجيج الحقد الطبقي بين الفقراء والأغنياء، ودأبت على تصوير طبقة الأراخنة العلمانيين كمجموعاتٍ رأسمالية فاسقة فاسدة تنهب الأوقاف القبطية ويجب القضاء على سلطانهم المالي والإداري وتحويل مهامهم وسلطاتهم إلى الإكليروس، الأمر الذي يتعارض مع التشريعات المنظّمة للمسيحية، والتي تحظر على الإكليروس بكل درجاته (الأساقفة أو الكهنة أو الشمامسة)، الانخراط في الأعمال التجارية أو التملك للأراضي أو المباني أو الاشتغال بعمل من أعمال العلمانيين الدنيوية. أيما أسقف أو قس أو شماس، اشتغل بعمل من أعمال الدنيا، فليقطع. (قوانين الكنيسة، قانون الرسل، القانون ٦) كمحاولة من العلمانيين الأقباط لصد هذا التعاون بين الدولة والكنيسة على الإطاحة بدورهم في الإشراف المالي والإداري على الوقف القبطي، تم تأسيس عدة جمعيات أهليّة قبطية، جميعها مؤسسة من قبل وجود وزارة التضامن أو وزارة الشئون الاجتماعية، وما يهمنا منها الآن جمعية جنود المسيح القبطية الأرثوذكسية التي تأسست منذ أربعينيات القرن العشرين، ثم وُثق تأسيسها في عام ١٩٦٦، لحماية الأطفال من الصراع الدائر حول ملكية الأراضي والمباني والإدارة والإشراف المالي. هذه الجمعية الخيرية، التي بدأت من محافظة سوهاج الأكثر فقراً في مصر، تعمل منذ تأسيسها في محافظات أسيوط والمنيا والأقصر بالإضافة لسوهاج نفسها. وتركز نشاطها الخيري على إدارة دور الأيتام وتقديم المساعدة للأيتام في منازلهم، بما في ذلك الطعام المدعم والملابس في المناسبات الخاصة والمساعدة في التعليم والزواج. ((المصدر لهذه الفقرة هو أحد العاملين بـجمعية جنود المسيح القبطية الأرثوذكسية، بفرع طهطا، محافظة سوهاج. )) يدير فرع المنيا من جمعية جنود المسيح القبطية الأرثوذكسية، ملجأ أمين بك إبراهيم، والذي يوفر الرعاية الكاملة إلى ١٦ يتيمًا بشكل دائم، بالإضافة إلى ذلك، تقدم الجمعية الدعم والمساعدات إلى عدد يزيد عن ٤٠٠ يتيمًا فقيرًا من داخل منازلهم بشكل منتظم ((الأرقام محققة بواسطة جمال عبد المجيد، مُحرر جريدة الدستور، بتاريخ ٦ نوفمبر ٢٠١٣. وقمت بمضاهاتها على أرقام ٢٠٢٤ فوجدت انخفاض عدد ٣ أطفال من الرعاية الكاملة، وتضاعف عدد الأيتام داخل المنازل إلى ثلاثة أضعاف العدد المعلن في ٢٠١٣. ))، وتشمل المساعدات الدعم المالي والملابس ودفع المصروفات الدراسية، وفي بعض الحالات، تقديم المساعدة لأولئك الذين يعيشون مع الأيتام بعد فقدان معيلهم. عنف ضد الأقباط عقب سقوط الإخوان كان ملجأ أمين بك إبراهيم تحفة معمارية آسرة، حيث تم تشييده على طابقين كقصر تاريخي. وكان مزينًا بنقوش هندسية متقنة، مع تصميم دائري مميز في وسط حديقة القصر. كانت الحديقة غنية بالأزهار وأشجار الفاكهة، بينما كان هناك مبنى كبير للخدمات ومجموعة من المتاجر مجاورة للملجأ. شعرنا بالخوف الشديد عندما وجدنا علامات "إكس" باللون الأحمر على الملجأ وجميع المحلات والمساكن التي يسكنها أقباط في المنطقة، وشعرنا أن تلك العلامات المميزة من أجل إيذائنا، وعلى الفور قمنا بنقل الأطفال إلى مكان بديل حرصًا على أرواحهم. (جرجس، عامل بالملجأ، تحقيق لجريدة الدستور أجراه: جمال عبد المجيد، نوفمبر ٢٠١٣) بالفعل تم الهجوم علينا بعدها بيومين، وتم تحطيم الملجأ العريق، وسرقة جميع محتوياته من أطعمة وملابس وغرف النوم، وتكسير خزينتين للأموال كانت تضم آلاف الجنيهات من أموال الموظفين العاملين بالملجأ، وكذلك كل الأموال التي كنا ننفقها على الأطفال طوال العام، وعقب ذلك قاموا بإشعال النيران في كل أنحاء المبنى، ومبنى الخدمات المجاور له، وظلت النيران مشتعلة فيهما أكثر من يومين بشكل مستمر، مما أدى إلى هبوط أرض المبنى ووقوع الطابق الثاني على الأول. (جرجس، عامل بالملجأ، تحقيق لجريدة الدستور أجراه: جمال عبد المجيد، نوفمبر ٢٠١٣) في يوم الأربعاء المشؤوم ١٤ أغسطس ٢٠١٣، اندلع حريق هائل في القصر، محولاً المبنى الفخم إلى رماد. ولحسن التدبير، لم تسفر الكارثة عن أي خسائر في الأرواح، حيث تم نقل الأطفال بأمان إلى المبنى الإداري البديل المجاور. ومع ذلك، كانت الخسائر المادية فادحة، حيث دمرت النيران محتويات القصر بالكامل، بما في ذلك الأعمال الفنية القيمة والتحف النادرة. كما ألحق الحريق أضرارًا جسيمة بالبنية التحتية للقصر، مما تطلب جهودًا مكثفة لإعادة الإعمار. بقايا كُتب دراسية مُحترقة، بعض صفحات الإنجيل ممزقة، وجدران متساقطة عقب تحوّلها إلى رماد، وأرض مرتعشة لن تسير عليها بسهولة، وكل ما حولك لونه أسود ومُظلم، وكل نَفَس تستنشقه مُعكّر بالغبار المحترق. . هذا لم يكن لمنزل للأشباح، ولم يكن يومًا خرابة، ولكنه مأوى للغلابة ولكل من فقد والديه. هذا هو حال ملجأ "أمين بك إبراهيم" الكائن بوسط مدينة المنيا بجوار ميدان بالاس أشهر ميادين المنيا، بعد أن هاجمته الجماعات الإرهابيّة المسلحة عقب فضّ اعتصامي رابعة والنهضة مستغلين حالة الانفلات الأمني، وأمطروه بمئات الطلّقات النّارية وحوّلوه إلى خرابة قبل سرقة محتوياته وإضرام النيران فيه، مما أدى لتساقط الطابق العلويّ على الطوابق الأخرى وأصبح أطلالًا محترقة. (جمال عبد الحميد، تحقيق لجريدة الدستور نُشر بتاريخ ٦ نوفمبر ٢٠١٣) تلفيات الملجأ تم تقديرها من قبل منظمات حقوق الإنسان ببضعة ملايين، بالإضافة إلى المبنى المهدوم والأسوار والحديقة. وتجدر الإشادة بدور الهيئة الهندسية للقوات المسلحة، والتي قامت بإعادة إعمار المبنى (الأساسات، البدروم، الدور الأرضي والأوّل) مع التنويه أن الأساس الذي وضعته الهيئة الهندسية مصمم لتحمل أربعة طوابق إضافية متكررة. بعبارة أخرى، فإن هذا الأساس مناسب لمبنى مكون من خمسة طوابق علوية وإثنين تحت مستوى الأرض. ((من: محضر تنسيق أعمال ملجأ أمين بك إبراهيم، دور إدارة الأشغال العسكرية. )). يثني "جنود المسيح" على جهود الدولة، عبر قواتها المسلحة، في إعادة بناء ما دمره المخربون بعد سقوط حكم الإخوان المسلمين. لكن المشكلة تكمن في تسليم ملجأ أمين بك إبراهيم بعد تجديده إلى مطرانية المنيا، بصفتها المشرفة على الأوقاف القبطية أولًا، وبصفتها المتعهد القانوني أمام إدارة الأشغال العسكرية بالقوات المسلحة لاستكمال بناء أربعة طوابق أخرى على نفقتها الخاصة ((من: محضر تنسيق أعمال ملجأ أمين بك إبراهيم، دور مطرانية الأقباط الأرثوذكس بالمنيا. )). لتبدأ المطرانية في منازعة الجمعية على ملكية وإدارة الوقف كمشروع استثماري، دافعة بالأطفال إلى أحضان التشرد. نزاع بين "جنود المسيح" ومطران المنيا من المهم التواصل مباشرة مع الدولة في هذا الشأن. إذ ليس لدى أجهزة الدولة معرفة كبيرة بتعاليم المسيحية أو اليهودية. وهي لا تعلم أن كلتا الديانتين تؤمن بقانون إلهي يحظر على الكهنة (سبط لاوي) امتلاك الأراضي أو المباني. وقد تطور هذا في المسيحية إلى مجموعة من القوانين التي تشمل الرهبان والأساقفة والمطارنة وحتى الرتبة الباباويّة أيضًا. وبما أن جميع القوانين الحكومية التي تتعلق بملكية الكنيسة للأراضي والمباني وما إلى ذلك تُدار أو تُمتلك من قبل الكهنة بوصفهم رجال الدين في الكنيسة، فإنها تعد قوانين غير دستورية بموجب المادة الثالثة التي نظمت الشؤون القبطية وفقًا لشرائعهم. وبالتالي، فإن وجود مجموعة من الأساقفة ضمن هيئة الأوقاف القبطية الحالية هو وضع غير دستوري. باختصار، تؤكد الشريعة المسيحية بحسم (وإن كانوا يضعون البابا كرئيس شرفي للمجلس الملي العلماني، بالمخالفة منذ عصر عبد الناصر) أنّ الملكية في جميع أشكالها، بما في ذلك الملكية العامة، تخضع لتدبير العلمانيين، وليس رجال الدين من أي رتبة، سواء كانوا أساقفة ذوي رتبة عالية أو شمامسة ذوي رتبة منخفضة. والقانون الكنسي يخيّرهم بين ترك سلطاتهم الدنيوية، أو القطع من الكنيسة ((قوانين الكنيسة، قانون الرسل، القانون ٦ )). بعض من الأحداث التي نسردها عن فترة النزاع، تمت في خلال حبرية المتنيح الأنبا أرسانيوس، أسقف المنيا السابق، ووقت أن كان الأنبا مكاريوس، أسقف المنيا الحالي، أسقفًا عامًا على عموم محافظة المنيا. لكن ربما تكون ملحوظتنا هذه ملحوظة شكليّة بحكم الواقع الذي يقول بأن الأنبا مكاريوس يتصرف باعتباره المدير الفعلي لكافة شئون المطرانية نظرًا لظروف الأنبا أرسانيوس الصحية في تلك الفترة. بعد الانتهاء من أعمال الإعمار، قامت الهيئة الهندسية بتسليم المبنى لمطرانية المنيا. ومع ذلك، وفقًا لشكاوى جمعية جنود المسيح، يبدو أن ناظر الوقف تواطأ مع مطرانية المنيا التي منعت تسليم المبنى إلى أصحابه. وبالتالي، ظل المبنى تحت سيطرة المطرانية التي ترفض تسليمه، أو إدخال الأطفال ليسكنوا فيه حتى الآن. تفجّر الوضع إلى أقصاه حين أعلنت مطرانية المنيا في ١٦ يناير ٢٠١٦ عن عقدها العزم على تحويل المبنى إلى مستشفى استثماري تلبية لرغبة الواقف، أمين بك إبراهيم، وظهر بيان منسوب للمطرانية، من دون أختام أو توقيعات، صادر عن لجنة الأوقاف بمطرانية المنيا وأبو قرقاص، ونُشر على موقع صدى البلد في نفس اليوم ((أيمن يونس، موقع "صدى البلد"، بالصور. . أزمة بين مطرانية المنيا وجمعية جنود المسيح بسبب قطعة أرض. نُشر بتاريخ ١٦ يناير ٢٠١٦. )). احتوى البيان في فقرته الختامية على استحواذ كامل لوقف ملجأ "أمين بك إبراهيم"، واستبعاد لأيّ جهة أخرى، بما فيها جمعية جنود المسيح، من التمثيل أو الامتثال أو الحديث باسم الواقف "أمين بك"، والذي تحوّل -حسب تصريحات وكيل المطرانية- إلى "أمين أفندي". في اليوم التالي، ١٧ يناير ٢٠١٦، صرح القمص إبرآم زكي، وكيل مطرانية المنيا للأقباط الأرثوذكس، عبر موقع الأقباط متحدون، وقال في تصريحه أن الأرض وقف قبطي منذ الأربعينيات من القرن الماضي، وأن المطرانية لديها حجة بهذا الوقف مسجلة بهيئة الأوقاف القبطية، تحت عنوان “حجة وقف رقم ١٨ متتابعة باسم المرحوم أمين أفندي إبراهيم ميخائيل”.  ((نادر شكري، الأقباط متحدون، مطرانية المنيا تنفى مزاعم جمعية ملجأ المسيح بالاستيلاء على أرضها. نُشر بتاريخ ١٧ يناير ٢٠١٦. )). على الجانب الأخر من الرواية، وجه وصفى عزيز رئيس مجلس إدارة جمعية جنود المسيح القبطية، رسالة استغاثة لرئاسة الجمهورية، قال فيها: استولت لجنة الأوقاف بمطرانية المنيا على أرض ملجأ الأيتام التابع للجمعية، وتغير نشاطها إلى مستشفى تدار لصالح المطرانية. وفي نفس الخبر، انفرد موقع "اليوم السابع" بخبر مصالحة بين الجانبين برعاية الأنبا مكاريوس، أسقف المنيا العام وقتئذ ((سارة علام، اليوم السابع، تحقيق بعنوان: جلسة صلح تُنهى خلافات جمعية "جند المسيح" ومطرانية المنيا. . الكنيسة قررت تحويل ملجأ أيتام لمستشفى تنفيذًا لرغبة صاحب الوقف. . والجمعية تعترض وتستغيث بالرئاسة. . مصادر كنسية: الأسقف ينهى الأزمة بدبلوماسية. نُشر بتاريخ ١٧ يناير ٢٠١٦. )). نزاع؟ أم صلح؟ أم مهادنة تسبق الاحتيال؟ بعيدًا عن عالم الصحافة، لنعد خطوة للوراء قليلًا؛ إلى يوم ٦ ديسمبر ٢٠١٥، ونقرأ  هذه المخاطبة الرسميّة من مديرية الشئون الاجتماعية بالمنيا، قسم الجمعيات، إلى جمعية جنود المسيح بالمنيا، باعتبارها المسئولة عن الملجأ: المخاطبة واضحة الصفة والفحوى، إذ تخاطب المديرية الجمعية المسئولة عن وقف أمين بك إبراهيم، بأن وضع الأطفال في مكان مؤقت قد طال لمدة عامين. فما الذي فعلتموه خلال هذين العامين؟ * لم توفروا -حتى الآن- المسكن الدائم المناسب، والحالي هو مقر إداري لا يفي بالغرض. * لم تتخذوا أي إجراءات فعلية لإنهاء وضع الأطفال المؤقت. * لم تضعوا خطة واضحة لإنهاء وضعهم المؤقت وتوفير مسكن دائم لهم. * لم تقدموا أي تقارير أو توضيحات للجهات المعنية عن سبب تأخير إنهاء وضع الأطفال المؤقت. * لم تتعاونوا مع الجهات الأخرى التي يمكن أن تساعد في حل هذه المشكلة. بالطبع لم تستطع الجمعية الرد، بل كلّمت المطرانية بشكل غير مُثبت وغير رسميّ. وتجاهلت المطرانية مُكاتبة المديرية لأن الإنذار بمساءلة مجلس إدارة الجمعية ﻻ يهمها، بل هو أمنية مرغوبة فتتخلص المطرانية من الغريم العلماني الذي يتقاسمها الإشراف على الوقف القبطي! والحقيقة أنه خلال هذين العامين، بنت الكنيسة تسعة طوابق من دون ترخيص منتحلة صفة الهيئة الهندسية للقوات المسلحة. ومن هي تلك الهيئة الحكومية التي تجرؤ على إزالة هذه الطوابق المخالفة التي تبنيها المطرانية؟ ألن يقفز الأسقف في كرسيه كاتبًا على تويتر "اضطهاد"؟ ومن هي الجهة الإدارية التي ستفتش في أساسات المبنى الذي أسسته الهيئة الهندسية للقوات المسلحة بتكليف مباشر من رئاسة الجمهورية؟ إن الخطاب الإداري السابق يوضّح عدم علم الشئون الاجتماعية بما حققته الهيئة الهندسية وأنها أنهت أعمالها وسلمت المنشأة لعهدة المطرانية، ويبدو أن مديرية الشئون الاجتماعية تعتمد فقط على المراسلات الرسمية المتوقفة عند محضر الحريق. مع ضغط مسؤولي جنود المسيح على المطرانية، والتي تستنكف التعامل مع هيئات الدولة بعد أن احترفت الاختباء خلف بنايات القوات المسلّحة وتشريد أطفال الأقباط. قررت المطرانية مواجهة الشارع القبطي بعد انتهاء الصوم في يناير ٢٠١٦، لتعلن أنها تحمل الخير الوفير لذوي العلل الكثير إن كانوا من أهل الأموال، وأن لديها وثيقة رقم ١٨ تسمح لها بخروج الوقف عن الغرض الذي وقفه الواقف نزولًا على رغبة الأسقف ((نادر شكري، الأقباط متحدون، مطرانية المنيا تنفى مزاعم جمعية ملجأ المسيح بالاستيلاء على أرضها. نُشر بتاريخ ١٧ يناير ٢٠١٦. )). والأمر باختصار هو سلسلة من الاحتيال الأسقفي انفجر يومي ١٦ و١٧ يناير في الأخبار التي عرضناها. فلا الكنيسة هي من بنى القصر الملجأ القديم، وﻻ هي من أعاد إعماره بعد الحريق، وانحصر دورها في الشحاذة والتسول للمال من الأقباط العلمانيين ثم إرسال المقاولين والعمال لصرف مال الأقباط على البناء المخالف تاركين لافتة الهيئة الهندسية بعدما رحلت كي تُرتكب المخالفات باسمها. والمشكلة الأعقد في العظات الدينية للأنبا مكاريوس أنها ذات سمات توجيهية للمال القبطي الخاص بتبرعات العلمانيين، ويا ليتها موجهة للأيتام وفعل الخير كما يُنتظر من المؤسسات الدينية، وإنما احتكرت الكنيسة في عظات نيافة الأنبا مكاريوس مال التبرعات لها وحدها، في تنافس غير أخلاقي مع أيتام أقباط أرثوذكس أيضًا لمجرد أن رعاتهم من المجتمع المدني. إن رعاية الأيتام من قبل الكنيسة والمسجد عمل نبيل، لكنه لا يضاهي صفقاتهم المريبة مع الدولة لإلغاء التبني وتراجع مدنية الدولة. لقد خاض المجتمع المدني منفردًا تلك المعارك الأخلاقية الكبرى ضد الرجعيين والإسلاميين والمتمسحنين من أجل حماية المصالح العليا للأطفال كفئات بالغة الضعف. ومن المخجل أن نرى الكنيسة تتحول من فعل الخير إلى منافسة أبطال المجتمع المدني والعلمانيين الذين حفروا بأظافرهم الصخر بشكل مشرف ومرخص منذ عام ١٩٦٦ باسم أمين بك إبراهيم، والذي وقف قصره للجمعية القبطية، وليس للكنيسة القبطية! وشيء لا أخلاقي ومن غير المقبول ألا تكون المنافسة في فعل الخير، بل في محاربة الخير اقتصاديًا عبر توجيه التبرعات، واستخدام الوازع الديني في تحريك المال القبطي بشكل أناني، واحتكاره داخل أنشطة الكنيسة التي لا تخضع للرقابة، وتسير بغموض الثقة وليس بشفافية المحاسبة. البيان السابق يشرح الأمر باختصار؛ لم يكن للمطرانية دورًا على الإطلاق لا في السابق وﻻ الآن. التركيز على الفقرة الختاميّة يشي بأن هناك دورًا سلبيًا في الاستقواء بالشرطة لإفزاع الأطفال. لاحظ التعبير: لجنة الأوقاف لم يكن لها دور... سوى إحضار قوّة من الشرطة لإرهاب الأيتام وتهديد الأعضاء... هذه هي المعايدة المقدمة للأيتام في رأس السنة وعيد الميلاد والتي يتحول فيها الخطاب من "هيئة" إلى "شخص"، والمقصود هنا هو الأنبا مكاريوس نفسه كمحرك فعلي لهيئة الأوقاف الشكليّة. صلح ٢٠١٦ الوهمي: من يخدع من؟ في يوم ١٧ يناير ٢٠١٦، أصدرت صفحة الفيسبوك المسماة الصفحة الرسمية لملجأ امين بك ابراهيم - جمعية جنود المسيح بالمنيا منشورًا يقول: يتقدم مجلس إدارة جمعية جنود المسيح القبطية، وأعضاء الجمعية العمومية، بخالص الشكر والتقدير إلى نيافة الحبر الجليل الأنبا إرسانيوس، مطران المنيا، ونيافة الحبر الجليل الأنبا مكاريوس، الأسقف العام. وذلك لمبادرة نيافة الأنبا مكاريوس لعقد اللقاء الذي تم بالفعل في جو أبوي يسوده الود والتفاهم، وتم تقريب وجهات النظر وتوضيح نقاط الاختلاف، وأنّ ما حدث ما كان إلا غيره على مصلحة الأبناء الأيتام. ومننتائج الاجتماع؛ قد تم اﻻتفاق على تخصيص طابقين للملجأ كما كان الحال قبل الحرق والدمار، وباقي الطوابق للمستشفى، واﻻتفاق أيضا أن يكون البدروم مشتركًا بيننا، وسيتم توقيع بروتوكول بما تم اﻻتفاق عليه مع نيافة الحبر الجليل الأنبا مكاريوس. والرب يعمر جميع أماكن الكنائس والبيوت المهدمة. (الصفحة الرسمية لملجأ أمين بك إبراهيم - جمعية جنود المسيح بالمنيا) على الرغم من أن هذا الاتفاق سيتم انتهاكه والنكوص به، وسيتم إعلان هذه الصفحة كصفحة مسروقة في مايو ٢٠٢٢، إلا أنها المصدر الوحيد المتاح لدينا بشأن جهود المصالحة التي رعاها الأنبا مكاريوس، والمذكورة في جريدة اليوم السابع. وبناء على معرفتي بأساليب ودقّة الرقابة داخل المجموعة المتحدة، وبالزميلة "سارة علام" على وجه الخصوص، أستطيع التأكيد على أنها لن تكتب مثل هذا الخبر عن الصلح مجهلًا بـ"مصادر كنسيّة" ما لم تكن هذه المصادر هي ممثل المطرانية على الأقل، أو ما لم يكن نيافة الأنبا مكاريوس نفسه هو مصدر فكرة المصالحة ومصدر جريدة اليوم السابع ((سارة علام، اليوم السابع، تحقيق بعنوان: جلسة صلح تُنهى خلافات جمعية "جند المسيح" ومطرانية المنيا. . الكنيسة قررت تحويل ملجأ أيتام لمستشفى تنفيذًا لرغبة صاحب الوقف. . والجمعية تعترض وتستغيث بالرئاسة. . مصادر كنسية: الأسقف ينهى الأزمة بدبلوماسية. نُشر بتاريخ ١٧ يناير ٢٠١٦. )). يبدو واضحًا أن الصلح تم برعاية الأنبا مكاريوس، أسقف المنيا، مع وصفي عزيز، الرئيس السابق لمجلس الإدارة، واتفق الجميع على أن يتم تخصيص الطابقين؛ الأرضي والأوّل، كملجأ للأطفال تحت تصرف جمعية جنود المسيح كما كان الوضع قبل الحريق، مع حل يد المطرانية في إقامة مستشفى استثماري في الأدوار التي تعلوها، وعليها يقع عبء التراخيص للأدوار المخالفة إن تمت. بناء على الصلح والاتفاق السابق، وفي يوم السبت الموافق ٣ إبريل ٢٠١٦، وقع كلًا من عقيد قوات مسلحة أسامة أنطون عطا الله، عن إدارة الأشغال العسكرية، ونيافة الأنبا أرسانيوس، مطران المنيا وأبو قرقاص، محضرًا رسميًا لتنسيق أعمال ملجأ أمين بك إبراهيم. بموجب هذا المحضر أتفق الطرفان على إقامة مبنى مجمع طبي وملجأ سويًا مكون من ٧ أدوار (بدروم + أرضي + أوّل + ٤ أدوار متكررة) على أن تقوم إدارة الأشغال العسكرية بتنفيذ؛ الأساسات + البدروم + الأرضي + الأول، وعلى أن تقوم المطرانية بتنفيذ ٤ أدوار متكررة على نفقتها. نصّ المحضر أيضًا على تخصيص دورين كملجأ أطفال (بنين) ((تلخيص: محضر تنسيق أعمال ملجأ أمين بك إبراهيم، وأدوار كل طرف من الطرفين. )). وعندما استلمت المطرانية المبنى من هيئة الأشغال العسكرية التي أنهت دورها، لم تقم بإزالة اللافتة التي تشير إلى أن المبنى يخضع للتعمير بواسطة القوات المسلحة حتى توحي للمارة والرأي العام أن مقاولي المطرانية هم نفس مقاولي القوات المسلحة. وبذلك استطاع مقاولو المطرانية بناء دورين إضافيين بالمخالفة، منتحلين صفة هيئة عسكرية لا يستطيع مجلس مدينة المنيا، باعتباره جهة التراخيص، التداخل مع أعمالها أو تعطيلها طيلة فترة الإعمار للمبنى، الذي ضخت الميديا القبطية بالفعل رغبة المطرانية في تحويله لمستشفى استثماري. الأمر الذي يغُل يد محافظة المنيا المشهورة بالتوتر الطائفي، خشية أن يُقابل إنفاذ القانون وإزالة الأدوار المخالفة من المطرانية باعتباره: اعتداء على الكنيسة. يبدو لنا أيضًا أن المطرانية -إن صدقت وعودها الغير مُنفذة- تتجاهل السلامة الجسدية للأطفال في مقابل التوسع الاستثماري الأفقي للمبنى. إذ طبقًا لمحضر التنسيق يتضح أن المبنى مصمم كي يتحمل سبع طوابق وليس تسعة كما هو حادث حاليًا. وعلى هذا يكون وضع الأطفال في أسافل الأدوار لمبنى مخالف البناء، أمرًا يعرض سلامتهم الجسدية للخطر. وعلى الرغم من أن هذا الاتفاق غير مُنصف، إلا أن الجمعية القبطية لم تكن طرفًا فيه ولم يكن لديها خيارات، خاصّة مع توقف الدعم المادي للأقباط في المنيا بناء على خضوعهم لتوجيهات الأنبا مكاريوس. فرضخت الجمعية لما هو مُذعن. طبقًا للمسؤوليات المُحددة في الأوراق، يجب ألا يزيد عدد الأدوار عن سبع طوابق مهما كان الغرض. والأمر يكاد يكون عنادًا مستحيلًا في حالة مستشفى زخم الكثافة العددية ومجهزة بمعدات واجهزة طبيّة ثقيلة الوزن. لا ينبغي تكرار كارثة حريق كنيسة أبو سيفين بمنطقة المنيرة الغربية، والتي كانت شقة سكنية يصلي فيها المسيحيين خلسة قبل توفيق أوضاعها. أدت المرونة مع الكنائس إلى تساهل في معايير السلامة، الأمر الذي أفضى لموت المصلين والكاهن اختناقًا وحرقًا نتيجة احتراق المكيفات ((باسم الجنوبي، Theosis Across Borders، تقرير بعنوان: التعتيم المعلوماتي في حرائق الكنائس، نُشر بتاريخ ۱٤ أغسطس ۲٠۲۲. )). يجب ألا تتهاون أجهزة الدولة مع الكنائس فيما يتعلق بحماية الأرواح وبالأخص الأطفال اليتامى كفئات شديدة الضعف. كما يجب الحذر مع الكهنة كفئات شديدة التواكل على الله ومعتادة الدروشة والاستهانة بالإجراءات الوقائية على سبيل البركاوية القاتلة! أنظر البيان في سطره الأخير والذي هو صادر من دراويش حتى ولو علمانيين (يقولون الرب يعمر، والذي عمّر فعلا كانت الهيئة الهندسية! شالوها وحطوا الرب مكانها وكله ماشي بالبركاوية التي تقتل ثم تُحمل المسؤوليات على الله! ) احتجاج الوجه الجميل بعد انتهاء فترة مجلس الإدارة لجمعية جنود المسيح وانتخاب مجلس جديد، أجرى بيمن فايق، رئيس مجلس الإدارة الحالي، حصرًا لممتلكات وأدوات الجمعية، وتم اكتشاف أن صفحة الجمعية على فيسبوك، والمشار إليها بالأعلى، ليست تحت تصرف مجلس الإدارة، وليسوا هم من يكتب عليها، وبناء عليه، أبلغ كل المعنيين بسرقة الصفحة القديمة. يمكنك متابعة الصفحة الحاليّة لجمعية جنود المسيح على الفيسبوك، بالضغط على هذا الرابط، وستجد المنشور الخاص بسرقة الصفحة القديمة مثبتًا في أعلى الصفحة. تجتهد الإدارة في الصفحة الحالية في عرض الوجه الجميل للكنيسة والدولة، لذلك، لا تتعجب إن وجدت رصدًا وتوثيقًا لزيارات الأنبا مكاريوس نفسه للملجأ. في الحقيقة فإن جميع أطفال الملجأ هم شمامسة، ويواظبون على الكنيسة بانتظام، ولا تندهش مطلقًا إن وجدت بعضهم نال جوائز تقدير من الأنبا مكاريوس نفسه، ففي كل الأحوال هم أبناء رعيّته، والذين يجتهد العاملون بجمعية جنود المسيح على عدم إقحامهم قدر الإمكان في النزاع الدائر بينهم وبين المطرانية، تمامًا كما يجتهد العلمانيين قدر إمكانهم في الفصل بين التعليم الروحي الذي يخضعون فيه لكهنة الكنيسة، وبين واجبهم المقدس في الإشراف المالي والإداري على نفس الكهنة فيما يتعلق بالممتلكات العامة للكنيسة، أو الأوقاف القبطية، أو الملاجئ ودور الأيتام مثل ملجأ أمين بك إبراهيم. على الرغم من هذا، ما لن تجده في الوجه الجميل لصفحة جنود المسيح بالمنيا، هو ثقافة الاحتجاج! قد نعارض جميعًا استخدام الأطفال في الوقفات الاحتجاجية وتعريضهم لصراعات نفسية في مثل هذا العمر، لكن مع تعنت وإصرار مطرانية المنيا، فإننا نضع ثقتنا في الله، وإنه لن يترك أولئك الأطفال اليتامى دون حماية تفوق حمايتنا. . والله غالب! الأطفال تهتف: عايزين المبنى بتاعنا، عايزين نرجع مكاننا وأحد المارة يظهر صوته مستنكرًا: عليّا النعمة ما هاتاخدوه تُسلّط حكاية "أمين بك إبراهيم" الضوء على دور العلمانيين في خدمة مجتمعاتهم، وتحويل الوصم بـ"عدم الإنجاب" من انقطاع اسم ولقب وسلالة، إلى طاقة بّناءة تجعل اسم أمين إبراهيم حيًا إلى الآن. تثير القصة شجون حزينة حين تذّكّرنا بالصفقات المريبة للكنيسة مع الدولة بشأن التبني وتراجع مدنيّة الدولة، لكنها تلقي على العلمانيين الأقباط، جنود المسيح في أرض مصر، مسؤولية الدفاع عن دورهم الطبيعي في الكنيسة متخذين من قصة أمين إبراهيم أملًا وعبرة. تكشف القصة عن التحديات الأخلاقيّة الكبرى التي يواجهها مجتمع كنسيّ معقد ومتنوع يسيطر فيه رجال الدين على القرارات والممتلكات وإدارتها، ويحاربون استقلال الجمعيات المدنية بتوجيه المال الديني بعيدًا عنها لتجفيفها اقتصاديًا والاستحواذ على ملكية وإدارة منعتهم الشريعة الإلهية منها، ومكّنتهم الدولة منها. تثير الحكاية مخاوفًا بشأن مستقبل المجتمع المسيحي حين يلعب الدين دورًا متزايدًا في الحياة العامة، وحين يخضع المال المسيحي للاحتكار داخل جدران الكنيسة التي لا تخضع للرقابة، وتسير بغموض الثقة وليس بشفافية المحاسبة. بالنهاية، من خلال اتخاذ قرارات اليوم، يمكننا ضمان أن يظل اسم أمين بك إبراهيم حيًا إلى الأبد، وأن يكون إرثه مصدر إلهام للأجيال القادمة. --- ### مركز المسيّا في مملكة إسرائيل - Published: ۲۰۲٤-۰٦-۰۲ - Modified: 2024-06-02 - URL: https://tabcm.net/25920/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: الأب متى المسكين, بنتاتوخ, توراة, مجلة مرقس, مملكة إسرائيل "مركز المسيّا في مملكة إسرائيل"، بقلم الأب متى المسكين، نُشر أوّل ما نُشر في مجلة مرقس، عدد فبراير ١٩٧٩، الصفحات من ١٣ إلى ١٨ مملكة إسرائيل قامت منذ البدء على أساس تكوين لاهوتي، سواء من جهة شخصية الملك الذي يدبرها ويحكمها، أو من جهة دستورها الذي تعيش وتنمو به، أو من جهة غايتها في المستقبل القريب والبعيد. فالله كان يقودها في البداية بنفسه، سرًا وعلنًا، من الخارج بقوة فائقة لمواجهة أعدائها، ومن الداخل بحضوره الشخصي أحيانًا وبأنبيائه يكلمهم عن الحياة الأفضل... أما دستور مملكة إسرائيل فكان منذ البدء الناموس الأدبي والأخلاقي الذي سلمه لهم في الوصايا العشر وكافة الشرائع الروحية الأخرى. وأما غاية مملكة إسرائيل فكان إعلان مجد الله لكافة الأمم واستعلان ملكوته الآتي على كل الشعوب في شخص المسيا. لقد أدت مملكة إسرائيل خدمتها العظمى والأخيرة بتقديم المسيا للعالم، وهنا أوج مجدها ونهاية تاريخها، فمملكة إسرائيل وشعبها بكافة تاريخها كله وملوكها وأنبيائها لم تنل مجدًا في عين الناس ولا كرامة لدى العالم كله إلا بسبب ظهور هذا "المسيا" ليكون مخلَّصًا للعالم ونورًا لكافة شعوب الأرض. والواقع الحي أن "إسرائيل المسيحية" أي كافة اليهود الذين قبلوا المسيح من كهنة وكتبة وفريسيين ورؤساء الشعب، وبالأخص جدًا التلاميذ الإثني عشر مع الرسل السبعين الذين بشروا المسكونة كلها، وبقية التلاميذ الذين تشتتوا من جراء الضيق مبشرين بالمسيح في كافة أنحاء الأرض، هؤلاء هم جيش إسرائيل العظيم والحقيقي الذي انقضَّ بقيادة المسيا غير المنظور على أكتاف الشعوب شرقًا وجنوبًا وعلى موآب والآراميين وأشور ومصر وكل جزر البحر واليونان وروما وأسبانيا وأفريقيا، حتى أخضع كل الأرض لسلطان الله في شخص المسيا الذي هو ملك إسرائيل الحقيقي. إذن فبالإيمان بالمسيح صارت الشعوب كلها مدينة بل مستعبدة بالروح لإسرائيل في شخص المسيا، وأسيرة بحبها وأمانتها لمملكة داود في شخص "ابن داود"، هذه هي الوسيلة الجديدة التي ورثت بها إسرائيل شعوب الأرض كلها أي بالإيمان بالمسيح، وبالخضوع الكلي لسلطانه وبالأمانة المطلقة لملكه فصارت هذه الشعوب كلها بالضرورة ضمن مملكة داود أو مملكة إسرائيل الحقيقية اللانهائية! هذه الصورة لمعنى الميراث الروحي الجديد يبرزها عاموس النبي في آخر سفره، بحيث يكشف الروح المعنى الروحي الجديد لمفهوم ميراث إسرائيل للأمم بقوله أن الأمم التي ستتبع إسرائيل (روحيًا) هي الأمم التي "دُعي اسم الله عليها" أي التي قبلت الإيمان: في ذلك اليوم أُقيم مظلة داود الساقطة وأُحصَّن شقوقها وأُقيم ردمها وأبنيها كأيام الدهر لكي يرثوا بقية أدوم وجميع الأمم الذين دُعي اسمي عليهم يقول الرب الصانع هذا (عاموس ۹ : ۱۱، ۱۲) وهنا التبس الأمر على عامة الشعب والأميين حتى من رجال الدين، ففهموا أن المسيا سيرُدَّ الملك لإسرائيل ويجدد عهد حروب داود وانتصاراته وأمجاده الدنيوية، ولذلك عثروا في المسيح عشرة لا قيام منها لما سمعوه يتكلم عن طوبى للمساكين بالروح لان لهم ملكوت السموات، وكانوا على وشك أن ينصَّبوه ملكًا لولا أنهم سمعوه يقول طوبى لكم إذا طردوكم وعيروكم وقالوا فيكم كل كلمة شريرة من أجلي كاذبين، وحينئذ تيقنوا أنه ليس هو المسيا الذي ينتظرونه، وهو أيضًا أدرك أنهم ليسوا بني الملكوت الذي يدعو إليه! ! ولكن من المؤسف أن شعب إسرائيل لم يؤمن بالمسيا الذي هو رجاء إيمانهم وحياتهم وملكهم الروحي الذي ظلوا يترجونه ما يقرب من ألفي سنة. وفي الحقيقة من الصعب جدًا ومن غير المعقول أن نتصور إمكانية قيام مملكة إسرائيل بدون المسيح (المسيا)، فالمسيا ليس هو رجاء إسرائيل فحسب، بل هو قانونها الروحي الذي تعيشه ودستورها السياسي الذي تبذل حياتها من أجله وناموسها الأدبي والأخلاقي الذي تنبع منه وتنتهي إليه كل مملكة إسرائيل. فالمسيا أساس وجودها وغاية رجائها بل ومعنى اسمها. إن إسرائيل برفضها وصلبها للمسيح قد رفضت حياتها في الله، وصلبت كافة نواميسها الأدبية والأخلاقية والروحية، ثم إن تشبثها بعد ذلك بإمكانية قيام دولة منفصلة عن المسيح يجرَّدها من كل ماضيها الإلهي أيضًا أي من تاريخها الروحي كله، ويحصرها في معنى وحدود دولة أرضية وشعب يكافح من أجل البقاء على الأرض والحصول على لقمة العيش. ولكن الله في الأصل وفي الأساس لم يقم مملكة إسرائيل لتكافح من أجل شِبر أرض في فلسطين تسكنه، أو الاستيلاء على صحراء لتزرعها، بل لكي ينبعث من حياتها وروحها وناموسها وأنبيائها نورًا للأمم! ! فيغطي مجدها العالم كله. إن ميراث مملكة إسرائيل الحقيقي ليس هو فلسطين بل العالم كله "روحيًا"، لأن ملكها الحقيقي هو المسيح، والمسيح يسود الآن على ملوك العالم، وبالنهاية سيخضع له العالم كله. إن "روح العبادة" التي سلمتها إسرائيل للعالم بواسطة التوراة، بما فيها من ناموس أدبي فائق وناموس أخلاقي روحاني لا نظير له، يُعبَّر عن أعظم ميراث ورثه العالم من شعب. ونحن لو تتبعنا مراحل النمو التي جازها هذا الناموس الروحي الأدبي والأخلاقي على مدى تاريخ مملكة إسرائيل، منذ أن سلَّم الله لموسى الوصايا العشر وحتى آخر ملك انتهت إسرائيل على يديه، نجد أنه لم يظهر بدقائقه الروحانية ولم تكمل دائرته الإنسانية الهائلة وعمقه الإلهي اللانهائي إلا في أيام المحن القاسية وأثناء مرارة السبي. والذي يدرس تاريخ إسرائيل الروحي يتعجب لأن أعظم أنبيائها وأعظم نبواتها وأعمق وأصدق تعاليمها لم تصدر إلّا في أيام السبي وما سبقه من مخاض كمخاض الموت وما لحقه من مذلة كمذلة العبيد، حيث تصفَّت روح النبوة من كل تعلق بآمال المجد الدنيوي الباطل، وتنازلت نهائيًا عن القوة والبأس والنقمة والقتل، واتخذت عوضها السلام والبر والأمانة ومخافة الله كمعيار أعلا لمُلك المسيا! ! واستعلان ملكوت الله في شخص المسيا بدأ مبكرًا جدًا مع بداية مملكة إسرائيل، ونقرأ عنه بغاية الوضوح في أول أسفار التوراة لا يزول قضيب من يهوذا ومشترع من بين رجليه حتى يأتي شيلون وله يكون خضوع الشعوب (تكوين ٤٩ : ١٠)، حيث شيلون هنا بمعنى "حاكم السلام"، وهنا أول إشارة إلى طبيعة المسيا الروحانية. ومن هذا التبكير في الإشارة إلى المسيا، يتضح أن غاية الله من إقامة مملكة إسرائيل هي أساسًا ومن البدء لاستعلان المسيا وملكوت الله بين كافة الشعوب. وبمرور الزمن تبلغ مملكة إسرائيل منتهى اليأس من جهة إمكانية حكم الملوك عليهم حكمًا حكيمًا عادلًا حسب مشيئة الله. كما يبلغ الشعب منتهى اليأس من قدرتهم على طاعة الله واستجابتهم لوصاياه حسب الدستور الروحي الذي وضعه لهم. وبذلك بدأت تزداد الحاجة إلى المسيا جدًا في أواخر الأيام التي ازدادت فيها حالة المملكة سوءًا بسبب رداءة حكم ملوكها وعدم طاعة شعبها لله، الأمر الذي تسبب عنه تخلي الله عن مملكة إسرائيل ووقوعها فريسة تحت نقمة أعدائها مرات كثيرة... ومن واقع الحال الذي انحطت إليه مملكة إسرائيل من جهة رداءة الحكم ومن جهة إخفاق الشعب في طاعة نواميس الله الأدبية والأخلاقية، بدأت تتركز حاجة إسرائيل إلى ملك يكون له الصفات التي تمِّكنه من الحكم الكامل والصالح، كما ظهرت الحاجة الشديدة إلى قوة روحانية تزيد الشعب قدرة على معرفة الله وطاعة وصاياه ونموهم في البر. . وهنا بدأت صورة المسيا تأخذ كل صفاتها المطلوبة والتي يحتاجها كافة العالم فعلًا. وتحت هذا الإلحاح بدأ الروح القدس يعلن للأنبياء أوصاف المسيا: يخرج قضيب من جزع يسى وينبت غصن من أصوله، ويحل عليه روح الرب؛ روح الحكمة والفهم؛ روح المشورة والقوة؛ روح المعرفة ومخافة الرب. ولذّته تكون في مخافة الرب، فلا يقضي حسب نظر عينيه ولا يحكم بحسب سمع أذنيه، بل يقضي بالعدل للمساكين ويحكم بالإنصاف لبائسي الأرض. ويضرب الأرض بقضيب فمه، ويميت المنافق بنفخة شفتيه. ويكون البر منطقة متنيه، والأمانة منطقة حقويه. لا يسوءون ولا يفسدون في كل جبل قدسي لأن الأرض تمتلئ من معرفة الرب كما تغطي المياه البحر. ويكون في ذلك اليوم أن أصل يسَّى القائم راية للشعوب، إياه تطلب الأمم ويكون محله ممجداً (إشعياء ١١ : ١-١٠) والملاحظ جدًا أن تصوير المسيا كملك هو في الواقع تصوير مجازي، لأن حكومته حسب النبوة تشمل العالم كله، كما أن قوته التي سيعاقب بها هي كلمة فمه، وسلامه الذي يميت به المنافقين (أعدائه) هي نفخة شفتيه. وقدرته هي برُّه وشدته في أمانته. أما شعبه الحقيقي فحسب النبوة هم المساكين، واهتمامه الأساسي يكون لبائسي الأرض. ودستوره الذي يحكم به الأرض لا ينحصر في وصايا ولكنه يفيض بالمعرفة حتى تغطي المعرفة وجه الأرض. وهو لا يغزو الأمم ولا يسعى وراءها ولكن الشعوب تنجذب إليه كما ينجذب الشعب إلى راية خلاصه، وتتبارى الأمم في طلب ودِّه. ومن هذه النبوة نستطيع أن نرى مقدار صحة إدراك الأنبياء لأوصاف المسيا الروحية وأوصاف الملكوت القادم التي تخلو من التصويرات المادية أو العنصرية الصرف. فعمومية الملكوت واضحة. ولكن لأن الأنبياء أدركوا بالروح أن مجيء المسيا وتأسيس الملكوت الآتي سيقع حتماً في صميم الزمان لا في نهايته، بدأوا يصبغون نبواتهم عن الملكوت والمسيا بصبغة زمنية يتخللها رنة الأعمال والأوصاف التي تشابه أعمال وتصرفات الملوك المقتدرين، وهذا مما أوقع عامة الشعب والمتعصبين من إسرائيل في الإحساس بأن الملكوت الآتي سيكون ملكًا زمانيًا صرفًا بأمجاد أرضية، وملكه سيكون إسرائيليًا متعصبًا لإسرائيل. لأنه يولد لنا ولد ونعطى ابنًا وتكون الرئاسة على كتفه ويدعى اسمه عجيبًا مشيرًا إلهًا قديرًا أبًا أبديًا رئيس السلام، لنمو رياسته وللسلام لا نهاية على كرسي داود وعلى مملكته ليثبتها ويعضدها بالحق والبر من الآن وإلى الأبد. (إشعياء ٩ : ٦،٧)   ها أيام تأتي يقول الرب، وأقيم لداود غصن برَّ فيملك ملك وينجح ويجري حقًا وعدلًا في الأرض، في أيامه يخلص يهوذا ويسكن إسرائيل آمنًا وهذا هو اسمه الذي يدعونه به الرب برنا. (إرميا ٢٣ : ٦،٥) وقد تمادى الشعب وخصوصًا المتعصبون لوطنيتهم وأرضهم والمتحمسون ضد أعدائهم في تصور المسيا لأنفسهم كملك سينتقم لإسرائيل أشد النقمة فيسحق أعداءهم ويوسع تخومهم الأرضية ليمتلكوا أراضي كافة الأمم حولهم وبالأخص الذين أذلوا إسرائيل وأهانوها واستعبدوها فيما مضى. ويجعل إسرائيل فوق الممالك كلها لتسود وتحكم على شعوب الأرض. وقد وقع الشعب في هذا التصور الخاطئ للمسيا بسبب الالتباس في فهم وظيفة مملكة إسرائيل التي قامت على أساسها وبسببها وهي أن تكون خادمة لشعوب الأرض لا سيدة عليهم، لأن عملها الأول والأخير هو توصيل رسالة النور والخلاص للعالم عن طريق المسيا حيث تكون خدمتها هذه هي هي بعينها مجدها وعظمتها وسيادتها التي سيظل يذكرها لها العالم كله بالشكر والعرفان. وهذا أشار إليه سمعان الشيخ بفم إسرائيل كلها عندما حمل الرب يسوع على يديه طفلًا وقال بالروح: الآن تطلق عبدك يا سيد حسب قولك بسلام لأن عيني قد أبصرتا خلاصك الذي أعددته قدام وجه جميع الشعوب، نور استعلان للأمم ومجدًا لشعبك إسرائيل. (لوقا ۲ : ۳۲) مركز المسيّا في مملكة إسرائيل بقلم الأب متى المسكين، نُشر أوّل ما نُشر في مجلة مرقس، عدد فبراير ١٩٧٩، الصفحات من ١٣ إلى ١٨ --- ### الابتعاد الحذر - Published: ۲۰۲٤-۰٦-۰۱ - Modified: 2024-07-05 - URL: https://tabcm.net/25832/ - تصنيفات: كتاب مقدس, مقالات وآراء - وسوم: آدم, أنبا بنيامين، مطران المنوفية وشبين الكوم, بروتستانت, قديس بولس الرسول, كيرلس رفعت ناشد قبل أكثر من عقد من الزمان، هاجرت إلى كندا حاملًا شغفًا متقدًا بكلمة الرب، كما كان الأمر في الخليج العربي سابقًا. ففي الخليج، التقيت بخدام من جميع أنحاء العالم. وأقر بأن معرفتي الحقيقية بالرب كانت هناك، وتحديدًا في المملكة العربية السعودية، حيث كان وقتئذ كل شيء حرامًا محظورًا. وكانت عقوبة حيازة الكتاب المقدس تصل إلى السجن أو الترحيل أو حتى الموت. ومع ذلك، استخدم الرب كل تلك الظروف لمجد اسمه، وزرع بذرة كلمته المقدسة في داخلي، ونمت وأثمرت ثمرًا كثيرًا. لقد أحاطني الله بأشخاص كثيرين ساهموا في نموي الروحي. ومن بين هؤلاء كان هناك خدام من طوائف مختلفة، وعلى الرغم من أن معظمهم كانوا عثرة أكثر من أن يكونوا سببًا لمجد الله، لكن هكذا تُنضج المحن والتحديات ثمار الروح. ولذلك، عندما هاجرت إلى كندا، كنت متحمسًا بشدة للخدمة، معتقدًا أن الرب سيفتح بابًا عظيمًا لها. فها نحن هنا، في كندا، بلد الحريات! ولا بد أن تكون الكنيسة هنا ذات عقول منفتحة، تقبل من لديهم غيرة حسنة في الخدمة، وقادرة على التمييز بين الخادم الصادق والمنافق المتملق. كنت أصلي بلجاجة وبإيمان طالبًا من الرب أن يستخدم إنائي أينما كنت، ولكيلا أطيل عليك عزيزي القارئ، حضرت اجتماعاتٍ عديدة هنا وهناك، وكانت كلمة الرب تُحرك قلبي بقوة وتنخسه، وكأن هناك تعليمًا عميقًا ينتظر أن ينفجر داخل روحي، كما قال إرميا؛ فكان في قلبي كنار محرقة محصورة في عظامي، فمللت من الإمساك ولم أستطع. (إرميا ٢٠: ٩)، وحانت الفرصة حين التقيتُ مع مسئول عن الكنيسة، وعرضتُ عليه خدمتي كخادم يحب كلمة الرب ويتوق للخدمة. في رحلتي مع الرب، أدركتُ موهبتي التي منحني إياها الروح القدس، وهي موهبة التعليم، وليس الوعظ، وهنالك فرق كبير! لكن في تلك اللحظة المفاجئة، أدركت الصدمة التي لم أستوعبها آنذاك، وهي أنه يتعين عليّ تقديم أوراق اعتماد تختلف تمامًا عن تعاليم كلمة الله من أجل أن أخدم. كانت هذه الأوراق الاعتمادية كلها بشرية، ولم يسألني المسئول عن أي شيء يتعلق بكلمة الله، أو عن حالتي الروحية، أو أي شيء من هذا القبيل.  في تلك اللحظة، أدركت أن باب الخدمة مغلق في هذه الكنائس بمفتاح، وللأسف حتى الرب نفسه لا يملك هذا المفتاح لأنه بالكاد يملك هذه الأماكن، بل هي ملك لأشخاص معينين ومعتمدين، ومن ثمّ، هي أيضًا ملك لأهوائهم. خلال وجودي هناك، التقيت بشخص عرفته في فترة غربتي في الخليج. لاحظت وجوده في صفوف الخدمة الأولى، وتحدثنا معًا. كان يعرفني جيدًا وأنا أيضًا أعرفه. وعندما سألته عن طبيعة الخدمة هناك، قال لي حرفيًا إنه من أجل الوصول إلى منصبه الحالي، قدم تنازلات لا حصر لها، وانحنى أمام الكثيرين، وكان عليه أن يُظهر الطاعة العمياء، وفي كل مرة كان يواجه فيها عقبة أو تحديًا، كان عليه أن يتملق ويتسلق للوصول إلى ما هو عليه الآن. وهو بارع حقًا في هذا. لكني أعرف نفسي جيدًا، فأنا لا أجيد التملق حتى في حياتي العملية. فكيف لي أن أمارس شيئًا لا أتقنه؟ وأين؟ هنا في كنيسة الله؟ قاعدة الحق كما يسميها بولس الرسول؟ في بيت الله، الذي هو كنيسة الله الحي، عمود الحق وقاعدته. (١ تيموثاوس ٣: ١٥) وبما أنني لا أجيد لغة التملق ولا أسلوب التسلق، فلم يكن أمامي سوى خيارين لا ثالث لهما؛ إمّا أن أترك كنيسة آبائي القبطية الأرثوذكسية وأتجه إلي كنيسة أخرى، أو أن أغلق علي نفسي بابي واقرأ كتابي المقدس وأتعلم من الروح القدس وأنتظر الرب وأقف علي المرصد، لعل الرؤيا تتحق في الميعاد حسب توقيت السماء، واخترت بكل أريحية وبكل رحب الاختيار الثاني، وجلست في المقعد الأخير. لكن وعلى كل هذا، لم اسلم من ألسنة أولئك الذين يعطون لأنفسهم حق حماية الإيمان، بل مجرد أن افتح فمي أو يأتي ذكر اسمي، كانوا يوصمون اسمي بالبروتستانية وكأنها سبة أو جريمة، علي غرار ما يحدث في كنيسة المنوفيّة مع كيرلس رفعت ناشد، الذي اتُهم بالبروتستانتية من قبل الأنبا بنيامين، وفي محاكم طنطا بات متهمًا بازدراء الدين المسيحي،  تكاد تندرج هذه السبة تحت جريمة ازدراء الأديان! فيا حراس الشريعة، لم يقم الرب حراس لشريعته ليغلقوا الأبواب أمام وجوه طالبيه، بل أقام الرب حراس ليقفوا علي الأسوار ليذكروا الرب ليلًا و نهارًا كما قال إشعياء؛ على أسوارك يا أورشليم أقمت حراسًا لا يسكتون كل النهار وكل الليل على الدوام. يا ذاكري الرب لا تسكتوا. ولا تدعوه يسكت، حتى يثبت ويجعل أورشليم تسبيحة في الأرض. (إشعياء ٦٢: ٦، ٧) هذا يعني أن دور حراس الرب هو: تذكير الناس باستمرار بالرب ووصاياه. والتأكد من أن صوت الرب يُسمع دائمًا. وحث الناس على الصلاة إلى الرب والتضرع إليه من أجل المساعدة. وأن يثبتوا في إيمانهم ويجعلوا من حياتهم تسبحة إلى الرب. وعلى هذا، فإن دور حراس الرب ليس إدانة الناس أو إبعادهم عن الرب، بل مساعدتهم على الاقتراب من الرب أكثر وأكثر. لم يكن دور حراس الرب حماية معبد الله، بل حماية "قداسة الرب"، أي البشر. وكانوا مسئولين عن تحديد ما إذا كانت ذبائح البشر مقدمة بقلوب نقية أم أنها كانت بقلب أغلف مغطى بطبقة مغشوشة من النفاق والتملق الكاذب والاستعلاءات الدينية الزائفة، فحراسة قداسة الرب تختلف اختلافًا جوهريًا وكليًّا عن حراسة المبنى المادي أو جدران الهيكل. اقرأ معي في سفر حزقيال، الإصحاح ٤٤: فقال لي الرب: يا ابن آدم اجعل قلبك وانظر بعينيك واسمع بأذنيك كل ما أقولة لك عن كل فرائض بيت الرب وعن كل سننه، واجعل قلبك على مدخل البيت مع كل مخارج المقدس. وقل للمتمردين لبيت إسرائيل هكذا قال السيد الرب. يكفيكم كل رجاساتكم يا بيت إسرائيل بإدخالكم أبناء الغريب الغلف القلوب الغلف اللحم ليكونوا في مقدسي فينجسوا بيتي بتقريبكم خبزي الشحم والدم. فنقضوا عهدي فوق كل رجاساتكم. ولم تحرسوا حراسة أقداسي بل أقمتم حراسًا يحرسون عنكم في مقدسي. (حزقيال ٤٤: ٥-٨)   وللحديث بقية. . --- ### الناموس ضعيفًا بالجسد - Published: ۲۰۲٤-۰۵-۳۱ - Modified: 2024-05-30 - URL: https://tabcm.net/25793/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: آدم, الابن الضال, الشيطان, قديس بولس الرسول نخصص هذا المقال لمزيد من الشرح عن معني” الناموس ضعيفًا بالجسد“، وماذا عجز الناموس عن تحقيقه؟ ولماذا؟ و ربما نسوق هذا المثال التمهيدي كتوضيح تقريبي للموضوع. فأحيانًا يقف الأطباء النابهين عاجزين أمام المرض رغم أن لديهم العلاج الناجح للمرض. ولكن لأن حالة المريض لا تحتمل العلاج. فالعلاج في حد ذاته يقضي علي المريض الذي قد تمكن منه مرضه. وكأن المريض قد توحَّد مع المرض فصار القضاء علي المرض بالعلاج هو قضاء علي المريض. هنا يكتفي الطبيب بما نسميه في الطب بعلاج الأعراض Symptomatic Treatment وليس أستئصال المرض وذلك حرصًا علي المريض. هذا المثال يوضح دور الناموس/ وصية الله في العهد القديم. فالناموس عجز عن خلاص الإنسان الذي سقط بإرادته وبغواية الشيطان/ الحية القديمة، فخرج من جنة عدن منفصلًا عن حياة الله، وينتظر الموت والعدم كنتيجة لذلك. فالناموس كان عاجزًا عن أبطال مرض البشرية، ليس لعيب في الناموس، ولكن لأن تطبيق ما جاء به الناموس من نفع وعلاج للإنسان، كان كفيلًا في حد ذاته أن يقضي علي الإنسان المريض. وقد وصف الكتاب هذا الوضع بدقة إذ قال أن الناموس كان ضعيفًا عن أن يخلِّص الإنسان، وسبب ضعفه ليس فيه بل في المريض/ الجسد/ طبيعة الإنسان الذي صار ميتًا. فموت الإنسان بالانفصال عن حياة الله قد وصفها الكتاب في مثل الابن الضال علي لسان أبيه عند عودته ابني هذا كان ميتًا فعاش (لوقا ١٥) هذا ما شرحه الكتاب أيضا بخصوص الناموس / وصية الله من جهة خلاص الإنسان قبل تجسد المسيح: أما أنا فكنت بدون الناموس عائشًا قبلًا. ولكن لما جاءت الوصية عاشت الخطية، فمت أنا (رومية٩:٧) إن مرض البشرية كان هو ”موت الخطية“. لقد تحوَّل آدم وبنيه بالخطية عن الانتماء لله وحياته إلي الانتماء للشيطان وسلطان الموت. وبالتالي فإن العلاج هو في التحول العكسي وتطبيق وصايا الله والانتماء إلي حياة الله. فالوصية في حقيقتها هي حضور الله. و علي مدي تاريخ الله مع الإنسان (التاريخ اليهومسيحي) فقد أعلن الله سبحانه مرارًا أن شخصه القدوس تبارك اسمه، هو أمتداد واحد في أسمه ونعمته و وصاياه وحضوره وقداسته. والناموس أستعلن الله في وصاياه لشعب إسرائيل، الذي أختاره الله وسط شعوب الأرض ليُظهِر أسم الله ووجوده بينهم. وكما قال ق. بولس أن الوصية التي كانت للحياة صارت للموت فوجِدَت الوصية التي للحياة هي نفسها لي للموت (رومية ١٠:٧). لأنها حكمت عليه بالموت لما جاءت الوصية عاشت الخطية، فمت أنا. فوجود الله ووصيته تحرق الشر والإناء الذي يحمله لأن إلهنا نار آكلة (عبرانيين ٢٩:١٩) وربما هذا كان المعني الغير مباشر في قول الرب عن أختياره شاول الطرسوسي ليصير بولس الرسول أنه يصير أناء مختار لي، بعد أن كان إناءًا للشر. وبسبب الناموس أنتبه وعي البشرية إلي احتياجها للمسيح ليخلصها من موت الخطية. أي من الموت الذي أمسك بطبيعة آدم عندما أخطأ، ثم أستمر يخطئ بسبب الموت الذي ساد عليه. فالعقرب هو موتٌ متحرك عن طريق السم الذي في شوكته (الخطية) أين شوكتك يا موت؟ أين غلبتك يا هاوية؟ أما شوكة الموت فهي الخطية، وقوة الخطية هي الناموس. ( كورنثوس الأولي ٥٥:١٥). ولأن الناموس هو الذي أعلن عن أن نتيجة الخطية هي الموت أي الانفصال عن الله، لذلك قالت الآية أن قوة الخطية هي الناموس لذلك فإن الخلاص هو في إبطال الموت. وبذلك أتضح للإنسان المأزق الوجودي الذي يهدد وجوده بعد السقوط وغواية الشيطان. فقد صار تنفيذه وصية الله والجهاد من أجل البر والصلاح هو في حد ذاته حكم هلاك عليه لأن كينونة الإنسان نفسه صارت متماهية مع كينونة الشرير بانتمائها للشرير وتغربها عن الله. لذلك كانت تكملة الآية أعلاه (كورنثوس الأولي ٥٥:١٥) ولكن شكرًا لله الذي يعطينا الغلبة بربنا يسوع المسيح. وانتظرت البشرية وتحرقت لمجيء المسيح المخلص لكي بتجسده تدخل حياته الإنسان وتتجدد طبيعتنا بحياة اللاهوت. وهكذا نفهم دينونة المسيح للخطية والشيطان في الجسد. فعندما يأتي الشيطان يطلب القبض علي الإنسان لأنه طبيعة عتيقة تنتمي إلي الشيطان، فإنه يتواجه مع دينونة المسيح له لا يحق لك. فقد تجددت طبيعة الإنسان في بشرية المسيح. هذا ما صرح به المسيح أن الشيطان يأتي وليس له فيَّ شيئ. هنا تعود الوصية وطاعة الإنسان لها علامة علي سكني الله قلب الإنسان. وهنا ينطبق المثيل علي المثيل كما شرح الرب: وليس أحد يجعل خمرا جديدة في زقاق عتيقة، لئلا تشق الخمر الجديدة الزقاق، فالخمر تنصب والزقاق تتلف. بل يجعلون خمرًا جديدة في زقاق جديدة. (مرقس٢٢:٢) والسُبح لله. --- ### خلقيدونية؛ المدخل إلى الشخصيات والأحداث - Published: ۲۰۲٤-۰۵-۳۰ - Modified: 2025-02-02 - URL: https://tabcm.net/25617/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: آريوسية, أوريجينوس ليونايدس أدامانتيوس, إكليروس, الكنيسة الجامعة, بابا لاون الأول، بابا روما, مجمع خلقيدونية, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية أربع كراسي رئيسية شكلت مسيحية الأجداد؛ أورشليم، أنطاكيا، الإسكندرية، وروما، من بين هذه المدن، برزت روما تدريجيًا بسبب مكانتها كعاصمة للإمبراطورية الرومانية، التي كانت القوة المحتلة للعالم المسيحي كله، ومع ذلك، فإن مكانة روما المتميزة لم تكن قائمة في البداية على كونها مركزًا للقديس بطرس، كما يُعتقد، لو كان هذا هو الحال، لكان من المنطقي أن تكون أنطاكية هي المركز المسيحي الرئيسي، حيث أسس بطرس الكنيسة هناك، وحيث دعينا مسيحيين ابتداءًا. ثم انقسمت الامبراطورية إلى جزأين غربي وشرقي. أصبحت روما عاصمة الجزء الغربي (اللاتيني)، بينما أصبحت القسطنطينية عاصمة الجزء الشرقي (اليوناني) وتحولت القسطنطينية من قرية صيادين صغيرة الى عاصمة للامبراطورية الشرقية في نهاية القرن الرابع، وكان لزاما اعادة صياغة العلاقات المسكونية، واقتطاع النفوذ لصالح كرسي "الامبراطورية" خصما من الكراسي المتواجدة فعلا، فنفوذ اسقفها مستمد من مكانة الامبراطور نفسه وربما كان أحد أسباب عقد مجمع خلقيدونية الرئيسة هو انتزاع اعتراف يساوي بين القسطنطينية وروما كانت الإسكندرية مركزًا مبكرًا للفكر المسيحي، بمدرستها اللاهوتية ذائعة الصيت، في حين لعبت أنطاكيا دور المورد لكل الهرطقات التي مرت على الكنيسة الشرقية في عصورها المبكرة، حتي آريوس، والذي يصنف كقس سكندري، تلقي تعليمه على يد معلمين أنطاكيين، وكان لزاما والحالة هكذا أن تتعدد الصراعات بين المدرستين، وأن تتحول بعض الصراعات إلى مجامع مسكونية. لم يعدم الغرب الهرطقات بالطبع، كالبيلاجية مثلًا، ولكن هذه الهرطقات كانت شأنًا داخليًا "لاتينيًا" دون تأثير يذكر على الكنيسة الجامعة. في الشرق، كانت أورشليم تميل إلى الإسكندرية لاهوتيًا، في حين مال معظم الشرق نحو أنطاكية. والاستثناء الأكبر كان الآباء الكبادوك والقديس ذهبي الفم. بينما كانت روما تتفق مع التعليم السكندري بتمامه، وكان البادي أنّ ما صدر من إحداهما وكأنه صدر من الأخري، حتي أتي البابا لاون على عرش روما بحسابات مختلفة. حتي نيقية؛ كانت مواجهة الهرطقات هي شأن ديني بحت، يتولى تفنيده ومواجهته ودحضه اللاهوتيين والفلاسفة (ولعل المثال الأكبر هو العظيم أوريجينوس)، وبقى الأمر شأنا دينيًا. بعد نيقية، وبعد اعتناق الحكام وبلاطهم المسيحية، أصبحت "الاضطرابات الفكرية" شأنًا إمبراطوريًا، تقاس خطورته بمدى تأثيره على الامبراطورية، ويتم مواجهته بصورة إجرائية رسمية، وبأدوات إكليروسية، وأصبح للبلاط الإمبراطوري الدور الأكبر في توجيه الأحداث. بعد أن أصبحت المسيحية "دينًا ودولة" في نيقية، شاب المؤسسة الكنسية على كل المستويات ضعف بالغ. فبعد كل المصاعب التي واجهها أباؤنا الرسل والرسوليون ومن تلاهم من الأساقفة من تحديات خارجية واضطهادات من السلطة الزمنية، والأديان الأخرى، أصبحت الحظوة الدينية والسياسية هي مطلب جميع الإكليروس وسعيهم الدائم. فتحولت التحديات والصراعات إلى الداخل، داخل حدود المؤسسة الكنسية نفسها. أفلت البعض من هذا الشرك ولا شك، لكن كانت هذه هي السمة الغالبة. أيضًا لم يعدم نمط "التدين" المسيحي لكل منطقة جغرافية التأثر بالموروثات الإنسانية المميزة لهذه المنطقة. كمثال، نحن نعلم عن المجمع الأول الذي عقد بأورشليم بسبب تأثر "نمط" التدين باليهودية. في الشرق ونظرا لتمرسهم على شئون الأديان والعبادات، أسبغت مسيحيتهم بطابع "روحاني" مميز، على عكس الغربيين الذين كان صراعهم الدائم مع الطبيعة وقسوتها كافيًا ليكون نمطهم المسيحي مغلفًا بالحساب والعقلانية. --- ### أسبقية مرقس - Published: ۲۰۲٤-۰۵-۲۹ - Modified: 2024-05-24 - URL: https://tabcm.net/25737/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, كتاب مقدس - وسوم: أبياثار الكاهن, أمونيوس السقاص, الموعظة على الجبل, بابياس، أسقف هيرابوليس, بارتيماوس, باشيطا, بنتاتوخ, بيرنت هيلمان ستريتر, تاتيان السوري, توراة, چيمس دوجلاس جرانت دان, داود النبي والملك, دياتسارون, ديلبرت رويس بوركيت, روبرت إتش ستاين, روبرت ماكوين جرانت, رودولف كارل بولتمان, سمعان بن يونا, ططيانوس الآشوري, قديس أوغسطينوس، أسقف هيبو, قديس إيرينيئوس، أسقف ليون, قديس يوستينوس الشهيد, مرقيون السينوبي, هاينريش يوليوس هولتزمان, هلموت هاينريش كوستر, يوحنا المعمدان, يوسابيوس بامفيلوس القيصري التأريخ التّقليدي لبشارة مرقس هو كونه تاليًا لبشارة متّى؛ كُتب إنجيل متى بالعبرية أثناء كرازة بطرس وبولس في روما (قبل 64م) بينما كُتب إنجيل مرقس بعد رحيلهما بناءًا على كرازة بطرس (بعد 64م). يأتي إنجيل لوقا ثالثًا، مكتوبًا بيد مُصاحب لبولس في كرازته، وأخيرًا؛ إنجيل يوحنا. هذا هو التّرتيب المتعارف عليه والمستخدم في جميع مخطوطات العهد الجديد وتحقيقاته وترجماته التأريخ التّقليدي لبشارة مرقس كما نقرأ في كتابات إيرينيئوس، أسقف ليون (130-202م) هو كونه تاليًا لبشارة متّى؛ كُتب إنجيل متى بالعبرية أثناء كرازة بطرس وبولس في روما (قبل 64م) بينما كُتب إنجيل مرقس بعد رحيلهما بناءًا على كرازة بطرس (بعد 64م). يأتي إنجيل لوقا ثالثًا، مكتوبًا بيد مُصاحب لبولس في كرازته، وأخيرًا إنجيل يوحنا.  هذا هو التّرتيب المتعارف عليه والمستخدم في جميع مخطوطات العهد الجديد وتحقيقاته وترجماته. في تاريخ الكنيسة ليوسابيوس القيصري ((يوسابيوس القيصري، تاريخ الكنيسة، الكتاب الثالث، الفصل التاسع والثلاثون، ف15 )) نقرأ جزء عن كتاب مفقود لبابياس، أسقف هيرابوليس (حوالي سنة 140م): واعتاد الشّيخأن يقول هذا: «صار مرقس مترجمًا لبطرس وكتب بدقّة كل ما تذكّره، لكن ليس بترتيب الأشياء التي قالها أو فعلها الرّب». لأنّه لم يسمع الرب ولا تبعه ولكن لاحقًا -كما قُلت- تبع بطرس الذي اعتاد أن يعلّم متى اقتضت الضرورة. (يوسابيوس القيصري، تاريخ الكنيسة، الكتاب الثالث، الفصل التاسع والثلاثون، ف١٥) في القرن الرابع لاحظ أوغسطينوس، أسقف هيبو، التشابه الكبير بين بشارتي متى ومرقس، ولجأ لتفسير الأمر من خلال الترتيب التقليدي للأناجيل بأن إنجيل مرقس هو اختصار لإنجيل متى. محاولة أوغسطينوس لتخطى التشابه بين الأناجيل الثلاثة؛ متى ومرقس ولوقا، لم تكن الأولى، في القرن الثاني تبنى مارسيون نسخة من لوقا بإعتبارها “الإنجيل” الوحيد، وإستخدم يوستين الشهيد نصوص مدمجه تشبه نصوص متى ولوقا ((Helmut Koester, Ancient Christian Gospels: Their history and development 1990, p. 365 ))، وتلاه تاتيان السوري الذي دمجَ الأربعة بشائر في نصّ Diatessaron الإنجيل الرباعي ((ططيانوس الآشوري، تاتيان الأديابيني، تاتيان السوري، Tatianus: (حوالي 120-180م) كاتب وعالم لاهوت مسيحي آشوري عاش في القرن الثاني الميلادي. أعد في عام 160م كتابًا يعرف باسم «دياتسارون» (أي «الهارموني بين الأربعة»، بمعنى التوافق بين أربع أجزاء) وفيه محاولة لدمج البشائر الأربع معًا في إنجيل واحد. ويعتبر الدياتسارون أكثر أعمال تاتيان تأثيرًا، حيث دمج فيه أناجيل متى ومرقس ولوقا ويوحنا في رواية واحدة، والتي أصبحت النص القياسي للأناجيل الأربعة في الكنائس الناطقة باللغة السريانية حتى القرن الخامس الميلادي. والتي أعقبتها الطريق إلى الأربع الأناجيل المنفصلة في إصدار الباشيطا. )). ظاهرة دمج النصوص تبدو قديمة و تظهر في كتابات الآباء الرسوليين، وسنعود إليها بشيء من التدقيق لاحقًا. إن نظرنا إلى منطقية طرح أوغسطينوس بأن إنجيل مرقس هو اختصار لإنجيل متى، فمن المفترض أن نجد فقرات مرقس أقصر دائمًا من متى. ولكن في المقابل يبدو أن متى هو من اختصر مرقس في عدة مواضع، فإن كان مرقس اختصارًا لمتى -كما ظنّ أوغسطينوس- فلماذا يخالف ميله للاختصار ليطيل نصوص متى؟ وإن أراد اختصار متى لماذا يحذف ميلاد يسوع وظهورات القيامة والموعظة على الجبل والأمثال والكثير من أقوال يسوع؟ راجع الفقرات التّالية مثلاًَ: موضوع الفقرة عدد كلمات الفقرة في إنجيل مرقس عدد كلمات الفقرة في إنجيل متى مجنون الجداريين ٣٢٥ ١٣٦ إقامة ابنة يايرس ٣٧٤ ١٣٥ إشباع الخمسة آلاف ٢٣٥ ١٥٧ في سنة 1863 قدم عالم اللاهوت الألماني؛ هاينريش يوليوس هولتزمان، نظريّة أسبقية مرقس، والتي تعني أن إنجيل مرقس هو الإنجيل الأوّل، واستخدمه متى ولوقا لكتابة بشارتيهما فيما بعد. ثم جاء العالم البريطاني؛ بيرنت هيلمان ستريتر، في عمله الأشهر The Four Gospels ووضع نقاطًا تمثل الطرح الكلاسيكي للنظرية، وفيما يلي النقاط التي قدمها كلاهما في طرحه: مسلسل بيرنت هيلمان ستريتر ((B. H. Streeter, The Four Gospels: A Study of the Origins 1930, p. 151-152, Macmillan )) هاينريش يوليوس هولتزمان ((James D. G. Dunn, Jesus Remembered 2003 p. 42, Eerdmans )) ١ يحتوي إنجيل متى على 90% من إنجيل مرقس، بلغةٍ تشبه لغة إنجيل مرقس، وأيضا يفعل لوقا هذا في أكثر من نصف إنجيل مرقس. يوجد 30 عبارة فقط من إنجيل مرقس لا تظهر في إنجيل متى. ٢ أغلب الفقرات المشتركة بين الأناجيل الإزائيّة الثلاث، تظهر في إنجيل متى أو لوقا أو في كلاهما. ٣ ترتيب الفقرات في إنجيل مرقس دائمًا ما يُستخدم بواسطة متى أو لوقا أو كلاهما، وهذا التوافق لا يمكن تفسيره إلا باستخدامهما لمصدر أقدم، وهذا المصدر متطابق تمامًا مع إنجيل مرقس. ترتيب إنجيل مرقس أوّلي دائمًا. ٤ طبيعة إنجيل مرقس الأكثر  بدائية تظهر في: أ) عباراته الحادة التي تحذفها أو تخفف من وقعها البشارات الأخرى. ب) أسلوبه وتركيبه اللغوي الغير منمق، وأيضًا استخدامه الكلمات الآرامية. كلّما قُورنت الأناجيل، يبدو دائمًا إنجيل مرقس هو النص الأكثر بدائية. ٥ دراسة ما تم أخذه أو عدم أخذه من مرقس في كل من إنجيليّ متى ولوقا، تُظهر أن الكاتبان استخدما مرقس كوثيقة واحدة، وواجهتهما مسألة دمجها مع المصادر الأخرى. بسبب التشابه بين البشائر الثلاث الأولى وعلاقتها بعضها ببعض، تم تسميتها بالأناجيل الإزائيَّة ، و صارت هذا البشائر تدرس بالمقارنة بينها من خلال كتابتها على شكل أعمدة رأسية، وسُمي الكتاب الذي يقارن البشائر في أعمدة synopsis. من الجدير بالذكر أن أقدم كتاب لمقارنة الأناجيل هو كتاب أمونيوس السقاص السكندري ((Robert H. Stein, Studying the Synoptic Gospels: Origin and interpretation 2001, p. 18, Baker Academic )).   فقرة إزائية مقارنة (۱) مسلسل إنجيل متى ١٦ : ١٣-٢٠ إنجيل مرقس ٨ : ٢٧-٣٠ إنجيل لوقا ٩ : ١٨-٢١ ١ ولما جاء يسوع إلى نواحي قيصرية فيلبس سأل تلاميذه قائلًا: ثم خرج يسوع وتلاميذه إلى قرى قيصرية فيلبس. وفي الطريق سأل تلاميذه قائلًا لهم: وفيما هو يصلي على انفراد كان التلاميذ معه. فسألهم قائلًا: ٢ «من يقول الناس إني أنا ابن الإنسان؟» «من يقول الناس إني أنا؟» «من تقول الجموع أني أنا؟» ٣ فقالوا: «قوم: يوحنا المعمدان، وآخرون: إيليا، وآخرون: إرميا أو واحد من الأنبياء» فأجابوا: «يوحنا المعمدان. وآخرون: إيليا. وآخرون: واحد من الأنبياء» فأجابوا وقالوا: «يوحنا المعمدان. وآخرون: إيليا. وآخرون: إن نبيا من القدماء قام» ٤ قال لهم: «وأنتم، من تقولون إني أنا؟» فقال لهم: «وأنتم، من تقولون إني أنا؟» فقال لهم: «وأنتم، من تقولون أني أنا؟» ٥ فأجاب سمعان بطرس وقال: «أنت هو المسيح ابن الله الحي! » فأجاب بطرس وقال له: «أنت المسيح! » فأجاب بطرس وقال: «مسيح الله! » ٦ فأجاب يسوع وقال له: «طوبى لك يا سمعان بن يونا، إن لحمًا ودمًا لم يعلن لك، لكن أبي الذي في السماوات. وأنا أقول لك أيضا: أنت بطرس، وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها. وأعطيك مفاتيح ملكوت السماوات، فكل ما تربطه على الأرض يكون مربوطًا في السماوات. وكل ما تحله على الأرض يكون محلولًا في السماوات» ... ... ٧ حينئذ أوصى تلاميذه أن لا يقولوا لأحد إنه يسوع المسيح. فانتهرهم كي لا يقولوا لأحد عنه. فانتهرهم وأوصى أن لا يقولوا ذلك لأحد. لاحظ تشابه الثلاث أناجيل، الجميع يتفق نصًا وترتيبًا، فيما عدا بعض الإضافات التي تظهر في متى ولوقا مثل: (٢) إضافة “إبن الإنسان” في متى. (٣) إضافة اسم “إرميا” في متى، و“قام” في لوقا. (٥) إضافة “إبن الله الحي” في متى، و“الله” في لوقا. (٦) إضافة تطويب بطرس كاملًا في متى. تظهر نفس الفقرة صعوبة أطروحة أوغسطينوس، فإن فرضنا أن التصوُّر التقليدي صحيح، وأن كاتب بشارة مرقس هو مرقس تلميذ بطرس كما كتب بابياس، فلماذا يحذف مرقس تطويب يسوع لبطرس؟ هل الرغبة في الاختصار كافيه لجعله يحذف نصًا يعطي لبطرس تلك الكرامة؟ أم أن الأرجح هو أن متى هو من أضاف تلك الفقرة لإنجيله بعد استخدام مرقس، في حين اكتفى لوقا بنصّ مرقس ولم يضف عليه؟ أيضًا غياب نفس التطويب في بشارة لوقا يصب في صالح عدم معرفة لوقا ببشارة متى واستخدامه لبشارة مرقس فقط.   فقرة إزائية مقارنة (۲) مسلسل إنجيل متى ١٢ : ١-٨ إنجيل مرقس ٨ : ٢٣-٢٨ إنجيل لوقا ٦ : ١-٥ ١ في ذلك الوقت ذهب يسوع في السبت بين الزروع، فجاع تلاميذه وابتدأوا يقطفون سنابل ويأكلون. واجتاز في السبت بين الزروع، فابتدأ تلاميذه يقطفون السنابل وهم سائرون. وفي السبت الثاني بعد الأول اجتاز بين الزروع. وكان تلاميذه يقطفون السنابل ويأكلون وهم يفركونها بأيديهم. ٢ فالفريسيون لما نظروا قالوا له: «هوذا تلاميذك يفعلون ما لا يحل فعله في السبت! » فقال له الفريسيون: «انظر! لماذا يفعلون في السبت ما لا يحل؟» فقال لهم قوم من الفريسيين: «لماذا تفعلون ما لا يحل فعله في السبوت؟» ٣ فقال لهم: «أما قرأتم ما فعله داود حين جاع هو والذين معه؟ فقال لهم: «أما قرأتم قط ما فعله داود حين احتاج وجاع هو والذين معه؟ فأجاب يسوع وقال لهم: «أما قرأتم ولا هذا الذي فعله داود، حين جاع هو والذين كانوا معه؟ ٤ كيف دخل بيت الله وأكل خبز التقدمة الذي لم يحل أكله له ولا للذين معه، بل للكهنة فقط. كيف دخل بيت الله في أيام أبيأثار رئيس الكهنة، وأكل خبز التقدمة الذي لا يحل أكله إلا للكهنة، وأعطى الذين كانوا معه أيضًا» كيف دخل بيت الله وأخذ خبز التقدمة وأكل، وأعطى الذين معه أيضًا، الذي لا يحل أكله إلا للكهنة فقط» ٥ ... ثم قال لهم: «السبت إنما جعل لأجل الإنسان، لا الإنسان لأجل السبت... . ٦ أو ما قرأتم في التوراة أن الكهنة في السبت في الهيكل يدنسون السبت وهم أبرياء؟ ولكن أقول لكم: إن ههنا أعظم من الهيكل! فلو علمتم ما هو: إني أريد رحمة لا ذبيحة، لما حكمتم على الأبرياء! ... ... ٧ فإن ابن الإنسان هو رب السبت أيضًا» إذا ابن الإنسان هو رب السبت أيضًا» وقال لهم: «إن ابن الإنسان هو رب السبت أيضًا» في تِلك الفقرة أيضًا نجد تشابهًا كبيرًا بين الثلاث بشائر، فيما عدا ما يلي: (٤) تفرد مرقس بعبارة “في أيام أبياثار رئيس الكهنة” التي حذفها متى ولوقا، إذ لم يكن أبياثار رئيسًا للكهنة حينما دخل داود للبيت و أكل خبز التقدمة. (٥) يتفرد بها مرقس وحده. (٦) يتفرد بها متى وحده.   فقرة إزائية مقارنة (٣) مسلسل إنجيل متى ١٦ : ٢٤-٢٨ إنجيل مرقس ٨ : ٣٤ - ٩ : ١ إنجيل لوقا ٩ : ٢٣-٢٧ ١ حينئذ قال يسوع لتلاميذه: ودعا الجمع مع تلاميذه وقال لهم: وقال للجميع: ٢ «إن أراد أحد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني، «من أراد أن يأتي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني. «إن أراد أحد أن يأتي ورائي، فلينكر نفسه ويحمل صليبه كل يوم، ويتبعني. ٣ فإن من أراد أن يخلص نفسه يهلكها، ومن يهلك نفسه من أجلي... فإن من أراد أن يخلص نفسه يهلكها، ومن يهلك نفسه من أجلي... فإن من أراد أن يخلص نفسه يهلكها، ومن يهلك نفسه من أجلي... ٤ ... ومن أجل الإنجيل... ... ٥ يجدها. فهو يخلصها. فهذا يخلصها. ٦ لأنه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟ لأنه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله وخسر نفسه؟ لأنه ماذا ينتفع الإنسان لو ربح العالم كله، وأهلك نفسه أو خسرها؟ ٧ أو ماذا يعطي الإنسان فداء عن نفسه؟ أو ماذا يعطي الإنسان فداء عن نفسه؟ ... ٨ ... لأن من استحى بي وبكلامي لأن من استحى بي وبكلامي، ٩ ... في هذا الجيل الفاسق الخاطئ، ... ١٠ فإن ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته، وحينئذ يجازي كل واحد حسب عمله. فإن ابن الإنسان يستحي به متى جاء بمجد أبيه مع الملائكة القديسين» فبهذا يستحي ابن الإنسان متى جاء بمجده ومجد الآب والملائكة القديسين. ١١ ... وقال لهم: ... ١٢ الحق أقول لكم: إن من القيام ههنا قوما لا يذوقون الموت حتى يروا ابن الإنسان... «الحق أقول لكم: إن من القيام ههنا قوما لا يذوقون الموت حتى يروا ملكوت الله... حقا أقول لكم: إن من القيام ههنا قوما لا يذوقون الموت حتى يروا ملكوت الله» ١٣ آتيا في ملكوته» قد أتى بقوة» ... نجد في تلك المقارنة أنه على التشابه الكبير، إﻻ أن كلًا من متى ولوقا يلتزم بعبارات وترتيب بشارة مرقس، إلا في المواضع (٤)، (٩)، (١١). يُمكن أن نُفسِّر رقم (٩) بطريقتين: - إما أن متى ولوقا حذفاها لصعوبة العبارة. - أو إنها أضيفت لمرقس لاحقًا بعدما استخدم متى ولوقا النص. أما عن رقم (١١) فهي مُكرّرة: “وقال لهم: الحق أقول لكم” ولهذا حذفها متى ولوقا. بعد هذا الطّرح الموجز لأسبقيّة مرقس، يتبقّى سؤالٌ هام: في (٤)، لماذا حذف متى ولوقا “ومن أجل الإنجيل”؟ في الجدول التّالي مُقارنة بين الأناجيل الثلاث في استخدامهم لكلمة الإنجيل أو البشارة: مسلسل إنجيل متى إنجيل مرقس إنجيل لوقا ١ ... ١ : ١ ... ٢ ... ١ : ١٤ ... ٣ ... ١ : ١٥ ... ٤ ٤ : ٢٣ ... ... ٥ ... ٨ : ٣٥ ... ٦ ... ... ٩ : ٦ ٧ ٩ : ٣٥ ... ... ٨ ... ١٠ : ٢٩ ... ٩ ... ... ٢٠ : ١ ١٠ ٢٤ : ١٤ ١٣ : ١٠ ... ١١ ٢٦ : ١٣ ١٤ : ٩ ... ١٢ ... ١٦ : ١٥ (النهاية الطويلة) ... يبدو من تلك المقارنة أن: - مرقس هو الأعلى في استخدام كلمة إنجيل ٧ مرات (بالإضافة لمرة ثامنة في النهاية الطويلة لمرقس ١٦ : ٩-٢٠ غير الموجودة بالمخطوطات الأقدم) - لم يتفق لوقا مع مرقس ولا مرّة منهم. - يتفق متى مع مرقس مرّتين. على أسبقيّة مرقس، من غير الوارد أن يتفق كلا من متى ولوقا على حذف كلمة إنجيل في خمس مواضع مختلفة، خاصّة مع استخدامهما للكلمة في مواقع أخرى (متى أربع مرّات، ولوقا مرّتين)، لذا فالأرجح أن إنجيل مرقس قد مرّ بمرحلة تحرير أخير بعد استخدام متّى و لوقا له، وفي مرحلة التحرير تلك، أُدخلت كلمة الإنجيل عدّة مرّات. نفس الظاهرة نجدها في العديد من الأسماء و بعض الأمثال و العبارات أيضًا ((راجع فقرة إزائية مقارنة (٢)، النقطة رقم ٥ ))، والمشترك بين جميعها هو غياب سبب لحذف متى ولوقا لها. هذا الأمر وضحه العديد من الدارسين مثل رودولف كارل بولتمان ((R. K. Bultmann, History of the Synoptic Tradition 1963, p. 213. Translated by Robert M. Grant, Harpers & Row Publishers ))، وهلموت هاینریش كوستر ((H. Koester, Ancient Christian Gospels: Their History and Development P. 143 ))، وديلبرت رويس بوركيت ((D. R. Burkett, Rethinking the Gospel sources: From proto-Mark to Mark 2004, p. 135, New York: T&T Clark International ))، الذين اعتبروا نسخة مرقس الحالية هي نسخة معاد تحريرها بعدما استخدم متى ولوقا نص مرقس الأقدم. أنظر الجدول التالي كمثال على إضافة الأسماء إلى مرقس لاحقًا، وبالأخص النقاط ١، ٤. فقرة إزائية مقارنة (٤) مسلسل إنجيل متى إنجيل مرقس إنجيل لوقا ١ ... ولما خرجوا من المجمع جاءوا للوقت إلى بيت سمعان وأندراوس مع يعقوب ويوحنا (١ : ٢٩) ... ٢ ... ولم يدع أحدا يتبعه إلا بطرس ويعقوب، ويوحنا أخا يعقوب. (٥ : ٣٧) فلما جاء إلى البيت لم يدع أحدا يدخل إلا بطرس ويعقوب ويوحنا، وأبا الصبية وأمها. (٨  : ٥١) ٣ وبعد ستة أيام أخذ يسوع بطرس ويعقوب ويوحنا أخاه وصعد بهم إلى جبل عال منفردين. (١٧ : ١) وبعد ستة أيام أخذ يسوع بطرس ويعقوب ويوحنا، وصعد بهم إلى جبل عال منفردين وحدهم. وتغيرت هيئته قدامهم، (٩ : ٢) وبعد هذا الكلام بنحو ثمانية أيام، أخذ بطرس ويوحنا ويعقوب وصعد إلى جبل ليصلي. (٩ : ٢٨) ٤ ... وفيما هو جالس على جبل الزيتون، تجاه الهيكل، سأله بطرس ويعقوب ويوحنا وأندراوس على انفراد: (١٣ : ٣) ... ٥ ثم أخذ معه بطرس وابني زبدي، وابتدأ يحزن ويكتئب. (٢٦ : ٣٧) ثم أخذ معه بطرس ويعقوب ويوحنا، وابتدأ يدهش ويكتئب (١٤ : ٣٣) ... إذًا، يمكن مما سبق أن نلخص معطيات البحث كالتالي: ١- يتشابه الثلاث أناجيل نصًا، مما يستوجب دراسة العلاقة بينهم. ٢- مقارنة البشائر في أعمدة، تظهر اتفاق متى ولوقا على ترتيب مرقس ونصه، وإن اختلف أحدهم مع مرقس نجد أن الآخر يتّفق مع مرقس ((راجع فقرة إزائية مقارنة (١) النقطة رقم ٦، فقرة إزائية مقارنة (٢) النقطة رقم ٦، فقرة إزائية مقارنة (٣) النقاط أرقام ٧، ٨، ١٣ )). ٣- يبدو أن متى ولوقا تاليان على مرقس، ونظرًا للتشابه النصي معتمدان عليه. ولو افترضنا العكس (أنّ مرقس هو من اعتمد على متى أو لوقا) فعلينا أن نقدم مبررًا واضحًا لحذف مرقس لرواية الميلاد والموعظة على الجبل وأقوال وأمثلة يسوع وظهورات القيامة. لعدم توفر أيّ مبرر منطقي لحذف مرقس لهذه الفقرات. فرضية أوغسطينوس لا تجد قبولًا الآن، والأكثر اتفاقًا مع المعطيات هو استخدام متى ولوقا لنسخة من إنجيل مرقس. ٤- نظرًا لوجود إضافات و حذف مختلفين في استخدام متى ولوقا لبشارة مرقس، فمن غير الوارد أن نفترض معرفة متى بنص لوقا، أو لوقا بنص متى. ٥- من الواضح في مرقس أنّه تم إضافة مجموعة من الأسماء ((إضافة اسم بارتيماوس في مرقس ١٠ : ٤٦، بالإضافة لأسماء بطرس ويعقوب ويوحنا كما ذكرنا. ))، والتعليقات ((راجع فقرة إزائية مقارنة (٢) النقطة رقم ٥ )) ومثل الحبّة التي تنمو سرًا ((إنجيل مرقس ٤ : ٢٦-٢٩ )) على النص بعدما استخدمه متى ولوقا، كما يُعد حذف متى ولوقا لهذه الفقرات غير وارد لعدم وجود مبرر أدبي أو لاهوتي واضح للحذف. --- ### عزيزي الأسقف إرميا: عد إلى قلايتك - Published: ۲۰۲٤-۰۵-۲۸ - Modified: 2024-05-25 - URL: https://tabcm.net/25768/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أحمد الطيب, أنبا إرميا، الأسقف العام, أنبا بيشوي، مطران دمياط وكفر الشيخ, المركز الثقافي القبطي, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, بابا فرنسيس، بابا الڤاتيكان, تكوين الفكر العربي, ڤاتيكان, قناة مي سات, مجمع الأساقفة الأسقف إرميا الذي أُلحق بسكرتارية البابا الراحل بتخطيط من المطران بيشوي، مطران دمياط وكفر الشيخ السابق، في زمن صراع الأخير مع الأسقف يوأنس، سكرتير البابا الأثير. وكان تنافسهما حول من يستأثر برضا البابا شنودة الثالث، تمهيدًا لخلافته، وصار السكرتير الجديد عين وأذن ويد المطران. قُدر للغريمان، بيشوي ويوأنس، أن يكونا على رأس قائمة المرشحين لشغل الكرسي البابوي بعد رحيل البابا، ولولا حُنْكَة القائمقام الذي اجتمع بهما وآخرين، وواجههم بوقائع جاءته وثائقها، لتغير مصير الكنيسة. انتهى الاجتماع وتوالت انسحاباتهم من الترشح. لعل القائمقام يفتح صندوقه الأسود ويكشف عنها. كان المركز الثقافي القبطي تحت رئاسة البابا شنودة الثالث حينها، وقد أُسند للأسقف الناعم إدارته بصفته أسقفًا عامًا. وحين رحل البابا شنودة، أعلن نفسه، في انقلاب قصر، رئيسًا للمركز! وحين تم إعلان قيام هيئة "بيت العائلة"، تم اختياره أمينا عامًا مساعدًا، وعبر خبرات عميقة، قرأنا عنها في تاريخ الكنيسة، أقتنع بأن هذا البيت بابه الملكي للقفز على السدة البابوية، لو قدر لجهد حراس المعبد أن تنجح في إزاحة البابا الحالي، البابا تواضروس الثاني. وتتشابك الخطوط -والمصالح- بين أطراف عديدة محلها المختار قاعات المركز وإمكاناته اللوجستية الإلكترونية، ولم تتوقف موجات الهجوم على البابا الحالي، عبر لجانهم الإلكترونية، لعل وعسى. وقبل عامين كنت مدعوًا من مملكة البحرين لحضور اللقاء بين بابا الفاتيكان، البابا فرانسيس، والإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب (نوفمبر 2022)، وهناك وجدت الأسقف إرميا مشاركًا، ليس بصفته أسقفًا قبطيًا، بل ضمن الفريق المرافق لفضيلة الإمام. وهي حكاية تحمل مدلولات سنفرد لها طرحًا مستقلًا. منذ أيام، أصدر الأسقف إرميا منشورًا يعلن فيه تضامنه مع الشيخ الدكتور اسأمه الأزهري، في صدامه مع مؤسسة "تكوين الفكر العربي"، وقد توقفت أمام فقرة تقول: نعلن: أننا نسعى جميعًا للحفاظ على الثوابت الدينية كما تسلمناها، دون أي تغيير، ونرفض بشدة ولا نقبل إنكار السنة المشرفة والتقليد الكنسي السابق للكتاب بعهديه القديم والجديد الذي نقل لنا كل ما يحدث في المسيحية من شعائر وصلوات... الخ. (الأنبا إرميا، الأسقف العام) وهي فقرة ملغومة تربط قسرًا بين أمرين لا علاقة بينهما، وتلوي عنق التقليد ليخدم رؤيته، ومن السياق نفهم أنّ هذا المنشور نُشر دون عرضه على الكنيسة والبابا، ومن ثم لا يعد ما جاء به موقفًا للكنيسة، فهو اختار أنّ يكون أقرب إلى بيت العائلة وفي حضنه عسى أن ينال ما يحقق طموحاته. وهو في منشوره المتعلق بالمواجهات الدائرة بين فرقاء "تكوين"، يورط الكنيسة في غير معركتها، وأظنه أحد مؤشرات صراعه الصامت غير المعلن مع البابا، والجناح الإصلاحي داخل مجمع الأساقفة. الأمر يوجب على الكنيسة والبابا إعمال القانون الكنسي الذي يمنع الكنيسة من التورط في الشؤون السياسية، فهي وجِدت لتعمل فيما هو لله، وتترك ما لقيصر لأبنائها المدنيين باختلاف توجهاتهم، وقدراتهم، كمواطنين يتوجب عليهم المشاركة ودعم حرية التعبير والحق في الحياة الطبيعية بعيدًا عن التمايزات الدينية. ويتطلب الأمر إعادة صياغة لائحة المجمع (المقدس): * لتعيد للكنيسة توازنها ووحدتها، وتراتبيتها. * وخضوع الأسقف لرئاسته الدينية. * وتحديد آليات إبداء الرأي الكنسي بشكل مؤسسي بما لا يورط الكنيسة ويعرض الوطن لمشاكل لا نعرف إلى أين تذهب به. وأعكف قبل تريند الأسقف، على تحليل هذه اللائحة وثغراتها وارتباكاتها، سأطرحه حال الانتهاء منه. --- ### كفرناحوم: تاريخ وعبرة - Published: ۲۰۲٤-۰۵-۲۷ - Modified: 2024-05-27 - URL: https://tabcm.net/25839/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, كتاب مقدس - وسوم: إله إسرائيل, پول فيليب ليڤرتوف, تلمود, زبولون, سمعان بن يونا, غوستاف هيرمان دالمان, فيرجيليو كانيو كوربو, نفتالي, يوحنا الحبيب, يوسيفوس فلاڤيوس وترك الناصرة وأتى فسكن في كفرناحوم التي عند البحر في تخوم زبولون ونفتاليم... من ذلك الزمان ابتدأ يسوع يكرز ويقول: «توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السماوات» (إنجيل متى ٤ : ١٣، ١٧) تقع مدينة كفرناحوم في تخوم زبولون ونفتاليم على الشاطئ الشمالي الغربي لبحر الجليل. وقد اختارها الرب يسوع ليبدأ منها الكرازة، لكي يتم ما قيل بإشعياء النبي القائل: أرض زبولون، وأرض نفتاليم، طريق البحر، عَبْر الأرْدُنّ، جليل الأُمم. الشعب الجالس في ظلمةٍ أبصر نورًا عظيمًا، والجالسون في كورة الموت وظلاله أشرق عليهم نورٌ. ((إنجيل متى ٤ : ١٤-١٦ )). وقد كانت لها مكانة سامية بين المدن المحيطة بها، إذ وصفها الرب بأنها المرتفعة إلى السماء ((إنجيل متى 23:11، إنجيل لوقا 15:10 )). فمَا هي هذه المدينة؟ ولماذا اختارها الرب لبدء الكرازة منها؟ موضع كفرناحوم وسبب اختيارها كأول موضع للكرازة: هناك أسباب كثيرة واكتشافات أثرية تقطع بأن تل حوم هي موضع كفرناحوم ((The Archaeology of the New Testament, Jack Finegan, Princeton, NJ, 1978 )). أما سبب اختيار الرب للمدينة كأول موضع للكرازة، فهو لأنها كانت المركز التجاري للبلاد الواقعة في شمال فلسطين، ومنها تتفرَّع الطرق إلى كلٍّ من مصر وبلاد فلسطين الوسطى وجلعاد وبلاد العرب في الجَنُوب، وفينيقية وسوريا الشِّمالية ودمشق وبلاد بابل ((Biblical Illustrator, Winter 1992, pp. 40-48 )). كما أنها كانت مقرًّا هامًا للعشَّارين جباة الضرائب وقوَّاد المئات الرومانيين؛ إذ كانت السهول المحيطة بالطرف الشمالي لبحر الجليل تُدرُّ ربحًا وفيرًا من الحبوب، بالإضافة إلى صناعة صيد السمك في بحيرة جنيسارت أو بحر طبرية أو بحر الجليل الذي كانت تُطل عليه المدينة ((إنجيل لوقا 1:5-6 )). وهكذا كان للسكان هناك مصدر رزق وفير أعطى أهمية كبيرة لهذه البلدة. لذا كان موقع هذه المدينة موافقًا لانتشار تعاليم المسيح في كل البلاد المجاورة، وخاصة لأن سكانها كانوا خالين من التعصُّب والتشيُّع ((In the Footsteps of Jesus, Wolfgang E. Pax, Jerusalem, 1977 )). المواضع التي ذُكرت فيها كفرناحوم في أسفار الكتاب: لم تُذكر مدينة كفرناحوم في العهد القديم. أما في العهد الجديد، فقد كانت من أهم المدن المذكورة في الإنجيل، وخصوصًا في إرسالية الرب يسوع في الجليل ((يقول العالِم غوستاف دالمان إنه لا يوجد موقع في فلسطين كلها تتجمع فيه الذكريات مثلما تتجمَّع في كفرناحوم. Sacred sites and ways : studies in the topography of the gospels / by Gustaf Dalman ; authorised translation by Paul P. Levertoff, 1935 )). فبعد أن ترك الرب يسوع الناصرة، «أتى فسكن في كفرناحوم التي عند البحر (أي بحر الجليل)»، وذلك لكي تتم النبوَّة التي تنبأ عنها إشعياء النبي عن أرض زبولون ونفتاليم: ولكن لا يكون ظلام للتي عليها ضيق. كما أهان الزمان الأول أرض زبولون وأرض نفتالي، يُكْرِمُ الأخير طريق البحر، عَبْرَ الأردن، جليل الأُمم ((سفر إشعياء ٩ : ١ )). ويذكر يوحنا الإنجيلي أنه بعد حادثة تطهير الهيكل في أورشليم، توجَّه الرب يسوع مع تلاميذه إلى كفرناحوم ومكثوا هناك أيامًا ليست كثيرة ((إنجيل يوحنا ٢ : ١٢ )). ومن الواضح أنها كانت مسقط رأس كلٍّ من أندراوس وسمعان بطرس؛ بل وكذلك أيضًا يعقوب ويوحنا ابنا زبدي اللذان كانا شريكَي سمعان ((إنجيل لوقا 38:4؛ 10:5، إنجيل متى 14:8، إنجيل مرقس 29:1 )). كرازة الرب في كفرناحوم: بعد ما اختار الرب تلاميذه من نواحي بحر الجليل وأظهر مجده بالآيات والعجائب التي صنعها أمام تلاميذه، يقول إنجيل القديس يوحنا: وبعد هذاانحدر إلى كفرناحوم، هو وأُمه وإخوته وتلاميذه، وأقاموا هناك أيامًا ليست كثيرة. » ((إنجيل يوحنا ٢ : ١٢ )). وحين رُفِضَ يسوع من شعب مدينة الناصرة، انحدر إلى كفرناحوم مدينة من الجليل، وكان يُعلِّمهم في السبوت ((إنجيل لوقا ٤ : ٣١ ))، وقد جاء إلى هذه المدينة لتكون مدينة سكناه وكرازته في منطقة الجليل. لذا كان شعب هذه المدينة أكثر مَنْ رأوا يسوع بالجسد في فترة خدمته. ألم يكن يجول بينهم يصنع خيرًا ويشفي جميع المتسلِّط عليهم إبليس؟ ((سفر أعمال الرسل 38:10 )). ففي هذه المدينة كان يسوع يُعلِّم في كل وقت، مناسب وغير مناسب. فرأوا أكثر عدد من معجزاته وآياته؛ بل كان الرب يُصلِّي معهم في المجمع في السبوت. لقد كان يُصلِّي معهم ومن أجلهم. ولابد أنهم أول مَنْ سمعوا عن الحقائق الإيمانية التي جاء الرب ليعلنها لبني البشر. لقد كانت دعوتهم إلى الملكوت دعوة خاصة مميَّزة. ففي موضع الجباية رأوا يسوع يدعو عشارًا اسمه لاوي، فقام وتبعه أمام أعينهم! وبهذا أوضح لهم بكل جلاء أنه محب للعشَّارين والخطاة ((إنجيل متى 19:11 ))، لأن لاوي صنع له ضيافة كبيرة في بيته (في كفرناحوم)، والذين كانوا متَّكئين معهم كانوا جمعًا كثيرًا من عشَّارين و”آخرين“ (من أتباع العشَّارين). فحينما تذمَّر كتبتهم والفرِّيسيون على تلاميذه، أجاب يسوع وقال لهم: لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى. لم آتِ لأدعو أبرارًا بل خطاةً إلى التوبة ((إنجيل لوقا 31:5و32 )). وبهذا أوضح الرب أنه قد جاء ليُخلِّص ما قد هلك ((إنجيل متى 11:18 )). وكانت المدينة أقرب موضع إلى جبل التطويبات حيث علَّم الرب يسوع الجموعَ عظته المشهورة على الجبل ((إنجيل متى 5-7 ))، هذه العظة التي تُعتبر دستور الحياة المسيحية. لقد سمعوا يسوع يُعلِّم أعمق تعاليمه مستعملًا ما يشاهدونه حولهم: سمعوه يتكلَّم عن زنابق الحقل، وعن السمك في البحيرة، وعن طيور السماء. ويشير إنجيل القديس لوقا إلى إيمان شيوخ اليهود هناك بيسوع، إذ حين كان عبدٌ لقائد مئة مريضًا مشرفًا على الموت، وكان عزيزًا عنده، أرسل قائد المئة إلى يسوع شيوخَ اليهود ليسأله أن يأتي ويشفي عبده: فلما جاءوا إلى يسوع طلبوا إليه باجتهاد قائلين: إنه مستحقٌّ أن يُفعَلَ له ”هذا“. ((إنجيل لوقا 3:7و4 )). أما عن معجزات الرب يسوع في كفرناحوم؛ فقد شفى رجلًا به روح نجس ((إنجيل مرقس 21:1- 28، إنجيل لوقا 31:4-37 ))، وشفى أيضاً حماة بطرس ((إنجيل متى 14:8-17، إنجيل مرقس 29:1-34، إنجيل لوقا 38:4-41 ))، وشفى المصاب بالبرص ((إنجيل متى 1:8-4، إنجيل مرقس 40:1-45، إنجيل لوقا 12:5-16 ))، وشفى المشلول المفلوج المـُدلَّى من السطح ((إنجيل متى 1:9-8، إنجيل مرقس 1:2-12، إنجيل لوقا 17:5-26 ))، وشفى أيضًا المجنون الأعمى والأخرس ((إنجيل متى 22:12و23، إنجيل لوقا 14:11و15 ))، وشفى صاحب اليد اليابسة ((إنجيل متى 9:12-14، إنجيل مرقس 1:3-6، إنجيل لوقا 6:6-11 ))، وشفى عبد قائد المئة ((إنجيل متى 5:8-13، إنجيل لوقا 1:7-10 ))، وشفى نازفة الدم ((إنجيل متى 20:9-22، إنجيل مرقس 25:5-34، إنجيل لوقا 43:8-48 )). وفي كفرناحوم أيضًا أقام المسيح ابنة يايرس رئيس المجمع، الذي جاء إلى الرب، وطلب إليه كثيرًا أن يشفي ابنته، فأقامها بعد أن ماتت، فبُهتوا بهتًا عظيمًا ((إنجيل مرقس 22:5و23 )). وفي هذه المدينة أيضًا شفى الرب أعميين كانا يصرخان ويقولان: ارحمنا يا ابن داود، فلمس أعينهما وشفاهما ((إنجيل متى 28:9- 30 )). وهناك أيضًا شفى الرب إنسانًا أخرس مجنونًا قدَّموه إليه ((إنجيل متى 32:9و33 )). بل يخبرنا إنجيل القديس متى أن الرب حين جاء إلى جانب بحر الجليل، صعد إلى الجبل وجلس هناك ((إنجيل متى 29:15 ))، وهذا الجبل هو جبل التطويبات كما ذكرنا من قبل. هناك جاء إليه جموع كثيرة، معهم عرجٌ وعميٌ وخُرسٌ وشُلٌّ وآخرون كثيرون، وطرحوهم عند قَدَمي يسوع، فشفاهم حتى تعجَّب الجموع إذ رأوا الخُرْس يتكلَّمون، والشُّلَّ يَصِحُّون، والعُرج يمشون، والعُمْي يُبصرون. ومجَّدوا إله إسرائيل ((إنجيل متى 30:15و31 )). شهادة المؤرخ يوسيفوس عن مدينة كفرناحوم: يصف العلاَّمة يوسيفوس (37-100م) هذه المدينة في كتابه ”حروب اليهود“ ((يوسيفوس، حروب اليهود، الكتاب الثالث، الفصل العاشر، فقرة ٨ ))، فيقول: البلدة التي تقع في شمال البحيرة لها نفس الاسم ”جنيسارت“؛ وطبيعتها خلاَّبة مثل جمالها، وتربتها خصبة جدًا لدرجة أن كل أنواع الأشجار يمكن أن تنمو فيها، حتى إن سكانها يزرعون كل نوع منها، لأن مزاج الهواء ملائم لها جميعًا؛ وخاصًة شجرة الجَوْز التي تحتاج إلى درجة حرارة منخفضة. وهناك أيضًا أشجار النخيل التي تنمو أفضل ما تنمو في المناخ الحار؛ بالإضافة إلى أشجار التين والزيتون التي تحتاج إلى المناخ المعتدل (يوسيفوس، ”حروب اليهود“، الكتاب الثالث، الفصل العاشر، فقرة ٨) وقد كُتب في التلمود أن الثمرة هناك تنضج بمثل سرعة جريان الغزال! وإذا أكل الإنسان مئة ثمرة، يشتاق أيضًا إلى المزيد، ولأن هذه الثمار حلوة جدًا، فإنه ينبغي أن يتبعها أكل متبَّلٍ مع خبز! كفرناحوم في التاريخ: تمتد الفترة التي كانت فيها بلدة كفرناحوم آهلة بالسكان من القرن الأول الميلادي إلى القرن العاشر الميلادي. خلال هذه الفترة الطويلة مرَّت على البلدة فترات من النمو والغِنَى حين بُنيت فيها مباني عامة فخمة، مثل المجمع اليهودي الذي اكتُشِف هناك، كما مرَّت عليها فترات من الانحدار والاضمحلال. وبعد القرن العاشر حتى القرن التاسع عشر، كانت المدينة غير آهلة بالسكان، واستعملها البدو للزراعة السطحية ورعي الغنم. وفي عام 1866م، بدأ المستكشف البريطاني كابتن تشارلز ويلسون أعماله، فربط بين البقايا القديمة الموجودة في تل حوم وبين بلدة كفرناحوم. وقد ذكر وقتها أنه وجد أجزاء من المجمع اليهودي الذي بُنِيَ في القرن الأول المسيحي بواسطة قائد المئة الروماني والمذكورة قصته في إنجيل لوقا ((إنجيل لوقا 1:7-5 )). وهكذا بدأ الاعتقاد منذ منتصف القرن التاسع عشر بخصوص بقايا هذا المجمع أنه يرجع إلى القرن الأول؛ مما جذب السيَّاح المسيحيين إلى هذا المكان. وأول حفائر حقيقية للموقع، قام بها أثريون ألمان في أوائل القرن العشرين. ثم بدأ الفرنسيسكان في استكمال الحفائر، ملاحظين الأهمية الأثرية والدينية للموقع. ومنذ عام 1905م، استمرت هذه الحفائر حتى اليوم، مع قليل من فترات الانقطاع. وقد ازدهرت البلدة في هذه الفترة بالتجارة والزراعة وصيد السمك. فقد كانت قائمة -كما سبق القول- على طريق رئيسي يربط بين عكا Acco (أو المعروفة باسم: ”بتولمايس“) وقيصرية، من جهة؛ وسوريا، من الجهة الأخرى. لذا فقد كانت كفرناحوم مدينة على الحدود بين الجولان والجليل. ولكن كان هناك اكتشاف لآثار أقدم عمرًا في الركن الجنوبي الغربي مؤكِّدًا لوجود حامية رومانية وقائد مئة روماني في كفرناحوم، والمذكور عنه في إنجيل متى 5:8-13 ((راجع إنجيل لوقا 1:7-10، إنجيل يوحنا 46:4-53 )). وهكذا تكون الاكتشافات الأثرية شاهدة على أحداث الإنجيل. والاكتشافات الأثرية تؤكِّد أنه في العصر الروماني المتأخر ، كانت كفرناحوم مدينة ثرية ومزوَّدة بمبانٍ عامة كبيرة ومصمَّمة جيدًا. ولكن، في منتصف القرن الرابع حدثت كارثة كبيرة مما سبب هجران المباني وإعادة تنظيم البلدة مرة أخرى. الكنيسة ثُمانية الأضلاع: في عام 359م، تقابل الأسقف إبيفانيوس مع شيخٍ عمره 70 عامًا يُدعى يوسف الذي من طبرية (كان من قبل كاهنًا يهوديًا ثم تنصَّر). وينقل إبيفانيوس عن هذا الرجل قوله إنه أول مَنْ استطاع أن يبني كنائس في الجليل، ”لأنه لم يكن من بينهم، لا يوناني ولا سامري ولا مسيحي“ (( Panarion haer. XXX,11,9f)). فبحسب هذه الشهادة يكون هذا الرجل هو الذي بنى كنيسة كفرناحوم في القرن الرابع. وتحكي الحاجة إيثيريا في مذكَّراتها، خلال زيارتها عام 385م، عن المجمع اليهودي، فتقول: وفي كفرناحوم، ومن حول منزل الأول في الرسل، أُقيمت كنيسة، لا تزال حوائطها قائمة كما كانت. في هذا المكان شفى الربُّ المشلولَ (الحاجة إيثيريا، مذكراتها عن المجمع اليهودي) والجملة الأخيرة تشير إلى تقليد مُتعارَف عليه، أن الرب يسوع كان في هذا الوقت «في البيت» ((إنجيل مرقس 1:2 ))، أي في بيت القديس بطرس ((إنجيل متى 14:8، إنجيل مرقس 29:1، إنجيل لوقا 38:4 )). وفي عام 1986، نقَّب العالِم فيرجيليو كانيو كوربو حول هذه الكنيسة، وأشار إلى أن موقعها كان تمامًا في وسط كنيسة بيزنطية ثُمانية الأضلاع ترجع إلى القرن الخامس؛ وتحتها بقايا مسكن صيَّاد سمك من القرن الأول، به بعض الحجرات المزخرفة والمنقوش عليها رسوم تجعلها صالحة للعبادة المسيحية. وقد استمرت على هذا الحال من القرن الأول وحتى القرن الرابع. وبعد ذلك، أُقيمت الكنيسة ثمانية الأضلاع تمامًا فوق حجرة الصلاة الأولى ((Finegan, Jack, The Archaeology of the New Testament, 1978, p. 56 )). وبالإجمال، يمكننا أن نستنتج أن الاكتشافات الأثرية قد رسمت خريطة لتاريخ بلدة كفرناحوم بتواريخ محددة. فتقريبًا قد ظهرت مدينة كاملة في وسط ضباب الخرائب: البيوت والساحات والمباني الدينية، وأيضًا المباني العامة الأخرى. كفرناحوم ”تهبط إلى الهاوية“ بسبب عدم توبتها: وخلال تاريخ البلدة الطويل حدث أن نُهبت مدينة كفرناحوم ثلاث مرات بواسطة الغزاة؛ وأيضًا تهدَّمت ثلاث مرات بواسطة الزلازل، كان الأخير منها في القرن الحادي عشر الميلادي، مما أدَّى إلى ضربة قاتلة للمدينة لم تَقُم منها أبدًا. وبالرغم من أن الرب يسوع قد كرز هناك، إلاَّ أن المدينة رفضت التوبة. وهكذا تنبأ الرب يسوع بمصيرها: وأنتِ يا كفرناحوم المرتفعة إلى السماء، سوف تُهبطين إلى الهاوية! ((إنجيل متى 23:11 )). وقد تمَّت هذه النبوَّة، وإنْ كان تنفيذ الحُكم قد حدث تقريبًا بعد ألف عام من النطق به. --- ### المعالم الرئيسية لخطة الخلاص في العهد القديم - Published: ۲۰۲٤-۰۵-۲٦ - Modified: 2024-05-23 - URL: https://tabcm.net/25686/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: آدم, الأب متى المسكين, تجسد الكلمة, قايين, قديس أثناسيوس الرسولي, قديس بولس الرسول, مجلة مرقس, هابيل "المعالم الرئيسية لخطة الخلاص في العهد القديم" بقلم الأب متى المسكين، نُشر أوّل ما نُشر في مجلة مرقس، عدد فبراير ١٩٨٠، الصفحات من ١٨ إلى ٢٤ يقول القديس أثناسيوس الرسولي في كتابه "تجسد الكلمة" ((أثناسيوس الرسولي، تجسد الكلمة ٧ : ٤ )): لو كان الأمر مجرد خطأ بسيط ارتكبه الإنسان ولم يتبعه الفساد، فقد تكون التوبة كافية، أما الآن وقد علمنا أن الإنسان بمجرد التعدي انجرف في تيار الفساد الذي أصبح طبيعةً له، وحُرم من تلك النعمة التي سبق أن أُعطيت له وهي مماثلته لصورة الله، فما هي الخطوة التالية التي كان يستلزمها الأمر؟ أو من ذا الذي يستطيع أن يعيد إِليه تلك النعمة و يرده إلى حالته الأولى إلا كلمة الله الذي خلق كل شيء من العدم في البدء؟ (أثناسيوس الرسولي، تجسد الكلمة ٧ : ٤) لقد اقتضت الخطية من الله لكي يلغي آثارها و ينهي على مفاعيلها في الإنسان والخليقة كلها، أن يُخلي نفسه آخذًا صورة عبد صائرًا في شبه الناس، وإِذ وُجد في الهيئة كإنسان أطاع حتى الموت موت الصليب ((رسالة بولس الرسول إلى أهل فيلبي ٢ : ٧-٨ ))! ولكي يُخلي الله نفسه و يصير إنسانًا لينوب عن الإنسان في تحمل أجرة الخطية وعقوبتها وهي الموت، اقتضى الأمر أجيالًا عديدة من البشر وأحقابًا طويلة من الدهور، كان الله يُعدُّ فيها أذهان البشرية لاقتبال السر المكتوم منذ الدهور الذي للخلاص العظيم المزمع أن يكمله في ملء الزمان. فقد كان لازمًا أن يعرف الإنسان كم أن الخطيئة خاطئة جدًا! ؟ وإلى أي مدى تعمل بمفاعيلها في طبيعتنا! ؟ ومقدار الخسارة الفادحة التي مُنيتْ بها الخليقة كلها من جراء تعدي الإنسان لوصية الله! ؟ ومقدار الخلاص العظيم الذي صنعه الله لكي يفتدي به الإنسان. لقد كانت نتائج سقطة الإنسان عظيمة، ولكن الله ما زال أعظم في رحمته. والإنسان كخاطئ سيظل موضوع المحبة الإلهية، رغم النتائج التي ترتبت من عصيانه، والتغيرات الجذرية التي نشأت في جميع نواحي الحياة، والتي استلزمت عناصر جديدة من التدبير الإلهي لمعالجتها: أولًا: مبدأ الفداء: لو لم يسقط الإنسان لكان تاريخه نموًا مطّردًا في حال النعمة والبر والبركة، وازديادًا مستمرًا في الحكمة والمعرفة والاتحاد بالله والتمتع بالحياة الحقيقية الصادرة منه... ولكن بسقوط الإنسان دخل العالم مبدأ جديد اقتضاه وجود عاملين متصارعين هما الخير والشر. وصار الإنسان نهبًا لهذا الصراع بفقدانه للقوة المحركة لحياته وهو الله، بسبب انحيازه لغير الله؛ كما صار في أشد الاحتياج لإنقاذ عاجل لطبيعته التي انطمست معالمها بفعل الشر الذي هو مخالف لطبيعته الأصلية. ولم يكن في استطاعة الإنسان أن يفعل هذا التجديد والإنقاذ لنفسه، لأنه فَقَد كل إمكانياته التي كانت له وصار في قبضة العدو الذي أسلم نفسه لإرادته بقبوله لغوايته. والواقع أن سقطة الإنسان لم تكن بغير رجاء... لأن الإنسان لم يخترع الشر ولم تنبع الخطية من داخله، أو بوحي من ذاته، ولكنها أتته كغواية من خارجه، وحتى بعد سقوطه في الخطية لم يتكيف معها ولم تنسجم طبيعته مع نتائجها، بل أحس بها في الحال كشيء غريب عنه تسبب في عريه وملأه بالخجل وبحث عن وسيلة يستر بها عورته... ! ! فصارت بذلك أوراقُ التين تجسيمًا مباشرًا ورمزًا ظاهرًا لشعوره بالجرم والعجز، ودليلًا واضحًا على عدم رضاه بالانحياز للجسد وشهواته، رغم عدم قدرته على درء الأضرار التي لحقت به. ولكن الله تعاطف للغاية مع مشاعر الإنسان وخجله من خطيته، حتى أنه صنع لهما أقمصة من جلد والبسهما ((سفر التكوين ٣  : ٢١ )). وهذه كانت في حد ذاتها تأسيسًا لمبدأ الفداء الذي دخل إلى العالم منذ ذاك الوقت، لأن أقمصة الجلد تشير إلى عملية ذبح أكملها الله من أجل الإنسان لكي يأخذ من جلد الذبيحة و يستر به عري الإنسان لأن آدم الذي تعرى بالخطية لم يستطع أن يكسو نفسه، إشارة إلى أن الإنسان لا يقدر أن يفدي نفسه أو يُصلح ما أفسده، ولكنه يحتاج إلى ذبيحة قادرة أن تفديه وتخلع عليه من ذاتها ما يستر به عريه الروحي و يلبسه ثوب البر الذي لا يبلى المصنوع بيد الله. وظل الله على مدى الأجيال يرسم أمام الإنسان معالم الذبيحة الكاملة المزمع أن تفدي الإنسان وتحمل خطية العالم كله، وتعالج كل نواحي احتياج الإنسان وتشفي كل أمراضه مطهرة إياه في النفس والجسد والروح جميعًا، وذلك بواسطة أنواع الذبائح والمحرقات والرموز والتشبيهات والنبوات؛ إلى أن جاء الذي أبطل الذبائح كلها بذبيحة نفسه، وفسَّر الرموز والتشبيهات وتحققت فيه جميع النبوات. ثانيًا: الخليقة أُخضعت للبُطل، وتنتظر العتق من عبودية الفساد: كان آدم تاج الخليقة وسيدها، ومن أجله خلق الله السموات والأرض والبحر وكل ما فيها، وسلطه على أعمال يديه (مزمور ٨ : ٦). وكانت سعادة الإنسان في الفردوس مثل نهار مشرق لا يداهمه ليل، فكل ما هناك حسن جدًا، ومبهج جدًا، ولا يوجد سوى الجانب المشرق لكل الأشياء؛ وضعٌ يصعب على الإنسان أن يتصوره الآن بعد أن دخلت الخطية إلى العالم، فلم يعد في استطاعة الإنسان أن يدرك السعادة إلا بمقارنتها بالشقاء، والفرح بمقابلته بالحزن، والراحة بالتعب والصحة بالمرض والحياة بالموت... وهكذا... وهكذا كل شيء لا يُعرف إلا باختبار نقيضه. لأن آدم – سيد الخليقة – لما أخطأ اختل بسببه كل نظام الكون المخلوق لأجله، فقد طلب – في عصيانه لوصية الله – أن ينال المعرفة من الأرض... فصار محتاجًا للخليقة بعد أن كانت هي المحتاجة إِليه ليعملها ويحفظها... وهكذا انقلبت الأوضاع وصار الإنسان مضطرًا أن يعمل الأرض ليأكل منها بالتعب وبعرق وجهه؛ إِذ دخل العالم عنصر جديد لم يكن كائنًا من قبل، وهو اللعنة التي نطق بها الله قائلًا: ملعونة الأرض بسببك. بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك، وشوكًا وحسكًا تنبت لك... بعرق وجهك تأكل خبزًا حتى تعود إلى الأرض التي أُخذت منها. لأنك تراب وإلى تراب تعود (سفر التكوين ۳ : ۱۷-۱۹) و يعبر عن ذلك معلمنا بولس الرسول قائلًا: إذ أُخضعت الخليقة للبُطل. ليس طوعًا بل من أجل الذي أخضعها على الرجاء. لأن الخليقة نفسها أيضًا ستعتق من عبودية الفساد إلى حرية مجد أولاد الله. فإننا نعلم أن كل الخليقة تئن وتتمخض معًا إلى الآن. (رومية ۸ : ۲۰-۲۲) ولما قتل قايين أخاه هابيل قال له الرب: ملعون أنت من الأرض التي فتحت فاها لتقبل دم أخيك من يدك. متى عملت الأرض لا تعود تعطيك قوتها. تائهًا وهاربًا تكون في الأرض (سفر التكوين ٤ : ١١-١٢) وهكذا نرى أن خطية الإنسان لم تؤثر فيه وحده بل شمل تأثيرها كل ما يحيط بالإنسان من خلائق وكائنات. ولما أصعد نوح المحرقات للرب بعد نجاته من الطوفان، وتنسم الرب رائحة الرضا، وقال الرب في قلبه: لا أعود ألعن الأرض أيضًا من أجل الإنسان لأن تصور قلب الإنسان شرير منذ حداثته، ولا أعود أيضًا أميت كل حي كما فعلت. مدة كل أيام الأرض زرع وحصاد وبرد وحر وصيف وشتاء ونهار وليل لا تزال. (سفر التكوين ۸ : ۲۰-۲۲) ولما أورث الرب بني إسرائيل أرض الموعد، قال لهم على لسان موسى: أُنظر، أنا واضع أمامكم اليوم بركة ولعنة. البركة إذا سمعتم لوصايا الرب إلهكم التي أنا أوصيكم بها اليوم. واللعنة إذا لم تسمعوا لوصايا الرب إلهكم وزغتم عن الطريق التي أنا أوصيكم بها اليوم لتذهبوا وراء آلهة أخرى لم تعرفوها. (تثنية الاشتراع ١١ : ٢٦-٢٨) أما البركة فيشرحها موسى النبي هكذا: أُعطي مطر أرضكم في حينه المبكر والمتأخر. فتجمع حنطتك وخمرك وزيتك. وأعطي بهائمك عشبًا في حقلك فتأكل أنت وتشبع. أما اللعنة فيصفها قائلًا: يحمى غضب الرب عليكم ويغلق السماء فلا يكون مطر ولا تعطي الأرض غلتها فتبيدون سريعًا عن الأرض الجيدة التي يعطيكم الرب ((تثنية الاشتراع ۱۱ : ۱۳-۱۷ )). إِذن فقد صار مصير الأرض مرتبطًا بالإنسان وحبه الله وطاعته لوصاياه. هذه هي شريعة العهد القديم التي أقامها الله للإنسان الذي ارتضى أن يكون مصيره من مصير الأرض التي أُخذ منها حينما اشتهى أن يأكل من شجرة معرفة الخير والشر. ولكن ما ينبغي أن نتذكره دائمًا هو أن الإنسان لم يُخلق لهذا العالم المتقلب الذي نهايته الفناء، بل لعالم آخر لا يسكن فيه إِلا البر... ولا يوجد فيه موت ولا حزن ولا صراخ ولا وجع... ((رؤيا ۲۱، ۲۲ )) أما الوضع الحالي فهو وضع دخيل أنشأته الخطية واقتضته طبيعة قامة الإنسان الجسدية. لذلك كان العهد القديم عهداً. تمهيدياً لعهد أكمل وأعظم، حيث مكافأة العهد الأول كانت بركات أرضية وقتية مهددة بالزوال، أما مكافأة العهد الجديد فهي سمائية باقية لا تزول: فإنه لو كان ذلك الأول بلا عيب لما طُلب موضع لثان، لأنه يقول لهم لائمًا: هوذا أيام تأتي يقول الرب حين أكمّل مع بيت إسرائيل ومع بيت يهوذا عهدًا جديدًا لا كالعهد الذي عملته مع آبائهم يوم أمسكت بيدهم لأخرجهم من أرض مصر لأنهم لم يثبتوا في عهدي وأنا أهملتهم يقول الرب. (عبرانيين ٨ : ٧-٩) من أجل هذا أوصانا الرب يسوع في عهده الجديد أن نطلب أولًا ملكوت الله و بره وهذه كلها تُزاد لنا... ونحن غير ناظرين إلى الأشياء التي تُرى بل إِلى التي لا تُرى لأن التي تُرى وقتية أما التي لا تُرى فأبدية، لأننا نعلم أنه إِن نقض بيت خيمتنا الأرضي فلنا في السموات بناء من الله بيت غير مصنوع بيد أبدي. (كورنثوس الثانية ٤ : ١٨، ٥ : ١) فإن سيرتنا هي في السموات التي منها أيضًا ننتظر مخلصًا هو الرب يسوع المسيح. (فيلبي ٣ : ٢٠) ثالثًا: مبدأ إخفاق الإنسان الدائم تحت كل الظروف والحاجة الملحة إِلى مخلص: ليست الخطية مجرد تعدي على وصايا الله، بل هي كسر لقواعد وقوانين الحياة التي تأسست عليها علاقة الإنسان بالله جابله وخالقه من العدم، فهي إِذن انفصال عن مصدر الحياة وأصل الوجود. لذلك فإن أجرة الخطية موت... ! ولكن، هل استطاع الإنسان أن يدرك من ذاته هذه النتائج الرهيبة للخطية؟! بالتأكيد لا! لأن الخطية أعمت بصيرة الإنسان، حتى أنهم مبصرين لا يبصرون وسامعين لا يسمعون ولا يفهمون ((متى ۱۳ : ۱۳ )) إذ هم مظلمو الفكر ومتجنبون عن حياة الله لسبب الجهل الذي فيهم بسبب غلاظة قلوبهم ((أفسس ٤ : ١٨ )). هذه هي حالة الإنسان البعيد عن الله: يظن أنه غني وقد استغنى ولا حاجة له إلى شيء وهو لا يعلم أنه هو الشقي والبائس والفقير والأعمى والعريان. (رؤيا ۳ : ۱۷). فكيف يعرف الإنسان نفسه لكي يدرك مدى احتياجه الشديد إلى الله؟ لأنه بدون إِدراك الإنسان لعوزه واحتياجه وعجزه الكامل لن تدركه مراحم الله ولن يستحق عطاياه... . لذلك اقتضت محبة الله واهتمامه الفائق بالإنسان أن يهيئ له شتى الفرص التي يختبر فيها قوته وإمكانياته في كافة الأحوال لكي يتبين له إِخفاقه الدائم تحت كل الظروف، فيدرك بنفسه مدى احتياجه الله... ! وهكذا استلزم الأمر آلافًا من السنين من التدبير الإلهي لكي يتبرهن خلالها للإنسان أن كل قواه الأخلاقية وكل أنظمة الحكم الاجتماعية، بل وكل طقوس عباداته وتقدماته وحرصه الشديد على حفظ الوصايا والفرائض والأحكام، كل هذه ليست قادرة على خلاصه ولا كافية لدرء الموت الذي حل به، وأن خطة الله لخلاصه بالمسيح هي الأمل الوحيد والرجاء الأخير... ! وهذا ما يكشفه لنا العهد القديم بأنواع وطرق كثيرة، حيث يتبين لنا دائمًا إخفاق الإنسان في جميع الأحوال مع تأديبات الله الحاوية لخطته الخلاصية ووعده بالمخلص والفادي المنتظر: فعندما أعطى الله للإنسان أن يحقق ذاته ويمارس حريته في الفردوس، سقط في الغرور وطرد من الفردوس... ولكنه نال الوعد بنسل المرأة الذي يسحق رأس الحية. وعندما تركه الله يتصرف بضميره الطبيعي ومعرفته للخير والشر، سقط في الدعارة... فأغرقه بالطوفان، ولكنه أبقى نوح و بنيه شاهدًا للبر، وأقام ميثاقه مع الإنسان لكي لا يهلكه ثانية بالطوفان... وعندما أعطى الله الإنسان سلطانًا على كل الخليقة بعد الطوفان وباركهم ليثمروا ويكثروا ويملأوا الأرض، سقطوا في التعلق بالأرض والتكتل البشري لتأمين الحياة، فشتتهم الله و بلبل ألسنتهم. وعندما أقام الله وعوده مع الآباء البطاركة، سقطوا في الشك والخوف وتغربوا في بلاد غريبة حيث تمررت نفوسهم في العبودية. وعندما أعطاهم الله الناموس والوصايا والهيكل والذبائح ليعدَّهم له شعبًا مختارًا بين جميع الشعوب، تفاخروا ببر الناموس وسقطوا في بر أنفسهم! وعندما أجاب الله رغبتهم ليحكمهم ملك منهم كسائر الشعوب، سقطوا في العصيان والتمرد وعبادة الأصنام... ! فعاقبهم بالتشتت بين الأمم، وعاشوا في السبي أجيالًا طويلة يحلمون بأرض آبائهم وبالمخلص الذي يفتديهم من عبودية أعدائهم... ! وهكذا لما استنفذت كل الوسائل، وأثبت الإنسان فشله في سائر الأحوال، وعلا صراخه وأنينه مترجيًا الفادي والمخلص، حل ملء الزمان، وجاء المسيا المنتظر ليخلص كل الشعوب ويملك على بيت داود إِلى الأبد ولا يكون لملكه نهاية! رابعًا: مبدأ الاختيار والقطيع الصغير المعين للملكوت: أمام هذا الفشل الذريع للإنسان، والحكم الرادع من الله لعلاج كل حالات الجحود والشك والعصيان والتردي في شتى أنواع الخطايا، كان من اللازم أن يُبقي الله بقية تنجو من قضاء حكمه العادل لتكون أساسًا لتقدُم أكثر في خطة خلاصه التام. كما يقول إشعياء النبي لولا أن رب الجنود أبقى لنا بقية صغيرة لصرنا مثل سدوم وشابهنا عمورة ((إشعياء ١ : ٩ )). وهكذا من وسط قضاء الموت يقيم الله دائمًا حياة جديدة تسود وتعلو فوق الشر، ويختار الله نخبة صغيرة لكي تصير نواة لبداية جديدة من أجل تجديد شامل للخليقة كلها... ومع هذا القطيع الصغير يقطع الله وعوده ويقيم عهده و يعلن عن ذاته ويهيئ السبيل لملكوته الأبدي. أما أساس الاختيار فكان كما قال بولس الرسول: اختار الله جهال هذا العالم ليخزي الحكماء، واختار الله ضعفاء العالم ليخزي الأقوياء. واختار الله أدنياء العالم والمزدرى وغير الموجود ليبطل الموجود، لكي لا يفتخر كل ذي جسد أمامه. (كورنثوس الأولى ۱ : ۲۷-۲۹) وكما قالت القديسة العذراء مريم أنزل الأعزاء عن الكراسي ورفع المتضعين ((لوقا ۱ : ٥٢ )). وعلى هذا الأساس اختار الله نوح وإبراهيم واسحق ويعقوب وموسى وداود ليقيم فيهم كلمته، لأن الإنسان ينظر إلى العينين وأما الرب فإنه ينظر إلى القلب ((صموئيل أول ١٦ : ٧ )). خامسًا: مبدأ التبرير ببر الله: لعل أخطر ما تعرض له الإنسان من إخفاق هو افتخاره ببر الناموس واعتقاده أن التدقيق في تكميل واجبات الناموس يؤدي إلى بر أكثر يمتاز به الإنسان عن غيره ويحظى بواسطته على القبول والرضا عند الله! ولكن الإنسان المُخلِص في عبادته لن يغرَّه تكميل الناموس، بل لابد له أن يكتشف في عبادته وتدقيقه أنه لا يمكن الوصول بها إِلى حالة كاملة. وهكذا فالإنسان الذي يظن أنه بار بحسب ظواهر الأعمال سيرى نفسه في النهاية مقصرًا ومذنبًا بحسب مجال التدقيق الذي لا نهاية له... وهذا معناه أن الناموس عاجز بسبب ضعف الجسد أن يصل بالإنسان إلى البر الكامل... وبذلك يَثبُتُ ثبوتًا قاطعًا بشهادة الضمير الذي أيقظه الناموس أنه لو أُعطي ناموس قادر أن يُحيي لكان بالحقيقة البر بالناموس ((غلاطية ۳ : ۲۱ )). فالناموس ينهى عن الخطية ولكنه لا يساعد الإنسان على التغلب عليها... لأن الناموس روحي وأما الإنسان فجسدي مبيع تحت الخطية (رو ٧: ١٤) فإن لم يتغير الإنسان عن شكله بتجديد ذهنه ليصير روحيًا فلن يمكنه أن يكمل الوصايا... أما الناموس فقد أُعطي لكي يكشف الخطية، فلم أعرف الخطية إلا بالناموس ((رومية ۷ : ۷ )). وإِذ يعرف الإنسان خطيته والموت المتربص له فيها، و يدرك عجزه عن بلوغ البر، فلابد له أن يكتشف حاجته الملحة إلى فادي ومبرر. والمفهوم الجذري للناموس متعلق بالفداء والتبرير الذي أتمه المسيح على الصليب بسفكه دمه كفارة عن خطايانا، من أجل إعادة تأسيس علاقة الإنسان بالله على أساس نعمة الله وليس على أساس ما يحققه الإنسان من أعمال وبالتالي ليس على أساس الناموس، لأنه إِن كان بالناموس بُّر فالمسيح إذًا مات بلا سبب ((غلاطية ۲ : ۲۱ )). فالناموس إذًا كان مرحلة أساسية في تاريخ خلاص الإنسان لكي يدرك به احتياجه الشديد إلى التبرير ببر الله، أو كما يعبَّر عن ذلك معلمنا بولس الرسول قائلًا: لأن غاية الناموس هي المسيح للبر لكل من يؤمن ((رومية ١٠ : ٤ )). إذا قد كان الناموس مؤدبنا إلى المسيح لكي نتبرر بالإيمان ولكن بعدما جاء الإيمان لسنا بعد تحت مؤدَّب ((غلاطية ٢ : ٢٣، ٢٥ )). وهكذا كان يلزم للإنسان بعد سقوطه -كمرحلة من مراحل خلاصه- أن يكتشف الخطية الرابضة في داخله و بالخطية الموت، وأنه لابد من إنسان آخر يكون كاملًا وبارًا ولم يخطئ قط لكي يتدخل ببره بين الله والإنسان، ويقبل نيابة عن الإنسان حكم الموت ثم ينتصر على الموت، لكي يخلص الإنسان من جسد هذا الموت! ! هذا هو المسيح الذي أشبهنا في كل شيء ما خلا الخطية، وهو الذي "بذبيحة نفسه دخل مرة واحدة إلى الأقداس السماوية فوجد لنا فداء أبديًا" المعالم الرئيسية لخطة الخلاص في العهد القديم بقلم الأب متى المسكين، نُشر أوّل ما نُشر في مجلة مرقس، عدد فبراير ١٩٨٠، الصفحات من ١٨ إلى ٢٤ --- ### حراس الشريعة - Published: ۲۰۲٤-۰۵-۲۵ - Modified: 2024-05-30 - URL: https://tabcm.net/25749/ - تصنيفات: كتاب مقدس, مقالات وآراء - وسوم: الحق الإلهي, سمعان بن يونا, قديس بولس الرسول, نبي إرميا لابد أن نعترف أن هؤلاء قد نجحوا أن ينشئون جيلًا هشًا، جيلًا لا يعرف يميز بين الحق والباطل، جيلًا يكاد يريد أن يأخذ  فتوى أو تشريع من فم هؤلاء حتى في أدق تفاصيل حياته الخاصة، جيلًا  يريد من يتخذ له القرار في كل أمور حياته في عصر الميديا، شكرا للرب، لم نعد بحاجة إلى إذن من أحد  الذين أطلقوا على أنفسهم سواء في العلن أو في الخفاء، داخلهم؛ "حراس الشريعة"، وأعني هؤلاء الذين نصبوا أنفسهم وكلاء وأوصياء في الكنيسة. وهنا أقصد الكنيسة بمعناها المؤسسي، وهذا التعريف يروق لأصحاب المصلحة أن نشبه الكنيسة، أو بالأحرى نسمي الكنيسة، بالمؤسسة الدينية الاجتماعية. وهذا المسمى بالطبع هو ضد المعنى الروحي لكلمة كنيسة التي أعلنها الرب يسوع في إنجيل متي إصحاح ١٦. لم نعد بحاجة إلى إذن أيًّا من هؤلاء في أي شيئ للإطلاع على أي كتاب، أو قراءة تفسير يختلف عما في ذهن هذا الشخص، بل يمكننا مباشرة عبر الهاتف أو الكمبيوتر أن نذهب إلى قراءة وتصفح ما نريد. إنها نعمة ما بعدها نعمة، وبركة من الرب عظيمة جدًا، أن نخرج أو ننسلخ من شرنقة هؤلاء الذين كتموا على صدورنا وتحكموا في أذهاننا، بل صاروا أوصياء علينا وأصبحنا مثل القاصر الذي يمتلك الشيء ولكن لا يمتلكه، كما قال العظيم بولس: وإنما أقول: ما دام الوارث قاصرا لا يفرق شيئا عن العبد، مع كونه صاحب الجميع. بل هو تحت أوصياء ووكلاء إلى الوقت المؤجل من أبيه. هكذا نحن أيضا: لما كنا قاصرين، كنا مستعبدين تحت أركان العالم. (غلاطية ٤ : ١-٣) فكنا كالقاصر الذي يمتلك الشيء ولكن نظرًا لعجزة الفكري أصبح كالعبد، وكل هذا بفضل هؤلاء! ! الذين عن علم أو بلا وعي فرضوا علينا تشريعاتهم وأوامرهم وتقليدهم وأثقلوا علينا الحمل، وبدون وعي أيضًا وضعوا أنفسهم تحت هذا النير الثقيل من أحمال الوصاية والتشريع ولم يكلفوا أنفسهم أن يبحثوا عن الحق في كلمة الله، لأن الرب يسوع نفسة قد حذر من هذه المعاناة التي وٌضعت علي أكتافنا، إذ قال: ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون! لأنكم تعشرون النعنع والشبث والكمون، وتركتم أثقل الناموس: الحق والرحمة والإيمان. كان ينبغي أن تعملوا هذه ولا تتركوا تلك. (متى ٢٣ : ٢٣) وأيضا الرسول بطرس قال: فالآن لماذا تجربون الله بوضع نير على عنق التلاميذ لم يستطع آباؤنا ولا نحن أن نحمله؟ لكن بنعمة الرب يسوع المسيح نؤمن أن نخلص كما أولئك أيضًا. (أعمال الرسل ١٥ : ١٠-١١) مع أنّ الحق الإلهي معلن بوضوح في الإنجيل، لكن ماذا نقول! لأن برقع الغشاوة ما زالت محكومة علي قلوب وأعين  هؤلاء، حتي اصبح ينطبق عليهم قول الرب: لأنهم مبصرين لا يبصرون، وسامعين لا يسمعون ولا يفهمون. (متى ١٣: ١٣). لابد أن نعترف أن هؤلاء قد نجحوا أن ينشئون جيلًا هشًا، جيلًا لا يعرف يميز بين الحق والباطل، جيلًا يكاد يريد أن يأخذ  فتوى أو تشريع من فم هؤلاء حتى في أدق تفاصيل حياته الخاصة، جيلًا  يريد من يتخذ له القرار في كل أمور حياته. لقد نجح هؤلاء أن يقتلوا داخل هذا الجيل حتى شغف البحث والتنقيب في الكتاب المقدس بحجة أن من فم الكاهن تطلب الشريعة! واختلط الحابل بالنابل وأصبحنا جيلًا  لا يميز بين الحق المعلن وبين اللفظ الحرفي، وأصبحت كلمة الله التي يُفترض أن تكون لنا سندًا وأسلوب حياة، أصبحت بفضل هؤلاء مصدرًا للالتفاف حول الحق، واختلط الثمين والمرذول، فنتج عن ذلك العكس مما قاله النبي إرميا؛ إذا أخرجت الثمين من المرذول فمثل فمي تكون. (إرميا ١٥: ١٩). فلا نحن ارتقينا إلى درجة البنين ولا نحن صرنا مثل فم الرب، بل عدنا عبيد، قاصرين، مثقلين بضمير الخطايا، ضميرنا ضمير شرير، داخلنا قبور مبيضة، لنا منظر ومظهر من الخارج، لكنه من الداخل: من قلوب الناس، تخرج الأفكار الشريرة: زنى، فسق، قتل، سرقة، طمع، خبث، مكر، عهارة، عين شريرة، تجديف، كبرياء، جهل. جميع هذه الشرور تخرج من الداخل وتنجس الإنسان. (مرقس ٧: ٢١-٢٣). ألم ينخس الروح القدس قلبك وضميرك عزيزي القارئ لكي تستفيق من نوم الغفلة وتخرج من شرنقة هؤلاء الذين كتموا على صدورنا حتى كان لابد أنّ أقدم أوراق اعتمادي قبل أن أفتح كلمة الإنجيل مع البعض الذين كان لديهم عطش لكلمة الله. ولكن، أعترف أن هؤلاء قد نجحوا أيضًا في سد قنوات العطش لكلمة الله عما كان لديهم، ونجحوا أيضًا في قتلنا روحيًا لان أوراق اعتمادنا لا تتفق مع ما بداخلهم. وللحديث بقيّة. . --- ### رجسة الخراب واقتراب الوقت - Published: ۲۰۲٤-۰۵-۲٤ - Modified: 2024-05-24 - URL: https://tabcm.net/23047/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: آدم, الشيطان, المجيء الثاني متى نظرتم «رجسة الخراب»... قائمة في المكان المقدس... فأعلموا أن الوقت قريب... رأيت هذا مرتين: (١) في التجسد الإلهي، (٢) وعلي الصليب. وستكون الثالثة قبل مجيء المسيح الثاني عندما يظهر مسيح مزيف في أورشليم، وستكون علامة على اقتراب نهاية الزمان. (١) في التجسد الإلهي: - لبس المسيح جسد آدم بعد السقوط. - هذا هو "التطهير" من سلطان تلك الطبيعة عندما دخلها اللاهوت. - لذلك تجرأ الشرير بموجب هذه الطبيعة أن يجرب الرب، فلم يقوي عليه بسبب "التطهير". - ولكن الكتاب يقول أن الشرير "تركه إلى حين"، فقد أتي ليقبض نفسه عند الصليب. (٢) علي الصليب: - المسيح "دان الخطية في الجسد" حيث الدينونة هي إشهار عدم أحقية الشيطان في المطالبة بالقبض / استعباد/ سيادة علي بشرية المسيح بعد أن تطهرت باللاهوت وصارت مكانًا مقدسًا. - ثم أبطل المسيح جسد الخطية حيث تعبير الكتاب؛ سمَّر الخطية أبطل الخطية بالجسد سحق رأس الحية موت الخليقة العتيقة - لذلك كانت قيامة المسيح من بين الأموات، حيث قامت الطبيعة البشرية الجديدة في المسيح يسوع، لأنها تحررت من الخيمة العتيقة التي لبسها بالميلاد، من العذراء مريم، ذرية آدم الأول. (٣) قبل مجيء المسيح الثاني: - سيظهر المسيح المزيف في أورشليم الموضع المقدس ليضِّل ولو أمكن المختارين أيضًا. - ولكن الرب سيغلبه، ويقضي عليه في أحداث المجيء الثاني. "أمين تعال أيها الرب يسوع" والسُبح لله. --- ### لغز كاتب الدسقولية! - Published: ۲۰۲٤-۰۵-۲۳ - Modified: 2025-02-02 - URL: https://tabcm.net/22749/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, تاريخ وميثولوچيا - وسوم: التقويم القبطي, الحانوكا, الفصح اليهودي, دسقولية, عيد القيامة, عيد الميلاد مظاهر الهراء في "الدسقولية" جد كثيرة، ولكني سأكتفي بحديث كاتبها عن الأعياد، مؤكدًا أولًا على عدم وجود أي صلة لآبائنا الرسل الأطهار بهذا الهراء المحشو بين دفتي الكتاب، ونستطيع بسهولة التدليل على هذا من النقطة نفسها آنفة الذكر. فلم تعرف المسيحية الاحتفال بالأعياد بصورتها الحالية إلا بعد قرون عدة من انتقال آبائنا الرسل بل وتلاميذ تلاميذهم. فيما يخص عيد الميلاد، فالنص الدسقولي هو الآتي: يا أخواتنا تحفظوا في أيام الأعياد التي هي عيد ميلاد الرب وكملوه في ٢٥ من الشهر التاسع الذي للعبرانيين، الذي هو ٢٩ من الشهر الرابع الذي للمصريين. (الدسقولية، الباب الثامن عشر) الشهر التاسع عند العبرانيين هو شهر "كسلو - Kislev"، والشهر الرابع عند المصريين هو "كيهك". وقد انزلق كاتب الدسقولية هنا إلى حماقة فادحة ربما لم يسبقه إليها كثيرون، فهو يقرر توافق تاريخين من تقويمين يختلفان جذريًا. فالسنة العبرانية هي نتاج تقويم قمري يجري تصحيحه -حتى لا تتحرك ثوابته عن مواسمها المناخية- بإضافة شهر كامل إلى السنة الأخيرة من دورة طولها ثلاث سنوات -غالبًا-، في حين أن التقويم القبطي هو تقويم شمسي (لا بأس بدقته نسبيًا). فكيف يمكن أن يخطر ببال أحد أن يتوافق تاريخان ثابتان من كلا التقويمين. وحتى أسهل عليك الأمر فالتاريخ العبري المذكور "٢٥ كسلو" هو تاريخ عيد "الحانوكا" اليهودي، لدينا دراسة منشورة على الموقع عن الارتباط بين عيد الحانوكا وميلاد الرب يمكنك قراءتها من هنا:   وهذا الرابط هو موقع للأعياد اليهودية يمكنك منه تتبع تاريخ عيد الحانوكا على التقويم الغريغوري وملاحظة التفاوت سنويًا، ويمكنك قراءته من هنا. أما عن عيد القيامة، فقد جاء في الدسقولية الباب الحادي والثلاثون، في مقدمة الباب، الآتي: وواجبنا نحن معشر المسيحيين أن نستقصي لأجل يوم الفصح، كي لا نصنعه في غير الأسبوع الذي يقع فيه اليوم الرابع عشر من الهلال، ويوافق شهر نيسان الذي هو بالقبطي برموده. (الدسقولية، الباب الحادي والثلاثون) وجاء في أول الباب الآتي: يجب عليكم يا أخواتنا، الذين اشتريتم بالدم الكريم الذي للمسيح، أن تعملوا يوم الفصح بكل استقصاء واهتمام عظيم من بعد طعام الفطير الذي يكون في زمان الاعتدالالذي هو خمسة وعشرون، وأن لا يعمل هذا العيد الذي هو تذكار آلام الواحد دفعتين في السنة، بل دفعة واحدة للذي مات عنا دفعة واحدة. واحذروا من أن تعيدوا مع اليهود لأنه ليست لكم الآن معهم شركة. لأنهم ضلوا وأخطأوا وزلوا هؤلاء الذين ظنوا أنهم تكلموا بالحق فصاروا ضالين في كل زمان وابتعدوا عن الحق. أما انتم فتحفظوا باستقصاء من عيد اليهود الذي فيه طعام الفطير الذي يكون في زمن الربيع الذي هو خمس وعشرون من برمهات هذا الذي يحفظ إلى أحد وعشرين يومًا من الهلال حتى لا يكون أربعة عشر من الهلال في أسبوع آخر غير الأسبوع الذي تعملون فيه الفصح فتصبحون تصنعون الفصح دفعتين في السنة بقلة المعرفة. أما عيد القيامة الذي لربنا ومخلصنا يسوع المسيح فلا تصنعوه في يوم سوى يوم الأحد. (الدسقولية، الباب الحادي والثلاثون) كاتب الدسقولية وضع محددات لعيد القيامة يمكننا استخلاصها من النص كالآتي: 1- عيد القيامة هو يوم الأحد حصرًا، على ألا نحتفل به مع الفصح اليهودي، فإذا آتى الفصح اليهودي يوم الأحد نحتفل الأحد التالي له، وإذا آتى أي يوم آخر نحتفل بالقيامة يوم الأحد في نفس الأسبوع. 2- التشديد على الاحتفال بالقيامة في نفس أسبوع الفطير اليهودي الذي يبدأ بيوم الفصح اليهودي 14 نيسان وينتهي 21 نيسان. (هذا النص يتم إهداره سنويًا ولا يتم حدوثه إلا مصادفة كما هو موضح بالجدول المرفق) 3- نأتي إلى النص الحماري، وهو التشديد على ألا نحتفل بالقيامة مرتين في نفس العام. وحيث أنه يتكلم عن التقويم القبطي، فلا يتحقق هذا الشرط إلا إذا كان عدد الأيام بين عيد قيامة في سنة من السنين وعيد القيامة في السنة التي تليها هو 365 يومًا بالتمام والكمال، لا تزيد ولا تنقص. وهو أمر غير قابل للتحقق إلا إذا كان موعد العيد تاريخًا محددًا ثابتًا سنويًا، الأمر غير المتحقق لأن الحاكم في تحديد توقيت العيد هو اكتمال البدر، والدورة القمرية، التي تنتج سنة قمرية مختلفة تمامًا في الطول عن سنة التقويم القبطي الشمسية. (غني عن التوضيح أن هذا الشرط لا يمكن تحقيقه في معظم السنوات كما توضح المنحنيات الحمراء) ماذا ترى، عزيزي القارئ، في كاتب الدسقولية المتداولة؟ هل كان حمارًا أم إنسانًا؟ وماذا عن أولئك الذين يستشهدون بمرجعيتها لتحديد مواقيت الأعياد؟   --- ### المشكلة الإزائية - Published: ۲۰۲٤-۰۵-۲۲ - Modified: 2025-03-18 - URL: https://tabcm.net/21982/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, كتاب مقدس - وسوم: أريانوس النيقوميدي, أوريجينوس ليونايدس أدامانتيوس, الغنوصية, باسيليدس الغنوصي, بروتستانت, چيفري نورمان بليني, روبرت ديرينباكر, روبرت ماكوين جرانت, ريتشارد چون باوكهام, فالانتينوس الغنوصي, قديس إيرينيئوس، أسقف ليون, قديس بوليكاربوس، أسقف سميرنا, مرقيون السينوبي, يوحنا الحبيب كلمة "الإزائية" توازيها باللغة الإنجليزية كلمة Synoptic، والتي بدورها ذات جذر يوناني وتعني تلك النصوص التي يمكن أن تُرى معًا، أي تُقرأ بالمُقارنة والتوازي، ومنها تأني كلمة Synopsis أي تلك الكتب التي تنظم نصوص البشارات الثلاثة في جداول دراسية، كتلك التي سنستعين بها في هذه السلسلة المُشكلة الإزائية ((كلمة الإزائية توازيها باللغة الإنجليزية كلمة Synoptic، والتي بدورها ذات جذر يوناني وتعني تلك النصوص التي يمكن أن تُرى معًا، أي تُقرأ بالمُقارنة والتوازي، ومنها تأني كلمة Synopsis أي تلك الكتب التي تنظم نصوص البشارات الثلاثة في جداول دراسية، كتلك التي سنستعين بها في هذه السلسلة. ))، هي السؤال الذي يجتهد الأكاديميون في الإجابة عليه بخصوص العلاقات النصية بين البشارات الثلاثة الأولى . في هذه السلسلة سوف نتعرض للمحورين الأساسيين في إجابة مجموعة جيدة من الأسئلة الرئيسية التي تحيط ببشارات العهد الجديد، وهي؛ أي الأناجيل جاء أولًا؟ وما هي علاقة متى ولوقا بمرقس؟ وهل توجد مصادر أخرى لتلك البشارات أم لا؟ إضافة إلى ذلك، تسلط السلسلة الضوء على كيفية تفاعل المسيحيين الأوائل مع نصوص البشارة، وكيف حررت الكنيسة تلك البشارات وصاغتها بمرور الزمن لتُواكب احتياجات المؤمنين في القرن الأول. وجب التنويه على أن السلسلة ستعرض رؤوس أقلام فقط، حيث لا يمكن تلخيص قرن ونصف من البحث العلمي في ثلاث مقالات. وفي السطور القادمة سنستكشف معًا ما يمكننا معرفته عن الثلاث بشارات الأولى الملقبة بالأناجيل الإزائية، وذلك من خلال دراستها داخليًا بأدوات النقد الأدبي والتاريخي ((كُتبت هذه السلسلة كمقال في أغسطس 2018، وعُرض للنشر أوَّل مرَّة على موقع Humanities Today في مارس 2023، وهذه هي النسخة الثالثة. )). يجد القارئ المتأني لنشأة الجماعات الدينية أن النصوص الدينية لا تنشأ بمعزل عن الجماعة، بل يتشكّل النصّ المقدّس وسط الجماعة، وتقوم الجماعة بتأويله وصياغته وإعادة تحريره في العديد من المواضع وبشكل متفاعل ومستمر. نشأت المسيحية في أوّلها كجماعة يهودية، حيث دعا يسوع بين أتباعه إلى ملكوت الله. وفي ضوء تلك الكرازة وبتأثير ذلك الشّخص، أنتجت الجماعة نصوصًا متنوعة في النّوع الأدبي والفكر اللاهوتي على مدى خمسين عامًا. لاحقًا، قامت الكنيسة، ممثلة في الأجيال اللاحقة من التلاميذ والرسل، بجمع وتثبيت معظم هذه الكتابات خلال صراعها مع المارسيونية في القرن الثاني. التاريخ لا يعرف جماعة كان النص فيها أسبق على الفكر. وبما أن النص لم يكن موجودًا مسبقًا، لم تكن سلطة النص فوق سلطة الفكر والجماعة نفسها. لكل نص عدد من التأويلات، وضامن الجماعة الوحيد لصلاحيَّة النص هو أن تضع الجماعة إطارًا هرمنيوطيقيًا ((هرمنيوطيقا: هي دراسة تفسير النصوص وفهمها، وتُستخدم في مجالات مثل فقه اللغة واللاهوت والنقد الأدبي. وفي الدراسات الدينية، تشير الهرمنيوطيقا إلى تفسير النصوص الدينية. وفي الفلسفة، تعتبر الهرمنيوطيقا مبدأً يرى أن الواقع عبارة عن مجموعة من الرموز أو النصوص التي يجب تفسيرها بدلاً من وصفها بشكل موضوعي. )) يحكم قراءته. لذا فالاختلاف ليس خلافًا حول النصّ فقط، بل أيضًا حول المنهج الذي يصلح لتفسير النص. مثلًا، نجد العديد من الصراعات اللاهوتية قد نشبت حول نصوص متفق عليها، ويختلف الناس في تفسيرها، وأحيانًا قد يحتكمون لما يسمى "التقليد" أو تلك المعلومات الأساسية التي يُعتقد في نسبها لإناس معاصرين أو مقتربين من زمن التلاميذ والرسل، بل وأحيانًا لأشخاص التلاميذ والرسل أنفسهم. تتجاوز هذه القراءة البعد اللاهوتي إلى البعد الاجتماعي والتاريخي، ولا تقتصر على المسيحية بل تشمل الجماعات الأخرى. قد يُروج أنصار مفهوم "الجماعة الكتابية" لتلك الفكرة في الحديث عن العهد الجديد، لكن يظهر ضعف تلك الفكرة متى تم تطبيقها على الجماعة اليهودية. استغرق تدوين العهد القديم قرونًا عدّة، فهل يسبق النص الجماعة في هذه الحالة أيضًا؟ وإن افترضنا إمكانية وجود تلك "الجماعة الكتابية" التالية على النصّ، الجماعة التي تتلقى الإطار الهرمنيوطيقي من النصّ ولا تفرضه عليه، فما هي أمثلة تِلك الجماعات في التاريخ؟ في الواقع إنّ الثابت هو تعدد قراءات النص، وأن الأمثلة الثلاثة الأشهر قد أنتجت منهجيات هرمنيوطيقية لضبط النص. أما تلك الجماعات المعادية لهرمنيوطيقا الجماعة فعادة ما تظهر لاحقًا، كما هو حال مع البروتستانت وتيار القرآنيين وبعض الجماعات اليهودية التي رفضت سلطة القراءات التقليدية.  ما سبق لا يعني بالضرورة صحة تفسير هرمنيوطيقا الجماعة للنص، لكنه يؤكد أنه لا جماعة تنتج نصًا وتتداوله بدون ضابط تفسيري يحكمه. في القرن الواحد و العشرين، يعلم جميعنا مبدأ “حقوق الملكيّة الفكريّة”، ويتم ذلك من خلال سلطة قانونية متقدمة وتكنولوجيا متطورة تُمكّن تلك السلطة من تتبع وفهرسة جميع النصوص المنشورة. ولكن كيف حافظ المؤلِّفون في العصور القديمة على حقوقهم في ظل غياب هذه الحماية؟ كيف لكاتب أن يحفظ نسب نص لنفسه؟ وكيف له أن يضمن عدم وجود تعديلات على النص بعد انتشاره؟ في غياب مفهوم الملكية الفكرية وغياب سلطة عليا تحكم الأمور وغياب التكنولوجيا، كان اللجوء لسلطة الجموع هو الحل. لجأ الكتَّاب القدماء إلى سلطة الجماهير. فقد كان انتشار العمل بين الناس بمثابة دليل على ملكيتهم له، حيث كان تعديل النص بعد انتشاره يواجه معارضة من الجماهير الذين يعرفون النسخة الأصلية. نحن نعلم من رسالة بليني الصغير إلى ماتيروس أريانوس، أن الكاتِب بعدما ينتهى من عمله يتلو النص أمام زملائه كي يستقبل تصحيحًا لأخطائه، وفي تلك الرسالة يبدو أن بليني الصغير يربط بين “النشر” وبين التلاوة الشفاهية أمام الجموع. وبوضوحٍ أكثر يقول ((R. A. Derrenbacker, Ancient compositional practices and the synoptic problem, 2005, p. 51-52 )) : لست نادمًا على مُمارستي، فقد علّمتني الخبرة أن لها فوائد عدة. لا شيئ يُرضي رغبتي في الكمال، ولن أنسى أهميّة وضع كل شيئ في أيدي الجموع. أنا موقن أن كل عمل ينبغي أن يُراجع أكثر من مرة، وأن يُقرأ للعديد من الناس إن كان المطلوب أن تحظى بقبول كامل على نطاق واسع. (R. A. Derrenbacker, Ancient compositional practices and the synoptic problem, 2005, p. 51-52) لقد أدرك الكُتّاب القدامى أنّه بخروج النص من أيديهم، يصير النصّ أداة بين يديّ مُستقبليه، نقرأ مثلًا في المبادئ لأوريجينوس أنّه يستحلف من يقرأ كتابه ألا يضيف للمكتوب أو يحذف منه أو يغيره، ويعده بعذاب أبدي بعيدًا عن الميراث السماوي إن خالف الأمر. إذن فالكاتب يوثق علاقته بالنصّ بتلاوته، ولكن حين صار النص في أيدي الجموع يحدث ما يُعرف أدبيًا بـ“موت الكاتب”. موت الكاتب هو أن يخرج النص عن سلطان الكاتب بعد تداوله، في تلك المرحلة لا يمكن للكاتب أن يشرح ما أراد أن يقول، فتبدأ الجماعة في تفسير النص بموروثهم الفكري الذي قد يتضمن شيئًا من صوت الكاتب نفسه، ومن الوارد أيضًا أن يكون مغايرًا تمامًا. الموروث الفكري في تلك الحالة يتحول لا فقط إلى مُفسر بل إلى “ضابط”، ولا يخلق فقط التفسير، بل يُخمد ما يخالفه من قراءة. وفي محاولة لربط الجماعة لقراءتها بقصد الكاتب نفسه، تُحيل كل جماعة قراءتها إلى صوت أقدم أقرب زمنيًا ومعرفيًا للكاتب. فنقرأ في كتابات إيرينيئوس، أسقف ليون، أنّه سمع وتعلم من بوليكاربوس، أسقف سميرنا، وتلميذ يوحنا بن زبدي، تلميذ المسيح. وعلى هذا فسلطة إيرينيئوس في نقد الغنوصيين تنبع من التلمذة، أي تسلسل شرح الإيمان ((Irenaeus, Against Heresies, 3. 3. 4 )). ومن الجدير بالذكر أن المنطق نفسه هو منطق الغنوصيين، إذ يقول باسيليدس، اللاهوتي الغنوصي، أنّه تعلم على يد جلاوكياس، تلميذ بطرس (( R. Bauckham, Jesus and the Eyewitnesses. Wm. B. Eerdmans Publishing, 2006, E-book ))، وأيضًا فالانتينوس الغنوصي سمع من ثيوداس، تلميذ بولس، والنحشيين ((النحشيين: Naassenes، من العبرية נָחָשׁ أيّ “حيّة”. )) تسلموا الاعتقاد من مريم، التي تعلمت بدورها على يد يعقوب أخو الرب ((Robert M. Grant, Heresy and Criticism: The Search for Authenticity in Early Christian Literature 1993, 4 )). إن كانت النصوص في عهدة الجماعات، وإن كان الجميع يحيل قراءاته إلى التقليد والتراث الشفهي، فماذا يمكن أن تخبرنا النصوص نفسها عن تاريخ تكوينها بعيدًا عن الإطار التفسيري الذي تفرضه وتفترضه كل جماعة بسلطة التقليد؟ بما أن النصوص تُحتفظ بها وتُنقل شفهيًا بواسطة الجماعات، فإنها تخضع لتأثيرات ونفوذات مختلفة قد تشكل تاريخ تكوينها وتفسيرها. ومع ذلك، يمكن للنصوص نفسها أن توفر أدلة حول تكوينها بعيدًا عن التفسيرات الجماعية التقليدية: * اللغة واللهجة: يمكن تحليل لغة النصوص ولهجتها لتحديد أصولها الجغرافية والزمنية. يمكن أن تكشف الاختلافات أو التشابهات في المفردات والنحو عن انتقال النصوص عبر مناطق مختلفة أو الفترات الزمنية. * المحتوى التاريخي: إذا احتوت النصوص على أحداث أو شخصيات تاريخية، فيمكن استخدام هذه المعلومات لتحديد تاريخ تكوينها التقريبي. على سبيل المثال، يمكن ربط الإشارات إلى الحكام أو الأحداث المعروفة إلى فترات زمنية محددة. * التقاليد الشفوية: على الرغم من أن التقليد الشفهي قد يؤثر في تفسير النصوص، إلا أنه يمكن أيضًا توفير معلومات عن أصولها. يمكن مقارنة النصوص بالروايات الشفوية لمعرفة الاختلافات أو التشابهات، مما قد يشير إلى التغييرات أو التعديلات التي طرأت على النصوص بمرور الوقت. * التحليل النصي: يمكن إجراء تحليل دقيق للنصوص للبحث عن أنماط أو اختلافات قد توفر أدلة على تاريخ تكوينها. على سبيل المثال، قد تكشف التغييرات في الأسلوب أو المنظور عن مراحل متعددة من التأليف. * الفحص المقارن: يمكن مقارنة النصوص مع نصوص مماثلة من ثقافات أو فترات زمنية مختلفة. قد تكشف أوجه التشابه أو الاختلاف عن التأثيرات المتبادلة أو التطورات المستقلة، مما يساعد على تحديد تاريخ تكوين كل منها. من خلال الجمع بين هذه الأساليب، يمكن للباحثين استخراج معلومات حول تاريخ تكوين النصوص بعيدًا عن التفسيرات المفروضة من قبل الجماعات التقليدية. ومع ذلك، من المهم الاعتراف بأن تاريخ تكوين النصوص غالبًا ما يكون معقدًا ومتعدد الأوجه، ولا يمكن إثباته بشكل قاطع دائمًا. بحثًا عن تاريخ أكثر دقة، حاول الباحثون مقارنة وتحليل نصوص البشارات الثلاث الأولى، بهدف تحديد تاريخ تدوينها، والوقوف على أسباب وطبيعة التناص فيما بينها. فليس خفيًا على من يقرأ الثلاث بشارات الأولي أنها تتشابه نصيًا إلى حد بعيد، ليست فقط تتشابه بل بالأحرى تتطابق في الكثير من المواضع. في المقالين التاليين، نشرح أسباب التشابه، ونقدم بعض الأدلة البسيطة التي تدعم الفرضية الأكثر شيوعًا في الأوساط الأكاديمية؛ نظرية المصدرين. --- ### أسامة الأزهري وإرميا القبطي ولعبة "المتسولين" الدينية - Published: ۲۰۲٤-۰۵-۲۱ - Modified: 2024-06-02 - URL: https://tabcm.net/25647/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, شئون علمانية - وسوم: Sola Scriptura, أسامة الأزهري, أنبا إرميا، الأسقف العام, أنبا بيشوي، مطران دمياط وكفر الشيخ, الأصولية, الإصلاح البروتستانتي, الكنيسة الجامعة, المركز الثقافي القبطي, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, بروتستانت, تكوين الفكر العربي, رئيس عبد الفتاح السيسي, ڤاتيكان, قناة مي سات منذ انعقاد أولى ندواتها، شهد المشهد الثقافي العربي جدلًا حادًا، هل يمكن أن نحكم على مؤسسة "تكوين" من خلال تصريحات مستشار الرئيس السيسي، أسامة الأزهري، أم أنّه مجرد "زبون لقطة" يختلق عدوًا لِتبرير آرائه السلبية؟ اطلع على مقالنا للتعرف على طبيعة هذا الهجوم، وأبرز ملامحه، وتأثيراته الاجتماعية. شاركنا رأيك: هل يجب على النخبة الثقافية أن تواجه هذا الهجوم بالأسلوب نفسه أم أنَّ هناك طرقًا أكثر فعالية؟ منذ انعقاد أولى ندوات مؤسسة تكوين الفكر العربي، يشهد المشهد الثقافي العربي جدلًا حادًا لم ينتهِ حتى اليوم. ومصطلح "جدل" هو مصطلح إعلامي مُضلل، ففي الحقيقة هو "هجوم" على النخبة الثقافية بأكملها. ويمكننا تحديد أبرز ملامح هذا الهجوم فيما يلي: * الطبيعة الأصولية: يرتكز الهجوم على فكرة رفض أي محاولة لإعادة قراءة أو نقد للتراث الديني، معتبرًا ذلك تجاوزًا على الثوابت الدينية. * الطابع الشعبوي: يستغل الهجوم مشاعر الغضب والاستياء لدى شرائح واسعة من المجتمع، مُصورًا النخبة الثقافية كعدوّ يسعى لتدمير قيمهم وإرثهم الديني. * التجريم والمحاسبة على الأفكار: تُستخدم أدوات القمع والترهيب لفرض الرأي الأصولي، حيث وصل الأمر إلى السعي لمحاكمة أفراد أمام نيابة الأمن الوطني، والتفتيش في ضمائرهم وأفكارهم التي أُثيرت قبل تأسيس المؤسسة. في الحقيقة إن هذه المؤسسة، أعني تكوين الفكر العربي، تواجه الآن ما يواجه كل مثقف متفرد، وبالرغم من أني ألحظ في ردود أفعالهم تعاملًا حرفيًا خبيرًا بالمجمل، لكن المشكلة الأعمق في مسألة الهجوم على المثقّفين هو تأثيراتها الاجتماعية العامة على النقاط التالية: * الخوف من التعبير: يخلق هذا الهجوم جوًا من الخوف والحذر بين الكُتّاب والمفكرين، ويحد من حريّة التعبير عن آرائهم خشية التعرض للملاحقة. * الجمود الفكري: يُسهم الهجوم في تكريس حالة من الركود في الخطاب الثقافي العربي، والذي هو شبه ميّت ويحتاج إنعاشًا، ﻻ المزيد من صمت المقابر. * تهميش الاختلاف والإجبار على التوافق مع القطيع: يُساهم في تهميش استقلاليّة الأصوات ومنع المشاركة والاشتباك والتفاعل مع الحوار العقلاني والفكري. على كل حال، يُعد النقاش حول الإصلاح الديني أمرًا ضروريًا للتطور والتنمية في العالم. لكن يجب على النخبة الثقافية التصدي لهذا الهجوم الأصولي والشعبوي بالتمسك بالمزيد من الحوار العقلاني والرفض القاطع للتكفير والتجريم. ومؤسسة "تكوين الفكر العربي" أرى أنها مستعدة للتصدي لمسألة "التكفير"، لكنها ﻻ تبذل جهدًا ملائمًا للتصدي لمسألة "التجريم" فيما يبدو. أو تقف منه موقف المدافع عن النفس بينما المطلوب هو مزيد من مهاجمة "التجريم" للأفكار. أسامة الأزهري بعيدًا عن الرأي الشخصي، وعودةً إلى السياق الإخباري؛ ظهر مؤخرًا فضيلة الدكتور أسامة الأزهري في جانب المعادين لمؤسسة تكوين الفكر العربي، وكتب كلامًا كثيرًا جدًا نُشر على المواقع المصرية والعربية، والخلاصة كالتالي: ﻻ يعي الدكتور الأزهري مفهوم المؤسسة، وعمد إلى شخصنتها في شخوص، واستهدفهم كشخوص في الدعوة لمفهوم مناظراتي قرن-أوسطي بامتياز. بمعنى آخر، هو لم ينظر لأيًا من الإنتاج الفكري أو المواد المنشورة على موقع المؤسسة، بل استدعى من ذاكرته أفكارًا نمطية مُسبقة عن س أو ص من الناس، ليضمهم في النهاية لخط عريض من "منكري السنّة"! واعتبر -من ظنّياته- أنها مؤسسة إسلامية قرآنيّة ﻻ تعتد في عقيدتها سوى بالقرآن وحده. وهذا في عرف المفكرين دلالة "قصور عقلي" لأنه نمط تفكير مشوش ومتسرع وأهوج، بُنِي على مُقدمات خاطئة وبالضرورة يقود لنتائج خاطئة. يذكرني هذا الموقف بمغالطة شهيرة في المنطق تسمى مغالطة "الرجل القش". لقد بنى الأزهري صورة مشوهة للمؤسسة بناءً على افتراضاته وأوهامه وأحكامه المُسبّقة (أو لنقل تجاربه وخبراته المحدودة مع الأزهر)، ثم هاجم هذا "الرجل القش" المُصنّع بدلًا من المؤسسة الحقيقية. في جوهر الأمر، هذا الأزهري "زبون لقطة"، ونموذج للمتحمس الطيب الذي يُسيء فهم بواطن الأشياء، فيختلق العدو المعبّر عن كوابيسه هو، ثم يستخدم هذه الصورة المُصنّعة لتبرير آرائه السلبية. الأكثر انتهازية، هو ما فعلته وكالة أنباء العربية حين أشارت إلى أسامة الأزهري بـ "مستشار الرئيس السيسي" خلال تقرير عن تصريحاته، ووضعت هذا اللقب في عنوان التقرير. والذي عُرض بشكل بارز في شريط الأخبار في مواقع إخبارية أخرى، مخلقًا تساؤلات عدّة؛ حيث بدا وكأنه يدلّ على مستوى من الاعتراف الرسمي والتأثير قد لا يتمتع به الأزهري. وتُسِلط هذه الفعلة الانتهازية الضوء على التوازن الدقيق بين تقديم المعلومات الواقعية، والتأثير على الرأي العام من خلال لغة وأطار العرض لتلك المعلومات. من الواضح أن هذا ادّعاء صحفي مبالغ فيه كعنوان مثير. قد يسعى أسامة الأزهري إلى أدوار مهمة، لكن من المغلوط تصنيفه كشخصية معبّرة عن الإرادة السياسيّة للدولة. أفعاله تتحدث بصوت أعلى: فهو لم يكتفِ بطلب مناظرات لشخصيات عامة بناء على "سوابقها" الثقافيّة وحسب، إنما اقتراح خطة للقضاء على "منكري السنة"، وأعلن عن رغبته في الحصول على دعم ماديّ مقابل تدريب فريق من 100 باحث لمكافحة هذا التهديد المزعوم، وهؤلاء الـ"باحثين" وضع لهم معايرًا للجودة الإعلامية كمظهر دون مقومات فكرية. (سيتولى هو إعدادهم الفكري! ) هذه المطالب، تكشف عن نهج سطحي للخطاب الفكري الذي يمثّله الأزهري، فما بالك بمستشار الرئيس! (بيفكرني بكتيبتين دائرة مغلقة، وأنا فعليا معرفش مين هنا مستشار مين، بس اللي يمشي ورا الكلام ده، هايلبس). إرميا القبطي المناظر المكافئ والمعادل الموضوعي لمن "ياكلها والعة" في العالم المسيحي، هو نيافة الأنبا إرميا، وهو باختصار زعيم ديني يجمع الأموال من رجال الأعمال الأقباط عبر تقديم فواصل إعلانات. فواصل إعلانات تتخلل أي محتوى؟ مش مهم! فالهدف هو نقود الإعلانات التي يتم حشوها بالمحتوى لاحقًا! يحتكر المركز الثقافي القبطي، الذي يديره الأنبا إرميا، كلّ التسجلات الفيديوية لقداسة البابا شنودة الثالث، كجزء من أرشيف المركز لمدير المركز، فالحقيقة أن إرميا لم يكن مديرًا لشيء بل البابا الراحل نفسه كان المدير. وعند رحيل البابا شنودة، سطا الأسقف الثقافي سطوا على رتبة الإدارة البابويّة، وجعل من نفسه المدير الحصري للمحتوى الشنودي إكسكلوسيف! والذي تفنن في توظيفه عكس إرادة البابا تواضروس الثاني، البابا الحالي. والحقيقة أنها ذاكرة خارقة للعادة تلك التي يدير بها إرميا نشاطه الإعلامي المعارض للبابا. كلما قال تواضروس شيئًا، يستجمع إرميا ذاكرته الـ8 جيجا التي لم يحنِها الزمن، ليوقظ البابا السابق للبابا اللاحق في خطابات واضحة التعارض لإحراج البابا الحالي، ويتناقلها أبناء الأنبا بيشوي، مطران دمياط وكفر الشيخ السابق -الذين أشار إليهم الأزهري الغير عالم بسراديب الكنيسة- في موجة من المقارنات والمناحات الكربلائيات والبكاء على الحسن والحسين الذان رحلا وجاء مكانهما تواضروس! تحوّل التراث الكنسي لعروسة على شكل بطريرك يحركها إرميا وتتحرك معها مشاعر الملايين من محبيه، وأنشر على فضائية إرميا الخصوصي؛ "ميسات"، وهاتجيب أموال الإعلانات! لا نعرف أيّ رقابة على هذا المال التجاري الإعلاني، بل لا يُعرف إن كانت هذه الأموال تُعتبر عُشورًا أو تبرعات أم أنها مجرد إعلانات تجارية باهظة الثمن مقابل انتشار ضعيف. فالشريحة المستهدفة بقناته المسيحية لا تختلف عن الشريحة المستهدفة بقناة سلفية، بل قد يكون السلفيون المسلمون أكثر نفوذًا وقوة، بينما السلفيون المسيحيون هم فئة ضعيفة اقتصاديًا، معظمهم من السيدات المسنات اللاتي لا تأثير حقيقي لهن في أسرهن خاصة في المسائل التجارية كمنتوجات الإعلانات. وهذا ما يُلاحظ في المركز الثقافي القبطي وقناة "ميسات"، حيث لا يُعرف شيئًا عن قوائمها المالية وأين تُصرف أموالها، آخذين في الاعتبار أن أجور العاملين فيها لا تتناسب مع الحد الأدنى للأجور، بحجة أنها "خدمة كنسيّة" وليست مشروعًا تجاريًا. كل هذه التجارة ليست تجارية! يتاجر الأسقف بالله وبالمسيح وبالإنجيل وبالموتى وبالمشاعر تجاه المنتقلين في كل محفل، ورغم ذلك يمنع غيره أن يُسمى أفعاله التجارية باسمها! يساهم في أسلمة الكنيسة ومفرداتها وأنماط التفكير السائدة فيها، ولا يليق أن ندعوها "أسلمة"، بل نُرغم على اعتبارها؛ "وحدة وطنيّة"! تحاور أسامة الأزهري مع إرميا الثقافي القبطي، ويبدو أنه نقل فهمه الإسلامي الملتبس أن مؤسسة "تكوين" هم جماعة من "منكري السنّة"، لكنه نقل التباسه إلى سياق مسيحي، فأصبحت المؤسسة جماعة من منكري "التقليد الكنسي"! يكشف الحوار بين الأزهري وإرميا، عن سوء فهم مشترك وفوضى مُتفق عليها في قياس الأمور الغير متكافئة بين الإسلام والمسيحية، فتصبح دعوة للتسطيح والسذاجة العامة من باب "الوحدة الوطنية" في رغيف. حوار هاتفي مبتسر بين رجليّ دين كانت نتيجته ساندويتشات ثقافية مسمومة، تلك هي البضاعة التي تفهمها مؤسساتنا الدينية، الأزهر، والمركز الثقافي القبطي! ترى، هل نستطيع أن نحكم على الأزهر والكنيسة، والإسلام والمسيحية، من خلال صفوتها المعتمدة كمستشارين ومثقفين؟ أم أننا سنكون بذلك قد انحدرنا للمستوى الذي انتقدنا فيه منهجيّة تكوّن الأفكار عند الأزهري ذاته؟ ما يهمنا هنا أن إرميا، مدير الثقافة القبطية والإعلانات، لم يتحر الأزهري في فهمه، وكيف يتحراه والرجل -الثقافي القبطي- أجوف من أي خلفيات ثقافية عامة عن الصراع الثقافي أساسًا! يكفيه أنهم أخوة في "بيت العائلة" لكي يأخذ الأمر على عواهنه كمسألة تصديق إيماني! ومن ثمّ، نقل نيافة الحبر الجليل "نقل مسطرة" كلام "تالتة ابتدائي" أزهري؛ إن السنة قولية وفعلية، وإننا كمسلمين عرفنا الصلاة والشعائر من السنة الفعلية نقلا عن أفعال الرسول اللي وضحت أداء الشعيرة، وبالتالي السنة وإنكارها هو إنكار لحاجة أساسية في الإسلام! (أنا واخد سكرينشوت لتعليقه. . و"تعليقه" هنا مش بمعنى كومنت،، لا، أنا هاسيبلكم مسألة "تعليقه" بحيث "تعلقوه" بمعرفتكم)مطبّ ثقافي قداسة اللا-مثقف القبطي واقع في "مطب" كبير جدًا أبعد من أن يفهمه كفتى إعلانات القناة، ألا وهو أنّ المعادل المكافئ لطائفة "القرآنيين" حديثًا أو المعتزلة قديمًا هم "الإنجيليين"، البروتستانت! يجادل إرميا وينتقد مجموعة محددة على انهم بروتستانت؟! أيّ تضامن مع الأزهر في رغيف! قُرَّاؤُ المسيحيَّة، أو الإنجيليُّون، أو أولئك الذين لا يُقيمون قداسةً للتراث التقليدي، هم في الحقيقة لا مذهب لهم ولا طائفة لهم ولا فرقة ضالة، وإنما ألفٌ وسبعمئة مذهب وطائفة وفرقة، يشكِّلون مجتمعين رقمًا محترمًا لا يُستهان به في الكوكب، والأدهى أنهم ليسوا أقلية إلا في عالمنا العربي، لكنهم مثلًا الغالبون في الولايات المتحدة الأمريكية، والغالبون في جمهورية الصين الشعبية، وما أدراك ما أمريكا واقتصادها والصين واقتصادها وتعدادها، خصوصًا لمحترفي التسول الديني بالإعلانات التجارية يا مدير قنوات الشحاذة الفقيرة المحتوى! معتزلة المسيحية، أو الإنجيليون، هم من علّموا العالم المسيحي، متمثلاً في الفاتيكان، الكنيسة الجامعة الموجودة في خمس قارات، خطورة مبدأ Sola Scriptura ، والسولات الخمس الكبرى، أو الأحاديات الخمس الكبرى، هي مفهوم ثقافي ولاهوتي يصف الاختلالات المنهجية في تكوين الرأي (ومن ثمّ مفهوم العقيدة المعطوبة المتكوّنة عند أصحاب هذا الرأي) في القرون الوسطى. شاع هذا المصطلح عند اللاهوتيين اللوثريين في وصف بعض الأفكار اللاهوتية للإصلاح البروتستانتي. أي أن الإنجيليين هم من وصموا الكنيسة التقليدية بإدعاء كفاية الكتاب المقدس وحده، وليس العكس. كلمتين لابد أن يعرفهما القارئ المحايد، (لأنه لا أمل في هذا الأزهري المستشار، أو ذاك الثقافي المديوكر فتى الإعلانات): وجود الإنجيليين البروتستانت على مدى خمس قرون يوفر أساسًا متينًا لتقييم تأثيرهم على كل من الإنسانية والمسيحية. بدلًا من الاعتماد على آراء متحيزة من أفراد محافظين ضيقي الأفق، ودعنا نلجأ هنا إلى الفاتيكان، الخصم التاريخي العنيد لهذه المذاهب؛ في 2016 شارك بابا الفاتيكان في افتتاح كنيسة لوثرية في السويد بمناسبة مرور 500 عام على الإصلاح البروتستانتي، وفي 2017 قدم بابا الفاتيكان رسالة تهنئة للإنجيليين بمناسبة نفس الذكرى، خاتمًا رسالته بـشكرا، لقد جعلتم المسيحيّة أفضل. الفاتيكان هنا، في لحظة من التأمل التاريخي، يعترف بالدين الذي يَدين به لمنتقديه. هذا ليس مجرد خطاب فارغ أو ثناء أجوف كما يفعل فتى الإعلانات الأسقفيّة، بل هو اعتراف ثقافي بأنه؛ لولا انتقدني خصمي الذي يحب المسيحية مثلي، لما أهداني عيوبي، والتي حين عرفتها واعترفت بها كعيوب، لما حسّنت من نفسي وأساليبي وتطورت وصرت أكثر رهافة وأكثر صحّة، أي: لولا النقد لما صرت أكثر قوّة.   فمن خلال تسليط الضوء على العيوب، دفعهم هؤلاء المنتقدون إلى فحص أنفسهم، والاعتراف بضعفهم، وتحسين نهجهم في نهاية المطاف، ليصبحوا أكثر رقيًا وقوة نتيجة لذلك. ببساطة، يفهم الفاتيكان أن النقد، واستقباله بشكل بناء، يمكن أن يكون أداة قوية للتغيير الإيجابي. وهو ما لا يُحسنه رجال مؤسساتنا الدينية الرسمية فيما يبدو! يُظهر هذا الاعتراف من الفاتيكان قوة النقد البناء، وكيفية أنّه يمكن أن يُساهم في التطور والتقدم. فمن خلال التحدي، والجدل الإصلاحي، بل والحرب الأهلية أحيانًا، تم دفع كل من الفاتيكان والإنجيليين إلى إعادة النظر في معتقداتهم وممارساتهم، مما أدى إلى تحسين وتطوير كلا الكنيستين. هذا التبادل النقدي يُبرهن على أنّ التعددية الدينية لا تُشكل تهديدًا وجوديًا كما يتصّور المنغلقون، بل يمكن أن تُصبح قوة دافعة للنمو والتطور، مما يُثري الفهم المشترك للروحانية والمسيحية. هكذا قصد الفاتيكان، وهكذا فهمناه نحن، وهكذا يُرى الإصلاحيون دومًا في عيون خصومهم؛ هكذا حقيقة الأمر وديناميكية تشبيك الأيدي بين المستنيرين في العالم باختصار. --- ### لنطرق معا باب الوحدة المسيحية - Published: ۲۰۲٤-۰۵-۲۱ - Modified: 2024-05-21 - URL: https://tabcm.net/25627/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: ليتورچي لا ملاك، ولا رئيس ملائكة، ولا رئيس آباء، ولا نبيًا، ائتمنته علي خلاصنا. بل أنت بغير استحالة، تجسّدت وتأنست، وشابهتنا في كلّ شيئ ما خلا الخطية وحدها. وصرت لنا وسيطًا لدى الآب، والحاجز المتوسط نقضته، والعداوة القديمة هدمتها. وأصلحت الأرضيين مع السمائيين، وجعلت الإثنين واحدًا المسـيح هو موضوع الإيمان. الكنيسة (نحن) موضع الإيمان. حياتنا تَرْجَمَة للإيمان. المحبة العمود الفقري للإيمان. للإيمان المسيحي، في ظني، قراءات متعددة، وقد تكون كلها صحيحة بشكل نسبي، لأن موضوع الإيمان هو "المطلق" وهو ما لا يمكن إدراكه بجملته، ومع الوقت قد يتطور إدراكنا له، لكنه يبقى نسبيًا مثل نقطة في محيط. لأننا نعلم بعض العلم ونتنبأ بعض التنبؤ. ولكن متى جاء الكامل فحينئذ يبطل ما هو بعض. لما كنت طفلا كطفل كنت أتكلم، وكطفل كنت أفطن، وكطفل كنت أفتكر. ولكن لما صرت رجلا أبطلت ما للطفل. فإننا ننظر الآن في مرآة، في لغز، لكن حينئذ وجها لوجه. الآن أعرف بعض المعرفة، لكن حينئذ سأعرف كما عرفت. أما الآن فيثبت: الإيمان والرجاء والمحبة، هذه الثلاثة ولكن أعظمهن المحبة. (رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس 13: 9- 13)  وقد تحتاج الفكرة لتحديد. للمسيحية أركان أساسية تشكل ملامحها؛ فيمن هو الله والإنسان والرابط بينهما، وهو الحب الإلهي اللا نهائي، الذي منه تولدت كل عقائدها، التي لا يمكن استيعابها بدونه. وهنا يأتي التعدد في القراءات، وهو ما عبر عنه أحد الآباء المعاصرين بأنه هناك فرق بين العقيدة والرأي والتفسير. فبينما الأولى ثابتة ومحددة ومستقرة، خاصة ما يتعلق بقضية المسيحية الكبرى: • الفداء، وما يرتبط به، الخلق والسقوط والتجسد. • موت الابن على الصليب. • القيامة • الملكوت والأبدية. يبقى الرأي والتفسير قابلان للتنوع والتعدد، فعلى سبيل المثال: • كيف نفهم محبة الله الآب؟ • كيف ندرك نعمة الابن الوحيد؟ • كيف نتصور شركة وموهبة الروح القدس؟ (2كو 13 : 14). • كيف نقرأ علاقتنا بالقديسين الحدود والمدى؟ • كيف نقرأ طريقة الصلاة؛ الشكل والمضمون؟ • كيف نمارس عباداتنا؟ • كيف نترجم عضويتنا في الجسد الواحد؛ جسد المسيح؟ ظني أن كل ما هو خارج محور (الله- الفداء- الإنسان) يقبل تعدد القراءات، وهي المساحة التي تشكل كثير من الأزمات البينية عند الفرقاء. ولو اتفقنا -كما فعل الآباء قبل الانشقاق- على الحق في الاختلاف فيها، دون إقصاء أو إبعاد أو قطع من الشركة، أو اتهامات الهرطقة، التي تأتى أغلبها من خلفيات عنصرية قومية، سنقترب كثيرًا من تحقق حلم الوحدة المسيحية على الأرض، مع بقاء التمايزات الحضارية والموروث الإنساني. ويتبنى الاتفاق في إطار ما استقرت عليه الكنيسة في قانون الإيمان النيقاوي القسطنطيني؛ نؤمن: بإله واحد الله الآب. نؤمن: برب واحد يسوع المسيح، ابن الله الوحيد نؤمن: بالروح القدس الرب المحي (نسجد له ونمجده مع الآب والابن) نؤمن: بكنيسة واحدة مقدسة جامعة رسولية. نؤمن: بمعمودية واحدة. نؤمن (وننتظر): قيامة الأموات وحياة الدهر الآتي. وقد أوجزت الكنيسة الملهمة إيمانها في ليتورجيتها؛ فيمَا يُعرف بصلاة الصلح بالقداس الغريغوري: • أيها الكائن الذي كان، الدائم إلي الأبد، الذاتي، والمساوي، والجليس، والخالق الشريك مع الآب. • الذي من اجلّ الصلاح وحده، مما لم يكن، كوّنت الإنسان، وجعلته في فردوس النعيم. • وعندما سقط بغواية العدو، ومخالفة وصيتّك المقدسة. • وأردت أن تجدّده، وتردّه إلي رتبة الأولي. • لا ملاك، ولا رئيس ملائكة، ولا رئيس آباء، ولا نبيًا، ائتمنته علي خلاصنا. • بل أنت بغير استحالة، تجسّدت وتأنست، وشابهتنا في كلّ شيئ ما خلا الخطية وحدها. • وصرت لنا وسيطًا لدى الآب، • والحاجز المتوسط نقضته، • والعداوة القديمة هدمتها. • وأصلحت الأرضيين مع السمائيين، • وجعلت الإثنين واحدًا، • وأكملت التدبير بالجسد. • وعند صعودك إلي السموات جسديًا، • إذ ملأت الكلّ بلاهوتَّك. • قلت لتلاميذك ورسلك القديسين: سلامي أعطيكم، سلامي أنا أتركه لكم. • هذا أيضًا الآن، أنعِم به لنا يا سيدَّنا. • وطهرنا من كل دنس، • ومن كل غش، • ومن كل رياء، • ومن كل شر، • ومن كل مكيدةٍ، • ومن تذكار الشر الملبس الموت. (القداس الغريغوري، صلاة الصلح) --- ### كتالوج الرجل صفحة ١٨ - Published: ۲۰۲٤-۰۵-۲۰ - Modified: 2024-05-17 - URL: https://tabcm.net/21969/ - تصنيفات: المرأة القبطية, مقالات وآراء الراجل طول عمره همه على بطنه. .  المثل الشعبي بيقول "أسهل طريق إلى قلب الراجل معدته"، فما ينفعش تجوعيه فترة طويلة، ولا ينفع تتحكمي فيه عشان انتي اللي بتطبخي، ولا ينفع تحنسيه بالأكل وفي الأخر متأكليهوش، لأنه ببساطة ممكن يعك، وساعتها مش هايفرق معاه healthy foods ولا junk foods. أنا عارف إن الكلام ده بيضايقك وبيخليكي أحيانًا باصّة للراجل على انه حيوان مفترس مش بني آدم، في حين إن الموضوع مش كده، الموضوع محتاج منك فهم لطبيعة الراجل، فهم لكتالوجه وطريقة تشغيله. آه صدقيني زيّ ما بقولك كده، زيّ ما بتتعلمي الغسالة الجديدة بتشتغل أزاي، والإيرفراير وماكينة القهوة والإيرليس وأجهزة كثيرة بتخافي عليها تبوظ، فبتحاولي تفهمي طريقة تشغيلها، ما بالك بقى البني آدم المختلف عنك. الراجل بطبيعته بيحب الأكل، يمكن كمان أكثر منك، هو راجل أكيل حتى لو ده على حساب صحته وشكله، انتي ممكن تهتمي أكتر بحمية غذائية معينة، وتهتمي أكتر في الأوقات اللي ناكل فيها، ونوع الأكل اللي ناكله، هو مش كده، كتالوجه مش كده، هو معندوش مانع يأكل وهو فرحان، أو ياكل وهو متضايق وزعلان، أو يأكل وهو مضغوط ومتوتر، ياكل الصبح أو الضهر أو باليل، ما أنا بقولك بيحب الأكل. ممكن تكوني تعبانه من طلباته الكثيرة، اللي بعضها متعب وبعضها غريب، أصل البيه ممكن يكون قاعد طول الوقت عمال يشوف على النت إعلانات المطاعم والأكل، أنا معاكي جدا إن ده قلة أدب وطفاسة كمان، بس بفكر معاكي بصوت عالي إيه اللي ممكن يكون بيضايقك، ممكن كمان لأنه بياكل ومبيشكرش، جايز! وممكن كمان لأنه بعد ما بياكل جسمه بيريح، وينام، وانتي بقى مستنية تشوفي منه بطل المسلسلات التركي! بس هو طبيعة جسمه كده، وده دليل على فكرة إنه كل وشبع واتبسط من أكلك، وممكن كمان تكوني بتضايقي إنه بيخلص أكل بسرعة ويقوم ومش بيستناكي تخلصي انتي كمان أكل، أنا معاكي جدا إن ده شيئ سخيف و أنانية منه، بس ممكن يكون عن جهل وعدم خبرة، وممكن يكون عنده مشكله مرضية في الجهاز الهضمي فبيزلط الأكل زلط ومش بيمضغ كويس، أعتقد الكلام بهدوء والصراحة علاج أمثل، ولو الموضوع محتاج تدخل طبي مش عيب ولا حرام. العيب و الحرام إن كل واحد يفضل كاتم في قلبه اللي مضايقه، وإننا نتحكم في بعض، وإننا نجوع بعض تجويع قهري، مينفعش هو ميشتريش أكل عند فيكي، ولا ينفع انتي متطبخيش، أصل اللي هيفضل جعان فترة طويلة هيدور على أكل برة، وساعتها مش هيفكر ياكل من الفور سيزونس ولا من عبده نتانة اللي على أول الشارع ومبيغسلش ايده، مش هيفرق معاه إنه يخش أوضته وياكل لوحده انشاله ياكل في بعضه، الجعان بيحلم بسوق العيش، والنفس الشبعانة تدوس حتى العسل. السؤال المهم؛ هل هي حياة شركة وحب، فكل واحد بيحاول يراضي شريكه و يسعده؟ ولا هي قلبت بحرب ومنافسة وكل واحد بيدور أزاي يكيد الثاني ويضايقه ويطلع نفسه مظلوم ومغلوب على أمره، والثاني مفتري وابن ستين في سبعين؟! أصلها لو قلبت على حرب يبقى بلاها وشيل ده من ده يرتاح ده عن ده، أصل الدنيا مش ناقصة ومش مستاهلة. بقول الكلام ده ليه، وبقوله بالطريقة ديّه ليه، عشان مجتمعنا مجتمع سيئ محدش فيه بيدور يوعي أخوه اللي جنبه، وكل واحد يا يقولك أنا مالي، يا إما يقولك إشمعنى أنا اللي حياتي مليانه بلاوي، كمان الكلام في المواضيع ديه عشان إحنا في مجتمع متخلف، الناس يا إما بتتكلم فيه ببذاءة و بطرق منفرة، يا إما بياخدوا سكة عيب الكلام ده. بقول الكلام ده لأن بيوت كثيرة تحولت لساحات حرب، ومحدش عارف إن دايمًا ضحايا الحروب مش بيكونوا هما أصلا أصحاب قرار بداية الحرب، طبعًا مش بسطح المشاكل أو بلخصها في نقطة الأكل بس، أكيد فيه نقاط ثانية كثيرة وعوامل ثانية كثير وكتالوج الرجل كبير، زيه زي كتالوج المرأة، بس ديه نقطة من نقاط كتيرة منهم، اعتبروها صفحة ١٨ من كتالوج الرجل اللي مليان صفحات. دمتم متحابين، ودمتم ساعين للخير، ومعمرين للبيوت الخربة، ومنيرين للعقول المعتمة. وبكل تأكيد صديقي القارئ؛ الكلام مش على الأكل! --- ### صورة الله في الإنسان - Published: ۲۰۲٤-۰۵-۱۹ - Modified: 2024-05-22 - URL: https://tabcm.net/22610/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: آدم, الأب متى المسكين, بابا كيرلس عمود الدين, باسيليوس الكبير، أسقف قيصرية الكبادوك, تجسد الكلمة, علامة إكليمندس السكندري, علامة ترتليانوس الإفريقي, غريغوريوس النزينزي، الناطق بالإلهيات, غريغوريوس النيسي, قايين, قديس أثناسيوس الرسولي, قديس إيرينيئوس، أسقف ليون, قديس بولس الرسول, مجلة مرقس, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية صورة الله في الإنسان، بقلم الأب متى المسكين، نُشر أوّل ما نُشر في مجلة مرقس، عدد مارس ١٩٨٠، الصفحات من ٣٠ إلى ٣٨ إن العظمة الحقيقية للإنسان تكمن لا في كونه تاج الخليقة، ولا في كونه ممتازًا على الحيوانات والجماد، ولا في كونه "الكون المصغر". لأنه كما يقول القديس غريغوريوس النيسي أن كل هذا ليس بأمر ذي شأن، لأن الأرض تعبر والسماء تتغير وكل ما هنا زائل بما عليه. إن الخليقة لن تقدر أن تخلَّص الإنسان أو تهبه الحياة الأبدية. ولكن عظمة الإنسان وكرامته هما إلهيان حقًا، وكيانه نابع من خلقته لكي يكون مشتركًا في الحياة الإلهية، وهذا ما عبَّر عنه الكتاب المقدس أنه خُلق على صورة الله ومثاله: من جهة طبيعتي التي على الأرض، فأنا مشدود للحياة هنا إلى أسفل، أما من جهة كوني مخلوقًا إلهيًا، فأنا أحمل في صدري الشهوة للحياة الأبدية. (القديس غريغوريوس النزينزي) ((القديس غريغوريوس النزينزي، مقالة عن النفس، ٧٠-٧٥. )) فالإنسان كائن إلهي، وليس مجرد طبيعة عمياء منساقة بغرائزها للتراب، وذلك بسبب صورة الله التي خُلق عليها والمثال (أو الشبه) الإلهي الذي دُعي أن يبلغه في النهاية نخلق الإنسان على صورتنا کشبهنا (تكوين ١ : ٢٦-٢٧). وقد أجمع الآباء القديسون على أن "الصورة" و"الشبه" يمثلان الموهبة الأولى المعطاة للإنسان (الصورة)، والكمال الفائق للطبيعة أو الاكتمال المدعو الإنسان لبلوغه في النهاية (الشبه): الصورة نالها الإنسان فور خلقته، بينما الشبه كان مقدرًا أن يتخذه الإنسان من خلال عملية تدرج في الكمال. (إكليمنضس السكندري) ((إكليمنضس السكندري، ستروماتا ٢ : ٢٢. ))   "الصورة" تتضمن المواهب الطبيعية وعلى الأخص العقل وحرية الإرادة، وهذه لا يمكن أن تُفقد. و"الشبه" فائق للطبيعة وهو اقتناء الكلمة وشركة الروح؛ وهذا فقده آدم واسترجعه المسيح. (القديس إيرينيئوس) ((القديس إيرينيئوس، ضد الهرطقات ٥ : ٦ : ١. ))   هل هناك فرق بين "على صورته" وبين "على شبهه"... لأنهم يقولون إننا نلنا "الصورة" في وقت الخلقة، أما "الشبه" فقد حُفظ لنا في الدهر الآتي. وهذا هو السبب للمكتوب حين يُظهر المسيح... سنصير مثله (١يو ۳ : ۲). وأيضًا لنعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا (تك ١ : ٢٦). و بعد خلقة الإنسان قال وعمل الله الإنسان، على صورته صنعه (تك ۱ : ۲۷) دون أن يشير إلى "شبهنا" ليُظهِر أننا لم ننل بعد الشبه، إذ قد حُفظ ذلك لنا في حياة الغبطة المستقبلة. (القديس كيرلس الكبير) ((القديس كيرلس الكبير، علي إنجيل يوحنا ۳ : ٥٥٤. )) في هذا الشرح يقصد الآباء لا التفريق بين "الصورة" و"الشبه" كأنهما شيئان مختلفان ((يقول القديس إيرينيئوس أن الصورة تمثل المواهب الطبيعية وعلى الأخص العقل وحرية الإرادة، وهذه المواهب لا يمكن أن تفقد، أما الشبه فهو الموهبة الفائقة للطبيعة وهي اقتناء "الكلمة" وشرح الروح، وهذه فُقدت بسبب آدم واسترجعت في المسيح (ضد الهرطقات ٥ : ٦ : ١) ))، ولكن على أساس أن "الصورة" هي الجانب المستقر غير المتغير في الإنسان، بينما الشبه هو العامل المتحرك (الديناميكي) الذي يتضمن ما سيصير عليه الإنسان، هو التحقيق المتدرج لبلوغ كمال الصورة التي أودعها الله فينا (وكأن الصورة نوعٌ من الرسم التخطيطي الأولى). فالشبه هو الصورة وهي تكتمل في تحقيقها، فهما متطابقان في جوهرهما في فكر الله، أما بالنسبة للإنسان فسيتطابقان نهائيًا في السماء بعد القيامة العامة كما كانا في البدء. فالإنسان الآن في طور الاكتمال ليكون في النهاية على شبه الصورة التي فيه منذ خلقته. سنكون مثل المسيح في عدم الفساد... لكننا منذ الآن لسنا غرباءً عن شبهه، إذ قد تصوَّر فينا بالروح القدس. (القديس كيرلس الكبير) ((القديس كيرلس الكبير، على إنجيل يوحنا ۳ : ٥٥٤ ))، ((يلاحظ أن القديس كيرلس لا يوافق بتاتًا علي التفريق بين الصورة والشبه علي أنهما شيئان مختلفان وذلك في هذا النص - ولكن علي أساس أننا نقتني منذ الآن بذرة الشبه في الصورة. )) وبهذا يطمئنا الوحي جدًا أن ما أُعطيناه من موهبة الخلقة على صورة الله وشبهه تتضمن منذ البدء دعوتنا إلى الشركة مع الله، ووعد الله لنا بتكميل وتحقيق ذلك أيضًا في الدهر الآتي. وهذا يتوقف على جهادنا في هذا الدهر مع مؤازرة النعمة. كما يعبَّر عن ذلك القديس باسيليوس في قولين متتابعين: - الإنسان هو خليقة الله العاقلة، وقد جُبل على صورته. ((باسيليوس الكبير، تكوين الإنسان ١ : ٦ )) - خُلق الإنسان كائنًا حيًا، وأُمر أن يصير إلهًا.  ((هذا القول أورده القديس غريغوريوس النزينزي في عظته الثالثة والأربعين علي نياحة القديس باسيليوس. )) فمنذ البدء وإلى أعماق الدهور الآتية نحن مدعوون، بناءً على أمر الله، أن نكون شركاء حياته الإلهية بالنعمة وعلى قدر ما يعطينا وعلى قدر ما نحتمله نحن. وهكذا فإن خلقة الإنسان على صورة الله وشبهه تتضمن أساسًا الشركة مع الله منذ البدء. والقديس أثناسيوس يشير إلى الصورة والشبه هكذا: خلق الله البشر وجعلهم يشاركونه صورة ربنا يسوع المسيح، وخلقهم على صورته ومثاله، لكي بهذه النعمة يعرفون الصورة، أي كلمة الآب، ومن خلاله يصيرون قادرين على أن يتعرفوا على الآب، حتى إذا ما عرفوا خالقهم يعيشون الحياة الطوبانية حقًا... حتى بطول الزمن يمكن أن ينالوا "عدم الفساد" في السماء. (القديس أثناسيوس الرسولي) ((القديس أثناسيوس الرسولي، تجسد الكلمة. )) صورة الأقانيم الإلهية وانعكاسها في كيان الإنسان: ولكن أول حقيقة صوَّرها لنا الآباء في تأملهم في خلقة الإنسان على صورة الله هو انعكاس صورة الأقانيم الإلهية وفعلها داخل الإنسان كما في مرآة: فمن جهة كلمة الله: كلمة الله هو صورة الله. والإنسان الحق هو صورة الكلمة. العقل الذي في الإنسان هو بحسب صورة الله ومثاله. من أجل ذلك صار الإنسان ناطقًا. (إكليمنضس السكندري) ((إكليمنضس السكندري، prot. 10. ))   صورة الله هو كلمة الله. والعقل الإنساني هو الصورة التي بحسب صورة الله. (إكليمنضس السكندري) ((إكليمنضس السكندري، str. 5. 14. ))   النفس تشكلت بحسب صورة الله وخُلقت على شبهه، كما قال الكتاب المقدس على فم الله: نصنع الإنسان كشبهنا. لذلك، فحينما تطرح النفس عنها كل دنس الخطية التي تغطيها، وتُبقي فقط على ما هو طاهر بحسب هذه الصورة، وحينما تستنير هكذا، تبصر -كما في مرآة- الكلمة الذي هو صورة الآب؛ ومن خلاله تعرف الآب الذي صورته هو المخلَّص. (القديس أثناسيوس الرسولي) ((القديس أثناسيوس الرسولي، الرسالة إلي الوثنيين ٣٤ : ٣. )) ومن جهة الروح القدس: فللروح دور رئيسي في نقش صورة الله فينا، التي يسميها الآباء جمال الله فينا، جمال الطبيعة الإلهية المتلألئ في نفوسنا، بتقديس الروح نعود إلى جمال طبيعتنا الأصلي، الذي هو صورة الله. أليس هو الروح الذي ينقش صورة الله فينا، وهو الختم الذي يصنع فينا البر والجمال الفائق للعالم؟ قد يقولون: بلى، ولكن ليس باعتباره إلهًا، بل كموصل لنعمة إلهية فقط، فليس هو بنفسه الموسوم فينا، بل "نعمة" من خلاله. إذن، فإن كان الأمر كذلك، فكان ينبغي أن يُدعى الإنسان لا صورة الله، بل صورة النعمة! (القديس كيرلس الكبير) ((القديس كيرلس الكبير، حوار علي الثالوث ٧. )) إن القديس كيرلس لا يتساهل مع الذين يدَّعون بأن هذه النعمة هي شيء منفصل وبالتالي أدنى من الروح. ذلك لأن الذين ينكرون لاهوت الروح القدس سيصلون حتمًا إلى هذه النتيجة أنه ليس روح الله نفسه الموسوم فينا، بل هي فقط نعمة من خلاله. ولكن شكرًا لله لأن الله نفسه هو الذي طبع فينا صورته وجماله "الفائق للعالم" بروحه الخاص، وهذا أعظم ضمان لحقيقة حضور صورته فينا. حقًا، لقد شوَّه الإنسان جماله الإلهي، ولكن ها هو روح الله يسترجعه مرة أخرى بعمل ربنا يسوع المسيح الذي أكمله بالتجسد. من المستحيل لنا أن نسترجع جمالنا الأصلي منذ أن سقطنا منه بسبب معصية الإنسان الأول، لولا تكميلنا تلك الشركة والاتحاد مع الله غير المعبَّر عنهما، ولكن الاتحاد مع الله غير ممكن لأي إنسان تحقيقه إلا من خلال الاشتراك في الروح القدس الذي يغرس فينا قليلًا قليلًا تقديسه الخاص، والذي يعيد تشكيل الطبيعة التي خضعت للفساد، يعيد صياغتها على حسب حياته الخاصة، وهكذا يسترد لله وللمشابهة لله ما سبق أن تجرَّد من المجد. لأن صورة الآب الكاملة هو الإبن، والشبه الطبيعي للابن هو الروح. والروح بالتالي إذ يعيد تشكيل نفوس الناس لنفسه، ينقش فيهم مشابهة الله ويختم فيهم إعادة حضور جوهره الفائق. (القديس كيرلس الكبير) ((القديس كيرلس الكبير، علي إنجيل يوحنا ١١. )) إن الآباء القديسين طالما تأملوا في ذلك الجمال الإلهي الفائق للعالم الذي انطبع في الإنسان منذ خلقته في البدء. هذا الجمال الذي شوَّهه الإنسان (ولكن لم يفقد صورته) بالخطية والمعصية، فتحول فيه إلى "قبح" الطبيعة، لكن هذا الجمال استُرجع ثانية بتجسد وفداء المسيح (صورة الله الطبيعية الكاملة). إنه جمال الثالوث فينا... جمال بر الابن صورة الله، وجمال تقديس الروح صورة الابن! إن الرؤية المسيحية للإنسان ترى بوضوح حقيقة الصورة الإلهية فينا قائمة منذ لحظة الخليقة بموجب المشورة الإلهية: "نخلقالإنسان على صورتنا كشبهنا" (تك ١ : ٢٧،٢٦). لماذا لم يرد ذكر "صورة الله" على مدى العهد القديم؟ أمر مثير للتساؤل حقًا، أن نرى هذه الحقيقة غائبة من صفحات العهد القديم كله، بعد رواية سفر التكوين الإصحاح الأول، بالرغم من أن الوحي الإلهي عاد فأكدها حتى بعد جريمة قايين، إذ قال لأن الله على صورته عمل الإنسان (تك ٩ : ٦). الله وحده الآن يشهد ويذكَّر أن الإنسان مخلوق علي صورته، حتي بعد الخطية! ولكن ما أتعس الإنسان، إنسان العهد القديم الذي ما كان قادرًا علي أن يري في نفسه ذلك الجمال الفائق للعالم بعد أن غرق في ظلمة الخطية و الفساد و الموت. ولكن عذرًا... فما صورة الله في الإنسان بصفة خارجية أو فضيلة مضافة على خلقة الإنسان، هي ليست "حالة" وُضع فيها الإنسان بواسطة خالقه، ولكنها هي جوهر خلقة الإنسان نفسه. إنها كيانه البشري كله. لذلك فما كان يمكن أن يعي الإنسان هذه الصورة الإلهية التي في إلا بظهور ابن الله في الجسد رسم جوهر الآب (عب ١ : ٤). ذلك لأن الإنسان خُلق من خلال عمل الابن به كان كل شيء (يو ١ : ٣) فيه خُلق كل شيء (كو ١ : ١٦)، خالق الجميع بيسوع المسيح (أف ٣ : ٩)، مخلوقين في المسيح (أف ٢ : ١٠): خلق الله الإنسان علي صورته الخاصة معطيًا إياهم نصيبًا في قوة كلمته الخاصة. حتى إذ يكون لهم بعض ظلال "الكلمة" ويصيرون عاقلين يصبحون في حال البقاء في الكلمة. جعلهم يشاركون صورته ربنا يسوع المسيح، فخلقهم علي صورته ومثاله... لكي من خلاله يصيرون قادرين أن يتعرفوا علي الآب. (القديس أثناسيوس الرسولي) ((القديس أثناسيوس الرسولي، تجسد الكلمة ١١. )) هذه العلاقة الجوهرية بين صورة الله في الإنسان وبين صورة الله الطبيعية التي هي إبن الله، والتي استُعلنت لنا بالتجسد، كانت موضع هذيذ القديسين واندهاشهم، حتي أن العلَّامة ترتليانوس رأي أن: الطين الذي شكَّل الله منه جسد آدم اكتسى بصورة المسيح المزمع أن يأتي في الجسد بعد آلاف السنين. )العلامة ترتليانوس الإفريقي) ((العلامة ترتليانوس الإفريقي، De Carnis resurrection, 6. )) لذلك فقد صارت فعالية صورة الله فينا -نحن الذين نحيا الآن في عصر النعمة- تعتمد علي "حياتنا في المسيح". الحياة "في المسيح" هي صُلب الإنجيل وبشارة الخلاص. وهنا الآن يصح أن نعود مرة أخري إلي علاقة الإنسان بالخليقة باعتباره "تاج الخليقة" و"الكون المصغَّر" الذي فيه تتمركز الخليقة وتتجلى بافتدائه وتجليه في المسيح. الآن نستطيع أن نردد هذا الامتياز ونعطيه حق قدره دون غياب وعينا بأصلنا الإلهي الذي وهبنا مركزنا هذا في الخليقة كوننا صورة الله، و بالتالي دون التغاضي عن خطورة مسئوليتنا عن الخليقة، المترتبة علي ذلك الامتياز. فالخليقة تتبع أثر الإنسان، إن افتُدي افتُديت: لأن انتظار ((الترجمة الدقيقة عن اليونانية: حنين أو توقان. )) الخليقة يتوقع استعلان أبناء الله. إذ أُخضعت الخليقة للباطل. ليس طوعًا بل من أجل الذي أخضعها، علي الرجاء. لأن الخليقة نفسها أيضًا ستُعتق من عبودية الفساد إلى حرية مجد أولاد الله. لأننا نعلم أن كل الخليقة تئن و تتمخض معًا إلى الآن. (رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية ٨ : ١٩-٢٢) إِذن فالإنسان مسئول عن الخليقة والعالم بسبب صورة الله التي فيه. والخليقة معتمدة تمامًا علي الإنسان صورة الله في تمجيده وتسبيحه لله نيابة عنها في انتظار يوم الافتداء الكامل العظيم: باركي الرب يا جميع أعمال الرب. سبحيه وزيديه علوَّاً إلي الآباد. باركي الرب أيتها السموات يا جميع المياه... أيتها الشمس والقمر... أيتها الأمطار و الأندية... أيتها السحب و الرياح... ... إلخ (الهوس الثالث، تسبحة نصف الليل اليومية) فالإنسان كصورة الله يمارس تسبيحه وتمجيد بلسانه و بيديه كما بقلبه و فكره و باطنه باركي يا نفسي الرب وكل ما في باطني يبارك اسمه القدوس (مز ١٠٣) نيابة عن الخليقة كلها. الإنسان كله بكل عناصر تكوينه: الجسد والنفس والروح، مدعو أن يمارس امتيازه كصورة الله. الصورة الإلهية في الإنسان ليست مختبئة داخل باطن نفسه فقط، بل هي منطبعة علي كيانه الإنساني كله. الإنسان كله. ليس جزءً منه فقط، ليس نفسه أو عقله فقط، بل كل الإنسان مخلوق علي صورة الله: علي الطبيعة الإنسانية الكاملة بشقيها: النفس -وأقول أيضًا الجسد، غرس الله- كمثل ختم طبيعته الخاص؛ الروح القدس، أي نسمة الحياة التي من خلالها شكَّل الإنسان حسنًا، فاكتملت خلقته بحسب صورة خالقه من أجل كل فضيلة، وذلك بقوة الروح الحارس الساكن فيه. (القديس كيرلس الكبير) ((القديس كيرلس الكبير، على إنجيل يوحنا ٩ : ١ ))، ((يلاحظ أن القديس كيرلس هنا لا يؤمن بأن انطباع صورة الله على الجسد يعني أنّ الله له شكل جسدي؛ بل بالعكس فهو كان من أشد المهاجمين لبدعة إسباغ شكل الجسد على الله المسماة إنثربوموفليتية. وله قطع كثيرة يهاجم فيها مبدأ انطباع صورة الله على الجسد بهذا المعنى المنحرف. لكنه هنا في هذا النص يريد أن يؤكد على أن الطبيعة البشرية بأكملها بشقيّها: النفس والجسد، قد اكتست بصورة الله بمضمونها الروحي. )) الصورة الإلهية، والكيان الشخصي للإنسان في الله: إن انطباع الصورة الإلهية على الإنسان ككل، ستنير رؤيتنا -وليت رؤية العالم كله- بحقيقة قدر الإنسان في نظر الله. فالآباء يؤكدون جميعًا، أن كوننا على صورة الله فهذا يعني أننا نحوز كيانًا شخصيًا لكل منا، كيانًا حرًا مسئولًا، فمضمون الصورة الإلهية في الإنسان يعني خلقة الإنسان كائنًا حرًا، مسئولًا عن مشيئته: آدم كان حر الاختيار، واستؤمن على أن يملك زمام إرادته، وهذا جزء من الصورة، ذلك لأن الله يسود على مشيئته الخاصة أيضًا. (القديس كيرلس الكبير)  ((القديس كيرلس الكبير، على إنجيل يوحنا ٩ : ١. ))   حيث سلطان السيادة، فهناك صورة الله. (القديس باسيليوس الكبير) ((القديس باسيليوس الكبير، struct. Hom. , 1. 8. ))   نصنع الإنسان على صورتنا كشبهنا أي لكي يكون سيد كل ما هو منظور، وكذا الشهوات المتولدة فيه، أي لكي يَتسلَّط ولا يُتسلَّط عليه. (القديس يوحنا ذهبي الفم) ((القديس يوحنا ذهبي الفم، علي سفر التكوين ٢٣ : ٥. )) لاحظ أن برهان صورة الله في الإنسان هو سيادته. ولكن سيادته تعني أول ما تعني سيادته لا على الطبيعة والخليقة غير الناطقة وغير العاقلة فقط (ما أعجب الإنسان اليوم الذي وهو يتباهى بسلطانه على الطبيعة ينكر الله) بل سيادته على شهواته ونزواته أولًا يتسلط ولا يُتسلط عليه. وقد نتساءل: وما هو قصد الله من خلقة الإنسان حرًا مسئولًا عن إرادته؟ - قطعًا لأن الله دعاه إلى دعوة عليا. دعاه إلى مصير وحياة فائقتين، أي إلى الشركة في طبيعته الإلهية، إلى "الثيئوسيز" أو "التأله" أي مشابهة الله بالنعمة، أي إلى الحركة الحرة غير المقيَّدة نحو الحق والحياة، كما رأينا في قول القديس باسيليوس و القديس أثناسيوس. هذه الدعوة العليا، أراد الله أن تكون الاستجابة لها استجابة حرة، وأن تكون هي استجابة المحبة. فالشركة والاتحاد مع الله لا يمكن أن تكون بدون المحبة، وإلا فهي أشبه باتحاد تروس عجلتين حديديتين معًا، إِنه اتحاد آلي أصم. أما اتحاد المحبة فهو يستلزم الحرية، أي قدرة الاختيار وقدرة الرفض أيضًا. وهذا هو ناموس خلقة الإنسان منذ البدء: لقد شرَّع الله الحرية الذاتية للإنسان. (القديس غريغوريوس النزينزي) ((القديس غريغوريوس النزينزي، عظة ٤٥ علي الفصح ٨. ))   لقد شرَّف الله الإنسان بالحرية. (القديس غريغوريوس النزينزي) ((القديس غريغوريوس النزينزي، علي الفصح ٨. ))   الله يحترم الناموس القديم للحرية الإنسانية. (القديس إِيرينيئوس) ((القديس إِيرينيئوس، ضد الهرطقات ٤ : ٣٧ : ١. ))   الله لا يجذب أبدًا أي إنسان قسرًا إلى نفسه. (القديس يوحنا ذهبي الفم) ((القديس يوحنا ذهبي الفم، علي سفر الأعمال . ))   ماذا كان خير النفس الأسمى؟ الاتصال بالله والاقتران به بالمحبة... ولماذا كانت النفس قادرة على الشر ؟ بسبب نزعة حرية الإرادة، تلك الموهبة المعطاة للكائنات العاقلة. إن النفس وهي خالية من أي إِكراه، وقد توشحت من قِبَل الخالق بحياة الحرية إِذ خلقها الله على صورته، امتلكت القدرة على استيعاب الخير... وكان لها السلطان أيضًا في الانصراف عن الخير. (القديس باسيليوس الكبير) ((القديس باسيليوس الكبير، struct. Hom. , 1. 8. )) هذه المحبة ليست عمياء -كما يقولون- ذلك لأن "الحب" الذي يقولون عنه أنه "أعمى" ليس هو الحب بل هو "الشهوة"، فالشهوة عمياء حقًا، لأنها تستعبد الإنسان لقوة الغريزة ووطأتها. والحب لا يكون إلا بين "شخص" و "شخص"، أما الشهوة فهي تنجذب للشهوة في الآخر دون اعتبار "لشخصه"، فالغريزة لا الحب هي التي تجر الإنسان وتمسك بخناقه -فتجعله أعمى- لكي يشتهي ما في الآخر أو ما للآخر. أما "الحب" فهو شخصي، وهو قائم على حرية كيان الإنسان من كل دافع ووطأة. فهذه الحرية قد وُهبنا إياها من الله لتكون ختم شركتنا معه... إِنها عطية الخالق للإنسان يوم ميلاده للحياة. إِن الله يتعامل معنا كأشخاص. وصورة الله في الإنسان هي محتوى هذا الحب ووعاء هذه الحرية، هي كما يحددها القديس غريغوريوس النيسي: حقيقة التحرر من كل حتمية الطبيعة، وعدم الخضوع لإلحاحها، بل القدرة على تقرير المشيئة بحرية. (القديس غريغوريوس النيسي) ((القديس غريغوريوس النيسي، في تكوين الإنسان ١٦. ))   ولكن لماذا لم نُهيَّأ لنكون غير قادرين على الخطية، فلا تصير لنا القدرة على الخطية حتى لو رغبنا في ذلك؟ الإجابة هي نفس السبب الذي من أجله لا تعتبر أنت عبيدك على ولاء لك إذا جعلتهم تحت الغصب والإكراه، بل إذا مارسوا واجباتهم إراديًا. الله لا يُبارَك بالعبادة القهرية، بل بالعبادة النابعة من الفضيلة، والفضيلة تنبع من اتخاذ القرار وليس من الاضطرار، والقرار يعني حرية الإرادة. (القديس باسيليوس الكبير) ((القديس باسيليوس الكبير، struct. Hom. , 1. 8. ))   الله يدعونا، لكنه ينتظر منا أن نأتي إِليه بمحض مشيئتنا واختيارنا. لكننا حينما نأتي إليه يؤمَّن لنا كل معونة. النعمة لا تسبق إِرادتنا حتى لا تجرح حرية قرارنا الذي نختاره. ولكننا حينما نختار، فالنعمة تعطينا معونة جمَّة. (القديس يوحنا ذهبي الفم) ((القديس يوحنا ذهبي الفم، عظة ١٢ علي الرسالة إلى العبرانيين ٧ : ٢-٣. )) أما غاية الحرية، فكما يقول القديسون، أنها لكي يختار الإنسان طاعة الله كما قال الرسول بولس مخلوقين لأعمال صالحة (أف ٢ : ١٠). ويسمي القديسون هذه النزعة في الإنسان بأنها "شهية العمل الصالح" فالإنسان خُلق حرًا وفيه "شهية" العمل الصالح أو القداسة. فالحرية معطاة أصلًا للإنسان ليبلغ بها غاية خلقته أي مشابهة الله. لقد شرَّف الله الإنسان بالحرية حتى يصير له الخير بمحض اختياره. (القديس غريغوريوس النزينزي) ((القديس غريغوريوس النزينزي، العظة ٤٥، علي القيامة المقدسة. ))   طبيعة الإنسان غُرس فيها الشهية والرغبة لكل نوع من الصلاح، والإرادة الممارسة البر والخير، وهذا هو معنى خلقة الإنسان على صورة الله ومثاله، وهكذا فهذا الكائن الحي بالطبيعة صالح وبار. ولكن من حيث أنه لابد له أن يكون ليس فقط عقلانيًا ومهيئًا لكل بر، بل أيضًا مشاركًا للروح القدس حتى يحوز السمات المميزة للطبيعة الإلهية فيه؛ نفخ فيه نسمة الحياة. (القديس كيرلس الكبير) ((القديس كيرلس الكبير، علي إنجيل يوحنا ٣ : ٥٥٢-٥٥٣. )) صورة الله في الإنسان بقلم الأب متى المسكين، نُشر أوّل ما نُشر في مجلة مرقس، عدد مارس ١٩٨٠، الصفحات من ٣٠ إلى ٣٨ --- ### فشل المسيح فوق الصليب - Published: ۲۰۲٤-۰۵-۱۸ - Modified: 2024-05-18 - URL: https://tabcm.net/21403/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: آدم, إدوارد سخلبيكس الدومنيكاني, الشيطان, توما الأكويني, قديس بولس الرسول نظرة الشيطان وتجربة الانتصار الفوريّ يستخدم القدّيس توما الأكويني تعبير «الشهوة الرديئة» concupiscentie. إنّ النظرة الفاحصة لتعليمه ترينا أنّ هذا المفهوم معناه الرغبة في الحلول السهلة التي لا تأخذ في حسبانها ثقل الحياة وواقعيّتها. ففي روايات الأناجيل، الشيطان هو الذي يعد بحلولٍ سريعة «حوِّل الحجارة إلى خبز! ». ومن أجل إشباع هذه الرغبة، خلقَ الإنسانُ آلهةً تفرِّغ هذه الأحمال من وجودها تمامًا: حيث يكفُّ العالم عن كونه عالمًا حقيقيًّا ليصير ما "ليس هو"، ليصير عالمًا خياليًّا. ويظلّ العالم المتصالِح متناقضًا. يتجلّى على الصليب أنّ الفداء الإلهيّ يتعامل مع العالم بكونه عالمًا مستقلًّا. وبهذه الطريقة، يُنَجِّي العالمَ من تغييب الله. "الشهوة الرديئة"، "الحلول السهلة" والفوريّة السحريّة تغيّب الله، وهي النتيجة الطبيعيّة لاستغلال العالم وحرّيّته والفهم الخاطئ لله. لكي ينجو العالم من الشعور بغياب، الله عليه أن يتخلّص من الآلهة المزيّفة التي تغتصب مكانه. إنَّ رفض الإنسان للفداء الإلهيّ يُنكِر حضور الله في العالم. وهو رفضٌ للإنسان المصلوب، موضع حبِّ الله للعالم. بهذا المعنى، نحن بحاجة إلى "تمييز الأرواح"، القدرة على التمييز بين الأرواح التي تَعِد بإلغاء التناقض، وروح الله الذي يضمن هذا التناقض داخل العالم. نظرة الشيطان للمسيح على الصليب، نظرة تشفٍّ ونظرة تحدٍّ وُضعت على لسان أحد اللصّين: «إن كنتَ ابن الله خلّص نفسكَ وخلِّصنا». "هيا قم بحلٍّ سريعٍ" لا يحترم تناقضات العالم. يقضي على إنسانيّة المسيح ويقدِّم حلولًا سحريّة فوريّة. نظرة تشفٍّ تستفزّ المصلوب وكلّ المصلوبين "أين أبوك"؟ في الوقت الذي يبدو فيه الشيطان يحتضن أبنائه يظهر وكأنّ الآب السماويّ أهمل ابنَه. هل ترك اللهُ المسيحَ؟ من أفضل اللاهوتيّين الذين تناولوا هذا الموضوع هو اللاهوتيّ البلجيكيّ إدوارد سخلبيكس في كتابه "المسيح سر الالتقاء بالله". ألخّص هنا أهمّ أفكاره: المسيح أصبح حقًّا إنسانًا، والكلمة صار جسدًا Sarx، كما قال القدّيس يوحنّا، أي أنّه أصبح إنسانًا ليس بمعنى "بشرًا" فحسب، بل إنسانًا في الحالة الوجوديّة لأبناء آدم. وإذ صار إنسانًا، دخلَ اللهُ الابنُ في البشريّة التي جعلت تاريخها موسومًا بالإدانة ومتَّسمًا بالعصيان والتغرّب عن الله: الموت. هكذا عبّر بولس الرسول إن الله جعل المسيح خطيئة ومع أنّ المسيح شخصيًا هو الوحيد الذي بلا خطيئة، إلّا أنّ يسوع الذي عاش بالجسّد على الأرض عاش في وُضع تغرّب عن الله، وليس ذلك لسبب يرجع إليه شخصيًّا، بل بالأحرى، لأنه ممثِّلنا فقد أخذ هو شخصيًا مكان البشريّة الخاطئة أمام الآب. وهذا ليس مجرّد أنّه كان "يتصرّف كما لو... ". ومع أنّه ليس بوسعنا أن نسبر أعماق هذه الحقيقة الخلاصيّة بفكرنا البشريّ، إلّا أنّ المسيح لابدّ أنّه عاش خبرةً رائعة ومخيفة وصلت إلى ذروتها في بستان الزيتون وعلى الصليب.  وفي جوهر وجوده الشخصيّ البشريّ، كان يسوع حقًا ذاك الذي حمل ثقل خطايانا. فنحن جميعًا أخطأنا وأعوزنا مجد الله، ممّا يعني أنّه ليس فينا روح الله. وهكذا، كان مجد الله مطلوبًا في بشريّة يسوع وهو بالجسد هنا على الأرض. وعلى ذلك، فإنّه قبْل موته بقليل استطاع أن يصلّي إلى الآب بإصرار وإلحاح: أيها الآب ... مجّد ابنك بمعنى "أعطِ مجدك لهذا الإنسان يسوع". في حياة يسوع الأرضيّة، بصفته المسيح أو ممثّل البشريّة الخاطئة، جاء حقًّا من عند الآب. وكان هذا حقًّا في الواقع، حتّى إنّه كان يستطيع أن يصلّي معنا قائلًا من الأعماق صرختُ إليك يا ربّ. ليس بمعنى محلّيّ بل بمعنى نوعيّ: "في أعماق حالة بؤس البشريّة الساقطة، صرختُ إليك يا إلهيّ". وقد تردّد صدى هذه الصرخة قبل أي شيء آخر من على الصليب. إنّها ثورة إنسان، على الرغم من معرفته لنفسه أنه شخصيًا مرتبط بالآب بمحبة من أعماق قلبه البشريّ، إلا أنه على الرغم من ذلك، كان يعيش بالفعل وبشكل تام وحتىّ النهاية، خبرة التغرب عن الله المرتبطة ببشريتنا الخاطئة، حيث اعتبر نفسه من بين كل ما كان، سواء كان أو سيكون ناتجًا عن الخطيئة التي تولّد التغرب عن الله في هذا العالم. وكان عليه أن يمر بحالة العجز التي تولدت نتيجة الاغتراب عن الله هذا، حتىّ يمكن بعد ذلك أن يتلقّى المجد الذي سيعطيه له الآب. وإذ أخلى يسوع ذاته من نفسه، كرس ذاته للآب الذي فيه يجد يسوع رفعته ومجده. وخلف هذا كله يكمن سر لا يُسبر غوره. القيامة استجابة الآب لصلاة الابن وتقدمةِ ذاته عن حياة العالم تتجلى في القيامة. ليست استجابة الآب كتجربة الشيطان التي تبحث وتغوي بحلٍّ سحريّ. وقبول الآب لذبيحة المسيح تمثّل في قيامة المسيح. القيامة هي ذبيحة" الصليب" التي سمعها الآب واستجاب لها، وكان هذا على وجه الدقة كذبيحة مسيحانية؛ كذبيحة البشرية بأسرها. في هذا القبول فقط أصبح "الفداء الفعليّ "حقيقة؛ لأنه عند ذلك فحسب افتُدينا نحن جميعًا بالفعل في المبدأ، أي المسيح "رأسنا". لقد رفع الآب المسيح إلى المجد نتيجة لذبيحته «اجلس عن يميني»؛ وهذا هو تنصيب المسيح بواسطة الآب الذي جعله ربًّا Kyrios وتكون الرياسة على كتفه. نتيجة قبول الآب لحياة يسوع كلّها التي عاشها كتعبير عن عبادته لله. اندمجت دائرة المحبّة المتبادلة بين الآب والابن بشكل كامل في إطار بشريّة المسيح. في هذا الإطار وحده وصل يسوع إلى إتمامها. وهكذا، فبفضل محبة يسوع الذبائحيّة للآب، فإنّ الآب، عن طريق القيامة، أوجد "خليقة جديدة" في sarx جسد المسيح: بشريّة ممجّدة. في هذا فقط أصبح خلاص البشريّة حقيقة واقعة. --- ### الكفارة هي تطهير وليس دفع ديَّة - Published: ۲۰۲٤-۰۵-۱۷ - Modified: 2024-05-17 - URL: https://tabcm.net/22264/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: أنسلم، أسقف كانتربري, إكليروس, قديس بولس الرسول متبررين مجانا بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح، الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه، لإظهار بره، من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال الله. لإظهار بره في الزمان الحاضر، ليكون بارا ويبرر من هو من الإيمان بيسوع. (رومية ٣ : ٢٤-٢٦) الفعل ”كَفَّرَ“ في العبرانية يعني يغطي. ومنه جاء الفعل كَفَرَ أي أنكر الإيمان، والإسم كافِر. فالكفَّارة = تطهير . المسيح جاء كفارة لكي يطهرنا بالدم ( عب١٤:٩) و(١يو٧:١). والكلمة طهارة ويطهر وردت في القداس الباسيلي. و لم تذكر القداسات كلمة كفارة لأنها كلمة عبرانية نتناول من قدساتك طهارة لأنفسنا... . في رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية ٣ : ٢٥، التي نحن بصددها في هذا المقال، نجد أن الآب هو الذي يقدم الكفارة التي هي ابنه. ولذلك ليس هناك شبهة تفسير أن موت الرب يسوع المسيح علي الصليب كان كترضية لعدل الله ودفع ثمن خطيتنا للآب، بل هو لإعطاء حياة و بره لنا، بعد أن هزم الموت عندما لاقاه في موت الصليب. فذبيحة المسيح علي الصليب هي تطهير لنا من الموت و الفساد لأن المسيح أعطانا الحياة و البر الذي له. أخذ الذي لناوأعطانا الذي له إن غفران الخطايا في العهد القديم مؤسَّس علي شريعة العقاب في الناموس، وبالتالي فالغفران هو الصفح بإمهال الله من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال الله. (رومية ٣ : ٢٥) أما غفران الخطايا في العهد الجديد مؤسَّس علي الكفارة = التطهير= إبطال الخطية بتجديد الطبيعة والذهنية البشرية لتصبح متسقة ومنقادة مع الروح القدس: المسيح بعدما صنع بنفسه تطهيرًا جلس في يمين العظمة في الأعالي (عبرانيين ١ : ٣). لكن المسيح قد أظهر مرة عند انقضاء الدهور ليبطل الخطية بذبيحة نفسه (عبرانيين ٩ : ٢٦) ولكن للأسف لا يزال كثير من الإكليروس في الكنيسة يُعلِّمون تعليم العصر الوسيط، بأن موت المسيح كان لإيفاء متطلبات الناموس بتوقيع العقوبة ودفع ثمن الخطية بموت المخطئ (دفع الديَّة بحسب تعاليم الإسلام). وهذا التعليم بدفع الفدية / الديَّة قال به الأسقف أنسلم في العصر الوسيط ليناسب فهم العرب عند غزوهم لأوربا آنذاك. وهو ليس تعليم الآباء والإنجيل. والسُبح لله. --- ### هل كان نسطوريوس هرطوقيا؟ - Published: ۲۰۲٤-۰۵-۱٦ - Modified: 2025-04-01 - URL: https://tabcm.net/21895/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: أبولينارية, أنثروبومورفية, إفخارستيا, إكليروس, الأصولية, الأوطاخية, النسطورية, بابا ديسقورس السكندري, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس عمود الدين, بولس السميساطي، بطريرك أنطاكية, ثيؤطوكوس, عقيدة التأله, قديس أثناسيوس الرسولي, مجمع خلقيدونية, نسطوريوس، بطريرك القسطنطينية أثارت موجة نشر بعض كتابات نسطوريوس، بطريرك القسطنطينية، التي لم تُنشر قبطيًا سابقًا، موجات من الاحتجاجات العارمة والهجوم على ناشريها. اللافت أنّ الهجوم انطلق من كل الأطياف تقريبًا: الأصوليون الذين يقضّ مضجعهم أيّة حصاة تُلقى في مستنقعهم من ناحية، ومن ناحية أخرى فريق مستنير يستشرف في الأمر اتهامًا مبطنًا بتخطئة بعض الآباء المؤسسين للفكر اللاهوتي السكندري، وعلى رأسهم البابا كيرلس عمود الدين. عودة إلى السؤال: هل كان نسطوريوس نسطوريًا؟ والإجابة هي: قطعًا، لا. إذا اعتبرنا النسطورية بالفهم الشعبوي الشائع الآن لدى جميع المسيحيين ومعلميهم من الإكليروس، وفي جميع الكنائس. لم يقل نسطوريوس أبدًا بالحلول اللاحق للكلمة في طفل العذراء بعد ولادته، وهذه الهرطقة منسوبة إلى أسقف أنطاكية المعزول "بولس السيموساطي" قبل نسطوريوس بقرنين من الزمان. ولم يقل نسطوريوس أبدًا بالانفصال بين الطبيعتين في المسيح الواحد. أما فيما يتعلق بلقب ثيؤطوكوس (والدة الإله)، فمن المؤكد أن الرجل، حسب فكره، ينزه الله الكلمة عن كل ما لا يليق بالألوهة، ومنها الميلاد البشري. وقد ورد هذا بوضوح في رده على رسالة كيرلس الثانية. في المقابل، فإن رفض اللقب يمثل نفيًا تامًا للتجسد، وهو أمر بعيد كل البعد عن فكر الرجل. لكن الملابسات استدعت خبرة سابقة سيئة مع "بولس السمساطي"، وأرادت وأد مرارتها. بدأ الأمر بحذلقة لاهوتية ولغوية، ثم قاده العناد بعد ذلك إلى التمسك بتفضيل لقب "أم المسيح". وأورده هذا العناد موارد التهلكة في مدينة أفسس، مدينة السيدة العذراء، التي استشعر أهلها انتقاصًا من شفيعتهم ومكانتها. سيذهب بنا هذا إلى السؤال الحقيقي؛ هل كان نسطوريوس هرطوقيًا؟ والإجابة إنّه طبقا للفهم السكندري للتجسد سيكون هرطوقيًا بقدر ما يكون شنودة الثالث هرطوقيًا حين يقول إننا نتناول الناسوت -المتحد باللاهوت- مردفًا اللاهوت لا يؤكل، أو حين يقول إن الناسوت -المتحد باللاهوت- يتعب في حين اللاهوت لا يتأثر. ((لمزيد من التفاصيل، راجع مقال البابا شنودة الثالث ونسطوريوس تساؤلات واجبة و .   )). وحتى نرد الأمر إلى أصوله، فمَا يميّز الفكر النسطوري امتدادًا للفكر الأنطاكي هما ملمحان رئيسان: الأول: هو التمييز القاطع والدائم الذي لا يقبل المساومة بين الطبيعتين وأعمال كل منهما في المسيح. والمنطلق هو التأكيد على وجود "البشري" في المسيح، ما يستلزم وجود مركزين للفعل وثنائية دائمة في شخصه الذي يزعمونه "واحدًا"، وهو ما لم يقدموا له تفسيرًا متماسكًا حتى اليوم. لقد بنوا نموذجهم على مقدمات ظنّوها صحيحة، ولكن منتوجها النهائي كان منافيًا للمنطق. وعليه، فلا يُقبل أبدًا نسطوريوس، ممثل الفكر الأنطاكي، أن يوصف الكلمة المتجسد بأنه "من طبيعتين"، التي تعني اتحادًا طبيعيًا، أي اتحادًا للطبائع، الذي يظنون أنه يؤدي إلى امتزاج أبوليناري. ويصرون على "في طبيعتين"، والإصرار نابع من الحفاظ على تمايز واستقلال كل طبيعة. الملمح الثاني: هو رفض الفكر السكندري في "التأله". فالسكندريون في تفسيرهم للتجسد لا يرون إلا أهمية التحول المستيكي (السري) للبشرية من خلال التحول الذي حدث لها في اتحادها بالكلمة، وحصولها على التأله الذي يعني الاتحاد بالله. كل ما نالته البشرية في اتحادها بالكلمة ينتقل إلى الجنس البشري كهدف نهائي للتجسد. وللإفخارستيا هنا الدور الأعظم، حيث يؤدي اللقاء الإفخارستي بالمتلقي إلى تقارب يمنح الحياة في الكلمة. يرفض نسطوريوس هذا الفكر جملة وتفصيلًا، فمن ناحية يري في الأمر أنثروبوموفليتية ما، ومن ناحية أخرى يرى أن كلمات الكتاب لا تساند هذا الفكر، وهي تتحدث عن تناول "الجسد" لا اللاهوت. المبالغة في وصف الأخطاء لمن تعزله الكنيسة قد يكون أمرًا عفويًا واحترازيًا، أما استرجاع هرطقات قديمة وإعادة بعثها من رقادها ونسبها إلى أحدهم فهو عمل واع ومخطط، ولقد برع في هذا العمل الأنطاكيين. فإلصاق "الأبولينارية" بكيرلس -ومن قبله أثناسيوس- ستجد له أثرًا حتى الآن في بعض كتابات حمقاهم. وإلصاق هرطقة "بوليمون" الأبوليناري بأوطاخي هو عمل من أحط الأعمال في تاريخ المسيحية. وحين جد الجد في خلقيدونية، وتصاعد مد الرفض للتعاليم الذي سبق رفضها في أفسس، كان لزامًا الفصل بين تعاليم نسطوريوس التي ينوون إقرارها، وبين نسطوريوس نفسه، فألصقوا به تعاليم بولس السيموساطي مع الجهر بحرمانه مره أخري (كان الرجل قد توفي) حتى يستطيعون تمرير تعاليمه، ونجحت الخدعة مع المؤازرة من رأس ديسقورس الطائر، وهذا بيان ما حدث. --- ### ما جئت لألقي سلامًا بل سيفًا - Published: ۲۰۲٤-۰۵-۱۵ - Modified: 2025-03-19 - URL: https://tabcm.net/22072/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, كتاب مقدس - وسوم: التقليد [Q], پول هوفمان, جيمس ماكونكي روبنسون, چون كلوبنبورج, دالي أليسون يظن الناس أني جئت للعالم لأفرض السلام، وهم لا يدركون أني جئت لأفرض على الأرض الانقسام، النار، السيف، الحرب (الإنجيل المنحول على توما، الإصحاح ١٦) في البداية، دعونا نستعرض النص في سياقه، وهل من الممكن أن يُبنى عليه قرارات عنف أم لا. هذا النص موجود في إنجيليّ لوقا ومتى بصياغتين مختلفين، وغير موجود في إنجيل مرقس أو في الإنجيل الرابع اللاحق يوحنا. فكل من يعترف بي قدام الناس أعترف أنا أيضًا به قدام أبي الذي في السماوات، ولكن من ينكرني قدام الناس أنكره أنا أيضا قدام أبي الذي في السماوات. لا تظنوا أني جئت لألقي سلامًا على الأرض. ما جئت لألقي سلامًا بل سيفًا. فإني جئت لأفرق الإنسان ضد أبيه، والابنة ضد أمّها، والكنة ضد حماتها. وأعداء الإنسان أهل بيته. (الإنجيل بحسب رواية متى، الإصحاح ١٠ : ٣٢-٣٦) جئت لألقي نارًا على الأرض، فماذا أريد لو اضطرمت؟ ولي صبغة أصطبغها، وكيف أنحصر حتى تكمل؟ أتظنّون أني جئت لأعطي سلامًا على الأرض؟ كلا، أقول لكم: بل انقسامًا. لأنه يكون من الآن خمسة في بيت واحد منقسمين: ثلاثة على اثنين، واثنان على ثلاثة. ينقسم الأب على الابن، والابن على الأب، والأمّ على البنت، والبنت على الأمّ، والحماة على كنتها، والكنة على حماتها. (الإنجيل بحسب رواية لوقا، الإصحاح ١٢ : ٤٩-٥٣)   النصوص المشتركة ما بين إنجيليّ لوقا ومتى وغير موجودة في إنجيل مرقس، يتم تصنيفها للمصدر (Q)، وهو مصدر أقدم من لوقا أو متى استخدمه كلاهما بالإضافة لمصدرهم الثاني في كتابة بشاراتهم. بعض الدارسين أضاف مصدرين آخرين اسمهما (M) و (L) ((المصدران (L) و (M) هما Sondergut، وهي كلمة ألمانية تعني بالإنجليزية Special Material، أي مادة خاصة بكل إنجيل من الإثنين ينفرد بها. )). كما أن هناك نصًا مشابهًا لنص الإنجيلي لوقا أيضًا في الإنجيل المنحول على توما ((النص من الإنجيل المنحول على توما هو نص غير قانوني بالنسبة للكنيسة، لكن بالنسبة للدارسين يعد نصًا قديمًا يعكس مصدرًا مُستقلًا للأقوال عن الأناجيل القانونية. )) قال يسوع: ألقيت نارًا على الأرض، والآن انظروا فإني أراقبها حتى تلتهب. ((الإنجيل المنحول على توما، الإصحاح ١٠. )) (الإنجيل المنحول على توما، الإصحاح ١٠) قال يسوع: يظن الناس أني جئت للعالم لأفرض السلام، وهم لا يدركون أني جئت لأفرض على الأرض الانقسام، النار، السيف، الحرب. حقًا، يكون خمسة في البيت، يكون ثلاثة ضد إثنين، واثنان ضد ثلاثة، الأب على ابنه، والابن على أبيه... ((الإنجيل المنحول على توما، الإصحاح ١٦. )) (الإنجيل المنحول على توما، الإصحاح ١٦) ما قيمة الملاحظة بأنّ هذا النص من مصدر (Q)؟ ((لمقدمة في التعريف بالمصدر (Q)، راجع: جون إدوارد، ورقة بحثية بعنوان: المشكلة الإزائية على موقع Humanities Today )). الفكرة هنا أنّه لو كان النص من مصدر أقدم مقارنة بنصوص لوقا أو متى، (أو أيّ نصوص أخرى موازية ومستقلة) فوقتها العودة للنص الأقدم لنفس القول يُحتمل بنسبة أعلى أنه ما قاله المسيح دون تحرير لاحق على النص الأحدث. في كل الأحوال، نحن أمام ثلاث احتمالات: - لفظة الانقسام أقدم، وهي الصياغة المروية في إنجيل لوقا. - لفظة السيف أقدم، وهي الصياغة المرويّة في إنجيل متى. - المسيح قال كلا اللفظتين، وهي الصياغة المنحولة على إنجيل توما. ودعونا نناقش الاحتمالات الثلاثة: الصياغة في إنجيل لوقا تعني أنّ كرازة المسيح ستسبب افتراق ونِزاع بين الناس، ففي كل بيت يؤمن بعض منه، سيعاديه البقيّة،  (وهو ما قالته الصياغة في إنجيل متى صراحة). أما الصياغة في إنجيل توما يتضح منها أن النار والانقسام الذي يتكلم عنه المسيح هم المُعاناة والمواجهة التي سيقابلها المؤمنين، وربما الصياغة هنا فيها interpolation أضافت عليها التفصيل الذي يليه: النار، السيف، الحرب. على كل حال اشتمال القول على تفسيره مؤشر مهم لسببين: لو اعتبرنا إنّ صياغة توما قديمه، إذن الضرورة تُلزم بإنّ القول من وقت مبكر جدًا كان عن الانقسام وليس له علاقة بحمل السيف، ولو اعتبرنا أنّ القول ليس مُبكرًا وصورته النهائية تعود لأوّل أو منتصف القرن الثاني، فالضرورة تُلزم بأن المسيحيين من القرن الثاني يفهمون النص على إنه يُشير للانقسام الذي سيحدث بسبب الإيمان بالمسيح وليس له أي علاقة بحمل السيف وابتداء الحرب. يتبقى معنا النص المروي في إنجيل متى، وهو الذي فيه بوضوح عبارة: ما جئت لألقي سلامًا بل سيفًا. بالطبع واضح من السياق إن السيف هو السيف المُوجَّه للمؤمنين وليس السيف الذي يحمله المؤمنين ضد غير المؤمنين. فعلى سبيل المثال لا الحصر في نفس الإصحاح تتكلم الفقرات عن إرسال المؤمنين كحملان وسط ذئاب: ها أنا أرسلكم كغنم في وسط ذئاب، فكونوا حكماء كالحيات وبسطاء كالحمام ((إنجيل متى ١٠ : ١٦ )) وإن المؤمنين سيسلمون للمجامع والجلد والشهادة ((إنجيل متى ١٠ : ١٧-١٩ ))، وأنّ أهلهم هم من يسلمهم للموت، ومنهم من سيقتلون من أبنائهم بسبب الإيمان ((إنجيل متى ١٠ : ٢١ ))، وأنّ المؤمنين سيطردون من المدن ((إنجيل متى ١٠ : ٢٣ ))، وهكذا. وعلى هذا فالسياق بمجمله ﻻ يتحدث أن المسيحي مدعوًا للعنف ولكن المسيحي سيتعرّض للعنف بسبب إيمانه، ولأن الإيمان هو برسالة المسيح، إذن رسالة المسيح هي التي عرّضتهم للأذى والعنف والرفض والسيف. يرجح أغلب الأكاديميين أن صياغة متى أقرب لأن تكون مصدر (Q).   منهم روبنسون وهوفمان وكلوبينبورج ((Hermeneia: The Critical Edition of Q, by James M. Robinson, Paul Hoffmann, John S. Kloppenborg, p380 ))، ونفس الأمر عند أليسون حيث يقول أن استبدال لوقا لكلمة السيف بكلمة الانقسام يبدو أنّه لاحق على قراءة متى، وإن قراءة متى هى الأقرب للقول الذي في المصدر (Q) ((Dale C. Allison, A Critical and Exegetical Commentary on the Gospel according to Saint Matthew, Part II, p218 )). الخلاصة: يبدو أنّ الصياغة التي قالها المسيح كما هي في صورة القول الأقدم، (Q)، هي: ما جئت لألقي سلامًا بل سيفًا وليس “انقسامًا”، ويبدو أيضًا من سياق إنجيل متى أنّه لا يوجد أي أمر بحمل السيف، ولكنه نبوّه عن السيف الذي سيواجهه المؤمنين. أخذ لوقا نفس القول من مصدر (Q) لكن صاغه بكلمة الانقسام أو الشقاق بدلًا السيف، وهذا يعني أنّ المعاصرين في القرن الأوّل للكنيسة لم يعتبروا القول بمعنى “جئت بالسيف”، ولكن بمعنى “بسبب كرازتي ستواجهون السيف”. في نفس الوقت أو في وقت مبكر كانت هناك جماعة إيمانية أخرى إنجيلها يشرح الصياغة التي في المصدر (Q) بشكل موسِّع ويضع السيف في سياق الشقاق والانقسام والحرب التي ستواجه المؤمنين. لا سياق النص ولا لغته الداخلية تحتوي دعوة للعنف، ولا كتبة البشائر القانونية ولا كتبة النصوص المُبكرة التي لم تُقنن صاغوا هذا النص بمعنى حمل السيف من أجل الكرازة. --- ### مطرب وممثل وحرامي.. الخاتمة! - Published: ۲۰۲٤-۰۵-۱٤ - Modified: 2024-05-14 - URL: https://tabcm.net/21924/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: أحمد زويل, أرض النفاق, عمر كمال, مجدي يعقوب, نجيب محفوظ الشيء الذي يرفض كثير من "الواعظين" من "المكافحين الفاشلين" بمصر إدراكه هو أن استمرار السعي في العمل دون إضافة قيمة مميزة أو فائدة مادية واضحة يعني حتمية الضياع، وقد تظن أنت أن مسعاك في عملك يضيف شيء كبير أو رائع بمنطق "كلنا نكمل بعضنا"، إلا أن عملك أو مسعاك الشخصي هذا إذا قدمه وبنفس مستوى جودته تقريبًا عشرات الملايين غيرك، فربما لن تأخذ مقابله شيئا يذكر، بينما قيمة ما يقدمه "عمر كمال" ولو كان في مجال الترفيه، ولو كان مبتذلًا ورخيصًا وفجًا إلا أنه ينجح دومًا – على الأقل مع كثير غيري- وبشكل نادر -نوعا ما- في إثارة أجواء من البهجة والفرح والمرح والصخب، كمثل التي تبعثها مضادات الاكتئاب والمهدئات ولا أقول المواد المخدرة أيضًا. في كل الأحوال، أصبح الإقبال على استهلاك تلك العقاقير المخدرة سواء الدوائية أو شبه الفنية "المزعجة" التي يقدمها "عمر كمال" وصحبته من "مُذهبات العقل" بالذات التعيس والمكلوم، كبيرًا ومكلفًا، خصوصا من بعد زلازل "التعاسة الكمومية" (كوانتم "تعاسة! " أو كوانتم ميزري، كما اسميها مع نفسي) التي صدرتها الحكومات المصرية المتعاقبة للشعب آخر 15 عامًا، وبالأخص منذ عام 2016 الأسود، مما عاد على تجار وبائعي تلك العقاقير بكل أشكالها بما فيها العقاقير المخدرة الصوتية (المهرجانات) ومنهم طبعا "عمر كمال" وصحبته، بالكثير والكثير من المال والشهرة والنفوذ. . و. . و. .  ربما أكثر مما عاد عليك مثلًا إذا كنت سائقًا في تطبيق أوبر، مثل حوالي 800 ألف مصري يمتلكون سيارات ويستخدمونها في خدمة الركاب عبر التطبيق حاليًا، فأنت منتسب مهنيًا لأصحاب المشاوير وليس لأصحاب المزاج المعتل، ما لم تكن أنت شخصيًا أحدهم، وستقوم بتوصيل الزبائن باستخدام سيارتك الأسيوية القديمة المستعملة، وغالبًا تسخر وتستهزئ وتتنمر على مؤدين المهرجانات من دافع ظاهره الفضيلة وباطنه الحقد! وأكثر مما عاد عليك من عملاء على شراء سلعة تبيعها كمندوب مبيعات ترتعد فرائصك كل شهر من عدم تحقيق "للتارجت" الملعون! وأكثر مما عاد عليك وأنت تجلس وحيدًا في وسط الليل في مركز الاتصال الخاص بعملك (كول سنتر) التابع لمطعم "ملك البرجر" تتلقى شكوى من طالب يعيد سنة أولي في كلية آداب والذي اعتبر أن تجربته معك لم تكن مرضية، إذ قام بطلب ساندويتش برجر سنجل من دون مخلل، لكنك نسيت توجيه "طلبته" للمطبخ، مما أدى إلى خصم ثمن الساندويتش من راتبك! وهكذا، يبدو وكأنك عملت هذا اليوم بدون أجر!  ففي رأيك كم منا لن يكره إذن مؤدين المهرجانات "الأثرياء" هؤلاء إذن بشكل غير واعي؟ كمْ شخصا من هؤلاء المرائين والمنافقين على استعداد لرفض المال الوفير جدا فعلا تمسكا بمبادئه كما يدعي بينما هو في حقيقة الأمر لم يجد الفرصة ليفسد؟ هناك بينهم طبعًا من سيفعل وسيتمسك بها –دون أن يهتم بإعلان ذلك وحصاد مديح الناس كمنافقي ومرائي فيسبوك– ربما لأن أهل الصلاح والبر "الحقيقي" هنا غير مهتمين أصلا بالتعبير عن رأيهم الإصلاحي العظيم هذا، فعلا فيما يفيد لوجه الله والوطن والناس وقبلها أنفسهم السوية (إن كان لها وجود بـ"أرض النفاق")، ولا يفعلون هذا كقفزة استعراضية رخيصة، للفت الأنظار وامتطاء الـ "تريند" ولفت أنظار بعض النساء السذج أو حتى أقاربهم من الأفاضل على السوشيال ميديا؟ كم منهم موافق أن يعبر عن رأيه هذا دون ظهور اسمه أو صورته؟ كم منهم لا يشتهي فعلًا أن يكون مكان "عمر كمال" الذي لا أحب سماع أغانيه حتى وإن نعته بالناجح تجاريا! هل يشك أحدنا أن معظم هؤلاء الإصلاحيين الأتقياء تمتلئ حساباتهم بالفواحش من المنشورات؟ (طبعًا سارع أغلبيتهم بـ "قفل" الحساب كي لا يتسلل إليه أحد فيكشف صاحبه على حقيقته القذرة! أتقياء جبناء! ) الحقيقة الكثير مستعدين جدا للعمل بالبنوك وأكل ما يسميه زورا وبهتانا واستهبالًا بالربا، ولكنه لم يجد الفرصة بعد، وأغلبهم متهرب من الضرائب ولا يعترف بأحقية الحكومة في الآثار إذا ظهرت تحت منزله! الكثير لا يرى غضاضة في منافقة رئيسه في العمل وحماته ومداهنة أي رجل أعمال ثري يراه، حتى لو كان هذا الرجل يعبئ بودرة السيراميك في شرائط الأدوية بدلا من المادة الفعالة.  الكثير من أهل التقوى والورع والصلاح والبر على الشبكات الاجتماعية -بالذات من العلماء بـ"بواطن" الأمور العامة والحالات الحرجة بالقصر العيني! - مستعدين لتقبيل يد أفسد ملياردير بدين عجوز في العلن إن جاد عليهم هم أيضا بإقامة زفاف ابنته على نفقته ونفحها وعريسها 500 دولار أمريكيًا نقوطا للزفاف! هذه هي آفة حارة مصر الحقيقية، التمثيل والرياء والادعاء والتنظير، يليها آفة الحقد والحسد والغل من أي شخص ناجح تجاري ومادي بغض النظر عن قيمة أو تفاهة ما يقدمه، فلو كان من يركب مثل هذه السيارات د. مجدي يعقوب ولا نجيب محفوظ ولا أحمد زويل لما رحمه هؤلاء المتنطعين من نباحهم وتنظيرهم، وريائهم، وادعائهم الفضيلة، والمثالية الفوقية!  وربما أبرزهم هذا المتنطع اللزج والمعتوه السمج الذي تجده يحرص في أول "كومنت" في أي صفحة كبيرة بفيسبوك على أي موضوع جذاب "بلطع" جمل من شريحة: أدعو الله لكل من سيقرأ تعليقي أن يهديه الله للبلا بلا بلا لا... بلا أي ارتباط بموضوع البوست! قاتل الله المرائين، والمتنطعين والحاسدين والحاقدين والمنافقين من الممثلين الكذبة والفشلة في مصر بالذات في فيسبوك!  هل يمكننا أن نرى توجهًا عامًا بالدراما التلفزيونية وبشكل مركز على استهداف هؤلاء الشواذ نفسيًا واجتماعيًا لتشريحهم على الشاشة في أعمال قوية على غرار مسلسل "أعلى نسبة مشاهدة" مثلا؟ https://www. youtube. com/watch? v=JGVIqvBfX8s هؤلاء الدجالين الأفاقين المُنظرين أخطر من فتيات ليل التيك توك بمصر، بل أخطر من الموظفين الخمسينيين البائسين من ذوي الدخول شبه المنعدمة الذين قرروا احتراف التهريج والمسخرة والبلاهة والتخلف على تطبيق تيك توك ودخول جولات افتراضية مزعومة والظهور "على الهواء" مباشرة من على كنبة منزلهم العامر القديمة المتهالكة بسطح بناية منزلهم بعشوائيات شرق القاهرة، طمعا في "جوائز" أهل الخليج، ولسان حالهم التعيس. . "كبس". . "كبس". . "كبس! " https://www. tiktok. com/@lovers. ibrahimmalk/video/7275547428604906757 وللحديث بقية إن كان في العمر بقية! --- ### تاركو الكنائس - Published: ۲۰۲٤-۰۵-۱۳ - Modified: 2024-05-11 - URL: https://tabcm.net/21888/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: بيتر سكزيرو ظل الباحثون يدرسون تلك المجموعة التي تعرف باسم "تاركو الكنائس" وهى مجموعة يتزايد عددها في السنوات الأخيرة. وبعض أولئك التاركين هم مؤمنون حقيقيون، لكنهم صاروا محبَطين من الكنائس. وقد قطع هؤلاء الرجال والنساء عهدَ علاقةٍ قلبيًا وحقيقيًا بالسيد المسيح، ولكنهم بدأوا يدركون بالتدريج، وعلى نحو مؤلم، أنَّ الروحانية المتاحة في الكنائس لم تقدم أي عمق حقيقي يُغَيِّر الحياةَ إلى صورة المسيح، سواء فيهم أم فيمن حولهم. أين الخطأ؟ لقد كانوا تابعين مُخلصين ليسوع المسيح، لكنهم كانوا يصارعون كغيرهم في زيجاتهم وطلاقهم وصداقاتهم وتربية أولادهم، وعزوبتهم وحياتهم الجنسية وإدماناتهم وشعورهم بعدم الأمان، وكذلك في الرغبة في نوال قبول الآخرين، ومشاعر الفشل والاكتئاب في العمل، وأيضًا في الكنيسة والبيت. فما الخطأ في الكنيسة؟ ولماذا لم تستطع مساعدتهم؟ يتضمن قسم آخر من تاركي الكنائس، من ظلوا في الكنائس، لكنهم صاروا خاملين بعد سنوات من الإحباط واليأس، وأدركوا أن طريقة الأبيض والأسود التي تقدم بها حياة الإيمان لا تتلائم مع خبرات حياتهم، فقرروا التوقف -على الأقل داخليًا- غير أنهم ظلوا في الكنائس من أجل أطفالهم، أو بسبب عدم وجود بديل لكن بصورة سلبية. ورغم أنهم لا يستطيعون تشخيص المشكلة بدقة، فإنهم يعرفون أن هناك شيئا ما ليس سليمًا. هناك أمرٌ ما مفقود، لكنهم لا يعرفونه، ولا يعرفون ما يفعلونه إزاءه. وهناك مجموعة ثالثة ممن قرروا التخلي عن إيمانهم تمامًا، بعد ملوا من حالة التوقف التي يعانونها في مسيرتهم الروحية، وصاروا يشعرون بالإحباط كلما رأوْا أنَّ المؤمنين حولهم غالبًا ما يكونون غضوبين وعنيدين ومعتدين بآرائهم ودفاعيِّين ومتكبرين ومشغولين تمامًا حتى إنه ليس لديهم وقت لمحبة يسوع الذي يشهدون عنه، مع أن هؤلاء يعرفون الله ومنخرطون في الكنيسة، ويُبدون حماستهم باستمرار. وجراء ذلك صار الإيمان عندهم أشبه بعناء أكثر من كونه قيمة لحياتهم. لذا بات الجلوس في المقاهي وقراءة الصحف في عطلة نهاية الأسبوع الخيار الأفضل بدلًا من الذهاب إلى الكنيسة. لقد مر وقت في حياتي كان أكثر ما أتمناه هو أن أكون ممن يتركون الكنيسة. لقد كان الألم الشديد الناتج عن أزمة كبيرة في حياتي يجعلني أتلوى من الغضب والخزي، فأنا من حاول باجتهاد وإخلاص أن يكون مسيحيًا مُخلصًا ملتزمًا تجاه خدمة الرب وملكوته. كيف انتهت بي كل جهودي هذه إلى تلك الحالة السيئة التي وصلت إليها؟ ظل الأمر هكذا حتى وصل الألم إل درجة كشفت ما تحت سطح "المسيحي الصالح“، وواجهت طبقات متراكمة من حياتي الوجدانية الداخلية التي ظلت مدفونة ولم تلمسها بتاتًا قوة الله المغيرة. لقد كنت مشغولًا حتى إنه لم يكن لدي وقت لما أسميه حينها ”التحليل المرضي لأعماق نفسي“، كما أني كنت منهمكًا وعلى شفير الهاوية في عمل الله، فلم يكن لدي وقت لأحفر في مناطق أقل وعيًا من إدراكي المباشر. لكن عندما تعرضت لمشكلات حقيقية في حياتي، دفعني الألم لأن أواجه حقيقة أن يسوع لم يخترق مني إلا طبقات سطحية جدًا مع أنّي كنت مسيحيًا حقيقيًا على مدى أكثر من عشرين سنة. عندئذ اكتشفت الحقيقة الجذرية التي غيرت حياتي وزواجي وخدمتي، وفي النهاية غيرت الكنيسة التي كان لي امتياز أن أخدمها. لقد كانت حقيقة بسيطة لكني لم أدركها، ويبدو أنها أيضا حقيقة لا تدركها الغالبية العظمى من التيار الذي أنتمي إليه؛ فأنا أؤمن بأن الحقيقة البسيطة العميقة قادرة على إحداث تغيير ثوري في حياة الكثيرين ممن أصابهم اليأس من محاولة عيش إيمانهم المسيحي. والحقيقة أن الصحة النفسية والنضج الروحي لا يمكن أن ينفصلا. "تاركو الكنائس"، عن كتاب بيتر سكزيرو، "الروحانية الناضجة وجدانيًا" أرشح الكتاب للقراءة بشدة. . --- ### بالموت داس الموت - Published: ۲۰۲٤-۰۵-۱۲ - Modified: 2024-05-11 - URL: https://tabcm.net/21865/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: الأب متى المسكين, توما الرسول, عيد القيامة, قديس بولس الرسول, مجلة مرقس "بالموت داس الموت، والذين في القبور أنعم عليهم بالحياة الأبدية" بقلم الأب متى المسكين، نُشر أوّل ما نُشر في مجلة مرقس، عدد مايو ١٩٧٩، الصفحات من ۳ إلى ٨ تكلمنا عن آلام الرب من حيث رؤية الرب لآلامه ورؤيتنا نحن لآلام الرب، ((الكلمة التي ألقيت على الرهبان ليلة عيد القيامة المجيد سنة ‎١٩٧٩‏بدير القديس أنبا مقار ببرية شيهيت. )) والآن، ماذا نقول عن القيامة؟ لا يستقيم أن نقول ما هي رؤيتنا للقيامة؟ فالقيامة حياة جديدة غير منظورة لا تُرى، فهي ليست حدثًا زمنيًا يختص بهذا العالم كلية؛ فهذا العام ينحصر في فعلين: ميلاد وموت، ويُحكم ببُعدين: بُعد زماني وبُعد مكاني. والقيامة فعل ثالث فوق الميلاد والموت، وبُعد ثالث فوق الزمان والمكان. لذلك فالقيامة تخرج عن نطاق المنطق العقلي. مفتاح إدراكنا للقيامة يلزم أن نفحصه أولا في الإنجيل: في إنجيل متى، الذي فيه ير بط ربطًا محكمًا بين موت المسيح وقيامته وتأثير ذلك على قيامتنا نحن ((إنجيل متى ٢٧ : ٥١-‎٥٣ )): فصرخ يسوع أيضًا بصوت عظيم وأسلم الروح! وإذا حجاب الهيكل قد انشقإلى اثنين من فوق إلى أسفل، والأرض تزلزلت والصخور تشققت والقبور تفتحت وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين، وخرجوا من القبور بعد القيامة، ودخلوا المدينة المقدسة وظهروا لكثيرين. (إنجيل متى ٢٧ : ٥١-‎٥٣) فجر القيامة العامة: هذه هي شهادة الإنجيل عن القيامة وهى مطابقة تمامًا لعلامات القيامة العتيدة العامة. إذن، فالإنجيل هنا يهمس في آذاننا أن قيامة المسيح من الأموات هي في حقيقتها وفعلها فجر حقيقي للقيامة العامة وبدء لها: القيامة أثرت في موتى القبور: في الحقيقة يُعتبر هذا النص الإنجيلي من أهم النصوص التي وردت عن موت الرب وقيامته: + لأنه ير بط ربطًا عمليًا وواقعيًا مشاهدًا ومشهودًا له من كثيرين أن موت الرب أنشأ في الحال تأثيرًا فعالًا محييًا في الموتى، ومن هنا جاء نشيد الكنيسة المعبر عن لاهوتها الخالد: بالموت داس الموت، والذين في القبور أنعم عليهم بالحياة الأبدية. + ثم كان هذا النص وهذا اللحن هو الأساس العملي أيضًا على مستوى المشاهدة والشهادة لإيمان الكنيسة: إن قيامة المسيح من الموت أطلقت القائمين من الموت من قيودهم، أي حرَرتهم من سلطان الزمان والمكان، وبدأوا بالفعل يحيون الحياة الأخرى علنًا كعربون وشهادة. فاللحن تقليد كنسي يقوم على الإيمان بمفهوم الموت والقيامة في الكنيسة. هذا هو فجر الخلاص الذي شهده التلاميذ. إيمان الكنيسة ولاهوتها مشاهدة فعلية: وهكذا يتبلور إيمان الكنيسة منذ البدء على أساس مشاهدة فعلية، أي خبرة إيمانية جماعية: - أن موت المسيح داس الموت، وأنهى على سلطانه في الحال، وفك أسرى الهاوية. - وأن بقيامة المسيح وظهوره، بدأت القيامة للإنسان بالفعل، وإن كانت كحالة خاصة، أي عربون للقيامة العامة للقديسين. ومن هنا جاء الإيمان القوي الذي له ما يسنده ويبرره ويشهد له من الإنجيل بخصوص عمل أرواح القديسين الراقدين في العالم الذين ظهروا لكثيرين. القديس بولس يستلم من التلاميذ و يسلم ما تسلمه لأهل كورنثوس: هذا الإيمان الكنسي المعتبر حجر الزاوية في اللاهوت المسيحي، استلمه القديس بولس الرسول كتسليم قائم على إيمان واستعلان ورؤيا واختبار من التلاميذ. ثم سلمه لأهل كورنثوس (كان ذلك عام ‎٥٥‏/٥٦م. ) كما نقرأ في رسالة كورنثوس الأولى فإني سلمت إليكم في الأول ما قبلته أنا أيضًا أن المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب، وأنه دُفن وأنه قام في اليوم الثالث حسب الكتب ((رسالة كورنثوس الأولى ١٥‏ : ‎٣ ))، لا كأنه اختبار إيماني وعقيدة مسلمة من التلاميذ فقط، ولكن أضاف إليها إيمانه هو الاختباري الواقعي فيما بعد. وطبعًا نضيف إلى ذلك رؤيته هو للمسيح علنًا وسماع صوته. ويلاحظ أن محور دفاع القديس بولس الرسول عن قيامة المسيح، ليس هو لإثبات قيامته، بل لإثبات قيامتنا، مع أنه قدم الشهود العيان وهو واحد منهم. ولكن نعود ونقول وننبه: ما قيمة شهود عيان لحادثة لا يحكمها الزمان والمكان؟ فلا العين تستطيع أن تتحقق منها خلوًا من موهبة الانفتاح، ولا العقل يمكن أن يستوعب الرؤيا ويصدقها خلوًا من موهبة إيمان. لذلك نجد الشهود قليلين جدًا، لأنهم مختارون من الذين يستطيعون أن يروا ما لا يُرى. كما أننا لا نجد شهادة واحدة من الجميع يتفق عليها الجميع. ففي رؤية القديس بولس للمسيح سمع بعض الذين معه الصوت ولم يروا أحدًا، وبعضهم رأوا ولم يسمعوا. كذلك في دخول القديس بطرس والقديس يوحنا للقبر الفارغ، فإن بطرس رأى وخرج مندهشًا، ويوحنا نظر وآمن. وهذا هو الحال في رواية القيامة في الأناجيل الأربعة، الأمر الذي حير العلماء واستنفذ كل ذكائهم وصبرهم بلا أي فائدة... فالقيامة أولًا وأخيرًا حالة فائقة لا تدرك إلا بانفتاح خاص وموهبة خاصة، في حالة أو مستوى روحي خاص. لذلك نجد القديس بولس الرسول لا يركز على القبر الفارغ أو شهادة النسوة أو الملاك. لكنه ركز على حقيقة القيامة كمحور الكرازة بالمسيح على أناس أنها تنشئ قيامة فينا (((رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس ١٥ : ١٢-٢٠ )). ولكن إن كان المسيح يكرز به أنه قام من الأموات، فكيف يقول قوم بينكم إن ليس قيامة أموات؟ فإن لم تكن قيامة أموات فلا يكون المسيح قد قام! وإن لم يكن المسيح قد قام، فباطلة كرازتنا وباطل أيضا إيمانكم، ونوجد نحن أيضا شهود زور لله، لأننا شهدنا من جهة الله أنه أقام المسيح وهو لم يقمه، إن كان الموتى لا يقومون. لأنه إن كان الموتى لا يقومون، فلا يكون المسيح قد قام. وإن لم يكن المسيح قد قام، فباطل إيمانكم. أنتم بعد في خطاياكم! إذا الذين رقدوا في المسيح أيضا هلكوا! إن كان لنا في هذه الحياة فقط رجاء في المسيح، فإننا أشقى جميع الناس. ولكن الآن قد قام المسيح من الأموات وصار باكورة الراقدين. (رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس ١٥ : ١٢-٢٠) هذا الإيمان الواثق استلمه القديس بولس واختبره، وهو قمة الإيمان بالمسيح وبدونه لا منفعة بالإيمان بالمسيح قط. - إن لم يكن المسيح قد قام فباطلة كرازتنا. لماذا؟ لأننا واثقون بالمشاهدة والتسليم، ولأن قيامة المسيح ليس لها أي هدف أو غاية إلا إقامتنا نحن من الأموات. - وباطل هو إيمانكم، لماذا؟ لأن أي إيمان بالسيح بدون الإيمان الحي أنه قام من الأموات، فلن يجعل لنا نحن قيامة، وإذا لم تكن لنا قيامة فنحن أشقى جميع الناس لأننا نبقى في خطايانا ونتألم بلا رجاء، حيث تنتهى حياتنا كأيّ إنسان آخر، عند القبر. القيامة غيّرت التلاميذ: من نص إنجيل القديس متى ٢٧ : ٥١-‎٥٣، ونص رسالة القديس بولس إلى أهل كورنثوس ١٥ : ١٢-٢٠، نستشف بيقين نحسه في أعماق قلوبنا، أن الكنيسة الأولى كانت تعيش بالفعل في حالة يقين الإيمان بالقيامة، لا كمجرد مبدأ إيماني أو نظرية لاهوتية، ولكن كانت تعيش في حالة قوة هذه القيامة (أي خصائص الخليقة الجديدة) كعربون. وهذه الحالة بعينها وليس أي شيئ آخر سواها هي التي نقلت التلاميذ من حالة الخوف وعدم الإيمان وضعف الفهم وانعدام الإدراك لكل ما قاله وكل ما تم على الصليب، إلى اللحظة التي اعلن فيها عن القبر الفارغ وسمعوا فيها بخبر قيامة المسيح من الملائكة ((إنجيل متى ٢٨‏ : ٥-٧ )): فأجاب الملاك وقال للمرأتين : «لا تخافا أنتما، فإني أعلم أنكما تطلبان يسوع المصلوب. ليس هو ههنا، لأنه قام كما قال! هلما انظرا الموضع الذي كان الرب مضطجعًا فيه. واذهبا سريعًا قولا لتلاميذه: إنه قد قام من الأموات. » (إنجيل متى ٢٨‏ : ٥-٧) ولكن كيف استلم التلاميذ هذا العربون أو هذه الحياة الجديدة بكل خصائصها؟ لم تكن البراهين المادية على الإطلاق سببًا في قبول التلاميذ حالة الإيمان بالقيامة ونوال عربونها، فلا القبر الفارغ ولا حديث النسوة ولا شهادة الملائكة ولا رؤية الرب نفسه كان كافيًا، لأنه مكتوب بكل وضوح ((إنجيل متى ٢٨‏ : ١٦-١٧ )): وأما الأحد عشر تلميذًا فانطلقوا إلى الجليل إلى الجبل، حيث أمرهم يسوع. ولما رأوه سجدوا له، ولكن بعضهم شكوا. (إنجيل متى ٢٨‏ : ١٦-١٧) الرب يسلم سر قيامته بسلطانه للتلاميذ: ولولا أن الرب تقدم وبدأ يكلمهم ثم وهبهم في هذه اللحظة قوة وسلطانًا خاصًا على إدراك كل الحقيقة، لبقوا بلا إيمان ((إنجيل متى ٢٨‏ : ١٨-٢٠ )): فتقدم يسوع وكلمهم قائلًا: «دفع إلي كل سلطان في السماء وعلى الأرض، فاذهبواوتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس. وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به. وها أنا معكمكل الأيام إلى انقضاء الدهر». آمين. (إنجيل متى ٢٨‏ : ١٨-٢٠) ولتوما الرسول: حتى في حادثة توما، فإن الذي جعله يؤمن هو انفتاح بصيرته قبل وضع أصبعه بقول الرب لا تكن غير مؤمن بل مؤمن ((إنجيل يوحنا ٢٠ : ‎٢٦ )). واضح جدا أن التلاميذ لم يستطيعوا أن يقبلوا القيامة بالبرهان المادي أو الفعلي على الإطلاق، لذلك تدخل الرب يسوع وسلّمهم هذه القيامة بكل سلطانها كفعل حياة سرى، خليقة جديدة. لذلك، فالقيامة في الإنجيل وفى الكنيسة هي سر يُسلّم من داخل الأسرار. القيامة مجد: كما يلزمنا أن نفهم تمامًا، أن القيامة ليست مجرد قيامة أجساد من الموت، بل هي حالة مجد لخليقة جديدة، هي شركة في مجد الله. فجسد المسيح المقام كان في حالة مجد. لذلك كان من العسير للعين العادية والإيمان العادي أن يدرك القيامة إدراكًا كاملًا، إلا إذا أُعطي نعمة نظر هذا المجد، وإلا لن يرى إلا مجرد خيال، كما ظنه التلاميذ عند أول ظهوره: - وفيما هم يتكلمون بهذا وقف يسوع نفسه في وسطهم، وقال لهم: «سلام لكم! » فجزعوا وخافوا، وظنوا أنهم نظروا روحًا... ((إنجيل لوقا ٢٤ : ‎٣٦ )). مع أنه كان واقفًا أمامهم بكل مجده. من هنا يبدأ إيماننا بالقيامة. فالقيامة حالة مجد، واشتراك «في مجد». لا هي إيمان عقل ولا رؤية عين! ! الذوكصا: لذلك يُقال أن كل نداء بالمجد Δόξα في الكنيسة هو إعلان وشهادة أن الكنيسة حاضرة بالقيامة في حضرة الآب والابن والروح القدس. فالنداء بالذوكصا إعلان عن حالة القيامة التي تعيشها الكنيسة في كل لحظة، هو نداء الاعتراف والتوسل معًا. واضح جدًا يا أحبائي، أن الكنيسة الأولى كانت تعيش في هذه الحالة عينها، حالة المجد = الذوكصا، حالة القيامة، حالة حضور الرب حسب وعده الصادق والأمين ها أنا معكم كل الأيام وإلى انقضاء الدهر. ((إنجيل متى ٢٨‏ : ٢٠ )). حضور الرب بيننا هو حالة قيامة ممجدة ندخل فيها ونعيش فيها. الكنيسة هي مكان حضور الرب عندما تكون مجتمعة باسمه للشهادة لاسمه. فالكنيسة تعيش غد القيامة وتسلمها لأولادها طالما هي تشهد وتكرز وتعلم وتسجد بالروح والحق. تسلم قوة القيامة من الرب المُقام نفسه: ثم لاحظوا تمامًا أن التلاميذ لم يقبلوا حقيقة القيامة كفعل وحياة وطاقة شهادة وكرازة وفرح إلا من الرب نفسه وبروحه القدوس عندما كانوا مجتمعين معًا، سواء فى العُلية بعد القيامة أو في العُلية في يوم الخمسين. لذلك لابد أن نفهم ونعى تمامًا أنه يستحيل علينا أن نعيش في عربون القيامة أو نقبل فعل الحياة الأبدية أو نذوق مجد الله، إلا بحضور المسيح ومع المسيح وفى ملء الروح القدس. فقيامة المسيح هي قيامتنا كما تقول الكنيسة في أوشيّة كل إنجيل لأنك أنت هو قيامتنا كلنا وحياتنا كلنا. كما يلزمنا أن نلاحظ أن البرهان المفرح ‎والمقنع جدًا على قبول التلاميذ قوة قيامة المسيح هو تحول حياة التلاميذ من الضعف إل القوة، ومن اليأس إل الرجاء، ومن الخوف إلى الشجاعة، ومن الإنكار والهرب إلى الكرازة والفرح بالاضطهاد والبذل حتى الموت. لذلك يناسبنا أن نضع هذا المقياس الحساس والدقيق جدًا نضب أعيننا، لكي نتحقق من حصولنا على سر قيامة الرب في حياتنا. سر قوة القيامة: الرب الحاضر بقيامته معنا وفينا والذي نكرز بموته وبقيامته له كل السلطان على كل السماء والأرض! ! من الأسباب التي جعلت التلاميذ يتغيرون ويصيرون على مستوى القوة للكرازة لكل العالم هو أن الرب استلم كل سلطان ما في السماء وعلى الأرض. العلاقة هنا -بين سلطان الرب والكنيسة- سرية للغاية. والرب نفسه هو الذي أشار إليها دفع إلي كل سلطان في السماء وعلى الأرض، فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم... ((إنجيل متى ٢٨‏ : ١٨-١٩ )). الأمر الذي يعطيه الرب هنا لتلاميذه بالذهاب للكرازة للعالم كله ليس أمرًا عاديًا بل هو مشفوع بتأكيد ووعد وتأمين سري أنم سيعملون تحت مظلة سلطان المسيح، هذا الذي تخضع له كل السماء والأرض. قيامة المسيح هنا لم تقف عند حد غلبة الموت، أو حتى الصعود إل السماء، أو حتى مجرد الجلوس عن يمين العظمة في السموات. بل إن قيامة المسيح كشفت عن مستوى المجد الذي للمسيح. إذ تسلم من الآب كل سلطان ما في السموات وعلى الأرض، ولكن ليس مجرد أن يحتل المسيح مكانته في المجد لنفسه، ولكن لا يزال هذا المجد والسلطان يعمل لحساب الإنسان. فالرب بكل وضوح وعلانية، يؤكد لتلاميذه أن ذهابهم إلى أقصى العالم للخدمة والكرازة إنما هو المسئولية المباشرة المنبثقة من سلطانه، أي أنه نال هذا السلطان لتكميل خدمة الكرازة على الأرض لخلاص العالم. امتداد القيامة: هذه الحقيقة تعطى للقيامة امتدادًا في السماء، وعلى الأرض (الكنيسة)، لتكميل الخلاص من واقع سلطان المسيح الحاضر في كنيسته بقيامته ومجده وسلطانه معًا. فمعنى أن يأخذ المسيح سلطانا في السماء وحدها شيئ، وكونه يأخذه في السماء وعلى الأرض فهو واضح جدًا أن المسيح يملك في كنيسته على الأرض بسلطانه السمائي لحساب خلاص كل نفس. ‏وهذا الوعد أو الأمر بحد ذاته يعطى للكنيسة قوة ورجاء وعزاء لا يُقهر ولا يقف عند حد. كما يعطى لكل فرد يسعى نحو بلوغ القيامة قوة دفع، لا يقدر الموت نفسه أن يوقفها. فالمسيح الذي يجذبنا والذي نجري وراءه، سلطانه ملأ السماء والأرض. ‏والكنيسة التي تعيش في قوة القيامة هي حقًا تعيش في نور الجالس عن يمين العظمة، في استعلان المجد، في الذوكصا الدائمة! ! بالموت داس الموت، والذين في القبور أنعم عليهم بالحياة الأبدية بقلم الأب متى المسكين، نُشر أوّل ما نُشر في مجلة مرقس، عدد مايو ١٩٧٩، الصفحات من ۳ إلى ٨ --- ### من يمسك أجرة الأجير، يسفك دمه - Published: ۲۰۲٤-۰۵-۱۱ - Modified: 2024-05-10 - URL: https://tabcm.net/21765/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون - وسوم: راحيل, لابان, يشوع ابن سيراخ كتب أهل بلاد ما وراء البحار في يومياتهم و معاناتهم مع الأنبا ديميدوس: رأينا أسقفنا يعمر ويبني، ففرحنا، إذ يزيد من كنائسنا ويزيد فرصة تجمع أولادنا وأنشطتهم ولقاءاتهم. ولكن كان لنا ملاحظة تخص الشباب الذين يخدمون في الكنيسة حيث يقيم الأسقف، فهم دائمًا في المطبخ يطبخون وينظفون، يهتمون بكل شيئ، ورأيناهم كعمال بناء في أعمال التجديدات والبناء بالدير والممتلكات الأخري، اعتقدنا في بادئ الأمر أنهم يقومون بخدمة للكنيسة بكامل رضاهم، كما تعودنا أن نري دائمًا في أديرتنا في وطننا الأم. و لكن شيئ ما كان يرتسم علي وجوههم، شيئ مختلف تمامًا عما تعودناه من الفرح بالخدمة، فملامحهم الكئيبة تشعرنا بالحزن والاكتئاب والاضطرار و القهر، وليس فرح الخدمة. سنحت الفرصة مرة، وتحدث إلينا أحد هؤلاء البؤساء، ويا ليته ما وجدنا ولا كلمنا... ظل الشاب يحكي عن ظروفه وكيف جاء وماذا يفعل، وكانت مفاجأتنا جميعًا، أنّه تم استقدامه ليعمل لدي الأسقف لكي يساعده علي تحقيق أحلامه بالنمو العمراني والعقاري للكنيسة، وفي المقابل، قدم له الأسقف الوعود البراقة بالحياة الكريمة والمساعدة على الإقامة الشرعية ولم شمل أسرته التعيسة -زوجته الشابة وأطفاله الذين يفتقدون حنان الأب- الذين يعيشون في الوطن الأم بدون عائل.  وإلى هنا لا توجد مشكلة، فالجميع مستفيد و المنفعة مشتركة. لكن في التفاصيل تكمن الكوارث وما يدمع العيون و يدمي القلوب... فأسقفنا الطموح كان يستغل احتياج الشباب أن يحصلوا علي إقامة في بلد آمن و يسخرهم للعمل عنده بأبخس الأسعار في مقابل كسرة خبز يسمم بدنهم بسببها وتوفير مكان للنوم اقذر من حظائر الماشية. ويضطر الشباب المسكين الذي لا يعرف لغة البلاد، وغير قادر علي التواصل مع أي جهة، أن يستمر في العمل لعدة أعوام حتي يستطيع أن ينجو بنفسه. فأسلوب العمل الذي يتبعه أسقفنا هو أقرب ما يكون للسخرة. فالشاب يجب أن يعمل أكثر من اثنتي عشر ساعة، من ٧ صباحًا حتي ١٠ مساءًا، حتي يأمن جانب الأسقف، وفي المقابل، يحصل علي مكان نومه ومرتب ضئيل لا يخضع لأي قوانين أو قواعد للعمالة في بلاد ما وراء البحار. وبلغت جرأته أن يستغل الرتب الشموسية والخدمية في الكنيسة حتي يكتبها في عقد العمل أو الاتفاق، ليكون العمل وكأنه تطوّع وعمل خدمي ويكون أجره مجرد أجر رمزي، ولا تستطيع السلطات أن تحاسبه علي استغلال العمالة بأجر أقل من المسموح به. ولكن هل يفهم العمال ما يقصده الأسقف بهذه العقود؟ وهل قاموا فعلا بأعمال الشموسية والخدمية؟ بالطبع لا، وهذا ما يراه و يشهد به الجميع. يضيف أحد العمال أنه بدأ العمل، دون أن يسأل حتى عن الراتب الذي سيأخذه، حيث أنه يتعامل مع أسقف، لن يطمع في تعبه أبدًا، لكنه فوجئ أنه لم يعطه راتبه الضئيل الذي يقدر ب ٢٥٠ ميرو ، حيث أخبره الأسقف أن دفع الراتب سيكون سنويًا وليس شهريًا، و قبل الأخ مضطرًا، وماذا يستطيع أن يفعل؟ ثم بعد عام، أراد أن يستقدم عائلته، حسب وعد الأسقف له أنّه سيعمل عنده لمدة أربع سنوات وسيستقدم عائلته بعد أول عام. هنا فاجأه الأسقف، أنّه يريد أن يسرحه من العمل، وإعادته إلى بلاده، إذا أصر على استقدام عائلته. فلم يجد الشاب إلا أن يقبل أن يستمر بالعمل لمدة ثلاث سنوات آخرين. (يوميات الأنبا ديميدوس الضرير، أسقف بلاد ما وراء البحار) يذكرني هذا الموقف بخال يعقوب لابان حين استغل حبه لراحيل ليستعبده في العمل عنده لسنوات طوال. رجل آخر نجح في استقدام عائلته، ولكن قبل الحصول على الإقامة أصر على تسريحه من العمل، لتنهار كل أحلام الرجل و أسرته. شخص آخر على صلة قرابة بأحد الأساقفة في الوطن الأم، أتى إلى بلاد ما وراء البحار، ليقع للأسف في عبودية الأنبا ديميدوس الضرير، الذي مارس عليه ضغوطًا وإهانات، مما دفعه في إحدى المرات أن يجري وراء الأنبا ديميدوس الضرير بالسكين، يريد قتله ليتخلص من مذلته، وانقذه الناس بأعجوبة. هذه بعض أمثله من كثير من المآسي المؤلمة. لكن لنكمل مع فقرات أخرى. . علي النقيض تمامًا ما يفعله موظف شئون الأجانب حين يتقدم إليه شخص أجنبي حديث العهد بالبلاد، إذ يصر الموظف أن يعرف قيمة المرتب في العقد، حتي يطمئن أن صاحب العمل لا يستغل الموظف الجديد. هذه قوانين العالم والتي يُفترض ألا تكون أفضل من قوانين الكنيسة التي تستمد عدلها ورحمتها من المسيح نفسه. لكن للأسف ما نراه هو العكس تمامًا، فالعالم صار اكثر عدالة و رحمة من كنيسة الأنبا ديميدوس الضرير. ولكن هل تغفل الجهات المسئولة عما يفعله الأسقف وهم الذين يتعجبون، كيف له أن يقوم بكل هذا الأعمال والتجديدات التي تكلف أموالا باهظة؟ فقد اتضح أنهم يعلمون بكل شيئ، وبأمر استغلال العمالة الغير مقننة أو تحت بند الأعمال التطوعية الكنسية الخدمية، ولكنهم لا يستطيعون تحريك القضية من ذاتهم وكل ما يفعلونه هو الانتظار أن يقوم أحد هؤلاء العمال بعمل شكوي لهم وهم سيتكفلون بالباقي من خلال المحامي العام. (يوميات الأنبا ديميدوس الضرير، أسقف بلاد ما وراء البحار) هنا يقع الشعب في حيرة، فسمعة كنيستهم بالكامل ستكون علي المحك، فماذا يفعلون؟؟؟؟؟ هل كان يجب أن يواجهوا ظلمه بالقانون حتى لو أثر ذلك على سمعة الكنيسة؟ أم يتركوه يستمر في ظلمه حتى لا تتأثر سمعة الكنيسة؟؟ و للحديث بقية... من يمسك أجرة الأجير، يسفك دمه. (يشوع ابن سيراخ ٣٤ : ٢٧) --- ### الحياة ليست وجود مجرَّد - Published: ۲۰۲٤-۰۵-۱۰ - Modified: 2024-05-07 - URL: https://tabcm.net/21348/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: قايين, قديس بولس الرسول أنا كنت عائشًا قبلًا (رومية ٧ : ٩) المسيح لهذا أشرق علي الجالسين في الظلمة وظلال الموت (لوقا٧:١). أولئك الذين كانوا ”عائشين قبلًا “، ولهم وجود مجرَّد مِن الحياة. لأن الحياة هي في ابنه (يوحنا الأولى ٥ : ١١) الذي أستعلن لنا حياته أنا هو الطريق والحق والحياة (يوحنا ١٤ : ٦). الوجود هو قبس من حياة نحو الحياة. ونعمة فوق نعمة (يوحنا ١ : ١٦) الوجود هو فرصتنا أن نري الحياة فنطلبها: لأن هذه هي مشيئة الذي أرسلني: أن كل من يرى الابنويؤمن بهتكون له حياة أبدية، وأناأقيمه في اليوم الأخير. (يوحنا ٦ : ٤٠) عاش الإنسان بعد تغرُّبه عن الله يعيش وجوده خلوُّاً من يقين الحياة. فلا عجب أن النتيجة هي ذلك الشعور الوجودي الذي ملأ كيان الإنسان بالخوف من ضياع وجوده : فقال قايين للرب: «ذنبي أعظم من أن يحتمل. إنك قد طردتني اليوم عن وجه الأرض، ومن وجهك أختفي وأكون تائهًا وهاربًا في الأرض، فيكون كل من وجدني يقتلني» (تكوين ٤ : ١٤). هذا الخوف الوجودي أمسك بوجود الإنسان خلال تاريخه في عبودية قاتلة لكل حياة في وجوده: أولئك الذين­ خوفا من الموت­ كانوا جميعا كل حياتهم تحت العبودية. (عبرانيين ٢ : ١٥). وظل السبيل الوحيد إلى حرية الإنسان خلال تاريخه بل وفي غير التاريخ اليهومسيحي يترجى ظهور ”المسيا المخلص“ . فالحرية هي في يقين الالتصاق بالحياة دون احتمال مغادرة: لا شيء من الدينونة الآن على الذين هم في المسيح يسوع (رومية ٨ : ١) وهذا فقط هو في المسيح، لأن الحياة هي في ابنه (يوحنا الأولى ٥ : ١١)، ولأن مَن التصق بالرب فهو روح واحد (كورنثوس الأولى ٦ : ١٧). هذا قد تمَّمه المسيح يوم أن رُفِعَ علي الصليب: فإذ قد تشارك الأولاد في اللحم والدم، اشترك هو أيضا كذلك فيهما، لكي يبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت، أي إبليس،  ويعتق أولئك الذين خوفا من الموت كانوا جميعا كل حياتهم تحت العبودية. (رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين ٢ : ١٤) فالشريعة والعهد القديم لم يهبا حرية لإنسان، بل فقط أيقظه من سبات الجالسين في الظلمة وظلال الموت (لوقا ١ : ٧٩)، المخدوعين بأن الوجود هو الحياة أما أنا فكنت بدون الناموس عائشًا قبلًا (رومية ٧ : ٩). العهد القديم "كان مؤدبنا إلى المسيح" إذ نجح في توظيف خوف البشر ليس لمزيد من العبودية تحت سلطان الخوف من ”موت الخطية“ ذلك الشر المُلبِس الموت (صلاة القداس). هذا الوضع في العهد القديم قد وصفه الكتاب أما أنا فكنت بدون الناموس عائشًا قبلًا، ولكن لما جاءت الوصية عاشت الخطية فمت أنا (رومية ٧ : ٩). ولهذا كثرت تأوهات أنبياء العهد القديم تحت وطأة وثقل وجود بلا حياة بل خوف من العدم. فامتلأت كتب النبوات اشتياقًا لخلاص المسيح لأنه الذي يمنح الإنسان الحرية بالاتحاد بالرب والالتصاق بيقين الحياة فإن حرركم الابن فبالحقيقة تكونون أحرارًا (يوحنا ٨ : ٣٦). --- ### كنت قاسيًا إلى حد عظيم! ولكني أسامح - Published: ۲۰۲٤-۰۵-۰۹ - Modified: 2024-05-09 - URL: https://tabcm.net/21761/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: بابا تواضروس الثاني, سارة حجازي, عيد القيامة عند سماعي لأيّ خطاب نظريّ، أحاول جاهدًا أن أستجوب ذاكرتي بحثًا وتفتيشًا عن نماذج واقعية معاصرة طبّقت الكلام النظري، بحيث أستلهم تجارب "الغفران الممكن" من الواقعيّة الممكنة التطبيق لعِظة عيد القيامة مكانة مميزة في التاريخ الكنسي، فهي من قديم الأزل تسجّل لكل بطاركة كرسي الإسكندرية تحت مسمى "العظة الفصحية"، وعِظة العيد لهذا العام لقداسة البابا تواضروس الثاني كانت عن "الغفران"، وجعلتني أشرد في أفكاري بعيدًا عن قدسيّة الحدث. وفي الحقيقة أن لشرودي سببًا موضوعيًا. يحدث دائمًا عند سماعي لأيّ خطاب نظريّ، أن أحاول جاهدًا استجواب الذاكرة بحثًا وعصرًا وتفتيشًا عن نماذج واقعية معاصرة طبّقت الكلام النظري، إذ وقتها فمن الممكن استلهام تجارب "الغفران الممكن" من الواقع البشريّ الممكن التطبيق. فالمسيح كان وسيظل نموذجًا كاملًا وطوباويًا في مثاليّته بشكل معجّز ومستحيل، وقررت أن أشارككم بعض من شرود أفكاري ونماذج الغفران التي لامست وجداني بقوّة. أقوى غفرانات معاصرة رأيتها كانت نموذج "سارة حجازي"، وربما يزعجك هذا، لكن لو صبرت قليلًا فلربما ترى بعيوني. الانتحار هو جريمة قتل قام بها إناس لن يدانوا يومًا. . مجتمع كامل يشارك في جريمة. . ثم يتظاهر بالحياد. . (سارة حجازي، جزء من إحدى مدوّناتها) تلك كانت وجهة نظر "سارة" نفسها عن الانتحار؛ أنه جريمة قتل قام بها المجتمع كله،، وعلى هذا، فمن الطبيعي أنّ نظنّ أنّها ستُحمّل المجتمع بمسؤوليّة انتحارها لاحقُا... لكن ليس هذا ما حدث! إلى أخوتي حاولت النجاة وفشلت، سامحوني. إلى أصدقائي التجربة قاسية وأنا أضعف من أن أقاومها، سامحوني. إلى العالم كنت قاسيًا إلى حد عظيم! ولكني أسامح. (سارة حجازي، رسالة تركتها وقت انتحارها) ثلاث سطور قصيرة، كلها عن الغفران والضعف...  في الدوائر المقربة الأخوة والأصدقاء كانت تطلب غفرانهم، بينما في الدائرة الأبعد كالمجتمع أو العالم (الذين يُفترض تحميلهما بمسؤولية موتها) فعلت العكس وقدمت هي غفرانًا له!  تظل سارة حجازي، الملحدة، نموذجًا مسيانيًا في الغفران غير المشروط بل وغير المُسبب! لقد ذكر قداسة البابا أننا نقول في الصلاة الربّانية: واغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضًا للمذنبين إلينا، أما صديقتنا، الملحدة، فطبقت صلاتها لا إلى الله فحسب، بل في إخوتها وأصدقاءها الذين ترى الله فيهم، طبّقته على نفسها وغفرت لشيطانها الأعظم؛ المجتمع، أنت، الذي وصفته "القاتل الغير مُدان - القاسي العظيم"، بغفران مجّانيً غير مُبرر، وربما غير منطقي، كي تتحرر من أي شعور بالذنب تجاه موتها، وفعلت كل هذا فقط لكي نعرف أنه في عمق الضعف واليأس، يمكنك أنً تتحولّ، بالغفران، إلى قوّة عظيمة ملهمة للكثيرين من الأحياء. شيئان أختلف فيهما مع الغالبية عن سارة؛ أنها ملحدة، وإنها مثليّة جنسيًا... ففي الأولى أنا أراها ذات إيمان من نوع خاص وطراز تطبيقي فريد لهذا الإيمان الغير معنون بدين محدد. أما في الثانية، فهي كانت "كويريّة"، وربما لا تعلم أن "المثلية" هي ميول تصف الانجذاب الفطري وليست بالضرورة أن يتحول هذا الميل لدافع سلوكي. الراهب مثلًا؛ لو كان نموذجيًا؛ فيفترض أنه ذو ميول جنسية غيريّة، لكنه آثر قمع هذه الميول وألا تتحول لسلوك تطبيقي مشروع. الكويريون هكذا. هم رهبان المثلية الجنسية الذين تركوا العالم يتجادل حول ميولهم ونواياهم وطبائعهم وضمائرهم وطرق معاقبتهم وحرقهم، لكنهم آثروا قمع ميولهم المثليّة وألا تتحول لسلوك أو ممارسة من أي نوع. وبعد ما شاركتك أفكاري، نأتي للسؤال: هذا نموذج تطبيقي واقعي للغفران، ليس به قدسيّة أو لاهوت أو ميتافيزيقا من أي نوع؛ فهل يمكن لأحد منّا نحن مجتمع القديسين الأرفع أخلاقًا والأضبط إيمانًا، أن نجاري نموذج الغفران الذي قدمته سارة؟ بصدق، أرتعد عند تذكّر سارة كارتعاد نبيّ يقف في حضرة رئيس ملائكة. . وكفى،، --- ### أغسطينوس والحرب العادلة - Published: ۲۰۲٤-۰۵-۰۸ - Modified: 2024-05-23 - URL: https://tabcm.net/18978/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, تاريخ وميثولوچيا, لاهوتيات - وسوم: أدولف هتلر, الحرب العادلة, قديس أوغسطينوس، أسقف هيبو, مدينة الله السؤال المطروح أمام أوغسطينوس هو كيف يستطيع المسيحي ممارسة العُنف دون أن يستلزم ذلك كسره لمسيحيته؟ كيف يقدر أن يحمل السلاح ويحارب مع إطاعة: “أحبوا أعدائكم”؟ لكي يتمكن أوغسطينوس من ذلك، قام بعمل مجموعة من التمييزات المُهمة. مثلًا إن المسيحي لا يستقيم مع حب الحرب، ولكنه يحارب لو اضطرته الضرورة. لذلك، يُشرط إنه ﻻ يحب الحرب ولا يطلبها. الأمر الذي اختصره القرآن بعدها بقرنين: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ (سورة البقرة، الأية ٢١٦) القديس أوغسطينوس، أسقف هيبو، كتب “مدينة الله” ما بين عاميّ 413-426م في فترة ضعف روما، واستقبالها هجمات شرسه من الجرمان، الذين بالفعل دخلوا روما ونهبوها سنة 410م. السؤال المطروح أمام أوغسطينوس هو؛ كيف يستطيع المسيحي ممارسة العُنف دون أن يستلزم ذلك كسره لمسيحيته؟ كيف يقدر أن يحمل السلاح ويحارب مع إطاعة: “أحبوا أعدائكم”؟ لكي يتمكن أوغسطينوس من ذلك، قام بعمل مجموعة من التمييزات المُهمة. مثلًا إن المسيحي لا يستقيم مع حب الحرب، ولكنه يحارب لو اضطرته الضرورة. لذلك، يُشرط إنه ﻻ يحب الحرب ولا يطلبها. الأمر الذي اختصره القرآن بعدها بقرنين: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ ((سورة البقرة، الأية ٢١٦. )) ولكي يشرح أوغسطين فكره توافق حدوث الحرب مع رغبة المسيحي في السلام، حدد ثلاث معايير للحرب العادلة: (1) المشروعية، (2) الدافع، (3) الضرورة. المشروعية: تعني إن الحرب لا تُعلن إلا بشكل شرعي، وليس قرارًا يأخذه فرد أو مجموعه من تلقاء أنفسهم. ويضرب مثالًا بموقف المسيح من بطرس عندما رفع سيفه وضرب عبد رئيس الكهنة. المسيح منعه لأن بطرس لم يكن له مشروعية في أن يرفع السلاح بنفسه. الدافع: معني بالفرق بين الحرب كضرورة، وكشهوة، الضرورة: تعني أن تكون الحل الأخير والوحيد. في مثاله لفكرة المشروعية، يناقش أوغسطينوس أمر الله لإبراهيم بذبح اسحق. يقول أوغسطينوس أن الموقف هنا يحتوي على ٣ مكونات، الفِعل والفاعِل والسُلطة التي تشرَّع أو تجرَّم الفِعل . الفعل نفسه بدون السلطة الدينية كان سيبدو ضربًا من الجنون؛ شخص يقدم ابنه ذبيحة! ! لكن الفاعل أقدم على الفعل عندما جاءه أمر إلهي. حوِّل الفعل الشنيع إلى أمر مقبول أخلاقيًا حتى ولو لم يكُن مقبول عاطفيًا ((مسألة "العاطفة" ليست في اقتباس أوغسطينوس، لكنها إضافة مهمه للموضوع. )). وبالتالي تعريف الأخلاق هنا ليس ما تُجيزه العاطفة، لأنه من المؤكد أن  إبراهيم لم يكن سعيدًا وهو يقدم ابنه ذبيحه لله، ولكن الأخلاقي هو ما تُشرِّعه السُلطة العُليا. وهنا نصطدم بنقطه مهمه؛ ما الفارق بين منطق أوغسطينوس ومنطق الجماعات الإرهابية عندما تعلن أن فلان يستوجب القتل بالأمر الإلهي؟ ﻻ فارق، المبدأ هو بعينه، لكن فكرة أن هناك سُلطه عُليا تُجيز ما لا يُجيزه الحس الإنساني، سيتبعها بالضرورة أنّ الحس الإنساني نفسه متفاوت وليس به قواعد مُطلقة ولا تعريفات كامله للأخلاق. كل هذا قول صحيح، ولذلك فهي معضلة؛ لم ينجح أحد في حلها، لا أوغسطين وﻻ خصومه. نأتي لمسألة الرغبة. بحسب أوغسطينوس فمن المفترض أن الرغبة الأولى للمسيحي هي السلام، وأي حرب هي بهدف السلام بالأساس. لكنه يقول فقرة ((أوغسطينوس، أسقف هيبو، مدينة الله، الكتاب ١٩، الفصل ١٢. )) تجعل من هذه الفكرة معضلة جديدة: ... بالفعل، حتى حينما يختار الناس أن يشنوا حربًا لا يرغبون في شيء سوى الانتصار. من خلال الحرب إذًا يرغبون في تحقيق السلام بمجدٍ، فما هو الانتصار إلا إخضاع من يقاوموننا؟ وحين يحدث هذا يكون السلام. الحروب نفسها تشن بغيّة السلام، حتى حين يشنها هؤلاء المعنيين بممارسة قدراتهم الفائقة في القيادة والحرب. لذا، فالسلام هو غاية الحرب؛ لأن كل إنسانٍ يسعى السلام حتى حينما يشن حربًا، بينما لا أحد يسعى للحرب بالسلام. بالفعل حتى هؤلاء الذين يرغبون في قلقلة حالة السلام القائمة يفعلون هذا لا لكراهية السلام بل لرغبتهم في استبدال السلام القائم بسلام من اختيارهم هم. رغبتهم إذًا ليست أن يزول السلام، ولكن أن يتحقق السلام الذي يرجونه. وحين يفرزون أنفسهم عن الآخرين بالتمردِ، لا يمكنهم تحقيق مرادهم إلا بالتزامهم بنوع من السلام مع معاونيهم وحلفائهم. بالحقيقة حتى السُّرَّاق يرغبون في السلام مع رفقائهم، حتى وإن كان فقط لاقتحام سلام الآخرين بقوة وأمان. يمكن لأحد السُّراق أن يتعالى في القوة بلا مثيل، ولكونه مرتابًا في الآخرين لا يثق بمعاونيه، ولكنه يخطط لجرائمه ويرتكب سرقاته ويقتل وحده. حتى هو -بالرغم من ذلك- يُبقي على ظل السلام، على الأقل مع من لا يستطيع قتلهم، ومع الذين يرغب أن يُخفي أعماله عنهم. أيضًا يُعاني لإبقاء السلام في بيته، مع زوجته وأولاده وكل من هم له هناك... . كل البشر إذًا يرغبون في السلام مع خاصتهم، الذين يرغبونهم أن يعيشوا بحسب مشيئتهم. لأنهم يريدون أن يجعلوا حتى هؤلاء الذين يشنون الحروب عليهم من ضمن خاصتهم إن استطاعوا، وأن يخضعوهم بتطبيق قوانين السلام الخاصة بهم عليهم. (أوغسطينوس، مدينة الله، الكتاب ١٩، الفصل ١٢) المُشكلة هنا إن أوغسطينوس وضع المبدأ، ثم عندما قام بشرحه اتضح أنه مبدأ مطاط لدرجة الرماديّة. المفترض أن الإنسان يطلب السلام، لكن حينما نفكر في معنى السلام نجد أن أوغسطينوس يقول حتى الطُغاة والسُّراق يحاولون تحقيق السلام بمنظورهم هم. وهو اعتراف ضمني أن السلام عندك غير السلام عندي غير السلام عند هتلر! وهكذا يكون مفهوم السلام يتحول لمفهوم للحرب بهدف إخضاع الكل إلى أن يزول كل من نحاربهم، وما الطغيان المُطلق إلا هكذا! نأتي للمعيار الثالث في معايير أوغسطينوس؛ وهو معيار الضَّرورة. وكما المعياران اللذان سبقاه، فهذا المعيار أيضًا مطاط ونسبي جدًا. عند البعض، وجود شخص يدعو لفكر مُختلف عقيديًا، هو في حد ذاته أذى، وبالتالي، هذا الأذى يجب وقفه، ولو لم يتم إيقاف هذا الأذى سلميّا، فهذا في حد ذاته ضرورة للحرب، بل وضرورة مُشرَّعة أيضًا. إذن الضروري عندك غير الضروري عندي غير الضروري عند هتلر! ولو جاء من ينظَّر لضرورة الحرب على المُخالف في الاعتقاد وكان عنده تشريع ديني بالعُنف ، وكان هدفه إنه يُعيد السلام بإرساء اعتقاده لوحده ، وكان هدفه ﻻ يتحقق بالخطاب إذن فبمعايير أوغسطينوس كيف يمكن إيقافه؟ وبالتالي، بالرغم من أن أوغسطينوس حاول أن ينظّر بشكل مرتب لعلاقة المسيحي بالعنف، إلا أنه لم يستطع حل إشكالية سيولة المعاني. وعلى هذا، حتى المعايير التي وضعها أوغسطينوس واعتبرها معايير تتوافق مع المسيحية، هي نفسها معايير يمكن أن ينتج عنها راديكالية لا تختلف تمامًا عن أي راديكالية أخرى لها معتقد مختلف أو ليس لها كود أخلاقي من الأساس. --- ### لماذا نخشي المواجهة؟ - Published: ۲۰۲٤-۰۵-۰۷ - Modified: 2024-05-07 - URL: https://tabcm.net/21025/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, كتاب مقدس - وسوم: أسرار الكنيسة, بروتستانت, بيلاطس البنطي, قديس بولس الرسول, نيقوديموس نحن نتردد في التعامل مع أولئك الذين يحملون معتقدات مختلفة، حتى فيما يتعلق بالجوانب الأساسية لإيماننا، وعلى الرغم أن لدينا الكثير من ثوابت وأصول نرتكز عليها في مناقشة الآخرين لكن لم نتعلم في كنائسنا الأرثوذكسية إدارة هذا الاختلاف نميل نحن مجتمع الأقباط  الأرثوذكس دائمًا إلى تجنّب المواجهة، وهي حقيقية واقعة يحاول البعض التقليل من أهميتها بحجة البساطة في التعليم، أو اهتم بخلاص نفسك، وعبارات أخرى من هذا القبيل! ! نحن نتردد في التعامل مع أولئك الذين يحملون معتقدات مختلفة، حتى فيما يتعلق بالجوانب الأساسية لإيماننا، وعلى الرغم أن لدينا الكثير من ثوابت وأصول نرتكز عليها في مناقشة الآخرين لكن لم نتعلم في كنائسنا الأرثوذكسية إدارة هذا الاختلاف. غالبًا ما تغرس تربيتنا فينا الاعتقاد بأن أي شخص خارج تقاليد ديننا هو أقل شأنًا إلى حد ما، دون أن نفهم حقًا وجهة نظره. بل لقد تربينا علي أن من يختلف معي في العقيدة سواء بروتستانتي أو كاثوليكي فهو في الآخرة من الخاسرين، لأنة ببساطة لا يتبع الإيمان المستقيم الذي نتبعه نحن. لقد أعاقت هذه العقلية الضيقة قدرتنا على الدخول في حوار هادف واستكشاف أعماق إيماننا، وإذا سألت هذا الشخص ما هو الإيمان المستقيم ستجد قشور  وسطحية في الكلام، وإذا كان من المثقفين أو من الخدام في الصف الأول قد يذكر لك أسرار الكنيسة  التي لا يكاد يعرف تاريخ أسرار الكنيسة في أيّ قرن من القرون الـ21 تم اعتماد أسرار  الكنيسة  السبعة، وهل كانت سبعة أسرار أم اكثر؟! ليس لدي أي رغبة في الخوض في تاريخ الكنيسة المعقد في هذه اللحظة. بدلًا من ذلك، دعونا نعيد التركيز على جوهر المسألة المطروحة ألا وهو نقاش المتعلمين، أو المستنيرين المحنكين الناضجين بالأحرى، لابد من مواجهة أنفسنا نحن الأقباط  الأرثوذكس أننا لا نقبل الرأي الآخر و لا نحب أن نسمع رأي مخالف لنا. نحن في كثير من الأحيان نقاوم وجهات النظر البديلة ونشعر بعدم الارتياح تجاه الآراء المخالفة، ونعتبر أي اعتبار لها بمثابة مساومة على إيماننا. نحن نميل إلى النظر إلى وجهات النظر المختلفة على أنها معيبة بطبيعتها، بينما نتمسك بقناعاتنا الخاصة باعتبارها صحيحة بلا شك. إذ نعتبر حتي سماع الرأي الآخر هو نوع من مشاركة الآخر في إيمانه أو عقيدته، ونعتبر أن الآخر هو خطأ مطلق ونحن هو الأصح المطلق! في كلمات إنجيل يوحنا الخالدة، سأل بيلاطس البنطي يسوع: ما هو الحق؟ ((يوحنا ١٨: ٣٨ )). لم يكن بيلاطس يعلم أن يسوع قد أجاب بالفعل على هذا السؤال قبل أن يطرحه عليه بيلاطس، إذ في الآية التي تسبق هذا السؤال سأله بيلاطس أفأنت إذا ملك؟ أجاب يسوع قائلًا: لهذا قد ولدت أنا، ولهذا أتيت إلى العالم لأشهد للحق. كل من هو من الحق يسمع صوتي. ((يوحنا ١٨: ٣٧ )). الحقيقة، كما كشف الرب يسوع، ليست مفهومًا أو مجموعة من القواعد، الحق ليس وصية أو عقيدة أو شرائع وأحكام بل هي حضور حي، الحق هو شخص. أولئك الذين يتناغمون مع الحق سوف يسمعون صوت يسوع، لأن الحق متجسد في شخص. ومع ذلك، مثل بيلاطس وقيافا، كثيرًا ما نفشل في إدراك الحق الذي يقف أمامنا، ونختار بدلًا من ذلك التشبث بمفاهيمنا الخاطئة. وهكذا نحن لا نعطي مجال  للمناقشة والانصات ونظن إننا نحتكر كل الحق المطلق، رغم أنه في إيماننا الراسخ بالله اللامتناهي، يجب علينا أن نعترف بكل تواضع بحدودنا ونقاوم إغراء المطالبة بالملكية الحصرية للحقيقة المطلقة. عندما نتأمل في عمق واتساع قوة الله وحضوره، نتذكر عدم أهميتنا بالمقارنة. لأن الله فوق كل الحدود، محيط بالسماوات والأرض، وجلاله يفوق فهمنا ((سفر أيوب ١١ : ٧-٩ )). أإلى عمق الله تتصل، أم إلى نهاية القدير تنتهي؟ هو أعلى من السماوات، فماذا عساك أن تفعل؟ أعمق من الهاوية، فماذا تدري؟ أطول من الأرض طوله، وأعرض من البحر. (سفر أيوب ١١ : ٧-٩) وكما أن السموات والأرض له ((سفر المزامير ٨٩: ١١ ))، كذلك نحن له، خالقنا وحافظنا. وهو في عظمته يزين نفسه بالنور ((سفر المزامير ١٠٤ : ٢-٣ ))، ويتحكم في العناصر، ويتحرك مع الريح. والحقيقة أننا ما نحن إلا جزء صغير من خلقه الواسع العجيب. لك السماوات. لك أيضا الأرض. المسكونة وملؤها أنت أسستهما. (سفر المزامير ٨٩ : ١١) اللابس النور كثوب، الباسط السماوات كشقة. المُسقف علاليه بالمياه. الجاعل السحاب مركبته، الماشي على أجنحة الريح. (المزامير ١٠٤ : ٢-٣)   هذا المقال بمثابة دعوة إلى الانفتاح الذهني، وبوق في أذن من يغلق أذنيه عن السمع لما يخالف رأيه وموروثاته، وهذا البوق ليس لنا نحن الأقباط الأرثوذكس فقط بل للجميع سواء كانوا إنجيليين أو كاثوليك أو حتي مسلمين، تذكير بأن الإيمان ليس شيئًا موروثًا، بل هو رحلة اكتشاف شخصية. إنه يتحدى القراء للتشكيك في مسلّماتهم الموروثة والنظر في الجوهر الحقيقي لكونك مسيحيًا، وكما يقول الرسول بولس إذا الإيمان بالخبر، والخبر بكلمة الله. ((رومية ١٠ : ١٧ ))،  فكل من ولد في بيت مسيحي ليس مسيحيًا بالوراثة، فإن لم تدرك إنك ولدت ثانية ولادة جديدة فأنت لست مسيحيًا، وإلا فأنت تسأل الرب يسوع نفس سؤال نيقوديموس كان إنسان من الفريسيين اسمه نيقوديموس، رئيس لليهود ... قال له نيقوديموس: «كيف يمكن الإنسان أن يولد وهو شيخ؟ ألعله يقدر أن يدخل بطن أمه ثانية ويولد؟» ((يوحنا ٣ : ١-٤ )). --- ### مطرب وممثل وحرامي.. البداية! - Published: ۲۰۲٤-۰۵-۰٦ - Modified: 2024-05-05 - URL: https://tabcm.net/21217/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: أرض النفاق, أولاد حارتنا, عمر كمال, محمد صبحي, نجيب محفوظ, يوسف السباعي انتشر مقطع فيديو قصير مؤثر للمؤدي الناجح للمهرجانات الشعبية "عمر كمال"، يحكي فيه عن طريقه في الحياة المهنية، لمدة 15 عامًا، الذي بدأه في العمل بأقل المهن أجرًا، مثل عامل مبيعات بمحل أحذية في الريف، عانى فيهم الفقر المدقع إلى أن أصبح يكسب الآن عدة ملايين من الجنيهات سنويًا. https://www. youtube. com/watch? v=rCG1hfSj33s وكالعادة رد كثير من المتألمين على حالهم في مصر والراضين قسرًا بنصيبهم والمتصنعين القناعة على "عمر كمال" بسيمفونيات مفخمة من التنظير والتصنع وادعاء المثالية والفضيلة، تُنكر عليه الشعور بالانتصار أو "بالوصول" وحنقهم من عدم وصولهم مثله بالرغم من سعيهم العبثي في ميدان وظائف (المبيعات، خدمة العملاء، الحسابات، قيادة سيارة الأجرة عبر تطبيق "أوبر"! ) أو تقريبًا نفس الميدان المهني الذي كان يرزح تحته عمر حتى عام 2016. أكثر الله من خيرهم تبرعوا بتلقينه -عبر فيسبوك- دروسًا ثمينة للغاية في الأخلاق والفضيلة، ليستفيق وليصحح مساره الحياتي القذر وأن يترك أعماله الرديئة وطرقه المعوجة، وأن يقتدي بهم وبأمثالهم من الأطهار والطوباويين من "المجاهيل" المكافحين والواقفين تحت الشمس المحرقة بالطوابير أمام المجمعات الاستهلاكية متشبثين ببصيص الأمل لاقتناص دجاجة مجمدة وعلبة شاي صنفرة! المتألمون على حالهم في مصر وأدعياء المثالية يظنون، وبعض الظن إثم، أنه يقدم محتوى آثمًا وذميمًا ومكروها عند الله ورسوله، في حين هم -بسم الله ما شاء الله من أهل الله- من أصحاب الإيمان والخلق القويم من خريجي مدرسة "يوميات ونيس" التلفزيونية ذات النزعة الأخلاقية الفوقية لناظرها إمبراطور الفن النظيف الهادف المحترم جدا الملك "محمد صبحي" الأول والأخير! على مدار خمسين عامًا ونيف سمعنا فيهم -وما زلنا نسمع- نفس تلك الأسطوانة المشروخة من أصحاب الإيمان العميق والخلق القويم إياهم: الحرامي! بالتأكيد هو حرامي! أمه جايبهاله! وأبوه برضو حرامي! أكيد من البودرة! هو كدا المطربين، والرقّاصات، كدا يا باشا! " تفسيرًا وتبريرًا لثراء الآخرين من نجوم الفن أو الرياضة أو التجارة (وحاليًا الإعلام التلفزيوني) غير مبرر في نظرنا، كما لو أنه لا يوجد ما يقنع المصريين بأن يركب الإنسان في مصر سيارة فارهة دون أن يكون متورطًا في الحرام ومنخرطًا في الفساد، خاصة إذا كان شابًا في الثلاثينيات أو أصغر! ولسبب ما أيضا لا يفهم كثير مننا -خاصة من أصحاب الإيمان العميق والخُلق القويم- أن من حق أي شخص ثري مما يركبون سيارات فارهة وهم شباب في الثلاثينيات، عدم التبرع بماله لمساعدة الآخرين -وفي العلن- حتى تنفذ نقوده عن أخرها، إلا إذا أراد ذلك الله، وإلا سيعتبر بخيلًا أو فاسدًا أو يتظاهر بالثراء على الرغم من فقره، إضافة طبعًا لكونه مؤدي مهرجانات "حقير" يغني خلف الراقصات وبين زجاجات الخمور والميسر و... و... كمْ من هؤلاء الإصلاحيين المزعجين والجاهزين دائمًا لتلقين الآخرين دروسًا في الأخلاق والفضيلة، مستعدون فعلًا لرفض الثراء لو جاءهم على طريقة "عمر كمال"؟ القليل جدًا، وربما سيكونون أسوأ بكثير من الأشخاص الذين ينتقدونهم! كان الأديب الكبير "نجيب محفوظ" يردد في رائعة "أولاد حارتنا" مقولة رائعة ألا وهي "آفة حارتنا النسيان"، إلا أنني كنت غير مقتنع أبدًا بها كالآفة الأصلية في "حارتنا"، ذلك الحالي الذي يعج بأصحاب الإيمان العميق والخلق القويم من الإصلاحيين أصحاب عبارات "استر على ولايانا يا رب" و"حسبنا الله ونعم الوكيل" في تعليقات "فيسبوك"... لا... كنت أميل أكثر إلى رأي الأديب الكبير "يوسف السباعي" أن أرضنا أو حارتنا هي "أرض النفاق" كما سماها في إحدى رواياته!  وقد أزيد السباعي من الشعر بيتًا، أننا أراض الرياء والادعاء والتمثيل و"الاستعباط" و"الاستنباط"، وليس النفاق فحسب! نرى مثلًا أن السواد الأعظم من تعليقات أصحاب الإيمان العميق، والأخلاقية المسرحية القديمة والمستهلكة -التي تسترعي أنظار وآذان النساء العجائز في البيوت والمراهقات في الريف المصري- من منشورات الشبكات الاجتماعية، صادرة من ممثلين درجة ثالثة مجهولين وموجودين بيننا، يصورون أنفسهم على أنهم أخلاقيون وإصلاحيون، تنهش قلوبهم الغَيْرَة والحقد والحسد والغل من حرمانهم من المال الوفير والصيت الذائع، ويحلمون بفساد عمر كمال هذا، ولكنه بعيد المنال لسوء طالعهم! أصحاب الخلق القويم هؤلاء هم اليوم أكثر الخلق اشتياقًا لاحتراف الوقوف على منابر الوعظ طمعا في الهيبة والتقدير التي لن ينالونها في مساعيهم المهنية اليومية، التي يؤسفني القول إنها غير مجدية ماديًا ولا تشكل قيمة مضافة حقيقية ولا مختلفة تستحق أن ينفق عليها أي رب عمل سواء كان جزءًا من الدولة أو من الأفراد. أصحاب الخلق القويم من جماعة الطوباويين والأخلاقيين الذين لم يحققوا شيئًا بحياتهم، دومًا جاهزين لإتحافنا بدروس يتلونها على أي شخص حقق مالًًا أو شهرة لا يستحقها بميزان أخلاقيات المكافحين الشرفاء من صناع الشطائر أمام أسياخ الشاورما، والصرافين أمام خزانة متاجر الآيس كريم، والسائقين خلف عجلة قيادة سيارات الأوبر، والمندوبين خلف سماعة الكول سنتر! احترم كل هؤلاء وأقدرهم لكن مطلوب مننا جميعا احترام بعضنا، بلا مواعظ ولا مزايدات! ونستكمل الجزء الأخير من حديثنا الأسبوع المقبل إن كان في العمر بقية. . صديقي القارئ المؤمن:  لا تذهب بعيدًا! --- ### القيامة والخليقة الجديدة - Published: ۲۰۲٤-۰۵-۰۵ - Modified: 2024-05-05 - URL: https://tabcm.net/20445/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: آدم, إفخارستيا, الأب متى المسكين, الحق الإلهي, الشيطان, سر المعمودية, قديس بولس الرسول, مجلة مرقس "القيامة والخليقة الجديدة" كتاب بقلم الأب متى المسكين، نُشر أوّل ما نُشر في مجلة مرقس، عدد أبريل ١٩٨٠، الصفحات من ١ إلى ١٥ لما قام المسيح من بين الأموات، قام بجسده هو هو، ولكن في وضعه الجديد الذي لا يسود عليه اللوت بعد كنموذج كامل للخليقة الجديدة. هو ليس من الخليقة الجديدة، ولكن الخليقة الجديدة منه، هو خالقها في نفسه من أجلنا لكي يمنحها لنا بالميلاد الجديد بالروح القدس في سر المعمودية، فكما وهب لنا آدم خليقته الميتة بالتناسل بالميلاد الشهواني، هكذا وهب لنا المسيح بشر يته الجديدة لتكون خليقة جديدة لنا بالنعمة لحياة لا يقوى عليها الموت. الخليقة الجديدة مبتدئة منه، وقد أخذت بدايتها الأولى فيه، ولكنه كان هو قبلها وقبل كل خليقة، فهو كلمة الله الخالق مع الآب منذ البدء. فالخليقة الجديدة به قامت، ومن أجله أيضا تقوم وتنتهي دائمًا ‏إليه، لأنه هو رأسها وكلها أعضاء فيه. الإنسانية الجديدة خُلقت في المسيح وبالمسيح، وعُرفت بالقيامة من الأموات، ووُجدت منظورة ومحسوسة لكثير ين، مع أنها كانت مخفية في الله مخلوقين في المسيح يسوع ((رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس ٢ : ١٠ ))، كما اختارنا فيه قبل تأسيس العالم ((رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس ١ : ٤ ))، وستبقى مخفية عن العالم لا تُرى إلا بعين الله، ولكل عين ترى بعين الله لأن هذا سر المسيح الذي في أجيال لم يُعرف به بنو البشر كما قد اعلن الآن لرسله القديسين وأنبيائه بالروح ((رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس ٣ : ٤-٥ )). ومع أننا نلنا بالفعل هذه الخليقة الجديدة، وقد خُلقنا من جديد إذ صرنا شركاء في الجسد بالإيمان بالقيامة من الأموات وبالاعتماد للمسيح، إلا أن هذه الخليقة بكل مواهبها باقية جنبا إلى جنب مع الخليقة العتيقة، جسد الخطية. غير أن الخليقة الجديدة محسوبة وحدها أنها هي الحق والنور والحياة، أما العتيقة فهي مجرد كيان ينحل ويفنى مع الزمن، وكأنما يسير وراءنا في العالم عبر الزمن كخيال لحقيقة أخرى أعلى منها بلا قياس، تسير أمامنا ونحتويها في أعماقنا وهي بعينها المسيح المقام... ملكوت الله داخلكم، أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر ((لوقا ١٧ : ٢١ ومتى ٢٨ : ٢٠ )) ولسان حال هذه البشرية الجديدة يقول مع بولس لا أحيا أنا بعد بل المسيح يحيا فيَّ ((رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية ٢ : ٢٠ ))! ! والخليقة العتيقة فينا -هذه- ماضية -بحسب أصلها الترابي- في كسرها لنواميس الله، جنبًا إلى جنب مع الخليقة الجديدة التي ليست تحت ناموس بل تحت نعمة، معها الله، وفيها الله ولله تحيا وتسبح. الأولى تتغذى على ‏الكبر ياء وتنحل بالشهوة وهي في ذاتها تحت عبودية الزمن وتسير معه نو الفناء، أما الثانية فتتغذى بكلمة الحق فتتغير من مجد إلى مجد، وتتجدد كل يوم متحدية الزمن وتسير بثبات نحو الخلود نحو المصدر الذي يغذيها، وتتعلم منه في كل شيء لتصير معه كل حين. الخليقة الجديدة هي الصورة الحية لحب الله الفائق ولرحمته المطلقة، لأنه إن كان الله قد خلق الخليقة الأولى من العدم كبرهان قدرته على كل شيء، فإنه خلق الخليقة الثانية من عمق الخطية والموت كفعل حب لرحمة فائقة هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية ((يوحنا ٣ : ‎١٦ )). الخليقة الأولى ورثناها بالجسد ومعها الخطية وناموسها الحاكم بالإعدام (بالخطية ولدتني أمي)، أي أن لعنة الموت كائنة في أعضائها. والخليقة الثانية ورثناها بالنعمة (بالمعمودية)، عندما دفنا معه للموت وقمنا أيضا معه وفينا قوة القيامة ومجد الحياة الأبدية كائنة في صميم خلقتنا الجديدة التي اعتُبرت أعضاؤها آلات بر! ! الخليقة العتيقة نمثلها نحن أحسن تمثيل، حينا نقدم على اقتراف الخطية بمحض إرادتنا وبالتعديات كل يوم. أما الخليقة الجديدة التي فينا فيمثلها المسيح عنا وفينا، وهو نفس المسيح القائم عن يمين الله الذي يشفع فينا كل حين فننال به المصالحة التامة مع الله. ‏بالخليقة العتيقة وأعمالها التي نعايشها بإرادتنا يضطرب سلامنا دائمًا، ونُوجد عراة أمام الله حينما نقف للصلاة وكأنه لا رجاء لنا! ! وبالخليقة الجديدة التي نحسها في أوقات التوبة والندم في أعماقنا بالنعمة، ونزكيها بالصلاة والمحبة، يتجدد لنا سلام مع الله، ونفتخر في هذه اللحظات على رجاء مجد الله، حينما نرفع أعيننا نحو السيح القائم ممثلًا عنا لدى الله الذي فيه كل الكفاية أن يجعلنا في حالة صلح وسلام، ومن يوم إلى يوم نخلع العتيق لنلبس الجديد الذي يتجدد فينا على صورة خالقنا، نتحرر من الخطية ليملك علينا بر المسيح. إن الشك الذي ينتابنا أحيانا من صدق وجود إنسان جديد فينا أو ميلاد حديد أو خلقة جديدة تعمل فينا، يرجع أولًا إلى أننا نكون قد سهلنا للإنسان العتيق أن ينشط أكثر من حدوده! ! ، وثانيًا إلى أن طبيعة الخليقة الجديدة لا نحسها لأنها تختلف تمامًا عن طبيعة الإنسان العتيق، فهي غير محسوسة ولا منطوق بها. يكفي في البداية أن نثق بصدق مواعيد الله وفعل النعمة الكائن في الأسرار ونتقبل ببساطة وإيمان حيّ عمل الله فينا حتى يكون لنا هذه الخليقة. فالخليقة الجديدة ليست عملا من أعمالنا حتى نحسه، أو طبيعة مشابهة لطبيعتنا حتى نتحسسها أو نفهمها، ولكنها عمل الله الجديد فينا، والجديد جدًا الذي ليس فيه أي شيء مشترك مع العتيق، المسيح نفسه يمثلها تمثيلًا كليّا أمام الله. فنحن جميعًا -كل من وُلد من الله- نعيش في المسيح، أي في بنوة واختيار حالة مصالحة ووجود أمام الله بلا لوم -بسبب المسيح- هذا هو المجد الموهوب لنا مجانا. الخليقة الجديدة لا يكشفها ولا يعلن عنها بوضوح إلا روح المسيح الناطق فينا والشاهد لضمائرنا، وذلك بمقدار شركتنا اليومية بالموت مع المسيح بالروح في السلوك حتى نظهر بطبيعة الحياة الجديدة حتى كما أقيم السيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضًا في جدة الحياة ((رومية ٦ : ٤ )). لأنه إن كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته نصير أيضًا بقيامته ((رومية ٦ : ٥ )). والخليقة الجديدة إذا أُعطيت فرصًا قوية بالصلاة والالتصاق بالكلمة لتعيش مع المسيح، فإن المسيح يعلن نفسه فيها أو بواسطتها أكثر فأكثر. الخليقة الجديدة لا نستطيع أن نخلقها نحن لذواتنا، فهي من فوق أما نحن فن الأرض. ولا نستطيع أن ننميها بقدراتنا الذاتية أو نعلنها بأعمالنا أو نبرهن عليها بأقوالنا، لأنها حق، والحق ينمو بكلمة الله فقط وبسر نعمته الفائقة، فالله وحده هو الذي يكشفها ويعلنها ويصدّق على وجودها لنا وللناس كعمل من أعماله الخاصة لأننا نحن عمله. إنها ستبقى إلى الأبد سر المسيح المخفي فينا، بالرغم من أننا سنتحول إليها في النهاية كلية، ونُستعلن فيها لقد مُتّم وحياتكم مستترة مع المسيح في الله، ومتى أُظهر المسيح حياتنا فحينئذ تُظهرون أنتم معه أيضًا في المجد ((كولوسي ٣ : ٣ )). ‏ الخليقة الجديدة هي الجزء الناطق بالحق فينا الذي من الله والذي يشهد بالحق لله تمامًا، لذلك هي أعلى من كل قدراتنا لأن كل قدراتنا هي دون الحق أنا قلت في حيرتي إن كل الناس كاذبون ((مزمور ٣١ : ‎٢٢ )). الله لم يشأ بعد السقوط أن يبقى كيان الإنسان بعيدًا عن الوجود الإلهي، أو متغربًا عن الحق الإلهي إلى الأبد، لقد عاد وأشركنا في وجوده الحقيقي هذا عندما تجسد، والتحم البشري بالإلهي لحسابنا، وعندما سلمنا اللاهوت في سر الجسد والدم لنأكله، وعندما قام من الأموات، ونفخ فينا من روح قيامته، وجعل وجوده وراحته وسكناه فينا ليحل المسيح بالإيمان في قلوبكم ((أفسس ٣ : ١٧ )). ‏ هكذا تغير كياننا ولا يزال يتغير كل يوم لتأخذ الخليقة الجديدة فينا ملء وجودها في الله بالتغير الدائم، من الظلمة إلى النور، من حياة حسب الجسد إلى حياة حسب الروح. ولكن قوتنا الجديدة تبقى دائمًا مع كل مواهبنا الجديدة مخفية ومستترة في المسيح شخصيًا، الذي يحيي خلقتنا الجديدة ويوجدها من العدم. وهكذا بقدر ما نستعلن المسيح المصلوب والقائم من الأموات بالمعرفة عبر الكلمة و بالخبرة عبر السر نستعلن أنفسنا، وكلما تعرفنا على حقيقة المسيح تعرفنا على وجودنا وعلى الحق الذي فينا، وكلما شهدنا للمسيح وأعلتاه كلما ظهرت قوته الفعالة ونعمته المستترة فينا! !  فالمسيح كخبرة عشرة وحياة، يكون في البداية تذوق بديع للمصالحة التي تمت بيننا وبين الله، نحسها في حركات تقديس إنساننا الجديد عند بدء التوبة، وبالنهاية يصير مجدنا وإكليل حياتنا بالحق، فكياننا الجديد كله منه نحن أعضاء جسمه من لحمه وعظامه ((أفسس ٥ : ٣٠ )). وإن كان ليس الجميع يستطيعون أن يشهدوا له، ولكن كل من هم للمسيح هم المسيح بكل ماله، وميراثهم ونصيبهم باق لهم، مستتر ومخفي عن عيونهم إلى يوم استعلانه، كالجنين الذي يخرج من بطن أمه فجأة ! ! ولكن السؤال الذي يحيّر القلوب ويطرح اليأس أحيانا على تفكيرنا هو : ولماذا بعد نخطئ... ؟ أو كيف وبعد هذا كله، وفي صميم الخليقة الجديدة نخطئ؟ وما هي نتيجة الخطية هنا؟؟ هنا الإجابة جديرة بالانتباه، فالخطية التي تُعرض على الإنسان الجديد والتي تواجه هذه الخليقة الجديدة القائمة من الأموات لا تنبثق من كياننا بعد، كطبيعة، بل كصراع ضد طبيعتنا الجديدة! ! فالإنسان، مهما كان وحتى ولو كان في أوج حياته الجديدة، فهولا يزال معرضًا أن يثور ويغضب ويحقد ويكذب ويشتهي. كل هذا لا يحسب أنه ثمرة للطبيعة الجديدة، بل هو نتيجة للصراع الدائر ببن القديم والجديد المتطور دائمًا لحساب الله لأن الجسد يشتهى ضد الروح والروح ضد الجسد وهذان يقاوم أحدهما الآخر حتى تفعلون ما لا تريدون ((غلاطية ٥ : ١٧ )) هنا مطلوب من الإنسان نفسه أن يتولى مهمة إدانة نفسه حتى لا يقع تحت دينونة الله لأن كيانه الحق والجديد «الخليقة الجديدة» الذي تسلمه من الله مطالب أن يعمل عمل الله تمامًا، الإنسان هنا يدين نفسه ويحكم على ذاته ويوبخ ويعنّف ويعاقب لو كنا حكمنا على أنفسنا لما حُكم علينا ((كورنثوس الأولى ١١ : ‎٣١ )) ((هنا سر الاعتراف وتقرير التوبة وقبول قانون يتناسب مع الخطيئة يعتبر عملًا من أعمال حفظ الخليقة الجديدة. )) هنا الإنسان، وهوفي عمق المذلة وهو واقف يحاكم ضميره ويصدر على نفسه حكم دينونة بلا رحمة، لا يزال هو هو نفسه قائمًا أمام الله في حالة صلح وصفح وتبرير بواسطة المسيح الذي يشفع فيه ويحامي عنه ويكفّر... ! هنا دينونة الإنسان لنفسه هي بعينها برهانقيام وجود صوت الحق وناموس القداسة والبر ساكنا في أعماق خلقته، حيث يحاصر الخطيئة في الضمير الصالح ويضعها موضع الملامة الشديدة ويفرزها كعمل غير منسجم مع الطبيعة الجديدة، وهذا بحد ذاته يكون توطئة لقبول براءة المسيح القائمة على دينونة مماثلة لنفس الخطيئة، سبق فدفع المسيح عنها بالكامل من دمه الذي قدمه بروح أزليّ ((عبرانيين ٩ : ‎١٤ ))، بحيث إذا لم يكن هناك دينونة وملامة من الضمير على أعمال الخطية والتعدي يكون هذا برهانًا واضحًا على عدم غسل الضمير بعد برش دم المسيح من الأعمال الميتة، كما يشير صراحة أن إنسانًا مثل‏ هذا قد بدأ يملّك الخطيئة على أعضائه المائتة مرة أخرى. على أن وجودنا في المسيح ووجود المسيح فينا، حقيقة لا يمكن أن تُستعلن إلا بالخبرة الحية، ولا تنمو إلا بمعرفة السيح في ذاته، هذا الوجود يختلف تمامًا عن وجودنا الشخصي المادي، هو وجود آخر. ودخولنا في بداية الخبرة العملية بوجود المسيح وتذوقنا معرفته وحصولنا على تدخله في حياتنا ينشئ فينا وفي الحال إحساسًا بوجود آخر لنا (الخليقة الجديدة)، وجود أعلى من وجودنا، ولكنه لا يكون ملكا لنا بل يكون ويظل دائمًا مستمدًا من المسيح وقائمًا فيه الذين ينقادون بروح الله فأولئك هم أبناء الله ((رومية ٨ : ١٤ )). ‏ ليس الجميع قادرين على الدخول في هذه الخبرة العملية في بادئ الأمر، ولا جميع القلوب مستعدة للتعرف على وجود المسيح الذي فيها بسرعة، لأن اكتشاف وجوده وعمله إنما هو بلوغ التخصص في العلاقات مع المسيح، فالمسيح قد يكون موجودًا وعاملا، ولكن غير منكشف. أما الذين أدركوا وجود المسيح فيهم فهؤلاء هم الذي تعيّنوا أن يقودوا الصفوف وانفتحت أعينهم وآذانهم للشهادة ولتطمين الذين أخذوا المسيح ولم يدركوه بعد بالإحساس. إذن يكفي أن نعيش في تواضع سر المسيح إذا لم نستطع أن نعيش جهارًا في استعلان مجده، حتى يحين الوقت الذي نراه وجهًا لوجه وقلبًا لقلب. ولكن ليس معنى هذا أن معرفة السيح والإحساس به وبلوغ برهان وجوده معنا أمر شاق أو عسير أو كأنه موهبة عالية خاصة، فالمسيح متواضع، ومفتاح الدخول إليه والتعرف عليه هو من هذه الصفة ذاتها، فكل تواضع حق وكل خضوع حق وكل انقياد صادق للروح القدس، كفيل أن يوصلنا إليه لنعيش معه، أما هذا التغيير فهو في مضمونه الكلي تغيير من حياة حسب الجسد لحياة حسب الروح. أي يلزمنا أن نكون مستعدين لتغيير صميمي في استخدام حواسنا كلها من مستوى التراب واللحم والدم إلى مستوى الروح. يلزمنا أن نكون مستعدين منذ البدء أن نعيش في آخر -أي في المسيح- ولا نعيش بعد في أنفسنا. يلزمنا أن يكون المسيح هو موضوع معرفتنا التي تستنفذ اهتمامنا في الحياة حتى يتم التحول والانتقال من حياة تدور حول ذواتنا -أي وجودنا الذاتي- إلى حياة تتمركز في مصدر وجودها الحق، أي المسيح... ! وننبه جدًا أنه يلزمنا أن نستسلم لقيادة المسيح الخفية لعبور مضايق حرجة كثيرة حتى نتخلص تمامًا من قيادة الذات المضللة وارتباطاتها الشديدة بأمجاد وشهوات الأرض والناس واللحم والدم والعالم، ثم يتحتم الاحتراس أشد الاحتراس من عمليات التزييف أي تزييف الممارسات الدينية والروحيات لإقناع الإنسان بالاكتفاء، وهكذا ينجح الشيطان في سد الطريق أمامنا عن التغيير الضروري والحتمي اللازم لنا. أما كل هذه الاستعدادات فهي ليست عسيرة على المتواضعين الذين اشتهوا الحياة مع المسيح وخدمته والشهادة له، خصوصا إذا وضعنا في اعتبارنا أن المسيح موجود بالفعل فينا ونحن جميعا أخذنا من ملئه ملئًا ومن وجوده فينا وجودا جديدًا لنا حيا فعالا، فالدعوة لاكتشاف وجود المسيح وملئه ليست أكثر من اكتشاف حقيقة قائمة في صميم حياتنا ووجودنا، ونحن فقط تائهون عنها... ! كيا ينبغي أن نعرف أن وجود المسيح فينا وحصولنا على الملء الجديد، الذي هو وجودنا الآخر، وحياتنا الأبدية وخلقتنا الجديدة وميراثنا السماوي، كل هذا هو عمل المسيح وليس عملنا نحن لأننا نحن عمله مخلوقين في المسيح يسوع لأعمال صالحة قد سبق فأعدها لكي نسلك فيها ((أفسس ٣ : ١٠ )). ‏ لقد أكمل المسيح كل متطلبات خلقتنا الجديدة بشخصه في نفسه وبنفسه، بكل حكمة وفطنة وبكل معاناة حق سفك الدم، لكي يجمعنا جميعًا في ذاته بلا أي مانع أو صعوبة من جهتنا. يكفينا أن نؤمن فنجده، ويكفينا أن نرجوه فيفتح أعيننا، ويكفينا أن نحبه فنراه داخلنا ونرى أنفسنا فيه... ! لذلك ينبغي أن ندرك الأمور الآتية: أولًا: إن كل صعوبة قائمة أمامنا تمنعنا من الاتحاد بالمسيح وقبول وجودنا فيه وأخذ خلقتنا الجديدة منه لحياة جديدة، هي صعوبة وهمية قائمة على تشبث الذات بوجودها القديم متعللة بعلل الخطية. أي أن الذات تتهرب من الموت الإرادي حتى لا تقبل المسيح كوجود آخر بديل لها، لذلك تتمسك بالخطية باعتبارها فرصة وعلة كافية لتبعد الإنسان عن المسيح، وعلة كافية حسب المنطق العتيق أن تحرم الإنسان من الحياة الأخرى، وبذلك تتحاشى الموت الإرادي لتبقى هي بدل المسيح! ! وهنا يلزمنا أن ننتبه إلى هذه الحقائق: أ- إن موت المسيح رفع عنا حكم الموت، إذن مجرد وجود المسيح فينا (بالمعمودية والتناول) هو عملية تبرير وفداء ومصالحة، حيث تفقد الخطيئة سلطانها المميت (ناموس الخطية القتال والفعال في الأعضاء)، وتصبح الخطية بمثابة تأديب وتوبيخ مستمر تعمل لحساب الانتقال من حياة حسب الجسد لحياة حسب الروح، يرفع أثرها بالتوبة والندم مع العقوبة المناسبة حسب رأي الكنيسة. ولكن لا ترقى الخطية قط إلى حكم الإعدام! ! ب- إن جسد الخطية الذي تركزت فيه اللعنة والموت والذي تمثله الآن الذات البشرية المنعطفة نحوه، قد صُلب فعلًا مع السيح ومات وتم فيه حكم الموت واللعنة على الصليب عالمين هذا أن إنساننا العتيق قد صلب معه ليبطل جسد الخطية كي لا نستعبد أيضًا للخطية ((رومية ٦ : ٦ ))، فأصبح لا أثر لوجود اللعنة فيه بالنسبة للإنسان الجديد، بل لو توخينا الدقة الروحية لاستطعنا أن نقول أنه ‏بمجرد حصول الإنسان على الخليقة الجديدة بوجود المسيح فينا، يصبح الإنسان العتيق ليس إلا جسدا ميتًا بالنسبة للمجال الروحي الجديد، لأن ناموس لعنة الموت متوقف عن التأثير الفعال فيه بل وصار الجسد ميتًا أيضًا؛ أي أنه قد استكمل عقوبة الموت فعلًا وصار بلا قيمة من جهة تهديد الشيطان، فالخطية التي وإن كانت لا تزال تعمل فيه فهي لا تملك أن تهدده بالموت الأبدي أحيا لا أنا بل المسيح يحيا فيَّ ((غلاطية ٢ : ٢٠ )). ‏ أي أن الإنسان العتيق لم يعد له الوجود الفعال بالنسبة لفقدان سلطان الخطية القاتل فيه،  لأن الذي ماتقد تبرأ من الخطية ((رومية ٦ : ‎٧ )) وعوضا عنه يحيا الإنسان الجديد في المسيح وبالمسيح. والقبر هو نهاية هذا الجسد فالقبر هو معموديته الأخيرة الحتمية الذي يموت فيها بالفعل بكل ما فيه وله، حيث يفقد آخر ما تبق منه من عيوب وخطايا بعد فداء الصليب، وفي النهاية يقوم ليأخذ كيانه الجديد بالقيامة، لكي يكون على صورة جسد المسيح. ج- نحن الآن لا ننتظر أي حكم بالموت بعد أن ولدنا الله ثانية بقيامة السيح من الأموات وأخذنا خلقتنا الجديدة بالمسيح وفي المسيح بالإيمان في المعمودية والإفخارستيا. لقد تم فينا حكم الموت كعقوبة كاملة عن كل الخطايا بأثر رجعى ومستقبلي أيضًا لأنه إن كان واحدقد مات من أجل الجميع فالجميع إذن ماتوا ((كورنثوس الثانية ه : ١٤ ))، وإلا ما كنا أخذنا ميلادًا ثانيًا أو خلقة جديدة سمائية أو طبيعة جديدة لا تموت بعد! ! ، ويستحيل بعد أن جُزنا حكم الموت مع المسيح على الصليب أن يتكرر علينا مرةً ثانية بأي حال من الأحوال أي نوع من الجزاء لأن الموت الذي ماتهقد ماته للخطية مرة واحدة، والحياة التي يحياها فيحياها لله. عالمين أن المسيح بعدما أُقيم من الأموات لا يموت أيضا. لا يسود عليه الموت بعد ((رومية ٦ : ٩-١٠ )). د- ولكن ليس معنى أن الله لما ولد البشرية ثانية بقيامة السيح من الأموات وأن المسيح لمّا ‏تقبل حكم الموت عن كل إنسان، أن كل إنسان أكمل خلاصه تلقائيًا دون أن يتحد بالمسيح الذي مات وقام. ولكن معناه أننا أخذنا كل المبررات والوسائل والحقوق العامة التي نكمل بها اتحادنا بالمسيح بالموت والحياة، فإذا «أهملنا خلاصًا هذا مقداره» المدفوع ثمنه غاليا، فإنه لا يصبح من نصيبنا ولا ننتفع به، ونسقط دونه. فالمسيح حمل خطايا كل إنسان في العالم أجمع في جسده على الخشبة ودفع ثمن فداء كل إنسان بدمه، ولكن لن ينتفع من هذا إلا الذي يأخذ المسيح في نفسه ولنفسه ليستمد منه حكم البراءة وحق الحياة والخلود. إذا أخذنا المسيح بوسائط النعمة المتاحة مجانًا في أنفسنا لأنفسنا وأصبح هو حياتنا، فهنا فقط ننتفع من حكم الموت الذي جازه عنا، بل فينا مع المسيح صُلبت، وقوة القيامة من الأموات التي حققها عنا وفينا أقامنا معه. وإذا أنا أكلت جسده الحي القائم من الأموات، فهذا يعنى أن خطاياي التي حملها في جسده ومات بها فبرأني منها وقام ببشرية جديدة لي تصبح كل خطاياي غير موجودة عليَّ إلى الأبد؛ وإذا شربت دمه، فهذا يعنى أن دمه الطاهر القدوس الذي دخل به إلى الآب كذبيحة وفداء ومصالحة يصبح هذا الدم فيَّ غسيلًا إلهيًا للقداسة والتطهير والفداء والمصالحة الدائمة مع الآب. لكن اغتسلتم بل تقدستم بل تبررتم باسم الرب وبروح إلهنا ((كورنثوس الأولى ٦ : ١١ ))‏. أي إن وجود المسيح فينا بكلمته و بروحه وجسده ودمه هو الضمان المستمر لتكميل خلقتنا الجديدة وخلاصنا. أما نحن بدون المسيح وبدون جسده ودمه فأعمال المسيح تصبح بلا أي قيمة ولا فاعلية لأنها تظل خارجة عنا لا تعمل فينا. لذلك ينبغي أن لا ننسى أبدًا أننا بدون المسيح نبقى مرفوضين، غير أن قبولنا المسيح لا يعني مجرد إيمان لفظي أو فكري، ولكن يعني قبول حياة جديدة في المسيح بسلوك جديد ووجود آخر فعال بالروح القدس غير وجودنا الذاتي لأنه يشمل قبول موت حقيقي وقيامة حقيقية عن ذواتنا والعالم، وكل هذه الأمور ليست صعبة أو بعيدة عن الإنسان بل هي موهوبة له مجانا‏ بالإيمان، فإن قبلها حازها في الحال، وإن استصعبها ولم يصدقها تظل بعيدة عنه و يظل محرومًا منها. هـ- إن قيامة المسيح من الأموات بحياة جديدة في جسده الذي أخذه منا، لم تبق مكتومة ولا مخفية، بل أعلنها الله بقوة وبشهادة الروح القدس، حتى نعلم أنها هي قيامتنا وحياتنا كلنا، وحتى تصير لنا كفعل إيجابي منظور يعمل في حياتنا الآن ليجددها كل يوم وكل لحظة، كفعل نحيا الآن بكل تحقيق ويقين، لأن قيامة المسيح بجسدنا هي هي قيامتنا التي نلنا بها دخولًا إلى دائرة وجود الله وحياته، ونحن لا نجاهد لكي ننال قيامتنا مع المسيح بالروح الآن بل هي هبة وفعل سري مناسب لكل واحد فينا، يهبه لنا بالإيمان فنفخ فيهم وقال اقبلوا الروح القدس! ! فإذا قبلنا قيامة المسيح كقوة فعالة إيجابية في صميم وجودنا الروحي الذي نستزيده بالكلمة والأسرار، فهذا معناه أننا قبلنا الموت -أيضًا- كفعل وله عمله وأثره بالنسبة لحياتنا اليومية من جهة جسد الخطية من أجلك نمات كل النهار أي نعتبر أنفسنا كل يوم أحياء من بين الأموات مع المسيح، بإيمان برجاء حيّ أننا نعيش كل يوم ملء فرح القيامة بشعور من هم متبررون بدم المسيح. إن قوة القيامة التي تسري فينا بسبب فرحة الشركة في قيامة المسيح المجانية تزكي بالتالي قوة الموت أو الإماتة عن الخطية، حيث الخطية لا تستطيع بعدئذ أن تحجزنا عن المسيح ولا تحرمنا قط من دم المسيح ولا تقوى أن تحجب عنا مجد القيامة، لأننا لن نخطئ بعد خطية للموت بل إن أخطأنا، فسنخطئ للتأديب والتوبيخ والتعليم والإنذار خطية قابلة للتوبة والغفران، لأننا نحيا مع المسيح. و- إن الحظوة الجيدة التي نالها المسيح لدى الآب بعد طاعة الموت حتى الصليب وقيامته بمجد الآب وجلوسه عن يمين العظمة في السموات، هي في الحقيقة وفي الأساس حظوة لنا نحن، إنما أخذناها في شخص المسيح لتبقى دائمة إلى الأبد وأنا أعطيتهم المجد الذي أعطيتني ((يوحنا ١٧ : ‎٢٢‏ ))، وأنا ممجد فيهم ((يوحنا ١٧ : ‎١٠‏ )).  ولما جاء المسيح صوت من السماء مجّدت وأمجّد أيضًا، ردا على طلبته أن الآب يمجد ذاته في المسيح، نبه المسيح فكرنا أن هذا الرد الذي جاءه من السماء هو من أجلنا ليس من أجلي صار هذا الصوت بل من أجلكم ((يوحنا ١٢ : ‎٣٠‏ )). إذن، فطالما نحن قائمون وثابتون مع المسيح، فنحن في حالة صلح وسلام دائم مع الله وفي حالة نعمة مقيمة فإذ تبررنا بالإيمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح الذي به أيضًا قد صار لنا الدخول بالإيمان إلى هذه النعمة التي نحن فيها مقيمون ونفتخر على رجاء مجد الله ((روميه ٥ : ١۔٢ )). لذلك إذا أخطأنا فلنا شفيع قائم دائم أمام الآب يشفع في المذنبين، لقد صار الديان (المسيح) شفيعًا، فمن يستطيع أن يشتكي علينا، وشفاعة المسيح ليست جزافًا بل لأنه دفع ثمن خطايانا بنفسه، ودفعها عنا لأنه رأى أننا مظلومون! ! ز- إن إقامة الله لنا من الموت الأبدي، وهبة الحياة الجديدة التي أعطانا بقيامة المسيح من الأموات، تحمل في معناها صفحًا كليًا غير مشروط ومصالحة نهائية بلا رجعة أو ندم، لأن لله لم يعطها لنا كوعد أو قسم بل أعطاها لنا في شخص ابنه الوحيد المحبوب الذي تبنى قضيتنا وتبنى طبيعتنا وتبنى ضعفنا، فالعطية مضمونة بضمان تجسد ابن الله في جسدنا وقائمة بقيام ابنه بجسدنا الآن في السماء وثابتة بثبوت شخص يسوع المسيح كشفيع عنا. الله هو الذي أخذ المبادرة بنفسه نزولًا وتنازلًا إلينا، وهو الذي تكلم ووعد وتجسد وأكمل كل ما يلزم لخلاصنا وتجديدنا وتبريرنا وتقديسنا، ووهب كل ذلك من طرف واحد هو طرفه هو، دون أن يسبق أو يشترط علينا ولا شرطا واحد، ونحن أموات بالخطايا ((أفسس ٢ : ١ ))، أحيانا مع المسيح ((أفسس ٢ : ٥ ))،‏ ولا طالبنا بطلب أيا كان، فالعطية فائقة التأكيد، فائقة المجانية، فائقة السخاء، فائقة اللطف، فائقة الرحمة! ! ح- إن خلقتنا الجديدة بميلادنا الجديد وبطبيعتنا الجديدة وحياتنا الجديدة عمل كامل أكمله الله لنا في شخص ابنه الوحيد والمحبوب يسوع المسيح، ليكون لنا حقيقة حية وموضوع إيمان منظور ورجاء حي نعيشه بالرغم من كل ضعفنا وخطيتنا ومسكنتنا وذلنا في الحاضر. فالإنسان الجديد ليس أمل الإنسانية الذي تسعى إليه من وراء السراب والذي تنشده في حاضرها المظلم -كما يظن بعض الناس- بل هو رجاؤها الحيّ الذي تعيشه بمنتهى الثقة واليقين، وهي تحقق وجوده وكيانه بالإيمان والجهاد والسلوك في صمم الحاضر، حيث يبتلع الضعف والخوف والموت والخطية إلى غلبة ونصرة في شخص يسوع المسيح الغالب الذي أكمل ذلك كله علنًا وجهارًا ليكون نصيبنا الدائم، إن تمسكنا به ثابتين حتى النهاية. فنحن غالبون ومنتصرون في شخص يسوع المسيح، بالرغم من عجزنا وقصورنا وضعفنا الذي يحمله عنا المسيح بحبه العجيب وإنكاره لذاته وإخلائه لنفسه، الذي لا يزال يباشر به حمل كل أثقالنا! ! لذلك كل من يؤمن به لا يخزى أبدًا! ! لقد ضمن لنا المسيح خلاصنا وحياتنا وقيامتنا، إن تمسكنا به وحفظنا وصاياه وسرنا في نوره، وهو ضامن ذلك بحياته هو وقيامته هو إني أنا حي فانتم ستحيون ((يوحنا ١٤ : ١٩ ))‏، وحياتنا وقيامتنا فيه قوية وفعالة وقادرة فعلًا أن تغلب ضعفنا وخطيتنا وأن تحيي وتقيم من الموت! كذلك فإن ضمان خلاصنا وحياتنا الأبدية أمر يتعلقَ أيضًا بكرامة الله الآب نفسه الذي بذل ابنه حتى لا يهلك كل من يؤمن به، والابن من جهته أطاع بالفعل حتى الصليب وذاق بنعمة الله الموت عن كل واحد، فكيف بعد ذلك يحنث الله أو يعجز عن أن يهبنا كل شيئ يلزم لخلاصنا؟؟ ط- إن كل التوكيدات والضمانات التي قدمها لنا الله الآب لميلادنا الجديد وخلقتنا الجديدة للحياة الجديدة، والتي أكملها لنا في ابنه بكل حكمة وفطنة لتبقى حية وثابتة أمام أعيننا، والتي دفع ثمنها المسيح بذبيحة نفسه على الصليب وبذوقه الموت عن كل واحد بكل طاعة وخضوع للآب وكل انسحاق وتذلل إزاء البشر حتى الفضيحة والعار دون أي تردد أو تململ؛ كل هذا -من جهة الله- يحتم علينا أن نلتفت لأنفسنا كيف نرد على هذا من جهتنا نحن؟ إنه لولا حالة البؤس والشقاء الذي نحن فيه ولولا وقوعنا تحت الرفض والقصاص وحكم لموت باكتساب الخطية مجانا كجزء من ميراثنا المشئوم من آدم. ولولا أننا في ذلك كله شبه مظلومين ومغويبن من قبل سلطان الشر العامل في طبيعتنا بقوة تفوق إرادتنا وإمكانياتنا، لولا ‏كل ذلك لما أظهر لنا الله كل هذه الرحمة وكل هذا البذل وكل هذه التنازلات في نفسه ليخلقنا خليقة جديدة لنفسه وأكدها لنا في ابنه المذبوح على الصليب والقائم من الأموات لتقوم كشاهد دائم أبدي على تفوق رحمته فوق الظلم الذي حيك لنا، وتفوق نعمته فوق ضعف طبيعتنا الذي ورثناه دون إرادتنا، وتفوق تنازله فوق انسحاقنا وذلنا وشقائنا الذي نكابده بلا أمل في أنفسنا. ي- إذن فالظلم الذي نعانيه من عدو مقاوم، وضعفنا وخطيئتنا الق ورثناها في جسد التراب هذا؛ كل هذا منظور لدى الله بنظرة فاحصة وازنة وعميقة، مُجاب عليه بإشفاق يفوق الوصف ومردود عليه ببذل كبير يفوق العقل ورحمة كثيرة ونعمة فائضة بقوته الخاصة الذاتية الحاضرة معنا كل حين لضمان أن لا يختل ميزان القوى قط لحساب العدو، في حياتنا وخلقتنا الجديدة! ! أحبني وأسلم نفسه من أجلي ((غلاطية ٢ : ٢٠‏ )). فكما تبتلع النار المتأججة قطرة الماء في لحظة، هكذا يبتلع الله خطايانا بروحه القدوس وفعل دم ابنه، بغيرة اشد تأججا من لظى النار المتقدة. وكما تعترض الشمس المشرقة الظلمة فتبددها وتحولها إلى نور ورؤيا صافية، هكذا أرسل الله ابنه ليبدد حزننا وشكوكنا وانسحاقنا وظلمنا حتى لا يبقى في ذهننا تجاه الله إلا يقين الرحمة الصافية والمحيية الواضحة المحتضنة لحياة الإنسان الذي خلقه على صورته، أي أن كل ما فينا من خطية وعجز ويأس وظلم وضعف يفوق إرادتنا، هذا كله قابله الله برحمة وحب ولطف وقوة وبذل يفوق الوصف. لذلك أصبح بقدر ما ملكت خطيتنا فينا و يرعبنا ضعفنا ويذلنا يأسنا أحياناً من جهة إنساننا العتيق رفيق شقائنا ومثير تعاستنا، أصبح لنا من جهة الله رجاء حي بصداقة يسوع المسيح في حياة جديدة بسلام ونصرة تفوق العقل، بل أصبح لنا نعمة نلقي عليها كل رجائنا، وصار لنا فيه صلح وبر وقداسة وفداء كحق أبدي لإنسان جديد مؤمن عليه لا يمكن أن يتراجع عنه الله أو يسقط مرة أخرى من رحمته كما سقط آدم قديمًا! ! ك- ولكن إذا وضعنا هذين الموقفين أو هاتين الحالتين معًا: موقفنا أو حالتنا بما فيها من ضعف وخطية وإحساس بالظلم واليأس من جهة أنفسنا الذي هو إحساسنا بإنساننا العتيق، ثم موقف الله نحونا بضمان ابنه يسوع السيح من أجلنا، الذي هو هو مصدر مؤهلات الإنسان الجديد بما فيها من رحمة متعاظمة جدًا وحب ولطف وإشفاق و بذل حتى الدم وفداء معروض مجانًا؛ نقول : إذا وضعنا هذين الموقفين معًا ماذا ينبغي أن ينتج من ذلك؟ أ) إيمان برحمة الله في حياتنا الجديدة يفوق ضعفنا، إيمانًا بيقين وثقة يتناسبان مع قوة تناهى رحمة الله فوق شدة ضعفنا. ب) إيمان بمحبة الله الآب و بذل دم ابنه يسوع يفوق خطايانا كلها، إيمانًا بيقين وثقة تتناسب مع تناهي فعل محبة الله الخالقة والمجددة لخلقتنا، وتناهي أثر دم المسيح في الغفران والتطهير والتقديس فوق كثرة خطايانا ونجاسات أفكارنا وقلوبنا مهما بلغت... جـ) إيمان بقوة الله الآب التي أظهرها الله علانية في قيامة ابنه من الأموات من أجلنا أي بجسدنا، إيمانًا يفوق موتنا الذي يهد كياننا بكل نوع، إيمانًا بيقين وثقة يتناسبان مع تناهي قوة حياة الله فوق شدة مفاعيل الموت وأمراض الموت التي تعمل فينا... ل- فإذا وصلنا إلى يقين الإيمان والثقة الكاملة بتناهي رحمة الله وحبه في حياتنا الجديدة وبذله الدم لتقديسنا وشدة قوته التي تعمل فينا لتجديدنا على الدوام فوق ضعفنا وخطايانا وموتنا الذي نحسه في إنساننا العتيق، فماذا ينبغي أن ينتج عن ذلك؟ ١) طاعة لله، وتوقير لكرامته، وخضوع شديد له ينبغي أن يبلغ إل درجة التشبث الكامل.  ‏تشبث الغريق وقد قبض بجنون على حبل النجاة، حتى يزداد تناهي الله في عمله باستمرار تجاه شدة ضعفنا. ‎٢) تسليم لمشيئة الله، تسليمًا كليًا بلا أي ‏خوف أو تحفظ أو خجل مع شكر متواصل يعطي الله كل المجند والكرامة التي تنازل بها نحونا، تسليمًا يقودنا في حياتنا الجديدة ضد مشيئتنا وأهوائنا القديمة مع إحساس دائم بأن أي ميل نحو تكميل مشيئة الذات في الطر يق هو ضياع هيبة الله و بالتالي إضعاف ليقين الإيمان الذي من شأنه أن ينقص من قوة عمل الله فينا، فيز يد مرة أخرى من ضعفنا؛ حتى نضطر بدون أي وجه حق أن نسلم مرة ة أخرى ليد أنفسنا ولأهواء شهواتنا وغرورنا. ‎٣‏) عدم اعتبار لأي بر شخصي أو استحقاق، مهما بلغت أعمالنا في صورة التقوى والعبادة، بل يبقى تمسكنا بعمل الله الذي عمله من أجلنا في شخص ابنه. وحده تمسكًا ثابتًا شديدًا سواء من داخل ضمائرنا أو من خلال الأعمال التي مارسها بإيمان ثابت لا يتزعزع برحمته المجانية الخالصة كنعمة بلا مقابل؛ بحيث يصبح عمل الله المستعلن في المسيح من أجلنا خصوصًا في القيامة من الأموات صورة كاملة ونموذجًا -لا يغيب عن ذهننا قط- لما يشاء الله أن يخلقه جديدًا و يكمله فينا دائمًا... لأن المسيح هو عينه نصرتنا وبكر القيامة من الأموات، وهو النموذج الحي لغلبتنا على الخطية والموت والهاوية، وهو رأسنا ورأس الكنيسة الإلهي الذي سيقيم كل الجسد بكل الأعضاء بمجد الآب وكرامته. ‎٤‏) لابد أن نحس أن الله ألقى بكل ثقله الإلهي بكل مجده وكرامته، بكل حبه وتنازله لخلاصنا وتبريرنا وفدائنا وقيامتنا من الموت لإعدادنا وتقديسنا لحياة الشركة معه، إن هذا الإحساس ينبغي أن يتحدى كل نظرة متشائمة من نحو واقع الإنسان العتيق الذي لا يزال يرزح تحت ثقل الأهواء والشهوات والضعفات ويتصرف في خداع الغرور ومكر الشهوة. إن مثل هذا التحدي يجعلنا دائمًا نلقي بكل ثقلنا وبكل ضعفنا على النعمة، لنكون منحازين لعمل الله، منحازين لمشورة الله، منحازين في أعماق ضميرنا لنصيب الله مها كان حالنا. إن مثل هذا التحدي نافع جدًا للتقليل من شأن الخطية وسلطانها وغرورها. إن مثل هذا التحدي نقلنا سريعًا من الإحساس بالإنسان العتيق المكروه وماضيه المظلم للإحساس بالإنسان الجديد المحبوب ومستقبله السعيد المشرق! هذا الشعور المفرح استطاع واضع الأبصلمودية المقدسة أن يعبر عنه بقوله: هو أخذ الذي لنا، وأعطانا الذي له، فلنسبحه ونمجده ونزيده علوًا ((ثيؤطوكية الجمعة )). وهذا بعينه هو الشعور الإلهي الذي أملى على القديس بولس الرسول قوله لأهل كورنثوس: لأنه جعل الذي لم يعرف خطية خطية لأجلنا، لنصير نحن بر الله فيه ((كورنثوس الثانية ه : ‎٢١ ))، وقول هوشع النبي قديمًا سأدعو الذي ليس شعبي شعبي، والتي ليست محبوبة محبوبة ((رومية ٩ : ه٢ )). م- فإذا استطاع الإنسان بيقين الإيمان وبثقته الشديدة في الله أن يقدم الطاعة والتسليم لله متمسكًا بعمل الله الذي أكمله لنا في شخص يسوع السيح، ثم إذا استطاع أن يواجه ضعف الإنسان العتيق بتحدي تصمم الله نفسه على خلاصنا وتقديسنا، الذي عزم عليه الله وحدده بكل ثقل مجده وكرامته، نعم إذا استطاع الإنسان ذلك فإنه حتما يأخذ قوة للعمل، قوة للجهاد، قوة للصراع، بلا هوادة ضد الإنسان العتيق. فما هو هذا العمل والجهاد والصراع الدائم ضد الإنسان العتيق وما هي قوته؟ + إن أهم عمل لازم لخلاصنا ومحتم علينا كأولاد الله، وفي نفس الوقت هو أول عمل يهم الله نفسه وقد وعد بتقديم كل المساعدة اللازمة له، هو حصولنا على الحرية الروحية، لأنه ‏يستحيل أن نصير أولادًا الله ونحن عبيد للخطية ولشهوات الغرور. هنا يلزمنا جدًا أن نثق بأننا نعمل ونجاهد ونصارع، لا كعبيد ير يدون الحرية، بل كأولاد صاروا أحرارًا ونالوا صك حريتهم بضمان موت المسيح وقيامته، فهم إنما يحاربون ويدافعون ويصارعون ليملكوا ما هو لهم، ما هو حقهم الإلهي، أي حرية البنين، التي أصبحت من صميم طبيعتهم الجديدة التي حصلوا عليها بروح الله القدوس! الروح نفسه يشهد أيضًا لأرواحنا أننا أولاد الله ((رومية ٨ : ١٦ )). + وكأولاد الله حينما نعمل ونجاهد، فنحن أمام الله الآب وباسمه ولأجل اسمه نصارع. لذلك لن يغيب عن ذهننا أننا مُعانون في جهادنا ضد الخطية وضد شهوات الغرور بروح الله الآب الذي ننقاد له بكل طاعة وخضوع وتسليم. لأننا نعلم أن كل الذين ينقادون بروح الله فهؤلاء هم أبناء الله ((رومية ٨ : ١٤ )). لذلك فبسبب ضمان مجد الله وكرامته لبنويتنا التي أخذناها حقًا أبديًا في شخص يسوع المسيح، يلزم أن ننق أننا حتما منتصرون في كل جهادنا إن كان جهادنا حقًا هو لحساب الآب و باسمه ولأجل اسمه. فنحن منذ البدء نعلم أن الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون ((خروج ١٤ : ١٤ )). + إن معونة الله الآب لنا التي يقدمها لنا في جهادنا وصراعنا الدائم مع الإنسان العتيق، نعلم تمامًا أنها مقدمة بواسطة الروح القدس الذي إذ يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله، يعمل معنا حتمًا لكى نكون في ملء حرية أولاد الله أيضًا، فهو إنما يؤازرنا بكل وسيلة ليقدمنا فعل لله «حسب شهادته» كأولاد لله كخليقة جديدة «كذلك الروح أيضا يعين ضعفاتنا»، لأننا لسنا نعلم ما نصلي لأجله كما ينبغي. ولكن الروح نفسه يشفع فينا بأنّات لا يُنطق بها (رومية ٨ : ٢٦ )). + فإن كان روح الله هو المعين والمؤازر في جهادنا وصراعنا ضد الخطية وشهوات الغرور، فهذا يستلزم أن تكون أسلحتنا ليست جسدية كما يقول بولس الرسول: لأننا وإن كنا نسلك في الجسد، لسنا حسب الجسد نحارب. إذ أسلحة محاربتنا ليست جسدية، بل قادرة بالله على هدم حصون. هادمين ظنونا وكل علو يرتفع ضد معرفة الله، ومستأسرين كل فكر إلى طاعة المسيح. (كورنثوس الثانية ١٠ : ٤-٥) هنا بولس الرسول يشير إلى أنه بالرغم من كوننا لا نزال نعيش في الجسد العتيق إلا أن الله أعطانا أسلحة روحانية، هي مواهب الإنسان الجديد. وهذا ينبه ذهننا أن إخضاع الجسد العتيق وغلبة أوجاعه وشهواته وضعفاته الكثيرة إنما تحتاج إلى أعمال معمولة بالروح، أي بحرارة الروح وغيرة الروح ولكن إن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد فستحيون ((رومية ٨ : ١٣ ))، حتى وإن كانت هذه الأعمال في صورة أعمال جسدية. فالصوم مثلًا ممكن أن يكون عملًا جسديًا ميتًا وممكن أن يكون عملًا روحانيًا فعالًا وقويًا، فإذا كان مقدمًا بالجسد فقط فهو عمل جسداني لا يمكن أن يرقى إلى محاربة الخطية، ولكن إن كان مقدمًا بالروح كذبيحة وانسكاب بصلاة منسحقة وبحرارة وغيرة وبتوسل مع التمسك بكلمة الإنجيل ومواعيد الله، فهنا يصبح الصوم عملًا روحانيًا قادرًا فعلًا على هدم الخطية المتحصنة بالجسد حيث يكون الروح هو قوة الصوم، ويصبح الصوم أداة فعالة في يد الله. هنا تكون أسلحة محاربتنا روحية فعلًا وقادرة بالله على هدم حصون ((كورنثوس الثانية ١٠ : ٤ )). وليلاحظ القارىء كلمة قادرة بالله، فأعمالنا كلها مهما قدمناها بنشاط وغيرة لا يمكن أن ترقى إلى مستوى السلاح القهار الذي يغلب الخطية إلا بالله! ! ! وهذا المثل ينبهنا إلى خطر اعتيادنا على تأدية الأعمال الروحية المعتبرة أنها أعمال إلهية بحد ذاتها بصورة روتينية يجعلنا نؤديها بطريقه جسدية كالاعتراف والصلاة والتناول والسجود، وحتى قراءة الإنجيل. فبالرغم من أن هذه الأعمال قد هيأها لنا الله كوسائط نعمة قوية وأسلحة روحانية فعالة نحارب بها كل أنواع الخطايا وانحرافات الجسد العتيق، ولكن بسبب كوننا لا نرفعها إلى مستوى الحرارة اللائقة بالعمل الروحاني المعمول باسم الآب ولمجد الآب، ولا نرفعها إلى مستوى سلاح الروح المشهور ضد الخطية، فإنه يضعف عملها ويضيع الجهد المبذول فيها بلا ثمرة واضحة. الدعوة هنا إلى رفع العمل الروحي إلى مستوى السلاح الروحي بكل جدية وحرارة وإخلاص، مستلهمين من الله القدرة على الاستخدام والاستمرار والمثابرة والفعالية. متى نبلغ الحرية حرية البنين وكيف نحس بها ونمارسها؟ أو بعبارة أخرى هل لحربنا الروحية مع إنساننا العتيق نهاية محددة نصل إليها فنكون قد وصلنا إلى حرية البنين؟ أو هل يوجد وقت نغلب فيه الخطية نهائيًا؟ القديس يوحنا الرسول يوضح ذلك بكل صراحة إن قلنا أنه ليس لنا خطية نضل أنفسنا وليس الحق فينا ((يوحنا الأولى ١ : ٨ )) فكأنما ير يدنا الرسول أن نتعلم حقيقة هامة تختص بحياتنا الجديدة في إنساننا الجديد، وهى أن صراعنا مع جسد الخطية أو الإنسان العتيق أمر حتمي ولن يكون له نهاية؛ وفي أية لحظة نعتبر أنفسنا أننا قد غلبنا الخطية نهائيًا يكون ذلك معناه أننا لسنا على حق وأننا نضل أنفسنا بهذا الشعور المخادع. ثم يعود الرسول ويعطينا ضمان العهد الجديد ضد الخطيئة الذي يلغي كيانها: يا أولادي، أكتب إليكم هذا لكي لا تخطئوا. وإن أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب، يسوع المسيح البار. وهو كفارة لخطايانا. ليس لخطايانا فقط، بل لخطايا كل العالم أيضا. (رسالة يوحنا الأولى ٢ : ١-٢) ولكن يعود القديس يوحنا الرسول ويستثني نوعًا من الخطايا أسماها «خطية للموت» ليس لأولاد الله أن يخطئوا فيها. وسيأتي الكلام عنها. فإذا كانت الخطية (بنوعها المغفور) هكذا تترصدنا مدى الحياة، فمتى نحصل على حرية البنين وكيف نحسها؟ وهنا يلزمنا أن نستعرض عدة حقائق حتى نبلغ إلى كمال الإجابة على هذا السؤال: فأولًا: ينبغي أن نعلم كما قلنا ونكرر أننا لسنا الآن عبيدًا نريد أن نتحرر، وإنا بنينًا لله نطالب بحريتنا التي أصبحت حقًا من حقوقنا وطبيعة من صمم طبيعتنا الجديدة. هذه البنوية هي حق أو حقيقة مختومة أخذناها بالإيمان بابن الله وجحدًا للشيطان بكل أعماله، وبصبغة المعمودية وانسكاب الروح القدس بالميرون والشركة المقدسة في جسد إبن الله ودمه. إذن فنحن بنين لله وأولاد بالروح القدس. فإن كنا بعد ذلك نخطئ، فمعناه أن حريتنا البنوية أو حريتنا الروحية معطلة جزئيًا، ولكن ليست منعدمة أصلًا. ثانيًا: إن كل مرة نعمل فيها مشيئة الآب بصلاة، أو توبة، أو بذل محبة، أو إنكار ذات لخدمة الآخرين، أو جهاد ضد شهوة الذات وغرورها أو بصوم أو تذلل، أو تناول باعتراف وانسحاق وشكر؛ فإننا نكون في كل هذا نمارس طاعة لله حقيقية، لأننا إنما نعمل عمل الله ونتمم وصاياه. إذن، فنحن في هذه الأعمال كلها إنما نمارس عمل البنين بحرية أولاد الله حقًا، ونتذوق حالة حرية حقيقية، حرية روحية، ولو جزئيًا. ثالثًا: إن ممارستنا لحالة الحرية الروحية كأولاد لله أثناء تأدية أعمال الله بروح البنين وطاعتهم تجعلنا في الحقيقة واقعين في دائرة ملكوت الله، والذي دعانا إلى هذا الدخول هو الآب نفسه الذي سكب روح الابن في قلوبنا حبًا وكرامة للمسيح إينه، ليسهل علينا التحرك من ظلمة العبودية إلى نور أولاد الله شاكرين الآب الذي أهلنا لشركة ميراث القديسين في النور وعتقنا من سلطان الظلمة ونقلنا إلى ملكوت إبن محبته ((كولوسي ١ : ١٢-١٣ )) رابعًا: دخولنا في دائرة ملكوت الله والنور سيكشف لنا حتمًا أكثر فأكثر مقدار شناعة الخطية والظلمة المحيطة بها التي اعترضتنا سابقًا والتي تعترضنا كل يوم، وهذا مما يزيد شعورنا بالنقص والحرمان الأكيد من حرية البنين. هنا مواجهة صارخة بين موقف الإنسان الجديد في نور الله القائم في طاعة المحبة وتأدية عمل البنين كابن لله حر في بيت الله، وبين موقف الإنسان العتيق وهو يحاول أن يتهرب من نور الله ويضحي بحرية البنين لكل عمل العبودية للظلام الذي اعتاده والذي أصبح مكرهة للإنسان الجديد. هنا نكون في حالة اختباء من وجه الله وليسن طردًا من فردوس رحمة الله. سيروا في النور لئلا يدرككم الظلام ((يوحنا ١٢ : ٣٥ )). خامسًا: هنا ينبري لنا المسيح رأس خليقتنا الجديدة، ليدعم موقف الإنسان الجديد لدى الأب ضد حركة عصيان الإنسان العتيق المنعطف دائمًا ناحية الخطيئة والاختباء، شكرًا لله، فالإنسان الجديد فينا، أي الطبيعة الجديدة لأولاد الله، أصبح لها من يدعم موقفها أمام الله الآب بصورة مستمرة ويخرجها دائمًا من الظلمة إلى النور، ويمل عجز ممارستها لكمال حرية البنين، لتبقى دائمًا أبدًا أمام الله في حالة صلح وسلام وتبرير. المسيح هو لنا -بحد ذاته- حالة تكميل طاعة كلية للآب، وضامن حالة فداء ومصالحة أبدية؛ إذا تمسكنا به بالإيمان والرجاء عن ثقة المحبة، وإذا كنا نمارس وصاياه كبنين. وهكذا ننتهي إلى هذه الحقيقة: + إننا دائمًا خطاة، ودائمًا محتاجون إلى توبة صادقة واعتراف بالخطايا، حتى ننال عنها غفرانًا بالدم المسفوك عنا. + كل مرة نخطئ نفقد رؤيتنا لله الآب، لأن الخطية مظلمة؛ ونفقد إحساسنا بالحرية كبنين، لأن الخطية عبودية؛ ونفقد شجاعتنا لكي نتراءى أمام وجه الله، لأن الخطية عداوة. + كل مرة نعترف بخطايانا يغفرها لنا المسيح بدمه، ولكن تبقى عيوننا معتمة ولا نرى أننا داخلون دائرة الملكوت. + إذا مارسنا أعمال البنين من محبة باذلة وخدمة باذلة وإنكار ذات وتمجيد الآب، وتأهلنا للاشتراك في الجسد والدم؛ نعود إلى حالة الحرية، حرية البنين، ونتذوقها بالفعل، ولكنها تظل حالة حرية ناقصة لعمل النور الكامل بسبب الإحساس المتواصل بالخطية، فكأنها طعام حلو ممزوج بمرارة. + إذا واصلنا جهاد أعمال البنين، وحفظنا وصايا يسوع وأهمها المحبة، ينبري لنا المسيح ليكمل كل عجز وكا نقص في عملنا كبنين لله، وبالتالي يكمل لنا كل نقص في إحساس حريتنا كبنين، ويحضرنا أمام الآب في النور مرة أخرى بلا لوم في المحبة. إذن، شكرًا لله الذي جعلنا بالإيمان بدم المسيح مغفوري الخطايا، وبأعمال الإيمان والمحبة حسب الوصية نذوق حرية أولاد الله، وبالمسيح تكمل حريتنا كمالًا مطلقًا، فنسير في النور ونبقى فيه ونتراءى أمام وجه الله الآب بلا لوم في المسيح. القيامة والخليقة الجديدة كتاب بقلم الأب متى المسكين، نُشر أوّل ما نُشر في مجلة مرقس، عدد أبريل ١٩٨٠، الصفحات من ١ إلى ١٥ --- ### [٢] تعليقات أوّلية - Published: ۲۰۲٤-۰۵-۰٤ - Modified: 2024-05-03 - URL: https://tabcm.net/19615/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: الأوطاخية, النسطورية, بابا كيرلس عمود الدين, باناريون للتراث الآبائي, چوزيف موريس فلتس, زهير أحمد الشايب, سمعان بن يونا, عصر المجامع, عماد موريس, كنيسة الإسكندرية, مجمع أفسس المسكوني, مجمع خلقيدونية, يوحنا المعمدان قبل أن نواصل عرض ما كتب بموسوعة "وصف مصر" عن مسيحيي مصر وخاصة الأقباط نتوقف قليلًا مع ما جاء في الجزء السابق نشره هنا. في بداية هذا الفصل، يورد المترجم الأستاذ زهير الشايب تعليقًا يقول فيه: من نافلة القول أن نذكر بأننا هنا بصدد أثر علمي يقتضى الواجب نقله بأمانة نصًا وروحًا، ومع ذلك فجدير بالذكر أن الصورة القاتمة هنا هي نموذج لحالة كل المصريين باختلاف طوائفهم في ذلك العهد، حيث كان كل أبناء مصر يهانون وإن اختلفت الحجج والادعاءات بحسب مقتضى الحال، وبرغم ذلك فإن الصورة هنا تختلف في كليّاتها، بل يصل الاختلاف أحيانًا لحد التناقض مع ما جاء في دراسات أخرى بوصف مصر، نذكر منها -على سبيل المثال- ما جاء بدراسة "دى بوا إيميه" في وصف مدينة منوف، وما جاء بدراسة "لانكريه" عن نظام الضرائب على الأراضي الزراعية، وكذلك ما جاء بدراسة "جيرار" عن الزراعة والتجارة والصناعة. كما أنه لا يمكن التسليم بصحته بحال من الأحوال، بل لا يمكن تصور طرحه على الإطلاق، فليس هناك ما هو أيسر من دحضه. (زهير أحمد الشايب، مقدمة كتاب وصف مصر) وقد أورد المؤلف الفرنسي عديد من النقاط التي تكشف أنه اكتفى بما استقر في ذهنه من تعاليم تذهب إلى تبعية القديس مرقس الإنجيلي للقديس بطرس الرسول، وهى مقولة شاعت في سنوات الصدام في عصر المجامع، سعيًا لاعتبار كنيسة الإسكندرية رافدا لكنيسة روما. وعندما يصف كنيسة مصر لا يسميها بمسماها الذي استقر لها في عصور الكنيسة الأولى وعرفت به، كنيسة الإسكندرية كرسي مار مرقس، وبعد الانشقاق الذي أعقب مجمع خلقيدونية، 451م، تحصنت الكنيسة بعباءتها القومية فصار اسمها كنيسة "الأقباط الأرثوذكس"، وتظل واحدة من الكراسي الرسولية الخمسة، محتفظة بموروثها اللاهوتي وتراثها الطقسي. رغم هذا يشير الكاتب إليها في استعلاء لا تخطئه عين بأنها طائفة من الهراطقة تخضع لبطريرك، ويتبع هؤلاء أراء أوتيخوسونسطوريوس. ! ! ، وهنا تتجلى عدم معرفته بإيمان كنيسة الإسكندرية، التي تصدت لما قال به نسطور وفندته، في مجمع أفسس المسكوني، 431م، وكان البابا السكندري كيرلس عمود الدين هو من تصدى له. اللافت أن المؤلف يجمع بين نقيضين؛ بين نسطور الذي ذهب إلى أن شخص المسيح هو إنسان فقط حلت عليه "كلمة الله" بعد العماد في نهر الأردن بيد يوحنا المعمدان، وفارقته عند الصلب، إذًا -بحسب نسطور- فإن اللاهوت لا يولد ولا يتألم ولا يموت. ولذلك فأن الله الكلمة قد سكن في شخص إنسان وبذلك يكون المسيح من شخصين. وبين أوطاخي الذي انتفض ليدافع عن طبيعتي المسيح، في مواجهة نسطور، وإن نُسب إليه أنه يقول أن الناسوت قد ذاب في اللاهوت مثلما تذوب نقطة الخل في المحيط. أي إن الطبيعتين قد امتزجتا معًا في طبيعة واحدة. وهو أمر اقترب منه باحثين معاصرين ورجعوا لوثائق خلقيدونية ليؤكدوا من خلالها أن أوطاخي لم يقل بهذا الكلام. للمزيد راجع مقال الكاتب رجائي شنودة: هل كان أوطاخي أوطاخيًا؟. وقد أكد "أوطاخي" بحسب الباحثين أنّه فيما يتعلق بحضور الكلمة في الجسد، فأنا اعترف أنه حدث من جسد العذراء، وأنه صار إنسانًا بالكمال من أجل خلاصنا. وبعد طلب للاستيضاح أضاف: لم أتحدث قبلا عن جسد ربنا بكونه واحد في ذات الجوهر معنا، ولكني اعترف بأن العذراء كانت بالطبع واحدة في ذات الجوهر معنا، وأن إلهنا أخذ جسده منها. فاستدركه أحد الأساقفة قائلًا: إن كانت الأم هي واحدة في الجوهر معنا، فلابد أن يكون هو نفسه واحدًا في ذات الجوهر معنا! ! فأجاب أوطاخي: فيما تقوله أنت الآن، أنا اتفق تمام الاتفاق. ((رجائي شنودة: هل كان أوطاخي أوطاخيًا؟. )) فكيف تؤمن كنيسة بالشيء ونقيضه، وهو ما نفاه باحث هندي أرثوذكسي في كتاب هام جدًا لكل من يسعى للتعرف على ملابسات مجمع خلقيدونية، والصراعات السياسية (والقومية) داخله بين كنيسة أنطاكية وكنيسة الإسكندرية، والذي انتهى إلى حرم أوطاخي وحرم البابا ديسقورس، والكتاب متوفر باللغة العربية وعنوانه مجمع خلقيدونية - إعادة فحص للأب ف. سي. صموئيل، ترجمة دكتور عماد موريس إسكندر، ومراجعة دكتور جوزيف موريس فلتس، ومن إصدارات دار باناريون. ((في. سي . صموئيل مجمع خلقيدونية... إعادة فحص ترجمة د. عماد موريس إسكندر، مراجعة د. جوزيف موريس فلتس، دار باناريون للتراث الآبائي. )) ملاحظة: ما أوردته متعلقًا بأوطاخي هو طيف من جدل يدور في أروقة الباحثين، ونأمل أن يأتي وقت في سياق السعي المسكوني للوحدة المسيحية تجلس فيه الكنائس معًا وتعيد فحص النقاط الملتهبة والمناطق الخلافية، بهدوء وموضوعية في ضوء الكتاب والآباء لنصل إلى اتحاد الإيمان ونكون معًا آنئذ "كنيسة واحدة مقدسة جامعة رسولية". نعود في مقال تال لنستكمل ما سجلته موسوعة "وصف مصر" عن الأقباط، فإلى لقاء. . --- ### انتهاك المواطنة وهيبة الدولة - Published: ۲۰۲٤-۰۵-۰۳ - Modified: 2024-05-13 - URL: https://tabcm.net/19700/ - تصنيفات: شئون علمانية - وسوم: الديمقراطية, بابا شنودة الثالث, عيد القيامة, عيد الميلاد, فيروس كورونا, محمد الحمصاني, مصطفى مدبولي شهدت الأيام الماضية مجموعة من الأحداث والوقائع وثيقة الصلة بالمواطنة، أخرها  اعتداءات طائفية من متطرفين على الأقباط في قريتي الفواخر والكوم الأحمر بمحافظة المنيا -270 كم جَنُوب القاهرة- بسبب حصولهم على تصاريح بناء كنيسة أرثوذكسية في الأولى وإنجيلية في الثانية، مما أغضب متطرفين في محاولة لمنع بناء تلك الكنائس. وقبل تلك الحادثتين، استخدم مجلس الوزراء خطاب لا يعتبر المسيحيين مواطنين بشكلٍ كافٍ، بالرغْم من محاولة تقديم شيء إيجابي لهم بمناسبة الأعياد. أود أن أُشير إلى أن مِلَفّ الطائفية شهد بعض التحسن في بعض الأمور فرغم كل ما يحدث فإن معدل الاعتداءات الطائفية على الأقباط قل كثيرًا عما كان قبل عام 2011 والأعوام التالية له، وتكاد تنحصر في محافظة المنيا -الأعلى في معدل الاعتداءات- دون غيرها من المحافظات. وأعود لخطاب مجلس الوزراء تجاه المواطنين المسيحيين، والبداية كانت يوم 20 أبريل الماضي بخبر على الصفحة الرسمية للمجلس وتصريحات على لسان المتحدث الرسمي المستشار محمد الحمصاني، الذي أعلن عن وقف تخفيض الأحمال الكهربائية المتبع من وزارة الكهرباء على الكنائس خلال فترة أسبوع الآلام وعيد القيامة بسبب الصلوات والاحتفالات، أسوة بما فعلت الحكومة طوال شهر رمضان وعيد الفطر، وهذا أمر جيد منها بمنع التمييز بين المواطنين، لكنه استخدم مصطلح "الأخوة الأقباط". الحكومة أرادت تقديم "تورتة" لكن تم شويهها باستخدام مصطلح "الإخوة الأقباط"، في خبر  المتحدث الرسمي باسم مجلس الوزراء، بدلًا من استخدام مصطلح "المواطنين المسيحيين". شعبيًا، من الجيد أن يقول المواطنين لبعض إنهم أخوة، لكن الدولة يجب أن تخاطبهم كمواطنين، ففعل الدولة هنا بوقف تخفيف الأحمال يدل على أنها تحاول أن تتعامل دون تمييز، وهذا جيد، لكن يلزم هذا أيضًا استخدام خطاب وثقافة داعمة للمواطنة تجاه كل المواطنين المصريين أيًا كان دينهم أو لونهم أو جنسهم، وسأوضح أهمية هذا فيمَا بعد. الخبر التالي الذي أثار جدلًا واسعًا، كان قرار رئيس مجلس الوزراء دكتور مصطفى مدبولي بترحيل إجازة عيد العمال الموافق 1 مايو من كل عام، وجاء يوم أربعاء إلى يوم الأحد الموافق 5 مايو وهو  يوم عيد القيامة غير المدرج كيوم إجازة رسمية لكل المواطنين المصريين، ويحصل عليه فقط المواطنين المسيحيين بعد عناء مع بعض جهات العمل المختلفة. ولاقى هذا القرار سخرية كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي على شاكلة "عيد العمال المجيد"، و"عيد قيامة العمال"، وغيرها من العبارات التي انتشرت على السوشيال ميديا، والبعض تذكر ما حدث عام 2021 وقت انتشار فيروس كورونا فقد منح مجلس الوزراء المواطنين إجازات رسمية بمناسبة عيد العمال وشم النسيم، وجاء يوم الأحد الموافق عيد القيامة وسط تلك الإجازات الرسمية التي بدأت من يوم الخميس، فقررت الدول منح يوم الأحد إجازة والسبب "الحد من التكدس والزحام"، وسمي وقتها بـ"عيد التكدس". تنتشر شائعة على لسان المواطنين أن الدولة في عهد الرئيس الأسبق مبارك أرادت تعيين  عيد القيامة يوم إجازة رسمي كما حدث مع عيد الميلاد عام 2003، لكن البابا الراحل الأنبا شنودة رفض لأن المسلمين لا يؤمنون بصلب وقيامة السيد المسيح من بين الأموات، فحفاظًا على مشاعرهم رفض ذلك، لا يوجد دليل على حدوث تلك الرواية، لكن هذا دور الدولة أن تأخذ ما تراه من قرارات لصالح مواطنيها دون انتظار موافقات من أحد، وهنا اعتبار العيد إجازة رسمي لا يعني أن الدولة مطالبة بالإيمان بذلك العيد، هي فقط تحترم مواطنيها وتعطيهم نفس الحقوق ولا تميز بينهم بسبب الدين. أعود إلى الاعتداءات على المواطنين المسيحيين في الفواخر والكوم الأحمر بالمنيا وعلاقتهم بخطاب "الأخوة الأقباط"، فخلال سنوات حكم الرئيس الأسبق مبارك درج الحديث عن المواطنة، دون تأصيل لهذا المفهوم بمعناه المتعارف عليه في العلوم السياسية، والمطبق في أغلب دول العالم الديمقراطية، بل مع كل حادث طائفي كان يتم تصدير صورة أن المواطنة هي وجود علاقات طيبة بين المسلمين والمسيحيين عبر صورة تقبيل شيخ للحية الكاهن والعكس، وكان يتم تصدير ما هو مفهوم ضمنًا بأن المواطنين المسلمين لأنهم الأكثر عددًا فلهم حقوق أكثر من المواطنين المسيحيين، مع أنه على أرض الواقع لا يوجد فرق كبير بين سكان قريتي الفواخر أو الكوم الأحمر المسيحيين والمسلمين، فغياب التنمية والفقر وقلة الخِدْمَات يشملهم جميعًا. في أغسطس 2012 وبعد نحو شهرين من تولي مرشح جماعة الإخوان المصنفة إرهابية من الحكومة المصرية محمد مرسي، ذهبت إلى قرية دهشور -جَنُوب محافظة الجيزة- لتغطية أول اعتداءات طائفية ضد المسيحيين في عهد مرسي، استمعت من المواطنين المسلمين والمسيحيين عن أسباب الأحداث المباشرة، اكتشفت وقتها أنهم جميعًا يعانون من الفقر، وسوء مياه الشرب التي تصلهم، وعدم وجود منظومة صرف صحي جيدة، وكانت المشكلة وقتها سببًا في انفجار غضب الناس الذين عادوا ليتحدثون عن العلاقات الطيبة التي تجمع بين المسلمين والمسيحيين في القرية. بالعودة إلى المنيا فهي واحدة من المحافظات التي تجمع مجموعة متناقضات، فهي من الأعلى فقرًا مع محافظة سوهاج، وبه أكبر عدد من المواطنين المسيحيين، وكذلك بها مجموعة مؤسسات مجتمع مدني قوية، كما أنها مقر لجماعة الإخوان ومختلف الجماعات الإرهابية، وخلال الفترة بعد فض اعتصامي رابعة والنهضة في 14 أغسطس 2013، شهدت أعلى موجة عنف واعتداءات على المسيحيين من قبل الإخوان وتابعيهم دونا عن بقية المحافظات. لذا لتفادي وقوع اعتداءات طائفية على المسيحيين، أوغيرهم، لابد أن تستخدم الدولة هيبتها بالقبض على الجناة والمعتدين ومحاكمتهم بشكل قانوني، ولا تلجأ أبدًا للجلسات العرفية والموائمات والتوازنات التي لا تؤدي إلا إلى مزيد من الاعتداءات الطائفية، وكما خاضت الدولة في مِلَفّ العشوائيات وتحسين حياة المواطنين بمشروع حياة كريمة، عليها أن تولي اهتمام بقرى محافظة المنيا، فالتنمية وتحسين معيشة المواطنين، كفيلة بالحد من العنف الطائفي، وإضافة لذلك من المهم أن يساهم المجتمع المدني في التنمية والتعليم والتثقيف عبر المؤسسات المختلفة المتواجدة في المنيا. أخيرًا أعود لخطاب مجلس الوزراء، فنحن لدينا "أزمة هُوِيَّة"، حيث تعلو الهويات الفرعية على الهُوِيَّة الوطنية والانتماء لـ"مصر"، وفي ظل ما تشهده المنطقة من حولنا من صراعات وحروب، وانقسامات وحروب أهلية في عدة دول، فمهم تعزيز الهُوِيَّة الوطنية بتأصيل المواطنة، وليس باستخدام شعارات غير حقيقية هو الضامن الوحيد لتماسك المجتمع المصري أمام التحديات التي تواجه مصر. --- ### خلقيدونية: الرقصة الأكثر إبداعًا للشيطان - Published: ۲۰۲٤-۰۵-۰۲ - Modified: 2025-02-02 - URL: https://tabcm.net/19654/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: أوفيميا, إكليروس, الأوطاخية, الروم الأرثوذكس, النسطورية, بابا ديسقورس السكندري, بابا كيرلس عمود الدين, بوليكاريا, ثيؤدوسيوس الصغير, طومس لاون, ليليث, مجمع خلقيدونية, نيرون لحظة تاريخية فارقة، التاريخ الإنساني قبلها ليس هو بعدها أبدا، لحظة كانت ضرورية تمهيدًا لظهور هرطقات غيرت وجه العالم وستظل البشرية تعاني منها عدد من الشخصيات تواجدت في أماكنها في تدبير شيطاني فائق الإبداع، لو اختفي واحد منها عن المشهد، لما اكتمل التكوين (composition) بهذا التكامل، مخرج امتلك أدواته جيدا فصنع مسرحية لن تري البشرية مثيلًا لها. بوليكاريا: ليليث في ثوب امبراطوري قشيب. الزانية بحسب نسطوريوس، القديسة بحسب الروم الأرثودذكس. النمرة الشرسة، التي قررت وضع النهاية للصراع السياسي - الديني، وإنهاء سطوة الإكليروس على رعيتها. لاون: الدوتشي في حقل الرب. فريدة هي الدماء الرومانية، نيرون، كاليجولا، موسوليني، و... المبجل لاون، بطل قومي للرومان، وقديس "كبير" للخلقيدونيين،  ومدشن عصور الانحطاط الأوروبي. ثيؤدوريت: الثعلب العجوز الذي أثخنت الجراح قبيلته، فلم يرعوي، بل جمع الضباع من كل حدب وصوب تمهيدًا لمعركة الثأر، قادها بمهاره، لكن شأن حقراء الثعالب، نبش قبره ومثل بجثته. ديسقورس السكندري: البطريرك الوقور، الذي افتقد كل حنكة وحصافة تطلبها منصبه. لم يكن واعيًا لما يحاك له، وظن أنّ الإيمان المستقيم كاف للنجاة، رغم اسفك لا تملك إلا أنّ تنحني له احترامًا. الغائبون عن المشهد لا يقلون أهمية، لو حضر أيهم لفسدت المسرحية. كيرلس السكندري: العبقري الفذ، السياسي الأريب، اللاهوتي الخاتم. يتنازعون بنوتهم له، ويكرهونه! ! ثيؤدوسيوس الصغير: الإمبراطور منذ عامه الأول، رعى مجمعين مسكونيين، اجتهد أن يحافظ على وحدة وسلام الكنيسة، حتى سقط عن حصانه، وشخصيًا احتاج أن يقسم لي احدهم انه لم يقتل. أوطاخي: الناسك العجوز، كثير الأعداء، أصبح اسمه علامة على هرطقة هو منها براء. استدعى الثعالب هرطقة قديمة موؤودة لشخص يدعي "فليمون" من اتباع أبوليناريوس، ليلصقوها به وسحبوها على كل أعدائهم الذي كان أوطاخي محسوبًا عليهم. أضحك مع خلقيدونية طومس لاون: يرتبط كتابة الطومس بحادثة يتبناها الروم الأرثوذكس، هي للمزحة اقرب، حيث يقولون أنّ "لاون" كتب الطومس ثم وضعه على قبر القديس بطرس، واستغرق في صلاته طالبا معونة القديس، وبعد أربعين يومًا من الصلاة والصوم، ظهر له القديس في رؤيا، مبشرًا إياه أنّه قد قام بالتصحيحات المطلوبة، فذهب "لاون" إلى قبر القديس بطرس وتلقف "الطومس" في صورته النهائية والتي ستنشر على العالم. القديسة أوفيميا: فإنه لمّا انعقد هذا المجمع في خلقيدونية ضد القائلين بالطبيعة الواحدة للمسيح وبعد محاورات عديدة بين المستقيمي الرأي الأرثوذكسي وبين أضدادهم أصحاب الرأي الخاطئ اتفق الطرفان على أن يحرر كل منهما حد إيمانه عن هذه القضية في كتاب خاص ويتضرعا إلى الله طالبين منه تثبيت الاعتقاد الصحيح وإيضاحه. فحرر الكتابين المشار إليهما ووضعاهما في الناووس الذي كان فيه جسد القديسة أوفيميا ثم ختماه وانصرفا. وبعد ثلاثة أيام تواصلت فيها الابتهالات الليلية إلى الله فتحا الناووس بحضرة الملك فوجدوا كتاب المعتقدين بالطبيعة الواحدة عند رجلي الشهيدة تحت قدميها أما كتاب الأرثوذكسيين ففي يدها اليمنى قابضة عليه بشدة. --- ### المدخل الأخلاقي للعنف - Published: ۲۰۲٤-۰۵-۰۱ - Modified: 2024-05-23 - URL: https://tabcm.net/18977/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, تاريخ وميثولوچيا, لاهوتيات - وسوم: آدم, توما الأكويني, قديس أوغسطينوس، أسقف هيبو عندما يمارس البشر سيطرتهم على الآخرين، فإنهم يفتحون الباب أمام العنف الذي لا يمكن ضمانه أو السيطرة عليه. مثال على ذلك: عندما يسيء الزوج إلى زوجته، حتى ولو من باب الردع والقيادة للأسرة المسموحة دينيًا، فإنه يخلق بيئة من العنف يمكن أن تتفاقم بمرور الوقت وتؤدي إلى عواقب وخيمة. لا شيئ مضمون نهائيًا، وﻻ تقدّم السماء أيّ ضمانات فوق بشرية في هذه المسألة طرحنا في المقال السابق خلاصة أفكار أغسطينوس والإكويني في موضوع العنف، ويمكن التعبير عنها في مقدمات ونتائج على النحو التالي: بما أنّ؛ (١) كل إنسان أخطأ وبما أنّ؛ (٢) كل خطيه تستوجب الموت. إذًا؛ (٣) كل إنسان سيموت. وإذًا؛ (٤) موت الإنسان ليس عنفُا أو تجنِّيًا من الله. وكما ذكرنا، فهذه القراءة مُتَّسقه مع العهدين ولكنها غير مقبولة لكثيرين على الرغم من عدم تحديد الإشكالية بدقّة. في هذا المقال سنحاول مناقشة بعض إشكاليات هذا المدخل في تبرير العنف. هذه القراءة يمكن أن تبرر موت الإنسان بسبب الحوادث الطبيعية، أو ما يُسمَّى الشر الطبيعي. مثل أن يموت شخص في فيضان أو وباء أو زلزال. يمكن أن نقول إن الموت هو المصير الطبيعي للإنسان والطرف المؤذي هنا ميكانيكي لا واعي وهو الطبيعة، وبالتالي فهذا الطرف كدوران التروس ﻻ يميّز بين الناس وليست له أجندة ولا أيديولوجيا للقتل أو شرعنة العنف. ولكن هذه الأطروحة لا تصلح لتبرير العنف الذي يتوسطه الإنسان، مثل أن يكون هناك أمر إلهي لإنسان بقتل إنسان آخر بناءًا على دينه أو سلوكه الاجتماعي أو الأخلاقي. وبطريقة أخرى، لو قمنا بتفكيك سلوك أيّ جماعة إرهابية فسنجد أنهم يتحركون من تفسير معين لأمر إلهي يغيّر الضابط الأخلاقي ويبيح لأفراده إجراء عمليات قتل مبني على معايير أو هويّات معينة. ولو كل شخص تحرك بما يراه أمر إلهي ويقتل مجموعة سيتحول العالم لساحة حرب حيث يقتل الجميع الجميع free for all war! وبالتالي في رحلة البحث عن معيار موضوعي للعنف، ذهب كل من أوغسطينوس وتوما الأكويني في نفس مقدمات ونتائج شرَّعنة العنف تحت راية الأمر الإلهي. التركيبة البسيطة للاحتجاج وشبه واحده عند الكل سواء عند أوغسطينوس، أو الإكويني، أو المجاهد في أفغانستان، أو الإرهابي في سيناء، وتتلخص في أمر إلهي أسمى من الصواب والخطأ، قادر على تصويب الخطأ وتخطئة الصواب، وهذا الأمر هو المحدد للأخلاقي. وبالتالي تحول كل شخص إلى إلهه الذي يشرَّعن العنف تجاه الآخرين، والذين أيضا آلهتهم تسمح لهم بنفس العنف. في البحث عن الموضوعية نصل للاستغراق في عنف أيديولوجي جماعي يؤدي لإبادتنا جميعًا. إذن ما الحل؟ حتى الآن، قمنا بانتقاد التأويل، ونقد القراءة الحرفية، ونقد المدخل الأخلاقي للعنف، ونقد تجاهل تفسير النصوص. أما لو سألت عن الحل، فسأجيب ببساطه لو كان الموضوع له حل بسيط لما كتبنا كل ما سبق! فالموضوع كبير ومعقد للغاية، وتشعب وخرج من تأويل النصوص ودخل في علم النفس والـNeuroscience وعلم الأخلاق وعلم الاجتماع. الكل يحاول البحث عن معيار موضوعي يحدد به الصواب والخطأ دون أن يكون هذا المعيار قَبَلي أو فئوي أو محصور في أيديولوجيا أو في قومية. وحتى الآن ﻻ شيئ يُجمع عليه البشر في الاحتكام للأخلاق دون أن يكون غير قابل للتفكيك، وتظل سلطة الوازِع الديني هي الأكثر فاعلية. لكن كيف نعيش في عالم يؤمن فيه كل الأفراد بحرية ممارسة العنف تجاه بعضهم من دون ضابط يجمعهم جميعا وينظّم لكلٍ رأيه ورؤياه؟ قد يجادل البعض بأن مفهوم العنف له ضابط واضح: العنف المعتدي غير أخلاقي، بينما العنف الدفاعي أخلاقي. عنف الرَدع؟ ومع ذلك، تكمن المشكلة في أن العنف، سواء كان هجوميًا أو دفاعيًا، يمكن استخدامه بشكل تعسفي. فإذا منح الشخص لنفسه سلطة الحكم الأخلاقي على الآخرين -بناءًا على تأويل نصّ أيديولوجي من أي نوع- فلن يقتصر الردع على منع الأعمال العدوانية بل سيمتد إلى أي شيء مُنافي للأخلاق السليمة بتعريفه هو. حتى مفهوم الرَّدع لا يقتصر على مجال الحرب فحسب، بل يتواجد أيضًا في أبسط التفاعلات الاجتماعية. مثال على ذلك: عندما ترفع صوتك على شخص آخر لمنعه من التصرف بشكل معين، فإنك تمارس شكلًا من أشكال الردع. لا يوجد حد فاصل واضح بين الردع الأخلاقي وغير الأخلاقي. يمكن أن يكون الردع مقبولًا في بعض المواقف، ولكنه غير مقبول في مواقف أخرى. بطريقة أخرى، عندما يمارس البشر سيطرتهم على الآخرين، فإنهم يفتحون الباب أمام العنف الذي لا يمكن ضمانه أو السيطرة عليه. مثال على ذلك: عندما يسيء الزوج إلى زوجته، حتى ولو من باب الردع والقيادة للأسرة المسموحة دينيًا، فإنه يخلق بيئة من العنف يمكن أن تتفاقم بمرور الوقت وتؤدي إلى عواقب وخيمة. لا شيئ مضمون نهائيًا، وﻻ تقدّم السماء أيّ ضمانات فوق بشرية في هذه المسألة. --- ### الأنبا أغاثون والتشهير بالمكرسات - Published: ۲۰۲٤-۰٤-۳۰ - Modified: 2025-02-02 - URL: https://tabcm.net/19624/ - تصنيفات: المرأة القبطية - وسوم: أنبا أغاثون، أسقف مغاغة والعدوة, إكليروس, الأب متى المسكين, العلمانية, بيت التكريس القصة في تنشئتها التربوية تستلهم بشكل كبير نظام معسكرات المماليك في الدولة الأيوبيّة، فالمماليك في أصولهم هم مخطوفين بعيدًا عن أهاليهم وأسرهم وتم تربيتهم في معسكرات معزولة على شيئين: الدين والسلاح. الفرق هنا إنه مع انتشار الفقر ومن ثم ضعف المؤهلات والتعليم، وعدم وجود مستقبل لهؤلاء البنات في الزواج. سلمهن أهاليهن للكنيسة في معسكرات مغلقة ومعزولة على شيئين: الدين وشغل المنزل أتابع هذه الأيام صفحة أبناء الأنبا ميخائيل كأحد الصفحات المهتمة بترتيب الكنيسة من الداخل، الصفحة نفسها ليست جديدة بل تضم 23 ألف متابع وقت كتابتي هذا المقال، وكان اسمها سابقا "إيبارشيّة أسيوط" ثم عقب مناقشة قرروا تحويلها لاسمها الحالي لفض أيّ ارتباط أو تداخل مع الإكليروس. الصفحة مسيحية عَلمانية وتدار من أسيوط ونتمنى لها كل التوفيق في التعامل مع ملفات الإصلاح الكنسي. لمن لا يعلم، فنيافة الأنبا أغاثون، أسقف مغاغة والعدوة، هو بالأصل من أسيوط، ساحل سليم. وربما لهذا السبب تم اختيارهم لهذه الواقعة مع أنّ أحداثها في محافظة المنيا. تناولت الصفحة بيان حديث صدر منذ بضعة أيام عن المتحدث الإعلامي لمطرانية مغاغة والعدوة، (هو لم يوقّع باسمه، لكن في العادة هو أستاذ بيتر إلهامي، الشماس الإعلامي للأنبا أغاثون) واعتبرت بيان المطرانية عملية "تشهير" متعمدة للإضرار بسمعة أنثى، خاصة إن البيان تعمد ذكر الاسمين العلماني واسم التكريس، واسم الأب بالكامل والعنوان والرقم القومي. هذا كله بخلاف المفردات التحقيرية المستخدمة، وسوف أسلط بعض الضوء عليها. الصفحة عتمت على البيانات الشخصية للفتاة، كسلوك محترم (ومهني) ولهذا السبب سنعيد النشر من خلال نسختهم المعمّاة وليس من خلال الانتهاك والسلوك اللا أخلاقي للبيان المنسوب للمطرانية والمنشور على صفحتها. يعني إيه تكريس؟ التكريس هو ابتكار حديث نسبيًا وليس له تأسيس كنسي. الأصل في بيوت التكريس أنها حركات عَلمانية فردانية تعتمد أخلاقيا على "نذر النفس للرب"، ويمكنك اعتبارها نوعًا من الرهبنة داخل العالم، مع التعهد الضميري بأن تكون في خدمة الكنيسة ولست حرًا في قراراتك الشخصيّة. التكريس في عالم الرجال له رموز كبيرة وناجحة في الدراسات. مثلا الأب متى المسكين كان له دور ضخم فيمَا يُعرف باسم بيت التكريس بحلوان في الستينيات والسبعينيات، لكن في عالم النساء فهو حقير جدًا وﻻ يتعدى "استخدام المرأة" في أعمال منزلية بدون مقابل تقريبًا (شغالات منخفضة الكلفة). أنظر للبيان الصادر عن مطرانية مغاغة والعدوة، وستجد أنه ﻻ يتعامل مع "إنسانه" تقريبًا وإنما شيء، أو طرد، أو سلعة، خصوصًا في مفردات الاستلام والتسليم كما البضائع. فكل المكرسات هكذا. . الأمر أشبه بتطور الجواري وملك اليمين وحركات العبودية، لكن بأدوات دينية ومسحة قداسة حول مسألة "اﻹخلاص لله" في حين واقعيًا هذه البنات تم تعريضهن لمعسكرات "غسيل مخ" في مراحل مبكرة، وتم تدجينهن وعزلهن مجتمعيًا وأسريًا في معسكرات دينية تحت إشراف أساقفة طبعًا، صورة الله على الأرض! القصة في تنشئتها التربوية تستلهم بشكل كبير نظام معسكرات المماليك في الدولة الأيوبيّة، فالمماليك في أصولهم هم مخطوفين بعيدًا عن أهاليهم وأسرهم وتم تربيتهم في معسكرات معزولة على شيئين: الدين والسلاح. الفرق هنا إنه مع انتشار الفقر ومن ثم ضعف المؤهلات والتعليم، وعدم وجود مستقبل لهؤلاء البنات في الزواج. سلمهن أهاليهن للكنيسة في معسكرات مغلقة ومعزولة على شيئين: الدين وشغل المنزل. . ! الأمر يبدو للعقلاء أشبه بنوع متخفي من الاتجار في البشر، لكن بعد تثقيف البشر بثقافة العبيد فيصبح هو نفسه "عبدًا سعيد بعبوديته". الفتيات الشغالات المكرسات ليس لهن نِقابة تراعي مصالحهن كعاملات، وﻻ أهل يسألون عليهن بعدما تُركن للكنيسة، وﻻ منظمات عمل وﻻ منظمات حقوقية تستطيع الوصول إليهن أو حتى التدخل لمساعدتهن ثقافيًا أو توعويًا وإﻻ سيحدث تصادم مع المؤسسة الكنسية كصاحبة مصلحة من الإتجار في النساء المستخدمات في الأعمال الدنيا كالتنظيف والطبخ والكنس والمسح وغسيل الملابس الداخلية للأساقفة. . و"ببلاش"، مقابل إنها تأكل وتشرب و"بس"! هؤلاء النساء هن ضحايا "العطاء دون مقابل" عندما رخّصن من مجهودهن وقيمة عملهن فصار الجميع يتعامل معهن كـ"حق مكتسب". وكما علّمونا أنّ الأسقف "متزوج الإيبارشية"، فالأسقف المتكبر المتعجرف "الدكر"، عادي كدا إنه -بدون سبب وبدون معيار وبدون رقيب عليه- يرجّع المكرسة لبيت أبوها "يستلمها" زي أي حد خد بضاعة ومعجبتوش وبيرجعها! أكبر مصانع الشغالات المسيحية منخفضة الكلفة هي من إنتاج طما، محافظة سوهاج، المحافظة الأكثر فقرا في مصر، التي تُصدر بضاعتها من "المكرسات" الصيني منخفضة الكلفة والعقل لكل الجمهورية. أتمنى، في عيد العمال، إن العاملات المحتقرات المكرسات، يحصلوا على بعض الاهتمام. --- ### حلم ليلة صيف - Published: ۲۰۲٤-۰٤-۲۹ - Modified: 2024-04-27 - URL: https://tabcm.net/19603/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: وليام شكسبير كلا، كلا، لست أتكلم عن تلك المسرحية الكوميدية A Mid Summer Night’s Dream التي كتبها الكاتب الشهير وليم شكسبير، لكني أتكلم عن واقع حدث معي، إذ في إحدى الليالي رأيت، كما يقول الآباء، في رؤى الليل، وكأنني رأيت قطعة أرض على شكل قوس ممتد على شكل حبة الفاصوليا، ومقسَّم إلى عشرة أقسام للشمال وعشرة أقسام إلى الجَنُوب كلا، كلا، لست أتكلم عن تلك المسرحية الكوميدية A Mid Summer Night’s Dream التي كتبها الكاتب الشهير وليام شكسبير، لكني أتكلم عن واقع حدث معي، إذ في إحدى الليالي رأيت، كما يقول الآباء، في رؤى الليل، وكأنني رأيت قطعة أرض على شكل قوس ممتد على شكل حبة الفاصوليا، ومقسَّم إلى عشرة أقسام للشمال وعشرة أقسام إلى الجَنُوب. ثم دققت النظر فيمَا أرى، فرأيت في القسم الأول أشياء عدة، ها أنا أفصلها لك أيها القارئ: (1) رأيت في هذا الجزء من تلك البانوراما، مكتبة لبيع الكتب، وكلها كتب أنيقة ملونة ومزخرفة، وكأنها طبعت لهذا المكان فقط. (2) كما اشتمل على شاشة لعرض فيلمًا تسجيليًّا. (3) وفي إحدى أركان هذا القسم رأيت صالونًا للجلوس، مزين بشكل مميز، يوحي بأنه من فترة زمنية خاصة! ! فبدأت أعي أنني أرى ما يعبِّر عن زمن القرن الأول من بعد ميلاد المسيح، إذ رأيت رمز السمكة التي ترمز إلى المسيح واضحًا في هذا الصالون. (4) ثم رأيت نماذج من أنواع المأكولات والمشروبات التي كان العامة يشربونها ويأكلونها في تلك السنين الأولى من الزمن المسيحي الأصيل، وكلها لها رونقها الخاص الذي يجذب الأنظار. (5) وفي وسط الصالون رأيت نموذج مصغَّر لإحدى الكنائس المشهورة في ذلك العصر، وهي محصنة داخل غلاف زجاجي يحفظها من التلف أو السرقة. (6) ثم رفعت رأسي قليلًا وإذ بي أقرأ لافتة مكتوب عليها: "القرن الأول"، فأدركت للحال إني أرى بانوراما الأجيال المسيحية، وكل قسم يعبِّر عن العصر الذي يمثله، ففرحت لأني أيقنت إنني سوف أرى كل عصر بما يميزه عن باقي العصور، وهكذا أمعن البحث والتدقيق في هذا العصر الذي ربما كان غامضًا بالنسبة لي. وهكذا يمكن أن يتم عرض بعض من هذه الأقسام على الإنترنت لجذب الزائرين، بل ودعوة بعض الطلاب المتميزين لزيارة هذه البانوراما لزيادة المعرفة. ويمكن أن يكون الدخول بتذكرة محددة ملونة معنونة باسم البانوراما، ولها طابع خاص يدل على الهُوِيَّة القبطية. ويمكن أن تكون هذه البانوراما في وسط منطقة الأديرة في وادي النطرون، في الموضع المسمى "وادي أبو مقار"، حيث استمرت الحياة في هذا المكان منذ العصر المسيحي الأول، وهذا كله حتى يجذب السائحين من مختلف جهات العالم. وبعد أيها القارئ، هيا نبدأ في الدعوة لهذا النموذج الجيد من الجذب السياحي الذي تحتاجه بلادنا الآن. وبالتأكيد فإن هناك من المفكرين والمبدعين من يستطيعون أن يبدعوا في هذا المجال. --- ### صورة جديدة للألم - Published: ۲۰۲٤-۰٤-۲۸ - Modified: 2024-04-26 - URL: https://tabcm.net/19578/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: الأب متى المسكين, الكنيسة القبطية, سمعان بن يونا, مجلة مرقس, مريم ومرثا, نيرون, نيقوديموس "أسبوع الآلام، صورة جديدة للألم" بقلم الأب متى المسكين، نُشر أوّل ما نُشر في مجلة مرقس، عدد مارس ١٩٧٩، الصفحات من ۳ إلى ۹ بعد أن أثبت المسيح سلطانه الفائق على الموت بإقامته لعازر من الموت، وبعد أن دهنته مريم بالطيب الغالي، فكان في اعتباره «التكفين» الحقيقي، أي مسحة الجسد وإعداده للموت، نقدم يسوع إلى الصليب ليكمل الإنجيل وليكمل كل تعاليمه وأعماله بمواجهة الآلام والموت الإرادي. ولكن لا يفوتنا هنا أن نُلمِّح كيف بدأ الرب آياته السبع، وكيف أنهاها -بحسب انجيل يوحنا- لأن الرباط بينها وثيق. فنحن نعلم أن بداية الآيات التي صنعها يسوع كانت في بيت أحباء له، وفي وسط أناس على استعداد للإيمان به، في عرس قانا الجليل، عندما حوَّل الماء خمرًا طيبًا، كدعوة رجاء من القديسة مريم أمه. وأخيرًا، ها نحن في بيت الأحباء، بيت لعازر ومريم ومرثا أشد المؤمنين به. وهوذا المسيح بدعوة رجاء من مريم أخت لعازر يقيم لعازر الميت إلى الحياة، وهنا أظهر مجده كما سجّل لنا الإنجيل. في المعجزة الأولى كان اعتراضه الوحيد على طلب مريم العذراء أمه أن ساعته لم تحن بعد، ولكن هنا وبعد ثلاث سنين وأكثر قد حانت الساعة فلا اعتراض البتة على إتيان المعجزة. وهنا يسجل لنا الإنجيل أيضا أنه أظهر مجده. وهكذا دائمًا، فالمسيح لا يجد إلا في المؤمنين به أنسب الفرص ليصنع آياته ويُظهر مجده. ثم أيضا بعد تحويل الماء إلى خمر بدأ المسيح فورًا يعلِّم عن تغيير وتحويل الإنسان نفسه بالميلاد الجديد من فوق من السماء، من الماء والروح، لحياة أبدية جديدة. وهذه استصعبها نيقوديموس جدا. كذلك في إقامة لعازر من الأموات أعطى الإشارة واضحة لقدرته على الإقامة من الأموات أي التغيير الكلي. وهنا بلغت الصعوبة أقصاها عند الرافضين أيضًا، حتى أنه من شدة عدم تصديقهم عوَّلوا على قتل لعازر والمسيح، منذ تلك اللحظة! ! وهكذا بدأت آلام الموت مبكرة قبل الصليب. . ولكن ما أعجبها مفارقة بحسب المنطق، فآلام السيد بدأت علنًا فور إعلانه عن شخصيته الحقيقية عندما دخل أورشليم كملك إسرائيل، وكصاحب الهيكل. أو بحسب النبوات: السيد الذي يأتي إلى هيكله بغتة ((ملاخي ٣ : ١ ))، ثم تقول النبوات ومن يطيق يوم«مجيئه؟» ((ملاخي ٣ : ۲ )). نعم، فرؤساء الكهنة وكل معلمي الناموس، والقائمون على المقدسات والتعليم، لم يطيقوا أبدًا هذا المنظر! لا لأنه دخل أورشليم والهيكل بعظمة فائقة، ولكن على النقيض، لأنه جاء وديعًا متضعًا راكبًا على حمار، بعكس ما كانوا يتوقعون! لقد بدأت آلامه بالرفض الكامل والمهانة والحقد الشديد، لأنه جاء وديعًا متضعًا بما لا يتناسب وأحلام إسرائيل، وهكذا دخل المسيح من الباب الضيق، وتم فيه القول مكروه الأمة، عبد المتسلطين ((إشعياء ٤٩ : ٧ )). وهكذا، يبدأ درب الصليب مباشرة لأصحاب الحق. حينما تظهر هذه المضادة المكروهة دائمًا في أعين الرؤساء، وهي عدم احتمال المناداة بالحق من فمٍ مستضعف! ! لذلك، لحكمة بالغة جعلت الكنيسة القبطية أسبوع الآلام يبدأ يوم الأحد حيث في هذا اليوم بالذات تبلغ الحفاوة بالمسيح قمتها حينما تنشد الكنيسة أوصنا «خلصنا» في الأعالي يا ملك إسرائيل، مبارك الآتي باسم الرب، وفي نفس الوقت تعود في الحال تنشد الكنيسة مزاميرها بلحنها الحزايني، وترتل الإنجيل بحزن يعصر القلب، وآثار الذبيحة تكون لا تزال قائمة على المذبح. شيئ مذهل! ولكن هذا هو مفهوم المسيح، وهذا هو مفهوم الإنجيل في وعي الكنيسة. مضادة فائقة على العقل يلتحم فيها أشد اليأس والحزن مع أشد الفرح والرجاء! ! فمذخر في وعي الكنيسة وذهنها أن رفض رؤساء الكهنة للمسيح وإيذائه وإهانته وسحقه على الصليب، هذا بعينه أنشأ فرحًا بالخلاص الأبدي لا ينطق به ومجيد! ! الآلام المقبولة: لعل أعمق ما بلغه الإنسان المسيحي من مفهوم صلب المسيح وآلامه أن الصليب بالنسبة للمسيح كان عملا إراديًا مقبولًا الكأس التي أعطانيها الآب ألا أشربها؟ ((يوحنا ١٨ : ١١ )). بل وأكثر من ذلك أيضًا فالآلام والصليب لم تكن إرادية ولم تكن مقبولة وحسب، ولكن كانت مقصدًا وغاية، جاء المسيح ليكملها لهذه الساعة أتيت ((يوحنا ١٢ : ٢٧ ))! هذا يجعلنا نترجمه -نحن المسيحيون- ترجمة فورية بأن المسيحي الذي يؤمن بالصليب حقًا لا يستعمل حقوقه في الهروب من الصليب! ! وأما الإنسان المسيحي الذي أدرك عمق الصليب وأسراره، فهذا يرى الآلام جزء لا يتجزأ من إيمانه، بل ونصيبًا يعتز به ويسعد بتتميمه، وغاية يسعى نحوها بلا خوف! ! وفى التقليد الكنسي تقول الرواية أنّه لما حكم نيرون على بطرس الرسول بالصلب، عندما جاهر بإيمانه بالإله المصلوب، جزع بطرس وراوغ الحراس وهرب. فقابله الرب في الرؤيا، وقال له إلى أين أنت ذاهب يا بطرس؟ هل تريدني أن أذهب وأُصلب بدلًا عنك مرة أخرى؟. . فاحتشم بطرس جدًا وتألم بمرارة كيف سلك هذا المسلك المشين وخان صليب سيده؟ فعاد لتوه وأسلم نفسه لصاليبه! . . وهكذا، يضيف التقليد إلى إيماننا عنصرًا هامًا وخطيرًا أنّ الذي يهرب من كأسه ونصيب آلامه إنما يحرم نفسه من نصيبه في آلام المسيح، ويصبح وكأنه محتاج أن يًصلب المسيح من أجله مجددًا! ! اليد الحبيبة الممدودة بكأس الآلام: لم تخطيء عينا المسيح قط في التعرف على اليد التي تقدم له الآلام، فالمسيح لم يعتبر قط أيدى الأشرار الممدودة بالمطرقة والمسمار، ولا وجوه رؤساء الكهنة الفظّة الحاقدة وهى تصرخ: أصلبه. . أصلبه، بل ولم يعتبر بيلاطس كحاكم أو كناطق بحكم الصليب، ولم تعر أذنا المسيح الشتائم وألفاظ التشفي الصادرة من الحاقدين والموتورين من الفريسيين وحفظة الناموس ومقدسي السبوت؛ بل كانت عينه مثبتة على يد الآب وحدها باعتبارها هى الماسكة بالمطرقة والمسمار، وأذنه تصغي بوضوح إلى فم الآب وحده وهو يتلو منطوق العقوبة من جلد وصلب. . وقد قالها المسيح بوضوح ما بعده وضوح ليس لك سلطان عليَّ البتة إن لم ثعط من فوق ((يوحنا ١٩ : ١١ ))! ! . . لقد ظن بيلاطس أنه كان بسلطانه أن يطلق سراح الرب ولا يحكم بصلبه، فراجعه المسيح في ذلك، بأن ذلك إنما هو ادعاء ووهم، وصحح له مسار القضية كلها من اتهام ودفاع وقضاء. فبيلاطس كان ينطق بما تمليه السماء! ! لا بمقتضى الحكم السنهدريني الغاش، ولا بمقتضى الحكم الروماني المفسود! . . فالحكم بالآلام والموت على الصليب كان أولًا وأخيرًا ممزوجًا حبا بيد الآب الذي أحبه من قبل إنشاء العالم، بل ومن أجل حب الله للعالم! ! . . فلم تكن فيه مرارة كما هو بحسب الظاهر، ولا كان ممزوجًا بحقد الحاقدين وتدبير المرائين بحسب الصورة والشكل، بل نصيبًا مفضلًا من يد الآب نفسه يحمل جوهر الحب والقيامة والحياة! ! . . ولكى نستسيغ هذا النموذج العالي، علينا أن نعود إل النماذج الصغرى المبدعة للصلبان الصغيرة، مثل نموذج يوسف الشاب المبارك الذي لم يحقد على إخوته الذين ألقوه في البئر ثم باعوه بالفضة ليمضى بعيدًا في الغربة إلى مصر وحيدًا، بل كان رافعًا قلبه وعينيه إلى السماء نحو الله معتبرًا أن هذا نصيبه من يد الله مباشرة، فلم ير يوسف يد «أخيه» الخشنة الخائنة التي أدلته بالحبال إلى هاوية البئر، ولا انغلق قلبه من نحو إخوته وهم يقبضون ثمن دمه وهم يبيعونه للاسماعيليين، بل في كل هذا كان ينظر إلى اليد الخفية، يد الله نفسه، وهى تصيغ هذه الحوادث معًا. فنسمعه في النهاية يُطمئن إخوتهعند افتضاح كل شيء ويقول لهم: «أنتم لم ترسلوني إلى هنا بل الله. أنتم أردتم بيشرًا ولكن الله أراد بي خيرًا» ((تكوين ٤٥ : ٨ وتكوين ٥٠ : ٢٠ ))! ! لقد جاء المسيح ليرفع هذه الخبرات الصغرى وهذه النماذج الفردية إلى منهج عام، وقانون إلهي، وصليب فادي كبير، ودستور عهد الله مع الإنسان الذي ختمه بدمه وضمنه بروحه القدوس، قوامه أنّ ما من ألم أو ضربة تصيب خيمتنا الأرضية إلا ووراؤها أحن يد في الوجود، يد الله، تلعب دورها بالحب الخالص! ! فيد المسيح المثقوبة والتي عليها نُقش اسمنا مسبقًا، قد ضمنت خلاصنا جاعلة من آلامنا اليومية وأتعابنا التي تبدو جزافية -مع اضطهاد ظالمينا وجحود الذين يتعاملون معنا كل يوم- صليبًا جميلًا غاية الجمال يحمل لنا بذرة الحياة الأبدية، وله رائحة المسيح الزكية بشبه صليبه في المجد! ! . . اغفر لهم: وليس أدل على قبول المسيح لكأسه من يد الآب، بكل ما فيه من المهانة والفضيحة والعار والألم حتى الموت، وكأنه الحب كل الحب دون تشكك أو تبرم أو حتى معاتبة أو أنين، من قوله يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون ((لوقا ٢٣ : ٣٤ )) وذلك في الساعة الأخيرة عندما بلغ الألم أقصاه، وبلغت الفضيحة مداها وصار الموت على مدى شبر أو دون. فلو لم تكن عينا المسيح مثبتة على يد الآب الممدودة بكأس الألم والموت، ما استطاع المسيح أن يتجاوز المرارة المحيطة به، والعداوة الجاهلة، والأحقاد والتشفي، والظلم الفادح، وكل الحماقات التي أملاها الشيطان على الرؤساء ومقدمي الشعب وعلى التلميذ الخائن! ! . . لذلك، حينا طلب المسيح منا أن ندعو في صلاتنا اليومية بالغفران للذين أساءوا إلينا، لم يكن طلبه هذا من فراغ، ولا كفرائض الناموس العاجزة عن الفداء والخلاص، بل على أساس خلفية الصليب القائم على الطاعة لمحبة الله! والذي طالبنا أن نحمله على شبهه ومثاله. فالذي ينوي أن يحمل صليب المسيح، عليه أول وقبل كل شيء أن لا ينخدع بنظره وراء الأيدي الخشنة الصالبة لآماله ومشاعره، أو يتوه عقله في خبث نيات المتربصين ومؤامرات الحاقدين، ولكن عليه أن يثبت نظره نحو اليد المُحبة الحانية التي وضعت نير الصليب على الكتف بكل المواصفات التي تمت في صليب المسيح، كنصيب معين ومحدد بكل دقة وبحسب تدبير المحبة الإلهية التي تقيس كل شيء على قياس مجد المسيح، وباعتبار أنه مهما ثقل صليبنا ومهما تمادى العدو مع الأشرار في التثقيل بكل حماقة بالحمل الموضوع على كتفنا الضعيف، فإن اليد الإلهية تقيس بدورها أيضًا مقدار ما يناسب من ثقل المجد المقابل في صليب المسيح، بحيث لو رفع عن أعيننا -ولو إلى لحظة- الغشاوة التي ينسجها العدو ضدنا في هذه اللحظات، مع وهن النفس والملل والأعصاب المتأثرة، لأدركنا أن خفة هذا الصليب مع كل ضيقتنا الوقتية قد أنشأت بالفعل ببرهان الروح ثقل مجد أبدي موضوع لنا أمامنا في السماء ومنظور بالروح في عمق أعماق القلب مما يسهل علينا بالفعل أن نغفر بكل القلب ونتمادى في الغفران حتى إلى الدعاء والحب لكل من أساء إلينا وأضرً بنا مهما بلفت الإساءة، ومهما بلغ الضرر ولو إلى حد الموت! ! . . فالحياة الأبدية بكل أمجادها الباهرة كامنة في سر الصليب الصغير الحلو الذي وضعه الرب على أكتافنا! ! . . عداوة لابد منها، أما حقد الذين صلبوا المسيح فلم ينته بعد! مجرد أن ظهرت قوة المسيح الفائقة واستعلنت معجزاته وشاعت أعماله وأقواله المنيرة الباهرة، قام رؤساء الكهنة والكتبة والفريسيون وكل من كان يتعيش باسم الدين ومن وراء خدمة الدين يشككون أولًا، ثم يهاجمون ثم يتربصون ويصطادون الكلمات والأعمال. وأخيرًا كان لابد من التآمر في الخفاء واتخاذ للازم بأقصى سرعة للقضاء على هذا الدخيل قبل أن تضيع هيبتهم وتكسد تجارهم، بحسب تعبير رئيس الكهنة نفسه. فالذي يلزم ويتحتم أن يبرز أمام أعيننا تجاه السبب المباشر في الوقوف ضد المسيح وصلبه من حيث تصرف العالم نحوه، يمكن تلخيصه في جملة واحدة هى «نجاح المسيح الباهر»، نجاحه في الرفع من روح الشعب وفهمه للناموس وإسعاد الناس عامة، وعلى وجه الخصوص الخطاة والمنبوذين والمذلين والمرفوضين والمسحوقين والمرضى بأمراض ميئوس منها والمأسورين برباط الشياطين! ! . . ‏مرة أخرى، نجاح المسيح وحبه وحنانه ولطفه هو سبب كل آلامه وصليبه، هذا من جهة العالم! ! أما من جهة الله الآب، فكان الأمر عكس ذلك تمامًا، ففي الصليب كانت قد تقررت المشورة الأبوية بموافقة الابن بكل الطاعة والرضى، لإنقاذ العالم حتى لا يهلك كل من يؤمن بالمسيح وآلامه. فالصليب هو الفلك الجديد الذي يحمل من كل المستويات، الذي يسير وسط طوفان العالم وتهديدات الموت حتى هذه الساعة، لكى يبلغ بحامليه إلى شاطئ عالم السلام الأبدي. ‏ونفس نوع العداوة التي أظهرها جنود عالم الظلمة ورئيسه من نحو المسيح المخلص، ومع كل أحقاد الصالبين من رؤساء وشيوخ، التي كانت تتحرك من دوافع ذاتية للمنفعة مع تعصبهم الأعمى المزيف للحرف، فلا تزال كما هي حق الآن، تصوّب بنفس الجهالة والتعصب الأعمى المزيف نحو كل من عزم أن يعلن المسيح في حياته ويسير على ‏أثر خطواته. أسبوع الآلام، صورة جديدة للألم بقلم الأب متى المسكين، نُشر أوّل ما نُشر في مجلة مرقس، عدد مارس ١٩٧٩، الصفحات من ۳ إلى ۹ --- ### مسيحيو مصر في كتاب "وصف مصر" - Published: ۲۰۲٤-۰٤-۲۷ - Modified: 2024-10-01 - URL: https://tabcm.net/19565/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أوطيخا القسطنطيني, النسطورية, سمعان بن يونا, كنيسة الإسكندرية, نابليون بونابرت كتاب وصف مصر (بالفرنسية: Description de l'Egypte) عبارة عن 20 مجلدًا بعنوان «وصف مصر: مجموع الملاحظات والبحوث التي تمت في مصر خلال الحملة الفرنسية»، تمت كتابتها وتجميعها إبان الحملة الفرنسية على مصر، حيث اصطحب نابليون بونابرت معه فريقًا من العلماء من كافة التخصصات ليسجلوا ملاحظاتهم. ((الموسوعة البريطانية، Description de l’Egypte )) تاريخ النشر الأصلي 1809، وتاريخ الترجمة 1978. يمكن أن نعد الطوائف الآتية بين المسيحيين: الأقباط: 1ـ طائفة كاثوليكية وتتبع البابا. 2ـ طائفة من الهراطقة وتخضع لبطريرك، ويتبع هؤلاء آراء آرتيخوس ونسطوريوس ، ولكن مع اختلافات كبيرة، وهم ينكرون الطبيعة المزدوجة للمسيح. الأروام: 1ـ الكاثوليك ويخضعون للبابا. 2ـ المنشقون ويخضعون لـ 4 بطاركة، واحد في القسطنطينية وآخر فى القاهرة وثالث في دمشق والرابع في القدس. الأرمن: 1ـ الكاثوليك ويخضعون للبابا. 2ـ المنشقون ويتبعون أحد البطاركة. المارونيون: وهم كاثوليك ويخضعون للبطريرك فى لبنان. وليس في مصر لا كالفانيون ولا لوثريون. عن الأقباط بشكل خاص: لعل أكثر الطوائف إثارة للاهتمام من بين سكان مصر هي طائفة الأقباط بلا جدال، ذلك أنهم يعتبرون أنفسهم أحفاداً للمصريين القدماء، كما يرون في لغتهم وفى المسارات التي سلكتها الأحداث التاريخية ما يرجح كفة مثل هذا الادعاء، ومما لا جدال فيه أن لهم ملمحًا جيوفيزيقيًا شديد القرب من ملمح الأفريقيين لحد يكفي لكي يحملنا على أن ننسب لهم أصلًا يعود إلى الدولة القديمة، ولعل بمقدورنا أن نفترض أن جنسهم قد استطاع أن يظل نقيًا، بعيدًا عن أي اختلاط بالإغريق، إذ ليس بينهما أيّ ملمح من تشابه. فعندما استولى الإسكندر على مصر واستقر فيها الإغريق بشكل دائم تحت حكم البطالمة فلابد أن كان ثمة جنسان متميزان، ومنذ ذلك الوقت أصبح المصريون، الذين عرفوا باسم الأقباط، يشكلون طائفة منعزلة بالرغم من الغزوات المتتابعة من الرومان والعرب والعثمانيين، وما تزال هذه الطائفة منعزلة تمامًا حتى اليوم عن بقية الأجناس التى تشكل الآن الجزء الأعظم من سكان مصر. منذ الأيام الأولى للمسيحية، أرسل بطرس الرسول إلى المصريين القديس مرقص كي يبشرهم بالإنجيل، فجذبت فصاحته وحماسته على الفور العقول، وأصبح له جمهور من الأتباع. وهكذا تأسست كنيسة الإسكندرية التي أصبحت ذائعة الصيت في الوتيخوس ونسطوريوس، وظلت هذه البذور الأولى للانشقاق تعمل عملها حتى اليوم. وللأقباط منشآت دينية بالغة الروعة كما نرى في كثير من الكنائس والأديرة الخربة، كما أنهم أنشأوا في مصر العليا على وجه الخصوص كنائس رائعة. ويبدو الصعيد بمثابة مهد لهم، فقد كانت أعدادهم هناك على الدوام كبيرة ومازال الأمر كذلك حتى اليوم، ولكنهم بعد كثير من التقلبات والأزمات السياسية لقوا مصير سكان مصر الآخرين، ذلك أن ديانتهم بعد أن فقدت جزءًا من سطوتها التي أكدتها سيطرة الأباطرة الرومان، فقدت كذلك جزءًا من عظمتها وازدهارها، وبرغم ذلك فقد ظل لهم ما يقرب من مئة دير، من بينها خمس أديرة خاصة بالنساء: اثنان منها في القاهرة، واثنان في مصر القديمة، وآخر في مكان منعزل بالقرب من منفلوط، وهذا الدير الأخير مثال لحالة بالغة الندرة والشذوذ بشكل غير مستحب، فهو ينقسم إلى قسمين منفصلين واحد للرجال وآخر للنساء يضمهما معًا سور واحد دون أن يكون -رغم ذلك- أيّ اتصال بينهما. ولا يلعب الأقباط في مصر إلا دورًا ضئيلًا، ومهارة شعبهم هي مصدر حياتهم، فقد استطاعوا -تحت حكم الأتراك- أن يحتفظوا بجزء من العمل الإداري لم يخرج مطلقًا عن أيديهم منذ العصور البالغة القدم، وهو مسك سجلات الضرائب والدخول والملكيات، أيّ أنهم -باختصار- الملمّون بمساحة مصر. وهم يُتهمون بأنهم لم يكونوا على الدوام في عملهم هذا على درجة كافية من الأمانة والنزاهة.  وهم يقومون بعمليات تقسيم التركات العقارية، وهم كتبة مصر الحقيقيون، كما أنهم أيضًا مساحوها، وقد انهمك عامتهم في ممارسة فنون الصناعة. وتعيش الأديرة بفعل الهبات، وعن طريق دخول متواضعة تأتى من بعض الملكيات الضئيلة التي احتفظوا بحق استغلالها. كما أنهم يقومون بمساعدة فقرائهم عن طريق جمع تبرعات عامة، ويقوم بجمع هذه التبرعات مفتشون يختارهم البطريرك على الدوام من أبناء العائلات الكبيرة. ورهبانهم بسطاء في ملابسهم وطعامهم، كما أن الرزق -أيّ الدخول- الممنوحة لهم لا تكفيهم إلا مع الحرمان الشديد، لذا فهم لا يأكلون في اليوم سوى مرة واحدة، ويتكون طعامهم من الخضر وقليل من السمك، ولا يسمح عياد. وملابسهم عبارة عن رداء كتاني طويل، والراهبات لسن بأحسن من هؤلاء لبسًا. وهكذا أمكن للأقباط أن يتماسكوا في شكل أمة متحدة داخل بلد منهزم، ويعطى مجتمعهم الصغير لمصر -بفضل بعض الأنظمة المقتبسة من القيم الإنجيلية- مظهرًا من مظاهر الاتحاد والوفاق والألفة، وهو أمر نادر في تلك البلاد التي نكبت بالطغيان والاستبداد. ورغم هذا فإن الأقباط لا يخلون من العيوب... نواصل في لقاء تال... --- ### المسيح دان الخطية في الجسد [٢] - Published: ۲۰۲٤-۰٤-۲٦ - Modified: 2024-04-26 - URL: https://tabcm.net/19557/ - تصنيفات: كتاب مقدس نستكمل الجزء الثاني من الموضوع ونبدأ بالآية (رومية 8: 11) لأنها تلخص شرح المقال الأول: وَإِنْ كَانَ رُوحُ الَّذِي أَقَامَ يَسُوعَ مِنَ الأَمْوَاتِ سَاكِنًا فِيكُمْ، فَالَّذِي أَقَامَ الْمَسِيحَ مِنَ الأَمْوَاتِ سَيُحْيِي أَجْسَادَكُمُ الْمَائِتَةَ أَيْضًا بِرُوحِهِ السَّاكِنِ فِيكُمْ (رسالة بولس إلى رومية 8: 11) شرحنا في المقال الأول أن الشيطان استعبد طبيعة الإنسان بسلطان موت الخطية وأن المسيح الحياة دخل كيان الإنسان بالتجسد فطرد الموت خارجًا. فتجددت الطبيعة البشرية بالانتقال من العبودية للشيطان في الموت، إلى حرية أبناء الله بالحياة في المسيح. وتفاصيل هذا الشرح نوجزه بالقول: إن المسيح له المجد عندما تجسد، لبس جسد آدم بعد السقوط، لذلك واجه الموت المُمسِك بجسد آدم الذي انفصل بالخطية عن حياة الله، بالتالي فإن المسيح ذاق/ جاز/ تمَّمَ الموت بالجسد لأجلنا. ولأن المسيح هو الحياة وأصلها، لذلك طرد الموت من الجسد وأقامه من بين الأموات -ونحن فيه- بطبيعة إنسانية جديدة تأسست أول ما تأسست في ناسوت المسيح الخاص به. ثم وهبها على سبيل النعمة المجانية لكل من يؤمن به و يعتمد. فالمسيح لحظة الحبل به في بطن العذراء، ونتيجة اتحاد لاهوته الحي والمُحيِي بالناسوت، فقد داس موت الخليقة العتيقة التي يلبسها الإنسان بالولادة من بشرية آدم الأول (كما في بشرية العذراء بالضرورة). وبموت الصليب والقبر، خلَع المسيح الخليقة العتيقة كاملًا، وقام في خليقة جديدة للإنسان الجديد هي جسد القيامة خلُّوًا من الخليقة العتيقة: لأَنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّهُ إِنْ نُقِضَ بَيْتُ خَيْمَتِنَا الأَرْضِيُّ، فَلَنَا فِي السَّمَاوَاتِ بِنَاءٌ مِنَ اللهِ، بَيْتٌ غَيْرُ مَصْنُوعٍ بِيَدٍ، أَبَدِيٌّ (رسالة بولس إلى كورنثوس الثانية 5: 1) ونحن -بالإيمان والمعمودية- نلبس تلك الخليقة الجديدة للإنسان الجديد فوق الخليقة العتيقة التي لبسناها بالولادة من آدم الأول: فَإِنَّنَا فِي هذِهِ أَيْضًا نَئِنُّ مُشْتَاقِينَ إِلَى أَنْ نَلْبَسَ فَوْقَهَا مَسْكَنَنَا الَّذِي مِنَ السَّمَاءِ. وَإِنْ كُنَّا لاَبِسِينَ لاَ نُوجَدُ عُرَاةً. فَإِنَّنَا نَحْنُ الَّذِينَ فِي الْخَيْمَةِ نَئِنُّ مُثْقَلِينَ، إِذْ لَسْنَا نُرِيدُ أَنْ نَخْلَعَهَا بَلْ أَنْ نَلْبَسَ فَوْقَهَا، لِكَيْ يُبْتَلَعَ الْمَائِتُ مِنَ الْحَيَاةِ (رسالة بولس إلى كورنثوس الثانية 5: 2- 4) ولابد أن تموت الخليقة العتيقة بموت القبر ثم نخلعها في اليوم الأخير عند القيامة العامة للأموات حيث نقوم بجسد نوراني وطبيعة بشرية جديدة هي جسد قيامة المسيح. فالكنيسة الأرثوذكسية في الشرق المسيحي تؤمن بوراثة البشر ”موت الخطية“ أي الموت الذي تسبب من خطية آدم. بالتالي فإن الخلاص المسيحي في الإيمان الأرثوذكسي هو أساسًا غلبة على الموت وانتصار للحياة في المسيح، وأن غفران الخطايا هو نتيجة لهدم سلطان الموت: والموت الذي دخل إلى العالم بحسد إبليس هدمته بالظهور المحيي الذي لابنك الوحيد يسوع المسيح ربنا (صلاة القداس الباسيلي) لقد أكتمل خلاص الإنسان في بشرية المسيح كباكورة للبشرية كلها، وتتحقق فينا منذ الآن ”بالقيامة الأولى“ (سفر الرؤيا 20: 5-6) من ”موت الخطية“ وسلطان الشيطان”الحق الحق أقول لكم: إنه تأتي ساعة وهي الآن، حين يسمع الأموات صوت ابن الله، والسامعون يحيون“(إنجيل يوحنا 5: 25). ثم ”بالقيامة الثانية“ في اليوم الأخير بخلع الإنسان العتيق”لا تتعجبوا من هذا، فإنه تأتي ساعة فيها يسمع جميع الذين في القبور صوته، فيخرج الذين فعلوا الصالحات إلى قيامة الحياة، والذين عملوا السيئات إلى قيامة الدينونة“ (إنجيل يوحنا 5: 28، 29). لقد ظنَّ الشيطان أنه القوي بسلطان”الشر المُلبِس الموت“(القداس)، لكن ”الله محبة“ وحبه مُلِبسٌ للحياة، لذلك فإن”المحبة قوية كالموت“(سفر نشيد الأنشاد 8: 6) هذا الشرح أعلاه هو مضمون عدد 11 الذي بدأنا به المقال ”وإن كان روح الذي أقام يسوع من الأموات ساكنًا فيكم، فالذي أقام المسيح من الأموات سيحيي أجسادكم المائتة أيضًا بروحه الساكن فيكم“. ثم نأتي إلى شرح عدد 16، 17 اَلرُّوحُ نَفْسُهُ أَيْضًا يَشْهَدُ لأَرْوَاحِنَا أَنَّنَا أَوْلاَدُ اللهِ. فَإِنْ كُنَّا أَوْلاَدًا فَإِنَّنَا وَرَثَةٌ أَيْضًا، وَرَثَةُ اللهِ وَوَارِثُونَ مَعَ الْمَسِيحِ. إِنْ كُنَّا نَتَأَلَّمُ مَعَهُ لِكَيْ نَتَمَجَّدَ أَيْضًا مَعَهُ (رسالة بولس إلى رومية 8: 16، 17) لقد شرحنا العددين في المقال السابق ونضيف ما يلي: الله وحده هو القدوس وليس غيره. وهو سبحانه يعطي القداسة نعمة مجانية كما الميراث هو نعمة مجانية. فالمسيح أورثنا قداسته من خلال شركة التجسد ”من أجلهم أُقدِّس أنا ذاتي“. المسيح وهبنا فيه التبني لله أبيه، فجعلنا ورثة لقداسة الله فيه ”فإن كنا أولادًا فإننا ورثة أيضًا”. ولأننا أولاد آدم الأول بالميلاد الجسدي فقد لبسنا جسده. وورثنا منه موت الخطية الذي دخل طبيعته بالسقوط. ولأن المسيح صار آدم الثاني عندما لبس جسدنا لذلك نحن ورَّثنا حياته عندما قام بجسدنا. ونعود لتكملة شرح آية  التي بدأنا بها في المقال الأول بشرح هذا المقطع المتبقي من الآية:  ”فالله إذ أرسل ابنه في شبه جسد الخطية، ولأجل الخطية، دان الخطية في الجسد“، نقول إن الآية هي استعلان صريح عن دينونة المسيح للشيطان على الصليب عندما عُلِقَ عليه بالجسد. ولشرح دينونة المسيح للشيطان وكيف تحققت بالتجسد والصليب نقول إن المسيح لم يكن ليجوز الموت بالجسد ”ذاق الموت“ لو لم يكن قد حمل خطية الإنسان في جسده -رغم قداسته- كما توضح عبارة ”في شبه جسد الخطية“. وقد تكرر هذا المعني في آيات أخرى من الكتاب: لأَنَّهُ جَعَلَ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ اللهِ فِيهِ (رسالة بولس إلى كورنثوس الثانية 5: 21) - في (1 كورنثوس 6: 17)”مَن إلتصق بالرب فهو روح واحد“وينال من الرب التبرير (التطهير)، والبر (القداسة)، والحياة. و مَن التصق بالخطية صار خطية واستحق الموت ”من التصق بزانية هو جسد واحد لأنه يقول: «يكون الاثنان جسدا واحدا»“. وبهذا فقد انتهي العصر الذي فيه كان الشيطان يصول ويجول بسلطان الخطية والموت يستعبد به الإنسان الخاطئ. فالمسيح ”الله الذي ظهر في الجسد“ فتح باب الخلاص للإنسان بعدما ذاق موت الإنسان على الصليب، ومن ثمة دخلت الحياة إلى بشرية الإنسان. وإن غلبة حياة المسيح على موت الخطية في الإنسان فتح باب التوبة للإنسان إلى الأبد وأغلق الباب أمام شكاية الشيطان ضد الإنسان بدعوى أنه خاطئ مستحق الموت. بالتالي فَقَدَ الشيطان أي سلطان على الإنسان. وعن ذلك قال المسيح ربنا: "رئيس هذا العالم يأتي وليس له فيَّ شئ“(إنجيل يوحنا 14: 30). فهذه هي دينونة المسيح للشيطان في أي شكاية له ضدنا. فالمسيح أسقط كل دعوى وشكاية للشيطان ضد الإنسان إذا وقع في خطية . وعن هذا قال المسيح أيضًا:”أن رئيس هذا العالم قد دين“(إنجيل يوحنا 16: 11) وهذا ما أكده الكتاب هنا في (رومية8: 3) بأن المسيح”دان الخطية في الجسد“. وتأسيسًا على ما سبق، فإذا تجرأ الشيطان وظنَّ أن له أي سلطان على الإنسان الواقع في الخطية كما كان الحال قبل تجسد المسيح، وأن الإنسان لا يستطيع أن يتحرر من عبودية الشيطان وموت الخطية بالتوبة، فإن علامة الصليب مشهَرَة في وجه الشيطان بدينونة المسيح له وهي كفيلة أن تقهره. هذا هو الأساس والسلطان الذي عليه وبه نرى الآباء وكل مَن فيه روح المسيح ينتهرون الشيطان المتسلط على البشر فيغادره. هي موهبة المسيح لنا بالروح القدس لدينونة الشيطان. وأما الذين لا يؤمنون بالمسيح ولم ينالوا الروح القدس بَعد، فإن الروح القدس يظل يبكتهم إلى أن يرجعوا ويقبلوا نعمة الإيمان بالمسيح وسلطان الروح القدس لدينونة الشيطان. هذا ما صرح به الرب يسوع المسيح له كل المجد: ”متى جاء ذاك (الروح القدس) يبكِّت العالم علي دينونة، لأن رئيس هذا العالم قد دِين“. --- ### أتريد أن تبرأ؟ - Published: ۲۰۲٤-۰٤-۲۵ - Modified: 2024-04-23 - URL: https://tabcm.net/19412/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: داود النبي والملك, قديس أوغسطينوس، أسقف هيبو عنوان المقال بمثابة سؤال مثل بالنسبة لي لفترة طويلة كل معاني السذاجة، بالبلدي -هو ده سؤال؟! - هل في مريض مش عاوز يخف؟ عشت سنين طويلة أبحث عن إجابة السؤال لأني مؤمنة أن المسيح لا يمكن أن يطرح أسئلة ساذجة وبعد مشوار كبير في الحياة بدأت أفهم أن هذا السؤال ليس فقط أهم سؤال ممكن يواجهنا كبشر عمومًا، لكن أيضًا هذا السؤال هو الإجابة لأسئلة كثيرة حيرت ومازالت تحيّر الإنسانية عن الخير والشر والظلم وأحيانًا حتى عن الكوارث الطبيعية، إجابة حتى لأسئلة الأنبياء مثل داود النبي حين قال: يارب لماذا... ؟كثر الذين يحزنونني(مزمور 3)تختفي في أزمنة الضيق(مزمور 10)تركتنى(مزمور 22) ... وغيرها   أتريد أن تبرأ؟ سؤال نحتاج أن نجاوب عليه، أوقات شخصيًا وأوقات عن أحباءنا الذين نتمنى أن يشفوا، وطبعًا الحديث هنا عن الشفاء الروحي والنفسي قبل الشفاء الجسدي، وإن كان الارتباط بينهم أصبح لا يحتاج إثبات، وهنا أحب أن أؤكد على الرابطة التي وضحها المسيح وأكد عليها في تعاليمه ومعجزاته ومواقفه بين الأمراض الجسدية والنفسية والروحية، ويمكن العودة تقريبًا لكل معجزاته وتعاليمه، ونبحث عن هذا الرابط وسنكتشفه ببساطة. للإجابة على سؤال: أتريد أن تبرأ؟ لابد أن نفهم أن هذا السؤال فيه مفتاح خلق الإنسان على صورة الله ومثاله، لذلك اختار الله ألا يصنع له دمى (عرايس لعبة) تتحرك وتعيش لكي تنفذ أوامره وبرمجته لها، لكنه اختار أن يخلق بشرًا أحرارًا أولادًا لله، لهم كل الحرية لاختيار الطريقة التي يعيشون بها، ومن ضمن وأهم هذه الاختيارات، علاقتهم، والرابطة بينهم وخالقهم وصانعهم من ناحيتهم، بمعنى أن محبة الله وعطاؤه للبشر ثابت من جهة الله كلي المحبة وكلي العطاء وكلي العدل لجميع البشر دون أي استثناء، ولكن كل إنسان له الحق أن يختار ما يأخذ وما يرفض من هذه العطايا الإلهية أو حتى يرفضها كلها ويرفض الله نفسه. بالتالي يستطيع أيضًا أن يختار إذا كان يريد أن يشفى أم لا، ويمكن الخطوة التي قبلها ومرتبطة بها إذا كان يدرك أنه مريض أم لا؟ وهنا يكمن المفتاح الأول والأهم للشفاء، وهذا أيضًا الأصعب، وهناك كثيرين لا يرفضون فقط أن يروا أنفسهم مرضى، ويحاولون أن يخدعوا من حولهم بمظاهر الصحة المزيفة، لكن أيضًا يخدعون أنفسهم ويقنعونها بأنهم أكثر الناس صحة. وقبل أن يبحث كل شخص منا على الآخرين من حوله، صديقه أو شريكه أو النرجسي الذي في حياته! غالبا كلنا وأنا أولًا، أو على الأقل في مرحلة من مراحل الحياة مرت علينا فترة خداع النفس هذه، والدليل إننا طوال الوقت نقول لبعض: "هي الدنيا جرى لها إيه؟ والناس بقت وحشه كده ليه؟" وكل شخص منا يلقي بهذا على كل من حوله، كأنه هو الوحيد المثالي مع أن لو كان هكذا فعلًا لصرنا نعيش في مجتمعات مثالية. الخطوة الأولى هي اكتشاف المرض، وهي ليست خطوة سهلة لأنها تحتاج لتركيز شديد من النفس ومراقبة لها، وهذا ما أكد عليه السيد المسيح بعمق في مثل القذى والخشبة: يَا مُرَائِي، أَخْرِجْ أَوَّلًا الْخَشَبَةَ مِنْ عَيْنِكَ، وَحِينَئِذٍ تُبْصِرُ جَيِّدًا أَنْ تُخْرِجَ الْقَذَى مِنْ عَيْنِ أَخِيكَ! (إنجيل متى 7: 5) وهذا بالمناسبة ما فعله مريض بركة بيت حسدا لما رد على سؤال المسيح: أتريد أن تبرأ؟ بأنه ليس لي أحد يلقيني في البركة، انصب تركيزه على الناس الذين تركوه ولم يهتموا به، لكن لم يركز في سؤال المسيح نفسه. صدق الإنسان مع نفسه ليس سهلًا ورؤية الإنسان لنفسه من الداخل من أصعب الأمور التي يمكن أن يفعلها، خاصة أن النفس خادعة جدًا وهذا ما بدأنا نقرأ ونسمع عنه كثيرًا عن العقل اللا واعي وكيف أنه يتحكم كثيرًا في تصرفاتنا حتى ونحن لسنا مدركين هذا جيدًا. وهذا ما أشار إليه المسيح حين قال: وَأَعْدَاءُ الإِنْسَانِ أَهْلُ بَيْتِهِ. (إنجيل متى 10: 36) لذا مهم أولًا قَبُول أن كلنا مرضى، وكلنا نحتاج لطبيب، والطبيب لم يأت من أجل الأصحاء، ولكن من أجل المرضى، ونعرف بالضبط نوع المرض الذي نعانيه. الختام والهدف الأساسي لهذا المقال هي فكرة طرح السؤال، وقالها القديس أغسطينوس بمنتهى الجرأة "اللهالذي خلقك، لا يقدر أن يخلصك بدونك" وأنا أضفت ما بين القوسين لأنها تعيد المعنى لأصله، لأنه طبعا يقدر يخلصك لكنه اختار أن يخلقك لا كلعبة، بل اختار  أن يمنحك حريتك كاملة، ومعها مسؤوليتها كاملة، وإذا كان ربنا بنفسه لن يخلصك دون أن تريد فأنت أيضًا لن تقدر على تغيير أحد، لا يريد أن يغير نفسه مهما كنت تحبه، لن تحبه أكثر من الله الذي يحبنا جميعًا، ولكن القانون واضح التغيير والخلاص بإرادتنا. --- ### آباء الكنيسة وعنف العهد القديم - Published: ۲۰۲٤-۰٤-۲٤ - Modified: 2024-05-23 - URL: https://tabcm.net/18976/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, كتاب مقدس - وسوم: أوريجينوس ليونايدس أدامانتيوس, الغنوصية, باسيليدس الغنوصي, توما الأكويني, جورج شلينجتون, حنانيا وسفيرة, سمعان القيرواني, علامة إكليمندس السكندري, قديس أوغسطينوس، أسقف هيبو, قديس بولس الرسول, مرقيون السينوبي في الأجزاء السابقة رأينا حياة المسيح وإن مُحتوى الأناجيل يقدم المسيح كبديل لقيصر، ليس كحاكم أرضي ولكن كمُقدِّم السلام للعالم، الذي يجمع الناس لمملكة الله دون حرب ودون عنف ودون صراع اقتصادي. ووصلنا في نهاية المطاف أنّ الموقف الوحيد الذي فيه عُنف هو اجتياحه للهيكل وقلب موائد الصيارفة والباعة، وناقشنا ما الممكن أن يكون تاريخيًا. نبدأ من الآن في مناقشة موضوعين: (۱) آراء الآباء في العُنف. (۲) آليات قراءة العهد القديم. وسنستحضر مثال وهو تثنية 20: 16-18. يجب التوضيح أنه ليس من ضمن أهدافي تبرير أي نوع من العُنف في العهد القديم لأسباب لاهوتية. إذ وقتها يمكننا القول أنّ الأمر الإلهي هو المِعيار الموضوعي للأخلاق والله قال "كذا"، إذًا "كذا" هو الأخلاقي ويصبح النقاش منتهيًا قبل أن نبدأ (كما ستقرأ كلام توما الإكويني في النهاية ومن قبله أوغسطينوس). لكن لأننا نرى إشكاليات كُبري في هكذا طريقة تفكير، فسنترك التبرير اللاهوتي لأصحابه ونكثف جهودنا تحديدًا على كيفية قراءة كنيسة العهد الجديد لنصوص العهد القديم، والتي نستطيع القول أنها تُعارض ما نقراه في العهد الجديد تعارُضًا مُباشرًا (اللهم إلا في قصة حنانيا وسفيرة). وعندما نتكلم عن العلاقة ما بين العهدين، نحتاج أن نتذكّر أنّه في وقت مُبكِّر كان هناك نِزاع كبير على كيفية تعامُل المسيحيين مع العهد القديم، لدرجه جعلت بعض الفِرَق غير الأرثوذكسية (ولكنهم كانوا يرون أنفسهم مستقيمي الإيمان حتى لو بالتعريف الضيق الحالي نعتبرهم هراطقة) يقولون إن العهدين من إلهين مُختلفين، سنذكر مثالين قد نحتاج لهما مستقبلًا وهما مارسيون وباسيليدس اللاهوتي الغنوسي. مارسيون أو على الأقل المارسيونيين المنتسبين له، كانوا يرون إن إله العهد القديم إله شرير وأدنى مرتبة من إله العهد الجديد ومُختلف تمامًا عنه. أما باسيليدس فرأى أنّ العالم هو صِراع بين إله العهد القديم وإله العهد الجديد، وإن إله العهد الجديد أنقذ المسيح من الموت بأن جعل شخص آخر يأخذ شبهه ويّصلب بدلًا منه، وهكذا يكون خدع إله العهد القديم. ويصف باسيليدس المشهد أنّ المسيح، وبعدما تجنَّب الصليب، قد وقف يشاهد الرومان وهم يصلبون سمعان القيرواني وكان يضحك وهو مُنتصر. إذًا السؤال المطروح سؤال مُهم، وسؤال قديم. لكن دعونا الآن نستعرض خمس فقرات من سفر التثنية 20 :16-20. ونفحص كيف فهم الآباء هذه النصوص؟ أو السؤال بصيغة أخرى: كيف رأي الآباء هذا النص مُتَّسِقًا مع العهد الجديد؟ ما منهجيتهم في التفسير التي جعلتهم يقبلون هذا النص في ظل وجود نصوص أخرى تقول إن العُنف ممنوع؟ والحقيقة إن الآباء لم يعلَّقوا على هذا النص. طبعًا من المُستحيل حَصر كُل كتابات الآباء ولكن بالرجوع للتفاسير التي تعتمد على تفاسير الآباء لا نجد إلا تعليق لكليمندس السكندري على تثنية 20: 19، يتكلم فيه عن رحمة الله للأشجار. أيّ الطريقة الأولى في التعامُل مع النصّ هي تجاهُله، والتعليق على النص الذي تستطيع أن تستخرج منه فائدة فقط. الطريقة الثانية هي ترميز النصوص، بمعنى إخراجها من القالب التاريخي الصِرف إلى قالب المُشابهة النوعية (typological) أو المجازية (allegorical) لكي يمكن بعد ذلك أن تُقرأ في ضوء العهد الجديد، وبذلك يكون لها معنى لا يُخالف العهد الجديد. المشابهة النوعية يعني أن تقرا الحدث بواسطة تحديد مجموعه من العناصر الرئيسية فيه، ثم تبيّن تشابُه هذه العناصر مع حدث آخر في حياة شخص آخَر (المسيح والكنيسة بالنسبة للعهد الجديد). والتفسير الطوبولوجي typological interpretation استخدمه الرسول بولس في رسائله، كما استخدم أيضًا التفسير المجازي allegorical interpretation. الفرق بين الإثنين ليس كبيرًا ((نستخدم هنا شرح V. George Shillington في رسالة دكتوراه قدمها لجامعة مكماستر سنة 1985 ص 72-73. )) لكن من الممكن وصفه بأن الإثنين يرون حقيقه مُتعالية خلف ظاهر النص. التفسير الطوبولوجي يركز على الحدث ويرى كيف تكرر بنفس النمط في حياة شخص آخر ولكن في سياق تاريخي مُختلف تمامًا. بولس والآباء استخدموه بغرض بيان تشابهات في محطات حياة قديسي العهد القديم وحياة المسيح وذلك لرسم خط أوضح لرحلة الخلاص. أما التفسير المجازي فهو غير مَعنِي بالتاريخ ولكن يرتكز على التفاصيل بما في ذلك تقاطُعات الكلمات بين النصوص. تُستخدم تفاصيل النص لكي يستخرج منها المُفسِّر حقيقة معروفة عنده مسبقًا a priori، أي عند قراءة النصّ بهذه الطريقة فلن تتعرف على شيء لم تكن تعرفه، ولكن بالأحرى تُسقط ما تعرفه على النص. وعلى هذا قام شلينجتون بالتمييز بين الطوبولوجي والمجازي إن الطوبولوجي أفقي يهتم بمعنى الحدث التاريخي، ولكن المجازي رأسي يتحرك من النصّ لحقيقة عُليا لا ترتبط بالحدث وتاريخه. في عظاته على سفر يشوع، يقول العلّامة أوريجينوس (أبو التَّفسير المجازي) أنّ اليهود عند قراءة نصوص العهد القديم يصيرون وحشيِّين وعطشى للدَّم لأنهم يظُنُّون أنّ حتى القديسين ضربوا كل حي في عاي إلى أخر شخص هارب. ويقول بعدئذ أنهم لم يفهموا الحقيقة المستورة خلف كلمات النص، وأنّ المقصود من النص هو أنّنا ﻻ نترك أيّ خطايا حيّة بداخلنا وأنّ نقتل الخطايا كلها. وبالتالي فالقديسين هم من يقدرون على هزيمة سُكَّان عاي التي بداخلهم، وتدمير وعدم ترك أي خطية هاربة، وأنّ القديسين هم الذين يحمون قلوبهم بكل إخلاص لكيلا تخرج منها الأفكار الشريرة. وما يقوم به أوريجينوس هنا هو ببساطه إنّه ﻻ يؤرّخ للنصّ أساسًا، وبالتالي لا يستخرج من النصّ حكم شرعي، ولا يستخرِج منه تشريعًا، ولا النصّ فعليًا ذو سُلطه على تفكيره. هو هنا أشبه بالفخَّاري الذي أمسك بقطعة من طين ثم يشكِّلها كما يشاء وكما يشتهي. نقطة انطلاقه هي تعاليم العهد الجديد، وأي نص ستضعه أمامه هو لن يرى فيه استشكالية عنف، لأن النص عنده هو مادة خصبه للتأويل وليس التفسير، وبالتالي هو ﻻ يحاول فهم النص ماذا يقول، ولكن يتعاطى معه وكيف يمكن أن يُسقط عليه فِكرة روحيّة أو فكرة من العهد الجديد. إلى هنا، وسواء تجاهل التعليق على النصّ أو تفسيره بشكل طوبولوجي أو مجازي فلا نجد إجابة الأسئلة المهمة، هل نصوص العُنف تصف شيئًا حدث بالفعل أم لم يحدث؟ ولو حدث، فكيف يتوافق هذا مع نصوص العهد الجديد التي تقول مثلًا إن الذين يأخذون بالسيف بالسيف يؤخذون؟ بعض الآباء حاولوا معالجة الموضوع بشكل أكثر منطقيه، وتبنوا تقسيم بولس لساره وهاجر (باعتبار إن هاجر وابنها يمثلون الجسد لكن ساره وابنها يمثلون الوعد والروح) وقالوا أنّ العهد القديم كان مرحلة تربية طفولية، تعامَل الله فيها مع الشعوب بحسب مستواهم الرُّوحي، لكن في مرحله مُعيَّنه إستعلن نفسه بصوره أكثر وضوحًا وأعلن تعاليم أكثر سمُوًَّا. وإلى هنا والحديث كله على التعامُل مع فِهم العهد القديم وليس مع استقاء أسلوب حياه منه. وإلى الآن لم يحاول أحد أنّ ينظَّر للعُنف بناءًا على هذه النصوص، ولم يخطب أحد قائلًا أنّها قابلة لإعادة تفعيلها، ولم يقل أحد أنّها صالحه لحياة الكنيسة في العهد الجديد. كل ما حدث هو مُحاولات للاستفادة من النص كماده خصبه لتأويله من دون الاستغراق في العنف الذي فيه باعتباره إما رمز أو مسار تاريخي مشابه لرحلة الخلاص أو باعتبارها مرحله انتهت بإعلانات المسيح. بعد ذلك يأتي توما الإكويني، ويستخدم منطق أوغسطينوس في وجود سلطة أخلاقيّة عُليا هي التي تُحدد مشروعية أو عدالة الفعل. فقال الإكويني أنّ كل البشر على السواء، سواء مدانين أو أبرياء، مصيرهم الموت بسبب فساد طبيعتهم بالخطيّة الأولى، وبالتالي الله يُميت ويُبقي كما يشاء بغض النظر عن بر الإنسان، وهكذا ليس في المسألة أيّ ظُلم ((Summa Theologiae I. 94. 5 )). ومع ذلك، قد يعترض الكثيرون على هذا الطرح. وعلى الرغم من ذلك، فإنهم لا يحددون بالضبط مشكلتة العنفيّة في الكتاب المقدس. وينطبق هذا الأمر بصورة تامة على ما يحدث في العهد القديم والعهد الجديد أيضًا، كما هو الحال في قصة حنانيا وسفيرة. فإذا حللت هذه القصة، ستجد أنها معضلة للغاية، وربما تكون من أكثر نصوص العهد الجديد صعوبة في فهم موضوع العنف. --- ### مقاعد الشياطين الوثيرة - Published: ۲۰۲٤-۰٤-۲۳ - Modified: 2025-02-02 - URL: https://tabcm.net/19449/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: إكليروس, الكنيسة القبطية, النسطورية, بوليكاريا, سنكسار, قديس أثناسيوس الرسولي, كرسي روما, ليتورچي, مجمع أفسس الثاني, مجمع خلقيدونية, مجمع نيقية المجامع الكنسية هي أكثر ملاعب الشيطان أناقة وفخامة، والمجتمعون فيها -هؤلاء الذين نأخذ الحل من أفواههم- يخفون بمهارة قرون الشيطان تحت عماماتهم الباذخة. هل تعتقد أن كيرلس قد انتصر في أفسس لأنه كان يملك الإيمان القويم؟ يالك من ساذج يا رعاك الله! ديسقورس كان يملك الإيمان نفسه في خلقيدونيا، ولكنه دهس من أصحاب الإيمان المدحور في أفسس. هؤلاء الحضور في أفسس والذين انتصروا لكيرلس وإيمانه، حضر أكثر من نصفهم -هم انفسهم- في خلقيدونية ((الفاصل الزمني بين المجمعين هو عشرين عاما، وهؤلاء السادة من الأساقفة يُضرب بهم المثل في الأعمار التي يصلون إليها. )) لينتصروا للإيمان الذي دحروه في أفسس. تأخذ من فمهم الحل بصفتهم مجتمعين في أفسس، ولولا أن كنيستك وشعبك متحضر، لكنت تلعنهم -هم انفسهم- كما تفعل بعض الكنائس مع مناوئيها ((راجع "السينوديكون" من قراءات احد الأرثوذكسية للكنيسة الرومية. )). وحتي ترسى في مرفأ القصة المحزنة قبل أن نتلاطم مع أمواجها، سأخبرك أن هناك عاملان حاكمان في مجامع القرون السبعة الأولى. أولهما: هو السلطة الزمنية، وأعني بها الإمبراطورية البيزنطية بإمبراطورها وعائلته الامبراطورية، وحاشيته الامبراطورية. وثانيهما: ذلك الكرسي الأسقفي الذي حفر لنفسه مكانته السامية عن باقي الكنائس، في لغز تاريخي لم أجد له تفسيرًا، وأعني به كرسي روما. حين تضعك الظروف في مواجهة موقف مسكوني، فلابد أن تكون حصيفًا بما يكفي لتأمين جانب هذين العاملين، إن لم تستطع استمالتهما إلى صفّك سيكون عليك أيضا أن تتمتع بحاشية ذكية تؤمن لك سلامة الإجراءات وإحكام تسلسلها بحيث لا تخر المياه. عدا هذا فأنت خاسر وهرطوقي، ولو كنت القديس بولس نفسه، فالمسيحية تحولت إلى دين ودولة، واقتنت ذهب المعز وسيفه، والكونت يجلس أسقفًا، والأسقف يعمل واليًا، وكلاهما يحوز الجاه والمال والسلطة والعبيد. سأتحدث في عجالة سريعة عن خمسة مجامع مسكونية، دون التطرق لأحداثها وملابساته ودهاليزها كما يليق بمقال يكتبه شخص مهذب لم يتمرس على شغل شياطين الإنس. مجمع نيقية 325 الحاجة إلى سنّ قوانين تضبط عمل الإكليروس، استدعت عقد مجمع في فناء القصر الامبراطوري القسطنطيني، وكانت الذريعة هي الصراع الفكري مع الأريوسية، لم تندحر الأريوسية حتي الآن ولا زالت قائمة، ولكن أهم مكاسب المجمع هو توحيد وشحذ صياغة قانون الإيمان في قسمه الأكبر بصورته الحالية والتي يردده كل المسيحيين، وبزوغ نجم أثناسيوس كمفكر مسيحي فذ. تكرس بصورة ودية أن ترتيب الكراسي الشرقية يضع الإسكندرية في المقدمة. مجمع القسطنطينية 381 السبب المعلن لدعوة الإمبراطورية لعقد هذا المجمع هو دحر الهرطقات، أما السبب غير المعلن هو إعادة ترتيب أسبقية الكراسي الشرقية. الهرطقات هي: هرطقة سابيليوس المتوفي حول عام 261 (لاحظ التاريخ) هرطقة مقدونيوس المتوفي حول عام 361 (لاحظ التاريخ) هرطقة أبوليناريوس المعزول من كرسيه أثر مجامع محلية شرقًا وغربًا. (سنكسار الكنيسة القبطية بتاريخ أول أمشير (وليس أبريل) يقول أن المجمع قد ناقش المهرطقين في بدعهم وحاول إعادتهم إلى حظيرة الإيمان) اسفر المجمع عن نتيجتين هامتين، الأولى هي استكمال قانون الإيمان بصورته الحالية، والثانية وهي الكارثة بكل المقاييس، وهي رفع الكرسي الامبراطوري فوق الكرسي السكندري ليصبح الكرسي الأول شرقيًا. رفض كرسي روما الاعتراف بهذا المجمع، حتي اعترف به في مجمع خلقيدونية (ضمن صفقات المجمع المشبوه)، وما لن يذكره لك أحد انه لا توجد أيّة إشارة لقبول كنيستنا هذا المجمع فلم يرد ذكره إطلاقًا والاستشهاد به على لسان باباواتنا، بل أنّ باباواتنا قد عمدوا لتحدي هذا القرار الأخير، والحق أنّ هذا القرار كان بداية انهيار وحدوية الكنيسة، وصنع نعش تماسكها. أما متي اعترفت به كنيستنا ولماذا، فعلم هذا عند ربي، والأمر عندي غير مبرر! مجمع أفسس 431 بدأ الأمر بمحاولة بطريرك الكرسي الإمبراطوري إخراج الفكر الأنطاكي إلى المسكونية بديلًا عن الفكر السكندري، وسعي لعقد مجمع مسكوني صغير يحضره الأساقفة اللاهوتيين في حديقة القصر تحت بصر الإمبراطور ومظلته يتخلص به من عدوه كيرلس، ولكن لأن الرجل قد حاز أعداء كثيرين ذوي نفوذ عارم، كان محتومًا التخلص منه، أفسدت بوليكاريا شقيقة الإمبراطور وأبرز أعدائه كل خططه، فبدلا من المجمع الصغير ورفعاء اللاهوتيين، رتبت لحضور واسع من أساقفة "التقوى الشعبية" وبدلا من حديقة القصر غيرت مكان الانعقاد إلى مدينة أفسس في كابوس لم يكن نسطوريوس ليحلم به أبدا، أسقط في يد الرجل بعد فوات الأوان، وندم على سعيه بعد أن استشرف النتيجة قبل الانعقاد. انتهي المجمع بانتصار "مؤقت" للفكر السكندري، وترسيخ أقدام كيرلس كأعظم لاهوتي مسيحي على المستوي العلمي والبحثي. أما على المستوي الكنسي فالجميع يكره كيرلس.  كرسي روما تجاهل كيرلس ولم يأت على ذكره لقرون طويلة جدا، حتى انه لم يعلنه قديسًا للكنيسة إلا منذ عقود قليلة. الروم لا يجدون من يمنحهم خصوصية وتميز في مواجهة الرومان سوى كيرلس، فيتمسحون به ولكنهم يكرهونه ولا يعتبرون تعاليمه. أما كنيستنا وريثة كيرلس وتراثه فلا تعلم عن تعليمه شيئا، والأدهي أنها اُخترقت حتى باتت تعتنق فكر عدوه. مجمع أفسس الثاني 449 الحلقة قبل الأخيرة في الصراع السكندري الأنطاكي، أرادها الإمبراطور نهاية للصراع وخاتمة للصراعات المتزايدة بعد أن أعاد الأنطاكيين تنظيم صفوفهم ورغبتهم في إعادة الكرة، وإعادة الكرة مرة أخرى إلى الملعب، نزل السكندريون إلى الحلبة عرايا الصدر ينقصهم حنكة كيرلس ومهاراته، والعلاقات الطيبة مع الرومان، ظنوا أن الإيمان القويم بذاته هو الأمان والملجأ، وفي هذا كانوا مخطئين.  من بين العاملين السابق ذكرهما، كان لهم داعم هو الإمبراطور، وعدو زنيم هو الجالس على كرسي روما وقتها. انتهي المجمع بنصر باهر للإيمان الكيرلسي وإزاحة لكل بؤر الصداع النسطوري، ولكنه كان نصرا مؤقتا، ما أن قضي الإمبراطور الداعم نحبه في ظرف غامض، حتى بدأت الأعاصير. يطلق البعض على هذا المجمع "المجمع اللصوصي" في سفالة لا تليق، لكن الأغرب هو أن تنفض كنيستنا غبار حذائها منه في تصرف هو الجنون بعينه، والغباء متجسدًا، وأقولها ويقولها الباحثون: المجمع لا تشوبه شائبة إيمانية. وإنني أرجو أن نضمه إلى ليتورجيتنا بديلًا عن القسطنطينية. مجمع خلقيدونية 451 الرقصة الأكثر إبداعًا للشيطان، لذا سأتركها لمقال قادم. --- ### واحد منا، طُعِن لأجل المسيح - Published: ۲۰۲٤-۰٤-۲۲ - Modified: 2025-03-28 - URL: https://tabcm.net/19429/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, شئون علمانية - وسوم: أسامة بن لادن, أنبا رفائيل، أسقف وسط القاهرة, أنبا سوريال، أسقف ملبورن, الأصولية, الإخوان المسلمين, الروس الأرثوذكس, الروم الأرثوذكس, الكنيسة الجامعة, الكنيسة القبطية, الكنيسة الكاثوليكية, المصري اليوم, النسطورية, بابا تواضروس الثاني, بابا فرنسيس، بابا الڤاتيكان, تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش), جريدة أخبار اليوم, حركة طالبان, خليفة حفتر, رئيس عبد الفتاح السيسي, رئيس محمد محمد مرسي عيسى العياط, سنكسار, ڤاتيكان, مار ماري عمانوئيل, وكالة BBC وعلى غير اتفاق أو سابق إعداد، جاء المدد لجيش مصر من جيش الصليبيين التاريخي الذي تخاطبه داعش بالخناجر وتتوعد رأسه بالذبح وأرضه بالفتح.. جاء من كنيسة روما المجهدة، الفاتيكان، مكتوبًا بالغة الألمانيّة ليتصدر المشهد بغلاف تاريخي في عدد يونيو ٢٠١٥ في يوم الخميس ١٢ فبراير ٢٠١٥، أصدر تنظيم داعش تقريرًا في المجلة الإلكترونية الخاصة «دابق»، ويظهر فيه ٢١ من الأقباط كانوا قد اختطفوا في مدينة سرت الليبية، ويهددهم التنظيم بالقتل انتقامًا من اختطاف النساء المسلمات من قبل الكنيسة القبطية المصرية على حد زعم داعش. ((زينت الجندي، الأهرام أونلاين، Islamic State publishes report on Coptic Egyptian workers kidnapped in Libya )) بعد ثلاث أيام، وفي يوم الأحد ١٥ فبراير ٢٠١٥، ظهر فيديو دمويّ لقطع رؤوس الرهائن الأقباط على الشاطئ ((الجزيرة، فيديو إعدام المصريين. . الأكثر قسوة ورعبا. ))، معنون: رسالة موقعة بالدماء لأمّة الصليب، وحوى منطوقه النص التالي: الحمد لله القوي المتين، والصلاة والسلام على من بُعث بالسّيف رحمة للعالمين. إنَّ هذا البحر الذي غيّبتم به جسد الشّيخ أسامة بن لادن، تقبّله الله، اقسمنا بالله لنشوّبنَّه بدمائك... سنفتح روما بإذن الله، وعد نبيّنا صلّى الله عليه وسلّم، واليوم نحن في جنوب روما في أرض الإسلام، ليبيا، نرسل رسالة أخرى: أيّها الصليبيّون، إنَّ الأمان لكم أماني، لا سيّما أنكم تقاتلونا كافّة، فسنقاتلكم كافّة، حتى تضع الحرب أوزارها. (تفريغ نصّي لفيديو تنظيم داعش، والذي قيل كرسالة معنونة: رسالة موقعة بالدماء لأمّة الصليب) في نفس اليوم، الأحد ١٥ فبراير ٢٠١٥، أكّدت الكنيسة القبطية الأرثوذكسيّة مقتل الأقباط، وأدان الأزهر الحادث، وأعلن الرئيس المصري فترة سبع أيام من الحداد الوطني، وعقد اجتماع عاجل مع مجلس الدفاع الوطني، أعلى هيئة أمنيّة في مصر. خلال ساعات، وفي فجر الإثنين ١٦ فبراير ٢٠١٥، شنت القوات المسلحة المصرية غارات جويّة على مواقع تنظيم داعش في ليبيا. الضربات الجوية استهدفت أهدافًا محددة مسبقًا انتقامًا للعمال المصريين، ونتج عنها قتل ٦٤ من مقاتلي داعش، بينهم ثلاثة من القيادة في المدن الساحلية درنة وسرت. ((وكالة BBC البريطانية، Egypt bombs IS in Libya after beheadings video )) أيدت وسائل الإعلام في كل من الإمارات والبحرين والكويت، بالإضافة إلى روسيا، العمليات العسكرية المصرية في ليبيا، في حين التزم بقيّة العالم بسياسة الصمت الحذر. بعد يومين، وفي فجر الأربعاء ١٨ فبراير ٢٠١٥، تم إنزال برّي لمجموعات مصرية من قوات التدخل السريع للتعامل مع معسكر أبو كريم الوهداني جنوب درنة، ليبيا، وغضّت وسائل التواصل الاجتماعي بروايات شبه متماثلة عن مقتل أكثر من ١٥٠ من عناصر داعش في المعسكر، وأسر العشرات أحياء من بينهم مصريون وعرب وأجانب حسبما ذكرت مصادر من داخل ليبيا، وفي المقابل، فإن خسائر قوات التدخل السريع، وقوامها ٣٠ من أفراد القوات الخاصة المصرية، لم تتعد شهيدين و ٦ مصابين. ((ستيفانو دي باوليس، موندو الإيطالية، وكالة أنسا Libia: allarme armi chimiche Gheddafi, prese da milizie Isis )). كان هناك خبر تغطية بجريدة أخبار اليوم المصرية، لكن سرعان ما تم حذفه. لم نفهم وقتها لماذا، لكن بعدها، جهرت بعض وكالات الأنباء بانحيازاتهم الدينيّة إلى جانب تنظيم داعش واضعين النظام المصري في ورطة أمام العالم. الإسلاميون يتحالفون ضد النظام المصري بداية الاعتراض على الردع المصري جاءت من داخل الفصائل الإسلامية المتصارعة على حكم ليبيا، أي من الذراع السياسي لتنظيم داعش نفسه، أو معاونيه من الإسلاميين على أقل تقدير، حيث عُقد في ليبيا "المؤتمر الوطني العام"، والذي بدأ بمقدّمة إنشائية لإدانة ذبح الأقباط، ثم تلاها بما وصفه بـالعدوان المصري على مدينة درنة، معتبرًا أنّه اعتداء على السيادة الليبية. بجانب ذلك، ذكرت الوكالة الليبية، نقلًا عن تقارير تلفزيونية، أن الضربات الجوية التي شنتها الطائرات المصرية في مدينة درنة، أسفرت عن مقتل ثلاث أطفال وامرأتين، وتدمير عدد من المنازل، لافتةً إلى أن القوات المصرية نفذت ثماني ضربات، شنتها أربع طائرات، ترافقها طائرة خاصة بالتصوير. وأضافت أن الضربات استهدفت في طلعتها الأولى موقعًا لكتيبة شهداء أبو سليم، والجيش الإسلامي، ومقر شركة الجبل، فيما استهدفت الضربات التالية منازل مدنيين في حي شيحة الشرقية، حسبما أوردت الوكالة نقلًا عن قناة النبأ الفضائية. ((CNN العربية، الإمارات، مواقف متضاربة في ليبيا حول ذبح 21 قبطياً وقصف الجيش المصري لمواقع "داعش" في درنة. )) ومن هنا، بات الوضع مشتعلًا، حيث بدأت الماكينة الإعلامية للدول المؤيدة للحكم الإسلامي المتمثل في نظام الرئيس المعزول محمد مرسي، ومن أبرزها قطر وتركيا وغيرهم بالوكالة، والمناوئة بالتبعيّة لنظام جمهورية يوليو المتمثل في نظام الرئيس عبد الفتاح السيسي. تعاونت تلك الماكينة الإعلامية على إعادة إنتاج المشهد باعتباره تدخلًا عسكريًا في السيادة الليبية لمعاونة خليفة حفتر. وصار الوضع الدولي مضطربًا ومشوشًا بعد أن تم إفقاد مصر أخلاقيّة الدفاع الحمائي عن مواطنيها الأقباط، وإظهار نظامها كنظام عسكري، يقود عمليات عسكرية ضد مدنيين أبرياء بهدف مساندة حلفائه العسكريين في ليبيا. عن ألسنتنا المقطوعة المشكلة الأعقد في مثل هذه المواقف أنه ﻻ يوجد ما يمكن فعله من داخل مصر. فأي سلوك من أفراد أو مؤسسات مصرية داعم لعمليات القوات المسلّحة المصرية لطالما صدر من داخل مصر فسيتم تأويله بالانحياز القومي الطبيعي والحكومي لجيش البلاد. وحتى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية نفسها والتي -اعتباريًا- هي أمّ لشهداء الأقباط في ليبيا، والتي إليها تقدّم كل دول العالم العزاء، تعتبر في مثل هذه المواقف مجروحة الثقة الدولية باعتبارها ذراع ديني للدولة المصرية، وبشكل عام، كلام الأم الكلوم ﻻ يعتد به العالم. وعلى غير اتفاق أو سابق إعداد، جاء المدد لجيش مصر من جيش الصليبيين التاريخي الذي تخاطبه داعش بالخناجر وتتوعد رأسه بالذبح وأرضه بالفتح. . جاء من كنيسة روما المجهدة، الفاتيكان، مكتوبًا بالغة الألمانيّة ليتصدر المشهد بغلاف تاريخي في عدد يونيو ٢٠١٥: واحد منا Einer von uns ذُبح لأجل المسيح Geopfert für Christus ﻻ أريد إفساد روعة المشهد الإنساني النبيل بتحليلاتِ سياسية، لكن أوّل من ضم الشهداء المصريين إلى الصليبيين كافّة، وأوّل من توعّد روما بالفتح، كان تنظيم الدولة الإسلامية في بيانه الذي قسم به العالم إلى شطرين: فسطاط الإيمان ورمزه أسامة بن لادن ، وفسطاط الكفر بقيادة العالم الأوربي ومركزه إمبراطوريّة روما القديمة. وربّما يكون هذا بالتحديد السبب الذي أدّى لتأخر تدخل الفاتيكان بهذه الكيفيّة إلى شهر يونيو بينما الأحداث بدأت في النصف الأخير من فبراير. إذ أنّ أيّ تدخّل من قيادات دينيّة مسيحيّة كبرى قد يزيد من حالة الاستقطاب ويزيد من الخصوم للنظام المصري الذي لديه من الخصومة مع الإسلاميين ما يكفيه. لكن الفاتيكان شئنًا أم أبينًا هي دولة. لها مبعوثين وسفراء في خمس قارات من بينهم مصر، وليبيا، ومنهم أيضًا ألمانيا، أهم داعم أوربي لنظام الإخوان المسلمين، وإلا فلماذا بربّك يصدر العدد من هذه الدولة وهذه اللغة؟ لماذا يقول المانشيت "واحد منا" وهم عدديًا واحد وعشرين شهيدًا؟ لا يتصّور أحد بالتأكيد أنّ صفحة الغلاف لا تتسع إلا لرأس مقطوع واحد! على كل الأحوال، التوازنات السياسية لا تفسد المشهد الإنساني بل تعضّده، وتجعل لكل شيء تحت السماء وقت يتجلّى فيه. فالمشهد الإنساني الذي أيقظه الفاتيكان لم ينته بغلاف يونيو ٢٠١٥، ففي مايو ٢٠٢٣ أعلن البابا فرانسيس، بابا الفاتيكان، اعتراف الكنيسة الكاثوليكية الرومانية بشهداء الأقباط الـ٢١ في ليبيا، كشهداءً في الكنيسة الجامعة، ومدوّنين في سير السنكسار الروماني، مشيرًا إلى أنه سيقوم بعمل مذبح على اسمهم. ((يسام رمضان، جريدة المصري اليوم، بابا الفاتيكان: إدراج الأقباط المصريين ضحايا داعش في ليبيا ضمن «سير القديسين والشهداء». )) ومن جانبه، أهدى قداسة البابا تواضروس الثاني للبابا فرانسيس صندوقًا يحوى أجزاء من ملابس الشهداء ومتعلقاتهم مع ثلاثة أربطة من التي رُبِطَت أيديهم بها وقت استشهادهم ذبحًا. لم نر أو نسمع عن رابطة كاثوليكية تنفي نقاوة شهدائنا، أو تتفوه بشعرة عن إيمانهم رغم كونهم عقائديًا ليسوا من الكاثوليك، والأوربيون تحديدًا لو سألتهم عن ديانتهم يجيبونك: "كاثوليكي" وليس "مسيحي كاثوليكي" مثلًا. لم نر أو نسمع عن فرد واحد زايد على إيمانهم ورفع في وجوهنا شعار "لا وحدة قبل وحدة اﻹيمان" التي نسمعها من بعض الأرثوذكس المحليّين في أي موقف تقارب مع الطوائف المسيحية، وأتحدث هنا عن هؤلاء الأصوليين المتعصبين الذين فعليًا يريدون أن يتحوّل الكاثوليك أرثوذكسًا قبل السماح بالصلاة المشتركة! لم نجد كهنتهم وأساقفتهم وكرادلتهم يعلقون على حادث الاعتداء على "مار ماري عمانوئيل" بكلمات أقل ما توصف بأنها عاديّة، أو واجبة، ﻻ إحساس فيها، ثم يتبعها الأصولي بتحذير من تعاليم الكنيسة الآشوريّة التي ينتمي إليها وإنهم "هراطقة"، وأحيانًا "غير المسيحيين" كما قال الأنبا سوريال، أسقف ملبورن، أو أن الواجب الإنساني المقدم له كما الواجب المقدم "للملحد" كما عقّب الأنبا رفائيل، أسقف كنائس وسط القاهرة. وسيجيبونك من أطنان كتب التراث الطقسي المهترئة في عصور ما قبل الانشقاق بأن المقابلة غير واردة، فشهداء الأقباط في ليبيا قد ذبحوا حتى فاضت دمائهم في البحر المتوسط، بينما عمانوئيل فشل طاعنه في قتله وهو حيّ يُرزق وزي القرد، والذبيح ينال "معموديّة الدم" التي لا يختلف عليها أحد. عفوًا، وهل تقيّد الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسية في سنكسارها كل شهيد بمعموديّة الدم من غير الأرثوذكس أو ممن تراهم هراطقة أو غير معمّدين بما فيهم الفردين المصريين من القوات الخاصة، والذين استشهدا أيضًا في عمليّة الإنزال البريّ؟ ماذا عن شهداء الروس الأرثوذكس، والروم الأرثوذكس، والذين نعترف فعليًا بمعمودياتهم لكن يفصلنا عنهم الخلاف الخلقيدوني الإداري غير العقائدي؟ ثم من الذي يتحدث عن الشهداء وتقييد أسمائهم في السنكسار؟ نحن نتحدث عن موقف مسيحيّ غير مزدوج المعايير! يا سيدي فليبق الاختلاف العقائدي قائمًا لكن لكل حادث حديث! هل يجب أن يموت عمانويل جديد حتى تتكرم سيادتك بالتعاطف غير المهموز الملموز وقتها؟ أشعر أن شهدائنا، يخجلون منا. . --- ### أنا هو نور العالم - Published: ۲۰۲٤-۰٤-۲۱ - Modified: 2024-04-16 - URL: https://tabcm.net/19261/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: الأب متى المسكين, المولود أعمى, بركة سلوام, نيقوديموس, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية أنا هو نور العالم بقلم الأب متى المسكين، نُشر أوّل ما نُشر في مجلة مرقس، عدد فبراير ١٩٨٠، الصفحات من ١ إلى ٤ أنا هو نور العالم، عظة أُلقيت على إنجيل قداس أحد التناصير، للأب متى المسكين. إنجيل قداس اليوم، إنجيل النور، إنجيل الأعمى الذي جعله المسيح يبصر. وطقس الكنيسة يحدد أنّ هذا اليوم هو أيضًا أحد التناصير. إذ معروف أن الكنيسة في العصور الأولى ربطت بين إنجيل الأعمى وطقس المعمودية ربطًا شديدًا. ويوجد في سراديب روما التي من القرن الثاني نقوش بالفريسكو لإنجيل الأعمى تحت عنوان العمودية كشرح لعملها السري. كذلك يربط الآباء جميعًا بين إنجيل الأعمى وطقس المعمودية في عظاتهم مثل القديس أمبروسيوس في المقالة ٣‏ على الأسرار. تذكرون أنّه في يوم الجمعة الماضي كان موضوع إنجيل القداس الميلاد من فوق كضرورة حتمية لرؤية الملكوت، فالمسيح يؤكد لنيقوديموس الذي كان ير يد أن يعتمد على حذقه في معرفة الناموس كمعلم وكمن يرى الحق أو النور، يؤكد له أنّه مخطئ ويجري وراء السراب، ثم صحح له الوسيلة والطريق: إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله ((يوحنا ۳ : ٥ )). والرؤيا هنا كما قلنا هي رؤية القلب أو رؤية المعرفة. أي إن الميلاد من فوق أو «المعمودية» هي الطريق الوحيد لرؤية ومعرفة الملكوت. والمسيح في إنجيل هذا اليوم، وهو يعطي نور البصيرة للأعمى، يكمل ويدعم ما قاله لنيقوديموس، إنما بواسطة المعجزة التي جعلها آية لصدق دعوته أنه هو «النور» و «الحياة»، فهو يجعل الأعمى يبصر وكأنه يقول لنا أن الإنسان بالإيمان بالمسيح قد انفتح أمامه مجال تجديد خلقته بلا حدود. والدعم هنا في تفتيح عين الأعمى يتجه إلى ناحيتين: الأولى: أن المسيح نور بالحق، فهو قادر أن يقهر الظلمة بصورة مادية على مستوى خلقة أعين جديدة تنقل الإنسان من ظلمة العمى إلى نور النظر، وإشارة وتأكيدًا للوضع الروحي النور أضاء في الظلمة والظلمة لم تدركه ((يوحنا ۱ : ٥ )). النور هنا ينتقل من المسيح إلى الإنسان بالفعل. ويتحقق بصورة واقعية وملموسة أن المسيح هو نور العالم وكقوة قاهرة للظلام! ! والثاني: أنّه قادر أن يجعل الذي كان بلا عين أصلًا منذ ولادته الأولى يبصر. ومعروف أن كل نقص في الخلقة للمولود كان يعتبره اليهود عقابًا سمائيًا بسبب الخطيئة، لذلك كانت الذبيحة ينبغي أن تخلو من كل عيب في العيون. وهنا يظهر المسيح أنه قادر أن يعطي حواسًا جديدة للإنسان، وإن كانت هنا على المستوى المادي فهي إشارة مبدعة وآية عملية على قدرته على إعطاء حواس جديدة على المستوى الروحي. كما تحمل ضمنًا وبصورة حاسمة قدرة المسيح على تصحيح خلقة الإنسان كإشارة عميقة لقدرته على خلقة الإنسان كليًا خلقة جديدة تنقله من حالة النقص إلى حالة الكمال. العلاقة بين المعمودية ورؤية الملكوت: ولكي يشرح لنا المسيح بصورة مادية العلاقة الأساسية القائمة بين المعمودية وبين القدرة على رؤ ية الملكوت، أعطى الأعمى أمرًا (كلمة) أن «يغتسل بالماء» لكي يبصر. فالاغتسال بالماء هنا كطاعة لكلمة المسيح الروحية أو الإلهية إشارة سرية عميقة لفاعلية المعمودية بالماء باسم المسيح أو بقوة الكلمة الحية. ومعنى هذا أن الماء الذي يعطي ميلادًا بالروح من فوق في المعمودية هو أيضًا يُعطي بالروح بكلمة المسيح بصيرة لرؤية النور. ولكي يكشف الإنجيل عن «السر» المحيط بالماء الذي فتح عيني الأعمى، حتى لا يُظن أنه مجرد ماء وبوضعه الظاهري، حدد له المسيح بركة سلوام بالذات، ثم أعطى المسيح بنفسه تفسيرًا لاسم هذه البركة سلوام قائلًا: الذي تفسيره «مُرسَل» απεσταλμένος ((يوحنا ۹ : ٧ )). والإشارة هنا تتجه نحو المسيح نفسه مباشرة، لأنه هو المرسَل الحقيقي الذي قد أرسله الآب بحسب تعبير المسيح نفسه، أي إن الاغتسال في بركة سلوام يستمد سر فاعليته من صميم رسالة المسيح. كذلك معروف أنه في عيد المظال هذا الذي صنع فيه المسيح معجزة الأعمى، كان يُعمل فيه طقس تذكار الصخرة، والصخرة كانت المسيح ((كورنثوس الأولى ١٠ : ٤ )) حيث كان رئيس الكهنة يملأ بنفسه جرة فضية (عوض الصخرة في بريّة سيناء) من ماء سلوام و يصبها على المذبح. أي إن ماء سلوام الذي فتح عيني الأعمى كان هو هو رمز المسيح نفسه «المُرسَل» لهذا الغرض عينه، أي لإعطاء الحياة والنور للناس. وهذه إشارة غاية في العمق والسرية، ترفع من مفهوم الماء في المعمودية إلى معنى طبيعة الكلمة في إعطاء الحياة والاستنارة وحواس جديدة للإنسان المولود من فوق، تؤهله لرؤية الملكوت وقبول الحياة الأبدية. معجزة المولود أعمى: شرح لعمل المسيح في المعمودية: إذن فإنجيل قداس اليوم يشرح لنا قمة عمل المسيح في المعمودية بصفته النور والحياة في ماء سلوام. وهذا تطبيق عملي رائع لما قاله القديس يوحنا في بدء إنجيله فيه كانت الحياة والحياة كانت نور الناس ((يوحنا ١ : ٤ )) فماء المعمودية وإن كان لا يزيد في شكله وطبيعته الظاهرية عن ماء بركة سلوام، إلا أنه في جوهره -بسبب كلمة المسيح- هو حياة ونور لخليقة جديدة. ماء العمودية هو لنا جميعًا ماء سلوام الروحية -أو بحسب تعبير القديس يوحنا ذهبي الفم «ماء المُرسَل» ((على إنجيل يوحنا، العظة ٩. ))، ماء المسيح، الماء الحقيقي الحي والماء الذي أنا أعطي ينبع إلى حياة أبدية ((يوحنا ٤ : ١٤ )) الذي منه أُعطِي للإنسان أن يُخلق جديدًا بالحق! ! هنا محاولة قوية وعجيبة من الإنجيل ليشرح لنا سر ماء المعمودية بطبيعته الجديدة، ماء بركة سلوام الجديدة، الذي كل من يغتسل فيه ينال بطاعة الكلمة واسم المسيح الحياة الجديدة والبصيرة السمائية لرؤية النور الحقيقي... ولهذا اعتُبرت المعمودية في طقس الكنيسة الأرثوذكسية موهبة الحياة الجديدة وموهبة الاستنارة معًا بآن واحد! ! حيث يعبَّر عنها في الطقس بحمل المُعمَّد لشمعة في يده وهو خارج من جرن المعمودية وبثيابه البيضاء، المشروح معناها في سفر الرؤيا أنها تعبير عن نصرة الحياة الجديدة المبيضة في دم الخروف، أي تعبيرًا عن الحياة الجديدة للمُعمَّد؛ والشمعة أنه كان أعمى والآن يبصر. حيث يصبح عليه في الحال أن «يخبر بفضل الذي دعاه من الظلمة إلى نوره العجيب» ((بطرس الأولى ٢ : ٩ ))، والظلمة هي دائمًا حياة الخطيئة، والنور هو حياة البر والقداسة والحق في المسيح. المسيح هو حياة ونور الخليقة الجديدة: وإنجيل الأعمى يشير إلى المسبح كمصدر حياة ونور: حياة بسبب العين الجديدة كليّة التي خلقها له المسيح، والنور لأنه أبصر فرأى العالم حوله. ويمتد الإنجيل ليشرح لنا كيف انتقل هذا الأعمى مرة أخرى وبنقلة روحية أعلى من ظلمة المعرفة إلى نور الحق، حتى أنه شهد للمسيح دون أن يراه، بل وشهد له بقوة حجة أذهلت الفريسيين. وينبغي أن نلتفت جدًا أن الأعمى حينما اغتسل في بركة سلوام وعاد بصيرًا، كان المسيح قد ترك المكان، فلم يجده الأعمى، وبالتالي لم يره بعينيه أو يتعرف عليه! ! ((يوحنا ٩ : ١١-١٢ )). وبالرغم من ذلك دافع عن المسيح معتبرًا إياه نبيًا. وشهد له بلا أدنى خوف أو حذر من تهديد الفريسيين بطرده من المجمع إزاء إصراره على الشهادة للمسيح. وبالفعل طردوه، فقبل هو هذه العقوبة المرعبة التي تُفقده كل الحقوق التي للمواطن الإسرائيلي دون أن يندم أو يهتم بمصيره الشاق... لكن كان إزاء هذه الشجاعة المخلصة والأمانة لفضل المسيح، باعتباره مجرد إنسان نبي، والتي كلفته الطرد من رعوية إسرائيل؛ أن ظهر له المسيح وأعلن له حقيقة نفسه: أنه إبن الله لكي ينال بالإيمان به الخلاص، فآمن وخر ساجدًا له. فتم فيه قول المسيح الله طالب هؤلاء الساجدين له بالروح والحق ((يوحنا ٤ : ٢٣ )) فصار الأعمى بالضرورة من أبناء الله أما الذين قبلوه فأعطاهم سلطانا أن يصيروا أولاد الله المؤمنين باسمه، الذين وُلدوا ليس من دم ولا من مشيئة جسد ولا من مشيئة رجل بل من الله وُلدوا ((يوحنا ١ : ١٣ )). وهكذا نجد أن إنجيل الأعمى هو في الحقيقة شرح عملي لفاعلية المعمودية حينما يساندها الإيمان مَن آمن واعتمد خلص ((مرقس ١٦ : ١٦ )) لأن الانتقال من الظلمة إلى النور هو الصفة السائدة لمفهوم عمل المعمودية: منقذًا إياك من الشعب والأمم الذين «أرسلك» إليهم لتفتح عيونهم كي يرجعوا من الظلمات إلى النور ومن سلطان الشيطان إلى الله (أعمال الرسل ٢٦ : ١٧)‏ لأنكم كنتم قبلًا ظلمة وأما الآن فنور في الرب. اسلكوا كأولاد نور (أفسس ٥ : ٨) لكي تخبروا بفضائل الذي دعاكم من الظلمة إلى نوره العجيب (بطرس الأولى ٢ : ٩) هذه الآيات كلها تخص فعل المعمودية المباشر وصفة المُعمَدين. والقديس يوحنا ذهبي الفم يُعلق على طرده من الهيكل هكذا: أخرَجوه خارج الهيكل، فقبِله ربّ الهيكل. (يوحنا فم الذهب، على إنجيل يوحنا، العظة ٩) وهكذا يعطينا الأعمى مثلًا رائعًا لإنسان فاقد البصر والبصيرة، استطاع أن يعبر بواسطة الإيمان بالمسيح من الظلمة إلى النور، ومن الجهل والعمى الروحي إلى الإيمان والثقة والعبادة والسجود لله الحي، ومن العوز إلى الملء. وهكذا يُعطي الإنجيل إشارة إلى أن كل مرض وكل عمى وكل نقص في الخلقة يمكن بالإيمان أن يتحول إلى حياة أبدية وإلى تمجيد الله. هذا المرض ليس للموت، بل لأجل مجد الله، وليتمجد ابن الله به. (يوحنا ١١ : ٤) لا هذا أخطأ ولا أبواه، ولكن لتظهر أعمال الله فيه. (يوحنا ٩ : ٣)   أنا هو نور العالم بقلم الأب متى المسكين، نُشر أوّل ما نُشر في مجلة مرقس، عدد فبراير ١٩٨٠، الصفحات من ١ إلى ٤ . --- ### الأنبا شنودة وشعار "من حق الشعب أن يختار راعيه" - Published: ۲۰۲٤-۰٤-۲۰ - Modified: 2024-04-18 - URL: https://tabcm.net/19306/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: القرعة الهيكلية, المجلس الملي, المجمع المقدس, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس السادس, دسقولية, رئيس جمال عبد الناصر, مجلة الكرازة, مدارس الأحد وظل الأنبا شنودة يضغط بشدة على البابا كيرلس في مجلة الكرازة حتى اضطر البابا أن يغلق المجلة التي أسماها مجلة "القذارة" وذلك في عام 1967 كما حبسه في الدير لعدة شهور ثم رسم الأنبا غريغوريوس أسقفًا للبحث العلمي عام 1968. لماذا رفع الأنبا شنودة هذا الشعار؟ أول مرة ظهر هذا الشعار كان في أول عدد من مجلة الكرازة في عام 1965. هذه المجلة صدرت للهجوم على البابا الأنبا كيرلس السادس كما فعل في مجلة مدارس الأحد عندما هاجم الأنبا يوساب الثاني وشوه سمعته على مستوى شعبي حتى تم عزل البابا من كرسيه! كان متصور أنه سيفلح في عمل نفس الشيء مع البابا كيرلس، فرفع شعار "من حق الشعب أن يختار راعيه". وكان لهذا الشعار جانبين: أولًا: كان يهاجم نظام القرعة الهيكلية حيث كان أول مرة يطبق في انتخابات البابا كيرلس، وهو فعلًا نظام غير قانوني فالمفروض أن كل الشعب يختار الأسقف (البابا) حسب الدسقولية وقوانين المجامع المسكونية، بينما في انتخابات البابا الأنبا كيرلس مُنع الشعب لأول مرة من الانتخاب طبقا للائحة 1957، واختاروا عددًا محددًا معظمهم من هيئة الأوقاف القبطية والمجلس الملي لينتخبوا البابا، وحتى يرضوا الشعب الذي كان غاضبًا، عملوا نظام القرعة الهيكلية وهو أيضا نظام غير قانوني!   طبعا الأنبا شنودة كان غاضبًا جدًا على هذه اللائحة لأنه كان الغرض منها هو استبعاد مرشحي مدارس الأحد من الانتخابات، وكان هو أحدهم، حيث كان جمال عبد الناصر رافضًا ترشيحهم بسبب موقفهم المزري من الأنبا يوساب! الأنبا شنودة كان دائمًا يرمي الكلام عن البابا كيرلس أنه وصل للكرسي بنظام غير قانوني وهو نظام القرعة الهيكلية! ولما هو وصل بالقرعة أصبح المختار من الله!   ثانيًا: كان الأنبا شنودة يحاول أن يفرض على البابا بعض من رجاله ليرسمهم أساقفة (مثلما فعل الأنبا صموئيل) فكان عندما يتنيح أسقف يذهب لمقر المطرانية ويعمل عدة عظات ونشاط روحي ضمن عمل دعاية انتخابية لمرشحه ليفرضه أسقفًا. فيقدم الشعب تزكيات لمرشح الأنبا شنودة! البابا كيرلس كان منتبهًا لهذا الموضوع وكان يعرف أنه يحاول أن يعمل له أغلبية داخل المجمع المقدس، فكان حذر جدًا من ذلك. فلما كانت تصله التزكيات للمرشح التابع للأنبا شنودة كان يرفضها! لذلك رفع شعار "من حق الشعب أن يختار راعيه" ليحرج الأنبا كيرلس مع شعب الإيبارشية التي يرفض مرشحهم. وظل الأنبا شنودة يضغط بشدة على البابا كيرلس في مجلة الكرازة، حتى اضطر البابا أن يغلق المجلة التي أسماها مجلة "القذارة" وذلك في عام 1967، كما حبسه في الدير لعدة شهور، ثم رسم الأنبا غريغوريوس أسقفًا للبحث العلمي عام 1968. --- ### هل كان نسطور نسطوريا؟ - Published: ۲۰۲٤-۰٤-۱۹ - Modified: 2025-03-29 - URL: https://tabcm.net/19286/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, تاريخ وميثولوچيا - وسوم: آريوسية, أفلاطون, أنبا إبيفانيوس المقاري, أنبا بيشوي، مطران دمياط وكفر الشيخ, أوريجينوس ليونايدس أدامانتيوس, إبيفانيوس، أسقف سلاميس, إمبراطور ثيؤدوسيوس الكبير, الإمبراطورية الرومانية, التفسير الحرفي, الكنيسة السريانية, النسطورية, ايه. سي. زينوس, بابا كيرلس عمود الدين, بانوبوليس, بولا ساويرس, بوليكاريا, تادرس يعقوب ملطي, ثيؤدورس المصيصي, ثيؤدوسيوس الصغير, ثيؤطوكوس, جايوس فلاڤيوس ڤاليريوس أوريلوس قسطنطينوس, دير الأنبا مقار الكبير, سبت النور, ستعود بقوة أعظم, سقراط, سقراط القسطنطيني, سلستين الأول, عيد الميلاد, فلافيان القسطنطيني, فوطيفار, كرسي القسطنطينية, كريستولوچي, كنيسة الإسكندرية, ليبانيوس, مجمع القسطنطينية, مجمع خلقيدونية, مدرسة أنطاكية, مدرسة الإسكندرية, مرسوم ميلان, مرقيون السينوبي, نسطوريوس، بطريرك القسطنطينية, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية تم سحق النسطورية داخل الإمبراطورية الرومانية لكنها نجت خارج حدودها. وقد تبنتها الكنيسة المسيحية في بلاد فارس، وذلك إلى حد كبير للحصول على حماية حكامها من خلال التأكيد لهم أن دينها ليس دين أعدائهم الرومان. تستمر النسطورية حتى اليوم، على الرغم من قلة أتباعها، حيث توجد مجموعات في العراق والهند وإيران وسوريا وأمريكا الشمالية والجنوبية، ومؤخرًا: أستراليا نسطور، أو نسطورس، أو نسطوريوس كان بطريرك القسطنطينية من ٤٢٨م إلى ٤٣١م. بحسب المصادر المشرقية، ولد نسطورس عام ٣٨١م بمدينة مرعش في سوريا، وتربى في أنطاكية، وترهبن بدير أيروبيوس، وتتلمذ على يد ثيؤدورس المصيصي ((ثيؤدورس المصيصي: ولد بأنطاكية ٣٥٠م. درس الخطابة والأدب على يد ليبانيوس حيث التقى بيوحنا الذهبي الفم وصارا صديقين والتحق الاثنان بمدرسة ديؤدور في دير بأنطاكية حيث عاشا في حياة نسكية وتكريس لدراسة الكتاب المقدس، بعدها ترك ثيؤدور الرهبنة، وصار محاميًا، وتزوج من يهودية جميلة وانتهت زيجتهما بالفشل. فأرسل له يوحنا الذهبي الفم رسالتين يحثه فيهما على الرجوع لحياته الأولى (تم ترجمتهما للعربية بعنوان ستعود بقوة أعظم) فعاد لحياة الرهبنة، وسيم كاهنًا بواسطة الأسقف فلافيان القسطنطيني على الميصة، وقد بقي حتى نياحته ٤٢٨م. في كرسيه، لكنه دين بعد وفاته بـ ١٢٥ سنة كهرطوقي، بكونه انحرف إلى نوع من البيلاجية أما عن كتاباته، فهو خير من يمثل مدرسة أنطاكية التفسيرية، الرافضة للفكر الإسكندري الرمزي. فَسَّرَ جميع الأسفار بطريقة تاريخية نقدية. ويُعتبر أول من استخدم النقد الحرفي لحل مشاكل نصوص الكتاب، كما ضم تفسيره عددًا كبيرًا من المقالات العقيدية والجدلية، وعندما دين كهرطوقي بادت أغلب كتاباته حتى اُكتشفت بواسطة بعض الدارسين المحدثين. ))، واختير ليكون شماسًا ثم قسًا في كاتدرائية أنطاكية، واشتهر بفصاحته وقوة عظاته. ولكونه درس اليونانية ومبادئ العلوم في مرعش ثم تشبع بمبادئ مدرسة أنطاكية اللاهوتية، لذلك اختاره الإمبراطور ثيؤدوسيوس الثاني ليكون بطريركًا على كرسي القسطنطينية. يؤكد المؤرخ الكنسي سقراط القسطنطيني أنّه كان متكبرًا ومعجبًا بنفسه ((Socrates Scholasticus, Ecclesiastica Hstoria 3 (Hussey Editore) ))، ولكن مع ذلك، هناك العديد ممن أحبوه ورأوا أنّه بذل ما في وسعه لإزالة جميع أشكال الهرطقة في الكنيسة. فقد حارب في زمانه هرطقات السيموساطين والآريوسيين والمقدونيين والأبوليناريين والنوفاتيين والأفنوميين والفالنتينيين والمونتانيين والمركيونيين والبوربوريين والمصلّين والأفخيتيين والدوناتيين والبولسيين والمركلوسيين والمانويين والمكدونيين وغيرهم. ((القديس مار نسطورس وتعاليمه، الأب الدكتور خوشابا كوركيس. )) تصادم مع الجميع، الرهبان، الراقصين الجوّالين ومسارح الشارع، السياسيين، اللاهوتيّين، طبقة الإرستقراط وأصحاب السلطة ومن بينهم الإمبراطورة بوليكاريا أخت الإمبراطور. وفي كل خطوة كان معارضيه يزدادون يومًا بعد يوم، ليس فقط من عامة الشعب أو الأباطرة وحدهم بل أيضًا من آباء الكنيسة. دين ودولة بعد إعلان مرسوم ميلان سنة ٣١٢م، قام الإمبراطور قسطنطين بإنهاء اضطهاد المسيحيين. وفي سنة ٣٢٤م جعل الديانة المسيحية ديانة الإمبراطورية الرومانية، وتوغلت السياسية وأصبح لها دور كبير في قيادة الكنيسة مما جعل السياسيين أنفسهم آباء روحيين لها. ونتج عن ذلك كثير من التداخل مع مجامع الأساقفة، فقد كان الإمبراطور يتخذ المبادرة في دعوة لعقد المجامع بين الكنائس لتسوية الخلافات التعليمية، وبهذه الصورة أضحت الكنيسة سجينة الإطار السياسي والفكري الحاكم، ولكن في نفس الوقت كان هذا المرسوم بمثابة مرسوم خلاصي للمسيحيين الذين كانوا يعيشون تحت وطأة الحكم الروماني الوثني، بعكس المسيحيين الذين كانوا يعيشون تحت ثقل الحكم الساساني. جلوس ملوك الروم على عرش القسطنطينية رفع مرتبة الكرسي القسطنطيني وفاق الكرسي الإسكندري منزلة. أيضًا الإعلان الذي أصدره الإمبراطور ثيؤدوسيوس الكبير آخر أباطرة الإمبراطورية الرومانية المتحدة، بتقسيم الإمبراطورية بين ابنيه، جعل من القسطنطينية مركزًا ثقافيًا كبيرًا وكانت محط أنظار جميع الفلاسفة.  وفي عهد أركاديوس ابن ثيؤدوسيوس وفي ٣٩٨م، صار يوحنا ذهبي الفم بطريركًا على القسطنطينية، بعد حفل كبير رأسه البطريرك ثاؤفيلس بطريرك الإسكندرية، واحد من أسوأ الأساقفة الذين عرفتهم كنيسة الإسكندرية، والذي كان يريد ضم القسطنطينية لنفوذه بجعل إيسذورس الكاهن السكندري أسقفًا على روما الجديدة. ((تاريخ الكنيسة السريانية، للأب ألبير أبونا، الجزء الأوّل. )) ذهبي الفم والقسطنطينية بعد اعتلاء يوحنا ذهبي الفم لكرسي القسطنطينية بدا عمله سريعًا في إصلاح أوضاع الكنيسة الإدارية، وشرع يسن قوانين جديدة للآباء الكهنة وللرهبان، وحارب الآريوسية، وتصادم مع الأرستقراطيين وبالأخص صديقات الإمبراطورة إفدوكسيا زوجة الإمبراطور أركاديوس، والتي كان يوبخها ويشبهها بإيزابيل الملكة لعدم أطاعتها القوانين الكنسية، إلى أن طفح الكيل بإفدوكسيا وأرادت أن تتخلص منه، فاستعانت بالبطريرك ثاؤفيلس السكندري لكي ينتقم منه بالقوانين الكنسية. ((الآباء الأوائل، للمطران الدكتور لويس ساكو. )) في قصة رهبان أمونيوس، "الإخوة الطوال"، الذين هربوا من برية شيهيت مصر إلى أورشليم ثم القسطنطينية في حماية ذهبيّ الفم، استغلّت الإمبراطورة إفدوكسيا هذه القضية فأشاعت أنّ ذهبيّ الفم منع الرهبان عن الرجوع إلى مناسكهم، ودبرت للتخلص منه بواسطة مجمع كنسي، وفعلًا تم عقد مجمع برئاسة ثاؤفيلس السكندري وصديقه إبيفانيوس أسقف سلاميس، وبدأت محاكمة ذهبيّ الفم في قصر السنديانة، وكتب المجمع بحضور البطريرك ثاؤفيلس رسالة وجهها إلى يوحنا يأمره بان يمتثل أمام المجمع، لكن يوحنا وأساقفته رفضوا وكتبوا رسالة يرفضون فيها الحضور لان المجمع غير شرعي وغير قانوني، ولكن المجمع لم يهتم لذلك وحاكموه غيابيًا واصدر حكمًا برئاسة البطريرك ثاؤفيلس بنفي يوحنا فم الذهب. ((تادرس يعقوب ملطي، القديس يوحنا ذهبي الفم (سيرته، منهجه وأفكاره، كتاباته)، الفصل الثامن مشكلة الإخوة الطوال. )) بعد أن سمع ذهبيّ الفم بحكم النفي، شرع بتنفيذه طواعيّة متسللًا من القصر الأسقفي خشية الشعب الذي سيثور إذا عرف أن بطريركه تم نفيه. لكن الشعب حتى بعدما عرف متأخرًا، ثار، وخافت الإمبراطورة فركضت إلى زوجها الإمبراطور الذي نصحها بمراسلة ذهبيّ الفم فورًا وطلب عودته. فكتبت إفدوكسيا بنفسها رسالة إلى ذهبي الفمّ تقول فيها أن الرجل الذي تم نفيه هو رجل صالح، وأن الله ينتقم له، وترجو البطريرك بالعودة. رجع يوحنا فم الذهب بين رعيته من جديد أقوى مما كان، وسرعان ما عاد الخلاف للظهور مجددًا، فاستعانت بثاؤفيلس السكندري وأساقفته مجددًا، والذين طلبوا تدخل الإمبراطور ثيؤدوسيوس هذه المرة. فتم إرسال حامية عسكرية إلى ذهبيّ الفم في يوم سبت النور وهو في الكنيسة، وأمروه بترك كرسيه والعودة للمنفى، فرفض، فاستعمل الجنود العنف، وجرت مذبحة جرت فيها الدماء في الكنيسة كالأنهار. وهرب ذهبيّ الفم مرة أخرى حقنًا للدماء، فألقي القبض عليه وُسجن، وتقرر نفيه إلى خلقيدونية، ثم نيقية، ثم إلى كيركوز، ثم إلى منطقة كومان حيث توفيَّ ((تاريخ كلدو اثور، للمطران آدي شير، خطيب كنيسة الأعظم يوحنا ذهبي الفم. )). صراع الإسكندرية والقسطنطينية نعلم أنّ بطريرك القسطنطينيّة تشبع بمبادئ مدرسة أنطاكية اللاهوتية، ففي أنطاكية كان اللاهوتيون والمفسّرون أكثر ميلًا إلى النظرة الارسطوطالية، ومهتمّين بالحقائق الملموسة والمرئية، ويعتمدون على التفسير الحرفي للكتاب المقدّس باللجوء إلى المعلومات التاريخية والتحليل العقلي والمقارنة بين أقوال الكتاب المقدّس والنظريات الفلسفية. ففي إقرارهم بألوهية المسيح كانوا يبدأون من طريق حياته الإنسانية الأرضية. ((تسمى هذه المدرسة في الكريستولوجي باسم Christology from below وتعني البدأ من ناسوت المسيح كطريق للوصول إلى لاهوته. )) أما مدرسة الإسكندرية، فكانت أكثر ميلًا إلى الأفلاطونية وإلى التفسير التأويلي الرمزي للحقائق. فالأمر الذي كان يغلب على اهتمام أساتذة الإسكندرية في المسيح كان لاهوته أكثر من ناسوته. ((تسمى هذه المدرسة في الكريستولوجي باسم Christology from above وتعني البدأ من لاهوت المسيح كطريق للوصول إلى ناسوته. )) وكان هذا الاختلاف في الأسلوب المدرسي ومنهاجيّات التفسير بين المدرستين السكندريّة والأنطاكيّة يزداد حدّة بسبب النعرة العنصرية والتنافس على الكراسي الأسقفية.  يمكننا أن نلاحظ النعرة القومية في الصراع بين الإسكندرية والقسطنطينية متجليّة بشكل واضح في كلمات ومراسلات البطاركة ثاؤفيلس وفم الذهب. في خضم صراع الكراسي، راسل ثاؤفيلس ذهبي الفم باعتباره البطريرك القبطي ((أوّل ذكر تاريخي لقبطيّة الكنيسة السكندرية كان هنا. ))، وإنّه: وإن كان يجب أن أُحاكم، تكون محاكمتي أمام المصريين، ولا أن أحاكم أمامك، أنتالذي يفصلنا عنك طريق يستغرق خمسة وسبعين يومًا!  ((تادرس يعقوب ملطي، القديس يوحنا ذهبي الفم (سيرته، منهجه وأفكاره، كتاباته)، الفصل الثامن مشكلة الإخوة الطوال. )) بالمقابل، يعظ ذهبي الفم متسلقًا على جدار الدين لتوجيه ضربات قوميّة لخصمه القبطي بشكل إنتهازي وعنصري ضد الأقباط والمصريين، مثلاً نجده في تفسيره للرسالة الثانية إلى أهل تسالونيكي، وعندما يتحدث عن يوسف كعبد في بيت فوطيفار المصري، يقول: كان يقدم حساباته لمصري. وأنتم تعرفون أن هذا الجنسمندفع، يثأر لنفسه. إذا ما نال سلطة لا يمكن وقف غضبه. ((تادرس يعقوب ملطي، القديس يوحنا ذهبي الفم (سيرته، منهجه وأفكاره، كتاباته)، الفصل الثامن مشكلة الإخوة الطوال. )) نسطور والقسطنطينية الأحداث التاريخية التي وقعت بين يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية، وبين ثاؤفيلس، بطريرك الإسكندرية، والتي شاركت فيها الإمبراطورة إفدوكسيا، زوجة الإمبراطور أركاديوس. قد تم توريثها جميعًا بسيناريو مشابه للجيل التالي والمتمثل هذه المرّة في: نسطوريوس، بطريرك القسطنطينية، وكيرلس عمود الدين، بطريرك الإسكندرية، وإبن أخت البطريرك السابق ثاؤفيلس، أيضًا الإمبراطورة بوليكاريا ابنة الإمبراطورة إفدوكسيا. في سنة ٤٠٨م وبعد موت الإمبراطور أركاديوس، أصبح ابنه ثيؤدوسيوس الثاني إمبراطورًا على الامبراطورية الرومانية الشرقية، لكن هذا الأخير كان صغير العمر، وتأثر بأخته الكبرى بوليكاريا التي لعبت دورًا كبيرًا في خلع نسطورس بطريرك القسطنطينية معيدة نفس قصة أمها باختلاف بعض التفاصيل. على طريقة ذهبيّ الفم، لكن من دون حكمته وتروّيه، شن نسطورس هجومًا عنيفًا على البدع الهرطوقية، حارب في زمانه هرطقات السيموساطين والآريوسيين والمقدونيين والأبوليناريين والنوفاتيين والأفنوميين والفالنتينيين والمونتانيين والمركيونيين والبوربوريين والمصلّين والأفخيتيين والدوناتيين والبولسيين والمركلوسيين والمانويين والمكدونيين وغيرهم. قد يبدو لك هذا أمر جيّد وعلامة إيمان، ربّما، لكنها أيضًا من علامات العنف الذي يتسامح معه المؤرخون لانحيازاتهم الدينيّة. مثلًا ينسب إليه سقراط القسطنطيني قيامه بهدم كنيسة آريوسية، لكنه يبرأه من حرقها وحرق الآريوسيين أحياء فيقول: وحرق الآريوسيون أنفسهم إنتقامًا وكانوا قد استعدوا لهذا الغرض. لكنّه مع ذلك يعود فيذكر تسمية المحيطين لنسطوريوس بـ الحارق عن عمد ((سقراط القسطنطيني، التاريخ الكنسي لسقراتيس سكولاستيكوس عن الفترة ٣٠٦م - ٤٣٩م، الكتاب السابع، الفصل التاسع والعشرون، ف٣، ترجمة ايه. سي. زينوس، تعريب د. بولا ساويرس، مراجعة الأنبا إبيفانيوس، أسقف ورئيس دير الأنبا مقار. )) كذلك سجل التاريخ كونه قدوة سيئة لأساقفته في إثارة حوادث العنف مثل أنتوني أسقف جرما ومضايقته للمقدونيين، والذي على أثره إستصدر نسطورس مرسومًا إمبراطوريًا بالاستحواذ على كنائسهم. ((سقراط القسطنطيني، التاريخ الكنسي لسقراتيس سكولاستيكوس عن الفترة ٣٠٦م - ٤٣٩م، الكتاب السابع، الفصل الواحد والثلاثون، ف١-٢، ترجمة ايه. سي. زينوس، تعريب د. بولا ساويرس، مراجعة الأنبا إبيفانيوس، أسقف ورئيس دير الأنبا مقار. )) كان نسطورس أيضًا سائرًا في عمليات تطهير عنيفة داخل الكنيسة وربما كان لها الدور الأكبر في فقده الحلفاء والمتاعب التي عانى منها بعد ذلك، نذكر أنّه أعاد الرهبان الذين كانوا يعملون ككتاب في القصر الإمبراطوري إلى قلاياتهم بعدما كانوا يخالطوا السياسيين ووضع عليهم شروطًا خاصة تحظر نزولهم العالم، وتصادم أيضًا مع الفنون الشعبية وفرق الراقصين الجوّالين ومسارح الشارع بسبب أزيائهن غير المحتشمة، وفي الوقت نفسه كان معارضيه يزدادون يومًا بعد يوم، ليس فقط من عامة الشعب أو السياسيين وحدهم بل أيضًا من آباء الكنيسة. أيضًا استمر الصراع بينه وبين بولكاريا ابنة إفدوكسيا والتي ورثت عن والدتها إدارة شؤون الأساقفة، واحتدم الصراع حين أرادت وضع رداءها كإمبراطورة على المذبح المقدّس، وأن تقدّم لها "الطاعة المريميّة". فأتى نسطور ليفسد التحكّم الامبراطوري النسوي ويخبرهن بأنهن: لسن مريم! ((The Person and Teachings of Nestorius of Constantinople )). أفكار نسطور إنّ التعابير اللاهوتية التي استعملها نسطورس لوصف تجسد المسيح كانت تستخدم مفردات: طبيعتان، أقنومان، في شخص واحد. وهو النمط التقليدي السائد في القسطنطينية، والمدرسة الأنطاكيّة، بل وسائر الأباء اللاتين عمومُا. كما لم يكن أول من وعظ ضد استعمال لقب «والدة الإله» للعذراء مريم، بل يوجد لاهوتيين سبقوه. ((لويس ساكو، آباؤنا السريان، ص ١٦٦. )) نشأت الأزمة عندما ألقى أنسطاسيوس، وهو كاهن قسطنطيني محلّي تابع لرئاسة البطريرك نسطورس، في ٢٢ نوفمبر ٤٢٨م، عظةً اعترض فيها على استخدام لقب ثيؤطوكوس كما يُطلق على مريم. شعر الكثيرون بالتشكّك، لأنّ هذا المصطلح كان مستخدمًا في الأدبيّات المسيحية منذ فترة طويلة. أمّا نسطورس، الذي كان قد أعربَ عن شكوكه في هذا الموضوع، فقد ساند أنسطاسيوس وبدأ في يوم عيد الميلاد سلسلةً من الخطب التي تجادل بأنّ مريم ليست والدة الله. إعتبر نسطورس أنّ مصطلح "والدة الإله" كما يُطلَق على مريم، لم يُصغ بعناية ملائمة، وأن الـ"ثيؤ" ﻻ يعبّر عن ناسوتية المسيح، وعلى هذا فإنّه يهدم إنسانيّة المسيح الكاملة. وسنكتفي هنا باقتباس حرفيّ من المؤرخ الكنسيّ سقراط القسطنطيني باعتباره المصادر الأوليّة لهذا الموضوع ((سقراط القسطنطيني، التاريخ الكنسي لسقراتيس سكولاستيكوس عن الفترة ٣٠٦م - ٤٣٩م، الكتاب السابع، الفصل الثاني والثلاثون، ٤-۸، ترجمة ايه. سي. زينوس، تعريب د. بولا ساويرس، مراجعة الأنبا إبيفانيوس، أسقف ورئيس دير الأنبا مقار. )) : قد اطلعتُ بنفسي على كتابات نسطوريوس فوجدته رجلًا أميًا. وسأعبِّر بصراحة عن اقتناعي الذهني الخاص بي، وسأشير بحريّة شخصيّة تامّة خاليّة من أيّة كراهيّة شخصيّة إلى أخطائه دون تحيّز لخصومة الّذين يُحطّون من قدره. إنني لا أستطيع إذن أنّ أسلِّم بأنّه من اتباع بولس الساموساطي، أو من اتباع فوتينوس، أو أنّه أنكر ألوهيّة المسيح، ولكنه بدا خائفًا من لقب “ثيؤطوكوس” كما لو كان شبحًا مخيفًا. وفي الحقيقة التحذير الذي أبداه هنا بلا سبب قد كشف بجلاء عن جهله المدقّع. فكونه رجلًا يتمتّع بطلاقة طبيعيّة في الحديث جعلته يُعتَبر مُعلمًا جيّدًا، ولكنّه في الحقيقة كان أميًّا بدرجة مخزيّة. ففي الواقع ازدرى بعناء الفحص الدقيق للمفسّرين القدماء، وانتفخ باستعداده للخطابة، ولم يهتم بالقدماء بل ظنّ في نفسه أنه أعظم الجميع. لقد كان، كما هو ثابت، غير ملمٍ بما فيه الكفاية بالحقيقة التي وردت في رسالة يوحنا الرسول المكتوبة في النّسخ القديمة:كل روح ينفصل عن يسوع ليس من الله. إن تشويه هذه الفقرة يُعزَى إلى أولئك الّذين يرغبون في فصل الطبيعة الإلهيّة عن التدبير البشري، أو استخدمنا ذات اللغة التي للمفسرين القدماء. قد أفسد بعض الأشخاص هذه الرسالة هادفين إلى فصل ناسوت المسيح عن لاهوته. ولكنّ الناسوت متحد بالألوهيّة في المُخلص بحيث يشكّل ليس شخصين بل شخصٌ واحدٌ فقط. ولهذا السبب كان القدماء، اعتمادًا على هذه الشهادة، لا يترددون في نعت مريم بثيؤطوكوس، لأن يوسيبيوس بامفيليوس فى الكتاب الثالث من “حياة قنسطنطين” يكتب ما يلي: “وفي الواقع الله معنا، لقد قَبِل أن يولّد من أجلنا، وأن يُدعَى مكان ولادته بالعبرانية بيت لحم، حيث زيّنت الإمبراطورة التقيّة مكان الولادة من العذراء الحاملة للهبأفخم الزخارف وزيّنت تلك البقع المقدسة بأفخر الحلى”. وكذلك أوريجينوس في المجلد الأول من تعليقاته على رسالة الرسول إلى الرومان. يُعطي مثلًا كافيًا للمعنى الذي يُستخدَم فيه مصطلح ثيؤطوكوسلذلك، من الواضح أن نسطوريوس كان إلمامه قليلًا جدًا بتفاسير القدماء، ولهذا السبب اعترض كما لاحظتُ على هذا المصطلح فقط، لكنّه لم يؤكّد أنّ المسيح مجرد إنسان كما فعل فوتينوس أو بولس الساموساطي، فإن عظاته المنشورة تظهر ذلك. ففي هذه العظات لا يُلغىفي أيّ مكان شخصية كلمة الله السليمة، بل على النقيض، يحافظ بثبات على أن له شخصيّة ووجود جوهري ومتميز. ولم يُنكِر قط طبيعته مثلما فعل فوتينوس والساموساطي، ومثلما تجاسر المونتانيون والمقدونيون عليه أيضا. هكذا وجدتُ نسطوريوس، في الواقع، من خلال قراءاتي الخاصة لكتاباته ومن خلال تأكيدات المعجبين به. ولكن خلافه الخامل الذكر هذا لم يُسفر سوى شغبًا قليلًا في العالم الديني. (سقراط القسطنطيني، التاريخ الكنسي، الفترة ٣٠٦م-٤٣٩م، الكتاب السابع، الفصل الثانى والثلاثون، ف٤-۸) في وسط الانقسام الذي خلّفته عظات نسطورس، بدا لكثيرٍ من الناس أن نسطورس نفسه إنجرف للدفاع عن ناسوتيّة المسيح بشكل يبدو وكأنّه ينكر ألوهيّة المسيح ويعدّه مجرد إنسانٍ تبنّاه الله ابنًا له. وفي خضمّ الجدل الناتج عن ذلك، وجد خصوم نسطور حليفًا لاهوتيًّا في القدّيس كيرلّس عمود الدين، بطريرك الإسكندرية، والذي أدّى تدخُّله إلى سلسلة من الأحداث المتسارعة التي قادت في النهاية إلى سقوط نسطورس. محاكمة نسطور كان دافع كيرلس ذا شقّين. كان يعتقد بصدقٍ أنّ نسطورس يهدم نقاوة الإيمان؛ فمسألة رفض نسطورس أن يصف مريم بأنّها والدة الإله بدت لكيرلس أنّه ينكر وحدة الإله-الإنسان أو بالتعبير السكندري يُنكر وحدة الكلمة المتجسّدة. وبصفته بطريركًا للإسكندرية، كان كيرلس حريصًا أيضًا على التقليل من شأن كرسي القسطنطينيّة المنافس، كما فعل خاله وسلفه المباشر، ثاؤفيلس، في قضيّة يوحنا الذهبي الفم. وهكذا تم الخلط بين الاعتبارات اللاهوتية والسياسية وصراعات الكراسي. وعندها صرخ نسطورس بما سجّلته كل كتب التاريخ الكنسيّ ((تم إختيار هذا النص من مصادرة الأوليّة: التاريخ الكنسي لسقراتيس سكولاستيكوس عن الفترة ٣٠٦م - ٤٣٩م، الكتاب السابع، الفصل الرابع والثلاثون، ف٣، ترجمة ايه سي زينوس، تعريب د. بولا ساويرس، مراجعة الأنبا إبيفانيوس، أسقف ورئيس دير الأنبا مقار. )): فلتُدعَ مريم ثيؤطوكوس إن كنتم تُريدون، وليكفّ كل نزاع. (نسطوريوس،التاريخ الكنسي لسقراط القسطنطيني، الفترة ٣٠٦م-٤٣٩م، الكتاب السابع، الفصل الرابع والثلاثون، ف٣) ناشد كلٌّ من الطرفين البابا سلستين الأول، الذي كان قد شعر بالإهانة من عدم لباقة نسطورس. وفي أغسطس ٤٣٠م، عقد سلستين مجمعًا كنسيًّا في روما قرّر فيه أن الكريستولوجيا الصحيحة تتطلّب استخدام مصطلح "والدة الإله" وطلب من نسطورس أن يتبرّأ من أخطائه. وعندما أصدر كيرلس، الذي كان مخوّلًا بتنفيذ الحكم على نسطورس، سلسلةً من الحرمانات الاستفزازية ((المقصود هنا هو الحروم الإثنى عشر لكيرلس، والتي تسبب بعضها في إتهام كيرلس بالأبيوباريوسية - يمكنك مطالعة Cyril of Alexandria Twelve Anathemas للتفاصيل. )) ليمثل إلي تعاليمها أو يواجه الحرمان الكنسي، شعر نسطورس وحلفاؤه بالقلق، وأقنع الإمبراطور ثيؤدوسيوس بعقد مجمعٍ كنسيّ مسكونيّ. كان نسطورس يأمل أن يسفر المجمع عن إدانة كيرلس. ولكن عندما انعقد المجمع في أفسس عام ٤٣١، وجد نسطورس نفسه في موقفٍ ميؤوسٍ منه أمام كيرلس. أُدينت تعاليم نسطورس، وعُزل من كرسيه، وأُجبر ثيؤدوسيوس ((التعبير أُجبر ثيؤدوسيوس هو تعبير قديم للموسوعة البريطانيّة، وقد أثار استياء المتنيح الأنبا بيشوي، مطران دمياط وكفر الشيخ الأسبق، وأفرد له رداً في كتاب المجامع المسكونية والهرطقات، القصة التي حكاها المطران تكرر ما هو معلوم للمؤرخين عن غضب شعبي جارف وأعمال عنف وشغب عام قام بها النساطرة بشكل يعيق الحاميات العسكرية عن إرسال تقاريرها الرسمية عن نتائج المجمع إلى مقر الإمبراطور، وهو أمر لو حدث فسيفهم منه قيام ثورة شعبيّة ضد مجمع أفسس بشكلٍ يستحيل معه تصديق الامبراطور على قرارات المجمع بعزل نسطورس أسوة بما حدث مع البطريرك القسطنطيني الأسبق ذهبيّ الفم، والذي عاد أقوى مما كان بسبب رفض الشعب لمجمع مماثل. لذلك، لا يعلم أحد كيف صدّق ثيؤدوسيوس على قرارات المجمع هكذا دون ترو مغامراً بانشقاقات وهو ما حدث بعد عودة يوحنا بطريرك أنطاكية الذي كان قد عزله كيرلس، فعزل هو كيرلس، ويبقى تعبير الموسوعة البريطانيّة موضوعيًا في ضوء ما توافر من معارف تاريخية. )) على التصديق على هذه القرارات، ونُفي نسطورس إلى ديره السابق بالقرب من أنطاكية. بعد أن قبع هناك في المنفى لمدة أربع سنوات (٤٣١-٤٣٥)، نُقل إلى الواحة الكبرى في الصحراء الليبيّة حوالي عام ٤٣٦، ثمّ نُقل بعد ذلك إلى بانوبوليس في صعيد مصر. وخلال فترة نفيه كتبَ كتاب هرقليدس الدمشقي الذي كان يقصد من خلاله الدفاع عن تعاليمه وتاريخ حياته. وهي الرسالة الوحيدة التي بقيتْ من كتاباته كلّها، وقد اكتُشفت عام ١٨٩٥، في ترجمةٍ سريانيّة. وتوفّي نسطورس في بانوبوليس حوالي عام ٤٥١ مدافعًا عن أرثوذكسيته ((الموسوعة البريطانيّة، Nestorius, bishop of Constantinople )). ومع ذلك، يظلّ من المشكوك فيه ما إذا كان نسطورس نفسه قد علّم أو كان ينوي تعليم البدعة التي سُمِّيت باسمه. في الواقع، لقد تبرّأ نسطورس من مثل هذه الآراء، وكانت هجمات كيرلس عليه مبنيةً على سوء فهم أو سوء ظن، وميراث لاهوتيّ مغاير، وعداء قوميّ ورثتة القسطنطينية والإسكندرية، مع وجود خلفية سياسيّة ومصالح إمبراطورية في تحجيم دور القسطنطينية عبر شيطنة أساقفتها العصاة على طاعة الأباطرة. تظل الحقيقة اللاهوتيّة والتاريخية هي أن نسطورس أكّد مرارًا وتكرارًا على الوَحدة الكاملة للمسيح المتجسّد، وأنكر أي اقتراح بوجود أقنومين موجودين جنبًا إلى جنب في جوهره. يمكن فهم نسطورس بشكلٍ أفضل على أنه كان ضحيةَ شخصيّته المتعصّبة وخطابه الاستفزازيّ الفظّ، وأنّه كان الخاسر في إحدى المنافسات بين الكراسي الأسقفيّة والبطريركيّات الكبرى، التي كانت سمةً من سمات ذلك العصر. تم سحق النسطورية داخل الإمبراطورية الرومانية لكنها نجت خارج حدودها. وقد تبنتها الكنيسة المسيحية في بلاد فارس، وذلك إلى حد كبير للحصول على حماية حكامها من خلال التأكيد لهم أن دينها ليس دين أعدائهم الرومان. تستمر النسطورية حتى اليوم، على الرغم من قلة أتباعها، حيث توجد مجموعات في العراق والهند وإيران وسوريا وأمريكا الشمالية والجنوبية، ومؤخرًا: أستراليا. --- ### دورة مياه صديقة للمرأة - Published: ۲۰۲٤-۰٤-۱۸ - Modified: 2024-04-16 - URL: https://tabcm.net/19244/ - تصنيفات: المرأة القبطية في يومي الأول بالعمل داخل "المرصد المصري للصحافة والإعلام". ناقشني المدير في أمر كان بعيدًا كل البعد عن تصوري، ولم أعهد الحديث فيه من قبل على مدار سنوات عملي، سواء بالصحافة أو بغيرها. قال لي: "هناك تنبيه مهم أود إخبارك به، إذا رأيتِ ما ينقص الحمام من المستلزمات عليكِ إبلاغ 'فلان' فورًا، والتأكد من توفرها". لم أفهم ما يقصده بالتحديد عن المستلزمات في حمام النساء التي تستحق الإبلاغ الفوري عن نقصها، أو تستحق من الأساس مساحة للكلام بيننا، فحتى الصابون والمناديل لم تعد متاحة دائمًا في معظم أماكن العمل، حتى الكثير من الأندية وأماكن الترفيه العامة باتت تعدّهم رفاهيات يمكن الاستغناء عنها لمواجهة ارتفاع الأسعار. نسيت الحديث، أو لم أعطه القدر الكافي من التفكير، و في اليوم التالي استخدمت حمام المؤسسة، ووجدت فيه بخلاف "الصابون والمناديل" فوطًا صحية للنساء بنوعين مختلفين، وزجاجة بخاخ معطر للجسم، وشريط أقراص مُسكنة للألم. للحظة تصورت أن إحدى الزميلات نسيت متعلّقاتها، إلى أن تذكرت حديث المدير. قد يبدو الموضوع مثيرًا للسخرية أو التندّر باعتباره رفاهية بعيدة عن مجتمعاتنا الغارقة في التعقيدات، لكن هذه نظرة قاصرة إذا ما دققنا في المترتب على تجاهل وجود حمام آمن للنساء بمعناه الأوسع، وليس فقط مجرد وجود القليل من الأدوات المساعدة. منذ وقت ليس ببعيد، وتحديدًا في مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر 2018 أطلقت منظمة WaterAid بالتعاون مع اليونيسيف، دليلًا استرشاديًا عن المراحيض العامة والمجتمعية "الصديقة للنساء"، من خلال مؤتمر "المياه والصحة" الذي عُقد في العام ذاته بمناسبة اليوم العالمي لدورات المياه. الدليل الاسترشادي ناقش خططًا ومقترحات تُقدم للحكومات والدول لا سيما النامية، من أجل تحسين خدمات المراحيض الملائمة للإناث، وأشار إلى متطلبات بيولوجية لدى النساء بما في ذلك الحيض والحمل وانقطاع الطمث، تجلب معها احتياجات يجب أخذها بالاعتبار. وبخلاف التوصيات بأهمية توفير فوط صحية ومساحة للتخلّص من القديمة المستخدمة، ومياه وصابون للنظافة وغسل المنتجات القابلة للتدوير، ووجود مرايا وأرفف، قدّم أيضًا الدليل إرشادات حول كيفية معالجة تخطيط المدن، والارتقاء والإدارة في تأسيس المراحيض الملائمة للإناث، والتي يسهل وصول المستخدمات إليها، بما في ذلك كبيرات السن والنساء ذوات الإعاقة. أخذت منظمة WaterAid بعدد من الأسباب المبنية على آراء خبراء ومختصين وعاملين في منظمات نسوية، وذهبت إلى أنه لا تزال النساء هن مُقدمات الرعاية الأساسيات للأطفال أو الأقارب من المرضى وكبار السن على استخدام المرحاض، من هنا يجب توفير حجرة واسعة بما يكفي لمقدّم الرعاية والشخص الذي يحتاج إلى الرعاية، ومساحة أخرى مناسبة لتغيير ملابس الأطفال والحفاضات. ورأت المنظمة المعنية بمياه الشرب والصرف الصحي، أن النساء لازلن الأكثر عرضة لخطر التحرّش أو الاعتداء بشكل أكبر عندما تكون المراحيض العامة في مكان سيئ أو مظلمة جدًا أو غير آمنة. ما أشارت إليه منظمة WaterAid ينطبق على احتياج ضروري للنساء العاديات، هذا الاحتياج سيتضاعف بالطبع إذا ما وضعنا في الاعتبار وجود كثيرات تزورهن نوبات النزيف المهبلي، من الإجهاض أو بعد ولادة طفل، أو من تكافحن كل شهر من أجل السيطرة على تدفّق الدماء بسبب الأورام الليفية التي تتطلّب التغيير المتكرّر للملابس والفوط الصحية، وجميعهن حالات باتت متكرّرة. ولم أتطرق كذلك إلى معاناة الحوامل وحاجتهن إلى مساحة شخصية أكبر من الرجل العادي، بخلاف حاجتهن المُلحّة طوال الوقت إلى التبوّل بشكل متكرّر، ما يعني ضرورة أن تكون المراحيض العامة بأعداد أكبر، وذات مساحة أكبر، كما نبهت إليه المنظمات المعنية. النساء لازلن الأكثر عرضة لخطر التحرّش أو الاعتداء بشكل أكبر عندما تكون المراحيض العامة في مكان سيئ أو مظلمة جدًا أو غير آمنة. إذا سألنا مجموعة من النساء، من أعمار وأماكن مختلفة، عن معاناتهن مع الحمامات فلن ننتهي من ذكر التفاصيل؛ وذاكرتي وحدها تحتفظ بحكايات لا نهائية عن معاناة نساء بكين لعدم توفر حمامات آمنة. أتذكر سيدة أربعينية أنيقة ظلت تبكي مع طفلها الرضيع في حمام إحدى النوادي لعدم وجود كرسي يمكنها من الجلوس خلال إرضاع طفلها، إلى أن نجحت إحدى السيدات في إحضار كرسي بلاستيكي لها، وحين تحرّجت أخرى من نظرات الفتيات الصغيرات لها بشكل سلبي بسبب تغييرها حفاض ابنها على حوض غسيل اليدين، ما أثار نفور الجميع من الرائحة والمشهد بشكل عام. قريبتي أيضًا بكت معي في السيارة لحاجتها إلى حمام في طريقنا للعودة إلى المنزل، وكانت وقتها حاملًا ومريضة سكر وتعجز عن أي انتظار. وصديقة خضعت فترة لعلاج من آلام في الكلى والمثانة وعضلة الحوض جرّاء حبسها البول لفترات طويلة خلال ساعات عملها في أحد مكاتب الرحلات السياحية، متخوّفة من عدم نظافة الحمام أو تجهيزه بشكل يتناسب مع الحد الأدنى من قواعد الحماية والأمان. وبشكل عام، لا يمكن حصر الأمان داخل "الحمام" أو المكان الذي يشكل أهمية صحية كبيرة بالنسبة للبشر جميعاً وللنساء بالتحديد، في وجود فوط صحية وزجاجة بخاخ معطر للجسم إن لزم الأمر، لكن إلى حين توفير هذه الأمور التي تبدو في غاية البساطة وتعمّم في كل الأماكن المتاحة قدر الإمكان، شعرت أنه عليَّ شكر مديري بشكل شخصي على اهتمامه بوجود حمام صديق للنساء في العمل، فهذه المستلزمات التي أكّد على أهمية توافرها والإبلاغ عن نقصانها تنعكس على كافة الزميلات، ومن ثم على بيئة العمل ككل، وتشير إلى وجود مساحة آمنة للإناث بقدر ما، ومن قبل عقلية منفتحة بما يكفي لاحترام وتقدير العاملات في المكان. --- ### المسيح ثائرًا في الهيكل - Published: ۲۰۲٤-۰٤-۱۷ - Modified: 2025-03-19 - URL: https://tabcm.net/18896/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, كتاب مقدس - وسوم: أديلا ياربرو كولينز, أولريش لوز, إد باريش ساندرز, إسخاتولوچي, الاحتلال الروماني, چون دومينيك كروسان, چون كولينز, عيد الفصح, فنتيديوس كومانوس, فيكتور إبستين, والتر جروندمان, يوسيفوس فلاڤيوس, يوليوس فلهاوزن ربما يكون هذا الحدث هو أكثر المواقف عنفًا والتي  سُجّلت للمسيح في الأناجيل. طبيعة الحدث نفسه غريبة، لأن الهيكل كان أشبه بحامية يهودية-رومانية مشددة الحراسة باعتبارها من أكثر الأماكن المُتوقَع اضطرابها في حال قيام ثورة في الأناجيل الإزائية ويوحنا ((راجع مرقس 11: 15-19 ومتى 21: 12-17 ولوقا 19: 45-48 ويوحنا 2: 14-22)) نقرأ عن دخول المسيح للهيكل وطرد الباعة وقلب موائد الصيارفة. وربما يكون هذا الحدث هو أكثر المواقف عنفًا التي سُجّلت للمسيح في الأناجيل. طبيعة الحدث نفسه غريبة، لأن الهيكل كان أشبه بحامية يهودية-رومانية مشددة الحراسة باعتبارها من أكثر الأماكن المُتوقَع اضطرابها في حال قيام ثورة. نبدأ مع مُلاحظة من جون دومينيك كروسان في كتاب Who Killed Jesus، يقول فيها إن عيد الفصح هو تَذْكار خروج اليهود من مصر، وعلى هذا، فلو هناك مناسبة متوقَّع ثورة اليهود ضِد الاحتلال الروماني فيها، فستكون هذه المناسبة هي الأكثر اضطرابًا على الإطلاق. يدعم ذلك المؤرخ اليهودي يوسيفوس في كتاب Jewish Antiquities حيث يسجّل ما حدث بين سنة 48 و52 ميلادية، في فترة ولاية فنتيديوس كومانوس على اليهودية، وأنّ جماعه من الجنود الرومان المُسلحين يتواجدون على سطح الهيكل بغرض الحراسة في الأعياد ((المؤرخ يوسيفوس فلاڤيوس، Jewish Antiquities، الجزء 17، ص204-205. )). يذكر يوسيفوس واقعة أن واحد من الجنود أهان اليهود، فثاروا، وطلبوا من كومانوس أن يعاقبه، وجلبوا حجارة وقذفوها ناحية الجنود الرومان، ولأن كومانوس خشي أن يتحوّل الحدث إلى ثوره ضده طلب دعمًا عسكريًا، وجاءت القوّات الرومانية وحاصرت اليهود، ومن كثرة الفزع من عنف الرومان تدافعت الناس ومات بعض منهم دهسًا. يقول يوسيفوس ((المؤرخ يوسيفوس، Jewish Antiquities، الجزء 20 . 106-12)) إنّ في هذا اليوم مات 20000 شخص ، بشكل يجعلنا نتيقن أن الهيكل مكان جاد ومشدد وﻻ مزاح فيه، وليس من الوارد الطبيعي أن يدخل أحد ويقلب الموائد ويطرد الناس ويخرج من هذا الموقف بأريحيّة. هذا بالإضافة إلى أن كل ما تكلما فيه عن الحرس الروماني، وليس حرس الهيكل اليهودي كما سنتعرّض بعد قليل. فما هو تحديدًا ما حدث يوم أن دخل المسيح الهيكل؟ سنة 1964 نشر فيكتور إبستين ورقة بحثية بعنوان: The Historicity of the Gospel Account of the Cleansing of the Temple، يقول في بدايتها إن هناك صعوبة في فهم القصة تتعلق بأنّ موائد الصيارفة والباعة لم تكن للتكسُّب المادِّي، وإن وجودهم كان خدميّا وضروريًا لسير تقديم الذبائح ((The Historicity of the Gospel Account of the Cleansing of the Temple, by Victor Eppstein )). يشرح إد باريش ساندرز هذه الفكرة ((إد باريش ساندرز، Jesus and Judaism، ص61-76 )) ويقول إن العمل التجاري الذي كان في الهيكل لم يكن تعدِّيًا على الهيكل، وأن العمل الذي يقدِّمه الصيارفة كان ضروريًا لقدوم الناس من أماكن بعيدة وحاجتهم لتغيير العُملات التي معهم إلى شواقِل لكي يستطيعون شراء التقدمات والذبائح المزمع تقديمها في الهيكل، يأتي ذلك من عدم استطاعتهم حملها والسفر بها إلى الهيكل، خصوصًا أنه من الوارد بعد كل هذا أن يتم رفضها أو تصير غير لائقة للتقديم كذبيحة.  وبناءًا على هذا الشرح، يفسَّر ساندرز الحدث على أنّه حدث نبويّ عن خراب الهيكل. واحدة من مشاكل هذا التفسير أنّه لا يفسر انتهار المسيح للباعة والصيارفة، لكن عند ساندرز حل وجيه من الناحية التاريخية لن نتطرَّق له هنا. بالعودة لورقة إبستين البحثية، سنجد نقطة تكمّل كلام ساندرز وهي أنّ فرق السِّعر الذي كان يأخذه الصيارفة مُقابل تبديل العُملة لم يكن ربحيًّا ولكنه تعويض عن الاستهلاك الذي يحدث للعملات. وهذا التفسير ليس رأيه المهني الطوُّعي، ولكنه مبني على المشناة ((Mishnah Shekalim 1:7 )). يقول إبستين إنه ليس من المُستعبد أن تكون القصة حدثت تاريخيًّا، ثم يبدأ في معالجة الفقرات في الأناجيل وتفاصيلها في مُقابل الأحداث المُعاصرة للمسيح وظروف زمانه. ويخلص للقول أنه بحسب المؤرخ اليهودي يوسيفوس، كان يبدأ تجمّع الناس في أورشليم بأعداد غفيرة قبل الفصح بحوالي 20 يومًا، أي حوالي يوم 25 في شهر آذار. نلاحظ في إنجيل مرقس 11: 11 أنّ المسيح دخل الهيكل مرة قبل تلك التي طرد فيها الباعة، ووقف يراقب كل شيئ حوله كأنها أول زيارة له للهيكل، يرى إبستين أن مع الأعداد الغفيرة التي تحجّ للهيكل من الصعب أن يكون المسيح لم يدخل الهيكل قبلها (خصوصًا أن لوقا 2: 41 يقول إن أبوي يسوع يأخذانه الهيكل “كل سنة” إلى أن وصل عمره 12 سنة). بناءًا على ما سبق، يستنتج إبستين إن مشهد الصيارفة والباعة ليس غريب على المسيح، بل أمرًا عاديًا معتادًا يراه كل من ذهب قبلًا، وأن المسيح كان يعرف ضرورتهم لتتميم المُعاملات المصرفية داخل الهيكل. ويقول إنّ كاتب إنجيل مرقس لم يكن مطلعًا بشكل جيد على ممارسات الهيكل، على عكس كاتب إنجيل لوقا، الذي كانت معرفته أوسع، وعلى هذا لم يذكر موضوع موائد الصيارفة.  وهنا نعود مجددًا للمُشكله الإزائية، فإن لم تكن قرأت عنها فرجاء قراءتها أولًا ثم استكمال القراءة هنا ((جون إدوارد، ورقة بحثية بعنوان: المشكلة الإزائية على موقع Humanities Today )).   يعلق إبستين بعدها على النقطة السابقة وحراسة الهيكل. الهيكل كان يحرسه 3 كهنة و21 لاوي طوال اليوم، والمسؤول عن نوبة الحراسة كان يضرب كل من سقط في النوم، ويحرق ثيابه ((Mishnah Middot 1:2))، بالتالي حراسة الهيكل كانت مسألة شديدة الجدية. أيضًا كان هناك لاويين لحراسة كل بوابة من الخمس بوابات للهيكل، ولاويين للحراسة على الأطراف الأربعة للهيكل، والخمس بوابات الأساسية للساحات، وأربعة لاويين لأطراف كل ساحة، هذا غير الشباب المُمرنين الذين كانوا في كل شبر لدرجة النوم والإقامة في الهيكل طوال وقت الاحتفال وطرد أي مشاغب. وكل هذا بالطبع إضافة للحراسة الرومانية التي تكلم عنها كروسان! السؤال الذي يسأله إبستين هنا: لماذا لم يُقبض على المسيح فورًا؟ إجابة هذا السؤال تختلف عند الدَّارسين، فمنهم من يقول إن الحدث حصل فعلًا ويفسر سبب عدم تدخُّل الرومان بأنّ عدد المُصاحبين للمسيح كان كبيرًا جدًا، وآخرين ((E. P. Sanders, Jesus and Judaism, p. 70 )) يقولون إن الحدث حصل لكن على نطاق أضيق من الذي يصوره إنجيل مرقس وبشكل لم يستدع انتباه الرومان. تضيف أديلا ياربرو كولينز ((أديلا ياربرو كولينز Adela Yarbro Collins: مؤلفة وأكاديمية أمريكية، عملت كأستاذة بوكينجهام لنقد وتفسير العهد الجديد في مدرسة ييل ديفينيتي. يركز بحثها على العهد الجديد وكتّاب الوحي خاصة إنجيل مرقس، وكتبت أيضًا عن الزمانية المسيحية القديمة وعلم الإسكاتولوجي. )) احتمال آخر وهو إن من الوارد تاريخيًا إن القبض على المسيح لم يحدث بمعزل عن حادثة الهيكل، وأنّ القصة التي قدمها إنجيل مرقس ليست دقيقة، وعلى هذا فهي تطرح احتمالية أنّ القبض على المسيح تم بسبب هذه الحادثة تحديدًا ولكنّه لم يكن قبضًا علنيًّا عليه وإنما تم بنوع من الخدعة ((Who Killed Jesus, 2007, p. 527 )). الاستنتاج الأخير لإبستين، أنّ هذه الفقرات كما هي في الأناجيل لسرد حدث تاريخي فعلًا، ولكن يبدو أن الحدث التاريخي لم يكن بالضبط كما سردته الأناجيل لاعتبارات عديدة من ضمنها رد الفعل الذي كان يجب أن يحدث لو أنّ واحدَا دخل الهيكل وسحب كرباج وضرب الناس وقلّب الموائد وطرد الباعة. الذي يستخلصه إبستين ومن بعده ساندرز وكولينز أنّ الحدث وارد جدًا أن يكون صغيرًا وسط الزحام، خصوصًا أنّ إبستين طرح أدلّة على زحام الهيكل لدرجة دهس الناس لبعضهم البعض، وعلى هذا يفترض إن لو قام أحد بذلك وسط التدافع فلربما لم يشعر به أحد. أيضًا  أولريش لوز في تفسيره لإنجيل متى يرى أنّ المبرر الوحيد لعدم تدخل حراس الهيكل سواء من اللاويين أو الرومان هو أنّ الحدث تم بشكل غير واضِح، أي أنه حدث صغير تم المبالغة في وصفه ((vol. 3, 2005, p. 11 )). يبدو إذًا أنّ المسيح مارس نوعًا من العنف في الهيكل، لكن الأغلبية متفقة على أنّ العُنف هنا لم يكن سياسي بقدر ما هو فِعل نبوي، يعكس حكم الله على الهيكل. من المهم أيضًا التوضيح أن هذا الحدث لا يحوي تشريعًا بممارسة العنف، حتى لو هو مارس العنف بنفسه في لحظه معيَّنة لكن لا نستطيع أن نستنتج من الموقف فِقهًا لممارسة العُنف، خصوصًا لتركز السياق وتوجيهه لممارسة معينة تحدث في الهيكل وليس عنفًا ضد الرومان مثلًا. بطريقة أخرى، فهذا الموقف ﻻ يمكن رؤيته في ضوء مُقاومة الاستعمار، لكن هناك شيء ما استفز المسيح في الممارسة السائدة، وإن كان الباحثين مُختلفين في ماهيّة هذا الشيء بالضبط، أخذين في الاعتبار أنّ أغلب الممارسات كانت ضرورية لتتميم شراء الذبائح والتقدمات. --- ### التعليم، الرهبنة، الإدارة.. ثالوث الأزمة - Published: ۲۰۲٤-۰٤-۱٦ - Modified: 2024-04-16 - URL: https://tabcm.net/19172/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: التيار العلماني القبطي, الجماعات الإسلامية, الصوم الكبير, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس السادس, مجلة الكرازة, مجلة مدارس اﻷحد اشتبكت مع الملفين القبطي والكنسي، قبل نحو ثلاث عقود، وكانت أطروحاتي تحملها في البداية صفحات "مجلة مدارس الأحد".  وبامتداد تلك السنوات وحتى اللحظة، قدمت رؤى موثقة أولًا لقداسة البابا شنودة الثالث، حتى رحيله بسلام وشيبة صالحة، ضمت بجوار المقالات، أبحاث وتوصيات مؤتمرات التيار العلماني القبطي، التي اشترك في بحثها ودراستها، رموز قبطية من الأراخنة الغيورين على الكنيسة، والمشهود لهم، وجاءت إسهاماتهم المقدرة كل في تخصصه، وكانت تدور في مجال إشكاليات الكنيسة التي تشكلت في مناخات متقلبة خارجها شهدت عواصف كانت تسعى لحصار الكنيسة والأقباط تثيرها الجماعات الإسلامية المتطرفة، وقتها. وبالتوازي، كانت الكنيسة تشهد داخلها تحالفات وتكتلات عند القمة، أثمرت عصفًا برفاق تاريخيين لقيادة الكنيسة، كانوا يحلمون معًا بنهضة قبطية كنسية تعيد التواصل الصحي مع منابع فكرها الذي شكله الكتاب المقدس الذي يتصدر عبر قراءات يومية ليتورجيتها، القداس والتسبحة وخدمة الأسرار، والتي بدورها كانت تحمل أنفاس التسليم الرسولي وتعليم الآباء، وكانت أحلامهم تترجمها مقالاتهم النارية في مجلة مدارس الأحد، في أربعينيات وخمسينيات القرن المنصرم، ثم "مجلة الكرازة" في إصدارها الأول في الستينيات وحتى مطلع السبعينيات، والتي رأس تحريرها اسقف التعليم آنئذ. وحملنا كل هذا مجددًا في ملف، وتم تقديمه لقداسة البابا تواضروس فور إعلان اختياره بابا وبطريرك للكنيسة.  والذي أبدى تفهمه وسعيه لترجمة التوصيات التي بين يديه، لكنه كان ـ ومازال ـ يسبح ضد التيار، ويواجه عواصف عاتية تخشى أن تفقد ما تحصلت عليه قبل مجيئه، وقد ورثوا السلطة لكنهم لم يرثوا الحنكة في إدارة الأزمات. نعود فنذكّرهم أنّ للكنيسة ثلاث محاور رئيسية، هي بيت الداء وهى مدخل الإصلاح: • الإدارة، التعليم، الرهبنة، والثلاثة فارقوا العصر الذي تعيش فيه الكنيسة. • فلا أدارة وفق القواعد المستقرة في علومها، • والتعليم منبت الصلة بالكتاب وتقليد الآباء في صحيحه، • والرهبنة تنعى حالها، وقد نخر عظامها سوس الإهمال والتراخي، واخترقها الاستثمار المادي وحسابات الريع، ولم يبق لها سوى التسجيل في البورصة. وقد شرعت الأديرة أبوابها بدون الضوابط التي كانت تشتهر بها، ولم يطرف جفن لقياداتها وهى تستقبل مئات الزوار -يوميًا- حتى في موسم الصوم الكبير، الذي يعد خزين السنة البنائي للرهبان، فصارت نذورهم في مهب الريح، وكانت الأديرة تغلق أبوابها فيه، ليسترد رهبانها سلامهم، ويتزودون بطاقة تعينهم على استكمال جهادهم الروحي، والحياة وفق نذورهم. وتراخت ضوابط قبول طالبي الرهبنة وكان لهذا انعكاسه على اختيارات الكنيسة لمواقعها القيادية. وهو ما تئن منه الكنيسة اليوم. خاصة مع اختفاء أو توارى الشيوخ، فاختفت التلمذة، محور الرهبنة الأساسي. وتركزت كل الصلاحيات في يد اسقف الدير: • فهو المنوط به حصرًا أخذ اعترافات الرهبان وطالبي الرهبنة، • وإدارة مشاريع الدير الاستثمارية، • والمشاركة في المسئوليات المجمعية للكنيسة خارج الدير،، • والبت في أزمات ومشاكل الدير ورهبانه. والأنكى من هذا ـ ووفقًا لتقاليد رتبته الأسقفية ـ أنه لا يمكن تنحيته حتى لو كان فاقدًا لأهلية القيادة، إما لتكوينه الشخصي أو لتقدمه في العمر، فيما كان المستقر قبلًا أن تُسند إدارة الدير لأحد رهبانه، بدون رتبة كنسية أو على الأكثر إيغومانوس. وتتداول القيادة بشكل هادئ إذا تطلب سلام الدير ومصلحة الجماعة الرهبانية هذا. الكنيسة كائن حي، وهى لديها خبرات ممتدة لقرون، ومتجددة بشكل دائم، وتملك لاهوتًا تشهد له كل كنائس العالم، ولديها ليتورجيتها الفائقة الإبداع والتي يمكن أن تمدنا بمناهج تعليمية غاية في العمق تغطي احتياجات الرعية من الطفولة وحتى الشيخوخة، بدلا من حكايات العرفاء وحكاوي التأملات التائهة بعيدًا عن عمق الكنيسة. أما الإدارة فتعانى من أمرين: • إقصاء الأراخنة عن المشاركة في اتخاذ القرار فيما يختص بشئون واحتياجات الكنيسة في الشق الإداري والتنظيمي. • غموض اللائحة المنظمة لعمل المجمع (المقدس) وغياب بنود أساسية توضح: • سلطة كل من البابا البطريرك والأسقف، كما يجرى الأمر في لوائح الكيانات السيادية المناظرة. في تعريفات محددة تتصدر بنود اللائحة. • عدم وجود نص بخصوص التزام الأسقف بحضور اجتماعات المجمع الاعتيادية والطارئة، في غير الظروف القهرية، المرض أو السفر خارج مصر. • تغافل التعاطي مع الأسقف في سن الشيخوخة، على غرار كنائس تقليدية شقيقة بشأن إقرار وتنظيم استقالته أو تقاعده عند بلوغه سن معين، مع احتفاظه برتبته الأسقفية وبالطبع كهنوته. ويتطلب الأمر هنا إنشاء دور إقامة للآباء المتقاعدين يوفر لهم الرعاية الصحية والإنسانية كما فعلت الكنائس الشقيقة. في تطوير معاصر لبيت المطارنة الذي ظل قائمًا حتى نهاية حبرية البابا كيرلس السادس بجوار مقره. • تُعلّم الكنيسة أن الدرجات الكهنوتية ثلاث: ~ الأسقفية (البابا البطريرك والمطران والأسقف). ~ القسوس (الإيغومانوس والقس). ~ الشمامسة (الدياكون والأرشيدياكون) فيما تقتصر عضوية المجمع (المقدس) على الدرجة الأولى، ولا تمثل فيه الدرجتين الآخرتين. وحتى يستقيم الأمر يجب على الكنيسة دراسة كيفية مشاركتهما بشكل مماثل في عضوية المجمع. *) يوجد بالمجمع اثنين من القمامصة بصفتهم وكلاء البطريركية في القاهرة والإسكندرية. ولا يمثلون عموم القسوس. --- ### الأصل الكيرلسي المزعوم لصيغة خلقيدونية [٤] - Published: ۲۰۲٤-۰٤-۱۵ - Modified: 2025-02-02 - URL: https://tabcm.net/18994/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: الكنائس الأرثوذكسية, النسطورية, بابا كيرلس عمود الدين, باسيليوس الصيفقلي, باسيليوس الكبير، أسقف قيصرية الكبادوك, مجمع خلقيدونية, يوحنا منصور بن سرجون الدمشقي قبل أن ندلف إلى تفنيد الادعاء بالأصل الكيرلسي لصيغة خلقيدونية، وهو القسم الثاني من قراءتنا للمقال ((الأقباط متحدون، مقال: الأصل الكيرلسي للصيغة الخلقيدونية “في طبيعتين” ))، نستعرض الفقرة الأخيرة في هذا الجزء، نعلق عليها ونرى كيف ستكون مدخلًا ممتازًا للقسم الثاني:لهذا السبب يظهر الفارق الكبير بخصوص القضية التي نتناقشها أي قضية صيغة الذيوفيزيتية، نقول يوجد فارق جذري وهوة عميقة بين نسطور وباسيليوس. بالنسبة لنسطور "المسيح الواحد والابن الواحد" الذي يتحدث عنه ليس هو ابن الله وكلمته كما يراه باسيليوس، ولكنه الشخص الاعتباري - الأخلاقي والذي نتج من اتحاد الطبيعتين. ومن ناحية أخرى فان التعبيرات "المسيح" و"الابن" عند نسطور لا يدلّون بشكل قاطع على ابن وكلمة الله، ولكن يدل أيضا على طبيعيته والتي هي رسائل الطبيعتين. العكس عند باسيليوس، "المسيح الواحد" يعرف من خلال الطبيعتين، أي يعترف به ويتم التعرف عليه "في طبيعتين" كما يظهر من اعتراف إيمانه وكما قال في خلقيدونية فإنّ المسيح الأحد "هو ابن الله الوحيد وكلمته" بشكل قاطع، الأمر الذي لا يمكن أن يقبله نسطور انطلاقًا من تعاليمه وقناعاته. (الأقباط متحدون، مقال: الأصل الكيرلسي للصيغة الخلقيدونية “في طبيعتين”) لدي اندهاش قديم -متجدد- كلما قرأت -أو سمعت- للاهوتيين الخلقيدونيين، هل عجزت عقولهم عن استيعاب أصل الخلاف! ! أم أن حفظ ماء الوجه هو أكثر أهمية من الحق والحقيقة! ! أفهم أنهم لقرون طويلة قد رضعوا لبن أكاذيب المؤامرة التي تمت في خلقيدونية، وتنفسوا هواءها، ولكن ماذا عن "الآن" لقد اكتملت قطع البازل لتشكل لنا تكوينا بوضوح الشمس. الكاتب، وبعد أن نسفنا في المقال السابق فكرة اختلافهم عن "نسطوريوس" الذي زعموا أنّه نادى بالانفصال بين الطبيعتين، الأمر الذي لم يحدث على الإطلاق، يطرح نقطة جديدة هنا هي الزعم باختلاف "مسيح خلقيدونية" عن "مسيح نسطوريوس". يقول كاتبنا أن مسيح نسطوريوس هو الشخص الاعتباري والذي نتج عن اتحاد الطبيعتين ، ويزعم أن هذا ليس مسيح باسيليوس الصيفقلي، وليس مسيح خلقيدونية، ولكنه لم يميز لنا أدنى اختلاف نستطيع معه أن نميز بين المفهومين، لأنه ببساطة شديدة وبمنطقية مطلقة، طالما ذكرنا "طبيعتين" فمن يمثلهما (=المسيح) هو بالضرورة الحامل لهما معا، قالها نسطوريوس أو الصيفقلي أم تجنبا ذكرها، فالأمر واقع والمنطق يقولها. وحتي ندلل على واقعية الأمر ومنطقيته، سنورد نصوصًا ساقها بروفيسور خلقيدوني أخر هو د. جوهان كارميرس، أستاذ اللاهوت بجامعة أثينا، من محاضرة ألقاها في اللقاء التشاوري غير الرسمي بين الكنائس الأرثوذكسية الخلقيدونية ونظيرتها غير الخلقيدونية ((راجع كتاب: مجمع خلقيدونية أيفرق أم يجمع، ص 53. )). إنّ القديس كيرلس، وفقًا لقول يوحنا الدمشقي، يفهم بعبارة "متجسدة" طبيعة الجسد، وبعبارة "طبيعة واحدة" أقنوم الكلمة الواحد، أي ألوهيته، إذن هما طبيعتان. ويضع كيرلس على نحو توكيدي "الطبيعة الواحدة" شخص الله الكلمة المتجسد في مقابل الطبيعتين التي تعني الشخصين عند نسطوريوس، ولكنه فهم الشخص الواحد أنّه حامل الطبيعتين كلتيهما. (كتاب مجمع خلقيدونية أيفرق أم يجمع، ص ٥٣) وفي فقرة أخرى من المحاضرة: ((راجع كتاب: مجمع خلقيدونية أيفرق أم يجمع، ص 59. )) حارب كيرلس التجزئة النسطورية للابن إلى ابنين، فعبّر عن الإيمان الأرثوذكسي بالابن الواحد المتجسد، ولذلك اعترف بأن الكلمة الذي من الآب اتحد بالجسد أقنوميًا، وهكذا هناكواحد مع جسده الخاص، أي هناك إله وإنسان معًا، فهوحامل الطبيعتين كلتيهما. (كتاب مجمع خلقيدونية أيفرق أم يجمع، ص ٥٩) إنّه نفس الخطاب النسطوري المراوغ هو هو، لا يتحرك عنه قيد أنملة، يتحدث عن الكلمة الذي من الآب، ثم يقفز إلى "المسيح" الذي نعرف نسطوريًا أنّه الكيان الحامل للطبيعتين والقابع في مستوي وجودي آخر خارج الطبيعتين، وها هو الرجل الشارح لخطاب خلقيدونية يستخدم المنطق ذاته بكل وضوح، والأدهى، أنّه ينسبه لكيرلس! ! ! فهل هذا هو مسيح كيرلس الكبير؟؟ فندت في مواقع عدّة سابقة أنّ هذا هو مسيح نسطوريوس والأنطاكيين، والذي لا يمت بصلة لمسيح كيرلس والسكندريين، ولكنني ههنا سأستعين  بلاهوتي أخر من نفس المعسكر الخلقيدوني هو Hans Van Loon والذي كانت هذه المحاضرة تحديدًا محلًا لأحد تعليقاته في كتابه The Dyophises Christology of Cyril of Alexandria، حيث يقول: ((The Dyophises Christology of Cyril of Alexandria, Page 198 )) على الأقل في كتابات كيرلس ما قبل عام ٤۲٩، لا يوجد أدني إشارة لما أوردة "كارميرس" في هذه المحاضرة. (The Dyophises Christology of Cyril of Alexandria, Page 198) وحيث أننا هبطنا الآن في الساحة الرحبة التي لكيرلس، نستكمل في المقال القادم القسم الثاني من القراءة، والخاص بنفي زعم الكيرلسية عن صيغة خلقيدونية. --- ### دخول المسيح أورشليم - Published: ۲۰۲٤-۰٤-۱٤ - Modified: 2024-04-14 - URL: https://tabcm.net/19064/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, كتاب مقدس - وسوم: ألفريد إدرشيم, إدوارد روبنسون, إله إسرائيل, الأب متى المسكين, الترجمة السبعينية, بنيامين ديفيز, فريدرك فارار, مجلة مرقس, هاينريش فريدريش فيلهلم جيسينيوس دخول المسيح أورشليم بقلم الأب متى المسكين، نُشر أوّل ما نُشر في مجلة مرقس، عدد أبريل ١٩٧٩، الصفحات من ٢١ إلى ٢٥. كانت عادة أهل أورشليم منذ زمان بعيد أن يستقبلوا الحجاج القادمين لقضاء الأعياد اليهودية بأغصان الآس (نبات عطري)‏ والصفصاف وسعف النخيل ((The Life and Times of Jesus the Messiah, by Edersheim, Alfred ))، فتقف فرق اللاويين على قمة الطريق الموصل إلى الهيكل تحيي مواكب الحجاج مترنمة بتسابيح الرب لأن هذا هو عملهم الأساسي ((... واللاويون بآلات غناء الرب التي عملها داود لأجل حمد الرب (أخبار الأيام الثاني 7 : 6). )). أما هذه التسابيح فتدعى في الطقوس اليهودية «مزامير الهلليل» مبتدية من مزمور ‎١١٣‏ حتى المزمور ١١٨. ونظام التسبيح يكاد يشابه نظام كنيستنا الآن المعروف بالمرابعة ‎antiphony، فيبدأ اللاويون من العدد الأول من مزمور ١١٣‏ هكذا: اللاويون الشعب سبحوا الله ((في الأصل العبري كلمة هللويا هي «سبحوا الله». )) هللويا سبحوا يا عبيد الرب هللويا سبحوا اسم الرب هللويا وهكذا يستمر التسبيح حتى الآية الأخيرة من مزمور ١١٨: احمدوا الرب فإنه صالح وأن إلى الأبد رحمته ((احمدوا الرب فإنه صالح وأن إلى الأبد رحمته (مزمور ١١٨). ))، فينضم الفريقان معا ويرددانها بصوت واحد. ولما كانت للأعياد اليهودية مفهومًا مسيانيًا سيتحقق في الأزمنة الأخيرة، كان الموكب الاحتفالي في عيد المظال ينتهي بدورة الكهنة حول المذبح وهم يرددون الآية ‎٢٥ من مزمور ١١٨ يا رب خلصنا، يا رب سهل لنا النجاح، مبارك الآتي باسم الرب ((يستطيع القارئ الآن أن يفهم دورة الكاهن بالحمل في بداية القداس الإلهي بينما الشعب يرتل خارجًا نفس هذه الآيات. )). نحن الآن قريبين على فصح سنة ‎٣٣‏م. والذي يرى أورشليم في هذه الأيام من منظور عين الطائر يخيل إليه أنها بحيرة بشرية تصب فيها الدروب والمسالك والطرق من كل نواحي فلسطين، وتموج بالوافدين والمواكب كطوفان بشري يتحرك نحو هذه البؤرة. والذي يعنينا من هذا العجيج طريق يخرج من بيت عنيا، على مسافة ستة أميال من أورشليم، يمتد إلى جبل الزيتون وينحني فجأة نحو الشمال عبر وادي قدرون ليواجه أسوار الهيكل الضخمة وقبابه المغشاة بالذهب اللامع حيث تتركز أمجاد إسرائيل الأمة المختارة من قبل الله منذ أجيال طويلة، وهنا تتجمع كل آمال وتطلعات الشعب العابد التقي. لكن فصح هذا العام يختلف عن كل عام، فالأنباء التي تواترت مع الحجاج القادمين من الجليل أن يسوع آت إلى أورشليم، وأنه أمضى مساء السبت في بيت عنيا بعدما أقام ميتًا أنتن في القبر أربعة أيام. والمواكب تتفرق إلى جماعات‏ صغيرة تتحاور فيما بينها بشأن‏ هذا النبيّ، ونبأ‏ إقامة أليعازر ينتشر بين الجموع كلهيب يشعل القلوب التي طال انتظارها: هل هو النبيّ الآتي باسم الرب؟! . . هل هو المسيّا الآتي ليملك على كرسي داود؟! . . هل هو المخلص الآتي من الأعالي؟! . . ((The Life of Christ, by Frederic W. Farrar )) أسئلة حائرة، وعواطف ملتهبة، وشعب يترجى‏ خلاصًا غرسه الأنبياء في وجدانه. ‏المسيح يعلن مملكته: يسوع، منذ الصباح الباكر، أرسل اثنين من تلاميذه ليحضرا له الأتان وجحش ابن أتان. ولأن مرقس أكثر الإنجيليين إفاضة في ذكر تفاصيل هذه الواقعة، لذلك يرجح أن بطرس كان أحدهما، وبالتالي يوحنا الحبيب رفيقه. وأعد التلميذان الأتان لركوب المعلم بأن فرشا عليها ثيابهما وساعداه على امتطائها. وتحرك موكب غاية في العجب والبساطة، موكب نصرة لم يُسمع مثله من قبل. جماعة التلاميذ تتقدم بالأغصان، جموع من المساكين والخطاة الجليليين يهللون، تسابيح من أطفال صغار لا زالت ألسنتهم تتلعثم، الجميع يلوحون ويهتفون ويترنمون. وأثناء تحرك الموكب تنضم إليه جماعات قلوبها حارة بالروح، ترى في الراكب على الأتان ملكًا وديعًا، وروح النبوة يشير بإصبع واضح أن هذا هو الملك الذي قال عنه زكريا ((زكريا ۹ : ۹-۱۰. )) : ابتهجي جدًا يا ابنة صهيون، اهتفي يا بنت‏ أورشليم، هوذا ملكك يأتي إليك، هو عادل ومنصور، وراكب على حمار وعلى جحش ابن أتان... يتكلم بالسلام للأمم وسلطانه من البحر إلى البحر ومن النهر إلى أقاصي الأرض. (زكريا ۹ : ۹-۱۰) وكلما اقترب الموكب من الهيكل ازدادت الجموع وارتفع الهتاف، وتحول إل مسيرة شعبية ضخمة يحركها روح الله ويعزف على حناجرها بأوتار الترنم نشيدًا تهتز له السموات: ((The Interpreter's Dictionary of the Bible )) العبريّة العربيّة « أدوناي هو شيعا - نّا » « يا رب خلّصنا » « أدوناي هصليحا - نّا » « يا رب سهّل نجاحنا »‏ ‏« باروخ هبَّا بِشِم أدوناي » « مبارك الآتي باسم الربّ » إنها لحظة تقابلت فيها الإرادة الإلهية لتحقيق الخلاص مع وعى الأتقياء وتوسلهم الدائم إلى الله لمجيء المخلص، فمن ذا الذي يستطيع أن يواجه هذا الموقف! ! وعبثًا يحاول الفريسيّون أن ينتهروا الجموع، وباطلًا سعوا لإسكاتهم، لأنّه إن سكت هؤلاء فالحجارة تنطق ((لوقا ١٩ :  ٤٠ )). الآن تحقق خطاب الملاك للعذراء يوم بشرها بميلاد المسيح وكيف سيعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه، ويملك على بيت يعقوب، إلى الأبد، ولا يكون لملكه نهاية. ((لوقا ١ : ٣٢-٣٣ )). ‏ وبقيت هذه الكلمات غير محققة حتى أتت الساعة -الآن- التي استعلن فيها يسوع مُلكه من فوق منبر غاية في العجب. الملوك تعلن سلطانها من فوق المركبات والفرسان، ولكن النبوة تتحدث عكس ذلك ... وأقطع المركبة من افرايم، والفرس من أورشليم ((زكريا ٩ : ‏ ۱۰. )). وهكذا يدخل الملك الوديع إلى أورشليم وإلى الهيكل. معنى كلمة «هوشيعا نّا» «خلّصنا»: هذا الوزن هو المزيد من الفعل الثلاثي البسيط «يَشَعَ» الذي يقابله في العربية «وَسَعَ» ((Hebrew - English Lexicon, by Edward Robinson )). فالكلمة تتضمن خروج من ضيق إلى سعة كما جاءت في هذه الآية: هو وقت ضيق على يعقوب ولكنه سيخلص منه. ((إرميا ٣۰ : ٧ )). فالشعب حينما يصرخ «هو شيعا نّا» أو «أوصانّا» يعني أنه يحس بالضيق والانحصار ويترجى خروجًا إلى السعة والفرج. وهذا لا يتم إلا بتوسط إلهي، لأنّ هذا الوزن بالذات من الأفعال يستعمل للتدليل على طلب تدخل طرف ثالث يكون هو المتسبب في قضاء الفعل المطلوب، مثلما نقول أنّ فلان حضر، وأن شخصًا ثانيًا استحضر فلان هذا. وهو ما يسمى في فقه اللغة «السببية»، فالشعب لا يطلب هنا خلاصًا فقط، بل خلاصًا مضاعفًا يعيّر به عن عمق الضيق والمعاناة التي يعيشها. ليس هذا فقط، بل الصيغة الرجائية التي جاء بها هتاف الشعب تحمل أيضًا دلالة أخرى تزيد عمق إدراكنا بمعاني هذه الكلمة، فنحن نعلم من اجرومية اللغة العبرية أن الصيغة الإخبارية تعني مجرد الخبر والإعلام فقط، بينا الصيغة الرجائية التي جاءت بها كلمة «هو شيعا نّا» تؤكد النية والتصميم المتضمن في العمل ذاته والاهتمام الشخصي بتتميمه. لذلك فهتاف الشعب بهذه الكلمة «هو شيعا نّا» يعني إلحاحًا ولجاجة في مخاطبة الله وتوسلًا بإصرار وحرارة أن يتمم هذا الخلاص. لذلك نستطيع أن نترجم هذه الكلمة مشروحة هكذا: نرجوك ونتوسل إليك بلجاجة أنّ تخلصنا. ((Gesenius' Hebrew Grammar, by Wilhelm Gesenius & Benjamin Davies, p320 )) بذلك نستطيع أن نقيس عمق المأساة الق يعيشها الإنسان بسبب خطيته، ومدى السعة التي يقود بها المسيّا شعبة خارجًا من الضيق إلى الفرج، والانفعال الروحي الذي دفع هذه الجموع لتهتف وتنشد وتفرح. «نظر إلى المدينة وبكى عليها»: وبينما الموكب الحافل يقترب من المدينة، يتجاوز يسوع كل مجد الملوكيّة وينظر إلى المدينة، التي دعيت مدينة السلام، ويراها تحولت إلى حطام. الشعب الذي أختاره الرب وميّزه عن كل الشعوب، أستأمنه على أسراره وشرائعه حتى قال عنه النبيّ قديمًا: كما تلتصق المنطقة بحقويّ الرجل هكذا ألصقتُ بنفسي كل بيت إسرائيل وكل بيت يهوذا، يقول الرب؛ ليكونوا لي شعبًا، واسمًا، وفخرًا، ومجدًا. ((إرميا ١٣ : ١١ )). هذا‏ الشعب طوّح مجدة وداس إكليل فخره: انتبهوا جدًا وانظروا هل صار مثل هذا؟ هل بدّلت أمّة آلهة وهي ليست آلهة؟ أما شعبي فقد بدّل مجده بما لا ينفع. ((إرميا ٢ : ١۰-١١ )). ‏ فنظر يسوع بعين نبويّة سبيَّ هذا الشعب الذي ألصقه الله بنفسه حتى يكون له اسمًا ومجدًا، ولكن هذه المرة سبيٌّ لا عودة منه ولا رجاء فيه. فبكى على الأمّة التي لم تعرف زمان افتقادها. هذا هو يسوع، الذي قلبه كلّه رحمة وحلاوة، ماذا يفعل أمام القساوة وغلظة القلب؟! لننتبه، لأنّ دموع يسوع أكثر تبكيتًا وإيلامًا للنفس من كل التأديبات والعقوبات التي يستحقها الخاطئ. زمان الافتقاد: أول من أعلن هذا الافتقاد في العهد الجديد هو زكريا الكاهن في تسبحته المعروفة: مبارك الرب إله إسرائيل الذي افتقد وصنع فداء لشعبه... بأحشاء رحمة إلهنا التي بها افتقدنا المشرق من العلاء. ((لوقا ١ : ٦٨-٧٨ )). ‏ والكلمة في مفهومها العبري أو اليوناني لا تزيد عن زيارة -مجرد زيارة- يقوم بها شخص عظيم كريم تنازلًا لمن هو أدنى بقصد المواساة وتخفيف الحزن لكارثة حدثت. ولكن في مفهومها الإلهي شيء فائق. أول افتقاد إلهي للإنسان حدث وقت صراخ شعب الله ضد عبودية المصريين: ... فسمع الله أنينهم، وتذكّر ميثاقه... ونزل لينقذهم... فلما سمعوا أنّ الربّ افتقد بني إسرائيل ونظر مذلتهم ونزل لينقذهم خروا وسجدوا. ((خروج ٢ : ٢٣-٢٥ و ٣ : ٨ و ٤ : ٣١ )). فحينما يفتقد الله إنسانًا يعني أنّه يسمع الأنين،‏ يذكر الميثاق، ينظر المذلّة، ينزل وينقذ ويخلص. وبعدما أقام يسوع ابن أرملة نايين ... أخذ الجميع خوف ومجد الله قائلين قد قام فينا نبيّ عظيم وافتقد الله شعبه. ((لوقا ٧ : ‎١٦ )). إسرائيل لم يعرف زمان افتقاده لأنة ليس شعبًا علمانيًا بل أمّة مقدسة ومملكة كهنة وشعب مقدس للرب ((تثنية الاشتراع ٧ : ٦-٨ ))،‏ وتاريخ هذا الشعب يبيّن أن كل ما جرى عليه يعلن أن إسرائيل لله والله لإسرائيل: هو فخرك وهو إلهك الذي صنع معك تلك العظائم والمخاوف التي أبصرتها عيناك. ‏سبعين نفسا نزل أباؤك إلى مصر، ‏والآن قذ جعلك الرب كنجوم السماء. ((تثنية الاشتراع ١٠ : ٢١-٢٢ )). ‏أما الآن، وقد افتقده الله بابنه يسوع المسيح، فإذا بالكهنة يتآمرون على قتله، ورؤساؤه ‏متمردون لغفاء اللصوص، محبون للرشوة ولا يقضون لليتيم طوفوا في شوارع أورشليم وانظروا ‏واعرفوا وفتشوا في ساحاتها، هل تبدون إنسانًا أو يوجد عامل بالعدل طالب الحق فأصفح عنها؟ ((إرميا ٥ : ١ )). نحن يا أحباء نعيش زمان الافتقاد هذا، نعيش مُلك المسيّا الوديع المتسلط على القلوب.  يا لفرحتنا ويا لتهليلنا حينما نقبله كمخلص آتٍ باسم الرب ليفتح لنا كنوز خيراته السمائية ويفيض علينا من بركاته بما لا تسعه نفوسنا. ويا لشقاوتنا لو عبر علينا هذا الافتقاد ولم نعلم ما هو لسلامنا، هل نحتمل بكاءه علينا؟! دخول المسيح أورشليم بقلم الأب متى المسكين، نُشر أوّل ما نُشر في مجلة مرقس، عدد أبريل ١٩٧٩، الصفحات من ٢١ إلى ٢٥. --- ### لا خلاص خارج كنيسة أطفيح والصف - Published: ۲۰۲٤-۰٤-۱۳ - Modified: 2024-04-18 - URL: https://tabcm.net/19010/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, شئون علمانية - وسوم: Sola Fide, Sola Gratia, Sola Scriptura, Soli Deo Gloria, Solus Christus, أنبا رفائيل، أسقف وسط القاهرة, أنبا زوسيما، أسقف أطفيح والصف, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, بروتستانت, حماة الإيمان, علي جمعة, ڤاتيكان, كريستولوچي, كلية اللاهوت الإنجيلية, كنيسة الإسكندرية, مجمع نيقية إن أواصر العقيدة، والدين، والثقة، وأنساق التعايش السلمي والأفكار المشتركة، التي تجمعني أنا القبطي، بمتصوف مثل فضيلة الدكتور الأكاديمي، أو راهب كاثوليكي من الدومنيكان، أو امرأة من كلية اللاهوت الإنجيلية، لهي بالتأكيد أكبر بكثير عن تلك التي تجمعني أنا نفسي بطفح الصف الأرثوذكسي  المقطع الساخن السابق لنيافة الأنبا زوسيما، أسقف أطفيح والصف، هو جزء من خطاب ديني استعلائي اكبر، تجدون مثل هذه الخطب التكفيرية على صفحات أصوليّة مثل أرثوذكسي متمسك، ودائمًا تعنون بعبارات رنانة مثل "راجل من ضهر راجل" - "الخائفون يمتنعون" - "تحية للأسقف الشجاع" - إلخ، من هذه التعبيرات الموحية بحالة استقطاب حاد بين فريقين، ينتمي الأنبا زوسيما فيهم للفريق الأضعف الذي ﻻ يحكم، أو ليس ذو سلطة (أمال شجاع ليه؟ واللي يخاف ميخشش ليه؟ والكتكوت الشرس بيقول "عشرة يكتفوني" ليه؟) لو أردنا توصيف أفكار الأنبا زوسيما، في مجالها الثقافي، فهي أفكار متطرفة جدا تندرج تحت باب Sola Ecclesia وتعني "ﻻ نجاة خارج الكنيسة"،، وقد يتبادر لذهنك أن المقصود هو الكنيسة العامة، أو كنيسة المسيح. . ﻻ. . وﻻ حتى المقصود كنيسة الإسكندرية أو كنيسة الأقباط! إنما هي كنيسة "وهمية" هم فقط من يمثلونها. . اختصارًا، ذلك هو الإيمان بمفهوم "الفرقة الناجية"، والباقي إلى الجحيم! إحقاقًا للحق، لم أجد في المكتبة الأرثوذكسية عظات أو وعظات (وﻻ حتى كتابًا) عن الـ"سولا إكليسيا"، أو أي "سولا". يقولون هناك عظة للمتنيح قداسة البابا شنودة الثالث لكني لم أشاهدها بنفسي، وما شاهدته فعلًا منذ فترة طويلة هو مرور عابر لنيافة الأنبا رفائيل، أسقف كنائس وسط القاهرة، قال فيه شيئًا يسيرا عن السولات الخمس الكبرى، ففهمت أنه ينقل عن غيره (وربما ينقل عن قداسة البابا شنودة)، أو على الأقل فهو يقول كلامًا علميًا لكن طواه الزمن،، ففي الحقيقة السولات تخطت الـ"خمسة سولا" ووصلت إلى ما يقرب من 12 الآن. الأمر ربما يحتاج مقالًا مستقلًا ومشذبًا. . لكن مصطلح Sola "سولا" هو مصطلح لاتيني وليس شرقي، يستخدمه اللاهوتيون في وصف "احتكار النجاة" في أمر أحادي بعينه، وجعله محوريًا ﻻ نجاة إلا به، مع إهمال أيّة عوامل أخرى. شاع هذا المصطلح عند اللاهوتيين اللوثريين في وصف بعض الأفكار اللاهوتية للإصلاح البروتستانتي، وأشهرها على الإطلاق Sola Scriptura وتعني الاعتماد الأحادي على الـ"نص الديني" باعتباره قطعي الثبوت والدلالة ("النقل فوق العقل" مثلا في المكافئ الإسلامي، أو أن الكتاب المقدس وحي إلهي لفظا ومعنى، ومعصوم من سوء الفهم معنى وترجمة) وطبعا دي حاجات ممكن تخلق واحد إرهابي بامتياز، أو على الأقل متطرف ديني، يضع "فهمه للنص" في مصاف "الحقيقة المطلقة" الغير قابلة للمراجعة! السولات الخمس الكبرى، أو الأحاديات الخمس الكبرى، هي مفهوم ثقافي ولاهوتي لتوصيف الاختلالات المنهجية في تكون الرأي (ومن ثم مفهوم العقيدة المعطوبة المتكونة عند أصحاب هذا الرأي) في القرون الوسطى، وهي: - Sola Scriptura سولا سكريبتورا، (بالكتاب المقدس وحده) - Sola Fide سولا فيدا، (بالإيمان وحده) - Sola Gratia سولا جراتيا، (بالنعمة وحدها) - Solus Christus سولوس كريستوس، (بالمسيح وحده) - Soli Deo Gloria سولي ديو جلوريا، (بمجد الله وحده) طبعا أنت ممكن تتلخبط وتقول لو كل ده غلط،، أمال الخلاص بإيه؟ في الحقيقة الغلط في احتكار الخلاص في واحدة (صحيحة) مع إهمال بقية العوامل (الصحيحة برضو) فنقيض الـ"مطلق" ليس "مطلق معاكس"، وإنما نقيض الـ"مطلق" هو الـ"نسبي"! مثلا لو حد قال "المسيح وحده"، فده كدا مثلا منع "الخلاص بالنعمة"، لو حد قال "بالإيمان وحده"، فكده ألغى قيمة "الأعمال" مثلا، وهكذا،، مفهوم النجاة أو الخلاص (أو حتى مفهوم النجاح الأرضي في امتحان آخر السنة) هو مفهوم متعدد ومتشابك ومتضافر، وكأن عليك واجب تجاه قائمة من الأشياء (مجموعة مواد تذاكرها) علشان تنجح وتعدي السنة. . فده مش بيناسب الناس البسيطة التفكير واللي مش غاوية مذاكرة، فتحتكر مفهوم خاص إن النجاح في الرياضيات بس، أو العلوم بس، أو المواد الأدبية واللغوية بس (تعمل كدا وهي في الابتدائية ولسة بتغير "بامبرز" أو "كافولة" بمصطلحات القرون الوسطى الجميلة، قبل اختراع الحفاضات الورقية! ) فالناس دي لما تكبر، وبتحتفظ بنفس المنطق الطفولي الأحادي الساذج، وتبقى في مناصب دينية متخصصة فااااااااااااا. . فبيفضل مُعادي للتخصصات والمعتقدات بل والديانات الأخرى، ويصبح كلامه خطير جدًا لأنه صادر من "كبير" في قومه،، مش من "عيل" بكافولة. الـ Sola Ecclesia معناها "الكنيسة وحدها" هي "الفرقة الناجية"، وهاتلاقي خطابها مهمل بقيّة الأليات التي تساعد على الخلاص طالما حدث خارج الجماعة مهمل ومقلص لدور أي حاجة في أي حاجة. . مثلا يقولون عن مسيحيو العالم: إيماننا غير إيمانهم، مسيحنا غير مسيحهم، إلهنا غير إلههم، معموديتنا غير معموديتهم،، طبقنا غير طبقهم، وأكلنا غير أكلهم،، رائحتنا ليست كرائحتهم، إلخ، وهما بعينهم الرافد الثقافي للجماعة بتوع "ﻻ وحدة قبل وحدة الإيمان". . يعني "حماة الإيمان" بالأساس هم إفرازات جلدية طفحت عن السولا إكليسيا المعادية لقيم التعايش السلمي مع الكنائس الأخرى، فما بالك مع غير المسيحيين أساسًا. . ! وعلى فكرة العالم الواسع مش متساب بحبوح لآراء المتطرفين أمثال الأنبا زوسيما وكنيستة الطفحية. . مثلًا العالم المسيحي محدد الإيمان المسيحي في مجمع نيقية بقانون الإيمان المسيحي النيقاوي، وكل من يؤمن به يعد مؤمنًا مسيحيًا وأرثوذكسيًا كمان، غصب عن زوسيما وطفحه وصفه وأفكارهم المتطرفة. . وحتى المسيح نفسه بسيط ومش متساب لتعقيدات علم الكريستولوجي (اللي بالتأكيد مش كل مسيحي درسه وأخد فيه دكتوراه) لكنه يعني في حده الأدنى الإيمان بالثالوث من دون الهرطقات الأساسية التي ترفضها المجامع المسكونية والتي أضافت هذا الجحد للهرطقات في قانون الإيمان أيضًا. (على السيرة، الفاتيكان ألغى سلطة "الهرطقة" من أساقفته وكهنته من زمان، وشاف إن خلاص محدش يعرف يطلع هرطقات جديدة حول الثالوث، ومن ثم سحب سلطة "الهرطقة" من كل الكهنوت! ! وبالتالي أي اتهام -معاصر- بالهرطقة هما بيشوفوه صادر من حد متخلف عقليًا، مش من غيور دينيًا) بطريقة أخرى، الأربعة طوائف أو مذاهب مسيحية، هي بالفعل لها نفس الإيمان الأساسي، وإن كانت تختلف فعلًا في فروع وعوائد وأنساق اجتماعية. كل هذا تنوع مشروع ومباح في أمور لم يحسمها الإيمان المسيحي أو لا يعتبرها "أساسية". وبالطبع من حق كل فرد الانتماء للمذهب الذي يراه يحقق أعلى درجة من التوافق مع أفكاره ومعتقداته ومجتمعه، بل ومن حقه أيضًا أن يرى مذهبه هو المذهب الأكثر صحة في كل المتاح. لكن ليس من حقه التمادي والغلو لدرجة اعتبار من خالفه المذهب ضال وهيروح النار! وﻻ حتى من حقه اعتبار مخالفه في الدين كدا! ! العالم الرحب ﻻ يتسع ولا يسمح لمثل هؤلاء المعادين للعالم بالظهور على منابر إعلامية عالمانية محترمة، فمن باب أحرى عدم تواجدها في الكنائس المحترمة! صورة المقال المرفقة هي عن تصريح حديث نسبيّا لفضيلة الدكتور علي جمعة، على سبيل أن أفكاره الإسلامية عن "غير المسلم"، تتوافق مع الأفكار المسيحية عن "غير المسيحي"، بأكثر مما تتوافق مع أفكار زوسيما المتطرف الجالس على كرسي الطفح الأرثوذكسي! أيضًا النسق المتصوف الذي يمثله د. على جمعة، يعاديه النسق الوهابي والطالباني والداعشي، والأقرب إليه نسق أسقف أطفيح، والذي إيمانه قرنأوسطي بامتياز! وعلى هذا أقول: إن أواصر العقيدة، والدين، والثقة، وأنساق التعايش السلمي والأفكار المشتركة، التي تجمعني أنا القبطي، بمتصوف مثل فضيلة الدكتور الأكاديمي، أو راهب كاثوليكي من الدومنيكان، أو امرأة من كلية اللاهوت الإنجيلية، لهي بالتأكيد أكبر بكثير عن تلك التي تجمعني أنا نفسي بطفح الصف الأرثوذكسي! --- ### أوان فطام الأقباط - Published: ۲۰۲٤-۰٤-۱۲ - Modified: 2024-04-11 - URL: https://tabcm.net/18879/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, شئون علمانية - وسوم: إشعياء المقاري, إكليروس, الشرق الأوسط, بابا تواضروس الثاني, دير الأنبا مقار الكبير, صموئيل أفا ماركوس, مدارس الأحد, وائل سعد وأنت تتكلم عن شعب أو أقلية عرقية يتراوح تعدادها بين 20 إلى 25 مليون شخص داخل وخارج مصر، فهذا يفوق شعوب سكان دول مجتمعة في المنطقة المحيطة بنا، ومن الطبيعي -كأي شعب طبيعي- ألا يكون كلهم على نفس الشاكلة أجّلت كتابة هذا المقال حتى تتضح الأمور في قضية مقتل الرهبان الثلاثة، بخصوص الجناة وهويتهم وبداية المحاكمة رسميًا في جَنُوب إفريقيَا، حيث وجهت تهمة  القتل إلى "سعيد" طالب الرهبنة، والراهب صموئيل أفا ماركوس. ولا تعنيني هذه الحادثة تحديدًا، بقدر ما يعنيني ردود فعل قطاع واسع من الأقباط الذين دائمًا ينكرون أن يكون الجاني من أصحاب الرداء الأسود، كما حدث في مقتل الأنبا إبيفانيوس، وقد آن الأوان للنضج والفطام عن هذه الصورة الطفولية البريئة المُتخيلة عن المسيحيين عمومًا والإكليروس من كهنة وأساقفة ورهبان على وجه الخصوص. مع كون تعداد الأقباط يقدّر بالملايين، يضعهم ذلك كأهم مجموعات الأقليات في منطقة الشرق الأوسط، وخلال ما يقترب من ألفي عام، استطاعوا الحفاظ على هويتهم من خلال التمسك بكنيستهم والاحتماء بها خاصة في الأوقات الصعبة، وعرف عنهم مجموعة من الصفات الجيدة مثل الأمانة والصدق، ولكن وأنت تتكلم عن شعب أو أقلية عرقية يتراوح تعدادها بين 20 إلى 25 مليون شخص داخل وخارج مصر، فهذا يفوق شعوب سكان دول مجتمعة في المنطقة المحيطة بنا، ومن الطبيعي -كأي شعب طبيعي- ألا يكون كلهم على نفس الشاكلة، بل يوجد بينهم اختلاف وتباين وتنوع. قطاع كبير من الأقباط يرون أنهم ملائكة لا يخطئون، والصورة المتخيلة لديهم عن أنفسهم وعن الكنيسة -لا أقصد المفهوم الإنجيلي أنها جماعة المؤمنين بل المؤسسة التي يسودها الهيراركي الأكليروسي من البابا والأساقفة والكهنة والشمامسة وخدام التربية الكنسية- أنها صورة بيضاء نقية مثل الثلج ولا تشوبها شائبة، متناسين أنهم بشر، وجزء من الطبيعة الإنسانية هو ارتكاب الأخطاء وليس الأخطاء العادية بل ربما تصل لحد الجرائم مثل القتل. أتذكّر في واقعة مقتل الأنبا إبيفانيوس، أسقف دير القديس مقاريوس الكبير بوادي النطرون، وقت أن كُنت أقدم تغطيات صحفية، وأتابع سير التحقيقات، أن كان رد فعل كثيرين من الأقباط فور معرفة هُوِيَّة الجاني أنه وائل سعد هو الإنكار والرفض وعدم التصديق، بالرغم من تنفيذ حكم الإعدام في الجاني، إلا أن الكثيرين لا زالوا لا يصدقون ويبحثون عن أي أسباب لإسقاط التهمة عنه، حتى مع انتشار ما يثبت أن إشعياء -المجرد من الرهبنة بقرار من البابا تواضروس قبل توجيه اتهام رسمي له- أنه كان راهبًا فاسدًا. نفس ما حدث من ادعاءات بعد مقتل الأنبا إبيفانيوس، وأنّ غرباء من خارج دير أنبا مقار تسللوا للدير وقتلوه، تكرر في واقعة مقتل رهبان جَنُوب إفريقيَا، فكثيرين تناقلوا الخبر، ومن بينهم صحفيين ومثقفين، وقبل ورود أي معلومة أشار البعض إلى تنظيم داعش الإرهابي باعتباره نشط في جَنُوب إفريقيَا، والبعض الآخر  أشار إلى أنها عصابات إجرامية منتشرة هناك قتلت الرهبان، والذين تم وصفهم فورًا بأنهم "شهداء"، ثم كانت الصدمة بعدما تم اكتشاف أن مرتكب الواقعة من داخل الدير وأحد طلاب الرهبنة، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل هناك راهب آخر متهم ويحاكم معه. الأقباط لا يرون أنفسهم إلا في موقع الأقلية المضطهدة، وأنهم مجموعة مثالية لا يوجد بينهم خاطئ واحد، مع أنهم مجموعة بشرية كبيرة ومتنوعة ومتباينة ومتعددة الثقافة، بين المقمين في مصر والمهاجرين للخارج في قارات العالم الست المأهولة بالسكان، وفي رأيي يعود هذا لمنظومة التعليم الكنسي أو "الخطاب اللاهوتي" الذي تعرضت له مثل بقية الأقباط في طفولتي وصباي وشبابي وتأثرت به، فقد كانت لدينا صورة ذهنية متخيلة عن خادم مدارس الأحد "أنه شخص خجول خفيض الصوت، يحض على قراءة الكتاب المقدس خلال مروره بالشارع وفي الكنيسة ويحني كتفه، لا يتفوه بالشتائم، ولا يدخن، ولا يجلس على المقاهي، ولا يشاهد التلفزيون (خلال التسعينيات)"، ونفس الأمر بالنسبة للخادمات في مدارس الأحد، والجميع هنا يبدو أنهم مشاريع رهبان وراهبات وكهنة ومكرسات. وفي حين أننا جميعا نحاول رسم هذه الصورة المثالية "البلاستيكية"، إﻻ أننا بشر عاديين، ونعيش حياتنا بشكل طبيعي، فهناك من يمارس كرة القدم وينفعل ويسب ويلعن مثل أي لاعب كرة خلال اللعب أو مشاهدة مباريات كرة القدم، والبعض يذهب للجلوس على المقاهي، لكنه يختار أماكن بعيدة عن الكنيسة حتى لا يراه أحد، مع أن الجلوس على المقهى لا يعيب صاحبه في شيء، من هنا ترسخت صورة مثالية طوباويّة في أذهان عموم الأقباط عن أنفسهم، وبعض من يعانون هذا الازدواج دخلوا الأديرة وصاروا رهبانًا وأساقفة اليوم. يمكنهم أن يفعلوا ما يحبون ولكن دون أن يعرف أحد وعلينا جميعا أن نحافظ على الصورة المتخيلة عن أنفسنا. أعتقد أنه آن الأوان أن يدرك الأقباط أنهم مجموعة من البشر ليسوا مثاليين، ويجب أن يحرروا أنفسهم من "الإحساس النفسي بأنهم أقلية مضطهدة"، وهذا لا ينفي ما وقع عليهم من اضطهاد وضغوط كبيرة طول تاريخهم وحتى الآن. لكن لابد من الفطام والنضج، حتى تستطيع هذه المجموعة المهمة والمكونة لجزء كبير من الشعب المصري اليوم أن تكمل طريقها ويكون لها مستقبل. --- ### قيصر أم المسيح؟ - Published: ۲۰۲٤-۰٤-۱۰ - Modified: 2025-03-19 - URL: https://tabcm.net/18895/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, كتاب مقدس, لاهوتيات - وسوم: إشباع الجموع, الإمبراطورية الرومانية, الترجمة السبعينية, الشرق الأدنى, الغنوصية, باولا فريدريكسن, جايوس أوكتافيوس ثورينوس أغسطس قيصر, جايوس ميسيوس كوينتوس تراجانوس ديسيوس, چون دومينيك كروسان, خواكيم جيريمياس, ريتشارد توماس فرانس, مايكل بيبارد, مرقيون السينوبي, هانز خواكيم شويبس, هلموت هاينريش كوستر, هيجيسبوس, يهوحانان بن ألياشيب, يوحنان بن زكاي, يوسابيوس بامفيلوس القيصري هذه الرؤية لا تتسِق تمامًا مع رؤية الغيورين ولا رِجال الخناجِر ولا حَملة السلاح الذين تحدثنا عنهم في المقال الأوّل. وبالتالي الأناجيل تقدم يسوع على أنّه يحقق نفس ما يدَّعيه قيصر ويحققه بالسطوة العسكرية، لكن يسوع يحققه بالدعوة لحضور الله كان لزامًا على المسيحية أن تتبنَّى لغة الديانة الإمبراطورية، وأن تستخدم استعارات حربيَّه كثيرة، ولكن في الحالتين كانت تقدم بديلًا سِلميًا. ونستطيع القول أنّ تجنُّب العُنف وتأويل لُغة الحَرب إلى لغة روحية أو مُسالمه كان في ذهن كُتَّاب العهد الجديد باستثناء بعض النصوص من ضمنها سفر الرؤيا. سنناقش في هذا المقال بعض الأمثلة التي تُشير للغة الإمبراطورية الرومانية، وكيف تم تعميدها أو صبغها بالصبغة المسيحية وتحويلها لأيديولوجيا تتجنَّب العُنف. نبدأ مع إنجيل مرقس الذي مفتتحه عبارة: بدء إنجيل يسوع المسيح. يعلق ريتشارد توماس فرانس ((ريتشارد توماس فرانس R. T. France: بروفيسور العهد الجديد ورجل دين أنجليكاني. كان مديرًا لقاعة ويكليف، أكسفورد، من 1989 إلى 1995. عمل أيضًا في مدرسة لندن لعلم اللاهوت. )) على كلمة εὐαγγέλιον بأنها كلمه شائعه الاستخدام في العبادة الإمبراطورية للإشارة إلى ميلاد الإمبراطور وصعوده للحُكم وزياراته الملكية، ويذكُر أيضًا استخدام الكلمة في الترجمة السبعينية اليونانية كترجمة مُباشره للكلمة العبرية biśśar، والتي تعنى يبلَّغ أو يبشَّر بخبر مُفرِح. في أواخر ستينات القرن التاسع عشر، تم اكتشاف نقش لأغسطس قيصر يسمى Calendar Inscription of Priene، يرجع لسنة 9 قبل الميلاد، ويقول إن ميلاد أغسطس قيصر هو بداية الأخبار السارة εὐαγγέλιον للعالم الذي خُلق لأجله . يشرح خواكيم جيريمياس ((خواكيم جيريمياس Joachim Jeremias: عالم لاهوت ألماني لوثري، وباحث في دراسات الشرق الأدنى وأستاذًا جامعيًا لدراسات العهد الجديد. كان رئيس دير بورسفيلد في الفترة 1968-1971. وُلد في درسدن وقضى سنوات تكوينه في أورشليم ، حيث عمل والده فريدريك جيريمياس بين عامي 1910-1918 كواعظ لكنيسة الفادي اللوثرية. )) في الجُزء الأول من كتابه New Testament Theology الخَبَر السار الذي أتى به المسيح باعتباره دعوة للمُشاركة في ملكوت الله. ملكوت الله وليس مملكة قيصر، وهنا يُقف جيريمياس عند تعبير الملكوت ويقول أن هذا التعبير غائب عن الأدبيات اليهودية حتى سنة 80م ((Joachim Jeremias, New Testament Theology, P. 97 ))، حيث ظهر في كتابات الراباي يوحنان بن زكاي ((يوحنان بن زكاي: راباي يهودي عاش في أورشليم قبل تدمير الهيكل بأربعين سنة وأصبح رئيسًا للمجمع بعد انتقاله إلى "يمنة"، وكان معروفًا عند الكتاب اليهود باسم "يوحنا الكاهن". يُعرف في الأدبيات المسيحية باسم "يوحنا الكاهن" أحد أفراد عشيرة رؤساء الكهنة، وكان أحد الذين جلسا مع حنان رئيس الكهنة وقيافا لمحاكمة الرسولين بطرس ويوحنا بعد شفائهما للرجل الأعرج من بطن أمه، وكرازتهما بالإنجيل في الهيكل (راجع أعمال الرسل 4: 6). )). على كل حال، يبدو أنّ المسيح استخدم تعبيرات مثل ملكوت الله وملكوت السموات للتعبير عن حضور من نوع ما، مُتوقِّع حدوثه، وبدأ يدعو الناس إليه. الجُزء الثاني من افتتاحية إنجيل مرقس هو إبن الله. بعض المخطوطات لا تحتوي هذا المقطع ولكنه موضوع في البعض الآخر، وعلى كل حال، هو موجود مرات ﻻ تحصى بطول الأناجيل، وسواء كان أصيلًا في العبارة الافتتاحية أو ﻻ، فهو لقب أصيل من أهم ألقاب المسيح في الأناجيل الأربعة ولابد من مناقشة مدلوله. لهذا اللقب تاريخ طويل في الكتابات اليهودية ولذلك شاع تغطية هذا الجزء في دراسات الدارسين، سنتكلم هنا عن الجانب الآخر  وهو دلالة اللفظ في العبادة الإمبراطورية. في كتابه The Son of God in the Roman World صفحة 31، يبدأ مايكل بيبارد ((مايكل بيبارد Michael Peppard: بروفيسور ﻻهوت العهد الجديد بجامعة يل. )). الفصل الثاني باقتباس من برديه برقم P. Oxy. XII 1453 ترجع لسنة 30-29 ق. م ويقول: قيصر إله من إله ((Michael Peppard, The Son of God in the Roman World, P. 31 )). تعبير البنوَّة لله لم يكن مُجرَّد تعبير مستخدم كتمجيد، ولكن للدلاله عن الاختيار وعلاقة مُختلفه بين الأب وابنه أو الأب ومُتبنَّاه في السياق الروماني. يعبر هلموت هنريك كوستر ((هلموت هاينريش كوستر Helmut Heinrich Koester: عالم أمريكي متخصص في العهد الجديد والمسيحية المبكرة في مدرسة هارفارد للأديان. كان بحثه في المقام الأول في مجالات تفسير العهد الجديد، وتاريخ المسيحية المبكرة، وعلم الآثار في الفترة المسيحية الأولى. )). عن السياق الروماني للديانة الإمبراطورية، فيقول: للعَصر الجديد شخص مُخلِّص، الواهِب الأعظَم على مَر الزَّمن، الابن الإلهي. . المُنتصِر أغسطس. ((Helmut H. Koester, The Son of God in the Roman World, P. 44 )). وربما عبارة كتلك لو قرأتها دون آخر كلمتين لظننت أنها عن المسيح. ولكن في بداية إنجيل مرقس نقابل مُخلِّصًا من نوع آخر، ليس مُنتصِرًا بقدرته الحربية ولكن مُنتصِر بإعلانه مجيء ملكوت الله. نعود مجددًا لكتاب New Testament Theology ونرى شرح خواكيم جيريمياس للمملكة التي يعلنها المسيح الناس. في صفحة 113 يقول أن الأخبار السارة التي أتى بها المسيح هي أنّه يدعو الخُطاة لمائده احتفاليه مع الله. في هذه المائدة يعد الله الفقراء بالتدخُّل وبإن وقت الخلاص متحَقَّق الآن وهنا. ((Joachim Jeremias, New Testament Theology, P. 113 ))، من هنا يظهر الهدف من اقتراب المسيح من المرذولين سواء بسبب سلوكهم أو سمعتهم أو مرضهم أو وظائفهم . الفكرة كلها أن الخلاص الذي يقدمه ليس خلاص النُصرة العسكرية ولكن خلاصهم بقبول حضور الله. هذه الرؤية لا تتسِق تمامًا مع رؤية الغيورين ولا رِجال الخناجِر ولا حَملة السلاح الذين تحدثنا عنهم في المقال الأوّل. وبالتالي الأناجيل تقدم يسوع على أنّه يحقق نفس ما يدَّعيه قيصر ويحققه بالسطوة العسكرية، لكن يسوع يحققه بالدعوة لحضور الله.  نفس الصورة نراها في إشباع الجموع. الإشباع الذي يحققه قيصر بالتقدُّم الاقتصادي والتوسُّع الزراعي، يحققه يسوع بمُشاركة الخمس خُبزات والسمكتين بين الناس. في حضور ملكوت الله القليل يتحول للكثير. واحدة من النقاط الأكيدة في حياة المسيح أنه بالرغم من إعدامه كثائر سياسي كما يبدو من اللقب أو التُهمه التي تخبرنا الأناجيل إنها دوّنت على صليبه، وهو أنّه ملك اليهود، إلا إن الرومان لم يتعقبوا تلاميذه أو يترصدوهم على مبايعته. هذه  الفكرة شرحتها باولا فريدريكسن ((باولا فريدريكسن Paula Fredriksen:‏ هي مؤرخة أمريكية، ولدت في 6 يناير 1951 في مقاطعة واشنطن في الولايات المتحدة الأمريكية. )) في كتاب Jesus of Nazareth, King of the Jews وعلَّق عليها جون دومينيك كروسان ((جون دومينيك كروسان John Dominic Crossan: عالم آيرلندي أمريكي معروف بتأسيسه الحلقة الدراسية عن المسيح مع روبرت فنك. وهو أحد الرواد في علم الآثار الكتابي وعلم الإنسانيات والنقد العالي والنقد النصي للعهد الجديد. وهو محاضر تم الاستعانة به في عدة برامج وثائقية عن المسيح والكتاب المقدس. )) في مقاله بكتاب The Message of Jesus. وهي مُلاحظه مُهمة. لو كان الرومان ينظرون للمسيحين كخَطَر مُحتمل وإنّهم قد يقودون لثورة، لكانوا طاردوا أتباع المسيح كلهم إلى أن يتم التخلّص منهم جميعًا. يقول أيضًا هانز خواكيم شويبس ((هانز خواكيم شويبس Hans Joachim Schoeps: مؤرخ يهودي ألماني للدين والفلسفة الدينية، وأستاذ الأديان والتاريخ الديني في جامعة إرلانجن. )) في كتاب Jewish Christianity: Factional Disputes in the Early Church ص32 أنّ هناك اثنان من عائلة المسيح اسمهما يعقوب وزكريا من أحفاد يهوذا، أخو المسيح، وكانا يعيشان في الجليل، وقد تم استجوابهما في عصر الإمبراطور دوميتيان وتم إطلاق سراحهما وعاشا مع عائلاتهما حتى عصر تراجان. ((H. J. Schoeps, Jewish Christianity: Factional Disputes in the Early Church, P. 32 )). هذا الخبر ينقله شويبس عن المؤرِّخ هيجيسبوس ((هيجيسبوس الناصري Hegesippus: كان كاتبًا مسيحيًا من الكنيسة الأولى، والذي على الرغم من اسمه اليوناني، ربما كان متحولًا إلى اليهودية، وكتب ضد بدع الغنوصيين ومرقيون. )) ومؤرِّخ آخر يليه اسمه فيليب سايد ((فيليب سايد Philip of Side:  مؤرخ للكنيسة في المسيحية المبكرة، وُلد في سايد، بامفيليا، وقد كتب تاريخًا مسيحيًا بقيت منه شظايا. واعتمد في بعض التفاصيل على Historia Ecclesiae الشهير الذي كتبه يوسابيوس القيصري. ))، وهو هام لكونه يظهر نقطتين: أولًا أنّ عائلة المسيح لم تمارس العُنف إلى نهاية القرن الأول. وثانيًا أنّ استجوابهما يعني أنّ الرومان يتتبعون مسألة العُنف بجدّية، وعلى الرغم أننا ﻻ نعرف إن كان يعقوب وزكريا مؤمنان بأيّ إيمان بالتحديد، لكن الرومان لم يكونوا ليتهاونوا مع اشتباه للعنف ولو على سبيل الاحتمال، حيث كان يتم الاستدعاء ليس للمشتبه فيهم وحسب، بل لكل عائلته وأبناء إخوته حتى الدرجة الرابعة كي يضمنوا الهدوء والاستقرار في المُقاطعات الرومانية. --- ### ميناء إيلات وصحراء النقب - Published: ۲۰۲٤-۰٤-۰۵ - Modified: 2024-04-08 - URL: https://tabcm.net/18802/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, شئون علمانية, لاهوتيات - وسوم: أليفاز التيماني, الأب متى المسكين, الإسكندر الأكبر, بنتاتوخ, بيت التكريس, توراة, داود النبي والملك, سليمان الحكيم, عيسو, ملك أحاز, ملك أمصيا, ملك شاول, ملك يوارم, مملكة إسرائيل, نبي صموئيل, يهوشافاط سنتتبع تاريخ هذه المنطقة من الأول بتدقيق جاعلين الحقائق وحدها كما سجلها الوحي المقدس في التوراة، لنكشف كيف استطاعت إسرائيل أن تضلل العالم كله، وتزيف التاريخ، وتعتمد على أوهام دينية كاذبة لتثبت حقها الديني في امتلاك هذه المنطقة أضواء من التوراة على: ميناء إيلات وصحراء النقب هل لإسرائيل سند ديني ﻻمتلاك هذه المناطق؟ (متى المسكين، بيت التكريس بحلوان) «( مقدمة )»منطقة ميناء إيلات الواقعة عل الطرف النهائي خليج العقبة، مع التخوم الجنوبية لصحراء النقب، التي تحتلها إسرائيل الآن وتبنى فيها أحلامها الكبرى لمستقبلها الاقتصادي ولمناوأة العرب، لها تاريخ قديم ينص حسب الكتب المقدسة أنها أرض غير إسرائيلية وغير يهودية على الإطلاق. ونحن هنا سنتتبع تاريخ هذه المنطقة من الأول بتدقيق جاعلين الحقائق وحدها كما سجلها الوحي المقدس في التوراة، لنكشف كيف استطاعت إسرائيل أن تضلل العالم كله، وتزيف التاريخ، وتعتمد على أوهام دينية كاذبة لتثبت حقها الديني في امتلاك هذه المنطقة. والذي نريد أن ننبه إليه ذهن العالم وخصوصا الشعوب الغربية قبل أن نخوض في هذه الوثائق القديمة، هو أن الله دخل مع البشرية في عهد جديد لا يقوم إطلاقًا عل مواريث أرضية وحقوق وانساب جسدية وأعراق ، التي من شانها أن تزيد العالم تمزقًا وانقسامًا. المسيح جاء ليسمو بأجناسنا وصفاننا وأنسابنا ومواريثنا ويوحدها، فنرث بواسطته ميراثًا آخر غير أرضي، روحيًا، واحدًا للجميع، وحقوقا أخرى غير زمنية، إلهية، تزيد البشرية قربًا من ذاتها ومن الله وتوحد الأجناس والشعوب والنفس مع الجسد! ‏أما إسرائيل فهي إذ ترفض المسيح وتنعزل عن العهد الجديد وتتشبث بالعنصرية والتشيع الاحتكاري لله على أساس بركات أرضية وحروب دينية، فهي تشكل بؤرة تمزيق للعالم وتفسخ في الروح البشرية. ولكن وحتى لو تنازلنا بالدين إلى مستوى المواريث الأرضية والحقوق التاريخية، فليس لإسرائيل ميراث في إيلات ولا في جنوب صحراء النقب ولا في البحر الأحمر! ‏وهذا سنوضحه بما لا يحتاج إلى شك من أقوال الله ومن تسجيلات التاريخ القديم. أما لماذا نحن نهتم جدا بإيلات وبجنوب صحراء النقب فلأن إسرائيل ومعها أمريكا وبريطانيا يهتمون بإيلات وبجنوب صحراء النقب جدا. ولأن أمريكا ألقت بكل ثقلها السياسي والعسكري للاحتفاظ بإيلات وبجنوب صحراء النقب وبحرية الملاحة في خليج العقبة. . فهي تمني نفسها بضربة توجهها إلى مصر، ضربة مستعمر منتقم مقتدر، وذلك بإقامة قناة أخرى للملاحة تشقها ما بين إيلات على البحر الأحمر وغزة على البحر الأبيض، فتضيع على مصر وعلى قناة السويس أهميتها السياسية والاقتصادية معا، وتضيف إلى إسرائيل وإلى نفسها إستراتيجية ممتازة تؤمن بها مصالحها وتطيل أزمنة الاستعمار. . وأظن الآن يمكن أن نفهم اكثر سر المساندة العسكرية الكبيرة التي تبذلها بريطانيا وأمريكا للاحتفاظ بإسرائيل أولًا وبإيلات وصحراء النقب ثانيًا. حتى ولو بلغت هذه المساندة إلى حد الخطر! (متى المسكين، بيت التكريس بحلوان)   ما هي إيلات؟ وما هي صحراء النقب؟   أولا - بحسب الخريطة الجغرافية الآن: إيلات هي ميناء كبير يدخل الآن في منافسة مع قناة السويس وخط أنابيب بترول العراق لنقل البترول من آسيا إلى أوربا، تحتله إسرائيل بعد أن استولت عليه لأول مرة في ١٠‏ مارس سنة ١٩٤٩‏ وهو يقع في الطرف الشمالي لخليج العقبة على مساحة طولها خمسة أميال وعلى بعد ميلين ونصف ميل غربي ميناء العقبة الأردني. وإيلات أصلا كانت ملكا لفلسطين ثم للمملكة الأردنية، وقد استولت عليها إسرائيل باتفاق وخيانة قائد الجيوش الأردنية «الإنجليزي» جلوب باشا خرقا لاتفاقيات الهدنة التي بدأت في ١٨ يولية سنة ١٩٤٨‏ واتفاقية رودس مع مصر في ٢٤‏ فبراير سنة ١٩٤٩. ولكن الذي نريد أن نوضحه للعالم أن إسرائيل تدعى أنّ إيلات جزء من ميراثها المقدس في أرض الموعد الذي وهبه الله لها في غابر الأزمان، وإمعانًا في تضليل العالم الغربي بدأت إسرائيل تقيم أعياد الفصح السنوية في إيلات رسميًا في ١٠‏ أبريل من كل سنة وتقيم مهرجانات لهذه المناسبة تدعو إليها السائحين من كافة العالم، الذين يبلغون أحيانا عشرة آلاف سائح! أما صحراء النقب فهي المنطقة المتاخمة لميناء إيلات شمالًا حتى البحر الأبيض المتوسط في مثلث راسه إيلات على البحر الأحمر وقاعدته تمتد: من غزة إلى جنوب البحر الميت. ‏ وهى أرض كانت تابعة لفلسطين ثم للمملكة الأردنية واستولت عليها إسرائيل بدعوى أنها أيضا جزء من ميراثها المقدس القديم وقامت فيها بعمليات تعدين كبيرة للفوسفات في منطقة «أورون» ((أورون: هي جبل «هور» قديمًا الذي دُفن فيه هارون رئيس الكهنة أثناء ارتحال بني إسرائيل. )) وللنحاس في منطقة «تمنا» ((تمنا: «التيمان» قديمًا التي كان فيها أليفاز التيماني أحد معزيي أيوب الصديق. )) بمساعدة أمريكا كشريكة لها. وتقدر قيمة المصدر الآن من مناجم أورون وتمنا بحوالي ٢٠‏ مليون دولار في السنة. ولكن المشروع الأول والخطير الذي يشغل بال أمريكا وإسرائيل هو حفر قناة عبر صحراء النقب (التي استولت عليها) ويبلغ طولها ٢٨٠ كيلومترا بين إيلات وغزة. (أنظر خريطة رقم ١)   ثانيًا - ولكن بحسب التوراة: فإيلات ميناء قديم لدولة غير دولة إسرائيل تمامًا هي الدولة المعروفة باسم «أدوم» ألد أعداء إسرائيل، وهى البلاد التي كان يسكنها بنو إسماعيل وبنو عيسو، وقد وهبها الله إلى عيسو وبنيه ميراثًا دائمًا بما فيها «إيلات» حسب نصوص التوراة. أما صحراء النقب ((صحراء النقب: كلمة نقب كلمة عبرية «Negeb»‏ تعنى قفر أو جاف. )) فهي الجزء الأكبر من جسم دولة أدوم القديمة ميراث عيسو وبنيه الذي كان يفصلها عن فلسطين (التي أعطيت لإسرائيل) حدود سياسية ثابتة وضعها يشوع بن نون بنفسه حسب تعيين الله (انظر خريطة رقم ١). ولكن إسرائيل تخرج عل العالم اليوم بأكذوبتها الدينية الجريئة أنّ إيلات وصحراء النقب هما ضمن ميراثها القديم. . وبذلك لا تتجاهل الحقائق الإلهية المسجلة في التوراة فقط بل وتتحدى الله نفسه، إذ سبق أن الله حذر إسرائيل بأنه لن يعطيها في «أدوم» ولا وطأة قدم! ‏ ولكن انساق العالم الغربي وراء أكاذيب إسرائيل وادعاءاتها وانبرت الأطماع الاستعمارية تعضد المشاريع! فالآن باسم الكذب لا باسم التوراة تحتل إسرائيل جنوب صحراء النقب! ‏ وباسم الذهب لا باسم الله تحتل إسرائيل ميناء إيلات وتطل على البحر الأحمر وتعقد آمالها على السفن الآتية والسفن الذاهبة. . وأمريكا تحرسها من وراء الستار. . ولكن، ما ذكرته التوراة وما سجله لنا الوحي الإلهي عن ميناء «إيلات» وصحراء «النقب» لا يمكن أن يترك لنا أدنى شك في مقدار الكذب والغش والجرأة التي تستخدمها إسرائيل لتضليل العالم وتحدي الله. وسوف نقدم في الصفحات القادمة النصوص التي وردت في الأسفار المقدسة التي تشرح هذا الموضوع وتلقى أمامنا ضوءا يمكن على هداه أن نحدد موقفنا من إسرائيل في كافة ادعاءاتها.   أوامر إلهية صريحة   تمهيد: حدث لما بلغ شعب إسرائيل في ارتحاله من مصر حدود مصر في سيناء عند بلدة «قادش برنيع» التي كانت على الحدود بين مصر وأدوم، أن واجه الشعب مشكلة العبور في وسط بلاد أدوم حتى يمكنه الوصول إلى أرض فلسطين. وكانت المسافة من قادش إلى فلسطين شمالًا لا تزيد عن مسيرة أسبوع، فارسل موسى قائد الرحلة إلى ملك أدوم يستأذنه العبور، فرفض ملك أدوم وهدده بالحرب إن هو حاول اختراق أرضه ... وكما هي العادة لعبت أيدى الإسرائيليين بالسيف ونظروا إلى الله: هل نضرب؟ فكانت كلمة الله لموسى أن يحذر حتى من مجرد الإساءة لشعب أدوم. وأعلن الله أنه لن يعطيه ميراثًا في أدوم ولا وطأة قدم، وزاد الله في تحذيره أنّه حتى ولو سمح لهم الأدوميون بالعبور فالله لا يسمح لهم أن يأكلوا أو يشربوا من ثمار هذه الأرض إلا بالثمن. . فما كان من إسرائيل إزاء هذه الأوامر الإلهية الصريحة إلا أن نزلوا جنوبًا مرة أخرى من «قادش برنيع» إلى البحر الأحمر على حدود مصر، وساروا على الساحل ليتحاشوا العبور في الأرض المنزرعة ومروا «بإيلات» ميناء أدوم على البحر الأحمر بجوار «عصيون جابر»، ثم اتجهوا شرقًا وداروا شمالًا على الحدود التي بين أدوم ومؤاب (بنو لوط)، وحينئذ حذرهم الله مرة أخرى بنفس التحذير أن يحترسوا أن يسيئوا إلى مؤاب واعلمهم أنه لن يعطيهم في مؤاب ميراثًا ولا وطأة قدم! ! واستمر إسرائيل في الارتحال شمالًا حنى بلغوا وادي زارد جنوب البحر الميت، ثم عبروا ليدخلوا في وادي أرنون شرق البحر الميت. وبذلك يكونون قد داروا في هذه الرحلة من قادش برنيع على حدود مصر إلى وادي زارد حول أرض أدوم كلها وهى مسافة تبلغ اكثر من مائتي ميل ((وجدير بالذكر أنها استغرقت منهم حوالى ثماني‎ وثلاثين سنة لأن الله أراد أن يبيد كل الجيل الذي خرج من مصر. ))‏ (انظر خريطة رقم ٢‏). وقد قصد الله فعلا أن يكبد شعب إسرائيل هذه المشقة العظمى فجعلهم يدورون حول أدوم كلها مع انه كان ممكنًا -لو سهل لهم- أن يعبروا من أدوم إلى فلسطين، فلا تستغرق الرحلة منهم اكثر من أسبوع، لان المسافة من قادش برنيع إلى بئر سبع لا نزيد عن ٥٠‏ ميل. . ولكن الله قصد ذلك حتى يخط في أذهانهم بل وفى أجسادهم ويسجل في صميم تاريخهم الشعبي، أن أرض أدوم (بما فيها من صحراء النقب الجنوبية وميناء إيلات) قد حرمت عليهم حتى ومجرد العبور فيها!   نصوص مقدسة: ثم تحولنا وارتحلنا إلى البرية على طريق بحر سوفكما كلمني الرب، ودرنا بجبل سعير أياما كثيرة. ثم كلمني الرب قائلًا: كفاكم دوران بهذا الجبل. تحولوا نحو الشمال. وأوص الشعب قائلًا: أنتم مارون بتخم إخوتكم بني عيسو الساكنين في سعير، فيخافون منكم فاحترزوا جدا. لا تهجموا عليهم، لأني لا أعطيكم من أرضهم ولا وطأة قدم، لأني لعيسو قد أعطيت جبل سعير ميراثًا. طعامًا تشترون منهم بالفضة لتأكلوا، وماء أيضا تبتاعون منهم بالفضة لتشربوا. لأن الرب إلهك قد باركك في كل عمل يدك، عارفًا مسيرك في هذا القفر العظيم. الآن أربعون سنة للرب إلهك معك، لم ينقص عنك شيء. فعبرنا عن إخوتنا بني عيسو الساكنين في سعير على طريق العربة، على أيلة، وعلى عصيون جابر، ثم تحولنا ومررنا في طريق برية موآب. فقال لي الرب: لا تعاد موآب ولا تثر عليهم حربا، لأني لا أعطيك من أرضهم ميراثًا، لأني لبني لوط قد أعطيت «عار» ميراثًا. (تثنية ٢ : ١-٩)‎   وأرسل موسى رسلا من قادش إلى ملك أدوم: «هكذا يقول أخوك إسرائيل: قد عرفت كل المشقة التي أصابتنا. إن آباءنا انحدروا إلى مصر، وأقمنا في مصر أياما كثيرة وأساء المصريون إلينا وإلى آبائنا، فصرخنا إلى الرب فسمع صوتنا، وأرسل ملاكًا وأخرجنا من مصر. وها نحن في قادش، مدينة في طرف تخومك. دعنا نمر في أرضك. لا نمر في حقل ولا في كرم، ولا نشرب ماء بئر. في طريق الملك نمشي، لا نميل يمينا ولا يسارا حتى نتجاوز تخومك». فقال له أدوم: «لا تمر بي لئلا أخرج للقائك بالسيف». فقال له بنو إسرائيل: «في السكة نصعد، وإذا شربنا أنا ومواشي من مائك أدفع ثمنه. لا شيء. أمر برجلي فقط». فقال: «لا تمر». وخرج أدوم للقائه بشعب غفير وبيد شديدة. وأبى أدوم أن يسمح لإسرائيل بالمرور في تخومه، فتحول إسرائيل عنه. (عدد ٢٠ : ١٤-٢١)   وسار في القفر ودار بأرض أدوم وأرض موآب وأتى من مشرق الشمس إلى أرض موآب ونزل في عبر أرنون، ولم يأتوا إلى تخم موآب لأن أرنون تخم موآب. (القضاة ١١ : ١٨)   والأيام التي سرنا فيها من قادش برنيع حتى عبرنا وادي زارد، كانت ثماني وثلاثين سنة، حتى فني كل الجيل، رجال الحرب من وسط المحلة، كما أقسم الرب لهم. ويد الرب أيضا كانت عليهم لإبادتهم من وسط المحلة حتى فنوا. (تثنية ٢ : ١٤-١٥)   من هناك ارتحلوا ونزلوا في وادي زارد. من هناك ارتحلوا ونزلوا في عبر أرنون الذي في البرية، خارجًا عن تخم الأموريين. لأن أرنون هو تخم موآب، بين موآب والأموريين. (عدد ٢١ : ١٢-١٣)     ما هي أدوم؟ كلمة أدوم كلمة آرامية، وتعنى أحمر وهو لقب عيسو لأنه كان أحمر الجلد، كما أنّ إسرائيل هو لقب يعقوب، وعيسو (أدوم) هو الأخ الأكبر ليعقوب (إسرائيل). ولكنهما كانا أعداء بسبب خيانة يعقوب (إسرائيل) لأخيه الأكبر عيسو (أدوم)، إذ اختلس منه بركة البكورية عن طريق الغش والخداع والتزييف، كما ورد في الإصحاح ٢٧‏ من سفر التكوين. وبقيت هذه العداوة بينهما وورثتها الأجيال منهما. . أما بلاد أدوم، أي بلاد بني عيسو، فهي أصلا بلاد «سعير» بجبالها المشهورة بهذا الاسم أيضا. وشعبها الأصلي هم الحوريون والإسماعيليون (بنو إسماعيل ابن إبراهيم)، وكانت كلها قبائل عربية. وقد ذهب عيسو (أدوم) واستوطن بلاد سعير واختلط بشعبها وتزوج من بناتهم ومن بنات إسماعيل بالإضافة إلى زوجاته اللاتي اتخذهن من كنعان عندما كان ساكنا في فلسطين. ((الإصحاح ٣٦‏ من سفر التكوين. )) واستظهر بنو عيسو فيما بعد على جبابرة الحوريين والعماليق وأبادوهم وأخضعوا الأرض كلها لهم، فصارت بلاد سعير تسمى «أدوم». وعاصمة أدوم هي «سالع» وتسمى أيضا «بترا» وترجمتها "صخرة"، وهى الآن مدينة «البتراء» في المملكة الأردنية، ولا تزال بها آثار المدنية النبطية أيام حكم النباطيين ((النباطيين: سلالة نباط أو نبايوت ابن إسماعيل البكر ويعتبر ابن عم أدوم (عيسو) (تك ٢٥‏ : ١٣). وكانت لهم مدينة ﻻ تزال آثارها باقية. )) العرب لأدوم. أما تسميتها بكلمة «بترا» اليونانية بدل سالع، فذلك يشير إلى وقوع بلاد أدوم تحث الحكم اليوناني بعد الإسكندر الأكبر لأنها أُخضعت سنة ٣١٢‏ ق. م. ولا يزال يوجد بها آثار يونانية. و«بترا» تقع على بعد ٥٠‏ ميلا جنوب البحر الميت في منتصف المسافة بين البحر الأحمر (إيلات) والبحر الميت. وترتفع عن البحر ٢٧٠٠‏ قدما، وبها قمة صخرية ترتفع عن مستوى المدينة ١٠٠٠‏ قدم، ومن على هذه الصخرة أعدم أمصيا، ملك إسرائيل، عشرة آلاف من شعب أدوم بإسقاطهم من فوقها. وواضح من سفر التكوين أن بلاد أدوم كانت قد بلغت درجة كبيرة من التقدم واستقرار الملك في الوقت الذي كانت فيه إسرائيل بلا وطن ولا مدينة سكن. وهؤلاء هم الملوك الذين ملكوا في أرض أدوم، قبلما ملك ملك لبني إسرائيل. ملك في أدوم بالع بن بعور، وكان اسم مدينته دنهابة. ومات بالع، فملك مكانه يوباب بن زارح من بصرة. ومات يوباب، فملك مكانه حوشام من أرض التيماني. ومات حوشام، فملك مكانه هداد بن بداد الذي كسر مديان في بلاد موآب، وكان اسم مدينته عويت. ومات هداد، فملك مكانه سملة من مسريقة. ومات سملة، فملك مكانه شأول من رحوبوت النهر. ومات شأول، فملك مكانه بعل حانان بن عكبور. ومات بعل حانان بن عكبور، فملك مكانه هدار وكان اسم مدينته فاعو، واسم امرأته مهيطبئيل بنت مطرد بنت ماء ذهب. (تكوين ٣٦‏ : ٣١-٣٩‏)   كما كانت أدوم قد تقدمت في استثمار ارضها بالحقول والكروم وإقامة الآبار وتعبيد الطرق فكان يخترقها طريق كبير معبد يربط خليج العقبة في إيلات بالبحر الميت وكان يدعى «بطريق الملك»: دعنا نمر في أرضك. لا نمر في حقل ولا في كرم، ولا نشرب ماء بئر. في طريق الملك نمشي، لا نميل يمينا ولا يسارا حتى نتجاوز تخومك (عدد ٢٠ : ١٧)   كما كان أدوم موزعة إلى إمارات يحكمها أمراء وينبع كل إمارة عدة قبائل لها حدودها وبلادها. ‏ ويلاحظ أن من ضمن هذه الإمارات إمارة «إيلات». وهذه أسماء أمراء عيسو، حسب قبائلهم وأماكنهم بأسمائهم: أمير تمناع، وأمير علوة، وأمير يتيت، وأمير أهوليبامة، وأمير أيلة، وأمير فينون، وأمير قناز، وأمير تيمان ((تيمان: مقاطعة في جنوب بلاد أدوم وهى غير بلاد التيمن التي في جنوب بلاد العرب المعروفة في التاريخ «بسبأ» التي ملكتها زارت سليمان. وسبأ واليمن هي الآن معروفة ببلاد اليمن. ))، وأمير مبصار، وأمير مجديئيل، وأمير عيرام. هؤلاء أمراء أدوم حسب مساكنهم في أرض ملكهم. هذا هو عيسو أبو أدوم. (تكوين ٣٦ : ٤٠-٤٣‏) وهذه في الواقع أسماء القبائل العربية التي استوطنت المنطقة من جنوبي البحر الميت إلى خليج العقبة حتى حدود قبائل «دوان» شمال يثرب بجزيرة العرب، ومن حدود مصر غربًا التي هي سلسلة جبال فاران إلى حدود مؤاب شرقًا. وهذه القبائل عينها هي التي لا يزال أحفادها يعيشون في هذه المناطق باسم المملكة الأردنية وفلسطين. هذه هي بلاد أدوم التي جزؤها الغربي هو الصحراء الذي تحتله إسرائيل مدعية أنه من ميراثها المقدس القديم ضمن ارض فلسطين! ! وفى السطور التالية نقدم نصا صريحًا من سفر يشوع نوضح به أنّه كانت بين إسرائيل وأدوم حدود سياسية وضعها يشوع حسب أوامر وتوجيهات الله لتكون فاصلًا دائمًا بين الميراثين: ميراث إسرائيل وميراث أدوم، حتى لا يتعدى احدهما على ميراث الآخر. هذا نصيب سبط بني يهوذا حسب عشائرهم: وكانت المدن القصوى التي لسبط بني يهوذا إلى تخم أدوم جنوبا... قادش... زيف... حصرون... بئر سبع... حرمة... صقلغ... (يشوع ١٥ : ٢٠) وقد أوردنا المدن التي يمكن توقيعها على الخريطة. وكانت القرعة لسبط بني يهوذا حسب عشائرهم: إلى تخم أدوم برية صين نحو أقصى الجنوب ((يلاحظ أن كلمة «الجنوب» كما جاءت في التوراة هي ترجمة خاطئة لكلمة «نجيب» Negeb التي تنطق الآن «نقب» وقد صححت في النسخة الحديثة للتوراة. فكلمة أرض «الجنوب» تفيد صحراء النقب الشمالية التي كانت ضمن حدود ميراث يهوذا وشمعون، أما كلمة «أقصى الجنوب» فهي صحراء النقب الجنوبية التي كانت أرضا أدومية في ميراث عيسو. ))، أقصى التيمن. وكان تخمهم الجنوبي أقصى بحر الملح... إلى صين، وصعد من جنوب قادش برنيع وعبر إلى حصرون، وصعد إلى أدار إلى القرقع،وعبر إلى عصمون وخرج إلى وادي مصر. وكانت مخارج التخم عند البحر. هذا يكون تخمكم الجنوبي. وتخم الشرق بحر الملح. (يشوع ١٥ : ١-٥)     إسرائيل تخون عهد الله وتعتدي على أدوم طمعا في ميناء «إيلات» ولكن بمجرد أن استقرت إسرائيل في فلسطين، بقيام أول ملك عليها وهو شاول بدأت خطة الغزو، وكان أول أهدافها هو الاستيلاء على ميناء «إيلات» فاقتحمت حدود أدوم ودخلت مع شعب أدوم‏ في صراع طويل دام ما يقرب من ثلاثمائة سنة، حاولت فيها إسرائيل محاولات جدية لإبادة شعب أدوم طمعًا في استقرار رجلها في ميناء إيلات، وبدأت فعلا بخطة الإبادة بأن ذبحت في أيام «داود» الملك كل الذكور في أدوم. . وكثير منهم هرب والتجأ إلى مصر. . وعادت فكررت خطة الإبادة في أيام «أمصيا» الملك بان ذبحت عشرة آلاف آخرين بأن ألقتهم من فوق صخرة «سالع» المرتفعة فقتلوا جميعا! هذه هي إسرائيل... ! وأظن الآن يمكن أن نفهم لماذا تخلى الله عن هذا الشعب القاسي «الغليظ الرقبة» سفاك الدماء. - انظر كيف عاملت إسرائيل أختها «أدوم» العربية؟ - انظر كيف غلب عليها تعطشها للنقمة وسفك الدماء فتحدت وصية الله الصريحة من نحو أدوم: أنتم مارون بتخم إخوتكم بني عيسو الساكنين في سعير، فيخافون منكم فاحترزوا جدا. لا تهجموا عليهم، لأني لا أعطيكم من أرضهم ولا وطأة قدم، لأني لعيسو قد أعطيت جبل سعير ميراثًا. (ثنية ٢ : ٤-٥) - كم من المتدينين، كم من العلماء، كم من الفلاسفة، كم من الناقدين عثروا في أسفار العهد القديم بل وعثروا في الله نفسه بسبب تصرفات شعب إسرائيل إزاء حبهم في سفك الدم والتنكيل بأعدائهم باسم الله والله منهم براء؟ وهذه مذابح بني أدوم تكشف لنا عن تستر إسرائيل وراء اسم الله للقيام بأعمال تدميرية للإنسانية وذلك إشباعًا لرغبتها في الانتقام والتسلط والاتساع، ويكفى أن نضع هذه المذابح الوحشية التي اقترفتها إسرائيل ضد أدوم، باسم الله، في ناحية، وفى مقابلها نضع وصية الله الرحيمة الطيبة التي تحدد ماذا ينبغي أن يكون عليه سلوكهم من نحو أدوم نفسها: لا تكره أدوميًا لأنه أخوك. لا تكره مصريًا لأنك كنت نزيلًا في أرضه. (تثنية‎ ٢٣ : ٧) وحينئذ ندرك كيف أساءت إسرائيل لاسم الله دائمًا! ! وسنقدم في السطور التالية مراحل الصراع المرير الذي احتملته أدوم لتحتفظ بمينائها إيلات مدة ثلاثمائة سنة: أول من بدا صفحة الحروب مع «أدوم» هو الملك شاول المعروف عنه أنه كان مرفوضًا من الله حتى قبل تعيينه، بل وكان عليه روح شرير، وله قصة لا باس من سردها لأنها ذات معنى بالنسبة لوجود إسرائيل الحديثة! فمعروف أن إسرائيل ظلت بدون ملك يملك عليها كل زمن القضاة باعتبار أن الله نفسه كان «ملك إسرائيل». ولكن اشتهى شعب إسرائيل بعد ذلك أن يكون عليهم ملك كباقي الأمم، فطلبوا من النبي صموئيل ليقيم شاول ملكا عليهم، فغضب صموئيل النبي وارتاع من هذا المروق والجحود. ولكن الله بادره بالروح، وقال له: فقال الرب لصموئيل: «اسمع لصوت الشعب في كل ما يقولون لك، لأنهم لم يرفضوك أنت بل إياي رفضوا حتى لا أملك عليهم. ((صموئيل الأول ٨‏ : ٧ ))، وهكذا منذ أن تولى شاول الملك على إسرائيل والله لم يعد ملكا عليهم. . * هذا هو شاول الملك، أوّل من نقض عهد الله مع أدوم وحاربها وذلك بعد حوالى مائتي سنة تقريبًا من دخولهم واستقرارهم في فلسطين. وأخذ شاول الملك على إسرائيل، وحارب جميع أعدائه حواليه: موآب وبني عمون وأدوم وملوك صوبة والفلسطينيين. (صموئيل الأوّل ١٤‏ : ٤٧)   * وبذلك أُخضعت أدوم لداود الملك أيضًا، لأنه تولى بعد شاول مباشرة وأقام عليها «محافظين». ولكن لا يفوتنا هنا أن نتذكر تحذير الله كيف أنه حرّم على إسرائيل من أن يكون لها في أدوم ولا وطأة لقدم، ولكن داود الملك ورث عن شاول هذا الميراث الحرام. * ولما تولى سليمان الملك، ورث بطبيعة الحال هذا الميراث الحرام أيضًا عن داود أبيه أو بالحري من شاول الملك. وفى هذا الميراث الحرام بنى سليمان مرفأ على البحر الأحمر في الموضع الذي كان يسمى «عصيون جابر» «إيلات» وبدأ يستغل مناجم النحاس والحديد هناك كما قد تأكد ذلك من الاكتشافات الحديثة وذلك حوالي سنة ٩٦٠‏ ق. م. وعمل الملك سليمان سفنا في عصيون جابر التي بجانب أيلةعلى شاطئ بحر سوففي أرض أدوم. فأرسل حيرام في السفن عبيده النواتي العارفين بالبحر مع عبيد سليمان، فأتوا إلى أوفير، وأخذوا من هناك ذهبا أربع مئة وزنة وعشرين وزنة، وأتوا بها إلى الملك سليمان. (الملوك الأوّل ٩ : ٢٦-٢٨)   مصر تقوم بدور فعال في سند أدوم: ولكن حدث في أيام داود الملك أن قامت ثورة في أدوم، فارسل داود وقمعها بعنف شديد، فهرب احد الزعماء الأدوميين إلى مصر الذي صار فيما بعد عدوا مزعجًا لسليمان. وأقام الرب خصما لسليمان: هدد الأدومي، كان من نسل الملك في أدوم. وحدث لما كان داود في أدوم، عند صعود يوآب رئيس الجيش لدفن القتلى، وضرب كل ذكر في أدوم. لأن يوآب وكل إسرائيل أقاموا هناك ستة أشهر حتى أفنوا كل ذكر في أدوم. أن هدد هرب هو ورجال أدوميون من عبيد أبيه معه ليأتوا مصر. وكان هدد غلامًا صغيرًا. وقاموا من مديان وأتوا إلى فاران، وأخذوا معهم رجالا من فاران وأتوا إلى مصر، إلى فرعون ملك مصر، فأعطاه بيتا وعين له طعامًا وأعطاه أرضًا. فوجد هدد نعمة في عيني فرعون جدا، وزوّجه أخت امرأته، أخت تحفنيس الملكة. فولدت له أخت تحفنيس جنوبث ابنه، وفطمته تحفنيس في وسط بيت فرعون. وكان جنوبث في بيت فرعون بين بني فرعون. فسمع هدد في مصر بأن داود قد اضطجع مع آبائه، وبأن يوآب رئيس الجيش قد مات. فقال هدد لفرعون: «أطلقني إلى أرضي». فقال له فرعون: «ماذا أعوزك عندي حتى إنك تطلب الذهاب إلى أرضك؟» فقال: «لا شيء، وإنما أطلقني» (الملوك الأوّل ١١ : ١٤-٢٢) وبهذا تكون مصر قد دخلت بدور فعال منذ ثلاثة آلاف سنة تقريبًا في إعانة أدوم ضد إسرائيل. بل ودخلت مصر في مصاهرة ملكية مع هذه البلاد العربية. وقد بدأت «إيلات» بعد الملك سليمان (سنة ٩٦٠‏ ق. م. ) أن تكون مطمعًا لملوك إسرائيل لتسهيل التجارة مع دول أفريقيا كالصومال ومع بلاد عرب الجنوب. * فبعد سليمان جاء يهوشافاط (سنة ٨٦٠‏ ق. م. ) الذي حاول الاستيلاء على «إيلات» التي أصبحت تسمى أيضا عصيون جابر، لمتابعة الجري وراء الذهب، ولكنه منى بخسارة فادحة إذ انكسرت كل مراكب أسطوله في الميناء فعدل عن هذا المشروع.  وعمل يهوشافاط سفن ترشيش لكي تذهب إلى أوفيرلأجل الذهب، فلم تذهب، لأن السفن تكسرت في عصيون جابر. (الملوك الأول‎ ٢٢ : ٤٧-٤٨) لان المعروف أن الرياح في منطقة خليج العقبة شديدة وعاتية والشعب المرجانية محيطة بالمنطقة. ولكن بقدر ما كانت الرياح مؤذية للملاحة فإنها كانت مواتية لأفران صهر الحديد والنحاس. * وفي عهد الملك يوارم ملك يهوذا (حوال سنة ٨٤٨‏ ق. م. )‏ قامت أدوم بثورة ضد إسرائيل، وقد نجح يوارم في إخمادها، ولكنه لم يستطع أن يُخضع أدوم.  في أيامهعصى أدوم من تحت يد يهوذا وملكوا على أنفسهم ملكا. (الملوك الثاني ٨ : ٢٠) * وفي عهد الملك «أمصيا» أقامت إسرائيل حربًا على أدوم وذبحوا عشرة آلاف من شعبها في وادي الملح (جنوب البحر الميت) واستولوا على «سالع» العاصمة وأعدموا عشرة آلاف آخرين بإسقاطهم من فوق صخرة سالع المسماة «بترا». وهى الحادثة التي يشير إليها أحد المزامير قائلًا: اذكر يا رب لبني أدوم يوم أورشليم، القائلين: «هدوا، هدوا حتى إلى أساسها». يا بنت بابل المخربة، طوبى لمن يجازيك جزاءك الذي جازيتنا! طوبى لمن يمسك أطفالك ويضرب بهم الصخرة! ((مزمور ١٣٧ : ٧-٩ )) وأما أمصيا فتشدد واقتاد شعبه وذهب إلى وادي الملح، وضرب من بني سعيرعشرة آلاف، وعشرة آلاف أحياء سباهم بنو يهوذا وأتوا بهم إلى رأس سالع وطرحوهم عن رأس سالع فتكسروا أجمعون. (أخبار الأيام الثاني ٢٥‏ : ١١-١٢) * وجاء من بعده الملك عزريا (سنة ٧٨٠‏ ق. م. ) فأعاد الاستيلاء على ميناء إيلات وبناها من جديد. وأخذ كل شعب يهوذا عزريا، وهو ابن ست عشرة سنة، وملكوه عوضا عن أبيه أمصيا. هو بنى أيلةواستردها ليهوذا (الملوك الثاني ١٤‏ : ٢١-٢٢) * لكن في أيام أحاز (سنة ٧٣٠‏ ق. م. ) أصيبت يهوذا بنكسة كبيرة، إذ غزاها رصين ملك آرام، وانتهز هذه الفرصة الأدوميون فهجموا على يهوذا وأسروا شعبها واستردوا ميناء إيلات مرة أخرى نهائيًا، لان مملكة إسرائيل ويهوذا انحطت بعد هذه الضربة وفقدت كل قوتها ولم يقم لها قائمة بعد ذلك. فإن الأدوميين أتوا أيضا وضربوا يهوذا وسبوا سبيا. واقتحم الفلسطينيون مدن السواحل وجنوبي يهوذا، وأخذوا بيت شمس وأيلون وجديروت وسوكو وقراها، وتمنة وقراها، وحمزو وقراها، وسكنوا هناك. لأن الرب ذلل يهوذا (أخبار الأيام الثاني ٢٨ : ١٧-١٩)   في ذلك الوقت أرجع رصين ملك أرام أيلةللأراميين، وطرد اليهود من أيلة. وجاء الأراميونإلى أيلةوأقاموا هناك إلى هذا اليوم. ( الملوك الثاني ١٦‏ : ٦) وهكذا انتهت آخر الجولات الدامية التي شنتها إسرائيل بأن رجعت إيلات إلى أدوم. ولكى تكمل الصورة التاريخية لإيلات في ذهننا، نقول أنّ من القرن السابع إلى القرن الرابع قبل الميلاد بقيت «إيلات» الأدومية للأدوميين، حسب الاكتشافات الحديثة، إذ وجدوا أختاما باسم "كوزا نال"، خادم ملك أدوم، بالرغم من دخولها تحت الحكم الفارسي، إذ بقيت مركزًا للتجارة بين فارس والبلاد العربية خلال القرن الخامس والرابع قبل الميلاد. ولكن بدخول النباطيين العرب ثم الرومان انحصرت «إيلات» مرة أخرى إلى وضعها البدائي كقرية صغيرة بجوار البحر يسكنها بضع مئات من العرب يحترفون صيد السمك. هكذا تاريخ ميناء «إيلات» التي ظل الأدوميون يناضلون من أجل الاحتفاظ بأدوميتها ثلاثمائة سنة ضد إسرائيل! ‏ والتي لم يستطع الإسرائيليون تهويدها بالرغم من الجهود المجنونة التي بذلوها! ‏ لقد تحدت إسرائيل إنذار الله: لا أعطيكم من أرضهم ولا وطأة قدم ((تثنية ٢ : ٥ ))، وحاولت على مدى تاريخها كله أن تتجاهل صوت الله لتستولى على أدوم (صحراء النقب) وعلى ميناء «إيلات» لتحقق أحلامها الذهبية. ولكن ظل إنذار الله قائمًا سيفًا مسلطًا على جحودها وكبريائها، فاستنزفت إسرائيل كل جهودها إلى أن وقعت صريعة بيد تيطس. . والآن، هل يمكن لإسرائيل الجديدة أن تمضي في نفس مخططها القديم المنحرف دون أن تواجه نفس المصير؟ وهل يمكن لإسرائيل أن تستمر في تضليلها للعالم والعودة بالدين إلى مستوى المواريث الأرضية وسيادة الأجناس والأنساب؟ إن الشعوب الغربية بمساندتها لإسرائيل في هذا المضمار تجازف بجوهر المسيحية، وتمهد لضلالة جديدة سوف تجتاح العالم وتؤثر في كيانه الروحي تأثيرًا قد يطمس أرقى ما فيه من أيديولوجيات. --- ### "فقه العنف" والمسيحية - Published: ۲۰۲٤-۰٤-۰۳ - Modified: 2025-03-18 - URL: https://tabcm.net/18889/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, كتاب مقدس, لاهوتيات - وسوم: Cambridge, إمبراطور جايوس يوليوس قيصر, الإمبراطورية الرومانية, الاحتلال الروماني, الحرب العادلة, المجيء الثاني, پول بادهام, تريومفيراتوس, سمعان بن يونا, قديس أمبروسيوس، أسقف ميلان, قديس أوغسطينوس، أسقف هيبو, ماركوس أنطونيوس, ماركوس توليوس سيسرو ثلاثة من أتباع المسيح توحي ألقابهم أنهم من دعاة العنف. الأول سمعان الغيور، والذي كان من الغيورين zealots وهم جماعة يهودية تقود مقاومة مسلحة ضد الاحتلال الروماني. الثاني يهوذا الإسخريوطي، وهنا يفكك لقب الإسخريوطي إلى man of the sicarii وهكذا يشير لجماعه men of daggers ، وهم جماعة يهودية كانت تمارس الاغتيالات السياسية. الثالث هو سمعان بطرس، والذي يشير لقبه “باريونا” في اللغة الأكادية لمعنى: الإرهابي تقدّم المسيحية نسخة pacifist وليس لها أيّ نظرية للعنف. في الوقت ذاته، كانت الإمبراطورية الرومانية، التي اقتحمتها المسيحية في الأربع قرون الأولى، كانت وارثه لنظرية الحرب العادلة من الفيلسوف سيسرو ((ماركوس توليوس سيسرو: هو شيشرون، كاتب روماني وخطيب في روما القديمة، ولد سنة 106 ق. م، صاحب إنتاج ضخم يعتبر نموذجًا مرجعيًا للتعبير اللاتيني الكلاسيكي، أثارت شخصيته الكثير من الجدل خاصة في الجانب السياسي من حياته، فهو تارة مثقف عربيد، وتارة أخرى ثري إيطالي صاعد في روما، وثالثة انتهازي متقلب و«أداة طيعة في يد الملكية» و«متملق لبومبي ثم قيصر». تميز النصف الأخير من القرن الأول الميلادي بالفوضي والحروب الأهلية وديكتاتورية جايوس يوليوس قيصر، ولكن شيشرون حارب ضده وقام بمناصرة الحكم الجمهوري التقليدي. وبعد وفاة يوليوس قيصر، أصبح شيشرون عدواً لماركوس أنتونيوس في الصراع على السلطة الذي أعقب ذلك، فقام شيشرون بالهجوم عليه بسلسلة من الخطب. وخلال حكم تريومفيراتوس الثاني أو الحكم الثلاثي الثاني -وهو التحالف السياسي الرسمي من إثر اغتيال يوليوس قيصر- أصبح شيشرون عدوًا للدولة وتم أغتياله في 7 ديسمبر 43 ق. م. )). بالنسبة للثقافة الرومانيّة، كان هناك ٣ أبعاد للحرب العادلة: - الأول هو Jus Ad Bellum، أو "فقه ما قبل الحرب"، ويعني دراسة الظروف اللي يُسمح فيها ببدء الحرب، أو تحديدًا متى تكون الحرب عادلة ومُبرَّرة. - الثاني هو Jus In Bella، أو "فقه أثناء الحرب"، ويعني الممارسات المسموح بها للجنود المحاربين وتندرج تحت عدالة الحرب. - الثالث هو Jus Post Bellum، أو "فقه ما بعد الحرب"، ويعني الممارسات المسموح بها للجيوش تجاه الشعوب والمدُن اللي هاجموها. المسيحية ليس لها رؤية لأيّا من هؤلاء الثلاثة! والسبب الرئيسي هو أن المسيحية لم يكن محورها الاستمرار في الأرض والاستثمار في سياساتها، ولكن كان يسود على تفكير المسيحيون الأولون تصوُّر بأنّ النهاية قريبة جدًا، وأنّ المجيء الثاني سيحدث في خلال جيل بحد أقصى من وقت المسيح. نستطيع أن نرى أصداء هذه الفكرة في الأناجيل الإزائية وكتابات بولس. في كتابات بولس التعزية المسيحية هي "الربُّ يأتي"، والتي تعبّر أن هذا الجيل نفسه ينتظر المسيح سريعًا، وفي الأناجيل الإزائية، نجد المسيح يعد الحاضرين معه أنّ منهم من يعاين مجيء ملكوت الله ((راجع مرقس ٩: ١، ومتى ١٦: ٢٨، ولوقا ٩: ٢٧. )). وكان قطاع كبير من آباء الكنيسة، ربما حتى عصر القديس أوغسطينوس، كان يتبني طرحًا سَلاميًا يبعد تمامًا عن العنف ويتركه لسلطة الدولة، وﻻ يحاول تبريره أو التنظير له باعتباره فقهًا داخل المنظور المسيحي. وصل الأمر أن منهم من قال بأن المسيحي ﻻ يجب أن يرد عنف السارق المسلح لئلّا في إثناء دفاعه عن نفسه يدنِّس محبته لأخيه، والذي هو السَّارق هنا. بالطبع يبدو لنا هذا الطَّرح رهبانيًا زيادة عن اللازم، ومن المستحيل على الإنسان أن يعيش به وسط العالم لأنه سيحوّل المسيحي لمُستباح مُكبَّل بمُعتقده قبل أن يكون مكبلًا بالسلطة التي تمارس عليه. وعلى هذا، قرر أوغسطينوس أن يُعيد صياغة نظرية العنف العادل لسد الفراغ الناتج عن غياب هذا النوع من الفقه في الفكر المسيحي. ما فعله أوغسطينوس لم يكن شرعنه للحرب المسيحية، ولكن بالأحرى تحديد ليها. بطريقة أخرى، في مرحلة تبنّي الإمبراطورية الرومانية للمعتقدات المسيحية، كيف يمكن للجندي المسيحي أن يدافع عن الإمبراطورية الرومانية ويتجنّد للحرب دون أن يكون مكبلًا بالضمير المسيحي والأخلاقي فيفشل في الدفاع عن بيته وأهله وبلده، ومن دون أن تحوّله الحرب إلى مسخ يستغرِق في سفك الدم. سنعود لأوغسطينوس لاحقًا، لكن الآن دعونا ننطلق من النصّ المؤسِّس بالنسبة للمسيحي، وهو العهد الجديد. في العهد الجديد بعض الإشارات المهمة لعلاقة المسيح بالعنف، واحده من الإشارات الملفتة للنظر، تطرَّق لها اللاهوتي بول بادهام في ورقه بحثيه بعنوان: The Contemporary Relevance of the Just War Tradition in Christianity ((بول بادهام: أستاذ اللاهوت والدراسات الدينية في جامعة ويلز، ترينيتي، سانت ديفيد. درس بادهام علم اللاهوت والدراسات الدينية وفلسفة الدين في جامعتي أكسفورد وكامبريدج، وحصل على درجة الدكتوراه من جامعة برمنجهام. )). يقول بول بادهام في هذه الورقة أن هناك ثلاثة على الأقل من أتباع المسيح توحي ألقابهم أنهم من دعاة العنف. الأول هو سمعان الغيور، والذي هو واضح من اسمه أنّه كان من الغيورين ، والذين هم تاريخيًا جماعة يهودية تقود مقاومة مسلحة ضد الاحتلال الروماني. الثاني هو يهوذا الإسخريوطي، وهنا يفكك بادهام لقب الإسخريوطي إلى “man of the sicarii” ومعنى اللقب هكذا يشير لجماعه اسمها “men of daggers” ، وهم جماعة يهودية كانت تاريخيًا تمارس الاغتيالات السياسية. الثالث هو سمعان بطرس، والذي فكك بادهام لقبه “باريونا” لكلمة أكادية بمعنى “الإرهابي”. بطبيعة الحال، هناك قراءات مُختلفة لآخر شخصين. فهناك قراءات تنسب الإسخريوطي لمدينة “كيريوت”، وهناك من يرد الكلمة لكلمة خنجر من اللاتيني sicarius. وأما بالنسبة لسمعان بطرس فلقب "بار يونا" يمكن أن يفكك لمقطعين، "بار" بمعنى إبن، و"يونا" اسم علم، وبالتالي يُترجم "بار يونا" إلى "إبن يونا". على كل الأحوال، نستطيع أن نلاحظ في الأناجيل أنّ المسيح كان ضد العنف، وتجنَّب أيّ صدام عنيف مع الرومان، بما في ذلك عندما سحب بطرس سيفه، وقطع أذن عبد رئيس الكهنة، وانتهره المسيح وشفى أذن العدو المقطوعة. عندما نقارن موقف الأناجيل الأربعة هنا، نلاحظ شيئًا هامًا: - في إنجيل مرقس، لم يعلّق المسيح على فِعل بطرس. - في إنجيل متى، منع بطرس وقال له أن يرد سيفه لغمده لأن من يعتدي بالسيف، فبالسيف يمت. - في إنجيل لوقا، لم يكتف المسيح بمنع بطرس، لكن شفى العبد أيضًا. - في إنجيل يوحنا، منع بطرس وأمره برد سيفه وتقبّل الأمر ككأس أعطاها الآب للمسيح. بالطبع هناك الكثير ليقال من دراسة النصوص من مدخل Synoptic Problem ((جون إدوارد، ورقة بحثية بعنوان: المشكلة الإزائية على موقع Humanities Today. ))، لكن هذا سيترك لحينه.   مُجمل الأربع نصوص، إذا ما قمنا بتجميعهم متجاورين لنكوّن منهم قصّة واحدة، هو إن المسيح منع بطرس وشفى العبد رافضًا استخدام العُنف. --- ### ولما رآه أبوه.. تحنن - Published: ۲۰۲٤-۰٤-۰۲ - Modified: 2024-04-02 - URL: https://tabcm.net/18852/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون كتب أهل بلاد ما وراء البحار في يومياتهم عن الأنبا ديميدوس الضرير، وإذ كان هذا اليوم يوافق أحد الابن الضال، فقد عبر أهل البلاد عما يجول في صدورهم حين يأتي ذكر الابن الضال، وكيف استقبله أبوه. تذكروا كيف تعامل الأسقف مع أحد إخوتهم، الذي كان قد أغضبه، وطبعًا أهان السلطان الكهنوتي الذي له، فالأسقف الذي وقف ذات مرة وسط شعبه صارخًا: أنا رأس الكنيسة لا يعرف من الكهنوت سوى سطوته وسلطته، فقد جعل نفسه مكان الكاهن الأعظم، رأس الكنيسة بالحقيقة، ربنا يسوع المسيح، ولكنه يأبى على نفسه أن يغسل الأرجل كما فعل سيده. فماذا تذكر أهل البلاد؟ وماذا فعل أسقفهم؟ يروون أنه ذات يوم اختلف أحد إخوتهم مع الأسقف على أشياء مادية، مما اضطر الأخ أن يلجأ للقضاء، حتى يحصل على حقه، وقد أنصفه القضاء، واضطر الأسقف أن ينصاع لحكم المحكمة، فهو لا يجرؤ على معاداة أهل البلاد الأصليين. لجأ الأسقف لما في يده، وماذا في يد الأسقف سوى سلطان الكهنوت ليستخدمه كسيف على رقبة من يعارضه ويتعسف في استخدام سلطته! ! ! تمر السِّنُون، و لكن لم تكن السنين كافية ليغفر الأسقف لمن اعترض عليه، ليأتي يوم الانتقام، حين مات هذا الأخ فجأة، وتصبح الفرصة سانحة حتى ينتقم لذاته وكرامته، وليس لكهنوته، فالكاهن الأعظم، قد غفر لصالبيه. وقفت عائلة الابن "الضال" بابنهم الميت في أكفانه أمام الكنيسة، ليفاجأ الجميع بالأوامر أن "الميت" ممنوع من الدخول للكنيسة ولن يصلي عليه أحد، وليس فقط في هذه الكنيسة، بل وفي كل كنائس الإيبارشية! احتار الجميع أمام هذا الحدث الجلل، وأمام حيرتهم هداهم تفكيرهم أن يستغيثوا بأسقف آخر، لعله يقدر خاطر هذا الشيخ الوقور العجوز، الذي أخذ مشقة السفر حتى يصل إلى مكان الحدث. خابت كل الآمال وباءت كل المحاولات بالفشل، ولم يشفع هذا أو ذاك، حتى توسلات الشيخ المتضع! ! ! ! ! أمام عناد الأسقف وحزن البنين، فتحت كنائس أهل البلاد الأصليين أبوابها لهذا الابن الضال، المرذول من الأب القاسي. ترك هذا مرارة وخوف في أنفس الجميع، إذ تعلم الجميع الدرس، أنه لا يجب الاعتراض أو المساس بالأنبا ديميدوس، لئلا حين تنتهي أيام الغربة، لا يجد المحزونون تعزية من كنيستهم. كان الأسقف يتصرف كما لو في عزبة خاصة ضيقة، لا تنتشر الأخبار خارجها، أو إقطاعية من إقطاعيات العصور الوسطى، ولم يعمل حساب الأيام وأنه ليس خفي إلا ويعلن، وما كان يقال سرًا في الآذان سوف ينادي به فوق السطوح... فهل يعتذر الأنبا ديميدوس؟؟؟ في نهاية المذكرات شكر أهل البلاد إلههم الحنون الذي يفتح ذراعيه لهم في كل حالاتهم. وَإِذْ كَانَ لَمْ يَزَلْ بَعِيدًا رَآهُ أَبُوهُ، فَتَحَنَّنَ وَرَكَضَ وَوَقَعَ عَلَى عُنُقِهِ وَقَبَّلَهُ (إنجيل لوقا 15: 20) و للحديث بقية. . --- ### اللائحة الأساسية للمجمع المقدس
[ الإصدار الثاني، مارس ٢٠٢١ ] - Published: ۲۰۲٤-۰٤-۰۱ - Modified: 2024-04-01 - URL: https://tabcm.net/18838/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, شئون علمانية - وسوم: أنبا دانيال، سكرتير المجمع المقدس, إكليروس, الكنائس الأرثوذكسية, الكنيسة القبطية, المجمع المقدس, انتخاب البابا, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, كنيسة الإسكندرية, مار مرقس الرسول, مجمع نيقية صدرت هذه اللائحة أولا عام ١٩٨٥م‏ في حبرية المتنيح البابا شنودة الثالث مع أعضاء المجمع المقدس، وذلك بعد أحداث سبتمبر ١٩٨١م، وبعد انتهاء احتجاز البابا عام ١٩٨٥م. وهذا هو الإصدار الثاني مارس ٢٠٢١م، ويصدر بصورة ديجيتال تقدم لكل أعضاء المجمع الموقرين، للرجوع إليها في أيّ وقت المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية سكرتارية المجمع اللائحة الأساسية للمجمع المقدس ((اللائحة الأساسية للمجمع المقدس، الإصدار الثاني، مارس ٢٠٢١م. ‏ )) لكنيسة الإسكندرية القبطية الأرثوذكسية في سائر أنحاء الكرازة المرقسية «( مقدمة )» ٭ صدرت هذه اللائحة أولا عام ١٩٨٥م‏ في حبرية المتنيح البابا شنودة الثالث مع أعضاء المجمع المقدس، وذلك بعد أحداث سبتمبر ١٩٨١م، وبعد انتهاء احتجاز البابا عام ١٩٨٥م، وتعتبر أول مرة تصدر لائحة لعمل المجمع واختصاصاته ومسئولياته. ٭ ويتم مراجعتها بين وقت وآخر بحسب ما يستجد من ظروف وأحداث. ولذلك في اجتماع المجمع عام ٢٠١٨م، وبعد مناقشات موسعة، تمت بعض التعديلات وتم إقرارها بالتصويت العلني، ومنها استحداث لجنة دائمة مكونة من ٢٠‏ عضو برئاسة قداسة البابا للنظر في الأمور العاجلة والتي يتعذر معها انعقاد كامل للمجمع. ٭ وهذا هو الإصدار الثاني مارس ٢٠٢١م، ويصدر بصورة ديجيتال تقدم لكل أعضاء المجمع الموقرين، للرجوع إليها في أيّ وقت. ٭ أشكر سكرتارية المجمع وكذلك السكرتارية الفنية المعاونة لهذا المجهود الطيب والذي يمتد بفائدته إلى أجيال وأجيال. ونعمة المسيح تشملنا جميعا (البابا تواضروس الثاني)     اللائحة الأساسية للمجمع المقدس ((٭ ناقشها المجمع المقدس يوم السبت ١/ ٦/ ١٩٨٥م‏. ، وأفرها ووقع عليها أعضاء المجمع المقدس يوم الأحد ٢‏/ ٦/ ١٩٨٥م‏. في عيد حلول الروح القدس. )) الفصل الأول تعريفات وتمهيد مادة‎ ١: ٭ كنيسة الإسكندرية القبطية الأرثوذكسية هي كنيسة رسولية ترتبط بباقي الكنائس الأرثوذكسية الشرقية بوحدة الإيمان والأسرار والتقليد الكنسي. مادة‎ ٢: ٭ الرئاسة الكهنوتية للكرسي الإسكندري الرسولي تمتد إلى جميع أنحاء الكرازة المرقسية في داخل مصر وخارجها. مادة‎ ٣: ٭ الإسكندرية هي المركز الرسولي التاريخي. والقاهرة هي مقر آخر لبابا وبطريرك الكرازة المرقسية. مادة‎ ٤: ٭ المجمع المقدس هو السلطة الكهنوتية العليا في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية. وتشمل سلطته الإكليروس وكل الشعب. مادة‎ ٥: ٭ الإكليروس هم الأساقفة والقسوس والشمامسة وتشمل درجة الأسقفية قداسة البابا البطريرك، وكذا الجاثليق، والآباء المطارنة والأساقفة، سواء أساقفة الإيبارشيات أو الأساقفة العموميين أو الأساقفة المساعدين. ٭ والأسقف المساعد هو أسقف كامل من جهة درجة الأسقفية. ولكنه من الناحية الرعوية يساعد أسقفًا آخر.     الفصل الثاني عضوية المجمع المقدس مادة‎ ٦: ٭ يتكون المجمع المقدس من البابا البطريرك رئيسنا ومن كل من أصحاب درجة الأسقفية. ومن رؤساء الأديرة والخوري أبسكوبسيين ووكلاء البطريركية، أعضاء. مادة‎ ٧: ٭ عضوية المجمع المقدس هي عضوية مدى الحياة لجميع أصحاب الدرجة الأسقفية. ولباقي أعضاء المجمع بصفتهم. ٭ ولكن يسقط من عضوية المجمع في جميع درجات الكهنوت بلا استثناء، من يخرج على قواعد الإيمان المسيحي السليم، أو من يقع في الهرطقة أو البدعة، أو من يصاب بالجنون، أو من تنطبق عليه أحكام قوانين الكنيسة بالفرز أو القطع أو الحرمان. على أن يكون ذلك بحكم من المجمع المقدس في محاكمة رسمية حسب تقاليد الكنيسة، وتعطى له فرصة للدفاع عن نفسه، ويستثنى من ذلك إذا عاند وأصر على عدم الحضور. ويصدر في هذا الشأن حكم بصورة رسمية، موقع عليها من أعضاء المجمع حسب لائحته الأساسية.   الفصل الثالث اختصاصات المجمع المقدس مادة‎ ٨: ٭ المجمع المقدس هو السلطة العليا التشريعية في الكنيسة. وله أن يسنّ قوانين للكنيسة بما يتفق والاحتياجات الجديدة، وأن يصدر لوائح داخلية خاصة بسيامات كل درجة من درجات الكهنوت، وأيضا بالأعمال الكنسيّة المتنوعة حينما تقتضي الضرورة، وله أن يخفف عقوبات كنسيّة، وأن يضع لائحة للمحاكمات والعقوبات. مادة ٩: ٭ المجمع المقدس هو السلطة القضائية العليا في الكنيسة. له أن يحكم على صاحب أيّة درجة من درجات الكهنوت، وكذلك على أيّ علماني، يقدم بتهمة تمس الكنيسة أو تعاليمها. ويمكن أن تُستأنف إلى المجمع أيّة أحكام كنسيّة صدرت ضد كاهن أو أحد أفراد الشعب. مادة‎ ١٠: ٭ المجمع المقدس هو المسئول الأعلى عن الإيمان والعقيدة. وله أن يفسر قواعد الإيمان بما لا يتعارض مع التسليم الكنسي الثابت. والمجمع بهذه الصفة له السلطة أن يراجع أية كتب صدرت في التعليم الكنسي ويحكم بما يراه. مادة‎ ١١: ٭ المجمع المقدس هو المرجع الأول في طقوس الكنيسة. مادة‎ ١٢: ٭ قرارات المجمع المقدس نهائية لا يُعيد النظر فيها سوي المجمع المقدس إذا تغيرت الأسباب التي أصدر حكمه بناء عليها. فله مثلا أن يعفو عن خاطئ، أو يقبل من رجع عن هرطقته أو انحرافه، ويحكم في ذلك بما يراه مناسبًا. مادة‎ ١٣: ٭ يدير المجمع عملية انتخاب البابا البطريرك، ويشترك في ترشيحه، ويقوم بسيامته بعد انتخابه. ويشترك مع البابا في سيامات الأساقفة. مادة‎ ١٤: ٭ يختص المجمع المقدس العلاقات مع الكنائس الأخرى. في ضوء إيمان الكنيسة وتعليم آبائها.   الفصل الرابع رئاسة المجمع القدس مادة ١٥: ٭ يجتمع المجمع برئاسة البابا البطريرك. ولا يجوز أن يجتمع بغير رئاسته في حياته. مادة ١٦: ٭ تستثنى من هذه القاعدة حالتان: أ - إذا كان البابا في حالة صحية متأخرة جدا تمنعه من الكلام والتفكير، بناء على تقريرات أطباء مشهود لهم، وشهادة أكثر من نصف أعضاء المجمع بذلك. ب- إذا طلب أكثر من نصف أعضاء المجمع من البابا البطريرك أن يدعو المجمع، وامتنع عن ذلك حين يكون ذلك في إمكانه. ٭ والمجمع في هاتين الحالتين له أن يجتمع بغير رئاسة البابا. ويرأس الاجتماع أقدم الآباء المطارنة والأساقفة الحاضرين. مادة ١٧: ٭ في حالة خلو الكرسي البطريركي لوفاة البابا البطريرك أو لسقوط درجته الكهنوتية حسبما ورد في المادة السابعة من هذه اللائحة، يرأس اجتماع المجمع المقدس قائم مقام بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية. مادة‎ ١٨: ٭ رئيس المجمع المقدس يدير جلساته العامة. ويجوز أن يحضر ويرأس انعقاد أية لجنة من لجانه.   الفصل الخامس سكرتارية المجمع المقدس مادة‎ ١٩: ٭ يختار المجمع المقدس من بين أعضائه المطارنة أو الأساقفة سكرتيرًا للمجمع، وذلك بطريق الانتخاب . مادة‎ ٢٠: ٭ يكون انتخاب السكرتير لمدة ثلاث سنوات قابلة للتجديد بعملية انتخاب جديدة. مادة‎ ٢١: ٭ يكون انتخاب السكرتير في جلسة قانونية للمجمع، يتولى فيها رئيس المجمع إدارة عملية الانتخاب. ويراعى في ذلك السرية في الإدلاء بالأصوات للتعبير عن الرأي في غير حرج. مادة‎ ٢٢: يعتبر فائزًا بمنصب سكرتير المجمع من يحصل على أكبر عدد من الأصوات الصحيحة للحاضرين. بشرط أن يكون حاصلًا على أكثر من نصف أصوات الحاضرين. وإذا لم يحصل أحد على هذا النصاب القانوني. يعاد الانتخاب بين الحاصلين على أكثر رقمين من الأصوات. مادة ٢٣: ٭ تعمل مع سكرتير المجمع لجنة تسمى "لجنة سكرتارية المجمع المقدس" تتكون من ثلاث أعضاء، بالإضافة إلى السكرتير. ينتخب المجمع المقدس اثنين منهم بطريقة الانتخاب ويعيّن قداسة البابا العضو الثالث. مادة ٢٤: ٭ تجتمع لجنة السكرتارية برئاسة قداسة البابا وتختار من بينهم السكرتير المساعد للمجمع المقدس، الذي يساعد السكرتير العام ويحل محله في غيابه. مادة ٢٥: ٭ تجتمع لجنة السكرتارية برئاسة سكرتير المجمع وتقوم بعملها الذي يشمل: أ- حفظ كل مستندات المجمع أو صور منها، وما يتم إصداره من قرارات. ب- تدوين محاضر الجلسات وحفظها. ج- المراسلات ومشروعات القرارات، والبحوث المتنوعة، والدراسات، وإرسال ما يلزم منها لأعضاء المجمع. د- متابعة أعمال لجان المجمع، وحفظ قراراتها لعرضها على المجمع المقدس، وكذلك ما تقدمه اللجان من توصيات أو دراسات. هـ- إرسال الدعوة لأعضاء المجمع لحضور جلساته، بناء على توجيهات قداسة البابا. وإعداد ما يلزم تقديمه للمجمع من بيانات أو مشروعات أو قرارات لجان أو دراسات. و- متابعة تنفيذ قرارات المجمع، وتقديم تقرير لقداسة البابا بشأن ذلك. ز- استلام ما يرد إلى المجمع من شكاوى أو مقترحات، مع فحصها وتحويلها إلى اللجان المختصة، أو عرضها على قداسة البابا وتلقي توجيهاته. مادة‎ ٢٦: ٭ يعتبر سكرتير المجمع مساعدًا لقداسة رئيس المجمع في كل ما يكلفه به من أعمال مجمعية. وكذلك السكرتير المساعد وباقي أعضاء لجنة السكرتارية. مادة‎ ٢٧: ٭ يقوم سكرتير المجمع بتدوين محاضر الجلسات وأخذ توقيعات الحاضرين عليها. مادة‎ ٢٨: ٭ يجوز أن يحضر سكرتير المجمع المقدس والسكرتير المساعد اجتماعات اللجان المجمعية.   الفصل السادس لجان المجمع المقدس مادة‎ ٢٩: ٭ بالإضافة إلى لجنة السكرتارية. يختار المجمع المقدس من بين أعضائه من يقومون بمهمة اللجان الأتية: أ- لجنة الرعاية والخدمة ٭ الإشراف على الرعاية الكنسية الواجبة فى قطاعات الخدمة المتنوعة. ب- لجنة شئون الإيبارشيات ٭ بحث مشكلات الإيبارشيات وحلها والتركيز على رعاية الإكليروس وأسرهم ورعاية المكرسين والمكرسات وحل مشاكلهم. ج- لجنة شئون الرهبنة والأديرة ٭ الإشراف على كل ما يختص بالأديرة القائمة وعمل حصر رسمي بالأديرة المعترف بها والرهبان والراهبات بها وتقنين اوضاع الأديرة الجديدة تمهيدا للإعتراف بها ورعاية الرهبان والراهبات. د- لجنة الأسرة ٭ الإشراف على كل ما يختص بالأسرة المسيحية وأسس تكوينها والتوعية الأسرية للوصول إلى التوافق الأسري مع تقديم الرعاية للأرامل والمسنين. هـ- لجنة الإيمان والتعليم ٭ وتشرف على كل نواحي التعليم في الكنيسة، سواء في المعاهد الدينية أو التربية الكنسية أو الوعظ، أو ما يصدر من كتب ومطبوعات وتسجيلات صوتية أو مرئية. و- لجنة الطقوس ٭ الإشراف على كل ما يختص بالطقس، سواء في العبادة، أو في عمارة الكنائس وأيقوناتها، أو ترجمة الكتب الطقسية، أو الألحان، أو ما يتعلق بالفن القبطي، أو ما يدور من أسئلة طقسية. ز- لجنة العلاقات العامة ٭ الإشراف على علاقة الكنيسة بسائر الهيئات، وإرساء المحبة والود مع الجميع، وتفعيل المشاركة الوطنية للأقباط، مع التخطيط لكيفية مواجهة الأزمات وادارتها. ح- لجنة الإعلام والمعلومات ٭ الإشراف على القنوات الفضائية المسيحية، والمجلات الكنسيّة، وتحديث العضوية الكنسية، وتوثيق التاريخ الكنسي المعاصر من مصادر موثوق فيها. ط- لجنة العلاقات المسكونية ٭ الإشراف على علاقة كنيستنا بالكنائس المسيحية، والاتصال بالهيئات المسكونية مع تنظيم ادارة الحوارات مع الكنائس. ي- لجنة شئون المهجر ٭ الإشراف على كنائس المهجر سواء المتكلمة باللغة الإنجليزية أو المتكلمة بغير الإنجليزية وحل مشاكلها. ك- يجوز للمجمع إنشاء لجان أخرى. مادة‎ ٣٠: ٭ يتم تشكيل لجنة للمتابعة، تتابع تنفيذ قرارات المجمع وعمل لجانه، وتتكون من سكرتارية المجمع وجميع مقرري اللجان الدائمة. وتجتمع مع قداسة البابا في فترات بشأن عملها في المتابعة. مادة‎ ٣١: ٭ لكل عضو من أعضاء المجمع المقدس أن يقدم رغباته في الانضمام إلى اللجنة أو اللجان التي تناسبه. ٭ وتفحص لجنة السكرتارية بالتشاور مع قداسة البابا -بصفته رئيسًا للمجمع- هذه الرغبات، والتنسيق بينها، وتقدم للمجمع المقدس الأسماء المقترحة لعضوية اللجان لإقرارها. مادة‎ ٣٢: ٭ إذا استلزم الأمر يجوز في غير الاختصاصات السابقة، أن يعين البابا أيّة لجنة مجمعية للقيام بمهمة طارئة أو مؤقتة. ويحدد لها مهامها. مادة ٣٣: ٭ تختار كل لجنة مقررًا لها يدير جلساتها، ويقوم بدعوة أعضائها، ويرسل نسختين من توصيات اللجنة، إحداها إلى قداسة البابا، والثانية إلى سكرتارية المجمع المقدس. وتحتفظ اللجنة بنسخة ثالثة لها. مادة ٣٤: ٭ ما تقدمه اللجان هو مجرد مشروعات أو توصيات أو دراسات، لا يعتبر شيئ منها قرارًا نهائيًا إلا بعد عرضه على المجمع المقدس وموافقة المجمع عليه. ٭ أما إذا فوض المجمع إحدى اللجان بسلطات تنفيذية محددة، فحينئذ يكون لقراراتها قوة التنفيذ. مادة‎ ٣٥: ٭ كل لجنة من لجان المجمع المقدس لها الحق أن تستعين -في حدود اختصاصاتها- بأصحاب الخبرة والعلم من غير أعضاء المجمع المقدس. ولا يعتبر هؤلاء أعضاء رسميين في اللجنة.   الفصل السابع انعقاد المجمع المقدس مادة‎ ٣٦: ٭ ترسل الدعوة لانعقاد المجمع المقدس إلى الأعضاء بتوقيع قداسة البابا. وفي حالة تطبيق المادة من هذه اللائحة تكون بتوقيع سكرتير المجمع. وكذلك في حالة خلو الكرسي للأسباب المحددة في المادة والمادة تكون الدعوة بتوقيع سكرتير المجمع قبل اختيار القائم مقام؛ وبتوقيع القائم مقام بعد اختياره. وتقوم لجنة السكرتارية بإرسالها. مادة‎ ٣٧: ٭ يرسل مع الدعوة إلى الاجتماع جدول أعمال الجلسة، مع ما يلزم من أوراق ووثائق. مادة‎ ٣٨: ٭ ينعقد المجمع في موعدين ثابتين كل عام: احدهما في جلسة رسمية قبل عيد العنصرة، والثاني في سيمينار بحثي دراسي في شهر نوفمبر. مادة‎ ٣٩: ٭ يجوز أن ينعقد المجمع المقدس في أية ظروف طارئة لسبب هام، دون التقيد بموعد معين. على أن يتم إخطار جميع أعضاء المجمع المقدس الموجودين داخل القطر المصري، وذلك قبل اجتماع المجمع بموعد مناسب حتى تتاح الفرصة لحضوره. مادة‎ ٤٠: ٭ يجوز دعوة المجمع المقدس بناء على طلب أكثر من نصف الأعضاء. مادة‎ ٤١: ٭ يعتبر الاجتماع الدوري قانونيًا. إذا حضر الجلسة ثلثا أعضاء المجمع بصفة عامة. أما الاجتماع الطارئ فيلزم لقانونيته حضور ثلثي الأعضاء الموجودين في القطر المصري. مادة ٤٢: ٭ إذا بدأت الجلسة قانونية، تستمر قانونية حتى إن ترك البعض الجلسة. مادة ٤٣: ٭ يعتبر قرار المجمع قانونيًا إذا حاز موافقة ثلاثة أرباع عدد الحاضرين أو أكثر. ويحتسب في نلك صوت رئيس المجمع بصوتين. أو إذا حصل على موافقة أزيد من نصف الأعضاء بصفة عامة، أو أزيد من نصف أعضاء المجمع الموجودين في مصر فقط بالنسبة إلى الاجتماعات الطارئة. مادة‎ ٤٤: ٭ في حالة الضرورة، إذا تعذر انعقاد المجمع المقدس لأسباب خارجة عن إرادة الأعضاء، يجوز أن يصدر المجمع قرارًا بالتمرير، بشرط أن يوقع عليه ثلاثة أرباع أعضاء المجمع كله، مع عدم احتساب الأعضاء الموجودين في الخارج ويتعذر حضورهم. مادة‎ ٤٥: ٭ يشترط لكي يكون القرار الذي بالتمرير قانونيًا، أن يوقع عليه قداسة البابا، أو ثلاثة أرباع أعضاء لجنة السكرتارية إذا تعذر توقيع البابا عليه. وبشرط ألا يتعارض هذا القرار مع المادة من هذه اللائحة. مادة‎ ٤٦: ٭ قرارات المجمع المقدس ملزمة للكنيسة كلها بعد إعلانها، وملزمة حتى للأعضاء الذين غابوا، أو الذين لم يوافقوا ولكن عليهم الخضوع لقرار الأغلبية. مادة‎ ٤٧: ٭ كل عضو من أعضاء المجمع المقدس يخالف قرارات المجمع ويسيء إلى سمعته وسمعة قراراته، يعرض نفسه للمحاكمة الكنسية وللعقوبة. مادة‎ ٤٨: ٭ إذا لم يستطع أحد أعضاء المجمع حضور جلسة من جلساته لمرض أو لسبب قهري، يجوز أن يرسل رأيه كتابة لرئيس أو سكرتير المجمع. ويحتسب صوته في هذه الحالة.   الفصل الثامن رئيس وأعضاء المجمع مادة‎ ٤٩: ٭ رئيس المجمع المقدس هو البابا البطريرك خليفة القديس مار مرقس الرسول الإنجيلي. وهو أسقف الإسكندرية والقاهرة. وبصفته أسقفًا للمدينة العظمى الإسكندرية هو رئيس لأساقفة الكرازة المرقسية حسب قوانين مجمع نيقية المسكوني المقدس. مادة‎ ٥٠: ٭ يشترط في الجالس على كرسي مار مرقس أن يكون مصريًا قبطيًا أرثوذكسيًا. ويشترط هذا أيضا في القائم مقام بعد نياحة البابا. مادة ٥١: ٭ البابا هو الأسقف المسئول عن جميع الإيبارشيات الخالية، والإيبارشيات الجديدة كالتي في المهجر إلى حين سيامة أو تعيين أساقفة لها. وله في ذلك أن ينتدب نائبًا بابويًا أو وكيلًا لإدارتها تحت إشرافه. وله أيضًا أن يعيّن لجنة مجمعية لمعاونته في إدارة شئون المهجر. مادة‎ ٥٢: ٭ يقوم قداسة البابا باختيار الأساقفة العموميين الذين يعاونونه في خدمة الكرازة المرقسية، ويحدد لهم اختصاصاتهم ويقدمهم للمجمع المقدس ويرأس الاحتفال بسيامتهم. مادة‎ ٥٣: ٭ البابا البطريرك بالاشتراك مع الآباء الأساقفة أعضاء المجمع المقدس هو الذي يقوم بسيامة الأساقفة الجدد، وكذلك في ترقية الأساقفة إلى درجة المطرانية أو الجاثليق. مادة‎ ٥٤: ٭ البابا هو المسئول عن الأمور العامة في الكنيسة. وهو الذي يمثلها أمام الدولة وأمام الكنائس الأخرى وكل الهيئات الرسمية والدينية. مادة‎ ٥٥: ٭ البابا هو المشرف العام على الأديرة القبطية. وهو الذي يعين رؤساء الأديرة. مادة ٥٦: ((٭ تم تعديلها في جلسة المجمع المقدس بتاريخ ٥‏ يونيو ٢٠١٤م‏. )) ٭ في حالة خلو الكرسي يتولى القائم مقام البابا البطريرك جميع اختصاصات البابا البطريرك المقررة، بمقتضى أحكام القوانين واللوائح العامة ولائحة المجمع المقدس، ووفقا للقواعد والتقاليد الكنسية، إلى حين سيامة بابا جديد. ٭ ولا يجوز له رسامة آباء أساقفة إلا إذا استمر خلو الكرسي أكثر من ثلاث سنوات، وبموافقة ٨٠‏% من أعضاء المجمع على المبدأ وعلى المرشح للسيامة، وذلك في حالات نياحة مطران أو أسقف إيبارشية، وبما لا يزيد على ٥‏% من أعضاء المجمع وقت خلو الكرسي، ولا يجوز له إنشاء إيبارشيات جديدة، أو تقسيم إيبارشيات، أو سيامة أساقفة عامين. المادة ٥٧: ٭ كل ما يتركه البابا البطريرك هو ملك للبطريركية، وليس من حق القائم مقام أن يرثه أو يتصرف فيه لغير صالح البطريركية. كما لا يرث البابا أقارب له بالجسد.   الفصل التاسع مطارنة وأساقفة الإيبارشيات مادة‎ ٥٨: ٭ مطارنة وأساقفة الإيبارشيات هم رعاتها ورؤساء كهنتها وكل منهم مسئول عن جميع كنائس إيبارشيته وكهنتها وأديرتها، ما عدا الأديرة التابعة للبطريركية، وسائر أمورها الرعوية والمالية والإدارية. مادة‎ ٥٩: ٭ الأسقف يقوم بسيامة الكهنة والشمامسة في إيبارشيته، ويدشن الكنائس والمذابح والمعموديات والأيقونات وكل أواني المذبح والخدمة. ويرعى شعبه إذ يتسلم عصا الرعاية من يد قداسة البابا. وهو يشترك مع البابا في الخدمة الرسولية، وفي عضوية المجمع المقدس، وفي سيامة الأساقفة الجدد، وفي العمل الأسقفي. مادة‎ ٦٠: ٭ يتم اختيار الأسقف الجديد برضا الشعب وتزكيته، وبموافقة قداسة البابا على التزكية، على أن يكون مستوفيًا للشروط الروحية والشخصية حسب تعليم الكتاب وقوانين الكنيسة. ٭ إذا عارضت غالبية أعضاء المجمع المقدس في السيامة. توقف هذه السيامة. مادة‎ ٦١: ٭ ينتدب قداسة البابا بعض الآباء الأساقفة لتجليس الأسقف الجديد على كرسيه في إيبارشيته. ويقرأون تقليد رتبته الموقع عليه من قداسة البابا. مادة‎ ٦٢: ٭ يجوز للأسقف أن يعاونه في الخدمة أسقف مساعد، أو خوري أبسكوبس أو أكثر تحت إشرافه. ويكون هو أسقف الكرسي. مادة‎ ٦٣: ٭ البطريركية لا ترث الأساقفة. إنما ما يتركونه من مال أو عقارات أو منقولات يؤول إلى إيبارشياتهم، ويكون قداسة البابا أمينا على مخلفاتهم إلى حين تسليمها إلى من يخلفهم.   الفصل العاشر الأساقفة العموميون مادة‎ ٦٤: ٭ يجوز لقداسة البابا سيامة أساقفة عموميين يساعدونه في شئون إيبارشياته، أو في العمل العام للكنيسة، أو يساعدون بعض أساقفة الإيبارشيات في أعمالهم الرعوية. مادة‎ ٦٥: ٭ الأسقف العام لا يحتاج إلى تزكية من شعب. ويكفي أن يكون مزكى من البابا أو الأسقف الذي سيعمل في إيبارشيته. مادة‎ ٦٦: ٭ يجوز ترقية الأسقف العام إلى درجة كهنوتية أعلى، كما يجوز تعيينه أسقفًا لكرسي في أيّة إيبارشية خالية. وفي هذه الحالة يلزم تزكية من شعب الإيبارشية له وموافقة قداسة البابا.   الفصل الحادي عشر مواد ختامية مادة ٦٧: ٭ تلتزم الكنيسة كلها بهذه اللائحة من تاريخ اعتماد المجمع المقدس لها، ويوقع عليها كل أعضاء المجمع وكل أسقف جديد. مادة ٦٨: ٭ يمكن للمجمع أن يضيف أبوابًا أخرى إلى هذه اللائحة. مادة ٦٩: ٭ إذا اقتضت الضرورة تعديل أيّ بند من هذه اللائحة يشترط الآتي: أ- أن يكون التعديل موافقًا لقوانين الكنيسة وتقاليدها. ب- أن يحدث ذلك في ظروف عادية، وبموافقة ثلاثة أرباع أعضاء المجمع على الأقل. وتكون الفرصة متاحة لكل أعضاء المجمع في الحضور إلى جلسة تعديل اللائحة. ج- أن تعطى فرصة زمنية لا تقل عن شهر لدراسة التعديلات أو الإضافات المقترحة. د- ألا يحدث هذا التعديل في غياب قداسة البابا البطريرك.   الفصل الثاني عشر اللجنة الدائمة للمجمع المقدس ((٭ اُعتُمدت في جلسة المجمع المقدس مايو ٢٠١٨م‏. )) مادة ٧٠: التعريف والاختصاصات ٭ اللجنة الدائمة هي لجنة مجمعية برئاسة قداسة البابا البطريرك، وتكون بصفة ما في حالة انعقاد دائم في الفترة ما بين انعقاد الجلسات الرسمية للمجمع، وتقوم بأعمال في حدود اختصاصاتها وما يكلفها المجمع المقدس من أعمال. اختصاصات اللجنة ١‏. تعمل كلجنة استشارية لقداسة البابا فيما يعرضه قداسته أو ما يطرحه أحد أعضاء اللجنة من موضوعات. ٢. متابعة قرارات المجمع المقدس. ٣. تنفيذ ما تكلف به من أعمال بواسطة المجمع المقدس. ٤‏. دراسة واتخاذ قرارات في الظروف الطارئة، فيما عدا ما يخص الإيمان والعقيدة، على أن تعرض هذه القرارات في المجمع المقدس في أول جلسة قانونية له. ٥. متابعة التزام الآباء أعضاء المجمع المقدس بتعهداتهم الكنسية والشخصية، ولقداسة البابا أن يكلف لجنة ثلاثية من هذه اللجنة الدائمة، للتحقيق في الأمر ورفع توصيات من خلال اللجنة الدائمة للمجمع المقدس لأخذ القرار المناسب. ٦‏. تقدم اللجنة تقريرًا سنويًا عن عملها للمجمع المقدس. مادة‎ ٧١: تشكيل اللجنة ومدة عضويتها ٭ تتكون اللجنة من قداسة البابا رئيسًا وعشرين عضوا كالنحو التالي: ٠‏ سكرتير المجمع المقدس. ٠‏ لجنة السكرتارية . ٠‏ مقررو اللجان الرئيسية للمجمع المقدس . ٠‏ أعضاء يختارهم قداسة البابا . ٭ تكون مدة العضوية ثلاث سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة. مادة ٧٢: قانونية الاجتماع وكيفية اتخاذ القرارات والتوصيات: ٭ للجنة أن تجتمع كل ثلاثة شهور، ويجوز أن يدعو قداسة البابا اللجنة لاجتماع طارئ. ٭ يعتبر الاجتماع الدوري قانونيًا إذا حضر الجلسة ثلثا أعضاء اللجنة بصفة عامة. أما الاجتماع الطارئ فيلزم لقانونيته حضور ثلثي الأعضاء الموجودين في القطر المصري. ٭ إذا بدأت الجلسة قانونية تظل مستمرة قانونية حتى وإن ترك البعض الجلسة. ٭ يعتبر قرار اللجنة قانونيًا إذا حاز موافقة ثلاثة أرباع عدد الحاضرين أو أكثر، ويحتسب في ذلك صوت رئيس اللجنة بصوتين، أو أزيد من نصف أعضاء اللجنة الموجودين في مصر فقط بالنسبة للاجتماعات الطارئة. ٭ يكون أعضاء لجنة سكرتارية المجمع المقدس بمثابة سكرتارية للجنة الدائمة. اللائحة الأساسية للمجمع المقدس، الإصدار الثاني، مارس ٢٠٢١م. ‏ --- ### المسيح دان الخطية في الجسد - Published: ۲۰۲٤-۰۳-۳۱ - Modified: 2024-03-31 - URL: https://tabcm.net/18718/ - تصنيفات: كتاب مقدس إِذًا لاَ شَيْءَ مِنَ الدَّيْنُونَةِ الآنَ عَلَى الَّذِينَ هُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، السَّالِكِينَ لَيْسَ حَسَبَ الْجَسَدِ بَلْ حَسَبَ الرُّوحِ. لأَنَّ نَامُوسَ رُوحِ الْحَيَاةِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ قَدْ أَعْتَقَنِي مِنْ نَامُوسِ الْخَطِيَّةِ وَالْمَوْتِ. (رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 8: 1، 2) إن عبارة ”الآن“ في الآية الأولي تشير إلى الزمان الحاضر، في حين الوحي المقدس يتكلم عن ”الدينونة“ التي زمنها هو الزمان الأخير. لذا فإنّ رفع دينونة الزمان الحاضر عن الإنسان يؤسِس لرفع دينونة الزمان الآتي. إذًا فعبارة ”لا دينونة“ تبدأ من الْآنَ وتستمر بلا انقطاع إلى ما بَعد ابتلاع الزمن المخلوق في الزمن الإلهي غير المخلوق. . أي حياة الأبد. العجيب أن الوحي المقدس لم يتوقف ليناقش اعتراض البعض على تبرير الإنسان المؤمن وعدم دينونته في الزمان الحاضر والآتي بحجة أن الإنسان يضعف ويسقط كل يوم. ولكن ينتقل الوحي ليوضح أن ”لا دينونة“ للإنسان المؤمن الآن وفي الزمن الآتي ليست أساسًا بسبب بر الإنسان السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح بقدر ما هي بسبب بر المسيح الذي أكمله لأجلنا في بشريته عندما تجسد لأن ناموس روح الحياة في المسيح يسوع قد أعتقني من ناموس الخطية والموت. فإن تبرير المسيح للإنسان هو الذي أعاد روح الله، روح القداسة والحياة، ليسكن الإنسان مرة ثانية بعد أن كان قد غادره لحظة خروج آدم من الفردوس. وبذلك أصبحت حياة القداسة اختيارًا ممكنًا للإنسان. إن قبول الله للإنسان وسكنى روح الله فيه مرة ثانية ما كان ليتم إلا في شخص يسوع (ابن الإنسان) الذي هو المسيح (ابن الله). فالمسيح يسوع ربنا لبس جسد الإنسان، ومِن ثمَّة ذاق موت الإنسان لحظيًا، لكي ينازل موت الإنسان الممسِك ببشريته، وأن يقهره لأجلنا وبذلك يحدث خلاصٌ لذرية آدم من موت الخطية ولا يكون موتًا لأرواحهم فيما بَعد. فالموت الجسدي للإنسان صار لنا في المسيح يسوع معبرًا إلى حياة الأبد والخلود بعد أن كان بوابة للعدم/ الفساد. "لأنه ما كان الناموس عاجزًا عنه (أي منح هبة الحياة للذين ماتوا)، في ما كان ضعيفًا بالجسد... . (بقية آية 3 ”فالله إذ أرسل ابنه في شبه جسد الخطية، ولأجل الخطية، دان الخطية في الجسد“) لكي يتم حكم الناموس فينا (بالموت )، نحن السالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح“. الآية 3 تشير إلى ضعف الإنسان (الجسد= الإنسان) عن تحقيق خلاصه ببره الذاتي وطاعة الوصية. فالقيامة من الموت لم تكن من قاموس البشر قبل المسيح. وقد نلمح هذا على لسان داود بالنبوة في المزمور الثالث (صلاة باكر) ”ارحمني يا رب فإني ضعيف... ليس في الموت من يذكرك، ولا في الجحيم من يعترف لك... فإلى متى يا رب؟. . عُد ونجي نفسي وأحييني من أجل رحمتك“. فتنفيذ الوصية لا يقيم إنسانًا قد مات. بالتالي فإن الآية 4 تشير إلى حتمية حكم الناموس بالموت على ذرية آدم لأن آباهم آدم انفصل عن حياة الله. لذلك نقول أن المسيحية الأرثوذكسية تؤمن بوراثة البشر لموت آدم وليس خطية آدم مع أنّ الالتزام بطاعة الله ووصيته ”سالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح“. فتنفيذ الوصية لا يقيم إنسانًا قد مات كما سبق وقلنا. ونجد التأكيد على وراثة البشر لموت آدم وليس خطية آدم في الآية 10: وَإِنْ كَانَ الْمَسِيحُ فِيكُمْ، فَالْجَسَدُ مَيِّتٌ بِسَبَبِ الْخَطِيَّةِ، وَأَمَّا الرُّوحُ فَحَيَاةٌ بِسَبَبِ الْبِرِّ. (رسالة بولس إلى رومية 8: 10) فلأننا ورثنا جسدنا البشري من جسد آدم، فبالتالي فإننا ورثنا موت جسده الذي نتج من خطية آدم ”فالجسد ميت بسبب الخطية“. ولأننا نؤمن بالمسيح الذي وهب لنا خليقته البشرية الجديدة المتجسدة ووحَّدنا بها، فإننا بذلك نرث الحياة والبر من آدم الثاني المسيح يسوع، الذي هو الرب الروح من السماء الذي تجسد ليخلصنا ”وأما الروح فحياة بسبب البر“. ونلفت الوعي إلي المكتوب في العدد 17: فَإِنْ كُنَّا أَوْلاَدًا فَإِنَّنَا وَرَثَةٌ أَيْضًا، وَرَثَةُ اللهِ وَوَارِثُونَ مَعَ الْمَسِيحِ. إِنْ كُنَّا نَتَأَلَّمُ مَعَهُ لِكَيْ نَتَمَجَّدَ أَيْضًا مَعَهُ. (رسالة بولس إلى رومية 8: 17) فكما تموت أجسادنا البشرية بموت آدم الذي ورثنا منه موته لأننا ذريته الذين لبسنا بشريته التي ماتت بالخطية، كذلك فإن أرواحنا ترث حياة المسيح ابن الله -أصل وواهب الحياة- لأن المسيح لبس جسدنا. وكما نحن أبناء آدم الأول بالجسد (الميلاد البشري)، بالتالي وارثون موته، فإننا أبناء المسيح آدم الثاني بالروح (الولادة الثانية في المعمودية). بالتالي وارثون حياته. فإن المسيح تبنى البشرية عندما لبس جسدها، كما نحن أيضًا أبناء لآدم لأننا لبسنا جسده بالولادة الطبيعية. وكما كنا أبناء آدم فإننا صرنا أبناء الله في المسيح ابن الله الوحيد الجنس. هكذا صرنا ورثة مع المسيح في بنوته لأبيه ولكن ليس بالطبيعة مثله ولكن لأنه وحَّدنا في بشريته الغير منفصلة عن إلوهيته. لذلك سنحيا بسبب البر المجاني لنا في المسيح. --- ### موقف الكنيسة الأفريقية من "انعتاق المتوسلون" - Published: ۲۰۲٤-۰۳-۳۰ - Modified: 2024-03-31 - URL: https://tabcm.net/18831/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: Fiducia Suplicans, بابا فرنسيس، بابا الڤاتيكان, رابطة المجالس الأسقفية لأفريقيا, فريدولان أمبونجو, فيكتور مانويل فرنانديز, ليتورچي أصدر الكردينال فريدولان أمبونجو، رئيس رابطة رؤساء المجالس الأسقفية لأفريقيا ومدغشقر، ورئيس أساقفة ومتروبوليت كينشاسا، بيانًا يوم الخميس 11 يناير 2024، وذلك باسم رابطة المجالس الأسقفية لأفريقيا ومدغشقر، وأصدره باللغة الفرنسية، ونظرا لأهمية هذا البيان، في خضم الجدال المثار، استصوبنا فكرة تعريبه بيان الكردينال فريدولان امبونجو، رئيس رابطة المجالس الأسقفية لأفريقيا ومدغشقر. ترجمة الأب ميلاد صدقي زخاري اللعازري. أصدر الكردينال Fridolin AMBONGO ، رئيس رابطة رؤساء المجالس الأسقفية لأفريقيا ومدغشقر ، ورئيس أساقفة ومتروبوليت كينشاسا، البيان التالي يوم الخميس 11 يناير 2024، وذلك باسم رابطة المجالس الأسقفية لأفريقيا ومدغشقر، وأصدره باللغة الفرنسية الأكثر انتشارا في أفريقيا. ونظرا لأهمية هذا البيان، في خضم الجدال المثار، استصوبنا فكرة تعريبه، بعد أن تم نشر النص الفرنسي الأصلي الوارد على عدة مواقع على الشبكة العنكبوتية، وخصوصا في مجلة "حامل الرسالة"، العدد 3371، بتاريخ 24 مارس 2024. الأخوة والأخوات الأعزاء في الرب: سلامٌ ونعمةٌ. الرسالة التي أنقلها إليكم اليوم قد حظت بموافقة الأب الأقدس، البابا فرنسيس، والكاردينال فيكتور مانويل فرنانديز، عميد لجنة العقيدة والإيمان، وهي تقدم ملخصًا مدعومًا للمواقف التي اعتمدتها مختلف المجالس الأسقفية، الوطنية والإقليمية، في جميع أنحاء القارة الأفريقية، ردًا على نشر لجنة العقيدة والإيمان لإعلان انعتاق المتوسلون Fiducia Supplicans الصادرة في ١٨ ديسمبر ٢٠٢٣. لقد أثار هذا الإعلان موجة صادمة داخل الكنيسة، عائلة الله في أفريقيا، وزرع الكثير من البلبلة والاضطراب في أذهان العديد من المؤمنين العلمانيين والمكرسين وحتى الرعاة، وأثار ردود فعل قوية. إن مجمل أجوبة مؤتمرات الأساقفة الأفارقة يسلط الضوء على الفهم والمقاربة المُشْتَرَكِين من جانبهم. وهو يشمل وجهات نظرهم حول التعليم الثابت عن الزواج داخل الكنيسة، وتفانيهم في العناية الرعويّة التي تطال جميع أعضاء الكنيسة، وموقفهم الموحّد بشأن الاتحادات مثلية الجنس. عن التعليم الثابت في شان الزواج والحياة الجنسية في مختلف رسائلها: تؤكد المؤتمرات الأسقفية للكنيسة، عائلة الله في أفريقيا، بالتأكيد، ومجددًا، على ارتباطها الراسخ بخليفة مار بطرس، وشراكتها معه، وأمانتها للإنجيل. وهم يعترفون، بشكل جماعيّ، بأن تعليم الكنيسة بشأن الزواج والعائلة يظل ثابتا. وقد لاحظوا جميعًا المقاطع التي أكد فيها إعلان "انعتاق المتوسلون" هذا الموقف التقليدي للكنيسة، واستبعاده صراحة الاعتراف بزواج مثليي الجنس. هذا الموقف المتأصل في الكتاب المقدس، تم تعليمه دون انقطاع من قِبل السلطة التعليمية الشاملة للكنيسة. ومن ثمّ، فإن الرتب والصلوات التي يمكن أن تطمس تعريف الزواج -باعتباره اتحادًا حصريًا وثابتًا وغير قابل للانفصال بين رجل وامرأة ومنفتح على الإنجاب- تعتبر غير مقبولة. إن التمييز الذي قام به إعلان "انعتاق المتوسلون" بين البركات الليتورجية أو الطقوس الرسمية، والبركات العفوية، لا يقصد فرض تبريكات لغير المتزوجين أسراريًا، أو للثنائيات مثليي الجنس ((راجع فقرة 31. ))، حتى ولو نصت الوثيقة على أنها "يجب أن تتم خارج الأطر الليتورجية" ((راجع الفقرات 31 و 38. )). عن الرعاية والتوجيه الرعويان من خلال إعلانات المجالس الأسقفية: تؤكد الكنيسة في أفريقيا، كعائلة الله، التزامها مجددًا بمواصلة المساعدة الرعوية لجميع أعضائها. يتم تشجيع الإكليروس على تقديم عناية رعوية ذات حفاوة ومساندة، وخاصة للأزواج الذين يعيشون في أوضاع غير أسرارية. كما تؤكد مجالس الأساقفة الأفريقية على أن الأشخاص ذوي الميول مثليّة الجنس يجب أن يعاملوا باحترام وكرامة، في حين نذكّرهم بأن الاتحادات بين الأشخاص من نفس الجنس تتعارض مع إرادة الله، وبالتالي لا يمكنهم الحصول على بركة الكنيسة. عن الموقف من الاتحادات المثلية والثنائيات من نفس الجنس بصفة عامة: تفضل المجالس الأسقفية -مع الحفاظ على حرية كل أسقف في أيبارشيته- عدم منح البركات للثنائيات من نفس الجنس. ينبع هذا القرار من انشغال البال بشأن احتمال حدوث البلبلة الكامنة وحصول العثرة داخل جماعة الكنيسة. يصف التعليم الثابت للكنيسة الأفعال مثلية الجنس بأنها "منحرفة في حد ذاتها" ((مجمع عقيدة الإيمان، رسالة الفرح المسيحي. )) ومخالفة للشريعة الطبيعية. هذه الأفعال، بما أنها تقصي عطاء الحياة، وتفتقر إلى التكامل العاطفي والجنسي الحقيقي، يجب ألا تتم الموافقة عليها تحت أي ظرف من الظروف ((التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، رقم 2357. )). لدعم هذا الموقف، تعتمد الغالبية العظمى من مداخلات الأساقفة الأفارقة قبل كل شيء على كلمة الله. يستشهدون بالمقاطع التي تدين اللواط، ولا سيما سفر اللاويين ((راجع لاويين 18: 22-23. )) حيث يُحظر بشكل صريح ويعتبر رجسًا. يشهد هذا النص التشريعي على هذه الممارسات في بيئة إسرائيل، كما على ممارسات أخرى يحرمها الله، مثل وأد الأطفال ((راجع ذبيحة إسحاق. )). وأضاف أحد المؤتمرات الأسقفية فضيحة لواطيو سدوم ((راجع تكوين 19: 4-11. )). في رواية هذا النص، اللواط ممقوت لدرجة أنه سيؤدي إلى تدمير المدينة. في العهد الجديد، يدين القديس بولس أيضًا، في رسالته إلى أهل رومية، ما يسميه الوصال المخالف للطبيعة ((راجع رومية 1: 26-33. )) أو الأخلاق سيئة السمعة ((راجع كورنثوس الأولى 6: 9-10. )). علاوة على هذه الأسباب الكتابية، فإن السياق الثقافي في أفريقيا، المتجذر بعمق في قيم الشريعة الطبيعية فيما يتعلق بالزواج والأسرة، يزيد من تعقيد قبول اتحادات أشخاص من نفس الجنس، حيث يُنظر إليها على أنها تتعارض مع المعايير الثقافية، وسيئة في ذاتها. الإعلان الختامي باختصار: إنّ المجالس الأسقفية في جميع أنحاء أفريقيا، والتي أعادت التأكيد بقوة على شراكتها مع البابا فرنسيس، تعتقد أن البركات غير الليتورجية المقترحة في إعلان "انعتاق المتوسلون"، لا يمكن تنفيذها في أفريقيا دون التعرض للفضائح. إنهم يذكرون، كما يفعل إعلان "انعتاق المتوسلون" بوضوح، الإكليروس والجماعات الرهبانية وجميع المؤمنين والأشخاص ذوي الإرادة الصالحة، أن تعليم الكنيسة بشأن الزواج المسيحي والحياة الجنسية يبقى دون تغيير. لهذا السبب، نحن، الأساقفة الأفارقة، لا نعتبر أنه من المناسب لأفريقيا أن يُمنح التبريك للاتحادات أو للثنائيات من نفس الجنس، لأن هذا، في سياقنا، من شأنه أن يسبب بلبلة، وسيكون متعارضًا بشكل مباشر مع القيم الثقافية للجماعات الأفريقية. إن لغة إعلان "انعتاق المتوسلون" دقيقة جدًا بحيث يستعصي فهمها على البسطاء. علاوة على ذلك، يظل من الصعب جدًا إقناع الأشخاص من نفس الجنس، الذين يعيشون في اتحاد مستقر، بألا يطالبوا بتقنين وضعهم الخاص. نحن، الأساقفة الأفارقة، نشدد على دعوة الجميع إلى التوبة. بطريقة هوشع، جاء يسوع ليشهد لحنان الله: لم يأتِ ليدعو الأبرار، بل الخطاة ((راجع متى 9 : 3. )). هذا مما لا شك فيه. ولكن يسوع يمد أيضا يده إلى الخاطئ لكي ينهض ويتوب ((راجع مرقس 1: 5. )). وبعد أن أظهر الكثير من الرأفة تجاه المرأة الزانية، قال لها: اذهبي ولا تخطئي أيضًا ((راجع يوحنا 8 :11. )). باعتبارها ملح الأرض ونور العالم ((راجع متى 5 : 13- 14. ))، فإن الرسالة الرحيمة للكنيسة هي أن تسير ضد تيار روح العالم ((راجع رومية 12: 2. ))، وأن تقدم له الأفضل، حتى ولو كان متطلبًا. تفضّل بعض الدول مزيدًا من الوقت للتعمق في الإعلان الذي هو، في الحقيقة، يقترح إمكانية هذه التبريكات ولكنه لا يفرضها. على أية حال، سنظل نفكر في قيمة الموضوع العام لهذه الوثيقة الذي يتجاوز مجرد البركات للأزواج الذين هم في وضع غير أسراري، أي نفكر في غنى البركات العفوية في الرعويات الشعبية. نعمة وسلام:نعمة وسلام، بهذه الكلمات المأخوذة عن القديس بولس، بالشركة مع قداسة البابا فرنسيس وجميع الأساقفة الأفارقة، كرئيس لرابطة المؤتمرات الأسقفية في أفريقيا ومدغشقر ، أختتم هذه الرسالة داعيًا المجتمعات المسيحية ألا تترك نفسها تتزعزع. إن قداسة البابا فرانسيس، الذي يعارض بشدة أي شكل من أشكال الاستعمار الثقافي في أفريقيا، يبارك الشعب الأفريقي من كل قلبه ويشجعهم على البقاء مخلصين، كما هو الحال دائمًا، دفاعًا عن القيم المسيحية. (فريدولان أمبونجو، رئيس رابطة المجالس الأسقفية لأفريقيا ومدغشقر) --- ### ما وراء خط النار - Published: ۲۰۲٤-۰۳-۲۹ - Modified: 2025-01-26 - URL: https://tabcm.net/18759/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, تاريخ وميثولوچيا, لاهوتيات - وسوم: الأب متى المسكين, الشرق الأوسط, العصور الوسطى, بنتاتوخ, بولس السادس, بيت التكريس, توراة, رئيس جمال عبد الناصر, ڤاتيكان, قديس بولس الرسول من واجبنا أن نسهم في توعية شعبنا والشعوب العربية كافة بما وراء هذه المعركة من دوافع خفية وأوهام دينية ومغالطات، حتى نستطيع أن نقف في وجه هذه الدولة المصطنعة المعتدية بضمير خالص وشهادة من الله ما وراء خط النار القوى المعنوية والإلهامات المنبعثة من المعركة الأخيرة. . (متى المسكين، بيت التكريس بحلوان) «( مقدمة )»إن الحرب التي نخوضها الآن مع إسرائيل حرب كبيرة وطويلة، وتحتاج منا إلى تفهم ووعي في كافة الاتجاهات والأبعاد، حتى نستطيع أن نصمد ونكافح، ولكن، فوق كل شيء، أن نحتفظ بالدور القيادي وتظل معنوياتنا ذات سمات روحية تسمو فوق كافة الظروف والأقدار. وإذ نعلم تمامًا أن وراء وجود إسرائيل وزرعها زرعا كدولة وسط الشعوب العربية عوامل سرية وخطيرة، تعتمد في تأثيرها ودوامها على أوهام دينية، بثتها إسرائيل ودعاتها في الشعوب الغربية. كما ونعلم أن الحرب الأخيرة التي شنتها إسرائيل على الدول العربية المحيطة بها، سبقتها تمهيدات وتصريحات دينية، اضطلعت بها الهيئات الرسمية التي تمثل الكنيسة الغربية، أصبحنا الآن نستطيع ألّا نرتاب فيها فحسب، بل وندينها كخطة داخل الميدان. كذلك، إذ نتبين من صمت الشعوب الغربية إزاء حكوماتها، التي اضطلعت بدور فعال خطير في المعركة الأخيرة، والذي تسبب عنه مآسي إنسانية شديدة، كان من المستحيل أن يقبلها الضمير الشعبي الغربي، لولا إصابته بتعمية عامة، وتخدير في الضمير، مهدت له الدعايات الدينية السياسية، بمبادئ وأخلاقيات تنافي الحق والحقيقة. وفوق هذا كله، إذ لا تزل الإذاعات الغربية تتهم الشعوب العربية اتهامات باطلة، وفي نفس الوقت تتغاضى عن حقوقهم القومية، وتتجاهل وطنيتهم وشعورهم الإنساني. رأينا أنّه من واجبنا أن نسهم في توعية شعبنا، والشعوب العربية كافة، بما وراء هذه المعركة من دوافع خفية، وأوهام دينية، ومغالطات، حتى نستطيع أن نقف في وجه هذه الدولة المصطنعة المعتدية بضمير خالص وشهادة من الله. (متى المسكين، بيت التكريس بحلوان، يولية ١٩٦٧)   الفصل الأوّل العوامل الدينية التي اُستخدمت لتزكيّة العدوان الإسرائيلي     أولًا: استغلال العواطف الدينية لكسب إستراتيجية الشعوب العربية لكى نستطيع أن نواجه العدوان الإسرائيلي اليوم ونأخذ موقفًا واضحًا منه يلزمنا أن نتعرف على تاريخه، فهو لم يبتدئ بحرب ٥٦‏١٩ ولكنه ابتدأ مبكرًا جدا منذ سنين طويلة، فإسرائيل نشطت ورسمت خططها في الدول الديموقراطية الرأسمالية حيث يتكتل زعماء اليهود وأغنياؤها، وكان لها منذ البدء متحمسون للدعاية لها في كل بلد من الذين تتعلق مصالحهم معها، وبالأخص أمريكا، حيث يعتمد المرشحون لرياسة الجمهورية على تأييد أصوات اليهود، لأنهم يمثلون كثرة يقظة تستطيع أن تتلاعب بميزان الأصوات. ولكن كانت القاعدة الأولى التي انطلق منها مخطط إسرائيل -سواء من حيث وجودها كدولة تُزرع الآن زرعًا في وسط البلاد العربية، أو من حيث بنائها الاقتصادي- هي كسب عواطف الشعوب الغربية وتأييدهم لها، وكان من المستحيل النفاذ إلى الضمير الغربي الحر الشريف الذي يمثله الشعب الغربي عمومًا عن طريق اقتصادي مثلا، ولا عن طريق سياسي، ولا عن أي طريق يتنافى مع الشرف أو الإخلاص أو الرجولة، لأن الشعوب الغربية ليس من الهين إقناعها بأيّ مبدأ يتنافى مع الحق والحرية والشرف، فحتى الحكومات هناك مهما بلغت من السطوة والقوة والنجاح فإنها تخشى انتقاد مواطنيها. ‏ والشعب في الغرب قادر أن يُسقط أقوى الحكومات إذا لم تستطع أن تبرر موقفها الأخلاقي. إذن، فلم يكن لدى إسرائيل منذ البدء إلا الطريق الديني، واستخدام إيمان الشعب، وتوقيره للعهد القديم، وبالأخص استخدام اسم «إسرائيل» الذي اقترن في التوراة بمحبة الله الكثيرة وعطفه وعهوده ووعوده... وقد قبلت غالبية شعوب أوربا هذه الخدعة، أما شعب أمريكا فكاد يتبنى إسرائيل بسبب كثرة تعلقهم بالتوراة، وبكل شيء قديم، لتعويض مركب النقص الناشئ من كونهم دولة حديثة، لا تاريخ لها على الإطلاق. وقد نجحت إسرائيل في كسب عواطف الشعوب، خاصة بعد الحرب العالمية الأخيرة، بسبب الاضطهاد المريع الذي عاناه اليهود من النازي، وقد استغلت إسرائيل هذا الاضطهاد التاريخي في استدرار عطف أمريكا بصورة فعّالة بعد أن نجحت في مزجه بالعوامل الدينية. ولكن لعل أخطر العوامل التي عملت على كسب إسرائيل المشاعر الدينية لدى شعوب الغرب، هو تبنى الوعاظ ورجال الدين وقادة الكنيسة لقضية اليهود عامة وإسرائيل خاصة، سواء كان ذلك بتأثر زعماء اليهود المباشر وإغراءاتهم، أو كان بتحمس رجال الدين والكنيسة كرد فعل للاضطهادات التي عاناها اليهود. ولكن الذي يهمنا هنا هو كيف نفذت إسرائيل إلى ضمير الشعوب الغربية عن طريق الدين والتوراة؟ علما بأن المقطوع به أن لا التوراة، ولا الإنجيل، يقف بجانب اليهود أو يفسح لهم أدنى فرصة لإحياء اليهودية كدين مستقل عن المسيحية، لأن هذا معناه إلغاء للمسيحية نفسها، ونقض دعوى المسيح كمخلص وفادى لإسرائيل! ! لأن المسيحية ورثت في شخص المسيح كل ما للتوراة، بكافة أنبيائه، وآبائه، وقديسيه. إذن، فدولة إسرائيل الحاضرة، التي اتخذت لنفسها هذا الاسم كأساس للخدعة الدينية، لا تمت إلى «إسرائيل التوراة» بأيّ صلة إلا الصلة العنصرية فقط، فالشعب الموجود في إسرائيل الآن ليس إسرائيليا حسب الدين بأيّ حال من الأحوال! ! إسرائيل انتهت بصلب المسيح، وقطعت من أصل شجرة الآباء الروحية، فقد أصبحوا برفضهم للمسيح المخلص والفادي غرباء عن داوود المحسوب أنه رمز للمسيح والأصل الذي انحدر منه بالجسد، وبالتالي أصبحوا غرباء عن يعقوب الذي هو «إسرائيل» الحقيقي! ! إذن فإسرائيل ليست هي «إسرائيل»، ومهما ادعت لنفسها هذا الاسم فهي لا تملك حقيقته الروحية، لأنه لا يمكن الآن أن يقول واحد أنه «إسرائيل حقا» إلا إذا كان مؤمنًا بالمسيح، لأن يعقوب نفسه، المدعو إسرائيل، لم يقبل من الله نعمة ومحبة وعهدًا إلا على أساس المسيح! إسرائيل، برفضها للمسيح، رفضت كيانها الروحي ووجودها الديني، وقطعت نفسها من نسب الآباء وكافة الأنبياء وكل أمجاد وعهود الله التي في العهد القديم... إن كلمة «إسرائيل» معناها العبري: «الذي جاهد مع الله وانتصر»،‏ وقد منح الله هذا اللقب ليعقوب بسبب تقواه وإيمانه وحبه الشديد لله. وقد‏ صار لقبا لكل يهودي يعيش مع الله ويغلب. . ولكن ماذا يتبقى من هذا الاسم لليهود الذين جاهدوا «ضد الله» وصلبوا المسيح ولا يزالون يجاهدون ضد الله -بانتهاكهم كافة وصايا المسيح- وضد أولاده؟ ثم إسرائيل القديمة كشعب الله المختار، لقد اختاره الله وأحبه وعطف عليه على أساس الناموس، والوصايا، واتباع الله من كل القلب. والآن انتهى الناموس نهائيًا وإلى الأبد بمجيء المسيح وإعلان حرية الإنسان على أساس الإيمان بالمسيح كفادي، وانتهت الوصايا المعتبرة جسدية من أن تكون أساسًا للخلاص، وصارت وصايا المسيح هي الرباط الروحي الوحيد الذي يربط الإنسان بالله. أما من جهة اتباع الله من كل القلب، فاليهود المتجمعون في فلسطين الآن لا يتبعون الله إطلاقًا، ومهما ادعوا أنهم متدينون فديانتهم باطلة، لأنهم أعداء الله رسميًا، فهم لا يزالون يجدفون على المسيح ويلعنونه، ليس من تلقاء انفسهم، بل بحسب شريعتهم وبمقتضى ناموس إيمانهم! ! فحيثيات حكم الصلب الذي أصدره رؤساء كهنة اليهود وشيوخ الشعب بسبب عمى قلوبهم، جعلوه مبنيًا ومدعمًا من الناموس: لنا ناموس، وحسب ناموسنا يجب أن يموت ((يوحنا ٨ : ١٩ ))، ولا يزال حكمهم هذا قائمًا على المسيح حتى اليوم، لأنه لا يزال قلبهم مقفلًا تجاه الله. وكذلك ما تمموه يوم الصليب من تجديف وهزء وسخرية على المسيح، مستمدين شجاعتهم الأدبية هذه من ناموسهم. لا يزال هو هو نفس أدبهم الديني: وكان المجتازون يجدفون عليه... وكذلك رؤساء الكهنة وهم مستهزئون فيما بينهم ((مرقس ٢٩ : ١٥ )) وإن كان فخر إسرائيل، قديمًا، ومجد تقربها إلى الله مبنيًا على صلتهم بإبراهيم أبى الآباء المدعو أيضا «خليل الله»، ونحن نعرف أن مجد إبراهيم نفسه وفرحه ورجاءه كان يستمده روحيًا من نسله الذي سيقوم من بعده، أي من المسيح، وأن هذه الصلة السرية العجيبة كشفها المسيح بقوله: إبراهيم أبوكم اشتهى أن يرى يومي، فرأى وفرح ((يوحنا ٨ : ٥٦ ))، فالآن بعد أن رفض اليهود المسيح الذي هو سر فرح إبراهيم ورجائه، ماذا يتبقى لهم من إبراهيم أول من وطأت قدماه أرض فلسطين؟ إذن، فمن كل ذلك، يتبدد كل الوهم الذي حاول اليهود المتجمعون في فلسطين أن ينشروه بين الشعوب المسيحية، ليربطوا بين إسرائيل القديمة كشعب الله واسمهم الجديد المزيف كدولة، كما يتبدد كل الوهم الذي نسجوه في عقول المسيحيين من جهة كيانهم الديني كنسل للآباء والأنبياء وبالتالي كامتداد للعهد القديم، فهذا ينفيه رفضهم للمسيح ويحرمهم من كل ميراث روحي أو ديني، وبالتالي يكون أيّ تعاطف من نحوهم يقدم على أساس ديني هو تعاطف كاذب، لا أساس له من جهة الله، أو الحق، أو الروح. ومن ذلك يتضح أن حرب إسرائيل مع البلاد العربية بحجة تثبيت كيانها الديني كإسرائيل أو كامتداد لإسرائيل القديمة الذي تتصوره الشعوب الغربية هو باطل من أساسه، وبالتالي تكون أيّ معونة عسكرية أو مادية أو أيّ دفاع منطقي عن موقفهم أو أيّ تواطؤ سرى أو علني أو حتى تعاطف من جهة الضمير على أساس أنّها حرب دينية أو يدخلها عنصر ديني بأيّ شكل من الأشكال هو ضد الإيمان المسيحي، وبناء عليه تكون مساندة الشعوب الأمريكية والبريطانية السافرة لدولة إسرائيل المزعومة، إن كانت على أساس ديني، فهي مساندة لا يقرها الإيمان المسيحي، وبالتالي لن تحوز رضى الله بالنهاية.   ثانيًا: الكنيسة الغربية تضطلع بدور إستراتيجي هل نستطيع الآن أن نفهم سر الوثيقة المنبعثة من ألمانيا، والتي ساندتها أمريكا، واتخذت حيالها طرق الضغط والتكتيك والصبر الطويل والصمود والمراوغة والتكتّل، حتى خرجت من تحت يد وضمير أكبر رجل ديني مسئول في العالم، البابا بولس السادس، وموافقة أكبر هيئة دينية غربية، أي الفاتيكان، تساندها هيئة مجلس الكنائس العالمي! وهى وثيقة «تبرئة اليهود من دم المسيح»؟ ((جاء في نشرة EPS الإخبارية التي تصدر عن مجلس الكنائس الخبر التالي: رحبت السكرتارية العامة لمجلس الكنائس العالمي بإعلان مجمع الفاتيكان الخاص بتبرئة اليهود من المسئولية الجماعية إزاء صلب المسيح. ولقد وصف فيسرتهوفت، السكرتير العام، هذا الإعلان بأنه: تعبير واضح عن حقيقة كتابية كانت قد طمست في جميع الكنائس ونعنى بها أنّ الوحي الإلهي قد أُعلن للناس -في البداية- من خلال الشعب اليهودي، وأن الرابطة العميقة القائمة بين اليهود والمسيحيين ينبغي ألا تكون مجرد ذكرى بل حقيقة راهنة‏ ثم يستطرد السكرتير العام قائلًا: إن العداوة للسامية تنطوى على إنكار للإيمان المسيحي ذاته، ولقد حاول مجلس الكنائس العالمي أن يعبر عن هذه الحقيقة في مؤتمره الذي انعقد عام ١٩٦١‏ في نيودلهي، ونحن مغتبطون اليوم أننا نستطيع القول أن جميع الكنائس تحاول جاهدة أن تختط طريقًا جديدًا في موقفها تجاه الشعب اليهودي، وبالتالي تحاول أن تكفر عن الأخطاء العديدة التي حدثت في الماضي REACTIONS TO VATICAN COUNCIL VOTE ON JEWS (Geneva) — The Ecumenical Council's declaration absolving the Jews from collective responsibility for the death of Christ was welcomed by the general secretariat of the World Council of Churches. Dr. W. A. Visser't Hooft, general secretary, described the statement as: a clear expression of a bibical truth which has been obscured in all churches namely that it is through the Jewish people that the divine revelation has first come to men and the deep bond which thus exists between Jews and Christians must not only be a memory but a present reality.  His statement continued: Anti-Semitism is therefore a denial of the Christian faith itself. The WCC sought to express this at its Assembly at New Delhi in 1961. We are glad that now we can say that thus all churches seek to make a new start in their attitude to the Jewish people and so begin to make amends for the many errors of the past EPS, No. 37/32nd year, 21st October, 1965)) لماذا كانت هذه الصحوة في هذا الوقت؟ وقد عاشت الكنيسة كلها بكافة عقائدها ألفين سنة تقريبًا تدين اليهود، ولمّا كانت الكنيسة تدين اليهود كانت تستمد حكمها من كافة النبوّات ومن الإنجيل ومن الحوادث التي عانتها الكنيسة من اليهود في الثلاثة قرون الأولى ومن المجامع المسكونية، وفوق كل هذا من الضمير الإنساني. والكنيسة في إدانتها لليهود لم تكن جاهلة بالحقيقة، ولا متجنية على الجناة، ولا متعصبة للدين، ولا متعامية عن المحبة والرفق والإنسانية، ولكنها كانت ولا زالت تدين اليهود لصلبهم للمسيح حتى توقظ فيهم ضمير التوبة والندامة، فهي في دينونتها لليهود تشهد للصليب وتشهد للحق وتدعو الجاني للتوبة. . لان كل يهودي يعيش الآن على وجه الأرض هو تحت الحكم، ليس من الكنيسة فقط بل من الله، وبحسب الإنجيل هو واقع تحت غضب الله. ولكن الكنيسة الغربية تحت إلحاح الضغط الإسرائيلي وتوجيه السياسة الحكومية في البلاد الكبرى، أرادت أن تتحدى كافة الأجيال الكنسية السابقة، وتدمغها بدامغ المروق عن الحق وأصول الإيمان، فبرأت اليهود من صلب المسيح ومن دمه، وبعملها هذا تكون الكنيسة الغربية، الممثلة في الفاتيكان ومجلس الكنائس العالمي، قد أعطت الشعوب الغربية، وبالتالي الحكومات المعنية بمناصرة إسرائيل سياسيًا وعسكريًا، كل التفويض للقيام بما يكفل تعويض اليهود الممثلين في إسرائيل عن تجنى الكنيسة السابق. وهكذا نرى أن وثيقة تبرئة اليهود من دم المسيح كانت في حقيقتها السياسية بمثابة التمهيد الرسمي والمنطقي لظهور الأسطول السادس الأمريكي المحمل بالطائرات المجهزة لعمليات التدمير والتخريب والقتل! ! ونحن لا يمكن أن نعفى المسئولين في الكنائس الغربية عن نتائج هذا العمل، سواء كانوا يعلمونه أو كانوا يجهلونه، الذي كان بمثابة غارة موفقة ناجحة، خدرت بها أفكار الشعوب الغربية، وأعدتها وجدانيًا لقبول الزحف السياسي العسكري الذي قامت به بريطانيا وأمريكا... يستحيل الآن أن نقبل ببساطة هذا الدور الخطير، الذي اضطلعت به الكنائس الغربية، سواء كان في تكتلها الإجماعي بالفاتيكان أو في تكتلها المسكوني في مجلس الكنائس العالمي، في استصدار هذا القرار، وما استلزمه هذا القرار من تكنيك وضغط ومراوغة، فالكنائس الغربية كانت متجنية ولا شك، ونحن ندينها، وندينها بكل حزم وشدة، وندينها أمام الله والعالم كله. ولا يسعنا الآن إلا أن نقول أن الكنائس الغربية مسئولة عن مشروعية مساندة إسرائيل عسكريًا وذلك بتدخلها الديني لتخدير ضمائر الشعوب الساذجة. . بقرار تبرئة اليهود من دم المسيح. ألا تعلم أنها بهذا القرار قد أمّنت تحركات الأسطول السادس وأسطول بريطانيا، دينيًا، وباركت عمليات الغدر والخيانة والاعتداء على الدول العربية؟ أليس دم العرب الأبرياء المسفوك على أعتاب بيوتهم وقوائمها والمهرق على أرض وطنهم دليلًا قاطعا على امتداد الجريمة التي اقترفتها إسرائيل قديمًا في سفك دم المسيح؟ لقد برأ الفاتيكان وبرأت منظمة الكنائس العالمية الغربية اليهود من سفك دم المسيح، ولكن الحقيقة الحيّة الناطقة حسب الواقع الحادث الآن تثبت قطعا أنّ اللعنة التي وضعها اليهود على انفسهم: دمه علينا وعلى أولادنا ((متى ٢٧ : ٢٥ )) لا زالت تتعقبهم، فسفك دماء الأبرياء وطرد العرب المواطنين المسالمين خارج أورشليم بالغدر والخيانة إعادة متكررة لما اقترفته الأجيال الأولى بصلب المسيح... ولكن‎... إن كانت الكنيسة الغربية برأت اليهود من دم المسيح، فالكنيسة الشرقية تبرئ المسيح من أعمال اليهود! ! والخراب الذي نطق به المسيح كحكم إلهي أزلي سيزال نافذ المفعول مهما تضافرت أساطيل السياسة الاستعمارية مع قرارات الكنائس الغربية لنقض حكم الله تجاه إسرائيل: هوذا بيتكم يترك لكم خرابا ((لوقا ١٣ : ٣٥ )) ...   ثالثًا: حكومتا بريطانيا وأمريكا تزيفان الحقيقة على شعبيهما كان لتزعم الكنيسة الغربية ورؤسائها حركة الدفاع عن إسرائيل، دور خطير في تأمين الحكومات الغربية وخاصة انجلترا وأمريكا ضد أي حركات شعبية واعية. لأن تقارير الكنيسة وتصريحاتها اللاهوتية كانت ستار تعمية مهد لحكومتي بريطانيا وأمريكا القيام بدور إيجابي خطير لمناصرة إسرائيل سياسيًا وحربيًا واستخدام طرق التحايل والخداع السياسي دون أيّ خوف من ثورة الضمير الشعبي الذي تولت الكنيسة إخماده. ولكن المدهش في الأمر أن يعتقد الشعب البريطاني والأمريكي أن حكومتيهما تقومان بدورهما إرضاء للضمير الديني واستجابة لنداء الكنيسة والرحمة والحق! ! مع أنه من المقطوع به أن هاتين الحكومتين لا يهمهما شيء في الوجود، لا الكنيسة ولا الدين ولا الأخلاق ولا الضمير بل ولا المسيح، في سبيل تنفيذ مخططها الاستعماري، وهذا اتضح سابقا في مواقف كثيرة في كل مكان في العالم. من هذا يتبين دور الخداع الكبير الذي تقوم به هاتان الحكومتان لدى شعبيهما، فهما بينما يتظاهران أمام الضمير الشعبي أنهما يساندان الحق والضمير الديني، إذ بهما يعملان معا لمخطط استعماري خطير، لا يعرف الرحمة ولا يؤمن بالأخلاق ولا يعتمد إطلاقًا إلا على الظروف وانتهاز الفرص والغش والمراوغة، الأمر الذي اتضح في مباغتة الجمهورية العربية من الخلف لإحراز أسرع نصر! ! والخطورة الناتجة من هذا الموقف ذي الوجهين أن هذه الدول الكبرى نجحت في أن تصبغ عملياتها العسكرية بالصبغة الدينية، لإخفاء مخططهما الاستعماري، مع ما يحويه من حقد وضغينة وانتقام وعزم على التنكيل بالعرب الذين يقفون في وجه مصالحها الاستعمارية. ولكن نحن واثقون أن الضمير الغربي لابد وأن يستيقظ على صراخ آلاف الجرحى والمشوهين وعشرات الألوف من المشردين وتخريب البلاد الآمنة...   رابعًا: إسرائيل تعتمد في إثبات وجودها‎ على أوهام دينية لقد استغلت إسرائيل بساطة المسيحيين وعواطفهم الدينية من نحو التوراة والتاريخ القديم، واستغلت إيماننا بنبوات العهد القديم، وسلطت أضواءها على ماضيها القديم كدولة نالت رضى الله، ثم ركزت على مواعيد الله من نحو أرض فلسطين وملكها الأبدي، واستخلصت من جولاتها في التوراة والإنجيل إقناع المسيحيين من سياسيين واقتصاديين وخلافهم حقها في أرض فلسطين كأنه امتداد لمواعيد الله. ومن هنا، قامت هيئات كثيرة وأشخاص كثيرون في العالم الغربي وخاصة في أمريكا يدافعون بحماس جنوني عن فكرة حق وجود وطن لإسرائيل وإعطائها كرامتها الأولى التي أخذتها سابقا من الله. هذا الحماس استغلته الحكومة في أمريكا لتمضى في مخططها السياسي لدق إسرائيل كإسفين بين الدول العربية يمنعها من مسيرها ونموها في الاتجاه الاشتراكي التحرري، ويحد من حرية الحركة في منطقة الشرق الأوسط، ويحول دون تكوين جبهة متحدة مناوئة للغرب. ولتنفيذ هذه الادعاءات الوهمية التي غرستها إسرائيل في أذهان الشعوب المسيحية بخصوص الربط بين التوراة والانجيل وبين حقها في فلسطين باعتباره وطنها الأول حسب المواعيد السابقة، نضع في أذهان المسيحيين هذه الحقائق الإلهية العامة التي لا تقبل الشك ولا الجدال وهي: أولًا: كافة مواعيد الله لشعب اليهود قد تحولت من وعود أرضية إلى وعود سمائية روحية، بمجيء المسيح وصعوده إلى السماء. لان مواعيد الله الأولي بخصوص أرض فلسطين التي تفيض لبنًا وعسلًا، وبخصوص ملك داوود الخالد، وأورشليم كمدينة الله العظيم، والهيكل كبيت الله المحبوب. كل هذه كانت مجرد رموز وصور وظلال للحقائق الروحانية التي كان مزمعًا أن يعطيها الله لا لليهود فقط بل لكافة الأمم. فصارت فلسطين هي «كنعان السماوية»، وأورشليم هي «أورشليم السمائية»، وداوود الملك الأبدي هو «المسيح»، والهيكل هو «الكنيسة الحية جسد المسيح»، بل وحتى إسرائيل نفسها كدولة وكشعب الله المحبوب القديم صارت هي «الكنيسة أي إسرائيل الجديدة العروس التي لا عيب فيها». لذلك فان تمسك اليهود الآن بالوعود الأرضية المادية السابقة هو تجاهل للتحول الجوهري في تدبير الله وعطاياه الذي انتقل إليه شعب الله من العهد القديم إلى العهد الجديد. لذلك فقد صار تمسك اليهود وتشبثهم بوطن أرضى وبأورشليم وبملك زماني لتحقيق كيانهم الديني، هو بمثابة إلغاء كامل للعهد الجديد وتجاهل كلى للمسيح وإنكار لكافة مواعيد الله الروحانية، ويكون أيضا بمثابة رجعة ونكوص كامل محزن إلى الجلوس في الظلمة وظلال الموت، والاكتفاء بعبادة الأرض عوض السماء، ومغانم الحياة الأرضية عوض الحياة الأبدية. ثانيًا: كافة الوعود الإلهية التي منحها الله لإسرائيل قديمًا بخصوص وطنها في فلسطين وملكها الزمني البارز بين الشعوب والأمم ومساعدة الله لها، كانت كلها رهن طاعتهم لله وتمسكهم بوصاياه، كعهد من طرفين. ‏ وقد حدث عدة مرات أنهم خانوا عهدهم مع الله ورفضوا وصاياه، فرفع عنهم الله كافة حقوقهم الأرضية وكافة مواعيده ومساعداته وجعل أعداءهم يحطمون بلادهم ويهدمون هيكلهم وينجسون مقدساتهم ويأخذوهم عبيدا، وشتتهم الله إلى ما وراء فلسطين. ولكن كان الله يعود ويرضى عنهم حينما يعودون هم إلى طاعته، وكان يجمعهم من الأمم ولكن بتأديب شديد. وظلت هذه التأديبات على ظهورهم حتى مجيء المسيح الذي بمجيئه دخل اليهود الذين قبلوه مع باقي الشعوب في عهد جديد مع الله: بمعنى أن العهد الجديد الروحي حل محل العهد القديم الزمني. . أما اليهود الذين رفضوا المسيح فاعتبروا أنهم فقدوا العهدين، وبذلك فقدوا كافة حقوقهم في مواعيد الله القديمة لهم بخصوص وطنهم وملكهم الزمني. كما صاروا محرومين الآن من رضى الله بسبب رفضهم للمسيح أو على حد قول الإنجيل، أصبح يمكث عليهم غضب الله ((يوحنا ٣ : ٣٦ )). فمطالبتهم الآن بوطن أرضى ومحاولتهم بالسلاح والغدر الحصول على هذا الحق ليس هو في الواقع تتميمًا لوعود الله القديمة، ولكنه تحدى لحكم الله عليهم ومحاولة بشرية يائسة مجنونة للخروج من تحت غضب الله ولعنته، كما أن مساعدة حكومات الدول الغربية لهم لاغتصاب هذه الحقوق التي سلبها الله منهم ثم حمايتهم للعودة إلى وطنهم بالسلاح، هو اشتراك في تحدى الله ودخول خائب محزن تحت نفس الغضب واللعنة مع إسرائيل وخصوصًا أن خبث النية والاستهتار بالعبادة وبالله وبالديانة المسيحية مشترك بينهم... ثالثًا: إن اعتماد دعاة إسرائيل على الإنجيل وخاصة رسائل بولس الرسول في تدعيم فكرة حقهم في أرضهم الأولى ووطنهم الأول وملكهم الزماني السابق، هو غش وخداع. لأن العهد الجديد ينظر إلى اليهود الذين رفضوا المسيح: «كغصن مقطوع من شجرته الأصلية» و«كشعب مرفوض» و«أمة حل عليها غضب الله ولعنته»، ولم يعط الإنجيل أيّ بارقة أمل أو أيّ رجاء لليهود الذين يرفضون المسيح الآن بإمكانية رضى الله عنهم إلا على أساس قبولهم للمسيح أولًا وقبل كل شيء. ثم يوضح الإنجيل، بدون أيّ غموض، أن اشتراط عودة رحمة الله عليهم ورضاه عنهم -الذي هو رهن قبولهم للمسيح- لن تكون بمظاهر مادية أرضية، بل حددها أنها ستكون في معنى الخلاص الروحي والانعتاق من عبودية الخطيئة واللعنة وليس من عبودية الأمم، ودخولهم حظيرة المسيح وليس دخولهم فلسطين، وقبولهم في ملك المسيح السمائي الأبدي وليس في مملكة الزمان الفانية. إذن فتحصنهم الآن في فلسطين وتقوية مركزهم السياسي كدولة وغلبتهم بالسلاح والغدر ومعاونة ذراع البشر، لا يمكن أن يحسب أنه جزء من خطة الله لخلاصهم ولا يدخل قط في معنى تتميم النبوات، بل بالعكس هو تعويق لقبولهم المسيح تعويقًا شديدًا مانعًا. لأن قبول المسيح يحتاج إلى مسكنة واتضاع ونبذ كل قوة أرضية وكل آمال أو مغانم سياسية دنيوية، لذلك فالذين يتعاطفون مع إسرائيل الآن بقلوبهم أو بأموالهم أو بسلاحهم، إنما يعوقون خلاصها الحقيقي ومجدها الروحي الحقيقي في قبول المسيح! ! رابعًا : إن استناد إسرائيل على نصرتها الوقتية وعلى نجاحها الآن في امتلاك جزء من وطنها الأول كأساس تبرهن به أن الله أصبح معها أو أنّه يساندها، هو استناد وهمى لا علاقة له بالحق إطلاقًا. .  فالنصرة التي حازتها إسرائيل لم تعتمد على الله أو على الإيمان أو على الحق، بل اعتمدت على الشيطان والباطل. فقد استعملت فيها كل صنوف الخطايا والتعديات على كافة وصايا الله بل وامتهنت كافة المبادئ الإنسانية والشرف، فكيف يكون الله شريكًا في هذه النصرة أو تكون يده معهم في تحركهم وثباتهم؟ الحقيقة أن الله تركهم لمشورات قلوبهم، فاستعملوا كافة المهارات البشرية واستغلوا كافة نواحي الضعف في المسيحيين في الغرب، وتأيدوا بروح الغدر والخيانة والغش وساعدتهم الدول التي تماثلها في سياستها والتي سوف تربح من وجود إسرائيل وانتصارها. والله تركهم حتى يبلغوا أقصى قوتهم وأقصى نصرتهم وأقصى افتخارهم، ثم بضربة واحدة سوف يكشف لهم بطلان ما عملوه بذراعهم و بطلان ما كسبوه من أذرع البشر وبطلان كل حيلهم السياسية وخداعهم. وحينما يقعدهم التراب ويذل نفوسهم، حينئذ يمكن أن يرفعوا أعينهم إلى الله. . وفى ذلك الوقت لن تعد فلسطين مطمعًا لهم بل السماء.     الفصل الثاني العوامل الإيجابية التي تساند العرب في حربها ضد إسرائيل     أولًا: خلو الدوافع العربية من العداء الديني إن أول وأهم طابع يتميز به الضمير العربي في ثورته ضد إسرائيل عامة، سواء من جهة قيامها أو ضد أطماعها للتوسع أو ضد اعتدائها الأخير على الأراضي العربية، هو خلوه تمامًا من أيّ عداء ضد الدين اليهودي. فالعرب عامة، بما فيهم المسيحيين، لا يحملون أيّ بغضاء أو استهزاء بالديانة اليهودية في حد ذاتها، بل ربما على العكس تمامًا، فالمسلمون يكنون الاحترام والتوقير العالي لكافة أسفار العهد القديم وأنبيائه وأشخاصه. . هذه الحقيقة وحدها كافية لتبرير الضمير العربي أمام العالم أجمع من أيّ تعصب ديني أو انحياز أعمى يقوم على دوافع نفسية موروثة. وفى هذا يمتاز الضمير العربي عمومًا على الضمير الأوربي الأمريكي الذي لا تزل تغذيه عوامل الحقد التعصبي الموروث الذي برز بصورة عملية لا تقبل الشك في التحيز العلني لإسرائيل ضد العرب. فبينما يتحكم في الضمير العربي إزاء حربه ضد إسرائيل عوامل وطنية صافية تثيرها وتحفزها عوامل إنسانية شريفة تجاه العرب اللاجئين المطرودين من وطنهم المغتصب، كما تثيرها وتحفزها تدخلات الدول المستعمرة لمساندة إسرائيل المعتدية واكتشاف مآربها الاستعمارية وتعصبها الأعمى. نجد أن الضمير الأنجلوأمريكي تحفزه عوامل عنصرية تعصبية دينية وتثيره أطماع استعمارية ومصالح ذاتية. وهذه المقارنة تكشف في الحقيقة أمرًا مدهشًا، وهو أن الضمير الأنجلوأمريكي لا يزال تتحكم فيه عوامل بربرية ورثها من العصور الوسطى ولا تزال تتردد في جوانبه أصداء الحروب الصليبية.   ثانيًا: الحوافز الإنسانية التي تثير حماس العرب إن كانت شعوب دول أوربا وخاصة أمريكا تتعاطف مع اليهود تعاطفا إنسانيًا باعتباره أنه شعب مبدد في أنحاء العالم وأنه مظلوم ومضطهد، فهذا التعاطف بالرغم مما فيه من خداع ووهم -لأن اليهود يسيطرون على اقتصاديات دول كثيرة ويعيشون في رخاء عظيم، ومستوى دخل الفرد منهم في كل أمّة يزيد باستمرار على مستوى دخل الفرد في تلك الأمّة- نقول أن هذا التعاطف عينه هو ما يشعر به العرب تجاه إخوانهم العرب الذين طردهم هؤلاء اليهود من وطنهم فتشردوا بعد رخاء وتبددوا على وجه الصحراء بعد استقرار وافتقروا ولا يزالون مفتقرين للقمة العيش وغطاء الجسد. ‏ وإن كان الشعور الإنساني الذي يفيض به الضمير الأمريكي على اليهود هو واجب مقدس في نظرهم يغذيه الإحساس الديني الزائف ويدفعهم للتحيز لإسرائيل ولمساندتها بالسلاح وخطط الغدر والعدوان، فكيف يستنكرون هذا التعاطف الإنساني من جهة العرب نحو إخوانهم المطرودين من وطنهم؟ فان كان الحماس الشعبي الأمريكي لمساندة إسرائيل له مبررات دينية إنسانية في نظرهم جعلتهم في حِلّ من الضمير لكى يشردوا العرب ويسكنوا إسرائيل محلهم، ثم هيأت لهم مشروعية العداء والغدر والخيانة ودفعت إسرائيل للقيام بالحرب الأخيرة ضد كافة الدول العربية المحيطة بها التي تسببت في قتل عشرات الألوف من العرب وتشريد فوج آخر من اللاجئين، فلماذا إذن يستنكرون على هؤلاء العرب أنفسهم شعورهم الإنساني الصرف في مناصرة هؤلاء اللاجئين ومحاولة استعادة وطنهم؟ نحن الآن نشك كثيرًا في عواطف أمريكا وبريطانيا الإنسانية تجاه إسرائيل لأنه أيّة إنسانية هذه التي تقتل إنسانًا عربيًا نائمًا في بيته آمنًا في وطنه لكى تأتي بيهودي أمريكي ليعيش موضعه ويغتصب وطنه؟ وفي نفس الوقت نحن لا يمكن أن نشك أبدًا في إنسانية العرب الصافية التي تدفعهم لإراقة دمائهم والمخاطرة بحياتهم وبلادهم و أموالهم في سبيل إعادة هؤلاء المشردين، هذه إنسانية حقيقية بالدرجة الأولي.   ثالثًا: الأيديولوجية القومية تفرض وجودها وتنير الطريق نحن نعلم تمامًا كيف قامت أمريكا وصارت دولة متحدة. إنّها أيديولوجية واشنجطن وأيديولوجية إبراهام لنكولن التي صاغت وحدة أمريكا وحريتها. وكذلك نعلم أيضا كيف تبلورت الدويلات الجرمانية وانبثقت منها دولة ألمانيا. . إن الأيديولوجيات الراقية تفرض نفسها على الشعوب والدويلات ذات الشكل الواحد واللغة الواحدة، هذا أمر حتميّ لا مفر منه، أنه صورة مصغرة لما سوف تنتهي إليه البشرية كلها حينما تتقارب الشعوب جدا برفع الفوارق فتصير «دولة الإنسان». إن الحافز الأيديولوجي لتجمع الشعوب العربية أمر حتميّ، وهو يتخذ خطوات قوية وسريعة جدا نحو هذه الغاية عينها مهما عرقلتها العراقيل التي تتفنن أمريكا وبريطانيا في وضعها على الطريق... إنّ الخطة المرسومة منذ أمد بعيد لإيجاد إسرائيل بالقوة البريطانية والأمريكية داخل المجمع العربي الدولي لتكون عثرة على طريق التآلف العربي، صارت هي بعينها نقطة الانطلاق الحتمية لإنشاء هذا التآلف والتحالف العربي الذي لابد أن ينبثق منه اتحاد الدول العربية! ! إن جهود بريطانيا وأمريكا المستميتة منذ أمد بعيد لتحطيم هذا المستقبل القوي الباهر للدول العربية لا نستطيع الآن وفى ضوء الحرب الإسرائيلية أن نقول أنها باءت بالفشل فحسب، بل نستطيع أن نقول بكل ثقة أنها تحولت بصورة إعجازية إلى تقصير المسافة الزمنية والثقافية والأيديولوجية والحربية اللازمة لقيام هذا الاتحاد العربي. . لقد زرعت بريطانيا وأمريكا إسرائيل لكى تحطم قوى العرب وتفرق شملهم وتستنزف جهودهم وأموالهم وأرواحهم حتى تضيع عليهم باستمرار فرص التحالف في مستقبلهم العربي الموحد والتوفر على الاستجابة لأيديولوجية أرقى ... وكان يدفع بريطانيا وأمريكا لهذا المخطط الرجعى البربري مصالحهما الاستعمارية وكيانهما الاقتصادي للحفاظ على سطوتهما الدولية. . ولكن فات على الساسة البريطانيين والأمريكيين أن سنة النهضات البشرية والرقيّ الأيديولوجي، إنما يزدهر تحت‌ الاضطهاد والظلم والعسف والتهديد بل والخسارة والانهزام بأسرع جدا مما ينمو به تحت ظروف العز والرخاء. . لذلك كان زرع إسرائيل وسط العرب بمثابة إيقاظ للشعوب العربية من سباتها الزمني، ثم كان توسع إسرائيل السري تنبيه ذهني للخطر، ولما ينبغي أن يكون عليه العرب من تآلف وتضامن، ثم جاء الاعتداء الأخير بصورته الغاشمة المستفزة فكان كومضة الهام جعلت الشعوب العربية تستلهم وحدتها وتستدرك ما فاتها في لحظة فريدة من الزمان. . لذلك فالدوافع الأيديولوجية الراقية التي تنير الطريق منذ الآن أمام العرب سوف تستمد من حربهم مع إسرائيل تحولًا سريعًا إلى هدفها الإيجابي الحتمي وهو وحدة الشعوب العربية وتآلفها تآلفًا يجعل منها دولة قوية عربية ذات كيان عالمي فائق ... وإزاء هذا الكيان العربي الشامخ الكبير الرائع حقا، ستبدأ تصغر إسرائيل وتصغر ثم تصغر إلى أن تتلاشى حتى ولو بقيت في مكانها! !     الفصل الثالث القوى المعنوية والإلهامات المنبعثة من المعركة الأخيرة     أولًا: النكسة من منظار روحي ((انتكاسة: نحن لا نستطيع أن ندعو ما أصاب الجيوش العربية انهزامًا لأن الانهزام يعنى حالة تسليم نهائي، ولكن نستطيع فقط أن ندعوها حالة تقهقر حسب المنطق العسكري. )) هناك قانون في الروحيات يكاد ينطبق بحذافيره على الظروف والنتائج التي لازمت المعركة الأخيرة. هذا‏ القانون يوحى بأن الانهزام الجسدي من شأنه دائمًا أن ينشئ قوة للروح. . والذي يتابع المعركة الأخيرة بين إسرائيل والعرب حتى نتائجها الأخيرة والنكسة التي أصابتنا، من شأنه أن يصاب بحسرة وألم شديدين يخترقانه حتى الأعماق وما يلبث أن تغشاه ظلمة كثيفة، هذا لو ظلت المتابعة للمعركة من منظار عسكري بحت أو من وجهة القياسات المنطقية. . ولكن الحقيقة أنّه لو فحصنا هذه النتائج عينها بالمنظار الروحي، لاندهشنا كل الاندهاش لان النكسة صاحبها ولازمها تفجر قوى معنوية وإلهامات غاية في العمق شملت كافة المناطق التي عانت هذه النكسة، ثم امتدت منها أيضا ثم تجاوزتها حتى بلغت الأوطان العربية المعنية بهذه الحرب، بقوة تفوق كل قياس منطقي حتى شملت كافة أرجاء العالم الحر الذي يتابع حركات الشعوب المتحررة من نير الاستعمار. ونحن في فحصنا ودراستنا لهذه القوى المعنوية وهذه الإلهامات لا نقف عند حدود الانفعالات التي بدت على الشعوب العربية في شوارعها وميادينها وإذاعاتها ولا نقف حتى عند البيانات والمقالات التي صدرت تعبر عن هذه القوى والإلهامات في صفحات جرائد العالم الحر، ولكن نريد أن نتتبعها في مجالها الإنساني العميق داخل النفس البشرية فهذا هو الذي يعنينا جدا لان من هذا المنطلق الإنساني سوف تنبثق بشرية جديدة نتلهف لها غاية التلهف. . وفى مصر صاحب النكسة (وطبعا المسئول عن أسبابها هما انجلترا وأمريكا) حركة يقظة نفسانية مفاجئة.   ثانيًا: معنى استقالة القائد. . ظل الرئيس جمال عبد الناصر خمسة عشر عاما يكافح في ثلاثة ميادين: ميدان الشعب المصري، وميدان العرب في الأوطان الشقيقة، وميدان العالم الخارجي الحر. أما كفاحه مع شعبه المصري فكان يتجه صراحة ناحية ثلاث أهداف: الأول: إيقاظ الوعى الوطني الشعبي، والثاني: الإحساس بحمل المسئولية، والثالث: الأخلاق. أما كفاحه لدى العرب فكان أيضا يتجه صراحة ناحية ثلاث أهداف: الأول: إيقاظ الوعى العربي الشعبي، والثاني: الإحساس بخطورة إسرائيل العدو المندس في وسطهم للعمل على تفكيكهم وضعضعتهم، والثالث: الوحدة العربية ﻻ كضمان للتغلب على إسرائيل فحسب بل كأيديولوجية حتمية تخلق للعرب كيانًا دوليًا تستطيع به أن تساهم مساهمة فعالة في سياسة العالم لموازنة القوى الكبرى التي تطغى على العالم الآن. وقد ظل هذا القائد الملهم يحمل هذه الرسالات ويعلم بها ويمهد لها بالقدوة والجهد والتنظيم والتخطيط سواء لدى شعبه في مصر، أو لدى الشعوب الغربية البعيدة داخل أوطانها ومع حكوماتها، أو لدى الشعوب الأخرى الأوربية والإفريقية والآسيوية وحكوماتها. والحقيقة التي يعرفها كل إنسان الآن أن هذا القائد استخدم كافة الوسائل الممكنة من تعليم وتحذير ومقاومة وتأديب ومقاطعة ومهاجمة وتلطف ووداعة وحب وتكريم وزيارات. والعجب أنه كان يستخدم هذه الوسائل كلها مرة بعد مرة ثم يكررها هي عينها أيضًا لدى المعاندين والمرتدين والمنفلتين والخائنين دون أن يكل أو ييأس أو يخور! خمسة عشر سنة وهو يضطلع بدور المعلم والمربى والمؤدب في كافة هذه الميادين ولم يخر قط، لأن المبادئ القوية التي كان يحملها في قلبه وذهنه كانت ترفع دائمًا من قدراته ومعنوياته وكانت تدفعه للنضال بفرح وعزيمة لا تكل، وكانت الإخفاقات تزيده حماسًا وإصرارًا على المضيّ في الطريق الطويل. . طريق التقدم. لقد دوت استقالة الرئيس جمال عبد الناصر في مصر دويًا هائلًا أيقظ الشعب كله! ‏ وامتد الدوى في لحظة مباركة من لحظات الزمان إلى كافة الدول العربية شعوبها وحكوماتها، فكانت طعنة الضمير التي أيقظت وعى العروبة نحو المصير المشترك الذي غطاه في الحال ستار كثيف من الظلمة بسبب خبر تخلية القائد. لقد ظهر جمال عبد الناصر في استقالته بصورته الحقيقية، وتكشف الدور الخطير الذي يؤديه هذا الإنسان الملهم، ووضحت قيمته الشخصية في مصير الأمّة العربية التي لا يمكن أن يحتلها آخر. وامتد دوى الاستقالة عبر الدول والقارات فكانت يقظة أخرى غير متوقعة لتلك الدول التي ظلت تتجاهل الدور الخطير الذي يقوم به جمال عبد الناصر كزعيم عالمي يسعى لرفع القيم الإنسانية ويساند الشعوب المتحررة. . لقد كانت استقالة الرئيس جمال عبد الناصر ألما غير محتمل، لم تستطع أيّ نفس في أي شعب حر سواء في مصر أو في البلاد العربية أو غير البلاد العربية،‏ أن تفسره، فقد فاق حدود العواطف العنصرية والدينية والوطنية، والسبب الخفى في ذلك أن هذا الألم كان يعبر عن فقدان معيار عال للمبادئ والأيديولوجيات والأخلاق. ‏ فقد كان جمال عبد الناصر قد استقر تقريبًا داخل كل نفس يحمل عنها ويحمل لها وأمامها هذا المعيار العالي. . وفى لحظة سقط هذا المعيار فشعرت كل نفس ببؤس وشقاء وحيرة داخلية عجز كل إنسان عن تفسيرها ولو أنه لم يعجز أحد قط عن التعبير عنها بالهتاف والصراخ لعودة جمال عبد الناصر. . ‏ لأن عودة جمال عبد الناصر كانت تمثل للنفس عودة لاستقرارها الداخلي واستمرار آمالها اللذيذة من ناحية المثل والأخلاقيات والوطنية الملهمة. ولكن هل من الممكن أن المثل العليا والأخلاقيات والوطنية الملهمة أن تستقيل؟! لقد وقع خبر استقالة جمال عبد الناصر موقعًا خطيرًا جدا للنفس، أدخلها في مناقضة كبرى عميقة ومازق. هل ممكن أن جمال عبد الناصر يستقيل؟ وهو الذي يلهم الإصرار والبذل والصمود إلى النفس الأخير؟ إذن لا يمكن أن تكون هذه الاستقالة منبثقة من جمال عبد الناصر، بل هي منبثقة من نفسي أنا ومن كل نفس لم تستجب لهذه المثل والأخلاقيات والوطنية الملهمة استجابة كافية لحفظ المثل الأعلى في مكانه! لقد أحست كل نفس أن تقاعدها وعجزها وإهمالها وتكاسلها، هي العامل الأساسي في هذه الاستقالة. لذلك كانت لحظة الألم المبرح عند الإحساس بفقدان جمال عبد الناصر هي بعينها لحظة الإلهام الفائق التي انتفضت فيها كل نفس لتتجاوز كل تقاعدها وعجزها وإهمالها وتكاسلها لتبلغ إلى المستوى الذي يمكن أن يسند جمال عبد الناصر حتى يبقى في موقعه! لذلك كان الهتاف لعودة جمال عبد الناصر بهذا الحماس النفساني المذهل لا يمكن أن يفسر إلا بأن النفس تريد مثلها الأعلى، أو بمعنى أوقع، أنها قد بلغت مثلها الأعلى. ولكن هل ممكن أن يسند أيّ إنسان أو حتى الشعب كله رئيسه الذي يلهمه الصمود ووقوف المواقف؟ إن هذا خداع بصر، والحقيقة أن الشعب حل محل جمال عبد الناصر. فاستقالة جمال عبد الناصر قد نفذت فعلا بصورة غير منظورة ولا رجعة فيها حيث سلم فيها جمال عبد الناصر رسالته كاملة بكافة مهامها وآمالها وأيديولوجياتها وأخلاقياتها للشعب وللأمّة العربية كلها، وقد تحملها كل فرد في لحظة الإلهام التي فيها ظل يهتف ويطالب برجوع وبقاء جمال عبد الناصر! ‏ فصار كل إنسان هو جمال عبد الناصر. . لقد تمت في لحظة الاستقالة المعجزة العظمى التي طالما كنا ننتظرها وطالما كان يعمل لها جمال عبد الناصر خمسة عشر سنة. حصار كل فرد يحس بالمسئولية الوطنية والأخلاق كما يحسها جمال عبد الناصر، ويحس بمعنى الجمهورية العربية كما يحسها جمال عبد الناصر، ويحس بالوحدة العربية كما يحسها جمال عبد الناصر. إنّ جمال عبد الناصر لم يلق من شعبه ولا من الشعوب العربية الأخرى ولا من الأمم البعيدة (في أيام انتصاراته ونجاحه الوطني أو الدولي) هذا الشعور العالمي الفياض الجارف الذي وصفه المستشار الصحفي في لبنان أنه شعور جنوني، مثلما لقيه في يوم استقالته اثر التقهقر العسكري. . لماذا؟ هل زاد جمال عبد الناصر شيئا يوم استقالته؟ أبدا. . ولكن الذي زاد حقا هو شعبه والشعوب العربية وباقي الدول الصديقة، إذ زادوا وعيا بقيمة جمال عبد الناصر لما ازدادوا إدراكًا وإيمانًا بالوحدة العربية، وصلابة في أخلاقهم ونفسياتهم الداخلية التي كانت منقسمة على ذاتها. . ماذا نقول بعد ذلك في هذا التقهقر إلا أنه تقهقر ملهم، ونكسة مباركة أيقظت وعى الشعوب والحكومات ووحدت القلوب على القلوب والنفس على النفس! ! إنّ النكسة العربية التي عملت لها بريطانيا وأمريكا من خلف إسرائيل لم تهنأ بها هذه الدول لحظة حتى سلط عليها جمال عبد الناصر باستقالته نورا كاشفًا فاضحًا كان أشد وقعا عليهم من قنابل الطائرات التي كدسوها في المعركة، فلقد تسببت هذه الاستقالة في تنبيه أذهان العالم أجمع أن المثل العليا والأخلاق في حرب مع بريطانيا وأمريكا لا هوادة فيها. --- ### سنة بدء الخليقة - Published: ۲۰۲٤-۰۳-۲۸ - Modified: 2025-04-04 - URL: https://tabcm.net/18735/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: آدم, أبي آدم, أوريجينوس ليونايدس أدامانتيوس, التفسير الرمزي, التقويم العبري, الشيطان, الكنيسة الجامعة, بابا ديونيسيوس السكندري, بابا كيرلس عمود الدين, بيدا, جايوس ميسيوس كوينتوس تراجانوس ديسيوس, عبد الصبور شاهين, عمرو بن العاص, عيد البشارة, عيد الميلاد, غريغوريوس النزينزي، الناطق بالإلهيات, قايين, قديس أثناسيوس الرسولي, قديس إيرونيموس چيروم, ملك فهد, موسى إسكندر, هابيل, يوسابيوس بامفيلوس القيصري, يوسى بن هلفتا المقال الذي بسببه تم إغلاق صفحة الأب موسى إسكندر سعد، كاهن كنيسة مار جرجس بروض الفرج (شمال شبرا) المقال الذي بسببه تم إغلاق صفحة الأب موسى إسكندر سعد، كاهن كنيسة مار جرجس بروض الفرج (شمال شبرا). سنة بدء الخليقة موضوع فلسفي قام "يوسى بن هلفتا" ((يعود نظام حساب التقويم العبري المستخدم اليوم للقرن الثالث قبل الميلاد تقريبًا، وتعتمد على حسابات يوسي بن هلفتا في سدر عولم ربه في 160 ق. م. تقريبًا. ))، العالم اليهودي، بحساب سنة بدء الخليقة سنة 160 قبل الميلاد، ووصل إلى أن بدء الخليقة، أي خلقة آدم، بحسب تاريخ الأمة اليهودية هو 3761 ق. م. ، وأن بدء الخليقة كان يوم الإثنين من أيام الأسبوع، وعلى هذا فنحن الآن في سنة 5784 عبري وتنتهى عند شروق شمس يوم 2 أكتوبر 2024. كذلك قامت الكنيسة البيزنطية بحساب سنة بدء الخليقة، ووصلت إلى أنها 5509 ق. م. ظهر ذلك في القرن السابع وتحدد فيه أن يوم الخلق أو بدء العام هو 1 سبتمبر. بعض كتاب الأقباط يميلون إلى كونها 5500 ق. م. تبدأ الخليقة عند المؤرخ "بيدا" ((بيدا Bede: (672م-735م)، هو راهب إنجليزي في دير القديس بطرس، نورثمبريا، مونكويرماوث، ورفيقه دير القديس بولس، جارو، مونكويرماوث، وهما موجودان في مملكة نورثمبريا. كان دير بيدا متصلًا بمكتبة تحتوي كتب يوسابيوس القيصري وأوروسيوس والكثير غيرهم. عُرف بيدا كاتبًا وباحثًا وتسبب كتابه الأشهر Historia Ecclesiastica Gentis Anglorum في أن يُلقب «مصدر التاريخ الإنجليزي». علاوة على ذلك، كان بيدا عالم لغويات ومترجمًا بارعًا وكان لاشتغاله بالكتابات اللاتينية والإغريقية الخاصة بآباء الكنيسة أثر كبير في المسيحية الإنجليزية، حيث سهل ذلك الأمر على أقرانه من الأنجلوسكسونيون وجعل النصوص متاحة لهم بشكلٍ أكبر. )) سنة 3952 ق. م. وعند جيروم ويوسابيوس القيصري سنة 5199 ق. م. يعلق ديونيسيوس السكندري ((ديونيسيوس: (248م-265م) هو بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية الرابع عشر، لقبه القديس أثناسيوس «معلم الكنيسة الجامعة» كما دُعي «ديونيسيوس الكبير». كان ديونيسيوس فيلسوفًا وثنيًا، واشترى من عجوز كراسة من رسائل بولس وطلب غيرها، فأرشدته إلى الكنيسة، فآمن. تتلمذ على يد أوريجانوس، وسجن، ونفي، ثم عاد للكرسي. فيما بين سنتيّ 249 و251م، ألقى الإمبراطور ديكيوس القبض على أوريجانوس، وعذبوه، ثم أطلق سراحه، ومات متأثرًا بآلامه وقد بلغ من العمر التاسعة والستين، وقد أرسل له البابا ديونسيوس البطريرك الرابع عشر رسالة عن الاستشهاد يشجعه فيها على احتمال المشقات. )) على اختيار 25 مارس ليكون بدء العام بسبب كونه عيد الربيع وبدء تجديد الأرض. لذلك اعتبر 25 مارس (حينها) عيد البشارة، و 25 ديسمبر عيد الميلاد. بدء ظهور فصيلة البشريات Homo Habilis من 2. 8 مليون سنة، بينما أقدم حفرية للإنسان العاقل من فصيلة Homo Sapiens ترجع إلى 233 ألف سنة. بينما يرجع تاريخ الإنسان العاقل المنقرض منذ 40 ألف سنة Homo Neanderthalensis يرجع إلى تواريخ أقدم من ذلك. جدير بالذكر أن الجين الوراثي للهوموسابيان يؤكد حدوث تزاوج مع جنس أو نوع أو فصيلة الهوموتايندرتال وحمله لجيناتهم الوراثية.   كيفية التوفيق بين النصوص الدينية والعلم؟ يرجع الشيخ عبد الصبور شاهين في كتابه أبي آدم ((عبد الصبور شاهين: (18 مارس 1929 - 26 سبتمبر 2010م)، مفكر إسلامي مصري شهير وكان خطيب مسجد عمرو بن العاص أكبر وأقدم مساجد مصر سابًقا. عمل أستاذًا بقسم الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الملك فهد، وله 65 كتابًا ما بين مؤلفات وتراجم أكبرها المفصل لآيات القرآن في عشرة مجلدات، وأخرها مجموعة نساء وراء الأحداث في 10 كتب، ويبقى مؤلفه الأشهر هو كتاب أبي آدم والذي أثار ضجة كبيرة ولا زال. أيضًا هو أول من اشترك مع زوجته في التأليف، إذ أخرجا معًا موسوعة أمهات المؤمنين وصحابيات حول الرسول في مجلدين. وينسب له توليده وتعريبه لمصطلح حاسوب كمقابل عربي لكلمة كمبيوتر والذي أُقر من قبل مجمع اللغة العربية. )) إلى حل، هو أن آدم هو أب الإنسان وليس أب البشر، فاصلًا بين السلالة الآدمية والسلالة البشرية أيًا كان تاريخ قدمها. وهناك الكثير من الآراء المسيحية تؤكد نفس وجهة النظر بأن آدم عندما خُلق لم يكن أول البشر، ولكنه أول المصطفين من الله ليعرفوه بعد أن تطور الإنسان بما يكفى ليكون له علاقة تبعية لخالقه. من ينادون بهذا الرأي يعللون ذلك أولًا بأنه حل يمنع التعارض ما بين العلم والنص. كما يتعللون بالنصوص الكتابية التالية: ـ كان هابيل راعيًا للغنم وكان قايين عاملًا في الأرض (تكوين 2:4)، لم يظهر رعى الغنم عند الإنسان والزراعة إلا بعد استئناس الحيوان وظهور الزراعة وفلاحة الأرض في نهايات العصر الحجري منذ 9500 سنة ق. م. أي قبل وجود آدم بحوالي 4000 سنة، وعلى هذا يكون الإنسان كان قد اكتشف هذه المهارات وعمل بها أبناء آدم الأولين. من وجهك أختفي، وأكون تائهًا وهاربًا في الأرض، فيكون كل من وجدني يقتلني. (سفر التكوين، الإصحاح 4: 14) إذًا هناك بشر آخرين في ذلك الزمن (لكي يمكن أن يجدوه أو يقتلوه).   وعرف قايين امرأته فحبلت وولدت حنوك. وكان يبني مدينة، فدعا اسم المدينة كاسم ابنه حنوك. (سفر التكوين، الإصحاح 4: 17) لمن يبنى قايين مدينة إن لم يكن هناك سواه هو وأبيه وأمه وزوجته؟ لم يقل يبنى دارًا أو حتى قرية بل مدينة، بالتالي هناك بشر آخرين كثيرين.   وحدث لما ابتدأ الناس يكثرون على الأرض، وولد لهم بنات، أن أبناء الله رأوا بنات الناس أنهن حسنات. فاتخذوا لأنفسهم نساء من كل ما اختاروا. (سفر التكوين، الإصحاح 6: 1،2) هنا حديث عن "بنو الله" أي نسل آدم، و"بنو الناس"، أي باقي الناس. كل هذه الأدلة تؤكد وجود البشر من قبل آدم. هناك بالطبع رأيان أخران: - الأول عدم صدق الأديان، وهو ما يستسهله أو يستسيغه الملحدين، كحل للنزاع العلني مع النصوص الكتابية. - الثاني هو التفسير الرمزي والذي أخذ به أوريجانوس وأثناسيوس الكبير في وصفه للجنة، وغريغوريوس اللاهوتي والآباء الكبادوك. إن آدم ليس اسم علم، بل اسم يوضح أن أول أو نشأة الإنسان هي من عناصر الخليقة ، أو حتى اسم علم وفى نفس الوقت يدل على طبيعة آدم الترابية، وأنّ الحية هي الشيطان (رؤيا يوحنا 20 : 2) فقبض على التنين، الحية القديمة، الذي هو إبليس والشيطان، وقيده ألف سنة. ، الذي أغوى الإنسان ليخرج عن خطة الله للوصول إلى غاية الله من خلقة الإنسان. وأن النفخة كانت عطية الروح القدس. وأن عدم الأكل من الشره هو إطاعة لوصية الله. وأن الموت، هو اتجاه الإنسان نحو العدم. وان العرى، هو اكتشاف الإنسان فقدان النعمة، وإظلام عقله من الهذيذ بالله، واتجاه أفكاره نحو الغريزة فقط. والطرد من الفردوس، هو الخروج من الحضرة الإلهية، وفقدان نعمة سكنى الروح القدس. (القديس كيرلس الكبير) ملحوظة: يوجد رأى متطرف يرفض رأى العلم ويؤكد أن آدم أول البشر وأول الناس وأول عاقل، وأن النص أعلى من العلم. --- ### الكنيسة والانقياد للقطيع - Published: ۲۰۲٤-۰۳-۲۷ - Modified: 2024-03-27 - URL: https://tabcm.net/18624/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أنبا أنجيلوس، أسقف عام شبرا الشمالية, أنبا إبيفانيوس المقاري, أوريجينوس ليونايدس أدامانتيوس, الأب متى المسكين, التفسير الحرفي, التفسير الرمزي, بابا ثاؤفيلس الأول, بارابولاني, چورچ حبيب بباوي, فيلسوفة هيباتيا بنت ثيون, قديس أثناسيوس الرسولي, قصة الخلق, كنيسة الإسكندرية, مدرسة الإسكندرية, موسى إسكندر, يوسى بن هلفتا من الملاحظ أن القس موسى في هذه المقال لم يقل رأيه الشخصي أو يوضح ما يؤمن به، أو قال أن هذا هو إيمان كنيستنا الذي يجب أن نسير عليه وكأنه يملك الحق المطلق، كما يفعل الجهلة والمتطرفون، بل استعرض الرجل كافة المعلومات والآراء بشكل أكاديمي، مراعيًا الوزن النسبي بين تلك الآراء، وسمى الأشياء والاتجاهات بمسمياتها، تاركًا الحكم للقارئ اشتهرت كنيسة الإسكندرية (القبطية الأرثوذكسية) بمدرستها اللاهوتية المهمة والمؤثرة في تاريخ المسيحية، وكما أن هذه المدرسة نقطة نور في تاريخ المسيحية، ففي نفس ذات الوقت هناك نقاط مظلمة تشوه ذلك التاريخ، وأعني قطيع الزومبي من الجهلة والمتطرفين، الذين يتم استخدامهم على مر التاريخ من السلطويين والانتهازيين لقمع ومطاردة المستنيرين والمفكرين والأكاديميين في الكنيسة، ولا زال هذا مستمرًا حتى اليوم. في القرن الثالث الميلادي استخدم البابا "الأمي" ديمتريوس رقم 12 الملقب بـ"الكرام" سلطته في مطاردة العلامة الأكاديمي أوريجانوس مدير مدرسة الإسكندرية اللاهوتية، ونُفي خارج مصر، وفي نهاية القرن الرابع الميلادي خاف البابا ثاؤفيلس في البداية من جماعة الرهبان المؤمنة بـ"التجسيم" (Anthropomorphism) الذين مارسوا الإرهاب والتخويف لمن لا يؤمن بأفكارهم، ثم استغلهم ثاؤفيلس في مطاردة مجموعة رهبان "الإخوة الطوال" تلاميذ العلامة أوريجانوس، وتم استخدام تلك المجموعات فيما بعد لتكوين "العصابات السوداء"، والبارابولاني، الذين استخدموا لقتل الفيلسوفة السكندرية هيباتيا في بداية القرن الخامس الميلادي.   ويبدو أن كنيستنا وعلى مدار تاريخها تدور في حلقة مفرغة، فهذه المجموعة الإرهابية من الرهبان لها امتدادها اليوم، من يعتبرون أنفسهم حراسًا للمعبد وحامين حمى الإيمان والكنيسة، حيث يطلقون سموم جهلهم وغضبهم على كل ما هو أكاديمي ومستنير في كنيستنا، ويستخدمهم بعض "العمم الكبيرة" للنيل من خصومهم ومطاردتهم بالتشويه عبر مواقع التواصل الاجتماعي. منذ عدة أيام نشر الأب موسى إسكندر سعد مقال على حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" بعنوان "سنة بدء الخليقة. . موضوع فلسفي" استعرض خلاله، بعض المحاولات القديمة لمعرفة سنة بَدْء الخليقة سواء عند بعض الشخصيات اليهودية قبل الميلاد مثل "يوسى بن هلفتا" عام 160 ق. م، أو بعض الكنائس والمؤرخين والآباء المسيحيين فيمَا بعد، وكل منهم حسبما عرض الأب موسى وصل لنتيجة مختلفة عن الآخر، كما استعرض ما توصل إليه العلم حتى الآن عن ظهور البشر منذ حوالي 2. 8 مليون سنة، وتطورهم عبر ملايين السنين. ثم تحدث أيضا عن محاولة البعض التوفيق بين النصوص الدينية والعلم، وعرض بعض من تلك الآراء كما عرض لآراء الملحدين الذين لا يؤمنون بالكتاب المقدس ورأي المتطرفين الذين يرفضون ما توصل إليه العلم، وأوضح أن آباء كنيسة الإسكندرية لجأوا للتفسير الرمزي للكتاب المقدس، وعلى رأسهم أوريجانوس وأثناسيوس، لتفسير قصة آدم وحواء وبداية الخليقة، وأن البعض يرى أن هذه النظرة تقرب المسافة بين النصوص الدينية والعلم. من الملاحظ أن القس موسى في هذه المقال لم يقل رأيه الشخصي أو يوضح ما يؤمن به، أو قال أن هذا هو إيمان كنيستنا الذي يجب أن نسير عليه وكأنه يملك الحق المطلق، كما يفعل الجهلة والمتطرفون، بل استعرض الرجل كافة المعلومات والآراء بشكل أكاديمي، مراعيًا الوزن النسبي بين تلك الآراء، وسمى الأشياء والاتجاهات بمسمياتها، تاركًا الحكم للقارئ والمقال هنا أشبه بعصف ذهني يشجع القارئ على السعي للدراسة والبحث أكثر من كونه يقدم إجابات وحلول. لكن هل يمر هذا مرور الكرام على قطيع منكري التطور الذين يمارسون إرهابهم على خلق الله على مواقع التواصل الاجتماعي؟! أبدًا حيث تعرض القس موسى إسكندر لحملة تشويه واغتيال معنوي كما تعرض لها من قبل كل صوت مفكر في كنيسة الإسكندرية في تاريخنا المعاصر مثل الأب متى المسكين، دكتور جورج حبيب بباوي، الأنبا إبيفانيوس المقاري، وغيرهم كثيرين، وكان رد الفعل من الأنبا أنجيلوس، أسقف عام حي شمال شبرا، مخيبًا للآمال، فقد كان بمثابة استجابة لإرهاب الرجعيين والمتطرفين، حيث طلب من الأب موسى إسكندر حذف المقال وإغلاق حسابه بموقع فيسبوك، كما جاء في بيان نشره المركز الإعلامي الرسمي للكنيسة. أستطيع أن أتفهم دوافع هذا البيان وأنه بمثابة حماية للكاهن من قبل الأسقف من الإرهاب والحملة التي تعرض لها، خاصة أن نفس الأمر تكرر سابقًا مع الأنبا أنجيلوس عند الحديث في نفس القضية،  لكن ورغم أن هذا البيان يمثل ردة حضارية وعلمية، ويعد انتصارًا للجهل والرجعية والتطرف، إلا أن هذا لم يعجبهم وأكملوا هجومهم على الأب موسى والأنبا أنجيلوس وأعادوا التذكير بمحاضراته عن التفسير الرمزي للكتاب المقدس ومنهم محاضرة عن قصة الخلق، وهو أيضًا استعرض المعلومات بشكل أكاديمي بين التفسير الحرفي والتفسير الرمزي الذي وضعه آباء الكنيسة القدامى سابقًا في القرون الأولى هنا أطالب الأنبا أنجيلوس والقس موسى وكل صوت دارس ومستنير في كنيستنا أن يخرج بتلك المحاضرات والمقالات الأكاديمية في مواجهة ظلام الجهل والرجعية، وعدم الخضوع لابتزاز التطرف والإرهاب الفكري. فنور العلم يطرد ظلمة الجهل. https://www. youtube. com/watch? v=tAC6y1cw1J0&ab_channel=PrimeMistake --- ### أزمة الإصلاح الكنسي وصدمات المصلحين - Published: ۲۰۲٤-۰۳-۲٦ - Modified: 2024-03-24 - URL: https://tabcm.net/18678/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: بابا تواضروس الثاني, مجمع الأساقفة على هامش اشتباكي مع الهم القبطي، لثلاثة عقود ويزيد، كنت أتابع ما يصيب رموز الإصلاح العلمانيين من صدمات، عندما تنفتح أمامهم دهاليز وتشابكات الشوارع الخلفية لمدينة الفساد المنبتة الصلة بالأصول المعرفية اللاهوتية والتزامات الخدمة الباذلة والمنكرة للذات، المدينة المتدثرة في غطاءات التقوى وحماية الإيمان. بعض من رموز الإصلاح استمر في معاركه التنويرية، محتميا بتراث الآباء ولاهوت الفرح، وأسس للاهوت التنوير والمقاومة الفكرية لأساطين الكراسي، فحصدوا قطعًا وحرمانًا وتشويهًا. وبعض منهم آثر السلامة وأمامه دماء رأس الذئب الطائر لم تجف بعد، وما زالت السكين التي ذبحته مشهرة بيد قاتليه، فكان قراره الخروج من حلبة المواجهة، حماية لتاريخه، وزودًا عن بيته وسمعته أمام مريديه وتلاميذه. وهذا البعض منهم من يحمل رتبة كهنوتية لها ثقلها، وقد تحصن بدراسات مدنية حجزت له مكانًا في تخصصه، ودعم وعيه بدراسات لاهوتية فتحت أمامه آفاقًا تجاوزت ثقافة النقل، وانطلق يفك أسر العقل الجمعي ويضع أمامه أسرار الكلمة المكتوبة والمتجسد، فقامت قيامة حراس المعبد، وكادوا يقتلعوه من موقعه، ليلحق بتجارب سابقة، تنعى حظها بين جدران قلاليهم. فما كان منه إلا الانسحاب والانحناء للعاصفة المتصحرة. وبعض ثالث ظل يقاوم بسلامة نية، مرجعًا ما يراه من تقلبات لضغوط المسئولية، ولم يسمح للشك أن يخدش الصورة الطوباوية لصاحب السلطة، رغم أن مراوغاته كانت واضحة كالشمس، وتقلباته التي تمر على كل فصول السنة، حتى انه كان يمكنه في يوم واحد أن يعيش معه طقوس الفصول الأربعة مجتمعة. لكنه أخيرًا استفاق مأزوماً وتحصن بالانسحاب حتى يحفظ سلامه النفسى وسلامته الروحية. ولا يمكن في هذا السياق أن ننسى مأساة دير أبو مقار، الذي ظل موقعه على يسار السلطة الكنسية، وحين رحل الأب الروحي للدير، دفعت السلطة برهط من طالبي الرهبنة، سرعان ما اصطفوا في صفوف الرهبنة وراحوا يسعون لتفكيك أواصر ووشائج الوحدة داخل الدير، بتعليمات وتوجيهات من زج بهم هناك. وعندما أقيم الأنبا إبيفانيوس اسقفا لتدبير الدير، راح يسعى لتقريب المسافات بين الكنائس والمذاهب، مدعومًا بخلفية لاهوتية عصية على الدحض، ويقين جاذب، وكان داعمًا لتوجه البابا تواضروس، حتى حسبه حرس المعبد، الحصن الفكري والداعم الاستراتيجي له في مواجهات مجمع الأساقفة، فكان قرارهم التخلص منه وجوبيًا، وترجم القرار إلى فعل على يد بعض ممن دُفع بهم لصفوف رهبان الدير بعد رحيل الأب الروحي للدير. ورغم أن التفاؤل هو اختياري إلا أنني لم اقدر على طرد موجات التشاؤم التي تتدافع أمامي والتي تجد من يدعمها هناك عند رأس الهرم. رغم هذا استعير تعبير: ربنا موجود، الذي نحته واطلقه البابا الراحل، لأواجه به موجات التشاؤم والتصحر، حتى تنقشع، بحكم دورة الزمن. والذي عبر عنه قداسته بشعاره الأثير: مسيرها تنتهي. --- ### ويلٌ لك إن كنت تبشّر - Published: ۲۰۲٤-۰۳-۲۵ - Modified: 2025-02-02 - URL: https://tabcm.net/18669/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: إكليروس, بابا شنودة الثالث لكنيستنا طبيعتها وخصوصيتها وفرادتها. وتشكّلت هذه الخصوصية كنتيجة طبيعية للأحداث التي وُجِدت كنيستنا في قلبها منذ القرن الخامس. فكنيستنا لم يحدث أن كانت ممثلة لدين السلطة -إن جاز التعبير- سوى لقرن واحد على أقصى تقدير، طيلة تاريخها الممتد لأكثر من عشرين، وكان قرنا عاصفًا، مؤامرتيًا وممثلًا بامتياز للصراع السياسي-الديني. فيما عداه، كانت كنيستنا منكفئة على نفسها، تلملم أطراف جروحها، وتجمع أولادها تحت جناحيها، وهذا أقصى المستطاع والمراد. تلقائيًا، انعكس هذا على خطابها، فكان لابد أن يصدر مناسبًا لهذه الخصوصية وهذا الانكفاء، وانعكس خطابها أيضًا على متلقيه فاستلزم متلقيًا خاصًا، لا يستوقف الخطاب في عقله، بل يلوكه بتواصل لا ينقطع. امتاز الخطاب الكنسي بآليات دفاعية، تُسلّح المتلقي بالرضا الشخصي، وامتنانه العميق للخالق على اصطفاءه كمؤمن بالدين الحق، وفرد من الفرقة الناجية، فالمسيحية القبطية هي المسيحية الصحيحة التي حافظت على الإيمان القويم المسلم مرة للقديسين، بعد أن زاغ الجميع واعتنقوا الهرطقات، وقد قاست في سبيل ذلك ما تنوء به الجبال الرواسي، ولابد أن نفخر أننا حراس وورثة هذا الإيمان. والمسيحية القبطية أيضًا هي المسيحية التي لا تنقطع عنها يد الله والمعجزات والظهورات، كيف لا وهي وحدها المصطفاة والمؤيدة من الرب، حتى أن القبطي يتوقع ظهورًا في أي لحظة، وأن الكاهن لابد انه يحمل في جعبته معجزة جديدة عن بركة جديدة سيقصها عليه في عظة اليوم. يخفت الخطاب الأصولي أحيانا ويلمسه العقل، ويتوحش حينا آخر حتى لا يعود للعقل محلا إليه. ولكنه يبقى انغلاقيًا منكفئًا، فلم تعرف كنيستنا للتبشير سبيلًا، الكرازة ليست على أجندتها منذ القرن الخامس، ولا شك أن الرب سيغفر لها، تأسيسًا على ظروفها القاسية.  التنبيه المشدد: ويل لي إن كنت لا أبشّر، لن تسأل عنه كنيستنا. ورغم هذا الغفران المتوقع، فالأمر انعكس سلبا بعمق على الخطاب، فلم يتعرض للفحص والتمحيص ولم يختبر آليات التحاور، وينضج، بل بقي على انحداره حتى وصل قاعه على يد البطريرك المتنيح شنودة الثالث، الرجل الذي كان يملك "كاريزما" واضحة وتربع على العرش طويلًا، حوت كتبه على ما سيتم اعتباره -بعد فترة ليست طويلة- جرائم مسيحية متكاملة الأركان، انحدرت جودة الخطاب على يده حتى أن الكنيسة التي تتباهى بدورها التاريخي في محاربة الهرطقات، أصبح خطابها حاويًا لأخطر الهرطقات دون دراية ولكن الأمور لا تستمر هكذا، فما الجديد؟ الجديد هو في المتلقي القبطي! ذكرنا أن الخطاب الانكفائي استلزم متلقيًا خاصا، برعت الكنيسة في إعداده على طريقة لا تجادل ولا تناقش يا أخ علي، وبالتأكيد لم يناسب هذا كثيرين، معظمهم لم يستطع مواجهة طوفان السلطة الكهنوتية فتسللوا إلى كنائس أخري. الآن وبعد أن أصبحت "الكرازة" المرقسية قرية صغيرة بفضل ثورة المعلومات وتكنولوجيا التواصل، وبعد مرور هذا المتلقي نفسه بفوران سياسي، قلما يمر المرء به، ساهم في إعادة تشكيل وعيه بمعزل عن الخطاب الكنسي، تشكل واقع كنسي جديد، معارضة واضحة ومؤثرة من كثيرين للخطاب الكنسي، على معظم المستويات، والأهم أنهم يملكون الأدوات التي تمكنهم من تسفيه الخطاب الرجعي ودحضه دون عناء، وأغلبهم ينطلق من غيرته على حال الكنيسة وما انحدرت إليه، فهم لا يؤثرون السلامة والانسحاب إلى كنائس أخري. لا نناوئ الحقيقة إذا قلنا أن الكنيسة تواجه أزمة كبرى في خطابها، مسيحيًا وعلميًا وربما على مستويات أخرى، وخصوصا مع امتدادها المتسع في المهجر، وأرباب الخطاب هم بقايا العصر الشنودي الذي طال أثره حتى الرهبنة القبطية فدهورها، فلا معين لخطاب جديد يناسب المتلقي الجديد، إلا ما ندر. وهنا نصل ل"الماسترسين"، عقدة المشهد، بعض الأصوات غردت خارج سرب الانحطاط، في محاولة لإرضاء المتلقي الجديد والانطلاق معه من نفس الأرضية الذي أصبحت رغما عنه تشكل وعيه، وتبشيره بمسيحية عاقلة آبائية مشبعة. فماذا حدث؟ هاجت الأحفوريات الشنودية وماجت، وملأت الدنيا ضجيجًا وغبارًا ثقيلًا، ثقيلًا ولكنه لن يحجب الرؤية أبدا، الرؤية واضحة ولم تكن أبدا بمثل رسوخها الآن. وحتى يتم دفن هذه الأحفوريات دفنا متقنا يليق بما يمثلوه، أتوجه إلى آبائي الإكليروس القديسين المهمومين برعيتهم، وحتى لا يزجون بكم في أجندة لا علاقة لكم بها، ضعوا نصب أعينكم الآية الجديدة: ويلٌ لك إن كنت تبشّر --- ### يوم في شهر مارس - Published: ۲۰۲٤-۰۳-۲۳ - Modified: 2024-03-29 - URL: https://tabcm.net/18643/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون - وسوم: غادة عبد العال جاءت بالأطباق لتجهز طاولة الطعام فوجدت أنها أحضرت طبقا زائدًا.. أخفته فزعة وراء ظهرها كأنها تخفيه عن عينيها وعن تفكيرها.. كيف لها ألا تنتبه.. خمس سنوات مرت دون أن ترتكب تلك الغلطة.. فلا أسهل من طبق فارغ ليذكر الحاضر بمن غاب اليوم جاءتها رغبة ملحة في شرب كوب من القرفة باللبن. . رغم أن الجو معتدل وهي لا تهوى شرب القرفة باللبن إلا في الليالي الباردة. . أعدت الكوب وقربته من أنفها وهي تستنشق الرائحة المميزة وأغمضت عينيها وارتشفت أول رشفة فشعرت باليد الدافئة تحتضنها برفق وتربت على رأسها في حنو بالغ . . مر الطيف في خيالها ففتحت عينيها سريعًا لتمنع نفسها من الانزلاق والغرق في بحر من الذكريات. . صعدت في خطوات سريعة إلى سطح المنزل لتقوم بجمع الملابس المنشورة منذ الأمس. . حاولت المقاومة، لكنها لم تستطع الامتناع عن دفن وجهها في الملاءة الوردية آملة أن تجد فيها بقية من رائحة. . ارتسمت على وجهها أمارات خيبة الأمل حين خذلتها الملاءة . . فهي ملاءة عادية لا تحمل صفة الإعجاز حتى تحتفظ برائحة جسد لامسها لآخر مرة منذ خمس سنوات. . جاءت بالأطباق لتجهز طاولة الطعام فوجدت أنها أحضرت طبقا زائدًا. . أخفته فزعة وراء ظهرها كأنها تخفيه عن عينيها وعن تفكيرها. . كيف لها ألا تنتبه. . خمس سنوات مرت دون أن ترتكب تلك الغلطة. . فلا أسهل من طبق فارغ ليذكر الحاضر بمن غاب. . مر الطيف مرة أخرى. . دفعته دفعا خارج ذهنها هذه المرة فلا توجد لديها -اليوم بالذات- القدرة على إنقاذ قلبها من اليد التي تعتصره كلما سمحت للذكرى بأن تستقر في ذهنها للحظات. . تلك الأغنية التي تنطلق من حانوت الهدايا على ناصية الشارع تسبب لها الاختناق. . لماذا لا يشعر الناس بنتيجة أفعالهم. . ألا يعلم صاحب الحانوت أن تلك الأغنية. . تلك الأغنية بالذات، قد تفتح جرحًا داميًا في قلبها جاهدت سنوات لتغلقه. . أغلقت النوافذ وحاولت شغل نفسها حتى لا تسمعها، إلا أن صوت الأغنية ظل يخترق أذنيها متسللًا في خفة وقسوة إلى القلب فيدميه. . ترتدي ملابسها في حدة وغضب مصرة على النزول للعراك مع صاحب الحانوت. . ضيق. . حزن. . ألم. . اللعنة على شهر مارس. . لابد لها من إيقاف ذلك الجلد المستمر لها ولغيرها. . لابد أن الكثيرون يشاركونها ذلك الشعور. . فلتنصب نفسها مدافعة عن حقوقهم. . لن تنزوي وتدعو أن يمر هذا اليوم بسلام. . بل ستعترض، وإن لم يفهم الرجل، فلا مفر إذا من العراك. . ! تنزل بسرعة إلى الشارع متجهة إلى الحانوت. . يفتح الباب فتسمع صوت الأجراس الصغيرة. . وتراها. . فتاة في العاشرة تحمل على وجهها ابتسامة انتصار. . تحتضن بين يديها الصغيرتين علبة صغيرة مغلفة بورق مزين بالقلوب الحمراء. . تجري ناحيتها ثم تتجاوزها لترتمي في حضن سيدة على الجانب الآخر من الشارع. . تراهما في مشهد يعيد لها من الماضي مشهدًا مماثلًا -بل ربما مطابقًا-. . لها. . ولها. . مازال صوت الأغنية ينطلق من الحانوت: "ست الحبايب يا حبيبة". . تتقبله الآن وتترك الطيف ليتسلل إلى كيانها ويحتله. . كوب القرفة باللبن في الليالي الباردة. . الملاءة الوردية على سريرها الكبير. . مكانها على طاولة الطعام. . هديتها التي كانت تدخر من أجلها قروشها القليلة. . تستسلم لابتسامة واسعة وتتركها لتستقر فوق شفتيها. . تزيل الحواجز وتهدم السدود لينساب نهر الذكريات في قوة وحرية. . فتمتليء روحها برائحة الفل والقرنفل والريحان. . وتغشى عينيها صورة تجري وراء الأخرى، لفساتين العيد المنفوشة، وشرائط الساتان الملونة، وكراريس الحساب والعربي، والحروف المكتوبة في صفوف عمودية، وعروسة المولد المرسومة في كراس الرسم. . وتزدحم أذنيها بأصوات تنبيهات وتحذيرات وضحكات ودعوات. . تملأ قطع الفسيفساء كيانها لتكوّن صورتها. . وتربت يداها الطيبتان على روحها التعبة فتصبح نار الفراق بردَا وسلامًا، وتعود لتتدفأ بذكراها وكأنها تنام بين أحضانها. . تهدأ تمامًا وتستدير لتعود إلى منزلها، ولا تنسى، وهي تمر بجوار الفتاة، أن تهمس لها: ربنا يخليهالك (غادة عبد العال، 14 مارس 2008) --- ### اليسار القومعروبي الناصري فرع غزة - Published: ۲۰۲٤-۰۳-۲۲ - Modified: 2024-03-31 - URL: https://tabcm.net/18625/ - تصنيفات: شئون علمانية, مقالات وآراء - وسوم: أنبا إرميا، الأسقف العام, الديمقراطية, المركز الثقافي القبطي, اليسار, حركة المقاومة الإسلامية: حماس, حمدين صباحي, رئيس جمال عبد الناصر, عبد الخالق فاروق, قناة مي سات, كمال أبو عيطة, هشام قاسم بالتأكيد قانون التظاهر معيب، وبالتأكيد الاعتداء على أي مظاهرة هو جريمة. لكني ﻻ أفهم، لماذا هو غير وارد عند اليسار والناصريين أن أغلب الشعب المصري مش طايق بالفعل أي مظاهرات لدعم غزة؟ ليس لنقص في التعاطف لا سمح الله، لكن على الأقل لنقص في الموارد، فأي دعم مصري لغزة هو بالضرورة محتجز من موارد مصرية، وأنت بالفعل مش مكفي مواطنيك ولسه معوم وبتخدع الناس إن الأسعار هاتقل بينما السولار بيزيد، وبالتالي كل النقل العام وكلفة نقل الغذاء ستزيد! صورة المقال ملتقطة يوم الإثنين 18 مارس، لوقفة احتجاجية رتبها بعض الشخصيات العامة الظاهرة في الصورة. تلاحظ ضمن هذه الشخصيات، وجود مرشح سابق لرئاسة مصر مثل الأستاذ حمدين صباحي، بالإضافة لشخصيات كانت في مناصب وزارية سابقة كما الأستاذ كمال أبو عيطة، مرورًا بشخصيات برلمانية سابقة، وشخصيات مسيحية، أو مازالت موجودة على الساحة الإعلامية المسيحية ولها برنامج يبث على فضائية مي-سات التابعة لإدارة الأنبا إرميا، الأسقف العام. ما المشترك بين هذه الشخصيات (غير كونهم مصريين طبعاً)؟ إنهم أيديولوجيا يسار. . فعليًا أغلبهم يقول صراحة إنه "ناصري" التوجه السياسي! علشان إيه المظاهرة دي؟ علشان غزة. . الأستاذ حمدين صباحي تحديدًا عمل تويتة قبلها بخمسة أيام يقول فيها: الدفاع عن غزة، دفاع عن مصر ثم قبل المظاهرة بيوم واحد، أضاف تويتة أخرى لتنصيب حركة المقاومة الإسلامية: حماس، ممثلًا شرعيًا ووحيدًا للأمة العربية بأسرها. انتهت بإيه المظاهرة دي؟ إتضربوا، وتم الاعتداء عليهم من عوام وآحاد الناس. بيقولوا إيه المتظاهرين عن حادثة ضربهم والاعتداء عليهم؟ الأستاذ عبد الخالق فاروق قال على صفحته: كلنا الآن في خطر من نوع جديد. (ميلشيا صبري نخنوخ وميلشيا إبراهيم العرجاني) من الأخر يعني، الناس دي قالت نفس كلام الإخوان: الدولة بتعمل ميلشييات لفض المظاهرات. المظاهرات، اللي هما خمسة سته أساسًا، وشخصيات عامة في قلب دولاب الدولة، وكل واحد من دول متحرك وواخد جرين لايت من جهازين تلاته قبلها أساسًا ومش قايل لزمايله وﻻ مريديه ليتقال عليه "أمنجي"! بغض النظر عن موضوع غزة بالكليّة، نلاحظ سيطرة "نظرية المؤامرة" على أدمغة اليسار، مؤمرات من دولتهم ذات نفسها وأنها تريد التخلص منهم! طيب ليه الدولة تعوز كدا وأنت بتاعها رسمي! بالتأكيد قانون التظاهر معيب، وبالتأكيد الاعتداء على أي مظاهرة هو جريمة. لكني ﻻ أفهم، لماذا هو غير وارد عند اليسار والناصريين أن أغلب الشعب المصري مش طايق بالفعل أي مظاهرات لدعم غزة؟ ليس لنقص في التعاطف لا سمح الله، لكن على الأقل لنقص في الموارد، فأي دعم مصري لغزة هو بالضرورة محتجز من موارد مصرية، وأنت بالفعل مش مكفي مواطنيك ولسه معوم وبتخدع الناس إن الأسعار هاتقل بينما السولار بيزيد، وبالتالي كل النقل العام وكلفة نقل الغذاء ستزيد! بطريقة أخرى،، الناس بتاعت الشارع، وﻻ ليها دعوة بيك ولا بغزة، لكن لماذا الاستغراب أو عدم التوقع إنها ممكن تشوف دعواتك بتضر بمصالحها ومصالح عيالها، ومن الوارد جدا تتهجم عليك علشان كلامك وشعاراتك هما اللي هيدفعوا تمنها يا حنجوري وهي مش ناقصة! رجل الشارع -على حسب وعيه- ﻻ يرى سوى كونك تطالب حكومتك بأشياء ستختصم من احتياجاته. فلماذا ﻻ يستعديك وأنت تضره اقتصاديا؟ ولماذا ﻻ يراك تحاربه اقتصاديًا؟ ولماذا ﻻ يخاف أن تستجيب الحكومة التي سمحت لك بالتظاهر -إن لم تكن مستجيبة أصلا- وعليه، قد يريد أو من حقه أن يتظاهر هو أيضًا لإعلان عدم موافقته أو رفضه لدعواك. هل لو طلب بعضهم تنظيم مظاهرات "ضد دعم غزة"، سيوافق عليها؟؟ هل ستعتبرها مظاهرات تعبير صحيّة وصحيحة عن مصالحهم (التي هي ضد مصالح غزة، وضد الحكومة، وضد الأزهر)؟ أم ستقول عنهم عملاء إسرائيليين وصهاينة وخونة وتطلع عين اللي جابوهم ضرب واتهامات وقواضي ومحاكم كما فعل الأستاذ الناشط العمالي اليساري الناصري كمال أبو عيطة، بعدما اتهم الأستاذ هشام قاسم نفس الاتهامات المؤامراتية عينها (والدولة -ذات المليشيات بتاعتك- استجابت له! ) ماذا يعرف القومعروبيين الناصريين عن المظاهرات؟ ماذا يعرفون عن التعبير عن الشعب المصري الذين حولوه لدويلة تابعة، أو محافظة في دولة عربية أكبر؟ أليس جمال عبد الناصر نفسه من أجر شعبًا يطوف حول مبنى البرلمان المصري ويهتف "تسقط الحرية، تسقط الديمقراطية" في أزمة مارس؟ هل خلي بينا الوفاض حتى يحدثنا أبناء ناصر عن "مصالح الشعب"، و"الميلشيات" و"المؤامرات" اللي بتعملها الدولة! ! لماذا ﻻ نقبل الواقع السياسي كما هو، ونتعامل معاه كما هو، بدون "افتكاسات" غير منطقية! ! طيب على الأقل انزل أتظاهر يا خويا ضد أزمة السكر الأول، على الأقل علشان تكسب الناس، بدل ما أنت  منظرك كدا وأنت واقف بطولك محدش معاك غير صحابك على القهوة! صباح الخير أيها اليسار، يا صاحب مقولة: "كل شعب يستحق حكومته - إلا غزة"! ! --- ### اتحاد مُلّاك ربونا - Published: ۲۰۲٤-۰۳-۲۱ - Modified: 2024-03-19 - URL: https://tabcm.net/18572/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: الإخوان المسلمين, بابا شنودة الثالث, علي جمعة, فيلسوفة هيباتيا بنت ثيون, مار مرقس الرسول أخر كلام لجماعة اتحاد المُلّاك: أنتوا خانقين عيشتنا ودايسين علينا وعلى اللي جابونا، في كل ملة ودين، علشان فلوس الأسانسير وناسيين إننا كوووووووولنا….. عايشين في الأرضي! الشيخ الفاضل علي جمعة طرح عدة آراء تتميز برجاحة العقل وانفتاح الوعي العام اللي كان مصاب بتخشب بقى له سنين طويلة بسبب ضغط الشحن الطائفي. والراجل ده هو عالم في علوم الدين أوفقيه فيمَا يتصل بفقه الدين الإسلامي لكن رغم كده، ظهر له بعض الناس من مختلف المشارب والبطون والقبائل اللي كل همهم أنهم ينهشوا الراجل ويتهموه بأحقر الاتهامات اللي ممكن تطال قيمة فقهية ودينية زي مفتي الجمهورية الأسبق! على صعيد آخر، أخواتنا المسيحيين الأقباط، ربنا يعينهم ويقويهم، عندهم صيام اليومين دول من النوع الشاق في محدودية أكلاته ومسموحاته. وفي الموسم ده، يزداد التزمت الديني المسيحي الضاغط على المواطن البسيط -اللي على الله حكايته- ويتعامل مع قسيس الكنيسة على إنه المندوب السامي البريطاني الذي لا تُرد له كلمة ولا يُمس له طرف! عادي ما يناولكش لما تكون مش صايم، علشان هو فاكر أنه كده الصح، طبيعي يلسعك لا حِل ولا بركة لو اختلفتوا في وجهات النظر. بالمناسبة، اللي رسخ بقوة للوضع ده وأعطى له قواعد وأسس له تأصيل قوي مستمر لغاية النهاردة، كان المتنيح الأنبا شنودة، البطريرك الـ 117 على كرسي مار مرقس الرسول! الواقع المصري متأزم فيمَا يتعلق بفهمه للدين، يعني "هذا ما وجدنا عليه آبائنا وأجدادنا" هو شعار رخيص، قصده وضع صاحب الرأي الحر في صدام مباشر مع الأولين ومقدساتهم، بالرغم من أنه في حالة الإدراك الواعي في المسيحية مثلًا (لأني مش دارس الإسلام)، تلاقي إن اللي صادق في فهم تعاليم آباء الكنيسة في القرون الـ 5 الأولى بيقترب بقوة من جوهر العقيدة المسيحية أكتر بكتير من اللي باصم تعاليم حديثة ما أنزل الله بها من سلطان. آفة حارتنا... اتحاد المُلّاك! ! ! اتحاد المُلّاك دول جماعة بتمتلك المبنى وبتقوم بالعمل على إدارة الأصل العقاري بشكل منظم وسليم. بس دي العمارة يا حاج إسماعيل، مش الإيمان. مش العقيدة. مش الوعي. مش نيابة الله على الأرض، أو خلافة الله، حسب التسمية الإسلامية. دي بتبقى جماعات الدين الملاكي، الناس اللي واخدة الدين في حضنها ومحوطة عليه علشان ما يقعش في إيدين العوام اللي ممكن يبوظوه أو يشيلوا منه البطاريات فما يشتغلش كويس مثلا، لا سمح الله! الله لم يوكّل أي شخص أيا كان بأنه يلم فلوس صيانة علشان ها نمسح سلم الجنة، مفيش حد بشري معين، أي حد، مهمته الوحيدة اللي جاية من لدن الله شخصيًا إنه يكون معاه مفاتيح الباب (أي باب مؤدي إلى الله) أو ماسك كشوف الحضور والانصراف بتاعة الآخرة! لما الواحد بيكون معاه سلطة، جايز قوي بسبب ضعف نفوسنا البشرية إنه يتفرعن زي ما بنقول في مصر. وكل ما السلطة والسطوة بتكبر، تلاقي الفرعنة بقيت بطش وحاجة آخر "الله يحرقكوا ويخرب بيت اللي كان السبب". تخيل بقى حد ما، مش امتلك السلطة المطلقة، لااااااااا... ده امتلك المطلق كله في جوهر وجوده! ما بقاش بتاع ربنا، العكس: ربنا بقى هو اللي بتاعه، وله حقوق ملكية شاملة وحصرية عليه (في بلاد الفرنجة، يقال لها إكسكلوسيڤيتي). متصور الشخص ده ممكن يوصل لغاية فين؟ ممكن يعمل إيه؟ ممكن يتسبب في إيه؟ بص حواليك، جماعات زي الإخوان وحماة الإيمان، اللي هم الاتنين عبارة عن وجهين لعملة مصرية واحدة، بس علشان يبقى نسيج الأمة الواحد ما اتحرمش من حاجة، ده أوضح تعبير لمفهوم: "عاش الهلال مع الصليب"، تلاقيهم واخدين الدين ملاكي وحكر خاص عليهم: يمجدوا في ساداتهم بس على أساس أنهم هم اللي بيجيبوا التايهة. آبائهم المؤسسين أهم منزلة عندهم من الله نفسه. معلميهم ومنظّريهم يميلوا للشعبوية ويستندوا على تجييش الجماهير، زي شيخ كان بيقعد مستربع والناس قاعدة تحت منه مبهورة بما يلقيه عليهم من حُطَام التعليم، أو لابس عمة الأسقفية المسيحية اللي تحدانا نعرف مين اللي "بلّ الميّه" كإثبات لوجود الله وضحد الملحدين وقهر ناكري الألوهة! يكرهون كل مختلف عنهم من جوه نفس الدين والملة بل ومن نفس العمارة لو دعت الضرورة. عندنا مثل دمه خفيف بيقول إن: اللي معاه ربنا، يمشي على الميّه. بالك أنت بقى لو ربنا مش بس معاه، ده هو بيمتلك ربنا ذات نفسه بشكل كامل متكامل، اسرح لي بخيالك بقى نشوف ممكن يعمل إيه! ! ! سرحت؟؟؟ شفت مين؟ شفت إيه؟ شفت هيباتيا؟ المستشار الخازندار اللي اتقتل على مجرد الرغبة؟ شفت محاولات تجريد أسقف من لقب الشهيد بس علشان ما كانش على الكيف؟ شفت الثورة على البطرك الحالي علشان مش عايش في ظل اللي قبله بالملي ومش نسخة منه؟ شفت حرق الكنايس والتضييق على الآخر لأن دقنه مش نفس طول دقننا؟ ملكية المطلق من قِبل ناقصين زينا كبشر للأسف تُسقط عنه الكمال وتُسقط عنه الألوهة! في سعينا لامتلاك الله، كفرنا به، زنقناه في حتة معينة، جردناه من حريته الشخصية، سلبنا منه عدله وبدلناه بصورتنا المبتورة المشوهة عن العدل، جعلناه شريرًا مثلنا، خلينا قياساته على مستوى قياسات طبيعتنا الساقطة المضروبة بالفساد! ! ! يا دينااااااااي! إحنا حرفيًا أشركنا به يوم ما حاولنا نقتنيه حصريا لنا؛ حيث "نا" دي تعود على أي مفهوم: الفرقة الناجية، الإيمان المستقيم، الأرثوذكس، الأقباط، المسلمين السنة، الشقر اللي عيونهم ملونة... أي حاجة من دول متبوعة بكلمة "فقط". الـ"فقط"ـية ليست من الله! الاحتكار ليس من الله! الإقصاء ليس من الله! الله لا يُمتلك. الله لا يُخضع. الله لا يُجبر. إحنا في سواد غامق ورايحين على الحالك، آه والله، ولو مش شايفين كده... كل واحد يشمع الفتلة وينزل على قفا أخوه (أخته) بكف ميري مخبرين، يسمع صوته التايه في البحر، يمكن نفوق! إحنا في وقت صعب وداخلين في أنفاق مظ... ، لأ، أنفاق ايه؟ مراجيح مظلمة. واللي جاي مرعب وضار ومؤذي فوق الوصف، اعقلوا لعل منها مخرج بالوعي. أخر كلام لجماعة اتحاد المُلّاك: أنتوا خانقين عيشتنا ودايسين علينا وعلى اللي جابونا (دي مش شتيمة، بس بجد بقالنا على الأقل جيلين مضروبين بالنار من ورا الأشكال دي)، في كل ملة ودين، علشان فلوس الأسانسير وناسيين إننا كوووووووولنا... . . عايشين في الأرضي! --- ### قد وقعت في يد القدير - Published: ۲۰۲٤-۰۳-۲۰ - Modified: 2024-03-21 - URL: https://tabcm.net/18562/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون كتب أهل بلاد ما وراء البحار في يومياتهم، ما آلمهم كثيرًا، وترك نَدَبَة في نفوسهم، قد لا تستطيع الأيام محوها تمامًا، لتظل تذكرهم بمعاناتهم تحت نير الأنبا ديميدوس: في يوم من أيام الشتاء المظلمة في بلادنا، زارنا الأنبا ديميدوس في كنيستنا، وكان بعد انتهاء صلاة القداس أن جلس الجميع لتناول الطعام (وليس الأغابي)، وعلى إحدى الطاولات جلس نيافته ومعه اثنان الكهنة، الذين يعتبرونه ولي نعمتهم، ويحرصون دائمًا على طاعته، ولا يهم أن كانت طاعة في الرب أم لا، المهم ألا ينقلب عليهم. على نفس الطاولة انضمت لهم إحدى سيدات الكنيسة، التي ظلمت على يد أعضاء آخرين بالكنيسة، للأسف الشديد. وتم تجاهلها من الأسقف. سمعنا السيدة توجه حديثها للأنبا ديميدوس وتقول له: "هما عاوزين يكسروني، دا أنا أقع في يد الله، ولا أقع في أيديهم أبدًا". ارتعبنا جميعًا حين سمعنا كلماتها، ومن لا يرتعب لهذه الكلمات التي تثير الرعب في القلوب، إذا كانت تعرف مخافة الله، القلوب التي اختبرت وتلامست مع يد الله طيلة حياتها، فمن يعرف الله، يعرف جيدًا، أنه ما من إنسان رمى نفسه عليه، ووقع في يده، وخُزي أبدًا. هذا كان وقع الكلمات علينا، أما وقعها على الأسقف فكان انفعال لحظي، حيث رد على السيدة: ما تقوليش كدة، دا أنتم أحسن ناس. وأما الكهنة فلم ينبسوا ببنت شِفَة! كان لدينا جميعًا أمل، أن الأسقف وكهنته، سوف يثورون للحق والعدل، وسوف تأخذهم الحمية والرعدة في نفس الوقت لينصفوا تلك المظلومة، التي وضعت الله بينها وبينهم، فإن لم يفعلوا ذلك حبًا في العدل وإنصاف المظلوم، فليفعلوه خوفًا من المخوف العادل. لكن وكالعادة كما هو دائمًا محبطًا لشعبه ومتلذذ بآلامهم، كان فقط التجاهل، بل والتآمر والتواطؤ مع الظالمين ضد من رمت نفسها في يد الله. نعم لقد نكل الأسقف وكهنته بالسيدة وأسرتها، حتى ابنها الصغير لم يسلم من ظلمهم وافترائهم، بل كانوا يتمتعون بشعور الطفل بالظلم والقهر. لقد أراد ذبحهم جميعًا، محاباة لمن له معهم مصالح أوأسرارا، أثارت دائمًا شكوك وتساؤلات الجميع، فهل هناك فضيحة يبتزونه بها حتى أنه لا يقدر أن يصدر أي حكم أو قرار ضدهم، بل حتى لا يجرؤ على ذكر أسماءهم على شفتيه أو في خطاباته؟! ولكن ليس من مجيب! نعم لقد تآمروا، ولم يجعلوا الله أمامهم، فأسلمهم الله لذهن مرفوض، وغباء، فأساءوا التقدير، ماذا تستطع هذه المقهورة أن تفعل؟ فحين طلبت المحبة والسلام، ظنوا أنها تستجدي عن ضعف واحتياج، وليس عن قوة وشجاعة، وحين طلبت المساعدة ظنوا أنها عاجزة. لقد ظنوها وحيدة، ولم يعرفوا، أن من ينتظر خارج المحلة، لا ينتظر وحده أبدا، ولكن فقط العيون المفتوحة ترى من الذي ينتظر معها. انطلقت السيدة وبدأت تستخدم أدواتها، التي مَنّ الله بها عليها، وانبرت تقاومهم بكل ثقة، ولم تخش أو تخاف سلطانهم المزيف، الذي يستخدمونه كسوط ضد أبناء الله، فالسلطان الذي أعطاه المسيح، هو سلطان غسل الأرجل. وها هم يتفاجأون يوم تلو الآخر بردود أفعالها، التي تتركهم في حالة من الحيرة والتفكير متسائلين:" ماذا نفعل؟ وكيف نتصرف؟ ومتى سننتصر عليها؟ وقد انغلق عقلهم عن الإجابة الواضحة جدا... "لن يحدث أبدًا، فقد وقعت في يد القدير" وللحديث بقية. . --- ### عندما كانت الأديرة مناخًا هدوئيًا روحانيًا - Published: ۲۰۲٤-۰۳-۱۹ - Modified: 2024-03-18 - URL: https://tabcm.net/18547/ - تصنيفات: إصلاح كنسي * كانت الرهبنة تُحسب -وفق مؤسسيها - حركة عَلمانية، إذ لم ينل أيًا منهم (ق. أنطونيوس، ق. بولا) أية رتبة كهنوتية. * كان الراهب يمكث بديره مدة تتيح له التلمذة على شيوخ الدير. * كان إنهاء المرء لرهبنته والعودة للحياة خارجها أمر لا يُقابل بالاستهجان، لرسوخ فكرة أن الرهبنة اختيار شخصي وليست سرًا كنسيًا. * لم يكن الراهب يطمح في رتبة كهنوتية، بل بالكاد ترى في الدير راهب كاهن أو اثنين، لقضاء حاجات الدير الطقسية. ولعلنا ما زلنا نقرأ عن (قس الأسقيط) بالرغم من تعدد الجماعات الرهبانية، قس واحد يذهب إليها تباعًا لإقامة القداسات والطقوس الكنسية التي يتوقون إليها. * لم تكن الكنيسة بحاجة إلى كثير من الأساقفة، لرسوخ فكرة أن الأسقف هو مشرف وراع للإيبارشية، ويديرها من خلال القمامصة المختبرين باعتبارهم المتعاملون مباشرة مع الرعية، وكان المتقدمون منهم في المراكز، يسمون وكلاء الشريعة. ويمكن أن نشبه هذا الترتيب بالعائلة الكبيرة حيث الجد (الأسقف) والآباء (القمامصة) والرعية الأبناء. (كان مجمل الإيبارشيات لا يتجاوز العشرين حتى نهاية حبرية البابا كيرلس). * ويبقى للجد وقاره ويجمع بين الحنان والحزم والحكمة فيمَا يتمتع القمامصة بخبرات الحياة العامة والحياة الأسرية والمعرفة القريبة للأسر سواء في القرى أو المدن. * لهذا لم يكن الكهنوت مطلب أو شهوة قلب الرهبان، لذلك كانت الرهبنة بلا منازع فكان مسارها متسق مع أسسها ونذورها، وكان التوحد متاحًا داخل الدير أو في المغائر القريبة منه. وقد يتعمق الأمر مع بعضهم فيصلون إلى درجة السياحة. وحسب سيرة البابا كيرلس فقد اقتنى درجتي التوحد والسياحة، وكان اسمه الأشهر قبل رسامته بطريركًا أبونا مينا المتوحد. التلمذة والعزلة والالتزام بنذور الرهبنة، وقلة عدد زوار الأديرة، ربما لوعورة الطرق إليها وقتها، وديناميكية آلية رئاسة الدير لكون رئيس الدير قمصًا وليس أسقفًا واحدة من أسباب هدوء المناخ الرهباني. عندما نرد للرهبنة مناخها وترتيبها يعود إليها سلامها، لأنه إن صحت الرهبنة استقامت الكنيسة. --- ### حق الشعب في اختيار راعيه، وواجبه في محاسبته - Published: ۲۰۲٤-۰۳-۱۸ - Modified: 2025-02-02 - URL: https://tabcm.net/18474/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أبو البركات بن كبر, إكليروس, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, دسقولية, وليم سليمان قلادة أصبح لدينا تقسيمًا واضحًا الآن في جسد الكنيسة القبطي، لدينا طرفين، وكلاهما لا يفهم حقيقة وجوده في الجسد. أصبح لدينا تقسيمًا واضحًا الآن في جسد الكنيسة القبطي، لدينا طرفين، وكلاهما لا يفهم حقيقة وجوده في الجسد. الطرف الأول الشعب القبطي، لا يفهم -بعد أن سُلب وعيه تمامًا- أنه الكنيسة، أن الرب تجسد لأجله هو تحديدًا، وأن كل ما فعله الرب ليس له وجهة إلا هو حصرًا، صُلْب من أجله ومات لخلاصه وقام ليقيمه، لا يفهم أنه الآن يؤاخي الكلمة نفسه في بنوته للآب. لا يفهم أنه منذ بدأت البنوة استلزم الترتيب تفرغ البعض ليكونوا في خدمة الجميع، وهو أمر مفهوم تمامًا، فالشعوب تفرغ من أفرادها من سيشكلون من يخدم لحماية أراضي الشعب وموارده، أو من يخدم مصالحه في مواجهة الشعوب الأخرى. في الشعوب العريقة، الحدود قاطعة فاصلة بين الشعب والخدم، الشعب هو من يقرر وليس الخدم، الذين ينحصر دورهم في تنفيذ تكليفات الشعب، وهكذا كان شعبنا القبطي. الطرف الثاني خدم الشعب، الإكليروس، لا شك أن الحصفاء منهم يفهمون حقيقة دورهم، وأنهم مجرد خدم مفرزين لقيادة ترتيب الصلاة الذي اتفق عليه، في مقابل أن يمدهم المخدومون باحتياجاتهم الطبيعية، يفهمون أيضًا أنهم ليسوا أكثر قداسة من الشعب وتاريخنا مُمتلِئ بالمواقف التي تحكي، ولا أكثر حكمة، وحتى ولو تفرغوا فهم ليسوا أكثر علمًا من الشعب. ربما ما يغيب عنهم هو أنهم خدم عابرين، ليس لهم امتدادًا في الكنيسة إلا من ندر منهم وخلال تعاليمه فقط وسيرته الحسنة، لكنهم لا يملكون الكنيسة وبالتأكيد لا يرأسونها، لأن رأسها حي وقائم فيها، ولا يتسلطون على شعبها فلم يفوضهم أحد بذلك. علماني واحد عاصر البطريرك ثاؤفيلس -مثلًا- أتى للرب بأجيال وأجيال من الأبناء من صلبه ولا يزال، بل ربما كان منهم بطاركة وأساقفة، بينما انقطع ذكر ثاؤفيلس إلا من "السنديانة". هذا العلماني هو الكنيسة وليس ثاؤفيلس وأساقفته، هو من يقرر من يفرز للخدمة، ويقرر من لا يصلح لها. لا يصح ترتيب طقسي أو صلاة بدون وجود الشعب، متلقي الخدمة، وربما هذا ما دعا قداسة البابا تواضروس لدعوة الشعب لحضور صلوات تجهيز الميرون، بعد أن حولها "طيب الذكر" شنودة الثالث إلى تابو غير مقترب إليه، في تصرف ينزع مشروعية الصلوات. يقول الدكتور وليم سليمان قلادة في بحثه القيم ((د. وليم سليمان قلادة، ورقة بحثية بعنوان: “التراث الكنسي القبطي في اختيار الجالس على كرسي مار مرقس”. )) : وطبقا لما جاء في قوانين الرسل لا يرسم أسقف -والتعبير هنا عام يشمل البطريرك- إلا إذا تم اختياره بواسطة الشعب كله. وتقول تعاليم الرسل: فليقم الأسقف باختيار الشعب كله، ويقام في يوم الأحد، وكل الناس متفقون على إقامته. (دكتور وليم سليمان قلادة، ورقة بحثية بعنوان: “التراث الكنسي القبطي في اختيار الجالس على كرسي مار مرقس”) يستطرد د. سليمان في بحثه الهام، ناقلًا عما قاله الفقيه الكنسي أبو البركات بن كبر ((أبو البركات بن كبر، مصباح الظلمة وإيضاح الخدمة، مخطوط 375 لاهوت بالمتحف القبطي)) : يقام الأسقف بعد اختيار الشعب، دون الأساقفة والمطارنة الذين ليس لهم رأي أو حديث في ذلك، بل لهم فقط تقدمته ووضع اليد عليه. ليس للأساقفة إلا التكريز، وأما التعيين فإنه لأهل الإقليم. (أبو البركات بن كبر، مصباح الظلمة وإيضاح الخدمة، مخطوط 375 لاهوت بالمتحف القبطي) هذا ما مارسه شعبنا منذ دخول المسيحية إلينا، كان الشعب يجتمع ويستقر على اسم، يذهب وفد منهم لإحضاره مكرهًا وأحيانا مكبلًا بالقيود. كان هذا دأب كنيستنا العظيمة طوال تاريخها في عصور كان كل أساقفتها قديسين حقيقين، ونساك عظام، لم يجرؤ أحدهم على الترشح أو حتى إبداء الرأي في المرشح. فما بال بطاركتنا المحدثين في عصر كل أساقفتنا من غمازين الدسقولية، وماذا يريدون من كنيستنا؟! أولهما، وبعد أن ملأ الدنيا صياحًا وتهليلًا عن حق الشعب في اختيار راعيه، نكص على عقبيه بعد أن تربع على الكرسي، نازعًا من الشعب حقه في الاختيار بدعوى أنه جاهل، وخوفًا من التأثر بـ"حاجات تانية يتكسف -قداسته- يقولها" ((البابا شنودة الثالث، عظة الأربعاء 4 نوفمبر 2009. )) . فالرتب الكنسية الكبيرة خاصة منصب البطريرك لا تترك لعامة الشعب، لأنهم لا يعرفون ما هي اختصاصات القائد الديني وما هي تعاليم الكتاب المقدس، ويمكن التأثير عليهم ببساطة بخطبة قوية... وحاجات تانية أتكسف أقولها. (البابا شنودة الثالث، عظة الأربعاء 4 نوفمبر 2009) ولم يشرح لنا قداسته كيف انحدر الشعب هكذا في حبريته المقدسة وعلى يديه المباركتين! ثانيهما، بطريركنا المعاصر، وفي تصريح صادم نظنه العكس تمامًا لما اعتقدنا أنه نهجه ومنهجه، يزف إلينا نبأ أن اختيار البطريرك هو شأن الأساقفة! ونحن هنا نعلن له رفضنا التام لرؤيته هذه، ونسوق إلى قداسته رؤيتنا التي لن ندخر جهدًا لفرضها وهي: حق الشعب في اختيار راعيه، وواجبه في محاسبته.   --- ### "الله محبة" vs "من يحب نفسه يهلكها" - Published: ۲۰۲٤-۰۳-۱۷ - Modified: 2024-03-18 - URL: https://tabcm.net/18507/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: قديس أثناسيوس الرسولي أعجوبة المسيحية هي استعلان ”الله محبة“ للبشر. وأن حب الله هو حياة شركة، وشركة حياة. إن المحبة هي فيض ينسكب من الإنسان في الآخر. فالمحبة تُهرِق الذات حبًا يحفظها في الآخر ”من يُحب نفسه يهلكها / يهرقها“ (يو12). المرأة التي سكبت "قارورة الطيب كثير الثمن" على رأس المسيح حبًا (يو12) صارت أيقونة لهذا الحب المسكوب. وأختبر ق. بولس سكيب الذات حبًا: وأما أنا فبكل سرور أُنفِق، وأُنفَق لأجل أنفسكم ( 2 كو 15-12). وما هي نتيجة سكيب الحب؟ إن المحبة تهرق الذات حبًا يحفظها في الآخر. إن سكيب الذات حبًا هو انتقال كيان المُحِب ليسكن كيان المحبوب
 ويكون الإثنان جسدًا واحدًا. إذ ليس بعد اثنين بل جسد واحد ( مر8:10). ”الله محبة“ هو الاستعلان الأعظم لحقيقة الإعلان المسيحي من حيث كونه سكيب حب الله في الإنسان كما شرحنا، وإليكم بعض تجليات ”الله محبة“: أولًا: التجسد الإلهي وسر الجسد والدم: وقد وصفه ق. أثناسيوس الرسولي أن الله أخذ الذي لنا، وأعطانا الذي له. فالتجسد هو استعلان سكيب الحب الإلهي بنزول ابن الله الوحيد الجنس ليحِّل بذاته فينا. هذا إيماننا الذي نصليه بالقداس الإلهي :
 الكائن في حضن أبيه كل حين، أتي وسكن في الحشا البتولي ثم يؤكد الله أن الاستعلان الملموس لطبيعته أنها سكيب حبه الإلهي إنما يستمر معنا وفينا إلى الأبد، وأنه ليس فقط حدث تمَّ في التاريخ بالتجسد في بيت لحم وانتهى. فالرب في ليلة صليبه ”أخذ خبزًا على يديه وقال خذوا كلوا منه كلكم هذا هو جسدي“. إن تأسيس الرب سر الإفخارستيا/ الاشتراك في تناول جسد الرب ودمه، هو سكيب حب وانتقال ذات، وبامتياز مستمر إلى الأبد. 
هنا وعلى مائدة عشاء الرب يُطعِمنا المسيح ذاته لقمة وراء لقمة ورشفة يعقبها رشفة بيديه الكريمتين في أفواه أحبائه. ويقولها صراحةً: "مَن يأكل جسدي ويشرب دمي، يكون فيَّ، وأنا أكون (فعل الكينونة والتواجد الذاتي) فيه". ما نذكره هذا لا يدع مجالًا لنقاش أو جدل حول أصالة عقيدة ”الثيوسيس” أي (تأليه الإنسان باتحاده -خلال سر التناول- في الطبيعة البشرية الجديدة التي أسسها المسيح في ناسوته المتحد بلاهوته -في سر التجسد الإلهي). 
 وأن ”تأليه الإنسان في المسيح“ هو غاية المسيح العظمى والنهائية من جهة علاقته بالإنسان، انطلاقًا من أن طبيعته "الله محبة“ سبحانه. فالمحبة صفة ذاتية لطبيعة الله. حيث الصفة الذاتية هي صفة لا يوجد أصل آخر لها إلا الكائن صاحبها= المحبة صفة ذاتية لله، لأنها لا توجد كأصل إلا في ذات الله وهو سبحانه الذي يسكبها هبةً وعطاءًا في الآخرين. 
 ولذلك فإن المحبة هي سكيبٌ يؤول إلى انتقال من ذات كيان الأصل إلى الفرع ”أنا الكرمة وأنتم الأغصان“ دون أن يذوب أحدهما في الآخر. فتبقي الكرمة هي الأصل بينما الفروع هي أغصان وليس أصل الكرمة، وبذلك فإن الله وطبيعته هي المحبة المطلقة والذاتية فيه، وهي عطاء لا يسمح بالاستيلاء عليه ولكن الشركة فيه في وحدانية الحب. ثانياً: "تُحب الرب إلهك من كل قلبك و نفسك وقدرتك وفكرك“ (لو10): حسنا... وهل بعد كل هذا سيبقى فيك شيء لذاتك؟ فقد سكبت ذاتك سكيبَ حبٍ في إلهك إلي أقصى المدى فلم يتبق فيك شيء لأنك قد انتقلت لتدخل في شركة حب في إلهك. وربما هذا ما تغني به العهد القديم بالنبوة من وراء الزمن لِما نشرحه الآن: "أدخلني الملك إلى حجاله“ (نش 4:1). ثالثًا: "وتحب قريبك كنفسك“ (لو10) هنا يختم الاستعلان المسيحي حقيقة "الله محبة" بانعكاسها -كشبكة جامعة- على الإنسان وقريبه الإنسان، حيث يسكب الإنسان ذاته حبًا في الآخر قريبه، كتجلي وبرهان لنعمة الحب الإلهي الذي سكبه فيه الله حين سكن في كيانه بالمعمودية والميرون واستمر في الإفخارستيا يطعمنا ويسقينا كيانه سكيب حبٍ في سر القربان المقدس. وبهذا لا يبقى للإنسان شيء مما أخذه من كيان الرب الذي سكبه الروح فينا، إذ أنه قد انسكب بالتالي انتقل إلى القريب على شبه محبة الإله "الله محبة". هنا يتلاشى كل احتمال للمجد الذاتي للإنسان بأن يسرق مجد الله الذي سكبه ونقله "الله المحبة" في هذا الإنسان، أو يدعي أن طاقة الحب والبذل والخدمة هي من قدرات الإنسان نفسه، لأن ذات الإنسان قد أُهرِقَت حبًا مسكوبًا في القريب. لذلك فإن الوصية الثانية ”تحب قريبك“ هي الحارس للوصية الأولي ”تحب الرب إلهك“ من أن يسرقها الشيطان في المجد الذاتي للإنسان بقداسته . رابعًا: ”كل من له يُعطَي ويُزداد“( مت 25) لذلك يطمئننا الرب أننا بسكيب وانتقال الحب هكذا يدوم ملؤنا من "الله المحبة" إذ يقول: ”لأن كل مَن له (هذا الحب مثل إلهه في سكيب وانتقال) يُعطَي فيُزاد (تنمو ذاته بالحب)، و مَن ليس له (هذا الحب)، فالذي عنده يؤخذ منه (تذبل ذاته)“. بل ويزيد الرب التأكيد على أنه الضامن والكفيل لكل من يخشى نقصان بسبب سكيب وإهراق ذاته حبًا للرب والقريب، فيقول الكتاب: "نحن نعلم أننا انتقلنا من الموت إلى الحياة لأننا نحب الأخوة “(1يوحنا 3). فكلما امتلأنا بالله المحبة يزداد سكيب حبنا، فلا ننقص لأن الرب يمتد بسكيب ذاته فينا إذ هو الحياة ذاتها. يا أخوة إن الحب الذي أصوله من الله المحبة هو ضمان عدم الموت، لأن “الله محبة” وهو ”الحياة“. --- ### تفاصيل ما حدث في دير جنوب إفريقيا - Published: ۲۰۲٤-۰۳-۱٦ - Modified: 2024-03-17 - URL: https://tabcm.net/18511/ - تصنيفات: شئون علمانية - وسوم: أنبا أنطونيوس مرقس, بابا تواضروس الثاني, تكلا الصموئيلي, صموئيل أفا ماركوس, مينا أفا ماركوس, يسطس أفا ماركوس منذ اللحظات الأولى لمجزرة دير جنوب أفريقيا، تواصلت مع بعض الأصدقاء الموثوق فيهم وتواصل معي بعض الأصدقاء المحترمين ممن على صلة سابقة أو حالية بكل الأطراف (سواء المتهمين أو الضحايا) وبعد استئذان الكل، أضع بين أيديكم ما توصلت إليه من معلومات حتى هذه اللحظة، مع التعمية على المصادر التي فضلت عدم ذكر أسمائها. كبداية، ليس كل الأقباط ذوي الصلة بالأطراف الضحايا يقولون نفس ما قاله قداسة البابا تواضروس الثاني، البعض فعلا يمدح الراهب القمص تكلا الصموئيلي، وكيل إيبارشية جنوب أفريقيا، ويشيد بخدمته ومآثره، لكن هناك ممن يذمون فيه ماليًا وسلطويًا ويصفونه بأبشع الأوصاف، ونحن هنا لسنا بصدد التقييم أو الإدانة (أو الإشادة) ولكني أسرد المعلومات التي حصلت عليها بشكل محايد قدر الإمكان! دوافع الجريمة المصري "سعيد"، المتهم بالقتل، هو طالب رهبنة تحت الاختبار، كان في الماضي مدرس لغة فرنسية، ومنذ 20 سنة وهو يتردد على عدد من الأديرة القبطية بغرض تقديم نفسه للرهبنة، وبعد كل فترة اختبار كان يتم رفضه لأسباب تتعلق بسوء السلوك. ذهب سعيد إلى جنوب أفريقيا، وتقدم للرهبنة هناك ولكن كما كان متوقعًا حدثت مناوشات وصدامات كثيرة بينه وبين وكيل المطرانية، الراهب القمص تكلا الصموئيلي وبعض الرهبان الآخرين. الصدام الأخير كان عندما قرر الراهب القمص تكلا الصموئيلي إخلاء طرفه من الدير وتسفيره إلى مصر، فجن جنون "سعيد" الذي ارتكب المذبحة انتقامًا منهم! البعض يتوقع أن تم الضغط النفسي عليه من الوكيل والرهبان في أثناء اختبارات الرهبنة، الأمر الذي أوصله إلى حالة اليأس والانهيار تلك، أو ربما هو بالفعل مهتز نفسيًا يحتاج إلى علاج نفسي شامل وليس إلى دير ورهبنة تزيد حالته سوءًا! وقائع الجريمة حسب المصادر في حدود الساعة 3. 00 إلى 5. 00 صباحًا، هاجم "سعيد"، طالب الرهبنة تحت الاختبار، وكيل مطرانية جنوب أفريقيا الراهب تكلا الصموئيلي بسكاكين المطبخ أولًا، فطعنه حوالي 5 طعنات متفرقة في البطن والظهر والرقبة، سقط على أثرها قتيلًا في التو واللحظة دون أدنى مقاومة! وحسب المصادر، فإن الراهب تكلا كان متواجدًا بجوار الكاونتر خلف المائدة (غرفة طعام الرهبان). بعدها، دخل "سعيد" غرفة الطعام ليجد الراهب الثاني، مينا أفا ماركوس، يعمل فيها، فبادر بمهاجمته وطعنه، لكنه تمكن من الفرار مثخنًا بالجراح، فلحقه في الطريق بين غرفة الطعام وقلالي (صوامع) الرهبان، وسدد له طعنات أخرى فسقط قتيلًا بالقرب من قلاية (صومعة) الراهب الثالث، يسطس أفا ماركوس، الذي ما أن سمع الصراخ صادرا من الضحية الثانية (مينا أفا ماركوس) خرج مهرولًا من قلايته مسرعًا ليجد "سعيد" الذي باغته بالهجوم، وحسب رواية المصادر فيبدو أن الراهب الثالث، "يسطس أفا ماركوس"، قد استطاع مقاومة "سعيد" لفترة، لكن "سعيد" تمكن منه وطعنه طعنات متعددة بكل غِلّ وكراهية حيث يبدو جسده وكأنه لم يبق فيه مكان آخر للطعن! لا أحد يعلم على وجه التحديد أين كان الراهب الرابع، صموئيل أفا مرقس، لكنه صرح أنه كان ساهرًا لساعات متأخرة من الليل، وبعدما نام، استيقظ على أصوت صراخ بالخارج نحو الفجر، فأعتقد أنها الكلاب تنبح، فعاد إلى نومه مرة أخرى! عندما حضر العمال إلى الدير في حدود الساعة الثامنة صباحًا، وجدوا المجزرة البشعة وجثث الضحايا، فابلغوا الشرطة على الفور! عندما حضرت الشرطة، قابلهم "سعيد" بنفسه، وقال أن: اثنين من الأفارقة الملثمين هاجموا الرهبان وقتلوهم. جدير بالذكر، أن القاتل أيًا من كان، قد ترك أدوات الجريمة "سكاكين المطبخ" بجانب جثث الضحايا، وهو ما كان مؤشرًا للشرطة أن القاتل لم يدخل الدير بغرض القتل وإلا لكان اصطحب معه الأدوات اللازمة لذلك، وتم ترجيح أنه من داخل الدير لطالما الأدوات موجودة بالداخل، بجانب عدم حدوث سرقة أو اختفاء مقتنيات، الأمر الذي يجعل القتل هو القصد الجنائي المباشر. ! ومن الجدير بالذكر أيضا، أن "سعيد" من معارف أو أقرباء الراهب الثاني، مينا أفا ماركوس، ومن نفس قريته بسوهاج، لكن لم يتسن لنا تحديد درجة القرابة بشكل أدق. كان وكيل المطرانية، الراهب القمص تكلا الصموئيلي، قد حصل في حبرية الأنبا أنطونيوس مرقس، أسقف الكنيسة في إفريقيَا والمسؤول عن الدير، على تزكية برسامته أسقف عام مساعد. ويعاني الأنبا أنطونيوس مرقس من المرض منذ فترة، وهو قعيد عاجز عن الحراك بعد تعرّضه لجلطة من سنتين أو ثلاثة، ويدير الراهب القمص تكلا الصموئيلي شؤون الدير والمطرانية بالكامل. كان بعض الرهبان قد تركوا الدير خلال فترة إدارة الراهب القمص الذي صار أسقف عام مساعد، والبعض الأكبر كانت لديه نيّة المغادرة بسبب كثرة الخلافات والصراعات، لكن لسبب الخوف من وصمهم بالعار إذا ما تركوا الرهبنة، ظلوا هناك. تم القبض على "سعيد" من خلال سير التحقيقات، حيث أشارت كل الاتهامات إليه، سواء من حيث الدوافع، أو تناقض قصته، وتم أيضًا القبض على الراهب الرابع الذي لم يخرج لنجدة زملائه، صموئيل أفا ماركوس، وظهر كلاهما في المحكمة يوم 14 مارس الجاري، والتحقيقات حتى الآن تتهم "سعيد" كمتهم رئيسي، والراهب "صموئيل أفا ماركوس" أيضاً متهم بالتعاون وليس كشاهد! عند ظهورهما في المحكمة، قال الراهب صموئيل أفا ماركوس أنه لا يعرف لماذا هو ههنا، وأنه لا يعرف الإنجليزية. أجلت المحكمة القضية إلى يوم 22 مارس الجاري، وذلك حتى يتم الترتيب لحضور المترجمين والمحامين واستكمال الإجراءات. --- ### "غزة" وتحولات البيئة الدولية للصراع - Published: ۲۰۲٤-۰۳-۱۵ - Modified: 2025-02-01 - URL: https://tabcm.net/15422/ - تصنيفات: شئون علمانية - وسوم: أطفال الحجارة, اتفاقية كامب ديفيد, الحرب العالمية الثانية, الديمقراطية, الشرق الأوسط, اليسار, انتفاضة الأقصى, جيمي كارتر, حركة الجهاد الإسلامي: سرايا القدس, حركة المقاومة الإسلامية: حماس, رئيس محمد أنور السادات, مناحم بيجن, منظمة التحرير الفلسطينية لا توجد قضية إقليمية ارتبطت بالنظام الدولي وتحولاته مثلما ارتبطت قضية فلسطين، ولا يوجد صراع تأثر بتلك التحولات مثلما تأثر الصراع العربي-الإسرائيلي، ثم الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني لا توجد قضية إقليمية ارتبطت بالنظام الدولي وتحولاته مثلما ارتبطت قضية فلسطين، ولا يوجد صراع تأثر بتلك التحولات مثلما تأثر الصراع العربي-الإسرائيلي، ثم الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. ويلفت الانتباه ردود الفعل الدولية الراهنة على الحرب في غزة، منذ العملية التي نفذتها كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، وحركة الجهاد الإسلامي. فقد أعلنت الحكومات الغربية، لاسيما الحكومة الأمريكية وحكومات بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا، الدعم المطلق واللا-محدود لإسرائيل في حربها ضد حماس، ولم تكتف حكومات هذه الدول بتقديم الدعم المالي والعسكري والدبلوماسي لإسرائيل، بل أرسلت قوات عسكرية للمنطقة استعدادًا لأي تصعيد محتمل للحرب إذا ما دخلت فصائل أخرى من محور المقاومة أو تورطت دول أخرى في القتال ضد إسرائيل. وعلى صعيد الرأي العام العالمي، لم نشهد تحركات تتناسب مع حجم الدمار الذي يتعرض له المدنيون في قطاع غزة، وربما كان الصمت هو السمة الغالبة على الرأي العام، الأمر الذي يشجع إسرائيل على التمادي في عدوانها المتواصل، وتكثيف القصف وتحويل غزة إلى خرائب مثلما توعد مسؤولوها، ردًا على هجوم حماس على مستوطنات وبلدات محيطة بالسياج الحدودي في منطقة غلاف غزة. الأمر الذي يشير إلى تحول لافت للنظر ومزعج في موقف الرأي العالمي مقارنة بما كان عليه الوضع في أثناء انتفاضة 1987، انتفاضة أطفال الحجارة، بل ومقارنة بالنجاح الذي حققته منظمات المجتمع المدني العربية والدولية في مؤتمر الأمم المتحدة لمناهضة العنصرية في "دربان" بجنوب إفريقيا في أغسطس عام 2001. فما الذي حدث ولماذا خسر الشعب الفلسطيني تعاطف العالم؟ من قضية لاجئين إلى قضية تقرير مصير ظل العالم ينظر لقضية فلسطين منذ حرب عام 1948، كقضية لاجئين، ولم تتغير هذه النظرة إلا بعد نجاح الدبلوماسية المصرية في فرض الاعتراف بقضية فلسطين كقضية شعب يتطلع إلى حق تقرير المصير من خلال وثيقة إطار السلام في الشرق الأوسط، وهي إحدى وثيقتين وقعها الرئيس السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيجن بحضور الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، في 17 سبتمبر 1978، في منتجع كامب ديفيد في الولايات المتحدة. لقد نصت الوثيقة التي تعد من نصوص اتفاق كامب ديفيد بوضوح إلى: تحقيق علاقة سلام وفقًا لروح المادة 2 من ميثاق الأمم المتحدة، وإجراء مفاوضات في المستقبل بين إسرائيل وأي دولة مجاورة مستعدة للتفاوض بشأن السلام والأمن معها، هما أمر ضروري لتنفيذ جميع البنود والمبادئ في قراري مجلس الأمن رقم 242 و338، الصادرين في أعقاب حرب يونيو 1967 وأكتوبر 1973.  ومن المؤسف أن الاتفاقيات التي تم التوصل إليها بين إسرائيل ودول عربية أخرى لم تلتزم بهذا المبدأ، وجرت التسويات بالالتفاف على قرارات الأمم المتحدة. كذلك نصت الوثيقة بشكل لا لبس فيه على: ضرورة اشتراك مصر وإسرائيل والأردن وممثلو الشعب الفلسطيني في المفاوضات الخاصة بحل المشكلة الفلسطينية بكل جوانبها. وحددت الوثيقة جداول زمنية من أجل نقل السلطة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بموجب قراري مجلس الأمن 242 و338، وتحديدًا في الضفة الغربية وغزة، لممثلين عن الشعب الفلسطيني. ربما كانت نقطة الضعف في وثيقة إطار السلام في الشرق الأوسط، هي الجزء المتعلق بالفلسطينيين، هو أنها تحدثت عن إنشاء "سلطة حكم ذاتي" في الضفة الغربية وقطاع غزة على أن تتبع لاحقا "بمحادثات الوضع النهائي" لكن الممثل الشرعي للفلسطينيين لم يكن طرفًا في الاتفاق، وهو ما حاول المفاوض المصري تداركه حتى قبل توقيع اتفاقية الإطار من خلال الدعوة لمؤتمر عقد في ديسمبر 1977 في فندق مينا هاوس في الجيزة في القاهرة، دُعيت إليه منظمة التحرير الفلسطينية والمملكة العربية السعودية وسوريا والأردن، لكن هذه الدول لم تحضر، ووُضِع علم منظمة التحرير الفلسطينية في القاعة، مما دفع رئيس الوفد الإسرائيلي "إلياهو بن أليسار" إلى رفض دخول قاعة الاجتماعات بسبب وجود العلم الفلسطيني. لقد كان الهدف من هذا المؤتمر هو عقد أول مباحثات سلام مباشرة بين الفلسطينيين وإسرائيل، وطرحت الدعوة منظمة التحرير الفلسطينية كعنوان للشعب الفلسطيني، في مواجهة رفض إسرائيل الاعتراف بالمنظمة وتعنتها في مسألة التمثيل الفلسطيني، إلى أن دخلت في مفاوضات سرية معها انتهت بإبرام اتفاق للسلام في أوسلو في 13 سبتمبر عام 1993. لقد حققت منظمة التحرير الفلسطينية اختراقات دبلوماسية مهمة بعد خروجها من بيروت في عام 1982، على الصعيد الدولي بدعم من مصر والدول العربية والصديقة واكتسبت اعترافًا دوليًا واسعًا نتيجة لقدرتها على مخاطبة الرأي العالمي وتعديل الصورة النمطية عن نضالها من أجل تحرير فلسطين وإقامة دولة فلسطينية ديمقراطية لحل للصراع مع إسرائيل، ووظفت انتفاضة الحجارة في ديسمبر 1987 في تقديم وجه جديد من وجوه المقاومة وإدارة الصراع مع إسرائيل. ولم تفقد المنظمة هذا الزخم والمكاسب التي حققتها بموجب اتفاق أوسلو، رغم محدوديتها، حتى بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد الثانية بخصوص قضايا الحل النهائي في عام 2000. كذلك نجحت المنظمة في تحقيق اختراق للجانب الإسرائيلي من خلال تشجيع بعض الشخصيات التي تحدت قرارًا إسرائيليًا يحظر الاتصال مع منظمة التحرير الفلسطينية واستثمرت في معسكر السلام داخل إسرائيل، ولم تفقد هذا الزخم حتى بعد انطلاق انتفاضة الأقصى رغم أنها كانت انتفاضة مسلحة وتخللتها أعمال عنف مقارنة بانتفاضة الحجارة. ونجحت المنظمة في تأكيد تمثيلها للشعب الفلسطيني من خلال إنشاء سلطة فلسطينية في غزة وفي رام الله بالضفة الغربية التي تقع في المنطقة (أ) التي تم نقلها بشكل كامل للسلطة، إلى أن حدث الانقسام مع حركة حماس أثر انقلاب لحماس في عام 2006، بعد عام من انتخابات تشريعية في عام 2005، لتبرز من جديد قضية تمثيل الشعب الفلسطيني واستغلال الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة لهذا الانقسام لتجميد عملية السلام. ورغم ذلك أصبح العالم يعترف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وفي مقدمتها حقه في إقامة دولة مستقلة فيما بات يعرف بصيغة "حل الدولتين". وهو الحل الذي تسعى إسرائيل لتقويضه من خلال التوسع في بناء المستوطنات في الأراضي المحتلة رغم الإدانة الأمريكية والدولية. في هذه المرحلة لم يكن الموقف الدولي العام من القضية الفلسطينية موقفًا سلبيًا، ونالت منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح تأييدًا واسعًا على المستوى العالمي، وحققت اختراقات مهمة في الولايات المتحدة وعلى الساحة الأوروبية، رغم تكرار المواجهات المسلحة بين فصائل المقاومة الفلسطينية التي تتزعمها حماس. وحظيت المقاومة الفلسطينية بتأييد دولي وتحرك المجتمع الدولي لوضع حد لجموح إسرائيل وإفراطها في استخدام القوة المسلحة، لكن المواقف الدولية بشكل عام لم تكن قوية بما يكفي لفرض تسوية على إسرائيل، ومارست ضغوطًا على الجانب الفلسطيني لتقديم تنازلات، أو وقف التوسع الاستيطاني الإسرائيلي الذي يقوض أساس حل الدولتين. ولم تكن منظمات المجتمع المدني العالمية ولا قوى السلام واليسار في إسرائيل تملك قوة ضغط تكفي لتعديل التوازن، لكنهم استطاعوا من خلال تحالف دولي واسع لوضع حدود لجموح إسرائيل. لقد رصدنا في مقالين سابقين التغيرات في البيئة الداخلية للصراع على المستوى الفلسطيني وعلى المستوى الإسرائيلي وكذلك التغير في البيئة الإقليمية للصراع، وكيف كان لهذه التغيرات تأثير سلبي على القدرة الفلسطينية والعربية على إدارة الصراع. وكان الرهان على تعديل الموقف الدولي من القضية على نحو يدعم الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ويظهر الموقف الدولي الراهن لماذا يفتقد هذا الرهان زخمه ولماذا يحظى العدوان الإسرائيلي بمثل هذا الدعم؟ من العنصرية إلى "الحرب على الإرهاب" اكتسبت القضية الفلسطينية قوة دفع كبيرة بعد حرب أكتوبر 1973، ونجحت الوفود العربية في استصدار القرار رقم 3379، من الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 10 نوفمبر 1975 بأغلبية 72 دولة مقابل 35 وامتناع 32 دولة عن التصويت، باعتبار الصهيونية شكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري، ومطالبة الدول بمقاومة الأيديولوجيا الصهيونية باعتبارها خطرًا على الأمن والسلم العالميين. شكّل هذا القرار رافعة أساسية لدعم الكفاح الفلسطيني على المستوى الدولي، ومنح المقاومة الفلسطينية مشروعية قانونية باعتبارها حركة للكفاح من أجل التحرير الوطني وتقرير المصير. وظلت الولايات المتحدة تحاول -بضغوط من اللوبي الإسرائيلي- تحاول إبطال هذا القرار، إلى أن تمكنت من تحقيق ذلك في عام 1991 بعد حرب الخليج الثانية، وفي إطار التحضير لمؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط، ونجحت في استبدال القرار المذكور بالقرار رقم 8646 الصادر في 16 ديسمبر 1991، بأغلبية 111 دولة، ضد 25 دولة، وامتناع 13 دولة عن التصويت، فيما تغيبت 17 دولة عن الحضور. نص القرار الجديد على "نبذ" الحكم الوارد في القرار رقم 3379. وكان هذا القرار ثمرة لجهود بذلتها أمريكا من خلال حملة استهدفت الدول التي أيدت القرار وممارسة الضغط السياسي والاقتصادي بانتظار الظروف المناسبة للمطالبة بالإلغاء، وقوبل إلغاء القرار بحملة مضادة بمشاركة من الدول العربية والمنظمات غير الحكومية الغربية والحقوقية، ونجحت هذه الحملة في استصدار قرار بضرورة إعادة الاعتبار للقرار 3379، خلال مؤتمر "ديربان" لمناهضة العنصرية الذي عُقد في جنوب إفريقيا، في أول سبتمبر 2001، الأمر الذي دفع الوفدين الرسميين الأمريكي والإسرائيلي إلى الانسحاب من المؤتمر. واستند هذا الموقف إلى ظروف موضوعية وتوافر إرادة سياسية رسمية وأدوات شعبية مُحرِّكة وفاعلة، من خلال حشد المنظمات غير الحكومية المشاركة في مؤتمر "دربان" لصالح إعادة الاعتبار للقرار. لكن هجمات 11 سبتمبر مكنت القوى الغربية من استعادة زمام المبادرة من خلال وضع القضية الفلسطينية في سياق "الحرب على الإرهاب" الذي أصبح الشعار المهيمن على السياسة الخارجية الأمريكية والإسرائيلية، ساعدها على ذلك اختزال المقاومة الفلسطينية في حركة حماس وفي الفصائل الإسلامية مثل الجهاد الإسلامي. وسعت إسرائيل إلى استثمار الموقف العالمي من الحرب على الإرهاب ومن الحرب التي شنها تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة ضد الدولة الإسلامية في العراق والشام في الفترة بين عامي 2016 و2017. وكمثال على استغلال إسرائيل لهذه الحرب نشر الصحفي والمحاضر الإسرائيلي "آدي شفارتز" تقريرًا موجزًا في معهد ميسجاف للأمن القومي والصهيونية الذي يديره "مائير بن شبات"، المستشار الأمني السابق لرئيس الوزراء ورئيس الشاباك الأسبق، بعنوان "دروس مستفادة لإسرائيل في حربها في غزة من حرب القوى الغربية على داعش"، أشار فيه إلى أن التحالف الذي يقوده الغرب لمحاربة داعش في العراق وسوريا. وركز بشكل خاص على وصف وزير الدفاع الأمريكي السابق للقتال ضد داعش في معقلهم في الموصل بالعراق بأنها "حرب إبادة"، مشيرًا إلى أن الدمار الذي لحق بالموصل هو الأعنف منذ الحرب العالمية الثانية ويشبه تدمير مدينة درسدن في ألمانيا على أيدي الحلفاء، ويشير إلى أن الأمم المتحدة قدرت أن أكثر من 80 بالمائة من المباني في الموصل لم يعد صالحا للسكنى. ودعم شفارتز بصور للدمار في الموصل ومدينة الرقة في سوريا وهي معقل آخر لداعش لتطبيع العقل الغربي على مشاهد الدمار التي يراها الآن في غزة. بالتأكيد هناك خلاف بين تنظيم الدولة الإسلامية، داعش، وبين المقاومة الفلسطينية التي تمارس حقا مشروعًا في مقاومة الاحتلال الذي يفرض حصارًا مميتًا على قطاع غزة، والذي يواصل سياساته العدوانية ضد الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس. وهو ما أكده الأمين العام للأمم المتحدة في تصريحاته في مجلس الأمن يوم الثلاثاء والتي أثارت غضبًا إسرائيليًا وهجومًا من القوى الغربية الداعمة لها، والتي أفشلت محاولة ثانية لإصدار قرار لوقف إطلاق النار، الأمر الذي شجع إسرائيل الواقعة تحت ضغط كبير من أسر الأسرى في غزة إلى تكثيف ضرباتها الجوية والصاروخية للقطاع على نحو يزيد من الغضب لدى الشعوب العربية، في محاولة لتحقيق أكبر دمار ممكن لقطاع غزة وتغيير ملامحه الجغرافية قبل أن تتصاعد ضغوط الرأي العام الداخلي والخارجي عليها لوقف إطلاق النار، بعد أن تأكد لديها استحالة القضاء على حماس أو على قدرتها العسكرية واستحالة تحقيق حلمها بتهجير الفلسطينيين من القطاع، وفداحة ثمن التدخل البري في القطاع، أو إعادة احتلاله. إن الموقف المشين الذي تتخذه القوى الدولية التي كان من المفترض تمارس دورها المعهود في كبح جماح إسرائيل ووضع حد لانتهاكاتها الصارخة للقانون الدولي الإنساني ولبروتوكولات جنيف الخاصة بمعاملة المدنيين في أثناء الصراعات. إن هذا الموقف وكذلك غياب الأصوات المنددة بالعدوان الإسرائيلي من قبل المنظمات غير الحكومية الدولية، أحد ملامح التغيرات الكبيرة في بنية النظام الدولي التي تتطلب تحليلًا أكثر عمقا للوقوف على أسباب هذا التحول وكيفية تغييره. --- ### قتل ثلاثة رهبان وإصابة رابع بجنوب أفريقيا - Published: ۲۰۲٤-۰۳-۱٤ - Modified: 2024-03-17 - URL: https://tabcm.net/18498/ - تصنيفات: شئون علمانية - وسوم: أحمد الطيب, أحمد الفاضلي, أنبا أنطونيوس مرقس, أنبا صموئيل المعترف, الكنيسة القبطية, بابا تواضروس الثاني, تكلا الصموئيلي, صموئيل أفا ماركوس, مار مرقس الرسول, مينا أفا ماركوس, يسطس أفا ماركوس أعلنت صفحة المتحدث باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية يوم الثلاثاء الموافق 12 مارس الجاري، عن تعرض دير القديس مار مرقس الرسول، جوهانسبورغ، جنوب أفريقيا، ﻻعتداء إجرامي، مما أسفر عن استشهاد ثلاثة من الرهبان الأقباط وهم: الراهب القمص تكلا الصموئيلي، وكيل إيبارشية جنوب أفريقيا، والراهب يسطس أفا ماركوس، والراهب مينا أفا ماركوس. وفي تصريح خاص لوكالة أنباء العالم العربي AWP، أن: الرهبان الثلاثة قتلوا ذبحًا، وهي طريقة عادة ما تستخدمها جماعات إرهابية، خاصة وأن الدير لا يوجد به أي أشياء يمكن سرقتها. حادث مؤلم ونتابع تفاصيله لحظة بلحظة وهناك وفد من الآباء الأساقفة سيسافر إلى چوهانسبرج. (قداسة البابا تواضروس الثاني، تصريح بتاريخ الأربعاء 13 مارس 2034) وأشار قداسة البابا تواضروس الثاني إلى الحادث قبل بدء عظته في اجتماع الأربعاء الأسبوعي، والذي عقد في كنيسة الشهيد مار جرجس هليوبوليس بمصر الجديدة. يعز علينا أن نودع أبناءنا الذين قتلوا واستشهدوا في جنوب إفريقيا في چوهانسبرج. لنا دير على اسم القديس مار مرقس الرسول والقديس الأنبا صموئيل المعترف بچوهانسبرج، وهو الدير الوحيد لنا الذي يحمل اسم القديس مار مرقس، وتم تأسيسه عام ٢٠٠٧ بيد نيافة الأنبا أنطونيوس مرقس، مطران جنوب أفريقيا، واعترفنا به عام ٢٠١٣ وبدأ تعميره، وأرسلنا رهبان هناك، من بينهم أبونا تكلا الصموئيلي الذي أستشهد مع إخوته الراهبين أبونا يسطس آڤا ماركوس وأبونا مينا آڤا ماركوس. (قداسة البابا تواضروس الثاني، تصريح بتاريخ الأربعاء 13 مارس 2034) سلطات جنوب أفريقيا تقوم بعملها بخصوص الحادث وهو حادث إجرامي، هناك أقاويل كثيرة، ولكن حتى الآن حقيقة الموقف لم تتضح، لذا لا تستمعوا لأي معلومات تقال من أي مصدر، وحينما نتأكد سنصدر بيان رسمي بكافة التفاصيل. نحن نتابع الموقف لحظة بلحظة، وهناك وفد من الآباء الأساقفة سيسافر إلى جنوب إفريقيا، وكلفنا أحد الآباء الكهنة الذين سبق له الخدمة في إفريقيا بالسفر ليسبق الوفد للترتيب، وسنعلن كافة التفاصيل بمجرد أن تتضح الأمور. (قداسة البابا تواضروس الثاني، تصريح بتاريخ الأربعاء 13 مارس 2034) وعن الترتيبات المقبلة بخصوص الحادث، قال: حتى الآن لم يتحدد موعد الجنازة، والأغلب أنه سيتم دفنهم هنا في مصر في أحد الأديرة لأن الراهب يجب أن يدفن في ديره. نعزي أسرهم ونعزي الكنيسة هناك ونعزي أنفسنا، والراهب عند رهبنته تصلى عليه صلوات الموتى لذا يرتدي ثوب أسود رمز للون الأرض التي يدفن الإنسان فيها. والله سمح باستشهادهم لينالوا إكليل الاستشهاد إلى جانب إكليل الرهبنة. ربنا يعزينا جميعًا ولا شك أنه حادث مؤلم واعتدنا أن نشكر الله على كل حال ومن أجل كل حال. صلوا لأجل الآباء الشهداء ولأجل استقرار وسلام الخدمة في جنوب إفريقيا، ولأجل إخوتهم في الخدمة ولذويهم وأهلهم هنا في مصر. (قداسة البابا تواضروس الثاني، تصريح بتاريخ الأربعاء 13 مارس 2034) ونقلت رويترز عن الكنيسة: انتقلت الأجهزة المعنية إلى الدير وبدأت عملها في كشف ملابسات الحادث، كما توجه إلى الدير السفير المصري في جوهانسبرج لمتابعة الموقف. من جانبه، أدان الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، مقتل الرهبان الثلاثة مقدمًا تعازيه إلى البابا تواضروس الثاني وأسر الضحايا: يُدين فضيلة أ. د أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، بأشد العبارات، الهجوم الإرهابي الذي استهدف دير القديس مار مرقس الرسول والقديس الأنبا صموئيل التابع للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ومقره في جوهانسبرج بجنوب إفريقيا، وأسفر عن مقتل ثلاثة رهبان بالكنيسة. ويؤكِّد شيخ الأزهر أن الاعتداء على النفس الآمنة في دُور العبادة هو عملٌ إرهابيٌّ بغيض، وأن الشرائع بقيمها الداعية للسلام والمحبة لا يمكن أن تكون أبدًا مبررًا للقتل والإرهاب. ويتقدَّم شيخ الأزهر بخالص العزاء وصادق المواساة لقداسة البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ولأسر الضحايا، مطالبًا بسرعة ضبط الجناة وتقديمهم للعدالة. (أ. د. أحمد الطيب، على صفحة الأزهر الشريف) الخارجية المصرية تتابع مع الشرطة في جنوب أفريقيا في سياق متصل، أعلنت وزارة الخارجية والسفارة المصرية في العاصمة الجنوب أفريقية بريتوريا، أنهما تتابعان بصورة حثيثة، التحقيقات الخاصة بحادث مقتل ثلاثة من الرهبان المصريين داخل الدير المصري، والكائن بمدينة Cullnan شمال شرق العاصمة بريتوريا. وأوضحت وزارة الخارجية، في بيان لها، الأربعاء 13 مارس، أن السفير أحمد الفاضلي سفير مصر في بريتوريا وأعضاء السفارة انتقلوا بصورة فورية إلى موقع الحادث، بعد التواصل المباشر مع قيادات قطاع المباحث والأدلة الجنائية بوزارة الشرطة الجنوب أفريقية، والتي بدأت على الفور التحقيق في الحادث. والتأكيد على متابعة السفارة الحثيثة لمجريات التحقيق بهدف الكشف عن ملابسات الحادث وهوية الجناة، ومحاسبتهم. وقع الحادث في الدير الواقع ببلدة كالينان على بعد 50 كيلومترا شمال شرق بريتوريا. ووصلت الشرطة إلى الدير فور الحادث، وفتحت تحقيقًا، ثم أعلنت لاحقا أن الدافع غير معروف. إن الرهبان الثلاثة قتلوا طعنا، بينما قال شخص رابع نجا من الحادث إنه ضُرب بقضيب معدني قبل أن يفر ويختبئ. (كولونيل ديماكاتسو نفهوهولي، المتحدث باسم الشرطة، جنوب أفريقيا) وصرح المسؤول الأمني: الدافع وراء القتل لا يزال مجهولًا في هذه المرحلة، وأوضح أن المشتبه بهم: غادروا الموقع على ما يبدو دون أخذ أي أشياء ذات قيمة. تفاصيل القبض على "مصري" مشبه به بالأمس الأربعاء، أعلنت الشرطة توقيف مشتبه به في الجريمة، حسبما نقل موقع "صوت أميركا"، وجاء في بيان للشرطة: من المتوقع أن يمثل الرجل، البالغ من العمر 35 عاما، أمام المحكمة في كولينان، الخميس 14 مارس. رفضت سلطات الشرطة في جنوب أفريقيا الإفصاح عن اسم وجنسية وبيانات المشتبه به، فيما تداول نشطاء أقباط صورا أخرى، ومعلومات أخرى غير مؤكدة، منها أن الراهب الرابع المصاب هو الراهب صموئيل أفا ماركوس، والذي قد كان داخل قلايته وقت وقوع الحادث. وفقا لما يرويه الأقباط عن شهادة الراهب صموئيل أفا ماركوس، فإن القاتل مصري ويدعى "سعيد"، ومن المقيمين بالدير، وأنه استخدم سكاكين داخل المطبخ في طعن الراهب تكلا الصموئيلي أولا، ثم طعن الراهب مينا أفا ماركوس في الطريق بين المطبخ وقلالي الرهبان تاليًا، ثم قتل الراهب يسطس أفا ماركوس دخل قلايته ثالثًا، قبل أن يدخل للراهب الرابع صموئيل أفا ماركوس محاولًا قتله بقضيب معدني، لكنه نجح في الهرب. محاولات الوصول لمعلومات حول شخصية المشتبه به لم تنته عند هذا الحد، حيث تداول نشطاء أقباط صورا شخصية تظهر "سعيد" بملابس الشموسيّة الكنسيّة، وأدلى بعضهم أنه مضطرب نفسيًا وحاول دخول الرهبنة في مصر سابقا وتم رفضه، وأنه سافر مؤخرًا إلى دير القديس مار مرقس الرسول، جوهانسبورغ، جنوب أفريقيا، ليجدد محاولته في طلب الرهبنة هناك، وتم رفض طلبه للمرة الثانية. أيضا تداول آخرون صورة حديثة تظهر "سعيد" داخل السفارة المصرية ببريتوريا، جنوب أفريقيا، في إثناء إدلائه بصوته في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، ويظهر فيها "سعيد" وقد أطال ذقنه بشكل متشابه مع الصورة التي ظهر بها المشتبه به، وقت إلقاء القبض عليه بواسطة الشرطة في جنوب أفريقيا. وتشهد جنوب أفريقيا واحدة من أعلى معدلات القتل في العالم، وتشيع فيها عمليات السطو المسلح، وفي الأشهر الأخيرة تم استهداف أماكن العبادة، مع توثيق الحوادث الإجرامية في كثير من الأحيان على وسائل التواصل الاجتماعي.  وسجلت الدولة الواقعة في جنوب القارة الأفريقية ما يقرب من 84 جريمة قتل يوميًا بين أكتوبر وديسمبر، وفقا لأحدث إحصاءات الشرطة.   --- ### الكنيسة بين "الأبعادية" و"المؤسسية" - Published: ۲۰۲٤-۰۳-۱۳ - Modified: 2024-03-12 - URL: https://tabcm.net/18483/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أنبا أغاثون، أسقف مغاغة والعدوة, أنبا بفنوتيوس، مطران سمالوط, أنبا بنيامين، مطران المنوفية وشبين الكوم, أنبا بولا، مطران طنطا, إكليروس, الديمقراطية, الزواج الكنسي, العلمانية, الكنيسة القبطية, الكنيسة الكاثوليكية, المجلس الملي, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, چورچ حبيب بباوي, كنيسة الإسكندرية, كيرلس رفعت ناشد, مجمع الأساقفة "مجمعية… مجمعية" شعار يرفعونه مكايدة في البابا الحالي، الأنبا تواضروس الثاني، لغل يده في إدارة الكنيسة، ذلك لأن شعار "مجمعية" تم دفنه وإهالة التراب عليه في عهد البابا شنودة، فكان الآمر الناهي ولا يجرؤ أحد على معارضة أيا من قراراته، ولنا مثال في قرار عزل أستاذ اللاهوت دكتور جورج حبيب بباوي الصادر دون محاكمة قانونية وبتوقيع نحو 66 أسقف من أساقفة الكنيسة وقتها "مجمعية. . مجمعية" شعار رفعه مجموعة من أساقفة كنيسة الإسكندرية "القبطية"، الملقبين بـ"الحرس القديم" نظرًا لرسامتهم على يد البابا  الراحل الأنبا شنودة الثالث، وهو شعار يرفعونه مكايدة في البابا الحالي، البابا تواضروس الثاني، لغل يده في إدارة الكنيسة، ذلك لأن شعار "مجمعية" تم دفنه وإهالة التراب عليه في عهد البابا شنودة، فكان الآمر الناهي ولا يجرؤ أحد على معارضة أيا من قراراته، ولنا مثال في قرار عزل أستاذ اللاهوت دكتور جورج حبيب بباوي الصادر دون محاكمة قانونية وبتوقيع نحو 66 أسقف من أساقفة الكنيسة وقتها. جاء البابا تواضروس إلى كرسي القديس مرقس منذ 18 نوفمبر 2012، وحاول إجراء بعض الإصلاحات على نظام الكنيسة المهترئ، وتحويلها من منظومة خاضعة لحكم الفرد الأوحد، كما كان يديرها البابا شنودة، إلى "المؤسسية"، بوجود نظام إداري في مختلف قطاعات الكنيسة، ونجح البابا بشكل جزئي في بعض القطاعات مثل المجلس الإكليريكي الخاص بقضايا الطلاق وتصاريح الزواج لمرة أخرى، فبعدما كان مسؤولًا عنه الأنبا بولا، مطران طنطا، بمفرده مدة تزيد عن 25 عامًا في حبرية الأنبا شنودة الثالث، اليوم تم تقسيم هذا المجلس إلى 6 مجالس إقليمية، لكل مجلس 3 سنوات، قابلة للتجديد مرة واحدة، وبعدها يتم تغيير المجلس تمامًا. على جانب آخر أنشا البابا بعض الهيئات لكنه لم يساهم في زيادة مساحة المشاركة العلمانية، بل قلصها، فما كان يسمى قديمًا بـ"المجلس الملي العام" وهو المجلس الذي يراعي أمور الكنيسة إداريًا وماليًا ويمثلها أمام الدولة ومكون من علمانيين -من غير الأكليروس سواء كهنة أو رهبان- تم تجميده منذ نهاية أخر مجلس منتخب في أبريل 2011 وقبل 11 شهرًا من رحيل البابا شنودة، وحينما جاء البابا تواضروس لكرسي مار مرقس، تحدث عن أن اسمه -أي الملي- لم يعد صالحًا لزماننا الحاضر ولابد من إنشاء لائحة جديدة خاصة بدور هذا المجلس، وهو ما لم يحدث، ولا ندري ما هو سبب تجميد انتخاب المجلس العلماني لمدة 13 عامًا الآن؟ الحاجة إلى وجود مجلس علماني يراقب على أداء الأساقفة أصبحت ضرورة ملحة اليوم، في ظل ما نشهده من تفكك ومؤامرات داخل مجمع الأساقفة، فالكنيسة الآن خاضعة ﻻ للإكليروس ، بل لإدارة الأساقفة الرهبان وحدهم، ولا يراقب عليهم أحد ولا ينازعهم أحد في سلطانهم، فهم يدعون أنهم وحدهم خلفاء للمسيح وتلاميذه على الأرض ويفعلون ما يشاءون، ولا يجب أن يسائلهم أحد، ولنا في قضية مطران المنوفية الأخيرة مع كيرلس رفعت ناشد المعيد بكلية الهندسة خير دليل، حين حاول المطران استغلال نفوذه ووضعه داخل الكنيسة في صراع شخصي، وحاول استغلال أجهزة الدولة في انتقاماته الشخصية، وصدّر للإعلام صورة الحمل الوديع الذي لم يفعل شيئًا ولم يحرك شيئًا من القضايا، وأن من فعل ذلك أجهزة الدولة، تارَة الأجهزة الأمنية، وتارة وزارة العدل، وهو ما لم يحدث، وجاء حكم القضاء عكس ما روج له المطران. وأخيرًا أحد المحسوبين على نفس مطران المنوفية والمدافعين عنه، ينشر تفاصيل مؤامراتية دارت  داخل أروقة مجمع الأساقفة الأخير، بخصوص وقف الحوار مع الكنيسة الكاثوليكية، ومن المفترض أن اجتماع المجمع لا يُسمح بحضور علمانيين فيه -عشان الأساقفة شايفين نفسهم أسرة مع بعضيهم ومش المفروض يدخلوا العلمانيين الأغراب وسيطهم عشان يبقوا براحتهم- بالتالي تسريب أي مما دار داخل الاجتماعات لابد أن يكون عن طريق أحد الأساقفة أو المطارنة. وإذا صح ما جاء بتلك التسريبات، فالكنيسة فعلًا في وضع مزري! أن يتحكم فيها أصوات الجهل، ويؤثرون في قرارتها بالتعبئة الشعبوية، فالتوصيف لما يقال هو ليس ديمقراطية المجمع بل شعبويته، وإذا صح أن أغلب أساقفة المجمع صوتوا على تعليق الحوار مع الكنيسة الكاثوليكية، بسبب الوثيقة الأخيرة الخاصة بمنح البركة لأشخاص خارج منظومة الزواج الكنسي سواء يقيمون علاقات بمغايري الجنس أو مثليي الجنس، فنحن أمام كارثة تنم عن انتشار الجهل وعدم الاهتمام بالمتابعة والمعرفة، وفقط الأمور تمشي في كنيستنا القبطية بالسمع والشائعات وأن واحدًا من هؤلاء -الكبار- لم يقرأ الوثيقة بنفسه وﻻ فهم شيئا منها.   وهنا يجب أن نسأل ما هي المؤهلات العلمية الأكاديمية لكل أسقف داخل المجمع، فنسبة قليلة منهم لديهم دراسات لاهوتية أكاديمية، والعدد الأكبر جاء من الدير إلى الأسقفية دون مؤهلات تسمح لهم باتخاذ قرارات تمس العقيدة والإيمان وحياة المسيحيين، ولنا في اجتماع مجمع الأساقفة في نوفمبر 2016 مثال، فبعدما أصدر الأنبا بفنوتيوس، مطران سمالوط، كتاب "المرأة والتناول"، ينتقد خلاله عدم سماح الكنيسة للنساء والفتيات بالتناول وقت الدورة الشهرية، موضحًا أن ذلك ليس من نهج كنيسة الإسكندرية القبطية، هاج على مطران سمالوط بعض الأساقفة من دعاة التهود مثل "هذا الأسقف"، الذي أصدر وقتها بيان ينتقده ويطالب بمنع النساء من التناول في هذه الفترة، وكان قرار مجمع الأساقفة في منتهى الخذلان، لأن البعض منهم حاول مسك العصا من المنتصف فخرجت صيغة المجمع "المرأة غير نجسة في ذلك الوقت، لكن يفضل ألا تتناول وأن تعود للأب الكاهن للاستئذان منه". ورغم أن "هذا الأسقف" ومجموعة الحرس القديم يملؤون الدنيا ضجيجًا على "مجمعية" الكنيسة، وهذا يعني أن قراراها جماعي وليس في يد البابا فقط، إلا أن كل منهم يعتبر إيبارشيته "أبعادية" أو "عزبة" يفعل فيها ما يحلو له ولا يسمحون لأحد بمحاسبتهم، وهذا يستدعي دور للعلمانيين في إدارة أمور الكنيسة والمراقبة على الأساقفة وتحويل الإيبارشيات من "أبعاديات" إلى "المؤسسية". --- ### يعني بتقلد زي القرد؟! - Published: ۲۰۲٤-۰۳-۱۲ - Modified: 2024-03-12 - URL: https://tabcm.net/18472/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أنبا رفائيل، أسقف وسط القاهرة سجدت أمامه واعتدلت لأُقبّل يده وأحني رأسي ليصلي لي، فإذ به يسألني ما الذي فعلته الآن؟ قلت له سجدت لقداستك، فقال لي ومن الذي قال لك أن تفعل هذا؟ ، قلت رأيت الرجل الذي أمامي يفعل هذا ففهمت أنها طقوس واجبة على من يسلم علي قداستك، فقال بهدوئه المعهود وبصوت لا يسمعه من يقف خلفي، يعني بتقلد زي القرد؟ كنت في المرحلة الثانوية -في منتصف ستينيات القرن المنصرم- طالبًا في مدرسة الأقباط الكبرى الثانوية، هكذا كان اسمها، وتقع في حرم الكنيسة المرقسية -البطرخانة وقتها- وكان باب المدرسة المخصص للمدرسين والعاملين يطل على الساحة الفاصلة بينها وبين القصر البابوي في مواجهة باب القصر. والقصر هنا مسمى مفارق للواقع، فالمبنى كان مكون من طابقين، الأرضي مكون من حجرتين إحداهما صالون لاستقبال الضيوف بطول المبنى والثانية مخصصة لاجتماعات اللجان والشئون الإدارية، وبينهما بهو يفضى إلى سلم للدور العلوي، السكن الخاص بالبابا البطريرك، والمبنى مازال قائمًا يشغل الدور العلوي نيافة الأنبا رفائيل، الأسقف العام، وكان طراز المبنى منتشرًا بأحياء الظاهر وحدائق القبة والأحياء المشابهة التي كان يقطنها الطبقة المتوسطة. كان يحرس باب المدرسة "عم مرقس" وكان رجلًا مسنًا طيبًا تدرك من ملامحه أنه من صعيد مصر، ويتأكد لك ذلك من طيبته وحنوه على التلاميذ، وعندما كنت ومعي بعض التلاميذ نتأخر عن موعد طابور الصباح غالبًا بسبب تأخر القداس اليومي الذي يصليه قداسة البابا وقتها -في الكنيسة الصغيرة الفاصلة بين المدرسة وبين الكنيسة المرقسية الكبرى- وكان عم مرقس يسمح لنا بالدخول منه لنلحق بآخر الطابور أو نجرى على الفصول في حرص ألا يشاهدنا الناظر. الذي يستقبلنا بعصاه الطويلة على أجسادنا النحيلة (وقتها). بعد انتهاء اليوم الدراسي كنا نسأل عم مرقس هل البابا موجود بالصالون؟ فإن قال نعم، نتجمع ونجري نحو الصالون ونصطف في الطابور الممتد أمام قداسة البابا، من عامة الشعب البسطاء من طالبي صلاة قداسته، وكل يحمل مشكلته ويثق أنها ستجد حلًا بفعل صلوات "أبونا البطرك". ولم يكن الرجل يضيق بطول الطابور الواقف أمامه، يستمع في صبر لكل واحد، ويطيب خاطره بكلمات معزية، وأحيانًا كان الطابور ينقسم إلى طابورين متوازيين، احدهما للرجال والآخر للنساء. أذكر يومًا وأنا واقف في طابور البابا، أن سجدت أمامه واعتدلت لأُقبّل يده وأحني رأسي ليصلي لي، فإذ به يسألني ما الذي فعلته الآن؟ قلت له سجدت لقداستك، فقال لي ومن الذي قال لك أن تفعل هذا؟ قلت رأيت الرجل الذي أمامي يفعل هذا ففهمت أنها طقوس واجبة على من يسلم على قداستك، فقال بهدوئه المعهود وبصوت لا يسمعه من يقف خلفي، يعني بتقلد زي القرد؟! ارتبكت ولم أُجب، استكمل كلامه، شوف يا ابني، لا تفعل إلا ما تفهمه، ومرة أخرى لا تفعل هذا، هززت رأسي موافقًا وأحنيتها ليصلي لي، وخرجت منتشيا ومعى أول درس بابوي. والحكايات مع هذا القديس ممتدة. --- ### الأصل الكيرلسي المزعوم لصيغة خلقيدونية [٣] - Published: ۲۰۲٤-۰۳-۱۱ - Modified: 2024-03-11 - URL: https://tabcm.net/17974/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: الكنيسة الجامعة, النسطورية, باسيليوس الصيفقلي, ثيودورت اسقف قورش, مجمع خلقيدونية نستكمل مع البروفيسور رحلته الوعرة لنفي النسطورية عن خلقيدونية ((الأقباط متحدون، مقال: الأصل الكيرلسي للصيغة الخلقيدونية “في طبيعتين” )) : بالإضافة إلى ما سبق نجد باسيليوس في اعتراف الإيمان"الاومولوجيا" لا يقف فقط وبعنف ضد هرطقة نسطور، بل يعرض وبحماس شديد وبحرارة لتعاليم كيرلس الخرستولوجية ومضمونها. أن نسطور بتعاليمه الغير التقية والكافرة يقسم السيد الواحد، سيدنا والهنا ومخلصنا المسيح، إلى شخصين أقنومين، نجد كيرلس يثبت ويظهر: نحن نعترف في الأقنوم الواحد والابن الواحد والرب الواحد وسيد الخليقة, نعترف باللاهوت الكامل والناسوت الكامل. وفى هذه النقطة, يقوم باسيليوس بتقديم التفسير الذي قام به كيرلس بخصوص "الكمال المزدوج"بشكل فريد ومبدع وجديد وخلاق. نلفت النظر إلى أن تعبيرات كيرلس هذه قد وردت في وثقة المصالحة الإيمانية والعقائدية كما وردت في رسالة كيرلس إلى يوحنا الأنطاكي كامل ... في اللاهوت وكامل هو نفسه في الإنسانية. باسيليوس هنا يوجز وبشكل جوهري خرستولوجية كيرلس بشكل يهمش ويعزل بشكل واضح ولا يقبل نقاش أي أثر للنسطورية. (الأقباط متحدون، مقال الأصل الكيرلسي للصيغة الخلقيدونية “في طبيعتين”) لا أرى أي وقوفا -بعنف أو بغيره- ضد نسطوريوس، بل تماهي تام ومطلق مع تعاليمه. حتى نبدأ مبكرًا قليلًا، فنسطوريوس ليس شخصا مبتدعًا تفتق ذهنه عن هرطقة ألقاها في وجه الكنيسة كما اسلفنا، بل هو ممثل لمدرسه لاهوتية عريقة هي مدرسة أنطاكيا، والرجل لم يشذ عن تعليمها حرفا واحدًا، الرجل -استغلالًا لمكانته الدينية- فقط حاول نقل تعليمها من تعليم محلي غير منتشر وخاص بالأنطاكيين، ليصبح هو تعليم الكنيسة الجامعة في مواجهة الفكر السكندري، مما ساهم بإلقاء الضوء عليه وفحصه. لكن الواقع أن ما يقوله نسطوريوس هو نفس ما يقوله الأنطاكيون أمثال ثيودورت اسقف قورش أسقف قورش وهيبا واندراوس، وباسيليوس الصيفقلي نفسه وما انتهى إليه خلقيدونية. ما حدث في هذه النقطة تحديدًا في جلسات خلقيدونية، كان واضحًا أن الأمر لن يمر بسهولة مع تصاعد اعتراض عدد من الأساقفة (قبل أن يروا رأس ديسقورس طائرًا في جلسة غامضة غير مجدولة لم يحضروها) واستعادة كيرلس في مواجهة الأنطاكيين، فلم يكن هناك بد من التضحية بنسطوريوس (الذي كان توفي بالفعل) إنفاذًا وإنقاذًا للتعليم الأنطاكي. الصقوا بالرجل ما لم يقله أبدا (الانفصال بين اللاهوت والناسوت) للإيحاء بأنهم يتبنون تعليمًا أخر مغايرًا لما كان يعلم به نسطوريوس، لكن الواقع يقف ساخرًا منهم، فتعليم أنطاكيا الذي كان يعلم به نسطوريوس هو برمته ما تم إقراره في خلقيدونية. ودعونا هنا نستعرض بعض أقواله ((نسطوريوس، عظة بعنوان: "عن التجسد الإلهي" ))، ((نسطوريوس، عظة بعنوان: "لقد مجدت التمييز الذي لتدبير الرب" ))، ((نسطوريوس، عظة بعنوان: "عن مديح القديسة تكلا" ))، مع أساقفة أنطاكيين آخرين ((الأسقف ثيودوريت، في نقد الحرم الثاني)) : فالأمور التي صنعها اللاهوت هي نفسها التي أكملها بالجسد، لأنه ليس هناك إلا سلطان واحد خاص بالطبيعتين، قيامة واحدة من الأموات، معرفة واحدة، كل ذلك بالحقيقة لأنه لا يوجد انفصال بين اللاهوت والجسد. (نسطوريوس، عظة بعنوان: "عن التجسد الإلهي")   إن شخص ابن الله ليس منقسمًا إلى اثنين، كما يحاول البعض إلصاق هذا التجديف بنا، الابن واحد حقا، لكن الطبائع اثنين، الشخص واحد بحسب البنوة، لكن الطبائع اثنين (نسطوريوس، عظة بعنوان: "عن التجسد الإلهي")   لا يجب إطلاق اسم "الابن" لا على الكلمة وحده، ولا على الناسوت وحده، لأن ذلك ليس إلا إقرارًا بابنين. هل قلت الابن؟ لقد أشرت إلى الطبيعتين. هل قلت المسيح؟ أنت لم تفصل أيا من الطبيعتين. (نسطوريوس، عظة بعنوان: "عن التجسد الإلهي")   أعترف بالهيكل مرتبطًا بالذي يسكنه، دع هيكله الخاص ملتصقًا بالكلمة، لا تقصي الكلمة عن هيكله، ولا تبعد الهيكل عن اللاهوت. (نسطوريوس، عظة بعنوان: "لقد مجدت التمييز الذي لتدبير الرب")   هيا إذن، ونحن معترفين بالطبيعتين، ومحافظين على اتصالهما، نقول أن الكرامة واحدة، والربوبية واحدة، الهيكل والذي يقيم الهيكل (نسطوريوس، عظة بعنوان: "عن مديح القديسة تكلا")   ومن ثم نعترف في تقوى بشخص واحد، ابن ومسيح واحد، بينما القول بطبيعتين أي أقنومين متحدين، ليس خاطئًا بل مناسب جدا. (ثيودورت اسقف قورش أسقف قورش، في نقد الحرم الثاني)   نؤمن بمسيح واحد، وندعوه إلهًا وإنسانًا بسبب الاتحاد. (ثيودورت اسقف قورش أسقف قورش، في نقد الحرم الثاني)   الفقرة الأخيرة من الاستشهادات الأنطاكية، ستلخص لنا تمام الإشكالية ((الأسقف إندراوس، في نقد الحرم العاشر )) : لأن البنوة بعد الاتحاد هي في ثنائية الطبائع، بما أنهما لم تنفصلا الواحدة عن الأخرى، لأنه لم يحدث الانفصال أبدا بعد الاتحاد، وسيظل الاتحاد قائمًا إلى الأبد، إذ في الحقيقة حتى في آلام الجسد، لم يكن اللاهوت في عزله وأن ظل بلا ألم. إذ لا يوجد من لا يؤمن أن ربنا يسوع المسيح هو رئيس كهنتنا، دون أن ينفصل الإنسان الذي من المرأة عن الكلمة الذي من الآب. (الأسقف إندراوس، في نقد الحرم العاشر)   هلا ارشدنا البروفيسور كاتب المقال أين يجد الانفصال في تعاليم نسطوريوس! ! ! ! الرجل نفى الانفصال نفيا قاطعا، فلماذا الكذب على الرجل؟ أين يجد البروفيسور نصا كيرلسيا هاجم فيه نسطوريوس بسبب الانفصال؟؟ لم يكن القول بالانفصال مطروحًا، لا في أفسس المسكوني، ولا في أفسس الثاني، بل ما كان مطروحًا ومحرمًا هو عين ما تم إقراره في خلقيدونيا.   يتبع. . --- ### [٢٣] حلم أبونا بطرس - Published: ۲۰۲٤-۰۳-۰۹ - Modified: 2024-03-09 - URL: https://tabcm.net/18088/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون أعترف إليكم اليوم، أنه ربما أسأت في تقدير بعض الأمور، وفرط مني الحزم، وغلب على الأبوة، حتى هرب من حولي طاقات كثيرة، لو كنت تحليت بحكمة ولطف أكثر لربحتهم الكنيسة، ولكن الله يعلم أنني بحُسن نية كنت أتصرف، لا هدف أمامي سوى خير الكنيسة وشعبها، ولكن النوايا الحسنة لا تكفي مر أبونا بطرس في الصباح الباكر على منزل أبونا يوناثان ليذهبا معًا إلى المطرانية ليحضرا ترقية أبونا أنجيلوس قمصًا، وهما في الطريق نظر أبونا يوناثان تجاه أبونا بطرس محدثًا إياه: - مالك يا أبونا بطرس؟! شكلك منمتش كويس! ! - حلمت حُلم غريب أوي يا أبي، صاحي حاسس إن صدري مقبوض. - خير يا أبونا حلمت إيه؟! حاول أبونا بطرس أن يرسم ابتسامة خفيفة يخفي ورأها ضيقه من الحُلم: - حلمت إن سيدنا الأسقف مجمّع كل الكهنة في المطرانية، مش عارف بقى كانت محاكمة كنسية، ولا مجلس إكليريكي، ولا جلسة تأديبية، المهم الشباب أتجمعوا واتظاهروا وآراخنة كتير جدًا من الكنيسة كانوا موجودين ومنتظرين الحكم عليَّ، بس أحلى حاجة في الحُلم: قدسك، كنت كالعادة مثال صادق للأب الحقيقي، كنت خايف عليَّ أوي. ضحك أبونا يوناثان وهو يقول : - ده تلاقي بس دماغ قدسك كانت مشغولة بحوارنا أمبارح، المهم سيدنا حكم عليك بإيه؟! ! - ما هو ملحقتش أعرف بقى، المنبه رن، وقدسك واقف بتبكي عند الهيكل عند أيقونة العدرا والمسيح وبتشتكي لهم، وبتطلب منهم يتصرفوا. - طب الحمد لله إن المنبه رن وقدسك صحيت، حاكم أنا راجل عجوز ومش حمل عياط. ضحك كلاهما، بينما كانا قد وصلا إلى المطرانية، فنزلا من السيارة، وأسرعا إلى داخل المطرانية حتى يحضرا باكر من بدايته، وعندما دخلا هرول تجاههما أبونا أنجيلوس وهو في غاية السعادة والسرور، وحضنهم وقبلهم بشدة وشكرهم على الحضور. ورأهم الأسقف من بعيد وأشار إليهم حتى يأتوا إليه، فذهبا وضرب كلاهما ميطانية، فمد الأسقف يده ليرفع أبونا يوناثان إليه ويساعده على النهوض: - أنا أسف يا أبونا على أمبارح، أرجوك حاللني. فغر أبونا يوناثان فاه، وقال متعجبًا: - يا خبر أبيض، العفو يا سيدنا، الحِل والسلطان لنيافتك. فأكمل الأسقف حديثه، وكأن أبونا يوناثان لم يقاطعه: - كون إن قدسك تيجي النهاردة وتجيب معاك أبونا بطرس، ده معناه إن قدسك أب، ومش أي أب، لكن أب حكيم والروح القدس مالي قلبك بالمحبة وعقلك بالحكمة، فقدسك هتفضل كبير الكنيسة مش علشان الكبير ده وظيفة بنديها لواحد ونشيلها من واحد تاني، لأ، لكن علشان الكبير ده فعل محبة، وقداسة، واحتواء ورعاية وتدبير، ده غير اللي قدسك عملته وقلته أمبارح بعد ما مشيتوا من هنا. فغر كلا من أبونا يوناثان وأبونا بطرس فاه، ولم يستطع أبونا بطرس السكوت : - إيه ده أزاي؟! ! نيافتك شفتنا أزاي؟! ! هو حتى في كنيستنا فيه كاميرات مراقبة متوصلة بالمطرانية؟! ! ضحك الأسقف -أول مرة- وهو يقول: وهركب كاميرات في عربيتك برضه يا أبونا، وفي الشارع قدام الكنيسة، يا أبونا أنا أسقف مش سوبر مان. - يعني هل ممكن نيافتك تبقى من الآباء السياح؟! معقولة؟! قاطعه صوت من خلفه كان يعرفه جيدًا ولكنه لم يسمعه منذ وقت طويل، وقت أن كان في فترة الأربعين في الدير: - يا أبونا بطرس، مش قلت لك كذا مرة، إن أفلام الآباء القديسين اللي بتتفرج عليها كتير ديه، واكله عقلك. التفت أبونا بطرس إلى مصدر الصوت وهو يقول بصوت مرتفع: - أبونا يوئيل البراموسي! أشار الأسقف وأبونا يوئيل في آن واحد بالصمت، لأن صوته المرتفع لفت أنظار الكهنة والشمامسة الحضور وأشار له الأسقف مع أبونا يوناثان للرجوع للوقوف بعيدًا، فذهبا، وسأل أبونا يوناثان أبونا بطرس: - مين أبونا الراهب العجوز ده؟! - ده أبونا يوئيل البراموسي، أتعرفت عليه في فترة الأربعين في الدير، شخص تحس فيه كده بالقداسة، والحكمة والإفراز، ورهبان كتير في الدير واخدينه أب اعتراف، يكونش هو أب اعتراف أبونا الأسقف؟! ! هز أبونا يوناثان كتفه، علامة عن عدم المعرفة، ثم صمتا، وانخرطا في الصلاة مع باقي الآباء، حتى حان وقت العظة، فأمسك الأسقف بالمايك وتحدث إلى الجموع: - باسم الآب، والابن، والروح القدس، إله واحد. . أمين. . أريد أن أتحدث إليكم في عظة اليوم عن موضوع هام، معظم الحاضرين من الآباء الكهنة والشمامسة والخدام والشعب، وأظن في نفسي أن موضوع اليوم يخصنا جميعًا، يخص الكنيسة، وأنتم يا أحبائي الكنيسة، فالكنيسة ليست جدران و مقاعد، ولكن الكنيسة هي أنتم، شعب المسيح، والكنيسة يا أحبائي تحتاج إلى آباء وليس أسيادًا، نعم يا أحبائي، أنتم في حالة ماسة إلى أب، ويبدو أنني طوال الأعوام الماضية كنت سيدًا ناجحًا وأب أخفق في أبوته لسنوات طويلة. . أخطيت حاللوني. . وانبطح الأسقف أمام الشعب وعمل ميطانية كاملة أمام الشعب، وسط تعجب الإكليروس والشعب وبين همهمات كثيرة، وقام الأب الأسقف ووقف مرة ثانية ليكمل عظته: - عندما أتيت هنا إلى الأسقفية في بداية الأمر، كانت كل كنيسة عبارة عن أسقفية مستقلة، لها نظامها الإداري والمالي وأيضًا التعليمي المستقل والمختلف عن الكنيسة جارتها في الشارع الذي يليها، وكنتم أنتم أيضًا تعانون من كل شخص يظن نفسه كبيرًا فوق المحاسبة، يتصرف في الكنيسة وكأنها ملكية خاصة، يحرم من يختلف معه ويقرب إليه من يتودد إليه، طبعا لا أعمم ولا أتكلم عن الجميع، ولكني أتحدث عن الأغلبية، وصار هناك احتياج شديد لشخص واحد يصلح هذا الهرج الإداري، وكان يلزم لهذا الإصلاح قوة وحزم حتى لا تنفلت الأمور. صمت الأب الأسقف لبرهة: - أعترف إليكم اليوم، أنه ربما أسأت في تقدير بعض الأمور، وفرط مني الحزم، وغلب على الأبوة، حتى هرب من حولي طاقات كثيرة، لو كنت تحليت بحكمة ولطف أكثر لربحتهم الكنيسة، ولكن الله يعلم أنني بحُسن نية كنت أتصرف، لا هدف أمامي سوى خير الكنيسة وشعبها، ولكن النوايا الحسنة لا تكفي، والحزم والبطش الفارغين من المحبة والحنان قسوة وبطش وليست أبوة. صمت مرة ثانية، ثم عاد ليقول: - أعتذر أمامكم وأطلب الغفران من الآباء، آباء مجمع مطرانيتنا الحبيبة، أعتذر منكم حين قلت ذات مرة "اللي عاوز يمشي، يمشي. . اللي عاوز يستقيل، يستقيل. . اللي عاوز يقدم خلو طرف، يقدم وأنا هقبله. . الكنيسة و الخدمة مش بتقف على حد. " صمت تام داخل المطرانية، والجميع يرى لأول مرة الأسقف الصُلب يزرف دمعًا كالأطفال: - أنا أسف يا آباء، الكنيسة بتقف على واحد، أه، والخدمة بتحتاج كل واحد، والراعي الصالح هو اللي يجري ويدور على الواحد، مش يمشيه بإيده، أنا أسف ليكم ولأي حد جرحته ومعرفتش أعصب، الراعي الصالح "يجرح ويعصب، يسحق ويداه تشفيان"، آسف إني كنت بقيم خدمة كل أب فيكم من خلال دفتر تبرعاته، مش من خلال خدمته وتعليمه، أنتم دوركم أعظم من مجرد جمع دفتر تبرعات، أنتم ابريسڤيتيروس عن الشعب، آسف إني كنت جيد في التأديب والحكم، وكنت أب فاشل في المحبة والاحتواء، لا أقول أني كنت ظالمًا، بالعكس، حسب المعطيات التي توفرت لدي في كل الموضوعات أو معظمها راعيت فيها العدل، ولكن حتى العدل كان ينبغي أن يمتزج بالرحمة ويغلفان بالأبوة. أمسك الأسقف منديلًا و مسح جبينه وهو يُكمل: - لا أقول إني سأتغير بين ليلة وضحاها، ولكني سأحاول، سأحاول أن أكون الأب الذي طالما رجوتموه وحلمتم به، أطلب من كل شخص أسأت إليه، أو قسوت عليه، وزجرته بغضب أن يسامحني ويصلي من أجلي. ثم التفت إلى آباء الكنيسة و رفع صليبه أمام وجوههم: - وأنتم أيها الآباء الأحباء، عليكم أن تسلكوا كالمسيح، الذي ائتزر بمنشفة وانحنى ليغسل أرجل تلاميذه، إن السلطان الأقوى الذي وهبه المسيح لتلاميذه لم يكن إلا سلطان الحب. ظلت هذه الجملة الأخيرة تتردد مرات ومرات في آذن أبونا بطرس وهو يفيق من نومه وسط طرقات مستمرة وأجراس متتالية على باب شقته وموبايله المحمول ليقوم ليفتح الباب ليجد أبونا يوناثان يصرخ في وجهه قائلًا: - يلا يا أبونا، تأخرنا، فضلت مستني قدسك ولما لاقيتك اتأخرت، أخدت تاكسي وجيت لقدسك. أبونا بطرس كان مندهش تمامًا، ويحاول أن يفيق نفسه، وظل يردد: - حُلم جوه حُلم، حُلم جوه حُلم، حُلم جوه حُلم. - يلا يا أبونا اجهز بسرعة، هنتأخر على أبونا أنجيلوس، هيبقى قمص من غيرنا؟! في دقائق قليلة، غسل أبونا بطرس وجهه، وارتدى الفراجية، واستوعب ما حدث ونزل مع أبونا يوناثان، وهما في السيارة في طريقهم للمطرانية، حكى له الحلم الأول الذي يبدو في نهايته أغلق منبه الموبايل، ليستغرق في حلمه الثاني، وكيف أن الأسقف في الحُلم الثاني كان أبًا حنونا وطلب من الجميع الحل والغفران. وسأل أبونا بطرس أبونا يوناثان: - تفتكر يا أبونا ممكن الحلم ده في يوم الأيام يبقى حقيقة؟! كانا قد وصلا إلى المطرانية، فنزلا من السيارة، وأسرعوا إلى داخل المطرانية حتى يحضروا باكر من بدايته، وعندما دخلا هرول تجاههم أبونا أنجيلوس وهو في غاية السعادة والسرور، وحضنهم وقبلهم بشدة وشكرهم على الحضور. ورأهم الأسقف من بعيد وأشار إليهم حتى يأتوا إليه، فذهبا وضربا كلاهما ميطانية، فمد الأسقف يده ليرفع أبونا يوناثان إليه و يساعده على النهوض: - أنا آسف يا أبونا على امبارح، أرجوك حاللني. نظر أبونا بطرس بتعجب شديد تجاه الأسقف فقد رأى هذا المشهد وهو نائم في الحلم، فهل يا ترى سيتحول الحلم إلى حقيقة، أم أن الحُلم سيظل مجرد حُلم؟! ! تمت. . --- ### نحو لاهوتٍ نابعٍ من البحر الأبيض المتوسّط [١] - Published: ۲۰۲٤-۰۳-۰۸ - Modified: 2024-03-11 - URL: https://tabcm.net/18460/ - تصنيفات: لاهوتيات أوّلًا: البحر الأبيض المتوسّط يسائلنا نشأَ بيان "نحو لاهوتٍ نابعٍ من البحر الأبيض المتوسّط"، عن الإصغاء إلى ما يجري في البلدان المطلّة على البحر الأبيض المتوسّط. البيان إذًا محاولةُ بعض لاهوتيّي البحر الأبيض المتوسّط الذين شعروا بالحاجة لوضع أسّسٍ يمكن الانطلاق منها لصياغة لاهوت سياقيّ للبحر الأبيض المتوسّط. وللقيام بعمل لاهوتٍ سياقيّ، يطرح البيان هذه الأسئلة بصفتها نقطة انطلاق «ماذا نسمع وماذا نرى وماذا نلمس وماذا نختبر عندما نُصغي بعمقٍ إلى البحر الأبيض المتوسّط؟». إلّا أنّه قبل البَدْء في محاولة الإجابة على بعض تساؤلات البحر الأبيض المتوسّط، ربّما يحدر بالمرء أوّلًا الإجابة على السؤال: ما سماتُ لاهوتٍ نابعٍ من البحر الأبيض المتوسّط؟ 1. لاهوتٌ نابعٌ من البحر الأبيض المتوسّط يأخذ في اعتباره الإرث المشترك بين دول حوض البحر الأبيض المتوسّط جميعها. تتعدّد الثقافات واللغات بالطبع. فهو إذًا لاهوتٌ ليس ذا مركزيّه أوربية، ولكنّه لا يهمل تراث أوربّا في اللاهوت. وفي الوقت عينه هو لاهوت ينفتح على ثقافات وتراث كلّ دول الحوض. ٢. اللغة. لا يعتمد اللاهوت النابع من البحر الأبيض المتوسّط على اللغات الأوربية فقط. ذلك من شأنه أن يجعل اللاهوت منذ نشأته يتخطى الحدود الثقافية والسياسية. وإذ يستخدم فيها اللاهوتيّون لغاتهم المحلّيّة يسهم بشكلٍ أكبر في تفادي سوء الفهم ومشكلات المصطلحات اللاهوتية، والاغتراب اللغويّ. ٣. لاهوتُ عمليّ: بحرٌ واحدٌ مصيرٌ مشترك. وضفاف متعددة. ٤. لاهوتٌ مسكونيّ ٥. لاهوتُ الأديان ٦. لاهوت الحوار للموضوع بقيّة. --- ### طارق الغنام يكتب: الثراء الحقيقي - Published: ۲۰۲٤-۰۳-۰۷ - Modified: 2024-03-08 - URL: https://tabcm.net/18452/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: آرثر شوبنهاور, إبيقور, محمد عبد الوهاب, مصطفى محمود عندما سُئل الموسيقار الكبير الراحل محمد عبد الوهاب فيمن يفضل أن يجالس، قال أنه يفضل أن يجلس مع نفسه، أي أنه يشعر بالراحة والسعادة عندما يختلي إلى نفسه. والواقع أن هذا الاتجاه يجسد رؤية عميقة للعديد من الفلاسفة كالفيلسوف اليوناني الشهير "إبيقور" الذي رأى أن السعادة الحقيقية تكمن بداخلنا، فبداخلنا يتقرر نمط تفكيرنا، وإرادتنا، فما يقع من أحداث خارج ذاتنا فهو عرضي، وتأثيره مؤقت، أما عن رد فعلنا لهذا العرض فهو يختلف من شخص إلى آخر حسب ما ينتج من تفاعل لما يكمن بداخلنا مع هذا العرض، فكل فرد هو نتاج مباشر لمداركه، لذا فإنه يصح إلى حد بعيد تلك العبارة التي تقول إن الإنسان حبيس أفكاره، فالعالم الخاص بكل واحد منا محكوم بطريقة إدراكه للأشياء، فلكل منا نظرة للحياة تختلف حسب إدراكنا للعوامل الخارجية التي تعتمد على طريقة تفكيرنا. إذًا فمن داخلنا نحدد أولويتنا في هذه الحياة، فإذا كان الكثير يعتقد أن أولوياته الأولى تحقيق الثروة، فليمحص النظر قليلًا، فالثروة التي قد يرى البعض أنهم ينعمون بها، لم تكن سببًا لسعادتهم. فكم من شخص هادئ مثقف متأني صافي الذهن يمتلك ما يعينه على حياة أكثر سعادة، لأنه يمتلك أكثر مما يمتلكه أي شخص آخر، فهو يمتلك راحة البال في أفكاره وخواطره عندما يختلي إلى نفسه. وكم من ثري فريسة للملل والضجر، ولو شارك في كل مظاهر اللهو والصخب، فأكثر الناس سعادة من يملك طبعًا معتدلًا، فتقلبات الحظ والصدف لا تشغل من طابت سريرته، فهو وإن كان يؤثر ويتأثر بالمحيط الخارجي له، ولكنه لا يتأثر بالمظاهر الخارجية إلى الحد الذي يؤثر في كينونته. وإذا كان في الحياة صعوبات وعقبات وحواجز تواجه الإنسان، فهناك دائمًا من يستطيع أن يوجهها ويتغلب عليها مستعينًا في ذلك بقوته الداخلية وإرادته، فينبغي أن نسخر قوتنا الداخلية لما فيه نفعنا وتحقيق التطلعات التي تناسبنا، فالكثير يشقى حينما يتطلع لتحقيق تطلعات لا تناسبه، كمن لا تقوى قوته البدنية على حمل أثقالًا تفوق قدرته البدنية. إذًا فاللاهث وراء الثراء المضحي بقيمه الداخلية لن يفوز بالسعادة إلا بالنزر اليسير، لأن من ضحى بكل غالي وثمين من أجل الوصول للثروة لم ينتشلهم المال من الشقاء، فإذا كان الثراء يُمكن المرء من إشباع حاجياته الشخصية، فإن تأثيره على راحة البال لا يُذكر، فجامع الثروة على الدوام مشغول بمراكمة الثروات وتكديسها، وهو عاجز عن تذوق المتع الرفيعة، إذ تمضي حياته في الركض وراء المتع الحسية العابرة، إلا من رحم ربي. إذًا، فالسعادة تتشكل لدي الإنسان كما يقول "شوبنهاور" بما في الإنسان وليس بما عنده، فالثراء الحقيقي هو الثراء الداخلي الذي يعين الفرد على الصبر في مواجهة الصعوبات، لذا، يجب أن نقتنص لحظات مع ذاتنا. عندما نجلس مع أنفسنا، فإن الحياة تتوقف لتبوح بحكمتها (دكتور مصطفى محمود) --- ### نريد كلام بسيط وسهل - Published: ۲۰۲٤-۰۳-۰٦ - Modified: 2024-03-21 - URL: https://tabcm.net/18411/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون أنت تتفلسف كثيرًا، إننا لسنا بحاجة إلى كل هذا العلم، نحن نريد كلام بسيط وسهل عن العشور والطاعة، والتسامح، والخضوع والنظافة الشخصية في بلاد ما وراء البحار كتب أهل بلاد ما وراء البحار في يومياتهم عن معاناتهم اليومية مع الأسقف ديميدوس: كنا نأمل أن يكون أسقفنا المتعلم، والذي يتقن لغة بلادنا وأولادنا، مهتما بالتعليم اللاهوتي الأرثوذكسي، ومهتما بتجهيز جيل ثاني في إيبارشيته، من الناطقين بلغة البلد، حتي يستطيعون خدمة إخوتهم الذين ولدوا بلغة أجنبية، ولكن للأسف، خابت آمالنا حيث رأينا أن كل ما يشغل بال أسقفنا وما يسميه هو بالأعمال البناءة، هو فقط شراء العقارات والمشروعات التي أخذت كل وقته ومجهوده، وشغلت تفكيره، فما عاد عنده وقت للقراءة والتعلم والدراسة. فأصبحت كل عظاته تدور في مجال الأخلاقيات مثل: الاحترام والصوت المنخفض، وحُسن المظهر أمام أهل البلاد الراقيين والمتقدمين، وخاصة الاستحمام وحلق اللحية ووضع مزيل العرق. جزء آخر هام في عظاته وهو عدم التبذير وعدم ملء طبق الطعام حتي لا نرمي البواقي، وأهم شيئ طبعا هو العطاء والعشور، وكل هذه العظات تعاد و تكرر و لا نسمع غيرها.  وأما كل ما هو مرتبط باللاهوت والعقيدة والإيمان والطقس، فلم يقترب يومًا له حتي يظل في الجانب الآمن ولا تتم مناقشته في أي شيئ. (يوميات الأنبا ديميدوس الضرير، أسقف بلاد ما وراء البحار) ونظرا لتدني المستوي اللاهوتي، حرص الأنبا ديميدوس علي استبعاد كل من له اهتمام بعقيدة كنيستنا الأرثوذكسية أو إيمانها، فنجد أساتذة بالجامعة تم تهميشهم ولا توجد لهم أي خدمة بالكنيسة وأحاط أسقفنا نفسه بمجموعة من الموالين والمنتفعين، وكالعادة يتسم هؤلاء الأشخاص بضعف في المستوي العلمي والثقافي واللاهوتي، ولكن هذا لا يهم الأسقف علي الإطلاق، المهم أن يستمر في السيطرة علي الشعب من خلال هؤلاء الأشخاص، الذين يخيفون الناس بالكلمات الشعبوية مثل: ابن الطاعة تحل عليه البركة، ولكن أي طاعة و أي بركة، طبعا هذا لا يهم. قد يسأل سائل، ألم يحدث مرة أن سأله شخص في شيئ مهم؟ أو ألم يختلف اثنان في موضوع أو رأي لاهوتي، واحتاجوا لتدخله؟ بالتأكيد حدث، ولكنه  كان دائم الهروب من أن يقحم نفسه في مثل هذه النقاشات، فالنتيجة قد تكون غير محمودة علي الإطلاق، و يتضح للجميع المستوي الغير لائق بأسقف، من المفترض انه هو المسئول عن التعليم! أضاف أهل البلاد أيضا في يومياتهم: انهم كثيرًا ما صرخوا، لعل من يسمع ويهتم بالأطفال، الذين يشبون في مجتمع غريب كثير التحديات، لعل من يضع برنامجًا و استراتيجية للحفاظ علي الأجيال الجديدة ضد الإلحاد وباقي المشكلات التي نواجهها، ولكن عاد صراخهم دائما كصدي الصوت الذي يرن في الفراغ. و لعل الهدف كان هو عدم وجود جيل ثاني في الكنيسة من الناطقين بلغة بلاد ما وراء البحار، فكيف سيتعامل معهم الأسقف الضرير وهم يتعلمون منذ نعومة أظافرهم في الحضانة والمدرسة، يتعلمون الحرية، والمناقشة، والاختلاف، والتفكير الحر، فكيف سيتعامل معهم الأسقف الضرير؟ لعل أفضل شيئ أن يتركوا الكنيسة، أو يأتوا إلى الكنيسة كزائرين، لا يفهمون شيئا مما يدور فيها، فتكون زيارتهم للكنيسة زيارة روتينية كل عدة أشهر، لمجرد التناول فقط ولكن ليس لهم أي شركة أو مشاركة فعلية في الكنيسة. (يوميات الأنبا ديميدوس الضرير، أسقف بلاد ما وراء البحار) و بالرغم من المستوى الضحل في علوم الكنيسة، إلا أن الأنبا ديميدوس الضرير كان يعاني من نرجسية مفرطة و خطيرة. لدرجة انه يري نفسه احكم و أعلم خلق الله، و أن الجميع بالمقارنة له لا يعرفون شيئا. فنجد الأسقف قي يوم من الأيام ينصب فخا لأحد الكهنة المساكين، فيطلب منه أن يقول كلمة أو عظة في وجوده في قداس يوم الأحد، فلو رفض سيقول له : أنت غير مطيع، ولكن بعد الإلحاح والضغط، وافق الكاهن المسكين، هنا أدانه الأسقف قائلًا: في كاهن يتكلم في وجود أسقفه؟! هذا عدم احترام للأسقف! و كانت هذه رسالة غير معلنة لكل الكهنة بعدم التعليم في وجود الأسقف. وفي يوم مشرق ببعض الأمل، أتى أحد أبناء الكنيسة من الوطن الأم، متتلمذًا على كتابات الكنيسة والآباء والطقس والعقيدة، هنا شعر حراس المعبد أنه يهدد مكانتهم الهشة وسلطتهم القائمة على جهل السامع وخوفه، فتأمروا على هذا الإنسان ليخرجوه خارج المجمع بل و خارج المحلة، لكي يستتب لهم السلطان و الأمان. و ذهبوا فاشتكوه إلى الأنبا ديميدوس، الذي شعر فعلا بخطورته الحقيقة، فقال له: أنت تتفلسف كثيرًا، إننا لسنا بحاجة إلى كل هذا العلم، نحن نريد كلام بسيط وسهل عن العشور والطاعة، والتسامح، والخضوع والنظافة الشخصية في بلاد ما وراء البحار. (يوميات الأنبا ديميدوس الضرير، أسقف بلاد ما وراء البحار) و للحديث بقية. . --- ### الأنبا رفائيل: الرهبنة هي "سر زيجة" من نوع خاص! - Published: ۲۰۲٤-۰۳-۰۵ - Modified: 2024-04-15 - URL: https://tabcm.net/18377/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, المرأة القبطية - وسوم: آدم, أمل دنقل, أنبا بيسنتي، أسقف حلوان والمعصرة والتبين, أنبا بيشوي، مطران دمياط وكفر الشيخ, أنبا رفائيل، أسقف وسط القاهرة, الأب متى المسكين, الخطاب الديني, العلمانية, الغنوصية, الكنيسة القبطية, المجلس الملي, الولدينسيين, بابا شنودة الثالث, بتولية أم زواج, چورچ حبيب بباوي, حواء, روبرت بطرس, سر الزيجة, صليب متى ساويرس, طوفان نوح, قديس أثناسيوس الرسولي, قديس أوغسطينوس، أسقف هيبو, قديس إيرونيموس چيروم, قديس بولس الرسول, كمال زاخر, مجمع فلورنسا, مينا أسعد كامل, يوحنا المعمدان, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية أحب الأنبا رفائيل، لكني أحب الحقيقة أكثر. والرهبنة ليست سر زيجة خاص، بل حركات معادية للزواج والإثمار والإكثار، وأفكارها اللاهوتية تعصف فعليا بقدسية سر الزيجة منذ أيام، طالعتنا صفحة كنائس وسط القاهرة التابعة لنيافة الأنبا رفائيل، بتهنئة له بمناسبة مرور أربع وثلاثون عامًا في الرهبنة. استهلت الصفحة منشورها بكلمات للأنبا رفائيل عن الرهبنة ومذيلة باسمه عند نهايتها، وجاء في مطلعها: الرهبنة هي سر زيجة من نوع خاص جدا أحب الأنبا رفائيل، لكني أحب الحقيقة أكثر. والرهبنة ليست سر زيجة خاص، بل حركات معادية للزواج والإثمار والإكثار، وأفكارها اللاهوتية تعصف فعليًا بقدسية سر الزيجة. كنا قد تكلمنا مسبقًا عن سر الزيجة، وإنه ابتكار غربي في القرن الـ13 لمقاومة أفكار غنوصيّة (رهبانية) تحتقر الزواج وترى أن: "ممارسة العلاقة الزيجية لغير الإنجاب: خطئية مميتة"، فيمَا يعرف تاريخيًا باسم الولدينسيين. فالكنيسة عام 1254م حرمت الولدينسيين ﻻزدراء "الزواج"، ثم في القرن15 عقدت مجمع فلورنسا عام 1439م، ووقتها تم تعريف الزواج كـ"سر مقدس". تكلمنا عن الأصول الآبائية لتحقير الزواج، مثل الموجودة في أقوال القديس أيرونيموس جيروم، القديس أوغسطينوس، القديس يوحنا ذهبي الفم، وكيف تم تعزيزها في تعاليم قداسة البابا شنودة الثالث، وبالأخص كتاب: بتولية أم زواج، الذي قدم فيه الوضعين: البتولية والزواج، كحدثين متنافيين (وليس "سر زيجة خاص" كما يقول الأنبا رفائيل) كي يؤكد فيه إن المسيح منحاز للبتولية وهو الذي وطد دعائم البتولية، فقد كان بتولًا، ووُلد من أمٍ بتول، وهيأ له الطريق نبيّ بتول (يوحنا المعمدان)، والكتاب كله عمومًا يؤكد انحيازات البابا شنودة لتقديس البتولية على حساب الزواج. تكلمنا أيضا عن تأثير هذه التعاليم في الخطاب الديني المعاصر، ذاكرين أمثلة من خطابات الأنبا بيسنتي، أسقف حلوان والمعصرة، الأنبا رفائيل، أسقف وسط القاهرة، المتنيح القمص صليب متى ساويرس، كاهن كنيسة مار جرجس الجيوشى بشبرا، وعضو المجلس الملي العام، الدياكون مينا أسعد كامل، مدرس اللاهوت بالكنيسة القبطية، ومؤسس رابطة حماة الإيمان القبطية الأرثوذكسية، ومؤلف كتاب عن "عادة النساء" من تقديم المتنيح الأنبا بيشوي، أسقف دمياط وكفر الشيخ الأسبق. ويبدو أن الوضع المزري الحالي يحتاج مقالًا مستقلًا عن الرهبنة ونشأتها وتطورها، ومن أين جاءت وإلى أين هي ذاهبة! وباعتقادي عدم كتابتنا لمقالات تنتقد الرهبنة المصرية (التي تم تصديرها للعالم المسيحي بأسره) هو أنه ﻻ يوجد موقف موحد من المؤمنين المسيحيين تجاهها. يرى أستاذنا كمال زاخر، (ومن قبله د. جورج حبيب بباوي، ومن قبلهم الأب الراهب متى المسكين) أن الرهبنة "حركة عَلمانية"، وهم بذلك يقصدون أنها حركات "غير كهنوتية". بينما الجيل التالي من الليبراليين يختلف معهم في هذا التصوّر. على سبيل المثال يرى د. روبرت بطرس أن أول ظهور تاريخي للرهبنة كان في الهند لجماعة avoiders ، وعلى كون بحثة رائع ومنضبط لكنه يرتكز على الرهبنة الجماعية كعلاج اجتماعي لأمراض الاجتناب (الاكتئابية)، مع أنّ الرهبنة الفردية (التوحّدية) هي صورة متجردة لنفس الـavoider قبل تكوين المجتمع الديري (العلاجي)، وسابقة عليه. (شخصيًا أرى الرهبنة التوحدية هي "مرض نفسي" (أوتيزم) معادي لحياة الشركة المسيحية، وأن الرهبنة الديرية (الجماعية) هي مستشفى مسيحي لمحاولة علاجهم نفسيًا) أيضًا أختلف مع أساتذتنا في كون الرهبنة "حركة عَلمانية" غير كهنوتية، لوجود رهبانيات مصرية قديمة ذات صلة بالأديان المصرية كرهبنة آمونيوس، علما بأن المقطع "يوس" هو النطق اليوناني للاسم: آمون، الإله المصري القديم، ومن غير المعقول أن يتسمى به فرد من عامة الشعب منافسًا الاسم الفرعوني الكهنوتي. بطريقة أخرى، "رهبنة آمونيوس" ﻻ تعني رهبان يقودهم راهب اسمه "آمونيوس" يتتلمذون على يديه، بل بالأغلب تعني "رهبان الإله آمون". ومن ثم هي رهبانيات دينية مصرية من أساسها وأصولها قبل أن تعتمدها المسيحية في عصر البابا أثناسيوس الرسولي (وقبل هذا العصر، كان يُنظر للرهبان المتوحدين والآباء السواح على أنهم ناس مرضى "أوتيزم" (توحد) ويضربون "حياة الشركة" في مقتل، وفي بعض العصور كانوا ممنوعين من دخول الكنائس). الخلاصة أن التاريخ قال كلمته في أن الرهبنة ليست سر زيجة من نوع خاص، وﻻ الأسقفية زواج بالإيبارشية. كل هذه الأقاويل تعتبر أوهام مخادعة أو نصب لغوي ومعنوي تتغذى عليه الأفكار اللا زيجية المعادية للزواج والجنس في المطلق من أجل أن تتسلل أفكارها الاكتئابية الاجتنابية إلى رأسك بشكل ناعم. نحن نحب الزواج وﻻ نحب الرهبنة، لذلك، نحن اخترنا حياة الزواج ﻻ حياة الرهبنة. ومهما كانت الزيجات تعيسة لكن بالتأكيد المواجهة والتجربة وحتى الفشل والتعلم، أفضل من الاكتئاب والانعزال في الصحاري! أنا أسف للرهبان، لكن هذه قناعتنا الحقيقة، وأكتبها مغموسة بخبرات النجاح والفشل! أيضا فكرة "الأسقف" ساحر القبيلة الذي يعرف كيف يعتني بها ويرعاها بتفرّغ تام، هي في الكتاب المقدس مشتقة من تجرِبة الزواج الحقيقي بامرأة حقيقية ونتج عنهم أولاد حقيقيين (ليس حتى زواجًا لا جنسيًا شكليًا، ولابد أن ينجبوا أطفال) ويكون هؤلاء الأطفال هم البروتوتايب (النموذج) الذي يجعلنا نستشرف أن الأسقف يصلح للأسقفية: يدبر بيته حسنا، له أولاد في الخضوع بكل وقار. وإنما إن كان أحد لا يعرف أن يدبر بيته، فكيف يعتني بكنيسة الله؟ (رسالة بولس الرسول الأولى إلى تيموثاوس 3: 3) أيضًا كلام العهد القديم واضح عن زواج طبيعي جسدي مادي (جنسي) ﻻ روحنة غنوصية فيه: وبنى الرب الإله الضلع التي أخذها من آدم امرأة وأحضرها إلى آدم. فقال آدم: «هذه الآن عظم من عظامي ولحم من لحمي. هذه تدعى امرأة لأنها من امرئ أخذت». لذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكونان جسدا واحدا. وكانا كلاهما عريانين، آدم وامرأته، وهما لا يخجلان. (سفر التكوين 2: 22-25) أيضًا اقتباس المسيح من العهد القديم، الذي نقلته لنا الأناجيل: من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته، ويكون الاثنان جسدا واحدا. (إنجيل متى 19: 5) وأزاد عليه المسيح: إذا ليسا بعد اثنين بل جسد واحد. فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان. (إنجيل متى 19: 6) فهو أيضا جسدي صرف. فالنص يتحدث عن الالتصاق الجسدي في الجنس ويقول جسدا واحدًا - بل جسد واحد، ولا يتحدث عن اتحادات روحية من أي نوع. ومن أقوى الأدلة على عدم وجود أي روحانيات في الزواج، أو أي التصاق جسدي في المطلق بين أي رجل وامرأة، هو القديس بولس الرسول، الذي استخدم نفس الاقتباس ونفس التعبير للإشارة إلى علاقة الزنا: أم لستم تعلمون أن من التصق بزانية هو جسد واحد؟ لأنه يقول: «يكون الاثنان جسدا واحدا» (رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس 6: 16) بالتالي، فالزواج المسيحي معناه الزواج الطبيعي المشروع عند المسيحيين، ووجود الله في المسألة هو ليس وجود اتحاد أو تداخل مع العلاقة ذاتها وإنما هو معاينة وشهادة وتوثيق على حدوث علاقة جسدية بين أدم وحواء، أو رجل يزني بامرأة. كلاهما علاقات جسدية تمت تحت ضبط الله (لن أقول مباركته، لكن هو من جمع حتى الزاني بالزانية. . أنت ملكش دعوة بيهم وﻻ حتى تتدخل وﻻ تفرقهم) والتفسير والرؤية للأمر بهذا الشكل ليس شخصًيًا، إنما هي رؤية "الضمير الإنساني" العام الذي بناءً عليه تكونت المادة 16 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: للرجل والمرأة، متى أدركا سنَّ البلوغ، حقُّ التزوُّج وتأسيس أسرة، دون أيِّ قيد بسبب العِرق أو الجنسية أو الدين (الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، المادة 16-أ) دون قيد من الأهل؟ من المجتمع؟! طيب الدين مش عائق أو منظم للزواج؟! ! ! نعم. . دون أي قيد من هذا الذي تعتقده "أمرا عرفيًا عامًا" لأن ما جمعه الله -حتى لو كان من وجهة نظرك: علاقة زنا- لا يجوز لك تفريقه. بالطبع وجب التنويه أن هذه المادة قد قدمت المملكة العربية السُّعُودية تحفظًا عليها، ومن خلفها مصر، لمخالفتها الشريعة الإسلامية. لكن نحن نتكلم عن الشريعة المسيحية. لذلك، وعودة للنص المؤسس في رسالة بولس الرسول، فمسألة الاعتقاد عزيزي المتزوج التعيس أو المتزوجة التعيسة أن الراهب يفهم في أمورك أكثر منك، هي اعتقاد فاسد بحكم الكتاب المقدس الذي قنن أنك أنت -من يخوض التجربة- إن نجحت فيها تكون مؤهلًا للأسقفية. ﻻ الراهب الهارب من تحمل مسؤولياته الصغيرة! وكيف لمن هرب من المسؤوليات الشخصية أن يعتني ويدبّر المسؤوليات العامة؟ علمانيون وُلدنا في العالم. . وعلمانيون نبقى ما بقينا في العالم. . لم نقل لغيرنا "الهرب من العالم هو هرب من صنيعة الله"! فقط بقينا عندما جاءَ طوفان نوحْ. . بينما كان الجُبناءُ يفرّون نحو السَّفينهْ. . بينما كُنتُ. . كانَ شبابُ المدينة. . يلجمونَ جوادَ المياه الجَمُوحْ. . ينقلونَ المِياهَ على الكَتفين. . ويستبقونَ الزمنْ. . يبتنونَ سُدود الحجارةِ. . عَلَّهم يُنقذونَ مِهادَ الصِّبا والحضارة. . علَّهم يُنقذونَ. . الوطنْ! صاحَ بي سيدُ الفُلكِ قبل حُلولِ السَّكينهْ:"انجِ من عالم. . لمْ تعدْ فيهِ روحْ! "قلتُ:طوبى لمن طعِموا خُبزه. . في الزمانِ الحسنْ. . وأداروا له الظَّهرَ. . يوم المِحَن! ولنا المجدُ نحنُ الذينَ وقَفْنانتحدى الدَّمارَ. . ونأوي الى جبلٍِ لا يموت. . نأبي النُزوحْ. . ونأبي الفرارَ. . ! كان قلبي الذي نَسجتْه الجروحْ. . كان قَلبي الذي لَعنتْه الشُروحْ. . يرقدُ الآن فوقَ بقايا المدينة. . وردةً من عَطنْ. . هادئاً. . بعد أن قالَ "لا" للسفينهْ... . وأحب الوطن! (أمل دنقل، قصيدة "مقابلة خاصة مع ابن نوح") --- ### الأصل الكيرلسي المزعوم لصيغة خلقيدونية [٢] - Published: ۲۰۲٤-۰۳-۰٤ - Modified: 2025-02-02 - URL: https://tabcm.net/17715/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: الشيطان, النسطورية, بابا كيرلس عمود الدين, باسيليوس الكبير، أسقف قيصرية الكبادوك, مجمع خلقيدونية, ميلاد المسيح يحاول الكاتب في الفقرات المقبلة نفي أن عبارة خلقيدونية هي نفس عبارات نسطوريورس، ودعنا نرى اجتهاد الرجل ((الأقباط متحدون، مقال: الأصل الكيرلسي للصيغة الخلقيدونية "في طبيعتين" )) . أولا: معنى الصيغة الذيوفيزيتية "مسيح واحد" أو "ابن واحد فى طبيعتين... معترف به" عند نسطور وعند باسيليوس الصفقلي. من المعروف والثابت أن الصيغة الذيوفيزيتية وتحديد مجمع خلقيدونية "مسيح واحد" "ابن واحد فى طبيعيتن... معترف به" قد تم نحتها أول مرة أرثوذكسيًا على يد باسيليوس الصفقلي فى الاعتراف بالإيمان الذي سنه المجمع المحلي عام 448م. ولكن هناك حقيقة أخرى لا يرقى إليها الشك، وهي أنه قبل أن يستخدم هذا التعبير باسيليوس وآباء خلقيدونية بمعناه المستقيم الرأي، كان قد استخدمه نسطور وإن لم يكن بنفس اللفظ ولا نفس النية اللاهوتية المستقيمة. يظهر نسطور من خلال عظتين له أنه ولابد أن يكون هو شخصيًا مهندس وواضع أساس التعابير الذيوفيزيتى في التراث اللاهوتي الأنطاكي مثل تعابير "ابن واحد... في طبيعتين... نعترف به". ففي إحدى فقرات عظة له، حيث يشير إلى ميلاد المسيح، يكتب وبشكل واضح: "نحن نعترف بإنسانية الطفل وألوهيته ، أما البنوة فنحن نتمسك بفرادتها في الطبيعة لاهوتًا وناسوتًا". وفي فقرة ثانية وردت في عظة لنسطور عن الإيمان ووصلت إلينا في تَرْجَمَة باللغة السريانية يشير إلى: "... نحن نراه واحدًا في طبيعة مخلوق وغير مخلوقة... ونعترف به "كمسيح واحد في طبيعتين إلهية وإنسانية مرئية وغير مرئية... . ابن واحد في طبيعتين". إن الربط بين هذه التعبير والفعل (نعترف به) تشكل عامل مشترك بين عظات نسطور من ناحية وصيغة باسليوس الذيوفيزيتية من ناحية أخرى. ربما هذا يشرح السبب وراء ما حدث حينما قام باسيليوس بتقديم هذه الصيغة الذيوفيزيتية في خلقيدونية، قام الأساقفة المصريون وآخرون بالصراخ "هذا هو اعتقاد نسطور... هذا هو صوت نسطور. "(الأقباط متحدون، مقال الأصل الكيرلسي للصيغة الخلقيدونية "في طبيعتين") لم يقل الرجل هنا شيئا سوى التأكيد إن صيغة خلقيدونية هي صيغة نسطوريوس برمتها. نستكمل علنا نرى جديدًا ((الأقباط متحدون، مقال: الأصل الكيرلسي للصيغة الخلقيدونية "في طبيعتين" )) . ليس هناك ما يمنع من الظن أن باسيليوس الذي كان يعرف جيدًا كما أظهرنا في دراسة أخرى لنا عظات وتعاليم نسطور، وأن يكون قد أخذ التعابير "مسيح واحد" أو "ابن واحد في بيعتين... نعترف... "، والاحتمال الآخر أن يكون قد استقاها من التراث الخرستولوجى الأنطاكي حيث كانت هذه التعبيرات منتشرة ومعروفة كما سبق وذكرنا أنها وردت في الاعتراف الذي تم عمله في المجمع المحلي عام 448م. وهنا يظهر الدور الإبداعي والأصيل الذي قام به باسيليوس لتضييق الهوة بين الخرستولوجيا الأنطاكية والمسيحيانية الإسكندرانية. ظهر إبداع باسيليوس اللاهوتي في أنه لم يكتف فقط باقتباس تعبيرات نسطور الذي كان يسميه "الفاسد العقل «Φρένοβλαβή» ولكن ظهر إبداعه وحسه اللاهوتي بالأكثر حينما ربط بين ولادة وأصل هذه التعبيرات في جوهرها ومضمونها اللاهوتي بفكر ولاهوت وخرستولوجية القديس كيرلس الإسكندري معتبرًا كيرلس مصدر تعليمه المسيحياني. (الأقباط متحدون، مقال الأصل الكيرلسي للصيغة الخلقيدونية "في طبيعتين") توسع هذه الفقرة الهامة اعترافات الرجل، وتأتي بنا إلى مربط الفرس، فنسطوريوس لم يكن هرطوقيًا تفتق ذهنه عن فكرة مارقة ضارة بالإيمان، ولكنه ممثل لتيار واسع من الفكر الخروستولوجي، ومدرسة عريقة في اللاهوت -خرجت منها كل الهرطقات الشرقية- بل إنني أكاد أرى أن اللاهوتي المبدع -كما يصفه كاتب المقال- "باسيليوس" ينتمي لنفس المدرسة. وإذا شئنا إلقاء الضوء على هذا الفكر اللاهوتي "الأنطاكي" الديوفيزي باختصار قلنا إن هذا الفكر هزم هزيمة ساحقة في أفسس المسكوني، ولكنه لملم شتات أعضائه ودبر الخطط للعودة وإعادة المعركة إلى الساحة مرة أخرى، كانت البداية في القسطنطينية المكاني -الذي يشير له الكاتب كثيرًا، وسنتكلم عنه نحن أيضا كثيرًا لاحقا- وحازوا انتصارًا مهمًا، ولكنهم منوا بانتكاسة قاسية في أفسس الثاني، حتى كرسوا انتصارًا حاسمًا ونهائيًا في خلقيدونية، بعد أن رقص الشيطان رقصته الأكثر إبداعًا. حتى الآن نحن نرى اعترافات -لا نملك إلا أن نشكر الرجل عليها- دون أن نرى نفيًا لتطابق الصيغة مع فكر نسطوريوس، ربما نجد في القادم بصيص أمل. يتبع. . --- ### ناموس الله وناموس الخطية - Published: ۲۰۲٤-۰۳-۰۳ - Modified: 2024-03-02 - URL: https://tabcm.net/17789/ - تصنيفات: كتاب مقدس لأَنَّ الْخَطِيَّةَ، وَهِيَ مُتَّخِذَةٌ فُرْصَةً بِالْوَصِيَّةِ، خَدَعَتْنِي بِهَا وَقَتَلَتْنِي (رسالة بولس إلى رومية 7: 11) هدف الشيطان أن ينفصل الإنسان عن الله، وليس بالضرورة ما يفعله أو لا يفعله الإنسان في حد ذاته، بل الهدف فقط ألا يطيع الإنسان الله. لذلك لا يجب أن نتعجب من تكرار عبارات تركز على طاعة ”ابن الإنسان“ يسوع المسيح لله أبيه. لأنه كما بمعصية الإنسان الواحدجُعِل الكثيرون خطاة، هكذا أيضا بإطاعة الواحدسيُجعَل الكثيرون أبرارًا (رسالة بولس إلى رومية 5: 19) فالخطية هي عدم الانتماء لله بعدم الطاعة له، بالتالي التغرُّب عن الله. فالخطية ليست بالضرورة الفعل في حد ذاته. الشيطان لا يهتم أني أسرق أو لا أسرق إلا لو كان هذا ضد ما يريده الله. وصية الله للإنسان كانت أن لا يأكل من شجرة معرفة الخير والشر. لذلك أهتم الشيطان أن يأكل آدم، ليس اهتمامًا بالأكل أو عدم الأكل بل فقط لكي يعصي الله. نقرأ الآية: إذا الناموس مقدس، والوصية مقدسة وعادلة وصالحة  (رسالة بولس إلى رومية 7: 12) فالوصية هي تعبير عن صفات الله وتماهي في قداسته. وهو سبحانه يريد أن ينقلها لنا لنكون شبهه. كونوا قديسين كما أن أباكم الذي في السموات هو قدوس (رسالة بطرس الأولى 1: 16) أما الشيطان فيريد أن يقطع علاقة القداسة بين الله والإنسان بعدم طاعتنا لوصية الله. بعد طرد آدم وحواء من الجنة وانتشار الشر بين البشر، صار الإنسان لا يعرف يمينه من يساره. لذلك أرسل الله له وصاياه عن طريق موسى النبي ”ناموس موسى“ لكي ينتبه الإنسان: ”أنا لم أعرف الخطية إلا بالناموس. فإنني لم أعرف الشهوة لو لم يقل الناموس «لا تشته»“. لذلك نجد الشيطان يحاول أن يفسد عمل الله، بأن يستخدم الوصية لتكون وسيلة عِصْيَان وعدم طاعة لله بالتالي المزيد من غربة الإنسان عن الله ”فوُجِدَت الوصية التي للحياة هي نفسها لي للموت“. ويستمر الإصحاح في الشرح فيقول لأنه لما كنا في الجسد كانت أهواء الخطايا التي بالناموس تعمل في أعضائنا، لكي نثمر للموت. وقد يصطدم القارئ بصعوبة عبارة الخطايا التي بالناموس وأنها تثمر للموت. لذلك يوضح الرسول المعني هكذا فماذا نقول؟ هل الناموس خطية؟ حاشا. بل لم أعرف الخطية إلا بالناموس. وبذلك فإن عبارة أهواء الخطايا التي بالناموس لا تعني أن الناموس مُنشِئ للشهوات في الإنسان ولكنه كاشفٌ لوجودها في طبيعة الإنسان بعد السقوط وأنها صارت معمل للشيطان. ويمكننا الدخول أكثر إلي أعماق نفس الآية فوُجِدَت الوصية التي للحياة هي نفسها لي للموت. فكما أن وجود الحياة هو الأساس لتعريف الموت الذي هو أنتهاء الحياة، هكذا الوصية هي أساسية في تعريف الخطية. لأن الوصية هي معيار تحديد هوِّية وانتماء الإنسان، إِما لصاحب الوصية ورب الحياة، أو عدم طاعته ورفض صفات قداسته في وصاياه بالتالي تتوقف الحياة لأن مصدرها الله ويسود الموت لأن سلطانه إبليس. "فنظرت وإذا فرس أخضر، والجالس عليه اسمه الموت، والهاوية تتبعه، وأعطيا سلطانا... أن يقتلا بالموت. (سفر الرؤيا 6: 8) ويزيد الكتاب في الشرح فيقول لأن بدون الناموس الخطية ميتة. أما أنا فكنت بدون الناموس عائشًا قبلا. ولكن لما جاءت الوصية عاشت. --- ### [٢٢] حكمة الكاهن الكبير - Published: ۲۰۲٤-۰۳-۰۲ - Modified: 2024-03-02 - URL: https://tabcm.net/18087/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون الكنيسة حطت مسؤولية رعاية كل إيبارشية في ايد أب أسقف، بيتم اختياره بقى نتيجة صلاحه أو استحقاقه، أو عقابًا إلهيًا للناس اللي هيكون أسقف عليهم أنهى الأسقف اجتماعه مع الآباء الأربعة، وكالعادة ركب أبونا يوناثان في سيارة أبونا بطرس وفي طريق عودتهم كان أبونا بطرس غاضبًا جدًا بعكس أبونا يوناثان الذي كان هادئًا جدًا ولم يتفوه بكلمة منذ بداية الجلسة مع الأسقف وحتى في طريق عودتهم كان صامتًا تمامًا، قطع هذا الصمت أبونا بطرس: - يا أبونا قدسك ساكت ليه؟! ! أنا متضايق جدًا من اللي حصل النهاردة ده، أزاي سيدنا يعمل كده؟! وأزاي أبونا أنجيلوس يستغل الفرصة كده؟! وليه قدسك كنت ساكت طول الوقت ومعترضتش خالص، سكوتك ده يا أبونا كأنك كنت موافق! - ساعتك كام يا أبونا دلوقتي؟! - الساعة 11. 00 م. - طب ما تطلع بينا يا أبونا على الكنيسة بلاش نروح البيت. - دلوقتي؟! ! أكيد العمال والفراشين قفلوا الكنيسة. ضحك أبونا يوناثان قائلًا: - وإيه المشكلة يعني يا أبونا؟! مش هنلاقي حد منهم يفتح لنا ولا إيه؟! ولا مش هيرضوا يفتحولنا؟! ضحك الاثنان معا وغير أبونا بطرس مسار سيارته واتجها إلى الكنيسة. . ********* وصلا إلى الكنيسة وفتح لهما عم حبيب الرجل العجوز الطيب فراش الكنيسة وصعد درجات السلم حتى وصلا إلى مذبح كنيسة الأنبا أنطونيوس وصنع أبونا يوناثان ميطانية كاملة رغم سنه، وتبعه أبونا بطرس بميطانية مماثلة وبعدما أنهى كلا منهما صلاته دخل أبونا يوناثان الهيكل الأوسط وجلس على درجات صورة حضن الأب وأشار إلى أبونا بطرس لكي يجلس إلى جواره: - أهو إحنا كده دلوقتي يا أبونا بطرس قاعدين في حجر ربنا، جوة حضنه بالظبط، عارف يا أبونا أنا جبتك هنا ليه الكنيسة؟! - لأ مش فاهم يا أبونا ! ! فهمني؟ - علشان نراجع سوا  وعشان منتهوش وسط زحمة الأسئلة وكتر المواضيع يا ابني، اسمح لي طبعا أقولك يا ابني، أنت أبونا أه، بس في الأول والأخر أنت ابني. - أكيد يا أبونا أنا ابنك، بس حاللني مش فاهم حاجة. - لما يكون التلميذ يكون بيذاكر دروسه، ويجي يحل على الدرس وميعرفش يحل أو يلاقي الأسئلة صعبة، لازم يوقف حل عشان ما يعكش، ويبدأ يراجع الدرس من جديد في ضوء الأسئلة اللي ظهرت قدامه. - بمعنى؟! ! - خلينا نراجع سوا، وقدسك هتفهم قصدي، الكهنوت دعوة ولا اختيار؟! ! - الكهنوت الاتنين مع بعض، دعوة ربنا بيدعوها للبعض مش للكل من خلال الكنيسة، واختيار نقبله وميبقاش لينا فضل، أو نرفضه وميبقاش علينا ذنب. - حلو خالص، هل قبولنا لنعمة الكهنوت معناه إلزامية خلاصنا؟ بمعنى هل طالما بقينا كهنة يبقى كده خلاص إحنا ضامنين الملكوت؟ - الخلاص نعمة وهبة وعطية مجانية من الله لكل البشر، استحققناها مش من أجل بر عملناه، لكن من أجل بر المسيح وقبولنا خلاصه على الصليب نلنا هذا الاستحقاق، بالتالي لو رفضنا بأعمالنا عمل الروح القدس داخلنا واستعبدنا للخطية وللشر سقط عنا هذا الاستحقاق ولا يعود إلينا إلا بعد توبة حقيقية. - براڤو عليك يا أبونا مذاكر كويس، هل كل الكهنة داخلين السما؟! ! - مش شرط طبعا، اللي هيتاجر بوزنته ويحافظ على نفسه وبيته وشعبه بس، وإلا مكنش القديس يوحنا ذهبي الفم حذر الإكليروس من عاقبة الطريق، بس أنا برضه مش فاهم إيه الهدف من الأسئلة ديه؟! - أصبر يا أبونا متبقاش مستعجل دايما، مين أول واحد بيتحاسب دايما؟! - اللي بيتحاسب هو الشخص المسؤول - عفارم عليك يا أبونا، الكنيسة حطت مسؤولية رعاية كل إيبارشية في ايد أب أسقف، بيتم اختياره بقى نتيجة صلاحه أو استحقاقه، أو عقابًا إلهيًا للناس اللي هيكون أسقف عليهم، أو حتى نتيجة اتفاقات ومواءمات بشرية، كل ده مش مهم، المهم إن بعضهم بيكون أب، والبعض الآخر بيكون سيد، لكن سواء كان أب أو سيد فيه الله ضابط الكل هو اللي بيحاسب، مش أنا ولا أنت، احنا في كل مرة هنبص على القصة من برة، ونقيمها حسب المعطيات اللي في ايدينا أو اللي شايفنها، لكن ولا عارفين إيه الحيثيات ولا المعطيات اللي الطرف التاني خد بناءًا عليها القرار، ممكن يكون قرار غلط 100%؜ وكلنا شايفين إنه غلط 100%؜ ويطلع غلط فعلًا، بس ربنا ضابط الكل وهو فاحص القلوب شايف براءة حيثيات اللي خد القرار ده، حسب المعطيات اللي معاه، أقصد إن ربنا شاف إن خد القرار ده بكامل حسن النية وحسب رؤيته كمسؤول الله وحده هيحاسبه، فساعتها ربنا ما يعتبرهوش خطأ، وما يحاسبهوش. - أنا تهت! - قدسك دورك إيه في الكنيسة؟! - كاهن - بس كده، ربنا هيحاسبك بس على اللي في ايدك، مش هيحاسبك على كل قرارات الكون، قدسك ابني وأنا بحبك وعلشان بحبك هقولك الكلمتين الجايين دول، بلاش تغرق في احساسك الدائم بالأفضلية، ولا الفهم أكتر من اللي حواليك، مش كل حاجة تخصك أو متخصكش تقول فيها رأيك ويا توافق عليها يا تعترض، فيه حاجات مش بتاعتي ولا بتاعتك، يعني عادي جدا ولا نوافق عليها ولا نعترض، يا أبونا زي ما عاوزين الأسقف يكون أب حنين، لازم نتعلم إحنا نفسنا نكون أبناء بارين خاضعين، المسيح هيحاسبنا على الوزنة اللي في ايدينا، مش ها يحسبنا على وزنات مش معانا ولا وزنات اتاخدت مننا. - يعني كنت أسكت؟! - طبعا كان لازم تسكت، وغلط إن قدسك اتكلمت، ممكن إبليس ساعات يصور لما إننا بندافع عن الحق، ساعات بنكون فعلًا بندافع عن الحق، وساعات تانية كتيرة بنكون بكبرياء بندافع عن ذواتنا، وبنقلل من المختلفين معانا، وبيظهر عندنا وكبرياءنا، دورنا نتاجر بالوزنات اللي في ايدينا، واللي يشبط في حاجة يا نتخانق معاه ونخسره ونخسر سلامنا ونعثر الشعب، يا نسيبهاله ونشوف وزنة تانية وخدمة تانية نشتغل فيها. - مش مقتنع بصراحة. - عارف يا أبونا، كل الصراعات في كل مكان للأسف بتتكون على rubbish الخدمة مش على حتى الزبالة. - إيه التعبير ده؟ مش فاهم حاجة! - الزبالة ممكن يكون فيها حاجات مفيدة نعملها إعادة تصنيع ونستفاد منها، أما الـ rubbish هي الحاجات اللي ملهاش لازمة ولا ينفع نستفاد منها من تاني. - يعني قدسك مزعلتش لما اتاخدت منك إدارة الكنيسة وخدها أبونا أد أولادك؟! - في الأول اتاخدت طبعًا، بس بعد شوية فكرت وحسيت كده أفضل، الإداريات الكتيرة يا أبونا بتزغلل العين عن الهدف الحقيقي، إحنا ساعة ما اترسمنا كهنة، اترسمنا عشان نكون في الأول وكلاء سرائر الله وخدمة أولاده مش عشان نبقى مديرين، لازم يا أبونا نركز بس على اللي في إيدينا وعلى اللي ربنا هيحاسبنا عليه واللي يشبط في الرداء أديله الثوب كله، واللي يقدر يشيل، يشيل، بس خلي بالك كل حاجة هتشبط فيها هتتحاسب عليها، يبقى أنهو أحسن؟ يبقى معاك حاجة ولا حاجتين تركز فيهم وتحقق فيهم ثمر جيد، ولا معاك 50 حاجة وتعثر في جميعها. - معاك حق يا أبونا، نركز في حاجة أو حاجتين بالكتير، بس يا ريت نقدر نسد عليهم. - عاوزك يا أبونا تقول مع القديس أرسانيوس "أرساني أرساني، أذكر فيما خرجت لأجله"، وده مش معناه إنك تبقى سلبي، لكن تكون إيجابي جدًا في اللي تحت ايدك واللي ربنا هيطلب حسابه منك. - حاضر يا أبونا. - حاجة كمان يا أبونا، ما ينفعش أكون أب صالح وأنا مش عارف أكون ابن صالح، حتى لو أبويا بالجسد عنده شوية ضعفات وقاسي ومش حاسس بالأبوة ناحيته ده مش حِل ليا علشان أكون ابن عاق، لأن أولادي لو شافوني مش بحترم جدهم هما تلقائيًا مش هيحترموني. - بس سيدنا صعب أوي، ومش قادر أحس إنه أبويا الحنين. - هو كمان تلاقيه دلوقتي بيقول عليك إنك ابن صعب أوي ودائمًا متكبر ومعترض ومسبب له مشاكل ومتاعب. - ممكن فعلا يكون شايف كده،  معاك حق يا أبونا، أخطيت حاللني - الله يحالك يا أبونا، تعالى لما أقوالك الحِل واقرا لي الحِل. صلى كلاهما، ونزلا من الكنيسة وركبا السيارة، وعند منزل أبونا يوناثان، نزل أبونا يوناثان من السيارة وهو يقول: - بكرة الصبح عدي عليا بدري يا أبونا علشان، نروح نقف مع أبونا أنجيلوس ونبارك له. - إيه ده؟! ! احنا هنروح؟! - اه طبعا، لو موقفناش احنا جنبه، وشاركناه فرحته، مين هيشاركه ده، مش كل يوم هيبقى قمص، ديه مرة واحدة في العمر، عقبالك يا أبونا. . تصبح على خير. - وقدسك من أهل الخير. . سلام. يتبع . . --- ### محاضرات المتعلمين عن الديمقراطية والليبرالية! - Published: ۲۰۲٤-۰۲-۲۹ - Modified: 2024-03-01 - URL: https://tabcm.net/18339/ - تصنيفات: شئون علمانية - وسوم: الأصولية, الديمقراطية, العلمانية, شريف عامر, علاء الأسواني, ليبرالية, ماسبيرو, مراد وهبة في غياب العدالة، فجميع محاولات البناء والتنمية والتعليم التي يبذلها "أتخن" مجتمع للقضاء على الفقر أو الجهل أو المرض ستضيع أدراج الرياح، لذا فأول لبنة في بناء أي دولة هي "العدالة السريعة" أو "العدالة الناجزة" بالتحديد، وهذا شبه مستحيل أن يتحقق في أي نظام لا يتبنى، بل ويسفه من "الديمقراطية الليبرالية" أو "العَلمانية السياسية" إنني أعترف بأنني بدأت أتعب بشدة من سماع تلك العبارة المملة والغبية التي ترددت مؤخرًا في كل مكان: "نحن لسنا مستعدين بعد للديمقراطية! "، صراحة، لا أستطيع فهمها على الإطلاق! هل يمكنك أن توضح لي متى سنكون جاهزين من وجهة نظرك؟ بعد عقدين ربما؟ أو ربما ستقول لي: "بعد زيادة مستوى الوعي والتعليم"، أو "بعد القضاء على الفقر"، أو أي حوار مضحك آخر، يعلم الجميع أنه لن يحدث قبل عقود! عزيزي، إذا كان 65% من السكان في مصر متعلمون حاليًا، و55% منهم يعيشون فوق مستوى الفقر، ومع ذلك، فإن الأشخاص الذين يرددون هذه العبارة لا يزالون يتحججون بعدم جاهزيتنا للديمقراطية! لذا، من فضلك، أخبرني، متى سنكون جاهزين؟ وكيف يمكنا رفع مستوى التعليم وخفض معدلات الفقر ونحن مستمرون في زمن كهذا؟ إذا كان أكثر من ثلث الشعب لا يزال فقيرًا وجائعًا وجاهلًا، فكيف سيكون الوضع إذا عدنا -لا قدر الله- إلى العصور القمعية والاستبدادية؟! الحمد لله تركنا تلك العصور البائدة إلى غير رجعة الآن (والحمد لله أيضًا على نعمة الحداقة! ) فهل الديمقراطية هبة للجميع، أم حكر على النخبة؟! أليست الهند ديمقراطية وفقيرة بالرغم من ذلك؟ أليست دولًا كثيرة غنية بالموارد والأموال ومبشرة بثورات شعبية ضد حكامها بسبب الظلم والاستبداد والقمع؟ لماذا نعتقد أن الديمقراطية هي شيء يصعب الحصول عليه أو عجيبًا في يد الفقير المصري أو الجاهل؟ ولماذا نردد المقولة الخالدة الجاهلة الأهم في التاريخ الحديث... بط هوين؟! متى؟ نعم فعلا. . متى؟! متى تأتي اللحظة المثالية "المزعومة" تلك لتطبيق الديمقراطية الليبرالية (أو المدنية المواطنية)؟ أعتقد لن تأتي أبدًا وذلك لأن "تومورو نفر كمز" يا سيد "بط هوين"! وسنستمر جميعًا نغوص في دوامة التناقضات! لا تتسرع في الإجابة وتربطها أبدًا بالتعليم والتنوير والتثقيف، بكل جهل! لماذا؟ دعني أجاوب سؤالك بسؤال: ما هي مصلحة الديكتاتورية أو الفاشية في القضاء على الجهل أو الفقر؟ بل على العكس، الجهل والفقر والمرض يخدمون دائمًا الديكتاتورية، ولذلك فهذا الهوني لن يحدث أبدًا في وجود فلان أو علام! وأبرز آيات الجهل والفقر والمرض والغباء هي آية "عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي فلا تحدثني عن حقوق الإنسان! " التي نسبت كذبًا وزورا وبهتانًا لرئيس وزراء بريطانيا الذي رأينا سفيره في القاهرة في مداخلة تلفزيونية مباشرة عبر الهاتف -في برنامَج مع شريف عامر- ينفي جملة وتفصيلًا وجود مثل هذه العبارة الشؤونمعنوية العقيمة التي ألفها مخبر مغمور من الدرجة الثالثة من أمام كورنيش ماسبيرو غالبًا والله أعلم ونسبها لرئيس وزراء بريطانيا! وبمناسبة عبارة "وعندما يتعلق الأمر بالديمقراطية" فلا أخفيكم سرًا، لم يكن دائمًا يثير اهتمامي ختام مقالات الدكتور علاء الأسواني بعبارته المعتادة "الحل هو الديمقراطية"، بل كانت تثير اهتمامي بشكل خاص عبارة الفيلسوف "اللامع" "الجهبز" د. مراد وهبة: "لا ديمقراطية بلا عَلمانية". هل يمكننا ربط هاتين العبارتين معًا للحصول على جملة جديدة وملهمة؟ ألا يمكننا قول إن "الحل هو الديمقراطية، ولا ديمقراطية بلا عَلمانية"؟ وكما قلت في المقال السابق... في غياب الحرية، فلا ديموقراطية ولا عَلمانية ولا هم يحزنون! بالطبع، عندما نتحدث عن الديمقراطية، فإن الديمقراطية الليبرالية بوجهة نظري هي الحل، هي التي تحمي حقوق الأفراد والأقليات من سلطة الحكومة، هي التي تدرج تلك الحقوق في الدستور، لتصبح دولة ديمقراطية مدنية تعتمد على القانون، ليس الدين! أي دين! ومع ذلك، يثير استخدام كلمة "ليبرالية" قلقًا وخوفا بين الإسلاميين وأنصارهم، الذين يرفضون بشدة الفكر العلماني السياسي المستنير، ولا يعرفون عن العَلمانية إلا أنها "تبيح وتقنن زواج المثليين! ". الأصولية -بالذات في مصر- تمنح امتيازات شرعية مكتسبة لصاحبها على غيره دون وجه حق وبلا مجهود ولا استحقاق، وتلغي حقوق الأفراد والأقليات تمامًا، مما يسمح لصاحبها بنشر سلطته بشكل مطلق دون أي مساءلة! وبما أنه أصولي أساسًا أو راديكاليًا، وأي راديكالي هو عدو طبيعي للفكر العلماني السياسي المستنير (بالمناسبة الليبرالية هي ابنة شرعية للعلمانية السياسية، فلا تصدق أي هراء يقول لك ذاك ليبرالي وذاك علماني، أي ليبرالي هو علماني مثله مثل أي يساري). لكن ما يجعل الإسلامي أو الأصولي يدافع عن فكرته هو أن تجعله يلغي وجود الأفراد والأقليات تمامًا وبكل "غشم" ليبسط هو نفوذه السياسي بكل سلطوية وعنف ضاربًا عُرْضَ الحائط بأي اعتبارات أخرى، مستندًا كالعادة إلى نصوص مقدسة يفسرها هو غالبا على هواه، لا يجرؤ أحد على الاقتراب منها، تهبه ما يشبعه من سلطات ومزايا ومنح. وطبعا في غياب "العدالة" -كل أنواع العدالة- سواء اجتماعية أو سياسية أو قضائية (أو حتى اقتصادية) فجميع محاولات البناء والتنمية والتعليم التي يبذلها "أتخن" مجتمع للقضاء على الفقر أو الجهل أو المرض ستضيع أدراج الرياح، لذا فأول لبنة في بناء أي دولة هي "العدالة السريعة" أو "العدالة الناجزة" بالتحديد، وهذا شبه مستحيل أن تتحقق في أي نظام لا يتبنى، بل ويسفه من "الديمقراطية الليبرالية" أو "العَلمانية السياسية" بالرغم من أنهما دائمًا يطرحان الحل، وهما رمانة ميزان العدالة الناجزة تلك. الحل هو الديمقراطية الليبرالية والعلمانية السياسية، وقبلهما الحرية المدنية المواطنية... وابقي قابلني... وللحديث بقية إن كان في العمر بقية! --- ### يوميات ديميدوس الضرير - Published: ۲۰۲٤-۰۲-۲۸ - Modified: 2024-03-21 - URL: https://tabcm.net/18275/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون بينما كنت أتجول في احدي المكتبات، وجدت كتاب قديم ومتهالك، تفوح منه رائحة العفن، وصفحاته مهترئة… لا أدري لماذا لم تتخلص منه المكتبة، ولم أدر لماذا جذب انتباهي! أخذت أتصفح أوراقه البالية كي اقرأ عنوانه: "يوميات الأنبا ديميدوس الضرير، أسقف بلاد ما وراء البحار"، وتوالت المفاجآت ل بينما كنت أتجول في احدي المكتبات، وجدت كتاب قديم ومتهالك، تفوح منه رائحة العفن، وصفحاته مهترئة... لا أدري لماذا لم تتخلص منه المكتبة، ولم أدر لماذا جذب انتباهي! أخذت أتصفح أوراقه البالية كي اقرأ عنوانه: يوميات الأنبا ديميدوس الضرير، أسقف بلاد ما وراء البحار، وتوالت المفاجآت لي. كان الكتاب كُتب من شعب يرزح تحت سلطة أحد الأساقفة، وعلى الرغم من أن عنوانه يبدأ بكلمة "يوميات"، لكن هذه اليوميات، على عكس المألوف، لم يكتبها الأسقف الضرير ولكن كتبها شعبه، لتكون شاهدا علي المعاناة، و تسجيلًا و تأريخًا لأحداث عاشوها وعاصروها. أيضًا اكتشفت من الكتاب أن الأسقف الضرير لم يكن ضعيف البصر، ولكن أهل بلدته وصفوه بهذا الاسم، لأنه كان في نظرهم: أعمي البصيرة. سوف أعرض عليكم في سلسلة من المقالات صفحات هذا الكتاب. . المحتوي يكفي لأعوام على أيّ حال. . مع اجتهادي في نقل اليوميات في إطار درامي لا يخلو من السخرية. (١) كتب أهل إحدى المدن في بلاد ما وراء البحار عن الأسقف ديميدوس الضرير، فقال: لما تنامي عدد شعب هذا البلد، وكانوا جميعا يعانون من نقص الحب والتعليم والرعاية، وكانت بحار بلادهم المالحة والباردة تضربهم كل يوم من مستنقع الأفكار والعادات والثقافات ما تسبب في ضياع أغلب أولادهم. وفي وسط هذه المعاناة، تصادف زيارة أحد الأحبار الكبار إلى بلاد ما وراء البحار. وحدث أن قابل الحبر الكبير أحد أفراد ذلك الشعب المسكين الحقير، والذي كان قد عزف عن الزواج وتأخر سنه، أو لم يجد من توافق عليه، لسنا نعلم، ولما لم يجد لديه الرغبة في الزواج اقترح عليه أن يترهّب مع وعد بالأسقفية، لما توسم فيه من الشباب والذكاء والطموح ومعرفة لغة أهل بلاد ما وراء البحار الأصلية، لدرجة أن الحبر الكبير وصفه أنه: يتحدث اللغة افضل من أهل البلد. وحدث الذي حدث وصار ذالك الشاب أسقفًا، بعدما قضي فترة قصيرة كراهب  لا تزيد عن عام واحد. وتهلل شعب ما وراء البحار، وظنوا انه سيأتي بعد الغيم أمطار، وبعد أن تملّح نهر بلادهم أن سينبع نبعًا عذبًا يرويهم و يروي أولادهم: ماءًا حلوًا مثلما اعتادوا في بلادهم الأصلية، قبل أن تقذفهم الظروف إلى تلك البلاد، التي أذاقتهم من الماء مرارة. ولكن، وبئس ما قد كان... إذ راح هذا الذي كان ينبغي أن يكون راعيا للنفوس، يشتري ويبيع ويتاجر في المال والفلوس. حيث البيزنس أهم من البنوّة، و السلطة أهم من الأبوة، وأصبحنا نري الكثير من البناء، ولكنه خال من الأبناء، ولا نعرف لمن تعود ملكية البناء، وتحولت اللغة الطلِقة والجذابة، إلى مجرد تواصل مع أهل البلاد الأصليين، وليس مع رعيته وأولادهم الناشئين، وتحولت الأمطار المرتجاه الي عواصف و أعاصير ليس منها نجاة، وزادت الهموم والأحزان، وزاد الحرمان الآن، في وجود الراعي الذي لم يكن يري الرعية، ولعل هذا سبب نعته منهم بالضرير، ومرت السنون وهذا الشعب المنكوب يتجرع من صنوف الظلم والحزن والحرمان ألوانا... (يوميات الأنبا ديميدوس الضرير، أسقف بلاد ما وراء البحار) وللحديث بقيّة... --- ### ﻻ تصنع لك تمثالا للأنبا أنطونيوس، لكن للعذراء ماشي - Published: ۲۰۲٤-۰۲-۲۷ - Modified: 2024-02-28 - URL: https://tabcm.net/18304/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, شئون علمانية - وسوم: أرنولد جاي, أسعد الخياط, أنبا أبرآم الثالث، مطران ورئيس أديرة الفيوم, أنبا يوأنس، أسقف أسيوط, إمبراطور ليو الثالث, الإخوان المسلمين, الجماعة الإسلامية, الحبل بلا دنس, العذراء حريصا, الغنوصية, الكنيسة القبطية, بروتستانت, بيوس التاسع، بابا روما, جرجس الجاولي, حرب الأيقونات, سيدة لبنان, عصر النهضة, ڤاتيكان, قديس بولس الرسول, قناة العربية, كنيسة السيستين, مار الياس الحويك, مايكل أنجلو, مرقيون السينوبي, هلينية, يهوه الفكرة الدينية لمنع فنون النحت والرسم بدأت مع اليهودية في الوصايا العشر: "ﻻ تصنع لك تمثالا منحوتا وﻻ صورة ما" لأن الإله يهوه ليس مطروحًا في اليهودية على إنه "ﻻ إله إﻻ يهوه" كما المكافئ الإسلامي مثلا، وإنما مطروح على إنه الأله الحقيقي وسط آلهه متعددة مزيفة، يتم الترميز لها في المنحوتات والصور عمومًا، وبالتالي جزء من الاعتقاد اليهوي هو جحد الآلهة المزيفة المصاغة بشكل فني طالعتنا الصفحة الرسمية لمطرانية الأقباط الأرثوذكس بالفيوم على بيانها الصادر برعاية الأنبا أبرآم الثالث، مطران ورئيس أديرة الفيوم، والذي يعلن فيه عن إزالة التمثال الذي أقيم مؤخرًا للأنبا أنطونيوس بديره العامر. شكر البيان كل من يهتم بتكريم القديسين دون الإخلال بتعاليم الكتاب المقدس وبعقيدة وطقوس وقوانين الكنيسة الأرثوذكسية، ثم استشهد بأية يهودية من العهد القديم: لاَ تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالًا مَنْحُوتًا، وذكرها مجزأة دون إكمال: وﻻ صورة ما (( راجع سفر الخروج ٢٠ : ٤، وسفر تثنية الاشتراع ٥ : ٨ )). يأتي بيان الهدم لتمثال الأنبا أنطونيوس، بعد شهرين فقط من إعلان د. جرجس الجاولي، والذي نشرت قناة العربية ((قناة العربية، تقرير بعنوان: بطول 9 أمتار ووزن 2 طن. . أستاذ فنون جميلة في المنيا ينحت تمثالًا للأنبا أنطونيوس ))، تقريرًا مصورًا عنه:  يأتي تمثال الأنبا أنطونيوس تاليًا على تمثال العذراء بدرنكة، والذي أقامه نيافة الأنبا يوأنس، أسقف أسيوط، استنساخًا لتمثال سيدة لبنان الذي أقامه البطريرك الماروني مار الياس الحويك عام ١٩٠٤ تخليدا لذكرى مرور ٥٠ عاما على إعلان البابا بيوس التاسع، بابا الفاتيكان، لعقيدة الحبل بلا دنس الكاثوليكية. وربما يكون من المفيد هنا معرفة أن الأنبا يوأنس والدته كاثوليكية المذهب، وظلت كاثوليكية بعد رسامته إلى أن توفاها الله وتم الصلاة على جثمانها في كنيستها الكاثوليكية في ملوي، المنيا. وأظن أن استحداث فكرة التماثيل بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية، أو هدمها، ﻻ ينم عن اهتمام بالفنون بقدر ما هو "طلقة كاشفة" عن أفكار الكنيسة المتناقضة والمختبئة تحت سجادة الصلاة، والتي ﻻ يمتلك أحد جرأة مناقشتها بشكل واضح. لأسباب تاريخية معقدة، تحول المصريون من صنّاع أعظم تماثيل العالم، إلى حثالة رجعيّة معادية للفنون، وبكل أسف فهذا الارتجاع الفني له مرجعية دينية واضحة. وسنكتفي في هذا المقال بالمرور السريع غير المدقق على أهم النقاط الدينية التي ساهمت في تحول العالم وقت أن جمدنا نحن عن الحراك. الفكرة الدينية لمنع فنون النحت والرسم بدأت مع اليهودية في الوصايا العشر: ﻻ تصنع لك تمثالًا منحوتًا وﻻ صورة ما لأن الإله يهوه ليس مطروحًا على إنه "ﻻ إله إﻻ يهوه" كما المكافئ الإسلامي مثلا، بل تقدم التوراة يهوة على أنّه الإله الحقيقي وسط آلهه متعددة مزيفة، يتم الترميز لها في المنحوتات والصور عمومًا، وبالتالي جزء من الاعتقاد اليهوي في الوحدانية هو جحد الآلهة المزيفة المصاغة بشكل فني ((في الفترة المُبكرة من تاريخ الشعب العبراني لم يكن الاعتقاد بوجود "إله واحد" بنفس المعنى الذي يبدو عليه اﻵن، الدين العبراني لم يكن Monotheistic ، لأن الصورة التي يقدمها سفر الملوك أو الكتب المُبكرة هو انه أحد أنواع الـMonolatrism ، بمعنى أن التوراة ذاتها تدعم الاعتقاد بوجود عدة آلهة، لكن الإله الوحيد الجدير بالعبادة هو يهوَه، بل أن هذا التصوّر لم يكن منتشرًا سوى عند النخبة المثقفة والكهنة والأنبياء، لكن أغلب عوام اليهود كانوا يعبدون عدة آلهة إلى فترة السبي تقريبًا، ولم يحدث أن اليهود عبدوا إلهًا واحدًا بالشكل التوحيدي المونوثيستي سوى في فترات قليلة. )). الفكرة تطورت في قصة إبراهيم، أبو الأنبياء، إلى سلوك عدائي في تحطيم الأصنام مصاغ على إنه عمل جيد وصالح وتقوى دينية. لذا ﻻ تستغرب سلوك بعض المصريين المعاصرين الذين كانوا يريدون هدم تماثيل أثرية في الأقصر، أو حتى تغطية تمثال السيدة "أم كلثوم" بالنقاب في الدقهلية. ويمكننا القول بشكل عام أن الإسلام أكمل الوتيرة اليهوية لنشأته وسط "كفار قريش"، والذين كانوا نموذجًا قويًا وتأسيسيًا في فكرة "عبادة الأصنام"، والتي بالتأكيد يجحدها الإسلام بشكل أعلى. فوحدانية الله في الإسلام هي وحدانية مونوثيستية ومختلفة عن وحدانية يهوه المونولاترية، والتعبير "ﻻ إله إلا الله" تعني مفيش إله تاني أصلا ﻻ مزيف وﻻ غيره. ، لذلك، يمكننا الفهم المعاصر لماذا استنكر أهالي الأقصر تعيين د. أسعد الخياط، عضو الجماعة الإسلامية، محافظًا على مدينة الأقصر إبان فترة حكم الإخوان المسلمين. لندع جانبا تطور اليهودية والإسلام في العموميات، ونركز بشكل مكثّف على أنفسنا كمؤمنين مسيحيين. المسيحية مرت بمسار مختلف في مسألة الفنون، والأهم هنا على الإطلاق هو لوقا البشير، يليه الرسول بولس، ويكتمل الثالوث بمرقيون السنيوبي صاحب أول تجميع لكتاب مقدس مسيحي ((يعد مرقيون السينوبي مهرطقًا غنوصيًا عند كل المسيحيين، لكن هو هنا لاستعراض تأثيره التاريخي المؤثر. )). لوقا البشير كان "رسام". والأمر هنا ﻻ يتوقف عند حب أو هواية طفولية تهالكت مع دراسة الطب أو اندثرت مع اهتمامه بالكرازة والتبشير. . ﻻ. . بل رسم البشير لوقا أيقونات مسيحية في العصر المبكّر، ربما يكون أغلبها مفقود، لكنه على الأقل أسس لفن الأيقونة في الكنيسة الأولى عبر رسمه لأيقونة السيدة العذراء مريم. والأيقونات هي فن كنسي مسيحي قائم على رسم البورتريه للشخصيات المقدسة. وبطريقة أخرى، هو فن معارض للتصور اليهوي: وﻻ صورة ما. بالتوازي مع لوقا البشير، كان بولس الرسول يساهم في تحويل المسيحية من مجرد "طائفة يهودية" إلى ديانة مستقلة بذاتها. (مأسسة للإيمان المسيحي على هيئة كنائس ذات تراتبية ونظام سلطة مستقل عن اليهودية)، وشهد هذا العصر محاربة لكثير من الأفكار اليهودية تحت مسمى مكافحة التهود، وقد ساهم ذلك بشكل كبير في أن المسيحيين الأولين كانوا أحرار من الثقافة اليهودية بما فيها من وراثة قبلية لدين / ناموس / شريعة أسباط أسرة يعقوب، والتي ظلت تُمارس بشكل طبقي منعزل اجتماعيًا في اليهودية الأرثوذكسية. فالمسيحية دين أممي مسكوني وليس ديانة أسرة كما اليهودية، وكلها عوامل ساهمت في الانفتاح على ثقافات وفنون العالم بأسره. أما الشخص الثالث، ماركيون ، والذي جمع أول كتاب مقدس للمسيحيين ضم فيه الشخصيتين السابقتين، لوقا وبولس فقط، ولم يضم البقية. ماركيون كان يرى فوارقَا واضحة بين "يهوه" وبين الإله الذي صاغه يسوع المسيح. لذا كان الكتاب المقدس الأول ﻻ يحتوي أيا من الكتابات اليهودية حيث يراه ماركيون عهدا قد انتهى، وكان يرى بولس هو الذي فهم أكثر من غيره فتضمن الكتاب المقدس رسائل بولس مع إنجيل واحد فقط: إنجيل لوقا، فنان الأيقونة الأممية ((ديل بي مارتن وكرستينا عزيز، مقال: كيف أصبحت أناجيل العهد الجديد "قانونية"؟ )). هذا الثلاثي سيتألق نجمه في الغرب، أما الشرق فأخذ مسارًا مختلفًا أكثر تدينًا وأكثر عزلة وأصولية. فالغرب ورث الثقافة الهلينية، وهم البارعين في النحت والرسم للأجساد العارية بشكل ماهر تشريحيا. لذلك، عندما دخلت المسيحية كدين جديد به أيقونات ورسم، فُتِح المجال لإبراز الجمال بشكل ديني مسيحي. أوربا المسيحية مغرقة في التماثيل والتصوير حتى للميتافيزيقا والكائنات الروحية غير المادية مثل تماثيل الملائكة أو صور الشياطين، ويظهر هذا بشكل واضح في فنون المعمار للبازليك بشكل فيه نحت على كشفات الأعمدة، أو رسم الجداريات والأسقف الداخلية للكنائس. على عصر النهضة، كان دافنشي قد صمم تصورًا فنيًّا رسم فيه وجه الله ذاته على سقف كنيسة السيستين التي تعكس خلق الإنسان الأول، وهي سابقة لم يجرؤ عليها إنسان آخر. أيضًا ﻻ أحد ينسى دور التماثيل في عصر النهضة الذي مهد لثورات على الكنيسة بعدها، وبالأخص الدور الذي لعبه تمثال داود العاري بنسختيه سواء لدوناتيلو أو لمايكلأنجلو، وكيف نجح الفنانون في عصر النهضة -رغم معارضة الكنيسة- في الإصرار على توصيل فكرة "بشرية النبي" لعوام الشعب عبر إظهار أعضاؤه التناسلية أو مؤخرته عارية. والفنانون في عصر النهضة هنا قد قادوا الناس للتفكير في عكس ما تروج له السلطة الكهنوتية عن عصمة الأنبياء أو أنهم بشر خوارق ((باسم الجنوبي، مقال: عن "سلاحف النينجا" التي صنعت "عصر النهضة" )). نقطة مفصلية أخيرة في تطور الغرب في مسألة فن النحت والتصوير: ظهور البروتستانت. في فترة حماية الكنيسة الأوربية (الكاثوليك ﻻحقا) لمسألة الفنون، تصيد لهم الأوربيون البروتستانت كل هذا وبشكل ديني متشدد. الوضع النهائي الذي استقر عليه الأمر أن الكنائس الكاثوليكية استطاعت احترام كل من فنون النحت والرسم والمعمار في الكاتدرائيات، وتجاوزت مخاوف التقديس أو التعبد للتماثيل بفضل الثقافة الأوربية التي تشاهد وتحترم الفنون عمومًا. بينما ظلت الكنائس البروتستانتية عالقة عند مسألة الرفض لكل ما سبق بتأويلات دينية متشددة. الوضع التاريخي بين الكنيستين قد قاد لحرب أهلية دينية عرفت باسم: حرب الأيقونات الثالثة ((حرب الأيقونات البيزنطية: Εικονομαχία‏، هو مصطلح يشير إلى فترتين من تاريخ الإمبراطورية البيزنطية، عارضت فيهما السلطات الدينية الإمبراطورية الدنيوية عبر استخدام الصور أو الأيقونات الدينية. وقعت «حرب الأيقونات الأولى» بين عامي 726 و787 تقريبًا. أما «حرب الأيقونات الثانية»، فوقعت بين عامي 814 و842 تقريبًا. بدأت حرب الأيقونات جراء حظر فرضه الإمبراطور ليو الثالث على الأيقونات الدينية، واستمر الحظر في عهد خلفائه. صاحب تلك الحرب تدمير الأيقونات المسيحية على نطاق واسع واضطهاد مناصري تبجيل أو تعظيم الأيقونات. بقي البابا على موقفه الداعم لاستخدام الأيقونات خلال تلك الفترة، وأدت كلّ تلك الأحداث إلى توسيع الشقاق المتنامي بين التقاليد البيزنطية والكارولنجية في الكنيسة التي كانت متحدة حتى تلك الفترة. سهّلت تلك الأحداث أيضًا عملية تناقص أو زوال الهيمنة السياسية البيزنطية على أجزاء من إيطاليا.  تنامى الدافع وراء تحطيم الأيقونات إثر تفسير لاهوتي للوصايا العشر، ومنع صنع أو عبادة الصور المنقوشة، جرى النقاش اللاهوتي خلال فترتي حرب الأيقونات جراء تغييرات في طرق العبادة الأرثوذكسية، ونتجت تلك التغيرات خلال القرن السابع عن ثورات سياسية واجتماعية كبرى في الإمبراطورية البيزنطية. ركزت التفسيرات التاريخية على أهمية منع الإسلام عبادة الأصنام (أو الصور) وتأثير ذلك على الفكر البيزنطي. وفقًا لأرنولد جاي: شجعت الانتصارات العسكرية الإسلامية خلال القرنين السابع والثامن مسيحيي بيزنطة على اقتباس موقف الإسلام الرافض للأيقونات الشعائرية أو التعبدية وتدميرها. أُكد أيضًا على دور النساء والرهبان في دعمهم لتبجيل الأيقونات. طُرحت النقاشات والحجج القائمة على المرتبة الاجتماعية، مثل القول أن تحطيم الأيقونات خلق انقسامات سياسية واقتصادية في المجتمع البيزنطي: وأن تلك الممارسة دعمتها الشعوب الشرقية من الإمبراطورية، وهي الأفقر وغير الإغريقية والتي تحمّلت مهمة التصدي لغارات العرب بشكل دائم. في المقابل، عارض الإغريق الأغنياء في القسطنطينية –بالإضافة إلى شعوب البلقان والمقاطعات الإيطالية– بشدة تحطيم الأيقونات. )) أين الأقباط الأرثوذكس في هذه العركات التاريخية الحاسمة؟ محضروش أي حاجة. . المسار عند الأقباط الأرثوذكس متوقف عند قبول الأيقونات دون التماثيل استنادًا على مضض إلى ما شرعنه لوقا في العصر المسيحي الأوّل. وليس أي أيقونات وإنما التراثية المستلمة (رجوعًا وتأسيسًا إلى ما سنه لوقا البشير بشكل تقليدي نقلي) مع الرفض المستتر والناعم لأي إبداع أو تغيير. . ﻻ نحت وﻻ رسم وﻻ أي فنون ((باسم الجنوبي، مقال: مورنينج من ده يا ولاد الكئيبة! )). لذلك، رأينا وسمعنا اعتراضات وانتقادات وآراء في مسألة تمثال العذراء بدرنكة، قوبلت بالتجاهل والاستمرار من أسيوط، كما رأينا وسمعنا اعتراضات وانتقادات وآراء (أقل بكثير) في مسألة تمثال الأنبا أنطونيوس بديره العامر، ومع ذلك قوبلت بالاستجابة وهدم التمثال بشكل محبط للفنان الذي تطوع بالعمل عليه لعامين كاملين. ولو حاولت بلورة الانتقادات أو حتى الاستجابات في قواعد محددة فلن تستطيع. ربما ﻻ يوجد عند الأقباط الأرثوذكس "نظام مختلف عليه"، وإنما هي بالأكثر: "فوضى متفق عليها". --- ### تعليقات وتوضيحات على "الاعتراف الأخير" - Published: ۲۰۲٤-۰۲-۲٦ - Modified: 2025-02-02 - URL: https://tabcm.net/18257/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: إفخارستيا, اللاهوت السكندري, النسطورية, بابا غبريال الثاني بن تريك, ساويرس الأنطاكي, سنكسار, ليتورچي, مجمع خلقيدونية البعض “استهول” أن يكون هناك “هَنَة” في قدس أقداسنا الليتورجية، بل حتى وجود شائبة فيمَا يتعلق ببطريرك تاريخي يسبغ عليه السنكسار القداسة، ويحتفي به. وأود التوضيح أن الأمر لا يتعلق بشخص البطريرك “غبريال بن تريك” فربما كان الرجل إصلاحيًا وراعيًا جيدًا، ولكن هذا لا ينفي الخطأ الجسيم الذي حدث في حبريته أثلج صدري جدا ما تلقيته من تعليقات، واستفسارات عن مقال البطريرك الغامض والاعتراف الأخير، هذا الاهتمام يشي بأننا في طريقنا لاستعادة كنيستنا. البعض "استهول" أن يكون هناك "هَنَة" في قدس أقداسنا الليتورجية، بل حتى وجود شائبة فيمَا يتعلق ببطريرك تاريخي يسبغ عليه السنكسار القداسة، ويحتفي به.  وأود التوضيح أن الأمر لا يتعلق بشخص البطريرك "غبريال بن تريك" فربما كان الرجل إصلاحيًا وراعيًا جيدًا، ولكن هذا لا ينفي الخطأ الجسيم الذي حدث في حبريته. حتى نستعرض التوضيحات سيلزمنا جلو الفارق بين مسيح الإسكندرية الكيرلسي، ومسيح أنطاكيَة النسطوري: المسيح عند السكندريين هو حرفيًا "عمانوئيل/ الله معنا"،هو الكلمة نفسه في جسدنا. الكلمة لا جسد له، المسيح هو الكلمة متجسدًا في ترابنا. الكلمة غير مدرك إلا بالفكر، المسيح هو الكلمة حين رآه الناس، حاوروه، ولمسوه. الكلمة طبيعة بسيطة/ أقنوم بسيط، المسيح تكون (وليس يتكون) من طبيعتين/ أقنومين، فأصبح طبيعة واحدة متجسدة (مركبة) / أقنوم واحد مركب. فنحن نقصد بالمسيح الشخص الذي سلمنا الآباء أنه هو الله الكلمة، الابن الوحيد المولود من الآب أزليًا بلا بداية، وبطريقة غير جسدية، هو نفسه ومن أجل خلاصنا اتخذ من الروح القدس ومن القديسة دائمة البتولية جسدًا ذا نفس عاقلة مفكرة، من نفس جوهرنا، لم يكن له وجود قط قبل أن يتخذه الكلمة، وبميلاده الزمني أظهر لنا العذراء أنها والدة الإله.   وهنا تكمن خصوصية الاتحاد الطبيعي/ الأقنومي، الذي تكون من طبيعتين/ أقنومين، يرفضان الوجود في استقلالية، فلا يمكن أن نعدهما اثنتين/اثنين، فلا يمكن أن نقول لاهوت وناسوت، أو الكلمة والإنسان المتخذ من العذراء، لأنهما كونا طبيعة واحدة متجسدة، أقنوم واحد مركب، شخص واحد، عمانوئيل، الرب والابن يسوع المسيح (ساويرس الأنطاكي، كتاب: محب الحق) لن يقبل السكندريون أبدًا أن يكون الإنسان (الناسوت) حاضرًا دون تحديدات قاطعة أنه جسد الكلمة، ونحن بـ"اشتراكنا" فيه في الإفخارستيا نصبح من جسده، قبل الكلمة تدبيريًا كل المحددات التي تحكم الوجود الإنساني نعم، ولكن لا يمكن إغفال أن هذا الجسد نفسه باتحاده بالكلمة ومنذ اللحظة الأولى بدأ رحلة تألهه (التي تكللت بقيامته)، فأصبح "ثوبه" يشفي الأمراض، رحلة التأله هذه عينها، نحن مدعوون لها وفيها باشتراكنا فيه. لذا فالتأله هو جوهرة تاج اللاهوت السكندري والمآل الوحيد لمساره الفكري، ولا يمكن عزله عن مقدماته، ودع عنك أغبياء الجهال. لذا جاءت الإضافة التي أسميتها "رقعة" في المقال السابق، وهي إضافة "المحيي" إلى "الجسد" في غاية من الأهمية، فالاعتراف الذي هو "خلقيدوني" بالتمام، استطاع رهبان "أبو مقار" بعد عناء طويل إضافة رائحة سكندرية عليه، لأن هذه الصفة تحديدًا "الجسد المحيي" استعملها القديس كيرلس في نصه البديع "ضد نسطوريوس" ليرد على ما قاله نسطوريوس عن الإفخارستيا على طريقة "اللاهوت لا يؤكل". ليس كذلك مسيح نسطوريوس: فالأنطاكيون يرون أن "البداية" بالكلمة صائرة حتمًا إلى الامتزاج بين الطبيعتين، فهم لا يفهمون كيف يكون "الجسد" محييًا، بينما تدبيريًا يجب أن تبقى الطبيعتان متمايزتان بثبات ودائمًا، حتى مع اتحادهما. فيقول نسطوريوس موجهًا حديثه إلى ق. كيرلس: لقد بدأت روايتك مع خالق الطبيعة، وليس مع بروسبون الاتحاد، أنه ليس الكلمة الذي أصبح ذو شقين، بل الرب الواحد يسوع المسيح هو الذي "في طبيعتين". ومن هنا ظهر التعبير "في طبيعتين" لاهوت وناسوت/ الكلمة والإنسان. للتجسد عند الأنطاكيين ثلاثة "شخوص": - يسوع الناسوت/الإنسان المخلوق. - الكلمة اللاهوت/ الإله الخالق. - المسيح بروسبون ثنائي القطب، لا يشير إلى الإنسان ولا إلى اللوجوس بل إلى الوظيفة المحددة للتدبير. فلا يصح أن نقول أن العذراء ولدت الكلمة/اللاهوت، إلا لو قلنا أنها ولدت الإنسان في نفس الوقت، والأدق لاهوتيًا -حسب نسطوريوس- أن نقول إنها ولدت المسيح. هرطقة أن نقول اللاهوت مات، لأن من مات هو الناسوت/ يسوع. لكن يمكننا أن نقول إن المسيح مات (كما تقول الكتب بحسبه) هرطقة أن نقول إن الناسوت أقام لعازر، لأن اللاهوت هو من فعل. وهكذا. الطبيعتان متمايزتان ومتواجدتان لتفعل كل منهما أو تتلقى ما يناسبها، ومع هذا هما في اتحاد دائم هو المسيح الذي يجمعهما. في كل مرة نذكر اللاهوت أو الناسوت نحن نستدعي مسيحًا ليس هو من تسلمناه من الآباء، بل مسيح يجمع الله الكلمة، والإنسان يسوع. مسيح يبدو منطقيًا، ولكنه لا يناسب خلاصنا البتة. فليس هو الكلمة الذي تجسد وتشارك معنا في اللحم والدم، ولا الابن الذي "بذله" الآب، مسيح نصبح معه مدينين للناسوت يسوع في خلاصنا وليس للكلمة. مسيح "في طبيعتين" لاهوت وناسوت، مسيح لا يستطيع أن يقودك إلى التأله لأن "لاهوته" لا يؤكل، وغني عن البيان هجوم نسطوريوس على فكر التأله السكندري، في نفس الوقت هو مسيح مناسب جدا للبلاجيين، الذين يرون أن الخلاص متوقف على الشخص نفسه، دون مؤازرة إلهية. أعد قراءة المقال السابق ستجد أن مسيح المقال هو مسيح نسطوريوس، الذي وحد الناسوت مع لاهوته، الذي أسلم الناسوت على خشبة الصليب، الذي -لحسن الحظ- احتفظ بهما معا دون انفصال لحظة واحدة ولا طَرْفَة عين. يتبقى سؤال أخير: هل من الخطأ ذكر اللاهوت والناسوت على وجه العموم؟كلا طبعا، شأن أي مفاهيم يتوقف الأمر على التوظيف، فلا مفر من استعمالهما في التنظير على سبيل المثال: "بالرغم من أن مسيرة البشرية استمرت ملايين السنين فإن حدثها الأبرز هو "اتحاد اللاهوت بالناسوت" في التجسد الإلهي". "لم يكن للبشر التخلص من حتمية الموت، إلا باللوذ بغير المائت، وهذا ما حدث في "اتحاد اللاهوت بالناسوت". مرة أخرى النسطورية والأنطاكية والخلقيدونية هي مفاهيم متطابقة ويمكنك استبدال أيهم بأخرى دون غضاضة. --- ### الحياة حرية والموت عبودية - Published: ۲۰۲٤-۰۲-۲۵ - Modified: 2024-02-29 - URL: https://tabcm.net/17788/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: إفخارستيا, سقوط آدم, شجرة المعرفة وَالَّذِي يَسِيرُ فِي الظَّلاَمِ لاَ يَعْلَمُ إِلَى أَيْنَ يَذْهَبُ (إنجيل يوحنا 12: 35) الذي لا يعلم إلى أين يذهب هو أعمى لأنه فقَد حرية الحركة إلى حيث يريد بالرغم من أنه يبصر. هكذا كان تشخيص المسيح لحال الإنسان وعبوديته حَيْثُ أَمْضِي أَنَا لاَ تَقْدِرُونَ أَنْتُمْ أَنْ تَأْتُوا (إنجيل يوحنا 8: 21) فالحرية مقترنة بالنور حين يملك الإنسان قراره في الذَّهاب إلى حيث يريد. وحرية الإنسان هذه قد أُظهِرَت في الإنسان ولأول مرة منذ سقوط آدم في شخص المسيح ابن الإنسان لأَنِّي أَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ أَتَيْتُ وَإِلَى أَيْنَ أَذْهَبُ (إنجيل يوحنا 8: 14) فالمسيح جاء لكي يؤسسها في ناسوته ميراثًا للبشرية الجديدة. وها هو المسيح يدعو كل بشر إلى تلك الحرية لأنه النور المطلق الذي ينير لكل إنسان يتبعه. أَنَا هُوَ نُورُ الْعَالَمِ. مَنْ يَتْبَعْنِي فَلاَ يَمْشِي فِي الظُّلْمَةِ بَلْ يَكُونُ لَهُ نُورُ الْحَيَاةِ (إنجيل يوحنا 8: 12) ومن ثمَّة قالها المسيح صراحةً: فَإِنْ حَرَّرَكُمْ الابْنُ فَبِالْحَقِيقَةِ تَكُونُونَ أَحْرَارًا (إنجيل يوحنا 8: 36)  حرية الإنسان هي أثمن عطية من الله للإنسان التي تميزه عن أي خليقة أخرى. ولكن الإنسان -للأسف- استخدمها فرصة لمعصية الله. فالله لم يمنع الإنسان من الأكل من شجرة المعرفة عكس وصية الله. بالتالي ابتعد عن الله بالخطية حيث لا حرية بل عبودية، فالإنسان بعد السقوط لا حرية له في تقرير مصيره والرجوع إلى الله، بسبب عبودية الأهواء التي صارت تتحكم فيه بالرغم من إرادته. لأَنَّهُ لَمَّا كُنَّا فِي الْجَسَدِ كَانَتْ أَهْوَاءُ الْخَطَايَا الَّتِي بِالنَّامُوسِ تَعْمَلُ فِي أَعْضَائِنَا، لِكَيْ نُثْمِرَ لِلْمَوْتِ (رسالة بولس إلى رومية 7: 5) وقد أوضح الرب أنهم ليسوا أحرارًا بل مستعبدين لإبليس: أَنْتُمْ مِنْ أَبٍ هُوَ إِبْلِيسُ، وَشَهَوَاتِ أَبِيكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَعْمَلُوا (إنجيل يوحنا 8: 44)  إن الخطية تفصل الإنسان عن حياة الله، بالتالي يموت الإنسان. وفي الموت لا حرية ولا إرادة لإنسان أن يجدد أو يغير حياته بتوبة أو أي جهاد مهما كان. بالتالي إن فقدان الحرية بالخطية سببه الموت وليس الخطية. وبالرغم من استعلان المسيح لهم إلا أنهم لم يستطيعوا أن يؤمنوا بسبب استعبادهم كأموات لا يملكون حرية الحياة: فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «النُّورُ مَعَكُمْ زَمَانًا قَلِيلًا بَعْدُ، فَسِيرُوا مَا دَامَ لَكُمُ النُّورُ لِئَلاَّ يُدْرِكَكُمُ الظَّلاَمُ. وَالَّذِي يَسِيرُ فِي الظَّلاَمِ لاَ يَعْلَمُ إِلَى أَيْنَ يَذْهَبُ. مَا دَامَ لَكُمُ النُّورُ آمِنُوا بِالنُّورِ لِتَصِيرُوا أَبْنَاءَ النُّورِ». تَكَلَّمَ يَسُوعُ بِهذَا ثُمَّ مَضَى وَاخْتَفَى عَنْهُمْ. وَمَعَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ صَنَعَ أَمَامَهُمْ آيَاتٍ هذَا عَدَدُهَا، لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ، لِيَتِمَّ قَوْلُ إِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ الَذي قَالَهُ: «يَا رَبُّ، مَنْ صَدَّقَ خَبَرَنَا؟ وَلِمَنِ اسْتُعْلِنَتْ ذِرَاعُ الرَّبِّ؟» لِهذَا لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يُؤْمِنُوا. لأَنَّ إِشَعْيَاءَ قَالَ أَيْضًا: «قَدْ أَعْمَى عُيُونَهُمْ، وَأَغْلَظَ قُلُوبَهُمْ، لِئَلاَّ يُبْصِرُوا بِعُيُونِهِمْ، وَيَشْعُرُوا بِقُلُوبِهِمْ، وَيَرْجِعُوا فَأَشْفِيَهُمْ». (إنجيل يوحنا 12: 35- 40) وهكذا”ملكت الخطية بالموت“(رسالة بولس إلى رومية 5: 21). فالخطية تسود بسبب الموت. . موت الانفصال عن حياة الله. ومن هنا كان تعبير الكتاب ”موت الخطية“. فلولا الموت ما كان للخطية سلطان على الإنسان. وخلاص الإنسان ليس بأن يتوقف الإنسان عن أن يخطئ لأنه ميت لا حرية له ولا قدرة أن يتوب ”ليس علي الميت حرج أن يخطئ“. ولهذا جاء المسيح الحياة لكي يبث الحياة في الإنسان الذي اتحد به بالتجسد لكي يتحد به كل بشر بالإيمان فيحيون، وإن أخطئوا يتوبون، فحياة المسيح صارت فيهم لا تفصلها الخطية بَعد بل تغسلها التوبة. هذا قاله المسيح "قال له يسوع: «الذي قد اغتسل (اتحد بحياة المسيح بالأإمان والمعمودية والإفخارستيا) ليس له حاجة إلا إلى غسل رجليه (التوبة)، بل هو طاهر كله (لأنه متحد بالمسيح الحياة). (إنجيل يوحنا 13: 10)، فلا مجال لأحد أن يقول لماذا استلزم خلاص الإنسان أن يتجسد المسيح بينما كان ممكنًا أن يغفر الله للإنسان خطيته؟ والإجابة أن الإنسان مات وأحتاج الحياة تدب في كيانه من جديد لا المغفرة. --- ### [٢١] قرارات غريبة - Published: ۲۰۲٤-۰۲-۲٤ - Modified: 2024-02-29 - URL: https://tabcm.net/18086/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون أنا جمعتكم النهاردة عشان أقولكم كذا خبر مهم، الأول أبونا بطرس هيرجع معاكم ويصلي وسطيكم في كنيسته وأكيد مش هيعمل حاجة غير لما يرجع لي، الخبر الثاني بكرة الصبح هنرقي أبونا أنجيلوس ونديله القمصية لأن أبونا يوناثان كان بيقول لي على حكمته وقدراته الإدارية شعر، الخبر الثالث إن إدارة كنيستكم هتبقى تحت إشراف أبونا أنجيلوس وده بطلب من أبونا يوناثان نفسه، يعني كده أبونا أنجيلوس بقى هو المسؤول عن الكنيسة قدامي، وتحت إشرافي لم تمض الساعة وكان الجميع مجتمعين في حضرة الأسقف، أبونا يوناثان وأبونا أنجيلوس، وأبونا إيلاريون وأبونا بطرس. - أنا جمعتكم النهاردة عشان أقولكم كذا خبر مهم، الأول أبونا بطرس هيرجع معاكم ويصلي وسطيكم في كنيسته وأكيد مش هيعمل حاجة غير لما يرجع لي، الخبر الثاني بكرة الصبح هنرقي أبونا أنجيلوس ونديله القمصية لأن أبونا يوناثان كان بيقول لي على حكمته وقدراته الإدارية شعر، الخبر الثالث إن إدارة كنيستكم هتبقى تحت إشراف أبونا أنجيلوس وده بطلب من أبونا يوناثان نفسه، يعني كده أبونا أنجيلوس بقى هو المسؤول عن الكنيسة قدامي، وتحت إشرافي. . ظل الجميع لعدة ثوان يحدق في وجه الأسقف إلى أن قطع الصمت أبونا بطرس وهو يصيح مستنكرًا: - ده اللي هو إزاي ده؟! الكلام ده ما ينفعش، الكلام ده هيخرب الكنيسة ويقسم الشعب فرق، أكتر ما هما متقسمين، وبعدين... قاطعه الأسقف بحزم: - ولا بعدين ولا قبلين، أنا مش عارف أنا أصلا صابر عليك أزاي؟! ولا صابر عليك ليه يا أبونا؟! ! أنا من ساعة ما جيت أسقف على الإيبارشية هنا ومسمحتش لحد إنه يعترض أصلًا، يعترضوا بينهم وبين بعضهم ممكن، يعملوا جروبات واتس أب ويصيحوا فيها بينهم و بين بعضهم وفاكرين إني معرفش حاجة مع إن سكرينات حوارتهم وڤويساتهم كاملة عندي، مش مهم بقول خليهم يتسلوا، طول ما محدش بيرفع صوته واللي بيحاول، مجرد محاولة بفرمه. ثم أشار بسبابته تجاه وجه أبونا بطرس محذرًا: - أبونا أنت شكلك عجبتك الفترة اللي قضيتها معايا في المطرانية، بس مش كل مرة هيبقى نفس الوضع، أنت لسه صغير، وعندك عيلتك وبيتك وزوجتك وعيالك، وشعبنا بسيط وغلبان وبلاش نسبب له عثرة ، كلامي واضح يا أبونا؟! ! فاهمني ولا لأ ؟! ! عاوز تعترض يبقى بينك وبين نفسك لكن اعتراضك يطلع من جوه فكرك ويتحول لكلام ده مش مسموح أبدًا. ثم ضرب على سطح المكتب بقوة قائلًا: - أنا هنا الأسقف، واللي أقوله يتسمع بالحرف الواحد بدون اعتراض، ولا حتى نقاش. . مفهوم؟! ! صمت الجميع ورفع أبونا أنجيلوس راحة يده طالبا الإذن بالكلام، و فكر أبونا إيلاريون في عقله بينه وبين نفسه: - صح كده، عفارم عليك يا أبونا أنجيلوس، المأزق ده ما ينفعش نخرج منه غير من خلالك، هو دلوقتي هيعتذر للأسقف ويقوله ما ينفعش أبقى الكبير وأنا كنت بقميص وبنطلون وقت ما كان أبونا يوناثان قمص، كلنا أولاده وهو كبيرنا يا سيدنا. قطع صوت الأسقف حبل أفكار أبونا إيلاريون وهو يقول: - أتفضل يا أبونا أنجيلوس عاوز تقول إيه؟ فوضع أبونا أنجيلوس ذراعه على كتف أبونا بطرس وهو يقول: متزعلش يا سيدنا من أبونا بطرس هو لسه صغير ومتسرع زي ما نيافتك عارف، وكمان معندوش خبرة، بس أنا الفترة اللي جاية هتبناه وأخد باللي منه، وهدي نيافتك تقرير يومي عن الكنيسة كلها كمان. نظر أبونا يوناثان باسمًا باستهجان ناحية أبونا أنجيلوس ثم ناحية الأسقف ولم ينبث ببنت شِفَة، وفغر أبونا إيلاريون فاه على آخره متعجبًا، ولم يتحمل أبونا بطرس السكوت فوجه كلامه إلى أبونا أنجيلوس: - إيه؟! ! هي الدنيا عادي كده مع قدسك؟! ! مش هتعترض؟! ! هتوافق عادي إنك تبقى الكبير عادي وأبونا الكبير موجود؟! ! هي على فكرة مش كرسي إدارة في شركة كنت قلت لقدسك إنها مش بتدوم لحد، ده أبونا يوناثان اللي ربانا كلنا وربى أهالينا وكلنا عرفنا يعني إيه كنيسة وخدمة من خلاله قدسك واخد بالك! ! حول أبونا أنجيلوس وجهه وهو يقول: - أنا مليش إني أوافق أو اعترض، اللي يقوله سيدنا يتنفذ بالحرف الواحد ولو على رقبتنا كلنا، وأبونا يوناثان كبير وهيفضل كبير ومقامه محفوظ، أنا مليش دعوة يا أبهات، أنا بنفذ وهنفذ اللي يتقال لي. بسخرية شديدة رد أبونا بطرس: - يا سلاااااااام نظر إليه الأسقف بغضب شديد وحذره قائلًا: - لو أتكلمت تاني يا أبونا بدون إذن أنا هخرجك بره! ثم التفت موجهًا كلامه لأبونا أنجيلوس: - بكرة الصبح يا أبونا هرقيك قمص، في قداس بكرة بإذن الله. تفاجأ أبونا أنجيلوس وقال: - بكرة الصبح على طول كده يا سيدنا، أنا كده مش هلحق أقول لحد من أهلي وأقاربي عشان يجوا يشاركوني المناسبة المفرحة ديه، الواحد مش بيترسم قمص كل يوم، ديه مرة واحدة في العمر يا سيدنا، وأنا نصف أقاربي في المنيا فعلشان أبلغهم ويحجزوا القطر وييجو من السفر الصبح ده مستحيل، ماينفعش نأجلها كام يوم بس يا سيدنا لو سمحت؟! - أنا قلت بكرة الصبح يعني بكرة الصبح خلاص انتهى، وترجع تقعد مع أبونا يوناثان يسلمك كل حاجة مفهوم؟! - اللي تشوفه يا سيدنا، بس حاللني عندي طلب كمان عاوز أخد رأي نيافتك في كام نقطة والأبهات قاعدين عشان بس محدش يقول إني بتصرف من دماغي وأهو تبقى الشورة شورة نيافتك، و الأمر في الأخر يبقى أمرك يا سيدنا. . - اتفضل - حاللني يا سيدنا، نيافتك عارف إن الناس بقى مشاغلها كبيرة، و ساعات بيكون عندنا جدول خدمة طويل عريض بعد القداس، والناس بتزهق وتمل، فياريت الآباء بعد إذن نيافتك ما يطولوش في العظة عن عشر دقائق، ويبسطوا على الناس بلاش كلام وعظات فلسفية صعبة على الشعب البسيط عشان الناس ما تعثرش لأنهم بيزهقوا من التطويل في القداس. حاول أبونا بطرس أن يهمس في سره ولكن صوته ظهر واضحًا و مسموعًا للجميع وهو يقول: - بيزهقوا من العظة و بالنسبة للقسمة اللي بتاخد ساعة إلا ربع كلها عياط وشحتفة من غير دموع ده اللي عادي! ! لم يتمالك الجميع أنفسهم فضحك أبونا إيلاريون وأبونا يوناثان بصوت عالي لم يسكتهم غير صوت الأسقف وهو يقول: - بس، مش عاوز نفس، معاك حق يا أبونا أنجيلوس العظة متزيدش عن ١٠ دقائق، ولو قدسك شايف إن قداس القراءات طول، ممكن نلغي عظة القداس اليوم ده وتكملوا القداس من غير عظة والعظات والمحاضرات تبقى في الاجتماعات والعشيات كفاية. - تمام يا سيدنا اللي نيافتك تشوفه، حاجة كمان بمناسبة الاجتماعات بقى، ياريت نيافتك تنبه بلاش ازدواجية الاجتماعات يعني مثلًا أنا بعمل درس كتاب في العشية بتاعتي، ما ينفعش يجي أبونا فلان أو علان بدون ذكر أسامي يعني، ويروح عامل اجتماع موازي ويخطف الشباب والشعب مني، لا مؤاخذة يعني يا أبونا بطرس. - أخطف شباب إيه أو شعب إيه يا أبونا، قدسك الكاهن الوحيد اللي في الإيبارشية اللي بتعمل طمبلة أسبوعية فيها هدايا خلاطات وبوتجازات بالألفات، والناس بتحضر عشان الهدايا، فهاجي إيه أنا جنب قدسك أنا ولا بعمل سحب و لا جوايز، الشوية اللي قدسك بتشوفهم بيحضروا معايا دول ناس جاية تسمع وتتعلم وعارفة أن مفيش هدايا ولا حافز غير العظة اللي هيروحوا بيها، يا أبونا قدسك سايب كل القطيع اللي عندك ومستخسر فيّ المعزة اللي معايا. قاطعه الأسقف موجهًا كلامه لأبونا أنجيلوس: - مفيش مشكلة يا أبونا، أنا كده كده متفق مع أبونا بطرس، إنه مش هيعلم ولا يوعظ لحد ما أنا أقول، وكده كده هو لسه مش بياخد اعترافات، فممكن ميعاد العشية بتاعته ياخده أبونا إيلاريون يصلي فيه وأبونا بطرس يصلي معاك العشية بتاعتك. - لو أبونا بطرس هيتضايق من الحضور معايا العشية بتاعتي يا سيدنا ممكن يصلي مع أبونا يوناثان أو أبونا إيلاريون، وبرضك يا سيدنا اللي نيافتك تشوفه أوامر علينا كلنا. - لأ، ده أمر بينكم وبين بعضيكم، اعمل أنت يا أبونا أنجيلوس جدول القداسات والعشيات والخدمة عمومًا و بلغ بيه باقي الآباء. - حاجة أخيرة يا سيدنا بعد إذن نيافتك. . - اتفضل. - أبونا إيلاريون ماسك خدمة المرضى وديه بيحصل فيها تضارب كبير مع خدمة إخوة الرب، فبدل ازدواجية القرارات ممكن نضم الخدمتين مع بعض وأمسكهم أنا مع بعض، وطبعا برضه اللي تشوفه نيافتك يا سيدنا. - ماشي مفيش مشكلة، ضم الخدمتين، وعاوز تقرير يومي مفصل يكون عندي، أنت المسؤول قدامي، وهحاسب قدسك على كل حاجة. . - متقلقش يا سيدنا، هتشوف كنيستنا في حتة تانية خالص الفترة الجاية، ومفيش مجال لأي نوع من العشوائية من هنا ورايح. . يتبع . . --- ### الفساد الذي انزلقت له الكنيسة - Published: ۲۰۲٤-۰۲-۲۲ - Modified: 2024-02-22 - URL: https://tabcm.net/18150/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: الأب متى المسكين, الكنيسة القبطية, المجلس الملي, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس السادس, دير الآباء السريان, كنيسة الإسكندرية إن موضوع الأربعة الكبار والصراع الذي دار الذي أقدمه يعرض أصل المشكلة فقط! لكنه لا يُشكل سوى جزء يسير من حجم الشر والفساد الذي دمر الكنيسة في عصر الأنبا شنودة عبر 40 سنة. أخي المحبوب... لقد حاولت تنفيذ ذلك العمل، وتم تسجيل 40 فيديو تحت عنوان "الأربعة الكبار والصراع الذي استمر على مدى الستين عامًا الماضية"، ولو أراد الرب سيصدر في كتاب. أرى أن بَدْء انحراف الكنيسة القبطية كان بما أسمته مدارس أحد الجيزة بحركة التكريس وكان هدفها تحقيق السيطرة على الكنيسة برسامات بعض أفراد من الجيزة في رتب كهنوتية تصل للبابا نفسه! أما الصراع الحقيقي فقد بدأ عند ذهاب أبونا متى المسكين للإسكندرية كوكيل للبابا (وهو من مدارس أحد الجيزة) فأحرز شعبية ضخمة جدًا بسبب تعاليمه الروحية، إن ذلك حرك غَيْرَة جبهات متعددة قامت لتحاربه كان أخطرها انقسام في مدارس أحد الجيزة عمن يكون البابا القادم! كان ذلك سببًا في ترك أبونا متى للإسكندرية، ثم ترك دير السريان عام 1956. أما الحرب الكبرى فبدِأت عند وصول البابا كيرلس السادس للسدة المرقسية وسيطرة الجيزة على سكرتارية البابا كيرلس، حيث دارات أكبر معركة في محاولات لتدمير كل من أبونا متى المسكين والأنبا غريغوريوس، في الوقت الذي تم فيه التحالف بين الأنبا شنودة والأنبا صموئيل بهدف تدمير الاثنين الآخرين، حيث دارت أكبر معركة شملت محاولة لقتل أبونا متى مع رهبانه بتسميم بئر المياه بالزرنيخ! ! ! برسامتهما أسقفين في عام 1962 حققا نصرًا كبيرًا ودعما للمقدرة على السيطرة على أي انتخابات بابوية قادمة. إلا أن ذلك زاد الصراع جدًا مما أرهق البابا كيرلس حيث تعرض هو نفسه لمتاعب جمة من الأسقفين اللذين تناسا تمامًا أي هدف روحي كنسي وكان كل عملهم من أجل الوصول للبطريركية بأي ثمن وعن أي طريق حتى الوسائل الشريرة غير المشروعة. هنا بدأت الانحرافات اللاهوتية شديدة الْخَطَر للأنبا شنودة بسبب هجومه غير الواعي على كل ما يكتبه الأب متى المسكين دون تروي وبضراوة مع جهل لاهوتي!   إن ذلك واضح في مذكرات الأنبا غريغووريوس. انحرافات الأنبا شنودة اللاهوتية كان لابد من مقاومتها من الأول حتى لا تستفحل للحد الذي بلغت إليه خصوصًا بعد أن أصبح بطريرك الكنيسة القبطية! وأصبحت له شعبيته ودعم نفسه بمجموعة من الشخصيات الخطرة التي لم يسبق أن كان لهم أي معرفة لاهوتية فساندوه في كل ما يقول ويفعل من أخطاء كارثية استمرت على مدى 40 عامًا دمرت كل ما كان في الكنيسة القبطية من جمال وتعليم وتقليد أصيل. أخطاء الأنبا شنودة الخطرة عل الكنيسة بدأت بأخطاء لاهوتية انحرفت بإيمان الكنيسة القبطية أول مرة في تاريخها عبر 2000 عام! ثم أخطاء رعوية وتدبيرية جسيمة جدًا انحرفت بالأداء الكنسي مما أفسد حياة الشعب القبطي في كافة مناحيه. لقد كسر الأنبا شنودة جميع القوانين الكنسية في كافة المجالات، أهم تلك الأخطاء الكارثية؛ قوانين الأحوال الشخصية، قوانين اختيار وانتخاب البطريرك والأساقفة، المحاكمات الكنسية التي تحولت لمهزلة كبرى، المجلس الملي وطريقة انتخابه ومسئولياته، التوسع في وظيفة الأسقف العام، النظام المخالف للقانون الكنسي تمامًا، حيث صار الأسقف العام عبء على الكنيسة يفسد كل شيء بلا محاسبة، ابتكار نظام المكرسات أحد أخطر الأنظمة المفسدة للكنيسة القبطية، ولقد توسع بعض الأساقفة المستهترين في هذا النظام ونشر الفساد في الكنيسة القبطية. لقد أُفسدت الرعاية الكنسية في عصر الأنبا شنودة تمامًا كما تفشت السيمونية -أي شراء المناصب الكهنوتية- وارتفعت الأسعار لمستوى لا يملكه إلا الأغنياء من الشعب. ومن الأمور التي فسدت تمامًا التعليم الكنسي وتوقف التعليم وتحول لمجرد دعاية لشخص البابا و"شلة" أساقفته الجهلة، حيث تم الصرف بلا حساب على الإعلام الكنسي المفسد للحقيقة والمضلل للشعب الذي لا يقرأ ولا يتعلم حيث صارت مصادر معرفته هو الإعلام الفاسد المفسد للمعرفة. إن موضوع الأربعة الكبار والصراع الذي دار الذي أقدمه يعرض أصل المشكلة فقط! لكنه لا يُشكل سوى جزء يسير من حجم الشر والفساد الذي دمر الكنيسة في عصر الأنبا شنودة عبر 40 سنة. --- ### حياد؟.. حياد مين؟! - Published: ۲۰۲٤-۰۲-۲۰ - Modified: 2024-02-17 - URL: https://tabcm.net/18074/ - تصنيفات: مقالات وآراء ولكن لا... لا يهم... إننا بكل "حيادية" الأفضل خلقا وسلوكًا -وخلاص! هو كده- وهذا هو الواقع ونحن من نقرر! وفي هذا الواقع الزائف "المحايد" والخالي من المواربة، نصدق وهم الأفضلية مثلما صدقنا وهم الحياد في مشهد لا يخلو من السخرية، أقف متعجبًا أمام من يدعون الحديث عن الحياد طوال الوقت، وكأنهم يتهيؤون لتأليف الكتب التاريخية المزورة! أنت مثلًا لا ترى المنتخب المصري فاز أبدًا بمباراة بضربة جزاء ظالمة، حتى الآن! ولن ترى، لأن جميع ضربات الجزاء التي حسبت للمنتخب المصري عادلة تمامًا، ولعلها "جزء من سحر كرة القدم" وغالبًا الأسود منه! ومع ذلك يصمت الجميع عن الموضوع وهم سعداء... فأين ذهب الحياد المزعوم هنا مثلًا؟! فليذهب الحياد للجحيم إذن، إن كان مقابلة الخسارة في الرياضة! نقطة! هذا هو رد الناس ولو تظاهروا بالحياد، ومثل الرياضة، في السياسة أو الدين أو حتى الجنس! يبدو أنك وأمثالكم يا معشر المحايدين قد أصبحتم مقتنعين بأن الكذب تحت غطاء الحياد -وليته حياد حقيقي- أصبح ضروريًا للبقاء على قيد الحياة، مع أنّه  -أي الكذب- ضروري أيضًا مثله لدخول جهنم! الأكثر من ذلك، أنكم أكثر اهتمامًا بأن يطلق الناس عليكم لقب "المؤمنين" حتى لو زورًا، بدلًا من أن تكونوا مؤمنين حقيقيين، وتتحملون "ضريبة" أن يجهل الناس بوجودكم، بما أن الجمع بين "الميزتين" صعب في هذا الزمان! نحن نفتقد الشجاعة أو الأمانة لمواجهة الحقائق وقبلها مواجهة أنفسنا، ونفضل أن نعيش ونكذب أو ربما نكذب لنعيش، ونستمر في إخفاء أكاذيبنا تلك حتى عن أنفسنا، حتى نصدق أكاذيبنا، مع أن أول خطوة لخلق "مصر جديدة" هي الاعتراف بالحقيقة والصدق ومواجهة كذبنا هذا الذي نفضله عن الحقيقة، ولو كان ثمنها خسارة مباراة كرة قدم! بالطبع، فنحن دائمًا الأفضل خلقًا من بقية الناس، لا لشيء إلا لأننا أسماء وعلى ورق وبطاقات الحكومة المصرية "مؤمنين"، أفضل حتى من أولئك الذين يعملون بجد ويصبحون أشخاصًا أفضل وأكثر نظافةً ونقاءً ورقيًا من الناحية الإنسانية "الحقيقية"، مع أنهم قد لا يكونون "نظريًا" متدينين بحق أو بقوة وفقا للشعائر أو الطقوس مثلنا، بل وربما غير متدينين على الإطلاق! ولكن لا... لا يهم... إننا بكل "حيادية" الأفضل خلقا وسلوكًا -وخلاص! هو كده- وهذا هو الواقع ونحن من نقرر! وفي هذا الواقع الزائف "المحايد" والخالي من المواربة، نصدق وهم الأفضلية مثلما صدقنا وهم الحياد، لكن لا يوجد حياد في أي إعلام، أو تاريخ، أو حتى دراسة مقارنة! الحياد نسبي للغاية، وقد يجعلك تكره نفسك عندما تدرك مدى الفضل الذي تعيش فيه وتصنعه من حولك! والعيب فينا وعلينا- نحن المتدينين بقوة- هو افتقادنا للأمانة مع أنفسنا، وارتياحنا للكذب والانحياز، والضيق من الصراحة الذاتية، والهوس بتقييم الآخرين وإدانتهم في حياتنا الشخصية، خصوصا إذا كان هذا الآخر ثريًا، ويقاس عليك بمدى مشترياتك وهباتك ومجاملاتك المادية لهم، دون غيرهم، بينما تتظاهر أنت ومن مثلك بالكثير من الأعذار لتفادي مسؤولياتك وواجباتك -وعلى رأسها طبعا تلك التي تجاه زوجتك وأمك وقبلهم أولادك- بأنواع مختلفة من الأكاذيب والأعذار الهشة لتخفيف ضغط الضمير والشعور بالارتياح المؤقت، ويبدو أن ضميرك في الحقيقة قد أصبح ميتًا تمامًا يا صاحب الإيمان! يا له من لغز لا يُفهم! كيف استطاع الآخرون- غير العرب ولا المصريين- أن يتقدموا ويستنير وينشر ويتطور، بينما نحن مرتبطون بالأسفل ونتخبط في الظلام؟ إذا تجاهلت ما تسميه "رَفَاهيَة" الحرية والتنوير والمنهج العلمي، وإن صرفت نظر عما تسميه "طنطنة" الشفافية والنزاهة والمواطنة، فلن تستطيع أبدًا "يا عزيزي المواطن يا عزيزي الفقير" أن تأخذ منها سوى ما يناسبك فقط وتترك الباقي في "الأوبن بوفيه"، لن تستطيع البحث عن السعادة أينما وجدت دون دفع أي ضريبة! ولن تكون خالصة بلا شوائب، يجب عليك أن تتفق وتتوائم وتتماهى مع فكرة "الباكيج" أو "العبوة" في الحياة، وهي تعطيك ما ينفعك ويصلح لك ويفيدك حتى لو كلفتك أن تتخلص طوعًا وطواعية من "عاداتنا وتقاليدنا و... و... ". وليس طويلا فحسب... لا... لكن طول عمرك! لا يمكنك أبدا أن تعيش في مجتمع يوتوبي، لأننا لن نستطيع أبدا أن نأخذ من "الغرب الكافر" شيئا ينفعنا فقط والآخر لا، وإن كان الحل هو الديموقراطية، فلا ديموقراطية بلا عَلمانية، وفي غياب الحرية، فلا ديموقراطية ولا عَلمانية ولا هم يحزنون! وأرجوك التوقف عن الحديث المكرر عن الحياد المطلق في أي إعلام، لأنه لا يوجد شيء كهذا! فنحن لسنا من النوع الذي يحتاج إلى كل هذه الأشياء، نحن لسنا "بتوع" الحاجات الجديدة، بل نحن "بتوع" الهروب من بوكس البلدية والفوضى والهمجية، ونقضي معظم وقتنا نلوك تلك العبارات الجوفاء عن "عاداتنا وتقاليدنا وثقافتنا" وبعدها نحط لساننا في فمنَا، ونصعر "أقفيتنا" للصفع والركل والدهس والسحل، و"نجيب وراء المخلوع معزولًا أسوأ منه! والحدق يفهم... تاني! إذا كنا فعلًا نريد أن نصبح دولة مزدهرة وعادلة مثلهم، فعلينا التوقف عن التمترس خلف عاداتنا المتجذرة وتقاليدنا الفاسدة، التي أصبحنا نعيش عليها ونعيش بها وكأنها حيلة يستخدمها من لا حيلة له، حتى عندما يذكرنا الزمان بفشلنا وخيبتنا، خاصة عندما نقارن ونحلل سبب هزائمنا ونكباتنا، وعلينا أيضا التوقف عن الانغماس في وهم المعارك الكُرَوِيّة الإفريقية الجوفاء، وذلك بصبر عجيب لا يتوفر لدينا مثله أبدًا للعمل ولا للإنتاج ولا للإبداع بل ولا حتى للحب! ما أعجب أولياء الله الصالحين من المصريين في هذا الزمان! وللحديث بقية إن كان في العمر بقية... --- ### البطريرك الغامض والاعتراف الأخير - Published: ۲۰۲٤-۰۲-۱۹ - Modified: 2025-02-02 - URL: https://tabcm.net/18125/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: الكرسي المرقسي, الكنيسة القبطية, النسطورية, بابا غبريال الثاني بن تريك, بابا كيرلس عمود الدين, بيلاطس البنطي, فاطميين, مجمع خلقيدونية, يوأنس الخامس مع مطالع القرن الثاني عشر، كان الفقر المدقع قد نال من الكنيسة والشعب بسبب الجبايات الجائرة لتمويل الحرب ضد الصليبيين، والتي طالت الأقباط أكثر من العموم خوفا من تسرب أموالهم لدعم الصليبيين. جلس البابا مكاريوس الثاني على الكرسي المرقسي ست وعشرين عاما ونيف، وبقا الكرسي شاغرا أكثر من سنتين بعد نياحته، حتي ظهر "أبو العلا بن تريك" في الساحة البطريركية مع مطالع القرن الثاني عشر، كان الفقر المدقع قد نال من الكنيسة والشعب بسبب الجبايات الجائرة لتمويل الحرب ضد الصليبيين، والتي طالت الأقباط أكثر من العموم خوفا من تسرب أموالهم لدعم الصليبيين. جلس البابا مكاريوس الثاني على الكرسي المرقسي ست وعشرين عاما ونيف، وبقا الكرسي شاغرا أكثر من سنتين بعد نياحته، حتي ظهر "أبو العلا بن تريك" في الساحة البطريركية. كنسيًا، لم تكن الأمور في أحسن أحوالها، لا قدرة على توفير الأموال اللازمة لرسامة بطريرك جديد، ولا اتفاق على مرشح. تولى رجل "خلقيدوني! ! " مهمة "إقناع" أولى أمر الدولة، وربما الأقباط، بتنصيب "أبا العلا بن تريك" بطريركًا على الكرسي المرقسي، وفي يوم أمشيري أصبح "غبريال الثاني" البطريرك السبعين في عداد بطاركة الإسكندرية. استهل الرجل حبريته بأزمة كنسية كبيرة، في قداسه الاحتفالي الأول -وكانت العادة أن يكون بدير أبو مقار - حين أضاف الرجل من عندياته في الاعتراف الأخير عبارة: وجعله واحدًا مع لاهوته، فأنكر عليه الرهبان ذلك، واستقر النقاش على إضافة "بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير" ثم فرضها على جميع الإكليروس للصلاة بها. ورغم أن الأمر لاقى مقاومة واسعة، حتى انه استدعى الكهنة المعترضين ليتلوا الاعتراف بصورته هذه أمامة،حتى استقرت في النهاية. هذا ما تسرده المصادر التاريخية، ولكنني شخصيًا أتشكك كثيرًا في سبب هذا الاعتراض الذي لا اشك انه كان عاتيًا. أما لماذا التشكك، فلأن - وهذا رأي شخصي اعلم أنه سيفتح صندوق باندورا - الاعتراف بصورته الحالية شديد الركاكة، ولا يعبر عن إيماننا السكندري الأفسسي، فضلا عن أخطائه المزعجة، فأعتقد انه بكامله مدسوس، ولم يكن موجودًا أبدا قبل حبرية هذا البطريرك. هذه الجملة فقط وجعله واحدًا مع لاهوته من فرط خطلها وزيغ صياغتها، قد تُفسر على أنها مونوفيزية، وقد تفسر على أنها نسطورية. ستظن أنني مجنون. أنا نفسي بحثت الأمر -كوني مجنونا- بصرامة، ولكن ليكن، لا بأس، امنحني بضع دقائق وكن خلالهم "على قد عقلي" فضلا، ربما إن فحصنا الأمر بمسحة من التفصيل ستصدقني أن هناك اختراقات تاريخية كثيرة حدثت لكنيستنا وأننا لم نستطع التعافي منها. صيغة الاعتراف: آمين آمين آمين، أؤمن أؤمن أؤمن، وأعترف إلى النفس الأخير، أن هذا هو الجسدالذي أخذه إبنك الوحيد، ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح، من سيدتنا وملكتنا كلنا، والدة الإله، القديسة الطاهرة مريم، وجعله واحدًا مع لاهوته بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير، وأعترف الأعتراف الحسن أمام بيلاطس البنطي، وأسلمه عنا على خشبة الصليب المقدسة، بإرادته وحده عنا كلنا، بالحقيقة أؤمن أن لاهوته لم يفارق ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين. يعطى عنا خلاصًا وغفرانًا للخطايا وحياة أبدية لمن يتناول منه. أؤمن أؤمن أؤمن، أن هذا هو بالحقيقة، آمين. دع عنك هذا الخطأ أن يكون "يسوع المسيح" هو آخذ الجسد، وليس الله الكلمة الذي لم يصبح المسيح يسوع إلا بعد أن أخذ هذا الجسد، وبعد أن مسحنا فيه في عماده، فهذا الخطأ هيّن إذا نظرنا لباقي المآسي. ماذا عن وجعله واحدًا مع لاهوته؟ لن يشفع للاعتراف هنا النفي اللاحق: بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير، لأن العبارة لا تحمل تفسيرًا لهذا "الواحد"، والذي قد يفهم منها هو التماهي بين الطبيعتين والتي ستقود حتما إلى المونوفيزية. فحين صك آباؤنا العبارة الملهمة "طبيعة واحدةمتجسدةلله الكلمة" حملت التفسير في متنها، لأن كلمة "متجسدة" تعبر عن بقاء "الجسد" كاملًا، حاضرا وفاعلًا. يقول القديس كيرلس: لأننا لو أمسكنا بعدما قلنا "طبيعة واحدة" مهملين التدبير ودون أن نضيف "متجسدة"، لكان من المحتمل-وعندهم سبب مقبول-أن يتساءلوا مدعين: "أين هو الكمال في الطبيعة البشرية؟ أو: كيف صار جوهرنا قائمًا فيه؟" ولكن بما أن كمال الطبيعة البشرية، وأيضا الإشارة إلى جوهرنا قد انجلى بقولنا "متجسدة" فليكفوا إذن عن الاتكاء على قصبة مرضوضة. (القديس كيرلس الكبير، الرسالة الثانية الى سكينسوس) هل انتهت هنا شبهة المونوفيزية بهذه الإضافة؟ ربما، ولكن ماذا عن النسطورية؛ علام تشير "لاهوته" هنا، وإلى من يشير ضمير "الهاء"؟؟ هل هي للكلمة؟ ولكن الكلمة ليس إلا لاهوتًا فلا يوجد فيه شيئ آخر يجعلنا نقصر الاتحاد على "لاهوته" ونستبعد هذا الشيء الآخر، ستحمل السطور القادمة تفسيرًا لهذا العيب الجسيم في التعبير. ماذا عن وأسلمه عنا؟ من أسلم ماذا؟ هل يقصد أنّ "الكلمة" أسلم جسده، وبقا هو متفرجًا؟ أليس هذا تقسيمًا نسطوريا لغير المنقسم! ! قارن الفارق بين هذه العبارة وعبارة القداس الباسيلي: وأسلم "ذاته" فداءً عنَّا إلى الموت الذي تملَّك علينا. ونصلي أيضا: لأنه فيما هو راسم أن يسلم "نفسه" للموت عن حيـاة العالم... هل تستشعر هنا يا رعاك الله الهوة الفادحة بين أن يسلم الكلمة "شخصه" وبين أن يسلم "جسده"؟ الأولى تعني انه "هو" مات "بالجسد"، بينما الثانية تعني أنّ "الناسوت" المأخوذ من العذراء هو من مات، على طريقة نسطوريوس. ماذا عن لاهوته لم يفارق ناسوته؟ هنا نأتي الى مربط الفرس. هنا الضوء الكاشف الذي سيزيح أيّ لبس. سنكتشف هنا أن ما يعنيه من البداية بـ"يسوع المسيح" ليس هو "الكلمة المتجسد"، بل الكيان الافتراضي الحامل للطبيعتين؛ اللاهوت والناسوت، والناتج عن اتحادهما، وكأنه دخل جحر الضب خلف نسطوريوس ومشايعوه. أعد عزيزي القارئ قراءة الاعتراف من بدايته على ضوء هذا الاكتشاف ستجد أن كل ما حذرنا منه القديس كيرلس والقديس ساويرس هو حاضر وبشدة في هذا الاعتراف. نحن نقبل القول: "كامل في اللاهوت"، وهو نفسه "كامل في الناسوت". لأن كلا من الطبائع هنا تشير إلى الطبيعة العامة، فهو كامل في اللاهوت مثل الآب والروح، وهو نفسه كامل في الإنسانية مثل عمرو وزيد ومثلنا جميعا تمامًا دون الخطية بالطبع. (لاحظ أننا لا نقبل هذه العبارة بدون "هو نفسه") ولكننا لا نقبل: "كامل في لاهوته وكامل في ناسوته" لأن الطبائع هنا تتحول -بإضافة ضمير الملكية- إلى الطبيعة المتخصصة المحددة في أقانيم، ويصبح لدينا أفنوم للاهوت وأقنوم للناسوت، وليس أقنوم واحد متجسد، ويصبح الحديث هنا ليس عن شخص الكلمة المتجسد، بل عن شخص اعتباري حامل للأقنومين، وهي النسطورية برمتها، ونستعين هنا بأحد أعلام النسطورية ليلقي لنا الضوء على الفكر النسطوري: ومن ثم نعترف في تقوى بشخص واحد، ابن ومسيح واحد، بينما القول بطبيعتين، أي أقنومين، متحدين، ليس خاطئًا بل مناسب جدا (الأسقف ثيئودوريت) (لاحظ أننا لا نقبل العبارة سواء أضيف إليها "هو نفسه" أو بدون الإضافة، لأن الحديث ليس عن الكلمة المتجسد، بل عن الشخص الحامل للأقنومين الذي يتحدث عنه ثيئودوريت) وإجمالًا، لو عرضت هذا الاعتراف الليتورجي على احد غلاة النسطورية فسيطير به فرحا، وسيظن أن كنيسة كيرلس قد ثابت إلى رشدها. سيقودنا الحديث إلى السؤال الهام؛ هل لم يلفت هذا الخطل نظر أحد من الكنيسة القبطية لمدة تزيد على تسعة قرون؟ لفت ولا شك، حتى أن المحاولات جرت لإضافة "رقع" إلى الثوب المهلهل، مثلما أضيفت كلمة "المحيي" إلى "الجسد" (وضعتها بين قوسين في نص الاعتراف) في حبرية البابا يوأنس الخامس، البابا ٧٢، بواسطة رهبان أبو مقار، وأثارت وقتها ضجة أيضا حتى اقرها البطريرك. ملابسات إقرار هذا الاعتراف جاءت ملتبسة وفي ظرف تاريخي دقيق، حروب متصلة وأفول الدولة الفاطمية وبزوغ الدولة الأيوبية، كما أن الصلاة باللغة العربية (التي اقرها بين تريك نفسه) ساهمت في خبو العلاقة بين الأقباط والحس اللاهوتي، ما زاد الطين بلة هو استقرار "بن تريك" على الكرسي لخمسة عشر عاما، اخمد خلالها أيّه محاولات للاحتجاج، ثم خلفه بطريرك جاهل تمامًا، "ميخائيل الثالث"، حيث كان مجرد حفظ القداس يشكل صعوبة كبيرة له، أقر خلفه "يوأنس الخامس" الرقعة التي تحدثنا عنها سلفا بعد مقاومة من الأساقفة، واكتفى بتقبيل كف يده على الوجهين. لا شك أن تركيبة الإكليروس القبطي وتكلسها، تمنع التفكير في إجراء أي تغيير استقر لفترة لزمنية، إن لم يتدارك التغيير فورًا في الحبرية اللاحقة سيستحيل أي تغيير لاحق. لكن الأمر الآن جد خطير، فلا يصح إطلاقًا أن يأتي إقرار إيمان كنيستنا بكل هذه الركاكة والتهلهل (إن افترضنا حسن النية) وأن يعطي مشروعية لكل من تحدث عن التجسد ليبتذل الحديث بمفردات "اللاهوت" و"الناسوت" دون أن يعي توظيفها الصحيح أبائيا. الأهم أن نفس هذه الجمل -باعتبارها الحق الذي لا يأتيه الباطل أبدا- استعملت في اتفاقات لاهوتية بين كنيستنا وكنائس أخرى خلقيدونية، فأتت-في حدها الأدنى- غير معبرة عن إيمان كنيستنا وآبائها. لدينا نصوص آبائية ناصعة، تعبر بإعجاز ووضوح عن إيماننا، ولدينا من نصوص قسمات القداس نفسه جمالًا فائقًا، فلماذا نلجأ لنص يتحدث عن لاهوت وناسوت بركاكة مريبة وتغرب عن نصوصنا الابائية ! ! تعليق أخير: تستطيع استبدال مفردة "النسطورية" في المقال بمفردة "الخلقيدونية" دون أدنى خطأ أو حرج. --- ### جسد الإنسان والعلاقة مع الله - Published: ۲۰۲٤-۰۲-۱۸ - Modified: 2024-02-13 - URL: https://tabcm.net/17309/ - تصنيفات: لاهوتيات «كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي»، لكِنْ لَيْسَ كُلُّ الأَشْيَاءِ تُوافِقُ. «كُلُّ الأَشْيَاءِ تَحِلُّ لِي»، لكِنْ لاَ يَتَسَلَّطُ عَلَيَّ شَيْءٌ. الأَطْعِمَةُ لِلْجَوْفِ وَالْجَوْفُ لِلأَطْعِمَةِ، وَاللهُ سَيُبِيدُ هذَا وَتِلْكَ. وَلكِنَّ الْجَسَدَ لَيْسَ لِلزِّنَا بَلْ لِلرَّبِّ، وَالرَّبُّ لِلْجَسَدِ. وَاللهُ قَدْ أَقَامَ الرَّبَّ، وَسَيُقِيمُنَا نَحْنُ أَيْضًا بِقُوَّتِهِ. أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ أَجْسَادَكُمْ هِيَ أَعْضَاءُ الْمَسِيحِ؟ أَفَآخُذُ أَعْضَاءَ الْمَسِيحِ وَأَجْعَلُهَا أَعْضَاءَ زَانِيَةٍ؟ حَاشَا! أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ مَنِ الْتَصَقَ بِزَانِيَةٍ هُوَ جَسَدٌ وَاحِدٌ؟ لأَنَّهُ يَقُولُ: «يَكُونُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا». وَأَمَّا مَنِ الْتَصَقَ بِالرَّبِّ فَهُوَ رُوحٌ وَاحِدٌ. اُهْرُبُوا مِنَ الزِّنَا. كُلُّ خَطِيَّةٍ يَفْعَلُهَا الإِنْسَانُ هِيَ خَارِجَةٌ عَنِ الْجَسَدِ، لكِنَّ الَّذِي يَزْنِي يُخْطِئُ إِلَى جَسَدِهِ. أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ الْقُدُسِ الَّذِي فِيكُمُ، الَّذِي لَكُمْ مِنَ اللهِ، وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ؟ لأَنَّكُمْ قَدِ اشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ. فَمَجِّدُوا اللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ الَّتِي هِيِ للهِ. (رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس 6: 12-20) كثيرًا ما يغيب عن وعينَا المسيحي قيمة جسدنا الإنساني. بينما هذا الجسد جليل جدًا في نظر الرب. فقد خلقه بيديه وأستودعه حياة منه بنفخة الروح القدس عندما خلقه. ويعز على الرب جدًا أن يتغرب عنه ويضطر إلى الخروج من الفردوس بسبب السقوط. فتدخل الله لينقذ الإنسان من ذلك مصيره أن ”تسحق الحية عقبه“. لذلك في رأيي حصر السحق في العقب وهو ليس الكل، بمعنى أن الله لن يسمح بسحق الشيطان الحية القديمة للإنسان حتى الفناء والعدم، بل سيتدخل الرب و”يسحق رأس الحية“. هنا يظهر الفرق بين العقب والرأس وأن غلبة الرب على الشيطان لا تُقارَن بما فعلته الحية في الإنسان. وعندما سحق الرب رأس الحية فإنما فعل ذلك في عقر دارها الذي هو جسد الإنسان. لذلك تجسد الرب ولبس جسدنا ليسحق رأس الحية فيه. ونلاحظ هنا أهمية الجسد الإنساني أن الرب لبس جسدنا. والتراث العبراني يختلف عن الفلسفة اليونانية إذ لا يفرق بين الجسد Flesh والجسم Body والإنسان كليًّا. وهكذا في كل كتابات بولس الرسول. فالجسد، هو الجسم، بل وحتى العضو = الإنسان كله. وفي رأيي أن هذا يشير بطريقة غير مباشرة إلى أهمية الجسد عند الله. لأن الجسد هو عرش الروح إذ يحمل كيان الإنسان وشخصه. وقد انعكس ذلك في اهتمام الرب بأن يجدد الخليقة ممثَّلة في الجسد الإنساني عندما أقام الرب جسده من الأموات ”والله قد أقام الرب، وسيقيمنا نحن أيضا بقوته“. ليس هذا فقط، بل وضع الرب أهمية قصوي لالتصاق الأجساد من حيث أنه يُنشِئ اتحاد لصيق بين الإنسان وحبيبته أو حبيبها «يكون الاثنان جسدًا واحدًا». ولم يستثن الزنا من ذلك ”من التصق بزانية فهو جسد واحد“ إمعانًا في توضيح أهمية الجسد الإنساني. أما عن التصاق الإنسان بالله فقد تفوَّق التعبير عنه بما لا يُقاس، بأن صار الالتصاق ليس فقط يمثله الجسد/ الجسم/ الذات الإنسانية، بل تخطى هذا إلى ما هو أعلى من ذلك ”وأما من التصق بالرب فهو روح واحد“. وعندما عبّر الوحي المقدس عن ماهية هذا الالتصاق للروح الواحد فقد فسره بأنه سكنى أقنوم الروح القدس في قلب الإنسان (تعبير يفوق الالتصاق بالجسد الواحد)، ”أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم، الذي لكم من الله ؟“. لهذا أفرد الكتاب اهتمامًا خاصًا بخطية الزنا دون باقي الخطايا لمِا لها من تدَّخل في ذلك الالتصاق بالجسد/ الجسم/ الذات الإنسانية. وكما أن كل ارتباط آخر للإنسان هو ارتباط خارجي في تأثيره الكياني عليه ولا يُقارَن بالارتباط الزيجي للإنسان بحبيبه/ حبيبته، كذلك كل الخطايا تأثيرها خارجي على كيان الإنسان مقارنةً بتأثير الزنا. لذلك يقول الكتاب: ”أهربوا من الزنا. كل خطية يفعلها الإنسان هي خارجة عن الجسد، لكن الذي يزني يخطئ إلى جسده“. ومرة أخرى ننبه إلى أن كلمة جسد وجسم في الكتاب المقدس= الإنسان كليًّا وليس مادة الجسد أو حتى عضو فيه. وليس كما في الفلسفة اليونانية التي تفرق بينهما. وربما تظهر أهمية الالتصاق بين الأجساد في نشأة ارتباط كياني بين الأشخاص بأن يصيران ”جسدًا واحدًا“، وذلك عندما تكلم الرسول عن التصاق الأجساد في الزيجة أي علاقة الحب الحقيقي ”كذلك على الرجال أن يحبوا نساءهم كأجسامهم. مَن يحب امرأته يحب نفسه. فإنه لم يبغض أحد جسده قط“ (أفسس 5: 28)، ”ليس للزوجة تسلط على جسدها بل للزوج، وكذلك ليس للزوج تسلط علي جسده بل للزوجة“ (1كو 7: 4) فالحديث هنا هو عن ذات الإنسان كله وشخصه وليس عن الجسد/ الجسم المادي بل وليس حتى عن عضو التناسل. هنا الآيات توضح أهمية الجسد إذ أن العلاقة بين إثنين عندما تصل إلى التصاق الأجساد فإنها تضرب بجذورها في كل شيء في حياة الإثنين، فلا يصبح أحدهما بعيدًا عن الآخر، بل الاثنان شخصًا واحدًا أو جسمًا واحدًا بما له من تأثير على الذات أو الشخصية الإنسانية سواءً إيجابيًا في الحب الحقيقي الذي من المفروض أن يمثله الزواج، أو سلبُا في الحب غير الحقيقي الذي يمثله الزنا الذي لا يتعدى مفهومًا استهلاكيًا للغريزة وليس حبًا كما توضحه الآيات (1 كورنثوس 6) التي تحذر من الزنا الذي يتعدى في تأثيره أنه مجرد خطية بل يصل إلى فقدان الشخص لسيطرته على ذاته المعَبَّر عنها بالجسد أو الجسم في التراث العبراني والكتابي" الذي يزني بامرأة، هو عديم العقل ويفعل (الزنا) لكي يهلك نفسه أو ذاته" ( أمثال 7: 32). --- ### [٢٠] درس للأسقف - Published: ۲۰۲٤-۰۲-۱۷ - Modified: 2024-02-17 - URL: https://tabcm.net/18085/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون مر أسبوعان منذ أن أصدر الأسقف فرمانه بحرمان أبونا بطرس من الصلاة في كنيسته، وذهابه يوميًا إلى المطرانية من الصباح الباكر حتى منتصف الليل، وبطاعة غير متوقعة، تعجب لها كل من عرف القصة وسبب العقوبة، ولكن على الرغم من ذلك أطاع أبونا بطرس وتجاهل تمامًا وجود الأسقف في المطرانية مر أسبوعان منذ أن أصدر الأسقف فرمانه بحرمان أبونا بطرس من الصلاة في كنيسته، وذهابه يوميًا إلى المطرانية من الصباح الباكر حتى منتصف الليل، وبطاعة غير متوقعة، تعجب لها كل من عرف القصة وسبب العقوبة، ولكن على الرغم من ذلك أطاع أبونا بطرس وتجاهل تمامًا وجود الأسقف في المطرانية وكان يذهب كل صباح إلى المطرانية ويرفع بَخُور باكر ويصلي شريكًا مع الكاهن الذي يصلي القداس، وبعد القداس يصعد إلى مكتبة المطرانية يقرأ ويدرس طوال اليوم ويرتب الكتب والمراجع ويفهرسها حتى يحين وقت العشية فيهرول ناحية الكنيسة ليشارك الأب المسؤول في الصلاة. في كل خطواته كان يتابعه الأسقف إما عن طريق الكاميرات التي أغرق بها المطرانية، أو الكاميرات البشرية الذين يتبرعون من أنفسهم في نقل الأخبار وكلما حاول أن يتوسط أحد الآباء ليلين قلب الأسقف عنفه الأسقف بغلظة وأسمعه ما لذ وطاب، أما أبونا بطرس فكان كلما تقابل معه أحد يجد السلام والابتسامة على وجهه وكأنه في نزهة لطيفة، وسرعان ما انتشر الخبر بين الشعب وعُرفت القصة كلها، فليس خفي إلا ويعلن، وثارت ثورة الشباب، وغضبوا، وجمعوا بعضهم البعض وذهبوا إلى المطرانية لمقابلة الأسقف، لكنه رفض أن يقابلهم وقال بالحرف الواحد: - دول شوية عيال أهاليهم معرفتش تربيهم. ومضى الشباب، وجمع بعض الخدام أنفسهم وذهبوا مع بعض الأراخنة يوم الجمعة بعد الخدمة ليتكلموا مع الأسقف الذي في تعال شديد تجاهلهم وتركهم في المطرانية أكثر من ست ساعات ولم ينزل إليهم أو يرسل لهم أحدًا ينوب عنه أمامهم، واكتفى بأن أرسل أحد العمال برسالة شفهية مؤداها: - سيدنا بيقول لكم امشوا، بدل ما يطلب لكم الأمن. الأمر الذي أثار الشباب والخدام والأراخنة، وقرروا يكتبوا شكوى ضد الأسقف ومواقفه و أسلوبه الفظ المتعنت ويرسلونها إلى البطريرك نفسه، وبالفعل كتبوا عريضة كبيرة وقع عليه أكثر من مائتي شخص، وذهبوا بها إلى دار البطريركية وسلموها إلى سكرتير البطريرك، الذي وعد بتسليمها إلى البطريرك وسرعة حل الموضوع. بعد مضي أيام قليلة ذهب أبونا يوناثان إلى المطرانية، ووافق الأسقف على مقابلته. . - أزيك يا أبونا يوناثان، خير طلبت تقابلني ليه؟ - خير يا سيدنا، حاللني موضوع أبونا بطرس عمال يكبر، والموضوع كان بسيط ويعدي، وأبونا بطرس برضه معملش جريمة عشان نعاقبه طول الفترة ديه ما يدخلش كنيسته ويصلي وسط شعبه وأولاده. - ماهو يا أبونا الموضوع عمال يكبر، عشان كنيستك مافيهاش كبير، وبنقعد نلف وندور وسط الشعب ونحكيلهم القصص وسيدنا عمل وسيدنا سوا، مين يا أبونا اللي عرف الشعب تفاصيل الحكاية؟ مش قدسك؟! ! - لأ يا سيدنا مش أنا، اللي جري يحكي لنيافتك ويشتكي أبونا بطرس ليك وينقلك القصة، هو نفسه اللي حكى للحاشية بتاعته عشان يحس إن كرامته رجعتله، مع إن أصلًا محدش داس له على طرف، وكل واحد من الحاشية حكى لأصحابه ومعارفه، عارف أنت بقى يا سيدنا الشعب وحب السبق الصحفي واقتناء المعلومة اللي بقى مرض متفشي وسط الناس، بس زي ما المثل بيقول "انقلب السحر على الساحر" والناس شافت إن اللي أبونا بطرس عمله هو الصح. - وقدسك بقى يا أبونا يا كبير، شايف كده؟! شايف إن تكسير كلامي وعصيان أوامري هو الصح؟! ! - حاللني يا سيدنا، أنا لو كنت موجود في المكتب وقت قصة أم كيرلس، ما كونتش عملت زي أبونا بطرس وانزل استخبى واستناها لما تنزل وأديها البركة في الدرا كأني بسرق. . - طب و معلمتوش ليه يا أبونا يا كبير! تجاهل أبونا يوناثان مقاطعة الأسقف وأكمل بصوت واثق رزين: - كنت هديها البركة قدام أبونا أنجيلوس شخصيًا، عشان إحنا مش مصلحة حكومية بنعبد الروتين، إذا كان واضع ناموس السبت كان بيكسر السبت من أجل الإنسان، أجي أنا بقى أدوس على الإنسان وكسرته وسط احتياجه عشان أبان إني تلميذ نجيب بيسمع كلام الأستاذ بتاعه، بدون مخ! ! بدون فهم! ! بدون روح! ! - أنت قدسك من زمان مش بتحب أبونا أنجيلوس. - أزاي نيافتك تقول كده ونيافتك عارف كويس إني بحبك. - وإيه العلاقة؟! ! - ماهو أصل أبونا أنجيلوس نسخة مصغرة من نيافتك، أو نسخة طبق الأصل، وعلشان نيافتك شايف ده فأنت بتحبه وشايف إنه على طول صح ومش بيغلط، وده لأنك مش شايفه، لكن شايف نفسك. عقد الأسقف حاجبيه بغضب، وقام من مجلسه وضرب المكتب الذي أمامه براحة يده، ولكن أبونا يوناثان مسك ايده وجذبه بهدوء ليجلس واكمل كلامه بهدوء: - يا سيدنا شعب النهاردة وشباب النهاردة، مختلفين عن زمان، طريقة زمان ما تنفعش، حتى هيبة الكهنوت مبقتش زي زمان، مش بالشخط والأوامر، مش بالزعيق والعقوبات، متصدقش اللي بيصقفولك كل ثانية، دول أول ناس هياخدوا من نيافتك ويبيعوك. . صدقني قام الأسقف من مجلسه، وتتبعه أبونا يوناثان بعينيه، واتجه الأسقف نحو لوكر من الأدراج، وفتح أول درج، وأخرج مظروف أبيض كبير، وألقاه أمام أبونا يوناثان، لم يفهم أبونا يوناثان قصة المظروف، ولكنه قرأ مكتوب عليه من الخارج، يُحول إلى نيافة الأسقف الأنبا فلان لدراسة ما به من شكاوى مع إمضاء وختم الأب البطريرك. فقام أبونا يوناثان من مجلسه هو الآخر متسائلا: - إيه ده ؟! ! - ديه الشكوى اللي اشتكوني بيها أولادك للبطريرك، خدوا منها نسخة هناك، وبعتوهالي، وأهو منها يكونوا جمعوا ورق عليَّ، غير الورق اللي أصلا عندهم، وفي نفس الوقت يوصلولي رسالة حل مشاكلك بنفسك، أدي البطريركية سلمتني اسم 200 واحد شاكيني، مجبتهمش أهو وولعت فيهم، ولا البطريركية عملت لهم حاجة، الناس لسه مش فاهمة القصة بتمشي ازاي. . مش مهم بكرة يفهموا، ثم ابتسم الأسقف وهو يستطرد كلامه: أو ما يفهموش. . امسك الأسقف موبايله وطلب رقما وسرعان ما جاوبه الشخص الآخر الذي اتضح أنه أبونا أنجيلوس. - أيوة يا أبونا أنجيلوس، عاوزك حالا عندي تعدي تجيب أبونا إيلاريون وتجولي في أقل من ساعة. ثم أغلق الخط، ورن جرس المكتب ليدخل أحد الخدام المساعدين له. . - بص يا عماد دور لي على أبونا بطرس وهاتهولي من تحت طقاطيق الأرض، يا هتلاقيه في المكتبة يا في الكنيسة يا في الروف بتاع المطرانية، تغطس وتقب وتجيبهولي لأنه قافل الموبايل. لم تمض الساعة وكان الجميع مجتمعين في حضرة الأسقف، أبونا يوناثان وأبونا أنجيلوس، وأبونا إيلاريون وأبونا بطرس. - أنا جمعتكم النهاردة علشان أقولكم كذا خبر مهم، الأول أبونا بطرس هيرجع معاكم ويصلي وسطيكم في كنيسته وأكيد مش هيعمل حاجة غير لما يرجع لي، الخبر الثاني بكرة الصبح هنرقي أبونا أنجيلوس ونديله القمصية لأن أبونا يوناثان كان بيقول لي على حكمته وقدراته الإدارية شعر، الخبر الثالث إن إدارة كنيستكم هتبقى تحت إشراف أبونا أنجيلوس وده بطلب من أبونا يوناثان نفسه، يعني كده أبونا أنجيلوس بقى هو المسؤول عن الكنيسة قدامي، وتحت إشرافي. . يتبع . . --- ### مسلسل "زينهم" والطائفية بين كيرلس ومطران المنوفية - Published: ۲۰۲٤-۰۲-۱۵ - Modified: 2024-02-19 - URL: https://tabcm.net/17988/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون - وسوم: أنبا بنيامين، مطران المنوفية وشبين الكوم, كيرلس رفعت ناشد منذ حوالي شهرين انتهى عرض مسلسل "زينهم" على الشاشات، وللمصادفة العجيبة وجود رابط بين هذا المسلسل الذي تدور أحداثه في إطار اجتماعي والقضية التي ظهرت على السطح مطلع يناير الماضي بحبس المهندس كيرلس رفعت ناشد بسبب البلاغات بتهمة مثل ازدراء المسيحية المقدمة بحقه من قبل الأنبا بنيامين مطران المنوفية نتيجة خلافات بينهما، وانتهت أخيرًا في 6 فبراير الجاري بحكم 6 أشهر مع إيقاف التنفيذ بحق كيرلس وغرامة 100 ألف جنيهًا و20 ألف جنيهًا تعويض لصالح الأنبا بنيامين، وقدمت هيئة الدفاع عنه استئناف على الحكم وتحدد لها يوم 17 مارس المقبل للنظر أمام القضاء. والسؤال ما هو الرابط بين مسلسل "زينهم" والطائفية وقضية كيرلس مع مطران المنوفية كما جاء في عنوان المقال؟ المسلسل من تأليف محمد سليمان عبد الملك، إخراج يحيى إسماعيل، بطولة أحمد داود وكريم قاسم وسلمى أبو ضيف، وناقش مجموعة من القضايا التي تمس مجتمعنا أبرزها، وكانت ركن رئيسي في المسلسل هي قضية تحقيق العدالة ومجموعة من القضايا مثل تجارة الأعضاء والتعدي على الأطفال، من خلال حوادث قتل مختلفة يقع على النيابة التحقيق فيها وتمر أغلبها على دكتور زينهم طبيب المشرحة، الذي يسعى من خلال الطب الشرعي معرفة ما حدث للضحايا لمساعدة منظومة العدالة في حل القضايا المختلفة. قضية الطائفية كانت من ضمن ما ناقش المسلسل، وأحيي المؤلف محمد سليمان عبد الملك، ومشاركيه في الكتابة محمد فتحي عبد المقصود وعمرو مؤمن، فقد مرت بأحداث المسلسل واقعة قتل لشاب مسيحي خلال مشاجرة في "الجيم" مع 3 شباب آخرين، وتقف الأسرة ومعها أحد الكهنة على باب المشرحة في حالة من الغضب والغليان خوفًا من ضياع حق ابنهم لأنه مسيحي، والمتهمين مسلمين. المسلسل عبر بامتياز عن شعور المواطنين المسيحيين في قضايا وأحداث عنف سابقة خاصة تلك التي وقعت قبل عام 2011م، حيث كان يفلت المجرمين من العقاب، وقدم أيضًا الحل لنزع فتيل احساس مجموعة من المواطنين المصريين بالتهميش والغبن بسبب ديانتهم عبر زينهم طبيب المشرحة الذي مارس عمله بمنتهى الاحترافية، لمعرفة ماذا حدث للشاب القتيل، وتقديم ذلك لهيئة المحكمة لحل القضية ومعاقبة الجاني، فمَا كان من الأسرة التي تغلي وتشكك في نزاهة أجهزة ومؤسسات الدولة المختلفة أن تقدم الشكر لطبيب المشرحة ووكيل النائب العام على تحقيق العدالة ومحاسبة المخطئ. نعود لقضية كيرلس ومطران المنوفية وعلاقتها بالمسلسل، فهناك نزاع بين المهندس والمطران، وصل إلى أروقة القضاء عبر تقديم بنيامين لبلاغات ضد كيرلس كانت نتيجتها حبس شاب وتهديد مستقبله المهني بالفصل من عمله كمعيد في كلية الهندسة بجامعة المنوفية، ورغم وقوف المطران وراء كل تلك البلاغات إلا أنه عندما وجُه له سؤال يطالبه بحل القضية وديًا والتنازل تنصل من مسؤوليته عن البلاغات، ورمى الكرة في ملعب أجهزة الأمن وقال: "إن الأحباء في الأمن هم من حبسوا كيرلس وليس له يد في ذلك"، ومرة أخرى يخرج على الهواء في نفس توقيت عقد أول جلسة محاكمة لكيرلس ليتنصل أيضًا من مسؤوليته، ويعلن أن "المسؤولين يقدرونه فوزارة العدل أمرت النيابة بالقبض على كيرلس"، وأنه ليس له علاقة بالقضية، فيورط أجهزة الدولة مع كافة المواطنين المسيحيين، ويشعرهم أنهم مستباحين لأصحاب العلاقات والنفوذ. لكن الواضح والجلي خلال تلك القضية أن الأجهزة الأمنية لم تقبض على كيرلس كما أشاع المطران بل عرف الشاب يوم 3 يناير الماضي في أثناء محاولته لعمل محضر لما حدث معه في الكنيسة أن هناك بلاغ مقدم ضده منذ شهر نوفمبر 2023 من قبل مطران المنوفية فسلم نفسه طواعية لجهات التحقيق، وبينما أشاع بنيامين أنه يستخدم نفوذه وعلاقاته بمؤسسات وقيادات الدولة المختلفة فيجاملونه لحبس خصومه الفكريين فإن حكم المحكمة بحق كيرلس مع إيقاف التنفيذ مع قبول الاستئناف يؤكد بأن ما روجه مطران المنوفية طوال الشهر الماضي عن مجاملة مؤسسات الدولة له غير صحيح وغير حقيقي، خاصة أنه خرج مرة أخرى للتلاعب بنا كمتابعين لتلك القضية بإصدار بيان بتاريخ 5 فبراير أي قبل جلسة النطق بالحكم بيومٍ واحدٍ، ليوحي بأنه تنازل، وهذا غير حقيقي أيضًا، لأن القضية كان تم حجزها للنطق بالحكم، وهو ما تم ولم يحدث تنازل أو مصالحة من المطران. الأمر الأخير، هو إننا نشجع أجهزة ومؤسسات الدولة المختلفة على تطبيق القانون على الجميع دون النظر لأية اعتبارات أخرى، أو محاولة إحداث موائمات، فكما حدث من خلال أحداث المسلسل ومن خلال قضية الأنبا بنيامين ضد كيرلس، فإن تطبيق القانون هو الضامن الوحيد لنزع فتيل الطائفية من المجتمع، وأن يشعر المواطنين جميعًا بأنهم متساوون. --- ### رسائل خفية - Published: ۲۰۲٤-۰۲-۱۳ - Modified: 2024-02-12 - URL: https://tabcm.net/17985/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون لذا لا تتعجب إن وجدت إنسانًا يقف أمام لوحة ساعة بلا حَراك فهو في حوار عقلي وروحي متصل معها ومع والدها الذي تمخض بها. رسائل خفية يحتويها الفن ويقدمها، هو لا يتعمد أن تكون خفية، لكن ريشة الفنان تكتب لغة لا يفهمها العموم، إلا ذوي الحس المرهف الواعي من يمتلكون رؤية تتذوق وتستوعب وتلتقط الإشارات ويترجمها عقلهم وحسهم جيدا. لذا الفن ليس للجميع. فأكثر من يتلقون الهجوم من محدودي الرؤية والمعرفة؛ هم الفنانين ويليهم بالطبع الشعراء والأدباء. فمحدود الأفق يرى اللوحة كمجرد صورة يلتقطها عقله فيبدأ بدون فهم في إطلاق أحكامه الضيقة المحدودة. وعادة أما أن لا يفهمها في الأساس، وأما أن يشجبها وتبدأ المزايدة على التقوى من مدعي التدين الزائف. وهنا هو لا يهاجم الفنان بقدر ما يواجه عقله هو المحدود غير القادر على الفهم، لأنه أدرك أن الفنان بلغة صامتة يتهمه بالغباء، فغضبه وقتها هو غضب من غبائه ومن مكاشفة الفنان غير المباشرة لهذا الجهل والغباء. ونفس اللوحة يلتقطها الحس العميق فيبدأ العقل في تحليل شفرتها وفك رموزها وترجمة لغتها وهنا يصل لأعماق الفنان وينقل الفنان إليه رسالته جيدا. لذا لا تتعجب إن وجدت إنسانًا يقف أمام لوحة ساعة بلا حَراك فهو في حوار عقلي وروحي متصل معها ومع والدها الذي تمخض بها. كل هذا دار بعقلي وأنا في حالة ارتحال من لوحة إلى أخرى ومن حالة إلى أخرى في مَعْرِض الفنان المتميز صاحب الوعي والرسالة (وليد عبيد). كم قضيت من وقت لا أدري! فأمام الفن يتأدب ويصمت الزمن ويصبح بلا قيمة. جالت تلك الخاطرة بذهني وقولت لنفسي: إذا دخل إلى هذا الحرم شخصًا سطحيًا فلن يرى سوى (صور عارية)! وسيصف الفنان بأشنع الأوصاف وقد جسد الفنان الرائع تلك الفكرة في لوحة مرفقة بالمقال لامرأة بملابس مكشوفها وفي الظلال على الجدار (حمار) وبالفعل من يرى الفن بهذه النظرة الضيقة، فتلك الصفة تناسب عقليته ولا يستحق أن يتجسد في اللوحة سوى كظل بلا ملامح. لوحات وليد تناقش قضايا سياسية واقتصادية واجتماعية، وقد أبهرتني لوحتين له عن حرب فلسطين استخدم في واحدة منها تجسيد المرأة كعادته كرمز للأرض وللوطن وللإنسانية عمومًا فأصل الإنسان وجذره وتكوينه الأولي هو أنثى. فالأنثى في فهم الأدباء والفنانين ليست أداة للإغراء والمزايدة على الفضيلة. إنما هي الإنسان وكل ما هو ذو قيمة ويتوجب تقديره والتضحية لأجله. فإذا أقبلت على قراءة أدبية أو مشاهدة لوحة فنية أو عمل مسرحي أو الاستماع لمقطوعة موسيقية فأخلع نعليك (أي تفكيرك السطحي وجهلك ومحدوديتك وظلامك) حتى تفهم ويرتقي وعيك، وإلا. . فنصيحتي لك ألا تقرأ وألا تشاهد إلا ما يناسب عقليتك حتى لا تصطدم وتتعثر به فتسقط. دمتم في نور. --- ### الأصل الكيرلسي المزعوم لصيغة خلقيدونية [١] - Published: ۲۰۲٤-۰۲-۱۲ - Modified: 2024-02-19 - URL: https://tabcm.net/17714/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: أثناسيوس حنين, الكنيسة الجامعة, الكنيسة القبطية, النسطورية, بابا كيرلس عمود الدين, باسيليوس الكبير، أسقف قيصرية الكبادوك, قديس أثناسيوس الرسولي, مجمع خلقيدونية سنعبر -كرامًا- على المقدمة التي كتبها الأب "أثناسيوس حنين" ليوضح فيها أهمية المقال وكاتبه، دون أن يتقاعس عن "غمز" الكنيسة القبطية، ولكنها هامة وتستحق القراءة سنعبر -كرامًا- على المقدمة التي كتبها الأب "أثناسيوس حنين" ليوضح فيها أهمية المقال وكاتبه، دون أن يتقاعس عن "غمز" الكنيسة القبطية، ولكنها هامة وتستحق القراءة، يختمها الأب حنين بإيراد إقرار المجمع الخلقيدوني: ((مجموعة الشرع الكنسي جمع وترجمة وتنسيق الأرشمندريت حنانيا إلياس كساب، منشورات النور، بيروت 1980، ص 396 -397 )) تحديد المجمع الخلقيدوني الرابع عام 451م: وإذ نتتبع الآباء القديسين نعلم برأيٍ واحدٍ أن الابن , ربنا يسوع المسيح، يجب الاعتراف به أنه هو نفسه واحد، أي تام في اللاهوت وتام في الناسوت، إله حق وإنسان حق، ذو نفسٍ عاقلةٍ وجسدٍ، مساوٍ للأب في اللاهوت ومساو لنا في الناسوت، وهو مثلنا في كل شيء ما خلا الخطيئة، مولود من أبيه قبل كل الدهور حَسَبَ اللاهوت، ولكنه في الأيام الأخيرة -لأجلنا نحن البشر ولأجل خلاصنا- ولد من العذراء مريم والدة الإله حَسَبَ الناسوت. فهذا الأقنوم الواحد نفسه يسوع المسيح الابن الوحيد يجب الاعتراف به أنه في طبيعتين متحدتين بلا اختلاط ولا تحول ولا انقسام ولا انفصال. وهذا الاتحاد لم يلغ التمييز بين الطبيعتين بل أن الطبيعتين مع حفظ كل منهما خصائصها قد اتحدتا في شخص واحد غير منقسم أو منفصل إلى شخصين أو أقنومين ولكنه هو واحد نفسه الابن الوحيد، الله الكلمة ربنا يسوع المسيح كما أعلن الأنبياء قديمًا في ما يختص به وكما علمنا يسوع المسيح نفسه وكما سلمنا دستور إيمان الآباء. (مجموعة الشرع الكنسي جمع وترجمة وتنسيق الأرشمندريت حنانيا إلياس كساب، منشورات النور، بيروت 1980، ص 396 -397)   سيلزمنا مقال مستقل للتعليق على عوار هذا الإقرار، الذي لا يستقيم للمنطق، أيا كان منطلقات المنطق، سكندرية وحسب الكنيسة الجامعة قبل خلقيدونية، أو حتى بالمنطق الخلقيدوني ذاته، ولكننا الآن سنعبر إلى متن المقال. ((الأقباط متحدون، مقال: الأصل الكيرلسي للصيغة الخلقيدونية "في طبيعتين" )) تمهيد: لقد صارت صيغة خلقيدونية ، التي شكلت أهم تعبيراته وعقائده، نقول صارت هذه الصيغة، وبعد المجمع المسكوني الرابع، صارت نقول موضع خلاف بين المؤيدين للمجمع والمعارضين لخلقيدونية. أن ظاهرة الخلاف هذه ليست مستعصية على الفهم،  لأن هذه الصيغة بدت ولأول وهلة أنه لا علاقة لها بفكر ولاهوت كيرلس السكندري الذي أعتبره المعارضون لخلقيدونية المرجع الوحيد والأصيل لحل المعضلة الخرستولوجية ، هذا من ناحية،  ومن الناحية الأخرى كان هناك تشابه كبير بين الصيغة الخلقيدونية وبعض التعبيرات الذيوفيزيتية التي سبق واستخدمها نسطور. (الأقباط متحدون، مقال: الأصل الكيرلسي للصيغة الخلقيدونية "في طبيعتين") لدينا هنا اعترافين على درجة عالية من الخطورة، يندر أن نطالع مثيلاهما في الكتابات الخلقيدونية: الأول: الصيغة تبدو لا علاقة لها بفكر ولاهوت القديس كيرلس. الثاني: الصيغة تتشابه مع التعبيرات التي سبق واستخدمها "نسطوريوس". هدف الكاتب من المقال هو نفي "كلا" الاعترافين، فمن ناحية سيحاول إثبات أن الصيغة ومع تشابهها مع مصطلحات "نسطوريوس" فهي مقطوعة الصلة بها، ومن ناحية أخرى ورغم عدم تشابهها مع مصطلحات كيرلس، فأنها بالأساس كيرلسية. وحقيقة أنا اشفق على الرجل من الولوج إلى هذه المهمة المستحيلة، وليس أدل على استحالتها استمرارها لستة عشر قرنًا بفشلٍ تامٍ. يبدأ الرجل محاولته، فيلقي لنا بأكثر الاعترافات أهمية وخطورة: الحقيقة التي سوف نسعى لإظهارها هي أن المصدر الأساسي لهذه الصيغة الخاصة بالطبيعتين، ليس هو نسطور ولا أية ميول نسطورية، ولكن، وكما أثبت البحث العلمي اللاهوتي المعاصر، أن هذه الصيغة هي صيغة أرثوذكسية بالدرجة الأولى بل وهي كيرلسية الجوهر والمصدر والطابع. الصيغة هي الاعتراف بالإيمان الذي حدده المجمع المحلي المنعقد عام 448م. قام باسيليوس الصيفقيلي الذى استخرج هذه الصيغة من رسالة كيرلس إلى يوحنا الأنطاكي. وتعبير آخر فأن هذه الصيغة التي استعملها باسيليوس الصيفيقلي وآباء مجمع خلقيدونية بمعناها الأرثوذكسي وفحواها الكيرلسي، كان قد سبق استخدامها وفهمها على يد نسطور نفسه ولكن بمعنى خرستولوجي انفصالي أي يفصل ويقسم المسيح الواحد. (الأقباط متحدون، مقال الأصل الكيرلسي للصيغة الخلقيدونية "في طبيعتين") يقر كاتبنا هنا أن الصيغة نسطورية، ويزعم أنها نسطورية شكلًا، لا موضوعًا، ونحن لن نلتفت في هذه الفقرة إلى هذا الزعم، فلدينا المتسع في باقي المقال، لأن هناك ما هو الأكثر أهمية في هذه الفقرة، وهو اعترافه بأن الصيغة قد أسبغ عليها "الأرثوذكسية" -لأول مرة- في مجمع عقد عام 448م، يغفل الكاتب هنا اسم المجمع وأحداثه وملابساته وأثاره، وسأكتفي هنا -لحين التعليق النهائي- يذكر أن المجمع هو مجمع القسطنطينية المحلي. يتبع. . --- ### [١٩] تعليمات الأسقف - Published: ۲۰۲٤-۰۲-۱۰ - Modified: 2024-02-10 - URL: https://tabcm.net/17941/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون استدار أبونا بطرس وكل علامات الإحباط وخيبات الآلم مرسومة على وجهه، كل ما كان يشعر به أنه يعاقب لأنه عمل خيرًا ووشى به أحدهم عند الأسقف الذي لم ير في القصة كلها سوى كاهن ضرب بتعليماته عُرْضَ الحائط همس أبونا بطرس قائلًا : - يا سيدنا أنا مش دفتر تبرعات، أنا إنسان تجاهل الأسقف تعليق أبونا بطرس الذي قاله بصوت منخفض هامسًا وتظاهر أنه لم يسمع ما قاله أبونا بطرس ونظر لأبونا قائلًا: وإيه بقى إن شاء الله موضوع أم كيرلس ؟! ! هو قدسك بتكسر تعليماتي وبتتصرف من دماغك وعاوز تعمل نظام لوحدك لإخوة الرب في الإيبارشية، ولا كأن فيه كبير نسمع كلامه؟! تفاجأ أبونا كيرلس من معرفة الأسقف لموضوع أم كيرلس، ولم يكن يتوقع إطلاقًا معرفة الأسقف لهذا الموضوع وتلعثم في الكلام وكان ما يشغله كيف عرف الأسقف هذا الأمر؟. . أعاد الأسقف جملته الأخيرة مرة ثانية بصوت أعلى وأكثر صرامة: إيه يا أبونا هو قدسك مرسوم كاهن ولا مرسوم أسقف وبتتصرف من دماغك وأنا معرفش! - حاللني يا سيدنا، أنا معملتش حاجة غلط، شفت واحدة محتاجة فساعدتها بعيدًا عن الرسميات وبصورة شخصية ومكنتش عاوز حد يعرف، ومستغرب أصلًا إن نيافتك عرفت! ! هو نيافتك بتراقبني يا سيدنا؟! ! - هو ده اللي فارق معاك؟! عرفت ازاي! ! مش فارق معاك إنك عندك بر ذاتي زيادة، وشايف نفسك أحسن من كل اللي حواليك، مش فارق معاك إنك بتكسر تعليماتي وأوامري وأنت لسه اسمك بالقلم الرصاص؟ مش فارق معاك إنك بأفعالك ديه بتزرع بايدك خصومة وعداوة مع اخواتك الكهنة وبتصغرهم قدام الشعب. - أنا يا سيدنا بس كنت... . . قاطعه الأسقف ضاربا بالصليب على المكتب وبصوت مرتفع أكثر - إنت يا أبونا كلك على بعضك غلط ، فاكر نفسك بتخدم في عزبة مش في مؤسسة كبيرة ليها كيان إداري وتنظيم، أنت بنفسك لما قبلت الكهنوت أعلنت خضوعك وطاعتك ليه، فيه ناس أكبر منك لازم تسمع كلامهم وتنفذه حتى لو مكنش عاجبك، تطيع وتنفذ من سكات ومن غير مناقشة ولا حتى تفكير. شعر أبونا بطرس بالإهانة الشديدة نتيجة التعنيف المستمر، ولم يحتمل أكثر من ذلك، وقام معتدلًا واقترب أكثر من الأسقف. . - ليه يا سيدنا كل ده؟! ! علشان إيه؟! ! نيافتك حتى مش عاوز تسمع! ! واحدة غلبانة وجوزها بيموت ومحتاجة فلوس وهي وجوزها وبيتها مسؤولين من الكنيسة، والكنيسة مش نافع تساعدها نتيجة روتين احنا اللي بايدينا اللي حاطينه، ولا هي عارفة هي تبع كنيستها القديمة اللي نيافتك خرجت شارعهم في التقسيم الجديد ولا الكنيسة اللي متعرفش حد فيها ولا هما يعرفوها وبيقوللها استني لحد لما جوزك يموت نكون جمعنا عنكم بيانات، ولا كأنهم خدوا الحالات بملفاتها القديمة، لمجرد إن نيافتك أصدرت فرمان إنهم يبحثوا الحالات من جديد. - وقدسك مالك بكل ده؟! ! إيه اللي دخلك فيه؟! ! - أنا مليش دعوة يا سيدنا. . نيافتك معاك حق جدا، أنا مليش دعوة بكل الروتين ده، أنا اتصرفت تصرف شخصي بعيدًا عن نيافتك وعن أبونا أنجيلوس وعن أي حد، اعتبرني قابلتها في الشارع وأديتها احتياجها، فين المشكلة ؟! ! اعتبرني واحد بقميص وبنطلون وشاف حد غلبان في الشارع بيعبد الشمس وقلبه حن عليه وساعده، إيه اللي في كده يعثر اخواتي الكهنة؟! إيه اللي يزعل المنظومة اللي نيافتك بتديرها؟! ! إيه اللي يزعل نيافتك في كده أصلا ويخليك تعاملني من الصبح زي التلميذ الخيبان اللي معملش الواجب أو ساقط في امتحان الشهر؟! ! - كلامك ده دليل أكبر على إنك مش فاهم ولا حاجة، وإن محدش علمك ألف باء كهنوت، العيب مش عندك، العيب الأكبر عند أبونا يوناثان. - وماله أبونا يوناثان بس؟! ! - لما تعمل حاجة بقميص وبنطلون يا أبونا أنت مسؤول عن نفسك وبتمثل نفسك، لكن لما بتعمل نفس الحاجة وأنت كاهن، أنت بتمثل الكهنوت، بتمثل المنظومة اللي أنا رئيسها، اللي ما ينفعش اتنين بينتموا لنفس الكيان يعملوا الحاجة وعكسها في نفس الوقت، يدوا المنع والحّل على نفس الحاجة في نفس الوقت ونفس الظروف، وحتى وأنت بالفراجية ومش بقميص وبنطلون جوة الكنيسة مع شعب الكنيسة إنتم مش أربعة كهنة في الكنيسة كل واحد يعمل اللي على مزاجه، إنتم كلكم جوة الكنيسة مع الشعب مش بتتنافسوا على مين أطيب، ومين أشطر، وكل واحد يحاول يستقطب مجموعة من الجمهور على حساب الخدمة و الكنيسة. - أنا مش بعمل كده يا سيدنا! - عملت كده لما كنت في الكنيسة والمكتب والحوار كله حصل قدامك، واتقال بالنص قدامك إن القرار مش قرار أبونا أنجيلوس لكن قراري أنا، وقدسك ضربت بكل ده عرض الحائط وعملت فيها أبو قلب حنين. - يعني أسيبها تمشي معثرة في الكنيسة والخدمة اللي هي وجوزها لما كانوا بصحتهم خدموها بعمرهم، مش يمكن النظام فيه خلل ومرعاش الأحداث اللي ممكن تحصل في فترة انتقال بيانات إخوة الرب بيّن الكنيستين. عقد الأسقف حاجبيه في غضب وهو يقول بصوت خفيض ونبرة عميقة: - قدسك بتقول إن النظام اللي أنا وافقت عليه وأقريته فيه غلط؟! ! - مش قصدي كده يا سيدنا، نيافتك بس متحامل عليا واللي بلغ نيافتك مسخنك عليا بزيادة - كمان! ! أنا متحامل على قدسك؟! ! يعني أنا ظالم؟! ! بدل ما تعتذر عن الغلط والعك اللي بتعمله بقيت أنا متحامل وظالم، لأ وكمان طلعت عيل صغير معنديش عقل بيضحكوا عليا و بيسخنوني عليك، وأنا بقى كلمة تجبني وكلمة توديني ومعنديش شخصية ومستنيهم يسخنوني عليك؟! ! - ايه ده يا سيدنا؟! ! هو إزاي كلامي بيتحول كده؟! ! هو نيافتك بتعمل معايا كده ليه؟! ! هو مش أنااإبنك زي ما أبونا أنجيلوس ابنك ولا إيه؟! - شيل أبونا أنجيلوس من دماغك يا أبونا، ياريتك تبقوا كلكم زي أبونا أنجيلوس، فاهم حجمه ودوره كويس، عارف اللي ليه واللي عليه، عارف حدوده ومش بيتجاوزها زي قدسك، بص يا أبونا في الحالات اللي زيك ديه، أنا بقعدهم في البيت ومش بنزلهم الكنيسة، علشان محدش يشوفهم ودفاترهم تفضل فاضية معاهم ولما الجوع يقرصهم هما وبيوتهم يتعلموا الأدب، لكن في حالة قدسك كده كده دفترك فيه إيصال بـ 50 جنيه قدسك عملته على استحياء يا حرام فمش عارف أعمل معاك إيه؟  بس على أي حال برضه مش هتروح كنيستك وهاتيجي كل يوم الصبح المطرانية عندي هنا. - أجي أعمل إيه؟! ! - متسألش، قدسك تنفذ من سكات، مش مهم هتعمل إيه، أه و حاجة كمان أي اجتماعات طقسية وأي اجتماعات عليك أو وعظات أو أي حاجة خارجية الغيها ولو داخليه اعملي بيها تقرير علشان أوزعها على غيرك. - ليه كل ده؟! طب نيافتك أنا محتاج إجازة، هروح الدير أخد خلوة. - واضح إن قدسك مش فاهم كلامي، مش مهم أديك موجود في المطرانية لحد ما تتعلم، عمومًا مفيش إجازات ولا سفر ولا خلوات وتقدر تروح بيتك دلوقتي، وتكون عندي الصبح. استدار أبونا بطرس وكل علامات الإحباط وخيبات الآلم مرسومة على وجهه، كل ما كان يشعر به أنه يعاقب لأنه عمل خيرًا ووشى به أحدهم عند الأسقف الذي لم ير في القصة كلها سوى كاهن ضرب بتعليماته عُرْضَ الحائط، وعندما هم بفتح الباب سمع الأسقف وهو يقول: - اه بالمناسبة يا أبونا، وقدسك نازل عدي على عماد هتلاقي PlayStation، هدية عيد ميلاد ابنك، بدل اللي قدسك مجبتهاش - ده اللي هو إزاي يعني؟! ! - إيه هو آللي إزاي؟! - إزاي تجلد واحد مربوط بمنتهى القسوة بسوط الجلاد بايديك اليمين، وبعد ما يفرفر في ايديك ويموت تديله البلسم، كنت أتمنى مكالمة امبارح ديه أحس فيها أكتر بأبوتك ونيافتك بتعيد عليا وعلى ابني وتجيبنا النهاردة بدل ما تغسلني كده، كنت خدتنا في حضنك وأديت ابني هديته بايدك، كان الموقف ده هيفرق معانا طول العمر، بس أنا آسف يا سيدنا حاللني مش هاخد حاجة. - براحتك يا أبونا، اعمل اللي أنت عاوزه، اتفضل مع السلامة. . يتبع . . --- ### الكنيسة… نقطة نظام
خطاب مفتوح لآباء المجمع المقدس - Published: ۲۰۲٤-۰۲-۰۹ - Modified: 2024-02-10 - URL: https://tabcm.net/17936/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أنبا بنيامين، مطران المنوفية وشبين الكوم, المجمع المقدس, قديس بولس الرسول, مجمع الأساقفة ويقيني أن حكماء الكنيسة يئنون من هذا التصعيد الذي قد يحدث شرخًا له تكلفته الباهظة خصمًا من سلام وبنيان الكنيسة وَأَمَّا الأَحَدَ عَشَرَ تِلْمِيذًا فَانْطَلَقُوا إِلَى الْجَلِيلِ إِلَى الْجَبَلِ، حَيْثُ أَمَرَهُمْ يَسُوعُ. وَلَمَّا رَأَوْهُ سَجَدُوا لَهُ، وَلكِنَّ بَعْضَهُمْ شَكُّوا. فَتَقَدَّمَ يَسُوعُ وَكَلَّمَهُمْ قَائِلًا: «دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ، فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ. وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ». آمِينَ (إنجيل متى 28: 16-20) كانت تلك السطور التي اختتم بها متى البشير إنجيله، تسجل إرسالية المسيح لتلاميذه، عند ظهوره لهم عقب قيامته المجيدة، والمهام التي كلفهم بها  تُعد محاور عمل الكنيسة: تلمذوا، عمدوا، علموا. وانطلقت الكنيسة بثقة وقوة تترجم الإرسالية إلى فعل، في كل أرجاء المسكونة، مدعومين بوجوده معهم كل الأيام وإلى انقضاء الدهر. كانت القوة من الله وبه الذي حسب توصيف القديس بولس: أَشْرَقَ فِي قُلُوبِنَا، لإِنَارَةِ مَعْرِفَةِ مَجْدِ اللهِ فِي وَجْهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ (رسالة بولس الثانية إلى كورنثوس 4: 6)   ويحدد القديس بولس ماهية الخدام الذين آلت اليهم هذه المسؤلية أنهم: خُدَّامِ الْمَسِيحِ، وَوُكَلاَءِ سَرَائِرِ اللهِ، ثُمَّ يُسْأَلُ فِي الْوُكَلاَءِ لِكَيْ يُوجَدَ الإِنْسَانُ أَمِينًا ويستطرد ق. بولس في توصيف من ثُقلوا بهذه المهمة: أَرَى أَنَّ اللهَ أَبْرَزَنَا نَحْنُ الرُّسُلَ آخِرِينَ، كَأَنَّنَا مَحْكُومٌ عَلَيْنَا بِالْمَوْتِ * لأَنَّنَا صِرْنَا مَنْظَرًا لِلْعَالَمِ، لِلْمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ. * نَحْنُ جُهَّالٌ مِنْ أَجْلِ الْمَسِيحِ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَحُكَمَاءُ فِي الْمَسِيحِ! * نَحْنُ ضُعَفَاءُ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَأَقْوِيَاءُ! أَنْتُمْ مُكَرَّمُونَ، وَأَمَّا نَحْنُ فَبِلاَ كَرَامَةٍ! * إِلَى هذِهِ السَّاعَةِ نَجُوعُ وَنَعْطَشُ وَنَعْرَى وَنُلْكَمُ وَلَيْسَ لَنَا إِقَامَةٌ. وَنَتْعَبُ عَامِلِينَ بِأَيْدِينَا. * نُشْتَمُ فَنُبَارِكُ. نُضْطَهَدُ فَنَحْتَمِلُ. يُفْتَرَى عَلَيْنَا فَنَعِظُ. صِرْنَا كَأَقْذَارِ الْعَالَمِ وَوَسَخِ كُلِّ شَيْءٍ إِلَى الآنَ. لَيْسَ لِكَيْ أُخَجِّلَكُمْ أَكْتُبُ بِهذَا، بَلْ كَأَوْلاَدِي الأَحِبَّاءِ أُنْذِرُكُمْ (رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس 4) ولعلك عزيزي القارئ تابعت معي صدمة التصعيد في أزمة أبينا المطران الأنبا بنيامين، مطران إيبارشية المنوفية، مع المهندس كيرلس ناشد، أحد رعية الكنيسة، التي قفزت من فوق أسوار الكنيسة واقتحمت باحات المحاكم، بالمخالفة لما استقر في قوانين وأعراف الكنيسة. وأظنه تصعيد كاشف لأزمة الكنيسة في استيعاب مفهوم وأبعاد وتبعات الرعاية، وقد اختلط بما استقر خارج أسوارها بالسيادة والسلطة والتراتبية، التي تخالف ما يناظرها داخل أروقتها المحكومة بغطاء الأبوة والبنوة، الذي يضع على كاهل الأب ويثقل قلبه بالسعي لاحتواء أبنائه لحساب المسيح والملكوت. في استحضار ما سبق وأوردناه على لسان القديس بولس الرسول. ويقيني أن حكماء الكنيسة يئنون من هذا التصعيد الذي قد يحدث شرخًا له تكلفته الباهظة خصمًا من سلام وبنيان الكنيسة، ويتطلعون لمن يبادر برأب الصدع، وأظنها مهمة وواجب مجمع الأساقفة، في لحظة دقيقة تعيشها الكنيسة، تنطبق عليها ما قاله ق. بولس: لأَنَّنَا لَمَّا أَتَيْنَا إِلَى مَكِدُونِيَّةَ لَمْ يَكُنْ لِجَسَدِنَا شَيْءٌ مِنَ الرَّاحَةِ بَلْ كُنَّا مُكْتَئِبِينَ فِي كُلِّ شَيْءٍ: مِنْ خَارِجٍ خُصُومَاتٌ، مِنْ دَاخِل مَخَاوِفُ (رسالة بولس الثانية إلى كورنثوس 7: 5) هل يبادر آباء المجمع بالتصدي لدورهم في مبادرة مصالحة بين الأب المطران وابنه، أم نكرر ما قاله أيوب في القديم: لَيْسَ بَيْنَنَا مُصَالِحٌ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى كِلَيْنَا (سفر أيوب 9: 33) --- ### [١٢] المفارقة الكبرى والمحرر الأخير - Published: ۲۰۲٤-۰۲-۰۸ - Modified: 2024-01-29 - URL: https://tabcm.net/15537/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, كتاب مقدس - وسوم: آدم, أبياثار الكاهن, أركيولوچي, أفروديت, إبراهيم أبو الأنبياء, إنانا, التقليد الإيلوهي [E], التقليد التثنوي [D], التقليد الكهنوتي [P], التقليد اليهوي [J] / [Y], السبي البابلي, بنتاتوخ, تابوت العهد, تناخ, توراة, خنوم, داود النبي والملك, زربابل, زيوس, سليمان الحكيم, ششبصر, عزرا الكاهن, عشتار, ڤينوس, قصة الخلق, مارتن نوث, مكابيين, ملك كورش الكبير, مملكة إسرائيل, مملكة يهوذا, نبي موسى, نحميا الكاهن, نوح ابن لامك, هارون الكاهن, هيكل زربابل, هيكل سليمان في الفترة المُبكرة من تاريخ الشعب العبراني لم يكن الاعتقاد بوجود "إله واحد" بنفس المعنى الذي يبدو عليه اﻵن، الدين العبراني لم يكن ، لأن الصورة التي يقدمها سفر الملوك أو الكتب المُبكرة هو انه أحد أنواع الـMonolatrism ، بل أن هذا التصوّر لم يكن منتشرًا سوى عند النخبة المثقفة والكهنة والأنبياء، لكن أغلب عوام اليهود كانوا يعبدون عدة آلهة إلى فترة السبي تقريبًا، ولم يحدث أن اليهود عبدوا إلهًا واحدًا سوى في فترات قليلة كالتي تم ذكرها بعد انهيار مملكة يهوذا سنة 587 قبل الميلاد، كان كثير من اليهود قد تم سبيهم لبابل، وأغلب البقية منهم هربت لمصر، وتبقى القليل في أورشليم. استمرت فترة السبي البابلي لحوالي نصف قرن كامل، وخلالها، نحن ﻻ نعرف إﻻ النذر اليسير. ﻻ يوجد في الكتاب المقدس تأريخات لما حدث خلال تلك الحقبة، والكتب التي كُتبت خلالها مثل سفر حزقيال أو سفر إرميا، هي المصادر الوحيدة تقريبًا عن تلك الفترة، وهي ﻻ تعطي معلومات كافية وقوية عن تاريخ الشعب في هذه المرحلة. ونفس الأمر يمكن أن يقال حول الأركيولوجي، أشياء بسيطة ومحدودة هي ما يكشفها عن الـ50 عامًا المقضيّة في السبيّ. كنا قد تحدثنا عن فكرة أن إله شعب مُعين، قد يكون له إله نظير عند شعب آخر، وذكرنا أن مثل هذه الأفكار تساعد في تأقلُم جماعتين وتعايشهما سويًا، وضربنا المثل باﻹله زيوس ونظيره جوبيتر عن اليونان والرومان. حسنا، الآن اليهود في محنة وجودية، وتشتتوا في الأرض، البعض اصبح موجودًا في بابل والبعض اصبح موجود في مصر، فهل يهوَه كان له إله نظير عند هذه الشعوب؟ الإجابة على هذا السؤال صعبة ومعقّدة للغاية، وﻻ يوجد اتفاق بين المؤرخين على ماهيّة الدين العبراني في هذا الوقت. نحن نلاحظ بحسب كتاب الملوك على الأقل أن أغلب الأوقات يعبد اليهود آلهة مختلفة، ﻻ توجد سوى استثناءات بسيطة في تاريخهم الذي يصفه سفر الملوك أيضًا، الاستثناء هو أن يعبد اليهود يهوَه فقط كما في فترة حزقيا ويوشيا. لكننا نلاحظ أيضًا عبر تعبيرات وتراكيب لغوية في أسفار العهد القديم أكبر من أن تحصى، أن يهوَه يقدّم نفسه باعتباره "إله الآلهة" أو التعبيرات الشبيهة التي توضح أن يهوَه ليس هو "الإله الوحيد"، لكنه الإله الأعلى، والأقوى، أو الوحيد الجدير بالعبادة، لكن ليس بالضرورة الإله الوحيد الموجود. بطريقة أخرى: يقدّم نفسه كإله حقيقي في وسط آلهة مزيفة أو محدودة أو ضعيفة على الأقل. في الفترة المُبكرة من تاريخ الشعب العبراني لم يكن الاعتقاد بوجود "إله واحد" بنفس المعنى الذي يبدو عليه اﻵن، الدين العبراني لم يكن Monotheistic ، لأن الصورة التي يقدمها سفر الملوك أو الكتب المُبكرة هو انه أحد أنواع الـMonolatrism ، بمعنى الاعتقاد بوجود عدة آلهة، لكن الإله الوحيد الجدير بالعبادة هو يهوَه، بل أن هذا التصوّر لم يكن منتشرًا سوى عند النخبة المثقفة والكهنة والأنبياء، لكن أغلب عوام اليهود كانوا يعبدون عدة آلهة إلى فترة السبي تقريبًا، ولم يحدث أن اليهود عبدوا إلهًا واحدًا بالشكل الـMonotheistic سوى في فترات قليلة كالتي تم ذكرها. أما بعد فترة السبي، بدأت الأفكار اليهودية تميل إلى أن يهوة يعاقبنا، ويهوة فقط من يمكنه هذا، هو من قال لنا هذا، وبدأت الاعتقادات تتحرك إلى شكل Monolatrism بشكل جماعي واسع، ولم يحدث الثبات على الشكل التوحيدي الخالص الأخير إﻻ في عصر مُتأخر قد يصل لعصر المكابيين في القرن الثاني أو الثالث قبل الميلاد. كان الإله El إيل، هو إله الكنعانيين، وقد استخدمه العبرانيون الأولون في التعبير عن يهوَه، والإله "إيل" هنا هو فكرة تساعد في تأقلم شعب مملكة إسرائيل في الشمال مع جيرانهم الكنعانيين في هذا الوقت، وعندما حدث هذا وتم اعتبار "إيل" الكنعانيين إله مُكافئ لإله العبرانيين، تم عبادة بعض الآلهة الأُخرى مع يهوَه ، أشهرهم الإلهة أشيرا . في خلال فترة السبي وهرب اليهود إلى مصر، كان بعضهم يعبد يهوَه في Elephantine Temple في جزيرة إلفنتين في أسوان، ويقدمون العبادة للثالوث: (يهوَه، عناة، خنوم). وعناة هي إلهة كنعانية، مقر عبادتها يقع في مدينة عناتوت ، وعتانوت بالأصل على اسم الإلهة عناة، زوجة الإله الكنعاني إيل، أما الإله خنوم فهو الإله المسؤول عن فيضان النيل عند قدماء المصريين، والذي كان يُعتقد أنه الإله الذي يخلق الأطفال من طمي النيل ويضعهم في أرحام الأمهات، فكان يتم اعتباره إله للخصوبة أيضًا. لكن نعود ونؤكد أننا نتحدث عن فئة، وﻻ نستطيع الجزم بأن كل اليهود كانوا يتعبدون ليهوَه بهذا التصوّر فقط. بل كثير من الهاربين لمصر كان يعاني وأحيانًا يُضطهد بسبب أن يهوَه -بالنسبة له- ﻻ مثيل أو نظير له عند الشعوب الأُخرى. معبد Elephantine قد تم تدميره فيما بعد/ والمصادر التي عرفتنا بوجوده وطريقة عبادته هي Elephantine papyri . انتهى السبي البابلي بعد 50 عامًا من وقوعه، فقد توغلت المملكة الفارسية واستطاعت أن تحتل مناطق شاسعة من العالم القديم، ومنها مملكة بابل، وسمح الملك قورش الكبير لليهود بأن يرجعوا إلى مدنهم وأن يعيدوا بناء المعبد مرة ثانية، وتم استعادة الكثير من الذي نُهب من معبد أورشليم في السبي البابلي، ماعدا شيئًا واحدًا فقط: تابوت العهد. والغريب أن بعد الرجوع من السبي، لا توجد أي مصادر تقول ما الذي حدث لتابوت العهد، هل فُقد في بابل؟ هل تم صهر الذهب وتدميره؟ ما الذي حدث؟ ﻻ نجد أيّة مصادر تتكلم أو تُطالب به بالكليّة بعد إنتهاء السبي. إن سكوت المصادر اليهودية بهذا الشكل عن ذِكر تابوت العهد يُعد لغزًا ملغزًا عند كثير من المؤرخين، والبعض نفى تاريخيته لهذا السبب. عندما عاد اليهود من السبي إلى أورشليم، لم يكونوا دولة مستقلة بل مُقاطعة بسيطة تابعة للمملكة الفارسية، وبالتالي لم يكن لديهم ملك، وأيضًا ليس هناك أيّ مصادر تحكي بعد فترة السبي عن مصير السلالة الملكية لبيت داود، كل ما قيل أن ششبصر وزربابل ، قادوا كثير من العبرانيين من بابل لأورشليم بعد انتهاء السبي، وبعد ذلك ﻻ نجد ذكرًا عما حدث لهم أو لنسلهم أو للعائلة الملكية. ومع اختفاء المُلك اختفت النبوّة، فانتهى عصر الأنبياء الكبار، والأنبياء الصغار، والإثني عشر نبيّا.   آخر من كتب فيهم كان في القرن الخامس قبل الميلاد وقت بناء الهيكل الثاني أو بعده بفترة قصيرة. تقول التقاليد أنه عندما رجع اليهود إلى أورشليم لبناء الهيكل، كان هناك شخصاً مسؤولاً بتعيين من الحاكم لبناء الهيكل تحت إشرافه: عزرا الكاهن، وكان هناك مساعد له: نحميا. كان عزرا من نسل هارون الكاهن، وكان كاتبًا ماهرًا جدًا، وتحت إشرافه هو ومُساعده نحميا، تم بناء الهيكل الثاني، وبكون عزرا الكاهن هو الذي يملك سلطة الإشراف، أصبح الكهنة الذين يخدمون في الهيكل الثاني هم الكهنة الذين من نسل هارون. عندما تولّى عزرا مسؤولية أورشليم، كان معه وثيقتين: الوثيقة الأولى من الملك، وتوضّح أن عزرا سيكون هو المسؤول عن بناء الهيكل الثاني، والوثيقة الثانية هي: "شريعة موسى"، وفي هذه المرة فنحن نعلم أن شريعة موسى التي كانت في أيديهم، هي نفس الكتاب اللي بين ايدينا الآن.   المُحرر الأخير. . الشخص الذي جمع التقاليد المُختلفة في كتاب واحد بالشكل الذي بين أيدينا اﻵن، يتم تسميته: Redactor، أو: المُحرر الأخير. المُحرر الأخير لم يكتب شيئًا من عنده تقريبًا غير نصوص قُليلة جدًا بهدف وصل تقاليد أقدم، نلاحظ أنه أيضًا عند ترتيبه الكتب والأسفار بالشكل الذي بين أيدينا، يبدأ الأسفار دائمًا بنصوص من المصدر الكهنوتي، نجد هذا في سفر التكوين حيث قصة الخلق التي في أوّل إصحاح من المصدر الكهنوتي، نفس الأمر مع سفر الخروج، سفر الأحبار بالكليّة من المصدر الكهنوتي، ونفس الأمر مرّة أخرى في سفر العدد، وﻻ تحدث استثناءات سوى في سفر تثنية الاشتراع الذي له مصدرًا مستقلًا وهو المصدر التثنوي. نلاحظ أن المُحرر الأخير الذي جمع الأسفار، قد ربط الأسفار جميعًا بشكل قصصي مُتسلسل، والأحداث التي لم تكن بينها صلة مُباشرة، ربط بينهم بسلسلة أنساب. على سبيل المثال، تفصل نوح عن آدم هوّة زمنية، إذن يربط بينهما بسلسلة أنساب، وعلى هذه الشاكلة تم الربط بين آدم ونوح، أو بين نوح وإبراهيم، وعليه، فالمُحرر الأخير قد ربط القصص في إطار كهنوتي، أحيانًا يُعتقد أن سلسلة الأنساب في حد ذاتها كانت مصدرًا مُستقلًا اسمه كتاب الأجيال أو الأنساب تم استعماله من مؤلف التقليد الكهنوتي أو المُحرر الأخير ثم فُقد فيما بعد. وبهذه الكيفية تم جمع المصادر المُختلفة في نسق واحد، لم يكن مستطاعًا للمُحرر الأخير أن يهمل أي تقليد منهم لأنه كان موجودًا في زمنٍ كل التقاليد فيه أصبحت معروفة، وبالتالي كان على كل التقاليد أن تكون موجودة كي يمكن توحيد الشعب اليهودي مرة ثانية من أشتاته ومن تقاليده المختلفة. لم يكن من الحكمة في عيون المُحرر الأخير أن يترك كل تقليد مستقلًا ينافس ويشاغب ويصارع التقاليد التي سبقته، والذي كتب كل تقليد منها كي يكون ضد تقليد أخر.  التقليد التثنوي كُتب ضد التقليد الكهنوتي ، والذي كُتب بدوره كي يكون ضد التقليد اليهوي-إيلوهي ، والذان بدورهما كل واحد فيهما كُتب كي يكون ضد الأخر. وبالتالي وحدتهم كانت ضرورة لتوحيد كل أسباط اليهود على كتاب واحد. قام المُحرر الأخير بعملية التجميع بشكلٍ معقّد جدا، فهو قد أخد قصة من تقليد ورتبها بعد قصة من تقليد أخر بشكل أشبيه بتجميع البازال أو تكوين لوحة فنيّة من ألوان مختلفة، وصاغ كل هذا في النهاية في قصة واحدة متسلسلة من بداية الخليقة وآدم إلى حتى موت موسى. وهذا العمل المجّمع النهائي، بالرغم من أنّه مُكون من تقاليد قديمة كلها مكتوبة في أزمنة من قبله بكثير، إلا أن ضم هذه التقاليد مع بعضها بشكل مُتداخل ومتواصل يجعل النصوص تعطيا معاني مُختلفة تمامًا عن المعنى الذي كانت عليه عندما كانت منفصلة. إليكم بعض الأمثلة على مثل هذه القصص: - قصة الخلق بين التقليدين الكهنوتي واليهوَي مثلًا: في الإصحاح الأول قصة الخلق تتكلم عن خلق الكون عمومًا، بينما في الإصحاح الثاني أصبحت قصة الخلق تتكلم عن خلق الإنسان بشكل خاص. - قصة ضرب موسى للحجارة بالعصا في الصحراء: القصتان كانتا متضاربتين في الهدف، واحدة تجعل من موسى بطلًا، والثانية تعده شخصًا أخطأ أو متكبر، وكنتيجة: مُنع من دخول أرض الموعد، تم وضع كل قصة في سياق مستقل لكي يتمكن من ضم القصتين معًا. - قصة إبراهيم وتقديم إسحاق كذبيحة: في الإصحاح 22 من سفر التكوين يأخذ إبراهيم إسحاق وقبل أن يذبحه يُظهر الله لإبراهيم كبش فداء ليذبحه بدلًا من إسحاق، وفي الإصحاح 23 التالي مباشرة، تموت سارة. كثير من المُفسرين فسروا موت سارة كنوع من الأسى عندما رأت ابنها مُساق للذبح، مع أن قصة موت سارة مصدرها التقليد الكهنوتي وحده، بينما قصة إبراهيم وتقديم إسحاق كذبيحة مصدرها التقليد الإيلوهي وحده، وبالتالي فهذا المعنى الذي يتم على أساسه تفسير موت سارة لم يقصده المصدر الإيلوهي، ولا المصدر الكهنوتي قصده أيضًا، وربما المُحرر الأخير ﻻ يقصد هذا أيضًا. لكن بعدما تم وضع القصتين متعاقبتين خلف بعضهما البعض، أصبحت احتمالية التفسير بالتعاقب مبررة عقلًا، وهو ما لم يقصده أحد. ومن الواضح أن المُحرر الأخير قد احتفظ بكل نصوص التقاليد جميعًا ما أمكن. ولو فصلنا أحدها الآن فستشعر أن هناك شيئًا ناقصًا في تصوراتنا الحالية حتى لو كانت النتيجة المفصولة قصة متماسكة بنيويًا. ومن الواضح أيضًا أنه أعطى أولوية المُفتتح للتقليد الكهنوتي، وصاغ بقية التقاليد في سياقه قدر الإمكان. الزمن الذي حدث فيه عملية جمع التقاليد المختلفة في كتاب موحد، كان تقريبًا بعد انتهاء السبي البابلي، لأن التقليد التثنوي كُتب قبيل السبي وتم الانتهاء من كتابته بعد انهيار مملكة يهوذا، وعلى هذا، يكون تجميع التناخ، أو الكتاب المقدّس العبراني، قد تم مع زمن بناء الهيكل الثاني، من شخص كان يميل للتقليد الكهنوتي. احد الأشخاص الذين تجتمع فيهم كل السمات والصفات الملحوظة للمُحرر الأخير، هو: عزرا الكاهن. كان عزرا الكاهن معاصرًا لهذه الفترة، وكان من نسل هارون، من كهنة شيلوه، الجماعة التي أنتجت التقليد الكهنوتي سلفًا، وكان لديه السلطة لبناء الهيكل الثاني بتوكيل من الحاكم. وكان عزرا كاتبًا ماهرًا ومعروفًا بدراسته وتعليمه الناس لشريعة يهوَه. ببساطة، عزرا تنطبق عليه كل المواصفات والخواص المميّزة للمُحرر الأخير، أو الشخص الذي يمكن أن يكون جامعًا لكل التقاليد وإعادة إنتاجها في شكلها النهائي. وإن لم يكن عزرا الذي جمع التوراة في النهاية بهذا الشكل، فالفاعل على الأقل سيكون على قُرب أو اتصال مُباشر معه. وبهذا الشكل، تم جمع التوراة في شكلها النهائي الذي بين أيدينا الآن، وتم غزلها مع بعضها البعض في نسيجٍ قويٍ وماهرٍ جدًا، حتّى أنه بعد 25 قرنًا بعد زمن عزرا الكاهن، سيظل العالم معتقدًا أن التوراة هي كتاب واحد، كتبه كاتب واحد، ولن يبدأ أحد في الظن بغير هذا غير بعد زمن عزرا بعشرين قرنًا. بدأ الشك في العصور الوُسطى، وعبر خمسة قرون كاملة من تفكير الإنسان في مصادر كتابه المقدّس، تم كتابة ألوف ومئات وعشرات التفسيرات والفرضيات والنظريات، والتي تحاول تفسر الإشكاليات الكثيرة التي أنتجها الاعتقاد بأن الكاتب هو شخص واحد. بينما الرحلة كانت أقرب ما يكون للرحلة التي حكيناها في هذه السلسلة. انتهى إنتاج الأسفار الخمسة لموسى في حوالي القرن الخامس قبل الميلاد، في زمن بناء هيكل أورشليم الثاني بعد انتهاء السبي، وبعد الزمن الذي يُفترض أن موسى عاش فيه بحوالي ثمانية قرون على الأقل. --- ### الذات والفاعل فوق التاريخي - Published: ۲۰۲٤-۰۲-۰٦ - Modified: 2025-03-18 - URL: https://tabcm.net/16716/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: جان فرانسوا ليوتار, چان پول شارل إيمارد سارتر, چون إدوارد, كارل هانريش ماركس إحدى الإشكاليات التي تُواجِه قراءة التّاريخ، والتي يبدو أنّه لا هروب منها، هي إشكالية التّعميم. في العلوم مثلًا، حين يُدرس تصرُّف ذرّة من عنصُر ما، يُمكن تعميم النّتيجة على جميع ذرّات العنصُر، ومن هذا المُنطلق فالتّعميم جائز. لكن في التّاريخ محلّ الدّراسة فالأمر مُختلف من حيث كونهِ كائنًا حُرّاً -نسبيّاً- ولا يُمكن ردّ جميع تصرُّفاته إلى الحتميّة إحدى الإشكاليات التي تُواجِه قراءة التّاريخ، والتي يبدو أنّه لا هروب منها، هي إشكالية التّعميم. في العلوم مثلًا، حين يُدرس تصرُّف ذرّة من عنصُر ما، يُمكن تعميم النّتيجة على جميع ذرّات العنصُر، ومن هذا المُنطلق فالتّعميم جائز. لكن في التّاريخ محلّ الدّراسة فالأمر مُختلف من حيث كونهِ كائنًا حُرّاً -نسبيّاً- ولا يُمكن ردّ جميع تصرُّفاته إلى الحتميّة. ولكن، ما هو البديل لدراسة الماضي سوى التّعميم؟ هل توجَد وسيلة ذات قدر من الموضوعيّة تُمكننا من إدراك أعماق شخص في الماضي وبالتّالي تكوين تصوُّر عنهُ كفرد له ما يُميّزه عن أقرانه؟ ولأن هذه الوسيلة غير موجوده يعلم المُنظّرون للتّاريخ ما بعد الحداثي أن الموضوعيّة المُطلقة، و“الحقيقة” الكاملة، هي آمال غير واقعيّة، ولا جدوى من البحث عنها. من هُنا يمكن أن نتحرَّك إلى المبحث الثّاني في علاقة ما بعد الحداثة والّتاريخ، وهو: الذات. الجَدَل ما بين التّفرُّد المُطلق والتّعميم المُطلق أو السّؤال عن كون الإنسان مُخيّراً أو مُسيّراً -في المُطلق- كان المدعاة للسُّؤال عن طبيعة الذات. هل الذات البشريّة خاصّة للغاية وحُرَّة تمامًا وبالتّالي تتخطّى التّعميم التّاريخي والنّفسي؟ أم مُنتج تحت تاريخي اجتماعي ومهما تفرّدت واختلفت تقع ما بين مجموعة من الاحتمالات القابلة للّرصد والتوقُّع؟ هل الإنسان قادر على تغيير المُحيط بقرار نابع منه بمعزل عن التّاريخ أم أن تغيير المُحيط هو في حد ذاته طرح حتمي يسمح بهِ وينتجه المُحيط؟ في مسألة الهويّة تعارض طرفان، نادى تيّار الـ Essentialism الحداثي ((تعرّب: ماهوية، وأنصارها يدعون: ماهويون وماهويين. )) بأن الماهية أسبق على الوجود، وعليه فالهويّة جُزء أصيل في الإنسان، يولد به ومن خلاله يتفاعل مع المُحيط. وبدأ نقد تِلك القراءة بعبارة جان بول سارتر: الوجود أسبق على الماهية، وبذلك يكتسب الإنسان ماهيته بوجوده في سياق يُكسبه النوع واللغة والعِرق والدّين لا بالمولد والطّبيعة. ترى ما بعد الحداثة أن هوية الشّخص هي مُنتج مُجتمعه وبالتّالي لُغته، لذلك فالهويّة التي تسبِق الوجود هي فكرة لا يتمّ تبنّيها في كتابات المؤرّخين المُنتمين لتيّار ما بعد الحداثة. وبما أن الذّات هي مُنتج تحت تاريخي، رفضت ما بعد الحداثة الـ metanarrative ((تعرّب: السرديات الكُبرى. وهي كلّ قصّة شعبيّة تصِف تاريخ جماعة بماضيهم البعيد وحَاضرهم ومُستقبلهم. )) وهي كلّ قصّة شعبيّة تصِف تاريخ جماعة بماضيهم البعيد وحَاضرهم ومُستقبلهم، ودائمًا ما تنظُر "السرديات الكُبرى" للتّاريخ من منظور الواقف خَارج التّاريخ. ((أهم من نقد القصص الكُبرى هو الفرنسي جان فرانسوا ليوتار. )) وعلى هذا، ترفُض ما بعد الحداثة التّصوُّر الماركسي، إذ يضع تصوُّرًا حتميًاً لسير التّاريخ، وأيضًا ترفُض أن تعتبر أطروحات الأيديولوجيات عن مسار التّاريخ من البداية للنّهاية كعلومات ذات قيمة للمؤرِّخ. السرديات الكُبرى توجَد فقط بسبب الاتّفاق الشعبي عليها لمئات السّنين، لا لأسباب منطقيّة يُمكن فحصها. كل قصّة تصِف بداية التّاريخ ونهايته تفترض وجود شخص فوق تاريخي metahistorical subject غير مُتأثِّر بالتّاريخ قادر على وصف التّاريخ بموضوعيَّة مُطلقة، ولأن الذات تحت تاريخيّة، ترفُض ما بعد الحداثة تِلك الأطروحات جُملة وتفصيلًا ((چون إدوارد، التأريخ في ضوء ما بعد الحداثة، ورقة بحثية في سبتمبر 2018، نُشرت على موقع humanities-today بتاريخ 8 يونيو 2022. )). --- ### حملة توقيعات وخطاب مفتوح
إلى المجمع المقدّس - Published: ۲۰۲٤-۰۲-۰٤ - Modified: 2024-08-31 - URL: https://tabcm.net/17689/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, شئون علمانية - وسوم: أنبا بنيامين، مطران المنوفية وشبين الكوم, المجمع المقدس, كيرلس رفعت ناشد هل لدينا من القوانين الكنسيّة ما يتيح محاسبة أسقف حاد عن جادة الصواب؟ أم نحن متروكين لفوضى غير مقننة؟ الآباء الأجلاء أصحاب النيافة المطارنة والأساقفة ورؤساء الأديرة أعضاء المجمع المقدس لكنيستنا القبطية الأرثوذكسية، تحية طيبة، نلتمس معها بركاتكم وصلواتكم من أجلنا. المصدرون لهذا الخطاب يتابعون ببالغ القلق والحزن تطورات الوضع الفوضوي الذي آلت إليه الكنيسة في إيبارشية المنوفية وشبين الكوم، والموضوعة رئاستها الدينية تحت تصرّف الأنبا بنيامين، والذي مؤخرًا استخدم منصبه الديني لرفع قضية "ازدراء المسيحية" ضد أحد أفراد رعيته، مستغلًا في ذلك غياب أية سلطة دينية رقابيّة عليه، ومعتديًا على اللائحة الداخلية للمجمع المقدّس التي تحكم وتقّيد التمثيل أمام الدولة في قداسة البابا وحده لا سواه، وسعى لتمثيل شعب المنوفيّة أمام المحاكم الزمنيّة مستغلًا خاتم الإيبارشية الرسمي ووثائقها ومخاطباتها في تفويض محامين من خارج الملّة وغير ملميّن بالنصوص العقائدية للكتاب المقدّس وقوانين الكنيسة التي تحظر على كل مؤمن مسيحي الاختصام لأخيه -في شأن إيماني- أمام المحاكم غير الكنسيّة. هذا بخلاف الغش والكذب والإنكار لما هو موثّق في أروقة القضاء المصري بعدما ظهر على القنوات الفضائية المسيحية، ودأبه على التنصّل من كل ما فعل ويفعل وإلقاء بكامل المسؤولية في تحريك الدعوى على أجهزة ومؤسسات الدولة. تارة "الأمن" وتارة "وزارة العدل"، مورطًا بذلك السلطتين التنفيذية والقضائية في قص لسان خصومه على نحو خارج الأطر التي ينظّمها القانون، وما في ذلك من حرج للكنيسة والدولة على حد سواء، وما قد تستغلّه الجماعات المعادية والمتصيّدة لكلاهما أو لأحدهما. بسلطة لا تزيد عن سلطة الأب أو الأم نعلن أن القيم المسيحية العليا قد صارت مهددة بفضل هذا المطران! فكيف لأحدنا أن يعلّم طفله: نشتم فنبارك (1 كو 4: 12)، والمطران يُشتم فيلعن ويقتص ويرسل محامين لتوقيع أقصى عقوبة؟ وكيف لأخوين متنازعين أن يقرأ عليهما الكاهن: اترك هناك قربانك قدام المذبح، واذهب أولا اصطلح مع أخيك (مت 5: 24)، والمطران نفسه يقيم قداس عيد الميلاد ويقدم القرابين وأخيه محبوس في السجن بوشاية منه وبسبب بلاغه الكيدي؟ كيف لمسيحنا أن يغفر لصالبيه اليوم، وممثّلينه على الأرض ينقصهم الغفران لأيّة خطيئة، ويشعرون بنشوة الانتقام الشخصي صارخين في كبسولاتهم اليومية "سوف تدفعون الثمن"؟ هل لدينا من القوانين الكنسيّة ما يتيح محاسبة أسقف حاد عن جادة الصواب؟ أم نحن متروكين لفوضى غير مقننة؟ إن تأخركم يقود لحالة من انعدام التواصل والثقة بين الشعب والإكليروس، ويهدد تماسك ووحدة الكنيسة بأسرها. آباؤنا الأجلاء، ومع الإحباط الذي نثمل به، فالسكوت قد صار ترفًا لا نحتمله. المصدرون لهذا الخطاب، والموقّعون عليه، يناشدون سلطات المجمع المقدس في الأتي: - إحالة نيافة الأنبا بنيامين، مطران المنوفية وشبين الكوم، إلى لجنة محاسبة بالمجمع المقدس، ومراجعة جميع قراراته الإدارية والكنسيّة والشخصية، على أن يشمل هذا على سبيل المثال لا الحصر: أفكاره عن "سر الزيجة" من حيث كونها علاقة "غير جسدية"، وما تبع ذلك من تكوينه لما يسمى "مجلس العرس"، وإجباره للمقدمين على الزواج بتوقيع إقرارات تهيمن على سلوكهم الاجتماعي في إعلان مظاهر الفرح وكبته، وتتجاوز سلطة النصح والإرشاد إلى تحصيل غرامات مالية على إيصالات التبرعات، وإجراء حرمانات بالجملة على المخالفين. أيضًا تشمل هذه المحاسبة ما يشاع عن حصوله على أراضي وعقارات وأصول على غير النحو الذي يحدده القانون. - إلغاء جميع التوكيلات بكافة أنواعها، والتفويضات الصادرة من نيافة الأنبا بنيامين، مطران المنوفيّة وشبين الكوم، وبالميلاد ميخائيل عبد الملك ميخائيل يونان، في جميع الإجراءات الناقلة للملكية كالتنازل والبيع والهبة وكل التصرفات. مع إلغاء كافة التوكيلات والتفويضات البنكية الخاصة بحسابات الإيبارشية وكذلك الحسابات الخاصة بالاسمين، الرهباني والعلماني، في كافة البنوك المصرية، اﻵن وطوال فترة المحاسبة أمام المجمع المقدّس. - الانتداب الفوري لمن يحدده المجمع المقدس ويراه صالحًا، للقيام بمهام الأسقف المساعد، مع بقاء الأنبا بنيامين على كرسيه بشكل شرفي بكل كرامة طيلة هذه الفترة.   تم إغلاق التوقيعات بإجمالي 546 توقيعًا في نهاية شهر فبراير 2024. --- ### عندما يصير الجهاد الروحي خدعة شيطانية - Published: ۲۰۲٤-۰۲-۰٤ - Modified: 2024-02-03 - URL: https://tabcm.net/17308/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: قديس بولس الرسول فالاعتماد على بر الناموس (الممارسات الجسدية في الطريق الروحي) هو إنكار لبر المسيح (الإيمان بعمل النعمة كأساس لخلاص الإنسان الذي ينتج عنه تغيير سلوك الإنسان بسبب الخليقة الجديدة التي أخذها من المسيح) أَهكَذَا أَنْتُمْ أَغْبِيَاءُ! أَبَعْدَمَا ابْتَدَأْتُمْ بِالرُّوحِ تُكَمَّلُونَ الآنَ بِالْجَسَدِ؟ (رسالة بولي إلى غلاطية 3: 3) - مأساة الإنسان ليست في أنه جسد بل لأنه يضع الجسد مكان الله في كل ماهو مرتبط به حتى في حياته الروحية. وأعني هنا الجهاد الروحي منافسًا لنعمة الله المجانية. هذا يوضِّحه الرسول بولس لأهل غلاطية إصحاح 3.  أَيُّهَا الْغَلاَطِيُّونَ الأَغْبِيَاءُ، مَنْ رَقَاكُمْ حَتَّى لاَ تُذْعِنُوا لِلْحَقِّ؟ أَنْتُمُ الَّذِينَ أَمَامَ عُيُونِكُمْ قَدْ رُسِمَ يَسُوعُ الْمَسِيحُ بَيْنَكُمْ مَصْلُوبًا! أُرِيدُ أَنْ أَتَعَلَّمَ مِنْكُمْ هذَا فَقَطْ: أَبِأَعْمَالِ النَّامُوسِ أَخَذْتُمُ الرُّوحَ أَمْ بِخَبَرِ الإِيمَانِ؟ أَهكَذَا أَنْتُمْ أَغْبِيَاءُ! أَبَعْدَمَا ابْتَدَأْتُمْ بِالرُّوحِ تُكَمَّلُونَ الآنَ بِالْجَسَدِ؟  أَهذَا الْمِقْدَارَ احْتَمَلْتُمْ عَبَثًا؟ إِنْ كَانَ عَبَثًا! “ (رسالة بولي إلى غلاطية 3: 1-4) فمن المهم جدًا القراءة الصحيحة لعدد 3 حيث كلمة ”تُكَمَّلُونَ“ هي بفتح وتشديد الميم (=تكميل الإنسان لحياته الروحية) وليس بتشديد وكسر الميم (= الوقوع في خطايا وشهوات). وبذلك فكلام الرسول يوضِّح التفرقة الدقيقة بين المسيرة الروحانية حسب الروح والمسيرة الروحانية حسب الجسد التي يحذرهم منها الرسول أنهم انحدروا إليها. بل وقد أطلق على هذا المسلك أنه غباء روحي/ عدم إذعان للحق/ عبث / إنكار لبر المسيح الذي صُلْب أمامهم في حين هم ينصرفون عنه إلى جهاد بالجسد حسب الناموس. فالاعتماد على بر الناموس (الممارسات الجسدية في الطريق الروحي) هو إنكار لبر المسيح (الإيمان بعمل النعمة كأساس لخلاص الإنسان الذي ينتج عنه تغيير سلوك الإنسان بسبب الخليقة الجديدة التي أخذها من المسيح). وفي (رومية 2: 28) يقدم الرسول بولس مثالًا عن الاعتماد على ممارسة روحية جسدية مثل الختان يظن الإنسان أن ممارستها تضمن له كفايته وبره، في حين يصف الرسول أن الختان في الجسد هو بر مدحه من الناس وليس من الله: لأَنَّ الْيَهُودِيَّ فِي الظَّاهِرِ لَيْسَ هُوَ يَهُودِيًّا، وَلاَ الْخِتَانُ الَّذِي فِي الظَّاهِرِ فِي اللَّحْمِ خِتَانًا، بَلِ الْيَهُودِيُّ فِي الْخَفَاءِ هُوَ الْيَهُودِيُّ، وَخِتَانُ الْقَلْبِ بِالرُّوحِ لاَ بِالْكِتَابِ هُوَ الْخِتَانُ، الَّذِي مَدْحُهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ بَلْ مِنَ اللهِ. رسالة بولس إلى رومية 2: 28، 29)   --- ### يا كنيسة الله - Published: ۲۰۲٤-۰۲-۰۳ - Modified: 2024-02-03 - URL: https://tabcm.net/17782/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: الكنيسة القبطية, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, قديس بولس الرسول, مدارس الأحد بعد قتل الشهيد، تصور القتلة أن كنيسة الله أصبحت أسيرة لهم بلا عائق، وأنهم أصبحوا فوق الجميع يعملون ‏ما شاء لهم من أإفساد وشر دون وجود حسيب ولا رقيب فأصبحوا يتحدون الله نفسه‎!! أصبح اسم الأنبا ‏شنودة بديلًا لاسم الله! فهو الدرع الذي يحتمون خلفه والقوة التي توحدهم وتجمعهم ليفعلوا كل الشرور كم كانت كنيستنا جميلة ورائعة وبسيطة كما عشتها وشاهدتها بنفسي خلال أربعينات وخمسينات وستينات ‏القرن العشرين‎! ‎‏ ‏ كان كهنتها وأساقفتها بما في ذلك البابا يتحلون بمنتهى التواضع والمحبة والخدمة الباذلة‎! ‎؛ ‏بدأ فساد التعليم بأسقف التعليم عام ‏‎1962‎‏! ؛‏ وبدأ الصراع المجنون حول الوصول للكرسي البطريركي بحركة التكريس التي أعلنتها مدارس أحد الجيزة في ‏أواخر أربعينات القرن العشرين، وبدأت بشكل علني الصراعات وأعمال التخريب برسامة اثنين أسقف عام ‏سنة 1962! كانت الكنيسة القبطية قبلها، تتمتع بحالة من السلام والفرح الروحاني بسبب مجموعة الأساقفة ‏والكهنة مع خدمة شباب مدارس الأحد التي كانت قد أينعت بالثمر الوفير والروحانية البسيطة العميقة النادرة! ‏ بدأت متاعب الكنيسة القبطية الشديدة بالصراع الرهيب حول اختيار البطريرك الـ117 وما حدث من فساد ‏شنيع وغش وتدليس بقيادة الأسقفين الأنبا صموئيل والأنبا شنودة، واكتملت حالة إفساد الكنيسة بجلوس ‏البطريرك الـ117 على الكرسي تلك الحالة الشنيعة من الفساد التي استمرت 40 عامًا كاملة! بعد انتقال البابا شنودة تمنينا الخير للكنيسة، إلا أنه كان هناك 13 مرشحًا لكرسي البطريرك، ولا واحد ‏فيهم يصلح لهذا المنصب، إذ كانوا يمثلون المدرسة التي أفسدت الكنيسة! لم يكن الأسقف تواضروس ‏معروفًا بين المرشحين. فهو إنسان ساكت وديع ليس له صوت عالٍ، مثل باقي المرشحين! ولما أراد ‏الله خيرًا بالكنيسة، فوجئ الجميع بوصول الأسقف تواضروس للكرسي البطريركي وسط صراعات رهيبة فكان ‏ذلك معجزة حقيقة، فتعشمنا الخير حسب إرادة الله الصالحة لكنيسته. ‏ بدأت الحرب العنيفة ضد البابا الجديد منذ عرض خططه الإصلاحية لإنقاذ الكنيسة مما تعرضت له من ‏دمار خلال الزمن المظلم. كل عمل إصلاحي حاول البابا القيام به، حيث بدأ بإصلاح التعليم! فقوبل ‏بالهجوم والرفض الشديد من الحرس القديم، الذي كان قد أحاط البابا شنودة به نفسه حتى يثبت كل فساد في ‏الكنيسة. بذلك صار دورهم أخطر جدا مما كان عليه الوضع عندما كان هناك صوت الأنبا شنودة وحده! ! ! ‎ قام قداسة البابا تواضروس الثاني برسامة الأسقف القديس الأنبا إبيفانيوس الذي كان يمثل قوة وبركة للكنيسة. واعتمد البابا عليه ‏في كل محاولاته للإصلاح، فشعرت الكنيسة كلها بالنعمة والقوة الروحية التي كانت تنبعث من خدماته. ‏ورغم الجهود العظيمة للأسقف القديس إلا أن المعارضة المفسدة للحق كانت تعوق الكثير من أعماله ‏الإصلاحية! ! حتى أنه قال لي في أخر حديث تليفوني معه قبل حادث اغتياله، إنه لا حل لإنقاذ الكنيسة ‏قبل أن ينتهي كل ذلك الجيل من الأساقفة الذين يفسدون كل عمل لإنقاذ الكنيسة! ولم يمضي سوى وقت ‏قصير حتى تم اغتيال الأسقف القديس الشهيد البار الذي حاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه. وقد كان اليد اليمنى ‏للبابا في كل محاولاته المضنية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه! ! ‎‏ ومن بعده صار الإصلاح مستحيلًا لموقف الأساقفة ‏الشنيع! ‏ بعد قتل الشهيد، تصور القتلة أن كنيسة الله أصبحت أسيرة لهم بلا عائق، وأنهم أصبحوا فوق الجميع يعملون ‏ما شاء لهم من أإفساد وشر دون وجود حسيب ولا رقيب فأصبحوا يتحدون الله نفسه‎! !  أصبح اسم الأنبا ‏شنودة بديلًا لاسم الله! فهو الدرع الذي يحتمون خلفه والقوة التي توحدهم وتجمعهم ليفعلوا كل الشرور... ‏تناسوا تمامًا أنهم مجرد خدام لشعب المسيح وأن هناك إله ضابط لكل شيء، هو رب الكنيسة، وهو نفسه ‏الحق والقوة التي تحمي الشعب من شرور إبليس وجوده. وصاروا يعبثون بكل حقوق الشعب الذين هم ‏كنيسة الله وعمود الحق. ‏ وَلكِنْ إِنْ قَالَ ذلِكَ الْعَبْدُ فِي قَلْبِهِ: سَيِّدِي يُبْطِئُ قُدُومَهُ، فَيَبْتَدِئُ يَضْرِبُ الْغِلْمَانَ وَالْجَوَارِيَ، وَيَأْكُلُ وَيَشْرَبُ ‏وَيَسْكَرُ. يَأْتِي سَيِّدُ ذلِكَ الْعَبْدِ فِي يَوْمٍ لاَ يَنْتَظِرُهُ وَفِي سَاعَةٍ لاَ يَعْرِفُهَا، فَيَقْطَعُهُ وَيَجْعَلُ نَصِيبَهُ مَعَ ‏الْخَائِنِينَ. (لوقا 45:12، 46) يا كنيسة الله شعب المسيح الأقباط: أعزلوا الخبيث من بينكم حسب تعليم القديس بولس الرسول... إنه وقت للعمل، وقت للتجمع معًا، والوحدة تحت يد المسيح القوية. لإنقاذ الكنيسة من هذا العار وهذا الفساد الشنيع الذي تمر به كنيستنا العريقة الأصيلة. --- ### عبد الناصر المفترى عليه والمفترى علينا! - Published: ۲۰۲٤-۰۲-۰۲ - Modified: 2024-02-02 - URL: https://tabcm.net/17439/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون هو اسم الكتاب الممتع الذي كتبه أنيس منصور سنة 1988 وصدر عن دار نهضة مصـر في 411 صفحة من القطع الكبير، وتوزع منه حاليًا في المكتبات الطبعة الخامسة الصادرة في عام 2008 -أي بعد عشـر سنوات كاملة من أول طبعة- ولم تنفذ حتى الآن! يكتب فيه منصور رؤيته الشيقة عن حِقْبَة عبد الناصر -بالذات السيتينيات التي يعشقها الإسلاميون، والحدق يفهم! - من واقع أزمة شخصية (تبدو للغريب طريفة) مرت به، لكن كان لها وقع النكبة والمرار الطافح على منصور! وكل ذلك كان بسبب مقالة نقدية يتيمة كتبها عن رائعة "السلطان الحائر" لعميد المسرحية العربية الفيلسوف الكبير توفيق الحكيم في جريدة "أخبار اليوم" التي كتب فيها منصور مقالًا بعنوان "حمار الشيخ عبد السلام" وحملت غمزًا ولمزًا وإيماءات وإسقاطات واضحة عن نظام عبد الناصر "تودي في داهية! ". يقول أنيس منصور عن المقالة: "كانت صورة لأعماقي الغاضبة الساخطة على الذي أصابنا جميعا"، ووقتها كان يوجد ما يسمى بالرقيب العسكري وكان مقررًا على جميع الصحف ودوره هو أن يراقب كل ما يكتب بالصحافة عن النظام أو غير النظام، ولذا فسـرعان ما وصلت المقالة عن طريق الرقيب إلى "علي صبري" عضو مجلس قيادة الثورة الذي ألمح لعبد الناصر من بعيد بمحتواها وهو يستعد للسفر، وسرعان ما تلقى منه إشارة مبهمة بأطراف أصابعه وهو يستعد للسفر بمعنى "فيمَا بعد"، وترجمها علي صبري طبعًا بما معناه فصل أنيس منصور من "أخبار اليوم"، ليس هذا فحسب، بل تعطيله إجباريًا أيضًا عن العمل بكافة مؤسسات الدولة، من جرائد ومجلات إلى مـسرح وإذاعة وتلفزيون! ويمضي أنيس منصور في شرح العام ونصف الذي ظل فيه متبطلًا بالإجبار، وشاهد فيه تنكر الجميع له -خوفًا من بطش نظام ناصر- وهروبهم منه، ويستفيض منصور واصفًا جميع أنواع العلاج النفسي المهني التي اقترحها عليه "علي أمين" للهروب من جنون الفراغ، بدءً من تعلم الكتابة على الآلة الكاتبة إلى تعلم اللغات الجديدة! ويحكي لنا أنيس منصور اتصاله بكافة مثقفين البلاد الكبار شاكيًا لهم ضيقه بدءً من توفيق الحكيم الذي اكتفى بالضحك والتندر على ما حدث بسبب مسرحـيته وحتى طه حسين وعباس العقاد الذين شردا في التحليل النقدي واكتفيا بالتفلسف على ما حدث دون فعل شيء! يأخذنا أنيس منصور من بعدها -من بعد تخطي أزمته الشخصية الطارئة مع نظام ناصر الذي لم يتحمل حتى التلميحات، بالوساطات الشخصية المضنية لدى القيادة السياسية- ليمشـي مع القارئ بكل رشاقة سني الهزيمة واصفًا بدقة كيف تجرعها الشعب المـصري صابرًا مرغمًا ساخرًا منكتًا فيقول: وبعد 1967 لم يعد عبد الناصر يحكم مصـر. وإنما يحكمها رجال الحاشية، تمامًا كما كان يحدث في قصور آل عثمان. فعندما يكون السلطان طفلًا، أو شابًا غارقًا في الجنس أو الخمر، فكانت "الوالدة باشا"، أي أم السلطان التي ولدته سفاحًا هي التي تحكم السلطنة مستعينة بالطواشي والأغوات -وكذلك كان حكم مصـر منذ الهزيمة العسكرية حتى جنازة الرئيس- حتى في الجنازة كانت هناك مؤامرة على وراثة عرش مصـر (أنيس منصور، عبد الناصر المفترى عليه والمفتري علينا) ثم يحكي بعدها عن تجارِب المثقفين المصريين الكبار من إلهام سيف الـنصر، حتى حسن دوح إلى د. اسماعيل صبري مستشار ناصر السابق إلى المثقف القبطي البارز د. لويس عوض في معتقلات عبد الناصر، التي زامل فيها الشيوعيين والماركسيين (وضمنهم ولمن لا يريد أن يرى بعض الأقباط) والإخوان المسلمين في التعذيب! ليستنتج لنا كعادته فلسفة جميلة ورائعة فيقول: ولكن الضحايا ليس لهم إلا وجه واحد. . إنهم تعذبوا حتى الموت. . وبكت عليهم أمهاتهم وزوجاتهم وبناتهم. . سواء كان النصـر حليفًا لهم، أو حليفًا لأعدائهم. . فالذي شرب الشمابانيا حتى مات -الخديو إسماعيل والملك فاروق- الذي مات عطشا مثل مئات الألوف من جنودنا في سيناء واليمن: جميعًا ماتوا (أنيس منصور، عبد الناصر المفترى عليه والمفتري علينا) كأنما يوجه رسالة لنا من قبره عن أن ضحايا مبارك ومرسي في سلة واحدة -سلة الضحايا- شأنهم شأن ضحايا نظام ناصر من قبل. تستخلص من الكتاب الذي يختمه برسالة مطولة من مصطفى أمين في السجن لعبد الناصر في 60 صفحة يدافع فيها عن نفسه ممن وشوا به من زبانية صلاح نصر، باكتشاف حديث قديم، ألا وهو أن المصريين لا يكتفون فقط بصناعة الفراعنة، لكنهم أيضًا يبرعون في ذلك أيما براعة، كأنما يتكسبون شخصيًا من ذلك الكثير مثلا! المدهش الذي يرصده منصور في ذلك الكتاب الشيق هو أنه بالرغم من كل ما فعله ناصر بالشعب ألا أن الشعب بما فيهم من عذبهم ناصر ظلوا دوما يدافعون عنه ويلصقون التهمة -كعادة المصـريين الأثيرة- بالحاشية الفاسدة، كما لو أن حكامنا جميعهم سذج ويسهل خداعهم بكل بساطة منذ فجر التاريخ، وربما ذلك لأنه لو نجح الإعلام ذو النزعة الجوبلزية في أمة ما في تلبيس الحقائق بالأوهام، خصوصًا في عـصر إعلام الطبعة الواحدة من الجريدة، وحتى الإذاعة مرورًا بالتلفزيون، ولو نجح الفن الموجه للحاكم للفرد الذي يتملقه ليلًا ونهارًا جهارًا وسرًا بدءًا من المسـرح المدرسي في الأقاليم وحتى السينما وحفلات الموسيقى بالعاصمة، فسيؤثر هذا بقوة في أفراد هذه الأمة (خاصة لو كانت متأثرة بتراث العبيد) فتجعلهم يستطعمون المرار لأنهم تعودوا عليه، ويستملحون السياط ولو مغموسة بالزيت، لأنهم كما يبدو لا يعلمون غيرها أسلوبًا اسرع لتنظيم العمل! وللحديث بقية إن كان في العمر بقية. . والله أعلم! --- ### [١١] الإصدار التثنوي الثاني [Dtr2] - Published: ۲۰۲٤-۰۲-۰۱ - Modified: 2024-01-26 - URL: https://tabcm.net/15536/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, كتاب مقدس - وسوم: التقليد الإيلوهي [E], التقليد التثنوي [D], التقليد الكهنوتي [P], التقليد اليهوي [J] / [Y], الشرق الأدنى, باروخ بن نيريا, تلمود, جدليا ابن أخيقام, حلقيا الكاهن, داود النبي والملك, سليمان الحكيم, ملك منسى, ملك يوشيا, مملكة إسرائيل, مملكة يهوذا, نبي إرميا, نبي موسى, هيكل سليمان, يهوه وعلى هذه الصورة الجديدة، أصبح تفسير العهد مع داود يعني أن العرش سيكون دائمًا وأبدًا مُتاحًا لأن يجلس عليه أحد من نسل داود، إن طبّق الشعب الشريعة. وهذه الصورة الأخيرة المكتملة كان لها أثرًا عظيمًا جدًا على تصورات اليهودية فيما بعد، وأنه: من نسل داود، سيأتي ملك مُخلّص يحكم الشعب بالعدل بحسب شريعة موسى بعدما قُتل الملك يوشيا وانهارت مملكة يهوذا، اضطر أحد الكتّاب لتعديل ما تمت كتابته في التأريخ التثنوي لكي يسجل الأحداث التي حدثت، وفي نفس الوقت، حاول أن يعيد تأويل التأريخ التثنوي للأحداث لإن الإصدار الأول من التأريخ التثنوي تأويله متفائل جدًا وبدأ في الانفصال عن الواقع الذي صار اليهود إليه بعد انهيار مملكة يهوذا. هناك معايير معينة حتى يتمكن الباحثين من تمييز النصوص المضافة على متزن أقدم، على سبيل المثال ﻻ الحصر، إن حدث تغيّر حاد في الصيغة النَحْوِيّة للجملة، كأن يكون السرد منسجمًا بضمير المفرد ثم فجأة تتغير الضمائر إلى ضمير الجمع بدل المفرد أو ما شابه، أو أن النص مثار الفحص والتدقيق ظهر فيه ألفاظ أو مفردات أو تعبيرات معينة لم يتم استخدامها مع نصوص أخرى، أو أن يتم كسر الموضوع فجأة، كأن تكون السردية عن موضوع ثم تقفز لموضوع آخر، أو أن يتم الالتفات لنقطة ليست ذات صلة، أيضا طريقة بناء الجملة والبناء الأدبي للنص. كل هذه المعايير توضح للباحث المدقق إن كان النص مثار الفحص أصليًا أم مضافًا، وهي نفس الأدلة المُتبعة في بداية حلقاتنا لتقييم النصوص إذا ما كانت من التقليد اليهوي أم الإيلوهي أم الكهنوتي.  لكن في حالة التمييز بين الإصدار التثنوي الأول والثاني ، فالأمر أصعب، ففي الأمثلة الأولى كان كل تقليد يكتب نصًا مستقلًا خاصًا به، ثم تم دمج النصين في مرحلة لاحقة. تذكَر عندما فصلنا بين قصة الطوفان في التقليد اليهوَي والتقليد الكهنوتي على سبيل المثال، كانت كل قصة منفردة تقف متماسكة ومتناسقة، لأن كل نص كُتب هكذا منفردًا بالأصل، لكن ليس هذا هو الحال مع التقليد التثنوي الثاني، والذي أخد التقليد التثنوي الأول وأضاف بضعة عبارات بين السطور، ومقطع في النهاية وهذا هو كل شيء. لذلك، فصل الإصداران عن بعضهما في هذه الحالة سيكون أصعب لأنه ﻻ وجود للثُنائيات التي كانت في حالة التقليد اليهوي والكهنوتي والإيلوهي، ولكي يقال على نص أنه مُضاف من الإصدار التثنوي الثاني، فلابد من اقتران أكثر من دليل ومعيار يعضد بعضهم بعضا في نفس الاتجاه. كمثال على ما نقول، ولو افترضنا أن النص يتحدث مثلا عن سبي اليهود أو تشتتهم في الأرض، فهذا ليس بدليلٍ كافٍ أن النص كُتب بعد السبي في الإصدار التثنوي الثاني، لأن مسألة الخوف من السبي والتبدد في الأرض هو خوف طبيعي بالنسبة للشعب العبراني في هذا الزمن، خصوصًا أن مملكتيّ يهوذا وإسرائيل تعتبران ممالكًا صغيرة إذا ما تمت المقارنة بالممالك القوية المُحيطة مثل مصر وآشور وبابل. وعلى هذا، فمسألة الخوف من الشتات، أو التهديد به للشعب إن لم يتمسّكوا بالشريعة، لا تُعد دليلًا كافيًا بمفردها على أنّ النص مُضافٌ بعد انهيار المملكة وحدوث السبي، لكن، إن حدث هذا وكان النص مقحمًا، أو قاطعًا لسردية السياق، أو مقترنًا بكسر في البنية النَحْوِيّة، أو حدث الالتفات المفاجئ في ضمير المتكلم، فعندها يمكن أن تتضافر هذه الأدلة لترجيح أن النص مثار الفحص قد تمت إضافته في الإصدار التثنوي الثاني فعلًا. بعض النصوص التي بهذا الشكل، هي النصوص التالية: (تثنية 4: 26، 27 - يشوع 23: 16 - تثنية 28: 36، 63، 64 - تثنية 30: 18 - ملوك أول 9: 7)، وكلها مكتوبة تقريبًا بنفس الطريقة ونفس التعبيرات. وبهذا الشكل يمكننا القول أن الخوف من الشتات هو موضوع وفكر طبيعي، ومتأصل داخل التأريخ التثنوي، وليس هذا وحسب، فالكاتب يوضح أيضًا السبب الذي قد يؤدي للشتات والتبدد في الأرض، وهو عبادة آلهة غير يهوَه: وقال يهوَه لموسى: «ها أنت ترقد مع آبائك، فيقوم هذا الشعب ويزني خلف آلهة الأجنبيين في الأرض التي هو داخل إليها في ما بينهم، ويتركني وينكث عهدي الذي قطعته معه. فيشتعل غضبي عليه في ذلك اليوم، وأتركه وأحجب وجهي عنه، فيكون مأكلة، وتصيبه شرور كثيرة وشدائد حتى يقول في ذلك اليوم: أما لأن إلهي ليس في وسطي أصابتني هذه الشرور! وأنا أحجب وجهي في ذلك اليوم لأجل جميع الشر الذي عمله، إذ التفت إلى آلهة أخرى. (سفر تثنية الإشتراع، الإصحاح 31: 16-18) وبعد ذلك، يحاول الكاتب أن يجد شخصًا ليلقي عليه اللوم لحدوث هذا العقاب الجماعي بهذا الشكل في تاريخ المملكة، وفي حالتنا هنا، فهذا الشخص كان الملك منسَّى، الملك الذي شروره كانت عظيمة جدًا حتّى إن التطهير الذي قام به الملك يوشيا لم يكن كافيًا لتغطيتها: ولكن يهوَه لم يرجع عن حمو غضبه العظيم، لأن غضبه حمي على يهوذا من أجل جميع الإغاظات التي أغاظه إياها منسى. فقال يهوَه: «إني أنزع يهوذا أيضا من أمامي كما نزعت إسرائيل، وأرفض هذه المدينة التي اخترتها أورشليم والبيت الذي قلت يكون اسمي فيه». (سفر الملوك الثاني، الإصحاح 23: 26-27) فيما بعد، أضاف المؤرخ التثنوي تاريخ الأربعة ملوك الذين حكموا بعد الملك يوشيا، وعلى نفس نهج الإصدار التثنوي الأول، يوضح أن كل واحد فيهم: صنع الشر في عيني الرب. مازال شيئًا متبقيًا، وهو أنّ العهد الذي بين يهوَه وداود، كان عهدًا أبديًا غير مشروطًا. ولذلك يقوم الكاتب في الإصدار الثاني للتأريخ التثنوي بلفت النظر لعهدٍ أقدم من العهد مع داود، وهو العهد مع موسى، والذي كان عهدًا مشروطًا بالتزام الشعب بالشريعة. وعلى هذا، تكون المحصّلة أن الكاتب أضاف فكرة السبي والشتات بين السطور باعتبارها نتيجة أيضًا لعصيان الشعب وتركه للشريعة، يبدو هذا واضحًا في سفر الملوك في الإصدار التثنوي الأول حيث يظهر يهوَه للملك سليمان، ويتم التأكيد على عهد داود، وأن الهيكل سيظل موجودًا للأبد: أن يهوَه تراءى لسليمان ثانية كما تراءى له في جبعون. وقال له يهوَه: «قد سمعت صلاتك وتضرعك الذي تضرعت به أمامي. قدست هذا البيت الذي بنيته لأجل وضع اسمي فيه إلى الأبد، وتكون عيناي وقلبي هناك كل الأيام. (سفر الملوك الأول، الإصحاح 9: 2-3) لكن في النصوص التي تلي هذا، أو التابعة للمصدر التثنوي الثاني، يعود الكاتب ويرسم تصوّر العهد الذي حدث مع موسى وشعب بني إسرائيل في البرية، وفي هذا التصورّ، فالعهد مشروطًا بالتوحيد الخالص ليهوَه، وأن الشعب لو عبد آلهة أخرى فستكون العقوبة هي الشتات وتدمير الهيكل. هذه الصورة أيضاّ تجعل العهد الذي حدث مع موسى هو عهد الشعب، وتلقي عليه بالمسؤولية، فالشعب لو احتكم بالشريعة سيكون على ما يرام وبأحسن حال، لكن إن لم ينفذ حدود يهوَه سيعاقب بالتشتت والضعف والهزيمة والمرض ويصبح الحال سيئًا. العهد الذي مع داود هو عهد لشخص داود، وﻻ يعني ديمومة المُلك من نسله إلا من خلال تحقيق العهد مع موسى في الصورة، فالعهد الثاني يكون بلا معنى دون شعب يَحكمه الملك. وعلى هذه الصورة الجديدة، أصبح تفسير العهد مع داود يعني أن العرش سيكون دائمًا وأبدًا مُتاحًا لأن يجلس عليه أحد من نسل داود، إن طبّق الشعب الشريعة. وهذه الصورة الأخيرة المكتملة كان لها أثرًا عظيمًا جدًا على تصورات اليهودية فيما بعد، وأنه: من نسل داود، سيأتي ملك مُخلّص يحكم الشعب بالعدل بحسب شريعة موسى. آخر لعنة في فصل اللعنات في سفر تثنية الاشتراع من الإصدار الثاني، هي عقوبة العودة لمصر، البلد الذي تم استعباد العبرانيين فيها بحسب تقليدهم: ويردك يهوَه إلى مصر في سُفنٍ، في الطريق التي قلت لك لا تعد تراها، فتباعون هناك لأعدائك عبيدا وإماء، وليس من يشتري. (سفر تثنية الإشتراع، الإصحاح 28: 68) وهو ما تحقق بالفعل في زمن انهيار مملكة يهوذا: فقام جميع الشعب من الصغير إلى الكبير ورؤساء الجيوش وجاءوا إلى مصر، لأنهم خافوا من الكلدانيين. (سفر الملوك الثاني، الإصحاح 25: 26)   لكن، لحظة. . من الذي كتب الإصدار التثنوي الثاني؟ هناك ملاحظتان ينبغي وضعهما نصب الأعين: 1- التشابه في أسلوب الكتابة بين الإصدارين قوي جدًا ويصل لمرحلة التطابق. تقريبًا ﻻ يوجد اختلاف. 2- الفترة الزمنية بين الإصدار الأول والثاني هي 22 سنة فقط. أي من نفس الجيل في فترة حياة كاتب الإصدار الأوّل. وهذا يعني الإمكانية لنفس الشخص الذي أنتج الإصدار الأول، أن ينتج أيضًا الإصدار الثاني، ولهذا قرائنه القوية مثل لماذا أكمل وعدّل أمور بسيطة لكن لم يُعد التأريخ من نقطة الصفر بشكل موازً من أوّل النبي موسى إلى انهيار مملكة يهوذا. الإصدار التثنوي الثاني في النهاية ﻻ يشكّل أكثر من 5% فقط من التأريخ التثنوي. هناك أيضًا مؤشرات أن الكاتب قد عاش بعد السبيّ ولم يقتل أو يؤخذ أسيرًا، بل ارتحل إلى مصر مع المرتحلين عقب قتل جدليا بسبب النصوص المُقتبسة بالأعلى. في الواقع، هناك نبيٌّ مُهم يُقال أنه عايش هذه الفترة، وتنطبق عليه كل السمات التي بينّا أن كاتب التقليد التثنوي يفضلها، وهذا الشخص هو: النبي إرميا. النبي إرميا كان من كهنة شيلوه. النبي إرميا كان يحب الملك يوشيا وكتب مرثيّته عندما مات ، النبي إرميا لم يكن يحب الملوك الذين حكموا بعد يوشيا من نسله. النبي إرميا كان ابن كاهن اسمه حلقيا ، سفر إرميا أسلوبه مشابه جدًا لنصوص كثير من التقليد التثنوي الأول والثاني.  ليس كل هذا وحسب، بل حتّى في التلمود تم نسب سفر الملوك لإرميا. في سفر إرميا، كتب إرميا نبوءاته بشكل شِعري، وكتب عن حياته وأعماله بشكل نثري، البعض يُرجح أن الشعر ألفه النبي إرميا، وأنّ تلميذه، باروخ بن نيريا، والذي ارتحل معه لمصر أيضا، هو من كتب النثر، وهذا مذكور في سفر إرميا نفسه، وأن باروك كان يكتب الكلام الذي يسمع عن إرميا من يهوَه، في سفر إرميا. وعلى هذا، فمن الوارد جدًا أن يكون كاتب التقليد التثنوي وكُتب التأريخ التثنوي في إصداراتها الأولى والثانية هو نفسه إرميا، أو تلميذه باروخ ابن نيريا، أو قد يكونا كتباها بشكل مُشترك بينهما، بحيث أن باروك كتب التأريخ التثنوي وتأويله في ضوء تعاليم ورؤى مُعلمه إرميا. نحن، حتى اﻵن، قد عرفنا مصدر وموقف كتابة كل تقليد، والفترة التي تم فيها كتابة التقليد التثنوي. يُصبح أمامنا الآن 5 تقاليد مختلفة: 1- التقليد اليهوي، المصدر J 2- التقليد الإيلوهي، المصدر E 3- التقليد اليهوي-إيلوهي، المصدر JE 4- التقليد الكهنوتي، المصدر P 5- التقليد التثنوي، المصدر D السؤال الأهم على الإطلاق: كيف في النهاية اجتمعت كل هذه التقاليد في كتاب واحد، رغم أن كل تقليد منها يتشاجر ويتعارك ويختلف ويتصارع مع التقليد الذي سبقه؟ كل تقليد من هذه التقاليد، كيف تم تحريرها ودمجها في الكتاب المقدّس بالشكل الذي بين أيدينا اﻵن؟ ولماذا تم ضمهم؟ ما الظروف التي دعت لهذا؟ ومن هو هذا المُحرر الأخير وفي أي عصر عاش؟ للإجابة على كل هذه الأسئلة، نفرد الحلقة القادمة، والأخيرة. . --- ### هل نستطيع إعلان مجلس علماني؟ - Published: ۲۰۲٤-۰۱-۳۱ - Modified: 2025-02-02 - URL: https://tabcm.net/17672/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, شئون علمانية الواقع الحالي وبلا رتوش، إن كنيستنا تحولت إلى مؤسسة، مؤسسة اقتصادية ريعية عملاقة، وبلا يسوع نهائيًا. الواقع الحالي وبلا رتوش، إن كنيستنا تحولت إلى مؤسسة، مؤسسة اقتصادية ريعية عملاقة، وبلا يسوع نهائيًا. وما نفع يسوع لهكذا مؤسسة! ! أليس الدمسيسي أو الرزيقي أكثر نفعًا، ألن يجلب "العريان" ريعًا لن يستطيعه يسوع؟ سأتذكر دوما ذلك الكاهن المارق المتحدي يقول: "أيوه احنا بتوع يسوع" ردا على سؤال مستنكر ساخر: "أنتوا بتوع يسوع! " وسأتذكر أيضًا ما حاق به. سيكون من السذاجة أن تسأل أين يذهب الريع؟ ولمن؟ الثمار للأسياد أصحاب الجنة، المقرات والسيارات والنفقات والسفريات والرشوات وإصلاح خلقة الاعوجاجات والأسنانات، الباروكات للعشيقات، والمشروعات للأقارب والقريبات، ثم، وبعد عمر طويل مديد. المزارات والرفات. ولكن ستبلغ بهم الحصافة أن ينتهجوا نظرية اقتصادية هي "الثمار المتساقطة" سيربط الأسياد نفرًا غير قليل بالماكينة الاقتصادية العملاقة انتظارًا لبعض الفتات. ستسمع ما يصيبك بالغثيان عن القتال حول الإشراف على لجنة الرِّحْلات، أو الكانتين، أو بيع منتجات الأديرة، ولا أعلم ماذا أضافوا أيضًا من مجالات طفيلية، لكنها تصبح مصدرًا "غير بطال" للترزق. فساد مريع لن تصدقه إذا اقتربت من عالم الإنشاءات الكنسية ومتعهديها "الملاكي" شركاء الإكليروس. دوائر ربط أخرى نتجت عن التشوه النفسي الذي أحدثوه في الأقباط، فالحظوة التي يتمتع بها الإكليروس ستنتقل تنازليًا إلى كل من يمارس دورًا خدميًا في المنظومة، بدءَا من الذي سيلعلع بصوته قائلَا: "أي بي بروس افكي استاسي تي" حتى أمين الخدمة، مرورًا بعشرات من يبحثون عن أي دور. ورغم محمودية "شهوة" الخدمة، إلا أنها تتحول مع هؤلاء إلى احتياج مرضي ربما يتنازل عن "لحمه" للحفاظ عليه. يتمتع الفساد الكنسي المؤسسي بحماية الجميع، بداية من مجمع الأساقفة نفسه، الراعي الرئيسي للفساد والمستفيد الحقيقي منه، ولذي لن يسمح بسقوط أحد أفراده، لأن الأمر يمس الجميع، ويشوه المؤسسة بالكامل، وسينعكس بالسلب على "الريع" فيتضرر الجميع. للذين هم "من خارج" فليس في الإمكان أبدع مما هو كائن، أساقفة عراة أمامهم، دون قطعة ستر واحدة، لأن كل مفسدة، صغرت أو كبرت، مصورة ومسجلة، فليس للاندهاش مكان إذن. إن تُختار لعضوية المجلس المقدس -بطريقة يعلمها الشيطان وحده- تنسبغ عليك حماية مجمعية مجتمعية، تقتل، تزني، تكذب، لا بأس، الجميع في الهوى سواء، ستبقى عضوًا ولو اقتلعت عيون رعيتك. هل حدثتكم عن فساد التعليم؟ لن أفعل، فقط سأخبرك أنه مع الفساد المالي والأخلاقي صنوان لا يفترقان، وهما كهاتين (أشير بأصبعي السبابة والوسطى) في الجحيم الحالي لن ينصلح التعليم دون إزالة العفن الحالي، وهو ما ستتبين مثلي أنه باق. . باق. . باق. ماذا نفعل إذن؟ لا شيء، افعل مثلي، اسخر. ابدأ بالسخرية من نفسك، إنك تعيش هذا الزمن الرديء، واسخر من تحضرك الذي يمنعك ـن تمسك سيفًا وتعمل فيهم تقتيلًا. ثم اسخر منهم، ومن تسفلهم غير المسبوق. "سستم" نفسك ‘ن قيمًا مثل الحق والخير والجمال ليست للوجود في مؤسسات كنسية بلا يسوع. أما ماذا تفعل في أبيات أحمد مطر الحكيمة: إذا تركت أخاك تأكله الذئاب. فاعلم بأنك يا أخاه ستستطاب. ويجئ دورك بعده في لحظة. إن لم يجئك الذئب تنهشك الكلاب. أن تأكل النيران غرفة منزل. فالغرفة الأخرى سيدركها الخراب. فلا شيء، فقط،  تذكر أن كاتبها لا يعرف له أحد "طريق جرة". --- ### البنيوية: “العلامة” - Published: ۲۰۲٤-۰۱-۳۰ - Modified: 2025-03-18 - URL: https://tabcm.net/16714/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: ألفريد هابدانك سكاربيك كورزيبسكي, إليعازر س. يودكوفسكي, چورچ لاكوف, رولان بارت, فرديناند دي سوسور, كالوم چي. براون, مارك چونسون الادّعاء الأساسي للبنيويّة هو أن: نّشاط الإنسان يُمكن أن يُفهم كلغة تتبع قواعد يُمكن أن نُشبّهها بالنّحو. حتى بداية القرن العشرين، اعتبر دارسوا اللغة أن الكلمات تُشير إلى أشياء بعينها، لذا فالكلمات مُحدَّدة ونهائيّة بنت ما بعد الحداثة مفهومها للغة على “ما بعد البنيويّة”، ولكي يتّضح المقصود بما بعد البنيويّة ينبغي أن نبدأ أوّلاً بالبنيويّة.  أسس البنيويّة Ferdinand Saussure (فرديناند دي سوسور) المُتخصِّص اللغوي السويسري. الأساس في البنيويّة هو فكرة “العلامة” ((علم دراسة العلامات: Simiology ))، وتتلخّص الفكرة في علاقة العلامة كإشارة بالتصوُّر الذهني للأشياء المُشار إليها ((لاحظ أن المُشار إليه بـ"signified" ليس هو الشيء في جوهره، بل الصّورة الذهنيّة التي يكوّنها الوعي عن الشّيء. )). الادّعاء الأساسي للبنيويّة هو أن: نّشاط الإنسان يُمكن أن يُفهم كلغة تتبع قواعد يُمكن أن نُشبّهها بالنّحو. حتى بداية القرن العشرين، اعتبر دارسوا اللغة أن الكلمات تُشير إلى أشياء بعينها، لذا فالكلمات مُحدَّدة ونهائيّة. رفض Saussure اعتبار الكلمة هي أصغر وحدة في اللغة، وفضّل استخدام "العلامة" بدلًا منها، لكون “العلامة” كلمة تشمَل الحرف والصّوت، وبالتّالي استبدل كلمة اللغة بكلمة “نظام العلامات”. كل شيء ينقل رسالة، هو: علامة ((Callum G. Brown, Postmodernism for historians. Routledge, 2013, p. 34 )). رفض Saussure كون اللغة مُجرّد نظام يربط الكلمات بالأشياء المُشار إليها، وقال أن كلا الأفكار والعلامات تَنتقل بالتّواصُل. وضع Saussure المُشار إليه قبل الإشارة، بمعنى أن الصُّورة الذهنيّة المُشار إليها هي التي تُعطي البناء النّحوي والفهم للطّريقة التي نتكلّم بها. اختلفت هذه القراءة مع ما بعد البنيويّة، التي وضعت الإشارة signifier قبل المُشار إليه signified. ما نقده Saussure هو طبيعة العلاقة بين الإشارة والمُشار إليه، فبدلًا من وجود علاقة منطقيّة بين كلمة “قطّة” والصّورة الذهنيّة للقطّة، اقترح Saussure أن العلاقة اعتباطيّة لا يحكُمها المنطق بل يحكُمها اتّفاق مُستخدمي اللغة. فكلمة "قطّة" إن سمعها شخص لأوّل مرّة فلن يُكوِّن منها تصوُّراً ذهنيّاً لما هي القطّة إلّا بعدما يرى القطّة فيربط إشارة اللفظة بالمُشار إليه. هذه العلاقة الاعتباطيّة يُمكن لمُستخدمي اللغة أن يُغيّروها، فقط عليهم أن يتّفقوا على أن تُشير كلمة “قطّة” إلى شيء آخَر. حتى الآن يُمكن أن نضع أسُس البنيويّة بحسب Saussure في أربعة نقاط: ((Callum G. Brown, Postmodernism for historians. Routledge, 2013, p. 36-37 )) 1- اللغة لا تنحصر في الكلمات ولكنّها تتضمّن كل نظام تواصل يستخدم العلامات. 2- العلامة تنقسم إلى إشارة ومُشار إليه، والبناء أو المفهوم (المُشترك بين المُتكلم والمُستمع) يسبِق الإشارة. 3- المُشار إليه عشوائي ولا توجَد علاقة منطقيّة تربطه بالإشارة. كلّ مُشار إليه له إشارة واحدة، ولكن الإشارة لها أكثر من مُشار إليه. 4- كل علامة تأخُذ معناها بكونها جُزء من شبكة من العلامات. في كل علامة صدى لعلامة أخرى سواء بالتّوافُق أو التّناقض. بإسهام Roland Barthes (رولان بارت) بدأت مرحلة أخرى هي مرحلة ما بعد البنيويّة، حيث عَكَس تصوُّر Saussure عن ترتيب البناء والإشارة، فقال أن الإشارة تسبق المفهوم، وأن الإشارة تعمل حين توضع وسط شبكة أخرى من الإشارات أو بتعبير بارت: myth . الأسطورة عند بارت لا تعني الخُرافة، بل بناء ثقافي يشترك فيه المُتكلم والمُستمِع ((Callum G. Brown, Postmodernism for historians. Routledge, 2013, p. 39 )). استخدم بارت لفظة الأسطورة للتّشديد على أن التّصوُّر المبني على العلامات هو بالضّرورة لا يساوي “الحقيقية”. لاحظ بارت أيضًا -كما لاحظ Saussure- أن الإشارة قد تُشير إلى أكثر من مُشار إليه إن نُزعت من أسطورة ووُضعت في أُخرى. قيمة تقديم بارت للإشارة على البناء هي إظهار قدرة الإشارة على تغيير البناء. فمثلًا: إحدى أكثر العلامات تأثيرًا هي علامة “الله”، يُمكن أن ترى تأثيرها في البناء الفِكري للمؤمن بها والرّافض لها. تتلخّص فكرته في أن العلامات تستطيع أن تُغيّر البناء وتُعيد تشكيله، وأحيانًا تستطيع أن تؤسس بناءًا كاملًا، وأيضًا أن تهدم بناءًا كاملًا إن دخلت عليه أو خرجت منه. إن نظرنا للمُعادلة الرياضيّة 1+2=3، في سياق ما، قد تُشير العلامات إلى أقلام، في آخَر إلى أشخاص وهكذا، لذلك يجب أن نُفرِّق بين العلامات وبين ما نقصده بها . في 1+2=3، إن أضفنا العلامة x فأصبحت: 1+2+x+3=x. علامة جديدة في الطرف الأيمن من المُعادلة تُغيّر الطرف الأيسر بالضّرورة. علامة واحدة تدخُل إلى البناء اللغوي الذي يُشكِّل الوعي قادرة على تغيير التّصوُّر النّهائي تمامًا. صكّ البولندي ألفريد كورزيبسكي عبارة: الخريطة ليست هي الأرض (( Eliezer Yudkowsky, Rationality from AI to Zombies. Machine Intelligence Research Inistitute, 2015, p. 244)) للتّعبير عن الهوّة ما بين الإدراك والواقع، ولكنّها صالحة للتّعبير عن العلاقة ما بين الإشارة والمُشار إليه. في غرفتك يُمكنك فقط أن تمد يدك لتُمسك بهاتفك. لا تحتاج أن تنظُر فأنت تعلم أين وضعته، فوعيك يرسم صورة للواقع المُحيط بك. في منتصف ليلة حارّة استيقظت في غُرفتك المُظلمة ومَدَدت يدك لتجد زُجاجة الماء حيث وضعتها قبل خمس ساعات، شربت الماء وعُدت للنّوم. شيء يحدُث يوميّاً تقريبًا، فأنت تعلم حَاجَتك للماء وتعلم كيف تتغلّب عليها من خلال وضع زُجاجة ماء بالقرب منك، وعقلك يرسم خريطة بأبعاد الغُرفة ومكانك ومكان زُجاجة الماء، الأمر بسيط. بعد عدّة أيّام تكرَّر الأمر، تستيقظ فتمدّ يدك نحو زجاجة المياه، تجاه المكان الذي تُشير إليه خريطة عقلك، فلا تجدها. وُجدت الحاجة، ووُجِدَ توقُّع لإشباعها، ولكن لم يوجَد تحقيق للإشباع. هل ترى خطورة العلامات الآن؟ العلامات ليسَت فقط وسيلة تواصُل، بل ترسم البناء الذي تُدرك من خلاله كلّ شيء، هُنا تكمُن خطورة العلامات المُضلّلة أو تِلك التي تُشير إلى مُشار إليه غير موجود في الواقِع. ماذا يدفَع الانتحاريّ لتفجير نفسه وقتل المئات سوى علامة تُشير إلى مُكافأة بعد الموت؟ ماذا يدفع الآلاف للاكتئاب سوى علامات ترسم بناء غير مُقارب للواقِع يَنتهي بعدم إشباع للاحتياجات أو التُّوقعات؟ الوعي للعلامات التي تتبنّاها يُساعدك أن تفهم كيف تُفكِّر، أن تُدرك ما هي فرضياتك التي تتبنّاها عن قناعة ودليل وتِلك التي توارثتها من مُحيطك الذي منه تسلّمت البناء اللغوي. أمّا كقارئ فيُساعدك على تقييم ما تقرأ ومن تَقرأ له، وأن تُدرك فرضيّات الكاتِب وتَراتُبيّة مركزيّة العلامات التي يستخدمها. قُوّة العلامات تتوقّف على الدّور الذي تلعبه في البناء الذي توجَد فيه أو تدخُل عليه. يتقارب بعض العلامات ويتنافر البعض، وبناءًا على هذه العمليّة من التّقارُب والتّنافُر يمكن لعلامة أن تَدخُل على بناء أو أن يلفُظها. يُشير أغلبنا للمُستقبل بالأمام والماضي بالخلف، إلى الجيّد بالأعلى والسّيئ بالأسفل. الإشارة للزّمن تفترض أن الزّمن مسارٌ كالطّريق، ما عُلم من الطّريق وما مررنا به صار وراءنا، وغير المعلوم هو ما نتحرَّك نحوه. هُنا تتجاذب العلامات التي تصف الزّمن مع تِلك التي تصف طريقًا. أمّا في وصف الجيّد والسيّئ يتقارب وصف السّماء والنّور مع “الأعلى”، ويتقارب وصف السيّء والموت مع الأرض والتُّراب. السّماء مصدر المطر، السّماء بالأعلى. الأرض ترتبط بالموت لأنّها مكان دفن الموتى. لذا يرتبط الأعلى بالخير والأسفل بالشرّ أو ما هو سيء. تُشير السّماء إلى الاتّساع والأرض إلى الضّيق، لذا نجِد في لُغتنا اليوميّة ربط للسّعادة والحُريّة بالطيران. بعض العلاقات أيضًا تنشأ بالتناقُض، فإن ارتبط الموت بالأرض ارتبطت الحياة بالسّماء، وإن ارتبط المطر بالسّماء ارتبط الجفاف بالأرض. هذا ما دعاه بارت بالأسطورة، ذلك النّظام اللغوي الذي نعيش فيه وبه ويشترك فيه المُتكلِّم والمُستمع. فكِّر في العبارة الإنجليزيّة: “Time is money”. يترتّب على مُقاربة المال بالوقت استخدام عبارات تصف الزّمن بكونِهِ مادّة تُنفق وتُستهلك وتُدّخر ((G. Lakoff and M. Johnson, Conceptual metaphor in everyday language. The Journal of Philosphy, LXXVII, p. 456 )). فمثلًا: نسأل بالإنجليزيّة: “? how do you spend your time” أو حينما تتجنّب نقاشًا لا ترغبه: “! Don’t waste my time”، أو حينما تُنجز عملًا: “I managed to save an hour”. فكِّر في لغة النّقاش التي نستخدمها جميعًا. حينما تطلُب من شخص أن “يُدافع” عن ادّعاءه تقول ضمنيّاً أن شخصًا آخَر “يُهاجِم” ادعاءه. كثيرًا أيضًا ما نستخدم عبارة “توجَد ثغرة في أطروحتك”، أو “سقطت نظرية فلان”، هذه اللغة الحربيّة تُصوِّر النقاش الفكري كسَاحَة معركة فيها المنتصر والمهزوم، المُهاجم والمدافع، ثغرات تُكتشف وقِلاع تَسقُط. هذه اللغة تخلق كثيرًا من الصِّراع، لذا لا يخلو الكثير من النّقاشات من الحِدّة. ماذا لو كانت لغة الحوار أشبه برقصة الباليه؟ يشترك فيها طرفان بلا خاسر أو فائز، بلا صراع، هل سَتوجَد الحِدَّة؟ --- ### وثيقة دعاء الثقة Fiducia Suplicans - Published: ۲۰۲٤-۰۱-۲۹ - Modified: 2024-01-29 - URL: https://tabcm.net/16827/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: Fiducia Suplicans, بابا فرنسيس، بابا الڤاتيكان, فيكتور مانويل فرنانديز, ليتورچي هل وافقت الكنيسة الكاثوليكيّة على زواج المثليين؟ ما موضوع الوثيقة Fiducia Suplicans الصادرة عن لجنة العقيدة والإيمان، التي وافق عليها البابا فرنسيس يوم 16 ديسمبر 2023؟ هل وافقت الكنيسة الكاثوليكيّة على زواج المثليين؟ ما موضوع وثيقة Fiducia Suplicans الصادرة عن لجنة العقيدة والإيمان، التي وافق عليها البابا فرنسيس يوم 16 ديسمبر 2023؟ منذ عدة أسابيع حدث لغط كبير في وسائل الإعلام، وعلى وسائل الاتّصال الاجتماعي، ولكن قبل أن أعرض ملخّص مضمون الوثيقة المذكورة، لدي بعض الأسئلة لمن يقرأ هذا المقال: 1. هل أنا بنفسي قرأت نصّ الوثيقة؟ وأي تَرْجَمَة؟ ومن أيّ موقع؟ 2. هل يمكنني أن أصمت قليلًا لأرى ما يقوله النصّ في أثناء قراءته من دون ما أفهمه من خلال ما سمعته وما قيل لي؟ 3. هل أعلم أنّ الكنيسة الكاثوليكيّة ليست كنيسة محلّية فقط وخاضعه لثقافة واحدة فقط؟ بل حاضرة في القارات الخمس وتتخطى المليار والـ 300 مليون من الأتباع؟ بالتالي الحكم على الأمور لا ينطلق من ثقافتي كمصري متأثر بالثقافة العربية والأغلبية المسلمة، أو صيني فقط أو فيتنامي فقط إلخ. يذكر أن أغلب المعترضين لم يقرأوا  الوثيقة أصلا، وكثيرين ممن قراؤها لم يفهموا المقصود، وهذا راجع نظام التعليم الخاص بنا، إننا نقرأ ما هو في عقولنا وما هو في أذننا، وليس المكتوب في النص! . ما هي حكاية الوثيقة؟ الوثيقة هدفها الأساسي هو لاهوتي ورعوي عن مفهوم البركة، لأن في كرادلة وأساقفة وكهنة طلبوا من مجمع العقيدة والإيمان إنه يقول رأيه في مشكله يواجهونها ـ لما أنا كأسقف أو ككاهن في أثناء مروري بالشارع أو في مزار من المزارات ويطلب مني أحدهم أن أصلي من أجله ويطلب البركة. وأنا أعرف أو لاحظت أو تأكدت إن هذا الشخص  متزوج مدني بعد ما طلق طلاق الكنيسة نفسها ترفضه، أو يعيش مع شخص بدون زواج سواء كان من جنس مختلف عنه أو نفس الجنس، فماذا أفعل؟ هل أضع يدي عليه وأباركه أم أرفض باعتبار إن هذا الشخص يعيش في الخطيئة؟ هذه الوثيقة ترد على هذه التساؤلات بإعداد بحث لاهوتي وتاريخي وروحي ورعوي في مفهوم البركة ومعناها في تاريخ الكنيسة وتقليدها الممتد لأكثر من ألفي عام! وتقول: البندان 11-12 لا تملك الكنيسة السلطة على أن تمنح البركة الليتورجية للأزواج غير النظاميين أو المثليين، ولكن يجب أننا نتجنب خطر تضييق النظرة للبركة علي أنها في الأسرار والطقوس فقط، لأنه في نوع آخر من البركة غير الأسرار، ولا تتطلب صوم أو اعتراف مثل بركة المنازل في الطقس القبطي بالرغم من أنها طقسية لكن لا تعتبر سر ولا تتطلب اعتراف أو صوم قبلها! البند 21-23 إن من يطلب البركة "يُظهر إنه في حاجة إلى حضور الله الخلاصي في حياته"، لأنه يعبر عن "طلب المساعدة من الله، ويحتاجها حتى يستطيع أن يعيش بشكل أفضل! بالتالي يجب قَبُول هذا الطلب وتقديره "خارج الإطار الليتورجي" حين يطلب أحد الأشخاص "بطريقة عفوية وحرة". وهنا هي نوع من التقوى الشعبية. بمعنى أن البركة في هذه الحالة، هي أفعال عبادة تقوية وليست سرّ رسمي. وهنا في منحها، غير  ضروري أن يطلب من الشخص اشتراط "الكمال الأخلاقي المسبق" كشرط مسبق. ماذا يقول نص الوثيقة Fiducia Suplicans؟ تناقش الوثيقة وتتعمّق في المعنى الرعوي للبركات، وتميز بين بركات الرتب والبركات الليتورجية وبركات أخرى عفوية تشبه إلى حدٍ بعيدٍ لفئات التقوى الشعبيّة: في هذه الفئة الثانية تحديدًا، نتأمّل الآن في إمكانية استقبال حتى الأشخاص الذين لا يعيشون وفقًا لمعايير العقيدة الأخلاقية المسيحية ولكنهم يطلبون بتواضع أن ينالوا البركة. اُفتتح إعلان Fiducia Suplicans بمقدمة عميد دائرة عقيدة الإيمان، الكاردينال فيكتور مانويل فرنانديز، الذي يوضح أن الإعلان يتعمق في "المعنى الرعوي للبركات"، مما يسمح "بتوسيع وإغناء الفهم الكلاسيكي لها" من خلال تأمُّلٍ لاهوتي. "يقوم على الرؤية الرعوية للبابا فرنسيس". تأمل "يتضمّن تطورًا حقيقيًا مقارنة بما قيل عن البركات" حتى الآن، للوصول إلى فهم إمكانية "منح البركة للأزواج الذين يعيشون في أوضاع غير نظامية والأزواج المثليين، دون الموافقة على وضعهم بشكل رسمي أو تغيير تعليم الكنيسة الدائم حول الزواج بأي شكل من الأشكال". بعد الفقرات الأولى (1-3)، التي يتم فيها التذكير بالتصريح السابق لعام 2021 الذي يتم الآن تعميقه وتجاوزه، يقدم الإعلان البركة في سر الزواج (الفقرات 4-6) معلنا "عدم قبوله أي رتب أو صلوات يمكنها أن تخلق التباسًا وتشويشًا بين ما يشكّل الزواج" و"ما يناقضه"، لتجنّب الاعتراف بأي شكل من الأشكال "باعتبار زواجًا ما هو ليس كذلك". وتعيد الوثيقة التأكيد على أنه: وفقًا "للعقيدة الكاثوليكية الدائمة"، تُعتبر العلاقات الجنسية شرعية فقط في سياق الزواج بين رجل وامرأة. وثيقة دعاء الثقة "Fiducia Suplicans" يحلل الفصل الكبير الثاني من الوثيقة (الفقرات 7-30) معنى البركات المختلفة المخصصة للأشخاص وأغراض العبادة وأماكن الحياة. وتذكّر الوثيقة أن: البركة، من وجهة نظر ليتورجية بحتة، تتطلّب أن يكون ما تتمُّ مباركته "متوافقًا مع إرادة الله التي يتمُّ التعبير عنها في تعاليم الكنيسة. عندما يتم، من خلال رتبة ليتورجيّة خاصة، طلب البركة على بعض العلاقات البشرية، من الضروري أن يكون ما يتمُّ مباركته قادرًا على أن يتوافق مع مخططات الله المكتوبة في الخليقة. لذلك، لا تملك الكنيسة السلطة على أن تمنح البركة الليتورجية للأزواج غير النظاميين أو المثليين. ولكن يجب أن نتجنب خطر اختزال معنى البركات في وجهة النظر هذه فقط، وندّعي أن يكون في البركة البسيطة الشروط الأخلاقية عينها التي تُطلب لنوال الأسرار. ماذا عن مباركة الأشخاص المثليين وغيرهم ممن يعيشون بطريقه غير نظامية؟ ما المقصود بإعطائهم "بركة"؟ بعد دراسة البركات الموجودة في الكتاب المقدس، تقدِّم الوثيقة فهمًا لاهوتيًا رعويًا، إن: الذي يطلب البركة، يُظهر أنه في حاجة إلى حضور الله الخلاصي في تاريخه، لأنه يعبر عن طلب المساعدة من الله، والتماسها لكي يتمكن من أن يعيش بشكل أفضل. بالتالي، يجب قَبُول هذا الطلب وتقديره، خارج الإطار الليتورجي، عندما يأتي بطريقة عفوية وحرة، وبالنظر إليها من منظور التقوى الشعبية. يجب تقييم البركات على أنها أفعال عبادة، بالتالي لمنحها، ليس من الضروري اشتراط الكمال الأخلاقي المسبق. تنص الوثيقة على أن هذا النوع من البركات: يُمنح للجميع، بدون طلب أي شيء، لكي نجعل الأشخاص يشعرون أنهم يبقون مباركين رغم أخطائهم، وأن الآب السماوي لا يزال يريد خيرهم ويرجو أن ينفتحوا أخيرًا على الخير. هناك عدة مناسبات يقترب فيها الأشخاص بشكل عفوي لكي يطلبوا البركة، سواء في رِحْلات الحج أو في المزارات وحتى في الشارع عندما يلتقون بكاهنٍ ما، وهذه البركات هي موجهة للجميع، ولا يمكن استبعاد أحد عنها. لذلك، في حين أن الحظر على تفعيل الإجراءات أو الطقوس لا يزال قائمًا في هذه الحالات، إلا أنّه يمكن للكاهن أن يتّحد مع صلاة هؤلاء الأشخاص الذين على الرغم من أنَّ الاتحاد الذي يعيشونه لا يمكن مقارنته بأي حال من الأحوال بالزواج، لكنّهم يرغبون في أن يسلِّموا ذواتهم للرب ولرحمته، وأن يطلبوا معونته، وأن يتمَّ إرشادهم إلى فهم أكبر لمخطّطه، مخطّط المحبة والحقيقة. --- ### التجسد الإلهي.. لماذا يستغربه البعض؟ - Published: ۲۰۲٤-۰۱-۲۸ - Modified: 2024-01-27 - URL: https://tabcm.net/17307/ - تصنيفات: لاهوتيات الله سبحانه ليس هو علِّة الوجود فقط، بل هو علِّة الحياة في هذا الوجود. هذا مشروح في مقدمة الإصحاح الأول في إنجيل يوحنا حيث يقدم لنا شخص الله أنه ”الله الكائن“، و ”الله الحي“، ”في البَدْء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله. هذا كان في البَدْء عند الله”،  = الله هو الكينونة ذاتها. ”كل شيء به كان، وبغيره لم يكن شيء مما كان“ = الله هو مصدر كينونة كل الكائنات. ”فيه كانت الحياة، والحياة كانت نور الناس“ = هو ”الله الحي“. فإن أهم إعلانات الله لنا عن ذاته: إنه الوجود والحياة وأنه يعطينا الوجود والحياة، ثم يضيف إنجيل يوحنا في إعلانه عن إيجابية وجود الله وحياته أنها لا تقتصر فقط علي نعمة الخلق، التي بها يعطينا مِن وجوده و حياته، بل أن الله لا يمكن أن يقف من خليقته موقفًا سلبيًا، لذلك يقول إنجيل يوحنا: ”والنور يضيء في الظلمة، والظلمة لم تدركه“، فالله يعلن تدخله في الكون بوجوده وحياته، ليصلحه ويعلن سيادته بأنه ضابط الكل. فالقوة الإلهية هي مظهر لوجود الله وحياته، والاعتراف بالقوة الإلهية هو اعتراف بوجود الله وحياته. لذلك امتلأ الكتاب المقدس بالتعبير عن وجود الله الحي بتشبيه الله بالصفات الإنسانية (النظر، الشم، له يدين وقدمين، يفتح ويغلق، يتكلم ويفرح. . الخ). ولكن تلك التعبيرات ليست تحديدًا لطبيعة الله الحي. بل علينا أن نرى في كل هذه الأوصاف ديناميكية الحياة التي لله الحي، وليس تحوّل الطبيعة الإلهية إلى مستوي الطبيعة الإنسانية. إن نزول المن والسلوي لبني إسرائيل في البرية ليأكلوا، يمكن أن يدخل ضمن استعلان الله لذاته أنه ”الله الحي“ من خلال تدخله بقدرته في استمرار هذه الآية الخارقة على مدى سنوات التيه في البرية التي أعطت الوجود والحياة لبني إسرائيل في الصحراء أربعين سنة. والتجسد الإلهي ليس ببعيد عن إعلان الله لذاته أنه ”الله الحي الموجود“، ليس فقط بآيات خارقة في الطبيعة، ولكن الإعلان كان هذه المرة في صميم طبيعة الإنسان بأن ”الكلمة صار جسداً وحلَّ بيننا“. فكل التشبيهات التي أعلن الله عن ذاته بها في تاريخه الطويل مع الإنسان ربما جدير بنا أن نرى أستمرارها متجسدة في يسوع المسيح ”الله الظاهر في الجسد“. ومرة أخرى نؤكد أن التجسد الإلهي ليس تحديدًا لطبيعة الله الحي، أو أن الطبيعة الإلهية تحولت أو انحصرت في الطبيعة الإنسانية. فالكتاب يؤكد أن ”ليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان (ابن الله) الذي هو في السماء“ (يوحنا 3: 13). ولكن التجسد الإلهي هو استمرار لتأكيد الإعلان عن تدخل ”الله الحي“ في الكون ومصير خليقته وإعلان سيادته. وهكذا ”كما كان هكذا يكون“ في كل عصر وآوان يُظهِر الله أنه ”الضابط الكل/ البانتوكراتور“، ذلك من خلال عمله في الوجود سواء في عناصر الطبيعة أو المخلوقات لكي تؤدي عملًا معينٍا أو تكف عن أداء وظيفة معينة وذلك تحقيقًا لتدبير الله السرمدي. وبناءً على ذلك رأينا تدخل الله بالتجسد الإلهي لينهي موت الإنسان الخاطئ ويبدد ظلمته، ثم يجدد خليقة الإنسان بأن يسكب فيها حياته: "الشعب الجالس في ظلمة أبصر نورا عظيمًا، والجالسون في كورة الموت وظلاله أشرق عليهم نور». ". (إنجيل متي 4:  16)، ”فإن الحياة أُظهِرت، وقد رأينا ونشهد ونخبركم بالحياة الأبدية التي كانت عند الآب وأُظهِرت لنا“. --- ### لنسجن المسيح لأجل عيون مطران المنوفية - Published: ۲۰۲٤-۰۱-۲۷ - Modified: 2024-01-27 - URL: https://tabcm.net/17513/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أنبا إرميا، الأسقف العام, أنبا بنيامين، مطران المنوفية وشبين الكوم, ابن العسال, الكنيسة القبطية, المركز الثقافي القبطي, قناة مي سات, كنيسة الإسكندرية, كيرلس رفعت ناشد ليكن الرئيس يؤدب الشعب ويَعقدهم بالصليب لا بالحرم، ويكون تأديب شعبه وفقا للمنهج المسيحي ولا بحرمانه ولا يجوز مقاضاته. وعقوبة الأسقف الذي يقوم بمقاضاة شعبه وحرمانه بالطرق غير القانونية وفقا لقانون الرسل أما قطع أو عدم الاعتراف بهذا الأسقف أخيرًا، بعد مماطلة وتصريحات متضاربة، كشف الأنبا بنيامين مطران المنوفية عن وجهه الحقيقي، يوم الثلاثاء الماضي 23 يناير 2024 في ثاني جلسات محاكمة المهندس كيرلس رفعت ناشد، المعيد بكلية الهندسة جامعة المنوفية، بعدما أرسل الأنبا بنيامين محاميًا مفوضًا منه بشكل رسمي  للمطالبة بأقصى العقوبة على كيرلس. كان الأنبا بنيامين ظهر في نفس توقيت أولى جلسات المحاكمة على قناة "مي سات" التي تُبث من المركز الثقافي القبطي بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية، ويسيطر عليها الأنبا إرميا الأسقف العام، ليعلن نصًا: المسؤولين بيقدرونا، كتّر خيرهم، فوزارة العدل، أمرت النيابة بالقبض عليه. أسبوع واحد فقط بعد هذا الفيديو، تبدل الحال تمامًا، واختفت صورة البراءة المصطنعة ليحل محلها الوجه الحقيقي، حيث قدم المحامي المفوض من بنيامين في الجلسة الثانية التفويض الخاص به من المطران، وطالب بأقصى العقوبة على كيرلس رفعت ناشد، إضافة للغرامة التي طالب بها محاميه في الجلسة الأولى وهي 100 ألف جنيهًا مصريًا. وليس هذا فحسب بل خرج المطران في كبسولات الـ"تيك أوي" اليومية، ليتحدث عن العدل والرحمة، وأكد أنه مع اللجوء للقانون وقال نصًا: "إن الخطايا تواجه بالعدل في كل الأحوال حتى لو استدعى الأمر اللجوء للقانون الذي يحفظ العقول من الخطأ والتمادي فيه ويأخذ كل مخطئ عقابه الرادع لأي تصرف خاطئ يتعدى الحدود". وهنا الأسقف يعلن بوضوح أن العلاقة بينه وشعب كنيسة الإسكندرية القبطية في المنوفية لا تعتمد على الأبوة أو الرعاية التي من المفترض أن يقدمها لهم الأسقف، بل سيواجه أي منتقد أو معترض على سياسته، باستخدام القانون، خاصة أنه تنصل من كونه من حرك البلاغات القانونية ضد كيرلس رفعت وأدعى في بادئ الأمر أنهم "الأحباء في الأمن"، وتارة "المسؤولين في وزارة العدل"، وهنا وفقًا لقوانين الكنيسة فإن المطران بلجوئه للقضاء المدني ضد أحد أبناء رعيته قد خالف قوانين الكنيسة ويستوجب عزله. وأقدم جزء من مما ذكره المحامي الدولي في سويسرا عوض شفيق، خلال منشور له على حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك": نطالب الأسقف بنيامين مطران المنوفية وبكل احترام أن يطلب من محامية بتقديم بطلب إنهاء هذه الخصومة والتنازل عنها وفقا لمبادئ وقوانين الكنيسة القبطية التي لا يعلمها العامة والخاصة ومن بينها قوانين "الطِيلوسات" TITLOS. التِطْلُسات كلمة يونانية Titlos منطوقة بالعربية وتعني رأس الموضوع أو ملخص الموضوع. وهي إحدى أقسام قوانين الرسل في تقليد الكنيسة القبطية، وهي 127 قانونًا مقسمة على كتابين: الكتاب الأول يشمل 71 قانونًا، والكتاب الثاني يشمل 56 قانونًا. ومن بينها تنظيم العلاقة بين الأسقف والفرد القبطي وعلاقة الأسقف بالسلطة الزمنية. ومواصفات الأسقف فى تدبير شؤون شعبه. وعلى سبيل المثال نذكر الآتي:يقول القانون 24 من كتاب "التِطْلُسات" أحد المراجع في ترتيب نظام الكهنوت في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في مطلعه: "ليكن الرئيس يؤدب الشعب ويَعقدهم بالصليب لا بالحرم، ويكون تأديب شعبه وفقا للمنهج المسيحي ولا بحرمانه ولا يجوز مقاضاته. وعقوبة الأسقف الذي يقوم بمقاضاة شعبه وحرمانه بالطرق غير القانونية وفقا لقانون الرسل أما قطع أو عدم الاعتراف بهذا الأسقف". "إذا استجار فى تدبيره للشعب واستعان برؤساء أو تعاون مع سلطة زمنية أو استولى على كنيسة بمساعدة هذه السلطة فهو محروم وليقطع هو ومن أعانه على ذلك" . وأيضا يقول القانون 1:51 من هذه المجموعة بأن: "كل أسقف راضِ بقلة العلم، أو بجهل، أو بحقد ليس هذا أسقفًا بل يحمل الاسم كذبًا، وهو ليس من قبل الله، بل من قبل الناس، مثل حنانيا وشمعيا في إسرائيل". (عوض شفيق، محامي) وبناءً على ما بدر من المطران في الأيام الماضية من تصرفات، فأنا أتضامن معه وأطالب بمحاكمة السيد المسيح، وحبسه بتهمة "ازدراء رجال الدين" فيجب محاكمته وحبسه، فالمسيح قال لرجال الدين سابقًا: 1 حِينَئِذٍ خَاطَبَ يَسُوعُ الْجُمُوعَ وَتَلاَمِيذَهُ 2 قَائِلًا: «عَلَى كُرْسِيِّ مُوسَى جَلَسَ الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ، 3 فَكُلُّ مَا قَالُوا لَكُمْ أَنْ تَحْفَظُوهُ فَاحْفَظُوهُ وَافْعَلُوهُ، وَلكِنْ حَسَبَ أَعْمَالِهِمْ لاَ تَعْمَلُوا، لأَنَّهُمْ يَقُولُونَ وَلاَ يَفْعَلُونَ. 4 فَإِنَّهُمْ يَحْزِمُونَ أَحْمَالًا ثَقِيلَةً عَسِرَةَ الْحَمْلِ وَيَضَعُونَهَا عَلَى أَكْتَافِ النَّاسِ، وَهُمْ لاَ يُرِيدُونَ أَنْ يُحَرِّكُوهَا بِإِصْبِعِهِمْ، 5 وَكُلَّ أَعْمَالِهِمْ يَعْمَلُونَهَا لِكَيْ تَنْظُرَهُمُ النَّاسُ: فَيُعَرِّضُونَ عَصَائِبَهُمْ وَيُعَظِّمُونَ أَهْدَابَ ثِيَابِهِمْ، 6 وَيُحِبُّونَ الْمُتَّكَأَ الأَوَّلَ فِي الْوَلاَئِمِ، وَالْمَجَالِسَ الأُولَى فِي الْمَجَامِعِ، 7 وَالتَّحِيَّاتِ فِي الأَسْوَاقِ، وَأَنْ يَدْعُوَهُمُ النَّاسُ: سَيِّدِي سَيِّدِي! 8 وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلاَ تُدْعَوْا سَيِّدِي، لأَنَّ مُعَلِّمَكُمْ وَاحِدٌ الْمَسِيحُ، وَأَنْتُمْ جَمِيعًا إِخْوَةٌ. 9 وَلاَ تَدْعُوا لَكُمْ أَبًا عَلَى الأَرْضِ، لأَنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. 10 وَلاَ تُدْعَوْا مُعَلِّمِينَ، لأَنَّ مُعَلِّمَكُمْ وَاحِدٌ الْمَسِيحُ. 11 وَأَكْبَرُكُمْ يَكُونُ خَادِمًا لَكُمْ. 12 فَمَنْ يَرْفَعْ نَفْسَهُ يَتَّضِعْ، وَمَنْ يَضَعْ نَفْسَهُ يَرْتَفِعْ. 13 «لكِنْ وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تُغْلِقُونَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ قُدَّامَ النَّاسِ، فَلاَ تَدْخُلُونَ أَنْتُمْ وَلاَ تَدَعُونَ الدَّاخِلِينَ يَدْخُلُونَ. 14 وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تَأْكُلُونَ بُيُوتَ الأَرَامِلِ، ولِعِلَّةٍ تُطِيلُونَ صَلَوَاتِكُمْ. لِذلِكَ تَأْخُذُونَ دَيْنُونَةً أَعْظَمَ. 15 وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تَطُوفُونَ الْبَحْرَ وَالْبَرَّ لِتَكْسَبُوا دَخِيلًا وَاحِدًا، وَمَتَى حَصَلَ تَصْنَعُونَهُ ابْنًا لِجَهَنَّمَ أَكْثَرَ مِنْكُمْ مُضَاعَفًا. 16 وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْقَادَةُ الْعُمْيَانُ! الْقَائِلُونَ: مَنْ حَلَفَ بِالْهَيْكَلِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَلكِنْ مَنْ حَلَفَ بِذَهَب الْهَيْكَلِ يَلْتَزِمُ. 17 أَيُّهَا الْجُهَّالُ وَالْعُمْيَانُ! أَيُّمَا أَعْظَمُ: أَلذَّهَبُ أَمِ الْهَيْكَلُ الَّذِي يُقَدِّسُ الذَّهَبَ؟ 18 وَمَنْ حَلَفَ بِالْمَذْبَحِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ، وَلكِنْ مَنْ حَلَفَ بِالْقُرْبَانِ الَّذِي عَلَيْهِ يَلْتَزِمُ. 19 أَيُّهَا الْجُهَّالُ وَالْعُمْيَانُ! أَيُّمَا أَعْظَمُ: أَلْقُرْبَانُ أَمِ الْمَذْبَحُ الَّذِي يُقَدِّسُ الْقُرْبَانَ؟ 20 فَإِنَّ مَنْ حَلَفَ بِالْمَذْبَحِ فَقَدْ حَلَفَ بِهِ وَبِكُلِّ مَا عَلَيْهِ! 21 وَمَنْ حَلَفَ بِالْهَيْكَلِ فَقَدْ حَلَفَ بِهِ وَبِالسَّاكِنِ فِيهِ، 22 وَمَنْ حَلَفَ بِالسَّمَاءِ فَقَدْ حَلَفَ بِعَرْشِ اللهِ وَبِالْجَالِسِ عَلَيْهِ. (إنجيل متى 23: 1-22) ومن هنا يجب أن يُحاسب المسيح أشد حساب على هذا الكلام القاسي والخارج الذي يعد سب وقذف بحق رجال الدين لا يجب السكوت عنه، خاصة أن نفس هذا المسيح طلب من تلاميذه ومن تابعيه أن لا يقاوموا الشر بالشر، وهذا ما يفعل عكسه الأنبا بنيامين. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لاَ تُقَاوِمُوا الشَّرَّ، بَلْ مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا. (إنجيل متى 5: 39) فهذه التعاليم لا تناسب مطران المنوفية الذي أعلن في الكبسولة أن الخطايا تواجه بالعدل عن طريق تطبيق القانون، إذن تعاليم المسيح لا تناسبه، ولنسجن المسيح لأجل عيون مطران المنوفية. --- ### تفاصيل محاكمة "كيرلس رفعت ناشد" - Published: ۲۰۲٤-۰۱-۲٦ - Modified: 2024-01-27 - URL: https://tabcm.net/17593/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, شئون علمانية - وسوم: أقباط المهجر, أنبا إرميا، الأسقف العام, أنبا بنيامين، مطران المنوفية وشبين الكوم, إكليروس, الأصولية, الكنيسة الإنجيلية, المجمع المقدس, المركز الثقافي القبطي, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, قناة مي سات, كيرلس رفعت ناشد يوم الثلاثاء الماضي، 23 يناير 2024، كان موعد الجلسة الثانية من محاكمة الأكاديمي "كيرلس رفعت ناشد"، المتّهم بازدراء الأديان. كانت المحكمة في جلستها الأولى طلبت حضور المُدعي، الأنبا بنيامين، مطران المنوفية وشبين الكوم. لتفسير ما يثيره من لغط حول محاميه، مجدي صبحي عبد الغني. لكن المطران لم يحضر، ولا حضر محاميه الخاص أيضًا، ولا حتى الاسم الذي طرحته الصفحة الأصولية التي تتبع المطران حضر يوم الثلاثاء الماضي، 23 يناير 2024، كان موعد الجلسة الثانية من محاكمة الأكاديمي "كيرلس رفعت ناشد"، المتّهم بازدراء الأديان. كانت المحكمة في جلستها الأولى طلبت حضور المُدعي، الأنبا بنيامين، مطران المنوفية وشبين الكوم. لتفسير ما يثيره من لغط حول محاميه، مجدي صبحي عبد الغني. لكن المطران لم يحضر، ولا حضر محاميه الخاص أيضًا، ولا حتى الاسم الذي طرحته الصفحة الأصولية التي تتبع المطران حضر. من حضر في جانب المطران شخص اسمه مصطفى السوهاجي، وجاء بتفويض من مكتب المحامي تامر الجندي، الذي له توكيل خاص من المطران. وسلّم المحكمة مخاطبة مكتوبة ومختومة بخاتم مطرانية المنوفية. ماذا يوجد في هذه المخاطبة؟ ولماذا كل هذا الكم من اللف والدوران؟ بالأغلب لأن المطران يقول أمام قيادته الدينية نفس خطابه التضليلي الذي تبثه الصفحة التابعة للمطران، أو قناة مي سات المسيحية التي يديرها صديقه الأنبا إرميا، من حيث كون المطران ليس له علاقة، وأنّ أحباؤه في أجهزة الدولة هم من حبسوا الشاب خادم الكنيسة مجاملة له (حرفيا قال هذا على الهواء: المسؤولين بيقدرونا، كتّر خيرهم، فوزارة العدل، أمرت النيابة بالقبض عليه)  دون أن يكون له دور كمُبلغ، أو كمشتكي، أو محامي وتوكيلات باسمه الرهباني والعلماني، ما يعني أنه يُرشد عن أجهزة الدولة التي تحبس خصومه، كرامة له، خارج إطار القانون، أو إنهم -باعتبارهم القانون- يستخدمون مناصبهم كأداة شريرة للعقاب على خلاف الطرق التي حددها القانون. أظن أنّ المخاطبة تحوي ما نسميه في القانون الكنسي "وشاية"، فمثل هذه الوشايات قد حدثت من المطران مرات سابقة لكن دون أن يعرف رؤساء المطران، أو قياداته الدينية بمثل هذه الوشايات (في حالة بطرس، تواصل بطرس مع البابا، وأسقف عام ثقافي جنرال دين بعدها قال لبطرس ما مفاده: ابقى خلي البابا ينفعك، وفعلًا بطرس يقول: البابا لم يفعل شيئًا) وهذا مؤشر خطير جدًا حول قدرة البابا على صيانة موقعه كرأس للكنيسة. ربما من غير المقبول -أمنيًا، وأخلاقيّا، وحضاريّا- اشتباك البابا مع مطارنته في العلن، لكن استخفاف الأساقفة أو المطارنة بسلطات البابا ولجان المجمع والقانون الكنسي هو أمر واقع طبقا لمراقبتنا لحوادث عدّة، ورسميًا -أمام الدولة-  هذا الواقع غير موجود، فالدولة لها أورق ومستندات ومخاطبات رسمية فقط، وعلى هذا، صمت المقر البابوي على مخالفات الأساقفة المحصّنين لم يعد مسألة سوء تنسيق، بل أمرا يضع الكنيسة بمجملها في حرج، وبصراحة صار أمرًا  غير مقبولًا  أمامنا كشعب، ولو أنّ البابا غير قادر على ضبط كبار قيادات الإكليروس منفردًا، إذن آن الوقت لنؤسس لقداسته مكتبًا علمانيًا بابويًا، يرفع عنه ما يترفّع هو -كراهب، وكإكليروس- عن الانحدار لمستواه. لكن  لابد من ملء الفراغ في السلطة الرقابيّة على المطارنة. مطران الكنيسة يحاسب بقانون الكنيسة! إيه؟ فيه إيه! ! من هذه المنطلقات كنت أفضّل أن هيئة الدفاع عن كيرلس تدخل البابا في المشهد. تستدعيه للحضور بشكل قانوني  مثل طلب إفادة البابا تواضروس، لكن المحامين رأوا أن هذا مبكر بعض الشيء (أنا بصراحة ليس هدفي خروج كيرلس لأنه مؤكد سيخرج بأمر الله، وما يشغلني هو تحويل المطران للجنة محاكمات كنسية، ولأسباب أكبر من موضوع كيرلس، على الأقل أي إجراء يجعل المؤمنين يعودوا مرة أخرى للوثوق في الأساقفة والكهنوت الذين جعلهم المطران  أداة إرهاب وعقاب، ولم يكفه السلطة الروحية لكنه ورط الدولة معه. وربنا يقدرنا كي نجعل من هذا المطران العاصي لرئاسته عبرة لكل من وسوس له شيطان غروره أنه فوق الناس وفوق الحساب). لكن الدفاع في هذه الجلسة قام بسابقة حقوقية، والجلسة كانت بحق تاريخيّة. (ستجدها مسجّلة صوتيًا كاملة بالأسفل) المدافعون عن المتهم قدموا -بجانب الدفوعات المدنيّة المذهلة- دفوعات تستعيد للكنيسة المصرية بعض من كرامتها، وقيل في المرافعات بشكل واضح إن النائب العام حر في تمثيل الدعوى العمومية فيما يخص القانون العام (هذا المصطلح= "اﻹسلام" طبقا للمادة الثانية) لكن لوجود تفاصيل مسيحية والموضوع برمته وقضه وقضيضه بأطرافه مسيحي، تم استخدام التأسيس الدستوري في المادة الثالثة من الدستور  لعرض اللائحة الداخلية للمجمع المقدس، وتحديدًا  المادة 54 التي تنص على إن الدعوى العمومية في الشأن المسيحي من اختصاص قداسة البابا وحده لا سواه. طبقا للائحة المجمع المقدس الأساسية، ﻻ يحق لأي عضو مخاطبة الدولة أو أجهزتها إلا بإذن وتفويض من البابا، وفعليًا هذا ليس أمام الدولة فقط بل أمام أي مؤسسة حتى لو كانت مسيحية مثل مخاطبة الكنيسة الإنجيلية أو الكاثوليكية. مادة (54): البابا هو المسئول عن الأمور العامة في الكنيسة، وهو الذي يمثلها أمام الدولة وأمام الكنائس الأخرى وكل الهيئات الرسمية والدينية. (اللائحة الأساسية للمجمع المقدس، الفصل الثامن: "رئيس وأعضاء المجمع") بطريقة أسهل في الفهم، الدفاع طعن على استخدام النائب العام لكل قوانين الازدراء وغيرها من التي تحوي دين أو أسرة أو قيم لطالما الشأن مسيحي. لابد أن يتبنى البابا الدعوى وليس النائب العام، أو لابد على النائب العام العودة للبابا والحصول على موافقته لطالما أنه شأن مسيحي. البابا فقط. . وليس أي شخص يمر بالشارع ويرى نفسه غيورًا دينيًا ويصلح لتمثيل المسيحية. فهناك لائحة داخلية بين الأساقفة تنظم هذه المسألة بشكل محسوم ومن يعتقد أنها فوضى نقول له: ﻻ، ليس عندنا، ولا علينا، وكل هذا جديد على المحاكم، والهيئات القضائية لم تسمع مثل هذا الكلام من قبل. السابقة الحقوقية ستكون مرجعية في الحالات المماثلة مستقبلا. ومن هنا الموضوع أخذ أبعادًا أيقونية وكبر عن مجرد كونها "قضية فرد" أو قضيّة رأي عام. التأسيس الحقوقي جعله بمثابة إضافة درع حمائي بابوي لكيرلس وغيره من الأقباط، من تلك المواد المعيبة، التي يكافح الحقوقيون في إلغائها كليًة. لا يستطيع أحد أن يقول لك إنك "مزدري بالمسيحية" إلا بموافقة البابا. والمطران هنا مثل الفراش الخاص به، وكلاهما مثلما قالت المحكمة للمدعي الذي يحمل اسم عيسى: ليس لك صفة. بتعبير كتابي أدبي مستلهم من أنبياء العهد القديم: تطير كرامتك -يا بنيامين- كطائر. . تطير كرامتك من الولادة. . ومن البطن. . ومن الحبل. . (وإن ربوا أولادهم أثكلهم إياهم حتى لا يكون إنسان. ويل لهم متى انصرفت عنهم) كنا نطلب رحمة لا ذبيحة. . ! كنا نريد معرفة الله أكثر من محرقات. . ! (ولكنهم - كآدم - تعدوا العهد) (كهنتي غدروا بي) وكما يكمن لصوص لإنسان، (كذلك زمرة الكهنة في الطريق) المحكمة رُفعت لجلسة النطق بالحكم، يوم الثلاثاء بعد المقبل والموافق 6 فبراير، (مع استمرار حبس كيرلس) والتفاصيل القانونية سأتركها لتعرفونها من صفحات المتخصصين في القانون، والذين يزيدون في كل جلسة، ويفاجأونا بإضافات إبداعية. المحامون الذين يدينون كيرلس يزيدون أيضًا. لكنهم أشخاص يقبضون أتعابهم بأجر ولازم يستوفوه. أما المدافعون المتطوعون فهم أناس آخرين ومستوى مختلف. ناس مؤمنة بقضية حريتنا في التعبير ويصرفون المال والجهد ويذاكرون قانون ويسافرون ويتعبون دون انتظار مقابل، وعندما نشكرهم، نجدهم هم من يشكرون، ويشكرون كيرلس على هذه الفرصة وهذا الشرف. لكل هؤلاء الذين دعموا قضيتنا بأي وسيلة، وساعدونا بطريقتهم سواء من أقباط المهجر، مرورا بمسلمي الدلتا، ونهاية بمصريو القاهرة: شكرا لكونكم موجودين. شكر خاص لأقباط المهجر على إرسالهم التسجيل الصوتي، والسماح ببثه من مواقعهم. --- ### [١٠] الإصدار التثنوي الأول [Dtr1] - Published: ۲۰۲٤-۰۱-۲۵ - Modified: 2024-01-19 - URL: https://tabcm.net/15535/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, كتاب مقدس - وسوم: التقليد الإيلوهي [E], التقليد التثنوي [D], التقليد الكهنوتي [P], التقليد اليهوي [J] / [Y], بنتاتوخ, تابوت العهد, توراة, حلقيا الكاهن, داود النبي والملك, سليمان الحكيم, شيروبيم, ملك يوشيا, مملكة إسرائيل, مملكة يهوذا, نبي صموئيل, نبي موسى, نخاو الثاني, هارون الكاهن, هيكل سليمان, يربعام بن نباط من الواضح أن الكاتب ليس من الملوك أو العائلة الملكية، إذ بالنهاية فالأحكام تضع كثيرًا من القيود على الملك، وعلى الجانب الآخر، الأحكام تعطي مميزات للكهنة واللاويين، الكاتب هنا من الكهنة. لكن، أيّ مجموعة من الكهنة؟ من الممكن تسمية الإصحاحات من 12 إلى 26 في سفر تثنية الاشتراع، باسم: "أحكام التثنية"، وهذه الأحكام تمثل معظم متن السفر تقريبًا، والأرجح أن هذا هو النص الذي عثر عليه حلقيا الكاهن في هيكل أورشليم بجوار تابوت العهد في زمن الملك يوشيا. نلاحظ عدة ملاحظات حول هذه الأحكام: 1- أوّل ما تتكلم عنه أحكام التثنية هي مكان العبادة، وأنه من الضروري أن يكون مكان الذبح مكان واحد فقط هو المكان اللي اختاره يهوَه، وكل أماكن العبادة الأخرى يجب هدمها. الاستثناء الوحيد لعدم تقديم الذبيحة في المكان الذي اختاره يهوَه هو أن يكون الشخص بعيد جدًا عن مكان الذبح وﻻ يستطيع الذبح فيه، ففي هذه الحالة بإمكانه الذبح في بيته بشرط إراقة دم الذبيحة على الأرض. 2- تحدد الأحكام مجموعة معايير معينة لاختيار الملوك، مثل ضرورة كونه من بني إسرائيل وليس "جير" ، أيضًا للملوك عدة شروط عليهم إتباعها، مثل عدم امتلاك كثير من الخيول، ولا كثير من الذهب والفضة، ولا كثير من النساء، وأنه عند تنصيبه ملكًا على العرش فوجب عليه نَسخ هذه الشريعة من الكهنة واللاويين. 3- ﻻ نجد تمييزًا بين الكهنة اللي من نسل هارون الكاهن وبين بقية سبط لاوي، كل الكهنة واللاويين يتعاملون بنفس الطريقة، والأحكام توضح أن سبط لاوي ليس له نصيب ولا ميراث مع إسرائيل، بل يعيش على الدعم المقدم له من باقي الأسباط، وتوضح الأحكام أن الكهنة لهم دائمًا أنصبة من الذبيحة، وبواكير القمح والنبيذ والزيت والماشية. 4- تتعامل الأحكام مع موقف الجيش والحرب بنفس تعامل فترة ما قبل الملك داود، بمعنى، أﻻ جيش خاص أو أممي للملك بالشكل الذي نفذه الملك داود، لكن ما يحدث في هذه الأحكام أن يجمع الكاهن الشعب ومنه يتكون الجيش، من يحارب يجب أن يكون من أسباط بني إسرائيل، ومن العوام لكن ليس جيشًا إمبراطوريًا مُحترفًا كالذي أسسه الملك داود. 5- لا يوجد ذكر في أحكام التثنية لهارون الكاهن، وكما أوضحنا فلا تمييز بين الكهنة المنحدرين من نسله وباقي سبط لاوي. ﻻ يوجد ذكر لتابوت العهد ولا للشيروبيم ولا أيًا مما وُضع في هيكل أورشليم. وهذه الملاحظات يمكن أن توضح لنا من الذي يمكن أن يكون الكاتب لأحكام التثنية. فمن الواضح أن الكاتب ليس من الملوك أو العائلة الملكية، إذ بالنهاية فالأحكام تضع كثيرًا من القيود على الملك، وعلى الجانب الآخر، الأحكام تعطي مميزات للكهنة واللاويين، الكاتب هنا من الكهنة. لكن، أيّ مجموعة من الكهنة؟ تعرفنا حتى اﻵن على مجموعات متعددة من الكهنة. كهنة بيت إيل الذين عينهم يربعام في إسرائيل، لكنهم لم يكونوا من سبط لاوي، في حين أن الأحكام تتكلم عن كهنة سبط لاوي تحديدًا. هناك أيضًا مجموعة كهنة أورشليم، الذين يُعتقد أنهم من نسل هارون الكاهن، لكن أحكام التثنية ﻻ تفضّلهم في شيء، ولا تذكر هارون إطلاقًا، ولا تذكر تابوت العهد، ولو كانوا كهنة أورشليم لذُكر بعضٌ من هذا. الكهنة الذين تتوافق الأحكام مع موقفهم هم كهنة شيلوه الذين يُعتقد أنهم من نسل النبي موسى، وهم نفس مجموعة الكهنة الذين يُعتقد كتابة التقليد الإيلوهي عندهم. هؤلاء الكهنة يميلون دائمًا لفكرة مركزية مكان العبادة لأن هناك فترة في تاريخهم كان مكان العبادة في شيلوه زمن النبي صموئيل، لكن بعدما أهمل الملك سليمان مكانتهم، ومن بعده الملك يربعام، الذي عيّن بدلًا منهم كهنة من خارج سبط لاوي. أيضا الأحكام تحدد معايير وقيود على الملك، وتؤسس لجيش قائم على التطوع من داخل الأسباط لأن هذا هو الذي يعطيهم أهمية في الوساطة، ويجعل وجود الملك مهددًا دون دعم من الكهنة. ولأن هذا كله قد ذهب على يد الملك داود عندما أسس جيشًا أمميًا مستقلًا عن الأسباط، فالأحكام هنا تمنع ذلك. أيضًا الأحكام لا تميّز ولا تعطي أفضلية لكهنة نسل هارون، وﻻ ذكر لتابوت العهد أو أيًا مما كان في الهيكل لأنه ولفترة كبيرة جدًا عاش هؤلاء الكهنة مقطوعي الصلة بالهيكل وما بداخله، الأحكام تتوافق مع مواصفات كهنة شيلوه، وفي أيّ زمنٍ بعد انفصال مملكة يهوذا عن إسرائيل، وقبل انهيار مملكة إسرائيل. الشخص الذي أنهى كتب التأريخ التثنوي ، أخذ أحكام التثنية ووضع قبلها مقدمة بها خطابين لموسى، ثم تصوّر موسى وهو يعطي للشعب أحكام التثنية، ويوضح لهم بركات ولعنات طاعة هذه الأحكام في الإصحاحات 27 و28، وفي النهاية كتب كلمات موسى الأخيرة وتشجيعه للشعب، ثم يتمم كتابة التوراة ويعطيها للاويين من أجل وضعها في جانب من تابوت العهد، ثم يموت. نلاحظ أن المؤرخ التثنوي له نفس اهتمامات كهنة شيلوه، مثلا في الجزء الذي كتبه المؤرخ التثنوي في سفر التثنية، في المقدمة، ﻻ يتم ذكر هارون سوى مرتين، واحدة لكي يذكر غضب يهوَه عليه بسبب العجل الذهبي ((تثنية 9: 20 ))، والمرة الأخيرة يذكر موت هارون ((تثنية 10: 6 )). وهي أحداث لم يتم ذكرها سوى في التقليد الإيلوهي الذي كتبه أحد كهنة شيلوه. أيضًا كلًا من التقليد الإيلوهي والتثنوي يشير لجبل موسى باسم: جبل حوريب، وذلك على عكس التقليد اليهوَي والتقليد الكهنوتي، اللذان يسميانه: جبل سيناء. التقليدان الإيلوهي والتثنوي يعظمان من شأن موسى، على عكس التقليدين اليهوَي والكهنوتي، وكلاهما يهتم بالأنبياء، على عكس التقليد اليهوَي حيث ﻻ يوجد ذكر لكلمة نبي إطلاقًا بينما التقليد الكهنوتي ﻻ يذكرها إلا مرة واحدة في الإشارة لهارون، كل من التقليدين الإيلوهي والتثنوي يهتم باللاويين بشكل عام، على عكس التقليد اليهوَي الذي يلعن سبط لاوي بسبب قتل لاوي لسكان مدينة شكيم كما سبق وذكرنا، أما التقليد الكهنوتي فهو يعظّم من الكهنة الذين من نسل هارون على حساب بقية كهنة سبط لاوي، والذين يعتبرهم مجرد مساعدين لكهنة هارون، وكلاهما يتعامل مع هارون على أنه شخص سيء ويذكرون أحداثًا مثل قصة العجل الذهبي أو إصابة مريم بالبرص لتشاورها مع أخوها هارون على زوجة موسى، وهاتين القصتين ﻻ يتم ذكرهما لا في التقليد اليهوَي ولا في التقليد الكهنوتي. ينتهي سفر التثنية بموت موسى ويبدأ سفر يشوع من حيث انتهى سفر التثنية، وهكذا، ويتم إضافة بعض النصوص في متن السفر لوصل الأحداث وتصاعد التاريخ حتى وصوله لحكم الملك يوشيا. ثم يأتي عند سفر صموئيل ويضع إضافة مهمة، وهي العهد الذي بين يهوَه وداود، وكما عرفنا فهو عهد أبدي غير مشروط، وبالأغلب لم يضع هذا العهد من عنده بالكليّة، لكن من تقاليد تقول بأن هناك عهد بهذا الشكل بين يهوَه وداود وهذا العهد يعطي نظرة متفائلة للتاريخ وكان من المنطقي أن يتم كتابته في زمن الملك يوشيا. ثم نصل في النهاية لسفر الملوك، الذي كانت مُهمة المؤرخ التثنوي فيه أكثر تعقيدًا من الأسفار التي مضت، لأنه ههنا ﻻ يحكي تاريخ شعبًا واحدًا بل تاريخ شعبين، فيذكر ملك من مملكة يهوذا ثم يتكلم عن ملك من مملكة إسرائيل ثم يرجع للكتابة عن مملكة يهوذا. وعند كل ملك، نجده يبدأ باسمه، وسنه جلوسه على العرش، ويوضح إذا كان خيرًا أم شريرًا بعبارة: وصنع القويم في عيني الرب أو وصنع الشر في عيني الرب، والغالبية كانت تقيّم كشريرة لكن ﻻ يفقد أحدهم مُلكه على العرش بسبب العهد مع داود، والأخيار منهم ﻻ نجدهم يهدمون كل المعابد والمشارف اللي بناها سليمان ويربعام، ولا يوجد ملك خيّر لهذه الدرجة المثالية سوى الملك يوشيا في نهاية سفر الملوك ((ملوك ثاني 23: 4-20 )). أيضًا يوضح المؤرخ التثنوي أن مكان العبادة الواحد أصبح فيما بعد هو أورشليم، واستعمل نفس تعبيرات سفر التثنية عن كون هذا المكان هو الذي يسكن فيه اسم يهوَه، وبهذا الشكل، أعطى المؤرخ التثنوي تأويلًا متفائلًا للتاريخ، تم تحقيقه بشكل قوي وكامل في زمن يوشيا الملك، الملك الصالح الذي جعل من هيكل أورشليم مركزًا للعبادة، ودمر مشارف الآلهة الأخرى والمعابد التي في خارج أورشليم، ووصل تطهيره الديني إلى المعابد في الشمال في إسرائيل ، والذي صنع القويم بحسب شريعة موسى بكل قلبه وفكره وقدرته.  كل الأفكار الرئيسية الموجودة في التأريخ التثنوي تم تحقيق كل عناصرها في زمن الملك يوشيا. في النهاية، تم قتل الملك يوشيا على يد ملك مصر، نخاو الثاني، ثم بعد ذلك بفترة ليست بالبعيدة تم تدمير مدينة أورشليم وحرق الهيكل وفُقدان تابوت العهد وانهارت مملكة يهوذا، والتي يُفترض أن تظل موجودة، ويظل عليها ملك من نسل داود، للأبد. التأريخ التثنوي المُتفائل أصبحت نظرته ﻻ تعبّر عن الواقع بل ويُثير الشفقة والسخرية، وكانت النتيجة أن هناك من كتب تعديلًا على التأريخ التثنوي وحاول إيجاد تفسير للانهيار الذي حدث، ومن هنا تمت كتابة الإصدار التثنوي الثاني . --- ### علاقة غرامية ساخنة! - Published: ۲۰۲٤-۰۱-۲٤ - Modified: 2024-01-25 - URL: https://tabcm.net/17483/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون - وسوم: بيل كلينتون, مارتن نوث, نجيب محفوظ تواردت في ذهني شكوك حول كونها قد أصبحت ضحية لإدمان الطعام، بسبب مضادات الاكتئاب والمهدئات التي ينصح بها "الدجال" العجوز الذي تزوره بانتظام، وكانت عرفته من خلال وجوده الثابت في اجتماعات مصر الجديدة، وهو سائر دوما بابتسامته الصفراء في ذيل صاحب الجلباب الأسود "اللامع"، الذي تكرهني على سماع عظته المملة كل ثلاثاء شعرت بأنها تخونني. . نعم. . وبعد التحقق، تأكد لي أنها بالفعل متورطة في علاقة غرامية، ولكنها ليست مع رجل آخر، لكنها في علاقة آثمة بالطعام! بدأت في الشك أنها قد تكون ضحية لإدمان الطعام المشبع بالدهون، مثل العديد من النساء المتزوجات في بلدنا، خاصةً اللاتي يجهلن فنون الطهي -وهن الأغلبية حاليًا- ويعتبرونه وسيلة للهروب من الاكتئاب. سألت صديقي طبيب التخدير إن كان يوجد زمالة للمدمنين المجهولين للطعام أيضًا مثلما يوجد للكوكايين؟ إلا أن المكالمة انقطعت بسبب مشكلة هندسية ما ولم أسمع منه بعدها بأسابيع. تواردت في ذهني شكوك حول كونها قد أصبحت ضحية لإدمان الطعام، بسبب مضادات الاكتئاب والمهدئات التي ينصح بها "الدجال" العجوز الذي تزوره بانتظام، وكانت عرفته من خلال وجوده الثابت في اجتماعات مصر الجديدة، وهو سائر دوما بابتسامته الصفراء في ذيل صاحب الجلباب الأسود "اللامع"، الذي تكرهني على سماع عظته المملة كل ثلاثاء. تلك الاجتماعات الحماسية المليئة بالشباب المتحمس، خاصةً من الأحياء الكثيفة السكان، الذين يسعون للارتباط بأي كائن ذو رقم قومي مزور يحمل علامة "أنثى"، ورغم إخلاصي في حبي لها واحترامي لأمها، أجدها تعيش علاقة عاطفية بالطعام! كم من مرة أجدها تقضي وقتًا طويلًا أمام "طشت" الكشري أو الجبن أو الفول أو العدس وبالطبع الدجاج، لا تأبى مفارقتهم ولو حتى للاستحمام. . طشت نعم. . لا تقتصر أكلتها على الصحن فقط، بل أصبحت تقضم حتى عظام الدجاج وربما قضمت طرف الطبق معهم. . هل تصدقون ذلك؟! ربما "جيجي"، الكلبة الصغيرة التي فارقت الحياة العام الماضي، فهربت من هذا الوحش الجائع، لو لم تكن غيبها الموت، ربما لكانت قد ابتلعتها زوجتي. الحقيقة أن زوجتي وشقيقاتها وأمها وصديقاتها لا ينقطعن عن تناول الطعام نهائيًا، بشهية جشعة وهمسة جنونية كتلك التي ذكرها نجيب محفوظ بإحدى مجموعاته القصصية، تضيق ملابسهن ويضطرن لشراء ملابس جديدة بدلا منها، وكالعادة، تكون الألوان سوداء، تمامًا مثل وجوههن! وجهها يكبر حجمًا، ويظهر عليه علامات العجز، حتى وهي ما زالت في الثامنة والثلاثين من عمرها، حتى أن أنفها بدأ يطول ويتألق بفعل كثرة تناولها للطعام. . لا أفهم كيف يحدث ذلك! أصبحت تسير في حوش الكنيسة هي وشقيقاتها وصديقاتها وهن يترنحن من وزنهن الزائد، وأصبحن يتعبن من كل خطوة، ويمسحن عرقهن الزائد في كل خطوة، حتى في ثلوج يناير! وجميع ملابسهن السوداء هذه طبعًا لإخفاء طيات الدهون التي يغطيها الجلد السميك، تراهم يتجولن وهن يرتجفن ويتموج بداخلهن قطعان من الماشية وعدة مزارع دواجن، التهموها على مدار شهور قليلة، ترى كل واحدة منهن بعين الخيال تسير وهي تحتضن داخلها حظيرة ماشية كاملة وعدة مزارع دواجن، وكأنهن مزرعة متنقلة! لقد تساءلت كثيرًا بدون إجابة، هل تحبني كما تحب الطعام؟ هل تحب أطفالنا كما تحب الطعام؟ وهل يحق لي أن أطلب كتاب الطلاق لأنها "تخونني" مع "خروف" آخر؟ (تحب لحم الضأن تمامًا كأمها)، هل هذه علاقة غرامية عرفتها متأخرًا؟ للأسف ليست مع خروف واحد أو بقرة واحدة، بل مع قطعان منهم على مر السنين والأيام كما قلت. لن أجد اعتراضًا او مشقة في إمساكها في نفس الفعل، إذا كانت لا تتوقف عن تناول الطعام، منذ أن عرفتها وهي تكره نفسها وتحب الدجاج، المؤسف أنها مثل معظم زميلاتها صدقت الدعاية الريفية التي تقول إن المكياج يخلق "جمالًا مصطنعًا"، وأن الجمال الطبيعي -الذي لا أعرف أين هو الآن عمومًا- لا يوجد بديل عنه، ولكن أين هذا الجمال المصطنع في الأساس؟ نحن نريده ولو قلنا عكس ذلك، وأين الجمال الطبيعي أيضًا؟ وعندما تحدثت مع أصدقائي، قال لي أكبرهم سنًا بابتسامة مريرة: "أهلًا بك في النادي! نادي؟ نعم! قف وراءنا في الصف! هذا هو الزواج. . ماذا كنت تظن؟ قبلات وأحضان لا سمح الله؟! " صمتت، وصعب عليّ أن أجد كلمات ترثي لحالتي وحالهم. كيف ينزل الفتيات في هذا العصر بدون مكياج؟ ولماذا لا يهتممن بتسريح شعورهن؟ ولماذا لا يمارسن الرياضة؟ ولماذا فقدن الكثير من أنوثتهن؟ هن حتى لا يكترثن بغسيل أسنانهن! أما كانت أمهاتنا بطلات ومضحيات؟ لماذا أرى الكثير من النساء في فيسبوك و"التراب" يغطون وجوههن؟ لماذا وجوههن صفراء؟ لماذا لا يضعن ولو قليل من الزينة؟ أتحدث عن نساء ثريات، وعن فتيات غير متزوجات وبلا مسؤوليات؟ طبعا الأزمة الاقتصادية شماعة مثالية. ولكن منذ متى وبلدنا بلا أزمات؟ وماذا عن الرجال؟ لماذا بعضهم يعيشون كما لو أنهم يتنفسون الطعام؟ بعض الرجال لا يعرفون كيف يختارون ملابسهم، ويظلون دائمًا بشكل مهلل، مثل شخصياتهم المهللة، وليس لديهم اهتمام بمظهرهم الشخصي، وليس لديهم أناقة، ولا ثقافة، ولا حرية، ولا كرامة، ولا يعرفون العدالة ولا يتوقعونها، نعم. . معظمهم كنواب البرلمان. كثيرون من الرجال بمصر، بالفعل، أصبحوا هم أيضا يتنفسون الطعام، العديد منا من الذكور لا يتقنون اختيار ملابسهم، سواء من حيث الألوان أو الخامات أو التصميم، بغض النظر عن ثروتهم، يظلون دائمًا دون حلاقة للذقن، ويرتدون ثيابًا مهلهلة وضيقة ورثة، يعكسون بها شخصيتهم المهلهلة، وتربيتهم المهلهلة، ويعكسون أيضًا على واقع إعلامهم ونظامهم السياسي والاقتصادي المهلهل. وهم مكبلون بالهموم لعقود، وسيظلون كذلك، حتى يلجأ بعضهم إلى الهجرة والعمل في صناعة الساندوتشات في مطاعم محطات مترو الأنفاق، أو قيادة سيارات الأجرة مثل أوبر، أو العمل كعمّال في خط الإنتاج في مصنع مجهول! حتى لو كانوا يعملون بوظيفة بيع سيارات مستعملة مع تاجر فلسطيني أو عراقي عجوز يلقب بأبو فلان ولا يعرف احد اسمه بما فيهم أولاده، ولم يكمل تعليمه الثانوي، ولا يجيد اللغة الإنجليزية بالرغم من حصوله على الجنسية منذ عشر سنوات ونصف! ورغم ذلك يتحدث العربية بصعوبة،وسيظلون يشكون من تقاضي الحد الأدنى للأجور، أو أعلى منه بنسبة 10% أو 11% على سبيل المثال، ويحلمون بامتلاك عشة دجاج يمكنهم سداد أقساطها على مدى 30 عامًا، مع وجود مكان لركن سيارتهم اليابانية المستعملة من أيام بيل كلينتون! في مصر، يولي بعضهم اهتمامًا بنظافتهم الشخصية، خصوصًا بعد الثانية والأربعين من العمر، بالرغم من ذلك لا يهتمون ببطونهم المتدلية حتى الأرض، أو لحياتهم البيضاء الكثيفة وهم دون الخمسين من العمر، أو رئتيهم التي احترقت من تدخين الفيب الصيني، الذي يتوهمون أنه سيحميهم من جحيم السرطان ولكن هيهات! ومثلما لا يهتمون بأناقتهم أو ثقافتهم، فلا يسألون عن حقوقهم وكرامتهم، ولا يغفل النابه منهم -واسمه في السجل البيطري "انفلونسر"- عن نشر استهزائه بشغف بعضهم، ويسخر فيه من استخدام تعبيرات التحفيز في أي مكان، ويستبدلها بأيات من التدوين الفاشل بقيادة استشاريين المبيعات المسنين مثل أبو شفطورة وأبو جلامبو وأبو المجد وأبو الذل، الذي لا تعلم متى ظهروا ومتى يختفوا! بالإضافة إلى النقاد الفنيين "الظرفاء" من عباد الرحمن وما أنزل الله علينا بهم من سلطان على جميع منصات التواصل الاجتماعي! كثير مننا كرجال أيضًا أضحى تفكيرنا أيضًا، تفكير حيواني جائع، متمحورًا حول الجنس، تمامًا كتفكير زوجاتهم اللواتي يركزن في رحلة بحثهن عن كنز الحياة على الطعام، واللواتي يرفضن إهدار أموالهن في تزيين أنفسهن (أو حتى في تعليم أطفالهن) بدلا من الأكل والغذاء والتهام الطعام، وأصبح كثير من الأسر اليوم حالهم للأسف يشبه حالة أسرة فيلم الرسوم المتحركة "ذا كرودز" الذي يصوّر حياة أسرة تعيش في العصور البدائية... بالرغم من أن الفيلم انتصر في النهاية لحاجة كده اسمها والعياذ بالله "الحب الأسري". ولا عجب أن يتخذ الملل الزوجي منزلقًا في حياة الزوج الراضي بالقليل مهنيًا، وفي حياة الزوجة التي فقدت أنوثتها، وفي حياة الأطفال الفاشلين دراسيًا، والذين يتطلعون لقيادة سيارات "أوبر" أو دراجات نارية بتطبيق "طلبات" فور تخرجهم، إن لم يكونوا قد ارتدوا سماعات الهاتف لمركز الاستدعاء، حيث وجدوا متنزههم في الطعام والفرار من المذاكرة! قد يكون إدمان طعام في مصر، خاصة الأكل غير الصحي والمشبع بالدهون والرخيص السعر، ناتجًا عن أسباب كثيرة أخرى، مثلًا يجد البعض أنفسهم، للأسف، ليلاً في مواقع إلكترونية إباحية فاحشة، يحلمون بسببها بأحلام فانتازية لا وجود لها سوى في خيال مخرج مريض يعتمد على المخدرات، تمامًا كما يجدون أنفسهم في الصباح في مواقع إلكترونية دينية فاحشة، يحلمون بسببها بأحلام فانتازية لا وجود لها سوى في خيال أمير جماعة مريض يعتمد على المال والسلطة والدماء. تمامًا كما أدمنت زوجتي الطعام... سامحها الله! وسنتابع الحديث إن كان -ده وإن كان- لدينا بعض الوقت المتبقي في هذه الحياة! بالهناء والشفاء! --- ### المادية الجدلية - Published: ۲۰۲٤-۰۱-۲۳ - Modified: 2025-03-18 - URL: https://tabcm.net/16712/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أناتولي إليتش راكيتوف نقيض الماديّة الجدليّة هو الميتافيزيقا،. فيما تُناقش الماديّة الجدليّة الظّاهرة بكونها حلقة في دائرة السّبب والمُسبَّب، تناقش الميتافيزيقا الظاهرة بمعزل عن المُحيط، بعيدًا عن الأسباب التي أنتجت الظّاهرة أبقت ما بعد الحداثة على المادية الجدلية كأحد أعمدتها، وعليه فما بعد الحداثة تسعى أن تتجنب بشتّى الطرُق أستخدام “علامات التوقُّف” stop signs أي كلمات دورها أن تُنهي سلسلة الأسئلة. مثلًا: حينما تتجوّل في مَتحف مع صَديق فتَسأله عن شيء ما في أحد التماثيل، فيُجيبك: it is how it is، “إنها كما هي”، لا تصلُح هذه الإجابة في أي منهجيّة البحث.  تدعو ما بعد الحداثة لتجنُّب هذه اللغة إذ تعمل فقط كعلامة ينتهي عندها السّؤال. أما أطروحة الماديّة الجدلية فهي أن لكل شيء مادّي: سبب، ولكل سبب: مُسبِّب، ولكل مُسبِّب: مُسبِّب،، وهكذا. الأمر أشبه بيوم  تخرُج فيه مع طفلك فتجِد شوارع مدينتك مُبتلة، فيتسائل الطفل: “لماذا ابتلّت الشّوارع؟” فتُجيب: “بسبب المطر! ”، فيسألك: “من أين جاء المطر؟” فتُجيب: “من السّحُب! ” فيسألك: “ومن أين جاءت السّحُب؟”، إلخ. هكذا العلم، أمّا العقل الذي يعتاد إخماد البحث وراء الأسباب فهو عقل كسول، لا يُقدِّر قيمة البحث حتّى وإن ادّعى غير ذلك. هو كمان يسأله طفله: “من أين جاء المطر؟” فيُجيب: “لا يُهمّ” أو “سانتا كلوز فعلها! ”. عادة ما لا يستخدم الكاتِب المُحترف علامة التّوقُّف بهذه المُباشرة، ولكن عليك كقارئ أن تجدها وأن تُدرك إشكاليّاتها. حينما تقرأ مقالًا في الاقتصاد ويعتمد الكاتِب على مصدرٍ غير معلوم لك كقارئ ولا يُمكنك التأكُّد منه أو فحصه فهذه علامة توقُّف. حينما تُناقش شخصًا في موضوعٍ ما فيُحيلك إلى شعوره بدلًا من أن يُحيلك إلى شيء قابل للتّعاطي معه وتحليله فهذه علامة توقُّف. حينما يُحدِّثك مقال علمي عن الإنفجار الكبير كعلّة أولى بها بدأ الزّمن، فبهذا يمنعك من أن تسأل ماذا كان “قبل” الانفجار الكبير، وهذه أيضًا علامة توقُّف. نقيض الماديّة الجدليّة هو الميتافيزيقا،. فيما تُناقش الماديّة الجدليّة الظّاهرة بكونها حلقة في دائرة السّبب والمُسبَّب، تناقش الميتافيزيقا الظاهرة بمعزل عن المُحيط، بعيدًا عن الأسباب التي أنتجت الظّاهرة ((Anatoliĭ Ilʹich Rakitov, and H. Campbell Creighton, The Principles of philosophy. Progress, 1989, p. 35 )). تظهَر أبعاد القراءة الميتافيزيقيّة للظواهر في مُناقشة تاريخ الفكر الديني، وأيضًا تظهر معها علامات التوقُّف. فحينما تسأل عن بداية حركة دينية دائماً ما يُردّ الأمر لموقف ذاتي بالكامل لمؤسِّس الحركة، أيّ يتمّ إعتباره ظاهرة مُنقطعة عن المُحيط الذي نشأت فيه وغير مدفوعة بظروفهِ وطبيعته، فتصير الظّاهرة نُقطة توقُّف غير قابلة للتّخطِّي وللتّساؤل عن مُسبباتها، كما يقول راكيتوف: الميتافيزيقا لا ترى إمكانيّة ظهور ما هو جديد ((Anatoliĭ Ilʹich Rakitov, and H. Campbell Creighton, The Principles of philosophy. Progress, 1989, p. 35 )). لكن تذكّر أن الشّخص نفسه قد يستخدم الماديّة الجدليّة أحيانًا والميتافيزيقا أحيانا أخرى، فكثيرًا ما تجِد من يتقبّلون النّشوء والارتقاء بيولوجيًا ثم يرتدّون للميتافيزيقا في الحديث عن الوعي بكونهِ مفارقًا للتطوُّر البيولوجي. الأمر عينه في التّاريخ، فنجِد الكثيرين يُطبّقون رؤية الماديّة الجدليّة طالما لم تتصادم مع ما يعتقدون فيه شخصيًا. لذا فدورك كقارئ أن تفحص ما يكمُن وراء قِراءة المؤرّخ من فرضيّات، لا أن تقبل تَصوُّره النّهائي وتتبنّاه باعتباره “الحقيقة”. --- ### قانون إزدراء الدولة المدنية - Published: ۲۰۲٤-۰۱-۲۲ - Modified: 2024-01-26 - URL: https://tabcm.net/17507/ - تصنيفات: شئون علمانية - وسوم: حرية الفكر والتعبير, كيرلس رفعت ناشد لقد وقف المطران يصلّي ويحتفل بالعيد بينما قضي الشاب ليلته خلف القضبان، وعائلته تفترش الشارع في مدينة غريبة، ليس لهم فيها مكان، ولا قريب، لقد شاركوا المسيح بالحق والحقيقة في ميلاده العجيب، إذ لم يكن هناك من يعرفهم ليأخذهم إلي بيته، فهم غرباء، كما كان المسيح غريبًا ما زالت حرية الفكر والتعبير، بل والمناقشة الحرة، في مصر، تعاني بشدة، ومع الوقت تزيد وتتطور، لدرجة أصبح من الصعب تصديقها. طالما كنا نسمع عن معاناة الأقباط في مصر والتمييز ضدهم، واستخدام ما يسمي بقانون "ازدراء الأديان"، ضد أي مفكّر يناقش أو يعترض علميًا أو عقيديًا مع الأصوليّة الإسلاميّة، وكثيرًا ما تكلم الأقباط والمسلمين المنفتحين ضد هذا القانون، وأيضا وقف كثيرون من القضاة الشرفاء ضده. قانون ازدراء الأديان: هو قانون ينتمي لعصور الإمبراطوريات الدينية الثيوقراطية وليس للحكم المدني، وهو شبيه بقانون التجديف في محاكم التفتيش في العصور الوسطي، أو قانون التجديف الذي نستخدمه حكومة طالبان في أفغانستان ضد كل من يعترض على فاشيتهم الدينية. قانون أزدراء الأديان شاع استخدامه ضد مسيحيين بتهمة ازدراء الدين الإسلامي خلال مناظرات دينية مع أطراف أصوليّة، وعادة ما يتم غض الطرف عن تطاول المسلمين على العقائد المسيحية والتي تصل حتي وصفها ب "الكفر" عادة ما تستخدم تهمة ازدراء الأديان أيضا ضد العلمانيين المسلمين عند توجيههم انتقادات أو أسئلة بخصوص الدين الإسلامي. نادرًا ما يتم تسجيل حالة إدانة بتهمة ازدراء الدين المسيحي. وهو قانون لقمع الحرية الفكرية، وللتمييز الديني. عقوبة "أزدراء الأديان" هي الحبس، وقد وصل الأمر لسجن أطفال مسيحيين بتهمة ازدراء الدين الإسلامي ((Human Rights Watch على مصر إلغاء أحكام ازدراء الأديان بحق أطفال مسيحيين )). ولكن ما حدث مؤخرًا في مصر وبالتحديد يوم الأربعاء 3 يناير 2024، يصعب تصديقه، إذ أنه، ولأول مرة، يري الأقباط قضية مشابهة، ولكن هذه المرة تم توجيه التهمة من الكنيسة متمثلة في شخص مطران إحدى المحافظات الكبري، ضد أحد أبناء الكنيسة المتعلمين، وهو الشاب كيرلس رفعت ناشد، والذي يشغل وظيفة مدرس بالجامعة، بكلية الهندسة. كان كيرلس قد قدم العديد من التساؤلات في الدين، في مسائل فرعيّة لا تعدّ من أساسيات الإيمان المسيحي، والتي فشل الكهنة والمطران من الإجابة المنطقية عليها، وأتهموه جزافًا بعدم استقامة الإيمان على خلاف القانون الكنسي، فهاجمهم الشاب بأسلوب عنيف جدا، قد تتفق أو تختلف مع أسلوبه، لكن لا يمكن تصنيفه في خانة ازدراء الأديان. لم يصدق الأقباط ما يرون وما يسمعون لأوّل مرة في تاريخهم، و أعربوا عن استيائهم وشجبهم واستنكارهم لأفعال المطران، وبدؤوا حملة ضد المطران علي صفحات التواصل الاجتماعي، يطالبون فيها بالتنازل عن القضية ضد المهندس الشاب، خاصة وأنّه تم القبض عليه وحبسه احتياطيًا علي ذمة القضية وذلك قبل ليلة عيد الميلاد بيومين. لم يكن رد فعل المطران غير متوقع، فقد رفض توسل عائلة الشاب وسخر من أمه العجوز الأرملة، حين رجته أن يتحنن عليهم ويطلق ابنها قبل ليلة الميلاد. لقد وقف المطران يصلّي ويحتفل بالعيد بينما قضي الشاب ليلته خلف القضبان، وعائلته تفترش الشارع في مدينة غريبة، ليس لهم فيها مكان، ولا قريب، لقد شاركوا المسيح بالحق والحقيقة في ميلاده العجيب، إذ لم يكن هناك من يعرفهم ليأخذهم إلي بيته، فهم غرباء، كما كان المسيح غريبًا. كيف لكنيسة تستخدم هذا القانون المعيب مع أولادها، أن تطالب الدولة بعدم استخدامه مع المسيحيين؟ نحن نطالب بشدة بإلغاء هذا القانون الفاشي، وندعو إلى مواجهة الفكر بالفكر وليس بالسجن. د. وديع منصور ألمانيا ٨/ ١/ ٢٠٢٤ --- ### رؤية بيت لحم ورؤية القيامة - Published: ۲۰۲٤-۰۱-۲۱ - Modified: 2024-01-21 - URL: https://tabcm.net/17306/ - تصنيفات: لاهوتيات - المسيح قام فينا، لنتجسد نحن فيه. - سيرة الرب يسوع هي سيرة حياتنا. - جازها المسيح فينا وجزناها فيه. - تعزيتنا ليست فقط شركته آلامنا. فسيرته أكبر بما لا يقاس من الألم. - فالمسيح هو الحب كله، أنه الحياة ذاتها، أنه النور الحقيقي، أنه الماء الحي، أنه خبز الحياة أنه العريس والفرح بوجوده المجرد، أنه القيامة التي ترفعنا فوق قبور صنعها كل واحد منا لنفسه ولغيره كحصاد غربته في"كورة بعيدة". - فالمسيح قام لنتجسد فيه، ونحيا تلك الخليقة الجديدة في ملء ناسوته الخالد الذي لا يموت. - فلا ننسى أن الرب تجسد لا ليكتئب بل "من أجل السرور الموضوع أمامه" وأمامنا فيه له المجد في مزود بيت لحم وفي الجلجثة على الصليب وفي حضن الآب. آمين. - "افرحوا كل حين" وصية وأمر وقوة. --- ### [١٨] دفتر تبرّعات - Published: ۲۰۲٤-۰۱-۲۰ - Modified: 2024-01-13 - URL: https://tabcm.net/14640/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون مضت الدقائق، دقيقة تلو الأخرى، وساعة تلو الأخرى، وأبونا بطرس ينتظر في الكتب تحت، والأسف لم ينزل من فوق، وتخطت الساعة الثانية عشر ظهرًا، وكلما ذهب أبونا يسأل أستاذ عماد: هو سيدنا هينزل إمتى؟ يذهب بدوره ليسأل الأسقف ويعود ليجيب أبونا: قرب ينزل، وكلما حاول أبونا الاتصال بالأسقف، يجد أن الأسقف يقوم بإلغاء المكالمة، واستمر الوضع هكذًا حتى تخطت الساعة الثانية عصرًا، وتضايق جدًا أبونا بطرس وملّ من الجلوس وشرب الشاي كوبا تلو الأخر، وقرر أن يمضي. - معلش يا أستاذ عماد، هو شكلٍ سيدنا مش فاضي النهاردة، هبقى اعدي عليه أي وقت ثاني. ليسمع صوت الأسقف عبر الإنتركم: - متمشيش يا أبونا، انتظرني في الكتب. واستمر الوضع هكذا من التاسعة صباحًا وحتى الخامسة عصرًا، وحين هم أبونا بطرس بالانصراف وهو متضايق جدًا ويشعر بالمهانة وضياع الوقت منذ الصباح، وجد الأسقف أمامه: - رايح فين يا أبونا؟! ! - ماشي يا سيدنا. - هو مش أنا بعت عماد لقدسك وقلت لك استنى شوية؟! ! - هو مش نيافتك قولت لي عاوزني الصبح؟! أنا هنا من قبل الساعة ٩ ودلوقتي الساعة ٥ وقاعد متذنّب ولا التلميذ الخيبان اللي متذنّب عشان معملش الواجب، وأنا أصلا مش فاهم فيه إيه، ولا فاهم نيافتك عاوزني في إيه. - طب تعال اطلع معايا المكتب عاوزك. - حاللني يا سيدنا، أنا متضايق جدًا وعاوز أمشي. - هتمشي يا أبونا، بس بعد ما تطلع معايا الأول، أنا مستنيك فوق. وأعطى الأسقف ظهره لأبونا بطرس و تحرك صاعدًا إلى مكتبه و ترك أبونا بطرس مترددًا، هل يصر على موقفه و يغادر، أو يصعد ليفهم لماذا دعاه الأسقف. في نهاية الأمر، قرر الصعود، وفي دقائق معدودة كان أمام مكتب الأسقف يطرق بابه، فسمع عبر جهاز الإنتركم المعلق على الباب الخارجي: - أدخل يا أبونا. وبمجرد أن دخل، نظر له الأسقف نظرة ساخرة وهو يقول: - كل ده يا أبونا بتاخد قرار إنك تطلع ولا لأ، أقعد يا أبونا أقعد. تزايد ضيق أبونا بطرس، وكان يبذل قُصَارَى جهده حتى لا يظهر على وجهه علامات الضيق. بادره الأسقف بسؤال غريب: - قوللي يا أبونا، هو قدسك من ساعة ما أترسمت مش بتخدم ليه؟! ! - يعني إيه مش بخدم؟! - يعني مش بتنزل للناس، تزورهم، تفتقدهم، تسأل عليهم؟ - مين قال لنيافتك إني مش بعمل كده؟ أنا أصلا مش بفوت يوم غير لما أزور أسرة واتنين وتلاتة، وعلى قد ما ربنا بيديني طاقة وبركة في الوقت بحاول أفتقد الناس، غير المناولات اللي بخرج بعد قداسات الجمعة والأحد أناول فيها الناس المرضى، اللي غالبًا الناس كلها اللي عاوزة تتناول بيكونوا ساكنين في الدور السادس و السابع. قاطعه الأسقف قائلًا: - معاك دفترك؟ - دفتر إيه؟! - دفتر التبرعات الخاص بيك، هو انت معاك دفاتر غيره؟! - أه معايا، بس ليه؟ - وريهوني. أخرج أبونا بطرس دفتر التبرعات من جيبه، وأعطاه للأسقف، الذي أمسكه وقلّب في ورقاته ونظر نظرة غضب في عيني أبونا بطرس وهو يقول: - إيه ده ؟! ! - ده دفتر التبرعات يا سيدنا. - أنا عارف إنه دفتر التبرعات، هو ازاي فاضي كده، مفيهوش غير كعب إيصال واحد و بـ 50 جنيه بس. - واحدة غلبانة صممت تتبرع ومعرفتش أتملص منها. وقف الأسقف من مجلسه وراء مكتبه، وعلامات الغضب كلها ارتسمت على وجهه وهو يقول: _ معرفتش إيه! ! تتملص! ! إيه تتملص ديه؟! ! وتتملص ليه أصلًا؟! ! أصلا الدفتر ده أكبر دليل على إن قدسك قاعد في بيتكم ومش بتنزل افتقاد ولا بتزور الناس! وقف أبونا بطرس بدوره وعلامات الحزم هو الآخر ارتسمت على وجهه: - وإيه علاقة الدفتر يا سيدنا بالافتقاد، و بعدين أنا مش هكذب يعني، طالمَا قلت بنزل افتقاد، يبقى بنزل افتقاد، لو مش بنزل هقول برضه. - قدسك لو بتنزل افتقاد، كان دفترك ده خلص وأخذت واحد تاني وتالت ورابع، الناس لما أبونا بيخش عندهم البيت، خصوصًا لما يكون جديد بيفرحوا بيه وبيحبوا يجاملوه، وبيدفعوا عشور وعطايا كتيرة، لكن قدسك دفترك فاضي، قصدي فيه الخمسين جنيه اللي معرفتش تتملص منها! ! تجاهل أبونا بطرس لهجة السخرية وهو يقول: - حقيقي الناس محبتها كبيرة للكنيسة، وفي أسر كثيرة معطاءة، بس أنا كنت برفض أخذ حاجة في إيدي، وكنت بقولهم يروحوا الكنيسة و يحطوا في صناديق العطا، كان في ناس بتلح بكل محبة وإصرار، لكن أنا اللي كنت برفض. - وبترفض ليه يا أبونا؟! - عشان بعد ما أنزل، الناس متقولش لبعضها إن أبونا جه يزورهم عشان يأخد زيارته، أنا اللي أبوهم، والأب هو اللي يدي أولاده مش ياخد منهم. - إيه الكلام الفارغ ده، وهما هيدوا قدسك، دول بيدوها للكنيسة من خلالك. - يبقى ساعتها يروحوا الكنيسة ويحطوا في صناديق العطا، أنا كاهن، مش مندوب تحصيل ولا موظف ديليڤري أسرار، أنا مش دفتر تبرعات يا سيدنا! - أمال أشمعني أخذت الـ 50 جنيه اللي قدسك كاتبهم في الإيصال اليتيم اللي طلعته من دفترك ده؟ - كانت ست غلبانه لسه واخدة البركة الشهرية بتاعة بيتها من الكنيسة، وصممت تدفع عشورها، ولما قلت لها تخليهم معاها، رفضت وبكت وافتكرت إني مستقلّهم وإننا مش بناخد غير تبرعات كبيرة، وأنا من أجل محبتها وعدم عثرتها خدتهم منها وأديتها الإيصال. - صدقني يا أبونا قدسك بالكلام ده بتعثرني أنا شخصيًا، تفكيرك وتصرفاتك كلها غلط، فاكر نفسك اللي صح وبأفعالك ديه هيّ اللي هتجيب العثرة لأخواتك الكهنة وللكنيسة، الكنيسة من أيام الرسل كانت قائمة على عطايا الناس. - بس الناس اللي كانت بتروح تبيع أملاكها وتروح لحد التلاميذ وتحط عطاياهم عند أقدامهم، مش العكس، أنا كنت بقول للناس يعملوا كده، اللي معاه عطايا وربنا ألهب روحه بالمحبة يروح الكنيسة ويحط في صناديقها، إيه اللي يخليني أتحط في فكر واحد من الشعب و هو بيقول أنا أديت أبونا تبرع قد كده، هو هياخد منهم قد كده، والمطرانية هتاخد قد كده واللي هيتفضل قد كده. - مش بقولك إنك أنت اللي عندك مشكلة، وحاسس بالأفضلية وإن اللي بتعمله هوّ الصّح و الباقيين كلهم أشرار. - مقولتش كده! - مش لازم تقول كده، لكن أفعالك ديه هتحطك في وضع مقارنة بينك وبين باقي الآباء، والناس تفتكر إن اللي بتعمله صح، مع إن قدسك أنت اللي غلط، من ضمن مهام الأب الكاهن تدبير احتياجات كنيسته وشعب كنيسته وفقراء كنيسته، ولما تضيّع فرصة على أسرة فقيرة إنهم يلاقوا غطا من برد الشتاء أو لقمة طرية يتعشوا بيها عشان مثالية كاذبة يبقى قدسك غلطان، ثم تعال هنا، الشعب بيشتكي من قدسك، عظاتك طويلة وصعبة ومملة. - مين اللي اشتكى؟! - مش مهم مين، ناس كثيرة وخلاص. - مفيش حد زعلان من عظاتي غير أبونا أنجيلوس. - طلع أبونا أنجيلوس من دماغك. - صدقني يا سيدنا يا ريت هو اللي يطلعني من دماغه، عمومًا أنا معنديش نص مواهبه، كاهن صوته حلو وحافظ ألحان ويعيّط في القداس وعنده مواهب كتيير، أنا غلبان مبعرفش غير إني أقرأ وأحضّر وأوعظ، ولو نيافتك شايف إن عظاتي مملة وصعبة وملهاش قيمة، ممكن استأذن نيافتك اشترك في كورسات متخصصة، ده حتى نفسي أعمل كده، أو اشترك في أي مركز أو معهد من المعاهد و المراكز الدينية المتخصصة. - مفيش الكلام ده، أصلا أنت هتتعلم إيه ولا هتقول إيه ولا إيه، المكان أصلا اللي فيه تعليم، كله كلام فاضي، عاوز تتعلم عندك الكتب، أو استنى اللقاء الشهري هبقى أدي فيه محاضرة لاهوتية مهمة، بس المهم تعرف تفهمها، إنما كلية أو معهد ديني أو مركز من المراكز المتخصصة، يعني أيام تضيع و سط المحاضرات والامتحانات، والافتقاد يقل ودفتر تبرعاتك يفضل فاضي! - يا سيدنا أنا مش دفتر تبرعات، أنا إنسان! تجاهل الأسقف تعليق أبونا بطرس الذي قاله بصوت منخفض هامسًا وتظاهر أنه لم يسمع ما قاله أبونا بطرس ونظر لأبونا قائلًا: - وإيه بقى إن شاء الله موضوع أم كيرلس ده؟! ! هو قدسك بتكسر تعليماتي وبتتصرف من دماغك وعاوز تعمل نظام لوحدك لإخوة الرب في الإيبارشية، ولا كأن فيه كبير نسمع كلامه؟! تفاجأ أبونا بطرس من معرفة الأسقف لموضوع أم كيرلس، ولم يكن يتوقع إطلاقًا معرفة الأسقف لهذا الموضوع وتلعثم في الكلام وكان ما يشغله كيف عرف الأسقف هذا الأمر. . يتبع. . --- ### إسرائيل.. هل لها الحق في الأرض؟ - Published: ۲۰۲٤-۰۱-۱۹ - Modified: 2024-01-19 - URL: https://tabcm.net/17375/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: بنتاتوخ, توراة, جمال حمدان, جيولوجي, مملكة إسرائيل, مملكة يهوذا لا يغيب عن الذهن أن مقاصد الله لا تعود إلى الوراء بل يتواصل امتدادها إلى المستقبل وتحقيق المزيد   أولا : إسرائيل وسط الأمم تاريخيًا وجغرافيًا يتعذر حصر أصل إسرائيل وهذا شأن معظم الشعوب، فقبل دخول إسرائيل التاريخ حوالي سنة 1200 قبل الميلاد توجد حقبة تكوين طويلة (ثمانية أو تسعة قرون) تكاد تخفى عن المؤرخين، أما أجداد بنو إسرائيل فهم من شبه البدو الساميين من رعاة الغنم يتنقلون طوال الألف سنة قبل المسيح على حدود الهلال الخصيب واستطاعوا في بعض الأحيان أن يتحكموا في منطقة يقيم فيها الأموريون والأراميون في سوريا ق 13 ق. م. • كان الهلال الخصيب على مر القرون مكان هجرة شعوب كثيرة من مختلف الأصول والثقافات والديانات وكانوا دولًا صغيرة أصل سكانها كأصل بني إسرائيل (أدوم-موآب عمون -فينيفون) كانت النزاعات مع هذه البلدان مستمرة. • اختلط يهود بنو إسرائيل في فلسطين بجماعات أخرى (يبوسيون- حثيون- جرزيون- حويون... الخ) فهم مجرد جماعة من الجماعات التي وجدت على أرض فلسطين في زمن ما، إلا أن ذكر اليهود وإسرائيل في الكتب السماوية هو ما أعطاهم شهرة عن بقية العرقيات. اليهود بدأوا رحلا في عصر التوراة وظلوا رحل في عالم الشتات ولهذا عاشوا في أماكن مسورة داخل مدن الشتات (سبب تحوصل اليهود)، يمكن القول إن نشأة الشعب جاءت على الأرجح حوالي 1250ق. م، حين استطاعت بعض المجموعات السامية المقيمة في مصر الهرب من عبودية المصريين بقيادة موسى فجمعها حول جبل سيناء. وهم في الأصل كانوا جماعة قليلة من أولاد يعقوب هاجروا إلى مصر بسبب المجاعة ولم يعودا إلى أرضهم لحوالي 400 عام ويتساءل ديفيد باوسون عن سبب عدم رجوعهم بعد انتهاء المجاعة فيرى أنهم استعذبوا الإقامة هناك حتى أنهم بكوا على الخيرات الموجودة في مصر عندما أخرجهم موسى. • الجماعة التي تمثل يهود فلسطين أيام يسوع هم السامريون، التي ظلت في فلسطين إلى يومنا هذا وفي ذلك الوقت كانت الأسباط العشرة قد اختفت تمامًا. • ليس بالعالم اليوم مجتمع يهودي واحد أفلت من الاختلاط البيولوجي مع غيره من المجتمعات اليهودية من أولى مراحل نشأته. ثانيا: كيف وجد اليهود فلسطين؟ يقول جمال حمدان إن قضية النقاوة الجنسية محورية للعودة بالنسبة لليهود، بدونها لا يثبت حق لليهود في أرض فلسطين ومن هنا تأتي أهمية تتبع الأصل واستمرار نقاوته، أول من سكن فلسطين هم الكنعانيون وتذكر التوراة أبناء كنعان بن حام بن نوح وهم واستقروا فيها وأقاموا بها حضارة راقية. ومعنى أرض كنعان= الأرض المنخفضة. رحل جزء من الكنعانيين إلى ساحل لبنان وعُرفوا بالفينيقيين. • وُجدت قبائل أخرى سامية إلى جانب الكنعانيين في فلسطين: عموريون في الشمال- أدوم وعمون وموآب على تخوم كنعان وحول جنوب البحر الميت خارج فلسطين: آرام وسوريا. • الفلسطينيون: فلسطيا أحدث عهدا من العبرانيين وهم شعوب البحر أتوا من العالم الإيجي حوالي سنة 1200 ق. م على ساحل أرض كنعان أيام حرب طروادة. • بعد 150 سنة في القرن الـ17 ق. م من هجرة إبراهيم، هاجر يعقوب وأولاده إلى مصر واستقروا فيها حوالي 350 سنة حتى الخروج. • ويعلق القس ديفيد باسون متسائلًا لماذا لم يعودوا إلى بلادهم مع أنه كان بإمكانهم العودة؟ ويجيب قائلًا إن الإقامة في مصر أعجبتهم. • أما عدد الذين خرجوا من مصر مع موسى فهم حوالي 600 ألف. • ذهب يشوع إلى نهر الأردن وانتزع بعضًا من أرض كنعان في الداخل لكن ليس يبوس وساحل فلسطين، عام 1000 ق. م. وحّد داود الأسباط الإثنى عشر بعد أن هزم اليبوسيين الفلسطينيين وأسس مملكة إسرائيل من دان إلى بئر سبع لكن دولتهم لم تصل إلى الساحل إلا بالكاد ما انشطرت بعد سليمان: • مملكة إسرائيل عشرة أسباط في السامرة. • مملكة يهوذا في الجنوب في هضبة يهودية (حدود هاتين الدولتين تتفق مع رقعة الضفة الغربية في الأردن فقط). والسؤال المهم: هل حافظ اليهود على نقاوة العرق في الشتات؟ بالتالي يكونون النسل المباشر لبني إسرائيل التوراة كمجموعة جنسية واحدة وقومية تاريخية واحدة مثلما هم طائفة دينية ( وأن كانت ليست واحدة). ثالثًا: (اليهود) كان مجرد اسم شخص، ولم يذكر في التوراة كجماعة إلا في أيام رصين ملك آرام (سفر الملوك الثاني) فلقب ( يهود- يهودي ) لم يُذكر في العهد القديم إلا بعد أن تعرض (الشعب) للأسر وهجوم الممالك التي حوله، "فشعب الله" هو اللقب الذي يُطلق على إسرائيل في العهد القديم، وبعد التعرض للأسر والتهجير اختلط اليهود (سبطا بنيامين ويهوذا) بالأمميين بالزواج. ومن هنا جاء اسم اليهود- من سبط يهوذا، بينما العشر الأسباط الباقية مفقودة أما بداية تاريخ المملكة كالتالي: - ما بين العام 1000: 556 ق. م أقام داود المملكة ثم بنى سليمان الهيكل ثم قام الأنبياء في الحال. - عام 930 ق. م انقسمت المملكة إلى شمالية وجنوبية. - المملكة الشمالية 722 ق. م. - المملكة الجنوبية 586 ق. م  بفارق 200 سنة. - وتعرضت المملكتان بعد الانقسام إلى السقوط في أيدي الغازين • ولكي يستقر العبرانيون في أرض كنعان كان عليهم أن يحاربوا الكنعانيين، لكنهم سيطروا على التلال والأراضي الفقيرة الداخلية، أما السهول فظلت في أيدي الكنعانيين. • تعرضت إسرائيل ويهوذا إلى مطارق مصر وأشور حتى قضت أشور على المملكة الشمالية القرن الـ8 ق. م. • وقضى نبؤخذ نصر على المملكة الجنوبية القرن الـ6 ق. م. • زالت دولة اليهود في فلسطين بعد حياة طولها أربعة قرون. اختفي اسم اسرائيل وسُمي هذا الشعب باليهود نتيجة زوال الأسباط العشرة، ومن كانوا منهم موجودًا أيام يسوع هم من سبط يهوذا وبنيامين فقط. • يقول هانز كونج إن: بين النهرين- بابل- أشور- كلدان، اختفوا في القرن الـ7 ق. م. من الجدير بالذكر أن هرتزل لم يفكر بالمرة في فلسطين لإقامة وطن لليهود، فقد كان يريد مكانا في إفريقيا حيث كان تجمع كبير لليهود في أوغندا مثلًا، لكن حكومات الدول الإفريقية لم توافق، ثم فكر في أمريكا الجنوبية ولم يحصل على موافقة، وقيل أيضًا فكر في روسيا فلم يلق موافقة. • فلسطين كان اقتراح الإنجليز باعتبارهم مستعمري أرض فلسطين ومن هنا جاءت عبارة من لا يملك لمن لا يستحق. رابعًا :اليهود في السبي: الشتات الأشوري والشتات البابلي • الأرقام الأشوريّة، نعرف أن عدد المسبيّين هو 27280 شخصًا. ولكنّنا لا نعرف شيئًا عن مصيرهم. لا شكّ في أنّهم اندمجوا بالسكان هناك، وامتصّهم المحيطُ الذي أقاموا فيه. • ازدهرت بعض العائلات المنفيّة واندمجت بالمجتمع. لهذا بدا من الصعب على فئة من المنفيّين أن يعودوا إلى البلاد بعد أن نظّموا حياتهم. ولولا كرازة حجي وزكريا لما عاد أحد من هؤلاء. • تعرضت إسرائيل ويهوذا إلى مطارق مصر وأشور حتى قضت أشور على المملكة الشمالية القرن الـ8 ق. م وقضى نبؤخذ نصر على المملكة الجنوبية القرن الـ6 ق. م. • زالت دولة اليهود في فلسطين بعد حياة طولها أربعة قرون، لم تستقر فيها المملكة سوى فترة حكم داود وسرعان ما انقسمت وبدأ التشتت بعد حكم سليمان ويقول هانز كونج إن (مناطق بين النهرين -بابل- اشور -كلدان) اختفت في القرن  الـ7 ق. م. • عندما سمح الفرس لليهود بالعودة إلى أورشليم بعد نصف قرن من الأسر البابلي عادت قلة ضئيلة حوالي (50 ألف) ولم يجدوا ترحيبًا لأن الأرض يحتلها أسرى سرجون الذين استوطنوا بها. وسكن العائدون المنطقة الجنوبية. •أما اليهود المقيمون فلم يرحبوا بهم وحاول النبي ملاخي التوفيق بين ثقافة وروحانية كلًا من المقيمين والعائدين (سفر ملاخي في العهد القديم). • العشر الأسباط فقدت تمامًا. • سبطا بنيامين ويهوذا اختلطا بالأمميين بالزواج. ومن هنا جاء اسم اليهود من سبط يهوذا. الشتات الهلنستي بعد قرنين من السيادة الفارسية قامت الثورة المكابية ضد الحكم الهلنستي. في القرن الـ12 منعت روسيا دخولهم وحددت وجودهم في مناطق للموجودين لا يقيمون خارجها. حرم الرومان على اليهود دخول القدس نهائيًا وطردوهم من فلسطين وتوزعوا إلى كل أجزاء الشتات الحديث. اليهودي التائه هم يمثلون الحلقة الرابعة في العصور الحديثة ، وأضخم تجمع يهودي في الولايات المتحدة الأمريكية ثم أمريكا الجنوبية في البرازيل والأرجنتين: وهم عادة سكان مدن يعملون بالتجارة والأعمال الحرة والمصرفية ، فلا يوجد مجتمع يهودي زراعي ولا صناعي. توزيع اليهود العالمي الآن: يقول جمال حمدان: هم رشاش ماء متطاير في معظمه، يتحول أحيانًا إلى تراب رمزي بحت ورغم أنهم يمثلون نويات سديمية صغيرة إلا أن وجودهم خطر (أقلية خطرة لأنهم سكان المدن ولهم سيطرة مادية سياسية وتضخم بالشعور بالذات يفاقم من شدة التعصب ضدهم، اليهود مثل الصينيين الحاليين أنهم جاليات تاجرة خارج الصين ولذلك يطلق على الصينيين يهود شرق أسيا. بقي إيضاح أن القانون الدولي ينص على أن تركْ شعبٍ لوطنه آلافًا سحيقة من السنين يحرمه من كل حق في المطالبة بالعودة إليه. (جمال حمدان، اليهود) خامسا: الأدلة الكتابية واللاهوتية الرجاء في العودة إلى أرض إسرائيل حسب مفهوم اليهود لنبوات العهد القديم (من سفر التثنية وسفر حزقيال والهيكل المستقبلي كمثالين). • هل المقصود من قول الرب للشعب "الأرض التي أعطاكم الرب إياها" سبع مرات في سفر التثنية أن الأرض ملكية مطلقة للشعب؟ • وهل المقصود من رؤيا حزقيال للهيكل أن تكون وصفًا حرفيًا سيتحقق في مجيء حرفي خاصة فيما يتردد في الأوساط المسيحية في أمريكا الشمالية؟ • وفي النهاية هل ينبغي على المؤمنين أن يتوقعوا عودة دولة إسرائيلية في نهاية الزمان، مقسَّمة إلى مناطق سبطية، مع إعادة بناء الهيكل الحجري في أورشليم وفقًا لأبعاد النبي؟ تقرر المراجع بدايةً أن قضية العودة سياسية في المقام الأول وأن المواقف السياسية تجاه دولة إسرائيل الحديثة ترتبط بسؤال لاهوتي يبرر العودة، وبالتالي كثيرون فهموا ما جاء في سفر التثنية ونبوءة حزقيال على أنها تتكلم عن هيكل أرضي واستعادة جغرافية وسياسية حرفية، إلا أن رؤيا حزقيال للهيكل لم يكن المقصود منها أن تتحقَّق حرفيًا على سبيل المثال: بخصوص التثنية: الأرض هبة غير مستحقة فمن يملكها هو الله وهذا ما قاله الرسول بولس أيضًا ، فعندما يقول الرب للشعب "امتلكوا الأرض" (فالملكية) هنا غير مشروطة وهي معطاة للأبد ، لكن " السكنى" مشروطة بحفظ وصايا الرب والعيش بضمير. الأرض كانت مليئة بالأعراق وجاءت كل من فلسطين وإسرائيل إلى الأرض في وقت واحد عاموس 12، وسكن الفلسطينيون غزة وعاشت إسرائيل 400 سنة في الأرض وللأسف لم تحافظ على الوصية في أغلب مراحل وجودها في الأرض وسرعان ما انقسمت المملكة التي أسسها داود وخلفه ابنه سليمان إلى حدث الانقسام على يد أولاده مباشرة إلى أن سقطت أورشليم عام 580 ق. م. أن تم سبيهم وتشتتهم وفناء العشرة أسباط. يعلق ديفيد باوسون على هذه الأحداث قائلًا: هنا يظهر الفارق بين "سكنى" شعب الله لأرض الله بناءعلى الحفاظ على العهد والعيش حسب وصاياه، و"الاستيطان"، و"إقامة دولة" حسب ما تفعله إسرائيل اليوم، فمطالبها غير شرعية بناءً على انتفاء طلب السكنى لإقامة العهد والعيش بالوصايا وهي التي يصرح أحد رؤساءها علنًا بأنه ملحد. فالله لم يعط أرضًا للاستيطان وإقامة دولة. أما عن نبوءة حزقيال بشأن الهيكل: تتكلم النبوءة عن هيكل أكبر من أن يتناسب مع موقع جبل الهيكل في أورشليم. علاوة على ذلك، أبعاد الهيكل كبيرة جدًا ، وهي توازي مساحة 13 كاتدرائية. موقع الهيكل الجديد يقع في المركز الجغرافي لأرض إسرائيل (حزقيال 48: 1-29)، مما يجعله أقرب إلى السامرة وسبط أفرايم، وليس بالقرب منها ويتنبأ النبي بشيء خارق للطبيعة أكثر من مجرد استعادة مدينة أورشليم الأرضية. تحديد مكان الهيكل كما يدعيه اليهود اليوم بتحديد مكان معلوم ومواصفات محددة معلومة غير صحيحة إذ كانت هناك هياكل متعددة. -هناك سمات خارقة للطبيعة للهيكل الجديد فليس به قدس أقداس ولا قدس ولا خبز وجوه - لا يوجد مذبح ولا ذبائح ولا كهنة ولا رئيس كهنة ، فعندما عاد الشعب وأعادوا بناء الهيكل كان يوجد رئيس كهنة حتى أيام يسوع، حسب النبوءة لا يوجد كهانة بل ملك. - تقسيم الأسباط الذي شملته النبوءة مختلف، الأعياد كلها اختفت عدا الخمسين. - نهر الحياة الذي يتدفّق من الهيكل في نبوءة حزقيال يزداد عمقًا باستمرار وهو ما يخالف جيولوجيا الأرض المقدسة وهيدرولوجيتها ، إذ لا يمكن أن تسمح أبداً لنهر طبيعي أن يتدفَّق من أعلى جبل الهيكل ويصب في البحر الميت. - ومن المعروف أن هذا الهيكل لم يتم بناؤه مطلقًا. تشير هذه العوامل مجتمعةً إلى أن هيكل حزقيال يهدف إلى تمثيل معجزي وأخروي، وليس مجرد مبنى حجري طبيعي. ولكن، في زمن حزقيال، لم يكن واضحًا على الإطلاق كيف سيتحقق هذا الرجاء الأخير في التاريخ. ما كان واضحًا هو أن طقوس هذا الهيكل الجديد ستكون جديدة حقًا، دون قيود القديم. تأثير حزقيال في العهد الجديد إنجيل يوحنا وسفر الرؤيا يتأثران بشدة بسفر حزقيال. على سبيل المثال، في إنجيل يوحنا، في خضم عيد المظال، الذي تضمن طقوسًا تتوقع أن يكون الهيكل الأخروي مصدر المياه لجميع إسرائيل، يعرّف يسوع نفسه على أنه مصدر المياه الأخروية من خلال إعادة صياغة حزقيال 47 وإعلانه: "تجري من بطنه أنهار ماء حي" (إنجيل يوحنا 7: 37-38). يرى الإنجيلي الرابع بوضوح علامة نهر الماء المتدفق من الهيكل الجديد عندما يقطع الإنجيل ليصف تدفق الماء والدم من جنب المسيح على الصليب (يوحنا 19: 34). وعلى نفس المنوال، ينتهي سفر الرؤيا، مثل حزقيال الذي قبله، برؤيا ملاك يقيس أورشليم الجديدة و"الهيكل" الجديد (رؤيا يوحنا 21-22). وفي ذروة هذه الرؤيا، يصف يوحنا نهرًا من "ماء الحياة" يتدفَّق من "عرش الله والحمل" في مدينة أورشليم السماوية، وهي أيضًا عروس المسيح (رؤيا يوحنا 21: 1-2؛ 22: 1). كما توضح هذه التفسيرات لحزقيال، فإن الكنيسة لا تتوقع إعادة بناء الهيكل الحجري في أورشليم، مع استكمال الذبائح الحيوانية الموصوفة. أعطى الله لحزقيال ومعاصريه رؤى لهيكل وطقوس مستقبلية تستخدم لغة معمارية وطقوسية وجغرافية يمكنهم فهمها. لكن التفاوت بين خصوصيات رؤيا حزقيال وتحقيقها في المسيح والكنيسة لا يرجع إلى أن إتمامها فشل في تحقيق الرؤيا، بل لأنه تجاوز تحقيق الرؤيا؛ أي أنه يفوق جميع الفئات الأقدم في تجاوز التوقعات. إن مقدس جسد المسيح أكبر بكثير، ويمكن الوصول إليه بسهولة، وأكثر "مركزية" بالنسبة لشعب الله؛ فذبيحة جسد ودم الملك الداودي الجديد تتفوق حتى الآن على تقدمات الذبائح؛ إن نهر الماء الحي، الذي هو الروح القدس المنقول من خلال الأسرار، يفوق بكثير نهرًا جغرافيًا يصب في البحر الميت، حتى إن التدبير الجديد الذي افتتحه الله يتجاوز الوعود التي قطعها للنبي. لا يغيب عن الذهن أن مقاصد الله لا تعود إلى الوراء بل يتواصل امتدادها إلى المستقبل وتحقيق المزيد. بمعنى أن الله ليس في حاجة إلى أن يستعيد ما حصل مع شعب إسرائيل حرفيا بل إن رؤيته أوسع وأشمل من مجرد شعب خاصة وأنه يتضح تمامًا أن مهمة إسرائيل في العهد القديم كانت محددة للغاية وهي شهادة للخالق ومقاصده وسط الشعوب ، وليس امتيازًا لشعب على بقية الشعوب. هذا الحق جاء أكثر من مرة في العهد القديم بأساليب متعددة خاصة قول الله لهم بوضوح "لستم أفضل من بقية الشعوب". المراجع: جمال حمدان، اليهود، الهيئة المصرية العامة للكتاب،1998 Hans Kung, JUDAISM, SCM PRESS, 1992 David Pawson, Unlocking the bible (ON LINE) الموسوعة المسيحية الالكترونية الكتاب المقدس، الرهبانية اليسوعية 1989   --- ### [٩] أسفار التأريخ التثنوي - Published: ۲۰۲٤-۰۱-۱۸ - Modified: 2024-07-14 - URL: https://tabcm.net/15534/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, كتاب مقدس - وسوم: أسفار التأريخ التثنوي, أسفار موسى, إبراهيم أبو الأنبياء, التقليد الإيلوهي [E], التقليد التثنوي [D], التقليد اليهوي [J] / [Y], السبي البابلي, بنتاتوخ, تابوت العهد, تناخ, توراة, جدليا ابن أخيقام, حلقيا الكاهن, داود النبي والملك, سليمان الحكيم, كتوبيم, مارتن نوث, ملك حزقيا, ملك صدقيا, ملك منسى, ملك يوشيا, مملكة إسرائيل, مملكة يهوذا, نبي إشعياء, نبي موسى, نبييم, نحميا الكاهن, نوح ابن لامك, هيكل سليمان, يهوه يبدأ التأريخ التثنوي من الأيام الأخيرة للنبي موسى وصولًا لانهيار مملكة يهوذا، يحكي لنا تاريخ حكام وملوك وحروب، لكن من وجهة نظر دينية ولاهوتية، فالمؤرّخ يقوم بعملية تقييم أخلاقي وديني لشخصيات الملوك، وذلك بناء على تمسّكهم بعهد ما، بين يهوَه وشعبه ، وهو ما يظهر بوضوح في سفر الملوك. لكن، ما هو هذا العهد؟ يقسّم اليهود كُتب التناخ كالتالي: - التوراة Torah - الأنبياء Neviim نبيّيم - الكتابات Ketuvim كتوبيم التوراة: تشمل ما صار يُعرف باسم بنتاتوخ، وهم: التكوين - الخروج - الأحبار - العدد - تثنية الاشتراع. الأنبياء: يتم تقسيم كتبها لثلاث مجموعات: الأنبياء المبكّرين - الأنبياء اللاحقين - الأنبياء الإثني عشر. الكتابات: يتم تقسيمها لثلاث مجموعات: الكتابات الشِعريّة - اللفائف الخمس - كتابات أخرى. م المجلد المجموعة السفر 1 2 3 4 5 بنتاتوخالتوراةTorah سفر التكوين سفر الخروج سفر الأحبار سفر العدد سفر تثنية الاشتراع 6 7 8، 9 10، 11 نبييمالأنبياءNeviim الأنبياء المبكّرين سفر يشوع سفر القضاة سفريّ صموئيل سفريّ الملوك 12 13 14 نبييمالأنبياءNeviim الأنبياء اللاحقين سفر إشعياء سفر إرمياء سفر حزقيّال 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 نبييمالأنبياءNeviim الأنبياء الإثني عشر سفر هوشع سفر يوئيل سفر عاموس سفر عوبيديا سفر يونان سفر ميخا سفر نحوم سفر حبقوق سفر صفنيا سفر حجّاي سفر زكريا سفر ملاخي 27 28 29 كتوبيمالكتاباتKetuvim الكتابات الشِعريّة سفر المزامير سفر أمثال سليمان بن داود سفر أيوب 30 31 32 33 34 كتوبيمالكتاباتKetuvim اللفائف الخمس سفر نشيد الأناشيد سفر راعوث سفر المراثي سفر الجامعة سفر إستير 35 36 37 38، 39 كتوبيمالكتاباتKetuvim كتابات أخرى سفر دانيال سفر عزرا سفر نحميا سفريّ أخبار الأيام 39 تناخ العهد القديم أسفار الكتاب المقدّس العبري الجدول السابق، يوضح تقسيم أسفار التناخ، أو الكتاب المقدّس العبري، وما يهمنا من هذا التقسيم هي كتابات الأنبياء المُبكرين ، هؤلاء الأربع كُتب بالإضافة لسفر تثنية الاشتراع، يسمّون مجتمعين: Deuteronomistic History ، وأول من أطلق عليهم هذه التسمية كان الباحث الألماني مارتن نوث. لاحظ نوث وجود وحدة ما بين السبع كُتب ، حيث يسردون سويًا تاريخ متسلسل من زمن موسى إلى زمن انهيار مملكة يهوذا. المرجّح أن الكتب لم تكتب بواسطة كاتب واحد، ولم تكتب على مرحلة واحدة. هذا يعني أن سفر يشوع بعدما كتبه يشوع، جاء أخر وقام بتحرير النص وتعديله، ونفس الأمر يمكن أن يقال على أسفار القضاة وصموئيل وصولًا لسفر الملوك. والشخص الذي قام بالتعديل النهائي على كل الكتب السبعة هو شخص واحد. وعلى هذا، فالإجابة عن ماهيّة شخصية كاتب التقليد التثنوي ستجيب أيضًا على المُحرر الأخير الذي أنهى إنتاج وتعديل كل من الست كتب التي تلته. عندما أعتلى الملك يوشيا عرش مملكة يهوذا وبدأ تطهيره الديني، وتحديدًا عندما أكمل 18 عاما، كان هناك حدثٌ بالغ الأهمية والتأثير على مسألة التطهير الديني، ألا وهو اكتشاف سفر الشريعة، بواسطة حلقيا، رئيس الكهنة، الذي وجده مدفونًا في معبد أورشليم. والذي بحسب كثير من أباء الكنيسة، والرابيين اليهود، وبشكلٍ غير مُختلف عليه من الباحثين أيضًا بل يؤكدنه، فسفر الشريعة المقصود هو ما نعرفه الآن باسم: سفر تثنية الاشتراع. يبدأ التأريخ التثنوي من الأيام الأخيرة للنبي موسى وصولًا لانهيار مملكة يهوذا، يحكي لنا تاريخ حكام وملوك وحروب، لكن من وجهة نظر دينية ولاهوتية، فالمؤرّخ يقوم بعملية تقييم أخلاقي وديني لشخصيات الملوك، وذلك بناء على تمسّكهم بعهد ما، بين يهوَه وشعبه ، وهو ما يظهر بوضوح في سفر الملوك. لكن، ما هو هذا العهد؟ في التقليد اليهوَي، هناك بعض القصص عن عهود ما بين يهوَه والآباء الأوّلين مثل نوح أو إبراهيم. أيضا في التقليدين: اليهوَي والإيلوهي، هناك عهدًا ما بين يهوَه وموسى. أما في التأريخ التثنوي فيظهر عهدٍ ما بين يهوَه وداود، وهو عهد غير مشروط بأن يظلّ بيت داود حاكمًا على المملكة للأبد: هكذا قال رب الجنود: أنا أخذتك من المربض من وراء الغنم لتكون رئيسًا على شعبي إسرائيل. وكنت معك حيثما توجهت، وقرضت جميع أعدائك من أمامك، وعملت لك اسمًا عظيمًا كاسم العظماء الذين في الأرض. وعينت مكانًا لشعبي إسرائيل وغرسته، فسكن في مكانه، ولا يضطرب بعد، ولا يعود بنو الإثم يُذِلّونه كما كان قبلًا متى كملت أيامك واضطجعت مع آبائك، أقيم بعدك نسلك الذي يخرج من أحشائك وأثبت مملكته.   هو يبني بيتا لاسمي، وأنا أثبت كرسي مملكته إلى الأبد. أنا أكون له أبا وهو يكون لي ابنا. وإن تعوج أؤدبه بقضيب الناس وبضربات بني آدم. ولكن رحمتي لا تُنزع عنه كما نزعتها من شاول الذي أزلته من أمامك. ويأمن بيتك ومملكتك إلى الأبد أمامك. كرسيك يكون ثابتا إلى الأبد». (صموئيل الثاني، الإصحاح 7) هذا إذن هو العهد الذي حدث ما بين يهوَه وداود: أن العائلة الملكية لداود ستظل موجودة في حكم مملكة إسرائيل للأبد، عهد غير مشروط بسبب أن داود كان إنسانًا بارًا وكانت هذه مكافأة يهوَه له، وإن أحد من نسله أخطأ، سيتم تأديبه بضربات البشر ، لكن سيظل دائمًا حاكم المملكة من نسل داود. عندما انقسمت المملكتان، كان التبرير أن مملكة يهوذا يحكمها ملكٌ من نسل داود نتيجة هذا العهد، ولكونه لم يكن بارًا فالمملكة كانت منقسمة، لكن لابد أن يظل شخص من نسل داود في المُلك (ملوك أوّل 11: 34). السؤال هنا: إن كان التأريخ التثنوي يحكي التاريخ من أواخر أيام موسى وإلى انهيار مملكة يهوذا والسبي البابلي، أي أنّه عايش انهيار مملكة يهوذا وما حدث لصدقيا وذبح أبناءه، وخروج الدم الملكي عن نسل داود وتعيين جدليا. فلماذا يحكي المؤرخ عن عهد أبدي غير مشروط، بين يهوَه وداود، بهذا الشكل إن عاين انهيار مملكة يهوذا فعلًا، أو كتب أحداثٍ تالية بعد الانهيار؟ الإجابة هي أن التأريخ التثنوي تم إصداره وإنتاجه على مرحلتين: المرحلة الأولى: كانت في عصر الملك يوشيا، وهي مرحلة مليئة بالتفاؤل والأمل، ومن المنطقي وقتئذ أن يتم تأويل النجاح لوجود العهد الأبدي بهذا الشكل. في حين أن المرحلة الثانية: حدثت بعد انهيار المملكة، والتي لو أمسك أحدهم الكتاب بإصداره الأوّل المتفائل، ﻻعتبره كتاب ساذج يقدم رؤية غير واقعية، فحدث هنا التعديل الثاني بعد حدوث السبي البابلي، وهي المرحلة التي تم إضافة تاريخ الأربعة ملوك الذين جاؤوا بعد يوشيا ومكتوب تاريخهم في الصفحات الأخيرة من سفر الملوك الثاني، ثم بعد ذلك أتى الكاتب الأخير وأضاف بعض النصوص والصياغات على المتن في كتب التأريخ التثنوي لكي يمكن تبرير التغيّر الجذري الذي حدث وقت انهيار مملكة يهوذا. أحد الأدلة على وجود إصدارين لكتب التأريخ التثنوي، هي أن المؤرخ يتكلم عن أشياء تم تدميرها وقت السبي البابلي باعتبارها موجودة وقت زمن الكتابة. أشياء مثل قضبان تابوت العهد على سبيل المثال، كان يقول أنها موجودة في الهيكل تحت أجنحة الكاروبيم وهي هناك إلى هذا اليوم (ملوك أول 8: 8)، فلماذا يُكتب نصّ كهذا إﻻ إن كان قبل الانهيار للمملكة وتدمير أورشليم وحرق الهيكل؟ وحتى لو كان يعتمد على مصادر أقدم، فهو لم يكن لينقل هذا النص إن لم تكن المملكة واورشليم والقضبان موجودة في زمن نقله. إذن فهذا النصّ على الأقل كُتب أو نُقل قبل سقوط مملكة يهوذا. الإصدار الثاني من التأريخ التثنوي هو نفس الإصدار الأول تقريبًا، ﻻ يوجد سوى نصوص قليلة تم إضافتها في النهاية، وهي أشبه بالكتابة التفسيرية على هامش النص كي تبرر شرحًا أو تربط تأويلًا بالحدث الجديد. في الواقع الفرق بين زمن يوشيا الملك وانهيار مملكة يهوذا كله 22 سنة، وأسلوب الكتابة ليس مختلفًا بين الإصدارين، وعلى هذا، فصغر الفرق الزمني بين الإصدارين ووحدة الأسلوب بينهما ﻻ تدفعنا للاعتقاد بأن الإصدارين قد كُتبا بواسطة شخصين مُختلفين، ومن الأرجح أن كاتب الإصدار الأول من التأريخ التثنوي وقت الملك يوشيا، فد عاد لينقّح في كتاباته وتصوراته عندما انهارت مملكة يهوذا، فخرج ما نسميه الإصدار الثاني. سفر الملوك، في إصداره الأول على الأقل، كُتب لتتويج الملك يوشيا، فالملك يوشيا قد حكم لمدة 31 سنة، وسفر الملوك يحكي قصته في إصحاحين كاملين (22 و23)، بالرغم من أن هناك غيره من الملوك قد حكموا لفترة زمنية أكبر وفعلوا إنجازات اكثر، لكن سفر الملوك لم يطنب في مناقبهم مثلما فعل مع الملك يوشيا. على سيبل المثال فالملك منسَّى، الجد للملك يوشيا، قد حكم 55 سنة، لكن سيرته ﻻ تكمل إصحاحًا صحيحًا، ونفس الأمر يمكن أن يُقال عن الملك عزريا الذي ملك 52 سنة، والكلام عنه كان قليلًا أيضًا. بخلاف الملك حزقيا والحديث عنه باستفاضة، فلا يوجد سوى مُلك سليمان. أيضا هناك أمر بالغ الأهمية، هو وجود نبوءة في سفر الملوك تتحدث عن ميلاد يوشيا قبل ميلاده بثلاث قرون، وتُشير له بالاسم (ملوك أول 13: 2)، في حين ﻻ يوجد نبوءات أخرى في العهد القديم كله تُشير لشخصٍ سيُولد ومحددٌ اسمه، فقط هذه النبوءة، مما يُعد أحد الدلائل القوية على أن الكتاب قد كُتب تتويجًا لمُلك يوشيا الملك. هذا ليس كل شيء، أيضًا -كما ذكرنا- فالكاتب يقوم بتقييم المُلوك بُناء على تمسّكهم بالعهد الغامض مع يهوه، ، معظم الملوك كانوا أشرارًا، والملوك الخيّرين لم يكونوا على أفضل ما يكون، لم يُرسم أحدٌ بشكل مثاليّ بما فيهم النبي حزقيا، فسفر الملوك يؤرخ أن النبي إشعياء قد انتقده، أيضًا داود وسليمان قد أخطيا وخطاياهما مكتوبة، إﻻ الملك يوشيا، هو الوحيد الذي رُسم بشكل مثالي ﻻ نظير له بين ملوك يهوذا وإسرائيل. إذ يقول عنه: ولم يكن قبله ملك مثله، قد رجع إلى الرب بكل قلبه وكل نفسه وكل قوته حسب كل شريعة موسى، وبعده لم يقم مثله. (سفر الملوك الثاني، 23: 25) تلك كانت نهاية سفر الملوك في إصداره الأوّل، والنصوص التي ظهرت بعد ذلك كانت بعد السبي البابلي، وكان تبريرها أن خطايا الملك منسَّى كانت عظيمة جدًا، وهي اللي كانت السبب في دمار مملكة يهوذا. تم تسمية الإصدار الأول: Dtr1، والإصدار الثاني: Dtr2، ومن الممكن لنا أن نسميهم الإصدار التثنوي الأول، والإصدار التثنوي الثاني. --- ### سرطان النهر.. وإعفاء اللحية - Published: ۲۰۲٤-۰۱-۱۷ - Modified: 2025-02-02 - URL: https://tabcm.net/17282/ - تصنيفات: مقالات وآراء الاشتغال بالدين هو أحد أكثر حقول الجاذبية للزلنطحي الأريب، وهو الأمر الذي كان واضحًا جدا في اشمئزاز الرب يسوع من رجال الدين وتعنيفاته يقول مأثور القول المنسوب لابن خلدون: لا تعلموا أولاد السفلة، فإن تعلموا، لا تستوزروهم ولا تولوهم الإمامة. التفسير سيأتي لنا من حديث شريف آخر: إذا وُسد الأمر لغير أهله فانتظروا الساعة. الأمر واضح إذن، حين يتبوأ أولاد السفلة المشهد فالجحيم واقع لا محالة. "الزلنطحي" هو التوصيف المعاصر لأولاد السفلة، واصل هذه المفردة، التي أصنفها كمنحوتة عبقرية، مختلف عليه. فالبعض يردها إلى أصل عثماني، وتعني ذلك الشخص "الحلنجي" الذي لا يتورع عن فعل كل شيء وأيّ شيء، حتى يقفز درج الواقع، يترك وراءه أصله الوضيع ليستقبل المباهج. بينما البعض الآخر يعيدها لمفردة "آشورية" هي "سلنطح" وهي تسمية لسرطان النهر الذي يشرع قرونه عند الإحساس بالخطر. حين يتبوأ "الزلنطحي" السلطة والمكانة، فإنه لا يحيط نفسه إلا بالزلنطحية أمثاله (رائحتهم يسهل تمييزها)، فيما يسمونه بالإنجليزية "وين وين سيتيويشن"، فالزلنطحي الأكبر قادر على اعتصار وارتشاف ما يريده خلال أدواته من معاونيه الزلنطحية، والزلنطحي الصغير المعاون يشق طريقه بسهولة مقابل خدماته للزلنطحي الأكبر. الاشتغال بالدين هو أحد أكثر حقول الجاذبية للزلنطحي الأريب، وهو الأمر الذي كان واضحًا جدا في اشمئزاز الرب يسوع من رجال الدين وتعنيفاته التي لا تصدر إلا بحق أولاد السفلة، والذين أشرعوا قرونهم فور شعورهم بالخطر. إذا أخذنا المسيحية في بلاد تركب الحمير كمثال، سيكون زلنطحي الدين بروحين، فهو إمام وصاحب الحل والربط، وفي الوقت عينه هو وزير، له أحباء عند العسس والتموين والري والشباب والرياضة. سيكون مطلوبًا من الزلنطحي الذي ينوي اقتحام الحقل بعض المظاهر البسيطة؛ خنفة في الحديث، انحناء بسيط في أعلى عموده الفقري، ابتسامة بلهاء -سيغيرها لاحقٍا إن حالفه التوفيق- مع حشر بعض المفردات اللزجة في حديثه، الجودة في أداء الميطانيات أساسية، سيسلح نفسه بطبيعة الحال بحفظ الألحان واستعمال الدف، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم، فقد يلتقطه زلنطحي أكبر فيرسله إلى الدير تمهيدًا لأسقفته، أو يرسمه زلنطحي أقل نفوذًا من الأول أي قسًا. سيخبرنا السنكسار -في فائدة ربما تكون الوحيدة- عن سمات القديسين، ونستطيع أن نحاول أن نختار رجال الدين على نفس المنوال فنتجنب الوقوع بين براثن أولاد السفلة فالقديس يولد لأبوين تقيين ثريين اهتما بتربيته تربية مسيحية، لن تجد قديسًا سنكساريًا ولد لأب سكير مزواج مثلا، فهذا من طبائع الأمور، ونحن نعلم من سيرة الأنبا أنطونيوس أب جميع رهبان المسكونة وأساقفتها، إن ما حركه نحو القداسة هو أنه قد ذهب وباع كل ماله ووزع ثمنه على الفقراء. فلماذا لا تكون هذه هي قاعدة المسيحية الذهبية -في بلاد تركب الحمير أو حتى الأفيال- في اختيار الأساقفة، كشف موثق بما باعه نيافته قبل التوجه للرهبنة وإيصالات التبرع بما باعه، يكون هذا الكشف بمثابة أحد مسوغات تعيين الأسقف، فيقيم شعبه المستقبلي مدي جودة تربية أسقفهم المنتظر والمسافة التي تفصله عن أولاد السفلة الزلنطحية. سيعتقد هنا المسيحيون إنهم قد سيطروا على خطر استسقاف أولاد السفلة، ولكنهم واهمين، فأولاد السفلة أكثر منهم براعة وجعبتهم عامرة، وهم قادرون على خداع ثعالب البر والبحر. هنا ينبغي على المسيحيين الإقرار بأنهم يحتاجون خط دفاع آخر ضد اختراقهم، وإن أقروا، فسيلمع في أذهانهم على الفور الحل الذي أنتهجه الأقباط سابقًا فكان ناجحًا جدًا، حتى لو شابته بعض العواصف، وهو وجود مجلس علماني بسلطات واسعة، يعد على أولاد السفلة -إن وجدوا- أنفاسهم، ويتدخل لنزع أنيابهم إن احتاج الأمر، ولست متشائمًا حتي أفكر أن أولاد السفلة سيدفعون للترشح أولاد سفلة حليقي الذقون كما هو متوقع. --- ### التجريب - Published: ۲۰۲٤-۰۱-۱٦ - Modified: 2025-03-18 - URL: https://tabcm.net/16705/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: آرثر كولمان دانتو, أفيزر تاكر, كالوم چي. براون, ليوپولد ڤون رانكه ماذا لو قدّم عضوٌ برلمانيٌ مشروعًا يصف فيه منجمًا على عُمقِ خمسة عشر كيلو مترًا تحت سطح الأرض، وذكر في مشروعه أنّه بالرّغم من غياب الدّليل على وجود المنجم، إلّا أن غياب الدّليل ليس دليلًا على عدم وجود المنجم. فهل ستُخاطر الدّولة بمليارات الجُنيهات عملًا بأنّ غياب الدّليل ليس دليلًا على الغياب؟ جاءت ما بعد الحداثة -كما يُفهم من اسمها- بعد “الحداثة”، ولكنّها أبقت على بعض أعمدتها وأسقطت وأضافت أخرى. التّجريب هو أحد تِلك الأعمدة التي أبقت عليها ما بعد الحداثة، وهو رفض المَعرفة المُسبقة مُنعدمة الدّليل، وبالتّالي فما لا دليل عليه لا يُعدّ موجوداً. يرُد البعض هذا المَنطِق بعبارة “غياب الدّليل ليس دليلاً للغياب” ((Absence of evidence is not evidence of absence ))، فمثلًا غياب الدّليل على وجود حياة في الفضاء لا ينفي وجود حياة في الفضاء، بل فقط يُخبرنا بأن البحث عن حياة في الفضاء لم يُسفِر عن شيء حتى الآن. وبالرّغم من منطقيّة هذا الطَّرح إلّا أن استخدامه عادة ما ينطوي على مُغالطة منطقيّة، فعادة ما تُستخدم تِلك العبارة لإقحام ما لا دليل عليه في النظام المعرفي بحُجّة أن غياب الدّليل ليس دليلًا على عدم الوجود. تخيّل معي المثال التّالي: في محكمة تفحص جريمة قتل، احتّج المُحام على براءة مُوكِّله بأن القاتل هو فَضائيّ من المرّيخ، وطالب المحكمة بتبرئة مُوكِّله والقبض على المرّيخيّ. وحينما سأله القاضي عن دليله على وجود المرّيخيّ وعلى ارتكابه للجريمة، احتجّ المُحام بأن غياب الدّليل على وجود المرّيخيّ لا ينفي وجوده، وأن غياب دليل ارتكابه للجريمة لا ينفي كونهِ مُرتكب الجريمة. فهل في تِلك الحالة ينبغي أن يُسلِّم القاضي بحُجّة المحام فيُبرِّئ ساحة المُتّهم ويأمر بالبحث عن المرّيخيّ لمُحاسبته؟ المعرفة بناءٌ يُبنى من الأسفل للأعلى، أيّ يؤسس على ما يُثبت. ليس السّؤال عن الوجود حتّى يُحتَجّ بأن غياب الدّليل لا ينفي الوجود، بل السُّؤال هو “كيف نعرف”. في المثال السَّابق، سيُرفض طرح المُحام. إذ ليس من المنطقي أن يضع صاحب الادعاء حمل الإثبات على خصمه. المُحام هو من ادّعى وجود المرّيخيّ، وعلى المُحام أن يُثبت ادّعاءه، ولا مكان للاحتجاج بأن غياب الدّليل ليس دليلًا على الغياب، فالمطلوب ليس غياب النّفي بل دليلًا للإثبات . إليك مثالًا آخَر: ماذا لو قدّم عضوٌ برلمانيٌ مشروعًا يصف فيه منجمًا على عُمقِ خمسة عشر كيلو مترًا تحت سطح الأرض، وذكر في مشروعه أنّه بالرّغم من غياب الدّليل على وجود المنجم، إلّا أن غياب الدّليل ليس دليلًا على عدم وجود المنجم. فهل ستُخاطر الدّولة بمليارات الجُنيهات عملًا بأنّ غياب الدّليل ليس دليلًا على الغياب؟ تخيِّل معي كم الأفكار التي يُمكن أن نَحتج على وجودها إن اكتفينا بالقول السّابق “غياب الدّليل . . ”. وعليه، “غياب دليل النّفي ليس دليلًا على الوجود”، وعلى من يحتجّ بشيء أن يُثبت وجوده أوّلاً من دون أن يُطالب الخصِم بجديّة التّعاطي مع احتمالية الوجود فقط لغياب النّفي. وصف المؤرّخ الحداثي Leopold von Ranke (ليوبولد فون رانكه) طبيعة عمل المؤرّخ كصراع مع الوثائق: ((Callum G. Brown, Postmodernism for historians. Routledge, 2013, p. 18 )) التّجريب: هو فحص صِحّة المصادِر الأولى من حيث أصالتها لكاتبيها والاتساق الدّاخلي، مُقارنة الرّوايات ومُراجعة الرُّؤى التّاريخيّة القديمة المُعتمدة على الذاكرة والقصص الشّعبي والتّراث المكتوب بدون العودة لنصوص دوّنها أُناسٌ ثقات من الطّبقات العُليا أو المؤرّخين التّابعين للحكومات. كلما زادت المصادر الأوليّة كلما كان التّاريخ أكثر ثقة. (Callum G. Brown, Postmodernism for historians) رُبّما نختلف مع طرح "فون رانكه" في مسألة إطلاق الثّقة في الطّبقات العُليا ومؤرّخي الحكومات، رُبّما كانوا أكثر تعليمًا وأقلّ تبنّيًا للأسطورة، ولكن كتاباتهم لا تخلو من الدّافِع السِّياسِي، لذا ينبغي أن تُقرأ كتصوُّر (وأحياناً تصوُّر مُوجَّه) عن التّاريخ. أيضاً تبدو دراسة النّصوص نقديّاً -كما سنرى في فصولٍ لاحقة- أكثر تعقيدًا من إضفاء اليَقين عليها بلفظة التّجريب. لذا أبقت ما بعد الحداثة على التّجريب كأداة معرفيّة، ولكن نقدت التّصور الفلسفي المعرفي للتّجريبين، أيّ إمكانيّة الوصول لليقين المُطلق بالتّجريب. خلافًا لما سبقها، صَارت ما بعد الحداثة تَدرس تاريخ الشّيء وكيف وصل إلى ما هو عليه diachronic approach بدلًا من دراسته داخل تراتُبيّة. وكنتيجة لذلك، احتل التّاريخ قسمًا داخل كُلّ مجال، فظهَر تاريخ الطبّ وتاريخ التّعليم وتاريخ العلوم . . إلخ. بعض الوجوه الأخرى للتّجريب الذي أبقت عليه ما بعد الحداثة، هو علم الاجتماع والسِّياسة والاقتصاد وعلم النّفس، التي يُمكن اختبار تصوُّراتها من خلال المُراقبة واستطلاعات الرّأي والإحصائيّات والتّجارِب النّفسية. وعلى هذا، فالتّاريخ أقرب لصورة نهائيّة يتمّ رَسمها بعد دراسة العوامل السّابقة غير قابل للتّجريب، ولكن الأعمدة التي تستند عليها رُؤية التّاريخ من علوم (الاجتماع والاقتصاد . . إلخ) يُمكن أن تَبنى جُزء من قراءاتها على التّجريب. وبعدما يطرح المؤرِّخ تصوُّره، تبدأ مرحلة الفحص الأكاديمي peer reviewing، حيث تُوكّل الوَرقة البحثيّة أو الكتاب لمُتخصِّص آخَر لتَقييم المُحتوى من حيث منهجيّة الطَّرح وتوافق النّتائج من المنهجيَّة والمُعطيات المُتاحة عن الماضي. هكذا وضّحت ما بعد الحداثة إشكاليّة في منطق هؤلاء الذين يرون التّاريخ كمساوٍ “للحقيقة”، إذ بهذا الطّرح يَحتكرون “الحقيقة” بفرض قراءاتهم للتّاريخ، وإن امتلكوا “الحقيقة” انتهت مساحة الحِوار وصار التّاريخ خطرًا ((Callum G. Brown, Postmodernism for historians. Routledge, 2013, p. 29 )). من هذا المُنطلق تختلف منهجيّة التّاريخ عن الاعتقاد الدّيني، فالاعتقاد مبني على التّصديق والموقف الشّخصي، وهو شيء يضَع نفسه فوق الدّليل، فوق المنطِق وفوق النّقد. أمّا في التّاريخ فالموقف الشّخصي لا يُحدِّد الماضي أو يُفسِّره، فحينما يدرس الإنسان إنسانًا آخَر يواجِه خطر إسقاط أفكاره ومشاعره على الآخَر ((Aviezer Tucker, A Companion to the Philosophy of History and Historiography, Vol. :107, 2011, p. 10 )). لذا فعلم Wissenschaft ((تُفرّق اللغة الألمانيّة بين العلوم الطّبيعيّة: Naturwissenschaften، وبين فروع المعرفة الأخرى: Wissenschaften )) التّاريخ يهدُف إلى تحقيق موضوعيّة نسبيّة يُهذّبها النّقد والفحص المُستمرّ للمنهجيّة والأدوات والدّليل الأثري والأدبي. موضوعية نسبيّة تدعو للحوار إذا تُدرك أن عمليّة التأريخ تنطوي على إمكانيّة كبيرة للتعدُّد القراءات، وتدرِك أيضًا أن القراءات وإن كان جميعها ناقص بالضّرورة إلّا أنّها لا تتساوى في النّقص والخطأ. فيما نقدت ما بعد الحداثة اليقين التّاريخي الحداثي واجهت سؤال موضوعيّة المنهجيَّة. فإن كانت أدوات التّاريخ لا تقود إلى نتائج يقينيّة كيف إذًا يتعامل مؤرّخي ما بعد الحداثة مع غياب الموضوعيّة المُطلقة كأمر واقع دون الوقوع في هوّة الذاتيّة المُطلقة؟ يقول Arthur Danto (آرثر كولمان دانتو) الإنسان لا يذهب عاريًا إلى الوثائق ((Aviezer Tucker, A Companion to the Philosophy of History and Historiography, Vol. :107, 2011, p. 17 )). نعم، للمؤرِّخ تصوُّر عن العالم والقُوى المُحرّكة فيه لا يُمكن خلعه كالمعطف وتركه خارج الجامعة، ولكن، في الوقت نفسه، لا يقدر أن يضَع في أطروحته التّاريخيّة ما لا يستطيع إثباته، وهُنا يأتي دور النّقد peer reviewing ليكشِف المنهجيَّة التي تُساهم في بناء الموضوعيّة وتِلك المدفوعة فقط بالتّصوُّر أو الدّوافع الشّخصية. يبدأ دور المؤرِّخ من اختيار المصادر، ففي كثير من الأحوال يختلف المؤرّخون حول ترتيب المصادِر من حيث القيمة، وترتيب المصادِر يُغيِّر بالضّرورة الصّورة النَهائية التي يرسمها المؤرّخ عن الماضي. بعد ذلك يأتي دور معايير الأصالة التي تُعالج محتويات المصادر، وسنعود إليها بالتّفصيل في المقال الثّالث. كما أن الجانِب الأدبي في النصّ لا يُمكن أن يُقاس مَوضوعيّاً، ففي العمل الأدبي تتدخل عوامل جماليّة وبلاغيّة مع المعلومة التّاريخيّة لترسم تصوُّر الكاتب عن الحدث الذي يُسجِّله، وهذه العوامل الجمالية والبلاغيّة لا تُقاس بأدوات موضوعيّة، وهُنا يظهر دور النّقد ثانية كي يُهذِّب القراءات وبقدر الإمكان يدفعها نحو موضوعيّة نسبيّة. من المُهم أيضًا توضيح أن ما بعد الحداثة لا تدعو لقراءة واحدة للتّاريخ، بل تدعو للحوار حول كل قراءة مُتاحة للتّاريخ، وعليه، فصراع ما بعد الحداثة مع القراءات الكلاسيكيّة ليس كما يظُن أنها رغبة ما بعد الحداثة في استبدال قراءة ثابته بقراءة ثابته، بل في رفض أصحاب القراءات الكلاسيكيّة طرح رُؤاهم للحوار والنّقد بمنهجيّة التّاريخ، لأنّ الحوار دعوة للتّغيير، والعَقائد لا تتغيّر. لذا صارعت ما بعد الحداثة السُّلطة في سيطرتها على التّاريخ وفي جمودها ورفضها للحوار. --- ### "هابيل فهمي" يكتب و"المدافعون عن الإيمان" يردون - Published: ۲۰۲٤-۰۱-۱۵ - Modified: 2024-03-29 - URL: https://tabcm.net/17354/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: أنبا بنيامين، مطران المنوفية وشبين الكوم بداية لا أعرف من هم المدافعون عن الإيمان بالمنوفية. ولكنهم أشاروا لشخصي دون ذكر الاسم. وكان الواجب عليهم الاتصال بي قبل النشر لتحري الدقة لأن معظم ما ذكروه عني عار تمامًا عن الصحة. ولذلك وجب الرد عليهم على الشِق الذي يخصني. أولًا: أشرتم إلى أنه كان هناك خادم منذ ٣٥ عامًا نادى بأفكار مخالفة، والحقيقة لم أناد في تاريخ حياتي بأفكار مخالفة ولم أهاجم عقيدتي يومًا ما، فأنا أستاذ متخصص في التاريخ وأعرف عقيدتي جيدًا، لذلك أرفض ما جاء في بيانكم وكان الأولى أن تتواصلوا معي قبل كتابة هذا البيان إن كنتم تبتغون الحقيقة.   يعني اللى وداكم الصعيد لتتحروا الدقة كما تقولون كان جابكم المنوفية لتتواصلوا معي أو تتواصلوا معي عبر التليفون إن كنتم تبتغون الدقة! ! ! ! ! ! فأنا شخصية معروفة وممكن الوصول لي بسهولة. ثانيًا: ثم تقولون: كان يعترض معارضة شديدة على الجرائد والسؤال: ما هي هذه الجرائد التي نشرت فيها معارضتي؟! ثالثًا: ثم تقولون: وكان يعترض معارضة شديدة على وسائل التواصل الاجتماعي. نعم كتبت كثيرًا ليس عن أشخاص بل عن سياسات وقرارات فحق النقد مكفول لي. النقد البناء لا النقد الهدام. فأنا لست ضد أشخاص وطول عمري بحب الأنبا بنيامين وهذا ليس معناه أن أوافق على كل ما يتخذه من قرارات أو سياسات فمن حقى كمفكر وكابن للكنيسة أن اعترض وأبدي رأيي ومن حق نيافته أن يصحح لي لو كنت مخطئًا. رابعًا: وعلى فكرة طوال الـ37 سنة وليس 35 عامًا كما ذكرتم كانت يدي ممدودة للصلح مع نيافته ولم تنقطع محاولات الصلح معه، ونيافته يعرف ذلك. خامسًا: ثم إن كل كتاباتي ليس بها خطأ واحد يدفع المطران لأخذ أي إجراء قانوني ضدي فلم أخوض في أعراض أحد ولم أهاجم عقيدتي أو أتنكر لها، ولم أتحرش بكنيستي يومًا ما. سادسًا: وتقولون: كان من الأولى أن يرفع المطران قضية على الصحيفة التي تعمدت التشهير به وتلفيق أخبار كاذبة ضده. وسؤالي لكم: ما هي هذه الصحيفة التي نشرت فيها تشهيرًا أو تلفيقًا؟! أرجو ذكر اسمها وتاريخ النشر والصفحة إن كنتم صادقين. سابعًا: أخيرًا: أشكركم على وصفي بالإنسان الفاضل الذي عاد إلى حضن أبيه وأنا بالفعل كذلك لم أبعد عن حضن الله ولا عن حضن الكنيسة ولا عن حضن المطران رغم الجفاء 37 عامًا. ليتنا نصلي لأجل سلام الكنيسة ليعط الرب حكمة للجميع لرأب الصدع ولحل المشكلات في بداياتها قبل أن تتفاقم وتصل لما وصلت إليه. ثامنًا: منتظر اتصالكم بي في أي وقت لتكون معلوماتكم دقيقة إن كنتم تحبون تحري الدقة. تحياتي. --- ### أنا عطشان.. أعطيني لأشرب - Published: ۲۰۲٤-۰۱-۱٤ - Modified: 2024-01-13 - URL: https://tabcm.net/16983/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: المرأة السامرية إن سيرة المسيح على الأرض هي سيرة كل مسيحي في مسيرته في هذا العمر حتى اكتماله في الملكوت "أنا عطشان... أعطيني لأشرب". . " أنا هو الماء الحي" مضادة المسيح والمسيحي على الأرض. إن المسيح ابن الله هو " الله الظاهر في الجسد". والمسيح قال عن نفسه أنه "ابن الإنسان"، لأنه جدَّد خلقة الإنسان عندما لبسها جسدًا له، فصار أصلًا جديدًا عِوضًا عن آدم الأول، لكل إنسان يؤمن به. لذلك فإن المسيح صار هو نفسه "بكرًا بين أخوة كثيرين". أي باكورة وبداية الخلقة الجديدة لكل إنسان يصير من ذريته بالإيمان. إن سيرة المسيح على الأرض هي سيرة كل مسيحي في مسيرته في هذا العمر حتى اكتماله في الملكوت. ونرى في سيرة المسيح اكتفاءه الإلهي وغناه المطلق الذي لا يعوزه شيء، بل هو مصدر غنى للمسكونة ومن فيها: وَقَفَ يَسُوعُ ونَادَى قِائِلًا: «إِنْ عَطِشَ أَحَدٌ فَلْيُقْبِلْ إِلَيَّ وَيَشْرَبْ. مَنْ آمَنَ بِي، كَمَا قَالَ الْكِتَابُ، تَجْرِي مِنْ بَطْنِهِ أَنْهَارُ مَاءٍ حَيٍّ». (إنجيل يوحنا 7: 37) "فأجابَها (المرأة السامرية) يَسوعُ: «كُلُّ مَنْ يَشْرَبُ مِنْ هذَا الْمَاءِ يَعْطَشُ أَيْضًا. وَلكِنْ مَنْ يَشْرَبُ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي أُعْطِيهِ أَنَا فَلَنْ يَعْطَشَ إِلَى الأَبَدِ، بَلِ الْمَاءُ الَّذِي أُعْطِيهِ يَصِيرُ فِيهِ يَنْبُوعَ مَاءٍ يَنْبَعُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ». (إنجيل يوحنا 4: 13، 14) ولكن وعلى الرغم من كل ذلك، فإن المسيح كان عطشانًا واحتاج بل وطلب من المرأة السامرية أن تعطيه ماءً ليشرب. بينما هو الذي أشار لها أن ترتوي منه (يوحنا 4) لذلك فإن منهج الروحانية المسيحية يجمع بين غنى أرواحنا في المسيح وبين احتياج الجسد اليومي دون احتقار للجسد ولمتطلباتنا اليومية من: طعام/ مال/ عم/ صداقات/حب/ جنس/ تعامل مع الآخرين... ألخ. ونختم بهذا التطبيق للحب الزيجي بين الرجل والمرأة لما هو إلهي فنقول أإن الحب قوة بمظهر الضعف  "أعطيني لأشرب" هو احتياج للمحبوب بغرض عطاء ذاته "الماء الحي" لها. --- ### [١٧] تجمّع عائلي - Published: ۲۰۲٤-۰۱-۱۳ - Modified: 2024-01-13 - URL: https://tabcm.net/14639/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون مش طريقة ديه أبدًا، قدسك أصلا لسه مرسوم ومش ممكن كمية المشاكل ديه في الفترة الصغيرة ديه، أنا عاوزك تجيلي حالًا المطرانية في تجمع عائلي في بيت أبونا بطرس، احتفلت أسرة أبونا بطرس، وأسرة زوجته دكتورة سارة، بعيد ميلاد ابنهم مينا، ذو العشرة أعوام. وبينما كان الجميع يتجاذب الحديث وهم يأكلون قطع التورتة والحلويات، كان يقص عم حنا قديس، والد أبونا بطرس، على الجميع مغامراته مع ابنه عندما كان في عمر حفيده مينا، وكيف أنه ذات يوم أصر أن يساعد كبار السن في العمارة، ويشتري لهم البقالة، ولكنه عاد بطبق البيض مكسّر، واللبن مسكوب نصفه وأكثر، وأكياس الأرز والمكرونة مفتوحة، لأنه تعثر في السير وصدمته دراجة، فوقعت منه الأشياء التي اشتراها، ووقع فوقها. ضحك الجميع، وضحك أبونا بطرس معهم وهو يتذكر كيف أن أهدافه النبيلة كانت دائمًا تصطدم بحظه العثر، وفجأة، رن موبايله، ليظهر أن المتصل هو الأسقف، فتعجب أبونا بطرس ونظر لسارة قائلًا: - شكل سيدنا عاوز يعيد على مينا بمناسبة عيد ميلاده، بس هو عرف منين إن النهاردة عيد ميلاده؟ ردت سارة بتلقائية: ماهو كل بياناتنا عنده، بس أنا مكنتش متخيلة كده أبدًا، لفتة حلوة أوي منه إنه يهتم ويعمل معانا كده. أخد أبونا بطرس موبايله واتجه نحو الغرفة، حتى يكون المكان اهدأ بعض الشيء، رد أبونا بطرس وعلامات السرور تعلو وجهه: - ألو، أيوة يا سيدنا. - على فكرة يا أبونا مش طريقة ديه أبدًا، قدسك أصلًا لسه مرسوم ومش ممكن كمية المشاكل ديه في الفترة الصغيرة ديه، أنا عاوزك تجيلي حالًا المطرانية، ولما نشوف أخرتها. تغيرت ملامح أبونا بطرس تمامًا، فما أصعب خيبة التوقعات وخصوصا عندما تتوقع شيئًا ويحدث عكسها تمامًا، وفي تعجب تسأل: - مشاكل إيه يا سيدنا؟! - إيه الدوشة اللي عندك ديه يا أبونا، قدسك في الشارع ولا إيه؟ - لأ يا سيدنا، أنا في البيت، وعندي تجمع عائلي بمناسبة عيد ميلاد ابني. - عيد ميلاد ابنك النهاردة؟! - أه يا سيدنا، وكنت فاكر قدسك بتتصل تعيد عليه. - وأنا هعرف منين يا أبونا إن النهاردة عيد ميلاد ابنك، عمومًا كل سنة وهو طيب، وبكرة الصبح تيجي من بدري عندي. - حاضر يا سيدنا، بس خير؟! ممكن تفهمني عشان أنا مش فاهم حاجة، أنا أصلا معملتش حاجة. - لما تيجي بكرة يا أبونا نبقى نتكلم. إديني ابنك. - أدهولك ازاي يا سيدنا؟' - يا أبونا ركز، أدهوني على الموبايل أعيد عليه. - أه، حاضر ثانية واحدة. ذهب أبونا بطرس حيث يلعب مينا مع من هم في سنه من أفراد عائلتهم وقال له: خذ يا مينا، سيدنا عاوز يسلم عليك ويقولك كل سنة وأنت طيب، مش عاوز لماضة في الكلام، لما يقولك كل سنة وأنت طيب، قوله ونيافتك طيب وبخير. أمسك مينا الموبايل وتحرك خطوات للأمام مبتعدًا قليلًا، ولكن أبونا بطرس سار خلفه. - ألو إزيك يا سيدنا، معاك مينا، واحشني. - كل سنة وأنت طيب يا مينا. - وأنت طيب يا سيدنا. زغده أبونا بطرس وهو بيقوله: مسمهاش "وأنت"، اسمها "ونيافتك" طيب و بخير. - ونيافتك طيب وبخير. - هو باباك بيمليك؟! - هو مش عاوزني أعك الدنيا عشان معملوش مشكلة. خبط أبونا بطرس على جبهته وكأن لسانه حاله يقول: إيه اللي أنت بتهببه ده يا مينا، ليستمر الحديث بين الأسقف ومينا، ليتساءل الأسقف: - وأنت بقى عندك كام سنة يا لمض. - عندي عشر سنين. - وباباك جابلك هدية كويسة، ولا ضحك عليك. - لأ يا سيدنا مجبليش، هو اللي حد ضحك عليه وخد فلوس البلايستيشن اللي كان هيجيبهوللي منه، بس جاب لي تورتة. أخذ أبونا بطرس الموبايل من يد مينا، ليقطع حديثه مع الأسقف ويغير الموضوع: - نيافتك بكرة أجي الساعة كام؟ - الصبح يا أبونا، قبل الساعة ٩ صباحًا تكون عندي. - حاضر يا سيدنا، قبل ٩ هكون عند نيافتك. انتهت المكالمة، وجاءت إليه سارة في الحجرة، ولاحظت دكتورة سارة ملامح زوجها التي تغيرت فسألته: - في حاجة؟! - مفيش. - سيدنا كان بيعيد على مينا؟ ولا كان في حاجة ثانية؟ - هو عيد على مينا، بس عاوزني بكرة الصبح عنده في المطرانية. - عاوزك في إيه؟! - مش عارف. - مسألتهوش ليه طيب؟! - سألته وقاللي لما تيجي بكرة. - متشغلش بالك، تلاقيه عاوز يوزع عليك خدمة ولا يسألك على أي حاجة. - معتقدش، واضح إن في حاجة كبيرة، ده كان عاوزني دلوقتي بس لما عرف إن النهاردة عيد ميلاد مينا وفي ناس عندنا، قاللي خليها بكرة الصبح، تعالي نطلع نقعد مع الناس وبكرة ربنا يدبره بمعرفته. خرجا أبونا بطرس وزوجته حيث يجلس باقي أفراد العائلة، ولم تمض سوى ساعة أخرى وبعدها مضى الجميع إلى منازلهم، ورتبت سارة المنزل من بعد أن انصرف الضيوف، وساعدها أبونا بطرس، وبعدما انتهيا دخلا حجرتيهما للنوم استعدادًا للغد الذي يبدو أنه سيكون يومًا شاقًا. لم يستطع أبونا بطرس النوم، وكان يفكر في جملة الأسقف التي ظلت تتردد كثيرًا في ذهنه مرات و مرات: "قدسك أصلا لسه مرسوم و مش ممكن كمية المشاكل ديه في الفترة الصغيرة ديه"، وظل يتقلب على سريره ولم يستطع النوم حتى أشرفت الشمس، وقام وارتدى ملابسه وأخد سيارته متجهًا نحو المطرانية. وعندما وصل، قابله أستاذ عماد أحد خدام المطرانية وهو بمثابة سكرتير الأسقف. - عندي ميعاد مع سيدنا يا أستاذ عماد، ممكن تبلغه إن أنا وصلت. - أه يا أبونا، هو قايل لنا إن قدسك جاي الصبح بدري، ثواني أبلغه. ذهب أستاذ عماد و عاد بعد دقائق قليلة لأبونا: معلش يا أبونا، سيدنا بيقولك انتظره في مكتب الضيوف، وهو شوية ونازلك. - هو أنا جاي بدري ولا إيه؟ أنا سيدنا بنفسه قايلي أجي قبل ٩. - أه يا أبونا، وهو مبلغنا إحنَا كمان بس مش عارف، أتفضل قدسك انتظر في المكتب وأنا هعمل لقدسك حاجة تشربها. مضت الدقائق، دقيقة تلو الأخرى، وساعة تلو الأخرى، وأبونا بطرس ينتظر في المكتب تحت، والأسقف لم ينزل من فوق، وتخطت الساعة الثانية عشر ظهرًا، وكلما ذهب أبونا يسأل أستاذ عماد هو سيدنا هينزل امتى، يذهب بدوره ليسأل الأسقف ويعود ليجيب أبونا: قرب ينزل، وكلما حاول أبونا الاتصال بالأسقف، يجد أن الأسقف يقوم بإلغاء المكالمة، واستمر الوضع هكذًا حتى تخطت الساعة الثانية عصرًا، وتضايق جدًا أبونا بطرس، ومل من الجلوس وشرب الشاي كوبا تلو الأخر، وقرر أن يمضي. - معلش يا أستاذ عماد، هو شكلٍ سيدنا مش فاضي النهاردة، هبقى أعدي عليه أي وقت تاني. ليسمع صوت الأسقف عبر الإنتركم: - متمشيش يا أبونا، انتظرني في المكتب. - استمر الوضع هكذا من التاسعة صباحًا وحتى الخامسة عصرًا، وحين هم أبونا بطرس بالانصراف وهو متضايق جدًا ويشعر بالمهانة وضياع الوقت منذ الصباح، وجد الأسقف أمامه. يتبع . . --- ### الشئ الوحيد! - Published: ۲۰۲٤-۰۱-۱۲ - Modified: 2024-01-12 - URL: https://tabcm.net/16852/ - تصنيفات: مقالات وآراء وما لم يوضع المواطن واحتياجاته وطلباته في المقدمة ويأخذها كاملة وبشكل مرضي، وما لم يفكر الموظفون الحكوميون المصـريون -قبل الوزراء- في كيفية تحقيق ذلك وسريعًا، فسيبقى أيضًا الوضع على ما هو عليه. لا يوجد كائن من كان، لا جماعة ولا تنظيم ولا نخبة قادر على هدم مؤسساتنا أبدًا، وأهمها مؤسسة الفساد، ففي أي جهة حكومية تزورها، ستجد الفساد ضاربًا بجذوره التاريخية المؤسسية المقدسة في أعماق تلك الجهة بأقسامها وقطاعاتها ودواليبها وأدراجها المفتوحة دائمًا، التي مهما امتلأت من مال المواطنين الراشين تقول "هل من مزيد؟". ولا جدوى أن يبدأ أي إصلاح أو تطوير هيكلي أو مؤسسي في أروقة الحكومة من القاعدة ولا من القلب ولا حتى من الرأس، بل يجب أن يبدأ من رأس الرأس! أحيانا أشعر أن مصر أكبر بكثير جدا من أن يتولى رئاسة وزاراتها شخص واحد أو شخصين! لا أعرف لماذا! هل رئاسة الحكومة المصرية تحتاج لـ5 نواب لرئيس الوزراء مثلا؟ الله أعلم، لكن ما المانع؟ التكاليف؟ أعتقد أن سعر جناح طائرة مدنية واحدة مما تشتريه سنويًا مصر للطيران مثلًا، يغطى مصاريفهم سنوات وسنوات للأمام. ما أعرفه هو أن أكثر أشخاص قادرون على حل مشاكل أي مؤسسة هم سكان تلك المؤسسة، هم الذين يعرفون شعابها ومسالكها وثغراتها والثقوب التي يتسرب منها الماء إلى أرضية سفينتهم الغارقة عاما بعد عام. لذا فأول مهام أي وزير هي الاجتماع بالكثير من الناس في وزارته وليس فقط وكلاءه أو رؤساء القطاعات (الذين غالبا يعيشون في عالم خاص بهم) لبحث جميع مشاكل تلك المؤسسة وطرح كل الحلول الممكنة لعلاجها بل وتنميتها وتطويرها سريعًا، لكن الشـيء الوحيد الذي يسيطر على تفكير أي موظف مصري صغر أم كبر لعلاج مشاكل منظمته هو "زيادة الأجور". كل تفكيره منحصـر ومحصور بهذه النقطة فقط. طبعا نقطة مهمة جدًا، لكن ليس جوهر الحياة ولا الهدف الأسمى في الوجود هو "كيف تستطيع أن تقبض خمسة آلاف جنيهًا شهريًا، وتنصرف الساعة الثانية ظهرًا، كما يحلم كل موظف حكومي مصري شاب! ولا أيضا في استعجال الانصراف بأي ثمن قبل موعد مدفع الإفطار بـ 6 ساعات، ولا في انتظار إجازة الـ 8 أيام متتالية في عيد الأضحى بكل لهفة! جوهر الحياة والهدف الأسمى في الوجود ليس أيضًا في كيف تجد موطئ قدم لابنك أو ابن أخيك في نفس شركتك الحكومية. جوهر الحياة وهدفها الأسمى في أن تجعل لحياتك وحياة من حولك أفضل، فتسعد أنت وهم. خد عندك مثلًا، كادر للأطباء، ظل يتمدد حتى شمل أطباء الأسنان فالأطباء البيطريين، ثم الصيادلة، ثم الممرضات،  ثم أخيرًا فنيّ الأشعة! لكن ما الذي يعود على المريض؟ خد عندك أيضا، كادر للمعلمين، ظل يتمدد بعدها هو الآخر ليشمل الأخصائيين الاجتماعيين. لكن ما الذي عاد على التلاميذ؟ أين المستشفيات؟ أين المستلزمات الطبية؟ أين الأدوية؟ أين الأجهزة الطبية؟ أين الأسرة؟ أين التعقيم؟ أين الإسعاف؟ أين... ؟ لا يوجد. المهم "أجور" الناس! وليحترق المرضى وذويهم في 70 داهية! أين المدارس؟ أو الفصول؟ أين الكراسي؟ أين الحمامات؟ ووسائل مواصلات للتلاميذ صباحًا؟ أين حصص الرياضة والهوايات؟ أين مراكز التقوية؟ أين أجهزة الكمبيوتر؟ أين المناهج؟ لا يوجد. المهم "أجور" الناس! وليحترق التلاميذ وذويهم في 80 داهية! كل ما يهم هو الكادر والنقود، التي أن زادت للضعف لم يختلف عطاء الموظف في أي شيء! وظل يشكو بعدها أيضًا! والحكومة تعلم ذلك. ولن تفعل شيئًا، لأنها لن تقدر، وإن قامت بشيء سيكون بحدود الـ10% سنويًا (التي تساوي في المتوسط 70 أو 80 جنيه "عمي" لا يسمنوا ولا يغنوا من جوع) وبعد قليل سيسخط هذا الموظف الشكاء على تلك الحكومة العظيمة، وهذا الشكاء هو كيان قوامه 4 مليون موظف، يلعنونها ويدعون عليها ويطالب برحيلها الفوري! إن لم نبحث جديًا ونحصر مشاكل كل وزارة مع صغار موظفيها قبل كبارها، الذين إن لم يرضخوا ويتنازلوا ويتكرموا بوضع أفكار وحلول ابتكارية أو حتى تقليدية لمشاكل مؤسساتهم بعيدًا عن "الأجور" و"الكادرات"، وبعيدًا عن تعيين "الغلابة" و"اللي بيجروا على غلابة"، وبعيدًا عن "الانتقام من فلان وفلانة"، وبعيدًا عن البحث عن "تركيب تكييف في مكتبنا" في كل مكان ومنذ قديم الأزل. فسيظل القطاع العام والقطاع الحكومي بكل فساده وعفنه وبطئه وقذارته كما هو. وما لم يوضع المواطن واحتياجاته وطلباته في المقدمة ويأخذها كاملة وبشكل مرضي، وما لم يفكر الموظفون الحكوميون المصـريون -قبل الوزراء- في كيفية تحقيق ذلك وسريعًا، فسيبقى أيضًا الوضع على ما هو عليه. ولن تزيد الأجور، ولن يتم تعيين حمادة، ولا ابن عمه عمرو. ولن يتم تركيب تكييف في مكتب شئون العاملين. ولن... ولن... وللحديث بقية إن كان في العمر بقية. --- ### [٨] انهيار مملكة يهوذا - Published: ۲۰۲٤-۰۱-۱۱ - Modified: 2024-01-06 - URL: https://tabcm.net/15529/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, كتاب مقدس - وسوم: التقليد الكهنوتي [P], السبي البابلي, تابوت العهد, جدليا ابن أخيقام, ملك آمون, ملك حزقيا, ملك صدقيا, ملك منسى, ملك نبوخذ نصر الثاني, ملك يهوياقيم, ملك يهوياكين, ملك يوشيا, مملكة إسرائيل, مملكة يهوذا, نبي إرميا, نخاو الثاني, هيرودوت, يهوآحاز في ربيع 609 ق. م.، قاد نخاو الثاني بنفسه قوة كبيرة لمساعدة الآشوريين. على رأس جيش كبير، يتألف بشكل أساسي من مرتزقته، سلك نخاو الثاني طريق البحر إلى سوريا، بدعم من أسطوله المتوسطي على طول الشاطئ، ومضى عبر المناطق المنخفضة لفيليستيا وشارون. وعندما استعد لعبور سلسلة التلال التي تغلق جنوب وادي يزرعيل العظيم، وجد ممره مغلقًا من قبل جيش مملكة يهوذا. وقف ملكهم، يوشيا، إلى جانب البابليين وحاول منع تقدمه إلى مجيدو، دارت معركة شرسة وقُتل يوشيا ملك يهوذا، على يد نخاو الثاني، ملك مصر مع زمن انهيار مملكة إسرائيل، كان الملك حزقيا في بداية حكمه في مملكة يهوذا، وكما أوضحنا، كان من أهم إنجازاته أنّ قام بمحاولات التطهير الديني للمملكة من العبادات الأجنبية، وذلك بجعل مكان العبادة الوحيد في أورشليم، وهو الزمن الأرجّح لكتابة التقليد الكهنوتي: المصدر P. وعندما مات الملك حزقيا، أصبح ابنه منسًّى ملكًا على  مملكة يهوذا، وكان وقتها ذو عمر 12 سنة، وظل ملكاً لمدة 55 عامًا، خلالها، فعل منسَّى عكس ما عمل أبوه حزقيا، وأعاد بناء المعابد اللي دمرها، وألغى فكرة المركزية وتمحور العبادة في أورشليم، وتجريم عبادة الآلهة الأخرى، وفيما بعد مات ودُفن في أورشليم. أصبح ابنه آمون ملكًا على مملكة يهوذا، وكان آمون وقتها ذو عمر 22 سنة، واستمر آمون على نفس ما فعل منسَّى، لكنه لم يظل في الحكم وقُتل بعد عامين فقط من حكمه على يد وزراء مملكة يهوذا، والذين جعلوا ابنه يوشيا، بعمر 8 سنوات، ملكًا صوريا تحت الوصاية على مملكة يهوذا. ليس من المعروف من الذي كان وصيًا على العرش في الفترة اللي حكم فيها يوشيا إلى أن وصل لسن الرشد، والأكثر ترجيحًا أنه كان رئيس الكهنة، وعندما وصل يوشيا لعمر 18 سنة بدأ حكمه الرشيد بفترة التطهير الديني الثاني أسوة بجده الكبير الملك حزقيا، وأصبح لمرة ثانية مكان العبادة المركزي في أورشليم، وتم تدمير كل التماثيل والمذابح والمعابد التي بُنيت في عهدي منسَّى وآمون، بما فيها تدمير معبد بيت إيل وذبح كل الكهنة الذين خدموا في الأماكن اللي تم تدميرها. وقرب نهاية فترة حكم الملك يوشيا، كانت مملكة آشور قد أخذت في الضعف، لكن في نفس الوقت كانت مملكة مصر حليفة لآشور، وما حدث يمكن اختصاره في أن الملك نخاو الثاني ((الملك نخاو الثاني: من الأسرة السادسة والعشرين (610-595 ق. م. ) )) ملك مصر، كان ذاهبًا في حملة عسكرية لدعم الجيش الآشوري في حربه ضد هجمات البابليين في قرشميش ((تُكتب أيضًا كركميش وقرقميش وجلجميش. )) في شمال إقليم سوريا الكبرى، فحدثت حرب في مدينة مجدو، بين مملكة مصر ومملكة يهوذا. في ربيع 609 ق. م. ، قاد نخاو الثاني بنفسه قوة كبيرة لمساعدة الآشوريين. على رأس جيش كبير، يتألف بشكل أساسي من مرتزقته، سلك نخاو الثاني طريق البحر إلى سوريا، بدعم من أسطوله المتوسطي على طول الشاطئ، ومضى عبر المناطق المنخفضة لفيليستيا وشارون. وعندما استعد لعبور سلسلة التلال التي تغلق جنوب وادي يزرعيل العظيم، وجد ممره مغلقًا من قبل جيش مملكة يهوذا. وقف ملكهم، يوشيا، إلى جانب البابليين وحاول منع تقدمه إلى مجيدو، دارت معركة شرسة وقُتل يوشيا ملك يهوذا، على يد نخاو الثاني، ملك مصر. ((يذكر هيرودوت حملة نخاو الثاني في كتابه: التاريخ، الكتاب ٢. )) كان عمر الملك يوشيا 40 سنة عندما قُتل على يد ملك مصر. وبعد موت يوشيا أصبح ابنه يهوآحاز ملكًا على مملكة يهوذا، وكان سنه وقتئذ 23 سنة، لكنه حكم لمدة 3 شهور فقط قبل أن يخلعه الملك نخاو الثاني من العرش وعيّن مكانه: إلياقيم، أخو يوآحاز غير الشقيق، وبدّل اسمه إلى: يهوياقيم، وكان عمره 25 سنة. وأخد نخاو الثاني يوآحاز سجينًا إلى مصر حيث مات هناك، وفي هذه الفترة كانت مملكة يهوذا بالكامل مقاطعة تابعة للمملكة المصرية. فيما بعد، استطاعت جيوش بابل بقيادة نبوخذ نصر الثاني التغلّب على مملكة آشور، وزحفت جيوشه إلى مقاطعة يهوذا لتأمين حدود بابل، فأصبحت مملكة يهوذا مقاطعة تابعة للمملكة البابلية، لكن بعد ثلاث سنوات تمرد يهوياقيم على نبوخذ نصر الثاني، ملك بابل، فقمع تمرده وقتله. وبذلك أصبح ابنه يهوياكين ملكًا وكان عمره 18 سنة، لكنه حكم فقط لمدة 3 شهور إلى أن جاء نبوخذ نصر الثاني، وحاصر أورشليم وخلع يكنيا من العرش، وتم أسره هو وشعب عظيم العدد من مملكة يهوذا، واقتيدوا بالسلاسل إلى بابل فيما يُعرف باﻹجلاء الأول. وعيّن نبوخذ نصر الثاني ملكًا بديلًا على مملكة يهوذا، الملك صدقيا، عم يهوياكين وابن يوشيا، وكان عمره 21 سنة، وحكم لمدة 11 سنة، لكن في السنة التاسعة من مُلكه تمرد على نبوخذ نصر الثاني، فجاءه هو وجيشه وحاصر أورشليم للمرة الثانية، وأخر ما رآه الملك صدقيا هو ذبح أبناءه أمام عينيه، قبل أن يتم خلع حدقتاه من محاجرهما، واقتيد بالسلاسل أسيرًا هو وشعب عظيم إلى بابل فيما يُعرف باﻹجلاء الثاني. كان الملك صدقيا هو أخر ملك من نسل داود، وبمقتضى الحال، يكون قد انتهى حكم عائلة داود في يهوذا وإسرائيل بالكليّة، وتم تدمير وتخريب العاصمة أورشليم وتسوية مبانيها بتراب الأرض، وبالتالي تخريب معبد أورشليم المركزي، وتدنيس قُدسُ الأقداس وحرقه. وضاع تابوت العهد في خضّم عمليات السلب والنهب ولم يعرف أحد مكانه إلى اﻵن. وتم أسر عدد ضخم جدًا من شعب مملكة يهوذا في السبي البابلي الثاني. ومن تبقى منهم عيّن عليهم نبوخذ نصر الثاني حاكمًا جديدًا لكن ليس من الأسرة الملكيّة اسمه: جدليا. فيما بعد، قُتل الحاكم جدليا بواسطة أفراد مجهولين من العائلة الملكية، ونتيجة للرعب الهائل الذي حلّ بالجماعة المتبقية في مقاطعة يهوذا من رد فعل الملك نبوخذ نصر الثاني عندما يعلم بقتل من ولّاه حاكمًا عليهم، فرّت الغالبية كلاجئين إلى الأرض التي يمتلئ تقليدهم بالعداء تجاهها: مصر. المزمور رقم ١٣٧في سفر المزامير، هو ترنيمة رثائية تصف اشتياق اليهود للرجوع لأورشليم ومأساة السبي البابلي. تنسب المصادر العبرانية القصيدة إلى النبي إرميا، وتحمل النسخة السبعينية ((راجع المزمور رقم ١٣٧، الترجمة السبعينية للكتاب المقدس. )) للمزمور العنوان: «إلى داود، بواسطة إرمياس، في السبي. » على أنهار بابل. . هناك جلسنا. . فبكينا. . عندما تذكرنا: صهيون،هناك. . علقنا أعوادنا على أشجار الصفصاف. . هناك. . طلب منّا الذين سبونا. . أن نُنشد بترنيمة،هناك. . طلب منّا الذين أهلكونا. . أن نرقص لهم طربًا،قائلين:أنشدوا لنا نشيدًا من ترانيم صهيونوكيف ننشد نشيدك يا يهوَه. . ونحن في أرض الغربة؟إن نسيتك يا أورشليم،فلتنس يميني مهارتها،وليلتصق لساني بحنكي،إن لم أذكركِ. . إن لم أفضّلكِ. . على ذروة أفراحي. أذكر يا يهوَه لِبَني آدوم. . ما فعلوه يوم خراب أورشليم،إذ قالوا:أهدموها. . وانسفوها. . حتى أساسها. . دمروها. يا بنت بابل الشقيّة. . الصائرة إلى الدمار. . طوبى لمن يجازيكِ على ما جازيتنا به،طوبى لمن يمسك أطفالك. . ويضربالصخرة. . طوبى لمن يمسك أطفالك. . ويضرب بهم الصخرة. . طوبى لمن يمسك أطفالك. . ويضرب بهم الصخرة. . --- ### "بنيامين" بين "صحيّة" الازدراء بالبابا وبين حبسه لمنتقديه - Published: ۲۰۲٤-۰۱-۱۰ - Modified: 2024-01-26 - URL: https://tabcm.net/17155/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أنبا بنيامين، مطران المنوفية وشبين الكوم, إكليروس, الجماعات الإسلامية, بابا تواضروس الثاني, دير الأنبا مقار الكبير, رئيس محمد أنور السادات, ريمون ناجي, قديس بولس الرسول, كنيسة الإسكندرية, كيرلس رفعت ناشد, مجمع الأساقفة, مجمع نيقية اللافت للنظر هنا، أنّ الأنبا بنيامين قد عانى بنفسه من الاعتقال وسلب الحرية في أيام الرئيس السادات، أيضا عانى كثير من المستنيرين استغلال بعض المحامون المتطرفون  للمادة (98و) من قانون العقوبات، وتم اتهامهم بازدراء الدين الإسلامي، وها هو الأنبا بنيامين يتخندق معهم في كبسولات الـ"تيك أوي" التي يكلمنا فيها الأنبا بنيامين مطران المنوفية، في كنيسة الإسكندرية القبطية الأرثوذكسية، يقول إنّ الأسقف "يمثل الله أمام الشعب، ويمثل الشعب أمام الله"، لكن، شتان الفارق بين الوسيط بين الله والناس، "المسيح"، وبين من يدعي أنه يمثله. فالمسيح احتوى ضعفات الناس، وانتهر بطرس الذي قطع أذن عبد رئيس الكهنة عند القبض عليه وشفاه، في حين، الأنبا بنيامين يُدخل مخدوميه إلى أققاص الاتهام، ويتعامل مع الناس بفوقيّة وبسلطان الغطرسة بدلًا من أن يقدم لهم نموذج الأبوّة والرعاية، حيث تقدم المحامي الخاص به وبعض كهنة المنوفية ببلاغ ضد المهندس كيرلس رفعت ناشد المعيد بكلية الهندسة جامعة المنوفية، بخمس اتهامات منها التعدي على المبادئ والقيم الأسرية وازدراء المسيحية. اللافت للنظر هنا، أنّ الأنبا بنيامين قد عانى بنفسه من الاعتقال وسلب الحرية في أيام الرئيس السادات، أيضا عانى كثير من المستنيرين استغلال بعض المحامون المتطرفون  للمادة (98و) من قانون العقوبات، وتم اتهامهم بازدراء الدين الإسلامي، وها هو الأنبا بنيامين يتخندق معهم ويستغل نفس المادة في تقديم اتهام مماثل ضد أحد المصلّين في كنيسته، وهو محبوس الآن على ذمة التحقيقات منذ يوم 3 يناير الجاري. كيرلس ليس الحالة الأولى التي تصطدم بمطران المنوفية وسياسة الحديد والنار التي يتبعها مع أبناء الكنيسة في الإيبارشية، فقد سبقه كثيرين، خاصة مع القرارات المتعسفة التي تتدخل في فرحة الناس في الاحتفال بالزفاف، حيث يمنع إقامة صلوات الإكليل "الفرح" لمن يلجأون في بيوتهم للاحتفال بالأغاني والموسيقى، ويتوسع في استخدام سلطان باطل بحرمان الناس من الاتحاد بالمسيح ، لمن يعصى أوامره، كما يتدخل في ملابس الفتيات، حيث يركز على ظواهر الأمور، ولا تقدم الكنيسة في المنوفية الرعاية اللازمة لأبنائها، ولا معرفة المسيح فتتخلى عن دورها الحقيقي في العبادة وتمارس التسلط والاستعباد. "ظاهرة صحية" كانت هذه إجابة الأنبا بنيامين في حوار صحفي سابق مع الزميل ريمون ناجي في جريدة البوابة، حين سُئل عن مجموعات من يسمون أنفسهم "حماة الإيمان" الذين يتعدون بالقول على البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، والذين وصفوا الأسقف المقتول غدرًا، الأنبا إبيفانيوس، رئيس دير الأنبا مقار، بـ"المهرطق"، ونفس الأمر مع أي شخص يرون أنه "مستنير" سواء كان من الأساقفة أو الكهنة أو العلمانيين، فلماذا لم يفرح بهذه الظاهرة الصحية، ويحتمل انتقادات كيرلس الذي لم يختلف في طريقة التعبير كثيرًا عن حماة الإيمان، بل ربما أقل منهم، وعلى العكس كيرلس لديه مواقف مباشرة مع الأنبا بنيامين وبعض الكهنة، في حين مجموعات ادعاء حماية الإيمان لا توجد مواقف شخصية بينهم وبين البابا، ولم يمارس عليهم سلطان الحرمان، بل يصمت ويتسامح مع التعدي عليه بالقول، ولم يتخذ موقف واحد قانوني تجاه أي منهم. الواقعة الحالية هي الأولى من نوعها، فكرة أن يتسبب أسقف من الكنيسة في حبس أحد أبناء الإيبارشية المسؤول عنها، تفتح الباب حول دور العلمانيين المسيحيين في الرقابة الجماهيرية على الكنيسة، وفي محاسبة الإكليروس الذين يتصرفون باعتبارهم مُلاّك الكنيسة، حيث يُعطى لهم سلطان مطلق دون أيّ رِقابة عليهم، ويتصرفون كيفما يشأون ولا يسمحون لأحد أن يعارضهم أو يسألهم بدعوى أنهم وكلاء المسيح، حتى أفقنا من نومنا ونحن نرى كل أسقف يتعامل على أن الإيبارشية المسؤول عنها مجرد أبعادية، أو عزبة، أو مملكة خاصة، لا يمكن أن يتدخل أحد ويتجرأ ويسأله عما يفعل، فلا توجد مجالس رقابية من العلمانيين الذين من المفترض لهم دور في إدارة شئون الكنيسة مع الإكليروس، ولا يوجد سن للتقاعد، ولا تسمح قوانين الكنيسة باستبدال الأسقف، ودرزينة إدارية متهالكة توقف تطويرها منذ مجمع نيقية. الآن هل يمكن أن يتدخل البابا ومجمع الأساقفة للفصل بين مطران المنوفية وكيرلسالذي أصبح مستقبله المهني كمعيد بكلية الهندسة على المحك، أم أن مطران المنوفية لا يمكن محاسبته من مجمع الأساقفة على تصرفاته تجاه رعيته التي تئن من ممارسة السلطوية في المنوفية؟فإن كان لكم محاكم في أمور هذه الحياة، فأجلسوا المحتقرين في الكنيسة قضاة! لتخجيلكم أقول. أهكذا ليس بينكم حكيم، ولا واحد يقدر أن يقضي بين إخوته؟ (رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس 6: 4-5) --- ### جدلية التاريخ والماضي - Published: ۲۰۲٤-۰۱-۰۹ - Modified: 2025-03-18 - URL: https://tabcm.net/16700/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أفيزر تاكر, الأصولية, فريدريك فيلهيلم نيتشه لفظة “التاريخ” تساوي عند السّواد الأعظم من القُرّاء لفظة “الماضي”، فدارسي التّاريخ عادةً ما يُلقَّنون المعلومات، فيحفظونها عن ظهر قلب، ومن ثمَّ يُلقنونها لآخرين، أو يستخدمونها في حُججهِم باعتبارها الماضي والحقيقة. لكي نفهم ما هو التّاريخ، علينا أن نُفرِّق بين: الماضي، والتّأريخ للماضي لفظة “التاريخ” تساوي عند السّواد الأعظم من القُرّاء لفظة “الماضي”، فدارسي التّاريخ عادةً ما يُلقَّنون المعلومات، فيحفظونها عن ظهر قلب، ومن ثمَّ يُلقنونها لآخرين، أو يستخدمونها في حُججهِم باعتبارها الماضي والحقيقة.  لكي نفهم ما هو التّاريخ، علينا أن نُفرِّق بين: الماضي، والتّأريخ للماضي. الماضي هو “ما كان” و”ما حدث”، ما لا يتبقّى منه سوى الآثار والشذرات. أما التّأريخ historiography هو استخدام تِلك الآثار والشّذرات لإعادة تكوين صورة عن الماضي. في ذلك التّصوُّر كل تاريخ هو تصوُّر، أو بالأحرى قصّة عن الماضي، وإن أردنا أن نستخدم كلمة “الحقيقة” في سياق السّؤال عن “ما كان” فالحقيقة هي الماضي، الحقيقة هي ما لا نعلمه بالكامل، وهي ما نُحاول رَسم صورة له من خلال دراسة ورَبط ما بقي منه من آثارٍ وشذرات. تتضِح جدليّة الماضي-التاريخ أكثر حينما نُقابلها بجدليّة المعنى-النصّ. مُهمّة المُفسّر هي الوقوف على قصد كاتب النصّ، ومن خلال الكلمات والتّركيبات اللغويّة، يرسم المُفسِّر تصوُّراً لما كان في ذهن الكاتب حينما كتب النصّ. ولأن الكاتب غائب ((ما يُعبَّر عنه في الأدب بموتِ الكاتب. )) فالمعنى غائب، لا يسَع المُفسِّر إلّا أن يستخدم أدواته وأحيانًا خياله للاقتراب نسبيًا من المعنى. تُشبه مُهمّة المؤرِّخ مُهمّة المُفسِّر، فكلاهُما يتعقَّب ما لا يعرف، وكلاهُما لا يرجو اليقين. أفضل ما يُمكن أن يصل إليه المُفسِّر والمؤرّخ هو نظرية ذات قوّة تفسيريّة  explanatory power يُمكنها -بقدر الإمكان- أن تُفسِّر شذرات الماضي على ألا تتجاهل -بقدر الإمكان- أيّاً منها. وعليه، فالتّصوُّر التّاريخي الأفضل هو ما لا يتجاهل أيّاً من المعطيات المطلوب منه تفسيرها. أيّ حدث في الماضي هو شبكة شديدة التّعقيد تتداخل فيها مجموعة عوامل لا يُمكن قياس إسهام كل منها في الحدث بشكل موضوعيّ. تخيّل الموقف التّالي: اجتمع عشرة أشخاص في غرفة ومع كل واحد منهم فرشاة ولون مُختلف، وبدأ كل منهم بالرّسم على الجدار. بعد ساعة من الزّمن مرّ ثلاث أشخاص أمام باب الغرفة ونظر كل مِنهُم مِن زاوية مُختلفة، فرأى الأوّل شخصين في الغرفة، وأيضًا رأي ما رسموه والألوان التي استخدموها. أما الثّاني فرأى أربع أشخاص، وهكذا الثّالث خمس أشخاص. كتب كُلّ منهم ما رآه، فوصف الأشخاص ومكانهم من الغرفة وما رسموه على الجدار. وبعدما انتهى كل منهم من الكتابة ترك ما كتبه ورحل، وأيضًا رحل من كانوا داخل الغرفة واغلقوها، وتركَ ثمانية منهم أدواتهم أمام الحجرة. بعد ذلك جاء آخَر فقرأ ما كتبه الثّلاثة الذين مرّوا أمام الغرفة ووجد الأدوات وبدأ يتصوَّر ما حدث في الغرفة.   الآن، يُمكن أن نشرح ما حدث بوضوحٍ أكبر. الماضي هو الغرفة، ومَن في الغرفة -كلّ منهم بفرشاته ولونه- هم العوامل التي شكّلت الحدث . يرى المُعاصرين للحدث الأمر من زوايا مُختلفة، لا يُمكن لأحد منهم أن يرى الغرفة كمن هم في داخلها، ولا يعلم أيّ من المُراقبين دوافع مَن في الغرفة. أدرك المُعاصرين الحدث من الزّوايا التي نظروا منها، وسجّلوا رؤيتهم بناءًا على تصوُّرهم الشخصي، فمثلًا المُعاصر الأوّل رأى العاملين 1 و2 وبالتّالي تصوُّره للحدث سيرتكز على عاملين فقط، بينما المُعاصر الثّاني رأي أربع عوامل (1 و2 و3 و4)، وبالتّالي ستكون رؤيته للحدث أكثر تركيبًا من الأول، بينما رأى الثالث خمس عوامل (1 و4 و5 و6 و10) من شبكة الحدث المُعقّدة، ولكن ينقُص تصوُّر كل منهم بعض العوامل، ويفتقد الثلاثة جميعًا عوامل أخرى (7 و8 و9). ترك المعاصرون كتاباتهم ورحلوا (ماتوا)، وخرج المُشاركين في الحدث من الغُرفة واغلقوها، كما أن الماضِ مُغلقٌ inaccessible أمام المُؤرِّخ، فلا يبقى أمامه سوى الاعتماد على بقايا الحدث (الثّمان فرشات المَتروكة) والمعلومات التي تركها الذين شاهدوا الحدث بجميع نواقصها وإشكاليّاتها. مما سبق نجد أن رؤية المُعاصرين للحدث هي بالضّرورة ناقصة، ولكنّها لا تتساوى في النّقص، وبما أن مُهمّة المُؤرّخ تبدأ من المصادر القديمة، بالتّالي كل تصُّور ناقص بالضَّرورة، ولكن لا تتساوى جميع التَّصوُّرات في الخطأ، ويظل عامل القياس هو قُدرة كل تصوُّر على تفسير عدد أكبر من الآثار التي تركها الحدث. في الحدث الموصوف، سجّل المُعاصرين سبع عوامل شَكّلت الحدث، ويرى المؤرّخ أثر ثماني عَوامل، لكنّه لا يعرف (المؤرِّخ، ولا عَرف المُعاصرون) حقيقة عدَد العوامل المُشاركة في الحدث ولا حجم تأثير كل منها في الحدث، وبالتّالي على المؤرّخ أن يُدرك أن تصوُّره النّهائي للحدث مشوب بالنّقص والجهل ولا يساوي بأي حال من الأحوال الماضي نفسه، فأي تصوُّر عما هو داخل الغرفة المُغلقة وعلى الجدران لا يساوي ما هو داخل الغرفة فعلًا، بل هو تصوُّر، أو إعادة بناء، من خلال المعلومات الجُزئيّة والآثار الباقية من الحَدَث. في التأريخ، كما في الحياة والعلوم، تُوجد هُوّة ما بين المعلومات المُتاحة والشيء موضِع الاهتمام. الإشكالية المعرفية عامّة للغاية. في دراسة التّاريخ نهتم بأشخاص في الماضي، بأفعالهم وأفكارهم وأدواتهم. كلّ ما ينبغي أن نتعامل معه كدليل هو نصوصهم الباقية وما تبقّى مما استخدموه. ادعاء المعرفة بالماضي البشري هو افتراض معرفة ما يتخطّى الإدراك المُباشر، وهذا يطرح السؤال عن الدِقة. ((Tucker, Aviezer, ed. A Companion to the Philosophy of History and Historiography, Vol. :107, 2011, p. :9 )) تخطّي الهوّة ما بين الدّليل المُتاح والشيء التّاريخي موضع البحث يواجِه صعوبتان مُختلفتان: الأولى هي أن الأشياء التي نرغب أن نعرف عنها هي في الماضي، ماتت وانتهت وصارت غير قابلة للمُشاهدة. والثّانية هي أن مُعظم ما يُفحص تاريخيّاً هو أشخاص ذوي إرادة وتفرُّدات وليسوا من ثقافتنا، لذلك فهمهم مُقدّر له أن يكون أكثر صعوبة من فهم جيراننا ومواطني دُوَلنا. Aviezer Tucker, A Companion to the Philosophy of History and Historiography باعدت ما بعد الحداثة بين التّاريخ والماضي، نازعةً التّاريخ من يد الأصوليّة التي طالما استغلَّت التّاريخ لاحتكار الحقيقة، وبالتّالي السّلطة. اليوم لم يُعد الخلاف التّاريخي خلافًا حول المصادر، فالمصادِر مُتاحة للجميع، جدل اليوم هو حول المَنهجيَّة بالأساس. ولأن ما بعد الحداثة قد أثرت التأريخ كثيرًا، وشكّلت مَنهجيَّته على مناحٍ عدّة، وجب أن نشرح بعد أعمدة ما بعد الحداثة. تشتهر ما بعد الحداثة بإنكار الحقيقة، وهي عبارة لا تخلو من خطأ. اعتاد Martin Heidegger أن يضع خطّاً على كلمة الكينونة Sein كي يُشير إلى قصور اللفظة وإلى ضرورتها في الوقت نفسه. ((Derrida, Jacques.  Of Grammatology. JHU Press, 1997, p. xiv )) لا يرى فلاسفة ما بعد الحداثة جدوى لكلمة “الحقيقة” ((من هذه النقطة وإلى نهاية السلسلة، سنضَع خطاً على كلمة: “الحقيقة” للتّذكير بقصور اللفظة. )) إذ أن “الحقيقة” يستحيل التّعبير عنها، ولكن تُستخدم فقط لعدم وجود بديل أكثر قُدرة على التّعبير. السّبب في لا جدوى كلمة “الحقيقة” هو أن الحقيقة هي مجهول يسعى النّاقِد الأدبي والمؤرِّخ لتكوين تصوُّر عَنهُ، لذا فأيّ حديث عن “الحقيقة” لا يُمكن ربطه “بالحقيقة” نفسها أو باعتباره مساويًا لها، بل ما هو إلّا تأويل. بشكل أكثر حدّة، صاغ الألماني فريديريك نيتشه هذا الفكرة فقال: لا توجَد حقائق قائمة بذاتها، فقط توجَد تأويلات. ((Brown, Callum G.  Postmodernism for historians. Routledge, 2013, p. :4. )) وعليه، فلا يُمكن للمؤرِّخ أن يتكلَّم عن “الحقيقة”، بل عن الصًّورة التي رسمها للماضي من خلال آليّات بحثه. هذه القراءة وإن كانَت تُضفي شكّاً على التَّاريخ، إلّا أنّها تنزع عباءة اليقين عن القراءات الكلاسيكيَّة التي رسّخت نفسها كعقائد ومُسلّمات ينبغي أن تؤخَذ أو تُرفض بمجموعها. وأيضًا فتحت مجالًا لمُراجعة التّاريخ بعدما رسمت روايات مؤرّخي الجماعات الأولى تصوُّرات عن الماضي استقرت لقرون حتّى أخذت من العقول مَوضعَ الإيمان. بذلك الميل إلى تجنُّب استخدام لفظة “الحقيقة” أسقطت ما بعد الحداثة السُّلطة. فبكون “الحقيقة” مجهولة سقطت سُلطة “الحقيقة” عن كلّ من وما دعم موقفه بها وصار السُّؤال أوّلاً وأخيرًا سؤالًا عن طبيعة المعرفة ومنهجيَّاتها. --- ### قراءات سكندرية لكتابات خلقيدونية - Published: ۲۰۲٤-۰۱-۰۸ - Modified: 2025-02-02 - URL: https://tabcm.net/17021/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: أثناسيوس حنين, الأوطاخية, الكنيسة السريانية, الكنيسة الهندية, الكنيسة اليونانية, بابا شنودة الثالث, سويريوس روجيه أخرس, في سي صموئيل, قديس أثناسيوس الرسولي, مجمع خلقيدونية, معهد الدراسات القبطية, مونوفيزتية بعد قرونٍ طويلة من ترسيخ الاتهام بالهرطقة بحق اللا خلقيدونيين، وإغراقهم بنعوت الأوطاخية والمونوفيزتية واليعقوبية، هناك واقع جديد يتشكّل، قادت إليه حركة الترجمة والبحث المتسارعة حاليًا، وظهور بعض النصوص التي لم تكن معروفة قبلًا، أو حتى محفوظة بلغات لم يتم التطرق إليها سابقا كالسريانية مثلًا بعد قرونٍ طويلة من ترسيخ الاتهام بالهرطقة بحق اللا خلقيدونيين، وإغراقهم بنعوت الأوطاخية والمونوفيزتية واليعقوبية، هناك واقع جديد يتشكّل، قادت إليه حركة التَّرْجَمَةً والبحث المتسارعة حاليًا، وظهور بعض النصوص التي لم تكن معروفة قبلًا، أو حتى محفوظة بلغات لم يتم التطرق إليها سابقا كالسريانية مثلًا. هذا الواقع يقود إلى مأزِق خلقيدوني عميق (ما زال محصورًا على مستوى الدراسات ولم يصل للمستوى الشعبي) فالمآخذ التاريخية عديدة، وينبغي الاعتراف بها حتى يكون هناك قدر من الموضوعية، وفي المقابل لابد من إيجاد "تخريجات" وتبريرات لحفظ ماء وجه المجتمعين في خلقيدونية، والخلقيدونيين. المؤسف أن كنيستنا خارج هذا المعترك تمامًا، لدينا أسقف أو اثنين قادرين على الانخراط الفعال من جهة العلم -باقي الأساقفة في حالة من الجهل المريع وحديثهم لا يخلو من الهرطقات- ولا أعلم ماذا يمنعهم من الإسهام الفعال في الدفاع عن إيماننا. ليس لدينا دارسين حقيقيين، وهو أمر مفهوم، فأني لهم أن يدرسوا بعد أن شنت حروب ضارية على العلم والتعلم في الحبرية السابقة، وتم تشريد كل من تلقى تعليمًا حقيقيًا، ومع تحويل الكليات الإكليريكية ومعهد الدراسات القبطية من معاهد علم إلى مزارع لتفريخ الهرطقات والجهال في الحبرية السابقة نفسها. الحال نفسه في باقي الكنائس اللا خلقيدونية، وأن كان يداعبني بعض الأمل في الكنيسة الهندية التي أهدت لنا العلامة "في سي صامويل" ولا شك أنها قادرة على الاستمرار، وبعض الأمل أيضًا في الكنيسة السريانية، لوجود مَطْرَان شاب متميز نائبًا بطريركيًا للدراسات السريانية، هو الأب "سويريوس روجيه أخرس" الذي لا ينقصه العلم ولا الشجاعة، وأرى خطوات جدية وإن احتاج الأمر إلى جهد مؤسسي كبير. ستكون هذه السلسلة بمثابة تطبيقًا عمليًا لازمًا لما تدارسناه سويا في سلسلتي كنيستنا وتدوير الهرطقات ((راجع سلسلة: كنيستنا وتدوير الهرطقات )) وسلسلة مفاهيم لاهوتية ((راجع سلسلة: مفاهيم لاهوتية )) وستنتهج قراءتنا استراتيجية تبرز وتؤطر وتعظم الاستفادة من الاعترافات الخلقيدونية الواردة بالكتابات، بحيث نعيد كتابة التاريخ المبعثر، وننهي أي شكوك اكتنفت هذه المواقف سابقًا. ثم دحض التبريرات التي سيقت لإسباغ المشروعية على المواقف محل هذه الاعترافات. قراءتنا الأولى ستكون لمقال له أهمية استثنائية: الأصل الكيرلسي للصيغة الخلقيدونية؛ في طبيعتين ((الأقباط متحدون، مقال: الأصل الكيرلسي للصيغة الخلقيدونية "في طبيعتين" )) وكنا قد فندنا سابقًا هذه الصيغة في المقال من طبيعتين vs في طبيعتين ((راجع مقال: من طبيعتين vs في طبيعتين ))، فسنقرأ معا كيف يدافع الخلقيدونيون عن هذه الصيغة. على أن أهمية المقال تنبع من أهمية كاتب المقال، وأهمية مترجمه إلى العربية، الأول هو البروفيسور "جيورجيوس مارتيزيلوس" أستاذ العقائد بكلية اللاهوت جامعة "تسالونيكي" وهو معلم بارع ومدافع جَسور عن الخلقيدونية، أما الثاني فهو البروتوبريسفيتيروس "أثناسيوس حنين" والحديث عنه "كله" شجون، فالعالم والكاهن القبطي واسع المعرفة تم التنكيل به حتى "شلحه" من شنودة الثالث وزبانيته، الذين خاصموا العلم خصام الأعداء الألداء، ثم بعد أن انتقل الرجل كاهنًا في الكنيسة اليونانية تنكر لقبطيته وبدا وكأنه قد ارتدى قبعة بيزنطية منذ ولادته. فإلى المقال المقبل. --- ### كن مسيحًا وإلهًا في حبك - Published: ۲۰۲٤-۰۱-۰۷ - Modified: 2024-01-06 - URL: https://tabcm.net/16982/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: ڤيودور ميخائيلوڤتش دوستويڤسكي تجربتي الشخصية في الحب تخالف ما تشعر به أيها العزيز دوستويفسكي وما كتبته في رواية الجريمة والعقاب. وسأخبرك لماذا؟ ولكن بعد عرض ما قلته أنت أولًا يا صديقي. كل الذين أحبوني وأحببتهم رائعون في البداية. كالجميع كلهم رائِعون في البدايات:الونس، الردود الطيبة، والشغف؛ أما عني فكُنت دائماً أبحث عما هو بعد هذه الخطوة. فقط البدايات رائعة في كل شىء، لكن الوقت يُبرد مشاعرهم. الوقت يكشف أن اقترابهم مني كان بدافع الفضول أو مجرد نوبات احتياج (فيودور دوستويفسكي) وأنا أقول لك يا دوستويفسكي: أنه ما خلا شعوري بالألم لبعاد محبوبي، أيًا كانت أسبابه وهي حقه، فإن حبي لمحبوبي خالد لا يموت لان الحب حياةَ حق لا يموت. لذلك أبقى بالرغم من عدم بقاء محبوبي. لأني حبي لا يموت مهما بردت محبة المحبوب. إن قولك أيها العزيز دوستويفسكي "أما عني فكُنت دائمًا أبحث عما هو بعد هذه الخطوة (أي البدايات الرائعة)"، كان لابد أن يتضمن اعتبار الإنسان مخلوق ضعيف، كثيرًا ما يخور في الطريق وتخفت فيه علامات الحياة والحب. وأنت كحكيم زمانك ما كان يجب أن تربط نعمة الحياة/ الحب فيك بما في محبوبك واحتمالات تغيره. فعندما تحب يا دوستويفسكي فلتقتفي أثر مسيحك الذي" أحبنا ونحن بعد خطاة"، ولا زال يحبنا بالرغم من ضعفنا. ولأن مسيحنا هكذا هو في حبه، لذلك فهو الإله. لأن حياته وحبه فيها لا ينتهي وقفا على برودة محبوبه الإنسان. لذلك فنصيحة أخوك الصغير إليك يا دوستويفسكي: كن مسيحًا وإلهًا في حبك لمحبوبتك. --- ### [١٦] أم كيرلس - Published: ۲۰۲٤-۰۱-۰٦ - Modified: 2024-01-06 - URL: https://tabcm.net/14638/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون يا أم كيرلس، أنا مليش دعوة، روحي اشتكي للأسقف هو اللي قال إن شارعكم مش تبعنا، روحي قولي له رحت لأبونا حزقيال ومرضيش يساعدني مضى حوالي أسبوعان على الاجتماع الشهرى، وفي يوم الأحد وبعد انتهاء القداس، كان أبونا أنجيلوس وأبونا بطرس كل يجلس على مكتبه في حجرة آباء الكنيسة. كان أبونا أنجيلوس يراجع بعض المستندات والملفات الخاصة بإخوة الرب، ويطابقها بالنسخ الموجودة على اللابتوب الخاص به، وأبونا بطرس مشغولًا بعدة كتب أمامه وأكثر من ملف و صفحة على الإنترنت، يبدو أنه كان منهمكًا بتحضير محاضرة أو عظة. نظر له أبونا أنجيلوس قائلًا: عارف يا أبونا، الناس عاوزة التعليم البسيط، ما قل و دل، الناس معندهاش استعداد تحضر قداس العظة لوحدها فيه أكتر من ساعة إلا ربع، الناس وراها أشغالها وارتباطاتها. أبونا بطرس رفع عينه وبص لأبونا أنجيلوس، ومعلقش. . أبونا أنجيليوس كمل كلام عادي: فكرك حد بيفهم حاجة من الكلام الكبير والكتير اللي اتقال ده؟ أنا عارف إن حماسة البدايات لسه واخداك، بس راعي إنك بتوعظ في قداس، مش كلية شنغاهاي اللاهوتية! - حاللني يا أبويا، بس زي ما بنعود المعدة على نوع وكمية الأكل اللي بناكله، فهيّ بتشتغل وبتقدر تهضم أكلات كتيرة مصرية، لو حد أجنبي جه زار مصر ميقدرش يأكلها، ولو بس جربوا ياكلوها مش بعيد يدخلوا المستشفى، العقل كمان نقدر نمرنه، وعلى حسب ما نعلمه وتعوده هيتعود، اللي أتعود يشرب لبن ومتفطمش عمره مهيقدر يأكل طعام البالغين، لكن اللي يعود نفسه على طعام البالغين: اللبن ميشبعوش. - وقدسك بقى شايف إن الشعب اللي قدامك يقدر يفهم طعام البالغين. - الرك دائمًا على المُعلم، اللي يقدر يقدم محتوى جيد بطريقة سهلة و بسيطة. - أنا واثق إن محدش قاعد فاهم حاجة، يا أبونا خلي اللاهوت والعقيدة وأثناسيوس و كيرلس للاجتماعات المتخصصة، خليك مع الشعب في البسيط، الله محبة، كلمهم عن التوبة، عن العشور، عن الصلاة، خش قلوبهم وبلاش كلكعة. - لما تكون تعاليم أثناسيوس وكيرلس كلكعة، وإحنا في القرن ال ٢١ مش قادرين نقدم تعاليم قالوها وعلموا بيها الآباء من القرن الثاني للخامس يبقى تعليمنا فيه مشكلة، وتبقى رؤيتنا للتعليم الكنسي محتاجة إعادة منظور. قاطع حديثهما طرقات المكتب، ليدخل أستاذ منير موجهًا حديثه لأبونا أنجيلوس: فيه واحدة ست غلبانه اسمها أم كيرلس مصممة تقابل قدسك و بتقول إن جوزها عيان وبيموت. أبونا أنجيلوس: أه عارفها أم كيرلس، اللي ساكنة في شارع علي بدرخان، جوزها عيان وعنده القلب وعاوز عملية، بس قولها إن شارعهم خرج في التقسيم الجديد من إشراف كنيستنا، قولها تروح لأبونا حزقيال في كنيسته هيَّ دلوقتي تبعه. - غلبت يا أبونا معاها أفهمها، إنها تفهم، مبتفهمش، مصممة تقابل قدسك. - خلاص خليها تدخل، لما نشوف أخرتها. خرج منير لينادي على أم كيرلس، ونظر أبونا أنجيلوس لأبونا بطرس قائلا: وأدي الكنايس اللي حوالينا، عمالين يبعتولنا الناس بتوعهم، إحنا أصلا مش ملاحقين على أخوة الرب المسجلين عندنا، نجيب منين؟! ! دخلت أم كيرلس، وكانت ملامحها وملابسها بسيطة جدًا، ويبدو عليها التعب والإجهاد، وذهبت وقبلت ايدين أبونا بطرس الذي سحبها مباشرة، ثم توجهت لأبونا أنجيلوس و قبلت يديه. - أقعدي يا أم كيرلس، خير؟! - أرجوك يا أبونا أنا واقعة في عرضك، أبو كيرلس تعبان جدًا وفلوسنا كلها خلصت، والدكتور طالب أشعّة وتحاليل ومش عارفة إيه رنين وحاجات كتيرة أوي، كل ده غير العلاج. - طب مش انتي يا أم كيرلس عارفة إن سيدنا أما عمل تقسيم الشوارع، بقى الشارع بتاعكم مش تبعنا. - يا أبونا بس إحنا طول عمرنا بنصلي هنا وبنحضر قداسات هنا، والأبهات هنا هما اللي نعرفهم ويعرفونا، الأبهات هناك ميعرفوناش. - هيفتقدوكم ويعرفوكم يا أم كيرلس. - عبال ما ده يحصل، يكون أبو العيال راح مني ومات! - ربنا يديه الصحة يا أم كيرلس، بصي إحنا سلمنا ملفاتكم، وديه تعليمات الأسقف، ومينفعش نكسر كلامه، شارعكم مبقاش تبع كنيستنا، روحي لأبونا حزقيال وهو يشوف طلباتك. - ماهو أنا روحت له، وقال لي هيدرس الحالة بتاعتنا، عشان هو عنده حالات كتيرة من زمان، أنا تعبت يا أبونا، وجوزي بيموت، أنا مالي أنا بخريطة المنطقة وبيتنا اللي كان تبعكم الأسقف خلاه مش تبعكم، مين يقف جنبينا، أشتكي لمين بس يا ربي، جوزي بيموت، مش ده ابنكم برضه ولا إيه، مش لما كان بصحته وكان شغال على توكتوك كنت تناديه قدسك ميقولش لأ، ابنك بيموت يا أبونا وعاوز فلوس علشان الإشاعات، أمال لما أقولكم على فلوس المستشفى هتعملوا فيّا إيه؟ - يا أم كيرلس، أنا مليش دعوة، روحي اشتكي للأسقف هو اللي قال إن شارعكم مش تبعنا، روحي قولي له رحت لأبونا حزقيال ومرضيش يساعدني. - روحت، هو أنا كنت مستنية؟! ! روحت، بس مرضيوش يطلعوني ليه، قالوا لي مش بيقابل حد، روحي كنيستك خدي منها. - خلاص يا أم كيرلس، اسمعي الكلام، وروحي كنيستك، وخدي منها. - ما هيّ دي كنيستي يا أبونا! - أقصد الكنيسة التابعة ليها كمربع سكني. قاطع حديثهما أبونا بطرس: حاللني يا أبي، هأسيب قدسك وهنزل أنا أعمل حاجات في الكنيسة اللي تحت. نظرت ليه أم كيرلس: ما تحضرنا يا أبونا بطرس، قول حاجة، انت شكلك طيب وإبن حلال وهتقف جنبي، الراجل بيضيع مني يا ولاد! رد أبونا أنجيلوس: ماشي يا أبونا بطرس، أتفضل قدسك وعاوزين نكمل موضوعنا اللي فتحناه النهاردة. - بإذن الله يا أبونا. ثم نظر لأن كيرلس قائلًا: ربنا يساعدك يا أم كيرلس، و يسدد احتياجاتك، و يقوم لك أبو كيرلس بالسلامة. ثم خرج وانصرف وأغلق الباب خلفه، لتنظر أم كيرلس بعيون دامعة نحو الباب المغلق للتو وهى تقول: خلاص كده هو ده اللي قدرت تقوله، راجلي هروح البيت الاقيه خف بعد الكلمتين دول؟! قاطعها أبونا أنجيلوس: يلا يا أم كيرلس، هنا مش هنقدر نساعدك، منقدرش نكسر تعليمات سيدنا، زي ما قولت لك محدش هيقدر يساعدك غير الكنيسة اللي بقيتي تابعة ليها حسب تخطيط المربع السكني الجديد. قامت أم كيرلس وظن أبونا أنجيلوس إنها اقتنعت وسوف تتركه وتنصرف، ليفاجأ بها تهبط على ركبها إلى الأرض: أحب على يدك يا قدس أبونا، أبوس رجلك أقف جنبي وساعدنا، لو عاوزين حتى تصورونا وتطلعونا في التليفزيون إننا غلابة ونصعب على الناس وتلموا فلوس وتدوني تمن العلاج والتحاليل والأشعة وتاخدوا الباقي، أنا موافقة. زعق فيها أبونا أنجيلوس وهو بيقولها: اللي بتعمليه ده غلط، أنا عندي حالات قد كده وانتي مبقتيش تبعنا، أعملك إيه؟ مبتفهميش عربي؟! - مبقتش تبعكم؟! بقيت تبع إيه أمال؟! ! الشارع؟! ! ألف وأشحت في الشوارع؟! ! أشتكي لمين يا رب؟! ! روح يا أبونا الله يسامحك، لينا رب أبو اليتامى وقاضي المحتاجين. - بصي علشان بس متقوليش إنك جيتي الكنيسة والمسيح روحك بيتك وأيديك فاضية خدي ال ١٠٠ جنيه ديه خليها معاكي. - يااااه ١٠٠ جنيه بحالهم، بقول لقدسك أدوية وإشاعات وتحاليل بتتعمل في مستشفى الكنيسة الخيري بألوفات، تعمل إيه ال ١٠٠ جنيه دول ما يكفوش الراجل لو مات في دفنته، ويا عالم لو مات هتصلوا عليه وتدفنوه ولا هتسيبوه لكلاب الشوارع عشان مش في المربع اللي حداكم. - خديهم يساعدوكي في أي حاجة، دول أصلا مش من الكنيسة، دول من جيبي الخاص، مينفعش أطلع لك من الكنيسة عشان أنتي مش تبعنا. - كتر خيرك يا أبونا، أنا عرفت خلاص إني مش تبعكم، بس يا خسارة عرفت ده بعد فوات الأوان. غادرت أم كيرلس من مكتب الآباء الكهنة في الدور الثاني، وأغلقت الباب وراءها، لتجد باب الكنيسة على يمين باب الكهنة، وكانت الكنيسة مفتوحة ولكن لا يوجد بها أحد، ومدت نظرها حتى ستر الهيكل دون أن تدخل لتنظر أيقونة المسيح نور العالم. رفعت سبابتها مقابل سبابة المسيح قائلة: أنا شكياهم ليك يارب! شاكية قساوة قلوبهم وتجبرهم على الغلابة والمحتاجين، شاكية النظام اللي يخلينا نفضل فقراء ومحتاجين، شاكية كل حد قوي بينام مرتاح على مخدته وإحنا دموعنا مغرقة بيوتنا ومبتفارقش سرايرنا، شاكية كل حد بيلم فلوس أخواتك الفقراء ويصرفها على الأراضي والزخارف والطوب والمشاريع بدون حساب، وإحنًا بيحاسبونا على كل مليم ألف حساب. ونزلت أم كيرلس على سلالم الكنيسة لتنزل إلى حوش الكنيسة متجهة إلى باب الشارع لتفاجئ بحد بيشد ايديها بقوة وهو يقول: عمال أنادي عليكي وأبسبس لك من الصبح، وانتي ولا هنا. وإذ بأبونا بطرس هو من يشدها من يديها، ويتابع: - خدي الظرف ده، فيه مبلغ صغير، اعملي التحاليل والرنين اللي انتي محتاجاهم، وبكرة تعدي على الصيدلية ديه هتلاقي دكتورة هناك اسمها سارة ولو ملقتيهاش تسألي عليها وتديها الروشتة هتديكي اللي انتي عاوزاه. - روح يا أبونا الله يبارك لك، إلهي يعمر بيتك، ويفتح قدامك كل البيبان المتقفلة، ربنا يسهلك حياتك ويخلي لك عيالك وتفرح بولادهم وأولاد ولادهم. - بس بس، يلا شوفي كنتي رايحة فين، ومتجبيش سيرة إني ساعدتك. - حاضر يا أبونا يا إبن الناس الأمراء، يا حنين على الغلابة يا رب يحنن قلوب الناس عليك زي ما قلبك حنين. انصرفت أم كيرلس وانصرف أبونا بطرس ليلحق بزوجته التي كانت تنتظره في سيارتهم. - إيه يا أبونا تأخرنا على عيد ميلاد الأولاد ولسه عاوزين نشتري التورتة والبلايستيشن اللي واعدهم بيه. - معلش يا سارة هنجيب تورتة بس، العيال مش هتموت لو مجبنلهمش بلايستيشن. - هو مش قدسك خدت الفلوس الصبح من الدولاب اللي بقالنا ٣ شهور بنحوشهم علشان نجيبلهم البلايستيشن زي ما وعدناهم؟ - مظبوط. - طب طالما مظبوط، إيه المشكلة؟! - المشكلة إن مبقاش معايا الفلوس، راحت. - راحت فين؟! ! - راحت لصاحب نصيبهم يا سارة. صمت الاثنان وهما متجهان لشراء تورتة عيد الميلاد، وفي نفس الوقت كان منير يجري مسرعًا صاعدًا لمكتب الآباء الكهنة ليبلغ أبونا أنجيلوس عما رأه في حوش الكنيسة، ليثور أبونا أنجيلوس غاضبا: ده غلط، غلط، غلط، غلط، نكسر كلام سيدنا غلط، نعمل نفسنا كبار ونتصرف من دماغنا غلط، نبين إن إحنا ملايكة والباقي شياطين غلط، نكسر النظام غلط، نكسر كلام الأكبر مننا غلط، غلط، غلط، غلط، أنا مش هسكت، أنا مش هعدي الموقف ده بالساهل، أنا عديت كتير، بس كده بقى زيادة، كده غلط، غلط، غلط. يتبع . . --- ### في حاجة اسمها صهيونية مسيحية حديثة؟ - Published: ۲۰۲٤-۰۱-۰۵ - Modified: 2024-01-04 - URL: https://tabcm.net/16866/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: الشرق الأوسط, رئيس جمال عبد الناصر عندما نتحدث عن "الصهيونية المسيحية"، يجب أن نفهم أن هذا المصطلح قد أثار الكثير من الجدل والتفاوت في تفسيره، وهو يعتبر تواصلًا دينيًا وثقافيًا شاذًا وغريبًا من وجهة نظري، امتد وما زال ممتد على مر العصور، ومع تنوع الآراء والمواقف في سياق العالم المعاصر، نجد أن المسيحية والصهيونية هما من العوامل التي أثرتا بشكل كبير على تاريخ وسياسة العديد من المناطق في العالم، وعلى رأسها الشرق الأوسط طبعا وجنوب أوروبا، إلا أن التحالف بينهما لا يُعتبر أمرًا واضحًا بل ولا مستساغًا بالرغم واقعية وجوده! الصهيونية الحديثة، كما نعرفها حاليًا، هي حركة سياسية استعمارية نشأت في أواخر القرن التاسع عشر بهدف إقامة دولة يهودية في فلسطين، تمثلت هذه الفكرة في إرجاع الشعب اليهودي إلى أرضهم التاريخية كما زعموا، وإقامة دولة قومية لهم. في 1948، تأسست دولة الاحتلال (إسرائيل) وصارت نتيجة منتظرة للحركة الصهيونية العالمية المنظمة، وخلال هذا الوقت، بدأ بعض نجوم السياسة والتجارة والفن من المسيحيين الغربيين بدعم فكرة الصهيونية اليهودية، أبرزهم كان من أقطاب الأعمال التجارية المسيحيين في الولايات المتحدة وأوروبا ومنطقة الأوقيانوس (أوشينيا)، من أمثال دونالد ترامب وروبرت مردوخ مثلًا (حاليًا)، وأضحى هم وأمثالهم ومن معهم ويمثلونهم، يشكلون جزءًا كبيرًا من الداعمين للصهيونية المؤسسة لدولة الاحتلال (إسرائيل) وعبروا عن دعمهم هذا علنا وبشكل أدبي ومادي لعودة اليهود إلى أرضهم التاريخية، حتى لو هذا فوق جثث أطفال فلسطين. ربما يؤمن كثير من المسيحيين خارج العالم العربي للأسف أن دعم إسرائيل هو جزءً من إيمانهم وفهمهم للتاريخ الديني، ويروجون لفكرة أن تحقيق وعد الله لليهود بالأرض المقدسة هو تحقيقً لنبوات كتابية، وأداة لإعادة تكوين الأرض المقدسة وتحقيق السلام في المنطقة، وهناك من يرونها ارتباطًا بالمسيحية وتعزيزًا لهويتها وتاريخها، وفي المقابل، هناك أيضًا مسيحيين -بالذات في العالم العربي- يعارضون الصهيونية بناءً على اعتبارات إنسانية وسياسية، لا علاقة لها بتأييد "حماس" ولا التعاطف مع "العرب المسلمين" تحديدًا! من ناحية أخرى، هناك مسيحيون آخرون يعارضون المسيحية الصهيونية، يعتبر بعضهم أن فكرة إنشاء دولة يهودية في فلسطين ترسخ التمييز الديني والعرقي، وتتعارض مع قيم المسيحية الأخلاقية ومفهوم المحبة والعدالة الاجتماعية، ولا يهضمون بتاتًا بـ"بدعة" أو "هرطقة" أن: "السيد المسيح إسرائيلي عبراني، وكأنه يحمل جواز سفر إسرائيلي لو كان موجود بيننا في زماننا الحالي! "، ولا أن: "الصهاينة الحاليين وأحفاد أحفاد أحفاد من تأمروا على صلبه هم -قال إيه- شعب الله المختار... حاليًا! "، ولا أن: الموضوع سببه "السحر الأسود" الملقب بالعروبة والعروبية الذي أطلقه المارد الشيطاني "جمال عبد الناصر" فشوه بهذا علاقة أبناء الرب يسوع بأشقائهم الصهاينة الإسرائيليين! ليس هذا فحسب، في الواقع، توجد أيضًا تيارات مسيحية صهيونية داخل إسرائيل، حيث يشكل المسيحيون الصهيونيون جزءًا هامًا من المجتمع الإسرائيلي، أذكر أن نشرت روزا اليوسف في منتصف التسعينيات تقريرًا صحفيًا مفاده أن إسرائيل تحتضن 16 ألف مواطن "مصري" هاجروا إليها طوعًا وطواعية بإرادتهم وغالبيتهم طبعا من أصول مسيحية مصرية (للأسف) وكثيرًا منهم حتى الآن يرون في الدولة العبرية الحديثة تجسيدًا لمبادئ المسيحية ومثالًا حيًا لتعايش الأديان! فضلًا على عددٍ بسيط من الأطباء المصريين مثلا الطامعين في معادلة شهاداتهم المصرية بالأمريكية عن طريق الدراسة بإسرائيل بما أنها أقرب جغرافيًا وأوفر ماديًا بكثير، وللأسف خوفهم من المجتمع المصري ونظرته المعادية لإسرائيل ولمن لا يعاديها مثلهم، يمنعهم من الإفصاح عن مشاعرهم التى يؤسفني القول أنه تشوبها الأنانية وتفتقر للانتماء حتى الأدبي (وأعرف شخصيًا واحدًا منهم، ومن أسرة طبية كبيرة). عمومًا، يمكن القول إن المسيحية الصهيونية تعكس تنوع وتعقيد الآراء والمواقف داخل المجتمعات المسيحية تجاه الصهيونية وإسرائيل، وتبقى هذه المواقف محصورة بالأفراد والمجتمعات، وتختلف من شخص لآخر ومن كنيسة لأخرى، وما زلنا نعاني من "تنطع" الكثير من رموز ثورة 2011 المسيحيين للأسف (برضه) -ولو بالقلب واللسان- مما يحدث لأطفال غزة ورفعهم شعار الأنانية وانعدام الانتماء والفردية الأعظم: "وأنا مالي؟" وللحديث بقية طالمَا في العمر بقية. . شالوم! --- ### [٧] التقليد الكهنوتي: طوفان نوح - Published: ۲۰۲٤-۰۱-۰٤ - Modified: 2024-01-04 - URL: https://tabcm.net/15528/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, كتاب مقدس - وسوم: إيلوهيم, التقليد الكهنوتي [P], التقليد اليهوي [J] / [Y], بنتاتوخ, توراة, حام ابن نوح, سام ابن نوح, طوفان نوح, يافث ابن نوح, يهوه يتعامل التقليد اليهوَي مع يهوَه كإله شخصي، يغلق باب السفينة بنفسه على نوح وبنيه، يندم ويتأسف، يتعامل مع الطوفان على أنه أمطار غزيرة. على الجانب الآخر، التقليد الكهنوتي ﻻ يتعامل بحميمية مع الله أبدًا، وتفصل بين الله ونوح مسافة أبعد بكثير، أيضاً يتعامل مع الطوفان ككارثة مياة من كل حدب وصوب وليس أمطارا فقط أحد الثنائيات الموجودة في التوراة هي قصة الطوفان، موجودة في JE في التقليد اليهوَي، وموجودة أيضًا في التقليد الكهنوتي، النصين مُدمجين مع بعضهما البعض في سفر التكوين. لنطالع نص كل تقليد على حدة، بعد فصلهما، ثم نستكمل التعليق: نص الطوفان بحسب تقليد JE ورأى يهوَه أن شر الإنسان قد كثر في الأرض، وأن كل تصور أفكار قلبه إنما هو شرير كل يوم. فحزن يهوَه أنه عمل الإنسان في الأرض، وتأسف في قلبه. فقال يهوَه: «أمحو عن وجه الأرض الإنسان الذي خلقته، الإنسان مع بهائم ودبابات وطيور السماء، لأني حزنت أني عملتهم». وأما نوح فوجد نعمة في عيني يهوَه. وقال يهوَه لنوح: «ادخل أنت وجميع بيتك إلى الفلك، لأني إياك رأيت بارا لدي في هذا الجيل. من جميع البهائم الطاهرة تأخذ معك سبعة سبعة ذكرا وأنثى. ومن البهائم التي ليست بطاهرة اثنين: ذكرا وأنثى. ومن طيور السماء أيضا سبعة سبعة: ذكرا وأنثى. لاستبقاء نسل على وجه كل الأرض. لأني بعد سبعة أيام أيضا أمطر على الأرض أربعين يوما وأربعين ليلة. وأمحو عن وجه الأرض كل قائم عملته». ففعل نوح حسب كل ما أمره به يهوَه. فدخل نوح وبنوه وامرأته ونساء بنيه معه إلى الفلك من وجه مياه الطوفان. وأغلق يهوَه عليه. وحدث بعد السبعة الأيام أن مياه الطوفان صارت على الأرض. وكان المطر على الأرض أربعين يوما وأربعين ليلة. وكان الطوفان أربعين يوما على الأرض. وتكاثرت المياه ورفعت الفلك، فارتفع عن الأرض. وتعاظمت المياه وتكاثرت جدا على الأرض، فكان الفلك يسير على وجه المياه. وتعاظمت المياه كثيرا جدا على الأرض، فتغطت جميع الجبال الشامخة التي تحت كل السماء. خمس عشرة ذراعا في الارتفاع تعاظمت المياه، فتغطت الجبال. فمات كل ذي جسد كان يدب على الأرض من الطيور والبهائم والوحوش، وكل الزحافات التي كانت تزحف على الأرض، وجميع الناس. كل ما في أنفه نسمة روح حياة من كل ما في اليابسة مات. وانسدت ينابيع الغمر وطاقات السماء، فامتنع المطر من السماء. ورجعت المياه عن الأرض رجوعا متواليا. وحدث من بعد أربعين يوما أن نوحا فتح طاقة الفلك التي كان قد عملها، ثم أرسل الحمامة من عنده ليرى هل قلت المياه عن وجه الأرض، فلم تجد الحمامة مقرا لرجلها، فرجعت إليه إلى الفلك لأن مياها كانت على وجه كل الأرض. فمد يده وأخذها وأدخلها عنده إلى الفلك. فلبث أيضا سبعة أيام أخر وعاد فأرسل الحمامة من الفلك، فأتت إليه الحمامة عند المساء، وإذا ورقة زيتون خضراء في فمها. فعلم نوح أن المياه قد قلت عن الأرض. فلبث أيضا سبعة أيام أخر وأرسل الحمامة فلم تعد ترجع إليه أيضا. فكشف نوح الغطاء عن الفلك ونظر، فإذا وجه الأرض قد نشف. وبنى نوح مذبحا ليهوَه. وأخذ من كل البهائم الطاهرة ومن كل الطيور الطاهرة وأصعد محرقات على المذبح، فتنسم يهوَه رائحة الرضا. وقال يهوَه في قلبه: «لا أعود ألعن الأرض أيضا من أجل الإنسان، لأن تصور قلب الإنسان شرير منذ حداثته. ولا أعود أيضا أميت كل حي كما فعلت. مدة كل أيام الأرض: زرع وحصاد، وبرد وحر، وصيف وشتاء، ونهار وليل، لا تزال». وكان بنو نوح الذين خرجوا من الفلك ساما وحاما ويافث. (نص الطوفان بحسب تقليد JE )   نص الطوفان بحسب التقليد الكهنوتي هذه مواليد نوح: كان نوح رجلا بارا كاملا في أجياله. وسار نوح مع الله. وولد نوح ثلاثة بنين: ساما، وحاما، ويافث. وفسدت الأرض أمام الله، وامتلأت الأرض ظلما. ورأى الله الأرض فإذا هي قد فسدت، إذ كان كل بشر قد أفسد طريقه على الأرض. فقال الله لنوح: «نهاية كل بشر قد أتت أمامي، لأن الأرض امتلأت ظلما منهم. فها أنا مهلكهم مع الأرض. اصنع لنفسك فلكا من خشب جفر. تجعل الفلك مساكن، وتطليه من داخل ومن خارج بالقار. وهكذا تصنعه: ثلاث مئة ذراع يكون طول الفلك، وخمسين ذراعا عرضه، وثلاثين ذراعا ارتفاعه. وتصنع كوا للفلك، وتكمله إلى حد ذراع من فوق. وتضع باب الفلك في جانبه. مساكن سفلية ومتوسطة وعلوية تجعله. فها أنا آت بطوفان الماء على الأرض لأهلك كل جسد فيه روح حياة من تحت السماء. كل ما في الأرض يموت. ولكن أقيم عهدي معك، فتدخل الفلك أنت وبنوك وامرأتك ونساء بنيك معك. ومن كل حي من كل ذي جسد، اثنين من كل تدخل إلى الفلك لاستبقائها معك. تكون ذكرا وأنثى. من الطيور كأجناسها، ومن البهائم كأجناسها، ومن كل دبابات الأرض كأجناسها. اثنين من كل تدخل إليك لاستبقائها. وأنت، فخذ لنفسك من كل طعام يؤكل واجمعه عندك، فيكون لك ولها طعاما». ففعل نوح حسب كل ما أمره به الله. هكذا فعل. ولما كان نوح ابن ست مئة سنة صار طوفان الماء على الأرض، ومن البهائم الطاهرة والبهائم التي ليست بطاهرة، ومن الطيور وكل ما يدب على الأرض: دخل اثنان اثنان إلى نوح إلى الفلك، ذكرا وأنثى، كما أمر الله نوحا. في سنة ست مئة من حياة نوح، في الشهر الثانى، في اليوم السابع عشر من الشهر في ذلك اليوم، انفجرت كل ينابيع الغمر العظيم، وانفتحت طاقات السماء. في ذلك اليوم عينه دخل نوح، وسام وحام ويافث بنو نوح، وامرأة نوح، وثلاث نساء بنيه معهم إلى الفلك. هم وكل الوحوش كأجناسها، وكل البهائم كأجناسها، وكل الدبابات التي تدب على الأرض كأجناسها، وكل الطيور كأجناسها: كل عصفور، كل ذي جناح. ودخلت إلى نوح إلى الفلك، اثنين اثنين من كل جسد فيه روح حياة. والداخلات دخلت ذكرا وأنثى، من كل ذي جسد، كما أمره الله. فمحا الله كل قائم كان على وجه الأرض: الناس، والبهائم، والدبابات، وطيور السماء. فانمحت من الأرض. وتبقى نوح والذين معه في الفلك فقط. وتعاظمت المياه على الأرض مئة وخمسين يوما. وأجاز الله ريحا على الأرض فهدأت المياه.   وبعد مئة وخمسين يوما نقصت المياه، واستقر الفلك في الشهر السابع، في اليوم السابع عشر من الشهر، على جبال أراراط. وكانت المياه تنقص نقصا متواليا إلى الشهر العاشر. وفي العاشر في أول الشهر، ظهرت رؤوس الجبال. وأرسل الغراب، فخرج مترددا حتى نشفت المياه عن الأرض. وكان في السنة الواحدة والست مئة، في الشهر الأول في أول الشهر، أن المياه نشفت عن الأرض. وفي الشهر الثاني، في اليوم السابع والعشرين من الشهر، جفت الأرض. وكلم الله نوحا قائلا: «اخرج من الفلك أنت وامرأتك وبنوك ونساء بنيك معك. وكل الحيوانات التي معك من كل ذي جسد: الطيور، والبهائم، وكل الدبابات التي تدب على الأرض، أخرجها معك. ولتتوالد في الأرض وتثمر وتكثر على الأرض». فخرج نوح وبنوه وامرأته ونساء بنيه معه. وكل الحيوانات، كل الدبابات، وكل الطيور، كل ما يدب على الأرض، كأنواعها خرجت من الفلك. وبارك الله نوحا وبنيه وقال لهم: «أثمروا واكثروا واملأوا الأرض. ولتكن خشيتكم ورهبتكم على كل حيوانات الأرض وكل طيور السماء، مع كل ما يدب على الأرض، وكل أسماك البحر. قد دفعت إلى أيديكم. كل دابة حية تكون لكم طعاما. كالعشب الأخضر دفعت إليكم الجميع. غير أن لحما بحياته، دمه، لا تأكلوه. وأطلب أنا دمكم لأنفسكم فقط. من يد كل حيوان أطلبه. ومن يد الإنسان أطلب نفس الإنسان، من يد الإنسان أخيه. سافك دم الإنسان بالإنسان يسفك دمه. لأن الله على صورته عمل الإنسان. فأثمروا أنتم واكثروا وتوالدوا في الأرض وتكاثروا فيها». وكلم الله نوحا وبنيه معه قائلا: «وها أنا مقيم ميثاقي معكم ومع نسلكم من بعدكم، ومع كل ذوات الأنفس الحية التي معكم: الطيور والبهائم وكل وحوش الأرض التي معكم، من جميع الخارجين من الفلك حتى كل حيوان الأرض. أقيم ميثاقي معكم فلا ينقرض كل ذي جسد أيضا بمياه الطوفان. ولا يكون أيضا طوفان ليخرب الأرض». وقال الله: «هذه علامة الميثاق الذي أنا واضعه بيني وبينكم، وبين كل ذوات الأنفس الحية التي معكم إلى أجيال الدهر: وضعت قوسي في السحاب فتكون علامة ميثاق بيني وبين الأرض. فيكون متى أنشر سحابا على الأرض، وتظهر القوس في السحاب، أني أذكر ميثاقي الذي بيني وبينكم وبين كل نفس حية في كل جسد. فلا تكون أيضا المياه طوفانا لتهلك كل ذي جسد. فمتى كانت القوس في السحاب، أبصرها لأذكر ميثاقا أبديا بين الله وبين كل نفس حية في كل جسد على الأرض». وقال الله لنوح: «هذه علامة الميثاق الذي أنا أقمته بيني وبين كل ذي جسد على الأرض». وعاش نوح بعد الطوفان ثلاث مئة وخمسين سنة. فكانت كل أيام نوح تسع مئة وخمسين سنة، ومات. (نص الطوفان بحسب التقليد الكهنوتي) النصّان السابقان، منقولان من الكتاب المقدس الذي بين يديك وتم فصلهما تبعًا لسمات التقليدين. يمكنك عمل ذلك بنفسك في قصة الطوفان بسهولة. جميع كلمات "الرب" في الترجمة العربية لهذه الإصحاحات، هي في أصلها "يهوه"، وبذلك فهي ضمن التقليد اليهوي ، استخرج جميع الآيات كاملة في ورقة منفصلة محافظًا على ترتيبها وسياقها كما هي. وفي ورقة أخرى، استخرج جميع الأيات التي تحتوي كلمة "الله" وبذلك تكون قد استخرجت نصوص التقليد الكهنوتي. ما يتبقى من آيات غير واضحة اسم الألوهة، سيمكنك معرفتها هل هي مصدر كهنوتي أم مصدر JE من الصياغة والأسلوب. مثلًا أن كل الأرقام والتفاصيل المغرقة هي بالضرورة تقليدًا كهنوتيًا (ضُمها للورقة الثانية) وكل الصفات الإنسانية لله هي بالضرورة تقليد JE (ضُمها للورقة الأولى) بنفس الترتيب. وهكذا. يمكنك الاستعانة بالنماذج التي بالأعلى إن تحيرت في فقرة ما. نلاحظ أمرًا مميزًا: برغم أن أصل النصّين المفصولين كان بالأصل نصًا واحدًا، إﻻ أن القطعتين الجديدتين محتفظتان بكيانها ومعناها وتناسقها الأدبي واللغوي بشكل أقوى بمراحل مما كانت عليه عندما كانت مدمجة. هذه ظاهرة يستحيل أن تحدث في أي نص مكتوب بشكل طبيعي. جرّب بنفسك وحاول فصل أي نص من خارج الكتاب المقدس مثلا. ليكن شعرًا أو نثرًا أو جزءًا من رواية. لن تحصل على مثل هذه النتيجة وﻻ حتى نتيجة قريبة منها. سيفسد أي نص تحاول معه ذلك. النص اليهوَي يسمي الألوهة: يهوَه ، النص الكهنوتي يسميها: إيلوهيم ، والتقليدان بعد فصلهما ﻻ نقرأ نصًا ناقصًا أو مشوّها. على الرغم أن هذه ليست لغة النص الأصلية وأنما مترجم! بعد أن تم الفصل، ستجد أن كل قطعة من القطعتين مازالت تجيب على أهم الأسئلة، مثل: - لماذا حدث الطوفان؟ + في التقليدين: لكثرة خطايا البشر. - من الذي أرسل الطوفان؟ + في التقليد اليهوَي: يهوَه ، في التقليد الكهنوتي: إيلوهيم . - من بنى الفلك؟ + في التقليدين: نوح. - من الذي دخل الفلك؟ + في التقليدين: نوح ونسله. - ما فترة الطوفان؟ + في التقليد اليهوَي: 40 يوم، في الكهنوتي: سنة. - كم عدد الحيوانات التي دخلت الفلك؟ + في التقليد اليهوَي: 7 أزواج من الحيوانات الطاهرة وزوجين من غير الطاهرة، في التقليد الكهنوتي: زوجين من كل الحيوانات. - كيف عرف نوح أن المياه جفت؟ + في التقليد اليهوَي: أرسل حمامة 3 مرات، في التقليد الكهنوتي: أرسل غراب مرة واحدة. يتعامل التقليد اليهوَي مع يهوَه كإله شخصي، يغلق باب السفينة بنفسه على نوح وبنيه، يندم ويتأسف، يتعامل مع الطوفان على أنه أمطار غزيرة. على الجانب الآخر، التقليد الكهنوتي ﻻ يتعامل بحميمية مع الله أبدًا، وتفصل بين الله ونوح مسافة أبعد بكثير، أيضاً يتعامل مع الطوفان ككارثة مياة من كل حدب وصوب وليس أمطارا فقط. التقليد الكهنوتي أيضًا يهتم بالأنساب والأعمار وأبعاد السفينة وكل ما هو رقمي أو يوحي بالدقة مع الإغراق في التفاصيل، وهي أشياء لم يكن يهتم بها تقليد JE، أو التقليد اليهوَي عامًة، لكن التقليد الكهنوتي يهتم ويستمر في الاهتمام بها في كل نصوصه في التوراة. ملاحظة أخيرة على قصة الطوفان: في التقليد اليهوي، أخذ نوح 7 أزواج من الحيوانات الطاهرة، وزوجين من غير الطاهرة، أما التقليد الكهنوتي فهو يذكر زوجين سواء حيوانات طاهرة أو غير طاهرة. والسؤال هنا: لماذا كاتب التقليد الكهنوتي يفعل هكذا؟ لماذا يغيّر في عدد الحيوانات الطاهرة الموجودة في التقليد اليهوي؟ لماذا يُصرّ على مثل هذا خاصة وأن التقليد اليهوي مدمج معه وسيقرأن سويًا؟ والإجابة: لأنه في التقليد اليهوَي، نوح عندما خرج من الفلك، قدم ذبيحة شكر ليهوَه. بينما التقليد الكهنوتي ﻻ يقدم أو يذكر أيّ قصص لأيّ ذبائح قبل ذبيحة هارون، هارون ونسله فقط هم الذين يقدمون الذبائح، وﻻ أحد غيرهم، وﻻ أحد قبل هارون يملك أن يقدّم ذبيحة طبقًا لمعتقداتهم. إنّ تأكيد التقليد الكهنوتي على أن نوح دخل الفلك بزوجين من الطاهر وغير الطاهر، هي عملية تأكيد على أن نوح لم يقدم ذبيحة ليهوَه بعدما خرج من الفلك، لأنه إن فعل في حال وجود زوجين فقط، فمعناه انقراض نوع كامل. ولذلك، فهو يؤكد على أنهم زوجين من الطاهر وغير الطاهر، وعلى هذا، فلا يوجد ذِكر لنوح وهو يقدم ذبيحة في التقليد الكهنوتي والقصة فيه تنتهي بخروج نوح والحيوانات من السفينة. كل هذا يفعله التقليد الكهنوتي لأنه يرى أن هارون ونسله الكهنوتي فقط هم الذين من حقهم تقديم الذبائح. --- ### أين ذهب القديس يوسف النجار؟ - Published: ۲۰۲٤-۰۱-۰۳ - Modified: 2024-07-10 - URL: https://tabcm.net/16965/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, شئون علمانية, كتاب مقدس - وسوم: الإصلاح البروتستانتي, الشيوعية, الكنيسة الكاثوليكية, باروخ سپينوزا, بول بايان, بيوس التاسع، بابا روما, تطليق, حاخام ليفي بن جرشون, داود النبي والملك, عصر النهضة, قديس بولس الرسول, كمال الصليبي, ليون الثالث عشر، بابا روما, مايكل أنجلو, يوسف النجار على مدار ألفيّ عام، وجدت الكنيسة صعوبة بالغة ولفترة طويلة في تحديد موقع يوسف في مجتمع القدّيسين. فشخصيته حاضرة باقتضاب شديد في المدوّنة الإنجيليّة، وفقط عند متى ولوقا. ربما هي حاضرة بشكل أفضل في الكتب المنحولة. وهي غائبة تمامًا في القرآن، مما أفسح بالمجال للمؤرخ كمال الصليبي للتمييز بين عيسى ابن مريم، وبين يسوع ابن يوسف النجار على مدار ألفيّ عام، وجدت الكنيسة صعوبة بالغة ولفترة طويلة في تحديد موقع يوسف النجار في مجتمع القدّيسين. فشخصيته حاضرة باقتضاب شديد في المدوّنة الإنجيليّة، وفقط عند متى ولوقا. ربما هي حاضرة بشكل أفضل في الكتب المنحولة. وهي غائبة تمامًا في القرآن، مما أفسح المجال للمؤرخ كمال الصليبي للتمييز بين عيسى ابن مريم، وبين يسوع ابن يوسف النجار. في الإنجيل حسب رواية البشير لوقا، نلمس أن وظيفة يوسف هي "إدارية" نوعًا ما، لتسجيل الولد "يسوع"، بشكل قانوني، وربطه بالنسب إلى داود، ثم ينقطع ذكر يوسف في هذا الإنجيل على خلفية حادثة ضياع يسوع في الهيكل وعمره اثني عشر عامًا، إذ وجده أبواه بعد ثلاث أيّام، جالسًا بين المعلّمين: وقالت له أمّه: «يا بنيَّ، لماذا فعلت بنا هكذا؟ هوّذا أبوك وأنا كنّا نطلبك معذّبين! »، فجاء جواب يسوع: فقال لهما: «لماذا كنتما تطلبانني؟ ألم تعلما أنه ينبغي أن أكون في ما لأبي؟» فلم يفهما الكلام الذي قاله لهما. ((راجع إنجيل لوقا 2: 48-50.   ولاحظ أن العذراء مريم تقول ليسوع: أبوك وأنا، في إشارة ليوسف النجّار، بينما هو يرد: في ما لأبي ويقصد "ما لله"، وليس "ما ليوسف". أي أن الإنجيليّ لوقا يرسم يسوع في أذهاننا كمنكر لأبوّة يوسف منذ كان صبيّا وعمره اثني عشر عامًا. )) في المقابل، ينفرد الإنجيل حسب رواية متى، بكون يوسف تلقى بشارة خاصة موازية لبشارة العذراء، تؤكد بتوليّة مريم. فبعد أن ظهر الحمل وعزم يوسف على تطليق مريم سرًا، تراءى له ملاك الرّب وقال له: يا يوسف ابن داود، لا تخف أن تأخذ مريم امرأتك. لأن الذي حبل به فيها هو من الروح القدس. فستلد ابنا وتدعو اسمه يسوع. لأنه يخلص شعبه من خطاياهم. ((راجع إنجيل متى، 1: 20-21. )) أيضًا، ينفرد إنجيل متى بخبر لجوء العائلة المقدّسة إلى مصر. ومجددًا، المعني بتلقي الوحي هو يوسف وليس مريم: ملاك الرب قد ظهر ليوسف في حلم قائلًا: «قم وخذ الصبي وأمه واهرب إلى مصر، وكن هناك حتى أقول لك. لأن هيرودس مزمع أن يطلب الصبي ليهلكه» ((راجع إنجيل متى 2: 13. )). ونفس الأمر في رحلة العودة، ومجددًا، حين سيوجّهه للصعود إلى الجليل بدلًا من الذَّهاب إلى منطقة اليهودية. بشكلٍ عام، يعطي إنجيل متى دورًا أكبر بكثير ليوسف. الوحي يتواصل معه هو ومن خلال مناماته، الأمر الذي يفسح بالمجال لمقارنته بأنبياء العهد القديم، ربّما لاعتباره أخرهم، أكثر من كونه أوّل القديسين المسيحيين. ستتطور المسيحية مسرعة في حركة ابتعاد عن أصولها اليهودية، وحينئذ، لم يكن الأخذ بصورة يوسف القدسيّة هذه في إنجيل متى مستساغًا، فيوسف هو الأب الوثائقي ليسوع، وظهوره كرب الأسرة ربّما يذكّر أو يثبّت هذه الأبوّة الجسديّة المزيّفة، وغير المرغوب التركيز فيها. إلى جانب تعرّض خصوم المسيحية الدائم بعذرية مريم البتول، وتركيز الآباء المؤسسون على وضع البتولية في تراتبيّة أعلى من الزواج ((راجع رسالة بولس الرسول الأولى إلى أهل كورنثوس، الإصحاح السابع كاملًا. ))، الأمر الذي دفع المسيحيون لتدوين أفكارهم الشعبيّة عن يوسف باتجاه المصادر "المنحولة" ، وهذه المصادر ساهمت في إخراج يوسف النجار من الظّل، وأعطته وجهًا وموقفًا وشخصيّة، لكنها حافظت على إظهاره دومًا كطاعن في السن. نذكر مثلًا "تاريخ يوسف النجار"، الذي بقيت منه مخطوطات مترجمة بالعربية والقبطية عن الأصل اليوناني، وفيه يُقدّم يوسف على أنه نموذج للمتنيّح ، إذ يموت وفي جواره يسوع ومريم، وعن عمر مئة واحد عشر عامًا، في وقت كان عمر يسوع ستة عشر عامًا فقط، أي أنّ يوسف وفقًا لهذا النص تزّوج مريم عن عمر خمس وتسعين عامًا. وهذا يختلف بشكل كبير عن التقديرات الرائجة في أماكن أخرى. حياة وسيرة القديسين في السنسكار الماروني مثلًا، تحدّد عمر يوسف بثمانية وثلاثين عامًا، يوم خطوبته على مريم. في كتب "أبو كريفية" أخرى، مثل النص المنحول على متى، سنجد في المقابل صورة سلبية عن يوسف. إذ يعرض هذا الكتاب رحلة العائلة المقدّسة إلى مصر، ومريم التي تستند إلى شجرة نخيل، وتطلب ثمرها، فينهرها يوسف بأنّها تفكر بالثمار العالية التي لا سبيل للوصول إليها، في حين شحت الماء في القربة. يتدخل الطفل الإلهي حينها، ليأمر سعف النخل بأن تهبط وتعطي الثمار لوالدته، مظهرًا محدودية يوسف وعدم قدرته على الفهم. الحال على النقيض في الإنجيل المنحول على توما ((يسمى الإنجيل المنحول على توما أيضًا بالاسم: "تاريخ مولد يسوع". ))، فهنا يظهر يوسف كأب، يحاول بصعوبة شديدة تربية ابن خارق لا يسيطر على قدراته الخارقة، مرة يردي طفلًا صريعًا لأنه تصادم معه، ومرة يهزأ بأساتذته ويسفّه منهم، ويجيد شغل الخشب خير من يوسف العجوز. أما الإنجيل المنحول على يعقوب، فيظهره أرملًا، أنجب عددًا من الأولاد من زيجات سابقة، الأمر الذي يتكفّل بحل إشكالية أخوة المسيح، ومنهم يعقوب ، الوارد ذكرهم في الإنجيل. لقرون طويلة، بقيت مكانة يوسف محيّرة، وضائعة بين سطوع كل من مريم ويسوع. يعتبر المؤرخ بول بايان ((بول بايان، في كتابه: يوسف: صورة الأبوة في الغرب الوسيط، 2006، دار أوبييه الفرنسية. )) أنّ المسيحية أخذت مطولًا بشهادة لوقا على حساب شهادة متى، خصوصًا في الفن الأيقوني في العصر الوسيط، ﻻ سيّما وأنّ لوقا صنّف كرسّام ومؤسس للفن الأيقوني، وشفيعه. وعلى هذا، يوسف النجار لم يحظ بمكانة بارزة طيلة القرون الوسطى، ولم تبدأ مكانته ترتفع بشكل ملحوظ إلا في القرن الخامس عشر، بعد أن مهّد لذلك الحاخام ليفي بن جرشون ((الحاخام ليفي بن جرشون، أو باللاتينية: جرسونيدس، هو لاهوتي عاش في القرن الرابع عشر، وتأثر الفيلسوف سبينوزا بأفكاره. )) ثم الرهبان الفرنسيسكان. على امتداد القرون الوسطى، طغت الإشارة ليوسف على أنّه "زوج مريم" فقط، من دون التأكيد الواضح على قداسته، وكان الفن الأيقوني يظهره بشكل هامشي، كمنزوي في زاوية من اللوحة، عجوز قرب الموقد، أو يحضّر الحِساء للطفل. لا يلغي ذلك أنّه، حتى في عزّ القرون الوسطى، وُجد أيضًا فن أيقوني يعظّم يوسف، ويجلسه على عرش: ارتبط ذلك بمحاولة لإعطاء الأصالة والشرعيّة ليوسف، كونه وريث العرش الملكي لداود، وخدمت أيقونات "يوسف النجار الملك"، على ندرتها، قضية الأباطرة في مواجهة الباباوات، وأولوية الملوك على الكهنة. لكن هذا التقليد بقي معزولًا، ولم يدم طويلًا. ما سيعطي يوسف النجار أهمية تصاعدية في نهاية العصر الوسيط، هو الحاجة إلى التوسّع في مفهوم الأبوة، والحاجة إلى التكافل الاجتماعي. من هنا فرضية بول بايان: رد الاعتبار ليوسف النجار كأب، ورمز للأبوة، سترتبط بفترة نهاية العصر الوسيط، وخصوصًا في مواجهة الطاعون ((بول بايان، كتاب: يوسف: صورة الأبوة في الغرب الوسيط، 2006، دار أوبييه الفرنسية. )). فالطاعون فكّك الروابط الاجتماعية، دمّر الأسر، رمى الكثيرين في المياتم، وصار من اللازم حينها استصلاح فكرة الأبوة، وعدم ربطها بمعناها الحرفي، البيولوجي. اصطدم ذلك بعائقين: هالة العذراء التي لا يمكنها الذَّهاب بعيدًا في تكريس رابطة زوجية مع رجل، وعدم اتصاف سيرة يوسف بالأعاجيب أو المعجزات. لكن ما لم يستطع العصر الوسيط تجاوزه بشكل حاسم، تكفّل به الفن في عصر النهضة، بدءًا بمايكل أنجلو مثلًا، الذي اعتمد على تصّور العائلة المقدّسة كدائرة وليس كمثلث. ثم جاء الإصلاح البروتستانتي، فصارت الحاجة لنموذج ربّ العائلة المبارك من الله أقوى بديلًا عن الكاهن، وهي بالتالي حاجة للمزيد من استحضار يوسف النجار. وهذا بلغ الذروة في كندا، التي تحوّل يوسف النجار إلى شفيعها في القرن السابع عشر. أما في عالم الكنيسة الكاثوليكية، فسيكون علينا انتظار أواخر القرن التاسع عشر، حيث سيكرّس البابا بيوس التاسع القديس يوسف النجّار شفيعًا للكنيسة الجامعة ((أعلنه البابا بيوس التاسع شفيعًا للكنيسة الكاثوليكية عام 1870. وفي عام 1889 حثّ البابا ليون الثالث عشر المسيحيين بالصلاة ليوسف لمواجهة التحديات التي تواجه الكنيسة. )). ومع أن يوسف لن يتحوّل إلى شخصية شعبية في التدّين الكاثوليكي، ولن يكرّس له مبحث لاهوتي خاص به يعرف الآن بـ"اليوسفيات" إلا في القرن العشرين، عندما أدركت الكنيسة كم أن يوسف البتول، النجّار، الكادح، المربّي المتفاني، يمكنه أن يتحوّل إلى رمز عمّالي اجتماعي محافظ وكفاحي في مواجهة الحركة الشيوعية. --- ### أمدح فيكي يا مختارة - Published: ۲۰۲٤-۰۱-۰۲ - Modified: 2024-01-02 - URL: https://tabcm.net/17001/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون, إصلاح كنسي - وسوم: آدم, الكنيسة القبطية, حواء, قديس إيرينيئوس، أسقف ليون مُجَرّد قراءة بس واعيه لِمَا نُرددَّهُ في مِثال آخر لمديحة من مَدايح كَيهك الشهيرة، وهي مديحة: "أمدح فيكِ يا مخّتارة"، مديحة واطس عربي، تُقال على تذاكية يوم السبت. نُحن نؤمن بما نُصلي بِهِ، ونُصلي بما نؤمِن بِهِ (القديس إيرينيؤس أسقف ليون، ضد الهرطقات) دي القاعدة اللاهوتية اللي بيقولوها كل اللي بيتكلموا، والمفروض بيفهموا في اللاهوت! تيجي بقى يا مؤمن لنفس الجماعة دول -اللي المفروض بيفهموا في اللاهوت- تتكلم عن المواويل والمهرجانات والموالد، أو قصدي يعني مدائح العربي في شهر كيهك، تلاقي نفس الناس -اللي المفروض بيفهموا في اللاهوت، وهارينّا وعظ وشعارات- يقولولك نُحن نؤمن بما نُصلى بِهِ، ونُصلى بما نؤمِن بِهِ ((القديس إيرينيؤس، أسقف ليون، ضد الهرطقات. )) همّا هما، نفس الناس، بقدرة قادر، بيدافعوا أو بيتحايلوا أو بيمسكوا العصاية من النُص، في التعامل مع المدائح -اللي ملهاش أيّ تلاته لازمه- اللي بتتقال! ليه؟ دي حاجه هسيبها لذكاء القارئ، اللي هو حضرتك، أيوه أنت اللي بتقرأ دلوقتي المقال ده. هنعمل مُجَرّد قراءة بس واعيه لِمَا نُرددَّهُ في مِثال آخر لمديحة من مَدايح كَيهك الشهيرة، وهي مديحة: "أمدح فيكِ يا مخّتارة"، مديحة واطس عربي، تُقال على تذاكية يوم السبت. المديحة بتاعتنا طويلة شويتين تلاته، فهناخد أجزاء عشان حجم المقال. ونشوف "الشعبويّه في المدائح الكيهكية". أمدح فيكِ يا مُختارة. . يا نسل مُكرَّم مُختار. . بالمزمار والقيثارة. . يمدح فيكِ داود البار. . مااااشي دَخلَه مش وحشه. مدحك غالي وتِجارة. . ياما ربحوا فيه تجّار. . ونالوا بطهارة قدسك شفاعة. . ومعونة وكرامه. . ليه كده ما أنت كنت ماشي كويس، قَلبتَها تجارة، وبيع وخسارة ليه يا نجم. ما علينا! بك نلنا كل الأفراح. . والنعمة والرضا والقبول. . وأعطانا الرب السماح. . حين سُرَّ أن يكون فيكِ بحلول. . لك مِنّى في كل صباح. . ألف سلام يا بكر بتول. . لتسألي الرب مخلصنا. . يوصلنا إلى الميناء بسلام. . بغض النظر عن أن الراجل نيّته حسَنَة بيرمي التمَاسي، ويا حلو صبّح وكده، لكنه بيقول أيّ حشو، كلّه مغالاة إيمانية، إحنا لم نَنل كل، وخط تحتها ميت خط، لم ننل كل الأفراح والنعمة والرضا والقبول، إلاّ بعمل وخلاص المسيح، ربنا وإلهنا ومخلصنا، بما فيهم العذراء نفسها، هيَّ كمان نالت كل الأفراح والنعمة والرضا والقبول. لكن تعال يا نجم، مين سماح دي اللي تُحشُرها في أيّ جملة وخلاص؟ أعطانا الرب السماح؟ سماح مين لمؤاخذة؟ وما علينا من الأخت سماح عشان عندي أزمة معاها ((راجع مقال: ملاحظات على: "سماح الله". )). المهم، الراجل أكّد لينا الفكرة الجهنمية أن المرأة (حواء) هي السبب في بلوتنا اللي حصلت وأسقطت الإنسان، (آدم). فيقول: حواء قد طغت آدم. . وسقته من سمّ الحّية. . طاوعها وأصبح نادم. . عريان من مجد الحريّة. . فتحنن مُنشئ العالم. . مدبّر كل البشريّة. . واختارِك من سبط كريم. . وأعطاكِ مجد وكرامة. . هنعدّي شوية أبيات فيها الرَّمَق شوية. من غيركِ يا بكر بتول. . نسأله في عظم الشدّة. . ونترجاه في يوم مجهول. . الشفاعة والعون والنجدة. . نحن الكل إليكِ نقول. . أنت أولى بالنجدة. . قاصدكِ كيف يناله ضيم. . يا زين العالم بتمامه. . صراحة البكر البتول بحسب الكتاب المقدس لما كان هناك شدَّة في عرس قانا الجليل، هي اللي علمتنا مَهْمَا قَالَ لَكُمْ فَافْعَلُوهُ ((إنجيل يوحنا 2: 5 ))، وراحت سألت من يسوع ليس لهم خمر، دلوقتي مش عارف أصدق الإنجيل؟ ولا اصدق الخاطئ واللي غارق في جهله منذ صباه ناظم دي الأقوال، الأستاذ غبريال؟ مش عارف أصدّق مين؟! بعدين إيه اليوم المجهول ده يا نجم؟ أنا معرفش المجهول، لأن في المسيح يسوع، شمس البر أصبح عندنا اليوم الذي صنعه الرب، فلنبتهج ونفرح فيه. ((المزمور 118: 24 )) وبعدين الشفاعة والعون والنجدة، وأنت أولى بالنجدة. دي بتفكرني بقول عن أخواتنا شركاء الوطن ((راجع القول المأثور: النبي أولى بالشفاعة! ))! ما علينا! ها هو عبدك يترجّاكِ. . لا تنسيني في صلاتكِ. . يا من كل إنسان يدعوكِ. . يترجّى عظيم شفاعتكِ. . عبدِك مسّكين وصعلوك. . متطلّع لسعادتكِ. . كم من غيري قصدوكِ. . بلّغيه مناه بكرامة. . طبعًا أنت مصدقني ولا أحلف لك أنها مكتوبة كده؟ أيوه زي ما قريتها كده، صعلوك متطلع لسعادتك في طبعة بني سويف سنة ١٩٩١، واللي مكتوب صححها المرحوم إقلاديوس بك لبيب ((راجع كتاب: الدرة الأرثوذكسية في تماجيد ومدائح أعياد الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.  ١٩٩١، بني سويف، صفحة ٦٦٩. )). أنا معرفش أمّال لو مكنش صححها، كان قال إيه؟! صعلوك متطلع لسعادتك! صعلوك أمَّا يصعَلكك يا بعيد! سعادتك، أنا مش صعلوك يا إقلاديوس بك، ولا هاردد كلام الصعاليك تاني! وأسأل منكِ شفاعة فينا. . أمام ابنك رب القوّات. . يتفضّل ويساوينا. . بأصحاب العشر وزنات. . وأسألك باسمه غيثينا. . في هذا العالم وفي الآخرات. . كي نفوز بصالح الأعمال. . قبل فروغ الأجيال بالتمام. . طب سعاداتك أنا مش هاعلّق، بس قصدك أننا في الآخرة يعني هنفوز بصالح الأعمال، يعنى الأعمال الصالحة، مش بعمل المسيح وكده، والكلام المسيحي ده وكده! طيب، خلّى الأعمال تنفعك يا صعلوك! (معلش أنت اللي بتقول على نفسك كده، ومؤمن بكدة، لأننا نُحن نؤمن بما نُصلى بِهِ، ونُصلى بما نؤمِن بِهِ، ده وقتها الصح! ) لا تنسينا يا أمّ يسوع. . ولا تُخليني من عشمكِ. . يا من اسمك الآن مرفوعاً. . لا تنسي مَن يذّكر اسمكِ. . عبدك أتاكِ ملسوعاً. . طالب ترياق فمّكِ. . شفاعة عند يسوع ابنك. . تبرّيني وأعود بسلامة. . ملسوعاً! تصدق احسن، حلال فيك تتلسوّع كده! ترياق فم مين ياض؟! مش تحاسب على الكلام اللي بتقوله عشان ميتفهمش غلط! ! ! ما علينا، تنزل المرَّة دي! المهم عشان طوّلت عليكم، تعالوا نتعرف على الصعلوك ده يطلّع مين! (بحسب كلامه عن نفسه، ربنا يجعل كلامنا خفيف عليهم) الأخ كاتب المديحة بيعرّف نفسه آخر المديحة فبيقول: وأنا الخاطئ ناظم ذي الأقوال. . غارق في جهلي منذ صباي. . أقلّ عبيدِك غبريّال. . قاطن في قرية تسمى قاي. . أسأل من جودك يا متعال. . أمّ النور عوني ورجاي. . مريم ذُخري يوم حَشري. . تكون نصري وافرح بقيامة. . بغض النظر عن إنّ لا في كلام مُنَسّق، ولا وزن، ولا قافية، ولا موسيقى، ولا أي إبداع، لكن كويس أننا عرفنا اسم هذا الصعلوك (حسب كلامه عن نفسه، ربنا يجعل كلامنا خفيف عليهم) إنّه؛ ١- خاطئ. (طيب توووووب يا أخي، ولا مبسوط إنك خاطئ) ٢- غارق في جهله منذ صباه. (طب ما تتعلم وكفاية جهل، عميتنا يا أخي بالجهل اللي أنت كاتبه ده) ٣- بيطلّع عنوان شقّته ليه ويقول أنا قاطن في قرية تسمى قاي. ( أنا معرفش فين دي) ((قاي: هي إحدى القرى التابعة لمركز أهناسيا، محافظة بني سويف. )) ٤- مريم ذُخري يوم حَشري. (وطبعًا نقرأ عن يوم الحَشر عند أخواتنا المسلمين بالتفصيل) وأسألك يا زين الأبكار. . يا عون كل المسيحيّة. . وأطلب مِنِّك ليّل ونهار. . يا صاحبة الفضّل علينا. . متخوّف من بحر النّار. . غيثيني بمعديّة. . يا من فعلك مُتقدّم. . بشرط يكون بتمامه. . صاحبة الفضل علينا. . ! ؟ متخوّف من بحر النار. . ! ! ؟ غيثيني بمعديّة. . ! ! ! ؟ يا راجل، ده لاهوت نصلى بيه في الكنيسة لمدة شهر! ده شَبَه أغاني المهرجانات بتاعت الأيام دي! ! ! طبعًا يا من فعلك متقدم. . بشرط يكون بتمامه. . ، دي عايزة صفحة لوحدها، فهنكتفي بأنها أي كلام وخلاص! المهم الراجل فجأة ختم المديحة -ربنا يسامحني على الكذب- بأنه بيتوسّط عند العذراء بمار جرجس، صدقني،، زيمبؤلك كده! ! ومتوّسل ببطل مُسمَّى. . بى اثلوفوروس إم مار تيروس. . نجم الصبح الملطي قسمي. . باشويس ابؤورو جورجيّوس. . طول عمري بجناحه محمي. . وعبده في الرّق المنصوص. . محسوب من جملة عتقائه. . معيني في السّفر والإقامة. . يا زهرة أرض فلسطين. . ويا كوكب دائم الإشراق. . يا جوهر غالي وثمين. . يا من نوره عمّ الآفاق. . عبدِك خاطئ ومسكين. . وزائد عشمي فيكِ بوثاق. . وأقول يا إله مار جرجس. . إنجدني لأفوز بسلام. . مش عارف هو عَبد مين بالظبط؟ عَبد العذراء؟ ولا عَبد ما رجرجس! ؟ ولا إله العذراء وماجرجس! ! ؟ أهو كلّه مااااشي! وإيه حكاية عبده في الرّق المنصوص؟ يكونش ده ليه علاقة باللوح المحفوظ؟! يمكن! نراكم فى كيهك السنه الجاية، وربنا ما يقطعلنا عادة، مع باقي المدائح والشطحات الشعبوية، في المدائح الكيهكية! --- ### فرح يوم العيد - Published: ۲۰۲٤-۰۱-۰۱ - Modified: 2024-01-01 - URL: https://tabcm.net/11741/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون - وسوم: عيد الميلاد كانت قرى الريف الأوروبي في بداية القرن التاسع عشر، فقيرة ماديًا، ولكنها كانت عامرة بالمحبة والحنو والدفء الذي يجعل سكانها ينعمون بالفرح والسرور. كانت يونا -ومعنى اسمها حمامة- بنت صغيرة ذكية، قوية الملاحظة، في عامها السابع سألت أمها، سارة، عن احتفالات الكنيسة عندهم، فكانت الأم تجيبها بكل أمانة، وهي تحفظ ما تقوله لها أمها كانت قرى الريف الأوروبي في بداية القرن التاسع عشر، فقيرة ماديًا، ولكنها كانت عامرة بالمحبة والحنو والدفء الذي يجعل سكانها ينعمون بالفرح والسرور. كانت يونا -ومعنى اسمها حمامة- بنت صغيرة ذكية، قوية الملاحظة، في عامها السابع سألت أمها، سارة، عن احتفالات الكنيسة عندهم، فكانت الأم تجيبها بكل أمانة، وهي تحفظ ما تقوله لها أمها. عشية عيد الميلاد سألت يونا أمها: "لماذا نفرح في هذا اليوم؟" فأجابتها أمها: "نعم، ينبغي أن نفرح ونسر في هذا اليوم، وحيث إن الجميع يفرحون، فأنا أيضًا ينبغي أن أفرح؛ أنا أشتاق أن أشترك في تهليل المرنمين، وأن أحتفل معهم بالعيد. ولكنني أشترك بأن أحمل بين ذراعيَّ "مهد المسيح"، لأن هذا هو كل رجائي، هذا هو حياتي، هذا هو خلاصي ومزماري وقيثاري". حالما سمعت يونا هذا الكلام حتى قبَّلت يديها ورفعتهما إلى السماء، مرسلة قبلات الشكر للرب في السماء. حضر شعب القرية إلى الكنيسة واشترك الجميع في صلاة العيد المبهجة بالفرح والتهليل. وخرجت العائلات مع أولادهم. وبعد أن خرجوا جميعًا تهامس الأولاد فيما بينهم! وعادوا إلى داخل الكنيسة بسرعة، وما هي إلا ثواني معدودة حتى خرجوا وهم يجرون بسرعة إلى الساحة الواسعة التي أمام الكنيسة، وكوَّنوا دائرة في الوسط وأخذوا يدورون وهم يسبحون ويقولون تسبحة ألفوها فيما بينهم، تقول كلماتها: يسوع ولد الآن، في وسطنا الآن، له المجد الآن، وفي كل أوان. كان الأولاد قد صنعوا مفاجأة لأهاليهم، إذ قاموا باستبدال سترات العيد فيما بينهم، بألوانها المبهجة، حتى إن الآباء والأمهات لم يستطيعوا أن يتعرفوا إلى أبنائهم إلا حينما يرون وجوههم. أخذ الأولاد يدورون في الدائرة الكبيرة التي كونوها وهم يرنِّمون ويضحكون، وتحلَّق الأهل حول أبنائهم يفرحون معهم ويغنون معًا أغان العيد. وفي النهاية طلب الأولاد أن يسلِّموا ويعيِّدوا على كل الأهل حول الدائرة. وبدأوا يقبِّلون الأهالي على الدائرة، ودارت الدائرة ليسلموا على الكل، يتبادلون القبلات والتحيات، الكل كان في منتهى الفرح والسرور. وهنا وقف شيخ هذه القرية وهنأ الأهالي بالعيد وقال: "هيا بنا لنحتفل بالعيد، تعالَوا لنحيي ذكرى هذا العيد المجيد، لأن في هذا اليوم انتهت العبودية القديمة، وانفتح الفردوس وأبطلت اللعنة وأزيلت الخطية منا، وعاد الحق للظهور، وانتشرت الرحمة في كل مكان، لأن الإله صار جسدًا وسكن بيننا، وذاك الذي لم تحتويه السماء ولد اليوم في مذود. فافرحوا في بيوتكم، وليكن يوم فرح من القلب، لأن زمان الليل والظلمة قد انقضى، وأتى الآن نور الخلاص". فعاد الجميع إلى بيوتهم فرحين مرتلين وكانوا كل حين يتذكرون هذه الأيام الجميلة. --- ### رسالة عيد الميلاد - Published: ۲۰۲۳-۱۲-۳۱ - Modified: 2023-12-31 - URL: https://tabcm.net/16981/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: عيد الميلاد إن موقف المسيح "الله الظاهر في الجسد" هو مقاومة الشر باستئصال الشر من جذوره عن طريق تغيير جوهر وحياة الإنسان. سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: عَيْنٌ بِعَيْنٍ وَسِنٌّ بِسِنٍّ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: لاَ تُقَاوِمُوا الشَّرَّ، بَلْ مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا )متي 5: 38- 39( موقف الله من الشر، أن الشر يحمل نتيجته ونهايته على ظهره، فالموت ينتظر من لدغته الحية، لا محالة في ذلك. لذلك فإنه ليس عند الله عقوبة إضافية يضيفها على مصير الشر الذي هو الهلاك. يقول الكتاب إن الله لا يعاقب بالشرور، أما الدينونة فهي من مراحم الله على الإنسان لكي ينبه وعيه إلى مصير الموت نتيجة للخطية. إن موقف الله من الشر هو على النقيض من موقف الشر من الشر. لذلك تبدأ الآية بتذكيرنا بموقف الشر من الشر أنه "عين بعين وسن بسن". إن هذا الموقف هو استمرار للشر تحت دعاوى تبدو خيرًا، مثل الدفاع عن النفس وعدم التساهل مع الشر، ألخ، ولكن حقيقة "العين بالعين" هي استمرار الشر إلى ما لا نهاية، كما يحدث في مسلسل الثأر بين العائلات إلى أن يقتلون بعضهم ويفنون. ألا تري عزيزي القارئ أن بصمة الشيطان غالبة فهو كان قتَّال للناس منذ البَدْء، لذلك فإن موقف الله دائمًا كان عدم التساهل مع قتل ودمار الإنسان، ولكن ليس عن طريق القتل المضاد لأنه لا يختلف عن عمل الشيطان نفسه الذي هو قتل أيضًا، ولكن موقف الله كان أن يوقف القتل والقتل المضاد لأن كلا الطرفين عزيز عليه سواء كان المعتدي أو الضحية، فهو خلقهم ليكونوا بنينًا له، ولذلك فإن هدفه هو حياتهما وليس فنائهما. لذلك كان موقف الله هو أن يوقف مقاومة الشر بالشر، وليس كما يدعي البعض أن المسيح يتساهل مع الشر. فإن أول انتصار على لطمة الشر هو أن تتوقف عن لطم من لطمك، فإن هذا في حد ذاته إنقاذ حياة وهزيمة للموت، ولكن حسب طبيعة الإنسان التي تمكن منها الشر وانتقام الموت على مدى تاريخ البشر، فإن الشعور والفكر الذي ينشأ في الإنسان حسب موروثه في الشر هو أن عدم لطم المعتدي إنما هو بمثابة السماح له أن يلطمك مرة ثانية على خدك الآخر. إن مفتاح هذه الآية هو في مقدمتها "لا تقاوموا الشر (بالشر)"، أي لا تلطموا من لطمكم. فإن توقفك عن أن تلطم لاطمك هو في حد ذاته مثل لطمة توجهها إلى ذاتك لا إلى خصمك. هذا ليس معناه أنك تستعذب لطم الآخرين لك، فالمسيح له المجد لم يطبق هذه الآية هكذا، فهو لم يستعذب لطمة خادم رئيس الكهنة له، ولكنه لم يرد له اللطمة، ولكنه أيضًا لم يتساهل مع اللطمة بل دخل مع لاطمه في حوار يوقظ به ذهنه المظلم عله يفيق. إن موقف المسيح "الله الظاهر في الجسد" هو مقاومة الشر باستئصال الشر من جذوره عن طريق تغيير جوهر وحياة الإنسان. وهذا لا يتم إلا بقبول المسيح الإله وعمل روحه القدوس في كيان الإنسان ليتحول إلى الخليقة الجديدة للإنسان التي تأسست في بشرية المسيح بمجيئه إلى الأرض ووهبها لكل من يؤمن به ويتحد به. إن الإنسان الذي يلطمه عدوه ويمتنع عن رد اللطمة، إنما يحتاج إلى توسط المسيح الذي يتقبل اللطمة الأولى ويصير هو عَوَضَ الملطوم عندما يُحيل إلى المسيح اللطمة الثانية. وبذلك فإنه في رأيي أن المقصود بالنصف الثاني من الآية "يحوِّل له الخد الآخر" أن اللطمة الثانية يحولها الملطوم داخله إلى وجه الرب نفسه ليحتملها المسيح لا الملطوم. وربما بنمو الخليقة المسيحية الجديدة للإنسان في الملطوم، فإنه يصير يومًا ما مسيحًا على الأرض وامتدادًا لسيده المسيح الذي ربما يقبل اللطمة الثانية في العلن حبًا لمن لطم ومن تعرض للطم. هنا نحن أمام شخص المسيح الحي واقفًا ومتوسطًا بلاهوته وناسوته بين اللاطم والملطوم. عندئذ يفر الشر واللطم المتبادل محترقًا بلاهوت الله المتحد بناسوته الذي حل بيننا: "والكلمة صار جسدًا وحل بيننا ورأينا مجده" في إنهاء عداوة البشر وتتحقق رسالة ميلاد المسيح في أعياد ظهوره الإلهي: "المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة". ومن جهة أخري فإن المسيح له المجد لم يستهن بجراح الإنسان أو مع الظلم باسم التسامح كما يردد الذين لم يفهموا بعد ما هو حق الإنجيل. ولكن المسيح وضع طريقًا يختلف عن همجية الانتقام والغضب كسبيل لمواجهة الشر بين البشر. فكم يكون غباء الإنسان الذي يضيع عمره في الجرح والغضب والانتقام. فإن مقاومة الشر بالشر تطفئ الفرح الإنساني بل وتطفئ فرح الروح القدس داخله، وتعيق حياة الشركة مع المسيح. فالرب في مَعْرِض حديثه عن "لا تقاوموا الشر (بالشر)"، فقد تعرّض أولًا لتصرف المؤمن حيال موقف الشر والعدوان الطارئ المفاجئ متمثلًا في "من لطمك على خدك"، فأوضح لنا التطبيق العملي للمحبة التي تسلمها المؤمن بالطبيعة الإنسانية الجديدة فيه المستمدة والمدعومة بامتدادها في بشرية مسيحها كما شرحنا. وبذلك ينتصر اللاطم والملطوم وينجوان من دائرة الانتقام والانتقام المتبادل. ثم وضع المسيح له المجد قواعد جديدة في التعامل مع الذين يسيئون إلينا تتمثل في: العتاب أو حتى التوبيخ اِحْتَرِزُوا لأَنْفُسِكُمْ. وَإِنْ أَخْطَأَ إِلَيْكَ أَخُوكَ فَوَبِّخْهُ، وَإِنْ تَابَ فَاغْفِرْ لَهُ. )إنجيل لوقا 17: 3( وَإِنْ أَخْطَأَ إِلَيْكَ أَخُوكَ فَاذْهَبْ وَعَاتِبْهُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ وَحْدَكُمَا. إِنْ سَمِعَ مِنْكَ فَقَدْ رَبِحْتَ أَخَاكَ. )إنجيل متي18: 15( وإن لم يستمع للعتاب، فاستعن بأخوة حكماء لإدارة العتاب. وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ، فَخُذْ مَعَكَ أَيْضًا وَاحِدًا أَوِ اثْنَيْنِ، لِكَيْ تَقُومَ كُلُّ كَلِمَةٍ عَلَى فَمِ شَاهِدَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ.   )إنجيل متي 18: 16(   وإذا رفض، فمن حقك أن تلجأ إلى تحكيم جماعة المؤمنين/ الكنيسة. وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُمْ فَقُلْ لِلْكَنِيسَةِ. وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ الْكَنِيسَةِ فَلْيَكُنْ عِنْدَكَ كَالْوَثَنِيِّ وَالْعَشَّارِ )إنجيل متى 18: 17( وإن لم يسمع من جماعة المؤمنين عندئذ لم يتساهل المسيح له المجد مع شر هذا الإنسان المعاند، بل سمح للمؤمن أن يعده غريبًا ومقطوعًا عن شركتنا في المسيح، هنا يبدأ دور محاكم العالم للأسف. ولكن يبقي شيئ أضيفه وتوضحه هذه الآية: فِي الْيَوْمِ الَّذِي فِيهِ يَدِينُ اللهُ سَرَائِرَ النَّاسِ حَسَبَ إِنْجِيلِي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ )رسالة بولس إلى رومية 2: 16( فإن موقف ربنا من شر الإنسان وظلمه هدفه شفاء وليس عقاب، حتى في اليوم الأخير. هذا يتضح في الآية أن الدينونة ستكون حسب البشارة المفرحة ليسوع المسيح في الإنجيل، وهل كانت سوى الشفاء؟ فَلَمَّا انْتَصَبَ يَسُوعُ وَلَمْ يَنْظُرْ أَحَدًا سِوَى الْمَرْأَةِ، قَالَ لَهَا: «يَا امْرَأَةُ، أَيْنَ هُمْ أُولئِكَ الْمُشْتَكُونَ عَلَيْكِ؟ أَمَا دَانَكِ أَحَدٌ؟»، فَقَالَتْ: «لاَ أَحَدَ، يَا سَيِّدُ! » فَقَالَ لَهَا يَسُوعُ: «وَلاَ أَنَا أَدِينُكِ. اذْهَبِي وَلاَ تُخْطِئِي أَيْضًا». )إنجيل يوحنا 8: 10، 11( لأَنِّي لَمْ آتِ لأَدِينَ الْعَالَمَ بَلْ لأُخَلِّصَ الْعَالَمَ )إنجيل يوحنا 12: 47( هذا موضوع تكلم فيه آباء الكنيسة أنه هناك دينونة أخيرة ولكنها ليست بلا نهاية، بل يستمر الرب في افتقاده لأولئك ليتوبون على الرغْم من حسابهم. هذا "الخلاص الشامل" للرب ومسيحه جدير أن نتأمله كثيرًا ونتمثله، فيبرد غضبنا ويندحر انتقامنا ولا تدوم عداوة بيننا بلا نهاية. --- ### [١٥] أبونا يوناثان (٢) - Published: ۲۰۲۳-۱۲-۳۰ - Modified: 2023-12-24 - URL: https://tabcm.net/14637/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون انصرف الآباء من الاجتماع الشهري، وكما جاء أبونا يوناثان في سيارة أبونا بطرس عادوا معًا، فلم يكن أبونا يوناثان يحب القيادة في شوارع مصر المزدحمة، وظلا صامتين وكان أبونا بطرس يقود سيارته وأبونا يوناثان جالسًا إلى جواره ساندًا رأسه إلى الخلف على مسند ظهر الكرسي وكان مغمضًا عينيه، إلى أن قطع أبونا بطرس الصمت قائلًا: - هو قدسك متضايق إنك إتكلمت؟ لم يفتح أبونا يوناثان عينيه وهو يجيب: - محدش كان هيعترض، حتى اللي مكنش عاجبه الكلام، الكل كان هيسكت، وأنا كمان كنت عاوز أسكت، بس كان لازم أتكلم، المجمع مليان كهنة صغيرين وكهنة جداد، مينفعش يسمعوا الكلام ده ويشوفوا الكهنة الكبار ساكتين، الرسالة كانت هتوصل حاجة من الإثنين، يا إما كلام أبونا إبراهيم هو الطبيعي والصح، وساعتها ده هيكون تصريح وحل للي عاوز يعمل كده، يا إما هيوصل لهم إن صوت الحق أضعف من صوت النفاق، أو إن الحق ضعيف قدام سيف الجلاد. - أنا شخصيًا يا أبويا، أتبسطت جدًا من كلام قدسك اللي حسيت إن أبونا الأسقف كان لازم هو اللي يقوله. اعتدل أبونا يوناثان على كرسيه وهو يقول: - صدقني الموضوع أكبر بكثير من شكل الطرح اللي أتطرح، طول ما مفيش نظام مالي محدد واضح للكرازة ككل، طول ما هيفضل الموضوع فيه عك. - طب ما سيدنا البطريرك أول ما بقى بطريرك عمل كذا مؤتمر وكذا اجتماع و نزل لائحة لمدارس الأحد، ولائحة للرهبنة، ولائحة لمجالس الكنايس والإيبارشيات، ولائحة للتعليم، ولائحة لشئون الرهبنة، ولائحة . . قاطعه أبونا يوناثان وهو يقول: و كله اتركن على الرف، ومتعملش بيه حاجة. - طب ليه يا أبي؟ مع إن فعلا كان الكلام كويس جدًا وكان هيفرق أوي في الإدارة الكنسية. - عشان كان فيه ثغرة في كل اللوائح اللي قدسك قلتها ديه، كان مكتوب في كل لائحة، إنها لائحة استرشادية وغير ملزمة، وكل أسقف يشوف اللي يناسب إيبارشيته. - طب وليه سيدنا البطريرك عمل كده ؟! - عشان كل أسقف بطريرك في إيبارشيته، عشان البطريرك لما بقى بابا جديد كان عنده ومازال جبهات كثيرة، فمحبش يفتح على نفسه فتحات جديدة. - طب ده ضعف وقلة حيلة منه؟ ولا حكمة إنه يأخد الموضوع بهدوء و يسيب عامل الزمن هو اللي يدوّب الصعب؟ بس الزمن مر ومفيش حاجة حصلت! ! - صدقني مش عارف، ساعات كثيرة منظورك للصح والغلط بيختلف لما تبقى صاحب القرار، ساعات بتفضل تكسب سلام الكنيسة عن إصلاحها، وساعات لما تبقى أب ومسئول، تفضل تكسب ولادك عن إنك تكسب معاركك معاهم. - الموضوع فعلا محير جدًا، وكل ما أحاول أبص من نظارة حد أحس إنه معاه حق، أرجع أبص من نظارتي أقول لأ فلان ده غلطان. - بالظبط كده، لو بصيت النهاردة من نظارة الأسقف وهو بيسأل عاوزين زيادة كام يا أبهات، وعلى فكرة أنا مش واحد من اللي طلبوا الزيادة وسيدنا عارف ده كويس. - أه يا أبي، وأنا كمان عارف. - فبقولك لو بصيت من نظارة سيدنا، هو شايف إن الآباء نفسهم مختلفين، مستواهم الاجتماعي والثقافي، وحتى احتياجات كل واحد، فالمبلغ اللي هيسدد احتياجات واحد ويزيد، ممكن ميكفيش أصلا الاحتياجات الأساسية لواحد ثاني، اللي أولاده في مدارس حكومية احتياجاته مش زي اللي أولاده في مدارس لغات، واللي ساكن في بيت تمليك مش زي اللي ساكن في شقة إيجار، لما يكون واحد بقميص وبنطلون وشغال في شركة سقف مرتباتها رقم معين، واحتياجاته تزيد عن الرقم ده مش بيتردد إنه يسيب الشركة ويدور على شركة ثانية تلبي سقف تطلعاته واحتياجاته. - بس الكاهن ميقدرش يعمل كده. - بالظبط، الشعب فاكر إن أبونا طالما قِبِل الكهنوت، يعيش شحات، البعض مش فاهم إن الكاهن وراه بيت وأسرة وأولاد، تعليمهم وتأمين مستقبلهم مسئوليته، طبعًا ساعات الشعب بيكون معاه حق لما حد يغالي في التصرفات المعثرة، وبيحل لنفسه كل شيئ، بس فيه كهنة كتير جدًا قديسين واحتياجاتهم مشروعة وحق أصيل على الكنيسة تلبية احتياجاتهم بس بشرط فعلا تكون مشروعة. - بيقولوا إنه قبل الخدمة، فيستحمل بقى صليب الخدمة، وكل كاهن بيترسم بيبقى عارف المنظومة المالية اللي داخل فيها. - غلط، أكبر غلط، لأن فيه خدام كتار مهندسين ودكاترة وقضاة ومحاسبين ومديرين في شركاتهم بيقبضوا من شغلهم رقم، رقم كويس، ومعيشين بيوتهم في مستوى حلو، فتيجي الكنيسة تشوف حد فيهم مناسب للكهنوت، فإما الكنيسة تضمن ليهم مستوى معيشي مناسب، أو يبقى على الكنيسة إنها تختار الفاشلين والعاطلين للكهنوت عشان يقبلوا بأي حاجة، وساعتها الفجوة هتكبر، والتعليم الكنسي هينحدر، والنوع ده لما بيترسم، بيبقى جعان سلطة، وجعان فلوس، وجعان إثبات ذات. - يبقى نرجع ثاني لنفس النقطة وهى إن الحل في إيجاد منظومة واضحة، يقبلها المجمع، ويوافق عليها اللي بيترشح للكهنوت، ومعروفة ومقبولة للشعب فمحدش يعثر. - كل إيبارشية بتحاول تجتهد مع نفسها في وضع نظام مناسب ليها ولبيئتها الجغرافية والاجتماعية والثقافية. - فيه إيبارشيات سايباها سداح مداح، وفيه إيبارشيات بتدي مرتب كويس للكاهن وملوش دعوة بالتبرعات ولا المشاريع، وفيه إيبارشيات بتدي مرتب قليل وبتحل لكل كاهن جزء مشروع من التبرعات أو دخل المشاريع الخدمية، وهنا نرجع للسؤال اللي سأله سيدنا ومسألهوش. - يعني إيه سأله ومسألهوش؟ - لما قال يكفيكم كام، كأنه بيقول بس بشرط مفيش غير المرتب، يبقى أي عطايا أو تبرعات أو مشاريع أبونا ملوش دعوة بيها، مرتبه وبس. - طب ماهو لو حط مرتب مناسب للجميع، فين المشكلة؟! - الأب اللي بيلم (س) تبرعات مش هيبقى عنده مشكلة، لكن اللي بيلم ١٠٠ (س)، هو ده اللي هيبقى عنده مشكلة. - هو مش فيه حد أقصى؟! - كل حاجة وليها صرفة، وكل ضمير بيحلل ويحرم حسب ميزانه، ده غير إن سيدنا نفسه مش هيعرف يحكمها، ده غير إنه هو شخصيًا فيه حاجات كثيرة بيعملها بتستفز المجمع، بس هو صاحب القرار و السلطان. - هو حقيقي بالنسبة لي شخصية غامضة، مش عارف هو طيب ولا شرير، حكيم ولا متهور، أب ولا سيد. - صدقني يا أبونا، مفيش شخص شرير في المطلق، هو إتتلمذ على أيد أساقفة قديسين زمان، وشايف إنهم نموذج عاوز يكون أيقونة منهم، بس مش واخد باله إن العصر مختلف، وإن الشعب بقى مختلف، وإن هو شخصيًا مختلف عنهم، هو مينفعش يبقى هما، هوّ لازم يحاول يكون هوّ، مش هما. - طب نرجع تاني للمنظومة، إيه الحل؟ ضحك أبونا يوناثان وهو بيقول: معلش بقى يا أبونا إحنا وصلنا، فدور لوحدك على الحل، إلا إذا كنت تحب تطلع معايا ونكمل كلام وإحنا بناكل محشي بدنجان. ضحك كلاهما، واعتذر أبونا بطرس عن الصعود مع أبونا يوناثان، وقاد سيارته عائدًا إلى منزله وهو يكرر نفس الجملة: يا ترى إيه الحل اللي يرضي جميع الأطراف؟ إيه الحل؟! يتبع . . --- ### معنى العيد - Published: ۲۰۲۳-۱۲-۲۹ - Modified: 2024-01-02 - URL: https://tabcm.net/16952/ - تصنيفات: مقالات وآراء إذا انتبهنا للميلاد، فهدفه أن تعيش الفرح الحقيقي، والرجاء أن تعرف أن الله الذي تعتقد أنه فوق في السماء يكرهك وغاضب عليك، ومغتاظ منك، لكنه يحبك جدًا، ومشغول بك وبحياتك الأرضية والأبدية. نشأت الأعياد من قديم الزمن لسببين؛ الأول للتذكرة مثل أعياد العهد القديم، مثلًا عيد الفصح الذي يفكرهم بالخروج من أرض مصر والخلاص من العبودية، وأغلبها أعياد دينية والنوع الثاني، أعياد يغلب عليها الطابع الاجتماعي أو الحياتي مثل عيد الحصاد أو عيد وفاء النيل مثلًا الذي يُحتفل به لحدث سنوي أو كل عدة سنوات لكنه مرتبط بخير يحتفل به الناس. المسيح حين جاء إلى عالمنا أعطى الأعياد مفهوم جديد مرتبط بطبيعته السرمدية (الأزلية الأبدية)، وهذا موضوع يسبب شيء من اللخبطة، لأن الناس لم تعتد على هذا، وليس سهلًا أن تستوعب هذه الفكرة، حين نقول أن المسيح فوق الزمان أو لا يخضع لقوانين الزمان والمكان، يمكن جملة نبدأ نفهمها مع قوانين الزمكان التي بدأ العلماء يتحدثون عنها في السنوات القليلة الماضية، وتوضح أن الزمان والمكان مجرد أبعاد فيزيائية يمكن تخطيها وهذا ما قدمه المسيح تلقائيًا لأنه غير خاضع لهذه القوانين. المهم ودون خوض في أمور علمية، النتيجة أن الأعياد المسيحية لا هي أعياد للذكرى ولا هي أعياد لجمع المحصول، وإنما أعياد استحضار ومشاركة في الحدث مرة ثانية، وهذا ما أشار إليه المسيح في خميس العهد، وقال: "اصنعوا هذا لذكري" وترجمتها لـ "حضوري" أو "استحضاري"، (ليس مثل العفاريت طبعًا، لكن غالبًا نحن أخذنا منها موضوع الاستحضار) وماذا حدث؟ ما حدث إننا كبشر لدينا قوالب نضع فيها كل شيء، ورغبتنا في قَبُول الغريب والجديد شبه منعدمه، لأجل هذا لما أتى المسيح بفكر وتعاليم ثورية تمامًا مدعومة بقوة خارقة على التغيير، قدمها وسلمها لنا بكل وضوح، أخذناها منه، وقولنا له: شكرًا جدًا، لكن تأخرت لذا سنضعك في القالب الخاص بنا، ونحول تعاليمك لدين ونضع له صورة كما أعتادنا، والأعياد -حاضر يا سيدي- سنضع لها بعض اللمسات الخاصة بنا، وكلها لها رموز لأنك أنت شمس البر، وبداية النور، ونعمل خير، ونلجأ إلى "بابا نويل" يوزع هدايا. سينصب تركيزنا على أنفسنا، وعلى القريبين منا، و-نعمل لك يا سيدي كحك وبسكوت- وكل بلد لها ثقافة ستحتفل بطقوسها الخاصة  واحتفالات كبيرة ونرسل صور وكلام جميل، لكن بعدة مدة من الزمن سوف ننسى أصلًا سبب العيد، ونتذكر كيف نحتفل بالعيد، لكن فقط لكي نحتفل لابد أن يكون لدينا إمكانات، ولو الظروف اختلفت سنحزن، لأننا لا نستطيع أن ننفذ مظاهر الاحتفال هذه... . أي احتفال؟  ألا تعرف! فقد نسينا، لكن انتظر حتى نرى الموضة الحالية وكيف نربط الاحتفال بها. يقف المسيح متعجبًا ولسانه حاله: كيف وصلتوا لهذا؟ يخبرنا أن هدف العيد هو أن تعيش العيد، وأنا أسسته لك بأقل الإمكانات، ما يعني أنه لو انتبهت، فأنا أتيت وعشت حياة أقل إنسان، شخص فقير وغريب، ليس له مكان يولد فيه، عاش طيلة حياته ليس له أين يسند رأسه، حتى لا يأتي يوم تقول: أنا لا أستطيع أن  أعيش مثلك (مثل برامج الطبخ حين يقول لك هذه الطبخة بأقل الإمكانات، وأكيد موجودة في كل بيت، لكن هل هذا حقيقي! ) إذا انتبهنا للميلاد، فهدفه أن تعيش الفرح الحقيقي، والرجاء أن تعرف أن الله الذي تعتقد أنه فوق في السماء يكرهك وغاضب عليك، ومغتاظ منك، لكنه يحبك جدًا، ومشغول بك وبحياتك الأرضية والأبدية. إن الأرض ليست لعنة، فهي عمل يد ربنا الجميل، وما بين السماء والأرض لا توجد حرب، لكن في صلح وسلام، وكل هذا من أجلك أنت يا إنسان، أيًا كان مكانك، لونك، عقيدتك، تعيش في فرح: المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة، والرسالة كانت للجميع، المشغول بها ومن بحث عنها مثل المجوس، ووصلوا لها، ومن لا يعرف عنها شيئًا، ولا يفكر بها مثل الرعاة وصلت له بنفسها، ومن خدعه قلبه وذاته، وأغُشيت عينيه مثل هيرودس، أيضًا مرت عليه. ماذا يعني كل هذا؟ معناه أنه لو لم نستطع في العيد أن نعيش هذه اللحظات، ونفهم ونستوعب أن المسيح يُولد كل يوم، والصلح يقدم كل لحظة، والفرح هو نتيجة طبيعية لميلاد المسيح الذي هو فوق الزمان، سواء لأننا مشغولين بالشجرة وبابا نويل والهدايا والأكل، أو لأننا لسنا قادرين أن نُحضر الشجرة وبابا نويل والأكل الكفاية، نكون غير فاهمين ما نُعيد وما نصلي لأجله. رسالة الميلاد هي الفرح، أيًا كان حالك أو مكانك، لأنه فرح نابع من داخلك، المسيح الذي بداخلك، المولود من قبل كل الدهور، مثل اللمبة الكهرباء، هو موجود جواك built in، أنت مولود به، وبالمناسبة لا تقدر أن تخرجه من جواك، لكن تقدر بفهمك وإحساسك أن تضع "الفيشة" فينبع النور من داخلك، وتجد نفسك حتى في عز ظلام الحياة، مكان ما تصل يضيء نورك وتنشر خير وفرح. أيضًا، يمكنك أن تشغل نفسك عنه بأمور كثيرة، فيكون الظلام مظهرك، مهما كان بالخارج مظاهر عيد وفرح، فتجد نفسك تقول: "الأعياد مبقاش لها طعم، والأيام صعبة والظروف متعبة"، كأن المسيح الذي تحتفل بميلاده وُلد في قصر به زينة الميلاد وأشجاره، وكان ينتظره "بابا نويل بالهدايا". Merry Christmas عيد ميلاد مجيد. --- ### [٦] التقليد الكهنوتي: صراع موسى وهارون - Published: ۲۰۲۳-۱۲-۲۸ - Modified: 2024-03-11 - URL: https://tabcm.net/15527/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, كتاب مقدس - وسوم: آدم, أنثروبومورفية, إبراهيم أبو الأنبياء, إيلوهيم, الترجمة السبعينية, التقليد الإيلوهي [E], التقليد الكهنوتي [P], التقليد اليهوي [J] / [Y], العصور الوسطى, الفرضية الوثائقية, النص العبري, بنتاتوخ, توراة, حواء, عصر النهضة, قايين, قديس إيرونيموس چيروم, مايكل أنجلو, ملك حزقيا, مملكة إسرائيل, مملكة يهوذا, نبي موسى, هابيل, هارون الكاهن نتيجة للإصلاح الديني الذي قاده الملك حزقيا في هذه الفترة، تمت كتابة أكبر تقاليد التوراة ، هذا التقليد كان يشمل: نصف سفر الخروج، ونصف سفر العدد، وسفر الأحبار كله تقريبًا. وهذا التقليد الجديد، والذي كتبه كهنة أورشليم في عصر الملك حزقيا، هو ما نسميه الآن: التقليد الكهنوتي، أو المصدر P عندما انهارت مملكة إسرائيل في الشمال تحت ثقل المملكة الآشورية، استطاع البعض أن يهرب لمملكة يهوذا في الجنوب، حاملين معهم تقليدهم الخاص من التوراة، وهو التقليد الإيلوهي. فيما بعد، ولأغراض سياسية واجتماعية في الوحدة، تم دمج التقليد الإيلوهي E والتقليد اليهوي J في تقليد واحد تم تسميته: التقليد JE. في الوقت الذي انهارت فيه مملكة الشمال، كان الملك حزقيا في بداية مُلكه في مملكة يهوذا في الجنوب، وهذه الفترة حدث فيها أحداث هامة. بشكل ما، كانت مملكة يهوذا مستقرة، فقام الملك حزقيا بعمل ما يُمكن تسميته: تطهيرًا دينيًا، وذلك بهدم كل المعابد ومراكز العبادة التي لا تخضع لإشرافٍ كهنوتي من كهنة حبرون، بحيث أصبح المركز الديني الوحيد في عهد الملك حزقيا هو معبد مدينة أورشليم. كهنة حبرون، والذين يُعتقد أنهم من نسل هارون الكاهن، كانوا الكهنة الذين يخدمون في مملكة يهوذا بمعبد أورشليم. وعلى هذا، فالتقليد الذي اصبح موجودًا بين الناس عن الآباء، ، كان يحط من قيمة هارون، الكاهن الأعظم، ويقلل منهم بالتبعيّة. قصة العجل الذهبي التي سردناها كانت بمثابة كارثة، ولم تكن القصة الوحيدة، فالتقليد JE كان من سماته أن يقلل من قيمة هارون والكهنوت الهاروني ويمتلئ بقصصٍ وصياغات تدعم ذلك. نتيجة للتطهير الديني أو نظام العبادة المركزي الذي قاده الملك حزقيا في هذه الفترة، تم الرصد والجمع لتقاليد التوراة الشفوية غير المكتوبة، ومنها تم كتابة أكبر تقاليد التوراة ، هذا التوثيق بالكتابة كان يشمل: نصف سفر الخروج، ونصف سفر العدد، وسفر الأحبار كله تقريبًا. وهذا التقليد الجديد، والذي كتبه كهنة أورشليم، والذين يُعتقد أنهم من نسل هارون في عصر الملك حزقيا، هو ما نسميه الآن: التقليد الكهنوتي، أو المصدر P. كما ذكرنا، فقصة العجل الذهبي لم تكن القصة الوحيدة التي تحط من هارون الكاهن في تقليد JE. هناك قصص أخرى مثل قصة تشاور هارون ومريم على زوجة موسى، وانتقاد الله لهم ومعاقبة مريم بالبرص. كان التقليد JE يحط من دور هارون ويجعل منه مجرد تابع لموسى. على الجانب الآخر، يعظم من دور موسى لكونه من الفئة اللي كتبت التقليد الإيلوهي. أثر ذلك على كهنة أورشليم المنحازين معرفيّا لأصولهم الأسرية المنحدرة من نسل هارون الكاهن، فكتبوا التقليد الكهنوتي بشكل بديل ومعارض للتقليد JE، أو بطريقة أخرى، التقليد الكهنوتي الجديد كُتب كي يرفع من شأن هارون الكاهن ويحط من قيمة أو دور النبي موسى. في التقليد JE يكلم يهوَه موسى، بينما في التقليد الكهنوتي يكلم يهوَه موسى وهارون، في التقليد JE المعجزات في مصر تتم بعصا موسى ((الخروج 7: 15-17، 9: 23، 10: 13 ))، في التقليد الكهنوتي تتم بعصا هارون ((الخروج 6: 10-12، 7: 19، 8: 1-12-13 ))، في التقليد JE يتم تقديم هارون باعتباره أخو موسى لكونهما من نفس السبط ((الخروج 4: 14 ))، والتآخي ﻻ يعني كونهما شقيقين مثلا. بينما في التقليد الكهنوتي يُقدم هارون على أنه أخو موسى "البكر" ((الخروج 7: 7 )) ويقدم سلالة أنساب هارون ((الخروج 6: 20-25 )). كان كلا من: تقليد JE، والتقليد الكهنوتي، لديه مصادره التي يثق بها عن القصص القديمة مثل الخلق والطوفان ومسألة سيرة الآباء إبراهيم وإسحاق ويعقوب وصولًا لموسى وهارون، لكن ﻻ يتم ذكر ذبيحة تُقدم في التقليد الكهنوتي في كل هذه القصص قبل ذبيحة هارون ((الخروج 40 ))، وكأنما قبل ذبيحة هارون ﻻ يوجد ذبائح قُدمت، هذا يشمل كل الذبائح التي قدمها قايين وهابيل ونوح وإبراهيم إلى آخره، كلها غير مذكورة في التقليد الكهنوتي. ملاحظة أخرى عن سمات التقليد الكهنوتي، وهي تنزيه الألوهة عن أي صفات قد تبدو أنها إنسانية، ، ففي التقليد JE يهوَه يمشي في جنة عدن، يصنع بنفسه ملابس آدم وحواء، يصارع يعقوب ويكلم موسى من العليقة المشتعلة. لكن ﻻ يوجد أيًا من هذا في التقليد الكهنوتي. بشكل ما، يقدم التقليد JE إله مُتفاعل مع الإنسان بشكل مستمر وبسيط وواضح وأكثر حميمية، وبشكل تصبح المسافة بين الإنسان والإيلوهيم ليست بعيدة المنال. بينما التقليد الكهنوتي يقدم إله متعالٍ، بعيدًا في السماء. والسماء ذاتها حادة بين اللونين الأبيض والأسود دون وساطات رمادية. ﻻ يوجد في التقليد الكهنوتي ذكرٌ للملائكة، أو ذكرٌ لمعجزات حيوانات ناطقة تتكلم، ﻻ يوجد رؤى، بل وﻻ حتى أنبياء. لفظة "نبيّ" لم تظهر في التقليد الكهنوتي سوى مرّة واحدة وللتعبير عن هارون. على الجانب اﻵخر، التقليد الكهنوتي يقدم إله كوَني وعادل وصارم ﻻ يسمح بالاستثناءات. من يخطئ فلابد أن يقدّم ذبيحة، والذبيحة لابد أن تُقدم بنظامٍ وطقس مُعين، الإخلال بالطقس يُعتبر إهانة للألوهة، وإخلال بالنظام العام وله عقاب. الذبيحة تقدم عبر كاهن مُكرّس لهذا النوع من الخدمات وليس لكاهن آخر. وليس كاهنًا مكرسًا وحسب وإنما كاهنًا مكرسًا ومن نسل هارون، هارون فقط، بقيّة الكهنة من سبط لاوي يُعتبروا "كهنة مُساعدين" ليس إلا. التفاصيل الرسمية، الأرقام والتفاصيل التي توحي بالرسمية. كميّات من التفاصيل في سرد الأنساب وشرح الطقوس وتدقيق التواريخ بقياسها بعدها بالأيام على أحداثٍ أخرى. كل من قرأ التوراة سيلحظ الإغراق في التفاصيل، بالأخص في سفر الأحبار، وسيلحظ التغيّر الشاسع في أسلوب الكتابة بينه وبين سفر كالتكوين مثلا. من تعرف على الفرضية الوثائقية يستطيع بعد فترة قصيرة أن يميز المصدر الكهنوتي بنفسه من التوراة، وبدقة جيّدة للغاية نظرا للأسلوب البيروقراطيّ الخاص والمميز جدًا للتقليد الكهنوتي عن بقية النصوص المكتوبة وفقًا لأي تقليد أخر. بطبيعة الحال، ﻻ يستطيع التقليد الكهنوتي التقليل من قيمة موسى لدرجة أن يجعل منه شخصًا خاطئًا بالكليّة، ففي النهاية يظلّ موسى هو البطل الذي تأسست على تقاليد قصصه ثقافة الشعب العبراني كله، لكنه، على الأقل، يحاول التقليل من شأنه لمرتبة الإنسان العادي. بينما في تقليد JE والذي هو بمثابة الابن الناتج من تزاوج تقاليد الشمال والجنوب وكلتاهما تقليدًا إيلوهيًا، نجد قصة عن تمرد شعب بني إسرائيل ويظهر موسى باعتباره البطل الذي على يده خرجت المياه من الصخرة، النص في التقليد الإيلوهي كالتالي: ((سفر الخروج، الإصحاح 17: 2-7 )) فخاصم الشعب موسى وقالوا: «أعطونا ماء لنشرب. » فقال لهم موسى: «لماذا تخاصمونني؟ لماذا تجربون يهوَه؟». وعطش هناك الشعب إلى الماء، وتذمر الشعب على موسى وقالوا: «لماذا أصعدتنا من مصر لتميتنا وأولادنا ومواشينا بالعطش؟». فصرخ موسى إلى يهوَه قائلا: «ماذا أفعل بهذا الشعب؟ بعد قليل يرجمونني». فقال يهوَه لموسى: «مر قدام الشعب، وخذ معك من شيوخ إسرائيل. وعصاك التي ضربت بها النهر خذها في يدك واذهب. ها أنا أقف أمامك هناك على الصخرة في حوريب، فتضرب الصخرة فيخرج منها ماء ليشرب الشعب». ففعل موسى هكذا أمام عيون شيوخ إسرائيل. ودعا اسم الموضع «مسة ومريبة» من أجل مخاصمة بني إسرائيل، ومن أجل تجربتهم للرب قائلين: «هل يهوَه في وسطنا أم لا؟» (سفر الخروج، الإصحاح 17: 2-7) نفس هذا النص يتكرر مرّة أخرى في التقليد الكهنوتي، ولكن ببعض الرتوش وتغيرات الصياغة التي تُظهر موسى ليس كبطل، لكن كخاطي، وعقابًا له لن يدخل هو وهارون أرض الميعاد، النص أيضًا يبدو فيه هارون كشخص بريء يعاني من خطية موسى: ((سفر العدد، الإصحاح 20: 2-13 )) ولم يكن ماء للجماعة فاجتمعوا على موسى وهارون. وخاصم الشعب موسى وكلموه قائلين: «ليتنا فنينا فناء إخوتنا أمام يهوَه. لماذا أتيتما بجماعة يهوَه إلى هذه البرية لكي نموت فيها نحن ومواشينا؟ ولماذا أصعدتمانا من مصر لتأتيا بنا إلى هذا المكان الرديء؟ ليس هو مكان زرع وتين وكرم ورمان، ولا فيه ماء للشرب! ». فأتى موسى وهارون من أمام الجماعة إلى باب خيمة الاجتماع وسقطا على وجهيهما، فتجلى لهما مجد يهوَه. وكلم يهوَه موسى قائلا: «خذ العصا واجمع الجماعة أنت وهارون أخوك، وكلما الصخرة أمام أعينهم أن تعطي ماءها، فتخرج لهم ماء من الصخرة وتسقي الجماعة ومواشيهم». فأخذ موسى العصا من أمام يهوَه كما أمره، وجمع موسى وهارون الجمهور أمام الصخرة، فقال لهم: «اسمعوا أيها المردة، أمن هذه الصخرة نخرج لكم ماء؟». ورفع موسى يده وضرب الصخرة بعصاه مرتين، فخرج ماء غزير، فشربت الجماعة ومواشيها. فقال يهوَه لموسى وهارون: «من أجل أنكما لم تؤمنا بي حتى تقدساني أمام أعين بني إسرائيل، لذلك لا تدخلان هذه الجماعة إلى الأرض التي أعطيتهم إياها». هذا ماء مريبة، حيث خاصم بنو إسرائيل الرب، فتقدس فيهم. (سفر العدد، الإصحاح 20: 2-13) نص آخر يقلل من قيمة موسى نجده في قصة نزوله من جبل سيناء بعدما تسلّم الشريعة، يوضح النص أن الشعب كان يخاف أن يقترب من موسى لأن هناك شيئا غريبًا في وجهه بسبب وجوده على الجبل لفترة طويلة، فيضطر موسى أن يغطي وجهة بحجاب في أثناء الحديث معه. وكنتيجة، تتكون الصورة المطبوعة في ذهن الشعب وجه موسى هو شكل الحجاب ((خروج 34: 29-35 )). النص المُترجم حاليًا يقول أن السبب هو أن وجه موسى كان مُشعا ومضيئًا بسبب مكوثه لفترة طويلة على الجبل مع يهوَه، لكن المعنى العبري في الحقيقة ليس واضحًا تمامًا، لفترة طويلة فهم القراء النص على أنه يقول أن موسى عندما نزل من الجبل، كان له قرنان، وهذا ما جعل الناس تخافه، وهذا التصوّر يظهر في بعض اللوحات والتماثيل في العصور الوسطى وحتى عصر النهضة، أحد أشهر التماثيل التي صورت موسى بهذا الشكل هو تمثال موسى للفنان مايكل أنجلو، وبعض الدراسات الحديثة تقول أن المعنى العبري ببساطة يقول أن وجه موسى تم تشويهه. إضافة من الناشر: ينبع تصوير موسى ذو القرون من وصف وجه موسى بأنه cornuta في ترجمة النسخة اللاتينية الشعبية للمقطع الموجود في سفر الخروج، الإصحاح ٣٤، وتحديدًا الآيات ٢٩، ٣٠، و ٣٥ ((راجع سفر الخروج، الإصحاح ٣٤، الآيات ٢٩، ٣٠، ٣٥ ))، التي يعود فيها موسى إلى الشعب بعد تلقي الوصايا للمرة الثانية. يترجم القديس جيروم النسخة اللاتينية الفولجاتا لسفر الخروج على النحو التالي: وعندما نزل موسى من جبل سيناء، كان يحمل لوحي الشهادة، ولم يعلم أن وجهه قُرنمن كلام يهوَه. كان هذا اجتهاد القديس جيروم لترجمة النص العبري الأصلي، والذي يستخدم المصطلح: קָרַן . وعلى الرغم من أن بعض المؤرخين يعتقدون أنّ جيروم ارتكب خطأً فادحًا، يبدو أنّ جيروم نفسه كان يعني؛ الممجد استنادًا إلى التعليقات التي كتبها، بما في ذلك التعليق على سفر حزقيال، حيث كتب أن وجه موسى: صار ممجدًا. أيضًا الترجمة السبعينية اليونانية، التي كانت متاحة لجيروم، ترجمت الآية على النحو التالي: ولم يعلم أن جلد وجهه كان ممجدًا. تعامل اللاهوتيون في العصور الوسطى على أن جيروم كان يقصد التعبير عن تمجيد وجه موسى، من خلال استخدامه للكلمة اللاتينية cornuta التي تعني "مقرن". استمر  الفهم بأن الكلمة العبرية الأصلية كانت صعبة، وحاول بعض الفنانين الدمج بين الإثنين لكن بشكل عام بداية من القرن 16 ولم يعد يُرسم موسى بهذه الكيفية. ومن غير المرجح أن تعني "قرونًا" طوال عصر النهضة وخلاله. على كل حال، كُتب التقليد الكهنوتي كي يعلّي من شأن كهنوت هارون ويقلل من شأن موسى، وكُتب بشكل يطرح وجهة نظر بديلة ومضادة للتقليد JE.  يتوافق زمن كتابة النص مع الفترة التي سقطت فيها مملكة إسرائيل في الشمال، في زمن الملك حزقيا، والذي قام بتطهير ديني وهدم المعابد الغير خاضعة لكهنة المملكة الرسميين الهارونيين. أعاد الملك حزقيا مركزية مكان العبادة إلى أورشليم وحدها، والتي يخدم فيها الكهنة ذوي أصول تعود إلى حبرون ويُعتقد أنهم من نسل هارون، والذي قام الملك حزقيا بالتعظيم من شأنهم باعتبارهم المقياس الصحيح لغيرهم. وكُتب التقليد الكهنوتي كي يعطيهم أولوية على بقية الكهنة الذين من سبط لاوي، وبالأخص لخفض نفوذ وتأثير الكهنة الذين يُعتقد أنهم من نسل موسى. --- ### محرك الكشري! - Published: ۲۰۲۳-۱۲-۲۷ - Modified: 2023-12-28 - URL: https://tabcm.net/16864/ - تصنيفات: مقالات وآراء نحن نعيش فرحين بآسرنا بعشرات الأقوال المأثورة والأمثال الاصطناعية والنكت السمجة التي شكلت ثقافتنا ووجداننا، وغالبًا ما نتبعها ونحن كارهون! لكننا فرحين بهذا الآسر  والسلام، كما لأي عبد أصيل! عبد ينفذ بإخلاص ومجانًا ودون أن يفهم! نحن مثلًا نتشدق بإيماننا الديني، ونحن أنفسنا أكثر شعوب الأرض حبا في الجنس والغيبة والنميمة ومسك السيرة! لدينا أغانٍ تراثية ليس لها أي معنى مفهوم، وفوق ذلك معظم معانيها فانتازية غارقة في أسياخ من الاستعارات والكنايات المستترة والظاهرة والطائرة، أطنان يا معلم من المحسنات البلاغية والبديعية والصلصلة باللحمة المفرومة لا تصل بك إلى أي مكان أو زمان! تراثيات أقرب لمفهوم "الكشـري" من مفهوم "اللوحة الجميلة! " ورغم ذلك، نحفظها ونستخدمها في التدليل على معانٍ أخرى ليست فيها، لا لشيء إلا من أجل أن نكسب من أمامنا في الكلام بالكذب -ويمكن بالعبط! وتلاحظ هنا حضرتك أن المكون الأساسي في طبق الكشـري الاجتماعي المصـري هذا هو "الروحانيات! " (بالحري الحديث عن جهل فيها) ويليه "الجنس" وثالثهما طبعًا  "المِزَاج! " كيف؟  ما تعرفش! مثلا هناك أشياء كثيرة نعيش سعداء بها، بالرغم من أنها أشياء تكسف وساعات أخرى نهرب منها، في حين أنها أشياء تشـرف، أيضًا دون أن نعلم السبب، إلا إننا مصريين نفعل أشياء كثيرة بمنطق الفهلوة الصعيدي الذي نسخر منه، بالرغم من أنه بداخل أغلبيتنا أتخن صعيدي في العالم! ودائمًا ما نرجعها إلى فلسفة الجملة الغنائية الأشهر فى بلدنا، إنك "أكيد أكيد في مصر! " حتى بعد الثورة! كل شيءٍ عجيبٍ يجرى عندنا بلا منطق، ولكنه أصبح شديد المنطقية من فرط تكرار حدوثه، أضحى بديهية عادية من بديهيات الحياة المصـرية! عزيزى المصرى. . ماتحاولش كتير تترجمنا. . اندمج معانا وعش الجنون "وانجز! " كل ما فات بأعلى هو مكونات خلاط عملاق هو خلاط الثقافة الشعبية، وهو المحرك لتصـرفات وردود فعل ونكات تكرس لأشياء كثيرة سلبية وكسولة وكمان انهزامية منذ ستة أجيال مضت، مثلًا ثقافتنا تعتبر الحب مشي بطال! تروج لمبدأ الأخلاق والتدين كنبراس ومنارة لحياتنا دون أن تربط وتوضح أن ذلك ليس دافعه أبدا "الإفلاس" المادي أو حتى العاطفي، معظمنا ربما لا يؤمن بتلك حقيقة في داخله، بالرغم من أن الأخلاق والتدين حقًا مبدأ سامي ومحترم ولا علاقة له بأن حبيبتك واحدة "طلعت حافظة المقرر كويس! " الجميع يريد أن يخفى حقيقة أن كثير من مبادئنا نعتنقه ليس عن اقتناع، إنما -لا مؤاخذة- عن "قصـر ديل" في الدنيا! أعلم أنك سترميني بالخرف والتخريف، لكن صدقني أنت تجد كثير من الأقوال السديدة وكثير من الحكم الفلسفية والروحية -وأيضا عميقة جدا - عند اللصوص والسفاحين، وأين؟ في مواقف شديدة المأساوية! تلك المواقف تظهر لك ترجمات جديدة جدا ومذهلة في أيدلوجيتها -إن كان لها إيديولوجية أصلا-إننا لدينا أعظم الفلسفات الدينية والثقافية "بس مستخبية. . " فين؟ ماتعرفش! لا تعرف أبدا ولا تحاول معرفة سبب سحر الثقافة المصرية -حتى لو بدت أحيانا شاذة وضد الدين نفسه! - في الناس عمومًا، تحسها صنمًا مقدسًا، بالرغم من أنها كثيرًا ما تجدها منقوصة ومغلوطة وغير مفسرة بل وأيضًا مقروءة ومسموعة خطأ ومفهومة سطحيًا جدا وكوميدية جدا، وفوق هذا  تترجم تَرْجَمَة دنيوية مريضة نفسيًا، تدخل صاحبها أكبر السجون، وتدخل في نفس الوقت أكبر السعادة الجمة على قلب إبليس! أنا مثلا لي صديق يختلط في ذهنه الحابل بالنابل والبوم بالبلابل، هو ليبرالي بمرجعية إسلامية (بالرغم من أنه لا يوجد ليبرالية بأي مرجعية) ويرى نفسه أيضًا اشتراكي وله تأملات سلفية على حفنة من التطرف و للسخرية هو يحب جدا مصادقة العلمانيين والليبراليين! لعلك تعرف شخصًا يشبهه أو سمعت به! إياك أبدا أن تتعجب من وجود مثله في حياتك، لأنه هو ابن أصيل لبيئة الكشري والعجين والفتة. . الثقافية! يا سلام! ربما مرجعية ذلك حفنة من الجنون الذي أورثه العصر للكثير من الأسوياء! الثقافة الشعبية التي تخترق أذنك قسرًا وغصبا من "ميكروفونات" هنا وهناك كل يوم. كل يوم، كل هذا  له محرك قوي جدًا ويصنع بعقلك الكثير. ألا وهو محرك الكشري! من العبث كسر "تابو" السياسة والجنس والدين فجأة. طبعا أول تابوان ينهال عليهم الانترنت والدش والسينما الأمريكية سحقًا ودهسًا و"فعصًا" إلا أن التابو الثالث "الدين" ما زال يتماسك بالرغم من أن الأنترنت بمواقعه ومدوناته تصب وابلًا من السفالة والانحطاط على رموز دينية وروحية، بل ونبوية بلا أي خوف! المشكلة أن المجتمع أصبح لا يهتز! إلا لو كان الفاعل من معسكر معين! أعجب ما في كل المواضيع، إننا نتشدق بالحرية وهي ليست عندنا فعلًا! أوعى تفتكر إنك حر أن تفعل ما تريد، حتى لو حاجة تخصك أنت وحدك (خصوصًا لو حاجة بينك وربنا) إلا الدين،  لا يوجد حرية عاقلة هنا. . مغالاة ماشي! تطرف قشطة! هوس برافو! إنما "تجديد فكر". . أوعى. . أوعى. . أوعى! عزيزي القارئ، عندما تجد نفسك محاصرًا أمام مصدر المصري الذي بداخلك في مواقف حياتك اليومية، ألا و هو دلو الكشرى الحي في كلام و تصرفات من أمامك. . لا تكلف نفسك عناء ترجمته. فقط تعامل معاه! وخلص نفسك إن استطعت! وللحديث بقية إن كان في العمر بقية! --- ### آجيوس أوثي أوس، آجيّوس يس شيروس - Published: ۲۰۲۳-۱۲-۲٦ - Modified: 2023-12-27 - URL: https://tabcm.net/16811/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون, إصلاح كنسي مُجَرّد قراءة بس واعيه لِمَا نُرددَّهُ في مِثال واحد لمديحة من مَدايح كَيهك الأكثر شهرة، والتي تقال بعد الهوس الكيهكي مباشرة: مديحة آجيوس أوثي أوس، آجيّوس يس شيروس؛ مُجَرّد قراءة بس واعيه لِمَا نُرددَّهُ في مِثال واحد لمديحة من مَدايح كَيهك الأكثر شهرة، والتي تقال بعد الهوس الكيهكي مباشرة: مديحة آجيوس أوثي أوس، آجيّوس يس شيروس؛ إنك تفكّر وتتساءل، دي علامة إنك حي وموجود! وواحدة من أهم الأسئلة الوجودية إن في هامش الكُتب المطبوعة، مكتوب أن هذه المديحة قدمها المُعلم عبد السيد اقلاديوس طبل ("طبل" ده اسمه مش خطأ في الكتابة) مُعلم الكنيسة القبطية بأسيوط، وعوض أفندى سرور بطنط الجزيرة (و "طنط الجزيرة" دي قرية بمركز طوخ التابع لمحافظة القليوبية، مش خطأ في الكتابة برضو). في حين إن عملها واحد اسمه يوحنا، من سمنود، وهى لا تراث ولا ليتورجي ولا ليها اى قيمة كَنَسيّة (وده مبدأيا يعنى). عموماً، المعلم طبل اتقابل مع طنط الجزيرة، قصدي واحد أفندي من طنط الجزيرة، وأتحفونا بمديحة ملهاش أى علاقة ببعضها، ولا ليها أيّ هدف روحي، أهو أيّ كلام وخلاص نملأ بيه الوقت. قدوس الله قدوس. . قدوس القوي قدوس. . قدوس الحي الله. . آمين هالليلويا. . كلام جميل، يالله بقى كمّل، شكلك يا معلم هتقول كلام زيّ الفُل. بمعونة رب قدير. . إله عظيم خبير. . أشرح معنى تفسير. . آمين هالليلويا. . طيب اشرح يا سيدي، قول إيه تفسير آمين الليلويا. معناه ياما أحلاه. . ليس غير الله إله. . نسبحه فوق أعلى سماه. . آمين هالليلويا. . فين يا معلم تفسير آمين الليلويا؟ مش وعدتني إنّك هتشرح معنى تفسير آمين الليلويا؟ ولا قصدك يعني إن معناه ياما أحلاه ليس غير الله اللي نسبحه فوق أعلى سماه، هي دي التفسير؟ ماااااشي ميخائيل وغبريال. . روفائيل وسوريال. . يتلون تسابيح وأقوال. . آمين هالليلويا. . فين باقي أسماء السبع ملائكة؟ ولا كان على أيامهم ٤ بس ؟! وبعدين نقل على الشاروبيم والسيرافيم والأربعة حيوانات! الثالث شبه عقاب. . يسأل عن الطير بإيجاب. . أمام وحيد الآب. . آمين هالليلويا. . يعني إيه؟ إيجاب يعنى هو بيجاوب ولا قصدك بالإيجاب، يا عم الله يسترك رسّينا على بَر! تسبحه الأفلاك. . الذين سلكوا الأسلاك. . من فوق أعلى السماوات. . آمين هالليلويا. . أيّ كلام وخلاص ملوش معنى! إيه الأفلاك الذين سلكوا الأسلاك من فوق أعلى السماوات؟ أيّ هتَش! صطانائيل قد صار. . شيطانا بالاستكبار. . لمّا بطل ذا التذكار. . آمين هالليلويا. . أنا مش فاهم حاجه! هنمشيها أن سطانائيل ده اسم الشيطان قبل السقوط وتكبّر و صار شيطانًا، بس إيه لمّا بطل ذا التذكار؟ تذكار جاية من الذِكر يعني؟ ولا بيعمل تذكار الأربعين مثلا وبطلّه؟ مش مهم كلام ليه معنى ولا ملوش! المهم آمين الليلويا! مسكين من يسمعها. . في حضرة يجمعها. . ولا يتلو معها. . آمين هالليلويا. . من يسمع إيه حضرتك؟ ما تقول قصدك على إيه؟ الليلويا يا تنزيه. . وقائلها يكفيه. . يقول ألفين بفيه. . آمين هالليلويا. . وتقول ٢٠٠٠ مرة هالليلويا، يا أكيد هايحصلك حاجه! ! اصلها تعويذه هيَّ! سبحانه مكوّن ما كان. . كائن قبل الاكوان. . ما يخلو منّه مكان. . آمين هالليلويا. . وهنا المعلم قَلَب على الثقافة اللي حولنا تمامًا، وبدأ يستخدم نفس كلماتهم (٥ أبيات ورا بعض: سبحانه) سبحانه جل ثناه. . خفي لا عين تراه. . ولا معبود سواه. . آمين هالليلويا. . سبحانه خلق من الماء. . نارا وأرضا صماء. . أوجدها من العدم. . آمين هالليلويا. . سبحانه رب غيور. . رؤوف رحيم غفور. . على كل فعل ساطور. . آمين هالليلويا. . سبحانه منشئ الأكوان. . بتدبيره قد كان. . إذ قال للشيء كن فكان. . آمين هالليلويا. . طبعًا فكر غير مسيحي بالمرّة، لا عندنا معبود، بل الله المحبوب الآب السماوي. ومفيش إن الله خلق من الماء. وطبعا مفيش أسماء الله الحسنى، ولا يقول للشيء كن فيكون. بأقوال كتاب الزابور. . الـ١٥١ مزمور. . وفي آخر كل مزمور. . آمين هالليلويا. . الزابور؟ طبعًا مفيش الكلام ده، وأتحداك ياللي بتقرا لو لقيت كلمة آمين هالليلويا في نهاية كل المزامير (الـ ١٥١)! هيَّ جت مرة واحدة بس في نهاية مزمور ١٠٦، وفي بعض المزامير جاءت كلمة هللويا فقط. تُقرأ سائر الأوقات. . إلى خالق السماوات. . وفي شرح الهوسات. . آمين هالليلويا. . يا معلم أرسى على حل، هتتقال كل الأوقات؟ وﻻ وفى شهر كيهك بس؟ ولا قصدك على إيه؟ وفجأة. . نقل الكلام عن العذراء مريم وشوية أوصاف. . وفجاه. . تقرر يخلّص المدينة اللي ملهاش علاقة ببعضها واحفظ البابا والأسقف. . وبعدها تحسّه قاعد في الفَسَحه (معلش بقى، القافية حكمت) احفظ يا رب الأرباب. . سائر كل الأحباب. . الحضار والغياب. . آمين هالليلويا. . واحفظ قاريها. . والشارح لمعانيها. . والعامل بما فيها. . آمين هالليلويا. . وناظمها اغفر له. . خطاياه مع زلله. . وبرحمتك أنعم له. . آمين هالليلويا. . يوحنا من سمنود. . مسمي بها ومولود. . يا رب تحنن عليه. . آمين هالليلويا. . كل ده كلام مساطب، مش كلام لاهوتي يتصلى في الليتورجية. المهم، أخيرًا جاب التايهة: يُقرا مثل فاض قلبي. . قولًا حسنا مجلّي. . يتحقق بمراد ربّي. . آمين هالليلويا. . هو إيه اللي يقرأ مثل فاض قلبي؟ فهمت أنا كده! مش عارف أقولك إيه، مش عارف من غير ما كنت قولت، كنت قريتها أزاي، إلا قولي يا أخ، هو إيه فاض قلبي ده؟ إيه موقعه من الإعراب؟ وإيه قولا حسنًا مجلّي؟ وإيه يتحقق بمراد ربي؟ بقولك إيه، أنت فاهم أنت بتقول إيه؟! يجاوبنا: لساني تاق يتكلم. . بكلام ماهر يفهم. . بمراد من هو يَعلم. . آمين هالليلويا. . صدقني وأنا كمان، لساني طَق مش تاق بس، نفسي تقولوا كلام ماهر ويُفهم بجد؟ ومين مراد ده اللي هو يَعلم؟! يا جدعان اللى يشوف مراد يقوله إني عاوزه، عشان تقريبًا هو الوحيد اللي فاهم يوحنا اللي من سمنود عاوز يقول إيه! --- ### أوشية المثليين ومجد الزيتون - Published: ۲۰۲۳-۱۲-۲۵ - Modified: 2025-02-02 - URL: https://tabcm.net/16874/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, شئون علمانية - وسوم: Amoris Laetitia, Fiducia Suplicans, Theosis Across Borders (TABcm Network), إفخارستيا, الكنيسة الكاثوليكية, انتخاب البابا, بابا بنديكتوس السادس عشر, بابا فرنسيس، بابا الڤاتيكان, بابا يوحنا بولس الثاني, بيل كلينتون, جيرارد لودفيج مولر, عقيدة التأله, علامة إكليمندس السكندري, فاتيكان نيوز, فيكتور مانويل فرنانديز, لويس فرنسيسكو لاداريا فيرير أحب كنيسة الله الكاثوليكية حبّا جمًا، وأراها الكنيسة "النموذج"، وأنها الكنيسة الأكثر تلقيًا لعمل روح الله. أثمّن جدًا تاريخها القديم المشترك مع كنيستي، وأغفر لها تصاعد "اللاونية" لأنها ثابت إلى رشدها. أحببت الرجل أيضًا، رغما عن بعض تصرفاته التي صنفتها كحماقات فاخرة، ورأيته دائمًا وجهًا مشرقًا ناصعًا للمسيحية العالمية… ولكن… أحب كنيسة الله الكاثوليكية حبّا جمًا، وأراها الكنيسة "النموذج"، وأنها الكنيسة الأكثر تلقيًا لعمل روح الله. أثمّن جدًا تاريخها القديم المشترك مع كنيستي، وأغفر لها تصاعد "اللاونية" لأنها ثابت إلى رشدها. أحببت الرجل أيضًا، رغما عن بعض تصرفاته التي صنفتها كحماقات فاخرة، ورأيته دائمًا وجهًا مشرقًا ناصعًا للمسيحية العالمية. ولكني الآن -وأصدقكم القول- في أعلى درجات التوجس. فهناك من حفر مسارب جديدة للنهر لتقود القارب إلى هذا الشلال. البابا الكاريزمي قد احكم قبضته الحريرية على كل مفاصل الكنيسة الكاثوليكية، بل ومستقبلها، وهو ما فشل فيه باباوات عتاة وفي كنائس أصغر بما لا يقارن. منذ شهرين فقط، رفع قداسته إلى رتبة الكردينال 21 أسقفًا، ليتمتعوا بارتداء القبعة الأرجوانية، وينضموا إلى مجلس الكرادلة، ليرفعوا مستوى سيطرة أنامل قداسته على الهيئة الأكثر أهمية، والمُناط بها انتخاب البابا القادم إلى 75% من إجمالي عدد الكرادلة بالمجلس. قبل هذا التعامل الأخير مع مجلس الكرادلة، كانت هناك خطوة أخري لا تقل أهمية، ولكن دعنا نبدأ مبكرًا قليلًا. كاثوليكيًا، للزواج قدسية خاصة، حتى أنه الوحيد عالميًا غير القابل للفصم طالمًا بقي طرفاه أحياء، ومع هذه القدسيّة -وربما بسبب هذه القدسيّة- تسبب الزواج في الإطاحة باثنين متعاقبين من رؤساء مجمع العقيدة والإيمان بالكنيسة. أولهما الكردينال الألماني المحافظ "جيرارد مولر" ((أُقيل الكردينال الألماني المحافظ "جيرارد لودفيج مولر" في 1 يوليو 2017. )) أثر رفضه وانتقاده الوثيقة الرسولية "أموريس لاتيتيا - Amoris Laetitia" والتي أعلنها الحبر الأعظم نفسه، ومع ذلك وصفها كرادلة نافذون أنها انفصال عن الإنجيل والعقيدة الكاثوليكية، وأصدروا بيانًا أسموه "تصحيح الأبناء"، ويبدو أن أخوتنا اللاتين مولعون بفخامة الأسماء. تولى اليسوعي الأسباني "لويس فرانسيسكو لاداريا فيرير" ((أُقيل اليسوعي الأسباني "لويس فرانسيسكو لاداريا فيرير" في سبتمبر 2023. ))، المقرب جدا من الكرسي الرسولي مقعد "مولر" ((راجع وكالة فاتيكان نيوز: البابا فرنسيس يزور مقر دائرة عقيدة الإيمان ويشكر الكاردينال لاداريا على خدمته. ))، ليعين البابا على الدفاع عن توجهاته، وبدا أن الرجل كفء تمامًا لما أنيط به، فعالم اللاهوت الآبائي البارع، والرجل الذي له كتاب عن العلامة إكليمندس السكندري، بالتأكيد قادر على توفير الغطاء "الشرعي" لتوجهات صاحب القداسة. أُلقيّت في ملعب الرجل كرات كثيرة صعبة، منها موقف المرأة من الشموسية، والتي يبدو أن لغمها قد ينفجر قريبًا، ولكن الكرتين الأصعب كانتا: موضوع "المثلية الجنسية"، وموضوع "الإجهاض"، شكّلا دائمًا الصداع الأكبر للكنيسة، التي تحملت ضغوطًا سياسية هائلة لتغير قناعاتها عنهما، ولكن لم تلن قناتها أبدا، وهناك حادثة شهيرة بين الرئيس الأمريكي "بيل كلينتون" والبابا "يوحنا بولس الثاني" كان محورها هذين الموضوعين تحديدًا. بدت كرة "المثلية" تسلك ككرة ثلج، يزيد حجمها مع انزلاقات الحبر الأكبر في تصريحات تتعلق بالأمر، أثارت موجات من عدم الارتياح كنسيًا، حتى اضطر الكثير من الكرادلة لنفي أن ثمة تغييرًا في توجّه الكنيسة، وأن الأمر لا يتخطى أن التصريحات يُساء تأويلها، حتى حزم اثنان من الكرادلة بدعم من ثلاثة كرادلة آخرين أمرهما، وقررا توجيه أسئلة مباشرة للحبر الأعظم عن توجّهه الشخصي، ورأيه في كيفية تعامل الكنيسة مع هذا الملف، الذي بدا أن هناك متغيرات سياسية دولية تكتنفه. جاءت إجابات قداسته "أفعوانية" كما يليق برجل دين متمرس، وأثارت لغطا واسعًا ((راجع وكالة فاتيكان نيوز: البابا يرد على تساؤلات خمسة كرادلة. )). أعاد الكرادلة الكرة بصياغات أكثر تحديدًا للأسئلة نفسها، وكان واضحًا أن هناك تصعيدًا في المواجهة من الطرفين، وعندما لم يتلق الكرادلة الإجابات التي انتظرنها، توجهوا بالأسئلة إلى مجمع العقيدة والإيمان مع نشرها على الملأ ((راجع موقع المراقب: الكرادلة غير راضين عن إجابات البابا فرانسيس حول بركات المثليين وسيامة النساء، يطالبون بـ “نعم أو لا”. )). وبات واضحًا أن الكردينال "لاداريا" لا يملك إجابات توافق توجهات قداسته، وتهدئ قلق الكرادلة في نفس الوقت، فتمت الإحاطة به، ليأتي قداسته بطفله المدلل الأرجنتيني "فيكتور مانويل فرنانديز" رئيسًا للمجمع. ((راجع موقع أبونا: رئيس الأساقفة الأرجنتيني فيكتور مانويل فرنانديز عميدًا لدائرة عقيدة الإيمان. )). وتكون هذه الوثيقة الجديدة "انعتاق المتوسلون - Fiducia Suplicans" -والتي قطعت قول كل خطيب- باكورة أعماله ((راجع Theosis Across Borders: انعتاق المتوسلون Fiducia Suplicans. )). حين أصل لهذه النقطة، سيتوجّب عليَّ الاعتراف بأنني غير مؤهل للحكم على الوثيقة "شرعيًا"، ولكن هذا لن يمنعني من سوق بعض الملاحظات: منطق الوثيقة هو -وبفوقية إكليريكية معتادة- نحن "المؤسسة" لن ننحشر بين أعضاء الرعية -المسكينة- الجنسية. هل رأيتم نبلا أكثر من هذا! ! الواقع هو: المؤسسة وجدت نفسها غير منحشرة في بعض العلاقات الجنسية، فقررت بسط نفوذها عليها، بعد غياب طويل. لا أفهم ماذا يقصد هؤلاء السادة بـ "البركة"؟ وهل هي مفهوم إنجيلي أم توراتي؟ وما هو أثرها على متلقيها؟ هل البركة هذه أعظم من المسحة التي نلناها من ومع الرب يسوع المسيح؟ ولماذا ألتمسها من كاهن، إذا كنت أستطيع الاتحاد بالرب نفسه في الإفخارستيا ومن يده هو نفسه؟ هؤلاء السادة لا يتورعون -دون حياء- على استعمال جمل مثل: "استدعاء" الروح القدس، أو "استحضار" بركات الله. الكارثة أن يظنوا أن هذه هي الحقيقة، وأن الله رهن إشارتهم، ينتظر تمتماتهم ليهرع اليهم، وينفذ ما يطلبون. عدم وجود كاهن وطقوس، لن يمنع روح الله أن يبارك أزواجًا، في علاقة يراها الله صالحة. ووجود كل بطاركة الأرض، لن يدعو روح الله أن يبارك أزواجًا، في علاقة لا يراها الله صالحة. ماذا يستفيد المثليون من "اشتراك" كاهن معهم في الصلاة؟هل أوصد الله بابه دون المثليين؟ وهل يمتلك الكهنة مفتاحًا لهذا الباب؟؟ إن تمررت نفوس هؤلاء السادة حزنًا على المثليين وخطاياهم، فالتصرف الوحيد الصحيح هو أن تصيغ الكنيسة "أوشية" للصلاة من أجل المنخرطين في علاقات غير طبيعية ليلمس الرب قلوبهم ويعيدهم إلى حضنه. هنا الكنيسة هي من تصلي وليس كاهن مُفتئت على ما ليس له. الانسان هو كاهن الخليقة، والحافظ على ناموس الخلق فيها، فإن تبدل موقفه، ليس فقط تخلى عن دوره ككاهن بل تحول الى مخرب لها ولناموس خلقها، فأي بركة نطلبها من القدير له نحن نثق ان صلاته -هو فقط شخصيا- هي ما تفتح له طريق الغفران، وليس اي بركة مزعومة تتبقى معلومة أخيرة، قفزت إلى ذاكرتي عن نبوءة قديمة لقديس كاثوليكي اسمه "ملاخي" عن باباوات روما ((Joseph Lumpkin, The Prophecy of Saint Malachy: The Soon Coming End of Days. 2012. ))، ذكر تعدادهم وأطلق عليهم أسماءا لاقت الحقيقة كثيرًا، وطبقا للتعداد، فنحن في مرحلة البابا الأخير، البابا الذي يسبقه أطلقت عليه النبوءة: GLORIA OLIVAE ، وقد ربط البعض بين هذا الاسم وبين البابا بنديكتوس السادس عشر. المواقع الشعبية الإسلامية تمني نفسها بتحقق النبوءة وغزو بنات الأصفر، وبينما لا يعيرها اللاهوتيين الكاثوليك أيّة أهمية، عدا قلّة قليلة، لا شك أن الاهتمام بها وإعادة تأويلها سيتصاعد من الآن. --- ### الأسرار الكنسية ليست وقفًا على الكاهن خادمها متى دعت الضرورة - Published: ۲۰۲۳-۱۲-۲٤ - Modified: 2023-12-24 - URL: https://tabcm.net/16850/ - تصنيفات: لاهوتيات الكاهن وظيفة لازمة للأسرار نظمها الرب منذ البَدْء. فمثلا، آدم أقامه الله كاهنًا للخليقة قبل السقوط، فلما أختار لنفسه قضية الموت، كما نصلي في القداس، وصارت الخليقة في عداوة مع آدم، استمرت الخليقة، بدونه، والله راعيها. الله إله نظام كما يقول الكتاب، ولكنه فوق النظام لأنه مبدع النظام. فالإفخارستيا أسسها الرب لحياة الإنسان واتحاده بالمسيح، ووضع لها خادمًا هو الكهنوت كوظيفة، ولكن لن تتحكم الوظيفة في واضعها: الله، ومنفذها: الشعب، الذي يختار الكهنة. لان الإفخارستيا لأجل الإنسان، وليس هي، والإنسان، والله، أسيرة خادمها: الكاهن والأسقف.   --- ### انعتاق المتوسلون Fiducia Supplicans - Published: ۲۰۲۳-۱۲-۲۳ - Modified: 2024-03-31 - URL: https://tabcm.net/16828/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, شئون علمانية, لاهوتيات - وسوم: Fiducia Suplicans, إفخارستيا, الزواج الكاثوليكي, الزواج المدني, المجمع الفاتيكاني الثاني, المجمع المقدس, بابا بنديكتوس السادس عشر, بابا فرنسيس، بابا الڤاتيكان, بولس السادس, سر الزيجة, فيكتور مانويل فرنانديز, ڤاتيكان, قديس بولس الرسول, ليتورچي بين يديّ القارئ، ترجمة عربية للإعلان الفاتيكاني المعنون: Fiducia Supplicans، إعلان: انعتاق المتوسلون ، والصادر في 18 ديسمبر 2023، ممهوراً بتوقيع البابا فرانسيس، بابا الفاتيكان، مترجمًا لخمس لغات ليس من بينها اللغة العربيّة. على الموقع الرسمي للفاتيكان: press.vatican.va بين يديّ القارئ، ترجمة عربية للإعلان الفاتيكاني المعنون: Fiducia Supplicans، إعلان: انعتاق المتوسلون ((الكلمة الأصليّة: Fiducia هي كلمة ﻻتينية قديمة، تعني في القانون الروماني عقد التملّك للأشخاص، بموجب هذا العقد يبيع المرء نفسه كعبد بإرادته الحرّة. يقترن هذا التعاقد على العبودية بشرط مكتوب في العقد، إن تحقق الشرط يتم عتق العبد من عبوديته. تستخدم كلمة Fiducia في الأدبيات الكاثوليكية بمعان عدة ترتكز على رجاء العبد بسيّده، وتتدرج عادة من "الثقة" إلى "الإيمان" ، والراجح المعتاد هنا أن تترجم وفقاً للأدبيات الكاثوليكية بأحد مستويات الثقة نهاية بالإيمان، فتكون بمعنى: رجاء المتوسلون، لكني فضّلت ترجمتها بمعنى "الانعتاق" على خلاف الدارج لاهوتيًا. لأن لهذا الإعلان البابوي سمة تحريرية غير منتبه لها، وقصدت إبرازها عبر العودة للجذر اللاتيني المدني لكلمة: Fiducia المذكورة في العنوان: Fiducia Supplicans، فصار المعنى: انعتاق المتوسلون. ))، والصادر في 18 ديسمبر 2023، على الموقع الرسمي للفاتيكان: press. vatican. va، ممهوراً بتوقيع البابا فرانسيس، بابا الفاتيكان، مترجمًا لخمس لغات ليس من بينها اللغة العربيّة. استدعت هذه الترجمة مهارات التعامل مع أكثر من لغة أصلية ووسيطة حتى تصل للمحتوى العربي الحالي. لذلك، فهناك طبقة تفسيرية لبعض المصطلحات المُترجمة، والتي تحتمل مُرادِفات واسعة في التخصص اللاهوتي، متشابكة مع الحواشي التفسيرية الأصلية للإعلان البابوي. سيتم الإشارة المرجعيّة المرقمنة للكل في داخل النص دون قطع سياق الترجمة، ويمكنك الوقوف بالمؤشر على الإشارات المرجعية ليظهر لك صندوق التفسير السريع، أو النقر عليها للقفز إلى الحواشي وقطع سياق القراءة إن احتجت لذلك.   عرض أوّلي ((بقلم الأسقف المفوّض: فيكتور مانويل فرنانديز. ))يتناول هذا الإعلان العديد من الأسئلة التي طُرحت على الكنيسة ((الكلمة الأصلية: Dicastero، وهي كلمة إيطالية تعني "تقسيم إداري"، تحولت في الانجليزية إلى Dicastery، والتي تعني تجمع بشري من أجل العبادة، لذا تم ترجمتها بمعنى: كنيسة. )) في السنوات الأخيرة. في أثناء إعداد هذه الوثيقة، استشار المجمع، كما جرت العادة، العديد من الخبراء، وقاموا بعملية صياغة دقيقة، ونُوقِشت المُسودة التي صاغوها في مجلس رسمي ((الكلمة الأصلية: Congresso الإيطالية، والتي تعني "برلمان" حرفيًا، وجاءت هنا بمعنى "مجلس رسمي". )) للجنة العقيدة والإيمان بالمجلس الأسقفي ((الكلمة الأصلية: Dicastero الإيطالية، والتي تعني "تقسيم إداري"، وفي الانجليزية Dicastery تحوّلت لمعنى: تجمع بشري من أجل العبادة، وتم ترجمتها هنا بمعنى: "المجلس الأسقفي" . )). خلال تلك الفترة، تمت مناقشة الوثيقة مع الأب الأقدس ((الكلمة الأصلية: il Santo Padre وهو تعبير كاثوليكي يستخدم للإشارة للمنصب الروحي لبابا الفاتيكان. )). وأخيرًا، رُفِع نص الإعلان إلى قداسة البابا لمراجعته، فوافق عليه بتوقيعه. خلال دراسة موضوع هذه الوثيقة، تم الإعلان عن رد الأب الأقدس على مطالبات ((الكلمة الأصلية: Dubia، وتعني شكوك أو doubts الإنجليزية، وتم ترجمتها "مطالبات" لأن السياق يعني مطالبات رسمية -عبر المجمع الفاتيكاني- بإعلان موقف رسمي. )) بعض الكرادلة. لقد وفّر هذا الرد توضيحات مهمة لهذا التفكير ويمثل عنصرًا حاسمًا في عمل الدائرة. بما أن مجمع روما ((الكلمة الأصلية: la Curia romana وحرفيًا تعني "مجلس العدالة الروماني" التي تستخدم في الإشارة لقضاة مجلس الدولة. )) هو في المقام الأول أداة في خدمة خليفة مار بطرس ((Ap. Const. Praedicate Evangelium, II, 1. ))، فإن عملنا يجب أن يعزز، إلى جانب فهم العقيدة الثابتة للكنيسة، إلى قبول الكنيسة لتعليم الأب الأقدس. كما هو الحال مع رد الأب الأقدس المذكور أعلاه على شكوك ((الكلمة الأصلية: Dubia، وتعني شكوك أو doubts الإنجليزية، وتم ترجمتها حرفيًا هذه المرة لكونها الأنسب في وصف الاختلاف. ))اثنين من الكرادلة، يبلور هذا الإعلان بشكل صارم عقيدة الكنيسة التقليدية حول زواجٍ لا يسمح بأي نوع من الطقوس الليتورجية أو البركات المتزامنة مع الطقس الليتورجي، الأمر الذي يمكن أن يخلق ارتباكًا. لكن قيمة هذه الوثيقة في كونها تقدم مساهمة محددة ومبتكرة في المعنى الرعوي للبركات، مما يسمح بتوسيع وإثراء الفهم الكلاسيكي لبركات الكنيسة، والذي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالمنظور الليتورجي. مثل هذا التفكير اللاهوتي المرتكز على رؤية البابا فرنسيس الرعوية، ينطوي على تطور حقيقي عما قيل عن البركات في السلطة التعليمية والنصوص الرسمية للكنيسة. وهذا ما يفسر لماذا اتخذ هذا النص تصنيف "الإعلان". ((الفارق بين "الإعلان" وغيره من الوثائق، أن الإعلان يعتبر موقف غير مُلزم. فمثلا توقيع مصر على وثيقة "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" يعني تبني مصر لما ورد فيها، لكن دون حق الاحتجاج من بقية الدول الأعضاء على خرق بنود الإعلان إن حدث هذا. بعكس مثلا وثيقة "العهد المدني لممارسة الحقوق السياسية والاقتصادية" التي وقّعت عليها مصر أيضًا، لكونها "تعهّد" مُلزم، يمكن وصمه بالنكوص، وليس مجرد "إعلان" لموقف. ))في هذا السياق بالتحديد، يمكن للمرء أن يفهم إمكانية اتساع البركة لتشمل الأفراد ذوي العلاقات غير الشرعية ((التعبير الأصلي: le coppie in situazioni irregolari ويعني حرفيًا: الزوجين بشكل غير منتظم، أو مقنن. وتم ترجمتها في السياق إلى: "الأفراد ذوي العلاقات غير الشرعية"، مع التوكيد أن التعبير يقصد بوضوح مسألة: مباركة الأفراد، وليس مباركة العلاقات. وهو تعبير دقيق لغوياً في الفصل بين هذا وذاك في اللغّة الأصليّة. )) والمتزوجون بمثل جنسهم، دون الموافقة ((يمكن الترجمة بمعنى "دون المباركة" أيضًا، على أساس أن الكنيسة ﻻ تملك حق المنع أو الإباحة الرسمية لأي أمر. )) رسميًا على أوضاعهم، أو تغيير في تعاليم الكنيسة الثابتة حول الزواج بأي شكل من الأشكال. يهدف هذا الإعلان أيضًا إلى تكريم شعب الله الأمين، الذي يعبد الرب بالعديد من اﻹيماءات والطرق التي تشترك في الثقة العميقة برحمته، وعلى هذا الرجاء وحده يأتي دائمًا لطلب البركة من الكنيسة الأم. (فيكتور مانويل، أسقف مفوّض)   ديباجة ((بداية من هنا، فالنص صادر عن الفاتيكان، اللجنة الفقهية والقانونية، بالاضافة للبابا فرانسيس. )) 1. إن الثقة المُلتَمَسة لشعب الله الأمين تنال عطية البركة التي تتدفق من قلب المسيح عبر كنيسته. يقدم البابا فرنسيس هذا التذكير في الوقت المناسب: إن بركة الله العظيمة هي يسوع المسيح. إنه هبة الله العظيمة، ابنه. إنه نعمة للبشرية جمعاء، نعمة خلصتنا جميعًا. وهو الكلمة الأزلي الذي باركنا به الآب ونحن بعد خطاة ((رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 5: 8. )) كما يقول القديس بولس. إنه الكلمة الذي صار جسدًا، والمقدم لأجلنا على الصليب ((البابا فرانسيس، تعليم حول الصلاة: البركة، نُشر في مجلة: أوسيرفاتوري رومانو، بتاريخ 2 ديسمبر 2020، ص. 8. )) 2. بالتوكيد على هذه الحقيقة العظيمة والمعزيّة، أخذ المجمع الكنسيّ ((الكلمة الأصلية: Dicastero، الإيطالية التي تعني "تقسيم إداري"، وفي الانجليزية Dicastery، التي تعني تجمع بشري من أجل العبادة، وتم ترجمتها هنا بمعنى: المجمع الكنسيّ. )) بعين الاعتبار مختلف الأسئلة، الرسمية وغير رسمية، حول إمكانية مباركة الأزواج المثليين، وفي ضوء النهج الأبوي والرعوي للبابا فرانسيس، ومدى إمكانية تقديم حلول جديدة، فيما يختص بالرد على المطالبة ((الكلمة الأصلية: Dubia، وتعني شكوك أو doubts الإنجليزية، وتم ترجمتها "مطالبة" لأن السياق يعني مطالبة رسمية -عبر المجمع الفاتيكاني- بإعلان موقف رسمي. )) التي نُشرت عن لجنة العقيدة والإيمان في 22 فبراير 2021 ((الجلسة الرسمية للجنة العقيدة والإيمان، المجاوبة على "الشكوك" حول نعمة اتحاد الأشخاص من نفس الجنس، مذكرة توضيحية: أعمال الكرسي الرسولي 113  لعام 2021، الصفحات من 431 إلى 434. )). 3. لقد أثارت المجاوبة المذكورة العديد من ردود الفعل المختلفة: فقد رحب البعض بوضوح هذه الوثيقة واتساقها مع تعليم الكنيسة الراسخ؛ ولم يتفق آخرون مع التجاوب السلبيّ ((حرفيّا: التجاوب بالنفي. )) على المطالبة، أو لم يعتبروه واضحًا بدرجة كافية في صياغته، وفي الأسباب الواردة في المذكرة التوضيحية المرفقة. ولمواجهة رد الفعل الأخير بالمحبة الأخوية، يبدو من المناسب تناول الموضوع مرة أخرى، وتقديم رؤية تجمع الجوانب العقائدية بالتناغم مع الجوانب الرعوية، لأن كل تعليم عقائدي يجب أن يقع في نهاية المطاف بالموقف الذي يوقظ يسوع. والحياة التي توقظ تصديق القلب بقربه، ومحبته، وشهادته ((البابا فرانسيس، رسالة: "الفرح الإنجيلي"، 24 نوفمبر 2013، برقم 42، أعمال الكرسي الرسولي 105 لعام 2013، ص. 1037-1038. )).   I. البركة في سر الزواج 4. إن رد البابا فرانسيس الأخير على السؤال الثاني من الأسئلة الخمسة التي طرحها اثنان من الكرادلة ((البابا فرنسيس، ردود الأب الأقدس على المُطالبة التي اقترحها اثنان من الكرادلة بتاريخ 11 يوليو 2023. ))، يتيح إمكانية دراسة هذه القضية بشكل أعمق، خاصة في مضامينها الرعوية. يتعلق الأمر بتجنب أن "يتم الاعتراف بشيء ليس زواجًا، على أنه زواج". ((Ibidem, ad dubium 2, c. )) لذلك، فإن الطقوس والصلوات التي يمكن أن تخلق ارتباكًا بين ما يُشكل الزواج، باعتباره "اتحادًا حصريًا وثابتًا وغير قابل للحل بين رجل وامرأة، منفتحان بشكل طبيعي على إنجاب الأطفال” ((Ibidem, ad dubium 2, a. ))، وبين ما يناقض ذلك، هو أمر غير مقبول. يعتمد هذا الاعتقاد على عقيدة الزواج الكاثوليكية الدائمة؛ وفي هذا السياق فقط تجد العلاقات الجنسية معناها الطبيعي والسليم والإنساني بالكامل. إن عقيدة الكنيسة في هذه النقطة تظل راسخة. 5. هذا أيضًا هو فهم الزواج الذي يقدمه لنا الإنجيل. ولهذا السبب، عندما يتعلق الأمر بالبركات، من حق الكنيسة وواجبها أن تتجنب أي نوع من الطقوس التي تتعارض مع هذه القناعة، أو تؤدي إلى أي تشويش. وهذا أيضًا هو معنى رد لجنة العقيدة والإيمان،  آنذاك، حيث ينص على أن الكنيسة لا تملك منح البركات على العلاقات بين الأشخاص من نفس الجنس. 6. لابد من التأكيد على أن هذا الأمر، في طقس سر الزواج، لا يتعلق فقط بأية بركة، بل بلفتة مخصصة للخادم المرسوم. في هذه الحالة، ترتبط البركة التي يمنحها الخادم المرسوم مباشرة بالاتحاد المحدد بين رجل وامرأة، الذين يقيمان بموافقتهما عهدًا حصريًا وغير قابل للانفصال. تتيح لنا هذه الحقيقة تسليط الضوء على خطر الخلط بين البركة الممنوحة لأي اتحاد آخر، وبين الطقس المناسب لسر الزواج.   II. معنى النعم المختلفة 7. إن مجاوبة الأب الأقدس المذكورة، تدعونا إلى الاجتهاد في توسيع وإثراء معنى البركات. 8. البركات من الأسرار الأكثر انتشارًا وتطورًا باستمرار. في الواقع، إنها تقودنا إلى فهم حضور الله في كل أحداث الحياة، وتذكرنا أنه حتى في استخدام الأشياء المخلوقة، فإن البشر مدعوون إلى البحث عن الله، ومحبته، وخدمته بأمانة ((تأسست الطقوس الرومانيّة الحاليّة بموجب مرسوم صادر عن المجمع المسكوني المقدس، في المجمع الفاتيكاني الثاني، تحت سلطة البابا يوحنا بولس الثاني. راجع مجلة مدينة الفاتيكان لعام 1985، العدد 12؛ في الطبعة الإسبانية للجنة الليتورجيا، أيضًا أنظر: Bendicional، Coeditores litúrgicos، برشلونة 1986، العدد 12. )). ولهذا السبب، فإن متلقي البركات هم: الناس؛ كائنات العبادة والتفاني. الصور المقدسة. أماكن الحياة والعمل والمعاناة؛ ثمار الأرض وكدح الإنسان. وكل الحقائق المخلوقة التي ترجع إلى الخالق، تمجّده وتباركه بجمالها. المعنى الليتورجي لطقوس البركة 9. من الناحية الليتورجية البحتة، تتطلب البركة أن يتوافق المبارك مع إرادة الله، المعبّر عنها في تعاليم الكنيسة. 10. إن البركات يُحتفل بها بقوة الإيمان، وتهدف لتمجيد الله والمنفعة الروحية لشعبه. وكما توضح الكتب الليتورجية الروميّة: لكي يكون هذا الغرض أكثر وضوحًا، وفقًا للتقليد القديم، فإن صيغ البركة تهدف قبل كل شيء إلى تمجيد الله على عطاياه، وطلب نعمه، وكبح قوة الشر في العالم ((Ibidem, n. 11: Quo autem clarius hoc pateat, antiqua ex traditione, formulae benedictionum eo spectant ut imprimis Deum pro eius donis glorificent eiusque impetrent beneficia atque maligni potestatem in mundo compescant.   )). لذلك، فإن أولئك الذين يطلبون بركة الله من خلال الكنيسة مدعوون إلى تقوية شخصياتهم بالإيمان الذي به كل شيء مُستطاع، وإلى الثقة في المحبة التي تحث على حفظ وصايا الله ((Ibidem, n. 15: Quare illi qui benedictionem Dei per Ecclesiam expostulant, dispositiones suas ea fide confirment, cui omnia sunt possibilia; spe innitantur, quae non confundit; caritate praesertim vivificentur, quae mandata Dei servanda urget. )). لهذا السبب، بينما توجد دائمًا وفي كل مكان فرصة لتسبيح الله من خلال المسيح، في الروح القدس، هناك أيضًا الاهتمام بفعل ذلك بالأشياء أو الأماكن أو الظروف التي لا تتعارض مع الناموس. أو روح الإنجيل. ((Ibidem, n. 13: Semper ergo et ubique occasio praebetur Deum per Christum in Spiritu Sancto laudandi, invocandi eique gratias reddendi, dummodo agatur de rebus, locis, vel adiunctis quae normae vel spiritui Evangelii non contradicant.  )). هذا هو الفهم الليتورجي للبركات من حيث أنها طقوس تقترحها الكنيسة رسميًا. 11. انطلاقًا من هذه الاعتبارات، تشير المذكرة التوضيحية للجنة العقيدة والإيمان في عام 2021، إلى أنه عند طلب البركة على علاقات بشرية معينة من خلال طقس خاص، فمن الضروري أن يكون المبارك متوافقًا مع إرادة الله، المكتوبة في الخليقة، والمعلنة بالكامل في المسيح الرب. لهذا السبب، ونظرًا لأن الكنيسة اعتبرت دائمًا أن تلك العلاقات الجنسية التي تتم في إطار الزواج هي فقط المشروعة أخلاقيًا، فإن الكنيسة لا تملك القدرة على منح بركتها الليتورجية عندما يكون ذلك من شأنه أن يقدم شكلًا من أشكال الشرعية الأخلاقية لاتحاد ما، سواء يُفترض أنه زواج، أو ممارسة جنسية خارج إطار الزواج. وقد كرر الأب الأقدس مضمون هذا الإعلان في مجاوبته على دعوة اثنين من الكرادلة. 12. يجب أيضًا تجنب خطر اختزال معاني البركات في وجهة نظر واحدة، لأن ذلك قد يدفعنا إلى المطالبة بنفس الشروط الأخلاقية المطلوبة لتلقي الأسرار. ويتطلب مثل هذا الخطر أن نقوم بتوسيع هذا المنظور بشكل أكبر. في الواقع، هناك أيضًا خطر أن تخضع الحركة الرعوية، المحبوبة والمنتشرة على نطاق واسع، للعديد من المتطلبات الأخلاقية، والتي، بدعوى السيطرة، يمكن أن تطغى على قوة محبة الله غير المشروطة التي تقوم عليها عمل البركة. 13. في هذا الصدد بالتحديد، حثنا البابا فرانسيس على ألا نفقد المحبة الرعوية التي يجب أن تتخلل جميع قراراتنا ومواقفنا، وأن نتجنب أن نكون قضاة ينكرون ويرفضون ويستَبعدون ((البابا فرانسيس، راجع ردود الأب الأقدس على المطالبة التي اقترحها اثنان من الكرادلة، رقم  2، فقرة d. )). دعونا إذن نستجيب لاقتراحه من خلال تطوير فهم أوسع للبركات. البركات في الكتاب المقدس 14. قبل التأمل في البركات من خلال جمع وجهات نظر مختلفة، نحتاج أولاً إلى الاستنارة بصوت الكتاب المقدس. 15.  يُبَارِكُكَ الرَّبُّ وَيَحْرُسُكَ. يُضِيءُ الرَّبُّ بِوَجْهِهِ عَليْكَ وَيَرْحَمُكَ. يَرْفَعُ الرَّبُّ وَجْهَهُ عَليْكَ وَيَمْنَحُكَ سَلاماً. ((عدد ٦ : ٢٤-٢٦ )). هذه "البركة الكهنوتية" نجدها في العهد القديم، وتحديدًا في سفر العدد، لها طابع "تنزيلي" لأنها تمثل استدعاء بركة تنزل من الله على الإنسان: وهي من أقدم نصوص البركة الإلهية. ثم هناك نوع آخر من البركات نجده في صفحات الكتاب المقدس: تلك التي "تُصعَد" من الأرض إلى السماء، نحو الله. والبركة بهذا المعنى هي التسبيح والاحتفال والشكر لله على رحمته وأمانته، وعلى العجائب التي خلقها، وعلى كل ما حدث بمشيئته: بَارِكِي يَا نَفْسِي الرَّبَّ وَكُلُّ مَا فِي بَاطِنِي لِيُبَارِكِ اسْمَهُ الْقُدُّوسَ. ((مزامير ١٠٣ : ١ )). 16. وعلى حين أن الله الذي يبارك، نحن أيضًا نستجيب بالبركة. ملكي صادق، ملك ساليم، يبارك إبراهيم ((راجع تكوين 14: 19 ))؛ لقد بُوركت رفقة من عائلتها قبل أن تصبح عروسًا لإسحق ((راجع تكوين 24: 60 ))، الذي بدوره بارك ابنه يعقوب ((راجع تكوين 27: 27 )). يبارك يعقوب فرعون ((راجع تكوين 47: 10 ))، وحفيديه أفرايم ومنسى ((راجع تكوين 48: 20 ))، وأبنائه الاثني عشر ((راجع تكوين 49: 28 )). يبارك موسى وهارون شعب الله ((راجع خروج 39: 43؛ لاويين 9: 22 )). ويبارك أرباب الأسر أولادهم في الأعراس، وقبل السفر، وعند اقتراب الموت. وبالتالي، تبدو هذه البركات وكأنها عطايا فيّاضة وغير مشروطة. 17. إن البركة الموجودة في العهد الجديد تحتفظ بنفس المعنى الذي كانت عليه في العهد القديم. نجد العطية الإلهية "النازلة"، والشكر البشري "الصاعد"، والبركة التي يمنحها الإنسان "تمتد" نحو الآخرين. زكريا، بعد أن استعاد القدرة على الكلام، بارك الرب على أعماله العجيبة ((راجع لوقا 1، 64 )). سمعان، وهو يحمل المولود الجديد يسوع بين ذراعيه، يبارك الله لأنه منحه نعمة التأمل في المسيح المخلص، ومن ثم يبارك والدي الطفل، مريم ويوسف ((راجع لوقا 2، 34 )). بارك يسوع الآب في نشيد التسبيح والتهليل الشهير الذي وجهه إليه: أحمدك أيها الآب، رب السماء والأرض ((راجع متى 11، 25 )). 18. استمرارًا للعهد القديم، وفي يسوع أيضًا، ليست البركة صاعدة فقط في إشارة إلى الآب، بل نازلة أيضًا وتنسكب على الآخرين كبادرة نعمة، وحماية، وصلاح. لقد نفذ يسوع بنفسه هذه الممارسة وعززها. على سبيل المثال، بارك الأطفال: فاحتضنهم ووضع يديه عليهم وباركهم. ((راجع مرقس 10: 16 )). وستنتهي رحلة يسوع الأرضية بالتحديد ببركة أخيرة مخصصة للأحد عشر، قبل وقت قصير من صعوده إلى الآب: ورفع يديه وباركهم. وفيما هو يباركهم، انفرد عنهم وأصعد إلى السماء. ((راجع لوقا 24: 50-51 )). الصورة الأخيرة ليسوع على الأرض هي صورة يديه مرفوعتين في فعل البركة. 19. في سر محبته، ينقل الله لكنيسته، من خلال المسيح، قوة البركة. إن البركة التي منحها الله للبشر وأنعم بها على جيرانهم، تتحول إلى شمول وتضامن وصنع سلام. إنها رسالة إيجابية من الراحة والرعاية والتشجيع. تعبّر البركة عن حضن الله الرحيم وأمومة الكنيسة التي تدعو المؤمنين إلى أن يكون لديهم نفس مشاعر الله تجاه إخوتهم وأخواتهم. الفهم اللاهوتي الرعوي للبركات 20. من يطلب البركة: يظهر أنه في حاجة إلى حضور الله الخلاصي في حياته، ومن يطلب البركة من الكنيسة: يعترف بأن الأخيرة هي سر الخلاص الذي يقدمه الله. إن طلب البركة في الكنيسة يعني الاعتراف بأن حياة الكنيسة تنبع من رحم رحمة الله وتساعدنا على المضي قدمًا والعيش بشكل أفضل والاستجابة لإرادة الرب. 21. من أجل مساعدتنا على فهم قيمة النهج الرعوي تجاه البركات، يحثنا البابا فرنسيس على التأمل، بموقف الإيمان والرحمة الأبوية، في حقيقة أنه عندما يطلب الإنسان البركة، فإنه يعبر عن التماس. من أجل معونة الله، والتماس لنعيش بشكل أفضل، والثقة في الآب الذي يمكن أن يساعدنا على العيش بشكل أفضل ((Ibidem, ad dubium 2, e. )). يجب، بكل الطرق، تقدير هذا الطلب، ومرافقته، وقبوله بامتنان. الأشخاص الذين يأتون بشكل عفوي ليطلبوا البركة يظهرون من خلال هذا الطلب انفتاحهم الصادق على السمو، وثقة قلوبهم بأنهم لا يثقون في قوتهم وحدها، وحاجتهم إلى الله، ورغبتهم في الخروج من الحدود الضيقة. هذا العالم المقيد بحدوده. 22. كما تعلمنا القديسة تريزا الطفل يسوع، فإن هذه الثقة هي الطريق الوحيد الذي يقودنا إلى المحبة التي تمنح كل شيء. بثقة، يفيض ينبوع النعمة إلى حياتنا من المناسب إذًا أن نضع ثقتنا القلبية، ليس في أنفسنا، بل في الرحمة اللامتناهية لله الذي يحبنا دون قيد أو شرط إن خطيئة العالم عظيمة ولكنها ليست بلا حدود، في حين أن محبة الفادي الرحيمة هي بالفعل بلا حدود.  ((البابا فرانسيس، عظة: "إنها الثقة"، بتاريخ 15 أكتوبر 2023، ترقيم 2، 20، 29. )) 23. عندما ننظر إلى هذه التعبيرات عن الإيمان خارج الإطار الليتورجي، نجدها في عالم أكثر عفوية وحرية. ومع ذلك، لا ينبغي بأي حال من الأحوال أن تُفهم الطبيعة الاختيارية للتمارين التقوية على أنها تعني التقليل من تقدير هذه الممارسات أو الازدراء بها. إن الطريق إلى الأمام في هذا المجال يتطلب تقديرًا صحيحًا وحكيمًا للثروات العديدة للتقوى الشعبية، والإمكانات التي تمتلكها ((لجنة الطقوس ونظام الأسرار، دليل التقوى الشعبية والطقوس الدينية. المبادئ التوجيهية، مكتبة الفاتيكان، مدينة الفاتيكان 2002، ترقيم 12. )). وهكذا تصبح البركات مصدرًا رعويًا يجب استغلاله، وليس خطرًا أو مشكلة. 24. من وجهة نظر الرعاية الرعوية، ينبغي تقييم البركات كأعمال تعبّد تجد مكانها خارج الاحتفال بالإفخارستيا المقدسة وسائر الأسرار الأخرى. إن اللغة والإيقاع والمسار والتأكيد اللاهوتي للتقوى الشعبية تختلف عن تلك الخاصة بالعمل الليتورجي المقابل. ولهذا السبب، علينا أن نتجنب إدخال أساليب "الاحتفال الليتورجي" في التدريبات التقوية، التي يجب أن تحافظ على أسلوبها، وبساطتها، ولغتها الخاصة.  ((Ibidem, n. 13. )) 25. علاوة على ذلك، يجب على الكنيسة أن تتجنب تأسيس ممارساتها الرعوية على ثبات بعض المخططات العقائدية أو التأديبية، لا سيما عندما تؤدي إلى نخبوية نرجسية وسلطوية، حيث بدلاً من تبشير الآخرين، يتم تحليل الآخرين وتصنيفهم، وبدلاً من فتح باب النعمة، يستنفد المرء طاقاته في الفحص والتحقق بغرض السيطرة. ((البابا فرانسيس، رسالة: الفرح الإنجيلي، بتاريخ 24 نوفمبر 2013، ترقيم 94، أعمال الكرسي الرسولي 105 لعام 2013، ص. 1060. )). وبالتالي، عندما يطلب الناس نعمة، لا ينبغي وضع تحليل أخلاقي شامل كشرط مسبق لمنحها. إذ لا ينبغي أن يُشترط على طالبي البركة أن يكون لهم الكمال الأخلاقي المسبق. 26. من هذا المنظور، تساعد إجابة الأب الأقدس في توسيع إعلان لجنة العقيدة والإيمان لعام 2021 من وجهة نظر رعوية. لأن الرد يدعو إلى التمييز فيما يتعلق بإمكانية أشكال البركة، التي يطلبها شخص أو أكثر، والتي لا تنقل مفهومًا خاطئًا عن الزواج ((البابا فرانسيس، ردود الأب الأقدس على الطلبات التي اقترحها اثنان من الكرادلة، ترقيم 2، فقرة e. ))، وفي المواقف غير المقبولة أخلاقيًا من وجهة نظر موضوعية، تأخذ في الاعتبار حقيقة أن المحبة الرعوية تتطلب منا ألا نعامل الآخرين ببساطة، باعتبارهم "خطأة"، أولئك الذين يمكن تخفيف ذنبهم أو مسؤوليتهم بسبب عوامل مختلفة تؤثر على التبعيّة الذاتية.  ((Ibidem, ad dubium 2, f. )). 27. في التعليم المسيحي المذكور في بداية هذا الإعلان، اقترح البابا فرنسيس وصفًا لهذا النوع من البركات المقدمة للجميع دون الحاجة إلى أي شيء. يجدر بنا أن نقرأ هذه الكلمات بقلب منفتح، لأنها تساعدنا على فهم المعنى الرعوي للبركات المقدمة دون شروط مسبقة: الله هو الذي يبارك. في الصفحات الأولى من الكتاب المقدس، هناك تكرار مستمر للبركات. يبارك الله، لكن البشر أيضًا يمنحون البركات، وسرعان ما يتبين أن البركة تمتلك قوة خاصة، ترافق أولئك الذين ينالونها طوال حياتهم، وتهيئ قلب الإنسان ليغيره الله. إذًا نحن أهم عند الله من كل الخطايا التي يمكن أن نرتكبها، لأنه أب، وأم، وهو محبة نقية، وقد باركنا إلى الأبد. ولن يتوقف أبدًا عن مباركتنا. إنها تجربة قوية أن تقرأ نصوص البركة الكتابية هذه في السجن، أو في مجموعات إعادة التأهيل، لجعل هؤلاء الناس يشعرون أنهم ما زالوا مباركين على الرغم من أخطائهم الجسيمة، وأن أباهم السماوي يستمر في إرادة الخير لهم، ويأمل أن ينفتحوا في النهاية على الخير. حتى لو تخلى عنهم أقرباءهم، لأنهم يحكمون عليهم الآن بأنهم غير قابلين للخلاص، فإن الله يراهم دائمًا كأبناء له.  ((البابا فرانسيس، تعليم حول الصلاة: البركة، بتاريخ 2 ديسمبر 2020، مجلة: أوسيرفاتوري رومانو، عدد 2 ديسمبر 2020، ص. 8. )) 28. هناك عدة مناسبات يتقدم فيها الناس بشكل عفوي لطلب البركة، سواء أثناء الحج أو في المزارات أو حتى في الشارع عندما يلتقون كاهنًا. على سبيل المثال، يمكننا أن نشير إلى الكتاب الليتورجي De Benedictionibus ((معناها الحرفي: "من النِعم". ))، الذي يقدم سلسلة طقوس لمباركة الناس، بما في ذلك كبار السن والمرضى والمشاركين في اجتماع التعليم المسيحي أو الصلاة، والحجاج، والمسافرين، والمجموعات والجمعيات التطوعية، الخ. وهذه البركات موجهة للجميع، ولا يمكن استثناء أحد منها. في مقدمة طقس مباركة المسنين، على سبيل المثال، ورد أن الغرض من هذه البركة هو: أن يحصل كبار السن أنفسهم على شهادة احترام وامتنان من إخوانهم، بينما نحن معهم، أشكروا الرب على النعم التي نالوها منه، وعلى الخير الذي فُعلتوه بمساعدته. ((كتاب De Benedictionibus ، ترقيم 258 في الطبعة الإسبانية للجنة الليتورجية الأسقفية، أيضا أنظر: المحررون الليتورجيون، برشلونة 1986، عدد 260. )) في هذه الحالة، موضوع البركة هو الشخص المسن، الذي يُشكر عليه ومعه الله على ما قدمه من خير وعلى ما ناله من فوائد. لا يمكن منع أحد من تقديم الشكر هذا، وكل شخص –حتى لو كان يعيش في موقف لا يتوافق مع خطة الخالق– يمتلك عناصر إيجابية يمكننا أن نحمد الرب عليها. 29. من منظور البركات الصاعد، عندما يدرك الإنسان عطايا الرب ومحبته غير المشروطة، حتى في حالات الخطيئة، خاصة عندما تجد الصلاة آذانًا صاغية، يرفع قلب المؤمن تسبيحه لله ويباركه. ولا يُمنع أحد من هذا النوع من النعمة. ويمكن للجميع، منفردين أو مع الآخرين، أن يرفعوا حمدهم وامتنانهم لله. 30. ومع ذلك، فإن الاحساس الشعبي بالبركات، يشمل أيضًا قيمة البركات النازلة. في حين أنه ليس من الملائم للإيبارشية أو المجلس الأسقفي أو أي هيكل كنسي آخر أن يقوم بشكل مستمر ورسمي بتفعيل إجراءات أو طقوس لجميع أنواع القضايا ((البابا فرانسيس، ردود الأب الأقدس على المطالبة التي اقترحها اثنان من الكرادلة، برقم 2، فقرة g. )). هذا من الحكمة، والحكمة الرعوية، لتجنب أشكال خطيرة من الفضح أو المسببة للعثرات بين المؤمنين، قد يوحي بأن الخادم المرسوم ينضم إلى صلاة أولئك الأشخاص الذين في علاقات لا يمكن مقارنتها بأي شكل من الأشكال بالزواج، بينما هم يرغبون في تسليم أنفسهم إلى الرب ورحمته، وطلب مساعدته. وأن يهتدي إلى فهم أكبر لخطة المحبة والحقيقة.   III. بركات الأزواج في الحالات غير الشرعية 31. في الأفق الموضح هنا، تظهر إمكانية منح بركات للأزواج الذين هم في علاقات غير شرعية ((حرفيا: علاقات غير منتظمة. )) وللأزواج من نفس الجنس، والتي لا ينبغي للسلطات الكنسية أن تحدد شكلها طقسيًا لتجنب الخلط مع البركات الخاصة بسر الزيجة. في مثل هذه الحالات، تُمنح البركة ليس فقط ذات قيمة تصاعدية فحسب، بل تتضمن أيضًا استحضار لبركة نازلة من الله نفسه على أولئك الذين يدركون أنهم معوزون وبحاجة إلى مساعدته ولا يطالبون بشرعية وضعهم الخاص، ولكنهم يتوسلون أن يتم استثمار وشفاء ورفع كل ما هو حقيقي وصالح إنسانيًا في حياتهم وعلاقاتهم بحضور الروح القدس. تعبّر أشكال البركة هذه عن دعاء لكي يمنح الله تلك المعونات التي تأتي من نبضات روحه –ما يسميه اللاهوت الكلاسيكي النعمة الفعلية– حتى تنضج العلاقات البشرية وتنمو في الأمانة للإنجيل، وتحرر نفسها من عيوبهم وضعفهم، ولكي يعبروا عن أنفسهم في البعد المتزايد للحب الإلهي. 32. حقًا، إن نعمة الله تعمل في حياة أولئك الذين لا يدعون أنهم أبرار، ولكنهم يعترفون بأنهم خطاة بكل تواضع، مثل أي شخص آخر. يمكن لهذه النعمة أن توجه كل شيء وفقًا لمخططات الله الغامضة وغير المتوقعة. لذلك، بحكمتها التي لا تعرف الكلل واهتمامها الأمومي، تستقبل الكنيسة كل من يقترب إلى الله بقلب متواضع، وترافقه بتلك المساعدات الروحية التي تمكن الجميع من فهم إرادة الله وتحقيقها بالكامل في وجودهم ((البابا فرانسيس، رسالة: الفرح الإنجيلي، 19 مارس 2016، ترقيم 250، أعمال الكرسي الرسولي 108 لعام 2016، ص. 412-413. )). 33. هذه بركة، وإن لم تكن متضمنة في أي طقس طقسي ((راجع لجنة الطقوس ونظام الأسرار، دليل التقوى الشعبية والقداس، ترقيم 13، الفقرات:  يجب أن يكون الفرق الموضوعي بين ممارسات التقوى وممارسات العبادة فيما يتعلق بالليتورجيا واضحًا في التعبيرات الثقافية تجد أعمال التقوى والعبادة مكانها المناسب خارج الاحتفال بالإفخارستيا والأسرار الأخرى. ))، إلا أنها تجمع بين صلاة الشفاعة وطلب معونة الله من قبل أولئك الذين يلجأون إليه بكل تواضع. الله لا يرد أحداً يقترب منه! في النهاية، توفر البركة للناس وسيلة لزيادة ثقتهم بالله. بالتالي، فإن طلب البركة يعبر عن الانفتاح على السمو والرحمة والقرب من الله، ويغذيه في آلاف الظروف الملموسة للحياة، وهو أمر ليس بالقليل في العالم الذي نعيش فيه. إنها بذرة الروح القدس التي يجب رعايتها، وليس إعاقتها. 34. إن ليتورجيا الكنيسة نفسها تدعونا إلى اتخاذ موقف الواثق من هذا، حتى في خضم خطايانا وقلة استحقاقاتنا وضعفنا وارتباكنا، كما تشهد بذلك هذه الصلاة الجميلة المجمعة المأخوذة من كتاب القداس الروماني: أيها الإله القدير الأبدي، الذي في كثرة لطفك، تجاوز استحقاقات ورغبات المتوسلين إليك، اسكب علينا رحمتك: لتغفر ما يخشاه الضمير، ونُعطي ما لا تجرؤ الصلاة على أن تطلبه ((طلبة تقال في الأحد السابع والعشرين من السنة. )). كم مرة، من خلال بركة بسيطة من الراعي، الذي لا يدعي أنها تجيز أو تضفي الشرعية على أي شيء، يمكن للناس أن يختبروا قرب الآب، "فوق كل رغبة وكل استحقاق". 35. لذلك ينبغي أيضًا تكوين الحس الرعوي للخدام المُرسّمِين ليقوموا تلقائيًا ببركات غير موجودة في كتاب البركات. 36. بهذا المعنى، من الضروري أن ندرك اهتمام الأب الأقدس بأن هذه البركات غير الطقسية لا تتوقف أبدًا عن كونها أعمال بسيطة توفر وسيلة فعالة لزيادة الثقة في الله من جانب الأشخاص الذين يطلبونها، ويمنعهم من أن يصبحوا عملاً طقسيًا أو شبه طقسي يشبه السر. والذي من شأنه أن يشكل إفقاراً خطيراً، لأنه سيُخضع لفتة ذات قيمة كبيرة في التقوى الشعبية للسيطرة المفرطة، الأمر الذي يحرم الأساقفة من الحرية والعفوية في مرافقتهم الرعوية لحياة الناس. 37. في هذا الصدد، تتبادر إلى الأذهان كلمات قداسة البابا التالية، والتي سبق أن اقتبسناها جزئيًا: إن القرارات التي قد تكون جزءًا من الحكمة الرعوية في ظروف معينة، لا ينبغي بالضرورة أن تصبح قاعدة. وهذا يعني أنه ليس من المناسب للإيبارشية أو المجلس الأسقف أو أي هيكل كنسي آخر أن يضع بشكل مستمر ورسمي إجراءات أو طقوس لجميع أنواع الأمور. لا ينبغي للقانون الكنسي، ولا يمكنه، أن يشمل كل شيء، ولا ينبغي للمجالس الأسقفية أن تدعي أنها تفعل ذلك من خلال وثائقها وبروتوكولاتها المختلفة، لأن حياة الكنيسة تتدفق عبر قنوات عديدة إلى جانب القنوات المعيارية. ((البابا فرانسيس، ردود الأب الأقدس على المطالبة التي اقترحها اثنان من الكرادلة، برقم 2، فقرة g. )). هكذا أيضًا ذكّرنا البابا فرنسيس بأن ما هو جزء من التمييز العملي في ظروف معينة لا يمكن رفعه إلى مستوى القاعدة لأن هذا من شأنه أن يؤدي إلى افتاء قضائي لا يطاق. ((البابا فرانسيس، رسالة: الفرح الإنجيلي، 19 مارس 2016، ترقيم 304، أعمال الكرسي الرسولي 108 لعام 2016، ص. 436. )). 38. لهذا السبب، لا ينبغي للمرء أن ينشئ أو يشجع طقوسًا لمباركة الأزواج الذين هم في وضع غير شرعي. وفي الوقت نفسه، لا يجوز منع قُرب الكنيسة من الناس في كل موقف قد يطلبون فيه معونة الله من خلال بركة بسيطة. في صلاة قصيرة تسبق هذه البركة التلقائية، يمكن للخادم المرسوم أن يطلب من الأفراد أن يتمتعوا بالسلام والصحة وروح الصبر والحوار والمساعدة المتبادلة، ولكن أيضًا بنور الله وقوته ليكونوا قادرين على تحقيق إرادته بالكامل. 39. على أية حال، لتجنب أي شكل من أشكال الارتباك أو العثرة، عندما يطلب زوجان في وضع غير شرعيّ صلاة البركة، حتى لو تم التعبير عنها خارج الطقوس المنصوص عليها في الكتب الليتورجية، لا يجوز أبدًا إلغاء هذه البركة. يتم نقلها بالتزامن مع مراسم الزواج المدني، وليس حتى فيما يتعلق بها. ولا يمكن إجراؤه بأي ملابس أو إيماءات أو كلمات مُستخدمة لحفل الزفاف. وينطبق الشيء نفسه عندما يتم طلب البركة من قبل زوجين من نفس الجنس. 40. قد تجد مثل هذه البركة مكانها في سياقات أخرى، مثل زيارة مزار، أو لقاء كاهن، أو صلاة جماعية، أو أثناء الحج. في الواقع، من خلال هذه البركات التي تُمنح ليس من خلال الأشكال الطقسية الخاصة بالليتورجيا، بل كتعبير عن قلب الكنيسة الأمومي، على غرار تلك التي تنبثق من جوهر التقوى الشعبية. ليس هناك نية لإضفاء الشرعية على أي شيء، بل بالأحرى لإضفاء الشرعية على أي شيء: افتح حياتك على الله، واطلب مساعدته لعيش حياة أفضل، واستدعاء الروح القدس أيضًا لعيش قيّم الإنجيل بأمانة أكبر. 41. إن ما ورد في هذا الإعلان بشأن بركات الأزواج المثليين يكفي لتوجيه الفهم الحكيم والأبوي للخدام المرسومين في هذا الصدد. وبالتالي، بخلاف الإرشادات المذكورة أعلاه، لا ينبغي توقع أي ردود أخرى حول الطرق الممكنة لتنظيم التفاصيل أو الإجراءات العملية فيما يتعلق بالبركات من هذا النوع ((البابا فرانسيس، ibidem. )).   IV. الكنيسة هي سر محبة الله اللامتناهية 42. تستمر الكنيسة في رفع تلك الصلوات والتضرعات التي رفعها المسيح نفسه، بصراخ شديد ودموع، في حياته الأرضية ((راجع عبرانيين 5: 7 ))، والتي تتمتع بفعالية خاصة لهذا السبب. بهذه الطريقة، لا تمارس الجماعة الكنسية، من خلال المحبة والقدوة وأعمال التوبة فحسب، بل من خلال الصلاة أيضًا، وظيفة أمومة حقيقية في جلب النفوس إلى المسيح ((تم التقرير بهذا وفقًا لمراسيم المجمع المسكوني الفاتيكاني الثاني، والتي أصدرها قداسة البابا بولس السادس، قداس الساعات وفقًا للطقس الروماني، مبادئ ومعايير قداس الساعات، المؤتمر الأسقفي الإسباني، المحررون الليتورجيون، برشلونة 1979، عدد 17. )). 43. الكنيسة إذن هي سر محبة الله اللامتناهية. لذلك، حتى عندما تخيم الخطية على علاقة الإنسان بالله، يمكنه دائمًا أن يطلب البركة، ويمد يده إلى الله، كما فعل بطرس في العاصفة عندما صرخ ليسوع: يَارَبُّ، نَجِّنِي! ((راجع إنجيل متى 14:30 )). في الواقع، إن الرغبة في النعمة وتلقيها يمكن أن تكون خيرًا ممكنًا في بعض المواقف. يذكرنا البابا فرنسيس أن خطوة صغيرة، في خضم القيود البشرية الكبيرة، يمكن أن تكون أكثر إرضاءً لله من حياة تبدو منظمة ظاهريًا ولكنها تتحرك عبر اليوم دون مواجهة صعوبات كبيرة ((البابا فرانسيس، رسالة: الفرح الإنجيلي، 24 نوفمبر 2013، ترقيم 44، أعمال الكرسي الرسولي 105 لعام 2013، ص. 1038-1039. )). إن ما يشرق هو جمال محبة الله الخلاصية التي ظهرت في يسوع المسيح الذي مات وقام من بين الأموات ((البابا فرانسيس، Ibidem, n. 36, AAS 105 (2013), 1035. )). 44. إن أيّة بركة ستكون فرصة لإعلان متجدد للبشارة، ودعوة للاقتراب أكثر من محبة المسيح. وكما علّم البابا بندكتس السادس عشر: الكنيسة، مثل مريم، هي وسيط بركة الله للعالم: تستقبلها باستقبال يسوع وتنقلها بحمل يسوع. إنه الرحمة والسلام الذي لا يستطيع العالم أن يمنحه بذاته، والذي يحتاج إليه دائمًا، على الأقل بقدر احتياجه للخبز ((البابا بنديكتوس السادس عشر، عظة القداس الإلهي، مناسبة عيد القديسة مريم والدة الله، اليوم العالمي الخامس والأربعون للسلام، كاتدرائية الفاتيكان، 1 يناير 2012، تعاليم 8، 1 (2012)، 3. )). 45. مع أخذ النقاط المذكورة أعلاه بعين الاعتبار، واتباعًا لتعليم البابا فرانسيس الرسمي، يود هذا المجمع أخيرًا أن يُذكّر بأن جذور الوداعة المسيحية هي القدرة على الشعور بالبركة، والقدرة على اعطاء البركة هذا العالم يحتاج إلى البركات، ويمكننا أن نعطي البركات ونستقبلها. الآب يحبنا، ولا يبقى لنا إلا فرح مباركته، وفرح شكره، والتعلم منه أن نبارك ((البابا فرنسيس، تعليم حول الصلاة: البركة، 2 ديسمبر 2020، نُشر بمجلة: أوسيرفاتوري رومانو، عدد 2 ديسمبر 2020، ص. 8. )). بهذه الطريقة، كل أخ وأخت وكل إنسان. سيتمكن من الشعور بأنهم في الكنيسة حجاج دائمًا، ومتوسلون دائمًا، ومحبوبون دائمًا، وعلى الرغم من كل شيء، مباركين دائمًا.   فيكتور مانويل. فرنانديز (أسقف مفوّض) مونس. أرماندو ماتيو (أمين القسم الفقهي) صدر في 18 ديسمبر 2023. فرانسيس   --- ### هوية "القرع" - Published: ۲۰۲۳-۱۲-۲۲ - Modified: 2023-12-22 - URL: https://tabcm.net/14835/ - تصنيفات: شئون علمانية - وسوم: الخطاب الديني, القومية العربية لم أجد شعبًا يهلل للإضرار بمصالحه مثلما يفعل قطاع واسع من الشعب المصري الأمثال التي نتداولها في مصر، صاغها القدماء بمنتهى الإبداع والعبقرية، ودائمًا ما تكون معبرة عن الواقع ومنها: "زي القرع بيمد لبره" مثل مصري  ويطلق هذا المثل دائمًا على الشخص الذي لا يهتم بأموره الخاصة ويهتم بأمور الآخرين، أو يترك رعاية شؤون بيته ويسعى لرعاية شؤون الآخرين، ويطلقه عليه المقربون للسخرية منه ومن ترتيب أولوياته، ويمكن أن يطلق هذا المثل على مفهوم الهُوِيَّة عند قطاع كبير من المواطنين المصريين. فكثير من المواطنين المصريين قد لا ينتبهون لمصر ومصالح مصر، أو القضايا التي تخص وطنهم بقدر الاهتمام بقضايا تخص شعوب أخرى، وهذا الطرح لا يعني عدم التضامن مع الآخرين، لكن هذا الطرح يعني أنه لن تستطع أن تتضامن مع غيرك وأنت لا تتضامن مع نفسك، ولا يمكن أن تساعد غيرك وأنت لا تستطع أن تساعد نفسك. فكيف يمكن لمواطن مصري أن يحب فلسطين وهو لا يعرف كيفية حب مصر؟ والسؤال الآخر: كيف يمكن لإنسان أن يساعد غيره على حساب بيته وأسرته وأولاده؟ فالمثل يقول: اللي يعوزه البيت يحرم على الجامع مثل مصري السؤال هنا إلى المواطن/ة الذين هللوا لمغامرة حركة المقاومة الاسلامية حماس يوم 7 أكتوبر الماضي، هل لازالتم مستمرون في التهليل والضحايا من الشعب الفلسطيني في قطاع غزة تجاوز عددهم 20 ألف قتيل وقتيلة، بينهم أكثر من 8 آلاف طفلًا، وأكثر من 6 آلاف امرأة، إضافة لتهدم المنازل والمباني المختلفة وتشريد غالبية سكان قطاع غزة؟ هل لازالتم تهللون ونحن نعاني من تراجع السياحة في منتجعات البحر الأحمر بسبب ذلك الحرب؟ هل لازالتم تهللون وصواريخ الحوثيين التي تستهدف إسرائيل كما يدعون تسقط في سيناء؟ هل لازالتم تهللون لحماس والبحر الأحمر على صفيح ساخن خاصة مضيق باب المندب مدخل السفن لقناة السويس، حيث يعتدي الحوثيين على السفن التجارية بدعوى مقاومة إسرائيل، والنتيجة تغيير 4 من أكبر شركات الشحن الأوربية لمسار سفنها من البحر الأحمر وقناة السويس إلى طريق رأس الرجاء الصالح وأثر ذلك على اقتصادنا الذي يعاني ولا يحتمل أي معاناة جديدة؟ حرفيًا لم أجد شعبًا يهلل للإضرار بمصالحه مثلما يفعل قطاع واسع من الشعب المصري، بدعم حركة طائفية وإرهابية، كانت سببًا في قتل خيرة شباب مصر منذ سنوات، بارتكاب أعمال إرهابية داخل سيناء. واليوم في مغامرة غير محسوبة يدفع الشعب الفلسطيني في قطاع غزة الفاتورة نيابة عنها، ويتم المزايدة على مصر، بأنها لا تهب للحرب، مع أنه في السابق تورطت مصر في حرب 1948م لأجل فلسطين وبعدها فُتحت أبواب الحرب بحروب 1956، 1967 ومعها ضاعت سيناء، واستردتها مصر مرة أخرى بعد حرب 1973، ومفاوضات السلام التي تلتها، كما ذهبنا للتحكيم الدولي للحصول على طابا وقد كان، والدرس المستفاد إن الحروب وحدها لا تحقق الانتصار، ولكن يمكن أن يحدث ذلك عن طريق المقاومة السلمية والدبلوماسية والمفاوضات. نعود للمواطن "اللي زي القرع" وفي رأيي الشخصي هو معذور لأنه نتاج بيئة عامة ومنظومة تعليم وثقافة وإعلام وخطاب ديني، شكلوا وعيه وهويته على هذا المنوال، وهو يعبر حاليًا عما نشأ، فهذه المنظومة لم تجعل المواطن المصري والمواطنة المصرية منذ نعومة أظافرهم ينتمون لمصر، بل تخفت مصر في الخلفية لمصلحة هويّات أخرى، وفي رأيي هي هويّات فرعية، والانتماء لمصر يجب أن يسبقهم جميعًا، وهو ما لم يحدث، حيث ذهبنا بالمواطن المصري في مشروعات أخرى تكون فيها مصر جزء وليست الكل، مثل الخلافة أو القومية العربية، بالتالي لا تهمه مصر من أجل حلم أكبر  هو من ضروب الخيال والبكاء على ماضٍ لن يعود أبدًا. حتى في مساندة فلسطين والشعب الفلسطيني، نفعل ذلك بشكل خاطئ، فالموضوع لدينا محمل دينيًا، وليس إنسانيًا، فعموم المواطنين كما تربوا وتعلموا وشربوا من الخطاب الديني، القضية بالنسبة لهم دينية بحته، وليست قضية إنسانية، لمساندة شعب يعاني من الاحتلال والتهجير والقتل. كل الدعم للشعب الفلسطيني في نضاله لاسترداد حقوقه وأرضه، وكل التضامن مع ضحايا القصف الغاشم، ولكن لا يمكن دعم من سرق قضية وطن وشعب بِرُمَّته، ليحولها لنزاع ديني وطائفي مقيت لن يربح منه أحد، ولا يمكن الخضوع لهذا النوع من الابتزاز. --- ### [٥] التقليدان: اليهوي والإيلوهي - Published: ۲۰۲۳-۱۲-۲۱ - Modified: 2024-07-14 - URL: https://tabcm.net/15526/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, كتاب مقدس - وسوم: آدم, أسنات بنت فوطي فارع, إبراهيم أبو الأنبياء, إيلوهيم, التقليد الإيلوهي [E], التقليد اليهوي [J] / [Y], النص العبري, بلهة, بنتاتوخ, تابوت العهد, توراة, ثامار, حواء, داود النبي والملك, دينة بنت يعقوب, رأوبين, راحيل, رحبعام, زبولون, شيروبيم, طوفان نوح, فنوئيل, كالب ابن يفنة, لاماسو, مملكة إسرائيل, مملكة يهوذا, نبي موسى, نفتالي, ياساكر, يربعام بن نباط, يربعل, يشوع بن نون, يهوه, يوسف الصديق التضاربات التي في التوراة ما بين تقاليدها المختلفة هي أكثر حيوية من مجرد كونها اختلافات شكلية، بل هي تضاربات كاشفة عن وجود أكثر من كاتب. تعكس هذه الاختلافات هوية كاتب التقليد، والزمن المعاصر له، والمكان الذي كتب فيه، واهتماماته الدينية والسياسية التضاربات التي في التوراة ما بين تقاليدها المختلفة هي أكثر حيوية من مجرد كونها اختلافات شكلية، بل هي تضاربات كاشفة عن وجود أكثر من كاتب. تعكس هذه الاختلافات هوية كاتب التقليد، والزمن المعاصر له، والمكان الذي كتب فيه، واهتماماته الدينية والسياسية. إحدى الملاحظات على التقليد اليهوي أنه يهتم بقصص الآباء قبل موسى، فأسلافٌ مثل إبراهيم وإسحاق ويعقوب كانوا مهمين في التقليد اليهوي، على عكس التقليد الإيلوهي الذي لا يستفيض في الحديث عنهم. فالتقليد اليهوي لديه رواية عن خلق العالم، وآدم وحواء، ولديه تقليد عن قصة نوح والطوفان، بينما لا يذكر التقليد الإيلوهي شيئًا من هذا، بل يذكر تاريخ ما قبل موسى باختصار، ثم يركز ويكثف على عمل موسى بملء التفاصيل. لتوضيح الملاحظة السابقة، يمكننا البدء بمثالين مكتوبين في التقليد "اليهوي" لكن لا توجد لهما رواية موازية في التقليد "الإيلوهي": - في التقليد اليهوي: كلن مسكن إبراهيم أبو الأنبياء في حبرون ((تكوين 13: 18 ))، وأقام يهوَه عهده مع إبراهيم، وأن أرض نسله ستمتد من نهر مصر للفرات ((تكوين 15: 18 )). هنا نحتاج إلى استدعاء بعض المعلومات التي كنا قد تحدثنا عنها في الحلقات السابقة: مثلًا، أن أرض المملكة في عصر داود كانت تمتد فعلًا من نهر مصر إلى نهر الفرات. وكانت حبرون عاصمة مملكة يهوذا التي أتى منها الملك داود. ولذلك اهتم التقليد اليهوي بهذه التفاصيل وبهذه الرواية من الأساس. بينما لا يذكر التقليد الإيلوهي هذا بالكلية ولم يمر حتى على هذه الرواية إجمالًا. - في التقليد اليهوي: رواية صراع يعقوب مع ملاك الرب ((تكوين 32 )). "ملاك الرب"، لقب يطلق على الله في العهد القديم . تقول الرواية أنه بعد طلوع الفجر، طلب يعقوب من "ملاك الرب" أن يباركه. وفي نفس الموقف، تغير اسم "يعقوب" إلى "إسرائيل". وسمى يعقوب المكان الذي تصارع فيه مع "ملاك الرب": فنوئيل، والذي يعني: "وجه الله". كانت مدينة فنوئيل مدينة في أرض إسرائيل، وفي عهد القضاة كان فيها برجًا عاليًا. وقد هدم "يربعل" البرج وقتل سكان المدينة ((قضاة 8: 8، 9، 17 )). ثم حصنها "يربعام" عندما انفصل بمملكته عن مملكة الجنوب ((1 مل 12: 25 )). أهمل التقليد الإيلوهي كل هذه الرواية وتفاصيلها ولم يذكرها بالكلية. - أحد أشهر الأمثلة عن التضاربات ما بين التقليدين، هي قصة أرض شكيم . أرض شكيم ، كانت عاصمة مملكة إسرائيل. ومنها ثار عشرة أسباط ضد رحبعام بن سليمان وأقاموا يربعام بن ناباط ملكًا عليهم ((ملوك أول 12: 1-19 )). فصارت شكيم عاصمة إسرائيل في عهد يربعام ((ملوك أول 12: 25 )). ويختلف التقليدان في كيفية اقتناء هذه الأرض. التقليد الإيلوهي مقتضب كالعادة ويكتفي بالقول بأن يعقوب قد اشتراها ((تكوين 33: 18-19 ))، في حين أن التقليد اليهوي يقول بأن أمير شكيم قام باغتصاب دينة بنت يعقوب، ثم تعلق بها وأرادها زوجة. لم يوافق أبناء يعقوب وعللوا رفضهم بمكر: لا يمكن أن تصير ابنة يعقوب لرجل أغلف، لكن يمكن إتمام الزواج بختن كل ذكر في أرض شكيم. وافق حاكم شكيم وتم ختانه هو وابنه وكل ذكر في أرض شكيم. وفي اليوم الثالث وهم متوجعون، قام شمعون ولاوي بدخول أرض شكيم والناس نيام وذبحوا أهلها ونهبوا الأرض بالثروات والأطفال والنساء والمواشي والدواب وكل ما في الحقل. وعلى هذا فأرض شكيم لم يتم شرائها، لكن تم احتلالها واقتناؤها بالدم ((تكوين 34 )). - أحد الاختلافات المهمة في توضيح مصادر التقليدين، اليهوي والإيلوهي، هي قصص ميلاد أبناء إسرائيل . في التقليد الإيلوهي، ورد ذكر ميلاد كُلٍ من: دان ونفتالي وجاد وأشير وياساكر وزبولون ((تكوين 30 ))، والذين يُمثّلون أسباطًا في مملكة إسرائيل، وليس مملكة يهوذا. كما يذكر التقليد الإيلوهي ميلاد بنيامين ((تكوين 35 ))، وإفرايم ومنسى ((تكوين 48 ))، والذين ينتمون أيضًا إلى مملكة إسرائيل . أما التقليد اليهوي، فيذكر ميلاد باقي الأسباط: رأوبين وشمعون ولاوي ويهوذا. بالإضافة إلى ذلك، لم يكن لسبط لاوي أرض، كما فقد سبطا رأوبين وشمعون أرضيهما بمرور الوقت، واندمج أبناؤهما مع أراضي الأسباط الأخرى. وبالتالي، فإن السبط الوحيد المذكور في التقليد اليهوي والذي امتلك أرضًا بالفعل هو: يهوذا. البكورية لمن؟ رأوبين هو أكبر أبناء يعقوب، وكان ترتيب الأبناء في ذلك العصر له أهمية قصوى؛ لأن الابن البكر هو من ينال البركة من أبيه ويتولى قيادة الأسرة من بعده. لكن الغريب في الأمر أن رأوبين، الابن البكر، لم يأخذ حق البكورية، لا في التقليد اليهوي ولا في التقليد الإيلوهي. فمن الذي نال البكورية إذن؟ في التقليد اليهوي: نجد رواية عن رأوبين مفادها أنه زنى مع بلهة، خادمة راحيل زوجة يعقوب. والأمر له خلفية أكثر تعقيدًا، فراحيل كانت عاقرًا، مما دعاها إلى أن تطلب من زوجها يعقوب أن يدخل على جاريتها "بلهة" كي يقيم له نسلاً، ووافقها يعقوب. وعليه فإن زنا رأوبين مع بلهة يُعتبر بمثابة زنا المحارم لأنه ضاجع امرأة أبيه. ومثل هذه الحادثة أطاحت باستحقاق رأوبين لحق البكورية. وكان من المفترض أن يُمرر حق البكورية للابن التالي، شمعون، لكن هذا لم يحدث أيضًا. والتقليد اليهوي يبرر هذا بأن شمعون ولاوي قد دخلا أرض شكيم وذبحا أهلها ونهبوها بشكل خسيس ، وعلى هذا خرج شمعون أيضًا من "حق البكورية" وتم التمرير للابن التالي، لاوي، الذي كان مشاركًا مع شمعون في المذبحة، فيمرر حق البكورية مرة ثالثة للابن التالي. إلى من؟ يهوذا بالطبع. ((تكوين 49: 1-10 )). في التقليد الإيلوهي: نجد أن حق البكورية لم ينله أحد من أبناء يعقوب نهائيًا، بل مرّ لأحفاد يعقوب بشكل مباشر. الرواية ذات صلة بأرض مصر وحدثت في مصر حين ارتحل يعقوب وأبناؤه إلى يوسف وسكنوا في أرض جاسان. يذهب يوسف إلى أبيه يعقوب وهو على فراش الموت، وقدم له -بناءً على طلب مسبق من يعقوب- ابنيه الاثنين: منسى وإفرايم . تقول تفاصيل الرواية إن يوسف وضع ابنه الأكبر، منسى، على يمين يعقوب، ووضع إفرايم على يساره. لكن يعقوب عكس يديه ووضع اليد اليمنى، التي تمثل حق البكورية، على رأس إفرايم، الأخ الأصغر، ووضع اليد اليسرى على رأس منسى، بكر يوسف. يعترض يوسف ويقول لأبيه أن يصحح وضع يديه لأن منسى هو البكر. لكن يعقوب يخبره أنه يعلم ماذا يفعل وأصر على أن تكون البكورية للحفيد الأصغر، إفرايم، المصري الأصل والمولد وحفيد كاهن أون من أمه صفنات، رغمًا عن تقاليد بني إسرائيل التي تؤمن بأن الطفل يرث ميراث الأب، ودين الأم ((تكوين 48: 7-22 )). تفسير ما نجده من تضاربات في كل الأمثلة السابقة، نستطيع أن نرى تفضيلات معيّنة لكل تقليد. يفضّل كلاهما الأسباط والأشخاص والأراضي التي ينتمي إليها أو ينحدر من أصولها. فالتقليد اليهوي: ينحاز معرفيًا إلى الأسباط والأشخاص والأراضي والتفاصيل التي تنتمي لمملكة يهوذا. في حين أن التقليد الإيلوهي ينحاز معرفيًا إلى الأسباط والأشخاص والأراضي والتفاصيل التي تنتمي لمملكة إسرائيل. في التقليد اليهوي، نال يهوذا حق البكورية من يعقوب. أما في التقليد اللاهوتي الإيلوهي، فقد نال إفرايم، أحد الأحفاد وليس الأبناء، حق البكورية. هل تعلم ما الذي تمثله "إفرايم"؟ إفرايم هي الأرض والسبط الذي ينحدر من نسله يربعام بن ناباط، ملك مملكة إسرائيل. وفي أرض إفرايم تقع شكيم، عاصمة مملكة إسرائيل. يقول التقليد اللاهوتي الإيلوهي أن مدينة شكيم تم اقتناؤها سلميًا عن طريق الشراء، بينما يقول التقليد اليهوي أنها تم اقتناؤها بمذبحة لا أخلاقية. يذكر التقليد الإيلوهي أرض فنوئيل الموجودة بمملكة إسرائيل، بينما لا يهتم التقليد اليهوي بمثل هذه القصة، بل يهتم بفكرة أن حبرون، عاصمة يهوذا، كانت بيت إبراهيم، وأن أرض نسل إبراهيم ستمتد من نهر مصر إلى الفرات . هذه الاختلافات توضح أن كاتب التقليد اليهوي كان مهتمًا بمملكة يهوذا ويحاول شرعنة حكمها من خلال نسب حق البكورية ليهوذا، ويحاول التقليل من أهمية أراضي مملكة إسرائيل. أما كاتب التقليد الإيلوهي فكان يفعل العكس، حيث كان يشرعن حكم مملكة إسرائيل من خلال نسب حق البكورية لإفرايم، ويهتم بأراضي مملكة إسرائيل ويتجاهل ذكر أراضي يهوذا. والأمر لا يتوقف عند هذا الحد ويظل مستمرًا، في التقليد الإيلوهي: الشخص الذي أنقذ يوسف عندما اتفق عليه أخوته، كان: رأوبين، الابن البكر ليعقوب ((تكوين 37: 21-22 ))، لكن في التقليد اليهوَي: كان يهوذا ((تكوين 37: 26-27 )). في التقليد الإيلوهي: يُعظّم شخص مثل يشوع بن نون، من سبط إفرايم، في حين أن في التقليد اليهوَي: يعظم شخص مثل كالب ابن يفنّة، من سبط يهوذا ((عدد 13: 30-31 )). يتشارك التقليدان في مسألة استعباد شعب إسرائيل في مصر، لكن تسميتهم لمُستعبديهم مختلفة، التقليد اليهوَي يسمي القائم بالاستعباد بانهم: "أصحاب عمل" ((الخروج 5: 10 ))، في حين أن التقليد الإيلوهي يسميهم: "وُكلاء تسخير" ((الخروج 1: 11 ))، لماذا وُكلاء تسخير؟ كنا قد أوضحنا سلفا ضجر شعب مملكة الشمال من سليمان بفرضه العمل الإجباري شهرا على كل سبط وأنه استثنى سبط يهوذا، لذا سمى شعب مملكة إسرائيل مشرفين سليمان: "وُكلاء تسخير" في سفر الملوك، وما قام به التقليد الإيلوهي أنه أطلق على مشرفي سليمان نفس المسمى الذي أطلقه على المصريين، غالبًا كنوع من إهانة حكم سليمان ورفض سياسته بتشبيهه بفرعون، الشخص الذي أذاق شعب إسرائيل الويلات وبالكاد أفلتوا من يده، على الأقل في الفكر التاريخي. يتشارك التقليدان في مسألة استعباد شعب إسرائيل في مصر، لكن تسميتهما لمستعبديهم مختلفة. يسمي التقليد اليهوي القائم بالاستعباد بأنهم: أصحاب عمل ((الخروج 5: 10 ))، في حين أن التقليد الإيلوهي يسميهم: وكلاء تسخير ((الخروج 1: 11 )). لماذا "وكلاء تسخير"؟ كنا قد أوضحنا سلفًا ضجر شعب مملكة الشمال من سليمان لفرضه العمل الإجباري شهرًا على كل سبط وأنه استثنى سبط يهوذا. لذا سمى شعب مملكة إسرائيل مشرفي سليمان: "وكلاء تسخير" في سفر الملوك. وما قام به التقليد الإيلوهي أنه أطلق على مشرفي سليمان نفس المسمى الذي أطلقه على المصريين، غالبًا كنوع من إهانة حكم سليمان ورفض سياسته بتشبيهه بفرعون، الشخص الذي أذاق شعب إسرائيل الويلات وبالكاد أفلتوا من يده، على الأقل في الفكر التاريخي. ستجد في الترجمات العربية أن كلا التقليدين يسمي المصريين المشرفين على العبيد بنفس الاسم وهذا مخالف للأصل العبري، النص العبري في التقليد الإيلوهي يسمي هذه المهام: "mis-sîm"، وهو نفس الاسم اللي أطلقته مملكة الشمال على ضريبة سُليمان، وهذه التسمية غير موجودة سوى في التقليد الإيلوهي وحده. النبش وراء هويّة كاتب التقليد الإيلوهي أحد أهم الأمثلة التي تتعقّب هويّة كاتب التقليد الإيلوهي هي قصة العجل الذهبي ((الخروج 32 ))، وهي قصة ليس لها ما يوازيها في التقليد اليهوي. تقول الرواية أن موسى صعد الجبل لاستلام لوحي الشريعة، ومعه تلميذه يشوع، بينما ظل الشعب منتظرا أسفل الجبل. وعندما طال الانتظار، طلبوا من هارون أن يصنع لهم تمثالًا من ذهب، وتم عمل التمثال على شكل عجل ، ويقول النص أنّ هارون: فأخذ ذلك من أيديهم وصوره بالإزميل، وصنعه عجلا مسبوكا. فقالوا: «هذه آلهتك يا إسرائيل التي أصعدتك من أرض مصر» (سفر الخروج 32: 4) وهو تقريبًا نفس منطوق النص الذي قاله يربعام لمملكة إسرائيل عندما صنع لهم عجول اللاماسو الذهبية: ((سفر الملوك الأوّل 12: 28 )) فاستشار الملك وعمل عجلي ذهب، وقال لهم: «كثير عليكم أن تصعدوا إلى أورشليم. هوذا آلهتك يا إسرائيل الذين أصعدوك من أرض مصر» (سفر الملوك الأوّل 12: 28) بافتراش القصتين متجاورتين؛ يحاول كاتب التقليد الإيلوهي هنا عدة أمور مركبة، فهو: - يهاجم هارون باعتباره الذي سبك العجل. وهارون هو الكاهن الأعلى، والذي يُعتقد أن كهنة حبرون هم من نسله، وعلى هذا فهو يهاجم دين مملكة يهوذا. - في نفس الوقت، يبرئ يشوع لأنه كان مع موسى فوق الجبل ولم يشارك. - أيضًا -على غير المتوقع- يهاجم الشكل الديني لمملكة إسرائيل، بمماثلة العجلين اللذين تم بناؤهما في دان و"بيت إيل" كبدائل للشيروبيم، بالعجل الذهبي الذي صنعه هارون والذي تمت مهاجمته. فمن يكون الكاتب ذو الهوية المعقدة الذي يهاجم الجميع؟ هناك مجموعة من مملكة إسرائيل، تتوافق هذه التركيبة مع أفكارها، وهم: كهنة شيلوه، ﻻ سواهم. كهنة شيلوه تم رفضهم وطردهم من أورشليم فارتحلوا إلى مملكة إسرائيل، لذا يهاجمون مملكة يهوذا في مهاجمة شخص هارون. وفي نفس الوقت فالملك يربعام، ملك إسرائيل الشرعي، الذين يسكنون مملكته، لم يسمح لهم بالخدمة في "بيت إيل". لذا فإن الكاتب يشرعن الموقف السياسي لمملكة إسرائيل لكنه يرفض تصورها الديني الذي استبعده من الخدمة. وهذا يعني أن كاتب النص غالبًا كان كاهنًا من كهنة شيلوه في مملكة إسرائيل. استكمالًا لما سبق في قصّة موسى وعجل هارون: نزل موسى ويشوع من الجبل وشاهدا العجل. يكسر النبي موسى لوحيّ الشريعة، وتحدث مذبحة يقتل الكهنة فيها كثيرٌ من الشعب بسبب عبادة العجل الذهبي، لكن هارون ﻻ يُقتل، لأنه ﻻ يمكن بناء تاريخ يكون فيه الكاهن الأعلى مقتول بهذا الشكل المخزي في فترة مبكّرة من تاريخ الشعب. لذا فالكاتب يهاجمه لكن إلى حدٍ معيّن ﻻ يطيح به، أو ربما ﻻ يستطيع قتله في الرواية لأن كهنة حبرون يعتقدون أنهم من نسله وليس من العقل إغضابهم بجريمة تزوير واضحة في إنحيازاتها حتى وإن كان شفاهة. ربما يكون السؤال الأولى بالبحث حوله هو: كيف يكتب الكاتب أن موسى كسر لوحيّ الشريعة، المنقوشين بإصبع الله؟ لماذا يفعل؟ مملكة إسرائيل ليس فيها تابوت العهد، بل يشكّل بالنسبة لها منافسًا مزعجًا يجعل الإسرائيليون يحجّون إلى أورشليم في مملكة يهوذا كما أسهبنا، لذلك ربما تكون قصة كسر لوحيّ الشريعة نوعا من التشكيك في مصداقية معبد أورشليم ومقدسات مملكة يهوذا، فكسر اللوحين يعني أن التابوت فارغ، أو أن اللوحين بداخله ليسا أصليين، أو نسخة ثانية. مع التوكيد أن التقليد اليهوي يذكر فقط أن موسى أخد لوحي الشريعة من الله، لكن ﻻ يذكر مسألة كسره، وﻻ قصة بناء العجل الذهبي المؤدي للكسر من الأساس، وإﻻ سيكون في هذا إهانة لهارون، الكاهن الأعلى ((سفر الخروج 34: 1 )). ثُمَّ قَالَ يَهْوّه لِمُوسَى: «انْحَتْ لَكَ لَوْحَيْنِ مِنْ حَجَرٍمِثْلَ الأَوَّلَيْنِ، فَأَكْتُبَ أَنَا عَلَى اللَّوْحَيْنِ الْكَلِمَاتِالَّتِي كَانَتْ عَلَى اللَّوْحَيْنِ الأَوَّلَيْنِ اللَّذَيْنِ كَسَرْتَهُمَا. (سفر الخروج 34: 1) الكلمات التيباللون الأزرقلم تكن ضمن التقليد اليهوي، والأرجح أن أضافهما مُحرر لاحق في مرحلة جمع التقليدين اليهوي والإيلوهي في كتاب واحد. وفي توافق مع ما سبق، نجد أن تابوت العهد مذكور في التقليد اليهوي دون ذكر في التقليد الإلوهيمي. ملاحظة قلناها وتحتاج اﻵن تدقيقًا أعلى: ، لكن ليس الحال دائمًا هكذا، الوصف الأدق أن التقليد اليهوي دائمًا يسمي الألوهة يهوَه، لكن التقليد الإيلوهي كان يسميها إيلوهيم حتى حدث مُعين، ومن بعده بدأ يستعمل اسم يهوَه بشكل طبيعي. وهذا الحدث هو ظهور الله لموسى في العلّيقة حين كشف الله اسم "يهوه" لموسى ((الخروج 3: 13-15 ))، ومن بعد هذا الحدث، بدأ التقليد الإيلوهي في استخدام اسم يهوَه بشكل طبيعي. لماذا تحوّل التقليد الإيلوهي هكذا؟ يرى بعض المؤرخين أن حدث الخروج حدث بسيط تم تضخيمه، وأن كل شعب إسرائيل لم يكن في مصر لكن جماعة صغيرة منهم هي التي كانت، وهَرَبَت، وأنّ بقيّة شعب إسرائيل الذين في زمن الكاتب لم يكونوا في مصر لكن كانت في أراضيها بشكل طبيعي، بينما الجماعة الذين كانوا في مصر غالبًا هم من أصبحوا فيما بعد معروفين باسم سبط لاوي. وهذا يفسّر حمل شخصيات هذا السبط لأسماء مصرية وليست عبرية، الخارجون من مصر كانوا يعبدون يهوه، لكن البقية في إسرائيل كانوا يعبدون إيل . وعلى هذا، يبدو أن الكاتب هنا حاول أن يقول أن الإلهين في الحقيقة إله واحد، بنفس الوتيرة التي وضحناها في فكرة "إله نظير" لشعب ما عند شعب آخر، وكيف أن هذا يساعد في تأقلم الشعبين أو الجماعتين مع بعضهما البعض، وفيما بعد، أصبح اللاويين هم الكهنة الرسميين، لكن لم يكن لهم أرض مميزة كباقي الأسباط، ومحظور عليهم ملكية الأرض. وكانوا موزّعين على أسباط إسرائيل للقيام بخدمة الكهنوت مع الحصول على حصة من العشور والبكور والنذور والتقدمات والذبائح. وما سبق يمكن تفسيره بأن كاتب التقليد الإيلوهي غالبًا كاهن من كهنة شيلوه، من مملكة إسرائيل، عاش في زمن يربعام بن ناباط أو بعده، لكنه عاش قبل انهيار مملكة إسرائيل تحت مملكة آشور، وفي فترة القرنين من زمن يربعام وحتى 722 قبل الميلاد وقت سقوط مملكة إسرائيل. من الصعب تحديد فترة زمنية أكثر دقة. على الجانب الآخر، كاتب التقليد اليهوَي كان من مملكة يهوذا، هويّته غير محددة، البعض يقترح احتمالية كونها كاتبة أنثى عبر الاستدلال على سعة إطلاع من يكتب بشؤون النساء والتعاطف معهن كما في قصّة تامار ومحاولة تبرئتها ((تكوين 38 ))، لكن هذا ﻻ يعد دليلًا أن الكاتب امرأة بقدر ما هو دعوة لعدم التسرع في الاستنتاج أن الكاتب رجل، قد يكون امرأة. المهم أن من كتب هذا التقليد قد عاش في نفس الحقبة التي كُتب فيها التقليد الإيلوهي، وﻻ نستطيع التحديد الدقيق من منهم كُتب أولًا، أو إن كان أحدهم على علم ومعرفة باﻵخر، أو اطلع على ما كتبه الآخر أم ﻻ. لكننا عرفنا ما يكفي لتحديد فترة زمنية معينة ومكان كل تقليد مع أهدافه وميوله السياسية والدينية. عندما انهارت مملكة إسرائيل، هرب من عاش منها إلى مملكة يهوذا في الجنوب، وحملوا معهم تقليدهم الخاص ، لكن وجود تقليدين متضاربين، ومختلفين، وكل تقليد منهم يهاجم شخصيات وأراضي وأحداث يحترمها ويجلّها التقليد الآخر، لن يكون عاملًا مساعدًا على تأقلم الجماعتين بشكل سريع يسمح بالجمع المتداخل الذي بين أيدينا. وفي الوقت نفسه ﻻ يمكن التخلص من أحدهما لأن التخلّص من تقليد ما، يهدد إستقرار وآمال وتطلعات ورؤية الجماعة التي تتبناه. وما حدث يمكن إختصاره في أن: بعد فترة تسمح بالتفاهم السلمي، تم دمج التقليدين في كتاب واحد ومحاولة التوفيق بينهما، والتقليد الذي نتج من ذلك سماه المُحققون: المصدر JE. --- ### لا ينزع أحد فرحكم - Published: ۲۰۲۳-۱۲-۲۰ - Modified: 2023-12-20 - URL: https://tabcm.net/16753/ - تصنيفات: مقالات وآراء محبة ربنا للإنسان هي كلمة السر في خلق الكون كله، وليس هذا فقط، بل هي كلمة السر في تجسد الله أيضًا في الوقت الحالي أصبح الكلام عن الألم  أو التجارِب أو المشاكل هو العامل الرئيس، بسبب ازدياد الضغوط على الناس تقريبًا في كل مكان، والسؤال الذي يطرح نفسه هل الألم أو التجارِب جزء من الحياة؟ وما أسبابهم؟ هل الإنسان بنفسه ولا الإنسان الآخر؟ أم كما نقول  إن ربنا يجربنا أو يختبرنا، نوع من الامتحان، ومن ينجح فيه يفوز بالجائزة ويذهب إلى الجنة أو السماء أو الملكوت، أو أي اسم تحب أن تقوله. وإن كان الفرض الأخير بالنسبة لي غير مقبول إطلاقًا، لأن الله قدم نفسه لنا كـ"أب" ونحن أولاده، وليس سيد ونحن عبيده، ولا نحن كائنات للتسلية ويشاهدها وهي تتألم، ويكون هو مصدر أو سبب هذا الألم، لمجرد أنه يصفي بين البشر ويمتحنهم، ومن ينجح يأخذ الجائزة ومن لا يحصل على مجموع أو درجات كبيرة يتم شواءه في النار. محبة ربنا للإنسان هي كلمة السر في خلق الكون كله، وليس هذا فقط، بل هي كلمة السر في تجسد الله أيضًا، الذي يفعل هذا من أجل الإنسان من غير الممكن أن يقف متفرجًا عليه وهو يتألم، وهنا الإحساس بوجود ربنا أو الاتصال والتواصل بمصدر الحياة هو الفكرة الوحيدة القادرة على تغيير حياتنا بزاوية 180 درجة وحالًا. والفكرة هنا أقصد بها القناعة والإيمان والعشرة والإحساس بهذا التواصل. لأنه الشيء الوحيد الذي يحول الضيقة مهما كانت شديدة لرحلة فيها قَبُول ونمو وتعليم وخبرات جديدة، مما يجعل للألم وتجربته طعم عميق، مثل طعم الأكل الصحي الخالي من السكر ومكسبات الطعم الصناعية، لا يكون مر، لكن له طعم في بداية تذوقه تشعر أنك لا تفضله، ثم بعد ذلك تعتاد عليه وتحبه. الإحساس بوجود ربنا يمحي تمامًا فكرة الوحدة أو التخلي لأنه يشعرك بالشبع والدفء في أعمق أوقات التجربة، وهو أيضًا يُعطي الفرح معنى عميق ويجعل تأثيره يدوم، ولا يكون لحظي، ويؤكد مبدأ"تفرح قلوبكم ولا ينزع أحد فرحكم منكم"لأننا دائمًا متصلين بمصدر الفرح فيتحول الفرح لحياة وينحل ارتباطه بالأحداث أو الأشخاص. الاتصال الدائم بالله -مصدر الحياة- هو الإحساس الوحيد الذي يحقق السلام بصرف النظر عما يحدث في الخارج، وتتحول الحياة إلى رحلة فيها مغامرات وخبرات نجمعها ونتمتع بها ونعيشها كل لحظة كما هي. في رأيي المتواضع أن هذا تفسير كلامه حين قال:"أتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل"مجيء الله إلى حياتنا وسكنه فينا واتصاله بنا هو الذي يمنحنا الحياة (المعرفة بمعنى الحياة الحقيقية وأى شبه حياة تخلو من وجوده تخلو في الحقيقة من مفهوم الحياة وهذا يفسر كلام يمكن أغلبنا يقوله في وقت من الأوقات: "مش حاسس إني عايش". وجوده يحقق الأفضل على الإطلاق لذا قال أفضل من غير ما يوضح أي أفضل بالضبط. السؤال الجميل: أليس كل هذا الكلام مجرد حيل نفسية دفاعية للتأقلم مع عشوائية الحياة؟ الحقيقة إن كل شيء حوالينا كبشر يقول إن الحياة ليست عشوائية، الكون والطبيعة، وحتى أجسامنا تأكد إنه لا يمكن للعشوائية أن تنتج شيء بهذه الدقة وهذا التعقيد،  لكن أيضًا الكائن المخلوق بالدقة والتعقيد هذا قادر على مواجهة عشوائية الحياة وحتى لو بحيل نفسية فهذا معناه أن قدراته عالية جدًا ويتعارض مع أن حدث أو شيء بسيط من الممكن أن ينهى حياته، يبقى لازم يكون في مصدر للقوة والدقة والعمق المبني عليهم الإنسان. --- ### يا م ر ي م - Published: ۲۰۲۳-۱۲-۱۹ - Modified: 2023-12-13 - URL: https://tabcm.net/16528/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون, إصلاح كنسي - وسوم: آدم, تابوت العهد مُجَرّد قراءة بس واعيه لِمَا نُرددَّهُ في مِثال واحد لمديحة من مَدايح كَيهك وهيَّ الأكثر شعبية: "يا م ر ي م" مُجَرّد قراءة بس واعيه لِمَا نُرددَّهُ في مِثال واحد لمديحة من مَدايح كَيهك وهيَّ الأكثر شعبية: "يا م ر ي م"؛ سوف تكون الأبيات مفصولة عن تعليقي عليها. يا م ر ى م. . يا ستّ الأبكار. . قد نلتِ تعظيم. . من نور الأنوار. . أوّل كارثه لاهوتية إنها ست الأبكار كلهم! هل كان لا يعلم كاتب المديحة أن يسوع المسيح صار هو البكر -الأوّل- عندما تجسد وصار أوّل رأس الأبكار وأحنا أخوته (رو ٨: ٢٩) فهل ينفع نقول على القديسة العذراء مريم أنها ست الأبكار بعد كده؟؟ يا تابوت العهد. . يا مَجمَرة هارون. . يا روح المجد. . يا ابنة صهيون. . "يا تابوت العهد"، ماااااشي! "يا مَجمَرة هارون"، برضوا ماشي، نعَدِّيها! ! لكن "يا روح المجد يا ابنة صهيون"! ! ! لا لا لا لا لا لا وألف لأ. ! روح المجد ده "الروح القدس". . إزاى تبقى العدار هيّ الروح القدس؟! أيّ عقل يَقبَل هذا؟! ! يا أم الرحمة. . يا نور العيون. . بكِ نسعدُ. . ونحظى بالنعيم. . طيب "يا أم الرحمة"، مااااااشي. . لكن الباقي ده مشُ المسيح برضوا؟! وعمومًا التقيل جاي ورا! ! أنتِ هيَّ النعمة. . أنت الحِصن الحَصين. . أنتِ كَنز الرحمة. . يا عون المساكين. . طب والنعمة ده ما ينفع! ! ! يا جدعاااان حد يفكر شوية إزااااااي هيَّ النعمة؟ "أنت الحِصن الحَصين"... طب والمسيح يبقى إيه؟! ابن الحصن الحصين مثلا؟! "أنتِ كَنز الرحمة"... طب يا أخي قول أنت أم كنز الرحمة! ! بقى العدرا هى كنز الرحمة يا جدعااان؟؟؟ "يا عون المساكين"... طب والمسيح؟؟؟ بكِ زالت النقمة. . يا قُدس القديسين. . شفيعتنا في الزحمة. . يا أم الرحيم. . "بكِ زالت النقمة"... في النسخة المُعَدَّله: بابنك  زالت النقمة ماشى تَعِّدل حِتة وتسيب مصيبه وكارثة؟؟ "يا قُدس القديسين"... بقى العدار ترضى بالكلام ده؟ دا المسيح الوحيد اللي أتقال عليه قدوس القديسين (دا ٩: ٢٤) طبعًا واحد هيتفزلك ويقولك آه. . أصل قدس حاجه وقُدوس حاجة تانية! أقولك دَوّر على أصل الكلمة وأنت تعرف! ! ! أما "شفيعتنا في الزحمة"، فتقدر ترجع لأخوتنا في الوطن عشان تعرف موضوع الزحمة ده! ! ! يا زين الأبكار. . يا قُدس الأحبار. . يا طُهر الأطهار. . يا نور الأنوار. . "يا زين الأبكار"، أنظر نفس التعليق السابق على "ستّ الأبكار" أما "يا قُدس الأحبار"... معلش بقى، ده المسيح بس! ! وبالنسبة لـ"يا طُهر الأطهار"... معلش كمان، ده المسيح بس! ! ! نيجي لـ"يا نور الأنوار"... معلش برضو، ده المسيح بس! ! ! ! يا كنز النعمة. . ماهي كانت هيَّ النعمة في الأوّل! بقت كنز النعمة دلوقت؟ إرسالك على حاجه يا عم الحاج! أنتِ هيَّ الكَرمة. . المملوءة أثمار. . كَلاَّ وألف كَلاّ... المسيح بس هو الكرمة... أقروا يوحنا ١٥ أنت هيَّ صِهيون. . يا جوهر مَكنون. . طيب أنا هافترض حُسن النّيَّة دايما... ممكن يكون المقصود جوهرة مكنونه؟! يعني ممكن تعَدِّى، لكن مِن إمتى بنقول على العدرا "جوهر"؟! وهو مُش برضوا الكلمة دي تخُص أقانيم الثالوث؟! ! فَكّكتِ المسجون. . من يد المَكَّار. . طيب إيه كان لازمة الصليب لو العدرا عملت كده؟ وأيضا دانيال. . تنبأ حيث قال. . رأيت الكرسي العال. . عالي المقدار. . الراجل ده عمره ما قرأ سفر دانيال، والجَدع يطلع نص هذا الكلام من السفر! ! يمدح فيكِ داود. . بالعشرة أوتار. . يلا يا ابني ابدأ الهيصة، وزَعَق كده وعَلّى صوتك، وأضرب بالدف يا ابني زي ما داود كان بيعمل! وعموما دوروا كده عند داود على الـ ١٠ أوتار دول! ! ناخد وَتَرين كده برضو لزوووم العَزف. الوَتر الأوّل. . قولٌ مُبجل. . والعدرا تحبل. . بالمِلك الجبّار. . عظيم عظيم... ناهيك عن أنه مش جبار ولا حاجه، ده متواضع أوي أوي أوي! فين بقى العدار تحبل عند داود؟! يمكن كان قصده على إشعياء؟؟ يمكن! ؟ الوَتر التاني. . داود في التهاني. . عروستي... ! فهمت أنا إية دلوقت؟ ومين تهاني دي؟! عموما هما عدلوها وبقيت داود بالأغاني أهو أيّ كلام بس مسجوع...  سيبك من الأوتار كلها. لم يُوجد في الدهر. . مثلك أيّتها البكر. . لإنَّكِ فككتِ الأسر. . عن آدم والعار. . طيب والمسيح عَمل إيه في الموضوع ده؟ يا سيّدة الأكّوان. . يا فخر الإيمان. . أنا عبدُكِ حيران. . غريق في الأوزار. . "سيّدة الأكوان"... مش فاهم، بس ماشي، نعديها. "يا فخر الإيمان"... أقولك، نعدي دي كمان. . "أنا عبدكِ حيران"... لأ بقى... مش هاعديها... أنا مش عبد للعدار مريم! ! "غريق في الأوزار"؟؟! مُش من شوية فككت الأسر عن آدم والعار؟! انت عملت إيه تاني غرقّك في الأوزار كدا! ! عالٍ هو قدركِ. . عالٍ بقى: أيوه، بتقول إيه؟ عااااااااااااااالٍ... عالٍ هو قدركِ... والناس تعلى بقى وحماسه وكده، وطبعا مش بيأخدوا بالهم من اللي هيتقال بعدها: لا تتركي عبدك. . ! مش هاعيد... قصدي من ابنك. . عتق من النار. . هو ده اللي انت عاوزه من ابنها يسوع المسيح؟؟! ما علينا! خش على المصيبه بقى... الوَقعه المطيَّنة بطين! لإنكِ خير من يشفع. . وللدعاء يسمع. . وعَنَّا يَدفع. . ضربات المَكَّار. . هنعدي "خير من يشفع" عشان أخواتنا بتوع الشفاعه... وللدعاء يسمع... وعَنَّا يدفع... ضربات المَكَّار. . ! ده كلام يا أخوَّاناااا؟ ده ينفع بالذِّمة؟؟ وهيصه بقى وتكرار لا إرادي وتغييب للعقول وقوم بقى إيه؟ قم انهض يا مسكين. . (ماهو "مسكين" فعلًا اللي يعتبر العك ده تسبيح! ) والبس توب اليقين. . مش عارف أيه هو، بس ماشى... هالبسه! وقول آمين آمين. . فهيَ تشفع في الحضار. . طبعا الغياب لأ! بس حاضر، هاقول آمين آمين وخلاص. والنَاظِم المِسكين. . ما له يومّ الديّن. . سوى سيّدة الأطهار ملكش غيرها "يوم الدين"؟ برضوا نسأل أخواتنا المسلمين في الموضوع ده... ! ده ينفع بالذِّمه؟ --- ### الاتحاد الأقنومي - Published: ۲۰۲۳-۱۲-۱۸ - Modified: 2025-02-02 - URL: https://tabcm.net/16719/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: بابا كيرلس عمود الدين إن ذكر المرء اتحادًا، فالمعنى أنّ هناك أكثر من كيان قد اجتمعوا معًا لتكوين كيان جديد بصيغة مغايرة لما قبل الاتحاد، وللاتحاد صيغ عديدة يمكننا أن نستعرضها في السطور القادمة. الاتحاد الشخصي الاتحاد بين الشخوص، والتي اكتمل وجودها الذاتي وتميزت بقدرتها على التفاعل مع المحيط باستقلالية، سينتج كيانًا جديدًا، له أيضا إنتاجه وتفاعله المستقل مع محيطه. كأن يتحد "عمرو" مع "زيد" في رحلة استكشافية لأدغال الأمازون، أو القطب الجنوبي. أو أن يتحد "زيد" و"ميساء" في زواج مقدس. أو أن يتحد احدي عشر لاعبًا لتكوين فريق لكرة القدم. كل هذه الاتحادات هي نتاج اتحاد أشخاص لتكوين كيانات جديدة. سنلاحظ بسهولة أن هذه الاتحادات مؤقتة بالضرورة، بالإضافة أنها اتحاد معنوي بالأساس، لأن أطراف الاتحاد يبقون قابلين للعد داخل الاتحاد، كما انك تستطيع نسب أفعال أو أحداث معينة لأحد أطراف الاتحاد دون تأثير يذكر على أطراف الاتحاد الأخرى. الاتحاد الجوهري اتحاد آخر، هو اتحاد سيترك فيه كل من أطراف الاتحاد طبيعته قبل الاتحاد ليفسحوا المجال الوجودي لطبيعة جديدة، ربما لا تحمل شيئا من خصائص أطراف الاتحاد. فغازي الأكسجين والهيدروجين سيتنازلان عن كل مالهما لتكوين كائن جديد هو "الماء" لا يمتّ لأيهما بصلة. السبائك أيضا، نموذج لهذا الاتحاد الجوهري، فالحديد القابل للصدأ إذا اتحد بفلزات أخرى (بظروف خاصة) سينتج معدنًا جديدًا غير قابل للصدأ. في هذا الاتحاد، يتنازل كل طرف من أطراف الاتحاد عن "جوهره" ليتكون "جوهر" جديد يجمع أطراف الاتحاد في اتحاد غير منفصم. العائلتان السابقتان لن يوفرا متطلبات التدبير الإلهي في خلاص البشرية، فمن جهة الاتحاد الشخصي لن نستطيع القول أن "الكلمة" هو المخلص لأن هناك شخصا أخر شريكًا، سيقع عليه هو كل أفعال الخلاص. ومن جهة الاتحاد الجوهري، فوجود الجوهر البشري تامًا وحاضرًا هو مناط الخلاص والحصول على مكاسب التجسد. الاتحاد الأقنومي سيلزمنا بداءة تعريف الأقنوم حتى نستطيع الإبحار بسهولة في مفهوم الاتحاد الأقنومي بحسب قديسنا العظيم كيرلس. الأقنوم هو التعبير عن الجوهر ووجوده المستقل في الواقع. والأمر هنا معقد قليلًا، فهناك تصنيفات مختلفة للأقنوم. فمن حيث البساطة: هناك أقنوم بسيط مفرد مثل أقانيم الثالوث القدوس،وهناك أقنوم مركّب كالأقنوم البشري، مكون من أقنوم الجسد وأقنوم الروح العاقل. ومن حيث التفاعل: هناك أقنوم قائم بذاته قادر على التفاعل مثل أقانيم الثالوث القدوس، والأقنوم البشري (والأقنوم هنا شخص). وهناك أقنوم اعتمادي غير قائم بذاته غير قادر على التفاعل، مثل أقنوم الجسد في الأقنوم البشري. في التجسد، أتى الكلمة لاتحاد حقيقي مع البشرية، دون أن يتحول عن كونه الكلمة، أو أن يتحول المتحد به عن كونه "عجينة البشرية" فالكلمة نفسه أصبح إنسانًا كاملًا دون أن يطرح عنه ما كان عليه عندما اتخذ الجسد، بل يتم فهمه انه إله وإنسان في نفس الوقت. وحين نقول أنّه صار إنسانًا لا نعني إطلاقًا انه قد صار مقيدًا بحدود الجسم، بل نحن نؤمن أنه لا زال مستمرًا في ملء السماء والأرض. ولأنه قَبِلَ -تدبيريًا- محدودات البشرية، فمن الضروري أن نتكلم عنه بطريقتين فنقول: "هو كونه إلهًا... ... ولأنه صار إنسانًا فهو... ... "فهو الابن الوحيد المولود من الآب كونه إلهًا، ومع هذا هو بكرنا لأننا نشترك معه في البشرية، لكننا لا نقسّمه أبدا إلى طبيعتين أو أقنومين من بعد الاتحاد. الكلمة غير المادي صار متجسدًا، وإذا فصلناهما عن بعضهما البعض، فنحن ندمر بالكامل نظام التدبير الذي نفهمه في الكلمة المتجسد. قدم الرب نفسه قائلًا: 'أنا زهرة الحقل، سوسنة الأودية'. عطر الزهرة غير مادي، إلا انه يستخدم جسم الزهرة التي يسكنها كشيء خاص به، وهكذا فالسوسنة هي كائن واحد من العنصرين، غياب أيّ منهما سيسلبها جوهر حقيقتها، هذه هي أيضا الطريق التي نفكر بها في التجسد، كيف عطرت طبيعة الكلمة الفائقة والمهيبة العالم، عن طريق ركيزته المادية الخاصة الممثلة في البشرية، غير المادي بالطبيعة، أصبح حاضرا باتحاد تدبيري من خلال جسد، وفي هذا الجسد يصنع معجزات إلهية، لذلك يمكن أن نفهم أن غير المادي في جسده الخاص، مثل العطر في الزهرة الكامن فيها. (القديس كيرلس الكبير، تعليقات توضيحية على تجسّد الابن الوحيد) --- ### فماذا عن (عيسي) المسيح؟ - Published: ۲۰۲۳-۱۲-۱۷ - Modified: 2023-12-16 - URL: https://tabcm.net/16648/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: نبي موسى, يشوع بن نون فبينما الجميع مهزومين من أخطائهم وخطاياهم فإنهم في نفس الوقت لهم صورة التدين وطاعة الشريعة. وكل منهم يدين ويحكم على نقائص أخطاء غيره موسى نبي... محمد نبي... وكل من له نبي يصلي عليه! فماذا عن (عيسى) المسيح؟ يتشابه النبي موسى والنبي محمد تاريخيًا واجتماعيًا في عبقرية قيادة شعب بدائي غير متحضر عن طريق شريعة حاكمة ضابطة للإنسان والمجتمع بالحديد والنار وصلاحيتها لها صبغة سماوية. فالشعب العبري كان مستعبدًا في مصر حسب العهد القديم، وشعوب شبه الجزيرة العربية كانت مثله مستعبدًة لحياة بدائية. ولم يكن متاحًا لهم نظام اجتماعي متحضر. ولم ينعموا بفرصة للتعليم والرقي والتفكير. 
افتقد الشعب وجود أجهزة قضائية لإصدار الأحكام وفض المنازعات وأجهزة شرطية لتنفيذ أحكام القانون، ولا سجون وما إلى غير ذلك. ولقد تمخضت عبقرية النبيين موسى ومحمد في أن يجعلا من الشريعة نفسها أداة الحكم وإدانة الأخطاء والمخطئين، وأن يجعلا من المجتمع رقيبًا على تنفيذ الشريعة ومن الإنسان نفسه منفذًا للشريعة على غيره. ومن أمثلة ذلك في شريعة موسى نبي اليهود أن الأخ يقتل أخيه المرتد بنفسه: وَإِذَا أَغْوَاكَ سِرًّا أَخُوكَ ابْنُ أُمِّكَ، أَوِ ابْنُكَ أَوِ ابْنَتُكَ أَوِ امْرَأَةُ حِضْنِكَ، أَوْ صَاحِبُكَ الَّذِي مِثْلُ نَفْسِكَ قَائِلًا: نَذْهَبُ وَنَعْبُدُ آلِهَةً أُخْرَى لَمْ تَعْرِفْهَا أَنْتَ وَلاَ آبَاؤُكَ مِنْ آلِهَةِ الشُّعُوبِ الَّذِينَ حَوْلَكَ، الْقَرِيبِينَ مِنْكَ أَوِ الْبَعِيدِينَ عَنْكَ، مِنْ أَقْصَاءِ الأَرْضِ إِلَى أَقْصَائِهَا، فَلاَ تَرْضَ مِنْهُ وَلاَ تَسْمَعْ لَهُ وَلاَ تُشْفِقْ عَيْنُكَ عَلَيْهِ، وَلاَ تَرِقَّ لَهُ وَلاَ تَسْتُرْهُ،  بَلْ قَتْلًا تَقْتُلُهُ. يَدُكَ تَكُونُ عَلَيْهِ أَوَّلًا لِقَتْلِهِ، ثُمَّ أَيْدِي جَمِيعِ الشَّعْبِ أَخِيرًا. تَرْجُمُهُ بِالْحِجَارَةِ حَتَّى يَمُوتَ، لأَنَّهُ الْتَمَسَ أَنْ يُطَوِّحَكَ عَنِ الرَّبِّ إِلهِكَ الَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ. فَيَسْمَعُ جَمِيعُ إِسْرَائِيلَ وَيَخَافُونَ، وَلاَ يَعُودُونَ يَعْمَلُونَ مِثْلَ هذَا الأَمْرِ الشِّرِّيرِ فِي وَسَطِكَ. (سفر التثنية 13: 6-11) وكذلك تأمر الجماعة برجم الزانية المتلبسة: يُخْرِجُونَ الْفَتَاةَ إِلَى بَابِ بَيْتِ أَبِيهَا، وَيَرْجُمُهَا رِجَالُ مَدِينَتِهَا بِالْحِجَارَةِ حَتَّى تَمُوتَ، لأَنَّهَا عَمِلَتْ قَبَاحَةً فِي إِسْرَائِيلَ بِزِنَاهَا فِي بَيْتِ أَبِيهَا. فَتَنْزِعُ الشَّرَّ مِنْ وَسَطِكَ. (سفر التثنية 22: 21) و الابن العاق الذي يشهد عليه أبواه يرجمه كل أهل الحارة: إِذَا كَانَ لِرَجُل ابْنٌ مُعَانِدٌ وَمَارِدٌ لاَ يَسْمَعُ لِقَوْلِ أَبِيهِ وَلاَ لِقَوْلِ أُمِّهِ، وَيُؤَدِّبَانِهِ فَلاَ يَسْمَعُ لَهُمَا. يُمْسِكُهُ أَبُوهُ وَأُمُّهُ وَيَأْتِيَانِ بِهِ إِلَى شُيُوخِ مَدِينَتِهِ وَإِلَى بَابِ مَكَانِهِ، وَيَقُولاَنِ لِشُيُوخِ مَدِينَتِهِ: ابْنُنَا هذَا مُعَانِدٌ وَمَارِدٌ لاَ يَسْمَعُ لِقَوْلِنَا، وَهُوَ مُسْرِفٌ وَسِكِّيرٌ. فَيَرْجُمُهُ جَمِيعُ رِجَالِ مَدِينَتِهِ بِحِجَارَةٍ حَتَّى يَمُوتَ. فَتَنْزِعُ الشَّرَّ مِنْ بَيْنِكُمْ، وَيَسْمَعُ كُلُّ إِسْرَائِيلَ وَيَخَافُونَ. (سفر التثنية 21: 18- 21) ولا يختلف الأمر كثيرًا في شريعة نبي العرب. ولن أطيل بأمثلة في ذلك. وبهذا نجح النبيان موسى ومحمد في وضع إطار ضابط ومُحكَم ومخيف لتنفيذ الشريعة التي وضعها لشعبه، خاصةً أنها منسوبة إلى الله، فمن يعصى شريعة موسى أو محمد فهو يعصى الله نفسه. ومن ثمَّة فهو مستحق الرجم أو القطع أو أي عقوبة أخرى على الأرض، فضلًا على عقوبة نار جهنم في الأخرة. وبالإضافة إلى حاجز الخوف الذي وضعته شريعة موسى وشريعة محمد من انتقام الله من المخطئين، فقد جندت الشريعة المجتمع كله للحكم على بعضه وتنفيذ الشريعة، وهذا ما أوجد مجتمعًا مستغرقًا في الازدواجية والرياء. فبينما الجميع مهزومين من أخطائهم وخطاياهم فإنهم في نفس الوقت لهم صورة التدين وطاعة الشريعة. وكل منهم يدين ويحكم على نقائص أخطاء غيره. بل وكلما بالغ في الحديث باسم الشريعة وإدانة الآخرين على مخالفاتهم، كلما يبدو في عين نفسه وربما غيره أنه أكثر تدينًا وبرًا وإكرامًا لشريعة الله ونبيه عبد الله ورسوله. إن الموروث العبري والعربي بما تأسس عليه من شريعة أنشأ الإدانة والغضب والانتقام باسم التأديب والتقويم لأخطاء بعضنا وأبنائنا وزوجاتنا وأزواجنا. فتجد أن رد الفعل الأكثرين على أخطاء الآخرين بل والقريبين هو التنمر والغضب والانتقام والعقاب، 
هذه الحالة المجتمعية نقلها لنا بولس رسول المسيحية في رسالته إلى أهل غلاطية: فَإِذَا كُنْتُمْ تَنْهَشُونَ وَتَأْكُلُونَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، فَانْظُرُوا لِئَلاَّ تُفْنُوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا (رسالة بولس إلى غلاطية 5: 15) إن أسلوب الأنبياء الدموي والإبادة الجماعية قبل مجيء المسيح كان مرجعه عجز الشريعة والقانون -أيًا كان النبي الذي أتي بها- عن تغيير الإنسان وشفائه بتجديد طبيعته البشرية. فكانت إبادة الشعوب هي الحل لديهم. ففي الموروث اليهودي مثلًا: بدلًا من أن يقدموا أطفالهم ذبيحة للصنم ”مولك"، قام النبي والقائد يشوع بن نون ورجاله بذبح هؤلاء الأطفال مع أهاليهم في أريحا. لا شك أن العدد الهائل من أحداث القتل والإهلاك والحروب التي امتلأ بها تاريخ الأنبياء بتطبيق الشريعة عند اليهود والعرب من أوامر النهب والقتل والحرق واسترقاق النساء والأطفال تؤكد حقيقة واحدة أن: الموت قد مَلَك على البشرية (رسالة بولس إلى رومية 5: 14)،  وبالموت مَلَكَ مَن له سلطان الموت أي إبليس: فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ الأَوْلاَدُ فِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ اشْتَرَكَ هُوَ أَيْضًا كَذلِكَ فِيهِمَا، لِكَيْ يُبِيدَ بِالْمَوْتِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ (رسالة بولس إلى العبرانيين 2: 14) فَنَظَرْتُ وَإِذَا فَرَسٌ أَخْضَرُ، وَالْجَالِسُ عَلَيْهِ اسْمُهُ الْمَوْتُ، وَالْهَاوِيَةُ تَتْبَعُهُ، وَأُعْطِيَا سُلْطَانًا عَلَى رُبْعِ الأَرْضِ أَنْ يَقْتُلاَ بِالسَّيْفِ وَالْجُوعِ وَالْمَوْتِ وَبِوُحُوشِ الأَرْضِ (سفر رؤيا يوحنا 6: 8) 
 لأَنَّ رَئِيسَ هذَا الْعَالَمِ يَأْتِي وَلَيْسَ لَهُ فِيَّ شَيْءٌ. (إنجيل يوحنا 14: 30) نَعْلَمُ أَنَّنَا نَحْنُ مِنَ اللهِ، وَالْعَالَمَ كُلَّهُ قَدْ وُضِعَ فِي الشِّرِّيرِ (رسالة يوحنا الأولى 5: 19)  لقد أنبأ اللهُ آدمَ أن بسقوطه قد تغرَّبَ عن حياة الله وبذلك صار عبدًا للشيطان الذي كان قتالًا للناس منذ البَدْء، وأن الشيطان سوف يقتل نسل حواء ”هو يسحق عقِبك“. وكشف الله من خلال شريعة موسى”أجرة الخطية موت“ أي إن الموت هو مصير الإنسان لأنه صار أسيرًا لإبليس بالخطية. ولكي لا يظن البشر أن سلطان إبليس أي ”موت الخطية“ يجعل منه إلهًا موازيًا لله الواحد سبحانه، لذلك تحاشى موسى النبي أن ينسب إلى الشيطان أيًا من أعمال القدرة، حتى الشريرة منها مثل الموت بسبب الخطية. هكذا سجَّلت الشريعة ذلك المصير للإنسان وكأن الله هو المُنشِئ له، بينما الشريعة كانت كاشفة له فقط. وبذلك فإن الشيطان حتى في تسيّده على الإنسان بموت الخطية كان بسماح من الله عن طريق الشريعة. وبهذا حافظت التوراة على عبادة الإله الواحد وكتبت أن الله هو الذي يميت ويحيي: الرَّبُّ يُمِيتُ وَيُحْيِي. يُهْبِطُ إِلَى الْهَاوِيَةِ وَيُصْعِدُ (سفر صموئيل الأول 2: 6) هذا الفهم توضحه صلاة القداس المسيحي والموت الذي دخل إلى العالم بحسد إبليس قد هدمته بالظهور المحيي لأبنك الوحيد يسوع المسيح ربنا. وعلى العكس من ذلك نجد أن المسيح له المجد لم يقل في الأناجيل أن الله يقتل أو يهلك البشر. و في المرات التي ورد فيها أي من هذه التعبيرات في حديثه كان الفعل دائمًا مبنيًا للمجهول وغير منسوب إلى الله أبدًا. بخلاف الموروث اليهودي والإسلامي الذي ينسبها جميعًا إلى الله صانع الشرور والخيرات بآن واحد. --- ### [١٤] أبونا يوناثان - Published: ۲۰۲۳-۱۲-۱٦ - Modified: 2023-12-10 - URL: https://tabcm.net/14636/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون مسك أبونا حنانيا، سكرتير الأسقف، الأجندة في يده، وفتحها أمام الأسقف في تردد وهو يقول: في طلب مُقدم من بعض الآباء لزيادة المرتبات الشهرية، لمواجهة الغلاء والأزمات الاقتصادية المتتالية. مسك الأسقف الأجندة و قرأ في صمت، ثم نظر للكهنة الجلوس أمامه، ثم عاد لينظر في الأجندة مرة ثانية والجميع يترقب في صمت وسكون، ليقطع هذا الصمت صوت الأسقف وهو يضرب للمرة الخامسة على مكتبه ويقول: طلب مرفوض. رفع أبونا إبراهيم يده طالبًا الإذن بالكلام، وقد كان أبونا إبراهيم في أواخر الأربعينيات طويل القامة نحيف الجسم لحيته سوداء وهو من المقربين للأسقف، فأذن الله الأسقف بالكلام، فقام ووقف وأعطى جانبه للأسقف بحيث لا يعطي ظهره للأسقف ويكون الكلام موجه للآباء وللأسقف في نفس الوقت: - حقيقي يا أبهات، أنا متعجب جدًا من الآباء اللي طالبين زيادة في المرتبات، يعني أنا مثلا يا سيدنا المرتب بتاعي شهريًا بيزيد ويفيض ومش ببقى عارف أعمل بيه إيه، أنا أصلا مش بصرف منه حاجة من خير ومحبة شعبنا، أدخل السوبر ماركت وأملأ العربية بقالة ومشتريات وابننا يرفض ياخد ثمن الحساب، أبعت للجزار أو الفرارجي اطلب ٢ كيلو، الاقيه باعت أربعة أو خمسة كيلو وما يرضاش ياخد الحساب، ونفس الكلام في الخضروات والفاكهة، ده أنا حتى لما عربيتي تعطل أوديها لواحد من أولادي يصلحهالي ويجيب قطع الغيار كمان على حسابه، ولما ببقى في الكنيسة بلاقي أولادي في الخدمة بيعزموني على الفطار و الغداء و العشاء كمان، ده أنا حتى لما بخرج مع مجموعة من الأسر أو الشباب مبدفعش ولا مليم و هما بيقوموا بالواجب، دكاترة وأدوية وهدوم وحتى دروس العيال كله ببلاش ومحدش بياخد مني ولا مليم، وبيكونوا فرحانين وربنا بيعوض تعب محبتهم بالخير. - بس ده اسمه إستنطاع، ومش كلنا بنعمل كده! نظر الجميع لمصدر الصوت ليجدوا أبونا يوناثان صاحبه، كان أبونا يوناثان طوال الوقت يقول للآباء الجالسين بجواره أن يلتزموا الصمت، ومش لازم يعقبوا على أي حاجة حتى لو معجبتهمش علشان كده كان أكتر الآباء مفاجأة هم الجالسين بجواره. وقف أبونا يوناثان وكان جالسًا في النصف الأخير من الكنيسة ولكن صوته رج المكان وهو يقول : - أنا كأب مش المفروض استغل أبوتي ولا كهنوتي عشان أكل قوت ولادي، الراجل اللي واقف في السوبر ماركت وبتاع اللحمة وبتاع الفراخ والميكانيكي مش فاتحين سبيل، كل واحد فيهم وراه بيت ووراه عيال وأسرة فاتحين بوقهم وبيصرف عليهم، أنا شخصيًا لو دخلت محل لازم أحاسب وأدي الصبيان اللي شغالين في المحل بقشيش حلو كمان، عشان لما أخرج ما يتقالش عليا كلمة من ورا ضهري، ولا يتهان كهنوت المسيح بسببي، بالعكس يُمتدح كهنوت المسيح ولا يُعثر أحد، اللي عنده محبة للعطاء وللكنيسة يروح يحط في صناديق الكنيسة، كفاية إهانة واستهانة بكهنوت المسيح، ليه واحد من دول يروح يشتكي لعياله ولا لمراته ولا حتى لأصحابه يقول أبونا بتاع الكنيسة اللي معاه العربية الفلانية ولا ساكن في الشقة الفلانية ولا بيعلم عياله في المدرسة أو الكلية الفلانية استخسر يحاسب على كيلو لبن و علبة جبنة، أنا شخصيًا لما حد بيسألني ليه يا أبونا بطلت تيجي تشتري من عندي بقوله علشان بتتعبني وبتخليني أناهد معاك في الحساب، بقيت أدور على الغريب أشتري منه علشان محدش يقول عليا نص كلمة. أبونا إبراهيم شعر بنوع من الإهانة فرفع الكتاب المقدس قائلًا: كاهن المذبح من المذبح يأكل. فرد عليه أبونا يوناثان : أمين، كاهن المذبح من المذبح يأكل، لكن ده مش معناه إنه ياكل المذبح كله، ليه نسمح إن الشعب يتمازح حوالين الكهنوت ويقول سنة في الفراجية ولا سنتين في السعودية، ليه ميبقاش فيه نظام مالي محترم يكفل عيشة كريمة لكل كاهن ويبقى واضح للكل ومنخجلش منه، حتى لو الشعب عرفوا فمحدش ساعتها يحاسب أبونا راكب ايه ولا ساكن فين، بعض الشباب بيتقول علينا لأنه فاكر إننا بنجيب ده من التبرعات ومش فاهم إننا مش كلنا كده، ومش فاهم إن معظمنا بيصرف على الخدمات من جيبه الخاص، بس طول ما مفيش شفافية عمرهم ما هيصدقوا. ليه أحط نفسي تحت حرج إن واحد وهو بيتبرع للكنيسة واديله إيصال يقوللي و ديه نسبتك يا أبونا، أي نوع من المهانة ديه اللي انتم ممكن تكونا موافقين عليها، أنا عارف إن معظمنا مش موافق ولا مبسوط بالوضع ده: أنا برد أقوله خد فلوسك يا ابني و حطها في صناديق الكنيسة، إحنا خدام المسيح مش سيلز علشان يبقى لينا بونص على نسبة التبرعات، أنا عارف إني هألام على كلامي، بس احذروا من عثرة المال في الكنايس، اعملوا منظومة مالية تكفل للكاهن ولأسرته حياة كريمة وخلوا تبرعات الناس وعطاياهم ونذورهم في صناديق الكنيسة أو مع مجلس الكنيسة، رجعوا للأسرار تاني هيبتها وامنعوا أي أب ياخد نظير تحت أي مسمى وبأي شكل، الأكاليل تبقى ببلاش بدون رسوم، الجنازات وفتح الكنايس يبقى ببلاش وبدون رسوم ميبقاش موت وخراب ديار، المعموديات، صلوات تبريك المنازل، صلوات الحميم، وغيره و غيره، الناس النهاردة بقت تخاف من افتقاد الكاهن عشان مش عارفين المفروض يدوله كام وهو نازل، بعض المعلمين والأراخنة بقوا فاكرين نفسهم عشان بيدوا عطايا للكنيسة فاكرين إنهم بقوا شارين الكنيسة، إحنا اللي عملنا في نفسنا كده، فين إحنا من التلاميذ اللي قالوا ليس لنا مال ولا فضة ولكن الذي إيانا نعطيك، مكنش معاهم غير اسم يسوع وقوة عمل الروح القدس. - هاه خلصت ولا لسه؟! نظر الجميع للأب الأسقف الذي قال هذه الجملة بتهكم وتوقعوا أن يحدث ما حدث منذ قليل مع أبونا زوسيما ولكن الأسقف أردف قائلًا: - أقعد يا أبونا، ومسك الأجندة اللي قدامه وهو يكمل: عاوز حد من الآباء الأفاضل اللي طالبين زيادة دول، يقولولي، إيه الزيادة المناسبة اللي تناسب الجميع؟! ! نظر الجميع في عيون بعض و لم ينبث أحدهم ببنت شفة فاستدرك الأسقف قائلًا: أقولكم أنا، مفيش رقم مناسب للجميع، لو عملنا منظومة ماليه اللي قدسك بتطالب بيها ديه معظمكم هتقوموا بمظاهرات، مش هتعجبكم، لما أقول أوكل كل النواحي المالية لمجالس الكنايس انتم هترجعوا تشتكوا و تقولوا إنهم قافلين عليكم ومش عارفين تصرفوا حتى على الخدمة، إحنا إيبارشية فقيرة، معندناش موارد، أنا مش عاوز الموضوع ده يتفتح تاني ولا حتى حد فيكم يتكلم فيه بينه وبين نفسه، ولما حد يحب تاني يتكلم يبقى يستأذن وأنا اسمح له أو مسمحلوش، يبقى الحال على ماهو عليه، وبخصوص باقي القرارات بأكد، ممنوع الرحلات، ممنوع الاجتماعات المشتركة، ممنوع خروج الكاهن خارج الإيبارشية بدون إذن، ممنوع عمل أي عظات أو كلمات روحية على مواقع السوشيال ميديا، ممنوع أخد أي أب كاهن لأي قرارات دون الرجوع إلى، التزام كل كنيسة بمربعها السكني في الخدمة سواء الافتقاد أو مدارس الأحد أو خدمة أخوة الرب. رفع أبونا بطرس يده طالبا الإذن بالكلام، فنظر له الأسقف بصرامة: لأ، خلصنا كلام، وخلصنا الاجتماع وبعد كده مفيش حد هيتكلم تاني غير اللي أقوله أنا يتكلم. يتبع . . --- ### لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكسيين
[ لائحة ١٩٣٨ المعدلة في ٢٠٠٨ ] - Published: ۲۰۲۳-۱۲-۱۵ - Modified: 2024-01-03 - URL: https://tabcm.net/16436/ - تصنيفات: المرأة القبطية, شئون علمانية - وسوم: التبني, الزواج الكنسي, الكنيسة القبطية, المجلس الملي, بطلان الزواج, تطليق, لائحة ١٩٣٨ لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكسيين التي أقرها المجلس الملي العام بجلسته المنعقدة في أول بشنس سنة ١٦٥٤ الموافق ٩ مايو سنة ١٩٣٨. ويعمل بها اعتبارًا من يوم أول أبيب سنة ١٦٥٤ للشهداء الموافق ٨ يوليو سنة ١٩٣٨ قرار المجلس الملي العام لسنة ١٩٣٨ بشأن لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكسيين((قرار المجلس الملي العام لسنة ١٩٣٨ بشأن لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكسيين، بتاريخ ٩ / ٥ / ١٩٣٨ ))نشر بتاريخ ٩ / ٥ / ١٩٣٨لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكسيين التي أقرها المجلس الملي العام بجلسته المنعقدة في أول بشنس سنة ١٦٥٤ الموافق ٩ مايو سنة ١٩٣٨. ويعمل بها اعتبارًا من يوم أول أبيب سنة ١٦٥٤ للشهداء الموافق ٨ يوليو سنة ١٩٣٨.   الباب الأول: في الزواج وما يتعلق به ((الباب الأول: في الزواج وما يتعلق به)) الفصل الأول: في الخطبة ((الفصل الأول: في الخطبة ))   المادة 1: الخطبة عقد يتفق به رجل وامرأة على الزواج ببعضهما في أجل محدد.   المادة 2: لا تجوز الخطبة إلا بين من لا يوجد مانع شرعي من زواجهما طبقا لما نُصّ عليه في الفصل الثالث من هذا الباب.   المادة 3: لا تجوز الخطبة إلا أذا بَلغ سنّ الخاطب سبع عشرة سنة والمخطوبة خمس عشرة سنة ميلادية كاملة.   المادة 4: تقع الخطبة بين الخطيبين بإيجاب من أحدهما وقبول من الآخر. فإذا كان أحدهما قاصرًا وجب أيضًا موافقة وليه في ذلك.   المادة 5: تثبت الخطبة في وثيقة يحررها كاهن من كهنة الكنيسة القبطية الأرثوذكسيّة مرخصٌ له بمباشرة عقد الزواج، وتشمل هذه الوثيقة على ما يأتي: (1) اسم كل من الخاطب والمخطوبة ولقبه وسنّه وصناعته ومحل إقامته. (2) اسم كل من والديّ الخطيبين ولقبه وصناعته ومحل أقامته، وكذلك اسم ولى القاصر من الخاطبين ولقبه وصناعته ومحل إقامته. (3) إثبات حضور كل من الخاطبين بنفسه وحضور الوليّ أن كان بينهما قاصر ورضاء كل من الطرفين بالزواج. (4) إثبات حضور شاهدين على الأقل مسيحيين راشدين وذكر اسم كل من الشهود وسنه وصناعته ومحل إقامته. (5) إثبات التحقق من خلو الخاطبين من موانع الزواج الشرعيّة المنصوص عليها في الفصل الثالث. (6) الميعاد الذى يحدد لعقد الزواج. (7) قيمة المهر وشروط وفائه إذا حصل الاتفاق على مهر، ويوقع على هذه الوثيقة من كل من: الخاطب، والمخطوبة، ووليّ القاصر منهما، والشهود، ومن الكاهن الذي حصلت على يده الخطبة، ثم يتلوها الكاهن على الحاضرين، وتحفظ بعد ذلك في مجلد خاص بدار البطريركيّة أو المطرانيّة أو الأسقفيّة التي حصلت الخطبة في دائرتها.   المادة 6: يجب على الكاهن قبل تحرير عقد الخطبة أن يتحقق من: (أولًا) من شخصيّة الخطيبين ورضائهما بالزواج. (ثانيًا) من عدم وجود ما يمنع شرعًا من زواجهما، سواء من جهة القرابة أو الدين أو المرض، أو وجود رابطة زواج سابق. (ثالثًا) من أنهما سيبلغان في الميعاد المحدد لزواجهما السن التي يُباح فيها الزواج شرعًا.   المادة 7: يجوز باتفاق الطرفين تعديل الميعاد المحدد للزواج في عقد الخطبة، مع مراعاة السن التي يباح فيها الزواج، ويُؤشر بهذا التعديل في ذيل عقد الخطبة، ويوقع عليه من الطرفين، ومن الكاهن.   المادة 8: يحرر الكاهن الذى باشر عقد الخطبة ملخصًا منه، في ظرف ثلاثة أيام من تاريخ حصوله، ويعلقه على كنيسته، وإذا كان الخاطبان أو أحدهما مقيمين خارج دائرة هذه الكنيسة، ترسل نسخة منه إلى كاهن الكنيسة التي يقيم كل من الخاطبين في دائرتها ليعلقه على بابها، ويبقى الملخص معلقًا قبل الزواج مدة عشرة أيام تشتمل على يوميّ أحد.   المادة 9: إذا لم يتم الزواج في خلال سنة من تاريخ انقضاء ميعاد العشرة الأيام المنصوص عليه في المادة السابقة، فلا يجوز حصوله إلا بعد تعليق جديد يعمل بالطريقة المتقدم ذكرهما.   المادة 10: يجوز لأسباب خطيرة للرئيس الديني في الجهة التي حصلت الخطبة في دائرتها، أن يعفى من التطليق المنصوص عليه في المادتين السابق ذكرها.   المادة 11: تُفسخ الخطبة اذا وُجد سبب من الأسباب المانعة من الزواج، أو إذا اعتنق أحد الخاطبين الرهبنة.   المادة 12: يجوز الرجوع في الخطبة باتفاق الطرفين أو بإرادة أحدهما فقط، ويصير إثبات ذلك في محضر يحرره الكاهن ويضم إلى عقد الخطبة.   المادة 13: إذا عدل الخاطب عن الخطبة بغير مقتض، فلا يحق له استرداد ما يكون قد قدمه من مهر أو هدايا. وإذا عدلت المخطوبة عن الخطبة بغير مقتض، فللخاطب أن يسترد ما قدمه لها من المهر أو الهدايا غير المستهلكة. هذا فضلًا عما يكون لكل من الخاطبين من الحق في مطالبة الآخر أمام المجلس الملي بتعويض عن الضرر الذي لحقه من جراء عدوله عن الخطبة.   المادة 14: اذا توفى الخاطب قبل الزواج، فلورثته استرداد المهر أو ما اشترى به من جهاز. وإذا توفيّت المخطوبة، فللخاطب أن يسترد المهر أو ما اشترى به من جهاز. أما الهدايا فلا ترد في الحالتين: غير أنه إذا لم يحصل الاتفاق على مهر، وإنما قدمت هدية لتقوم مقام المهر، فيكون حكمها حكم المهر.   الفصل الثاني: في أركان الزواج وشروطه ((الفصل الثاني: في أركان الزواج وشروطه ))   المادة 15: الزواج سر مقدس يثبت بعقد يرتبط به رجل وامرأة ارتباطًا علنيا طبقا لطقوس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بقصد تكوين أسرة جديدة والتعاون على شئون الحياة.   المادة 16: لا يجوز زواج الرجل قبل بلوغه ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة، ولا زواج المرأة قبل بلوغها ستة عشرة سنة ميلادية كاملة.   المادة 17: لا زواج إلا برضاء الزوجين.   المادة 18: ينفذ زواج الأخرس بإشارته إذا كانت معلومة ومؤدية إلى فهم مقصوده.   المادة 19: يجوز لمن بلغ سنه أحدى وعشرين سنة ميلادية كاملة، رجلًا كان أو امرأة، أن يزوّج نفسه بنفسه.   المادة 20: إذا كان سن الزوج أو الزوجة دون الحادية والعشرين فيشترط لصحة الزواج رضا وليه المنصوص عليه في المادة 160. فإذا امتنع ولي القاصر عن تزويجه فيرفع طالب الزواج الأمر إلى المجلس الملي للفصل فيه.   الفصل الثالث: في موانع الزواج الشرعية ((الفصل الثالث: في موانع الزواج الشرعية ))   المادة 21: تمنع القرابة من الزواج: (أ) بالأصول وأن علوا والفروع وأن سفلوا. (ب) بالأخوة والأخوات ونسلهم. (ج) بالأعمام والعمات والأخوال والخالات دون نسلهم. فيحرم على الرجل أن يتزوج من أمه وجدته وأن علت، وبنته وبنت ابنه وأن سفلت، وأخته وبنت أخته وبنت أخيه وأن سفلت، وعمته وعمة أصوله وخالته وخاله أصوله. وتحل له بنات الأعمام والعمات وبنات الأخوال والخالات. وكما يحرم على الرجل أن يتزوج بمن ذكر يحرم على المرأة التزويج بنظيره من الرجال. ويحل للمرأة أبناء الأعمام والعمات وأبناء الأخوال والخالات.   المادة 22: تمنع المصاهرة من زواج الرجل: (أ) بأصول زوجته وفروعها. فلا يجوز له بعد وفاة زوجته أن يتزوج بأمها أو جدتها وأن علت، ولابنتها التي رزقت بها من زوج أخر أو بنت أبنها أو بنت بنتها وأن سفلت. (ب) بزوجات أصوله وزوجات فروعه وأصول أولئك الزوجات وفروعهن. فلا يجوز له أن يتزوج بزوجة والده أو جده أو أمها أو جدتها أو بنتها أو بنت أبنها أو بنتها ولا بزوجة ابنه أو حفيده أو أمها أو جدتها أو بنتها أو بنت أبنها أو بنت بنتها. (ج) بأخت زوجته ونسلها وبنت أخيها ونسلها. (د) بزوجة أخيه وأصولها وفروعها. (هـ) بعمة زوجته وزوجة عمها وخالتها وزوجة خالها. (و) بأخت زوجة والده وأخت زوج والدته وأخت زوجة ابنه وأخت زوج بنته. وما يحرم على الرجل يحرم على المرأة.   المادة 23:ملغاة في ٢٠٠٨، وكان النص الأصلي للمادة كما يلي:لا يجوز الزواج: (أ) بين المتبنى والمتبني وفروع هذا الأخير. (ب) بين المتبنى وأولاد المتبني الذين رزق بهم بعد التبني. (ج) بين الأولاد الذين تبناهم شخص واحد. (د) بين المتبنى وزوج المتبني وكذلك بين المتبني وزوج المتبنى.   المادة 24: لا يجوز الزواج لدى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية إلا بين مسيحيين أرثوذكسيين.   المادة 25: لا يجوز لأحد الزوجين أن يتخذ زوجًا ثانيًا مادام الزواج قائمًا.   المادة 26:معدلة في ٢٠٠٨: ليس للمرأة التي توفى زوجها، أو قضي بانحلال زواجها منه، أن تعقد زواجًا ثانيًا، إلا بعد انقضاء عشرة أشهر ميلادية كاملة من تاريخ الوفاة، أو من تاريخ الحكم النهائي بانحلال زواجها منه، إلا إذا وضعت حملها قبل هذا الميعاد.   المادة 27:معدلة في ٢٠٠٨: لا يجوز الزواج في الأحوال الآتية: (أ‌) إذا كان لدى أحد طالبي الزواج مانع طبيعي أو مرضي لا يرجى زواله يمنعه من الاتصال الجنسي. (ب‌) إذا كان أحدهما مجنوناً. (جـ) إذا كان أحدهما مصاباً بمرض قتال أو بمرض يجعله غير صالح للحياة الزوجية ولم يكن الطرف الآخر يعلم به وقت الزواج.   المادة 28: أما إذا كان طالب الزواج مصابًا بمرض قابل للشفاء ولكن يخشى منه سلامة الزوج الآخر، كالسل في بدايته والأمراض السرية، فلا يجوز الزواج حتى يشفى المريض.   الفصل الرابع: في المعارضة في الزواج ((الفصل الرابع: في المعارضة في الزواج ))   المادة 29: يكون للأشخاص الآتي ذكرهم حق المعارضة في الزواج: (أ) من يكون زوجًا لأحد المتعاقدين. (ب) الأب، وعند عدمه أو عدم إمكانه إبداء رغبته يكون حق المعارضة للجد الصحيح، ثم للأم، ثم لباقي الأقارب المنصوص عليهم في المادة 160 بحسب الترتيب الوارد فيها/ وتقبل المعارضة ولو تجاوز المتعاقد سن الرشد. (ج) الولي الذي يعينه المجلس الملي طبقًا للمادة 160.   المادة 30: تحصل المعارضة في ظرف العشرة الأيام المنصوص عليها في المادة الثامنة بتقرير يقدم إلى الرئيس الديني المختص، ويجب أن يشتمل على اسم المعارض، وصفته، والمحل الذي اختاره بالجهة المزمع عقد الزواج فيها، والأسباب التي يبنى معارضته عليها، والتي يجب ألا تخرج عن الموانع المنصوص عليها في الفصل الثالث من هذا الباب، وإلا كانت المعارضة لاغية.   المادة 31: ترفع المعارضة إلى المجلس الملي المختص في خلال ثلاثة أيام من تاريخ وصولها للفصل فيها بطريق الاستعجال. ولا يجوز عقد الزواج إلا إذا قضي في المعارضة برفضها انتهائيًا.   الفصل الخامس: في إجراءات عقد الزواج ((الفصل الخامس: في إجراءات عقد الزواج ))   المادة 32: قبل مباشرة عقد الزواج يستصدر الكاهن ترخيصًا بإتمام العقد من الرئيس الديني المختص بعد تقديم محضر الخطبة إليه.   المادة 33: يثبت الزواج في عقد يحرره الكاهن بعد حصوله على الترخيص المنصوص عليه في المادة السابقة. ويشتمل عقد الزواج على البيانات الآتية: 1- اسم كل من الزوجين ولقبه وصناعته ومحل إقامته وتاريخ ميلاده من واقع شهادة الميلاد أو ما يقوم مقامها. 2- اسم كل من والديّ الزوجين ولقبه وصناعته ومحل إقامته وكذلك اسم ولى القاصر من الزوجين ولقبه وصناعته ومحل إقامته. 3- إثبات حضور الزوجين وحضور ولى القاصر أن كان بينهما قاصر. 4- أسماء الشهود وألقابهم وأعمارهم وصناعتهم ومحال إقامتهم. 5- حصول الإعلان المنوه عنه في المادة الثامنة. 6- حصول المعارضة في الزواج إذا كانت حصلت معارضة وما تم فيها. 7- إثبات رضاء الزوجين وولى القاصر منهما. 8- أثبات حصول صلاة الإكليل طبقا للطقوس الدينية.   المادة 34: يكون لدى رئيس كل كنيسة دفتر قيد عقود الزواج، أوراقه مُنمرة، ومختومة بختم البطريركية أو المطرانية أو الأسقفية، وكل ورقة منه تشمل على أصل ثابت، وثلاث قسائم، وبعد تحرير العقد وأثباته على الوجه المتقدم ذكره في المادة السابقة، يتلى على جمهور الحاضرين بمعرفة الكاهن الذي حرره. ويوقع على الأصل والقسائم جميعا من الكاهن الذي باشر العقد ومن الكاهن الذي قام بالأكاليل إذا كان غيره. وتسلم إحدى القسائم الثلاث إلى الزوجة، وترسل الثالثة إلى الجهة الدينية الرئيسية لحفظها بها بعد قيدها في السجل المعد لذلك، ويبقى الأصل الثابت بالدفتر عند الكاهن لحفظه.   المادة 35: على كل مطرانية أو أسقفية أن ترسل إلى البطريركية في آخر كل شهر كشفًا بعقود الزواج التي تمت في دائرتها.   المادة 36: كل قبطي أرثوذكسي تزوج خارج القطر المصري طبقا لقوانين البلد الذي تم فيه الزواج، يجب عليه في خلال ستة شهور من تاريخ عودته إلى القطر المصري، أن يتقدم إلى الرئيس الديني المختص لإتمام الإجراءات اللازمة طبقا لقوانين وطقوس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية.   الفصل السادس: في بطلان عقد الزواج ((الفصل السادس: في بطلان عقد الزواج ))   المادة 37: إذا عقد الزواج بغير رضاء الزوجين أو أحدهما، رضاء صادرًا عن حرية واختيار، فلا يجوز الطعن فيه إلا من الزوجين، أو من الزوج الذي لم يكن حرًا في رضائه. وإذا وقع غشّ في شخص أحد الزوجين، فلا يجوز الطعن في الزواج إلا من الزوج الذي وقع عليه الغِشّ. وكذلك الحكم فيما إذا وقع غشّ في شأن بكارة الزوجة بأن أدعت أنها بكر وثبت أن بكارتها أزيلت بسبب سوء سلوكها، أو خلوها من الحمل وثبت أنها حامل.   المادة 38:معدلة في ٢٠٠٨: يشترط لطلب الإبطال في الأحوال المنصوص عليها في المادة (37) أن ترفع الدعوى خلال ستة أشهر من وقت أن يصبح الزوج متمتعًا بكامل إرادته أو من وقت العلم بالغش أو الغلط.   المادة 39: إذا عقد زواج القاصر بغير إذن وليه فلا يجوز الطعن فيه إلا من الولي أو من القاصر.   المادة 40:ملغاة في ٢٠٠٨، وكان النص الأصلي للمادة كما يلي:ومع ذلك لا تقبل دعوى البطلان من الزوج ولا من الولي متى كان الولي قد أقر الزواج صراحة أو ضمنًا أو كان قد مضى شهر على علمه بالزواج. ولا تقبل الدعوى أيضًا من الزوج بعد مضي شهر من بلوغه سن الرشد.   المادة 41:معدلة في ٢٠٠٨:كل عقد يقع مخالفًا لأحكام المواد (15، 16، 21، 22، 24، 25، 26، 27) يعتبر باطلًا ولو رضي به الزوجان.   المادة 42: ومع ذلك، فالزواج الذي يعقد بين زوجين لم يبلغ أحدهما أو كلاهما السن المقررة في المادة 16، لا يجوز الطعن فيه إذا كان مضى شهر من وقت بلوغ الزوج أو الزوجين السن القانونية، أو إذا حملت الزوجة ولو قبل انقضاء هذا الأجل.   المادة 43: لا يثبت الزواج وما يترتب عليه من الحقوق إلا بتقديم صورة رسمية من عقد الزواج، وفى حالة ثبوت ضياع أصل العقد أو إتلافه يجوز إثباته بكافة طرق الأثبات بما فيها البينة.   المادة 44: الزواج الذي حُكِم ببطلانه، يترتب عليه مع ذلك أثارة القانونية بالنسبة للزوجين، وذريتهما إذا ثبت أن كلاهما حسن النية، أي كل يجهل وقت الزواج سبب البطلان الذي يشوب العقد. أما إذا لم يتوفر حسن النية ألا من جانب أحد الزوجين دون الآخر، فالزواج لا يترتب عليه آثاره إلا بالنسبة لهذا الزوج، ولأولاده المرزوقين له من ذلك الزوج.   الفصل السابع: في حقوق الزوجين وواجباتهما ((الفصل السابع: في حقوق الزوجين وواجباتهما ))   المادة 45: يجب لكل من الزوجين على الآخر الأمانة والمعاونة على المعيشة والمواساة عند المرض.   المادة 46: يجب على الزوج حماية زوجته ومعاملتها بالمعروف ومعاشرتها بالحسنى، ويجب على المرأة إطاعة زوجها فيما يأمرها به من حقوق الزوجية.   المادة 47: يجب على المرأة أن تسكن مع زوجها وأن تتبعه أينما سار لتقيم معه في أيّ محل لائق يختاره لإقامته، وعليها أن تحافظ على ماله وتقوم بخدمته والعناية بأولاده وملاحظة شئون بيته. ويجب على الزوج أن يُسكِن زوجته في منزله وأن يقوم بما تحتاجه من طعام وكسوة على قدر طاقته.   المادة 48: الارتباط الزوجي لا يوجب اختلاط الحقوق المالية بل تظل أموال كل من الزوجين مملوكة له دون الآخر.   الفصل الثامن: في انحلال الزواج ((الفصل الثامن: في انحلال الزواج ))   المادة 49:معدلة في ٢٠٠٨: ينحل الزواج الصحيح بأحد أمرين: الأول: موت أحد الزوجين حقيقة أو حكمًا. الثاني: التطليق.   الباب الثاني: في الطلاق ((الباب الثاني: في الطلاق)) الفصل الأول: في أسباب الطلاق ((الفصل الأول: في أسباب الطلاق ))   المادة 50:معدلة في ٢٠٠٨: يجوز لكل من الزوجين أن يطلب التطليق بسبب زنا الزوج الآخر. ويعتبر في حكم الزنا كل عمل يدل على الخيانة الزوجية لأي من الزوجين كما في الأحوال التالية: 1- هروب الزوجة مع رجل غريب ليس من محارمها، أو مبيتها معه بدون علم زوجها أو إذنه بغير مقتض. وكذلك مبيت زوج مع أخرى ليست من محارمه. 2- ظهور دلائل أو أوراق صادرة من أحد الزوجين لشخص غريب تدل على وجود علاقة آثمة بينهما. 3- وجود رجل غريب مع الزوجة بحالة مريبة، أو وجود امرأة غريبة مع الزوج في حالة مريبة. 4- تحريض الزوج زوجته على ارتكاب الزنا، أو على ممارسة الفجور في علاقته بها. 5- إذا حبلت الزوجة في فترة يستحيل معها اتصال زوجها بها.   المادة 51: إذا خرج أحد الزوجين عن الدين المسيحي وأنقطع الأمل من رجوعه إليه، جاز الطلاق بناء على طلب الزوج الآخر.   المادة 52:ملغاة في ٢٠٠٨، وكان النص الأصلي للمادة كما يلي:إذا غاب أحد الزوجين خمس سنوات متوالية، بحيث لا يُعلم مقره ولا تُعلم حياته من وفاته، وصدر حكم بإثبات غيبته، جاز للزوج الآخر أن يطلب الطلاق.   المادة 53:ملغاة في ٢٠٠٨، وكان النص الأصلي للمادة كما يلي:الحكم على أحد الزوجين بعقوبة الأشغال الشاقة، أو السجن أو الحبس لمدة سبع سنوات فأكثر، يسوغ للزوج الآخر طلب الطلاق.   المادة 54:ملغاة في ٢٠٠٨، وكان النص الأصلي للمادة كما يلي:إذا أصيب أحد الزوجين بجنون مطبق أو بمرض معد يخشى منه على سلامة الآخر يجوز للزوج الآخر أن يطلب الطلاق إذا كان قد مضى ثلاث سنوات على الجنون أو المرض وثبت أنه غير قابل للشفاء. ويجوز أيضًا للزوجة أن تطلب الطلاق لإصابة زوجها بمرض العنة إذا مضى على إصابته به ثلاث سنوات وثبت أنه غير قابل للشفاء وكانت الزوجة في سن يخشى فيه عليها من الفتنة.   المادة 55:ملغاة في ٢٠٠٨، وكان النص الأصلي للمادة كما يلي:إذا اعتدى أحد الزوجين على حياة الآخر أو اعتاد إيذاءه إيذاءً جسيمًا يعرض صحته للخطر جاز للزوج المجني عليه أن يطلب الطلاق.   المادة 56:ملغاة في ٢٠٠٨، وكان النص الأصلي للمادة كما يلي:إذا ساء سلوك أحد الزوجين وفسد أخلاقه وانغمس في حمأة الرذيلة ولم يجد في إصلاحه توبيخ الرئيس الديني ونصائحه فللزوج الآخر أن يطلب الطلاق.   المادة 57:ملغاة في ٢٠٠٨، وكان النص الأصلي للمادة كما يلي:يجوز أيضًا طلب الطلاق إذا أساء أحد الزوجين معاشرة الآخر أو أخل بواجباته نحوه إخلالًا جسيمًا، مما أدى إلى استحكام النفور بينهما، وانتهى الأمر بافتراقهما عن بعضهما، واستمرت الفرقة ثلاث سنوات متوالية.   المادة 58:ملغاة في ٢٠٠٨، وكان النص الأصلي للمادة كما يلي:كذلك يجوز الطلاق إذا ترهبن الزوجان أو ترهبن أحدهما برضاء الآخر.   الفصل الثاني: في إجراءات دعوى الطلاق ((الفصل الثاني: في إجراءات دعوى الطلاق ))   المادة 59:ملغاة في ٢٠٠٨، وكان النص الأصلي للمادة كما يلي:تقدم عريضة الدعوى من طالب الطلاق شخصيًا إلى رئيس المجلس الملي الفرعي، وإذا تعذر حضور الطالب بنفسه ينتقل الرئيس أو من ينتدبه من الأعضاء إلى محله. وبعد أن يسمع الرئيس أو العضو المنتدب أقوال طالب الطلاق يعطيه ما يقتضه الحال من النصائح، فأن لم يقبلها يحدد للزوجين ميعادًا لا يقل عن ثمانية أيام كاملة للحضور أمامه بنفسيهما في مقر المجلس، فإذا تعذر لأحدهما الحضور أمامه يعين لهما المكان الذي يستطيعان الحضور فيه. وفي اليوم المحدد يسمع أقوال الزوجين ويسعى في الصلح بينهما. فأن لم ينجح في مسعاه يأمر بإحالة الدعوى إلى المجلس ويحدد لها ميعادًا لا يتجاوز شهرًا.   المادة 60:ملغاة في ٢٠٠٨، وكان النص الأصلي للمادة كما يلي:يبدأ المجلس قبل النظر في موضوع الدعوى بعرض الصلح على الزوجين، فأن لم يقبلاه ينظر في الترخيص لطالب الطلاق بأن يُقيم بصفة مؤقتة أثناء رفع الدعوى بمعزل من الزوج الآخر، مع تعيين المكان الذي تقيم فيه الزوجة إذا كانت هي طالبة الطلاق، كما ينظر في تقرير نفقة لها على الزوج وفي حضانة الأولاد أثناء نظر الدعوى وفي تسليم الجهاز والأمتعة الخاصة. وحكم المجلس في هذه الأمور يكون مشمولًا بالنفاذ المؤقت من غير كفالة وقابلًا للاستئناف في ظرف ثمانية أيام من تاريخ صدوره.   المادة 61:ملغاة في ٢٠٠٨، وكان النص الأصلي للمادة كما يلي:يجوز لكلٍ من الزوجين أن يوكل من يختاره من المحامين أو من أقاربه لغاية الدرجة الرابعة للمرافعة عنه، وإنما يلزم أن يكون حاضرًا مع وكيله في الجلسة ما لم يمنعه مانع من الحضور.   المادة 62:ملغاة في ٢٠٠٨، وكان النص الأصلي للمادة كما يلي:تنظر الدعوى وتحقق بالطرق المعتادة.   المادة 63:ملغاة في ٢٠٠٨، وكان النص الأصلي للمادة كما يلي:لا يؤخذ بإقرار المدعى عليه من الزوجين بما هو منسوب إليه ما لم يكن مُؤيَدًا بالقرائن أو شهادة الشهود. ولا تعتبر القرابة أو أية صلة أخرى مانعة من الشهادة، غير أنه لا يسوغ سماع شهادة أولاد الزوجين أو أولاد أولادهما.   المادة 64:ملغاة في ٢٠٠٨، وكان النص الأصلي للمادة كما يلي:لا تقبل دعوى الطلاق إلا إذا حصل صلح بين الزوجين سواء بعد حدوث الوقائع المدعاة في الطلب أو بعد تقديم هذا الطلب. ومع ذلك يجوز للطالب أن يرفع دعوى أخرى لسبب طرأ أو اُكتُشف بعد الصلح وله أن يستند إلى الأسباب القديمة في تأييد دعواه الجديدة.   المادة 65:ملغاة في ٢٠٠٨، وكان النص الأصلي للمادة كما يلي:تنقضي دعوى الطلاق بوفاة أحد الزوجين قبل صدور الحكم النهائي بالطلاق.   المادة 66:ملغاة في ٢٠٠٨، وكان النص الأصلي للمادة كما يلي:يجوز الطعن في الأحكام الصادرة في دعاوى الطلاق بالطرق والأوضاع المقررة لغيرها من الدعاوى ولكن تقبل المعارضة في الحكم الغيابي في ظرف خمسة عشر يومًا من تاريخ إعلانه. ويجب أن تعرض دعاوى الطلاق على المجلس الملي العام ولو لم تستأنف أحكامها للنظر في التصديق على هذه الأحكام من عدمه، ولا ينفذ الحكم القاضي بالطلاق إلا بعد صدور الحكم النهائي به من المجلس الملي العام وبعد استنفاذ جميع طرق الطعن بما فيها الالتماس.   المادة 67:ملغاة في ٢٠٠٨، وكان النص الأصلي للمادة كما يلي:يسجل الحكم النهائي القاضي بالطلاق في السجل المعد لذلك بالدار البطريركية، ويؤشر بمضمونه على أصل عقد الزواج بالسجل المحفوظ لدى الكاهن، وعلى القسيمة المحفوظة لدى الرياسة الدينية، وعلى القسيمة الموجودة لدى الزوج الذي صدر حكم الطلاق بناء على طلبه.   الفصل الثالث: في الآثار المترتبة على التطليق ((الفصل الثالث: في الآثار المترتبة على التطليق ))   المادة 68:ملغاة في ٢٠٠٨، وكان النص الأصلي للمادة كما يلي:يترتب على التطليق انحلال رابطة الزوجية من تاريخ الحكم النهائي الصادر به، فتزول حقوق كل من الزوجين وواجباته قبل الآخر ولا يرث أحدهما الآخر عند موته.   المادة 69:معدلة في ٢٠٠٨: يصدر المجلس الإكليريكي تصريح زواج لكل من قضي له بالتطليق أو بطلان الزواج طبقًا لأحكام هذه اللائحة خلال ستة أشهر من تاريخ تقديم الطلب مرفقًا به صورة رسمية من الحكم النهائي بانحلال الرابطة الزوجية. وفي حالة رفض الطلب أو عدم الرد خلال ستة أشهر يجوز لطالب التصريح التظلم لقداسة البابا البطريرك لاتخاذ ما يلزم.   المادة 70:معدلة في ٢٠٠٨:يجوز للزوجين بعد الحكم النهائي بالتطليق أو الإبطال، التصالح واستئناف الحياة الزوجية من جديد، على أن يثبت ذلك بعقد الزواج الكنسي، وبعد استيفاء الإجراءات الدينية التي تقتضيها قوانين الكنيسة، على أن يتم التنازل عن حكم التطليق أو الإبطال على أصل صورة الحكم المشمولة بالصبغة التنفيذية.   المادة 71:ملغاة في ٢٠٠٨، وكان النص الأصلي للمادة كما يلي:يجوز الحكم بنفقة أو تعويض لمن حكم له بالطلاق على الزوج الآخر.   المادة 72:ملغاة في ٢٠٠٨، وكان النص الأصلي للمادة كما يلي:حضانة الأولاد تكون للزوج الذي صدر حكم الطلاق لمصلحته ما لم يأمر المجلس بحضانة الأولاد أو بعضهم للزوج الآخر أو لمن له حق الحضانة بعده. ومع ذلك يحتفظ كل الأبوين بعد الطلاق بحقه في ملاحظة أولاده لتربيتهم أيًا كان الشخص الذي عهد إليه بحضانتهم.   المادة 73: لا يؤثر حكم الطلاق على ما للأولاد من الحقوق قبل والديهم.   الباب الثالث: في المهر والجهاز ((الباب الثالث: في المهر والجهاز)) الفصل الأول: في المهر ((الفصل الأول: في المهر ))   المادة 74: ليس المهر من أركان الزواج، فكما يجوز أن يكون بمهر يجوز أن يكون بغير مهر.   المادة 75: يجب المهر المسمى في عقد الخطبة للزوجة بمجرد الإكليل في الزواج الصحيح.   المادة 76: المرأة الرشيدة تقبض مهرها بنفسها، فلا يجوز لغيرها قبض المهر إلا بتوكيل منها، وللولي أو الوصي أن يقبض مهر القاصر.   المادة 77: المهر ملك المرأة تتصرف فيه كيف شاءت أن كانت رشيدة. وإذا ماتت قبل أن تستوفى جميع مهرها فلورثتها مطالبة زوجها أو ورثته بما يكون باقيًا بذمته من المهر بعد إسقاط نصيب الزوج الآيل له من أرثها.   المادة 78: في حالة الحكم ببطلان الزواج: إذا كان السبب آتيا من قبل الرجل وكانت المرأة تعلم به، فلا مهر لها، وأن كانت لا تعلم به، فلها مهرها. وإذا كان السبب آتيا من قبل المرأة، والرجل يعلم به، فلها أن تستولى على مهرها، وان لم يكن عالما به، فلا حق لها في المهر.   المادة 79: في حالة الحكم بالطلاق: إذا كان سبب الفسخ قهريًا، أي لا دخل لإرادة أحد من الزوجين فيه، فيكون للمرأة حق الاستيلاء على مهرها. أما إذا كان سبب الفسخ غير قهري، فإن كان آتيًا من قبل الرجل، فللمرأة الحق في أخذ مهرها، وأن كان آتيا من قبل المرأة، فلا حق لها في المهر.   الفصل الثاني: في الجهاز ((الفصل الثاني: في الجهاز ))   المادة 80: لا تجبر المرأة على تجهيز منزل الزوجية من مهرها ولا من غيره، فلو زفت بجهاز قليل لا يليق بالمهر الذي دفعه الزوج، أو بلا جهاز أصلا، فليس له مطالبتها ولا مطالبة أبيها بشيء منه، ولا تنقيص شيء من مقدار المهر تراضيا عليه.   المادة 81: إذا تبرع الأب وجهز ابنته الرشيدة من ماله، فإن سلمها الجهاز في حال حياته، ملكته بالقبض، وليس لأبيها بعد ذلك ولا لورثته استرداد شيء منه، وان لم يسلمه إليها، فلا حق لها ولا لزوجها فيه.   المادة 82: إذا اشترى الأب من ماله في حالة حياته جهاز ابنته القاصر، ملكته بمجرد شرائه، وليس له ولا لورثته أخذ شيء منه.   المادة 83: إذا جهز الأب ابنته من مهرها وبقى عنده شيء منه، فلها مطالبته به.   المادة 84: الجهاز ملك المرأة وحدها، فلا حق للزوج في شيء منه، وإنما له الانتفاع بما يوضع منه في بيته، وإذا اغتصب شيئا منه حال قيام الزوجية أو بعدها، فلها مطالبته به أو بقيمته إن هلك أو استهلك عنده.   المادة 85: إذا اختلف الزوجان حال قيام الزواج أو بعد الفسخ في متاع موضوع في البيت الذي يسكنان فيه، فما يصلح للنساء عادة فهو للمرأة إلى أن يقيم الزوج البينة على أنه له، وما يصلح للرجال، أو يكون صالحًا لهما، فهو للزوج ما لم تقم المرأة البينة على أنه لها.   المادة 86: إذا مات أحد الزوجين ووقع نزاع في متاع بالبيت بين الحي وورثة الميّت، فما يصلح للرجل والمرأة يكون للحي منهما عند عدم البينة.   الباب الرابع: في ثبوت النسب ((الباب الرابع: في ثبوت النسب)) الفصل الأول: في ثبوت نسب الأولاد المولودين حال قيام الزواج ((الفصل الأول: في ثبوت نسب الأولاد المولودين حال قيام الزواج ))   المادة 87: أقل مدة لحمل ستة أشهر وأكثرها عشرة أشهر بحساب الشهر ثلاثين يومًا.   المادة 88: إذا ولدت الزوجة ولدًا لتمام ستة أشهر فصاعدًا من حين الزواج ثبت نسبه من الزوج.   المادة 89: ومع ذلك يكون للزوج أن ينفى الولد إذا أثبت أنه في الفترة بين اليوم السابق على الولادة بعشرة أشهر واليوم السابق عليها بستة أشهر كان يستحيل عليه ماديًا أن يتصل بزوجته بسبب بعد المسافة بينهما أو بسبب وجوده في السجن أو بسبب حادث من الحوادث.   المادة 90: للزوج أن ينفى الولد لعلة الزنا أذا كانت الزوجة قد أخفت عنه الحمل والولادة، ولكن ليس له أن ينفيه بادعائه عدم المقدرة على الاتصال الجنسي.   المادة 91: ليس للزوج أن ينفى الولد المولود قبل مضى ستة أشهر من تاريخ الزواج في الأحوال الآتية: أولًا - إذا كان يعلم أن زوجته كانت حاملًا قبل الزواج. ثانيًا - إذا بلّغ عن الولادة أو حضر التبليغ عنها. ثالثًا - إذا ولد الولد ميتًا أو غير قابل للحياة.   المادة 92: في حالة رفع دعوى الطلاق: يجوز للزوج أن ينفي نسب الولد الذي يولد بعد مضى عشرة أشهر من تاريخ القرار الصادر بالترخيص للزوجة بالإقامة في مسكن منعزل، أو قبل مضى ستة أشهر من تاريخ رفض الدعوى أو الصلح. على أن دعوى النفي هذه لا تُقبَل إذا ثبت في الواقع حصول اجتماع بين الزوجين.   المادة 93: يجوز نفي الولد إذا وُلِد بعد مضى عشرة أشهر من تاريخ وفاة الزوج أو من تاريخ حكم الطلاق.   المادة 94: في الأحوال التي يجوز فيها للزوج نفي الولد: يجب عليه أن يرفع دعواه في ظرف شهر من تاريخ الولادة إذا كان حاضرًا وقتها، أو من تاريخ عودته إذا كان غائبًا، أو من تاريخ علمه بها إذا كانت أخفيت عنه.   المادة 95: إذا تُوفّيَ الزوج قبل انقضاء المواعيد المبينة بالمادة السابقة دون أن يرفع دعواه، فلورثته الحق في نفي الولد في ظرف شهر من تاريخ وضع يده هو أو وليه على أعيان التركة، أو من تاريخ منازعته لهم في وضع يدهم عليها.   المادة 96: تثبت البنوة الشرعية بشهادة مستخرجة من دفتر قيد المواليد، وإذا لم توجد شهادة فيكفي لإثباتها حيازة الصفة. وهى تنتج من اجتماع وقائع تكفى للدلالة على وجود رابطة البنوة بين شخص وآخر. ومن هذه الوقائع : أن الشخص كان يحمل دائمًا اسم الوالد الذي يدعي بنوته له، وأن هذا الوالد كان يعامله كابن له، وكان يقوم على هذا الاعتبار بتربيته وحضانته ونفقته، وأنه كان معروفا كأب له في الهيئة الاجتماعية، وكان معترفًا به من العائلة كأب، فإذا لم توجد شهادة ولا حيازة فيمكن أثبات البنوة بشهادة الشهود المؤيدة بقرائن الأحوال.   الفصل الثاني: في ثبوت نسب الأولاد غير الشرعيين ((الفصل الثاني: في ثبوت نسب الأولاد غير الشرعيين )) الفرع الأول - في تصحيح النسب ((الفرع الأول - في تصحيح النسب))   المادة 97: الأولاد المولودون قبل الزواج، عدا أولاد الزنا وأولاد المحارم، يعتبرون شرعيين بزواج أبويهم وإقرارهما أمام الكاهن المختص ببنوتهم، أما قبل الزواج أو حين حصوله، وفى هذه الحالة الأخيرة يثبت الكاهن الذي يباشر عقد الزواج أقرار الوالدين بالبنوة في وثيقة منفصلة.   المادة 98: يجوز تصحيح النسب على الوجه المبين في المادة السابقة لمصلحة أولاد توفوا عن ذرية، وفى هذه الحالة يستفيد ذرية أولئك الأولاد من تصحيح نسبهم.   المادة 99: الأولاد الذين اعتبروا شرعيين بالزواج اللاحق لولادتهم يكون لهم من الحقوق وعليهم من الواجبات كما لو كانوا مولودين من هذا الزواج.   الفرع الثاني - في الإقرار بالنسب والادعاء به ((الفرع الثاني - في الإقرار بالنسب والادعاء به))   المادة 100: إذا أقر الرشيد العاقل ببنوة ولد مجهول النسب، وكان في سن بحيث يولد منه لمثله، يثبت نسبه منه وتلزمه نفقته وتربيته.   المادة 101: إذا أقر ولد مجهول النسب بالأبوة أو بالأمومة لامرأة وكان يولد مثله لمثل المقر له، وصدقه، فقد ثبتت أبوتهما له، ويكون عليه ما للأبوين من الحقوق وله عليهما ما للأبناء من النفقة والحضانة والتربية.   المادة 102: إقرار الأب بالبنوة دون إقرار الأم لا تأثير له إلا على الأب، والعكس بالعكس.   المادة 103: إقرار أحد الزوجين في أثناء الزواج ببنوة ولد غير شرعي رزق به قبل الزواج من شخص آخر غير زوجة، لا يجوز له أن يضر بهذا الزوج، ولا بالأولاد المولودين من ذلك الزواج.   المادة 104: يثبت الإقرار بالنسب بعقد رسمي يحرر أمام الكاهن ما لم يكن ثابتًا من شهادة الميلاد.   المادة 105: يجوز لكل ذي شأن أن تنازع في إقرار الأب أو الأم بالبنوة وفى ادعاء الولد لها.   المادة 106: يجوز الحكم بثبوت نسب الأولاد غير الشرعيين من أبيهم. أولًا - في حالة الخطف أو الاغتصاب إذا كان زمن حصولهما يرجع إلى زمن الحمل. ثانيًا - في حالة الإغواء بطريق الاحتيال أو باستعمال السلطة والوعد بالزواج. ثالثًا - في حالة وجود خطابات أو محررات أخرى صادرة من الأب المدعى عليه تتضمن اعترافه بالأبوة اعترافًا صريحًا. رابعًا - إذا كان الأب المدعى عليه والأم قد عاشا معا في مدة الحمل وعاشرا بعضهما بصفة ظاهرة. خامسًا - إذا كان الأب المدعى عليه قام بتربية الولد والأنفاق عليه أو اشترك في ذلك بصفته والدًا له.   المادة 107: لا تقبل دعوى ثبوت الأبوة: أولًا - إذا كانت الأم في أثناء مدة الحمل مشهورة بسوء السلوك أو كانت لها علاقة غرامية برجل آخر. ثانيًا - إذا كان الأب المدعى عليه في أثناء تلك المدة يستحيل عليه ماديًا سواء بسبب بعده أو بسبب حادث من الحوادث أن يكون والد الطفل.   المادة 108: لا يملك رفع دعوى ثبوت الأبوة بغير الولد أو الأم إذا كان الولد قاصرًا. ويجب أن ترفع الدعوى في مدى سنتين من تاريخ الوضع وإلا سقط الحق فيها. غير أنه في الحالتين الرابعة والخامسة المنصوص عليهما في المادة 106 يجوز رفع الدعوى إلى حين انقضاء السنتين التاليتين لانتهاء المعيشة المشتركة أو لانقطاع الأب المدعى به عن تربية الولد والأنفاق عليه. وإذا لم ترفع الدعوى في أثناء قصر الولد فيجوز له رفعها في مدى السنة التالية لبلوغه سن الرشد.   المادة 109: يجوز طلب الحكم بثبوت الأمومة. وعلى ذلك يطلب ثبوت نسبه من أمه أن يثبت أنه هو نفس الولد الذي وضعته. وله أن يثبت ذلك بشهادة الشهود.   الفصل الثالث: في التبني ((الفصل الثالث: في التبني ))   المادة 110: التبني جائز للرجل وللمرأة، متزوجين كانا أو غير متزوجين، بمراعاة الشروط المنصوص عليها في المواد التالية:   المادة 111: يشترط في المتبني: (1) أن يكون تجاوز سن الأربعين. (2) ألا يكون له أولاد ولا فروع شرعيون وقت التبني. (3) أن يكون حسن السمعة.   المادة 112: يجوز أن يكون المتبنى ذكرًا أو أنثى بالغًا أو قاصرًا ولكن يشترط أن يكون أصغر سنا من المتبني بخمس عشرة سنة ميلادية على الأقل.   المادة 113: لا يجوز أن يتبنى الولد أكثر من شخص واحد ما لم يكن التبني حاصلًا من زوجين.   المادة 114: لا يجوز التبني إلا إذا وجدت أسباب تبرره، وكانت تعود منه فائدة على المتبنى.   المادة 115: اذا كان الولد المراد تبنيه قاصرًا، وكان والده على قيد الحياة، فلا يجوز التبني إلا برضاء الوالدين. فإذا كان أحدهما متوفيًا أو غير قادر على أبداء رأيه، فيكفى قبول الآخر، وإذا كان قد صدر حكم بالطلاق فيكفى قبول من صدر الحكم لمصلحته أو عهد إليه بحضانة الولد منهما. أما إذا كان القاصر قد فقد والديه، أو كان الوالدان غير قادرين على أبداء رأيهما، فيجب الحصول على قبول وليّه. وكذلك يكون الحكم إذا كان القاصر ولدًا غير شرعي لم يقر أحد ببنوته، أو توفى والداه أو أصبحا غير قادرين على أبداء رأيهما بعد الإقرار ببنوته.   المادة 116: لا يجوز لأحد الزوجين أن يَتبنى أو يُتبنى ألا برضاء الزوج الآخر ما لم يكن هذا الأخير غير قادر على أبداء رأيه.   المادة 117: يحصل التبني بعقد رسمي يحرره كاهن الجهة التي يتم فيها راغب التبني ويثبت به حضور الطرفين وقبولهما التبني أمامه، فإذا كان الولد المراد تبنيه قاصرًا قام والده أو وليه مقامه.   المادة 118:معدلة في ٢٠٠٨:يجب على الكاهن الذي حرر عقد التبني أن يرفعه في المجلس الملي الذي يباشر عمله في دائرته للنظر في التصديق عليه بعد التحقق من توافر الشروط التي يتطلبها القانون. وفي حالة الرفض يجوز لكل من الطرفين استئناف الحكم أمام المحكمة المختصة طبقًا للأوضاع العادية. ويسجل الحكم النهائي القاضي بالتصديق على التبني في دفتر يعد لذلك في الجهة الرئيسية الدينية.   المادة 119: يخوّل التبني الحق للمتبنَى أن يلقّب بلقب المتبنِي وذلك بإضافة اللقب إلى اسمه الأصلي.   المادة 120: التبنِي لا يخرج المتبنَى من عائلته الأصلية ولا يحرمه من حقوقه فيها، ومع ذلك يكون للمتبني وحده حق تأديب المتبنَى وتربيته وحق الموافقة على زواجه أن كان قاصرًا.   المادة 121: يجب على المتبنِي نفقة المتبنَى أن كان فقيرا كما أنه يجب على المتبنَى نفقة المتبنِي الفقير. ويبقى المتبنَى ملزمًا بنفقة والديه الأصليين ولكن والديه لا يُلزمان بنفقته إلا إذا لم يمكنه الحصول عليها من المتبني.   المادة 122: لا يرث المتبنَى في تركة المتبنِي بغير وصية منه.   المادة 123: كذلك لا يرث المتبنِي في تركة المتبنَى إلا بوصية.   الباب الخامس: فيما يجب على الولد لوالديه وما يجب له عليهما ((الباب الخامس: فيما يجب على الولد لوالديه وما يجب له عليهما)) الفصل الأول: في السلطة الأبوية ((الفصل الأول: في السلطة الأبوية ))   المادة 124: يجب على الولد في أي سن كان أن يحترم والديه ويحسن معاملتهما.   المادة 125: يبقى الولد تحت سلطة والديه إلى أن يبلغ سن الرشد ولا يسمح له بمغادرة منزل والده بغير رضائه إلا بسبب التجنيد. قضت المحكمة الدستورية بجلسة 6/ 12/ 1997 في القضية المقيدة برقم 79 لسنة 18 ق ’’دستورية‘‘ بسقوط نص المادة 125 في مجال تطبيقها بالنسبة إلى الولاية على نفس الصغير.   المادة 126: يطلب من الوالد أن يُعنى بتأديب ولده وتربيته وتعليمه ما هو ميسر له من علم أو حرفة وحفظ ماله القيام بنفقته كما سيجئن في الباب السادس. ويطلب من الوالدة الاعتناء بشأن ولدها.   الفصل الثاني: في الحضانة ((الفصل الثاني: في الحضانة ))   المادة 127: الأم أحق بحضانة الولد وتربيته حال قيام الزوجية وبعدها. وبعد الأم تكون الحضانة للجدة لأم، ثم للجدة لأب، ثم لأخوات الصغير، وتقدم الأخت الشقيقة، ثم الأخت لأم، ثم الأخت لأب، ثم لبنات الأخوات بتقديم بنت الأخ لأبوين، ثم لأم، ثم لأب، ثم لبنات الأخ كذلك، ثم لخالات الصغير، وتقدم الخالة لأبوين، ثم الخالة لأم، ثم لأب، ثم لعمات الصغير كذلك، ثم لبنات الخالات والأخوال، ثم لبنات العمات والأعمام، ثم لخالة الأم، ثم لخالة الأب، ثم لعمة الأم ولعمة الأب بهذا الترتيب.   المادة 128: إذا لم يوجد للصغير قريبة من النساء أهل للحضانة تنتقل إلى الأقارب الذكور، ويقدم الأب، ثم الجد لأب، ثم الجد لأم، ثم الأخ الشقيق، ثم الأخ لأب، ثم الأخ لأم، ثم بنو الأخ لأب، ثم بنو الأخ لأم، ثم العم الشقيق، ثم العم لأب، ثم العم لأم، ثم الخال لأبوين، ثم الخال لأب، ثم الخال لأم، ثم أولاد من ذكروا بهذا الترتيب.   المادة 129: يشترط في الحاضنة أن تكون قد تجاوزت سن السادسة عشرة، وفى الحاضن أن يكون قد تجاوز سن الثامنة عشرة، ويشترط في كليهما أن يكون مسيحيًا عاقلًا أمينًا قادرًا على تربية الصغير وصيانته، وألا يكون مطلقًا لسبب راجع إليه، ولا متزوجًا بغير محرم للصغير.   المادة 130: إذا قام لدى الحاضن أو الحاضنة سبب يمنع من الحضانة، سقط حقه فيها وانتقل إلى من يليه في الاستحقاق. ومتى زال المانع يعود حق الحضانة إلى من سقط حقه فيها.   المادة 131: إذا تساوى المستحقون للحضانة في درجة واحدة، يقدم أصلحهم للقيام بشئون الصغير.   المادة 132: إذا حصل نزاع على أهلية الحاضنة أو الحاضن، فللمجلس أن يعين من يراه أصلح من غيره لحضانة الصغير بدون تقيد بالترتيب المنوه عنه في المادتين 127 و128. ويكون له ذلك أيضًا كلما رأى أن مصلحة الصغير تقتضي تخطي الأقرب إلى من دونه في الاستحقاق.   المادة 133: إذا لم يوجد مستحق أهل للحضانة، أو وجد وأمتنع عنها، فيعرض الأمر على المجلس ليعين امرأة ثقة أمينة لهذا الغرض من أقارب الصغير أو من غيرهم.   المادة 134: أجرة الحضانة غير النفقة، وهى تلزم أب الصغير إن لم يكن له مال.   المادة 135: لا تستحق الأم أجرة على حضانة طفلها حال قيام الزوجية، ولها الحق في الأجرة أن كانت مطلقة. وإذا احتاج المحضون إلى خادم أو مرضع وكان أبوه موسرًا، يلزم بأجرته، وغير الأم من الحاضنات لها الأجرة.   المادة 136: يمنع الأب من إخراج الولد من بلد أمه بلا رضاها ما دام في حضانتها.   المادة 137: ليس للأم المحكوم بطلاقها أن تسافر بالولد الحاضنة له من محل حضانته من غير إذن أبيه، إلا إذا كان انتقالها إلى محل إقامة أهلها، وبشرط ألا يكون خارج القطر المصري.   المادة 138: غير الأم من الحاضنات لا يسوغ لها في أي حال أن تنقل الولد من محل حضانته إلا بإذن أبيه أو ليه.   المادة 139:مقضي بعدم دستوريتها، ونصها كما يلي:تنتهي مدة الحضانة ببلوغ الصبي سبع سنين وبلوغ الصبية تسع سنين. وحينئذ يسلم الصغير إلى أبيه أو عند عدمه إلى من له الولاية على نفسه. فأن لم يكن للصغير ولي يترك عند الحاضنة إلى أن يرى المجلس من هو أولى منها باستلامه.   الباب السادس: في النفقات ((الباب السادس: في النفقات))   المادة 140: النفقة هي كل ما يلزم للقيام بأود شخص في حالة الاحتياج من طعام وكسوة وسكنى.   المادة 141: النفقة واجبة: (1) بين الزوجين. (2) بين الآباء والأبناء. (3) بين الأقارب.   المادة 142: تقدر النفقة بقدر حاجة من يطلبها، ويسار من يجب عليه أداؤها.   المادة 143: النفقة المقدرة لا تبقى بحالة واحدة بعد تقديرها. بل تتغير تبعا لتغيير أحوال الطرفين. فإذا أصبح الشخص الملزم بالنفقة في حالة لا يستطيع معها أداءها، أو أصبح من يتقاضى النفقة في غير حاجة لكل ما قدر له، أو بعضه، جاز طلب أسقاط النفقة، أو تخفيض قيمتها. كما أنه إذا زاد يسار الشخص الملزم بالنفقة، أو زادت حاجة المقضي له، جاز الحكم بزيادة قيمتها.   المادة 144: إذا أثبت الشخص الملزم بالنفقة أنه لا يستطيع دفعها نقدًا، فللمجلس أن يأمره بأن يُسكِن في منزله من تجب نفقته عليه، وأن يقدم له ما يحتاجه من طعام وكسوة.   المادة 145: حق النفقة شخصي، فلا يجوز لورثة من تقررت له النفقة المطالبة بالمتجمد منها.   الفصل الأول: في النفقة بين الزوجين ((الفصل الأول: في النفقة بين الزوجين ))   المادة 146: تجب النفقة على الزوج لزوجته من حين العقد الصحيح.   المادة 147: يسقط حق الزوجة في النفقة إذا تركت منزل زوجها بغير مسوغ شرعي، أو أبت السفر معه إلى الجهة التي نقل إليها محل إقامته بدون سبب مقبول.   المادة 148: للزوج أن يباشر الإنفاق بنفسه على زوجته حال قيام الزواج، وإذا اشتكت مطله في الأنفاق عليها، وثبت ذلك، تقدر وتعطى لها لتنفق على نفسها.   المادة 149: يجب على الزوج أن يسكن معه زوجته في مسكن على حدته به المرافق الشرعية بحيث يكون متناسبًا مع حالة الزوجين. ولا تجبر الزوجة على إسكان أحد معها من أهل زوجها سوى أولاده من غيرها ما لم يأمر المجلس بغير ذلك في الحالة المنصوص عليها في المادة 144، وليس للزوجة أن تسكن معها في بيت الزوج أحدًا من أهلها إلا برضائه.   المادة 150: تُفرض النفقة لزوجة الغائب من ماله أن كان له مال.   المادة 151: تجب النفقة على الزوجة لزوجها المعسر إذا لم يكن يستطيع الكسب وكانت هي قادرة على الإنفاق عليه.   الفصل الثاني: في النفقة بين الآباء والأبناء والنفقة بين الأقارب ((الفصل الثاني: في النفقة بين الآباء والأبناء والنفقة بين الأقارب ))   المادة 152: تجب النفقة بأنواعها الثلاثة على الأب لولده الصغير الذي ليس له مال سواء أكان ذكرًا أو أنثى إلى أن يبلغ الذكر حد الكسب ويقدر عليه وتتزوج الأنثى.   المادة 153: يجب على الأب نفقة ولده الكبير الفقير الذي لا يستطيع الكسب، ونفقة الأنثى الكبيرة الفقيرة وما لم تتزوج.   المادة 154: إذا كان الأب معدمًا أو معسرًا تجب النفقة على الأم إذا كانت موسرة، وإذا كان الأبوان معدومين أو معسرين، تجب النفقة على الجد، والجدة لأب، ثم الجد والجدة لأم، وعند عدم وجود الأصول أو إعسارهم تجب النفقة على الأقارب كما سيجيء بعد.   المادة 155: إذا اشتكت الأم من عدم إنفاق الأب أو تقتيره على الولد، يفرض المجلس له النفقة ويأمر بإعطائها لأمه لتنفق عليه.   المادة 156: يجب على الولد الموسر كبيرًا كان أو صغيرًا، ذكرًا كان أو أنثى نفقة والديه وأجداده وجداته الفقراء ولو كانوا قادرين على الكسب.   المادة 157: إذا لم يكن لمستحق النفقة أصول ولا فروع قادرون على الأنفاق عليه، فتجب نفقته على أقاربه على الترتيب الآتي: الأخوة والأخوات لأبوين، ثم الأخوة والأخوات لأب، ثم الأعمام والعمات، ثم الأخوال والخالات، ثم أبناء الأعمام والعمات، ثم أبناء الأخوال والخالات.   المادة 158: لا عبرة بالإرث في النفقة بين الآباء والأبناء ولا بين الأقارب، بل تعتبر درجة القرابة بتقديم الأقرب فالأقرب، ويراعى الترتيب الوارد في المادتين 154 و157، فإذا اتحد الأقارب في الدرجة تكون النفقة عليهم بنسبة يسار كل منهم. وإذا كان من تجب عليه النفقة معسرًا أو غير قادر على إيفائها بتمامها فيلزم بها أو بتكملتها من يليه في الترتيب.   الباب السابع: في الولاية الشرعية ((الباب السابع: في الولاية الشرعية))   المادة 159: الولاية هي قيام شخص رشيد عاقل بشئون القاصر أو من في حكمه سواء ما كان منها متعلقًا بنفسه أو بماله.   المادة 160: الولاية على نفس القاصر شرعًا هي للأب ثم لمن يوليه الأب بنفسه قبل موته. فإذا لم يول الأب أحدًا فالولاية بعده للجد الصحيح ثم للأم ما دامت لم تتزوج ثم للجد لأم ثم للأرشد من الأخوة الأشقاء ثم من الأخوة لأب ثم من الأخوة لأم ثم من الأعمام ثم من الأخوال ثم من أبناء الأعمام ثم من أبناء الأخوال ثم من أبناء العمات ثم من أبناء الخالات. فإذا لم يوجد ولي من الأشخاص المتقدم ذكرهم يعين المجلس وليًا من باقي الأقارب أو من غيرهم.   المادة 161: والولاية في المال هي أيضا للأب ثم للوصي الذي اختاره. فان مات الأب ولم يوص فالولاية من بعده تكون للجد الصحيح ثم للأم ما دامت لم تتزوج. فان لم يوجد أحد من هؤلاء الأولياء فالولاية في المال تكون للوصي الذي تعينه الجهة المختصة.   المادة 162: يشترط في الولي أن يكون مسيحيًا أرثوذكسيًا عاقلًا رشيدًا غير محجور عليه ولا محكوم عليه في جريمة ماسة بالشرف أو النزاهة.   المادة 163: يجب على الولي أن يقوم للقاصر: أولًا - بما يعود بالفائدة على نفسه من تربية وتعليم. ثانيًا - بالمحافظة على ماله من الضياع أو التلف.   المادة 164: يجب على الولي أن يقدم للمجلس الملي الذي يقيم القاصر في دائرته، قائمة جرد، من نسختين، موقعًا عليها منه بما آل للقاصر من منقول وعقار وسندات ونقود، وذلك في ظرف شهر من التاريخ الذي آلت فيه هذه الأموال إليه. وتحفظ هذه القائمة في محفوظات المجلس بعد التأشير عليها من سكرتيره، ويلحق بها بيان بما يزيد أو ينقص من أموال القاصر، موقع عليه أيضًا من الولي ومؤشر عليه من السكرتير. ويجب على الولي أن يودع نقود القاصر باسمه في المصرف الذي يعينه المجلس. ولا يجوز له أن يسحب شيئًا من أصلها إلا بإذن المجلس.   المادة 165: ويجب عليه أيضًا أن يقدم للمجلس حسابًا سنويًا مفصلًا ومؤيدًا بالمستندات عن إيراد ومصروفات القاصر، وعلى المجلس مراجعته والتصديق عليه إذا ثبت له صحته. وللمجلس أن يعفي الولي من تقديم الحساب سنويًا إذا لم ير لزومًا لذلك.   المادة 166: يجب على الولي الحصول على إذن من المجلس الملي لمباشرة أحد التصرفات الآتية في أموال القاصر: أولًا - شراء العقارات أو بيعها أو رهنها أو استبدالها أو قسمتها أو ترتيب حقوق عينية عليها. ثانيًا - بيع أو رهن السندات المالية. ثالثًا - التنازل عن كل أو بعض التأمينات المقررة لمنفعة القاصر أو أي حق من حقوقه. رابعًا - إقراض أموال القاصر أو الاقتراض لحسابه.   المادة 167: تُسلب الولاية بناء على طلب كل ذي شأن في الأحوال الآتية: أولًا - إذا أساء الولي معاملة القاصر إساءة تعرض صحته للخطر وأهمل تعليمه وتربيته. ثانيًا - إذا كان مبذرًا متلفًا مال القاصر غير أمين على حفظه. ثالثًا - إذا حجر على الولي أو حكم عليه في جريمة ماسة بالشرف أو النزاهة أو اعتنق دينًا غير الدين المسيحي أو مذهبًا غير المذهب الأرثوذكسي. رابعًا - إذا أصبح طاعنًا في السن أو أصيب بمرض أو عاهة تمنعه عن القيام بعمله.   المادة 168: يجوز للمجلس أن يعيد الولاية إلى من سلبت منه لسبب من الأسباب المبينة في الوجهين الثالث والرابع من المادة السابقة إذا زال السبب الذي أوجب سلب الولاية.   المادة 169: تنتهى الولاية متى بلغ القاصر من العمر أحدى وعشرين سنة ميلادية إلا إذا قرر المجلس استمرارها. قضت المحكمة الدستورية بجلسة 6/ 12/ 1997 في القضية المقيدة برقم 79 لسنة 18 ق ’’دستورية‘‘ بعدم دستورية: ما تضمنته هذه المادة من بقاء الصغير المشمول بالولاية على النفس تحت يد الولي عليه بعد بلوغ الخامسة عشرة من عمره أو بعد البلوغ الطبيعي, أي الواقعتين أقرب زمنًا.   المادة 170: إذا بلغ الولد معتوهًا أو مجنونًا تستمر الولاية عليه في النفس وفى المال. وإذا بلغ عاقلًا ثم عته أو جُنّ عادت عليه الولاية.   الباب الثامن: في الغيبة ((الباب الثامن: في الغيبة))   المادة 171: الغائب هو من لا يُدرى مكانه ولا تُعلَم حياته من وفاته.   المادة 172: إذا غاب شخص عن موطنه أو محل إقامته وانقطعت أخباره منذ أربع سنوات، لذوي الشأن أن يطلبوا من المجلس الملي الحكم بإثبات غيبته. ويجب على المجلس قبل الحكم بإثبات الغيبة أن يأمر بعمل تحقيق في دائرة المركز الذي به موطن الغائب والمركز الذي به محل إقامته إن كانا مختلفين. وعلى المجلس عند الحكم في الطلب أن يراعي أسباب الغياب والظروف التي منعت من الحصول على أخبار عن الشخص الغائب.   المادة 173: يجب إعلان الحكم التحضيري القاضي بالتحقيق والحكم النهائي القاضي بإثبات الغيبة ونشرهما بالطرق الإدارية.   المادة 174: يجب ألا يصدر الحكم بإثبات الغيبة ألا بعد مضى سنة من تاريخ الحكم القاضي بالتحقيق.   المادة 175: الغائب يعتبر حيًا في حق الأحكام التي تضره، وهى التي تتوقف على ثبوت موته، فلا يتزوج زوجة أحد حتى يصدر حكم نهائي بالطلاق، ولا يقسم ماله على ورثته.   المادة 176: الغائب يعتبر ميتًا في حق الأحكام التي تنفعه وتضر غيره، وهى المتوقفة على ثبوت حياته. فلا يرث من غيره ولا يحكم باستحقاقه للوصية إذا أوصى له بوصية، بل يُوقف نصيبه من الإرث وقسطه في الوصية إلى ظهور حياته أو الحكم بوفاته.   المادة 177:مقضي بعدم دستوريتها، ونصها كما يلي:يجوز الحكم بوفاة الغائب بعد مضي ثلاثين سنة من الحكم بإثبات غيبته أو مضي تسعين سنة من حين ولادته.   المادة 178: متى حُكِمَ بموت الغائب، يقسم ماله بين ورثته الموجودين وقت صدور الحكم بموته، ويرد نصيبه في الميراث إلى من يرث مورثه عند موته، ويرد الموصى له به إن كانت له وصية إلى ورثة الموصى، ويجوز لزوجته أن تتزوج.   المادة 179: إذا علمت حياة الغائب أو حضر حيًا في وقت من الأوقات بعد الحكم بوفاته، فانه يرث من مات قبل ذلك من أقاربه، وله أن يسترد الباقي من ماله في أيد ورثته، وليس له أن يطالبهم بما ذهب.   الباب التاسع: في الهبة ((الباب التاسع: في الهبة)) الفصل الأول: في أركان الهبة وشروطها ((الفصل الأول: في أركان الهبة وشروطها ))   المادة 180: الهبة تمليك المال بلا عوض حال حياة الواهب.   المادة 181: تنعقد الهبة بإيجاب من الواهب وقبول من الموهوب له وتجوز بكتابة وبغير كتابة مع مراعاة الشروط المبينة في القانون.   المادة 182: يجوز أن تكون الهبة معلقة على شرط، ويجوز أن تكون مضافة إلى زمن مستقبل، فإذا كان التمليك مضافًا إلى ما بعد الموت، اعتُبِر وصية.   المادة 183: يجوز أن تكون الهبة بعوض متى كان العوض أقل من قيمة الموهوب.   المادة 184: لا تصح الهبة إلا من بالغ عاقل مختار غير محجور عليه.   المادة 185: لا يجوز للولي أو الوصي أو القيم أو الوكيل عن الغائب أن يهب شيئًا من القاصر أو المحجور عليه أو الغائب.   المادة 186: يجوز لكل مالك إذا كان أهلًا للتبرع، أن يهب ماله كله، أو بعضه، لمن يشاء، سواء أكان أصلًا له أو فرعًا، قريبًا أو أجنبيًا منه.   المادة 187: يشترط في الموهوب له أن يكون موجودًا حقيقة وقت الهبة، فإذا وهب لابن فلان ولم يكن له ابن، أو كان موجودًا حكمًا كالحمل المستكن، كانت الهبة باطلة. ويشترط أن يكون الموهوب له معلومًا، فان كان مجهولًا تكون الهبة باطلة.   المادة 188: تجوز الهبة ولو كان الموهوب له صغيرًا أو مجنونًا، ويصبح قبولها عندئذ من الولي أو الوصي أو القيم.   المادة 189: لا تتم الهبة إلا إذا قبلها الموهوب له أو ورثته إذا كان قد توفى القبول. وكما يجوز أن يكون القبول صريحًا يجوز أن يكون ضمنيًا.   المادة 190: تبطل الهبة بموت الواهب أو بفقد أهليته للتصرف قبل قبول الموهوب له.   المادة 191: تَصِحُ هبة العقارات والمنقولات المادية، كما تَصِحُ هبة الحقوق سواء أكانت عينية، مثل حق الانتفاع أو حق الارتفاق، أم شخصية، كالديون.   المادة 192: يشترط في الشيء الموهوب أن يكون موجودًا وقت الهبة وأن يكون معينًا. فلا تصح هبة المعدوم، فإذا ظهر أن الشيء هلك قبل العقد أو وقت التعاقد، فان الهبة لا تنفذ. ولا تصح هبة المجهول، فلا يجوز أن يهب شخص بعض ماله من غير تعيين.   المادة 193: يصح أن يكون الموهوب شيئا مستقبلًا، كمحصول السنة القادمة، أو موجودًا حكمًا، كحمل دابة، أو موجودًا ضمن غيره، كدقيق في حنطة، أو زبد لبن، أو دهن في سمسم.   المادة 194: تصح هبة المشاع سواء كان يقبل القسمة أم لا يقبلها.   المادة 195: تصح الهبة ولو كان الشيء الموهوب متصلًا بغيره.   المادة 196: تصح هبة الدين... --- ### [٤] مملكة يهوذا ومملكة إسرائيل - Published: ۲۰۲۳-۱۲-۱٤ - Modified: 2024-07-14 - URL: https://tabcm.net/15525/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, كتاب مقدس - وسوم: Theosis Across Borders (TABcm Network), أبياثار الكاهن, أخيا الشيلوني, أدونيا, إله إسرائيل, إيل ويهوه, التقليد الإيلوهي [E], التقليد اليهوي [J] / [Y], تابوت العهد, جرزيم, داود النبي والملك, رحبعام, زيوس, سليمان الحكيم, شيروبيم, صادوق الكاهن, لاماسو, مارتن لوثر, مملكة إسرائيل, مملكة يهوذا, ميلتون روكيتش, نبي موسى, هيكل سليمان, يربعام بن نباط, يهوه على هذا النحو والوصف والمعنى: لم تصنع إسرائيل بديلًا مستحيلًا لتابوت العهد، بل أعادت تقديم ذاتها على أنها: هي العهد بعد انقسام مملكة داود وسليمان إلى مملكتين: مملكة إسرائيل في الشمال، ومملكة يهوذا في الجنوب، كانت أورشليم عاصمة مملكة يهوذا، وكان فيها الهيكل، ومن ثمّ كانت مكانًا للصلاة وتقديم الذبائح لله، وطاعة الملك. أما بالنسبة لمملكة إسرائيل، فكان الوضع عسيرًا. كون أورشليم مركزًا دينيًا للعبرانيين سواء من الشمال أو الجنوب، وبكون كِلتا المملكتين المنقسمتين تتشاركان نفس الدين ونفس العبادات والشعائر المقامة والمقدمة في أورشليم وحدها، فهذا يعني احتياج شعب إسرائيل للذهاب إلى أورشليم لتقديم التقدمات والنذور والعشور والبكور، على الأقل للاستيفاء السنوي أو في الأعياد. ومن يذهب من مملكة إسرائيل سيرى رحبعام بن سليمان، ملك يهوذا، وهو جالس على كُرسيّ المُلك، يتلقى التقدمات وينظم، عبر كهنته، تحركات الشعب وشعائره. لم يكن الحج إلى أورشليم سهلًا على يربعام بن نباط، ملك إسرائيل، الذي لم يستطع في كل الأحوال منع شعبه من الخروج لتقديم الذبائح في مملكة أخرى. هو لا يستطيع أن يوعز للشعب بالتخلي عن الدين اليهودي الذي يعتنقه الإسرائيليون، ولا يستطيع أيضًا ابتداع دين جديد بالكلية يخالف دين أبيهم يعقوب . لكن الممكن فعلًا هو تجديد التصور الديني القديم عبر آليات العصرنة والإصلاح الديني. تأويل جديد وشعائر جديدة لتحقيق مقاصد الدين القديم. لذا، ظلت مملكة إسرائيل تعبد نفس إله مملكة يهوذا، لكنها كانت تعبده بطريقة مختلفة، وفي أماكن مختلفة عن أورشليم، وبكهنة مختلفة عن كهنة مملكة يهوذا، وبالتالي خطاب ورؤية ورموزًا دينية مختلفة عن اليهودية الأرثوذكسية في مملكة يهوذا. استطاع يربعام إحلال أورشليم، العاصمة الدينية المستحيلة، ببدائل ممكنة. كانت الأماكن الدينية التي حلت محل أورشليم مدينتين: "دان" و"بيت إيل". كانت مدينة "دان" في أقصى شمال إسرائيل، بينما كانت مدينة "بيت إيل" في أقصى جنوب إسرائيل، على مقربة من شمال أورشليم، العاصمة الدينية القديمة. وبهذه الطريقة، فإن كل من كان يخرج من إسرائيل للتعبّد في أورشليم كان سيمر في طريقه على "بيت إيل" ويصلي ويقدم الذبائح هناك لنفس الإله. ومع تفريغ الشعائر والتقدمات والطلبات، تفرغت معها نوايا استكمال الذهاب إلى أورشليم. لذلك كانت "بيت إيل" هي الأهم من "دان" في الإحلال محل أورشليم. للمعتقدات الدينية قوتها الوجدانية الخاصة بها وتأثيرها المعنوي على النفوس. ولا تزال أورشليم تمتلك ما لا تملكه بيت إيل: "معبد سليمان"، أو بشكل أدق، تابوت العهد الذي يرقد في حراسة الشيروبيم الذهبي داخل قدس أقداس المعبد. ولمعالجة ذلك، استبدل يربعام زوجي الشيروبيم الذهبي الذين في أورشليم بزوجين من العجول الذهبية . لاستكمال قوة الأسطورة، كان على يربعام أن يضفي على العجول الذهبية شيئًا وجدانيًا يخلق للأسطورة توظيفًا ومعنى. زوجا الشيروبيم الذهبيين كانا يحيطان تابوت العهد في "قدس الأقداس"، باعتباره عرش ملك يهوه، بينما عجول اللاماسو الذهبيين كان أحدهما في "دان" أقصى الشمال، والآخر في "بيت إيل" أقصى الجنوب. إنهما يحيطان بمملكة إسرائيل إذن. وعلى هذا، إن اعتليت جبل جرزيم ونظرت إلى هندسة البناء الديني لمملكة إسرائيل الجديدة، ستراها تحوي تصويرًا فنيًا مناظرًا لهيكل معبد سليمان، تكون فيه أرض "مملكة إسرائيل" مكان تابوت العهد بين الحارسين الذهبيين. والمعنى الوجداني هنا أن عرش ملك يهوه قد اتسع ليحتوي مملكة إسرائيل، بين زوجي اللاماسو، كما كان تابوت العهد بين زوجي الشيروبيم. وعلى هذا النحو والوصف والمعنى: لم تصنع إسرائيل بديلاً مستحيلاً لتابوت العهد، بل أعادت تقديم ذاتها على أنها هي العهد. . وتلك صورة أقوى، وأعمق تأثيرًا في النفوس، ولم تكلف سوى زوج من عجول لاماسو ذهبية. ولنا هنا كلمة. . إضافة من الناشر: عجول اللاماسو، مثلها مثل الشيروبيم، لم تكن أصنامًا ولا تُقدَّم لها العبادة، وإنما وظيفتها استخدام الفن كوسيلة وجدانية للتعبير عن الحراسة وتقديم الامتنان للوديعة الدينية. وكما كان الشيروب تأثيرًا فنيًا بالثور المجنح في بابل، كان اللاماسو تأثيرًا بإله الكنعانيين: إيل (El)، الذي كان يُصوَّر بثور. كان هذا التشويش والتداخل في الرمز الديني مفيدًا سياسيًا. فكرة أن إله العبرانيين في الشمال و"إيل" متداخلان أو متشابهان أو هما نفس الإله، ونفس لاماسو الثور، ساعدت بشكل كبير في تأقلم العبرانيين في مملكة إسرائيل مع جيرانهم الكنعانيين. وفكرة أن شعبًا ما يقدم آلهته باعتبارها نفس آلهة الشعوب المجاورة، بشكل عام، هي فكرة تعكس سعيًا للاندماج والتكامل مع الشعوب المجاورة. وربما تكون هذه النظرة أكثر وضوحًا مع الحضارات والثقافات الأكبر والأضخم، مثل علاقة اليونان بالرومان، والتي تحوي بالضرورة أفكارًا دينية بأن كل رمز أو إله له نظير عند الشعب الآخر، مثل زيوس ونظيره جوبيتر، وغيرهما. تساعد أفكار الآلهة المتناظرة أو المتماثلة، أو حتى الأفكار الأعمق مثل توحيد الإله الواحد في أديان مختلفة ، على تعزيز الثقة بصحة العقيدة الذاتية (لزيادة مساحة معتنقيها ولو بالشبه وبالخطأ وبالتحريف)، وأيضًا تعزيز مسألة قبول الآخر (فالآخرون الذين يعبدون نفس آلهتنا هم شبهنا، هم مثلنا، هم: "نحن"). ووفقًا لنظرية "نُسق المُعتقد" لعالم الاجتماع ميلتون روكيتش (1960): إنّ التناظر أو التماثل أو التطابق بين المعتقدات يحدد مواقف الجماعة من الجماعات الأخرى بشكل كبير، فكل من يشاركنا المعتقد هم: "نحن"، وكل من يخالف معتقداتنا هم: "الآخرون"، المعادون أو الخصوم. (باسم الجنوبي) كهنوت مملكة يهوذا، وكهنوت مملكة إسرائيل في عهد الملك داود، كانت العاصمة أورشليم تجمع رئيسين للكهنة: أبيثار الكاهن، من شيلوه رئيس كهنة الشمال. وصادوق الكاهن، من حبرون رئيس كهنة الجنوب. في بداية عهد الملك سليمان، قام بنفي أبيثار الكاهن وطرده من أورشليم بسبب تأييده لأخيه "أدونيا" في سعيه للعرش. في وقت الاختلاف بين رحبعام بن سليمان ويربعام بن نباط على العرش الذي أدى إلى التقسيم، ظهر كاهن ونبي اسمه "أحيّا" من شيلوه لدعم يربعام. وكان كهنة شيلوه مكروهين من مملكة يهوذا لسخطهم على التمييز الذي كان يقوم به سليمان ورحبعام. لذلك، لم يولِ يربعام كهنة من شيلوه بما فيهم أحيّا الذي دعمه. وعلى عكس الفطنة السياسية، لم يخدم أحد من شيلوه مطلقًا في "بيت إيل"، وقام يربعام بتعيين كهنة من عامة الشعب وليس من سبط لاوي كما يتبع. ولربما صاغ قراراته بشكل إصلاحيّ مثلما فعل مارتن لوثر الذي ألغى الكهنوت بجعل الكل على رتبة كاهن وجعلهم يخدمون في "بيت إيل". كنتيجة لذلك، لم يكن لكهنة شيلوه ، أي دور في التصوّر الديني المتحرك في إسرائيل. وبحكم أن سبط لاوي ليس له أرض يمتلكها مثل بقية الأسباط، ساء حال كهنة شيلوه، الذين لم يكن أمامهم إلا الذهاب إلى مملكة يهوذا التي تنبذهم، أو البقاء في مملكة إسرائيل بدون رتبة كهنوتية، ومحاولة التأقلم والحياة متسولين على نفقة الأسباط الأخرى بصورة أقرب إلى كونهم لاجئين. السياسة الخارجية وقوة كل مملكة لم تعد قوة المملكتين على حالها إبان عصر مملكة داود الموحدة وجيشه الجرار. كانت سوريا وفينيقيا قد انفصلتا في زمن سليمان. أما بعد الانقسام إلى مملكتين، انفصلت آدوم عن مملكة يهوذا، وانفصلت موآب عن مملكة إسرائيل. وأصبحت المملكتان صغيرتين وضعيفتين في مواجهة شعبين من أقوى شعوب الأرض: شعب آشور، وشعب مصر. وكان الملك أكثر استقرارًا في مملكة يهوذا مقارنة بمملكة إسرائيل، التي لم تستطع أي عائلة الاحتفاظ بالحكم فيها لأكثر من بضعة أجيال من دون أن تأتي عائلة أخرى وتحكم إسرائيل، إلى أن انهارت مملكة إسرائيل تمامًا أمام قوة آشور التي قضت عليها، ومن عاش منها حاول الهرب جنوبًا إلى مملكة يهوذا الأكثر استقرارًا، والتي ظل نظام الحكم فيها من نفس العائلة التي يُعتقد أنها من نسل داود من سبط يهوذا. هذه الطريقة في تداول السلطة بالتوارث حفظت أوضاع الحكم بشكل أكثر استقرارًا لقرن إضافي بعد انهيار مملكة إسرائيل. على مدار القرنين الذين كانت خلالهما المملكتان: يهوذا وإسرائيل، متجاورتين ومنقسمتين، كُتب التقليدين: اليهوي (J) والإيلوهي (E)، المعبران عن مملكتين ومصدرين وتصوّرين مختلفين لكتبة العهد القديم. ولهذا نُفرد حلقة أخرى. . --- ### خالد منتصر يكتب: المؤلّفة جيوبهم والسودان - Published: ۲۰۲۳-۱۲-۱۳ - Modified: 2023-12-13 - URL: https://tabcm.net/16491/ - تصنيفات: شئون علمانية - وسوم: أحمد السكري, الإخوان المسلمين, اليسار, حسن أحمد عبد الرحمن محمد البنا, شيمون بيريز, طوفان الأقصى هل لأن الفريقين اللي بيضربوا وبيطحنوا في بعض مسلمين؟؟! هل نحن ﻻ يحركنا إلا الصراع الديني مع أهل الكتاب وإننا نقلب القضايا مباراة مصارعة دينية عشان نكسب التعاطف؟؟! منذ طوفان الأقصى، وبدأت حملات المتاجرة الإخوانية بالقضية الفلسطينية كعادتهم، ولكنها بدأت مبكرًا، لكن هذا ليس غريبًا عليهم، فالحياء والخجل والضمير، تلك عملات لا تُصرف في ساحات وبنوك الإخوان، بدأت الأبواق المستأجرة في قنواتهم تشن هجومًا على مصر، وتختلق الأكاذيب، هؤلاء من المرتزقة المؤلفة جيوبهم، والذين هم كالمناديل الكلينكس تُستعمل وقت الحاجة ثم يرميها من يؤجرهم، هم منسحقون أمام من يمنحهم رواتب الخيانة والعمالة، لكنهم ضباع على بلدهم الذي هو بالنسبة لهم كان مجرد سكن لا وطن. هل نسى الإخوان بداية خيانتهم للقضية عندما شكّلوا جماعة شباب محمد ١٩٤٨، وجمعوا أموالًا على حساب القضية الفلسطينية، والتي تم اكتشاف أنها لتمويل الإخوان؟! هل نسى الإخوان أو تناسوا مندوب مكتب الإرشاد ورئيسهم مرسى الذي وصف شيمون بيريز بالصديق في أحد خطاباته؟! يريدون استخدام القضية لتأليب الشعوب وإيقاد نار الفتن، يراهنون على هذه الألاعيب حتى يعودوا إلى الشارع، وللأسف تنطلى اللعبة على التيارات الليبرالية الأخرى حتى اليسار الذي أحيانًا يمشى في ركابهم رغم العداء التاريخي، نسيت تلك التيارات أن حسن البنا كان أول من حوّل القضية إلى دينية وفرّغها من محتواها السياسي عندما كتب في رسالة الجهاد: وجوب قتال أهل الكتاب، وأنّ الله يضاعف أجر من قاتلهم، فليس الجهاد للمشركين فقط، ولكنه لكل من لم يُسلم.  وقال أيضًا: المعركة بين الأمة المسلمة وبين أعدائها هي قبل كل شيئ معركة هذه العقيدة. الذاكرة ذاكرة أسماك، مثقوبة كالغربال، هل نسينا عام ١٩٤٧ عندما جمع الإخوان 30 ألف جنيه لمساعدة أهل فلسطين، ولكن أحمد السكري، وهو الرجل الثاني في الجماعة، اكتشف آنذاك أن 3 آلاف جنيه فقط ذهبت إلى فلسطين، بينما ذهبت بقية أموال التبرّعات إلى مسارات إنفاق أخرى للجماعة، وهو ما دفعه للاستقالة. ويكفى اعتراف محمود عبد الحليم، عضو الهيئة التأسيسية للتنظيم، في كتابه «الإخوان المسلمون: أحداث صنعت التاريخ»، عندما قال: النقود التي كنا نجمعها لفلسطين من المساجد والمقاهي والبارات، لم يكن القصد من جمعها إعانة إخواننا المقاتلين الفلسطينيين، مبررًا حديثه بأنهم كانوا في غير حاجة إليها؛ لأن الأغنياء من أهل فلسطين كانوا وراء هؤلاء المقاتلين. وأضاف: إنما كان جمعنا للتبرّعات أسلوبًا من أساليب التأثير في نفوس الناس بهذه القضية، والذي يتيح الحصول على تبرّعات من جميع المسلمين وليس الإخوان فقط، وأضيف الآن إلى ذلك أن هذه المبالغ لم تكن ترسل إلى المقاتلين، بل كانت تُصرف في شئون الدعاية لهذه القضية بأمر اللجنة العليا. واعترف أن الدعاية عندهم هي الأهم، فلو مات كل الشعب بينما بقى الميكروفون والكاميرا، فهم مستعدون للتضحية! ، يقول «عبد الحليم»: إن قضية الدعاية كانت اللجنة العليا تعتبرها أهم وألزم للقضية من الجهاد المسلح الذي يقوم بأعبائه المجاهدون في فلسطين نفسها. ونختم بما قاله «أبو مازن» الرئيس الفلسطيني، رئيس منظمة التحرير، الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، عندما كشف عن متاجرة الإخوان بالقضية الفلسطينية، واستخدامها لتحقيق أهداف الجماعة، ولو على حساب قضية العرب الأولى، فقد أكد «أبو مازن» أنه: خلال تولى جماعة الإخوان الحكم في عهد الرئيس الأسبق محمد مرسى رئاسة مصر، عرض علينا الحصول على قطعة من سيناء ورفضنا، مشيرًا إلى أن هذا مشروع إسرائيلي أطلق عليه اسم «جيورا آيلاند» بهدف تصفية القضية الفلسطينية تمامًا.  وأكد «عباس» أنه رفض المشروع، وأبلغ الرئيس محمد مرسى بذلك، وقال له إن: الفلسطينيين لن يقبلوا بذلك، ولن يتركوا أرضهم، ولن يعيشوا على أراضى الغير. فأين أنت يا حمرة الخجل؟   السودان، إلى أين؟ على الجانب الأخر، لم نجد في الأسابيع والشهور الماضية، تصريحًا واحدًا من المؤلفة جيوبهم عن السودان، رغم تغلغلهم في صناعة بيئة تحتضن الصراع الأخير إن لم يكونوا بالأصل سببًا فيه، هل لأن الفريقين اللي بيضربوا وبيطحنوا في بعض مسلمين؟؟! هل نحن ﻻ يحركنا إلا الصراع الديني مع أهل الكتاب وإننا نقلب القضايا مباراة مصارعة دينية عشان نكسب التعاطف؟؟! السودان في القلب والروح، أشقاؤنا هناك يعانون، والسيناريو يتصاعد وينذر بنهاية التقسيم الليبي والتفتت اليمني والتحلل الطائفي القبلي، وهذه كارثة، ومن لا يدرك أنها كارثة بحكم طغيان أخبار غزه على الميديا العالمية، ستخبره الأرقام التي هي تقريبية وأقل من الواقع: • أدت الحرب بين الجيش وقوات الدعم إلى مقتل أكثر من 12 ألف شخص. • تسببت المعارك في نزوح أكثر من ستة ملايين شخص، وتدمير معظم النية الأساسية في السودان. • في مدينة أرداماتا (غرب دارفور)، قتل مسلحون 800 شخص وتم تدمير 100 مأوى في معسكر للنازحين، ما دفع ثمانية آلاف شخص للفرار إلى تشاد المجاورة خلال أسبوع واحد، وفق الأمم المتحدة. • سقوط "حوالي ألف قتيل" في زهاء يومين في أرداماتا في ما يبدو أنها حملة "تطهير عرقي". • منذ بداية النزاع، أحصت الأمم المتحدة أكثر من 1,5 مليون نازح داخل إقليم دارفور الذي يعيش فيه ربع سكان البلاد البالغون 48 مليونًا. •عبر حوالي 1. 3 مليون شخص إلى البلدان المجاورة” تشاد ومصر و أفريقيا الوسطى وإثيوبيا وجنوب السودان،5. 3 ملايين شخص نزحوا داخليًا في 4. 473 موقعًا في جميع ولايات البلاد (18 ولاية) • أُجبر ما لا يقل عن مليوني طفل على ترك منازلهم. • أبلغت منظمة الصحة العالمية عن 3046 حالة يشتبه في إصابتها بالحصبة و84 حالة وفاة مرتبطة بها. • لم يتم تمويل خطة الاستجابة الإنسانية للسودان لعام 2023 إلا بنسبة 26. 4 في المئة، حيث تم استلام 676. 9 مليون دولار حتى 31 أغسطس. • كشفت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "فاو" عن معاناة 20 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي الحاد. • 14 مليون طفل لا يحصلون على الخدمات الأساسية التي يحتاجونها للبقاء، بينما يتعرض 3. 4 مليون طفل تحت سن الخامسة لخطر الإسهالات الحادة والكوليرا، فضلًا عن عدم تلقي 1. 7 مليون طفل اللقاحات. • ذكرت المنظمة الأممية أن 19 مليون طفل لا يحصلون على التعليم، ولا يصلون إلى الأمان وخدمات الدعم النفسي، منبهة أن 700 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الحاد ومعرضين لخطر الوفاة. • 1300 قتيل، خلال الفترة من 28 أكتوبر، إلى 24 نوفمبر الماضيين فقط. • تقارير عن حالات لا حصر لها من اغتصاب واستغلال جنسي وعبودية واتجار بالبشر قد تكون في بعض الحالات ذات دوافع عنصرية وعرقية وسياسية. • تسببت الحرب في توقف 70 بالمئة من المستشفيات والمراكز الطبية في مناطق النزاع الرئيسية، فضلًا عن تأثر نحو 20 بالمئة من المؤسسات الطبية البعيدة عن النزاع بشكل حاد. • هناك 4 ملايين سيدة حامل أو مرضعة يعانون من سوء التغذية. • وفق بيان رابطة للأطباء في السودان، تم تسجيل 3398 حالة إصابة بحمى الضنك في ولايات القضارف والبحر الأحمر وشمال كردفان والخرطوم من أبريل إلى سبتمبر الماضي فقط. • أصيب 265 بالكوليرا في ولاية القضارف. • تلقت اليونيسف بلاغات بوقوع أكثر من 3100 انتهاك جسيم، بما في ذلك قتل وتشويه الأطفال. يفتقر حوالي 7. 4 مليون طفل إلى مياه الشرب الآمنة. • حوالي نصف هؤلاء الأطفال تقل أعمارهم عن خمس سنوات ويواجهون خطر الإصابة بأمراض الإسهال والكوليرا. --- ### أمدح في البتول - Published: ۲۰۲۳-۱۲-۱۲ - Modified: 2023-12-11 - URL: https://tabcm.net/16496/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون, إصلاح كنسي - وسوم: آدم, حواء, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية مُجَرّد قراءة بس واعيه لِمَا نُرددَّهُ في مِثال واحد لمديحة من مَدايح كَيهك وهي الأكثر شعبية: "أمدح في البتول" مُجَرّد قراءة بس واعيه لِمَا نُرددَّهُ في مِثال واحد لمديحة من مَدايح كَيهك وهي الأكثر شعبية: أمدح في البتول؛ سوف تكون الأبيات مفصولة عن تعليقي عليها. أمدح في البتول. . وأشرح عنها وأقول. . أنتِ أصل الأصُول. . "أصل الأصول" إيه معناها؟ لو "مِن بيت أُصول" ماشى! ! لكن "أصل الأصُول"؟! الموضوع تحس إنه داخل مع نظرية دارون "أصل الأنواع" ! ! ! ! ! ! ! يا جوهر مَكنون. . طيب أنا هافترض حُسن النّيَّة دايما. . ممكن يكون المقصود "جوهرة مكنونه؟" يعنى ممكن تعَدِّى، لكن مِن أمتى بنقول على العدرا "جوهر مكنون"؟! ! وهو مُش برضوا الكلمة دي تخُص أقانيم الثالوث؟! بِكِ يا نعمتنا. . وخلاص جنسنا. . ونحن بكِ فرحون. . "بِكِ يا نعمتنا" في بعض النُسخ خَلُّوها بابنك يا نعمتنا،، مممم ماشى. . "نحن بكِ فرحون" دي فى النسخه المُعدَّله! طيب هو مُش المفروض إن المسيح هو نعمتنا الحقيقية وخلاص جنسنا الحقيقي وفرحنا الحقيقي برضوا؟ ثمرة العيون. . هي ابنة صهيون. . أنا مش عارف يعنى إيه؟! ! هل مثلا العيون بتطلّع ثمر في هيئة بني آدمين؟! ولا العيون كانت مشتاقة تشوف الثمرة اللي من العدار؟! ! بس المشكله أنه مُش بيقول مثلا يعنى "إن المسيح هو ثمرة العيون اللي وُلد من ابنة صهيون"... كانت تبقى مبلوعه! ! ! طيب نكمِّل... أعدائي يقولون. . إنّي بحُبِك مفتون. . نُقَف شوية... مين الأعداء هنا؟! هل كاتب المديح يقصد الشياطين مثلا؟! ! ولا كان ليه أعداء فعلا؟ وهل الأعداء دول متغاظين منه - أو بيمدحوه مُش عارف - علشان بيحب العدرا ؟! ! ! ولا الموضوع ليه علاقة بكَيد الأعداء -العُزَّال- أنا من يومي؟ (معلش القافيه حَكَمت! ) حَويتِ الثمرة. . وهو ربّ القدرة. . وصرتِ سماء مُقمرة. . طيب إيه المعنى هُنا؟! ! وأيه مُقمرة دي؟! (لو حد فاهم حاجه يكتب ويقولي فعلا! ! ) خَلَّصتي آدم. . بعد أن كان نادم. . وعتقتي العالم. . من كيد الأركون. . طيب ألطم الأول، ولا أجيب لَطَّامه؟! "خلّصتي آدم" ! ! ! ! ! ! (غيروها وقالوا ابنك خلص آدم. . مااااشى) "بعد أن كان نادم"... فين ده في الكتاب المقدس؟! ! ! يكونش صاحب المديح قرأ قصة آدم من كِتاب آخر موجود حَولنا بيقول الكلام ده إن آدم تاب وندم وربنا عفى عنه؟ طيب نِكَمِّل... "عتقتي العالم من كيد الأركون"... طيب لمَّا تكون العدار عملت كده أمَّال المسيح عمل إيه؟! دائم التمجيد. . تجسّد وهو الوحيد. . هل المقصود وحيد الجنس مثلاً؟؟ ولا هو الوحيد في الثالوث اللي ينفع يتجسد؟ فعلا مش عارف المقصود، وحاسس إننا بنقول "أي كلام" المهم يكون ع القافية! ! ! لأجل خلاص العبيد. . مِن الأسر والسجون. . القديس يوحنا فم الذهب بيقول: الله لم يخلق عبيد، والمديحة بتأكد العكس! طيب ممكن نكون بإرادتنا بقينا عبيد... امممم نعدِّيها... ذَكر داود عنك. . الملك اشتهى حسنك. . وتجسد منك. . رب العرش المكنون. . لأ بقى حيات "رب العرش" ما أنا معدِّيها المرة دي! ! (متهيألي التعبير ده مش مسيحي أصلًا) زالت عنَّا الأحزان. . وصرنا في اطمئنان. . بكِ يا قُرة الأعيان. . يعنى العدرا هي سبب زوال الأحزان؟! وبسببها صرنا في اطمئنان؟! ! طيب وإيه "قُرة الأعيان" دي كمان؟! ! ! هل المقصود العيون مثلًا؟! ! لان معروف عن العدرا إنها من عائلة فقيرة ومُش من أعيان الشعب! ! بس أعيان غير عيون. . برضو بنقول أي كلام! ! صاح هوشع وخَبَّر. . بإن يسوع يظهر. . شبه ندا ومطّر. . يحتار فيه الواصفون. . دورت يا مؤمن في سفر هوشع كله، إن ألاقى الكلام ده، مفيش! ! ! ! ! هوشع متكلمش عن التجسد أصلًا! ! يمكن صاحب المديح أختلط عليه الأمر لأن هوشع أتكلم عن القيامة (هو ٦: ٣)؟؟، جايز! ! ضلّ بحواء آدم. . حمدا للآلهه... آدم طلع ملوش ذنب أهو، وحواء هي السبب... فصار يبكي نادِم. . مش عارف فين في الكتاب؟! قد يكون في كتاب آخر! ! ! ! ! وخرج عريان هائم. . ولولا ابنك لدام في شجون. . مُش هاعلق! ! نورك قد أشرق. . طب يا أخي قوووول "النور منك أشرق" تبقى مبلوعه! ! وفي الظلمة أبرق. . غصنك قد أورق. . فجنى ثماره المسيحيون. . سيبك من دي... نُدخل على التقيل... فزت بعفو ربي. . وهو قصدي ومطلبي. . يسوع وأمه حسبي. . حتى في الملكوت أكون. . بالذمة ده كلام! ! ! ! ! هل ده لاهوت؟! ! ! ! هو ينفع يسوع وأمه حسبي دي؟! ! ! ! ! ! الكلام ده هنلاقيه في كتاب آخر ! ! ! ! ! أنا زهقت، بس نوصل لآخرها كده ونستمتع اكتر... لا تهملي في كل حين. . عبدك الخاطي المسكين. . شفاعتك يوم الدِّين. . أرجوها أنا والمؤمنون. . طب أعلق أقول إيه! ! ! ! ! يا سيدة الأبكار. . يا من لك الشرف والفخار. . أسعفينا بالنجدة والانتصار. . على مَن بنا يمكرون. . برضوا مش هاعلق وهسيب لكم التعليق! ! نسأل منكِ الغُفران. . لأ بقى دى كده مصيبه سودا بعيد عنكم! ! ! ! يعنى العدرا هي اللى بتدِّى الغفران؟؟؟؟؟؟؟؟؟ وقوة مع إيمان. . وكمان هيّ اللي هتدينا قوة مع إيمان؟! ! ! ! ! ! وحصول شعبِك على اطمئنان. . شعبِك! ! ! يوم الخلائق يُحشَرون. . أقروا عن يوم الحَشر باستفاضة عند أخواتنا شركاء الوطن... أما أنا،، فوالمصحف مانا معلق! --- ### توضيحات ومصطلحات القديس كيرلس - Published: ۲۰۲۳-۱۲-۱۱ - Modified: 2025-02-02 - URL: https://tabcm.net/16494/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: بابا كيرلس عمود الدين, حوار حول الثالوث, شركاء الطبيعة الإلهية المسيح: المسيح هو صفة لـ"حالة" ولغويا هي بناء كلامي على وزن "فعيل"، والميزة الكبرى لهذا البناء هو نيابته عن كلًا من اسم الفاعل واسم المفعول، فقد يأتي كدلالة عن فاعل الحدث، أو قد يأتي كدلالة عمن وقع عليه الفعل. كتابيا، "المسح" هي حالة تعبر عن الارتقاء، قد يتم "المسح" ماديًا، فيسفر عن ملوك كرسوا لخدمة شعب الله، أو يتم روحيًا، كما في الأنبياء الذين يمسحهم الروح فكريًا، كنعمة معينة على أداء التكليف. مسيحنا أيضا اجتاز "مسحة" ليست بأي حال كارتقاء، فهو الذي يرقي الجميع ويرتقي بالجميع، لكنه اجتازها لتجتازها البشرية معه وفيه. يقول القديس كيرلس: "حيث أن الخطيئة كان لها سلطان على البشرية بسبب تعدي آدم، رحل عنها الروح القدس، وحل كل شر بسبب ذلك، ولاستعادتنا، كان من المحتّم جعلنا مستحقين نعمة الله ثانية بالروح القدس، عندئذ تأنس الابن الوحيد، ظهر لنا بجسد من طبيعتنا، واجتاز حياتنا بلا خطيئة، حتى انه بنصره الفريد هذا في تنزيه طبيعتنا عن الخطأ، توجّت مرة أخرى لتقتنى بالروح القدس، قدس طبيعتنا فأعاد صوغها لله. (القديس كيرلس عمود الدين) هذه هي الطريقة التي مرت بها النعمة إلينا، بعد أن أصبحت مستحقة للشركة في الروح، اخذها المسيح أولا كبكر بيننا ثم كإله وبروحه القدس مسح هو كل هؤلاء الذين يؤمنون به   عمانوئيل: عمانوئيل تفسيره "الله معنا"، فماذا تعني إطلاق تسميه "عمانوئيل" على الله الكلمة؟ معيّة الرب للبعض كانت حاضرة قديمًا، فقد قيل ليشوع بن نون: كما كنت مع موسى أكون معك، فالله كان مع القديسين والأنباء ليساعدهم، ولكنها ليست "معية" عمانوئيل لنا. قبل التجسد كانت "المعية" هي إسباغ نعمته على رجاله، كان بعيدًا بشخصه وبطبيعته الإلهية عن كل بني آدم، حتى أن داود خاطبه في مزموره العاشر: يا رب لماذا تقف بعيدًا، الفارق بين الطبيعتين هو شاسع حقا، أما الآن، فقد أتى عمانوئيل إلى طبيعتنا، مزج شخصه بنا مع بقائه إلهنا، في لحظة زمنية مباركة جسر المفازة بين الطبيعتين، منحنا روحه لتستقر بنا، وتعترش حياتنا، طرد منا الموت ليعطينا الحياة.   الآن هو معنا يستكمل القديس كيرلس شرح الواقع بعد التجسد (في موقع آخر) فيقول إن الروح الحقيقي الكائن بنفسه هو الذي يسكن فينا ويتحد بنا، وليس مجرد نعمة بسيطة: هل يمكن أن نسأل المُعاندين: لماذا نُدعى بالهيكل الإلهي إن كنا بالفعل شركاء مجرد نعمة بسيطة لا كيان لها؟ لكن الأمر ليس كذلك، لأننا هياكل للروح الحقيقي الكائن، ولهذا ندعى أيضًا آلهة، لأنه من خلال اتحادنا به نصبح شركاء الطبيعة الإلهية غير الموصوفة. أما لو كان الروح القدس الذي يَّؤلهنا هو غريب ومختلف بحسب جوهره عن الطبيعة الإلهية، فحينئذ سنفقد رجاءنا وسنفتخربكرامات غير موجودة. وكيف نكونآلهة و هياكل لله كما هو مكتوب بواسطة الروح الساكن فينا؟ لأن من ليس هو الله، كيف يستطيع أن يهب للآخرين أن يكونوا هكذا؟ (القديس كيرلس عمود الدين، حوار حول الثالوث، الحوار السابع) المصطلحان: المسيح وعمانوئيل يلقبان نفس الابن، الرب والإله والشريك، بدايتنا الجديدة وبكرنا.     *) المقال مستوحى من مقال القديس كيرلس "تعليقات توضيحية على تجسد الابن الوحيد" --- ### إيمان يسوع المسيح - Published: ۲۰۲۳-۱۲-۱۰ - Modified: 2023-12-05 - URL: https://tabcm.net/16346/ - تصنيفات: كتاب مقدس إيمان يسوع المسيح (غلاطية ١٦:٢) الآية تكشف عن خيط رفيع في تعريف الأيمان المسيحي، أنه ليس مجرد أيمان بيسوع المسيح، بل أنه بحسب أيمان يسوع المسيح. فما معني هذا؟ وهل الإيمان بالله في المسيحية يختلف عن الإيمان في العهد القديم أو في أديان الأرض؟ إن الإيمان في العهد القديم كان اشتراكًا في حدث خارجي. مثال ذلك كان الفصح اليهودي واحتفالاته الخارجية. هذا قد توقف في المسيحية كما تؤكد رسالة العبرانيين ورسالة كولوسي. وقد أشار الكتاب المقدس أن الإيمان في العهد الجديد هو أيمان يسوع المسيح. إنه الإيمان الذي كان المسيح يحرص عليه وعبَّر عنه بقوله:  أنا الكرمة وأنتم الأغصان. لقد فتح المسيح في العهد الجديد باب السماء ليدخل الإنسان بالإيمان إلي أعماق الله، لأن ظهور الله في الجسد بتجسد المسيح نقل إيمان الإنسان بالله من الأمور الخارجية المرتبطة بالله في الزمن المخلوق، وجعله شركة في حياة الله، زمنها غير مخلوق. لأنها شركة في حياة شخص يسوع المسيح ”الكرمة الحقيقة“. فالأيمان ليس بعد مجرد الاحتفال والقبول لحدث تمَّمه يسوع المسيح. لكن الأيمان صار وجود وكينونة في شخص يسوع المسيح وهو يتمم الحدث وأنت فيه. فالإيمان ليس إيمان بحدث بل بشخص. لذلك قال الوحي المقدس أن المسيح فصحنا. فالإيمان ليس مجرد أشتراك في فصح بل شركة ووجود كياني لنا في شخص يسوع المسيح فصحنا المصلوب علي الصليب. الأيمان المسيحي ليس هو أيمان بشخص المسيح ”من بعيد لبعيد“ كما يقولون، بل أن كينونتنا صارت في كينونة شخص يسوع المسيح: فيه يحل كل ملء اللاهوت جسديًا، وأنتم مملوؤن فيه. كان الإيمان في العهد القديم يتضمن استعلانات الله لأناس بعينهم، وأهمهم الأنبياء الذين كانوا يُذكِّرون شعب الله بوعد الله لهم عن هذا الأيمان في العهد الجديد ”أيمان يسوع المسيح“ عندما يأتي ملء الزمان ويحِّل الله بنفسه فينا، أي في جسدنا (جسد المسيح الخاص ومن ثمَّة أجسادنا) : والكلمة صار جسدًا وحلَّ فينا وليس بعد في هيكل من حجارة، وأعطيكم قلبًا جديدًا، وأجعل روحًا جديدة في داخلكم، وأنزع قلب الحجر من لحمكم وأعطيكم قلب لحم. ( حز ٢٦:٣٦). من ألتصق بالرب صار روحًا واحدًا. فالأيمان في العهد الجديد كان نتيجة وعد إلهي بأن الأيمان الحقيقي بالله هو حياة الشركة في شخص المسيح. لقد صار الإيمان بالله هو حلول شخص المسيح في حياة الإنسان: ليحل المسيح بالإيمان في قلوبكم (أفسس ١٧:٣). هذا الحلول هو حقيقة كيانية تظهر وتُستَعلَن فينا علي هيئة الشهادة بالفم وسيرة التقوي: ظاهرين أنكمرسالة المسيح مكتوبة بروح الله الحي ، لا في ألواحٍ حجرية بل في ألواح قلبٍ لحمية. (كورنثوس الثانية ٣:٣) فالله والأيمان به في الكنيسة المسيحية، صارت فيه الحروف والأحداث الخارجية نتيجة و محصِّلة لاستعلان شخص المسيح في كنيسته وفي قلب كل من يقبله ويؤمن به. ولأن الأيمان في العهد الجديد هو شركة في حياة المسيح، لذلك فإن بهذه الشركة تُستعلَن أقانيم الله للإنسان، ويَدخل الإنسان في مجال حياة الله. وقد رأيت ذلك في نبؤه داود النبي أدخلني الملك إلي حِجَاله، حيث تَستَعلِن هذه النبوة عمل المسيح الملك الذي لبس جسدنا وأدخلنا في شخصه المتجسد إلي حجاله / غرفته الداخلية / شركته مع الآب والروح القدس. هلليلويا. لقد أسس الرب يسوع المسيح بتجسده شركة الإنسان مع الله. وللأسف نحن لا زلنا لم ينتبه الوعي فينا بالقدر الكافي لنستوعب حقيقة التجسد الإلهي أنه حياة شركة الإنسان في المسيح. إن التجسد فتح علاقتنا مع الآب والروح القدس لتصبح علاقة أشخاص ببعض وليست عبادة خارجية رسمية في فروض ونوافل. و مركز هذه العلاقة هي وساطة المسيح من خلال أشتراكه معنا في الناسوت البشري الذي أتحد بلاهوته أبديًا. إن تجسد المسيح أحدث تغييرًا في مفهوم ”العبادة“ فصارت علاقة حب شخصية بالله وليس بعد ”عبودية“ ممارسات خارجية: لا أعود أسميكم عبيدا، لأن العبد لا يعلم ما يعمل سيده، لكني قد سميتكم أحباء لأني أعلمتكم بكل ما سمعته من أبي (يوحنا ١٥:١٥) إن الله في المسيح صار -سبحانه- هو الذي يخدمنا ولذلك ظهر في الجسد: لأن ابن الإنسان أيضا لم يأت ليُخدَم بل ليَخدِم وليبذل نفسه فديةً عن كثيرين (مرقس ٤٥:١٠). إن الكنيسة التي أسسها المسيح هي جماعة يشتركون أي يعيشون حياة وموت وقيامة يسوع المسيح. وبالتالي فإن أيمانهم هو كينونة ووجود الأغصان في يسوع المسيح الكرمة الحقيقية. بهذا فإن أيماننا المسيحي هو ”أيمان يسوع المسيح“. --- ### [١٣] أبونا زوسيما - Published: ۲۰۲۳-۱۲-۰۹ - Modified: 2023-12-05 - URL: https://tabcm.net/14635/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون أبونا أنجيلوس وقف والمجمع كله التفت ناحيته وقال: حاللني يا سيدنا، أنا كنت بقول للآباء إن نيافتك معاك حق، ولازم نسمع كلام نيافتك، حتى نيافتك تلاقي قدامك ٣ كشوفات بأسماء خدام كنيستنا زي ما نيافتك طلبت، ومعايا نسخة رابعة أهيه جاهز بيها علشان لو نيافتك طلبت نسخة زيادة نكون جاهزين بيها ومنعطلش، اللي نيافتك عاوز تعمله في الإيبارشية. - الله عليك يا أبونا أنجيلوس، أنا عاوزكم تتعلموا من أبونا الالتزام و الطاعة و النشاط، أقعد يا أبونا عفارم عليك، هاه يا أبونا زوسيما يللي فكرت، قول لي بقى اجتماع جامعة، طلع رحلة ليه الشهر اللي فات رغم إني مانع الرحلات. أبونا زوسيما كان عارف أنه ورط نفسه في معركة دخلها بالغلط، وعارف إنه هيخرج خسران منها في كل الحالات، مش لأنه غلطان أو مش معاه حق، لكن لأنها معركة محسومة بفوز الأقوى، فوز اللي معاه سلطة أكبر وماسك المايك فصوته كمان أعلى، والكل كان عارف كده، المتبارزين، والجماهير المتابعة، أبونا زوسيما كان قدامه اختيارين، إما يرفع الراية البيضا ويستسلم ويطلب الحِل والغفران، وساعتها هيتداس عليه كل مرة ويبقى كبش فداء لكل المصايب، أو يقاوم لأخر نفس ويكون الند بالند، وساعتها برضه هيخسر عشان محدش بيقف مع حد في موقف ضعف، بس هيكون خسر بشرف، وحتى لو الخسارة كبيرة، فده هيخلي الخصم القوي يفهم إن اللي قصاده معندوش حاجة يخسرها يتبكي عليها، وأبونا زوسيما قرر يختار الاختيار الثاني. - علشان الشباب كان حجز، وكنا دفعنا مبلغ كبير للمكان اللي رايحين له، والمكان لما تواصلنا معاه قال إنه مش هينفع يرجع الفلوس، ده غير إن ديه رحلة شباب جامعة، يعني ناس كبيرة، يعني كانوا هيطلعوا الرحلة سواء مع الكنيسة أو لوحديهم. - طالما أنا قلت لأ، يبقى لأ يا أبونا، أنتم مبتفهموش، طالما قلت مفيش كنيسة تطلع رحلة يبقى يطلعوا لوحديهم، المهم الكنيسة متكونش مسئولة. - ونيافتك لما يطلعوا لوحديهم بعيد عن إشرافنا وحضننا يبقى كده الكنيسة معليهاش مسئولية. - طبعا مش علينا مسئولية، هما عيال قللات أدب ومسمعوش كلامنا، وأهاليهم مربهومش طالما طالعين شباب و شابات لوحديهم، إحنا ككنيسة ملناش دعوة. - ده أنهو منطق إللي يقول كده! ضرب الأسقف على المكتب بقوه بيده، ثم رفع سبابته وهو يقول: منطقي أنا. - يبقى منطق غلط - بتقول إيه يا أبونا ؟! ! - بقول لنيافتك منطق غلط، لما أولادي يخرجوا معايا فأمنهم وسلامهم مسئوليتي، ولو حصل حاجة لحد فيهم أنا اللي بجري عليه علشان أنا ابوه، ولما يخرجوا من وراء ضهري، هما لسه أولادي و أنا لسه أبوهم، فحتى وأنا مش معاهم، لو حصل لحد فيهم مشكلة، أنا لأني أب لازم أجري وأنقذهم وأحلها، لما يكون شباب رامين نفسهم في حضني، مينفعش أرفسهم برجلي وأقولهم امشوا إبعدوا عني، الشباب هيتجمع في أي مكان وهيخرج زي ما هو عاوز، أنا بقى ككنيسة إما أدخل وسطيهم عشان أراعيهم وأخد بالي منهم وأهذب من سلوكياتهم على قد ما أقدر في وسط مجتمع مادي استهلاكي مليان بالخطية، يا إما ما نزعلش لما تبقى كنايسنا واجتماعاتنا مفيهاش غير الناس اللي طلعت على المعاش و ربات البيوت. - وقدسك كنت فين لما حصلت المشكلة إياها، ما رعتهمش ليه و خدت بالك منهم. - الخطأ وارد حدوثه سواء كنا موجودين أو مش موجودين، سواء كانوا قدام عنينا، أو لوحديهم، حدوث خطأ لأي سبب ده مش معناه نوقف العجلة الدايرة، علشان فيه ترس فك، ده ضعف وقلة حيلة، لكن نسيب العجلة دايرة في مسارها الطبيعي، ونشوف المشكلة اللي خلت ترس يفك ونعالجها، الشباب النهاردة مش هينفع معاهم أسلوب المنع و القهر، ولا التخويف والترهيب، الشباب الأسلوب الوحيد اللي ينفع معاه، الحب والتفاهم والاحتواء و الإقناع. - يعني قدسك كسرت أوامري عشان تبان قدامهم البطل الهمام اللي بتحبهم وتتفاهم معاهم وبتحتويهم وبتقنعهم، قدسك تروح من الاجتماع ده تقعد في بيتك، ما تعتبش باب كنيستك و لا تصلي قداسات ولا تروح اجتماعات سواء في كنيستك أو برة كنيستك لحد ما أنا أقول. ثم عاد ليجلس على مكتبه و هو يكمل: أو مقولش. لم يتحرك أبونا زوسيما ولم ينزل عينيه من عيني الأسقف، وسرت همهمات كثيرة وسط الجلوس واقترب أبونا داڤيد وكيل المطرانية من الأسقف قائلًا: حاللني يا سيدنا. ليثور عليه الأسقف: ملكش دعوة انت يا أبونا، لازم نحط حدود ويبقى فيه أدب ولياقة في الكلام واللي أنا قلته يتنفذ بالحرف الواحد وقداسته وعشياته تعمل بيها جدول وتوزعها على اي كهنة تانيين. أبونا زوسيما استدار وأعطى ظهره للأسقف متوجهًا لباب الكنيسة وهو يقول بصوت مسموع: زي ما نيافتك شايف يا سيدنا، بس ده مش معناه إن نيافتك دائمًا بتشوف صح، عمومًا أنا في بيتنا. علت مرة ثانية أصوات الهمهمات داخل الكنيسة، البعض معترض على ديكتاتورية الأسقف، والبعض الآخر كان يرى أن أبونا زوسيما كان عليه أن يتحلى بقليل من السياسة والحكمة ويؤدي فروض الطاعة والولاء ويطلب الحِل والغفران و كان الموضوع سينتهي، ليقطع هذا الصخب صوت الأسقف: عندنا إيه تاني في جدول أعمال اليوم يا أبونا حنانيا. مسك أبونا حنانيا، سكرتير الأسقف، الأجندة في يده وفتحها أمام الأسقف في تردد وهو يقول: في طلب مُقدم من بعض الآباء لزيادة المرتبات الشهرية لمواجهة الغلاء والأزمات الاقتصادية المتتالية. مسك الأسقف الأجندة وقرأ في صمت، ثم نظر للكهنة الجلوس أمامه، ثم عاد لينظر في الأجندة مرة ثانية والجميع يترقب في صمت و سكون، ليقطع هذا الصمت صوت الأسقف وهو يضرب للمرة الخامسة على مكتبه و يقول: طلب مرفوض. يتبع ... --- ### مجلس كنائس الشرق الأوسط والقضيّة الفلسطينية - Published: ۲۰۲۳-۱۲-۰۸ - Modified: 2023-12-05 - URL: https://tabcm.net/16347/ - تصنيفات: شئون علمانية - وسوم: مجلس كنائس الشرق الأوسط منذ أن تأسس مجلس كنائس الشرق الأوسط عام ١٩٧٤، وهو منشغل بالقضية الفلسطينية، ولا يكاد يخلو أي اجتماع من اجتماعاته من التعرض لهذه القضية، كما عقد المجلس على مدار نصف القرن من الزمان الكثير من المؤتمرات والندوات مطالبين بإقرار السلام القائم على العدل. منذ أسابيع، عقدت اللجنة التنفيذية لمجلس كنائس الشرق الأوسط اجتماعها الدوري في بيروت، يومي الجمعة والسبت ١٧ و١٨ نوفمبر ٢٠٢٣، برئاسة رؤساء العائلات الكنسية الأربع، التي تشكل مجلس كنائس الشرق الأوسط، وبحضور الدكتور ميشيل عبس، الأمين العام للمجلس، وعدد من قيادات كنائس الشرق، كما حضرت هذا الاجتماع بصفتي الأمين المشارك بالمجلس عن عائلة الكنائس الإنجيلية. في بداية الاجتماع، وقف المجتمعون دقيقة صمتًا، وصلّوا لأجل راحة نفوس الضحايا الذين سقطوا من جراء الحرب الدامية في فلسطين، ولاسيّما في قطاع غزّة. وكان الموضوع الأبرز الذي توقّف عنده المجتمعون الوضع في فلسطين، فندّدوا بجميع أشكال العنف من أىّ جهة أتى، وشجبوا بشدّة الحرب المستعرة هناك التي تدمّر البشر والحجر، وبشكل خاص في قطاع غزّة، مُخلِّفةً الآلاف من الضحايا والجرحى والمصابين، ولاسيّما في صفوف الأطفال والمُسنِّين والنساء. طالب المجتمعون بالوقف الفوري والنهائي لإطلاق النار، وإنهاء الإبادة الجماعية والتطهير العرقى والجرائم ضد الإنسانية بحقّ الشعب الفلسطيني، وإطلاق سراح جميع الأسرى، والمباشرة في إرسال الإغاثة والمساعدات الضرورية والمُلِحّة إلى الشعب المنكوب الذي يعانى الجوع والتشرّد. ناشد المجتمعون الكنائس في العالم والمجتمع الدولي وجميع أصحاب الإرادة الحسنة لبذل كلّ الجهود بغية إسكات الأسلحة وإحلال السلام العادل والدائم والشامل، من خلال إنهاء الاحتلال والحصار، الذي أدّى إلى انفجار ما نراه اليوم من حرب وحشية لا تحترم المواثيق الدولية، التي تحمى المستشفيات والمدارس ودُور العبادة والسكّان المدنيين، وإدانة هذه الأفعال غير الإنسانية التي تتعارض مع إيماننا المسيحي، كما أشادوا بجهود المسؤولين في مصر لتعزيز الاستقرار وقيم الحرّية والعدالة وحقوق الإنسان وتثمين دورها في الحيلولة دون تهجير الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته. كما طالب المجتمِعون الأمين العام للمجلس بتوجيه خطاب مفتوح إلى رؤساء الكنائس والمجالس المسكونية والمنظَّمات الدولية حول موقف كنائس الشرق الأوسط من أحداث فلسطين والشرق الأوسط. وفى الختام، رفع المجتمعون الشكر إلى الرب الذي رافقهم في اجتماعهم وأعمالهم، متضرّعين إليه، وهو رب السلام، أن يبسط سلامه وأمانه في العالم بأسره، وبشكل خاص في الأراضي المقدسة وفى الشرق الأوسط، فتصمت الأسلحة، وتنتهى الحروب، وتزول المحن والأزمات التي طال أمدها، وينعم الجميع بالاستقرار والطمأنينة. --- ### [٣] مملكة داود وهيكل سليمان - Published: ۲۰۲۳-۱۲-۰۷ - Modified: 2024-07-14 - URL: https://tabcm.net/15524/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, كتاب مقدس - وسوم: أبشالوم, أبياثار الكاهن, أدونيا, أركيولوچي, أمنون, التقليد الإيلوهي [E], التقليد اليهوي [J] / [Y], بثشبع, تابوت العهد, ثامار, داود النبي والملك, رأوبين, رحبعام, زبولون, سليمان الحكيم, شيروبيم, صادوق الكاهن, لاماسو, ملك شاول, مملكة إسرائيل, مملكة يهوذا, نبي موسى, نبي ناثان, نفتالي, هارون الكاهن, هيكل سليمان, ياساكر, يربعام بن نباط, يهوه الشيروبيم، مثل أبو الهول في مصر أو الثور المجنح في بابل، لم يكن إلهًا أو نصف إله أو يرمز لإله، لكن كان يتم وضعه لحراسة المعابد أو ما شابه. في حالة الشيروبيم الذهبي فهما كانا يمثلان عرش الله أو حضوره في الهيكل عندما أصبح داود ملكًا على جميع الشعب العبري، اتخذ بعض الإجراءات لترسيخ مملكته وجعل حكمه مرغوبًا فيه في كل من الشمال والجنوب. أوّل الأمور أنه نقل العاصمة من حبرون إلى أورشليم ((راجع صموئيل ثاني، الإصحاح 5. ))، وأورشليم وقتها لم تكن تابعة لأي من أسباط بني إسرائيل، بل استولى عليها الملك داود وجعلها العاصمة الجديدة. وعلى هذا، وكونها غير تابعة لأي من الأسباط، فهو بذلك لم يُهن أو يُرفع من شأن سبط على حساب سبط آخر. أصبحت أورشليم العاصمة السياسية، ولجعلها العاصمة الدينية لمملكة داود، نُقل إليها تابوت العهد الذي يحتوي لوحيّ الشريعة، واللذين يُعتقد أن زمنهما يرجع لعصر النبي موسى نفسه. ولأن أورشليم أصبحت عاصمة دينية جديدة، فهذا يعني الحاجة لرؤساء كهنة جدد. وهذا يقودنا للأمر التالي. اختار الملك داود كاهنين، أحدهما من الشمال والآخر من الجنوب، ليكونا رؤساء كهنة في أورشليم، وذلك لتحقيق التوازن بين الجانبين وعدم إعطاء الأفضلية لأحدهما على الآخر. وكان كاهن الشمال هو أبياثار، كاهن شيلوه، الذي نجا من مذبحة الملك شاول للكهنة الداعمين لداود. أما كاهن الجنوب فهو صادوق، الذي أتى من مدينة حبرون، وكان يُعتقد أن كهنتها من نسل هارون الكاهن. وبذلك، فإن اختيار داود لهذين الكاهنين لم يكن مجرد مسألة توازنات، بل كان أيضًا لإظهار الاحترام والمكانة لعائلتين عريقتين من سبط لاوي: عائلة موسى وعائلة هارون. كان الملك داود مزواجًا من بنات الأمم ((راجع صموئيل ثاني، الإصحاحات 3، 5. ))، مما أدى لتحسين علاقاته بالأمم والشعوب الأخرى التي صاهرها، كما أنّ جيش الملك داود لم يعد معتمدًا بالكليّة على كتائب الأسباط، بل ضم كتائب أممية نتيجة زيجاته من هذه الأمم ((راجع صموئيل ثاني، الإصحاح 23. )). بناءً على هذه الأوضاع، أصبح لدى داود جيش مستقل يدين له بالولاء دون الاعتماد على كتائب الأسباط. ومع مرور الوقت ومع نجاح حكم داود، استطاع بهذا الجيش أن يغزو ويضم لمملكته أراضي جديدة مثل آدوم وموآب، وأصبحت مملكة إسرائيل الكبرى، في عصر الملك داود، تمتد من نهر العريش في مصر إلى نهر الفرات. نتيجة لتعدد زوجات داود، كان له أبناء وبنات كثيرون، وأغلبهم غير أشقاء لكونهم من نفس الأب ولكن من أمهات مختلفات. وكان أكبر أبناء داود هو "أمنون"، الذي كان من المفترض أن يكون وريث أبيه الشرعي في حكم المملكة. لكن أمنون اغتصب أخته غير الشقيقة "تامار"، وكنتيجة لذلك، انتقم لها أخوها الشقيق، أبشالوم، بقتل أمنون ((راجع صموئيل الثاني، الإصحاح 13. )). فيما بعد، يتمرد أبشالوم على حكم أبيه داود ويستعين بتأييد الأسباط التي قل الاعتماد عليها. ويكوّن جيشًا ويخرج لمقاتلة أبيه وجيشه الأممي في ساحة الحرب. وفي النهاية، ينتصر جيش داود ويُقتل أبشالوم. في نهاية حكم داود، عندما صار كهلاً على فراش الموت، حدث أن تنازع اثنان من أبنائه على اعتلاء عرش المملكة، وهما: أدونيا وسليمان. كان أدونيا أكبر أبناء داود، لكن سليمان كان ابن بتشابع ، زوجة داود المفضلة. كان في جانب أدونيا بعض الأمراء ورؤساء الأسباط، بالإضافة إلى أبياثار، رئيس كهنة الشمال في أورشليم، الذي قد يكون من نسل موسى. أما سليمان فكان يدعمه النبي ناثان وأمه بتشابع، اللذان لهما تأثير كبير على داود وبالتالي على الجيش، بالإضافة إلى صادوق، رئيس كهنة الجنوب في أورشليم، الذي يُعتقد أنه من نسل هارون. بات النزاع بينهما يهدد بانقسام المملكة، لكن كنتيجة نهائية: أصبح سليمان في النهاية هو الملك دون حرب. بعد موت داود واعتلاء سليمان عرش المملكة، أمر بقتل أخيه أدونيا. ونفى أبياثار الكاهن من الخدمة في أورشليم إلى مدينة عناتوت خارج العاصمة ((راجع ملوك أول، الإصحاح 2. )). ((يجب ملاحظة أنه في سفر الملوك أول، الإصحاح الثالث، يظهر تقليد مختلف يوضح أن أبياثار الكاهن استمر في الخدمة في عهد سليمان. )). كان الملك سليمان مزواجًا أمميًا أكثر من أبيه، ففاقه شهرة في عدد الزوجات. لكن أشهر ما كُتب عن سليمان هو بناؤه المعبد الأول في أورشليم، الذي عُرف فيما بعد باسم: "معبد سليمان" . لم يكتسب المعبد شهرته نتيجة ضخامته، إذ لا يدخله في النهاية سوى الكهنة، لكن ما جعله مميزًا هو المعنى الذي يمثّله: حضور الإله "يهوه" في وسط شعبه. كان معبد سليمان ينقسم إلى قسمين: القُدس، وقُدس الأقداس . وقُدس الأقداس أو هيكل معبد سليمان هو بناء مكعب متساوي الأضلاع، وقد وُضع تابوت العهد فيه تحت حراسة الشيروبيم الذهبي. الشيروبيم هو جمع لكلمة شيروب Cherub، وأقرب تصور للشيروب اليهودي المنحوت كتمثال ذهبي، أنه كائن أسطوري شبيه بأبي الهول في مصر، أو الكاريبو، أو اللاماسو، أو الثور المجنح في بلاد آشور وما بين النهرين. كان هناك شيروب عن يمين التابوت وآخر عن يساره، كلاهما باسط الأجنحة فوق التابوت حيث يتلامسان. الشيروبيم، مثل أبو الهول في مصر أو الثور المجنح في بابل، لم يكن إلهًا أو نصف إله أو يرمز لإله، بل كان يُوضع لحراسة المعابد أو نحو ذلك. وفي حالة الشيروبيم الذهبي، فهما كانا يمثلان عرش الله أو حضوره في الهيكل . كان حكم الملك سليمان مستقرًا، لكنه كان يميّز بين الجانبين الشمالي والجنوبي من المملكة. مقاطعة سبط يهوذا كان لها مكانة مميزة عن باقي مقاطعات أسباط بني إسرائيل. لم تكن الضرائب في هذا العصر مالية، بل كانت تُقدَّم كعمل مجاني للمملكة. كل مقاطعة أو سبط كان يعمل في المملكة لمدة شهر، إلا سبط يهوذا، الذي كان معفىً من الخدمة العامة. لذا تكونت نظرة سلبية تجاهه من مقاطعات الجانب الشمالي من المملكة، وأسموا الوكلاء القائمين على تنظيم هذا العمل: وكلاء تسخير ((راجع ملوك أول، الإصحاح 4. )). لكن هذه النظرة لم تصل حد الانفصال، وظلت المملكة متماسكة وموحدة طيلة فترة حكمه. بعد موت الملك سليمان، أصبح ابنه رحبعام هو الملك. فذهب إلى أرض شكيم كي يتم تتويجه. فسأله الشعب إن كان سيستمر على منهج أبيه في التمييز، أم سيخفف عنهم الأحمال التي حملها عليهم سليمان. فأجابهم أنه مستمر في نفس طريق أبيه، فثاروا عليه ورجموا "وكيل السخرة" الذي عينه، وتوجوا "يربعام بن نباط" من سبط إفرايم ملكًا عليهم. وهنا، بحسب النظرة العبرانية للتاريخ، أصبحت هناك مملكتان: مملكة إسرائيل في الشمال، والتي تضم أراضي ١٠ أسباط: دان، نفتالي، أشير، زبولون، ياساكر، منسّى، جاد، إفرايم، رأوبين. ومملكة يهوذا في الجنوب، والتي تضم أراضي سبطين: يهوذا وبنيامين. مملكة إسرائيل عاصمتها شكيم في أرض إفرايم، وملكها: يربعام بن ناباط. ومملكة يهوذا عاصمتها أورشليم في أقصى شمال أرض يهوذا، وملكها: رحبعام بن سليمان. وقت انقسام المملكة هو أواخر القرن العاشر قبل الميلاد، . وبعد هذا التاريخ بقليل، يبدأ ظهور تقاطعات بين السردية الكتابية والمصادر الخارجية من الأركيولوجي. يعتقد بعض المؤرخين أن هذه كانت البداية الحقيقية للشعب العبري وأنه لم تكن هناك مملكة موحدة يومًا. ولكن ما يعنينا هو أن السردية بدأت من الأصل بمملكتين متجاورتين، وظلتا كذلك لمدة قرنين تقريبًا حتى عام 722 قبل الميلاد. فانهارت مملكة الشمال أمام المملكة الآشورية ولم يبقَ وقتها سوى المملكة الجنوبية؛ مملكة يهوذا. المصدرين اليهوي والإيلوهي تم كتابتهما على الأرجح في الحقبة ما بين انقسام المملكتين وحتى انهيار مملكة الشمال، لكننا، حتى اﻵن، لن نستطيع توضيح ذلك مباشرة، ونحتاج حلقة إضافية لإعادة بناء السياق. وكما قلنا مرارًا، فإن الدين لم يكن منفصلًا عن السياسة. وبما أنه كانت لدينا مملكة موحدة ثم انقسمت بحسب الفهم العبراني للأحداث، وبالرغم من أن لدينا دينًا واحدًا في مملكتي الشمال والجنوب، إلا أن التصورات الدينية ستختلف بين المملكتين لأسباب تتعلق بالخصام بينهما. وهذه التصورات المختلفة سنحتاج إلى دراستها بشكل أعمق حتى نتبين التفاصيل بين التقليدين، اليهوي والإيلوهي، وربما نتوصل إلى معرفة ما يعبر عنه كل منهما. --- ### (٨) قامت الملكة عن يمينك - Published: ۲۰۲۳-۱۲-۰٦ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/14788/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, كتاب مقدس - وسوم: أسرار الكنيسة, أنبا رفائيل، أسقف وسط القاهرة, أنبا يوأنس، أسقف أسيوط, الأب داود لمعي, بابا شنودة الثالث, باسيليوس الكبير، أسقف قيصرية الكبادوك, بيتر لومبارد, جون ويزلي, داود النبي والملك, قديس أوغسطينوس، أسقف هيبو, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية المزمور ملوش علاقة بالسيدة العذراء مريم ولا هو يقصدها هنا أبدًا بالملكة زي ما قال الأنبا رفائيل والبابا شنودة "قامت الملكة عن يمينك"، اللي البعض بيقولها خطأ "جلست الملكة عن يمين الملك " - الآية دي من أشهر الآيات في سفر المزامير، وتم تفسيرها بطريقة خاطئة لإثبات إن الملكة المذكورة هنا في المزمور ٤٥ هي السيدة العذراء مريم، وهي التي تجلس على عرش آخر عن يمين الملك المسيح. -للأسف التفسير ده منتشر بشدة في كل الكنائس التقليدية، وبداية انتشاره كان على يد اللاهوتي الكاثوليكي الشهير بيتر لومبارد في القرن ١٢ وهو أول من أشار إن الملكة في المزمور هي العذراء، ثم ادخل التفسير إلى القراءات الكنسية، وقرر قراءة المزمور ٤٥ في صوم (الفتيات العذارى) اللي اتحول بعدين لصوم العذراء، وادخل التفسير في الليتورجيات والألحان وبقى وضع ثابت ومستقر عليه! ! بل واصبح دليل على صحة عقيدة الشفاعة، لأنه يتوافق مع رأي الكنسية التقليدية إن السيدة العذراء هي ملكة السماء والأرض زي ما قال مثلًا الأنبا رفائيل ! وطبعًا سبقه في نفس التفسير البابا شنودة وكتير من الأساقفة والكهنة المعاصرين زي الأنبا يوأنس والقمص داود لمعي وغيرهم كتير . . - معلومة على جنب كده: بيتر لومبارد ده هو نفسه اللي حدد أسرار الكنيسة بالرقم ٧ فقط، بعد ما كانت ٣٢، ثم ١١. . ودي قصة تانية هنبقي نحكيها بعدين! - زي ما اتفقنا وبنعيدها كل مرة، مينفعش ناخد كلمة أو آية ونطير بيها، لازم نرجع للنص كله ونشوف مين قائلها وفين ولمين؟ وإيه السياق اللي اتقالت فيه؟ ونشوف الترجمات الأخرى إن امكن، والقرائن والأدلة! -قبل أي شيء النطق الصحيح للآية هو قامت / وقفت الملكة عن يمينك وليس (جلست) الملكة عن يمينك. ١- التفسيرات اليهودية للنص: من خلال الترجوم والمدراش اليهودي نلاقي فيه تباين بسيط، فبعضها يؤكد إنه مزمور مسياني أي أنه يشير للمسيح المننتظر برموز ومعاني نبوية، والبعض بيقول الملك هو موسى أو داود، أما التوراة فهي الملكة الواقفة بجواره، والذهب على ردائها هو الشعب! - البعض بينظر له انه مزمور احتفالي فقط، لان بعض أجزاء منه كانت بتقال في أثناء تتويج/ زواج الملك. -الراباي اليهودي الشهير (ابراهام بن مير ابن عزرا) بيؤيد في تفسيره إن الملك في المزمور هو الرب، والملكة هي الأمة اليهودية، اللي اختارها الرب كأمة وشعب له! -في كل الأحوال المزمور بيتكلم عن علاقة (الملك) الله بشعبه (الملكة) - فالتفسير اليهودي مش بيتكلم طبعًا عن السيدة العذراء وإنما التوراة أو الأمة اليهودية، وحتى معظم التفسيرات المسيحية قبل القرن ١٢ مكانتش بتقول عن الملكة في مزمور ٤٥ أبدا إنها العذراء، وده مش كلامي أنا ده كلام المفسرين والآباء المسيحيين في القرون الأربعة الأولي: هي الكنيسة الواحدة الجامعة التي تقف عن يمين الملك، متسربلة بردائها المتنوع الأطياف والألوان، مكون من كل أمة وكل لسان، والذهب الذي يزينها هو جوهر الإيمان المسيحي (القديس أوغسطينوس) ها هو الآن يتكلم عن الكنيسة، يتكلم عما تعلمناه في النشيد أن الكنيسة هي حمامة المسيح الكاملة الوحيد، لذلك نجد أن الملكة، أي النفس، المرتبطة بالكلمة، عريسها، الغير خاضعة للخطية بل المشتركة في ملكوت المسيح، تقف عن يمين المخلص بثوب موشى بالذهب، أي مُزينة نفسها بشكل بهيج وسام بالتعاليم الروحية المتنوعة والمنسوجة معًا (القديس باسيليوس الكبير) "قامت الملكة عن يمينك". فجأة صارت النفس المتسولة والمطرودة: ملكة، تقف عن يمين الملك؛ وههنا يوضح داود النبي أن المسيح المنتظر والكنيسة يقفان كعريس وعروس واقفين في حفل عُرس. (يوحنا ذهبي الفم، الفصل 11 جزء 7 من تفسير ذهبي الفم للمزامير) هي نبوة مسيانية عن المسيح وأنها قصة الحب المقدس بين الملك المسيح وعروسه الملكة الكنيسة (جون ويزلي، من اللاهوتيين الغربيين) فالمزمور ملوش علاقة بالسيدة العذراء مريم ولا هو يقصدها هنا أبدًا بالملكة زي ما قال الأنبا رفائيل والبابا شنودة، وإنما المقصود بالملكة اللي تقف عن يمين الملك هي الكنيسة المؤمنة اللي تركت طرقها القديمة (انسي شعبك وبيت أبيك) وتبعته وخضعت له (لأنه هو سيدك وله تسجدين). الملكة هنا هي الكنيسة التي تحلت بمجد وبهاء المسيح، فاستحقت أن تجلس معه في عرشه كما قال الكتاب المقدس: مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَجْلِسَ مَعِي فِي عَرْشِي. (رؤيا ٣: ٢١) - الملكة هنا بتشير للكنيسة أي لجماعة المؤمنين، أي المؤمنين القديسين في المسيح يسوع اللي دعاهم المسيح ليقيمهم عن يمينه في مجده فَيُقِيمُ الْخِرَافَ عَنْ يَمِينِهِ وَالْجِدَاءَ عَنِ الْيَسَارِ. (متى ٢٥: ٣٣)   أظن بكده وضحنا كل الأمور ! بالمناسبة فيه آيه أخرى بتتقال عن السيدة العذراء دايما بيقولوها مع المزمور ده،، هنقولها المرة الجاية. . https://www. youtube. com/watch? v=qGyihxpOzQU --- ### ملحمة جلجامش؛ الإصحاح الثاني عشر - Published: ۲۰۲۳-۱۲-۰۵ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/13253/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون, تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أريشكيجال, أساكو, أفروديت, ألبيرت شوت, أنكي, أوتنابشتم, إنانا, إنكيدو, إنليل, بلاد الرافدين, جلجامش, زيوسودرا, سامي سعيد, شمش, صمويل نوح كريمر, طه باقر, عشتار, فراس السواح, ڤينوس, نمتار, نيرجال, نينازو, نينجال, نينسون يشكو جلجامش إلى إنكيدو من أن مختلف ممتلكاته سقطت في العالم السفلي. يعرض إنكيدو المساعدة لإعادتهم. ويخبر جلجامش إنكيدو بسرور بما يجب عليه فعله وما لا يجب عليه فعله في العالم السفلي إن كان يريد العودة. ويفعل إنكيدو كل ما طلب منه عدم فعله. وبسبب ذلك يبقيه العالم السفلي. يصلي جلجامش للآلهة لإعادته صديقه. لا يرد إنليل وسين، ولكن يقرر أنكي وشمش المساعدة. يصنع شمش صدعا في الأرض فيقفز منه شبح إنكيدو. وينتهي اللوح بسؤال جلجامش لإنكيدو حول ما رآه في العالم السفلي. اللوح الثاني عشر عمود واحد، المقروء منه ١٥٤ سطرا، بنسبة ٨٦% من الإجمالي. يعتبر هذا اللوح في الأساس ترجمة أكدية لقصيدة سومرية سابقة، «جلجامش والعالم السفلي» وربما تكون مستمدة من نسخة غير معروفة من هذه القصة. تعتبر محتويات هذا اللوح الطيني الأخير غير متسقة مع محتويات سابقة: إنكيدو لا يزال على قيد الحياة، على الرغم من أنه مات في وقت سابق من الملحمة. وبسبب عدم اندماجها مع الألواح الطينية الأخرى، ولكونها تقريبًا نسخة من نسخة سابقة، أشير إليها على أنها «تذييل غير عضوي». وقيل عنها أنها «محاولة حرجة لتحقيق الخاتمة». وأن الربط بين الألواح السابقة وهذا اللوح، ما هو إﻻ «تتويج درامي حيث أهمية أن تنتهي الملحمة بعدد اثني عشر لوحا» خلاصة الإصحاح الثاني عشر:يشكو جلجامش إلى إنكيدو من أن مختلف ممتلكاته سقطت في العالم السفلي. يعرض إنكيدو المساعدة لإعادتهم. ويخبر جلجامش إنكيدو بسرور بما يجب عليه فعله وما لا يجب عليه فعله في العالم السفلي إن كان يريد العودة. ويفعل إنكيدو كل ما طلب منه عدم فعله. وبسبب ذلك يبقيه العالم السفلي. يصلي جلجامش للآلهة لإعادته صديقه. لا يرد إنليل وسين، ولكن يقرر إنكي وشمش المساعدة. يصنع شمش صدعا في الأرض فيقفز منه شبح إنكيدو. وينتهي اللوح بسؤال جلجامش لإنكيدو حول ما رآه في العالم السفلي. من المرجح أن تكون الصيغة الأصلية للملحمة قد تمت مع ختام اللوح الحادي عشر الذي تستعيد نهايته بداية اللوح الأول. وإذا صح هذا الفرض يكون اللوح الثاني عشر في صورته الحالية قد أضيف إلى الملحمة على هيئة «ملحق» لا يتصل بها اتصالًا عضويًا، بل إن بدايته التي نفهم منها أن إنكيدو لا يزال حيًّا تتناقض مع اللوح السابع الذي عرفنا منه قصة مرضه وموته كما يموت سائر البشر، فتبلغ الملحمة ذروتها المأساوية بثورة جلجامش على الموت ورعبه منه، وانطلاقه بحثًا عن الخلود المستحيل، أما في اللوح الثاني عشر فيحكم عليه بالبقاء في عالم الموتى السفلي بسبب خروجه على نظمه ومحرماته بعد أن نزل إليه حيًّا لإحضار أداتي جلجامش اللتين سقطتا فيه وهما البوكو والموكو؛ أي الطبلة والعصا الذي تدق به، ويؤكد ذلك الفرض أيضًا أن اللوح الثاني عشر لا يخرج عن كونه ترجمة أكدية شبه حرفية للقسم الأخير من إحدى القصائد السومرية التي تُرْوَى عن مغامرات جلجامش وإنكيدو والعالم السفلي، فضلًا عن أن إنكيدو يقوم فيه بدور التابع والخادم لا بدور الصديق والأخ الوفي الذي شاهدناه على مدار الملحمة، مما حدا ببعض الترجمات الحديثة أن تستبعد هذا اللوح تمامًا! وأيًّا كان الأمر فلا غنى عن تقديم هذا اللوح، والقارئ حر في أن يعدَّه جزءًا مكملًا للملحمة أو إضافة غير ضرورية إليها. الإصحاح الثاني عشر ١)«ليتني تركت الطبلةفي بيت النجار،٢)زوجة النجار التي هي مثل أمي ... ٣)وابنة النجار التي هي مثل أختي الصغرى ... ٤)مَن يحضر لي الآن طبلتي من الأرض؟٥)مَن يحضر لي مضرب طبلتيمن العالم السفلي؟»٦،  ٧)قال له خادمه إنكيدو:٨)«سيدي، ماذا يبكيك، ولماذا يتوجع قلبك؟٩)اليوم سآتيك بطبلتك من الأرض،١٠)وسآتيك بمضرب طبلتك من العالم السفلي. »١١)قال له جلجامش، قال لخادمه إنكيدو:١٢)«إذا أردت أن تنزل إلى العالم السفلي،١٣)فعليك أن تأخذ بنصيحتي جيدًا:١٤)لا تلبس ثوبًا نظيفًا،١٥)وإلا عرفواأنك غريب. ١٦)لا تضمخبالزيت الطيب،١٧)وإلا تجمعوا حولك بمجرد أن يشموا. ١٨)لا ترم العصاعلى الأرض،١٩)وإلا تحلَّق حولك الذين ضربوا بها. ٢٠)لا تحمل في يدك هراوة،٢١)وإلا ارتجفت الأرواح أمامك. ٢٢)لا تضع نعلًا في قدميك. ٢٣)لا تُحْدِث جلبة في العالم السفلي. ٢٤)لا تقبِّل زوجتك التي أحببت،٢٥)ولا تضرب زوجتك التي كرهت. ٢٦)لا تقبِّل طفلك الذي أحببته،٢٧)ولا تضرب طفلك الذي سخطت عليه،٢٨)حتى لا يطبق عليك عويل الأرض. ٢٩)إن تلك التي تضطجع هناك، أمنينازو التي تضطجع هناك،٣٠)لا يُغطي كتفيها الناصعين رداء،٣١)وثدياها عاريان مثل وعائين. »٣٢)لم يأخذ إنكيدو نصيحة سيده مأخذ الجد؛٣٣)ارتدى ثوبًا نظيفًا؛٣٤)فعرفأنه غريب هناك. ٣٥)ضمخ نفسه بالزيت الطيب؛٣٦)فتزاحموا حوله بمجرد أنْ شموا رائحته. ٣٧أ)رمى العصا الخشبية على الأرض؛٣٨)فتجمع حوله الذين ضربواالعصا. ٣٩)حمل هراوة في يده؛٣٧ب)فارتجفت الأرواح أمامه. ٤٠)وضع نعلين في قدميه،٤١)وأحدث جلبة في العالم السفلي. ٤٢)قبَّل زوجته التي أحبها،٤٣)وضرب زوجته التي كرهها،٤٤)قبَّل طفله الذي أحب،٤٥)وضرب طفله الذي سخط عليه؛٤٦)عندئذٍ أطبق عليه عويل الأرض،٤٧)تلك المضطجعة هناك، أمنينازو، المضطجعة هناك،٤٨)التي لا يغطي كتفيها العاريتينرداء. ٤٩)وثدياها عاريان، مثل وعائين. ٥٠)لم يرجع إنكيدو من الأرض،٥١) لم يمسك به نمتار، ولم يمسك بها أساكو،أمسكت به الأرض. ٥٢)لم يطبق عليه حارس نيرجال القاسي،وإنما أطبقت عليه الأرض. ٥٣)لم يسقط في ساحة المعركة كما يسقط الرجال،وإنما أطبقت عليه الأرض. ٥٤)انطلق ابن نينسون،وهو يبكي خادمه إنكيدو. ٥٥)ذهب وحده إلى «الإيكور»، معبد إنليل،:٥٦)«يا أبت إنليل اليوم سقطتالطبلة في الأرض،٥٧)وعصا الطبلة سقطت مني في الأرض. ٥٨)إنكيدو الذي ذهب ليحضرها لي،قد أطبقت عليه الأرض. ٥٩)لم يطبق عليه نمتار، لم يطبق عليه أساكو،بل أطبقت عليه الأرض. ٦٠)لم يطبق عليه زبانيةنيرجال القساة،بل أطبقت عليه الأرض. ٦١)لم يسقط في ساحة المعركة كما يسقط الرجال،بل أطبقت عليه الأرض. »٦٢)لم يرد عليه إنليل بكلمة ،ذهب وحده إلى معبد "سين":٦٣)«يا أبتي سين! اليوم سقطتالطبلة في الأرض. ٦٤)عصا الطبلة سقطت مني في الأرض. ٦٥)إنكيدو الذي ذهب ليحضرها لي،قد أطبقت عليه الأرض. ٦٦)لم يطبق عليه نمتار، لم يطبق عليه أساكو،بل أطبقت عليه الأرض. ٦٧)لم يطبق عليه زبانية نيرجال القساة،بل أطبقت عليه الأرض. ٦٨)لم يسقط في ساحة المعركة كما يسقط الرجال،بل أطبقت عليه الأرض. »٦٩)لم يرد عليه الأب «سين» بكلمة. ٧٠) ذهب وحيدًا إلى معبد «إيا»:«يا أبتي «إيا»! اليوم سقطت مني الطبلة في الأرض،٧١)وعصا الطبلة سقطت مني في الأرض. ٧٢)إنكيدو، الذي ذهب ليحضرها لي،قد أطبقت عليه الأرض. ٧٣)لم يطبق عليه «نمتار»، لم يطبق عليه «أساكو»،بل أطبقت عليه الأرض. ٧٤)لم يطبق عليه زبانيةنيرجال القساة،بل أطبقت عليه الأرض. ٧٥)لم يسقط في ساحة المعركة كما يسقط الرجال،بل أطبقت عليه الأرض. »٧٦)ما إن سمع الأب «إيا» هذا،٧٧)حتى خاطب نيرجال البطل الفحل بقوله:٧٨)««نيرجال»، أيها البطل الفحل، استمع إليَّ:٧٩)أناشدك أن تفتح ثقبًا في الأرض،٨٠)كي تتسلل منه روح إنكيدو،٨١)وينبئ أخاه عن نظام الأرض. »٨٢)امتثل «نيرجال» البطل الفحل لطلب «إيا»،٨٣)ولم يكد يفتح ثقبًا في الأرض،٨٤)حتى تسللت روح إنكيدو من الأرض كالريح. ٨٥)تعانقا وجلسا معًا،٨٦)وأخذا يتشاوران ويعذبان نفسهما:٨٧)«قل لي يا صديق، قل لي يا صديق. ٨٨)خبِّرني عن نظام الأرض التي شاهدتها! »٨٩)– «لن أخبرك بشيء عنها يا صديق،لن أخبرك بشيء عنها! ٩٠)فلو أخبرتكعن نظام الأرض التي شاهدتها؛٩١)لوجب عليك أن تجلس وتبكي. »٩٢)– «ها أنا ذا أجلس وأبكي! »٩٣)– «جسدي الذي كنت تلمسه وقلبك مبتهج يا صديق،٩٤)تلتهمه الحشرات كثوب بالٍ. ٩٥)جسدي الذي كنت تلمسه وقلبك مبتهج،٩٦)شوَّهه التعفن، وملأه التراب! »٩٧)عندئذٍ قال جلجامش، وهو مُقْعٍفي التراب،٩٨)عندئذٍ قال الملك جلجامش، وهو مُقْعٍ في التراب:٩٩)«هل رأيت الذي أنجب ولدًا واحدًا؟»– «نعم رأيته:١٠٠،  ١٠١)يبكي عليه ... »١٠٢)– «هل رأيت الذي أنجب ولدين؟»– «نعم رأيته:١٠٣)يأكل الخبز. »١٠٤)– «هل رأيت الذي أنجب ثلاثة أولاد؟»– «نعم رأيته:١٠٥)... يشرب الماء. »١٠٦)– «هل رأيت الذي أنجب أربعة أولاد؟»– «نعم رأيته:١٠٧)إن قلبه فرح. »١٠٨)– «هل رأيت الذي أنجب خمسة أولاد؟»– «نعم رأيته:١٠٩)مثل ... طيب ... جنبه عار،١١٠)... يدخل القصر. »١١١)– «هل رأيت الذي أنجب ستة أولاد؟»– «نعم رأيته:... »١١٤)– «هل رأيت الذي أنجب سبعة أولاد؟»– «نعم رأيته:... »١١٧)– «... الذي ... هل رأيته؟»– «نعم رأيته:١١٨)كشعار إلهي جميل مفعم بالخير ... »... ... ١٤٥)– «هل رأيت الذي ضربته صارية سفينة؟»– «نعم رأيته:١٤٦)وما إن هبط إلى العالم السفلي، عن طريق المنزوع ... »١٤٧)– «هل رأيت الذي مات ميتة ... ؟»– «نعم رأيته:١٤٨)إنه يرقد في مضجعه الليلي ويشرب ماء «صافيًا». »١٤٩)– «هل رأيت الذي قتل في المعركة؟»– «نعم رأيته:١٥٠)إن أباه وأمه يسندان رأسه،وزوجته محنية عليه. »١٥١)– «هل رأيت الذي رُمِيَت جثته في البرية؟»– «نعم رأيته:١٥٢)إن روحه تهيم قلقة في الأرض. »١٥٣) – «هل رأيت الذي تركت روحه بلا راعٍ؟»– «نعم رأيته:١٥٤)لقد كُتِبَ عليه أن يأكل فضلات الصحون،وكسرات الخبز الملقاة في الطريق. »(ملحمة جلجامش، اللوح الثاني عشر) (١)السطور من ٢ إلى ٧ ناقصة في النص الأكدي، وقد أكملها «ألبيرت شوت» هي وغيرها من نص القصة السومرية «جلجاميش وإنكيدو والعالم السفلي» التي ترجمها مع بقية القصص الأخرى عن جلجامش عالِم السومريات صمويل نوح كريمر. (٢)حرفيًا: فعليك أن تضع نصيحتي في قلبك. (٣)أي الموتى في العالم السفلي. (٤)أي عويل الموتى في العالم السفلي أو صراخهم. (٥)يترجمها فراس السواح (عن جاردنر): وصدرها: كطاس حجري، لا يستره غطاء، ولم ترد كلمة حجري في النص الذي اعتمد عليه، وإن كانت دلالة التشبيه في الحالين لا تحتاج لتوضيح، وأم نينازو هي إلهة العالم السفلي والأموات أريشكيجال، أما نينازو نفسه فهو أحد آلهة ذلك العالم المظلم المخيف، ويعني اسمه في السومرية «السيد الطبيب»، وعلى الرغم من انتسابه لآلهة. العالم السفلي التي ارتبطت في الأذهان بالموت والأوبئة الفتاكة والعذاب والتعذيب، فقد كان نينازو يوصف بصفات حميدة مثل إله الشفاء والاغتسال في العالم السفلي (راجع قاموس الآلهة والأساطير في بلاد الرافدين وفي الحضارة السورية، تأليف د. أ. ادزارد وم. ﻫ. بوب، ف. رولينغ، وتعريب محمد وحيد خياطة، حلب، السليمانية، ١٩٨٧م، ص١٣٦. )(٦)كتفيها المقدستين. (٧)نمتاز وأساكو من زبانية الجحيم وشياطين الأمراض والأوبئة، ويضع سامي سعيد «الحمى» في موضع أساكو. (٨)نيرجال: هو إله الجحيم البابلي وزوج آلهته الرهيبة أريشكيجال . (٩)نينسون: أم جلجامش، وقد ورد ذكر أمه الإلهية الحكيمة في الملحمة أكثر من مرة وفي أكثر من موقف. (١٠)الإيكور هو المعبد الرئيسي لإنليل إله العواصف في مدينة نيبور التي بقيت منذ العصر السومري مدينة دينية مقدسة. (١١)«سين» في الأكادية هو إله القمر، ويُسمَّى في السومرية «نانا»، وهو ابن الإلهين: إنليل وننليل، وزوجته هي الإلهة نينجال، وأولادهما هما إلها السماء عشتار إلهة الحب والحرب وكوب الزهرة أيضًا، وشمش (أوتو في السومرية) إله الشمس والعدل، كان مركز عبادته في مدينة أور وسُمِّي معبده فيها أكيشنوجال، وفي معبد آخر في حران شمالي بلاد الرافدين، حيث كان يعبد إله الضوء والنار «نوسكو» بوصفه ابن إله القمر، وقد حافظت حران على عبادتها لإله القمر حتى العصور العربية الإسلامية، وكان إله القمر سين يُصوَّر على شكل هلال بقرنين بارزين على الأختام الأسطوانية وعلى منحوتات أحجار الحدود (قاموس الآلهة والأساطير، ص٤٧-٤٨). (١٢)الإله «إيا» وهو كما ورد في هوامش سابقة إله الحكمة والتعاويذ والمتحكم في قوى الوجود ونواميسه وسيد الآبسو، أو محيط المياه العذبة في جوف الأرض (راجع اللوح الحادي عشر، الهامشين رقم ٦، ٨)، كانت أهم مراكز عبادته في مدينة أربدو، ويُطلق على معبده الرئيسي فيها اسم «بيت آبسو» أو «بيت أنجور» والاسمان متماثلان، والمعروف من الأساطير والقصص السومرية والأكدية العديدة ومن هذه الملحمة أيضًا أنه إله خير عطوف على البشر، وقد كان وراء إنقاذ «نوح» السومري والبابلي والحياة نفسها من الطوفان. (١٣)هكذا في ترجمة ألبيرت شوت، أو مسالك العالم السفلي (فراس السواح، ص٢٣٢) وحالة العالم الأسفل (سامي سعيد، ص٥٥٤، السطر ٨٨). (١٤)وقد ألقى نفسه في التراب. (١٥)وقد ألقى نفسه في التراب. (١٦)تتكون خاتمة اللوح الثاني عشر من مجموعة من الأسئلة والإجابات بأسلوب منمط ورتيب عُرِفَ به الأدب السومري، ويحتمل أن تكون قد بلغت في جملتها أربع وعشرين سؤالًا وجوابًا، ضاع منها — على الأقل حتى ترجمة هذه الملحمة ثم مراجعتها في سنة ١٩٥٨م — حوالي أحد عشر سؤالًا وجوابًا، وقد أكمل المراجع السبعة الأولى منها من النص السومري الذي نشره عالم السومريات صمويل نوح كريمر، والسطور من ١٠١ إلى ١١٧ أسقطتها ترجمة سامي سعيد. (١٧)في ترجمة طه باقر وفراس السواح: «يده مبسوطة كالكاتب الطيب» (ص١٦١، ص٢٣٢). (١٨)في ترجمة فراس السواح: أنه كراية جميلة (ص٢٣٤). (١٩)في ترجمة فراس السواح: الذي سقط من الصارية، إنه لتوه، عند مربط الحبال (ص٢٣٥) وسامي سعيد: الذي وقع من صاري السفينة، نادرة مسحوب الأوتاد (ص٥٥٥)، السطران ١٤٥-١٤٦. (٢٠)لعلها كانت ميتة فجائية كما جاء في ترجمة فراس السواح وسامي سعيد. (٢١)وزوجة تبكيه (فراس السواح وسامي سعيد). (٢٢)أي يُقدم لها الأضحيات ويُقيم شعائر الطقوس على قبرها. --- ### "كيرلس - نسطوريوس" فصل الخطاب - Published: ۲۰۲۳-۱۲-۰٤ - Modified: 2025-02-02 - URL: https://tabcm.net/16194/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: الكنيسة الجامعة, النسطورية, بابا كيرلس عمود الدين, باسيليوس الكبير، أسقف قيصرية الكبادوك, مجمع خلقيدونية بينما جاء خطاب القديس كيرلس منطلقًا من مفهوم "الإخلاء"، فعلى الجانب الأخر، جاء رد نسطوريوس متبنيًا "التنزيه"، تنزيه الإله عن أن يقع عليه ما وقع، وهو جدال قديم، حاولت فيه الكنيسة الجامعة تفنيد ودحض هذا الفكر الأنطاكي. لا تفهم الأعمال المتواضعة أنها منسوبة للاهوتبل إلى التجسد، والذي هو فعل إخلاء وتدبير لله الكلمة (القديس باسيليوس الكبير) والإخلاء لا يعني أبدا "الحط" من طبيعة الكلمة، أو أنه تغير أو أصبح أقل شأنا، فهو غير المتغير، ولكنه يعني أنّه أخذ الفقر البشري لنفسه. قبل شكل العبد، مع انه حر في طبيعته. رب المجد هو، وقيل عنه انه "قبل" مجدا. خالق الحياة، أظهر انه رجع إلى الحياة. لقد قبل كل هذا -وغيره- لأنها جزء من صيرورته إنسانًا بالحقيقة. جاء فصل القول في خطاب القديس كيرلس الثالث والأخير، الذي تُوّج باثني عشر حرما تلخص الإيمان المسيحي، وقد أثار هذا الخطاب الكثير من ردود الأفعال المتشنجة من الأنطاكيين، وبقى وثيقة محل خلاف، حتى أنّه أُستُبعد من خلقيدونية في تصرف متوقع ومفهوم. وسنستعرض هنا عددًا من هذه الحروم ذات الارتباط المباشر مع خطاب نسطوريوس مع تعليق شديد الإيجاز لها استنادًا على كتابات القديس كيرلس نفسه.   من لا يعترف أن عمانوئيل هو الله بالحقيقة، وبالتالي لا يعترف أن العذراء القديسة هي والدة الإله، لأنها ولدت جسديًا كلمة الله المتجسد، فليكن محرومًا (الحرم الأول) صاغ الآباء المباركون في نيقية تعريفًا للإيمان الأرثوذكسي، أن الكلمة المولود من الآب هو نفسه من تجسد وتأنس زمنيًا، تألم وقبر وقام ثانية، تشارك معنا في اللحم والدم، ولد من العذراء بحسب الجسد، أصبح إنسانًا مثلنا مع استمراره على ما كان عليه، ثابتًا في طبيعة ومجد الألوهة. هذا هو الإيمان الصحيح، أن عمانوئيل هو الله بالحقيقة، وعليه فالعذراء هي "أم الله".   من لا يعترف أن الله الكلمة قد وحّد نفسه أقنوميًا بالجسد، وهو مع جسده الخاص مسيح واحد وابن واحد، وأنّه هو نفسه في الوقت عينه إله وإنسان معًا، فليكن محرومًا. (الحرم الثاني) حين يقول الحكيم بولس أن الله ظهر في الجسد فإنه يعني أنّه أخذ جسدًا من العذراء القديسة ليكون له، وهو هو نفسه، هو الكلمة بدون جسد، ثم هو نفسه في الجسد، لذلك نقول أنّه إله وإنسان، مسيح واحد، هو الابن والرب، إله ورب الجميع.   من يقسم بعد الاتحاد المسيح الواحد إلى أقنومينويربط بينهما فقط باقتران من جهة الكرامة أو السيادة، وليس بالحري بتوحيدهما في اتحاد طبيعي، فليكن محرومًا. (الحرم الثالث) النفس والجسد هما من طبيعتين مختلفتين، وهما متحدان في كائن حي واحد. لذلك، نحن نفهم الأمر هكذا: إذا دعونا عمانوئيل الله فهذا لأنه الله الكلمة المتجسد والمتأنس، وحتى إذا دعوناه إنسانًا فنحن ندركه هو نفسه، لأنه نزل بشكل تدبيري إلى محدوديات الناسوت. غير المرئي أصبح مرئيًا وملموسًا، وهذا الجسد الذي نراه ونلمسه، ليس غريبًا عنه، بل جسده الخاص.   من ينسب الأقوال التي في البشائر والكتابات الرسولية إلى شخصين أو طبيعتين ((بعض الترجمات تترجمها إلى:  ... إلى شخصين أو أقنومين... ، والشخص هنا يكاد يتطابق مع الأقنوم، فيؤول الأمر إلى ترادف وإطناب لا أتصور صدوره من القديس كيرلس الذي يزن كلماته بدقة فائقة. ))، ناسبًا بعضها لإنسان فقطوناسبًا بعضها فقط لله الكلمة، لكونها ملائمة للاهوت، فليكن محرومًا. (الحرم الرابع) نحن نفهم أنّ كل الأقوال والأفعال تخصه، تلك اللائقة بالله وتلك التي تخص الإنسان، لأنه هو من أخلى ذاته -وليس هناك من دفعه ليفعل- وقَبِل فقر الناسوت الطبيعي، فلماذا يحتقر هذا الفقر؟لذلك نحن ننسب له كل الأفعال: الإلهية لأنه الله، والبشرية لأنه صار إنسانًا مثلنا. أما هؤلاء الذين يصنعون تمايزات وتقسيمات إلى "طبيعة لاهوتية" وأخرى إلى "طبيعة ناسوتية"، فهم يتكلمون عندئذ عن ابنين، ويقعون تحت الحرم.   من لا يعترف أنّ كلمة الله تألم في الجسدوصلب في الجسد، وذاق الموت في الجسد، وصار البكر من الأموات، حيث أنّه الحياة ومعطي الحياة، فليكن أناثيمًا. (الحرم الإثني عشر) هو غير القابل للتألم والموت في طبيعته الخاصة التي هي فوق كل معاناة، ولكنه أخذ جسده الخاص به من هذه الطبيعة القابلة للموت، حتى أنّه مع هذا المتآلف مع المعاناة يستطيع أن يجوزها من أجلنا، وبذلك يحررنا من الموت والفساد، بإقامته جسده حيا، وبصيرورته باكورة الراقدين وبكر الأموات. من تحمل الصليب من أجلنا وذاق الموت، كان رب المجد نفسه، الذي عانى بالجسد، وقد قبل كل هذا لأنه جزء من صيرورته إنسانًا بحسب تدبيره. --- ### يا فرانكوفوني أساحبي! - Published: ۲۰۲۳-۱۲-۰۳ - Modified: 2023-12-05 - URL: https://tabcm.net/16228/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: أحمد خالد توفيق, أحمد مراد, توفيق الحكيم, رئيس محمد حسني مبارك, نجيب محفوظ يُطلقون عليها لغة الـ"فرانكو"، اختصارًا للـ"فرانكو أراب"، ولكنها لا تمت إلى الكلمة بأي صلة. ربما لأن كلمة "فرانكو أراب" نفسها تُطلق على الأغاني التي تمزج في كلماتها الفرنسية بالعربية. ولكن لا يُفهم الكثيرون، وبخاصة مستخدمي الإنترنت المصريين، الغاية من تسمية هذه اللغة المزيفة بالـ"فرانكو". ربما كانت الكلمة الأقرب لها هي لغة الـ"إنجلو أراب"؛ لأنها تعتمد على قراءة كلمات عربية مكتوبة بحروف لاتينية ونُطقت بالإنجليزية. ولكن ما هو السر وراء كتابة العربية على الإنترنت بحروف إنجليزية؟ شيء لا يُفهم حقيقة الفلسفة التي وراءها على الإطلاق! إلا الكسل الشديد والميوعة والتعالي عن أي محاولة لحفظ أماكن الحروف العربية على الكيبورد! فرفرة وخنفسة من الآخر! الملاحظ أن حتى من يكتبون الـ"فرانكو" أو الـ"إنجلو" هؤلاء، ليس فقط أنَّ أغلبيتهم لا يعرفون أقل القليل عن الإنجليزية، لا... هم أيضًا لا يعرفون كتابة العربية نفسها جيدًا! انظر مثلاً كيف تخرج أي عبارة يريد كتابتها أحد هؤلاء الـ"فرانكوفونيين" فوق صورة ساخرة على "فيسبوك"، ثم تأملها جيدًا! لا تتعجب إذا وجدت، على سبيل المثال، كلمة "مفاجأة" قد أصبحت "مفاجئة! " وكلمة "خد" قد أصبحت "خود! "، ورُبما كانت الكلمة الأقرب لها فعلاً هي لغة الـ"إنجلو أراب"؛ لأنها تعتمد على قراءة كلمات عربية مكتوبة بحروف لاتينية ونُطقت بالإنجليزية! يسألك أحدهم، على سبيل المثال على الإنترنت: "وأنت عايز المرتب في "رينج" كام يا فلان؟"، ستجدها خرجت منه هكذا، "وإنت عايز المرتب في "رينج" كام يا فلان؟" Ring. . وليس (في "Range" كام؟! ) المسألة تتجاوز ذلك أيضا، فتجده أيضًا قد كتب لك أيضا كلمتي "Egypt" و "People" مثلا هكذا: "Egybt" و "Bebol"! ! يعني الكلمة لم تصبح صحيحة عربيًا ولا صحيحة إنجليزيا في النهاية! وطبعا هي فرصة ذهبية ليصاحب "عك" النطق عنده أيضا عك القراءة والكتابة! يكفي مثلا هذا العدد المهول الذي يكتب كلمة "فيه" هكذا. . "فى! " فيكتب لك أحدهم "هو في إيه" مثلا بدلا من "هو فيه إيه؟" لا أريد أن أشتم التعليم المجاني، لأن التعليم المجاني طلع لنا مثلًا محفوظ وزويل، لكن ربما التعليم المجاني الذي في عصر البطل المغوار حسني مبارك الذي خلى سعادة البيه الفرانكفوني ده يدرس إنجليزي سبع سنوات على الأقل (في مدارس آيلة للسقوط، محشورا في فصل به سبعين تلميذ غيره)، وفوقها الدروس الخصوصية من مدرس "أرزقى" جاهل هو أيضا، (لم تنفع معه ببصلة في الآخر)، وفوقهم أيضا لغة عربية "مكسرة" (ربما المراسل الأجنبي الذي في مصر يجيدها أفضل من أغلبية المصريين) أفرزت لنا في النهاية إنسان "إمعة" بكل ما تعنيه الكلمة في اللغتين الرئيسيتين (أشك أن الفرانكفونيين يفهمون معناها بالمناسبة، هذا إن لم يسخروا منها أولًا وآخرًا) كان من الممكن أن يجعل من هذا الفرانكفوني "المعاق لغويا" أن يسخط على مبارك مثلًا وعلى حكوماته المتعاقبة. . لكن لا طبعًا! لن تجده هذا! ستجده مؤيدًا لمبارك غالبًا! (والمسألة مش مرتبطة هنا بالإخوان، لعنهم الله). ليه بقي هتلاقيه مؤيد لمبارك غالبًا؟ لأن هذا الـ"التحفة" لم يكن عنده أصلًا مبدأ أنه يشتري جرائد مثلًا (أغلبية الجرائد مكنش عندها مواقع إلكترونية قبل 2009) ولا مجلات ولا كتب، ولا حتى من جنيه واحد في مكتبة الأسرة (فكك من حوار الظروف الاقتصادية. . مش حجة. . الجرنال كان بنص جنيه) فلم يطالع مثلًا مئات المقالات التي كتبها عشرات المعارضين في الصحافة الحزبية أو حتى الصحافة الخاصة، ناهيك عن مطبوعات الإعلام العربي المطبوع خارج مصر، فهذا شخص لا مؤاخذة جاهل بمعنى كلمة جاهل، حتى لو هو خريج هندسة، لأن ضعف اللغة عنده مرتبط عضويًا بالضعف الشديد والكسل المفرط في مطالعة أي حاجة مقروءة بأي لغة، اللهم إلا القراءة السفيهة من الإنترنت لفرانكفونيين آخرين! ربما لأن القراءة حاجة دمها تقيل وبايخة على قلبه النونو! و"كفاية علينا المذاكرة". معقولة يقعد يقرأ كتاب 350 صفحة مثلا؟! وكمان مش أدب رعب؟! دي تبقى هزلت! وممكن لا يقرأ هذه المقالة مثلًا لأنه أكسل بكثير من أن يقرأ أكثر من 4 سطور وراء بعضها إلا لو كانت "هاتضحكه! " حتى عندما يقرأ أي خبر، يقرأ منه أيضا 5 أو 6 أسطر فقط بالكثير. . تخيل هذا. . إنسان ليس عنده وسائل إدخال لعقله غير الفيديوهات (والفيديوهات القصيرة تحديدًا، "علشان بيزهق" من الطويلة "برضه! ") هل تتوقع أنه سيعرف يفكر أيضًا؟ تخيل معي "لاب توب" مثلًا بوسيلة إدخال واحدة فقط ألا وهي الـ USB. . كيف سيبدو؟ وكيف سيعمل برأيك؟! يوم إن يقرأ هذا الجهاز، فلن يقرأ أي نص سوى الذي كتبه كاتبين بالعدد. . أحمد خالد توفيق وأحمد مراد! ويعاملهما معاملة توفيق الحكيم ونجيب محفوظ! وبعدها يظن نفسه مثقفًا، ولا تتعجب إن شجعه ذلك على خوض تجربة تأليف الكتب أيضا! القراءة والكتابة دليل على شكل العقل الذي تحدثه، ولا أحد يجهل الحد الأدنى من طريقة كتابة لغة بلده جيدًا، وتجده ذو عقلًا لديه الحد الأدنى من الرجاحة! قلة الاطلاع الأبجدية هو أساس الجهل، والجهل هو أقصى الطرق لاستقرار حكم أي ديكتاتور! فلا تسهلوا طريق أي ديكتاتور قادم. . بأيديكم! وللحديث بقية إن كان في العمر بقية! --- ### [١٢] الاجتماع الأوّل - Published: ۲۰۲۳-۱۲-۰۲ - Modified: 2023-12-03 - URL: https://tabcm.net/14634/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون نسمع وإحنا ساكتين، مش هنعلق على أي حاجة تتقال، خلوا اليوم يعدي، مش عاوزين مشاكل ولا صداع، هو شوية قرارات هتتقال ولا تعليقنا هيغير ولا اعتراضنا هيغير، نسمع من سكات مر أسبوعان على عشية استقبال أبونا بطرس في كنيسته، واليوم هو الثلاثاء الأول الشهر، وهو موعد اللقاء الشهري لكهنة الإيبارشية مع الأسقف في المطرانية، وهو اجتماع دوري روتيني، أحيانًا تكون فيه كلمة روحية ومعظم الوقت لا يكون فيه أي شيئ سوى تعليمات وقرارات يعلمها الجميع بشكل مسبق، ولكن على الجميع الحضور إلا من استطاع تقديم عذر، وبما أنه الاجتماع الأول لأبونا بطرس بعد الرسامة كان لزامًا عليه الحضور. ذهب أبونا بطرس مع أبونا يوناثان وأبونا إيلاريون، أما أبونا أنجيلوس فقد اعتذر منهم بحجة أن عنده مشوار مهم وسيلحقهم فيما بعد. امتلأ الاجتماع بالآباء الكهنة على غير المعتاد واقترب أبونا إيلاريون من أذن أبونا بطرس قائلًا : ما تتعودش على زحمة النهاردة، في معظم الأوقات الكل بيقدم اعتذارات. أبونا بطرس مندهشًا : أمال إيه؟! الكل جاي عشان يسلموا على الآباء المرسومين جداد ولا إيه؟! ابتسم أبونا يوناثان ولم يعلق، وضحك أبونا إيلاريون قائلًا: طبعا يا أبونا هو محدش يستغنى عن بركة الآباء الجدد، بس هما مش جايين علشان كده، إستنى وانت تسمع أجندة الأعمال. هنا التفت أبونا يوناثان تجاه أبونا بطرس وارتسمت علامات الجدية على وجهه وهو يقول: نسمع وإحنا ساكتين، مش هنعلق على أي حاجة تتقال، خلوا اليوم يعدي، مش عاوزين مشاكل ولا صداع، هو شوية قرارات هتتقال ولا تعليقنا هيغير ولا اعتراضنا هيغير، نسمع من سكات. فهم أبونا بطرس إن الكلام موجه ليه، فأومأ برأسه علامة الطاعة، ودخل الأسقف بلحن إكإزمارؤوت، ووقف الكهنة وصلى الأسقف وأنهى صلاته سريعًا وجلس في مكانه في مواجهة الكهنة و جلس الآباء في أماكنهم وتنحنح الأسقف في المايك وقال بصوته المعهود: فضولي أول ديسك. فقام الآباء الجالسين فيه ليبحثوا عن أماكن أخرى وعلى الرغم من استجابتهم السريعة، إلا أنهم سمعوا الأسقف وصوته يعلو: يلا بسرعة خلصونا يومنا لسه طويل، عاوز الآباء المرسومين جداد يطلعوا لي هنا في الأول. أبونا بطرس همس وهو يقوم من بين أبونا يوناثان وأبونا إيلاريون: إيه يا جماعة هو هيضرب المرسومين جداد ولا إيه؟! أبونا إيلاريون لم يتمالك نفسه فضحك فغمس رأسه بين كفيه على ظهر المقعد الذي أمامه لكيلا يلحظه أحد أنه يضحك و خصوصًا الأسقف. قام الثلاثة أباء الجدد الذين رسموا مع أبونا بطرس وذهبوا أربعتهم للمقعد الأول، وجلسوا، لكن الأسقف أشار إليهم بيده لكي لا يجلسوا ويظلوا واقفين، وأشار إليهم ليستديروا ويقفوا في مواجهة مجمع الآباء. أبونا إيلاريون في منتصف الكنيسة همس في أذن أبونا يوناثان: صدقني يا أبي أبونا الأسقف ده هيطلع في آخر الفيلم كان يا مدرس دراسات، يا أمين شرطة. ولم يعلق أبونا يوناثان للمرة الثانية، وقطع الحديث صوت الأسقف في المايك موجهًا حديثه للكهنة الجدد: لفوا ناحية باقي الآباء، طبعًا النهاردة بنرحب بالآباء الجدد وبانضمامهم لمجمعنا، مجمع إيبارشيتنا وبنقولهم مبروك عليكم نعمة الكهنوت، وطبعا لازم تبقوا عارفين إن اجتماعنا ده شهري والحضور فيه إلزامي وكل اللي بيتقال فيه سري للغاية ممنوع يخرج برة اللي قاعدين من بعد ما بنخلص، وطبعًا ممنوع منعًا باتًا الغياب أو الاعتذارات عشان اللي مش بيلتزم بحطه في المفرمة، ثم ضحك والتفت برأسه و كأنه أعطى الإشارة لبعضهم أنه قال مزحة أو نكتة، ليضحك الجلوس في الصفوف الأولى بمشهد هزلي وكأن معلم الفصل يمسك في يديه دفتر درجات أعمال السنة وقال مزحه سخيفة فجامله بعض الطلبة المنافقين طمعًا في الحصول على أعمال السنة. وبعدما انتهى الجميع من الضحك أشار للكهنة الجدد ليجلسوا، فجلسوا في المقعد الأول الذي كانوا يقفون أمامه ليجدوا الأسقف يقول: لأ متقعدوش قدامي، كل واحد يرجع مكانه خلاص. فعادوا إلى أماكنهم السابقة ولم يفهم أحد لماذا طلب من الجلوس أن يتركوا الصف الأول. عاد أبونا بطرس بجوار أبونا يوناثان وأبونا إيلاريون ليجد أن أبونا أنجيلوس قد وصل، سلم عليه وجلس وأبونا إيلاريون يهمس قائلًا: الحمد لله عدت على خير. ليهز أبونا يوناثان رأسه بجدية: لسه مفيش حاجة عدت. ليسمع الجميع صوت الأسقف: نبدأ اجتماعنا بقى، يا أبونا باسيليوس فين كشوفات الخدام بتوع مدارس الأحد اللي طلبتها من الاجتماع اللي فات. ليرد أبونا باسيليوس: يا سيدنا أنا بلغت كل الآباء المسئولين عن الخدمة ووصل بس الكشوفات اللي قدام نيافتك. فنظر إليها الأسقف و رفع حاجبيه و رفع صوته في المايك: خمس كنايس بس من ٢٤ كنيسة في الإيبارشية؟! ده تسيب. . ! ده إهمال. . ! ! ده استهتار... ! ! ! رفع أبونا زوسيما يده طالبا الإذن بالكلام، فأشار له الأسقف بالموافقة، فوقف وقال: يا سيدنا إحنا الكشوفات ديه بتطلب مننا كل شهرين ثلاثة من أكتر من ١٢ سنة وإحنا سلمناها أكتر من مرة، مش إحنَا بس يا سيدنا، كل الكنايس قدمت الكشوفات أكتر من مرة، فأنا حقيقي مش فاهم هل هيَّ بتضيع فبيطلب بدالها، ولا هيَّ بتطلب ليه مع إن مفيش حاجة حصلت فنقول مثلا تحديث بيانات، أنا قدمت الكشوفات ديه مطبوعة ومكتوبة وsoft copy على فلاشة وبعتهم على الإيميل لأبونا أكتر من مرة، وأعتقد إن كل كنيسة عملت كده فأنا بصراحة فكرت إنه ملهاش لازمة إني أقدمها ثاني. قاطعه الأسقف ضاربًا براحة يده على الكتب أمامه: إيه؟! فكرت ؟! ! لأ يا أبونا متفكرش، أنا اللي بقول عليه يتنفذ وخلاص، أنا عندي رؤية أنتم مش شايفينها ولا فاهمينها، وبعدين تعالى هنا يا أبونا، هو أنا مش قلت ممنوع الاجتماعات المختلطة، أزاي يا أبونا تعملوا اجتماع ثانوي مشترك، مش أنا قلت بيوت صلاة، بيت طهارة، بيوت بركة، أنا كلامي مش بيتسمع ليه يا أبونا؟! ! - يا سيدنا إحنَا فاصلين اجتماع ثانوي من ساعة ما نيافتك قلت وبنعمل لقاءات دورية مشتركة كل كام شهر بندعي فيها متكلم متخصص، وبعدين نيافتك عارف الموضوع ده، وديه مش أول مرة. - يعني كمان بتعترف إنك مش أول مرة تكسر كلامي، عال عال، لأ وبتقول عادي كده وسط الناس، وبعدين إيه المواضيع المقرفة اللي بتكلموا فيها العيال دول. - يا سيدنا مش بنكلمهم في مواضيع مقرفة، إحنا بنوعيهم، ولو الكنيسة مش هيَّ اللي قامت بتوعية ولادها المجتمع مش هايسبهم في حالهم. - و حبكت بقى توعوهم في لقاء مشترك يا أبونا. - يا سيدنا الموضوع كان عام جدًا ومفيهوش أي حاجة، إحنا كنا بنكلمهم على إدمانات مواقع السوشيال ميديا. - ما أنا عارف يا أبونا، هو قدسك فاكرني قاعد في المطرانية هنا نايم على وداني، أنا دبة النملة في كنيستك بتوصلني، أنا عارف كل واحد بيقول ايه، وبيعمل إيه وبيكتب إيه. أبونا بطرس تعجب وسأل أبونا يوناثان: إيه ده! هو سيدنا عنده حساب على السوشيال ميديا! ؟ أبونا يوناثان رد هامسًا: لأ معندهوش - أمال بيعرف منين الكلام ده! ! ؟ أبونا إيلاريون قال: العصافير بتوصل سكرينات وفويسات دورية. امتعض أبونا أنجيلوس من طريقة رد أبونا إيلاريون، واندهش جدًا أبونا بطرس وهو يتسأل متعجبًا: سكرينات! ! ! ؟ هو حتى هنا فيه عصافير! ! ؟ مهتمش أبونا إيلاريون بطريقة اعتراض أبونا أنجيلوس الصامتة على كلامه وأكمل موجهًا كلامه لأبونا بطرس: يووووه عصافير، وصقور، وديابة، وضباع، كل اللي برة هتلاقي زيه جوة. قاطعه أبونا يوناثان بحزم: في كل مكان يا أبونا فيه يهوذا اللي بيسلم وبيخون وفيه يوحنا اللي بيكمل لحد الصليب، ده مجتمع كامل زي أي مجتمع مش مثالي، بس ده مش معناه إن مفيهوش مثاليين. أبونا بطرس سأل أبونا يوناثان: طب هو ليه سيدنا بيناقش أبونا زوسيما في موضوعات خاصة تخص كنيسته وخدمته في الاجتماع العام، ما يبقى يناقشه لوحده. هنا رد أبونا أنجيلوس: عشان ده مش موضوع خاص، بس هو أبونا زوسيما اللي الحماسة خدته واعترض، ماهو لو كل واحد يقعد ساكت ويسمع من سكات ويتعلم مش كل حاجة يعترض عليها ويبان أن مُصلح الكون، محدش هيتحط في موقف بايخ. قاطعهم صوت الأسقف: الآباء اللي قاعدين ورا ومش معانا، بتتكلموا في إيه؟! قوم يا أبونا أنجيلوس قوللي سايبين كلامنا المهم وبتقولوا إيه؟! أبونا أنجيلوس وقف، والمجمع كله التفت ناحيته وقال: حاللني يا سيدنا، أنا كنت بقول للآباء إن نيافتك معاك حق، ولازم نسمع كلام نيافتك حتى نيافتك هتلاقي قدامك ٣ كشوفات بأسماء خدام كنيستنا زي ما نيافتك طلبت، ومعايا نسخة رابعة أهيه جاهز بيها علشان لو نيافتك طلبت نسخة زيادة نكون جاهزين بيها ومنعطلش، اللي نيافتك عاوز تعمله في الإيبارشية. - الله عليك يا أبونا أنجيلوس، أنا عاوزكم تتعلموا من أبونا الالتزام والطاعة والنشاط، أقعد يا أبونا عفارم عليك، هاه يا أبونا زوسيما ياللي فكرت، قوللي بقى اجتماع جامعة طلع رحلة ليه الشهر اللي فات؟ رغم إني مانع الرحلات . . يتبع . . --- ### مبارك شعبي مصر
رحلة زمنية مع برديات إلفنتين - Published: ۲۰۲۳-۱۲-۰۱ - Modified: 2023-12-12 - URL: https://tabcm.net/16118/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, كتاب مقدس - وسوم: أركيولوچي, أفروديت, أنبا مكاريوس، أسقف المنيا, إله إسرائيل, إنانا, السبي البابلي, بنتاتوخ, تناخ, توراة, جشم العربي, حركة المقاومة الإسلامية: حماس, حورس, خنوم, زيوس, سنبلط الحوروني, طوفان الأقصى, عشتار, ڤينوس, مكابيين, ملك نبوخذ نصر الثاني, ملك يوشيا, مملكة إسرائيل, مملكة يهوذا, ميلتون روكيتش, نخاو الثاني, هيكل سليمان, يهوحانان بن ألياشيب, يهوه, يوسيفوس فلاڤيوس لو انت في مصر، فأكيد طبعا أكيد سمعت الأية دي، وبتتقال كدا: "من مصر دعوت ابني.. مبارك شعبي مصر"، فإنت تحس إن دي آية واحدة، ومن العهد الجديد لكونها بتتكلم عن “ابني” اللي هو المسيح طبعا.. للأسف ﻻء.. فهمك خاطئ تمامًا لو انت في مصر، فأكيد طبعا أكيد سمعت الأية اللي في العنوان، وبتتقال كدا: من مصر دعوت ابني. . مبارك شعبي مصر فإنت تحس إن دي آية واحدة، ومن العهد الجديد لكونها بتتكلم عن "ابني" اللي هو المسيح طبعا. . صح؟ للأسف ﻻء. . فهمك خاطئ تمامًا. . دول أيتين متجمّعين، واﻵيتين من العهد القديم، ومن سفر إشعياء، وكل آية في أصحاح غير التاني. آية "مبارك شعبي مصر" مش مجرد مدموجة في نص وسياق مختلف، وإنما أيضاً مجزّأة. . دي الآية الكاملة: ((سفر إشعياء، الإصحاح 19: 25 )) مبارك شعبي مصر، وعمل يدي أشور، وميراثي إسرائيل (إشعياء 19: 25) الأية دي أنا قريتلها أكتر من تفسير سواء مسيحي أو يهودي. . وبصراحة أنا شايف ثغرات مش مغطيها أي تفسير ديني، بس لقيتلها تفسير تاريخي وأركيولوجي محدش متدين هيقبله بسهولة (أي متدين، يعني المسلمين مشمولين مش بس اليهود فقط أو المسيحيين). لكن بسبب الأوضاع اللي فرضتها حركة حماس على فلسطين قبل ما تفرضها على إسرائيل في عملية طوفان الأقصى، أصبحنا كلنا كمسيحيين مطالبين بإعلان موقف، ومحتاجين نحط فواصل بين النظرة الدينية لكتب التناخ العبراني وبين النظرة المسيحية لنفس النصوص. كمان أنا مصري، ومصر ليها وضع استثنائي إضافي لكونها بحسب التاريخ أولًا، والنصوص العبرانية المقدسة ثانيًا هي طرف أصيل في المعادلة. وده ممكن يسبب ارتباك إضافي للقبطي لما بيلاقي أجداده، قدماء المصريين، في حالة صراع مع "شعب الله" مش في قصة الخروج بس، ولكن كل ما تلاها لكون المملكة المصرية هي اللي أطاحت بمملكة يهوذا من بعد ما حليفتها مملكة آشور ما أطاحت بمملكة إسرائيل، قبل أن تظهر مملكة بابل وتختطف المنطقة من الجميع. الدراسة بتاعت النهاردة في المنطقة دي. بتتدخّل بشكل علماني لترتيب الأوراق في المناطق الضبابية لتعيد تشكيل إنحيازات المسيحي المصري بشكل أكثر أكاديمية وأقل تراثية. لذلك، باتوقع إن نسبة قبول مثل هذه الدراسات عند العامة بيتزايد، لكونها بتقدم حلول جديدة وليس تكرارا وعظيًا مستهلكًا. خلينا في الأول نوضّح إن النص في الترجمة العربي دقيق في كلمة "شعبي مصر" (بياء الملكية، مش "شعب مصر") المتكلم هنا هو الله. . و"شعبي" لما تتقال من الله يبقى "شعب الله"، وفي العهد القديم تطلق على بني إسرائيل فقط. خصوصًا إن قبل الأية دي في لعن وسب لآلهة المصريين، فغالبا المقصود:شعبيمصر بمعنى: "سلالة يعقوب الموجودة في مصر"خلينا ناخد النص من أوله. . معلش هو طويل شوية، بس ده النص مثار الفحص، واللي هايوضحلنا السياق، وما به من قرائن قوية على حاجات يصعب تصورها نظرا لموروثاتنا عن اليهود: ((سفر إشعياء، الإصحاح 19: 1-10 )) وحي من جهة مصر: هوذا الرب راكب على سحابة سريعة وقادم إلى مصر، فترتجف أوثان مصر من وجهه، ويذوب قلب مصر داخلها. وأهيج مصريين على مصريين، فيحاربون كل واحد أخاه وكل واحد صاحبه: مدينة مدينة، ومملكة مملكة. وتهراق روح مصر داخلها، وأفني مشورتها، فيسألون الأوثان والعازفين وأصحاب التوابع والعرافين. وأغلق على المصريين في يد مولى قاس، فيتسلط عليهم ملك عزيز، يقول السيد رب الجنود. وتنشف المياه من البحر، ويجف النهر وييبس. وتنتن الأنهار، وتضعف وتجف سواقي مصر، ويتلف القصب والأسل. والرياض على النيل على حافة النيل، وكل مزرعة على النيل تيبس وتتبدد ولا تكون. والصيادون يئنون، وكل الذين يلقون شصا في النيل ينوحون. والذين يبسطون شبكة على وجه المياه يحزنون، ويخزى الذين يعملون الكتان الممشط، والذين يحيكون الأنسجة البيضاء. وتكون عمدها مسحوقة، وكل العاملين بالأجرة مكتئبي النفس. (إشعياء 19: 1-10) ركزوا إن في خضم اللعنات في انقسامات داخلية في المملكة المصرية (الكلام شبه حرب أهلية أو حرب شوارع مع صراع على الحكم) وفي انتشار للسحر والشعوذة (الأديان البديلة) وفي ملك ديكتاتور مبياخدش رأي حد متزامن مع جفاف لنهر النيل، ومن ثم الترع السمك والسواقي والحقول والقصب والكتان وكل ده، بالتبعية هيتوقف، وتحصل مشاكل اقتصادية يعاني منها أكثر ناس العمال بأجر يومي. عارفين ده حصل كام مرة؟ وإجتزناه كام مرة؟ ماتعدش! الجزئية اللي بعدها بتتكلم بغشومية عن "صوعن"، وصوعن دي مدينة إتعملت في عصر الأسرة السادسة تاريخيًا. فكدا ممكن نجيب تحديد زمني أدق للكلام، وبرضو السياق مهم فخلينا نحط النص زي ما هو الأول: ((سفر إشعياء، الإصحاح 19: 11-17)) إن رؤساء صوعن أغبياء! حكماء مشيري فرعون مشورتهم بهيمية! كيف تقولون لفرعون: «أنا ابن حكماء، ابن ملوك قدماء»؟ فأين هم حكماؤك؟ فليخبروك. ليعرفوا ماذا قضى به رب الجنود على مصر. رؤساء صوعن صاروا أغبياء. رؤساء نوف انخدعوا. وأضل مصر وجوه أسباطها. مزج الرب في وسطها روح غي، فأضلوا مصر في كل عملها، كترنح السكران في قيئه. فلا يكون لمصر عمل يعمله رأس أو ذنب، نخلة أو أسلة. في ذلك اليوم تكون مصر كالنساء، فترتعد وترجف من هزة يد رب الجنود التي يهزها عليها. وتكون أرض يهوذا رعبا لمصر. كل من تذكرها يرتعب من أمام قضاء رب الجنود الذي يقضي به عليها. (إشعياء 19: 11-17) الخلاصة العامة ممكن نقول: مزيد من اللعنات وسب الدين لمصر وشعبها ونظام حكمها، وﻻ في أي بركات، وكله "ردح إلهي" وفي نبرة تحدي واضحة لنظام الحكم اللي في "صوعن". نلاحظ إن النص ابتدأ يتكلم عن "رؤساء صوعن" وإنها مركز الحكم والقيادة (العاصمة) فكدا إحنَا ممكن بنتكلم عن الأسرة 12 مش السادسة، لأن الكلام عن صوعن مش كتأسيس وإنما كعاصمة رئاسية، وده محصلش في الأسرة السادسة وإنما بعدها، عند الأسرة 12. أما ذكر "رؤساء نوف" فده دلالة على العراقة والأصل القديم مش أكتر، ومنقدرش نعتبره دلالة على زمن لأن "نوف" هي "منف"، ممفيس، أو حوت كا بتاح ودي العاصمة القديمة جدا في الجيزة، ومن زمن تسمية مصر بإيجيبتوس اليونانية لوصف المملكة المصرية كلها في عصور ما قبل التدوين. "صوعن" كعاصمة أو كنظام حكم مضببة وغامضة شوية، لأن حكام مصر في الفترة دي مش كلهم من المصريين وفي كلام عن الـ "حكاو خاسو" وده عليه نظريات كتير. منها من يقول إن دول الرعامسة وده الكلام الكلاسيكي بتاع الوزارة واللي هو فعليا مش تاريخ قوي بقدر ماهو توافق على اعتقادات دينية غير محققة تاريخيا. ومنهم من يقول إن دول الـ "عابيرو". وعابيرو دي مشكلة تانية لأنها بتطلق على شعبين سويا كان المصريين مش بيعرفوا يميزوهم عن بعض من الغباوة بتاعتهم: العبرانيين والعرب. . الإتنين قبائل بدوية بترعى غنم وحتى لغتهم العربي والعبري ذات أصول مشتركة وشبه بعض ووﻻد عم. ربما مهم تعرف عن صوعن إنها كانت في وقت الأسرة 19 مقر عبادة الإله Seth عدو الإله حورس الشهير. القصة السياسية هنا إن ملوك الأسرة 12 أخدوا مدينة صوعن من الحكاو خاسو وأبقوا عليها كعاصمة، وحصنوها لجعلها مركز مراقبة الهجمات الشرقية على مصر. ومن وقتها بتتسمى بأسماء تاني زي افرس وتانيس، ولأنها مركز مراقبة للأعداء إتحطت (في زمن "سيتي الأول"، أسرة 19) رمز عبادة "سيت" ذو وجه "إبن آوى" لبث الخوف والرعب في الأعداء دول. كدا لو ضمينا المعلومة الأولى بتاعت إن في حرب أهلية وإنقسامات داخلية، مع غموض مسألة الحكاو خاسو واللي مش معروفين مين بس هما أجانب بالنسبالنا (وقرايب بالنسبة للعبرانيين) وإن في صراع على الحكم بيننا وبين الحكاو خاسو والإتنين واخدين "صوعن" عاصمة. . فالكلام كدا ممكن -من وجهة النظر العبرانية على الأقل- إن ده اقتتال داخلي والمصريين بيقطعوا بعض. . فكدا بنحدد الزمن بدقة أكبر لأننا فهمنا خلفية المتكلم ونظرته للأحداث. هانكمل مع النص اللي فجأة سياقه هايتغير، من اللعنات للبركات، والكلام هيتحول عن 5 مدن مصرية بتعبد الله الكنعاني - El إيل، بعد كل مظاهر الشردحة اللي فاتت دي كلها: ((سفر إشعياء، الإصحاح 19: 18-25 )) في ذلك اليوم يكون في أرض مصر خمس مدن تتكلم بلغة كنعان وتحلف لرب الجنود، يقال لإحداها «مدينة الشمس». في ذلك اليوم يكون مذبح للرب في وسط أرض مصر، وعمود للرب عند تخمها. فيكون علامة وشهادة لرب الجنود في أرض مصر. لأنهم يصرخون إلى الرب بسبب المضايقين، فيرسل لهم مخلصا ومحاميا وينقذهم. فيعرف الرب في مصر، ويعرف المصريون الرب في ذلك اليوم، ويقدمون ذبيحة وتقدمة، وينذرون للرب نذرا ويوفون به. ويضرب الرب مصر ضاربا فشافيا، فيرجعون إلى الرب فيستجيب لهم ويشفيهم. في ذلك اليوم تكون سكة من مصر إلى أشور، فيجيء الأشوريون إلى مصر والمصريون إلى أشور، ويعبد المصريون مع الأشوريين. في ذلك اليوم يكون إسرائيل ثلثا لمصر ولأشور، بركة في الأرض، بها يبارك رب الجنود قائلا: «مبارك شعبي مصر، وعمل يدي أشور، وميراثي إسرائيل» (إشعياء 19: 18-25) دي النهاية السعيدة بأه، والغير مبررة على الإطلاق. . مبدأياً، مملكة آشور معادية لمملكة إسرائيل. . ومملكة مصر احتلت مملكة يهوذا (أخت إسرائيل التوأم) في عصر الملك نخاو الثاني إبن بسماتيك الأول. . وأيوه فعلا المملكتين المصرية والآشورية حليفتان وصديقتان فدول طبيعي مع بعض على البابليين. . أما مملكتي إسرائيل ويهوذا فكانوا صغيرين جدا وبيتدهسوا وسط الكلام الكبير.  فإزاي بقى يجتمع الحليفان القويان، مصر وآشور، مع عم يهوه اللي بيتشعبط في رضا واحد فيهم يحميه؟ هاتعرف إن الاستشكالية أكبر كمان لو عرفت إن الملك يوشيا، الموصوف بالملك الصالح، والوحيد اللي التوراة شكرت فيه من ملوك يهوذا، ده تحالف مع البابليين ضد نخاو التاني وعرقل أسطوله المتوسطي، فنخاو قتله ودهس مملكة يهوذا وكمل طريقه لنصرة الحلفاء في آشور باتجاه جلجميش. ده سبب احتلال مصر أساسًا لمملكة يهوذا، إحتلوها بالمرور، بالصدفة، ومكانتش في الذهن خالص (إحتقاراً، لأنها مش ند تخاف منه) وتم تحويلها لمقاطعة تحت السيادة المصرية، لذا فالعداء الديني متوقع يكون صعب جدا على مصر اللي قتلت أنضف ملك ذكرته التوراة. . يعني اللعنات والشتائم طبيعية جدا، لكن المباركة هيّ اللي مش طبيعية. . إزاي وتيجي إزاي؟ «شعبي - عمل يدي - ميراثي » دول 3 ممالك. . ثالوث الممالك ده كيف يعبّر عن نسق ديني توحيدي كله لـ"يهوه"؟ شعبي ويدي وميراثي! ؟ كدا إنت ممكن تكون فهمت الاستشكاليات بشكل كبير، ومن اللي جاي، هانتكلم بالفصحى لدواعي الدقة، ﻻ يوجد اتفاق بين المؤرخين على ماهيّة الدين العبراني في ذاك العصر. نحن نلاحظ -بحسب سفر الملوك على الأقل- أن أغلب الأوقات يعبد اليهود آلهة مختلفة، ﻻ توجد سوى استثناءات بسيطة في تاريخهم الذي يصفه سفر الملوك أيضًا، الاستثناء هو أن يعبد اليهود "يهوَه" فقط كما في فترة حزقيا ويوشيا. نلاحظ أيضًا عبر تعبيرات وتراكيب لغوية في أسفار العهد القديم أكبر من أن تحصى، أن يهوَه يقدّم نفسه باعتباره "إله الآلهة" ، التعبيرات الشبيهة توضح أن يهوَه ليس هو "الإله الوحيد"، لكنه الإله الأعلى، أو الأقوى، أو الوحيد الجدير بالعبادة، لكن ليس بالضرورة الإله الوحيد الموجود. بطريقة أخرى: يقدّم نفسه كإله حقيقي في وسط آلهة مزيفة أو محدودة أو ضعيفة على الأقل. في الفترة المُبكرة من تاريخ الشعب العبراني لم يكن الاعتقاد بوجود "إله واحد" بنفس المعنى الذي يبدو عليه اﻵن، الدين العبراني لم يكن Monotheistic ، لأن الصورة التي يقدمها سفر الملوك أو الكتب المُبكرة هو انه أحد أنواع الـMonolatrism ، بمعنى أن التوراة ذاتها تدعم الاعتقاد بوجود عدة آلهة، لكن الإله الوحيد الجدير بالعبادة هو يهوَه، بل أن هذا التصوّر لم يكن منتشرًا سوى عند النخبة المثقفة والكهنة والأنبياء، لكن أغلب عوام اليهود كانوا يعبدون عدة آلهة إلى فترة السبي تقريبًا، ولم يحدث أن اليهود عبدوا إلهًا واحدًا بالشكل التوحيدي المونوثيستي سوى في فترات قليلة كالتي تم ذكرها. أما بعد فترة السبي، بدأت الأفكار اليهودية تميل إلى أن: يهوة يعاقبنا. . ويهوة فقط من يمكنه هذا. . وهو من قال لنا هذا. . وبدأت الاعتقادات تتحرك إلى شكل التوحيد المونوثيستي بشكل جماعي واسع، ولم يحدث الثبات على الشكل التوحيدي الخالص الأخير إﻻ في عصر مُتأخر قد يصل لعصر المكابيين في القرن الثاني أو الثالث قبل الميلاد. من ناحية أخرى، كان الإله El إيل، هو إله الكنعانيين، وقد استخدمه العبرانيون الأولون في التعبير عن يهوَه، هذا التشويش والتداخل في الرمز الديني كان له توظيفًا سياسيًا مفيدًا. فكرة أن إله العبرانيين في الشمال و”إيل” متداخلين أو متشابهين أو هما نفس الإله، هي فكرة ساعدت بشكل ما في تأقلم العبرانيين من مملكة إسرائيل مع جيرانهم الكنعانيين. وفكرة أن شعب ما، يقدم آلهته باعتبارها نفس آلهة الشعوب المجاورة بشكل عام، هي فكرة تعكس سعيًا للدمج والاندماج مع الشعوب المجاورة. وربما تكون هذه النظرة أكثر وضوحًا مع الحضارات والثقافات الأكبر والأضخم مثل علاقة اليونان بالرومان، والتي تحوي بالضرورة أفكارًا دينية أن كل رمزٍ أو إله، له نظير عند الشعب الأخر مثل زيوس ونظيره جوبيتر، وغيرهم. تساعد أفكار اﻵلهة المتناظرة أو المتماثلة أو حتى الأفكار الأعمق مثل توحيد الإله الواحد في أديان مختلفة على تعزيز الثقة بصحة العقيدة الذاتية (لزيادة مساحة معتنقيها ولو بالشبه وبالخطأ وبالتحريف) وأيضًا تعزيز مسألة قبول اﻵخر (فاﻵخرين الذين يعبدون نفس آلهتنا، هم شبهنا، هم مثلنا، هم: "نحن"). ووفقًا لنظرية "نُسق المعتقد" لعالم الاجتماع: ميلتون روكيتش (1960): إنّ التناظر أو التماثل أو التطابق بين المعتقدات يحدد مواقف الجماعة من الجماعات الأخرى بشكل كبير، فكل من يشاركنا المعتقد، هم: "نحن"، وكل من يخالف معتقداتنا هم: "الآخرين"، المعادين أو الخصوم. ((Belief System Theory, by Milton Rokeach, (December 27, 1918 – October 25, 1988) )) والإله "إيل" هنا هو فكرة تساعد في تأقلم شعب مملكة إسرائيل في الشمال مع جيرانهم الكنعانيين في هذا الوقت، وعندما حدث هذا وتم اعتبار "إيل" الكنعانيين إله مُكافئ لإله العبرانيين، تم عبادة بعض الآلهة الأُخرى مع يهوَه ، أشهرهم الإلهة أشيرا . كنا قد شرحنا في دراسة سابقة ((المملكتان. . دراسة لتطور نظم الحكم في إسرائيل )) فكرة التوظيف السياسي لفكرة اﻵلهة المتناظرة في مساعدة الشعوب البدائية على التأقلم الاجتماعي مع الشعوب الأخرى، خاصة بعد الحروب، لذا لن نكرره .   في خلال فترة السبي البابلي، اضطر اليهود إلى الهرب من مملكة يهوذا إلى المملكة القوية التي يكرهونها، وكُتب عنها سفر الخروج: المملكة المصرية. وبالتأكيد كان هذا يعكس تحديات زمنية جديدة إستدعت تطويرا ﻻهوتياً يستوعب هذا التحدي. بالأخذ في الاعتبار ما ذكرناه عن تناظر اﻵلهة في التأقلم مع الشعوب خاصة بعد أوقات الحرب والعداء، وبالعودة إلى العدو "مصر"، كان بعض اليهود يعبد يهوَه في elephantine temple معبد إلفنتين في جزيرة فِيَلَة في أسوان، ويقدمون العبادة للثالوث: (يهوَه، عناة، خنوم). ((مدخل إلى سفريّ المكابيين، الأنبا مكاريوس الأسقف العام. فصل: اليهود خارج فلسطين وفي مستعمرة ألفنتين )) عناة: هي إلهة كنعانية، مقر عبادتها يقع في مدينة عناتوت الإسرائيلية، وعناتوت بالأصل على اسم الإلهة عناة، زوجة الإله الكنعاني إيل، والذي إستخدمه العبرانيون كاسم بديل لـ"يهوة" في تناظر مع إله الكنعانيين سلفا. أما الإله خنوم فهو الإله المسؤول عن فيضان النيل عند قدماء المصريين، والذي كان يُعتقد أنه الإله الذي يخلق الأطفال من طمي النيل ويضعهم في أرحام الأمهات، فكان يتم اعتباره إله للخصوبة أيضًا. فكرة السبي البابلي الذي دمر من خلاله الملك نبوخذ نصّر الثاني، المملكتان اليهوديتان: إسرائيل ويهوذا، من الطبيعي أن تثير الذعر الوجودي لمسألة "بقاء النسل اليهودي"، ومن هنا يكتسب إله الخصوبة "خنوم" أهمية قصوى للعبادة بجوار يهوه و"عناه" زوجة "إيل" الكنعاني، والأم الجنسية الحنونة والتي كانوا يعبدونها سلفًا وأتت معهم إلى مملكة مصر من عناتوت الإسرائيلية. نعود ونؤكد أننا نتحدث عن فئة، وﻻ نستطيع الجزم بأن كل اليهود في مصر كانوا يتعبدون ليهوَه بهذا التصوّر الثالوثي. بل كثير من الهاربين لمصر كان يعاني وأحيانًا يُضطهد بسبب أن يهوَه -بالنسبة له- ﻻ مثيل أو نظير له عند الشعوب الأُخرى. من أشهر كتبة التوراة الذين عاصروا هذه الفترة وهربوا إلى مصر، إرميا النبي والكاهن العبراني، والمنسوب له كتاب المراثي كاملًا، والذي وُلد في مدينة "عناتوت" عام 645 ق. م. ((Seals of Jeremiah’s Captors Discovered, Armstrong Institute, January 12, 2022 )) بالإضافة لتلميذه نحميا النبي والكاهن، والمنسوب له كتاب نحميا كاملا. معبد إلفنتين قد تم تدميره فيما بعد، والمصادر التي عرفتنا بوجوده وطريقة عبادته هي elephantine papyri ، وهي مجموعة أثرية تتكون من 175 مخطوطة أو بردية كل منها وثيقة كاملة، وألوف من الشظايا والهتًامات المبعثرة. وقد راعيت في هذه الدراسة ترجمتها  كما هي باسم "إلفنتين" وليس "فِيَلَة" حتى لا يحدث تداخل اصطلاحي مع جزيرة فيلة أو معبد فيلة الحاليين. من المحتمل أن تكون الجالية اليهودية في إلفنتين قد تأسست كمنشأة عسكرية في حوالي عام ٦٥٠ قبل الميلاد، في عهد منسى. من الأمور الضمنية الواضحة من الوثائق التاريخية، بما في ذلك الكتاب المقدس، أن "منسى" أرسل فرقة من الجنود اليهود لمساعدة الفرعون بسماتيك الأول في حملته على النوبة، والانضمام إلى بسماتيك في التخلص من نير آشور، ثم نير الإمبراطورية الآشورية، القوة العظمى العالمية. نالت مصر استقلالها، لكن ثورة منسى باءت بالفشل؛ لكن الجنود اليهود بقوا في مصر. ((Prof. Bezalel Porten, Institute of Biblical Archaeology Review, May-June 1995 issue )) (Prof. Bezalel Porten, Biblical Archaeology Review, May-June 1995 issue) يعتبر المجتمع اليهودي في إلفنتين غير معتاد من حيث أنه احتفظ بعدد قليل جدًا من العادات الكتابية، وعلى الرغم من أنهم كانوا يتعبدون في معبد يشبه إلى حد ما معبد سليمان في التصميم، إلا أن قانون الكتاب المقدس العبراني يحظر إنشاء مثل هذا الصرح. يجمع الدارسين على أن هذه البرديات سابقة على كتابة التوراة، ومن ثم لم يكن الحظر التثنوي بالذبح خارج أورشليم مطبقًا بعد. علاوة على ذلك، تُظهر برديات إلفنتين أن المجتمع استخدم اللغة الآرامية بدلًا من العبرية. كل هذا قد حير الدارسين. إحدى النظريات هي أن هؤلاء اليهود كانوا في الأصل من مجتمع شمالي يقع في سوريا (ربما يشبه البؤر الاستيطانية الإسرائيلية الشمالية المذكورة في الكتاب المقدس ((راجع سفر الملوك الثاني، الإصحاح 14 ))). وربما كان هذا المجتمع مكونًا أيضًا من الفرق السامرية الوثنية، التي حلت محل مملكة إسرائيل الشمالية بعد هزيمتها النهائية عام 718 ق. م. على أي حال، يمكن القول إن الحالة الدينية في عهد منسى كانت أسوأ وأكثر دموية من الأمم الوثنية المحيطة، لذلك لا ينبغي أن يكون مفاجئًا أن الممارسات الدينية في إلفنتين ستكون "يهودية" بالاسم فقط. ((Elephantine Papyrus: Proving the book of Nehemiah, By Christopher Eames and Warren Reinsch • July 17, 2019 )) البردية رقم 30 من برديات إلفنتين، تعطينا معلومات عن أسماء أشخاص مذكورين في الكتاب المقدس، مما يعد دليلًا أركيولوجيًا يساعدنا في ضبط التقاطعات المبهمة عن الزمن المعني. تبدأ البردية بالنص التالي: إلى باجوهيوالي يهوذا،الكهنة الذين في قلعة ألفنتين. «رسالةسيدنا يهوحانان، رئيس الكهنة، وزملائه الكهنة الذين في أورشليم، وإلى أوستانيس شقيق عناني ونبلاء اليهود» (مطلع البردية رقم ٣٠، برديات معبد إلفنتين) البردية في مجملها هي نسخة من رسالة رسمية، أُرسلت إلى أورشليم، من معبد YHW وهو الشكل اﻵرامي للكلمة العبرية YHWH الذي تم بناؤه في قلعة إلفنتين، وفحوى الرسالة تطلب الإذن بإعادة بناء المعبد بعد تدميره على يد القوات المصرية. سنعود للوالي "باجوهي" بعد حين، يهمنا "يهوحانان"، رئيس الكهنة. و"يهوحانان" هو نسخة أطول من اسم "يوحنان"، والمقصود هنا هو "يوحنان بن ألياشيب" رئيس الكهنة الذي خدم في زمن عزرا ونحميا ((وكان بنو لاوي رؤوس الآباء مكتوبين في سفر أخبار الأيام إلى أيام يوحانان بن ألياشيب (نحميا 12: 23) ))، والأمضى دلالة من ذلك أنه مذكور بنفس النسخة الأطول: "يهوحانان بن ألياشيب" في سفر عزرا. ((ثم قام عزرا من أمام بيت الله وذهب إلى مخدع يهوحانان بن ألياشيب (عزرا 10: 6) )) عن يهوحانان، الكاهن الأعظم، يسجل يوسيفوس، مؤرخ القرن الأول الميلادي، بعض المؤامرات التي شارك فيها. يوضّح المؤرخ يوسيفوس وجود خلاف بين يهوحانان وباجوهي . يسجل يوسيفوس أن باجوهي كان ينوي تنصيب يشوع بن ألياشيب، شقيق يهوحانان، مكانه رئيسًا للكهنة. فتجادل يهوحانان ويشوع أخاه في الهيكل، وفي نوبة غضب قتل يهوحانان أخاه كي يحظى برئاسة الكهنوت بعد ذلك. يروي يوسيفوس أيضًا تأويلًا دينيًا للحدث التاريخي، بأنه -كعقاب إلهي- تم استعباد اليهود وتدنيس الهيكل من قبل الفرس بعد ذلك. (آثار اليهود ((Josephus, Antiquities of the Jews, 11. 7. 1 ))). جاء في نهاية البردية أسماء أخرى مفيدة في التتبع: وهذا كلهبرسالة أرسلناها باسمنا إلى دلايا وشلميا ابني سنبلط والي السامرة (نهاية البردية رقم ٣٠، برديات معبد إلفنتين) البردية هنا تذكر اسم سنبلط، والمقصود هو سنبلط الحوروني، حاكم السامرة، المذكور عدة مرات في سفر نحميا. ورسمته كتابات نحميا كعدو لدود لليهود الذين كانوا يحاولون إعادة بناء السور حول أورشليم. كان سنبلط الحوروني في الواقع على صلة قرابة بيهوحانان، رئيس الكهنة، حيث كانت ابنة سنبلط قد تزوجت من العائلة الكهنوتية ألياشيب ((وكان واحد من بني يوياداع بن ألياشيب الكاهن العظيم صهرا لسنبلط الحوروني، فطردته من عندي. (نحميا 13: 28) )) حاول سنبلط إحباط جهود نحميا في إعادة تأسيس أسوار أورشليم، وتآمر عليه مع جشم العربي كما تشير كتاباته: ((راجع سفر نحميا، الإصحاح 6: 1-2 )) ولما سمع سنبلط وطوبيا وجشم العربي وبقية أعدائنا أني قد بنيت السور ولم تبق فيه ثغرة، على أني لم أكن إلى ذلك الوقت قد أقمت مصاريع للأبواب، أرسل سنبلط وجشم إلي قائلين: «هلم نجتمع معا في القرى في بقعة أونو». وكانا يفكران أن يعملا بي شرا. (سفر نحميا، الإصحاح 6: 1-2) يأتي اسم سنبلط مركبًا من مقطعين: سين-بلط، وهو مأخوذ من اسم الإله «سين»، إله القمر الآشوري، ومعنى اسمه بالكامل: "إله القمر أعطى الحياة"، أما "حران" فهي مدينة قديمة في بلاد ما بين النهرين العليا بالقرب من الحدود الحديثة بين تركيا وسوريا. وكانت مركز عبادة الإله «سين» في الشمال مع مدينة "أور" في الجنوب. الاسم ذاته يحمل دلالات إعتقادية غير يهودية، ومن المحتمل أن يكون الحورونيون من بين تلك الأمم التي تم نقلها إلى السامرة ليحلوا محل الإسرائيليين الذين أجلاهم الآشوريون في حوالي 721-718 قبل الميلاد. ((راجع سفر الملوك الثاني، الإصحاح 17 )) وكان سنبلط الحوروني بالفعل حاكمًا للسامرة قبل ولاية نحميا الأولى، والتي بدأت حوالي عام 445 ق. م. ومن هنا نفهم أن كهنة معبد إلفنتين، حوالي عام 407 ق. م. ، كانوا قد طلبوا المساعدة ليس من سنبلط، بل من ابنيه شلميا ودلايا. بالإضافة إلى طلب الإذن من يهوحانان، الكاهن الأعظم، في إعادة بناء المعبد الثالوثي (يهوَه، عناة، خنوم) على طراز معبد أورشليم، المحظور مماثلته أو مناظرته. أيضًا يمكننا استخلاص بعض الأدلة على النزاع الذي أشار له المؤرخ يوسيفوس، بين باجوهي ويهوحانان ، إذ بينما يلجأ كهنة معبد إلفنتين إلى كلاهما، فإن رد باجوهي بالموافقة على بناء المعبد لم يشر إلى رئيس الكهنة. وبشكل يمكننا منه استخلاص أن مسألة الموافقة على هذا التصوّر الثالوثي، ربما تكون مدعومة من الحاكم رغماً عن رئيس كهنة اليهود، أو بالتخطي لإذنه وتهميشًا لدوره. أيضًا لا يجب أن ننسى أننا نتحدث عن جالية عسكرية تستقر على جزيرة فِيَلَة المصرية، وليس عن عموم العبرانيين الهاربين إلى أرض مصر. حتى في المنفى وما وراء ذلك، فإن عبادة الإلهة الأنثى استمر. ((No Other Gods: Emergent Monotheism in Israel, Robert Karl Gnuse‏ )) (البردية AP-44، السطر الثالث، بحسب تكويد كاولي، برديات معبد إلفنتين) تعتبر برديات إلفنتين وثائق أركيولوجية مثيرة للاهتمام، تأخذنا في رحلة عبر الزمن لنتعرّف على مجتمع يهودي شاذ وشيق ومثير للاهتمام، وفي حين أنها تثبت عددًا من العناصر الكتابية، أبرزها الوجود التاريخي لعدو نحميا اللدود سنبلط الحوروني والكاهن الأكبر يهوحانان بن ألياشيب. إﻻ أنها في الوقت ذاته تنفي سمة التوحيد اليهوي الخالص لهؤلاء الكهنة، وتؤكد عبادة ثالوثية تقدم لثلاثة آلهة (يهوَه، عناة، خنوم). وربما تكون هذه الفئة القليلة من يهود معبد إلفنتين هم المقصودين بالتعبير: شعبيمصر، أما الثالوث: «يهوَه ، عناة ، خنوم » فنجد أصداء المباركة له واضحة في التعبير: «مبارك شعبي ، وعمل يدي ، وميراثي » --- ### [٢] نشأة الحكم الملكي - Published: ۲۰۲۳-۱۱-۳۰ - Modified: 2024-07-14 - URL: https://tabcm.net/15523/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, كتاب مقدس - وسوم: أبياثار الكاهن, أركيولوچي, التقليد الإيلوهي [E], التقليد اليهوي [J] / [Y], بنتاتوخ, توراة, داود النبي والملك, طالوت, ملك إيشبوشت, ملك شاول, ملك يوشيا, مملكة إسرائيل, مملكة يهوذا, ميكال, نبي صموئيل, نبي موسى, يشوع ابن نون في مُحاولة قراءة المصادر التاريخية التي وصلتنا منذ أكثر من ألفيّ عام، لابد أن نضع في الاعتبار أنها لم تكن تكتب تاريخًا بحتًا. كانت عناصر السياسة واللاهوت لا تنفصل عن عملية التأريخ، وما نقوم به حاليًا من فصل بين ما هو تاريخ وما هو سياسة وما هو لاهوت، لم يكن موجودًا في العصور التي كُتب فيها العهد القديم. في الكتاب الذي تقرأ فيه التأريخ، أنت تقرأ في نفس الوقت أسطورة، وفي الوقت الذي تقرأ فيه اللاهوت، أنت تقرأ في نفس الوقت سياسة في مُحاولة قراءة المصادر التاريخية التي وصلتنا منذ أكثر من ألفيّ عام، لابد أن نضع في الاعتبار أنها لم تكن تكتب تاريخًا بحتًا. كانت عناصر السياسة واللاهوت لا تنفصل عن عملية التأريخ، وما نقوم به حاليًا من فصل بين ما هو تاريخ وما هو سياسة وما هو لاهوت، لم يكن موجودًا في العصور التي كُتب فيها العهد القديم. في الكتاب الذي تقرأ فيه التأريخ، أنت تقرأ في نفس الوقت أسطورة، وفي الوقت الذي تقرأ فيه اللاهوت، أنت تقرأ في نفس الوقت سياسة. بحسب النظرة العبرانية، بدأ بعد موت النبي موسى ويشوع بن نون عصرًا جديدًا يسمى بعصر القُضاة، والكتاب الذي يتكلم عن هذا العصر في العهد القديم هو كتاب بنفس الاسم: "سفر القُضاة"، لكنه يأتي من زمن متأخر عن الفترة التي يسجلها. آخر القُضاة كان نبيًا اسمه صموئيل، قصته مذكورة في العهد القديم في كتاب يحمل اسمه: سفر صموئيل ((سفر صموئيل يتم تقسيمه حاليًا لسفرين: صموئيل أوّل، وصموئيل ثاني. )). في هذه الفترة، طلب الشعب أن يكون لهم ملكًا كغيرهم من الأمم بدلًا من القضاة، فمُسِح أول ملك لإسرائيل وهو الملك شاول. الكتب التي تصف الأحداث التي يبدأ فيها نشأة الحُكم الملكي هي أسفار صموئيل، والملوك، وأخبار الأيام ((كل سفر منهم تم تقسميه فيما بعد لسفرين، أوّل، وثاني. وبذلك تكون أسفار الحكم الملكي هي أسفار: صموئيل الأول والثاني، والملوك الأول والثاني، وأخبار الأيام الأول والثاني. )). يُعتقد أن كاتب سفري صموئيل والملوك هو كاتب واحد (سنعود لمسألة الكاتب فيما بعد)، أما سفر الأخبار فيُعتقد أنه كُتب في فترة مُتأخرة عن الأحداث التي يصفها، تقريبًا في القرن الرابع قبل الميلاد. يُقسِّم الباحثون سفر الملوك إلى طبقتين: الطبقة الأولى تنتهي عند حكم الملك يوشيا، والطبقة الثانية أُضيفَت إلى السفر فيما بعد وتحتوي على نهاية سفر الملوك الثاني. تصف الأجزاء الأخيرة في الطبقة الثانية الأحداث التي وقعت بعد انتهاء حكم الملك يوشيا بحوالي 30 سنة أو أقل. ولا يُشترط افتراض أن الطبقة الثانية قد كُتبت من كاتب يُختلف عن كاتب الطبقة الأولى، ولكن المهم هو أن الكتاب يتضمن طبقتين. الطبقة الأولى تنتهي عند حكم الملك يوشيا في أواخر القرن السابع قبل الميلاد. هذا يعني أن الكاتب عاش في فترة متأخرة عن زمن النبي صموئيل والملك شاول، بل وكل من داود وسليمان أيضًا، لكنها المصادر الوحيدة بين أيدينا التي تتكلم عن هذه الفترة، إذ لا توجد أدلة أركيولوجية من خارج الكتاب المقدس تأتي من أزمنة مبكرة عن هذه الفترة وتتكلم عن نفس الأحداث المذكورة فيه. وعلى هذا، علينا أن نتعامل مع هذه الكتب بجدية وحذر ونحن نقرأها ونحاول منها معرفة بداية نشأة الحكم الملكي عند الشعب العبراني. تقسيم أرض مملكة إسرائيل بين الأسباط نلاحظ أن أرض سبط يهوذا في الجنوب هي الأكبر، ومساحتها تكاد تكون مساوية لمساحة أراضي بقية أسباط بني إسرائيل في الشمال مجتمعةً. ونلاحظ أيضًا أن سبط لاوي ليس له أرض خاصة لأنه يعيش بين بقية الأسباط للخدمة الدينية (خدمة الكهنوت). السردية التاريخية والسياسية مصدرنا الوحيد لهذه السردية هو الكتاب المقدس، لذا لا يستطيع المؤرخون اعتمادها كأحداث مؤكدة لعدم وجود مصادر خارجية تدعمها. لكننا سنسردها لتوضيح أمور في مقالات تالية بهذه السلسلة تتعلق برؤية المجتمع الذي أنتج تقليدين من التوراة، وهما التقليد اليهوي (J)، والتقليد الإيلوهي (E). كان شاؤل أول ملوك إسرائيل، وكان من سبط بنيامين، ومسحه النبي صموئيل ملكًا على إسرائيل. وبالرغم من انتهاء عصر القضاة، إلا أن دور رجال الدين كان مستمرًا. قوة المملكة كانت تستمد من دعم رؤساء الأسباط ورؤساء الكهنة والأنبياء. الملك يحتاج إلى دعم رؤساء الأسباط لأن الجيش كان يتكون من كتائب الأسباط، ومن دون دعم رؤساء الأسباط لن يكون هناك جيش. وكان الملك يحتاج إلى دعم الكهنة والأنبياء لأن الدين وقتئذٍ لا ينفصل عن الحياة العامة كأداة حكم وتنظيم لمصالح الشعب ونزاعاتهم، مما كان السبب في تنصيب الملك داود من بعد الملك شاول. اختلف شاول مع صموئيل النبي والكاهن الذي مسحه ملكًا، وكانت النهاية أن مسح صموئيل ملكًا آخر، هذه المرة من سبط يهوذا، وهو الملك داود. كان داود أحد أعضاء حاشية الملك شاول، وكان زوجًا لابنته ميكال. رأى شاول أن داود يهدد ملكه، فحاول أن يقتل جميع الكهنة المؤيدين لداود. وكان الكهنة الذين حصل داود على تأييدهم هم كهنة شيلوه ((شيلوه: مدينة تقع في أرض أفرايم، كما هو موضح في الخريطة أعلاه. )). واستطاع الملك شاول أن يقتل جميع كهنة شيلوه عدا أبياثار الكاهن، الذي هرب إلى أرض يهوذا واستطاع الوصول إلى داود. ظل شاول ملكًا إلى أن مات في معركة ضد الفلسطينيين ((راجع صموئيل الأول، الإصحاح 31. )). وبعده انقسمت المملكة بين داود الذي حكم نصف المملكة الجنوبي ، وبين إيشبوشت ابن شاول الذي حكم نصف المملكة الشمالي . فيما بعد، اغتيل إشبعل وهو نائم ((راجع صموئيل الثاني، الإصحاح 4. ))، وتم تنصيب داود ملكًا على كل شعب إسرائيل في مملكة واحدة عاصمتها أورشليم . نُكرر للتأكيد مرة أخرى: السردية التاريخية والسياسية التي سردناها الآن ليست مدوّنةً إلا في مصادر متأخرة عن زمن الأحداث نفسها بحوالي ثلاث إلى أربع قرون، ومستقاةً من مصدر واحد، عبراني، وعلى هذا فنحن أمام وجهة نظر الشعب العبراني في تاريخه، أو ربما في لاهوته أو آماله أو تطلعاته، بأكثر مما نحن أمام وقائع محققة تاريخيًا، أو ماضٍ موثّق بالشكل الأكاديمي للتوثيق التاريخي. --- ### (٧) لا تدع قدوسك يرى فساداً - Published: ۲۰۲۳-۱۱-۲۹ - Modified: 2023-11-14 - URL: https://tabcm.net/14789/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, كتاب مقدس - وسوم: داود النبي والملك, قديس بولس الرسول آية النهاردة على طول بنسمعها كل ما يكون فيه تطييب لأجساد القديسين، أو وقت نبش وكشف جثث المنتقلين من الإكليروس لتوزيعها وعرضها في المزارات ثم يقولوا (جسده لم يرى فسادًا) !! بالرغم إن الجثة متحللة بالفعل وأصبحت عظام تغطيها الملابس المهترئة آية النهاردة على طول بنسمعها كل ما يكون فيه تطييب لأجساد القديسين، أو وقت نبش وكشف جثث المنتقلين من الإكليروس لتوزيعها وعرضها في المزارات ثم يقولوا (جسده لم يرى فسادًا) ! ! بالرغم إن الجثة متحللة بالفعل وأصبحت عظام تغطيها الملابس المهترئة! ربما الناس فاكرة إن الجثة بتتحلل بالكامل وتبقي تراب في خلال كام سنة، وبالتالي لما يخرجوا جثة احدهم ويلاقوا الجسد لسه (متحولش لتراب) يبقي دي معجزة! ! ومن هنا يبدأ الهبد، بص ده جسد (فلان) ده كان قديس لذلك اكرمه الله، وكافأه بأن جسده لم يرى فسادًا في إشارة للآية الكتابية: لأَنَّكَ لَنْ تَتْرُكَ نَفْسِي فِي الْهَاوِيَةِ وَلاَ تَدَعَ قُدُّوسَكَ يَرَى فَسَاداً (أعمال الرسل ٢: ٢٧) وساعات بيعدلوا على الآية ويقولوا (قديسك لن يرى فسادًا ) أو (قديسيك لن يروا فسادًا ) ! بالرغم من إن تحلل الأجساد من عدمها ليس مؤشرًا للقداسة، فهي عملية تخضع لعوامل بيئية وبيولوجية بحتة. - مش هطول في قصة (فساد الأجساد) وادخل في الموضوع الأهم وهو الآية نفسها، وزي ما اتفقنا وبنعيد كل مرة، مينفعش ناخد كلمة أو آية ونطير بيها، لازم نرجع للنص كله ونشوف مين قائلها و فين ولمين؟ وإيه السياق اللي اتقالت فيه؟ ونشوف الترجمات الأخرى إن امكن، والقرائن والأدلة! -بكل وضوح الآية وردت في عدة مواضع في الكتاب المقدس، قيلت أولًا على لسان داود النبي في المزمور ٤٥، و اقتبسها بطرس في أعمال الرسل ٢ ثم بولس الرسول في أعمال الرسل ١٣. ١. في أعمال الرسل ص ٢، خلال يوم الخمسين، بطرس كان بيخاطب الجموع ويذكرهم بنبوات العهد القديم، فأقتبس الآية دي و أكد إنها نبوة عن السيد المسيح له كل المجد وعن قيامته من الأموات وإن جسده لن يرى فساد الموت (الفساد الجسدي) وان سلطان الموت لن يملك عليه ! وبرهن لهم إن داود الملك نفسه اللي قالها لا تنطبق عليه النبوة، حيث انه مات وجسده تحلل وتعفن، وإن الأية تتكلم عن قيامة المسيح مش قيامة داود: سَبَقَ فَرَأَى وَتَكَلَّمَ عَنْ قِيَامَةِ الْمَسِيحِ، أَنَّهُ لَمْ تُتْرَكْ نَفْسُهُ فِي الْهَاوِيَةِ وَلاَ رَأَى جَسَدُهُ فَسَاداً (أعمال الرسل ٢: ٣١) ٢-ونفس الشيء، في أعمال الرسل، إصحاح ١٣، بولس الرسول اقتبس نفس الآية في عظته أمام المجمع اليهودي في أنطاكية، وبرهن للكل أن هذه النبوة قيلت عن المسيح وحده وليس عن داود النبي: لأَنَّ دَاوُدَ بَعْدَ مَا خَدَمَ جِيلَهُ بِمَشُورَةِ اللهِ، رَقَدَ وَانْضَمَّ إِلَى آبَائِهِ، وَرَأَى فَسَادًا. وَأَمَّا الَّذِي أَقَامَهُ اللهُ فَلَمْ يَرَ فَسَادًا. (أعمال الرسل ١٣: ٣٦، ٣٧) - فالنبوة كما شرحها بطرس وبولس بتتكلم بالكامل عن قيامة السيد المسيح من الأموات، وعدم سلطان الموت ولا الهلاك الجسدي عليه، ومش بتتكلم أبدًا عن أي شخص آخر، فمتخدش النبوة وتطبقها على أي حد مهما كانت درجته الدينية عندك! وسيب التأملات والاجتهادات الشخصية على جنب، لما تتكلم عن النبوة ومتسرقش مجد المسيح لصالح حد تاني! - ثم بذمتك هي الأجساد اللي اكتشفت دي كل ده ومتحللتش؟ أومال لو كانت إتحللت كان حالها بقى إيه؟! https://www. youtube. com/watch? v=AmEgnMFvn8M --- ### ملحمة جلجامش؛ الإصحاح الحادي عشر - Published: ۲۰۲۳-۱۱-۲۸ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/13252/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون, تاريخ وميثولوچيا - وسوم: آبسو, آنو, آنوناكي, أدد, أفروديت, ألبيرت شوت, أنكي, أوبار-توتو, أوتنابشتم, أورشنابي, أوروك, إنانا, إنليل, إيجيجي, إينوجي, الشرق الأدنى, الطوفان البابلي, الطوفان السومري, بنتاتوخ, توراة, جبل نصير, جلجامش, خانيش, زيرهم, زيوسودرا, سامي سعيد, سفينة نوح, شروباك, شمش, طه باقر, طوفان نوح, عشتار, فراس السواح, ڤينوس, ماخ, نينبحيكو, نينورتا يوضّح أوتنابيشتيم أنّ الآلهة قررت إرسال طوفان عظيم. ولإنقاذه، طلب منه الإله أنكي بناء فلك وأعطاه أبعادا دقيقة. وركبت عائلته الفلك مع جميع الحيوانات. نشأ طوفان عنيف تسبب في تراجع الآلهة مرتعبة للسماء. رسى الفلك على جبل وأطلق حمامة وسنونو وغرابًا. فتح السفينة وأخرج الناس بعد عدم عودة الغراب. يقدم أوتنابيشتيم قربانا للآلهة الذين يشمون رائحته الحلوة. عاهدت عشتار نفسها على أنها ستتذكر هذا الوقت كمعاهدتها نفسها على عدم نسيان القلادة الرائعة حول رقبتها. تطابق هذه الرواية قصة الطوفان التي تختتم «ملحمة أتراحاسيس». اللوح الحادي عشر عمود واحد، المقروء منه ٣٠٧ سطرا، بنسبة ٩٩% من الإجمالي. خلاصة الإصحاح الحادي عشر:يسأل جلجامش أوتنابيشتيم كيف حصل على خلوده. يوضّح أوتنابيشتيم أنّ الآلهة قررت إرسال طوفان عظيم. ولإنقاذ أوتنابيشتيم طلب منه الإله أنكي بناء فلك وأعطاه أبعادا دقيقة وأغلقه بالزفت. وركبت عائلته الفلك مع جميع الحيوانات. نشأ طوفان عنيف تسبب في تراجع الآلهة مرتعبة إلى السماء. أبدت عشتار أسفها لتدمير البشرية وبكت الآلهة الأخرى بجانبها. بكى أوتنابيشتيم عندما رأى الدمار. رسى الفلك على جبل وأطلق حمامة وسنونو وغرابا. فتح السفينة وأخرج الناس بعد عدم عودة الغراب. يقدم أوتنابيشتيم قربانا للآلهة الذين يشمون رائحته الحلوة ويتجمعون حولها. عاهدت عشتار نفسها على أنها ستتذكر هذا الوقت كمعاهدتها نفسها على عدم نسيان القلادة الرائعة حول رقبتها. قامت الإلهة إنليل بمباركة أوتنابيشتيم وزوجته ومكافئتهم بالحياة الأبدية. تطابق هذه الرواية قصة الطوفان التي تختتم «ملحمة أتراحاسيس». ويبدو أن النقطة الرئيسية هي أن منح إنليل الحياة الأبدية لأوتنابيشتيم كانت هدية فريدة من نوعها. ولإثبات ذلك، تحدى أوتنابيشتيم جلجامش للبقاء مستيقظا لمدة ستة أيام وسبع ليال، ولكن جلجامش نام. يوعز أوتنابيشتيم لزوجته بأن تخبز رغيف خبز في كل يوم من الأيام التي ينام فيها جلجامش حتى لا يستطيع إنكار فشله في البقاء مستيقظاً. لا يمكن لجلجامش الذي يسعى للتغلب على الموت أن يقهر النوم. ويغادران بعد أن أمر أوتنابيشتيم أورشنابي رجل السفينة بغسل جلجامش وكسوته في ثياب ملكية. وأثناء مغادرتهم، تطلب زوجة أوتنابيشتيم من زوجها أن يقدم لها هدية فراق. يخبر أوتنابيشتيم جلجامش أنه في قاع البحر يعيش نبات سيجعله شابا مرة أخرى. يتمكن جلجامش من الحصول على النبتة عن طريق ربط الأحجار إلى قدميه حتى يتمكن من المشي على القاع. ويفكّر جلجامش في اختبار النبتة بتجربتها على رجل عجوز بمجرد عودته. ولكن تقوم أفعى بسرقة النبتة عند توقف جلجامش للاستحمام، ويبكي بسبب ذهاب جهوده سدى وفقدانه لكل فرص الخلود. الإصحاح الحادي عشر ١)قال له جلجامش، قال لأوتنابشتيم البعيد:٢)«إذا نظرت إليك يا أوتنابشتيم،٣)هيئتك غير مختلفة؛ فأنت مثلي! ٤)بل إنك لا تختلف؛ فأنت مثلي! ٥)كان قلبي متأهبًاللصراع معك،٦)غير أن ذراعي لا يحرك ساكنًا! ٧)قل لي: كيف دخلت في زمرة الآلهة ونلت الحياة؟»٨)قال له أوتنابشتيم، قال لجلجامش:٩)«سأكشف لك، يا جلجامش، عن أمر خفي،١٠)سأطلعك على سرالآلهة. ١١)شروباك،المدينة التي تعرفها،١٢)الواقعة على شاطئ الفرات. ١٣)كانت هذه المدينة قد شاخت،الآلهةفيها،١٤)والآلهة العظام حثتهم قلوبهم على إرسال الطوفان؛١٥)فتشاوروابينهم: أبوهم «آنو»،١٦)و«إنليل» البطل، مستشارهم،١٧،  ١٨)و«نينورتا» وزيرهم، وإينوجي نائبهم،١٩)ونينبحيكو — إيا الذي كان حاضرًا معهم،٢٠)ونقل كلامهم إلى كوخ القصب:٢١)«كوخ القصب! يا كوخ القصب! أيها الجدار! أنت يا جدار! ٢٢)اسمع يا كوخ القصب، وافهم يا جدار! ٢٣)يا رجل شروباك، يا ابن أوبار-توتو! ٢٤)اهدم دارك، ابن سفينة. ٢٥)اترك الثروة، واسع إلى الحياة. ٢٦)تخلَّ عما تملك، وانج بنفسك،٢٧)واحفظ في السفينة كلالبذور الحية؛٢٨)السفينة التي عليك أن تبنيها،٢٩)وينبغي أن تضبط مقاييسها،٣٠)ويكون عرضها مساويًا لطولها،٣١)وأن تجعل سطحها مثل«الآبسو». »٣٢)لما فهمت ما قال، خاطبت ربي «إيا» بقولي:٣٣)«أمرك، يا سيدي، الذي وجهته إليَّ،٣٤)قد وعيته وسوف أطيعه،٣٥)لكن ماذا أقول للمدينة، كيف أردالناس والشيوخ؟»٣٦)فتح فمه للكلام،٣٧)وقال لي، قال لعبده:٣٨)«أنت يا رجل، عليك أن تقول لهم:٣٩)يبدو أن إنليل لا يطيقني،٤٠)فلا يجوز لي العيش في مدينتكم بعد اليوم،٤١)ولا أن أضع قدمي أبدًا على أرض إنليل،٤٢)لهذا أنوي النزول إلى «الآبسو»،والعيش مع سيدي «إيا». ٤٣)أما أنتم فسيمطركم خيرًا وفيرًا،٤٤)أسرابًا من الطيور، و... من الأسماك،٤٥)سوف يجود عليكم بالحصاد الوافر،٤٦)وينزل عليكم في الصباح بقولًا،٤٧)وفي المساء يرسل عليكم مطرًا من الحنطة. »٤٨)لم تكد تلوح أضواء الصباح،٤٩)حتى تجمَّعالبلد من حولي،٥٠)حمل بعضهم الأضاحي من الأغنام المنتقاة،٥١)والبعض الآخر جلبالأضاحي من أغنام البراري. ٥٢)... الرجال ... ٥٣)... السر. ٥٤)أحضر الأطفال القار،٥٥)وأحضر الأقوياء ... المئونة. ٥٦)في اليوم الخامس صممت هيكلها. ٥٧)كانت مساحة أرضيتهاواحدًا،وارتفاع جدرانها مائة وعشرين ذراعًا،٥٨)وطول كل جانب من جوانب سطحها الأربعة مائة وعشرين ذراعًا. ٥٩)حددت شكلها الخارجي على الصورة التالية:٦٠)جعلت فيها ست أرضيات،٦١)وقسمتها إلى سبعة طوابق. ٦٢)قسمت بنيتها تسعة أقسام،٦٣)وغرزت في وسطها أوتاد الماء. ٦٤)حرصت علىالمراد فيها، وخزنت فيها المؤن:٦٥)ست وزنات من القار سكبتها في الكور،٦٦)وثلاث وزنات من القطران،٦٧)وجلب حاملو السلال ثلاث وزنات من الزيت،٦٨)فضلًا عن وزنة زيت استهلكها عجن الدقيق،٦٩)ووزنتين من الزيت قام ملاح السفينة بتخزينهما. ٧٠) نحرت عجولًا للناس،٧١)وذبحت الأغنام كل يوم،٧٢)سقيت الصناع عصير العنب ونبيذ السمسم،٧٣)والزيت والخمر؛ فشربوا كأنهم يشربون ماء النهر،٧٤)واحتفلوا كأنهم في عيد رأس السنة! ٧٦)تم بناء السفينة في اليوم السابع مع غروب الشمس،٧٧)وكان من الصعب ... ٧٨)وكان عليهم ... من أعلى ومن أسفل،٧٩)حتى غاصت السفينة إلى ثلثيها في الماء. ٨٠)كل ما كنت أملك حملته فيها،٨١)كل ما كنت أملك من فضة حملته فيها،٨٢)كل ما كنت أملك من ذهب حملته فيها،٨٣)كل ما كنت أملك من بذور الحياة حملته فيها،٨٤)أركبت في السفينة كل أهلي وعشيرتي،٨٥)أركبت فيها حيوان البر وحيوان الحقل،وتركت جميع الصناع يركبونها،٨٦)كان شمش قد حدَّد لي المهلة على هذه الصورة:٨٧)«في الصباح سأرسل بقولًاوفي المساء أمطر حنطة،٨٨)وعندها ادخل السفينة وأغلقبابك. »٨٩)حلَّ الموعد المضروب؛٩٠)ففي الصباح نزلت البقول،وفي المساء أمطرت حنطة. ٩١)تأملت حالة الجو؛٩٢)كان منظره مخيفًا،٩٣)دخلت السفينة وأغلقت بابي،٩٤)وللملاح «بوزور-آموري» الذي قام بطلاء السفينة بالقار،٩٥)أسلمت قياد القصر بكلِّ ما فيه من متاع. ٩٦)ما إن لاحت أنوار الصباح،٩٧)حتى صعدت من قاع السماء سحب سوداء. ٩٨)أرعد في داخلهاأدد،٩٩)يتقدمه «شلات»و«خانيش»،١٠٠)يطلقان النذير في الجبال والسهول. ١٠١)انتزع إيراجال عمود السفينة،١٠٢)وتبعه «نينورتا»لتنهمر المياه من حوض الماء. ١٠٣)رفع «الآنوناكي» المشاعل،١٠٤)ليحرقوا الأرض بوهجها المخيف،١٠٥)وانقبضت السماوات منأدد،١٠٦)فأحالت كل نور إلى ظلام،١٠٧)وتحطمت الأرض الشاسعةآنية من فخار. ١٠٨)هبَّت عاصفة الجنوب يومًا كاملًا ... ١٠٩)وتعاظمت شدتها حتى غطت الجبال بالماء،١١٠)وأهلكت البشر كأنها الحرب. ١١١)الأخ لا يرى أخاه،١١٢)وبات البشر لا تتعرف عليهم السماء. ١١٣)ذعر الآلهة من هذا الطوفان،١١٤)فولَّوا هاربين إلى سماء آنو؛١١٥)أفعى الآلهة كالكلاب خارج الجدار. ١١٦)صرخت عشتاركامرأة في المخاض،١١٧)ناحت سيدة الآلهة وصاحبة الصوت العذب:١١٨)«ليت ذلك اليوم تحول إلى طين،١١٩)لما أمرت بالشر في مجمع الآلهة. ١٢٠)كيف طاوعتني نفسي أن آمر بالشر في مجمع الآلهة،١٢١)وتسليط الحرب على أبنائي البشر لتهلكهم؟١٢٢)أنا التي ولدت أبنائي البشر الأحباء،١٢٣)وها هم يملئون البحر كصغار الأسماك! »١٢٤)ناحت معها آلهة الآنوناكي. ١٢٥)جلسوا يبكون مُنكَّسِي الرءوس،١٢٦)وبشفاه متيبسة ينتحبون. ١٢٧)ستة أيام وسبع ليال،١٢٨)والريح تعصف، والطوفان،والزوابع تهب من الجنوب وتغطي البلاد. ١٢٩)ولما طلع نهار اليوم السابع،هدأت زوابع الجنوب وغيض الطوفان وخفت وطأة القتال،١٣٠)بعد أن اشتدت ضرباتها كامرأة في المخاض. ١٣١)هدأ البحر وسكنت،وتوقف الإعصارالطوفان. ١٣٢)فتحت الطاقة، سقط الضوء على وجهي،١٣٣)وتطلعت إلى اليابسة: الصمت حولي،١٣٤)وجنس البشر بأجمعه تحول إلى طين،١٣٥)والوادي مستوٍ كسطح؛١٣٦)عندئذٍ سجدتوبكيت،١٣٧)وعلى وجهي انسابت الدموع. ١٣٨)تطلعت إلى البحرالسواحل، ١٣٩)جزيرة ترتفع مائة وأربعة وأربعين ذراعًا،١٤٠)وأخذت السفينة تقترب من جبل نصير. ١٤١)أمسك جبل نصير بالسفينة، ومنعها من الاهتزاز. ١٤٢)ومضى يوم، ويوم ثان، والجبل ممسك بالسفينة،يمنعها من الاهتزاز. ١٤٣)ومضى يوم ثالث ورابع والجبل ممسك بالسفينة،يمنعها من الاهتزاز. ١٤٤)ويوم خامس وسادس والجبل ممسك بالسفينة،يمنعها من الاهتزاز. ١٤٥)حتى إذا أَقْبَل اليوم السابع،١٤٦)بحمامة وأطلقتها،١٤٧)وطارت الحمامة، ثم رجعت؛١٤٨)لم تقع عينها على مكان تحط فيه، فاستدارت راجعة. ١٤٩)بسنونو وأطلقتها،١٥٠)طارت السنونو بعيدًا، ثم رجعت؛١٥١)لم تقع عينها على مكان تحطُّ فيه، فاستدارت راجعة. ١٥٢)بغراب وأطلقته:١٥٣)طار الغراب كذلك بعيدًا، ولما رأى المياه انحسرت،١٥٤)أخذ يأكل، ويحوم وينعق، ولم يرجع. ١٥٥)عند ذاك تركتهم يخرجون إلى الرياح الأربع،وقدمت أضحية،١٥٦)وقرَّبت قربانًا على قمة الجبل:١٥٧)وضعت سبع قدوروسبعًا،١٥٨)ألقيت في أوعيتها القصب، وخشب الأرز، والآس. ١٥٩)تشممت الآلهة شذاها. ١٦٠)أجل تشممت شذاها العطر،١٦١)فتزاحمت كالذباب على مقرب القربان،١٦٢)وما إن أقبلت «ماخ»،١٦٣)حتى رفعت عقد الجواهر الذي صنعه «آنو» لإرضائها:١٦٤)«أيها الآلهة المجتمعون هنا، كما أنني لا أنسى،هذا العقد اللازورديجيدي،١٦٥)فسأظل أذكر هذه الأيام ولن أنساها أبدًا،١٦٦)ليتقدم الآلهة إلى القربان،١٦٧)إلا إنليل فليس له أن يقترب منه؛١٦٨)لأنه أرسل الطوفان بغير تروٍّ،١٦٩)وأسلممن البشر إلى الهلاك. »١٧٠)وما إن جاء إنليل،١٧١)وأبصر السفينة حتىغضبه،١٧٢)وامتلأ حنقًا على آلهة "الإيجيجي":١٧٣)«كيف نجت نفس واحدة،وقدبألَّا ينجو أحد من الهلاك؟! »١٧٤)فتح "نينورتا"فمه للكلام، وقال لإنليل البطل:١٧٥)«ومَنْ ذا الذي يدبِّر شيئًا غير «إيا»؟١٧٦)كذلك يعرف «إيا» كل ما يتم صنعه. »١٧٧)فتح «إيا» فاه للكلام وقال لإنليل البطل:١٧٨)«أيها البطل، أنت يا أكثر الآلهة فطنةً،١٧٩)آه! كيف أحدثت الطوفان بغير تروٍّ؟١٨٠)حمِّل المخطئخطيئته،والمعتديعدوانه. ١٨١)وأرخِحتى لا ينقطع،وتشدد، حتى لا ... ١٨٢)بدلًا من أن ترسل طوفانًا،دَعْ أسدًا ينقص عدد الناس! ١٨٣)بدلًا من أن ترسل طوفانًا،دَعْ ذئبًا ينقص عدد الناس! ١٨٤)بدلًا من أن ترسل طوفانًا،لتنزل بالبلاد مجاعة تفتك بها! ١٨٥)بدلًا من أن ترسل طوفانًا،لينهض «إيرا» ويخنق البشر! ١٨٦)أمَّا أنا فلم أفشِ سر الآلهة العظام،١٨٧)جعلت الحكيميرى حلمًا،فأدرك سر الآلهة. ١٨٨)والآن أشر في أمره! »١٨٩)عندئذٍ صعد «إنليل» إلى السفينة،١٩٠)أخذ بيدي وأركبني فيها،١٩١)وأركب زوجتي وجعلها تركع بجواري،١٩٢)ولمس جبهتينا، وهو واقف بيننا، وباركنا:١٩٣)«لم يكن أوتنابشتيم من قبلُ سوى واحد من أبناء البشر،١٩٤)فليشبهنا نحن الآلهة من الآن؛أوتنابشتيم وزوجه! ١٩٥)وليسكن أوتنابشتيمبعيدًا عند فم الأنهار! »١٩٦)ثم أخذوني وأسكنوني بعيدًا عند فم الأنهار،١٩٧)لكن من يجمع لكالآلهة الآن،١٩٨)لتعثر على الحياةالتي تبحث عنها؟١٩٩)هيا أَسْلِم نفسك للنوم، ستة أيامٍ وليالٍ سبع! »٢٠٠)لما جلس على الأرض،٢٠١)لمسه النومالضباب. ٢٠٢)قال لها أوتنابشتيم، قال لزوجته:٢٠٣)«انظري إلى الرجل الذي طلب الحياة! ٢٠٤)إن النوم يلمسهالضباب! »٢٠٥)قالت له زوجته، قالت لأوتنابشتيم:٢٠٦)«المس الرجل لكي يستيقظ،٢٠٧)ليرجع بسلامٍ على الطريق الذي جاء منه،٢٠٨)وليعد إلى وطنه ويدخل من الباب الذي خرج منه! »٢٠٩)قال لها أوتنابشتيم، قال لزوجته:٢١٠)«خداعون هم البشر، وسوف يخدعك أنت أيضًا،٢١١)هيا انهضي، اخبزي له أرغفةضعيها عند رأسه،٢١٢)والأيام التي نامها، أشري علامتها على الجدار. »٢١٣)خبزت له أرغفة، وضعتها عند رأسه،٢١٤)والأيام التي نامهاعلامتها على الجدار. ٢١٥)صار رغيفه الأول يابسًا،٢١٦)وانكمش الثاني، وبقي الثالث رطبًا،٢١٧)والرابع أبيض،رغيفه المحمر،الخامس فقد حال لونه، والسادس قد خُبِزَ لتوِّه،٢١٨)ومع السابع، لمسه فاستيقظ. ٢١٩)قال له جلجامش، قال لأوتنابشتيم البعيد:٢٢٠)«لم يكد النوم ينسكبعليَّ،٢٢١)حتى عاجلتني بلمسة أقضَّت مضجعي! »٢٢٢)قال له أوتنابشتيم، قال لجلجامش:٢٢٣) «تعال وعُدَّ يا جلجامش، عُدَّ أرغفتك،٢٢٤)ولتعرفك العلامات المرسومة على الجدار! ٢٢٥)إن رغيفك الأول قد تيبس،٢٢٦)والثاني انكمش، والثالث لم يزل رطبًا،والرابع، وهو رغيفك المحمر، قد ابيضَّت،٢٢٧)والخامس حال لونه، والسادس خُبِزَ لتوه،٢٢٨)ومع السابع، استيقظ. »٢٢٩)قال له جلجامش، قال لأوتنابشتيم:٢٣٠)«آه! ماذا أعمل؟ وإلى أين أوجه وجهي؟٢٣١)الثاكل طوق أعماقي؟٢٣٢)في مخدعي يقيم الموت،٢٣٣)وحيث وضعت القدم، يواجهني الموت! »٢٣٤)قال له أوتنابشتيم، قال لأورشنابي الملاح:٢٣٥)«أورشنابي! فينبذك المرسىوليزدريك موضع العبور! ٢٣٦)ولتزهد فيك،السواحل التي تمشيت عليها. ٢٣٧)الرجل الذي جئت به إلى هنا،فجسده مغطًّى بالأوساخ،٢٣٨)وجمال أعضائه قد شوَّهته جلود الحيوان. ٢٣٩)خذه يا أورشنابي، قُدْه إلى موضع الاغتسال،٢٤٠)حتى ينظف وسخه بالماء،كالثلج،٢٤١)وينفض عنه جلود الحيوان فيحملها البحر. دَعْه يبلِّل جسده الجميل،٢٤٢)ويجدِّد عصابة رأسه،٢٤٣)وليرتد ثوبًا يستر عُرْيه،٢٤٤)وإلى أن يرجع لمدينته،٢٤٥)ويهتدي إلى طريقه،٢٤٦)ليبق ثوبه جديدًا، ليبق جديدًا ولا يناله البلى. »٢٤٧)أخذه أورشنابي وقاده إلى موضع الاغتسال،٢٤٨)غسل أوساخه بالماء،كالثلج،٢٤٩)خلع عنه جلد الحيوان ليحمله البحر بعيدًا،٢٥٠)وبلل جسده الجميل. ٢٥١)استبدل بعصابة رأسه عصابة جديدة،٢٥٢)وارتدى ثوبًا يستر عُرْيه،٢٥٣)وإلى أن يرجع لمدينته،٢٥٤)ويهتدي إلى طريقه،٢٥٥)ينبغي أن لا يبلى وأن يبقى جديدًا، جديدًا. ٢٥٦)ركب جلجامش وأورشنابي السفينة،٢٥٧)أنزلاها فوق الأمواج ومضيا،٢٥٨)قالت له زوجته،٢٥٩)قالت لأتنابشتيم البعيد:٢٦٠)«ماذا تراك ستعطيهوهو عائد إلى وطنه؟»٢٦١)كان جلجامش قد رفع المجداف،٢٦٢)وقرب السفينة من الشاطئ،٢٦٣)فقال له أوتنابشتيم، قال لجلجامش:٢٦٤)«لقد جئت إلى هنا يا جلجامش وأضنيت نفسك وأتعبتها،٢٦٥)فماذا أعطيكإلى وطنك؟٢٦٦)سأكشف لك، يا جلجامش، عنخفي،٢٦٧)وسأنبئك بأمر مجهول؛٢٦٨)هنالك نبتة تشبه الشوك،٢٦٩)وهي كالوردة يخز شوكها يدك،٢٧٠)إذا توصلت يداك لهذه النبتة،وجدت الحياة! »٢٧١)ما إن سمع جلجامش هذا القول ... ٢٧٢)حتى ربط بقدميه أحجارًا ثقيلة،٢٧٣)ولما شدته إلى الآبسو،٢٧٤)أخذ النبتة التي وخزت يده، ٢٧٥)وفك قدميه من الأحجار الثقيلة،٢٧٦)فألقاه اليمُّ على الشاطئ. ٢٧٧)قال له جلجامش، قال لأورشنابي الملاح:٢٧٨)«هذه النبتة تشفي من الاضطراب،٢٧٩)وبفضلها يستعيد الإنسان حياته. ٢٨٠)سأحملها معي إلى أوروك الحمى،وأعطيهاليأكلوا منها، وبذلك أجربها. ٢٨١)إن اسمها هو «عودة الشيخ إلى شبابه»،٢٨٢)ولسوف آكل منها ليرجع إليَّ شبابي. »٢٨٣)بعد عشرين ساعة مضاعفة تناولا القليل من الزاد،٢٨٤)وبعد ثلاثين ساعة مضاعفة توقفا لقضاء الليل،٢٨٥)وعندما رأى جلجامش بئرًا باردة بالماء،٢٨٦)نزل فيها ليغتسل. ٢٨٧)شمت أفعى شذا النبتة،٢٨٨)فتسلَّلت خارجة من الماء وأخذتها،٢٨٩)وعند عودتها غيَّرت جلدها. ٢٩٠)هنالك جلس جلجامش وأخذ يبكي،٢٩١)جرت الدموع على وجهه،٢٩٢)وكلَّم أورشنابي الملاح قائلًا:٢٩٣)«لمن، يا أورشنابي، كَلَّ ذراعي؟٢٩٤)ولمن قد نزف القلب دماه؟٢٩٥)لم أجن لنفسي خيرًا،٢٩٦)بل قدمت الخير لأسد الترب! ٢٩٧)الآن يرتفع اليم مسافة عشرين ساعة مضاعفة،٢٩٨)وقد تركت الأداةتسقطعندما فتحت قناة صغيرة،٢٩٩)فكيف لي بمثلها، لأضعها إلى جانبي؟ليتني انسحبت وتركت السفينة على الشاطئ! »٣٠٠)بعد عشرين ساعة مضاعفة تناولا القليل من الزاد،٣٠١)وبعد ثلاثين ساعة مضاعفة توقفا لقضاء الليل،ولما وصلا إلى أوروك المنيعة،٣٠٢)قال له جلجامش، قال لأورشنابي الملاح:٣٠٣)«أي أورشنابي! اصعد سور أوروك، تمشَّ عليه،٣٠٤)تفحص قواعده وانظر إلى لبناته. أَوَلم تُصْنَع من آجر مفخور؟٣٠٥)أَوَلم يضع الحكماء السبعة أسسه؟٣٠٦)شار واحد للمدينة، وشار واحد لبساتين النخل،وشار لسهل الري،بالإضافة إلى المكانلمعبد عشتار؛٣٠٧)بهذا يضمثلاثة شارات،بجانب الموقعلأوروك. »(ملحمة جلجامش، اللوح الحادي عشر) (١)حرفيًّا: وجدت مقاييسك غير مختلفة، أي قوامك أو شكلك وهيئتك وملامحك. (٢)في ترجمات أخرى، ولعلها أصح وأوضح، فإذا بي أجدك (ضعيفًا) مضطجعًا على جنبك أو قفاك. (٣)شروباك: مدينة سومرية تكونت خلال فترة جمدة نصر قبل حوالي 3000 ق. م. ، بعد انتهاء فترة أوروك، بعد نقصان مياه الطوفان، أصبحت المدينة عظيمة في نهاية عصر السلالة الثالثة (2600-2350 ق م) وكانت مساحتها حوالي 100 هكتار، لكن في ذلك الوقت اندلع حريق فيها خلف دمارًا كبيرًا وأحرق سورها ونجى عدد قليل من الناس. (٤)شروباك مدينة سومرية قديمة، تقع إلى الشمال الغربي من مدينة أوروك ، وتبعد عنها قرابة ثلاثين كيلومترًا، وقد كانت موطن «نوح السومري» زيوسودرا، ثم موطن نوح البابلي أو رجل الطوفان، أوتنابشتيم، الذي يروي قصته المخيفة في هذا اللوح الشهير من ألواح الملحمة الذي يرجح العلماء أن يكون قد أثر تأثيرًا كبيرًا على سفر التكوين في التوراة ، وقد ذكرت في أثبات الملوك السومريين من بين المدن الخمس التي حكمتها سلالات ما قبل الطوفان، وهي على الترتيب: أريدو ، وبادتبيرا ولراك وسيار ، ثم شروباك ، وقد كان السومريون والبابليون من بعدهم، يعتقدون أن نظام الملكية —شأنه في ذلك شأن الشرائع والقوانين— قد أُنْزِلَ من السماء قبل الطوفان، ثم صعد إلى السماء بعد وقوع كارثة الطوفان قبل أن يرجع إلى الأرض بعد ذلك، وكانت سلالة كيش هي أول سلالة حكمت بعد الطوفان. (٥)فتشاوروا مع أبيهم آنو. (٦)«إيا»  إله المياه العذبة وإله الحكمة عند البابليين، وكان اسمه أنكي عند السومريين، يوجه خطابه على سبيل المجاز إلى كوخ القصب وجدران البيت الذي يسكنه رجل الطوفان نفسه وهو أوتنابشتيم. (٧)اعتقد البابليون أن «أوبار-توتو» هو الملك الوحيد الذي حكم شروباك، وقد كانوا أسخياء كعادتهم في حساب مدة حكمه، إذ حكم في تقديرهم ثمانية عشرة ألف وستمائة سنة. (٨)تصور البابليون أن «الآبسو» مستودع هائل للمياه السفلية أو الجوفية العذبة التي تتدفق منها كل مياه الدنيا، وقد كانت للمعابد نماذج مصغرة من هذا المستودع، تستمد منها ما تحتاج إليه للشرب وإقامة الطقوس وسائر أغراض الحياة، ويبدو أن شكل هذا المستودع أو الآبسو المصغر كان يشبه شكل «فلك نوح» البابلي؛ أي على هيئة مكعب منتظم، حدده كاتب الملحمة أو كتابها المتعاقبون بصورة رياضية وهندسية دقيقة لا نستبعدها على العقل البابلي المتفوق في الرياضيات والفلك. (٩)يبدو أن هذه هي صحوة الضمير وعلامة الشعور بالذنب نحو الناس بسبب الكذب عليهم كما سنرى. (١٠)أو لا يريد أن يعرف شيئًا عني، والمعنى أن إنليل يكرهه ويريد منه ترك المدينة حتى لا يكون لعنة عليها، لاحظ أن نجاة أوتنابشتيم تعتمد في النهاية على «إثم» أو «ذنب» وقع فيه بإيحاء من «إيا»، وسوف تكشف السطور التالية عن اعتراف «نوح البابلي» بأنه كذب على الناس، وضلَّل سكان المدينة أكثر من مرة، فهل يوحي إلينا هذا «بمأساوية» قصة الطوفان بأكملها، لا سيما إذا عرفنا أن الإلهة عشتار التي تحمَّست لإغراق البشر وإهلاكهم ستندم أيما ندم على فعلتها الشنيعة في حق البشر المساكين الذين كانت وراء وجودهم على الأرض. (١١)حرفيًّا: حمل أحدهم ... والآخر جلب معه ... إلخ. (١٢)أو بنيتها — ويؤكد المؤرخ "طه باقر" أن الكلمة البابلية «بنية» تَرِد هنا بمعناها نفسه في العربية (صفحة ١٣٥، هامش ١٣٩ من ترجمته). (١٣)وبلغة مقاييس المساحة البابلية «إيكو» واحدًا؛ أي ما يعادل نحو ٣٦٠٠ مترًا مربعًا، وربما أن ارتفاع السفينة يبلغ ستين مترًا فيكون شكلها مكعبًا منتظمًا وسعتها نحو ٢١٦٠٠٠ مترًا مكعبًا (عن طه باقر، ص١٣٥، هامش ١٤٠، وألبيرت شوت ص٨٨، هامش ٧). (١٤)أو معلمها أو بناءها الكلي، أما في ترجمة "طه باقر" فهي «أرضيتها». (١٥)أوتاد الماء تُسْتَعْمَل في بناء السفن بغرز حشوات خشبية في الفواصل ما بين الألواح لمنع الماء من النفاذ إليها، وفي الأصل البابلي سكك أو سكات بالجمع (طه باقر، ص١٣٦، هامش ١٤٢، وسامي سعيد ص٥٢١، سطر ١٣). (١٦)عن المردي وجمعها مرادي، راجع اللوح العاشر، هامش رقم ٣٢. (١٧)أوست «شارات» أو سارات، والشار البابلي كيل أو قياس حجم بالإضافة إلى أنه مساحة سطحية، ويعادل ٣٦٠٠ لترًا. (١٨)أي للعُمَّال على ظهر السفينة. (١٩)تضع ترجمة طه باقر في مكان هذا السطر الذي أسقطه شوت: ومسحت يدي بسَمن الزيت، أما ترجمة فراس السواح فتضع هذا السطر الناقص: ... الدهون، غمست يدي، وأما ترجمة سامي سعد فتقول: فتحت ووضعت يداي في الزيت. (٢٠)السطور السابقة من ٣٦–٤٧ تنسب الأحداث المنتظرة خلال الطوفان للإله «إيا»، على حين أن هذا السطر يظهر شمش على المسرح! فهل نفهم من هذا التضارب أن هناك صيغتين للملحمة؟ لاحظ لجوء الكاتب في هذا الموضع وما سبقه إلى التورية والالتباس في المعنى أو الازدواجية، فمطر القمح يعني في رأي بعض الدارسين مطر البلية والكارثة. (٢١)سأمطر عدسًا. (٢٢)نزل العدس. (٢٣)القصر هنا كناية عن هيكل السفينة أو عن السفينة بأكملها. (٢٤)أضض أو حدد. (٢٥)شوللات. (٢٦)«أدد» هو إله الرعود، «وشلات» و«خانيش» من رسله. (٢٧)«إيراجال» هو أحد آلهة العالم السفلي أو أحد أسماء الإله «نرجال» إله هذا العالم، ولعل المقصود بعمود السفينة أو دعامتها هي دعامة بوابات مستودع المياه السفلية أو دعائمها (ترجمة فراس السواح، ص٢١٠، هامش ٢) أو لعله هو دفة الكون أو مجدافه؟ وفي ترجمة سامي سعيد: وسحب إيراكال الصواري (ص٥٢٣، سطر ١٠١). (٢٨)أو أغرقتها في الماء، قارن سفر التكوين، الإصحاح السابع، ٢٠. (٢٩)حرفيًا: صار الواحد منهم لا يرى الآخر. (٣٠)أصل الكلمة: عشتر. (٣١)أي ليت ذلك اليوم الذي أمرت فيه بالشر وإهلاك البشر لم يكن أبدًا. (٣٢)أي إن المروج والوديان سُوِّيَت بالأرض فصارت كأسطح البيوت الطينية منذ القدم في مصر وبلاد النهرين. (٣٣)ركعت. (٣٤)حرفيًّا: عندما سجدت وعلى الأرض بكيت. (٣٥)جبل نصير: يقع هذا الجبل على بُعْد حوالي ٤٥٠ كيلومترًا إلى الشمال من مدينة شروباك في كردستان الحالية، ويرجح المؤرخ "طه باقر" أن يكون معنى الاسم هو جبل الخلاص، كما يذكر أنه ورد في أخبار الملك الآشوري «آشور-ناصر بال» الثاني (٨٨٣–٨٥٩ق. م) وأنه يقع بموجب هذه الأخبار جنوب وادي الزاب الصغير، وعينه بعض الباحثين بجبل "بيره مكرون" بالقرب من السليمانية، قارن سفر التكوين حيث استقرت سفينة نوح على جبل أراراط، وهو الاسم القديم لأرمينية «أورارطو»: واستقر الفلك في الشهر السابع في اليوم السابع عشر من الشهر على جبال أراراط (الإصحاح الثامن، ٤) (وترجمة طه باقر للملحمة ص١٤١ هامش ١٦٠). (٣٦)حول الطيور التي أطلقها نوح. قارن سفر التكوين، الإصحاح ٨: ٦–١٢. (٣٧)أي ترك كلَّ ركاب السفينة يذهبون إلى الجهات الأربع. (٣٨)قارن سفر التكوين (٨: ٢٠–٢٢): وبنى نوح مذبحًا للرب، وأخذ من كلِّ البهائم الطاهرة، ومن كل الطيور الطاهرة وأصعد محرقات على المذبح، فتنسم الرب رائحة الرضا. (٣٩)«ماخ» هو الاسم السومري لسيدة الآلهة، وفي ترجمات أخرى يذكر اسم عشتار (طه باقر وفراس السواح وسامي سعيد). (٤٠)«الإيجيجي» هم آلهة السماء أو آلهة العلويون (ملائكة) في مقابل «الآنوناكي» آلهة العالم السفلي (شياطين). (٤١)«نينورتا» هو ابن إنليل، وهو إله حرب وصيد، ولكنه قبل ذلك إله الخصب الذي يجسد الريح الجنوبية، كانت مدينة لجش هي مركز عبادته، ورمزه النسر، ويمثل أحيانًا برأس أسد. (٤٢)«إيا» هو ابن إنليل ورسول الآلهة إلى البشر. انظر السطر ١٧ في هذا اللوح. (٤٣)ربما كان هذا التعبير من قبيل السخرية؛ لأن «إيا» يُكنَّى بلقب «صانع كل شيء» كما كان إله الصناع وأرباب الحرف. (٤٤)هكذا في ترجمة ألبيرت شوت، وفي ترجمات أخرى: «ولكن أرحم لئلا يهلك» (طه باقر) وأمهله فلا يهلك ولا تهمل فيسقط (فراس السواح) وتساهل حتى لا يهلك، وتشدد حتى لا يطغى (سامي سعيد)، والمعنى واحد في كل الأحوال. (٤٥)«إيرا» هو إله الطاعون والأوبئة الفتاكة، ويبدو أنه كان مساعد نرجال إله العالم السفلي أو شبيهه في أهم وظائفه، وهو نشر الأوبئة والحروب الأهلية بين المدن والبلاد، وكل ألوان الشر والغدر العريقة الجذور في الشرق الأدنى! (٤٦)تذكر بعض الترجمات الكلمة الأكادية الأصلية وهي «أترا-حاسيس» التي تعني الحكيم المفرط في الفهم والحس ، وكلها صفات تنطبق على أوتنابشتيم بطل الطوفان البابلي، وقد تابعت «ألبيرت شوت» في تجنب ذكر الكلمة الأصلية حتى لا تختلط في ذهن القارئ بملحمة بابلية شهيرة عُرِفَت باسم «أتراحاسيس» الذي يقوم بنفس الدور الذي يقوم به أوتنابشتيم، إذ يتمكن بمؤازرة أنكي من النجاة من الطوفان الذي أرسله إنليل لإفناء البشر، بعد أن أزعجوه بضجيجهم ولم يفلح الطاعون ولا القحط اللذان أنزلهما عليهم في تأديبهم! وقد عمل «أتراحاسيس» بنصيحة أنكي، وقام ببناء سفينة حفظ فيها أرواح «نماذج أولية» لجميع الكائنات الحية. (٤٧)يبدو أن الأمر هنا يتعلق بأضحية أو قربان يمكن جلجامش من جمع الآلهة لتباركه وتهبه حياة الخلود كما فعلت مع جده أوتنابشتيم وزوجته، فالقربان الذي قدَّمه أوتنابشتيم هو الذي جذب الآلهة التي تزاحمت على روائح أضحياته الزكية قبل أن تنعم عليه وعلى زوجته بالخلود و«تحبسهما» بعيدًا عن البشر والحياة الطبيعية في جزيرة الحياة والأحياء أو جنتهم المملَّة الجرداء ... أما أن يتعرض جلجامش الذي حاول أن يقاوم الموت ويتحداه لامتحان يصعب على بشريته المتناهية أن تنجح فيه، وهو القدرة على الامتناع عن النوم عدة أيام تكشف في الحقيقة عن استغراقه فيه، فإن ذلك كان أمرًا لا يستبعد على البابلي القديم الذي أدرك وجه التشابه بين النوم والموت، وسجل هذا على لسان أدبائه وفي ملحمة جلجامش نفسها في أكثر من موضع (راجع على سبيل المثال حديث أوتنابشتيم لجلجامش في نهاية اللوح العاشر، العمود السادس، السطر الثالث والثلاثون). (٤٨)ينتشر. (٤٩)أي تعرفك بعدد الأيام التي غلبك فيها النوم. (٥٠)المختطف والثاكل، كناية عن الموت الذي طالما وصفه مأثورنا الشعبي بهادم اللذات ومفرق الجماعات! والكلمة الأصلية وضعها شوت بالخط المائل تعبيرًا عن عدم التأكد بعدُ من معناها الدقيق. (٥١)حرفيًّا: حيثما وضعت قدمي يكون الموت، تأمل تصوير الكاتب البابلي لحضور الموت وشموله، وتعبيره غير المباشر عن ضرورة مواجهته وتحديه، والتصميم على انتزاع «اللحظة الحية الخالدة» من بين براثنه، مثلما نجد في كثير من الكتابات الوجودية المعاصرة، وفي شواهد أخرى عديدة من الأدب العالمي والقومي يضيق المجال عن ذكرها. (٥٢)ليس من العسير استكناه المعنى من هذا البيت، فالجد الخالد يتبرأ من ملاحه ويطرده من خدمته، ويبدو أن في ترجمة ألبيرت شوت شيئًا من الخلل أو من التعقيد غير الضروري، إذ تؤدي السطر هكذا: ليستغن عن سواحله من تمشيت على سواحله، أي لتتبرأ منك سواحل البحر وشواطئه التي طالما تمشيت عليها... ولعل الترجمات الأخرى أن تكون أوضح وأقرب: عسى أن لا يرحب بك المرفأ ويبرأ منك موضع العبور ولتذهب مطرودًا من الشاطئ (طه باقر، ص١٤٧) فلينبذك المرفأ يا أورشنابي، وليكرهك المعبر، وليبرأ منك الشاطئ الذي تمشي عليه (فراس السواح، ص٢٢٠)، وعسى أن لا يفرح بك الميناء ويكرهك مكان العبور، فالذي يتجول على الشاطئ يُطْرَد منه (سامي سعيد). (٥٣)أو المردي كما سبقت الإشارة، وهو الذي يُغْرَز في الماء وتُدْفَع به السفينة في حركتها للأمام أو الوراء (راجع اللوح العاشر، الهامشين رقم ٣٢ و٣٣). (٥٤)هو المياه العذبة العميقة (راجع اللوح الحادي عشر، هامش رقم ٨). (٥٥)أو القلق، ولم أشأ استخدام هذه الكلمة لكثافة الدلالات النفسية والاجتماعية والفكرية والميتافيزيقية التي ارتبطت بها في عصرنا الحديثة... والكلمة على كلِّ حال غير مؤكدة، ويترجمها "سامي سعيد" على النحو التالي: «يا أورشانابي هذه النبتةالنبتة المجيدةحتى يحصل الرجل في نفسه قوته الجنسية» (ص٥٣١، سطر ٢٧٨-٢٧٩). (٥٦)وذلك بفضل القوة السحرية الكامنة في هذه النبتة التي تجدد الشباب، وتُرْجِع الشيخ إلى صباه وتجعل الأفعى تغير جلدها كل عام... لاحظ تحوُّل جلجامش قرب نهاية الملحمة والمغامرة كلها من «الأنا» الحريصة على شهرتها وخلود اسمها إلى «النحن» الممثلة في شعب أوروك الذي أراد أن يشركه معه في تجديد الشباب، وهو تحوُّل هام ربما يشهد على تطهر جلجامش من تسلطه وأنانيته، بعد تأكده من إخفاقه في التوصل إلى الخلود، وسوف يتجلَّى هذا التحول بصورة نهائية في السطور الأخيرة للملحمة التي تدل على إيمانه بأن الخلود الوحيد المتاح للفانين؛ هو العمل للمجموع وبناء الحضارة وتأسيس ما يبقى. (٥٧)«أسد التراب»، صفة كان يُطلِقها البابليون على الأفعى. (٥٨)السطور الثلاثة الأخيرة غامضة ومضطربة في كلِّ الترجمات، ويبدو أنها تشير إلى أمر حدث لجلجامش أثناء نزوله إلى الأعماق السفلى بحثًا عن نبتة الخلود، فقد فتح مجرى أو قناة صغيرة ينفذ منها إلى قاع «الآبسو» أو مستودع المياه العذبة بحثًا عن تلك النبتة، ثم سقط منه شيء في الماء. كما يظهر من ترجمة ألبيرت شوت، شيء لا ندريه ولم تحدده أي ترجمة أخرى، وربما تبين له بعد ضياع النبتة أنه كان نذيرًا له بأن يترك السفينة ويقطع المسافة الباقية إلى أوروك على قدميه مع رفيق رحلته الملاح أورشنابي الذي طرده سيده من خدمته، لكي يتحديا الفشل ويعلنا على لسان جلجامش في السطور الأخيرة من الملحمة التي تكرر بدايتها، أن الخلود ممكن على هذه الأرض، مهما تصورنا أنه مناقض لطبيعة البشر وتناهيهم، وهذا الخلود لا يتحقق إلا بالعمل النافع من أجل المجموع؛ أي بالعمل الحضاري الذي يمكن أن يقاوم الموت ولو إلى حين، والمهم على كل حال أن السطور السابقة لا تسمح بفهمها ولا تفسيرها، كما أن كاتب الملحمة قد عمد كعادته إلى الإيجاز والتكثيف، وكلها من سمات الأسلوب في الأدب الشعبي... وترد السطور السابقة في ترجمة سامي سعيد على الصورة التالية: «عندما فتحت قربة الماء ... العدة، لقد وجدت ما قُرر لي وسأتراجع «ولكن» هل أتمكن أن لا أرجع إلا بالبحر؟»(٥٩)الشار أو السار: مقياس مساحي يساوي نحو ٣٥ مترًا مربعًا. (راجع اللوح الحادي عشر، هامش رقم ١٧) وسهل الري هنا تقابله أراضي ضاحية معبد عشتار غير المزروعة (كما يُترجمها سامي سعيد، ص٥٣٢). --- ### رسالة [كيرلس، نسطوريوس، كيرلس] الثانية - Published: ۲۰۲۳-۱۱-۲۷ - Modified: 2025-02-02 - URL: https://tabcm.net/16179/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: آريوسية, التقليد الأنطاكي, النسطورية, ليتورچي مع تصاعد الأحداث في القسطنطينية، إثر تتويج "نسطوريوس" تاج أسقفيتها، ومع محاولته الخطرة لإشاعة التقليد الأنطاكي في فهم التجسد كتقليد مسكوني، بدلا من الفهم السكندري الذي كان سائدًا وقتها مسكونيًا، تم تبادل الرسائل بين الكراسي الرئيسية لتدارك الموقف. في هذا المقال سنستعرض بإيجاز أهم ملامح الرسالة الثانية، التي وجهها القديس كيرلس لنسطوريوس، ورد الأخير عليها، ويجدر الإشارة أنني فقط قد أعدت ترتيب الفقرات لتوفر انسيابًا فكريا افضل، وأسقطت الحشو والتكرار.   المفاهيم الأساسية التي ضمنها القديس كيرلس في رسالته: نحن لا نقول أن طبيعة الكلمة تغيرت وأصبحت جسدا، ولا انه تحول إلى إنسان، بل نقول أن الكلمة وحد مع نفسه جسدا محيا بنفس عاقلة، وهكذا أصبح إنسانًا، ودعي ابن الإنسان ومع أن الأقنومين مختلفان جوهريًا، إلا أن هناك مسيح وابن واحد "من" كليهما. نعترف به واحدًا، لأن جسد الكلمة الذي يشارك به عرش الآب ليس غريبًا عنه ولكن إذا نبذنا الاتحاد الأقنومي سواء لأن هذا مستحيل أو غير لائق، فلا مفر من السقوط إلى القول أن هناك ابنين. ولأن الكلمة وحد "الحقيقة البشرية" ((الحقيقة البشرية: تعبير ملهم من القديس كيرلس، لا يقل إلهامًا عن تعبير الليتورجية القبطية "عجينة البشرية"، وكلاهما ينفيان عن الأقنوم المأخوذ انه "شخص"، ويجزمان انه "كل البشرية" في آن. )) بنفسه لأجلنا ولأجل خلاصنا، وأتى من امرأة، لهذا قيل عنه انه ولد جسديًا لأنه "خصص" لنفسه ميلاد جسده الخاص. كذلك حين نقول انه تألم، فهذا لا يعني أنه كان قابلا للتألم في طبيعته الخاصة، لكننا نفهم أن غير المتألم كان في الجسد المتألم، لذلك حين تألم جسده الخاص، قيل أنه عانى هذه الأشياء من اجلنا. الموت أيضا نفهمه بهذه الطريقة، الحياة وواهب الحياة لا يموت، وحيث أن جسده الخاص قد ذاق الموت بنعمة الله لأجل الكل كما يقول الحكيم بولس، حينئذ قيل عنه -هو نفسه- انه عانى الموت من أجلنا.   المفاهيم التي وردت في رد نسطوريوس: سنلتفت تمامًا عن اللغة الخشنة، والتهديدات المبطنة التي أطلقها نسطوريوس، حتى أننا سنتغاضى عن السخرية والتهكم الذي يسبح الخطاب فيهما، وسنورد فقط أفكاره. من الصحيح تمامًا واللائق بأن الجسد هو هيكل لاهوت الابن، وأصبح مخصصًا له باقتران جليل والهي، لكن أن ننسب للاهوت -باسم التخصيص- ما يسري على "الجسد" الذي يتشارك معه (اعني الولادة والمعاناة والموت) فهذا إما خطأ عقلية وثنية، أو روح مريضة بجنون أبوليناريوس وآريوس، أو حتى شيئا اكثر سوءا. فهؤلاء الذين ينحرفون بمفهوم "التخصيص" فيقبلوا بالضرورة أن الكلمة كان يرضع من الثدي، وينمو تدريجيًا، ويخاف وقت الآلام محتاجًا مساعدة ملاك، لن اذكر الختان، التعرق، والجوع وكل هذه الأشياء المرتبطة بالجسد. هي في الواقع رائعة لأنه قد تم فعلها لأجلنا، لكن إذا تم نسبتها للاهوت فهذا هو الجنون بعينه، وتكون سببا لإدانتنا بالتجديف (وهذا مشروع تمامًا) لقد أعلنت أن الكلمة غير قابل للتألم، ولا يحتاج لولادة ثانية من امرأة، ولكنك (لا اعلم كيف) تقدمه لاحقا كقابل للألم ومخلوق حديثًا، كما لو كانت تلك الصفات الجوهرية في الله الكلمة قد تدمرت بهذا الاقتران بالهيكل. دعني اسدي لك نصيحة أخوية: في كل الأسفار المقدسة حينما يذكر ما هو في تدبير الرب، كالميلاد والآلام، فهي لم تنزل إلينا وكأنها تنطبق على "اللاهوت" ولكن بالأحرى على "الناسوت". تحدثت عن المجمع العظيم والمقدس ولكنك أسأت فهم التقليد الوارد في هذه النصوص، وذلك بالاعتقاد بأنهم قالوا أن كلمة الله الأزلي مع الآب كان قابل للتألم.   اعرني إذن أذنيك لأحررك من افتراءاتك، لقد قالوا: نؤمن بربنا يسوع المسيح، ابنه الوحيد، لاحظ كيف وضعوا في البداية هذه المصطلحات كأساسات: "ربنا" و"يسوع" و"المسيح" و"الابن الوحيد" كلها كأسماء مشتركة لكل من "اللاهوت" و"الناسوت" مثلما وضع بولس أولا: المسيح، كمصطلح عام لكلا الطبيعتين، فحين كان في طريقه لذكر الموت وضع لقب "المسيح" حتى لا يتصور احد أن الكلمة كان قابلا للألم. هذا يعني أن العذراء القديسة يجب أن توصف بتسمية اكثر دقة، ليس كـ"أم الله" بل "أم المسيح" لأن المسيح مصطلح ينطبق على الطبيعتين: غير القابلة للتألم والقابلة للتألم في بروسبون واحد. اسمع معي الكتاب يقول "المسيح مات من اجل خطايانا" أو "تألم المسيح لأجلنا بالجسد" أو "هذا هو جسدي (ليس لاهوتي أرجو أن تلاحظ ذلك) المكسور لأجلكم. هناك ألف نص أخر تشهد جميعا أن لاهوت الابن ليس هو الذي ينبغي النظر إليه على انه قابل للمعاناة، لكنه الجسد. في المقال القادم سنقدم تحليلًا لهذه النصوص ولماذا كان خطاب نسطوريوس أحد مسوغات الحكم بقطعه في أفسس. --- ### الذي ﻻ يموت [غير الفاسد] - Published: ۲۰۲۳-۱۱-۲٦ - Modified: 2023-11-24 - URL: https://tabcm.net/16152/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: أفلاطون الله وحده له عدم الموت وهو مصدر الحياة الله الذي يُحيي الكل ، الذي وحده له عدم الموت (تيموثاؤس الأولي ١٦:٦) لذلك هو الذي يقيم الأموات لكي لا نكون متكلين علي أنفسنا بل علي الله الذي يقيم الأموات (كورنثوس الثانية ٩:١) والفساد هو الانحلال وصولًا إلي العدم والفناء. وهو يدُّب في كيان الخليقة بعد موتها. أما الله فهو عديم الموت وعديم الفساد روحك غير الفاسد هو في الكل (سفر الحكمة ١:١٢) ويقارن الوحي المقدس بين الله وسائر الكائنات وأبدَلوا مجد الله الغير الفاسد بشبه صورة الإنسان الذي يَفسَد (رومية ٢٣:١) وصفة عدم الموت وعدم الفساد لا تُعطَي للإنسان. فالنفس غير خالدة بطبيعتها، وإنما تنال الخلود كمنحة إلهية وأما هبة الله فهي حياة أبدية بالمسيح يسوع ربنا (رومية ٢٣:٦). أما عند أفلاطون فإن النفس خالدة بطبيعتها. إن صفات الله تُوهب للإنسان في الخلق والخلاص، وصفة ”عدم الموت“ هي منحة المسيح للإنسانية، ونحصل عليها مجانًا. وإن فداء المسيح للبشر كان بمثابة شركة للإنسانية كلها في عطايا الله. وهذه العطايا هي الحياة الإلهية نفسها، لاسيما ”عدم الموت“. وأيضًا ”عدم الفساد“ هو من هبات الله للخليقة في المسيح يسوع. 
إن تجسد المسيح أبن الله نقل خليقة آدم - التي ماتت بالخطية لأن أجرة الخطية هي موت (رومية ٢٣:٦) نقلها من رتبة الخليقة الأولي في آدم القابلة للانحلال أي الفساد، إلي رتبة جديدة هي الخليقة الجديدة في ناسوت المسيح يسوع ربنا التي نالت عدم الفساد باتحادها باللاهوت في شخص المسيح الإله: عالمين أنكم أفتُديتم لا بأشياء تفني بل بدم المسيح (١بطرس ١٨،١٩:١). مولودين ثانية، لا من زرع يفنى، بل مما لا يفنى، بكلمة اللهالحية الباقية إلى الأبد (١بطرس ٢٣:١). إن خليقتنا الفاسدة نالت ”عدم الفساد“ بمجئ المسيح في الجسد. لأن ظهور مخلصنا يسوع أبطل الموت وأنار الحياة والخلود (١تيموثاؤس ١٠:١). إن القيامة من الأموات والخلود هي نعمة تجسد وقيامة المسيح إلي كل الخليقة: هكذا أيضا قيامة الأموات : يُزرَع في فساد ويُقام في عدم فساد... ولا يرث الفساد عدم الفساد... لأن هذا الفاسد لابد أن يلبس عدم فساد، وهذا المائت يلبس عدم موت (١كورنثوس ٤٢:١٥) ولكن شهود يهوده يحصرون القيامة فقط لذوي الأعمال الصالحة، أما الأشرار فيموتون ويَفسَدون ويرجعون إلي العدم. وبالمقارنة مع مايقوله شهود يهوه في هذا الشأن فقد يتسائل أحدهم ويقول بأن نعمة الله بخلود البشر عامةً بقيامة المسيح لا تتماشي مع ما نعرفه عن حب الله المطلق ورحمته الواسعة، لأنه - سبحانه - يُنعِم علي البشر الأشرار بالخلود ثم يبقي عليهم في مصير العذاب الأبدي دون أفتقادهم بالتوبة والإيمان مرة أخري، بينما معتقد شهود يهوه في الله أنه - سبحانه - أكثر رحمة بالأشرار، إذ أن شهود يهوه يعتقدون بفناء الأشرار وليس بعذابهم إلي الأبد. لذلك فإن عقيدة ”الخلاص الشامل“ هي عقيدة أرثوذكسية قال بها كثير من الآباء ولها براهينها في الكتاب المقدس وتقول بأن هلاك الأشرار ليس أبدي بل هناك فرصة بعد حساب الله لهم، إذ أن الله سيفتقدهم بفرصة التوبة والإيمان والرجوع إليه. فإن الله لا يفشل في خلاص مَن خلقهم، ولن يتركهم، بل يخرج يفتقد خروفه الضال حتي يجده دون أعتبار للزمن المخلوق والذي ينتهي بنهاية عمر كل أنسان. هذا مع أعتبار ضرورة الحساب الأخير لكل نفس بعد القيامة العامة. أما الذين أتحدوا بالخليقة الجديدة للإنسان في المسيح يسوع بالإيمان بشخصه المبارك وبعمل الروح القدس الذي يوحدهم به في كلمة الإنجيل وفي تناول جسده ودمه الكريم، فإنهم ينالون عدم الفساد الذي له - سبحانه - ويكونون معه حيث هو سبحانه حيثما أكون أنا هناك يكون خادمي. والسُبح لله. --- ### [١١] أبونا أنجيلوس (٣) - Published: ۲۰۲۳-۱۱-۲۵ - Modified: 2023-11-25 - URL: https://tabcm.net/13993/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون عمر المشكلة ما كانت في الكلام اللي بيتقال، طول عمر المشكلة في مين بيقول، ومين بيسمع، وإيه علاقة اللي بيقول باللي بيسمع كانت عشية واحتفال استقبال أبونا بطرس بعد رجوعه من الدير احتفال مهيب ومزدحم بالشباب والشعب، كان واضح إنه شخصية محبوبة و مؤثرة، دخل الكنيسة بالألحان و الزغاريد، الناس كانوا بيحدفوه بالورود ولبسوه طوق من الورد كالقلادة، وكهنة الكنيسة كلهم كانوا حاضرين، وكمان كهنة من كنايس تانية من الإيبارشية وبرة الإيبارشية، وقف أبونا أنجيلوس ليقدم التهنئة: بسم الأب والابن والروح القدس، الله الواحد، آمين. في الحقيقة يا أبنائي أنا اليوم في غاية السرور، فقد كان دكتور سامي ابنًا لنا، واليوم صار أبونا شريكًا في الخدمة وأبًا ومعلمًا لنا جميعًا، في الحقيقة مش عارف أهنئ أبونا بطرس على نعمة الكهنوت، ولا أهنيكم انتم يا شعب الكنيسة على محبة ربنا ليكم فاختار ليكم خادم نشيط ومتعدد المواهب زي أبونا بطرس، أنا شخصيًا مش قادر أوصف لكم مقدار السعادة والفرحة اللي في قلبي، حقيقي مبسوط، وحقيقي فرحان، فرحان وسعيد وبقولكم كلكم إن ربنا بيحبكم لأنه اختار أبونا بطرس يكون وكيل سرائره المقدسة، باسم أبائي الحضور وباسمكم جميعًا بنقدم أرق التهاني والتبريكات لقدس أبونا بطرس وهو بنفسه هيقول لكم كلمة شكر على حضوركم لتهنئته. الكنيسة امتلأت بالزغاريد والتصفيق أول ما أبونا بطرس مسك المايك وطلب الحِل من الآباء: حقيقي مش قادر أوصف لكم مقدار فرحتي بمحبتكم الغامرة، اللي حقيقي واصلة جدًا لقلبي، بس اسمحولي أتكلم معاكم من قلبي، أنا هنا واقف وسطيكم مش عشان أنا حد كويس وقديس فربنا اختارني، أبدًا، أنا يمكن أقل من أي حد فيكم، أنا اختيار ربنا ليَّ إن كان دليل على شيء فهو دليل على محبة الله وستره لضعفات البشر، يمكن أنا وسطيكم عشان أكون دليل إن ربنا بيشتغل بالوحشين والقديسين، انتم القديسين، أيوة انتم شعب الكنيسة القديسين، وأن كنت نلت نعمة الكهنوت وبقيت أب فانتم لسه آبائي وأمهاتي، أنا اللي أبوس أيديكم وأتقوى في خدمتكم وخدمة الكنيسة ببركة صلواتكم ليَّ، إن كان الكاهن باليوناني "إبريسفيتيروس" يعني شفيع عن الشعب، فأنا كمان النهاردة بقولكم محتاج كل يوم وكل لحظة صلاتكم وشفاعتكم عشاني، السلطان اللي إداه السيد المسيح للتلاميذ كهنة الكنيسة الأولى كان سلطان الحب، والسيد المسيح نفسه شعر الجميع أن له سلطان يختلف عن الكتبة والفريسيين لأن سلطانه كان الحب و الغفران، رفض الجميع المرأة نازفة الدم وقبلها السيد المسيح، ورفض الجميع المرأة التي أمسكت في ذات الفعل وأرادوا إنهاء حياتها وقبلها المسيح وغفر خطيتها، وقاده الحب إلى أن بذل ذاته معلقًا على الصليب ليعطي حياة وغفرانا وخلاصًا لكل من يقبل الخلاص، لذلك يا أحبائي إن كنت مسئولا عن خلاصكم، فأتجاسر وأقول وانتم أيضًا مسئولون عن خلاصي، لا تتوانوا عن الصلاة لأجلي وإن أعثرت أحدكم يومًا لا تنصرف قبل أن تعاتبني فقد تكون أسأت فهم قصدي أو قد أكون بحماقة أسأت التصرف. عاد الشعب ليصفق بقوة، ولكن أبونا بطرس رفع يده قائلًا: أنا عارف إن ديه مشاعر محبة، بس لازم نخلي بالنا إننا في الكنيسة ومينفعش مشاعرنا تلهينا عن احترام هيبة بيت الله وحضور روح الله بالحقيقة وسطنا. انتهت العشية وانصرف الجمع، وبقى الكهنة. ونظر أبونا أنجيلوس للكهنة قائلًا: النهاردة بس ضاعت هيبة الكهنوت في الكنيسة، إيه الكلام اللي كنت بتقوله ده، التواضع مش كده، المسيح إداك سلطان وقالك كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطا في السماء وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولًا في السماء، نقف ونعلم الناس إن تعاليم المسيح غلط ومفيش سلطان للكهنوت على الشعب، ده اللي قدسك قريته في الكتب وهتعلم بيه الشعب الفترة الجاية؟، ثم كل الآباء اللي كانوا حاضرين محدش فيهم وبخ الشعب علشان بيحتفلوا بيك، تروح قدسك تكسف الكل و تقولهم عيب وكأن أنت الوحيد اللي تعرف العيب وإحنا لأ؟ - يا أبونا أنا مش قصدي كده خالص، بلاش تحمل كلامي وأفعالي أكتر من حجمها. - يا أبونا أنا ولا بحمل ولا بتاع، إحنا هنشوف أيام ما يعلم بيها إلا ربنا، بس أنا متوقع ده من بدري، طول ما الكبار قاعدين وسامعين وساكتين، يبقى لازم يحصل كده، وأكتر من كده كمان! - يا أبونا قدسك مكبر الموضوع، طب حقك عليا. . - ولا حقك و لا حقي، أهو يوم وعدى، لما نشوف اخرتها، بس عشان يكون في معلوم قدسك، أنا مش هسمح لأي حد مهما كان، أي حد وتحتها ألف خط، إنه يبوظ الشعب أو يعصيه على الكهنوت أو يقلل احترام الشعب ليه، طول ما أنا موجود وطول ما أنا عايش. وراح سايب الكل و مشي . . أبونا بطرس وقف مستغرب جدًا ووجه كلامه لأبونا يوناثان وأبونا إيلاريون: - هو ليه بيعمل معايا كده؟! هو أنا قلت إيه غلط؟! أنا عملت له إيه؟! إحنا حتى مبتديناش. - كان لازم يعمل كده يا أبونا، أنا كنت متوقع جدًا إنه يعمل كده، كان لازم يقلب الترابيزة من الأول، عشان يقول إنه فريق لوحده، وإنه مش معانا، مع إنه عمره ما كان معانا، وطول عمره لوحده، بس كان لازم يقولها بصوت عالي عشان قدام نفسه يحس إنه بيدافع على الكنيسة والكهنوت وإننا بنعمل عكس ده. - طب هو اللي أنا قلته غلط؟! ! - يا أبونا كل كلمة بتترجم حسب مزاج اللي بيسمع، صدقني عمر المشكلة ما كانت في الكلام اللي بيتقال، طول عمر المشكلة في مين بيقول ومين بيسمع وإيه علاقة اللي بيقول باللي بيسمع. و راح ربت على كتفه ومسكه من ايد، وأبونا إيلاريون من ايد، وخرجوا هما الثلاثة من الكنيسة. يتبع . . --- ### في ذكرى رحيل د. هاني ميخائيل - Published: ۲۰۲۳-۱۱-۲٤ - Modified: 2023-11-22 - URL: https://tabcm.net/2611/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: البدلية العقابية, چورچ حبيب بباوي, يعقوب الرسول كُتبت في ذكرى رحيل الدكتور هاني مينا ميخائيل المفاجئة، وأنا بافكر في الحدث ده جه في بالى بعض الامور المهمة، والحقيقة أنا ماكنتش اعرف دكتور هاني شخصيًا ولا حتى سمعت له أو قريت له إلا من وقت قريب. لكن لما بدأت أقرا، وده اللي شجعني أدور على فيديوهات ليه وأشوفها، اكتشفت إن التعليم فيه نقطه مهمة قوي إنه يحققها لنا، وهى الإحساس بالراحة، وده اللي شدني لكتابات وتعاليم دكتور هاني عمومًا. بتفصيل بسيط للي اقصده، لازم اعترف إن طول عمري وأنا باتعلم في الكنيسة عن البدلية العقابية، وموت المسيح كذبيحة لإرضاء الأب الغاضب بسبب خطية آدم وخطايانا مثلا، ما كنتش مرتاحة، لأن الصورة دي عن الله كانت بتخوفني منه، وتسبب لي نوع من عدم القناعة، وفى نفس الوقت عدم الراحة، وحاجات كتير سمعتها في الوعظ عن علاقة الله بالإنسان، والمصير الأبدي والجحيم والنار وغيرها، بالرغم من إن ده وقتها كان المصدر الوحيد لتكوين إيماني، لكنها مكنتش مريحاني، وكان الشيء اللي بيلخبطني هو رؤيتي للمسيح وتعاليمه من خلال الإنجيل، وقد إيه فيها روح مختلفة عن التعاليم اللي بسمعها، ومش قادره ولا إن عقلي يقتنع بيها -وطبعا الحل كان دائمًا إن الإيمان هو الإيقان بأمور لا ترى- ولا روحي مرتاحة لها، لحد ما بدأت أدوّر واعرف واسمع إن في مناهج أخرى للوعظ والتفسير، وإنها مش اختراع، لكنها مبنيه على أقوال وتفسيرات الآباء الأوائل العظام، والاهم إنها في نفس الوقت متسقه مع روح المسيح اللي بحسها في الإنجيل. وعلى عكس المتنيح الدكتور جورج بباوي، فان المتنيح دكتور هاني كان اكثر هدوءً في تعاليمه، وأقل هجومًا أو ردا على من حرموه وكفروه كالعادة، لكن بالنسبة لي بيشتركوا في هذا الفكر والتعليم اللي لما تقراه وتسمعه بانفتاح، عقلك اللي ربنا إداه ليك وزنه عشان تعرفه بيه زى ما بيقولوا المصريين فى المثل العظيم "ربنا عرفوه بالعقل" بيقتنع، وروحك اللي هي نسمه من الله بترتاح للتعليم ده. المسيح ينيح نفس الدكتور هاني اللي أثر فيّ قِوَى نياحته بعد زوجته المحبوبة إلى قلبه بثلاث أسابيع فقط، وده دليل على مدى ارتباطه وتعلقه بيها ومحبته ليها، ودليل على أمانته في المحبة، والحقيقة ده بالنسبة لي دليل آخر على سلامة التعليم، من غير استغراب، الإنسان الذي يعرف الله بيكون أمين في معاملاته ومحبته، ده غير الانطباع السماوي الذي تركه هذا الرجل في كل من تعامل معه، وده التطبيق العملي لكلمات يعقوب الرسول: لكِنْ يَقُولُ قَائِلٌ: «أَنْتَ لَكَ إِيمَانٌ، وَأَنَا لِي أَعْمَالٌ» أَرِنِي إِيمَانَكَ بِدُونِ أَعْمَالِكَ، وَأَنَا أُرِيكَ بِأَعْمَالِي إِيمَانِي. (يعقوب 2: 18) ومن قلبي أتمنى إن قلوبنا وعيوننا تنفتح على معرفة الله الحقيقية، وعشرته التي تنير لنا طريق الحياة الأبدية التي هي أن نعرفه هو وحده ويسوع المسيح الذي أرسلة. وَهذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلهَ الْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ الْمَسِيحَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ. (يوحنا 17: 3) --- ### [١] القراءة التقليدية: تفكيك وبناء - Published: ۲۰۲۳-۱۱-۲۳ - Modified: 2024-07-14 - URL: https://tabcm.net/15522/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, كتاب مقدس - وسوم: أسفار موسى, إيلوهيم, التقليد الإيلوهي [E], التقليد التثنوي [D], التقليد الكهنوتي [P], التقليد اليهوي [J] / [Y], الفرضية الوثائقية, بنتاتوخ, توراة, قصة الخلق, نبي موسى, يشوع بن نون, يهوه, يوليوس فلهاوزن التوراة على سبيل المثال تصف موسى باعتباره أكتر الرجال تواضعًا على الأرض، لذا ﻻ يوجد منطق في كون نبيّ متواضع يصف نفسه بمثل هذا الوصف، والأرجح عقلًا أن يكون وصفه أخر، ومن ثمّ فالكتابة من شخص آخر التوراة هي الكتب (الأسفار) الخمسة الأولى في العهد القديم عند اليهود والمسيحيين في الكتاب المقدس. الكتاب الأول هو: التكوين، الثاني هو: الخروج، الثالث هو: الأحبار ، الرابع هو: العدد، والخامس والأخير هو: سفر تثنية الاشتراع. في النظرة التقليدية لكتابة التوراة، تُنسب الأسفار الخمسة إلى النبي موسى، وتُسمى: أسفار موسى الخمسة . والإشكالية الوحيدة التي لاحظتها النظرة التقليدية هي أنه في نهاية سفر التثنية يرد ذكر موت موسى. وكان الحل الذي قدمته النظرة التقليدية أن موسى كتب الأسفار الخمسة باستثناء الفصل الأخير من سفر التثنية الذي كتبه تلميذه "يشوع بن نون" وسجل فيه موت معلمه موسى. تلك هي النظرة التقليدية لكتابة التوراة، وهي نظرة بسيطة وسلسة للغاية. الكاتب هو شخص واحد، وهو النبي موسى، والفصل الأخير فقط هو إضافة من تلميذه. بمرور الوقت، ومع قراءة التوراة بتدقيق، بدأ بعض القراء في ملاحظة إشكاليات أخرى غير إشكالية موت موسى، ولم تتعامل النظرة التقليدية معها بشكل مُرضٍ، حتى لو اعتبرنا أن حل إشكالية موت موسى بأن الكاتب الأخير هو "يشوع بن نون" حلًا مرضيًا بالأساس. فالأسلوب الأدبي الذي كُتب به الفصل الأخير من التثنية لا يختلف عن بقية السفر، ولا توجد أي قرينة تدعونا للقول بأن الإصحاح الأخير مكتوب بأيد مختلفة عن بقية السفر. لماذا لا يكون يشوع بن نون هو الكاتب الأخير لكل الأسفار الخمسة مثلًا؟ إحدى الإشكاليات الأُخرى أن التوراة على سبيل المثال تصف موسى باعتباره أكتر الرجال تواضعًا على الأرض، لذا ﻻ يوجد منطق في كون نبيّ متواضع يصف نفسه بمثل هذا الوصف، والأرجح عقلًا أن يكون وصفه أخر، ومن ثمّ فالكتابة من شخص آخر. الإشكاليات التي لاحظها القُراء في التوراة تُحل إن لم يتم التمسك بالنظرة التقليدية التي تُظهر أن موسى كتب التوراة. لكننا سننحي النظرة التقليدية جانبًا محاولين تتبع الإشكاليات التي لاحظها القُراء والنقاد. ذلك لأن نفس الإشكاليات التي أظهرت أن موسى ليس الكاتب، قد استطاعت بشكل ما أن ترشدنا إلى الكاتب الحقيقي للتوراة. إحدى الإشكاليات في التوراة أيضًا وجود تضارب في عدة قصص. على سبيل المثال، نجد السردية تقول بأن الحيوانات التي ستدخل الفلك ستكون زوجين من كل نوع، ثم بعدها تقول السردية سبعة أزواج من الحيوانات الطاهرة وزوجين فقط في حالة الحيوانات غير الطاهرة، أي ليس زوجين من كل الأنواع إذن. يمكن إيجاد تضاربات مثل هذه طوال الوقت في التوراة، وهي تقودنا إلى إشكالية الـ Doublets، أو يمكننا ترجمتها باسم "إشكالية الثنائيات"، وهي أن تكون القصة مكتوبة مرتين وليس مرة واحدة. أحيانًا تُذكر القصتان تباعًا بشكل متتالي، كما في قصة الخلق، التي ذُكرت مرة في الإصحاح الأول من التكوين ومرة ثانية في الإصحاح الثاني. وأحيانًا تكون القصتان متداخلتين مع بعضهما البعض، كما في قصة نوح والطوفان. وأحيانًا تُذكر القصتان مرتين، كل واحدة منهما في حدثٍ وسياقٍ مختلفين، وكأنهما قصتان مستقلتان في أزمنة مختلفة، كما في قصة ضرب موسى للحجر لإخراج الماء، التي ذُكرت مرة في سفر الخروج ومرة ثانية في سفر العدد. تُعد إشكالية الثنائيات شائعة في التوراة، وخاصة في سفر التكوين، بدءًا من قصة الخلق مرورًا بقصة نوح وصولًا إلى قصص إبراهيم وإسحاق ويعقوب وأخيرًا يوسف وإخوته. إشكالية الثنائيات هي ليست مجرد ذكر متكرر لقصةٍ مرتين، بل غالبًا ما تختلف القصتان في التفاصيل إلى حد التناقض. أحيانًا تختلفان في أسلوب الكتابة، وفي أحيان أخرى في اهتمامات الموضوع. أشهر اختلاف واضح بين القصص في الثنائيات أن تجد في مرة يُكتب فيها عن الألوهة بكلمة "الله" ، ومرة أخرى يُكتب باسم "يهوه"، والذي يُترجم عادةً إلى "الرب". نلاحظ أن القصة التي استخدمت لفظ "إيلوهيم" لا تستخدم لفظ "يهوه"، والعكس صحيح أيضًا. في قصة الخلق على سبيل المثال، في الإصحاح الأول، تُسمى الألوهة "إيلوهيم". وفي الإصحاح الثاني، تُسمى "يهوه". ويستمر نفس النمط في ثنائيات كثيرة جدًا في سفر التكوين. هذه الاختلافات والتضاربات لم تُوضح فقط أن الكاتب ليس هو موسى وحسب، بل بدأت توضح لنا بعض الأنماط التي تشكّل أدلة وقرائن حول الكتبة الحقيقيين للتوراة. مشكلة الثنائيات تحديدًا كشفت أن الكاتب ليس واحدًا بل اثنين، أحدهما يستخدم دائمًا اسم "يهوه"، والثاني يستخدم دائمًا اسم "إيلوهيم". وتم تسمية مجموع القراءات التوراتية التي تحمل نمط كتابة محدد باسم الألوهة المستخدمة. أي إن نمط الكتابة باستخدام "يهوه" يسمى "المصدر اليهوي"، ويُختصر في اللاتينية بالمصدر Y أو J. ((اسم "يهوه" بالألمانية هو Javeh، وأهم المحققين وأولهم كانوا من الألمان، أما Y لأن اسم يهوه بالإنجليزية YHWH أو Yahweh )). أما المصدر الثاني الذي يستخدم اسم إيلوهيم فقد تم تسميته "المصدر الإيلوهي" ((أحيانا تُكتب بالعربية بطرق أخرى مثل: إلوهي، إيلوهيمي. ))، ويُختصر في اللاتينية بالمصدر E من كلمة Elohim. مع استمرار الدراسات، اكتشف الدارسون أن مادة كبيرة جدًا من المصدر الإيلوهي في الحقيقة ليست مصدرًا واحدًا فقط، ولا كاتبًا واحدًا بالتبعية، بل هي مصدران بكاتبين على الأقل. واكتشفوا أن بعض القصص لم تكن ثنائيات فقط بل وجدت أيضًا ثلاثيات. واكتشفوا وجود تضاربات داخل نفس المصدر واهتمامات مختلفة بمواضيع الكتابة وأساليب أدبية مختلفة. وعندما اتضح أن المصدر الإيلوهي مصدران لم يستطيعوا التمييز بينهما في البداية لأن كلاهما يسمي الإلوهة باسم "إيلوهيم"، ثم فيما بعد تم الوصول إلى أن المصدر الجديد الذي يحتويه المصدر الإيلوهي يهتم جدًا بتفاصيل العبادات والشعائر والطقوس والذبائح والتشريعات. أي أن اهتمامات المصدر كانت كلها كهنوتية من الدرجة الأولى، ولذا تم تسمية المصدر الثالث المكتشف باسم "المصدر الكهنوتي" أو المصدر P، من كلمة Priest بمعنى كاهن. كل هذا ينطبق فقط على الأسفار الأربعة الأولى: التكوين والخروج والأحبار والعدد، لكن لا ينطبق على سفر "تثنية الاشتراع"، الذي يمتاز بأسلوب مختلف تمامًا عن الأسفار الأربعة الأولى. ربما يكرر بعض التشريعات، لكن أسلوبه مختلف ومفرداته مختلفة، ولا يتسم بأي مما اتسمت به المصادر السابقة باستثناء بعض النصوص التي تنتمي إلى خصائص المصدر الكهنوتي لا أكثر. إذن سفر "تثنية الاشتراع" ببساطة له مصدر خاص منفرد تم تسميته بالمصدر التثنوي أو المصدر D من كلمة Deuteronomy بمعنى التثنية. هذا النوع من القراءة والنقد والتفكيك والتحليل للنصوص أوضح لنا أن السؤال الصحيح ليس: "من هو كاتب التوراة؟"، بل السؤال الصحيح هو: "من هم كتبة التوراة؟". على البناء السابق، أصبح لدينا أربعة كتبة على الأقل. تُرى، من منهم كتب أولًا ومن تلاه؟ هل كان الكتبة يعرفون بعضهم البعض؟ هل اعتمد الواحد منهم على الآخر في الكتابة؟ تُرى متى عاشوا؟ وأي أحداث عاصروها وكتبوا عنها؟ وكيف شكلت الأحداث لغتهم وأسلوبهم في الكتابة؟ وكيف يساعدنا كل هذا على فهم كتاباتهم بشكل أعمق؟ هل يمكننا معرفة لماذا كتبوا في الأساس؟ ومن هو الذي جمع كتابات هذه المصادر الأربعة ووضعها في كتاب واحد متسلسل كما الذي بين أيدينا الآن؟ هل كانوا يعلمون أن ما يكتبونه سيجمع إلى جوار بعضه البعض؟ هل كان لديهم أي نوع من الوعي أو الإدراك أن كتاباتهم في النهاية ستُسمى: الكتاب المقدس؟ النظرية، أو الفرضية التأريخية، التي تساعدنا على إجابة مثل هذه الأسئلة فيما يخص التوراة اسمها: Documentary Hypothesis أو "الفرضية الوثائقية"، أو باختصار DH. تشكلت هذه الفرضية من خلال ملاحظات وسقطات ونجاحات المؤرخين والنقاد عبر العصور المختلفة. وأهم من أضاف لتشكيلها كان المؤرخ والباحث التوراتي الألماني يوليوس فلهاوزن، وطوّرها آخرون بعده، إذ لم تكن كل أطروحات "فلهاوزن" متناسقة مع الملاحظات والأدلة. أيّ نظرية أو فرضية أو فكرة أو طرح فلسفي أو تأريخي أو علمي، ﻻ تستطيع تقديم كل الإجابات على كل الأسئلة. لكنها تساعدنا على إجابة مجموعة جيّدة من الأسئلة، وبجمع معظم الملاحظات، ووضعها في إطار متناسق نستطيع من خلاله تكوين نظرة ﻻ بأس بها لتاريخ الشعب العبراني في العصور القديمة، ولكيفية تكوين وفهم التوراة في إطارها التاريخي والثقافي بشكل أكتر انضباطًا من القراءة الاعتباطية أو التلقائية غير الأكاديمية. أهم ما تم توضيحه في هذا المقال هو أنه من الآن فصاعدًا لن نقرأ التوراة باعتبارها كتابًا واحدًا لمؤلف واحد، بل باعتبارها مجموعة كتب لمجموعة كتبة متعددين ومتنوعين، ولكل واحد منهم غالبًا اهتمامات وأهداف مختلفة ساقته للكتابة، وبالتالي معانٍ مختلفة كليًا للقراءة. هذه النظرة ستغير في فهمنا لأمور متعددة، وسنجتهد في توضيحها في الحلقات القادمة لبقية السلسلة، بشكل غير ممل وفي الوقت نفسه غير مُسرف في السطحية قدر الإمكان. --- ### (٦) لا تدعوا لكم سيداً - Published: ۲۰۲۳-۱۱-۲۲ - Modified: 2023-11-13 - URL: https://tabcm.net/14782/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, كتاب مقدس - وسوم: بابا شنودة الثالث, عيسو الآية قيلت لكل الناس، مش للتلاميذ بس زي ما قال البابا السابق، معرفش ليه أكد وأصر إنها اتقالت للتلاميذ بس -آية النهاردة هتثير حفيظة البعض، وأنا بأكد إني مش بهاجم حد ولذلك قبل ما ابتدي هقتبس مقولة البابا شنودة: نحن لا نحارب أشخاصًا، بل نحارب أفكارًا - وصل سؤال للبابا شنودة يقول: لماذا ندعو الأساقفة بسيدنا، والكهنة بأبونا، والمرتل في الكنيسة بالمعلم، في حين إن السيد المسيح قال: وأما أنتم فلا تدعوا سيدي، لأن معلمكم واحد المسيح، وأنتم جميعا إخوة. ولا تدعوا لكم أبا على الأرض، لأن أباكم واحد الذي في السماوات. ولا تدعوا معلمين، لأن معلمكم واحد المسيح (متى ٢٣: ٨-١٠)   - وكان ملخص إجابة البابا كالآتي: ١- أكد البابا بشدة أن هذه الآيات لم يقولها السيد المسيح لكل الناس، إنما قيلت للتلاميذ فقط وخلفائهم من الرسل ورؤساء الكنائس، يقصد بهم (البطاركة - الأساقفة - الكهنة) من وقتها وحتى اليوم! ٢-وبالتالي، هي أوامر مباشرة للتلاميذ وخلفائهم ألا يدعوا أحد آخر سيدًا أو معلمًا أو أبًا على الأرض! يعني الناس تقولهم يا سيدي، لكنهم ميقولوش للناس يا سيدي! ٣- وبناء على تفسيره، فإن باقي الناس من وقتها هم بس اللي ممكن أن يدعوا لهم أبا و سيدًا ومعلمًا على الأرض وغيرها من الأوصاف والألقاب! ٤ - وبرر البابا وجهه نظره بقوله إن السيد المسيح كان بيأسس جيل جديد من القيادات من التلاميذ وخلفائهم (البطاركة والأساقفة والكهنة) بدل القيادات القديمة من الكتبة الفريسيين الفاسدين! ! وإن غرض المسيح هو استبدال قيادة قديمة بقيادة أخرى جديدة، مع بقاء نفس الفكرة والمسميات (أسياد وآباء ومعلمين) الخ، واسترسل البابا في شرح باقي الإصحاح، وبنى عظة كاملة عنه، وتمت طباعتها في كتب، وأصبحت منهج يدرس لطلبة الكلية الإكليريكية.   ** طب وإيه الإشكالية/ أوجه الاعتراض هنا؟ ** - هي مش إشكالية واحدة، دي عدة إشكاليات كتيرة، وزي ما اتفقنا قبل كده مينفعش ناخد كلمة أو آية ونطير بيها، لازم نرجع للنص كله ونشوف مين قائلها و فين ولمين؟ وإيه السياق اللي إتقالت فيه؟ ونشوف الترجمات الأخرى إن امكن، والقرائن والأدلة! أما بالنسبة للإشكاليات، والمفاجآت فهي: ١- أول مفاجأة إن الآيات قيلت لكل الناس، مش للتلاميذ زي ما قال البابا السابق، معرفش ليه أكد وأصر إنها اتقالت للتلاميذ بس، ارجع للعدد رقم ١ وأقرأ من تاني: حِينَئِذٍ خَاطَبَ يَسُوعُ الْجُمُوعَ وَتَلاَمِيذَهُ (متى ٢٣: ١) ٢-أما المفاجأة الأكبر هي إن مفيش آيات في الإنجيل بتقول "لا تدعوا لكم سيدًا على الأرض" - "لا تدعوا لكم معلمًا على الأرض" لو مش مصدقني ارجع للنص هتلاقي العكس تمامًا هو اللي موجود، لما تقراها قراءة لغوية صحيحة و بالتشكيل المظبوط هتجدها: " فَلاَ تُدْعَوْا سَيِّدِي - ولاَ تُدْعَوْا مُعَلِّمِينَ" بالضمة على التاء، مش بالفتحة، ومفيش كلمة (لكم) دي خالص، وهكذا تغير المعنى تمامًا ! ! علشان تتأكد والمعني يوضح اكتر أقراها بالانجليزي: You are Not to be called Rabbi - You are Not to be called Teacher - دلوقتى بعد ما قارنت بنفسك، نقدر نفهم التفسير و القراءة الصحيحة لها وهي: (لا تُدعَوا سيدي) معناها لا تجعلوا أحد يصفكم أنكم أسياد، لأنكم جميعًا أخوة متساوون في السيد والرأس المسيح، فلا تسمحوا أن يتقال لكم سيدنا مثلث الرحمات - سيدنا معلم المسكونة - سيدنا كلى القداسة - قاضي القضاة - صاحب الكرامات! إلخ. . - (ولا تُدعو معلمين) يعنى لا تجعلوا أحد يصفكم أنكم مصدر التعليم، لأن التعليم جاي من المسيح مش منكم أو من تعليم وتقاليد واختراعات بشرية! ! وده بيفكرني بموقف أحد الكهنة في أمريكا لما قال إن اللي مش مؤمن بتعاليم البطرك فلان يبقى مش مسيحي! ! وكأن تعاليم البطرك هي المسيحية كلها وسواها كفر وهرطقة! ! - (ولا تدعوا لكم أبًا على الأرض) خلوا المسيح نصب أعينكم فقط، ولا تتخذوا لكم آباًء تنتسبون اليهم غير الله على الأرض وتشتتوا أنفسكم بعيدًا عنه، ولا تدعوا أنفسكم بمسميات كتير بعيدة عن المسيح، وكأن المسيح غائب عن المشهد، تقولهم المسيح، يقولك معرفش إلا كلام سيدنا فلان، تقوله الكتاب المقدس، يقولك لأ أنا اصدق بس كتابات الأب كذا! وده بيفكرني بموقف العسكري اللي واقف حراسة لموكب رئيس الوزراء و ميعرفش حد ولا بياخد أوامر من حد إلا من الظابط اللي مشغله بس ويرفض أي أمر ولو من رئيس الوزراء نفسه! ! ٣-إشكالية أخرى وهي إن البابا السابق استشهد بآيات كتير تحوى كلمة سيد - أب - معلم، حتى ولو بره سياقها، بل انه فسر الآية (وأنتم جميعًا أخوة) إننا أخوه لكن مش متساويين، فيه حد اعظم من حد، وجاب أمثلة من العهد القديم عن يعقوب وعيسو، ويوسف وإخوته . . الخ وهي أساسًا بره سياقها وملهاش علاقة بالنص هنا. ٤- وصل الحد انه حلل وقنن سجود البشر لبعضهم وقسمه لكذا ليفل، سجود (احترام) للرتب الكنسية! ! وسجود (إكرام) للأيقونات والصور والهياكل المصنوعة بأيدي، وسجود (عبادة) وسجود المطانيات. . الخ مع إن الكتاب نفسه واضح، للرب إلهك تسجد، وعندنا أمثلة عن رفض بطرس سجود كرنيليوس له، ورفض الملاك سجود يوحنا له. . الخ ٥- في هذا الإصحاح، المسيح أخونا البكر كان بينتقد سلطة رجال الدين وكبريائهم، وإحساسهم بأنهم الأعلى مكانة وافضليه فوق باقي المؤمنين، وعشقهم للتسيد على المؤمنين وتحميلهم للناس بأحمال صعبة الحمل، وحبهم للمناصب وللكراسي والمظاهر والملابس المذهبة والتيجان، والتحيات في الأسواق والطبول قدامهم وقبل دخولهم للكنيس اليهودي وتصدرهم الصفوف الأولى، وكان بينتقد أفعالهم وتصرفاتهم وسلوكهم وأمر الناس انهم ميعملوش زيهم أبدا، كان بينتقد التصنيف على أساس سادة وعبيد، رؤوساء ومرؤوسين. ٦- المسيح في الإصحاح ده كان بيعلمهم الاتضاع، وهو نفسه اتضع وغسل رجلهم كمعلم وسيد ورب، وقال لهم الأعظم فيكم يكون خادمًا لكم، الأكبر فيكم أصغركم. ٧- هناك إصرار عجيب على تكسير ونقض كل كلام المسيح له كل المجد في هذا الإصحاح وطبعا هذا التكسير لصالح سلطة رجال الدين، - يكلم الجموع والتلاميذ، فيقول لأ بيكلم التلاميذ بس! - يقول لا يكن لكم سيداً، نقول لأ فيه أسياد! - يقول انتم كلكم اخوة، فيقول بس مش متساويين ! - يقول للرب إلهك تسجد، فيقول لأ فيه سجود! - للأسف العكس تمامًا بيحصل حاليًا وكل اللي نهى عنه المسيح وحاربه بشدة، بعض الناس بتحلله وتقننه وتخليه طقس وتقليد وقانون كنسي بل ويفسروا الكتاب عكس المكتوب كمان زي ما إحنا شايفين! ! **** للاسف دي مش المرة الأولى اللي يألف فيها البابا السابق آيات من عنده, ارجعوا للحلقة الأولى من آيات ومحتاجات (من يكرمكم يكرمنني) وأيضا الفيديو القديم https://www. youtube. com/watch? v=BZRvFdhXwX0 --- ### ملحمة جلجامش؛ الإصحاح العاشر - Published: ۲۰۲۳-۱۱-۲۱ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/13251/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون, تاريخ وميثولوچيا - وسوم: آنو, آنوناكي, ألبيرت شوت, أوتنابشتم, أورشنابي, أوروك, إنكيدو, إنليل, الثور السماوي, الشرق الأدنى, الطوفان البابلي, جلجامش, خمبابا, ريجنالد كامبل طومسون, سامي سعيد, سيدوري, شمش, طه باقر, فراس السواح, ماميتوم يقابل جلجامش سيدوري التي تظن أنه مجرم بسبب مظهره المخزي. يخبرها جلجامش عن غرض رحلته فتحاول أن تثنيه عن مسعاه، وبالنهاية ترسله إلى رجل السفينة أورشنابي الذي يساعده على عبور البحر إلى أوتنابيشتيم. يخبره أورشانابي أنه قد دمر الأشياء التي يمكن أن تساعدهم على عبور مياه الموت، ويوعز إلى جلجامش بقطع ١٢٠ شجرة وجعلها أعمدة. يصل كلاهما للجزيرة حيث يعيش أوتنابيشتيم، يسرد جلجامش قصته ويطلب منه المساعدة. فيقوم أوتنابيشتيم بتوبيخه معلنًا أن محاربة المصير المشترك للبشر أمر عقيم ويقلل من متعة الحياة اللوح العاشر مقسّم على  ٦ أعمدة، المقروء منها ٢٤٧ سطرا، بنسبة ٧١% من الإجمالي. خلاصة الإصحاح العاشر:يقابل جلجامش سيدوري ساقية الحانة التي تظن أنه قاتل أو سارق بسبب مظهره المخزي. يخبرها جلجامش عن الغرض من رحلته. تحاول أن تثنيه عن مسعاه، لكنها ترسله إلى رجل السفينة أورشنابي الذي يساعده على عبور البحر إلى أوتنابيشتيم. يخبره جلجامش بقصته ولكن عندما يطلب مساعدته يخبره أورشنابي أنه قد دمر الأشياء التي يمكن أن تساعدهم على عبور مياه الموت التي تقتل عبر لمسها. يوعز أورشنابي إلى جلجامش بقطع ١٢٠ شجرة وجعلها أعمدة. ولما وصلا إلى الجزيرة حيث يعيش أوتنابيشتيم، يسرد جلجامش قصته ويطلب منه المساعدة. ويقوم أوتنابيشتيم بتوبيخه معلناً أن محاربة المصير المشترك للبشر أمر عقيم ويقلل من متعة الحياة. العمود الأول ١)سيدوري، ساقية الحان،٢)التي تسكن بعيدًا عن ساحل البحر،٣)صنعوا لها جرة، صنعوا لها دورقًا ذهبيًّا،٤)اتشحت بخمار ... ٥)جلجامش قادمًامغطًّى بالأوساخ،٦)وعليه لباس من جلد الحيوان ... ٧)بعض]من لحم الآلهة،٨)والهم تمكَّن من قلبه،٩)وأشبه وجهه وجه مسافر جاب الطريق النائية. ١٠)تطلعت ساقية الحان إلىالبعيد،١١)وأخذت تناجي قلبها١٢)بهذه الكلمات:١٣)«ربما كان هذا،١٤)المتجه إلى مكانٍ غير معلوم ... »١٥)عندما رأته ساقية الحان أوصدت الباب،١٦)أوصدت بابها، وأحكمت إغلاقه بالمزلاج،١٧)غير أن جلجامش تنبه إلى الصوت،١٨)فرفع ذقنه ووجَّه بصره إليها،١٩)وقال لها جلجامش، قال لساقية الحان:٢٠)«يا ساقية الحان، ماذا رأيتحتى توصدي بابك،٢١)حتى توصديه وتغلقيه بالمزلاج؟٢٢)سأحطم الأبواب وأكسر المزلاج! » ٢)«يلبس جلود الحيوان، ويأكل اللحم النيئ،٣)وفي الآبار، يا جلجامش، التي لم يسبق وجودها أبدًا،٤)ستُحرِّك ريحي، إن شئت، الماء! »٥)تكدر شمش وذهبإليه،٦)قال لجلجامش:٧)«إلى أين تمضي يا جلجامش؟٨)إن الحياة التي تبحث عنها لن تجدها! »٩)قال له جلجامش، قال لشمش البطل:١٠)«أبَعْدَ السيْرِ والجَرْي في البراري،١١)تتبقىالراحة على الأرض؟١٢)ومع ذلك فقد نمت طوال كل السنين. ١٣)أَلَا ليت عيني ترى الشمس، ليتني أشبع من النور! ١٤)وعندما يبتعد الظلام، فكم يبقىالضياع؟١٥)ومتى استطاع ميت أن يرى بريق الشمس؟» ٣٤)قال لها جلجامش، قال لساقية الحان:٣٥)«أناأمسكت بالثور الذي نزل من السماء وأجهزت عليه،٣٦)أنا الذي صرعت حارس الغابة،٣٧)وقتلت خمبابا الذي يسكن غابة الأرز،٣٨)كما قتلت الأسود في مسالك الجبال. »٣٩)قالت له ساقية الحان، قالت لجلجامش:٤٠)«إن كنت أنت جلجامش الذي قضى على الحارس،٤١)وصرع خمبابا الذي يسكن غابة الأرز،٤٢)وقتل الأسود في ممرات الجبال،٤٣)وأمسك بالثور الذي نزل من السماء وأجهز عليه؛٤٤)فلماذا ضَمرَت وجنتاك، وتغضن محيَّاك؟٤٥)اكتأب فؤادك وذبلت ملامحك،٤٦)وتمكَّن الهم من نفسك،٤٧)وأشبه وجهك وجه مسافر جاب الطرق البعيدة،٤٨)ولفحت محياك الرطوبة ووهج الشمس؟٤٩)... تهيمفي البرية؟»٥٠)قال لها جلجامش، قال لساقية الحان:٥١)«إن صديقي، الذي أحببته حبًّا جمًّا،(ملحمة جلجامش، اللوح العاشر، العمود الأوّل) (١)هذه هي الترجمة الآشورية. (٢)حرفيًا: التي تسكن في عزلة البحر؛ أي في مكانٍ موحشٍ منعزل على ساحل البحر. (٣)الضمير يعود على الآلهة الذين صنعوا لها الجرة (أو الإبريق والدورق والقدح أو الراقود الذهبي أي وعاء التخمير والتقطير). (٤)بغلالة أو رداء التفت فيه، ترجمة فراس السواح (ص١٩٠). (٥)وفي جسده بعض. (٦)١١-١٢: وأخذت تناجي قلبها بهذه الكلمات، نعم أرادت أن تنتصح. (٧)يحتمل أن تكون ساقية الحان قد ظنت به السوء وتصورت أنه مجرم؛ ولهذا سارعت بإغلاق الباب في وجهه، وقد نصت المادة ١٠٩ من شريعة حمورابي المشهورة على عقاب صاحبات الحانات اللائي يأوين الخارجين على القانون. (٨)أي صوت إغلاق الباب. (٩)بقية العمود غير سليمة، وإنما يمكن التعرف عليها من العمود التالي. (١٠)وردت بالترجمة البابلية القديمة التي نشرها مايسنر في نشريات جمعية الشرق الأدنى، مجلد ٧، سنة ١٩٠٢م، عدد ١٤-١٥. (١١)يُفْهَم من هذا التعبير المجازي أن سيدوري كانت تملك قوة السيطرة على ريح معينة أو عدة رياح. (١٢)من ٣٤–٥١ زيادة عن الأصل البابلي، وهي واردة بالعمود الثاني بالترجمة الآشورية ١–١٧. (١٣)حرفيًّا: لماذا انكسر أو انقهر أو انحنى أو تقلص وانكمش. (١٤)حرفيًّا: الذي أحببته حبًّا يفوق كلَّ الحدود. العمود الثاني١)والذي قهر معي جميع المصاعب،٢)إنكيدو الذي أحببته حبًّا جمًّا،٣)ولازمني في اجتياز جميع الصعاب،٤)قد أدركه مصير البشر. ٥)بكيت عليه ليل نهار،٦)لم أسمح بدفنه،٧)لعل صديقي أن يبعثه نحيبي،٨)سبعة أيامٍ وليالٍ سبع،٩)حتى وقع الدود على وجهه. ١٠)منذ مضى، لم أجد الحياة؛١١)هِمْتُ على وجهي في البرية مثل قاطع الطريق. ١٢)والآن يا ساقية الحان، وقد رأيت محياك،١٣)أتمنى ألَّا أرى الموت الذيوأخشاه. »١٤)قالت له ساقية الحان، قالت لجلجامش:١٥)قال لها جلجامش، قال لساقية الحان:١٦)«والآن أيتها الساقية، أين الطريق إلى «أوتنابشتيم»؟١٧)ما هي علامته؟ دليني، دليني على علامته! ١٨)لأعبرن البحرلو استطعت،١٩)فإذا أعجزني ذلك هِمْتفي البرية! »٢٠)قالت له الساقية، قالت لجلجامش:٢١)«لم يوجدهذا المعبر يا جلجامش،٢٢)وما من أحد أمكنه — منذ القِدَم — عبور البحر. ٢٣)إن شمش البطل هو وحده الذي يعبر البحر،ومن يعبره غيره؟٢٤)شاقٌّ هو هذا المعبر، والدرب إليه مُضْنٍ،٢٥)بينهما تمتد مياه الموت،عصية! ٢٦)ربما أمكنك — يا جلجامش — أن تعبر البحر من أي مكان،٢٧)لكن ماذا تفعل إن أمكنك بلوغ مياه الموت؟٢٨)جلجامش، ها هو ذا «أورشنابي»، ملاح«أوتنابشتيم»،٢٩)ولديه الصور الحجرية،وهو هناك في الغابة يجمع الأرز. ٣٠)عساك تراه. ٣١)إذا استطعت، فاعبر معه،وإذا لم تستطع، فارجع أدراجك! »٣٢)لم يكد جلجامش يسمع هذا،٣٣)حتى حمل الفأس في يده،٣٤)واستل السيف من حزامه،وتسلل، ونزل إليها،٣٥)وانقضَّ عليها كالسهم،(ملحمة جلجامش، اللوح العاشر، العمود الثاني) (١٥)هذا هو العمود الثاني بالترجمة البابلية القديمة وبداية العمود الثاني من الترجمة الآشورية ١–١٥. (١٦)الذي تغلب معي على جميع الصعاب. (١٧)تجمع على وجهه (طه باقر) أو سقطت دودة من أنفه (فراس السواح وسامي سعيد). (١٨)هكذا حرفيًا، أي افتقد الحياة ولم يجد لها معنًى ولا طعمًا، وربما جاز القول بأن جلجامش هو أول عدمي أو مغترب في تاريخ الأدب العالمي. (١٩)هذا هو العمود الثاني للترجمة الآشورية سطر ١٥–٣٥. (٢٠)أي على معالم الطريق الذي يتحتم عليه أن يسير فيه ليهتدي إلى جده الخالد أوتنابشتيم. (٢١)حرفيًا: لم يسبق وجود موضع للعبور. (٢٢)ما زال الغموض يحيط بهذه الرقم أو التماثيل الحجرية التي يحتاج إليها ملاح «نوح البابلي» في عبور بحور الموت، وربما كانت أشكالًا حجرية ذات قوة سحرية تساعد على طرد الشر والفأل السيئ. (٢٣)حرفيًا: عسى أن يراه وجهك. (٢٤)حرفيًا: السيف (المتدلي) من جنبه. (٢٥)أي إلى الصور الحجرية السابقة الذكر. العمود الثالث ١)«إلى أين تمضي يا جلجامش؟٢)إن الحياة التي تبحث عنها لن تجدها! ٣)فعندما خلقت الآلهة البشر،٤)قسمت للبشر الموت،٥)واستأثرت في أيديها بالحياة. ٦)أنت يا جلجامش فاملأ بطنك،٧)متِّعْ نفسك ليل نهار،٨)واجعل أيامك أعيادًا. ٩)ارقص والعب ليل نهار،١٠)نظِّفْ ثيابك، واغسل رأسك،١١)واستحم بالماء. ١٢)احن على الصغير الذي يمسك بيدك،١٣)ودع الزوجة تفرح في أحضانك. ١٤)هذا هو حظ البشر. »٢)«لماذا ضمرت وجنتاك، وتغضَّن محياك؟٣)اكتأب قلبك، وذبلت ملامحك،٤)وتمكَّن الهم من نفسك،٥)حتى أصبح وجهك يشبه وجه مسافر قطع الطرق البعيدة،٦)ولفحته الرطوبة ووهج الشمس،٧)... وهمتفي البرية؟»٨)قال له جلجامش، قال لأورشنابي الملَّاح:٩)«يا أورشنابي، كيف لا تضمر وجنتاي ويتغضَّن محيَّاي؟١٠)لا يكتئب قلبي وتذبل ملامحي،١١)ويتمكن الهم من نفسي؟١٢)لا يشبه وجهي وجه مسافر قطع الطرق البعيدة؟١٣)وكيف لا تلفحه الرطوبة ووهج الشمس،١٤)... وأهيمفي البرية؟١٥)صديقي، البغل الخفيف، حمار الوحش الجبلي،١٦)صديقي إنكيدو، البغل الخفيف، حمار الوحش الجبلي، فهد البراري،١٧)بعد أن قمنا معًا بكلِّ شيء، فصعدنا الجبل،١٨)واستولينا على المدينة... وأجهزنا على الثور السماوي،١٩)وصرعنا كذلك خمبابا، الذي كان يسكن غابة الأرز،وقتلنا الأسود في مسالك الجبال. ٢٠)صديقي، الذي أحببته حبًّا جمًّا،والذي اجتاز معي جميع المصاعب،٢١)صديقي إنكيدو، الذي أحببته حبًّا جمًّا،والذي اجتاز معي جميع المصاعب. ٢٢)قد عاجله مصير البشر. ٢٣)بكيت عليه ستة أيامٍ وسبع ليالٍ،ورفضت السماح بدفنه،٢٤)حتى وقع الدود على وجهه. ٢٥)انتابني الرعب من منظر صديقي،فزعت من الموت، فهِمْتفي البرية،٢٦)ثقل عليَّ الخطببصديقي،٢٧)فقطعت طريقًا نائيًا في البراري! ثَقُلَ عليَّ الخطببصديقي إنكيدو،٢٨)فقطعت طريقًا نائيًا في البراري! ٢٩)آه! كيف يخرس؟ آه! كيف ألزم الصمت٣٠)وصديقي الذي أحببت، قد صار ترابًا! إنكيدو، صديقي الذي أحببت، قد صار ترابًا؟٣١)أَوَلن أضطجع مثله فلا أقوم أبد الدهر؟» ٣٢)قال له جلجامش، قال للملاح أورشنابي:«أين الطريق إلى أوتنابشتيم؟٣٤)ما هي العلامة؟أعطني، أعطني علامته. ٣٥)إذا استطعت عبرت البحر،وإذا أعجزني ذلك هِمْتفي البرية! »٣٦)قال له أورشنابي، قال لجلجامش:٣٧)«يداك، يا جلجامش، قد عاقتا الإبحار! ٣٨)فلقد حطمت الصور الحجرية ... ٣٩)وما دامتالحجرية قد تحطَّمت فلن نستطيع العبور. ٤٠)خذ الفأس في يدك يا جلجامش! ٤١)هيا واهبط للغابة مرة أخرى،واقتطع منها مائة وعشرين «مَرديًّا» طول كلٍّ منها ستون ذراعًا. ٤٢)سوِّها، وأَلصِق بها صفائح التجديف! ثم جئني بها. »٤٣)ما إن سمع جلجامش هذا،٤٤)حتى تناول الفأس في يده ... ٤٥)وانحدر مرةً أخرى إلى الغابة،فاقتطع مائة وعشرين «مرديًّا» طول كل منها ستون ذراعًا،٤٦)وسوَّاها وصفَّحها بصفائح التجديف وأحضرها لأورشنابي. ٤٧)ركب جلجامش وأورشنابي السفينة،٤٨)أنزلا السفينة على الأمواج وأبحرا،٤٩)وفي اليوم الثالث قطعا رحلة شهر وخمسة عشر يومًا؛٥٠)وبذلك وصل أورشنابي إلى مياه الموت. (ملحمة جلجامش، اللوح العاشر، العمود الثالث) (٢٦)هذا هو العمود الثالث بالترجمة البابلية القديمة. (٢٧)حرفيًا: انظر إلى الصغير أو تأمله ... وفي ترجمات أخرى: دلل الصغير، وارع الصغير. (٢٨)العمود الثالث بالترجمة الآشورية. (٢٩)المردي: عمود يستعمل للتجديف ودفع القوارب في المياه، ولكن طول المَرادي الشديد هنا يدل على أنها ستُستعمل في عبور مياه الموت العميقة. (٣٠)في ترجمات أخرى: «اطلها بالقير واجعل في أعقابها الأزجاج» (جمع زج وهي الحديدة التي تثبت أسفل الرمح)، و«اطلها بالقار وصفح أطرافها» (عن طه باقر ص١٢٤، وفراس السواح ص١٩٨). (٣١)حرفيًا: قطعا طريق شهر ونصف الشهر؛ أي قطعا في رحلتهما البحرية ما يعادل المدة التي يحتاجها المسافر على الطريق العادي، وهو شهر ونصف الشهر. العمود الرابع١)وفي ثورة غضبه حطمها. ٢)ثم رجع لكي يلتقي به،٣)ونظر «أورشنابي» في عينيه. ٤)قال له «أورشنابي»، قال «لجلجامش»:٥)«قل لي ما اسمك؟ كلمني! ٦)أنا«أورشنابي». »٧)قال له «جلجامش»، قال «لأورشنابي»:٨)«اسمي «جلجامش»،٩)أنا الذي جئت من أوروك، من بيت «آنو»،١٠)وأنا الذي جُبْت الجبال،١١)الطريق النائي، طريق شمش. ١٢)والآن وقد رأيت وجهك يا «أورشنابي»،١٣)دلني على أوتنابشتيم البعيد! »١٤)قال له «أورشنابي»، قال لجلجامش:١)قال له أورشنابي، قال لجلجامش:٢)«ارجع إلى الوراء يا جلجامش ... ٣)وحذار أن تلمس يدك مياه الموت ... ٤)خذ مرديًّا ثانيًا يا جلجامش وثالثًا ورابعًا،٥)خذ يا جلجامش مرديًّا خامسًا وسادسًا وسابعًا،٦)ومرديًّا ثامنًا وتاسعًا وعاشرًا،٧)وخذ يا جلجامش الحادي عشر والثاني عشر. »٨)ومعالمائة والعشرين كان جلجامش قد استنفد المرادي،٩)في هذه الأثناء فك حزامه ... ١٠)ونزع جلجامش ثيابه من على جسده،١١)وبيديه ثبتها على صاري. ١٢)أوتنابشتيم تطلَّع ببصره بعيدًا،١٣)أخذ يناجي قلبهالكلمات،١٤)أجل، خاطَبَ نفسه قائلًا:١٥)«لماذا حطمت الصور الحجريةبالسفينة؟١٦)ومَنْ هذا الذي يركبها بغير حق؟١٧)إن الرجل القادمليس من أتباعي ... ... ... ٢١)ما عسى قلبه أن يبتغيه مني؟» ٤٢)قال له أوتنابشتيم، قال لجلجامش:٤٣)«لماذا ضمرت وجنتاك، وتغضَّن محياك؟٤٤)لماذا اكتأب فؤادك، وذبلت ملامحك،٤٥)وتمكَّن الغم من نفسك،٤٦)وصار وجهك أشبه بوجه مسافر جاب الطرق النائية،٤٧)ولفحت الرطوبة ووهج الشمس وجهك،٤٨)... وتهيم في البرية؟»٤٩)قال له جلجامش، قال لأوتنابشتيم:٥٠)«كيف لا تضمر وجنتاي، يا أوتنابشتيم، ويتغضَّن محياي؟(ملحمة جلجامش، اللوح العاشر، العمود الرابع) (٣٢)العمود الرابع بالترجمة البابلية. (٣٣)لا يعلم أحد حتى الآن سبب الغضب الذي اجتاح جلجامش فجعله يحطم تلك الصور! (٣٤)البقية مفقودة. (٣٥)العمود الرابع بالترجمة الآشورية. (٣٦)يبدو أن الملَّاح نصح جلجامش بالتراجع إلى الوراء بعد أن طلب منه دفع المردي أو المجداف الأول في الماء، ونظرًا لسكون الريح فوق مياه الموت، فإن التجديف ضروري لتحريك السفينة، ولا بُدَّ من استعمال المردي أو المجداف الواحد مرة واحدة كذلك ورميه في الماء بعد أن يدفعه جلجامش في أعماقه، إذ إن لمس الماء معناه الموت (ترجمة ألبيرت شوت، ص٨٢، هامش ٩، والملاحظة عن س. س. طومسون. )(٣٧)وبهذا جعل من ثيابه شراعًا. العمود الخامس ١)كيف لا يكتئب فؤادي وتذبل ملامحي،٢)ويتمكَّن الغم من نفسي؟٣)كيف لا يُشبه وجهي وجه مسافر جاب الطرق النائية،٤)وتلفح الرطوبة ووهج الشمس وجهي. ٥)... وأهيم في البرية؟٦)وصديقي البغل الخفيف، حمار الوحشالجبلي، فهد البراري،٧)صديقي إنكيدو، البغل الخفيف، حمار الوحش الجبلي،فهد البراري،٨)بعد أن قمنا معًا بكلِّ شيء، فصعدنا الجبل،٩)واستولينا ... على المدينة، وأجهزنا على الثور السماوي،١٠)وصرعنا خمبابا أيضًا، الذي كان يسكن غابة الأرز،١١)وقتلنا الأسود في مسالك الجبال. ١٢)صديقي الذي أحببت حبًّا جمًّا،واجتاز معي جميع الصعاب. ١٣)إنكيدو، صديقي الذي أحببت حبًّا جمًّا،واجتاز معي جميع الصعاب. ١٤)قد عاجله مصير البشر. بكيت عليه ستة أيامٍ وسبع ليالٍ،١٥)ورفضت السماح بدفنه،١٦)حتى وقعت الدودة على وجهه. ١٧)انتابني الرعب من منظر صديقي،وفزعت من الموت فانطلقت أجري في البراري. ١٨)رزح على صدري الخطب الذي نزل بصديقي،فرُحْتُ أجوب الطرق البعيدة في البراري. ١٩)رزح على صدري الخطب الذي نزل بصديقي إنكيدو،فرُحْتُ أجوب الطرق البعيدة في البراري. ٢٠)آه! كيف أسكت؟ كيف ألزم الصمت٢١)وصديقي، مَن أحببت، قد صار ترابًا؟! صديقي إنكيدو، مَن أحببت، قد صار ترابًا! ٢٢)أَوَلن أضطجع مثله فلا أقوم أبد الدهر؟»٢٣)قال له جلجامش، قال لأوتنابشتيم:٢٤)«حتى أصل لأوتنابشتيم وأراه،وهو الذي يدعونه البعيد،٢٥)أخذت أطوف بكلِّ البلاد،٢٦)واجتزت الجبال الوعرة،٢٧)وعبرت جميع البحار،٢٨)لم يهنأ وجهي بالنوم الحلو،٢٩)جلبت المرض على نفسي من قلة نومي،أسكنت الوجع بأعضائي،٣٠)وقبل أن أبلغ بيت ساقية الحان،كانت ثيابي قد خَلقت. ٣١)قتلت الدُّب، الضبع، الأسد، الفهد، النمر. والظبي، الأيل، الوحش وحيوان البرية،أكلت لحمها، ولبست جلدها. »... ... (ملحمة جلجامش، اللوح العاشر، العمود الخامس) (٣٨)العمود الخامس بالترجمة الآشورية. العمود السادسقال له أوتنابشتيم، قال لجلجامش:٢٥)«الموت القاسي لا يرحم:٢٦)هل نبني بيتًا؟هل نختم عقدًا؟٢٧)هل يقتسم الإخوة ؟٢٨)أيعمُّ إلى الأبد الحقد،٢٩)وتدوم مياه الفيضان إذا امتلأ النهر،فيبقى المد ويطغى؟٣٠)واليعسوب ... رأينا. ٣١)لا، لم يتسنَّ لوجهأن ينظر للشمس،٣٢)يُحدق فيها دومًا. ٣٣)والنائم والميت، كم يشبه أحدهما الآخر! ٣٤)أَوَلا يرتسم الموت على وجه النائم والميت؟٣٥)أجل! أنت أيها الإنسان، أيها الرجل! منذ أنبارك إنليل ... ٣٦)وآلهة «الآنوناكي» العظام مجتمعون،٣٧)و«ماميتوم»، أم الأقدار،تحدد معهم المصائر،٣٨)إنهم يوزعون الموت أو الحياة،٣٩)وتظل أيام الموت مجهولة. »(ملحمة جلجامش، اللوح العاشر، العمود السادس) (٣٩)العمود السادس من الترجمة الآشورية. (٤٠)قارن سِفْر الجامعة، الإصحاح الأول ٤، ١١ والإصحاح التاسع ٥ و٦، ويلاحظ أن الكلمة التي تبدأ بها السطور الأربعة (من ٢٦–٢٩) هي في وقت ما نبني بيتًا,(٤١)قارن اللوح الحادي عشر من هذه الملحمة، السطر ١٩٢ وما بعده حيث يبارك إله العواصف الغضوب «إنليل» رجل الطوفان البابلي «أوتنابشتيم» وزوجته ويمنحهما الخلود. (٤٢)«ماميتوم» هي إحدى إلهات العالم السفلي، كما توصف أحيانًا بالأم العظمى وأم الأقدار وصانعتها. (٤٣)المقصود أننا نحن البشر لا نعلم أبدًا ساعة الموت ولا يومه المحتوم؛ لأن الآلهة هي التي تحدده تحديدًا يختلف من حالة إلى أخرى، وحتمية الموت والجهل بميقاته من الأفكار الأساسية عند فلاسفة الوجود المعاصرين، وبخاصة مارتين هيدجر (١٨٨٩–١٩٧٦). --- ### من طبيعتين vs في طبيعتين - Published: ۲۰۲۳-۱۱-۲۰ - Modified: 2025-02-02 - URL: https://tabcm.net/15832/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: الكنيسة الجامعة, النسطورية, بابا كيرلس عمود الدين, تابوت العهد, مجمع خلقيدونية, مدرسة أنطاكية, نيل أرمسترونج يقول السكندريون "من طبيعتين" أي من أقنومين، باتحادهما اظهرا أقنومًا واحدًا، هو الكلمة نفسه متجسدًا، مركزًا واحدًا للفعل، ويقبلون الحديث عنه بصورة: من جهة… ومن جهة أخرى، فهو من يقيت الجميع ويشبع الجموع، وهو نفسه من شعر بالجوع. بينما يقول الأنطاكيون -بفروعهم النسطورية والخلقيدونية- "في طبيعتين" ويعنون في أقنومين، أي مركزين للفعل، اللاهوت يختص بما للاهوت، والناسوت يقع عليه ما يقع على الناسوتيين، من اشبع الجموع هو اللاهوت، بينما من شعر بالجوع هو الناسوت. قال نيل أرمسترونج عندما هبط على سطح القمر: خطوة صغيرة لإنسان، لكنها قفزة هائلة للبشرية. ونحن نقول: تجسد الله الكلمةفعانقت السماء الأرض وتصالحت الطبيعة الإلهيةعلى الطبيعة البشرية. في المثالين السابقين، استعملنا "الطبيعة" بكلا الاستخدامين الذين تحدثنا عنهما قبلا. الاستخدام في الشطر الأول -لكلا المثالين- للدلالة على الطبيعة التي تخصصت في أقنوم ممثل لهذه الطبيعة تمام التمثيل. نيل أرمسترونج في المثال الأول كممثل للناسوت، والله الكلمة في المثال الثاني كممثل للاهوت. والاستخدام في الشطر الثاني للدلالة على الطبيعة العامة غير المخصصة، أي جميع الأقانيم المكونة لهذه الطبيعة (بمعني يقترب من الجوهر). فالطبيعة إذن قد يفهم منها الإشارة للطبيعة العامة، أو الإشارة إلى أقنوم فرد ممثل لهذه الطبيعة. وكان هذا هو الاستخدام المستقر كنسيًا في الكنيسة الجامعة بداية من افسس فحين يتحدث الآباء عن الطبيعة الإلهية عمومًا، فهم يعنون الجوهر الإلهي، أما إذا تحدثنا عن الطبيعة الإلهية في التجسد، فهم لا يعنون إلا الكلمة نفسه، لأنه هو من تجسد وليس الآب أو الروح. لكن لاحظ كيف أن الخشب مغشى بالذهب من الداخل والخارج، وهذا لأن الكلمة كان متحدًا بالجسد، والذي بحسب رأيي يتمثل في تغشية التابوت من الخارج، أما انه جعل النفس العاقلة خاصة به فهذا يتضح من تغشية التابوت من الداخل أيضا، ومن هنا نتعلم أن الطبائعبقيت بغير تشويش (القديس كيرلس السكندري) ويقول خصمه اللدود ثيئودوريت: فلو كانت كل طبيعة كاملة واتحدا معافإن هيئة الله قد اتخذت بلا شك هيئة العبد، ولكننا نحن نعترف في تقوى بشخص واحد ابن ومسيح واحد في طبيعتينوهذا ليس خاطئًا، بل مناسب جدا. (ثيئودوريت، أسقف قورش، آخر ممثلي مدرسة أنطاكية) وما يهمنا بداية في قوليّ الخصمين أن: الجميع يتفق على أنه في التجسد: الطبيعة تعني الأقنوم. فاللاهوت هو أقنوم الكلمة، والناسوت هو الأقنوم البشري. وبينما يعرض القديس كيرلس إيمان الإسكندرية والكنيسة الجامعة وقتها: أن الأقنومين اتحدا أقنوميا ليكونا أقنومًا واحدًا هو الكلمة نفسه متجسدًا، ويشرح أن ذلك تم "بدون تشويش" على مثال تابوت العهد، يرفض ثيئودوريت -ممثلًا لمدرسة أنطاكيَة- ذلك، قائلًا أن ذلك الاتحاد صائر حتما إلى الاختلاط والتشويش، قائلًا - معيدًا لكلام نسطوريوس ومدرسة أنطاكيَة- أن الاتحاد هو في الشخص الذي يحمل الأقنومين معا. لدى أنطاكيَة ثلاث كيانات: أقنوم الكلمة ، وأقنوم يسوع الإنسان ، والمسيح الحامل لهما معا اللاهوت والناسوت. يقول السكندريون "منطبيعتين" أي من أقنومين، باتحادهما اظهرا أقنومًا واحدًا، هو الكلمة نفسه متجسدًا، مركزًا واحدًا للفعل، ويقبلون الحديث عنه بصورة: من جهة... ومن جهة أخرى، فهو من يقيت الجميع ويشبع الجموع، وهو نفسه من شعر بالجوع. بينما يقول الأنطاكيون -بفروعهم النسطورية والخلقيدونية- "فيطبيعتين" ويعنون في أقنومين، أي مركزين للفعل، اللاهوت يختص بما للاهوت، والناسوت يقع عليه ما يقع على الناسوتيين، من اشبع الجموع هو اللاهوت، بينما من شعر بالجوع هو الناسوت. فلا تنخدع عزيزي إن سمعت أنهما متحدان، لأنه قول فارغ من مضمونه ولا يعني شيئا، فالعدد نقيض الاتحاد ولن يتحد شيئان ويبقيا قابلين للعد. أما إذا سمعتهم يقولون "هو نفسه" فهي أيضا عبارة جوفاء، لأن المقصود بها هو "المسيح" الكيان الحامل للطبيعتين: اللاهوت والناسوت. عزيزي الأسقف والكاهن الجاهل، أي حديث تتفوه به مستعيدا مفردات اللاهوت والناسوت في شخص الكلمة المتجسد بدلا من الحديث عن الكلمة وجسده هو نسطورية صريحة، قولا واحدًا، وأرجو أن تعي هذا وتتوقف عن استعمالهما. --- ### القدوس: هل تعني "بلا خطية"؟ - Published: ۲۰۲۳-۱۱-۱۹ - Modified: 2023-11-20 - URL: https://tabcm.net/15899/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: إفخارستيا, بابا بطرس الأول خاتم الشهداء, سر المعمودية, سقوط آدم الصفات الإلهية هي قاعدة حياة الشركة القوية بين الله والإنسان. وقد أعلن الله صفاته الإلهية للإنسان لكي يعرف كيف يؤسس علاقته به. وإن كل دراسة جيدة لصفات الله هي دراسة لحياة الشركة نفسها، وليست مجرد حلية ينبهر الإنسان بها. القدوس هي صفة لله، ولا تعني أن الله بلا خطية لأنها تخلو من المعاني السالبية، بل تعني أن الله لا يمكن مقارنته بأحد. هذا يوضحه الوحي هنا: لأني الله لا أنسان القدوس في وسطك (هوشع ٩:١١) أي لأني القدوس فأنا لست أنسان ولا يشبهنني أحد. ومن هذا المنطلق فإن الله هو آخرٌ، بالنسبة للإنسان، ولذلك لا يعطي مجده لأخر، الذي هو الإنسان: مجدي لا أعطيه لآخر (إشعياء ٨:٤٢ وأيضا ١١:٤٨). ولكن من ناحية أخرى، فإن إعلان الله لصفته أنه "القدوس" لم يكن بغرض الترهيب والعزلة للإنسان فيصبح أبتعاده عن الله أمرًا حتميًا. نعم كان هناك حاجز متوسط وعداوة بين الإنسان والله بعد سقوط آدم. وقد حرص الرب أن يزيله لكي يحقق تدبيره الإلهي، أن تمتد قداسة الله إلي واقع الإنسان وتغيِّره: كونوا قديسين لأني أنا قدوس. (بطرس الأولى، إصحاح 1: 16) هنا القداسة ليست هي عدم الخطية، بل تغيير الطبيعة. فإن قداسة الله تمتد يدها إلي الخليقة لكي تتحول طبيعة الخليقة إلي شيئ فريد لا مثيل له مثلما الله هو القدوس أي لا مثيل له. هذا ما حققه المسيح لنا في بشريته بالتجسد الإلهي، أن تجددت طبيعتنا الساقطة التي أخذها من آدم الأول بالولادة من العذراء ذرية آدم، وطهرها باتحاد لاهوته، فتقدست وصارت الخليقة الجديدة للإنسان في المسيح يسوع. ونحن نلبس تلك الخليقة الجديدة بالإيمان في سر المعمودية، حيث ينقل الرب إلينا قداسته من خلال تلك الخليقة الجديدة ونصير قديسين فيه. لذلك ليس بعد غريبًا قول المسيح بأن يعطينا مجده أريد أن يكون لهم المجد الذي أعطيتنيويروا مجدي لأنه: بدون قداسة لا يري أحد الله. إن التقديس بقداسة الله هو تغيير إلي طبيعة جديدة، أمتدادها هو في القدوس الحي غير المائت، لذلك فالتقديس هو محيي والذي نراه يمتد إلي مياه المعمودية وأيضا الخبز والخمر في الإفخارستيا وزيت الميرون حيث تنال المياه في المعمودية نعمة خاصة وتصبح مهيأة لقبول الروح القدس وتصبي مياهًا طبيعتها محيية بخلاف غيرها: الروح القدس يأخذ مما لي ويخبركم . هذه هي القداسة أننا نكون مثله، وليس مثل العالم. كونوا قديسين لأني أنا قدوس (بطرس الأولى، إصحاح 1: 16) والسُبح لله --- ### [١٠] الراهب يوئيل - Published: ۲۰۲۳-۱۱-۱۸ - Modified: 2023-11-13 - URL: https://tabcm.net/13992/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون أوع تخلي غني كاسر عينك بعطاياه، اخدم الفقراء أكتر من الأغنياء، والغني اللي فاكر إنه بيدفع عشوره أو نذوره علشان يكسر عين الكنيسة، بلاها فلوسه خالص، وصدقني لما يعرفوا إن مالكش ثمن ولا ليك ثغرة احترامهم ليك بيزيد مر حوالي عشرين يومًا منذ رسامة أبونا بطرس، كان قضاؤه فترة الأربعين في دير السيدة العذراء البراموس من الأشياء الجميلة جدًا بالنسبة له، وفي يوم، وهو عائد من المغارة بعدما قضى فترة خلوته اليومية، وجد في الطريق أبونا يوئيل البراموسي، وهو راهب عجوز بلحية بيضاء طويلة وملابسه الرهبانية كانت بسيطة جدًا بشكل ملحوظ فجرى نحوه مناديًا: أبونا يوئيل، أبونا يوئيل! توقف الراهب العجوز لينظر من ينادي عليه. - على مهلك يا أبونا، خير. - أغابي يا أبونا، أنا بس لسه مرسوم جديد وسمعت عنك كتير من الآباء الرهبان اللي في الدير، ووروني صورتك ففرحت أول ما شوفتك، ونفسي أقعد معاك أخد كلمة منفعة. - يا أبونا الدير مليان رهبان قديسين كتار، سبت القفص كله ونقيت الطمطماية الوحيدة العفشة. - العفو يا أبونا، قدسك كلك بركة، وابنك محتاج يسمع من الروح القدس على لسانك كلمة منفعة تسنده لما أروح كنيستي. - ماشي يا أبونا، روح دلوقتي على المبيت بتاعك أو شوف جدولك فيه إيه، وأنا هعدي عليك بالليل بعد العشية. - شاكر محبتك يا أبونا، هنتظر قدسك، إبنك اسمه بطرس علشان لما تيجي المبيت تسأل عليا. - بالجري اللي انت جريته ورايا ده، وبالمنادية بتاعتك، وبعينك اللي كلها لامعة وطاقة وذكاء ونشاط، أكيد كان لازم يسموك بطرس. سلموا على بعض وكل واحد كمل في طريقه، ومن بعد العشية، أبونا بطرس كان كل شوية يبص ناحية باب المبيت في انتظار أبونا يوئيل، وطلع لحد الباب يبص على الطريق الموصل للكنيسة، وكل شوية يبص في ساعته، لحد ما فجأة لقى حد بيخبط على كتفه من ورا وهو بيقول له: هو قدسك منتظرني كده. . صح؟! أبونا بطرس إتخض واتنفض وقال لأبونا يوئيل: هو قدسك دخلت هنا أزاي؟ - إيه يا أبونا أفلام القديسين اللي بتتفرجوا عليها في العالم ديه بوظت عقولكم، متخافش مجتش طيرانا ولا ظهرت فجأة، دخلت من الباب الخلفي للمبيت، ديري بقى اللي عايش فيه طول عمري فعارف إن فيه باب خلفي وشكل قدسك محدش قالك عليه، بس شكلك كان تحفة لما إتخضيت. ضحك أبونا بطرس من روح أبونا يوئيل وأداءه المرح رغم كبر سنه، أبونا يوئيل مسك أبونا بطرس من ايده كأنه ابنه أو صاحبه اللي يعرفه من زمان، وكان في مظلة متغطية بالزرع، وتحتها رخام للجلوس عليه، فقعدوا عليه جنب بعض. - قول لي يا أبونا بطرس، استلمت الذبيحة ولا لسه؟ - أه يا أبونا استلمت أمبارح. - عال عال، مبروك عليك النعمة يا أبونا، الكهنوت ده وزنة وعطية عظيمة، كل يوم عندك فرصة تمسك المسيح بيدك، وتشاركه معاك كل أفراحك وكمان أتعابك، هتفهم كلامي ده بعدين، بس مش هتلاقي أحن عليك من المذبح ذات نفسه، تقف على المذبح قدام المسيح وتحط عليه كل همومك ومشاكلك. - أبونا أنا خايف معرفش أكون راع صالح، أو أعثر الناس في الكهنوت. - المسنود على نعمة ربنا يا أبونا مايخافش، طول ما عينك على المسيح، حاطط السما وخلاص نفسك هدف قدامك، ماتخافش، ربنا يا أبونا بيسند المحتاج، ومهما جالك مجد رجعه لصاحبه، صاحب المجد، مهما أتعلمت متقعدش في صفوف المعلمين، خليك تلميذ صغير في مدرسة المسيح، أوعاك يا أبونا من التحزبات، أوعي في يوم تكون مع فريق أبونا فلان ضد أبونا علان، أو مع أبونا علان ضد أبونا ترتان، خليك ملاك خفيف، قدم محبة للكل والوحيد اللي تبقى في الفريق بتاعه هو المسيح، لأن مفيش يا أبونا حاجة معثرة لشعب المسيح أكتر من عثرة الانقسامات والتحزبات، وفي الآخر تلاقي إن الآباء خسروا بعض وخسروا أبديتهم وضيعوا شعبهم علشان حاجات ولا تسوى، صدقني مفيش حاجة تستاهل إنك تخسر أبديتك أو أخوك عشان مجد باطل، أخوك اللي في يوم من الأيام يشبط في خدمة ناجحة بتاعتك اديهاله، صدقني ممكن يكون نفسيًا من جوة شيطان صغر النفس مبهدله ومحسسه إنه مش ناجح ومش محبوب وكل أفعاله الصغيرة اللي بيعملها ديه تخليه يصعب عليك ويخليك تصليله مش تزعل منه، حاجة كمان يا أبونا مهمة، أوع الخدمة تسرقك من خدمة بيتك وأولادك، لو ربيت أولادك كويس وإهتميت بيهم وطلعوا ولاد ربنا وماشيين في مخافته، هيكون سبب بركة في خدمتك وكنيستك، أما لو الخدمة سرقتك من بيتك وأولادك طلعوا تالفين أو شايفين نفسهم ولاد كاهن الكنيسة، هيكونوا سبب عثرة الشعب وفساد إكليلك، وافتكر إن خطية عالي الكاهن إنه ساب أولاده يسرقوا مجد الله لنفسهم ويعثروا الشعب، زوجتك كمان يا أبونا، لازم تنال رعايتك وحبك زي قبل الكهنوت وزيادة، أوع تجوع بيتك يا أبونا للحب واسقي دايما زرعة الحب والاهتمام في بيتك عشان كل ما هترويها هتنبت ثمر يديك، انت نفسك قوة على الخدمة، وخلي بالك جدًا من إن محبة المال أصل كل الشرور، أوع يا أبونا في يوم المادة تتسلط عليك، أوع تكون محب لجمع المال، أوع تخلي غني كاسر عينك بعطاياه، اخدم الفقراء أكتر من الأغنياء، والغني اللي فاكر إنه بيدفع عشوره أو نذوره علشان يكسر عين الكنيسة، بلاها فلوسه خالص، وصدقني لما يعرفوا إن مالكش ثمن ولا ليك ثغرة احترامهم ليك بيزيد، أما لو عرفوا ديتك مش هتعرف تسد قدام طلباتهم، ابعد عن النار يا ابني، محدش كبير على الخطية، وكلنا بنكمل حياتنا بالنعمة وستر ربنا، في اللحظة اللي هتفتكر نفسك قوي ومش هتقع في ساعتها هتقع فوق رقبتك وهتتكسر، آخر حاجة يا أبونا، على قد ما تقدر أبعد عن المطبخ، مطبخ القرارات والأحكام والقصص والروايات، لما تخش مطعم شيك من برة، نفسك تبقى مفتوحة، لكن كل ما هتقرب من المطبخ هتشوف حاجات مكنش نفسك تشوفها، وهتسمع قصص هتندم كل يوم إنك سمعتها وهتسقط قدامك أقنعة من على وشوش ناس كنت راسمهم في خيالك قديسين من ذهب، وافتكر دايما يا أبونا خلاص نفسك وأبديتك، انت أترسمت كاهن علشان تأخد إكليل ومجد، مش علشان اسمك يتمحي من سفر الحياة، معلش يا أبونا، ما تخش المضيفة كده وهات لنا مياه وحاجة نشربها. - حاللني يا أبونا، أخطيت، القاعدة الحلوة معاك نسيتني أعزم عليك بحاجة تشربها، حالا، هعمل لقدسك حاجة نشربها سوا. رجع أبونا بطرس بكوبايتين الشاي وزجاجة المياه، بس كان أبونا يوئيل مشي، وحاول يقابله طوال الأيام الباقية في فترة الأربعين، ومعرفش، كأنه كان فص ملح وداب. يتبع . . --- ### كيف نرى اليهود؟ - Published: ۲۰۲۳-۱۱-۱۷ - Modified: 2023-11-17 - URL: https://tabcm.net/15879/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, شئون علمانية - وسوم: ألبرت أينشتاين, الأب داود لمعي, الحكم بن هشام, بابا شنودة الثالث, جرجس حلمي عازر, چان پول شارل إيمارد سارتر, زحفطون, سعد زغلول, عمرو بن العاص, نجيب جبرائيل لم يطلب الله منا أن ننظر لليهود أو الإسرائيليين أو غيرهم بنظرة معينة، وإن خلط السياسة بالدين حماقة عمياء، وهذا ينطبق على المسيحي والمسلم على السواء، وما التعصب الديني إلا موقف غير موضوعي تجاه الأفراد لمجرد عضويتهم في جماعة ما، هذا اﻟﻣوﻗف ﯾؤدي إلى اﻟﺗﺣﯾز ﻟﻠﺟﻣﺎﻋﺔ التي ﯾﻧﺗﻣﻲ إﻟﯾﮭﺎ اﻟﻔرد، وﯾﺗطور ﻟﻣﺷﺎﻋر ﻋدواﻧﯾﺔ راﻓﺿﺔ ﻟﻠﺟﻣﺎﻋﺎت اﻷﺧرى، وهو ﯾﻘوم ﻋﻠﻰ اﻟﺟﻣود، واﻟﺗﻔﻛﯾر ﻏﯾر اﻟﻣﻧطﻘﻲ، واﻟﺗﻌﻣﯾم اﻟﻣﻔرط والظالم، وﻛﻠﮭﺎ ﻣن اﻟﻣﻛوﻧﺎت اﻷﺳﺎﺳﯾﺔ ﻟﻠﺗﻌﺻب راسلني صديقي بمحاضرة يوتيوبية للأب الفاضل داود لمعي، في اجتماع خدمة الأنبا إبرام، بتاريخ: 7 نوفمبر 2023، المحاضرة... أو لنقل العظِة الأحادية الاتجاه، كانت بعنوان: كيف نرى اليهود؟ بصراحة ومكاشفة، لست من محبي الأب داود لمعي، ولم يجمعنا يومًا إﻻ كل اختلاف. لا أطيقه، وﻻ أطيق الزحفطونيات، كما ﻻ أطيق الزواحف بالمجمل. ولأنني مريض بشكلٍ حذرني الأطباء فيه من التعرّض لانفعال، سألت صديقي: "ما هذا الـshit"؟ فضحك وقال حتى الـshit يحتاج نقدًا قبل أن يكبر ويصبح holy shit. دقيقتان فقط. . دقيقتان فقط. . كان هذا هو كل ما شاهدته من نصائح الأب الفاضل والذي لم يقل رأيا نسبيًا أو شخصيًا. لم يسمي الـ... الـ... حلقة؟! لنسميها "حلقة"،. لم يسميها كيف يرى داود لمعي اليهود؟، أو "كيف أرى اليهود؟"، بل: "كيف نرى" (يعني هانشوف كلنا جماعة) و"الجماعة" بالطبع هنا هي جماعتنا نحن المسيحيين. . أو المؤمنين. . الذين في كل الأحوال أنا منهم. . إذن فلدينا مشاكل من العنوان أصلًا في أن الأب الفاضل ﻻ يثق أننا نستطيع أن "نرى"، فصنع الـ. . فيديو؟! أه، لنسميه فيديو. . ﻻ يثق في كوننا نستطيع أن "نرى" وأتى ليعلمنا "كيف نرى". أحترم جدا الدقة والتخصصات العلمية. . أتذكّر في أثناء تعلّمي لمهارات التصوير الفوتوغرافي، كانت هناك محاضرة فعلًا بعنوان "كيف نرى؟"، يحاول فيها المُدرب المُحترف أن يجعل عيوننا ترى كما ترى الكاميرا الفوتوغرافية. . وكانت محاضرة مليئة بالهندسة والأرقام والقواعد والبصريات ولم يكن الكلام عن عدسة الكاميرا رومانسيًا على الإطلاق، لكن هكذا العلم، وهكذا الاستفادة، ولهذا ندفع النقود في الدورة التدريبية بالأساس، كي نتعلم القواعد الجامدة الصلبة والمعيارية الموحدة في مسألة فنّية جدا. لذلك،، احترمت التخصص، ولم آخذها بمحمل سلبي على الإطلاق. أبدا. . مطلقًا. . لكن، هل نحتاج عدساتِ وعوينات داود الكاهن كي نرى اليهود؟ هل هم حشرات أو من أحاديات الخليٌة. . ؟! ﻻ،، ليسوا حشرات بل شعب. . شعبٌ مختار. . هو بنفسه من قال هذا. . لكن الـ. . الـموعظة؟! فليكن، لكن الموعظة إن خرجت من الزحفطون فقل للعقل وداعًا. . لا تحبهم. . وإياك أن تكرههم. . أقتلهم معنويًا. . لكن لا تهينهم. . طخه. . بس متعوروش! وهذه مسألة سياسية ونحن لا نتكلم في السياسة. . أحـــــّــــلاوة. . ! ألف لعنة على نصائح الأطباء، وأغلقت الـ... الـ بتاع وخلاص! عزيزي الأب داود، نحن نرى اليهود كما نرى المسلمين وكما نرى المسيحيين وكما نرى الهندوس وقبائل الهنود الحمر. . مجرد تجمع هوّياتي ديني. . من الخطأ، ومن الخطر، ومن الجرائم، أن نعامل شعبًا كاملًا بُناء على عنصر هويّاتي حتى لو كان ذلك دينّا،، وبالأخص لو كان دينًا،، وبالأخص جدًا لو من خلال ثقب عيونك الدينية الضيقة! هذا هو تعريف العنصرية باختصار. . وما العنصرية إلا تكوين نظرة مسبقة عن جماعة نتيجة أحد عناصرها. . فيا أيها العنصري البغيض الزحفطون الأسود المعمم هل هذا دين؟ هل العنصرية دين؟! ؟ وتدعونا أن نرى بأعينك وأن نتحدث بحديثك؟ وما شأني أنا إن لعنهم الله في موقف، أو باركهم في موقف أخر؟ إنت مسيحي يا عم انت؟ وﻻ بتعلم المسيحيين: الحب في الله، والبغض في الله، وشويّة ونلاقيك جاي من رحلة عمرة ف السعودية؟ معندناش كدا والله يا أبتي! ممكن ربنا يغضب عليك وأنا أخالفه وأحبك، عادي جدا. . وممكن العكس، يعني ربنا يحبك وأنا أدي حضرتك بالجزمة برضو، ﻻ في الأولى ربنا هايعاقبني وﻻ في التانية هيمنعني أنومك معيط كل شوية. وعظ ديني أصولي! يشحن جماعتنا ضد الجماعة التانيين لمسايرة الجماعة التالتين، وكله بسلطة المقدّس والكتاب والسنّة. . ما طبعا، ما اليهود مالهمش أهل يسألوا عليهم، وكل اللي عايز يجامل، يروح مزايد ومطبش فيهم. . ناقصاه! لم يطلب الله منا أن ننظر لليهود أو الإسرائيليين أو غيرهم بنظرة معينة، وإن خلط السياسة بالدين حماقة عمياء، وهذا ينطبق على المسيحي والمسلم على السواء، وما التعصب الديني إلا موقف غير موضوعي تجاه الأفراد لمجرد عضويتهم في جماعة ما، هذا اﻟﻣوﻗف ﯾؤدي إلى اﻟﺗﺣﯾز ﻟﻠﺟﻣﺎﻋﺔ التي ﯾﻧﺗﻣﻲ إﻟﯾﮭﺎ اﻟﻔرد، وﯾﺗطور ﻟﻣﺷﺎﻋر ﻋدواﻧﯾﺔ راﻓﺿﺔ ﻟﻠﺟﻣﺎﻋﺎت اﻷﺧرى، وهو ﯾﻘوم ﻋﻠﻰ اﻟﺟﻣود، واﻟﺗﻔﻛﯾر ﻏﯾر اﻟﻣﻧطﻘﻲ، واﻟﺗﻌﻣﯾم اﻟﻣﻔرط والظالم، وﻛﻠﮭﺎ ﻣن اﻟﻣﻛوﻧﺎت اﻷﺳﺎﺳﯾﺔ ﻟﻠﺗﻌﺻب، وكلها إرتكبتها في الـ... الـ... اجتماع ده. الاجتماع. . أهاا. . يقول علم الاجتماع أن هذه التنميطات الجامدة ﻻ تربي أخلاقًا ولا تصنع قيمًا، بل تكوّن مواقف عدائية مسبقة بالوراثة. . إذ ﺗﺻﺑﺢ اﻷﻓﻛﺎر اﻟﻧﻣطﯾﺔ -اﻟﺗﻲ ﺗﻛون داﺋﻣﺎ ﺳﻠﺑﯾﺔ ﺗﺟﺎه اﻟﻣﺧﺎﻟف وإﯾﺟﺎﺑﯾﺔ ﻋن اﻟذات- ﻣﻛوﻧﺎ أساسيًا ﻟﻠﻣوروث اﻟﺛﻘﺎﻓﻲ والاجتماعي وﯾؤدي التفكير ﻋن طرﯾق اﻟﺻور اﻟﻧﻣطﯾﺔ اﻟﻐﯾر ﻣﺑررة عقليًا، إلى تشوهات في إدراك اﻟذات واﻵﺧر، ﻓﺎﻷﺻوﻟﻲ ﻻﯾدرك اﻟواﻗﻊ ﺳوى من ﺧﻼل ﻧﻣﺎذج ﻧﻣطﯾﺔ ذات طﺑﯾﻌﺔ دﯾﻧﯾﺔ. مثلا: اﻷﺻوﻟﻲ اﻟﻣﺳﻠم ﻻ ﯾﻔرّق ﺑﯾن القبطي المعاصر والصليبي القديم، فكلاهما مسيحي. . وﻻ ﯾﻣﯾّز ﺑﯾن "ألبرت أينشتاين" ويهود ﺑﻧﻲ اﻟﻧﺿﯾر، فالجميع يهود. . وﻻ ﯾﻔرّق ﺑﯾن اﻟﻔﯾﻠﺳوف اﻟوﺟودي "سارتر" وبين "الحكم بن هشام"، فكلاهما ملحد ﻛﺎﻓر بالله. . ! أما الأصولي المسيحي ﻓﻼ ﯾﺳﺗطﯾﻊ اﻟﺗﻔرﯾق ﺑﯾن سعد زغلول وعمرو بن العاص، فكلاهما مسلم محتل، وﻻ يفرق بين جورج بوش والمستشار نجيب جبرائيل فكلاهما مسيحي ابن الرب. . في ظل هذه اﻟ... الـ كيان الفيدوهي الأستروكسي اللعين الذي لا اسم له،، ولا دين له، نستطيع أن نرى فاجعة الاستحضار الأصولي لرموز الماضي، وإسقاطه على الحاضر. هذا حديث العلماني لرجل الدين. . هذا إن كان رجلا. . وإن كان ذي دين! إضافة من الناشر:عظة الأب داود لمعي التي بعنوان "كيف نرى اليهود"، والتي ألقاها في اجتماعٍ كنسيّ يوم 7 نوفمبر 2023، هي محاضرة منقولة لمحاضرة بعنوان: "إسرائيل في رأي المسيحية"، ألقاها الأنبا شنودة، في نقابة الصحفيين يوم 26 يونيو 1966، وقت أن كان أسقفًا للتعليم، ورتّب هندسة اللقاء بين الكنيسة والدولة الصحفي: جرجس حلمي عازر، وكانت محاضرة قومعروبية ناصرية بامتياز حتى أنّ مصلحة الاستعلامات طبعتها وترجمتها إلى عدة لغات ووزعتها على البعثات الدبلوماسية في العالم. --- ### الأسئلة التي نهرب منها - Published: ۲۰۲۳-۱۱-۱٦ - Modified: 2025-02-12 - URL: https://tabcm.net/15508/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, شئون علمانية - وسوم: أيلول الأسود, إرجون أو إتسل, إمبراطور هادريان, الإسكندر الأكبر, السبي البابلي, بالماخ, بطليموس الأول [سوتير], بنتاتوخ, تركيا الفتاة, توراة, جايوس ميسيوس كوينتوس تراجانوس ديسيوس, جوليات, داود النبي والملك, دياسبورا, سليمان الحكيم, شتيرن أو ليحي, شمعون بار كوخبا, شيشنق, صدام حسين, طوفان الأقصى, فاطميين, محمد علي باشا الكبير, مدينة الرب, مكابيين, ملك شاول, ملك صدقيا, ملك عبد الله, ملك كورش الكبير, ملك نبوخذ نصر الثاني, مملكة إسرائيل, مملكة يهوذا, منظمة التحرير الفلسطينية, هاجاناه, هادريان, هيكل سليمان, يهوذا المكابي كثيرة هي الأسئلة التي طرحناها في هذه السلسلة، لكن كثيرة هي الأسئلة التي نهرب منها.. نحاول ههنا في المقال الختامي، مواجهة أنفسنا والقارئ بأربع أسئلة محددة: ما هي أحقيّة إسرائيل في تلك المنطقة؟ هل احتلت إسرائيل فلسطين؟ هل يُكسب التأخير شرعيّة للاحتلال؟ هل إسرائيل بريئة من الانتهاكات الإنسانية؟ كثيرة هي الأسئلة التي طرحناها في هذه السلسلة، لكن كثيرة هي الأسئلة التي نهرب منها. . نحاول ههنا في المقال الختامي، مواجهة أنفسنا والقارئ بأربع أسئلة محددة: ما هي أحقيّة إسرائيل في تلك المنطقة؟ هل احتلت إسرائيل فلسطين؟ هل يُكسب التأخير شرعيّة للاحتلال؟ هل إسرائيل بريئة من الانتهاكات الإنسانية؟   لمن الأحقية في تلك المنطقة؟ اختلفت الآراء وتضاربت الأقاويل حول أحقية الإسرائيليون في تلك المنطقة، لكن أقدم الإشارات التي دُوّنت عن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي كانت دينيّة تمامًا. القصّة وردت في توراة موسى، وهي نفس القصة التي وردت في القرآن الكريم. عندما أورد الكتابان الأقدسان قصة النبي داود وخصمه جالوت أو جِلياط ، والتي نصر الله فيها عبده داود على غريمه وانتهت القصة الدينية بانتصار شعب الله اليهودي، وإقامة مملكة يهودية استمرت لعدة قرون، حكم فيها اليهود أنفسهم تحت نظام المملكة الموحدة التي أسسها الملك شاول . خلف الملك داود سلفه شاول على عرش مملكة بني إسرائيل، وبعده ابنه، الملك سليمان، ومن بعد سليمان انقسمت المملكة إلى مملكتين، مملكة إسرائيل الشمالية وعاصمتها السامرة، ومملكة يهوذا الجنوبية وعاصمتها أورشليم، ولم يدم الحكم الذاتي طويلًا ففي العام 920 ق. م. غزا شيشنق، ملك مصر، مملكة يهوذا واستولى عليها، وفي العام 740 ق. م. غزا الأشوريين أرض كنعان بالكامل واستولوا على كلا المملكتين المنقسمتين من الجميع. لم يدم حكم الأشوريين طويلًا، إذ أنقلب عليهم البابليون الكلدان واستولوا على مملكة بني إسرائيل بالكامل، ونصبوا عليها الحاكم اليهودي "صدقيا" أخر ملوك مملكة الجنوب، الذي تظاهر بالولاء للقوة البابلية الجديدة، ثم حاول لاحقًا الانقلاب على حكم البابليين والاستقلال، فهاجمه الملك البابلي الشهير نبوخذ نصر، وهدم أسوار أورشليم، وساوى هيكل سليمان بالأرض، وساق من تبقى من اليهود عبيدًا إلى بابل، وهو ما عرف بالسبي البابلي الأوّل لليهود. عاش اليهود في الأسر نحو 50 عامًا حتى أحتل الفرس مملكة بابل، ولاقى اليهود على يد الفرس معاملة حسنة، حتى أن ملكهم قورش الكبير قد سمح لليهود بالعودة إلى أرض المملكة اليهودية وإعادة بناء الهيكل، وغدت مملكة يهوذا ولاية من ولايات الفرس حتى أتى عام 334 ق. م حينما أنتصر الإسكندر الأكبر على الفرس. بعد وفاة الإسكندر المقدوني، حكم بطليموس الأول مصر مؤسسًا دولة البطالمة ، وحكم البطالسة اليهود رغم مقاومتهم العنيفة التي أكرهت بطليموس الأول على هدم أورشليم مرة أخرى، ودكّ أسوارها، وإرسال مئة ألف أسير من اليهود إلى مصر عام 320 ق. م. أستوطن اليهود مدينة الإسكندرية، عروس البحر المتوسط التي لُقبت بـ"مدينة الرب"، وأنقسم اليهود بعد هدم أورشليم إلى جزئين: الأول، اتّبع الإغريق وسموا باليهود الإغريق، والجزء الثاني تمسّك بالهويّة اليهودية وسموا بالمكابيين، نسبة إلى قائدهم يهوذا المكابي، الذي أستقل بأورشليم حتى أحتلهم الرومان بقيادة بومبيوس الكبير. ثم ثار اليهود على الحكم الروماني وحاولوا نيل الاستقلال، فحاصرهم الرومان ودخل تيطس، القائد الروماني، أورشليم عام 70 م. ودمرها بأسوارها مع بقايا الهيكل بالكامل واحرقه، وأخذ اليهود عبيدًا يباعون في شوارع روما. في عهد الإمبراطور تراجان عام 106 م. ، عاد اليهود مرة أخرى لأورشليم، وأخذوا في الإعداد للثورة من جديد بقيادة شمعون بار كوخبا، حتى تولى الإمبراطور هادريان عرش روما، وحوّل أورشليم إلى مستعمرة رومانية، وحظر على اليهود ممارسة شعائرهم، وأرسل قواته فاحتلت أورشليم وقهر اليهود وقتل بار كوخبا في العام 135 م. ، وذبح 580 ألفًا من اليهود، وتشتت الأحياء منهم في كافة بقاع الأرض، وسمي العصر الأخير: دياسبورا "عصر الشتات". https://www. youtube. com/watch? v=8tIdCsMufIY يمكن أن نستمر في السردية حتى يومنا هذا نهاية بطوفان الأقصى، لكن يكفينا هذا الحد للوصول لنتيجة أن اليهود على مدار تاريخهم، لم يتوقفوا عن محاولاتهم المستمرة ونضالهم لاستعادة أراضيهم المغتصبة منذ قرون، وبالتالي يعتبر العالم الغربي على الأقل أن ما فعلته إسرائيل هو تحرير أراضيهم المحتلة التي طردوا منها قبل قرون عدّة. كمحاولة لاجتناب المعضلة الدينية في بداية السرد، وأنَّ الله قد نصر اليهود على الفلسطينيين في الكتابين الأقدسين لدى المسكونة، لم يفند المتعاطفون مع القضية الفلسطينية تلك المعضلة إﻻ بوسائل إلحادية مثل إنكار ما جاء بالقرآن والتوراة بالكلّية على أساس أنها قصص ديني ﻻ يعتد به تاريخيًا، وفشلت كل هذه المساعي لأن القصص الديني المنعدم المصادر التاريخية ﻻ يتجاوز المملكة الموحدة من عصر شاول إلى عصر سليمان، وكل ما كُتب في هذا المقال منذ الانقسام لمملكتين مصدره التاريخ ومن أعداء اليهود ﻻ من حلفائهم، لذا فهو في أعلى مراتب الصحة التاريخية. فالزعم بأسطورية التوراة والقرآن هو محض هراء. الوسيلة الأخرى لتجنّب المعضلة الدينية كانت بإنكار العلاقة بين الفلسطينيين الذين هزمهم نبي الله داود، والفلسطينيين الحاليين، بالقول بأنهما شعبين مختلفين تمامًا، وهي فرضية لها أدلتها ووجاهتها ﻻ محالة، لكن ما يعنينا هو الشق السياسي من هذا الطرح وأنهم بذلك ينفون أي علاقة بين الشعب الفلسطيني الحالي والأرض المتنازع عليها، ولو وافقناهم هذا الطرح يصبح الشعب اليهودي هو صاحب الحق التاريخي الوحيد في تلك البقعة من الأرض، باعتبارهم أحفاد داود وسليمان، من دون حق تاريخي للفلسطينيين المعاصرين، لانقطاع نسبهم عن فلسطينيو جليات من سكّان البحر المتوسط، والذي تقول الرواية التوراتية بأنه قد تم إبادتهم وفناء ذريتهم.   هل احتلت إسرائيل أرض فلسطين؟ قبل الإجابة السريعة بـ"نعم"، فإن إجابة هذا السؤال تفصح عن مفهومك الشخصي للاحتلال وقد تدين آخرين بنفس المعيار. فإن كان الاحتلال هو: سيطرة فعّالة من قبل سلطة على إقليمٍ لا يخضع للسيادة الرسميّة من هذه السلطة، سواء يشمل انتهاك السيادة الفعليّة أو لا يشملها، إذن ستكون إسرائيل دولة احتلال قطعًا، لكن على هذا المقياس أيضًا فأن: - سوريا دولة احتلال، فقد احتلت سوريا أختها العربية الشقيقة لبنان منذ عام 1976 وحتى عام 2005 أي نحو 29 عامًا، ولم تخرج مظاهرة واحدة تطالب بتحرير الأراضي اللبنانية من المحتل السوري، بل وربما لم يسمع معظم المواطنين العرب بالاحتلال السوري للبنان. - جمهورية إيران الإسلامية دولة أحتلال، فهي تحتل منطقة إقليم الأهواز، منذ عام 1925، وتمارس تمييزًا دينيًا على مسلمي السنّة في تلك المنطقة، وتحتل الجمهورية الإسلامية، إيران، أيضًا ثلاث جزر إماراتية عربية هم: طنب الكبرى، وطنب الصغرى، وأبو موسى، منذ عام 1972، ولم ينتفض العرب لتحرير الإمارات العربية من المحتل الإسلامي. - تركيا، عاصمة الخلافة الإسلامية، هي دولة احتلال، إذ تحتل لواء الإسكندرونة السوري منذ عام 1939، أي قبل نشأة إسرائيل، ولم ينتفض العرب يومًا لتحرير الأراضي السورية من قبضة المحتل التركي. - منظمة التحرير الفلسطينية هي منظمة احتلال، ولقد استعرضنا إنها كانت تحتل مناطق من الأردن، وما فعله الملك عبد الله في أيلول الأسود كمحاولة منه لتحرير أراضيه من المحتل الفلسطيني، ولم يتظاهر العرب لتحرير المملكة الأردنية الهاشمية من المحتل الفلسطيني. - العراق كانت دولة أحتلال، عندما احتل صدام حسين الشقيقة الصغرى الكويت طمعًا في البترول، هذا الاحتلال الذي تظاهر مصريون وفلسطينيون تأييدًا له، وليس العكس. - المملكة المصرية في عهد محمد علي كانت دولة احتلال عندما احتلت أراضي الحجاز ونجد والمدينة المنورة ومكة وجدة، ومع ذلك لا يعتبر السعوديون أخوانهم المصريون أعداء أو محتلين. - الغزوات العربية ستكون قطعًا احتلال، وغزو الأندلس الذي يتباكون اليوم لضياعها، هو حتمًا احتلال، وما فعله الأندلسيون إذن هو تحرير أراضيهم المغتصبة من الاحتلال، في حين فشلت كل الدول الأخري التي أحتلها العرب في تحرير أنفسهم بعد قرون من الثورات والانتفاضات ضد المحتل العربي تكللت جميعها بالفشل، والاحتلال العثماني ومن قبله العباسي والأموي والفاطمي تحت مسميات الخلافة الإسلامية. كل هذا كان أحتلالًا بنفس المعيار الذي نطبقه على إسرائيل. . وإلا فما هو مفهوم الاحتلال من وجهة نظرك؟   هل يكتسب الاحتلال، بمرور الوقت، الشرعية؟ قبل الإجابة السريعة بـ"ﻻ" المثالية، فإن إجابة هذا السؤال تخضع أيضًا لمفاهيم شخصية ملتبسة، وقد تفصح أيضا عن إدانة لآخرين بنفس المعيار. كمثال: هل تتابع السنون على الغزو العربي لمصر ينفي عنه صفة الاحتلال ويكسبه شرعية؟ قولًا واحدًا: الإجابة "نعم" قطعًا! بالرغم أن الاحتلال العربي لمصر كان إحتلالًا بكل ما تعنيه الكلمة من معان، فإنه بعد عدة عقود صار أمرًا واقعًا، وأختلط العربي مع المصري وتزاوجوا وتناسلوا، وصاروا شعبًا واحدًا متعدد الروافد والثقافات، وأيّ حديث عن استمرار عداء المصري المعاصر للعرب هو بالتأكيد محض سخرية مضحكة. يكتسب الاحتلال الشرعية بمرور الوقت وتتحول العلاقة من علاقة "عداء" إلى علاقة "طبيعية". تمامًا كما حدث بين مصر وبين الاحتلال الفرنسي والإنجليزي وغيرهم. وعلى هذا، بعد مرور السنون، ستصبح دولة إسرائيل واقعًا مقبولًا، سواء كانت احتلال أو مجرد استرداد لأراضيها المحتلة، لكنه في النهاية سيصبح شرعيًا وأمرًا واقعًا. إجابة هذا السؤال، تخلق استشكاليه جديدة أكثر أهمية: إذا كانت شرعية الاحتلال تُكتسب بالوقت، وهذا يصب في مصلحة إسرائيل المحتلة لفلسطين، فما المسار الاستراتيجي الذي ينبغي على العرب التوحد والدفع فيه؟ دولة أم دولتين؟ أم ترى أحدا يقبل بفناء الفلسطينيين، أو تهجيرهم، ويعتبر هذا مسارًا مطروحًا، فيهلل لحماس والجهاد التي تعجّل بتصفية القضية الفلسطينية، ثم الانتحار؟! !   هل إسرائيل بريئة من الانتهاكات للإنسانية؟ قطعًا لا. إسرائيل دولة مُتهمة بارتكاب العديد من "جرائم الحرب" والانتهاكات التي قد تصنف "جرائم ضد الإنسانية" عبر تاريخها المحتدم بالصراع. . كحال معظم دول العالم، وفي مقدمتها بريطانيا وفرنسا وإيطاليا ومثلها مثل بعض الدول العربية إن لم يكن جميعها. إسرائيل دولة استخدمت العنف والدم، وقامت وتأسست على أكتاف المنظمات الصهيونية العسكرية كالبالماخ والهاجاناه والإرجون أو إتسل والشتيرن أو ليحي، مثلها كمثل عصر الإمبراطوريات الدينية المقدسة، الفارسية أو الرومانية أو الامبراطوريات العربية تمامًا بل ربما أقل منها عنفًا بمراحل، بل أن المقارنة بين العصابات الصهيونية المنهمكة في بسط النفوذ داخليًا في "منطقتها" والتي تستطيع صياغة تمددها بشكل فيه حماية لحدودها وتأمينها (على الأقل إعلاميًا ودوليًا)، يعد هدفها نبيلًا مقارنة بالغزوات الإسلامية التي في حالة حرب واستعمار توسعي للعالم بأسره. نظرة بسيطة ومعاصرة لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام والذي وصلت مخاطره لمصر وليبيا، أو خطر منظمات إرهابية أخرى أو حتى أفراد مثل بن ﻻدن، هددت النصف اﻵخر من كوكب الأرض وفجّرت مبانٍ تجارية عالمية. من سيسمح للإسلام السياسي والجهادي أن يعبر أسيا وأفريقيا ثانية؟ وإن كان لن يسمح فلماذا يسمح للصهاينة، سوى لأن إنتهاكاتهم قومية داخلية ﻻ تستعدي العالم؟ بطريقة أخرى، حتى ولو اعتبرنا إسرائيل دولة دينية صهيونية، فما هو وزن مذابحها إذا ما قورنت بمذابح الإمبراطورية العثمانية، والتي كانت تهدف في الأساس إلى احتلال الدول المسالمة، وفي سبيل ذلك اقترفت جرائم يشيب لهولها الولدان، والتي استمرت حتى بداية القرن العشرين، وأشهرها Armenian Genocide (مذابح الإبادة الجماعية للأرمن) التي اقترفتها حكومة تركيا الفتاة في الدولة العثمانية ضد الأقلية الأرمينية المسيحية، وراح ضحيتها ما يقرب من 1. 8 مليون ضحية نتيجة التهجير القسري، والإعدامات الجماعية، والاغتصاب، والتعذيب بالموت جوعًا، ومسيرات الموت، ومعسكرات الاعتقال، والحرق الجماعي، ومع ذلك لا يعادي المصريون الأتراك ولا يعتبروهم أعداء، بل ويرفض أغلبهم الاعتراف بمذابح إبادة الأرمن. ويظل السؤال الأخير مفتوحًا: لماذا يعادي العرب إسرائيل؟ --- ### اثبت إنك إنسان! - Published: ۲۰۲۳-۱۱-۱۵ - Modified: 2023-11-15 - URL: https://tabcm.net/15858/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: أقباط المهجر, الطب النفسي, جوليو ريجيني, حركة المقاومة الإسلامية: حماس, خالد سعيد, رئيس جمال عبد الناصر, رئيس محمد حسني مبارك, سليمان خاطر, عبد الحكيم عامر قبل الدخول إلى الموقع، تظهر رسالة أسفلها مربع تأكيدي صغير يطلب منك فيها التوثق أنك لست "روبوت" ومكتوب بجانبه: "اثبت إنك إنسان". صمت قليلًا وتأملت في الجملة. . ياااه. . أثبت أنني إنسان؟ لماذا؟ وكيف؟ وماذا كان الموقع الإلكتروني يظنني؟ خنزيرًا؟ هل بمجرد رسمي لعلامة التأكيد في المربع. . أثبت إنسانيتي هكذا؟ أشك! وهل يكتفى اعتراف الموقع؟ أعتقد أن المجتمع الدولي من حقه أيضًا أن يعرف! وكان يجب عليَّ التأكد. . ومن ثم الإثبات. . في بداية رحلة بحثي لأثبات إنسانيتي وإنكار "خنزرتي"، مرّت أمام عيناي في البَدْء مئات السطور، تتحدث بالوثائق الحكومية، عن مرض عقلي لسليمان خاطر، قاتل السياح المدنيين الإسرائيليين الأبرياء، الذي قال، أو زعم، أنهم نزلوا الشاطئ أمامه عراه، واستفزونه، بالرغم من تحذيره لهم، ولكنهم لم يأبهوا لكلامه وضربوا به عُرْضَ الحائط، إلى أخر تلك القصة! اللطيف إنني وجدت أن تلك الوثائق الحكومية، الممهورة بإمضاء كبار الاستشاريين النفسيين، لها صدى كبير في نفوس البعض (وكثير من هؤلاء البعض مغتربين طبعًا) ونفس هذه النوعية من الوثائق هي من أكدت انتحار المشير عبد الحكيم عامر مهندس نكبة 1967، مثلما أكدت انتحار خالد سعيد رحمه الله في محبسه أيام الرئيس المخلوع حسني مبارك (أكرر. . المخلوع! ) ثم ما لبثت أن تكررت مثل هذه الحادثة في الإسكندرية وسقط على أثرها بضعة سياح إسرائيليين، إلا أنّ العسكري هذه المرة كان أكثر خبثا -والله أعلم- فأدعى أنها كانت بالخطأ (لا يريد الوقوع تحت أيدي الاستشاريين النفسيين إياهم وتقاريرهم طبعًا) في حين لم يهتم ولم يكترث غالبية زملاء هذا الفرد في الإسراع الواجب والمطلوب في هذه الحالة في استدعاء الإسعاف وسط صيحات السياح المدنيين العزل الأبرياء "ضيوف مصر" (كما يسميهم من "لا يسمي") وهو يصيحون "امبولااانص امبولاانص" (أي إسعاف. . إسعاف! ) اثبت إنك لست أرنبًا وهنا لاحظت التباكي المدني العلماني الوطني القبطي (المخلص جدًا) على السياحة الإسكندرانية التي ستخسر بسبب هذا الفعل الإجرامي الأحمق الخطير والمدفوع طبعًا بالـ"ثقافة الإسلامية" كما هو معلوم بالضرورة! وهذا دفعني للتشكك في إنسانيتي وذهب بي التفكير إلى إنني ربما كنت أرنبًا، إذ كيف أكون إنسانًا وفي نفس الوقت متأثرًا بالثقافة الإسلامية أو بالخطاب العروبي الناصري الحقير وارتضي بهذا الإجرام؟ هل تعلم أن الأرنب أصله خرتيت؟ وهنا تأملت. . ما موقف الطب النفسي من جرائم الحرب السادية ضد أطفال سواء في مدرسة بحر البقر أو المستشفى المعمداني؟ أو من السير بالدبابات على أجساد الجنود المصريين الأسرى في ستينيات القرن العشرين (التي لا أعرف بالمناسبة لماذا تم دفن تلك القضية. . قضية "تعذيب" الجنود المصريين حتى الموت. . هل الثقافة الإسلامية السبب؟ أم الخطاب العروبي الخطير؟) أعني. . ماذا يقول الطب النفسي عن شارون وشامير ونتنياهو ومن حولهم؟ وماذا قال عن حوادث مماثلة حدثت في جنوب إفريقيا والهند وبريطانيا، بل واليونان وتركيا وأرمينيا؟ وهل التقارير الحكومية مصدقة عامة من معظم أقباط المهجر كتقرير سليمان خاطر؟ هل تقارير حادث كنيسة القديسين مثلًا مصدقة؟ لست أرنبًا ولا خرتيتًا. . لكن خنزيرًا بلاش. . كل حادث طائفي تقول تقارير الطب النفسي أن ورائها مريض عقلي. . هل من يرددون هذا الكلام ويصدقونه هم أيضًا ليسوا إناسًا ومحتاجين لإثبات إنسانيتهم ونفي خنزرتهم؟ هل تصدقها أنت أيضًا يا صديقي؟ العداء بين الأرمن والأتراك تاريخي، وكذلك ما بين الأتراك واليونانيين، وفي أماكن كثيرة، ولم ينتهي بأي اتفاقيات أو معاهدات سلام تمثيلية أو مسرحية درءًا للمشاكل وحقنا للدماء، مثلما حدث مع بريطانيا أو فرنسا أو حتى إيطاليا أيام الاستعمار. وبعض الصراعات تاريخية ولا تنتهي بنهاية الحرب، سواء شئنا أم أبينا، وقضية فلسطين قضية إنسانية، ليست إسلامية ولا عربية فحسب، ولو كره اليمين الإسلامي والمسيحي المتطرف في مصر! كثيرون يحتاجون لإثبات إنهم إناسًا، ولن يقدروا، فالمسالة ليست مجرد علامة صح يخطونها في مربع تأكيدي. . لاء. . أعمق. . ربما لست خنزيرًا. . فهل أنت نعامة؟ من يغار على السياحة بسبب الحادث المأساوي المؤسف الذي سقط فيه مدني إسرائيلي "بالخطأ" (كما توضح التقارير الحكومية التي جعلت سليمان خاطر مريض عقلي، مثلما جعلت قاتل أبونا مينا عبود "مثلا" أيضا مريض عقلي) هل سيغار عليها أيضا لو كان الضحية مثلًا أفغانيًا أو إيرانيًا أو خليجيًا؟ أم السياحة في مصر لا تتأثر سلبا غير بموت الصهاينة الخطأ، بينما تقف شامخة بموت الإيطالي جوليو ريجيني "العمدي"؟ مثلًا؟ لماذا لم تتأثر بقصف السياح المكسيكيين المسيحيين الكاثوليك بوابل رصاص المروحيات العسكرية الخطأ منذ عدة سنوات؟ (بالمناسبة لا أعلم كيف يكون خطأ هنا! ) يبدو أن إثبات الإنسانية صار عملًا معقدًا بالفعل! يبدو أنه ليس نعامة. .   الظن الآن أنك ذكر السلبندر الأمريكي هل من يتعجب من كراهيَة "العرب" للمحتل الأجنبي و"تسامحهم" مع "المحتل العربي" كما يقول، سيتعجب عندما يجد في الولايات المتحدة عراقيين وأفغان وإيرانيين وكوبيين أيضًا، أم لا يشغله سوى "التمييز في الكراهية" من المصريين أو العرب تجاه المحتلين، بسبب "دين" هذا المحتل؟ ثم كثير من هؤلاء "العرب" هؤلاء تعاطفوا مع فلسطين مثلما تعاطفوا مع مسيحيو العراق والأيزيديات؟ للأسف مصر لا تستطيع التعامل مع بعض القضايا "العروبية" سيئة السمعة لدي كثير من الأقباط الذين غُرر بهم. كما لو أنها النمسا مثلا أو زائير، وهذا هو قدرها السيئ الذي هي متورطة فيه حتى لو لم يولد عبد الناصر (الذي أراه قتل مصر بالمناسبة. . ولكن لهذا حديث آخر). اثبت إنك إنسان ووجه كلمة إلى سرب البوم أستبعد وأستنكر أن تخوض مصر أي حربًا بالنيابة أو الوكالة عن أحد، وما تستطيع القيام به غالبا ستفعله، وهي لا تستطيع ولا تقبل بتوطين الفلسطينيين في سيناء أيًّا كان دينهم، ولن تنجر لأي حروب مع الكيان الصهيوني ثانيًا بأمر الله، ولديها مشكلة كبيرة جدًا في المياه والكهرباء والغاز وربما قريبًا الخبز (لا قدر الله) وعُملتها "في النازل"، بفرض حتى وعرض عليها مائة مليار دولار (على الأقل هذا ما أتمناه وأصلي من أجله مثل عشرات الملايين من المصريين). وأخيرًا. . إن كنت استطعت إثبات إنني إنسان فأقول أن المقاومة المسلحة من الفلسطينيين ضد إسرائيل سواء كانت من حماس أو عز الدين القسام أو أي كيان، سواء كان أصلًا إرهابي أو لا. . هي شيء متوقع ومفهوم، لأن هذا شأن الحروب والاحتلال والمقاومة بالطبيعة! ونعم. . في غالبية الوقت يسقط المدنيين من جميع الجوانب ضحايا لهذا الصراع وفي كل صراع سواء في أوكرانيا، في روسيا، في غزة، في تل أبيب، بل حتى في الحروب العالمية الأولى والثانية! تستهجنه أنت أو تقبل به. . هذا شأنك، لكن شيطنة أو أسلمة قضية فلسطين (ورص جنبها مفردات "فتح" و"حماس" و"الأقصى" و"القدس" وغيرها) وكل هذه الفوبيا الإسلامية متوقعة من البعض (سواء في الداخل أو الملاجئ الدينية بالخارج وما أكثرهم) لكن المستفز حقا فعلا هو "أنسنة" أو "تبرئة" الصهاينة من بعض آخرين أيضًا من غلاة الإيمان المسيحي "القويم" بمصر! وهذا بالمناسبة لا علاقة له بخطاب عروبي أو ليبرالي أو علماني أو قبطي "غروبي! " وأخيرًا وليس أخرًا. . آن الأوان لرحيل حماس عن سدة الحكم الفلسطيني. . ولكن حتى إن رحلوا، فالأمن الإسرائيلي (ويشمل المواطنين المدنيين العزل) سيبقى من الْآنَ فصاعدًا على المحك. . ولكن لهذا الحديث مقال أخر. . وللكلام بقية إن كان في العمر بقية! --- ### (٥) نجم يمتاز عن نجم - Published: ۲۰۲۳-۱۱-۱۵ - Modified: 2023-11-07 - URL: https://tabcm.net/14781/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, كتاب مقدس لأَنَّ نَجْمًا يَمْتَازُ عَنْ نَجْمٍ فِي الْمَجْدِ (١ كورنثوس الأولى ١٥: ٤١) الآية دي برضه بتتاخد بالغلط مع الاية السابقة (في بيت ابي منازل كثيرة) لاثبات ان المؤمنين في السما لهم أفضلية على بعض ومكانة ومنصب ودرجة استمتاع بالمجد الإلهي مختلف عن الآخر، واحنا هنا مش بصدد مناقشة صحة او خطأ المفهوم لكن تركيزنا هينصب على تفنيد الاستخدام الخاطئ للآية! --- > طب إيه المعني الحقيقي للآية؟ بكل بساطة بولس مكنش ابداً بيقارن بين مكانة المؤمنين بعضهم ببعض لما كان بيقول نجم يمتاز عن نجم، وكما وضحت في الحلقات السابقة، لما تكون هناك آية شائكة، لازم ترجع للنص بالكامل وتفهم سياق الحديث و القرائن وان امكن ترجع للترجمات الأصلية أو باللغات الأخرى المتوفرة لغرض المقارنة. - خلينا نرجع لبداية الكلام من عدد ٣٥ : ونحاول نفصص النص حتة حتة، هنلاقي إن بولس طرح سؤال مهم: لكِنْ يَقُولُ قَائِلٌ: كَيْفَ يُقَامُ الأَمْوَاتُ؟ وَبِأَيِّ جِسْمٍ يَأْتُونَ؟ (١ كو ١٥: ٣٥) هنا بولس طرح سؤال محدد وهو : الأموات هيقوموا بأي جسد في السماء؟ ثم هيبتدي يجاوب عليه! - في البداية وضح بولس إن زي ما في الدنيا فيه اختلاف بين الانسان والحيوان وبين القمر والنجوم والكواكب بقوله: لَيْسَ كُلُّ جَسَدٍ جَسَدًا وَاحِدًا، بَلْ لِلنَّاسِ جَسَدٌ وَاحِدٌ، وَلِلْبَهَائِمِ جَسَدٌ آخَرُ، وَلِلسَّمَكِ آخَرُ، وَلِلطَّيْرِ آخَرُ. (١ كو ١٥: ٣٩) وبعدها كمل شرح - علشان القارئ يفهم - وقال برضه زي ما فيه اختلاف بين مجد السما ومجد الأرض وَأَجْسَامٌ سَمَاوِيَّةٌ، وَأَجْسَامٌ أَرْضِيَّةٌ. لكِنَّ مَجْدَ السَّمَاوِيَّاتِ شَيْءٌ، وَمَجْدَ الأَرْضِيَّاتِ آخَرُ. مَجْدُ الشَّمْسِ شَيْءٌ، وَمَجْدُ الْقَمَرِ آخَرُ، وَمَجْدُ النُّجُومِ آخَرُ. لأَنَّ نَجْمًا يَمْتَازُ عَنْ نَجْمٍ فِي الْمَجْدِ (١ كو ١٥: ٤٠-٤١) - وبعد ما وضح النقطتين دول، راح خاتم بالضربة القاضية: هكَذَا أَيْضًا قِيَامَةُ الأَمْوَاتِ (١ كو ١٥: ٤٢) ---> يعني هو من الآخر كان بيدي الأمثلة دي كلها علشان يوصل لخلاصة الموضوع إن بنفس المقياس السابق برضه هتكون (قيامة الأجساد في السماء) - هي دي ببساطة المقارنة اللي كان بيعقدها بولس، وده أسلوب بولس في معظم كتاباته، إنه بيقدم الطرح في صورة أسئلة واعتراضات عليها، لحد ما يوصل للفكرة اللي كان عاوز يقولها من البداية (كما في رسالة رومية مثلًا) - وعلشان الصورة توضح اكتر، نقرأ الأعداد اللي بعدها لما ابتدأ يشرح بناء على ما سبق، ويقارن بين حال الأجساد على الأرض وحالتها في السماء بين الجسد (الأول) الأرضي - والجسد (الثاني) السماوي فيقول: يُزْرَعُ فِي فَسَادٍوَيُقَامُ فِي عَدَمِ فَسَادٍيُزْرَعُ فِي هَوَانٍيُقَامُ فِي مَجْدٍ. يُزْرَعُ فِي ضَعْفٍيُقَامُ فِي قُوَّةٍ. يُزْرَعُ جِسْمًا حَيَوَانِيًّايُقَامُ جِسْمًا رُوحَانِيًّا. يُوجَدُ جِسْمٌ حَيَوَانِيٌّيُوجَدُ جِسْمٌ رُوحَانِيٌّ. صَارَ آدَمُ، الإِنْسَانُ الأَوَّلُ، نَفْسًا حَيَّةً،آدَمُ الأَخِيرُ رُوحًا مُحْيِيًا. لكِنْ لَيْسَ الرُّوحَانِيُّ أَوَّلاً بَلِ الْحَيَوَانِيُّ، وَبَعْدَ ذلِكَ الرُّوحَانِيُّ. الإِنْسَانُمِنَ الأَرْضِ تُرَابِيٌّ. الإِنْسَانُالرَّبُّ مِنَ السَّمَاءِ. كَمَا هُوَ التُّرَابِيُّ هكَذَا التُّرَابِيُّونَ أَيْضًا، وَكَمَا هُوَ السَّمَاوِيُّ هكَذَا السَّمَاوِيُّونَ أَيْضًا. وَكَمَا لَبِسْنَا صُورَةَ التُّرَابِيِّ، سَنَلْبَسُ أَيْضًا صُورَةَ السَّمَاوِيِّ. (١ كورنثوس ١٥: ٣٥، ٤٢-٤٩) أنا أدرجت كلمتي و و و بين الأقواس للتوضيح، بعد ما فهمت ده حاول تقرأ النص كله على بعضه كده من البداية مرة تأني وشوف الفرق! - بكل تأكيد بولس لما بيقول مجد نجم يمتاز عن نجم، هو بيتكلم عن الأجساد السماوية التي تمتاز على الأجساد الترابية، بين حالة الأرض وحالة السما! ومكانش بيقارن بين مؤمن ومؤمن آخر، ولا بيقارن بين علماني و إكليروس، بين واحد واقف على عتبة السما وآخر قاعد في الصف الأول! - فلا معنى الآية، ولا سياق النص هنا، بيتكلموا عن مناصب ومراتب سماوية، وأي تفسير بيتكلم عن أفضلية مؤمن على آخر في المجد ويستشهد بالآية (نجم يمتاز عن نجم) فممكن نعتبره تأملات شخصية أو اجتهادات في التفسير بعيدة عن معني النص الحقيقي أيا كان المفسر مين، كبير أم صغير قديم أم معاصر ! - للأسف ناس كتير بتاخد كلمة أو آية مقتطعة من سياقها أو بعيدة عن معناها الأصلي وتطير بيها علشان تثبت بيها شيئ معين، إما (عقيدة/ ممارسة/ طقس/ تقليد) دون اتباع أمانة في البحث أو التفسير! أو ربما دون وعي أو دراسة! - تابعوا الفيديوهات السابقة واشتركوا على قناة اليوتيوب واللينك في أول تعليق. أشوفكم المرة الجاية وفيديو جديد من آيات ومحتاجات. https://www. youtube. com/watch? v=VwW0DXODaxI --- ### ملحمة جلجامش؛ الإصحاح التاسع - Published: ۲۰۲۳-۱۱-۱٤ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/13250/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون, تاريخ وميثولوچيا - وسوم: ألبيرت شوت, أوبار-توتو, أوتنابشتم, إنكيدو, الطوفان البابلي, جبل ماشو, جلجامش, زيوس, زيوسودرا, شروباك, شمش, فراس السواح, نوح ابن لامك يجوب جلجامش البرية مرتديا جلود الحيوانات حزنا على إنكيدو وخائفًا من موته، يبحث عن «أوتنابيشتيم» وزوجته ليتعلم سر الحياة الأبدية. كونهما الناجيين من الطوفان العظيم، يعبر جلجامش ممرًا في الليل ويواجه الأسود. يصلي إلى «سين» إله القمر من أجل الحماية. ثم يقتل الأسود ويستخدم جلودهم كملابس. يصل إلى القمتين التوأمين لجبل ماشو في نهاية الأرض. ويدخل نفق لم يدخله رجل من قبل. يحرس النفق اثنان من العقرب، يحاول زوج العقرب إثناء جلجامش، لكن الزوجة تتعاطف وتسمح بمروره. اللوح التاسع مقسّم على  ٥ أعمدة، المقروء منها ١٠٢ سطرا، بنسبة ٣٧% من الإجمالي. خلاصة الإصحاح التاسع:يجوب جلجامش البرية مرتديا جلود الحيوانات حزنا على إنكيدو وخائفًا من موته، قرر أن يبحث عن «أوتنابيشتيم» وزوجته («البعيدان جدا») ليتعلم سر الحياة الأبدية. كونهما من بين الناجين القلائل من الفيضان العظيم، يعتبر أوتنابيشتيم وزوجته الوحيدين الذين مُنِحوا الخلود من قبل الآلهة. يعبر جلجامش ممرًا جبليًا في الليل ويواجه مجموعة من الأسود. قبل النوم يصلي جلجامش إلى «سين» إله القمر من أجل الحماية. ثم يقتل الأسود ويستخدم جلودهم كملابس بعد استيقاظه من حلم مشجع. وبعد رحلة طويلة محفوفة بالمخاطر، يصل جلجامش إلى القمتين التوأمين لجبل ماشو في نهاية الأرض. ويدخل إلى نفق لم يدخله أي رجل من قبل. يحرس النفق اثنان من العقرب، يشتبه في أنهما زوجان. ويحاول زوج العقرب إثناء جلجامش عن المرور، ولكن الزوجة تتعاطف وتسمح بمروره. يمر جلجامش تحت الجبال على طول طريق الشمس، وفي ظلام دامس، يتابع الطريق لمدة ١٢ ساعة مزدوجة، ويتمكن من إكمال الرحلة قبل أن تلحق به الشمس. يصل إلى حديقة الآلهة، وهي جنة مليئة بالأشجار الحاملة للجواهر. العمود الأول ١)بكى جلجامش صديقه إنكيدو بكاءً مُرًّا،٢)وهامفي البراري:٣)«ألن يكون مصيري — إذا مت — مثل مصير إنكيدو؟٤)نفذ الغمُّ إلى وجداني،٥)والخوف من الموت تمكَّن مني، وها أنا ذا أهيم في البراري،٦)«أوتنابشتيم»، ابن «أوبار-توتو»،٧)الذي اتخذت طريقي وحثثت الخطا إليه. ٨)وصلت ليلًا إلى مسالك الجبل،٩)رأيت الأسود وانتابني الخوف،١٠)فرفعت رأسي إلى «سين» وصلَّيت له،١١)وتضرعت للعظمى بين الآلهة. ١٢)«نجِّيني من هذا الخطر واحفظيني»١٣)نام في الليل ثم انتبه مفزوعًا من حلم رآه:١٤)كانت تمرح في ضوء «سين» مبتهجة بالحياة،١٥)فتناول فأسه في يده،١٦)واستلَّ سيفه من حزامه،١٧)ومرق وسطها كالسهم،١٨)وانقضَّ عليها وشتتها. (ملحمة جلجامش، اللوح التاسع، العمود الأوّل) (١)هذه أول مرة يُذْكَر فيها اسم «أوتنابشتيم» بطل الطوفان البابلي الذي تروي الملحمة قصته في اللوح الحادي عشر، مستفيدة من الروايات السومرية التي سمت «نوح» الخاص بها باسم «زيوسودرا»، حكيم مدينة شروباك أو ابن حاكمها، ويحتمل أن يكون معنى الاسم هو «الذي أدرك الحياة» فأدخلته الآلهة في زمرة الخالدين، وأسكنته بعيدًا في «أرض الأحياء» أو جزيرتهم أو جنتهم «ديلمون» التي يرجح بعض العلماء أنها تقع مكان البحرين الحالية. (٢)«سين» هو إله القمر كما سبقت الإشارة، أما الآلهة العظمى فلم يذكر اسمها. (٣)ربما تكون هذه الكائنات التي تمرح في ضوء القمر أسودًا أو كائنات شريرة لا نستطيع تسميتها لتخرّم اللوح وتشوهه، والمفارقة واضحة بين ابتهاج هذه الكائنات بالحياة المباشرة ومرحها في ضوء القمر، وبين حزن جلجامش وبكائه على صديقه وهلعه من الموت. (٤)حرفيًا: من جنبه؛ أي من الحزام الملفوف حول خصره (ويسمى في اليمن وعمان باسم الجنبيه). العمود الثاني ١)ماشو هو اسم الجبل. ٢)لما أن بلغ جبل ماشو،٣)الذي يحرس الشمس في دخولها وخروجها،٤)ولا تفوقه في العلو إلا قبة السماء،٥)وفي الأسفل يلمس صدره عمق الجحيم. ٦)كان الرجال العقارب يقومون بحراسة بوابته،٧)ينبعث منهم الرعب الرهيب، ونظراتهم الموت،٨)ويجلل الجبال بريقُ رعبهم المخيف،٩)وهم يحرسون الشمس في دخولها وخروجها. ١٠)لما أبصرهم جلجامش تعتَّم وجههمن رعبهم وهولهم،١١)تمالك نفسه وانحنى أمامهم. ١٢)نادى الرجل العقرب زوجته:١٣)«إن هذا الذي جاء إلينا جسده من لحم الآلهة. »١٤)فردَّت عليه زوجته قائلة:١٥)«إن ثلثيه إله وثلثه بشر. »١٦)هتف العقرب البشري، الذي اتخذ صورة الرجل، بجلجامش،١٧)قائلًا هذه الكلمات لسليل الآلهة:١٨)«ما الذي دعاك لأن تقطع الطرق البعيدة؟١٩)ولماذا جئت إلى هنا، حتى مثلت أمامي،٢٠)وعبرت الأنهار التي يشق عبورها؟٢١)إني لأتوق لأن أعرف قصدك. »... ... (ملحمة جلجامش، اللوح التاسع، العمود الثاني) (٥)أي في شروقها وغروبها. (٦)المقصود أن قواعد هذا الجبل تمتد في الأرض حتى يلمس أعماق العالم السفلي أو «بيت التراب» ومسكن أرواح الموتى والآخرة في تصور السومريين والبابليين والآشوريين وسبق وصفه في اللوح الثامن. (٧)هكذا حرفيًا، وفي ترجمات أخرى: جسمه من طينة الآلهة أو من مادة الآلهة. العمود الثالث ٣)«قاصدًا جدِّيأوتنابشتيم،٤)الذي دخل في زمرة الآلهة، ونال الحياة،٥)أريد أن أسأله عنالحياة والموت. »٦)فتح الرجل العقرب فمه،٧)وقال لجلجامش:٨)«لم يقوَ بشر على هذا يا جلجامش،٩)ولم يستطع أحد أن يجتاز غور الجبل،١٠)فهو حالك الظلام على مدى اثنتي عشرة ساعة مضاعفة. ١١)كثيف هو الظلام، ولا نور هناك،١٢)والطريق يتَّجه صوب مشرق الشمس،١٣)وكذلك صوب مغيب الشمس. » (ملحمة جلجامش، اللوح التاسع، العمود الثالث)   العمود الرابع ٣٣)، في الأسى والألم. ٣٤)في الحر والقر،٣٥)في التنهد والنحيب، سأمضي. ٣٦)افتح لي الآن بوابة الجبال. ٣٧)فتح الرجل العقرب فمه،٣٨)وقال لجلجامش هذه الكلمات:٣٩)«امض يا جلجامش، لا تخف! ٤٠)إني أفتح أمامكجبال ماشو،٤١)فاعبر الجبال وسلاسلها المرتفعة في أمان. ٤٢)وعسى أن ترجع بك قدماك سالمًا. »٤٤)ما إن سمع جلجامش هذا،٤٥)حتى تبع كلمة الرجل العقرب،٤٦)ودخل بوابة الجبل ليسير على طريق شمش. ٤٧)لما قطع ساعة مضاعفة،٤٨)كان الظلام دامسًا، ولا نور هناك،٤٩)وهو لا يستطيع أن يرى ما خلفه. ٥٠)لما قطع ساعتين مضاعفتين،(ملحمة جلجامش، اللوح التاسع، العمود الرابع) (٨)تورد بعض الترجمات أربع سطور أسقطتها ترجمة ألبيرت شوت (من سطر ٣٣–٣٦)؛ ولذلك رأيت إثباتها عن ترجمة فراس السواح، (ص١٨٠). العمود الخامس ١)كان الظلام دامسًا، ولا نور هناك،٢)ولم يستطع أن يرى ما خلفه. لما قطع ثلاث ساعات مضاعفة،كان الظلام حالكًا ولا نور هناك،ولم يستطع أن يرى ما خلفه. ٢٣)لما قطع أربع ساعات مضاعفة،٢٤)كان الظلام ما يزال حالكًا، ولا نور هناك،٢٥)ولم يستطع أن يرى ما خلفه. ٢٦)لما اجتاز خمس ساعات مضاعفة،٢٧)كان الظلام كثيفًا، ولا نور هناك،٢٨)ولم يستطع أن يرى ما خلفه. ٢٩)لما توغل ست ساعات مضاعفة،٣٠)كان الظلام ما يزال كثيفًا، ولا نور هناك،٣١)وهو عاجز عن رؤية ما خلفه. ٣٢)ولما توغل سبع ساعات مضاعفة،٣٣)كان الظلام ما يزال كثيفًا، ولا نور هناك،٣٤)ولم يستطع أن يرى ما خلفه. ٣٥)ولما أوغلثماني ساعات مضاعفة، أطلق صرخة. ٣٦)لم يزل الظلام دامسًا، ولا نور هناك،٣٧)وهو عاجز عن رؤية ما خلفه. ٣٨)ولما توغل تسع ساعات مضاعفة، شعرالريح الشمالية،٣٩)... فابتسم محياه. ٤٠)لم يزل الظلام حالكًا، ولا نور هناك،٤١)وهو عاجز عن رؤية ما خلفه. ٤٢)ولما أوغل في المسير عشر ساعات مضاعفة،٤٣)كان المخرج قد صار قريبًا ... ٤٥)لما توغلإحدى عشرة ساعة مضاعفة،خرج واستقبل مشرق الشمس. ٤٦)ولما توغلاثنتي عشرة ساعة مضاعفة، عم الضياء. ٤٧)اقترب ليرى أشجار الأحجار الكريمة:٤٨)شجر العقيق، الذي يحمل ثماره،٤٩)تتدلَّى منه الأعنابالنظر. ٥٠)وشجر اللازورد يحمل الأوراق الخضراء،٥١)كما يحمل الأثمار التي تفتن الأبصار. (ملحمة جلجامش، اللوح التاسع، العمود الخامس) (٩)حرفيًا: خُصِّصَت للنظر. --- ### اللاهوت والناسوت - Published: ۲۰۲۳-۱۱-۱۳ - Modified: 2025-02-02 - URL: https://tabcm.net/15831/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: الثالوث القدوس, اللاهوت السكندري, النسطورية, ساويرس الأنطاكي إن خصوصية الاتحاد الطبيعي تكمن في أن الأقنومين هما في تركيب، وهما كاملان دون نقص، إلا أنهما يرفضان أن يستمرا في استقلالية الوجود، فلا يمكن أن نعدهما “إثنين” لأنهما في “تركيب” وليسا في انفصال أو استقلالية، مكونين شخصا واحدًا للرب والابن يسوع المسيح، طبيعة واحدة متجسدة، وأقنوم واحد متجسد لله الكلمة اللاهوت والناسوت، يندر أن تجد ما تم ابتذاله تعليميًا في كنيستنا مثل هذين المصطلحين، ما أن يتحدث احدهم عن السيد المسيح والتجسد، حتى يستدعي هذين المصطلحين كدلالة على أرثوذكسية وصحة ما يقول، رغم أن الأمر ليس كذلك على الإطلاق. بداية فكلا المصطلحين كدلالة على إطار يجمع كائنات معينة، يمكن أن يشير إلى ثلاثة دلالات: الجوهر الجوهر هو الأساس المجرد المشترك لأفراد من نفس “النوع”، والجوهر هو ما يجعل الفرد منتميًا لهذا “النوع” طبيعيًا، وهو أيضا ما يعطي لهذا “النوع” فرادته بين باقي الأنواع. فالجوهر الإلهي هو المشترك بين ثالوث الأقانيم الإلهية. والجوهر البشري هو المشترك بين جميع أفراد البشرية منذ خلقهم حتى اليوم الأخير. الجوهر كيان نظري يمكن إدراكه بالذهن فقط، فهو لا يوجد في الواقع إلا من خلال أقانيم تمثله. وسنلاحظ أنه لا يمكن تصور أنه يقبل التركيب وإلا أنتج جوهرًا جديدًا أو”نوع” جديد. فإذا قلنا: "كان "الناسوت" في ذهن الرب من قبل خلق العالم"، فنحن هنا نتحدث عن الجوهر الإنساني الذي أعد الله العالم لظهوره. الطبيعة إذا كان الجوهر هو الأساس النظري الذي لا يوجد في الواقع، فإذا انتقل إلى مستوي الوجود الفعلي أصبح طبيعة. وللوجود الطبيعي مستويان: أولهما: هو  الطبيعة العامة التي تجمع الأفراد أو الأقانيم من نفس النوع. فحين أقول: "أقدم حفريات الناسوت هي من مائتي ألف عام" فإنني أعني أن العلم يرجح أن البشر قد وُجدت على الأرض من مائتي ألف سنة. وثانيهما: هو الطبيعة المخصصة . فحين أقول: "شابه السيد المسيح ناسوتك في كل شيئ، ما خلا الخطية" فالناسوت هنا تعبير عن أقنوم محدد، هو شخص المخاطب، وهو هنا كتعبير عن الطبيعة البشرية ولكنها تخصصت في ظهور محدد بشخص المخاطب. فما الخطب إذن في استعمال هذه المصطلحات في وصف "سر التقوي" في التجسد. إذا قال أحدهم مثلا: أن العذراء قد ولدت الناسوت فهذا سيقودنا للسؤال: ماذا نعني هنا بالناسوت واللاهوت؟ سنستبعد على الفور الجوهر، فالعذراء قد ولدت كائنًا حقيقيًا وليس تنظيرًا فلسفيًا. وسنستبعد أيضا أن العذراء قد ولدت الطبيعة البشرية كلها ، فنحن نعلم أنها ولدت كائنًا واحدًا. سيتبقى لنا -حسب هذا الاستعمال- أن العذراء قد ولدت أقنومًا بشريًا، بمعني الطبيعة المتخصصة وهذا بالضبط ما قاله نسطوريوس وأثار من الزوابع ما نزال نعاني من آثاره. في حالتنا هذه لدينا أقنومين من بعد "الاتحاد"، فلم يعد هناك اتحاد أصلا، وقسمنا الواحد غير المنقسم. الأساس في لاهوتنا السكندري هو "الاتحاد الأقنومي"، منذ لحظة الاتحاد لم يعد طرفا الاتحاد أقنومين، بل أقنوم واحد هو الكلمة المتجسد. حين يقول أحدهم أن النمو في الحكمة والقامة يخص "الناسوت"، بينما "اللاهوت" كامل، فهو يقسم الكلمة المتجسد إلى ابنين، أحدهما ينمو والثاني لا ينمو. نفس الأمر مع هرطقات مثل أن الصلب والموت يقع على الناسوت، أو أننا نتناول الناسوت المتحد باللاهوت. كلها هرطقات ترتد عن مقررات أفسس، وتنسف أسس اللاهوت السكندري، وترفع راية نسطوريوس. ظن أحدهم أنه قد أتى بما لم يأت به الأوائل عندما مسخ سر التجسد إلى "اتحاد اللاهوت بالناسوت" في مقال شهير، وكأن الثالوث القدوس قد اتحد بكل البشرية. يندهش المرء، لماذا لا يسمي هؤلاء الأمر بمسمياته الصحيحة دون الانزلاقات الغريبة هذه! لماذا لا يقولون "الله الكلمة" بدلا من "اللاهوت" ولماذا لا يقولون "جسده المُحيى بروح عاقلة" بدلا من "الناسوت" فحينها، نحن نتحدث عن الواحد غير المنقسم، لماذا لا يحذون حذو عظيمنا ساويرس الأنطاكي: إن خصوصية الاتحاد الطبيعيتكمن في أن الأقنومين هما في تركيب، وهما كاملان دون نقص، إلا أنهما يرفضان أن يستمرا في استقلالية الوجود، فلا يمكن أن نعدهما “إثنين” لأنهما في “تركيب” وليسا في انفصال أو استقلالية، مكونين شخصا واحدا للرب والابن يسوع المسيح، طبيعة واحدة متجسدة، وأقنوم واحد متجسد لله الكلمة (ساويرس الأنطاكي، كتاب: محب الحق)   أمثلة لهرطقات معاصرة من الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، والتي تدل على عدم وعي بأصولنا من المدرسة السكندرية: --- ### لماذا ﻻ نقول بوراثة الخطية - Published: ۲۰۲۳-۱۱-۱۲ - Modified: 2023-11-11 - URL: https://tabcm.net/15659/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: ضد الآريوسيين, قديس أثناسيوس الرسولي, قديس بولس الرسول مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ (رسالة بولس إلى رومية 5: 12) واضح أن آدم هو الذي أخطأ وليس ذريته ولذلك قال الوحي ”إنسانٍ واحدٍ“ والخطية تؤدي إلى الموت لأنها انفصال عن حياة الله وقداسته ”وبالخطية الموت“.   "وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس“ الخطية دخلت العالم
ثم اجتاز الموت إلى جميع الناس والموت يلد موت لا حياة. مثلما الإدمان هو فعل خاطئ للأم يُنتج تشوه طبيعة الجنين الذي لم يفعل الخطأ بنفسه، ذرية آدم وُلِدَت متغربة عن الله مصدر الحياة ومنبع القداسة. لذلك سادها الموت، بالتالي كانت الخطية طريقها: ”أخطأ الجميع عندما اجتاز الموت إلى جميع الناس“. ويؤكد عدد 14 ”أنهم لم يخطئوا على شبه تعدي آدم“. فالبشر لم يرثوا خطية آدم بل ورثوا موت طبيعته البشرية أي انفصال عن الله مصدر القداسة فتملكت الخطية عليهم لأن الموت لا ينتج منه الصلاح. "فإنه حتى الناموس كانت الخطية في العالم . على أن الخطية لا تُحسَب إن لم يكن ناموس ". هذا العدد يوضح أحد أهداف الناموس والشريعة أن تفضح خطية الإنسان وتظهرها له. ”لكن قد مَلَكَ الموت من آدم إلى موسى، وذلك على الذين لم يخطئوا على شبه تعدي آدم، الذي هو مثال الآتي (الآتي هو المسيح ابن الإنسان أي آدم الثاني)“. فبالرغم أن البشر لم يخطئوا أصلا لكي يموتوا ”موت الخطية/ الموت الذي بسبب الانفصال بالخطية عن حياة الله“، إلا أن الموت (بسبب خطية لم يقترفوها) ساد عليهم لأنهم مولودين في هذا الموت الذي أوجدهم فيه آدم إذ صار غريبًا عن الله الحياة. ”ولكن ليس كالخطية هكذا أيضا الهبة. لأنه إن كان بخطية واحد (آدم) مات الكثيرون، فبالأولى كثيرًا نعمة الله، والعطية بالنعمة التي بالإنسان الواحد يسوع المسيح، قد ازدادت للكثيرين". ولقد كتب القديس أثناسيوس الرسولي مستشهدًا بهذه الآية ومؤكدًا على الإيمان المسيحي -كتابيًا وآبائيًا- بأننا كذرية آدم لم نرث خطية لم نفعلها ولكننا ورثنا نتيجة خطية آدم وهي الاغتراب عن الله الذي هو الموت ”موت الخطية“. ومن ثمَّة وقعنا في فعل الخطية لأننا انفصلنا عن الله مصدر القداسة. كتب القديس أثناسيوس الرسولي في رسالته ضد الآريوسيين: هناك أمثلة لكثيرين قد تقدَّسوا وتطهَّروا من كل خطية مثل إرميا الذي تقدس من الرحم «قبلما صوَّرتك في البطن عرفتك، وقبلما خرجت من الرحم قدَّستك. جعلتك نبيًا للشعوب». (أر 1: 5)، ويوحنا المعمدان الذي كان في بطن أمه جنيًنا في البطن وارتكض بابتهاج عند سماع صوت مريم والدة الإله (لوقا 1: 44)، ومع ذلكفقد مَلَك الموت من آدم إلى موسى، وذلك على الذين لم يخطئوا على شبه تعدي آدم (رو5: 14). (القديس أثناسيوس، الرسالة ضد الآريوسيين)   وهكذا ظل البشر مائتين وقابلين للفساد كما كانوا، ومعرضين للأوجاع الخاصة (القديس أثناسيوس، الرسالة ضد الآريوسيين) الأوجاع الخاصة هي الخطايا التي وقعوا فيها نتيجة طبيعتهم البشرية المولودة تحت سلطان الموت الروحي أي الانفصال عن قداسة الله منذ تغرب آدم أبيهم عن الله. أما الآن؛ فلأن الكلمة قد صار إنسانًا وجعل الأمور الخاصة بالجسد خاصًة به، فلم تعد تلك الأمُور تسود على الجسد بسبب الكلمة الذي جاء في الجسد، فقد أبيدت الأوجاع بواسطته، ومنذ ذلك الحين فصاعدًا لم يبق البشر بَعد خطاة وأمواتًا حسب أوجاعهم، بل قد قاموا بقوة الكلمة، وصاروا غير مائتين وغير فاسدين (القديس أثناسيوس، الرسالة ضد الآريوسيين 3: 33) أي موت الخطية الذي ورثته الطبيعة البشرية التي لبسها المسيح في تجسده. لأن لاهوته أحرق كل موت وخطية في ناسوت الإنسان منذ لحظة الحبل بالرب يسوع المسيح، حسب الطبيعة التي ورثوها من آدم الأول سواء موتها أو الخطية الناتجة منه. إن أهمية التأكيد على وراثة البشر لموت آدم وليس خطية آدم تنعكس على هدف خلاص المسيح للبشر وسبب التجسد الإلهي أنه ليس غفران خطية فعلها آدم أو ذريته. فالله قادر أن يغفر خطية البشر دون أن يتجسد، بل القضاء على الموت الذي دخل طبيعة البشر بسبب التغرب والانفصال عن الله مصدر الحياة والقداسة وعدم الخطية. وهذا أكمله الرب بأن دخل بحياته طبيعة آدم وذريته التي ساد عليها الموت قبلًا فقامت من الموت والخطية. لذلك يؤكد الكتاب على أن خلاص المسيح كان دخولًا لحياة الله إلى الطبيعة البشرية لتبدد ظلمة الموت: فَإِنَّ الْحَيَاةَ أُظْهِرَتْ، وَقَدْ رَأَيْنَا وَنَشْهَدُ وَنُخْبِرُكُمْ بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَ الآبِ وَأُظْهِرَتْ لَنَا. (رسالة يوحنا الرسول الأولى 1: 2)   وَإِنَّمَا أُظْهِرَتِ الآنَ بِظُهُورِ مُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي أَبْطَلَ الْمَوْتَ وَأَنَارَ الْحَيَاةَ وَالْخُلُودَ بِوَاسِطَةِ الإِنْجِيلِ. (رسالة بولس الرسول الثانية إلى تيموثاوس 1: 10) --- ### [٩] أبونا ديڤيد - Published: ۲۰۲۳-۱۱-۱۱ - Modified: 2023-11-07 - URL: https://tabcm.net/13991/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون الإنسان يا سامي يا ابني هو اللي بيخلق الوقت والظروف والمبررات للي عاوز يعمله بعدما انصرف أبونا إنجيلوس، التفت سامي إلى الآباء وقال: طب كده إيه؟! أوافق أزاي أنا دلوقتي؟! أبونا ديڤيد وكيل المطرانية رغم إنه كان ساكت طول الوقت، قام وراح قعد على الكرسي اللي جنب سامي وقال له: يا ابني مفيش الكلام ده، في الدير أو في العالم، في الكنيسة أو أي مؤسسة، كل إنسان بينجذب للي بيعرف يعمله، واللي بيحب يعمله، أو اللي كان برة مش عارف يعمله، وجت له الفرصة إنه يعمله. - يعني إيه؟ مش فاهم حاجة! - يعني الإنسان يا سامي يا ابني هو اللي بيخلق الوقت والظروف والمبررات للي عاوز يعمله، يعني الكاهن اللي نفسه يقرأ ويدرس ويتعلم، بيخلق وقت لده، وعندك مثلا أبونا اسطفانوس عامل ماجستير في الآثار القبطية، وأبونا نحميا كان قبل الكهنوت معيد في كلية تربية وعمل دكتوراه بعد الكهنوت في الثروة التكنولوجية واستخداماتها في التعليم الكنسي، وكهنة كتير بيدرسوا وبيحضروا كورسات ودراسات في موضوعات كنسية وغير كنسية، وفي كهنة برضه مقضيينها، عايشين حياتهم ومش بيعملوا أي حاجة في أي حاجة، وتيجي تكلمهم يقولك مفيش وقت والخدمة واخدة كل الوقت، وتلاقي واحد ثاني كان نفسه يبقى مدير في نفسه، كانت أمنية حياته يأمر و ينهي ويشخط ويزعق، ولما بقى كاهن، لقى الفرصة سانحة قدامه وعاش الدور، فبقى عايش دور الحاكم بأمره، وفيه الكاهن اللي كان نفسه يبقى بيزنس مان، فبقى كل اهتماماته بالمشاريع ومصادر الدخل حتى لو على حساب البشر، وتيجي تكلمه يقولك بعمل ده ليه غير علشان الخدمة، طب هات للخدمة يقولك إخوة الرب أولى، طب إدي إخوة الرب، يقولك مش تبع المربع السكني بتاعي، طب إدي للي تبع المربع السكني بتاعك يقولك مش محتاج، ونعمل دراسة حالة للحالة لحد ما يطلع عين الحالة، في مرة منعوا صرف الدوا عن أسرة محتاجة عشان ابنها بقى شغال على توكتوك، طب الواد اللي اشتغل على توكتوك ده مش له احتياجات؟ مش له مصاريف. مش أصلا بيشتغل عشان عاوز يأمن مستقبله عشان يتزوج؟ فتمنع ليه انت المعونة عن أمه المريضة المحتاجة، وكله عشان يبان قدام المطرانية إنه بيعرف يجيب فلوس، وبعد ما يجيبها، بيعرف أزاي يحوشها وميدهاش للمحتاج، فنروح إحنا بقى المطرانية نأخد الفلوس اللي حوشها ونجيب بيها العتبة الخضراء، وما أدراك كمية الحاجات اللي دفعنا فيها ملايين وطلعنا ولا اللي اشتروا التروماي، بس صدقني مجمعنا فيه كمان قديسين بيصلوا وبيخدموا في هدوء وصمت وخفاء، ويمكن كمان من جيوبهم الخاصة، يمكن مش على الحجر ويمكن من المغضوب عليهم، بس حاطين رقبتهم على ايديهم ومش شايفين غير خلاصهم وخلاص اللي ربنا إئتمنهم عليهم، ماشيين جنب الحيط، تديهم أي خدمة يتعبوا ويثمروا فيها، ولما تنجح تلاقي اللي بيحب يسرق اللقطة نط عليها، مع إنها كانت موجودة من زمان ومكنش حد راضي بيها، في كل مكان هتلاقي اللي بيخدم واللي بيتاجر بالخدمة، هتلاقي يهوذا اللي بيسرق من الصندوق ويسلم المسيح ورقبة أولاد المسيح كمان، وهتلاقي الحبيب اللي يتبع المصلوب لحد الصليب والآلام، يمكن مينفعش أقولك الكلام ده لأني وكيل المطرانية، بس قولتهولك عشان أقولك إن الكاهن بعد الكهنوت هو نتاج تربيته وثقافته وأخلاقه قبل الكهنوت، لكن الكهنوت يا ابني مش بيغير حد أو على الأقل مش بيغير حد للأحسن. أبونا يوناثان كمل وقال: بقالي ٣٠ سنة كهنوت، ولسه بحضّر لما بيكون عندي عظة، أصل ديه أمانة ومينفعش محترمش عقلية اللي قصادي وأقوله أية من الشمال وقصة من اليمين و كلام ارصه جنب بعض وهو ملهوش علاقة ببعض، شعبنا النهاردة بقى واعي وفاهم مين واقف قصاده بيحترم عقله وبيقوله كلام موزون ومين بيرص كلام جنب بعضه وخلاص عشان يملا وقت، الكنيسة دعتك للخدمة يا ابني، اخدم باللي روح الله القدوس يستخدمك فيه. لما تخضع للروح، روح الله يقودك ويرشدك. ولما تعاند الروح انت الخسران. يونان حاول يهرب من المهمة اللي ربنا بعته ليها، وبعد ما هرب أتبهدل وفي الأخر ربنا جابه برضه، يا ابني أنا أبوك وكاتم أسرارك وعارف كل تخوفاتك، بس صدقني أنا مش هسيبك وهفضل جنبك وأساندك طول ما أنا عايش. أبونا حنانيا سكرتير الأسقف قال: أظن بعد الكلام ده لازم تسمع كلام أب اعترافك، أبونا كبيرنا كلنا. أبونا يوناثان: أنا عاوزك تجهز ورقك، وتجيب إقرار ذمة مالية ليك ولزوجتك وأي حاجة باسمكم أو اسم عيالكم تكتبها، وتجهز نفسك عشان سيدنا غالبا ناوي إن الرسامة تكون أول أسبوع في الصيام، افرح بالبركة والوزنة اللي داخل عليها ده انت هتبقى وكيل الأسرار الإلهية. ضحك أبونا حنانيا وهو بيكمل كلامه وبيقول: بس يا رب سيدنا لما يلاقيك انت وافقت ميعترضش هو، حاكم سيدنا أكتر أسقف في المجمع لغى رسامات في اللحظات الأخيرة وبدون أسباب منطقية أو مفهومة. ضحك الجميع و انصرفوا من حيث أتوا، ومرت الأيام القليلة التالية سريعًا لتتم رسامة سامي باسم "أبونا بطرس"، وهو لم يكن يعلم ماذا تخبئ له الأيام . . يتبع . . --- ### التمييز الديني في التعاطف - Published: ۲۰۲۳-۱۱-۱۰ - Modified: 2023-11-09 - URL: https://tabcm.net/15504/ - تصنيفات: شئون علمانية أخشى إننا شعب ننسحب إلى منزلقات شديدة الخطورة، دُفعتنا إليها مرغمين من بعض القوى التي لا تبالي بغير تحقيق مصالحها وترسيخ مكانتها، وأخشى أن تضيع منا دولة كانت يومًا من أعظم حضارات البحر الأبيض المتوسط. شعورك وأنت تسمع أخبارًا عن زلزال أصاب منطقة ما في الجهة الأخرى من الكرة الأرضية، بالتأكيد سيختلف عن شعورك عندما تهتز الأرض من تحتك فيما تجلس آمنا في منزلك. ما من شك في أن درجة الانفعال والتفاعل والتأثر بالحدث تختلف من شخص لآخر، حسب درجة تأثير هذا الحدث على حياته بشكل شخصي ومباشر. لذلك قد أتفهم ألا ينفعل البعض بالأذى الذي يتعرض له غيرهم، وأتفهم أن يلوذوا بالصمت حيال الكوارث التي تحدث للآخرين، وأن يقفوا منها موقف المشاهد، طالما كان الأمر لا يعنيهم، وطالما بقي الضرر بعيدًا عنهم. قد أتفهم ذلك كله، بالرغم مما يعكسه هذا المسلك من قصور شديد في درجة الوعي الإنساني، وعدم إدراك لخطورة التغاضي عن مساندة الحق، ولمساهمة هذا الصمت المتواطئ في ترسيخ دولة الظلم، التي لابدَّ أن تطال الجميع في النهاية. هذا المسلك يعكس أيضا عجزًا عن إدراك واجب الفرد تجاه مجتمعه، ودوره الفاعل في بناء مشروع مجتمعي توافقي جامع يضمن حقوق كل الأطراف والطبقات والتيارات ويحقق الأمن والاستقرار لكل فئات الشعب وأطيافه. أقول أنني قد أتفهم هذا كله وإن لم أقبله، لكن ما أعجز حقا عن استيعابه فهو أن يكون في الوقت الذي يعير فيه البعض أذنًا صماء تجاه ما يحدث لجيرانهم في البيت المجاور، تجدهم مستاءين وغاضبين للغاية بسبب أحداث تجري على بعد آلاف الأميال منهم لأناس لا تربطهم بهم أية صلة. في كل يوم هناك ظلم بيّن، وممارسات وحشية تقع على مواطنين مصريين، لمجرد أنهم ينتمون إلى فئة أضعف، أو أكثر فقرًا، أو أقل عددا، أو مختلفة بشكل ما عن الأغلبية، ونجد أن الأغلبية تتعامل مع هذه الإجحافات بتهاون ولا مبالاة، وأحيانًا بحقدٍ وتشفٍ يكشفان عن عداوة غير مبررة. وبينما يتعرض المصريون لكوارث على المستوى المعيشي والتعليمي والصحي والاجتماعي، وبينما يتعرض الأغلبية لمظالم وانتهاكات مؤلمة كل يوم، نجد العامة منشغلين بالتعبير عن غضبهم تجاه أحداث عنصرية تجري في تركيا مثلًا، أو في غزة، أو في ميانمار. سلوك مخالف للطبيعة ويميل نحو التبلد، فحتى الأمثال الدارجة تقول أن "الجار أولى بالشفعة" وأن جارك القريب ولا أخوك البعيد. جزء كبير من هذه اللا مبالاة يرجع إلى توجه منظم بدأته السلطات الحاكمة منذ عقود طويلة في اتجاه تديين السياسة، أو بمعنى مماثل تسييس الدين، وذلك لمد النظام الأبوي الحاكم بشرعية تمنع المساس به وتحصن سلطته وتضمن لحكمه البقاء والاستقرار. ومن هنا بدأ مشروع أسلمة الدولة الوطنية الحديثة وإخضاع منظومتها القيمية للشريعة الإسلامية بحيث تكون الهُوِيَّة الدينية الإسلامية هي السائدة بلا منازع. وبدلًا من أن يستخدم الدين كوسيلة لتحقيق الترابط بين أفراد المجتمع بالتركيز على ما فيه من معتقدات إنسانية وقيم منطقية مقبولة من كافة العناصر المجتمعية، وبدلًا من أن يأخذ دورًا حيويًا في تحقيق التناغم والدمج المجتمعي، تحول إلى أيديولوجية سلطوية يترتب عليها انقسام في نسيج المجتمع وضياع الهُوِيَّة المصرية. انحصر مفهوم الهُوِيَّة لدى العامة في الدين وحده، وأصبح هو العامل الوحيد المعترف به الذي يربط الناس ببعضها، والمسوغ الوحيد الذي يستدعي التعاطف. وبذا تحقق واقعيًا أن يصبح المسلم الباكستاني أو المسلم الأفغاني أقرب إلى المسلم المصري من القبطي أو البهائي المصري. فهانت الأخوّة، وهان التاريخ، وهانت الشراكة في السراء والضراء، وهان الوطن بأكمله على الكثيرين، وأصبحنا نلحظ لدى البعض استهتارًا يكاد تكون احتقارًا لمصر ولكل ما هو مصري غير مسلم. أخشى إننا شعب ننسحب إلى منزلقات شديدة الخطورة، دُفعتنا إليها مرغمين من بعض القوى التي لا تبالي بغير تحقيق مصالحها وترسيخ مكانتها، وأخشى أن تضيع منا دولة كانت يومًا من أعظم حضارات البحر الأبيض المتوسط. --- ### هل نحن نعادي السامية؟ - Published: ۲۰۲۳-۱۱-۰۹ - Modified: 2025-02-12 - URL: https://tabcm.net/14633/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, شئون علمانية - وسوم: أدولف هتلر, إبراهيم عيسى, الإخوان المسلمين, الجماعات الإسلامية, الديمقراطية, الشيوعية, اليسار, رئيس جمال عبد الناصر, رئيس محمد أنور السادات, سعيد شعيب, صالح أبو رقيق, عبد المنعم أبو الفتوح, فؤاد حداد, كارل هانريش ماركس, محمد حبيب, محمد مهدي عاكف, ملك فاروق كل تلك الأحداث الإرهابية الداخلية التي قام بها الإخوان المسلمون ضد شركات ومصالح وأفراد مدنيين مصريين بناء على هويّتهم الدينية كيهود وليسوا إسرائيليين ولا علاقة لهم بإسرائيل من قريب أو من بعيد، تثبت أن العداء دينيٌّ وعرقي بالأساس وموجه لليهود ككل وليس للإسرائيليين فقط البداية كانت عام 1948، حين قررت حكومة بريطانيا العظمى إنهاء الانتداب البريطاني لفلسطين، والتي كانت مُحتلة في السابق من الإمبراطورية العثمانية، والتي بدورها هي آخر نسخة من الخلافة الإسلامية. وبعد دقائق من إنهاء الانتداب البريطاني، كان المجلس الصهيوني يعلن قيام دولة إسرائيل، وبعد أيام قليلة كانت جيوش سبع دول تشن الحرب على العصابات الصهيونية التي نشأت بغرض الدفاع عن دولتهم الوليدية، في حرب دينية بالأساس وبالتفاصيل، يغلّفها الحكام العرب طيلة الوقت بأسباب سياسية وقومية. كانت الفرصة الذهبية حتى تنسى شعوبهم المقهورة مشاكلها الداخلية، ويجعلون من تحرير فلسطين هدفًا بعيدًا، وفي مقدمتهم الملك فاروق، ملك مصر والسودان، الذي كانت دولته تعج بالمشاكل من كل صوب وجهة، ومحاط بأخبار  التهكّم الاجتماعي على والدته، الملكة الأم: نازلي، والتي هربت لأمريكا مع أبنتها: فتحية، التي غيّرت دينها، وتزوجت من "رياض غالي"، الموظف المتواضع بوزارة الخارجية، ووصلت شعبية فاروق إلى أدنى مستوياتها، حتى خرجت المظاهرات في مصر هاتفة: فاروق يا ويكا، هات أمك من أمريكا وعلى مدى سنوات عدّة، جعل زعماء الدول العربية من مأساة الشعب الفلسطيني والكفاح ضد إسرائيل "القضية المقدسة للعالم العربي" حتى تناسى العرب كل شيء أخر، وتناسوا حقوقهم في بلادهم وجعلوا القضية الفلسطينية هي شغلهم الشاغل، والتقطت جماعة الإخوان المسلمين ومنظمات وأحزاب اليسار في الدول العربية طرف الخيط، وضخمته عدة مرات، حتى تناست حركات المعارضة في كل أنحاء الدول العربية قضايا أوطانها، وصارت المعارضة تتمحور حول تحرير فلسطين. بل صارت فلسطين: معيارًا تقاس به الوطنيّة. وإن تفوّهت بشيءٍ من الموضوعية عن حقوق الأعداء المطروحة على مائدة التفاوض السياسي، تم اتهامك بالخيانة والعمالة والصهيونية والماسونية وكل فظائع الأمور، منها قصصنا عليك ومنها لم نقصّ إرهابًا وتفزيعًا. يستند العرب والمصريون على قناعات دينية بحتة لتبرير عدائهم التاريخي لإسرائيل، وبالرغم من كل محاولاتهم المستمرة لإنكار الأسباب الدينية الإسلامية ومحاولة تبرير العداء لأسباب سياسية، إلا أن كل الأدبيات والإنتاج الثقافي والأشعار التي نددت بالاحتلال وفي مقدمتها أشعار فؤاد حداد الذي نشأ وترعرع عليها أجيال، تنضح وتفضح الوازع الديني المبطن لهذا العداء لليهود واليهودية، والسخرية من أسمائهم وثقافتهم، بل أن الجماعات الإسلامية اغتالت السادات لأنه "عقد صلح مع اليهود" وليس إسرائيل بحسب تعبيراتهم. على مدى عقود طويلة كان الهتاف المفضل لجماعة الإخوان المسلمين، وللمصريين عامة في مظاهراتهم المستمرة ضد إسرائيل، تحمل شعارًا واحد لا يتغير، هو: خيبر خيبر يا يهود، جيش محمد سوف يعود، تذكيرًا للمسلمين بالحرب التي شنها جيش المسلمين في عهد نبي الإسلام على اليهود في غزوة خيبر، وهي عبارة تنم عن عداوة إسلامية محضة ضد اليهود، أو نعت المصريين وفي مقدمتهم الإخوان والسلفيين لليهود بأنهم "أحفاد القردة والخنازير" في أحتقار ديني شديد لليهود، بالرغم من إدراكهم جيدًا إِنَّ اللهَ لَمْ يَجْعَلْ لِمَسْخٍ نَسْلًا وَلَا عَقِبًا بحسب الحديث الشريف. وما يؤكد الكراهية الدينية لليهود، هي استهانة العرب والإسلاميين بالهولوكوست الذي أقامته النازية لليهود، ورفض التضامن مع ضحاياها أو الاعتراف بها وإنكار حدوثها، بالرغم إن المذابح والمحارق النازية بحق اليهود حدثت قبل إقامة دولة إسرائيل، أي إن الكراهية دينية وضميرية بالأساس ضد اليهودية، وذلك لأن المحرقة النازية كانت أحد الأسباب الرئيسية لاعتراف دول العالم الكبرى بدولة إسرائيل وفي مقدمتهم الاتحاد السوفيتي ثم الولايات المتحدة الأمريكية. كان الاتحاد السوفييتي هو أول دولة اعترفت بدولة إسرائيل اعترافًا قطعيًا بتاريخ 17 مايو 1948، بينما الولايات المتحدة غيرت حالة اعترافها القانوني بإسرائيل ليصبح اعترافًا قطعيًا بعد عقد الانتخابات الإسرائيلية الأولى، بتاريخ 31 يناير عام 1949. وعلى هذا، فالاتحاد السوفييتي هو أول دولة اعترفت رسميًا بقيام دولة إسرائيل وليس الولايات المتحدة كما هو شائع. وبالرغم من التأكيدات المستمرة لقادة الدول العربية والإسلامية وقيادات جماعة الإخوان المسلمين، أن العداء المستمر لإسرائيل دافعه تحرير الأرض المحتلة، لكن بعض التصريحات للقادة الميدانيين، ومرشدي جماعة الإخوان تنم عن هُوِيَّة تلك الحرب وتُفصح أن هذا العداء ديني، وليس مسألة أرض. فما علاقة اليهود في مصر أو المغرب مثلا بقيام دولة قومية لم يذهبوا لها؟ وهل حقًا يريد المسلمين من العالم اعتبار "داعش" مثلًا منظّمة شاذة خارجة عن قواعد الدين في الوقت الذي ﻻ يفعلون هم المثل فيما يتعلق باليهود؟ في 20 يونيو 1948 فجر قسم الوحدات بالتنظيم الخاص لجماعة الإخوان المسلمين عربة يد محملة بالمتفجرات في حارة اليهود بالقاهرة وأحدثت بها تلفيات كبيرة، وذلك ردًا على إعلان دولة إسرائيل. وبعد أن ذهبت الظنون أن تلك الحارة قد أخذت نصيبها ولن تنفجر مرة آخري، عاد قسم الوحدات وفجر عربة يد محملة بالمتفجرات في حارة اليهود بالقاهرة في 22 سبتمبر 1948 فقتل 20 وأصيب 61 شخص. ولما عجزت الشرطة في الحادث الأول عن الوصول إلى شيء، أعلن أن الحادث وليد خلاف طائفي بين اليهود، فهم يضربون بعضهم بعضًا، وأن اليهود القرائين قد نسفوا محل لليهود الربانين، فلما وقع الانفجار الثاني ظنت الشرطة إن الربانيين انتقموا من القرائين بنسف مماثل! وبين حادثي حارة اليهود فجر قسم الوحدات أيضًا تريسكل ممتلئ بالمتفجرات أسفل محلات اليهوديين المدنيين شيكوريل وأركو في 19 يوليو 1948، وكان ذلك في إحدى ليالي شهر رمضان فأفشى بالمحل الخراب. وفي 28 يوليو 1948، ألقى أفراد من التنظيم السري القنابل على محلات داود عدس الواقعة بشارع عماد الدين. وفي 13 أغسطس 1948 نسف التنظيم محلات بنزايون بشارع قصر النيل وجاتينيو بشارع محمد فريد المملوكين لمصريين يهود، وترتب عن الانفجار موت عشرات المصريين وجُرح 28 مواطن مصري. ونُسفت سينمات مملوكة لليهود أيضًا، وتم تعطيل سفينة يهودية في ميناء بورسعيد، ونُسفت بعض المساكن في حارة اليهود بالقاهرة مرة أخرى، وفي 3 أغسطس أنفجر مبنى شركة أراضى الدلتا بالمعادي في ضواحي القاهرة، ومحطة تلغراف ماركوني التي اعتُبرت مركزًا للاتصالات اليهودية فأصيب ثلاث ضحايا، وفي 28 سبتمبر وقع أنفجار بمصنع للزجاج بحلمية الزيتون تملكه محلات شيكوريل. ويعترف المستشار صالح أبو رقيق عضو مكتب الإرشاد في مقال نشره بجريدة الأحرار المصرية في 11 من أغسطس عام 1986 بأنه لا يستطيع إنكار ما قام به الإخوان من أعمال صاحبها العنف، ولكنه يبرر ذلك بأنها: كانت كلها وطنية تتجلى فيها الفدائية كل تلك الأحداث الإرهابية الداخلية التي قام بها الإخوان المسلمون ضد شركات ومصالح وأفراد مدنيين مصريين بناء على هويّتهم الدينية كيهود وليسوا إسرائيليين ولا علاقة لهم بإسرائيل من قريب أو من بعيد، تثبت أن الكراهية دينيٌّة وعرقية بالأساس وموجهة لليهود ككل وليس للإسرائيليين فقط. في حوار صحفي أجراه الكاتب الأستاذ "سعيد شعيب" مع "محمد مهدي عاكف"، مرشد جماعة الإخوان المسلمين وقتئذ، منشور عام 2006، سأله شعيب صراحة: "ماذا سيكون موقف جماعتكم إذا احتل فلسطين مسلمون؟" رد عاكف بحدة غاضبًا: ليس هناك مسلم يحتل مسلمًا فعاجله شعيب قائلًا: "العثمانيون على سبيل المثال، وهم أتراك مسلمون، احتلوا مصر وفلسطين وغيرهما من البلاد"، اندهش عاكف والتفت مستنكرًا ينظر إلى الموجودين ثم قال: بيقول الأتراك احتلال؟! والتفت إلى شعيب، وقال: لا يوجد مسلم يحتل مسلمًا، فهذا ليس احتلالًا، واختتم مهدى عاكف إجابته بالتأكيد على أنه ليس لديه مشكلة في أن يحكم مصر "مسلم من ماليزيا"، وقال عبارته التي أصبحت مشهورة: طظ في مصر، وأبو مصر، واللي في مصر أما عبد الناصر ونظامه المُحمل بدوافع يسارية، فقد استغل حربي 56 و67 ليطيح بآخر اليهود المصريين، ويذيقهم الأهوال في معتقلاته لشهور، قبل أن يطردهم في رحلة بلا عودة خارج البلاد، ويسلب ممتلكاتهم وأموالهم. وخلال حرب ناصر المقدسة على اليهود، أذاق مصر الويلات، ورفض كل المطالب الاجتماعية والديمقراطية لشعبه، وأجلها إلى ما بعد تحرير فلسطين من النهر إلى البحر بقوله الشهير: لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، وبنى عبد الناصر شرعية حكمه على العداء لإسرائيل وحدها. حتى قوى اليسار في الدول العربية وخاصة مصر، وعلى رأسهم الشيوعيون، لم يكن السبب الرئيسي لعدائهم لإسرائيل هو الاحتلال، فقد كان الاتحاد السوفييتي السابق يحتل جزءًا كبيرًا من أراضي شعوب أخرى في القوقاز، كما أجتاح الاتحاد السوفييتي بالسلاح دولًا أخرى لفرض أيديولوجيته الماركسية مثل بولندا وأفغانستان وإيران وتشيكوسلوفاكيا ومنشوريا وفنلندا واليابان. ومع ذلك، لم يعترض فرد واحد من اليسار المصري أو الحركات الشيوعية المصرية على احتلال الاتحاد السوفيتي لشعوب أخرى مجاورة، في تحالف تاريخي نراه لا يزال مستمرًا حتى الآن بين اليسار والإسلاميين في مصر. وهو ما أسماه الكاتب إبراهيم عيسى مؤخرًا: اليسار الملثّم. --- ### أسقف القومية العربية وشعب الله المختار - Published: ۲۰۲۳-۱۱-۰۸ - Modified: 2023-11-09 - URL: https://tabcm.net/15763/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, شئون علمانية, لاهوتيات - وسوم: أنبا أغاثون، أسقف مغاغة والعدوة, القومية العربية, بروتستانت, رئيس جمال عبد الناصر, ليتورچي, مملكة إسرائيل, يربعام بن نباط بالأمس، نشر نيافة الأنبا أغاثون، أسقف مغاغة والعدوة، بيانًا يقول فيه أنه: الجزء الأول للرد على إسرائيل. والحقيقة أني لا أرى بيانًا دوليًا للرد على إسرائيل التي لم تطرح شيئًا للرد عليه، وما فعله بيان الأسقف المكرّم هو "مزايدة" قومعروبية بامتياز. واستخدامٌ رديء للنصوص الدينية المقدّسة كأداة تعبئة، غرضها مغازلة الأغلبية التي أسلمت قضيّة سياسية. مما نراه بالمجمل تشويهًا للعقيدة المسيحية وما وقر في قلوب مؤمنيها من إيمان. بالأمس، نشر نيافة الأنبا أغاثون، أسقف مغاغة والعدوة، بيانًا يقول فيه أنه: الجزء الأول للرد على إسرائيل. والحقيقة أني لا أرى بيانًا دوليًا للرد على إسرائيل التي لم تطرح شيئًا للرد عليه، وما فعله بيان الأسقف المكرّم هو "مزايدة" قومعروبية بامتياز. واستخدامٌ رديء للنصوص الدينية المقدّسة كأداة تعبئة، غرضها مغازلة الأغلبية التي أسلمت قضيّة سياسية. مما نراه بالمجمل تشويهاً للعقيدة المسيحية وما وقر في قلوب مؤمنيها من إيمان. استخدم نيافة الأسقف المسيحيّ القبطيّ الأرثوذكسيّ الصعيديّ، مصطلحاتٍ عربيّة وإسلاميّة في خطابه مثل: "قال تعالى"، أو "حوارييه"، وغيرها من مفردات غير مسيحية في خطابٍ يوجهه لإسرائيل؟ ﻻ يحتاج الأمر عبقريًا أو نبيًّا لمعرفة أنها محاولة تقارب ومداهنة للخطاب الإسلامي، واصطفاف وذوبان مع دين الأغلبية المحيطة، وأنا أتصور أن نيافته لو كان أسقفًا على نيوجيرسي الأمريكية، ﻻستخدم مفردات مميزة للبروتستانت الغالبين هناك، أو لعله حتى يستخدم مفردات دينية يهوديّة، فمن يوالى الأغلبية في قرية مصرية سيوالى أيَّ أغلبية في أيّ مكان قانعًا بالفتات الساقط من موائد أربابه! يحاول نيافة الأسقف الزعم أن إسرائيل ليسوا شعب الله المختار، والحقيقة أن هذا الأمر ليس مسألة غطرسة يهودية أو إدعاء فخري منهم. فالإيمان المسيحي -الذي هُدم في خطابه- أن المسيح مُختار، من نسلٍ مُختار، من سبط مُختار، من الأمّة اليهودية المُختارة من بين شعوب الأرض الأمميّة! وإنّ مسألة نفي هذا، هو مسألة نفي للإيمان المسيحي كله، فلو لم يكن الشعب اليهودي مُختارًا، فالمسيح لم يكن مسيحًا، ولا من نسلٍ ملكيٍّ. وهذا هو كل ما يخصّنا في خطابه الديني المسيس! فنيافة الأسقف يرتكب خطأ لاهوتي فادح في خضم الغزل العروبي، وتجاوز عن مفاهيم واضحة في سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي، ويتجاوز عن أننا نصلي من أجل إسرائيل وأورشليم وصهيون خمس مرات في اليوم من الإجبية القبطية فإن لم يكن شعب الله مختارًا إذن، فليحذفها نيافة الأسقف من النصوص الليتورجيّة، ولنصلي من أجل شعب المايا أو شعب الزولو ونساويهم عملًا وقولًا. يحاول نيافة الأسقف طرح أطروحة مفادها أن بني إسرائيل قد طردوا من أرض كنعان بسبب رفضهم للمسيح، رغم أنه لا توجد آية واحدة، أو نبوءة واحدة تقول أنهم يطردون من أرض كنعان لأيّ سبب، ورغم كل آيات العقاب التي تتوعدهم فعلًا، لكن لا توجد آية واحدة للنفي النهائي عن الأرض بلا حقٍ للعودة . وما تم في الهيكل مِن دمار كان في معبد أورشليم فقط لكن نيافة الأسقف تلبسته روح الزعيم جمال عبد الناصر وأراد تكرار مشروعه الحنجوري بإلقاء شعب كامل في البحر. يحاول الأسقف تصوير أن أرض كنعان هي فلسطين، وأنها ليست أرض الميعاد، رغم أن هذا تناقض واضح وبدائي مع بديهيات سفر التكوين الذي حدد تخم الفلسطينيين بوضوح في ست مدن، ورفض أن يقترب منهم موسى، منهم: غزّة وعسقلان وعوى وعقرون وغيرها، لكن الأسقف يريد أن يعطي: شيئًا لا يملكه. يا نيافة الأسقف أنت تعبد أقنومًا اختار أن يتجسد هناك! إله يهودي من نسل إسرائيل وإبراهيم أبو الآباء ومن سبط يهوذا من نسل داود مؤسس مملكة إسرائيل الكبرى. فإن لم تقبل إبراهيم وإسحاق ويعقوب وداود وسليمان ويربعام وعزرا ونحميا وحجي وملاخي وحبقوق وكل أنبياء شعب الله المختار وكل معتقدهم في المسيح الآتى فإن إيمانك ناقص، وبه عوج، ويتطلب من الراشدين تقويمًا وتوبيخًا ونهرًا وزجرًا! . يا نيافة الأسقف، إن كنت تنفي وجود شعب لأنهم رفضوا المسيح الذي نؤمن به، واعتقدوا أنه سيكون قائدًا حربيًا جبارًا ينتصر في ممالك العالم الزمنيّ والماديّات، فأنت على هذا تعتقد نفس اعتقادهم أن المسيح ينتقم منهم لأنهم رفضوه فيطردهم ويشتتهم على الأرض، وهو ما لم يفعله المسيح ابدأ بان ينتقم ممن رفضوه، بل طلب لهم الغفران. يا نيافة الأسقف، إنّ تبني الخطب العروبية الحنجورية لمغازلة أيًا من كان في أيّ مكان، قد جاء أشبه بأسلمة فتاةٍ مسيحية، وتبنى خطاب ضد عقيدتنا في المسيح، فإن لم تشهد للحق فاصمت خير لك ولنا وللشعب الذي يتم أسلمة وعيه بخطابكم. نيافة الأسقف: نعم، هم شعب الله المختار. فهذه عقيدتنا. --- ### (٤) في بيت أبي منازل كثيرة - Published: ۲۰۲۳-۱۱-۰۸ - Modified: 2023-11-07 - URL: https://tabcm.net/14780/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, كتاب مقدس - وسوم: أنبا مكاريوس، أسقف المنيا, الأب داود لمعي فِي بَيْتِ أَبِي مَنَازِلُ كَثِيرَةٌ، وَإِلاَّ فَإِنِّي كُنْتُ قَدْ قُلْتُ لَكُمْ. أَنَا أَمْضِي لأُعِدَّ لَكُمْ مَكَانًا (يوحنا ١٤: ٢) للأسف بيتم استخدام الآية دي بصورة خاطئة، ثم الاستناد عليها في إثبات إن المؤمنين (القديسين) لكل واحد مكانة ومنصب ومنزلة أعلى أو اقل من الآخرين. واحد هتكون له رتبة أعلى من التاني وواحد له منصب ارفع من الأخر. - مثلًا  الأنبا مكاريوس أسقف المنيا فسر الآية وقال إن هناك مؤمن هيستمتع بالمجد اكتر من واحد آخر، وهكذا كل المؤمنين! ! - أيضا القمص داود لمعي في تفسيره للآية بيقول: يُفهم من الآية إنها لها اكثر من معني، وهي منزلة أو مرتبة أو منصب، والكنيسة ممكن تميّز في الكرامة بين الأشخاص والصراحة ده أقل ما يقال عنه إنه اجتهاد شخصي أو تأمل، لكنه مش تفسير للكلمة الحقيقية اللي ملهاش معني آخر غير منازل (أماكن في حضن الآب لكل مؤمن) وهكذا على يد رجال الدين تم ترتيب الملكوت بتنظيم هرمي هيراكي! على حسب وظيفته الأرضية كان أسقف أو بطرك أو شهيد أو علماني عادي! وطبعًا العلماني هيبجي في آخر القايمة. بالمناسبة انت قديس برضه، وأقصدك أنت بالبوست ده، لان كل المؤمنين هم قديسين في المسيح يسوع! طب إيه معني الآية: كلمة منازل هنا مش معناها مراتب/ منزلة/ مناصب عليا، الكلمة معناها (قصور - بيوت - أماكن) روحية. Mansion- Houses - Rooms المسيح كان بيكلم التلاميذ وبيطمنهم قبل صلبه إنه لازم يتصلب ويموت وهيجي تاني، وكان بيأكد لهم إنهم مش منسيين، وإن لكل واحد منهم مكان في بيت الآب الكبير، بمعنى إن ملكوته هيساع الدنيا كلها، وانهم كلهم هيكونوا في وحدة روحية واحدة داخل البيت الواحد في الملكوت. - فيه آية شائعة بيتم استخدامها استخدام خاطئ في إثبات نفس الشيء، وهو اختلاف المؤمنين في الملكوت، هنقولها المرة الجاية. https://www. youtube. com/watch? v=wk4JpLMxg4U --- ### ملحمة جلجامش؛ الإصحاح الثامن - Published: ۲۰۲۳-۱۱-۰۷ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/13249/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون, تاريخ وميثولوچيا - وسوم: ألبيرت شوت, أوروك, إنكيدو, الثور السماوي, جلجامش, خمبابا, سيدوري, طه باقر يرثي جلجامش ذكرى إنكيدو، حيث يدعو الجبال والغابات والحقول والأنهار والحيوانات البرية وجميع الوركاء للحزن على صديقه. يستذكر جلجامش مغامراتهما معًا، يحلق شعره ويمزق ملابسه حزنا عليه. ويصنع تمثالًا جنائزيًا له ويقدم هدايا ثمينة من خزانته لضمان حصول إنكيدو على استقبال جيّد في عالم الموتى. تقام مأدبة عظيمة حيث تقدم الكنوز إلى آلهة العالم السفلي. قبل انقطاع النص، هناك اقتراح بأنه تم بناء سد على النهر مما يشير إلى دفن إنكيدو في قاع النهر. اللوح الثامن مقسّم على  ٥ أعمدة، المقروء منها ٨٠ سطرا، بنسبة ٢٧% من الإجمالي. خلاصة الإصحاح الثامن:يرثي جلجامش ذكرى إنكيدو، حيث يدعو الجبال والغابات والحقول والأنهار والحيوانات البرية وجميع الوركاء للحزن على صديقه. يستذكر جلجامش مغامراتهما معًا، يحلق شعره ويمزق ملابسه حزنا عليه. ويصنع تمثالًا جنائزيًا له ويقدم هدايا ثمينة من خزانته لضمان حصول إنكيدو على استقبال جيّد في عالم الموتى. تقام مأدبة عظيمة حيث تقدم الكنوز إلى آلهة العالم السفلي. قبل انقطاع النص، هناك اقتراح بأنه تم بناء سد على النهر مما يشير إلى دفن إنكيدو في قاع النهر. العمود الأول ١)لم تكد تلوح أنوار الفجر،٢)حتى فتح جلجامش فمه وقال لصديقه:٣)«إنكيدو، يا صديقي،أنجبتك أمك الغزالة،٤)وأبوك حمار الوحش. ٥)أرضعتك من لبنها أربع حُمر وحشية،٦)وأرشدتك حيوانات البرية إلى كلِّ أماكن الرعي. ٧)المسالك التي قادتك يا إنكيدو إلى غابة الأرز،٨)لتبكِ عليك ولا تتوقفليل نهار! ٩)ليبكِ عليك شيوخ أوروك الفسيحة الأرجاء،١٠)وَلْيصل الشعب كله بعد موتنا! ١١)ليبكِكَ الرجال، والجبال في المرتفعات! ١٢)... أضطجع هناك. ١٣)لتَنُحْ عليك المروجنواح أمك،١٤)وليندبك ... ويقدم لك زيت الأرز. ١٥)... وعسى ألَّا يقتربوا منا ونحن في غمنا. ١٦)ليبكِكَ الدب والضبع والنمر والثور البري والفهد،١٧)والأسد والثور الوحشي والأيل والجدي وكل حيوان الحقل. ١٨)ليبكِ عليك نهر «أولا» الذيتمشينا على ضفافه،١٩)وليبكك نهر الفرات المقدس! ٢٠)... الماء من القِرَب. ٢١)ليبكِ عليك رجال أوروك الفسيحة الأرجاء... ... . ٢٤)... مدينة أريدو ستعظم اسمك،٢٥)ليبكِ ... ٢٦)... سيعظم اسمك. ٢٧)ليبكِ عليك ... ٢٨)... يملك الشعير ... سواهفمك. ٢٩)ليبكِكَ ... ٣٠)... حمل إلى ... ﻚ ... الزبد. ٣١)ليبكِكَ ... ٣٢)قدم الجعة السائغة لفمك. ٣٣)لتبك عليك الغانية... ٣٤)... بالزيت ضمختوراقك هذا. ٣٥)ليبكِكَ ... ٣٦)... في بيت العشيرةأعطوك خاتمًا. ٣٧)وَلْيبكِكَ ... ٣٨)ليبكِ عليك الأخوة والأخوات! ٤٠)لتتمزق شعورهنعليك! ٤١)... إنكيدو، إن أمك وأباكفي البرية،وأنا أبكيك ... (ملحمة جلجامش، اللوح الثامن، العمود الأوّل) (١)تعتمد ترجمة سطور العمود الأول (حتى السطر الثاني والأربعين) على لوح من ألواح التدريب على الكتابة التي كان يتعلم فيها التلاميذ مبادئ اللغة والخط المسماري؛ ولذلك تكثر فيه الأخطاء الإملائية بجانب التشوه الذي أصابه، ومن ثم تبقى الترجمة تقريبية وغير مؤكدة (ترجمة ألبرت شوت، ص٦٧، هامش ١). (٢)يحتمل أن يكون نهر «الأولا» هو نهر «كارون» الذي يقع الآن في خوزستان، وورد ذكره في المصادر اليونانية والرومانية بصيغة «أولاس» (عن ترجمة طه باقر، ص١٠٧، هامش ١١١). (٣)من الواضح أن السطور السابقة تعدد كل من قدم «لإنكيدو» طعامًا أو شرابًا، أو أسدى إليه معروفًا، أو جلب له عروسًا، إلخ، وتؤكد أنهم جميعًا سيبكونه ويندبونه، ويرفعون اسمه ويخلدون ذكره. العمود الثاني ١)اسمعوني يا شيوخ أوروك، أنصتوا إليَّ،٢)إنني أبكي إنكيدو، أبكي صديقي،٣)وأنوح عليه نواح الندابة. ٤)أنت أيها الفأس في جنبي، يشد أزر يدي،٥)أنت أيها السيف في حزامي، والدرع الذي يحميني،٦)أنت يا حُلَّة عيدي، يا مشدًّا لفَيْض قوتي،٧)لقد ظهر شيطان لعين واختطفه مني. ٨)أي صديقي، أنت أيها البغل الخفيف،يا حمار الوحش الجبلي، يا فهد البرية! ٩)إنكيدو يا صديقي، أنت أيها البغل الخفيف،يا حمار الوحش الجبلي، يا فهد البرية! ١٠)بعد أن أتممنا معًا كل شيء وارتقينا الجبل،١١)واستولينا على المدينة... وصرعنا الثور السماوي،١٢)وقتلنا أيضًا خمبابا، الذي كان يسكن غابة الأرز. ١٣)أي نوم هذا الذي أطبق عليك؟١٤)لقد طواك الظلام فما عدت تسمعني! »١٥)لكنلا يفتح عينيه،١٦)وحين وضعيده على قلبه، وجده لا ينبض! ١٧)وبعد أن غطَّى وجه الصديقوجه العروس،١٨)أخذ يحوم حوله كالنسر،١٩)كلبؤة اختُطِفَ منها أشبالها،٢٠)وطفق يذهب ويجيء،٢١)وينتف شعره المسترسل ويرمي به على الأرض،٢٢)ويمزِّق ثيابه ويُلقي بها كأنها شيءلا يلمس. ٢٣)لم تكد تلوح أنوار الفجر،٢٤)حتى أطلق جلجامش المنادين في أنحاء البلاد:٢٥)«أنت أيها الحداد وصاقل الأحجار الكريمة والنحاس والصائغ والنقَّاش،٢٦)اصنعوا تمثالًا لصديقي، أبدعوا صورته! »٢٧)عندئذٍ نحت ... تمثالًا لصديقه،٢٨)من أعضائه ... ٢٩)... «ليكن صدرك من اللازورد، وجسمك من الذهب! » ٥٠)«جعلتك تستريح على فراش فاخر،(ملحمة جلجامش، اللوح الثامن، العمود الثاني)     العمود الثالث ١)أجل، على فراش الشرفتستريح،٢)وأجلستك مجلس السلام إلى شمالي،٣)لكي يقبِّل حكام الأرض قدميك. ٤)سأجعل أهل أوروك يبكونك ويندبونك،٥)والسعداء أملأحزنًا عليك،٦)وأنا نفسي سأترك بعدك جسدي مغطًّى بالأوساخ،٧)وألبس جلد الأسد وأهيمفي البرية ... » (ملحمة جلجامش، اللوح الثامن، العمود الثالث)   العمود الرابع ... ... (ملحمة جلجامش، اللوح الثامن، العمود الرابع)   العمود الخامس ٤٥)لم تكد تلوح أنوار الفجر،٤٦)حتى أمر بإحضار مائدة عظيمة من خشب «الأيلاماكو». ٤٧)ملأ بالعسل إناء من العقيق،٤٨)وملأ بالزبد إناءً من اللازورد،... ... (ملحمة جلجامش، اللوح الثامن، العمود الخامس) (٤)لا نعرف عنه أكثر من أنه نوع من الخشب الفاخر. --- ### المملكتان..
[تطور نظم الحكم في إسرائيل] - Published: ۲۰۲۳-۱۱-۰٦ - Modified: 2024-06-19 - URL: https://tabcm.net/15681/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, شئون علمانية - وسوم: أبشالوم, أبياثار الكاهن, أدونيا, أركيولوچي, أسنات بنت فوطي فارع, أمنون, إله إسرائيل, إيلوهيم, الأصولية, التقليد الإيلوهي [E], التقليد اليهوي [J] / [Y], الحق الإلهي, العدالة الجزائية, العصور الوسطى, النظام الأبوي, بابا شنودة الثالث, بثشبع, بروتستانت, بلهة, بنتاتوخ, تابوت العهد, تناخ, توراة, ثامار, داود النبي والملك, دينة بنت يعقوب, رأوبين, راحيل, رحبعام, زبولون, زيوس, سليمان الحكيم, شيروبيم, صفنات فعنيح, طالوت, عصر النهضة, كتوبيم, لاماسو, مارتن لوثر, ملك إيشبوشت, ملك شاول, مملكة إسرائيل, مملكة يهوذا, ميكال, ميلتون روكيتش, نبي صموئيل, نبي موسى, نبي ناثان, نبييم, نفتالي, هارون الكاهن, هالاخاه, هيكل سليمان, ياساكر, يربعام بن نباط, يشوع ابن سيراخ, يشوع بن نون, يهوه في محاولة قراءة المصادر التاريخية التي وصلتنا منذ أكثر من ألفي عام، لابد أن نضع في الاعتبار أنها لم تكن تكتب تاريخًا بحتًا. كانت عناصر السياسة واللاهوت لا تنفصل عن عملية التأريخ، وما نقوم به حاليًا من فصل، لم يكن موجودًا في العصور التي كُتب فيها التناخ. في الكتاب الذي تقرأ فيه التأريخ، أنت تقرأ في نفس الوقت أسطورة، وفي الوقت الذي تقرأ فيه اللاهوت، أنت تقرأ في نفس الوقت سياسة في مُحاولة قراءة المصادر التاريخية التي وصلتنا منذ أكثر من ألفيّ عام عن "مملكة إسرائيل"، لابد أن نضع في الاعتبار أنها لم تكن تكتب تاريخًا بحتًا. كانت عناصر السياسة واللاهوت لا تنفصل عن عملية التأريخ، وما نقوم به حاليًا من فصل بين ما هو تاريخ وما هو سياسة وما هو لاهوت، لم يكن موجودًا في العصور التي كُتب فيها التناخ. في الكتاب الذي تقرأ فيه التأريخ، أنت تقرأ في نفس الوقت أسطورة، وفي الوقت الذي تقرأ فيه اللاهوت، أنت تقرأ في نفس الوقت سياسة. (مايكل لويس، سلسلة: "تكوين التوراة") التناخ: هو الكتاب المقدّس العبريّ، ويطلق علي مجموعة الأسفار التي قبلها اليهود كنصوص مقدسة، وتشمل البنتاتوخ ، والنبيّيم ، والكتوبيم . وهذه الأسفار موجودة بين يديّ أي مسيحي بوصفها: العهد القديم، وتشكّل النصف الأول من كتابه المقدّس. مجال هذه الورقة ليس كل كتب التناخ، بل الكتب التي تصف الأحداث ذات الصلة، والتي تُسجّل نشأة وتطور وسقوط نظام الحكم الملكي في إسرائيل، والتحديات التي مرّت بها عبر ملوكها وتأريخاتهم الدينية المنحصرة في أسفار: القضاة، وصموئيل، وأخبار الملوك، وأخبار الأيام. قد نحتاج إلى الاستشهاد بأيً من أسفار التناخ مرجعًا لأي من التفصيلات، لكن الدراسة في شقها السياسي يركّز على صعود وسقوط نظام الحكم الملكّي المنحصر فيما ذكرنا من مصادر. يعتقد المؤمنون بوحوية هذه الكتب، أن كاتب أسفار صموئيل وأخبار الملوك هو كاتب واحد وهو النبي صموئيل. هذا الاعتقاد "بحاجة لمصدر"، والأرجح تاريخيًا أنه اعتقاد خاطئ، فالكتبة والمُحررون عدّة، ويدوّنون في زمن لاحق على الأحداث بثلاث إلى سبع قرون.   ما قبل النظام الملكي بمقتضى الكتابات العبرانية، لم يعرف بنو إسرائيل في بداياتهم نظامًا للحكم سوى النظام الأبوي. فالمملكة والشعب قصتهما تبدأ بـ"أب" لأثنى عشر ابنا، وابنة واحدة. كان اسمه بالميلاد "يعقوب"، ثم تغيّير اسمه إلى "إسرائيل". مصدرنا الوحيد لأحداث الجزء القادم هو العهد القديم للكتاب المقدس، لذلك، ﻻ يستطيع المؤرخون اعتمادها كأحداث مؤكدة لعدم وجود مصادر خارجية تدعمها. لكننا نسردها كتمهيد وتوضيح للخلفية الاجتماعية في عصور ما قبل التأريخ. البنات ﻻ مكان لهن في الحكم الأسري في هذا العصر، أما بالنسبة للأبناء الذكور فقد كان لهم نظام عائلي يعطي الابن الأكبر سلطة حكم مميزة على إخوته، تعادل قوّة السلطة الأبوية في الصلاحيات. وهذه السلطة لا تُكتسب بالميلاد، وﻻ يُمَكّن البكر منها بوفاة الأب تلقائيًا. بل لها مراسيم وطقوس خاصة تتم في شيخوخة الأب، ومبنية على وضع اليد اليمنى من الأب، على رأس الابن البكر، ومباركته، وإعلان استحقاقه للقيادة، وعرف هذا باسم: "حق البكورية". هذه السلطة الأسرية كان لها دورًا فعّالا ومفهومًا في قيادة الأسرة، أو العشيرة والقبيلة بعد ذلك، ولربما تكون هذه المراسم هي الأب الشرعي لعمليات تتويج الملوك لأكبر أبنائهم في الأسر المالكة، كل هذا قول حسن ومعروف. لكن اللافت للنظر أن "البكورية" لم تكن تخضع للقدر كما تبدو عليه من مسماها. فالملاحظ عبر قصص البنتاتوخ نكتشف أن "حق البكورية" نادرًا ما يناله الابن البكريّ فعلا، فهو يمكن أن يُباع ويُشترى أو أن يتم التنازل عنه، يمكن أيضًا سرقته أو اغتصابه، يمكن حتى ممارسة الاستغلال لضعف إبصار الأب العجوز وخداعه. والمسألة هنا لسنا بصدد تقييمها الأخلاقي بل تقييمها السياسي. فمثل هذه السلوكيات الغالبة، والتي قد تراها ﻻ أخلاقية أو حتى غير منظّمة لأنها إفساد لنظام السماء التي اختارت من يكون البكر ومن ﻻ يكون، هي أيضًا التي تعطي الأمل لمن وُلد متأخرًا أن يصير القائد. وفق الواقع التطبيقي شكلت هذه الانتهاكات الاخلاقية ما يمكّن اعتباره تمكينا للأذكى، أو الأغنى، أو الأقوى، أو الأمكر، حتى وإن لم يكن بكرا. ويمكن اعتبار قسوتها بمثابة آليات طبيعية لاستبعاد الأغبى، الأقل مسؤولية، الأفقر، الأضعف، الأتعس، من مكانة القيادة حتى لو وُلد بكرا. وعلى هذا، يمكننا القول أن نظام "حق البكورية" لم يكن يحصل عليه الابن البكر فعليًا إﻻ بتراضي بقيّة الأخوة، أما غير الراضين فأمامهم عمرا لإثبات قدراتهم إن كان أحدهم يرى نفسه الأصلح. هذه النظرة قد تمكننا من فهم مسألة الصراع على المملكة بين أخوين، أو قتال الابن لأبيه، أو قتل الأب لابنه في مرحلة أبعد، ونفس الأمر يمكن أن يُقال حول خروج المُلك بالكلّية إلى أسرة مختلفة وسبط مختلف. أيضًا يجب ألا ننسى حق الأب في اختيار نوعية البركات للأبناء، واختيار من يأخذ حق البكورية أساسًا. إذ يمكن للأب تغيير كل القواعد وفقما يشاء. لنأخذ مثالًا من أسباط إسرائيل البكورية لمن؟ رأوبين هو أكبر أبناء يعقوب، والمفترض أن يرث أباه يعقوب. لكن هذا لا يحدث. كيف ولماذا؟ ومن الذي نال البكورية إذن؟ في التقليد اليهوَي: نجد رواية عن رأوبين أنه زنا مع بلهة، خادمة راحيل زوجة يعقوب، والأمر له خلفية أكثر تعقيدًا، فزوجة يعقوب لم تكن تنجب مما دعاها أن تطلب من زوجها أن يدخل على جاريتها "بلهة" كي يقيم له نسلًا، ووافقها يعقوب. وعلى ذلك فزنا رأوبين مع بلهة يعتبر بمقام زنا المحارم لأنه ضاجع امرأة أباه. ومثل هذه الحادثة أطاحت باستحقاق رأوبين لحق البكورية. المفترض أن يُمرر حق البكورية للابن التالي، شمعون، لكن هذا أيضا لم يحدث. والتقليد اليهوَي يبرر هذا بأن شمعون ولاوي قد دخلا أرض شكيم وذبحوا أهلها ونهبوها بشكل خسيس ، وعلى هذا خرج شمعون أيضًا من "حق البكورية" وتم التمرير للابن التالي، ﻻوي، والذي كان مشتركًا مع شمعون في المذبحة، فيمرر حق البكورية مرّة رابعة للابن التالي. إلى من؟ يهوذا بالطبع! فكاتب التقليد اليهوي هم كهنة مملكة يهوذا. ((راجع القصة كاملة في التقليد اليهوي من سفر التكوين 49: 1-10 )). في التقليد الإيلوهيمي: نجد أن حق البكورية لم ينله أحد من أبناء يعقوب نهائيًا، إنما مُرر لأحفاد يعقوب بشكل مباشر. الرواية ذات صلة بأرض مصر وحدثت في مصر حين ارتحل يعقوب وأبناءه إلى يوسف وسكنوا في أرض جاسان. يذهب يوسف لأباه يعقوب وهو على فراش الموت، ويقدم له -بناء على طلب مسبق من يعقوب- ابنيه الاثنين: منسّى وإفرايم . تفاصيل الرواية تقول إن يوسف وضع ابنه الأكبر، منسّى، على يمين يعقوب، ووضع أفرايم على يساره، لكن يعقوب يعكس يداه ويضع اليد اليمنى، والتي تمثّل حق البكورية، على رأس إفرايم، الأخ الأصغر، ويضع اليد اليسرى على رأس منسّى، بكر ليوسف. يعترض يوسف ويقول لأبيه أن يصحح وضع يديّه لأن منسّى هو البكر، لكن يعقوب يخبره أنه يعلم ماذا يفعل ويصر على أن تكون البكورية للحفيد الأصغر، إفرايم، المصري الأصل والمولد وحفيد كاهن أون (( راجع القصة كاملة في التقليد الإيلوهيمي من سفر التكوين 48: 7-22 )). يعتقد أغلب المؤمنين بأن أسباط إسرائيل هم ١٢ سبطًا موزعين على ١٢ ابنًا ليعقوب، وهذا الاعتقاد خاطئ طبقا للتناخ الذي يحدد أنهم ١٣ سبطًا موزعين على ١١ ابنًا، وحفيدين ليعقوب. م الابن الأم المصدر لإثبات النسب السبط 1 رأوبين ليئة (سفر التكوين 29: 32) سبط رأوبين 2 شمعون ليئة (سفر التكوين 29: 33) سبط شمعون 3 لاوي ليئة (سفر التكوين 29: 34) سبط لاوي 4 يهوذا ليئة (سفر التكوين 29: 35) سبط يهوذا 5 دان بلهة (سفر التكوين 30: 6) سبط دان 6 نفتالي بلهة (سفر التكوين 30: 8) سبط نفتالي 7 جاد زلفة (سفر التكوين 30: 11) سبط جاد 8 أشير زلفة (سفر التكوين 30: 13) سبط أشير 9 يساكر ليئة (سفر التكوين 30: 18) سبط ياساكر 10 زبولون ليئة (سفر التكوين 30: 20) سبط زبولون 11 12 يوسف راحيل (سفر التكوين 30: 24) سبط إفرايم سبط منسى 13 بنيامين راحيل (سفر التكوين 35: 18) سبط بنيامين   لماذا زاد العدد إلى ١٣ سبطًا؟ لأن الابن الذي عاش أغلب عمره في مصر، يوسف، أحبّ مصر وفضّلها على موطنه، وصار اسم يوسف: "صفنات فعنيح" وسمى أحد أبنائة "منسّى" لأن الرب أنساه إسرائيل، فاستثناه أباه يعقوب من حمل اسمه، وبدلًا منه طلب أن يأخذ الحفيدين المصريين: إفرايم ومنسّى، عوضًا عنه ((راجع التفاصيل في سفر التكوين 48: 5-16 )). لماذا قل العدد في مواضع أخرى إلى ١٢ سبطًا إذن؟ حسابيًا لم يقل، الأسباط دائمًا ١٣ ولكلٍ ذريته. الإشكالية الرقمية تأتي أنه ﻻ يتم حساب سبط لاوي ضمن الشعب. هذا السبط محيّر وله استثناءات خاصة، وكُتبت فرضيات عدة لتفسير هذه الاستثناءات، فهو ﻻ يتملّك أرضًا وﻻ يعمل عملًا سوى الخدمة الدينية، والتي تستلزم منه أن يتواجد في محيط إقامة كل الأسباط الإثني عشر المتبقية. وفي المقابل، يحصل على نسبة من التقدمات والذبائح. يمكنك أن تنظر للأمر كواقعًا فرضته مقتضيات وطبيعة الكهنوت، لكن الأمر يخلو في شقّه السياسي من مسألة الفصل بين السلطات مثلًا، فمهنة الكاهن متداخلة مع نظام الحكم ويمكنها أن تصير ملكًا للمملكة أو تتداخل فعليا كحكومة أو مستشار وأحيانًا كمعارضة، أي أنها تملك سلطة الحكم الزمني بالإضافة للسلطة الدينية. مع العلم أنه لم يكن ممنوعًا من تملك الأرض سوى الجير، وهي لفظة تطلق على المغتربين الذين لديهم تصريح إقامة. أو "أجانب" بمصطلحات العصر. فلماذا يُعامل سبط لاوي معاملة المقيم أو الزائر الأجنبي المغترب؟ يرى بعض المؤرخين أن حَدَث "الخروج من أرض مصر" حدث بسيط تم تضخيمه، وأن كل شعب إسرائيل لم يكن في مصر بل جماعة صغيرة منهم هي التي كانت، وهَرَبَت، بينما بقيّة شعب إسرائيل كانت في أراضيها بشكل طبيعي، والجماعة الذين كانوا في مصر هم من أصبحوا فيما بعد معروفين باسم سبط لاوي. وهذا يفسّر حمل شخصيات هذا السبط لأسماء مصرية وليست عبرية. ويفسّر عدم تملًكهم للأراضي في إسرائيل لأنهم "متمصّرون". ويظل مثل هذا الرأي برتبة "فرضيًة" تقدّم أفضل تفسير ممكن، لكن دون تأكيدات قوية على حدوثه.   بدايات نشأة المملكة بدأ بعد عصر النبي موسى عصرًا جديدًا يسمى بـ"عصر القُضاة"، والكتاب الذي يتكلم عن هذا العصر هو ضمن النبييم ويحمل نفس الاسم: "سفر القُضاة"، لكنه يأتي من زمن متأخر عن الفترة التي يسجلها، القضاء كان قضاءًا شرعيًا دينيًا يُصدر الأحكام بسلطة الحق الإلهي. خضوع أصحاب النزاع للقضاء يأتي من خضوعهم الديني، وإيمانهم بتواصل القاضي مع السماء قبل إصدار الحكم، هذا يعني أن القضاة كانوا بمثابة أنبياء صغار. ومن هنا أتى إدراج السفر ضمن مجموع النبييم. سيتطور النظام القضائي بمعزل عن السلطة السياسية ولكن من دون التخلي عن السلطة الدينية، ويشكّل بعد ذلك كتب الهالاخاه، وهي مجموعات من الكتب تتباين مذهبيًا لتشكّل مجتمعة: المجموع الشرعي للأحكام المستنبطة من الشريعة، وهذا يخرج بنا بعيدًا عن الشق السياسي وسنكتفي بتوضيح ملاحظة أننا نلمح في هذا العصر ظهورات ضئيلة لكن متنامية لدور المرأة، إذ نجدها أحيانا كقاضية أو نبيّة أنثى. فيما بعد، ستحظر الهالاخاه على الإناث دراسة الشريعة أو قراءتها باعتبارها وظيفة كهنوتية ((توجد نصوص تناخ في ذلك كُتبت في عصر ما بين العهدين مثل سفر: يشوع ابن سيراخ )). آخر القُضاة كان نبيًا اسمه صموئيل، قصته مذكورة ضمن النبييم في كتاب يحمل اسمه: "سفر صموئيل"، ويحدث في أواخر هذه الحِقْبَة أن تطلب قبائل إسرائيل، المنحدرة من نسل النبي يعقوب، أن يكون لهم ملكًا كبقية الأُمم بدلًا من نظام القُضاة الشرعيين، فيتم مسح أول ملك لإسرائيل وهو الملك شاول.   مملكة شاول كان شاول من سبط بنيامين، هو أول ملوك إسرائيل، ومسحه النبي صموئيل ملكًا على إسرائيل. وبالرغم من أن عصر القُضاة كان قد انتهى، إلا أن دور رجال الدين كان مستمرًا. لفظة "مسحه ملكًا" هي لفظة ذات طبيعة كهنوتية، تعبّر عن الشعيرة الدينية التي تناظر "تتويج الملك"، وذلك بمسحه بالزيت المقدّس، ويُسمى الممسوح ملكًا: "مسيح الرب". وعلى هذا، يطلق التناخ اسم "مسيح" على أربع شخصيات لأربعة ملوك حكموا مملكة إسرائيل قبل ميلاد "يسوع"، ومن ثمً يمكن تفهم انتظارهم للـ"مسيح" بمعنى انتظارهم لملك وليس نبيّ. قوّة المملكة كانت تُستمد من دعم رؤساء الأسباط ورؤساء الكهنة والأنبياء. الملك يحتاج دعم رؤساء الأسباط لأن الجيش كان يتكوّن من كتائب الأسباط، ومن دون دعم رؤساء الأسباط لن يكون هناك جيشًا. وكان الملك يحتاج دعم الكهنة والأنبياء لأن الدين وقتئذ ﻻ ينفصل عن الحياة العامة كأداة حكم وتنظيم لمصالح الشعب ونزاعاتهم، مما كان السبب في تنصيب الملك داود من بعد الملك شاول. اختلف شاول مع صموئيل النبي والكاهن الذي مسحه ملكًا، وكانت النهاية أن صموئيل مسح ملك آخر، هذه المرة من سبط يهوذا، وهو الملك داود. كان داود أحد أعضاء حاشية الملك شاول وكان زوجًا لابنته ميكال. رأى شاول أن داود يهدد مُلكه، وحاول أن يقتل كل الكهنة المؤيدين لداود واستطاع ذلك. ظل شاول ملكًا إلى أن مات في معركة ضد الفلسطينيين ((راجع تفاصيل موت شاول في سفر صموئيل الأول، الإصحاح 31 ))، وبعده انقسمت المملكة بين داود الذي كان يحكم نصف المملكة الجنوبي ، وبين إيشبوشت ابن شاول، والذي حكم نصف المملكة الشمالي ، فيما بعد، تم اغتيال إشبعل وهو نائم ((راجع تفاصيل اغتيال إشبعل في سفر صموئيل الثاني، الإصحاح 4 ))، وتم تنصيب داود ملكًا على كل شعب إسرائيل في مملكة واحدة عاصمتها أورشليم. نكرر: السردية التاريخية والسياسية التي سردناها اﻵن، ليست مدوّنة سوى في مصادر مُتأخرة عن زمن الأحداث نفسها بحوالي ثلاث إلى أربع قرون، ومُستقاة من مصدر واحد، عبراني، وعلى هذا فنحن أمام وجهة نظر الشعب العبراني في تاريخه، أو ربما في لاهوته أو آماله أو تطلُعاته، بأكثر مما نحن أمام وقائع محققة تاريخيًا، أو ماضٍ مُوثّق بالشكل الأكاديمي للتوثيق التاريخي.   مملكة داود عندما أصبح داود ملكًا على كل الشعب العبراني، قام ببضعة إنجازات سياسية مميزة: نقل العاصمة من حبرون إلى أورشليم ((نقل العاصمة من حبرون إلى أورشليم مذكور في سفر صموئيل الثاني، الإصحاح 5 ))، وأورشليم وقتها لم تكن تابعة لأيّ من أسباط بني إسرائيل بل استولى عليها الملك داود وجعلها العاصمة الجديدة، وعلى هذا، ولكونها غير تابعة لأي من الأسباط فهو بذلك لم يهن / يرفع من شأن سبط على حساب سبط آخر. ويشكل عام فسياسة الملك داود كانت تعتمد على التوازنات داخليًا والتوسّعات خارجيًا. أورشليم أصبحت العاصمة السياسية، ولجعلها العاصمة الدينية بشكل مركزي، نُقل إليها تابوت العهد، الذي يحتوي لوحيّ الشريعة، واللذان يُعتقد أن زمنيهما يرجع لعصر النبي موسى نفسه. ولكون أورشليم عاصمة دينية جديدة، فهذا يعني الاحتياج لرؤساء كهنة جدد. اختار الملك داود كاهنًا من الشمال وآخر من الجنوب كي يكونا رؤساء كهنة في أورشليم، ونفس الأمر يمكن أن يقال عن توازنات داود بين الجانبين وعدم الأفضلية بينهما. كاهن الشمال كان يُعتقد أنه من عائلة النبي موسى، وكاهن الجنوب كان يُعتقد أنه من نسل هارون الكاهن. وبذلك يكون التوافق الذي أحدثه الملك داود في اختيار الكاهنين ليس فقط مسألة توازنات، إنما أيضا تقديم نوعٍ من الاحترام والمكانة لعائلتين متأصلتين من سبط ﻻوي، هما: عائلة النبي موسى، وعائلة هارون الكاهن. كان الملك داود مزواجًا من بنات الأمم ((راجع قصة داود وزيجاته المتعددة في سفر صموئيل ثاني، الإصحاح 3، وسفر صموئيل الثاني، الإصحاح 5 ))، مغامراته الجنسية تخطت القفز فوق أسطح المنازل وتصل للإطاحة بالنصوص الدينية التي تحذر من اشتهاء "امرأة قريبك"، فهو اشتهى وزنا ودبر لقتل زوج عشيقته بثشبع، بالإضافة لكثرة زيجاته من أجنبيات، أدت إلى توبيخات دينية من السماء، لكن جميعها ﻻ يتخطى التأنيب الودود لمرحلة "السماء تعاقب الملك" كما في حالة موسى عندما كسر لوحيّ العهد مثلا، تبدو بوضوح إنحيازات "يهوة" لداواد الذي يكسر ويحطم كل تراث أصولي وجل موروث ثقافي واجتماعي. فهو الملك الذي يرقص عاريا ويحرّض الشعب على الرقص والغناء ويخلق من الجمال دينًا بطيء التأثير ذو خطوات واثقة. تقلّبات داود وتخبطاته ونجاحاته وإخفاقاته دُونت في كتاب خاص ضمن مجموع الكتوبيم، ويحمل اسمه: "مزامير داود" ، وهو عمل ذاتي أدبيّ بامتياز، تبرز فيه قدرات وأحاسيس الجانب الإنساني من "الملك العربيد" عندما يجلس منعزلًا في خلوة مع خالقه. يعترف الملك بكل خطاياه دون تبرير ودون سبب يجبره على اﻹفصاح، يبتهج، يغني، يتشاجر مع الله، يكتئب، يعبث، يرقص داود على الأوراق بشكل يدعوك للرقص معه ومشاركته الفرح والألم. وعبر الزمن، تحوّلت المزامير إلى نمط شعبي مرتًل، في لغته الأصلية كان يلحّن وينشد، خاصة أنه في بعض أجزاءه يقترب من أدب الملاحم، هذا الكتاب رغم ترجمته لكل لغات العالم، ﻻ يفقد جرسه الموسيقي الخلًاب بأي لغة. رهبان مصر يترنمون بنصوصه سبع مرات كل يوم في مواقيت محددة تسمى: صلوات السواعي. الملاحظ في التناخ أن خطايا داود معترفُ بها، لكن مَن يُعاقب على خطايا الملك هو الشعب، ﻻ الملك ذاته. أوبئة، مجاعات، وهزائم حرب، كلها دونت كعقوبات إلهية على خطايا الملك، والقصة هنا وإن بدت لنا عجيبة وغير عادلة لكنها في ثقافة عصرها كانت مقبولة جدا في تفسير وجود الشر والألم طبقا لمبدأ "العدالة الجزائية"، فكل الشرور سببها الملك وأخطاءه التي يُعاقب عليها الشعب من يهوَه المؤدِب العادل. ربما يكون يهوَة قاسيًا بعقاب شعب بكامله على خطايا أحد أفراده، لكن يهوَه ﻻ يخطئ. في كل كتب التناخ، ﻻ يوجد نص ديني واحد في البعث أو الحياة الأخروية، لذلك، فالعقوبات الإلهية عن الخطايا الدينية كانت تتم على الأرض وليس في يوم الحساب. وعلى هذا، كان يتم تأويل "معضلة الشر" على إنها عقاب عادل من إلهٍ قاسٍ يفتقر لمبدأ "شخصية العقاب" ويعاقب عقابًا جماعيًا بالهزائم في المعارك، أو بالأوبئة، أو الكوارث الطبيعية، نتيجة خطيئة فردية، وﻻ بأس أن يعاقب الأبناء عن ذنوب الآباء وحتى الجيل الثالث والرابع من الأحفاد (تثنية الاشتراع 5: 9) ومثل هذه الأفكار لها توظيفًا سياسيًا في مجتمعات البداوة العشائرية لحث أفرادها على التدخل في شؤون الآخرين بشكل وصائي مما يساعد على قمع الأخطاء من المحيطين، ومن ثمّ التنظيم الاجتماعي، وهو يعتبر مسوغًا إضافيًا مقبولًا لمعاقبة قرية أو مدينة بكاملها في الحروب أيضًا. فلا قيمة وﻻ وزن للأفراد إﻻ من خلال جماعات كثيفة العدد. إن لم تقتنع تمامًا فالسياسة أكثر أقناعًا. داود ببساطة كان ناجحًا جدًا في صناعة مكتسبات مما قد تراه ﻻ أخلاقيًا. زيجاته الأممية وتنافس نساء الشعوب على مغامراتٍ معه أو طفلٍ منه، قد أدت بشكل غير مسبوق لتحسين علاقاته بالأمم والشعوب الأخرى التي صاهرها. الكهنة الذين لديهم نصوصا في تحريم الزواج بالأجنبيات صمتوا عن الملك داود بسبب الجيش. جيش الملك داود لم يعد معتمدًا بالكليّة على كتائب الأسباط، لكنه ضم كتائب أممية نتيجة زيجاته من هذه الأمم ((راجع التغيرات العسكرية في جيش داود في سفر صموئيل الثاني، الإصحاح 23 ))، وعلى هذه الأوضاع، أصبح لداود جيشًا أمميا متعدد الجنسيات، مستقلًا، يدين له بالوﻻء، من غير اعتماد على كتائب الأسباط، ومع الوقت، ومع نجاح حكم داود، استطاع بهذا الجيش أن  يغزو ويضم لمملكته أراضٍ جديدة مثل آدوم وموآب. تسمى المملكة في عصر الملك داود "مملكة إسرائيل الكبرى" لأنها بلغت أكبر مساحة لها في عصر الملك داود، حيث كانت تمتد "من نهر العريش في مصر ، إلى نهر الفرات". عادة ما يتم التوظيف العسكري والسياسي لهذه المملكة في العصر الحديث، بالارتكاز على نصوص دينية سابقة تقدم وعودا إلهية بمملكة إسرائيل الكبرى من نهر مصر لنهر الفرات، وذلك لغرض التجييش والتعبئة العامة للمؤمنين بوحوية هذه النصوص. ترتكب كل هذه التوظيفات استشكاليه أصولية بتأويل "مملكة إسرائيل الكبرى" باعتبارها "وعدًا مستقبليًا"، وليس "حدثًا تاريخيًا". أكبر أبناء داود كان يدعى "أمنون"، والذي كان يفترض أن يكون وريث أباه الشرعي في حكم المملكة. لكن ما حدث أن أمنون اغتصب أخته غير الشقيقة "تامار"، وكنتيجة لذلك، انتقم لها أخوها الشقيق، أبشالوم، بقتل أمنون ((راجع تفاصيل الاغتصاب الأسري من أمنون لأخته غير الشقيقة تامار في سفر صموئيل الثاني، الإصحاح 13 )). فيما بعد، يتمرد أبشالوم على حكم أبيه داود، ويستعين بتأييد الأسباط التي قلَّ الاعتماد عليها، ويُكوّن جيشًا ويخرج لمقاتلة أبيه وجيشه الأممي في ساحة الحرب، وفي النهاية ينتصر جيش داود ويُقتل أبشالوم. في نهاية حكم داود عندما صار كهلًا على فراش الموت، حدث أن تنازع اثنان من أبنائه على اعتلاء عرش المملكة، وهما: أدونيا، وسُليمان. أدونيا كان أكبر أبناء داود، لكن سليمان كان ابن بتشابع زوجة داود المُفضلة. كان في جانب أدونيا بعض الأُمراء ورؤساء الأسباط بالإضافة إلى أبياثار، رئيس كهنة الشمال، والذي قد يكون من نسل موسى، أما سليمان فكان يدعمه النبي ناثان وأُمه بتشابع والذان لهما تأثيرًا كبيرًا على داود وبالتالي الجيش، بالإضافة إلى صادوق، رئيس كهنة الجنوب والذي يُعتقد أنه من نسل هارون. بات النزاع بينهما يُهدد بانقسام المملكة، لكن كنتيجة نهائية؛ اصبح سليمان في النهاية هو الملك دون حرب. وبعد موت داود واعتلاء سليمان عرش المملكة، أمر بقتل أخيه أدونيا، ونفي أبياثار الكاهن لمدينة عناتوت ((راجع تفاصيل قتل سليمان لأخيه أدونيا في سفر الملوك الأول، الإصحاح 2 )).   مملكة سليمان كان الملك سليمان مزواجًا أمميًا أكثر من أباه، الملك داود، حتى فاقه شهرة في عدد الزوجات، لكن أشهر ما كُتب عن سليمان هو بناء المعبد الأوّل في أورشليم، الذي عُرف فيما بعد باسم: معبد سليمان . ولم يكتسب المعبد شهرته نتيجة ضخامته، إذ بالنهاية ﻻ يدخله إﻻ الكهنة، لكن ما جعله مميزًا هو المعنى الذي يمثّله: حضور الإله "يهوه" في وسط شعبه. للدين هندسة بناء معماري. فكان معبد سليمان ينقسم لقسمين: القُدس، وقُدس الأقداس . قُدس الأقداس أو هيكل معبد سليمان هو بناء مُكعب كل أضلاعه متساوية، وتم وضع تابوت العهد فيه تحت حراسة الشيروبيم الذهبي. الشيروبيم هو جمع لكلمة شيروب Cherub، وهم طبقة من الملائكة ﻻ تتداخل مع البشر ومهمتها تنحصر في حمل العرش الإلهي. يتعامل المسيحيون المعاصرون مع الشيروبيم على إنهم جزء من الملائكة، فيتصورونه في لوحاتهم كأطفال أو رجال مجنّحة كتصور البشر عن شكل الملائكة. لكن هذا التصور الفني المعاصر برسم الملائكة على شبه إنسان ذو أجنحة هو أمر استقر بداية من العصور الوسطى والفن السائد في عصر النهضة، والمختلفً بالكليّة عن كل تصورات الإنسان البدائي الذي اعتاد وصف الكائنات الخارقة على شكل حيوان ما، يشكّل الصفة المراد إبرازها، الحيوان الخارق قد يكون بالأغلب ذو رأس إنسان، وذو أجنحة. لم ير أحد كيف نحت الفنان اليهودي البدائي تصوره للشيروب، وﻻ حتى اليهود انفسهم، ولا كهنتهم المحظور عليهم دخول قدس الأقداس ، واقرب تصور للشيروب اليهودي المنحوت كتمثال ذهبي، أنه كائن أسطوري شبيه بأبي الهول في مصر، أو كاريبو، أو لاماسو، أو الثور المجنح في بلاد آشور وما بين النهرين. كان هناك شيروب عن يمين التابوت وآخر عن يساره، كلاهما باسط الأجنحة فوق التابوت حيث يتلامسان. الشيروبيم، مثل أبو الهول في مصر أو الثور المجنح في بابل، لم يكن إلهًا أو نصف إله أو يرمز لإله، لكن كان يتم وضعه لحراسة المعابد أو ما شابه. في حالة الشيروبيم الذهبي فهما كانا يمثلان عرش الله أو حضوره في الهيكل . كان حكم سليمان مستقرًا، لكنه كان يميّز بين الجانبين الشمالي والجنوبي من المملكة. مقاطعة سبط يهوذا كان لها مكانة مميزة عن باقي مقاطعات أسباط بني إسرائيل. لم تكن الضرائب في هذا العصر مالية لكن الضريبة كانت تقدّم كعمل مجّاني للمملكة، كل مقاطعة أو سبط كان يعمل في المملكة لمدة شهر، إﻻ سبط يهوذا، كان معفيًا من الخدمة العامة، لذا تكونت نظرة سلبية تجاهه من مقاطعات الجانب الشمالي من المملكة ، وأسموا الوُكلاء القائمين على تنظيم هذا العمل: "وُكلاء تسخير" ((راجع تفاصيل نظام الحكم للملك سليمان في سفر الملوك الأوّل، الإصحاح 4. )). لكن هذه النظرة لم تصل حد الانفصال، وظلت المملكة متماسكة وموحدة طيلة فترة حكمه. بعد موت الملك سُليمان اصبح ابنه رحبعام هو الملك، فذهب لأرض شكيم كي يتم تتويجه، فسألوه إن كان سيستمر على منهج أباه في التمييز، أم سيخفف عنهم الأحمال التي حمّلها سليمان؟ فأجابهم أنه مستمر في نفس طريق أباه، فثاروا عليه ورجموا "وكيل السُخرة" الذي عيّنه، وتوجوا "يربعام بن نباط" من سبط إفرايم ملكًا عليهم. وهنا، بحسب النظرة العبرانية للتاريخ، أصبح هناك: مملكتان. .   المملكتان. . مملكة إسرائيل في الشمال،والتي تضم أراضي ١٠ أسباط: دان، نفتالي، أشير، زبولون، ياساكر، منسّى، جاد، إفرايم، رأوبين. ومملكة يهوذا في الجنوب، والتي تضم أراضي سبطين: يهوذا وبنيامين. مملكة إسرائيل عاصمتها شكيم في أرض إفرايم، وملكها: يربعام بن ناباط. ومملكة يهوذا عاصمتها أورشليم في أقصى شمال أرض يهوذا، وملكها: رحبعام بن سليمان. وقت انقسام المملكة هو أواخر القرن العاشر قبل الميلاد، ومن بعد هذا التاريخ بقليل يبدأ ظهور تقاطعات ما بين السردية الكتابية وبين المصادر الخارجية من الأركيولوجي. بعض المؤرخين يعتقدون أن هذه كانت البداية الحقيقية للشعب العبراني وأنه لم تكن هناك مملكة موحدة يومًا، لكن ما يعنينا أن السردية بدأت من الأصل بمملكتين متجاورتين، وظلا هكذا لمدة قرنين تقريبًا حتى عام 722 قبل الميلاد. لم تكن أورشليم ضمن مملكة إسرائيل.  استدعى ذلك مملكة إسرائيل إلى القيام بعمليات إحلال للعاصمة السياسية والدينية أورشليم، وما تمثّله وجدانيًا من معتقدات دينية لليهود. لذلك، صنعت مملكة إسرائيل عجولًا ذهبية ليكون جزءًا بديلًا مناظرًا للشيروب الذهبي، في تصوّر أكثر تعقيدًا لعملية الإحلال. إن ما نراه في النصوص المقدّسة في التناخ اليهودي أو حتى القرأن الكريم، من نقد ومهاجمة وغضب ديني على إسرائيل، هو أصداء الغضب الصادر من أنبياء مملكة يهوذا على عبادة العجل الذهبي في إسرائيل، وهو فعليا ليس أمر دينيًا صرفًا كما تبدو عليه النصوص المقدسة، بل مهاجمة سياسية لبيت إيل التي تحوي أحد تماثيل اللاماسو الذهبية، لذا نجد الخطاب يأتي تحقيريا بوصف اللاماسو بالعجل أو البقرة، بينما هو "ثور"، وأيضا يأتي بصيغة المفرد قد زنخ عجلك يا سامرة ((قد زنخ عجلك يا سامرة (هوشع 8: 5) ))، بينما في الحقيقة التاريخية فهما إثنين: واحد في "بيت إيل" أقصى الجنوب، والأخر في مدينة "دان" أقصى الشمال. والصورة الفنية من ذلك هو أن مملكة إسرائيل قد ﻻ تستطيع تكرار بديلٍ لتابوت العهد وقدس الأقداس الموجودان في هيكل معبد سليمان بأورشليم الواقعة خارج مملكتهم وفي مملكة يهوذا. وﻻ يستطيعون صناعة دين جديد يخالف دين أبيهم يعقوب بالكليّة، لكن مملكة إسرائيل صنعت تصورا دينيًا وطاقمًا كهنوتيًا بديلًا، اختار ملك إسرائيل الكهنة من العامة وليس من سبط لاوي الكهنوتي. وربما صاغ ذلك بمنظور إصلاحي مثلما فعل مارتن لوثر الذي ألغى الكهنوت بجعل الكل على رتبة كاهن. عادة، تلقى هذه القرارات تأييدًا شعبيًا من عوام الإسرائيليين الذين ارتقوا إلى الكهنوت بقرار ملكي. لكن أيضًا كنتيجة، غَضِب كهنة مملكة يهوذا، بل والكهنة عمومًا، الذين حُقّرت وضاعت وظيفتهم، وﻻ مهنة لهم هكذا سوى التسوَل من باقي الأسباط وعاشوا كلاجئين. فالقصة ليست ثورًا أو عجلًا ذهبيًا، وثنيًا، كما نعتقد ، فهذا التصور الساذج عن: إسرائيليون يعبدون عجلًا أو بقرة، لن يتبعه أيّ طفل إسرائيلي يحفظ الوصايا العشر التي تُحرم ذلك قطعًا. لقد قدمت مملكة إسرائيل منظورًا ثوريًا جديدًا لنفس الإله ونفس الدين ونفس الطقوس، وكان منظورًا عظيمًا ناظر وماثل وربما تفوق على هيكل سليمان الأسطوري، بصناعة أسطورة أكثر عمقًا. لقد كان على يربعام، ملك إسرائيل، أن يضفي على العجول الذهبية بعدًا وجدانيًا يخلق للأسطورة توظيفًا ومعنى. زوجا الشيروبيم الذهبيين كانا يحيطان تابوت العهد في "قدس الأقداس"، باعتباره عرش مُلك يهوه، بينما زوجا اللاماسو الذهبيين كان أحدهما في "دان" أقصى الشمال، والآخر في "بيت إيل" أقصى الجنوب. إنهما يحيطان بمملكة إسرائيل إذن. وعلى هذا، إن اعتليت جبل جرزيم ((جرزيم: جبل يقع جنوبي مدينة نابلس في فلسطين ويرتفع 881 مترا عن سطح البحر ويطلق عليه اسم جبل الطور أو جبل البركة. وتسكن الطائفة السامرية على قمته والتي تعدّ أصغر طائفة دينية في العالم حيث يبلغ عدد أفرادها حوالي 712 نسمة موزعين على منطقتين الأولى جبل جرزيم في نابلس والقسم الثاني في منطقة حولون بالقرب من تل أبيب. )) ونظرت إلى هندسة البناء الديني لمملكة إسرائيل الجديدة، ستراها تحوي تصويرًا فنيًا مناظرًا لهيكل معبد سليمان، يضع أرض "مملكة إسرائيل" مكان تابوت العهد بين الحارسين الذهبيين. والمعنى الوجداني هنا أن عرش مُلك يهوه قد اتسع ليحتوي مملكة إسرائيل، بين زوجي اللاماسو، كما كان تابوت العهد بين زوجي الشيروبيم. على هذا النحو والوصف والمعنى: لم تصنع إسرائيل بديلًا مستحيلًا لتابوت العهد، بل أعادت تقديم ذاتها على أنها: هي العهد. . المكمّلات قد تكون أهم: فقد صارت "مملكة إسرائيل" هي: عرش مُلك يهوه، وأضحت أرض إسرائيل: هيكلا للرب، وصار الإسرائيليون العوام والحرافيش والزعر: كهنة للرب، وأمست الأغاني الحماسية: ترنيمًا للرب. هل تخلع نعليك على باب المسجد أو الكنيسة أو المعبد؟ اخلع نعليك الآن على أبواب مملكة إسرائيل إذن، فأنت تخطو على الأرض المقدسة. وتلك صورة أقوى، وأعمق تأثيرًا في النفوس، ولم تكلّف سوى زوج عجول لاماسو ذهبية. عجول اللاماسو مثلها مثل الشيروبيم، لم تكن أصنامًا وﻻ تقدّم لها العبادة، ووظيفتها هي استخدام الفن كوسيلة وجدانية للتعبير عن الحراسة وتقديم امتنان للوديعة الدينية. وكما كان الشيروب تأثرًا فنيًا بالثور المُجنح في بابل، كان اللاماسو تأثرا بإله الكنعانيين: إيل (El)، الذي كان يتم تصويره بثور. هذا التشويش والتداخل في الرمز الديني كان له توظيفًا سياسيًا مفيدًا. فكرة أن إله العبرانيين في الشمال و"إيل" متداخلين أو متشابهين أو هما نفس الإله، ونفس لاماسو الثور، قد ساعدت بشكل ما في تأقلم العبرانيين من مملكة إسرائيل مع جيرانهم الكنعانيين. وفكرة أن شعب ما، يقدم آلهته باعتبارها نفس آلهة الشعوب المجاورة بشكل عام، هي فكرة تعكس سعيًا للدمج والاندماج مع الشعوب المجاورة. وربما تكون هذه النظرة أكثر وضوحًا مع الحضارات والثقافات الأكبر والأضخم مثل علاقة اليونان بالرومان، والتي تحوي بالضرورة أفكارًا دينية أن كل رمزٍ أو إله، له نظير عند الشعب الأخر مثل زيوس ونظيره جوبيتر، وغيرهم. تساعد أفكار اﻵلهة المتناظرة أو المتماثلة أو حتى الأفكار الأعمق مثل توحيد الإله الواحد في أديان مختلفة على تعزيز الثقة بصحة العقيدة الذاتية (لزيادة مساحة معتنقيها ولو بالشبه وبالخطأ وبالتحريف) وأيضًا تعزيز مسألة قبول اﻵخر (فاﻵخرين الذين يعبدون نفس آلهتنا، هم شبهنا، هم مثلنا، هم: "نحن"). ووفقًا لنظرية "نُسق المعتقد" لعالم الاجتماع: ميلتون روكيتش (1960): إنّ التناظر أو التماثل أو التطابق بين المعتقدات يحدد مواقف الجماعة من الجماعات الأخرى بشكل كبير، فكل من يشاركنا المعتقد، هم: "نحن"، وكل من يخالف معتقداتنا هم: "الآخرين"، المعادين أو الخصوم. وعلى هذا، فالمقولة الدينية الشهيرة التي سنها قداسة البابا شنودة الثالث لتكون مفتتحًا لكل عظاته العامة: بسم الإله الواحد الذي نعبده جميعا، وإن كانت ليست دقيقة ﻻهوتيا، إﻻ أن لها توظيفًا سياسيًا واضح الأثر على أقباط مصر، فهي تجعلنا نشعر أننا لسنا أديانًا مختلفة بالكليّة، بل مناظير مختلفة في العادات والتقاليد والشعائر والسنن لنفس الإله الواحد الذي نعبده جميعا. في العصر الحديث ترعى الدول ذات الشعوب المتعددة الثقافات مثل هذه السياسات والأفكار لمساعدة أخلاقيات التعايش السلمي على النمو، وزيادة مساحات الاختلاط بين شعبين متعادين أو متخاصمين، خاصة بعد الحروب أو الاحتلال أو الغزو، كي تستطيع الجماعات التأقلم مع الجماعات الأخرى. ، وعندما ﻻ ترعى الدول مثل هذا، فمن المرجّح أن تزداد النزاعات والمشاحنات نتيجة التكتّلات والانحيازات الدينية والعقائدية. على الرغم من ذلك، كانت مملكة يهوذا، الأكثر أرثوذكسية وانغلاقًا، هي الأطول عمرا وأكثر استقرارًا من مملكة إسرائيل التي سعت للإندماج السلمي بالتماهي مع آلهة مجاورة. إن المرونة في تقليص المسافات مع الكهنوت جعلت المذهب البروتستانتي الإصلاحي ينقسم إلى 1700 فرقة، ومع مملكة إسرائيل الثورية أدت لتبدّل سريع في الأسر الحاكمة للمملكة، لم تدم أسرة في الحكم جيلين أو ثلاثة حتى يُنتزع عرش مملكة إسرائيل من أسرة جديدة، ولم ﻻ نحكم نحن وجميعنا متساوون؟ هل ترى أن سبطك أفضل من سبطي حتى تتسيّد وتُملًك علينا؟ أدى غياب التنظيم الداخلي بالاعتماد على النسق العائلي الأبوي البدائي إلى انشغال في اختلافات داخلية أضعفت مملكة إسرائيل بالمجمل وتفتيتها لدويلات صغيرة وهشة يصعب عليها التعاون لتكوين جيشٍ يحميها، في ظل تنامي معزز وتراكمي لقوى أقدم حضارتين ومملكتين مركزيتين عرفهما العالم: مملكة آشور شمالًا، ومملكة مصر جنوبًا. المملكة التي صارت مملكتين، وبعد قرنين من مملكتين متجاورتين، متخاصمتين حينا ومتعاديتين أحيانًا، سقطت منهما مملكة إسرائيل بالكليّة وانهارت تحت غزو مملكة آشور، أسياد المنطقة الشمالية، وأصحاب أقدم حضارة عرفها العالم، بينما ظلت مملكة يهوذا باقية، يفصلها عن السقوط قرن إضافي من الزمان، ويفصلها عن مملكة مصر، أسياد المنطقة الجنوبية، شريطًا ساحليًا من سكّان فلسطين. الشريط الحدودي العازل المشار إليه، يماثل شريط "غزّة" حاليًا، وقد ظهر "أهل غزّة" في الكتابات المصرية القديمة باسم "قوم البلاست" ومنها Palestine الإنجليزية بمعنى القوم الـ"بالست"ـيين، وهم ليسوا أحفاد "جليات" الفلسطيني بل قوم صديق للمصريين الذين وطّنوهم في هذه المنطقة لحماية الحدود الشمالية الشرقية لمصر، وليسوا عربًا، ومملكة مصر القديمة لا تطيق العرب بالمجمل وﻻ رعاة الغنم بالخصوص ويرونهم: رجس، وقد سجّلت كتب التناخ كل هذا، لكنه يخرج عن نطاق هذه الورقة. يصف التناخ المشهد النهائي لسقوط مملكة إسرائيل تحت مملكة آشور في نبوءة من سطر واحد: ويضرب الرب شعب إسرائيل فيهتزون كالقصب في الماء، ويستأصِلَهم من هذه الأرض الصالحة التي أعطاها لآباءهم ويبددهم إلى عبر الفرات (سفر الملوك الأوّل 14 :15) سقطت مملكة إسرائيل وبقيت مملكة يهوذا، وخلال المئة عام الأخيرة في عمر مملكة يهوذا، ظلت تقدم الدعم والمأوى لبقايا النازحين الأحياء من إسرائيل. وبعد أن كان أنبياء مملكة يهوذا، الأكثر أصالة واستقامة، يتهكمون، ويغضبون، ويتعصبون لقرنين كاملين من: اللاماسو، عجل السامرة، الذي كان عمره أقصر من نظيره الشيروبيم: ملائكة حراسة عرش مُلك يهوَه، التي طارت بأجنحتها من التقليد البابلي إلى التقليد اليهوي لتستقر في بناء ﻻ يدخله أحد، واحتجبت عن البشر فاستعصت علينا في الرؤية، والتفتيش، والفحص، والنقد، والتحقق العقائدي. --- ### على مذبحك الناطق السماوي - Published: ۲۰۲۳-۱۱-۰۵ - Modified: 2023-11-05 - URL: https://tabcm.net/15658/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: إفخارستيا, تدبير الخلاص, قديس أثناسيوس الرسولي, قديس بولس الرسول نصلي في القداس الإلهي قائلين: وصلواتنا اقبلها إليك يا رب على مذبحك الناطق السمائي رائحة بَخُور، وأيضًا في صلوات تقديس ماء المعمودية وصلوات الميرون. ويقول القديس أثناسيوس الرسولي عن الخليقة البشرية الجديدة التي ينقلها إلينا الروح القدس من المسيح يسوع في سر المعمودية: هكذا نحن إذ نولد من فوق من الماء والروح، فإننا في المسيح نُحيا جميعًا، الجسد لم يعُد أرضيًا، بل يصير ناطقا كالكلمة (القديس أثناسيوس) واضح أن النطق ليس هو الكلام بالفم فقط، بل هو استعلان بالروح القدس لِما هو مستتر في الكيان البشري مِن أن الطبيعة البشرية قد تجدَّدت وغلبت الموت والفساد لأن الجسد ”لم يعد أرضيًا“. وهكذا المذبح الذي نقدم عليه قرابيننا من الخبز والخمر في سر الإفخارستيا لم يعد المذبح بناء أصم من حجارة بل قدَّسه الروح القدس بالتالي صار كيانًا سماويًا ناطقًا أي يَستعلِن به الروح القدس ماهو غير مرئي من أسرار الرب الكلمة. هذا الاستعلان يكشف لنا ما نعبر عنه ونصلي به في القداس الإلهي أن الرب حاضرٌ على هذا المذبح ويقدم جسده ودمه مثلما كان يوم خميس العهد حاضرًا على مائدة الفصح يقدم جسده ودمه لتلاميذه. هوذا كائنٌ معنا علي هذه المائدة عمانوئيل إلهنا حمل الله الذي يحمل خطية العالم كله. الجالس علي كرسي مجده. الذي تقف أمامه كل الطغمات السمائية. الذي تسبحه الملائكة بأصوات البركة. ويخُرّ ويسجد له رؤساء الملائكة. ما نريد أن نوضحه أن الروح القدس إنما ينقل حياة الله وينطق بها في كل ما يقدسه، ويُعلن ويَستعلِن تدبير الخلاص الذي أكمله المسيح كلمة الله من أجلنا نحن البشر. وقد سبق وأكد الرب يسوع المسيح مشيرًا إلى هذا النطق الإلهي والاستعلان الذي يقوم به الروح القدس: يأخذ مما لي ويخبركم وكذلك الروح أيضا يعين ضعفاتنا، لأننا لسنا نعلم ما نصلي لأجله كما ينبغي. ولكن الروح نفسه يشفع فينا بأنات لا يُنطَق بها... لأنه حسب مشيئة الله يشفع في القديسين. (رومية 8: 26) ويقول الرب له المجد: وأما المعزي، الروح القدس، الذي سيرسله الآب باسمي، فهو يعلمكم كل شيء، ويذكركم بكل ما قلته لكم. لا أتكلم أيضا معكم كثيرًا، لأن رئيس هذا العالم يأتي وليس له في شيء. ولكن ليفهم العالم أني أحب الآب، وكما أوصاني الآب هكذا أفعل. قوموا ننطلق من ههنا. (إنجيل يوحنا 14: 26) العجيب أن الرب ”كلمة الله“ يقول ”لا أتكلم معكم كثيرًا“ ثم يستطرد قائلًا ”ولكن ليفهم العالم“. فمن أين للعالم هذا الفهم يا رب؟ ولكن الإجابة تأتي في قول الرب له المجد إن الروح القدس ”يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم“. فالروح القدس هو الناطق بكل ما صنعه الرب يسوع المسيح لنا. وإن جاز القول فإن الرب يسوع المسيح هو ”كلمة الله“ ونطقها هو الروح القدس. وإني أقول ”كيف تفكر“ أهم بكثير ”مما تفكر فيه“ حتى لو كان التفكير عن الله نفسه
لأن منهج التفكير يحفظ ويضبط الشتت في الفكرة نفسها. هكذا منهج الروحانية الأرثوذكسية الذي تسلمناه في الكنيسة حسب الكتاب والآباء أن نكون ”مسوقين بالروح القدس“ لأن الروح القدس هو الذي ينطق فينا إذ نفكر في خلاص وحب إلهنا، بالتالي يحفظ تفكيرنا: ”لأن مَن مِن الناس يعرف أمور الإنسان إلا روح الإنسان الذي فيه؟ هكذا أيضا أمور الله لا يعرفها أحد إلا روح الله. ونحن لم نأخذ روح العالم، بل الروح الذي من الله، لنعرف الأشياء الموهوبة لنا من الله“ (كورنثوس الأولي2). لذلك يقول الوحي في (كورنثوس الأولى 12) ”وليس أحد يقدر أن يقول «يسوع رب» إلا بالروح القدس“. وقد أسهب الوحي المقدس في الشرح علي لسان القديس بولس الرسول في (كورنثوس الأولي 1). ” لأن المسيح لم يرسلني لأبشر بحكمة كلام لئلا يتعطل صليب المسيح. فإن كلمة الصليب عند الهالكين جهالة، وأما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله، لأنه مكتوب: «سأبيد حكمة الحكماء، وأرفض فهم الفهماء»... لأنه إذ كان العالم في حكمة الله لم يعرف الله بالحكمة، استحسن الله أن يخلص المؤمنين بجهالة الكرازة. لأن اليهود يسألون آية، واليونانيين يطلبون حكمة، ولكننا نحن نكرز بالمسيح مصلوبًا: لليهود عثرة، ولليونانيين جهالة ! وأما للمدعوين: يهودا ويونانيين، فبالمسيح قوة الله وحكمة الله. لأن جهالة الله ( التي يظنها البعض أنها ظهرت على الصليب ) أحكم من الناس. وضعف الله الذي يظنه البعض أنه ظهر على الصليب) أقوى من الناس“. --- ### [٨] أبونا أنجيلوس (٢) - Published: ۲۰۲۳-۱۱-۰٤ - Modified: 2023-11-04 - URL: https://tabcm.net/13990/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون غلط إيه اللي تصلحه، الغلط لما بيكون آثار تراكمات سنين بيبقى زي الجبل، تقدر تحرك الجبل؟! أبونا أنجيلوس معجبوش إن كل شوية حد يغير الموضوع: - سامي عاوز اسألك سؤال و تجاوبني بصراحة. - أتفضل يا أبونا. - هو انت عملت الفيلم ده كله، و بعت الرسالة لسيدنا عشان يتمسك بيك أكتر، صح؟ في حد فهمك ووعّاك إنك تمثل إنك متواضع وبتهرب من الكهنوت علشان الكهنوت هو اللي يجري وراك، صح؟ رد عليا بصراحة. - لأ يا أبونا، أنا ولا بمثل على سيدنا ولا حد طلب مني إني أمثل، ولا أنا شخصيًا محتاج إني أمثل، وأظن إن قدسك أكتر واحد دلوقتي فاهم كويس إن لو سيدنا قفل الموضوع أنا هكون أكتر واحد فرحان، أنا كل المشكلة إن في صراع و حيرة، بين إن فيه دعوة للكهنوت والكهنوت نعمة و بركة كبيرة، وبين إني فعلا خايف من إن الوزنة تكون أكبر مني، وبدل ما تكون سبب إكليل ومجد تكون سبب دينونة و هلاك، قدسك عارف كويس إن معرفش غير القراءة والدراسة والبحث، وكل شغفي طوال سنوات خدمتي الوعظ والتعليم، كان ليا دور في إعادة إحياء المكتبة الاستعارية، وعملنا نموذج لمكتبة إلكترونية نجحت جدًا، الشباب والشعب بقوا يتنافسوا في تلخيص الكتب وعمل الأبحاث من خلالها، عملنا مسابقة تلخيص ال ١٠٠ كتاب في سنة، اشترك فيها أكتر من ٩٠٠ فرد من أعمار مختلفة ومكنش فيه ولا هدية، يعني شجعنا الناس على الدراسة من أجل الدراسة مش علشان الهدية في الآخر، اشتركت في تنظيم ماراثون الكتاب المقدس في عام، واشترك فيه ١٤٠٠ فرد من كنيستنا ومن الكنايس اللي حوالينا والفكرة نجحت جدًا، وكنا بنعمل لقاءات أسبوعية على zoom وMicrosoft team مش بنعمل فيها حاجة غير إننا بنقرأ مع بعض في الكتاب المقدس ونصلي مع بعض، اشتركت في تنظيم إحياء دراسات وتراث الآباء، لدرجة إن أطفال ابتدائي النهاردة في كنيستنا يعرفوا مين هو القديس أثناسيوس ومين القديس كيرلس ومين القديس ديسقورس، ولو قلت لهم أي أب، هيقولوا لقدسك ده ينتمي لأنهو مدرسة وإيه أهم أفكاره وإيه أهم الأفكار اللي كان بيحاربها، وطلعنا بمجموعة هايلة من الشباب إتعلّمت يوناني، وابتدوا يكملوا ترجمة الأعمال اللي لسه مش مترجمة للغة العربية. - عظيم جدًا، كل ده عظيم يا دكتور، بس انت فاكر لما تبقى كاهن هيبقى عندك وقت للكلام ده. - المفروض إن ديه الخدمة الأعظم للكاهن، خدمة الأسرار و التعليم، وأي حاجة ثانية أي حد تاني ممكن نخليه يعملها، وده مش اختراعي، زمان التلاميذ رسموا الشمامسة لخدمة الموائد عشان يتفرغوا لخدمة الأسرار و التعليم. - براڤو عليك يا دكتور، قلت زمان، دلوقت بقى الكلام ده مينفعش، لما يكون عندك أكتر من ١٨٠ أسرة في كشوفات إخوة الرب بمرتبات ثابتة شهرية، غير الأسر المستورة، غير الناس اللي حالها كويس بس فجأة تحصلهم مشكلة ومفيش غير الكنيسة هيّ المصدر الوحيد لحلها، يبقى كاهن الكنيسة له دور مهم، لما يكون عليك ككنيسة توفير علاج شهري ثابت غير العمليات والجراحات الفجائية، يبقى كاهن الكنيسة له دور مهم، لما تكون كل شهر محتاج تجهز اكتر من ١٠ عرايس عشان يباتوا في بيوتهم مستورات، يبقى كاهن الكنيسة له دور مهم، لما خدمة مدارس الأحد تحتاج تدعيم للهدايا والرحلات والمؤتمرات عشان الخدمة تستمر يبقى الكاهن له دور مهم. - ليه؟! ليه كل حاجة الكاهن، ما يوزع أدوار وتتعمل لجان إشراف ويتفرغ هو للخدمة والتعليم والأسرار. - ومين قالك إن مفيش أدوار متوزعة، فيه لجان، واللجان تحتها لجان وفوقها لجان، بس لو أبونا شال ايده المركب هتقف، عارف انت لو بعتنا واحد بقميص وبنطلون للمعلم فلان ولا أستاذ علان وقاله الكنيسة محتاجة ١٠٠٠ جنيه؟ لو عرف ياخد ١٠٠ بس يبقى برافو عليه، لكن لو كاهن راح ووطى على ودن المعلم فلان ولا أستاذ علان وقالهم الكنيسة محتاجة ١٠٠٠ هيرجع ب ٥٠٠٠. - يبقى فيه مشكلة هنا، يبقى فيه غلط لازم نصلحه عند الناس. - غلط إيه اللي تصلحه، الغلط لما بيكون آثار تراكمات سنين بيبقى زي الجبل، تقدر تحرك الجبل؟! - زمان أجدادنا بالإيمان رفعوا الجبل، ولو مرور السنين بيصعب الإصلاح، يبقى أكيد مش الحل إننا نزود عدد السنين فيزيد ثقل الجبل. - يا دكتور، أوعى تفتكر إنك لوحدك اللي بتفهم أو بتفكر، أوعى تفتكر إنك بتفهم أكتر من كل الناس وإنك هتصلح الكون، إذا كنت انت دكتور، فأنا قبل الكهنوت كنت مهندس، ومدير في مصنع فيه ١٢٠ مهندس غير الفنيين والعمال، لو الكاهن ساب دوره للعلمانيين المركب هتغرق، لأن الفراجية السودا ليها هيبتها وكلمتها. بص يا ابني أنا هقولك كلمتين حطهم حلقة في ودانك، سواء بقيت كاهن أو فضلت بقميص وبنطلون، أنا يمكن تفتكرني البطل الشرير في رواية أحدهم، بس زي ما قلت لك أنا كل حاجة بحسبها بالورقة و القلم، بالأرقام، ١ + ١ = ٢، انت لو بقيت كاهن مش هيبقى عندك وقت تقرأ وتحضر زي ما انت فاهم، لو عرفت تفضي ساعتين في الأسبوع تبقى عملت إنجاز، أنا ساعات بلاقي عليا في يوم واحد عظة القداس وعظة خارجتين تلاتة وكلمة في اجتماع مدعو ليه وعظة العشية وكام جنّاز باليل بنجامل فيه أولاد الكنيسة، يعني أقل أسبوع ممكن يعدي عليا بحتاج أقول فيه ١٠ وعظات، تفتكر هتحضر ١٠ مواضيع مختلفين كل أسبوع، هى عظة واحدة وتظبطها بقى انت وشطارتك تكون مناسبة لكل الناس ولكل المناسبات، أصلا انت فاكر سيدنا هيسيبك تعمل غير كده، أصلا سيدنا شايف إن مفيش حد بيعرف يعلم ولا يوعظ غيره، بلاش سيدنا خالص، فاكر الآباء وهما قاعدين معانا أهو، هيسبوك تقرأ وتحضر وتعلم وتوعظ وياخدوا هما ربش الخدمة، بلاش الأبهات خالص، تفتكر الشعب ذات نفسه هيسمعك تعلم وتوعظ وهو جعان وعيان ومعهوش مليم في جيبه، يا دكتور سامي، أما المجتمع تخلى عن أدواره الأساسية تجاه الشعب في توفير حياة كريمة، وفي المساواة بين أطياف الشعب في الحقوق والواجبات وفي عصور كثيرة كان في تمييز للبعض وتهميش للبعض الآخر، ده خلى الكنيسة هيّ كمان تسيب دورها الأساسي وتهتم بالدور اللي سابه المجتمع ليها، عشان الكنيسة أم، أم يا دكتور سامي، ومينفعش الأم تسيب عيالها مداس عليهم بالجزم وتروح تقول طب لما أبقى أعلمهم. ساد صمت طويل ومحدش قال كلمة، قطعه أبونا أنجيلوس لما قام وقال: أنا ماشي، والبركة في الآباء بقى هما يقعدوا معاك، سيدنا مستني منك تليفون عشان يقولك ميعاد الرسامة يا دكتور، قصدي يا أبونا، سلام. . يتبع . . --- ### مزارات البطاركة: تكريم وتنافس على الشهرة - Published: ۲۰۲۳-۱۱-۰۳ - Modified: 2024-05-18 - URL: https://tabcm.net/15445/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: الكنيسة القبطية, المجمع المقدس, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس السادس, دير الأنبا بيشوي, سوبيك, غريغوريوس النيسي, لوياثان, ماركو الأمين, مزارات القديسين, يوسابيوس بامفيلوس القيصري لفتت نظر مارتينا، قصاصات ورق مطبقة متناثرة بجانب السرير الخاص بالبابا شنودة، أخبرتها أمها، أميرة، بأنها طلبات لأشخاص وتوسلات لآخرين، يضعونها لمن يحبونه من القديسين لكي يتشفع لهم أمام الله، لأنه سبقهم إليه. تقول: "والبابا شنودة كان قديسًا عظيمًا وحبيب ربنا... من أجل هذا يتشفع به محبّوه" بخشوع وسكينة، تسير أميرة تادرس، على أطراف أصابعها نحو متحف البابا الراحل الأنبا شنودة الثالث، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، في كنيسة السيدة العذراء مريم في منطقة الزيتون في القاهرة.  تصعد الدرج بهدوء متأملةً صور البابا شنودة المعلقة على جانب الحائط الملاصق، وتقرأ التواريخ بعناية، والملاحظات المدوّنة أسفل كل مجموعة من اللقطات. عاهدت أميرة، السيدة الأربعينية التي تسكن في منطقة شبرا بالقاهرة، وهي والدة كل من مارتينا وكيرلس ، عاهدت نفسها على الصلاة أمام أحد المزارات الثلاثة للبابا شنودة منذ رحيله في 20 آذار/مارس 2012، سواءً الموجود في دير الأنبا بيشوي في منطقة وادي النطرون، حيث يرقد جسده، أو في مقر رئاسته في الكاتدرائية المرقسية في العباسية، وأخيرًا هذا المتحف (المزار) الموجود في كنيسة العذراء مريم، باحثة عن الراحة الروحية والتقرب من البابا الراحل. علاقتي بالبابا شنودة بدأت في سن مبكرة. كانت أمي تصطحبني كل أربعاء بعد يومي الدراسي المزدحم لنستمع إلى عظة البابا شنودة في الكاتدرائية، التي يلتقي خلالها بجموع غفيرة من الشعب القبطي المتعطش إلى هذا اللقاء؛ بعضهم قادم من الصعيد والقرى خصيصاً فقط ليستمع إلى عظة البابا ويلتقي به وجهاً لوجه، ثم يشدّ الترحال إلى بلده مرةً أخرى مهما كلّفه ذلك من مشقّة في السفر والطريق (أميرة تادرس)   داخل المتحف في قاعة الاستقبال الرئيسية للمتحف، تجولت مارتينا بعينيها بين آثار البابا التي لم تشهد عهده قط، ولم تعرف عنه إلا من خلال قصص والدتها. سألت مريم، موظفة الاستقبال، عن اللفافة الحمراء المحاطة بسياج حديدي. فأوضحت لها مريم أنها تحتوي على "شعر البابا شنودة"، والذي تساقط بعد إصابته بـ"مرض السماء" (السرطان). وتشرح مريم: "هنا ملابس البابا شنودة المتنوعة: 'التونية البيضاء' التي كان يرتديها داخل الكنيسة وفي أثناء القداسات (أحد أهم التجمعات الدينية الخاصة بالمسيحيين)، وهنا 'القلنسوة' وهي غطاء الرأس كله، ثم تتدلى خلف الرأس حتى الكتفين، و'البطرشيل' (صدرية مرسومة عليها صور الرسل الإثني عشر ويتم ارتداؤها في أثناء القداس فوق 'التونية'). وأخيرًا "البُرنس"، وهو عبارة عن رداء طويل واسع بلا أكمام مفتوح من فوق إلى أسفل، وهو مزين بخيوط من الذهب والفضة، وله ألوان زاهية ويُصنع للبطريرك خصيصًا ليرتديه في المناسبات والأعياد وبعض اللقاءات الرسمية. " لاحظت مارتينا أوراقًا مطوية متناثرة بجوار سرير البابا شنودة، أخبرتها أمها، أميرة، بأنها طلبات وتوسلات من أشخاص يضعونها للقديسين الذين يحبونهم ليتشفعوا لهم أمام الله، لأن القديسين سبقوهم إلى السماء. وأضافت: والبابا شنودة كان قديسًا عظيمًا وحبيب ربنا... من أجل هذا يتشفع به محبّوه. لا يختلف المشهد كثيرًا في مزار البطريرك الـ116 بين بطاركة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وهو البابا كيرلس السادس الذي توفي في 9 آذار/مارس 1971. تتدفق جموع المصلين من أرجاء مصر إلى المزار، حاملين معهم آمالهم ودعواتهم إلى البابا الراحل. يتذكرونه كرجل قداسة وتقوى، عرف بمحبته العظيمة لشعبه. وكان أيضًا شخصية بارزة في الحركة المسكونية، إذ سعى جاهدًا لتعزيز الوحدة بين الكنائس المسيحية المختلفة. يُقال أن العديد من المعجزات حدثت في المزار، ويعتقد العديد من المؤمنين أن صلواتهم تُستجاب من خلال شفاعة البابا كيرلس السادس. يعتبر المزار مكانًا مقدسًا ومركزًا للحج بالنسبة لأتباع الكنيسة القبطية الأرثوذكسية. داخل مبنى رخامي مهيب، ترتفع قبة سماوية شامخة فوق ساحته الداخلية. تسبق الساحة مزارًا مقدسًا يضم متحفًا لمقتنياته، ومنها ملابسه الكهنوتية وصلبان من جلدية، وأدواته الخاصة من أقلام وأحذية وساعة "كاتينة"، وكل هذا مع مجسم كبير له. يشهد المزار الخاص بالبابا كيرلس، الموجود في دير مار مينا العجائبي في منطقة كنج مريوط غرب الإسكندرية، كل عام في ذكراه، توافدَ آلاف القاصدين لنيل بركته، والدعاء أمام جسده، لا سيما في أثناء طقس "التطييب" (تراتيل وصلاة تقام وسط أجواء احتفالات روحية يتخللها إعداد "حنوط البركة"، وهي مادة مستخدمة في التطييب، وهي خليط من زيوت عطرية يتم خلطها، وتُدهن فوق الأنبوب الخشبي المحتفظ برفات القديس). وترجع أصول التطييب إلى كونه تقليدًا يهوديًا نُقل إلى المسيحية منذ عصورها الأولى، واحتفظت به الكنيسة لإكرام قديسيها من ناحية، وتاليًا لربطها بقصة ذُكرت في الإنجيل، عن امرأة سكبت الطيب على قدمَي يسوع المسيح الذي امتدحها بقوله: اتركوها، إنها ليوم تكفيني قد حفظته، مواجهًا من انتقدوا تصرفها ورأوا أنها من الأفضل أن تقدّم ثمن العطور الثمينة إلى الفقراء والمعوزين.   حالة إيمانية أم سعي إلى الشهرة؟ القديس غريغوريوس النيسي، عاش بين 330 و390 م، يردّ سبب تكريم أجساد الشهداء إلى اعتبار هذه الرُفات مصدر تهذيب للكنيسة، تطرد منها الأرواح النجسة وتأتي إليها بالملائكة، ليطلب المؤمنون ما لخيرهم، ويأخذوا منها شفاءً للأسقام، عادًا أن هذه الأجساد ملجأ أمين للشفاعة عند الذين في شدة وكنز خيرات للفقراء والمعوزين. فمنذ العصور الأولى صنعت الكنيسة هياكل صغيرةً تحوي أجساد شهدائها، وأطلقت على هذه الهياكل أو الكنائس باليوناني "مارتيريم Martyrium"، أي "كنيسة صغيرة لذكرى شهيد"، إلى درجة وصلت إلى ربط استحقاق المذبح (المكان الذي تقام عليه التقدمات والطقوس الدينية)، للتكريم مع احتوائه على جزء من جسد شهيد، فكان الكاهن الذي يعيَّن على هذا المذبح يُعدّ أعلى رتبةً من أي كاهن آخر، ويطلَق عليه: "خادم شهادة". وفي هذا يقول المؤرخ يوسابيوس القيصري الذي عاش في الفترة بين 263 و310 م، إن ملكية أي كنيسة لجسد شهيد أصبح غنى وشهرةً فائقةً، بالإضافة إلى صحة الإيمان والعقيدة، لذلك صارت الكنائس تتسابق على اقتناء هذه الأجساد الغالية، حتى أن بعض الكنائس سامت (عيّنت) أساقفةً مسؤولين عن أجساد القديسين التي تحتفظ ببركتها.   مزارات العصر الحديث يرصد الباحث في التاريخ القبطي، ماركو الأمين، مراحل عدة مرت بها مزارات القديسين على مدار تاريخ الكنيسة، إذ نُقلت من عادات مصرية قديمة كان يتم فيها تكريم الصالحين والشهداء بطقوس جنائزية كبيرة، مثل احتفالات مزارات آلهة الأقاليم المصرية القديمة، سوبك وآمون ورع. الكنيسة المسيحية في مصر واجهت بعد أزمنة الاضطهاد ما يشبه إعلان كل قرية أو مدينة أو ناحية شهيدًا خاصًا بها، تبني له مزارًا وتعدّ له احتفالًا شعبيًا يحج إليه مسيحيون من كل حدب وصوب (ماركو الأمين) خلال فترة تسعينيات القرن الماضي، ومع موجة الهجمات الإرهابية على الأقباط في مصر، بدءًا من أحداث الكُشح، بدأ ظهور تفسيرات شعبوية تهدف إلى تخدير وعي المسيحيين الذين شعروا وقتها بالهزيمة وبعدم حصولهم على حقوقهم، وكان من بينها انتشار حكايات عن معجزات عدم تحلل أجساد القديسين، ومعها دُشّنت المزارات في العديد من المناطق المتفرقة في مصر. (ماركو الأمين) بالتزامن مع حوادث جرت للأقباط من استهداف على الهوية الدينية مع تصاعد التيارات المتشددة عقب اندلاع ثورة الخامس والعشرين من كانون الثاني/يناير 2011، تزايدت "موضة" بناء المزارات إبان حبرية البابا تواضروس البطريرك الحالي، وبالأخص بعد أحداث عنف كبيرة شهدتها كنائس البطرسية وطنطا والمرقسية ومدق دير القلمون مرورًا باستهداف وقتل 20 مصريًا مسيحيًا على أيدي تنظيم داعش في ليبيا. (ماركو الأمين)   يرى الأمين أن الأمر خرج من كونه احتفاءً بشهداء إلى رغبة في استعراض رجال دين لنفوذهم، ببناء مزارات في إيبارشياتهم، تكلّف الكثير من الأموال والخامات عالية التكلفة من رخام ومجسمات ومساحات شاسعة، لتصبح في ما بعد وسيلةً لجذب الزوار كنوع من التجارة الرائجة البعيدة عن القيمة الروحية والهدف الديني. وفي تقدير الباحث القبطي، أن هذه التوسعات فيما يعرف بـ"مزارات القديسين"، ستظل قائمةً ما لم تحدّها قرارات من المجمع المقدس (الهيئة العليا للكنيسة القبطية الأرثوذكسية)، بوضع عقوبات على من يخالفها وتحديد وتقنين المزارات وأعيادها والالتزام بها ومنع تقديم النذور والعطايا وإقامة الصلوات في الأماكن المغالية في المظاهر المادية، أو التي لم تلتزم بالقواعد المحددة من قبل المجمع.   اقرأ أيضا:   --- ### هل لأنها احتلت سيناء؟ - Published: ۲۰۲۳-۱۱-۰۲ - Modified: 2025-02-12 - URL: https://tabcm.net/14632/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, شئون علمانية - وسوم: إبراهيم الهلباوي, إرفين رومل, اتفاقية الجلاء, الحرب العالمية الثانية, برنارد مونتجمري, جمبري بيجار, خديوي محمد سعيد باشا, رئيس جمال عبد الناصر, رودولفو جراتسياني, عبد الحكيم عامر, عمر المختار, فرديناند دليسبس, كاميلي شوطون, لورد كرومر, مايلز ويديربيرن لامبسون, مذبحة دنشواي, مصطفى النحاس, ملك فاروق لماذا يتناسى المصريون ويلات الاحتلال البريطاني لمصر والفرنسي والإيطالي للدول العربية الشقيقة، والذي كان قطعًا أسوأ وأشد فظاعة وأطول مدة، والأعلى من حيث الخسائر في الأرواح والممتلكات، والأوسع من حيث منطقة سيطرة ونفوذ المحتل، ويستمرون بمعاداة إسرائيل، ويرفضون السلام معها ويتهمون الداعين لإقامة العلاقات السياسية والتجارية والثقافية مع إسرائيل بالخيانة؟ في الخامس من يونيو من العام 67، شنت إسرائيل حرب غاشمة على مصر، سميت بحرب الأيام الستة. كانت هزيمة نكراء لمصر وللوطن العربي لقبها عبد الناصر بالـنكسة محاولًا التقليل من تأثيرها وللتغطية على حالة التردي التي شابت الأوضاع السياسية في مصر بعدما تحولت البلاد إلى ضيعة خاصة له ولصديقه عبد الحكيم عامر، وكانت الهزيمة هي النتيجة المتوقعة. احتلت إٍسرائيل قطعة من أرض مصر لحوالي سبع سنوات بينما احتلت فرنسا منطقة قناة السويس لحوالي سبع عقود بدأت من عام 1854، وامتاز الاحتلال الفرنسي بكونه: احتلالًا بالقانون.   الاحتلال الفرنسي لمصر تعود بداية التأسيس للاحتلال بالقانون عندما أقنع "فرديناند دليسبس" الخديوي محمد سعيد باشا، والي مصر، بإصدار فرمان / عقد امتياز قناة السويس لصالح الشركة الفرنسية لقناة السويس، لحفر وتشغيل القناة لمدة 99 عاما بشروط مجحفة لمصر والمصريين، وبعدها تؤول ملكية القناة للحكومة المصرية. كانت أهم شروطه أن تتنازل الحكومة المصرية للشركة الفرنسية مجانًا عن جميع الأراضي المملوكة لها والمطلوبة لإنشاء قناة السويس وترعة الإسماعيلية، أما الشرط الأكثر إذلالًا للمصريين هو أن يكون 80% من العمال من المصريين بالسخرة، وفي المقابل تحصل مصر على 15% من صافي الأرباح مقابل الأراضي والامتيازات الممنوحة للشركة. بدأ حفر القناة في عام 1859 وانتهى بعد عشر سنوات في عام 1869، بعرض 190 مترًا، وعمق 58 قدمًا، واستخراج 74 مليون متر مكعب من الرمال عن طريق نحو مليون مصري، وذلك في وقت كان عدد سكان مصر أقل من 4 ملايين. أخلفت الشركة الفرنسية وعدها بتوفير وسائل متطورة في الحفر لتخفيض النفقات، وأُكره العمال المصريون على العمل في ظروف قاسية معتمدين فقط على سواعدهم وعلى الفأس والقفّة، ثم نقضت الشركة وعدها ثانية بحفر قناة ماء عذب لمد العمال بمياه الشرب، ولقى أكثر من 120 ألف عامل حتفهم نتيجة شدة العطش والانهيارات الرملية، والأوبئة مثل الكوليرا والجدري والسل، والإجهاد والمعاملة السيئة، ومعظمهم لم يستدل على جثمانه ودُفن في الصحراء أو غرقًا تحت مياه القناة أو الردم، حتى أمم عبد الناصر القناة عام 1956، وفي المقابل شنت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل الحرب على مصر فيما عرف بالعدوان الثلاثي.   الاحتلال البريطاني لمصر احتلت بريطانيا العظمى جميع أنحاء المملكة المصرية بِرُمَّتها وسيطرت عليها سيطرة تامة لحوالي سبع عقود، بدءًا من العام 1882 بعدما قصف الأسطول البريطاني مدينة الإسكندرية لمدة ثلاث أيام حتى دُمرت بالكامل وسوّيت بالأرض، ثم خاض جنود عرابي معركة التل الكبير في 13 سبتمبر 1882 وانتهت بهزيمة الجيش المصري واحتلال مصر بالكامل. خلال تلك المدّة، كان لبريطانيا العظمى اليد العليا في البلاد إلى حد أنها كانت تقرر حرفيًا من يحكم مصر، بدءًا من رئيس الحكومة وحتى الملك ذاته، حتى أنها هددت الملك فاروق، أخر ملوك مصر، بالخلع في 4 فبراير 42 إن لم يستجب لرغبة المفوض السامي البريطاني سير مايلز لامبسون بتشكيل وزارة يرأسها مصطفى النحاس، ولما رفض فاروق الامتثال لأوامر لامبسون، حاصرت القوات البريطانية قصر عابدين بالدبابات لإجبار فاروق عن التنازل عن العرش، حتى تراجع فاروق وخضع لأوامر لامبسون. أما عن الانتهاكات ضد الشعب المصري فلا تعد ولا تحصى، أشهرها على الإطلاق مذبحة دنشواي، حيث تطور الأمر بين خمسة ضباط إنجليز وبعض الفلاحين المصريين أدى إلى مقتل عدد من المصريين بالنار بينهم امرأة، ووفاة ضابطٍ بريطاني بضربة شمس. كان رد فعل المعتمد البريطاني اللورد كرومر قاسيًا جدًا وسريعًا، فقد أقام محكمةً عرفيةً عقدت أولى جلساتها في 24 يونيو بعد تحقيقٍ دام أحد عشر يومًا فقط، وقدّم 92 قرويًا للمحاكمة بتهمة القتل العمد، ونجح مدّعي النيابة "إبراهيم الهلباوي" ليس فقط بتبرئة ضباط الاحتلال وجنوده من القتل وحرق الأجران، وإنما أيضًا في إثبات أنهم كانوا ضحايا، وأن أهالي دنشواي هم المذنبون. ألصقت التهمة بستٍ وثلاثين منهم، وحُكم بإعدام أربعة شنقًا، ومعاقبة أثنى عشر بالسجن، تراوحت أحكامهم بين الأشغال الشاقة المؤبدة وخمس عشرة سنة وسبع سنين وسنة، وعلى خمسة آخرون بالجلد خمسين جلدةً، واستغلت بريطانيا موارد مصر أسوأ استغلال خلال الحرب العالمية الثانية وأستنفذنها لمصلحة المجهود الحربي البريطاني، وتحولت مدينة العلمين المصرية إلى ساحة حرب بين القوات البريطانية بقيادة مونتجمري، والنازية بقيادة روميل، في حرب لا ناقة لمصر فيها ولا جمل. وهكذا كان الحال حتى وقع عبد الناصر اتفاقية الجلاء في أكتوبر 54، وفي 18 يونيو 56 تم إجلاء أخر جندي أجنبي عن مصر.   الاحتلال الإيطالي لليبيا وعلى الصعيد العربي، احتلت إيطاليا دولة ليبيا العربية الشقيقة في سبتمبر 1911، وقاد الشيخ عمر المختار الكفاح المسلح ضد السفاح جراتسياني الملقب بجزار أثيوبيا، الذي أقام العديد من معسكرات العمل والمعتقلات الجماعية التي مات فيها عشرات الآلاف من السجناء الليبيين من الجوع أو المرض، إذا لم يقتلوا شنقًا أو إعدامًا بالرصاص، وأقام "المحكمة الطائرة" التي كانت هيئتها تنتقل من مكان إلى آخر بطائرة خاصة لتحكم بشنق الليبيين على الفور رجالًا ونساء في محاكمات صورية. داهم جراتسياني نجوع الليبيين واجبر سكانها على ترك أراضيهم وممتلكاتهم، وساقهم في قوافل إلى المعتقلات الجماعية، وأشهرها معتقل "العقيلة" الذي أعُتقل فيه أقارب المجاهدين الليبين، مثل "قبيلة المنفة" وهي قبيلة عمر المختار وأنزل بهم الطليان أشد أنواع القهر والعذاب، أو "قبيلة العواقير" الذين جمعهم الطليان واجبروهم على السير على الأقدام إلى مسافة تصل إلى 300 كيلومتر في طرق وعرة أو صحراوية وفي مناخ قاس شديد الحرارة، وكان حين يبطئ كبار السن والضعفاء في المسير، يعمد حراسهم الإيطاليون إلى أخذهم جانبا، وإعدامهم رميا بالرصاص، لأن أوامر غراتسياني كانت شديدة، بحيث لا تسمح بأي تأخير للوصول إلى المواقع المقررة لاعتقالهم، لكن رحلة العذاب والموت هذه لم تكن إلا البداية فالذين وصلوا أحياء كان ينتظرهم مسلسل آخر للآلام والإهانة والقهر. وقاد جراتسياني عملية الهجوم على "مدينة الكفرة" مشرفًا على الفظائع التي ارتُكبت فيها من قبل جنود الطليان ضد الليبيين المسالمين، وكان جراتسياني يأمر طياريه بإلقاء قنابل الغازات السامة مثل غاز الفسجين، وهو من اشد الغازات فتكا وأكثر سمية من الكلور 15 مرة. وفي الفترة ما بين يناير 1924 إلى يونيو 1925، قام الطيران الإيطالي في تلك المدة بـ 3103 طلعة في مجموع ساعات طيران بلغت 2630 ساعة، قطع خلالها 400 ألف كيلومتر، وقذف فيها 22770 أنبوبًا متفجرًا، و47649 قنبلة حارقة ومتفجرة من بينها الكثير من الغازات السامة، وقد مات المئات من الليبيين خنقا بهذه الغازات المحرمة عالميًا، وهكذا ناضلت ليبيا حتى استقلت في ديسمبر 1951 تحت اسم المملكة الليبية.   الاحتلال الفرنسي للجزائر واحتلت فرنسا الجزائر العربية الشقيقة في يوليو 1830، وقاموا بمحو الهُوِيَّة الجزائرية، حتى إن رئيس وزراء فرنسا آنذاك Camille Chautemps (كاميلي شوطون) أصدر قرارًا نص على حظر استعمال اللغة العربية واعتبارها لغة أجنبية في الجزائر، وجعل اللغة الوحيدة للبلاد هي اللغة الفرنسية. على مدار 132 عامًا، أذاق الاحتلال الفرنسي الشعب الجزائري الويلات حتى لُقبت الجزائر بلقب المليون شهيد، ففي 8 مايو 1945 خرج الآلاف في ولايات سطيف وقالمة وخراطة (شرق)، ابتهاجًا بنهاية الحرب العالمية الثانية، آمِلين أن تفي فرنسا بالوعد الذي قطعته لهم وهو الاستجابة لمطلب الاستقلال، الذي رفعوه إليها عبر أحزاب وطنية، وقابلت فرنسا الجماهير المبتهجة بقمع عسكري، فقتلت أكثر من 45 ألف ضحية، حسب تقديرات جزائرية. خلال "معركة الجزائر" سنة 1957، اختفى أكثر من 8000 رجل من سكان العاصمة، بعدما اختُطفوا من منازلهم وتعرّضوا لتعذيب رهيب وقتل بطرق بشعة أبرزها طريقة جمبري بيجار وتتمثّل هذه الطريقة في "غرس الرجال مِن أقدامهم داخل قوالب إسمنتية من أرجلهم وتركهم على هذه الحال حتى يجف الإسمنت، وبعدها يُحملون في طائرات عسكرية ويُرموا في عرض البحر حيث يموتون غرقا. أو مذبحة نهر السين في 17 أكتوبر 1961، حيث تصدّت القوات الفرنسية في باريس لقرابة 60 ألف متظاهر جزائري طالبوا بالاستقلال، وكانت نتيجة القمع مقتل 1500 جزائري بالرصاص أو غرقا في نهر السين، و800 مفقود وآلاف المعتقلين.   ومع ذلك فلا يكن عوام العرب وﻻ المصريون أي عداء ولا لبريطانيا، ولا فرنسا، ولا إيطاليا، ولا يمتنعون عن زيارة تلك الدول، ولا يتهمون الزوار بتهم ساذجة مثل التطبيع، بل على العكس تمامًا فأن حلم أي شاب مصري وفتاة مصرية هو زيارة عاصمة الضباب لندن، وعاصمة النور والحب باريس، وعاصمة الفن والجمال روما. لماذا يتناسى المصريون ويلات الاحتلال البريطاني لمصر والفرنسي والإيطالي للدول العربية الشقيقة، والذي كان قطعًا أسوأ وأشد فظاعة وأطول مدة، والأعلى من حيث الخسائر في الأرواح والممتلكات، والأوسع من حيث منطقة سيطرة ونفوذ المحتل، ويستمرون بمعاداة إسرائيل، ويرفضون السلام معها ويتهمون الداعين لإقامة العلاقات السياسية والتجارية والثقافية مع إسرائيل بالخيانة؟ --- ### (٣) ما جئت لأنقض بل لأكمل - Published: ۲۰۲۳-۱۱-۰۱ - Modified: 2023-11-01 - URL: https://tabcm.net/14779/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, كتاب مقدس - وسوم: الترجمة اليونانية, قديس بولس الرسول ليه بتاخد منها جزء وتسيب الكل؟! ليه ما بتطبقش كل الوصايا اليهودية والشرائع الموسوية في سفر اللاويين بحذافيرها عليك وعلى الكل؟ من ناحية لغوية، وبأقل بحث ودراسة عادية، ومقارنة مع الترجمات الانجليزية المتوافرة، وبالعودة إلى الترجمة اليونانية من خلال شرح احد الدارسين، اتضح جليًا أن كلمة "لأكمل" معناها أساسًا: To Fulfill - To accomplish - To give them the right meaning - وترجمتها (ليحقق - ليتمم الأمر وينهيه - ليعلن تمام الشيء- ليعطي المعنى الحقيقي للشيء) - ومش المقصود بها أبدًا انه "يكمّل" أي يضيف أجزاء جديدة على اللي فات. To Continue - To add to . . وأنا مستغرب من هؤلاء المُصرين على اعتبار أن الناموس اليهودي مازال ساريًا لم ينته بمجيء المرموز إليه وأقول لهم جميعًا إن كنت وأنت يهودي تعيش أمميا لا يهوديًا، فلماذا تلزم الأمم أن يتهودوا؟ لو بتقول إنك مسيحي حقيقي وعاوزهم يلتزموا بالشرائع والأحكام اليهودية، طب ليه بتاخد منها جزء وتسيب الكل؟! ليه ما بتطبقش كل الوصايا اليهودية والشرائع الموسوية في سفر اللاويين بحذافيرها عليك وعلى الكل؟؟ اتضح لي أن الغرض الأساسي من لوي دراع الآية وإظهارها بهذا الشكل، هو من اجل جعل المؤمن في موضع "الخاطئ" طوال الوقت، ووضعه تحت نير العبودية لشرائع وقوانين وأحكام عثرة الحمل، لا يستطيع رجال الدين نفسهم تحملها، يلوون ذراع الآيات من أجل تعظيم السلطة الكنسية والتسيّد الشخصي علي المؤمنين بأحكام الناموس التى قال عنها الكتاب أنها "عتقت وشاخت واضمحلت" ولا فائدة منها ولا خلاص ينبع منها ولا تصنع بر الله. ولم يعد المؤمن في عهد النعمة يحتاجها. رأيت انهم يحاربون الخليقة الجديدة الحرة للمؤمن الحقيقي في المسيح يسوع، كي يظل المؤمنين مجرد عبيد يحتاجون لرجل الدين كل لحظة وفي كل كبيرة وصغيرة! وفي كل استشارة روحية وتعليمية وطقسة ونفسية وحتى الزوجية! ! أتمنى منهم أن يعيدوا قراءة الرسالات: رومية، وغلاطية، والعبرانيين بالذات، بقلب مفتوح وعقل واعي، حتى ينير لهم الروح القدس سر التبرير وسر الخلاص وسر الإيمان. يقول الرسول بولس عن العهد الجديد الذي للسيد الرب مع شعبه: فإذ قال «جديدًا» عتق الأول، وأما ما عتق وشاخ، فهو قريب من الاضمحلال. إذا ناموس العهد القديم اضمحل، الناموس عتق وشاخ لأنه بأعمال الناموس لا يتبرر جسد ما، الناموس انتهي بلا رجعة وليس فيه أي بر ولا يصنع خلاصًا للإنسان وإذا كان بالناموس بر، فالمسيح إذًا مات بلا سبب وكل عمل المسيح الخلاصي يبقي بكده ملهوش أي لازمة! ويبقي المسيح مات هدر! https://www. youtube. com/watch? v=WYngR6OKkbc --- ### ملحمة جلجامش؛ الإصحاح السابع - Published: ۲۰۲۳-۱۰-۳۱ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/13248/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون, تاريخ وميثولوچيا - وسوم: آنو, أركالا, أريشكيجال, أفروديت, ألبيرت شوت, أوروك, إنانا, إنكيدو, إنليل, إيتانا, الثور السماوي, بعلة صيرى, جلجامش, خمبابا, ريجنالد كامبل طومسون, سموقان, شمخات, شمش, طه باقر, عشتار, ڤينوس تقرر الآلهة موت أحد البطلين لقتل خمبابا والثور السماوي وأهانة عشتار. رغم دفاع شمش فإن إنكيدو يُوَسم بالموت. يلعن إنكيدو الباب الذي وضعه لمعبد إنليل ولعن شمخات لإخراجه من البرية. يُذكّره شمش كيف قامت شمخات بتهذيبه وتعريفه بجلجامش ويخبره بشرف كبير في جنازته. يتراجع إنكيدو عن لعناته لكنه يحلم بالعالم السفلي وملاك الموت المرعب، ولمدة ١٢ يومًا تسوء حالته ثم يموت متألما من عدم موته بطلا في معركة. وفي سطر شهير من الملحمة يتشبث جلجامش بجثة إنكيدو وينكر موته إلى أن تسقط دودة من أنف جثة إنكيدو المتحللة اللوح السابع مقسّم على  ٦ أعمدة، المقروء منها ١٥٠ سطرا، بنسبة ٤٦% من الإجمالي. خلاصة الإصحاح السابع:تقرر الآلهة أن أحد البطلين يجب أن يموت لأنهم قتلا خمبابا والثور السماوي وأهانا عشتار بشدة. على الرغم من احتجاجات الإله شمش فإن إنكيدو يُوَسم بالموت. يلعن إنكيدو الباب العظيم الذي وضعه لمعبد إنليل. ولعن الصياد وشمخات لإخراجه من البرية. يُذكّره شمش كيف قامت شمخات بتغذيته وكسوته وتعريفه بجلجامش، ويخبره أن جلجامش سيمنحه شرفًا كبيرًا في جنازته. يتراجع إنكيدو عن لعناته ويبارك شمخات، لكن يحلم في حلم ثان بأنه أسير العالم السفلي من قبل ملاك الموت المرعب. ولمدة ١٢ يومًا، تزداد حالة إنكيدو سوءا. يموت إنكيدو بعد امتعاضه وتألمه من عدم إمكانية موته بشكل بطولي في معركة. وفي سطر مشهور من الملحمة، يتشبث جلجامش بجثة إنكيدو وينكر موته إلى أن تسقط دودة من أنف جثة إنكيدو. العمود الأول ١)«أي صديقي، ما الذي جعل الآلهة الكبار يجتمعون للتشاور؟٣)استمعأي حلمرأيت الليلة الماضية:٤)اجتمع آنو وإنليل وأيا، وشمش السماوي للتشاور بينهم،٥)وقال آنو لإنليل:٦)«لأنهما قتلا الثور السماوي،كما قتلا خمبابا،٧)فينبغي أن يموت منهمامَنْ جرَّد الجبال من أشجار الأرز. »٩)لكن إنليل قال: «إنكيدوينبغي أن يموت،١٠)أما جلجامش فلا ينبغي أن يموت. »١١)عندئذٍ احتج شمش السماوي على البطل إنليل قائلًا:١٢)«ألم يقتلا بأمر مني١٣)ثور السماء وخمبابا؟فلماذا يموت إنكيدو وهو بريء؟»١٤)لكن إنليل أجاب شمش السماوي في غضب:١٥)«ألأنك كنت تهبط عليهم كل يوم كأنك واحد منهم؟»»١٧)رقد إنكيدوأمام جلجامش،١٨)والدموع تنهمر من عينيه أنهارًا:١٩)«أخي! يا أخي الحبيب! لم يبرئونني من دونك؟»٢٠)واستطرد قائلًا: «هل سيُقْضَى عليَّ بأن أجلس مع روح ميت،٢١)عند باب أرواح الموتى؟٢٢)وأن لا أرى بعيني أخي الحبيب أبدًا؟» ٣٦)رفع إنكيدو عينيه،٣٧)وأخذ يكلم الباب كأنه يكلم إنسانًا،٣٨)مع أن باب الغابة لا يعقل،٣٩)والفهم مفتقد لديه:٤٠)«تبينت خشبك الجيد من مسافة عشرين ساعة مضاعفة،٤١)قبل أن أبصر أشجار الأرز الباسقة ... ٤٢)وكان خشبك في عينيَّ بلا مثيل،٤٣)كان ارتفاعكاثنين وسبعين ذراعًا،وعرضك أربعة وعشرين،٤٤)ودعامتك، وتجويفومصراعك ... ٤٥)لقد نجرتك، وحفظتك فينيبور ... ٤٦)ولو كنت أعلم — يا باب — أن جمالك هذا،٤٧)وأن جمال خشبك؛٤٨)لَرفعتُ بلطة وأخذته،٤٩)وصنعتطوفًا. (ملحمة جلجامش، اللوح السابع، العمود الأوّل) (١)باستثناء السطر الأول فإن بداية اللوح السابع مفقودة، ويمكن أن توضحها الترجمة الحيثية التي ترجمها فريدريش بمجلة الآشوريات، العدد ٣٩، ص١٧–١٩. (٢)لا يضع طومسون هذا السطر في بداية اللوح الرابع للترجمة الآشورية، وقد آثر ألبرت شوت وجوده هنا. راجع مجلة الآشوريات، العدد ٦٢، ص١١٣ وما يليها. العمود الثاني ١٢)لكنيا باب، وقد نجرتك، وحفظتك ... ١٣أ)فإما أن يأتي بعدي ملك «يوقظك»،١٣ب)أو ... إله ... ﮐ... ١٤أ)فيزيل اسمي ويضع اسمه! »١٤ب)انتزع ... ألقى ... ١٥)سمع جلجامش كلمات صديقه، وبكَّر بالإسراع ... ١٦)سمع جلجامش كلمات صديقه إنكيدو وجرت دموعه،١٧أ)فتح جلجامش فمه، وكلم إنكيدو قائلًا:١٧ب)«لقد وهبك الإله ... القلب الواسع والكلم الرصين،١٨)وحباك العقل، ومع ذلك تنطق بكلام غريب،١٩)لماذا نطق فؤادك — يا صديق — بهذه الأمور العجيبة؟٢٠أ)كان حلمك بديعًا، لكن ما أشد رعبه! ٢١أ)... كانوا كثيرين ... وكان الحلم بديعًا:٢١ب)أبقى الآلهة للأحياء النواح! ٢٢)والحلم أبقى لهم الشكوى. ٢٣)سأصلي وأتضرع للآلهة العظمى! ... ... ٢٨)سأصنع لك تمثالًا من ذهب لا آخر له! ،... ... ٣٨)... إنكيدو يمثلشمش ... ٣٩)... تجري دموعه أمام شمش ... ... ... (ملحمة جلجامش، اللوح السابع، العمود الثاني) (٣)ربما كان معنى «الإيقاظ» أو التنبه هنا أن «يستعمله» الملك بدلًا منه (كما أثبتها طه باقر، ص١٠٠، سطر ٤). (٤)أي من قدرٍ لا حدَّ له من الذهب. (٥)بكميات غير محدودة. العمود الثالث ١)«... بدَّد ما يكسبه، أوْهِن عزمه،٢)ولتكن أعماله بغيضة إليك،٣)لتهرب منه حيوانات البر التي يطاردها،٤)ولا تتحقق للصياد أمنية يتمناها قلبه! »٥)وتحمس قلبه للَعْن البغي:٦)«تعالي أيتها البغي أقرر لكِ مصيرك،٧)وهو مصير لن ينتهي أبد الدهر! ٨)إني لألعنك لعنة شديدة،٩)ولتُصِبْك لعنة ... الآلهة في الحال! ٢٤)ليكن طعامك من الفضلات في مجاري المدينة،٢٥)وَلْيكن شرابك في المدينة من غسيل الصحون،١٩)... ليكن الطريق مسكنك،٢٠)وفي ظل الجدران مأواك،٢٢)وليلطم السكران والظمآن فكَّيْك! »... ... ٣٣)عندما سمع شمش كلام فمه،٣٤)ناداه على الفور من السماء:٣٥)«لِمَ تلعن الفتاةيا إنكيدو؟البغي٣٦)التي جعلتك تأكل طعامًا يليق بالآلهة،٣٧)وسقتك خمرًا تليق بالملوك،٣٨)وألبستك الملابس الفاخرة،٣٩)وأعطتك جلجامش الرائع ليكون رفيقك؟٤٠)إنه الآن، يا صديق، أخوك الجسدي،٤١)يجعلك تستريح على الفراش الوثير،٤٢)أجل، على فراش الشرف تستريح،٤٣)ويجلسك مجلس الراحة عن شماله،٤٤)ليقبِّل حكام الأرض قدميك. ٤٥)يجعل الناس في أوروك يبكونك ويندبونك،٤٦)ويغمر السعداءبالغمعليك،٤٧)وإذا بقي حيًّا بعدك، فسيترك جسده مغطًّى بالأوساخ،٤٨)وسيضع عليه جلد أسد ويهيمفي البرية. »٤٩)لما سمع إنكيدو كلام شمش البطل،٥٠)هدأت في الحالقلبه الغاضب. (ملحمة جلجامش، اللوح السابع، العمود الثالث) (٦)أو أريد أن يكون هذا هو قدرك المرسوم، وهو تعبير أقرب إلى غرض إنكيدو من الدعاء على البغي واستنزال اللعنة عليها. العمود الرابع ٢)«فليحبك الملوك والأمراء،٣)وليضرب الفتى فخذه من أجلك،٤)ويهزَّ الشيخ شعر رأسه بسببك،٦)وليقدَّم لك العقيق والملكيت واللازورد والذهب،٧)... كان علينا أن نقدِّمها لك،٩)ليدخلك الكاهن إلى حضرة الآلهة،١٠)ولتُهْجَر بسببك الزوجة،أم الأطفال السبعة! »١١)إنكيدو يشعر بالألم ... ١٢)بعد أن رقد وحيدًاوقتًا طويلًا،١٣)فتح قلبه في الليل لصديقه:١٤)«يا صديقي، رأيت الليلة حلمًا:١٥)صرخت السماء،وجاوبتها الأرض. ١٦)... تقدَّمت،١٧)وظهررجل مكفهر الوجه،١٨)وجهه مثل وجه طائر عظيم،١٩)وله مخالب ذات أظفار مثل مخالب النسر. » (ملحمة جلجامش، اللوح السابع، العمود الرابع) (٧)كان ضرب الفخذ وهز الشعر أو الرأس وما يزال حتى الآن من علامات الدهشة والاستغراب أو السخرية والاستهزاء، وربما يكون المراد هو التعجب من جمال شمخات وحسنها، وفي هذه الحالة نفتقد أداة النفي التي وضعها طه باقر في ترجمته للسطر الأول: «ولن يضرب أحد فخذه مستعيبًا إياك! » أما إذا كان المقصود هو مداعبة شمخات بدلًا من لعنها، فيمكن إبقاء العبارة على ما هي عليه. (٨)هكذا في ترجمة ألبرت شوت، أما الطائر العظيم المذكور بعد ثلاثة سطور فهو طائر الصاعقة (زو) المشهور في الأساطير البابلية. العمود الخامس ٣١)«عندئذٍ حوَّلتحولًا تامًّا،٣٢)فغدا ذراعاي مكسوين بالريش مثلالطيور. ٣٣)أمسك بي، وساقني إلى بيت الظلام مسكن «أركالا»،٣٤)البيت الذي لا يغادره مَنْ دخله،٣٥)والطريق الذي لا يعود أدراجه،٣٦)البيت الذي حُرِمَ ساكنه من النور،٣٧)حيث التراب طعامه، والطين زاده. ٣٨)عليه ثياب من الريش كالطيور،٣٩)ويجلس في الظلام ولا يرى النور،٤٠)في بيت التراب الذي دخلته،٤١)العروش محطمة،وتيجان الملوك ملقاة على الأرض،٤٢)والأمراء، أصحاب التيجان،الذين حكموا البلاد من أقدم العصور،٤٣)نواب «آنو» و«إنليل»،يحملون اللحم المشوي والخبز،٤٤)ويقدمون الماء البارد من القرب. ٤٥)وفي بيت التراب الذي دخلت،٤٦)يسكن الكهنة الكبار والقضاء،٤٧)يسكن كهنة التطهير المنذرون،٤٨)يسكن الكهنة المباركون،الآلهة العظام،٤٩)يسكن «إيتانا» و«سموقان»،٥٠)تسكن أريشكيجال ملكة الأرض،٥١)و«بعلة صيرى»، كاتبة الأرض السفلى، راكعة أمامها،٥٢)حاملةلوحًا تقرأ لها منه. ٥٣)لفتت رأسها ورأتني،٥٤)فأخذت هذا ... بعيدًا ... » (ملحمة جلجامش، اللوح السابع، العمود الخامس) (٩)«أركالا» من أسماء آلهة العالم السفلي وملكته أريشكيجال. (١٠)أو العروش التي سقطت وانهارت، والأرجح في ترجمة طه باقر أن الملوك والأمراء هم الذين يقدم لهم الشواء ويسقون الماء. (١١)تدل الكلمة أيضًا على ولاة الأمور والكبراء ومعاوني الكهنة الأعلين. (١٢)من طبقات الكهنة الذين تتفاوت مراتبهم في سلم الكهنوت البابلي، والمباركون؛ أي المضمخون بالزيت تبريكًا لهم. (١٣)إيتانا الراعي، ملك المدينة السومرية القديمة كيش؛ شخصية نُسِجَت حولها قصة مشهورة تقول: إن الملك الذي عقم الولد حمله نسر —كان قد أحسن إليه من غدر ثعبان— إلى السماء ليطلب من الآلهة نبتة الإنجاب، وقد ذكرت قوائم الملوك السومريين أنه الملك الثالث عشر في ترتيب حكام كيش بعد الطوفان، وأنه حكم ١٥٠٠ عامًا... أما سموقان فهو إله الرعي والماشية, العمود السادس ٣)صديقي الذي اجتاز معي كل المصاعب،فكري في كلالتي عبرتها معه،صديقيرأى حلمًا يُنذر بالشر. ٦)انقضى اليوم الذي رأى فيه الحلم،٧)فرقد إنكيدويومًا، ويومًا ثانيًا،٨)والموت جالس في مخدع إنكيدو. ٩)ويومًا ثالثًا ويومًا رابعًا،جلس الموت في مخدع إنكيدو. ١٠)ويومًا خامسًا وسادسًا وسابعًا،وثامنًا وتاسعًا وعاشرًا. ١١)المرض على إنكيدو وازداد سوءًا على سوء،١٢)ومضى اليوم الحادي عشر واليوم الثاني عشر وهو راقد في فراشه. ١٣)إنكيدو راقد في فراش الموت؛١٤)عندئذٍ دعا جلجامش إليه وقال له:١٥)«لقد نزلت عليَّ، يا صديقي، لعنة شريرة! ١٦)لن أموتيسقط في ساحة القتال،١٧)لقد فزعت من الحرب؛ ولذلك أموت عاطلًا من المجد،مبارك، يا صديق، مَنْ يسقط في المعركة،أما أنا فأموتيلطخني العار. » (ملحمة جلجامش، اللوح السابع، العمود السادس) (١٤)في قصّة موازية: أما جلجامش فظل يبكى عليه، والتجأ إلى الإله «إنليل» فلم يبالى، وهكذا الإله «سين» لم يبالى أيضًا. أما الأب «آياد» فقد طلب من البطل «نرجال» أن يفتح ثغرة في الأرض لتخرج منها روح «أنكيدو»، وهكذا التقى جلجامش بروح أنكيدو وتعانقا الاثنان، ورقصا معًا إلى حد الإعياء، ثم سأل جلجامش صديقه أنكيدو عن حالة الذين يعيشون في الجحيم، فقال أنكيدو: إن الجسد يا جلجامش الذي كان يلذ لك أن تلمسه أكله الدود وكأنه خرقة بالية، وإن المعاملة في الجحيم تتم بناء على عدد أولاد المحتجز في الجحيم، فالذي لديه ولد واحد يجلس منطرحًا منهوك القوى عند أسفل الحائط يبكى بمرارة، ومن له ولدان يعيش في بيت من القرميد ويأكل خبزًا، ومن له ثلاثة أولاد يشرب الماء من قدور الجحيم، ومن له أربعة أولاد فقلبه فرح، ومن له خمسة أولاد فإنه يسكن مع العظماء وله مداخلة في القصر، ومن له ست أولاد يجر المحراث وقلبه مبتهج، ومن مات ميتة مجيدة يرقد على فراشه ويشرب ماء صافية، وأبوه وأمه يرفعان رأسه وزوجته تحتضنه. (الأساطير السومرية- ديانات الشرق الأوسط ص259- 264). --- ### كاسك يا مهجر - Published: ۲۰۲۳-۱۰-۳۰ - Modified: 2023-11-05 - URL: https://tabcm.net/15454/ - تصنيفات: مقالات وآراء تتنوع كثير من وجهات النظر المسيحية حول شرب الخمور حول العالم، لكن بشكل عام تحرّم المسيحية أي نوع من الشراب المُسكر (نعم. . تحرم. . ولا تقول انه "لا يليق! " فحسب)، مثلا في العهد الجديد جاءت هذه الآيات: ولا تسكروا بالخمر الذي فيه الخلاعة، بل امتلئوا بالروح (أفسس 5: 18) وآية أخرى تقول: لا تضلوا، لا زناة ولا عبدة أوثان ولا فاسقون ولا مأبونون ولا مضاجعو ذكور ولا سارقون ولا طماعون ولا سكيرون ولا شتامون ولا خاطفون، يرثون ملكوت الله (1 كورنثوس 6: 9 و10). وهنا نرى أن الله ذاته في النص وضع السكيرين بجانب الزناة والسارقين. ورغم أن العهد الجديد يذكر أن يسوع وتلاميذه قد شربوا الخمر، بل وكانت أولى العجائب التي أجراها يسوع حسب الأناجيل، أنه قد حوّل الماء إلى الخمر عندما نفِذ في عرس قانا الجليل، وفي اليوم الأخير من حياته، أخذ كأس الخمر وقدمها للتلاميذ قائلًا: هذا هو دمي -وهذا أساس القداس الإلهي- لكن المسيحيّة حذرت بشدة من الانغماس في الشهوات، وعلى رأس الشهوات جاء الانغماس في شرب الخمر أو السُكر. أما فيما يخص رجال الدين، فالأمر أكثر تشددا، فقد حرّمت الكنيسة الأرثوذكسيّة على رجال الدين شرب الخمر، استنادًا إلى نظرة العهد القديم حول الموضوع. بينما يسمح الكاثوليك وأغلب البروتستانت بذلك حاليًا استنادًا إلى توصيات الأناجيل فيما يخصّ الرعاة والكهنة، (اكرر. . اغلب وليس الجميع)، إذ يُطلب من الراعي ألا يكون مدمنًا للخمر، وليس غير شارب له؛ غير أنّ بعض الكنائس الراديكالية البروتستانتية في الولايات المتحدة الأمريكية (قائدة العالم الحر وأكبر دولة علمانية في التاريخ الحديث)، تحرّم الخمر، أو تدعو للابتعاد عنه أصلا، وهو ما يغض غالبية أقباط الولايات المتحدة نفسها عنه البصر عمدا للأسف!  وللمرة الثانية. . تحرّم. . وليس تكتفي فقط بالإشارة إلى انه "حيالله". . لا يليق! هناك العديد من الآيات الموجودة في الكتاب المقدس التي تحث المسيحي على الابتعاد عن تناول الخمور من الأساس حتى لو لم يتسبب الأمر في وصوله إلى درجة السكر (والتي لا يبيت نية الوصول لها غالبية السكارى طبعًا، إلا لو كانوا يعانون من درجة متقدمة من المرض العقلي، وما اكثرهم في أميركا الشمالية وأوروبا الغربية) والأمثلة أكثر من أن تطرح بهذا المقال، ويمكنك البحث بنفسك في: (اللاويين 10:9 وعدد 3:6 والتثنية 26:14 و 6:29 وقضاه 4:13 و7 و14 وصموئيل الأول 15:1 وأمثال 1:20 و 4:31 و 6 و أشعياء 11:5 و 22 و 9:24 و 7:28 و 9:29 و ملاخي 11:2 و لوقا 15:1)، وأشجع صديقي القارئ على فتح كتابه المقدس بنفسه وقراءتها. عمومًا، تكلم الكتاب المقدس كثيرًا ضد السكر، إذا جاءت هذه الآيات في العهد القديم: ليس للملوك أن يشربوا خمرا، ولا للعظماء المسكر، لئلا يشربوا وينسوا المفروض ويغيروا حجة كل بني المذلة (أمثال 31: 4-5) أي لئلا يكون حكمهم خطأ وبدون عدل. إلا أنه من المهم جدا معرفة أن الله لم يعط المسيحيين الحق في أن يعاقبوا السكيرين، لأن هذا يجب أن يكون في يد الدولة أولا، ولأن المسيحية تنادي بعلاقة فردية وقلبية سامية مع الله، وليست سياسة دولية! كما لم يمنع استعمال الخمر بشكل قطعي، لأنه موجود في أدوية كثيرة (مثل أدوية السعال والجهاز الهضمي)، وإلا فما أمكن للمؤمن المسيحي أن يستخدم هذه الأدوية من الأساس! ولكن علينا أن نتذكر أن هذه الآيات لا تحرم تناول المشروبات الكحولية (أو أي أطعمة) تحريمًا قاطعا، اللهم إلا في إطار رمزي أو شكلي، وليس بشكل أسبوعي منتظم مثلا، أو بدون داع كما لو أنها أحد المشروبات الغازية أو أحد الوجبات السريعة، حتى إن كانوا أيضا مسئولين عن الإصابة بأمراض القلب. وأعتقد والله اعلم أن على العاقل المؤمن بوجود الله ألا يجعل أي شيء "يتسلط" على جسده (كورنثوس الأولى 12:6 وبطرس الثانية 19:2)، وذلك أيضا بالمناسبة يشمل حتى تدخين السجائر. كما إن الكتاب المقدس يمنع المسيحي من أن يفعل أي شيء يكون سبب عثرة لغيره أو يشجعهم على فعل الخطيئة ضد ضميرهم (كورنثوس الأولى 9:8-13) وعلى ضوء هذه المبادئ فأنه من الصعب أن يقول المسيحي أنه يشرب الخمر لمجد الله! (كورنثوس الأولى 31:10) فما بالك بمن يجمع ما بين الخمر والسجائر والوجبات السريعة المشبعة بالدهون؟ والأعجب من ذلك هو ترفعه عن ممارسة أي نوع من الرياضة لأنها "مضيعة للوقت" و"المال! ! " يمكنني أن امضي في سرد مثل هذه الأمثلة حتى مساء الغد، وأنا متفهم جدا محبة الناس الجمة لمعاقرة الخمر، وخصوصا من "أدعياء" العلمانية في الخارج، المتباكين على "الثقافة الإسلامية" التي سيطرت على قطاعات كبيرة من أقباط الموطن، وجعلتهم يتأففون من شرب الكحوليات رغم انتشارها بين جميع فئات الشعب "البحبوح" وقت طفولة هؤلاء الأدعياء في أواخر الستينيات وأوائل السبعينيات. مع ذكري لكل هذه الأمثلة في مجتمعات مسيحية ويهودية وخارج العالم العربي قديمًا وحديثًا، مازال اغلبهم يربط وبكل "تخلف" ما بين النمط الأخلاقي المحافظ -ولو على صحته- في الحياة (سواء في أميركا أو أوروبا أو حتى إسرائيل نفسها) وما بين وسواس "الثقافة الإسلامية" التي يعلق عليه الجميع هناك كل شيء يكرهونه في مصر أو خارجها. يصل بعض المحافظين إلى درجة متأخرة في تزمتهم، تجعل منهم رجعيين، ولكن ذلك لا علاقة له بالثقافة الإسلامية المزعومة، فللأفكار والمعتقدات مؤثرات كثيرة خصوصا لو كانت نمطا اجتماعيًا. هذا الربط المخل يشبه المنشورات المنفرة التي رايتها من البعض، والتي فيها كثير من التسامح والتصالح الزائد مع الطفولة الصهيونية في صورة ممجوجة ومصنعة ما بين طفل فلسطيني وفتاة صغيرة تحمل علم إسرائيلي. . الله. . شيء في منتهي الرومانسية ومفيهوش ثقافة إسلامية خالص! هل هذه مثلا ثقافة مسيحية؟ هل هي ثقافة كندية؟ لاء. . ده رأي شخصي فردي. . انت/انتي متسامح/ـة مع الصهاينة. . حقك. . أنا لا أرحب بتناول الخمور، وهذا أيضا حقي. . ولا هذا ولا ذاك له علاقة بإسلامية أو علمانية أحد. . اللهم إلا لو كنا معتادين على قولبة البشر جميعا. . ولكن لهذا حديث آخر، لو كان في العمر بقية. . --- ### صلاة القسمة وختامها - Published: ۲۰۲۳-۱۰-۲۹ - Modified: 2023-11-05 - URL: https://tabcm.net/15429/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: آدم, أوريجينوس ليونايدس أدامانتيوس, إفخارستيا, الكنيسة القبطية إن الكنيسة القبطية هي الكنيسة الوحيدة التي تقدم صلاة تصاحب تقسيم الجسد المقدس في القداس الإلهي وتُسمَّي ”صلاة القسمة“. ثم تأتي الصلاة الربانية في نهاية القسمة ولا تُقال سرًا بل جهرًا كطلب مقدَّم من الجماعة سائلين الرب ”خبزنا الذي للغد أعطنا اليوم. . “. فنحن نسأل الرب نعمة التناول من خبز الإفخارستيا. . خبز القيامة. . جسد الرب الذي يقدمه على المذبح. . إنه الخليقة الجديدة للإنسان في المسيح يسوع. الذي بدونه لا تجديد لطبيعتنا البشرية التي ماتت في آدم الأول، ولا دخول إلى حضرة الله. وكمقدمة للصلاة الربانية في نهاية صلاة القسمة نقول: لكي بقلب طاهر ونفس مستنيرة ووجه غير مخزي وإيمان بلا رياء ومحبة كاملة ورجاء ثابت، نجسر بدالة بغير خوف أن نطلب إليك يا الله الآب القدوس الذي في السماء ونقول أبانا الذي في السموات ... (صلاة القسمة، القداس الإلهي) وكلمة ”دالة“ في القبطية مأخوذة أصلًا من اليونانية ”Parrhesia“. وقد تكررت كلمة دالة (باريسيا) في العهد الجديد على الأقل 27 مرة، وفي الخولاجي حوالي 14 مرة و تعني: جهارًا/ مجاهرة، صراحة في الكلام، حرية الحديث علانية. فكلمة دالة تشير إلى معنى الثقة والجرأة -بحضور المسيح بجسده ودمه المقدس معنا- ولأننا أبناء الآب السماوي في يسوع المسيح ربنا. 
ولأنها استعلان ظاهر لعمل الروح القدس فينا ثُمَّ بِمَا أَنَّكُمْ أَبْنَاءٌ، أَرْسَلَ اللهُ رُوحَ ابْنِهِ إِلَى قُلُوبِكُمْ صَارِخًا: «يَا أَبَا الآبُ». (رسالة بولس إلى غلاطية 4: 6) وكلمة أبَّا هي آرامية ينطقها الأطفال في فلسطين لنداء الأب. فالاتحاد بالمسيح في سر الإفخارستيا هو سبب هذه الثقة: وَلاَ نَخْجَلُ مِنْهُ فِي مَجِيئِهِ (رسالة يوحنا الأولى 2: 28)... وَهذِهِ هِيَ الثِّقَةُ الَّتِي لَنَا عِنْدَهُ: أَنَّهُ إِنْ طَلَبْنَا شَيْئًا حَسَبَ مَشِيئَتِهِ يَسْمَعُ لَنَا. (رسالة يوحنا الأولى 5: 14). إن تقسيم الجسد تصاحبه صلاة جهرًا ولا يتم في صمت لأنه إعلان حياة المسيح في موته بقيامته. وطقوس الكنيسة القبطية لا تسمح بلمس جسد الرب ودمه إلا بطريقة كرازية وبقول الكلام الخلاصي المناسب. وهو ما سجله أحد آباء القرن الثالث عشر. فإن الصلاة الربانية تقال بعد القسمة، وهي صلاة إفخارستية من الدرجة الأولى. وقد شاع هذا وأصبح من المؤكد في مصر منذ العلاَّمة القديس أوريجينوس. وكما قال الرب في صلاته إلى الآب ويكون الجميع واحداً فينا( إنجيل يوحنا17)، نصلي أيضًا في أحد صلوات القسمة قائلين: وكما أنك واحدٌ في أبيك وروحك القدوس، نتحد نحن بك وأنت فينا، ويَكمُل قولك ”ويكون الجميع واحدًا فينا“. لكي بدالة ندعو الله أباك أبَّاً لنا ونقول بصوت جَهْوَري يا أبانا الذي في السموات. إن صلاة المسيح في (يوحنا 21:17) نجد تفسيرها وتحقيقها هنا في الإفخارستيا. فتلك الوحدة هي وحدة سرية كيانية، وليست فكرة تتم على مستوى العقل بمعزل عن حضور المسيح في سر الإفخارستيا الذي هو امتداد -لا تكرار- للصليب. هذا يعلنه بذل المسيح لذاته وتقديم شخصه ذبيحة حب ليلة الصليب من وراء الزمن قبل يوم الجمعة، ولكي تبقى ذبيحة الصليب مستمرة فوق الزمن بلا تكرار بل استمرار. وبالتناول من الأسرار المقدسة بإيمان تصبح لنا شركة في مجال حياة الله الواحد الثالوث. في الإفخارستيا نحن نقدم ذواتنا البشرية على هيئة خبز وخمر للمسيح ابن الله ”الوسيط الوحيد بين الله والناس“ ونطلب منه أن يرسل ويحِّل بروحه القدوس عليها، لكي يحوِّل تلك القرابين لتصير جسدًا مقدسًا له، تمامًا كما هيأ الروح القدس للمسيح جسده الإنساني في أحشاء العذراء: أنت يا سيدنا أرسِل نعمة روحك القدوس، لكي تطهِّر وتنقل هذه القرابين (سر حلول الروح القدس- قداس غريغوري). وهكذا أيضًا نعيش وجوديًا وكيانيًا سر التجسد الإلهي، ليس على مستوى الفكرة والذكرى والعقل بل وجوديًا وكيانيًا وحضوريًا في المسيح الحي. إنه امتداد لا تكرار : هوذا حاضرٌ معنا على هذه المائدة عمانوئيل إلهنا. (صلاة القسمة) فالمسيح إلهنا هو الذبيحة، وهو أيضًا الكاهن الأعظم والوحيد الذي يقدم ذاته ذبيحة للآب: لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن آخذها أيضًا. فالمسيح حاضرٌ في الإفخارستيا يرشم ويبارك ويقدس القرابين الموضوعة على المذبح: أنت يا سيدنا بصوتك وحدك حوِّل هذين الموضوعين (الخبز والخمر) . أنت الحال (الحاضر) معنا هيِّيء لنا هذه الخدمة المملوءة سرًا (سر حلول الروح القدس- قداس غريغوري). فالإفخارستيا هي استحضار لكل أحداث التجسد وتدبير الخلاص. ليس فقط سر التجسد الإلهي والصلب بل ومعمودية المسيح في نهر الأردن عندما قَبِلَ ابن الله الروح القدس في جسد بشريته لأجلنا لكي نتقدس من أجلهم أقدس أنا ذاتي: أنت يا سيدنا أغرس فينا ذِكرخدمتك المقدسة. أنت أرسل علينا نعمة روحك القدوس ( سر حلول الروح القدس- قداس غريغوري). نسألك أيها الرب إلهنا نحن الخطاة غير المستحقين. . ليحل روحك القدوس علينا وعلي هذه القرابين الموضوعة ويطهرها وينقلها ويظهرها قدسًا لقديسيك (صلاة استدعاء الروح القدس- القداس الباسيلي). إن عمل الروح القدس هنا ليس فقط الاستحالة السرية للخبز والخمر إلى جسد ودم المسيح الإله، وإنما أيضًا يعطي نعمةً للحاضرين، وأيضًا الاستحقاق لتناول الأسرار المقدسة. فليس من يستحق للتناول من جسد الرب ودمه للاتحاد بالرب مهما كانت توبته وجهاده بل استحقاق التناول هو نعمة من الروح القدس. وتشير صلواتنا الليتورجية إلى هذا الاستحقاق للأسرار الإلهية المقدسة بأنه نعمة الروح القدس فنقول عند نزول مجدك عل أسرارك، تُرفَع عقولنا لمشاهدة جلالك. عند استحالة الخبز والخمر إلى جسدك ودمك تتحول نفوسنا إلى مشاركة مجدك، وتتحد نفوسنا بألوهيتك (صلاة القسمة للقديس كيرلس) . فحلول الروح القدس على القرابين تجعلها ”قدسًا“، وحلول الروح القدس علينا تجعلنا ”قديسين“. وهكذا تتحقق الشركة بين الله القدوس والقديسين. وكما كان عمل الروح القدس في إعداد جسد المسيح ببطن العذراء حيث اتحد اللاهوت بالناسوت هكذا في الإفخارستيا. وكما كان قَبُول المسيح للروح القدس في بشريته عند معموديته بنهر الأرْدُنّ لأجلنا هكذا يحل الروح القدس علينا كما على القرابين ويجعلنا قديسين لنستحق التناول والاتحاد بالقدسات. لهذا نصلي قرب ختام القداس ونشير إلى ما تحقق خلال القداس للقرابين ولنا مسبحين: القدسات للقديسين مبارك الرب يسوع المسيح وقدوس الروح القدس آمين. وعندما نقترب من لحظة التناول من القدسات نتهلل باتحادنا وتألهنا في الجسد المحيي للرب ونصلي في ختام صلاة القسمة قائلين: وكما أنك واحدٌ في أبيك وروحك القدوس، نتحد نحن بك وأنت فينا، ويَكمُل قولك ”ويكون الجميع واحدًا فينا“. لكي بدالة ندعو الله أباك أبَّاً لنا ونقول بصوت جَهْوَري يا أبانا الذي في السموات. وهكذا تأتي الصلاة الربانية إلى الآب إعلانًا عن كمال تدبير الآب السماوي الذي أرسل الأبن ليهيء الكنيسة ويخلقها من جديد من خلال جسده الإلهي. وقد تمَّم فيها كل خدمته خلال مسيرته على الأرض. وها هي الكنيسة تقدم القرابين للآب ويقبلها الروح القدس لأنها مقدمة في الابن، ليس كأحداث خارجية للذكرى العقلية، بل عمل خلاص ممتد في كياننا لا ينقطع أنت الحالمعنا هيَّيء لنا هذه الخدمة المملوءة سرًا. أنت أغرس فينا ذِكرخدمتك المقدسة. . أنت أرسل علينا نعمة روحك القدوس، لكي تطهر وتنقل هذه القرابين الموضوعة إلى جسد ودم خلاصنا. --- ### [٧] أبونا أنجيلوس - Published: ۲۰۲۳-۱۰-۲۸ - Modified: 2023-10-28 - URL: https://tabcm.net/13989/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون - وسوم: نبي موسى هو أنت عملت الفيلم ده كله، وبعت الرسالة لسيدنا علشان يتمسك بيك أكتر صح؟! فيه حد فهمك ووعاك إنك تمثل إنك متواضع وبتهرب من الكهنوت علشان الكهنوت هو اللي يجري وراك… صح؟ في الأخر سامي مسك موبايله وكتب رسالة: نقبل الأيادي سيدي وأبي الأسقف، حاللني لا أقدر على وزنة الكهنوت، ولا استحقها، أرجوك سامحني ولا تغضب مني. أولادك: سامي و سارة. وأرسلها أيضًا إلى أبونا يوناثان: أرسلت هذه الرسالة إلى أبونا الأسقف... سامحني، سوف أغلق تليفوني وتليفون سارة الأيام المقبلة... لا تقلق علينا وصلي لأجلي. ثم أغلقوا موبايلاتهم، وفصلوا تليفون المنزل الأرضي... وناما. طرقات كثيرة ومتتابعة ومستمرة على الباب، جرس الشقة مش بيبطل رن، حد حاطط ايده على الجرس مش بيشيلها، سارة قامت مخضوضة، وزغدت سامي اللي هو كمان اتنفض وقام من نومه وقعد على السرير، وبص في ساعته لقاها ٧:٣٠ صباحًا. قام من على السرير وجري ناحية الباب، وسأل: مين؟ سمع صوت أبونا يوناثان من ورا الباب: أخيرًا صحيتم، افتح يا ابني غلبتنا معاك. فتح سامي الباب علشان يلاقي أبونا يوناثان أب اعترافه، ومعاه أبونا أنجيلوس وأبونا إيلاريون كهنة كنيسته، وأبونا ديڤيد وكيل المطرانية، وأبونا حنانيا سكرتير الأسقف. طبعا هو أما لقى كل دول في وشه، أتسمر مكانه ومعزمش عليهم حتى يخشوا. أبونا أنجيلوس قطع الصمت وقال: هاه هتخلينا واقفين على الباب كتير؟ ولا تستنى سيدنا لما يبعت لك باقي المجمع؟ سامي أدرك إنه سايبهم على الباب من ساعة ما فتح ومبحلق فيهم وهما على الباب فقالهم: أنا أسف يا آبائي، أنا بس اتخضيت، اتفضلوا، بيتي زاره المسيح، اتفضلوا ادخلوا. أبونا أنجيلوس وهو داخل وسع سامي بإيده كده، وقاله: إيه اتخضيت ديه، هو أنت شفت عفاريت؟! أبونا يوناثان حب يلطف الجو: قصده اتفاجئ يا أبونا، بس المفاجأة لخبطته. أبونا أنجيلوس شوح بإيده وهو بيقول: اتفاجئ؟! اللي هو ازاي يعني؟ يعني وهو بيبعت الرسالة امبارح بالليل وبيقفل موبايله زي العيال الصغيرين مكنش عارف إن الكلام ده هيحصل الصبح؟ سامي بص لأبونا أنجيلوس، وشكل الكلام معجبوش، وأعاد جملة أبونا أنجيلوس وكأنه بيحط له تحتها خط: زي العيال الصغيرين؟! ! أبونا حنانيا سكرتير الأسقف أتدخل، وحب يفهم سامي بلكنته الصعيدية المعتادة: لما أنت يا سامي يا ابني أنت وزوچتك خرچتم من عند مكتب سيدنا بدون اعتراض، هو اعتبر أو فهم إن ديّت موافجة ضمنية، وبلّغنا وبلّغ كهنة كنيستاك على موافجتك، مش كدا وبس، لأه، دا حدد كمان جداس الرسامة، فلما أنت بعد نص الليل تبعت له رسالة اعتذار عن الرسامة، هو قال بالنص: "هو لعب عيال ولا إيه" وجلب علينا احنا المطرانية، وزدت الطين بلة يا ابني لما أنت جفلت تليفونك، فمحدش كان عارف يوصلك. سارة كانت لبست ودخلت المطبخ وعملت شاي بلبن للكل وجابته: صباح الخير يا آبائي. أبونا يوناثان بص لها وكأنه عاتب عليها: صباح النور يا سارة يا بنتي، تعالي اقعدي معانا وليّني دماغ جوزك يا بنتي. سامي التفت لأبونا حنانيا وقاله: بس يا أبونا سيدنا مدناش فرصة نرفض، مسمعناش أصلا، قولت له أنا خاطي ومنفعش، قال لي المسيح بيشتغل بالخطاة. قاطعه أبونا أنجيلوس: رحت مشيت وأنت ساكت... يبقى وافقت... ! وراح بص لسارة وقالها: وبعدين أنتي جايبة شاي بلبن للكل؟ افرضي أنا مش بحب الشاي بلبن وعاوز قهوة، مش المفروض كنتي سألتينا نشرب إيه؟ ولا هتشربونا على مزاجكم؟ تضايقت سارة من أسلوب أبونا أنجيلوس، بس قالت له: تحب أعمل لقدسك قهوة ولا قهوة باللبن؟! - خلاص بقى اللي اتعمل اتعمل، نشربه وخلاص. أبونا يوناثان بص لسامي وقاله: يا سامي يا أبني، أنا كاهن عجوز، وقربت أسلم وديعتي لربنا. سامي قاطعه وقال: طول العمر ليك يا أبونا. وسارة كمان قالت: ربنا يخليك لينا يا أبونا. أبونا يوناثان كمّل: بكلمكم جد، الكنيسة مليانة بالناس اللي شاعرين دائمًا بالاستحقاق، كل واحد شايف نفسه إنه أحسن واحد في مكانه، وإنه بيفهم أحسن من غيره، تلاقي واحد فاكر نفسه أحسن واحد يدير، وده شايف نفسه أحسن واحد يعلّم، وده شايف نفسه قديس بينقط زيت، محدش بقى يقدم أخوه في الكرامة، ولا حد بقى يفرح لنجاح خدمة أخوه، كل واحد عاوز النجاح لنفسه، وعاوز هو اللي يبان، ويدوس بالقوي على أخوه، كل واحد عاوز يبقى المدير والكبير ويأمر ويتجبر، ومحدش عارف إنها مش دايمة لحد... والشعب يا ابني بقى معثر وتايه، زي العيل الصغير اللي أمّه سابته ومش عارف يروّح بيته، مابقاش في اللي شايف نفسه ما يستحقش والمسيح يديله الاستحقاق، مابقاش في حد شايف نفسه جاهل والروح القدس يديله الحكمة، مابقاش فيه حد زي موسى النبي، ربنا أمّا يقوله: إني قد رأيت مذلة شعبي وسمعت صراخهم وعلمت أوجاعهم فنزلت أنقذهم من أيدي المصريين، فالآن هلمّ فأرسلك إلى فرعون وتُخرج شعبي بني إسرائيل من مصر. فيرد موسى ويقول: أنا مين أنا علشان أذهب لفرعون وأخرج شعب بني إسرائيل من مصر؟! فربنا يطمّنه ويقوله: ماتخافش، هكون معاك وهديك علامة، فيقول موسى لله: حاضر يا رب، هاروح لشعب بني إسرائيل وأقولهم إله آبائكم أرسلني ليكم... موسى خرّج الشعب من عبودية فرعون لأرض الموعد علشان كان عارف إنه لا بالقوة ولا بالقدرة... لكن باسم رب الجنود يا ابني. سامي دموعه نزلت... كان عاوز يقول لأ، و جواه صوت بيقول له كفاياك هروب من وزنة اختارتك... فقال بصوت واطي: يا أبونا أنا خايف إني أعثر الناس وأضيعهم، بدل ما أجمعهم للمسيح. أبونا أنجيلوس قاطع سامي: هاتي يا سارة معلقتين سكر، بدل الكلام الماسخ اللي ملوش طعم ده، قصدي الشاي اللي ملوش طعم ده. سارة في قمة ضبط النفس: حاضر يا أبونا. أبونا إيلاريون ربت على كتف سامي: تشجع يا جبار البأس، من يضع يده على المحراث لا ينظر للوراء، أدينا هنتعكز على بعض ونخدم سوا، وأنت حد مثقف وقارئ ودارس لعلم الآبائيات كويس، وبتهتم بالتعليم والوعظ. أبونا أنجيلوس معجبوش كلام أبونا إيلاريون، فقطع الكلام مرة ثانية ووجه كلامه لسامي: بص يا سامي يا ابني علشان بس الكلام الحلو ده ما يغركش، أوعى تفتكر إن الكهنوت وعظ وتعليم وبس، ديه اللقطة الحلوة في الكهنوت، لكن خلي بالك احنا عندنا مباني عاوزة تخلص وعلينا مديونيات وشيكات، المستشفى عاوزة فلوس علشان الأجهزة اللي فيها بقت خردة، والحضانة عاوزة فلوس علشان الاشتراكات مش بتقضي مرتبات الدادات والمدرسات ولا الأرض يووووووه، بتسف مصاريف، بلاعة مصاريف، غير إن مبنى الخِدْمَات ضاق علينا فعايزين نشتري العمارة اللي جنبه علشان نوسع على الخدمة، وطبعا ده مش محتاج ولا وعظ ولا تعليم، ده محتاج كاهن شاطر وواعي لمصلحة الكنيسة يعرف يلف على معلمين وأراخنة الكنيسة علشان يلم بركة كويسة، ويسدد بيها احتياجات الكنيسة، ولازم تلف على البيوت وتعمل علاقات مع الشعب، فتروح صلاة حميم، صلاة قنديل، صلاة إكليل، صلاة دفنة حتة، ومعاك الدفتر، وأي حد يديك بركة متحطهاش في جيبك، لكن تسجلها في الدفتر اللي معاك. - بس أنا لو وافقت على الرسامة مش هعمل كده، مجانا أخذتم مجانا أعطوا، أنا هخدم الناس وأبقى خدام تحت رجليهم، واللي عاوز يتبرع، عنده صناديق الكنيسة، يحط براحته، لكن أنا مش ممكن أمد ايدي علشان أخد أجر نظير صلاة أو افتقاد أو سر كنسي! أبونا أنجيلوس وقف وبص للآباء وقالهم: شفتم! هو ده كلامي، وبعد كده بص ناحية سامي وهو بيقول له: وهو الناس لما تقولهم يروحوا يدفعوا في الكنيسة ها يدفعوا؟! ! أنت طيب أوي، ثم يعني إيه ما تاخدش! ؟ عاوز تبان إنك أحسن مننا؟ أمال هتاخد مرتبك أخر الشهر منين؟ وعمال الكنيسة يأكلوا عيش منين! ؟ والموظفين اللي في مشاريع الكنيسة المختلفة، يفتحوا بيوتهم منين! ! ؟ الكنيسة نفسها تعمل خدمتها منين! ! ؟؟ - ربنا يسدد احتياجات الكنيسة بطريقته بقى. - احنا طريقته يا دكتور، ولو مش فاهم كده، يبقى خليك معتذر أحسن ليك ولينا. أبونا حنانيا قطع الكلام وتدخّل للتهدئة: بص يا دكتور سامي، أنا فاهمك طبعا، وهو الموضوع طبعا مش بالظبط بالشكل اللي وصلك من كلام أبونا أنجيلوس... أبونا أنجيلوس كاهن نشيط ومحب للخدمة والكنيسة، وكل كنيسة بيكون فيها مجموعة كهنة بشخصيات مختلفة علشان يكملوا بعض، يا بختك لما تترسم في كنيسة فيها أبونا قديس زي أبونا يوناثان، أب حكيم ومحب للمسيح، وأبونا أنجيلوس كاهن نشيط ومدبر للخدمة وكل يوم بيعمل مشروع حلو ومثمر للكنيسة، وأبونا إيلاريون كاهن طيب ومتواضع ومحب للصلاة والقداسات. أبونا أنجيلوس معجبوش إن كل شوية حد يغير الموضوع: سامي، عاوز اسألك سؤال، وتجاوبني بصراحة. - اتفضل يا أبونا. - هو أنت عملت الفيلم ده كله، وبعت الرسالة لسيدنا علشان يتمسك بيك أكتر صح؟! في حد فهمك ووعاك إنك تمثل إنك متواضع وبتهرب من الكهنوت علشان الكهنوت هو اللي يجري وراك... صح؟ رد عليا بصراحة. يتبع. . --- ### «النقب» طرح مصري بديل لحماية القضية الفلسطينية - Published: ۲۰۲۳-۱۰-۲۷ - Modified: 2023-10-27 - URL: https://tabcm.net/15271/ - تصنيفات: شئون علمانية - وسوم: أحمد أبو الغيط, أولاف شولتز, الشرق الأوسط, جامعة الدول العربية, جيورا إيلاند, حركة الجهاد الإسلامي: سرايا القدس, حركة المقاومة الإسلامية: حماس, رئيس جمال عبد الناصر, رئيس عبد الفتاح السيسي, رئيس محمد أنور السادات, رئيس محمد حسني مبارك, سعيد عكاشة, طوفان الأقصى, ياسر عرفات النقب ليست صحراء جرداء، بل هي منطقة جنوب الأرض المحتلة، يقطنها ضمن سكانها بدو فلسطينيون في نحو 38 قرية، وتبلغ مساحة النقب نحو 14 ألف كيلومتر مربع، وترتبط اجتماعيًا بقبائل الأردن وشبه الجزيرة العربية وسيناء، وأشهر مدنها وأكبرها "بئر سبع"، وتمتد صحراء النقب حتى مدينة إيلات ليس فقط رفضًا للتفريط في شبر واحد من الأرض المصرية، ولكن أيضًا لحماية القضية الفلسطينية من التحلل والاندثار، جاء رفض مصر الرسمي والشعبي الحاسم لتهجير فلسطينيي قطاع غزة القسري إلى سيناء، في رؤية متبصرة للتداعيات التي ستترتب على هذا التهجير، وأولها تفريغ الأراضي الفلسطينية من سكانها، بالتتابع، إذ سيتكرر السعي الضاغط على فلسطينيي الضفة الغربية لتهجيرهم قسريًا إلى شرق الأردن، بافتعال أزمة مثيلة لأزمة غزة، ولن تعدم إسرائيل الحيل حتى بتجنيد من ينفذون مخططاتها التي ستجد بالضرورة دعمًا غربيًا جارفًا كمثل ما نراه في التعاطي مع حرب عزة. ليقع ما تبقى من أراضٍ فلسطينية في حوزة إسرائيل ويتحقق حلمها الأثير بتمددها من النهر إلى البحر. جانب من التداعيات يتعلق بالأمن القومى المصري، فالمستهدفون من التهجير، بحسب البيانات الإسرائيلية، هم منتسبو منظمة حماس وجماعة الجهاد الإسلامية، اللذان سبق وأعلنا عن الهجوم الكاسح على إسرائيل فيما أسموه "طوفان الأقصى"، وهما معًا -حماس والجهاد- لهما سجل دام في استهداف أمن وسلامة ووحدة مصر، فهل لنا أن نتصور الحال إذا استوطنوا سيناء، ليدخلونا في دائرة النار التي التهمت كل الدول المحيطة بنا؟ لم تقف مصر عند تخوم الرفض بل قدمت مخرجًا واقعيًا بديلًا فى كلمات قليلة موجزة طرحها الرئيس عبد الفتاح السيسي، في مؤتمر صحفي مشترك مع المستشار الألماني أولاف شولتز، بأن يتم نقل سكان شمال غزة، المزمع تهجيرهم، إلى صحراء النقب، فيبقى المهجّرون في وطنهم، وتبقى القضية الفلسطينية قائمة، تتطلّب الحل الجذري الذي يقوم على حل الدولتين، الذي أجمع عليه المجتمع الدولي في أغلبه، وأقرته قرارات الأمم المتحدة، والذي ينقذ المنطقة والعالم من مغبة التصعيد الذي لا يحده سقف ويحمل نذر الخراب لكل الأطراف. النقب ليست صحراء جرداء، بل هي منطقة تقع جنوب الأرض المحتلة، يقطنها ضمن سكانها بدو فلسطينيون في نحو 38 قرية، وتبلغ مساحة النقب نحو 14 ألف كيلومتر مربع، وترتبط اجتماعيًا بقبائل الأردن وشبه الجزيرة العربية وسيناء، وأشهر مدنها وأكبرها "بئر سبع"، وتمتد صحراء النقب حتى مدينة إيلات. ومن المفاجآت أن طرح صحراء النقب ضمن حلول تبادل الأراضي، لتفكيك التعنت الإسرائيلي، كان اقتراحًا مطروحًا منذ خمسينيات القرن الماضي، وجرى طرحه للمرة الأولى على الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر وقوبل حينها بالرفض، بحسب تصريحات الدكتور سعيد عكاشة الخبير في الشئون الإسرائيلية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، لجريدة "الشرق الأوسط"، والذي أضاف أن تبادل الأراضي جرى طرحه مجددًا عام 2000 على الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات مقابل التنازل عن 600 كيلومتر مربع من أراضي الضفة الغربية لتوسيع المستوطنات الإسرائيلية لكن عرفات رفض أيضًا. الملاحظ أن اقتراح الرئيس السيسي لا يقول بالتهجير إلى صحراء النقب بل مجرد النقل المؤقت لحين انتهاء إسرائيل من تأمين شمال غزة. يعود بعدها فلسطينيو غزة إلى ديارهم. وهم في كل الأحوال لم يغادروا وطنهم. بالعودة لطرح الدكتور سعيد عكاشة، نجده يؤكد أن هدف إسرائيل الدائم هو إزاحة العبء السكاني للفلسطينيين إلى دول الجوار من خلال تهجير سكان غزة إلى مصر، وسكان الضفة إلى الأردن، ونبه إلى أن الرؤية الأمنية الإسرائيلية تخشى إعادة نشر تجمعات فلسطينية جديدة على حدودها، فضلًا عن أن فكرة الحفاظ على سلامة السكان الفلسطينيين هي أخر ما يمكن أن تفكر به إسرائيل. مازلنا مع تقرير صحيفة "الشرق الأوسط" الذي يرصد أنه في مطلع عام 2010 نشر مستشار الأمن القومى الإسرائيلي السابق "جيورا إيلاند" دراسة أشار فيها إلى أن "مملكة الأردن الجديدة هي وطن الفلسطينيين وينبغي أن تتكون من ثلاثة أقاليم تضم الضفتين الغربية والشرقية وغزة الكبرى التي تأخذ جزءًا من مصر"! وتشير الصحيفة إلى ما ذكره أيضًا السيد أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية، ووزير خارجية مصر خلال الفترة من 2004 وحتى نهاية حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك عام 2011 في مذكراته "شهادتي" وصدرت عام 2012، فيما يتعلق بواقعة طرح إسرائيل لمشروع تبادل الأراضي، الذي تضمن تخصيص مصر مساحات من الأراضي في سيناء للفلسطينيين في مقابل تسليم إسرائيل أراضى لمصر في صحراء النقب. وأشار حينها إلى أن تلك المقترحات سبق طرحها على الرئيس الأسبق أنور السادات وأعيد طرحها على الرئيس الأسبق حسنى مبارك، وقد قوبلت المقترحات من كليهما بالرفض الشديد. إن رفض المساس بسيناء مبدأ مصري أصيل وثابت في العقل والقرار المصريين، أمس واليوم والى الأبد، ويأتي المقترح المصري بديلًا واقعيًا واختبارًا حقيقيًا لنوايا كافة الأطراف في تفكيك الأزمة المزمنة والمفخخة. --- ### هل نحن نكره الاحتلال؟ - Published: ۲۰۲۳-۱۰-۲٦ - Modified: 2025-02-12 - URL: https://tabcm.net/14573/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, شئون علمانية - وسوم: أرئيل شارون, إلياس جوزيف حبيقة, حافظ الأسد, حرب المخيمات, حركة أمل, حزب الكتائب اللبنانية, رئيس محمد حسني مبارك, شيخ جابر الصباح, شيخ سعد العبد الله السالم الصباح, صدام حسين, طارق عزيز, علاء حسين, علي عبد الله صالح, مذبحة صبرا وشاتيلا, معمر القذافي, ملك حسين, ملك عبد الله, ملك فهد, منظمة التحرير الفلسطينية, موسى الصدر, ياسر عرفات قسّم القرار العالم العربي، حتى إن الأمين العامة للجامعة العربية استقال من منصبه، إلا أن القرار كان قد أتُخذ، وأصبح من حق السعودية طلب قوات عربية وأجنبية للدفاع عنها، وفي 12 أغسطس أعلن صدام حسين رده على القرار، وذلك بربط الانسحاب من الكويت بانسحاب إسرائيل فورًا وبلا شروط -على حد نص البيان الذي أذاعه التليفزيون العراقي- من فلسطين وسوريا ولبنان بحلول منتصف يوليو عام 1971، وبعد المعارك الدامية بين نظام الملك حسين والفصائل الفلسطينية في الأردن، تم القضاء على الوجود العسكري المسلح للمليشيات الفلسطينية، وخرج عرفات ومنظمة التحرير والمسلحون إلى لبنان. وللمرة الثانية، أقامت الفصائل الفلسطينية المسلّحة دولة داخل الدولة المستضيفة لهم، وتسببوا في اشتعال الحرب الأهلية اللبنانية التي دامت لعقود.   * لبنان. . بدأت الحرب الأهلية كصدام مسلح بين الجيش اللبناني والمقاومة الفلسطينية في عام 1973، على خلفية ظهور حلف ديني مسيحي ماروني في مواجهة المقاومة الإسلامية الفلسطينية، وتكوين مليشيات، ورفض لبنان لقرارات القمة العربية في شأن الفلسطينيين، حتى طُردت منظمة التحرير للمرة الثانية من أشقائها العرب بعد تدخل إسرائيل وحلفائها هذه المرة. اتهمت السلطات اللبنانية حركة فتح (ومن ثمّ منظمة التحرير الفلسطينية) بالسعي لتوريط لبنان من خلال مهاجمة الكيان الصهيوني من الأراضي اللبنانية؛ ما يُعرّض لبنان للقصف الإسرائيلي. وبعد التنسيق المشترك بين حزب الكتائب اللبنانية بقيادة "إيلي حبيقة"، وجيش لبنان الجنوبي، بالاشتراك مع الجيش الإسرائيلي بقيادة شارون، وحركة أمل ، تم الاتفاق أن يكون يوم 16 سبتمبر 1982م هو يوم الانتهاء من سكان المخيمات الفلسطينية. كان أول من دخل إلى المخيمات لتنفيذ عمليات إراقة الدماء بدم بارد هو حزب الكتائب اللبناني، وقاموا بأكثر من نصف أعمال المجازر الوحشية التي راح ضحيتها حوالي 3500 من الرجال والنساء والأطفال والعجائز، والتي عرفت إعلاميًا باسم مذبحة صبرا وشاتيلا، لكن الإعلام العربي يتعمد إغفال مسئولية الميلشيات اللبنانية عن المجزرة، وإلقاء التهمة بالكامل على إسرائيل، حتى لا يقال أن الشعوب العربية تذبح بعضها البعض.   * سوريا. . في أواخر يونيو 1976، بدأت سوريا في حصار تل الزعتر الفلسطيني، بواسطة قوات حافظ الأسد والنظام السوري، وحلفائه، واستمر الحصار لمدة 52 يومًا، حتى مات سكانها من الجوع بعد أكل الكلاب وأوراق الشجر، ورافق حصاره بقصف بنحو 55 ألف قذيفة؛ ليسقط مخيّم تل الزعتر في 12 أغسطس 1976، وتقتحمه الكتائب اللبنانية، والقوى اليمينية المتحالفة معها، بغطاء من الجيش السوري. تكرر ارتكاب المجازر المروّعة من بقرٍ لبطون الحوامل، واغتصاب النساء، وهدم المنازل، وذبح الأطفال والنساء والشيوخ، في مخيمات جسر الباشا، والكارنتينا المجاورين لتل الزعتر، واللذان سقطا بيد القوات المهاجمة قبل أيام معدودة من سقوط تل الزعتر، مما عرف إعلاميا باسم: حرب المخيمات.   * العراق. . في 2 أغسطس من عام 1990 تقدمت فرق الحرس الجمهوري العراقي مخترقة الحدود الدولية باتجاه مدينة الكويت، وتوغلت المدرعات والدبابات وقامت بالسيطرة على المراكز الرئيسية في شتى أنحاء البلاد ومن ضمنها العاصمة. قام الجيش العراقي بالسيطرة على الإذاعة والتلفزيون الكويتي، وتم اعتقال الآلاف من المدنيين الكويتيين بالإضافة إلى أعداد كبيرة من الأجانب الذين كانوا موجودين في الكويت آنذاك، والذين تم استخدامهم رهائن لاحقًا، وبدأت عمليات سلب ونهب واسعة النطاق من قبل القوات العراقية شملت جميع مرافق الكويت، من أبسط المواد الغذائية على رفوف الأسواق إلى أجهزة طبية متطورة، وبدأت حملات مُنظّمة لنقل ما تم الاستحواذ عليه إلى العراق، وارتكب الجيش العراقي العديد من جرائم الحرب في الكويت، مثل عمليات الإعدام بدون محاكمة، وكانت عمليات الإعدام تجري أمام منزل الضحية، وبحضور أسرته. قامت السلطات العراقية ولأغراض دعائية بتنصيب حكومة صورية تحت مسمى جمهورية الكويت، برئاسة علاء حسين من 4 أغسطس إلى 8 أغسطس لمدة أربع أيام، ثمّ أعلن صدام حسين عن أعتبار الكويت المحافظة التاسعة عشر للعراق.   * مصر. . وكردة فعل سريعة، دعا الرئيس المصري محمد حسني مبارك لاجتماع قمة عاجل يوم 10 أغسطس، بحضور الشيخ جابر الصباح أمير الكويت وولي عهده وحضور طارق عزيز وزير خارجية العراق، والملك فهد ولي عهد الحرمين الشريفين، وياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، والملك حسين ملك الأردن، ورئاسة الرئيس مبارك، وتم طرح مشروع قرار يدين الغزو العراقي للكويت ويدعو لإرسال قوات عربية للمشاركة، في الدفاع عن المملكة العربية السعودية. في الجلسة الختامية، تم تقديم المشروع النهائي للقرار، وكان على القادة العرب التصويت عليه، فأتهم طارق عزيز مصر وسوريا والسعودية بالاتفاق المسبق على قرار إدانة العراق، أما ياسر عرفات فطلب من الشيخ سعد العبد الله الصباح إمهال صدام فرصة يومان، للتفاوض معه ومحاولة إقناعه قبل الموافقة على مشروع إدانة العراق، فأجابه الشيخ سعد العبد الله بحزم : "ولا حتى ساعتين ! ! ألا تدري ماذا يحدث للكويتين من قتل وسجن وتعذيب وها أنت تطلب مني مهلة يومين! ؟ ولا حتى ساعتين! ! " بعد التصويت على مشروع القرار، وافق رئيس وملك 12 دولة على القرار، هم: مصر والكويت والسعودية والبحرين والإمارات وقطر والمغرب وسلطنة عمان وسوريا والصومال ولبنان وجيبوتي، فيما عارضه أو أمتنع عن التصويت 8 رؤساء، منهم: الملك عبد الله ملك الأردن، وعلي عبدالله صالح رئيس اليمن، وياسر عرفات رئيس سلطة التحرير الفلسطينية، ومعمر القذافي زعيم ليبيا، الذي أرغى وأزبد ضد إدانة العراق بعد صدور القرار بالإجماع. https://www. youtube. com/watch? v=5fzatArDqcQ&t=3s قسّم القرار العالم العربي، حتى إن الأمين العامة للجامعة العربية استقال من منصبه، إلا أن القرار كان قد أتُخذ، وأصبح من حق السعودية طلب قوات عربية وأجنبية للدفاع عنها، وفي 12 أغسطس أعلن صدام حسين رده على القرار، وذلك بربط الانسحاب من الكويت بانسحاب إسرائيل فورًا وبلا شروط -على حد نص البيان الذي أذاعه التليفزيون العراقي- من فلسطين وسوريا ولبنان.   من الضفّة الغربية إلى جامعة القاهرة في اليوم التالي من إعلان الرئيس صدام حسين لربط غزو الكويت بالاحتلال الإسرائيلي، تظاهر في 13 أغسطس الآلاف من الفلسطينيين في الضفة الغربية -الذين يعانون من نار الاحتلال الإسرائيلي منذ عقود- تأييدًا لصدام حسين، وهتفوا "بالروح بالدم نفديك يا صدام"، وحملوا صور للرئيس المصري، حسني مبارك، وقد رسموا على جبهته نجمة داودـ وذلك لأن جهوده أثمرت عن إدانة العراق، ومشاركة الدول العربية في التحالف العسكري الدولي، والذي ستقوده الولايات المتحدة لتحرير الكويت. أما المصريون الذين يتظاهرون منذ عقود ضد احتلال فلسطين العربية الشقيقة، فقد تظاهروا أيضًا بعد قرار الجامعة العربية، لكن تأييدًا لاحتلال الكويت العربية الشقيقة أيضًا، وفي 3 فبراير خرجت مظاهرة عارمة للطلاب المصريين من جامعة القاهرة ضمت ما يقرب من ثلاثة آلاف طالب، ضد أمريكا وتأييدًا لصدام، وانتهت بمقتل أحد الطلاب بعد الاشتباك مع قوات الأمن المصري. https://www. youtube. com/watch? v=ObaHpw9Y8BQ ردة فعل الفلسطينيون والمصريون من حرب الكويت، أو موقف الشعوب العربية من حرب المخيمات، يشيران بما لا يدعو للشك أن العرب لا يهتمون ولا يكترثون باحتلال أراضيهم، المهم إلا يكون المحتل أجنبيًا. . عندها فقط ينتفضون، أما أن كان المحتل عربيًا مثلهم فلا يكترثون، أو ربما يتظاهروا تأييدًا له مثلما فعلوا حرفيًا مع صدام حسين في احتلاله للكويت. --- ### (٢) أكرم الذين يكرمونني - Published: ۲۰۲۳-۱۰-۲۵ - Modified: 2023-10-25 - URL: https://tabcm.net/14821/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, كتاب مقدس - وسوم: بابا شنودة الثالث, عالي الكاهن الخطأ هذه المرة لا يتعلق بتأليف آية لم تكن أبدًا ضمن الكتاب المقدس، أو ابتداع أو تحريف في اللفظ كما فعل البطرك السابق ذكره في آية من يكرمكم يكرمني، بل الخطأ هذه المرة هو باقتطاع الآية من سياقها الأصلي، واعتماد القائل على وجود تشابه ومترادفات لفظية وجرسها الموسيقي في الأذن، مثل يكرمكم – يكرمنني ثم استخدامها كاستشهاد في تفسير أو لإثبات عقيدة أو طقس أو تقليد معين في الحلقة الأولى قمنا بمناقشة الآية المزعومة من يكرمكم يكرمني والتي ابتدعها قداسة البابا شنودة الثالث على الهواء في اجتماع الأربعاء الشهير، وأخذها عنه كل الأساقفة والرهبان والكهنة، وأصبحت تقال وكأنها بالفعل آية من الكتاب المقدس، وتم طباعتها في كتب ومجلات وأصبحت المصدر الأول للاستشهاد بعقيدة شفاعة القديسين وإكرام الجثث والرفات! وقمنا بتقصي الأمر ووضحنا أنه لا توجد أي آية في الكتاب المقدس لا لفظًا ولا معنى، وأنها من ابتداع نيافة الحبر الجيل الأنبا شنودة. آية اليوم مرتبطة ارتباط وثيق بالأية التي ناقشناها في الجزء الأول، لأنة حينما قيلت الأولي يتبعونها بالأية الثانية أيضا، بحيث لو منفعتش الأولي فالثانية تنفع ! الخطأ هذه المرة لا يتعلق بتأليف آية لم تكن أبدًا ضمن الكتاب المقدس، أو ابتداع أو تحريف في اللفظ كما فعل البطرك السابق ذكره في آية من يكرمكم يكرمني، بل الخطأ هذه المرة هو باقتطاع الآية من سياقها الأصلي، واعتماد القائل على وجود تشابه ومترادفات لفظية وجرسها الموسيقي في الأذن، مثل يكرمكم - يكرمنني ثم استخدامها كاستشهاد في تفسير أو لإثبات عقيدة أو طقس أو تقليد معين. قبل البدء في تفسير أي أمر استشكالي، أو عند وجود شك في معنى معين لأي آية، يجب كما أشرنا سابقًا وكررنا بألا تؤخذ أي كلمة أو آية عشوائياً لإثبات أي عقيدة أو ممارسة أو طقس أو فكرة أو وجهة نظر، إلخ. بل يجب أولًا العودة للنص الأصلي كله، ونبحث عن قائلها، وأين ولمن قيلت؟ وماهو السياق الذي قيلت فيه؟ ونبحث في الترجمات الأخرى المتوفرة إن أمكن، والبحث في القرائن والأدلة! تعالوا نرجع للنص الكامل في سفر صموئيل الأول الإصحاح ٢، ونقرأه من البداية، سنجد أن موضوع الإصحاح يدور حول انتهار الرب لعالي الكاهن وتوبيخه الشديد له، على موقفه المتخاذل والمتهاون أمام ابنيه حفني وفينحاس الكاهنين. فَلِمَاذَا تَدُوسُونَ ذَبِيحَتِي وَتَقْدِمَتِي الَّتِي أَمَرْتُ بِهَا فِي الْمَسْكَنِ، وَتُكْرِمُ بَنِيكَ عَلَيَّ لِكَيْ تُسَمِّنُوا أَنْفُسَكُمْ بِأَوَائِلِ كُلِّ تَقْدِمَاتِ إِسْرَائِيلَ شَعْبِي؟ لِذلِكَ يَقُولُ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: إِنِّي قُلْتُ إِنَّ بَيْتَكَ وَبَيْتَ أَبِيكَ يَسِيرُونَ أَمَامِي إِلَى الأَبَدِ. (صموئيل الأول ٢: ٢٩) حفني وفينحاس الكاهنين تمادوا في الرجاسات والخطية، ولم يقدسوا بيت الرب، ولم يكرموا اسمه، فكانوا يسرقون الأموال والذبائح، ويستبيحون فعل الشر، ويزنون بالنساء عند باب الهيكل، ويحتقرون كلمة الرب، ويحتقرون المكان المقدس كله بأفعالهم تلك. أما عالي الكاهن، فكان موقفه ضعيفًا جدًا أمامهم، بل تركهم يستمرون في أفعالهم ربما خوفًا منهم، أو ربما لعدم رغبته في خسارتهم ولحبه لهما اكثر من الرب! (أو حفاظًا وسترا لسمعة الكهنوت من الفضيحة، أو لأي سبب ضمائري يبرر تهاونه مع أبنائه) فجاءت كلمة الرب كضربة، ولعنة، وعار على "عالي الكاهن": وَالآنَ يَقُولُ الرَّبُّ: حَاشَا لِي! فَإِنِّي أُكْرِمُ الَّذِينَ يُكْرِمُونَنِي، وَالَّذِينَ يَحْتَقِرُونَنِي يَصْغُرُونَ. (صموئيل الأول ٢: ٣٠) أي إن حديث الرب هنا ليس معناه أكرام البشر أو تعظيم القديسين، المقصود هنا إكرام الله نفسه، إن من يقدس الرب في أفعاله وفي حياته وأقواله، من يكرم بيت الرب ويقدسه، فالرب سوف يكرمه ويجازيه حسنًا، أما من يحتقر بيت الرب ويحتقر كلامه ووصاياه، فسينال الجزاء والعقاب. لذا كانت الآيات خطاب إنذار شديد اللهجة لعالي الكاهن، وضربة قوية على ابنيه حفني وفينحاس، حينما نقرأ باقي الآيات ونرى بأنفسنا: هُوَذَا تَأْتِي أَيَّامٌ أَقْطَعُ فِيهَا ذِرَاعَكَ وَذِرَاعَ بَيْتِ أَبِيكَ حَتَّى لاَ يَكُونَ شَيْخٌ فِي بَيْتِكَ. وَتَرَى ضِيقَ الْمَسْكَنِ فِي كُلِّ مَا يُحْسَنُ بِهِ إِلَى إِسْرَائِيلَ، وَلاَ يَكُونُ شَيْخٌ فِي بَيْتِكَ كُلَّ الأَيَّامِ. وَرَجُلٌ لَكَ لاَ أَقْطَعُهُ مِنْ أَمَامِ مَذْبَحِي يَكُونُ لإِكْلاَلِ عَيْنَيْكَ وَتَذْوِيبِ نَفْسِكَ. وَجَمِيعُ ذُرِّيَّةِ بَيْتِكَ يَمُوتُونَ شُبَّانًا. وَهذِهِ لَكَ عَلاَمَةٌ تَأْتِي عَلَى ابْنَيْكَ حُفْنِي وَفِينَحَاسَ: فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ يَمُوتَانِ كِلاَهُمَا. (صموئيل الأول ٢: ٣١-٣٤) وقد تحقق هذا بالفعل حيث مات عالي الكاهن هو وابناه، ونُزع الكهنوت من بيته حينما طرد الملك سليمان، إبياثار الكاهن، وذهب الكهنوت إلى عشيرة أخرى وبيت آخر من سبط لاوي. إذن، الآية لم تكن أبدا تعني أننا نكرم البشر، وإنما تعني إكرام البشر للرب وحده، ومن يفعل غير هذا فكأنما "يحتقر الرب"، ويقع عليه الجزاء. https://www. youtube. com/watch? v=JrHA7Pbtogk --- ### ملحمة جلجامش؛ الإصحاح السادس - Published: ۲۰۲۳-۱۰-۲٤ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/13247/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون, تاريخ وميثولوچيا - وسوم: آنتوم, آنو, أفروديت, أوروك, إنانا, إنكيدو, إيشولانو, الثور السماوي, بلاد الرافدين, تموز, جلجامش, دوموزي, ريجنالد كامبل طومسون, سامي سعيد, شمش, طه باقر, عشتار, فراس السواح, ڤينوس, لوجال يرفض جلجامش عرض عشتار الجنسي لخيانتها لعشاقها السابقين فتطلب من والدها إرسال الثور السماوي لينتقم لكرامتها. يقول أنو إذا أعطاها الثور ستواجه المدينة ٧ سنوات من المجاعة. تزوده عشتار بمؤن لمدة ٧ سنوات وتقود الثور السماوي مما يسبب دمارًا واسعًا. انخفض نهر الفرات وجفت المستنقعات وحفر ابتلعت الرجال. هاجم إنكيدو وجلجامش الثور السماوي وقتلاه وقدما قلبه للإله شمش، وعندها تبكي عشتار يلقي إنكيدو إحدى الأجزاء الخلفية للثور عليها لإهانتها. تحتفل المدينة لكن يحلم إنكيدو بحلم مشؤوم اللوح السادس غير مقسّم (عمود واحد)، المقروء منه ١٧٥ سطرا، بنسبة ٨٨% من الإجمالي. خلاصة الإصحاح السادس:يرفض جلجامش عرض الإلهة عشتار لإقامة علاقة جنسية معه بسبب سوء معاملتها وخيانتها لعشاقها السابقين مثل الإله دوموزي. تطلب عشتار من والدها، الإله أنو، أن يرسل الثور السماوي لينتقم لكرامتها. وعندما يرفض أنو شكواها، تهدد عشتار بإعادة إحياء الموتى الذين سيفوقون عدد الأحياء والذين سيقومون بالاتهام الأحياء. يقول أنو أنه إذا أعطاها ثور السماء، ستواجه المدينة ٧ سنوات من المجاعة. فتزوده عشتار بمؤن لمدة ٧ سنوات مقابل الثور. وتقود الثور السماوي إلى الوركاء مما يسبب دمارًا واسعًا. انخفض مستوى نهر الفرات وجفت المستنقعات وافتتحت حفر ضخمة ابتلعت الرجال. هاجم إنكيدو وجلجامش الثور السماوي وقتلاه وقدما قلبه إلى الإله شمش. وعندما تبكي عشتار يقوم إنكيدو بإلقاء إحدى الأجزاء الخلفية للثور عليها لإهانتها. تحتفل مدينة الوركاء، ولكن يحلم إنكيدو في منامه بحلم مشؤوم حول فشله في المستقبل. العمود الأول ١)نظف الوسخ، ولمَّع أسلحته،٢)أسدل خصلة شعره على ظهره،٣)خلع ملابسه المتسخة، واكتسى ملابس نظيفة،٤)التف بالعباءة، وربطها بحزام. ٥)لما وضع جلجامش تاجه،٦)رفعت عشتار الجليلة عينيهاجماله:٧)«تعال يا جلجامش! كن زوجي! ٨)امنحني، آه امنحني فيض! ٩)فتكون زوجي، وأكون زوجتك. ١٠)سآمر لك بعربة من الذهب واللازورد،١١)عجلاتها من ذهب، وقرونها من نحاس أصفر،١٢)تشد إليها العواصف،والبغال العظيمة! ١٣)أدخل بيتنا المعطر بشذا الأرز،١٤)وعندما تدخل بيتنا،١٥)سيُقبِّل الكهنة المبجَّلون قدميك،١٦)وسينحني لك الملوك والرؤساء والأمراء،١٧)ويقدِّمون لك غلَّة الجبل والسهل. ١٨)ستلد لك العنزات ثلاثًا، والنعجات توائم،١٩)وحمارك سيفوق البغل في حمله. ٢٠)حصانكإلى العربة سيكون أسرععَدْوًا،٢١)وثوركفي النثر لن يكون له نظير. »٢٢)فتح جلجامش فمه للكلام،٢٣)وقال لعشتار الجليلة:٢٤)«ماذا عليَّ أن أعطيك لو اتخذتك؟٢٥)هل تحتاجين دهانًا لجسدك، أم تحتاجين ثيابًا؟٢٦)هل يعوزك الخبز أو الغذاء؟٢٧)عندي بالطبع طعام يليق بالآلهة،٢٨)وعندي شراب يليق بالملوك. ٣٠)لكن ما الداعي؟ إن مكانك في الشارع،٣١)... يمكنك أن ترتدي حُلَّة ... ٣٢)فينالك مَن يشتهيك! ٣٣)موقد لا ... الثلج،٣٤)باب ناقص، لا يصد الريح وقصف،٣٥)قصر يُسْحَق فيه البطل،٣٦)فيل يمزق غطاءه،٣٧)قار يلوث حامله،٣٨)قربة تبلل حاملها،٣٩)حجر جيري يهد الجدار،٤٠)يشب يجذب بلاد الأعداء،٤١)حذاء يضايقصاحبه! ٤٢)مَنْ مِنْ عشَّاقك حافظت على حبه؟٤٣)أي طائر... استطاع أن يحلق في الأعالي؟٤٤)حسنًا! أسماء أخلص أحبابك:٤٦)تموز حبيب صباك،٤٧)قضيت عليه بالنواح عامًا في إثر عام. ٤٨)لما عشقت الطائر الملون،٤٩)بضربه وكسر جناحيه،٥٠)وهو الآن يعيش في الغابات يصرخ: كابي! ٥١)ولما أحببت الأسد الكامل القوة،٥٢)حفرتِ له من الحفر سبعًا وسبعًا. ٥٣)وحينما أحببت الحصان المرهوبفي النزال،٥٤)سلطت عليه السوط والمهماز والسير،٥٥)وحكمتِ عليه بالعَدْو سبع ساعات مضاعفة،٥٦)والشرب من المياه العكرة. ٥٧)وعلى أمه سيليلي قدرت النواح،٥٨)لما أحببت الراعي، الذي يحمي القطيع،٥٩)والذي لم ينقطع عن تقديم الفطائر،٦٠)وذبح الجديانلك كل يوم،٦١)ضربته ومسخته ذئبًا،٦٢)وها هم صبيتهيطاردونه،٦٣)وكلابه تعضه في فخذيه! ٦٤)ولما عشقت «إيشولانو» بستاني نخل أبيك،٦٥)الذي ظل يحمل سلال التمر إليك،٦٦)ويُزيِّن مائدتك العامرة كل يوم؛٦٧)رفعت إليه عينيك، وأقبلت عليه قائلة:٦٨)«آه يا إيشولانو، دعنا نستمتع بفحولتك،٦٩)مدَّ يدك والمس جسدي. »٧٠)ورد عليك «إيشولانو» بقوله:٧١)«ما الذي تريدينه مني؟٧٢)أَوَلم تخبز أمي؟ أَوَلم آكل؟٧٣)حتى لا أضطر لأن آكل خبزي بالإهانات واللعنات،٧٤)وأتلحف بالحلفاء لأدرأ عني البرد؟»٧٥)وعندما سمعتِ منه هذا القول،٧٦)ضربته ودحرته،٧٧)وجعلته يعيشوشقاء. ٧٩)«ولو أنك أحببتني لجعلتني مثل هؤلاء! »»٨٠)لم تكد عشتار تسمع هذا الكلام،٨١)حتى تملَّكها الغضب وصعدت إلى السماء،٨٢)مثلت في حضرة أبيها آنو،٨٣)وجرت دموعها أمام أمها آنتوم:٨٤)«أبتاه! لقدجلجامش وأهانني،٨٥)ألحق بي إهاناته واحدة بعد الأخرى،٨٦)شتائمه ولعناته! »٨٧)فتح آنو فمه للكلام،٨٨)وقال لعشتار الملكية:٨٩)«لا بُدَّ أمك تحرشت بملك أوروك،٩٠)بإهاناته،٩١)شتائمه ولعناته! »٩٢)فتحت عشتار فمها للكلام،٩٣)وقالت لأبيها آنو:٩٤)«أعطني ثور السماء، ليقتل جلجامش. ٩٦)إن لم تعطني ثور السماء،٩٧)حطمت أبواب العالَم السفلي،٩٨)وانتزعت الأعمدة، وتركت البوابات مفتوحة على مصاريعها،٩٩)وجعلت الموتى يقومون ويلتهمون الأحياء،١٠٠)فيصير الأموات أكثر عددًا من الأحياء! »١٠١)فتح آنو فمه للكلام،١٠٢)وقال لعشتار الجليلة:١٠٣)«يا ابنتي، لو فعلت ما تطلبينه مني. ١٠٤)لَحلَّتْ سبع سنوات عجاف،١٠٥)فهل جمعتِ القمحالبشر،١٠٦)وتركتِ العشب ينموالدواب؟»١٠٧)فتحت عشتار فمها للكلام،١٠٨)وقالت لأبيها آنو:١٠٩)«أبتاه! لقد خزنت الغلال للناس،١١٠)وجمعت العلف للماشية،١١١)ولكي يشبعوا في السنوات السبع العجاف،١١٢)خزنت الغلال للناس،١١٣)وجعلت العشب ينمو للدواب. »... ... ١١٧)بعد أن سمع آنو كلامها،١١٨)سلم عشتار مقود الثور السماوي،١١٩)فأخذته لتنزلإلى الأرض،١٢٠)وقادته إلى ربوع أوروك. ١٢٢)هبط الثور السماوي فنشر الفزع؛١٢٣)أهلك في خواره الأول مائة إنسان،١٢٤)أهلك فوق ذلك مائتين، ثلاثمائة. ١٢٦)وفي خواره الثاني قضى على مائة آخرين،١٢٧)وعلى مائتين كذلك وثلاثمائة. ١٢٩)في خواره للمرة الثالثة هجم على إنكيدو،١٣٠)إنكيدو ... فخذيه. ١٣١)قفز إنكيدو وأمسك الثور السماوي من قرنيه،١٣٢)قذف الثور السماوي رغاءه،١٣٣)وطوَّح روثه بذيله السميك. ١٣٤)فتح إنكيدو فمه للكلام،١٣٥)وقال لجلجامش:١٣٦)«تفاخرنا يا صديق، ... ١٣٧)فكيف نرد؟١٣٨)لقد رأيت يا صديق ... ١٤٠)أريد أن أنتزع ... ١٤١)أنا وأنت، ينبغي أن نقتسم العمل:١٤٢)سأمسك بالثور من ذيله،١٤٥)وبين العنق والقرنين و... ينبغي أن يطعنه سيفك. »١٤٧)طارد إنكيدو ثور السماء ليمسك به،١٤٨)ثم أطبق على ذيله،١٤٩)وقبض عليه بكلتا يديه. ١٥٠)وجلجامش كقصاب بارع،١٥١)طعن الثور السماوي بقوة وثقة،١٥٢)بين العنق والقرنين و... بسيفه ... ١٥٣)وبعد أن قتلا الثور السماوي انتزعا قلبه،١٥٤)وقرباه إلى شمش. ١٥٥)تراجعا للوراء، وهما ينحنيان لشمش في خشوع،ثم جلس الأخوان. ١٥٧)صعدت عشتار سور أوروك المنيعة،١٥٨)قفزت فوق ... وأطلقت صرخة أليمة:١٥٩)«الويل لجلجامش الذي جلَّلني بالعار،وصرع ثور السماء! »١٦٠)لما سمع إنكيدو هذا القول من عشتار،١٦١)انتزع فخذ الثور السماوي وقذفه:١٦٢)«لو أمسكتك لَفعلتُ بك مثل ما فعلت به،١٦٤)ولَربطتُ أحشاءَه في ذراعك! »١٦٥)عشتار جمعت حولها البنات،١٦٦)وبغاياوالإماء،١٦٧)وأقامت مناحة على فخذ الثور السماوي. ١٦٨)أما جلجامش فجمع أرباب الحرف وكل صانعي السلاح،١٧٠)أشاد الصناع بحجم القرنين؛١٧١)وزنهما ثلاثين رطلًا من حجر اللازورد،١٧٢)وسمككلٍّ منهما شبران،١٧٣)وسعتهما ستة كورات من الزيت. ١٧٤)قرَّبَها لإلهه الحامي لوجال بندا،١٧٥)وعلقفي مخدع رب البيت. ١٧٦)غسلا أيديهما في ماء الفرات،١٧٧)ثم أمسك كلٌّ منهما بيد الآخر وانطلقا. ١٧٨)في طرقات أوروك،١٧٩)احتشد أهالي أوروك ليشاهدوهما،١٨٠)وخاطب جلجامش خادمات قصرهبهذه الكلمات:١٨٢)«مَنْ أروع الرجال؟١٨٣)مَنْ أقوى الأبطال؟١٨٤)جلجامش أروع الرجال! ١٨٥)جلجامش أقوى الأبطال! ١٨٦)تلك التي قذفناها بفخذ الثور السماوي ونحن غاضبون،١٨٧)عشتار ... لا تجد في الطريق أحدًا يُفرِح قلبها! »١٨٩)أقام جلجامش في قصره حفلًا بهيجًا. ١٩٠)نام البطلان واستراحا على فراش الليل. ١٩١)إنكيدو نام كذلك ورأى حلمًا،١٩٢)ثم هبَّ مستيقظًاوأخذ يقص رؤياه،١٩٣)وهو يقول لصديقه:... ... (ملحمة جلجامش، اللوح السادس كاملا) (١)حرفيًا: قلنسوته الملكية أو غطاء رأسه الملكي. (٢)حرفيًا: عشتار الملكية. (٣)ما زالت الكلمة غامضة وتختلف حولها الترجمات، فهي شياطين الصاعقة (طه باقر)، وعفاريت العاصفة (فراس السواح)، وتسقطها ترجمة سامي سعيد. (٤)ربما كان المقصود هنا بالعطاء هو الأجر الذي يدفعه الرجل للبغي، وهذه هي أولى الإهانات التي يوجهها جلجامش إلى عشتار... والسطور الأربعة التالية تعاني من التشوه والتلف الشديد. (٥)الكلمة تعني الرداء أو العباءة، وقد أوجب السياق هذا التصرف. (٦)هكذا في الترجمة الألمانية، ومعظم الترجمات الأخرى تقترب من هذا المعنى فتقول: ما أنت إلا موقد تخمد ناره في البرد أو لا يدفئ في البرد، أو مثل المدفأة الخامدة في البرد. (٧)حرفيًا يسحق البطل، ولعل هذا التصرف أن يكون قريبًا من المعنى المقصود، وفي ترجمة سامي سعيد: (أنت مثل) القصر الذي هو مذبح الأبطال (ص٣٠٩، سطر ٣٥). (٨)في ترجمات أخرى: حفرة يخفي غطاؤها كل غدر (فراس السواح) عن ترجمة (طومسون) فيل يمزق رحله (طه باقر) وينفض عنه سجادته (هايديل)، حفرة ينهار غطاؤها (جاردنر) راجع ترجمة فراس السواح، ص١٤٩، هامش ١، وأنت مثل حفرة ... غطائها (سامي أسعد). (٩)ربما كان المقصود أنه حجر هش يتداعى بسببه الجدار وينهار، وفي ترجمة نشوت «يفجر الجدار الحجري»، أما في ترجمة سامي سعيد فهي: أنت كحجر اللايمستون (الجيري) ... جدار صخري (ص٣٠٩، سطر ٣٩). (١٠)هكذا حرفيًّا، ولا بُدَّ أن التجربة الحضارية والتاريخية لكتاب الملحمة قد أثبتت لهم أن الأحجار الكريمة في سومر أو بابل أو آشور قد أغرت القبائل المعادية بمهاجمتها ونهبها... والمعنى واضح: فجمال عشتار مثل جمال هيلينا (هيلين طروادة) مصيبة على أهلها! (١١)هذه الطيور في رأي طومسون هي نوع من الغربان... وفي ترجمات أخرى: أي راع من رعاتك أرضاك دائمًا (طه باقر وفراس السواح) ومن هو الحاكم الذي سما عليك (سامي سعيد). (١٢)ارتبط اسم عشتار بالراعي الشاب دوموزي، إذ هبطت عشتار إلى العالم السفلي فذوت مملكة النبات وأجدبت الأرض، ثم سمحت آلهة هذا العالم المخيف الذي لا يرجع منه أحد! بأن تصعد إلى الأرض لتعود إليه دورة الخصب والحياة النباتية بشرط أن تسلم بديلًا عنها لآلهة ذلك العالم وشياطينه، ولم يكن هذا البديل سوى دوموزي أو تموز... (قارن الروايتين السومرية والأكادية لأسطورة هبوط عشتار للعالم السفلي)، (وتجد الترجمة العربية في كتاب فراس السواح: «مغامرة العقل الأولى: دراسة في الأسطورة – سورية وبلاد الرافدين»، دمشق، العربي للطباعة والنشر، الطبعة السابعة ١٩٨٧م، من ص٢٩٧–٣٢٠)، وطقوس البكاء والنواح على تموز لغيابه في العالم الأسفل ثم طقوس الاحتفال بخروجه وبعثه في الربيع أشهر من أن تُذْكَر. (١٣)هو طائر الشقراق المرقش أو طير الراعي المرقط الذي يهتف مناديًا: كابي! كابي! (وا جناحاه! )(١٤)الحصان عندما يرد الماء يضع قائمتيه الأماميتين في الماء، ويقلب بهما الأرض فيتعكر. (١٥)وفي ترجمات أخرى: مسخته جرذًا أو خلدًا أو ضفدعًا أو عنكبوتًا، قهرته وحكمت عليه بالانزواء والاندحار. (١٦)آن أو آنو هو الإله الرئيسي في مجمع الآلهة السومري، ويعني الاسم في اللغة السومرية السماء والأعالي، ويلفظ في الأكادية آنو أو آنوم وزوجته في الأكادية هي آنتوم مؤنث آن. (١٧)أي هل خزنت من الحبوب والغلال والعلف ما يكفي الناس والماشية؟(١٨)حرفيًا: قذف رغاءه إلى الأمام. (١٩)بوصتان أو أصبعان. (٢٠)الكور مقياس بابلي للحجم ويساوي حوالي ٢٥٠ لترًا، ويُسْتَعمل الزيت في طقوس العبادة لدهان الجسد والتبرك. (٢١)وفي ترجمات أخرى: مغنيات أوروك، فتيات أوروك، عازفات القيثارة في أوروك. --- ### فلسطين: بين الصراع الدموي والنضال اللاعنفي - Published: ۲۰۲۳-۱۰-۲۳ - Modified: 2023-11-05 - URL: https://tabcm.net/15218/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, شئون علمانية, كتاب مقدس - وسوم: ألبير كامو, امبروز پول توسان ڤاليري, رئيس عبد الفتاح السيسي, مهاتما غاندي في الأيام القليلة الماضية، احتدم الصراع الدموي بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وسقط مئات القتلى والجرحى على الجانبين بصورة لم يشهدها هذا الصراع من قبل، وأصبح من المؤكد أن هناك قوى دولية خارجية تؤجج هذا الصراع على الجانبين، ومحاولة توريط مصر في هذا الصراع واختراق حدودها واستغلال جزء من أراضيها بغية تحقيق مخططات دولية. كانت الدولة المصرية بقيادتها السياسية والعسكرية واعية جدًّا لهذا المخطط، وتتصدى له بحكمة وحنكة وقوة، فقد أكد الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال كلمته في حفل تخريج دفعة جديدة من الأكاديمية والكليات العسكرية ٢٠٢٣، على ما يلي: إن وضع الفلسطينيين مختلف عن بقية مَن تستضيفهم مصر، فمصر تستضيف ٩ ملايين نزحوا من بلادهم بسبب الاضطرابات الدائرة فيها (الرئيس عبد الفتاح السيسي - حفل تخريج الكليات العسكرية ٢٠٢٣) أوضح الرئيس أن الوضع مختلف مع الفلسطينيين، الذين يجب أن يبقوا في بلادهم ويواصلوا الصمود حفاظًا على قضيتهم وأرضهم، ويتحتم على مصر ألّا تتركهم. وبعد مرور عشرات السنوات من الصراع الدموي العربي الإسرائيلي، بات من المحتم أن نسأل أنفسنا: هل توصل العرب إلى حل مبنى على العدل والحق والسلام؟! . في الحقيقة لا. إذًا لماذا لا نجرب طريقة أخرى، وقد جربها آخرون، وكان لها عظيم الأثر في حل الكثير من الصراعات والنزاعات؟! . لماذا لا نجرب النضال اللاعنفي بدلًا من المقاومة الدموية المسلّحة؟ اللاعنف هو ممارسة شخصية لا يؤذى الفرد فيها ذاته والآخرين تحت أي ظرف، وينبع ذلك من الاعتقاد بأن إيذاء الناس أو الحيوانات أو البيئة لا لزوم له لتحقيق النتيجة المرغوبة، كما يُستنبط من فلسفة عامة تقوم على الامتناع عن العنف على أساس المبادئ الأخلاقية والدينية والروحية. ويُنظر للاعنف على أنه بديل لموقفين آخرين، هما: الرضوخ والانصياع السلبي من جهة، أو النضال والصدام المسلح من جهة أخرى. لذلك، فإن اللاعنف يدعو إلى وسائل أخرى للكفاح الشعبي، منها العصيان المدني أو «المقاومة اللا عنفية» أو عدم الطاعة وعدم التعاون. استُخدم هذا المصطلح كمصطلح معاكس للمسالمة السلبية، ومنذ منتصف القرن العشرين أخذ يُظهر الكثير من التكتيكات التي تهدف إلى التغيير الاجتماعي دون استخدام القوة. إن اللاعنف يختلف عن المسالمة لأنه يواجه القمع والطغاة بشكل مباشر. المهاتما غاندي كان من أبرز الأشخاص الذين دعوا إلى النضال اللاعنفي، وأبرز مَن حققوا نجاحًا من خلاله. غاندي، السياسي الأبرز والزعيم الروحي للهند، خلال حركة استقلال الهند كان رائدًا لمقاومة الاستبداد بواسطة العصيان المدني الشامل، والتي أدت إلى استقلال الهند من السيطرة الأجنبية، وألهمت الكثير من حركات الحقوق المدنية والتحررية في جميع أنحاء العالم. كان غاندي يعارض العنف لأنه حيث يبدو الشخص العنيف وكأنه يفعل خيرًا، فإن ما يفعله من خير هو مؤقت فقط، أما ما يفعله من شر فهو دائم، وإن الرد على الوحشية بوحشية هو إقرار بالإفلاس الأخلاقي والفكري، وإن النصر الناتج عن العنف هو مساوٍ للهزيمة، إذ إنه سريع الانقضاء، و«إن العين بالعين» هو مبدأ يحوِّل البشر إلى مجموعة من العميان، وإنه ليس هناك طريق إلى السلام، ولكن السلام هو الطريق. واستمر غاندى على مدى أكثر من ٥٠ عامًا يبشر بالنضال اللاعنفي، ومن أبرز أقواله: إن اللاعنف هو أعظم قوة متوفرة للبشرية. . إنها أقوى من أقوى سلاح مدمر صنعته براعة الإنسان، وهو أكبر وأسمى بما لا يُقاس من شريعة القوة الغاشمة، وفى نهاية المطاف فإن اللاعنف لا يناسب أولئك الذين لا يملكون إيمانًا حيًّا بألوهية المحبة (مهاتما غاندي) من المؤسف أن: الحرب مجزرة تدور بين أناس لا يعرفون بعضهم البعض، لحساب آخرين يعرفون بعضهم البعض، ولا يقتلون بعضهم البعض. ، كما قال الشاعر الفرنسي "بول فاليري"، وعندما تتصارع الأصوليات تتسارع القذائف ويغيب السلام. إن هذه الصراعات الدموية التي حادت بالقضية الفلسطينية عن مسارها الساعي لإقرار السلام القائم على العدل، كانت صراعات صفرية ليس فيها منتصر أو مهزوم، وإن: أيّ صراع لا يؤول إلى السلام: عبث، لا يعوّل عليه، كما قال الرئيس السيسي. إننا وصلنا إلى المرحلة التي تجعلنا نؤكد ما قاله الصحفي والفيلسوف الفرنسي ألبير كامو: لسنا ننشد عالمًا لا يُقتل فيه أحد، بل عالمًا لا يمكن فيه تبرير القتل! كما أن أي حلول بديلة لوضع "مكسب/مكسب" لكلا الطرفين، فهي خسارة للكل، وهذا لن يتأتى إلا من خلال العودة الهادئة إلى مائدة المفاوضات والالتزام بقرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين سنة ١٩٤٧، والذي نص على وجود دولة لليهود ودولة للعرب على أرض فلسطين، نحتاج لتفعيل كل هذا عن طريق النضال اللاعنفي حتى يمكننا نَيْل احترام العالم المتحضر من حولنا، فكما قال غاندى إننا: سوف نكسب معركتنا لا بمقدار ما نقتل من خصومنا، ولكن بمقدار ما نقتل في نفوسنا الرغبة في القتل. فهل نحن فاعلون؟!   إضافة من الناشر: المقال السابق تمت الإشارة له في برنامج "قضايا ساخنة"، على قناة: الكرازة، حلقة 16 أكتوبر 2023، من إعداد وتقديم نفس الكاتب، وبرغم أن التناول في موضوع الحلقة كان منفصلًا عن متن المقال، إﻻ أننا فضّلنا نشر المجموع كاملًا في مقال واحد، لعدم توافر تفريغ نصّي لمحتوى الحلقة. أما الحلقة ذاتها فيمكنك مشاهدتها أسفل صندوق الإضافة، وهي حلقة استثنائية جدا وخطها العريض "كيف يمكن للمسيحي المعاصر التعامل مع القضية الفلسطينية في ظل ما يقرأه من نصوص الكتاب المقدّس"، ونثق أنها حلقة جديرة بالمشاهدة. https://www. youtube. com/watch? v=adsGSmITDS0 --- ### لماذا نتناول جسد الرب ودمه في سر الإفخارستيا؟ - Published: ۲۰۲۳-۱۰-۲۲ - Modified: 2023-10-23 - URL: https://tabcm.net/14579/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: آدم, إفخارستيا, سر المعمودية, شركاء الطبيعة الإلهية, ليتورچي قد وَهَبَ لنا المواعيد العظمى والثمينة لكي تصيروا بها شركاء الطبيعة الإلهية، هاربين من الفساد الذي في العالم بالشهوة (فإنه بذلك تتحقق المواعيد النهائية للخلاص المسيحي وهي الشركة في الحياة الإلهية فيتحقق خلود الإنسان ودخوله مجال حياة الله الأبدية التي مصدرها الله). خلق اللهُ الإنسانَ من العدم. فالإنسان ليس له حياة في ذاته، وحياة الإنسان لم تنشأ بإرادة الإنسان، فهو ليس مصدرها بل مصدرها الله نفسه. انفصل الإنسان الأول آدم عن حياة الله عندما التصق بالشيطان وغوايته. افتقد اللهُ الإنسانَ الذي مات بتغربه عن الحياة. فلقد تجسد الله واتحدت حياته الإلهية ببشرية الإنسان. هذا الاتحاد بين اللاهوت والناسوت يسميه علم اللاهوت ”الاتحاد الأقنومي“ لأنه تمًّ في شخص/ أقنوم ابن الله. وبهذا أسَّس المسيح ابن الله في شخصه/ أقنومه الإلهي خليقة بشرية جديدة لها حياة إلهية خالدة لا تنفصل عن بشريته هي الخليقة الجديدة للإنسان في المسيح يسوع. وهي خليقة تختلف عن خليقة آدم الأول، لأن حياتها أصبحت ذاتية بسبب اتحاد الله ذاته بها ”أنا هو الحياة“، فالخليقة الجديدة للإنسان في المسيح يسوع تنال وجودها من المسيح الإله الذي أسسها في أقنومه/ شخصه: ”هكذا مكتوب أيضا: هكَذَا مَكْتُوبٌ أَيْضًا: «صَارَ آدَمُ، الإِنْسَانُ الأَوَّلُ، نَفْسًا حَيَّةً، وَآدَمُ الأَخِيرُ رُوحًا مُحْيِيًا». لكِنْ لَيْسَ الرُّوحَانِيُّ أَوَّلًا بَلِ الْحَيَوَانِيُّ، وَبَعْدَ ذلِكَ الرُّوحَانِيُّ. الإِنْسَانُ الأَوَّلُ مِنَ الأَرْضِ تُرَابِيٌّ. الإِنْسَانُ الثَّانِي الرَّبُّ مِنَ السَّمَاءِ. (رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس 15: 45-47) في سر المعمودية، ينال الإنسان المسيحي نعمة هذه الخليقة الجديدة التي تأسست في المسيح. لذلك نقول إن المعمودية هي الميلاد الثاني للإنسان كنعمة مكتسبة من آدم الثاني الذي هو الرب من السماء الذي تجسد ولبس جسدًا. قال المسيح له المجد: فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَأْكُلُوا جَسَدَ ابْنِ الإِنْسَانِ وَتَشْرَبُوا دَمَهُ، فَلَيْسَ لَكُمْ حَيَاةٌ فِيكُمْ )إنجيل يوحنا 6: 53) ليوضح لكل إنسان مسيحي نال نعمة هذه الخليقة الجديدة بالإيمان (والمعمودية) أن عليه أن يؤكد انتماءه لله وحرصه على التصاق الخليقة الجديدة فيه بأصلها ومصدرها في شخص وأقنوم يسوع المسيح ابن الله/ ابن الإنسان. فيستمر تدفق الحياة الإلهية من المثيل إلى المثيل. واضح جدًا أن الرب يعطي الحياة الإلهية التي هي الصفة الذاتية للاهوت المتحد بالناسوت في شخصه (بلا اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير) يعطيها المؤمنين به في سر التناول بإيمان من الخبز المتحول إلى جسد المسيح المحيي. هذا هو تفسير قول المسيح في بداية رسالته وإرساليته على الأرض في الإصحاح الأول من إنجيل يوحنا من الآن ترون السماء مفتوحة وملائكة الله تصعد وتنزل عليابن الإنسان وهكذا ينجلي لنا تعليم المسيح والكتاب المقدس عن ”الجسد والرأس“. وأن الجسد لا يمكن أن يحيا بدون الرأس "الرأس الذي منه كل الجسد“. فجسد المسيح الذاتي هو "الجسد المحيِي" بسبب لاهوته المتحد فيه. فهو ليس حي فقط بل يعطي الحياة. والحياة فيه ذاتية وليست مكتسَبَة مثلنا، كنعمة من آخر هو الله. أما نحن البشر فإن الرب وضع فينا حياته الإلهية ليست كمصدر وصفة ذاتية في كياننا البشري ، ولكن كنعمة منه نحرص عليها بانتمائنا إلى مصدرها بأن نتحد بالمثيل الذي لنا فيه وهو جسده الحي المحيي في سر الإفخارستيا، فتكون لنا الشركة في الطبيعة الإلهية: كما أن قدرته الإلهية قد وَهَبت لنا كل ما هو للحياة والتقوى بمعرفة الذي دعانا بالمجد والفضيلة 
اللذين بهما 
قد وَهَبَ لنا المواعيد العظمى والثمينة لكي تصيروا بها شركاء الطبيعة الإلهية، هاربين من الفساد الذي في العالم بالشهوة   (رسالة بطرس الثانية 1). مع أنّ هذا هو الإيمان إلا أن الكنيسة الأرثوذكسية في صلاتها الليتورجية (القداس) تشير إلى ”الخبز“ الذي تحوَّل إلى ”جسد المسيح“ بعد حلول الروح القدس عليه في القداس الإلهي وتقول إنه "الخبز" السمائي، لتوكد أهمية جسد الرب ودمه كطعام سمائي يهب الله من خلاله نعمة الحياة الإلهية التي هي ذاتية في لاهوت الله المتحد بالخبز الذي صار جسدًا: يا رئيس الحياة وملك الدهور. . الخبز الحقيقي الذي نزل من السماء واهب الحياة للعالم --- ### [٦] دكتور سامي (٢) - Published: ۲۰۲۳-۱۰-۲۱ - Modified: 2023-10-28 - URL: https://tabcm.net/13988/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون - وسوم: يوحنا الحبيب معنى إنك تبقى كاهن، فده معناه إن كل الناس هتقاسمك معايا، بيتنا هيبقى على الفضائيات، بناكل إيه، وبنشرب إيه، وبيتنا فيه إيه، راكبين عربية بكام، وجيبناها منين، وعيالنا في مدارس إيه، ومصاريفها كام، الناس هتراقبنا خرج سامي وسارة من المطرانية في ذهول، فقد كانا منذ اللحظة الأولى على يقين أن الأسقف لن يوافق عليهم، وزاد يقينهم وقتهم بعد المقابلة الأولى، ولكن ماذا حدث؟! ما الذي قلب الأمور رأسًا على عَقب؟! ! - سامي، هنعمل إيه؟! - مش عارف يا سارة، مش قادر أفكر، عندي كركبة أفكار ومشاعر بتدور في دماغي، عاوز أرجع لسيدنا دلوقتي حالًا وأقوله حاللني يا سيدنا أنا مش موافق، هو أكيد مش ها يرسمني بالعافية يعني، بس سكوتي قدامه ونزولنا من عنده، ده معناه إننا وافقنا. - طب ما يمكن فعلًا يا سامي ربنا عاوزك تبقى كاهن، وأنت كده بتعاند تدبير ربنا ليك. - يا سارة، ربنا بيشتغل بالكل، باللي لابس فراجية، واللي لابس قميص وبنطلون، بيشتغل باللي في العالم وباللي في الأديرة، المهم مين يخضع لاستخدام ربنا ليه. - ماهو ده اللي بقوله، خايفة نكون مش خاضعين لمشيئة ربنا لينا، سامي افهمني، أنا مش بقنعك أنا بفكر معاك، أنا خايفة أكتر منك، أنا طول عمري محبش بيتي وحياتي مشاع، ومعنى إنك تبقى كاهن، فده معناه إن كل الناس هتقاسمك معايا، بيتنا هيبقى على الفضائيات، بناكل إيه، وبنشرب إيه، وبيتنا فيه إيه، راكبين عربية بكام، وجيبناها منين، وعيالنا في مدارس إيه، ومصاريفها كام، الناس هتراقبنا، أنت عارف يا سامي أبونا "يواقيم" لما خلف بعد الرسامة، الخادمات راحوا يسألوا تاسوني "أليس" مراته: هو أنتوا عادي مع بعض؟ الست كانت عاوزة الأرض تنشق وتبلعها في مكانها من كتر سخافة الأسئلة والتدخل في الخصوصية، لأ يا سامي أنا مش هقدر على كده ولا هستحمل، أنا مش موافقة. - اهدي بس يا سارة علشان نفكر صح، وما نعملش حاجة غلط ولا تصغرنا قدام حد، ولا تصغر من أبونا يوناثان، أنا مش عارف الناس اللي بتجري وراء الكهنوت بأيديهم وسنانهم ازاي بيزعلوا لما ربنا يخف من على كتافهم وزنة محدش قدها؟! في الوقت ده كان سامي و سارة وصلوا لبيتهم، ركنوا العربية، وطلعوا شقتهم، وكان أولادهم عند جدتهم... سامي قال لسارة : تعالي يا سارة نصلي. في أوضة نومهم كان في ركن تجاه الشرق، متعلق على الحيط صورة للصلبوت، والعدرا واقفة بتبكي ومعاها يوحنا الحبيب، وكان قدام الصورة منجلية عليها الكتاب المقدس وأچبية والإبصلمودية، سامي دخل وركع على ركبتيه وكأنه داخل يترمي في حضن أبوه، وبكى. . - يا رب أنت عارف إن مش بهرب من خدمتك، أنا ابنك يا رب وخدام أولادك، بس أنت يا رب فاحص القلوب والكلى وعارف إن قلبي كله خطية، يا رب أجي فين أنا جنب الآباء اللي نالوا بركة الكهنوت، يا رب أنا بالعافية بجاهد علشان أخلص أنا وسارة وأولادي، إزاي يا رب أقف بعد كده قدامك كل يوم، وأقولك الذين أعطيتني إياهم لم يهلك منهم أحد، إزاي يا رب هقف قدامك في يوم الدينونة اتحاسب على خلاص شعب كل واحد باسمه، وأنا أصلا مش قادر أكون أمين في حساب وكالتي. . ارتفع صوت بكاءه وعلا معها صوت أنفاسه وتنهيداته. . يا عدرا يا أم النور، اشفعي لي عند ابنك، علشان خاطري يا عدرا، قولي له سامي ما ينفعش، هقف أصلّي أقول إيه، ما أنا مش حافظ حاجة، شفتي أنا منفعش، قولي له بقى وهو هيصدقك. . يا رب صدقني مش بهرب، أنا لو انفع، هوافق على طول، طب قول لي أنت يا رب، لو أنا كويس هعترض ليه؟! مش أنت عارف يا رب إن أنا خاطي؟ سارة كانت بتبكي هىّ كمان، بس كانت بتطبطب على جوزها، وأخدته في حضنها تطبطب عليه، وكانت بتصلي جمله واحدة: يا رب يسوع المسيح، تحنن علينا احنا أولادك، وكانت عمالة تكررها طول الوقت، لحد ما تعبوا هما الإثنين من كتر البكاء، في الأخر سامي مسك موبايله وكتب رسالة: نقبل الأيادي سيدي وأبي الأسقف، حاللني، لا أقدر على وزنة الكهنوت، ولا استحقها، أرجوك سامحني ولا تغضب مني. أولادك: سامي وسارة وأرسلها أيضا إلى أبونا يوناثان مفتتحًا: أرسلت هذه الرسالة إلى أبونا الأسقف. . سامحني، سوف أغلق تليفوني وتليفون سارة الأيام المقبلة. . لا تقلق علينا وصلي لأجلي. ثم أغلقوا موبايلاتهم وفصلوا تليفون المنزل الأرضي، وناما. . يتبع. . --- ### مبروك يا هانم.. الحمل طلع كاذب! - Published: ۲۰۲۳-۱۰-۲۰ - Modified: 2023-10-18 - URL: https://tabcm.net/14907/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون - وسوم: أبو بكر عزت, أدولف هتلر, الدخول بالملابس الرسمية, اللواء عبد العاطي, النوم في العسل, بلاسيبو, پول چوزيف جوبلز, رفعت علي سليمان الجمال, سامي فهمي, سهير البابلي, نظيم شعراوي, هوليود ترى هنا صديقي مثلًا كيف وصلت الوطنية الكاذبة بصاحبها النصاب أو الجاسوس لمراحل متقدمة من النجاح في ميادين العمل والدراسة وحتى الخدمة الكنسية يوجد في الطب تعبير علمي شهير جدا، ألا وهو False Positive أو الإيجابية الزائفة (أو الكاذبة) مثل أن تكون نتيجة اختبار كورونا "إيجابية، وإيجابية هنا معناها "مصاب"! ! وهي تشبه قليلًا التعبير شبه السينمائي الذي رأيناه كثيرًا في الدراما، على لسان طبيب أمراض النساء وهو يصعق به زوجة تتوهّم الحمل: "للأسف، الحمل كاذب! " إلا أنها في واقع الأمر ليس كذلك، هي وكأن تقول لمريض إنك بخير وهو ليس على ما يرام! العجيب أن الطب يعترف بما يسمى بالبلاسيبو (أو العلاج بالإيحاء) وهو تكنيك اُستخدم منذ عقود بنجاح غريب مع كثير من مدمني التدخين مثلًا، وساعدهم في الإقلاع عنه فعلًا، عندما تم إقناعهم قديمًا بالـ"لصقة الطبيّة السحرية" التي ستساعدهم في التعافي من آثار الانسحاب من الجسم ومقاومة احتياج الجسم للنيكوتين! وربما كثير من اللصقات الطبية حاليًا بها مادة ما، يمتصها جلد المدمن، وقد تساعده في التعافي، وذهب بعض استشاريو الموارد البشرية الكبار (أو كما يسميهم البعض: أهل الشر! ) ومعهم خبراء العلاقات العامة، وكبار المسوقين بدول العالم الأول، في الترويج لهذا المعنى بشكل غير مباشر، إذ اعترفوا بحيلة نفسية غريبة قليلًا، ألا وهي تصنّع الأمر حتى تصل لمبتغاك أو Fake it till you make it بالإنجليزية، والمثير للسخرية أن كثير من البشر ساروا في هذا الطريق المعوج ونجحوا فيه على المدى القصير والمتوسط، وبعضهم كان أكثر حظًا ونجح في الموضوع على مدى طويل "نسبيًا". مثلا نجح رجل مثل رفعت الجمال (أو رأفت الهجان) في خداع آلاف من البشر لعقدين من الزمان داخل المجتمع الصهيوني العالمي (ومن ضمنهم زوجته الألمانية الكاثوليكية وأبناءه) وأقنعهم بأنه إسرائيلي متشدد ولا أقدر ممثل هوليودي، حتى وصل الأمر لترشيحه -من قبل نجوم الشارع السياسي الإسرائيلي- لتولي حقيبة وزارة السياحة في إسرائيل، ولولا جزع المخابرات المصرية من افتضاح أمره (وهو أمر كان شبه مؤكد) والتشديد عليه برفض الموضوع برمته وبشكل قاطع، ربما كان وصل لأبعد من ذلك! وهذا كان إثباتًا عجيبًا وغريبًا لكيفية نجاح طرق التصنع والتظاهر والادعاء -بالذات في أخر 50 عاما- في وصول صاحبها ظاهريًا لهدفه الدنيوي بامتياز، على أن يقوم صاحبه هذا "المُفبرك" وفي غفلة من الزمن بمناورة طموحة متأخرة لترميم مشاكله الشخصية، وترقيع عيوبه، وضبط مواضع الخلل الكثيرة بنفسه الفقيرة (بعد الوصول لهدفه طبعا! ). ترى هنا صديقي مثلًا كيف وصلت الوطنية الكاذبة بصاحبها النصاب أو الجاسوس لمراحل متقدمة من النجاح في ميادين العمل والدراسة وحتى الخدمة الكنسية، التي أتت بثمارها الشهية و"البهية" في ميادين النساء والسلطة والأعمال التجارية، والمجالس الملية والإكليريكية! فلا عجب إن تسائل المرنم مشدوهًا ومصدومًا وهو يخاطب الرب معاتبًا ومغتاظا: "لماذا تنجح طرق الأشرار؟". ربما لأن هؤلاء الأشرار بلغوا حدًا متميزًا في الكذب والادعاء والتصنع والفبركة بحيث أفلحوا فعلا في الكذب على ذواتهم قبل الآخرين، وقديمًا قال "جوبلز" وزير دعاية "هتلر": اكذب واكذب واكذب حتى تصدق نفسك! (بول جوزيف جوبلز) حيلة نفسية أخرى يلجأ لها البعض الآخر وربما بإيعاز من بعض الأطباء النفسيين أو ربما حتى مدربين الحياة (أو أيًا كان اسمهم! ) هي صنع هالة أو فقاعة وهمية متفائلة ذاتيًا كل يوم صباحًا، واعتقال النفس فيها! وتبدأ فصول تلك المسرحية فجر كل يوم بالكذب على الذات و"التحوير" على النفس، والتفاؤل القهري وترديد كلمات مسرحية طنانة جوفاء على مسمع من النفس قبل الآخرين مفعمة بالإيجابية الزائفة، أو الإيجابية الكاذبة. . الـFalse Positive. . أنا حامل يا ممتاز. . أخيرًا، قالتها "سهير البابلي" لـ"أبو بكر عزت" في مسرحية الدخول بالملابس الرسمية، قبل أن يباغتها الطبيب المزيف المصطنع "سامي فهمي" قائلًا بكل غشومية: مبروك يا هانم. . الحمل طلع كاذب! الواحد يشد نفسه. . ويبص لنفسه في المراية كل يوم، ويقول لنفسك أنا كويس. . أنا بمب. . أنا زي الحديد. . 3 مرات قبل الأكل. . وها يلاقي نفسه زي الحديد. . (الفنان "نظيم شعراوي" في فيلم: النوم في العسل") قالها أيضًا الفنان "نظيم شعراوي" بقوة في فيلم "النوم في العسل" (الذي كان يمثل دور "وزير الصحة! ") كحل سحري للتغلب على الكارثة الجماعية التي أصابت رجال الشعب المصري جميعًا في وقت واحد، منددًا بأعداء الوطن الذين يريدون إلحاق الشر والأذى لهذه الأمة "الفتية! ". وعلى سيرة الصحة، لعل الموضوع يذكرنا بالكفتة والإيدز وطرق العلاج السحرية بالإيهام والإيحاء، التي لم ولن تفلح، ولم تكن أبدًا كما قال لي صديق ناصري من مصممي الجرافيك: "حيلة لوذعيه للتفاوض مع شركات الأدوية العالمية لخفض سعر الدواء! " انتهى د. عبد الظاهر في المسرحية وهو يبكي: للأسف يا نشوى هانم أنا اللي طلعت كاذب. . مش الحمل، وانتهى وزير الصحة في فيلم النوم في العسل بضياع سمعته وكرامته المهنية للأبد، وتوفى المعالج الروحاني بالقرآن السيد الدكتور اللواء/عبد العاطي وهو يهرب، في آخر أعوام عمره، من نظرات وهمزات ولمزات الناس الساخرة والمتهكمة، المشيعة بعبارة أديهوله في هيئة صباع كفتة يتغذى عليه، وهو ده قمة الإعجاز العلمي. تطارده في كل مكان. صديقي. . يمكنك بالفعل أن تتصنع وتدعي وتتظاهر بالإيجابية الكاذبة، مثل من يدعي الوطنية الكاذبة لأنه يرى فيها مصلحته النفسية المباشرة، ومثلما يرى ذاك الجعجاع الوطني مصلحته المادية والدعائية المباشرة. . ويمكنك أن تَقُولُ: إِنِّي أَنَا غَنِيٌّ وَقَدِ اسْتَغْنَيْتُ، وَلاَ حَاجَةَ لِي إِلَى شَيْءٍ، وَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ أَنْتَ الشَّقِيُّ وَالْبَائسُ وَفَقِيرٌ وَأَعْمَى وَعُرْيَانٌ (سفر الرؤيا 3: 17) إلا أن الأمر لن يقودك في أخر الأمر إلا للانتحار -لا قدر الله- أو للجنون ولو بعد حين. ثق إنه من المؤكد إنك ستجد حلًا، هنا أو هناك، ومعنى، وداع للتفاؤل الحقيقي والإيجابية الصادقة غير المصطنعة ولا الزائفة، وليست تلك النابعة من مخدر مضاد الاكتئاب أو المهدئ الذي يكتبه لك أي طبيب نفسي، لكن من تجاربك أنت، ومن نفسِك القديمة مع الله، أو حتى من تجارِب الآخرين. وثق أيضًا إنك، يومًا ما، ستقع أيضًا تحت يد من سيمثل عليك ويتظاهر بما ليس فيه، كي يصل لهدفه منك كما تفعل أنت مع نفسك والآخرين، فلا تأخذ طريق الأشرار كي تنجح كما نجحوا، وإن لم تجد ما يستدعي تفاؤلك وإشراق شمس الأمل والرجاء في سماء حياتك اليوم، فاستمر في البحث والسعي والتنقيب، وأنا شخصيًا متأكد أنك ستجد -وقريبًا جدًا- نورا مبهرًا بنهاية هذا النفق النفسي والسياسي المظلم! وللحديث بقية إن كان في العمر بقية. --- ### هل هي فلسطين فقط؟ - Published: ۲۰۲۳-۱۰-۱۹ - Modified: 2025-02-12 - URL: https://tabcm.net/14571/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, شئون علمانية - وسوم: أيلول الأسود, حافظ الأسد, حزب البعث العربي الاشتراكي, رئيس جمال عبد الناصر, زيد الرفاعي, صلاح جديد, عزت رباح, محمد الخامس, محمد صادق, معركة الكرامة, ملك حسين, منظمة التحرير الفلسطينية, نور الدين الأتاسي, وصفي التل, ياسر عرفات تحتل الجمهورية الإسلامية الإيرانية منطقة عرب الأهواز منذ عام 1925 وثلاث جزر إماراتية عربية منذ عام 1971، وتحتل تركيا "لواء الإسكندرونة" السوري منذ عام 1939، وتحتل إسبانيا 21 جزيرة مغربية في البحر المتوسط والمحيط الأطلسي، وتحتل أيضًا مدينتي "مليلية" و"سبتة" داخل المغرب، ومع ذلك لم ينشغل ملوك العرب باسترداد أيا من هذه الأراضي المحتلة في حين كانوا مشغولين طوال الوقت باحتلال إسرائيل لفلسطين تحتل الجمهورية الإسلامية الإيرانية منطقة عرب الأهواز منذ عام 1925، وتضطهد إيران السكّان العرب السنة في تلك المنطقة، ومع ذلك لم تخرج مظاهرة واحدة في أي دولة عربية ضد المحتل الإيراني، سواء ضد شاه إيران أو نظام الملالي الحالي، ولم يفكر عربي في مناصرة السنة هناك، لم نرَ صورًا أو فيديوهات أو سياسيين وإعلاميين يصرخون لمناصرتهم، ولو لمرة واحدة. تحتل تركيا، عاصمة الخلافة، "لواء الإسكندرونة" السوري منذ عام 1939 أي قبل نشأة إسرائيل، ومع ذلك لم يتظاهر مسلم واحد رفضًا لهذا الاحتلال الاستيطاني الغاشم، بل الأنكى، أنه ولا حتى من يحكمون سوريا يذكرونه، لكنهم يذكرون فقط هضبة الجولان التي تحتلها إسرائيل. تحتل الجمهورية الإسلامية الإيرانية ثلاث جزر إماراتية عربية منذ عام 1971، ومع ذلك لم يغضب العرب المسلمون. تحتل إسبانيا 21 جزيرة مغربية في البحر المتوسط والمحيط الأطلسي، وتحتل أيضًا مدينتي "مليلية" و"سبتة" داخل المغرب، ومع ذلك لم ينشغل ملوك المغرب باسترداد هذه الأراضي المحتلة، في حين كانوا مشغولين طوال الوقت باحتلال إسرائيل لفلسطين، وكان الملك السابق محمد الخامس، رئيس صندوق القدس، هدفه هو استعادة القدس، وليس أرض المغرب المحتلة. عقب ما عرف باسم "معركة الكرامة" في مارس 1968، بدأت عوارض تشكيل دولة فلسطينية داخل الدولة الأردنية في الظهور، حيث بدأت قوات منظمة التحرير الفلسطينية النظامية المتألفة من 40000 عنصر مسلح بحمل السلاح بشكل علني داخل حدود المملكة الأردنية، وأقامه نقاط تفتيش، وجمع ما أطلقوا عليه مصطلح "ضرائب"، ومنافسة القوات الملكية الأردنية في مهمة حفظ الأمن والسيطرة الفعلية على مناطق عدة من المملكة، والتجول في المدن حاملين سلاحهم بالزي العسكري وإيقاف السيارات بغرض التفتيش، وتجنيد الشباب الأردني في المنظمة، وتجاهل اللوائح والقوانين الأردنية ورفض حمل أوراق ثبوتية أردنية، ورفض ترخيص سياراتهم ورفض تركيب لوحات أردنية لسيارتهم. على أواخر نفس العام، أصبحت أعمال العنف والخطف تتكرر بصورة مستمرة، حتى إن الفدائيين الفلسطينيين قتلوا جنديًا أردنيًا، وقطعوا رأسه ولعبوا به كرة القدم بحسب "زيد الرفاعي" رئيس الديوان الملكي الأردني آنذاك، وأضحت منظمة التحرير الفلسطينية دولة داخل الدولة في الأردن، وأصبحت الدولة المضيفة عاجزة عن السيطرة على أراضيها وأجزاء من عاصمتها، حتى بدأ هؤلاء بالاحتكاك علنًا بالجيش الأردني والمطالبة بإزاحة الملك حسين. وما بين منتصف عام 1968 ونهاية عام 1969 كان هنالك أكثر من 500 أشتباك عنيف وقع بين الفصائل الفلسطينية وقوات الأمن الأردنية، ووزعت المنظمات الفلسطينية السلاح في المخيمات الفلسطينية في تصرف ينم عن التهور الشديد، وتعريض المدنيين لمواجهاتٍ عسكرية. وتحت الضغط أضطر الملك حسين لتقديم المزيد من التنازلات، حتى أنه عرض على ياسر عرفات تولي منصب رئيس الوزراء، وأعطاه حرية تسمية من يشاء كوزراء في حكومة الأردن، لكن عرفات رفض المنصب. في مطلع شهر سبتمبر عام 1970، حاول رجال الجبهة الفلسطينية اغتيال الملك حسين، عاهل الأردن، ولكن المحاولة فشلت. وفي مطلع اليوم السادس من الشهر، خطف رجال الجبهة الفلسطينية 3 طائرات مدنية أقلعن من هولندا وسويسرا وألمانيا، ووجهوا طائرتين للهبوط في مطار صحراء الأزرق بالأردن، بينما وجهوا الطائرة الثالثة إلى القاهرة، كإشارة لبدء الانتفاضة المنتظرة. ودعت منظمة التحرير الفلسطينية إلى إقامة سلطة وطنية في الأردن، وبدأ رجال الجبهة الفلسطينية، أعمال العنف المسلح، بسبب انتشار رجالها داخل الأردن ومساندة فلسطينيو الأردن لهم ووصولهم العاصمة الأردنية عمان، وتمكنت كتائب حركة التحرير الفلسطينية من السيطرة على كبرى المدن الأردنية في شمال المملكة الأردنية، وفي 15 سبتمبر، أستولى المقاتلون الفلسطينيون على محافظة "إربد"، وقاموا بتنصيب حكومة شعبية، وأعلن ياسر عرفات في بيان له أن المنطقة الشمالية من الأردن أصبحت "مناطق محررة تخضع لسيطرة الثوار الفلسطينيين"، وعين عرفات حكامًا إداريين لمحافظة "إربد"، وفي لواء "عجلون"، ولواء "جرش". وكانت النتيجة الحتمية هي المواجهة العسكرية مع الجيش الأردني الذي يدين بالولاء التام للملك، وفي ظل تأييد معظم الشعب الأردني الذي تعرض للاستيقاف والتفتيش من جانب المسلحين الفلسطينيين، فأعلن الملك حسين الأحكام العرفيّة، وأعطى أوامره للجيش الأردني فهاجم الفلسطينيين في عمان، وسرعان ما امتدت المعارك الضارية التي كانت في العاصمة إلى مدن أخرى، وحاصرت قوات الملك حسين المدن التي يتواجد بها أفراد الجبهة الفلسطينية، وقصفهم بالمدفعية الثقيلة ومدفعية الدبابات، وبعد ثلاث أيام، دخلت المدرعات السورية إلى أرض الأردن لدعم المقاتلين الفلسطينيين، ولكن تم صدها، وفي ليلة 18 سبتمبر 1970 أرسل "صلاح جديد"، القائد العسكري السوري، والأمين المساعد لحزب البعث العربي الاشتراكي، الجيش السوري لدعم الفلسطينيين في اعتدائهم على الأردن، وقاد الرئيس السوري "نور الدين الأتاسي" الهجوم بنفسه من مقر القيادة في درعا، في محاولة لتعزيز قوات ياسر عرفات في شمال الأردن، لكن "حافظ الأسد"، الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي وقتئذ، امتنع عن تقديم التغطية الجوية للجيش السوري وتسبب في إفشال مهمته. وخسر الطرف الأردني من جرّاءِ الصراع فوق 500 قتيل، بينما خسرت الجبهة الفلسطينية 3500 مسلح وما بين عشرة الآلاف مدني قتيل، بخلاف أعداد الجرحى من الجانبين، وسويت بلدات ومخيمات فلسطينية بالأرض. في 20 سبتمبر 1970، أرسل الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، الفريق محمد صادق، رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية، إلى العاصمة الأردنية عمان للاجتماع مع العاهل الأردني وياسر عرفات، وذلك للتفاوض معهما على وقف إطلاق النار، وحل الأزمة نهائيًا بين الطرفين، وبالفعل نجح في ذلك. وبعدها عقد مؤتمر القاهرة برئاسة الرئيس جمال عبد الناصر، بحضور الملك حسين، وياسر عرفات، وقيادات منظمة التحرير الفلسطينية، وقادة الدول العربية، وتم الاتفاق على مغادرة جميع الفصائل الفلسطينية المدن الأردنية، والتوجه إلى خارجها وتسليم السلاح للجيش الأردني وخروج القيادات إلى خارج الأردن. وانتقامًا من تقليم مخالب الفلسطينيين في الأردن، قامت منظمة التحرير الفلسطينية ، بتأسيس منظمة "أيلول الأسود"، والتي كان هدفها الرئيسي تصفية الشخصيات المسئولة عن إفشال وجود المنظمة السياسي في الأردن، وأجرت عدة عمليات منها محاولة اغتيال "زيد الرفاعي" في لندن في 15 سبتمبر 1971، كما قامت في 28 نوفمبر 1971، باغتيال رئيس الوزراء الأردني "وصفي التل" في القاهرة على يد "عزت رباح"، كما قامت المنظمة عام 1973، بمحاولة احتجاز أعضاء الحكومة الأردنية ومحاولة فك أسر الخلية التي أرادت إسقاط النظام في الأردن. --- ### (١) من يكرمكم يكرمني - Published: ۲۰۲۳-۱۰-۱۸ - Modified: 2023-10-16 - URL: https://tabcm.net/14775/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, كتاب مقدس - وسوم: بابا شنودة الثالث, حماة الإيمان إذ كان كثيرون قد قد أخذوا بتأليف قصص وحكايات في الآيات المتيقنة عندنا، ومختلفة خالص عن اﻵيات التي سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخدامًا للكلمة، رأيت أنا أيضا إذ قد تتبعت أصل الرواية من الأول بتدقيق، أن أكتب إليك أيها العزيز عبصمد عن كل حاجة بالتفصيل، لتعرف مدى صحة الكلام الذي علمت به وتحكم بنفسك يا برنس. إذ كان كثيرون قد قد أخذوا بتأليف قصص وحكايات في الآيات المتيقنة عندنا، ومختلفة خالص عن اﻵيات التي سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخدامًا للكلمة، رأيت أنا أيضا إذ قد تتبعت أصل الرواية من الأول بتدقيق، أن أكتب إليك أيها العزيز عبصمد عن كل حاجة بالتفصيل، لتعرف مدى صحة الكلام الذي علمت به وتحكم بنفسك يا برنس. من يكرمكم يكرمني، ومن يكرمني يكرم الذي أرسلني الآية دي سمعتها كتير قوي من بطاركة وأساقفة ومطارنة وكهنة ووعاظ وشمامسة وخدام كتير جدًا، و"مفترض" بحسب كلامهم إن السيد المسيح قالها، واللي بيستخدمها هما ناس كتير لإثبات إكرام رفات القديسين مثلًا، وأنا من موقعي هذا، أتحدي أي شخص يجيب لي شاهد الآية دي من الكتاب المقدس! ! لما رجعت بالزمن وتتبعت أصل الموضوع، لقيت العظة الأصلية اللي أتقال فيها الآية دي, طلع إنها اتقالت عن طريق الأنبا شنودة سنة 1979، ومن ساعتها أيها العزيز عبصمد وكله أخدها وكأنها إنجيل... في الأول البعض اعتقد إنها آية فعلًا، والخيط كر بعدها... عمم كبيرة وصغيرة اخدوها كمرجع، وهاتك يا ترديد وتكرار بدون بحث ولا فحص ولا خلافه. فتخيل أيها العزيز عبصمد إن في عِظات لا تحصى وأجيال كاملة نشأت ومئات الكتب أتنشرت علي هذه الآية"مجهولة الهوية"، ومئات العظات قامت على آيات بينات أخري زي دي، وملهاش وجود أساسًا ! ! أه والله العظيم زمبؤلك كده! في سنة 2015 حماة الإيمان نزلوا رد علي الموضوع، وطلعوا يتصدوا للمهرطقين وللدارسين اللي اكتشفوا الخطأ ده من سنوات، والطبيعي انهم لازم يفتوا، والصراحة كل ما بيفتوا أكتر، كل ما بيتفضحوا وبيبان جهلهم أكتر، ويبرز تساؤلات عن اللي معينهم وجايبهم وموفر لهم كافة الإمكانيات المادية وسخر لهم كل وسائل الدعم و النشر المقروء والمسموع. الغريب إن في دفاعهم عن الآية "مجهولة الهوية" تجاهلوا معظم الترجمات المعروفة للكتاب المقدس، بكل اللغات اللي بتقول صراحة ونصًا وتحديدًا: من يقبلكم يقبلني واستعانوا بترجمة حديثة جدًا لبروفيسور اسمه هوكس، واسم الترجمة BBE (Bible in Basic English)، شخص وحيد ترجمها عام 1965 وغير متداولة ولا معروفة وهي الوحيدة المكتوب فيها يكرمكم! مش يقبلكم! ! بالرغم إن الأصل اليوناني مفيهوش يكرمكم! والترجمات العربية والانجليزية كلها مفيهاش ريحة كلمة من من يكرمكم يكرمنني وكل ده لأنهم مش عاوزين يطلعوا غلطانين، ولا عاوزين يغلطوا أي شخص من اللي قالوها من بين عشرات الأشخاص المحسوبين عليهم، وأكدوا علي أساسها إن ده المعني! ! ومن المدهش أن الآية اللي اقتصوا من سياقها دي، هي في الأساس بتتكلم عن "التبشير بالأخبار السارة، وقبول الكرازة بإنجيل يسوع بين الأمم" مش بتتكلم عن منح كرامة من الله للأشخاص، ولا عن تمجيد ولا شفاعة، ولا حتى عن إكرام قبولهم، ولا أيّ شيء من ده نهائيًا! من يقبلكم يقبلني، ومن يقبلني يقبل الذي أرسلني (الإنجيل بحسب متى 10: 40) معناها بكل بساطة وبحسب الترجمات: ... Who receives you - Who welcomes you ... اللي هيقبل كلامي - اللي هيسمعوه منكم - يبقي قبلني أنا كمان كمسيح. للأسف بيستخدموا الآية دي بالذات في إثبات التبرّك بالرفات، وإكرام عظام الموتي وتجارة أجساد القديسين، علشان كده مازالوا بيكابروا ويعاندوا ومش عاوزين يتراجعوا عن رأيهم ولا يتخلوا عن السبوبة المقدسة! ! ولما يتزنقوا يقولك الآية الأخرى اللي هي اختلطت عليهم أساسًا وبقوا زي المحولجي اللي دخل قطارات بحري في قطارات قبلي، فيقول لك عادي... ماهو... أصل... ربونا برضه قال: فإني أكرم الذين يكرمونني (1 صم 2: 30) أهيه... اعترضوا بقي يا كفرة! ! ولكن حتى دي، آية أخرى مقتصّة من سياقها، ولها معني مختلف تمامًا، وملهاش دخل بالموضوع، لكن هتفرق في إيه؟ دول محترفين قص ولزق، وأخصائيين تحوير، وإعادة تدوير آيات، ولوي معانيها من أجل استغلالها حسب المزاج، والموسم المناخي وحسب الطلب، وتوظيفها التوظيف الأمثل اللي يخدم على اجتهادات وآراء البعض الشخصية. يعني هنقعد كده عاطلين مبنعملش حاجه؟ (عموما، لأن لكن كل مقام مقال، هانعمل للآية دي حلقة مستقلة) اسمع يا عبصمد... خليك صاحي وواعي، متقولش آمين وخلاص... اللي يقولك اسمك إيه يا عبصمد... قوله إستنى لما أبحث وأدور وأتأكد وأقولك بعدها... وأوعى تقول لي: ده الأنبا فلان مأكد لي! ! وهنا أدرك أبو صلاح الصباح، فسكت عن الهزار والمزاح! https://www. youtube. com/watch? v=VGAedkPESYQ --- ### ملحمة جلجامش؛ الإصحاح الخامس - Published: ۲۰۲۳-۱۰-۱۷ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/13246/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون, تاريخ وميثولوچيا - وسوم: آنو, آنوناكي, أفروديت, أوروك, إرنيني, إنانا, إنجيل سومر, إنكيدو, إنليل, إنوما إليش, إيجيجي, تعامة, جلجامش, خزعل الماجدي, خمبابا, شمش, عشتار, ڤينوس, لوجال, مردوخ يدخل البطلان غابة الأرز ويقوم خمبابا بتهديدهما ويتهم إنكيدو بالخيانة ويتعهد بنزع أحشاء جلجامش وإطعام لحمه للطيور. يخاف جلجامش ويشجعه إنكيدو ويرسل الإله شمش ١٣ ريحا لربط خمبابا ويتم أسره. يتوسل خمبابا كيلا يقتلاه ويعرض أن يكون عبدا لجلجامش لكن إنكيدو يرى قتله لتثبيت سمعة جلجامش إلى الأبد. يلعنهما خمبابا ويقتله جلجامش بضربة في عنقه فضلا عن قتل أبنائه السبعة. قام البطلان بقطع أشجار الأرز بما في ذلك شجرة عملاقة خطط إنكيدو لوضعها زينة لبوابة معبد إنليل. وبنيا طوفاً عادا به لديارهما اللوح الخامس مقسّم على  ٦ أعمدة، المقروء منها ١٥٠ سطرا، بنسبة ٤٢% من الإجمالي. خلاصة الإصحاح الخامس:يدخل البطلان غابة الأرز فيقوم خمبابا بإهانتهما وتهديدهما ويتهم إنكيدو بالخيانة ويتعهد بنزع أحشاء جلجامش وإطعام لحمه للطيور. يخاف جلجامش ولكن تبدأ المعركة بكلمات مشجعة من إنكيدو. تتزلزل الجبال مع الاضطراب وتتحول السماء إلى اللون الأسود. يرسل الإله شمش ١٣ ريحا لربط خمبابا ويتم أسره. يتوسل خمبابا كيلا يقتلاه ويعرض أن يجعل جلجامش ملكًا للغابة، وأن يقطع الأشجار لأجله وأن يكون عبدا له. لكن إنكيدو يرى أنه لابد لجلجامش أن يقتل خمبابا لإثبات سمعته إلى الأبد. يلعنهما خمبابا ويقوم جلجامش بقتله بضربة في عنقه فضلا عن قتل أبنائه السبعة. قام البطلان بقطع العديد من أشجار الأرز بما في ذلك شجرة عملاقة يخطط إنكيدو لوضعها زينة في بوابة لمعبد إنليل. وبنيا طوفًا عادا به إلى ديارهما على طول نهر الفرات مع الشجرة العملاقة ولربما مع رأس خمبابا. العمود الأول ١)وقفا ساكنين، يتأملان الغابة،٢)أخذتهما الدهشةذرى أشجار الأرز،٣)وأذهلهما مدخل الغابة. ٤)شاهدا آثار أقدام، حيثخمبابا المسير. ٥)كانت الطرق ممهدة، والدرب معبَّدًا،٦)وشاهدا جبل الأرز؛ مسكن الآلهة، ومقام إرنيني،٧)تزدهر أمامه أشجار الأرز،٨)ظلالها المبهجة المنعشة،٩)وأدغال الشوك الكثيفة متشابكة الأغصان... ... . (ملحمة جلجامش، اللوح الخامس، العمود الأوّل) (١)ذكر اسم الإلهة «إرنيني» في أغنية بابلية تسبِّح بحمد عشتار وتساوي بينهما، تقول بعض أبيات هذه الأغنية: إن سلطانك قوي، يا أعظم آلهة الإيجيجي، عالية المقام أنت، وأنت الملكة، والأسد الغاضب  والثور الهائج، يا بنت سينالقوية، لا أحد يجرؤ على التصدي لك! » ويحتمل أن تكون إرنيني هي إلهة الزهرة والتي بدورها اسمًا أو شكلًا آخر من أسماء عشتار وأشكالها. العمود الثاني ٧)راح البطلان ينتظران خمبابا،٨)لكنه لا يأتي ... ... ... ١٨)فتح إنكيدو فمه وقال لجلجامش:١٩)«هل سنعثرعلى أثر خمبابا؟٢٠)لنترك أنفسنا للأحلاملكل منا رؤياه... ... . ٢٤)وعسى أن تكون ثلاثة أحلام ... »فتح إنكيدو فمه وقال لجلجامش:٣)لقد سرني حلمك إلى أبعد حدٍّ. ١)«تسلق صخور الجبل، وانظر! ... ٢)لقد سلبت النومالآلهة،٣)ورأيت حلمًا يا صديقي،يا له من حلم سيئ ... مضطرب! ٤)أمسك بثورالبرية،٥)خارالأرض... سحابة من الغبار. ٧)أطبق ... طوق ذراعي،٩)سقاني ماءً من قِرْبته. »١٠)«أي صديقي، إن الإله الذي نتجه إليه،١١)ليس هو الثور الوحشي! فكل شيء فيه مثير وغريب! ١٢)والثور الوحشي الذي رأيت، هو شمش الراعي،١٣)وسوف يأخذ بيدك فيالشدَّة،١٤)سقاك الماء من قِرْبته،١٥)فهو إلهك لوجال بندا الذي يكرمك. ١٦)نريد أن نتحد وننجز عملًا١٧)لا يفسده الموت. » ٥)أمسك كل منهما، وذهبا لمضجعهما،٦)وأدركهما النوم الذي ينساب من الليل. ٧)في منتصف الليل هرب منهالنوم،٨)الحلم الذي رآه على إنكيدو:٩)«أي صديقي، ألم تكن أنت الذي أيقظني؟لماذا استيقظت؟١٠)إنكيدو، يا صديقي، لقد رأيت حلمًا ... ١١)هل أنت الذي أيقظني؟ لماذا استيقظت؟١٢)لقد طاف بي حلم ثانٍ: ٦)أمسك البلطة بيده ... وكانت معهما فأس،٧)أطبق إنكيدو عليها بيده،٨)وطفق يقطع أشجار الأرز. ٩)فلما سمع خمبابا الضجيج،١٠)ثار غضبه: «مَنْ هذا الذي جاء،١١)ولطخ  الأشجار، وهي ربيبة جبالي،١٢)وقطع أشجار الأرز؟»١٣)عندئذٍ كلَّمهما من السماء شمش السماوي:١٤)«تقدما! لا تخافا! » (ملحمة جلجامش، اللوح الخامس، العمود الثاني) (٢)حرفيًا: ليخلدا إلى الراحة في المساء. (٣)أي من جلجامش. (٤)الفعل الأصلي يعني التدنيس والتشويه وتلطيخ السمعة، وربيبة جبالي؛ أي التي ربتها ونمتها جبالي. العمود الثالث ٣٣)نقف في هوة جبل عميقة،٣٤)ثم سقط الجبل... ١٤)سحقني تحته،وأطبق على قدمي ولم يتركهما،٣٥)وكنا إزاءه مثل ذباب القصب الصغير. ١٥)كان الضوء ساطعًا وهَّاجًا، وظهر لي رجل،١٦)هو أجمل رجل في البلاد، كان جماله رائعًا،١٧)جرَّني من تحت الجبل ... ١٨)وسقاني ماءً، فاطمأن قلبي،١٩)وأعطاني أرضًا تحت قدميَّ ... »٣٦)ابن البرية ... إنكيدو. ٣٧)كلم صديقه، إنكيدو فسَّر الحلم:٣٨)«حلمك، يا صديقي، جميل، إنه حلم بديع ... ٤٠)والجبل الذي رأيت، يا صديقي، هو خمبابا،٤١)سوف نُمسك بخمبابا ونقتله،٤٢)ونرمي جثته في الفلاة! ٤٣)غدًا يتم كل شيء! »٤٤)بعد عشرين ساعة مضاعفة تناولا بعض الزاد،٤٥)وبعد ثلاثين ساعة مضاعفة تأهبا للنوم،٤٦)فحفرا بئرًا أمام وجه شمش،٤٧)لكن جلجامش صعد الجبل،٤٨)ونثر الدقيق الناعم عليه:(ملحمة جلجامش، اللوح الخامس، العمود الثالث) (٥)ربما يشير هذا الجزء من الحلم إلى موت إنكيدو الذي سيرد في اللوح السابع. (٦)هكذا حرفيًا، وربما كان المعنى أن الرجل الذي تجلى له ثبت قدميه على الأرض، ويبدو أن القسم الثاني من الحلم يدل دلالة غير مباشرة على استدعاء جلجامش لروح صديقه من العالم السفلي، ولقائهما الذي يسجله اللوح الثاني عشر من الملحمة. (٧)إما أن إنكيدو يسيء فهم الحلم، وإما أنه يحاول أن يفسره لصديقه تفسيرًا يفرغه من نذره السيئة التي يبدو أنه أحسها بحدسه الفطري. (٨)حرفيًا: تأهبا لراحة المساء أو لقضاء الليل. (٩)أي اتجها إلى حيث تغرب الشمس، ويبدو أن نثر الدقيق كان جزءًا من طقس التقرب للإله. العمود الرابع ١)«أيها الجبل، هبني حلمًا، كلمة من شمش! »٢)عندئذٍ وهبه إياه، وإنكيدو. ٣)بدأ رذاذ المطر يتساقط، فثبت السقف،٤)طرحه هناك، ومن حوله ...  ٥)فصار كالقمح، الذي يطحن في الجبال ...  ٦)وبينما جلجامش جالس، وذقنه على ركبته،٧)هبط عليه النوم، الذي ينسكب على البشر. ٨)انتبهأثناءالحراسة الوسطى،٩)فأفاق وقال لصديقه:١٠)«ألم تنادني يا صديقي؟ فلماذا صحوت؟١١)ألم تهزني؟ فلماذا فزعت؟١٢)ألم يمر إله من هنا؟ فلماذا ترتجف أعضائي؟١٣)أي صديقي، لقد رأيت حلمًا ثالثًا،١٤)والحلم الذي رأيت كان مخيفًا:١٥)ضجَّت السماوات بالصراخ، أرعدتالأرض. ١٦)... تصلبت، زحف الظلام،١٧)سطع البرق، اشتعلت النار،١٨)... ازداد تكاثفها، تساقط مطر الموت،١٩)وفجأة خَبَت النار المتوهجة،٢٠)وكل ما تساقط تحوَّل إلى رماد. ٢١)تعال نهبطلكي نتشاور في الأمر. »٢٢)لما سمع إنكيدوحلمه الذي رواه له،قال لجلجامش: ٦)وانهمرت الدموعأنهارًا،٧)ثم قال جلجامش لشمش السماوي:... ... ١٠)«لقد أطعت شمش السماوي،١١)وسرت على الطريق الذي قُدِّرَ لي. »١٢)سمع شمش السماوي صلاة جلجامش،١٣)وهبَّتْ على خمبابا رياح عاتية:١٤)الريح الكبرى، ريح الشمال، ريح الزوبعة، والريح الرملية،١٥)ريح العاصفة، وريح الصقيع، ريح الأنواء وريح النار! ١٦)هبَّت عليه ثمانية رياح،١٧)ضربت خمبابا في عينيه؛١٨)تعذر عليه التقدم،١٩)كما تعذَّر عليه التقهقر،٢٠)هنالك أُسْقِطَ في يد خمبابا. ٢١)قال خمبابا لجلجامش:٢٢)«أطلق سراحي يا جلجامش،٢٣)ولتكن لي سيدًا، وأكون لك خادمًا! ٢٤)سأقطع لك الأشجار، وهي أبناء جبالي،٢٦)وأبني لك بيوتًا منها. »٢٧)لكن إنكيدو قال لجلجامش:٢٨)«لا تسمع الكلمة التي نطق بها خمبابا. ٣٠)عليك أن لا تبقي على حياة خمبابا. » (ملحمة جلجامش، اللوح الخامس، العمود الرابع) (١٠)السطور الثلاثة التالية شديدة الغموض، ويستطيع القارئ أن يتجاوزها إلى الحلم الثالث الذي رآه جلجامش. (١١)أي في منتصف الليل. (١٢)زلزلت. (١٣)حرفيًا: رياح عظيمة أو شديدة. العمود الخامس ٩)... قال جلجامش لإنكيدو:١٠)«... نصل،١١)ستتلاشى أشعة الضوء الساطعفي الفلاة،١٢)ستتلاشى أشعة الضوء الساطع، ويظلم وهج الأشعة! »١٣)قال له إنكيدو، قال لجلجامش:١٤)«يا صديقي،بقنص الطائر! وإلى أين تفر أفراخه؟١٥)سوف نفتش بعد ذلك عن أشعة الضوء الساطع،١٦)التي ستهيم في العشبالأفراخ. ١٧)سدِّدْ إليه الضربة بعد الضربة، ثم اضرب خادمه من بعده. »١٨)سمع جلجامش كلمة رفيق،١٩)أمسك الفأس في يده،٢٠)جرَّد السيف من حزامه،٢١)وضرب عنقه،٢٢)صديقه إنكيدو ... ٢٣)وسقط بعد الضربة الثالثة. ٢٤)... المضطربة ... سكنت سكون الموت،٢٥)بعد أن صرع الحارس خمباباعلى الأرض. ٢٦)ظلت أشجار الأرز تنوح على مدى ساعتين مضاعفتين. ٢٧)وكان إنكيدو قد ضرب معه ... ٢٩)لقد صرع إنكيدو حارس الغابة،٣٠)الذي ارتعشت لكلمته سارياولبنان. ٣١)استراحت ... الجبال،٣٢)استراحت ... في كل المرتفعات. ٣٣)ضرب ... لأشجار الأرز، واﻟ... المهشمة ... ٣٤)بعد أن ضرب سبعًا منها،٣٥)شبكة القتال... والسيفثمانية طالنتات٣٦)تناوله ... وتوغل في الغابة،٣٧)فتح مسكن «الآنوناكي» الخفي. ٣٨)جلجامش قطع الأشجار، إنكيدو ... ٣٩)قال له إنكيدو، قال لجلجامش:٤٠)«... جلجامش، اقطع أشجار الأرز. »(ملحمة جلجامش، اللوح الخامس، العمود الخامس) (١٤)ربما كانت أشعة الضوء الساطع نوعًا من التشخيص المجازي لخدم «وهج الأشعة» وأتباعه، وهو خمبابا في الشذرة البابلية الذي يُسمَّى كذلك بالطائر (السطر ١٤). (١٥)«ساريا» هو الاسم القديم لجبل هيرمون في لبنان. (١٦)كان السومريين يستخدمون في حروبهم شباكًا كبيرة يطرحونها على أعدائهم ويشلون بذلك قدرتهم على الحركة... راجع ملحمة الخلق البابلية (إنوما إليش، أو عندما في الأعالي) لترى كيف ألقى مردوخ شبكته على تعامة ربة الفوضى والعماء والمياه المالحة. (١٧)يعادل وزن الطالنت ستين رطلًا. العمود السادس ٤٨)غرسجلجامش رأس خمبابا المقطوع. (ملحمة جلجامش، اللوح الخامس، العمود السادس) (١٨)اللوح عند العمود السادس تالفة تلفًا جسيمًا. (١٩)في قصة مشابهة هاجم «أكا»، ملك كيش، مدينة أوروك، فاستشار جلجامش شيوخ أوروك فرأوا الإذعان لأكا، ولكن مجلس محاربي أوروك رفض مشورة الشيوخ، فاحتدمت المعركة وهُزم جلجامش وعاتب الإله «إنليل» بعد أن قدم له النذور، فأخبره «إنليل» إن أمر الحرب مع ابنته «إنانا»، واستدعاها، فأعجبت بجلجامش، وحاولت التقرب إليه، ولكن جلجامش اعتذر لأنه يعرف ماذا تفعل «إنانا» بأحبائها إذ تنتقم منهم، فاحمرت عيون «إنانا» وزمجرت وأرعدت، وهددت وتوعدت، وطلبت من «آنو» رب الأرباب المقدَّس أن يهبها ثور السماء ليمح جلجامش مع مدينته، فنالت طلبها، وأخذ الثور يقتل ويدمر ويهدم، ففرَّ الناس مذعورين، وخرج جلجامش يحمل رمحه وشبكته وأسلحته قتاله، فألقى بشبكته على الثور ولكن الثور مزقها بقرنيه، فأطلق سلسلته على الثور فخر بين أقدامه وهزمه، فقال جلجامش لأنانا لقد هزمت ثورك. هزمت غضبك المقدَّس يا ابنه السماء، وإني لأسألك أن تكفى عن ملاحقتي. إني لأسألك باسم أخيكِ «أوتو» أن تكوني معي في الحرب ضد الأعداء، إن أوروك مقدَّسة يا ابنه السماء، وأنت حارستها، فارجعي إلى رشدك وتشفع جلجامش بأوتو فرجعت «أنانا» عن ثورة غضبها، ورضت عن جلجامش، وتوَّجته بطلًا على أوروك وسومر كلها، وتعهدت برعايته. (خزعل الماجدي - إنجيل سومر، ص211- 217. ) --- ### الدوغمائية Vs الموضوعية - Published: ۲۰۲۳-۱۰-۱٦ - Modified: 2023-11-16 - URL: https://tabcm.net/14348/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, شئون علمانية, مقالات وآراء - وسوم: دوغمائية إن التعصب للرأي، والأفكار النمطية السلبية تجاه الآخر، ليست فقط نتيجة التعلّم الاجتماعي الخاطئ، ولكنه ينتج في أخطر صوره من عملية التفكير الطبيعية للأسوياء نتيجة مرجعيتهم المعرفية الخاصة والمغايرة لقيم التعايش الحضاري حوار الطُرشّان: تعبير كثيرًا ما يقال في وصف حوارٍ لا نفع فيه ولا فائدة، ومعنى التعبير أن طرفيّ الحوار يتكلمان ولا يستمعان (طرش)، وبالطبع بدون استماع للآخر فلا يمكن أن يقوم حوار مطلقًا، ولا يصح تسمية ذلك الهراء حوارًا. وهنا أيضًا في عالم الإنترنت، حيث لا أصوات، وإنما كلمات مكتوبة عبر "كومنتات" و"بوستات" و"توبيكات" في "جروبات"، كثيرًا ما نجد ما يقابل هذا النوع من "الطرش الفكري"، وأقترح تسميته: "قراءة العميان" على نفس الوزن، وهي أن تكتب في أمر ما، فتجد من يظن نفسه يتفاعل معك ومع أطروحاتك، وهو في حقيقة الأمر لم ير من مقالك إلا سطرًا أو عنوانًا، وجعل من نفسه المفسّر الأوحد لتأويل ضميرك، ثم اعتمد على خياله لينسج قصة خلّقها عقله الخصب عبر تحليلات لا منطقية متسلسلة، فلا ترى حوارًا بعد، بل حكمًا تم عليك غيابيًا في محكمة لم تحضرها ولم تر وجه قاضيها، ولا بأس بأن تنتهي بتصنيفك ضمن التيار (س) الذي يهدف لكيت وكيت وهدم زعيط وضرب نطاط الحيط، والهدف الخفي من هذا التصنيف هو إخراجك من القبيلة (ص) التي ينتمي هو إليها، ويتولى الدفاع عنها من غزو التيار (س) الذي تم تصنيفك فيه، وعلى هذا، فهو يتعامل معك معاملة "أبو العريف" أو النابغة العبقري، الذي "فقسك" وعرف مقاصدك الخفية المستترة في صدرك -والذي قام بشقه- ليضعك في أطار الأعداء والخصوم. تخبرنا نظريات "علم الاجتماع" بأن هذا العداء الثقافي لا ينشأ فقط نتيجة الجهل وعدم الفهم والإدراك الصحيح لمقاصدك، بل ينتج أيضًا في أقسى صوره نتيجة ثقافة جمودية رافضة لما تكسّره من مسلماته التي ورثها. فأنا لا أتحدث هنا عن مرضى نفسيين، ولكن عن أصحاء يقومون بأفعال مبررة تمامًا لديهم، وتبدو لهم منطقية ولها تأسيس لديهم. إن التعصب للرأي، والأفكار النمطية السلبية تجاه الآخر، ليست فقط نتيجة التعلّم الاجتماعي الخاطئ، ولكنه ينتج في أخطر صوره من عملية التفكير الطبيعية للأسوياء نتيجة مرجعيتهم المعرفية الخاصة والمغايرة لقيم التعايش الحضاري. هنا يبرز أكاديميًا مصطلح Dogma "دوغما"، ومنها مصطلح Dogmatism "دوغمائية", وهي لفظة إيطالية تعود لجذر يوناني يعني: "المعتقد الأوحد"، تستعمل لوصف الانغلاق في القناعات بحيث تصبح غير مفتوحة للنقاش أو للشك ، وأدواتها تمثل الاستبدادية ، والمعصومية ، والدمغية / اللادحضية ، بالإضافة إلى "ثقافة العبيد"، أي الاعتزاز الذاتي بفكرة القبول الخانع والخشوع بغباء من قبل الملتزمين بهذه القناعات لو تم تسليطها عليهم. لب فكرة "الدوغمائية" أن كل الأفكار من أدناها إلى أسماها، عادة ما تستدعي التجديد والتطوير والانتقاد من قِبل المستنيرين والمنفتحين، وهو الأمر الذي يرفضه الأصوليين ويرونه تغييرًا في الثوابت. ولذلك غالبًا يستخدم المثقفين مصطلح "الدوغمائية" للإشارة إلى عقيدة أو مبدأ لديه مشكلة الزعم بالحقيقة المطلقة، في حين قد يكون هناك أفكار أفضل أو أكثر ذكاء أو أقل أخطاء أو حتى أكثر وقارًا من الفضائح التي يصرّون عليها. كما أن من سمات "الدوغمائية" القطع برأي أو معتقد بغضِّ النظر عن الحقائق أو ما يحصل على أرض الواقع، و هو ما يسمى في اللغة العربية بـ"التعسف". يستخدم مصطلح "دوغمائية" أيضًا لوصف الرأي الغير مدعوم ببراهين أو أدلة عقلانية وإنما هو مجرد وراثة متجذرة ترسخت في اللاوعي خلال الطفولة وتلقن المسلمات. "الدوغمائية"، هي ببساطة أن تتخذ موقفًا عاطفيًا ولا موضوعيًا في الدفاع عن شيئ ما، لأن مجرد الحديث فيه يمس تابوهاتك الفكرية المحظورة لديك، فلا تقدم وقتها على مناقشة الطرح لأن النتيجة محسومة لديك سلفًا، ليس عن قناعة، وإنما لأنه لابد أن تنتهي النتيجة هنا، فليس معقولًا ولا متصورًا فكرة مناقشة التابوه من الأساس فما بالكم بتوقع احتمالية الخطأ؟ في حين يسهل وضع توصيف معقول لشرح "الدوغمائية"، إلا أن وضع توصيف دقيق للـ"موضوعية" هو أمر بالغ الصعوبة والتعقيد! ! "الموضوعيّة"، هي بالأصل نمط تفكير، والتفكير عملية تسبق الحوار، فإما أن تحاول التفكّير بطريقة موضوعية أو لا تحاول ذلك. أما الحوار نفسه فما هو إلا انعكاس لأفكارك عبر جسرٍ من اللغة. طريقة تكوين أفكارك تلك هي التي قد تكون موضوعية أو لا تكون. لا يوجد خط فاصل بين الموضوعية وعدمها. الأمر نسبيٌّ بالتأكيد، والعبرة الحقيقية بمدى نجاحك في السير بهذا الطريق الوعر. أثق أنه لا توجد نهاية محددة أو معروفة أو مريحة للموضوعية، لكن علينا اتخاذ القرار: إما بالمضي في هذا الاتجاه -أيًا كانت نتائجه- لأنه الأكثر صدقًا في رحلة البحث عن الحقائق، أو الكر لعكسه لتحقيق مآرب ذاتية. الموضوعية كأساس: هي صدق نيّة التفكير البحثي دون مُسلّمات مسبقة. هي الانطلاق المتجرد من نقطة الصفر دون عواطف تؤثّر عليّ رغبتي في الانتهاء لصالح نتيجة محددة. الموضوعية هي خوض طريق أنت لا تحدد نتيجته. بل ما وصل من معطيات هو المحرك الوحيد للحصول على أجوبة غير متحيزة للذات. الموضوعية هي التجرّد من الانحياز المعرفي والاستقلال التام. الاستقلال من بوتقة الـ"أنا"، وموروثات الـ"أسرة"، وأعراف الـ"مجتمع"، وتوجيهات الـ"إعلام"، ومُسَلّمات الـ"دين"! الاستقلال من كل ما يشكّل للعقل نطاقًا أو جدارًا، ليس بهدف تحطيم كل هذا أو الاستخفاف به، بل بهدف تحرير العقل من كل القيود والعوائق التي تجعله يفكّر في منطقة محددة لا يستطيع تخطيها، إذ ربما تأتي النتائج من خلف الجدار ومما هو بعد الأسوار وخارج الصندوق. الموضوعية هي أن تصير كمخالفك. أن تنجح في أن ترى بأعينه وتفكّر برأسه وتتقمص أحاسيسه، الموضوعية هي أن تلتمس له الأعذار أينما وُجِدت. الموضوعية هي أن تقدّم الطرح وهو حاوٍ لاستفسارات بأكثر مما هو حاوٍ لأجوبة. الموضوعية أن تبتعد عن قيادة عقل القارئ، ألا تصير أحد وسائل التأثير السلبي على عقول الآخرين. الموضوعية هي أن تترك عقل الآخر حرًا هو أيضًا. الموضوعية هي أن تبتعد عن أساليب التهويل من الأمور، والتهوين من الكوارث، ونفاق الأصدقاء، وإبراز الغلّ من الأعداء، الموضوعية أن تنظر الأمور بأحجامها: دون عواطف. هذا عن: "موضوعية الطرح"، أما عن: "موضوعية الحوار"، فهي أكثر تعقيدًا وصعوبة! الموضوعية هنا، هي أن تكون شريفًا في اختلافك، فتتخلص من القبح بداخلك. . ألا أحوّر النقاش لخارجه لأنه يستفزني عاطفيًا، بل أستقبل الـ"آخر" بكل علاته، والقبح الذي بداخله، وأحوّر الاستفزاز العاطفي إلى تفاعل فكري يستنفر الهمم. . الموضوعية هي ألا ترى من الكون أشخاصًا أو مواقفًا. . إنما ترى: "فكرة". . فكرة تتفاعل معها بغض النظر أن قائلها هو الله ذاته، أم الشيطان ذاته. . الموضوعية هي أن تستمد الـ"فكرة" قيمتها من ذاتها. . وليس من قيمة صاحبها. الموضوعية هي ألا تخوض حوارًا بغرض التنفيس والتعبير وإخراج ما بداخلك فقط. . بل أن تحترم وجود الآخر، فتقرأ ما بداخله، وتهضمه جيدًا، قبل أن تتفاعل معه. الموضوعية ألا تسخّف من قيمة. . وألا تقيّم سخافة. . الموضوعية هي أن تقدّم أسباب رؤيتك للطرح السخيف أو القيم، وتوضح الأسس التي بنيت عليها هذا التقييم، تاركًا القارئ يستشعر معك سخافة أو قيمة الطرح. . الموضوعية تتبنى الأدلة والبراهين والحوار المنطقي والعقلاني. الموضوعية عدوّة لدودة للنوايا والظنون، والقفز داخل الصدور، وامتلاك الحقيقة المطلقة. الموضوعية هي التميز بالنظام والترتيب والوضوح والشفافية. غياب الموضوعية يعنى البعثرة وخلط الأوراق والحديث في عدة مواضيع معًا لا تجمعهم فكرة أو نقطة محددة. الشخص الموضوعي هو شخصٌ يجبر خصومه على احترامه. . لأنه لا يضعهم بالأصل ضمن دائرة الخصوم. . هو ينظر دائمًا للأمر على أنه اختلاف أفكار حتمي وصحي. . هو لا يتوقف عند مرحلة الغفران للآخرين اختلافاتهم عنه. . بل لا يراهم بالأصل قد ارتكبوا خطأً في هذا الاختلاف. . هو من أدرك أن هدف الحوار لا يركن إلى متحاوريه. . بل يرقد دائمًا تحت أحكام مشاهديه. . هو لا يرى في خصم الحوار إلا: سلمًا. . سلّماً يصعد درجاته بثبات، ليهمس بكل هدوء قائلًا: أنا لست أنت! الشخص الموضوعي هو شخصٌ لا تنجح في تحديد تيّاره أو قولبته في إطار محدد. . هو شخصٌ متجدد لا يتحرك ضمن قوالب نمطية أو تيارات مستهلكة. . لا تملك إيقاف همسته الهادئة التي تحولت داخل عقلك لـ"صرخة". . صرخة تهزه. . تنهره. . تقلّب كل كيانه، وتحطم في أصنامه. . في كل مرّة تقرأ له، لا تعرف النهاية من بداية العنوان. . في كل مرّة، تجد معه شيئًا جديدًا. . شيئًا لا تملك رده، ولا منعه من التسلل لداخلك. . --- ### ملء الزمان - Published: ۲۰۲۳-۱۰-۱۵ - Modified: 2023-10-13 - URL: https://tabcm.net/14367/ - تصنيفات: كتاب مقدس إن عبارة ”ملء الزمان“ كانت وستظل إحدى هذه الخبرات منذ أن وعيت على قراءة الكتاب المقدس. كم توقفت أمامها حائرًا مترجيًا المعنى. وَلكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ(رسالة بولس إلى غلاطية 4: 4) إن الذين لهم علاقة حياة في إنجيل المسيح ”كلمة الله“ الحي خلال سنوات العمر، فإنهم بلا شك قد اختبروا أشياء توقف أمامها فهمهم سنوات، ولكن ظلوا منتظرين انعطاف الروح القدس والنعمة الإلهية عليهم بانفتاح وعيهم على مفاهيم ليست من هذا العالم ”ورأيت بابًا مفتوحًا في السماء“. إن عبارة ”ملء الزمان“ كانت وستظل إحدى هذه الخبرات منذ أن وعيت على قراءة الكتاب المقدس. كم توقفت أمامها حائرًا مترجيًا المعنى. ويتحنن الرب بين الحين والآخر بفهم يتناسب مع حالة الإنسان عندما يقرأ. اليوم انتبهت إلى أن الملء عكسه الفراغ. فالزمن المخلوق يجري من تحت أقدام الإنسان وسرعان ما تأتي نهايته. ولكن ها هو الرب اليوم في هذه الآية قد جاء إلى الإنسان بما يخالف ما أعتاد عليه، جاء بالملء والامتلاء، وليس الفراغ والانتهاء. إنه مفهوم جديد للزمن لا مثيل له عند البشر. فقد أعتاد البشر على معنى وحيد للزمن قال عنه الكتاب”إن الأيام مقصّرة “، سواء كان مقصَّرة بفتح الصاد: أي أن العمر مهما طال فهو أقل مما ينبغي. فالإنسان لا تكفيه سنوات العمر. أو كانت مقصِّرة بكسر الصاد: أي إن الإنسان سيظل غير راضٍ عن تقصيره خلال سنوات عمره، وسنوات عمره لم تحقق له طموحات كان ينشدها. وأمام هذا المفهوم السائد للزمن، كانت نصيحة الكتاب المقدس: ”مفتدين الوقت لأن الأيام شريرة“. نحن هنا أمام توصيف إضافي للزمن بأنه شرير. فأين الخير الذي يجنيه إنسان من عمر يجري به ويجري هو وراءه لاهثًا. ليجد في النهاية أن أيامه كانت مقصّرة بفتح وكسر الصاد. لذلك كانت دعوة الكتاب أن يفتدي الإنسان عمره وزمنه! ! والفداء أو الافتداء يتضمن أن يعوض المرء عن شيء مقصر بشيء آخر غير مقصر. وربما المثال الشائع في علم الاستثمار والاقتصاد هو أن يفتدي الإنسان العملة النقدية التي تتغير قيمتها أو تضمحل أمام متغيرات لا يمكن التنبؤ بها أو السيطرة عليها، بأن يحولها إلى غطاء من الذهب معروف أنه يحتفظ بقيمته عبر العصور ولا يضمحل. هنا نأتي إلى معنى ”ولكن لما جاء ملء الزمان“. إن ميلاد المسيح له المجد كان إيذانا أنه قد تحقق هذا المفهوم فجاء هذا الفداء والافتداء للزمن، ووجد الإنسان ما يفتدي به ما سوف يضيع منه بحيث أن ما كان يخاف عليه أنه سينتهي ويفرغ ويضمحل ويزول، فإنه سيؤول إلى ملء وخلود لا يفنى ولا يضمحل بل محفوظ في السموات. هذا هو الزمن غير المخلوق الأبدي. فميلاد المسيح هو بداية زمان الأبدية أو ملء الزمان الذي يختلف في قياساته عن الزمن المخلوق الذي تقيسه الساعة وكلما جاءت عقاربها إلى الثانية عشرة عادت إلى الصفر مرة أخرى. إن ملء الزمان هو تعبير يحمل فيه حقيقته أنه لا ينتهي. لأن ملأه فيه، بل هو الاستمرار نفسه. إنه الملء الذي لا يأتيه نقصان. و كل ما مرَّ به لم ينقض بل هو إضافة. فهو من ملءٍ وإلى ملء ”ونعمة فوق نعمة“. طرحت فكرة على أحدهم فقال لي: ”أنت مش عارف عمرك قد ايه؟“ بمعنى أن ما تقترح عمله، هو للذين يصغرونك سنًا، لأنه لم يعد في العمر بقية. ولكني الحقيقة لم أشعر بثقل العبارة أو عدم لياقتها وكأنها لا تخصني. ليس هذا معناه أن يعيش الإنسان ”متصابي“ أي يتصرف كصبي في حين وهو متقدم في العمر فيلبس ما لا يليق بعمره ... ألخ، ولكن ما أعنيه هو ما يعنيه الكتاب في قوله ”يُجدِّد مثل النسر شبابك“. أو ما تمناه الشاعر في أغنية أم كلثوم ”حبك شباب على طول“. والسبح لله، --- ### [٥] نيافة الأسقف (٢) - Published: ۲۰۲۳-۱۰-۱٤ - Modified: 2023-10-28 - URL: https://tabcm.net/13987/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون - وسوم: باراباس, نبي موسى ربنا بيحب يشتغل باللي مابينفعوش علشان في الأخر بيطلعوا ينفعوا رن موبايل سامي، ويظهر اسم أبونا يوناثان، فيرد سامي مسرعًا: - حقك عليا يا أبونا، أنا السبب في كل اللي حصل ده. يقاطعه أبونا يوناثان: هو أنتو عملتو إيه؟! ! - عكينا الدنيا ونيّلناها، فسيدنا اتنرفز مننا واتصل بقدسك. - لأ أنا مقصدش على كده، أنا أقصد بعد ما سيدنا قفل السكة معايا وسمعني ما لذ وطاب، اتصل بيا تاني وقال لي إنه عايزكم بكرة تحضروا معاه القداس، وأكد عليا إنكم لازم تيجوا، وقفل السكة ومفهمتش حاجة. وقف سامي العربية على جنب من كتر الذهول و فتح السبيكر علشان سارة تشركه ذهوله: - أيوة يا أبونا هيعوزنا في إيه تاني؟! - مش عارف يا ابني صدقني، هو قال لي الكلمتين دول وقفل، أه وحاجة كمان غريبة، طيب خاطري وقال لي حقك عليا يا أبونا، متزعلش من كلامي وقفل السكة. - يعني عاوزنا تاني علشان يكمل تهزيقنا، ولا حس إنه غلط في حقنا فهيعتذر لنا، ولا إيه مش فاهم. - بص يا أبني، سيدنا من أيام ما كان علماني وكنا مع بعض زمايل في الإكليريكية مش بيعتذر، لو حس إنه غلطان أوي يصالحك و يطيب خاطرك بطريقة غير مباشرة، من غير اعتذار، بس ما اعتقدش إنه حتى ناوي على كده، لأن شكلكم عكيتو الدنيا جامد، عمومًا بكرة روحوا وهتعرفوا وابقوا طمنوني عليكم. انتهت المكالمة، واستكمل سامي وسارة رحلتهما إلى المنزل، ومرت الليلة طويلة وكأنها لا تنتهي، وعندنا أشرقت شمس الصباح ارتديا ملابسهما، واتجهوا إلى المطرانية لحضور القداس، كأن قداسًا سريعًا يحضره عدد قليل معظمهم من كبار السن، وبعدما انتهى القداس اقترب شماس من دكتور سامي و قال له: سيدنا بيقولكم اطلعوا فوق في مكان إمبارح إستنوه. صعد سامي وسارة، ولم يغب عنهما الأسقف طويلًا، وعندما دخل، وقف سامي ومعه سارة في صمت لم يقطعه سوى الأسقف موجهًا كلامه لسامي: - هو مش الدكتور كان بيقول إمبارح إنه شماس أغنسطس؟ - أه يا سيدنا، إترسمت وأنا صغير. - طب و ينفع يا دكتور أغنسطس تحضر قداس وما تخدمش بوزنتك؟ - ماهو مش هينفع يا سيدنا. - وإيه بقى اللي مش هينفعه؟ - أصل أنا زيّ ما قلت لنيافتك، أنا على قدي خالص في موضوع المردّات والألحان، ونيافتك شديد حبتين ولسه مبستفنا إمبارح، فبصراحة خفت إن البستفة تبقى على المشاع في القداس، فخدتها من قصيرها وقلت أصلي وسط الناس. - خفت؟! هو أنا بعبع بخوف؟! وراح رن جرس بجواره، فدخل شاب من خدام المطرانية: - صباح الخير يا سيدنا - صباح النور يا ابني، عاوزك تعملنا فطار لينا إحنا الثلاثة و شوفهم يشربوا إيه. نظرت سارة لسامي دون أن تنطق ببنت شفة، أما سامي فنظر للأسقف قائلًا: - ربنا يخليك يا سيدنا، كتر خيرك إحنا، مش عاوزين نتقل على نيافتك، ولا نعطلك. - حضرنا قداس وهنفطر مع بعض، خلاص الموضوع انتهى مش عاوز رغي كتير. ثم التفت للخادم: روح انت يا ابني جهز الفطار ومتتأخرش. واستطرد موجهًا كلامه لسامي وسارة: طبعًا اللي عملتوه إمبارح ده ما يصحش، وطريقتكم معجبتنيش، وتستاهلوا إللي أنا عملته فيكم، بس ما علينا، أنا قبلت اعتذاركم. برقت سارة جدًا ونظرت لسامي، ولسه هتفتح بوقها فأشار لها الأسقف لتصمت: - بس يا بنت ياللي مسحوبة من لسانك إنتي، مش عاوز كلام، إنتي لسه متناولة وعاوزك تاخدي طول القاعدة ديه تدريب صمت، بلاش العرق الصعيدي الحامي ده، هو إنتي صح أصلا منين؟ نظرت سارة في عينيه نظرة عميقة: - أجاوب يا سيدنا و لا أكمل تدريب الصمت. مردش عليها الأسقف واكتفى بالنظر لها علامة على أن تستطرد في حديثها، وصب قليلًا من الماء في كوب وشربه، فاستكملت سارة حديثها: - أنا مولودة في القاهرة يا سيدنا، بس بابا وماما من الصعيد، من أسيوط. نظر الأسقف لسامي وكأنه يحاول أن يمازحه: شكلها قوية و مفترية، بس إنت الغلطان، هو في حد غلبان من البحيرة يتزوج ساحرة أسيوط الشريرة. رد سامي وقال: صدقني يا سيدنا مفيش في الدنيا كلها أطيب وﻻ أحن من سارة علىَّ، ولو لفيت العالم كله، مش هلاقي جوهرة زيها أزين بيها حياتي. في اللحظة ديه، طُرق الباب ثم دخل الخادم بمجموعة من الأطباق التي تحوى على ساندوتشات مختلفة، وضعها أمامهم مع أكواب من الشاي بلبن، وخرج: وقف الأسقف وهو يبتسم: كان لازم أجيبكم في يوم صيام مش فطار، علشان ما تاكلوش معايا الحاجات الحلوة ديه، كام معلقة سكر يا دكتورة؟ نظرت له سارة وعلامات التعجب والذهول على وجهها، ولكنها سيطرت على تعجبها ووقفت قائلة: عنك انت يا سيدنا هظبط أنا الدنيا. - مش إنتي إمبارح كنتي عاوزة تشوفي الأسقف الأب؟ أنا جايبكم النهاردة علشان تعرفوا إنه موجود، بس إنتو وغيركم اللي مش مصدقين إنه موجود، أو مش عاوزين تشوفوه، كام معلقة سكر؟ أشارت بأصابعها وهي لا تزال واقفة وقالت: معلقة ونصف، وسامي كمان زيي. وضع الأسقف السكر في أكواب الشاي بلبن، ووضع كل كوب أمام صاحبه، وكذلك وزّع أطباق الساندويتشات ثم عاد إلى مجلسه، واستطرد في الحديث دون توقّف: قبل ما أروح الدير، أنا كنت من هنا، إتولدت وعشت وخدمت وأنا بقميص وبنطلون، ودخلت الإكليريكية وبالمناسبة أبونا يوناثان كان زميلي، بس أنا كنت أشطر، وكنت دايما الأوّل، ولما خلّصت الكلية، روحت إترهبنت في الدير، وفضلت فيه طول السنين ديه، مخدمتش براه أبدًا، وطبعا زي ما إنتو عارفين، بعد نياحة الأنبا دميان أسقف الإيبارشية السابق، فضلت إيبارشيتنا طول ثمان سنوات بدون أسقف، لأسباب كتيرة يطول شرحها، أو مش مهم شرحها، سيدنا البطريرك لما إتزكيت قدامه قال لي جملة مش ممكن أنساها، قال لي: إنت راح تبقى أسقف على ٧٨ أسقف، كل كاهن في كنيسته هو كبير العيلة وإشراف البطريركية كان صوري مهما كان، وكل كنيسة ماشية بنظام غير الكنيسة جارتها اللي في أخر الشارع، حاجات كتيرة كانت لازم تتظبط، ومفيش ريس يحب يبقى فوقه ريس، أصلا مهما كان القائد حليم وكويس وقديس وملاك، مش هتلاقي الناس تتفق عليه، عندكم مثلا صموئيل النبي، عمل إيه وحش للشعب علشان يصرخوا في وشه ويقولوله مش عايزينك، إحنا عاوزين ملك زي الأمم؟ موسى النبي مثلا، وقف في وش فرعون واستحمل صعوبات ياما، علشان خاطر شعب بني اسرائيل، وعدى بيهم البحر وبعصاته شق الجبل ونزلهم مياه يشربوا ومن وسلوى وسحابة وعامود نور ونهار وليل وفي كل مرة يحن الشعب لعبودية فرعون، وينكر الخير اللي عمله موسى، السيد المسيح نفسه له كل الكرامة والمجد، بعد ما شفاهم وقوّم موتاهم وشبّع بطونهم وعقولهم، وقالوا عليه يعظ بسلطان وليس كالكتبة والفريسيين، وقف نفس الشعب ده مع الكتبة والفريسيين لينادوا بإطلاق باراباس اللص وصلب يسوع البار. مفيش رئيس أو قائد أو أسقف أو حتى بطريرك كل الناس هتوافق عليه، إما هيكونوا ضده علشان هو واقف في طريق مصلحتهم، أو حيهادنوه وينافقوه علشان يأخذوا مصلحتهم برضه، المحايدين والحقانيين لو إتوجدوا قليلين أو صوتهم ضعيف، ومع الوقت إما بينضغط عليهم علشان ينضموا لفريق من الإثنين: فريق المعارضة و فريق النفاق، إما مش بيتسمع ليهم صوت، وبيفضلوا ساكتين كافيين خيرهم شرهم علشان مايتحسبوش لفريق حد على حساب الفريق الثاني. ياما ناس وقفوا في كنايسهم واستخدموا اسمي في إرهاب الناس، ويقولوا سيدنا أمر و سيدنا منع، وأنا ولا بيا ولا عليا في الموضوع ده، ولا أمرت ولا منعت، وناس تثور وناس تعترض وأطلع أنا اللي وحش وقوي ومفتري ومش أب، وطول ما أنا بتشتم فالدنيا تمام وزي الفل، يجي واحد يقف في صفي ويدافع عني، يقولوله بتطبل وبتهادن وبتنافق وراسم على الكهنوت علشان كده بتمسح جوخ الأسقف، أجي إجيب فلان اللي طلع إشاعة ده وقولني كلام مقولتهوش، يعتذر و حاللني يا سيدنا والناس اللي فهمت غلط وأنا هقول إن مش نيافتك اللي قلت، بس بيكون خلاص النار مسكت في القش، والمياه مش بيكون ليها تأثير. أما بالنسبة للناس، فالناس بتصدق اللي عاوزة تصدقه، مش اللي حاصل فعلا، أنا راجل عمري معدي الستين، لو حد شدني شدة غلط أو اتزقيت في زحمة واتخبطت أو وقعت، مش هتبقى مجرد خبطة أو وقعة، أنا راجل عجوز و الناس مش مدركة حكم السن، ليهم بس الظاهر! عاوز أقولكم حاجة اسمعوها كويس، وانت بالذات يا سامي يا ابني حطها حلقة في ودانك، مفيش حد بيكون عليه مسئولية قدام ربنا، ويتعمد يفسدها، بالعكس في لحظة أخذان القرار، وحسب المعطيات اللي قدامه، شايف إن القرار ده الأمثل والأنسب، مفيش حد بيخون وزنته اللي استلمها من إيد ربنا، بس أنا مش هنزل ألم معلومات بنفسي طول الوقت، لكن يفترض في اللي قدامي الأمانة والصدق في نقل المعلومات اللي محتاجها علشان أخد قرار، وبيحصل أحيانا إن المعلومة توصلني غلط، نتيجة عدم دقة بقى أو سرعة أو حتى عن عمد، لكن بكون خدت القرار نتيجة المعلومات اللي وصلتني ده، اللي القرار كمل الدنيا هتبوظ، ولو مكملش ووقف بيتقال إن الأسقف كل شوية برأي وكلمة توديه وكلمة تجيبه، وبرضه الدنيا بتبوظ، مش بقول إني مثالي، بس قدام ضميري وقدام ربنا، أنا بخدم بكل طاقتي وحسب رؤيتي اللي ممكن تكون صح وممكن تكون غلط، بس يكفي الضمير الصالح واللي ربنا هيحاسبني عليه حتى لو مكونتش عاجبكم. نقطة كمان مهمة، أنا لما بجيب واحد مرشح للكهنوت يقعد قدامي هو و مراته، بفحص نقاط كتيرة، بس ما ينفعش أقوله إنت ما تنفعش علشان إنت راجل شخصيتك ضعيفة، إزاي تقود كنيسة و شعب، أو يكون باين إن بينهم مصانع الحداد، فأختاره، فتزيد بينهم المشاكل، ويبقوا سبب عثرة للكنيسة والشعب، وأسباب ثانية كتير، ما ينفعش تتقال حتى لصاحبها، علشان ما ييأسش من نفسه، لكن لما يتقال انه إترفض علشان القبطي أو الألحان، هتلزق فيا أنا، وأنا معنديش مانع كأب يتلزق فيا كلام مش حلو علشان خاطر ولاده. ثم قام معتدلًا وقال: أنا كان في نيتي إني أفطركم بس، أتفصلوا مع السلامة، أخذتم أكتر من وقتكم، وانت يا دكتور أقعد مع أبونا يوناثان هيقولك الأوراق والخطوات المطلوبة منك، وتيجي ورشة الملابس علشان ياخدوا مقاساتك، هرسمك أوّل أسبوع في الصيام. وقف سامي وسارة الإثنين مع بعض وفي صوت واحد: إيه؟! ! - ولا كلمة، وطبعا يا ست سارة مش هاينفع اسميهولك إبراهيم علشان عندنا أبونا ابراهيم، لكن ليه عندي اسم لايق أوي على شخصيته المندفعة المسحوبة من لسانه هو ومراته. - يا سيدنا، أنا منفعش خالص، صدقني، بأمانة ما تواضع، أنا خاطي ووحش وخايب ومليش في حاجة، أنا منفعش. - ربنا بيحب يشتغل باللي مابينفعوش علشان في الأخر بيطلعوا ينفعوا، أتفصلوا بقى مع السلامة وكملوا عياطكم مع أبونا يوناثان، مع السلامة. يتبع . . --- ### همهمات انتخابية - Published: ۲۰۲۳-۱۰-۱۳ - Modified: 2023-10-11 - URL: https://tabcm.net/14414/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: الديمقراطية وأتخيلهم وقد اقتربت رؤسهم في حلَقات يهمهمون فيمَا عُرض عليهم، واحدة من الحلَقات راحت تشكك في جدية العرض، واستدعى من فيها، خبراتهم السابقة، التي تؤكد نكوص المدرس عن وعده، وتحول المشهد إلى حالة من التهكم على من يتقدم ليحظى بهدية المدرس الذي يشاركهم -بغير إعلان- تهكمهم. فكان العزوف قرارهم ضمن عشرات وربما مئات من حكايات الطفولة تقفز من الذاكرة حكاية ذاك المدرس النابه الذي وقف بين تلاميذه الصبية، وأخرج من جيبه عملة نقدية ورقية تتجاوز مصروفهم اليومي، وقال لهم، من يرد هذه العملة فليأتي ليأخذها، فلم يحرك تلاميذ الفصل ساكنًا، وقد سرت بينهم همهمات مضغمة، إلا تلميذًا واحدًا، ترك مكانه واتجه حيث المدرس وأخذ العملة، وسط صمت مطبق من بقية التلاميذ، لم يقطعه إلا تصفيق المدرس، وعاد الصبي إلى مكانه، فرحًا بهدية الأستاذ الثمينة. في ظني أن الحكاية تؤكد أهمية بناء الثقة بين طرفيها، وأن يصدق الصبية عرض المدرس وجديته. تخيلت نفسي أنه قدر لي أن أعيش زمن الحكاية، ذاك الزمن السحيق والمتخيل، وقد اقتربت من الصبية في الفترة ما بين عرض المدرس وتقدم ذاك التلميذ الذي "صدّق" المدرس، وأتخيلهم وقد اقتربت رؤسهم في حلَقات يهمهمون فيمَا عُرض عليهم، واحدة من الحلَقات راحت تشكك في جدية العرض، واستدعى من فيها، خبراتهم السابقة، التي تؤكد نكوص المدرس عن وعده، وتحول المشهد إلى حالة من التهكم على من يتقدم ليحظى بهدية المدرس الذي يشاركهم -بغير إعلان- تهكمهم. فكان العزوف قرارهم، وعندما دق جرس الفسحة، التقى التلاميذ يتندرون على تلك الواقعة بعيدًا عن عيون المدرس، ويشيدون بذكائهم وصحة قرارهم بعدم الاستجابة. حلقة أخرى راحت تستدعي تجارِب الفصول المجاورة التي تعيش نفس أجواء المدرسة، بتنويعات مختلفة في تفاصيل الحكاية، أن المدرس طلب تشكيل لجنة من التلاميذ، تتلقى أسماء من يريد الفوز بما عرضه المدرس، بشروط: الانتظام في الحضور المدرسي، والنجاح في امتحانات الشهر، والالتزام بتعليمات المدرسة، والتحلي بالأخلاق وغيرها، ويتقدم لها من تنطبق عليه هذه الشروط، ثم تنظم اللجنة عملية تصويت الفصل على من يرونه الأجدر، وتجمع أوراق التصويت وترتبها، وتعلن من فاز وفق اختيار أغلبية الفصل، خرج التلاميذ من الفصل وبقيت اللجنة، وبعد دقائق تعلن اللجنة اتفاق غالبية التلاميذ على عدم استحقاق أيًا من المتقدمين لعطية المدرس، وبقيت العملة النقدية في حوزة المدرس. فيمَا كانت حلقة ثالثة تستعرض تجرِبة مدرسة ثالثة، التي اختلف فيها عرض المدرس، وكان هو المشرف على شئون فصله، أن يفسح المجال لاختيار أحدهم ليحمل عنه مهمة الإشراف، ويكون اسم المدرس مطروحًا ضمن الاختيارات، وهو عرض متكرر بشكل دوري، اللافت أن النتيجة كانت واحدة، مع بقاء الإجراءات وطقوس التصويت كما هي في كل دورة، كان المدرس هو الفائز. كان وراء فوزه نشاط بعض من التلاميذ مهمتهم خلق حالة من الخوف من عواقب عدم اختياره، وتتعدد المبررات والحكايات، ولا تختلف النتائج... في تأكيد لدور الخوف. التجارِب السلبية والمتكررة هي التي تحاصر محاولات المدرس في اكتساب ثقة التلاميذ، ويدعم هذا الحصار من يخشون من نجاح عرضه، فيطلقون قنابل دخانهم عبر ترويج إشاعاتهم، وهم يسعون لعدم نجاح مسعاه خَشْيَة أن تنتقل إلى فصولهم، وبعضهم يدرك مردود قيادة هذا الفصل الذي ينعكس في تقارير إدارة المدرسة ومفتشي الوزارة بمزيد من الترقيات الدورية والاستثنائية له، وتأكيد جدارته ليس في فصله وحسب بل وفي استحقاقه لإدارة المدرسة، أو على الأقل الاقتداء بتجربته. كان للمدرس، بطل حكايتنا، أدواته التي يحرص على تفعيلها؛ منها حرصه على تنمية مداركه في فهم احتياجات فصله، وتوزيع مسؤوليات تدبيرها على النبهاء من التلاميذ، وحرصه على الحوار الإيجابي معهم، وتدريبهم على قَبُول التعدد والتنوع، باعتبارهما سر قوة فصله ونجاحه، ويدعم كل هذا قدرة المدرس على عدم الميل لفصيل منهم بسبب تميز شخوص هذا الفصيل فيمَا يعتقدون أو يملكون أو خلفياتهم الاجتماعية أو الاقتصادية أو قوتهم أو قدرتهم على فرض اختياراتهم، باعتبار أن هذه كلها هي دعامات لَمَّا يسع لبناءه في تكوين جيل يعيش الديمقراطية في أبسط معانيها، وحين ينتقل الجيل من مرحلة دراسية لأخرى تنتقل معه الخبرات الإيجابية هذه، وتصبح نسق تفكير وأسلوب حياة، تنتقل منهم إلى مجتمعاتهم الصغيرة، ومنها إلى دوائر أوسع، بهدوء لكن بقوة، ببطء لكن إلى الأمام. كان سر نجاح هذا المدرس المتخيل في أمانته وتجرده، وحبه لفصله وتلاميذه، ووضوح الهدف عنده، واهتمامه بأن يسجل دفتر أحوال المدرسة تجربته لتبقى لأجيال قادمة، فللزمن أحكامه وللتاريخ تقييماته، والمتجاوزة للمصادرة والمنع، وقدرته على التوثيق تقفز وتتأصل بتطور أدوات التواصل والانتشار. --- ### هل أخطأ السادات؟ - Published: ۲۰۲۳-۱۰-۱۲ - Modified: 2025-02-12 - URL: https://tabcm.net/14567/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, شئون علمانية - وسوم: اتفاقية أوسلو, اتفاقية كامب ديفيد, الأفق المفقود, السلام الضائع, بيل كلينتون, تنظيم الجهاد, جامعة الدول العربية, جبهة الرفض, جيمي كارتر, چيمس هيلتون, خالد الاسلامبولي, دوايت أيزنهاور, رئيس محمد أنور السادات, شيمون بيريز, فرانكلين روزفلت, مجلس الأمن الدولي, محمد إبراهيم كامل, محمد عبد السلام فرج, معاهدة السلام, معمر القذافي, مناحم بيجن, منظمة التحرير الفلسطينية, هاري ترومان, ياسر عرفات في السادس من أكتوبر من العام 1981، لقى السادات حتفه برصاص خالد الاسلامبولي، وبإيعاز من محمد عبد السلام فرج أمير تنظيم الجهاد، لكونه عقد اتفاقية السلام مع "اليهود" على حد تعبير قادة تنظيم الجهاد، ولم يذكر لفظ إسرائيل مطلقًا. منتجع كامب ديفيد: هو منتجع ريفي يخص رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بصفته، ويقع بولاية ميريلاند، على بعد حوالي 62 ميلًا شمال غرب العاصمة واشنطن، تأسس عام 1938 تحت اسم Hi-Catoctin، وفي عام 1942 تم تحويله إلى منتجع رئاسي على يد الرئيس فرانكلين روزفلت الذي سماه بـ Shangri-La تيمنًا بـ "الفردوس التبتي" المذكور برواية Lost Horizon (الأفق المفقود) للكاتب الإنجليزي جيمس هيلتون، وفي عام 1945 جعله الرئيس هاري ترومان المنتجع الرئاسي الرسمي، قبل أن يأتي الرئيس دوايت أيزنهاور ويلقبه باسمه الحالي: "كامب ديفيد"، تيمنًا باسم والده وحفيده "ديفيد" اللذان يحملان الاسم ذاته. لم يعرف العالم العربي "كامب ديفيد"، بل وربما لم يسمع به مطلقًا قبل سبتمبر 1978، حينما وقّع الرئيس المصري محمد أنور السادات، منفردًا، معاهدة السلام مع رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيجن، بعد 12 يومًا من المفاوضات، برعاية الرئيس الأمريكي آنذاك جيمي كارتر. كانت المحاور الرئيسية للمعاهدة هي إنهاء حالة الحرب، وإقامة علاقات ودية بين مصر وإسرائيل، وانسحاب إسرائيل من سيناء التي احتلتها عام 1967 بعد حرب الأيام الستة. تضمنت الاتفاقية ضمان عبور السفن الإسرائيلية لقناة السويس، واعتبار مضيق تيران وخليج العقبة ممرات مائية دولية، كما تضمنت الاتفاقية أيضا البَدْء بمفاوضات لإنشاء دولة ذات حكم مستقل للفلسطينيين في الضفة وقطاع غزة والتطبيق الكامل لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 242، وهي محاور كان ليحتفي العالم العربي كله بها لو كانت مع أي عدو سابق، لكن مبدأ السلام مع إسرائيل كان له رد فعل مختلف تمامًا لدى الدول العربية. أثارت اتفاقية "كامب ديفيد" ردود فعل معارضة حادة داخل مصر وفي معظم الدول العربية، ففي مصر، استقال وزير الخارجية محمد إبراهيم كامل لمعارضته الاتفاقية وأسماها: "مذبحة التنازلات"، كما كتب كامل في كتابه "السلام الضائع في اتفاقات كامب ديفيد" المنشور في بداية الثمانينيات أن: "ما قَبِل به السادات بعيد جدًا عن السلام العادل"، وأنتقد الاتفاقية لكونها: "لم تُشِر صراحة إلى انسحاب إسرائيلي من قطاع غزّة والضفّة الغربية"، وأيضاً لـ:"عدم تضمينها حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره"، وهي نِقَاط جيّدة إن كانت الاتفاقية بين فلسطين وإسرائيل، لكن الاتفاقية مع مصر وكلها نِقَاط لا علاقة لها بمصر أوالمصريين من قريب أو من بعيد. وعلى أثر الاتفاقية أيضًا، قامت الدول العربية بعقد مؤتمر قمة، عُرف باسم "جبهة الرفض" ، شارك بها 10 دول عربية بالإضافة لـ"منظمة التحرير الفلسطينية"، رفضوا فيها كل ما صدر من مصر. لاحقًا، اتخذت جامعة الدول العربية قرارًا بنقل مقرها من القاهرة إلى تونس احتجاجًا على الخطوة المصرية، بالتوازي مع تعليق عضوية مصر في جامعة الدول العربية من عام 1979 إلى عام 1989، بحجة أن السادات قد ركز بالكامل على أهداف مصر وأهمل القضايا العربية الجوهرية الأخرى، ووضع على رأس اعتباراته استرجاع سيناء المحتلة على حساب القضية الفلسطينية! ! وهي أيضًا أهداف كان ليحتفي العالم العربي كله بها لو كانت مع أي عدو سابق آخر غير إسرائيل، لكن على ما يبدو أن مقولة مُعمّر القذافي "سنحارب إسرائيل حتى أخر جندي مصري" لم تكن مجرد مقولة ساخرة لحاكم يعاني من هلاوس وضلالات، لكنها كانت قناعة كل الحكام العرب. العرب الذين كانوا -ولا يزالوا- يرفضون تمامًا الحوار والتفاوض مع إسرائيل من حيث المبدأ، لم يتخذوا رد الفعل ذاته يوم أن ركز ياسر عرفات، الزعيم الفلسطيني الأكثر شعبية في التاريخ، ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية، على أهداف فلسطين منفردًا وأهمل القضايا العربية الجوهرية الأخرى، والأراضي العربية التي لا تزال تحتلها إسرائيل، مثل هَضْبَة الجَوْلان السورية، ومزارع شبعا اللبنانية، ووقع منفردًا في 13 سبتمبر 1993 على اتفاقية السلام مع وزير الخارجية الإسرائيلي شيمون بيريز، برعاية الرئيس الأمريكي بيل كلينتون، التي عرفت باسم "إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي"، وإعلاميًا باسم "اتفاقية أوسلو". أعترف عرفات شخصيًا أول مرة رسميًا بوجود دولة إسرائيل وحقها في الوجود، وحدود ما قبل الرابع من يونيو 1967، حيث أعلنت منظمة التحرير الفلسطينية، على لسان رئيسها، ياسر عرفات، التزامها بحق دولة إسرائيل في العيش في سلام وأمن، ونبذ وإدانة الإرهاب والعنف، وحذف البنود التي تتعلق بالعنف في ميثاق العمل الوطني لمنظمة التحرير، كالعمل المسلح وتدمير إسرائيل، وبدء حِقْبَة خالية من العنف، كما وسوف تأخذ على عاتقها إلزام كل عناصر أفراد منظمة التحرير بها، ومنع انتهاك هذه الحالة وضبط المنتهكين، وفي المقابل، اعترفت إسرائيل بمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الممثل للشعب الفلسطيني. لكن رد فعل العرب تلك المرة كان مختلفًا، فلم يثر قادة العرب على عرفات، ولم يقاطعوه أو يتهموه بالتطبيع مع العدو الصهيوني، بحجة أنه قد ركز بالكامل على أهداف فلسطين وأهمل القضايا العربية الجوهرية الأخرى، أو أن الاتفاقية "لم تُشر بصراحة إلى انسحاب إسرائيلي من هَضْبَة الجَوْلان السورية المحتلة أو مزارع شبعا اللبنانية". في السادس من أكتوبر من العام 1981، لقى السادات حتفه برصاص خالد الإسلامبولي، وبإيعاز من محمد عبد السلام فرج أمير تنظيم الجهاد، لكونه عقد اتفاقية السلام مع "اليهود" على حد تعبير قادة تنظيم الجهاد، ولم يذكر لفظ "إسرائيل" مطلقًا. --- ### لماذا يا رب تنجح طريق الأشرار؟ - Published: ۲۰۲۳-۱۰-۱۱ - Modified: 2023-10-11 - URL: https://tabcm.net/14368/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: آدم, حواء لسه لحد دلوقتي ما جبناش سيرة الأشرار؟! طبعًا، لأن الحقيقة عكس ما إحنا عاوزين نتخيل، دول موضوعين منفصلين عن بعض تمامًا. كون الإنسان طيب أو خير أو شرير ده أمر مالوش أي علاقة بإن الإنسان ناجح أو فاشل نرجع للسؤال بتاعنا لماذا يا رب تنجح طريق الأشرار؟ علشان نحاول نجاوب على السؤال ده، لازم نجمع شوية نقط مع بعض زي الـ ؟ Puzzle كده. . ١- الله لما خلق الإنسان، أعطاه كل الإمكانيات اللي تخليه يعيش حياةـ مش بس ناجحة ومستقرة، ولكن ممتعة كمان، وده واضح في البركة اللي أداها ربنا لآبائنا آدم وحواء، والتسلط هنا معناه إن الإنسان له اليد العليا في الكون، وخضوع الكل ليه معناه أنه يقدر يقود الكون كله بنجاح: "وَبَارَكَهُمُ اللهُ وَقَالَ لَهُمْ: «أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ، وَأَخْضِعُوهَا، وَتَسَلَّطُوا عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السَّمَاءِ وَعَلَى كُلِّ حَيَوَانٍ يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ»". (سفر التكوين 1: 28) ٢- البركة دي، واللي بتتضمن النجاح عامة لآدم وحواء وكل أبناءهم، يعني لكل إنسان عمومًا، زيها زي كل العطايا الأساسية، الحياة والنفس والشمس وكل شيء يعطيه الله لكل إنسان: "فَإِنَّهُ يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الأَشْرَارِ وَالصَّالِحِينَ، وَيُمْطِرُ عَلَى الأَبْرَارِ وَالظَّالِمِينَ". (إنجيل متى 5: 45) وده اللي فهمه نحميا لما قال: «إِنَّ إِلهَ السَّمَاءِ يُعْطِينَا النَّجَاحَ، وَنَحْنُ عَبِيدُهُ نَقُومُ وَنَبْنِي». (سفر نحميا 2: 20) ودي مهمة قوي، لأنها بتوضح فكرة إن النجاح قبل العمل، يعني إحنا واخدين النجاح أو القدرة على النجاح من ربنا، وبناءً عليها بنشتغل ونذاكر ونبني، فنظهر النجاح اللي إحنا أصلًا واخدينه من ربنا كلنا مسبقًا. ٣- أما عن الفرق ما بين نجاح إنسان وآخر، أو استخدام كل إنسان لرصيد النجاح اللي ربنا أعطاه ليه، فله قوانين واضحة ومحددة وضعها الله في الكون، لأن زي ما إحنا عارفين إلهنا إله نظام، والخليقة كلها تخضع وتسير تبعًا للقوانين الإلهية والطبيعية، والقوانين دي منها التعلم والتعامل بذكاء والعمل والتركيز والتعب والاهتمام بالشيء اللي أنت عاوز تنجح فيه... الخ. ٤- أعتقد إن إحنا دلوقتي محتاجين نتكلم عن أهم نقطة، وهي: يعني إيه النجاح؟ ودي نقطة ممكن تكون أصلًا سبب طرح السؤال، وسبب التذبذب اللي إحنا فيه من ناحيتها، ويمكن من ناحية الله ذاته، لأن تعريف النجاح بالنسبة لأغلبنا بيتقاس بقيم معينه، زي الغنى والمال والشهرة، فلو عندك حاجة من دول فانت ناجح، وفي الأغلب أنت شرير، مع أن المسيح قدم لنا مفهوم مختلف خالص للحياة كلها لما قال إن دي كلها "الأكل والشرب والفلوس والاحتياجات الحياتية "تزاد لكم" (تاخدوها فوق البيعة) ولو فهمنا الحياة صح، ها نفهم أن النجاح شيء متغير، وله تعريف خاص يختلف من إنسان لآخر، واحد بيعتبر النجاح أن يومه يعدي بسلام، وواحد تاني أنه يساعد إنسان محتاج، لتالت أنه يخرج من ايد وحش هجم عليه وهو بيصطاد في الغابة، وهكذا. ٥ - لسه لحد دلوقتي ما جبناش سيرة الأشرار ؟! طبعًا، لأن الحقيقة عكس ما إحنا عاوزين نتخيل، دول موضوعين منفصلين عن بعض تمامًا، كون الإنسان طيب أو خير أو شرير ده أمر مالوش أي علاقة بإن الإنسان ناجح أو فاشل! دول موضوعين ما ينفعش نحطهم مع بعض في جملة واحدة. النجاح تحكمه قوانين طبيعية، والخير والشر تحكمهم قوانين طبيعية بردوا، بس تانية! وعمومًا مفيش حاجة اسمها إنسان عمومًا ناجح أو فاشل، ولكن قد ننجح في أمور ونفشل في أخرى، وإن كان فكرة الفشل عمومًا أنا مش معاها خالص، لكن مش وقتها! ٦- لما ربنا قال لآدم: لو أكلت من شجرة معرفة الخير والشر موتًا تموت، ده مكنش تهديد لكن تحذير، يعني الجملة دي مكنش معناها: لو أكلت من الشجرة ها أموتك، لكن معناها: خد بالك، الثمرة دي فيها سم، لو أكلت منها ها تموت، والفرق بينهم كبير في فهمنا لطبيعة الله وعلاقته بالإنسان ومحبته ليه، لكن كمان فيها حل لمعضلة الشر والأشرار، بمعنى تأكد أن اللي بياكل من ثمرة الشر بياخد نتيجتها مش عقوبتها، لو مشيت السكينة على ايدك ها تتعور، ده أمر طبيعي جدًا، وبنفس البساطة والطبيعية دي لما تعمل شر أو خطية ها تجني ثمرها. ٧- في أوروبا، في هِواية اسمها جمع الفطر! ! ودي عبارة عن أن الناس تخرج فرادى أو مجموعات في الغابات، ويجمعوا الفطر، وده في منه مئات الأنواع وفيه كتير منها سام، ولكن بدرجات مختلفة، يعني في منها اللي لو الواحد أكل منه يموت حالًا، وفي منه اللي ممكن بعد سنين من أكله يتسمم الإنسان ويموت بردوا. علشان كده لازم يكون في مدرب، والناس بتاخد كورسات قبل ما تخرج تمارس هِواية جمع الفطر، وده بالظبط اللي بيحصل في موضوع الشر والخطية، في خطية تاخد نتيجتها حالًا، وفي خطية أو شر تجني ثمره بعد سنين، لكن مفيش شر مالوش نتيجة، أو زي ما إحنا بنحب نسميها: عقاب. ده كان تمثيل بسيط عن عدل الله المحب، ومحبة الله العادلة، واللي كلنا الحقيقة عارفينها وعايشينها، وآباؤنا وأجدادنا عبروا عنها بأمثال بسيطة زي: من قتل يقتل ولو بعد حين، ومن حفر حفرة لأخيه وقع فيها، وغيرها كتير، وكل ما بنعيش وبنشوف، بنتأكد إن مفيش إنسان بيعمل أي عمل خير أو شر، إلا وبيجني ثمره مهما طال الزمن، لكن رؤيتنا لده بتختلف، لو إحنا اللي عملنا (بنلاقي لأنفسنا ١٠٠٠ حجة وعذر وسبب) ولو اتعمل فينا، بننتظر الانتقام ونتمنى نشوف اللي ظلمنا أو تعبنا وهو بيدفع التمن، لكن الله لا يحابي الوجوه، وضع القانون العادل بكل محبة وهو يسري على الجميع. --- ### ملحمة جلجامش؛ الإصحاح الرابع - Published: ۲۰۲۳-۱۰-۱۰ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/13245/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون, تاريخ وميثولوچيا - وسوم: ألبيرت شوت, أوروك, إنكيدو, جلجامش, خمبابا, سامي سعيد, شمش, فراس السواح يرحل جلجامش وإنكيدو إلى غابة الأرز ويخيمان كُلّ بضعة أيام على جبل، يحلم جلجامش في منامه بخمسة أحلام مرعبة حول السقوط في الجبال والعواصف الرعدية والثيران البرية وطير الرعد الذي يتنفس النار. على الرغم من أوجه التشابه بين شخصيات أحلامه وأوصاف خومبابا، فإن إنكيدو يفسر هذه الأحلام على أنها نذير جيد، وينكر أن الصور المخيفة تمثل حارس الغابة. يسمع الصديقان خمبابا يحارب عندما اقتربا من جبل الأرز، وقاما بتشجيع بعضهم البعض على عدم الخوف. اللوح الرابع مقسّم على  ٦ أعمدة، المقروء منها ٤١ سطرا، بنسبة ١٠% من الإجمالي. خلاصة الإصحاح الرابع:يرحل جلجامش وإنكيدو إلى غابة الأرز. ويخيمان كُلّ بضعة أيام على جبل. يحلم جلجامش في منامه بخمسة أحلام مرعبة حول السقوط في الجبال وحول العواصف الرعدية وحول الثيران البرية وحول طير الرعد الذي يتنفس النار. على الرغم من أوجه التشابه بين شخصيات أحلامه والأوصاف السابقة لخمبابا، فإن إنكيدو يفسر هذه الأحلام على أنها نذير جيد، وينكر أن الصور المخيفة تمثل حارس الغابة. يسمع الصديقان خمبابا يحارب عندما اقتربا من جبل الأرز، وقاما بتشجيع بعضهم البعض على عدم الخوف. العمود الأوّل إلى الرابع ١)بعد عشرين ساعة مضاعفة تناولا بعض الزاد،٢)وبعد ثلاثين ساعة مضاعفة توقفا في المساءمن النوم،٣)ثم قطعا أثناء النهار خمسين ساعة مضاعفة،٤)واجتازا مسيرة شهر ونصف في ثلاثة أيام. وقبل أن يخلدا للنوم حفرا بئرًا. ،  (ملحمة جلجامش، اللوح الرابع،الأعمدة من الأوّل إلى الرابع) (١)تبلغ المسافة التي يقطعها البابلي في الساعة المضاعفة حوالي ١٠٫٨ كيلومترات، ولما كان اللوح الخامس من الملحمة (في السطر الثلاثين من العمود الرابع من شذرة ترجع للعصر البابلي القديم) تحدد مكان غابة الأرز في لبنان، وكانت المسافة من أوروك إلى لبنان عبر البادية السورية تقدَّر بخمسين ساعة مضاعفة مضروبة في ثلاثة؛ أي بنحو ألف وستمائة كيلومترًا، فإن هذا يعادل المسافة التقريبية التي قطعها الملك وصديقه في رحلتهما إلى غابة الأرز (راجع ترجمة ألبيرت شوت، ص٤٣، هامش ١). (٢)الغرض من حفر البئر هو تقريب الماء لإله الشمس شمش. (٣)في الترجمة البابلية القديمة: أمام شمش حفر بئرًا. العمود الخامس ٣٩)«فكر فيما قلته في أوروك! ٤٠)وانهض وتقدم إليه لتقتله. ٤١)أي جلجامش، يا ابن أوروك! »٤٢)سمع كلام فمه وامتلأ ثقة. ٤٣)«هيا اهجم عليه بسرعة، حتى لا يهرب،٤٤)ولا ينحدر إلى الغابة ويفلت منا. ٤٥)لقد تعوَّد أن يلبس سبعة دروع،لا يقوى أي سلاح على اختراقها،٤٦)وهو يلبس الآن واحدًا،نُزِعَت الستة الأخرى،وطُرِحَت على الأرض أمام قدميه. »٤٧)كثور وحشي. ٤٨)صرخ للمرة الأولى وامتلأرعبًا ... ٤٩)ينادي حارس الغابة ... ٥٠)خمبابا مثل ... (ملحمة جلجامش، اللوح الرابع، العمود الخامس) (٤)الأبيات التالية شديدة التشوه بحيث يتعذر فهم معانيها، وتم الأخذ بترجمة فراس السواح (ص١٣٧، سطر ٤٧) بدلًا من ترجمة ألبيرت شوت التقريبية التي تقول: كثور وحشي... للاصطدام ببعضهما... ومن ترجمة سامي سعيد التي لا تقل عنها غموضًا: وقدم العون مثل البقرة الوحشية، سطر ١٠، ص٢٣٩. العمود السادس ٢٣)فتح إنكيدو فمه للكلام وقال لجلجامش:«لا تدعنا نهبط إلى الغابة! »... ... ٢٦)فتح جلجامش فمه للكلام وقال لإنكيدو:٢٧)«أي صديقي، هل كنا من الضعف؟٢٨)لقد اجتزنا جميع الجبال،٢٩)لكن ما زال الهدف بعيدًا عنا ... ٣٠)أي صديقي الذي تمرَّس بالقتال، وخبر المعارك. ٣١)... فلا تهاب الموت بعد،٣٢)... بجانبي، وكن منافسًا لي. ٣٣)عندئذٍ يزول الشلل من يدك،وتفارقك التعاسة. ٣٤)أيمكن أن تبقي هنا يا صديقي؟٣٥)دعنا ننطلق سويًّا. ٣٦)وليتشجع قلبك. انس الموت، ولا تخش شيئًا! ٣٧)إن القوي إذا سار في المقدمة وهو متأهب حذر،٣٨)فهو يحمي نفسه، ويحفظ صاحبه،٣٩)فإذا سقط فقد خلَّد اسمه. »٤٠)وصلا للجبل الأخضر... ... . ٤٨)سكتت كلماتهما، وقفا ساكنين. (ملحمة جلجامش، اللوح الرابع، العمود السادس)   --- ### درس السهام - Published: ۲۰۲۳-۱۰-۰۹ - Modified: 2023-10-09 - URL: https://tabcm.net/14366/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون ويا للعجب!! إذا بصورة أخرى تظهر تحت هذه الصُّوَر جميعها! إنها صورة الرب يسوع وقد تمزَّقت تمزيقًا!! اشتهـر دكتور ”سميث“ بمحاضراتـه الشيِّقة والمُمتعة. فهـو يُضيف إلى كلماتـه ما يُعبِّر عن فِكْـره، فيتمتَّع الطُّلاَّب بمحاضرتـه. وقد حَكَت ”سالي“ ما حدث في إحدى المُحاضرات. فإنـه عندما دخل الطلاَّب - يومًا ما - إلى قاعـة المحاضرة، وجـدوا لوحات مَعَدَّة ليوضع عليها صُوَر بعض الوجوه. وعندئـذٍ طلب دكتور ”سميث“ مـن الطلاَّب أن يرسموا صُوَراً كاريكاتورية بسيطة لأشخاصٍ ليسوا على وِفاقٍ معهم. وبعد أن رَسَم الطلاَّب الصُّوَر المطلوبة، أَخَذَها دكتور ”سميث“ ووضعها على اللوحـات، ثم أحضـر سهامـًا، وأعطى سهمًا لكـلِّ طالب، وسألهم أن يوجِّهوها تجاه تلك الصُّوَر. فتبارَى الطلاَّب في رَشْقِ هذه السهام بقـوَّة تجاه هـذه الصُّوَر. فكانت السهام تُمزِّق بعض الصور تمزيقًا، إلى أن نفدت السهام مـن بـين أيـدي الطلاَّب. وحينئذ سألهم أن يستريحوا في أماكنهم. بعد ذلك قـام دكتور سميث وأَخَـذَ في رَفْع الصُّـوَر التي وضعهـا الطلاَّب على اللوحـات للأشخاص الذين كانوا هدفًا لسهامهم، وقد تمزَّقت بنفاذ السهام المصوَّبة نحوها. ويا للعجب! ! إذا بصورة أخرى تظهر تحت هذه الصُّوَر جميعها! إنها صورة الرب يسوع وقد تمزَّقت تمزيقًا! ! حينئذ بـدأ الطلاَّب في الاندهاش والأنين مما فعلوه بالسهام! ثم جلس دكتور سميث وبَدَأ في قراءة نص مـن الإنجيل، يقول: «الْحَـقَّ أَقُـولُ لَكُـمْ: بِمَا أَنَّكُمْ فَعَلْتُمُوهُ بِأَحَـدِ إِخْوَتِي هؤُلاَءِ الأَصَاغِرِ، فَبِي فَعَلْتُمْ»(إنجيل متى 25: 40) فـازداد الأنين والتأوُّهات مـن الطلاَّب، وعَلِموا أنَّ كلَّ ما فعلوه تجاه الآخرين هو مَوجَّه تجاه الرب يسوع. هنا بَدَأ دكتور سميث يقول لهم: ”يا بَنِيَّ، هل عرفتم أو تعرفتم على أقنوم الآب؟ كيف يتعامل معنا نحن بني البشر؟ وكيف يرعانا“؟ وكانت الإجابة، بصوتٍ خفيض، بالنفي! فأجاب دكتور سميث: ”لقد اختار أحد دارسي الكتاب المقدَّس أفضل الآيات، لكي يُوضِّح العلاقة التي تربطنا بالله الآب، واختصرها في العبارات الآتية، التي منها سوف تفهمون أجمل ما صنعه الله الآب لنا نحن البشر. انظروا ماذا قال“: - (وكأن صوت الآب يقول لك:) ربمـا أنت لا تعرفني ولكني أنا أعرفك جيدًا: اختبرتُـك وعـرفتُك. عـرفتُ جلوسك وقيامك. وكل مَسْلكك وكل مَرْبَضك وكل طُرُقك أعرفها (مز 139: 1-3) حتى شعور رؤوسكم مُحصاة أمامي(مت 10: 29-31). لأنك خُلِقتَ على صورتي (تك 1: 27). فيَّ تحيا وتتحرَّك وتُوجَد، لأنك من ذُرِّيتي(أع 17: 28). أعـرفك حتى قبـل أن يُحبَـل بـك (إر 1: 4-5). اخترتُـكَ حـين رَتَّبتُ الخليقـة(أف 1: 11-12). وجودك لم يكن خطأً، بل كل أيامك محفوظة في سِجِلاَّتي(مز 139: 15-16). رتَّبتُ أين تولَد وأين تعيش(أع 17: 26)! لقد صُنِعْتَ بمهارةٍ وبإبداع(مز 139: 14). لقـد نَسَجتُكَ معًا في رَحِـم أُمِّكَ(مـز 139: 13). وجعلتُ ميلادك في اليوم الذي وُلِدتَ فيه(مز 71: 6). لقـد وُصِفْتُ خطأً مِمَّن لا يعرفونني(يو 8: 41-44). لستُ بعيدًا أو غاضبًا، بـل أنـا التعبير الكامل عن المحبة(1يو 4: 16). ولي اشتهاء أن أغدق عليك مـن محبتي(1يو 3: 1). ذلك أنك ابني وأنا أبوك(1يو 3: 1). وأنا أمنحك أكثر مِمَّا يستطيع أن يمنحك أبوك الجسداني(مت 7: 11). لأني أنا الأب المثالي(مت 5: 48). كل عطية صالحة تنالها أنت هي من بين يديَّ(يع 1: 17). لأني أنـا الداعم لك ومَـن يُوفِّر كـل احتياجاتك(مت 6: 31-32). كل خُطَطي لمستقبلك دائمًا ما تكون ملآنة بالرجاء(إر 29: 11). لأني أحبُّك بمحبةٍ أبدية (إر 31: 3). أفكاري تجاهك لا تُعَدُّ، هي كرَمْل البحر (مز 139: 17-18). وأنا أفرح من أجلك بترنُّمٍ(صف 3: 17). ولن أتوقَّف عـن أن أصنع لك الخير (إر 32: 40). لأنك أنت كنزي الخاص بي (خر 19: 5). أشتهي أن أدعمك بكلِّ قلبي وبكلِّ روحي(إر 32: 41). وأُريـد أن أُريـك أشياء عظيمة وجميلة(إر 33: 3). إذا طلبتني بكـلِّ قلبك، فسـوف تجدني حاضرًا(تث 4: 29). فابتغيني وسوف تجد كـلَّ مشتهيات قلبك(مز 37: 4). لأنني أنـا مَـن يمنحـك هـذه العطايـا(في 2: 13). أستطيع أن أفعـل لك أكثر مِمَّا تتخيَّـل (أف 3: 20). لأنني أنـا أكثر مَـن يُشجِّعـك (2تـس 2: 16-17). وأنـا الآب الذي يُعزِّيك في كلِّ مشاكلك(2كو 1: 3-4). حينما تكـون مكسور القلب، أكـون أنـا قريبًا منك (مز 34: 18). كما يحمل الراعي خرافه على مَنكَبيه، كذلك أحملك قريبًا من قلبي (إش 40: 11). يومًا ما سوف أَمسح كل دموع عينيك، وسوف أرفع عنك كل ألم تألمتَ به على هذه الأرض (رؤ 21: 3-4). أنـا أبـوك وأُحبُّك كما أُحبُّ ابني يسوع(يو 17: 23). لأنـه في يسوع استُعْلِنَت محبتي لك(يو 17: 20). فهو التعبير الحقيقي عن كياني (عب 1: 3). لقـد جاء يسوع ليَستَعلِن أنني معك وليس ضدك(رو 8: 31). ولكي يقول لك: إنني لستُ أُعدِّد خطاياك. لقد مات يسوع لكي أتصالح أنا وأنت (في المسيح يسوع) (2كو 5: 18-19). كـان موتـه أعظم تعبير عن محبتي لك(1يو 4: 10). لقد تخلَّيتُ عـن كلِّ شيء أُحبُّه لكي أنال محبتك(رو 8: 31-32). إذا قبلتَ عطية ابني يسوع، فقـد قبلتني(1يو 2: 23). ولن يفصلك شيء عن محبتي مرَّةً أخرى (رو 8: 38-39). تعالَ إلى بيتي وسوف أُعـدُّ لك أعظم وليمة رأتها السماء(لو 15: 7). كنتُ أبًا وسوف أكـون دائمًا أبًا(أف 3: 14-15). وسـؤالي هـو: هـل ستكون ابني (يـو 1: 12-13)؟ها أنا مُنتظرك (يو 15: 11-32). مع محبتي، أبوك الآب الضابط الكل هنا تنهَّد دكتور سميث وقال لتلاميذه:  ”اعلموا، يا بَنيَّ، أنَّ الدرس بالنسبة لكم لم يَنْتَهِ، بل قد بَدَأَ“! ! --- ### البابا فرنسيس: السياسة هي لقاء وتأمّل وعمل - Published: ۲۰۲۳-۱۰-۰۸ - Modified: 2023-10-09 - URL: https://tabcm.net/14351/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, شئون علمانية - وسوم: Chemin Neuf, الوحدة المسكونية, بابا فرنسيس، بابا الڤاتيكان, بيوس الحادي عشر, فاتيكان نيوز, ڤاتيكان, لوران فابر نحن مدعوون لكي نعيش اللقاء السياسي كلقاء أخوي، لاسيما مع الذين لا يتّفقون معنا؛ وهذا يعني أن نرى في الشخص الذي نتحاور معه أخًا حقيقيًا، وابنًا محبوبًا لله "نحن مدعوون لكي نعيش اللقاء السياسي كلقاء أخوي، لاسيما مع الذين لا يتّفقون معنا؛ وهذا يعني أن نرى في الشخص الذي نتحاور معه أخًا حقيقيًا، وابنًا محبوبًا لله"(البابا فرنسيس) فاتيكان نيوز: استقبل قداسة البابا فرنسيس صباح يوم الاثنين الماضي في قاعة كليمينتينا بالقصر الرسولي بالفاتيكان، أعضاء الأخوّة السياسيّة لجماعة Chemin Neuf، وفي هذه المناسبة، وجّه الأب الاقدس كلمة رحّب بها بضيوفه وقال: يسعدني أن أرحب بكم أيها الأعضاء الشباب في "الأخوة السياسية" لـجماعة Chemin Neuf. عندما التقينا العام الماضي، أوكلتم لصلواتي مشاركتكم في حدث "صنّاع التغيير" في بودابست، حيث عشتم لحظات لقاء وتنشئة وعمل أيضًا في الجمعيات المحلية. إنَّ الطريقة التي عشتم بها هذا الحدث تبدو لي تطبيقًا جيدًا للمعنى الحقيقي للسياسة، لاسيما بالنسبة للمسيحيين، لأنَّ السياسة هي: لقاء، وتأمُّل، وعمل. (البابا فرنسيس في كلمته إلى أعضاء الأخوّة السياسيّة لجماعة Chemin Neuf) تابع البابا فرنسيس يقول: إنَّ السياسة قبل كل شيء هي فن لقاء. من المؤكد أن هذا اللقاء يُعاش من خلال استقبال الآخر وقبول اختلافه في حوار محترم. ولكن كمسيحيين، هناك المزيد: بما أن الإنجيل يطلب منا أن نحب أعداءنا، فلا يمكنني أن أكتفي بحوار سطحي ورسمي، مثل تلك المفاوضات التي غالبًا ما تكون عدائية بين الأحزاب السياسية. نحن مدعوون لكي نعيش اللقاء السياسي كلقاء أخوي، لاسيما مع الذين لا يتّفقون معنا؛ وهذا يعني أن نرى في الشخص الذي نتحاور معه أخًا حقيقيًا، وابنًا محبوبًا لله. لذلك يبدأ فن اللقاء هذا بتغيير النظرة إلى الآخر، وبقبول واحترام غير مشروط لشخصه. إذا لم يحدث هذا التغيير في القلب، فإن السياسة تخاطر بأن تتحوّل غالبًا إلى مواجهة عنيفة لكي نجعل أفكارنا تنتصر، في بحث عن مصالح معينة بدلاً من الخير العام، ضدَّ مبدأ أن "الوحدة تسود على الصراع". (البابا فرنسيس في كلمته إلى أعضاء الأخوّة السياسيّة لجماعة Chemin Neuf) أضاف الأب الأقدس يقول: من وجهة النظر المسيحية، السياسة هي أيضًا تأمُّل، أي صياغة مشروع مشترك. وهكذا أوضح إدموند بورك، سياسي من القرن الثامن عشر، لناخبي بريستول أنه لا يستطيع أن يكتفي بالدفاع عن مصالحهم الخاصة، ولكنّه يفضل بأن يُرسَل نيابة عنهم لكي يعمل مع أعضاء البرلمان الآخرين على رؤية خير للبلد بأسره من أجل الخير العام. كمسيحيين، نحن نفهم أن السياسة، بالإضافة إلى اللقاء، تسير قدمًا أيضًا بفضل تأمُّل مشترك، في بحث عن هذا الخير العام، وليس فقط من خلال مواجهة المصالح المتضاربة والمتعارضة في كثير من الأحيان. باختصار، "إنَّ الكل يتفوَّق على الجزء". وبوصلتنا لكي نطوِّر هذا المشروع المشترك هي الإنجيل، الذي يحمل إلى العالم رؤية إيجابية عميقة للرجل الذي يحبه الله. (البابا فرنسيس في كلمته إلى أعضاء الأخوّة السياسيّة لجماعة Chemin Neuf) ختامًا تابع الحبر الأعظم يقول: السياسة هي أيضا عمل. يسعدني أن أخوتكم لا تكتفي بكونها فُسحة للنقاش والتبادل، ولكنها تقودكم أيضًا إلى التزام ملموس. كمسيحيين، نحن بحاجة دائمًا إلى أن نقارن أفكارنا بضخامة الواقع، إذا كنا لا نريد أن نبني على الرمل حيث ينتهي به الأمر عاجلًا أم آجلًا بالسقوط والانهيار. لا ننسينَّ أبدًا أن "الواقع هو أكثر أهميّة من الفكرة". ولذلك أشجع التزامكم لصالح المهاجرين والبيئة. كما أنني علمت أن البعض منكم قد اختاروا أن يعيشوا معًا في وسط حي للطبقة العاملة في باريس، لكي يكونوا في إصغاء دائمٍ للفقراء: إنه أسلوب مسيحي لعيش وممارسة السياسة! (البابا فرنسيس في كلمته إلى أعضاء الأخوّة السياسيّة لجماعة Chemin Neuf) وخلص البابا فرنسيس إلى القول: لقاء، تأمُّل، وعمل: نجد هنا برنامج سياسي بالمعنى المسيحي، وأعتقد أنكم تختبرون ذلك بالفعل، لا سيما في لقاءاتكم المسائية يوم الأحد: من خلال الصلاة معًا للآب الذي منه ينطلق كل شيء، من خلال الاقتداء بيسوع المسيح، ومن خلال الاصغاء إلى الروح القدس يكتسب اهتمامكم بالخير العام قوة داخلية قوية جدا وملهمة. لأن هذه هي الطريقة التي تُمارَس بها السياسة على أنها "أسمى أشكال المحبّة"، كما وصفها البابا بيوس الحادي عشر. إن صلاتي ترافقكم في هذه المسيرة،أشكركم على إصغائكم، وأبارككم، ولا تنسوا أن تصلّوا من أجلي! (البابا فرنسيس في كلمته إلى أعضاء الأخوّة السياسيّة لجماعة Chemin Neuf)   جماعة Chemin Neuf: هي جماعة كاثوليكية ذات دعوة مسكونيّة، تشكّلت عام 1973، وتضم 2000 عضو دائم في 30 دولة، و12000 شخص يخدمون في البعثات المجتمعية. مؤسسها الرئيسي هو الأب اليسوعي "لوران فابر"، وتوجه الجماعة أعمالها حول تعزيز الوحدة المسكونيّة. --- ### [٤] دكتورة سارة - Published: ۲۰۲۳-۱۰-۰۷ - Modified: 2023-10-28 - URL: https://tabcm.net/13986/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون - وسوم: مدارس الأحد مسك سامي ايد سارة علشان يمشي، بس هي نتشت أيديها من أيده، والتفتت للأسقف: - ليه؟ ليه كده؟! ليه نيافتك من ساعة ما جيت المطرانية واحنا حاسين باليُتم. قام سامي وسارة واتجهوا ناحية باب المكتب للمغادرة، ولم يتحرك الأسقف ولم تفارق علامات الغضب وجهه. . وعندما وصلا إلى باب المكتب ومسك سامي مِقْبَض الباب. . - استنى أنت وهي. . ! لف سامي وسارة لمواجهة الأسقف، ولكنه أمسك تليفونه المحمول ووضعه على أذنه وهو يرمقهم بغضب، ولكن سريعًا رد الشخص الذي يتصل به الأسقف وهو مشغل الإسبيكر (مكبر الصوت) ليكتشفوا أنه أبونا يوناثان: - أيوة يا أبونا، إيه اللي قدسك باعتهم لي دول؟ هما دول الصفوة وخيرة الشباب اللي في كنيستك اللي هنرسمه كاهن، ٣٠ سنة يا أبونا خدمة وكهنوت وتبقى ثمرتك بالشكل ده، ثمرة بايظة ومحدش علمهم يكلموا الأسقف ازاي؟ البيه ومراته جايين لحد عندي وبدل ما يبصوا طول الوقت في الأرض، عينيهم في عيني، وكلمة قصاد كلمة، البيه جاي يعلمني أعمل إيه ومعملش إيه؟! أنا يقول لي القبطي والألحان مش معيار؟! ! بدل ما يتكسف على دمه إنه مرسوم أغنسطس من وهو عيل والعيال اللي بيخدمهم في مدارس الأحد حافظين ألحان أكتر منه، يقول لي مش معيار ؟! ! البيه جاي يقول لي إني ما بفهمش ومخترتش ناس كويسين، لو ديه الثمرة بتاعتك يا أبونا، يبقى أحب أقولك إن خدمتك فاشلة، خدمة ٣٠ سنة كهنوت اللي متعلمش العيال تكلم الأسقف باحترام وأدب إزاي؟! ! ! تبقى مش خدمة أصلا، أنا مش هرسم حد من عندك في كنيستك، أنا هجيب واحد من برة على مزاجي وأرسمه عندك، ولحد ما ده يحصل ما تتصلش بيا، وتصلي كل يوم حد القداس في كنيسة أرض أبو بطاطا متصليش في كنيستك. وراح قفل السكة... ساد صمت رهيب لمدة دقائق، وكانت ملامح الذهول على وجه سامي لأنه متوقعش من الأسقف يعمل كده، أو على الأقل ما يعملش كده قدامهم ويستنى لما يمشوا. كانت سارة دموعها غرقت عينيها، ليقطع الصمت صوت الأسقف وهو يقول: خلاص كده تقدروا تمشوا. مسك سامي ايد سارة علشان يمشي، بس هي نتشت أيديها من أيده، والتفتت للأسقف: - ليه؟ ليه كده؟! ليه نيافتك من ساعة ما جيت المطرانية واحنا حاسين باليُتم. حاول سامي أن يجذبها علشان متكملش كلام، والأسقف زعق في وشها وقال: المقابلة انتهت، اتفضلوا امشوا! لكن هي فضلت مكملة كلام: ١٢ سنة وإيبارشيتنا مستنية أب، يروي عطشنا ويشبع جوعنا، أب نفرح لوجودنا معاه ولوجوده وسطينا، نقعد تحت رجليه ونشوف فيه المسيح، لكن نيافتك من ساعة ما جيت وأنت شايفنا أغبياء ومبنفهمش ومش مؤدبين ومش متربيين ومبنعرفش نتصرف. . دكاترة ومهندسين ومحاسبين ومحامين وحملة ماچستير ودكتوراه كلهم ما بيفهموش أو فاهمين غلط، ونيافتك اللي فاهم صح؟! على فكرة بقى، نيافتك خسران كتير أوي بتطفيشك لناس كتيرة كنت هتاخد عيونهم لو كنت حسستهم إنك بتحبهم، من ساعة ما نيافتك جيت، والمطرانية فضيت، وقداساتك فاضية علشان الناس بتخاف منك ومن كلامك اللي بيجرح قلوبهم، ممنوع اللمس، ممنوع الاقتراب، ممنوع التصوير، ليه كل ده! علشان إيه؟! ده المسيح لمسته واحدة خاطية ومعملش كده، لمسته واحدة نازفة دَم: اتحنن عليها، ذنبه إيه أبونا يوناثان الراجل الطيب اللي عمره كله فناه في الخدمة علشان تبستفه قدام ولاده عن عمد علشان تكسر عينه وعنينا، صدقني أنا بحبك وسامي بيحبك علشان أنت أبونا، بس نيافتك مجوّعنا للحب ومجوّعنا للأبوة، ومجوّعنا ليك، أنا عارفة إنه ﻻ يليق وﻻ يصح إني أقولك كده، بس اعتبرني بنتك الخاطية اللي سمعها الأنبا أنطونيوس أب الرهبان فدخل للبرية، أو اعتبرني دميانة العفيفة اللي كانت خايفة على أبوها. صمتت سارة، ونظرت في عيني الأسقف نظرة ترجي وتوسل، لكنه لم يخرج عن صمته لبضع دقائق، بعدها أشار بيده ناحية الباب وقال بهدوء وحزم: - اتفضلوا اطلعوا برة، وما أشوفش وش حد فيكم تاني. خرجت سارة مع زوجها، واتجها ناحية سيارتهم في صمت لمدة طويلة، وكانت سارة متأثرة جدًا، ليقطع سامي هذا الصمت قائلًا: بصي يا دكتورة، هو واضح إنه كان فيه اتفاق بينا إننا نقنعه إني منفعش للكهنوت، بس بعد مقابلة النهاردة ديه، أعتقد إنه هيصدر فرمان مش بس يمنعنا من دخول الكنيسة، لكن مش بعيد يحط حراسة على بيتنا ويمنعنا من الدخول. - هو أنا عكيت الدنيا أوي كده يا سمسم. - طينتيها خالص يا حياتي. ضحكت وسط دموعها، وضحك معاها، وربت على كتفها واستكملا طريقهما إلى المنزل. رن موبايل سامي، ويظهر اسم أبونا يوناثان، فيرد سامي مسرعًا: - حقك عليا يا أبونا، أنا السبب في كل اللي حصل ده. يقاطعه أبونا يوناثان: هو أنتو عملتو إيه؟! ! - عكينا الدنيا ونيّلناها، فسيدنا اتنرفز مننا واتصل بقدسك. - لأ أنا مقصدش على كده، أنا أقصد بعد ما سيدنا قفل السكة معايا وسمعني ما لذ وطاب، اتصل بيا تاني وقال لي إنه عايزكم بكرة تحضروا معاه القداس، وأكد عليا إنكم لازم تيجوا، وقفل السكة ومفهمتش حاجة. يتبع. . --- ### التوأم الملتصق: السياسة والاقتصاد - Published: ۲۰۲۳-۱۰-۰٦ - Modified: 2023-10-05 - URL: https://tabcm.net/14159/ - تصنيفات: شئون علمانية - وسوم: رئيس جمال عبد الناصر, لاهوت التحرير, مركز الجزويت الثقافي, وليم سيدهم كانت سنوات الجامعة تلك، بكل ما شهدته من أحداث جسام، مرحلة مهمة في تشكيل الوعى الوطني، لي، ولجيلي، عمقت فينا قيم الانتماء لوطن يستحق. في سنوات الشباب الأولى، قبل نحو نصف قرن وبضع سنوات، خطت قدماي أولى خطواتها في رحاب جامعة القاهرة العريقة، وما زلت أتذكر حالة الانبهار التي تملكتني وظلت ترافقني طيلة سنوات الدراسة الأربعة، زمن مرحلة البكالوريوس، وحتى أصل إلى كلية التجارة، كنت أعبر أمام كليتي الحقوق والآداب وعلى بعد خطوات منهما يقف البرج الذي يحمل ساعة جامعة القاهرة، التي طالمَا انتبهنا إلى رنات أجراسها الرخيمة والمميزة المنقولة عبر أثير الإذاعة المصرية، وهي تحدد التوقيت المحلي لمدينة القاهرة، وعلى يسارها تقبع قاعة الاحتفالات الكبرى العريقة التي شهدت أحداثا تاريخية فارقة في تاريخنا الحديث والمعاصر، ثم نعبر ممرًا خلفها بين أبنية كلية العلوم، يفضي بنا إلى كلية التجارة. خلف كلية الآداب تقع مكتبة الجامعة التاريخية، وغير بعيد منها تقابلك كلية الاقتصاد والعلوم السياسية الشابة، وقتها، فقد أنشئت بموجب قرار رئيس الجمهورية العربية المتحدة رقم 91 لسنة 1959، وتخرجت أول دفعة فيها عام 1963، كنت كلما مررت أمامها يلح على سؤال وما علاقة العلوم السياسية بالاقتصاد؟ كان سؤالًا ساذجًا أجابت عليه بعمق محاضرات علم الاقتصاد وعلوم الإدارة عبر سنوات كلية التجارة وقتها. وأيقنت بعدها الدور العلمي والعملي والضروري الذي تؤديه كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، الممتدة جذورها إلى كليات التجارة والحقوق والآداب وانعكس هذا على أقسامها التي بدأت بها مشورها، وهي: العلوم السياسية، الاقتصاد، الإحصاء، الإدارة العامة، والحاسب الآلي. وكان الرعيل الأول من أساتذتها من المتميزين في تلك الكليات، ولهذا استطاعت عبر خريجيها في سنواتها الأولى أن تجد لهم مكانة متقدمة في مفاصل الدولاب السياسي والاقتصادي والدبلوماسي والمصرفي والتشريعي والإعلامي للدولة، وكان لهم دورهم في تأسيس مراكز البحوث والدراسات السياسية والاقتصادية في كبريات المؤسسات الصحفية واجهره المعلومات التي تمد أصاحب القرار وجهات سن وتشريع القوانين، بالتقارير والتحليلات الموضوعية لَمَّا يتعرضوا له من قضايا وإشكاليات داخلية وقومية وعالمية في الداخل والخارج. جاء التحاقي بالجامعة متزامنًا مع أحداث جسام، تشكلت عقب وبفعل هزيمة يونيو 1967، التي وضعت نقطة في نهاية سطر شغف الشباب بالتجربة الناصرية، ليبدأ سطرًا جديدًا من المواجهة المثخنة بجراح انهيار الحلم، وتشهد الجامعة حراكًا طلابيًا فيمَا يمكن تسميته انتفاضة الطلاب، فبراير 68، التي بدأت من كلية الهندسة، القابعة في مواجهة الحرم الجامعي، لتمتد إلى كليات الحرم التي أشرنا إليها قبلًا، وكانت الشرارة التي فجرت حمم الغضب الطلابي، صدمة الأحكام الهزيلة التي قضت بها المحكمة على قيادات الطيران آنذاك. كان من أبرز قيادات الطلاب وقتها الصديق أحمد عبد الله رزة، الذي تخرج فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 1973 وحصل لاحقًا على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة كامبريدج بانجلترا 1984، وأصدر العديد من الكتب التي تتناول قضايا الحرية والديمقراطية والعمل السياسي، وقد التقيته قبيل رحيله عام 2006 في ندوة ثقافية عقدها مركز الجزويت الثقافي بالإسكندرية وبدعوة من الأب الراحل وليم سيدهم، المؤسس لدعوة تمصير "لاهوت التحرير"، وحفر هذا اللقاء في ذاكرتي. كانت مطالب الطلاب في انتفاضتهم؛ حسب البيان الصادر عن اعتصام كُلِّيَّة الهندسة آنذاك: - الإفراج فورًا عن جميع الطلاب المعتقلين. - حرية الرأي والصحافة. - مجلس حر يمارس الحياة النيابية الحقة السليمة (مجلس الأمة). - إبعاد المخابرات والمباحث عن الجامعات. - إلغاء القوانين المقيدة للحريات ووقف العمل بها. - التحقيق الجدي في حادث العمال في حلوان. - توضيح حقيقة المسألة في قضية الطيران. - التحقيق في انتهاك حرمة الجامعات واعتداء الشرطة على الطلبة. ويعلق د. أحمد رزة على هذا البيان بقوله: "يتضح من ذلك أن ثلاثة من هذه المطالب تدور حول مسألة الديمقراطية في البلاد ككل ، بينما تشير ثلاثة أخرى منها إلى غياب الديمقراطية في الجامعة بوجه خاص، ويركز مطلبان منها فقط على قضية الطيران والأحداث المرتبطة به". (أحمد عبد الله رزة، دكتوراه الاقتصاد والعلوم السياسية من جامعة كامبريدج) وقد تفاعل الرئيس جمال عبد الناصر في تفهم لافت لهذه المطالب -حسب التقارير الإخبارية وقتها- فأمر بإعادة محاكمة الضباط المتهمين بالإهمال، وتشكيل وزارة جديدة كان أغلبها من أساتذة الجامعات (المدنيين) وذلك أول مرة في عهده، وطرح برنامَج 30 مارس، الذي تضمن إصلاحات مستقبلية في نظام الحكم. واستجاب لبعض مطالب الطلاب، فبرغم بقاء الحرس الجامعي داخل الجامعات إلا أنه لم يعد يتدخل مباشرة في النشاط السياسي للطلاب. كما انتشرت مجلات الحائط بكثافة داخل الجامعات المصرية. وصدرت لائحة لاتحاد الطلاب بموجب قرار جمهوري تمخض عنها اتحاد طلابي بلا وصاية من أعضاء هيئة التدريس. كانت سنوات الجامعة تلك، بكل ما شهدته من أحداث جسام، مرحلة مهمة في تشكيل الوعي الوطني، لي، ولجيلي، عمقت فينا قيم الانتماء لوطن يستحق. --- ### هل يعادي الأقباط اليهود؟ - Published: ۲۰۲۳-۱۰-۰۵ - Modified: 2025-02-12 - URL: https://tabcm.net/2686/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, تاريخ وميثولوچيا, شئون علمانية - وسوم: أحمد حسين, الإخوان المسلمين, الاشتراكية, الحاج محمد أمين الحسيني, القرعة الهيكلية, الكرسي المرقسي, الكنيسة القبطية, الكنيسة الكاثوليكية, اللجنة العربية العليا, المجلس الإسلامي الأعلى, المجمع الفاتيكاني الثاني, بابا كيرلس السادس, باراباس, بيلاطس البنطي, ثورة القسام, حزب العمال القومي الاشتراكي الألماني, حسن أحمد عبد الرحمن محمد البنا, دار الدعوة والإرشاد, ديفيد بن جوريون, رئيس جمال عبد الناصر, رئيس محمد نجيب, سالو ويتماير بارون, سليمان شفيق, طيبارويوس قيصر, ڤاتيكان, ليبرالية, مصر الفتاة, ميجان بورشي, ميلاد حنا, هاري ترومان, ياسر عرفات لم يعرف الأقباط مصطلح "إدانة اليهود عن صلب المسيح" تحت أي سبب أو مسمى قبل حقبة  الستينات، بالرغم أن المسيح قد صُلب قبل هذا التاريخ بنحو ألفي عام تقريبًا، لكن يبدو أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية لم تتذكر إدانة اليهود إلا عندما أمرهم عبد الناصر بذلك مع دقات الساعة الثانية عشر منتصف الليل بين يومي الـ 14 و15 من مايو 1948، قررت الحكومة البريطانية إنهاء الانتداب البريطاني على فلسطين، وفي نفس الوقت تقريبًا في تل أبيب وقع "ديفيد بن جوريون" مع قادة المنظمة الصهيونية على وثيقة إعلان قيام دولة إسرائيل، وبعد أحد عشرة دقيقة من قيام دولة إسرائيل، أعترف الرئيس الأمريكي هاري ترومان بالدولة الوليدة. وبعد أيام قليلة من إعلان قيام دولة إسرائيل، اندفعت جيوش سبع دول عربية، على رأسهم المملكة المصرية، في حرب مع المليشيات الصهيونية المسلحة، بغرض إنشاء دولة فلسطينية مستقلة بقيادة الحاج أمين الحسيني، مفتي القدس، ورئيس المجلس الإسلامي الأعلى ، وبعد شهور قليلة مُنيت الجيوش العربية السبع بالهزيمة الفادحة، ليبدأ بعدها مسلسل أنهيار الدولة الليبرالية المصرية. على الرغم من ذلك، لم يناصب المصريون المسلمون أو المسيحيون العداء لإخوانهم المصريين اليهود، رغما عن الجهود المضنية التي قامت بها جماعة الإخوان المسلمين بقيادة حسن البنا، وجماعة "مصر الفتاة" بقيادة أحمد حسين، لبث روح الفتنة الدينية بين المصريين، وإيهام المصريين المسلمين ، أن كل اليهود المصريين هم إسرائيليون بالضرورة ويدينون بالولاء للدولة الإسرائيلية الوليدة. مع ذهاب جهود القيادة الثقافية والاجتماعية أدراج الرياح، بدأ التنظيم الخاص للجماعة في ضرب المصالح اليهودية في مصر، وإلقاء القنابل والمفرقعات على الشركات والمصانع التي يمتلكها المصريون اليهود، بل وعلى "حارة اليهود" نفسها عدة مرات، استنادًا إلى فتوى الحاج أمين الحسيني، مفتي القدس: "أن اليهود ليسوا فقط في فلسطين وإنما في مصر أيضًا، وفي كثير من البلاد التي لهم فيها نفوذ". (الحاج محمد أمين الحسيني، المفتي العام للقدس) جاء عام 1952 ليعلن نهاية الحقبة الليبرالية في مصر، وعلى الرغم من محاولات اللواء محمد نجيب، الرئيس المصري وقتئذ، لتوطيد قيم المواطنة والتأكيد على أن اليهود المصريين ليس لهم أي علاقة بإسرائيل، وشارك محمد نجيب بنفسه في احتفالات الطائفة اليهودية بمصر بعيد رأس السنة العبرية في معبد الإسماعيلية بشارع عدلي في القاهرة 1953، لكن مع انقلاب عبد الناصر على محمد نجيب واستيلائه على السلطة تغير كل شيء، وزاد الطين بلة قيام العدوان الثلاثي على مصر بعد تأميم قناة السويس بمشاركة إسرائيل جنبًا إلى جنب مع بريطانيا وفرنسا، وتنامي العداء ناحية يهود مصر بدعم كامل من جمال عبد الناصر، الذي أتخذ قراره بطردهم من مصر تحت دعاوي الخيانة وشن المؤامرات على مصر. ربما لم يحتج الأمر لكثير من المجهود مع المسلمين المصريين بسبب الدوافع الدينية، لكن الأمر بالنسبة للمسيحين المصريين كان مختلفًا تمامًا، إذ يشكّل "العهد القديم" جزءًا لا ينفصل من الكتاب المقدس للمسيحين، وعلى هذا، لم يتقبّل الأقباط الأرثوذكس مبدأ كره اليهود بسهولة. بحلول عام 1959 وصل البابا كيرلس السادس لسدة الكرسي المرقسي، ونشأت علاقة صداقة قوية بينه وجمال عبد الناصر، وبعدها على الفور تنامي مصطلح "إدانة اليهود عن دم المسيح"، بإيعاز من جمال عبد الناصر، الذي سبق وأوعز للكنيسة القبطية بتطبيق القرعة الهيكلية المعيبة في اختيار بابا الإسكندرية، بديلًا عن الانتخاب المباشر للبطريرك الذي كان متّبعًا قبلها، لأنه لم يكن من المستحب أن يأتي رئيس الدولة جمال عبد الناصر باستفتاء شعبي ويأتي بطريرك الأقباط الأرثوذكس بالانتخاب الحر المباشر، وفقًا لشهادة د. ميلاد حنا في حواره مع الكاتب الصحفي سليمان شفيق. لم يعرف الأقباط مصطلح "إدانة اليهود عن صلب المسيح" تحت أي سبب أو مسمى قبل حقبة الستينيات، بالرغم أن المسيح قد صُلب قبل هذا التاريخ بنحو ألفي عام تقريبًا، لكن يبدو أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية لم تتذكر إدانة اليهود إلا عندما أمرهم عبد الناصر بذلك. وبغض النظر على أنه طبقًا للديانة الإسلامية، فأن المسيح لم يُصلب قط، وعلى هذا فأن اليهود غير مدانين بصلبه طبقًا لمعتقدات الأغلبيّة المسلمة، لكن طبقًا لرواية صلب المسيح من الأناجيل الأربعة، فإن مبدأ "إدانة اليهود على دمّ المسيح" يستند على أن مجموعة من اليهود في عام 33 ميلادية، قد طالبوا بصلب المسيح رافضين إطلاق سراحه عندما خيّرهم الوالي الروماني "بيلاطس البنطي" بين إطلاق المسيح وإطلاق "باراباس"، قاطع الطريق، فطلبوا إطلاق "باراباس". وإمعانًا في اتهام اليهود، فأن المبدأ يستند لهتافات تلك الجماهير التي رددت: دمه علينا وعلى أولادنا (مت 27: 25)، لإدانة كل اليهود وأولادهم وأحفادهم منذ عام 33م وحتى يومنا هذا، عن دمّ المسيح. وهنا يتناسى الأقباط. . أولًا: عدد اليهود الذين طالبوا بصلب المسيح في أفضل التقديرات يُقدر من بضعة مئات إلى بضعة ألآف، استنادًا لتعداد الشعب اليهودي في ذلك الوقت، والذي لم يتعدى مليون فرد طبقًا لتقدير عالم الآثار الإسرائيلي ميجان بورشي Megan Borshi، أو نحو 2. 3 مليون فرد طبقًا للمؤرخ الأمريكي اليهودي سالو ويتماير بارون Salo Wittmayer Baron، وعلى هذا فأن نسبة اليهود الذين طالبوا بصلب المسيح تعتبر نسبة لا تقارن بتعداد اليهود في العالم والأجيال المتعاقبة منذ نحو ألفي عام. ثانيًا: مبدأ إدانة الأبناء بذنب الآباء هو مبدأ غير مسيحي على الإطلاق، إذ يقول الكتاب المقدس: النفس التي تخطيء هي تموت، الابن لا يحمل من إثم الأب، والأب لا يحمل من إثم الابن، بر البار عليه يكون وشر الشرير عليه يكون (حزقيال 18/20 – 21 ) لا يقتل الآباء عن الأولاد، ولا يقتل الأولاد عن الآباء، كل إنسان بخطيئته يقتل ( تثنية 24/16 ) كل واحد يموت بذنبه، كل إنسان يأكل الحصرم تضرس أسنانه (إرمياء 31/30 ) لا تموت الآباء لأجل البنين، ولا البنون يموتون لأجل الآباء، بل كل واحد يموت لأجل خطيته ( أيام (2) 25/4 ) فإنه لا يموت بإثم أبيه ( حزقيال 18/17 ) أفتهلك البار مع الأثيم، عسى أن يكون خمسون باراً في المدينة، أفتهلك المكان ولا تصفح عنه من أجل الخمسين باراً الذين فيه حاشا لك أن تفعل مثل هذا الأمر: أن تميت البار مع الأثيم، فيكون البار كالأثيم. حاشا لك، أديان كل الأرض لا يصنع عدلاً ( تكوين 18/23 – 25 )   ثالثًا: المسيح نفسه قد برأ الجميع من دمه قائلًا: اغفر لهم، لأنهم لا يعرفون ماذا يفعلون (لو 23: 34)، وعلى هذا فلا يحمل أبناء اليهود ذنب آبائهم بالمرة. رابعًا: يتناسى أصحاب هذا المبدأ الغريب والداعين له، أن من حكم بصلب المسيح هو بيلاطس البنطي، الوالي الروماني لمقاطعة يهوذا في عهد قيصر روما "طيبارويوس قيصر"، وأن من نفذ الحكم هم الجنود الرومان، ومع ذلك لا يدين المسيحين الشعب الإيطالي عن دم المسيح، بالرغم أن جدودهم بيلاطس وطيباريوس هم من تلوثت أيديهم بدم المسيح. في أكتوبر 1965م صدرت وثيقة تبرئة اليهود من مجمع الفاتيكان بالكنيسة الكاثوليكية لتؤكد المبدأ السابق، وأقرت بدور مجموعة اليهود الذين هتفوا فعليًا مطالبين بصلب المسيح، وبرأت باقي الشعب اليهودي في الوقت ذاته، والأجيال اليهودية اللاحقة من تولي وزر هذه الجريمة، كما أنها حاولت حصر الجريمة في أقل عدد ممكن من الكهنة ورؤساء الشعب اليهودي، وقالت الوثيقة نصًا: وإن تكن سلطات اليهود وأتباعها هي التي حرضت على قتل المسيح، لا يمكن مع ذلك أن يعزى ما اقترف أثناء آلامه إلى كل اليهود اللذين كانوا يعيشون آنذاك دونما تمييز ولا إلى يهود اليوم. إن المسيح بمحبته الفائقة قدّم ذاته طوعًا للآلام والموت بسبب خطايا جميع الناس لكي يحصلوا جميعًا على الخلاص، وهذا ما تمسكت به الكنيسة ولا تزال. (المجمع الفاتيكاني الثاني: بيان في علاقات الكنيسة مع الأديان غير المسيحية) لكن إمعانًا من الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في خلط الدين بالسياسة، وإتباع هوى الحكام، فقد جعلت مسألة تبرئة الفاتيكان من أهم نقاط الاعتراض بين الكنيستين.   الحاج محمد أمين الحسيني: (1895 - 4 يوليو 1974) المفتي العام للقدس، ورئيس المجلس الإسلامي الأعلى، ورئيس اللجنة العربية العليا، وأحد أبرز الشخصيات الفلسطينية في القرن العشرين. ولِد في أورشليم القدس، وتلقى تعليمه الأساسي فيها، وانتقل بعدها لمصر ليدرس في "دار الدعوة والإرشاد"، ثم بعدها للكلية الحربية بإسطنبول ليلتحق بالجيش العثماني. تولى منصب المفتي العام للقدس بعد وفاة أخيه كامل، وأنشأ المجلس الإسلامي الأعلى في 1921، وبعد فشل ثورة القسام عام 1936 أنشأ اللجنة العربية العليا، التي ضمّت تيارات سياسية مختلفة. اُعتُقل الحسيني عام 1920 لكنه استطاع الفرار إلى الأردن. أصدر المندوب البريطاني قرارًا بإقالة "المفتي" من منصبه والقبض عليه، وحينها هرب إلى لبنان حيث اعتقلته السلطات الفرنسية، استطاع الهرب إلى العراق، ثم تركيا، ثم ألمانيا، حيث مكث فيها قرابة 4 سنوات تحت رعاية النازية قبل أن تسقط النازية ويُفرض عليه الإقامة الجبرية، فهاجر إلى سوريا، ومنها إلى لبنان حيث مكث فيها حتى وفاته عام 1974 ببيروت، وشيّع بجنازة رسمية حضرها ياسر عرفات، ودفن بمقبرة الشهداء. --- ### نوافذ من نور - Published: ۲۰۲۳-۱۰-۰۵ - Modified: 2023-10-05 - URL: https://tabcm.net/14115/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: جلال الدين الرومي, شمس الدين التبريزي اقتَـرب ممّن يفتحُون في روحك نوافِذ من نُور، ويقولُون لك أنّه فِي وسعِك أن تُضيء العالم "اقتَـرب ممّن يفتحُون في روحك نوافِذ من نُور، ويقولُون لك أنّه فِي وسعِك أن تُضيء العالم" (شمس التبريزي) قليلين جدا في هذا العالم المادي المضطرب نجدهم لازالوا يحملون قلب نقي. . وابتسامة هادئة تشيع سلامًا لمن حولهم، بينما هم أنفسهم يخوضون صراعاتهم ولديهم ما يكفي من ألم قادر أن يطفئهم. لكنهم ومع ذلك قرروا أن يضيئوا ليس لأنفسهم، بل لمن حولهم. . في مجلسهم أشعر بالهدوء والسلام مهما كان قلبي يضج بالعواصف. . لهم حضور طفولي ومبهج مهما كان عمرهم ومكانتهم. . في أعينهم أرى نظرة تشجيع وتعزية. . عيونهم، تلك التى تلمع دائمًا ليس بالفرح، إنما بدموع يتقنون كيف يجمحوها كيلا تفارق جفونهم فلا تنحدر منهم، بينما شفتيهم تنطق بكلمات العزاء والطمأنينة. . في خضم مشغولياتهم، ينشغلون بأبسط مشاغلنا، ويمنحوها الأولوية. . وكأن ليس لديهم ما يكفيهم من مشكلات وأوجاع. . ينصتون لنا بلا ملل، وكأن مشاكلنا هي حدث الساعة. . بل ينسون أنفسهم وينخرطون في البحث عن حلول لها. . حزننا يحزنهم. . ويقاتلون حتى لا يتركوننا إلا وقد أصابتنا عدوى الابتسام حتى لو امتزج بدمعات. . لا أفارق محضرهم إلا وأنا أشعر أنني أقوى، وقادرة أن اجتاز كل صعب. . بل واحطم الصخر إن استدعى الأمر. . معهم، أرى أنه لا يزال يوجد غد جديد، وعلى أن اصنعه بنفسي، بل وأقتنع أنني بكامل قدرتي على ذلك. . إن صادفت في حياتك والتقيت بأحدهم. . فتيقن انك محبوب من الله. . سلامًا لهؤلاء الذين لا أعتبرهم إلا هدية السماء. . هم قطرات ندى في أزمنة الجفاء والجفاف. . "كلهم رفاق، إلّا من انتشلك من حزنك، وآمن بك، وراهن على نجاتك، هذا يُسمى عزيز الروح" (جلال الدين الرومي)  شمس الدين التبريزي: عارف وشاعر متصوف، كتب معظم شعره بالفارسية وأقله بالتركية والعربية، مسلم صوفي. يُعتبر المُعلم الروحي لجلال الدين الرومي. كتب ديوان التبريزي (الديوان الكبير) الذي كتبه في مجال العِشق الإلهي. --- ### دي حوالة بخمسين جنيه بعتهالي بابا! - Published: ۲۰۲۳-۱۰-۰٤ - Modified: 2023-10-03 - URL: https://tabcm.net/14258/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون - وسوم: أحمد زكي, رئيس محمد حسني مبارك, زوجة رجل مهم, زيزي مصطفى, محمد خان, ميرفت أمين ويسدل "محمد خان" الستار على الفيلم الرائع الذي هز دور العرض السينمائي بمصر منذ 35 عامًا، ومثلها بجدارة بمهرجانات دولية حقيقية وكبيرة: أفضل تمثيل من إمتى أبوكي بيبعت لك فلوس؟ جلس العقيد "هشام" على الأرض يسحب أنفاسًا من سيجارته بعمق ثم ينفث دخانها الساخن في ضيق في فضاء الغرفة، وهو يقلب أمامه أوراقا متناثرة على الأرض، في حين إن "منى"، زوجته، كانت منشغلة بإعداد الغداء بالمطبخ. لا تمضي لحظات حتى تفتح "منى" باب جهاز التسجيل الصوتي القديم الجاثم على رخامة المطبخ، وتسقط فيه شريطًا غنائيًا لعبد الحليم حافظ، وتغلق خلفه الباب وتدير زر التشغيل، فيصدح صوت العندليب عاليًا منه وهو يغرد "يا مغرمين. . يا عاشقين". بعدها بلحظات قليلة يجد سيادة العقيد ورقة ضالة أطاح بها هواء النافذة على الأرجح، بجواره على الأرض، فسقطت وسط أشياءه، يفضها سريعًا بفضوله الأمني المجنون، فيجدها حوالة بريدية مالية، فيمسك بها ويقوم غاضبا ويندفع صارخًا نحو المطبخ وهو يسأل زوجته منى بصوت عالٍ "ايه ده؟! " الكروديا! تبتلع ريقها وتشيح بوجهها بعيدًا نحو "البصل" التي تقطعه، ثم تبلغه إنها حوالة بريدية بخمسين جنيهًا أرسلها لها والدها: "دي حوالة بخمسين جنيه بعتهالي بابا! " و. . ويبدأ المشهد الرئيسي الأيقوني في أحد أهم أفلام الإمبراطور أحمد زكي، "زوجة رجل مهم! " "والله عال! من إمتى أبوكي بيصرف عليكي؟ بقينا بنشحت؟! بقيت كروديا؟! " لمن يرمز أحمد زكي؟ رأيت في "أحمد زكي" لحظتها "محمد حسني مبارك" مثلما رأيت في "ميرفت أمين" -زوجته، "منى"- مصر (بشكل رمزي)، خصوصًا إنني كنت أشاهد هذا الفيلم الرائع في عام 2011، ورأيت بعين الخيال كيف وقف حسني مبارك في هذا المشهد "يبيع" و"يشتري" في مصر، ويعايرها بإنجازاته وبطولاته وعبوره واستقراره و. . و. . ثم بعد ذلك ذهبت من وراء ظهره لـ"تتسول" من "الأغراب" لمن ترمز ميرفت أمين؟ "ميرفت أمين" بالنسبة لي كانت ترمز لمصر التي شاخت وجاعت ومرضت قبل أوانها، نتيجة زواجها من "بطل الضربة الجوية" التي فتحت باب اللا مؤاخذة "الحرية" الذي أغرقها بغشامة في الديون والهموم والفشل والترهل الإداري وتركها فريسة للبلطجية واللصوص والإرهابيين (بالنسبة لمقاييس وقتها طبعًا، ليس بالنسبة لنا اليوم فهي غارقة في النعيم ولله الحمد والشكر! ) لمن ترمز زيزي مصطفى؟ بعد أن تطاير الشرر من العقيد "هشام"، وبات عليه الاستعداد للفتك بها، جرت "منى" نحو شقة جارتها “سميحة" التي طالمَا استضافتها عندها، ورأيت في "سميحة" نفس إقبال "مصر" على حضن الجماعة الإرهابية الأشهر في تاريخ العرب -وربما العالم- جماعة الإخوان، طبعا لم يقصد لا المخرج ولا المؤلف ولا "أحمد زكي" هذا، لكنني رأيت كل هذا بعين الخيال لسبب ما لا أعرفه، خصوصًا إن "سميحة" في الفيلم، كانت متمرسة في لعب القمار وعلمته لـ"ميرفت أمين"، "منى" أو "مصر". وهو يشبه حد بعيد فعلًا ما عملته الجماعة مع الشعب المصري، إذا علمته المقامرة الخاسرة وأقنعته بممارستها كهواية لتسرية الوقت وخسرته فعلًا العمر والصحة والمال والعقل! وما لبث أن أدمن الشعب مخدر الإخوان بالفعل. . أين تذهب هذا المساء؟ يرتدي العقيد المهزوم "هشام" ملابسه ويذهب مساءًا للجماعة الإرهابية لاسترضاءها وينجح فعلًا. ثم يسلم "سميحة" وزوجها للشرطة بسلطته ونفوذه، بتهمة استغلال العقار في ممارسة لأنشطة المخالفة للقانون كالقمار. ويخرج "هشام" مع "منى" لتناول العشاء الفاخر مساءًا كنوع من المصالحة والترضية، وبعد أن تعود معه، تجد أن شقة تم تشميعها بالشمع الأحمر، وألقي بهم في غياهب السجون حيث مكانهم المفضل. وتتوالى الأحداث. . فيلم: زوجة رجل مهم يسرد الفيلم سيرة حياة ضابط أمن دولة، يتظاهر بالطيبة وهو شيطان مريد، يتزوج إنسانه جميلة ورقيقة، ويذيقها هي وأسرتها من العذاب ألوانًا، تقوم ثورة (أو انتفاضة) 1977 فتطيح به ومن معه وأصحابه أجمعين لمزبلة المعاش الإجباري المبكر، فيسقط في دوامة إنكار عنيفة جدا. أين عقلي؟ أين قلبي؟ وأين الكرسي؟ لا يصدق. . لا يريد. . يستأجر سائقًا. . يظهر للجميع كذبًا أنه ما زال في السلطة. . لا يجد لنفسه عملًا لائقًا. . تنفذ منه النقود وتجوع معه "منى" ، . . يفقد 90% من امتيازاته. . تدب الخلافات بينه وبين مصر. . تطلب مساعدة أبيها. . فيرسل لها المعونة. . يكتشف مبارك الأمر. . تثور ثائرته. . ويعتبر أن "منى" تأخذ تمويلا من الخارج لقلب نظام الحكم عليه، وتحاول "منى" الهرب مع والدها. أنا أو الفوضى. . أنا أو داعش يستل "مبارك" مسدسه ويطلق النار على والد "منى". . تنهار "منى" وتبكي وتهجم على "هشام"، الذي يدرك أن النهاية حانت. . ويقرر التنحي بعد أن قضى تمامًا ونهائيًا على مصر وشعبها. . فيطلق الرصاص على نفسه. . ويسدل "محمد خان" الستار على الفيلم الرائع الذي هز دور العرض السينمائي بمصر منذ 35 عامًا، ومثلها بجدارة بمهرجانات دولية حقيقية وكبيرة: أفضل تمثيل. . الخلاصة في الباكيتة ويبقى السؤال. . ترى هل بعد خمسون عامًا أو أقل من أحداث الفيلم العظيم، هل سيكرر العقيد "هشام" أو أيًا كان اسمه. . أخطاء فيلم: زوجة رجل مهم؟ 100 مليون صحة أعتقد من يستطيع منع كوارث المستقبل، يحتاج لقراءة التاريخ الفني والسياسي للفيلم، وأخذ خطوات في الحاضر. . حفظ الله ميرفت أمين. . وللحديث بقية إن كان في العمر بقية! --- ### ملحمة جلجامش؛ الإصحاح الثالث - Published: ۲۰۲۳-۱۰-۰۳ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/13244/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون, تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أفروديت, أنمركار, أورورا, أوروك, إنانا, إنكيدو, جلجامش, خمبابا, سامي سعيد, شمش, عشتار, فراس السواح, ڤينوس, لوجال, نينسون يعطي الشيوخ لجلجامش نصيحة حول رحلته. يزور جلجامش والدته الإلهة نينسون، والتي تدعو إله الشمس شمش لدعم وحماية جلجامش وإنكيدو في مغامراتهما. وتتبنى نينسون إنكيدو كابن لها، ويترك جلجامش تعليمات لحكم الوركاء في غيابه اللوح الثالث مقسّم على  ٦ أعمدة، المقروء منها ١٠٣ سطرا، بنسبة ٢٣% من الإجمالي. خلاصة الإصحاح الثالث:يعطي الشيوخ لجلجامش نصيحة حول رحلته. يزور جلجامش والدته الإلهة نينسون، والتي تدعو إله الشمس شمش لدعم وحماية جلجامش وإنكيدو في مغامراتهما. وتتبنى نينسون إنكيدو كابن لها، ويترك جلجامش تعليمات لحكم الوركاء في غيابه. العمود الأولإن هذايعرف الدرب ويحفظ الصديق. ٢٥١)دع إنكيدو يتقدمك،٢٥٢)فلقد رأى الطريق وسلكه،٢٥٣)وهو يعرف مداخل الغابة،٢٥٤)وكل حيل خمبابا الشريرة! ٢٥٥)لقد سبق له أن حفظ رفيقه،٢٥٦) وعيناه بصيرتان، ولسوف يحميك. ٢٥٧)عسى شمش أن يحقق رغبتك،٢٥٨)ويُرِي عينك ما أفصح عنه فمك،٢٥٩)ليفتح أمامك الطريق المسدود،٢٦٠)ويعبد لخطاك الدرب،٢٦١)ويمهد لقدمكالجبل؛٢٦٢)لتأتك هذه الليلة بما يفرحك،٢٦٤)وليؤيدك لوجال بندا،٢٦٥)وتصل إلى النجاح سريعًا. ٢٦٦)في نهر خمبابا، الذي تسعى إليه،٢٦٧)اغسل قدميك،٢٦٨)وعندما تخلد للراحة في المساء، احفر بئرًا. ٢٦٩)وليكن في قربتك ماء نقي على الدوام. ٢٧٠)قرِّب لشمش ماءً صافيًا،٢٧١)واحرص دائمًا على ذكر لوجال بندا؛٩)عسى أن يحمي إنكيدو صديقه، ويحفظ رفيقه،١٠)ويحضر جسده إلى الزوجات. ١١)إننا في اجتماعنانعهد إليك بالملك،١٢)أن تسلم لنا الملك عندما ترجع به إلى الوطن. ٢٧٢)فتح إنكيدو فمه وقال لجلجامش:٢٧٣)«لقد اتخذت قرارك، فامض الآن. ٢٧٤)لينزع قلبك منه الخوف، وحسبك أن تنظر لي! ٢٧٥)إلى هناك، حيث أقام مسكنه. ٢٧٦)إلى الطريق الذي تعوَّد خمبابا أن يتجوَّل فيه،٢٧٧)أَصْدِرْ أمرك بأن ننطلق، واصرف أولئك! »٢٧٨)فتح جلجامش فمه وقال لشيوخ أوروك ذات الأسواق:... ... ٢٨٢)«... عسى أن يرحلوا معي. ٢٨٣)سأحاول أن أفعل ما قلته لكم،٢٨٤)ولقد سمعت نصيحتكم عن طيب خاطر. »٢٨٥)لما سمع الشيوخ حديثه هذا،٢٨٦)تضرَّع إليه الرجال:٢٨٧)«ارحل، يا جلجامش، وليكن التوفيق حليفك. ليسر إلهك الحامي بجانبك،ويساعدك على بلوغ النجاح. »... ... ١٣)فتح جلجامش فمه للكلام وقال لإنكيدو:١٥)«تعال يا صديقي، فلنذهب إلى القصر الكبير،١٦)ونمثل في حضرة نينسون، الملكة العظيمة١٧)نينسون اللبيبة، المحيطة بالعلم كله،١٨)لتمنح أقدامنا الخطوة الرزينة. »١٩)تماسك جلجامش وإنكيدو يدًا في يد،٢٠)واتجها صوب القصر الكبير،٢١)ليمثُلا أمام نينسون الملكة العظيمة. ٢٢)تقدَّم جلجامش ودخل عليها:٢٣)«نينسون، لقد عقدت العزم ... ٢٤)إلى طريق بعيد، حيث يعيش خمبابا،٢٥)والإقدام على معركة، لا أعرف،٢٦)والسير على طريق، أجهل،٢٧)فحتى أذهب وأعود،٢٨)حتى أصل إلى غابة الأرز،٢٩)وأصرع خمبابا الرهيب،٣٠)وأمحو من البلاد كل شر يكرهه شمش؛٣١)تضرَّعِي أنتِ لشمش من أجلي،٣٢)وإذاقتله، وقطعت أشجار الأرز،٣٣)فعسى أن يسود السلام البلاد عاليها وواطيها،٣٤)وأن أقيم لك علامة النصر. »٣٥)إلى كلام ابنها جلجامش٣٦)استمعت الملكة نينسون... ... . (ملحمة جلجامش، اللوح الثالث، العمود الأوّل) (١)هنا يدعو له شيوخ أوروك بتحقيق رؤياه في المنام، والرؤى والأحلام تقوم بدور كبير في هذه الملحمة وفي حياة البابليين بوجه عام، ويكفي القول بأن تفسير الأحلام كان يقوم به كهنة متخصصون. (٢)لوجال، هو ملكٌ سومريٌّ حكم أوروك ثم أُلِّهَ بعد موته، ويذكره ثبت أسماء الملوك السومريين على أنه ابن أنمركار والسلف الثاني لجلجامش، كما يرد اسمه في قوائم أسماء الآلهة المكتشفة في مدينة فارة مع جلجامش بوصفهما من آلهة العالم السفلي، ويهيب به جلجامش نفسه في هذه الملحمة ويدعوه أباه وإلهة الحامي، وهناك قرائن ترجح القول بأن الأب الحقيقي لجلجامش كان مجرد كاهن متواضع؛ ولذلك كان من الطبيعي أن ينتسب البطل (الذي وصفته الأسطورة بأن ثلثيه إلهي والثلث الباقي بشرى! ) إلى ملك إلهي مثله لا إلى كاهن قليل الشأن!   (راجع قاموس الآلهة والأساطير، تعريب الأستاذ محمد وحيد خياطة، حلب، دار مكتبة سومر، ص١٢٤). (٣)من ٩–١٢ = ٩–١٢ من العمود الأول للترجمة الآشورية. (٤)يبدو أن هذا الجزء الباقي من كلام الشيوخ لإنكيدو. (٥)من ٢٧٢–٢٨٧ تتمة للعمود الثالث البابلي عدا ٢٧٥ فليست واضحة. (٦)١٣–٣١ = ١٣–٣١ بالترجمة الآشورية وما يليها غير مقروء. (٧)أي لتسدد خطانا وتثبت أقدامنا، وفي ترجمة سامي سعيد: وستقدم طريق نصوح لأقدامنا. (٨)لا أعرفها ولا عهد لي بها. (٩)أجهله. (١٠)قاصيها ودانيها. العمود الثاني ١)دخلت نينسون إلى مخدعها،٢)أخذت أوراق نباتلجسدها،٣)لبست ثوبًا يليق بجسمها،٤)بحلية تليق بصدرها،٥)ووضعت حزامها وتاجها،٦)ونثرت الماء من الأواني على الأرض والتراب. ٧)ارتقت الدَّرَج وصعدت إلى الحاجز والسقف،٨)وأحرقت البخور أمام شمش. ٩)ولماتقديم القربان،رفعت ذراعيها إلى شمش:١٠)«لِمَ أعطيت ابني جلجامش قلبًا مضطربًا؟١١)وها أنت ذا قد حفزته على الرحيل١٢)في سفر بعيد، إلى موطن خمبابا. ١٣)إنه يريد أن يدخل معركة لا يعرف،١٤)وأن يقطع طريقًا يجهل. ١٥)حتى يذهب ويعود،١٦)حتى يبلغ غابة الأرز،١٧)ويقتل خمبابا الرهيب،١٨)ويمحو من البلاد كلَّ شر تكرهه. ١٩)وإلى اليوم الذي تطل فيه على طريق جلجامش،٢٠)ليت عروسك «آيا» لا يمنعها الخجل فتذكرك،٢١)وَلْتُوصِ به النجوم أيضًا، وهم حراس الليل،٢٢)وتعهد به في السماء إلى أبيك «سين». »،  (ملحمة جلجامش، اللوح الثالث، العمود الثاني) (١١)العمود الثاني من الترجمة الآشورية. (١٢)عشب اللوجا، وهو عشب قلوي يوضع على الجسد للشفاء من الأمراض. (١٣)حرفيًّا: حببته في المضي على طريق بعيد إلى حيث يعيش خمبابا، وفي ترجمة سامي سعيد: والآن أجبرته فذهب لسفر بعيد «إلى» مكان خمبابا المقدس (اللوح الثالث، العمود الثاني، السطر ١١-١٢، ص٢١٠). (١٤)لا يعرفها ولا عهد له بها. (١٥)يجهله. (١٦)الإلهة «آيا» هي زوجة شمش إله الشمس الأكادي، وهي تمثل الفجر مثل «أيوس» الإغريقية و«أورورا» الرومانية، وحراس الليل هم آلهة النجوم والكواكب الموكلون بحراسة الليل، أما «سين» فهو إله القمر، وكان البابليون يعتقدون أنه أبو الإله شمش، بحيث يتولد النهار من الليل. (١٧)تنطق: سِن. العمود الثالث ٢٤٧)باركهالشيوخ،٢٤٨)وزودوه بالنصح في سفره:٢٤٩)ينبغي عليك ألَّا تغتره بقوتكيا جلجامش. ٢٥٠)افتح عينيك جيدًا، واحمِ نفسك. (ملحمة جلجامش، اللوح الثالث، العمود الثالث) (١٨)هذا هو العمود الثالث من الترجمة البابلية من ٢٤٧ حتى ٢٧١. (١٩)من ٢٤٩–٢٥٣ = ١–٧ بالترجمة الآشورية عمود ١، ١–٧. العمود الرابع ١٥)كوَّمت البخور، ونطقت بالتعويذة،١٦)دعت إنكيدو، لتبلغه الأمر:١٧)«إنكيدو، أنت أيها القوي،١٨)يا مَن لم تخرج من رَحِمي! ١٩)لقد كلَّمتُك الآن مع الخادمات اللائي وهبهن جلجامش للمعبد،٢٠)ومع عرائس الآلهة والمتبتلات والمنذورات لخدمة المعبد! »٢١)طوقت عنق إنكيدو بقلادة. ٢٢)أخذت عرائس الآلهة ... ٢٣)وأبدت بنات الآلهة رغبتهن في القيام على تربيته. (ملحمة جلجامش، اللوح الثالث، العمود الرابع) (٢٠)العمود الرابع من الترجمة الآشورية. (٢١)كانت خادمات المعبد ينتمين إلى طبقة ينذر فيها الآباء بناتهن لخدمة المعبد، أما عرائس الآلهة فهن البغايا المقدسات، أو كاهنات الحب حسب تعبير فراس السواح، وهن كاهنات علويات يمارسن طقوس العرس المقدس مع الملك لجلب الخصب والرخاء، ويقمن مقام آلهة الحب (والحرب والزهرة) عشتار. العمود الخامس ... ... (ملحمة جلجامش، اللوح الثالث، العمود الخامس) (٢٢)العمود الخامس من الترجمة الآشورية، وهو مستحيل الترميم. العمود السادس ٨)«عسى أن يحمي إنكيدو صديقه، ويحفظ رفيقه،وليحضر جسده للزوجات! عليك أن تسلمنا الملك عند رجوعك للوطن! »... ... (ملحمة جلجامش، اللوح الثالث، العمود السادس) (٢٣)العمود السادس من الترجمة الآشورية. (٢٤)ورد هذا السطر في ترجمة سامي سعيد على نحو أكثر اتساقًا: «وليرفع جسمه فوق حفر البرية»، وقد ورد السطر نفسه في بداية اللوح الثالث تحت رقم (١٠). --- ### اللقاء السعيد - Published: ۲۰۲۳-۱۰-۰۲ - Modified: 2023-10-02 - URL: https://tabcm.net/14112/ - تصنيفات: كتاب مقدس ابتسم، ثم أجابني قائلًا: ”في أبهى صورة! إنَّ الرسَّام يستخدم الخطوط والألوان والفرشاة، ليكتب كتابه المرئي في صورة لوحة: نصفه نقرأه من خلال رؤيتنا لِمَا تُمثِّله الصورة مـن مناظر؛ والنصف الآخر لا نراه بالعين المُجرَّدة“ لي صديق هادئ الطبع، ودود، وهـو رسَّام يعيش في إحدى ضواحي المدينة الساحرة ”فيينَّا“؛ زرته يومًا في منزله، فدار بيننا هذا الحديث: - قلتُ له: ”كيف تقضي يومك“؟ أجابني: ”أنت ترى أن مساكننا قريبة مـن بعضها، لذلك ففي المساء يأتي أولادي لنتسامر معًا، ونتبادَل الأخبار. أمَّا في الصباح الباكر، فأذهب إلى حديقتي في خلفية المنزل حيث الورود والأعشاب الجميلة. أقول لها: "صباح الخير"، مع إروائها بالماء اللازم لها للنمو. ثم بعد ذلك، أعود إلى البيت لأتناول إفطاري وأتفقَّد لوحاتي“! وهنا اتَّسع جفناه وابتسم ابتسامة مُبهجة. وعندئذٍ صببتُ له قليلًا مـن الشاي في فنجانٍ، وقدَّمته له، وقلتُ له: ”وكيف حال لوحاتك“؟ ابتسم، ثم أجابني قائلًا: ”في أبهى صورة! إنَّ الرسَّام يستخدم الخطوط والألوان والفرشاة، ليكتب كتابه المرئي في صورة لوحة: نصفه نقرأه من خلال رؤيتنا لِمَا تُمثِّله الصورة مـن مناظر؛ والنصف الآخر لا نراه بالعين المُجرَّدة“. وهنا نظـر إليَّ بتمعُّنٍ وقال لي: ”ولكن عندي لوحة تُعبِّر عـن آيةٍ في سِفْر الرؤيا تُخبر عن الرب يسوع وهو واقفٌ على الباب ويقرع قائلًا:«هنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ. إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ الْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي»(رؤ 3: 20)“ - وفيما أنا أنصت لكلماته، عُدتُ وصببتُ له قليلاً من الشاي، قائلاً: ”وما معنى هذا“؟ أجابني قائلًا: ”يقول المُفسِّرون إنَّ الرب يسوع مُنتظرٌ أن نستقبله في قلوبنا وحياتنا“. - ابتسمتُ وقلتُ له: ”بالتأكيد، ما أجمل هذا“. استطرد في كلامه قائلًا: ولكنني أَخذتُ هـذه الصورة بمعنًى آخر أكثر عُمقًا من تلك النظرة. فالصورة مَقْروءٌ منها نصفها، وهو ما نراه؛ أمَّا النصف الآخر، فهو موجودٌ خلف هذه الصورة داخل حجرتي! ! فقد أَخذتُ هذه الصورة ووضعتُها على باب الحجرة التي أنام فيها. وفي كلِّ يومٍ قبل أن أدخل غرفتي لأنام، أقف وأقول: ”أيها الرب يسوع، إنَّ هذا الباب المرسـوم في الصورة ليس له مقبض مـن الخارج، لذلك ينبغي على مَـن بالداخـل أن يفتحه لك. وبعد، ماذا أفعل حين استقبلك؟ هل أنـا مُستعدٌّ لهذا الاستقبال السعيد؟ سوف تأتي وتأكل معي وتتعشَّى معي، وبعد ذلك لابد من السَّفَر السعيد إلى الأبدية“! ”فهل أنا مُستعدٌّ لهذا السَّفَر؟ حقًّا، إنَّ قلبي ليبتهج حين أذكُر اسم الحبيب، فكم وكم تكون فرحـة اللُّقى؟ ومـا معنى: «أَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي» إلاَّ دليلٌ على حـلاوة الصُّحْبَى وجمال هذا اللقاء! فكم ينبغي أن تكون النفس مُزدانة بالفضائل الحلوة لتستحق أن تجـد راحتها في لقاء الحبيب؛ وقـد جاهـد الإنسان العمر كله لكي يفوز بهذا اللقاء السعيد“. ”كم تفرح النفس حين ترى مُشتهى الأجيال كلها، ونور وضياء هـذا الكون، في مَعِيَّتها؛ تسعد به وهو آتٍ لها خصيصًا، لكي يُطعمها مـن محبته وحنانـه، ويُذيقها مِمَّا أعـدَّه الله لمُحبِّيه. إنَّ هذا الأمر لعظيمٌ جدًّا“ ”وهكذا أظلُّ أُكلِّم نفسي، بـل وأُخاطب الرب بهـذا الكلام، حتى تنال نفسي تعزيـة مـن الروح القدس. وأتذكَّر آية المزمور التي تقول:«ذُوقُوا وَانْظُرُوا مَا أَطْيَبَ الرَّبَّ»(مز 34: 8)، وكذلك الآية التي تقول:«مَا أَجْمَلَ عَلَى الْجِبَالِ قَدَمَيِ الْمُبَشِّـرِ، الْمُخْبِرِ بِالسَّـلاَمِ، الْمُبَشِّـرِ بِـالْخَيْرِ، الْمُخْبِرِ بِالْخَلاَصِ»(إش 52: 7)“. عندئـذٍ رأيتُ دموعـًا تترقرق مـن عينيه ممزوجة بحلاوة التعزية، وتُعبِّر عـن افتقاد النعمة الغنيَّة له! فآثرتُ أن أتركه ليستمتع بهذه الزيارة الروحية السماوية، ليغتني منها على قدر ما يشاء. - وفي الحال، نهضتُ وقبَّلتُ يديـه ورأسه، وقلتُ له: ”الربُّ يُبارِك حياتك أنت وكل أهل بيتك“. ثم ودَّعته ورجعتُ إلى بيتي وأنا مُبتهجٌ بمثل هذه النفوس التي تصل إلى أعماق الحياة الروحية بدون عائق. وبدأ هذا الصديق العزيز يُسلِّم أولاده هذه الروح النشطة في التعمُّق في الروحيات. فطوبى لمَـن زارتـه النعمة لتُعزِّيه وتُقوِّيه وتُذيقه مـن أسرار الحياة الأبدية؛ فتمتلئ نفسه بالخيرات السماوية! وطوبى لمن يستمع إلى صوت الرب في قلبه ويستجيب له ليقبله في حياته شريكًا يأنس إليه ويكون الرب ضيفه بين الحين والحين، لكي يسعد بهذه المعية التي تفرح كل من اختبرها.  «تَعَالَـوْا إِلَيَّ يَـا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ. اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ، فَتَجِـدُوا رَاحَـةً لِنُفُوسِكُمْ. لأَنَّ نِيرِي هَيِّنٌ وَحِمْلِي خَفِيفٌ»(إنجيل متى 11: 28-30). --- ### هل عدل الله كعدل البشر؟ - Published: ۲۰۲۳-۱۰-۰۱ - Modified: 2023-10-01 - URL: https://tabcm.net/14011/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: الابن الضال ده لأنك يا صديقي مش فاهم إن إيمانك معناه إنك قاعد مبرطع في بيت أبوك، ونايم في حضنه مسنود عليه، ووجوده في حياتك مقويك، مش العكس!! هل في الدنيا أجر عادل على العمل؟ سؤال شغل الإنسان على مدى الدهور، طرحه داود وكتير من الآباء والأنبياء وكتير منهم تجاسر وطرحه في حواره مع ربنا: ليه طريق الأشرار ناجح؟ موضوع كبير قوى بيشغل أغلبنا. الحقيقة المسيح طرح الموضوع ده وأجاب عليه بشكل غير مباشر في أكتر من مثل وتعليم، ويمكن كتير منهم كان بشكل مستفز، وكتير مننا ما فهموش المعنى الحقيقي وراه، زادت حيرتهم، ولكن لأننا شعوب مؤمنة كتير بنخجل نطرح الأسئلة المحيرة لئلا نكون غير مؤمنين، أو يبان أن إحنا بنشك في عدل الله "لا سمح الله"، تعالَوا بقى نروح للأمثلة اللي طرحها المسيح ومنها مثل أصحاب الساعة الحادية عشر اللي جه قدامي النهاردة بالصدفة وكان سبب المقال ده! المثل بيقول: واحد صاحب مزرعة، راح يدور على عمال يشتغلوا عنده. لقى ناس واقفين الصبح بدري، فاتفق معاهم إنهم يشتغلوا، وياخدوا كل واحد دينار، وافقوا، وراحوا يشتغلوا. فضل هو كل كام ساعة يروح السوق، يلاقي عمال، ويبعتهم يشتغلوا، لحد الساعة الحادية عشر بالتوقيت اليهودي، يعني وقت الغروب. كده لقى ناس بعتهم يشتغلوا في الكرم لحد ما اليوم خلص وجه وقت الحساب، فتفاجئوا إن اللي جم الصبح بدري ها ياخدوا دينار زي اللي جم أخر اليوم! ! ولما اعترضوا، صاحب المزرعة قال لهم ببساطة أنا اتفقت معاكم على دينار، وأديته، أما أدي كام للي جه متأخر، فدي حاجة تخصني أنا، فلوسي وأنا حر فيها، "يعني ما بردش نارهم! ! ". نفس الفكرة اتطرحت في مثل الابن الضال، لما الأخ الكبير اعترض على رجوع أخوه الصغير، واللي ممكن يقرب لنا الفكرة ويفهمنا المعنى اللي وراها قصة صلاة الفريسي، اللي وقف يصلي وقاله أشكرك إني مش زي بقية الناس، أنا بصلي وأصوم وأدفع العشور ومش خاطي زي العشار اللي واقف هناك ده! يعنى إيه؟! يعني مشكلة الناس اللي فاتت دي كلها، وربما دي مشكلة أغلب المتدينين في عصرنا (على اختلاف معتقداتهم) إن إحنا متخيلين إنك تكون مؤمن فأنت كده بتقدم عمل لربنا، بتصلي له، وتصوم له، وتعمل خير علشانه، فطبيعي تشوف أخوك اللي مش بيعمل كده أقل منك، وما يستاهلش إنه لمًا يرجع لربنا أصلًا يقبله، لكن المصيبة السودا،  إن ربنا يقول لك ده أنا مش بس ها أقبله، ده هايبقى عندي زيك زيه بالظبط! ! ده لأنك يا صديقي مش فاهم إن إيمانك معناه إنك قاعد مبرطع في بيت أبوك، ونايم في حضنه مسنود عليه، ووجوده في حياتك مقويك، مش العكس! ! إيمانك بربنا مش جميل بتعمله لربنا، ده جميل بتعمله في نفسك، فتعيش حياتك فرحان ومتمتع بعز أبوك، ولما تفهم كده ها تبقى من كتر فرحك ده نفسك كل إخواتك اللي في الدنيا يتمتعوا ويفرحوا زيك، زي ما عملت السامرية كده، وجريت تكلم الناس عن ربنا من مبدأ تعالوا دوقوا اللي أنا دوقته. ساعتها، ها تشوف أخوك الخاطي في حالته الحقيقية: مسكين وجعان للحب والقبول والسند، اللي أنت شبعان منهم في بيت أبوك، مش ها تشوف الخاطي مولعها ومقضيها! ! ها تشوفه زي ما ربنا شايفه: إنسان فاضي من جوه، بيدور على أي حاجة يملا بيها الفراغ ده. إنسان متألم بيدور على أي حاجة يسكن بيها ألمه، حتى لو ها تضره. إنسان ميت وهو عايش ضال لطريقه، وها تعرف إن منتهى العدل الإلهي إنه لما يرجع، يتقبل، وأنه عمره ما ها يكون زيك، لأنه دفع تمن بعده عن ربنا ضياع وألم وغربة عن مصدر الحياة والآمان. وساعتها فكرة إني: لو أنا عرفت إني ها أموت أمتى، أروح أعمل كل الخطايا، وبعدين أتوب قبل ما أموت على طول، وأبقى كسبت دنيا وأخرة، ها تختفي، لأنك ها تفهم إن اللي يعمل كده مسكين، ها يقضي أغلب عمره في فقر وخيبة أمل، مش العكس، الفكرة دي على قد بساطتها على قد ما هي بعيدة عن أذهاننا، ببساطة لأن إحنا متمسكين بفكرة -مش عارفة جبناها منين- إن الحياة مع ربنا ألم، وإن المؤمن مصاب، واللي ها يقرب من ربنا ها يفضل يجربه، ويمرر عيشته، علشان في الأخر يدي له الهدية بعد ما يموت ويدخله الجنة! ! ! ! ! وده عكس اللي المسيح بنفسه قاله وعمله: "وَأَمَّا أَنَا فَقَدْ أَتَيْتُ لِتَكُونَ لَهُمْ حَيَاةٌ وَلِيَكُونَ لَهُمْ أَفْضَلُ". (إنجيل يوحنا 10: 10) البعيد عن ربنا مسكين، والشاطر اللي يمشي حياته كلها مسنود على أبوه، مهما وقع ولا انجرح، عارف إن مش بس حضن أبوه موجود يرتاح فيه، كمان عارف ومؤمن إن علشان خاطره أبوه يهد ممالك ويقوم الدنيا ما يقعدهاش لو حد مس شعره من ابنه. وده كلام بالحرف بردوا، مش من عندي: لأَنَّهُ مَنْ يَمَسُّكُمْ يَمَسُّ حَدَقَةَ عَيْنِهِ(سفر زكريا 2: 8) الخلاصة: إن باب ربنا مفتوح للكل بلا استثناء، مهما كانت خطاياهم، ولا وقت توبتهم ورجوعهم، ومش بس اللي يرجع ها يتقبل، ده كمان ها يكتشف أنه كان طول الوقت وأقف على الباب، وبيخبط، ومستنيه يفتح له، في أي وقت. أما بقى إجابة السؤال اللي فوق: لماذا يا رب تنجح طرق الأشرار؟ فإجابتها بإذن ربنا في مقال مقبل. --- ### [٣] نيافة الأسقف - Published: ۲۰۲۳-۰۹-۳۰ - Modified: 2023-10-28 - URL: https://tabcm.net/13985/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون - وسوم: آدم إتفضل يا أستاذ خد مراتك وروحوا، المقابلة انتهت، وأنا حسابي مش معاك، أنا حسابي مع اللي رشحك و بعتك، يلا أتفضلوا امشوا، الزيارة انتهت فضل دكتور سامي وزوجته سارة منتظرين تحت في مكتب الاستقبال، لحد ما الأسقف يبعت لهم علشان يقابلوه، بس سارة ابتدى يبان عليها التوتر: - وبعدين يا سامي؟ افرض سيدنا وافق عليك هنعمل ايه أو هتقوله ايه؟! انت أصلا هتوافق؟! - ماتقلقيش يا سارة، سيدنا عاوز حد كويس وبتاع قبطي وألحان طويلة، وزيّ ما أنتي عارفة أنا آخري المردات القصيرة اللي حافظينها الولاد بتوع ابتدائي، غير كده ربنا مش هينقي العفشين. وقعد يضحك معاها و يهزر، وهي كمان هديت، وما كانوش عارفين إن الأسقف في أوضته بيتفرج عليهم من الكاميرات صوت وصورة، لحد ما مر أكتر من نصف الساعة، فراح بعت لهم السكرتير بتاعه علشان يطلعوا. أول ما طلعوا، عمل دكتور سامي وزوجته ميطانية إكرام للأسقف اللي كان باصص أوي في عينين سامي وقاله: قاعدين في ضيافة الأسقف تهزروا وتضحكوا؟! ! سامي لقط على طول إن أكيد كان فيه كاميرات مراقبة في المكتب اللي كانوا قاعدين مستنين فيه وقال بهدوء: أخطيت حاللني يا سيدنا، احنا مبسوطين لأننا في ضيافة المسيح مُفرح القلوب. رفع الأسقف حواجبه وقال: شكلك ذكي و سريع البديهة. - ربنا يخليك يا سيدنا، تعيش وترفع من روح ولادك - عرفني بنفسك. . - اسمي سامي حنا قديس، مواليد محافظة البحيرة، جيت مع والدي، المعلم حنا قديس تاجر الأقمشة، للقاهرة وأنا في ابتدائي، وكان والدي لسه معندوش المصنع بتاعه، ولما خلصت ثانوية عامة دخلت صيدلة القاهرة واتعرفت على زوجتي في الكلية، وخطبتها أول ما اتخرجنا، واتجوزنا بعد الخطوبة بسنة يا سيدنا، وجبنا مينا في تانية ابتدائي، وماجدولينا في kg 2. التفت الأسقف إلى سارة وسألها: وانتي بقى، بتشتغلي يا دكتورة ولا قاعدة في البيت؟! - أنا وسامي يا سيدنا بنعمل كل حاجة مع بعض من ساعة ما عرفنا بعض في الكلية، حتى الصيدلية بتاعتنا، أنا بديرها الصبح وهو في شركة الأدوية، وهو لما بيرجع بنتغدى ويريح شوية وينزل وردية بليل، حتى الخدمة يا سيدنا بنخدم مع بعض في قطاع ثانوي. حول الأسقف عينيه نحو دكتور سامي وسأله: أنت شماس؟! - أه يا سيدنا مرسوم من وأنا في إبتدائي أغنسطس. - تعرف قبطي؟ - لأ يا سيدنا معرفش قبطي، يدوبك بقرا القبطي المعرب، وبالعافية كمان. رفع الأسقف حاجبيه باقتضاب: يعني متعرفش ولا تقرا ولا تكتب قبطي؟ - ولا أعرف حتى الحروف يا سيدنا. - طب حافظ إيه من ألحان أسبوع الآلام؟ - بقول مع الشعب "ثوك تاتي جوم"، ونص "غولغوثا"، ومش حافظ أي ألحان طويلة ولا ألحان مناسبات ولا أي حاجة يا سيدنا. - أمال جايين ليه؟! - ناخد بركتك يا سيدنا، ونسلم على نيافتك. - أنت أزاي شماس أغنسطس ومتعرفش ولا قبطي ولا ألحان؟ - أخطيت حاللني يا سيدنا، أنا عارف إني خايب ومقصر في وزنتي ومنفعش في أيوتها حاجة. - أمال أنت بتخدم ليه؟ - بنخدم في ثانوي يا سيدنا، وحتى في خدمتنا مقصرين. - بس أبونا يوناثان قاللي إنك وزوجتك عاملين نهضة في خدمتكم، وعاملين فصول كتاب مقدس وبتدرسوا علم الباترولوجي للأولاد، وإنكم شجعتوهم على الدراسة والترجمة. - خالص يا سيدنا، ده احنا أي كلام على الآخر، ده بنقرا لنا كلمتين ونقولهم للأولاد، بس هما الأولاد اللي شاطرين وربنا حنين وبيستر على الغلابة. نظر له الأسقف نظرة ممتعضة، فتوقف سامي عن الكلام، والتفت الأسقف مرة أخرى تجاه سارة وسألها: وأنتي بقى بتحبي جوزك؟ - بنحب بعض جدًا يا سيدنا، وبنحب دايما نمشي مأنجچين بعضنا، وبنحب نتفسح ونخرج وبنصيف كل سنة وبننزل البحر ومشتركين في النادي وعيالنا في مدرسة international. - إيه علاقة ده بسؤالي يا بنتي؟ - يا سيدنا احنا ما ننفعش. . ولا احنا قد الوزنة ديه. . والكهنوت ده وزنة كبيرة ومسؤولية ربنا هياحسبنا عن كل نفس في شعب الكنيسة، احنا بالعافية بنجاهد ولولا النعمة وستر ربنا هما اللي ساندينا كان حالنا بقى أردأ. - وهو أنا عرضت عليكم حاجة من أصله؟! هنا اعتدل سامي على مقعده وارتسمت ملامح الجدية على وجهه: حاللني يا سيدنا، احنا عارفين إننا مش أول اتنين يجوا يقعدوا مع نيافتك، وكل الخدام اللي نيافتك اعترضت عليهم كلهم أحسن منا، بس من أجل طاعة أبونا يوناثان أب اعترافنا، ومن أجل إننا ناخد بركة من القعدة مع نيافتك، احنا جينا. غضب الأسقف، وخبط براحة يده على المكتب وهو بيقول: أنا اللي أقول مين الأحسن ومين اللي ما ينفعش مش أنت! - ماهو يا سيدنا نيافتك متعرفهمش، وبعدين مش القبطي والألحان هما اللي يحكموا على بني آدم ينفع للكهنوت ولا لأ، ولا دول اللي هيقولوا إذا كان الإنسان ده كنسي ولا لأ، ربنا اختار داود من وسط أخواته مع إن أخواته كانوا يبانوا بالعين إنهم أفضل، ربنا كان دايما بيختار ناس من بعيد نشوفهم ما ينفعوش في حاجة، لكن ربنا كل مرة كان بيشتغل فيهم وبيهم وبقلة إمكانياتهم. - هاه وإيه كمان؟! ! كمل سامي كلامه وكأنه مفهمش إن الأسقف بيسخر منه: - في المرة اللي اختار فيها الشعب واحد طويل وبإمكانيات تبان جبارة، اختار شاول الملك ورفض صموئيل النبي، بس ربنا رفض شاول، وراح الرب فارقه وباغتته روح شريرة. - وسعادتك بقى قالولك تروح توعظ الأسقف وتعلمه. - أخطيت يا أبونا أنا مقصدش طبعا، أنا أقل أولادك حرفيا. - أبونا! ! علّموك تقول للأسقف أبونا؟! ! - صدقني يا أبي سلطان الأبوة أقوى و أعظم من كلمة سيدنا، بنقول على الله أبونا دليل على قربنا منه وقربه مننا. - هما بعتوا واحد قليل الأدب، كده كده عارف نفسه ما ينفعش في الكهنوت علشان يقف يعلم الأسقف إيه اللي يصح وإيه اللي ما يصحش؟ اتفضل يا أستاذ خد مراتك وروحوا، المقابلة انتهت، وأنا حسابي مش معاك، أنا حسابي مع اللي رشحك وبعتك، يلا اتفضلوا امشوا، الزيارة انتهت. - إحنا آسفين يا سيدنا لو زعلناك أو عكرنا مزاجك، ممكن تصليلنا قبل ما نمشي وناخد بركة صلاة نيافتك. - على فكرة أنتم باردين قوى، اتفضلوا مع السلامة. - حاضر يا سيدنا، زي ما نيافتك تشوف. اتحرك سامي وسارة، واتجهوا ناحية باب المكتب للمغادرة، ولم يتحرك الأسقف، ولم تفارق علامات الغضب وجهه، وعندما وصلا إلى باب المكتب ومسك سامي مقبض الباب. . - استنى أنت وهي. . ! يتبع. . --- ### خطواتي الأولى نحو فنون الأدب
عبر ثقب في حمّام بنت الجيران - Published: ۲۰۲۳-۰۹-۲۹ - Modified: 2023-09-29 - URL: https://tabcm.net/13551/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون - وسوم: أفلاطون, نانسي عجرم وتلك كانت آخر خطواتي نحو الأدب، وبداية مساري الدائم والمستمر بلا عودة نحو: قلة الأدب من ثقبٍ صغيرٍ -أخطأ فيه العامل الذي قام بتركيب سخّان حمامها الوردي اللون- كنت أراها. . أراها دون أن تراني. . دون أن تشعر بي. . وأنا الذي أشعر بكل ذرات الغبار حينما ترتطم ببتلات زهرة. . بخطى باهتة تدخل حمامها. . ببطء تغلق بابه دون النظر للخلف متحاشية النظر لكل ماضيها من خلفها. . ومن خلف ظهرها، ظلت أناملها الدافئة تتلمّس مقبضه المعدني البارد وكأنما تربت على يديه خَشْيَة أن تغضبه. . دومًا تشعر بالضآلة ولا تقوى على التحدي. . تستند بظهرها على الباب المغلق ترجوه ألا ينفتح من جديد. . كأمة مسبية قد تعلمت الخنوع، وأن التغيير وسيلته الوحيدة هي الصلاة والبكاء والركوع. . تغمض عيناها تخشى أن ترى أمامها شيئًا لا تدركه ومعه تغمض عيناها عن ذلك المجهول في المستقبل. . تفلت من صدرها زفرة عبرت حنجرتها بلا صوت ولسان حالها همس باسترحام: "أرجوك. . لا تدخل معي" تدفع كل ارتعاشاتها في نبضة وحيدة لتخطو خطوتين إلى منتصف الحمام لتستأنس بالبخار الدافئ. . وفي أبخرة الضباب تخلع ملابسها في صراع بين أمان الستر وعريّ الحقيقة. . المجتمع الذي تحياه قايض بالحقيقة في مقابل الستر، فتعلمت عدم مواجهة جسدها عاريًا، وألا تحل ضفائرها وتخلع أثوابها سوى في ضبابية تموّه الحقائق فتعفي من ذنب المواجهة. . على حياء تبدأ في كشف جسدها شيئًا فشيئًا. . ومع سقوط القطعة الأخيرة من ملابسها الداخلية، تسقط معها آخر ارتعاشات التردد والحسم. . تنساب يدها في الضباب لتفتح صنبور الماء الدافئ وكأنها تناجيه في انتظار. . تلامسه فيُسقط قطرتتن، كدمعتين، من مقلة باكية. . تديره فيصدر الصرير كأنين أخير قبل أن يحتضر الصوت في اكتمال دورانه. . وينهمر الماء متدفقًا كدموع صافية تنساب من تائب لتطهّر قلبه على ذنوب لم يقترفها ولم يكن يومًا سببًا فيها. . كانت قطرات الماء تسقط من علا لترتطم برأسها في قسوة، وما أن تمسها حتى تنقلب قساوتها نعومة فتسيل أخاديد السلام الدافئ على وجهها. . تنساب الممرات الهادئة على انثناءات الجسد لتبعث فيه الخدر. . تغسل عن جسدها تراب الحياة ومعه تغسل عن الروح شوائب القهر. . ترتخي أطرافها، مستمتعة، مستسلمة للقطرات الحنونة، تربت على الجسد برفق لتعوضه ما فات من تيبّسٍ، وتمحو عن الظهر الآم سياط القدر. . من جديد، تنساب يدها وسط الأبخرة لتمسك بقطعة صابون. . ملقاة بإهمال كأحلامها المهملة. . تنفلت منها منزلقة كأحلامها المتبددة. . تطاردها كما تطارد أحلامها الهاربة. . تنكسر النفس بداخلها متأملة برائحة الألم: لماذا إن امتلكت القدرة على الحلم وسط الضباب، يأبى الحلم ذاته أن تمتلكه. . ؟ تنزلق منها مرة أخيرة قافزة للأعلى كأحلامها الواثبة. . تدفع قدميها بقوة لتقفز واثبة خلف الحلم الصاعد. . ترتجف قطرات الماء هاربة من هذا الجسد الواثب الذي قرر فجأة أن يطارد حلمه. . يتوقّف خط الزمن ليسجل لحظة فارقة في التاريخ. . لحظة وثوب الجسد العاري ضد القانون الجاذب للأرض. . مشهد قطرات الماء المتناثرة فزعًا وتخبطًا من هذا الجسد الذي يعلو ضد التيار المتدفق. . لحظة اليد الممدودة تجاه الحلم الآفل بين الضباب. . مشهد قبض الأنامل على الحلم. . لحظة القرار الارتجالي المفاجئ بالتخلي عن دور الفريسة والإيمان بقوة الوثبة من أجل النهش في الحلم الذي يضيع في الضباب. . تُرى. . هل تنجح هذه اللحظة وهذا القرار في الإمساك بتلابيب الحلم؟ أم أنها محاولة أخيرة فاشلة يذهب معها آخر ما تبقى من أمل؟ مرّة أخرى، ترتجف المياه الراكدة في أرضية الحمام. . تتناثر في هلع مذعورة لتفسح الطريق لساقين تهبطان بثبات وصلابة على الأرض الزلقة. . واليد المرفوعة للسماء والقابضة أناملها على الحلم الممسوك بقوة كانت أبلغ إعلان للنصر المعزز. . لقد تذوقت أخيرًا طعم النجاح حينما آمنت بأنها تستطيع. . أمام هذه الوقفة الشامخة اهتزت ذراتي كما لم أشعر أمام تمثال الحرية الأمريكي الشهير. . وأرهفت السمع استقبالًا لصرخة نصرها تدوي مجلجلة. . لكن، ما سمعته تعجز كل فنون الأدب عن تصويره في نصوص مكتوبة أو حتى تصوّره في أشد خيالات العقول جنوحًا: قعدت "تمرش" في بطنها بالصابونة زي ستي لما كانت بتنضف "دكر البط" المدبوح وتدعك صدره بالـ"ردة" علشان ميبقاش زفر. . وصوت دين أمها كان مجلجل في الحمام صارخًا: "مفيش حاجة تيجي كدا ♫ إهدا حبيبي كدا ♬ وإرجع زي زماااااا♪اااااان"   ... فاصل زمني لالتقاط الأنفاس ...   إنّه الأدب. . الأدب. . ذلك الفن القادر على تحريك الكلمات لترقص ذاهبة في نزهة صوب الشمس لتعود من رحلتها بعد أن غزلت من خيوط النور ثوبًا يعميك عن رؤية جسد عاري في الحمام الوردي. . ذلك الفن القادر أن يعميك عن رؤية جسد الحقيقة العارية لأنه بالأصل غير معني بالمادة ولا يخضع للحقائق. . هو فنٌ معني بلوحة من الألوان، تُدمج فيها انطلاقة الأحاسيس البيضاء، بهمجية الغرائز الحمراء، بنقد الواقع الأسود، وحكمة الدهر السماوية، فلا يظل هناك شيئًا من الحمام الوردي. . فنٌ لا يخضع إلا لحدود عقلك. . تغويك ريشة الكلمات، فتخلق ذلك الفضول والحيرة والغموض، وتستثمر خيالي كقارئ ليرسم لوحة فريدة لا يراها سواي، وعبر ثقب صنعه صانع بالعمد -مهما أنكر قائلًا أنه صدفة من مجهول- فلا أفيق من غيبوبتي بعد أن تم استدراجي ولا أعود أرى إلا بعيون الأديب، وأخضع دون وعي لسحره وتعاويذه، ولا أشاهد العالم إلا من خلال ثقبه المزعوم. . ثقبه الذي اتسع على عالم كامل فيه كل شيئ، كل شيئ، إلا الحمام الوردي. . تبًا للأدب. . ! ألا تبًا للأدب. . ! ! تبًا، أقولها بحنق المتمرد الثائر. . تباً، أقولها كإعجاب المهزوم أمام حسن خديعته. . بالغبائي. . ما العلاقة بين الحلم و"حتة صابون"! وكيف اقتنعت بأن "ميه الدوش" : تدمع في بكاء، وتمطر كالسماء، وتربت في حنو، وتفزع في هلع؟ وكيف صارت الصابونة الرخيصة بطلة ألهثت أنفاسي في السعي إليها بجنون وضيعت كل هذا الوقت الذي كان يمكن استثماره في تأمل أفلاطوني لمفاتن جسد عاري في أشد اللحظات خصوصية؟ تبًا لهذا الفن الذي جعلني أخذت أكبر صابونة في رأسي. . ! يا لغبائي. . تبًا لي. . ! وتبًا لهذا الحمام الوردي. . ! ها هي بصقة أخيرة تندفع من فمي لتحمل معها كل حنقي على ذاتي التي أغوتني فيمَا لا يُغوي تاركة ما يستحق الغَوَاية. . بصقة على الوقت الضائع في لوحة العدم التي تحطمت مع "مرش ستي لدكر البط". . بصقة على لوحة من فسيفساء الخواء الذي تبعثر في انتظار تمثال الحرية وهو يصرخ مغنيًا لنانسي عجرم. . بصقة يرجمها فمي كحجر يجتاز سور شرفتي وتسبح في الفضاء الصامت لا تكترث لضجيج السيارات المسرعة وآلات التنبيه. . لم أعد أسمع من أصوات الكون إلا صوت قذيفة سخطي وهي تشق الهواء منطلقة تجاه فنٍ يسمونه الأدب. . ها أنا أسمع صوت ارتطامها بحائط الحمام الوردي لتخبره عن رأيي في كل حمامات الكون بكل الألوان. . ما أجمله من صوت. . ما أجمل أن تعبّر عن ذاتك في بصقة حاملة رسالة فيها ما يستحقه ذلك الكريه من تقدير. . ما أريح أن تثلج صدر انتقامك بقذف توقيعك كطلقة نارية أردت عدوك صريعًا وكأنما هي دماء موته التي تسيل. . تسيل. . تسيل. . تسيل... . لاء. . لاء. . لاااااا. . ماتروحيش تسيلي عند الخرم ده. . ! انحرفي عن مسارك أيتها البصقة اللعينة وحطمي قواعد السير الآن. . ! لا تسيلي باتجاه ذلك الثَّقب في جدار الحمام فتغلقيه على عيوني! ! اتركي الثَّقب مفتوحًا فلربما غدًا أشاهد نفس الفتاة تستحم لمرة أخرى لكن دون فنون الأدب وبكل قلة الأدب. . ! ارجعي للأعلى وتحدي جاذبية الأرض. . ! أنا من يكتب وأنا من يأمرك أن تصعد روحك الآن. . ! ! استقريتي ع الثَّقب بالظبط ياختي؟! ؟ طيب كملي وانزلي. . كملي سريان وسيلي لتحت أكتر. . كملي سريان بأه مانتي كنتي ماشية كويس. . ! كملـــــــــــــــــييييي ييييييي. ! ! ! مفيش فايدة. . ! نلتقي بعد ما تكون الغمامة دي نشفت بأه بفعل تجاعيد الزمن الآتي. . ! أنا برضو اللي استاهل. . كان لازم المبالغة الدرامية تجرفني كحجر مقذوف حاملًا رسالة عابرة للبلكونات كطلقة الرَّصاص؟ يعني كل الميكانيزم المعقّد ده، وأنسى أطلع الرصاصة الأخيرة من بندقية بمنظار قناصة علشان أضمن أنشن كويس؟ يلعن آدب الخيال العلمي الفاقد للحبكة! والنشان! ! وتلك كانت آخر خطواتي نحو الأدب، وبداية مساري الدائم والمستمر بلا عودة نحو: قلة الأدب. --- ### ليسوا وسطاء - Published: ۲۰۲۳-۰۹-۲۹ - Modified: 2023-09-29 - URL: https://tabcm.net/14077/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: آدم, القداس الكيرلسي, بابا كيرلس عمود الدين, قديس بولس الرسول, مار مرقس الرسول عزيزي المتابع، وحضرتك -في الغالب- أعلم مني، تعرف أن الكنيسة لم تقل إن القديسين وسطاء بين المرء والله، بل تؤكد أن الوسيط الوحيد هنا هو (الإنسان) يسوع المسيح عزيزي المتابع، وحضرتك -في الغالب- أعلم مني، تعرف أن الكنيسة لم تقل إن القديسين وسطاء بين المرء والله، بل تؤكد أن الوسيط الوحيد هنا هو (الإنسان) يسوع المسيح حسب تعبير ق. بولس الرسول: "لأَنَّهُ يُوجَدُ إِلهٌ وَاحِدٌ وَوَسِيطٌ وَاحِدٌ بَيْنَ اللهِ وَالنَّاسِ الإِنْسَانُ يَسُوعُ الْمَسِيحُ". (رسالة بولس الأولى إلى تيموثاوس 2: 5) وهو يذكر إنسانية الرب يسوع المسيح لينبهنا إلى واحدة من أهم تداعيات التجسد. ولكي ندرك ماهية العلاقة بالقديسين، علينا أن ننطلق معًا من لاهوت التجسد، الذي يجمعنا إلى واحد، ونحن منذ أن أتم الرب الفداء على الصليب ونزل -حسب ق. بولس الرسول لإعلان تمام الفداء- إلى أقسام الأرض السفلية وأعتق المأسورين منذ آدم إلى لحظة نزوله، ونحن معهم. ولا يمكن تصور أنه بالموت الطبيعي نعود فننفصل عن الجسد الواحد، بل به نتخفف من كثافة الجسد المادي، وتتأكد عضويتنا في جسد المسيح. ومن هنا نفهم علاقتنا بالقديسين وبمعنى إننا نتبادل الصلاة من أجل بعض، بحكم تكامل أعضاء الجسد الواحد. كل في رتبته. وعندما نعود إلى خاتمة صلاة المجمع، حسب القداس الكيرلسي، وهو القداس الذي أسسه ق. مرقس الرسول، واعتمده القديس كيرلس الكبير أساسًا لقداسه، تتضح رؤية الكنيسة لهم. إننا يا سيدنا لسنا أهلًا أن نتشفع في طوباوية أولئك القديسين بل هم القيام أمام منبر ابنك الوحيد ليكونوا هم عوضًا عنا يتشفعون في مسكنتنا وضعفنا. كن غافرًا لخطايانا تاركًا لآثامنا من أجل طلباتهم المقدسة ومن أجل اسمك العظيم المبارك الذي دعي علينا(طلبة من القداس الإلهي) فقرار الغفران له وحده. --- ### ملاحظات على: "سماح الله" - Published: ۲۰۲۳-۰۹-۲۸ - Modified: 2023-09-28 - URL: https://tabcm.net/13972/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, لاهوتيات - وسوم: آدم, بابا كيرلس عمود الدين, باسيليوس الكبير، أسقف قيصرية الكبادوك, قديس بولس الرسول, مار مرقس الرسول, هنري بولاد اليسوعي الإله الذي يسمح لك بالكارثة، أو بالمرض، أو بالألم، أو بالضيقة علشان يعلمك دروس، يبقى إله قليل الحيلة وفلس.. ومحتاج تغيره! الإله الذي يسمح لك بالكارثة، أو بالمرض، أو بالألم، أو بالضيقة علشان يعلمك دروس، يبقى إله قليل الحيلة وفلس. . ومحتاج تغيره! بطل تشككنا في عقائدنا والمسلمات اللي عندنا. . كل حاجه بتحصل في حياتنا هي بسماح من الله! يعني تجارة الجنس في العالم بسماح من الله؟ يعني واحد بيخون مراته بسماح من الله؟ يعني واحدة بتخون زوجها بسماح من الله؟ يعني واحد بيعمل علاقة جنسية مع بناته بسماح من الله؟ يعني واحدة تسيب المسيح بسماح الله؟ يعني شباب وبنات عايشين في الدعارة بسماح من الله؟ بأي إله تكرزون؟! !   ﻻهوت التكاتك الشعبي علشان محدش يضحك عليك ويتلاعب بالألفاظ، جملة "كل حاجة بتحصل بسماح من الله" هي نفس جملة "كله مقدر ومكتوب"، و"المكتوب على الجبين لازم تشوفه العين"، و"اجري يا ابن آدم جري الوحوش غير رزقك لن تحوش"، وأنت عارف طبعا العبارات دي موجود بكثرة فين (دور على التكاتك,, هتلاقي كتير) لو كله بسماح من الله، يبقى مفيش داعي للاجتهاد والعمل، ولما يجيلك مرض أوعى تروح للدكتور لإنك بكده بتعترض على سماح الله، ويبقى الطب والأطباء كلهم شغالين ضد مشيئة الله. هو مين سمح لك بالمرض؟ ربنا طبعاهو مين سمح لك بالحادثة دي؟ ربنا طبعا ما هو بتاع المصايب! ! هو مين سمح لك تتجوزي (تدبسي) الشخصية دي وتعيشي تعيسة؟ ربنا طبعاهو مين سمح لك بالجوازة الغلط في غلط دي؟ ربنا طبعا. وده صليبك اللي ربنا سمح لك بيههو مين اللي حطك في المصيبة، والضيقة، والألم ده؟ ربنا طبعاهو مين اللي سمح لك كل ما تيجي تفرح يعكنن عليك؟ ربنا طبعالو حد بيقولك كده، أو أنت بتقول كده، يبقى بتتبع إله مالوش علاقة بالمسيح يسوع. مفيش آيه في الكتاب المقدس كله تقول بفكرة "كل حاجة بتحصل بسماح من الله"، والآية الوحيدة التي جاءت فيها كلمة "يسمح"، جاءت بالسلب... يعنى جاءت "لا يسمح بالشر" "وأما أبوكما فغدر بي وغير أجرتي عشر مرات. لكن الله لم يسمح له أن يصنع بي شرا" (سفر التكوين ٣١: ٧)   إلهي لا يسمح بالشر، ولا بالمرض. مبدأ مهم حاول تحفظه وتريح دماغك: "اللي متشوفوش في المسيح، متصدقوش عن الله" ببساطه، ليه بنقول مفيش حاجه اسمها سماح من الله بالمرض؟ تعالوا نشوف الرب يسوع المسيح الإعلان الكامل عن الله، وافتكر القاعدة: هل قال الكلمة دي: إن كل حاجه بتحصل بسماح من الله؟ . . لأ مقلش . . هل قال لواحد مريض إن المرض ده بسماح من الله؟ . . لأ مقلش . . هل قال لواحد خد المرض ده علشان تتنقى؟ . . لأ مقلش . . هل أدى واحد مرض؟؟لأ، بالعكس، ده كان بيشفي . . هل قال لواحد المرض ده صليبك وخليك عايش به؟ . . لأ مقلش . . هل قال لواحد ده مرض الملكوت؟ . . لا ، مقلش . . هل شفنا في المسيح إنه بيمرض الناس؟لأ ، مشفناش . . هل قال لواحد أنت علشان خاطئ مش هاتخف، روح توب الأول؟؟لأ ، كان بيشفي الخطاة قبل توبتهم . . هل في مرة تقابل مع مريض، ولم يشفيه؟لأ برضوا . . هل شفنا في المسيح إنه مهتم بالناس روحيًا بس، ومش مهم الجسد عنده؟لأ، مشفناش، كان مهتم بيهم روحا ونفسا وجسدا . . أمَّااااااال ليه مصرين إننا نطلع تعليم مزيف عن الله وهو مش موجود ف المسيح يسوع الإعلان الكامل عن الله؟! "الرب صالح للكل" (مزمور ١٤٥: ٩) إلهي بيشفي مش بيمرض! ! إذن من أين أتى المرض؟ هل يأتي بسماح من الله؟! !  هل الله خلق المرض؟ لأ، إلهي صالح، وكل عطاياه صالحه: "كل عطية صالحة وكل موهبة تامة هي من فوق، نازلة من عند أبي الأنوار، الذي ليس عنده تغيير ولا ظل دوران" (يعقوب ١: ١٧) العطايا الجيدة والكاملة هي فقط التي تأتي من عند الله. والمرض ليس عطية جيدة وهو مثل الاحتياج تمامًا. فالمرض يعطل ويدمر الإنسان، والله لا يفعل ذلك لأي من أولاده. المرض خرب و هدم العديد من العائلات واستنزف كل رزقهم حتى أصبحوا فقراء تمامًا مثل المرأة نازفة الدم: "وقد تألمت كثيرا من أطباء كثيرين، وأنفقت كل ما عندها ولم تنتفع شيئا، بل صارت إلى حال أردأ" (مرقس ٥: ٢٦) الله هو "محب البشر الصالح" بلغة القداس، لا يعطى أولاده مثل تلك “العطايا” التي تسبب لهم الضرر. بل بالعكس عندما خلق الله الإنسان: خلقه على غير فساد: "يا الله العظيم الأبدي، الذي جبل الإنسان على غير فساد، والموت الذي دخل إلى العالم بحسد إبليس" (القداس الباسيلي) وبالتالي، ما هي أسباب إصابة الإنسان بالأمراض بشكل عام؟ هل الإصابة بالأمراض حاجة الإنسان مالوش أي دعوة بيها؟   لست أنا. . المرأة التي أعطيتني هي التي... فكروا في أسلوب حياتنا، وطريقة ونوعية أكلنا، والإسراف في بعض العادات، وعدم اهتمامنا بالرياضة، واستخدامنا للكيماويات في كل أكلنا، والتلوث اللي عملناه في الهواء والمياه اللي عايشين عليهم، وبعض الخطايا والعادات اللي بتؤذي الجسد. . هل كل ده ملناش دعوة بيه؟! هل بعد كدة لما يجيلي مرض، أقول ده من الله؟ هل الله اللي جابلي المرض، ولا كل اللي أنا بعمله هو اللي جابلي المرض؟؟ هل ينفع نكون عايشين بكل العادات السيئة دي، وعاملين كل التلوث ده، وبعدين نسأل الله هو إحنا بنمرض ليه؟؟؟ أو نطلب منه يبعد عنا الأمراض؟ (شايفك بتفكر تسألني يعني ربنا بيتفرج ومالوش دور؟  هنجاوب متقلقش) يعني هل عايزين نروح بمزاجنا نأكل ونشرب سموم ونقول لله لو سمحت إحنا مش عايزين السموم دي تؤثر علينا ومش عايزين نمرض؟! وف الآخر نقول للناس "ده صليبك"؟؟؟ كتير بنسمع الجملة دي تقال لأي حد عنده أي مرض أو مشكلة، عشان نقوله استحمل ده صليب من ربنا، وكل ما كانت المشكلة كبيرة يبقى الصليب أكبر، زي ما بنسمع كتير "فلان صليبه كبير"... لو الصليب هنا بمعنى الألم أو الضيقات أو الأمراض أو المشاكل. . السؤال اللي محتاجين نفكر فيه، هل الله هو اللي بيدينا "الصلبان" دي؟ وبيدي كل واحد صليب "على مقاسه"؟ تعالوا نشوف رأي القديس كيرلس الكبير، وده مجرد مثال واحد بسيط من أمثلة كتير لآباء الكنيسة: "فقد بكى بشريًا لكي يمسح دموعك، وانزعج تدبيريا تاركًا جسده ينفعل بما يناسبه لكي يملأنا شجاعة، ووصف بالضعف في ناسوته لكي ينهي ضعفك، وقدم بكثرة طلبات وتضرعات للآب لكي يجعل أذن الآب صاغية للصلوات" (القديس كيرلس الكبير، الدفاع عن الحروم الإثني عشر ضد ثيؤدورت) "لأنه لو لم يكن قد انزعج لما تحررت طبيعتنا من الانزعاج، ولو لم يكن قد حزن لما انعتقت أبدا من الحزن، ولو لم يكن قد اضطرب وجزع لما انفكت أبدا من هذه الانفعالات. . أي إن الآلام والانفعالات الجسدية كانت تتحرك فيه، ليس لتكون سائدة كما يحدث فينا، بل لكيما إذا تحركت تبطل بقدرة اللوغوس الساكن في الجسد، وبذلك تتغير طبيعتنا إلى ما هو أفضل" (القديس كيرلس الكبير، تفسير إنجيل يوحنا ١٢ : ٢٧) المسيح تجسد، ووحد بنفسه طبيعتنا، وقبل في جسده آلامنا وضعفاتنا، عشان يشفينا. أزاي اللي يشفي في نفس الوقت يمرض؟ أزاي اللي يمسح دموعنا في نفس الوقت يبكينا؟ أزاي اللي يقوينا في نفس الوقت يضعفنا؟ أزاي اللي يفرحنا في نفس الوقت يحزنا؟ أزاي يكون الله في تدبيره شفائنا واستردادنا وتغيير طبيعتنا للأفضل، وفي نفس الوقت هو مصدر أمراضنا وآلامنا ومشاكلنا وضيقتنا وحزننا؟ وكل ده تحت مسمى "الصليب"؟! طيب لو المرض مش من ربنا، وهو صالح. . يبقى هو سامح بيه؟ ولا مفيش سماح إلهي؟؟   يعنى إيه سماح إلهي؟ هل الله ضابط الكل؟ نعم وبكل تأكيد. هل يسمح الله؟ نعم سمح وأعطي آدم الإرادة الحرة، لإن الله خلق آدم علي صورته وشبهه ومثاله، وبكل تأكيد الله حر الإرادة. إذن السماح الإلهي هو أن ضابط الكل اختار أن يجعل آدم حر الإرادة مثله (بحق وحقيقي مش تمثيلية) وهذا هو سماح الله الأهم علي الإطلاق. فلما بنقول إن الله بيسمح بالشر، ده مش معناه إن كل شرير بيروح يستأذن من الله قبل ما يعمل الشر. . لكن معناه: إن اللحظة اللي قرر الله فيها انه يخلق كائن حر (الإنسان). . هي نفسها اللحظة اللي سمح الله فيها (أو أتاح). . بوجود إرادة أخرى غير إرادته. . وبالتالي إمكانية الكائن الحر ده لفعل الشر. . فلما أفول إن الشر ده بسماح من الله، فده معناه إن كل الشر الذي نراه وما يترتب علية من إرهاب ومرض ومصائب، فهو نتاج هذه الإرادة الإنسانية الحرة وليس من مشيئة الله ولا حتي بسماح منه، لإن الصالح لا يسمح إلا بالصلاح والشافي لا يسمح إلا بالشفاء. هل هذا يلغي إن الله ضابط الكل؟ أبدا؛- فهو بحق ضابط الكل، ولكن هذا الضابط أراد لنا أن نريد، وأن نتحمل نتيجة إرادتنا وتصرفاتنا، وهذا منتهى الرقى. . ولهذا له الحق أن يحاسبنا علي الوكالة المؤتمنة. ليس من المعقول أن نحمّل الله كل هذا الشر وتصرفات البشر الظلامية ونتائجها وكأنه هو يمسكنا كعروسة خشب بلا حياة أو اختيارات! ! مرة ثانية: ليس من المعقول أن نري إبليس يذبح ويقتل ويعذب ويمرض ويسرق وفي النهاية نقول أن الله هو الذي سمح بكل هذا الشر والابتلاء! ! ! لكن هل يستطيع الله أن يحول شر إبليس إلي الخير؟ بكل تأكيد، لأنه إله صالح ويحبنا وفي صفنا، لكن هذا لا يعني علي الإطلاق إن الشر منه أو بسماحه، لكنه يعني فقط أن إلهي أب صالح ولا يوجد أب صالح يستخدم أدوات شريرة أو أمراض شريرة ولعنات لكي يعلم أولاده دروسا. لم يكن قصد الله ولا حتي بسماح منه أن يحرر ملايين من اليهود من عبودية فرعون، ثم يتركهم كلهم يموتون في الصحراء ولم يدخل احد ارض الموعد إلا اثنان! (رغم إنه هو اللي وعدهم). إذن حتي وعود الله ومقاصده لا تتم إلا إذا تناغمنا معها وقبلناها. لذلك يوضح بولس ويقول أن سبب عدم دخولهم ارض الموعد هو انهم لم يمزجوا الكلمة بالإيمان فلم تنفعهم: "لأننا نحن أيضا قد بشرنا كما أولئك، لكن لم تنفع كلمة الخبر أولئك. إذ لم تكن ممتزجة بالإيمان في الذين سمعوا" (بولس الرسول، الرسالة إلى العبرانيين ٤: ٢) يؤسفني أقولك إن ممكن يكون معاك وعود حقيقية من الرب لكنها لن تنفعك إن لم تمزجها بالإيمان. كفانا تواكل علي الدور الإلهي فقط دون أن نتحمل مسئوليتنا، ولا يوجد أي داعي أن نلقي باللوم علي الله في كل شر حادث علي هذا الكوكب. الموضوع في الشرير أساسًا ورئيس هذا العالم هو إبليس (ده وصف يسوع). إذن مفيش حاجه اسمها: سماح إلهي! السماح الإلهي = الإخلاء الإلهي اللي الله فعله عندما خلق الكائنات حره. سماح الله هو في احترامه للحرية يعني الله سمح للشيطان يجرب أيوب ليه؟ علشان الله بيحترم حرية إبليس، زي ما بيحترم حريتي إني أغلط... الله كائن بيحترم الحرية أذن "سماح الله"، هو لإنه محترم بدرجه لا نهائية، مش هيتدخل في الحرية إلا لو أذنا نحن له! ! "فقال لهم يسوع: "ليس نبيّ بلا كرامة إلا في وطنه وبين أقربائه وفي بيته". ولم يقدر  أن يصنع هناك ولا قوة واحدة، غير أنه وضع يديه على مرضى قليلين فشفاهم" (مرقس ٦) بدون السماح، لا حرية ولا خليقة. السماح= إخلاء محبة إلهية، سماح إلهنا أساسه إخلاءه الإلهي، وأساسهما: الله محبة، فبمحبته غير المحدودة، سمح بنعمته وبحريته، أي سمح لنا من خلال إخلاءه أن نكون موجودين وأحرار. مستقبل العالم، وشفاء أمراضه في يد الكنيسة. العالم في يد الإنسان وليس في يد الله فقط. . لا للاتكالية والقضاء والقدر، ولا للحتمية. . فالإنسان يستطيع أن يخلق عالم كله حب أو كله كراهية، فيه تضامن أو أنانية... أمام المرض لا تقل: هذه إرادة الله، بل كافح المرض. أمام الفقر لا تقل: إنها مشيئة الله، بل كافح الفقر. . كذلك أمام الأميّة لا تقل: هذا قدرنا، بل كافح الأميّة. . نكافح جميع أنواع العذاب والآلام والشر سواء كانت بدنية أو معنوية أو اجتماعية... أين دور الله مادام الإنسان هو وحده يملك زمام التغيير، وبالتالي يملك مصيره بيديه؟ هل يقف الله موقف المتفرج؟ يمكن القول أن الله يتصرف، لا من فوق، بل من تحت، فهو في داخل الإنسان لا في خارجه. ليس الله إذا بمتفرج ولا بغائب، بل هو حاضر، ولكن من خلال عمل الإنسان، من يده وعقله وقلبه... يحب من خلال قلبي ويعمل من خلال يدي ويفكر من خلال عقلي... الله يعمل ويغير العالم من خلالي. . إذا أنا مع الله وليس الله بمفرده ولا الإنسان بمفرده. فإذا تصورنا أن الله وحده هو الذي يغير العالم، نقع في الاتكالية، وهو مفهوم غير مسيحي للتاريخ، وإذا قلنا "الإنسان بمفرده"، نقع في الغرور وهو المفهوم الماركسي للتاريخ. أما المسيحي فيقول: الله والإنسان يتضافران معا. الله في الإنسان والإنسان في الله وكلاهما يصنعان التاريخ والعالم الجديد. (الأب هنري بولاد اليسوعي)   اقرأ أيضا:   --- ### وكان ظلام، وكان للخوف إيقاع آخر - Published: ۲۰۲۳-۰۹-۲۷ - Modified: 2023-09-27 - URL: https://tabcm.net/14012/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون - وسوم: آدم, حواء بخطوات هادئة، اقتربت حواء من آدم، وهي تخفي يديها خلف ظهرها.. نظر  إليها آدم ولأول مرة يرى تلك النظرة بعينيها..  رأى عيناها وقد امتزجت فيها جاذبيتها بمكر غريب عليها.. لقد أعتاد أن يرى عينيها الجميلتين وفيهما ذلك البريق الطفولي وهي تنظر له بحب وحنان وتوقير.. أما هذه المرة رأى فيهما نظرة هي مزيج من الجذل والسخرية والظفر. أعيد نشرها برغم ما لاقيته من انتقادات من البعض لكني حقيقة لا أملك إلا أن أحب كلماتي لأنها ابنتي وقطرات خيالي مهما شطحت وخرجت عن كل المسارات والمسلمات... بخطوات هادئة، اقتربت حواء من آدم، وهي تخفي يديها خلف ظهرها. . نظر  إليها آدم ولأول مرة يرى تلك النظرة بعينيها. .   رأى عيناها وقد امتزجت فيها جاذبيتها بمكر غريب عليها. لقد أعتاد أن يرى عينيها الجميلتين وفيهما ذلك البريق الطفولي وهي تنظر له بحب وحنان وتوقير. . أما هذه المرة رأى فيهما نظرة هي مزيج من الجذل والسخرية والظفر. - أين كنتِ يا حواء؟ ضحكت باستهزاء ضحكة بدت أيضًا غريبة عليها. . - أين كنت؟! إنها المرة الأولى التي تسألني عزيزي عن مكاني أو عن كيفية تمضية الوقت وأنت مشغول عني كعادتك، تاركًا إياي في وحدة وملل. . وكانت أيضًا تلك الكلمات غريبة على أُذني آدم. . - لست مشغولًا عنك يا حواء بل أنا أقوم بواجباتي التي كلفني الله بها. فقد أعطاني سلطان على تلك الخليقة لأعمل فيها وهذا عملي ولست زهدًا في عشرتك ولا تجاهلًا لك. - وأين أنا من أعمالك واهتماماتك! ولماذا أنت المنوط بالأعمال الهامة وأنا فقط مجرد تابع لك يدبر شؤونك. . أنت الظاهر في كل شيء وأنا أعمل في الظل! - الأمر ليس هكذا يا حواء، بل نحن عاملان معًا لنحقق الهدف المنشود من وجودنا سويًا وهو أن نمجد الله في خليقته. . أنت تعتنين بي وتمنحيني حبك وحنانك وهما ما يجعلاني فرحًا وقادرًا على إتمام واجباتي فلولاكِ يا حواء. . قاطعته بصوت مرتفع. . كفى يا آدم. . الرب لم يطلب منك أن تفعل ذلك طيلة الوقت، ألست أنا أيضًا شريكتك ويجب أن تهتم بي حسب وصية الرب لك بكوني نظيرة لك وبكوني من أروع مصنوعاته وعطيته لك. أنت لم تهدني هدية ولكن صديقتي الحية قد فعلت. . واستطردت. . عمومًا هذه المرة أنا من اعتمدت على ذاتي وأتيت لكِ بشيئًا مدهشًا عجزت أنت أن تفعله، لتعلم مدى فطنتي وشجاعتي. . ورأى آدم (الثمرة) بين يدي حواء فأرتاع قائلًا: إن تلك الشجرة على وجه الخصوص مُحرم علينا أن. . قاطعته للمرة الثالثة ولكن هذه المرة وضعت إصبعها على شفتيه في دلال. . ها أنت ذا تريد التقليل من شأني يا آدم وشأن هديتي لك لأبدو بلهاء وعلى غير نفع. . ها أنا أكلت منها ولم تزدني إلا شجاعة وجرأة كما ترى. . هيا يا آدم أثبت لي حبك الذي طالمَا تغنيت به في كلمات رومانسية ساذجة. - أنا منحتك قلبي يا حواء. كان آدم لازال نقيًا صادقًا. لازال يعبر عما بداخله ببساطة وبلا رياء. أما حواء فلقد تغيرت وتبدل قلبها ونظرتها لرجلها، ما عاد الحب يكفيها ولا الصدق يقنعها. - هيا يا آدم الحبيب اقبل هديتي الشهية، اتبعني هذه المرة واشعرني بأنني جديرة بالقيادة. . - حسنا يا حواء سوف أكل ما بين يديك وأثبت لك حبي لأنه يبدو أنه ما عاد يغنيكِ أن أعبر لك عنه بكلماتي كالسابق. . أنا لم أتسلط عليكِ بل أحبك وأراكِ ابنة قلبي. دعيني أتذوق تلك الثمرة الشهية حبيبتي. . اقتربت منه برقة ودلال وابتسمت ابتسامة ذاب لها قلب آدم وربتت على خده فزال خوفه. . وكان ظلام، وكان للخوف إيقاع آخر. . تُستكمل. . --- ### ملحمة جلجامش؛ الإصحاح الثاني - Published: ۲۰۲۳-۰۹-۲٦ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/13243/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون, تاريخ وميثولوچيا - وسوم: آنو, أدد, أفروديت, ألبيرت شوت, أوروك, إنانا, إنكيدو, إنليل, جلجامش, خمبابا, سامي سعيد, شمخات, شمش, طه باقر, عشتار, ڤينوس, نينسون جلبت شمخات إنكيدو إلى مخيم الرعاة، حيث تعرف على الحياة الجماعية وأصبح الحارس الليلي. وعرف من غريب عابر عن معاملة جلجامش للعرائس الجدد، فسافر إلى أوروك للتدخل في حفل زفاف. وعندما يحاول جلجامش زيارة غرفة الزفاف يقف إنكيدو في طريقه ويتقاتلان. وبعد معركة شرسة، يعترف إنكيدو بقوة جلجامش المتفوقة ويصبحان أصدقاء. يقترح جلجامش رحلة إلى غابة الأرز لقتل خمبابا الوحشي من أجل الحصول على السمعة والشهرة. وعلى الرغم من تحذيرات إنكيدو ومجلس الشيوخ، لا يتمكن أحد من تغيير رأي جلجامش. اللوح الثاني مقسّم على  ٥ أعمدة، المقروء منها ٢٣٨ سطرا، بنسبة ٦٣% من الإجمالي. خلاصة الإصحاح الثاني:جلبت شمخات إنكيدو إلى مخيم الرعاة، حيث تعرف على الحياة الجماعية وأصبح الحارس الليلي. وعرف من غريب عابر عن معاملة جلجامش للعرائس الجدد، فسافر إلى أوروك للتدخل في حفل زفاف. وعندما يحاول جلجامش زيارة غرفة الزفاف يقف إنكيدو في طريقه ويتقاتلان. وبعد معركة شرسة، يعترف إنكيدو بقوة جلجامش المتفوقة ويصبحان أصدقاء. يقترح جلجامش رحلة إلى غابة الأرز لقتل خمبابا الوحشي من أجل الحصول على السمعة والشهرة. وعلى الرغم من تحذيرات إنكيدو ومجلس الشيوخ، لا يتمكن أحد من تغيير رأي جلجامش. العمود الأوّل ٤٣)جلس إنكيدو أمام البغي،٤٤)وراح كلاهما يداعب الآخر. ٦٤)استمع إلى كلماتها، أصغى إلى حديثها،٦٥)ونصيحة المرأة وقعت من قلبه موضع الرضى. ٦٧)خلعت عنها الثوب؛٦٨) فكسته بنصف،٦٩)واحتفظت بالنصف الآخر. ٧١)أخذته من يده٧٢)كأنه طفل صغير٧٣)إلى مائدة الرعاة، إلى موضع الحظائر،٧٥)وتجمع الرعاة حوله،٧٦)لكن إنكيدو الذي أَلِف سكنى الجبال،٧٧)قد شبَّ كذلك على أكل العشب مع الظباء... ... . ٨١)تعوَّد أن يرضع لبن الحيوانات البرية. ٨٣)وضعوا أمامه طعامًا،٨٤)فارتبك ونفر منه،٨٥)أخذ ينظر إليه ويحدق فيه؛٨٦)فإنكيدو لا يعرف كيف يؤكل الخبز،٨٨)ولا يفهم كيف يُشرب الشراب المُسكر! ٩٠)فتحت البغي فمهاـ٩١)وقالت لإنكيدو:٩٢)«كُل الخبز يا إنكيدو،٩٣)فهوالحياة،٩٤)واشرب من الشراب المسكر، فهذه عادة البلاد. »٩٥)أكل إنكيدو من الخبز حتى شبع،٩٧)شرب من الشراب المسكر سبع جرار! ٩٩)انتشت روحه وفرحت،١٠٠)وابتهج قلبه وأشرق محيَّاه! ١٠٢)غسل بالماء جسده المشعر،١٠٤)دهن نفسه بالزيت وغدا إنسانًا. ١٠٦)ارتدى ثوبًا، فبدا كالرجال. ١٠٨)أخذ سلاحه وانطلق يهاجم الأسود،١١٠)الرعاة أن يناموا الليل! ١١١)صرع الذئاب، وطارد الأسود،١١٣)فاستراح رعاةالعجائز؛١١٤)إنكيدو حارسهم،١١٥)الإنسان اليقظ، الرجل الأوحد... ... . ١٣١)أخذته النشوة والبهجة. ١٣٢)لما رفع عينيه، لمح رجلًا! ١٣٤)قال للبغي:١٣٥)«دعي الرجل يمضي، أيتها البغي! ١٣٦)لماذا جاء؟ أريد أن أدعوه باسمه! »... ... ١٤٢)فتح الرجل فمه وقال لإنكيدو:١٤٤)«أريد أن أقودك إلى بيت العائلة! ١٤٥)قُدِّر على الناس، أن يستأثر جلجامش باختيار العروس،١٤٧)وأن يفرض على المدينة حمل السلالبالآجر. ١٤٨)إنإطعام المدينة يقع على النساء المرحات،١٤٩)وقد فتحت لجلجامش، ملك أوروك ذات الأسواق،١٥٠)شباك الناس. ١٥١)لجلجامش، ملك أوروك ذات الأسواق،١٥٢)فتحت شباك الناس ليكون أول من يدخل،١٥٤)فيضاجعها ويدخل عليها،١٥٥)قبل أن يدخل عليها زوجها. ١٥٧)إن هذه هي إرادة الآلهة ومشورتهم،١٥٨)وإنهم منذ أن قطع حبله السري١٥٩)قد قدروه له. »١٦٠)لما سمعكلام الرجل،١٦١)امتقع وجهه... ... ... ١٧١)سار إنكيدو في المقدمة،١٧٢) ومن خلفه البغي. ١٧٣)ولما دخل أوروك ذات الأسواق،١٧٤)تجمَّع الناس حوله،١٧٥)وعندما وقف على الطريق١٧٦)في أوروك ذات الأسواق،١٧٧)احتشد الناس كذلك حوله١٧٨)وأخذوا يقولون:١٧٩)«إنه يُشبه جلجامش في بنيته،١٨٠)وإن يكن أقصر قامة منه،١٨١)وأقوى عظامًا. ١٨٢)وحيث وُلِد الرجل،١٨٣)أن يأكل أوراق الربيع،١٨٤)ويرضع لبن الحيوانات البرية. »١٨٦)كانت الأضاحي تُقدَّم في أوروك بغير انقطاع،١٨٧)والرجال الأبطال يتطهرون،(ملحمة جلجامش، اللوح الثاني، العمود الأوّل) (١)في الأصل الآشوري لا يمكن تبين شيء مفهوم من نص العمود الأول، وقد رجع هيدل للنص البابلي القديم الموجود بجامعة بنسلفانيا الذي يتعلق الجزء الأول منه بإعادة لما ورد بالعمود الخامس باللوحة الأولى سطر ٢٥ وما بعده ٤٣، ٤٤ = عمود ٢، ٢، ٣، ٦٤ = عمود ٢، ٢٤–٢٦، ٨١–١١٥ عمود ٣، ١–٣٧. (٢)تضع الترجمات السابقة كلمة "الأقداح" بدلًا من كلمة "الجرار" التي لم تتأكد صحتها بعد؛(٣)لعل الترجمات السابقة أن تكون أقرب إلى معنى السياق، إذ جاء هذا السطر فيها كما يلي: فقال آتيني بالرجل يا بغي، أحضري الرجل إليَّ أيتها الكاهنة، يا محظية اجلبي الرجل. (٤)أو بيت الاجتماع، وبيت الزواج، وبيت الرجال، وبيت العرائس، وبيت الأمة، كما جاء في الترجمات الأخرى، وعلى الرغم من غموض هذا السطر، فالأرجح أن يكون الرجل قد أسرع بالمجيء إلى إنكيدو ليخبره بمظالم جلجامش وقهره لشعبه وتدنيسه للحرمات، وربما يكون أهل أوروك قد أرسلوه ليثأر لهم منه أو يوقفه عند حده على أقل تقدير، والملاحظ أن جلجامش كان يستأثر «بالحق في الليلة الأولى» الذي كان يخول بعض الحكام والملوك والنبلاء في العصور القديمة والوسيطة حق الدخول على العروس قبل أن يدخل عليها زوجها الشرعي، راجع ترجمة ألبيرت شوت، ص٣٠، هامش رقم ١، وكذلك ترجمة طه باقر، ص٧٠ هامش رقم ٧٣-٧٤. (٥)ربما يوضح هذا السطر بالإضافة إلى السطر رقم ١٤٩ ما غمض من السطر السابق الذي يوحي بتجمع الناس واحتجاجهم على استبداد جلجامش وتسخيره لشعبه وانتهاك حرماته، كما سيرد في السطور التالية التي ما يزال الغموض يحيط بمفرداتها وتراكيبها، والسطور من ١٤٩–١٥٢ تؤديها ترجمة سامي سعيد على النحو التالي: «الساحة العامة والطبل، مهيأة إلى ملك أوروك من أجل أن يتصل بالعروس، الساحة العامة والطبل، مهيأة إلى (كلكاميش ملك أوروك) كيما يأخذ العروسة، المرأة التي حتم له القدر أن يضطجع معها»(٦)حتى هنا يتفق مع النص البابلي القديم بالعمود الخامس سطر ٢١. (٧)من هنا حتى ٢٤١ اختلاف في ترتيب السطور وإعادة لبعضها مع الحفاظ على المعنى = اللوحة الثانية، العمود الخامس ٣١. العمود الثاني ٤٢)ويقبِّلون قدميه كالأطفال الضعاف،١٨٨)وضع إناء للبطل الذي وجهه... ١٩٠)لجلجامش وضعت الحاجيات المناسبة١٩١)كما لو كان إلهًا،١٩٢)وتم إعداد الفراش لأشتارا؛١٩٤)تعود جلجامش أن يتصل بالآلهة ليلًا. ١٩٦)ولما اقترب وقف إنكيدو في الطريق،١٩٨)يريد أن يسدَّه عليه،٢٠٠)ويمنعه من الدخول إلى المخدع... ... . ٢٠٩)رأى جلجامش إنكيدو الهائج،٢١٠)الذي وُلِدَ في البرية، بشعر رأسه الغزير. ٢١٢)نصب قامته وتقدَّم إليه. ٢١٤)تصادما فيسوق البلاد. ٢١٥)سد إنكيدو الباب بقدمه،٢١٧)ومنع جلجامش من الدخول. ٢١٨)هنالك أمسك كل منهما بالآخر، وتصارعا كثورين،٢٢٠)حطما عمود الباب، وارتجَّ الجدار! ٢٢٢)جلجامش وإنكيدو٢٢٣)أمسك كلٌّ منهما بالآخر، تصارعا مثل ثورين،٢٢٥)حطما عمود الباب، وارتجَّ الجدار! ٢٢٧)وعندما ثنى جلجامش ركبته، وقدمه ثابتة في الأرض،٢٢٩)انفثأتغضبه، وأدار صدره. ٢٣١)وما إن أدار صدره،٢٣٢)حتى كلَّمه إنكيدو، كلَّم جلجامش:٢٣٤)يا لك منفذٍّ ولدتك أمك،٢٣٦)أمك نينسون، بقرة أوروك الوحشية! ٢٣٨)رأسك مرفوع فوق رءوس الأبطال،٢٣٩)وقدَّر لك إنليل الملك على الناس،٢٤١)وبقوتك تفوقت على أمراء العالم... ... . ١٩)قبَّلا بعضهما وعقداالصداقة... (ملحمة جلجامش، اللوح الثاني، العمود الثاني) (٨)إشتار أو إيشخارا إلهة ربما تربطها صلة القرابة بإلهة الحب والخصب الشهيرة عشتار، وربما تكون شكلًا من أشكالها، وهذا السطر يشير إلى طقس الزواج المقدس الذي كان يقضي باتصال الملك السومري بالآلهة عشتار، رمز الخصب والرخاء، ممثلة في كاهنة المعبد أو البغي المقدسة، في المخدع المعد لذلك في إحدى حجرات المعبد. (٩)هنا تبدأ اللوحة الثالثة بالترجمتين البابلية: القديمة والآشورية، وتوجد البابلية بجامعة بيل، وتشتمل على نفس القصة الموجودة بلوحة جامعة بنسلفانيا، وتوجد بهما بقايا من السطور ١٣–١٨، ولكنها لا تفيد معنى يمكن أن يُفْهَم. العمود الثالث ٤٣)«إنه أقوى مَنْ في البلاد، وبأسه شديد،٤٤)وقوته جبارة مثل قبضة آنو! ٤٥)ما من أحد يصمد له! اشمليه أنتِ برعايتك! »٤٦)قالت أم جلجامش لابنها،٤٨)نينسون، البقرة الوحشية، قالت لجلجامش:٤٩)«يا بني... ٥٠)بمرارة ... »(ملحمة جلجامش، اللوح الثاني، العمود الثالث) (*)يبدو أن نينسون قد عبرت عن دهشتها من منظر إنكيدو، ويحتمل أن تكون السطور التالية هي ردُّ جلجامش عليها. العمود الرابع ٤)يشكو بمرارة ... ٥)«ليس لإنكيدو أب ولا أم،٦)شعر رأسه الطليق لم يُحْلَق أبدًا. ٧)في البرية وُلِد، فلم يربِّه أحد. »٨)هناك وقف إنكيدو وسمع كلامه،٧٢)امتلأت عيناه بالدموع،٧٣)شعر بالأسى،٧٤)فأطلق زفرة أليمة. ٧٥)امتلأت عينا إنكيدو بالدموع،٧٦)شعر بالأسى ... ٧٧)راح يعاني. ٧٨)أحنى جلجامش رأسه،١٢)أمسك كل منهما بالآخر، وجلسا سويًّا،١٣)ويداهما متشابكتان كالعشاق،٧٩)وقال جلجامش لإنكيدو:٨٠)«يا صديقي، لماذا امتلأت عيناك بالدموع،٨٢)وشعرت بالأسى ... والمعاناة؟»٨٤)فتح إنكيدو فمه وقال لجلجامش:٨٦)«إن الحزن يخنقني يا صديقي؛٨٨)تراخى ذراعاي، ووهنت قواي. »٩٠)فتح جلجامش فمه وقال لإنكيدو:... ... ٩٦)«في الغابة يسكن خمبابا الرهيب،٩٧)فلنقتله أنا وأنت،٩٨)ونمحو كلَّ شر من البلاد. ٩٩)دعنا نقطع شجرة الأرز. »... ... ١٠٣)فتح إنكيدو فمه وقال لجلجامش:١٠٥)«لقد عرفت، يا صديقي،في الجبال والمرتفعات،١٠٦)وأتجول هنا وهناك مع حيوانات البرية،١٠٧)أن الغابة تمتدعشرة آلاف ساعة مضاعفة! ١٠٨)مَنْ ذا الذيعلى التوغل في أعماقها؟١٠٩)وخمبابا — زئيره الطوفان،١١٠)مِن فِيهِ النار، ونفسه الموت! ١١٢)ماذا يدفعك لأن تفعل هذا؟١١٤)لن يقوى أحد على الهجوم على مسكن خمبابا. »١١٦)فتح جلجامش فمه وقال لإنكيدو:١١٨)«أشجار الأرز، لقد عزمت على أن أرتقي جبلها،١١٩)الذي يقع وسط الغابة الهائلة! ١٢٢)أريد أن أمضي إلى الغابة، مسكن خمبابا،١٢٤)وستكفيني فأس أستعين بها في القتال،١٢٥)أما أنت فَلْتبقَ هنا، وسأنطلقوحدي. »١٢٧)فتح إنكيدو فمه وقال لجلجامش:«كيف يمكننا الذهاب ... إلى غابة الأرز؟إن حارسها هو قير،... وهو قوي، لا يغمض له جفن أبدًا. خمبابا ... إن قير معه،أدد ... (ملحمة جلجامش، اللوح الثاني، العمود الرابع) (١٠)قير: أو "ور" أو "ورور": هو أحد آلهة الطقس، ويرجح بعض العلماء أن "ور" أو "مر" هو أحد مسميات إله الطقس أدد (أو "حدد" في الأوغاريتية والآرامية) أو هو التسمية الشعبية الشائعة للإله أدد، والغريب أن ترجمة سامي سعيد لهذه السطور المهشمة تأتي مناقضة للمعنى والسياق العام فتقول: فتح إنكيدو فاه وقال لكلكامش: كيف تذهب إلى غابة الأرز، حارسها كلكامش المحارب. العمود الخامس ٥)عيَّنه إنليل لحماية أشجار الأرز،وجعله يبعث الرعب فيالناس،٦)ومَن يوغل في الغابة يطبق عليه الشلل! »١٣٨)فتح جلجامش فمه وقال لإنكيدو:١٤٠)«مَنْ ذا الذي يستطيع، يا صديقي، أن يصعد للسماء؟١٤١)إن الآلهة وحدهم مخلَّدون على عروشهم مع شمش،١٤٢)أيام البشر فمعدودة،١٤٣)وكل ما يعملون ريح باطلة. ١٤٤)إنك تخشى الموت وما زلنا هنا،١٤٥)فماذا دهى قوة بطولتك؟١٤٦)لهذا عقدت العزم على أن أتقدمك،١٤٧)وَلْينادني فمك عندئذٍ: «تقدَّم! لا تخف! »١٤٨)وإذا سقطت فقد رفعت اسمي،١٤٩)سيقول الناس: «لقد تجرأ جلجامش على منازلة خمبابا الرهيب. »... ... ١٥٨)أريد أن أمدَّ يدي، وأقطع أشجار الأرز،١٦٠)وأصنع لنفسي اسمًا خالدًا! ١٦١)الآن، يا صديقي، سأسرع إلى صانع السلاح،١٦٢)أن يصب البلطات أمامنا. »١٦٣)أمسك كل منهما بالآخر، وأسرعا إلى صانعي السلاح. ١٦٤)كانوا هناك مجتمعين للتشاور،١٦٥)صبوا بلطات عظيمة،١٦٦)صبوا فئوسًا زنتها ثلاث طالنتات،١٦٧)صبوا سيوفًا عظيمة،١٦٨)نصليزن طالنتين،١٦٩)ومقابضها ثلاثون رطلًا. ١٧٠)صبوا سيوفًا من ذهب زنتها ثلاثون رطلًا! ١٧١)وتسلَّح كل من جلجامش وإنكيدوتزن عشر طالنتات! ١٧٢)توجَّه الناس إلى بوابة أوروك ذات المزاليج السبعة،١٧٣)وهناك احتشد الخلق. ١٧٤)فرح الناس وابتهجوا في شوارع أوروك ذات الأسواق،١٧٥)ورأى جلجامش فرحة الشعب في شوارع أوروك ذات الأسواق. ١٧٧)عندئذٍ شَرَعَ يتكلم بينما جلس الشعب أمامه. ١٧٨)جلجامش قال لشعب أوروك ذات الأسواق:١٨٠)«أريد أن أرحل للقاء خمبابا الرهيب. ١٨١)أريد، أنا جلجامش، أن أرى مَنْ يتحدثون عنه،١٨٢)ذلك الذي تردد الأفواه اسمه في البلاد،١٨٣)أريد أن أصرعه في غابة الأرز! ١٨٤)إن ابن أوروك قوي،١٨٥)هذا ما أريد أن تسمعه البلاد! ١٨٦)سأمد يدي وأقطع أشجار الأرز،١٨٧)وأسجل لنفسي اسمًا خالدًا! »١٨٨)رد شيوخ أوروك ذات الأسواق١٨٩)على جلجامش قائلين:١٩٠)«لأنك، يا جلجامش، لم تزل شابًّا؛فقد حملك قلبك بعيدًا. ١٩١)إنك لا تدري ماذا تصنع! ١٩٢)لقد سمعنا عن خمبابا أن منظره مخيف؛١٩٣)مَنْ ذا الذي يقوى على الصمود لأسلحته؟١٩٤)الغابة تمتد عشرة آلاف ساعة مضاعفة؛١٩٥)مَنْ ذا الذي يجرؤ على التوغل في أعماقها؟١٩٦)خمبابا؛ إن زئيره هو الطوفان،١٩٧)ينفث فمه النار ونفسه الموت؛١٩٨)فما الذي يدفعك على هذا الفعل؟١٩٩)ما من أحد هاجم مسكن خمبابا وانتصر عليه. »٢٠٠)ما إن سمع جلجامش كلمة ناصحيه،٢٠١)حتى نظر إلى صديقه وهو يبتسم:«الآن، يا صديقي، أجيب قائلًا:... »... ... ٢١٢)«ﻓﻟ... إلهك الحامي، ويهديك٢١٤)على الطريقإلى أوروك ذات الأسواق. »٢١٥)وبعد أن ركع جلجامش، رفع يديه:٢١٦)«فلتستجبلدعائهم. ٢١٧)سأمضي الآن يا شمش! وإليك أرفع يدي،٢١٨)لتحفظ عليَّ روحيلها النجاة،٢١٩)وترجعنيإلىذات الأسوار المنيعة! ٢٢٠)ابسط أنت عليَّ ظل! »٢٢١)ثم نادى جلجامش صديقه،٢٢٢)واستطلع فأله معه... ... . ٢٢٩)جرت الدموع من عيني جلجامش:٢٣٠)«طريق ... لم أسلكه في حياتي،٢٣١)وكذلك لا أعرف يا ربي أخطاره؛٢٣٢)فإذا حفظت روحيلها النجاة،٢٣٣)فسوف أبذل لك الحب كما يشتهي فؤادي،٢٣٤)وأشبعمن بيت مباهجك،٢٣٥)وأجلسك على العروش. »٢٣٦)ثم أحضر الخدم أسلحته:٢٣٧)السيوف العظيمة والقوس والكنانة. ٢٣٩)... سلموها له، أخذ البلطات،٢٤١)وعلق كنانته، وقوس أنشان،٢٤٣)وثبت السيف في حزامه. ٢٤٤)تقدموا على الطريق،٢٤٥)... أحضروا: «جلجامش،٢٤٥)... أعده إلى المدينة! »(ملحمة جلجامش، اللوح الثاني، العمود الخامس) (١١)قارن سفر الجامعة، الإصحاح الأول ٢–٤، ١٥: «باطل الأباطيل قال الجامعة باطل الأباطيل الكل باطل، ما الفائدة للإنسان من كلِّ تعبه الذي يتعبه تحت الشمس» ... «رأيت كل الأعمال التي عُمِلَت تحت الشمس فإذا الكل باطل وقبض الريح»(١٢)أو ثلاث وزنات، والوزنة البابلية (أو الطالنت) تساوي ستين رطلًا. (١٣)من المؤسف أن كلام جلجامش لصديقه قد ضاع بأكمله تقريبًا، ومن الواضح أن الجزء التالي يرد على لسان الشيوخ. (١٤)حرفيًا: فليتم ما نطقوا به. (١٥)يبدو أن طالعه لم يكن كما تمناه ... راجع السطور التالية من ٢٢٩ إلى ٢٣٥ التي يتضرع فيها إلى جلجامش وهو يذرف الدموع. (١٦)أو لا أعرف أحواله وتقلباته وتحولاته. (١٧)يلاحظ أن السطور الستة الأخيرة مخرومة ومشوهة، وقد أسقطتها معظم الترجمات باستثناء هذه الترجمة التي لم تيأس من محاولة رتقها ورأب صدوعها كما فعلت مع مقاطع وسطور أخرى عديدة. (١٨)هي في مملكة عيلام القديمة، كانت مشهورة بصناعة الأقواس، وتقع اليوم في عربستان أو خوزستان في غرب إيران بين حسين أباد وكرمنشاه. (١٩)ربما يُفْهَم من السطور الثلاثة الأخيرة التي شُوِّهَت تشويهًا بالغًا أن أهل أوروك بدءوا ينصرفون بعد توديع الملك، تدل على ذلك الكلمات الأخيرة التي توحي بأنهم قدموا له بعض الهدايا وتمنوا له قرب العودة، أو طلبوا من صديقه إنكيدو أن يحافظ عليه ويعيده سالمًا إلى أوروك... أما حديث الشيوخ ونصائحهم للبطل الذي صمم على المغامرة فترد مع بداية اللوح الثالث. --- ### الدم النقي كلُّه - Published: ۲۰۲۳-۰۹-۲۵ - Modified: 2023-09-25 - URL: https://tabcm.net/14009/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون - وسوم: ليفربول في سبتمبر 2019م، ترجمت هذه القصة وقد اخترتها من ضمن 5 قصص لحسن ختامها، غير عالم بما سيحدث بعد شهور قليلة. ففي نوفمبر من نفس العام، 2019م، بدأ انتشار وباء الكورونا، وكنا نظن إنه إنفلونزا غريبة!! في سبتمبر 2019م، ترجمت هذه القصة وقد اخترتها من ضمن 5 قصص لحسن ختامها، غير عالم بما سيحدث بعد شهور قليلة. ففي نوفمبر من نفس العام، 2019م، بدأ انتشار وباء الكورونا، وكنا نظن إنه إنفلونزا غريبة! ! ولكن مع تزايد أعداد الإصابات اتضح الأمر، كأن ما كُتب في هذه القصة كان نموذجًا يتم تطبيقه أو خطوات لا مفر منها! ! فكان ما كان من موت عشرات الآلاف في مختلف جهات العالم، حتى وصل إلى أكثر من 8 ملايين من البشر (وما خفي كان أعظم). حفظكم الله وإيانا من كل الأمراض والأوبئة. تصوَّر هذا: إنك عائدٌ إلى المنزل بعد رحلة عمل لساعاتٍ طويلة، فتسمع راديـو السيارة، وتنتبـه إلى خبرٍ يُذاع يقول: ”إنَّ في قرية صغيرة في الهند، فوجئ الأطباء بوفـاة عـددٍ قليل مـا بين 3 أو 4 من القرويين هناك، بسبب حالة إنفلونزا لم يَرَوْا مثيلًا لها. إنها ليست إنفلونزا، ولكنها مرضٌ غريب لم يعرفوه بعد. وقد أرسلوا عددًا من الأطباء لفحص هذه الحالات“. وفي اليوم التالي تستمع إلى الأخبار، فتعلم أنَّ العدد تزايَد، فأصبح 30 ألفًا من القرويين. ويبـدأ التليفزيون في نَشْر هـذه الأخبار، وأنَّ بعض سُكَّان ولايـات أمريكا الجنوبية، بـدأوا في السَّفَر بعيدًا خوفًا من هذه الآفة التي ظهرت مُجدَّدًا. وفي الصباح التالـي، تسمع عـن انتشـار الفيروس في باكستان وأفغانستان وإيران... وفي كل مكان تسمع أخبارًا عن هذا الوباء. ثم تسأل نفسك: ”كيف نستطيع مواجهة هذا الوباء؟". ثم يظهـر الرئيس الفرنسي على التليفزيون، ليُعلِن أنَّ فرنسا قد أغلقت حدودها مع جيرانها، مِمَّا يصدم كل أوروبا؛ بل إنَّ رِحْلات الطيران توقَّفت بين الهند وباكستان وإيران. أما أنت فتُتابع هذه الأخبار عن كَثَبٍ، وخاصةً حينما تسمع قصة رجلٍ مـن باريس قـد أصابته هـذه الإنفلونزا الغريبة! لقد اخترق هذا المرض أوروبا! مرَّةً أخرى، تسمع عن هذا المرض: فالإنسان الذي تعرَّض لهذا المرض، يُصاب لمدَّة أسبوع، ولكـن بدون أعراضٍ ظاهرة. ثم يُصاب لمدَّة أربعة أيـام بأعراضٍ لا تُصدِّقها من غرابتها، ثم أخيرًا يموت! ثم تتواتـر الأخبار، بـأنَّ انجلترا قد أغلقت حدودهـا مـع دول أوروبـا، إذ سـبق ذلـك، إصابة أشخاص مـن عـدَّة مدن هناك: ليفربول، وما جاورها. وفي صباح اليوم التالي، تُفاجأ بهـذا الخبر: رئيس الولايات المتحدة الأمريكية يُعلِن في التلفاز الآتي: ”بناءً على مخاطـر أمنيـة، فـإنَّ كـلَّ الطائـرات القادمة مـن أوروبا، والمسافرة إلى هناك، قـد أُلغِيَتْ رحلاتها. فـإذا كـان أحبَّاؤكم هناك، فنحن نأسف لذلك، فلا يمكننا قَبُول دخولهم إلى بلادنا، حتى نجد علاجًا لهذا المرض“. وفي غضـون أربعة أيـام تصير الدولة كلهـا غارقة في حالةٍ من الخوف والرعب من جراء هذا المرض: ”الإنفلونـزا المجهولة“! والناس يقولـون: ”ماذا لو أصاب هذا المرض بلادنا؟"، وتكلَّم الوعَّاظ من على المنابر وقالوا: ”إنه تأديبٌ من الرب“! وفي غـد هـذا اليوم يستمع الجميع لهـذا الخبر: ”توجـد امرأتـان في مستشفى قـريبة مـن العاصمـة تحتضران بسبب هـذا المرض المجهول“. فلقـد سيطر هـذا المرض على كل أرجاء الدولة واخترق الحدود. بدأ الأطباء والعلماء يعملون على مدار الليل والنهار في محاولة منهم لإيجاد لِقاح مُضاد لهذا المرض. ولكن لم تنجح كل هذه الأبحاث. ونتيجة لـذلك، فقـد انتشر المـرض في: كاليفورنيا، أريزونا، فلوريدا... فالمرض ينتشر كالوباء، ولا نتيجة للأبحاث لدرء الخطر عن الدولة كلها. الأخبار السارة: تتداعَى الأحداث، ثم تنفرج عـن خبرٍ سار أبهج الجميع: لقـد تمَّ فكِّ شفرة هـذا المرض اللعين، وعرف العلماء أنَّ لقاحًا(1)يمكن أن يتمَّ تكوينه لمواجهة هـذا المرض. فسوف يتمُّ أَخْذ دماء شخص مُتبرِّع لم يُصَبْ بعد بهذا المرض. ولـذلك تمَّ التنبيه على كـل الناس أن يذهبوا إلى المستشفيات الرئيسية ليتـمَّ فحص عينـات الدَّم الخاصة بهم. ونتيجـة لهـذا التنبيـه، يـذهب الجميع إلى المستشفيات. وهناك تجـد جـارك مـع امرأته وأولاده، وتجد أقاربك: عمك مـع عائلته، وخالك مع خالتك وأولادهما الذيـن لم تَرَهُم منذ زمنٍ بعيد. ويتبادَل الجميع التحيَّات والقبلات. فيدخل الجميع الواحد تلو الآخـر، لأَخذ عينة الدَّم منه، ثم ينتظر الجميع -وأنت منهم- في ساحة انتظار وهم مترقِّبون نتيجة التحاليل. فجأةً، يخـرج شخص مـن الطاقـم الطبي يُنادي على اسمٍ مُعيَّن. وتجـد أنَّ ابنك يُنبِّهك أنه اسمه! وقبل أن تنتبه له، تجـد ابنك قـد خُطِفَ مـن جانبك، وأُخِذَ إلى داخل المستشفى. فتصرخ وتقول: ”انتظروا! ما الأَمر“؟ فيُقال لك: ”إنَّ دمه نقي، لم يتلوَّث بعـد. ولـذلك سوف نتأكَّد أنه لم يُصَبْ بالمـرض اللعين. ونعتقد أنَّ فصيلة دمه مُطابقة للشروط“! تمـرُّ خمس دقائق ثقيلة على الجميع، ثم يخرج الأطبـاء والممرضات، وبعضهم يبكي، والآخرون يُهنئون بعضهم بعضًا وهم فرحـون! فيأتي نحوك طبيب كبير ويقول لك: ”شكرًا، يا سيِّد. فدماء ابنك نقيَّة تمامًا! يمكننا أن نصنع منها اللِّقاح المطلوب“. وتنتشـر هـذه الأخبار إلى كل مَـن حولكم. فيفـرح البعض ويُهنئون بعضهم بعضًا، والبعض الآخـر يبتهجـون مُصَلِّـين وشاكـريـن لِمَـا توصَّل إليه الأطباء. ثم يأتي الطبيب الكبير ويُناديك أنت وزوجتك، قائـلًا: ”هـل مـن الممكن أن نتكلَّم قليلًا“؟ ثم يستطرد ويقول: ”لم نكن نعرف أنَّ صاحب هذه العيِّنات سيكون صغيرًا هكذا؟... نحن نريد منكما أن توقِّعا على صيغة موافقة“! فتقرأ هـذه الورقـة، ثم تبـدأ في التوقيع بالموافقة؛ ولكـن تنظر إلى بيانٍ غير مكتوب في الورقة، وهو يحتوي على كَمَيَّة الدَّم التي ستؤخذ من المتبرع! فتسـأل الطبيب: ”كم هي كَمَيَّة الدَّم المطلوبة“؟ هنا تختفي ابتسامة الطبيب، ويقـول: ”لم نكن نعلم أنـه ولدٌ صغير، فلم نكن مُستعدِّين لذلك. فنحن سنحتاج إلى كل كَمَيَّة الدَّم“! ! ! - فتُجيب: ”ولكن، ولكن، إنه ابني الوحيد“! - فيُجيبك الطبيب: ”ولكننا نتكلَّـم هنا عـن احتياج العالم كله... أرجوك أَكْمِل توقيعك! نحن في عَجَلةٍ من الأمر“. - تَرُدُّ وتقـول: ”أَلا يمكن أن تُنقل إليه دماء أخرى“؟ - يُجيب الطبيب: ”إذا كـان لدينا دماء نقيَّة، لكُنَّا أعطيناه... إذا سمحتَ أَكْمِل توقيعك“. وبأنامل مرتعشة، وبرجفة تسري في دمائك، تُكمِل توقيعك على صيغة الموافقة على أَخْذ كـل دماء ابنك! ! ”أفسحوا الطريق! تفضَّل مـن هنا يا سيِّدي! إنه هنا في هذا المكتب“. وحينئذ تجد ابنك جالسًا، وهو يقول لك: ”أبي، أُمي، لماذا أنا؟ ما الذي يجري ههنا“؟ فتأخذ يديه بين يديك وتقول له: ”يا ابني، إنَّ أُمك وأنا نُحبُّك ولا يمكـن أن نسمح بأيِّ أمـر أن يحدث لك دون جدوى! هل تفهم هذا“؟ - وبعد ذلك يدخل الطبيب ويقول: ”أنا آسف، ولكـن علينا أن نبدأ! إنَّ الناس يموتون في كـل أنحاء العالم“. - فيردُّ ابنك: ”أبي، أُمي، لماذا هذا؟ ما الذي يحدث؟ لماذا تتركونني“؟ بعد أسبوع من هـذه الأحداث، يكـون هناك لقاء لتكريم ابنـك. ولكـن، البعض كانوا نيامًا، والبعض الآخـر لا يُفكِّرون أن يأتـوا. وهنا أَلا تنفعل وتغضب وتصرخ قائلًا لهم: ”إنَّ ابني مات لأجلكم! ألاَ تفهمون؟ أَوَلا تهتمُّون؟ هل يعني هذا أي شيء لكم“؟ هل هذا هو ما يُريد الله أن يقوله لنا: ”أَلا تفهمون؟ أَلا تُدركون أنَّ ابني قد مات لأجلكم! أَلا يعني هذا أي شيء لكم؟ أَلا تهتمُّون“؟ «لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَـنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ»(إنجيل يوحنا 3: 16) «(الله) اَلَّذِي لَمْ يُشْفِقْ عَلَى ابْنِـهِ، بَلْ بَذَلَهُ لأَجْلِنَا أَجْمَعِينَ، كَيْفَ لاَ يَهَبُنَا أَيْضًا مَعَـهُ كُلَّ شَيْءٍ؟»(رسالة بولس إلى العبرانين 8: 32) (1)”اللِّقاح“ هو إدخال ميكروبات أو مادة مُعدية في الجسم بكمية مُقدَّرة لإحداث درجة خفيفة مـن المرض، يتبعها توليد مناعة. --- ### ثالوثية النعمة في الوجود الإنساني - Published: ۲۰۲۳-۰۹-۲٤ - Modified: 2023-09-23 - URL: https://tabcm.net/13950/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: آدم فإن دعوة البشر إلى الوجود من العدم ـإن صحَّت هذه التسمية- كانت دليل وبسبب حضور/ وجود كينونة اللوغوس كلمة الله ومحبته للبشر حسب الكتاب المقدس والآباء:”في البَدْء كان الكلمةكل شيء به كان“(يوحنا 1)”فإنه فيهخُلِقَ الكل:ما في السموات وما علي الأرض،ما يُرَي وما لا يُرَى، سواءً كان عروشًا أم سيادات أم رياسات أم سلاطين. الكل به وله قد خُلِق“(كو١٦:١). إن خَلْقْ الله للإنسان هو نعمة. فالإنسان كان عدمًا غير موجود، وأنعم الله عليه بالوجود. هذه أوّل نعمة... الوجود من العدم. والنعمة الثانية التي أضيفت وبشكل خاص إلى الإنسان هي نعمة الصورة الإلهية ”نخلق الإنسان على صورتنا كمثالنا“ (سفر التكوين). لقد خلق الله الآب البشر حسب صورته بواسطة كلمته يسوع المسيح. والصورة والمثال عند الآباء وبخاصة آباء الإسكندرية هي الحياة العقلية الداخلية التي يحياها الإنسان. فالعقل هو قدرة روحية و فكرية، وهو أحد مكونات صورة الله في الإنسان. وقد أعطاها الله الإنسان ليكون له قدرة، بسبب تشبهه بخالقه، على أن يتأمل ويدرك ويفهم ماهو كائن، وبذلك أعطاه إدراك ومعرفة أزلية الله. ولأن الله يعرف أن البشر لهم إرادة حرة قد خلقهم سبحانه عليها ليتشبهوا به تبارك اسمه، لذلك دعَّم الله الإنسان بنعمة ثالثة، وهي الوصية والبيئة الخاصة التي خلقهم فيها وهي الفردوس. وبذلك فإن الوصية أو الشريعة ليست هي مصدر النعمة، بل هي تحفظ النعمة لأنها تحفظ حرية الإرادة فتظل مقيمة في النعمة. بالتالي فإن الحياة حسب الصورة الإلهية هي فوق وأعظم بكثير من الحياة حسب الشريعة والوصية بقدر عظمة الهدف عن الوسيلة للهدف. وهذا هو الأساس في قول المسيح إن ”السبتهو لأجل الإنسان، وليس الإنسان لأجل السبت" فالإنسان هو الذي نال الصورة الإلهية، بالتالي كيان الإنسان نفسه هو النعمة حسب الكتاب المقدس وحسب شرح ق. أثناسيوس لأن الإنسان ”خُتِمَ“ بختم ابن الله، أي نال الصورة الإلهية لابن الله. وفي التراث المسيحي الشرقي فإن الشريعة لا يُشار إليها بكلمة ”قانون Law“، لأنها ليست فروض أو أوامر “Commandment” بل وصية، أي علامة تُرشد مَن يريد إلى الطريق المستقيم. فإن غاية خلقة الإنسان على صورة الله هو أن يصل إلى الله نفسه ويصير على مثال خالقه. بالتالي فإن الشريعة ليست غاية بل وسيلة لأن المصير النهائي والأبدي للإنسان أن يكون على مثال خالقه. فصورة ومثال الله أعظم بكثير من ”افعل ولا تفعل“. أنطولوجية المعرفة عند الإنسان: هنا تجدر العودة إلى جوانب أنطولوجية المعرفة عند الإنسان. فالإنسان يعرف، ليس لأنه قادر على التفكير، وإنما يعرف لأن كيانه كله يحيا مثل الله، وهذه الحياة هي التي تشكِّل وتكوِّن المعرفة الإنسانية، أي المعرفة النابعة من كيانه المخلوق حسب الله أي حسب صورته، هذه ليست مثل المعرفة الآتية من العدم الذي هو صورة الإنسان الطبيعية التي جاء منها. فالإنسان بدون الله تصير معرفته عدمية نسبة إلى أصله الآتي من العدم/ اللا وجود/ الفساد. فالحياة هي التي تكوِّن المعرفة وليس المعرفة هي التي تكوِّن الحياة. هنا يتضح ما نسميه بالمعرفة الكاذبة التي تنبع من تعدي فكر الإنسان التدبير الذي خلقه الله عليه من خيرية الطبيعة والمعرفة التي بالضرورة تتجه إلى العدم كذلك. لأن الإنسان إذا استخدم فكره بدون الله ليتأمل كيانه، فإنه يجد في كيانه العدم واللا وجود. فالتجرد من معرفة الله يسوق الإنسان نحو ما لا وجود له، أي ما هو كائن في فكر الإنسان وخياله فقط، ولا وجود طبيعيًا أو حقيقيًا له، لأنه لم يُخلَق بواسطة الله. ”اللوجوس Logos“. . خَلَقَ . . ”اللوجي Logi“: حسب تسليم الآباء فإن كلمة الله اللوغوس Logos، أعطي ما يُعرَف عند الآباء باسم Logi، أي القوانين والحدود التي ترسم حدود كل طبيعة مخلوقة، فتجعل لها صلة بالله وبباقي المخلوقات، إذ تُحدِّد طبيعة وعمل كل مخلوق على حدة، وكل المخلوقات معًا في وحدة واحدة وفي انسجام. وتُقسَّم الخليقة بالنسبة إلى اتصالها بالخالق الله اللوغوس/ Logos، إلى الخليقة العاقلة Logi والخليقة غير العاقلة Alogi. فالوجود خيرٌ لأنه ينتمي إلى الحدود التي أعطاها الله لكل مخلوق. هذه الحدود Logi هي الوجود والصفات والعلاقات المعقدَّة مع الخليقة كلها التي يدبِّرها اللوغوس ابن الله حسب مسرته. إن عناصر الكون التي تبدو متنافرة مثل النار والماء لا يمكن أن توجد معًا بسبب تنافر طبائعها، وبذلك فإن وجودها هو دليل على أنها ليست موجودة بذاتها بل بسبب اللوغوس الذي أوجدها. لقد خلق الله الإنسان على صورته ومثاله لكي يؤسس في الإنسان الأساس الثابت والأبدي لعلاقة أبدية بالله، لأن الإنسان يتأمل خالقه كلمة الله ويرى فيه الآب ويتجدد بالشوق إلى الخالق. وهكذا تصبح عودة الإنسان إلى ذاته وكيانه المخلوق على صورة الله هي بداية التديُّن السليم. ومن لا يؤمن بذاته وبكيانه، فهو غير قادر علي أن يؤمن بآخر، حتى لو كان هذا الآخر هو الله : ”ها ملكوت الله في داخلكم“. الإنسان وتزييف المعرفة: إن سقوط الإنسان كان بتزييف كيانه، بالانتقال من الحالة التي خُلِق عليها كصورة لله، إلى حالة أخرى هي أن يكون الإنسان صورة لنفسه بدون الله. فالتعارض بين ما خلقه الله، وما كوَّنه الإنسان عن نفسه، هو ما يسمى بسقوط الإنسانية. وأنحدر الآب الأول آدم من صورة الله إلى صورة ذاته. ومن هنا نشأ التعارض بين محبة الله ومحبة الذات ومحبة الغريب. ولم يكن عبثًا أن أول وصية والوصية الثانية كانت تتعلق بهذا الخلل لأن محبة القريب التي تتساوى بمحبة الإنسان لنفسه هي الوضع الإنساني قبل السقوط الذي جاءت الوصية علامة ترشد الإنسان للطريق إليه لكي يصل إلى تجاوز عشقه لنفسه. فإن دعوة البشر إلى الوجود من العدم ـإن صحَّت هذه التسمية- كانت دليل وبسبب حضور/ وجود كينونة اللوغوس كلمة الله ومحبته للبشر. ولكن متى تجرَّد البشر من معرفتهم بالله يصبح فكرهم معملًا لاختراع ما لا وجود له، أي الشر، الذي هو الزَّيف حيث لا وجود له حسب أصله. فالبشر هم الذين تخيلوا الشر وتصورونه على مثالهم بعد أن تغربوا عن صورة الله فيهم، وأختاروا ذواتهم بدون الله مرجعًا لفكرهم، وهم بذلك غافلون أن مرجعهم هو العدم واللا وجود. ولكن ما معنى أن يتصور الإنسان والناس الشر على مثالهم؟ بأنهم يعتقدون أن الشر له وجود وكيان مثلما الإنسان موجود وكائن. ثم يعطي الإنسان كل صفاته أو بعضها لهذا الذي اخترعوه. فنجد في التاريخ أن البشر اخترعوا الأصنام وتوهموا أن ما لا وجود له موجود بالفعل. وما أشبه اليوم بالبارحة فيمَا تفتق ذهن البشر إليه من زَيف جديد بالعبث في الجندر البشري الذي نراه في الغرب الآن. ويجدر القول أن هذا الزَّيف الجديد إنما يطفح بزيفه وعدميته واللا وجود الذي له أكثر بكثير من الأصنام في القديم، لأن امتداد الخط البياني له يضرب في صميم الكيان الإنساني وليس خارجًا عنه كما في الأصنام، فهو يقود إلى فناء الجنس البشري والعودة إلى العدم. والسُبح لله. --- ### [٢] دكتور سامي - Published: ۲۰۲۳-۰۹-۲۳ - Modified: 2023-10-28 - URL: https://tabcm.net/13945/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون - وسوم: مدارس الأحد, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية - لو ربنا عاوز سامي هيجيبه يعني هايجيبه، ولو مش في مشيئة ربنا هيوقف الموضوع حتى لو كل الناس عاوزة سامي. - لأ معلش يا أبونا حاللني أنت، إحنا اللي بنجيب الناس ونرسمها ونقول دي إرادة ربنا. يوم الأحد ١٥ مارس سنة ٢٠٢٦، القداس لسه خلصان وأبونا يوناثان دخل مكتبه وهو ماسك دكتور سامي من إيده، ومعبط فيها جامد، كأنه خايف إنه يهرب منه، ووراهم تاسوني سارة زوجة دكتور سامي. أبونا يوناثان كاهن احتفل بعيد ميلاده الستين منذ أيام قليلة، لكن لما تبص في وشه تلاقي ملامح طفولية بريئة وابتسامة عذبة تملأ قلبك سلام، جلس أبونا وراء مكتبه، ومن أمام المكتب جلس دكتور سامي وتاسوني سارة وقال بصوت هادئ: بص يا سامي يا ابني سيدنا مستنيك النهاردة في المطرانية أنت وزوجتك تروحوا تقابلوهـ وبلاش تهرب ولا تقفل الأبواب المفتوحة يا ابني، دعوة ربنا محدش يقول لها لأ. -يا أبونا حاللني، القديس يوحنا ذهبي الفم بيقول: ليفحص كل شخص ذاته من الداخل، وأنا يا أبونا أبان قدام الناس وقدام قدسك إني كويس، بس أنا فعلا منفعش، مش تواضع صدقني دي حقيقة وأنا خاطئ بجد و... قاطعه أبونا يوناثان: يا سامي يا ابني يا حبيبي، الكهنوت دعوة و كرامة، والكهنوت يا ابني لا يُطلب ولا يُرفض، لا يأخذ أحد هذه الكرامة لنفسه إلا المدعو من الله. - أنا مع قدسك طبعا يا أبي إن الكهنوت دعوة، بس اللي مش قد الدعوة يرفضها عادي، قديسين كتار هربوا زمان من كرامة البطريركية والأسقفية، علشان خاطري يا أبونا اعفيني. تدخلت سارة بهدوء لتعضد على كلام زوجها، يا أبونا إحنا بنخدم في مدارس الأحد ويدوبك قادرين نسد بالعافية، الكهنوت كرامة إحنا مش قدها، وكمان حاللني يا أبي، إحنا من ساعة ما اتجوزنا وعندنا أحلام كتيرة لينا ولأولادنا لسه محققنهاش، ثم أنا بشتاق ليه وهو معايا أروح أسلمه بنفسي وما طولش منه أي حاجة ويبقى مش ليا ولا لأولاده؟ أبونا يوناثان رسم ابتسامة خفيفة على وشه وهو بيقولها: يا سارة هو إحنا هنخطفه منك ونرهبنه؟! ده هيبقى أبونا يا مرات أبونا (وراح رفع الصليب ورسم عليهم هما الاثنين علامة الصليب وهو بيقول): عمومًا روحوا لسيدنا، وهو كده كده لسه هيشوف، وأنت يا دكتور عارف سيدنا ما بيعجبوش العجب، ولو ربنا مش رايد يا ابني الدنيا هتقف لوحدها، لكن لو رايد مين يقدر يقول لأ؟ هم دكتور سامي بالوقوف وهو بيقول: خلاص يا أبونا أنا هروح أنا وسارة المطرانية نقابل سيدنا، وهعمل كل جهدي إنه يمشيني و يكسر ورايا قلّة. ضحك الجميع، وهم دكتور سامي وزوجته بالانصراف، ولكن طُرق الباب، واتفتح، ليدخل أبونا أنجيلوس وقبل الجميع بعض، ثم نظر أبونا أنجيلوس لدكتور سامي قائلًا: مالك يا دكتور بتترسم علينا ليه من قبل ما تترسم. - أنا يا أبونا! ! مقدرش طبعًا، أخطيت مقصدش لو كان ده اللي إتفهم مني (وراح ضارب ميطانيا) فمسكه أبونا أنجيلوس وقومه: إيه يا عم أنت فاكر نفسك راهب في الدير ولا إيه؟! وبعدين إنت لسه متناول مينفعش تضرب ميطانية، غلط اللي أنت عملته ده، شفت، متنفعش تبقى كاهن. - معاك حق يا أبونا، أنا منفعش أبقى كاهن، ولا أقدر على المسؤولية ديه، قدسك صح، قول لأبونا يوناثان بقى ونلغي مقابلة سيدنا النهارده. - من غير ما نلغيها يا حبيبي، ما تروحش، محدش غاصبك على حاجة. تدخل أبونا يوناثان وظهرت على ملامحه علامات الحزم ووجه كلامه لدكتور سامي: يا دكتور سيدنا في انتظاركم في المطرانية الساعة ٣ وما يصحش يبقى أبوك مستنيك وأنت متروحلوش، وبعدين يا أبونا أنجيلوس محدش فينا يستحق الكرامة دي، المجد بتاع المسيح والخدمة بتاعة أولاده واللي فاكر نفسه يستحق الكرامة يبقى غلبان. جلس أبونا أنجيلوس على الكرسي ورفع عينه ناحية دكتور سامي قائلًا: خلاص يا دكتور روح، و كده كده أنت مش إكليريكي ولا تعرف قبطي ولا حافظ الألحان الكبيرة، أنا بس كنت بنصحك علشان مقابلة سيدنا متكسرش نفسك وتحسسك بصغر الذات. تدخل أبونا يوناثان للمرة الثانية ووجه كلامه لدكتور سامي، روح يا ابني أنت ومراتك علشان تلحقوا الميعاد وما تتأخروش وربنا يختار ليكم ولحياتكم الخير. انصرف سامي وزوجته وخرجا من مكتب أبونا يوناثان، وظل أبونا أنجيلوس جالسا يتابعهما بعينيه حتى خرجا وأغلقا الباب، ثم وجه حديثه لأبونا يوناثان: يا أبونا سامي ده ما ينفعش، ده شبعان وعيلته غنية وهيبقى شوكة في ضهرنا كلنا، مش بس كهنة كنيستنا لكن كهنة المطرانية كلهم، ده غير إنه شايف نفسه بيفهم ومثقف مع إنه أصلا مش إكليريكي - يا أبونا علشان هو شبعان ومش بيسعى ورا الكهنوت بإيده وسنانه يبقى هو اللي ينفع، ما ينفعش نجيب ناس نرسمها علشان تترسم وتتمنظر على الشعب، الشعب تعب وساب الكنايس علشان ابتدوا يفتقدوا الأبوة فينا، كل واحد يترسم بيبص على إن الكهنوت سلطان وبينسى إن الكهنوت أبوة، وإن السلطان الوحيد للكاهن هو سلطان الحب، وقصة إنه مش إكليريكي ده أكبر دليل على إنه مش بيجري وراء كرامة الكهنوت مش زي الشباب النهارده اللي يفشل في حياته يروح يجري على الإكليريكية علشان لما يخلص يرسموه. قاطعه أبونا أنجيلوس بنظرة غاضبة وهم واقفًا: قصدك إيه يا أبونا؟! أنا دخلت الإكليريكية علشان أتعلم أصول العقيدة والطقس والكتاب المقدس، وأنا الوحيد اللي في الكنيسة اللي ليّا اجتماعات متخصصة والناس بتيجي من الكنايس اللي حوالينا علشان تحضر الاجتماع بتاعي - علشان الطمبلة يا أبونا، هداياك حلوة والشعب بيحب الهدايا. - لا يا أبونا علشان بيسمعوا كلام مفيد محدش بيعرف يقوله. - ربنا يزيدك يا أبونا، تعيش وتعلم ولادك وتفرحهم، بس أنا هقولك حاجة وحاللني فيها، لو ربنا عاوز سامي هيجيبه يعني هايجيبه، ولو مش في مشيئة ربنا هيوقف الموضوع حتى لو كل الناس عاوزة سامي. - لأ معلش يا أبونا حاللني أنت، إحنا اللي بنجيب الناس ونرسمها ونقول دي إرادة ربنا. - اللي أنت شايفه يا أبونا، عمومًا وصل وجهة نظرك لسيدنا وهو صاحب القرار مش أنا. - بس أنت أبونا الكبير وهو بيعمل حساب ليك. - يا أبونا، سيدنا بيعمل اللي هو شايفه وقدسك عارف كده كويس. في الوقت ده كان دكتور سامي وزوجته سارة راكبين عربيتهم ومتجهين ناحية المطرانية، ولما وصلوا ركنوا العربية، ودخلوا المطرانية، وقابلوا سكرتير المطرانية وقالوا له إن فيه ميعاد مع سيدنا. يتبع... --- ### ربوبيّة المسيح - Published: ۲۰۲۳-۰۹-۲۲ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/12615/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: أوريجينوس ليونايدس أدامانتيوس, الأب متى المسكين, الترجمة السبعينية, بنتاتوخ, توراة, توما الرسول, قديس بولس الرسول, كمال زاخر, نبي إشعياء, يهوه, يوسابيوس بامفيلوس القيصري والمسيح يصرح هنا أنه ليس ابن داود بل ابن الله: "فإن كان داود يدعوه ربًا فكيف يكون ابنه؟"، مع الانتباه للسؤال في أصله الذي يسأله المسيح: "ابن من هو؟"، لأنه إن لم يكن المسيح ابن داود، وداود يدعوه ربًا على التساوي فى الاسم مع الله ، جالسًا عن يمين الله على التساوي في رتبة الألوهة، إذًا يكون رد السؤال الذى سأله المسيح هو أنه ابن الله بالضرورة. "ابن الله يسوع المسيح ربنا" "ربنا يسوع المسيح" "الرب يسوع المسيح" "الرب يسوع" التعبير الأول هو التعبير الكامل عن المسيح عند بولس الرسول، وقد تكرر بشكل متواتر بامتداد رسائله، لعشرات المرات بالتنويعات التي ذكرناها، وكذلك استخدمها الرسل والتلاميذ أصحاب الرسائل الجامعة (الكاثوليكون). وقد رصد الكاتب بشكل إحصائي استخدام الرسل والأناجيل لهذا المصطلح وتنويعاته. والتعبير بالربوبية بمفهومها الإلهي، حسب تتبع الكاتب: ليس مقصورًا على رسائل بولس الرسول، فهو تعبير سابق عليه، وقد ورد على ألسنة الرسل والتلاميذ سواء في سفر الأعمال أو الأناجيل، التي وإن كانت قد دونت بعد رسائل بولس الرسول إلا أن التعليم بها كان منذ حلول الروح القدس على التلاميذ. غير أن بولس الرسول هو الذي صبَّ الربوبية كصفة إلهية في قالبها الإلهي التقليدي ـ والتقليد هنا هو تقليد العهد القديم ـ باعتبار أن المسيح هو "يهوهظهر في الجسد. (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») وفي تدقيق لاهوتي يوضح الكاتب أن: "ربوبية المسيح في كلمة "رب" ليست هي بعينها "الله" في كلمة "يهوه" في العهد القديم، بل هي عملها ومكملة لها. فالمسيح أكمل مواعيد "يهوه"""لأن مهما كانت مواعيد الله، فهوفيه النعموفيه الآمينلمجد الله بواسطتنا"كخليقة خُلِقَتْ من جديد لتسبيح ومجد الله: (لمدح مجد نعمته التي أنعم بها علينا في المحبوب (أفسس6:1) (2كو20:1). (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») وينتهي الكاتب إلى أن هذا يعني أن: بولس الرسول هو الذي أعطى التعبير الإلهي "المسيح رب" أهميته وطابعه بكامل مفهومه الإلهي الذي يعتبر محور الإيمان المسيحي ورمز العبادة الراسخ. (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») وينتبه الكاتب وينبه القارئ معه إلى أن المسيح هو أول من أشار بتركيز ويحث بفتح الوعث الإنساني لقبول الحقيقة بقوله في هذا الحوار الهادف والكاشف: وَفِيمَا كَانَ الْفَرِّيسِيُّونَ مُجْتَمِعِينَ سَأَلَهُمْ يَسُوعُ قَائلًا: «مَاذَا تَظُنُّونَ فِي الْمَسِيحِ؟ ابْنُ مَنْ هُوَ؟» قَالُوا لَهُ: «ابْنُ دَاوُدَ». قَالَ لَهُمْ: «فَكَيْفَ يَدْعُوهُ دَاوُدُ بِالرُّوحِ رَبًّا؟ قَائِلًا: قَالَ الرَّبُّ لِرَبِّي: اجْلِسْ عَنْ يَمِيني حَتَّى أَضَعَ أَعْدَاءَكَ مَوْطِئًا لِقَدَمَيْكَ. فَإِنْ كَانَ دَاوُدُ يَدْعُوهُ رَبًّا، فَكَيْفَ يَكُونُ ابْنَهُ؟» (إنجيل متى 22: 41- 45)  ويواصل الكاتب: فلو فسرنا قول المسيح بكل دقة وفهم، فيكون المسيح هنا يوضح أن داود يدعوه ربًا، وأن داود أعلن بالروح أن المسيح"رب"معادل في ربوبيته لله بقوله"قال الرب لربي". وقوله"اجلس عن يميني"،فالمقصود هنا هو التعادل اللاهوتي في الاسم والكرامة، الذي اعتمد عليه بولس الرسول في قوله"لم يحسب خُلْسَة أن يكون معادلًا لله"(في 6:2)والمسيح يصرح هنا أنه ليس ابن داود بل ابن الله:"فإن كان داود يدعوه ربًا فكيف يكون ابنه؟"، مع الانتباه للسؤال في أصله الذي يسأله المسيح:"ابن من هو؟"، لأنه إن لم يكن المسيح ابن داود، وداود يدعوه ربًا على التساوي فى الاسم مع الله ، جالسًا عن يمين الله على التساوي في رتبة الألوهة، إذًا يكون رد السؤال الذى سأله المسيح هو أنه ابن الله بالضرورة. (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») ويستحضر الكاتب العديد من استخدامات بولس الرسول لكلمة "رب" في وصف المسيح الإله كما كانت تستخدم في التوراة حسب التَّرْجَمَةً السبعينية، في الإشارة إلى "الله". تأسيسًا على ما قاله المسيح نفسه عن نفسه، ويوضح الكاتب هذا: "بولس الرسول يضع الإيمان بالمسيح على مستوى الإيمان بالله كما سبق أن قال به المسيح بالحرف الواحد:"أنتم تؤمنون بالله فآمنوا بي"(يوحنا1:14). وبولس يضعها هنا كمنطوق قانون إيمان، جاعلًا الخلاص والإيمان وربوبية المسيح وحدة واحدة لا تنفصم:"لأنك إن آمنت بفمك بالرب يسوع، وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الموت خَلصت"(رومية9:10)" (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») وهو ما سبق وقاله إشعياء النبي"لذلك هكذا يقول السيد الرب: هأنذا أؤسس في صهيون حجرًا، حجر امتحان، حجر زاوية، كريمًا، أساسًا مؤسسًا، من آمن به لا يخزى... ويمحى عهدكم مع الموت، ولا يثبت ميثاقكم مع الهاوية"(إشعياء 16:28و18) يعود الكاتب إلى إرسالية بولس الرسول ليؤكد أنها ليست من مصدر بشري بل من "يسوع المسيح والله الآب". ويذهب الكاتب إلى قديسي وآباء الكنيسة الأوائل الذين أدركوا أن هذا الوصف الذي يؤكد أن المسيح والله لهما عمل واحد؛ "وقد أخذ الآباء الكنسيون والقديسون الأوائل هذا التعبير من بولس الرسول برهانًا وتأكيدًا على لاهوت المسيح، مبتدئًا من أوريجينوس ثم جيروم ثم ذهبي الفم الذي يقول في شرحه لرسالة غلاطية: بولس لم يترك أية فرصة للمماحكة، فذكر مرة واحدة الابن والآب "بيسوع المسيح والله الآب"، جاعلًا الكلمة تجمعهما معًا. هذا فعله لا لينسب عمل الابن للآب بل ليوضح بهذا التعبير أنه لا يوجد أي تمييز في الجوهر(الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») يشير الكاتب إلى أن: هذا الاعتبار في وضع المسيح والله الآب على درجة واحدة في العبادة أو الدعاء والتسبيح ليس جديدًا، بل نسمعها وقد ابتدأت بالقديس توما الرسول"ربي وإلهي"(يوحنا28:20)،ورددها استفانوس وهو في النفس الأخير على مستوى رؤية المسيح وهو في المجد الأسنى: "أيها الرب يسوع اقبل روحي"،"يا رب لا تقِم لهم هذه الخطية"(أعمال 59:7 و60). (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») ويعلق الكاتب: "الملاحظ هنا أن ما ردده المسيح على الصليب مخاطبًا الآب، ردده الشاهد الشهيد إستفانوس مخاطبًا المسيح" ويعدد الكاتب تأكيدات بولس الرسول على هذا الربط وهذه المساواة، حتى في ضيقة مرضه يصلى للرب يسوع ثلاث مرات متوسلًا أن ينال منه نعمة الشفاء، فاستجاب له المسيح، ولكن أعطاه نعمة الاحتمال بالروح والقوة عِوَض الشفاء بالجسد. ويقدم الكاتب شهادات التاريخ التي تؤكد أن هذا كان إيمان الكنيسة الأولى، كذلك يسجل لنا المؤرخ يوسابيوس القيصري في تاريخ الكنيسة؛ أن المسيحيين الأوائل كانوا يؤلفون التسابيح والأناشيد التي فيها يعظمون فيها المسيح كالله. ومازال الحديث موصولًا عن "ألوهية المسيح" فإلى لقاء... . --- ### هل صارع يعقوب الله؟ - Published: ۲۰۲۳-۰۹-۲۱ - Modified: 2023-09-21 - URL: https://tabcm.net/13426/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: عيسو, فينوئيل, لابان مصارعة يعقوب كانت مع شخص، ويعقوب دعى المكان فينوئيل، وده اسم عبري معناه رأيت “وجه الله” في المكان ده. يبقى احنا أمام الله متجسد في شخص.. يعنى بنتكلم عن تجلى من تجليات الابن في العهد القديم، والواقعة دي من نقاط إثبات الثالوث في العهد القديم. هل صارع يعقوب الله؟ هل هزمه يعقوب؟ طول الوقت بيجيلي أسئلة شبه كده، وخاصة السؤال ده لأنه مربك لكثيرين. أولًا: مصارعة يعقوب كانت مع شخص، ويعقوب دعى المكان فينوئيل، وده اسم عبري معناه رأيت "وجه الله" في المكان ده. يبقى احنا أمام الله متجسد في شخص. . يعنى بنتكلم عن تجلى من تجليات الابن في العهد القديم، والواقعة دي من نقاط إثبات الثالوث في العهد القديم. ثانيًا: إيه اللي حصل في الموضوع ده؟ بعد يعقوب ما هرب من وجه لابان بأملاكه وعائلته، لقى نفسه راجع في وش عيسو المتربص به، وفعلا خدام يعقوب بلغوه إن عيسو خارج عليه بـ ٤٠٠ راجل، فيعقوب اللي مكنش رجل حرب ومكنش شايف نفسه رجل حرب، قسم عائلته نصين، وقال لو عيسو ضرب نص، النص التاني يعيش، وراح بعت قدامه هدايا لعيسو عشان يسترضيه. وبالليل، وقبل ما يعقوب يقابل عيسو، كان بيعدي في منطقة يبوق (المنطقة اللي أسماها "فينوئيل" فيما بعد) عشان يهرّب أولاده و زوجتيه، ولما عداهم وبقى لوحده خرج عليه "شخص"، منعرفش اسمه، صارع يعقوب لحد الفجر، وفجأة يعقوب اللي كان هارب طول حياته وغير مقاتل، بقى يصارع مصارعة جسدية وبيتفوق، بس في لحظة ما، ظن في نفسه الانتصار بقوته الذاتية، ضربه "الشخص" دا ضربة غير مؤذية، بس كافية تفهمه إن لك حدود. يعقوب فهم الدرس، ومسك في "الشخص" ده وقاله مش هسيبك لو مباركتنيش، تخيل إن يعقوب منتصر بس منتظر بركة المهزوم؟ لكن يعقوب فاهم إنه مش منتصر وده مش مهزوم، وسأله عن اسمه، الـ"شخص" رفض يقوله اسمه، لكن نفس الـ"شخص" حوّل اسم يعقوب لإسرائيل، عشان يبقى مجاهد باقي حياته ويواجه ويحارب، لأنه مش موجود عشان يهرب وبس. ثالثًا: تجليات الابن في العهد القديم كتير، وكذلك تجليات الروح القدس، لكن مصارعة يعقوب هي محل الشبهة اللي ممكن تكون عندك منطقية لو أنت مش مركز في السياق والتفاصيل. --- ### لا تمت من أجل الجبناء - Published: ۲۰۲۳-۰۹-۲۰ - Modified: 2023-09-19 - URL: https://tabcm.net/13484/ - تصنيفات: شئون علمانية - وسوم: إرنستو تشي جيفارا, العلمانية, الكنيسة القبطية, بابا تواضروس الثاني, ليبرالية, محمد رشيد رضا, محمد كريّم التنوير والفكر العلماني لا يلفت نظر النساء، وغيابه خلق قطعانًا كبيرةً من الخراف والماعز، مصابة بمتلازمة ستوكهولم، إن خطفها الذئب، تعاطفت معه، لا ثارت ضده، في حين راعي الخراف لا يجد أي غضاضة أن يبلغ الشرطة عن مخبأ جيفارا فيقبض عليه ويعدم، لإن حرب جيفارا مع أعداء الراعي (أو سمهم الذئاب) كانت تزعج قطيع الأغنام والماعز! ضحكت عندما تذكرت الأيام الخوالي! وقتما كنت أتلقى رسائل السباب والتهديد والوعيد من مجهولين على صندوق الرسائل بـ"فيسبوك" إبان يناير 2011 ويونيو 2013 وحتى بضع أسابيع مضت. إذ تذكرني أحدهم أكثر الله من خيره وأرسل لي شاكرًا بعد نشر مقالتي "لا هاسلّم بالمكتوب" رسالة إلكترونية رعدية مليئة بالسُباب، قبل أن يفر أو تفر بعدها هاربة بالبلوك كي لا أعرف اسمه أو شكله! ربما لأنني مسست أحد أصنامه الإكليريكية المصفحة "اللامعة! " دون أن أدري! طبعا أمر أثار حفيظته وأشعل النار في سرواله حتى غطى الدُّخَان جنبات المكان، وقرر بعدها أن يرسل لي رسالة ينتقد فيها "إعجابي" بالبابا تواضروس الثاني ومعي "زملائي" ممن يرتدون "سلطانية التنوير" كما قال! بالرغم من إنني لم ألاحظ مطلقًا أي إشادة للبابا في حديثي بأي مقال! عامًة، أنا فعلًا معجب بمعظم تصرفات البابا وأفعاله فعلا بالمناسبة، والسبب أنه كرر ما قاله أحد "كبار مشايخ" الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في مصر الجديدة الذي ذكرته تلميحًا في سياق كلامي سواء بالنقد أو الهجاء المبطن، في حين لم أذكر معه البابا في هذا الهجاء! وأعقبها برابط إلكتروني لأقوال البابا التي لم أهتم أو أذكر في وقتها إنني قرأتها أو شاهدتها فعلًا، مع أنه قرأت تصريحات القمص المبجل المخضرم "المطيباتي" الذي أتحامل عليه! قد يكون هذا لأنني أخاف بطش البابا مثلًا أو لأنني أنافقه، وهذا القارئ المجهول الشجاع كشفني على حقيقتي قبل أن "يخلع" بعيدًا! لقد أدرك إنني (حسب كلامه) قررت أن ابتلع الحذاء -حسب تعبيره الأنيق العميق- ومعي زملائي في الكنترول، وشركائي في الخدمة التنويرية بالمواقع الإلكترونية، أو نتعفف عن مهاجمة قداسة البابا، بل أن "نتشطر" على فضيلة الأب الورع المظلوم (علشان بنخاف وكدزة! ). عمومًا، لا أخفي أحد سرًا، عندما أكتب وأقول إن فعلًا ليس أحد بعينه هو محور الفكرة، ربما يكفي أحدهما -الاتنين واحد يا "بابا"- لأن يمثل الفكرة الإكليريكية الفلسفية الجميلة (الرضا والقناعة والانهزامية والانبطاح ومعانقة الألم والفرح بالضعف والاحتفاء بالفشل والخيبة وقبلهم طبعًا التسليم بالفقر والإفلاس المادي، حلو! حلو وزي السكر! ) لأن هذا طبعا وفق "الحكمة" العميقة، يقربنا من الله إله الضعفاء (خليك ضعيف. . ربنا بيحب الضعفاء. . إلهنا إله الضعفاء. . قول ماء. . ماااء! ) لذا. . فمن سرقك أيضا واغتصبك واغتصب قوتك أمس، فتبرع له بمالك اليوم طوعًا وطواعية، وفوقها سلم له جسدك يا عزيزي كي يبيعه قطعًا قطعًا، وهكذا تكون "المسيحي الكامل" الحقيقي كما أفهمك "كثير" من رجال الدين في مصر كذبًا مع الأسف! ربما جاء شعار الثورة الفرنسية الفكري الأشهراشنقوا أخر ملك بأمعاء أخر قسليؤسس بداية لفكرة العَلمانية والليبرالية والحداثة الحقة، والتحرر من زَيف ووهم ومعتقد عصمة الإكليروس، وتحطيم صنم حكمتهم العميقة وفكرهم الصائب في جميع المواضيع، من الفلسفة إلى السياسة والاقتصاد وعلم النفس والبقية تأتي، اليوم تبيع نفسك، غدا وطنك و"شوف الشاري مين؟" (أو "فين؟") للأسف، غياب التنوير الذي ارتديت أنا وزملائي الجبناء "سلطانيته"، عندما لم نهاجم البطريرك! ارتبط في مصر بغياب الفكر العلماني والحداثي، شيء بديهي ومتوقع بما أنه ليس مفروضًا ومقررًا لا في المدارس والجامعات. التنوير أو الفكر العلماني لا يفتح بابًا للاسترزاق المادي المباشر والكبير والسريع كالاتجار في الدين أو في الجسد أو حتى في العورات العائلية بالذات في الشبكات الاجتماعية من يوتيوب وحتى تيك توك، إنما النقد الديني والسياسي البناء (بالذات للرموز والصروح والقامات) يجلب الفقر والنحس ويطفش النساء! التنوير والفكر العلماني لا يلفت نظر النساء، وغيابه خلق قطعانًا كبيرةً من الخراف والماعز، مصابة بمتلازمة ستوكهولم، إن خطفها الذئب، تعاطفت معه، لا ثارت ضده، في حين راعي الخراف لا يجد أي غضاضة أن يبلغ الشرطة عن مخبأ جيفارا فيقبض عليه ويعدم، لإن حرب جيفارا مع أعداء الراعي (أو سمهم الذئاب) كانت تزعج قطيع الأغنام والماعز! دعني أذكرك أيضًا في عجالة بمقاومة "محمد كُريّم" في مصر للحملة الفرنسية، الذي تم القبض عليه والحكم عليه بالإعدام، إلا أن نابليون أرسل إليه وأحضره وقال له: يؤسفني أن أعدم رجلًا دافع عن بلاده بجرأتك، ولا أريد أن يذكرني التاريخ بأنني أعدم أبطالًا يدافعون عن أوطانهم، لذلك عفوت عنك مقابل عشرة ألاف قطعة من الذهب تعويضًا عمن قتل من جنودي، فقال له محمد كريّم: ليس معي ما يكفي من المال ولكن لي دين عند التجار بأكثر من مائة ألف قطعة من الذهب، فقال له نابليون سأسمح لك بمهلة لتحصيل أموالك. فمَا كان من كريّم إلا أن ذهب إلى السوق وهو مقيد في أغلال ومحاط بجنود المحتل الفرنسي، وكان عنده الأمل فيمن ضحى من أجلهم من أبناء وطنه، فلم يستجب تاجر واحد، بل اتهموه أنه كان سببًا في دمار الإسكندرية وسببًا في تدهور الأحوال الاقتصادية! "الثائر لأجل مجتمع جاهل، هو شخص أضرم النيران بجسده كي يضيء الطريق، لشخص ضرير" (محمد رشيد رضا) صديقي. . إن عشت فللرب تعيش وإن مت فللرب تموت، لكن لا تقاتل من أجل "الماعز"، ولا تمت من أجل الجبناء، فحياتك ثمينة حتى إن كنت وسط القطعان خروف أسود! والحدق يفهم. . وللحديث بقية إن كان للعمر بقية!   اقرأ أيضا:   --- ### ملحمة جلجامش؛ الإصحاح الأوّل - Published: ۲۰۲۳-۰۹-۱۹ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/13242/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون, تاريخ وميثولوچيا - وسوم: آرورو, آنو, أدد, أفروديت, ألبيرت شوت, أوروك, إنانا, إنكيدو, إنليل, إيانا, جلجامش, ريجنالد كامبل طومسون, سامي سعيد, سموقان, شمخات, شمش, طه باقر, عشتار, فراس السواح, ڤينوس, نصابا, نينسون, نينورتا «جلجامش» ملك أوروك. ثلثي إله وثلث رجل، يضطهد شعبه الذين يستغيثون بالآلهة. تستجيب الآلهة من خلال خلق شخصية تكون قادرة على وقف اضطهاده: «إنكيدو» الذي يكسوه الشعر ويعيش في البرية مع الحيوانات. شكاه صياد دُمِرت مصادر رزقه بسبب قيام إنكيدو باقتلاع شراكه. يخبر الصياد إله الشمس «شمش» عن إنكيدو، فيقرر أن تغويه «شمخات»، كاهنة الحب، كخطوة نحو ترويضه. في غضون ذلك، كان جلجامش يحلم في نومه بوصول وشيك لصديق محبوب وطلب من والدته «نينسون» المساعدة في تفسير هذه الأحلام. اللوح الأوّل مقسّم على  ٦ أعمدة، المقروء منها ٢٥٢ سطرا، بنسبة ٨٤% من الإجمالي. خلاصة الإصحاح الأوّل:«جلجامش» ملك أوروك. ثلثي إله وثلث رجل، يضطهد شعبه الذين يستغيثون بالآلهة. يتخذ هذا الاضطهاد شكل حق السيد للنوم مع العرائس في ليلة زفافهن. بالنسبة للشباب، يُعتقد أن جلجامش يرهقهم باختبارات القوة، والسخرة في مشاريع البناء. تستجيب الآلهة لنداءات الشعب من خلال خلق شخصية بدائية مساوية لجلجامش تكون قادرة على وقف اضطهاده: «إنكيدو» الذي يكسوه الشعر ويعيش في البرية مع الحيوانات. شكاه صياد دُمِرت مصادر رزقه بسبب قيام إنكيدو باقتلاع شراكه. يخبر الصياد إله الشمس «شمش» عن إنكيدو، فيقرر أن تغويه «شمخات»، كاهنة الحب، كخطوة نحو ترويضه. بعد ستة أيام من ممارسة الجنس وتعليم إنكيدو طرق الحضارة، اصطحبت شمخات إنكيدو إلى مخيم الرعاة ليتعلم العمل الجماعي. في غضون ذلك، كان جلجامش يحلم في نومه بالوصول الوشيك لرفيق جديد محبوب وطلب من والدته «نينسون» المساعدة في تفسير هذه الأحلام. العمود الأوّل ١)هو الذي رأى كلَّ شيءٍ في تخوم البلاد،٢)عرف البحار، وأحاط علمًا بكلِّ شيءٍ،٣)كما نفذ ببصره إلى أشد الأسرار غموضًا. ٤)امتلك الحكمة والمعرفة بجميع الأشياء،٥)واطلع كذلك على المكنون، وكشف عن الأمور الخافية. ٦)جلب معه أخبارعلى الطوفان،٧)وقطع طريقًا بعيدًا، حتى أصابه التعبالإرهاق،٨)ونقش على نصب حجري كل ما عاناه. ٩)أمر ببناء سور أوروك،١٠)حول معبد إيانا المقدس، وحرمها السني. ١١)انظرْ إلىسوره الذي تتألق أفاريزه، كأنما صُنِعَت من نحاس! ١٢)تأمَّلْ قاعدته! فليس لهاشبيه! ١٣)وتلمَّسِ العتبة الحجرية، الموجودة في مكانها من أقدم الأزمان! ١٤)اقترِبْ من إيانا، مقام عشتار،١٥)الذي لا يماثله عمل ملك لاحق ولاإنسان،١٦)واعتلِ كذلك سور أوروك، تَمشَّ عليه. ١٧)اختبر أسسه، تفحص لبناته. ١٨)أَوَلم تصنع من آجر مفخور؟١٩)أَوَلم يضع الحكماء السبعة أسسه؟... ... ٣)لمَّا خُلِقَ جلجامش،٤)أكمل بطل الآلهة هيئته،٥)اشترك الآلهة في صنع صورته؛٦)فأضفى عليه الجمال شمش السماوي، وحباه أدد البطولة. ٧)على أروع صورة خلق الآلهة العظام جلجامش:بلغ طول قامته أحد عشر ذراعًا،٨)وعرض صدره تسعة أشبار. ٩) وطول ... كان ثلاث ... ١٠) والآن ... التفت هنا وهناك ليرى البلاد. ١١) وجاء إلى مدينة أوروك. (ملحمة جلجامش، اللوح الأوّل، العمود الأوّل) (١)هذه هي الترجمة الآشورية الأكثر أصالة كما نقلها عالم الآشوريات البريطاني «ريجنالد كامبل طومسون». (٢)الكلمة الأصلية في ترجمة «ألبيرت شوت» الألمانية التي نعتمد عليها بصورة أساسية بعد مراجعة العلامة «قولفرام فوق سودن» لها، واستكمالها من النسخ الأخرى والشذرات المختلفة المتبقية من ألواح الملحمة، تصف مدينة أوروك خلال النص كله بـ"روض أوروك"، مع استخدام صفة أوروك الحمى في بعض الأحيان. (٣)كان الآجر المفخور أو المحروق (الطابوق - قالب الطوب) أعلى قيمة من الطين العادي المجفف، وكثيرًا ما كان يُغلَّف به الأخير. (٤)شاع بين السومريين أن الحكماء السبعة هم الذين وضعوا أصول الحضارة في بلادهم، وأسسوا مدنهم السبع القديمة قبل الطوفان بوحي من الآلهة والشرائع السماوية المنزلة أو من حكمتهم الفائقة، وهم بطبيعة الحال غير الحكماء السبعة الإغريق (طاليس وصولون وزملائهما المعروفين) وأقدم منهم بما يزيد على الألفي عام. (٥)يمكن تحديد هذه الثغرة بحوالي ثلاثين سطرًا مفقودة قياسًا باللوحات الأخرى، ولكن يمكن تحديد بعض السطور كما يلي بالاستعانة بمقدمة الترجمة الحيثية التي يمكن قراءتها بعد السطرين الأولين المشوشين تمامًا. (٦)من ٤–٦ غير مذكورة لدى طومسون. (٧)«شمش» السماوي هو إله الشمس، ورب العدل، وصديق البشر العطوف الذي يهدي الحائرين والتائهين في الفيافي والجبال، أما «أدد» فهو إله الرعود والعواصف والأمطار. (٨)وهنا ينقطع النص ويبدأ مع العمود الثاني تكملة للترجمة الحيثية في وصف جلجامش. العمود الثاني ١)ثلثاه إلهي، والثلثبشري! ٢)وهيئة جسمه شامخة. ٣)لا يبار بها أحد... ... ... ٨)كالثور الوحشي مهيبة خطاه،٩)وبأس سلاحه ليس له نظير. ١٠)علىالطبول تستيقظ رعيته. ١١)ثار أهل أوروك ساخطين:١٢)«جلجامش» لا يترك الابن لأبيه. ١٣)يقهر الشعب بالليل وفي وضح النهار،١٤)جلجامش هو راعي حمى أوروك،١٥)الفائق القوة والجمال، والخبير الحكيم. ١٦)إن جلجامش لا يترك العذراء لحبيبها،١٧)ابنة البطل، ولا زوجة المحارب. ١٨)سمع شكواهم الآلهة العظام. ١٩)فنادت آلهة السماء «آنو» سيد أوروك:٢٠)ألم تكن أنت الذي خلق الثور الوحشي العنيد؟٢١)إن بأس سلاحه ليس له مثيل. ٢٢)علىالطبول يوقظ رعاياه. ٢٣)جلجامش لا يترك الابن لأبيه. يقهر شعبه بالليل وفي وضح النهار! ٢٤)وهو الراعي لحمى أوروك،٢٥)هو راعيهم، وهو مع ذلك قاهرهم الظلوم! ٢٦)فائق القوة والجمال، وهو الخبير الحكيم! ٢٧)لا يترك جلجامش العذراء لحبيبها،٢٨)ولا ابنة البطل، ولا زوجة المحارب. ٢٩)سمع شكواهم آنو الجليل. ٣٠)ونادوا «آرورو»العظيمة:«أنت يا مَن خلقت ما أمر به آنو! ٣١)اخلقي الآن ما يأمر به،وليكن له ندًّا يضارعه في جموح الفؤاد! ٣٢)ليتنافسا في الصراع، فتستريح أوروك! »٣٣)ما إن سمعَتْ «آرورو» هذا،حتى سوت في قلبها ما أمر به آنو. ٣٤)غسلت آرورو يديها. أخذتمن الطين ورمتها في البرية. ٣٥)خلقت إنكيدو الجبار، بطلًا وربيب سكون الليل. حباه القوة «نينورتا». ٣٦)بشعريكسو جسده كله. وشعر رأسه كشعر امرأة:٣٧)جدائل شعر رأسه نامية كجدائل شعر «نصابا»،٣٨)وهو كذلك لا يعرف البلاد ولا الناس:ويلبسمثلما يلبس «سموقان». ٣٩)يرعى الكلأ مع الغزلان،٤٠)ويتدافع إلى موارد الماء مع الحيوان،٤١)ويفرح قلبه بتزاحم القطعان على الماء. ٤٢)أن رآه عند موارد الماءصياد قنَّاص،٤٤)واجهه يومًا، ويومًا ثانيًا، وثالثًاعند موارد الماء. ٤٥)لما رآه الصياد تجمَّد وجهه، ٤٦)فدخل مع حيواناته إلى بيته. ٤٧)أصابه الهلع، ثم سكنت حركته وشُلَّ. ٤٨)اضطرب قلبه، واكتأب محياه،٤٩)ونفذ الغم إلى أعماقه،٥٠)حتى صار وجهه أشبه بوجه مسافر جاب الدروب البعيدة. (ملحمة جلجامش، اللوح الأوّل، العمود الثاني) (٩)أو قوامه شامخ مهيب. (١٠)هذا السطر غير موجود بالترجمة الألمانية ومصدره ترجمة طه باقر. (١١)من ٣–٧ لا يمكن قراءتها إطلاقًا لتلفها. (١٢)أي ليس له ند يصده ويصمد له، أو ليس لفتكه من نظير (راجع ترجمتي طه باقر وفراس السواح)(١٣)أو أصحابه ورفاقه في السلاح، كأنما يستنفرون للقتال. (١٤)أو رب أوروك (الوركاء)، و«آنو» هو إله السماء وكبير الآلهة، وكانت أوروك هي مركز عبادته. (١٥)أو المخيف الجبار، والهائج الجامح. (١٦)«آرورو» هي إحدى الآلهات الموكلة بالخلْق. (١٧)أي إنها صورته في فؤادها وتخيلته على صورة «آنو». (١٨)هكذا جاءت في ترجمة طه باقر، أما الترجمة الألمانية، فتضع كلمة «في الخارج» بالحروف المائلة كما الكلمات والجمل التي لم تتأكد صحة ترجمتها بعدُ، وفي ترجمة د. سامي سعيد: "وقرصت الطين ورمته على السهل" (ص٥١). (١٩)«نينورتا» (سيد الأرض) هو إله الخصب، وإله الحرب والصيد، وابن «إنليل» إله الهواء والعواصف المدمرة. (٢٠)«نصابا» أو «نيسابا» هي إلهة الغلة والحبوب، وكانت جدائل شعرها تنساب على كتفيها كسنابل القمح الذهبية. (٢١)«سموقان» هو إله الرعي والماشية، والمقصود أن إنكيدو «وحش البرية» كان يرتدي جلود الحيوان. العمود الثالث ١)فتح الصياد فمه وقال لأبيه:٢)«يا أبتِ لقد هبط رجل من الجبال،٣)هو أقوى من في البلاد، وبأسه شديد،٤)تشبه قوته الجبارة قبضة آنو،٥)وهو لا ينفك يجوب الجبال،٦)ويلتهم العشب مع الحيوان،٧)وتتوقف قدماه عند موارد الماء،٨)منعني الخوف فلم أَقْوَ على الاقتراب منه. ٩)ردم الحفر التي حفرت،١٠)وقطع شباكي التي نصبت. ١١)جعل الوحش وحيوان البرية تفلت من بين يدي،١٢)وصيد البرية حرَّمه عليَّ! »١٣)فتح الأب فمه وقال للصياد:١٤)«اعلم يا بني أن أوروك يعيش فيها جلجامش،١٥)ما من أحد فاقه في قوته؛١٦)فقوته الجبَّارة تشبه قبضة آنو. ١٧)يمِّمْ وجهَك شطرالملك،١٨)أنبئه بنبأ الرجل القوي،١٩)وَلْيعطِك بغيًّاتصحبها معك إلى البرية،٢٠)ولتتمكن المرأة منه بقوتها التي تفوق قوة الرجل،٢١)وعندمامع الوحوش ليَرِدَ الماء،٢٢)دعها تخلع ثوبها لينجذب إلى فتنتها؛٢٣)فسوف يتقرب منها، بمجرد أن يراها،٢٤)لكن ستنكره حيواناته التي تربت معه في البرية! »٢٥)عمل الصياد بمشورة أبيه،٢٦)وانطلق في طريقه إلى جلجامش،٢٧)أخذ يغذُّ السيراستقر به المقام في أوروك:٢٨)«استمع إليَّ يا جلجامش، وجُدْ عليَّ بالنصيحة. ٢٩)هناك رجل متفرد هبط من الجبال،٣٠)هو أقوى من في البلاد، وبأسه شديد،٣١)قوته الجبارة تشبه قبضة آنو،٣٢)وهو لا ينفك يجوب الجبال،٣٣)ويلتهم العشب مع الحيوان،٣٤)وتتوقف قدماه عند موارد الماء،٣٥)وقد منعني الخوف من الاقتراب منه. ٣٦)ردم الحفر التي حفرتها،٣٧)قطع الشباك التي نصبتها،٣٨)جعل الوحش وحيوان البر يهرب من يدي،٣٩)وحرَّم عليَّ القنص في البرية. »٤٠)قال له جلجامش، قال للصياد:٤١)«اذهب يا صياد، وخذ معك بغيًّا. المومس،٤٢)فإذا ما اقترب الوحش البري ليرد الماء،٤٣)فاجعلها تخلع ثوبها، وتكشف عن فتنتها،٤٤)وما إن يقع عليها بصره، حتى يقترب منها،٤٥)لكن حيواناته ستنكره، وهي التي تربت معه في البرية. »٤٦)مضى الصياد مصطحبًا معه البغي،المومس،٤٧) وانطلقا قُدُمًا على الطريق الصحيح. ٤٨)في اليوم الثالث بلغا الموضع المقصود،٤٩)وقبع الصياد والبَغِي في مخبَئِهما. ٥٠)مكثا اليوم الأول، واليوم الثاني تجاه مورد الماء،وجاء حيوان البر وشرب من الماء. (ملحمة جلجامش، اللوح الأوّل، العمود الثالث) (٢٢)محظية أو غانية، والمقصودة هنا هي «شمخات»، كاهنة الحبّ. (٢٣)«شمخات»، هي إحدى بغايا المعبد اللائي كن يمارسن طقوس الدعارة المقدسة في معبد «عشتار»، إلهة الحب والخصب والحرب. وقد كانت «شمخات» التي صحبها الصياد لإغراء «إنكيدو وحش البرية» بالحضور إلى أوروك وإعادة القانون والنظام إليها هي إحدى هذه البغايا، وأطلق عليها "فراس السواح" لقب «كاهنة الحب»(٢٤)أو ينغمس في لذائذ الشهوة والاستمتاع بمفاتن الجسد. (٢٥)وانطلقا قُدُمًا، واختارا الطريق الأيمن. العمود الرابع ١)ورد الحيوان الماء فطاب فؤاده،٢)أما إنكيدو، الذي كان موطنه في الجبال،٣)والذي يأكل العشب مع الغزلان،٤)ويَرِد الماء مع الحيوان،٥)فقد طاب فؤاده مع حيوان البر عند الماء. ٦)رأته البغي، رأت الرجل الوحش،٧)الرجل الجبار الآتي من أعماق البرية. ٨)«ها هو ذا، أيتها البغي! فاكشفي عن نهديك،٩)افتحي حجرك لينغمس في التلذذ بك! ١٠)لا تخجلي، بل خذي منه زفراته؛١١)فإنه متى ما رآك تقرَّب منك. ١٢)انشري ثوبك، كي ينطرح عليك،١٣)وعلِّميه — وهو الوحش — صنعة المرأة،١٤)وسوف تنكره حيواناته التي تربت معه في البرية. ١٥)ويطَؤُك فتحسي زخم. »١٦)كشفت البغي عن نهديها،فتحت حجرها،  فانغمس في التلذذ بمفاتنها. ١٧)لم يمنعها الخجل، فراحت تتلقى زفراته،١٨)نشرت ثوبها لكي ينطرح عليها،١٩)علَّمته — وهو الوحش— صنعة المرأة. ٢٠)فأحسَّتْ وطأته عليها. ٢١)إنكيدو لبث متيقظًا ستة أيام وسبع ليال،قضاها في مضاجعة البغي. ٢٢)لما شبع من التمتع، كان قد نسي المكان الذي وُلِدَ فيه. ٢٣)توجَّهَ إلى إلفه من حيوان،٢٤)فما إن رأته الظباء حتى وثبت ولاذت بالفرار،٢٥)وهربت من الاقتراب من جسده حيوانات الفلاة. ٢٦)عاق إنكيدو عن الحركةجسده النظيف. ٢٧)خذلته ركبتاهبحيواناته الهاربة،٢٨)وخارت قواه، ولم تَعُد مشيته كما كانت من قبل،٢٩)غير أنه اكتسب الفهم، وصار واسع الحس. ٣٠)قفل راجعًا وجلس عند قدمي البَغِي،٣١)راح يتأمل وجهها، وجه البَغِي،٣٢)وتصيغ أذناه السمع إلى كلامها. ٣٣)قالت له البَغِي، قالت لإنكيدو:٣٤)«حكيم أنت، يا إنكيدو، وشبيه بإله! ٣٥)فلماذا ترعى في البرية مع قطعان الحيوان؟٣٦)تعالى آخذك إلى أوروك ذات الأسوار،٣٧)إلى المعبدالسني، مقام آنو وعشتار؛٣٨)حيث يعيش جلجامش الكامل القوة،٣٩)الذي يجرب — كالثور الوحشي — قوته العاتية على الناس! »٤٠)لما تكلمت إليه، وقع كلامها من نفسه موقع القبول؛٤١)فالفطن الحس يبحث عن صديق. ٤٢)قال لها إنكيدو، قال للبغي:٤٣)«هلمي أيتها البغي، خذيني معك٤٤)إلى المعبد السني، مقام آنو وعشتار،٤٥)حيث يعيش جلجامش الكامل القوة،٤٦)الذي يجرب — كالثور الوحشي — قوته الطاغية على الناس! ٤٧)وأنا الذي سأطلبه وأكلمه بنفسي،وأعنفه في القول. (ملحمة جلجامش، اللوح الأوّل، العمود الرابع) (٢٦)  في بعض الترجمات الأخرى: افتحي ساقيك، واكشفي عورتك، لينال من مفاتن جسدك أو ليقطف ثمرك... وفي ترجمة سامي سعيد: افتحي جسمك العاري وليتمتع بمفاتنك (ص٨٠). (٢٧)هذا السطر مشكوك في بعض كلماته للتوفيق بين الترجمة الألمانية وترجمة طه باقر التي تقول بعد السطر السابق مباشرة: إذا حفى بك وانعطف حبه إليك، وفي ترجمة سامي سعيد: وسيضغط صدره بقوة على ظهرك (وكذلك السطر ٢٠). (٢٨)راجع الهامش السابق رقم ٢٤. (٢٩)يُفْهَم من هذا النص أن «شمخات» أحست أثناء الجماع بوطأة الجسد وزخم الشهوة والعاطفة التي احتوتها، ومعظم الترجمات الأخرى تؤدي المعنى بطرق تقريبية بالإضافة إلى وجود كلمتين غير مؤكدتين في هذا السطر. (٣٠)هذا السطر غائب عن النص الأصلي، ولعل الترجمة الألمانية قد أضافته اعتمادًا على الألواح والشذرات المكتشفة من أصل بابلي قديم أو من إحدى الترجمتين الحيثية أو الحورية. (٣١)هذه هي الترجمة الحرفية، وعند سامي سعيد: فصار إنكيدو يسرع (وراءها) ضعيف جسمه، والمقصود أن جسمه ثقل عليه وعاقه عن اللحاق برفاقه من الدواب والحيوان، وربما أوحت صفة «النظافة» أن رائحة جسده قد عافتها حاسة الحيوان وأنكرتها عليه بعد أن امتزجت برائحة الأنثى وبدأت تفوح منها روائح الإنسان. ولذلك يبدو أن بداية تحول إنكيدو من الوحشية البدائية إلى الإنسانية كان نوعًا من الرجس في نظر الحيوان، ونوعًا من التطهر والنظافة من وجهة نظر الإنسان. (٣٢)في ترجمات أخرى: أوروك الحمى، وأوروك المنيعة ذات الأسوار. راجع اللوح الأول، هامش رقم ٢. (٣٣)أي يتسلط عليهم ويقهرهم ويسخرهم كما ذُكِرَ بالتفصيل في العمود الثاني من اللوح الأول. العمود الخامس ١)سأهتف مناديًا في أوروك: «القوي هو أنا! ٢)متى دخلت، غيَّرت فيه المصائر،٣)إن المولود في البراري، لَذو قوة! »»٤)– «تعالَ، هيا بنا نذهب، وَلْيَرَ وجهك. ٥)سأدلك على جلجامش، فأنا أعلممكانه. ٦)هلمَّ بنا ندخل أوروك الحمى يا إنكيدو؛٧)حيث يزهو الرجال بأروع الأحزمة،٨)وكل يوم هناك يحتفل بعيد٩)حيث الغلمان يتنافسون في جلب الفرح،١٠)والبغايايفتن الأبصار كما ينتظر منهن،١١)تغمرهن البهجة،١٢)ويمتلئن بالشهوة والنشوة. ١٣)إنكيدو، يا من لا تعرف الحياة،١٤)سأريك جلجامش المختلف في طبعه عنك! ١٥)انظر إليه، تطلع إلى وجهه،١٦)رائع الرجولة، مكتمل القوة،١٧)والبهجة تغمر جسده كله. ١٨)إنه يفوقك في قوته الجبارة،١٩)لا يهدأ ليلَ نهارَ. ٢٠)إنكيدو، تخلَّ عن غرورك؛٢١)فجلجامش قد شمله شمش بعطفه،٢٢)كما حباه آنو وإنليل وإيا سعةَ الفهم. ٢٣)وقبل أن تأتي أنت من ذلك الجبل،٢٤)طفت بأحلامه،في أوروك:٢٥)استيقظ جلجامشوأخذ يقص رؤياه،على أمه وهو يقول:٢٦)«أماه، لقد رأيت الليلةَ حلمًا:٤)كنت أمشي بين الناس مزهوًّا بقوتي،٥)كان بالسموات نجوم. ٦)عندمانجوم السماء تحتشد من حولي،٧) وهوى واحد منها عليَّ وكأنه قبضة آنو. ٨)أردت أن أرفعه، فثقل عليَّ،٩)حاولت أن أحركه، ولكني لم أستطع أن أزحزحه! ١٠)تجمع حوله أهل أوروك. ١١)قبَّل رجالي قدميه،١٢)عندما انحنيت عليه،١٣)بمعاونتهم من رفعه،١٤)وحمله إليك. »١٥)ردَّت أم جلجامش١٦)الخبيرة بكلِّ شيء، قائلة له:١٧)«ربما وُلِدَ لك نظير١٨)في البراري يا جلجامش،١٩)وربته الجبالفي الفلاة،٢٠)إذا رأيته فسوف يفرح به فؤادك،٢١)ويقبِّل الأبطال قدميه،٢٢)وسوف تحتضنه، وتأتي به إليَّ. (ملحمة جلجامش، اللوح الأوّل، العمود الخامس) (٣٤)هكذا في أصل الترجمة، وإن كانت معظم الترجمات تضع أبهى الحُلل أو حلل في موضع الأحزمة. (٣٥)من ٩–١٢ مشوهة للغاية في الأصل. (٣٦)ربما تكون هذه إشارة إلى طقوس اللواط المقدس وإلى المأبونين الذين كانت تعج بهم أطراف معبد عشتار (انظر ترجمة فراس السواح للملحمة، ص١٠١، هامش والسطور من ٩–١١ مهمشة وتتعذر قراءتها). (٣٧)تتفق معظم الترجمات العربية على وصف جلجامش في هذا السطر بأنه المبتهج بالحياة، والمعنى الحرفي كما تؤديه الترجمة الألمانية يمكن التعبير عنه بالفرح المتألم أو المبتهج المشتاق، وهو ما يؤكده السطر السابع عشر. (٣٨)تحتمل الكلمة الأخيرة معاني مختلفة، منها الغرور والغلواء والتبجح والعبث. (٣٩)«آنو» هو إله السماء وكبير مجمع الآلهة السومرية، و«إنليل» هو إله العواصف الغضوب، و«إيا» هو إله الحكمة والمياه العذبة العميقة والشفوق على البشر. (٤٠)التي رآك فيها. (٤١)الناس هنا وفي سائر السطور يمكن أن تؤدى بالأبطال والرفاق والصحاب والرجال. (٤٢)٤، ٦، ٨، مخالفة للأصل وهو: ٢٧) كان بالسموات نجوم، ٢٨) كأنها مخيفو السماء، وقع أحدها فوقي. (٤٣)في ترجمتَي: طه باقر وفراس السواح: شهاب آنو (الثاقب) وفي ترجمة سامي سعيد: قد سقطت على ظهري مثل جنود الرب آنو. (٤٤)من ٨–٢٢ = ٢٩–٤٧. (٤٥)هي «نينسون» الحكيمة، أم جلجامش. (٤٦)٨–٢٢ = ٢٩–٤٧ بنفس المعنى تقريبًا. العمود السادس ١)إنه إنكيدو القوي،الرفيق الذي يعين صديقهالشدة! ٢)وهو أقوى مَنْ في البلاد، بأسه شديد،٣)وعزمه الجبار مثل قبضة آنو! ٤)لقد انحنيت عليه كما تنحني على امرأة،٥) ... ولكنه سينقذك المرة بعد المرة. »٢٤)أخلد إلى النوم ورأى حلمًا آخر،٢٥)قال لأمه:٢٦)«أماه، لقد رأيت حلمًا آخر،٢٧) ... بحثت على الطريق في سوق أوروك،٢٨)كانت ثمة فأس مطروحة،٢٩)تجمع الناس حولها،٣٠)وتزاحم الشعب عليها. ٣١)بدا منظر هذه الفأس فظيعًا! ٣٢)ولما أبصرتها، شعرت بالفرح،٣٣)وأحسست نحوها بالحب،٣٤) فانحنيت عليها كما أنحني على امرأة،٣٥)وتناولتها ووضعتها بجانبي. »١٦)نينسون الحكيمة، العارفة بكلِّ شيء، قالت لابنها:١٧)نينسون الحكيمة، العارفة بكلِّ شيء، قالت لجلجامش:١٨)«إنَّ الفأس التي رأيتها رجل،١٩)سوف تنحني عليه كما تنحني على امرأة،٢٠)وسوف أجعله ندًّا لك. ٢١)ثم إنه هو إنكيدو القوي،وهو الرفيق الذي يعين صديقه عند الشدة! ٢٢)إنه أقوى مَنْ في البلاد، وذو بأس شديد،٢٣)وقوته الجبارة شبيهة بقبضة آنو! »٢٤)عاد جلجامش يقول لأمه:٢٥)«عسى أن أنال هذا الحظ العظيم،٢٦)فلَكَم أتمنى أن يكون لي صديق،رفيق! »٢٧)... ... ٢٨)بينما جلجامش يقص رؤاه. ٢٩) قالت المحظية لإنكيدو:٣٠) ... الاثنان. ٣١)  أمامها. ٣٢)  البلاد،٣٣) ... ... الذي يثق في إنليل. ٣٤) ... آشور. ٢٨)هلمَّ بنا، انهض من على ... الأرض! »٢٩)هكذا قالت البَغِي، وهي تكلم إنكيدو. ٣٠)وكانا وحدهما عند مورد الماء. (ملحمة جلجامش، اللوح الأوّل، العمود السادس) (٤٧)٢٧ مشوَّه بالأصل. (٤٨)مخالفة لترجمة هيدل حيث جاء لديه بدلًا من ٢٨–٣٤ تلك الهتامات المشوهة. (٤٩)تضيف الترجمتان السابقتان: الأرض فراش الراعي، أو سرير الرعاة، وقد كان البابليون يطلقون على الأرض اسم سرير الراعي؛ لأنه يستلقي عليها صيفًا وشتاءً. --- ### تصوراتنا عن الجنس - Published: ۲۰۲۳-۰۹-۱۸ - Modified: 2023-09-18 - URL: https://tabcm.net/13424/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: آدم, أنثروبولوچي, حواء, قصة الخلق العدل لن يتحقق إلا عندما نساوي بين الجميع في الحقوق والواجبات وعندما نساهم في محو تلك الرؤية المختلة للقيم والحريات توجد نصوص صريحة في كل الكتب المقدسة التي نعرفها، تخطئ وتنهي عن الممارسات الجنسية بين المتماثلين في الجنس. ولأن هذه الممارسات تتعارض مع الفهم الكلاسيكي للميول الجنسية الطبيعية بين البشر وكذلك مع الأنثروبولوجيا الكتابية وفكرة الأسرة التقليدية التي تتمثل في قصة الخلق وعلاقة آدم بحواء فقد تم نبذها واعتبارها انحرافًا سلوكيًا وشذوذًا عن العرف الشائع. وقد ساهمت النظرة الدينية والأخلاقية إلى الجنس مع كثرة المحظورات والممنوعات والتحريمات، في تكوين صورة مبهمة عنه في الذهنية العربية، ربطت بينه والخطيئة، بالتالي أصبح يوصم بالعهر والفجور كل مطالب بالحرية الجنسية. ومع الوقت والكثير من الجهل حدث خلط بين التحريم والتجريم فأصبحت المثلية الجنسية جريمة جنائية وأصبح من حق أي شخص له صفة قانونية أن يلقي بشخص "مثلي جنسيًا"  في السجن، وأن يمثل به، بل وأن ينتهك عرضه، باسم الدفاع عن الفضيلة والشرف وحماية ثوابت المجتمع من الانهيار، معتبرًا أنه بمخالفته للدين فقد كل حقوقه الإنسانية وأصبح مستباحًا. بالإضافة إلى ما يعانيه عامة الناس في بلادنا من قهر وفقر واستبداد وقمع للحريات، نجد ثقافة عفنة مشوهة وليدة موروثات بالية عقيمة، وأذهان بليدة عاجزة عن الخروج خارج صناديقها تسيطر على المجتمع. مناخ مشوش يتسم بالغوغائية تصدر فيه الأحكام عشوائيًا على الأفراد بناء على هذه الثقافة التي هي مزيج مرعب بين الدين والعادات والتقاليد والحلال والحرام والحقوق والواجبات والمرفوض والمفروض، لا بناءً على أحكام القانون وسننه. المشكلة الكبرى هنا هي أن هذا الخلط موجود لدى أجهزة الدولة المنوط بها حفظ القانون وحماية المواطنين. من هنا -أعتقد- تعقدت مشكلة المثليّة في بلادنا، إذ لم يعد الأمر قاصرًا على أن ينظر إليهم باحتقار واستهجان باعتبارهم فئة منحلة شذت عن العرف والدين، بل يصل الأمر إلى حد استخدام العنف الجسدي معهم ومحاولة إجبارهم غصبًا على تغيير سلوكهم الجنسي ليطابق سلوك الأغلبية. إن أولى الخطوات في الطريق الصحيح هي الإدراك الواعي لقصور نظرتنا إلى الأخلاق. فنحن نميل إلى المبالغة في تأثير العامل الأخلاقي ولكننا لا نفهمه إلا من جانب واحد وهو الجنس. وهذه القسوة التي نتعامل بها مع قضايا متعلقة في تصوراتنا بالجنس لها دلالات خطرة، فهي تدل على اهتمام مفرط بالجنس راجع إلى قسوة الحرمان وصرامة القيود التي تفرضها المجتمعات الشرقية المحافظة على أفرادها، حيث أن القسوة هي مظهر سلبي للرغبة العارمة في ارتكاب الأشياء التي يتم تحريمها ومنعها. ومهما حاول المتخصصون أن يوضحوا للعامة أن الرغبات الجنسية ليست قضية أخلاق أو دين أو إرادة بل مسألة تطورات بيولوجية وتفاعل هرمونات طبيعي قد يؤدي منعه أو قمعه إلى أضرار نفسية وعضوية بالتالي خلق سلوكيات عدوانية أساسها الكبت، يظل هناك من يتهم المثليين بالانحراف ويشبههم بالحيوانات في عدم تمكنهم من السيطرة على غرائزهم والتحكم في ميولهم. هناك فرق كبير بين أن ترفض سلوكًا معينا لأنه لا يناسبك وبين أن تستبيح لنفسك انتهاك الآخر وقهره والتنكيل بكرامته بسبب تبنيه لهذا السلوك. مفهوم المجتمع نفسه يلزمك بأن تقبل اختلاف الآخرين وأن تفسح لهم مكانًا بجوارك للتعايش والاحترام و القبول. العدل لن يتحقق إلا عندما نساوي بين الجميع في الحقوق والواجبات وعندما نساهم في محو تلك الرؤية المختلة للقيم والحريات ونعمل على إزالة الشوائب المعششة في عقلية العامة لنرسي أساسات مجتمع سوي وقوي يحمي أقلياته لأنه يعي أهمية دورهم في حمايته من الانهيار. --- ### مأساة المأساة - Published: ۲۰۲۳-۰۹-۱۷ - Modified: 2023-09-17 - URL: https://tabcm.net/13450/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: الأب داود لمعي, التغير المناخي, الشيطان, بابا فرنسيس، بابا الڤاتيكان, شهداء ليبيا, فيروس كورونا, كنيسة الإسكندرية تعصف بذهني مجموعة من الأسئلة: لماذا لم يمنع الله مقتل هؤلاء الأبرياء على يد هذا التنظيم الإرهابي الشرير؟ لماذا تركهم الله يواجهون هذا المصير الصعب؟ ومن بعدهم أسرهم وعائلاتهم الحيّة في حزن لم ينته إلى الآن؟ وإذا كان الله ينتقم كما يتصور من كتب هذا المنشور، فهل ينتقم من المجرمين والإرهابيين القتلة؟ أم من مواطنين أبرياء من دولة ليبيَا بينهم مصريين أيضًا مازالوا يعملون هناك وجميعهم يعانون من غضب الطبيعة بالإعصار، ولم يتسبب أحدهم في ذبح الـ21 شهيدًا بريئًا؟ عندما تقع الكوارث يتضامن الإنسان الطبيعي مع أشقائه من البشر الذين يتعرضون لمأساة، وفي وسط الأحداث يتناسى الناس عداوتهم لبعض الوقت وتبدأ الدول في إرسال مساعدات لمواجهة الكوارث الطبيعية، ففي النصف الأول من سبتمبر الجاري حلت بدولتين من شمال إفريقيا كوراث طبيعية، الأولى كانت زلزال ضرب المغرب وتسبب في وفيات وإصابات كثيرة، وبعدها بأيام استقبلت ليبيَا إعصار دانيال الذي تسبب أيضًا في وفيات كثيرة، وبدأت شعوب دول العالم المختلفة في التضامن مع شعبي المغرب وليبيَا لما يمروّن به من كوارث، ومن بينهم الشعب المصري، لكن لفت الانتباه منشور تداوله عدد من المواطنين المصريين المسيحيين عن إعصار ليبيَا، وعلاقة ذلك بالـ21 مصري مسيحي الذين قتلوا في ليبيَا علي يد تنظيم داعش وعودة ظهور فيديو مقتلهم في 15 فبراير 2015. توقفت كثيرًا أمام هذا المنشور الذي يتداوله بعض المسيحيين على الرسائل الشخصية، حيث يشير إلى مدينة درنة التي ضربها الإعصار وابتلعتها الفيضانات مع الإشارة لكونها نفس المدينة التي "استشهد" فيها "الأقباط" في ليبيَا، باعتبار أن ما حدث هو نوع من العقاب الإلهي لهذه المدينة التي شهدت مقتل المصريين الأبرياء على يد تنظيم داعش الإرهابي. منشور رديء عن الانتقام الإلهي، يتفق تمامًا مع حال التعليم اللاهوتي المتردي الذي ضرب كنيسة الإسكندرية العريقة في أخر 60 سنة، فهذه العبارات المكتوبة على صورة "أحد الشهداء" بعيدة كل البعد عن المسيح وتعاليمه التي تؤمن بها الكنيسة، فالله ليس بمنتقم ولا مجرب بالشرور، بل بالعكس المسيح كان يقدم المحبة والرحمة، كان يتعاطف مع الناس يشاركهم فرحهم ويشاركهم حزنهم أيضًا، مثلما فعل وشارك مريم شقيقة لعازر صديقه الذي توفي، في البكاء. فَمَرْيَمُ لَمَّا أَتَتْ إِلَى حَيْثُ كَانَ يَسُوعُ وَرَأَتْهُ، خَرَّتْ عِنْدَ رِجْلَيْهِ قَائِلَةً لَهُ: «يَا سَيِّدُ، لَوْ كُنْتَ ههُنَا لَمْ يَمُتْ أَخِي! »فَلَمَّا رَآهَا يَسُوعُ تَبْكِي، وَالْيَهُودُ الَّذِينَ جَاءُوا مَعَهَا يَبْكُونَ، انْزَعَجَ بِالرُّوحِ وَاضْطَرَبَ،وَقَالَ: «أَيْنَ وَضَعْتُمُوهُ؟» قَالُوا لَهُ: «يَا سَيِّدُ، تَعَالَ وَانْظُرْ». بَكَى يَسُوعُ.  (إنجيل يوحنا 11: 32- 35) فمن أين جاءت تلك التعاليم التي تروج للشماتة وتظهر الله وكأنه سادي يتلذذ بالانتقام الأرضي على شعوب كاملة لمجرد موطنها بالصدفة في مكان دنّسه آخرين، وفي الوقت ذاته يميز بين البشر الذين أحبهم جميعًا وينتقم لمجموعة من مجموعة ثانية عبر العقاب الجماعي من مجموعة ثالثة؟ على نفس القياس الذي جاء في هذا المنشور، تعصف بذهني مجموعة من الأسئلة: لماذا لم يمنع الله مقتل هؤلاء الأبرياء على يد هذا التنظيم الإرهابي الشرير؟ لماذا تركهم الله يواجهون هذا المصير الصعب؟ ومن بعدهم أسرهم وعائلاتهم الحيّة في حزن لم ينته إلى الآن؟ وإذا كان الله ينتقم كما يتصور من كتب هذا المنشور، فهل ينتقم من المجرمين والإرهابيين القتلة؟ أم من مواطنين أبرياء من دولة ليبيَا بينهم مصريين أيضًا مازالوا يعملون هناك وجميعهم يعانون من غضب الطبيعة بالإعصار، ولم يتسبب أحدهم في ذبح الـ21 شهيدًا بريئًا؟ للأسف لم ينتبه من كتب هذا المنشور "الشامت" إلى أنه ينشر ما يندرج تحت تصنيف "خطاب الكراهيَة"، فيعبر هذا المنشور عن واحدة من سماته وهي نشر خطاب "تمييزي" (متحيز، متعصب، ﻻ يغفر) أو "ازدرائي" (احتقاري، مهين، مذل) لفرد أو مجموعة. تعرّف الأمم المتحدة خطاب الكراهيَة على أنه:  أي نوع من التواصل، الشفهي أو الكتابي أو السلوكي، الذي يهاجم أو يستخدم لغة ازدرائية أو تمييزية بالإشارة إلى شخص أو مجموعة على أساس الهُوِيَّة، وبعبارة أخرى، على أساس الدين أو الانتماء الإثني أو الجنسية أو العرق أو اللون أو النسب أو النوع الاجتماعي أو أحد العوامل الأخرى المحددة للهوية.   (تعريف الأمم المتحدة لخطاب الكراهيَة) من متابعتي لشؤون الأقباط بشكّل مكثّف منذ عام 2011، أعتقد أن من كتب مثل هذا المنشور لا يعي ولا يعرف معنى "خطاب الكراهيَة" المرفوض من الأساس، وأنه يشمت في موت أبرياء في كارثة طبيعية مسؤول عنها البشر جميعًا نتيجة نشاطهم الذي أثر على المناخ ونجني تبعاته في السنوات المقبلة بطريقة أكثر ألمًا، ما لم نغير في سلوكياتنا الطبيعية الارتجالية تجاه الآخرين. وهنا أعود لإشكالية التعليم اللاهوتي المنتشر في كنيسة الإسكندرية منذ سبعينيات القرن الماضي، فمن سماته أنه سماعي سطحي، وللأسف لا توجد كليات ومعاهد لاهوتية معتمدة أكاديميًا، يدخلها من سيتم رسامتهم كهنة ورهبان وأساقفة، بل توجد "كليات إكليريكية" (كهنوتية) غير معتمدة أكاديميًا، تُناقش فيها رسائل الماجستير والدكتوراه من غير الحاصلين على أية درجات علمية أكاديمية ويمنحون بأنفسهم درجات الماجستير والدكتوراه التي لم يحصلوا عليها لغيرهم. بجانب هذا الوضع، فُتحت المنابر لبعض القساوسة دون غيرهم ليكونوا "نجوم شباك"، وأصبح لهم تأثيرًا كبيرًا على الخطاب الديني المسيحي في مصر، ومن بينهم القمص داود لمعي، كاهن كنيسة مار مرقس بحي مصر الجديدة بالقاهرة، الذي روج وقت انتشار فيروس كورونا إلى أنه عقاب من الله، وكان يلوم من يقول بغير ذلك ويعتبره غير مؤمن إيمانا صحيحًا برب الكوارث الذي يؤمن به، وأعتقد أن من كتب هذا المنشور لازال متأثرًا هو ومن يتداولنه بهذا الخطاب. للأسف الخطاب الديني لكنيسة الإسكندرية في وقتنا الحاضر، يلغي الإنسان وارداته الحرة ومسؤوليته عن الأحداث من حوله، ويخلق هذا الخطاب حالة من الاستكانة والخضوع للإكليروس (الكهنة) وما يقولون، على اعتبار أنهم يتحدثون باسم الله وينقلون كلام الله ويشرحون وجهة نظر الله، فلا يشعر الفرد منا بقيمته كإنسان، ولا كيف يتعامل الإنسان مع الكوارث بالمؤازرة للمنكوبين ﻻ بالشماتة فيهم، فيفسر كل ما يحدث في حياته بطرق غيبية وساذجة ويلقي بمسؤولياته على الله تارَة، وعلى الشيطان تارّة أخرى. فلا يتبقى له شيئا ليفعله بنفسه أو لنفسه أو لغيره من الأنفس الحيّة! على الكنيسة أن تنتبه لمثل هذا الخطاب اللاهوتي وكوارثه، وأن تغيّر منه، فتظهر محبة الله بدلا من الخوف من العقاب والانتقام، وليس هذا فحسب، بل عليها أن تنظر إلى شقيقتها في رومَا، التي انتبهت للطبيعة والتغير المناخي، وأنه يجب أن يكون للكنيسة كمؤسسة دور في مواجهة التغير المناخي، فقد صدر عن البابا فرنسيس وثيقة "كن مسبحًا" وقت توقيع اتفاقية المناخ عام 2015، للتوعية بأهمية البيئة والحفاظ عليها، وهذه الأيام يضيف لها ملحقًا جديدًا، ويتم تناولها من قبل الكنائس الكاثوليكية حول العالم ومؤسساتها التعليمية والأهلية المختلفة. ففي رأيي الكلام عن البيئة والتغير المناخي ومخاطر ذلك على كوكب الأرض ككل ومستقبل الكائنات عليه، لم يعد "رَفَاهيَة أوربية" كما ننظر، بل أهم بكثير من أي أمور أخرى، ويتفق مع المسيح ونهجه، وهو دور مهم لابد أن تؤديه الكنائس. خالص العزاء لمن فقدوا ذويهم وأصدقائهم سواء في الزلزال الذي ضرب المغرب، أو بسبب إعصار دانيال الذي ضرب ليبيَا، فهذه الكوارث تجعلنا نقترب أكثر من بعض، ونتضامن ونساند بعضنا البعض ولو بكلمة تعزية بسيطة. --- ### [١] أبونا بطرس - Published: ۲۰۲۳-۰۹-۱٦ - Modified: 2023-10-28 - URL: https://tabcm.net/13367/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون صدقني يا معلم موريس، محدش بقى فاهم حاجة خالص، أخر اجتماع سيدنا اقتنع بوجهة نظر أبونا بطرس، بس ما نعرفش إيه اللي حصل ولا مين اللي نخرب ورا الموضوع تاني وخلى سيدنا يغير رأيه، ويمكن يكون لوحده، أصل الموضوع له أبعاد تانية كتيرة، هذه القصة من وحي الخيال، وأي تشابه قد يكون بين أحداث القصة والواقع هو من قبيل الصدفة البحتة التي نثق أنها لا يمكن أن تحدث فيه مدينتنا الفاضلة التي يحكمها المحبة والبذل وإنكار الذات. الساعة كانت حوالي الواحدة بعد منتصف الليل، والمطرانية مليانة بالأراخنة والكهنة، والاجتماع فوق مع الأسقف طال وقته، والجميع ينتظر ماذا سيسفر عنه هذا الاجتماع، ويبدو أنه ليس الاجتماع الأول، وربما لا يكون الأخير، على الرغم من أن علامات القلق والأحاديث الجانبية توحي أنه لابد أن يكون الأخير، بعدما زاد القيل والقال، وانتقلت الآراء والاعتراضات والمنشورات من الغرف المغلقة إلى صفحات ومواقع السوشيال ميديا، وانقسم الناس إلى فريقين، فريق مع أبونا بطرس ضد الأسقف، وفريق مع الأسقف ضد الكاهن حديث العهد الذي لم يمر على رسامته سوى سنة وعدة أشهر قليلة. اقترب الأرخن "موريس" بخطوات بطيئة، وهو رجل في أوائل العقد السادس من عمره، وقد علا الشيب رأسه واختفت عيناه الضيقتان وراء نظارته الطبية ذات الإطار الأسود و ملأ شاربه الكث وجهه، وهو من تجار الخشب الأثرياء الكبار في المطرانية وكان معروفًا بمحبته للكنيسة نحو أبونا بفنوتيوس كاهن كنيسة الملاك غبريال وقال بصوت خفيض : تفتكر يا أبونا سيدنا يروحنا كلنا زعلانين ويعمل اللي في دماغه؟! ليرد عليه أبونا بفنوتيوس : صدقني يا معلم موريس، محدش بقى فاهم حاجة خالص، أخر اجتماع سيدنا اقتنع بوجهة نظر أبونا بطرس، بس ما نعرفش إيه اللي حصل ولا مين اللي نخرب ورا الموضوع تاني وخلى سيدنا يغير رأيه، ويمكن يكون لوحده، أصل الموضوع له أبعاد تانية كتيرة، المشكلة كلها إن أبونا بطرس كاهن جديد ومرسوم شبعان، وكان دكتور ومن عيلة كبيرة، يعني من الآخر مرتاح ونفسه عزيزة وصعيدي راسه ناشفة، فمش هيقدر يعمل اللي مطلوب منه ومش ها يقبله أصلا ولا سيدنا هيقدر يغير النظام علشان... قبل ما يكمل، الكل سمع صوت أبونا أنطونيوس، وهو نازل على سلالم المطرانية، وبيجري وبيقول بصوت عالي: يا أبهات سيدنا عاوز كل الآباء يطلعوا فوق في كنيسة مار جرجس، الآباء بس وممنوع أي حد ثاني يطلع وياريت الباقي يروح لأنه باين كده مفيش جديد، فبلاش نعمل قلق ودوشة على الفاضي. كل الآباء اللي كانوا منتظرين تحت بدأوا يتحركوا ويطلعوا للكنيسة فوق، بس باقي الناس فضلت في مكانها منتظرة و كأن مفيش حاجة اتقالت، ولا كأن اللي اتقال قدر يغير قرارهم في الانتظار. أبونا يوناثان كان أول واحد يدخل الكنيسة ودموعه كانت مغرقة لحيته البيضاء، ورغم كبر سنه إلا أنه دخل وسجد و عمل ميطانية كاملة قدام الهيكل وراح وقبل أيقونة الست العدرا، وبعد كده وقف قدام أيقونة المسيح وانسابت دموعه و كأن فيه حوار سري بيدور بينه و بين المسيح، و كأنه بيحكي للأيقونة كل اللي حصل من أول البداية، بداية الحكاية. . , من حوالي سنة ونص، يعني حوالي ١٨ شهر، وبالتحديد يوم الأحد الموافق ١٥ مارس سنة ٢٠٢٦. . يتبع... --- ### سبق وجود المسيح - Published: ۲۰۲۳-۰۹-۱۵ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/12613/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: الأب متى المسكين, قديس بولس الرسول "يسوع المسيح هو هو أمس واليوم وإلى الأبد"،"الذي هو صورة الله غير المنظور، بكر كل خليقة"، في كلمات موجزة يصف القديس بولس ماهية المسيح ووجوده الأزلي الأبدي، ويضعنا أمام حتمية تجسد الابن في تحقيق المصالحة بين الله والإنسان، في التوقيت الذي يراه الله مناسبًا "ملء الزمان"، وفي هذا يقول الكاتب: "إن بولس الرسول يوضح علاقة المسيح بالله وعلاقته بالخليقة بآن واحد" فهو من جانب"صورة الله غير المنظور"،وفي ذات الوقت هو"بكر كل خليقة"،"صورة يمكن فيها ومنها رؤية الله غير المنظور، كلمة مسموعة ومفهومة تُظهر ما خَفِى في فكر الله"، "فإحدى خصائص المسيح أنه الشخص الواقف بين الله الآب الذي لا يُرى وبين الإنسان الذي لا يفهم ولا يعي إلا ما يَرَى، فوجه المسيح المتجه إلى الآب إلهي محض، ووجهه الذي يتراءى لذوي العيون المفتوحة ، هو بالنسبة لله حسب مداركنا ابن حقيقي في ذات الله المنزهة عن الولودة، وبالنسبة لنا ابن حقيقي يفوق معنى الولادة ويتعدى ضعفها وموتها. فهو بالرؤية المتسعة بِكرُ الله لأنه الابن الوحيد الذي يتكلم باسمه، وبالرؤية المتميزة بكر الخلائق طُرَا، لأنه يمثل الخلائق ويتكلم باسمها". (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») لكن الكاتب ينبهنا إلى أن تعبير بكر كل خليقة: لا يحمل على وجه الإطلاق معنى بكر بين الخلائق، بل بتحديد المعنى تمامًا: بِكرُ، أي قبل أو على، كل الخلائق؛ الذي يحمل المعنى في الحال أنه ليس معدودًا بين الخلائق بل متقدمًا ومترأسًا، وأنه يحمل وجودًا فائقًا وسابقًا على كل الخلائق، لأنه إذا كان قول بولس أنه بكر كل خليقة يحمل معنى أنه من الخليقة بالتبعية، فماذا يكون لو لم تكن الخليقة؟ هل كان يفقد ابن الله وجوده؟ بولس يحذر من ذلك فيكمل بقوله مباشرة"الذي هو قبل كل شيء وفيه يقوم الكل(1كو16:1و17). وهذه كلها تستعلن وجوده السابق على كل الوجود. فالآن إذا كان وجوده فائقًا وحرًا من كل خليقة وسابقًا عليها وعلة وجودها، وهذه حقيقة أكدها بولس الرسول قائلًا"الكل به قد خلق"(كو16:1)،فماذا يكون معنى "بكر كل خليقة"؟ إلا أنه يعني كونه المثل والمتقدم على كل ولكل الخلائق لدى الله، يحمل كيانها فى ذهنه وفى قلبه لأنها أخذته من يديه، وهو الذي صنعها ولا يزال متكفلًا بها ويحمل همها وعجزها إن عجزت ككل مخلوق، وكل خليقة أثبتت عجزها وقصورها عن بلوغ الكمال على طول المدى، إن كانت الملائكة، وإن كانت البشرية، لأن هذا هو الفارق بين الخالق والمخلوق. (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») ويواصل الكاتب تناول "بكر كل خليقة" في فكر القديس بولس الرسول: الخليقة تئن إلى الآن وتتمخض منتظرة كمال عمل المسيح لكمال فداء الإنسان وتصحيح موقفه النهائي أمام الله، باعتبار الإنسان المسؤول عن سقوطها بسقوطه، فيتصحح موقفها بتصحيح موقفه بالتالي وتتخلص من عجزها: لأن انتظار الخليقة يتوقع استعلان أبناء الله إذ أُخضعت الخليقة للبُطْل، ليس طوعًا، بل من أجل الذي أخضعها "الإنسان" على الرجاء. لأن الخليقة نفسها أيضًا ستُعتَق من عبودية الفساد إلى حرية مجد أولاد الله. فإننا نعلم أن كل الخليقة تئن وتتمخض معًا إلى الآن، وليس هذا فقط بل نحن الذين لنا باكورة الروح، نحن أنفسنا أيضًا نئن في أنفسنا متوقعين التبني فداء أجسادنا. (رو19:8ـ23) (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») ويوجز الكاتب ما حدث: وهذا واضح من قول بولس الرسول بعد ذلك عن كيف أن الله أرسل ابنه متجسدًا وهو في ملء لاهوته، ليصالح به الكل لنفسه عاملًا الصلح بدم صليبه بواسطته، سواء كان ما على الأرض أم ما في السموات.  (كو20:1) (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») وينتهي الكاتب إلى حقيقة دامغة أنه "حق للمسيح سواء في وجوده السابق لتجسده أو بعد تجسده أن يدعى: • أولًا: بكر الله، هو كما هو، لأنه الابن الوحيد لا عن ولودة بل عن كيان ذاتي متأصل في كيان ذات الله، كآي وابن معًا لا ينقسمان ولا ينفصلان. • ثانيًا: بكر كل خليقة، لا عن ولودة بل ككيان يحمل في ذاته كل كيان الخليقة بكل صورها. ويستطرد الكاتب في تتبع استخدام هذا المصطلح عند القديس بولس، حتى بالنسبة للأموات فهو بكرًا كأول من قام من الأموات، وهو هنا رب القيامة وقوتها ورب الحياة، فحسب قول المسيح نفسه"أنا هو القيامة والحياة"(يو25:11)، وكل قيامة حدثت وتحدث وستحدث هي مستمدة من قيامته. دعنا عزيزي القارئ نقرأ معًا النتيجة التي وضع الكاتب يده عليها: "حين يقول القديس بولس:"لأَنَّ الَّذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ لِيَكُونُوا مُشَابِهِينَ صُورَةَ ابْنِهِ، لِيَكُونَ هُوَ بِكْرًا بَيْنَ إِخْوَةٍ كَثِيرِينَ. "فالمعنى أنه بالتجسد والفداء وباشتراكنا في موته وقيامته أراد الله أن يعطينا صورة ابنه في كل شيء، إن في الموت أو القيامة أو حتى المجد، ليكون هو الأخ الأول كرأس البشرية الجديدة المُفتدية، وهو الذي يقودها نحو الآب في موكب نصرته لتشاركه ميراث بنوته لله. ولكن حتى وبعد ذلك، فنحن لا نُحسب أبدًا على مستواه في البنوة، بل مجرد متبنَين. فنحن وإن بلغنا صورة ابنه وصرنا بالتالي إخوة له، فليس معنى ذلك أننا لما حملنا صورته صار هو أخًا لنا على مستوانا، بل هو إخلاء وتنازل نزل به ليرفعنا إليه، فحتى وإن صار مثلنا في كل شيء إلا أنه يظل كما هو صورة الله، ربًا تسجد له كل ركبة مما في السماء وعلى الأرض". (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») يبقى لنا حسب الكاتب التعرف على ربوبية وألوهية المسيح عند القديس بولس وهو ما سنستعرضه في مقالات مقبلة. --- ### مفتاح الخروج من المتاهة - Published: ۲۰۲۳-۰۹-۱٤ - Modified: 2023-09-14 - URL: https://tabcm.net/13300/ - تصنيفات: مقالات وآراء بنظرة على الحياة في العالم كله حوالينا، هنلاقي إن إحنًا في أكثر العصور تقاربًا ما بين البشر على مستوى العالم كله، مش بس نتيجة وسائل التواصل الاجتماعي والأنترنت اللي حول العالم كله لقرية صغيرة أو حتى لشارع واحد الكل شايف فيه بعضه، لكن كمان لتشابه الظروف الاقتصادية العالمية وأزمة كورونا اللي عانى منها البشر كلهم مع بعض، وأزمة المناخ اللي كلنا بنعاني منها، كل واحد في مكانه، وده بطبيعته أدى إلى ازدياد الضغوط على الإنسان بشكل عام، وعلشان كده النهاردة الضغوط النفسية اللي بتتطور لأمراض بقت يعني زي الانفلونزا كده. مقصدش بالعرض السوداوي ده نشر التصالح مع الحالة الكئيبة اللي العالم بيمر بيها، بالعكس أقصد بالكلام ده البحث عن المخرج، لأني مؤمنة بشكل شخصي أن دائمًا في مَخرج (زي في لعبة المتاهة كده، دائمًا في مَخرج بس المهم نوصل له)، وعلشان نوصل للمَخرج ده المفتاح بالنسبة لي هو في الإدراك، لازم أفهم أنا فين؟ ومحتاج إيه علشان ارتاح؟ وعاوز أوصل لأيه علشان أفرح وأخرج من دايرة الضغط النفسي؟ وفي رأيي إن الحل في الإنسان بس الإنسان اللي حسب قلب الله وقصده. الإنسان اللي فرحه مش أنه يكون أغنى من جاره، وأنجح من صاحبه، وابنه أشطر من ابن أخوه، ده الإنسان اللي اتشوهت نفسيته ونسي إنه يحب قريبه كنفسه فلما بطل يحب قريبه أهلك نفسه! الإنسان اللي فاهم إن قيمته مش في عربيته ولا مكان سكنه، ولا ماركة لبسه، لكن قيمته في ابتسامة قدر يحطها على وش إنسان تاني تعبان أو حزين أو حتى أنه قعد جنبه يبكي معاه فشال شوية ألم من قلب أخوه الإنسان. الإنسان اللي مش بيدخل أي علاقة يدور فيها ها ياخد إيه؟ ويكسب إيه؟ ويستفيد إيه؟ لكن بيركز على الأطراف التانية، على احتياجاتهم واهتماماتهم. الإنسان اللي بيجول يصنع خيرًا من غير ما يحس نفسه نبي ولا عظيم ولا حد ما حصلش، الخير بيطلع منه بسلاسة ومن غير ما يبذل مجهود مع نفسه والخير ده هو اللي بيفرحه ويريحه. الإنسان ده هو المسيح اللي عاش على الأرض يطبطب ويحضن ويقبل ويلملم في الناس، يضمد جراحهم ويشفي أمراضهم، مش بالقوة الخارقة والمعجزات لكن بالحب اللي نشره ووزعه وفاض بيه عليهم. يعنى من الأخر الحل: إن كل واحد فينا يكون مسيح! وده مش بس ممكن، لكن كمان مطلوب ودي وصية أن ننمو إلى قامة ملء المسيح فترتاح أنت وتتملي وتفرح وأخوك يتسند ونفسه تشفى ويسند هو كمان مهما كانت الظروف المحيطة بينا كلنا. وقبل ما تتخيل أن دي رؤية رومانسية للأحداث افتكر الظروف اللي كانت محيطة بالناس مثلا وقت حياة المسيح على الأرض ها تلاقيها كانت يمكن أسوأ من كده والأهم من كده، تعالوا نجرب حتى لو على مستوى قريب راقب مشاعرك لما بتقدم عمل محبة لحد، وشوف كم الفرح اللي بيتولد جواك لما بتحس إنك قدرت تسعد حد تاني مهما كانت ظروفك. فى رأيي دي ببساطة كلمة السر من التجسد ومحور رؤية الله لخلق الإنسان على صورته ومثاله ودي خريطة الخروج من المتاهة ودمتم! ولسه هنكمل كلام عن الوعي. --- ### هذا كثير يا باكثير - Published: ۲۰۲۳-۰۹-۱۳ - Modified: 2023-09-12 - URL: https://tabcm.net/13234/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون - وسوم: الحاكم بأمر الله, علي أحمد باكثير, فاوست, محمد عبد الحليم ربما كان ومازال واحدًا من أشهر الأسماء الرنانة في تاريخ الأدب المصري أخر ثلثي قرن. . ليه؟! ماعرفش! (بصوت الفنان "فؤاد المهندس")، إنه الأديب الروائي الأمثل "علي أحمد باكثير! ". نعم. . هو! كثير مننا يعلم ويحفظ جيدًا جدًا اسمه بسبب سطوة وزارة التعليم المصرية عليه قديمًا -أو الدولة بمعنى أصح- التي فرضت أعماله وغيره من ديناصورات الأدب العربي علينا فرضًا في المقررات الدراسية، واضطررنا لتحملها قسرًا واستذكارها ومن ثم الاختبار فيها، بالرغم من سخافتها وثقلها علينا وقتها، طمعًا في النجاح والفكاك من الدراسة بأسرها! الغريب أنه بعد ثلث قرن من نهاية رحلة التعليم الأساسي لي ولغيري، أحاول الآن وعلى استحياء إعادة استكشاف أدب الأستاذ باكثير لنفسي ولقليل من الناس حولي، والحق يقال، إنني لن أحتاج لتغيير رأيي كثيرًا عما كان وأنا طفلًا منذ عشرات السنوات، قبل أن أكون شخصيتي الحالية. أعمال باكثير تحول الكثير منها إلى أعمال فنية كبيرة وملونة وقتما كانت الألوان شيئا نادرًا جدًا، بالذات الدينية منها والتاريخية، وأُسند تمثيلها لعمالقة الفن وقتها، وفوق ذلك كرر التلفزيون المصري عرضها سنويًا وقت العيد في ذروة وقت المشاهدة في وقت انعدمت فيه المنافسة التلفزيونية عربيًا، وربما شاهدها معنا سكان العالم العربي كله مرغمين أيضا مثلنا ونحن بمصر، وبدل المرة ثمانية عشرة على الأقل. ومع ذلك كله، تكرر طبعا وقع اسم الأستاذ باكثير  -وهو غالبا اسم ذو أصل باكستاني والله أعلم- هو وزملاءه على آذان هذا الجيل (من مواليد السبعينيات والثمانينيات وأوائل التسعينيات) ما يقرب من ثلاثين لأربعين مرة على الأقل، وولد هذا بشكل فطري انطباعًا داخلنا شبه كاذب على وجود "ثراء" أدبي -غير موجود بالمرة- في أدبه، في رأيي الشخصي المتواضع، (نعم. . أرفض أن احتفظ لنفسي وأبخل به على القارئ! ) للأمانة فمسرحيات باكثير المكتوبة تحمل فعلًا قدرا معتبرًا من الأدب الرفيع والمحترم والممتع كـ "سر الحاكم بأمر الله" و"شيرلوك الجديد" و"فاوست الجديد"، و"الفردوس المفقود" و"الفرعون الموعود"، عكس رواياته وقصصه التي آراها مجدبة وفقيرة وشديدة النمطية والملل، كرواية "ليلة النهر" أو "الدنيا فوضى" أو مسرحية "دكتور حازم" وغيرها الكثير (إن لم يكن السواد الأعظم منها). ليس باكثير فحسب، أريد أن اذكر أيضًا محمد عبد الحليم عبد الله في مَعْرِض حديثي عن بعض أدباء "أسطورة جيل أدباء وشعراء الستينيات" الذي نال بعضهم للأسف سمعة أدبية كبيرة ومبالغ فيها عن واقع قيمتهم الأدبية (الكبيرة أساسًا طبعًا)، فعبد الله مثلا في رواياته التي يغلب عليها طابع مأساوي بشكل مفرط جدير بشخص يكتب في عشرينيات القرن الحادي والعشرين وليس قبلها بستين عامًا وقتما كان الخير وفيرًا جدًا، وكان الجنيه المصري شامخًا أمام الدولار الأميركي "الهلفوت" وكانت مصر أفضل شأنًا وبكثير عن الآن، بالرغم من نكبتها في حكم شمولي سلطوي غاشم وقتها (بعكس الآن طبعًا والحمد لله كثيرًا)، لكن ليس هذا هو بيت القصيد، فبخلاف هذا تجد إن عبد الله يغرق القارئ البائس لقصصه في أوصاف مكانية وجغرافية لا أول ولا أخر لها، بل ولا داعي لها أصلًا! تجده مثلا معني جدا بالـ"ديكور" وتنسيق المناظر، ومواء القطة السوداء وسقوط ورق الشجر الأصفر وتصفير الريح، وتكاثف السحاب وأرجحة الباب الخشبي القديم، أكثر من اهتمامه بالدراما والصراع والحوار ورسم الشخصيات والبناء الدارمي وتطورها مثل هذه الأمور الثانوية التافهة طبعا! ولا عجب أن يسطر الملل والرتابة على قطاعات كبيرة من كتابات شهيرة معتبرة من أدباء الستينيات هؤلاء (ليس كلهم طبعًا) جعلت القارئ من مواليد السبعينيات والثمانينيات -وطبعا التسعينيات وما بعدها- ينفر من مثل هذه الكتابات ومثل هذا الأدب، الذي سيطر على المشهد الثقافي في الوقت الذي لم يكن يدفع فيه الكاتب مليمًا الى الناشر، بعكس ما يحدث منذ عشرون عاما في مصر، وطبعًا كان عدد الكتاب أقل بنسبة 95% مثلا عن الآن، ولم يكن لدى القارئ العربي خيارات عديدة، بالرغم من تعدد المطبوعات الصحية، أضف إلى ذلك حلولهم ضيوفًا دائمين على وسائل الإعلام القليلة وقتها التي كانت تحتكر أبصار وآذان الناس. هذا وذاك وأمور أخرى كثيرة فعلًا جعلتني أتجرأ أخيرًا وأهاجم أصنامًا عالية في عالم الآدب -كما هاجمنا وسنهاجم أصناما مثلها في الدين أو السياسة- وأصيح متبرمًا ومستاءً من سطوتهم قائلًا: يكفي هذا. . هذا كثير جدًا. . يا باكثير! أعتقد إننا كقراء في هذا العصر نحتاج مراجعات أدبية حديثة ومحايدة وشجاعة جديدة لكثير من الثوابت، سواء في الأدب والفن أو السياسة والدين. فهل من مبادر؟ وللحديث بقية إن كان في العمر بقية. . ! --- ### ملحمة جلجامش
الأدب السومري الصامد ضد الزمن - Published: ۲۰۲۳-۰۹-۱۲ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/13238/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون, تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أفروديت, ألفريد جيريمياس, ألواح تل هرمال, أندرو ر. جورج, أنكي, أوتنابشتم, أورشنابي, أوروك, أوستن هنري لايارد, إليانور روبسون, إنانا, إنكيدو, إيزدوبار, إين مي باراكي سي, الثور السماوي, الشرق الأدنى, الشرق الأوسط, الهالات السبع, بقايا فيلادلفيا, بول هاوبت, بيتر جنسن, تجاوز جميع الملوك الآخرين, ثيودور كواسمان, جاسينثو لينس برانداو, جلجامش, جمعية علم آثار الكتاب المقدس, جورج سميث, خمبابا, ريجنالد كامبل طومسون, سامي سعيد, سيدوري, سين لقي ونيني, شمخات, شمش, طه باقر, عبد الغفار مكاوي, عشتار, عوني عبد الرؤوف, فراس السواح, ڤينوس, لوح إيشكالي, لوح بنسلفانيا, لوح سيبار, لوح ييل, مارتن ويست, مدرسة نيبور, مكتبة آشور بانيبال, من رأى الهاوية, نمرود, نوح ابن لامك, نينسون, هرقل, هرمز رسام, هو الذي رأى العمق, هو الذي يرى الغيب, هوميروس, هيرودوت, وليام لوفتس وضع السّومريّون نصوصًا أسطوريّة وملحميّة كثيرة، تتناول قضايا الخَلق، وظهور العالم، والآلهة، وأوصاف الجَنّة، وسِيَر الأبطال في الحروب النّاشبة بين البدو والحَضَر، كما تعنى بالتّعاليم الدّينيّة، والنصائح الخلقية، والتنجيم، والتشريع، والتاريخ. وفي هذا الخط ذاته سار الأدب الأكّدي أيضًا بحيث تلاقت اللُّغتان، واشتركا أحيانًا في الموضوع نفسه. الأدب السومري هو أقدم الآداب في العالم. اخترع السومريين أول نظام للكتابة، وقد بدؤوها بالتصوير بالنقوش المسمارية التي تطورت إلى نظام كتابة مقطعي. ظلت اللغة السومرية لغة رسمية وأدبية في الإمبراطوريات التالية مثل الأكدية والبابلية، وحتى حينما اختفت اللغة عن ألسن ناطقيها؛ لم يأت الأدب السومري إلينا بشكل مباشر، بل تم اكتشافه من خلال التنقيب الأثري. ومع ذلك، فإن الأكديون والبابليون اقترضوا الكثير من التراث الأدبي السومري، ونشروا تلك التقاليد في الشرق الأوسط، مؤثرة على جميع الآداب التي تلت  في المنطقة، ومنها الكتاب المقدس. تعتبر اللغة السومرية فريدة في نوعها لأنّها لا تنتمي إلى أي جذر لغوّي معروف. وهي، مع المصرية القديمة، أقدم لغة مكتوبة، بدأ ظهورها برموز للأشياء الدّالّة عليها، ثم تحوّلت مع الزمن إلى الخط المسماري. شاعت السومرية خلال الألفية الثالثة قبل الميلاد في بلاد ما بين النهرين، ولكنّها ما عتّمت أن تأثّرت بالأحداث التاريخيّة ففقدت الكثير من أهميّتها، وأصبحت لغة الطقّوس الدينيّة بعد أن تغلّبت عليها اللغة الأكدية السامية. مع ذلك، هناك نصوص ترقى إلى ما بعد ظهور المسيحيّة. وتزامنت اللُّغتان وتجاورتا عقودًا كثيرة، وظهرت آثار مكتوبة في كلّ منها. ومن ذلك ملحمة جلجامش التي صُنِّفت أصلًا بالسّومريّة ووصلت بالأكدية. وضع السّومريّون نصوصًا أسطوريّة وملحميّة كثيرة، تتناول قضايا الخَلق، وظهور العالم، والآلهة، وأوصاف الجَنّة، وسِيَر الأبطال في الحروب النّاشبة بين البدو والحَضَر، كما تعنى بالتّعاليم الدّينيّة، والنصائح الأخلاقية، والتنجيم، والتشريع، والتأريخ. وفي هذا الخط ذاته سار الأدب الأكّدي أيضًا بحيث تلاقت اللُّغتان، واشتركا أحيانًا في الموضوع نفسه. مَلحَمة جِلجامِش هي مَلحَمة شِعرية من آداب بِلاد الرافِدَين، تُعدّ أقدم الأعمال الأدبية العظيمة وثاني أقدم النُصُوص الدينية المُتبقية من تلك الفترة بعد نصوص الأهرام الدينية. يبدأ التاريخ الأدبي لملحمة جلجامش بخمس قصائد باللغة السومرية عن بلجاميش ، ملك أوروك (الوركاء)، يعود تاريخ القصائد إلى عصر سلالة أور الثالثة (٢١۰۰ ق. م. ) استُخدمت هذه القصص المتفرقة فيما بعد كمصدر مرجعي لقصيدة ملحمية مجمّعة في اللغة الأكدية. تعرف أقدم نسخة متبقية من تلك الملحمة المجمّعة بالنسخة «البابلية القديمة»، ويعود تاريخها إلى القرن الثامن عشر قبل الميلاد، وسُمّيت بالكلمات في بداية القصيدة «تَجَأوُزُ جميع الملوك الآخرين»‏. لم يتبقّ مِن تلك القصيدة سوى بضعة ألواح طينية. أما النسخة التالية والمعروفة بالنسخة البابلية المعيارية، فيعود تاريخها إلى ما بين القرنين الثالث عشر والعاشر قبل الميلاد وتحمل الاسم: «هو الذي رأى العمق»‏ أو بكلمات معاصرة: «هو الذي يرى الغيب». تمّ استرجاع ثلثيّ هذه النسخة ذات الألواح الطينية الإثنى عشر، واكتُشفت بعض النسخ الأفضل حالًا في أنقاض مكتبة آشور بانيبال الملكية من القرن السابع قبل الميلاد. يدور القسم الأول من القصة عن جلجامش، ملك أوروك، وإنكيدو، وهو رجل بري خلقته الآلهة لوضع حدّ لطُغيان جلجامش على شعب أوروك. وبعد أن يتعلم إنكيدو الحضارة عبر إقامته علاقة جنسية مع شمخات، كاهنة الحب، ينطلق إلى مملكة الوركاء، حيث يطلب تحدّي جلجامش لاختبار قوته. يفوز جلجامش في التحدي، ومع ذلك، يصبح الرجلان صديقين، وينطلقان معًا في رحلة إلى غابة الأرز السحرية، حيث يخططان لقتل حارسها، خمبابا الرهيب، وقطْع شجرة الأرز المقدسة. فتُرسل الإلهة عشتار الثور السماوي لعقاب جلجامش على رفضه تقرّباتها الجنسية منه. يقتل جلجامش وإنكيدو الثور السماوي، وعلى إثر ذلك تتخذ الآلهة قرارها بالحُكم على إنكيدو بالموت، وعلى جلجامش بالوحدة والتعاسة. في الجزء الثاني من الملحمة، يدفع الأسى على موت إنكيدو بجلجامش إلى القيام برحلة طويلة محفوفة بالمخاطر لاكتشاف سرّ الحياة الأبدية. في نهاية المطاف يكتشف أن «الحياة التي تسعى في إِثرها لن تنالها أبدًا. لأن الآلهة عند خلقِها البشر، جعلت الموت من نصيبهم، واستأثرت بالخلود نصيبًا لها وحدها». على أيّ حال، فقد طارت شهرة جلجامش في الآفاق، وعمّرت طويلًا بعد موته، بسبب مشاريعه العمرانية العظيمة، ونقله لنصيحة أسدتها له سيدوري، ساقية الحانة، وما أخبره إياه الرجل الخالد أوتنابيشتيم عن الطوفان العظيم؛ ولقيت قصة الملحمة اهتمامًا متزايدًا وتُرجمت إلى العديد من اللغات وتظهر في العديد من الأعمال الفنية الشهيرة. تاريخية ألواح جلجامش توجد مصادر عبر أكثر من ٢۰۰۰ سنة من الإطار الزمني، تعتبر الآن القصائد السومرية المبكرة بشكل عام قصصًا متقطّعة، بديلًا من أجزاء لترتق ثغرات ملحمة واحدة. يعود تاريخها إلى عصر سلالة أور الثالثة ( ٢١۰۰ ق. م. ). بينما تعتبر الألواح البابلية القديمة (١۸۰۰ ق. م. ) أقدم الألواح الباقية لرواية واحدة لملحمة جلجامش. تعد الألواح البابلية القديمة والنسخة الأكدية اللاحقة مصادر مهمة للترجمات الحديثة، مع استخدام النصوص السابقة بشكل أساسي لملء الثغرات في النصوص اللاحقة. على الرغم من نشر العديد من النسخ المنقحة بناءً على الاكتشافات الجديدة، إلا أن الملحمة لا تزال غير مكتملة. لذا يتم استخدم تحليل النص البابلي القديم لإعادة بناء الأشكال السابقة الممكنة من الملحمة. وتتكون أحدث نسخة أكادية من 12 لوحًا تُعرف أيضا باسم النسخة البابلية القياسية، وقام بتحريرها "سين لقي ونيني" (يعتقد أنه عاش ما بين ١۳۰۰ - ١۰۰۰ ق. م) في أوائل خمسينيات القرن التاسع عشر، اكتشفت حوالي 15,000 قطعة من الألواح المسمارية الآشورية في مكتبة آشور بانيبال في نينوى بواسطة "أوستن هنري لايارد"، ومساعده هرمز رسام ووليام لوفتس، وظف المتحف البريطاني "جورج سميث" لدراسة هذه القطع التي سميث «مقتطفات مترجمة» أمام جمعية علم آثار الكتاب المقدس في عام ١۸٧٢. ونشرت ترجمات كاملة في عامي ١۸٧٥ و١۸٧٦ تحت عنوان «القصة الكلدانية لسفر التكوين». في عام ١۸۹١، جمع "بول هاوبت" النص المسماري، وبعد تسع سنوات، قدم "بيتر جنسن" نسخة شاملة. ثم بعدها قام "ريجنالد كامبل طومسون" بتحديث كل من عملهما في عام ١۹۳۰. وعلى مدار العقدين التاليين، أعاد "صموئيل نوح كريمر" تجميع القصائد السومرية. في عام ١۹۹۸، عثر عالم الآشوريات الأمريكي "ثيودور كواسمان" على قطعة يعتقد أنها احتوت على الأسطر الأولى من الملحمة في مخزن المتحف البريطاني، الجزء الذي أُكتشف في عام ١۸٧۸ ويعود تاريخه إلى ما بين ٦۰۰ - ١۰۰ ق. م. ظل غير مفحوص من قبل الخبراء لأكثر من قرن بعد العثور عليه. كُتِبَ على القطعة: «هو من رأى كل شيء، هو أساس الأرض، يعرف (كل شيء)، كان حكيمًا في كل الأمور: جلجامش». ثم أضفت بقية القطع الأثرية (٢٦۰۰ ق. م. ) مصداقية على الوجود التاريخي لجلجامش، إذ إن "إين مي باراكي سي" مذكور في الأساطير كأب لأحد خصوم جلجامش. في عام ٢۰١۹، صادر مسؤولون أميركيون «لوح جلجامش دريم»، الذي نُقل بشكل غير قانوني إلى الولايات المتحدة، وأعيد إلى العراق في سبتمبر ٢۰٢١. كان اللوح وقت الاستيلاء عليه مملوكًا من قبل شركة هوبي لوبي، التي اشترت اللوح الطيني في مزاد علني. من المصادر المتنوعة التي عُثر عليها، أعيد بناء نسختين رئيسيتين من الملحمة جزئيًا: النسخة البابلية المعيارية أو «هو الذي رأى العمق» والنسخة البابلية القديمة أو «تَجَأوُزُ جميع الملوك الآخرين». تمت استعادة خمس قصائد باللغة السومرية سابقة عن جلجامش جزئيًا، بعضها بنسخ بدائية لحلقات معينة في النسخة البابلية، والبعض الآخر قصص غير ذات صلة. النسخة البابلية المعيارية: «هو الذي رأى العمق» اكتشف النسخة البابلية المعيارية عالم الآشوريات "هرمز رسام" في مكتبة آشور بانيبال في نينوى في عام ١۸٥۳. تشير اللغة البابلية المعيارية إلى أسلوب أدبي كان يُستخدم لأغراض أدبية. وقد جمع هذه النسخة الكاهن "سين لقي ونيني" في وقت ما بين عامي ١۳۰۰ - ١۰۰۰ ق. م. من نصوص سابقة. كان أحد التأثيرات التي أحدثها العمل الأدبي هو طرح مسألة الفناء والموت في المقدمة، مما يجعل قي الإمكان للشخصية الانتقال من كونها «مغامرًا» إلى «رجل حكيم». وفي عام ٢۰١٥ طرح الباحث "جاسينثو لينس برانداو" بأن النسخة القياسية يمكن أن ينظر إليها بهذا المعنى على أنها كتابات حكمية شائعة في الشرق الأوسط. كان للنسخة البابلية المعيارية كلمات افتتاحية مختلفة عن تلك التي في النسخة القديمة. النسخة القديمة تبدأ بعبارة «تَجَأوُزُ جميع الملوك الآخرين»، في حين أن النسخة البابلية القياسية لديها «هو الذي رأى العمق». يشير «العمق» إلى أسرار المعلومات التي جلبها جلجامش من لقائه مع أوتا-نابيشتي حول «إيا»، نافورة الحكمة. لقد كان جلجامش على دراية بكيفية عبادة الآلهة، ولماذا كان الموت مصير البشر، وما الذي يجعل الملك صالحًا وكيف يعيش الشخص حياة طيبة. ويمكن العثور أيضا على قصة أوتنابيشتيم بطل أسطورة الطوفان، في ملحمة أتراحاسيس البابلية. وتعرف النسخة المعيارية أيضا باسم «إيشكار جلجامش» أي «سلسلة جلجامش». يعتبر اللوح الطيني الثاني عشر تتمة للأحد عشر لوحًا طينيًا الأصلية، وربما أرفق به في تاريخ لاحق. وهو لا يرتبط إلا بقدر ضئيل من العلاقة بالملحمة ذات الإحدى عشر لوحاً التي صيغت بشكل جيد؛ الأبيات في بداية اللوح الثاني عشر مقتبسة في نهاية اللوح الحادي عشر، مما يمنح هذا اللوح الدوران والنهاية. اللوح الثاني عشر هو نسخة أقرب لرواية سومرية سابقة حيث يُرسل جلجامش إنكيدو لاستعادة بعض الأشياء من العالم السفلي، ويعود في شكل روح لربط طبيعة العالم السفلي بجلجامش ربطًا روحيًا. ومن حيث الشكل، يبدو أن الاتفاقيات الشعرية التي اتبعت في النسخة البابلية المعيارية غير متسقة ولا تزال مثيرة للجدل بين العلماء. ومع ذلك، هناك استخدام واسع النطاق للتوازي عبر مجموعات من خطين أو ثلاث خطوط متجاورة كما في سفر المزامير اليهودي. النسخة البابلية القديمة: «تَجَأوُزُ جميع الملوك الآخرين» هذه النسخة من الملحمة، التي تسمى في بعض البقايا الأثرية «تَجَأوُزُ جميع الملوك الآخرين»، تتكون من ألواح طينية وبقايا أثرية من أصول وحالات حفظ مختلفة. لا تزال غير مكتملة في أغلبيتها، مع فقدان العديد من الألواح الطينية والثغرات الكبيرة في تلك التي وجدت. ويطلق عليهم اسم حسب الموقع الحالي أو المكان الذي وجدت فيه. لوح بنسلفانيا يرتبط مع اللوحين الأوّل والثاني من النسخة البابلية المعيارية. يخبر جلجامش والدته «نينسون» عن حلمين حلما بهما في المنام. تشرح والدته أنهما يعنيان أن رفيقًا جديدًا سيصل قريبًا إلى الوركاء. في هذه الأثناء يمارس إنكيدو البري والكاهنة الجنس . وهي تغازله بصحبة الرعاة بعرض الخبز والبيرة عليه. يساعد إنكيدو الرعاة بحراسة الأغنام. ويسافرون إلى الوركاء لمواجهة جلجامش ووقف تعسفاته. يتقاتل إنكيدو وجلجامش لكن جلجامش يوقف القتال. ويمدح إنكيدو جلجامش. لوح ييل يتطابق جزئياً مع اللوحين الثاني والثالث من النسخة البابلية المعيارية. ولأسباب غير معروفة فإن إنكيدو في مزاج حزين. ومن أجل إبهاجه يقترح جلجامش الذهاب إلى غابة الصنوبر لقطع الأشجار وقتل خمبابا . يحتجّ إنكيدو على ذلك لأنه يعرف هواوا ويدرك قوته. يتحدث جلجامش إلى إنكيدو ببعض الكلمات المشجعة، ولكن إنكيدو يظل مترددًا. يستعدون ويدعون الشيوخ. يحتج الشيوخ في البداية ولكنهم وافقوا بعد أن تحدث جلجامش معهم. ويغادران بمباركة الشيوخ ونصائحهم بعد أن طلب جلجامش من إلهه «شمش» الحماية. بقايا فيلادلفيا لربما تكون هذه البقايا نسخة أخرى من محتويات لوح ييل السالف ذكره، وهي عمليا غير قابلة للاسترداد. لوح مدرسة نيبور في الرحلة إلى غابة الأرز ومقاتلة هواوا، يفسر إنكيدو أحد أحلام جلجامش الخمسة. ألواح تل هرمال أجزاء من لوحين طينيين مختلفين تتحدث عن تفسير إنكيدو لأحد أحلام جلجامش في الطريق إلى غابة الأرز، وتقص محادثتهم عند دخول الغابة. لوح إيشكالي بعد هزيمة هواوا يمتنع جلجامش عن قتله، ويحث إنكيدو على اصطياد «الهالات السبع» التي ينتمي إليها هواوا. ويقنع إنكيدو جلجامش بأن يقتل هواوا والهالات، يقطع البطلان جزء من الغابة ويكتشفون بيت الآلهة السري. ولكن بقية اللوح الطيني مكسور. لا يُشَار إلى هواوا في النسخة البابلية المعيارية، ولكن في واحدة من القصائد السومرية. بقايا أثرية جزئية في بغداد تداخل جزئي لقطع الأشجار من لوح إيشكالي السالف ذكره. لوح سيبار يوجد فيه تداخل جزئي في ألواح النسخة البابلية المعيارية التاسعة والعاشرة. يحزن جلجامش على موت إنكيدو وهو يتجول في سعيه للخلود. يجادل جلجامش مع الإله «شمش» حول عدم جدوى مسعاه. وبعد ثغرة في النص، يتحدث جلجامش إلى «سيدوري»، ساقية الحان، عن مسعاه ورحلته للقاء أوتنابيشتيم . وتحاول سيدوري أن تثني جلجامش عن سعيه إلى الخلود وتحثه على الاكتفاء بملذات الحياة البسيطة. وبعد ثغرة أخرى في النص، يحطم جلجامش «الأشياء الحجرية» ويتحدث إلى رجل السفينة أورشنابي . وبعد مناقشة قصيرة، يطلب منه سور-سونابو أن يقطع ۳۰۰ من المجاذيف حتى يتمكن من عبور مياه الموت دون الحاجة إلى «الاشياء الحجرية». بقية اللوح مفقود. ٱستخدم النص على بقايا ميسنر البابلية القديمة لإعادة بناء الأشكال السابقة الممكنة لملحمة جلجامش، وقد أشير إلى أن «الشكل السابق للقصة ربما يكون قد انتهى بإرسال سيدوري لجلجامش مرة أخرى إلى الأورك» وأن «أوتنابيشتيم لم يكن جزءا من الحكاية في الأصل». القصائد السومرية هناك خمس قصص لجلجامش موجودة في شكل قصائد قديمة في اللغة السومرية. من المحتمل أن هذه القصص قد نشرت بشكل مستقل، بدلاً من أن تكون في شكل ملحمة موحدة. بعض أسماء الشخصيات الرئيسية في هذه القصائد تختلف قليلًا عن الأسماء الأكدية اللاحقة؛ فعلى سبيل المثال «بلجامش»‏ بدلا من «جلجامش»‏. كما توجد بعض الاختلافات في القصص الأساسية مثل أن إنكيدو هو خادم جلجامش وليس بطلًا مثله أو صديقًا له. تتطابق قصة «رب جبل الحي» و«هو هورا! » مع حلقة غابة الأرز . يسافر جلجامش وإنكيدو مع رجال آخرين إلى غابة الأرز. وهناك، يحاصران هواوا، ولكن يخدعه جلجامش للتخلي عن هالته، وبالتالي فقدان قوته. تتطابق قصة «البطل في المعركة» مع «حلقة الثور السماوي» في النسخة الأكادية . وتسبب شهية الثور الكبيرة في الجفاف والمشقة في الأرض في حين يستمتع جلجامش بوليمة. يقنعه لوغالباندا بمواجهة الثور ومحاربته جنبا إلى جنب مع إنكيدو. ليس لدى قصة «مبعوثي الملك أغا الكيشي» حلقة مقابلة في الملحمة، ولكن هناك مواضيع متشابهة، مثما وجوب إظهار الرحمة للأسرى أم لا، واستشارة شيوخ المدينة تحدث أيضا في النسخة البابلية المعيارية في قصة خمبابا. وفي القصيدة، تواجه الوركاء حصارا من جيش كيش بقيادة الملك أغا الكيشي الذي يهزمه جلجامش ويغفر له حصاره للمدينة. تعتبر قصة «في تلك الأيام، تلك الأيام البعيدة»، والمعروفة باسم «جلجامش، إنكيدو، والعالم السفلي» مصدر الترجمة الأكدية المدرجة في اللوح الثاني عشر في النسخة البابلية المعيارية. وتروي القصة رحلة إنكيدو إلى العالم السفلي. وهي أيضا المصدر الرئيسي للمعلومات حول أسطورة الخلق السومرية وقصة «إنانا» وشجرة «هولوبو». قصة «الثور البرّي العظيم يستلقي» هي قصيدة حول موت جلجامش، دفنه وتكريسه كنصف إله، والحكم ومحاسبة الموتى. بعد أن حلم كيف ستقرر الآلهة مصيره بعد الموت، يطلب جلجامش المشورة ويعد لجنازته ويقدم الهدايا للآلهة. وعندما يتوفى، يُدفن تحت نهر الفرات ويُقلع عن مساره ثم يعود إليه فيما بعد. ملحمة؟ أم تاريخ؟ أم أسطورة؟ عندما تم اكتشافها في القرن التاسع عشر، صُنفت قصة جلجامش على أنها ملحمة يونانية، وهو نوع أدبي معروف في أوروبا على الرغم من أنها سبقت الثقافة اليونانية التي نشأت منها الملاحم، على وجه التحديد عندما أشار هيرودوت إلى أعمال هوميروس على هذا النحو. عندما ترجم "ألفريد جيريمياس" النص، أصر على العلاقة مع سفر التكوين بإعطاء العنوان «إيزدوبار - نمرود» وبالتعرف على هذا النوع من الشعر البطولي اليوناني. على الرغم من إسقاط التشابه مع نمرود، إلا أنه تم الإبقاء على رأي «الملحمة اليونانية». في عام ١۹٦٦، أدرك "مارتن ويست" في مقدمة نسخته من كتاب «هسيود: ثيوغونيا» قرب الإغريق من مركز التقارب في الشرق الأوسط، «الأدب اليوناني هو أدب الشرق الأدنى». يتمثل أحد الاختلافات بين القصائد الملحمية اليونانية وجلجامش في حقيقة أن الأبطال اليونانيين تصرفوا في سياق الحرب، بينما تصرف جلجامش في عزلة ويمكن مساواته بهرقل. يعتبر التفكير في كيفية عرض النص من وجهة نظر عصره أمرًا صعبًا، حيث يقر "جورج سميث" بأنه لا توجد «كلمة سومرية أو أكدية للأسطورة أو السرد البطولي، تمامًا كما لا يوجد اعتراف قديم بالسرد الشعري كنوع أدبي». يدرك الباحث "جاسينثو لينس برانداو" (٢۰١۹) أن مقدمة «من رأى الهاوية» تذكر بإلهام الملهمات الإغريقي، على الرغم من عدم وجود مساعدة من إله هنا. كما تم توضيح أن جلجامش ارتقى إلى رتبة «رجل حكيم قديم» ويتابع الباحث "جاسينثو لينس برانداو" مشيرًا إلى أن القصيدة في البدء كانت «توضع على شاهدة»، وأن كلمة في البداية يمكن اعتبارها نوع القصيدة، تشير المقدمة أيضًا إلى أن جلجامش روى قصته لناسخ، وبالتالي فهي نوع من السيرة الذاتية في صيغة الغائب. الترجمة إلى العربية نشرت أول ترجمة عربية مباشرة من اللوحات الأصلية في الستينات من قبل عالم الآثار العراقي "طه باقر" وذلك في كتاب «ملحمة كلكامش أوديسة العراق الخالدة» والذي ألفه في عام ١۹٦۲. كما ألف الكاتب والمفكر والباحث السوري "فراس السواح" كتاب «كنوز الأعماق - قراءة في ملحمة جلجامش» في عام ١۹۸٧. ويوجد أيضا كتاب «ملحمة جلجاميش» الذي ترجمه للعربية عن الألمانية المترجم المصري "عبد الغفار مكاوي" وراجعها عن الأكدية الباحث المصري "عوني عبد الرؤوف" في سنة ٢۰۰۳. الترجمة الحديثة النهائية هي عمل نقدي من مجلدين قام به "أندرو ر. جورج" ونشرته دار نشر جامعة أكسفورد في عام ٢۰۰۳. وتمت مراجعتة من الباحثة "إليانور روبسون" من جامعة كامبريدج، ويعد عمل جورج هو أهم عمل نقدي حول جلجامش في السنوات الـ ٧۰ الماضية. يناقش جورج حالة الألواح المتبقية، ويوفر تفسير دينيا لكل لوح على حدة، مع ترجمة مزدوجة للغة جانباً إلى جنب. في عام ٢۰۰٤، قدم "ستيفن ميتشل" نسخة مثيرة للجدل تأخذ العديد من الحريات مع النص وتشمل تلميحات وتعليقات حديثة تتعلق بحرب العراق ٢۰۰۳. في المقالات المقبلة لهذه السلسلة، سنستعرض سويًا النصوص الأصلية والكاملة لملحمة جلجامش، مترجمة إلى اللغة العربية ومناقشين لكل الترجمات السابقة. منهجية ترجمة "متون جلجامش" المقدمة على موقعنا نحن لسنا بمترجمين، بل باحثين، لذا واقعيا لم نقم بأي عملية ترجمة عبر اللغات السومرية، أو الأكادية، أو الألمانية، أو العربية أو غيرها. بل إفترشنا كل النصوص والمتون جنبا إلى جنب بهدف الحصول على أكبر قدر من التغطية للنصوص المجزأة والتالفة في كل نسخة. منهجيتنا تجتهد في الوصول لأكبر قدر ممكن من التغطية، مع أقل قدر ممكن من توجهات أو انحيازات المترجم المعاصر. نحاول أن نقدم نسخة جديدة ترتكز على النصوص المجرّدة وخالية من التحليلات الفكرية ما أمكن. المصادر التي إعتمدنا عليها للوصول للمتون النهائية: الترجمة الحديثة لجامعتي أكسفورد وكامبريدج، النسخة الإنجليزية ٢٠٠٤، أندرو ر. جورج، ومراجعة إليانور روبنسون، والتي بدورها تعتمد أكبر قدر من المصادر الأصلية، وتم الاعتداد بها كترجمة استرشادية لمدة تغطية القطع دون نقل نصوص منها. الترجمة المصرية «ملحمة جلجاميش»، التي اعتمدت على الترجمة الألمانية ١٩٣٤، وترجمها للعربية المترجم المصري "عبد الغفار مكاوي" ١٩٩٤، وراجعها عن الأكدية الباحث المصري "عوني عبد الرؤوف" ٢٠٠٣، نسخة عن مؤسسة هنداوي ٢٠١٩. وتشكّل النسبة الأكبر من عبء الترجمة المقارنة. الترجمة السورية «كنوز الأعماق - قراءة في ملحمة جلجامش»، للكاتب والمفكر السوري "فراس السواح"  ١٩٨٧، وتم الاعتماد عليها في طريقة ترتيب العرض للألواح الطينية الإثنى عشر. مع بعض المقارنات في الهوامش أسفل متن النص الأثري. الترجمة العراقية «ملحمة كلكامش أوديسة العراق الخالدة» لعالم الآثار العراقي "طه باقر" ١٩٦٢، وتم الاعتماد عليها في بعض الهوامش لتوضيح الاختلاف عن الترجمة الحديثة. في بعض الأحيان تم الاستعانة بالترجمة العراقية «ملحمة كلكامش» للمؤرخ العراقي في تاريخ الشرق القديم "سامي سعيد الأحمد الجنابي" ١٩٨٤، وذلك في النقاط الخلافية التي تحتاج توضيحا في الهوامش. تتميز نسخة مؤسسة هنداوي ٢٠١٩ بالتعرض أحيانا لترجمات أجنبية وبحثية يتعذّر الحصول عليها، لذا تم نقل مثل هذه الهوامش دون تحقق إضافي من طرفنا. طريقة العرض التي اعتمدناها: ((على الرغم من إعتمادنا على أحدث المكتشفات الأثرية للنسخة البابلية القديمة: «تَجَأوُزُ جميع الملوك الآخرين»، إﻻ أن لطريقة عرض النسخة البابلية المعيارية: «هو الذي رأى العمق» سحرها الخاص بالتقسيم لإثنى عشر لوحا طينيا. لذا سنستخدم هذه الطريقة لاعادة تكوين إثنى عشر رصدا توثيقيا (إثنى عشر فصلا، أو مقالا)، يمثّل كل مقال لوحا طينيا موازيا، وأسمينا الالواح القديمة الحديثة: إصحاحات جلجامش. فالإصحاح الأوّل هنا يوازي بدقّة اللوح الطيني الأوّل هناك، وهكذا. )) رقم العمود ((في الكتابات السومرية الأثرية، فاللوح الطيني الواحد مقسّم إلى خمسة أو ستة أعمدة، وهكذا أيضا سنفعل مع إصحاحات جلجامش. وسيتم عرض كل عمود مستقلا عن غيره وعن هوامشه، في نفس الإصحاح الواحد. )) ١)السطر الأول، ((يتكون العمود الواحد من عدة سطور مرقّمة ومسلسلة، الأمر يشبه هنا نظام "الآيات" في الكتب المقدسة لسهولة الوصول لشاهد محدد. لكن الشاهد هنا ثلاثي التبويب (رقم الإصحاح، ثم رقم العمود، ثم رقم اﻵية). ))٢)السطر الثاني،١٦)السطر الثالث، ((أرقام السطور المسلسلة تتماشى مع مكتشف أثري بعينه، لذا إن وجدت تسلسل الأرقام يتغير فلا تنزعج، فهذا معناه أنك تقرأ عمودا له أكثر من مصدر واحد. أو بطريقة أخرى فأنت تقرأ عدة مكتشفات مختلقة مدموجة في العمود للوصول لسردية قصصية مترابطة. ))١٧) ((يتم الاشارة للترجمات التفسيرية من المترجم داخل قوسين مربعين وبلون مغاير عن لون المتن. ))السطر الرابع،... ... ((يتم اﻹشارة للسطور التالفة والمفقودة بلون باهت عن لون المتن. )) ٦)السطر الخامس،٧)السطر السادس. (ملحمة جلجامش، رقم اللوح الطيني، رقم العمود داخل اللوح) ((يتم الاشارة للشاهد ثلاثي التبويب أسفل كل عمود، باستخدام الفونط الدال على المصدر وفق Theosis. AB Stylebook. )) سيتم الإشارة لأية ملاحظات بإشارات مرجعية داخل النص نفسه، هذا معناه وجود نفس الإشارة مشروحة في الهوامش أسفل كل عمود. وترقيم الإشارات المرجعية نفسه موحد ويبدأ من رقملكل أصحاح بكافة أعمدته الخمسة أو الستة، لتفادي الخلط بين الأعمدة وبعضها. هذا المقال جزء من سلسلة «ملحمة جلجامش»، وسنتابع في المقالات الأسبوعية المقبلة عرض النصوص الأصلية والكاملة لملحمة جلجامش، مترجمة إلى اللغة العربية. --- ### لويس باستور (٢) - Published: ۲۰۲۳-۰۹-۱۱ - Modified: 2023-09-11 - URL: https://tabcm.net/13148/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: لويس باستور هل من قدرة الإنسان أن يجعل الأمراض الطفيلية تختفي من على وجه الكرة الأرضية؟ كان لويس باستور دائمًا ما يحترم الآخرين، باستور الذي أحب واحترم نفسه فوق كل الرجال، كان قد احتفظ دائمًا في نفسه بتقدير جم لمعلمه دكتور دوماس. لذلك رأى إنه من الواجب عليه أن يساعد أستاذه القديم الحزين! ولكن كيف؟ كانت المشكلة هناك تتركز في الأمراض التي تصيب ديدان القز، ولكنه كان يعلم أنه يخاطر بفشل مروع بالذهاب ويكره الفشل فوق كل شيء. من الأمور الساحرة فيه أنه في خضم كل غطرسته وثقته في نفسه، احتفظ بهذا الحب الصبياني والاحترام لمعلمه القديم. فقال لدكتور دوماس: “أنا بين يديك، أنا تحت تصرفك، افعل معي كما يحلو لك. سأذهب“! فذهب وحزم أمتعة السيدة باستور التي لم تشك من قبل، والأطفال وميكروسكوب وثلاثة مساعدين شباب نشيطين، وذهب إلى الوباء، هذا الذي كان يذبح ملايين من دود القز ويدمر جَنُوب فرنسا في بلدة "ألييه". قال له المزارعون، إن المرض الذي يقتل ديدانهم يسمى بيبرين (بسبب تكوُّن كريات سوداء تشبه الفلفل الأسود المسمى Peper). واكتشف باستور أن هناك ما يزيد عن ألف فرضيّة ونظرية حول هذا المرض. بدأ باستور بفحص الديدان المريضة، وخاصة في هذه الكريات الصغيرة. وسرعان ما توصل إلى أن الكريات هي علامة أكيدة للمرض. ثم بدأ باستور حياة مليئة بالضغوط. كان في كل مكان حول بلد الحرير المأساوي، يحاضر، يطرح أسئلة لا حصر لها، يعلِّم المزارعين استخدام الميكروسكوب، يسرع إلى المختبر لتوجيه مساعديه، وفي الأمسيات كان يُملي إجابات على الرسائل والأوراق العلمية والخطب على السيدة باستور. ثم في صباح اليوم التالي يعود مرة أخرى إلى البلدات المجاورة، يفرِّح المزارعين اليائسين ويشجعهم. أخيرًا، ذهب أحد مساعدي باستور إلى الشمال لدراسة ديدان الحرير في "فالنسيان"، شمال فرنسا، وكتب باستور إليه خطابًا وطلب منه تجرِبة إحدى أنواع التغذية هناك. كان مساعد لويس باستور متحمسًا -وأصبح أكثر حماسًا عندما أظهرت له الليالي على الميكروسكوب أن الكريات السوداء على سطح الديدان كانت تنمو بشكل هائل حتى تميت الديدان. حينئذٍ سارع إلى باستور وأخبره: “لقد تم حلها، الكريات الصغيرة حية، إنها طفيليات! هي التي تجعل الديدان تمرض! ” مرت ستة أشهر حتى اقتنع باستور أن مساعده كان على حق، وعندما أدرك ذلك، دعا اللجنة مرة أخرى، وقال لهم: “إن الكريات الصغيرة ليست فقط علامة على المرض، بل هي السبب الأساسي له. هذه الكريات حية، وتتكاثر. ” ثم وضع لهم خطة للعام التالي. وقتها جربت اللجنة الخطة الجديدة ونجحت. وفي العام التالي كان لديهم ديدان رائعة أعطتهم إنتاجًا رائعًا من الحرير. تأكد باستور الآن أن الكريات الصغيرة هي سبب المرض، وقد جاءت من خارج الدودة. عندئذ ذهب إلى كل مكان موضحًا للمزارعين كيفية إبعاد ديدانهم السليمة عن أية ملامسة للأوراق. وفجأة وقع ضحية لنزيف في المخ؛ وكاد أن يموت، لكن عندما سمع أن العمل في بناء مختبره الجديد قد توقف، توقف بشكل مؤقت توقعًا لوفاته، كان غاضبًا وقرر أن يعيش. وقتها أصيب بالشلل في جانب واحد من جسمه. باستور لم يتخطَّ هذا الشلل مطلقًا، لكنه صمم على تكملة العمل بالرغم من إعاقته. ففي الوقت الذي كان ينبغي أن يبقى في سريره، أو أن يذهب إلى شاطئ البحر، تحامل على قدميه واتجه بالقطار إلى جَنُوب فرنسا، صارخًا بألم إنه سيكون من الإجرام عدم إنهاء إنقاذ ديدان القز في حين أن الكثير من الناس يتضورون جوعًا! جميع الفرنسيين شاركوا في مدحه وعشقه، ووصفوا ذلك بلفتة رائعة. كافح باستور مدة ست سنوات مع أمراض دودة القز. ولم يكد يستقر علاج مرض البيبرين (الذي يصيب دودة القز)، حتى ظهر مرض آخر من هذه الوحوش التعيسة، لكنه عرف مشكلته ووجد ميكروب هذا المرض الجديد بسرعة أكبر. كانت دموع الفرح في صوت الدكتور دوماس، العجوز الآن، وهو يشكر عزيزه باستور. وتحدث عمدة بلدة "ألييه" بحماس عن إقامة تمثال ذهبي للعالم باستور العظيم. عندما كان عمره خمس وأربعين عامًا، انغمس في هذا المجد والنجاح، وبعد ذلك، بعد أن أنقذ صناعة دود القز، رفع عينيه نحو واحدة من تلك الرؤى اللامعة والمستحيلة، ولكن دائمًا ما تكون حقيقية جزئيًا، تطلع إلى أحزان بني البشر: “هل من قدرة الإنسان أن يجعل الأمراض الطفيلية تختفي من على وجه الكرة الأرضية؟” (لويس باستور) لا شك إن تجارِب باستور قد تمت بشكل رائع، وأنها أطلقت آمال العالم وخياله. لقد علَّم العالم معنى “التعقيم” أي البسترة لأنها اشتقت من اسمه (باستور)، التي يتم بها الحفاظ على المادة الحية بصورة نقية، دون تدخل الكائنات الدقيقة لإفسادها. ومن المؤكد أن الأمر بدا حينها كما لو أن باستور كان له الحق في تحقيق أحلامه الرائعة في القضاء على المرض. لقد تلقى لتوه رسالة تكريم من الجراح الإنجليزي ليستر، وتحدثت هذه الرسالة عن مخطط لإجراء بالعمليات الجراحية بطريقة آمنة تمنع تلك العدوى الغامضة القاتلة التي قتلت في العديد من المستشفيات ثمانية أشخاص من أصل عشرة. “اسمح لي أن أشكرك بحرارة على إطلاعك على حقيقة نظرية جراثيم التعفن من خلال أبحاثك الرائعة، ولإعطائي المبدأ الوحيد الذي جعل نظام المطهرات ناجحًا. إذا أتيت إلى أدنبره في يوم من الأيام، فسيكون ذلك بمثابة مكافأة حقيقية لك، على ما أعتقد، أن ترى في مستشفانا المقدار الكبير الذي استفادت منه البشرية من عملك” (من رسالة دكتور "ليستر" إلى "لويس باستور") مثل الصبي الذي بِنَى للتو محركًا بخاريًا بنفسه، كان باستور فخورًا؛ أظهر الرسالة لجميع أصدقائه، وأدخلها بكل فرح في أوراقه العلمية. ثم نشرها في كل منشوراته حتى في كتابه عن البيرة! وكان يتحدث عن “اكتشافاته الرائعة”، ويسمى نظرياته الخاصة بالنظريات الصحيحة واختتم: “باختصار، إن علامة النظريات الحقيقية هي أن تكون ناضجة ومثمرة” كانت كل أوروبا في ذلك الوقت في حالة من الغضب بشأن الأضرار التي تتسبب فيها الميكروبات، وكان يعلم أنه هو نفسه الذي غيَّر الميكروبات من أدوات للثقافة العامة إلى أدوات مساعدة للبشرية. لذا أصبح باستور أول مواطن فرنسي يتم وضع تمثال نصفي له في أهم مختبرات مصانع البيرة! ولكي يتمم تجاربه بأكثر إتقان، أسرع باستور إلى النجارين ومتاجر الأجهزة واشترى قطعًا ضخمة من الزجاج باهظ الثمن، وبهذا الزجاج جعل النجارين يبنون صوبًا متنقلة متميزة (أي أماكن لحفظ المزروعات في درجة حرارة ثابتة)، وفي غضون ستة أسابيع، عمل مساعدوه بلا عشاء وبدون نوم، في تحضير القوارير والأدوات المعملية وحشوات من القطن الساخن؛ وفي وقت قصير لا يصدَّق، جمع باستور كل هذه الأدوات الثقيلة وسارع للحاق بقطار لمنزله القديم في أربوا. هناك، ألقى جانبًا كل الأعمال الأخرى وسأل نفسه: “هل نظريتي عن التخمير صحيحة؟”. هناك في أربوا أقام الصُّوب التي صنَّعها بسرعة حول جزء من كروم العنب. لقد كانت صوب رائعة ومتميزة لعزل كروم العنب عن الهواء الخارجي. “إنه منتصف الصيف، الآن، العنب بعيد عن النضج، وأنا أعلم أنه في هذا الوقت لا يوجد أبدًا أي تخمُّر يمكن العثور عليه في العنب. ” ثم، للتأكد بشكل تام من عدم سقوط أية خميرة من الهواء على العنب، لف حِزم من القطن بعناية - التي قام مساعدوه بتسخينها لقتل جميع الكائنات الحية -حول بعض العناقيد الموجودة تحت زجاج الصُّوب. ثم سارع عائدًا إلى باريس وانتظر بقلق حتى ينضج العنب. ثم عاد إلى أربوا في وقتٍ مبكرٍ جدًّا وذلك لشغفه المحموم لإثبات أن النظريات الأخرى كانت مخطئة - لكنه وصل أخيرًا إلى هناك ليجدها ناضجة. عندئذٍ، فحص عنب الصوب بالميكروسكوب، فلم يكن هناك أي تخمُّر يمكن العثور عليه على سطح عناقيد الكروم. لقد سحق بعضًا منها بقوة في زجاجات مسخنة بعناية؛ فلم تصعد فقاعة تخمير واحدة في هذه القوارير. وعندما فعل نفس الشيء للعنب المكشوف من الكروم خارج الصوب، سرعان ما تحولت هذه الفقاعات إلى نبيذ! أخيرًا استدعى مدام باستور وأخبرها أنهم سيسافرون إلى باريس، إلى الأكاديمية، وأخذ بعض الكروم مع عناقيدهم المغلفة بالقطن. وفي الطريق، جلست مدام باستور بصلابة في قطار العودة إلى باريس، ممسكة بعناية بالأغصان بشكل ثابت أمامها حتى لا تتراجع الأغلفة القطنية. لقد كانت رحلة يومًا كاملًا إلى باريس. ثم في الاجتماع التالي، أخبر باستور الأكاديمية كيف عزل كروم العنب الخاصة به عن الهواء الخارجي: “ألا يستحق هذا كل اهتمام! هذا حدث في كرم أربوا، وهكذا يمكن أن يحدث في ملايين الأفدنة من كروم العنب في جميع أنحاء العالم. كان هناك في الوقت الذي أجريت فيه هذه التجارِب؛ كل ذرة من التربة كانت قادرة على تخمير العنب إلى نبيذ! أليس من اللافت للنظر، على العكس من ذلك، أن التربة في الصُّوب التي صنعتها لا تستطيع أن تفعل ذلك؟ ولماذا؟ لأنه في لحظة محددة، غطيت هذه التربة ببعض الزجاج. ” (لويس باستور) ثم تكلم عن بعض تنبؤاته الرائعة، النبوات التي تحققت في أيامه: “ألا ينبغي أن ندرك أن يومًا ما سيكون هناك تدابير وقائية سهلة التطبيق، ستوقف تلك الآفات” (لويس باستور) ثم رسم لهم صورة قاتمة للحمى الصفراء الرهيبة التي حوَّلت شوارع نيو أورلينز الأمريكية الفَرِحَة إلى خراب حينها. ثم جعلهم يرتجفون لسماع ما حدث بخصوص الطاعون الأسود الذي أصاب سكان ضفاف نهر الفولجا البعيدة. وفي النهاية أعطاهم مقدارًا من الأمل، ما حققه في تجاربه الأكثر إثارة وتوصلت إلى ترسيخ نظرية التعقيم والبسترة واستعملها كل العالم إلى يومنا هذا للحفاظ على المنتجات الغذائية من التلف، بالتالي المحافظة على صحة البشر جميعًا. هذا هو العالم باستور الذي اجتهد جدًا لمعرفة أسباب نمو الميكروبات والفطريات في النباتات، وبذلك أعطى الإنسان أن يحمي نفسه وحياته من الأمراض، وهكذا أعطت الحضارة الإنسان عمرًا جديدًا مشرقًا بالحياة والأمل. --- ### خطة الشيطان لهدم تدبير التجسد الإلهي - Published: ۲۰۲۳-۰۹-۱۰ - Modified: 2023-09-10 - URL: https://tabcm.net/13146/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: آدم, آريوسية, أبوليناريوس، أسقف اللاذقية, أفلاطون, الأوطاخية, الشيطان, الشيوعية, الكنيسة الروسية, الكنيسة القبطية, الكنيسة الكاثوليكية, النسطورية, بابا كيرلس عمود الدين, بروتستانت, دوسيتية, دوناتية معظم أساتذة اللاهوت والتاريخ في الغرب ينحدرون من طبقة النبلاء، وكانت نظرتهم لليهودية تعبر عن عداء لها. وهكذا تركوا التراث اليهودي والفكر العبراني السامي الذي كان ينتمي إلى البيئة الروحية لليهودية في فلسطين، واهتموا بالتراث اليوناني الكلاسيكي، أفلاطون وأرسطو وغيرهم من عظماء مفكري الحِقْبَة اليونانية، الذي تميز فكرهم بفصل المادي عن الروحي. وهكذا فسَّر بعض هؤلاء العلماء المسيحية على أساس ما جاء في التراث اليوناني وحده، وحدثت أخطاء تاريخية ولغوية انعكست على الفكر اللاهوتي البروتستانتي بشكل خاص. خلاص الإنسان باختصار هو عودة الحياة إلى ميت لا يقدر على العودة إلى الحياة التي غادرها، وبسبب طول غياب البشرية عن معرفة الله، فإنهم اعتقدوا أن نسمة الحياة التي فيهم وتبقيهم أحياء هي ذاتية فيهم، مع أنّها هي الله الذي هو الحياة ”أنا هو الحياة“. فالسبب أن الله أبقى على الإنسان حيًا جسديًا بالرغم من أنه مات بالروح بعد عصيانه لله في الفردوس، هو لانتظار تدبير الله لخلاص الإنسان ”بظهور الله في الجسد“ في ”ملء الزمان“. -فإن عودة الإنسان إلى الحياة هي عودة الله الحياة إلى كيان الإنسان مرة أخرى لتدب فيه الحياة من جديد بالجسد والروح.   ولأن الله أبقى على الإنسان حيًا بالجسد فترة انتقالية لازمة لإعادة تأهيل الإنسان بواسطة الأنبياء تمهيدً لقبول حياة الله فيه روحيًا، ولأن في نفس الوقت كان الإنسان ميتًا بالروح وفقد القداسة التي تؤهله لقربي الله في الفردوس، لذلك تحتم أن يَطرد الله آدم من الفردوس بعيدًا في هذا العالم خارج فردوس الله. إن قَبُول حياة الله في الإنسان روحيًا التي هي الأساس لحياته بالجسد، هو باختصار حقيقة التجسد الإلهي، الذي هو سر رجوع القداسة إلى الإنسان التي تؤهله للعيش في مجال الله: ”عظيم هو سر التقوي (اللازمة لرجوعنا إلى الله) الله ظهر في الجسد“ (١تيموثاوس١٦:٣). فالتجسد الإلهي هو باختصار أن الله أخذ جسدنا الآدمي وحوَّله في كيانه وأقنومه الإلهي وجعله إنسانًا جديدًا هو ”آدم الثاني“، وهو لقب المسيح ابن الله المتجسد. ومن ثمَّة يحوِّل كيان كل أنسان إلى تلك الخليقة الجديدة للبشرية التي تأسست فيه، فتستطيع أن تعود إلى مجال الله في السماء ثانيةً. 
فإذا فصلنا الإلهي عن الإنساني في المسيح، فلا فائدة من التجسد الإلهي لأننا بذلك نفصل الحياة عن كيان الإنسان، في حين أن الحياة دخلت فيه بالتجسد الإلهي لتحييه بعد أن مات. هذه كانت خطة الشيطان لهدم الخلاص المسيحي أن يشكك البشر في تلك الحقيقة وذلك الحق. ومن هنا توالت الهرطقات التي تضرب في اتحاد اللاهوت بالناسوت في شخص/ أقنوم الله المتجسد يسوع المسيح لكي تحرم الإنسان من الله، الحياة الذي جاء ليحيي الإنسان الذي مات: الهرطقة الآريوسية: أنكرت لاهوت المسيح وقالت أنه مخلوق وسيط بين الله والبشر وليس الله ذاته. الهرطقة الدوسيتية: أنكرت ناسوت المسيح وقالت بأن جسد المسيح كان خيالًا وشبحًا. الهرطقة الأوطاخية: أنكرت ناسوت المسيح وقالت بتلاشي الجسد في اللاهوت. هرطقة أبوليناريوس : أنكرت وجود عقل ونفس إنسانية في المسيح المتجسد. الهرطقة الغنوسية: قالت بالثنائية وبقاء كل كيان مادي بعيد عن الكيان الروحي لأنه غريب عنه. وقالت بالثنائية المنفصلة في شخص المسيح أنه ”ابن الله“ وأنه ”ابن الإنسان“ بدون اتحاد. ومن هنا قالوا بثنائية المسيح والكنيسة وأنكروا أن الكنيسة هي جسد المسيح واحتقروا كل ماهو جسدي (وللأسف هذا شائع في تعاليم بعض قادة كنيستنا الآن). الهرطقة الدوناتية: نادت بنفس الثنائية المنفصلة في شخص المسيح وفصلوا بين المسيح رأس الكنيسة والكنيسة جسد المسيح. بالتالي أنكروا وحدة شخص المسيح رأسًا وجسدًا. (وللأسف هذا شائع في تعاليم بعض قادة كنيستنا الآن) الهرطقة النسطورية: الذي أيضا فصل بين اللاهوت والناسوت وقال ”الابن الكلمة هو سيد ورب يسوع المسيح“ مؤكدًا عدم اتحاد اللاهوت بالناسوت في شخص المسيح. لذلك أنكر لقب العذراء أنها ”والدة الإله“ ولكنها فقط والدة يسوع الإنسان وليس المسيح الإله. (وللأسف بعض من هذا التعليم شائع في تعاليم بعض قادة كنيستنا الآن). ولكن كل هذا تحطم على صخرة الكنيسة المُرشدة بالروح القدس ومن خلال فكر آبائها الكتابي. فإن ثنائية الجسد والروح غائبة تمامًا من العهد الجديد. ونذكر هنا قول ق. كيرلس الكبير ”المسيح الواحد من اثنين لاهوت وناسوت“. وتجدر الإشارة إلى أنه في القرون الحديثة في الغرب فإن معظم أساتذة اللاهوت والتاريخ ينحدرون من عائلات الطبقة النبيلة وأشراف أوربا، وكانت نظرتهم لليهودية تخلو من الاعتدال، وأحيانًا كانت تعبِّر عن عداء شديد لليهودية. وهكذا ترك أساتذة اللاهوت والتاريخ التراث اليهودي والفكر العبراني السامي الذي ورثه الآباء الرسل الذي كان ينتمي إلى البيئة الروحية لليهودية في فلسطين، وانتبهوا إلى التراث اليوناني الكلاسيكي، أفلاطون وأرسطو وغيرهم من عظماء مفكري الحِقْبَة اليونانية، الذي تميز فكرهم بالثنائية وفصل المادي عن الروحي. وهكذا فسَّر بعض هؤلاء العلماء المسيحية على أساس ما جاء في التراث اليوناني وحده، وحدثت أخطاء تاريخية ولغوية انعكست على الفكر اللاهوتي البروتستانتي بشكل خاص. ولكن بالتدريج عاد فكر الآباء من جديد يدخل جامعات أوروبا بفضل رهبان الكنيسة الكاثوليكية وتحققهم من صحة كتابات الآباء. وجاءت الثورة الشيوعية في روسيا ببركة غير محسوبة، وهي هجرة بعض لاهوتيِّ الكنيسة الروسية الذين أسسوا معهد القديس سرجيوس بباريس وترجموا كتابات الآباء منذ بداية القرن الـ١٩، وسمع الغرب أول مرة منذ عصر الإصلاح في القرن الـ١٦ صوت اللاهوتيين الأرثوذكس. فانعكس هذا بدوره على طلبة المدارس اللاهوتية البروتستانتية وتولد حوار في إطار الجو العلمي الأكاديمي وفي إطار العلاقات الكنسية... وكانت ثمرة كل هذا هو العودة إلى التراث القديم الذي يبدأ بالعصر الرسولي ولا يتوقف بالمرة بل يستمر في التاريخ البيزنطي حتي القرن الـ١٩. أما في الشرق العربي فقد اكتفي الكثيرون بالحس الروحي، وهو جيد، ولكننا في حقيقة الأمر لا نعرف عن تراثنا الأرثوذكسي إلا القليل، وما صدر عندنا من ترجمات ليس إلا نقطة من بحر. لهذا لا نتعجب أن يصدر كثير من التعليم المخالف للتراث المسيحي الآبائي الأرثوذكسي على لسان الكثير من شخصيات كنسية احتكرت الميكروفون والمنبر لتردد ما نقلته الإرساليات من تعاليم العصر الوسيط للكنيسة في أوروبا إلى كنيستنا القبطية. فسمعنا وقرأنا لشخصيات كبيرة بدون ذكر أسماء، تفصل اللاهوت عن الناسوت في شخص المسيح الواحد، وتفصل اتحاد المسيح الرأس بالكنيسة جسده، وتفصل أقنوم الروح القدس عن الإنسان بدعوى سرقة الإنسان لألوهة الله! ... إلخ الذي هو في الحقيقية تفريغ لخلاص المسيح للإنسان كما سبق وشرحنا في بداية المقال. والسُبح لله. --- ### التعددية كمساحة للسعادة - Published: ۲۰۲۳-۰۹-۰۹ - Modified: 2023-09-10 - URL: https://tabcm.net/13103/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: الصحافة للحوار, كايسيد, مركز الملك عبد الله الجنس واللون والدين والأصل الثقافي واللغة والأعراف الاجتماعية، كهوف تحيط بنا جميعًا، الخروج منها مغامرة لا نعرف عواقبها، لكن المؤكد أنها تُبقي بلادنا قابعة في صراعات لا حصر لها إذا ما ركزنا عليها أحبّ تلك الأوقات التي تفيض بالذكريات، أتقوت بها في الأزمنة الكسولة التي بلا ذكرى. لمثلها ألتقط مئات الصور، واسترجعها كلما وقعت في فخّ الاعتياد. في أثناء رحلة مدهشة استمرت 6 أيام بالعاصمة الأردنية عمان، تدرّبت فيها على "صِحافة الحوار"، تعرّفت على 35 صحفيًا وصحفيًة، أصحاب خبرات واسعة في المجال الإعلامي، قادمين من 15 دولة عربية، ممن وقع عليهم الاختيار لاجتياز برنامَج زمالة "الصِحافة للحوار"، المقدّمة من مركز الملك عبد الله العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات (كايسيد)، بهدف تبني خطاب إعلامي متوازن يرفض الكراهيَة ويجنح نحو السلام. وبعد عودتي إلى مصر، كرّرت على نفسي تساؤلات: "ما الفارق بين هذا التدريب وكل ما حضرته منذ عملي بانتظام في الصِّحافة عام 2010؟ وما الذي دفعني لأخبر صديقتي أنني ما زلت هناك، ولم أعد بعد من أجواء هذه الرحلة؟ فكرة جمع أفراد لا تتشابه لهجاتهم أو أفكارهم وأديانهم أو خلفياتهم الاجتماعية والثقافية -حتى لو من البلد نفسها- في مكان واحد، وإعطائهم الفرصة الكافية للتعارف بعيدًا عن مواعيد الفعاليات، هي السبب الحقيقي لتميّز التدريب. من اختلاف اللهجات خرجت ضحكات القلب، ظهرنا للمحيطين في الفندق المضيف مثل مختلّين، نقهقه بلا سبب، وحدنا فقط من نفهم أننا نضحك لأننا لا نفهم. صديقي الليبي لم يكفّ عن قول: "تعبيرات وجهك تضحكني"، لأنه كلما تحدّث بلكنته السريعة ترتسم على ملامحي علامات تشبه التعطل الإلكتروني error، لأطالبه بإعادة جملته قبل أن يغرق في الضحك ونضحك جميعًا. وأكاد أجزم أنني كنت في حاجة إلى مترجم لغوي لتفسير ما تقوله المتدرّبة التونسية، قبل محاولات فهم ما تقوله في سياق الموقف، كما نصحني المصري بقوله: "حاولي تتعاملي مع نَغْمَة الكلام ولا تنتظري فهم الجُمل، كان غيرك أشطر". شاعرية اللهجة العراقية المليئة بعبارات من نوعية: "تكرم عيونك" و"تؤمريني ستي"، وغنجة اللبنانية، وظرافة المصرية وبساطتها، وسرعة التونسية، وغرابة المغربية، وجدية السُّعُودية، من قلب هذا التنوّع اللفظي خرج الحب والأوقات التي لا تُنسى. كما في اللكنات كذلك أيضًا في الأطعمة؛ تآلفنا بنقاشات طيبة حملت رائحة الصواني العربية المُغطاة بمذاق الفستق والجوز ومختلف المكسرات، أحاديث دارت حول ما نأكله في بلادنا، مع نصائح متبادلة بعدم تفويت أكلات بعينها في السفر لكل بلد عربي. أكلت المنسف الأُرْدُنّيّ، وتعرّفت على ما يفرقه عن السعودي أو الفلسطيني، أكلت الفول والفلافل الأردنية التي لا تشبه نظيرتها في مصر، واستمتعت بمذاق الكنافة الساخنة بالجبنة كأنني لم أتذوّق حلوى من قبل، ارتدينا البشت الأُرْدُنّيّ في إحدى المطاعم التي توزعه على زائريها لمنحهم الدفء في الأوقات الباردة. أوقات التجول بالأوتوبيس المخصّص لنا، حرصنا ألا تكون عابرة، دارت أغنيات تعبر عن اختلافنا، متنقلين بين أحدث ما انتشر منها في كل دولة؛ ورغم إجماع الكل على فهم الأغنيات المصرية والتفاعل معها كونها الأكثر انتشارًا مقارنة مع الأخرى، إلا أن كل واحد/ة كان يزيد اندماجه/ا أكثر مع أغنية بلده/ا. غنينا وتمايلنا وضحكنا مجددًا. سلوكيات إنسانية انسابت حتى من أكثر الشخصيات تحفظًا بتلقائية شديدة، كنا على وشك نسيانها في بلادنا بسبب الأزمات المادية الطاحنة التي انطبعت تأثيراتها على كل تحرّكاتنا وانفعالاتنا وتعاملاتنا اليومية، أو بسبب الحروب والصراعات العسكرية والسياسية عند البعض في بلدانهم منذ 2010 حتى الآن. أخبرتنا هذه الأوقات ما لم تخبره لنا التدريبات الإعلامية ومنصّاتها كافة، أن لدينا ما يسع لجعل الأضداد تتقارب في مساحة ما. الجنس واللون والدين والأصل الثقافي واللغة والأعراف الاجتماعية، كهوف تحيط بنا جميعًا، الخروج منها مغامرة لا نعرف عواقبها، لكن المؤكد أنها تُبقي بلادنا قابعة في صراعات لا حصر لها إذا ما ركزنا عليها، وهي نفسها مساحة حب وسعادة مشتركة في حال أتيح الحديث عنها في نطاقها الطبيعي، وتركنا للمشترك لعب دوره الأكبر، وقدمنا فرصًا لجيران المنطقة يتبادلون فيها الفن والضحك والأكل وكثير من اللطف. لا يزال للتدريب بقية، لننفّذ في مراحله المقبلة مشروعات إعلامية تواجه خطابات الكراهيَة، وأيًا ما يكون القادم، سأظل مدينة لهذه المساحة الإنسانية وفرصة استنشاق نفس من القلب، والعودة بذهنية جديدة تتسع للجميع... الجميع دون استثناء، أحباء طالمَا لا ينتهجون العنف أو يتخذون من النعرات الطائفية والقبلية دروع حماية لهم. --- ### حكمة تعلو فوق كل شيء - Published: ۲۰۲۳-۰۹-۰۸ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/12611/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: الأب متى المسكين, بنتاتوخ, توراة, قديس بولس الرسول, يهوه كان السؤال الذي قفز على لسان شاول ـ بولس ـ الفريسي المتمرس والمتحفز، أو لعله بسبب، هول المباغتة حين قطع الرب يسوع المسيح عليه الطريق؛ من أنت يا سيد؟! وصار هذا السؤال خبز يومه، يحمل إجابته معه أينما ذهب، وكلما أمسك بقلمه وأوراقه ليكتب لتلاميذه ولكنائسه التي أسسها. وبعد أن أصبح المسيح عنده الكل في الكل،"لأَنِّي لَمْ أَعْزِمْ أَنْ أَعْرِفَ شَيْئًا بَيْنَكُمْ إلاَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ وَإِيَّاهُ مَصْلُوبًا". لم يكن هذا غريبًا على ق. بولس، ويفسر الكاتب هذا: "أن حياة المسيح وصفاته وكلماته كانت عند بولس الرسول وحدة واحدة يأخذ منها لنفسه أولًا ثم يعطى الآخرين. وهذا تمامًا هو ما كانت عليه صنعته في الفريسية تجاه التوراة والناموس. فالمسيح ملأ كل فراغ الناموس في قلب بولس الرسول عندما اكتشف نهاية الناموس وعدم نفعه؛ الأمر الذي كشفه المسيح للتلاميذ منذ بَدْء خدمته، عندما قدم عظته على الجبل، في مقابل عظة موسى بالناموس على الجبل أيضًا، بل واعتنى المسيح بقوة وتأكيد أن يبيِّن أن هذه جاءت لتحل محل تلك بقوله بتكرار مقصود:"قيل للقدماء ... أما أنا فأقول لكم". فإن كان القديم قد قيل بفم موسى عن تلقين من فم الله، إذًا فبكل مقياس يقف المسيح هنا كمشرع يتكلم بفم الله مباشرة ليضع نهاية للقديم ليحل محله الجديد. الأول كان للجسد والأرض وطن، والثاني للروح والسماء كوطن". (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») ويستطرد الكاتب: "وكما كانت التوراة ـ الناموس في التَّرْجَمَةً السبعينية ـ تعني لليهودي كل ما استعلنه الله لمعرفة طبيعته الشخصية وأفكاره وأغراضه وعما يريده للإنسان أن يكون عليه أن يعمله؛ هكذا عرَّف القديس بولس المسيح، الذي استعلن طبيعة الله وأفكاره ومشيئته من نحو تجديد خلقة الإنسان وميراثه السمائي، بأنه هو "التوراة الجديدة". ومن هذا ندرك كيف رأى بولس الرسول في المسيح وأقواله وأعماله كل ما كان يراه الفريسيون في التوراة القديمة". (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») ولعل هذا يفسر لنا كيف فهم القديس بولس قول الرب يسوع المسيح أنه ما جاء لينقض الناموس بل ليكمله. شخص المسيح عند ق. بولس هو حكمة الله؛ وصورة الله غير المنظور وبكر كل خليقة، وفيه خُلق الكل ما في السموات وما على الأرض، وهو قبل كل شيء وفيه يقوم الكل، وفيه سُرَّ أن يحل كل الملء، وقد فصَّل هذا في رسالته لكنيسة كولوسي، ويعقد الكاتب مقابلة بين وصف القديس بولس هنا وبين ما جاء في سفر الأمثال في تعريف الحكمة، وينتهي إلى: "أنه من أغنى المفهومات الإلهامية عند الربيين اليهود اعتبار ما جاء في سفر الأمثال ـ عن الحكمة ـ هو عن التوراة، فلما دخل بولس الإيمان المسيحي ابتدأ الروح القدس يفتح ذهنه ليفهم المكتوب ويطبق ما درسه في التوراة على المسيح وبالأخص هنا سفر الحكمة". (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») ثم يقف الكاتب كثيرًا وبعمق عند قول سفر الأمثال هنا"الرب قناني أول طريقه"، باعتبار أن المتكلم هنا هو الحكمة، وينقل عن معلم الناموس "رابي هوشايا" تعليقه على هذا الكلام: "كنت أداة الصنعة عند الواحد القدوس... فالواحد القدوس كان ناظرًا إلى الناموس عندما خلق العالم، لأن الناموس يقول:"في البَدْء"،ولا يوجد بَدْء إلا الناموس. وعليك أن تعود إلى قول سفر الأمثال 22:8 لتقرأ: "الرب قنانيأول طريقه""(الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») ويعلق الكاتب: "أن بولس الرسول حينما أدرك سر التوراة الحقيقية "برشيت" و "الحكمة" في المسيح، استقر بالضرورة على أن المسيح هو حكمة الله (1كو24:1)، وهو ما سبق وقال به المسيح:-إنجيل القديس لوقا 49:11: حيث الحكمة هي المتكلمة:"لِذلِكَ أَيْضًا قَالَتْ حِكْمَةُ اللهِ: إِنِّي أُرْسِلُ إِلَيْهِمْ أَنْبِيَاءَ وَرُسُلاً، فَيَقْتُلُونَ مِنْهُمْ وَيَطْرُدُونَإنجيل القديس متى 34:23: حيث المسيح نفسه هو المتكلم:"لِذلِكَ هَا أَنَا أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ أَنْبِيَاءَ وَحُكَمَاءَ وَكَتَبَةً، فَمِنْهُمْ تَقْتُلُونَ وَتَصْلِبُونَ، وَمِنْهُمْ تَجْلِدُونَ فِي مَجَامِعِكُمْ، وَتَطْرُدُونَ مِنْ مَدِينَةٍ إِلَى مَدِينَة". (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») ويعلق الكاتب: "لذلك رؤية بولس الرسول أن المسيح هو حكمة الله هى رؤية حقيقية إلهية مستعلنة على خلفية اجتهاد ومعرفة وإلهام، ولكن لها أصل وترديد من فم المسيح نفسه". (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») ويجول الكاتب في أسفار العهد القديم ويجمع كالفراشة من أزهارها ما يؤكد المعنى أن التوراة هي الحكمة وينتهي إلى أن: "اليهود قد أدركوا أن الحكمة التي أبدع بها الله الكون لإخراج بديع صنائعه في السموات والأرض الناطقة بحكمته ولاهوته ـ كما يراها بولس الرسول في رومية 19:1و20 ـ استودعها في النهاية كتابه، أي التوراة، ليستعلن بالتوراة المقروءة والمفهومة ما تستعلنه السماء والأرض وكل ما فيها من حكمة الله. بهذا أدرك اليهود أن الناموس الذي استودعه الله في أيديهم واستأمنهم على سر حكمته فيه إنما هو تجسيد فكري لحكمته الفائقة، التي بها خلق السموات والأرض". (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») ويعود الكاتب إلى ما قاله بولس الرسول بعد أن اُستُعلن له المسيح فأدرك فيه التوراة الحقيقية، حكمة الله وقوة الله، ويتأكد للقارئ التطابق الشديد كلاهما ـ التوراة والمسيح ـ بما سجله القديس بولس في رسالته إلى كولوسي في إصحاحها الأول، كذلك في السطور الأولى في رسالته لأفسس. استأذن القارئ في ملاحظة مرتبطة بهذا الطرح، أنه غني عن البيان أنه لا يمكن الحديث عن وجود الله خلوًا من حكمته، والحديث عن البَدْء هنا لا علاقة له بالزمن، كما عرفه الإنسان، لأن الزمن جاء بعد خلق السماء والأرض ودورتها حول الشمس وحول نفسها، فكان الليل والنهار وتوقيتات الزمن. البَدْء هنا يقع في نطاق الأزل. وقد عبرت الكنيسة عن هذا في قانون إيمانها عن الابن أنه "مولود غير مخلوق"، وقد نحت أحد اللاهوتيين تعبير "الإلادة" ليعبر أنها عملية دائمة وليست لحظة أو حدث في الزمن. • وشخص المسيح عند بولس الرسول يعلو فوق كل شيء: يتتبع الكاتب ما سجله القديس بولس في رسائله، وفيه يكشف لنا "أن بولس الرسول لا يسمح لفكر مهما كان أن يضع المسيح في مستوى مخلوق مهما علا وسما. إِذْ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، وَأَجْلَسَهُ عَنْ يَمِينِهِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ، فَوْقَ كُلِّ رِيَاسَةٍ وَسُلْطَانٍ وَقُوَّةٍ وَسِيَادَةٍ، وَكُلِّ اسْمٍ يُسَمَّى لَيْسَ فِي هذَا الدَّهْرِ فَقَطْ بَلْ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَيْضًا. (رسالة بولس إلى أفسس 20:1و22) وليس في هذا تفخيم شخصي بل: "لأَنَّهُ فِيهِ سُرَّ أَنْ يَحِلَّ كُلُّ الْمِلْءِ، وَأَنْ يُصَالِحَ بِهِ الْكُلَّ لِنَفْسِهِ، عَامِلاً الصُّلْحَ بِدَمِ صَلِيبِهِ، بِوَاسِطَتِهِ، سَوَاءٌ كَانَ: مَا عَلَى الأَرْضِ، أَمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ". (رسالة بولس إلى كولوسى 19:1و20) ويؤكد هذا المعنى مجددًا: "لِذلِكَ رَفَّعَهُ اللهُ أَيْضًا، وَأَعْطَاهُ اسْمًا فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ لِكَيْ تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ، وَيَعْتَرِفَ كُلُّ لِسَانٍ أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ رَبٌّ لِمَجْدِ اللهِ الآبِ. (رسالة بولس إلى فيلبي 9:2ـ11) ويعلق الكاتب موضحًا: "هذه هي صورة يسوع المسيح عند بولس الرسول يطلقها شهادة مدوية على الأرض لتبلغ عنان السماء ولا يمكن أن يزايد في هذا أحد على بولس قط، ولا مجال لإضافة حرف واحد على مصنف هذه التعبيرات اللاهوتية التي أحاط بها المسيح ليجلو الحق فيه قدر ما رأى وعلم وشاهد وشهد". (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») وينبهنا الكاتب إلى أن: "بولس الرسول حينما قال بألوهية المسيح لم يفرط قط في وحدانية الله، فهو صاحب الشهادة الأولى في الكنيسة:"لَنَا إِلهٌ وَاحِدٌ: الآبُ الَّذِي مِنْهُ جَمِيعُ الأَشْيَاءِ، وَنَحْنُ لَهُ. وَرَبٌّ وَاحِدٌ: يَسُوعُ الْمَسِيحُ، الَّذِي بِهِ جَمِيعُ الأَشْيَاءِ، وَنَحْنُ بِهِ"(كورنثوس الأولى 6:8)،وهذه الشهادة التي شهد بها بولس الرسول لا تزال تشهد بها الكنيسة في كل أنحاء العالم إذ صارت قانونًا للإيمان الذي مطلعه عند بولس الرسول هو التقييم اللاهوتي عن سبق الوجود للمسيح قبل التجسد. والرب بالمفهوم العبري القديم هو اسم مترجمًا إلى للتخلص من رهبة ومخافة النطق باسم "يهوه"، وهذا يؤدي إلى فك رمز شخصية المسيا عينها ـ كرب ـ فهو الشخص الحامل لاسم يهوه المعبَّر عنه والحامل لصورة الله وكل صفاته وأعماله، الذي بالتجسد صار ـ لله غير المنظور ـ المنظور الذي يستطيع أن يتطلع إليه الإنسان ولا يموت:"اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ"(يوحنا9:14). (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») ما زلنا نتتبع شخص المسيح عند القديس بولس، وعند الكنيسة، في رحلة ممتدة في رسائله المدققة والممتعة في مقالات مقبلة. --- ### الوعي - Published: ۲۰۲۳-۰۹-۰۷ - Modified: 2023-09-07 - URL: https://tabcm.net/12762/ - تصنيفات: مقالات وآراء "الوعي"، كلمة تقال، ولازم بعدها فتره سكون طويلة شوية. . لأنها كلمة ما تتقالش وتتفهم على طول كده، الواحد لازم يقلبها في عقله ويركز معاها قوي علشان نعرف نتكلم عليها. الوعي هو مفتاح المكان اللي كل واحد موجود فيه دلوقتي، والحياة اللي كل إنسان فينا بيعيشها مبنية على فهمه للكلمة دي وقدرته على التعامل معاها. وقبل أي كلام عن الوعي لازم نبقى فاهمين إنه مالوش أي علاقة بالمستوى التعليمي أو حتى المادي، حتى وهو بيأثر فيهم، بمعنى؛ مثلًا أهلنا زمان يمكن ماكانش متاح ليهم تعليم ومعلومات زي الموجودة دلوقتي لكن الحقيقة كتير منهم كان مستوى وعيهم عالي قوي، وعلشان كده أغلبهم عاشوا حياة هادية وأكثر راحة وسعادة من اللي احنا عايشينها دلوقتي. بس مهم نفهم إن الراحة والسعادة مش هي الرفاهية؟ الوعي ببساطة مفهوم يأتي من معنى الكلمة الحرفي وهو "الادراك"، إنك بالبلدي تبقى داريان، أول حاجة وأصعب حاجة إنك تبقى داريان بنفسك، واعي بالظبط أنت مين؟ وعاوز إيه؟ وبتعمل كل اللي بتعمله ليه؟ وعاوز توصل لايه؟ وخايف أو بتجري وبتسخبى وتهرب من إيه؟ وده فعلًا موضوع صعب وبعضنا بيتخيل أن ده كلام فلسفة مع أنه أساس حياتنا. أكتر حاجة بتصعب علينا الدخول إلى أعماق نفوسنا لاكتشافها هي البطارية اللي بناخدها معانا أو الضوء اللي بنقيم نفسنا من خلاله بمعنى بسيط القيم والعادات والتقاليد اللي احنا أخذناها من المجتمع اللي حوالينا وسلمنا أنها صح وهي دي الأسس اللي نقيم نفسنا على أساسها. مثال بسيط للكلام ده إن الدكتور أو المهندس أحسن من اللي معاه دبلوم، مع أن مفيش أى قانون كوني أو إلهي قال كده؟ لكن لو أنت دكتور فأنت حكمت على نفسك إنك أحسن من ناس كتير، ولو مش متعلم في المدرسة كويس ها تلاقيك حاسس بصغر نفس كبير مش من السهل أبدًا تخرج منه. الموضوع ده عميق ومجهد فكريًا علشان كده ها أقسمه كل مرة نقول فيه كلمتين وناخد نفس عميق ونقعد نفكر فيهم مع بعض. --- ### وللرقص وقت! - Published: ۲۰۲۳-۰۹-۰٦ - Modified: 2023-09-09 - URL: https://tabcm.net/13050/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: إحسان عبد القدوس, تادرس يعقوب ملطي, سعيد صالح, صلاح قابيل, نبيلة عبيد يصعب تصور رقصًا بلا طرب، أو بلا فرح، في أهازيج النصر على مدار العصور من قدماء المصريين والإغريق مرورًا بشعب الله المختار آنذاك اليهود، وحتى في أصغر دويلة في العالم في عصرنا الحديث، والنصر في الحروب، هو عكس الهزيمة التي هي أشرف ألف مرة من الاستسلام الذي لم يكتب له الله في إنجيله أي وقت، وإن كتب للبكاء وللخسارة وقتًا! فربما كان مبدأ الاستسلام والانهزامية والرضا بالواقع أكثر ألمًا على النفس وليس له مكان ولا زمان في فلسفة الله ونحن لا ندري "لِلْقَتْلِ وَقْتٌ وَلِلشِّفَاءِ وَقْتٌ، لِلْهَدْمِ وَقْتٌ وَلِلْبِنَاءِ وَقْتٌ، لِلْبُكَاءِ وَقْتٌ وَلِلضَّحْكِ وَقْتٌ، لِلنَّوْحِ وَقْتٌ وَلِلرَّقْصِ وَقْتٌ"(سفر الجامعة 3: 3، 4) ذكر الكتاب المقدس في سفر الجامعة -على لسان الله- إن لكل شيء تحت السماء وقت، وذكر وقتًا لاثنان وعشرون فعلا، من القتل وحتى الرقص، إلا أنه لم يذكر أبدًا ضمنهم وقتًا للاستسلام! يصعب تصور رقصًا بلا طرب، أو بلا فرح، في أهازيج النصر على مدار العصور من قدماء المصريين والإغريق مرورًا بشعب الله المختار آنذاك اليهود، وحتى في أصغر دويلة في العالم في عصرنا الحديث، والنصر في الحروب، هو عكس الهزيمة التي هي أشرف ألف مرة من الاستسلام الذي كما قلت بأعلى، لم يكتب له الله في إنجيله أي وقت، وإن كتب للبكاء وللخسارة وقتًا! فربما كان مبدأ الاستسلام والانهزامية والرضا بالواقع أكثر ألمًا على النفس وليس له مكان ولا زمان في فلسفة الله ونحن لا ندري، في حين للبكاء والضحك والسرور وللهزيمة للرقص. . وقت! "يصوّر لنا النقش البارز على جدران المعابد المصرية من كل العصور الملوك وهم يرقصون أمام أزوريس وغيره من الآلهة، وفي المزامير التي يضمها العهد القديم نجد ذلك التقليد المأخوذ من عبادة أزوريس مجسَّدًا بوضوح في فكرة المزامير نفسها، ودعوتها المتكررة"رنموا للرب، أهتفوا للرب وغنُّوا". (ناجح المعموري) سَبِّحُوهُ بِصَوْتِ الصُّورِ. سَبِّحُوهُ بِرَبَابٍ وَعُودٍ. 4سَبِّحُوهُ بِدُفّ وَرَقْصٍ. سَبِّحُوهُ بِأَوْتَارٍ وَمِزْمَارٍ. 5سَبِّحُوهُ بِصُنُوجِ التَّصْوِيتِ. سَبِّحُوهُ بِصُنُوجِ الْهُتَافِ. (مزمور 150: 3- 5) اهْتِفُوا وَرَنِّمُوا وَغَنُّوا. رَنِّمُوا لِلرَّبِّ بِعُودٍ. بِعُودٍ وَصَوْتِ نَشِيدٍ. بِالأَبْوَاقِ وَصَوْتِ الصُّورِ اهْتِفُوا قُدَّامَ الْمَلِكِ الرَّبِّ! (مزمور 98: 4- 6) أُرَنِّمُ لَكَ تَرْنِيمَةً جَدِيدَةً. بِرَبَابٍ ذَاتِ عَشَرَةِ أَوْتَارٍ أُرَنِّمُ لَكَ. (مزمور 144: 9) لِيَبْتَهِجْ بَنُو صِهْيَوْنَ بِمَلِكِهِمْ. لِيُسَبِّحُوا اسْمَهُ بِرَقْصٍ. بِدُفّ وَعُودٍ لِيُرَنِّمُوا لَهُ. لأَنَّ الرَّبَّ رَاضٍ عَنْ شَعْبِهِ. يُجَمِّلُ الْوُدَعَاءَ بِالْخَلاَصِ. لِيَبْتَهِجِ الأَتْقِيَاءُ بِمَجْدٍ. لِيُرَنِّمُوا عَلَى مَضَاجِعِهِمْ. تَنْوِيهَاتُ اللهِ فِي أَفْوَاهِهِمْ، وَسَيْفٌ ذُو حَدَّيْنِ فِي يَدِهِمْ. لِيَصْنَعُوا نَقْمَةً فِي الأُمَمِ، وَتَأْدِيبَاتٍ فِي الشُّعُوبِ. (مزمور 149: 2- 7) قدمت طالبة نوبية منذ أيام عرضًا راقصًا شخصيًا جميلًا ومبهجًا في احتفالها واحتفائها بتخرجها في الجامعة، انتصارها المبين على تحديات ومشاكل ومصاعب تواجه كثير من الطلبة، وقد يكون رقصها أكثر احتشامًا من رقص النبي الملك داود شخصيًا، أهم ملوك الكتاب المقدس، الذي فتش الله قلبه، فوجده كقلب الله، الذي يصف رقصه القمص تادرس يعقوب ملطي بأنه "كان رقصًا وقورًا (حسب تفسير أول 50 مزمور للأب القمص الكبير- إصدار مطبوعات). ورغم عدم الارتباط الضمني بين الرقص، والخلاعة أو العري، لازال كثير من أفراد المجتمعات الشرقية العربية الرجعية يدين كافة أشكال الرقص، والبهجة، والسباحة، والغناء وتربية الكلاب، والموسيقي، والتعطر والتمثيل والغناء بل حتى التفكير! فلا عجب إنهم وجدوا في لحم الطالبة النوبية فريسة سهلة لتفريغ عقد نقصهم في إنسان لم يجرم في حق إنسان آخر. أكثر وأشهر أنواع الرقص في آخر نصف قرن وربما أرباحها هو ما تحدثت عنه "نبيلة عبيد" (أو "سونيا سليم") في فيلم "الراقصة والسياسي" في سيناريو "مصطفى محرم" المأخوذ عن قصة للروائي إحسان عبد القدوس، وهي تحدث "صلاح قابيل" (خالد بك مدكور) هو ما يقوم به السياسيون  -وطبعا الإعلاميين- أمام الجماهير من خلف الميكروفونات! ورغم أن الرقص عندهم بالألسنة وليس بالخصر و"على الناس" وليس "للناس"، إلا أنه أضر بهؤلاء الناس أكثر بكثير جدا مما فعله رقصها هي وزملائها، إن لم يكن قضى على أغلبهم أيضا! ليس هذا فحسب، لكن كثيرًا ما أصبحنا نردف تأدبا مصطلح الرقص "على الناس" أيضا لمن يتباهى ويتفاخر على الناس بما عنده وبما له -وعليه ما عليه! - حتى خارج الشبكات الاجتماعية طمعًا في لفت الانتباه بشكل جنوني، في حين لم تجد الثقافة الأمريكية الشعبية أي غضاضة في وصفها بالـ"عهر" من أجل لفت الانتباه (اتنشن هورينج)، إلا أن الأمر تطور عندنا في مصر في أخر ربع قرن وأصبحنا نستخدم لفظة "القفز" (التنطيط) بدلًا من "الرقص! "، ولاقى التعبير الكثير من الاستحسان إذ انتشر في كل مكان بمصر، حتى وإن لم يلق الرقص نفسه مكانًا ولا وقتًا! الرقص في واقع الأمر كما عبر عنه الفنان الراحل "سعيد صالح" في مسرحية "العيال كبرت" لا يحتاج لشهادة قدر ما يحتاج إلى "ليونة"، بدءًا من صغار الموظفين (أو المعيدين) الطامحين في الترقيات والإجازات في المصالح والجامعات الحكومية، والجميلات في لجان الأسئلة الشفوية بالجامعات، مرورًا بغالبية الإعلاميين، وربما انتهاءً بممثلات طمحوا في بطولات كبيرة مع مخرج يساري خمسيني فاته قطار النجاح الباتع! قابلنا "أولادًا جالسين في السوق ينادون بعضهم بعضا ويقولون لنا: زمرنا لكم فلم ترقصوا نحنا لكم فلم تبكوا" إلا أن زمار الحي لا يطرب، وربما إن غاب الطرب غاب الرقص، ولا معنى للطرب ونحن مهزومين دائمًا، مرة بسبب صدام حسين، ومرة 11 سبتمبر، ومرة الأزمة الاقتصادية العالمية، ومرة كوفيد 19، ومرة أوكرانيا. . و. . و. . إما دائمًا الرقص على الناس وجثثهم موجود وحاضر، من انستجرام وحتى تيك توك، ومن نادي باريس وحتى صندوق النقد الدولي، المهم عند الجميع الآن هي النقطة، وبالذات لو كانت بعملة الـ"بريكس". وللحديث بقية، إن كان في العمر بقية! --- ### لويس باستور (٢٧ ديسمبر ١٨٢٢ - ٢٨ سبتمبر ١٨٩٥) - Published: ۲۰۲۳-۰۹-۰٤ - Modified: 2023-09-19 - URL: https://tabcm.net/13064/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: جامعة السوربون, لويس باستور, ليفنهوك, نابليون الثالث لويس باستور: "الإرادة شيء عظيم، أيتها الأخوات العزيزات، والعمل عادة ما يتبع الإرادة، وغالبًا العمل يصحبه النجاح. هذه الأشياء الثلاثة هامة: العمل، الإرادة، النجاح، هذه تملأ الوجود الإنساني. وسيفتح العمل باب النجاح، وكلاهما باهر وسعيد؛ يمر العمل بهذه الأبواب، وفي نهاية الرحلة يأتي النجاح لتتويج جهود المرء". في عام 1831، توقفت الدراسات على أنواع الميكروبات المكتشفة حديثًا. ففي إحدى أيام أكتوبر من هذا العام، ركض صبي يبلغ من العمر تسع سنوات، خائفًا من حشد من الناس كانوا قد تزاحموا أمام باب محل حدادة في قرية في جبال شرق فرنسا. كان هذا الفتى قد سمع طقطقة لمكواة بيضاء ساخنة على لحم بشري! وكان هذا الأزيز المرعب قد أعقبه صراخ من الألم. أما الضحية فكان هو المزارع نيكول. هذا كان قد فتك به للتو ذئب مسعور في شوارع القرية، فكُّه يقطُرُ رغوة سامة. أما الصبي الذي هرب فهو الصبي الخجول لويس باستور، ابن دباغ جلود من بلدة أربوا في شرق فرنسا. مرت أيام وأسابيع وتوفي ثمانية من ضحايا الذئب المسعور بآلام خانقة بسبب داء الكَلِب الذي يسببه هجوم هذا الذئب. رنين صراخهم ظل يدوي في آذان هذا الفتى الخجول؛ وأحدثت المكواة التي أحرقت جرح المزارع نَدَبَة عميقة في ذاكرته. ولد لويس باستور في 27 ديسمبر عام 1822م. وعندما كبر سأل والده ذات مرة: “ما الذي يجعل الذئب أو الكلب مسعورًا يا أبي، لماذا يموت الناس عندما تعضهم الكلاب المسعورة؟”. في ذلك الوقت لم يكن أحد يعرف سبب وفاة الناس من عضَّات الكلاب المسعورة -كان سبب كل الأمراض غامضًا وغير معروف بالضبط. لن نقول إن هذا الحدث الرهيب جعل لويس باستور، البالغ من العمر تسع سنوات، جعله مصممًا على اكتشاف سبب وعلاج داء الكَلِب يومًا ما، لأن ذلك غير صحيح. خلال العشرين عامًا الأولى من حياته لم تظهر عليه أية علامات على الإطلاق ليصبح باحثًا متفوقًا. لم يكن لويس باستور هذا سوى فتى متثاقلًا وحذرًا لم يلحظه أحدٌ بشكل خاص. في هذه الأثناء بدا من المؤكد تمامًا أن الميكروبات الصغيرة ستوضع بشكل دائم على الرف مع طائر الدودو والوحوش المنسية الأخرى. مع ذلك، استمر العالم لويس باستور في قراءة كتبه، وبينما كان لا يزال في كلية أربوا الصغيرة، بدأت أولى سماته البارعة في الظهور، التي جعلت منه واحدًا من أغرب مزيج من التناقضات على الإطلاق. كان أصغر صبي في الكلية، لكنه أراد أن يكون مراقبًا، أي يحضر المحاضرات ويسمعها دون أن يكون عليه أداء واجبات أو تقديم أبحاث؛ كان لديه طموح ناري لتعليم الأولاد الآخرين. قبل بلوغه العشرين من عمره، كان قد أصبح نوعًا من المدرسين المساعدين في كلية بيزانسون، وهنا أصرَّ على أن يعمل كل شخص آخر باجتهاد مثل عمله؛ لقد وعظ في رسائل طويلة ملهمة لأخواته المسكينات -اللواتي كنَّ يبذلن قُصَارَى جهدهنَّ بالفعل. هكذا كان يعظهم: "الإرادة شيء عظيم، أيتها الأخوات العزيزات، والعمل عادة ما يتبع الإرادة، وغالبًا العمل يصحبه النجاح. هذه الأشياء الثلاثة هامة: العمل، الإرادة، النجاح، هذه تملأ الوجود الإنساني. وسيفتح العمل باب النجاح، وكلاهما باهر وسعيد؛ يمر العمل بهذه الأبواب، وفي نهاية الرحلة يأتي النجاح لتتويج جهود المرء". (لويس باستور) عندما كان في السبعين من عمره، فقدت خطبه رونقها، لكنها كانت بالضبط نفس النوع من الخطب البسيطة الجادة. بعد ذلك أرسله والده إلى باريس للالتحاق بالجامعة، وهناك قرر أن يؤدي نشاط أكبر، لكن تحرَّكَ فيه حنينه إلى الوطن، لشغفه برائحة المدابغ والريف هناك. فعاد إلى أربوا (في شرق فرنسا) حيث تخلى عن طموحه الكبير. ثم في عام آخر عاد إلى نفس الجامعة في باريس وتمسك بها هذه المرة؛ كان يعلم حينها أنه سيصبح كيميائيًا عظيمًا أيضًا؛ ثم في إحدى الأيام شعر في نفسه بنشوة مختلطة بالدموع خارج غرفة محاضرة الكيميائي "دوما". هناك تمتم قائلًا: “ما أجمل علم الكيمياء! ... ما أروع شهرة ومجد أستاذي "دوماس"”. في ذلك الوقت، بدأ في إجراء أول أبحاثه المستقلة المتعثرة بزجاجات كريهة وصفوف من الأنابيب مليئة بالسوائل الملونة الرائعة. كان على صديقه الحميم "تشابوي"، وهو مجرد طالب في علم الفلسفة، كان عليه الاستماع ساعات إلى محاضرات باستور حول بلورات حمض الطرطريك، وقال باستور لتشابوي: “من المحزن أنك لست كيميائيًا أيضًا. ” كان يتمنى أن يكون جميع الطلاب كيميائيين. بعد أربعين عامًا فقط حاول تحويل جميع الأطباء إلى دارسين لعلم الميكروبات. في ذلك الوقت، بينما كان باستور يعمل باجتهاد كبير ويدرس بدقة أكوامًا من البلورات، بدأ يستجلي حقيقة الميكروبات الحية غير المرئية، وبدأ ينظر إليها على أنها مخلوقات مهمة جادة، بنفس القدر مثل الخيل أو الفيلة! ! في عام 1837 في ألمانيا نشر الدكتور شوان ورقة بحثية قصيرة بجملٍ طويلةٍ، وكانت تحوي عبارات مملة أن اللحوم تصبح فاسدة فقط عندما تدخلها جراثيم غير مرئية: “أغلي اللحمَ جيدًا وضعهُ في زجاجة معقمة، سيبقى اللحم طازجًا تمامًا لعدة أشهر. ولكن بعد يوم أو يومين من إزالة السدادة والسماح بدخول الهواء العادي، مع جراثيمه الصغيرة، ستبدأ رائحة اللحم تتحول إلى الرائحة الكريهة؛ سوف تعج بالمخلوقات المتلألئة التي يبلغ حجمها ألف مرة أصغر من رأس الدبوس - فهذه الجراثيم هي التي تجعل اللحوم تفسد”. كيف فتح ليفنهوك عينيه الكبيرتين على كل هذا! (راجع قصته في إحدى المقالات السابقة). لكن أوروبا لم تدرك ما قاله العلماء، وكان الشاب لويس باستور يستعد لأول اكتشاف كيميائي عظيم له. عندما بلغ من العمر ست وعشرين عامًا، نجح في ذلك. بعد فحص طويل لأكوام من البلورات الصغيرة اكتشف أن هناك أربع أنواع مميزة من حمض الطرطريك بدلًا من اثنين؛ وأن هناك مجموعة متنوعة من مُركَّبات غريبة في الطبيعة متشابهة تمامًا -باستثناء أنها صور معكوسة كل منها للآخر. عندما انتهى من عمله تمامًا، أسرع من مختبره الصغير القذر المظلم إلى قاعة المحاضرات، وهناك التقى بفيزيائي شاب كان يساعده من قبل، فحياه وأخذه إلى الخارج ليتسامر معه تحت الظل الكثيف لحدائق لوكسمبورج. هناك أسهب وأطنب في شرحه لما اكتشفه، أراد أن يخبر إنسانًا ما، أراد أن يخبر العالم بما توصل إليه! في مدة بسيطة اشتهر اسم لويس باستور، وتم تقديمه إلى الإمبراطور نابليون الثالث (1808-1873)، ولكن اللقاء كان فاترًا ولم يسفر عن أية نتيجة إيجابية. وحين كان باستور في باريس قدم محاضرة في جامعة السوربون، حضرها شخصيات مرموقة من رجال العلم وعظماء فرنسا. ولكن لم يدرك الشعب الكثير من فكر لويس باستور. في يوم من عام 1865، جاء إليه معلمه القديم دكتور دوماس، وكان يبكي من شدة تأثره بحال بلدته، وحكى هكذا لتلميذه لويس باستور: “بلد الحرير في الجَنُوب هي بلدي الأصلية. لقد عدت للتو من هناك. إنه أمر فظيع! لا يمكنني النوم ليلًا من التفكير في ذلك، بلدي فقيرة، قريتي هي ألييه... هذا البلد الذي اعتاد أن يكون غنيًا، الذي اعتاد أن يكون فَرِحًا بما فيه من أشجار التوت التي اعتاد شعبي أن يسميها الشجرة الذهبية؛ هذا البلد مقفر الآن! المدرجات الجميلة ستدمر؛ الناس هم شعبي وهم يتضورون جوعًا... ” وكانت الدموع تنهمر من عينيه. اقرأ أيضا:   --- ### الكنيسة والرهبنة: من يقود ومن يخضع؟ - Published: ۲۰۲۳-۰۹-۰۳ - Modified: 2023-10-26 - URL: https://tabcm.net/13032/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أنبا إبيفانيوس المقاري, إشعياء المقاري, الإمبراطورية الرومانية, المجلس الملي, بابا شنودة الثالث, دير الأنبا مقار الكبير, كنيسة الإسكندرية, مجمع الأساقفة الكنيسة (جماعة المؤمنين) تتكون من “إكليروس وعلمانيين، وكما للإكليروس دور في القيادة والرعاية كذلك للعلمانيين دور في الإدارة والمراقبة، من أجل صالح الكنيسة ككل، وتم استبعاد دورهم الرقابي خلال القرن العشرين وما تلاه، أو يتواجد البعض منهم لإكمال الصورة دون دور حقيقي، بل يُنظر إليهم بعين الريبة والشك، وكأن الكنيسة هي ملك لـ”الإكليروس” فقط، ولا يؤتمن عليها بعيدًا عنهم. لم تكن دعوة المسيح الانعزال عن العالم وتركه، بل دعا تلاميذه أن يذهبوا إلى العالم بالبشارة المفرحة، وكانت نشأة الكنيسة من هذا المنطلق، وعرفت الكنيسة بأنها "جماعة المؤمنين" أي كل المؤمنين بالمسيح "وأصبحوا جميعًا أعضاء جسد المسيح، والتلاميذ دورهم أن يطبقوا تعاليم المسيح بأن أول الكل أخرهم، وسيد الكل خادمهم، ومع الوقت بدأت الأمور تتطور وشعر التلاميذ أنهم بحاجة لتنظيم أكثر فاختاروا 7 شمامسة من أجل الخدمة الاجتماعية من بينهم اسطفانوس أول شهداء المسيحية، ليتفرغوا بالتبشير بالمسيحية وخدمة الكلمة. مع مرور القرون بدأت الكنيسة تتحول لنمط مؤسسي هيراركي، بوجود أسقف (بابا) وكهنة في أقاليم ومراكز الإمبراطورية الرومانية الكبيرة، مثل روما والإسكندرية وأنطاكية، وبالتركيز على كنيسة الإسكندرية التي ننتمي لها، كان يتم رسامة الأساقفة والكهنة من بين المتزوجين أو من طبقة المعلمين بمدرسة الإسكندرية وهؤلاء كانوا متبتلين من أجل التفرغ للدراسة والعلم. في نهاية القرن الثالث الميلادي وبداية القرن الرابع تأسست الحركات الرهبانية مع عصر القديس أنطونيوس في مصر، وبدأت كحركات "عَلمانية" أي ليس لها رتبة كهنوتية "إكليروسية" داخل نظام الكنيسة المؤسسي، والرهبنة كما يتم تعريفها هي موت عن العالم، ولها مجموعة من النذور يلتزم بها من يدخل في سلك الرهبنة مثل التبتل والفقر الاختياري والطاعة وعمل اليد، وفي طقس رسامة الراهب يتم تلاوة صلوات التجنيز على الراهب لتأكيد موته عن العالم. مع مرور القرون جرت في نهر الكنيسة مياه كثيرة، حتى وصلنا للقرن العشرين صارت الرهبنة هي المورد الرئيس لقيادات كنيسة الإسكندرية من الأساقفة والبطاركة، وأدى هذا التداخل لخسارة كل من الكنيسة والرهبنة، فالرهبنة وهي دعوة عَلمانية أصبحت مسيطرة على الكهنوت والمواقع القيادية بالكنيسة. فاليوم يحسب كثير من الرهبان منذ يوم دخولهم إلى الدير لطلب الرهبنة وليس يوم الرسامة متى سيصبح كاهنًا، ومتى سيرسم قمصُا، ومتى سيصبح أسقفًا. ووصف الراحل الأنبا إبيفانيوس رئيس دير الأنبا مقار المقتول غدرًا بيد الراهب المعزول إشعياء المقاري، رسامة الرهبان كهنة بـ"الكأس المر" في تسجيل صوتي مهم قبل مقتله. https://www. youtube. com/watch? v=Yz9-NbIrLUo&t=10s مع  تطورات العصر وتقدم شبكة الطرق ووسائل المواصلات، لم تعد الأديرة بعيدة في الصحراء كما كانت من قبل يصعب الوصول إليها، بل أصبحت جزءًا من المدن واقترب منها العمران، وأصبحت الزيارات للأديرة بشكل دوري ما أفقدها هدوءها وسلامها، ومع التقدم التكنولوجي صار الرهبان يمتلكون سيارات وهواتف ذكية وحسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، ولم تعد الرهبنة موت عن العالم بل انغماس في العالم، بل وصار الرهبان يطلب منهم الخدمة في العالم، في افتئات على دور الكهنة المتزوجين في الكنيسة، الذين تراجع دورهم أمام الرهبان، وأمام رسامة الكثير من الرهبان أساقفة وتقسيم الإيبارشية الكبيرة إلى مجموعة كنائس عددها أقل، وعلى كل منها أسقف. هناك أزمة أخرى فيمَا يخص الرهبنة تكلم عنها الأنبا إبيفانيوس ووضع لها روشتة علاج، وهي غياب التعليم الأكاديمي عن الرهبنة والرهبان، فالراهب يصبح أسقف وراعٍ ومسؤول عن مجموعة كبيرة من المؤمنين في نطاق جغرافي "الإيبارشية"، وبمجرد أن ينال رتبة الأسقفية يصبح عضو بمجمع الأساقفة وهو صاحب السلطة في التقنين والتشريع الكنسي، وقرار واحد منهم يؤثر على حياة الملايين من المصريين، وللأسف لا يوجد تعليم أكاديمي معترف به دوليًا كما ذكر الأنبا إبيفانيوس يتم بواسطته إعداد الرهبان من خلال الدراسة. واقترح إبيفانيوس إنشاء معهد لاهوتي أكاديمي يكون معترف به دوليًا في منطقة وادي النطرون -شمال مصر- أشهر منطقة يتواجد بها أديرة منذ القرون الأولى، وتكون مجرد تجرِبة في البداية يمكن تطبيقها في تجمعات رهبانية أخرى. https://www. youtube. com/watch? v=ezcieY_a02I إذن بشهادة الراحل الأنبا إبيفانيوس، الرهبنة تعاني من مشكلات، وهو كان يضع يده عليها واقترح لهذه المشاكل بعض الحلول، ما يعني أن الجهة التي تعاني من مشاكل لا يمكن أن تدير الكنيسة بأفضل وأنسب  طريقة قبل أن تحل مشاكلها. الكنيسة (جماعة المؤمنين) تتكون من "إكليروس وعلمانيين، وكما للإكليروس دور في القيادة والرعاية كذلك للعلمانيين دور في الإدارة والمراقبة، من أجل صالح الكنيسة ككل، وتم استبعاد دورهم الرقابي خلال القرن العشرين وما تلاه، أو يتواجد البعض منهم لإكمال الصورة دون دور حقيقي، بل يُنظر إليهم بعين الريبة والشك، وكأن الكنيسة هي ملك لـ"الإكليروس" فقط، ولا يؤتمن عليها بعيدًا عنهم. ومن المفارقات، أن الراهب غير المتزوج يتدخل في قوانين الأحوال الشخصية ويقرر للمتزوجين كيف يعيشون ويكون حكمًا بينهم في مشاكلهم وأمور حياتهم، وبعدما وضع العلمانيون من خلال المجلس الملي لائحة 1938 للأحوال الشخصية، التي كانت أقرب لروح وفلسفة المسيح في ممارسة عمل الرحمة مع الناس، وبها 9 أسباب للطلاق، قرر البابا الراحل الأنبا شنودة الثالث بإرادته المنفردة إلغاء هذه اللائحة عام 2008، وقرر أنه "لا طلاق إلا لعلة الزنا"، وتم الترويج بأن هذه العبارة هي نص إنجيلي على لسان المسيح في حين أن النص نفسه ومفهومه يختلف عن هذه العبارة، والنتيجة نسمع طول الوقت عن اختفاء سيدات مسيحيات يعانين من علاقاتهن الزوجية، وحيث تتعنت الكنيسة في إجراء الانفصال، فإنهن يقررن اللجوء لتغيير الديانة، والاختفاء ما يتسبب في مشكلات مجتمعية تهدد سلامة المجتمع خاصة حينما يستغلها المتطرفون. أخيرًا، أما وأنه توجد مشاكل في الكنيسة، فهذا المقال ليس بدعوة للثورة ضد الرهبنة وقيادات الكنيسة من الإكليروس، بل هو محاولة لتفكيك الوضع القائم ومحاولة فهمه، والحل اقترحه راهب وأسقف هو الراحل الأنبا إبيفانيوس بوجود معهد لاهوتي أو كلية لإعداد الرهبان ما يمكنهم من تأدية دورهم وتقديم الرعاية المطلوبة منهم، لحل المشاكل الأسرية، كما يجب فتح الباب للعلمانيين للمشاركة في إدارة الكنيسة بعودة دورهم الرقابي، وأن يتم فتح الباب لاختيار الأساقفة من بعضهم شرط أن يكونوا دارسين بنفس المستوى الذي اقترحه الأنبا إبيفانيوس بوجود معهد لاهوتي متخصص يدرس بداخله الراهب والعلماني، ولا يكون شرط اختيار الأسقف أو البابا من الرهبان فقط، بل ومن العلمانيين أيضًا، ما قد يساهم في تطور حال الكنيسة للأفضل. --- ### بالصور: مزارات وإعلانات ومعجزات وتحريات دينية - Published: ۲۰۲۳-۰۹-۰۲ - Modified: 2023-09-04 - URL: https://tabcm.net/12996/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أنبا سيداروس، أسقف عام كنائس عزبة النخل, جوستاف لوبون, كارل هانريش ماركس يمكن اختصار المشهد في إن سياسة الدولة في التمييز الإيجابي المبالغ فيه لشراء شعبية سياسية، من الطبيعي أن تؤدي لظهور فئات من المتمارضين هم في حقيقتهم مجرد متسولين للميزات المكتسبة من المرض!   مزار السيّدة والكرسي ينتظر تبرعات المؤمنين لإعماره يقول سنكسار عزبة النخل أن كرسي القديس العظيم مار عادل، سيظل بالكنيسة طول "نهضة العذراء"، وبعدها سيسترد القديس كرسيه ويدشن أول مزار قطاع خاص استغرق بناؤه 7 سنوات إﻻ 17 يوم من الجهد والتعب والتعاون الكهنوتي المشترك من أجل أن يحصل المواطن العزبنخلاوي الأسمر على معجزة فاخرة شغل فنادق أوربية دون أن يضطر لمغادرة عزبة النخل أو المسيحية.   حاليًا بالأسواق كتاب الأنبا سيداروس: "من فم أجهزة الأمن تؤخذ الشريعة" صدر مؤخرًا عن عزبة الكتاب المقدس للهبد والنشر، وراجع ودقق شعبويًا حسب البلح الرامخ في عزبة النخل، والساقط من فم ناظر العزبة، أسقفها وأبينا ومدلعنا وحامينا، نيافة الحبر الجليل الأنبا سيداروس، أسقف عام كنائس العزبة، الذي قال بفم مفشوخ إن من أدلة الإعجاز سكوت أجهزة الأمن علي ما حدث من هَرْج ومَرْج في العزبة!   من تهافت الأساقفة، أن تصير أدواتهم (الروحية) هي صمت الأجهزة الأمنية بدرجة "تحريات مباحث" التي بدورها تتحرى القيل والقال شعبويًا. في الوقت الذي تم الضغط على أطباء مسيحيون منصفون لحذف منشوراتهم من صفحات السوشيال ميديا، التي تبين الرأي المهني. ومن تهافت التهافت، ما رأيته من الفرحين بهذه الورقة البيروقراطية التي ألقت المسؤولية الطبية في استصدار "بطاقة إعاقة" لعم عادل على وزارة التضامن الاجتماعي بشكل صريح! لكنهم يحملونها على ظهورهم مثل المواطن الأسمر لمجرد وجود "خَتْم النسر" وخلاص. باختصار: هؤلاء الذين يعانقون الوهم باسم المعجزات المتهافتة ﻻ يريدون إذن إقناع خصومهم بالعقل وبالعلم، وإنما إرهاب العقلاء والمفكرين باستدعاء سلطات الدولة (والدولة وﻻ لها علاقة وﻻ عايزة تتحشر وﻻ ييجي اسمها أصلًا) ولعمري، فهذا تهافت التهافت!   أجهزة ومؤسسات الدولة ليست أدوات إقناع روحية أجهزة ومؤسسات الدولة دورها الطبيعي هو فرض النظام وتسيير أمور الدولة بشكل غير مرتجل وغير استثنائي، في حين أن "المعجزة" هي بالأصل حدث روحاني استثنائي بطبيعته، ومن ثم أي استدعاء لسلطات "فرض النظام بالقوة" في مسألة يعدها الضمير الإنساني مسألة إيمانية، أو يراها المثقفين والمهنيين مسألة خبرية Falsifiable (قابلة للتصديق والتكذيب)، هي مسألة تضر كلاهما دوما. فلا المعتقدات يجب أن فرضها إداريًا وبيروقراطيًا وتنفيذيًا وإﻻ فسدت حريّة التفكير وحرية الضمير والدين. وﻻ مؤسسات الدولة مصممة هيكليًا ووظيفيًا لمثل هذا التداخل بشكل يقبله أفراد المجتمع، وبرأيي الشخصي لن يؤدي هذا الخلط إﻻ لأزمة ثقة تضر بالحريات وبمؤسسات الدولة معًا. حتى في التماس مع الخطوط الحمراء، يجب أن نكون صادقين إن كنا نبغي علاقات أفضل صحة وسوية مع مؤسسات الدولة. فلا الجيش بعد عبد العاطي كفتة موثوق فيه علميًا، وﻻ وزارة الصحة بعد أزمة كورونا الأطباء نفسهم يثقون فيها، وﻻ حتى رئيس مصلحة الجمارك موثوق فيه بعد أزمة اختفاء السجائر! ! نحن في دولة تحوّل فيها الكل لمجموعة موظفين مهددين بالفصل وقطع العيش من الكل. من أعلى مسؤول تعرفه؟ رئيس الجمهورية؟ مهدد يتفصل ويتقطع عيشه برضو! بالتالي صار من الطبيعي أن أي مهدد، يتحول لمتربص حذر من أي ذكر لاسمه وماشي بيقول "يا حيطة داريني". فماذا تتوقع يرعاك الله إن فعلت العكس! إن أدرت مناحة استدعاء للسلطات وتوريطها في أمور ليست رسمية بطبيعتها كي تحصل على "خَتْم نسر" يسند موقفك الروحي؟ إن كانت قصة سيدنا مار عادل العقيد القعيد تعود لـ7 سنوات مضت من العمل والكفاح، فلا يقل عنها كفاح تأسيسية الدستور التي سبقته وتوسعت في سياسات التمييز الإيجابي للأشخاص ذوي الإعاقة، لدرجة إنه دستوريًا لو شخص "ذو إعاقة ذهنية"، فله فرصة أحسن من "كارل ماركس" في دخول البرلمان لامتياز "كوتة أصحاب الهمم" (ممنوع تقول عليهم معاقين أصلًا، تبقى قليل الإنسانية ولجان الـ"بولوتيكال كوركتنيس" تخش توجب في الإنسانية على بروفايلك). هذا بالطبع غير كوتة التعيينات الحكومية، بخلاف الإعفاءات الجمركية على المستلزمات الطبية لذوي الإعاقة، والامتيازات البنكية المخفضة لأقساط ذوي الإعاقة، الأمر الذي أدى لتحولها من أيام مبارك لسبوبة "سيارة المعاقين" اللي عمرنا ما شفنا حد من ذوي الإعاقة بيستخدمها (بيبيعها بتوكيل ويقبض قرشين وكلنا فاهمين الفولة) يمكن اختصار المشهد في إن سياسة الدولة في التمييز الإيجابي المبالغ فيه لشراء شعبية سياسية، من الطبيعي أن تؤدي لظهور فئات من المتمارضين هم في حقيقتهم مجرد متسولين للميزات المكتسبة من المرض! وده عم القديس مار عادل تحديدًا، واحد بيشحت التعاطف، بيشحت الاهتمام، فبالتأكيد "رقصة الكتكوت" التي قدمها في الكنيسة ليست سلوك امرئ تفاجأ وانعقد لسانه ذهولًا بمعجزة غير متوقعة، وإنما أراها سلوكًا استعراضيًا، حد بيعمل show ويهمه إمتاع أكبر قدر من الجماهير. على الجانب الأخر من صفوف الجماهير، الناس التي كانت تصفق بسعادة غامرة وعفوية بالغة في صفوف الكنيسة، هي سلوكيات ﻻ تعبّر عن المفاجأة خاصة من المختنقين من المتسولين في مترو عزبة النخل لأن معندهمش ما يقدموه للمتسول أصلًا. هذا السلوك العفوي جدًا يمكن تفسيره مثل سلوك جماعي لمشجعي كرة قدم عجبتهم اللعبة الحلوة لما الكتكوت الراقص قال "العدرا جابت الجون" فانطلقت بشكل فطري وكروي لتصفق: وااااااااه هدف هدف هدف. أمراض شهيرة جدًا في علم الاجتماع ومحتاجة جوستاف لوبون يدرسها، وﻻ يمكن تأسيس معتقدات إيمانية محترمة على السلوكيات الجماعية المريضة! وإذا كنتم ترون الأمر بهذه السهولة، فمَا المانع إذن من استيراد رهبنة إنتاج صيني أو بوذي مثلا؟! لماذا ﻻ نرسل رهباننا البلدي المحلي لكورسات تبادل ثقافي مع رهبان معبد الشاولن، ويرجع الراهب ﻻعب كونغ-فو خارق حارق من الذين يمشون على الماء وعلى الحوائط وعلى السقف؟ وتيته الراهبة التاماف العجوز بعد بضع سنين من التلمذة على المذهب الآبائي الصيني ستتمكن من أن تتصارع وتقاتل وتجيب شلل لـ100 وﻻ 150 فرد بإبرة خياطة أو "بنسة شعر". على الأقل لن نقول وقتها عن هذه القدرات الخارقة أنها دين أو معجزة، وإنما تراث مستلم من طب الإبر الصينية اللاهوتية الشرقية الإلحادية المهلبية! ويا شفاعتك يا "هن تشو كان" الأغرب من الخيال! ! فمن فضلك، أرجوك، الله يكرمك: قبل ما تفكر بتجيب الثقة فيمَا هو مهتز منين، واحنا قساة في نقدنا ليه، ما تفكر معايا: أنت بتعمل كدا في نفسك ليه؟ عايزها معجزة وخلاص زي ما بتصدق وخلاص؟ محتاج؟ ناقصة؟ يعني عندك عجز معجزات ومش شبعان معجزات قديسين وكرامات صالحين ومزارات ميتين من عظام مالهاش صحاب يسألوا عليها ووصلت لمقام سيدي الفولكس وسيدي اللينكولين وشبشب حمام وشال ورملة وتراب وشعرة من دقن أسقف دمياطي؟ متسول ديني هش أنت على فكرة. . ده هشاشة في العقل والدين. . اﻹتنين. . أما هؤلاء، الذين لا يؤمنون بكل الأشياء بسهولة، فلا يفقدون ﻻ الإيمان وﻻ العزيمة بسهولة. . إيمانهم، خلق ليصمد ضد النقد، وﻻ يهتز مع صورة، أو سؤال، أو فكرة. . إيمانهم أقوى. . إيمانهم خلق ليبقى. . --- ### الأب إبراهيم عبد السيد
أوان رد الإعتبار - Published: ۲۰۲۳-۰۹-۰۱ - Modified: 2023-08-30 - URL: https://tabcm.net/12964/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: إبراهيم عبد السيد, الأب متى المسكين, الكنيسة القبطية, مدارس الأحد تضافرت عوامل عدة على تهميش الكنيسة القبطية الأرثوذكسية لقرون ممتدة، بدأت بالانقطاع المعرفي التاريخي بينها وبين جذورها الآبائية ومن ثم تراثها اللاهوتي المتميز، مرتين، الأولى حين اتخذت قرارًا بهجرة اليونانية (لغة التدوين اللاهوتي) إلى القبطية (العامية المصرية آنذاك) بفعل الصراع المحتدم الذي شهده القرن الخامس مع انعقاد مجمع خلقيدونية، الذي دشن الانشطار الكبير في الكنيسة، والثانية مع قدوم الدولة العباسية (750 ـ 1258) واستتبابها وفرضها اللغة العربية لتحل محل القبطية، ويتعمق الانقطاع المعرفي اللاهوتي ويتهدد بقاء الكنيسة لولا احتفاظ الكنيسة بطقسها المبدع الوعاء الشعبي لإيمانها ولاهوتها، والذي انتقل من جيل إلى جيل حتى وإن تراجع التعليم النظامي بها. وتداهمنا رياح التنوير مع قدوم الحملة الفرنسية، وأفول الخلافة العثمانية، وبزوغ نجم محمد على وتداعيات بعثاته إلى الغرب، ثم وقوعنا تحت قبضة الاستعمار الإنجليزي، وبين هذا وذاك تعرف الإرساليات الغربية طريقها إلى مصر، وتجد الكنيسة المصرية نفسها في مواجهة متعددة الأطراف والاتجاهات، فينتفض جهاز المناعة داخلها وتسعى لتسترد ما فاتها، وعندما ينتصف القرن التاسع عشر تبدأ إرهاصات الخروج من النفق المظلم، مع قدوم البابا كيرلس الرابع الذي ينتبه إلى قضية التنوير ويشرع في سنوات قليلة (1853 - 1862 م. ) في التأسيس لعصر النهضة فيستقدم في جسارة ووعى ثاني أكبر مطبعة بعد المطابع الأميرية ويفتتح سلسلة من المدارس للبنين والبنات ـ سابقا لدعوة قاسم أمين لتحرير المرأة (1899) بأكثر من ثلاثين عامًا ـ بل ويؤسس مدرسة للتعليم الصناعي، وتشرع أبوابها لكل المصريين. ومع إطلاله القرن العشرين تتأسس حركة مدارس الأحد لتعليم النشء والشباب القبطي، ومنها يتخرج الرعيل الأول من الشباب المسيحي الوطني ويتوزع بين العمل المدني والكنسي، وبعضه يذهب للرهبنة، ومنها إلى قيادة الكنيسة، وبعضه ينخرط في العمل العام الاجتماعي والسياسي. كان الشاب إبراهيم عبد السيد واحدًا من الشباب الذين جذبتهم تجربة مدارس الأحد في جيلها الثاني، وكان قد تخرج لتوه في كلية الحقوق والتحق بإدارة الشئون القانونية بإحدى الوزارات، إلى جانب ممارسته للعمل الصحفي، ولم يقو على مقاومة نداء التفرغ لخدمة الكنيسة فيقبل الدعوة للكهنوت (1972) ليصبح الأب إبراهيم عبد السيد، راعيًا لكنيسة مار جرجس بحدائق المعادي، ويمزج بين ثقافته القانونية والأدبية فيكتب عشرات من الكتب التعليمية الدينية، يكشف فيها عن ثراء الكنيسة وعبقرية طقسها، وعمق لاهوتها. تجرى في نهر الكنيسة مياه كثيرة، وتتغير خارطة القيادة الكنسية بعد عديد من الخبرات المؤلمة، خاصة بعد تجربة 5 سبتمبر 1981 الأليمة، والتي شهدت عزل البابا شنودة من قبل القيادة السياسية، واعتقاله بأحد الأديرة بصحراء وادي النطرون، تحت مسمى مخفف ومراوغ "التحفظ"، ويبقى رهن الاعتقال لما يزيد عن الثلاث سنوات، ليعود إلى موقعه 7 يناير 1985، وقد تركت هذه التجربة في نفسه جروحًا غائرة، يعود ليعيد هيكلة إدارته، فيقصى أعضاء اللجنة الخماسية التي تشكلت لإدارة الكنيسة وتسيير العلاقة بينها وبين الدولة، ويصعد بدلا منهم شخوصًا يعتبرهم أكثر ولاء، حتى مع افتقارهم لشروط مواقعهم، وتبدأ مسيرة تعقب من يبدون تعاطفًا مع أعضاء تلك اللجنة أو مع الأب متى المسكين، الذي حاول جاهدًا أن يرأب الصدع بين السادات والبابا. كان الأب إبراهيم عبد السيد واحدًا من المستهدفين، خاصة وأنه كان ينادى بتقنين العلاقات البينية في الكنيسة، وتخليص الكنيسة مما علق بها من تعاليم العصور الوسيطة، وأنسنه رجال الكهنوت، ومقاومة الاستعلاء والغلو في التعامل مع القيادات. بدأت الحكاية بإطلاق ماكينة الشائعات ثلاثية الأبعاد، والتي تمرست دائرة الحاشية فيها، المالية والأخلاقية والعقائدية، ثم الاستدعاء للمثول أمام من أوكل إليه مهمة محاكمة الكهنة، بدون قواعد محددة ومقننة، مع قائمة ممتدة من الاتهامات، التي تنتهى بإدانة معدة سلفًا، وطلب من المتهم بالتوقيع على اعتراف بارتكابه ما هو منسوب إليه مشفوعًا بطلب العفو، بدأ مشوار القس إبراهيم عبد السيد مع المحاكمة الصورية في يوليو 1992 ولم تنتهى برحيله المفاجئ والملتبس عن عالمنا في 30 أغسطس 1999. واللافت أنه لم يصدر بحقه حكمًا بالإدانة عن أي من التهم الموجهة إليه، وبقى على رتبته الكهنوتية حتى لحظة الوفاة، واستبدلوا هذا بإطلاق فريق التشويه، (والتي نعيش الآن مع طوره الإلكتروني) لينال من سمعته وأخلاقه وذمته المالية، في حين استمر الأب القس إبراهيم عبد السيد يعلن تحديه لجلاديه أن يخرجوا إلى الناس والرأي العام بما لديهم من أدلة ثبوت، وكتب في كل إصدار ومطبوعة تصدر، فكان كالصداع المزمن في أدمغة الجلادين، وعندما سُئِلوا قالوا ليتقدم لنا بطلب رسمي لفتح ملفاته، لكنهم من رأفة قلوبهم ورقتها لا يريدون كشفه أمام الناس، كم بك يا دنيا من المضحكات المبكيات! ! لم يلتفت الرجل لضجيجهم وفحيحهم فأصدر العديد من الكتب تتناول قضايا تدبيرية وكنسية غاية في الأهمية منها: البدع والهرطقات خلال عشرين عاما طل الوحدة الوطنية سرجيوس المحاكمات الكنسية أموال الكنيسة من أين؟ وإلي أين؟ المعارضة من أجل الإصلاح الكنسي البطريرك القادم ممن يختار؟... ومن الذي يختاره؟. . وكيف. . ؟ السلطان الكنسي أبوة لا إرهاب الوحدة الوطنية وحقوق الإنسان متي يعود الحب المفقود في الكنيسة القبطية؟ الرهبنة في الميزان أموال الكنيسة من يدفع؟ ومن يقبض؟ الأحوال الشخصية . . رؤية واقعية الإصلاح الكنسي عبر العصور الإرهاب الكنسي يرحل الرجل وإمعانًا في الخصومة واللدد فيها تصدر تعليمات مشددة بعدم الصلاة على جثمانه، ويطارد من كنيسة إلى أخرى، حتى يدبر الله كاهنا شجاعًا وأحد الشمامسة اللصيقين بقداسة البابا الراحل للصلاة عليه بكنيسة المدافن بأرض الجولف بمصر الجديدة. اليوم وبعد مرور أربع وعشرون عامًا على رحيله، ننتظر قرارًا تصحيحيًا لرد الاعتبار لرجل كان صوتًا صارخًا في البرية وكان صاحب رؤية إصلاحية واضحة، وما زالت أطروحاته صالحة ومنقذة، وإعادة الاعتبار قيمة وفعل يدركهما كل الأمناء في الكنيسة، فما زلنا نذكر القرار الشجاع الذي اتخذه البابا كيرلس الأول (412 - 444) برفع الحرم عن القديس يوحنا ذهبي الفم وإعادة الاعتبار له، بل وأدرجه ضمن قائمة مجمع القديسين بالقداس الإلهي. رغم أن الحرم أوقعه البابا ثيؤفيلوس خال البابا كيرلس الأول. بقى أن اذكر أن الشعار الذي كان يرفعه الأب القس إبراهيم عبد السيد: "وتعرفون الحق والحق يحرركم" أيها المناضل في عصر تشوه فيه النضال، أذكر الكنيسة أمام عرش النعمة وهى تجاهد للخروج من النفق الذي كنت أحد أبرز من قاوموا البقاء فيه. --- ### الاستهلاك - Published: ۲۰۲۳-۰۸-۳۱ - Modified: 2023-08-31 - URL: https://tabcm.net/12609/ - تصنيفات: مقالات وآراء الاستهلاك أصبح مبدأ أو أسلوب حياة وفي رأيي هو مبدأ سلب مننا الحياة. لما ربنا خلق الإنسان خلق له كل شيء هو محتاجه حتى يعيش حياة هادئة وممتعة في نفس الوقت، ومنحه كل الإمكانات التي تجعله ليس فقط يهتم بنفسه أو بالقريبين منه، لكن أنه يقدر يكون مسؤول عن سلامة وتوازن الكوكب كُلََّه، كما نفخ فيه من روحه وسكن فيه، فحقق تواصل دائم بين الإنسان وأصله ومصدره الله. لكن ما حدث كما نعرف، أن الإنسان سعى للانفصال عن الله وهو يعتقد أنه يعتمد على نفسه وينضج، والنتيجة الطبيعية للانفصال الوهمي للإنسان تجعله يشعر بجوع وفراغ داخلي دائم، وبمرور الوقت والتطور والثورات الصناعية، بدأ الإنسان يبحث لنفسه على ورق شجر يداري به الإحساس الغريب بالنقص (العري) الذي شعر به، وهي ببساطة نظرية الاستهلاك التي بدأت تتحول لرعب وتزيد مع سيطرة الرأسمالية على العالم كله لو نظرنا نظرة محايدة على حياة أي إنسان ستجده يجري طول حياته لكي ما يسمى بـ"لقمة العيش" لكن الحقيقة وراءها هي الاستهلاك الذي أصبحنا غارقين فيه. مثلا: الإنسان يُهلك صحته حتى يعمل ساعات أكثر من أجل أن يوفر لنفسه والمسؤول عنهم منتجات هي الحقيقة مضرة لصحته وصحة أسرته، لكن الفكرة إن طول الوقت في أصوات تحيط بنا في كل مكان، تكلمنا عن السعادة التي سنعيشها لما نأكل "الأكل الفلاني" (وهو كله مواد مضرة) أو في المطعم الفلاني وهو شرحه، أو لما نلبس الماركة "الفلانية أو نروح المكان "العلاني" أو نركب عربية ماركة "كذا". المشكلة الأكبر أن الاستهلاك ليس له سقف، لا يوجد وقت نصل فيه لمكان نقول:  "يا سلام أنا كده خلاص جبت كل اللي أنا كنت محتاجه. (قبل ما تشتري الاسكرين والجراب للـ أيفون اللي جبته بتكون إعلانات الجديد نزلت والنيو كولكشن من كل ماركة بيجهز قبل ما تكون قدرت تشترى اللي قبله). الأصعب أنه لا يوجد من يسلم من السباق الاستهلاكي، كل واحد مننا، ينظر إلى من بجواره ويحاول أن يسبقه ويتمتع بلحظة سعادة وهمية وسريعة جدًا، في أثناء محاولة السباق مع الآخرين يفعل كل ما في وسعه ولا  يعي أنه يحارب طواحين الهواء! فيحزن ويكتئب لأنه لا يحقق من السباق ما يريد، ولا يستطيع أن يدخل السباق حزين وكئيب ويشعر بقلة حيلة وصغر نفس. سباق الاستهلاك وصل للتعليم والمدارس والكليات وليس فقط الطعام والأزياء والسيارات، ووصل للعلاقات حتى أقرب الأنواع منها، ليس فقط الجيرة أو الصداقة أو الحب، لكن حتى العلاقات الأسرية صار لها قوانين غريبة، نسمع فيها عبارات مثل (أنت أديتني إيه أو أنا مستفيد منك إيه؟! ! )، حتى علاقاتنا بأولادنا،  وهي من المفترض من أسمى وأقدس أنواع العلاقات بقى فيها جزء كبير من تحقيق ذواتنا من خلالهم واستهلاكهم عاطفيًا حتى لو بدون وعي، وأنا هنا أتكلم عن العلاقات العادية (اللي من المفترض أنها سوية، وليس العلاقات المرعبة اللي بقينا نسمع عنها). لما بفكر في الموضوع أتخيل أن كل واحد مننا يمشي، وفي يده "شفاطه" كلما قابل شخص آخر، ويدخل في علاقة يضعها في الشخص الآخر ويبدأ يحصل منه بقدر استطاعته، وحين لا يجد شيئًا يتركه ويبحث عن غيره، وهكذا لم تعد العلاقات مبنية على التواصل والاتصال والسند والمشاركة، للأسف الاستهلاك أصبح محور لرؤيتنا تقريبًا لكل حاجة حوالينا. حتى الدين وحتى علاقتنا بربنا بقت علاقة مصلحة كلها طلبات واحتياجات، كل واحد يرى الله خاص به فقط، يقف معه فقط وليس مع الآخرين. مشكلة الفكر الاستهلاكي أنه يحول الإنسان من مركز الكون والمسؤول عنه إلى تُرْس في آلة تخريب الكون كله، ودفعه بسرعه ناحية هلاكه وهذا ليس مجرد كلام للاستهلاك، تأثير الثورة الصناعية والاستهلاك غير الرشيد على البيئة والمناخ والكون أصبح الكل يشعر به، فقدان الإنسان لمكانته هذه ساعدت في عدم شعوره بقيمته التي تاهت، وانتشرت الأمراض النفسية والجسدية. الحقيقة آن الأوان أن ندق ناقوس الخطر، نحتاج أن نفوق ونتذكر أن السعادة لا تحتاج ما هو بعيد، الراحة والرضى والفرح مصدرها نحن،  ومكانها داخلنا، وقتها حين نعمل ونسعى، سنعود مرة أخرى نستخدم الأشياء بوعي حسب فائدتها لنا، وليس هي من تستخدمنا حسب "الترند" أو حسب المطلوب حاليًا أن نستهلكه. --- ### الخمس دقائق الأخيرة قبل وصول البوليس! - Published: ۲۰۲۳-۰۸-۳۰ - Modified: 2023-08-30 - URL: https://tabcm.net/12945/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون - وسوم: سمير سيف, صلاح السعدني, نجيب محفوظ, وحيد حامد دومًا كان وحيد حامد ثوريًا، ومبشرًا بالثورات الفكرة والايدولوجية ولو كانت على ألسنة شخصيات درامية متهمة دومًا بالجنون والطيش "الخمس دقائق الأخيرة قبل وصول البوليس. . فيه مسرحية في الدنيا اسمها كده يا ابني؟! "  تمتم "أنيس" بهذا السؤال بعجب وهو يسأل الكاتب الشاب "حازم" المقيم عنده في "البنسيون" عن سر هذا المسمى العجيب الذي اختاره لمسرحيته. من يتذكر مسلسل "سفر الأحلام" الذي كتبه "وحيد حامد" وأخرجه "سمير سيف" من ثلث قرن، الذي جسد بطله "أنيس" الفنان "محمود مرسي"، وجسد "حازم" الفنان الشاب وقتها القدير حاليًا "صلاح السعدني"، سيتذكر جيدًا جدًا هذا المشهد الرئيس من المسلسل، وسر مسمى مسرحيته العجيب. في البداية استنكر صلاح السعدني (أو ربما وحيد حامد) على لسان شخصية حازم، تعجب "أنيس" من اسم المسرحية، ثم ما لبث أن أجابه أن أي عمل روائي في العالم لابد أن يرتبط اسمها بمضمونها، وقال إن فكرة أو مضمون مسرحيته التي دفعته لكتابة هذا المسمى العجيب لها، هو أن بطل مسرحيته كاتب شاب ثائر تجرأ وطمح أن يغير بكتابته عقلية المصريين الذين ما زال يعيشون في أسر الماضي، بالذات شخصيتي حاتم الطائي وعنترة بن شداد المتسببين في تخلف الأمة (من وجهة نظر البطل)، في زمن الثورة التكنولوجية! فطفق بطل مسرحية حازم يكتب مهاجمًا الشخصيات الكبيرة الأسطورية التي تتحكم في أفكار الناس وتوجه تصرفاتهم، مثل شجاعة عنترة وكرم الطائي بدلًا من العيش في الحاضر والتخطيط للمستقبل. فانكب يكتب ويكتب ويكتب، تارَة أفكارًا ومقترحات وحلولًا لمشاكل مجتمعه، التي تطحنه مشاكله الاقتصادية منذ عقود، وتارة آراء ومعتقدات عن أسباب التخلف الساكنة في التراث، ويقول حازم إن المحيطين بالمؤلف -في مسرحيته- لم يحتملوه وقرروا تحديد إقامته، عقابًا له على محاولاته "الحقيرة" لتشويه التراث الخالد العظيم، وأرسلوا له مخبرًا يفتش في منزله عن أوراقه ويمزقها، فقذف المؤلف بالورق من النافذة، فإذ بالعامة يتعاملون مع الورق على أنه ورق قمامة، فقرر في نهاية الأمر، أن يحتضن أكوام ورقه والقفز من الشرفة بها، وما لبث طبعا أن سقط بها مضجرًا في دمائه، مما دفع الجيران الفضوليين للاتصال بالشرطة. إلا أنه قبل وصول الشرطة بخمس دقائق، كانت جميع الأوراق تبخرت، إذا اختطفها الناس واحتفظوا بها ليقرأوها بعيدًا عن أعين رجال الشرطة، ليعلموا سر انتحار المؤلف، بعد أن قادهم الفضول لقراءة أفكاره والتأثر بها، في حين لم يجد البوليس سوى جثة مؤلف لا قيمة لها بلا ورق. تعجب أنيس من الأسلوب وسأل حازم عن فلسفته، هل كانت هذه هي الطريقة والوحيد والمثالية لإيصال الفكرة؟ فأجابه حازم بأن التضحية بالنفس هنا كانت هي الحل، ولم يكن ممكنًا لإيصال الفكرة أو المعنى أو الحل عند المؤلف سوى الدَّم، حتى لو كانت هي دمائه شخصيًا، طالمَا كانت الحرية غائبة والطريق مسدود والإرادة غائبة والناس تعامت وتصاممت عن المعرفة والحركة والتقدم والتغيير. دومًا كان وحيد حامد ثوريًا، ومبشرًا بالثورات الفكرية والأيديولوجية ولو كانت على ألسنة شخصيات درامية متهمة دومًا بالجنون والطيش، واختار لبطل مسلسله "سفر الأحلام" (أو أحد أبطال المسلسل) وهو حازم -صلاح السعدني- شخصية المؤلف المثقف، الذي بدوره اختار لبطل مسرحيته مهنة التأليف، الذي استطاع التفكير خارج الصندوق، وتحفيز وتشجيع الناس وتغيير دفة حياتهم، إلا أنهم أبو الالتفاف لكلامه بغض النظر عن قيمته أو جدواه، فقرر لفت نظرهم بالقوة وبأي شكل ولو كان الثمن حياته نفسها. ولا اشك أن وحيد حامد كان يريد ذكر أسماء أكبر بكثير جدًا من "عنترة" و"حاتم الطائي" على لسان "حازم" (صلاح السعدني) في هذا المشهد، إلا أن حسه "الرقابي" كان واثقًا أن الأسماء الحقيقية الموجودة في التراث التي تؤثر في أفكار المصريين، لن يتم السماح له مطلقًا بذكرها، فقرر أن يلعبها على غرار الأديب العظيم "نجيب محفوظ" والحدق يفهم! الخلاصة. . الغالبية يا صديقي القارئ أضحوا مستعدين لبيع أنفسهم وأبنائهم بل وأعضائهم مقابل امتطاء "التريند"، المجتمع الحالي أصبح كالقطيع الأعمى الذي يأبى الوقوف والالتفاف لنظر أو سماع أي شيء لبحثه أو نقده، فأصبح لزامًا على المبدع والمفكر، حتى الموظف الطموح والعاطل الجائع أن يسعون للفت نظر المجتمع، كي يصل كل منهم لهدفه، أيًا كان قيمة هذا الهدف أو نبله، إلا أن "حازم" يا صديقي وقتها كان لدى بطل مسرحيته آنذاك حلًا وفكرًا واقتراحات حقيقية وكبيرة لإصلاح مصر، في حين الراقصات والطبالين في إعلام وفن عشرينيات هذا القرن ليس لديهم سوى عورتهم وعورات أسرهم للفت نظر المجتمع المتصامم والمتعامي، فقرر بطل المسرحية أن يهدر دمه فداءً لأفكاره، إيمانًا بضرورة التضحية ولو كانت بحياته نفسها لإنقاذ المجتمع وعلاجه ولو كان علاجًا بالصدمة. ويترك وحيد حامد نهاية مسرحية بطله أو بطل بطله -إن جاز التعبير- النهاية مفتوحة أمام الجَمهور (أو الشعب). هل سيقرأ؟ هل سيتأثر؟ هل سيتحرك؟ هل سيغير ما بنفسه؟ صديقي. . يكفي المبدع نبلًا أن يعرض فكرته بشرف، وإن لم يحمل في طيات إبداعه حلًا، فمَا بالك لو اقترح أيضا حلًا؟ أعتقد أنه يجب علينا جميعا -بما إننا "كلنا فاسدون" كما قال الكاتب "وجيه أبو ذكري" في سيناريو فيلم "ضد الحكومة"- أن نبادر بعلاج أنفسنا ذاتيًا من هذا الفساد، وأن نبدأ القراءة بتمعن والتأمل والتدبر في حل مشاكلنا النفسية والاجتماعية أولًا، وعلى رأسها محاربة الأفكار التراثية "التخلفية"، ومحاولة التحرك للأمام، وبأي شكل، قبل أن يضطر أغلبنا من الكتاب لإلقاء نفسه من النوافذ! وللحديث بقية. . إن كان في العمر بقية. --- ### الحوار الوطني والعلمانية الغائبة! - Published: ۲۰۲۳-۰۸-۲۹ - Modified: 2023-08-29 - URL: https://tabcm.net/12939/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: ضياء رشوان, طه حسين علي بن سلامة, محمود عزمي, مراد وهبة والدولة شخصية اعتبارية لا دين لها، فهي لا تصلي ولا تصوم ولا تتصدق، وإذا أردنا تفعيل الهُوِيَّة المصرية وقبول التنوع والتعددية داخل الهُوِيَّة المصرية فلا بديل عن حذف المواد ذات الطابع الديني من نصوص الدستور منذ حوالي شهرين أرسلت للدكتور ضياء رشوان ورقة بعنوان الدستور والهوية الوطنية، بغية وضعها للنقاش على مائدة الحوار الوطني وتضمنت الورقة عددًا من النِّقَاط أهمها: ١- إن ثقافة مصر مزيج بين الحضارات الفرعونية والهلينية والرومانية والقبطية والإسلامية، وسكانها ينتمون إلى أعراق مختلفة سامية وحامية عربية وإفريقية، وأيضًا بها بعض الأعراق التي لا تشكل نسبة كبيرة من السكان، ومنها: الزنجية والتركية والبربرية والرومانية، وأعراق دول حوض البحر الأبيض المتوسط، لذا فإن هُوِيَّة مصر ثرية بزخمها الثقافي والحضاري والديني، والتعددية سمة يتميز بها المصريون. ثم أن انتماء مصر الجغرافي متعدد، فمصر إفريقية وعربية وشرق أوسطية وتنتمي إلى دول حوض البحر الأبيض المتوسط، لذلك فإنه وسط كل هذه المعطيات الثقافية والحضارية والجغرافية والتاريخية يصبح الحديث عن هُوِيَّة محددة لمصر من أصعب المسائل وأعقدها، هذا فضلًا عن أن مصر، وإن كانت تنتمي للأمة العربية، ولكنها تنتمي أيضًا للقارة الإفريقية. ٢- يعد الدستور بمثابة الوثيقة الأساسية للدولة، وهو أبو القوانين داخلها، ومصطلح "دستور" يعني التأسيس أو البناء.  ويعد دستور ١٩٢٣ هو أول دستور مصري (١٩ أبريل ١٩٢٣)، وهو كما يقول بعض الخبراء القانونيين يعتبر من أعظم الدساتير التي واكبت نهضة مصر، وبقراءة دستور ١٩٢٣، يمكننا أن نضعه في مصاف دساتير القرن الحادي والعشرين الأوروبية نظرًا لما تتضمنه مواده من حريات ومساواة ومحافظة على حقوق المصريين، ففي المادة ١٢ نص دستور ٢٣ على أن "حرية الاعتقاد مطلقة"، دون أي حديث عن نظام عام وخلافه من العبارات الفضفاضة المطاطة النافية لما قبلها. وفي المادة ١٣ "تحمي الدولة حرية القيام بشعائر الأديان والعقائد (والأديان هنا بصيغة الجمع وليس فقط الأديان السماوية الثلاثة)، حيث إن هناك مصريين لا دينيين، وهناك مصريين يدينون بديانات لا يعتبرها البعض سماوية. ٣- على الرغم من عظمة دستور ١٩٢٣ إلا أن هناك بعض القوى المصرية اعترضت على بعض نصوصه، وجاءت الاعتراضات منذ قرن من الزمان حول مادة دين الدولة ولغتها وهي كانت المادة رقم ١٤٩، وكان "طه حسين" في مقدمة الرافضين، وامتلك شجاعة الكتابة، فقال: إنّ النص على دين للدولة، يتناقض مع حرية الاعتقاد(الدكتور طه حسين، عميد الأدب العربي) واللافت للنظر أنّ "طه حسين" لم يكن وحده، ولكن كان أبرز من كتبوا الصحفي والمفكر محمود عزمي، وكتبوا ضد اللجنة التي خضعتْ لرأى وضغوط الأصوليين، فبينما كانت مواد الدستور مجرد (مشروع) أي قبل أن يُعتمد الدستور رسميًا للعمل بمقتضاه، كتب مقالًا بعنوان (العقيدة الدينية في لجنة الدستور) وقال: «إنّ ذلك النص المُـقرر للدولة دينًا رسميًا هو ذلك الذي يريد أنْ يستغله أصحاب الآراء العتيقة. . وهو الذي سيجر على البلاد ارتباكًا قد ينقلب إلى شر مستطير» (الصحفي والمفكر: محمود عزمي (1889 – 1954)) ٤- ونحن نتطلع لبناء جمهورية جديدة، فلا بديل عن أن يحيا نحن المصريين في ظل نظام عَلماني"بفتح العين"، فالدستور الحالي به بعض المواد الدينية وهذه المواد تعرقل مسيرة العَلمانية. ومن المؤسف أن يُروّج الأصوليون دائمًا: إن العَلمانية تتعارض مع الدين، والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل العَلمانية حقًا تتعارض مع الدين؟ وهل العَلمانية تعنى الكفر والإلحاد؟ إن العَلمانية ليست الإلحاد لسبب بسيط، وهو أن العَلمانية ليست دينًا أو عقيدة، ولكنها آلية ومنهج تعامل دولة مع السياسة والاقتصاد والحكم والتعليم. العَلمانية ليست ضد الدين، بل هي ضد تحكم وتدخل رجال الدين في الحكم، ولا توجد حماية حقيقية للأديان إلا في الدول العَلمانية. فالدولة الدينية تحمي دينًا واحدًا أما الدولة العَلمانية فهي تحمي كل الأديان وتقف على مسافة واحدة منها. العَلمانية ليست ضد الدين ولا تحتقره. ولكنها ضد من يحتكره، ويدعي أن لديه التفسير الوحيد والتوكيل الحصري. ومن هنا جاء تعريف الفيلسوف المصري المعاصر الدكتور "مراد وهبة" للعَلمانية بأنها «التفكير في النسبى بما هو نسبي، وليس بما هو مطلق»، فالعَلمانية هي: أسلوب في التفكير قبل أن تكون أسلوبًا في السياسة، ألم يَحِن الوقت لتحرير مصطلح «العَلمانية» من التشويه المتعمد الذي ألحقه به الأصوليون والمتطرفون؟ إن العَلمانية لا تعني الإلحاد، ولكنها تعني الإيمان بالحرية والعدل والمساواة وحقوق الإنسان. فلا وجود لدولة وطنية دون عَلمانية، ولا حرية دون عَلمانية، ولا ديمقراطية حقيقية دون عَلمانية، ولا حقوق إنسان دون عَلمانية، ولا حداثة دون عَلمانية، ولا تقدم دون عَلمانية، ولا حل للتوترات الدينية في شرقنا ومصرنا إلا بالعلمانية. والدولة شخصية اعتبارية لا دين لها، فهي لا تصلي ولا تصوم ولا تتصدق، وإذا أردنا تفعيل الهُوِيَّة المصرية وقبول التنوع والتعددية داخل الهُوِيَّة المصرية فلا بديل عن حذف المواد ذات الطابع الديني من نصوص الدستور، لننعم بدولة وطنية في ظل مناخ علماني. --- ### تشارلي تشابلن (١٨٨٩- ١٩٧٧) - Published: ۲۰۲۳-۰۸-۲۸ - Modified: 2023-08-28 - URL: https://tabcm.net/12933/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون - وسوم: الشيوعية, تشارلي تشابلن, دوجلاس فايربانكس, ماري بيكفورد, هوليود آلامي قد تكون سبب سعادة لإنسان آخر؛ ولكن سعادتي لا يمكن أن تكون سبب آلام لإنسان آخر! (تشارلي تشابلن) في يوم 16 أبريل من عام 1889م، في لندن بإنجلترا، وُلد الضاحك الباكي، صاحب أكثر الشخصيات المحببة على مستوى العالم: إنه الفنان تشارلي تشابلن. كان هذا الفنان من أكثر النجوم نجاحًا في تاريخ السينما حين بدأت الظهور في هوليود (أمريكا)، بدايات القرن العشرين. كان ابنًا لاثنين من المتدربين للعمل في المسرح التجريبي. وكان فتى يافعًا حين تعثر صوت والدته في أدائها دورها على المسرح، مما جعله يتدخل بسرعة ويأخذ دورها ويكمل الدور. بالتأكيد براعة في حسن التصرف! توفي والده وهو صغير وقامت والدته بإعالته هو وأخيه؛ ولكنها أصيبت بمرض عصبي أعاقها عن العمل. وهكذا اضطر هو وأخيه أن يجولا في شوارع لندن يؤديان أدوارًا ترفيهية ليحظى الاثنان على قليل من النقود في القبعة التي يجمعان فيها العملات القليلة، ومن جهاد إلى جهاد! وفي النهاية، انضم إلى دار أيتام، وأصبح ضمن فريق لانكشاير للترفيه، وهو مكوَّن من 8 أطفال. عندما بلغ من العمر 17 عامًا، بدأ تشابلن في تطوير خبراته في التمثيل الكوميدي، بمساعدة هيئة فريد كارنو، حيث كان أخوه قد انضم إليها وأصبح ممثلًا كوميديًا هناك؛ وأصبح له شكلًا مميزًا وخاصًا به فقط: القبعة التي تشبه السلطانية! ، الأرجل المنفرجة، والشنب الدقيق المميز، والعكاز المميز به؛ أصبح كل ذلك مميزاً لشخصيته المحببة للملايين. ثم انضم إلى شركة Keystone، وأصبح يمثل أفلامًا هناك ليكسب دخلًا مناسبًا، وهناك مثل دور رجل شرير له شارب ويلبس نظارة أحادية العدسة! ! ولم يمضِ وقتًا طويلًا حتى صار يعمل على الجانب الآخر من الكاميرا (أي مصورًا)، ثم مساعدًا للتصوير في فيلمه الثاني عشر، ومخرجًا بمفرده لفيلمه الثالث عشر: "مقبوض عليه بين الأمطار". استطاع تشارلي تشابلن أن يُحسن تشكيل ما عدّ ميراثه الحقيقي، وهو شخصية "الصعلوك المتشرِّد" التي أتقنها جدًا؛ حيث وقَّع في عام 1915 مع شركة Essanay براتب مقداره 1250 دولارًا في الأسبوع، مع مكافأة مقدارها 10 آلاف دولار. تلك كانت نقلة جيدة له تختلف عن الراتب الضعيف الذي كان يتقاضاه من شركة Keystone وهو 175 دولارًا فقط. في العام التالي، 1916، وقَّع عقدًا جديدًا مع شركة Mutual براتب بلغ 10 آلاف دولار في الأسبوع مع مكافأة مقدارها 15 ألف دولار، مع إلزامه بتقديم 12 فيلمًا كل عام، مع كامل مسئوليته عن المنتج السينمائي.   وفي عام 1918، وقع لشركة First National بمبلغ مليون دولار لإنتاج ثماني أفلام. قدَّم تشارلي تشابلن في هذه الفترة أفلامًا صامتة، وقد رفض استعمال الصوت في التمثيل. كان يتقن التمثيل الصامت حيث يستطيع أن يستدر من جمهوره كلا الأمرين: الضحك أو البكاء. وفي أول فيلم بدأ فيه باستعمال الصوت، وهو فيلم City Lights، عام 1931، استعمل صوت الموسيقى فقط. وأول فيلم استعمل فيه الصوت للتمثيل فعلًا كان في عام 1940 باسم "The Great Dictator" حيث سخر من الفاشية. أسس تشارلي تشابلن مؤسسة الفنانين المتحدين عام 1919، مع ماري بيكفورد ودوجلاس فايربانكس والمخرج جريفيث. وقد تزوج مرتين بعد ذلك، وفي المرتين كانتا مراهقتين! زوجته الرابعة وتسمى أونا أونيل، كانت تبلغ من العمر 18 عامًا، في حين تشارلي كان 54 عامًا. كانت أونا ابنة المؤلف يوجين أونيل. وبالرغم من أن تشارلي عاش 42 عامًا في الولايات المتحدة، إلا أنه لم يأخذ الجنسية الأمريكية. كان من دعاة السلام، ولكن اتهم بأن له اتصالات بالشيوعيين، وقد أنكر ذلك. وبالرغم من ذلك، ففي عام 1952 وبعد رحلة خارج الولايات المتحدة مع زوجته، تم منعه من دخول البلاد! أما هو وزوجته فلم يعودا إلى الولايات المتحدة بل استقرا في سويسرا مع أبنائهم الثمانية، ولمدة 20 عامًا. تشارلي عاد إلى أمريكا عام 1972 لكي يأخذ جائزة خاصة لدوره غير المسبوق وأثره على جعل السينما المرئية فنًا للقرن العشرين. نال تشارلي رتبة فارس من ملكة بريطانيا الملكة إليزابث الثانية، باسم عام 1975. وتوفي بعد ذلك بعامين، أي عام 1977. من أقواله المأثورة : + دائمًا ما أحب السير حين تمطر السماء، حتى لا يرى أحد دموعي. + لن ترى أبدًا قوس قزح ما دمت ناظرًا لأسفل. + لا شيء باقٍ في هذا العالم الشرير، ولا حتى مشاكلنا. + نحن نفكر كثيرًا ونشعر قليلًا. + الفشل ليس مشكلة، ستأخذك الشجاعة لكي تسخر من نفسك. + الحياة هي مأساة حين تراها عن قرب، وفصلًا كوميديًا حين تراها بالتصوير البطيء. + لكي تعرف كيف تضحك، ينبغي أولًا أن تعرف كيف تأخذ مراحل الألم لديك وتتأمل فيها. + حينما تبتسم فقط تجاه الحياة، سوف تعرف إنها تستحق أن تعاش. + لماذا تبحث عن معنى؟ الحياة هي رغبة وليست معنى. + آلامي قد تكون سبب سعادة لإنسان آخر؛ ولكن سعادتي لا يمكن أن تكون سبب آلام لإنسان آخر. + أن أبقى شيئًا واحدًا فقط، وهو أن أكون مهرجًا؛ هذا يجعلني على مرتبة أعلى من أي رجل سياسي. + أكثر شيء يمكن أن يكون تعيسًا في حياتي هو أن أتعود على الرَفَاهيَة. + الضحك هو المقوي، والمعونة، والمبطل للآلام. + أظن إنها من سخرية القدر وهذه الحياة أن نفعل الأمر الصحيح في الوقت الخاطئ أو غير المناسب. + كل أفلامي تدور حول فكرة أن أكون في مشكلة حتى أعطى الفرصة اليائسة أن أكون أو أظهر كإنسان طبيعي عادي! + كل ما أحتاجه لإنتاج فيلم كوميدي هو منتزه ورجل بوليس وفتاة جميلة. + الإنسان كفرد هو عبقري. ولكن الناس كجماعة يكونون كوحش بلا رأس، غبي بلا فهم، لا يفهم إلا الذَّهاب إلى الضلال. + هذا العالم عديم الرحمة وينبغي أن تكون بلا رحمة لكي تعرف كيف تتعامل معه. + المستبدون يحررون أنفسهم ويعتقلون البشر حولهم. + البساطة شيء صعب اقتناؤه. + الضحك هو الحكمة السامية للرحمة والاحتمال، حيث يدرك الإنسان تفاهة كينونته أو أهميته. + الويسكي! ! لم أذق هذا الشيء البغيض في حياتي! في البلاد المتحضرة يشربون الخمر. + الأفلام هي بدعة. المتفرجون حقيقة يريدون أن يرَوْا ممثلون أحياء على المسرح. + في الحياة اليائسة، هكذا بدأت الكوميديا (مثل القول الشائع: شر البلية ما يضحك). + الخيال لا يعني شيئًا بدون الفعل. + نهاية كل أمر هي الصمت (حرفيًا: الكِمامة). (تشارلي تشابلن)   --- ### أقباط كاثوليك وأقباط أرثوذكس - Published: ۲۰۲۳-۰۸-۲۷ - Modified: 2023-08-26 - URL: https://tabcm.net/12907/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أنبا أثناسيوس، أسقف أورشليم, أنطونيوس فلايفل, إبراهيم الجوهري, إنوسنت الحادي عشر, الإرساليات الكاثوليكية, الانشقاق الكبير, بابا مرقس السابع, بابا يوجين الرابع, بابا يوحنا الحادي عشر, بطرس الجاولي, بنديكتوس الرابع عشر, بيوس السابع, دير الأنبا أنطونيوس, محمد علي باشا الكبير, محمود الثاني في القرن الخامس الميلادي، حدث الانشقاق الكبير «و يسمى أيضًا بالانشقاق العظيم» بين الكنيستين الشرقية والغربية بسبب «مجمع خلقيدونية» «عام 451م»، فأصبحت كنائس الشرق تحت قيادة كنيسة الإسكندرية تُعرَف بالكنائس «الأرثوذكسية»، وهي كلمة يونانية تعني «الرأي الحق» أو «الرأي المستقيم»، وكنائس الغرب تحت قيادة كنيسة روما وسميت بالكنائس الكاثوليكية، وهي كلمة يونانية تعني «عام» أو «عالمي» أو «جامعة» لأنها جمعت كل الكنائس الغربية، ومنذ ذلك الوقت أصبح كل مسيحيي مصر من الأرثوذكس، وصار هناك قطيعة بين الشرق والغرب المسيحي. في منتصف القرن الخامس عشر، وفي عهد البابا يوحنا الحادي عشر بطريرك الإسكندرية الأرثوذكسي، اجتهد ملوك أوروبا لإعادة الوحدة بين مسيحيي الشرق والغرب، واستقر الرأي على عقد مجمع بمدينة فلورنسا لهذا الهدف، يحضره بابا الفاتيكان يوجين الرابع Pope Eugene IV، وبطريرك القسطنطينية، وممثل للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، فلبى بطريرك الإسكندرية الدعوة وأرسل الأنبا يوحنا رئيس دير الأنبا أنطونيوس، لكنه وصل فلورنسا بعد انفضاض المجمع، وكانت نتيجة المجمع عودة الاتحاد بين كنيستي اليونان والرومان، وعاد رؤساء الكنائس إلى بلادهم بنية الاجتماع مرة أخرى، لكن لم يتحقق الاتحاد المنشود. وفي القرن السابع عشر وصلت الإرساليات الكاثوليكية الغربية إلى مصر، وكان في طليعتها إرسالية الآباء الفرنسيسكان، وبدأ الآباء الجيزويت «اليسوعيون» نشاطهم الإرسالي بين مسيحيي البلاد، وتحول العديد من المسيحيين من المذهب الأرثوذكسي إلى المذهب الكاثوليكي، فقرر بابا الفاتيكان إنوسنت الحادي عشر pope Innocent XI عام 1687 تأسيس رعية لهؤلاء الكاثوليك الجدد، ووضعها تحت إشراف الآباء الفرنسيسكان، وأرسل عددًا من الشبان الكاثوليك الجدد إلى روما للدراسة بغية إعدادهم لاستلام المهام الكهنوتية لجماعتهم الناشئة، وتوالى تحول الأرثوذكس إلى الكنيسة الكاثوليكية، حتى إنه في عام 1741 تحول الأنبا أثناسيوس أسقف أورشليم القبطي الأرثوذكسي إلى المذهب الكاثوليكي، فكلفه بابا الفاتيكان بنديكتوس الرابع عشر Pope Benedict XIV برعاية جماعة الأقباط الكاثوليك في مصر، ولاحقـًا عاد الأنبا أثناسيوس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ولكن هذا لم يوقف استمرار الأقباط الكاثوليك ونموهم. لم يمر كثير من الوقت، حتى تحول الأنبا أنطونيوس فلايفل أسقف جرجا وأخميم وقفط وقوس ونقادة وإسنا وأرمنت للأقباط الأرثوذكس، إلى المذهب الكاثوليكي، وكان ذلك في العام 1758، وفي العام نفسه سافر فلايفل لمدينة روما وأقام بدير القديس إسطفانوس، وفي ذلك الوقت كان عدد الكاثوليك في مصر لا يزيد عن ألف وثلاثمائة فرد، ولهم نحو ست أو سبع كنائس كاثوليكية، بينما كان عدد الأرثوذكس في مصر نحو أربعين ألفًا. عاد الأنبا أنطونيوس مرة أخرى إلى مصر بعد عامين قضاهما في روما مدرسًا للغة القبطية ومترجمًا لكتب كنيسة الإسكندرية الطقسية، بعدما نال درجة النائب الرسولي «نائب بابا روما» على طائفة الأقباط الكاثوليك، وسعى لنشر المذهب الكاثوليكي بين الأرثوذكس المصريين. أثار تحول الأنبا أنطونيوس فلايفل حقد الأرثوذكس عليه، وأعلن بابا الإسكندرية الأنبا مرقس السابع أن فلايفلاً صار محرومًا «أي إنه لم يعد ينتمي للكنيسة الأرثوذكسية»، لكن لم يكتف البابا مرقس بذلك وإنما اضطهد فلايفل بمساعدة العثمانيين، وقدم الأقباط الأرثوذكس الشكوى في حقه إلى والي مصر العثماني أحمد كامل باشا، وشهدوا عليه زورًا بكل التهم المختلفة والكاذبة انتقامًا منه، فقبض على أنطونيوس فلايفل عام 1763، وسجن أحد عشر يومًا عُذب فيهم عذابًا أليمًا قاسيًا وتعرض داخل السجن للجوع والعطش وحاولوا أن يقتلوه، وعندما لم تثبت تهمهم الزائفة عليه، خلّى سبيله أخيرًا، ولما وجد فلايفل الحقد وسوء المعاملة والاضطهاد من قبل الأرثوذكس، سافر إلى روما مرة أخرى بحثـًا عن السكينة، وفي العام 1774 قدم استقالته عن منصبه بسبب كبر سنه واعتلال صحته إلى أن تنيح بسلام في العام 1807. وفي عام 1791 حدثت مشاجرات ومخاصمات ومنازعات بين القبط الكاثوليك والقبط الأرثوذكس، استمرت لنحو ثلاث سنوات، حتى وصل خبر تلك المنازعات إلى والي مصر السلطان محمود الثاني، إلى أن اهتدى الفريقان المتناحران في 1794 إلى عقد اتفاق سلام يتضمن بضعة شروط، وكُتب الاتفاق في وثيقة بحضور «البادري كيرلس» و«البادري أكليمنطس» ممثلين عن الأقباط الكاثوليك «بادري Padre كلمة إيطالية تعني الاب أو الوالد»، والخواجه «كارلوى شنتى» قنصل النمسا، والمُعلّم إبراهيم الجوهري «رئيس كتاب القطر المصري وهي تعادل رتبة رئاسة الوزارة حاليًا» والمُعلّم جرجس أخيه عن الأقباط الأرثوذكس، ونص الاتفاق على عدم الزواج بين أبناء الطائفتين منذ ذلك التاريخ فصاعدًا، وألا يدخل قسوس الأرثوذكس بيوت الكاثوليكيين ليبشروا فيها، ولا قسوس الكاثوليكيين يدخلوا بيوت الأرثوذكس ليبشروا فيها، لئلا يحصل بسبب ذلك نزاع، كما اتفق الطرفان على ألا تصل أي منازعة أو خصومة مستقبلية بينهم إلى حكام السياسة ولا حكام الشرع، وأن تحل المنازعات فيما بينهم بوساطة الموقعين على الوثيقة. وفي العقد الثاني من القرن التاسع عشر، وفي عهد بطريرك الأقباط الأرثوذكس الأنبا بطرس الجاولي، عادت محاولات ومساعي الوحدة بين الأرثوذكس والكاثوليك، والتي قادها المعلم غالي «كبير مباشرين القطر المصري وهي تعادل رتبة وزير المالية الآن» التابع للكنيسة الكاثوليكية، وبمباركة محمد علي الكبير الذي كان تواقـًا للاتحاد مع الغرب، وكان يرى أن مصر ستتقدم وترتقي لو اتصلت بمركز المسيحية في أوروبا، لذا حبذ مشروع الاتحاد وعضده، وفي عام 1814 اجتمع مجمع الكنيسة الأرثوذكسية للخروج بهذا المشروع إلى حيز التنفيذ، وأرسل بابا الفاتيكان بيوس السابع Pius VII خطابًا إلى بطريرك الإسكندرية يحثه فيه على التمسك بالاتحاد، ولكن مع الأسف لم ينجح المشروع، فقد عارض الأنبا «يوساب الابح» أسقف أخميم الوحدة المنتظرة، ويقال إنه بعد أن حُررت وثيقة الاتحاد، ووقع عليها البطريرك الأنبا بطرس الجاولي وسائر الأساقفة وسلّمت إلى الأنبا يوساب للتوقيع عليها، مزقها، وقضى بذلك على وحدة الكنيسة. --- ### المستذكرة التي تعاني من الذكر - Published: ۲۰۲۳-۰۸-۲٦ - Modified: 2023-08-26 - URL: https://tabcm.net/12358/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: ذكورية بتشتكي من حقها المهضوم في مجتمع ذكوري متعفن، في مجتمع شرقي متأخر، فتبكي على أبوها اللي كانت دايمًا بتولول من ممارسته ذكوريته عليها هي وأمها، تعيش على ذكراه وقداسته بعد ما يموت وكأنه آخر الرجال المحترمين وإن بعده مفيش رجالة. تحاول تدور على جبهة تنتقم فيها لأنوثتها وكيانها اللي شايفاه ضايع ومتداس عليه من ذكور متعددين متخلفين فتفرغ شحناتها السلبية في أخوها الصغير أو خطيبها أو جوزها، وعلشان تنتقم من الذكر اللي شايفاه واخد أكتر من حقه وسالبها حقها، تتحول هي ذات نفسها لـ"امرأة ذكر" أو متقمصة شخصية "الواد الصايع" اللي بيشتم وبيقول ألفاظ نابية، وتخش شمال في أي حد حتى لو متعرفوش، المهم تثبت وجود. بيعزز موقفها شوية "رجالة خنازير" بيسقفولها وبيريأكت "ههههه" طالما هي بتشوط في أي حد غيرهم، تلاقيها كده فجأة بقت قليلة أدب وفقدت الحياء اللي بالمناسبة هي مش صفة خاصة بالنساء، لكن الحياء و الاحترام صفة خاصة بالناس المتربين عمومًا رجالة و ستات، تلاقيها علشان تاخد حقوقها اللي شايفاها اتسلبت منها تفقد أنوثتها، وتسلب آخرين حقوقهم عن غير حق. الغريبة بقى أن وسط ما هي بتتباهى برجولة أبيها وتلعن سلسفيل ذكورة زوجها، تربي ذكرًا آخر تتماهى وتتباهى بذكورته، حتى لو كان على حساب إخوته البنات اللي بيتقمعوا نفس القمع اللي هي عانت منه وهي صغيرة، وبتديله حقوق مش بتاعته هي نفسها بتقول إنها مش بتاعته. تتفرج من بعيد تحس إنك بتشوف كائن يعاني من انفصام في الشخصية، تطالب بأنوثتها وتعيش ذكورة فجة، تطالب بحرية وتنتزعها عَنْوَة لتتحول إلى انحلال، تسعى للاستقلال -وهذا حقها- فتتخلى عن واجباتها و أدوارها، تستقوى بقصص لضحايا في حين أن وجود حالة أو حتى حالات لا يعني بالضرورة لتحولها إلى قاعدة. لا أقول أن مجتمعنا مثالي ولا أدعي ذلك، ولكن الصراع على مظلومية المرأة طوال الوقت وتجبر الرجال طوال الوقت هو أيضًا نوع من المبالغة غير المحسوبة، سيدفع ثمنها أجيال قادمة سيفقدون الهُوِيَّة و الأدوار والحقوق والواجبات فكما نقول إن محمد رمضان ليس نموذجًا مجتمعيًا يحتذي به الشباب ينبغي أن نعلم بناتنا أن ريهام سعيد ورضوى الشربيني وغيرهن لسنا نماذج يحتذين بهن. أما أشباه الرجال الذين يدافعون عن تشوهات المرأة بتشوهات أخرى بديلة، بعد فترة سيدفعون أنفسهم ثمن ذلك. دافعوا عن حقوق المرأة دون أن تفقدوها جمال أنوثتها وحياءها وأدبها ورقة صوتها، افهموا أنه حتى نعيد للمرأة حقوقها  لا يجب أن تتحول إلى رجل يسلب رجالًا آخرين حقوقهم. مرة ثانية وثالثة وعاشرة المرأة في مجتمعنا تعاني المر والقهر ولكن تحولها لتقمص سلوك ذكر بجح وقليل الأدب وملهوش حدود لن يعيد لها حقوقها. ملحوظة : من حقك الاتفاق أو الاختلاف في حدود مراعاة الآداب العامة للحوار. --- ### إلحاحات طفولية - Published: ۲۰۲۳-۰۸-۲۵ - Modified: 2023-08-25 - URL: https://tabcm.net/12617/ - تصنيفات: مقالات وآراء اهتم أبى أن يقتني مدفنًا بالجبل الأحمر، بعد استقراره بالقاهرة، ولم يَرُد من يحتاجه يومًا، أول مرة أذهب إلى المدافن كانت في وداع أحد الأقرباء، كنت صبيًا وكان الحزن يلفني، وكان صمت المكان، إلا من عويل المشيعات، يكمل المشهد المُقبض، بقيت أمام المدفن برفقة أخي الأكبر ليغلق الباب. اقترب منا واحد من العاملين الذين تولوا عملية الدفن، وكان رجلًا قصيرًا بدينًا حافي القدمين، البقشيش يا بهوات! ! ، صدمني الطلب فانفجرت فيه، معنفًا، جذبني أخي وطيب خاطر الرجل الذي بدا منكسرًا، ونفحه "اللي فيه النصيب" ثم التفت إليّ معاتبًا ولم يتكلم، قلت له "دا حتى لم يبد أية مشاعر حزن أو تأثر، وبيطلب بقشيش كمان. . هي الدنيا جرى فيها إيه؟". لم نكن قد ابتعدنا كثيرًا عن الرجل، فإذا به يلحقنا ويقول لي "بص يابني دا شغلي ومصدر رزقي اللي بأدبر من قروشه القليلة احتياجات بيتي وأولادي، وأنا لو حزنت مع كل حالة أكيد لن أكمل يومي من فرط الحزن، وسألحق بمن أدفنهم على أخر النهار بكتيره. . وأردف: "ربنا يحميك ويخليلك والديك وإخواتك"! ! ! ليس الاحتياج وحده هو الذي يقفز بالمرء فوق المشاعر، ويبلدها، إنما الاعتياد أيضًا، حين تكون الأيام متشابهة متكررة منمطة، اللي نبات فيه نصبح فيه، وهو أمر يحدث حتى في الأعمال والوظائف الأكثر بريقًا، عندما يغيب الشغف. مر على هذه الواقعة أكثر من ستة عقود، لا أعرف لماذا تذكرتها اليوم؟ ربما لما تحتشد به منشورات العالم الافتراضي من خناقات تبدو أخلاقية حول الفساد هنا وهناك، الفساد والتقصير وعدم الأمانة، والمظلومية، وهي نفس الشكاوى التي سجلها الفلاح الفصيح وحملتها صلوات المعابد وجدرانها، وشكاوى البسطاء للأولياء والقديسين، وتناولتها دراسات علم الاجتماع، وسجلها عالم الاجتماع الرائد د. سيد عويس في كتاب "رسائل إلى الإمام الشافعي". اللافت إننا نشكوها ونمارسها، ندين غيرنا ونبررها لأنفسنا. وقد يكون تذكرى لها مرده تكرارها بشكل متواتر في دواوين العمل المختلفة، بتنوع من يجلس خلف مكاتبها؛ يؤدون عملهم برتابة تقترب من الآلية وكأنهم روبوت، قد لا يكون بسبب الاحتياج بل الاعتياد، وقد يكون السبب كليهما، ربما! ! هي حالة تصيب طيف غير قليل من الخدام الشباب والكبار أيضًا، الشماس والقس والأسقف، ربما بسبب التنشئة التي عمقت فيهم أن الخدمة هي ترتيب معلومات في موضوع الخدمة، وتسرب الذهنية الرهبانية، للمدنيين منهم، خاصة النماذج الموغلة في النسك التي تحتشد بها كتب السير الرهبانية وكثيرها مفارق لواقع الحياة حتى في قلالي الرهبان، فمَا بالك حياة المدينة والقرية، ليقع الشباب في أزمة الازدواجية، وتباين الحياة في الخدمة وخارجها. وحين تنبههم إلى ضرورة تطابق ما يقولون مع ما يعيشون، يستغربون بل تستغرقهم الازدواجية أكثر ويحرقون أيام شبابهم في ما يظنون خدمة، حتى لو انتهى الأمر إلى معاداة دوائرهم الحميمة، تأسيسًا على أن أعداء الإنسان أهل بيته، هكذا. وتتولد حالة ثالثة تضاف للاحتياج والاعتياد وهي الإشباع النفسي للذات التي تتضخم مع المديح والثناء والتقريظ الذي يحاصر الخادم، خاصة مع احترافه توظيف ملكاته في حديثه وخدمته، فتجد الشهرة طريقها إليه حتى في دوائره المحلية، ومع كل هذا وربما نتيجة لكل هذا تتسلل الرتابة والجمود إليه وهو ما ينعكس على حياته وتعاملاته. وقد اختل توازنه -كل في دائرته ومحيطه- في شيزوفرينيا كارثية. حالة تُصَوِِر لْطَيف العلمانيين (المدنيين) أن مأساتهم ثمن إخلاصهم في خدمتهم ويصلّون أن لا يقيم الله لأهلهم هذه الخطية، لأنهم يفعلون ما لا يعرفون. فيعتزلون ويصمتون في اللقاءات الأسرية، ويتقاعسون عن مد حبال المودة لهم، فيمَا لا يتوقفون عن خطب ود وخدمة أصدقائهم "في أنصاص الليالي"، ربما لأنهم ينتشون بإطرائهم ومديحهم لهم هناك في الكورة البعيدة فيمَا تعني الأسرة مسؤوليات وأعباء بلا مردود متوهج كما في الأصدقاء. هل يفسر هذا لا مبالاة الخدام، بتدرجهم، بخلاص وأبدية مخدوميهم وبلادة ردة فعلهم مع الأكثر حاجة للرعاية حتى لو تسلل من السفينة في هجرة غير شرعية إلى مراكب الموت المتهالكة، فهم في نظرهم "ابن هلاك". وهم لديهم ما هو أهم، خطط ومعارك ومواءمات وتحالفات. مازال ذاك الرجل القصير البدين حافي القدمين. يخايلني. --- ### صوم العذراء ومعجزاته - Published: ۲۰۲۳-۰۸-۲٤ - Modified: 2023-08-23 - URL: https://tabcm.net/12610/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: المجمع المقدس, يوحنا الحبيب, يوحنا المعمدان مناسبة صوم العذراء (اللي ارتبط بأمنا العذراء) الذي له ولها مكان ومكانة كبيرة في قلوب المصريين كلهم وليس فقط المسيحيين. يمكن لأنها زارت مصر ولها آثار وأماكن زارتها العائلة المقدسة وتباركت بوجودها فيها، أو يمكن لأن المصريين لهم طابع وبصمة خاصة في التدين يغلب عليها المشاعر والارتباط الشخصي وكل هذه جميل جدًا، لكن لما نوصل لنقطة المعجزات التي حزن بسببها كثيرين، وآخرين اختلفوا معي واحتفظت بالمحبة بيننا، يهمني أن أوضح بعض النقاط: المسيحية من اسمها قائمة على المسيح، أقنوم الابن الظاهر في الجسد الذي أظهر لنا طبيعة الله المحب للإنسان وأبوته له، نقطة ومن أول السطر. أمنا العذراء هي "الثيؤطوكوس" (والدة الإله) التي اختارها الله من بين كل نساء العالم على مدار الأجيال في ملء الزمان لتكون أم كلمة الله وروحه، نحن  كأرثوذكس طول الوقت نفتخر إننا  لا نكرم العذراء زيادة عن اللازم (زي الكاثوليك اللي بنتهمهم بعبادة العذراء) ولا نتجاهلها ونقول إنه ليس لها أي دور (زي ما  بنتهم البروتوستانت). في التقليد الأرثوذكسي لا ترسم العذراء في الأيقونات وحدها، إنما دائمًا حاملة المسيح أو تحت صليب المسيح، وندعوها في اللحن مستخدمين كلماتها هي "افرحي يا مريم العبدة والأم... ". العذراء اسمها المشهورة به "أم النور"! (مش علشان هي بتنور في الضلمة) لكن لأنها أم المسيح! عظمة أمنا العذراء وما يجعلها قريبة من الناس بقوة هي بساطتها وإحساسنا أنها واحدة مننا كونها كانت فقيرة و"غلبانة" ومطيعة ووديعة ومتضعة، ما جعل  كل إنسان يشعر أنها أمه، وأنها قريبة منه، لذا في علاقة رائعة بين البشر والعذراء، فهي تدخل في أدق تفاصيل الحياة اليومية، الناس تشعر أنها قريبة وموجودة وهذا رائع وجميل جدًا ولا يختلف عليه أحد. نذهب إلى موضوع المعجزات، وأتعجب جدًا أن السيد المسيح (حجر زاوية إيماننا) كان واضح جدًا وصريح وحاد وحازم في طرحه أن "ما تجروش ورا المعجزات"، وأن المعجزات ليس لها علاقة بالإيمان، ولما عمل معجزة بيكون لسبب وهدف وهو عارف وفاهم كويس لماذا، ولما أعطى تلاميذه السلطان أن يعملوا معجزات لم يكن مثل "أعظم عطية"، وإنما أداة من أدوات تسديد احتياجات الخدمة وليس لـ"الشو"، وشيء عادى أنه يحصل بمعنى أن: الإيمان أعظم من المعجزة. الاتضاع أهم من المعجزة. الوداعة والسلام أقوى من المعجزة. ونموذج أمنا العذراء الحقيقة أبعد ما يكون عن فكرتنا الحالية عن المعجزات، العذراء مكرمة لارتباطها بالسيد المسيح، والعذراء لم تشترك في الكرازة ولا التبشير ولا عمل المعجزات، ليس لأن دورها في الكنيسة أقل، وإنما أعظم من هذا. تلخيص علاقتنا بالعذراء والقديسين في المعجزات مع فهمنا الخاطئ للمعجزة ودورها وأهميتها في المسيحية، إهانة لقداسة القديسين وإهانة لاسم إله القديسين. في الليتورجية الأرثوذكسية نطلب من القديسين أن يصلوا عنا ونحن أيضًا نصلي من أجلهم، في صلوات المجمع المقدس نقول: (أذكر يا رب ونذكر القديسين من أول أمنا العذراء، وفي صلوات التمجيد للقديسين نقول: "يا إله العذراء، أو مار جرجس أو... . . أعنا أجمعين). اللي بيعين ربنا... . اللي بيبارك ربنا... . اللي بيشفي ربنا... . اللي بيخلق ويقوم من الأموات ربنا وهذا لا ينفي أن نتمتع بعلاقة صداقة وحب وأبوة وأمومة القديسين النابعة أصلًا من إيماننا بالقيامة وبالحياة بعد الموت، وأنهم موجودين ومحيطين بنا وغير  بعيدين عنا وعلاقتنا بهم من خلال إيماننا بالجسد الواحد في المسيح. جدير بالذكر  لما نختلف على أي موضوع نرجع للإنجيل وكلام المسيح ونفتكر يوحنا المعمدان أعظم مواليد الناس لما قال: "يَنْبَغِي أَنَّ ذلِكَ يَزِيدُ وَأَنِّي أَنَا أَنْقُصُ". (إنجيل يوحنا 3: 30) والعذراء لما قالت: «هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ»(إنجيل لوقا 1: 38) وارجعوا لإنجيل لوقا الإصحاح الأول، الجزء الأخير يتحدث عن لقاء أمنا العذراء مع أليصابات واقروا كلامها وأفهموه. وبطرس لخص الحكاية كلها في: «مَا بَالُكُمْ تَتَعَجَّبُونَ مِنْ هذَا؟ وَلِمَاذَا تَشْخَصُونَ إِلَيْنَا، كَأَنَّنَا بِقُوَّتِنَا أَوْ تَقْوَانَا قَدْ جَعَلْنَا هذَا يَمْشِي؟"(سفر أعمال الرسل  3: 12) وكملوا الإصحاح سنجد أنه لا يوجد ما نختلف عليه. أنا مازلت عند رأيي العذراء أعمق وأعظم وأهم من المعجزات بالشكل الذي نتصوره والكلام عن أمنَا العذراء ممتد وللحديث بقية. --- ### "مريم سمير" والزواج المختلط
بين الدين والجنس والاستغلال الاجتماعي - Published: ۲۰۲۳-۰۸-۲۳ - Modified: 2023-11-05 - URL: https://tabcm.net/12665/ - تصنيفات: المرأة القبطية, شئون علمانية - وسوم: أحوال شخصية, إلهام مانع, ابن باز, الزواج المختلط, الزواج المدني, الطلاق في المسيحية, تطليق, رامي كامل, علي جمعة, علي حسين مهدي, قبل السقوط, محمود داود, نجيب جبرائيل, يوسف القرضاوي اعتادت أسرة مريم أن تغادر لجامعتها بالمنوفية، لكنها لم تكن عاقدة العزم على الذهاب للدراسة بل توجهت لمجمع البحوث الإسلامية لإشهار إسلامها، وفي نفس اليوم تواصلت مع أسرتها لتخبرهم أنها أحبت مسلما وأنها تركت المسيحية من أجل الزواج به. ابتلعت أسرتها المفاجأة وطلبت منها العودة. سايرتهم مريم متظاهرة بالموافقة لكنها لم تعد. وعندما انقضى الوقت أبلغت أسرتها السلطات المختصة حكاية مريم تظهر تحديات شخصية في مجتمع معقد ومتنوع ولا يسمح بالاستقلالية ويدار بالتكتلات الاجتماعية مريم سمير فايز حكيم، خرّيجة ومعيدة في كلية الاقتصاد المنزلي بجامعة العريش، وتعمل على رسالة ماجستير بجامعة المنوفية. لذا لم يكن أمرًا غير معتادًا على أسرة "مريم" أن تغادر في يوم ٢٩ يوليو الماضي من أجل السفر لجامعتها بالمنوفية، لكنها هذه المرة لم تكن عاقدة العزم على الذَّهاب للدراسة بالجامعة، بل توجهت إلى مجمع البحوث الإسلامية من أجل إشهار إسلامها، وهو ما تم بالفعل في اليوم التالي بتاريخ ٣٠ يوليو ٢٠٢٣. وفي مساء نفس اليوم، تواصلت "مريم" مع أسرتها من محطة "المرج" بالقاهرة، لتخبرهم أنها أحبت مسلمًا وأنها تركت المسيحية من أجل الزواج به. ابتلعت أسرتها المفاجأة وطلبت منها العودة للعريش للوقوف على التفاصيل. سايرتهم "مريم" متظاهرة بالموافقة لكنها لم تعد. وعندما انقضى الوقت بطيئًا بلا عودة. أبلغت أسرتها السلطات المختصة عن اختفائها. أؤمن بحرية الاعتقاد، وﻻ أفتّش عن مسائل ضميرية مثل أسباب التحول عن المعتقدات حتى وإن كان هذا التحول إلى الإلحاد. أعتبر الدين وممارساته (والزواج أيضًا) شأن شخصي، يهم أطرافه ﻻ المجتمع. لكن ومع كل هذه المنطلقات المتحررة في رأسي، تصطدم الحقوق الشخصية في مصر ببنية قانونية وتشريعية دينية تمامًا، ليس فيها الشق المدني أو الشخصي إﻻ على سبيل الشعارات التي يدهسها المجتمع بشكل معادي للحقوق الشخصية للأفراد. ماذا لو أحبت "مريم سمير" إنسانًا مسلمًا؟ لماذا ﻻ تتزوجه مع بقاءها على المسيحية؟ ربما تظن زواج المرأة المسلمة من رجل مسيحي مستحيلًا، في حين تظن زواج المرأة المسيحية من رجل مسلم سهلًا. ﻻ، ليس سهلًا كما تظن. يجوز الزواج من الكتابية بشروط:أولها: أن يستوثق من كتابيتها فقد تكون مسيحية اسمًا؛ ولكنها ملحدة حقيقة أو بهائية أو نحو ذلك. الشرط الثاني: أن تكون محصنة أي عفيفة لا تبيع جسدها لمن يريد، أو على الأقل تكون تائبة مما وقعت فيه من أخطاء. الشرط الثالث: ألا تكون من قوم معادين للمسلمين كاليهودية في عصرنا. الشرط الرابع: ألا يكون في ذلك مضرة على الزوج أو على أولاده منها أو على بنات المسلمين كأن تكون الجالية الإسلامية محدودة العدد فإذا تزوج غير مسلمة كسدت سوق مسلمة مقابلها. بهذه الشروط الأربعة يجوز التزوج من الكتابيات. وأما غير الكتابيات فلا يجوز الزواج منهن لقوله تعالى "ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن" أي الوثنيات، وأولى منهن بالمنع الملحدات، اللاتي لا يؤمن بالله ولا برسله ولا بالآخرة. انتهى. (د. يوسف القرضاوي، ضوابط الزواج من نساء أهل الكتاب) يحتل رأي القرضاوي (وشروطه الأربعة) موقعًا وسطًا بين اﻵراء الفقهية عند أهل السنّة. هناك آراء أكثر تشددًا يطرحها الفقه الحجازي، والتابع للعقيدة الواسطة مثل اشتراط إنكار التثليث (أن تؤمن في المسيح: "عبد الله ورسوله"، وليس ربًا أو أقنومًا متجسدًا)، وهو على ما يبدو المذهب الذي يعتنقه اليوتيوبر "محمود داود"، إذ حين طلب من  "مريم سمير" ترديد الشهادتين خلفه، أضاف شهادة ثالثة: "أشهد أن المسيح عبد الله ورسوله". وكما قلنا، هناك آراء أكثر تساهلا من رأي القرضاوي، مثل المذهب الحنفي المقنن في مصر، والذي عبّر عنه مفتي الجمهورية السابق، فضيلة الشيخ "علي جمعة"، في إجاباته على السائلين في سبتمبر 2019. https://www. youtube. com/watch? v=ssvVN9__NEE في كل الأحوال، يظل أكثر اﻵراء تساهلًا يشترط موافقة الوليّ غير المسلم، وهو هنا في حالة "مريم"، موافقة والدها، السيد "سمير فايز حكيم"، أما لو توسعت في التفاصيل غير المتساهلة، وأتكلم هنا عن نفسي، فقد رأيت في فتاوى أخرى غير مصرية (نجديّة وحجازية كما يفضل اليوتيوبر، من أمثلة ما يمتلئ به موقع سماحة الشيخ "ابن باز") حيث ارتأى في إحدى فتاويه وجوب موافقة أحد الأساقفة في حال عدم وجود وليّ للكتابية. أي وكأنه استوجب موافقة الكنيسة قبل الزواج المختلط! باختصار عنصر الرضا -في جميع المذاهب الإسلامية المعتبرة- غير موقوف على الزوجة وحدها، بل يتخطاها لذويها وأهلها، وإﻻ صارت بحكم القرآن: مأخوذة (مخطوفة/ مملوكة) "فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ" (سورة النساء، آية ٢٥)   هل يُعد الزواج المختلط سببًا لتحول النساء إلى الإسلام؟ وما الداعي لإباحة زواج الذكر المسلم من الأنثى الكتابية إذن؟ كإجابة مختصرة: نعم، وتتشارك السلطة الدينية في كلَا المؤسستين، المسيحية والإسلام، المسؤولية في صناعة بيئة طاردة للفتيات من المسيحية ودافعة نحو الأسلمة. فالكنيسة المصرية مسؤولة عن إفساد البيئة المنظمة للأحوال الشخصية، حتى وصل الأمر لعدم إمكانية الزواج خارج الكنيسة. وﻻ زواج داخل الكنيسة إﻻ بشهادة الكنيسة (خلو موانع/ تصريح زواج). أي إن الكنيسة المصرية استأسدت لجعل الأصل في الحق المدني هو الحظر، ﻻ الإباحة. الزواج القبطي ليس مسألة شخصية إذن. ثم أن الكنيسة منذ الاحتلال الانجليزي وهي تقيّد الحق المدني في الإجبار على نفس الطائفة فقط، وتحرّم الزواج المختلط بغير الأرثوذكس. (ومش أي أرثوذكس كمان، الأرثوذكس اليعاقبة فقط). أيضًا تنازل الكنيسة عن المساواة بين الجنسين في المواريث يشكّل بيئة ضغط مضاعف على المرأة القبطية التي فقدت ميزاتها الحقوقية المكتسبة بكونها مسيحية. فضلًا على أزمة منع الطلاق نهائيًا، واحتكار التطليق ومنعه إﻻ في حالة الزنا، حتى رأينا أفرادًا يعترفون كذبًا بالخيانة فرفضت الكنيسة فضائحهم وطالبتهم بأدلة أقوى لجعل الفضائح الاجتماعية أكبر، والطريف أن من ينجح في فضح نفسه بجريمة زنا، لن يستخرج "تصريح زواج" مطلقًا حتى ﻻ يكافئون البعض الذي افتعل الأدلة كذبًا أو البعض الذي زنا صدقًا! أما الأسوأ على الإطلاق فهي ظروف النساء والفتيات من عائلات الكهنة، إذ مع تقييد التطليق لغير الزنا، ستصير الفضيحة الاجتماعية ماسة بالكاهن نفسه وبرعايته لأهل بيته في ظل وجود نص ديني يقول: "إن كان أحد لا يعرف أن يدبر بيته، فكيف يعتني بكنيسة الله؟" (1 تي 3: 5) كل هذه العوامل تتسبب في عوار اجتماعي خانق للحقوق الشخصية، ويشكّل بيئة ﻻفظة، والنساء ليسوا استثناء بل ربما يكسبهن التحول للإسلام ميزات اقتصادية أو اجتماعية كما سيتضح بشكل أعمق ﻻحقًا. أما عن السلطة الدينية في الإسلام، فمن الواضح أنها تحض الزوج على استمالة زوجته الكتابية لاعتناق الإسلام، لا قَبُول بقاءها على دينها فعلًا. والأمر هنا يتخطى محاولات الهداية المعتادة، إذ بمراجعة مئات الفتاوى المتعلقة بالزواج المختلط، وبعده (فيمَا يتعلق بتربية الأطفال تربية دينية قويمة مثلًا)، ﻻ تخلو فتوى واحدة من حثا دينيًا واضحًا للزوج على استمالة زوجته الكتابية للإسلام، قبل وأثناء وبعد الزواج. ومن هنا يمكننا الوصول أن الزواج المختلط مع الكتابيات ليس مسألة قَبُول حقيقية وإنما أسلمة ناعمة. يظل الملموس بشكل عملي ﻻ يقبل الجدل، هو القوانين التمييزية الواضحة، والبيئة التشريعية التي تفرّق بين الزوجة المسلمة والكتابية في مسألة المواريث. فالكتابية ﻻ ترث من زوجها المسلم، وﻻ تأخذ نفقة أو مؤخر وﻻ مستحقات لها في حالة حدوث طلاق، وجميع أطفالها ذكورًا وإناثًا يولدون مسلمين وﻻ حضانة أو وصاية لها على أطفالها القصّر. إن حظر الزيجات المختلطة بين المسلمات وغير المسلمين يؤدي وظيفة سياسية ‏أيضًا، إذ إن هذا الحظر يمنح الرجال المسلمين فقط حق الزواج من غير المسلمات، وبذلك يكون أطفالهم ‏تلقائيًا جزءًا من المجتمع الإسلامي. ووفقًا لأحكام الشريعة، لا ترث الزوجةُ غير المسلمة زوجها المسلم. ‏ترثه فقط إذا اعتنقت الإسلام! وهذا يعني أن الكثيرات سيقمن بذلك لأسباب عملية واضحة‎. (د. إلهام مانع، دكتوراة العلوم السياسية بجامعة زيورخ، التعددية للضغط على الأقليات) ربما تظن د. إلهام مانع تتحدث في أمور الدين، وفي الحقيقة هي تتحدث في تخصصها: "العلوم السياسية"، والاقتباس السابق هو من كتاب لها صدر في بريطانيا عام 2016 عن "التعددية القانونية" وخطرها على المواطنة. والتعددية القانونية تعني وجود عدة قوانين متوازية في نفس الدولة يطبق كل قانون على فئة أو طائفة معينة تخضع له. مثل أن تكون هناك عدة قوانين مختلفة للأحوال الشخصية في مصر، والمسألة معقّدة جدا عن التسطيح المخل بأن شريعة المسيحيين مختلفة عن شريعة المسلمين، ففي خضم الواقع الاجتماعي سنجد أن قوانين المسلمين السنّة تختلف عن المسلمين الشيعة، وقوانين المسلمين السنة على المذهب الحنبلي متباينة عن المالكي أو الشافعي وهكذا. ونفس الأمر يمكن أن يقال عن الفوارق غير الموحّدة بين الكاثوليك والأرثوذكس، أو بين الأرثوذكس الأقباط والأرثوذكس الروم وهكذا. لذا، يمكننا أن نقول بوضوح أن فتح المجال لنظام "التعددية القانونية" هو ليس حلا تنظيميا للمجتمعات، بل مسألة تقسيم طائفي مقنن ﻻ يمكن تطبيقه واقعيا دون هيمنة الأكثرية على الأقلية حتى داخل أصحاب الدين الواحد. فالعزل الاجتماعي في القانون  لن يؤدي إﻻ لمزيد من تفاقم العزل الاجتماعي في التطبيق. التعددية القانونية" تُعتبَرُ جزءًا من تركة الحكم العثماني، بخاصة "نظام الملل” العثماني في دول مثل مصر، العراق، وأقاليم سوريا الكبرىحسب نظام الملل العثماني، تم تنظيم الأقليات الدينية “المعترف بها”، كالمسيحيين، في مجتمعات تتمتع ‏بحكم شبه ذاتي، ويشرف عليها قائدٌ ديني؛ وتعمل طبقًا لقوانينها وعاداتها الدينية الخاصة بها، وتتولى ‏وظائف اجتماعية وإدارية تشمل عددًا من المسائل، أهمها الزواج والطلاق. (د. إلهام مانع، كتاب: "فخ الدول المستبدة"، بريطانيا ٢٠١١) "هذا النظام لعب دورًا فاعلًا في أسلمة المجتمعات التي تعيش فيها أقليات دينية أخرى، وهذا يعني ‏ببساطة سيادة القانون الإسلامي في مسائل الميراث والوصاية وفي حال حدوث خلاف بين المذاهب أو ‏الديانات، أدت إلى آثار متراكمة دفعت غير المسلمين دفعًا إلى اعتناق الإسلام" (د. إلهام مانع، إدماج الشريعة الإسلامية في منظومات الغرب القانونية)   ثالوث الضعف المصري والاستغلال الاجتماعي يجتمع في "مريم سمير" ثالوث الضعف المصري، فهي أنثى (أقلية اجتماعية) ومسيحية (أقلية دينية) بالإضافة لكونها تنتمي لمنطقة حدودية فقيرة دون عزوة قبلية، لذا فور تحولها للإسلام، تقاذفتها فلوات الرياح. بداية الاستغلال الاجتماعي بدأت مع اليوتيوبر "محمود داود"، الذي كان يعلم أن مسألة تحولها الديني كانت إحدى مسوغات الزواج وكلاهما شأن شخصي، لكنه قرر عرض الأولى وإخفاء الثانية وإضافة على الشهادتين بالثالثة، كي يحصل المشاهد على تحول ديني (نظيف). فالمهم هنا هو إحراز هدف في مرمى فريق الصليب ومن المهم أن يكون هدفًا نظيفًا. لكن من المهم الإشارة لإرادة "مريم" ذاتها، إذ من المنطقي لها هي أيضًا أن توافقه إخفاء الجزء الرومانسي لتجنب مجتمع يحترم الأديان ويعدها مسألة حساسة، ولن يحترم العواطف إذا ما تسببت  في تحول في الأديان. ومن المهم أيضا الإشارة إلى أن السُّعُودية ومصر قد قدمتا تحفظا على المادة التي تعطي الإنسان الحق في الزواج المختلط لتعارضها مع الشريعة الإسلامية. للرجل والمرأة، متى أدركا سنَّ البلوغ، حقُّ التزوُّج وتأسيس أسرة، دون أيِّ قيد بسبب العِرق أو الجنسية أو الدِّين. (نص المادة ١٦-أ من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان- التي قدمت السعودية ومصر تحفظا عليها) على الجانب الآخر من الواقع، كانت أسرة الشاب المسلم، التي لم توافق على زواج ابنها من "مريم" التي اعتنقت الإسلام عن سبب عاطفي ﻻ عن قناعة دينية. وبصدق شديد لم يفاجئني هذا الموقف من الأسرة، لأن أحد أصدقائي قد مر بتجربة مماثلة عقب تخرجه من الجامعة وتقدم ﻹحدى الزميلات ودخل البيت من بابه، وأعلن استعداده لتغيير دينه مؤكدًا أنه متطوع تمامًا بهذا حتى ﻻ تظن الأسرة أنه ينوي تنصير ابنتها مستقبلًا. وعلى الرغم من موافقة الفتاة، رفضت الأسرة هذا العرض برمته أيضا وارتأت فيه: طيش شباب! قبل رجوع مريم بليلة جالي اتصال من مصدر ليً: رامي. . مريم والواد اللي كانت بترتب للجواز معاه في أمن الدولة دلوقت ليه؟ مفيش يا عم، استكمال للمحضر المتقدم باختفائها، وأهل الولد ضغطوا عليه عشان يبعد عن اللبش ده كله، قام باعها وقال ماليش دعوة بيها (نقلا عن الناشط القبطي "رامي كامل"، عن صفحته الشخصية) "مريم"، الفتاة التي تمر بتجارب شخصية صعبة، تجد نفسها في مأزِق مجتمع يحكمه الأعراف الدينية والعصب القبلية، وقراراتها الشخصية تعد انتهاكًا لتلك الأعراف. لم يكن أمام "مريم" أية خيارات شخصية، اصطدمت تنازلاتها -الثمينة عند فريق الصليب- بكونها  ﻻ تساوي قبولًا عند فريق الهلال لأنها تحولات ذات هوى. وﻻ يمكن لوم الأسرة المسلمة التي دققت طيش ابنها وردعته، فالدين بالنسبة لهم ليس مسألة شخصية يمكنك تجاوزها شفويًا، بل مسألة ضمير وهويّة. وفي مجتمع مصري تسود فيه التعصبات الدينية، يجب على "مريم" اختيار الطريق الذي يتناسب مع هويّتها الاجتماعية. من وجب لومه، وربما محاسبته، هو المستشار "نجيب جبرائيل" الذي ترك مهنيته بصفة محام، وذهب بمريم وأسرتها إلى كنيسة العذراء بمسطرد، مصرًا على بث فيديوي ليعلن خسارة فريق الهلال أمام فريق الصليب في الضربات الترجيحية، فيديو قمة في الاستخفاف بالجميع، الاستخفاف بالحالة النفسية لصاحبة الخسارة العاطفية التي لم تفق من صدمتها، وبدلا من تقديم الدعم النفسي بعيدًا عن دائرة الضوء، يظهرها قسرا تحت الأضواء الكاشفة ملقنًا إياها كلمات توجيهية جاوبتها جميعا بالصمت، وأيضًا الاستخفاف بالمشاهد الذي ﻻ يعلم شيئا عنها أو عن غيرها، وينتظر توضيحًا قانونيًا يوحد ربنا منه كمحاميها، هل كانت مخطوفة أم متغيبة أم هاربة وكيف ولماذا عادت؟ فلا يجد إﻻ كلامًا عن بركات السيدة العذراء واحمدوا ربنا ومتسألوش! ومن ﻻ يجب لومه بل محاسبته، هو اليوتيوبر اللاجئ للولايات المتحدة "علي حسين مهدي"، الذي قدم خطابًا إلى الأمة الإسلامية يحرض فيه على ممارسات العنف الجماعي ضد المسيحيين، وشاتمًا المسلمين وواصفًا إياهم بانعدام النخوة والشرف إن لم يستعيدوا أختهم المسلمة "مريم" بالقّوة وخارج إطار القانون. يجب على الجميع أن يتعاملوا مع هذه الأفعال بمسؤولية، وأن يتم تحميله المسؤولية عن تصريحاته العنصرية الداعية للاقتتال والتخريب الجماعي. "التعددية القانونية استُخدمت كأداة لإدامة الانقسامات ‏الاجتماعية في المجتمعات العربية، فهي أعاقت التزاوج بين السنة والشيعة، أو بين المسيحيين والمسلمين ‏واليهود، أو بين القبائل الأصيلة والمستوطنة أو غيرها من ذوي الأصول المتدنية . ‏وبهذا فقد تحولت بالفعل إلى عائق جدي لبناء وحدة وطنية، وهوية وطنية متماسكة‎" (د. إلهام مانع، إدماج الشريعة الإسلامية في منظومات الغرب القانونية) حكاية مريم هي حكاية عادية لبنت لا تعرف دين ومستحيل تكون قرأت فهرس كتاب في أي عقيدة، هي بس هربت من مشاكل بيتها إلى جنة موعودة في حضن فارس على حصان أبيض وصحيت من حلمها على كابوس إنها بتترمي في الشارع وبيتّاجر بيها من كل الأطراف، والأرض هتتحرق طائفيًا بسبب الرقص على جثتها. ممكن نفوق قبل السقوط في فخ الفتنة؟ ولا لسه عشاق اللقطة مشبعوش؟(الناشط القبطي "رامي كامل"، على صفحته الشخصية)   حكاية "مريم" تظهر تحديات شخصية وفردية في مجتمع معقد ومتنوع ولا يسمح بالاستقلالية ويدار بالتكتلات الاجتماعية. يجب أن نسعى جميعًا إلى تعزيز قيمة الفرد والتعايش السلمي وبناء وحدة قانونية قائمة على ندية المواطنة والحقوق المدنية والمسؤولية المتبادلة والمشتركة بين الجنسين. أما "التعددية القانونية" العثمانية القرن-أوسطية فتقف عائقًا عن بناء هوية وطنية متماسكة وتزيد من الانقسامات الاجتماعية بطائفية مقننة وعصب اجتماعية، ﻻ يصبح بعدها المواطنين أمام القانون سواء. --- ### لا هاسلّم بالمكتوب.. ولا هرضى أبات مغلوب - Published: ۲۰۲۳-۰۸-۲۲ - Modified: 2023-09-09 - URL: https://tabcm.net/12648/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: چورچ أورويل, مجدي يعقوب, محمد صلاح كثير من الفلاسفة في عصرنا، بالذات فلاسفة إيبارشيات شرق القاهرة (مدينة نصر– مصر الجديدة. . الخ. . الخ) تسيطر على ردودهم الجاهزة المعلبة والمقولبة على أسئلة المتعبين وثقيلي الأحمال، بعض الأطر الخشبية العتيقة المسوسة التي لا يألون أي جهد في قذفها في وجوه سائليهم من نوعية "ربنا قادر" و"صلي" و"اطلب" و... و... كما لو أن خادم الشعب المسيحي هذا هو فعليًا موظف بخدمة عملاء شركة اتصالات لديه ما بين 40 إلى 42 ردًا نمطيًا جاهزًا يجاوب بهم على جميع الأسئلة، أيًا كانت في أي وقت، من أول "افتح الراوتر واقفله"، وحتى "ده عيب ويندوز يا فندم". كثير منهم أصبح كمندوب "الكول سنتر" محكومًا بالوقت في تواصله مع "العميل" المنتظر معه على الخط (أو أمام المكتب) كي لا يجور على وقت بقية العملاء الآخرين المنتظرين كالعبيد في غرف الانتظار النارية يتلظون فيها من قيظ شهري يوليو وأغسطس كالفتية الملقون في أتون النار، في حين يكاد يتجمد الكاهن وضيفه من إعصار التكييف المثلج بمكتب وكيل الله، ونفس هذا الكاهن "المتنعم في تكييفه" هو هو الذي يخرج عليك لاحقا بابتسامة برتقالية في إحدى العظات المذاعة إلكترونيًا، ليفتيك وهو يتحدث ببطئه المعهود والمصطنع وهو يضغط على أسنانه "لو اشتكيت من الحر، تبقى ما بتحبش ربنا! " أرهقت ذهني المكدود كثيرًا في تأمل ومحاولة فك طلاسم حكمة هؤلاء الفقهاء المسيحيين الأرثوذكس في أخر ثلاثة عقود (بالذات من "نجوم" الخدمة الكهنوتية اللامعة اللمعاوية، وأذنابهم) في اقتراح الحلول المفرطة في المثالية والخيالية الشاذة على جميع الناس كما لـ"أنسر ماشين" عتيقة خربة، فلما تأملت في الأمر وجدت أن هذا العته والإفك والضلال جزء لا يتجزّأ أبدًا من ثقافة عربية وربما إفريقية قامت وعاشت على تصدير فلسفة "حب المذلة" وحياكتها مع مبادئ الانهزامية والانسحاق والانبطاح، وتصوير أن المسيحي الحقيقي هو ابن بار لـ"إله الضعفاء"، ابن مضروب بالأحذية بطبعه! في حيواته سواء السياسية والاجتماعية (بل والزوجية أيضًا، وهذا أضعف الإيمان! ). لكن هذا الأسبوع جاءت فكرة المعجزة أو الصدمة أو الطفرة التي قد تحدث قليلًا أو نادرًا على مستوى الأفراد العادية ولو كانت نسبتها واحد في المئة ألف أو حتى الثلاثمائة ألف، لتهز وتزلزل وتسحق وتكنس كل هذا الكلام الاستسلامي "الفارغ" نحو أقرب مستودع نفايات كبير، من أول د. مجدي يعقوب الذي بدوره "رفض" تمامًا منذ نصف قرن الانصياع لفكرة التدجين و"التسليم بالمقسوم" والاكتفاء بالحياة الهادئة التقليدية والعادية "المتوازنة" ومن ثم العمل كجراح قلب كبير في القاهرة كعشرات الآلاف الذين سبقوه ولحقوه، وأصر بقوة شديدة على الأستاذية وفي أعظم ميدان للطب في العالم (بريطانيا العظمى)، مرورًا بمحمد صلاح الذي كان بالفعل يلعب بالمنتخب وقاب قوسين أو أدنى من اللعب للإسماعيلي إلا أن عقلية اللاعب الباحث دائمًا عن الانتصار وعدم العودة للمنزل خائبًا ولا "الرضا بالمبيت مغلوبًا" سواء في نظر الأرض أو السماء، وحتى أخيرٍا معجزات الشفاء الكبيرة والمفاجئة (التي بلا تدريج، بلا "كنا فين وبقينا فين"، و"مش أحسن من امبارح؟"، و"مش أحسن من غيرنا؟"، و"مش أحسن من مفيش؟") وكل ثرثرة ولغو ومبررات الهائم في جميع ميادين الحياة. صديقي. . أنا أتفهم جيدًا المفهوم الاستشهادي وترحيب المسيحي المصري وغير المصري به حبًا في إلهه، وتضحيته بحياته ونفسه وممتلكاته في سبيل إيمانه وحبه تمثلًا بإلهه، لكن هذا الفكر في رأيي البسيط في ميادين أخرى بعيدًا عن الجهاد الروحي أمام القوة القاهرة للحكام الوثنيين (أو حتى الإرهابيين العاديين) ليس فكرًا صائبًا، بل على العكس  فكرًا مهزومًا، مريضًا بالمازوخية! لن أقول لك فقط إن إراحة هي أول مِسْمَار في نعش أحلامك، لكنني أقول لك أيضا إن "الرضا" في أي مجال وفي أي موضوع كفيل بسحقك وقتلك حيًا، أتفهم جيدًا عجزك التام وفشلك عن اتباع شغفك وحلمك، وأنها جملة أفهمك بعض "دجالين" التنمية البشرية واستشاريو المبيعات الوهمية بعدم واقعيتها، وأنها للمرفهين فقط، لكن سأردد مقولة فيلسوف اجتماعي "حقيقي" كبير ألا وهو "جورج أورويل" التي تقول: حين تنفق معاشك بكامله فقط من أجل الطعام ومكان للنوم، في هذه الحالة لا يمكن اعتبار العمل فرصة للتطور الاجتماعي، بل مجرد وسيلة للاستمرار على قيد الحياة، في الحقيقة هذا يسمى عبودية. (جورج أورويل) كذلك المرض أو التعب أو "الشلل"، فلعل ما سمعت وقرأت به هذا الأسبوع يعطيك دفعة كبيرة جدًا من الأمل بأن الرضا وانعدام الأمل والطموح والحلم بل وعدم وضع خطة و"لو كانت غير واقعية في بدايتها"، هو أمر صعب ومرفوض ولا يمكن السكوت عليه، قد تكون أول أو أكبر خطوة في خطتك هذه (أن كنت تؤمن أصلا! ) هي الصلاة الحقيقية، لكنها ليست صلاة بلا سعي وعمل واجتهاد، وقد تكون أيضا شيئا آخرًا غيرها لا أعلمه (قبل أن تشهر لي أسئلة لما "نجح الملحدين؟" ولماذا نجح البوذيين؟. . الخ. . الخ. . ). حتى على مستوى حياتك الروحية، في علاقتك بالله ذاته، الرضا والاكتفاء والاستكانة لن يكونا أبدًا من وسائط ولا وسائل ولا معابر الوصول لمعبر الملكوت أو حتى الجلوس على عتبة الباب الضيق الذي ينتهي به الطريق الكرب! ومثلما لإلهك خطة لك، اقترح عليك أنت أيضا أن يكون لك خطة معه. فهل لك أصلا أي خطة له معك أو لنفسك مع نفسك؟ (سواء كنت تصدق في العلم "الآني" أو الخرافة؟)، أنا لا أعلم داخليتك ولا خطتك، لكني متيقِّن بأنها لن تنجح مطلقًا إن قامت على "اشتغل المتاح" أو "التسليم بالمقسوم ولا بالرضا في المبيت مغلوبًا! " وللحديث بقية طالمَا في العمر بقية. --- ### كورزين: مدينة بلا ساكن - Published: ۲۰۲۳-۰۸-۲۱ - Modified: 2023-09-09 - URL: https://tabcm.net/12712/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: آدم, إشباع الجموع, الصوم الكبير, توراة, مار مرقس الرسول +«ويل لك يا كورزين، ويل لكِ يا بيت صيدا، لأنه لو صُـنعت في صور وصيدا القوات المصنوعة فيكما لتابتا قديمًا في المسوح والرماد»(إنجيل متى 11: 21؛ إنجيل لوقا 13:10) يقول سفر التكوين: «وكانت الأرض خربة وخالية»(سفر التكوين 2:1) هكذا توصف الأرض حين لا يكون فيها إنسان يرعاها ويحرسها، وهكذا تُسمى بقايا تلك المدن التي كانت ذات شأنٍ أو شأو، ثم ولَّى ومضى. نرى ذلك بوضوح في “خربة كرزة” التي تقع على بعد 3 كيلومترات شمال كفر ناحوم، وتوصف بأنها موقع بلدة كورزين التي صنع فيها الرب يسوع أكثر قواته ولكنها لم تتب. وقد تكلم الرب يسوع عن المدن التي لم تقبل ملكوت الله هكذا: «وأية مدينة دخلتموها ولم يقبلوكم فاخرجوا إلى شوارعها وقولوا: حتى الغبار الذي لصق بنا من مدينتكم ننفضه لكم. ولكن اعلموا هذا إنه قد اقترب منكم ملكوت الله. وأقول لكم إنه يكون لسدوم في ذلك اليوم حالة أكثر احتمالاً مما لتلك المدينة»(إنجيل لوقا  10:10-12) هنا نجد الرب قد ربط بين سدوم والمدن التي لم تقبل البشارة. وهذا يجعلنا نتساءل عن السبب في ذلك. والجواب نجده واضحًا جليًا في نبوة حزقيال النبي حيث يقول: «وكانت إليَّ كلمة الرب قائلة: يا ابن آدم عرِّف أورشليم برجاساتها... هذا كان إثم أختك سدوم: الكبرياء والشبع من الخبز وسلام الاطمئنان كان لها ولبناتها ولم تشدد يد الفقير والمسكين»(سفر حزقيال  1:16و2و49) إذن، هكذا قال الرب وهكذا كان، أن تلك المدن وشعبها بالتالي كان قد أصابهم الكبرياء -إذ كانت مدنًا تجارية على طريق الأمم- فرفضت المسيح المتواضع الذي جاءهم ببشارة الملكوت. وبذلك يكونوا قد قطعوا حبل التواصل بينهم وفاديهم، فآلت مدنهم إلى خرابها ودمارها، كما حدث مع سدوم قديمًا، وهنا في بلدة كورزين، كما نرى الآن. وتكملة كلام نبوة حزقيال يؤكد ذلك: «الشبع من الخبز وسلام الاطمئنان كان لها ولبناتها»، أي أنها كانت مدنًا غنية تحيا في سلام واطمئنان -سواء سدوم أو أورشليم أو كفر ناحوم وكورزين وبيت صيدا- ولكنها«لم تشدد يد الفقير والمسكين»، أي لم تهتم وتحنّ أحشاءها على الفقير والمسكين، فترعاه وتسدد احتياجاته حتى لو كان من إعوازها. لذلك نجد أن كنيستنا الناظرة إلى رعاياها ترعاهم وتحرسهم، تقرأ الفصل الذي يَرِد فيه ذكر الويلات التي حذَّر بها الرب هذه المدن في عدة مناسبات، منها يوم أول طوبة، وهو تَذْكار شهادة القديس استفانوس رئيس الشمامسة، صاحب الروح الناري الذي خاطب به مجمع اليهود ووبخهم على عدم إيمانهم بالرب يسوع قائلًا: «يا قساة الرقاب وغير المختونين بالقلوب والآذان، أنتم دائماً تقاومون الروح القدس. كما كان آباؤكم كذلك أنتم»(سفر أعمال الرسل 51:7) كما تقرأ الكنيسة هذا الفصل أيضًا (إنجيل متى 20:11-30) في إنجيل باكر يوم الخميس من الأسبوع الثاني من الصوم الكبير، حيث تدور القراءات حول التوبة والتعريف بالوصايا. كما تقرأ الكنيسة فصلًا آخر (إنجيل متى 20:11-24) في عشية يوم الجمعة من الأسبوع الثالث من الخمسين المقدسة، حيث تدور القراءات عن مواجهة الرب يسوع مع اليهود التي تمَّت في الهيكل في أورشليم، ووبخهم فيها قائلًا: «الحق الحق أقول لكم: إنَّ كل من يعملُ الخطية هو عبدٌ للخطية»(إنجيل يوحنا 34:8) موقع مدينة كورزين أما تلك المدينة كورزين، فتقع على بُعد 3 كيلومترات شمال كفر ناحوم. وقد ذكر يوسابيوس أسقف قيصرية في القرن الرابع، وهو أبو التاريخ الكنسي، ذكر أنه لم يَرَ إلا بقايا تلك المدينة. وقد بُنيت المدينة مرة أخرى في القرن الخامس، بما فيها من مجمع لا زالت بقاياه موجودة حتى الآن. والبلدة مذكورة في التقليد العبراني على أنها مدينة “متوسطة الحجم”، ونتيجة لجودة نوع القمح الذي يُزرع هناك، فقد ذكرت مرتبطة بتقدمة الحصاد الأولى (راجع:T. Makkot 3:8; b. Menahot 85a ). أما البقايا التي وُجدت من تلك المدينة فهي: 1 - بقايا مجمع يهودي اكتُشف عام 1905 بواسطة العالمَيْن H. Kohl & C. Watzinger، وقد بُني من الحجر البازلتي الصلب، مثل ذلك المبني به مجمع كفر ناحوم. 2- معاصر زيت ومنازل قديمة وحمامات. وكل هذه مبنية أو مصنوعة من الحجر البازلتي الصَلِب المنتشر هناك. 3- وفي عام 1926 اكتُشف كرسي من الحجر البازلتي الأسود المزخرف، مكتوب عليه عبارة باللغة الآرامية، وهي لتكريم ومباركة ذكرى يودان بن يشماعيل الذي صنع الكرسي والدرجات التي تؤدي إليه. والآراء كثيرة حول هذا الكرسي، هل هو كرسي موسى الذي قال عنه الرب يسوع:  «على كرسي موسى جلس الكتبة والفريسيون، فكل ما قالوا لكم أن تحفظوه فاحفظوه وافعلوه» (إنجيل متى 2:23 و3)؟ أم أنه كرسي يوضع عليه مخطوط التوراة حين يُقرأ؟ أم أنه الموضع الذي يجلس عليه من يقرأ التوراة ليفسر ما قد قُرىء، مثلما حدث مع الرب يسوع في مجمع الناصرة (إنجيل لوقا 16:4-21)؟ ولم يستقر العلماء حتى الآن بخصوص هذا الأمر. مما سبق نستنتج أن هذه المدينة قد ضَعُفَ فيها الإيمان المسيحي أو كاد ينعدم، فلم يبقَ فيها شيءٌ يذكر عن الأماكن المقدسة المسيحية. وقد كانت كورزين على تل صاعد، تطلُّ منه على بحيرة جنيسارت بمائها الأزرق الجميل، وكلها محاطة بالأعشاب الخضراء. نسمع ذلك من القديس مرقس الرسول: «فأمرهم أن يجعلوا الجميع يتكئون رفاقًا رفاقًا على العشب الأخضر»(إنجيل مرقس 39:6) وذلك حدث حين خاطب الرب يسوع الجموع بالعظة على الجبل، وأتى معجزة إشباع الجموع الخمسة آلاف. فقد كان هذا الجبل قريبًا جدًا من موقع مدينة كورزين، على مشارف البلدة. ولكن انزوى اسم هذه البلدة ولا زال ما حدث على مشارفها من معجزات وعظة هي دستور الحياة المسيحية، لا زال حتى الآن ينهل منه المؤمنون ينابيع الخلاص. عزيزي القارئ، ها قد خرجنا من هذه المدينة سالمين، فلنتضرع إلى الرب أن نجد مدينة أخرى أكثر دفئًا، نرى فيها عمل الله وقبول بشارة ملكوت ربنا يسوع المسيح. --- ### قرأت لك: الغباء البشري - Published: ۲۰۲۳-۰۸-۲۰ - Modified: 2023-08-20 - URL: https://tabcm.net/12672/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: كارلو م. شيبولا في عام 1976، نشر "كارلو م. شيبولا"، أستاذ التاريخ الاقتصادي بجامعة كاليفورنيا، بيركلي، الولايات المتحدة الأمريكية، مقالًا يبرز القوانين الأساسية لقوة يعدها التهديد الأكبر للوجود الإنساني وهي: الغباء. اعتبر "شيبولا" أنه لا توجد تحصينات ضد الغباء، والطريقة الوحيدة للمجتمع كي يتجنب الوقوع تحت وطأة الحمقى من أفراده، هي أن يكون المجهود المبذول من غير الأغبياء كبيرًا بما يكفي ليعوض الخسائر التي يسببها إخوتهم الأغبياء. وفي رأيي أن الأمر يظهر أكثر وضوحًا في الأقليات، التي يجب أن تكون مشحوذة القدرات والطاقات دائمًا. قوانين "شيبولا" الخمسة للغباء: القانون الأول: الجميع يستخفون دائمًا بعدد الأغبياء المحيطين بهم. القانون الثاني: احتمالية أن يكون شخص ما غبيًا لا علاقة لها بصفاته الشخصية الأخرى. هناك أساتذة جامعيين أغبياء، هناك أشخاص أغبياء في "دافوس" وفي "الجمعية العامة للأمم المتحدة"، هناك أناس أغبياء في كل دولة على وجه الأرض. القانون الثالث: الشخص الغبي هو الذي يتسبب في خسائر لشخص آخر أو لمجموعة من الأشخاص في حين أنه لا يجني أية مكاسب، بل ربما يتكبد خسائر. القانون الرابع: دائمًا يستهين غير الأغبياء بالقوة المدمرة للأفراد الأغبياء، وينسى غير الأغبياء باستمرار أن التعامل أو التعاون مع الأغبياء في أي وقت وتحت أي ظرف دائمًا يتحول إلى خطأ فادح باهظ الثمن. القانون الخامس: الشخصية الغبية هي أخطر أنواع الشخصيات وهذا يؤدي إلى أن يكون الشخص الغبي أخطر من قطاع الطريق والخارجين عن القانون. الشرير تستطيع التنبؤ بسلوكه وتجنب مخاطره لأنه في النهاية "عقلاني" على عكس "الغبي" الذي تكون أنت تحت رحمته تمامًا. لا يمكننا أن نفعل شيئًا حيال الغباء، إن الفرق بين المجتمعات التي تنهار بسبب سطوة مواطنيها الأغبياء وتلك التي تتجنب ذلك، هو ترتيب ومكانة غير الأغبياء في المجتمع، هؤلاء الذين يحرزون تقدمًا مع وجود الأغبياء لديهم مجموعة كبيرة من الذين يتصرفون بذكاء ويعوضون الخسائر. لدى المجتمعات المنهارة النسبة نفسها من الأغبياء، لكنهم يُعامَلون كأشخاص ناجحين، والأسوأ قادة. (كارلو م. شيبولا، أستاذ التاريخ الاقتصادي بجامعة كاليفورنيا، بيركلي) --- ### فوضى "الملف القبطي" في الصحافة - Published: ۲۰۲۳-۰۸-۱۹ - Modified: 2023-08-19 - URL: https://tabcm.net/12618/ - تصنيفات: شئون علمانية - وسوم: بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث يشهد ما يسمى "المِلَفّ القبطي" في الصِّحافة المصرية من وجهة نظري ترديًا في الأوضاع ضمن حالة عامة تمر بها الصِّحافة في مصر على المستوى المهني والمادي. ففي الفترة الأخيرة وقعت مجموعة من الأحداث كان التعامل معها بعيدًا عن قواعد المهنية التي يجب أن يتبعها الصحفي أو الوسيلة الإعلامية في تغطية الموضوعات المختلفة. درج تسمية "المِلَفّ القبطي" على تغطية شؤون الكنائس المصرية خصوصًا "القبطية الأرثوذكسية"، و"شؤون المواطنين المصريين المسيحيين"، حين بدأت أغلب الصحف المصرية في تخصيص صحفي يتابع هذا الشأن، ونظرًا لطبيعته المختلفة بتغطية أمور تخص المسيحية وثقافة المصريين المسيحيين فكانت تلجأ الصحف للبحث عن صحفيين يدينون بـ"المسيحية" لتغطية هذا المِلَفّ، لأنه ستكون لهم خلفية دينية وثقافية يستطيعون من خلالها فهم وشرح التفاصيل المختلفة، ورغم ذلك عمل على هذا المِلَفّ في سنوات مضت زملاء يدينون بـ"الإسلام" لكنهم استطاعوا استيعابه، وتقديم تغطيات مهنية محترمة. اليوم يشهد هذا المِلَفّ ترديًا غير مسبوق وهو كما ذكرت ضمن حالة عامة تعيشها الصِّحافة المصرية، فقد تسلل إلى عالم الصِّحافة بعض من لم يتعلموا أو يمروا على القواعد المهنية الخاصة بممارسة العمل الصحفي، فنجد بعض التغطيات الصحفية يغلب عليها الهوى الديني وليس القواعد المهنية، وأبسط مثال على هذا، الموضوع الأخير الخاص بـ"المعجزة المدعاة" في كنيسة عزبة النخل. من أصعب التحديات التي قد تقابل الصحفيين الذين يدينون بالمسيحية في تغطية هذا المِلَفّ هو أن يتعاملوا كمسيحيين لا كصحفيين، بمعنى أن يكون ولاء الصحفي لكونه يدين بالمسيحية وليس لكونه يعمل صحفيًا تحكمه قواعد مهنية يجب أن يسير عليها، فمثلًا يتعامل البعض بمنطق أنه يريد أن تظهر الكنيسة كمؤسسة بصورة جيدة فقط، وهذا ليس دور الصحفي، بل دوره أن يقدم تغطية موضوعية ويكون له دور مؤثر في تغطية المشكلات التي تقابل المواطنين المسيحيين مع مؤسسات الدولة أو الكنيسة، خصوصًا تغطية المشكلات التي تخص الفئات الأضعف منهم الذين يتعرضون للعنف أو لا يستطيعون الحصول على حقوهم. ومن التحديات التي تقابل الصحفيين الذين يدينون بالمسيحية في هذا المِلَفّ، أن تتعامل معهم المصادر داخل الكنائس خصوصًا من الكهنة والأساقفة باعتبار أنهم أبنائهم في "مدارس الأحد" لا كصحفيين يمثلون مؤسساتهم الصحفية ويجب أن تكون بينهم علاقة مهنية ندية بين صحفي ومصدر، فالعلاقة هنا تكون غير متكافئة ويعاني الصحفي الذي يريد أن يتعامل وفق إطار مهني في رسم علاقة مهنية، ربما يكون الصحفي الذي يدين بالإسلام له حظًا أوفر، بسبب اختلاف الدين ومحاولة "الأكليروس" التعامل مع الآخر المختلف دينيًا بطريقة فيها تعاون أكثر لإظهار السماحة والود مع الآخر المختلف دينيًا. أما عن وسائل الإعلام التي تتبع الكنيسة فهي تعاني من غياب قواعد المهنية، فوسائل الصِّحافة والإعلام دورها احترام عقول المشاهدين والمتابعين والقراء وتقديم معلومات وأخبار موثقة وفق القواعد المهنية، وليس دورها الترويج للمعجزات بعرض أدلة غير كاملة ولا تثبت شيئًا مما يتم الترويج له. وعندنا مثال في واحدة من القنوات المنسوبة للكنيسة، وهي قناة غير رسمية بمعنى أنه لا يملكها المركز الإعلامي البابوي، ولكنها تقدم نفسها باعتبارها من قنوات الكنيسة الرسمية، ومن خلالها تم الترويج لـ"المعجزة المزعومة" في افتئات على دور البطريركية التي من المفترض أن تشكل لجنة تحقيق لمحاولة تفسير ما حدث بشكل علمي، وعند غياب التفسير العلمي أو عدم الوصول له في الوقت الحالي قد تقول الكنيسة إن هناك "معجزة"، وهو ما لم يحدث من الكنيسة كمؤسسة. ومن أزمات الكنيسة القبطية في مِلَفّ الإعلام أن هذه القنوات الفضائية تدعي أنها قنوات الكنيسة الرسمية ولسان حالها، لكن ولا واحدة منها تدار من المركز الإعلامي البابوي أو بشكل مؤسسي من الكنيسة، فواحدة تم تأسيسها بمال خاص وكانت تحابي ضمنيًا أحد الأساقفة من سكرتارية البابا الراحل الأنبا شنودة الثالث، وفي المقابل أنشأ الأسقف الآخر من السكرتارية بمساعدة مَطْرَان دمياط الراحل قناة أخرى في مواجهة القناة التي نشأت أولًا، وهي الآن تعمل لحسابه الخاص، بل وتذيع لكهنة وأساقفة برامج لمهاجمة بابا الكنيسة الأنبا تواضروس الثاني وتروج التعصب والتدليس أحيانًا، أما القناة الأخيرة فهي تخص أخر أسقف من سكرتارية البابا الراحل وتسلك اتجاه مختلف بالبعد عن المشكلات وعرض الصلوات وبعض البرامج الدينية الروحية، ولا تشتبك مع الحياة العامة. فهل يمكن تنظيم هذه الفوضى يومًا ما أم يظل الوضع كما هو سواء بأن يكون للكنيسة قناة رسمية واحدة تدار من خلال المركز الإعلامي البابوي، تكون صوت الكنيسة الرسمي بشكل مهني وفق قواعد الصِّحافة والإعلام، وأن يكون هناك علاقة مهنية واضحة يسودها الاحترام والتعاون بين الصحفي المتابع لشؤون الكنائس والمسؤولين عن التواصل مع الصحفيين من الكنائس، وأن تدرب الصحف العاملين في هذا المِلَفّ على دورهم والمطلوب منهم بشكل مهني أيًا كان انتمائهم الديني؟ --- ### العدرا مبتعملش معجزات! - Published: ۲۰۲۳-۰۸-۱۸ - Modified: 2024-12-28 - URL: https://tabcm.net/12592/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: الصوم الكبير, الكنيسة والدولة, بابا كيرلس السادس, صوم السيدة العذراء كلمتين واللي يحصل يحصل: العدرا مابتعملش معجزات! لو كانت هاتعمل، كانت حولت هيّ المياه لخمر، بدل ما تقول لهم؛ كل ما قاله لكم، فافعلوه كتبت على حسابي الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك: كلمتين واللي يحصل يحصل: العدرا مابتعملش معجزات! لو كانت هاتعمل كانت حولت هيّ المياه لخمر بدل ما تقول لهم؛ كل ما قاله لكم، فافعلوه! سلام. لاقى الكلام ردود فعل متباينة. وأود أن أوضح أن الكلام والأمثلة على مفهوم المعجزة في الفكر المسيحي واضحة وضوح الشمس ولا خلاف عليها. ولكن لأننا شعب تقوده مشاعره، فقد سمحنا للأسف بدخول أفكار غريبة خلال عصور ضعف التعليم في الكنيسة. ومن نتائج ذلك بعض المدائح والصلوات التي دخلت في إبصلمودية كيهك وغيرها. بالإضافة إلى البحث عن البطولة والعظمة المفقودتين في نواحٍ كثيرة من حياة الكنيسة التي عاشتها في عصور اضطهاد وظروف شديدة ضاغطة، اختلطت المعجزات وسير القديسين بقصص البطولات الشعبية. احتاج الناس إلى صورة البطل الذي يقتل الأعداء ويذبحهم، مع أن المسيح نفسه، الذي نُسمى مسيحيين باسمه، لم يفعل ذلك. بل على العكس، سامح أعداءه الذين صلبوه وحرقوا قلب أمه عليه وغفر لهم. أما بخصوص أمنا العذراء مريم، فأنا أتعجب جدًا أن الناس زعلت لما قلت إنها "مش بتعمل معجزات". أمنا العذراء، طبقًا لإيماننا وحتى إيمان إخوتنا المسلمين، هي المختارة من بين نساء العالمين. ولماذا هي مختارة؟ لأنها من بين نساء العالم منذ بداية الخليقة إلى نهايتها الأكثر اتضاعًا ووداعة وسلامًا ومحبة. لم يكن لديها قوة خارقة ولا تعمل معجزات ولا كانت أقوى امرأة ولا أجمل سيدة ولا غيره. السيدة العذراء هي مثال عظيم للوداعة والأمومة والصبر، "مش بتاعت هابراكا دابرا" ولا "زيم زلابيم". ولو كانت تصنع معجزات، لكان المسيح أعطاها القدرة يوم عرس قانا الجليل مثلًا، وقال لها: "حولّي الماء إلى خمر بنفسك"، لكنها غير محتاجة لهذا، لأن اتكالها على ربنا وتسليم حياتها الذي عاشته طوال عمرها جعلها أبعد ما يكون عن فكر المعجزات. يسأل البعض عن ظهورها في الزيتون؟ ظهرت، لكن عندما ظهرت، ظهرت واقفة بجوار الصليب، وقداسة البابا كيرلس بنفسه لم يصدق ولا أعلن أن هذا ظهور، بالرغم من أن كثيرين رأوا، لكنه عمل لجنة لتقصي الحقائق ما بين الكنيسة والدولة وأُتأكّد أنه ظهور حقيقي وأُعلن ذلك. هذا يعني أن هناك معجزات؟ نعم، توجد معجزات، ولكن كما نقول مش عمّال على بطّال، ومصدر المعجزات هو الله، وأي معجزة تتم لابد أن تكون باسمه، واسمه هو وحده، وهذا لا يقلل من مكانة أمنا العذراء ولا الملائكة ولا القديسين، بل بالعكس، رسالتهم وقداستهم منبعها إعطاؤه المجد، فكل المجد لله وحده. مفهوم الشفاعة في الكنيسة يحتاج إلى فهم عميق حتى لا نشتت أنفسنا، فنصوم صوم العذراء بنسك أكثر من الصوم الكبير، أو تمتلئ بيوتنا بصور القديسين وصور المسيح تدور عليها وكأنك محتاج لتذكرها، أو أنك أول ما تقع في مشكلة تدور على شفيع "الحاجات الضائعة" أو "مين شفيع العربيات" أو "شفيع مرض الكلى"، فيصير هناك تخصصات وتنسى أن ترفع قلبك للمسيح وتطلبه. إحساسك بأنك محتاج شخص يتحايل على الله لمساعدتك أو دعمك، هي فكرة بعيدة كل البعد عن المفهوم المسيحي الأرثوذكسي للشفاعة. الشفاعة هي اتحاد حقيقي بين أعضاء الجسد الواحد، سواء السابقين أو الحاليين، في إرادة واحدة. إنها وحدة تفرح قلب المسيح، مش "تليّن" قلبه. ولا يتحايل عليه العذراء أو القديسون حتى يفرحونا أو يدعمونا أو يقفوا معنا. فالمسيح أقرب إلينا من أنفسنا، لكن العذراء تنفّذ إرادته وتُفرح قلبه عندما تصلي من أجلنا ومعنا. المسيحية عميقة وبسيطة جدًا في نفس الوقت،  وللحديث بقية. . بهدوء، هونوا على أنفسكم. --- ### هل يكون "الباكي" البطل الذي لم يكنه تواضروس؟ - Published: ۲۰۲۳-۰۸-۱۷ - Modified: 2023-08-18 - URL: https://tabcm.net/12587/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: إبراهيم عبد السيد, الكنيسة القبطية, المجلس الملي, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس السادس, رئيس جمال عبد الناصر قرر بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، الأنبا تواضروس الثاني إلغاء جميع التوكيلات والتفويضات الصادرة من الأنبا بيسنتي، أسقف حلوان والمعصرة، في جميع الإجراءات الناقلة للملكية، وكذلك حسابات الإيبارشية والحسابات الخاصة في كافة البنوك المصرية. القرار نفسه لم ينشر على صفحة المركز الإعلامي للكنيسة القبطية الأرثوذكسية لكنه ظهر على صفحات السوشيال ميديا عبر حسابات من داخل الإيبارشية ومن المقربين للأنبا بيسنتي. وجاء نص القرار الإداري كالتالي: قرار إداريبصفتي بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، ورئيس المجلس الملي العام وهيئة أوقاف الأقباط الأرثوذكس، والممثل القانوني لبطريركية الأقباط الأرثوذكس، تقرر الآتي: - إلغاء جميع التوكيلات بكافة أنواعها، والتفويضات الصادرة من نيافة الأنبا بيسنتي، أسقف حلوان والمعصرة، وبالميلاد فؤاد عوض عريان رقم قومي 24106082100379 في جميع الإجراءات الناقلة للملكية كالتنازل والبيع والهبة وكل التصرفات. - إلغاء كافة التوكيلات والتفويضات البنكية الصادرة من الأنبا بيسنتي أسقف حلوان والمعصرة الخاصة بحسابات الإيبارشية وكذلك الحسابات الخاصة بالأنبا بيسنتي في كافة البنوك المصرية. وتفضلوا بقبول فائق الاحترام والتقدير. القاهرة في ١٣/ ٨/ ٢٠٢٣البابا تواضروس الثانيبابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية نشرت بعض المواقع الإخبارية توضيحًا تفسيريًا من البابا تواضروس الثاني، قال فيه إن الأسباب الصحية التي يمر بها نيافة الأنبا بيسنتي قد فرضت إصدار قرار بابوي لتنظيم الوضع الرعوي والإداري في الإيبارشية، لكن البابا كان قد أشار في اجتماعه، الأربعاء الماضي، لوجود"مشاكل مالية، وضعفات رعوية". أيضا جرت العادة بالنسبة لكبار السن من الأساقفة، أو الذين يمرون بأسباب صحية، أن يقام أسقفًا مساعدًا معه لمعاونته. تنتقل إليه الصلاحيات الرعوية مع بقاء الأقدم على كرسي الإيبارشية. فمَا الجديد الذي يجعل البابا يستخدم كل هذه التوصيفات القانونية غير الكهنوتية في مطلع قراره الإداري؟ بدون تحليلات عميقة، يمكننا أن نقول: - استخدام قداسة البابا لتوصيف "رئيس المجلس الملي العام"، يشير لمشكلات فساد مالي،  فالبابا هنا يستدعي الصفة / السلطة العَلمانية للمجلس في الإشراف المالي على الكهنوت. - ذكر الاسم العلماني في شهادة الميلاد قد يشير لتوسيع احترازي في دائرة الإشراف والرقابة على الأسقف لتشمل نقل الملكيات وتحويلات الحسابات إلى أسرته وأقاربه. البابا هنا يستدعي الجهات الرقابية لمتابعة أية تحويلات أو معاملات، بكلا الاسمين، تمت على سبيل التنازل أو البيع أو الهبات، الاسم الكهنوتي مقطوع عن العالم، أما الاسم بالميلاد فله أسرة وقيد عائلي، والرقم القومي كاف حاليًا لتحديد درجة القرابة معها. - القرارات المتعلقة بمشكلات مالية مشهرة ومكتوبة، هي قرارات ليست من عادات الكنيسة المحافظة في ممارسة الأعمال الإشرافية من رئيس الكهنة على مرؤوسيه، أما المعتاد فهو مجاملتهم لبعضهم البعض من أجل "سمعة الكهنوت"، وحل مشاكل الماليات والضعفات بشكل سري، دون أن يعلم العلمانيين عنها شيئا. . ومن ثم، يمكن استنتاج أن هذا الأمر بدأ من فترة، وفشلت الحلول العرفية السرية، والأسقف متغيب والمشكلات مستمرة بشكل أجبر البابا على اتخاذ إجراء استثنائي حماية للوقف القبطي فوق سمعة الكهنوت. وهذا ليس بالأمر الهيّن على البابا واستثنائي لدرجة السابقة الأولى، وهو على صعوبته قرارًا إيجابيًا للغاية لمستقبل الكنيسة في معالجاتها الإدارية. بالتأكيد الأساقفة لا تروق لهم فكرة المحاسبات المالية العلنية من الأساس، وإﻻ سيحاسبون علنيا هم أيضا وستفتح ينابيع الغمر على الجميع. وربما يستنفرون أتباعهم ومريديهم لزعزعة سلطة القرار الإداري (مش بالضرورة بشكل مباشر وإنما هتلاقي شوية عيال بـ"شبشب" يتصيدون للبابا أي حاجة بره الموضوع ده. . فنصحصح) جدير بالذكر إنه ليس للأقباط الأرثوذكس مجلسًا مليًا عامًا منذ عصر الرئيس جمال عبد الناصر والبابا كيرلس السادس، أما في عصر البابا شنودة الثالث فقد تحول المجلس الذي يشترط علمانيته إلى مجلس كهنوتي (رسم كل المجلس شمامسة برتبة دياكون/ مساعد كاهن) بالتالي تحول المجلس إلى "خاضع للكهنوت" وفسدت سمة "السيادة الإشرافية على الكهنوت" فأصبح فاقدًا لوجوده الموضوعي -مالوش ﻻزمة- ﻻ يوجد من يراقب سلطة وهو يخضع لها. ولهذا قواعده الأكثر تفصيلًا في النظم الأكثر تعقيدًا مثل الدولة. فعضو مجلس النواب في أي دولة يحظى بحصانة من الحكومة كي يتسيّد لمحاسبتها، أما البرلماني الذي يخضع لحكومته، فهو جزء منها، متنكر في هيئة شعب (يمثل مصالح الحاكم ﻻ مصالح المحكوم)، وﻻ يوجد في نظم الحكم أو الإدارة ما يقول "مصالح الاتنين واحدة، وهي مصلحة الكنيسة"، فهذا الكلام تسطيح غير صحيح (مع أن البابا قاله بالفعل في لقاء مع الصحفيين). ربما يكون هذا أول سلوك إداري مكتوب ومشهر بشكل رسمي منذ إقامة جمهورية يوليو، يراعي مصالحي كعلماني في حماية أملاكي من نهب صقور الإكليروس الذي لا يٌسأل أبدًا عما يفعل، ﻻ ماليًا وﻻ غيره، ويتم تحريم فكرة المحاسبة للسلطات الروحية أو حتى نقدها على مستوى النقاش المجتمعي. لقد كان لدينا يومًا كاهن (القس إبراهيم عبد السيد) قد تجرأ وكتب نقدًا للنظام المالي للكنيسة، ولم يقبل البابا شنودة بهذه الجرأة، لم يحاكمه قانونيًا أو كنسيًا بل حرمه مباشرة، وحرم كتبه، وأمر الكنائس بعدم الصلاة على جثمانه وقتما ﻻقى ربه، نكّل به حيًا وميتًا حرفيًا. لذلك، أنا أنظر لهذا القرار ده بعيون "عَلمانية" حالمة وواعدة. ، بمعنى أنني ﻻ أرى في صاحب القرار توقيع "تواضروس الثاني" فقط، وإنما أيضا د. "وجيه الباكي" قد قام من الموت ليستعيد لي ممتلكاتي في ظل غياب وتغييب لمن يمثل حقوق الشعب ويدافع عنها بشكل منظم ومرضِ. وعلى هذا الرجاء الحالم. . أقدم كل الدعم. --- ### المعجزات بين العقل والإيمان - Published: ۲۰۲۳-۰۸-۱٦ - Modified: 2023-10-26 - URL: https://tabcm.net/12585/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: الكنيسة الكاثوليكية, مدينة لورد أثار موضوع مناداة أحد الأشخاص بحدوث معجزة معاه إلى لغط كبير وتحول الموضوع لترند. وعشان كده الصراحة مكنتش عاوز أعلّق على الموضوع، ولكن بناءًا على طلب بعض الأصدقاء أحب ألخص موضوع المعجزات حسب تعليم أو تعامل الكنيسة الكاثوليكية: ١. أولًا المعجزة مش سبب في الإيمان، ولكن الإيمان هو السبب في المعجزة وعلشان كده هنلاقي في إنجيل متّى:  «ولم يكثر من المعجزات هناك لعدم إيمانهم»(إنجيل متى ١٣: ٥٨) يسوع نفسه مكانش بيستخدم معجزات عشان الناس تؤمن بيه بقدر ما كان بيقنعهم بالحوار وبالأمثلة والمثال ومن الكتاب المقدّس نفسه. ٢. إيه اللي بيحصل لما شخص يقول إنه حدث معاه معجزة؟ ناخد مثل من اللي بيحصل في مدينة لورد في فرنسا: إذا أي شخص بيقول إنه حصل معاه معجزة، لازم يتعرض على لجنة طبيّة متخصّصة. يرأس اللجنة دي في لورد طبيب ملحد وده بطلب من الكنيسة! اللجنة الطبيّة بتقول كلمتها. بالطبع العلم والطب ميعرفش شيء اسمه معجزة. كل ما يمكنه القول علميًا: وفقًا للمستوى العلمي اللي وصلنا له النهاردة، مش لاقيين تفسير لهذه الحالة. هنا فقط تقدر الكنيسة تقول إن دي معجزة؟ طبعًا ممكن! بس برضه مننساش الجملة المهمة «وفقًا للعلم اللي وصلنا له لحد النهاردة مفيش تفسير» يعني ممكن بكره يكون في تفسير. طيب الحالات دي كتير؟ من كل ١٠ آلاف حاله بتبلغ إن حصل معاها معجزه شفاء، اللجنة الطبية بتتوقف فقط عند أقل من ١٠ حالات "لا تجد لها تفسير علمي متاح اليوم"! طيب هل معنى كده إنّ باقي الـ ١٠ آلاف مخابيل ومدروشين؟ بالطبع صعب نقول ده، لأن في حقيقة واحدة، وهي إنه مع استمرار الأشخاص دول على العلاج الطبي، حدث طفرة في العلاج نتيجة شيء آخر. قد يكون "إيمان الأشخاص" واستعدادهم النفسي للشفاء في هذا أو ذاك المكان. قد تكون "روح التضامن والصلاة" في هذا أو ذاك المكان، فهذا قد يساهم في تطور والحصول على نتيجة مع الاستمرار في الإشراف الطبّي. فإذن المفهوم الشعبي للمعجزة يختلف تمامًا عن المفهوم الكنسي وكمان عن المفهوم العلمي أو الفكري. بخصوص المعجزات في الأناجيل هحط فيديو عملته مع الأصدقاء مؤمن سلام وأيمن عجمي وإرنست وليم. https://www. youtube. com/watch? v=q1wgkLwVT6A&t=1152s   --- ### الأنانية.. لا شيء يهم المهم نحن! - Published: ۲۰۲۳-۰۸-۱۵ - Modified: 2023-08-15 - URL: https://tabcm.net/12431/ - تصنيفات: مقالات وآراء عندما كنت أشاهد قديمًا أفلام هولي وود سواء في المنزل أو السينما، دائمًا ما استرعى انتباهي تلك اللغة الخاصة جدًا التي كان يخاطب بها الأفارقة الأمريكيون بعضهم داخل سيناريو الفيلم، ولسان حالهم مثلًا كأنما يقول: إن كل الأفارقة في هذا العالم أخوة، ولم أفهم لذلك سببًا منطقيًا وجيهًا، إذ أن الجميع يشتركون في الجنسية والدين واللغة والأرض والمصلحة والهدف والحلم و. . و. . فلا تهم أميركا. . المهم نحن. . الأفارقة الأمريكيين! وجدت أن الموضوع بذاته مكرر في مجتمعنا المصري نفسه، وفي داخل المواطنين المصريين المسيحيين (الشعب القبطي "كما التسمية في الليتورجية الأرثوذكسية المسيحية في الشرق")، ونبرة "نحن" و"مثلنا" و"عنا"، وكل مترادفات الأنانية الفئوية تلك تهيمن على جميع المواضيع طوال الوقت، و"الألطف" من ذلك هو أنها تتم بمباركة من الإكليروس في مصر، كما لو أن الموضوع مسلم به فعلًا! فلا تهم مصر. . المهم نحن. . المصريين المسيحيين! ماذا سيحدث لنا؟ كانت تلك أول عبارة أسمعها مثلا من زميلة دراسة قبطية قديمة تزوجت وأنجبت واستكانت للبدانة والترهل بالذات الترهل الفكري، عندما باركت لها على نجاح ثورة 25 يناير في الإطاحة بالنظام ساعتها (أو رأس النظام) أو هكذا كما تصورت وقتها بكل براءة وتفاؤل. وكانت تعني بسؤالها "الأقباط المسيحيين"، نفس ما سمعته من كثير من الفتيات المذعورات وقتها وجل اهتمامهم (رجوع الصبية من مدارس الأحد مبكرًا خوفًا من الشغب) أما مصر وشعبها واقتصادها ونظامها ومستقبلها فلا يهم. . مثلا! المهم فقط مصالح ومخاوف "الجماعة" الكبيرة، أو الإخوة كما يسمي الأمريكيين الأفارقة في هولي وود أنفسهم، أو كما يحلو لكل أقلية في الدنيا أن تصنف نفسها وأعضاءها، أفارقة، يهود، أقباط، شيعة، مسلمين كندا. الخ. حاولت أن أربط بهذا موقفًا قديمًا مررت به في إحدى محاضرات مركزًا شهيرًا للتعليم ما بعد الجامعي، منذ ربع قرن لتعلم تطبيقات الأوفيس، عندما حدث خلافًا بسيطًا جدًا بيني وأحد زملائي من الدارسين، فحاول المحاضر استيعابه بأن ربت على كتفي مهدئًا، وطالبني بالهدوء وأن استعيذ بالله وأن أسامح الزميل قائلًا لي: "أعتبره أخوك في الإسلام! ". طبعا ابتسمت ولم أعقب ولم أدخل في جدال عقيم، كي لا يتفاقم الموضوع أكثر، خصوصًا إنني أعرف ماذا يقصد بشكلٍ قاطع، لكن تظل فكرة التمييز الإيجابي والسلبي مهيمنة على تفكير القطيع في وسط كثير من بلدان العالم، ومعها المظلومية وحوادث الاضطهاد وخطابات كراهيَة الآخر (بالذات في تلفزيون دولة السادات) التي تسربت على الشبكات الاجتماعية كلها وصنعت من قبضايات و"سرسجية" الدعوة، رموزا كبيرة للغشامة والعنصرية والتطرف، وهو ما يجعل الأقليات تنكفئ على نفسها أكثر، وتخاف أكثر، فيتأثر سلوكهم الشرائي بخوفهم، ويخططون ليلًا نهارًا للهجرة، حتى لو للعمل عبيد في مطاعم الوجبات الجاهزة وأجراء في خطوط إنتاج المصانع المجهولة، أو حتى خلف عجلات قيادة سيارات الأجرة التي تدار بتطبيقات الهاتف الذكي، نفس ذلك الهاتف الذكي الذين يصبون فيه ومنه جم غضبهم عل نفس الشبكات الاجتماعية من الأغلبية التي حركها أدعياء التشدد والإرهاب والعنف بل والبلطجة برعاية الحكومة في السبعينيات والثمانينيات بل والتسعينيات، فيمشي خلفهم قطيع الأغلبية مسحورًا بكلامهم الذي يمتلئ أيضا بمفردات الأنانية الفئوية التي تغازل هي الأخرى مصالح ومخاوف الفئة العددية الأكبر! لأن لا شيء يهم، المهم نحن، الأغلبية! ما لم يتم مواجهة فكرة الأنانية وتغليب المصلحة الجماعية الصغيرة أو الكبيرة على المصلحة الكلية، فالغرق هو النهاية الحتمية المنتظرة، وتلك المواجهة لن تحدث ما لم نواجه أنفسنا أولًا بها، ونقتنع بضرورة اجتنابها وتركها والإصرار على النظر للمصلحة الموحدة العليا، مهما بدا هذا الكلام مغرق في المثالية. المخاوف والذعر والرعب تتنافى مع أبسط قواعد محتوى الحصص الدينية التي تلقنها الزميلة للأطفال بمدارس الأحد كل أسبوعين، مثلما تتنافى مع فكرة الأنا، حتى لو كانت "أنا" الجماعة التي أنتمي إليها. لا يوجد أنا ومن بعدي الطوفان، يوجد نحن معا في مواجهة الطوفان. . لأن كل شيء يهم، والمهم نحن، وجميعا! فترى هل يسمع أحد؟ وللحديث بقية إن كان في العمر بقية. --- ### مغارة الميلاد في بيت لحم (٢) - Published: ۲۰۲۳-۰۸-۱٤ - Modified: 2023-08-14 - URL: https://tabcm.net/12556/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, كتاب مقدس - وسوم: الأب متى المسكين, جايوس فلاڤيوس ڤاليريوس أوريلوس قسطنطينوس, مفهوم الخلاص, يوسف النجار مغارة الميلاد اليوم تتمركز أنشطة الأبحاث الأثرية الحديثة في بيت لحم في كنيسة الميلاد (أي كنيسة المهد). والحفائر الأثرية في الكنيسة الحالية كشفت عن الكنيسة الأثرية الأولى، وعن أجزاء من الأرضية المصنوعة من الفسيفساء الجميلة التي يمكن أن يراها مَنْ يزور الكنيسة حاليًا. ومكان الميلاد محدَّد بكوَّة نصف دائرية من الرخام تحيط بنجمة لامعة من الفضة في الأرضية، والمكان مضاء بمجموعة من المصابيح المزخرفة الجميلة المعلقة في السقف. وتوجد ستائر وأقمشة مطرزة بالصور فوق المكان المقدس. وفي كوَّة أخرى قريبة يوجد مذود حجري يُعتقد أن الطفل يسوع قد وُضع بداخله. أما المبنى الضخم الذي يستقبل زوار بيت لحم حاليًا، فقد أقامه الإمبراطور البيزنطي جستينيان (527 - 565م). وبالمقارنة مع المبنى الذي أقامه قسطنطين، فإننا نجد أنه قد تم إطالة الصالة الرئيسة، مما جعل شكل الكنيسة مستطيلًا بعد أن كانت مربعة. وقد تم توسيع صحن الكنيسة وتضييق الأجنحة الجانبية. وفي المناطق الشرقية أُضيفت شرقية دائرية كبيرة وجناحان آخران. وهناك عدة درجات تتدرج من الشمال والجنوب إلى المغارة المقدسة أسفل الكنيسة. ثم أن الأبواب النحاسية الكبيرة التي ما زال الآلاف يمرون منها سنويًا، تعتبر من هذه الحِقْبَة أيضًا. بيت لحم خلال العصر الإسلامي وفي سنة 614م، هاجم الفرس بيت لحم، وهدموا مبانٍ كثيرة، ولكنهم تركوا كنيسة الميلاد. وربما كان ذلك نتيجة رؤية الجنود لصورة المجوس على الفسيفساء خارج الكنيسة وهم يلبسون ملابس فارسية. وربما نجت الكنيسة لنفس السبب عند الفتح العربي في القرن السابع الميلادي. وظلت بيت لحم تحت الحكم الإسلامي إلى أن استولى عليها الصليبيون سنة 1099م، وقد وصلت الكنيسة إلى ذروة جمالها واتساعها وأهميتها في هذه الحِقْبَة. وقد تم تزيينها بالرخام الأبيض واللآلىء والفسيفساء الجميلة. وفي سنة 1187م، استعاد المسلمون المدينة، وظلوا يحكمونها، ما عدا فترة قصيرة في منتصف القرن الثالث عشر، حتى الحرب العالمية الأولى. وبعد انتهاء هذه الحرب وحتى وقتنا الحاضر، انتقل حكم المدينة من البريطانيين إلى الأردنيين ثم إلى الإسرائيليين، وأخيرًا إلى الفلسطينيين في مناطق الحكم الذاتي. وسكان المدينة حاليًا معظمهم من العرب، وكثير منهم من المسيحيين. واستمرت كنيسة الميلاد كمركز حيوي للعبادة المسيحية. ولم يحدث في أية كنيسة أخرى أن استمرت العبادة فيها طوال هذه القرون المتتابعة. والتقليد الذي يقول إن الطفل يسوع وُلد في بيت لحم، تقليد قديم وثابت، ولا يوجد أي سبب معقول للشك في صحة هذا التقليد. وكذلك التقليد الذي يقول إن الطفل يسوع وُلد في مغارة للحيوانات، التي أصبحت فيمَا بعد هي كنيسة الميلاد؛ هو تقليد موثوق به. وكما أوضحنا من قبل، فإن الدليل على أن هذه الكنيسة هي فعلًا المكان الذي وُلد فيه الرب يسوع هو دليل يرجع إلى القرن الأول الميلادي. لذلك فإن تشييد الكنيسة فوق هذا المكان بالذات هو أمر موثوق به وحقيقي. ويحدد الإنجيل الأشخاص الأوائل الذين قدموا العبادة للرب هناك بخلاف يوسف ومريم، وهم الرعاة الذين كانوا يسهرون على غنمهم خارج قرية بيت لحم (لو 2: 8-20). وهكذا تتأكد هذه الحقيقة أن كنيسة الميلاد هي أقدم مكان مسيحي للعبادة على وجه الأرض. وبالرغم من ذلك، فإن التساؤل الذي يتبادر إلى ذهن أي زائر معاصر لمغارة بيت لحم هو: هل حقًا حدث كل ذلك هنا في هذا المكان عند هذه النجمة الفضية المحاطة بالرخام؟! وللإجابة على هذا التساؤل نقول: لا أحد يعرف بالتأكيد! ولكن أي إنسان يقف في هذا المكان يتولَّد لديه شعور جارف بأنه داخل هذه المغارة بالذات تمَّت أهم حادثة عرفتها البشرية، ألا وهي حادثة التجسُّد الإلهي. وفي بيت لحم تمّت أصعب مضادة يمكن تصديقها، وهي أن أهم شخصية في التاريخ البشري وُلِدَت، لا في قصر أن في مكان مرموق، وإنما في مغارة للبهائم باردة ومظلمة. وبالنسبة لمريم العذراء ويوسف البار، حدثت اللحظة المقدسة قبل وصول الرعاة بقليل لينظروا الطفل المقمَّط المضجع في المذود، ويبدو أنهما ذهلا عندما تأملا يسوع الطفل ولم يُدركا بعد إرساليته للعالم. إن إعلان الملائكة عن ميلاد الرب للرعاة لم يحدد لهم مغارة البهائم، ولكن قدَّم لهم معلومات عامة عن الطفل المولود وعن مكانه (لو 2: 11-20). فالطفل وُلِدَ في مدينة داود، وسوف يجدونه مقمطًا ومضجعًا في مذود. أما في إنجيل القديس متى فنجد أن نجمًا أرشد المجوس إلى الطفل المولود. وفي حالة الرعاة فإننا نفترض اعتيادهم على مثل هذه الأمور. كما أننا نلاحظ أن القديس لوقا لم يهتم أن يدوِّن في إنجيله عن مكان المغارة، وإنما اهتم بأن يوضِّح أن ملاك الرب بشَّر الرعاة بميلاد المخلص وهو المسيح الرب، وأنه أظهر لهم علامته. فكان تأكيد القديس لوقا بالأكثر على المكان الذي وُضِع فيه الطفل بسبب الظروف المحيطة بولادته، وليس على مكان المغارة التي وُلد فيها. لأنه بالنسبة للقديس لوقا -وبحسب بشارة الملاك للرعاة-  فإن المذود كان يُعتبر علامة (لو 2: 12). وعلامَ تدل هذه العلامة؟! إن هذا الأمر أصبح موضع نقاش بين الباحثين، فالبعض يعتقد أنها علامة على توفُّر الزاد والمؤونة، وشعب الله يمكن أن يأتوا إلى مذود حيث يعول الله شعبه، وليس في فندق كأنه غريب. ويكتب الأب متى المسكين عن هذه العلامة فيصفها في كلمات دقيقة فيقول: إن آية الميلاد التي وصفها الملاك للرعاة كعلامة مضمونة وأكيدة للتعرُّف على المخلص مسيح الرب، لا تزال هي بعينها آية الظهور الإلهي وآية الخلاص معًا:«طفلاً مُقمَّطًا مُضجعًا في مذود». فالله لا يتراءى إلا في عمق الاتضاع، والطفل المقمَّط المضجع في مذود هو هو الذي تقيَّد في يديه ووضعوه على الصليب، وهو هو الذي قال:"تعلموا مني، لأني وديع ومتواضع القلب»(متى 11: 29). نحن مدعوون دائمًا للتعرُّف على المسيح، ولكن قلَّ مَنْ يجده، وقلَّ من يراه، لأننا نطلبه في غير المذود ونبحث عنه خارج الصليب؛ لذلك نضيِّع العمر باطلًا. ملاك الميلاد يستحثنا أن:«وُلد لكم اليوم ... مخلص هو المسيح الرب. وهذه لكم العلامة: تجدون طفلًا مضجعًا في مذود... فولدت ابنها البكر وقمَّطته وأضجعته في المذود، إذ لم يكن لهما موضع في المنزل»(لوقا 2: 11، 7). في بساطة الطفولة، نتعرف عليه. في قيود الضعف والتسليم والطاعة، يُشرق علينا لاهوته. في فقر الجسد وعوز الطبيعة، نرى مجده ونعاين قوته وسلطانه وملكه الأبدي. وحينما يصبح "ليس لنا مكان في المنزل" حينئذ نجده. (الأب متى المسكين،"أعياد الظهور الإلهي"، الطبعة الثالثة 1992 (مزيدة)، ص 144) إن ظروف ولادة الرب يسوع تتحدَّى كل ما يمكن أن يتوقعه العالم عن مجيء المخلص. فالله جاء في صورة طفل. ملك الملوك وُلد في أكثر الظروف تواضعًا ووضع في مذود من أجل خلاصنا. --- ### القداس الإلهي (١٢) - Published: ۲۰۲۳-۰۸-۱۳ - Modified: 2023-12-10 - URL: https://tabcm.net/12554/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: آدم, إفخارستيا, الثالوث القدوس, سر المعمودية, مفهوم التجسد, مفهوم الخلاص تكملة الإجابة على سؤال: لماذا نتناول جسد الرب ودمه في سر الإفخارستيا؟ اللاهوت المسيحي في التقليد الشرقي لا يفصل بين طبيعة الله الواحد الثالوث الآب والابن والروح القدس وبين طبيعة نعمته. فالنعمة هي شخص الله ذاته. النعمة في المسيحية= اتحاد بالمسيح وسكنى الروح القدس في الإنسان: ”لأنه كما أن الجسد هو واحدٌ وله أعضاءٌ كثيرةٌ، وكلُ أعضاءِ الجسدِ الواحدِ إذا كانت كثيرة هي جسد واحد، كذلك المسيح أيضًا. لأننا جميعنا بروحٍ واحدٍ (بواسطة عمل الروح القدس في سر المعمودية المسيحية)، أيضًا (أي بشبه المسيح كونه واحد غير منقسم) اعتمدنا إلى جسدٍ واحدٍ (جسد المسيح الواحد الذي اتحد بلاهوته في بطن العذراء وبذلك نزع منه لعنة آدم الأول وتمَّم فيه تجديد الخليقة البشرية)، وجميعنا سُقينا روحًا واحدًا (وهنا لا يشير إلى عمل بل حلول الروح القدس بأقنومه ليسكن فينا في سر المَسْحَة المقدسة (الميرون): "أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ، وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ؟"(رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس 3: 16) "وَالرَّجَاءُ لاَ يُخْزِي، لأَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا". (رسالة بولس إلى رومية 5: 5) رأينا كيف أن محبة الله الآب للإنسان قد تَكَمَّلت بنعمة الخلاص الذي تمَّمه الابن فصار لنا شركة في مجال حياة الثالوث القدوس استُعلِنت بانسكاب الروح القدس في قلوبنا. فروح الله هو حياة شركة محبة ثالوثية واحدة ينبثق من الآب في الابن. هذا هو المقصود بالشركة في الطبيعة الإلهية، الذي تعلنه الكنيسة في ختام كل اجتماع لشعبها ”محبة الله الآب ونعمة الابن الوحيد وشركة وعطية الروح القدس“. نكرر ونقول إن المسيحي الأرثوذكسي ينال النعمة بأن يتحد بالطبيعة الجديدة للإنسان، التي أسسها المسيح في بشريته في إرسالية التجسد الإلهي ويعطيها للمؤمنين كولادة وخَلق جديد من فوق في سر المعمودية ”ينبغي أن تولدوا من فوق“. وأثر ذلك فإن المسيحي الأرثوذكسي ينال الروح القدس ليسكن فيه في سر الميرون. ولكن بعد المعمودية والميرون فإن المسيحي الأرثوذكسي لا يصبح هو مصدر النعمة التي نالها في هذه الأسرار. بمعنى أن النعمة لا تصبح ذاتية في الإنسان. وللتوضيح أكثر نقول نعم إن الروح القدس يسكن فينا ولكن سكنى الروح القدس وعمله فينا غير خاضع لإرادتنا، وإنما نحن الذين نخضع لإرادته. ”لا تطفئوا الروح“، فبرغم أن النعمة التي نالها المسيحي الأرثوذكسي في سر المعمودية والميرون لا تفارقه، ولكنه يظل يطلب بإلحاح -ليس لأنه لم يأخذ بل لكي يبقي في هذه النعمة- بالاستدعاء الدائم للثالوث القدوس ولنعمة الروح القدس بشكل خاص لأن الروح القدس هو مُعين الإنسان المسيحي في جهاده اليومي. ”من يأكل جسدي ويشرب دمي يكون فيي وأنا أكون فيه“،  هذا هو ما يتم في سر الإفخارستيا، فكل قداس هو حضور للمسيح القائم من بين الأموات وإعلان الله عن ذاته. كل قداس هو اتحاد بشخص ربنا يسوع المسيح وبالروح القدس لكي نصل إلى مشاهدة الله الآب ومعاينة مجده. باختصار فإننا ننال النعمة الإلهية في الأسرار الكنسية ليس لنكون نحن مصدر النعمة ولكن تظل الأسرار الكنسية هي طريقنا إلى النعمة في حركة دائمة نحو الكمال حيث أن اتحادنا بالمسيح وسكنى الروح القدس تقع خارج إنساننا العتيق (الذي جحدناه في المعمودية) إذ تتم في إنساننا الجديد المولود من فوق في سر المعمودية، ولا يمكن البقاء في الطبيعة الجديدة إلا بالاستدعاء الدائم للثالوث ولنعمة الروح القدس لكي نَكمُل نحن بالتصاقنا بالكامل. فالسر كاملُ في نعمته إذ هو اتحاد حقيقي بالمسيح وحلول تام للروح القدس وشركة في مجال حياة الآب، ولكننا محتاجين للبقاء في النعمة والاستمرار في كياننا الإنساني الجديد المخلوق في المسيح يسوع ربنا من خلال سر الإفخارستيا. في سر الإفخارستيا قدَّم لنا الرب يسوع المسيح شخصه كله غير المنقسم إلى لاهوت وناسوت، وغير المنقسم إلى أحداث (الميلاد، المعمودية، الصليب، القيامة). وفي شخص المسيح الواحد الذي نتحد به في الإفخارستيا تنجمع كل أحداث الخلاص، وليس العكس أن أحداث الخلاص المتعددة تقدم لنا شخص المسيح. في القداس الإلهي يقدم لنا المسيح شخصه الإلهي الذي تمَّم فيه لاهوته الخلاص لناسوته بالاتحاد بينهما في شخصه الواحد (الاتحاد الأقنومي). ثم ينقله فينا كيانيًا بالتناول من القدسات فنكون فيه ونثبت في قداسته التي هي صفة الله الذاتية وحده ولا توجد خارجه. بذلك نكون قديسين. وهذا هو الأساس اللاهوتي للنداء في القداس ”القدسات للقديسين. . مبارك الرب يسوع المسيح “. والسُبح لله. --- ### أسقف قوص ونقادة عدو "المدنية" - Published: ۲۰۲۳-۰۸-۱۲ - Modified: 2023-08-13 - URL: https://tabcm.net/12478/ - تصنيفات: إصلاح كنسي كان يا ما كان، يا إخوة يا كرام، مواطن قبطي غلبان، قاده حظه العاثر، لطرح سؤال شائك على أسقف قوص ونقادة، فقاله يا صاحب السعادة: أريد السفر أنا وكام نفر، لبلاد الله البعيدة، لبداية حياة جديدة، وكان هذا هو السؤال وبداية الموال. فبدأ الأسقف بالتهزيق، والشخط والزعيق، وتكسير المجاديف، وسرد بعض التخاريف، وانتهار المواطن المتعوس، الذي كان يبحث عن الرزق والفلوس، وقال له حساباتك مضروبة وأفكارك معطوبة، عايزة تتفرمت وتقدم عنها توبة، بقي دي بلاد تروحها يا فسل، وتسيب مصر يا عديم الأصل، دي بلادنا جحيمها جنة، وأوروبا جنة ما تتهنى، رايح فين؟ خليك إستنى، راح أرسيك على الإنجازات! ! الكوبري طالع من الفابريكا والمحور جديد أنتيكا، والعمارات أكوام أكوام، حد يسيبهم ويروح أمريكا؟ العيب مش عليه طبعا، العيب على صاحب السؤال، اللي بعت لأسقف يسأله عن أمور تخصه هو وأسرته وحدهم! مش كفاية إنهم حاطين مناخيرهم في كل كبيرة وصغيرة من أول اختيار شريك الحياة والوظيفة والكلية وحتى المشورة في العلاقات الجنسية! يا أخي روح أسأل مجرب ولا تسألش أسقف! المهم إن ذاك الأسقف، مبيقعدش في إيبارشيته شهرين تلاتة على بعض، مهاجر دائم إلي الشمال، مبيستحملش صيف يوليو في نقادة ولا شتا ديسمبر في قوص، ومقضيها بيزنس كلاس لأوروبا وأمريكا حيث الجو اللطيف والشواطئ الذهبية والفسح الرعوية والفخفخة والأبهة ولما يرجع من holidays بيشخط في الناس (هو ده الغرب اللي عاوزين تروحوه؟! ! ) نيافة الأسقف بيروح يتعالج ويعمل check up في الغرب الكافر كل شويه، طب طالما الغرب بعبع ووحش وكخه، بيخوف الناس منه بيروح ليه؟ بيرعب الناس من فكرة السفر مع أن نصف أسرته تعيش في ولاية فلوريدا الأمريكية! هو حلال عليك حرام على "أرمط الغلبان" اللي سألك بس عن فكرة الهجرة إنجيل ايه اللي حرفوه في كل دول الغرب وشالوا منه أجزاء كاملة واللي يعترض يسجنوه ويسحلوه ويطفوا السجاير تحت باطه، إيه شغل حكايات أمنا الغولة وأبو رجل مسلوخة اللي بتحكيها سموك للشعب دي؟! إيه حكاية الشباب اللي بيسقطوهم في الامتحانات بالعند ويطردوهم من الأشغال علشان مصريين؟! وإيه حكاية معسكرات الاعتقال اللي حاطينهم فيها واللي يخرج منها يضربوه بالنار دي ولا معسكرات الإوشفيتز! ! هو مين السبب في اللي بيموتوا غرقًا، الغرب ولا الدول اللي الناس بتهرب منها؟! مش كفاية أنه بيحبط اللي عاوز يسافر ومربي له الرعب وحطم طموحاته، لأ طبعًا لازم يحط التاتش الديني بتاعه ويصبغ كل شيء بصبغة دينية بآيات أسيء تفسيرها أو مقتطعة من سياقها علشان تخدم غرض الأسقف (في العالم سيكون لكم ضيق) فبيوهم الناس أنها ترضى بالضيق والقرف وتعيش سلبية ولا متعملش أي شيء حتى ولو عندهم فرصة للنجاة أو للحياة! مش مستغرب كلام الأسقف وهو بيشخط في الناس ويقولهم: أنتم عايشين في دلع ورفاهية ويتهمهم بالتقصير وإنهم مش وش نعمة! أنا مستغرب رد فعل المتابعين بالآلاف في الكومنتات وفرحتهم (بتهزيق وزعيق وشخط الأسقف) فيهم ودعواتهم له. ودعائهم بالخراب والدمار على أمريكا وأوروبا واللي فيها زي ما قال الأسقف! ! مآساة بكل المقاييس! للعملة وجهان، الأنبا بيمن وحازم شومان. شومان بيقول: "المدنية يعني أمك تقلع الحجاب". الأنبا بيمن بيقول: "تغور المدنية واللي عاوزها واللي فيها". فاكرين حازم شومان وهو بيلعن في المدنية؟ أهو الأنبا بيمن ومن قبله الأنبا بولا عملوا نفس الشيء في الدعاية للدولة الدينية، الاتنين عاوزينها دينية يشبعوا فيها نفوذ واستقواء وتسلط على الشعب وتحكم في كل أمور حياته. فربنا يديهم على قد نيتهم! الكوميدي في الأمر بيقولهم: (أنا مش بسرح بيكم ولا بكذب عليكم، أنا بكلمكم بالحق في كنيسة الله المقدسة) . . صادق صادق من غير حلفان! الله برئ منكم ومن أفعالكم وأقوالكم. .   هو الواحد طهق منكم من شوية! --- ### لاهوت بولس الرسول: تمهيد ومدخل - Published: ۲۰۲۳-۰۸-۱۱ - Modified: 2023-09-22 - URL: https://tabcm.net/12169/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: إسخاتولوچي, إفخارستيا, الأب متى المسكين, قديس بولس الرسول, مفهوم التجسد, مفهوم الخلاص يحتل هذا الجزء ما يربو على الخمسمائة صفحة، من القطع الكبير، ويتعرض لقضايا هي العمود الفقري للمسيحية، بدايًة من ماهية المسيح والثالوث وانتهاءً بأمور أخر الزمان، وبينهما يعرض الكاتب قضايا ومفاهيم: "الخلاص والفداء"، "الإيمان والتبرير والتقديس"، "الأسرار"، "الكنيسة"، "الحياة المسيحية والأخلاق"، كما طرحها القديس بولس الرسول، أو حسب وصف الكاتب "في لاهوت بولس الرسول"، وغير خاف على القارئ أن مصطلح "في لاهوت بولس" تعني "في ما استقر عند القديس بولس من مفاهيم لاهوتية. وبطبيعة الحال لسنا بصدد تحليل وفحص هذه القضايا، بقدر عرضها في إيجاز لا يخل بما ذهب إليه الكاتب، ولا يضيف إليه ما لم يقله، وهي مهمة دقيقة وشاقة وربما مجهدة، تحاول ألا تقع في شباك الانحيازات الذاتية، أو أن تكتب وعينه على المتربصين، والفرقاء، الذين استغرقتهم صراعاتهم. يذهب الكاتب إلى أن القديس بولس كانت مهمته الرئيسية هي البشارة بالمسيح، كتكليف مباشر من الرب يسوع المسيح: "لأَنَّ الْمَسِيحَ لَمْ يُرْسِلْنِي لأُعَمِّدَ بَلْ لأُبَشِّرَ"(رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس 17:1) ومن ثم جاءت كتابات القديس بولس ورسائله لتدعم هذه المهمة ولم يقصد منها أن تقدم منهجًا لاهوتيًا يمكن احتسابه نظرية لاهوتية، وفي هذا يقول الكاتب: فمدخل اللاهوت عند بولس لا يتبع أي منهج بأي مستوى، بل هو المسيح والمسيح نفسه الذي يتوهج نوره في فكر بولس وروحه فيأخذه نموذجًا لكل شيء، ومن هنا يأتي لاهوت بولس الرسول. فلاهوت بولس الرسول ليس تعليم المسيح ولا تقييم المسيح ولا تقييم أعمال المسيح، بل المسيح نفسه منظورًا في حياته وأعماله. فأعظم ما عرفه بولس عن المسيح وكل ما حصل عليه من المسيح وكل ما استعلنه بالروح هو شيء واحد: أن المسيح أحبه، ثم مات من أجله"أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي" غلاطية 20:2 (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») ويوجز الكاتب هذا المفهوم في قول القديس بولس:"وَأَمَّا نَحْنُ فَلَنَا فِكْرُ الْمَسِيحِ. "(1كو16:2)، الذي ترجمه في حياته"فَأَحْيَا لاَ أَنَا، بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ"(غلاطية 20:2). ويستطرد الكاتب مؤكدًا: "هذا هو لاهوت بولس الرسول، وهذا هو منهجه إن صح هذا التعبير: المسيح بشخصه الحي القائم من الأموات، منظورًا في حياته السابقة على تجسده، وفي تجسده، وفي موته وقيامته وارتفاعه وجلوسه عن يمين الآب في السموات" المسيح هو الكل في الكل "وكأن لسان حال لاهوت بولس الرسول هو وأنا سأكون أعظم لاهوتي في العالم، والعكس يكون صحيحًا: إن كنت أعظم لاهوتي في العالم وأنا لا أحوز شخص المسيح في حياتي، فأنا لست من اللاهوت في شيء، وسأعثر في بولس وفي المسيح والله وكل الناس". (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») وينتهي الكاتب إلى أن: المدخل الوحيد للاهوت بولس الرسول "ليحل المسيح بالإيمان في قلوبكم" والمسيح عندما يحل في قلب إنسان أحبه وآمن به، يحل بلاهوته ، بمعنى يحل بكل غنى مجده، يحل بوجوده السابق على التجسد، يحل بتجسده، يحل بكل تعليمه، يحل بآلامه، يحل بصليبه، يحل بموته، يحل بقيامته، يحل بارتفاعه وجلوسه عن يمينا لآب، يحل بشفاعته الدائمة لدى الآب، يحل بنعمته وروحه القدوس". (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») "ولكن أول ما يعلنه المسيح لمن أحبه هو كيف مات من أجله ! ، لأن أعظم وأجلّ عمل قام به الآب من أجل العالم ـ وتممه المسيح ـ هو بذل ابنه لكى لا يهلك كل من يؤمن به. الفدية التي قدمها المسيح بموته هي أعظم هبة وهبها الله للإنسان، لأن بموت المسيح أنقذنا من لعنة الخطية والموت ونلنا حياة جديدة. وموت المسيح باعتباره أعظم هبة وهبها الله للإنسان، فإن هذه الهبة تحمل بالضرورة كل الهبات الأخرى والعطايا وكل شيء:"اَلَّذِي لَمْ يُشْفِقْ عَلَى ابْنِهِ، بَلْ بَذَلَهُ لأَجْلِنَا أَجْمَعِينَ، كَيْفَ لاَ يَهَبُنَا أَيْضًا مَعَهُ كُلَّ شَيْءٍ؟"(رومية 33:8)،ويلاحظ القارئ هنا كلمة (معه)". (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») اللافت في هذا الجزء من الكتاب أنه يعرض بتدقيق عديد من الإشكاليات اللاهوتية بداية من ماهية المسيح، والثالوث، وقضية الفداء والخلاص، المسيرة والنتائج، ويناقش الجذور اللاهوتية للأسرار عند القديس بولس، خاصة المعمودية والإفخارستيا والزيجة، وعندما يعرض لماهية الكنيسة يوضح المفهوم الروحي لها، ولا يغفل رؤية القديس بولس للإدارة الكنسية، وأبعاد التدبير الكنسي، ولا يحلق الكاتب في سماء التنظير بل يقتحم واقعنا فيحلل منظومة الحياة المسيحية والأخلاق برأي القديس بولس، ويناقش أخلاق المسيحي تجاه الآخرين بل ومحاور الأخلاق الشخصية للفرد المسيحي. ويتناول الكاتب النظريات المختلفة التي تناولت "سر الفداء"، نظرية الفدية بدفع الثمن، نظرية التكفير بالإحلال (عقوبة بدل عقوبة)، نظرية استرضاء الله، ويبين ضعف هذه النظريات الثلاث، ثم يطرح ما يكشفه القديس بولس فيمَا يسمى "الفداء الشمولي". ويذهب بنا الكاتب الى النتائج التي ترتبت على الفداء وفي مقدمتها "المصالحة"، وإبطال عوائق المصالحة. ويفرد الكاتب فصلًا خاصًا لأمور آخر الزمان (الإسخاتولوجي) عند القديس بولس؛ بداية من تعريفها، والموت وما بعد الموت، ومجيء المسيح والظروف الملازمة له، وظهور ضد المسيح، ثم الدهر الذي يتبع مجيء المسيح. هو جزء يحرض على التفكير وإعمال العقل، وانتعاش الروح، ورحلتنا معه ممتدة وتعزيتنا منه ليست بقليلة. --- ### التطفل وخرق الخصوصية - Published: ۲۰۲۳-۰۸-۱۰ - Modified: 2023-08-10 - URL: https://tabcm.net/12354/ - تصنيفات: مقالات وآراء بلاش تطفّل وخرق خصوصية. . تعالج من شيطان فضولك. . مش كل القصص لازم تعرف تفاصيلها. اللي هاينفع تعرفه أكيد هتعرفه، واللي محدش هيقوله لك يبقى أكيد مش هايفيدك وما يخصكش، مش شرط علشان شاركتني الصلاة في موضوع معين، يبقى حقك تعرف تفاصيله، أنت شاركت علشان إحنا المفروض أعضاء في جسد واحد، ولما شاركت كنت بتقول إن ده بدافع حبك، والحب مش متطفل ولا فضولي وﻻ مؤذي لمن نحبهم. راعي إن يمكن فيه حاجات فعلا مش معروفة، وفيه حاجات ما يهمش أنها تكون معروفة، وفي حاجات ما ينفعش تكون معروفة، شكرًا لكل أعضاء الجسد الواحد اللي بيشاركوا في الصلاة والطلب عن حب ومش عن فضول وتطفل. متخليش شيطان استباحة الخصوصية يضحك عليك ويقنعك إنه حقك، وإنك بتعمل ده علشان تاخد حذرك، لأن كل واحد عقله في راسه ويعرف خلاصه، وكل واحد واعي كويس ياخد باله من نفسه. وعلشان أنا عارف برضه إن الفضول مش ها يسيبك، أصله شيطان رخم وابن لذينه، وعلشان شيطانك هيزقك على الأنبوكس، فصدقني أنا معرفش حاجة ولا عاوز أعرف، ولا هيفرق إني أعرف، أنا بكتب علشانك أنت، أيوه أنت اللي بتقرا السطور دي، هى ديه خدمتي اليومين دول، وممكن أكون بكتب على حاجة شغلاني وما تكونش هي نفس الموضوع أو الحاجة اللي شغلاك، بس لمست وسمعت معاك. بكتب علشان أقولك ركز في ورقتك، وسيبك من إجابات غيرك، شكرًا لصلاتك وخوفك، شكرًا لمحبتك واهتمامك، بس لحد هنا انتهى دورك في القصة دي و ركز بقى في قصة حياتك ولو مصمم فعلا تعرف هقولك كلمة في ودنك واللي يهمك: -إبليس خصمكم يجول كأسد زائر يلتمس كل من يبتلعه. - الأيام شريرة- المسيح على الأبواب- أنت منقوش على كفه وجوه حدقة عينه. - ما لم تره عين وما لم تسمع به أذن ما أعده الله للذين يحبونه. (اقتباسات بتصرف من الكتاب المقدس) ليه مش قادرين نصدق إننا أضعف مما نتخيل؟! ليه مش قادرين نصدق إن أكتر حاجة سهلة على إبليس أنه يغير أسماء الأشياء، الرشوة بقت هدية، والغش بقى شطارة، والتطرف بقى دفاع عن الدين، والانحلال بقى حرية، والتطفل بقى للحرص ولتوخي الحذر.   السوشيال ميديا بدون ما ناخد بالنا غيرت فينا وخلت كل واحد فينا يبقى صحفي سيء يجري وراء الخبر، وفوتوجرافر شرير يختلس لقطات وصور مش من حقه، ومحللين سيئي النية، يفترضون دائمًا الشر قبل الخير، كل واحد عين نفسه الحاكم بأمر الله حسب رؤيته وتفكيره بغض النظر عن فكرة الحدود ومساحة أمان الآخر وسلامه خصوصياته. محدش بيفكر في مدى الضرر الجسدي والنفسي والإيذاءات اللي ممكن تحصل للي قدامه، المهم يرضي غروره وفضوله ويسأل فلان وعلان لحد ما يوصل للمعلومة اللي عاوزها، علشان يفوز بالسبق، ويجري بعد كده على ده ويـ"بخ" اللي عرفه في حجر اللي يسوا وما يسواش، ومفيش مانع يحط التاتش بتاعه ويكمل من وحي خياله أي جزء من القصة على حسب هواه وكأنها جزء حقيقي من القصة، بغض النظر عن الأضرار اللي ممكن تحصل، المهم إن البيه أو الهانم يبقى معروف عنهم إنهم بيجيبوا التايهة، أو بيلقطوها وهي طايرة. الغريب بقى الازدواجية في الشخص أو الأشخاص المنقبين عن المعلومات، بيبقى عاوز يعرف كل حاجة وأي حاجة عن كل واحد وأي واحد، وفي نفس الوقت يزعل ويتضايق لو حد عمل زيه وعرف عنه معلومة. والغريب كمان إن الكل علشان يخدر نفسه وضميره، بيدعي إنه عاوز يعرف علشان يفهم وياخد حذره وميحصلش ليه زي ما حصل مع غيره، طب يا أخي وأختي الغاليين أنتم حقيقي مش عارفين؟ طب خليني أقولكم، خلوني أوعيكم عمومًا، وعمومًا دي معناها إني مش بتكلم عن قصة بعينها لكن عن كل القصص اللي حصلت وبتحصل وهتحصل علشان تاخد حذرك زي ما بتقول، لو المشكلة مش فضول وتطفل زي ما أنت مش عاوز تعترف قصاد نفسك: - في قصص بتبدأ لما بنبقى سذج، أو طيبين بزيادة وبنثق في ناس مش أهل للثقة، نحكي لهم عن مشاكلنا وأوجاعنا ونصدق إن ممكن ذئب يكون صدر حنينين أو ممكن ثعلب يبطل مكر. - وفي قصص بتبدأ لما بنبقى بنعاني من الفراغ وزهقانين ونفضل نخبط على كل باب، ونبيع الغالي بالرخيص، ونقدم تنازلات بلا هدف وبلا ثمن وبلا مقابل. - وفي قصص بتبدأ لما ما نعرفش نكون صدر حنين لحبايبنا يتسندوا عليه، أو ودن تسمع ليهم أو ايد تطبطب عليهم. - وفي قصص بتبدأ لما ما نعرفش نكون غير قساة وسيئ النية ايدينا وكرابيجنا بتسبق كلامنا، ونصدق اللي يتقال عليهم رغم إن دموعهم بتثبت براءتهم. - وفي قصص بتبدأ بالديون وفلوس ورا فلوس وكمبيالات معاها شيكات وغبي طماع ما بيشبعش وديب مفترس ما بيرحمش. - وفي قصص بتبدأ من تشكيك واستغلال لعدم معرفة، والساذج بدل ما يتقصى الحقيقة: يريّل. - في قصص فيها ابتزاز، وفيه قصص في استغلال للاحتياج، وفيه قصص جوع للحب، وفي قصص جوع للأمان، وفي قصص هروب من نار بس للنار. - وفي ناس بتحب تبتز وتقايض. . هتعملي اللي أنا عاوزه ولا أفضحك وأضحك عليك الناس. - وفي قصص ناس غلبانة بتلاقي رجليها اتجرجرت وهي مش دريانه. بس يا صاحبي مفيش قصة بطلها شخص واحد، علشان كده لو حكينا ورغينا وألفنا قصص وفتينا، بنأذي ناس كتيرة معظمهم ملهمش ذنب. علشان كده من الحكمة أحيانا إننا نسكت، والوقت اللي أنت بتدور فيه على معلومة على غيرك، روح صلح بيتك أحسن تكون في حته من زجاج، واللي بيته من زجاج ما يحدفش الناس بالطوب. --- ### أنبا ميشائيل.. وداعا - Published: ۲۰۲۳-۰۸-۰۹ - Modified: 2023-08-09 - URL: https://tabcm.net/12434/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: أنبا ميشائيل، أسقف جنوب ألمانيا في مطلع هذا الأسبوع، تنيح حبر جليل من أحبار الكنيسة المقدسة: نيافة الأنبا ميشائيل أسقف إيبارشية جَنُوب ألمانيا، أب مبارك، وراعٍ حقيقي، راهب بكل ما تعنيه الكلمة، نموذج فريد في القيادة والرعاية، له صفات مميزة جدًا ومنها: البساطة، لم أر في حياتي إنسانًا كما قال الكتاب"كونوا بسطاء كالحمام"كمثال المتنيح أبونا الأنبا ميشائيل، فقد كان بسيطًا بطبيعية ودون تكلف، كطفل بريء ونقي إلى أبعد الحدود، وزادت بساطته بعد نواله نعمة الأسقفية ولم تقل أبدًا كما كان متوقعًا. لم يطرق أحد بابه وخرج خاوي اليدين أبدًا -ما يكسفش حد أبدًا- وأنا شاهد عِيان، ذلك الدير عاش العمر كله مفتوحا للكل بلا استثناء، لمن يأتي من أنحاء ألمانيا أو من خارجها. من يأتي للخدمة ومن يطلب ويتحرك هو بنفسه، لا يرسل آخر من أجل طلب ما، لكن يتحرك هو بنفسه، ممكن تشوفه يحمل صينية عليها طعام وذاهب بها لأحدهم أو يحمل معطف أو بطانية ويوصلها لضيوف في الدير وهكذا. لم يفرق يومًا بين إنسان وآخر حسب مكانته أو حالته المادية أو حتى جنسيته أو ديانته، الكل عنده سواء بكل ما تعنيه الكلمة. إنسان متضع بطبيعته، فاقد لأي رغبة في الظهور أو التواجد تحت الأضواء، بالرغم من أنه شخصية قيادية ويتخذ قرارات قوية، لكن لا يحب أبدًا أن يكون في الصفوف الأولى وهذا كان بالنسبة له مشكله كبيرة بعد الأسقفية، لكنه كان باتضاع جم يقدم الآباء الكهنة والأراخنة ويتراجع هو (ما أنساش في زيارات قداسة البابا تواضروس لألمانيا كان طول الوقت ينده عليه ويطلب منه يفضل جنبه لأنه كان يروح يهتم بالتفاصيل ويحاول يبعد عن الأضواء). لا يوجد في دير أنبا أنطونيوس بـ"كروفل باخ" الذى أسسه منذ أكثر من أربعين عامًا، صورة واحدة معلقة لنيافة أنبا ميشائيل قبل أو بعد رسامته أسقفًا، ولم يكن يحمل عصا الأسقفية أو حتى العِمَامَة إلا إذا كان هناك واجب رسمي، وإذا انتهى، عاد لصورته الرهبانية البسيطة فورًا. أنبا ميشائيل كان خفيف الدَّم جدًا، وإذا صادف وجلست معه لا ينتهي الضحك أبدًا، وله ضحكة جميلة ومريحة للنفس إلى أبعد حد. تتقلب الأحداث في الدول والكنائس، وتختلف الآراء، ويتحزب الجميع، أما هو فله منهج واحد، لا يحيد عنه أبدًا، الطاعة في الكنيسة واتباع النظم والتعليمات في الدولة وتقديم صورة المسيح المحب للجميع بلا أي استثناء. تكوين شخصية المتنيح أنبا ميشائيل، جعلت منه  شخصية نادرة الوجود في زماننا الحالي، وفقدانه خسارة كبيرة جدا صعب تعويضها. ربنا يعزينا في رحيله بصلواته عنا وينيح (يريح) نفسه الطاهرة الغالية في فردوس النعيم ويعطي حكمة لمن يأتي بعده. --- ### القداس الإلهي (١١) - Published: ۲۰۲۳-۰۸-۰۸ - Modified: 2023-12-10 - URL: https://tabcm.net/12421/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: آدم, إفخارستيا, القداس الكيرلسي, سر المعمودية, مفهوم التجسد, مفهوم الخلاص, يوحنا الحبيب لماذا نتناول جسد الرب ودمه في سر الإفخارستيا؟ نعلم أن الرب يسوع المسيح تجسد من العذراء مريم لكي يُخلِّص البشرية من مصير الموت الذي دخل طبيعة آدم بسبب الخطية، الذي يسميه الكتاب ”موت الخطية“. لهذا أخذ المسيح جسدًا بشريًا لكي يبيد منه الخطية والموت. هذا واضح من قول الكتاب ”فإذ قد تشارك الأولاد (ذرية آدم) في اللحم والدم اشترك هو أيضًا (المسيح ابن الله) كذلك فيهما لكي يُبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت أي إبليس“ (عبرانيين ١٤:٢). صار المسيح ابن الله واحدًا منَّا، مِثلنا في كل شيء لأنه أشترك في طبيعتنا البشرية التي أخذناها من آدم الأول ”يشبه أخوته في كل شيء“ (عبرانيين١٧:٢). ويؤكد الكتاب على هذه الوحدة في الطبيعة البشرية بين المسيح الذي قدَّسنا، وبيننا نحن البشر الذين تقدَّسنا فيه ”لأن المقدِّس (بكسر الدال) والمقدَّسين (بفتح الدال) جميعهم من واحد، فلهذا لا يستحي أن يدعوهم إخوة“ (عبرانيين١١:٢). أكمل المسيح المتجسِد تدبير خلاص الجنس البشري الذي اتحد به، وبسبب هذا الخلاص صارت بشريته التي يلبسها طبيعة جديدة. وكما صار المسيح واحدًا مع البشر بالتجسد عندما أخذ بشرية آدم الأول من العذراء مريم، هكذا ظل واحدًا مع البشر عندما صار آدم الثاني بالخلاص الذي تممه في جسده الذي هو جسدنا الذي أخذه منا: ”من أجل ذلك كأنما بإنسانٍ واحدٍ (آدم الأول) دخلت الخطية إلى العالم وبالخطية الموت، وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع. . هكذا ببرٍّ واحدٍ (آدم الثاني/ يسوع المسيح) صارت الهبة إلى جميع الناس، لتبرير الحياة“ (رومية ١٢:٥). ولذلك فإن المسيح آدم الثاني يجمع الكل معًا في واحدٍ هو نفسه ”ليجمع أبناء الله المتفرقين إلى واحدٍ (آدم الثاني)“ (يوحنا٥٢:١١). واضح أن الوحدة بين المسيح ابن الله والبشر كانت بسبب اشتراك المسيح في طبيعتنا الموروثة من آدم الأول عبر العذراء مريم، أمَّا وحدتنا في بشرية المسيح الجديدة كآدم الثاني فهي وحدة سرية تتم بالروح القدس في الذين يؤمنون من خلال سر المعمودية والإفخارستيا. في المعمودية المقدسة: نحن ننال الطبيعة الجديدة للإنسان التي تأسست في بشرية المسيح يسوع آدم الثاني. فالروح القدس هو الذي يجعلنا أعضاء في جسد المسيح آدم الثاني: ”لأننا جميعنا بروحٍ واحدٍ أيضًا اعتمدنا إلي جسد واحد(جسد المسيح)“(رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس ١٣:١٢) وفي سر الإفخارستيا: نحن نواظب على التناول من جسد الرب ودمه الذي يحمل إلينا شخصه القدوس لتنمو فينا الطبيعة الجديدة بوحدتنا في شخصه المبارك ليتواكب مع تقدمنا روحيًا في مسيرة الملكوت ”وكان الصبي (يسوع المسيح) ينمو ويتقوى بالروح ممتلئًا حكمةً، وكانت نعمة الله عليه“(لوقا ٤٠:٢). إن امتلائنا المستمر بالرب تشير إليه صلاتنا إلي الأان في صلاة القسمة بالقداس الكيرلسي: "لكي نأتي إليك، وأنت تأتي إلينا، وتحل فينا بروحك القدوس“(صلاة القسمة القداس الكيرلسي) "نحن نأتي إليك": لأنك يا رب أعطيتنا أن نستدعي الروح القدس بالصلوات في القداس ليطهِّر أي يقدِّس القرابين الموضوعة وينقلها ويعلنها ويُظهرها قدسات المسيح/ أي جسده ودمه لنتناول منها ”يا الله الذي قدَّس هذه القرابين الموضوعة بحلول روحك القدوس عليها وطهَّرتها“. "أنت تأتي إلينا“: هكذا نصلي في صلاة القسمة بالقداس الكيرلسي: ”عند نزول مجدك علي أسرارك، تُرفَع عقولنا لمشاهدة جلالك. عند أستحالة الخبز والخمر إلى جسدك ودمك تتحوّل نفوسنا إلى مشاركة مجدك وتتحد نفوسنا بألوهيتك“. (صلاة القسمة القداس الكيرلسي) هذا ما نصلي به في القداس الإلهي ونقول: ”اجعلنا مستحقين كلنا ياسيدنا أن نتناول من قدساتك (أسرارك) طهارة لأنفسنا وأجسادنا وأرواحنا لكي نكون جسداً واحداً... “.  (القداس الإلهي) في سر الإفخارستيا نحن نتحد في المسيح إلهنا آدم الثاني ونصير فيه جسدًا واحدًا تأكيدًا لاتحاده بجسدنا في بيت لحم. من هنا قال الكتاب إن ”الكنيسة هي جسد المسيح“ وإن المؤمنين به هم ”لحمٌ من لحمه وعظمٌ من عظمه“. والسُبح لله. بقلم د. رءوف إدوارد. --- ### مغارة الميلاد في بيت لحم (١) - Published: ۲۰۲۳-۰۸-۰۷ - Modified: 2023-08-06 - URL: https://tabcm.net/12412/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, كتاب مقدس - وسوم: ٢٥ ديسمبر, جايوس فلاڤيوس ڤاليريوس أوريلوس قسطنطينوس, عيد الميلاد, قديس يوستينوس الشهيد, كريسماس, مفهوم الرهبنة, هادريان, يوسف النجار يحتفل العالم المسيحي في كل عام بذكرى ميلاد ربنا يسوع المسيح، ويحتفل الغرب بهذه الذكرى في يوم 25 ديسمبر، في حين تبدأ الكنيسة الشرقية احتفالات الميلاد من عشية يوم 6 يناير. ومهما يكُن موعد الاحتفال بهذه الذكرى، فإنه من المؤكد أنها تُعد أكثر المناسبات احتفالًا بها في العالم؛ وهي أيضًا الأكثر بهجة من كل ما عداها! وإذا سألت عن وصفٍ لمشاهد الاحتفال بعيد الميلاد، فإن الغربيين يقدِّمون وصفًا مبنيًا على مفاهيم تقليدية تشكَّلت على مدى قرون من التصوير الفني لهذه الذكرى، نجده مُمثلًا في بطاقات الكريسماس والصور المرسومة، بل والنماذج المجسمة المأخوذة من واقع الحياة. ففي معظم الأحيان نجد أن المنظر التقليدي للميلاد يتم تصويره بطريقة حيَّة. فنجد تماثيل للعذراء مريم والطفل يسوع ويوسف الشيخ، والمجوس، وبعض الحيوانات، والرعاة، ومذود البقر، وفي غالب الأحوال نجد تجسيمًا للمغارة التي التجأت إليها العائلة المقدسة. هذا المنظر التقليدي يتم تصويره منذ أجيال طويلة وله مكانة في قلوب الملايين من المسيحيين. وليس من المستغرب أن يكون هذا المشهد أكثر المشاهد المعتادة في تاريخ الفن. وفي الحقيقة، لم يصبح لمنظر مغارة الميلاد هذه الشعبية إلا منذ عام 1223م، عندما زين القديس فرنسيس الأسيزي(1)المذود في بلدة جريشيو Greccio بإيطاليا. ومنذ ذلك التاريخ بدأ  كل جيل بتصوير الميلاد حسب خلفيته التقليدية بما يتناسب مع بيئته، شرقية كانت أم غربية. وقد تكون الظروف الحقيقية التي أحاطت بميلاد الرب يسوع مختلفة بعض الشيء عن هذه المناظر التقليدية التي يصوِّرها المؤمنون لهذه الذكرى. هناك تقليد قديم يعطينا فكرة عن الظروف التي أحاطت بميلاد الرب يسوع، إذ يحدد هذا التقليد ميلاد المخلِّص في مغارة كبيرة كانت تستخدم كحظيرة للبهائم في بلدة بيت لحم. ويتضح من النص الوارد في (لوقا 2: 7) إن المسيح الطفل وُضع في مذود:«فولدت ابنها البكر وقمَّطته وأضجعته في المذود، إذ لم يكن لهما موضع في المنزل». ولم يأتِ هنا ذكر للمغارة، ولكن هذا ليس بمستبعد، لأن المغائر كانت دائمًا مسكنًا وملجأً للناس والبهائم في إسرائيل منذ أزمنة قديمة. وهذا التقليد عن ميلاد الرب في المغارة يعود إلى ما قبل منتصف القرن الثاني. فقد ذكره القديس يوستينوس الشهيد في حواره مع تريفو اليهودي، وقد كُتِبَ هذا الحوار بعد منتصف القرن الثاني بقليل، وجاء فيه: وعن ولادة الصبي في بيت لحم، لم يستطع يوسف أن يجد مكانًا لهم في القرية. لذلك فإنه أقام في مغارة بقرب القرية. وبينما هما هناك ولدت القديسة مريم الطفل يسوع ووضعته في مذود. وهنا وجده المجوس الذين حضروا من بلاد العرب. (حوار مع تريفو اليهودي: 78: 5) ويقول العلاَّمة أوريجانوس الإسكندري (أوائل القرن الثالث)، الذي كان في فلسطين منذ عام 215م وما بعدها؛ إن يسوع قد وُلد في مغارة. وفي كتابه "ضد كلسوس"، الذي كتبه عام 248 م، يقول كما لو أنه قد شاهد المغارة بنفسه: إنه بالتوافق مع قصة الإنجيل عن الميلاد، فإننا نجد في بيت لحم المغارة حيث وُلد الرب، والمذود حيث قمطته العذراء ووضعته. وهذا المشهد يُحكى عنه الكثير في الأماكن المجاورة، حتى بين غير المؤمنين. ويُقال عنه الكثير في الأماكن المجاورة حتى بين غير المؤمنين. ويُقال عنه إنه في هذا الكهف وُلد يسوع الذي يعبده ويكرمه المسيحيون. (أوريجانوس: ضد كلسس 1: 51) ومن المثير أنه خلال حكم الإمبراطور هادريان (117 - 138م)، وبعد قمع ثورة بار كوخبا، وفي محاولة لإزالة أماكن المسيحيين المقدسة؛ تم تكريس بستان لأدونيس (إله الخصب). وبعد الثورة تم طرد اليهود من بيت لحم والأماكن المجاورة، وتم تسوية القرية بالأرض وتدنيس مكان الميلاد لأنه كان من المعتقد أن بيت لحم أصبحت كنيسة مسيحية. الذي يُدهش له أن هذا التصرُّف من جانب الرومان قد حدد وحفظ الموقع الذي يعتقد المسيحيون الأوائل أن الطفل يسوع قد وُلد فيه. ويقول الأسقف يوسابيوس المؤرخ إن الإمبراطور قسطنطين ووالدته الملكة هيلانه قد أقاما كنيسة سنة 326م فوق هذه المغارة، وزيناها بعطايا ثمينة. والمبنى الذي أقاماه كان عبارة عن مبنى ثُماني الأضلاع، طول الضلع الواحد 26 قدمًا، وقد بُنِيَ فوق المغارة مباشرة، وتم تجهيز المغارة لإقامة الصلوات فيها. وقد أُلحق هذا المبنى الثُماني بالبازيليكا بعد ذلك. وكانت البازيليكا مربعة الشكل وطول ضلعها 87 قدمًا، وكانت مقسمة بواسطة أربع صفوف من الأعمدة، ويتكون كل صف من تسعة أعمدة، وكانت تستخدم لاجتماع المسيحيين. وقد ذهب القديس جيروم سنة 386 م إلى بيت لحم وأقام هناك، وهو المشهور بترجمته للفولجاتا (وهي التَّرْجَمَةً اللاتينية للإنجيل). وفي خلال سنوات قليلة تجمَّع حوله مجمع من الرهبان مع القديسة باولا (إحدى ثَرِيَّات إيطاليا). وفي خلال هذه الفترة تم بناء ديرين ملحقين بالكنيسة: أحدهما للرهبان، والآخر للراهبات. وواصل القديس جيروم دراساته في بيت لحم في الأربع والثلاثين سنة التالية من حياته. وكان يُترجم ويكتب ويعلِّم علم اللاهوت للرهبان، كما أنه فتح مدرسة لأطفال المناطق المجاورة للدير. وعاش القديس جيروم في مغارة بالقرب من مغارة الميلاد حتى وفاته سنة 420 م. وفي سنة 1934م، قام و. هارفي W. Harvey بدراسة أثرية لكنيسة الميلاد. وقد برهن عمله على أن الكنيسة الحالية يعود تاريخها إلى أيام جوستنيان وليس قسطنطين الأول. وأوضح هارفي أن كنيسة الميلاد الحالية قد بُنيت جزئيًا على أساسات الكنيسة التي أقامها قسطنطين الكبير. ويبدو أن الكنيسة الأصلية قد تهدَّمت خلال ثورة السامريين سنة 529م، لأن هناك طبقة من المواد المحترقة وُجدت فوق الأرض الموزاييك. (يتبع) (1)وُلد في بلدة أسيزي بإيطاليا عام 1182م، وأسس الرهبنة الفرنسيسكانية التي اعترف بها البابا إينوسنت الثالث. وأسس أيضًا رهبنة للعذارى بمساعدة الأم كلارا عام 1213م، وتوفي عام 1226م. --- ### مئوية بطريرك.. من يتذكر ومن يدير الصراع؟ - Published: ۲۰۲۳-۰۸-۰٦ - Modified: 2023-08-06 - URL: https://tabcm.net/12397/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: أنبا إرميا، الأسقف العام, الكنيسة القبطية, المركز الثقافي القبطي, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, مار مرقس الرسول في الذكرى المئة لميلاد مثلث الرحمات، قداسة البابا شنودة الثالث، نتذكر جميعا هذا "الرجل"، والوصف هذا يكفيه، فالكتاب المقدس حرص على أن يصف المؤمنين ويحفزهم على التشدد والاحتمال والرجولة: "كونوا رجالا. . تقووا. . " (رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس 16: 13) "تقووا، كونوا رجال" فالأمر يحتاج إلى "الرجولة" كثيرًا، ربما أكثر مما يحتاج إلى الإدارة ومفاهيمها المعقدة. على مدار قرابة الخمسين سنة، وقف شنودة الثالث معلم وأب وراعٍ ومثقف وسياسي، تاركًا بصماته في كل بيت قبطي، جذب الأنظار إليه بشخصية زعامية من طراز فريد جعلت الأعين تتجه إليه في وقت الأزمات الصعبة، فهو كان دوما "فاعل"، لا "مفعول به"، ولا "رد فعل"، فهو قادر على وزن الأمور بشكل استثنائي عن مجرد رجل دين تقليدي. من ناحية أخرى، لا ينكر متابع أن أزمة مثلث الرحمات كانت فيمن اختارهم مساعدين له في العقد الأخير من عمره، إذ نظر كلا المساعدان "السكرتارية الأكثر شهرة" إلى أنفسهم كأوصياء على الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، بل أنهم أوصياء على كل الأقباط بالتبعية، في حين توارى في الظل وبعيدًا عن الصراع اثنان آخران: نيافة الأنبا بطرس، مؤسس قناة أغابي، والمتنيح الأب أنسطاسي الصموئيلي". وبعد اعتلاء البابا تواضروس الثاني "المختلف منهجيًا تمامًا عن البابا شنودة" لكرسي مار مرقس، ارتاحت الكنيسة جزئيًا من الصراع المكتوم بين الأسقفين، وذلك بتجليس أحدهما كخليفة لأكبر مطارنة الصعيد، واستمر الصراع من الآخر مرتديا عباءة الدفاع عن البابا شنودة وتاريخه وملكيته "هو" والحصرية لكل تراث البابا شنودة. ولا يزال الأسقف الأخير يدير الصراع مع البابا تواضروس لابسا لعباءة البابا شنودة، حتى إنه لم يدع البابا تواضروس الثاني لاحتفالية مئوية البابا شنودة إلا متأخرًا، وذلك لكي يضع البابا تواضروس في حرج أمام الشعب، فان لم يحضر فهو "كاره"، وإن حضر فهو رجل يمكن تجاوزه في الكنيسة القبطية. نحب البابا شنودة كأبناء له، ونثق فيمَا سلمه من إيمان، وفيما قدمه من عطاء، لكن، إلى متى يتم الطعن من خلف صورته؟ وحديثي هنا غير موجّه للمعترضين على بعض الأمور التي قام بها البابا تواضروس الثاني، فمن حق الجميع الاعتراض والاستفهام وأثق فيهم تمام الثقة وفي حسن نواياهم. لكن حديثي هنا لمن يستغل مكانه، ومكانته، وهؤلاء العاصيين، في إدارة صراع مكتوم ضد رأس الكنيسة القبطية، إلى متى؟ --- ### هل حاول السادات التخلص من البابا شنودة؟ - Published: ۲۰۲۳-۰۸-۰۵ - Modified: 2025-04-05 - URL: https://tabcm.net/12362/ - تصنيفات: شئون علمانية - وسوم: أجاثا كريستي, أنبا أغاثون، أسقف مغاغة والعدوة, أنبا بيشوي، مطران دمياط وكفر الشيخ, الشرق الأوسط, العلمانية, القصة وما فيها, الكرسي المرقسي, المجمع المقدس, بابا شنودة الثالث, بابا يوساب الثاني, بولس الأنبا بيشوي, حماة الإيمان, رئيس محمد أنور السادات, ريهام عياد, كمال زاخر, محمد منطاوي, مراد وهبة, معمر القذافي, مينا أسعد كامل, نانسي مجدي, نجيب جبرائيل, وكالة أنباء الشرق الأوسط تعمد السادات زيارة الكاتدرائية ظهرا، حتى إذا جاء ميعاد الصلاة طلب سجّادة ومكانا للوضوء داخل المقر البابوي مصرا أن يصلي بابا الأقباط صلاة الظهر ويعمل ركعتين على سبيل "الأسلمة الوطنية"، بينما السادات -الذي يؤم الصلاة- متعب ويجوز له الإمامة جالسا. ونشرت الدولة الصورة تحت عنوان: صلاة من أجل مصر منذ أيام، استيقظت على جرس هاتف من صديقة، فالميديا القبطية ضجّت من حلقة "ريهام عياد" المعنونة "هل حاول السادات التخلص من البابا شنودة؟"، مما أدى لحذفها من فريق عمل برنامج "القصة وما فيها". لم تكن الحلقة مثار الجدل متاحة بعد أن تم حذفها، والذي كان متاحًا وقت بحثي عبارة عن ثلاثة فيديوهات تلوم حلقة ﻻ نراها. تابعت إثنين من الثلاثة على عجالة: واحد للإعلامية على القنوات القبطية نانسي مجدي، والأخر لشماس برتبة دياكون (مساعد كاهن) دُعِى ديوسقورس من فم الأنبا أغاثون، أسقف مغاغة والعدوة، ورسامته كشماس مزارع خاصة تجعل رتبته معتلّة ومثار طعن، لذا سنخاطبه هنا باسمه العلماني: مينا أسعد كامل، مؤسس رابطة حماة الإيمان. بدا لي أن الأستاذة "نانسي" ليست ذات خبرة في العمل العام وأن خبرتها منعزلة داخل المجال الكنسي بثقافته الدينية المميزة. خلاصة كلامها أن أسلوب "ريهام عياد" غير ﻻئق دينيًا، وربما متعمدة لإهانة رمز ديني كقداسة البابا شنودة الثالث. في الحقيقة لقد شاهدت "ريهام عيّاد" في حلقات متعددة، وأستطيع التوكيد على أن أسلوبها الشعبي هكذا دائمًا حتى مع رؤساء الدولة، والمهم في البرامج هو مدى دقة السردية، وليس الأشياء الضميرية الخبيئة مثل مقاصد ونوايا المتكلم. جميع ما أزعج الأستاذة "نانسي" هو شكلاني غير موضوعي ويمكن رده للاستنكار المعرفي لأي شخص نشأ في وسط كنسي محافظ، وهو نفس ما تم تكراره في فيديو ﻻحق للأب الراهب بولس الأنبا بيشوي، والذي تم تقديمه إعلاميا بوصفه "سكرتير البابا شنودة" الراحل. كلاهما ارتأى مشكلة عويصة في القول بأن مجموعة المستنيرين والمثقفين والمؤسسين لمدراس الأحد (العلمانيين): دخلوا الدير بهدف الوصول لسلطة دينية في مفصليات الكنيسة. . بالنسبة لهم هذا عيب! ! طيب الصح إيه؟ الرهبنة هي الهدف بذاتها! ! والأدلة هي إيه؟ قصائد كتبها الراهب أنطونيوس السرياني (الأنبا شنودة ﻻحقا)، تلك كانت كل الأدوات لحسم مسائل ضميرية! ! أنظر للقصيدة وعش مع الأدب والحالة الشعرية! ! هل هكذا ينبغي التعامل مع الرموز والشخصيات العامة في المناصب الحساسة كالباباوية؟ أن يتم تقييمهم وفقا لمعايير الرومانسية؟ بزعمي، هذا تخدير عاطفي. .   فالروائية "أجاثا كريستي" كتبت مئات القصص عن مئات الجرائم، هل هذا يجعل منها "مجرمة"؟ أو هل نستطيع تقييمها على أنها شخصية سيكوباتية مثلا؟! الأستاذ نظير جيد له قصيدة وقتما كان طالبا بكلّية اﻵداب عن طموحة في أن يكون عميدا للكلية، يكلم فيها زملائه ويقول: أنا لما هابقى عميد هالغيلكم الجغرافيا من المنهج وأعمل وأسوي وأنغنغكم وأخليكم تنجحوا بدون مجهود. . هل يمكن أن تؤخذ هذه القصيدة كدليل على الوصولية وإن له مطامح في الزعامة؟! ﻻ ﻻ طبعا وده اللي اسمه بجد عيب! منهج الاستدلال نفسه ظني، ويمكن أن يستخدم في الشيء ونقيضه! طموح الإنسان، شهوة سلطة للرهبان أيا كان المسمى الملائم لشغف الإنسان في أن يكون مؤثرًا في تغيير العالم للأفضل، فموضوع "شهوة السلطة" لدى البابا شنودة ربما يكون شيئا معيبًا وفق النسك الرهبانية التي تجبن عن الاحتكاك بالعالم  وتعتبره "عالم شرير" ينبغي اجتنابه. لكنه شيء مشروع ومباح إداريًا وسياسيًا وإنسانيًا في أي سلطة ذات رؤية ومشروع. من قال أن الرهبان هم استثناء من البشر ﻻ ينطبق عليهم علم النفس وعلم الاجتماع؟ وما دليله؟ هذا كلام نظري طوباوي مثالي جدا وﻻ علاقة له لا بالتاريخ وﻻ بطبائع البشر وﻻ حتى له علاقة بالواقع، إذ تنفيه نَظْرَة عابرة لبهرجة الأساقفة في سياراتهم أو مكاتبهم أو تذاكر الطيران درجة أولى! إن كانت أدواتنا هي التاريخ ﻻ إعلام المخدرات الشعورية الأدبية، فوقت خلو الكرسي المرقسي عقب رحيل البابا يوساب الثاني، تقدم الراهب أنطونيوس السرياني -مع آخرين من تياره- للكرسي البطريركي، وفشلوا وتم استبعادهم بقانون وضع خصيصا لإبعاد الشباب حديث الرهبنة. وكل هذا مكتوب ومذكور في كل تأريخات وتدوينات الكنيسة من المعاصرين. لكن الأهم -برأيي- في مسالة شهوة السلطة هو ما كتبه د. "مراد وهبة" رفيق "نظير جيد" في مقال يصف فيه حوار شخصي بينهما على مقهى محطة مصر قبيل فكرة الرهبنة مباشرة. . والمقال نشر في حياة البابا عدة مرات دون أدنى اعتراض منه. نبدأ ‏من‏ ‏المجمع‏ ‏المقدس‏ ‏المكون‏ ‏من‏ ‏أساقفة‏ ‏ومطارنة‏ ‏هم‏ ‏في‏ ‏الأصل‏ ‏رهبان‏ ‏وعددهم‏ ‏محدود‏ ‏وغير‏ ‏قابلين‏ ‏للعزل، ‏وبالتالي‏ ‏فإنك‏ ‏إذا‏ ‏أردت‏ ‏التخلص‏ ‏من‏ ‏أحدهم‏ ‏بسبب‏ ‏فساد‏ ‏ما‏، ‏فعليك‏ ‏الانتظار‏ ‏حتي‏ ‏يغادر‏ ‏هذه‏ ‏الحياة. ثمة‏ ‏طريق‏ ‏آخر‏ ‏وهو‏ ‏مضاعفة‏ ‏عدد‏ ‏أعضاء‏ ‏المجمع‏ ‏المقدس‏، ‏إلا‏ ‏أن‏ ‏هذه‏ ‏المضاعفة‏ ‏ليست‏ ‏ممكنة‏ ‏إلا‏ ‏بمضاعفة‏ ‏الإيبارشيات‏ ‏وذلك‏ ‏بتقسيم‏ ‏محافظات‏ ‏مصر‏، ‏بذلك‏ ‏يمكن‏ ‏رسامة‏ ‏أساقفة‏ ‏ومطارنة‏ ‏جدد‏ ‏علي‏ ‏الإيبارشيات‏ ‏الجديدة ‏ ثم‏ استطرد‏ ‏نظير‏ ‏جيد‏ ‏قائلا‏: ويمكن‏ ‏أيضا‏ ‏رسامة‏ ‏أساقفة‏ ‏عموم‏، ‏أي‏ ‏أساقفة‏ ‏بلا‏ ‏إيبارشيات‏ ‏مثل‏‏ ‏أسقف‏ ‏للتعليم‏ ‏الديني‏ ‏وأسقف‏ ‏للخدمات‏ ‏العامة‏. ‏لمعت‏ ‏فكرة‏ ‏في‏ ‏عقل‏ ‏نظير‏ ‏جيد‏، ‏قال‏: ‏إذن‏ ‏نتجه‏ ‏إلي‏ ‏خدّام‏ ‏مدارس‏ ‏الأحد‏ ‏ونحرّضهم‏ ‏علي‏ ‏الرهبنة‏، ثم‏ ‏نختار‏ ‏منهم‏ ‏بعد‏ ‏ذلك‏ ‏من‏ ‏يكون‏ ‏صالحا‏ ‏لإحداث‏ ‏التغيير‏ ‏المنشود‏" ‏وقد‏ ‏كان. ‏إذ‏ ‏تمركز‏ ‏هذا‏ ‏التحريض‏ ‏في‏ ‏مدارس‏ ‏الأحد‏ ‏بكنيسة‏ ‏الأنبا‏ ‏أنطونيوس‏ ‏حيث‏ ‏كان‏ ‏نظير‏ ‏جيد‏ ‏من‏ ‏روادها‏ ‏الكبار‏ ‏إلي‏ ‏الحد‏ ‏الذي‏ ‏كان‏ ‏ينظر‏ ‏إليه‏ ‏علي‏ ‏أنه‏ ‏شخصية‏ ‏كاريزمية‏. ‏ وبدأ‏ ‏نظير‏ ‏جيد‏ ‏بنفسه‏ ‏فتردد‏ ‏علي‏ ‏دير‏ ‏السريان‏ ‏حيث‏ ‏كان‏ ‏يقيم‏ ‏أبوه‏ ‏الروحي‏ ‏الراهب‏ ‏الأب‏ ‏متي‏ ‏المسكين‏. (مقتطفات من حديث "نظير جيد" مع  "مراد وهبة" على مقهى محطة مصر) وهذا يقودنا للفيديو الآخر لديسقورس المزارع: مينا أسعد كامل، مؤسس رابطة حماة الإيمان! إذ يبدو أنه خلط بين المنظّر للعلمانية د. مراد وهبة، وبين المؤسس للتيار العلماني المسيحي كمال زاخر وأغلب الفيديو عبارة عن جرائم تحريض وبث أكاذيب وهجوم شخصي على أي شخص يعبر بجوار الفيديو ولو على سبيل الصدفة! ! إذ بعد حركات عرضحالجية مثل عدم ذكر الأسماء حتى ﻻ يطاله القانون، زعم إن مؤسس التيار العلماني (كمال زاخر) قام بـ "حركة" غير ﻻئقة أمام نعش البابا شنودة والناس كلها شافته بس هو مش هايقول إيه الحركة. . وشخص من زملاء المزرعة دخل ليسانده في هذا التشهير مما دعى ديسقوروس المزارع الخلوق للتكرار: مفيش داعي نتكلم ومش هنقول عمل إيه. . شخصيًا، تخيلت إن أستاذ كمال قام بسلوك يعاقب عليه القانون في صندوق النعش! طرطر عليه مثلا. . ماهو كل واحد وخياله، والمجال مفتوح لإبداعك الظني بعد مفاعل ديسقورنوبيل لتخصيب اليورانيم ما اشتعل. تواصلت مع أستاذي كمال زاخر وسألته مازحا عن المنكر الذي فعل، ليتضح إن أستاذ كمال لم يطأ الجِنازة من الأساس! ! ناس أفاقة مدعية ضاربة أكونت قديس وﻻبسة هدوم شماشرجي قرن أوسطي صابغ صدره أسود، وقاعدة تلقح وتحرض على شخصيات عامة معروفة بالاسم بكلام أقل ما يقال عنه إنه وساخة! ! هي دي حماية الإيمان وﻻ دي أخلاق ناس مش مؤمنة وكفار حتى؟! بزعمي دي أزمة تربية مش أزمة إيمان! هل حاول السادات التخلص من البابا شنودة؟ استطعت الحصول على نسخة مسجّلة لحلقة "ريهام عياد"، وشاهدت الحلقة بتمعّن. وبكل صدق لم أجد ثمة معلومات خاطئة. . ربما هناك بعض الأمور المتعلقة بالموضوعية يمكن أن يعتبرها البعض إعلامًا موجهًا، وسأذكر أهمها: التناول كان منحاز للسادات الذي لم يكن قطعا بهذه الطيبة والعقلانية. برأيي أن كثير من قرارات البابا شنودة تعتبر عبقرية وفقا للمعايير السياسية، وربما لو عمل شيئا آخر ، لكانت "خربت أكتر". . وبالمعايير السياسية البحتة يمكن أن نرى البابا شنودة ﻻعب "هجمة مرتدة" تندم صاحبها، لكنه لم يكن صانعا لأحداث عنف مثلا،، والفيديو، (عبر إخفاء كثير من مواقف السادات الطائفية) جعلني أرى البابا "غاوي مشاكل" وليس "متصديا ماهرا لواقع مفروض عليه بسلطة الدولة"، (وأنا لست من أبناء البابا شنودة نهائيًا وهذا معروف) فيه مواطن اتقتل من أخوه المواطن الإرهابي، وحطوا سيخ حديد مسلح في مؤخرة الجثة لحد ما طلعت من راسه، وعلقوه في بلكونة بحيث الدم ينقط ويتصفى ويعمل بركة دم مرعبة في الشارع كله. . هذا ما نعرفه كأقباط عن مقولة السادات "غسيل مواطن نقط على أخوه المواطن والظاهر إن الميّة مش وﻻبد"! ! الرئيس المؤمن السادات في أكتوبر عام ١٩٧٧تعمد زيارة الكاتدرائية في الظهيرة، حتى إذا جاء ميعاد صلاة الظهر، طلب سجّادة صلاة ومكانا للوضوء داخل المقر البابوي، وأصر على أن يصلي بابا الأقباط مع الوفد المرافق صلاة الظهر ويعمل ركعتين على سبيل "الأسلمة الوطنية"، بينما السادات -الذي يؤم الصلاة- متعب قليلًا، ويجوز له الإمامة وهو جالس على كرسي. أخذا معه مصور جريدة الدولة بالإضاءة بكل ما يلزم بحيث صحافة الدولة تنشر الصورة تحت عنوان: "صلاة من أجل مصر"! نعم، كان البابا شنودة يمارس السياسة، لكن السادات أيضا كان ﻻعبا دينيًا وليس فقط رئيس دولة!  فما المطلوب منا كمشاهدين تقييمه؟ أيضا كان هناك بعض المبالغات مع الاعتماد على مصادر "معفنة" نوعا. قصة "محاولة السادات اغتيال البابا بصاروخ" ليس مصدرها وكالة أنباء الشرق الأوسط، وإنما سيادة المستشار نجيب جبرائيل في مقال منشور بجريدة اسمها «الشرق الأوسط». المقال منشور منذ ٢٠١٢ وقال "جبرائيل" وقتها في نفس المقال إن مصادره هي "المجمع المقدس" الذي سينشر كل شيء قريبًا في "مذكرات البابا شنودة"، و"قريبًا" بالتأكيد ﻻ تعني مرور ١٠ سنوات دون كلمة واحدة من المجمع عن صاروخ السادات أو محاولة القذافي لأسلمة البابا شنودة! ! فكلام سيادة المستشار تقييمه عندي: كلام مساطب وهجص شعبوي مش كلام وكالة أنباء دولية. بعيدًا عن هذه الملاحظات، فالحلقة مهمة جدا وليس بها أي مشاكل قانونية نهائيًا، وأتمنى إعادتها متاحة. وبعيدًا عن الملاحظات ذاتها، نحن -كأقباط- نحتاج أن نتأمل شخص البابا شنودة من زوايا أخرى غير دينية من الأساس. وربما يكون غير المسيحيين هم الأقدر على هذا من المسيحيين أنفسهم. أقول هذا بعد أن قام بعض الأقباط العاملين إعلاميا بالملف القبطي، بالتلميح السخيف والهمز واللمز أن "ريهام عياد" مسلمة الديانة، وإن هذا الملف حكرا على الأقباط وحدهم. أقول هذا لأعلن أن هذا الكلام ﻻ ينحاز للحقائق وﻻ يكترث للكفاءة وإنما يوصم اﻵخر بدينه بطريقة "الكورة كرتنا والملعب ملعبنا والدفاتر دفاترنا والرمز رمزنا" لكي ينفرد بالساحة لترديد نفس الكلام الموجه الممل. إضافة من الناشر:قرأ محتوى هذا المقال الأستاذ محمد منطاوي، مدير فريق الإعداد لبرنامج القصة وما فيها، وتواصل برسالة شخصية ودودة، ونظرا لحق الرد، ولأنها توضح موقفهم المهني وسياستهم التحريرية في المجمل، ارتأينا أهمية نشر الرسالة الشخصية على العلن، وقمنا بالاستئذان كتابيا في ذلك. اقرأ أيضا: --- ### أمراء الهيكل يفككون الكنيسة - Published: ۲۰۲۳-۰۸-۰٤ - Modified: 2023-08-10 - URL: https://tabcm.net/12357/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: بابا كيرلس الخامس, حافظ محمد نجيب, فيلوثاؤس المحرقي, مزارات القديسين, مفهوم الرهبنة * هوجة المزارات للأساقفة المتوفين. * التوغل في عرض رفات الموتى بدون توثيق أو تحقيق أو ضرورة، أو سند كنسي وكتابي. * الاعتراف بالمنحوتات (التماثيل) من العذراء وحتى الأساقفة. بالمخالفة لتعليم الكنيسة الصحيح. * سيولة وتضارب التعاليم بقيادة أساقفة غير مؤهلين. * الاستمرار في سوء اختيار من يُقدَمون للرتب الأسقفية ليعمقوا انهيار الكنيسة. * دعم فساد وانهيار الرهبنة حصن الكنيسة الأول. * إطلاق كلاب الحراسة الشرسة لتمزق كل من يدق أجراس الخطر. (التجريس المقدس عبر كتائب المُرْتَزِقَة). * هل اُستُنسِخ مجددًا المحتال حافظ محمد نجيب الذي تسلل الى دير المحرق وترهب باسم الراهب فيلوثاؤس المحرقي، وقد أخفى هويته، وسعى ليكون مطرانًا على الحبشة، حتى كشفه البابا كيرلس الخامس، فخرج من الكنيسة وخلع زيه الرهباني واختفى. وهل نجح المستنسخ أن يحقق ما أخفق فيه الأصلي؟ سؤال هزلى بطعم المرارة، في زمن المسخ والأيدي المرتعشة. --- ### فريسة الابتزاز - Published: ۲۰۲۳-۰۸-۰۳ - Modified: 2023-11-05 - URL: https://tabcm.net/12356/ - تصنيفات: المرأة القبطية - وسوم: فوطيفار, يوسف النجار تعالَوا نتفق إن التكوين التشريحي والفسيولوجي لكل النساء والفتيات واحد، وهكذا واحد لكل الشباب والرجال، ما يعني أنه لا توجد امرأة أو بنت عندها "صدر" زيادة عن بقية النساء ولا واحدة عندها ثلاثة "أفخاذ" بدلا من "فخذين"، ولا هذه لديها "رقبة سيكسي" والباقية لديهم  "رقبة زجاج"، أو هذه لديها "كعب ناعم" والأخرى عندها "كعب كوباية". ما يعني أنه لا داعً ولا مجالً في لحظة ضعف أو تنازل أو حتى مخدر أن يستغلك أو يبتزك أحد بصورً أو فيديوهاتً مهما كانت، من يعرف أن يأتي بصورة لكِ لحاجة زيادة ليست لدى أمه أو أخته أو ابنته أو زوجتها يبقى يشربها ويدوب ميتها. نعم نحن في مجتمعات متخلفة تعلم البنت أن شرفها مثل عود الكبريت والولد شرفه مثل الولاعة، نعم نحن في مجتمعات تعلم البنت أن شرفها عبارة عن غشاء رقيق وفضه يحتاج إلى احتفالات شعبية يتباهى فيها الجميع "بفوطة" صغيرة لفتاة قليلة الحيلة، وآه وألف آه لو كان هذا الغشاء موجودًا ولكنه غشاء مطاطي، يظل العار يلاحق الفتاة وأسرتها حتى تثبت براءتها في شيء لا ذنب لها فيه. نعم نحن في مجتمع أعطى نفسه حرية استئصال متعة المرأة بختانها بداع عفتها في حين يتباهى الذكور بأحجام أعضائهم الجنسية وأطوالها غير مدركين أن أكثر الرجال بلادة وبرودة أحجام أعضائهم ضخمة فوق الطبيعي، لكن لا تدعي أحد يبتزك، ولو في لحظة ضعف عملتي حاجة ندمانة عليها، لا تكملي في خطأ أكبر وتدعي أي شخص يبتزك طول الوقت فتعيشي حياتك كلها ندمانة. مهما كان رد الفعل المتهور الأحمق الذي تخافينه من أهلك لو عرفوا لن يكون شيئًا أمام المهانة والذل والضغط النفسي الذين ستعيشنهم وأحدهم بيبتزك أو يستغلك مهما قال لك من وعود كلها أكيد كاذبة، والصفعة من شخص من أسرتك أو من دمك بالرغم من قسوتها، وعدم الفهم والإنسانية، لن تكون قاسية بقدر الصفعة التي تناليها كل ساعة مع اتهام برخصك وأنتِ غير رخيصة، أنتِ غالية جدًا، عدت عليكِ لحظة أو لحظات ضعف وتخلي واحتياج. وأنت يا كل أب وأنتِ يا كل أم، يا كل أخ كبير أو حتى زوج، كلنا تحت الضعف، كلنا بنمر بلحظات نشعر فيها بالشهوة والاحتياج والوحدة والتخلي، لا يوجد بيننا  يُوسُف الذي قاوم إغراءات زوجة فوطيفار، بالعكس كلنا نكون داود الذي استسلم لشهواته وفرغها مع زوجة واحد من جنوده. ترفقوا ببناتكم وأولادكم وحبايبكم، كونوا لهم سند، قولوا لهم نحن أمان لكم مهما ضعفتم، احضنوهم وأمنوهم، وقولوا لهم إنهم أغلى من أي ابتزاز، قولوا لهم إن حياتهم وأمانهم وسلامهم أهم كثيرًا من أحكام مجتمع متخلف يجاهر بالتدين في العلن ويقضى سهراته الحمراء خلف الأبواب المغلقة وصفحات الإنترنت الإباحية. مهما كان ومهما حصل لا يوجد أغلى وأهم من أن ابنتك/ أختك/ زوجتك تصدق وتحس إنك مصدر أمانها وثقتها لما كل الناس يتخلوا عنها ويبصوا لها بنظارات المجتمع المختلفة. --- ### الإهمال والجهل بالتاريخ - Published: ۲۰۲۳-۰۸-۰۲ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/12352/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: الأصولية من الأمور الغريبة المريبة في التفكير الأصولي والقراءة الأصولية للكتاب المقدّس هو الإهمال والجهل التام للتاريخ. كل أصولي بيقرأ النص حسب معاني الكلمات اللي بيقراها النهارده وفي بلده المحددة. الجهل بالتاريخ بيخلي الأصولي يجهل أو يتجاهل إن أنا لما استخدم كلمه عاميه مثلًا ذي "بُصّ" أو "ردّ عليا" في مصر مفهوم معنهم تمامًا للمصريّين لكن أنا لو النهارده كلمت حد تونسيّ هيفهم معنى مقرف تمامًا. بالطبع لكن من لهجتي المصرية هيعرف إني أقصد المعنى المصري مش التونسي! علشان كده، كلمة الله هي في الحقيقة مكتوبة بكلام البشر، وخاضعة للزمان والمكان. اللغات بتتطور بسرعه كبيرة، وبتتطور اللغة نفسها بشكل مختلف من مكان لمكان. لكن النصّ المقدّس ثابت. وعشان كده كل شوية بنضطر نترجم النص بلغة أحدث عشان الأشخاص اللي عايشين في العقد أو العقدين دول يعرفوا يفهموا ويستفيدوا. --- ### الطول والنحت والحرية - Published: ۲۰۲۳-۰۸-۰۱ - Modified: 2023-08-01 - URL: https://tabcm.net/12348/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: بابا شنودة الثالث, بشار الأسد, فلاديمير بوتين, مايكل أنجلو الموضوع أخذ أكبر من حجمه بكثير. .  والأصعب من ذلك. . طرح أسئلة فلسفية عبثية وجودية. . من بعض الظرفاء. . للأسف!  سأضطر لمجاوبة بعضها إن استطعت. بدأ الموضوع بقيام فنان صعيدي شاب هاوٍ بنحت تمثال طولي كامل للبابا الراحل الأنبا شنودة الثالث بالألوان. والتمثال مصنوع بإتقان حقيقي، صورة التمثال تداولتها الشبكات الاجتماعية في مصر بكثافة في الأيام الأخيرة، ما بين معجب ومستنكر. لعل أعجب هذه الاستنكارات "الشاذة" جاءت من كبار التنويريين الأقباط، الذين رأوا ان القداسة والوداعة والاتضاع المفترضة في الاكليروس (الراحلين) تتعارض مع صنع تماثيل لهم بعد وفاتهم! كما لو أن حرية المبدع بالذات في فن النحت أضحت مجالا للنقاش، أو أن حريته يجب عليها أن تتوجه وفق بعض التنويريين المتظاهرين بالغلو العلماني (الكاذب! ). في مجال محدد،  بعيدا عن الدين،  حرام عليك صنع تمثال لأي بطريرك راحل، لكن حلال عليك أن تصنعه لترامب أو بوتين أو بشار الأسد، أو حتى أوبنهايمر! بعض الفنانين، بالذات الذين يشقون أولى خطوات فنهم، يتوجهون للفت النظر لعملهم أحيانًا  بمغازلة لذائقة الشعبية المحلية المصرية، الذائقة في مصر طوال الوقت موجهة نحو الدين. . أى دين. . وحبذا لو وجهت فنك في الرسم أو النحت تجاه رمز ديني أو  رجل من رجالات الدين الكبار. . ومن زمن قريب. . طبعا يشوب العمل الفني محبة حقيقية وصادقة أحيانا للمرسوم والمنحوت، لكن المحبة الأساسية تكون للفن نفسه، الذي بطبيعة الحال ذاتي، والفنان  الحقيقي غالبًا  شخص نرجسي، بالذات الموهوب، حتى وإن تصنع بعضهم الاتضاع. نجح فنانا الشاب في إثارة  قليل من الجدل وكثير من الإعجاب ، بل دفع بعض المغتربين الكبار سنا من غلاه التنوير (التفصيل) إلى  الاستلطاف والاستخفاف بعمله الفني، وتناسوا حريته وقبلها فنه. حينما نحت مايكل أنجلو  تمثال "داود" صدق نفسه وفنه جدًا ، حتى هوي على تمثاله بالمطرقة من فرط إعجابه  به وهو يصيح "انطق! " وكأنما الإله  صنع مخلوقا ويريد منه الحياة! يقول المثل الأمريكي  الأشهر: انتبه جيدا لمن لا يصفق لك وقت نجاحك. . فما بالنا لمن يتأفف علينا في ذروة نجاحنا، حتى وإن كنا في أول هذا النجاح؟! وللحديث بقية. . إن كان في العمر بقية. . --- ### إبيفانيوس..
عش ألف عام بعد كل قاتليك - Published: ۲۰۲۳-۰۷-۳۱ - Modified: 2023-07-30 - URL: https://tabcm.net/12338/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون - وسوم: أمل دنقل, أنبا إبيفانيوس المقاري قُتِل القمر. . وتناقلوا النبأ الأليم على بريد الشمس. . قُتِل القمر! شهدوه مصلوباً تَتَدَلَّى رأسه فوق الشجر ! نهب اللصوص قلادة الماس الثمينة من صدره! تركوه في الأعواد،كالأسطورة السوداء في عيني ضرير. . قُتِل القمر. . يقول جاري:"كان قديساً، لماذا يقتلونه؟" وتقول جارتنا الصبية:"كان يعجبه ترنيمي في المساء. . وكان يهديني الكتب. . فبأي ذنب يقتلونه؟" وتدلت الدمعات من كل العيون. . كأنها الأيتام - أطفال القمر -وترحموا... وتفرقوا... فكما يموت الناس. . مات ! وجلست،أسألة عن الأيدي التي غدرت به. . لكنه لم يستمع لي،. . كان مات ! دثرته بعباءته. . وسحبت جفنيه على عينيه. . حتى لا يرى من فارقوه! وخرجت من باب الكنيسة. . ونفضت قدماي من كل ترابها. . صارخا:يا أبناء المدينة: أبوكم مات. . قد قتله أبناء الكنيسة. . ! ذرفوا عليه دموع أخوة يوسف. . وتفرَّقوا. . تركوه فوق شوارع الإسفلت. . والدم. . والضغينة. . يا أخوتي: هذا أبوكم مات ! ماذا؟ لا. . أبونا لا يموت. . بالأمس طول الليل كان هنا. . يقص لنا حكايته الحزينة ! يا أخوتي بيديّ هاتين: احتضنته. . أسبلت جفنيه على عينيه حتى تدفنوه ! قالوا: كفاك، اصمت. . فإنك لست تدري ما تقول ! قلت : الحقيقة ما أقول ! قالوا : انتظر. . لم تبق إلا بضع ساعات... ويأتي! حط المساء. . وأطل من فوقي القمر. . متألق البسمات، ماسىّ النظر. . يا إخوتي هذا أبوكم ما يزال هنا. . فمن هو ذلك المُلْقىَ على أرض الكنيسة؟قالوا: غريب. . ظنه الناس القمر. . قتلوه، ثم بكوا عليه. . ورددوا "قُتِل القمر". . لكن أبونا لا يموت. . أبداً أبونا لا يموت ! (تنويعات أدبية على قصيدة "مقتل القمر"، لنبيّ الشعراء "أمل دنقل") خمسة أعوام مضت. . عش ألف عام بعد كل قاتليك. . --- ### القداس الإلهي (١٠) - Published: ۲۰۲۳-۰۷-۳۰ - Modified: 2023-12-10 - URL: https://tabcm.net/12336/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: إفخارستيا, القداس الكيرلسي, الكنيسة الجامعة, الكنيسة السريانية, اليسار, چورچ حبيب بباوي, مار مرقس الرسول, مفهوم الخلاص, يوحنا الحبيب عن طقس القسمة في القداس الإلهي كما سلَّمه الآباء القديسون يخبرنا العلاَّمة د. جورج حبيب بباوي نقلًا عن الأنبا بطرس أسقف بابليون من القرن الثالث عشر قوله أن شرح تقسيم الجسد في القداس الإلهي لم يُدوَّن لأنه كان يُسلَّمه الآباء سرًا، ولكن خوفًا من ضياع المعاني بسبب قلة الآباء الحاذقين والمعلمين فقد دوَّنه لمنفعة الكنيسة. وللأسف لم يعثر د. بباوي علي أية معلومات لكتاب أنبا بطرس. ولكن الشرح الوحيد لطقس تسليم الجسد قد عثر عليه د. حبيب بباوي باللغة العربية في كتاب حكمة الآباء. وهي مخطوطة من القرن الثالث عشر منسوبة للعالم القبطي "سمعان بن كليل" أحد رهبان دير يوحنا القصير ببرية شيهيت بمصر. وننقل إليكم ملخصًا للمكتوب: - يضع الكاهن يده اليمني على الصعيدة (قربان الحمل). وبإبهام يده اليمني يقسم القربان من أعلى إلى أسفل: لأن الابن الوحيد نزل من السماء إلى أسفل، ولأنه كائن في السماء وعلي الأرض. - يمر بإبهامه اليمني على الثقوب الثلاثة التي على يمين القربانة من أعلى إلى أسفل موكدًا أسرار الخلاص: الميلاد من العذراء، والمعمودية في الأرْدُنّ، وموت الجلجثة والقيامة (وتمثله الثقوب الثلاثة) وهي الأسرار التي تُعطَي في القربان المقدس والدم الكريم. (ما سيقوله الأب في الجملة التالية ربما هو الإجابة على سؤال لماذا نتناول إن كنا قد أخذنا المعمودية والميرون؟) لأننا بعد المعمودية والمسحة لا نزال نولد حتى نكتمل في الدهر الآتي بالموت (أي بعد أن ننتقل من هذا العالم) والقيامة. - ويُقسِّم القربانة إلى ثلث عن اليمين وثلثين عن اليسار ولا يفصل الثلث عن الثلثين. لأنه حسب تسليم الآباء أن ما عمله الرب وأعطاه لنا (ويمثله الثلث اليمين) هو خاص بأقنوم الابن الوحيد، فهو وحده الذي تجسد ومات وقام، وهو الذي قسَّم جسده وأعطاه لتلاميذه القديسين. من أجل ذلك تم تقسيم القربان المقدس إلى ثُلث هو ميراث الابن، وعلي اليمين لأنه عن يمين عظمة الآب، وثلثين أي ميراث الآب والروح القدس. فهو ميراثٌ واحدٌ يوزِّع الأقنوم الثاني ما يخصَّه علينا لكي نملك في ميراث الثالوث. ولا يفصل الثلث عن الثلثين لأن ميراث الابن لا يمكن فصله عن ميراث الآب والروح القدس، فهي نعمة واحدة وصعيدة واحدة للآب والابن والروح القدس حسب القداس الكيرلسي أو قداس مار مرقس الرسول ”هذا الذي بواسطته (أي المسيح) نشكر ونقرِّب لك (أيها الآب) معه ومع الروح القدس الثالوث المقدس المساوي غير المفترِق“. لأن الكنيسة الجامعة تقرِّب القربان بواسطة رئيس الكهنة ربنا يسوع المسيح، للآب والروح القدس (كما هو واضح في هذه الصلاة) وللابن (كما هو واضح من صلوات كل القداس أن الكنيسة تقدم القربان للمسيح لكي يتحد به ثم نتناوله لنتحد به) الثالوث غير المفترق. ـ وعند صلاة القسمة (تقسيم القربان) يضع الجسد المقدس على يده اليسري ويشير بأصبعه السبابة اليمني إلى الأسباديقون ويقول: ”الجسد المقدس“. والأسباديقون هو السيد نفسه في وسط القربانة لأنه في وسطنا. - ثم يمد يده اليمني ويضع أصبع السبابة اليمني في الكأس، ويقول ”الدَّم الكريم“ ويرشم رشمًا واحدًا : لأنه سُفِكَ مرةً واحدةً عنا. - ثم يرشم الجسد بالدم رشمين الأول من فوق والثاني من أسفل ويقول ”اللذان لمسيحه الضابط الكل“. وبالرشمين يعلن وحدة (اتحاد) النفس بالجسد بعد القيامة. (رشم الجسد بالدم والدم بالجسد، هو استعمال قديم شاع في القرن الخامس في الكنيسة السريانية، وذكره الأب ثيئودوريت وغيره من علماء السريان، ولكن يبدو أنه قديم جدًا وأقدم من القرن الخامس، لأن ”النفس هي الدَّم“ هو تعبير سفر اللاويين وهذا ما يشير إليه قول المخطوطة من اتحاد النفس (الدَّم) بالجسد ومفاده أن المسيح غلب الموت، وأن نفسه في اتحاد بجسده بعد القيامة، وأن هذا المسيح الحي القائم من الأموات هو جوهر الأفخارستيا). - والرشم الأول هو من فوق لأن الرب علقوه علي الصليب. والرشم الثاني هو من أسفل لأن الرب نزل إلى الجحيم لكي يفك المأسورين. - ثم يأخذ الأسباديقون ويضعه في الكأس مقلوبًا، لأن سيدنا المسيح دُفِعَ إلى الموت مثل حملٍ والحمل يُوضَع على ظهره حتي يذبحوه. وهو الحمل الواحد الحي القائم من الأموات الذي باتحاد الدَّم، أي النفس بالجسد، أكمل تقدمة الحياة بالقيامة من الأموات (أنظر الشرح في الفقرة السابقة). ولذلك السبب أيضًا عندما يمسك الكاهن الأسباديقون بيده فوق الصينية يقول جهراً ”أذكر يارب اجتماعاتنا باركها“، لأن السيد في وسط الكنيسة محاط بالرسل القديسين وبكل أعضاء جسده وهو الذي جمعنا معًا في وحدة جسده المقدس. (سمعان بن كليل، كتاب حكمة الآباء) ويلاحظ القارئ أن القربانة في كنيستنا تمثل الكنيسة بل الكون كله. لأن الرب في الوسط (يمثله الأسباديقون)، مُحاط بالرسل (ويمثلهم أثني عشر صليبًا يحيطون بالأسباديقون). وبجراح جسده (ويمثلها خمسة ثقوب). هذا كله محاط في دائرة بنقش كلمات هذا التسبيح الذي للشاروبيم والسارافيم ”قدوس قدوس قدوس رب الصباؤوت“ لأن الإفخارستيا المقدسة هي شركة السماء والأرض بهذا التسبيح حول ذبيحة المسيح غير الدموية (لأنها ليست إعادة لذبح ”الحمل“ أي ليست تكرار بل استمرار لذبيحة الصليب وخميس العهد). هذه هي القربانة علامة اتحاد السماء والأرض ومُلك المسيح المَلك رب السماء والأرض. ونلاحظ أن القسمة ليست تقسيمًا للجسد. فالمسيح لا ينقسم، وإنما القسمة هي لإظهار واستعلان أعضاء الجسد الواحد الذي للمسيح بكل ما تم شرحه عما يعنيه القداس الإلهي حيث القربانة تضم فيها وحدة السماء والأرض: المسيح، الثالوث، أسرار الخلاص من تجسد/ معمودية/ صليب/ قيامة/ صعود ودخول إلى الأقداس (القيامة والصعود يمثلهما الثقبين على يسار القربانة). الرسل، الملائكة وتسبيحة قدوس قدوس. الكنيسة والعالم وترمز إليه القربانة في كونها مستديرة: ”إننا نقسِّم الجسد، أي تظهر أعضاؤه، أي الكنيسة، لأن الرسول يقول ”وأما أنتم فجسد المسيح وأعضاؤه أفرادًا“ (١كور: ١٢). هذا المسيح الواحد هو الحقيقة التي تختفي خلف الجزء الطقسي الذي يبدأ من ”الجسد المقدس“، وإلى أن نقول ”جسد مقدس ودم كريم ليسوع المسيح ابن إلهنا. . “ ( عن ميمر للعالم الجليل بولس البوشي على تقسيم الجسد) ومن النصوص الأساسية ما قاله ق. كيرلس السكندري عن تقسيم وتوزيع ملابس المسيح عند الصلب: ”وهكذا يجب أن نفكر في رمز تقسيم ملابس المسيح التي رغم أنها قُسَّمت إلى أربعة أجزاء إلا أن القميص ظل واحدًا بدون تقسيم، وهذه إشارة إلى التوزيع، ووحدة الذبيحة“. (كيرلس السكندري) والسُبح لله. بقلم د. رءوف إدوارد مع الاستعانة بكتابات د. جورج حبيب بباوي. --- ### سلاما لمن حركت روحه المياه الراكدة - Published: ۲۰۲۳-۰۷-۲۹ - Modified: 2023-07-29 - URL: https://tabcm.net/12332/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أنبا إبيفانيوس المقاري, إشعياء المقاري, دير الأنبا مقار الكبير, كنيسة الإسكندرية, مجمع الأساقفة, وائل سعد تمر السنوات سريعًا، واليوم تحل الذكرى الخامسة -فجر الأحد 29 يوليو 2018- لمقتل قارورة الطيب التي انسكبت في كنيسة الإسكندرية، إبيفانيوس أسقف ورئيس دير الأنبا مقار بيد الغدر والكراهية والجهل، بالضبط كالتي تأمرت على معلمه يسوع المسيح منذ نحو ألفي عام ونالت منه، فمَا حدث مع المسيح تكرر  مع إبيفانيوس منذ 5 سنوات وها نحن الآن نعيش تبعات تلك الحادثة التي رفعت الغطاء عن كم العفن والفساد المعشش في كنيستنا. مع  أن لحظة إعلان خبر مقتل إبيفانيوس بيد الراهب الفاسد المعزول إشعياء المقاري (وائل سعد)، كانت صادمة لأبنائه وأصدقائه ومحبيه، إلا أن هذه الصدمة كانت بمثابة ناقوس الخطر الذي دق واستنفر كل الشخصيات التي تفضل التصرف بفردانية ولم تكن تهتم اهتمامًا كاملًا بما يدور في أروقة الكنيسة، ليولوا اهتمامًا كبيرًا بالكنيسة وشؤونها، ورغم قلة عددهم إلا أنهم أصبحوا رقمًا فارقًا في معادلة الصراع الدائر داخل البيت الكنسي بين تيار الفساد السلطوي الرُجْعِيّ وشبكة المصالح الملتفة حوله، والتيار الإصلاحي الأكاديمي الذي يمثل استعادة روح إبيفانيوس وتطلعاته في الشباب، ودائمًا ما يتم قهره بالسلطة من التيار الرُجْعِيّ، كما حدث من البطريرك غير المتعلم رقم 12 الشهير باسم ديمتريوس الكرام في الربع الأول من القرن الثالث الميلادي واضطهاده للعلامة أوريجانوس مدير مدرسة الإسكندرية اللاهوتية. ورغم عدم تنظيمهم إلا أن هناك ما صار يوصف بـ"المستنيرين"، داخل الكنيسة من قبل أبواق الفساد والرجعية داخل الكنيسة على مواقع التواصل الاجتماعي، هؤلاء الذين يجتكرون لأنفسهم تمثيل العقيدة الصحيحة وحراسها وحماتها وكأنهم صوت واحد مقصور عليهم فقط، وعلى يديهم أصبح التنوير والاستنارة تهمة وسبة، ودون وعي منهم صاروا يطاردون "المستنيرين"، باعتبار أنهم الضد لهم أي أنهم "دعاة الظلمة" في مقابل "دعاة الاستنارة". على أرض الواقع لا يوجد تيار منظم بشكل واضح داخل الكنيسة إلا التيار الرُجْعِيّ، الذي يتكون من قيادات تشكل مراكزا للقوى في مجمع الأساقفة تجند تحت يدها شخصيات أصغر في السلطة والمكانة، لكن البعض منهم صار له نفوذ أعلى من الأسقف الذي يستخدمهم، ويسيطرون على موارد ومفاصل مهمة في الكنيسة، يجيشون ويستخدمون مجموعات من مُرْتَزِقَة العقيدة، يغدقون عليهم الحماية والمال في مقابل أن يطلقوهم على كل أعداءهم وعلى أي شخص "مستنير" أو يدعو لـ"الإصلاح" داخل الكنيسة، خوفًا من أن تنفتح أعين الناس على أصحاب الفساد فيثوروا على سلطانهم. منذ ألفي عام أشار المسيح إلى صعوبة طريقه وأن من يسير على دربه سيتعرض لنفس المتاعب والمشاكل، وفي زمننا الحاضر  بالفعل يتم وصف من يسيرون على درب المسيح بنفس التهم التي أتهمه بها رؤساء كهنة اليهود والكتبة والفريسيين، فقبل مقتل إبيفانيوس كان يتم نعته بـ"المهرطق" كما كان ينعت متطرفي اليهود المسيح بـ"المجدف". اليوم، وبعد مرور 5 سنوات على مقتل إبيفانيوس، لا يزال الصراع مستمر بين النور والظلمة، بين العلم والخرافة، بين التعليم والجهل، ورغم قوة وسطوة الرجعية والجهل وامتلاكهم للسلطة والمال، إلا أن مساحة الوعي تزداد ولو ببطء لدى الناس، وسيأتي يوم تتغير فيهم المعادلة وتميل الكافة لمصلحة "الاستنارة"، ولو بعد سنين طويلة، وسيوضع كل شخص في المكانة التي يستحقها في التاريخ.   --- ### رهبان على طريق السلطة - Published: ۲۰۲۳-۰۷-۲۸ - Modified: 2023-07-28 - URL: https://tabcm.net/12167/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: انتخاب البابا, دولة يوليو الانهيار بدأ مع "رهبنة المجال الكنسي العام"، وهو توجه تبناه بعض شباب أربعينيات القرن الماضي، وهم بعد علمانيون، وسعوا جادين لترجمته على الأرض، وكانت خطواتهم الأولى تسللهم إلى الأديرة طلبًا للرهبنة بطرق ومبررات معلنة عديدة، ليست بالضرورة حقيقية. ومن أديرتهم خرجوا ليقودوا الكنيسة ومعهم خارطة طريق محددة. ولك أن تعرف أن أبرز أقطابهم تقدموا للترشح للكرسي البابوي ولم يمض على رهبنتهم عامين! ! كان اسمهم مكتوبًا بالقلم الرَّصاص. وارتجت الكنيسة ودولة يوليو وعُدلت لائحة انتخاب البابا البطريرك لتحول بينهم وحق الترشح، بعد أن أضيف للشروط ألا يقل سن المرشح عن أربعين سنة، ومدة رهبنته عن خمسة عشر سنة. لكن الرصاصة بقيت في جيبهم، ليطلقوها بعد عقد ونيف، ويعيدوا الحكاية مجددًا وقد استوفوا الشرطان، بحكم الزمن وتغير خريطة التوازنات، في داخل الكنيسة وخارجها. لتبدأ تَرْجَمَة رؤاهم، وبطبيعة التنافس يتحول تحالفهم إلى عداء محتدم حتى رحلوا إلى العالم الآخر، وتحت أقدامهم يتحطم العشب وما زال. الأزمة الآن ليست فيمن زرعوا زرعهم والناس نيام ولا في قناعاتهم المغرقة في الذاتية، التي تشكلت عبر اخفاقاتهم وعدم تحققهم في بواكير شبابهم، في الفضاء العام الطبيعي، لكن الأزمة في ما ومن خلفوه، إرثًا وورثة، لنواصل هم ونحن، انعزالنا عن كل ما حولنا وعن جذور إيماننا، وبدلًا من أن نجلس إلى أنفسنا ونعيد حساب أزمتنا ومسارات الخروج منها، راح الورثة يعمقون شقة الصراعات والخلاف. وفتحوا نار الهرطقة على بعضهم البعض، وعلى غيرهم، أفرادًا وكنائس، باعتبار الورثة هم الناجون وحدهم. بين الأيدي المرتعشة، والعقول الأحادية، والإرث الثقيل، والانقطاع الجيلي وتفريغ الأديرة من نذورها وشيوخها، تدور رحى أزمة الكنيسة المعاشة، وعند الباب تربض نماذج الكنائس التي اندثرت؛ في آسيا الصغرى وشمال إفريقيَا، وهي من هي. "فَقَالَ لَهُمْ: «نَفْسِي حَزِينَةٌ جِدًّا حَتَّى الْمَوْتِ. اُمْكُثُوا ههُنَا وَاسْهَرُوا مَعِي». "(إنجيل متى 26: 38) --- ### اسقني صوتك - Published: ۲۰۲۳-۰۷-۲۷ - Modified: 2023-07-26 - URL: https://tabcm.net/12315/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون ‏أسمعُ صوت أجراس إنّه مطر صوتك يطرقُ زجاجَ قلبي ‏أسقني صوتك ليزول عن قلبي عطش الغياب... ‏يثملني صوتك، بأي نهر تغتسل ومن أي غيمة تشرب... ؟! ‏أوقظ رغيف صوتك لتغرد عصافير قلبي على أكف سنابلك ‏صوتُك كالطمأنينة التي تُرفع مع أصوات أجراس الكنائس وصوتك مايزال طازجًا في ترانيم روحي ‏صوتكَ... هذا الخمر المعتق الذي يُصب في أوعية الروح يطوّقُ القلب بخدرٍ مشروع ‏مزاجي المتقلب يضبطه توقيت صوتك... صوتك بعثرة ترتيبُ نشوة حضن شفاهٍ يُغري بِألف غرق صوتك ‏ نغم يُذيبني على وتر تعويذةٌ تصرخُني آهات ريشة تخطني بقافيةِ تيه... ما بيننا جسر من الموسيقى فلا تطفئ صوتكَ. ‏صوتك عطرُ الروح كُلما هدأ أوقدهُ سكونُ عينيك صورٌ لها أجراس وقوسُ كَمَانٍ يُفرِغُ صُراخهُ سهامًا موسيقية ليصطادَ الرؤى "صوتك تخطى المسافة" جعلتُ منهُ موانئ وأغان ها هو اللحنُ يتموج أدفعهُ بلهبِ حرائق صغيرة وأبني للأمل بيتًا رطبًا من وشوشة. ‏صوتك الموشوم في روحي يرفض أن يغادرني يحاصرنيُ حصار الحب للقلب! يشتتني يبعثرني ويتركني بلا مأوى ولا درب! ‏أتدري أنَّ صوتك الأجمل برؤى الأيام... أُغمضُ جفني. . أسافر معه على بساط الأمنيات. . أرِدُ قلبك فيزهر العشق ألف عام. . وهمستان شفيفتان ناعمتان تُسكِنان اضطرابي كما السلام. . ‏وينسج من روحي صوتًا كأجراس غيابك الحاضر فِيَّ أُنْصت إلى أنفاسك وهي ترتلُ لي لا غيم يشبه صوتك لا عناق يكفي مساحة الأرض الشمس المتعرقة عند الأفق تلامس شعرك الملفوف كلوحةٍ امتلأت اكتمال وعند الهالات السوداء لعيني الانتظار اختبئ في حُلمك كيف أُخبر هذه المسافات المؤلمة، هذا الصمت الطويل الممتدّ بيننا، كيف أخبر صوتك، عيناكَ، وَكفّك َالبعيدة جدًا عن مرمى يدي، أنني "أُحبكَ" ‏أفتقدك... وأخاف جدًا أن أفقدك خوفي عليك أكبر من خوفي على نفسي فأنت نورس ينقل رسائل قلبي إلى مراسيها وهناك أشدو على صوتك فتقرؤني في روابيها ‏بعد الفراق. . وعند اللقاء لازلت أسمع في بُحَّة صوتِك دقات قلبي وفي عينيك بقايا مِن نشوة الشوق أنك تسري بدماء جسدي وفي دموعِي. . فـ في غيابك افتش في صوتِي عن رجل عاشِق ضائع ابحث عنه لـ ادُس ملامحه في عينيك وعنفوانها في صوتك لتحيا روحك المُشتاقة. گيف أنسى. . ؟ تفاصيلك التي لم تمسها غيري؛ ابتسامة ثغرك الذي أُحب؛ رائحتك التي تُوقد الذگرى وَتُشعل الحنين وصوتك؛ آآآه من صوتك... ! ‏صوتك المُجرم النبِيل وحده يجيد قتل الأرق وصدرك الوطن البعِيد ببعده وجنتيّ تغرّبت وما نامتا ألا على الورق. صوتك فتنةُ من نوع آخر لا تريدُ خيرًا بنا تدفعنا لشفير هاوية وكأنها جحيمٌ موعود وموتٌ لا يؤجل! صوتك. . ما زال يسكن. . في حنجرة الليل. . فتحبس القصيدة أنفاسها. . كي أستجمع. . ذراتك المتناثرة. . في مجرة. . اللهفه. . ‏صوتك وعطرك من موجبات التطهير وعناقك كفارة لخطيئة الشوق وأثم الانتظار! ‏أنتَ لم تغادرني رفة حنين أقبِّلُ صوتك كما أقبِّلُ خيط ناي... أهوى عطرك وكأنه كَفَني إلى الأبد! ‏أنتَ لم تغادرني رفة حنين أقبِّلُ صوتك كما أقبِّلُ خيط ناي... أهوى عطرك وكأنه كَفَني إلى الأبد! ‏يستقر دفء الصوت الذي أحبه في أذني، ويلوّح لانهزامي الصغير بشكل غير معتاد. وأنا أعلم تمامًا، أن صوتك -وحده- قادر على منحي انهزامًا لائقًا به. ‏عُد ودثرني بصوتك... دع آهاتي ترقص بعيدًا على الجمر. . وليست على جسدي وفؤادي، دع صوتك يستفز شوقي دعه يعود بتوق للقصيدة وللحرف. يومًا ما سيجمعنا لقاء، سألتهم فيه ملامح وجهك التي أحب، سأعانق عيناك التي تُصيبني بِـ التوهان، وَأُقبّل صوتك الذي يُربكني وَيخلق في قلبي قصائد عشق وَجنون. --- ### لاهوت إنهاء الاستعمار - Published: ۲۰۲۳-۰۷-۲٦ - Modified: 2023-07-26 - URL: https://tabcm.net/12321/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: الكنيسة القبطية, بروتستانت, يوحنا الحبيب الاستعمار وإن انتهى إلى حدٍّ بعيدٍ من الناحية العسكريّة إلا إنه حاضر بطريقة أكبر اقتصاديًا وثقافيًا، في عددٍ كبيرٍ من بلدان العالم المسمّى بـ"العالم الثالث". في مصر مثلًا، في الكنيستين الكاثوليكيّة والبروتستانتيّة هناك احتياج كبير للاهوت إنهاء الاستعمار. ففي الكنيستين بيتم نقاشات لاهوتيّة وصراعات لاهوتيّة هي صراعات نشأت في تربة مختلفة تمامًا عن التربة المصريّة، للأسف بعض ممن يسافرون للدراسة في أوروبا من الكاثوليك، وأمريكا من البروتستانت لما بيرجعوا مصر بيجيبوا معاهم لاهوت بيرد وبيتخيّل صراعات لكي يرد عليها هي أصلا مش موجودة في مصر أو غير موجودة بالقوة المبالغ فيها. أما الكنيسة القبطيّة الأرثوذكسيّة فلاهوت الاستعمار مختلف فيها إلى حدٍ بعيدٍ لأنه مرتبط بملامح استعمارية أقدم سواء كانت مرتبطة بالحقبة البيزنطيّة أو ببدايات الغزو العربي. الكنائس المصريّة في احتياج شديد إلى لاهوت نزع الاستعمار الذي يجعل هناك نظرة نقديّة لكل المشاكل اللاهوتيّة التي لا يوجد لها علاقة بالواقع المصري، ويبحث عن تعميق الفكر اللاهوتي المرتبط ارتباط وثيق بالثقافة المحليّة بمشكلاتها المكانيّة. نحو قراءة مختلفة للاهوت التجسّد يمكن تعريف الاستعمار بأنّه الوضع الذي تصبح فيه دولةٌ مسيطرة على دولة أخرى، ومن ثمّ تمارس عليها سلطة اقتصاديّة وعسكريّة وثقافيّة. قد تكون السيطرة لغويّة أيضًا وقد لا تكون. فعلى سبيل المثال لم تتعرّب بلاد الفرس، وهناك دول احتلّتها انجلترا ولم تتحدّث الإنجليزيّة نتيجة لذلك. يبدأ الاستعمار بإنماء شعور قوميّ بسموّه وتحضّره وقوّته عسكريًّا وثقافيًا، وأحيانًا عرقيًّا، هذا ملخّص عقدة التعالي القوميّة. من جهة أخرى، هناك دولٌ لديها عقدة النقص القوميّة. هذه الدول يتم غزوها فكريًّا ووجدانيًا حيث يُزرع في مواطنيها دونيّتهم وعدم جدواهم، ينمّي ويكرّس هذا الشعور رُخص حياة المواطن وحقوقه. تُصبح هذه الدول أرضًا خصبًة لجميع أنواع الاستعمار. بعض الشعوب لديها عقدتان نقيضتان في الوقت عينه، مثلا عقدة نقص أمام الغرب، وعقدة تعالٍ أمام الأفارقة وبعض الدول الناطقة بالعربيّة على سبيل المثال. يمكن أن نلاحظ في مقهى واحدٍ إلى مائدة واحدة كيف يتعامل شخص بعنصريّة بغيضة تجاه شخص وبانبطاح قميء تجاه الجالس إلى جواره. سرّ التجسّد هل استعمر اللاهوت إنسانيّتنا؟ في التأمّل في سرّ التجسّد، تكمن دائمًا في ذهني مسألة العقدتَين، انبطاح الإنسانيّة أمام الألوهيّة، وانتظار تعالي اللاهوتِ. يُسبغ الإنسان على الله مشاكله التي تشكّلت في العقليّة الاستعماريّة. في هذه الإشكاليّة يجدر النظر بعمقٍ في سرّ التجسّد. في التجسّد، كيف أدّى اللاهوت دورًا في شخص المسيح من غير الانتقاص من كرامته كونه إنسانًا، وكيف أدّى الناسوت دورًا في اللاهوت من غير انبطاح وعقدة نقص؟ تجسّد كلمة الله هو في الأساس كسرٌ لهذه العقد، لكل عقد تعالي وتسامي الآلهة، وكسر ومسك بيد طبيعة الإنسان لرفعها من كلّ انبطاحٍ وعقد نقصٍ: «لا أدعوكم عبيدًا بعدُ بل أحبّاءَ(أصدقاء)»(إنجيل يوحنّا ١٥: ١٥) لماذا صار الإنسان صديقًا لله وليس عبدًا؟ ذلك لأن المسيح، الإله الكامل والإنسان الكامل، أطلع الإنسان على «كلّ ما سمعه من الآب» (راجع يوحنا ١٥:١٥). في العلاقة التي تحترم الإنسان، كونه إنسانًا، بقدر ما يحافظ على إنسانيّته من أي انتهاك، يمكن له الدنوّ من سرّ الله، في المسيح، وتتأسس علاقة حقيقيّة ليس علاقة المنبطح بالقادر، الضعيف بالقدير، بل الحبيب بالحبيب. في المحبّة الجميع متساوون، وفي المحبّة والعدالة تُصانُ كرامة الإنسان. تلك الكرامة، الإنسانيّة تعبّر عنها بصورة جميلة أيقونة قيامة المسيح التي يأخذ فيها المسيح القائم من القبر يديّ الإنسان. يدي الإنسان: يدُ أدم ويدُ حوّاء. كلّ محاولة روحيّة لجعل الإنسانِ منحطًا، ذي عقدة نقصٍ أمام الإله المحبّة تمهيدٌ للاستعمار بكل أشكاله. مساهمة لاستخدام الإيمان المسيحي لكي يعود الإنسانُ عبدًا ذليلًا أمام آلهة الماضي. وهو بمثابة وضع حبل حول الرقبة ليمسك بزمامه دعاة الاطّلاع على أسرار الله دينيًا ودعاة التفوّق دنيويًا وعنصريًا. --- ### عن الأقليات والخوف وأشياء أخرى - Published: ۲۰۲۳-۰۷-۲۵ - Modified: 2023-07-25 - URL: https://tabcm.net/12314/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أقباط المهجر, الشرق الأوسط, مغالبة الشيطان لماذا ارتبط البخل ذهنيًا عند كثير من الناس في مصر وخارجها باليهود؟ البعض فعلا ممن احتك بهم بالخارج، خاصة في مجال صناعة الضيافة (أو فن الساندوتشات! ) أخبرني أن الموضوع ليس أسطورة، إنما واقعي لحدٍ كبيرٍ، وأن أضفت عليه الدراما العربية -وقبلها الخيال الشعبي- الكثير! قطعًا الموضوع لا علاقة له لا بالعقيدة ولا العهد القديم ولا باليهودية، ولا ينسحب على جميع اليهود، فالموضوع نسبي للغاية، ومؤكد أن بينهم كثيرين من المبذرين، شأن أفراد أي جماعة كبيرة في العالم. لكن لماذا الوضع كذلك؟ أحيانا قد يبدو الربط النفسي ما بين الإحساس بالخوف وعدم الأمان والبخل قويًا ووثيقًا، ولعل أكثر عرق في العالم لديه هاجس أمني مخيف في أخر ألفية هو اليهودي، خاصة أنهم أكبر أقلية عددية موحدة في العالم، حيث يقدر تعداهم وفق بعض الإحصاءات الشرقية قبل 2010 بنحو 20 مليونًا أو أزيد قليلًا، إلا أن الأمر تخطاهم وأصاب الكثير من الأقوام أو الأقليات التي تعيش في ذعر أو هلع من الأكثرية التي تعيش وسطها بنفس الداء، حتى لو بشكل غير واعي ويفتقر للكثير من الأمان. لعل تلك المقدمة تصلح لمناقشة شيء مسكوت عنه منذ القدم عندنا نحن أيضًا في مصر، إذ تقول بعض الافتراضات الاجتماعية الفردية الحديثة في مصر حاليًا -بشكل غير رسمي ولا مرجعي دقيق طبعا-  إن إثنين من كل خمسة أقباط في مصر لديهم الكثير من التحفظ والحرص المالي المبالغ فيه، بغض النظر عن ضعف أو قوة إمكاناتهم المادية أو مركزهم الاجتماعي، وهي نسبة غير قليلة، وكلنا نعرف كثير من المسيحيين بمصر، مما يشوب تصرفاتهم المالية كثير من الغرابة وقت الإنفاق (بالذات خارج أسوار الكنيسة) وبلا تفسير ظاهر. وبالرغم أن آيات الكتاب المقدس صريحة جدًا في مثل هذا الأمر وتنص صراحة على أن البخل أسوأ صفة في الزوج (مثلا)، إلا أن كثير ممن يؤمنون بكلام الكتاب، أشحاء، ورغم أن هؤلاء الأشحاء -الذين قطعًا لا يمثلون الأغلبية- يحرصون وبشدة على الصوم القبطي الأرثوذكسي (أو ربما "التظاهر" بذلك) لأن الموضوع فعلًا وعلى المدى الطويل يوفر الكثير من النقود (وطبعًا ليس هذا هو هدف الصوم، ولا غالبية من يصومون من "البخلاء" طبعًا، حاشا لنا أن نقول ذلك، بل على العكس) وهو يكاد يكون الشيء الوحيد الذي يحرص عليه شخص يمارس علنا ودون شعور منه، خطيئة نفسية واجتماعية كبيرة ألا وهي "البخل" التي أصلها يعود للخوف والإحساس بعدم الأمان، وهو التفسير النفسي الأثير لدى الكثير من علماء النفس. بالرغم من أن إيمان كثير من أفراد الأقليات الدينية في الشرق الأوسط مثل مسيحيو مصر بأهمية التكافل وبالعطاء السخي منتشر جدًا، ولعل أبرز المشروعات الخيرية والتنموية كان خلفها في مصر أقباط، ومنها مشروع مستشفى السرطان 75375 أو مركز مجدي يعقوب لعلاج القلب، ناهيك عن أن موضوع الكرم والسخاء أو حتى التبذير موضوع شخصي وخلافي بين الأفراد، وأكثر أشخاص مبذرين قابلتهم كانوا أقباطًا، وطبعًا وسط الأقباط ملايين الكرماء بلا شك. ربما لأننا لا نملك أداة تمكننا من رصد مثل هذا الأمر دون الوقوع في فخ القولبة والتنميط بل أقول التنظير أيضًا، وطبعا الأمر يجعلك بعدها تنزلق في فخ الطائفية والعنصرية، والأخطر التنمر! لذا يفضل كثيرون عدم إثارة الموضوع من أساسه وابتلاع لسانهم! الموضوع أيضا يخرج من فئة المسيحيين المصريين (بما فيهم المهاجرين) إلى كثير من المسلمين بل وحتى اللا دينيين، ليشمل أي إنسان فعلًا مذعور ويشعر بالثقة أو بالأمان، بشكل غير واعٍ، وليس كل من يخاف، يخاف من نفس الشيء، لكن كل من يخاف، يخاف بنفس التصرفات (تقريبًا). اللافت أنك لو سألت غالبية البشر بشكل صادق ومتأني عن أسوأ شعور يمر به الإنسان، لأجاب معظمهم بشعور: الظلم، القهر، الخوف. فمَا بالك بمن يشعر بالثلاثة معًا؟ هذا هو ملخص نفسية القبطي التقليدي في مصر، حتى وإن انتبه البعض لعبثية الحرص المادي الزائد (إن وجدت المادة أصلًا في هذا الزمن وهذه المنطقة، وما أصعبها! ) وحال مقاومتها على طريقة الهندسة العكسية، بالإنفاق الزائد كي ينفي لنفسه تهمة البخل، بل حتى أنها تتنافى مع أبسط قواعد الإيمان البسيط والثقة في من يحميك حقيقة ومن سيحمي نقودك وحياتك. إلا أن الخوف هو الخوف، وينعكس على تصرفات الشخص من أول تعامله مع النادل في المقهى وحتى في صندوق الانتخابات، وكما ذكرت سابقًا عن نابوليان هيل (مغالبة الشيطان)، فحرب الشيطان حرب فكر، والفكرة أساس لعادة، والعادة تنتج فعلا والأفعال تصنع مصير الإنسان. كثير منا في هذا العصر لا تنقصهم الشجاعة قدر ما ينقصهم الثقة بأنفسهم وبمن فعلا يقودهم ويحميهم، ويتأثرون بآراء وأفكار قادة دينيين للأسف صدروا لهم الخوف والجبن، والبعض صدر لهم بشكل غير واعي ولا مباشر، قَبُول المداهنة والموالسة للأخر (خاصة لو كان بيده ما بيده) كجزء من تكوين الشخص الخائف، الخائف على نقوده وحياته وعلى كل شيء ومن كل شيء. ربما لنعيش حقا في هذه الأرض سواء بمصر أو خارجها، نحتاج إلى جوال من حبوب الثقة وملعقتين من حبوب الشجاعة، كما ظهروا في رواية "أرض النفاق" ليوسف السباعي. لكننا للأسف لا نجد "عطار" يبيعها! --- ### بين حانا ومانا ضاعت قضايانا - Published: ۲۰۲۳-۰۷-۲٤ - Modified: 2023-07-24 - URL: https://tabcm.net/12309/ - تصنيفات: شئون علمانية إذا كنت تحاول أن تفهم السر وراء الغضب والهياج والاستياء الشعبي العارم الذي يصدر عن عامة الشعب تجاه بعض الوقائع في حين تقابل وقائع أخرى -ربما أكثر أو على نفس درجة الأهمية- بصمت وخنوع ولا مبالاة، فلسوف تصاب بلوثة وبكل الأمراض الفصامية والأعطاب النفسية التي يصعب علاجها، إلا إذا كنت مثلي تعرف كلمة السر القادرة على استنفار مكنون الهياج الذي يحفل به مزاج الشارع العربي ألا وهي: الدين. النعرة الدينية ببساطة هي ما يحدد سرعة الانفعالات ونوعها وحجمها لدى العامة. فلقد تمت خلال العقود القليلة الماضية صياغة الإنسان العربي الحديث بصياغة دينية بحتة حتى يسهل على أولي الأمر تحريكه في أي اتجاه يريدون. يكفي أن يتكلموا باسم الدين ليستطيعوا تمرير ما يريدون من معلومات وأفكار وتوجهات يعززون بها مصالحهم دون أي فحص أو بحث أو اعتراض من قبل الجماهير. ومن أجل حماية هذا السيناريو، ومن أجل بقاء الأمور على حالها، نلاحظ تقلصاً للمادة الجادة والجرعات العلمية والفكرية التي يتلقاها المواطن العربي من خلال وسائل الإعلام والمؤسسات التعليمية، ليفرخ لنا المجتمع نوعين سائدين من الشخصيات؛ شخصيات سطحية هشة سهلة الانقياد والتبعية، وشخصيات مدعية تتظاهر بالبطولة والمثالية وتنحاز إلى القضايا الجدلية الشائكة بغرض التربح أو الشهرة أو تحقيق مصالح شخصية. وقد تدور بين الطرفين صراعات ومكائد ومعارك غير أخلاقية تحت رعاية الدولة التي تصنع من خلال هذا الصراع رباطاً لصيقاً بين وجودها وبين الدين والوطن ليكون أي انتقاد لها هو هدم للدين وخيانة للوطن. وبالإضافة إلى التديين فإن من أسوأ الاستراتيجيات التي تعمد الدولة إلى تبنيها من أجل القضاء على فكرة معينة هي الشخصنة. فلقد يستغرق الأمر كثيراً من الوقت والجهد من أجل هدم فكرة ما أيديولوجياً، في حين أن التركيز على الأشخاص هو الأسهل دائماً. أن تجعل من الشخص رمزاً للفكرة، ثم تهاجمه، وتعمل على تشويهه وهدم مصداقيته، حتى تتخلص منه، وبسقوطه تمحى هوية الفكرة بالتبعية. هذا الفخ يسقط فيه الأغلبية بما فيهم الطبقة المثقفة التي يتحدد موقفها من القضية تبعاً لموقفها الشخصي من الشخصية التي تتعرض للقصف. نحن بصدد قضايا حرية رأي وتعبير ومن واجبنا جميعاً أن نخوض هذه الحرب الضروس ضد كل من يحاول تحجيم العقل ومنع التفكير ومصادرة الرأي بغض النظر عن قائله. ومرة أخرى: أحذر من السقوط في فخاخ الدين والشخصنة لئلا نحيد عن الموضوعية وفي خضم التحزبات الدينية والتحيزات الأخلاقية والانتقادات الشخصية نغفل تفنيد ومعالجة القضايا الجوهرية، فتضيع ما بين حانا ومانا. العنوان مستمد من المثل العربي الذي يقول:بين حانا ومانا ضاعت لحانا. ويعود المثل إلى قصة عربية قديمة؛ وذلك أن رجلا تزوج من امرأة اسمها حانا، فعندما كبرا في السن ورأى أنها شاخت تزوج بفتاة صغيرة اسمها مانا، فكانت حانا زوجته الأولى تلتقط من لحيته الشعرات السود حتى يبدو مسنا مثلها، بينما كانت مانا زوجته الثانية تلتقط الشعرات البيض حتى يبدو شابا مثلها. . وهكذا ضاعت لحيته، وباتت العرب تضرب به المثل عندما يحار المرء بين موقفين فيفقد أمرًا هاما. --- ### القداس الإلهي (٩) - Published: ۲۰۲۳-۰۷-۲۳ - Modified: 2023-12-10 - URL: https://tabcm.net/12306/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: آدم, إفخارستيا, بروتستانت, مفهوم التجسد, مفهوم الخلاص, نبي موسى شرحنا قبلًا، كيف أن تدبير الله في خلق الإنسان ثم خلاص الإنسان، أن الله يُريد أن يُعلن ذاته للإنسان لكي يدخل في شركة حياة شخصية معه. هذا الإعلان هو مضمون ”العهد القديم“ وكماله ”العهد الجديد“. فإن كان سر التجسد الإلهي للمسيح ابن الله هو لإظهار وإعلان الله الواحد الثالوث لنا"هذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الأله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته“. فلماذا سر الإفخارستيا وعلاقته بالتجسد الإلهي؟هذا الحدث كان يوم الخميس الكبير الذي يسبق صلب المسيح يوم الجمعة. و دُعِيَ "خميس العهد“... عهد إعلان الله لشخصه وحضوره الدائم معنا. كانت قمة هذا الإعلان والحضور في بيت لحم حيث وُلِدَ المسيح وظهر الله في الجسد ”و كلمة الله صار جسدًا وحل بيننا“. وأحداث ”خميس العهد“ كانت استمرارًا - وليس تكرارًا - لظهور الله في الجسد في بيت لحم. فالرب حاضرٌ دائمًا "ودُعِيً اسمه عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا“ وحضوره يفوق الزمن "أمس واليوم وإلى الأبد“. فالمسيح -له المجد- لم يتجسد في بيت لحم لكي يتخلى عن الجسد بعد ذلك. فالتجسد الإلهي حقيقة دائمة أبدية. سفر الرؤيا يصف الرب في السماء ”قائم كأنه مذبوح”. فقد دخل الرب بجسدنا إلى مجده الأبدي في السماء. ولأن لاهوت الرب ليس عنصرًا مشتركًا بيننا وبينه، إذ هو نفس جوهر الآب الذي يفوق الإدراك والشعور، بالتالي فإن اللاهوت غريبٌ عنا ولا ينتمي إلى عالمنا الإنساني. إلا أن الرب ينقل إلينا حياته الأبدية من خلال ناسوته الذي لبسه واتحد به في التجسد فصار المجال الذي من خلاله تكون للرب شركة حياة مع الإنسان يعلن فيها محبته. إن اتحاد لاهوت ابن الله بناسوت الإنسان هو إعلان قَبُول الله للإنسان بحالته كما هو بعد سقوط آدم لكي يشفيه من موت الخطية "ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا". لقد أدرك الفكر اللاهوتي الغربي بعد أن تحرر من حدة الاتجاه العقلي الفلسفي أن التجسد الإلهي هو حضور دائم للمسيح في حياة الكنيسة وفي الإفخارستيا. لذلك أعادوا نظرتهم في معاني كلمات الرب عن الإفخارستيا "هذا اصنعوه لذكري". إلا أن الكتب البروتستانتية العربية لم تستفد بعد من التطور العالمي الذي حدث في اللاهوت البروتستانتي. كان الله يستعلن نفسه خلال أحداث العهد القديم ويدعو الإنسان إلى شركة معه بشكل خاص من خلال شعب الله المختار بني إسرائيل. وعقب كل ما كان يجري من الأحداث الاستعلانية لذات الله، كان الله يحرص على استمرار هذا الاستعلان من خلال بناء مذبح للرب هناك. فنذكر كيف دَعى الرب إبراهيم أب الآباء لكي يُظهِر له ذاته ويُعلِن له شخصه ويقيم معه عهده ثم بني مذبحًا للرب "وظهر الرب لإبرام ... فبني هناك مذبحًا للرب" (تكوين ١). وفي العهد الجديد أظهر الله ذاته لنا متجسدًا، و(بنى مذبحه) يوم الخميس بأن أقام مائدة الافخارستيا بعد العشاء "يهيئ لي الرب مائدة تجاه مضايقيي" ليكون حضور تجسده في بيت لحم مستمرًا بجسده ودمه في سر مجيد لا يُنطَق به -الإفخارستيا- عهدًا أبديًا يقطعه معنا بأن يكون معنا ونتحد به في سر التناول من جسده ودمه. لذلك فإن كلمة/ فعل ”ظهور. . يَظهَر. . يُظهِر“ تتكرر كثيرًا في القداس الباسيلي -أقدم القداسات- وفيه لا تختلف عبارات الصلاة عما جاء به الكتاب المقدس عن ظهور الله بالجسد وعلاقة هذا الظهور بسر الإفخارستيا الذي تحتفل به الكنيسة: ”(الرب) خبز الحياة الذي نزل لنا من السماء وهب الحياة للعالم. وأنتِ أيضا يا مريم حملتِ في بطنك المن العقلي الذي أتى من الآب، ولدته بغير دنس وأعطانا جسده ودمه الكريم فحيينا إلى الأبد. يقوم حَولَكَ (يا رب) الشاروبيم والسرافيم ولا يستطيعون أن ينظروكَ. ونحن ننظركَ (يا رب) على المذبح ونتناول من جسدك ودمك الكريم" (لحن قداس قديم جدًا). "أظهِر في نفوس عبيدك مجد أسرارك الخفية"(صلاة قسمة كيرلسي) إن الإفخارستيا هي حضور المسيح الحقيقي وسط شعبه في القداس الإلهي الذي أوصانا به الرب "هذا أصنعوه لذكري“. فالإفخارستيا ليست ذكرى من طرف واحد هو نحن، لشخص حبيب رحل وغاب عنا هو المسيح. إنما الذكرى هي حضور المسيح نفسه صاحب الحدث. إن المأساة الحقيقية فيما وصل إليه الفكر اللاهوتي في العصر الوسيط في أوروبا هو الفصل بين الحدث Event والشخص الذي تمَّم الحدث. فصارت الأحداث تُفهم ويُحتَفل بها بدون الشخص، بينما الكتاب يقول أن ”المسيح (الشخص) هو روح النبوة (الحدث)“. فالخلاص قد تمَّ في المسيح، لذلك فإن كل أحداث الخلاص من إفخارستيا وصليب وقيامة مستحيل فصلها عن حضور شخص المسيح إذ أن الحدث والشخص يصبحان حقيقة واحدة. فلا يكون هناك حدث ”الإفخارستيا“ دون حضور الشخص ”المسيح“. وما الطقوس الكنسية إلا المدخل السري للحدث لكي نصل إلى الشخص نفسه. وكما رأينا في الشرح أعلاه كيف كانت الذكرى في الكتاب المقدس هي احتفال طقسي ومذبح يمثل حضور إلهي يتم فيه عطاء إلهي، مثلما كان عبور البحر الأحمر لشعب الله ”تذكارًا دائمًا" (خروج ١٢) ذكرى ليست ذهنية بل واقع ملموس مستمر في حياة الشعب اليومية. لم يكن الشعب يحتفل بتاريخ نظري فلكلوري حدث في الماضي لا علاقة له بالواقع اليومي، بل كان الشعب يحتفل بوجود حقيقي للرب وسط الجماعة من خلال تابوت عهد الرب الموجود وسط المحلَّة حيثما يرتحلون ويحلُّون دون أن يفكروا لحظة واحدة أن هناك فرق بين حضور الله و تابوت عهده وسطهم. إن حضور الرب الفعلي في سر الإفخارستيا بصلاة القداس الإلهي هو استمرار لظهور الله في سر التجسد الإلهي دون فصل بين أحداث الخلاص لأن المسيح واحد لا ينقسم. فنحن نعيش حضور الرب معنا في بيت لحم وخميس العهد شاكرين قائلين "وفي أخر الأيام ظَهَرتَ لنا نحن الجلوس في الظلمة بابنك الوحيد . . “. بل وتلاحظ أيضًا عزيزي القارئ في نهاية أوشية الاجتماعات وقبل قانون الإيمان أننا نصلي نفس الصلاة التي كان يصليها موسى النبي عندما يتقدم تابوت عهد الرب أمام شعب الله في ارتحاله نحو الأرض التي أقسم بها الرب لإبراهيم فنقول "قم أيها الرب وليتفرق جميع أعدائك. . وأما شعبك فليكن بالبركة... " (سفر العدد ١٠). والسُبح لله. . بقلم د. رءوف إدوارد مع الاستعانة بكتابات للعلامة د. جورج بباوي. --- ### الإله المجهول - Published: ۲۰۲۳-۰۷-۲۲ - Modified: 2023-07-22 - URL: https://tabcm.net/12300/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: قديس بولس الرسول للأسف لازال يُعبَد تحت كلمات ومفاهيم شكلها روحي! ! لازلنا نَعبُد الإله الغامض ده، اللي متفهموش، ولا تقدر توصله ده، اللي متعرفش هو عايز إيه ده، البعيد ده اللي موجود في المنطقة الرمادية هناك، اللي ما تفهملوش هو بيمرض ولا بيشفي، اللي هو عظيم وقدير وليه سلطان، بس مش فاهمين هو سايب العالم يتدمر بالأمراض والفساد والجنس والحروب، أيوه الإله ده اللي متفهملوش واحنا مجرد فئران تجارب في هذا العالم! ! ذلك المجهول! ! غير المفهوم! ! الغامض! ! الذي يتدخل في حياتنا دون أن يُفهمنا ماذا يفعل! ! ذلك المجهول اللي حسب بختك يا أبو بخيت، حسب مزاجه بقى، صاحي متنرفز فيقوم لاطشنا بالأمراض! وبعد كده نسأل هو الناس بتلحِد ليه؟! الإله اللي يطلب مِنَّا أشياء نَعملها دون وعي! ! ويحاسبنا أخيرا على تقصيرنا فيها! ! لو لازالت بتؤمن بهذا الإله الغامض، واللي مش فاهمينله أوي، ومش عارفين له مَسكه، أصل ربنا كبير ما نقدرش نعرف كل تعاملاته، اللي بيعمل الحاجة وعكسها، متذبذب، مش مستقر نفسيًا، متعرفلوش مَسكه، مانتاش فاهم له هو بيشفى ولا بيمرض، بيموّت ولا بيحيي، معانا ولا علينا ولا تركنا لحال سبيلنا وخلع! أي كلام ضد الإله المتجسد الواضح هو مرفوض، متصدقش حد يقولك إحنا مش عارفين كل حاجه عن ربنا، كل ما يحتاجه الإنسان في علاقته ومعرفته عن الله، موجود ومشروح وواضح في يسوع المسيح، واللي متشوفوش في المسيح متصدقوش عن الله. نتيجة هذا التعليم عن هذا الإله الغامض المجهول إننا نشَأنا جيلًا هزيلًا، ضعيفًا، سطحيًا، غير قادر على مواجهة الحياة وذلك بسبب السطحية، والإيمان بالغيبيات، والتأملات، وعدم الوعي الكتابي، اللاهوتى الآبائي السليم! وتَمَّ إيهامَنَا أنَّ التَّعَمُّق في السطحية هو أقصى ما نستطيع الوصول إليه ! ! وكأن "الإِله المَجْهُول" (أع١٧ : ٢٣) لازال يُعبَد حتى بعد الإله اللي صار معلوم وقال عنه بولس الرسول: "وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ"(رسالة بولس الأولى إلى تيموثاوس 3: 16) لكن وبرغم من إن الإله صار معلوم لا زالت الدعوة إلى السطحية وإحنا أصلنا مش هنفهم كل حاجه وربنا كبير مايتفهمش، ومنعرفلوش مَاسكه! ! للأسف كل ده أدَّى إلى عدم احترام العقل والتفكير بحُجَج واهية وممارسة عادات بدون وَعي لمجرد الخضوع والطاعة فقط، هي دعوة لعبادة الإله المجهول! لكنني أنا أعرف إلهي ولا أتبع ذلك المجهول، المسيح هو إلهي المعلوم اللي الليتورچية القبطية أعلنت أنه من خلال تجسده أنه: "أظهرت لنا نور الآب، وأعلمتنا بمعرفة الروح القدس الحقيقية"(القداس الغريغوري) يا رب يسوع، يا مَن أتيتَ لتُعلِّمنا عن الآب، يا مَن أظهرتَ لنا نور الآب، ووداعة وتواضع الآب، فلم يَعُد مجهولًا لنا، بل رأيناه فيِك، اخترق ظلماتنا بنعمتك. آمين. .  الرب صالح. . ليكُن نور. --- ### مصادر تعاليم بولس الرسول (٢) - Published: ۲۰۲۳-۰۷-۲۱ - Modified: 2023-09-22 - URL: https://tabcm.net/12165/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: الأب متى المسكين, تلمود, توراة, قديس بولس الرسول, مار مرقس الرسول, مفهوم الخلاص, يوحنا الحبيب يعقد الكاتب مقارنات عديدة بين ما علَّم به القديس بولس الرسول، سواء في رسائله أو أحاديثه وحواراته ومرافعاته أمام الولاة التي سجلها له سفر الأعمال، وبين ما جاء بالأناجيل الثلاثة التي كتبها القديس متى، والقديس لوقا، والقديس مرقس، والمعروفة بالأناجيل الإزائية، أو التكاملية، ويورد أمثلة لذلك تصل إلى حد التطابق، ويعلق الكاتب: "كل هذه الاستشهادات المباشرة بوصايا الرب التي عثرنا على المرادف لها في الأناجيل الثلاثة الأولى أو التي ينسبها بولس للمسيح ولا يوجد لها مقابل في الأناجيل، أو التي يطلقها بولس الرسول دون الإشارة إلى أي مرجع ولكنها تحمل الروح الرئاسي بسلطان، يتضح منها أن بولس الرسول إما أنه كان يقرأها من بعض المدونات المكتوبة كأساس للأناجيل التي حصل عليها من الرسل". (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») وسبق للكاتب أن توقف عند لقاء القديس بولس مع الأعمدة الثلاثة للكنيسة الأم في أورشليم: "وأعطوه يمين الشركة ليكرز بإنجيله بعد أن قدمه لهم، فاستحسنوه ولم يضيفوا عليه أو يحذفوا منه شيئًا". (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») تأسيسًا على ما كتبه ق. بولس نفسه: "فَإِنَّ هؤُلاَءِ الْمُعْتَبَرِينَ لَمْ يُشِيرُوا عَلَيَّ بِشَيْءٍ. بَلْ بِالْعَكْسِ، إِذْ رَأَوْا أَنِّي اؤْتُمِنْتُ عَلَى إِنْجِيلِ الْغُرْلَةِ كَمَا بُطْرُسُ عَلَى إِنْجِيلِ الْخِتَانِ. فَإِنَّ الَّذِي عَمِلَ فِي بُطْرُسَ لِرِسَالَةِ الْخِتَانِ عَمِلَ فِيَّ أَيْضًا لِلأُمَمِ. فَإِذْ عَلِمَ بِالنِّعْمَةِ الْمُعْطَاةِ لِي يَعْقُوبُ وَصَفَا وَيُوحَنَّا، الْمُعْتَبَرُونَ أَنَّهُمْ أَعْمِدَةٌ، أَعْطَوْنِي وَبَرْنَابَا يَمِينَ الشَّرِكَةِ لِنَكُونَ نَحْنُ لِلأُمَمِ، وَأَمَّا هُمْ فَلِلْخِتَانِ". (رسالة بولس إلى غلاطية 6:2ـ 9) ويعود الكاتب فيؤكد أن مصدر تعليم ق. بولس هو السيد المسيح نفسه حسب توثيق القديس بولس "لأنني تسلمت من الرب ما سلمتكم" (كورنثوس الأولى 23:11)، وفي نفس الرسالة ص 7 "إن كان أحد يحسب نفسه نبيًا أو روحيًا فليعلم ما أكتبه لكم أنه وصايا الرب"، وعندما يبدي القديس بولس في نفس الرسالة رأيًا خاصًا به يذكر ذلك صراحة: "وَأَمَّا الْعَذَارَى، فَلَيْسَ عِنْدِي أَمْرٌ مِنَ الرَّبِّ فِيهِنَّ، وَلكِنَّنِي أُعْطِي رَأْيًا كَمَنْ رَحِمَهُ الرَّبُّ أَنْ يَكُونَ أَمِينًا. "(رسالة بولس الأولى إلى كرونثوس 25:7) ويورد الكاتب رأيا لعالم من علماء الكتاب المقدس (جوانس فايس): "أن بولس الرسول كان يرجع إلى أقوال المسيح في الوصايا السلوكية والأخلاقية والتنظيمية للمؤمنين ذات الطابع التقنيني باعتبارها معيارًا مسيحيًا ثابتًا ينبغي الالتزام به. أما ما يخص حياة المؤمنين فإنه كان يستوحى الروح القدس مباشرة حسب غنى نعمة الله التي منحه الله إياها بوفرة". (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») كانت وصية الرب يسوع لتلاميذه "اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم ... وعلموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به"، ومن هنا ندرك أن اللقب الأول للرب هو "المُعلّم" والرسل كانوا "تلاميذ"، وحسب الكاتب: كان الرب يضع لهم بتعليمه وصايا ذات طابع قانوني على مستوى الناموس، ولكن أعلى منه، لكل نواحي الحياة السلوكية التي جاءت بسلطان رئاسي هكذا:"قد سمعتم أنه قيل للقدماء ـ سلطان الناموس ـ وأما أنا فأقول لكم ـ بسلطان أعلى من الناموس"حيث يُستشفُّ من كلام المسيح أن الناموس وضعي من مستوى بدائي، أما وصايا الرب فهي من فوق بسلطان الله. (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») وينبهنا الكاتب إلى ملاحظة: "أن مصدر التعليم عند اليهود اسمه "التَّلْمُود"، وهى كلمة عبرية موازية وذات نفس الأصل من كلمة "تلمذة" و "تلميذ" بالعربية. فوصايا الرب وتعليمه لتلاميذه هي التَّلْمُود الجديد الذى صار الإنجيل". (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») وحسب رصد الكاتب نكتشف معه أن: "بولس الرسول يكاد يكون هو أول من تمم قول الرب الذي جاء فى نهاية الأناجيل:فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم ... وعلموهم أن يحفظوا ما أوصيتكم به". (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») ولعل خدام الكلمة ينتبهون إلى بقية الآية التي هي حسب وصف الكاتب "رأس مال بولس الرسول" وهي رأس مالهم أيضًا،"وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر. "(متى 20:28). وهو ما تأكد بإرسال الروح القدس ليحل ويملأ الرسل والكنيسة ويبقى معهم ومعها، يرشدهم ويرشدها إلى جميع الحق، وبحسب المسيح"فهو يعلّمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم"(يوحنا 26:14). المسيح عند بولس الرسول هو صاحب التوراة الجديدة،"وهكذا تمموا ناموس المسيح"(غلاطية 6:2)، وناموس المسيح عند ق. بولس هو"ناموس روح الحياة فى المسيح يسوع"الذي "أعتقني من ناموس (موسى) ناموس الخطية والموت" (رو2:8). وفي كل تعاليم ق. بولس يصادفنا اصطلاح "حسب المسيح يسوع"، وهي في الأصل اليوناني تفيد "بمقتضى فعل"، ويتضح المعنى على سبيل المثال بقراءة الآية "لأن الحزن الذي حسب (بمقتضى فعل) مشيئة الله يُنشئ توبة، لخلاص بلا ندامة، وأما حزن العالم فينشئ موتًا" (2كو10:7)، وواضح هنا أن مثل هذا الحزن ينشأ من فعل مشيئة الله، لخلاص بلا ندامة. يختتم الكاتب هذا الطرح بقوله: "إن المؤمن الذي اعتمد ولبس المسيح واتحد به، أصبح ـ في الحقيقة ـ ليس في حاجة لوصية يتعلمها، لأنه يكون متعلمًا من الرب كقول العهد القديم"وَلاَ يُعَلِّمُونَ بَعْدُ كُلُّ وَاحِدٍ صَاحِبَهُ، وَكُلُّ وَاحِدٍ أَخَاهُ، قَائِلِينَ: اعْرِفُوا الرَّبَّ، لأَنَّهُمْ كُلَّهُمْ سَيَعْرِفُونَنِي مِنْ صَغِيرِهِمْ إِلَى كَبِيرِهِمْ، يَقُولُ الرَّبُّ"(إرميا34:31). الرب هنا هو التوراة والتلمود والمعلم معًا. والقديس يوحنا الرسول يضعها هكذا"وَأَمَّا أَنْتُمْ فَالْمَسْحَةُ الَّتِي أَخَذْتُمُوهَا مِنْهُ ثَابِتَةٌ فِيكُمْ، وَلاَ حَاجَةَ بِكُمْ إِلَى أَنْ يُعَلِّمَكُمْ أَحَدٌ، بَلْ كَمَا تُعَلِّمُكُمْ هذِهِ الْمَسْحَةُ عَيْنُهَا عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَهِيَ حَق وَلَيْسَتْ كَذِبًا. كَمَا عَلَّمَتْكُمْ تَثْبُتُونَ فِيهِ. "(1يو27:2)،وهو الذي يشير إليه بولس الرسول في قوله، بعد ما أعطى رأيه:"وَلكِنْ إِنْ مَاتَ رَجُلُهَا، فَهِيَ حُرَّةٌ لِكَيْ تَتَزَوَّجَ بِمَنْ تُرِيدُ، فِي الرَّبِّ فَقَطْ. وَلكِنَّهَا أَكْثَرُ غِبْطَةً إِنْ لَبِثَتْ هكَذَا، بِحَسَبِ رَأْيِي. وَأَظُنُّ أَنِّي أَنَا أَيْضًا عِنْدِي رُوحُ اللهِ. "(1كو39:7و40)". (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») وينتهي الكاتب إلى أنه: "هنا يتضح بقوة فكر بولس الرسول المنحصر فى الرب يسوع المسيح باعتباره أنه هو التوراة الجديدة ـ الحكمة ـ سواء بالتعليم المباشر أو بالتعليم التوجيهي في الضمير بالروح". (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») وبهذا ينتهي عرض الجزء الأول من كتاب "القديس بولس الرسول"، لننتقل مع كاتبه إلى الجزء الثاني الذي يتعرض للقضايا اللاهوتية التي علم بها القديس بولس الرسول، فيمَا يتعلق بماهية المسيح والثالوث، والخلاص والفداء، سنعرضها تباعًا في مقالات مقبلة. --- ### في معنى "العطاء" - Published: ۲۰۲۳-۰۷-۲۰ - Modified: 2023-07-22 - URL: https://tabcm.net/12293/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: إيمانويل كانط "العطاء" كان واحدة من أهم الإشكاليات التي وقفت أمامها في طفولتي، لم أكن أستوعب مثلًا وصية المسيح "كل من سألك فأعطيه"، وكنت أتساءل بعقلية طفل: كيف يمكنني أن أعطي وما لدي قليل؟ وكان مبرري إنه إذا لم أكن أملك الكثير لأمنح منه فلا يطلب مني أحد أن أمنحه ما ليس لدي، كنت أرى أنه يَجِبُ ألاّ أطلب مساعدة مادية من أحد، وهكذا يَجِبُ ألاّ يطلب مني أحد ذلك، إلى أن علمتني أمي وأخي الذي يصغرني بعام أن العطاء لا يحتاج أن يكون لديك الكثير، بل العطاء يحتاج لقلب عنده استعداد أن يمنح مهما كان ما يملك قليل ولا يكفي. منذ طفولتي كنت عنيدًا لا أغيّر وجهة نظري بسهولة دون الدفاع عنها لأخر نفس، فقد كنت أقاوم كلام أمي وأخي، إلا أنني مع الوقت تعلمت بفضلهما أن أخرج من ذاتي ومن مداري وشرنقتي، وتعلمت أن العطاء يجب أن يكون من القليل الذي أملك، وأن الهدف ليس كما كنت أعتقد في طفولتي في كم سأمنح بل في أن يعبر ما سأمنحه عن حبي واهتمامي بشخص آخر أقول له ببساطة وبدون كلام إنني أهتم لأمره وهو مهم عندي وإنني أفكر فيه. هنا بدأت أتلاقى مع المسيح في وجهة نظره من جديد، مع الدرس الذي أشار إليه بعطاء المرأة الفقيرة للفلسين باعتبار أنهم أكثر من أكياس النقود التي منحها الأغنياء من فضلاتهم كنوع من الوجاهة وليس هدفها المنح الحقيقي، أما المرأة فربما قد أعطت كل ما تملك، فبدأت أتفهم أنه يجب أن تمنح ما تحب وما تحتاج حتى يكون لعطاءك معنى. بعد عدة سنوات مررت خلال المرحلة الثانوية مرور الكرام على إيمانويل كانط في منهج الفلسفة، وأتذكر أن المفهوم الذي علق في ذاكرتي خلال شرح المعلم أن كانط يرى أن فعل الخير يجب أن ينبع من القلب دون انتظار لأن يرد مثله، أو أن يتم شكرك عليه أو حتى لكي ترضي الله، أو طمعًا في الفردوس والجنة، فقط تفعل ذلك لأنك تحب أن تفعل. مع مرور السنوات تغير مفهومي عن العطاء المادي إلى ما هو أعمق، فالعطاء ينبع من القلب، يكون باهتمام حقيقي ومحبة حقيقة، وهنا تعلمت مع القرب من الكلاب، أن العطاء يجب أن يكون بمشاعر حب حقيقية، فهم يفعلون ذلك بمنتهى البساطة، تقترب في الشارع من واحد منهم فيأتي إليك فرحًا، ويقرر ألا يتركك دون أن يمنحك طاقة إيجابية، وأن يعبر لك عن محبة كبيرة، فمَا كنت أعتمد عليه من حجج في طفولتي لأهرب من العطاء بددته الكلاب تمامًا، فلم أعد أنظر إلى ماذا أملك لكي أمنح، بل إني أريد أن أمنح وسأبحث طول الوقت فيمَا معي ومهما كنت في حاجة إليه لأمنح. تعلمت أن العطاء قد يكون ابتسامة في وجوه الآخرين أو الحديث باحترام للآخرين في المواصلات العامة أو الشارع، قد يكون مساعدة أحدهم في عبور الطريق دون أن يطلب أو تطلب ثم تغادر دون انتظار لكلمة شكر، قد يكون كلمة تشجيع ربما تكون فارقة في حياة من تقدمها له. إذا أردت أن تمنح ستفعل ذلك مثلما فعل بطرس مع الشخص المُقعد عند باب الهيكل وكان يطلب صدقة فقد أعجبت بتصرف بطرس، فقد ينتظر منك شخص شيئًا ضئيلًا في حين يمكنك أن تقدم له أكثر مما يطلب أو يتخيل. فَقَالَ بُطْرُسُ: «لَيْسَ لِي فِضَّةٌ وَلاَ ذَهَبٌ، وَلكِنِ الَّذِي لِي فَإِيَّاهُ أُعْطِيكَ: بِاسْمِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ النَّاصِرِيِّ قُمْ وَامْشِ! ». (سفر أعمال الرسل 3: 6) أخيرًا، أود أن أشير إلى أن هناك فارق بين العطاء بحكمة والعطاء بسذاجة، فالعطاء بحكمة يعني أنك كشخص تعرف ماذا تفعل وماذا تقدم ولمن تقدم، أما العطاء بسذاجة فيعني أنك شخص مستباح وقد تتعرض للاستغلال، وهنا لا أستطيع أن أنصح بأي شيء، لأن هذا يعتمد على خبراتنا وما نواجه من مواقف في الحياة والدروس التي نتعلمها، لكن ما أثق فيه أن العطاء تجاه الحيوانات والطيور والنباتات وكافة الكائنات التي نشاركها الكوكب وأصبحنا نسطو عليهم وعلى مستقبلهم بسبب تصرفاتنا الأنانية كبشر هو قمة الحب والحكمة. --- ### القراءة الأصولية - Published: ۲۰۲۳-۰۷-۱۹ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/12143/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: بابا بنديكتوس السادس عشر المرة دي الوخزة ضدّ الأصوليّة جايه من البابا بندكتوس الـ١٦، من إرشاده الرسوليّ ما بعد السينودس بعنوان "كلمة الرب". هنا رقم ٤٤ مع تعديل في الترجمة: القراءات الأُصوليّة لا تحترم طبيعة النصّ المقدّس الأصيلة، وتفضّل تفاسير غير موضوعيّة واعتباطيّة. في الواقع، تُمثِّل «الحَرْفيّة» التي تُروّج لها القراءةُ الأُصوليّة خيانةً للمعنى الحرفيّ وللمعنى الروحيّ، وتفتح بذلك طرقًا أمام استغلالات مختلفة الأنواع، ناشرةً مَثلاً تفاسير للكتب المقدّسة ذاتها مناهضةً للكنيسة. الجانب المُريب «للقراءة الأُصوليّة هو أنّه، إِذا ما رفضنا الطابع التاريخيّ لِلوحي الكتابيّ، نصبح غير قادرين على أن نقبل بالتمام حقيقةَ التجسّد بالذات. تتهرّب الأصوليّة من العلاقة الوثيقة بين ما هو إلهيّ وما هو إِنسانيّ في العلاقة مع الله (... ). لهذا السبب، هي تحاول أن تعالج النصّ الكتابيّ كما لو كان قد أُمليَ كلمةً بِكلمةٍ من قِبَلِ الروح، ولا تتمكّن من أن تعترف بأنّ كلمةَ الله قد صِيغتْ بِلغةٍ وتركيب جُمَل مشروطَين بهذا العصر أَو ذاك». على العكس من ذلك، تستشفّ المسيحيّة في الكلمات الكلمةَ، «اللوغوس» نَفسَه الذي يُشرق سرَّه من خلال هذه التعدّديّة، ومن خلال حقيقةِ تاريخٍ بشريّ. إنّ الجواب الحقيقيّ على قراءة أُصوليّة هو «القراءة المؤمنة للكتاب المقدّس المُمارَسَة منذ القِدَم في تقليد الكنيسة؛ (فهذه الأخيرة) تبحثُ عن الحقيقة التي تخلّص من أجل حياة كلّ مؤمن ومن أجلِ الكنيسة. تعترف هذه القراءة بقيمة التقليد الكتابيّ التاريخيّة. وبسببِ قيمة الشهادة التاريخيّة هذه تحديدًا، هي تريد إعادة اكتشاف معنى الكتب المقدّسة الحيّ الموجّهة إِلى حياة المؤمن اليوم» ، من دون إنكار الوساطة البشريّة للنَّصِ الملهم وأنواعِه الأَدبيّة. --- ### بين "بروس العظيم" و"عرض ترومان"
رحلة "جيم كاري" السينمائية مع الله! - Published: ۲۰۲۳-۰۷-۱۸ - Modified: 2023-10-10 - URL: https://tabcm.net/12284/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون - وسوم: Bruce Almighty, IMDB, The Truman Show, الحزب الجمهوري, جيم كاري, مورجان فريمان هل تعرف من الذي لا يؤدي عمله؟إنه أنت! (جيم كاري، فيلم Bruce Almighty)  هكذا صرخ "بروس" بحنقٍ شديدٍ في وجه السماء وهو واقف على حافَة النهر، ويطيح بالسبحة التي تحوي الصليب في النهر، ويوبخ ويعنف الخالق العظيم في فيلم "بروس العظيم القدير! " شيء يصعب جدا هضمه حتى لو بشكل عبثي وسينمائيًا خصوصا في بلد مثل مصر، ومنذ نحو ربع قرن تقريبًا، فلا عجب أن الفيلم تم رفعه من دور العرض بعد نزوله بـ24 ساعة فقط! لكن المسألة كانت أكبر من مصر والعالم العربي، الفيلم الكوميدي الداكن الفلسفي، لاقى انتقادات صعبة في الولايات المتحدة نفسها، بالذات من اليمين المسيحي الأبيض المتطرف، الذي يشكل القاعدة الانتخابية الأبرز من صفوف الحزب الجمهوري الـ"ترامبي" حاليًا. أصعب شيء، كان كم كلمات التأنيب العميقة التي خرجت من فم جيم كاري على لسان الشخصية البائسة والتعيسة، التي ألقت بكل اللوم على الله الذي في وجهة نظر البطل، يكتفي بموقف المتفرج والمكتوف الأيدي، بل والأكثر من ذلك، لا يقوم بعمله جيدًا! والعياذ بالله! كلام صادم جدا طبعًا وغير مقبول، بالذات بيننا كشرقيين، لكن الطرح نفسه كان شديد الجراءة ولدرجة الوقاحة أيضًا. دوما عرفنا قصة الإله الذي تجسد وأخذ صورة إنسان، أما في هذا الفيلم، فالمؤلف طرح العكس عل غرار الهندسة العكسية! فكرة الإنسان الذي تعاظم فأخذ قدرة الله ذاته! فكرة جنونية وعبثية جدًا! لم تكن هذه هي أولى "طلعات" جيم كاري في هذا الشأن، إذ سبقتها ببضعة سنوات، فكرة "عرض ترومان" الذي أيضا طرح فيها فكرة حديث الإنسان مع الله ومقابلته له ولومه له على ما يحدث في العالم بشكل فلسفي إسقاطي، أو نسميه في عاميتنا المصرية الجميلة. . "تلقيح بالكلام"، خاصة إن الخَصْم المحوري اسمه "كريستوف" وهو اسم مشتق من "كرايست" أو "السيد المسيح". سمي النقاد "ترومان" بالمأساة المقنعة في ملهاه، فيلم "عرض ترومان" أيضًا يظهر صانع العرض التلفزيوني (المؤلف والمخرج والمنتج) وهو "يعابث" مندوب المبيعات ترومان بيربانك كي يخرج منه دراما مسلية يسلي بها المشاهدين، كما لو أن دوره "ترومان" هو مجرد دمية في يد القدر (أو المخرج "كريستوف") تبحث عن الحقيقة وسط عالم فائق الضخامة "مفبرك" ومصنوع بالكامل من الأكاذيب! بالرغم من أن بعض النقاد تخيل أن "كريستوف" هو تجسيد للشيطان، لا الإله! الفيلمان كوميديان وداكنان وفلسفيان وروحانيان أيضًا بامتياز، فيهما اتهامات بالتقصير وبالإدانة للسماء وفهما أيضًا الدفوع والأدلة والبراءة، كلاهما أثار الجدل، وأحدهما ألا وهو عرض ترومان دخل تصنيف أفضل 150 في تاريخ العالم على موقع IMDB الأشهر عالميًا في الفن السابع! المثير للانتباه هو أن نجم جيم كاري السينمائي بدأ في الأفول التدريجي السريع من بعد فيلم "بروس" هذا تحديدًا، ولا يعني هذا إنني أحاول بالـ"طرق المختصرة" أو الـAvailability Heuristics الوصول إلى أي شيء "غير واقعي" ولا "منطقي". . بالمناسبة! عوالم بروس نولان وترومان بيربانك الذي جسدهما جيم كاري، كانا مليئان بالمعاني الخفية، أظهر جيم كاري صراع الإنسان الفلسفي مع الله وطرح أسئلة كثيرة وأجاب عنها، وكلاهما تحدث عن فكرة اختيارات الإنسان، وبالحري قدرته على تنفيذ اختياراته، في فيلم عرض ترومان، صعد بيربانك في نهاية الفيلم لـ"سماء" المخرج والمؤلف في إشارة رمزية إلى أن الإنسان يصنع مصيره وأبديته باختياراته وإرادته، وفي فيلم بروس، قال مورجان فريمان، إن الإنسان يريد من الله التدخل وصنع المعجزة له باستمرار بالرغم من أنه أعطاه الإرادة الحرة، ليصنع بنفسه ولنفسه المعجزة، وأنه لو أراد الإنسان من الله رؤية معجزة، فعلى الإنسان أن يكون هو نفسه المعجزة! --- ### بيت لحم أفراتة - Published: ۲۰۲۳-۰۷-۱۷ - Modified: 2023-07-17 - URL: https://tabcm.net/12274/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, كتاب مقدس - وسوم: جايوس فلاڤيوس ڤاليريوس أوريلوس قسطنطينوس «أَمَّا أَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمِ أَفْرَاتَةَ، وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَنْ تَكُونِي بَيْنَ أُلُوفِ يَهُوذَا، فَمِنْكِ يَخْرُجُ لِي الَّذِي يَكُونُ مُتَسَلِّطًا عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَمَخَارِجُهُ مُنْذُ الْقَدِيمِ، مُنْذُ أَيَّامِ الأَزَلِ». (سفر ميخا 5: 2) حقًا، إن إلهنا إله عجائب، إن وُزِنَت اختياراته، حسب موازين العالم، تكون هي بلا شك أفضل الاختيارات. إذ كيف هذا الأمر العجيب أن يولَد ملك المجد لأبوين فقيرين، وفي مذود متواضع، وفي بلدة غير مشهورة تسمى باللغة العبرية "بيت لحم" أي "بيت الخبز"! ! وكانت أسماء الأماكن التي تبدأ بكلمة "بيت" منتشرة في الشرق في الزمن القديم، ونجدها منتشرة في الكتابات التي وصلتنا باللغة المصرية القديمة، ولغة أوغاريت وهي لغة بلدة رأس شمرا بسوريا (وهي اللغة التي تطورت عنها اللغة العبرية). بيت لحم في التاريخ يخبرنا سفر أخبار الأيام الأول 2: 50 و51، أن الذي أسس هذه المدينة هو أحد أبناء كالب ابن حَصْرون، واسمه سَلْما، وهو ابن حور بن كالب بن حصرون من امرأته أفراتة، ومن هنا جاءت التسمية. والاكتشافات الأثرية تدلنا أن القرية ترجع إلى الألف الثالث قبل الميلاد، وتذكر أن الموقع الذي يحيط بكنيسة المهد هو الموقع الذي كانت تقع فيه هذه البلدة. وأول تأريخ للمدينة يرجع إلى القرن الرابع عشر ق. م في رسائل تل العمارنة، التي تذكر أن أمير مدينة أورشليم "عبدوهيبا"، تذمر من أن "بيت لحمي" قد صعدت على عبيرو (أي حاربت شعب أو قبيلة أخرى تدعى عبيرو). بيت لحم في الكتاب المقدس تقع بيت لحم الحالية على بعد ستة أميال جَنُوب غرب أورشليم، قرب الطريق الرئيس الذي يربط بين حبرون والنقب. والقرية تقع على مرتفع حوالي 690 مترًا فوق سطح البحر، مما جعلها محمية طبيعية من الأعداء، ولذا اختارها الفلسطينيون في زمن داود النبي كمدينة محصنة (2صم 23: 14). ويصف سفر راعوث الأسرة التي انتسبت إليها راعوث الموآبية بأنهم:"أفراتيون من بيت لحم يهوذا"(راعوث 1: 2). والملك داود يوصف في سفر صموئيل الأول 17: 12 بأنه:"ابن ذلك الرجل الأفراتي من بيت لحم يهوذا"، وأيضًا يقول:"ابن عبدك يسَّى البيتلحمي"(1صم 17: 58). وقد جنَّد الملك شاول رجالًا للحرب من بيت لحم (بما فيهم أولاد يسَّى البيتلحمي)، وذلك في حروبه مع الفلسطينيين (1صم 17: 13). وهناك مَسَحَ صموئيل النبي داود ملكًا (1صم 16: 1-12). ثم استولى الفلسطينيون على بيت لحم، واستردها داود مرة أخرى وجعلها تابعة لأورشليم. وقد حصنها الملك رَحُبعام في أيام ملكه (2أي 11: 6). وفيما بعد السبي يذكر سفر عزرا (2: 21) ونحميا (7: 26) عودة أكثر من مئة رجل من سكان بيت لحم من السبي في القرن الخامس قبل الميلاد. وكان لاختيار داود مدينة أورشليم كعاصمة للبلاد أكبر الأثر في تقليل شهرة بيت لحم، إذ قلَّت شهرتها أكثر بعد انتهاء حكم داود. فميخا النبي لا يذكر عنها أكثر من أنها قرية صغيرة معروفة فقط بسبب أن بها عشيرة داود؛ ولكن منها يخرج الذي يكون متسلِّطًا على إسرائيل ومخارجه منذ أيام الأزل: «أَمَّا أَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمِ أَفْرَاتَةَ، وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَنْ تَكُونِي بَيْنَ أُلُوفِ يَهُوذَا، فَمِنْكِ يَخْرُجُ لِي الَّذِي يَكُونُ مُتَسَلِّطًا عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَمَخَارِجُهُ مُنْذُ الْقَدِيمِ، مُنْذُ أَيَّامِ الأَزَلِ». (سفر ميخا 5: 2) وأهمية بيت لحم الأساسية في العهد القديم تكمن في علاقتها بالملك داود وارتباطها بالمسيا والمدبِّر الذي سيرعى شعب إسرائيل. فسفر القضاة ينتهي في إصحاحاته الأخيرة بالحديث عن أحوال الشعب هناك، ثم يليه سفر راعوث. فراعوث -كما قلنا- المذكورة في سلسلة أنساب الرب يسوع (مت 1: 5)، عاشت في بيت لحم مع زوجها الثاني بوعز، حيث ينتهي أيضًا سفر راعوث بالكلمات:«وبوعز ولد عوبيد، وعوبيد ولد يسَّى، ويسَّى ولد داود»(راعوث 4: 21 و22)، وداود هو الذي وُلد في بيت لحم، ومُسِحَ في بيت لحم أيضًا. ويذكر كلٌّ من إنجيل متى (2: 1) وإنجيل لوقا (2: 4-7)، بيت لحم يهوذا كموضع ميلاد يسوع. فيشير القديس لوقا إلى بيت لحم كمدينة ملوكية، ويذكر سلسلة النسب الملوكي الخاص بالرب يسوع. وكلٌّ من الإنجيليين يذكر موضع الميلاد، لكي يشير إلى ارتباطه بالنبوة الخاصة بميلاد المسيَّا. ففي إنجيل متى يذكر اسم بيت لحم في قصة المجوس الذين يبحثون عن ملك اليهود، الطفل المولود حديثًا من نسل داود في المدينة الملوكية، هذا الملك الذي سيجلب السلام للأمم (ميخا 4: 1-5). وأيضًا يقتبس إنجيل متى من نبوَّة ميخا (2:5) نبوته عن المدبِّر الذي سيرعى شعب إسرائيل، وهو أزليٌّ، إذ: «مخارجه منذ القديم، منذ أيام الأزل». وهو لذلك يُظهر أن يسوع هو المكمِّل لهذه النبوَّة المسيانيَّة عن المدبِّر الآتي من نسل داود. وبالطبع فقد فاق تجسُّد ابن الله كل الاشتياقات إلى مدبِّر ماسيَّاني من بين الشعب اليهودي. لقد أسَّس الله ملكوته بواسطة الرب يسوع المسيا ملك السلام، مولودًا ملكًا؛ ولكنه في تواضع ميلاده، وُلد كخادم. كنيسة المهد في بيت لحم يعتبر الموضع الذي ولد فيه الرب يسوع من أشهر الأماكن الأثرية في مدينة بيت لحم. وقد قامت الملكة هيلانة أم الإمبراطور قسطنطين ببناء كنيسة المهد عام 328-330م، فوق الموضع الذي وُلد فيه الرب يسوع. وفي عام 1934، قام العالم وليم هارفي بحفائر داخل الكنيسة، فوجد تحت أرضيتها أجزاء من أرضية بالموزايكو الملوَّن ترجع إلى عصر الكنيسة التي بنتها الملكة هيلانة أم الإمبراطور قسطنطين. وقد وُجدت رسوم لزهور وثمار وطيور، ولم توجد رسوم دينية لأن هذه الأرضية كانت معدَّة للمشي عليها. وتحت أرضية صحن الكنيسة في الجانب الشرقي منها بعض الدرجات إلى أسفل، إلى موضع مغارة الميلاد، وهي تقع على عمق ستة أمتار تحت أرضية الكنيسة. وفي هذه المغارة في الجانب الشرقي منها يوجد انحناء إلى داخل الحائط (حنية niche)، وعلى أرضية هذه الحنية المبطنة بالمرمر مثبَّت نجمة من الفضة الخالصة، مضاء حولها ستة عشر شورية مصنوعة من الفضة، وهي محاطة بكتابة باللغة اللاتينية تُعلن أعظم حدث في كل التاريخ: "هنا وُلِدَ يسوع المسيح من العذراء مريم". --- ### كيف ساهمنا في تغرب الشباب عن الكنيسة؟ - Published: ۲۰۲۳-۰۷-۱٦ - Modified: 2023-07-15 - URL: https://tabcm.net/12234/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: مدارس الأحد لعقود طويلة حاولت الكنيسة جذب أبناءها إليها واحتواءهم وإشباع احتياجاتهم بشتى الطرق فوفرت لهم الهدية الأسبوعية من صورة وكيكة وعصير وعملت على ترفيههم فوفرت لهم الرِّحْلات والمؤتمرات الترفيهية الشتوية منها والصيفية والحفلات والكرنڤالات واجتهدت في أن يكون فيها معظم الأنشطة من كشافة لفريق مسرح لكورال وألحان لأعمال يدوية وألعاب رياضية وعملت الكانتين والكافيتريا والمشاريع الخيرية مستشفى وحضانة وفصول تقوية وبيع منتجات ديرية. كانت كل كنيسة تتباهى بعدد الحاضرين فيها وعدد المشتركين فيها في كل الأنشطة وعدد المشاريع الناجحة فيها وكانت بعض الكنائس تذهب إلى إلزام أطفالها وشبابها لكي يستفيدوا برحلاتها ونشاطاتها وكمان خدماتها عليهم ضرورة الحضور في القداس ومدارس الأحد وكان العيال الصغيرين فعلًا بيحضروا مش علشان القداس ولا علشان مدارس الأحد لكن علشان يقدر يطلع الرحلة والمؤتمر ويستفاد بخدمة دروس التقوية وغيرها. على صعيد آخر كان خدام مدارس الأحد هدفهم الأول هو جذب وانبساط الزبون فكانوا بيبعدوا تمامًا عن أي موضوع ممكن يستصعبوه المخدومين أو ميجيش على هواهم فبعدوا كل البعد عن الموضوعات العقائدية والليتورچية والآبائية وحتى الكتابية بدعوى أصل المخدوم مش هيفهمها ولما يكبر نبقى نديهاله، الغريب يا أخي إن المخدوم بيكبر ويمر على ابتدائي وإعدادي وثانوي وشباب وخريجين ومتزوجين وإعداد خدام، وخدام وشعب ولسه مكبرش ولسه مش مناسب نديله الموضوعات ديه لأنها دسمة وهتطفشه وندور على موضوعات تافهة ركيكة كل أسبوع ولو حتى حد اقترح موضوع مهم من أجل الحفاظ على ماء الوجه بيتم تناوله بسذاجة وتسطيح ولما حد يسأل ميلقيش إجابة لأن أصلا محدش فاهم ولا عارف وبينما يتجادل اللاهوتيين يا ابن الناس عم جرجس البسيط وطنط أم مينا الغلبانة بيسبقوكم على الملكوت. بعد شوية بتلاقي الولاد ما ارتبطوش بحاجة في الكنيسة عن عمق فمتلاقهوش في أي صلاة ليتورچية اللي محسش بفرق من حضوره فيها ومعنى كلمة شركة وبين تشغيل تيتى أو جدو ليها على القنوات المسيحية وبعد شوية كمان مش بيبقى موجود في الخدمات اللي فيها لأنه لقى نفسه كبير ومستق،ل ايه اللي يجبره على حضور حاجة ملهاش لازمة بالنسبة له إلا الحصول على أنشطة يقدر يعملها هو وأصحابه لوحدهم وبمزاجهم بره الكنيسة من غير ما يبقى تحت رقابة خدام أو سلطة كاهن فمبتلاقيش ولاد الكنيسة في الكنيسة ومبتلاقيش في الخدمة حاضر إلا عينة الأولاد أو الشباب اللي مش قادرين يستقلوا بذواتهم أو اللي بيدوروا على ابن/ بنت الحلال وعاوز ياخدها من بين حيطان الكنيسة. احنا اللي عملنا كده بإيدينا ومش بإيد حد تاني لما سطحنا كل الأمور وخليناها تافهة وقلنا عليها بساطة، عملنا كده، فبدل ما نجيب العالم للكنيسة خلينا الكنيسة شبه العالم، لما مديناش لأولادنا الطعام المغذي وادناهم ال junk food وخليناهم يدمنوه كمان ومش قادرين حتى إنهم يمضغوا الأكل مش حتى يهضموه. عملنا كده لما ركزنا على الكم مش الكيف،  لما قيسنا نجاح الكنائس بمشروعاتها والفلوس اللي تقدر تجيبها،  عملنا كده لما ركزنا على الشكل ومهتمناش بالجوهر، لما قدمنا الكنيسة للمخدوم الصغير باقتران شرطي باللعبة والهدية فأول ما قدر يستغنى عن اللعبة والهدية استغنى عن الكنيسة. عملنا كده لما قعدنا نبسط في التعليم لدرجة الجهل فمبقاش حد فاهم ولا عارف واللي فاهم أو عارف بقى من شواذ القاعدة والغريب وسطينا، عملنا كده لما مقدمناش المسيح وقدمنا ذواتنا، لما اشتغلنا بفكرنا الغبي مش بمواهب الروح القدس الحي فينا. فلنراجع أهدافنا ومناهجنا وطريقة تفكيرنا عسى أن نصلح ما أفسدناه ولا نحاسب عن دماء أجيال قتلناهم تحت دعوى خدمتهم.   --- ### مشاكل في التعليم الدفاعي - Published: ۲۰۲۳-۰۷-۱۵ - Modified: 2023-07-15 - URL: https://tabcm.net/12246/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: اللاهوت الدفاعي, مدارس الأحد, مفهوم الخلاص الكلام زايد اليومين دول في موضوع التعليم في مواجهة الناس اللي بتسيب المسيحية، خاصة التعليم عن اللاهوت الدفاعي. أنا هحط شوية أفكار عشوائية في الموضوع ده وفي الغالب مش هيعجبوا ناس كتير. ١- كل ما يحصل مشكلة نصرخ ونقول التعليم، طب إيه في التعليم عايز تغيره؟ اللاهوت! يعني مثلًا هنعمل فصول محو الإلحاد؟ ألف فاتحة آ أبوكاتاستاسيس؟ ب بيروخيسيس؟ الخ. . بالعكس المشكلة إننا حطينا السَّبُّورَة المجازية بين المعلم والتعليم الأرثوذكسي في ناحية والمتعلم في ناحية تانية. المتعلم يجيلك متعلم من الروح القدس والكنيسة واحنا نقول له: لا اركن دول على جنب وخش فصل مدارس الأحد، لازم نفهم إن التعليم الروحي ده متواتر والمعلم الأساسي هو الروح القدس، وجزء كبير منة بنتعلمه في الكنيسة لما نشوف الحياة المسيحية على الطبيعة ونتشبع بيها، إنما نلغي ده ونحطه في سلسلة دروس في فصل غلط وتصحيحها مش إنك تحسن جودة الدروس! زي اللي نقلوا المستشفى جنب حفرة عشان اللي يقع في الحفرة يروح المستشفى بسرعة بدل ما يردموا الحفرة. الخلاصة هنا إن المشكلة الكبيرة مش في المحتوى، المشكلة في طريقتك وفلسفتك التعليمية. ٢- و مع ذلك خلينا نبص على المحتوى، من الآخر ما لا يقل عن ٨٠%؜ من المحتوى الدفاعي اللي عدى عليّ خلاني فعلا اشك في المسيحية! ! ! المحتوى ربع لبة وملهوش دعوة بمعطيات العصر ولا احتياجاته غير أنه يحتوى على كَمَيَّة ضخمة من المغالطات المنطقية. أبسطها حاجة اسمها cyclical argument. تلاقيهم يقولوا لك المسيحية صح لأن الكتاب المقدس يشهد بكده، والكتاب المقدس صح لأن المسيحية تشهد بكده، ودوخيني يا لمونة. ٣- حتى لما المحتوى يكون محترم تلاقيه منقول من كنايس تانية فملهوش دعوة بواقعك الأرثوذكسي، غير إنه غريب على التقليد والليتروجيا فالنتيجة بتبقى حاجة مجعلصة هجينة غريبة علينا وساعات تتناقض مع تقليدنا. يعنى مثلا لما نيجي نعالج مشكلة زي مشكلة الألم والمعاناة فلسفيًا، فوجهة النظر الأرثوذكسية لا تقف عند الألم بل تتجاوزه في القيامة منه، فلما نستلف تعريف لاهوت دفاعي يبرر الألم كأنه عقاب وغل، هنروح فين من ليتروجية بتقول لك: "حولت لي العقوبة خلاصًا؟"، غير طبعًا إن أنت عندك ٢٠٠٠ سنة تقليد بيناقشوا الأسئلة دي، فلو رجعنا لسؤال الألم عندنا كتاب لباسيليوس ليه منبصش عليه قبل لي ستروبيل؟ ٤- أنت عايز تعلم لاهوت دفاعي طب ما تديهم حاجة يدافعوا عنها الأول، وريهم حياة مسيحية وتربطهم بالليتروجية والحياة المسيحية، وريهم وجودهم في المسيح، اديهم ثقة في إنهم يسمعوا صوت ربنا الأول. من غير ما الناس تتأسس في المسيح هيدافعوا عن إيه؟ وريهم النعمة شكلها ازاي في حياة المؤمنين، خليهم يقعدوا عند رجلين الشعب البسيط المختبر للحياة الإلهية بدل ما تتريق على "جهال العالم". ٥- حاجة تانية، ليس بالمصطلحات وحدها يحيا الإنسان، خلينا نبعد عن الرسميات والكلام المعلب ونروح في عمق اللاهوت الاختباري. من الآخر محدش قاعد في المسيحية عشان قرأ كلمتين و لا سمع وعظتين. في زيطة الحرب على المؤمنين، عايز أقول إن  اللي بيسند مش المعلومات لكن التجربة الروحية، فين ربنا في الكون وفيّ؟ عشان أكون واضح، أنا مش ضد التعليم النظري خالص لكن مينفعش يكون مركز التعليم، التعليم النظري بيفيد لدعم ومناقشة التعليم الاختباري لكن اللي احنا فيه إننا رفعنا قيمة التعليم النظري فوق الخبرة الروحية فكأنك بعت عسكري لمعركة بكتاب مش بندقية! ٦- لو عمليتك التعليمية مفيهاش علاقة كيانية بالمخدوم يبقي أقل حاجة إنهم يسيبوا الملة، لو إحنا ككنيسة ماحتضناش كل المؤمنين وخليناهم فعليا واحد معانا يبقي علية العوض ومنه العوض. يعنى مثلًا ليه احنا بنهتم أكتر لما يكون تارك الإيمان من علية القوم؟ اهتمامنا لازم يكون بالشخص ومش بس لما نحس إنه هيسيب الكنيسة. ٧- لية احنا خايفين جدا من الشك وعدم المعرفة؟ من غير الشغف مفيش رغبة للتعلم، ومفيش أصلا أي حد فينا عارف كل حاجة ومبيجيلوش حالات شك، ده أصلا ملهوش وجود، ولازم نكون مستريحين في إننا نكون متشككين أو في حاجات منعرفهاش، ليه بنحس إن ده تهديد؟ بنقعد نتكلم عن الإيمان مع القناعة مع إن القناعة بتيجي مع الشك. ۸- من ضمن الحاجات اللي التعليم الدفاعي أخد على عاتقة الدفاع عنها هي القيم الاجتماعية، فتلاقي إنك بدل ماتتعلم بس الدفاع عن العقيدة، أنت بتتعلم الدفاع عن يونيفورم المجتمع القبطي بتعريفة الخاص لحاجات زي الحشمة في نصرة لشعار "لا تشاكلو هذا الضهر" وهزيمة "بَلْ تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ، لِتَخْتَبِرُوا مَا هِيَ إِرَادَةُ اللهِ: الصَّالِحَةُ الْمَرْضِيَّةُ الْكَامِلَةُ. ". وكده نضمن إننا عندنا أجيال معدومين التفرد والشخصية، بدل ما نركز على تقوية الاتحاد الكياني بالله، فطبيعي لما نقولهم إن المظهر مهم، هيبقى تدينهم شكلي! ! ! --- ### مصادر تعاليم بولس الرسول (١) - Published: ۲۰۲۳-۰۷-۱٤ - Modified: 2023-08-10 - URL: https://tabcm.net/12010/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: الأب متى المسكين, الاشتراكية, توراة, قديس بولس الرسول, مفهوم الخلاص, يوحنا الحبيب في تتبعنا لطرح الكاتب ندرك أنه لا يتبنى منهج كتابة المناظرات، أو الكتابة الجدلية، الدفاعية، ولا تستغرقه الكتابة التأملية التي تغازل المشاعر، ولعلنا لاحظنا أنه يقترب من حالة ق. بولس في نشأتها وتشكلها الحياتي وتطورها الذهني والاختباري، ويضع يده على نقطة التحول المحورية، حين باغته الرب يسوع المسيح بظهوره له وهو في طريقه إلى دمشق، وهو تحول لا يلغي التكوين النفسي ولا يطمس القدرات الشخصية، إنما ينير الذهن ليدرك ويعي كل ما اختزنه عقله من معارف توراتية وناموسية وتعليمية بامتداد سني عمره المنقضي قبل هذا اللقاء، وفي استنارته هذه يكتشف أن الشخص المحوري في كل هذا، هو شخص الله المتجسد، وكان هذا الاكتشاف محور كرازته. دعونا نعيد قراءة ذاك الحوار الذي دار بين الرب وبولس، كما سجله هو فس دفاعه عن نفسه أمام أغريباس الملك؛ فبعد أن يحكي ملابسات ظهور الرب يسوع له يورد الحوار الذي حفر في ذاكرته: فَقُلْتُ أَنَا: مَنْ أَنْتَ يَا سَيِّدُ؟ فَقَالَ: أَنَا يَسُوعُ الَّذِي أَنْتَ تَضْطَهِدُهُ. وَلكِنْ قُمْ وَقِفْ عَلَى رِجْلَيْكَ لأَنِّي لِهذَا ظَهَرْتُ لَكَ، لأَنْتَخِبَكَ خَادِمًا وَشَاهِدًا بِمَا رَأَيْتَ وَبِمَا سَأَظْهَرُ لَكَ بِهِ، مُنْقِذًا إِيَّاكَ مِنَ الشَّعْبِ وَمِنَ الأُمَمِ الَّذِينَ أَنَا الآنَ أُرْسِلُكَ إِلَيْهِمْ، لِتَفْتَحَ عُيُونَهُمْ كَيْ يَرْجِعُوا مِنْ ظُلُمَاتٍ إِلَى نُورٍ، وَمِنْ سُلْطَانِ الشَّيْطَانِ إِلَى اللهِ، حَتَّى يَنَالُوا بِالإِيمَانِ بِي غُفْرَانَ الْخَطَايَا وَنَصِيبًا مَعَ الْمُقَدَّسِينَ. (سفر أعمال الرسل 16:26ـ 18) ويكمل القديس لوقا مشهد اللقاء، ويعلق كاشفًا منهج القديس بولس، التعليمي المحقق: وَلِلْوَقْتِ جَعَلَ يَكْرِزُ فِي الْمَجَامِعِ بِالْمَسِيحِ «أَنْ هذَا هُوَ ابْنُ اللهِ». فَبُهِتَ جَمِيعُ الَّذِينَ كَانُوا يَسْمَعُونَ وَقَالُوا:«أَلَيْسَ هذَا هُوَ الَّذِي أَهْلَكَ فِي أُورُشَلِيمَ الَّذِينَ يَدْعُونَ بِهذَا الاسْمِ؟ وَقَدْ جَاءَ إِلَى هُنَا لِهذاَ لِيَسُوقَهُمْ مُوثَقِينَ إِلَى رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ! ». وَأَمَّا شَاوُلُ فَكَانَ يَزْدَادُ قُوَّةً، وَيُحَيِّرُ الْيَهُودَ السَّاكِنِينَ فِي دِمَشْقَ مُحَقِّقًا «أَنَّ هذَا هُوَ الْمَسِيحُ»(سفر أعمال الرسل 20:9ـ22)  من هذا نفهم أن المصدر الأساسي عند بولس الرسول في تعليمه هو شخص المسيح بشكل مباشر "خادمًا وشاهدًا بما رأيت وبما سَأَظهَر لك به"، "مُحققًا أن هذا هو المسيح". وفي هذا يعيدنا الكاتب إلى ترتيب المصادر عند ق. بولس تاريخيًا تأسيسًا على: دراسة العلماء المتتابعة على مدى مئات السنين أصبحت الآن أصول المصادر التي يستند إليها بولس الرسول في تعليمه أو الينابيع الصادرة منها واضحة لا تخرج عن منبعين:أ ـ التوراة. ب ـ تعليم المسيح. (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») ويربط الكاتب بين المصدرين، عند القديس بولس ويصل إلى نتيجة محددة، أن: "بولس الرسول يشرح العهد القديم على ضوء الرؤية التى اكتسبها بالروح من المسيح ولهذا جاءت مُحكمة متكاملة". (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») ويرى الكاتب أن: "الاتفاقات الواضحة بين تعاليم بولس الرسول وما جاء في الأناجيل، وخاصة إنجيل يوحنا، وبقية الرسائل لبطرس ويعقوب ويوحنا وبقية تعاليم الرسل، إنما يُعزى للنقل الشفهي الذي كانت تعتمد عليه الكنيسة كل الاعتماد، منذ صعود الرب وحتى كتابة أول إنجيل في حِقْبَة زمنية لا تقل عن ثلاثين سنة ـ حيث كانت تعاليم الرسل تُحفظ وتُتلى شفاهًا كقانون تعليمي Catechism ـ لذلك لا يوجد أي نشاز أو أدنى نزاع في المسائل التعليمية وفي الممارسات الكنسية بين بولس الرسول وبقية الرسل، كذلك كل ما يتعلق باللاهوت بالنسبة لله، والمسيح، والخلاص والأسرار والأمور الأخروية". (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») يعود الكاتب فيؤكد على أن: ق. بولس قد استلم تعليمه وإنجيله من المسيح رأسًا "بإعلان"، ومعرفته الفائقة في أمور الخلاص مردها النعمة الفائقة التي وهبها له المسيح كنور فائق أضاء وعيه المسيحي،"ولكن لا أنا بل نعمة الله التي معي"(1كو10:15)كانت التوراة في نسختها السبعينية بروحها التقوية هي محل تلمذة القديس بولس، وقد تم تَرْجَمَة التوراة فيها إلى اليونانية، "خصيصًا من أجل يهود الشتات الذين عاشوا بعيدًا عن وطنهم وعن لغتهم العبرية والآرامية، ومعها كل مواريثها القديمة من مفهومات واصطلاحات تقوية من التاريخ الروحي للآباء بكل ما يحمل من تراث تعليمي وتوجيهي ومواعيد ورجاء، فجاءت السبعينية لتوصل وتربط يهود الشتات بميراثهم وتراثهم من جديد"(الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») واللافت أن تكون خدمة وكرازة ق. بولس للأمم، عبر يهود الشتات ومعهم. كان للتوراة في ترجمتها السبعينية دورًا رئيسيًا في أن يكون: الخط الأساسي الغائر في نفسية بولس وروحه وفكره هو الخط التقوى، لذلك سهل عليه بعد أن أدركه المسيح وأدرك هو المسيح أيضًا، أن يدرك وبسهولة أنه بالمسيح انتهى الناموس وفقد قوته الأساسية فى ربط اليهودي بالله، وخاصة عندما كمُلت في المسيح كل المواعيد التي في الناموس، ... وأن المسيح هو نهاية خط التقوى المرسوم في التوراة ... لذلك جاءت تقوى بولس الرسول في رسائله تعبِّر أعظم تعبير عن تقوى العهد القديم متوَّجة بقداسة المسيح وجلال تقواه. (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») ويتوقف الكاتب مليًا مع اقتباسات القديس بولس العديدة من التوراة، التي تؤكد روح التقوى عنده، ويتتبع تلقائيته السريعة في الإيمان ثم الكرازة التي لا تبلغ في مدتها الزمنية أكثر من أسبوع حسب رواية القديس لوقا فس سفر الأعمال. ولعل هذا، حسب الكاتب، هو السر وراء: "التعاليم الأخلاقية المكثفة في رسائل بولس الرسول وتنظيمها وتقنينها، وسرد عيوب السلوك وإصلاحها، وتوعية الضمير، وأعمال النسك الروحي وإماتة الأعضاء التي على الأرض، وواجبات العبادة الصادقة، فهذه كلها انطباعات تقويَّة من واقع روح التوراة، التي كان يعيش عليها القديس بولس ويتحرك، التي سلط عليها نور المسيح الذي هو المثل والنموذج الأعلى للتوراة الروحية الحقيقية". (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») وفيما يشبه الاستدراك يطالبنا الكاتب بـ: التمييز بين تقدير بولس الرسول العالي للتوراة وبين مناداته بإلغاء الناموس، وهو الجزء من التوراة الذي أبطله المسيح بظهوره، بالفداء الذي أكمل به الناموس، فالناموس فى صرامته رسخ فى الذهن ضرورة الخلاص والفداء. فلما جاء المخلص والفادي انتهى دور الناموس وأُطلق سراح المحبوسين. (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») ويؤكد الكاتب أن: أول من استخدم الرمزية في التعليم هم الأنبياء بل ربما الله نفسه، ليقرب إلى ذهن الإنسان وحواسه استعلان شخصه وصفاته، فظهور الله كنار مشتعلة هو أقوى رمز أو تشبيه عن طبيعة الله، التي صيغت بالكلمة بعد ذلك"لأن إلهنا نار آكلة"(عبرانيين 29:12) (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») ويورد الكاتب العديد من التشبيهات التي برع ق. بولس في استخدامها، لشرح ما أُغلق فهمه في التوراة، فخرج بها من حدود القصة الضيقة إلى معانٍ أعلى وأوسع، ومن حدود الحرف إلى الروح. مقتديًا بالرب يسوع، ويعلق الكاتب: "هذا الأسلوب الإبداعي في إخراج الروح من الرمز هو بمثابة إعطاء كلمة التوراة المغلقة والضيقة أجنحة تطير بها في سماء الروح لتحط على الحقائق الأزلية"(الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») ويتتبع الكاتب دور القديس بولس في استنباط مبادئ وأفكار جديدة في المسيحية مستوحاة من التوراة لشرح وتعميق الإيمان المسيحي، وكيف أن ممارسات العهد القديم وطقوسه كانت "ظل الحقائق"، لينقلنا إلى الحقائق التي في المسيح يسوع، ويعقد مقارنات ممتدة بين ما كان في العهد القديم وما صار في المسيح يسوع وكنيسة العهد الجديد؛ الفصح القديم والفصح الجديد، المن النازل من السماء الذى لا ينقص ولا يزداد، وقد وظف حالة الكفاية من المن ليحث الكنائس الغنية أن تسخي في عطائها ـ بقدر وتقسيط معاُ ـ لفقراء أورشليم: "فَإِنَّهُ لَيْسَ لِكَيْ يَكُونَ لِلآخَرِينَ رَاحَةٌ وَلَكُمْ ضِيقٌ،بَلْ بِحَسَبِ الْمُسَاوَاةِ. لِكَيْ تَكُونَ فِي هذَا الْوَقْتِ فُضَالَتُكُمْلإِعْوَازِهِمْ،كَيْ تَصِيرَ فُضَالَتُهُمْلإِعْوَازِكُمْ،حَتَّى تَحْصُلَ الْمُسَاوَاةُ. كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ:«الَّذِي جَمَعَ كَثِيرًا لَمْ يُفْضِلْ، وَالَّذِي جَمَعَ قَلِيلاً لَمْ يُنْقِصْ». (كورنثوس الثانية 13:8ـ 15). (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») ويرصد الكاتب مقارنة بولس الرسول بين نور التوراة على وجه موسى ونور المسيح الذي أشرق في قلوبنا بالإنجيل، وكيف أننا جميعنا ننظر مجد الرب بوجه مكشوف (بدون برقع كما كان الحال مع موسى). ويعلق الكاتب: هنا يمكن تجميع رؤية بولس الرسول فى القول بأن تَطَلُّعنا في إنجيل المسيح هو في حقيقته تطلع دائم في وجهه الإلهي الذي يضيء قلوبنا بحضرته، فيغيرنا إلى مجد، ومن مجد إلى مجد، شريطة أن يكون تطلعنا فى الكلمة قويًا لصيقًا كما في مرآة، بدون برقع الخطية، نعدِّل عليها صورتنا كل مرة لتكون "على صورة مجده"(الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») ويؤكد الكاتب مجددًا أن: المسيح هو التوراة الجديدة الحقيقية بصفته الحامل لطبيعة الله والمعلن عنها (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») ينتقل الكاتب إلى المصدر الثاني الذي يستند إليه بولس الرسول في تعليمه وهو "تعاليم المسيح" وسنعرض له في مقال مقبل. --- ### طريق - Published: ۲۰۲۳-۰۷-۱۳ - Modified: 2023-07-12 - URL: https://tabcm.net/12221/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون يخال لي الطريق رأسيًا كبِئر أشعُر إني غارقة في العُمق والرصيف بطوله مزروعًا في صَدري الأشجار هنا. . في حِزمةٍ فوق رأسي كلما تكرمَت الغَيمة بزخةِ مطر امتدت جُذورها حتى وَصلت لحلقي هكذا أنا لم تبد إليّ الطرق أُفقية أبدًا! ستلتقي الطُرق وإن كانت أطرافها مبتورة و‏مشيتُ على رأسي لأبرهن للطريق بأنني أستطيع الاستغناء عن جسدي والعيش على هيئةِ فكرة وهمسَ: خذيني لغاباتكِ... فكرة حريق فاعتذرتُ: أنا بوح المسافة وأنا تأويل الطريق وهو مثلي يهرب من الحب حتى اصطدمنا ببعض وتورطنا في الطريق وحين تنهي الطرّيق الضيّق وحيدًا لن تهتمّ للبشر الذين يملؤون ‎الساحات الواسعة. وعند نهاية طريق القلق ستلتقيني على هيئةِ أمان آمُلُ ألّا تنتهي خطواتي قبل أن ينتهي الطريق. . ‏نعم أراك، مُبعثرٌ قلبي في الطريقِ إثْر خُطاك. ‏ليتني أستطيع أن أترك نفسي تكمل الطريق عني لأستريح أنا وتتجه دومًا قوافلي محملة بالكبرياء فى طريق اللا عودة أصبحتُ لا التِفت للأشياء العاديّة لقد أرهقَني الرُوتين. . حتى نسيتُ أني كنتُ فتاة الدّهشة ! فعدتُ أبحثُ عنّي في مُنتصف الطريق حيث تركتُ (أنا) ‏كاد الطريق أن ينتهي، لولا ظلال الحنينِ الذي منحتهُ أميالًا من الانتظار خطواتي جمر والمسافة إليكَ رماد. مُضنى هذا المسير. ‏كُلّما توقفت قليلًا أتأمل الدنيا، يتجلى إليّ سبيل حلمٍ ساحرٌ خفي يربت على كتفي يَحثُني على المسير، امضِ يا قلبي... لا تُقدم إلى الوهمِ قلبك الكريم، امضِ إلى فضاءك البهيج! ‏لم يذهبا، لقد بقي كلًا منهما على طرفٍ من أطراف الطريق... يلوّح ‏اشترِ منجلًا كُل الدروبِ شائكة... ‏أنا والغيمة نمشي على دموعنا لا الطريق طريق ولا السماء سماء لا شيء يبقى... وكأننا نمشي نلوّحُ للحياة هل الحياة ظلُّ يُلقى خلفنا، أم أننا ظل الحياة؟! تشوهت أحلامنا وتموّهت أيامنا، دون انتباه ها نحن نمشي في الطريق معرّج، والساق تعرج إنما روحي خطاها ثابتة لا موت مني سوف يخرج إنني أحيا، وخفق الروح ما فيه اشتباه ‏وأقتفى آثار قلبي بحذر فلا أدري أين تختبئ الخيبات. ‏فى طريقي؛ طريقك لن أعثر على دربي إلّا بالخوض في رحب وامتداد أرصفتك ... في غفلةٍ من هدوء المدى ومسافة الطريق ووجهٍ تبدّل حتى لم أعد أعرفه وبؤسِ الرّفيق رأيتُه يطحنُ الذكريات ليخنقَ فيها ارتداد الصّدى ويمنعَ الشّوق أن يستفيق ويحرقَ ما نجا من رفات يظنّ بأن الحياة ستمنحه ليلًا جديدًا وقلبًا طليق إلى السّماء انجذب تقف العصافير على أكتافي أنا ابنة محاولتي ولا أهاب الرّيح أترك الدّوران للجميع وكسكّير متّزن أراوغ الطّريق وأدّعي الثبات على طاولة المخاطرة واستخفّ بمخاوفي المراوغة قد توحدُنا نقطة لقَاء، لنروى حكايا الطّريق علّنا نفهم منطق الرّحلة ‏لخطواتِ المسير كبرياءٌ معلنٌ، وللطريقِ كبرياءٌ مهملُ... على الطريق قد ذهبت آخذة جهةً رحبة غير ملزمة بزمن، أُصمّمُ على الجفاء، أُفكرُ في اللا عودة، في سفرٍ بلا رجوع لا يتبعهُ خِذْلان ولا يُعيدني الانتماء. --- ### زهرة أزعجت نجمة..أثر "الصحافة للحوار" - Published: ۲۰۲۳-۰۷-۱۲ - Modified: 2024-05-20 - URL: https://tabcm.net/12231/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: الصحافة للحوار, رأس السنة, كايسيد, مركز الملك عبد الله كوب شاي مثبت على سور شُرْفَة، صافرة قطار تصدح في أركان المدينة، قطة تجري بلوثة أمام سيارة على طريق سريع، وجِدة تحيك ملابس الأحفاد. . كلها أمور نشاهدها يوميًا في أماكن وأزمنة هنا وهناك يصعب إيجاد رابط بينها؛ لكن نظرية الفيزياء الكَمّيَّة تخبرنا بوجود تشابكات أعمق غير منظورة في الأكوان، فلكل مادة تأثير على أخرى، وبين المادة الواحدة روابط مع أكثر أجزائها صغرًا وعمقًا؛ أو كما يُبسط المعنى الشاعر الإنجليزي فرنسيس تومسون حين يقول: “قوى الخلود متصلة. . فإنك لا تستطيع أن تهز زهرة دون أن تزعج نجمة"(فرنسيس تومسون، شاعر إنجليزي) هذه الخاطرة لمعت أمام عيني بعد عودتي من فترة التدريب الأولى لبرنامج زمالة "الصِّحافة للحوار، التي يقدمها مركز الملك عبد الله العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات (كايسيد)، على مدار خمسة أيام قضيتها في العاصمة الأردنية عمان. كنت ممن وقع عليهم الاختيار للمشاركة في اللقاء الذي جمع 35 صحفيًا/ة من 15 دولة عربية، قادمين من خلفيات دينية وثقافية مختلفة، لنتشارك في رغبات واحدة وهي مد حلَقات التواصل بيننا، وتبني خطابات إعلامية متسامحة في مواجهة أخرى تنتهج الكراهيَة، وشيطنة الآخر وإقصاؤه دون إعطائه فرصة الدفاع عن نفسه. البرنامَج التدريبي تطرق إلى الحديث عن الحوار بين أتباع الأديان المختلفة، وكيف يكون الحوار أداة فاعلة لحل نزاعات عصية عن التفكيك في ظل ظروف راهنة دفعت بمجتمعات محلية إلى حالة من الفوضى والدمار وفتتها الحروب الطائفية والسياسية. على طاولة واحدة أكل وشرب وضحك ومازح 35 إعلاميًا وصحافيًا بعضهم البعض، مارسنا أنشطة إنسانية على هامش الرحلة كالسهر حتى الساعات الأولى من الصباح في بهو الفندق المضيف، أو التسكع في الشوارع والأسواق وتجربة الأكلات الشعبية بالأردن، كلها أمور بسيطة أذابت ما تبقى من الجبل الجليدي الذي خلفته فرقة اللغة والدين والقناعات السياسية والثقافية لكل منَا. عدت إلى مصر محملة بمشاعر طيبة وذكريات نقشت بصماتها في عقلي بعد هذه الرحلة وتدريباتها الرسمية من جهة، وجلسات المتدربين التي لم تقل أهمية عما تعلمناه في القاعات المغلقة من جهة أخرى، وكأنها جزء متمم كي نستوعب ما يقصده التدريب من مناهضة خطاب الكراهيَة في الإعلام العربي؛ فكيف سأمرر منذ الآن كلمة في أي نص أكتبه قد تفهم بشكل خاطئ إنها عنصرية أو مؤذية تجاه دولة/ دين/ طائفة/ جنس/ ثقافة... تختلف عني بعدما جلست مع أشخاص معجنون بتنوعات وشعرت بحبٍ جمٍ تجاه كل منهم؟ عدت أمارس أنشطتي، أكملت كتابًا كنت بدأته قبل الرحلة، يتناول المغالطات المنطقية المنتشرة في أحاديثنا وجدالاتنا اليومية وحتى مشاجراتنا. . مغالطات يقع فيها خبراء إعلام وصحافة وقادة دول وأشخاص عاديون على حد سواء، ربطت بين ما أقرأه والتدريبات وتأثير كلماتنا على الآخرين وعليً أنا شخصيًا. تذكرت محاولة إقناع زميل عمل لي بصحة افتراضية أن مسيحيو مصر تربطهم قرابة ما ينتج عنها انتشار أمراض لين العظام والهشاشة والضعف العام أكثر من المسلمين، وتعليق فتاة لا أعرفها على صفحة صديق سخر من انتشار عبارات من نوعية سوء رائحة المسيحيين بسبب أكل الزيت في الأصوام الممتدة على مدار العام لتخبره أن هذا الرأي يحمل شيء صدق، عليه إثبات عكسه. بدايات أعوام لا أذكر عددها سمعت فيها عبارات من سائرين بجانبي في الشارع المقابل لكنيستي من نوعية" اليوم يومكم"، إشارة إلى ما نقلوه على لسان شيوخ انتشروا عبر الشاشات في فترة التسعينيات وبداية الألفية الجديدة كانوا يرددون: "المسيحيين بيبوسوا (يقبلوا) بعض في الكنيسة ليلة رأس السنة" عبارة انتشرت كحقيقة غير قابلة للنقاش فباتت راسخة في أذهان مئات الألوف من المصريين، وربما بالبلاد العربية المجاورة". أذكر أن فتاة قضيت معها أسابيع تدريب في المجال السياسي، مطلع الألفية كانت تتجنب كل مرة السلام عليَ وتستغفر إذا لمستني صدفة، وحين سألتها عن السبب أخبرتني أنني نجسة وفق ما تعتقده، وأخرى تتهرب من مقابلتي كل عيد خوفًا من وقوعها في فخ التهنئة التي يحرمها متطرفون على أصحاب الديانات غير الإسلامية. عشرات المواقف التي تحمل من القسوة اللفظية أشار لمثلها الكاتب عادل مصطفى في كتابه "المغالطات المنطقية" ولعل أبرزها مغالطة التعميم المتسرع، وهي واحدة من أكثر المغالطات شيوعًا في مجتمعاتنا، فأصحاب التحيزات العرقية والنعرات الشوفينية والطائفية والتعصب الديني يجدون مرتعهم في هذه المغالطة لتأكيد ميولهم الداخلية نحو الاقتناع بالصواب المطلق. على النقيض التام لتلك التحيزات والمغالطات التي يمارسها كثيرون، يقع الحوار بشكله الهادئ، هذه القوة العظيمة القادرة على تحويل أعتى المتقاتلين إلى صناع سلام إذا ما تحاوروا بقواعد منطقية دون انحيازات أو توقعات مسبقة. الحوار والمنطق، قيمتان في حاجة لجهد للخروج من مركزية العِرق وكهف الآراء الشائعة التي تحيط بنا منذ مولدنا في أعراف جماعاتنا، مهارات تحتاج إلى ثقل وتدريب ذاتي للتمييز بين حقائق العالم ومسايرة ما تصادف أن يكون رأي الأسلاف السائد في مسقط رأسنا وزمن وجودنا. تمامًا كما وصف الشاعر الإنجليزي تومسون الزهرة التي تحركت فأزعجت نجمة في الفضاء البعيد، هو ما صنعه التدريب على الحوار واللقاءات الإنسانية على هامشه، ثم كتاب المغالطات المنطقية، كل عنصر مما سبق ترك أثرًا ما موصولًا في ذاكرتي وربما على قراراتي وتعاملاتي المستقبلية. --- ### مغالبة الشيطان:
الطريق إلى الخلاص - Published: ۲۰۲۳-۰۷-۱۱ - Modified: 2023-07-12 - URL: https://tabcm.net/12230/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: الشيطان, مغالبة الشيطان, مفهوم الخلاص كيف فعلها الشيطان؟ كيف نجح؟!   اطرق الكاتب الأميركي نابليون هيل مفكرًا، ثم رفع رأسه واستفسر من الشيطان نفسه "كيف نجحت؟" علت وجه الشيطان ابتسامة ساخرة، ثم اقترب من طاولة هيل وأردف: في الواقع لا يوجد أفضل من الإنسان شخصيًا ليهزم نفسه، لا ينقصه إلا قليل من التشجيع فقط ليهزم نفسه، بل ليسحقها! وأنا جيد جدًا في تصدير اليأس والإحباط والقنوط للإنسان، خصوصا الإنسان المستعد، وغالبية البشر حاليًا يقفون على طرف "المنط"، مستعدون للقفز في بئر الموت في لحظة، مشتاقين لليأس، محتضنين للإحباط ومعتنقين للقنوط! يسأل هيل الشيطان مستفسرًا في فضول: من هو أفضل معين لك على تنفيذ خططك لسحق إنسان؟ فيفاجئه الشيطان بقوله، إن أقرب معاونيه غالبا هو شريك حياة هذا الإنسان (نتذكر هنا أيضا قول الكتاب "أعداء الإنسان أهل بيته" (إنجيل متى -10: 36)، (وقد يكون الزوج أو الزوجة، يليهم الأهل، ثم الأصدقاء. وسقوط الإنسان يبدأ بالاستسلام، الاستسلام للأفكار السلبية، وفق ما يسميه هيل بـقانون "الإيقاع التنويمي" (وهو عكس "قانون الجذب" الذي تم ذكره في كتاب "السر" لـ"روندا بايرن") وترك نفسه واقعًا تحت تأثير هذه الأفكار المهيمنة، التي تسيره كالمنوم مغناطيسيًا، ومن ثم إهداره للعنصر الأهم في حياته، عنصر الوقت! ولا ينجح في مقاومة كل ذلك إلا الأقوياء، الأقوياء فقط من يستطيعوا العيش في هذا الزمن، ومعيار القوة الأساسي أصبح الانتصار على الشيطان، وذلك الشيطان المسؤول عن جميع الأفكار السلبية، وأبرزها "اليأس"، وبما أن الغالبية أضعف من أن ينتصروا على أفكارهم الشخصية الهدامة، لذا فسينجح الشيطان، ودائمًا! استغرب هيل من الحديث، وسأل الشيطان عن طبيعة الإنسان، بل عن الطبيعة عامة. . إلا تقاومك؟ ضحك الشيطان ثم رد عليه: الطبيعة؟! الطبيعة التي تتحدث عنها لا تكترث بالعدالة ولا بما هو صواب وخطأ، لا تكترث إلا بالأفعال، تلك التي تتحرك باستمرار على الأرض، ونتائجها، حتى وأن كانت نتيجة للمعتقدات والأفكار! تحول الأفعال لعادات مستمرة -والاستمرارية هي مهمة "عنصر الزمن"- كاف لتغيير مصير الإنسان. يسأل هيل الشيطان عن الحكمة، أليس البشر لديهم من الحكمة ما يعصمهم من السقوط في حبائله؟ فيجيبه الشيطان أن البشر لا يولدون حكماء، لكنهم يولدون بقدرة استيعابية مذهلة على التفكير، وبمرور الوقت، يتحول هذا التفكير المستمر إلى الحكمة، ولكنهم غالبيتهم مسوفين (Drifters) يسوفون ويماطلون، وينحرفون إلى عادات سلبية يومية، وعلى رأسها الكسل والرخاوة، مما يجعلهم أقل استيعابًا، فلا يحافظون على "استمرارية التفكير" ومن ثم يضلون الطريق إلى الحكمة، لو محاولة "مغالبة الشيطان! ". يستنكر هيل هذا المأخذ عن الحكمة، فيستفسر عنها من الشيطان: - هل تراها مجرد تراكم معرفي؟ - لا طبعا! وإلا ما كان البشر استخدموها في تصنيع السلاح وتصدير الموت! "الزمن" هو المسؤول عن تحويل "المعرفة" إلى "الحكمة"، هذا بجانب "محبة الحكمة" (أو "الفلسفة" فيلو-صوفيا)، وأن السعي لاقتناء المعرفة بلا حكمة، هو شيء خطر على الإنسان، وأن الحكمة لا تعرف نفسها إلا بعد الاختبار والتجربة. ويؤكد الشيطان على أهمية الزمن وأنها مسؤول عن "تجنيد" جهود الإنسان التي تحركها "الأفكار" السلبية أو الإيجابية، إلى عادات دائمة، وهذا نتاج "سياسة" البشر أنفسهم تجاه أنفسهم، وعلى أهمية التناغم التي تديره الطبيعة، التي تجبر الجميع على التحرك بشكل متناغم ببعضه وأن كثير من البشر يقعون "ضحايا" لهذا التناغم، لأنهم لم يسعوا على تغيير "بيئتهم" الحياتية، وأن قوى الشر كقوى الخير، تعرف كيف تتوحد معا أما لخير الإنسان أو لهلاكه، لذا يجب على الإنسان "ممارسة الحرص" كواقِ له من الفشل والمرض، إلا أن غالبية البشر مهملين بطبعهم، وأن بعضهم يعاني من "الخوف" لكنه ليس "حريص"، والخوف مهلك، بعكس الحرص، كما أشرنا في المقالة السابقة، وإن نجاح الإنسان هو حصاد لأفعاله اليومية المدفوعة بأفكاره! صديقى. . لقد ذهب نابليون هيل في كتابه للشيطان نفسه ليسأله عن سر الحقيقة، فعرف منه أن تلك الأسرار واضحة بوضوح الحياة نفسها، وأن الأمر المدهش فعلا، كان بساطة تلك الأسرار! هل رأيت معي ومع نابليون هيل كيف أن ساقية الحياة يمكنها أن تُلقي بك في غياهب الظلام إن استسلمت للتسويف أو وقعت تحت ظل الخوف، وتخليت عن إيمانك، في كل ما يستحق إيمانك هذا. . ولو كان بنفسك؟ صديقي. . صدقني: حتى لو سرت في وادي ظل "الحياة" أيضا، يجب ألا تخاف شرا! --- ### جدة الحياة - Published: ۲۰۲۳-۰۷-۱۰ - Modified: 2023-07-09 - URL: https://tabcm.net/12225/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: بستان الرهبان, قديس بولس الرسول, يوحنا الحبيب أتى أخٌ إلى الأب مقاريوس وقال له: «يا معلم قل لي كلمةً تنفعُني». فقال له القديسُ: «امضِ إلى المقابرِ واشتم الموتى». فمضى الأخُ وشتمهم ورجمهم وعاد وأخبر الشيخَ بما عَمِله. فقال له الشيخُ: «أما خاطبوك بشيءٍ»؟ فقال: «لا». فقال له الشيخُ: «امضِ غدًا وامدحهم». فمضى الأخُ ومدحهم قائلًا: «يا قديسينَ، يا أبرار، يا صديقين». وعاد وأخبر الشيخَ بما صنعه. فقال له: «أما أجابوك بشيءٍ»؟ قال: «لا». قال الشيخُ: «إن كنتَ حقًا قد مُتَّ مع المسيحِ ودُفنتَ معه فاصنع هكذا مثلَ أولئك الأمواتِ، لأن الميتَ لا يحسُ بكرامةٍ ولا بإهانةٍ. وبذلك تستطيعُ أن تخلصَ». فانتفع الأخُ بذلك. (بستان الرهبان، طبعة دير أنبا مقار، قول رقم 43) هكذا درج آباء البرية على أن يعلموننا المبادئ الروحية التي تفيد الإنسان المسيحي الذي يسعى إلى خلاص نفسه. وكانت كلماتهم صادرة عن خبرة في الحياة عاشوها على مدى عشرات السنين، ثلاثون وستون ومئة، كما ذكر الرب يسوع في أمثاله. ولكن هذه الأقوال أيضًا لها مرجعها في كتابنا المقدس، ينبغي أن ننتبه إليها. فالآية التي تقول:أم تجهلون أننا كلَّ من اعتمد ليسوع المسيح اعتمدنا لموته، فدُفنا معه بالمعمودية للموت حتى كما أُقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضاً في جِدَّة الحياة(رسالة بولس إلى رومية 6: 3و4) هذه الآية تفيد معنى حالة جديدة للحياة مقابل حالة الموت التي كنا نحياها في الخطية قبل المعمودية. فقوله: "اعتمدنا لموته" تعبير واقعي من كل الوجوه: فمن جهة المسيح، نعلم إن المسيح مات فعلًا من أجل خطايانا، حاملًا إيَّاها في جسده على الخشبة، آخذًا في جسده عقوبة الموت واللعنة عنها. ومن جهتنا، فنحن متنا أولًا بالذنوب والخطايا موتًا حقيقيًا واقعيًا بالروح: "ونحن أموات بالخطايا أحيانا مع المسيح"(رسالة بولس إلى أفسس 2: 5) ثم بالإيمان بالمسيح ومعموديتنا باسمه، اعتمدنا لموته، أي جزنا في المسيح -في المعمودية-  كل ما جازه من آلام وصلب وموت ودفن وقيامة، لأنه أخذ جسدنا واتحد به بلاهوته، وتقبَّل فيه كل عقوبة الخطية من أجل أن يقيمنا معه في جدة الحياة. لذلك يقول بولس الرسول: "فدفنا معه بالمعمودية حتى كما أُقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضًا في جدة الحياة". (رسالة بولس إلى رومية 6: 4) والدفن مع المسيح مبدأ روحي ولاهوتي يملأ فكر القديس بولس وقلبه: "مدفونين معه في المعمودية التي فيها أُقمتم معه بإيمان عمل الله الذي أقامه من الأموات"(رسالة بولس إلى كولوسي 2: 12) حيث يُلاحظ دائمًا أن كلمة "الدفن" تُعدُّ الفكر اللاهوتي للقيامة مباشرة، كما أنها تأكيد شديد للموت. لذلك وضعت الكنيسة أن يكون التعميد بالتغطيس في الماء ثلاثًا، حيث يصير الدفن للجسد إعدادًا له للقيامة بالخروج من تحت الماء. لذلك أصبحت المعمودية وهي تحمل الشركة الكاملة مع المسيح في موته وقيامته، السرَّ الأول الذي يدخله المؤمن لينال حياته في المسيح؛ بل اسمه وهويته باعتباره الميلاد الجديد للإنسان والخلقة الجديدة. ولكن لا يُفهم من هذا أن الذي يشترك في موت المسيح يشترك في حياته بالكمال؛ بل يُعطى الآن عربون الحياة الجديدة، استعدادًا للانفتاح الأعظم على الحياة الأبدية في حضرة الله. لذلك اختار القديس بولس هذا الاصطلاح الجديد، وهو "السلوك في جدة الحياة". وهذه الكلمة (جدَّة الحياة) تشير إلى بداية جديدة للحياة، أو حياة من نوع جديد. وهي أيضًا الكلمة المستخدمة في (2كو 5: 17): "إذًا إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة = καινη κτισις، الأشياء العتيقة قد مضت، هوذا الكل قد صار جديدًا τα παντα καινα". وهكذا ينبغي على مَنْ صار خليقة جديدة أن يسلك بثبات بمقتضى هذه الحياة الجديدة التي تتعارض تمامًا مع أسلوب حياته السابق. ونفس الكلمة اليونانية التي تعبِّر عن التجديد و"الجدَّة" تستعمل أيضًا للإشارة إلى تجديد الروح، كما وردت في الآية: "وأما الآن فقد تحررنا من الناموس إذ مات الذي كنا ممسَكين فيه حتى نعبد بجدَّة الروحلا بعتق الحرف"(رسالة بولس إلى رومية 7: 6) وهذه الكلمة أيضًا تشير إلى شيء جديد غير معتاد أو غير متعارف عليه، ليس جديدًا أو حديثًا بالنسبة للزمن، ولكنه جديد من حيث المضمون والنوعية، أي من طبيعة مختلفة = السلوك حسب الروح؛ عن تلك التي تضادها وهي الطبيعة العتيقة = السلوك حسب الجسد. فكل ما هو جديد بالروح للإنسان هو من فعل الروح القدس، وكل ما هو قديم في المقابل هو من الناموس والجسد. وعوضًا عن كوننا مُتنا عن حياتنا العتيقة، فإننا نتقبل قوة الله الآب التي قيل عنها إنها قوة قيامة المسيح الذي يمنحنا "جدة الحياة". فالله هو الوحيد الذي يقيم الميت لجدة الحياة. وكما أن قيامة المسيح استَعلَنت مجد الآب، إذ تحققت فيه كل مواعيد الله التي نطق بها جميع الأنبياء، هكذا أيضًا جدَّة حياتنا وسلوكنا الجديد في الحياة يَستعلِن عمل الروح القدس وقوته فينا، مبيِّنًا أننا بالحقيقة قد قمنا معه. لأنه فيما بين موت المسيحي عن الخطية السالفة وقيامته من الموت في الحياة الآتية، فإنه مدعوٌّ للسلوك في جدَّة الحياة. فالإنسان الذي يدخل الحياة المسيحية -من باب المعمودية- يُستدعى لنوع مختلف من الحياة. فالموت يحدث لنوعٍ من الحياة، والميلاد يبدأ لحياة أخرى عليه أن يحياها ويسلك فيها. والكلمة اليونانية περιπατεω التي تُرجمت "يسلك" هي نفس الكلمة الواردة في الرسالة إلى العبرانيين للتعبير عن السلوك الروحي للحياة الأبدية: "اصنعوا لأرجلكم مسالك مستقيمة"(رسالة بولس إلى العبرانين 12: 13) وهي أيضًا نفس الكلمة الواردة في رسالة يوحنا الأولى: "ولكن إن سلكنا في النور كما هو في النور فلنا شركة بعضنا مع بعض ودم يسوع المسيح ابنه يطهِّرنا من كل خطية"(رسالة يوحنا الأولى 1: 7) ذلك لأن السلوك بمقتضى الناموس الأدبي والأخلاقي للمسيحية هو أوضح دليل عن حياتنا الجديدة. وقد أشار بولس الرسول إلى قوانين خاصة للحياة المقدسة التي تصبح مؤشرًا واضحًا لذاك الذي قام مع المسيح ليسلك في جدة الحياة. ففي رسالته إلى كولوسي، يقول بولس الرسول: "فإن كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله. اهتموا بما فوق لا بما على الأرض لأنكم قد متُّم وحياتكم مستترة مع المسيح في الله. متى أُظهر المسيح حياتنا فحينئذٍ تُظهرون أنتم أيضًا معه في المجد"(رسالة بولس إلى كولوسي 3: 1-4) وفي كو 3: 5 يعطي بولس الرسول قائمة بتلك الأشياء التي يجب أن تموت في حياة المسيحي الذي له هذه الحياة الجديدة، وتتضمن هذه القائمة: الزنا والنجاسة والهوى والشهوة الردية والطمع الذي هو عبادة الأوثان. وهو يقول إن هذه الأمور هي التي تجلب غضب الله على مرتكبيها، وهذه هي خطايا الجسد التي يجب أن تموت فينا عندما نُدفَن مع المسيح. ثم يورد الرسول بعد ذلك الأمور التي يجب أن نتركها، وهي الأشياء التي ينزعها الروح القدس من سلوك المؤمن المسيحي. وهذه الخطايا هي خطايا النفس الإنسانية، وهي ما تُسمى بالميول أو النزعات. وهذه القائمة تشمل الغضب والسخط والخبث والتجديف والكلام القبيح. ويضيف بولس الرسول قائلاً: "لا تكذبوا بعضكم على بعض إذ خلعتم الإنسان العتيق مع أعماله، ولبستم الجديد الذي يتجدد للمعرفة حسب صورة خالقه"(رسالة بولس إلى كولوسي 3: 9 و10) ونحن، إذ نميت أعضاءنا التي على الأرض التي هي خطايا الجسد، ونطرح عنا كل الخطايا الناشئة عن ميولنا ونزعاتنا النفسية، حينئذ نلبس كمختاري الله القديسين المحبوبين أحشاء رأفات ولطفًا وتواضعًا ووداعة وطول أناة، محتملين بعضنا بعضًا ومسامحين بعضنا بعضًا إن كان لأحد على أحد شكوى، كما غفر لنا المسيح هكذا نغفر نحن أيضًا للمسيئين إلينا. وعلى جميع هذه نلبس المحبة التي تربط كل الفضائل معًا في وحدة كاملة (كو 3: 12-14) فإننا عندما نبدأ في مقاومة الغضب والسخط والظلم والخبث والوشاية، يجب أن يكون ذلك بنفس مقدار مقاومتنا للزنا والنجاسة والشهوة والرغبات الشريرة، وعندما تتصف حياتنا بالحنو والعطف والتواضع واللطف والوداعة والصبر، وعندما نحمل بعضنا أثقال بعض، ونصفح عن الظلم والإساءة كما صفح الرب لنا، وفوق الكل نلبس المحبة؛ حينئذٍ فقط سوف يلحظ العالم حياتنا الجديدة، أي جدَّة الحياة التي نحياها في المسيح يسوع ربنا. آمين. --- ### القداس الإلهي (۸) - Published: ۲۰۲۳-۰۷-۰۹ - Modified: 2023-12-10 - URL: https://tabcm.net/12223/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: آدم, إفخارستيا, قديس أثناسيوس الرسولي, يوحنا الحبيب هناك حقيقة أساسية عن علاقة الله بالإنسان، صارت خافية عن البشر منذ أن سقط آدم ودخل الموت طبيعته فضاعت الرؤية منه، أن الله لم يخلق الإنسان من العدم لكي يخفي عنه ذاته وشخصه بل العكس. فلقد خلق الله الإنسان لكي يُظهِر له ذاته ليعرفه ويلتصق به البشر في شركة حياة مقدسة: ”الله جعل الإنسان قادرًا على أن يرى ويعرف الحقائق(الخاصة بالله)بواسطة المشابهة لله(بنعمة العقل الذي يتأمل في الصورة الإلهية داخل الإنسان)... وحيث لا يمنع معرفةَ الإنسان باللاهوت شيء، فإنه يري دائمًا بواسطة نقاوته صورةَ الآب-أي الله الكلمة-الذي خُلِقَ(الإنسان)على مثاله“. (القديس أثناسيوس الرسولي، رسالة إلى الوثنيين 2) فدليل ذلك أن الله خلق الإنسان ليعيش بقربه و لم يتخل عنه بعد سقوطه بل خلصَّه ليعود إليه. هذه الحقيقة التي ربما ما زالت غير واضحة في وعي البشر، أن الله في الأصل منظور ومعروف لأنه "النور"، والنور بطبيعته إعلان عن نفسه، ولقد وهب الله العقل للإنسان دون باقي المخلوقات، والعقل من صفات الطبيعة الإلهية التي بها يتأمل الإنسان ”صورة الله“ داخله التي خلقه الله عليها لكي ينمو في علاقته بالله بأن يتحول على شبه الصورة ويصير على ”مثال الله“ وليس فقط ”على صورة الله“. فخطة الله من البَدْء: ”نخلق الإنسان على صورتنا كشبهنا“ (سفر التكوين). والمسيح هو ”صورة الله ورسم جوهره“ حسب وحي الكتاب المقدس. إن صورة الله المخلوق عليها الإنسان هي علاقة كيانية بين الخالق ومحبوبه الإنسان. والخطية في تعريفها حسب اللاهوت المسيحي الشرقي هي تدرُّج -بغواية الشيطان- من الابتعاد عن الله وتأمله الروحي العقلي، إلى تأمل حسي قريب للذات بعيدًا عن الله. فأنهمك الإنسان في رغبات جسده متغربًا عن الصورة الإلهية فيه. وحجب السقوط رؤية الله عن الإنسان (ق. أثناسيوس). ولأن الله خلق آدم من العدم ولكي يحتفظ بنعمة الوجود والحياة طالمَا استمرت علاقته بواهب الحياة. فلمَّا تغرَّب في علاقته بالله وعن التأمل في صورة الله داخله تسرَّب الموت إليه بانسحاب الحياة منه وبدأ أول خطواته للعودة إلى العدم من حيث أتى. والعدم هو الفساد في التعبير اللاهوتي المسيحي. وتلاشت منه نعمة العقل والتأمل في صورة الله داخله وفسدت مخيلته وبدأ في اختراع الشر. وصار الإنسان يستخدم أوصافًا لله تتناسب مع ما صار إليه كمخلوق أعمى روحيًا. واستدعى ذلك إعلان الله لشخصه للإنسان الذي تغرَّب عنه. ومن هنا بدأت البشرية تسمع كلمات "إعلان"، ”يُعلن“،  "يُظهِر" عند الحديث عن الله. فلم يكن تعبير "غير المنظور" مستعملًا في وصف الله قبل السقوط. ولكن جدير بالذكر أن القداس الغريغوري عندما يستخدم هذه الأوصاف عن الله "غير المرئي، غير المُحوَي، غير المبتدئ، غير الزمني، الذي لا يُحَّد"، فإنما لكي ينفي عن الله معرفة فاسدة ورثها الإنسان من الوثنية التي صنعت وعبدت الأصنام آلهة مرئية زمنية للإنسان. نرجع ونقول إن الله لا يترك الإنسان في ظلمات الجهل، وإلا كان من الأولى أن لا يخلقه من العدم. لذلك حرص الله أن يُظهِر ويُعلِن ذاته وشخصه للإنسان الذي سقط. هذا هو ما قام به الله ويعرفه التاريخ البشري بأنه "عهد الله" مع الإنسان بأن يُعلِن عن ذاته ويُظهِر شخصه للإنسان الذي تغرَّب عنه بغواية الشيطان. وقد تسجل هذا الإعلان في كتاب مقدس هو "العهد القديم" وأكتمل بكتاب "العهد الجديد". فظهور الله للإنسان هو أمر أساسي منذ خلقه وخلال سيرة الله ومسيرته معه: "وَجَاءَ رَجُلُ اللهِ إِلَى عَالِي وَقَالَ لَهُ: «هكَذَا يَقُولُ الرَّبُّ: هَلْ تَجَلَّيْتُ لِبَيْتِ أَبِيكَ وَهُمْ فِي مِصْرَ فِي بَيْتِ فِرْعَوْنَ"(سفر صموئيل الأول 2: 27) "قَدْ شَمَّرَ الرَّبُّ عَنْ ذِرَاعِ قُدْسِهِ أَمَامَ عُيُونِ كُلِّ الأُمَمِ، فَتَرَى كُلُّ أَطْرَافِ الأَرْضِ خَلاَصَ إِلهِنَا. "(سفر إشعياء 52: 10) صحيح أن الله يعلن كلمته للإنسان ويكشف عن الوصية، ولكنه قبل نزول الشريعة كان الله يعلن عن شخصه: "ثُمَّ كَلَّمَ اللهُ مُوسَى وَقَالَ لَهُ: «أَنَا الرَّبُّ. وَأَنَا ظَهَرْتُ لإِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ بِأَنِّي الإِلهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ". (سفر الخروج 6: 2، 3) إن الإعلان ليس هو الشريعة. فالإعلان هو عن شخص الله، أما الشريعة والوصايا فهي خارطة طريق ترشد الإنسان إلى أوصاف الله التي تحملها وصاياه ليتشبه بشخص الله. وحتى بعد نزول الشريعة على جبل سيناء، لم يتوقف الله عن الإعلان عن نفسه، إما بظهورات مباشرة أو بأعمال الخلاص التي تؤكد أن الرب حاضر "Present”. إن من الأخطاء القاتلة للحياة الروحية أن يتصور إنسان إننا نعبد إلهًا مجهولًا، أو إلهًا يُعلن وصاياه فقط. فالله يعلن عن نفسه كشخص. فهو يقول دائمًا: ”أنا الرب إلهك“. وكلمة "أنا" هي كلمة تعريف بذات وشخص المتكلم، وهي كلمة تستدعي العلاقة، وتتطلب رد الإنسان عليها، ولذلك يقول الإنسان لله "أنت“. وكملحوظة فإن الله في القرآن لا يعلن عن ذاته، فلا نجد كلمة "أنا" في الكلام عن الله. لذلك فإن إعلان الله هو عن شخصه وليس كلام أخلاقي. هذا هو الفرق الجوهري بين المسيحية وغيرها. فالمسيحية هي إعلان الله لشخصه في العهد القديم وكماله أي قمة إعلان الله لشخصه وظهوره في العهد الجديد: "والكلمة (ابن الله) صار جسدًا وحل بيننا... الله لم يره أحد قط، الابن الوحيد الذي في حضن الآب هو خبَّر“ (إنجيل يوحنا:١). وما الإنجيل إلا" إعلان يسوع المسيح" (غلاطية١). هذا الإعلان يتم بالروح القدس. الله يعلن نفسه في يسوع المسيح ابنه المتجسد بواسطة الروح القدس "لا أحد يعرف الآب إلا الابن، ومن أراد الابن أن يُعلِن له (بواسطة الروح القدس)" (متى ١١). واضح جدًا أن المسيح لم يأت إلينا بكلام عن الله، فهذا عمل ووظيفة الأنبياء، إنما جاء بشخصه هو ”كلمة الله" متجسدًا حتى نقبل "حياة يسوع في جسدنا“ (٢كور٤). ذلك هو السر الذي كان مكتومًا في الأزمنة الأزلية، ولكن ظهر الآن (في يسوع المسيح) وأُعلِمَ به جميع الأمم بالكتب النبوية“ (رو١٦). ذلك السر أن "الله ظهر في الجسد“ (١تيمو٣). فإن كان الأنبياء والرسل حملوا إلينا كلمة الله في كلمات ووصايا، فإن المسيحية هي إعلان شخص المسيح ”كلمة الله“ ذاته الذي ظهر في الجسد وأعلن لنا نور الآب بالروح القدس. وتسجَّل هذا الحدث الإلهي -الحاضر في الزمن- في الكتاب المقدس الذي هو "إعلان يسوع المسيح". والكتاب المقدس بعهديه يؤكد ذلك "أن (شخص) يسوع المسيح هو روح النبوة (المكتوبة في هذا الكتاب)” (سفر الرؤيا). ويشير الوحي المقدس أن المسيح يُعلن ذاته وشخصه لكل واحد في الكنيسة ”له إعلان" من خلال الكلمات المكتوبة والتعاليم المسموعة بعمل روحي داخل الإنسان في سر، كان في صدر المسيحية يفيض بطريقة ملموسة بالتكلم بالألسنة "متى اجتمعتم فكل واحد منكم له مزمور، له تعليم، له لسان، له إعلان" (١كور ١٤). إنني أتألم بمقارنة بدايات علاقة الله بالإنسان في الفردوس وكيف كانت حضور شخصي لله قريب من آدم، وكيف أنه وفي ”ملء الزمان“ الآن بعد تجسد المسيح وخلاصه للإنسان، يعارض البعض عمق الحضور الإلهي وقربه من الإنسان متمثلًا في حضور شخص المسيح في سر الإفخارستيا حيث ينقل من كيانه -الذي تم فيه كمال الإنسانية- إلى الإنسان المحتاج لأن يثبت فيه هذا الكمال. فبحسب تشبيه ق. أثناسيوس الرسولي أن صاحب الصورة الإلهية -أي المسيح صورة الآب- يحضر بنفسه ويساعد الرسَّام على تجديد الصورة على نفس لوحة كيان الإنسان الداخلي. فالإفخارستيا هي نقل ملامح صاحب الصورة إلينا من أجل تجديدها إذ ”تلطخت بالأدران“. فقضية حضور المسيح على المذبح في سر الإفخارستيا وضرورة الاتحاد به لا يمكن تجاوزها بسبب نظريات لاهوتية اخترعها الغرب في عصوره الوسطي بسبب ابتعاده عن منابع اللاهوت المسيحي في الشرق الذي مارس سر الإفخارستيا كحضور شخصي للمسيح منذ تأسيس الرب لهذا السر ليلة صليبه. تلك النظريات جعلت من خطية آدم، بالتالي فداء الإنسان، أمورًا خارج كيان الإنسان وليست داخله حيث فساد طبيعته. لقد تاه اللاهوت الغربي في العصر الوسيط في المتاهة التي اخترعها بعيدًا عن الكتاب المقدس وتاريخ المسيحية. تاه فيما وصفوه أن الخطية إهانة لله. وأن الله أختار أبنه بديلًا عن الإنسان العاجز ليحل المشكلة من خلال الصليب كترضية لعدل الآب من خلال رحمة الأبن. بالتالي حولوا مأساة الإنسان الداخلية التي تخص كيان الإنسان الذي تغرب عن أصله المخلوق عليه وأصبح مهددًا بالعودة إلى العدم، حولوها إلى أزمة خارجية تخص الله وكيف يستعيد كرامته - سبحانه. إن الإفخارستيا هي مناسبة طقسية يجري فيها سر تقديس الطبيعة الإنسانية بتثبيت الصورة الإلهية في كيان المتناولين لجسد ودم صاحب الصورة الحاضر بنفسه ليقوم بهذا العمل حتى تنجلي الصورة الإلهية فينا أكثر وأكثر فنرى كلمة الله ونرى فيه الآب أيضًا، ونصير في تحوُّل مستمر نحو الكمال، أي التشبه بالله الواحد الثالوث. هذه هي المسيحية وإعلان الله لشخصه من خلالها. وهذه هي الإفخارستيا التي تُعلِن و يُثبِّت من خلالها صورته الإلهية فينا التي هي علاقته الكيانية المخلوقين عليها، التي يرعاها المسيح بحضوره سريًا في القداس الإلهي لتثبيتها فينا حيث الخبز والخمر ليسا بَعد رمز معنوي بل دلالة ظاهرة على حضوره سريًا. والسُبح لله. بقلم د. رءوف إدوارد مع الاستعانة بكتابات للعلامة د. جورج بباوي.   --- ### كائنات تمنح السلام - Published: ۲۰۲۳-۰۷-۰۸ - Modified: 2023-07-08 - URL: https://tabcm.net/12218/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: التغير المناخي, فيروس كورونا في عالمنا اليوم نعاني من ضغوطات يصعب احتمالها بين أزمات اقتصادية وأخبار الصراعات والحروب، في وقت لم نفق فيه مما سببه لنا فيروس كورونا، إضافة للضغوط التي تتسبب فيها المعاملات اليومية مع البشر، ولكي يتمكن الإنسان الطبيعي من التعامل مع هذه الضغوط يحتاج لإعادة شحن طاقته النفسية، وهو ما يصعب تحقيقه في نمط حياة سريع يجبرنا على الجري بأقصى طاقتنا واللهث وراء "لقمة العيش"، أو النجاح في العمل. منذ سنوات الجامعة وما بعدها كانت تستنزفني الضغوط، فالتفكير في المستقبل والرغبة في تحقيق الذات والنجاح على المستوى العملي كانت تستهلك كثيرًا من طاقتي في وقت كانت الأحداث الجارية في البلد تستنزفنا دون أن ندري، ولكن ما بدأ في تغيير تلك الحالة هو عودة واحدة من اهتمامات الطفولة تطفو على السطح من جديد وهي الاهتمام بالحيوانات خصوصًا الكلاب. منذ نهاية 2013 وبعض أحداث عصيبة، حاولت الابتعاد عن الأحداث الجارية والعودة للحياة العادية من جديد، وكان من حظي أن شرف في بيتنا بالصدفة "ديكستر" الذي أدين له بالكثير من مساعدتي على شحن طاقتي واستعادة التوازن النفسي مع ضغوط الحياة، وكان يفعل ذلك بمنتهى التلقائية فهذه طبيعة الكلاب، تقدم الحب والحنان لأصدقائها دون انتظار مقابل. تحول الاهتمام بـ"ديكستر" إلى اهتمام بكلاب الشوارع، فبدأت الشعور بقربي منهم وأجد في التعامل معهم رفقة تعيد لي سلامي، خاصة عندما أمر بشارع وأجد أحدهم ينظر لي فاذهب للطبطة على رأسه وإجراء حديث ودي معه، ويكون حظه جيدا إذا كان معي ما يمكن أن أقدمه له ليأكل. الاندماج مع عالم الكلاب، جعلني شديد الحساسية تجاه الأذى والغدر الذي يتعرضوا له مننا نحن البشر، ورغم الشعور بالسلام من التعامل معهم  ومع قطط الشارع أيضًا، إلا أني لا أحتمل أن يعانوا بسببنا بالرغْم مما يقدمون  من حب مجاني تجاهنا، ولكن كما يوجد بشر يتسببون بالأذى كذلك يوجد من يقدمون الرحمة. صارت الكلاب والقطط مقياس مهم لتقييم الأشخاص، فمن الصعب أن يكون هناك شخص محبًا للكلاب والقطط ويهتم بهم وبسلامهم  ويكون شريرًا، وعلى النقيض فيمن لا يرغب في مساعدتهم ويتندر على محبي الحيوانات ويرى أن ذلك تفاهة أو رَفَاهيَة، أو فراغ يكون بالفعل شخص مؤذي للآخرين. أشعر أن الحيوانات والطيور تكافئ من يهتم بها بأن تقترب منه، لذا فمن حظي الجيد أن في شرفة بيتي قررت يمامة أن تبني عشًا وتضع بيضها وترقد عليه لحين موعد خروج صغارها،  فأصبحنا في البيت نتحرك بهدوء عند الاقتراب من الشُّرْفَة حتى لا نزعج اليمامة، فتطير وقد لا ترجع إلى عشها مجددًا، وأشعر أنها بدأت تطمئن لنا فاعتادت على أصواتنا ولم تعد فزعة، نتابعها دوما، وبدأت زوجتي بالقراءة عن اليمام لمعرفة طبيعة حياتها، ونرى أنها تقدم حب ورعاية هي وشريكها بالتبادل للبيض بمنتهى الهدوء والتفاني لفترة تمتد إلى 18 يومًا. النظر إلى اليمامة يمنح شعورًا بالسلام،  وسماع صوتها وأصوات العصافير حولنا يمنحنا إحساسًا بالراحة، وكما ابتهجت من النظر لها والتأمل في تصرفاتها، هكذا تعلمت درسًا منذ يومين من كلبة أم لديها 8 جراء، تعيش في مربع سكني قريب من الذي نسكن فيه فقد أحضرت لها طعامًا، وبمجرد أن وضعت الكيس أمامها وبدأت تأكل، هب صغارها إلى الطعام فابتعدت راضية ترمقهم بنظرة كلها عطف وحنان بالرغم من شعورها بالجوع وتركتهم يأكلون، وكانت تنتظر الفتات منهم وما لا يستطيعون أن يأكلوه. أتمنى من كل قلبي أن نعي نحن البشر أننا لسنا أفضل من بقية الكائنات وأن نتوقف عن شعورنا الزائف بالاستحقاق بأن الكوكب لنا دون بقية شركائنا من الكائنات، وأن نحاول الحفاظ على استمراره من أجلنا ومن أجلهم أيضًا، لأنه إذا استمرت أنانيتنا مسيطرة على تصرفاتنا في تدمير توازن الكوكب، ستنتقم مننا الطبيعة أشر انتقام لتحقيق العدالة بنفسها، ولنا في التغيير المناخي مثال. --- ### الفكر اللاهوتي للقديس بولس - Published: ۲۰۲۳-۰۷-۰۷ - Modified: 2023-09-22 - URL: https://tabcm.net/12008/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: آدم, الأب متى المسكين, توراة, قديس بولس الرسول, مفهوم التجسد, مفهوم الخلاص هذا الفصل يصح تسميته "إعداد الخادم حسب بولس الرسول"، والخادم هنا عنوان يندرج تحته كل من يُختار لخدمة الكلمة وخدمة النفوس وخدمة القرية والمدينة، ومن ثم فهو الأسقف وما يتبعه من درجات ورتب الإكليروس، وهو أيضًا مختلف الخدام من المدنيين، بل أظنه خارطة طريق للمعاهد الإكليريكية الساعية لضبط بوصلة الخدمة الليتورجية وخدمة الكلمة وبناء كنيسة مقدسة جامعة رسولية. لم يكن القديس بولس منغلقًا على الثقافة الدينية، بل كان مشتبكًا مع العديد من الدوائر المعرفية والثقافية والعملية في زمنه، ويورد الكاتب العديد من المصطلحات والتوصيفات المتداولة في الحياة اليومية وفي العديد من المجالات الحياتية، وقد استخدمها ووظفها ق. بولس في إيصال المعنى الذي يريد إيصاله للمتلقي في رسائله، الأمر الذي يكشف عن موسوعية فكر وثقافة الرسول بولس، وقد طوعها لخدمة الكلمة، في تصالح واضح مع الثقافة العامة والحياة. فاستعار مفردات ميادين السباق، وقوانينها، وأدوات الحرب وأسلحته، وكذلك لغة المحاكم والقضايا، "فالتبرير" بمعنى حكم البراءة، في مقابل "الدينونة" وهي "حكم إدانة"، والأكثر إثارة ما أورده الكاتب "كما نسمع من بولس الرسول عن اصطلاحات التمثيل والمسرح وجمهور النظارة: فإنني أرى أن الله أبرزنانحن الرسل آخِرين،كأننا محكوم علينا بالموت لأننا صرنا منظرًاللعالم للملائكة والناس  1كو9:4. (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») ويستكمل الكاتب اقتباسات القديس بولس من شئون العمارة وتفاصيلها: "كبناء حكيمقد وضعتُ أساسًا وآخر يبنى عليه. ولكن فلينظر كل واحد كيف يبنى عليهـ 1كو10:3"،وكذلك من أرباب الحرف"أم ليس للخزاف سلطان على الطين أن يصنع من كتلة واحدة إناءً للكرامة وآخر للهوانـ رو21:9" (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») مع أن بولس الرسول نفسه هو صاحب حرفة صناعة الخيام. ويوالي الكاتب رصد اصطلاحات ق. بولس من شئون التجارة، عربون الروح وعربون ميراثنا، ولغة البحارة والأسفار بالبحار: "الذي هو لنا كمرساةللنفس،مؤتمنة وثابتة تدخل إلى ما داخل الحجابعبرانيين 19:6" (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») ويهتم الكاتب بـ: "الاصطلاحات الأكثر استخدامًا، التي أدخلها بولس الرسول في لغته وكانت محببة إليه هي اصطلاحات القضاء والمحاماة، وكذلك الحرب والتسلح والتمرين، وفي العالم القديم ـ الذي عاش فيه بولس الرسول ـ لم نسمع منه على يد أي مؤرخ شيئًا عن بولس قط. لأن بولس كان في الحقيقة هو "الإنسان الجديد" وسط هذا "العالم القديم". فعاش بولس ومات ولم يستشعره مؤرخ أو فيلسوف، وهذا لا يحسب حجة ضد بولس، بل يحسب حجة ضد الأرستقراطية الميتة التي كان يعيشها عالم بولس". (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») ليست المصطلحات فقط هي التي ميزت كتابات القديس بولس، لكن الباحث يكتشف استخدامه وسائل التعليم بالتشبيه والتمثيل؛ وهو ما تتبعه الكاتب، في مشاهد عديدة حملتها رسائل ق. بولس؛ مثل حبة الحنطة وكيف تقع وتموت أولًا ثم يتغير شكلها إلى جسم آخر حي ينمو ويثمر، ويطبق ذلك على حقيقة الموت بجسد أرضي ثم القيامة بجسد آخر روحي... كذلك قدم مثل الجندي في الحرب الذي يتحتم على من يجنده أن يكسيه ويطعمه ثم يطبق هذا المثل على وضعه الروحي هو، كرسول مجند للمسيح. ولكن لحساب من يعظهم ويعلمهم، وينبههم أن يوفروا له المعيشة وتكاليفها، ويدعم كلامه بأسانيد من الناموس والتوراة. وهو هنا يضع قدميه والكنيسة معه على أرض الواقع، فلا تستغرقه عوالم غيبية، وهو ما أكده حين أعلن أن حاجاته وحاجات من يعاونوه تكفل هو بها من عمله. ويوظف القديس بولس المنطق في طرح إيمانه ورؤيته، حين يتعرض للقضايا اللاهوتية المحورية في الإيمان المسيحي، عبر مقاربات ومقارنات لا تنقطع بين قضيتي السقوط والخلاص، وبين فعل آدم الأول وبين فعل المسيح آدم الثاني، وحتمية التجسد الإلهي، فالطبيعة التي أدخلت اللعنة، يلزم حسب العدل أن تكون هي التي تُدخِل البر. ويعلق الكاتب: "هذا منطق عدالة الله، وفي نفس الوقت هو منطق المناسبة لدى فكر الإنسان. ثم عاد بولس الرسول ليقارن بين سبب الخطية وعنصرها الأساسي وهو عِصْيَان آدم، في مقابل سبب البر وعنصره الأساسي وهو طاعة المسيح لله، لتوازن عِصْيَان آدم. ولكن كم تكون حد المعادلة من طرف المسيح الإنسان بسبب لاهوته أقوى مئات وملايين المرات بلا عدد بالنسبة لحد المعادلة من طرف آدم؟""لأَنَّهُ كَمَا بِمَعْصِيَةِ الإِنْسَانِ الْوَاحِدِ ـ الترابي ـ جُعِلَ الْكَثِيرُونَ خُطَاةً، هكَذَا أَيْضًا (مع الفارق الهائل) بِإِطَاعَةِ الْوَاحِدِ ـ السماوي الإلهي ـ سَيُجْعَلُ الْكَثِيرُونَ. أَبْرَارًا. ! ! "(رومية19:5). "فمهما ازدادت الخطية فى العالم بالإنسان الأرضي، فالنعمة بالإنسان السماوي كفيلة باجتثاثها اجتثاثًا، لأنها أقوى بما لا يُقاس، على أساس أن عامل الخطية ضعف إنساني، أما النعمة فعاملها قوة إلهية". (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») تحت عنوان "المنهج التأملي الحر عند بولس الرسول" يقول الكاتب: "الحوار في المنهج التعليمي عند الفريسيين أصيل، لإذكاء الفكر لقبول الحقيقة، ولكن مثل هذا المنهج يحتاج لمؤهلات ليكون المُحاور مقتدرًا، أهمها أن يتوفر له طول النَفَس وهدوء الأعصاب مع شيء من الدهاء، وهذه كانت تُعوِز بولس الرسول، فهو عاطفي، تأثُّري، مندفع، غيور. كذلك فإن المنهج الجدلي يحتاج إلى خطة ذات هدف محدد يسير نحوها المُتحاور دون أن يتوه في الطريق، وبولس الرسول عكس ذلك، فهو بعد أن يبدأ الشوط ويحدد الموضوع الذي سيقتحمه، وإذ ننتظر منه السير في الاتجاه الذي حدده، نجده يعرِّج في الطريق على موضوع آخر، أو يشغله حماسه بخصوص الفضائل أو السلوك فيستغرق فيه، وقلما يعود إلى ما بدأ به الحديث. وهو في رده على المهاجمين والمتلصصين على تعليمه وحريته فى المسيح لا يحاجج، ولكنه يهاجم، ويفضح النيات الداخلية:"يَمْنَعُونَنَا عَنْ أَنْ نُكَلِّمَ الأُمَمَ لِكَيْ يَخْلُصُوا، حَتَّى يُتَمِّمُوا خَطَايَاهُمْ كُلَّ حِينٍ. وَلكِنْ قَدْ أَدْرَكَهُمُ الْغَضَبُ إِلَى النِّهَايَةِ. "(1تس16:2). (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») ويتتبع الكاتب منهج القديس بولس في الدفاع المتدفق والمتلاحق "المستند على النعمة التي تضئ ذهنه"، "فهو لم ينقل عن أحد قبله"، وينتهى الكاتب إلى أن المساهمة اللاهوتية المتسعة والمتفرعة والمتعددة المواضيع التي قدمها بولس الرسول للمسيحية تقف على قاعدة عريضة، مستكملة بالبرهان واليقين، أتته في مناسبات كثيرة كدفعات إلهامية استوعبها من الله والمسيح مباشرة. " ويصف الكاتب لاهوت بولس الرسول بأنه: "ليس لاهوتًا نظريًا بل هو لاهوت إلهامي مسنود بالنعمة، وعمقه لا يأتي عن عمق تفكير وتحليل بل عن استعلان تلو استعلان، والنعمة أمنته ضد مواطن الزلل ومواطئ الانحدار، فجاء لاهوتًا صافيًا صفاء السماء التى منها انحدر". (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») ثم يتعرض الكاتب إلى "المصادر التي يستند إليها بولس الرسول في تعليمه"، وهو ما سنعرضه في المقال المقبل. --- ### أوردر دليفري - Published: ۲۰۲۳-۰۷-۰٦ - Modified: 2023-07-05 - URL: https://tabcm.net/12205/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون دقت الرابعة مساءًا بالضبط، تسمرت للحظة غير مصدق، فلم أعتقد أن لهذا اليوم السيئ نهاية، تركت كل شيء مكانه، ونزعت فيشة حاسوبي المحمول بغل وقسوة ملحوظين، وأغلقته عنوة بضغطة زر، فلحظة نهاية عمل يوم الخميس لا تقارن بأي لحظة أخري. حييت مديري بإشارة من يدي وبضع غمغمات غير مفهومة ولم أنتظر منه ردًا، نظر لي متبرمًا شذراً فلم أكترث، قطعت درجات السلم المائة والثمانية والعشرون درجة دفعة واحدة بعد أن فقدت الأمل في العثور على مكان خال في مصعد يقف أمامه طابور من الموظفين المملين أطول من طوابير المخابز العامة، ركبت سيارتي ولم أعبأ بسباب السايس الذي تركته يعدو خلفي نحو خمسمائة متر بعد أن تهربت من دفع إتاوة الأسبوع المعتادة، قبل أن ينهار ويستسلم وهو يدعو الله بصوت عالي أن يرزقني بمطب "يقطم وسط العربية" انطلقت مسرعًا إلي مصر الجديدة حيث منزل صديقنا "شادي" مثلما اتفقنا في الأسبوع الماضي، فقد وقع عليه الدور هذا الأسبوع ليكون تجمع اليوم علي شرفه فوق سطح منزله، فمنذ انتهينا من دراستنا الجامعية ولم تفوت شلتنا الصغيرة ليلة واحدة من ليلة من ليالي الخميس المباركة دون أن نقوم بطقوسنا الخاصة، التجمع ما بين الخامسة والسادسة طبقًا لمدي ازدحام شوارع المحروسة، أوردر طعام جماعي شهي يكفي لسد عشرة بطون جوعي، نتناوله بنهم علي سطح منزل احدنا، قبل أن يأتي "حسام" ديلر شارع النزهة حاملًا روائع من النبتة المقدسة الغارقة في زيتها: الحشيش. "حسام" -عن تجربة- من أكثر الديلرز أمانة في مجاله، فلو كان الصنف متدني الجودة يومًا، سيطلب منك بكل ثقة أن "متاخدش من عندي النهاردة" كما يفعل تجار الفاكهة المحترمون، ولذا فأن "حسام" يحظى بثقة اغلبيه ضريبة المنطقة. بدأ "حسام" نشاطه من الصفر، حتي وصل اليوم إلى ما هو عليه وأصبح المورد الرسمي لأكثر من 90% من شباب مصر الجديدة. وقبل أن أصل لمنزل صديقي "شادي"، كان "حسام" -المعروف بدقة مواعيده- قد سلم الأوردر كاملًا وعليه حتة زيادة تحية منه، عجيب اجتهاد هذا الشاب وإخلاصه وتفانيه في عمله، اشتممت رائحة القطعة المشبعة بالزيت في نشوة حقيقية في حين يتلو شادي أسطوانته المعتادة عن زميلة العمل التي تنصب شباكها حوله وهو لا يبالي، كالعادة، أثارت رائحة الحشيش شهيتي دون سبب علمي يربط ما بين رائحة الحشيش والشعور بالجوع، قبل أن يتوالى وصول الجميع ويكتمل النصاب القانوني لإجراء التصويت علي اختيار الطعام، في ديموقراطية شديدة وقع اختيار الأغلبية علي مطعم جديد للأسماك في شارع عباس العقاد بمدينة نصر، وبالرغم أني لست من مريدي السمك ولا الجمبري إلا أنني وافقت احترامًا لرأي الأغلبية، طلبنا الأوردر وبدأت في إشعال الفحم ورص الحجارة على الشيشات التي انتشرت في أنحاء المكان، ثم توزيع قطع الحشيش بعد تفتيتها وتقسيمها بالتساوي علي السادة الحضور، البعض يفضل أستنشاق دخانها في كوب زجاجي، والبعض يفضل استحلابها تحت اللسان بعض خلطها بقطعة من الحلاوة الطحينية، والبعض يفضل تعذيبها وحرقها حية علي فحم الشيشة. دارت الرؤوس. . ومرت ساعة ونصف من الزمن ولم يصل الأوردر. تطوع "هيثم" بصفته الوحيد الغير مدخن وبذلك فهو الوحيد الذي لا يزال محافظًا علي توازنه حتي الآن، بالاتصال بالمطعم، وبعد ديباجة الأسئلة المملة السخيفة اخبره فتى الـ"كول سنتر" أن الأوردر قد خرج من نصف ساعة ولن يمر أكتر من عشر دقائق قبل أن يصل إلينا، مرت عشر دقائق، تبعتها عشر دقائق أخري، ثم عشر ثالثة قبل أن يتصل بهم "هيثم" مرة أخري ليخبره نفس الفتي المستفز بنفس الإجابة السخيفة، انتظرنا لربع ساعة إضافية قبل أن اتصل بالمطعم وأكيل لهم ما لذ وطاب من مختلف أنواع السباب وأقذرها علي الإطلاق، صرعني الفتي ببروده المستفز وسؤاله: أنا مش فاهم حضرتك متضايق ليه يا فندم؟ فأصدرت صوتًا من أنفي ولم أجب بفمي ثم أغلقت الهاتف في وجهه، وبعد نصف ساعة إضافية وصل الأوردر باردًا، أما شوربة الـ"سي فود" فقد أنسكب نصفها علي الأقل في الشنطة البلاستيكية. رفضت أن أتسلم الأوردر بالطبع لكني استجبت في النهاية بعد إلحاح الرفاق، فقد بلغ الجوع أشده بعد انتظار دام لنحو ثلاث ساعات وبدأ بعضهم في الإصابة بهبوط حاد بعد دورة الحشيش علي معدة فارغة، تسلمت الاوردر ورفضت بالطبع أن أنقد فتي الدليفري أي بقشيش، فنظر لي شذرًا متعجبًا لماذا رفضت أن أهبه البقشيش المعتاد الذي يحصل عليه كالحق المكتسب؟ غمغم بكلمات غير مفهومة قبل أن يشيح بيده بعيدًا ويغادر. تمالكت أعصابي عن أن القي به من الدور العاشر كمدًا وغيظًا، ثم أسرعت في محاولة شبه فاشلة للحاق بما تبقي من الأوردر الذي تكالب عليه الجميع كمن لم يأكلوا طعامًا منذ قرون، وقضينا ما تبقي من الوقت في إطلاق السباب واللعنات علي المطعم "ابن التيت" الذي أفسد علينا سهرة الخميس المعتادة، ثم انصرفنا كل واحد إلي حال سبيله علي اتفاق باللقاء الخميس القادم كالمعتاد. يوم الخميس التالي: دقت الرابعة فوجدت مديري ينظر لي شذرًا قبل أن أهم بالمغادرة، نظرت له وابتسمت، فأبتسم. . لابد أنه مصاب بالحمي اليوم! ! غادرت مسرعًا إلى السيارة، فوجدت السايس يجلس على الكبوت بكل أريحية ينتظرني أن "أعكمه" إتاوة الأسبوع، استسلمت ودفعتها عن طيب خاطر متجاهلًا حديثه عن ضرورة تسديد إتاوة الأسبوع المنصرم، وانطلقت إلي بيتي، فاليوم السهرة على سطوح منزلنا الملاصق لقسم النزهة بشارع عبد العزيز فهمي. وصلت مبكرًا، ولمحت "حسام" بطرف عيني وهو يتبادل الحديث ضاحكًا مع أحد أمناء القسم، لمحني بطرف عينه فحيا الأمين بحرارة قبل أن يناوله صاروخًا نوويًا محظورًا من قبل هيئة الطاقة النووية، ثم تحرك ناحيتي ليسلمني الأوردر. الفتي المجتهد أتي في موعده بالدقيقة وانتظرني تحت منزلي منذ ما يقرب من نصف ساعة، لو تفاني الشعب المصري نصف تفاني "حسام" في عمله لصرنا من أعظم شعوب العالم، تأملت القطعة الدافئة واشتممتها بنشوة قبل أن المح الأمين يراقبني بتمعن، ألقيت التحية مبتسمًا فبادلني التحية بنفس الود وهو يشير إلي جيب قميصه حيث الصاروخ الملغوم ويضحك فاستشعرت الأمان. صعدت مباشرة إلى السطح وبدأت في إعداد الجلسة، بدأ توافد الرفاق واتفقوا بالإجماع علي أن يكون الطعام من نفس مطعم الخميس المنصرم، فعلى الرغم من تأخيره في المرة السابقة لما يزيد عن 3 ساعات، إلا أن الطعام كان بالفعل شهيا للغاية ولا يقاوم، وعلى الرغم من تحذيري فقد أصر الجميع. . فاستسلمت وقبلت! أسوأ ما في الديموقراطية أنها قد تجبرك علي الانصياع للآراء الغبية، لكني رفضت أن أقوم بدوري المعتاد في طلب الأوردر بنفسي، هنا نهض "شادي" الذي لم يصبر علي تفجير صاروخه النووي، وقد بدأت أثار الحشيش تظهر علي عينيه، وأصر علي أن يطلب الأوردر بنفسه ولم نعارضه. آلو. . مطعم الأسماك؟ 6 وجبات بوري مشوي، و4 مقلي، و9 رز، و5 شوربة سي فود، ونصين جمبري مشوي، ونص كاليماري مشوي، وإزازتين كولا 2 لتر، واتوصي بالسلطات والطحينة وحياتك لا مش هتلاقي الرقم عندك... سجل عندك يابني. . المقدم أحمد أبو العز مباحث التموين. . سامو عليكوا أغلق "شادي" التليفون بعيون نصف مغلقة ولم نتفوه البتة، بعد أقل من 15 دقيقة كان فتي الدليفري واقفًا علي باب السطح، تذكرني علي الفور وتسلمت منه أوردر ساخن رافضًا بكل شدة أن يحصل علي مليم إضافي كبقشيش قائلاً إنها تعليمات صاحب المحل. . سألني علي سيادة المقدم أحمد أبو العز، فأجبته أنه قد أضطر للنزول للقسم المجاور لدقائق وسيعود لتناول الطعام برفقتنا بعد قليل. . لم يبد علي الفتي أنه صدق الأكذوبة، وابتلعها ومضي إلى حال سبيله، فنظرت إلى صورة سعد زغلول الذي يصر والدي علي تعليقها علي أحد حوائط السطح بحجة أنها ذكري من والده، وتمتمت في سري "مفيش فايدة"، ثم انقضضت علي الطعام قبل أن ينسفه جيوش التتار نسفًا. --- ### إشكالية الحذاء - Published: ۲۰۲۳-۰۷-۰۵ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/12141/ - تصنيفات: كتاب مقدس «لا تقتَرِبْ إلى هُنا. اخلَعْ حِذاءكَ مِنْ رِجلَيكَ، لأنَّ المَوضِعَ الّذي أنتَ واقِفٌ علَيهِ أرضٌ مُقَدَّسَةٌ»(سفر الخروج ٣: ٥) من أكثر الأمثلة اللي بتبين الأصوليّة في فهم نصوص الكتاب المقدّس وحرفيّتها في الكنائس المصرية هو هذا العدد من سفر الخروج بشأن "اخلع حذائك". أنا ليس عندي أي اعتراض على دخول المسيحيّين الهياكل في مصر من غير حذاء. المشكلة تكمن في حرفية فهم النصوص وبطريقة تجهل النص. والأسوأ اعتبار دخول الشخص الهيكل بالحذاء إهانة للمقدّسات وعدم احترام لله! فهل الله تعالى لديه مشكلة مع الحذاء؟ أو على وجه التحديد مع "النعل" حيث هناك ما يسمّى في الكنائس القبطيّة التلّيج، وهو حذاء من غير نعل مسموح به دخول الهيكل. كما قلت، الموضوع في حد ذاته ساذج، ولكن دلالته كبيرة من حيث تمثيلها للأصولية والحرفية في فهم الكتاب المقدّس. خلع الحذاء له أكثر من معنى في ثقافه شعب بني إسرائيل. فعندما يبيع شخص بيتًا مثلا يخلع نعليه ليوثّق تركه ملكيه الأرض للطرف المشتري. . معنى ذلك في حضوري في بيت غير أكون حافي القدمين كعلامه على أني لا أملك هذه الأرض، أنا في ملك شخص آخر راجع راعوث ٤: ٧. فكلام الله لموسى في هذه الحالة معناه أنت هنا في أرض مكرسة لي. ومش مشكلة قائمة بين الله وحذاء الإنسان! راجع سفر يشوع الفصل ٥ الله بيطلب من يشوع يخلع نعليه. أيضًا بعض المزامير، «عَلَى أَدُومَ أَطْرَحُ نَعْلِي» مزمور ١٠٨: ٩ فهل المعنى هنا أن الله بيحدف آدوم بالحذاء مثلا؟ في معاني تانية طبعًا قد تكون فكرة التخلي، وقد تكون فكره الحذاء مصنوع من جلد حيوان ميت ممنوع بالنسبة لقواعد الطهارة اليهودية مع إنه عشاء الفصح لازم الكل يكون لابس الحذاء! . . إلخ. المطلوب من موسى ويشوع إنهم ينموا إلى الأبعد من التفكير في الإله من مجرد مستوى حسي ملموس. محتاجين يبدأوا في الاقتراب من الله بعقولهم وقلوبهم. طلب منهم خلع أحذيتهم. لماذا؟ لأن التخلي عن الأحذية تعبير عن التخلي عن شعورنا بأننا نملك، نملك كل شيء نملك الحقيقة، نملك الله ذاته! يطلب الله أن يتخلى الإنسان عن تصوراته السابقة الناقصة عن الله، وأن يبدأ مسيرة جديدة! في ملك الله، في مدرسة الله وليس في مدرسة فكره الشخصي وما توارثه! حاجه أخيرة موضوع خلع الحذاء إلى حد كبير هو تأثر المسيحيين في مصر من الممارسات الإسلامية اللي هي مش بالضرورة متفق عليها في الإسلام ذاته. وهذا هو الرازي يعطي شروحات رائعة حول النص في "مفاتيح الغيب" تفسير سورة طه آية ١٢: متاح على الإنترنت.   --- ### نابليون هيل: مغالبة الشيطان - Published: ۲۰۲۳-۰۷-۰٤ - Modified: 2023-07-12 - URL: https://tabcm.net/12190/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: فرانكلين روزفلت, مغالبة الشيطان, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية ربما كان الكاتب الأميركي الأشهر "نابليون هيل" هو أفضل وأهم من أسس -وربما دون دراية مباشرة منه-  أصول ومبادئ تطوير المهارات الاجتماعية وريادة الأعمال التجارية في العصر الحديث بشكلها الحالي (يسميها البعض أيضا "تكنيكيات مساعدة النفس") خصوصا بعدما أن ذاع صيته كثيرًا في كل العالم منذ أكثر من ثلاثة أرباع قرن مضى، تحديدًا بعدما تقلد منصب مستشار الرئيس "فرانكلين روزفلت" في ثلاثينيات القرن العشرين، وبعد أن ألف العديد من الكتب المهمة ذائعة الصيت، التي باعت عشرات الملايين من النسخ على مدار نحو 90 عاما، لعل من أبرزها "فكر وأنمو بثراء"، و"مغالبة الشيطان" اللذان أثارا ضجة كبيرة وقت صدورهما وكانا السبب في كثير من الجدال في معظم الأوساط الأدبية والإعلامية الأمريكية آنذاك. كتاب مغالبة الشيطان: السر للحرية والنجاح. عاود الظهور لسطح مبيعات الكتب عالميًا مرة أخرى بداية مع 2011 وزادت مبيعاته بكثافة مؤخرًا، خاصة في الأعوام الأخيرة التي تلت جائحة كوفيد 19 وملازمة نحو مليار إنسان منزله، وعدم مغادرته إلا للضرورة القصوى، التي أيضا زاد فيها الإقبال على القراءة أكثر من قبل وبكثير، وكانت لنوعية كتب "هيل" هذه نصيب الأسد من المبيعات عالميًا. وربما السبب أن كتب "هيل" وأمثاله كانت هي الكتب السائدة وقت عهد الكساد العظيم -في ثلاثينيات القرن العشرين- الذي تم "إعادة إنتاجه" مجددًا بعد 90 سنة منذ عدة سنوات كما يبدو، هو نفس السبب في سيادتها ونجاحها الآن مجددًا، وسط كل هذا الكساد التضخمي المفرط الذي يغرق فيه العالم منذ 3 سنوات ونصف حتى الآن. إذ اجتاحت العالم موجة نفسية سلبية جدا مماثلة لتلك التي كانت موجودة وقت الثلاثينيات (بين الحربين العالميتين الأولى والثانية)، وأثرت على الذائقة النفسية والأدبية لغالبية الناس حبيسة المنازل، وجعلتهم يحاولون الفرار عبثًا من ظلام بئر المرض والبطالة، منتظرين الموت البطيء، وكانت أبرز محاولات الفرار من ذاك الظلام ساعتها -وحاليًا- هي استهلاك كتب "هيل" وزملاءه، كحيلة نفسية بسيطة، وربما دون دراية من الضحايا (أو القراء! ) أنفسهم! والكتاب فعلا في رأيي المتواضع يستحق كل تلك الضجة! قسم "هيل" رحلته في مغالبة الشيطان إلى 12 فصلًا، لعل من أبرزهم وأطولهم كان الفصل الذي صور اللقاء المرتقب والمتخيل ما بين الإنسان الأرضي الدنيوي والشيطان شخصيًا، الذي صاغه "هيل" ببراعة شديدة تليق بخيال مؤلف سينمائي موهوب ومخضرم، ذا خيال خصب. اهتمام "نابليون" -أو الإنسان الأرضي- كان منصبًا في المقام الأول في بداية لقاءه مع الشيطان بسؤاله. . كيف كانت البداية؟ كيف بدأت القصة؟ وأين؟ أين يجد الشيطان حاليًا ضحاياه قبل أن يُسقطهم؟ فإذ بالشيطان يفاجئ "هيل" بالإجابة. . ويرد بأن ملعبه المفضل هو الكنيسة! يليها المدرسة! وكل مكان فيه أطفال يُقصر الأهل في نشأتهم، ويلقون في قلوبهم وأدمغتهم بذور الخوف، ولو كانت الخوف من الشيطان نفسه! وبذور الخوف تلك، كانت ولا زالت تحتاج أرضًا خصبة لتنمو فيها، ولا يوجد أرض خصبة للخوف والقلق كعقل فارغ -العقل الفارغ معمل الشيطان كما قال القديس يوحنا ذهبي الفم- والخوف وفق ما قاله الشيطان في رواية "هيل"، يكون من 6 أشياء محددة: 1 – الخوف من الفقر 2 – الخوف من المرض 3 – الخوف من فقدان الحب 4 – الخوف من النقد 5 – الخوف من الشيخوخة 6 – الخوف من الموت ولعل الأول والأخير هما أهمهما، الفقر والموت، وأينما بدأ الخوف، أينما ينجح الشيطان! دائمًا ينجح! أيضا ركز "هيل" في حواراته ومساجلاته المتخيلة مع الشيطان على خطيئة اجتماعية كبيرة يسقط فيها الشيطان أُناسًا كثيرون في حيواتهم المهنية والاجتماعية بل والروحية، ألا وهي كارثة "التسويف" و"المماطلة" و"الإرجاء" المستمرين وسماها (Drifting)، ويسميها علماء الاجتماع حاليًا بالإنجليزية (Procrastination) وأن التركيز على الهدف والاستمرارية في السعي الدؤوب اليومية هي ما يفتقده الكثيرون. وأن حياتنا كبشر تتمركز على معنيين فلسفيين كبار فقط، لهما الفضل والمرجع الأساسي لنجاحنا أو فشلنا في الرحلة، ألا وهما الخوف والإيمان، فشكنا هو ضعف إيمان ولو كان في أنفسنا، وهذا الضعف هو الذي خلق المقاومة هي التي قادت إلى التكاسل والمماطلة والتسويف. استرسل "هيل" في أثناء مقابلته مع الشيطان في المزيد من الأسئلة الهامة. . و. . ولكن لتلك الأسئلة موضع آخر. . صديقي. . انتظرني من فضلك بهذا المكان الأسبوع المقبل لأخبرك بكيف انتهى هذا الحوار الإنساني الغريب بين "نابليون هيل" والشيطان! --- ### الشفقة/ التحنن/ الرحمة (٢) - Published: ۲۰۲۳-۰۷-۰۳ - Modified: 2023-07-03 - URL: https://tabcm.net/12193/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: الابن الضال, بستان الرهبان, سمعان بن يونا, قديس بولس الرسول, يوحنا الحبيب «كونوا جميعًا متحدي الرأي، بحسٍّ واحد، ذوي محبةٍ أخوية، مشفقين، لطفاء»(1بط 3: 8) الشفقة والحنان والرحمة في أمثال الرب يسوع: الرب يسوع المسيح أحب شعبه حبًّا جمًا، قال عنه القديس يوحنا الحبيب في إنجيله:«أحبهم إلى المنتهى»(يو 13: 1). لذلك كانت مفاهيم الرحمة والتحنن محور حديثه في ثلاثة من أمثاله. ففي مثل الابن الضال، حين نظر الأب ابنه آتيًا في الأفق، عائدًا من البلدة البعيدة، بثياب رثة، تحركت أحشاؤه فيه وتحنن عليه (لو 15: 30)؛ فهذا الأب الشفوق يعبّر في إيجاز تام عن إنجيل نعمة الآب ورحمته. والسامري أيضًا تحنن على رجل مجروح وجده في طريق أريحا، كان قد وقع بين اللصوص، فعرّوه وجرحوه وتركوه بين حي وميت. لم يكن هذا السامري يعرف إن كان ذلك الرجل هو أخٌ له سامري مثله أم لا، وإنما عرف شيئًا واحدًا: إنه أخ له في الإنسانية محتاج إلى معونته بأسرع ما في استطاعته، عساه يمكن أن يرى نور فجر جديد. والقصة تصوير مؤثر للوصية العظمى لمحبة الله والآخرين (لو 10: 37)، التي هي خلاصة الناموس والأنبياء (انظر مت 22: 34-40؛ رو 13: 9). وفي مثل آخر تكلم الرب يسوع عن ملك تحنن على عبدٍ له كان مديونًا بدَين كبيرٍ، فأعفاه الملك من الدَّين كله، بلا قيد أو شرط (مت 18: 23-35). وحينما أخفق العبد أن يُظهر نفس الرحمة والشفقة نحو أخيه العبد أيضًا، إذ كان ذلك مديونًا له بدين صغير، غضب الملك جدًا. والمفهوم هنا واضح: هؤلاء الذين نالوا رحمة وشفقة الله غير المحدودة، عليهم أن يردوا الفضل إلى الآخرين. وهذا المفهوم خاصة كان ينطبق على الكنائس التي كتب إليها القديس بطرس الرسول. فبواسطة نعمة الله ولدوا ثانية لرجاءٍ حي (1بط 1: 3)؛ لم يكونوا شعبًا وبواسطة رحمة الله صاروا «شعب الله» (1بط 2: 10). هكذا، يتحتم علينا نحن أيضًا أن نكون رحماء، مُظهرين الرحمة والتحنن نحو بعضنا البعض، فهذا ليس متروكًا لاختيارنا بل هو أمر حتميٌّ. الرحمة والتحنن عند القديس بولس الرسول: يشير القديس بولس إلى المشاعر الرقيقة التي كان يكنُّها هو وشركاؤه تجاه أعضاء الكنائس التي أسسها. هذه المودة سُئل عنها القديس بولس في كورنثوس (2كو 6: 12؛ 7: 15)؛ وهكذا كتب -جزئيًا- لكي يؤكد هذه المحبة. وفي فيلبي، لم يكن هناك أي شك في محبة القديس بولس؛ فبأقوى تعبير ممكن كتب إن الله «شاهد» لاشتياقه إليهم «في أحشاء splanchna يسوع المسيح» (في 1: 8). وكانت محبة أعضاء هذه الكنيسة (أي كنيسة فيلبي) لبعضهم البعض قد بدأت تفتر، فتوسل القديس بولس إليهم أن يهتموا أن تكون لهم أحشاء ورأفة المسيح، أي يتمثلوا بها (وهو يستخدم التعبير الرمزي الذي استُعمل ليصف «أحشاء رحمة إلهنا» في لو 1: 78). أما رسالة الرجاء التي أرسلها القديس بولس إلى فليمون ليقبل مرة أخرى العبد الهارب "أنسيموس" كأخ في المسيح، ففيها نجد إن فليمون قد أعطى للقديس بولس فرحًا كثيرًا وتعزية لأن أحشاء splanchna القديسين قد استراحت فيه (فليمون: 7). ثم بكل جسارة يصف أنسيموس أيضًا أنه أحشاؤه (فليمون: 12). وختم طلبه بأن توسل إلى فليمون أن يُريح أحشاءه في الرب (فليمون: 20)، وقد عبَّر بذلك عن مركز النفس البشرية وقيمتها في قلب وحياة بولس الرسول. الرحمة والتحنن في الفكر المسيحي عامة: إن كانت المحبة هي تاج الفضائل المسيحية، فإن من ثمارها النبيلة نجد الرحمة والتحنن كثمرة مزهرة تُغني وتسمِّن النفس البشرية. لذلك فإن القديس يوحنا الإنجيلي يقول بكل وضوح إن الذين لديهم مصادر مادية متوفرة ويغلقون «أحشاءهم splanchna» عن عطاء المحتاجين؛ هؤلاء ليس لديهم محبة الله ساكنة فيهم (1يو 3: 17). والشفقة أو الرحمة هي فضيلة أساسية في الجماعة المسيحية (انظر أف 4: 32؛ كو 3: 12). ويرى القديس بطرس الرسول أن ما يميز المسيحيين هو تفاعلهم مع الآخرين من عمق كيانهم بمشاعر فيها الرحمة والحنان. ويعتبر آباء الكنيسة إن الرحمة والشفقة هما من سمات الإنسان المسيحي، وقد أدرجها المسيحيون فيمَا بعد ضمن المواصفات الأساسية للقادة الروحيين؛ كما ذكر ذلك القديس الشهيد بوليكاربوس في رسالته إلى أهل فيلبي (5: 2؛ 6: 1). وهي مرتبطة بكلمة "فيلانثروبيا = philanthropy" أي المحبة لبني البشر، كما يوضح ذلك العلامة أوريجانوس مثلًا في الرد على كلسوس في مواضع متفرقة (1: 23؛ 12: 30). ويسميها العلامة كلمندس الروماني في رسالته الأولى إنها الصلاح الأعظم (9: 23؛ 12: 30). وفي سير الآباء القديسين نجد ذخرًا من أعمال الرحمة التي رويت في كتاب بستان الرهبان وفي كتب تاريخ الكنيسة، ومن أمثلتها: قصة أنبا أغاثون والمجذوم: حدث مرة أن مضى أنبا أغاثون إلى المدينة ليبيع عمل يديه، فوجد إنسانًا مجذومًا على الطريق، فقال له المجذوم: "إلى أين تذهب؟" قال له: "إلى المدينة". فقال له المجذوم: "اصنع معي رحمة وخذني معك". فحمله وأتى به إلى المدينة. ثم قال له المجذوم: "خذني إلى حيث تبيع عمل يديك"، فأخذه. ولما باع عمل يديه، سأله المجذوم: "بكَمْ بعت؟" فقال له: "بكذا وكذا". فقال له المجذوم: "اشترِ لي شبكة". فاشترى له. فقال له المجذوم: "خذني إلى الموضع الذي وجدتني فيه أولًا". فحمله ورده إليه. فقال له الرجل: "مبارك أنت من الرب إلهنا الذي خلق السماء والأرض"، فرفع أنبا أغاثون عينيه فلم يره لأنه كان ملاك الرب أُرسل إليه ليُجرِّبه. (بستان الرهبان طبعة دير أنبا مقار، قول رقم 154) قصة الناسك الذي عمل الرحمة فرفع الله الغلاء عن الأرض كلها: قيل عن شيخ إنه كان كثير الرحمة، فحدث غلاء عظيم، ولكنه لم يتحول عن فعل الرحمة حتى نفد كل شيء له، ولم يبقَ عنده سوى ثلاث خبزات؛ فأتاه سائل على بابه يطلب خبزًا. فقال لنفسه: "جيد لي أن أكون جائعًا، ولا أرد أخ المسيح خائبًا في هذا الغلاء العظيم". فأخرج خبزتين له، وأبقى لنفسه خبزة واحدة، وقام وصلى وجلس ليأكل؛ وإذا سائل آخر قد قرع الباب، فضايقته الأفكار من أجل الجوع الذي كان يكابده داخله، ولكنه قفز بشهامة، وأخذ الخبزة وأعطاها للسائل قائلًا: "أنا أومن بالمسيح يسوع ربي، إني إذا أطعمت عبده الجوعان في مثل هذا الوقت الصعب، فإنه يطعمني هو من خيراته التي لم ترها عين، التي أعدها لصانعي إرادته".  ورقد جائعًا، وبقي هكذا ثلاثة أيام لم يذق شيئًا، وهو يشكر الله. وبينما كان يصنع خدمة بالليل، جاءه صوت من السماء يقول: "لأجل أنك أكملت وصيتي، وغفلت عن نفسك، وأطعمت أخاك الجوعان، لا يكون في أيامك غلاء على الأرض كلها". فلما أشرق النور، وجد على الباب جمالًا محمَّلة خيرات كثيرة، فمجَّد الله وشكر الرب يسوع المسيح، ومن ذلك اليوم عمَّ الرخاء الأرض كلها. (بستان الرهبان، طبعة دير أنبا مقار، قول رقم 916) القديس سيرابيون والإنجيل: مضى أنبا سيرابيون إلى الإسكندرية، فوجد هناك إنسانًا مسكينًا عريانًا في السوق، فوقف يحدِّث نفسه قائلًا: "كيف وأنا الذي يقال عني راهب صبور عمَّال أكون لابسًا ثوبًا، وهذا المسكين عريان؟ حقًّا إن هذا هو المسيح والبرد يؤلمه". فإذا به يقوم بقلب شجاع وتعرَّى من الثوب الذي كان يلبسه وأعطاه لذلك المسكين، ثم جلس عريانًا والإنجيل في يده، واتفق أن كان المحتسب مجتازًا (أي من يجمع الضرائب)، فلما أبصره عريانًا قال له: "يا أنبا سيرابيون مَنْ عراك؟" فأشار إلى الإنجيل وقال: "هذا هو الذي عرَّاني". فبعدما كسوه، قام من هناك، فوجد إنسانًا عليه دين، وهو معتقل من صاحب الدين، وحيث لم يكن لديه شيء يوفيه عنه، باع الإنجيل ودفع ثمنه للدائن ولما كان ماشيًا لاقاه في الطريق إنسان يستعطي، فأعطاه الثوب وجاء عريانًا، فدخل قلايته. فلما أبصره تلميذه هكذا، قال له: "يا معلم، أين الثوب الذي كنت تلبسه؟" أجابه قائلًا: "لقد قدمته يا ولدي قدامنا حيث نحتاجه". فقال له أيضًا: "وأين إنجيلك يا أبتاه الذي كنا نتعزى به". قال له: "يا ولدي لقد كان يقول لي كل يوم: بع كل ما لك وأعطهِ للمساكين"(بستان الرهبان، طبعة دير أنبا مقار، قول رقم 254) الرجاء في الرحمة: سأل أخٌ الأنبا أنطونيوس قائلًا: «ماذا أعملُ لكي أجدَ رحمةَ اللهِ»؟ أجابه القديسُ قائلًا: «كلُّ موضعٍ تمضي إليه اجعل اللهَ بين عينيك، وكلُّ عملٍ تعمله يكونُ لك عليه شاهدٌ من الكتبِ، وكلُّ موضعٍ تسكنه لا تنتقل منه بسرعةٍ. احفظ هذه الثلاثةَ تجدَ رحمةً». (بستان الرهبان، طبعة دير أنبا مقار، قول رقم 21) هذه الأقوال وغيرها الكثير، توضح وتلخِّص المبدأ المسيحي الذي يقول إن المسيحية هي حياة محبة ورحمة أولًا وأخيرًا. --- ### القداس الإلهي (٧) - Published: ۲۰۲۳-۰۷-۰۲ - Modified: 2023-12-10 - URL: https://tabcm.net/12191/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: مفهوم التجسد, مفهوم الخلاص, يوحنا الحبيب إن القداس الإلهي يختص بالكنيسة والمسيح. لذلك ينبغي أن نعرف كيف يرى المسيح الكنيسة حتى نفهم ما يجري في القداس. لقد حدثت ردة عن مفهوم الكنيسة بعد القرن السادس عشر في أوروبا بسبب استخدام الفلسفة وعلوم الاجتماع في تعريف الكنيسة، وأنها جماعة بشرية تجمعها وحدة الهدف وينظمها القانون والحياة الاجتماعية، ويربط بين هذه الجماعة العواطف والصلوات والاحتياجات الروحية وغيرها من احتياجات مادية أو سياسية. . ألخ. لقد كان ق. أغسطينوس هو أخر الآباء اللاتين الذي احتفظ بعلاقة ومعرفة محدودة بما كان يُكتَب ويُنشَر في الشرق المسيحي، وبموته جاءت أجيال من اللاهوتيين لا تعرف عن التراث الشرقي إلا القليل. وهكذا نشأ الفكر الغربي بعد وفاة أغسطينوس على أرض الفلسفة اليونانية وبخاصة أرسطو وفي إطار ثقافة العصر الوسيط منذ القرن الحادي عشر. فبدأت النظريات اللاهوتية تنتشر في الغرب عن اللاهوت المسيحي وتشرحه متأثرة بهذه الأوساط دون أن تناقض الإيمان بالعقيدة المسيحية نفسها. فالعقيدة والإيمان المسيحي واحد شرقًا وغربًا. وقانون الإيمان النيقاوي هو الصيغة الرسولية التي تعترف بها وتقبلها كل الكنائس المسيحية. هذه حقيقة لا جدل عليها. فالإيمان المسيحي واحد ولكن الشرح يتمايز بين الشرق والغرب في حين أن العقيدة المسيحية في شكلها الرسولي واحدة وبحسب كلمات الرسول بولس: "فَإِنَّنِي سَلَّمْتُ إِلَيْكُمْ فِي الأَوَّلِ مَا قَبِلْتُهُ أَنَا أَيْضًا: أَنَّ الْمَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا حَسَبَ الْكُتُبِ، وَأَنَّهُ دُفِنَ، وَأَنَّهُ قَامَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ حَسَبَ الْكُتُبِ". (رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس 15: 3، 4) فالعقيدة المسيحية كالتثليث بأن الله واحد هو الآب والابن والروح القدس، والتجسد الإلهي، والصليب، والقيامة. . ألخ، هي عقيدة واحدة شرقًا وغربًا. ومن يخطئ في العقيدة يكون هرطوقيًا وليس مسيحيًا. أما شرح العقيدة، فهو متعدد، فيوجد شرح أرثوذكسي وشرح غير أرثوذكسي. ولقد واجهت الأرثوذكسية الاتجاهات المسيحية غير الأرثوذكسية بتفنيد ما فيها من تفسيرات ونظريات لا تعتمد على الكتاب المقدس أو تقصر عن تكامل تفسيره، بالتالي تقاطعت مع ما في تاريخ الكنيسة وممارستها الليتورجية منذ ألفي عام، الذي نسميه ”التقليد الكنسي“، ولكن الخطورة هي أن ترتدي هذه النظريات والاتجاهات الفكرية عباءة الأرثوذكسية. هذا هو ما تواجهه الكنيسة القبطية في العقود الأخيرة. على سبيل المثال فقد فشلت تلك النظريات اللاهوتية غير الأرثوذكسية في إدراك العلاقة بين عقائد الخلق والسقوط والفداء من ناحية، والأسرار الكنسية المستقرة في تاريخ الكنيسة منذ نشأتها، من ناحية أخرى. فنشأ اتجاه لتجزئة العقائد إلى وحدات منفصلة دون الاحتفاظ بالنظرة اللاهوتية الأرثوذكسية الشاملة التي تضم كل العقائد معًا حيث أن أساس الإيمان هو المسيح الواحد غير المنقسم. لقد قسموا المغفرة إلى مغفرة عن ”خطية جدية“ تُعطى في المعمودية، ومغفرة عن ”خطية فعلية“ تُعطى في سر التوبة. وامتد خط التقسيم إلى كنيسة منظورة مجاهدة على الأرض وكنيسة غير منظورة منتصرة في السماء. وأن الكنيسة إكليروس وعلمانيين (وهو تقسيم متأخر تاريخيًا). وقسموا الكهنوت نفسه إلى كهنوت يمارسه المسيح في السماء وآخر يمارسه الكهنة على الأرض (في حين المسيح هو الكاهن الوحيد، والإكليروس هم خدام لأسراره وهو الذي يقوم بها). وفي النهاية قسموا ذبيحة المسيح الواحد إلى ذبيحة المسيح على الصليب وأخرى في الإفخارستيا وثالثة هي الكنيسة جسد المسيح. بينما المسيح واحد هو سواء في بيت لحم مولودًا، في معموديته بالأردن، في التجربة على الجبل، في العلية، في جثسيماني، على الجلجثة مصلوبًا، في القيامة، عن يمين الآب في السماء، وفي العنصرة. فالمسيح الواحد يجمع في شخصه أحداث الخلاص. ومنه تنبع واحدية ووحدة كهنوته وذبيحته. هذه هي ذات الوحدة التي تربط سيرته وكلمته في إنجيله وممارسة الكنيسة على مر تاريخها بطقوسها وأسرارها. لقد فشل فكر الإنسان الباحث عن الله أمام فكر الله الباحث عن الإنسان الذي أعلن عن ذاته في ابنه بالروح القدس وكما استقر في الكنيسة الأرثوذكسية وتفسيرها الشامل. رجوعًا إلى ما بدأنا به عن رؤية المسيح لكنيسته، نقول أن تعريف الكنيسة باستخدام المجال الفكري من فلسفة وعلوم اجتماع، ولو أنه صحيح كتعريف بشري للكنيسة، إلا أنه أزاح الحديث عن القداس والإفخارستيا كسِّر لحضور المسيح، بحيث أصبحت الجماعة لا يربط بينها أي رباط إلهي. بل هي مجرد رابطة إنسانية نابعة من الأعضاء. ولكن الحقيقة أن المسيح أسس الكنيسة كسِّر نابع منه يجمع الكل معًا في شخصه الواحد وهو رأس الكنيسة، ليخلق الحياة الجديدة في كل عضو ويغذيها دائمًا فيه. وبالتالي فإن الكنيسة هنا ليست مجرد جماعة بشرية كما تبدو من الخارج بل هي كيان المسيح وجسده الواحد. نحن هنا أمام أمر قائم وأطرافه حاضرون بالفعل، وهم المسيح الحاضر بشخصه الحي حاملًا فيه كل الأحداث التي جازها من أجلنا دون تكرار بل استمرار. ونحن حاضرون لكي ينقلها الروح القدس إلينا من خلال هذا السر الإلهي. الرب عندما يقول إن "حبة الحنطة"، فهو لا يظل وحده، بل كما وقعت حبة الحنطة في الأرض وتبدو كأنها ماتت، إلا أنها تأتي بثمر كثير. هذا ما قاله الرب وصنعه. فقد اختار له المجد أن تقع حبة الحنطة في طين طبيعة الإنسان الساقط و تموت. ومتى ماتت تأتي بثمر كثير هم نحن شعبه الذين يجلس هو في وسطنا ويوزع علينا حياته ويعطينا ذاته في الإفخارستيا: ”ها أنا والأولاد الذين أعطاهم إياي الرب“. إن المرء يتَحَيَّرَ في أمر قربانة من طحين الحنطة نقدمها في القداس. هل هي الرب الذي قدم ذاته كحبة حنطة كما نصلي في القداس: “هوذا كائنٌ معنا الآن على هذه المائدة عمانوئيل إلهنا حمل الله الذي يحمل خطية العالم كله. الجالس علي كرسي مجده، الذي يقف أمامه جميع الطغمات السمائية“، أم هي نحن بطبيعتنا وقد غاص الرب في طينها واقتحم موتها واتحد بها وأحياها. تارةً تشير صلاة القداس أن ذبيحة الإفخارستيا تمثل الطبيعة البشرية الجديدة التي لنا في المسيح حين نصلي ونشير إلى القربان قائلين "أصعدتَ باكورتي إلى السماء“. وتارةً أخرى تشير الصلاة أنها جسد الرب ودمه حين نصلي ونشير إلى القربان قائلين: ”أعطيتني إصعاد جسدك بخبز وخمر“. هذا هو قداس المسيح والكنيسة. وفي هذه الأجواء فإن عبارة ”هذا أصنعوه لذكري“ هي حضور حقيقي للمسيح في الإنسانية التي اتخذ منها جسدًا ليسكن فيه على الدوام. فالإفخارستيا هي استمرار التجسد الإلهي وتأكيد لاتحاده الدائم بنا. فتجسد الرب غير مؤقت أو محصور في زمان ومكان قديم كحدث نتذكره لأن الرب ”سكن بيننا/ فينا“ (يوحنا ١٤:١) والسُبح لله. بقلم د. رءوف إدوارد مع الاستعانة بكتابات للعلامة د. جورج بباوي --- ### لحم ضأن على مائدة المسيح - Published: ۲۰۲۳-۰۷-۰۱ - Modified: 2023-07-01 - URL: https://tabcm.net/12174/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: العشاء الأخير, شارل عقل, غذاء للقبطي, ليوناردو دي سير بيرو دافينتشي, ماركو الأمين, يوحنا المعمدان خلال ورشة عمل تدريبية على الكتابة، استكشفنا أنثروبولوجيا الطعام وتأثيراتها على كل من الجوانب الجسدية والعقلية لحياتنا. لقد تعمقنا أيضًا في قدرتها على تكوين جزء من ذاكرتنا كبشر والتأثير على حواسنا وتجاربنا الشخصية. كجزء من هذه الورشة ، درسنا كتاب "غذاء للقبطي. . دروس من المطبخ القبطي" للكاتب المصري "شارل عقل" الذي درس المطبخ الفريد للمسيحيين الأقباط. يتشكل هذا المطبخ من خلال صيامهم الديني ، والذي يستمر لمدة 200 يوم، ويشكل أكثر من ثلثي العام ويلعب دورًا مهمًا في حياتهم الأخلاقية واليومية. يتحدث "شارل" عن علاقته بالصوم المسيحي، ونظرته للحياة المتعلقة بهذه الطقوس الدينية منذ الصغر، وكيف يناضل كمسيحي لفهم طبيعة الصيام الصارم. يتم نقلها بطريقة بسيطة ومثيرة للسخرية. يمارس المؤيدون بعض الحيل في إنتاج الطعام النباتي كنسخة غير ناجحة في الكثير من الأحيان، عن المأكولات في صورتها الأولى خاصة "البيتزا الصيامي"، التي اعتبرها "ماسخة"، تفتقر للذوق، مقارنة بالغارقة في الجبنة واللحوم. في النسخة القبطية من المسيحية ، تُستخدم فكرة الطعام للسيطرة على رغباتنا ، تمامًا كما فعل المسيح. أظهر لتلاميذه كيفية الصلاة بإعطائهم كلمات اشتهرت في جميع أنحاء العالم. يستخدم المسيحيون هذه الصلاة الآن في جميع الكنائس ليتلوها كل المسيحيين باختلاف طوائفهم. مرت الصلاة الربانية على مفهوم التجرد والاكتفاء بالقليل، من خلال كلمة "الخبز"، حتى باتت موضوعًا للنقاش بين فريق يرى أن المسيح فيه دلالة على كون المسيح نباتيًا، وآخرين يرونه ابن بيئته يأكل اللحم والأسماك وإن قل فيهما. الطعام في التاريخ يقول الكاهن الكاثوليكي غريغوري إلدر، من سكان ريدلاندس في كاليفورنيا، وهو أستاذ فخري في التاريخ والعلوم الإنسانية في جامعة مورينو فالي، في مقال له بعنوان: "ماذا أكل يسوع؟ القهوة والشوكولاتة لم تكن في القائمة": "ربما يشير إلى الخبز الفعلي، الذي كان الغذاء الأساسي للشرق الأوسط منذ فجر الحضارة، أو ربما يشير الخبز إلى الطعام بشكل عام، والذي كان يمكن أن يكون أمراً مهماً في مناخ النمو السيء في يهودا القديمة" (الأب غريغوري إلدر، دكتوراة في التاريخ والعلوم الإنسانية بجامعة مورينو فالي) سواءً قصد المسيح الإشارة إلى الخبز كشيء رمزي أم حقيقي، ففي كل الأحوال شغل تساؤل "ماذا كان يأكل المسيح؟" بشكل منتظم، العديدَ من المفسرين المهتمين بالبيئة المحيطة، وشكل الحياة التي اختبرها المسيح. وفق إلدر، فإن القانون اليهودي كان يسمح بالشعير والشوفان والجاودار والحنطة، كما كان النبيذ والماء، عنصرين أساسيين في تلك الفترة، والنبيذ (العنب المخمّر)، هذا بالتحديد كان مذكوراً في ليلة العشاء الأخير، قبل أحداث الصلب، التي قضاها يسوع مع تلاميذه، وحدثهم خلالها عن الأمور القادمة في حياته. الطعام في لوحة دافينشي ذلك اليوم، أرخه الفنان ليوناردو دافنشي في لوحته الشهيرة "العشاء الأخير"، التي رسم فيها المسيح متوسطاً تلاميذه الاثني عشر، على مائدة وضع عليها فطائر وكؤوساً تحوي النبيذ. نشر اثنان من علماء الآثار الإيطاليين دراسة في عام 2016، حول ما تمّ تقديمه على مائدة العشاء الأخير. واستمد عالما الآثار من آيات الكتاب المقدس والنصوص اليهودية والأدب الروماني القديم والبيانات الأثرية للتعرف على ما أكله الناس في القدس خلال القرن الأول الميلادي. وبناءً على بحثهم، افترضا أن قائمة العشاء الأخير، كانت تحتوي على حساء الفاصوليا، ولحم الضأن، والأعشاب المرّة، وصلصة السمك، والخبز الخالي من الخميرة، والتّمر، والنبيذ العطري. وتشير الدراسة إلى أنه لم يتم تناول الطعام أثناء اجتماع رسمي، كان المسيح فيه جالساً أمام طاولة مستطيلة، مثلما صوّرته العديد من اللوحات الفنية الدينية، ولكن مع استلقاء يسوع ورسله على وسائد الأرضية، كما فعل الرومان في ذلك الوقت. وبشكل عام، يناقش الكتاب المقدس، ما حدث خلال ذلك العشاء، لكنه لا يوضح بالتفصيل ما أكله يسوع ورفاقه الاثنا عشر في الطعام، وهذا ما حاول الباحثون التوصل إليه بدقة. المؤلف المشارك في الدراسة، جينيروسو أورشيولي، قال: "نقطة البداية هي افتراض أن المسيح كان يهودياً. حيث لاحظ هو وتلاميذه التقاليدَ المنقولة عن طريق التوراة وحظْرَ الطعام المتعلق بها". ووفقاً لأورشيولي فإن التحفة الفنية "العشاء الأخير" وهي واحدة من أشهر وأقوى اللوحات في العالم، ليست دقيقة من الناحية التاريخية. من خلال جمع البيانات التاريخية، والقرائن من الأعمال الفنية، مثل لوحات "سراديب الموتى"، التي تعود إلى القرن الثالث الميلادي، تمكَّن الباحثون من إعادة بناء عادات الطعام والأكل في فلسطين قبل 2000 عام. لكن هذا لم يحدث مع الصورة، التي تظهر مختلفة تماماً عن العروض التقليدية للعشاء الأخير. لم يكن العشاء الذي جرى في العلية العلوية لمنزل في القدس، عبارة عن تجمع جالس على طاولة مستطيلة. "في ذلك الوقت في فلسطين، كان الطعام يوضع على طاولات منخفضة، ويأكل الضيوف في وضع مستلق على وسائد الأرضية والسجاد"، وفق أورشيولي. خلص أورشيولي، مع عالمة الآثار المتخصصة، في تاريخ المسيحية المبكرة مارتا بيروجنو، بحثهما عن الطعام الموجود في "العشاء الأخير"، من خلال إعادة بناء وجبتين مهمتين أخريين، ورد ذكرهما في العهد الجديد، في حفل الزفاف بقانا الجليل، المكان الذي سجل معجزةَ تحول الماء إلى النبيذ، ومأدبة "هيرود" المشهورة بقطع رأس يوحنا المعمدان. "سمح لنا حفل الزفاف في قانا بفهم قوانين التغذية الدينية اليهودية، المعروفة باسم الكشروت، والتي حدّدت الأطعمة، ما يمكن وما لا يمكن تناوله، وعملية التحضير. وعلى الجانب الآخر، سمحت لنا مأدبة هيرود بتحليل تأثيرات الطهي الرومانية في القدس". بصرف النظر عن النبيذ والخبز، من المحتمل أن يكون "التيزير"، وهو نوع من صلصة الثوم بصلصة السمك الرومانية، حاضراً في حفل زفاف قانا وهيرودس، وكذلك في العشاء الأخير. ويفترض الباحثان أنه إذا كان "العشاء الأخير" عبارة عن عشاء عيد الفصح، أقامه اليهود في ذلك الوقت، كما هو الحال الآن، لإحياء ذكرى الهجرة الجماعية من مصر، فمن المحتمل أن شملت الوجبةُ لحم الضأن. ويخبرنا الكتاب المقدس بدليل آخر: كان الخبز الفطير والنبيذ أيضاً في القائمة. كسر يسوع الخبزَ والنبيذ المبارك، قائلاً لتلاميذه إن الخبز هو رمزية لجسده، وإن الخمر دمه الذي سيسفك بموته. أما بالنسبة إلى مسيحيي مصر، فللمسكرات والنبيذ قصة خاصة. القبطي والخمر تلعب الخمر تحديداً دوراً إشكالياً في محاولة تصدير صورة عن المسيحية تلائم الأغلبية المسلمة، التي ترى في المسكرات تحريماً قاطعاً يصل عند المتشددين إلى درجة رفض لمس الزجاجة نفسها. هذه التفسيرات الإسلامية، التي انتشرت تدريجياً منذ سبعينيات القرن الماضي وحتى اليوم إلى أن أصبحت سائدة، دفعت بمسيحيي مصر لتبني خطاب ملائم يرفض رفضاً قاطعاً الخمر ويحرمه، بصورة مغالطة للواقع الكتابي، الذي وإن كان يدين السُكرَ كفعل، إلا أنه يعطي براحاً في عدم إدانة المادة المسكرة نفسها أي "النبيذ". يؤكد على هذه الفكرة "شارل عقل"، حين يشير إلى حكايات جدّه عن استضافته لآباء كهنة في وقت سابق لم تكن فيه الخمور منبوذةً على المستوى الشعبي، مثلما يحدث الآن، وكانت يُقدِّم كنوع من الضيافة أجودَ أنواع زجاجات الخمر، وكانت البيرة تُذكر كمشروب عادي، ومع ذلك لم يكن جدُّه سكيراً على الإطلاق. تطابقت هذه الرواية عند شارل مع كثير من المسيحيين، ولاحظتُ شخصياً منذ ما يقرب من 25 عاماً، بأن الخمور خاصة البيرة المصرية "ستلا" كانت المشروب الأكثر انتشاراً عند كافة المصريين، كما أنها كانت ضيفاً دائماً في بيتنا، كمسيحيين، لاسيما في الأعياد الرسمية، مثل الميلاد، والقيامة، جنباً إلى جنب مع المائدة المليئة باللحوم والأطباق الشهية بعد فترات الصوم الكبرى. كنت أشرب منها دون أن أتوقع أنها ستكون يوماً ما "مشبوهة"، وسيئة السمعة إلى هذا الحد. "يبدو أن علاقة المسيحيين بالخمور التي امتدت على مدار التاريخ، أصبحت على مشارف انهيار حتمي خلال العقود الأخيرة. يبدو أنه نظراً للاحتقان الديني الزائد في الشرق الأوسط، يحاول الجانب الأقل عدداً أن يتحاشى الأمور المدعاة للتساؤل أو الفضول أو استياء الطرف الأكثر عدداً... لم يكن يتعامَل مع الخمور بمثل هذه الحساسية من قبل أو كما نرى في الإرث الأدبي في العصور الإسلامية المختلفة" (شارل عقل، كتاب: "غذاء للقبطي"، المنتجات الخلافية ، الخمور) الأكل في الكتاب المقدس في كتاب Everyday Life in Bible Times يصحبنا الكاتب Merle Severy في رحلة إلى زمن الكتاب المقدس، كاشفاً عن العادات والأطعمة والمفروشات والمهن في العهدين القديم والجديد. يشير الكتاب إلى أن أكل الكثير من الفواكه والخضروات كان السائدَ في السواد الأعظم من فلسطين القديمة، وهذا ما اتّبعه المسيح معظم حياته؛ وفي إنجيل متى 21: 18-19، يقترب يسوع من شجرة التين لتناول وجبة خفيفة سريعة، لكنه فوجئ بها دون ثمر، واستعان بخوائها، رغم جودة مظهر أوراقها الخارجية، بتقديم مثال عن الإنسان الذي يحمل خارجه صفات جيدة، وعمقه بلا قيمة. "الحياة بلا قهوة أو شوكولاتة كانت ستكون بالفعل حياة زاهدة"، يقول كاهن معلقاً على أكل وشرب المسيح أما الثمار الأخرى التي كانت تزرع في تلك الفترة التي عاشها المسيح فهي العنب، الزبيب، التفاح، الكمثرى، المشمش، الخوخ، البطيخ، الرمان، التمر، والزيتون. وكان زيت الزيتون يستخدم في الطهي كبهار لتنويع المذاق في الأكلات المختلفة، وكان يستخدم أيضاً في وقود وإنارة المصابيح، وذُكر النعناع والشبت والملح والقرفة والكمون في الكتاب المقدس كتوابل. أما اللوز والفستق والمكسرات المختلفة فكانت شائعة أيضاً. كان نوع اللوز المرّ جيداً فقط لزيته، لكن اللوز الحلو كان يؤكل مثل الحلوى للحصول على التحلية أو علاج، وخُبز التمر والزبيب في الكعك. لكن القائلين بأن المسيح كان نباتياً، المعتمدين على تفسير "العشاء الأخير" في إنجيل يوحنا، حين أعطى يسوع يهوذا لقمة مغموسة في طبق، يرجحون أنه كان طبقاً من زيت الزيتون. ومع ذلك ليس لديهم الكثير من البراهين، إذ ذُكرت وجبة السمك أكثر من مرة، لعل أبرزها حين أكل السمك في إحدى مرات ظهوره للتلاميذ، بعد قيامته من الأموات، ووصف لهم أكل السمك ليُظهر أنه حقيقي وليس شبحاً. النظام الغذائي لفلسطين ويرى الكاهن الكاثوليكي غريغوري إلدر أن يسوع قد اتبع قوانين النظام الغذائي لفلسطين، ولذا فإننا نعرف ما لم يكن ليأكل، مثل لحم الخنزير، أو المحار، أو الزواحف، أو الحيوانات الآكلة للجيف. يمكننا أيضاً استبعاد الأطعمة التي لم يتم تقديمها إلى الشرق الأوسط في ذلك الزمان، مثل الشاي أو القهوة أو السكريات المشتقة من بنجر السكر أو قصب السكر. يقول: "كان من المستحيل على يسوع أن يأكل أي شيء ينتمي للعالم الجديد، مثل الذرة والذرة والقرع والفلفل والطماطم والبطاطس أو الشوكولاتة". يتفق إبراهيم ساويرس، أستاذ اللغة القبطية وآدابها، في حديثه لنا مع إدلر حول فكرة أن المسيح كان ابن بيئته، ولم تختلف طبيعة أكله عن محيطه العام، إذ تعامل مع الأطعمة والمشروبات المنتشرة وقتها في فلسطين. يقول ساويرس: "المسيح كان محاطاً بالصيادين، وذكرت معجزة إشباع الجموع في الإنجيل من خلال مباركة الـخبزات الثلاث والسمكتين، وبشكل غير مباشر نستطيع فهم أنه أكل من المتاح وقتها، الخبز والسمك". الأكل مادة تأمّل عربية يلفت أستاذ اللغة القبطية إلى ذكر "جبل الزيتون" المنسوب لأشجار الزيتون في فلسطين، حيث كان المكان المفضل للقاء المسيح مع حوارييه والجموع، "ومن المتوقع أيضاً أن يكون استخدم زيت الزيتون في طعامه تماماً كما يفعل الفلسطينيون". وفي معجزة تحويل الماء إلى خمر كان الناس يحضّرون مشروب العنب المخمر في الأفراح، وأول معجزة قام بها، بحسب "الإنجيل المقدس"، أنه قام بتحويل الماء إلى عنب مخمّر، وفي عيد الفصح أيضاً الذي حضره بالضرورة نقرأ أنه أكل بالطريقة المعروفة وقتها، أي إن مائدة المسيح في "الفصح" كانت لحوماً مشوية، وكأسَ عنب معتق. يقول ساويرس: "لم يذكر أنه أكل هذا مباشرة، ولكنه مفهوم من سياق التواجد، والتطبع بالعادات نفسها". ويستبعد ساويرس، في حديثه لنا أن تكون ثقافة المسيح في الأطعمة أثرت على الأصوام المسيحية وشكلها، يقول: "لا أظن أن ثقافة المسيح في الأكل انطبعت على أصوام الكنيسة، فالصوم المسيحي بكل أنواعه في الشرق والغرب مرّ بظروف تاريخية كثيرة جداً، منها أنه ارتبط بالمصريين القدماء، وتغير وفق قرارات كنسية ربطت مواعيد الأصوام بأحداث خاصة بالسيد المسيح بعد صعوده إلى السماء". أما الباحث ماركو الأمين، مؤسس مبادرة هيستوريا لباحثي التاريخ المسيحي، ينحو إلى جانب آخر عن الأطعمة الموجودة في زمن المسيح، يقول: "كان الطعام المتوفر بشكل كبير هو الفواكه والخضروات والزيتون والجراد في المنطقة المتاخمة للصحراء، مع العسل بجانب لحوم الذبائح بالتأكيد". كان زيت الزيتون يستخدم في الطهي كبهار لتنويع المذاق في الأكلات المختلفة، وكان يستخدم أيضاً في وقود وإنارة المصابيح، وذُكر النعناع والشبت والملح والقرفة والكمون في الكتاب المقدس كتوابل يضيف ماركو إن المسيح كان قريباً من 3 بيئات مختلفة: 1 - صحراوية (تجمع الرهبان الحسيدين أو الأسينين)، كانت تأكل الجراد والعسل والعشب اليابس كجماعات نسكية مثال يوحنا المعمدان. 2 - زراعية، وهو الداخل الفلسطيني من إقليم الجليل (مثال الزارع)، وفيه تكثر الوجبات الريفية المعتمدة على الخبز بشكل أكبر، وبالأخص الفطير والنبيذ كشراب. 3 - ساحلية (سواء على بحر طبرية أو البحر المتوسط)، كغذاء أساسي تعتبر الأسماك المشوية أو المطهية هي الوجبة الرئيسية لسكان المناطق الساحلية، مما يمكن أن نتلمسه في أكثر من موضع في حياة المسيح. أما فلسفة الصوم بالكنائس القبطية الشرقية في وقتنا الحالي، بحسب ما يراها الأمين، فهي مختلفة عن النظام الذي اتبعه المسيح في حياته، "كان زاهداً صواماً، لكن صومه يختلف عن الصوم المتبع لدى الكنائس الشرقية حالياً، إذ كان المسيح يصوم منقطعاً عن الأكل والمشروبات بالأيام أو إلى الغروب في بعض الأحيان". "وهكذا كان يفعل المسيحيون الأوائل، ولكن مع ترسخ الرهبانية في الكنائس الشرقية، ازداد الصوم تنسكاً بابتعاده عن اللحوم لقمع الجسد، وانتشر هذا التقليد بين العوام، وأصبح هو الآن التقليد السائد بين مسيحيي الشرق على الأخص" --- ### صفات القديس بولس - Published: ۲۰۲۳-۰٦-۳۰ - Modified: 2023-09-22 - URL: https://tabcm.net/12006/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: الأب متى المسكين, الشيطان, قديس بولس الرسول يفتتح الكاتب اقترابه من صفات القديس بولس بتقرير أن الصفة الأبرز عنده هي "صفة التغيير والقدرة على تخطى الماضي للإمساك بالأفضل"، وهي تضفي على صاحبها قدرة على التطور وعدم الالتفات للصراعات الصغيرة والذاتية، التي تستهلك جهد وذهن المرء، وتشتتهما بغير طائل، لذا كانت عينا القديس بولس وعقله وقلبه يبحثون عن إدراك ماهية الرب يسوع واستعلانه والالتصاق به. "أَيُّهَا الإِخْوَةُ، أَنَا لَسْتُ أَحْسِبُ نَفْسِي أَنِّي قَدْ أَدْرَكْتُ. وَلكِنِّي أَفْعَلُ شَيْئًا وَاحِدًا: إِذْ أَنَا أَنْسَى مَا هُوَ وَرَاءُ وَأَمْتَدُّ إِلَى مَا هُوَ قُدَّامُ، أَسْعَى نَحْوَ الْغَرَضِ لأَجْلِ جَعَالَةِ دَعْوَةِ اللهِ الْعُلْيَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ". (رسالة بولس إلى فيلبي 3: 13، 14) ولا يمكن الاقتراب من صفات القديس بولس الرسول دون أن نتوقف مليًا عند حدث ظهور الرب يسوع له "بوجهه المضيء جدًا بلمعان أكثر من الشمس"، هل يمكن أن تمر هذه المقابلة مرور الكرام، وهل يمكن أن تبرح ذهن وعقل ووجدان ق. بولس؟ وحسب الكاتب "استقرت أشعة بهاء مجد المسيح الحي واستقرت في أعماق نفسه، وحفرت في روحه مجد الوجه الأقدس الذي ظل يشع عليه بنور استعلان إنجيله. لقد بدأت تسري في كيانه الروحي عناصر استعلان المسيح، وتتسجل في وعيه صفحة وراء صفحة. وهو ما سجله ق. بولس: "وَنَحْنُ جَمِيعًا نَاظِرِينَ مَجْدَ الرَّبِّ بِوَجْهٍ مَكْشُوفٍ، كَمَا في مِرْآةٍ، نَتَغَيَّرُ إِلَى تِلْكَ الصُّورَةِ عَيْنِهَا، مِنْ مَجْدٍ إِلَى مَجْدٍ، كَمَا مِنَ الرَّبِّ الرُّوحِ. "(رسالة بولس الثانية إلى كورنثوس 18:3)  لعل التأثير الأكبر هو "نمو الروح نحو الجمال والكمال حسب صورة المسيح في مقابل تقهقر الجسد بأخلاقه وميوله وشهواته، وانسحابه تدريجيًا أمام متطلبات الروح. "وَإِنْ كَانَ إِنْسَانُنَا الْخَارِجُ يَفْنَى، فَالدَّاخِلُ يَتَجَدَّدُ يَوْمًا فَيَوْمًا. "رسالة بولس الثانية إلى كورنثوس 4: 16) "لاَ تَكْذِبُوا بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ، إِذْ خَلَعْتُمُ الإِنْسَانَ الْعَتِيقَ مَعَ أَعْمَالِهِ، وَلَبِسْتُمُ الْجَدِيدَ الَّذِي يَتَجَدَّدُ لِلْمَعْرِفَةِ حَسَبَ صُورَةِ خَالِقِهِ"(رسالة بولس الرسول إلى كولوسي 3: 9، 10) هكذا يحدد القديس بولس رؤيته للانتقال من اهتمامات الجسد إلى اهتمامات الروح. وقد انعكست هذه الرؤية على حياة القديس بولس نفسه، وبدأ يرى الأمور بعيون واعية، انفتحت على الحياة الجديدة بعد أن استنارت برؤية المسيح وجهًا لوجه، فكانت استنارته قبس من ذاك النور الأعظم، ربما كما صار لموسى عندما لمح طيف الله. "وَكَانَ لَمَّا نَزَلَ مُوسَى مِنْ جَبَلِ سِينَاءَ وَلَوْحَا الشَّهَادَةِ فِي يَدِ مُوسَى، عِنْدَ نُزُولِهِ مِنَ الْجَبَلِ، أَنَّ مُوسَى لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ جِلْدَ وَجْهِهِ صَارَ يَلْمَعُ فِي كَلاَمِهِ مَعَهُ. فَنَظَرَ هَارُونُ وَجَمِيعُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُوسَى وَإِذَا جِلْدُ وَجْهِهِ يَلْمَعُ، فَخَافُوا أَنْ يَقْتَرِبُوا إِلَيْهِ". (سفر الخروج 34: 29، 30) استطاع القديس بولس أن يحل معضلة الصراع بين الجسد والروح، ويفكك المتناقضات "لحساب حياة بولس الروحية"، ويستعرض الكاتب أبرز هذه المتناقضات وكيف واجهها القديس بولس، فقد تحولت معاناته من المرض، التي تضرع فيها إلى الرب أن تفارقه، فكان الرد الإلهي "تكفيك نعمتي لأن قوتي في الضعف تكمَل"، وبعلق الكاتب: "لم ييأس بولس ولم يستكن لضربة الشيطان، ولم يفرزها كأنها غرامة بلا مقابل، بل سلط عليها نعمة المسيح، فرآها جزءًا لا يتجزأ من خلاصه، وضمانًا لمزيد من الارتفاع والتعمق، فهتف بروح الانتصار وهو تحت المرض"فَبِكُلِّ سُرُورٍ أَفْتَخِرُ بِالْحَرِيِّ فِي ضَعَفَاتِي، لِكَيْ تَحِلَّ عَلَيَّ قُوَّةُ الْمَسِيحِ. لِذلِكَ أُسَرُّ بِالضَّعَفَاتِ وَالشَّتَائِمِ وَالضَّرُورَاتِ وَالاضْطِهَادَاتِ وَالضِّيقَاتِ لأَجْلِ الْمَسِيحِ. لأَنِّي حِينَمَا أَنَا ضَعِيفٌ فَحِينَئِذٍ أَنَا قَوِيٌّ. "(2كو9:12و10) (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») ليس هذا فقط بل حسب الكاتب: "يضيف آلامه لحساب الكنيسة... فآلام القديسين التي عانوها على التقوى تشددنا"، إذ "يرتفع بمفهوم التعاذيب والآلام التي عاناها في جسده ليضعها بجوار تعاذيب صليب المسيح، ويضمها إليها بجرأة يُحسد عليها،"الَّذِي الآنَ أَفْرَحُ فِي آلاَمِي لأَجْلِكُمْ، وَأُكَمِّلُ نَقَائِصَ شَدَائِدِ الْمَسِيحِ فِي جِسْمِي لأَجْلِ جَسَدِهِ، الَّذِي هُوَ الْكَنِيسَةُ"(كولوسي24:1) (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») وينبهنا الكاتب إلى: "أن منهج بولس الأساسي هو في (التعويض)، فهو يرى أن كل تعذيب نجوزه، حتى إلى حد الموت، هو هو بعينه قد وُهبَ لنا لينشئ فينا حياة"حَامِلِينَ فِي الْجَسَدِ كُلَّ حِينٍ إِمَاتَةَ الرَّبِّ يَسُوعَ، لِكَيْ تُظْهَرَ حَيَاةُ يَسُوعَ أَيْضًا فِي جَسَدِنَا. لأَنَّنَا نَحْنُ الأَحْيَاءَ نُسَلَّمُ دَائِمًا لِلْمَوْتِ مِنْ أَجْلِ يَسُوعَ، لِكَيْ تَظْهَرَ حَيَاةُ يَسُوعَ أَيْضًا فِي جَسَدِنَا الْمَائِتِ. "(2كو10:4و11). (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») يواصل الكاتب رصد المتناقضات التي تحولت إلى قيم إيجابية في حياة القديس بولس، فالاتضاع يقابله الشموخ، والرقة يقابلها الحدَّة، والحزن يقابله الفرح، والخوف والضيق واليأس يقابله الرجاء والعزاء والفرح. ما الذي جعل من القديس بولس مواطنًا عالميًا، أو حسب تعبير الكاتب الأدق "مواطن العالم كله"؟ هي الطاقة التي اجتاحت وملأت كيانه، الوجدان والعقل، التي ولَّدتها تلك المقابلة المتفردة والمحورية في حياة بولس، حتى إنه لم يعد قادرُا أن يعطي عينه نومًا ولا لأجفانه نعاسًا، حتى بتعبيره "اتمم بفرح سعيي والخدمة التي أخذتها من الرب يسوع، لأشهد ببشارة نعمة الله". ويورد الكاتب منهج بولس الرسول وإقراره به "فَإِنِّي إِذْ كُنْتُ حُرًّا مِنَ الْجَمِيعِ، اسْتَعْبَدْتُ نَفْسِي لِلْجَمِيعِ لأَرْبَحَ الأَكْثَرِينَ. فَصِرْتُ لِلْيَهُودِ كَيَهُودِيٍّ لأَرْبَحَ الْيَهُودَ. وَلِلَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ كَأَنِّي تَحْتَ النَّامُوسِ لأَرْبَحَ الَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ. وَلِلَّذِينَ بِلاَ نَامُوسٍ كَأَنِّي بِلاَ نَامُوسٍ ­ مَعَ أَنِّي لَسْتُ بِلاَ نَامُوسٍ ِللهِ، بَلْ تَحْتَ نَامُوسٍ لِلْمَسِيحِ ­ لأَرْبَحَ الَّذِينَ بِلاَ نَامُوسٍ. صِرْتُ لِلضُّعَفَاءِ كَضَعِيفٍ لأَرْبَحَ الضُّعَفَاءَ. صِرْتُ لِلْكُلِّ كُلَّ شَيْءٍ، لأُخَلِّصَ عَلَى كُلِّ حَال قَوْمًا. وَهذَا أَنَا أَفْعَلُهُ لأَجْلِ الإِنْجِيلِ، لأَكُونَ شَرِيكًا فِيهِ". (رسالة بولس الرسول الأولى إلى كورنثوس 9: 19- 23) ولم يعتمد القديس بولس على معارفه الفلسفية ولم يقحمها في رسائله، بل ترك قلمه لتوجيه الروح، ليصل إلى أبسط قارئ، وأعمق عقل، ويوجز الكاتب هذا في كلمات قليلة: "رسائل بولس الرسول لا تمثل في واقعها فكر بولس الفلسفي، بل هي وحي الروح وتَدَافُّع من النعمة، استوعبها القديس بولس فملكت عليه ملكاته وصاغت لغته وأدبياته، فاحتفظت بلماسته ويهوديته وتراث أجداده. ولكنها في خلاصتها، هي عطية الله للكنيسة، كنيسة الدهور لكل العالم، ليس لها وطن تستقر فيه، لأن مصدرها ومقرها السماء، لهذا بقيت رسائل بولس الرسول فعَّالة تجدد وجه الأرض". (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») يقترب الكاتب من منطقة شائكة نتجنب الكلام فيها، وهي "المنهج السياسي عند بولس الرسول"، وهي مساحة محل جدل عند قراء بولس الرسول، لكن الكاتب يرصدها ولا يُقِّيمها، فيرى أن القديس بولس قد تغير في النظر إلى: "الإمبراطور والحكومة الرومانية المسيطرة على البلاد التي كانت في اعتبار يهود فلسطين كعدو، وكانوا يصلُون إلى الله ضدها ويعبّئون المشاعر ضدها لمقاومتها بكافة الوسائل، إن بالعصيان أو بالحرب، وإذ ببولس الرسول، الذى صار حرًا من الجميع، مستوطنًا السماء، ومتغربًا على أرض الإنسان، لا يعود يرى الملك المستعمر إلا مختارًا من الله، ومعينًا من قِبلِه، يتحتم الخضوع له والصلاة من أجله"، ويرى الكاتب "أن هذه النظرة التي ظلت حتى اليوم في كل ممالك الأرض حصن أمان للمسيحي أن يحيا في سلام مع الجميع". (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») ينتقل بنا الكاتب إلى انفتاح بولس الرسول على الأمم، شعوب العالم غير اليهود، بالمخالفة لما استقر عنده كفريسي منحاز ليهوديته قبلًا، وقد استطاع ق. بولس حسب الكاتب بهذا الانفتاح الذي قدم لهم المسيح: "أن ينقل ملكية الله لشعب إسرائيل دون سواه إلى ملكيته للأمم أيضًا بدون تمييز"،"إِذًا نَحْسِبُ أَنَّ الإِنْسَانَ يَتَبَرَّرُ بِالإِيمَانِ بِدُونِ أَعْمَالِ النَّامُوسِ. أَمِ اللهُ لِلْيَهُودِ فَقَطْ؟ أَلَيْسَ لِلأُمَمِ أَيْضًا؟ بَلَى، لِلأُمَمِ أَيْضًا ـ(رسالة بولس إلى رومية 28:3و29). ويعلق "هذه المقولة لو سمعها منه يهودى ارثوذكسى لقتله"(الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») ويرى ق. بولس أن الضمير الإنساني في مجمله هو صدى لصوت الله وليس أقل من مفردات الناموس، فاستحق أن نعتبره "مواطن كل العالم". يختتم الكاتب هذا الفصل بالبحث في إجابة سؤال: "ماذا بقي من يهودية بولس؟"، وفيها كان الناموس مدرسته التى تأدب فيها لحساب المسيح، وعلى غير المتوقع فإننا نجده، وبعد أن عرف المسيح، يراهن على كل أمجاده الشخصية كفريسي مرموق، في سبيل الإيمان بالمسيح والتقرب إليه والبقاء في نوره العجيب... وأخيرًا نقول أن بولس الرسول لم يرتد عن اليهودية ـ كما رآه أهل دينه القديم ـ حتى يُطَالب منا بجحد يهوديته وبتجاهلها والإقلاع عن ذكرها، بل أن بولس الرسول امتد بيهوديته ليطهّرها في نور استعلان المسيح بغسل الدَّم، ألم يقل المسيح"ما جئت لأنقض بل لأكمِّل"(متى 17:5). (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») ينتقل بنا الكاتب إلى أدوات الفكر اللاهوتي عند القديس بولس" ونفسح له المقال القادم. --- ### سيدة الأوتوبيس الأخضر - Published: ۲۰۲۳-۰٦-۲۹ - Modified: 2023-06-29 - URL: https://tabcm.net/12157/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون كالغريق الذي لمح جزيرة وسط عرض البحر، وكالتائه في الصحراء القاحلة الذي لمح واحة خضراء غناء تتدفق المياه من جوانبها، لمحته من بعيد يمشى الهوينا، بلونه الأخضر الباهت الكئيب ورقمه المميز، أوتوبيس 355 المتجه لمصر الجديدة، والذي صار في تلك اللحظة تحديدًا الأمل الوحيد في الهروب من حالة الإغماء التي تقترب بسرعة بفعل الجفاف، بعد الانتظار تحت شمس أغسطس الحارقة الساعة الثالثة ظهرًا في قلب ميدان رمسيس الذي فاق زحامه يوم الحشر العظيم لمدة ثلاث أرباع كاملة. استجمعت ما تبقى لدى من طاقة، وأطلقت لساقاي العنان محاولًا الوصول لنفس سرعة الأوتوبيس، الذي قرر فجأة وبدون أي مقدمات أن ينطلق بسرعة المكوك الفضائي أبولو 13، أخذت نفسًا عميقًا ورددت الشهادتين جهرًا قبل أقفز في وثبة عالية تؤهلني بجدارة للأولمبياد، وعندما فتحت عيناي، كنت بداخل الأوتوبيس بالفعل، فلم أسقط تحت عجلاته والحمد لله. مندهشاً ومذهولاً من نجاحي الغير متوقع باللحاق بالأوتوبيس المنطلق، لا أصدق أن المعجزات لا زالت تحدث، لكنها حدثت بالفعل ووجدت أحدهم يوشك أن يترك مقعده بجانب الشباك. جلست بسرعة مكانه في حين يخفق قلبي بشدة، ويكاد ينفجر من بين الضلوع، من اللهاث خلف الأوتوبيس، غير مصدق لعثوري على مقعد خال وبجانب الشباك أيضًا. الآن فقط فهمت دعوة أمي التي اعتادت أن تدعو بها كل صباح قائلة "ربنا يوقف لك ولاد الحلال"، فها هو ابن الحلال قد "وقف" وترك كرسيه للعبد لله. بهدوء أخرجت سماعات الأذن، و أوصلتها بالهاتف الخلوي كي أعزل نفسى تماماً عن الصخب المحيط، و أطلقت لـ "فيروز" العنان كي تشدو بصوتها العذب، وأخرجت كتاباً من حقيبتي كنت قد بدأت فيه منذ حوالى شهر ولم أنتهي منه بعد. لا أدرى تحديداً لماذا انتبهت عندما توقف الأوتوبيس عند محطة "كوبري القبّة" قبل أن يتحرك مرة أخرى، ثم انتزعتني تلك المرأة الأربعينية من خلوتي، عندما نهضت من مقعدها كي تتحرك صوب الباب قبل اقتراب محطتها التالية، ربما بسبب صورتها النمطية للسيدة المصرية المحجبة، المترهلة القوام، الممتلئة الصدر و المؤخرة، حاملة شنطة الخضار المميزة، حاولت ألا أعيرها انتباهًا و أعود إلى كتابي، لكن شيئًا ما دفعني أن أراقبها حتى تنزل من الأوتوبيس، وبينما كانت تسير في الممر الضيق صوب الباب الأمامي، فجأة امتدت يد كهل عجوز سبعيني يرتدى عوينات ضيقة، يجلس على الكرسي الأقرب للممر، ليصفعها بكل هدوء على مؤخرتها الرجراجة، ثم يعود مرة أخرى إلى قراءة الصحيفة التي يحملها بكل هدوء و كأن شيئًا لم يحدث، انتظرت أن تثور ثائرتها وتنتفض السيدة الأربعينية لكرامتها التي بعثرتها يد السبعيني، وتعود لتصفعه "قلمين" انتقامًا من تحرشه بها، لكن يا للغرابة، للمرة الثانية، مضت المرأة في طريقها و كأن شيئًا لم يحدث. لم أستطع السيطرة على أعصابي الثائرة، فانتفضت وبكل قوة صائحًا "في إيه يا حاج؟ مش عيب على سنك الكلام ده يا محترم؟؟"، نظر مستعطفًا كالفأر الذي وقع لتوه في المصيدة، وكأنه يترجاني أن "أستر عليه"، لكن الأوان قد فات، ويبدو أن آخرين قد لمحوا فعلته لكن لم تأتيهم الشجاعة لفضحه، وعندما أشعلت أنا الفتيل انتفضوا بقوة ليهجموا عليه بعبارتهم اللاذعة: "عيب عليك"، "يا عم خليت إيه بس للعيال؟"، و سخر أحدهم من شيخوخته قائلًا "الشقاوة فينا بس ربنا هادينا"، في حين أخذ الملتحي الجالس بجانبي يبسمل ويحوقل ويستعيذ بدون توقف، ويتمتم بتكرار كومبيوتر ويندوز إكس بي قد "هنّج" لتوه: "أستغفر الله العظيم. . أستغفر الله العظيم"، إلا أن التالي كان أغرب،  فبدلًا من أن تتشجع السيدة الأربعينية وتنتقم لكرامة مؤخرتها المبعثرة، انقلبت علينا نحن المدافعين عنها، ورفعت صوتها بالصياح في وجوهنا قائلة: "مش عيب عليكم انتوا تزعقوا في راجل قد أبوك؟ الراجل رجل هنا ورجل في القبر" لم تكتفِ بالصياح، لكنها استدارت عائدة حتى صارت في متناول يد السبعيني، وقالت له بمنتهى الأريحية والغنج "طاه إديني واحدة تانية بالعند فيهم"، تردد الرجل للحظة ثم أستجمع شجاعته، وما تبقى من "تستوستيرونه"، وصفعها على مؤخرتها بتردد مرة، ثم تشجع و تبعها بالثانية، والثالثة، وسط ضحكات وتصفيق نفس الشباب الذين كانوا يلومونه على فعلته المشينة منذ ثوان، وانطلقت الصفارات عالية تحييه، مع ضحكات بنات الجامعة العالية تصدح في خلفية المشهد المسرحي العبثي. لم يتحمل جاري الملتحي المشهد، و ترك مقعده و هو يتمم عالياً بتكرار نفس الكومبيوتر الويندوز الإكس بي الذي قد "هنّج" لتوه : "يا ولاد الوسخة . . يا ولاد الوسخة. . يا ولاد الوسخة"، ثم نزل من الباب الخلفي ليلحق بأوتوبيس أخر ، بينما نزلت البدينة الأربعينية من الباب الأمامي، ليعلو الصياح و الصفير أكثر وأكثر، بينما أحدهم يصيح في خلفية المشهد "غور. . شكلك أخواني ابن مرا" نظرت في عيني السبعيني الخبيث، فوجدته ينظر في عيناي مباشرة نظرة تشفي لا توصف، أمسكت أعصابي وقهرت نفسي قبل أن أغرس قلمي في عيناه الضيقتان، أو أطبق على رقبته الضئيلة بكلتا يداي، عندما تخيلت عناوين صحف الغد و هي تقول "مهندس يتجرد من الرحمة و يخنق عجوزًا حتي الموت في أوتوبيس مصر الجديدة"، وتخيّلت صوري في الصفحة الأولي بصحف الأهرام والوطن و اليوم السابع والبوابة نيوز، ببدلة السجن الزرقاء والأساور الحديدية تزين يداي، فأحجمت عن غضبى ووضعت سماعاتي مرة أخرى وأنا أصيح في الجميع بصوت عال، بكلمات طيب الذكر سعد باشا زغلول: "مفيش فايدة" --- ### الجهل المركّب - Published: ۲۰۲۳-۰٦-۲۸ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/12139/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: الأصولية, مدارس الأحد الأصوليّة المسيحيّة في نسختها المصريّة لها طابع خاصّ غير موجود في النسخة الأمريكية، وهو مبدأ ليه أشغل مخي وأدور على تفسير أو دراسة تفهّمني السفر ده من الكتاب المقدّس؟ ده مبدأ تقديس الجهل، وهو بالمناسبة مش موجود فقط عند غير المتعلمين ولكن عند المتعلمين والأشخاص العباقرة في مجالهم. مثلا يكون شخص مهندس مبدع في مجاله، ولكن أول ما تتحاور معاه في الإيمان تلاقي نفسك قدام طفل في مدارس الأحد. نوع من "وقف النموّ الإيماني المرَضيّ". النصّ قال كذا، يبقى كذا مش محتاجه تفسير ومش محتاجه قرايه. . النص قال اخلع نعليك تبقى واضحة اخلع نعليك، قال ٤٠ يوم يبقى ٤٠ يوم وهكذا. المشكلة في النظرة الأصولية دي إنها بتتغافل أو بتطنش أو بتجهل تطور المفاهيم واللغة والثقافة. وتنكر أو تجهل برضه إن الشخص اللي بيقرا النص بالعربي هو أصلا عنده مشكله في فهم العربي. . يعني مش بنقول إن المشكلة في الوحي أو في ربنا نفسه ولكن المشكلة ببساطه إنك بتقرا نص مترجم بلغه عربية أنت تعليمك معلمهالكش صح فبتفهم شيء تاني خالص. بعض الأمثلة في العربية احنا بنقراها بمعنى ولكن هي ليها معنى تاني، ودي أمثله مش لاهوتية ولا كتابيّه بالمعنى الحصري: السؤال بسيط. (بسيط معناها ممتد ومتسع. مثلا: أرض بسيطة، ومكان بسيط. ) الصحيح: سؤال يسير. أنت بمثابة أخي. (المثابة هي المكان الذي يجتمع الناس فيه بعد تفرق). الصحيح: أنت بمنزلة أو بمكانة أخي. تواجد الطلاب. (التواجُد من الوَجد وهو شدّة الحبّ). الصحيح: حضر الطلاب. --- ### ومرت الأيام سريعا - Published: ۲۰۲۳-۰٦-۲۷ - Modified: 2023-07-03 - URL: https://tabcm.net/12121/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: أحمد شوقي علي أحمد شوقي, جابريل جارسيا ماركيز, جبران خليل جبران, ناظم حكمت, نيلسون مانديلا, هومر رود هيبر أربع وخمسون عاما مرت من عمري بحلوها ومرها، فيها الكثير من الانتصارات والانكسارات وبها العديد من النجاحات والإخفاقات، ومع كل إشراقه شمس، كان كل يوم يحمل لي أملًا جديدًا ورجاءً جديدًا رغم كل المحن والصعاب. "إن الحياة مفعمة بالأمل... أجمل البحار تلك التي لم نزرها بعد... أجمل أيامنا تلك التي لم نعشها بعد... أحلى الكلمات هي تلك التي لم نقلها بعد... " (الشاعر التركي: ناظم حكمت) كثيرا ما كنت أتذكر قول الشاعر التركي العظيم "ناظم حكمت" الذي كان يبشر بالأمل وهو في سجنه الذي امتد إلى ثمان أعوام، كما أتذكر دائما كلمات المناضل الجنوب أفريقي "نيلسون مانديلا" الذي قضى في السجن ٢٧ عاما بسبب نضاله ضد التفرقة العنصرية. فهو رغم الظلم الذي تعرض له ورغم ظلمة التفرقة العنصرية البغيضة التي عانى بسببها، فإنه عندما احتفل بعيد ميلاده الخامس والثمانين رفض إطفاء الشموع في الحفل قائلا: "أنني كرست حياتي لإضاءة الشموع، لا لإطفائها" (نيلسون مانديلا) والحياة على الرغم من أنها لا تساوي شيئًا، إلا أنه لا شيئ يساوي الحياة. فالمتشائم يتضجر من شوكها، في حين المتفائل يستمتع بعطرها وأريجها رغم شوكها. الحياة حلوة رغم مرارة بعض أيامها، فلنستمتع بها على أي حال. وعلى المرء أن يتذكر دائما أن الدنيا ما هي إلا قوسين: القوس الأول هو المهد، والقوس الثاني هو اللحد، والحكيم هو الذي يحرص دائمًا على أن يضع بين قوسي المهد واللحد كل ماهو حب وخير وجمال ورحمة وتسامح وغفران. "دَقّاتُ قَلبِ المَرءِ قائِلَةٌ لَهُإِنَّ الحَياةَ دَقائِقٌ وَثَواني" (أمير الشعراء: أحمد شوقي) الحياة مهما طالت ماهي إلا قصة قصيرة، سرعان ما تنتهي، وماهي إلا بخار يظهر قليلًا ثم يضمحل، لذا قال أمير الشعراء مقولته السابقة، ولذا صديقي أينما تأخذك رحلة الحياة أترك أثرًا لبصماتك الجميلة، فقليلون هم الذين يتركون أثرًا لبصماتهم، وكثيرون هم الذين يتركون أثرًا لحوافرهم! ! ماذا يثقل قلبي عند غروب الشمس؟ أنا أعلم أنها ليست الأعمال التي أعملها طوال النهار بل هي الأشياء التي لم أعملها. الكلمة الحنونة التي كان يجب أن أقولها ولكني لم أقلها. الخطاب الرقيق الذي كان يجب أن أكتبه ولكني لم أكتبه. الزهور التي كان يجب أن أرسلها إلى مريض ولكني لم أرسلها. الحجر الذي لم أرفعه من طريق أخي. النصيحة التي لم أقدمها لأنني كنت مشغولًا. اللمسة الحانية على كتف متألم التي لم ألمسها. الهمسة الرقيقة المشجعة في أذن مضطرب التي لم أهمسها. أعمال الرحمة التي لم تخطر لي ببال. الفرص النادرة التي أتيحت لي على مدى النهار لكي أشارك في أعمال الملائكة. هذه الأشياء الثمينة التي لم أجد وقتا للتفكير فيها ولم أفعلها تحت وطأة انشغالاتي اليومية هي التي تثقل قلبي في آخر النهار وتضفي على حياتي الكآبة والأسى عند غروب الشمس. (هومر رود هيبر) وفي رسالة الوداع لجابريل جارسيا ماركيز، الروائي والصحفي والناشر والناشط السياسي الكولومبي، وهو على فراش المرض بعد إصابته بمرض عضال كتب يقول: لو شاء الله أن يهبني حياة أخرى، فإنني سوف أستثمرها بكل قواي. سأنام قليلًا، وأحلم كثيرًا، مدركًا أن كل لحظة نغلق فيها أعيننا تعني خسارة ستين ثانية من النور. سوف أسير فيما يتوقف الآخرون، وسأصحو فيما الكلّ نيام. (جابريل جارسيا ماركيز) وأنا أبدأ عامي الخامس والخمسين، أتطلع إلى الدخول في المرحلة التي يقول عنها الخبراء إنها «المرحلة الملكية». عندما يصل إليها الإنسان لا يجد نفسه مضطرًا للخوض في أي نقاش أو جدال، ولو خاض فيه لن يحاول أن يثبت لمن يجادله أنه مخطئ، فلسان حاله كأنما يقول له: عش مع نفسك واستمتع بأفكارك. لو كذب عليه أحدهم سيتركه يكذب عليه، وبدل أن يشعره بأنه كشفه، سيستمتع بشكله وهو يكذب مع أنه يعرف الحقيقة.  في المرحلة الملكية سيدرك المرء أنه لن يستطيع إصلاح الكون، فالجاهل سيظل على حاله مهما كان مثقفًا، والغبي سيظل غبيًا. عند الوصول للمرحلة الملكية سيرمى المرء كل مشاكله وهمومه والأشياء التي تضايقه وراء ظهـره وسيكمل حياته... نعم سيفكر في أشياء تضايقه من وقت لآخر ولكنه لا يقلق كثيرًا. سيمشى في الشارع ملكًا؛ مبتسمًا ابتسامة ساخرة هو يرى الناس تتلوّن وتتصارع وتخدع بعضها من أجل أشياء لا لزوم ولا قيمة لها. سيعرف جيدًا أن فرح اليوم لا يدوم وقد يكون مقدمة لحزن الغد والعكس! وسيزداد يقينًا بأن الله يعمل كل الأشياء لخيره. عندما يصل المرء يومًا للمرحلة الملكية لا يسعى لأن يغيّر من نفسه، لأنه أصبح ملكًا على نفسه، واعيًا جدًا، ومطمئنًا ومشبعًا من داخله. كلما تقدمنا في العمر زاد رشدنا، وأدركنا أننا إذا لبسنا ساعة بـ٣٠٠ جنيه أو ٣٠٠٠ جنيه فستعطينا نفس التوقيت، وإذا امتلكنا «محفظة نقود» سعرها ٣٠ جنيهًا أو ٣٠٠ جنيه فلن يختلف ما في داخلها، وإذا عشنا في مسكن مساحته ٣٠٠ متر أو ٣٠٠٠ متر فإن مستوى الشعور بالوحدة واحد. وفى النهاية سندرك أن السعادة لا تكون في الأشياء المادية؛ فسواء ركب المرء مقعد الدرجة الأولى أو الدرجة السياحية، فإنه سيصل لوجهته في الوقت المحدد وأن السعادة لا تكون دائمًا في الاقتناء بل قد تكون أحيانا في الاستغناء والاكتفاء. في بداية عامي الخامس والخمسين، لا يسعني إلا أن أردد هذا الدعاء الذي يعد من روائع جبران خليل جبران الذي قال فيه: يَا رَبْ سَاعِدني عَلى أنْ أَقُولَ كَلِمَةَ الحَقْ في وَجهِ الأقويَاءوأنْ لا أَقول البَاطِلَ لأكسِبْ تَصفيَق الضُعَفاءيَا رَبْ إذا أعطَيتني مَالاً فَلا تأخذ سَعَادتيوإذا أعطَيتني قُوةً فَلا تَأخُذ عَقليوإذا أعطَيتني نَجَاحاً فَلا تأخذ تَواضُعيوإذا أعطَيتني تَواضُعاً فَلا تأخذ اِعتِزازي بِكرَامَتييَا رَبْ عَلِمني أنْ أُحِبَ النَاس كَما أُحِبُ نَفسيوَعَلِمني أَنْ أُحاسِبَ نَفسي كَما أُحاسِب النَاسوعَلِمني أَن التَسَامُح هُوَ أَكبَرُ مَرَاتِب القُوةوأَنْ حُبَ الانتقام هُوَ أَولُ مَظَاهِرُ الضَعَفْيَا رَبْ لا تَدَعني أُصَابُ بِالغُرور إذا نَجَحَتْ. . ولا بِاليَأسِ إذا فَشِلتْبَلْ ذَكرني أَن الفَشَلَ هُوَ التَجرُبَة التي تَسبِقُ الَنجَاحْيَا رَبْ إذا جَردَتني مِنْ المَال فَاترُكْ ليَ الأمَلْوإذا جَرَدتَني مِن النَجَاح فَاترُك ليَ قُوةَ العِنَادحتى أتَغَلَبْ عَلى الفَشَلْوإذا جَرَدتَني مِنْ نِعمَة الصِحَة فَاترُك لي نِعمَة الإيمَانْيَا رَبْ إذا أَسَأَتُ إلى النَاسِ فَأعْطِني شَجَاعَةِ الاعتِذارْوإذا أسَاءَ لي النَاس فَأعَطِني شَجاَعَة الغفران(جبران خليل جبران) وختامًا... على مدار سنوات عمري ال ٥٤ تقابلت مع كثيرين من الأصدقاء والأحباء المخلصين الأوفياء وقليلين ممن خابت فيهم الآمال، ولكنني دائمًا كنت ومازلت أدرب نفسي على تجاوز المحن ونسيان جروح الماضي وإضفاء معاني إيجابية على كل معاناة، فهناك فرصة في كل أزمة وهناك منحة في كل محنة. فعندما تعطيني الحياة سببا لليأس أعطيها ألف سبب للاستمرار فلا شيئ أقوى من الإرادة والعزيمة. وكلما كبرت كلما تعلمت ألا أضع مفتاح سعادتي في جيب أي أحد. خالص شكري وتقديري لإلهي الذي رعاني، ولأسرتي وأساتذتي ومعلمي وجميع الذين ساهموا في تربيتي ونشأتي وتعليمي وتدريبي وتنميتي جسديًا ونفسيًا وعقليًا وفكريا وروحيًا. كذلك لا يفوتني أن أشكر من تكرموا علي وقذفوني على مدار الرحلة ببعض الأحجار، أو من طعنوني ببعض الطعنات الخلفية. فالأحجار رفعتني لأعلى والطعنات دفعتني للأمام... خالص شكري وعاطر محبتي وتقديري للجميع. ولنتذكر دائمًا أحبائي إن إضفاء الحياة على السنين يكون أهم كثيرًا من إضافة السنين إلى الحياة. كل عام وأنتم جميعًا بخير وسلام. --- ### الشفقة / التحنن / الرحمة - Published: ۲۰۲۳-۰٦-۲٦ - Modified: 2023-07-03 - URL: https://tabcm.net/12130/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: سمعان بن يونا, قديس بولس الرسول, يوحنا الحبيب "كونوا جميعاً متحدي الرأي، بحسٍّ واحد، ذوي محبةٍ أخوية، مشفقين، لطفاء" (1بط 3: 8) هذه الآية تحتوي على خمس صفات تصلح أن تكون دليلًا لكيفية تعامل أهل البيت المسيحي مع بعضهم البعض. فيقول القديس بطرس الرسول للقارئين أن يكونوا: "(1) متحدي الرأي، (2) بحسٍّ واحد، (3) ذوي محبةٍ أخوية، (4) مشفقين، (5) لطفاء". والصفتان الأولى والأخيرة (في اللغة اليونانية) لهما نفس النهاية: phrones، وتختص بأسلوب تفكير الإنسان. والصفتان الثانية والرابعة تختصان بالأحاسيس الداخلية من نحو الآخرين. أما الصفة الوسطى فهي المحبة الأخوية التي كانت موضع اهتمام القديس بطرس بالأكثر. وقد أوضح القديس بطرس أنه إن لم يكن المسيحيون قادرين أن يشعروا بالشفقة والرحمة تجاه إخوتهم في المسيح، فسيكونون غير قادرين أن يشهدوا بنجاح في عالمٍ معادٍ لهم بقسوة. اسمعه يقول: "غير مجازين عن شرٍّ بشر أو عن شتيمة بشتيمة؛ بل بالعكس مباركين عالمين أنكم لهذا دُعيتم لكي ترثوا بركةً" (1بط 3: 9) "فمن يؤذيكم إن كنتم متمثِّلين بالخير؟ ولكن وإن تألمتم من أجل البر فطوباكم. وأما خوفهم فلا تخافوه ولا تضطربوا؛ بل قدِّسوا الرب الإله في قلوبكم، مستعدين دائماً لمجاوبة كل مَنْ يسألكم عن سبب الرجاء الذي فيكم بوداعةٍ وخوفٍ، ولكم ضمير صالح لكي يكون الذين يشتمون سيرتكم الصالحة في المسيح يخزون في ما يفترون عليكم كفاعلي شر. لأن تألمكم إن شاءت مشيئة الله وأنتم صانعون خيراً أفضل منه وأنتم صانعون شرًّا" (1بط 3: 13-17) "الأمر الذي فيه يستغربون أنكم لستم تركضون معهم إلى فيض هذه الخلاعة عينها مجدِّفين" (1بط 4: 4) "إن عيُيِّرتم باسم المسيح فطوبى لكم لأن روح المجد والله يحلُّ عليكم. أما من جهتهم فيجدَّف عليه. وأما من جهتكم فيمجَّد" (1بط 4: 14) "فقاوموه راسخين في الإيمان عالمين أن نفس هذه الآلام تُجرَى على إخوتكم الذين في العالم" (1بط 5: 9) وقد أوضح القديس بطرس أيضًا أن جماعة المؤمنين المتحدة بالمحبة، والتي تشفق على الآخرين، تستطيع أن تَصْمِد ضد إساءة العالم؛ ولكن الأخوَّة التي تمزقها التحزبات والأعضاء غير الودعاء والعادمي المشاعر، هذه الأخوة تصبح فريسة سهلة للعدو: الشيطان (1بط 5: 8). والكلمة الرائدة في مجموعة الصفات الخمس التي ذكرناها أولاً هي: "الشفقة" (في اليونانية: ευσπλαγχνοι = eusplanchnoi)، وهي تنتمي إلى مجموعة من الكلمات التي أخذت طابعاً إنجيلياً مميَّزاً في العبادة المسيحية. المعنى في اللغة اليونانية القديمة: والكلمة splanchna في اللغة اليونانية القديمة، كانت تشير إلى الأحشاء الداخلية لجسم الإنسان (أي القلب والرئتين والكليتين والطحال والكبد، حسب القاموس اللاهوتي للعهد الجديد، الجزء السابع، ص 548). وقد كانت تستخدم أيضاً في اللغة اليونانية الدارجة لتشير إلى مقر الأحاسيس والمشاعر. كما كانت تشير أيضاً إلى ثورة الأحاسيس الإنسانية مثل الغضب الشديد والقلق والشهوة. وبعض الكتَّاب اليونانيين استعملوا الكلمة eusplanchnia لتشير إلى الشجاعة في الحرب. إلا أن الكلمة splanchna استُعملت في الكتابات اليهودية والمسيحية لتشير إلى كيان الإنسان الذي تصدر منه الشفقة والرحمة والتحنن. فماذا إذاً وراء هذا التحوُّل في المعنى؟ حينما استعمل اليهود والمسيحيون الذين كتبوا باليونانية الكلمة splanchna لتعني "الشفقة"، فلابد أنهم قد تأثروا بالفعل "رَحَم" في اللغة العبرية، ومشتقاته التي تعبِّر عن الأحشاء الداخلية والرَّحم womb، والذي كثيراً ما استُعمِل ليشير إلى الأحاسيس الرقيقة من المحبة واللطف والرحمة والرأفة تجاه الآخرين (انظر تك 43: 30)، أولاً وبالأساس للتعبير عن رحمة وشفقة الله تجاه الشعب اليهودي. فالكلمة رَحِم هي واحدة من عدة كلمات تعبِّر عن خبرة الشعب اليهودي مع الله كإله رحيم مُشفق ومُنعم على الضعفاء والمتألمين (راجع: خر 34: 6، مز 78: 38؛ مز 103: 13؛ إش 63: 7). الشفقة والتحنن في العهد الجديد: في العهد الجديد وبعض الكتابات اليهودية (مثل صلاة منسى: 7)، تأخذ هذه الفضيلة معنىً إنجيلياً متميزاً (انظر لو 1: 78). فالقديس يعقوب مثلاً يشير إلى الرب أنه "كثير الرحمة" (يع 5: 11). فخدمة الرب يسوع المسيح استعلنت بالكمال طبيعة رحمة الله ومحبته. فحين أشار القديس بولس الرسول إلى "أحشاء splanchna يسوع المسيح" (في 1: 8)، فقد كان يُعطي للرحمة معنىً جديداً كليَّةً، فأصبحت الشفقة والرحمة والتحنن من جوهر خدمة الرب يسوع للخطاة والضعفاء والمساكين. + فيذكر القديس مرقس الإنجيلي إن الرب يسوع تحنن على الجموع الذين كانوا كخراف هجرها الرعاة، ولذلك علَّمهم كلام الحياة الأبدية (مر 6: 34). وحين جاع الجمع، تحنن عليهم وأطعمهم بطريقة معجزية من خمس خبزات وسمكتين (مر 8: 3-8)، وحين صرخ بعضهم لأجل الرحمة تحنن عليهم وشفاهم (مر 9: 232). + كما ذكر القديس متى الإنجيلي إن الرب يسوع تحنن على الجموع وأرسل فعلة للحصاد (مت 9: 35-38)، وشفى أمراضهم (مت 14: 14)، وأطعمهم (مت 15: 32)، ولمس أعين العمي لكي يبصروا (مت 20: 34). + والقديس لوقا الإنجيلي يسجِّل أن الرب يسوع تحنن على أرملة نايين الباكية التي فقدت وحيدها (لو 7: 13)، فأوقف الرَّكب وأقام الشاب من الموت. + والقديس يوحنا الرسول كتبها واضحة جلية: "وأشياء أخر كثيرة صنعها يسوع، إن كتبت واحدة واحدة، فلست أظن أن العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة" (يو 21: 25). ونكمل الحديث الأسبوع القادم. --- ### اللاهوت المسيحي وعي شخصي - Published: ۲۰۲۳-۰٦-۲۵ - Modified: 2023-06-24 - URL: https://tabcm.net/12117/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: آدم, التبني, الثالوث القدوس, حواء, مفهوم التجسد, يوحنا الحبيب المسيحية "ملء الزمان" لأن فيها حقق الله ملء غايته من جهتنا إذ أعطانا ذاته: "هوذا السيد يعطي نفسه آية". -الله أعطانا ابنه متجسدًا. -والابن أعطانا روحه يسكن قلبنا. -وبالروح يأتي بالآب والابن لقلوبنا. هذه هي الحقيقة العظمى التي جاء من أجلها المسيح -الله الذي ظهر في الجسد- أن يعيد البشر إلى مكانتهم الأولى كأبناء له وبحيث لا يفقدنوها مرة أخرى. لذلك سكن الله الواحد الثالوث قلوبنا كحقيقة كيانية، ليس في مجرد جنة وفردوس مثلما كان آدم وحواء، بل سكن في كيان الإنسان وقلبه بلا انفصال في المسيح كلمة الله الذي "صار جسدًا" (يوحنا 1). لهذا قال ق. كيرلس السكندري: عندما نقبل الروح القدس (بالإيمان بالمسيح)، فإن هذا برهانٌ علي أن لنا شركة، بل شركاء في الطبيعة الإلهية، وبالروح يأتي الآب إلى قلوبنا بواسطة الابن (لأنه بالإيمان بالمسيح نقبل الروح القدس). (القديس كيرلس السكندري) وكتب يوحنا الرسول عن الروح: "بِهذَا نَعْرِفُ أَنَّنَا نَثْبُتُ فِيهِ وَهُوَ فِينَا: أَنَّهُ قَدْ أَعْطَانَا مِنْ رُوحِهِ". (رسالة يوحنا الأولى 4: 13) : أليس هذا ما يقوله ق. بولس أيضًا: "ثُمَّ بِمَا أَنَّكُمْ أَبْنَاءٌ، أَرْسَلَ اللهُ رُوحَ ابْنِهِ إِلَى قُلُوبِكُمْ صَارِخًا: «يَا أَبَا الآبُ»". (رسالة بولس إلى غلاطية 4: 6) ولو افترضنا إننا بدون شركة الروح القدس فإننا لن نعرف أن الله فينا، (حتى) لو اغتنينا بالروح الذي يجعلنا في مرتبة الأبناء، فإننا بدون (أن يكون لنا وعي بالشركة في) الروح لن نكون أبناء الله، كما قال كيرلس السكندري في شرح إنجيل يوحنا ١٠. الذين عاشوا المسيحية والذين يعيشون شركتهم في الطبيعة الإلهية كحقيقية يومية يبدأون بها يومهم الأبدي كل يوم، كان الروح القدس ولا يزال يشهد بذلك في كلماتهم التي تركوها لنا لنعيش الوعي بالشركة كل يوم إننا أبناء الله وهو ساكن فينا ولم يتركهم ولن يتركنا مهما كان يبدو في سيرتهم وسيرتنا على الأرض إننا متروكين في نظر العميان من هذا العالم حولهم. صحيح إن تبني الله لنا ليس ولادة من جوهر الله مثلما ولادة أقنوم المسيح ابن الله الوحيد من ذات جوهر الله. فولادتنا نحن هي بالنعمة والتبني. ولكن إذا أسقطنا النعمة إلى مجرد علاقة شرفية فهذه هي عقيدة المسيحية العظمى "تأله الإنسان في المسيح يسوع "التي بها يكون للإنسان شركة في مجال حياة الله أي في الطبيعة الإلهية، فطبيعة الله الحية الأبدية. فالتأله هو نتيجة حتمية لتدبير الله من جهة الإنسان بالتجسد الإلهي ونعمة التبني للإنسان. فالتجسد الإلهي هو اتحاد يفوق الإدراك للاهوت بالناسوت في المسيح. والتبني هو اتحاد يفوق الإدراك بيني أنا الإنسان وناسوت المسيح الذي رفعه المسيح إلى مكانة الله وليس سكنى حقيقية للآب والابن والروح القدس فينا كهياكل حقيقية فإن ق. اغريغوريوس النزيانزي (الناطق بالإلهيات) يزأر في وجوهنا وربما في جسارة تعبير ويقول: لقد طهرنا (الله) لكي يجعلنا مثل الله(="نخلق الإنسان على صورتنا كشبهنا"سفر التكوين)، لكي إذا ما أصبحنا مثله آلهة يستطيع الله أن يخاطبنا كآلهة (فقد أكد المسيح ما جاء على لسان داود بالنبوة" ألم أقل لكم إنكم آلهة وبنو العلي تُدعَون")(القديس اغريغوريوس النازينزي، مقالة٧:٢٨) ولم يكن ق. بولس بأقل من ذلك في صراخه إلينا عبر الزمان لكي ينتبه الوعي فينا إلى حقيقتنا إننا أبناء الله، فنعيش بنوتنا لله وشركتنا في الثالوث القدوس من بَدْء صباحنا كل يوم: وَإِنْ كَانَ رُوحُ الَّذِي أَقَامَ يَسُوعَ مِنَ الأَمْوَاتِ سَاكِنًا فِيكُمْ، فَالَّذِي أَقَامَ الْمَسِيحَ مِنَ الأَمْوَاتِ سَيُحْيِي أَجْسَادَكُمُ الْمَائِتَةَ أَيْضًا بِرُوحِهِ السَّاكِنِ فِيكُمْ. (رسالة بولس إلى رومية 8: 11) فليرتفع قلبك بوعيك لحقيقة كينونتك إنك إنسان صار ابنًا لله في المسيح يسوع، وصلي إلى أبيك الذي في السماء: "أبانا الذي في السموات". هذا هي وصية المسيح ابن الله الوحيد لنا. والسبح لله بقلم د. رءوف إدوارد --- ### عن تطور أيديولوجيا اليسار - Published: ۲۰۲۳-۰٦-۲٤ - Modified: 2023-06-24 - URL: https://tabcm.net/12110/ - تصنيفات: شئون علمانية - وسوم: أقباط المهجر, الصوابية السياسية, اليسار, برجوزاية, بروليتاريا, عولمة, كارل هانريش ماركس في مرحلة ما بعد الحداثة وبعد تآكل نظام العمل بمفهومه القديم القائم على الصراع الطبقي بين الطبقة البرجوازية وطبقة البروليتاريا، أخذ اليسار يبتعد تدريجيًا عن النظريات الماركسية بتفسيراتها الأصلية عن الصراع الاقتصادي الطبقي واتخذ منحى جديدًا في الكفاح ضد المظالم الاجتماعية عن طريق دعم الأقليات والفئات المهمشة لتحسين مواقعهم في البنية الاجتماعية باعتبار ذلك هدفًا أكثر مسايرة للواقع الاجتماعي. تقوى هذا المسار اليساري بشكل كبير مع تنامي العولمة التي لعبت دورا هاما في إعادة ترتيب الخارطة الحزبية وفي تغيير أنماط التصويت فنجحت أحزاب اليسار في البداية في اجتذاب الفئات المتضررة من العولمة الاقتصادية وهي الفئات الأقل مالا وتعليمًا وذلك بطرحها لبرامج تعد بحماية اقتصادية من سلبيات العولمة. ومع ازدياد التوسع في عمليات الهجرة من الدول الفقيرة في الجنوب والشرق إلى الدول الغنية في أوروبا وأمريكا تعززت هذه العولمة الاقتصادية بعولمة ثقافية اجتماعية خلقت واقعا ثقافيًا واجتماعيًا وديموغرافيا جديدًا في دول المهجر. وظهرت شرائح مجتمعية جديدة لها خصوصيتها الثقافية والدينية والهوياتية وليست تندرج ضمن الفئات التي تحظى باهتمام اليسار ولكنها في الوقت ذاته لم تكن مقبولة من أحزاب اليمين المتطرف التي كانت بدورها تخشى على هويتها القومية المحلية من التآكل والاندحار. والحقيقة إننا بقليل من التحليل للمشهد السياسي العالمي يمكننا أن نرى كيف شكلت هذه الشرائح موقفًا وسطيا بين اليمين القومي المتطرف، وبين اليسار الذي تلاقت توجهاته مع الخطاب الدعائي للعولمة، الذي يتمحور حول حقوق الأقليات ويتبنى شعارات الديمقراطية وحقوق الإنسان كغطاء وتوظيف سياسي للنشاط الاقتصادي المتوحش الذي تسيطر عليه الشركات متعددة الجنسيات، الذي يهدف إلى تفتيت البنى القومية والوطنية للدول الغربية مستخدمًا آلية التقسيم الهوياتي كبديل عن علاقات المواطنة. تحول اليسار عن مساره الداعم للطبقة الكادحة وأصبح تدريجيًا نصيرًا للعولمة ومدافعًا شرسا عن المهاجرين، كما أنه نسف مفهوم المساواة واستبدله بمنظومة امتيازات وتفضيلات جاءت على حساب العدالة وتكافؤ الفرص وقام بإعلاء قيمة الصوابية السياسية على حساب قيمة الحريات الشخصية وحرية التعبير، حتى أن توصيف اليمين بمفهومه القديم أصبح ينطبق بالأكثر على أحزاب اليسار التي مازالت تتمسك بالتسمية برغم ابتعادها ابتعادًا تاما عما يفترض أنها تمثله وخاصة من الزاوية القيمية. اليسار اليوم هو النظام الذي تنعدم فيه الحرية المدنية والسياسية، وتمنح فيه الامتيازات للقيادات والزعماء، وهي الصفات التي كانت تميز التيارات اليمينية بحسب المفهوم الأصلي للمصطلح. --- ### مسيحية بولس الرسول (٢) - Published: ۲۰۲۳-۰٦-۲۳ - Modified: 2023-09-22 - URL: https://tabcm.net/11823/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: أنبا إبيفانيوس المقاري, الأب متى المسكين, قديس بولس الرسول, مفهوم الخلاص, يوحنا الحبيب يضع الكاتب إصبعه على مفتاح فكر بولس الرسول ويجول إحصائيًا في رسائله وكلامه في مختلف ظروفه، دفاعًا أمام ولاة وملوك أو دحضا لتقولات مناهضيه، أو لإرشاد تلاميذه ومؤمني الكنائس التي أسسها، يسجل الكاتب هذا بقوله "وقد نحت بولس الرسول لنفسه اصطلاحًا يصور الحقيقة العملية الاختبارية في علاقته بالمسيح، وهو اصطلاح (في المسيح)، الذي ورد في رسائله 164 مرة، الذي يُعَبّر به عن كل تفكير وحركة وعمل وحياة له (في المسيح). فإيمانه (في المسيح)، وبرُّه (في المسيح)، وصلاته وفرحه وسروره وكل عطية نالها (في المسيح)، ومحبة وسلام وقداسة وختم روحي، وختانة، والجسد الواحد، كل ذلك يعيشه ويمارسه ويراه (في المسيح). ويختتم الكاتب عرضه هذا بقوله: "لقد صار هذا الاختبار عنده عقيدة ثابتة، وإيمانًا لا يحيد عنه، ورسالة استلمها ليسلمها". (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») ويستطرد الكاتب: "كذلك وفى نفس الوقت، كان يشعر وهو واثق أنه كما يحيا هو فى المسيح، فالمسيح يحيا فيه، فهى شركة حيَّة، فيها أخذ وعطاء، اغتنى بها بولس الرسول وأغنى كثيرين". (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») ويضعنا الكاتب أمام مكاشفة نحن طرف فيها بقوله: "ونحن نسأل: هل يمكن أن نبلغ إلى هذا الاختبار، اختبار الإيمان بالمسيح قائمًا بمجده فى العُلا؟ وهو بآنٍ واحد هكذا مُحتَوى داخلنا بشخصه، نراه بالروح، ونحسُّه، ونتعامل معه، وهو في مجده قائم عن يمين الله، إنها خبرة إيمان فائقة تُعتبر أغنى ما حصل عليه القديس بولس وما كرز به". (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») وينبهنا الكاتب إلى مفارقة بين رؤية القديس بولس للمسيح والرؤية عند كثيرين بيننا: "مرة أخرى نقول إن مسيح القديس بولس الذى يتعامل معه هو كما ظهر له، مسيح المجد في السماء، مسيح الواقع الروحي الحي الدائم الفائق، ليس بصورته التاريخية على الصليب، كما نحاول نحن بإلحاحنا المادي أن نصوَّره بألف صورة وهو مصلوب، أو حينما أنزلوه أو دفنوه أو حتى حينما قام، فهذا هو تاريخ الخلاص الذي أكمله المسيح لنا بالجسد على الأرض، وأكملناه نحن معه. لكن بولس الرسول كان يتعامل مع المسيح كما ظهر له حيًا فى السماء في ملء مجده في وجوده مع الآب، المسيح الروح، والمعطى للروح". (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») "مرة أخرى، هناك فارق شاسع بين أن نستحضر صورة المسيح من الماضي حينما صُلب أو قُبِر أو قام، لنصنع معها علاقة أو شركة على مستوى التأمل، وبين أن يأتي المسيح بشخصه ويُستعلن لنا بحاله الآن كما هو في السماء في المجد، لكى يصنع فينا منزلًا ويقيم، ونصنع نحن معه شركة في المحبة بالإيمان الواعي". (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») "فمسيح القديس بولس ليس هو مسيح صور التاريخ التى كانت؛ بل مسيح أفعال الخلاص حية متجلية فعَّالة فى ملء كمالها وقوتها وجلالها، هكذا عاش بولس آلام المسيح وموته وقيامته، لما عاش فى مسيح المجد الرب الروح من السماء وحياته متجلية فيه"،ويوجز القديس بولس هذا الاختبار بقوله:"لِيَحِلَّ الْمَسِيحُ بِالإِيمَانِ فِي قُلُوبِكُمْ،... وَتَعْرِفُوا مَحَبَّةَ الْمَسِيحِ الْفَائِقَةَ الْمَعْرِفَةِ، لِكَيْ تَمْتَلِئُوا إِلَى كُلِّ مِلْءِ اللهِ. (رسالة بولس إلى أفسس17:3و19) (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») يستعرض الكاتب ما سجله القديس بولس في رسائله عن معرفة المسيح الفائقة وكيف كان يحيا فى المسيح، مدعومًا بقوته ويعلق: "يلاحظ القارئ أن حياة الشركة التي كان يعيشها القديس بولس ، هي التي فتحت عليه كنوز ، و، و، فأصبح القديس بولس يمتلكها من واقع حياة المسيح التي يحياها فيه ومعه، أي حياة الشركة بالروح مع المسيح الرب الروح من السماء. وليست قوة وغنى وبركة المسيح فقط هي التي حازها بولس من واقع حياة الشركة ، بل غيرها أهم وأعجب". (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») ويوجز الكاتب خبرة القديس بولس: "يضع يدنا على الذي أمسك بالمسيح قبل أن يمسك بالمسيحية، واجتاحه لاهوت ابن الله قبل أن يفهم كلمة واحدة عن لاهوت المسيح، لذلك قامت مسيحية القديس بولس على المسيح وليس على اللاهوت أو المفهومات المسيحية، لذلك فالمسيحية عند القديس بولس لم تكن هي الطريق إلى التعرف على المسيح، بل المسيحية عنده بدأت بصفة رؤية وخبرات وتعبيرات منبثقة عن المسيح، لما حل المسيح في القلب". (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») وتحت عنوان "الأخلاقيات عند القديس بولس تنبع من ظهور الرب له" ينبهنا أن العلة في رسم منظومة الأخلاق عند بولس، التي يتحتم أن يتحلى بها كل مسيحي، أو المسيحية ككل، هي "محبته للمسيح". "حبًا سرق روحه فلم يعد القديس بولس يشعر ببولس، إنها "وحدة الحب" أو اتحاد المحبة أو شركة المحبة، لأن المسيح الذى أظهر ذاته له هو هو بشخصه مسيح الجليل والبحيرة الذى اشبع تلاميذه من حبه". (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») "مسيح العشاء السرى"،"إِذْ كَانَ قَدْ أَحَبَّ خَاصَّتَهُ الَّذِينَ فِي الْعَالَمِ، أَحَبَّهُمْ إِلَى الْمُنْتَهَى". (يوحنا1:13)،الذي في يوم من الأيام باح بسر حبه العنيف لتلاميذه، ولكنه أخفاه فى صورة وصية"هذِهِ هِيَ وَصِيَّتِي أَنْ تُحِبُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا كَمَا أَحْبَبْتُكُمْ. لَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هذَا: أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لأَجْلِ أَحِبَّائِهِ. "(يوحنا 12:15)،ثم عاد وأكد"اثبتوا في محبتي"(يوحنا 9:15)،وأخر دعاء قدمه كصلاة للآب كان"وَعَرَّفْتُهُمُ اسْمَكَ وَسَأُعَرِّفُهُمْ، لِيَكُونَ فِيهِمُ الْحُبُّ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي بِهِ، وَأَكُونَ أَنَا فِيهِمْ». (يوحنا 26:17). (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») ويختتم الكاتب طرحه هذا: "عزيزي القارئ، بولس الرسول كان يحتسب نفسه غير مستحق لهذا الحب وهذه الشركة من أجل ما اقترفت يداه، ولكن احتسب أن الله رحمه، لأنه في جهل وفي عدم إيمان صنع كل ما صنع، ثم اختاره الله وانتخبه المسيح كخاطئ أسرف في خطاياه، وسكب في قلبه هذا الحب؛ بل سكب حياته فيه لكي يتجرأ ويدعو كل الخطاة لهذا الحب بعينه وهذه الشركة عينها والحياة مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح! ! ... "فهلاَّ بلَّغت؟"(الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول «حياته، لاهوته، أعماله») في ذات السياق، أرسل لي صديق من العالم الواقعي مقطع مسجل يتناول فيه الأب الأسقف الشهيد الأنبا إبيفانيوس، مصطلح "في المسيح"، أوجزه في سطور: * القديس بولس يورد تعبير "في المسيح" في رسائله نحو 175 مرة، ولو قرأنا رسالة أفسس، أول إصحاح، سنجد أنه تكرر نحو 14 مرة، فواضح أنه ليس كلمة عابرة عنده، فمن أين جاء به؟* كلمة "في المسيح لم يخترعها القديس بولس، من عندياته، بل كات البداية في لقائه بالرب يسوع في طريق دمشق، وقتها غمرته وملكت على شعوره. * السؤال هل قالها أحد غيره؟ أول من قالها هو الرب يسوع نفسه، ففي واحد من حوارات السيد المسيح مع تلاميذه يدور حوار بينه وواحد منهم وهو فيلبس يسجله إنجيل يوحنا إصحاح 14 :"قَالَ لَهُ فِيلُبُّسُ:«يَا سَيِّدُ، أَرِنَا الآبَ وَكَفَانَا». قَالَ لَهُ يَسُوعُ:«أَنَا مَعَكُمْ زَمَانًا هذِهِ مُدَّتُهُ وَلَمْ تَعْرِفْنِي يَا فِيلُبُّسُ! اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ، فَكَيْفَ تَقُولُ أَنْتَ: أَرِنَا الآبَ؟ أَلَسْتَ تُؤْمِنُ أَنِّي أَنَا فِي الآبِ وَالآبَ فِيَّ؟ الْكَلاَمُ الَّذِي أُكَلِّمُكُمْ بِهِ لَسْتُ أَتَكَلَّمُ بِهِ مِنْ نَفْسِي، لكِنَّ الآبَ الْحَالَّ فِيَّ هُوَ يَعْمَلُ الأَعْمَالَ. صَدِّقُونِي أَنِّي فِي الآبِ وَالآبَ فِيَّ" كانت هذه هى البداية ويكمل الرب يسوع "فِي ذلِكَ الْيَوْمِ تَعْلَمُونَ أَنِّي أَنَا فِي أَبِي، وَأَنْتُمْ فِيَّ، وَأَنَا فِيكُمْ"،تعليم إننا في المسيح أو أن السيد المسيح فينا، هو تعليم قال به السيد المسيح نفسه، وقد بدأه من أعلى نقطة؛ أنه ـ أي المسيح ـ في الآب والآب فيه، وأنتم في المسيح، وحيث يحل المسيح يحل الآب أيضًا فأصبحت الوحدة ليست مجرد وحدة مع الرب يسوع بل هي وحدة مع الثالوثالأقدس. * وفي صلاة الرب يسوع الوداعية في بستان جثسيماني التي سجلها القديس يوحنا في إنجيله (إصحاح 17)"أَنَا فِيهِمْ وَأَنْتَ فِيَّ لِيَكُونُوا مُكَمَّلِينَ إِلَى وَاحِدٍ، وَلِيَعْلَمَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي، وَأَحْبَبْتَهُمْ كَمَا أَحْبَبْتَنِي"ويختتم صلاته"وَعَرَّفْتُهُمُ اسْمَكَ وَسَأُعَرِّفُهُمْ، لِيَكُونَ فِيهِمُ الْحُبُّ الَّذِي أَحْبَبْتَنِي بِهِ، وَأَكُونَ أَنَا فِيهِمْ". * وقد كرر التلاميذ هذه العقيدة عن السيد المسح، فيقول القديس يوحنا في رسالته الأولى"مَنِ اعْتَرَفَ أَنَّ يَسُوعَ هُوَ ابْنُ اللهِ، فَاللهُ يَثْبُتُ فِيهِ وَهُوَ فِي اللهِ. وَنَحْنُ قَدْ عَرَفْنَا وَصَدَّقْنَا الْمَحَبَّةَ الَّتِي ِللهِ فِينَا. اَللهُ مَحَبَّةٌ، وَمَنْ يَثْبُتْ فِي الْمَحَبَّةِ، يَثْبُتْ فِي اللهِ وَاللهُ فِيهِ". نقطة أساسية في المسيحية؛ نحن لا نعبد إله في السماء بعيد عنا، بل نعبد إله "فينا"، إله تواضع ونزل قدم لنا نفسه على المذبح، "فخدناه جوانَا"، اتحدنا فيه في المعمودية وأعطانا نفسه نأكله، صرنا نحن فيه وهو فينا. ويستكمل القديس يوحنا الكلام عن الروح القدس:"وَأَمَّا أَنْتُمْ فَالْمَسْحَةُ الَّتِي أَخَذْتُمُوهَا مِنْهُ ثَابِتَةٌ فِيكُمْ، وَلاَ حَاجَةَ بِكُمْ إِلَى أَنْ يُعَلِّمَكُمْ أَحَدٌ، بَلْ كَمَا تُعَلِّمُكُمْ هذِهِ الْمَسْحَةُ عَيْنُهَا عَنْ كُلِّ شَيْءٍ، وَهِيَ حَق وَلَيْسَتْ كَذِبًا. كَمَا عَلَّمَتْكُمْ تَثْبُتُونَ فِيهِ"* بهذا نكون نحن في الآب والابن والروح القدس، كل هذا أخذه القديس بولس الرسول وهو في الطريق الى دمشق، عندما أحس أن نورًا أحاطه من كل جهة وهو أصبح نقطة داخل هذا النور. (الأنبا إبيفانيوس) انتهى عرض الباب الأول "حياة القديس بولس الأولى ودخوله الإيمان"، لتواصل تباعًا الباب الثاني "صفات القديس بولس ومنهجه العام". --- ### كشري وصاية - Published: ۲۰۲۳-۰٦-۲۲ - Modified: 2023-06-11 - URL: https://tabcm.net/11940/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون منهكاً جائعاً لمحته من بعيد يقف شامخاً، يتحدى الزمن بأدواره الأربعة المكدسة طوال الوقت، سرت نحو قصر أبو طارق للكشري ومشتقاته مغمض العينين، فبالرغم من إنني لست من عشاق الكشري ولا مريديه، لكن لعلمي المسبق إنني إن وصلت المنزل لن أجد طعاماً ساخناً، ولن أقوى على إعداده، هذا إن وصلت أصلاً ولم اسقط صريع الإجهاد والتعب والجوع، لذا فأن أي وجبة تصبح شهية بعد ثمانية عشر ساعة من العمل المتواصل كنائب نساء وتوليد بمستشفى الجلاء للولادة، خصوصاً إن كان سعر الوجبة يتناسب مع الراتب الهزيل الذي تمنحه إيانا وزارة الصحة. لحسن حظي كان المكان شبه خاوي في تلك الساعة المبكرة من النهار، فاخترت طاولة متطرفة بعيداً عن الصداع، لتجنب الدخول في مناقشات سياسة غبية مع أي جار محتمل على أي منضدة مجاورة، وطلبت طبق كشرى حجم وسط، وانتظرت... في تلك اللحظة تحديداً ظهر أمين شرطة بزيه الرسمي و هيئته المعتادة، في الأربعينيات من عمره، أصلع وشاربه منتظم، مبعثراً عرقه في كل مكان، وكرشه يتهدل أمامه كسيدة حامل في شهرها السابع. كان باختصار صورة طبق الأصل من "حاتم"، أمين الشرطة، بطل فيلم "هي فوضى"، وياللدهشة، فقد ترك "حاتم" كل الطاولات الفارغة، وأقترب مني ليجلس معي على نفس الطاولة تحديداً بدون سبب مفهوم، بحركة لا إرادية قبضت على هاتفي الخلوي وحافظة نقودي، وأعدتهم إلى مكانهم الطبيعي داخل جيوبي. لاحظ فعلتي فأبتسم قائلاً "سامو عليكو... محسوبك حازم... أمين شرطة في قسم قصر النيل"، تمتمت في سرى "يا محاسن الصدف". جاهداً حاولت إخفاء تقززي من رائحة عرقه والتي تشبه رائحة كلب ميت قد أنتن في قبره، والتي انتشرت فور جلوسه، في دائرة قطرها 4 أميال.  بادلته التحية، قبل أن يطلب لنفسه بلهجة أمره طاجن مكرونة بالكبدة حجم كبير وطبق أرز بلبن حجم كبير و زجاجة مياه غازية، وجاءت طلباتنا سوياً بعد أقل من دقيقتين. نظرت للنادل نظرة عتاب يعلم معناها جيداً، فبادلني بنظرة انكسار. بفم ممتلئ حتى أخره بالمكرونة والكبدة، تحدث حازم : "أنا معايا رز بلبن لو عايز تحلى بعد الأكل... أحنا أخوات و طبقنا واحد يعنى"، قهرت نفسى كي لا أمسح قذائف المكرونة المختلطة باللعاب، والتي انهمرت على وجهي كرصاص قناصة الداخلية من بين فكيه قائلاً: "شكراً ... أنا كده زي الفل و تمام... أشكرك"، بسماجة متوقعة وإلحاح غريب ولهجة أمرة : "من غير كسوف يا أستاذ... عايزك تحلى مد أيدك"، أجبته وقد بلغ الصبر مداه : "أشكرك مش عايز فعلاً"، أجابني مستدعياً رقة ولطفاً لا يملكهما: "إحنا مش كلنا وحشين على فكرة، فيه ناس مننا معندهاش ضمير ولا رحمة، زينا زي أي شغلانة تاني في الدنيا، منهم لله مبوظين سمعتنا ولاد الوسخة، لكن والله معظمنا ناس زي الفل وولاد ناس وبنتقي ربنا في شغلنا"، أجبته بتودد مصطنع: "طبعاً طبعاً" للوهلة الأولى لم اصدقه بالطبع، خصوصاً في ظل الأزمة التي نشبت بين وزارة الداخلية ونقابة الأطباء بقيادة د. حسن خيرى، أثر اعتداء أميني شرطة على طبيبين زميلين في مستشفى المطرية، وتزويرهما لتقرير طبي يفيد أن الطبيب هو الذي بادر بالاعتداء عليهما، إلا أن قوته في الإقناع، وربما لهجته الآمرة كانت أقوى منى، ففكرت للحظة في قرارة نفسى، أنه ربما يكون على حق، ربما يكون هو أمين الشرطة الوحيد الذي أقابله في حياته و يسعى جاهداً لإظهار اللطف و الود. أنهى الطاجن وطبق الرز باللبن بسرعة بينما لا زلت أنا في منتصف طبقي، ثم تبعهما بزجاجة المياه الغازية دفعة واحدة قبل أن يتجشأ بقوة خمسة عشر ريختر، وحياني بفم لا يزال يلوك بعض الطعام وبفكين علاهم الاصفرار بفعل السجائر، قبل أن يتجه نحو الكاشير ويتمتم معه بكلمات غير مسموعة، ثم يلقى نظرة أخيرة نحوى ويحيني ثانية بصوت عالي وينصرف إلى حال سبيله، نظرت إليه من النافذة بينما كان يهم بركوب موتوسيكله بكل وداعة، واعتراني لوهلة هاجس أن بعض أمناء الشرطة ربما كانوا صالحين، حتى لو لم يكونوا صالحين بالمعنى المفهوم، ولا يزالوا أفظاظ الألسن، لكنهم على الأقل ودودين مع الشعب، أنهيت طبقي واتجهت نحو الكاشير. - حسابك كام يا ريس ؟ - طبق كشرى وسط، و طاجن مكرونة بالكبدة كبير، وطبق رز بلبن كبير، وواحد كولا صاروخ... كله تلاتين يا أستاااذ - لا حضرتك... أنا طبق كشرى وسط بس - بس الأمين قال أن الحساب كله عندك لعنت الكاشير والكشري وأمين الشرطة وعقلي الغبي الذي ظن لحظة أن هؤلاء يمكن أن يخرج منهم أي شخص صالح، ثم أخرجت شخصية البلطجي الذى يحتفظ بها كل أطباء المستشفيات الحكومية لاستخدامها وقت الضرورة من داخلي، حتى أقنعت الكاشير أن الأمين قد نصب عليه هو وحده، وأنى لن أتحمل ولا حساب الأمين ولا غباء الكاشير، خرجت مسرعاً بينما أرتفع ضغطي إلى أقصاه، لمحت صورة متهالكة لاحدهم يرتدى الطربوش، معلقة بإهمال في محل الدراجات الهوائية المقابل لأبو طارق، اقتربت من الصورة فاتضحت معالمها، كانت لطيب الذكر سعد باشا زغلول، وتذكرت كلماته الخالدة "مفيش فايدة"، ثم مضيت في حال سبيلي. --- ### أحادية الخريطة المعرفية - Published: ۲۰۲۳-۰٦-۲۱ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/12099/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: رمسيس الثاني, يوحنا المعمدان «نفرتاري، أنتِ التي من أجلها تُشرق الشمس! » (الملك رمسيس الثاني لزوجته - جدران معبد أبو سمبل) الملك رمسيس الثاني بيتغزّل في زوجته نفرتاري وبيقول لها الجملة دي. ففكرت في الأصوليّين اللي عندنا في مصر ازاي بيقروا التعبيرات الجمالية والبلاغية والشعريّة في العهد القديم. فمثلا إذا جملة زي دي اتقالت في العهد القديم، الأصولي المسيحي المصري هيفهما إزاي؟ ده كتاب مقدّس، وكل ما فيه حقيقة علمية عشان ربنا طبعًا يعرف كل حاجة فطبعًا الشمس أصلًا بتشرق عشان القديسة نفرتاري مرات القديس الملك رمسيس الثاني. وده عشان ربنا يعلمنا أد إيه الحب الزوجي مقدّس. وطبعًا اللي هيقول إنه بيجري ورا العلم إن الشمس مش بتشرق أصلا ولا بتغرب ده الأرض اللي بتلف يبقى شخص بيشكك في الوحي والكتاب المقدس. (مفيش داعي هنا اتكلم عن اللي بيلحدوا عشان اللي بيتقال ده لانه مش مجاله). العهد القديم مليان أساليب بلاغية وشعريّة وأدبيّة رائعة في مجال الأدب حتى لو مش مؤمن إنه موحى بيه. لازم الواحد يفهم الأسلوب الأدبي عشان يفهم الرسالة اللي بيحتويها. . من ضمن الأساليب الأدبيّة طبعًا في أساليب مرتبطة بالثقافة ذي مثلا خلع الحذاء، أو عدد السنين. خلع الحذاء مالوش دعوة بالاحترام، هو ليه دعوة بالملكيّة. يعني لما تدخل أرض غيرك تخلع الحذاء وبالتالي لو أنت اشتريتها منه تلبس الحذاء وهو يخلعه. عشان كده نص الخروج اخلع نعليك، مالهاش دعوة لا باحترام ولا غيره، أي يهودي هيفهم في العصر ده إنه الأرض دي بتاعة الله. نفس تعبير يوحنا المعمدان لما بيقول إنه ميقستحقش يفك رباط حذاء المسيح، الموضوع مش تواضع طبعًا (مكانوش لسه دخلو في روحانيّة الانبطاح دي) يقصد يوحنا إنه ما يقدرش ياخد ما هو ملك للمسيح، ميقدرش يحصل علي ممتلكاته ومكانته وينسبها لنفسه. --- ### إنياجرام الكنيسة الهشة - Published: ۲۰۲۳-۰٦-۲۰ - Modified: 2023-10-13 - URL: https://tabcm.net/12087/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أوريجينوس ليونايدس أدامانتيوس, الأب داود لمعي, العلم الزائف, بابا ثاؤفيلوس, بابا شنودة الثالث, چورچ حبيب بباوي, فيروس كورونا, كنيسة الإسكندرية, مجمع الأساقفة, مجمع خلقيدونية حالة من الجدل زادت وتيرتها حول القمص داود لمعي ومجموعة من العاملين معه بسبب "فنكوش" جديد/ قديم هو "الإنياجرام" والمسمى زورًا "علم" لأنه يصنف "علم زائف" مبني على الخرافة، حيث أدخله القمص لمعي ومجموعته للتعليم في كنيسة مار مرقس شارع كليوباترا بحي مصر الجديدة، وتنظيم "كورسات" فيه. هذه الواقعة توضح أزمة التعليم الضحل التي تعيشها كنيسة الإسكندرية من قبل انفصال خلقيدونية المشؤوم في 451م، حيث يُهاجم الأكاديميين كما حدث مع العلامة أوريجانوس في القرن الثالث الميلادي ومن بعد منه تلاميذه "الإخوة الطوال"، في زمن البابا ثيؤفيلوس في نهاية القرن الرابع، ويتبنى ثيؤفيلوس كلام مجموعة رهبان "المجسمة" المتطرفين والجهلة. اليوم يحدث نفس النهج فبينما يُهاجم الأكاديمي الراحل دكتور جورج حبيب بباوي، يُترك الباب على مصرعيه لمحبي "الحديدة" أي "الميكروفون"، ليتصدوا للتعليم والوعظ لا عن علم ودراسة بل عن "سهوكة" و"نحنحة"، أو "تهديد" و"وعيد"، وترديد الجهل  واستخدام لاهوت تخدير مشاعر البسطاء بمعسول الكلام الذي لا يتطابق مع تعاليم المسيح الذي يريد منهم أن يكونوا أحرارًا، لا عبيدًا مدجنين يرضون بالخضوع والذل بسبب كلام أحد الكهنة كالقمص لمعي. من المفترض أن التعليم المسيحي الذي يقدم للمؤمنين يقربهم من المسيح، وأن يشعروا بإنسانيتهم وقيمتهم في المسيح، ولكن الذي يقدمه القمص داود لمعي عكس ذلك تمامًا، فهو يدجن المؤمنين يريدهم خاضعين خفيضي الرؤوس، يسجدون بسهولة ويقبلون يد الكاهن كما انتشر فيديو قديم له مؤخرًا يقول خلاله هذا الكلام. https://www. youtube. com/watch? app=desktop&v=HPFrWI_sdZY&fbclid=IwAR1FD5vL0rrDOlUwSUgLa8AWc1okLoL0TAKEYzy99w0vGfW0_jpxINbrVzc&ab_channel=FrDaoudLamei نأتي لموضوع "الإنياجرام" وهو خرافة أو "علم زائف"، تعتمد على تقسيم الشخصيات إلى 9 أنماط، وهو مرتبط بديانات أخرى غير المسيحية، لكن القمص لمعي أدعى أنه علم كتابي وله أصول في الكتاب المقدس، وهذا كلام عارٍ تمامًا من الصحة، واتضح من الحملات التي قادها مجموعة من أبناء الكنيسة على مواقع التواصل الاجتماعي أن سبب وجود "الإنياجرام"، هو خادمة وزوجها الكاهن من مجموعة القمص لمعي وأن هذه الكورسات بمثابة "السبوبة" أو الشيء الذي يجدون لأنفسهم به مكانٍ على ساحة الكنيسة. ولأن القمص لمعي لم يجد من يجعله يقف عند حده بل تم نفخ صورته منذ زمن البابا شنودة الثالث، لدرجة أنه يعظ في وجود أساقفة، في كنيسة تعتمد على التراتبية والصوت الواحد وتمنع من هو أصغر أن يتكلم في وجود من هو أكبر من حيث السلطة الكهنوتية، وهذه القاعدة رسخها البابا غير المتعلم ديمتريوس رقم 12 الملقب بـ"الكرام" خلال مطاردته للعلامة أوريجانوس معليًا شأن السلطة الكهنوتية على سلطة المعلمين، فقد أعتقد لمعي أن ما يفعله سيمر مرور الكرام بإدخال خرافة على الكنيسة في ثوب علم وادعاء أن لها أصل في الكتاب المقدس، وأن غير المتعلمين سيخفضون رؤسهم ويقولون خلفه "آمين"، فكانت السوشيال ميديا، هي الوسيلة التي استخدمها الرافضون لهذه الخرافة وفضحها، وفضح مجمع أساقفة كنيستنا المتخاذل. وهنا نأتي لمجموعة الأساقفة "إياها"، الذين يدعون حماية الإيمان وغيرتهم عليه، أين أنتم من هذه الخرافة التي يدعي القمص لمعي أن لها أصل كتابي، لم نسمع "الحديدة" في مغاغة تصدح بأن هذا تعليم خاطئ، وانتظروا "هذا الأسقف" قارئ البيانات في حلقة خاصة لمواجهة هذه الهرطقة، كما يفعل مع كل من يقدم تعليم آبائي، فهل هل يا تُرَى يخاف من القمص لمعي؟ أم أنه يعتبر القمص لمعي من نفس "الشلة" و-اعمل نفسك ميت- لئلا تنقسم مملكتهم على ذاتها وتخرب؟ والسؤال أيضًا لمقرر لجنة نشر الوعي العقيدي المتفرعة من لجنة الإيمان والتعليم ويحكم المنوفية أين أنت يا حامي حمى الإيمان؟ أعود لمجمع الأساقفة، وأتساءل:  ما هو دستور إيمان كنيسة الإسكندرية؟ وما هي تعاليم كنيسة الإسكندرية؟ هل هي مكتوبة وواضحة؟ وهل يوجد نهج بتعاليم الكنيسة يدرسه الكهنة والرهبان وطلاب الإكليريكية معتمد أكاديميًا؟ وإذا كان متواجد هذه المنهج فكيف للقمص لمعي أن يدخل ما يحلو له على الكنيسة من تعاليم غريبة ليست ضمن تعاليمها؟ هل له وضع خاص؟ ومن أعطاه هذا الوضع؟ هل على رأسه ريشة؟ هل معه شهادات أكاديمية في التعليم من أكبر الجامعات الأكاديمية؟ أم أنه مثل بقية كهنة كنيستنا بلا تعليم أكاديمي يعتد به؟ وإذا كان مثلهم فلماذا يتميز عنهم ويأخذ وضع يضعه في خانة كبير المعلمين فيرسل رسائل تهديد ووعيد يتم تداولها على جروبات "واتساب" بين مختلف كهنة وخدام الكنيسة لينادوا بأن "فيروس كورونا" عقاب من الله في بَدْء انتشاره، وحين أصيب به غير كلامه؟ هل توجد رقابة كنسية على الأموال التي يجمعها القمص لمعي وتخضع لتصرفه ويستخدمها في الخدمة؟ هل هي أمواله الخاصة أم أموال الكنيسة؟ ولو هي أموال الكنيسة هل يمكن أن يصدر قرار يطلب منه أن ينتقل لخدمة أخرى ويترك خدمة الكرازة في إفريقيَا لكاهن آخر يكون مسؤولًا عنها أم هي ميراث شخصي يورث لأبنائه؟ هل يوجد في هذه الكنيسة هيكل إداري حقيقي أم هي عزب صغيرة وكل شخص يحكم أو يمتلك عزبة يديرها كما يحلو له؟ في الواقع إن مجمع الأساقفة تحرك بعد ضغط الشباب على وسائل التواصل الاجتماعي، وقرر التحقيق في تدريس "فنكوش الإنياجرام"، والسؤال هنا إذا تم التحقيق مع القمص لمعي وأعوانه سواء الخادمة أو زوجها الكاهن، فهل توجد شفافية لنطلع على نتائج هذا التحقيق؟ أم أن "شبه الاعتذار" الذي قدمه القمص لمعي وأعلن فيه الخضوع ووقف البللبة وتأجيل الكورسات لحين فصل لجنة العقيدة في "فنكوش الإنياجرام" كافٍ لكم؟ الخوف كل الخوف أن يقر مجمع الأساقفة هذا "الفنكوش"، فنعلن بعدها الحداد على كنيسة الإسكندرية التي كانت يومًا ما تقود التعليم في الكنيسة على مستوى العالم.   --- ### ليفنهوك ونشأة العلم الحديث - Published: ۲۰۲۳-۰٦-۱۹ - Modified: 2023-06-19 - URL: https://tabcm.net/12085/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: أوليفر كرومويل, إسحاق نيوتن, الجمعية الملكية, ليفنهوك, يوهانس فيرمير كانت الحياة في أوروبا في منتصف القرن السابع عشر تسير على وتيرة واحدة، ساد فيها، في ذلك الوقت، أقوالٍ تناقلنها لم تكن على مستوى كافٍ لنمو تلك المجتمعات؛ من ضمنها: "إذا وضعت إحدى الخنافس وسط دائرة من بودرة قرن وحيد القرن، فإنه لن يخرج منها! ! ". وفي إنجلترا، لندن، واعتراضًا على كثير من هذه الأقوال نشأت جماعة سمَّوا أنفسهم "المدرسة الخفية"، إذ قالوا: لو سمع بها رئيس البلاد أوليفر كرومويل (1599-1658م)، لكان شنقهم واحدًا فواحدًا! ! كان من بين هذه الجماعة روبرت بويل مؤسس علم الكيمياء الحديثة، واسحق نيوتن مكتشف الجاذبية الأرضية. في إحدى الأيام اجتمعت الجماعة وأحضر أحدهم بودرة وحيد القرن وآخر أحضر إحدى الخنافس في علبة، واجتمعت الدائرة لترى صدق هذه المقولة! وها هو تقريرهم: "عملنا دائرة من بودرة وحيد القرن، وفي وسطها وضعنا إحدى الخنافس، ولكنه سرعان ما هرب! ! " وهكذا كانت النتيجة مخيبة لآمال هؤلاء العلماء الشبان، لذلك قالوا: "لن نقول فيمَا بعد إن أرسطو قال هكذا، أو أحد القدماء كتب لنا ما كتب؛ بل سوف نصدق فقط ملاحظاتنا الدقيقة التي نراها بأعيننا والأوزان الدقيقة على موازيننا، وسنسمع للإجابات التي تعطيها لنا تجاربنا المعملية وليس لأية إجابات أخرى". وهكذا بدأت النبتة الأولى للعلوم الحديثة القائمة على التجارِب المعملية الدقيقة. ليفنهوك وتجاربه القائمة على دقة المشاهدة "انظري يا زوجتي العزيزة"، كانت تلك هي أول نظرة ينظر فيها الإنسان إلى كائنات قد خلقها الله، ولكن لم تكن تُرى بالعين المجردة. أما بالنسبة للرجل الهولندي "هوك"، فقد كانت تلك هوايته التي تميَّز بها عن كل من عاش في عصره في القرن السابع عشر! ! فقد عاش ليفنهوك حوالي عشرون عامًا (من عمر 20 عامًا وحتى وصل 40 سنة) وهو مفتون بهواية صقل العدسات الصغيرة التي تفتح أمامه رؤية الكائنات الدقيقة، وقد كوَّن له معملًا كبيرًا ممتلئًا من عشرات من أجهزة الميكروسكوب التي يرى بها كل ما يصادفه في الحياة، ليفحصه بدقة ويسجِّل ما رآه. لم يكن يترك الخبز الذي غطى العفن سطحه، يتركه دون أن ينظر إلى ذلك العفن تحت جهازه. ولا حتى عين الأبقار، فقد أخذ إحداها وفحصها تحت الميكروسكوب. وكان يمجد الله على حسن خلقته وجمالها. وكان -بفضل عدساته الدقيقة- كان هو أول من لاحظ حركة الدماء في ذيل السمك! ! وهكذا استمر في هوايته حتى وصلت شهرته إلى الجمعية الملكية في لندن. ومن هناك تم استدعاؤه. وفعلًا، في يوم 15 نوفمبر عام 1677م ذهب إلى هناك حاملًا الميكروسكوب. وهناك، وضع الجهاز في مكانه وأمام كل أعضاء الجمعية الملكية في لندن، ثم وضع إحدى العينات تحت الميكروسكوب. هناك، تزاحم كل الأعضاء حول هذا الجهاز لكي ينظروا إلى الكائنات الدقيقة التي لم يروها من قبل. وهكذا صار ليفنهوك زميلًا في الجمعية الملكية في إنجلترا، إذ تم تقديم شهادة الزمالة له في عُبْوَة من الفضة مع درع الجمعية الملكية، معتبرين إياه زميلًا لهم, كنتيجة لأبحاثه واكتشافاته الثمينة. وقد كلَّفت الجمعية أحد أعضائها، وهو دكتور مولينكس، لكي يدرس شخصية ليفنهوك. فعرض مولينكس على ليفنهوك أن يشتري منه أحد الميكروسكوبات، ولكن هوك رفض هذا العرض. "ولكن أدواتك ممتازة! إنها تعطي صورة أوضح ألف مرة مما نجده عندنا في إنجلترا! "  (د. مولينكس) وهكذا رد عليهم ليفنهوك قائلًا: "سوف أخدمكم بقية أيام حياتي"، هكذا كتب لهم وهكذا فعل -فقد كان صادقًا فيمَا يقول- حتى المحادثات التي كانت تدور بينه وبين العلماء الذين كانوا يزورونه؛ ظل يرسلها لهم حتى وفاته في عمر الواحد والتسعين عامًا (سنة 1723م). وقليلًا قليلًا ازداد استعمال هذه الآلة الجديدة لخدمة العلماء، لتكون النتيجة نمو العلوم الحديثة؛ مثل اكتشاف مواد نافعة للإنسان مثل البنسلين وغيره من المواد التي غيرت من مسار حياة الإنسان ورقيها. والآن، كيف قدَّم ليوفنهوك اكتشافاته للجمعية الملكية في لندن؟ كان ليفنهوك قد كتب في مذكراته إنه لا يجيد الرسم، لذلك فقد التجأ إلى أحد الرسامين، وكان موهوبًا بدرجة كبيرة، اسمه "يوهانس فيرمير" (1632-1675م). وكان لدى ليفنهوك مئات من العينات النباتية والحيوانية لم يرها الإنسان من قبل، وتحتاج إلى دراسة دقيقة. لذلك فقد أنشأ مجلة علمية يقدِّم فيها لوحات ورسوم دقيقة عن كل ما رآه تحت عدسة الميكروسكوب. فكانت الرسوم الجديرة بالتقدير، واستمرت هكذا حتى عام 1675م حيث تغيَّر أسلوب ورونق هذه الرسوم، مما جعل أحد العلماء في اليابان يؤكد أن ليفنهوك قد التجأ إلى الرسام العالمي يوهانس فيرمير الذي توفي عام 1675م، مما أثر على أسلوب ورونق هذه الرسوم. فإن كانت هذه الرسوم التوضيحية قد استمرت في تقديم المعلومات العلمية الدقيقة إلا أنها لم تكن بنفس الرونق والتنسيق السابق قبل عام 1675م. وهكذا استمر هذا العالم في تقديم معلوماته التي استقاها من رؤيته الدقيقة، باستعمال هذه الآلة الجديدة التي فتحت عين الإنسان على عالم دقيق من الكائنات التي لم يرها أحد من قبل. --- ### القداس الإلهي (٦) - Published: ۲۰۲۳-۰٦-۱۸ - Modified: 2023-12-10 - URL: https://tabcm.net/12079/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: آدم, برج بابل, بروتستانت, حواء, شجرة الحياة, عصر النهضة, مار مرقس الرسول, مفهوم الخلاص الحضور الإلهي في الجسد دخـول بالأبديـة فوق البُعـد الزمـاني والمكـاني للإنسان. خلق الله الإنسان ووضعه في جنة عدن / فردوس الله ليكون قريبًا منه زمانيًا ومكانيًا، فلم تكن هناك حدود فاصلة من الزمان والمكان تفصـل الإنسـان عـن الله. وعنـدما اغـترب وابتعـد عـن الله ظهرت الحدود الفاصلة -زمنيًا ومكانيًا- النابعة من الخطية داخل الإنسان. وإضافةً إلى البعد الداخلي صار هناك بعدًا جغرافيًا، فتصور الإنسان أنه ممكن أن يختبئ بعيدًا عن الله كما في قصـة اختباء آدم وحواء خلف شجر الجنة، وتكررت محـاولات الاختبـاء عــن الله في العهد القديم. بتغرَّب آدم عن الله أصل الحياة، دخله الموت نتيجة اختياره، وملأه الخوف من سطوة الزمن وعذبه الرعب من انقضاء العمر. وتوالت ردود فعل قلق الإنسان سواء من رغبة محمومة بحب الاقتناء والتخوف من الحسد، والمبالغة في الغضب من الآخرين كخط دفاع ضد الخطر على وجوده، وسادت الكراهيَة والعداوة بين البشر. خلاصة القول إن السقوط أحدث لوثة في تكوين الإنسان، والموت أنشأ شعورًا بالخوف الشديد من انقضاء العمر، وتزايد الشك المريض في خيرية الحياة حوله، وتزعزعت ثقة الإنسان وانحصر في ذاته، بل وكثيرًا ما فقد الثقة في ذاته أيضًا، و أدى الخوف من مصير الموت والعدم إلى رغبة حائرة عند الإنسان ليتيقن من أصل حياته وكيانه ويبحث داخله عن معنى وجوده وغايته. لقد كانت الإنسانية تعتمد بشكل كبير على الفلسفة اليونانية التي تؤمن بوجود للحياة الفكرية والروحية وأن الوجود الروحي أسمى وأعظم وأكثر يقينًا من الحياة المادية أو المنظورة التي هي مجرد ظلال. ثم جاءت الفلسفة الأوربية في عصر النهضة بكل ماهو معارض للفلسفة اليونانية فاهتز العقل البشري واختلَّت مقاييسه منذ القرن الخامس عشر، ووصل إلى ذروته بعد ذلك لاسيما بظهور العلوم التجريبية وميلاد الفلسفة الحديثة، فالمدرسة اليونانية تعد الوصول إلى الحق أو إلى الله هو غاية الإنسان العظمى، في حين المدرسة الأوربية الحديثة هدفها اكتشاف الإنسان والكون والمادة. ولكن تجلَّت محبة الله ومراحمه بافتقاد الإنسان في حيرته ومحنته بخلاص المسيح، فمَا يميز المسيحية هو دخـول الأبديـة في مجـال الـزمن. فالمسيح الإله خالق كل الأشياء وخالق الـدهور والأزمنـة صـار إنسانًا، فبالتجسـد الإلهي تلاشى الحاجز الزمني والمكاني لأن الله هــو الــذي جــاء إلينــا في مــلء الزمــان (والمكان). حـلَّ الله في الزمـان عنـدما تجسـد الابن وعنـدما حـلَّ الروح القدس في العنصرة حيث امتلأ الجميـع مـن الله وصـار الله ساكنًا كـلَ إنسـانٍ في كل زمان ومكان يؤمن بالمسيح، فلم يعد الزمن في مفهوم المسيحية والإنجيل وخبرة الإنسان المسيحي هو الزمن بالمعـنى السـائد من تعاقب السـنوات والأيام والسـاعات. قال المســــيح في بَدْء كرازته: ”وَبَعْدَمَا أُسْلِمَ يُوحَنَّا جَاءَ يَسُوعُ إِلَى الْجَلِيلِ يَكْرِزُ بِبِشَارَةِ مَلَكُوتِ اللهِ وَيَقُولُ: «قَدْ كَمَلَ الزَّمَانُ وَاقْتَرَبَ مَلَكُوتُ اللهِ، فَتُوبُوا وَآمِنُوا بِالإِنْجِيلِ»“(إنجيل مرقس 1: 14، 15) عقـَّبَ القـديس بولس على هـذه النقطـة: ”فَلاَ يَحْكُمْ عَلَيْكُمْ أَحَدٌ فِي أَكْل أَوْ شُرْبٍ، أَوْ مِنْ جِهَةِ عِيدٍ أَوْ هِلاَل أَوْ سَبْتٍ،الَّتِي هِيَ ظِلُّ الأُمُورِ الْعَتِيدَةِ، وَأَمَّا الْجَسَدُ فَلِلْمَسِيحِ“(رسالة بولس إلى كولوسي 2: 16، 17) هنـا يعلـن القـديس بـولس إلغـاء العيـد والهـلال والسـبت والأكـل والشـرب، أي إلغـاء الـزمن من جهة علاقة الله بنا في العهد الجديد، ومِن جهة المكان أيضًا قال المسيح للسامرية:”لا في أورشليم ولا في هذا الجبل يسجدون للآب“. ويقـــول ق. بولس الرســـول : "فَلاَ تَخْجَلْ بِشَهَادَةِ رَبِّنَا، وَلاَ بِي أَنَا أَسِيرَهُ، بَلِ اشْتَرِكْ فِي احْتِمَالِ الْمَشَقَّاتِ لأَجْلِ الإِنْجِيلِ بِحَسَبِ قُوَّةِ اللهِ، الَّذِي خَلَّصَنَا وَدَعَانَا دَعْوَةً مُقَدَّسَةً، لاَ بِمُقْتَضَى أَعْمَالِنَا، بَلْ بِمُقْتَضَى الْقَصْدِ وَالنِّعْمَةِ الَّتِي أُعْطِيَتْ لَنَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ قَبْلَ الأَزْمِنَةِ الأَزَلِيَّةِ“(رسالة بولس الثانية إلى تيموثاوس 1: 8، 9) فالنعمة قد أُعطيت لنا قبــل الأزمنـة الأزليــة، وقَبــل أن يتكـوَّن الــزمن المخلـوق، وقبــل أن ُتخلَــق الأرض، إذن، كل ما يحدث في الزمـان الحاضـر، لـيس إلا دخولًا أبديًا لله في التـاريخ والزمان والمكان لأن النعمة قد أُعطيت بالفعل قبل الزمن، ومـا الزمن المخلوق والأوقــات والأيام إلا مجال دعــوة الإنســان إلى مــا هــو قبــل الزمــان؛ لأن الإنســان عائــدٌ إلى الأبــد الذي أتى منه، فهناك وعدٌ بأن نعود إلى الأزل، وهناك أيضًا موعد لأن الزمان سينقضي. فلقد تلاشي البعـد الزمـاني من حساب الإنسان المسيحي لأن الله أتى إلينا في ابنه يسوع المسيح، وحسب تعبير الرسول بولس جاء إلينا”في ملء الزمان“(غلاطية 4: 4). لقــد جــاء الابــن وتجســد، وهــذا يعــني أنــه وصــل بالزمــان إلى غايتــه، أي خــلاص الإنســـان، أما عن تلاشِي البعـد المكـاني فهو يظهر أيضًا في تعبــيرات العهـــدالجديــد نفســه مثـــل:”حلــول مــلء اللاهـــوت جسديًا“(كو 1: 19)، وأن الابن المتجسد هو”ملء الذي يملأ الكل“(أف 1: 23)، و”أننا أخذنا منه نعمـةً عوضـاً عـن نعمـٍة؛ لأنـه هـو مـلء النعمـة“(يـو 1: 14- 18). وفي العهد القديم ظهر الله في أمـاكن كثـيرة مـنذ تجليـه عنـد بلوطــات ممــرا وعلـــى جبــل ســيناء وفي الهيكـــل، وكانــت هــذه الظهـــورات هي بمثابــة دخـــول الله للمكان. كـــل هـــذه الظهـــورات كانـــت تؤكـــد أن الله ســـوف يأتي إلى الإنســـان حيـــث هـــو. إن ظهور الله في الجسد في المسيح يسوع ربنا واستخدام الوحي لتعبيرات ملء الزمان وملء المكان يرفع من الإنسان أي وهم بعدم حضور الله ويؤكد للإنسان أنه لا توجد حدود فاصلة نابعة من الخطية بعد أن هدمها المسيح أمام توبة الإنسان. فالمســيح بكــل وضــوح هــو الحضــور الإلهــي في الجســد، أنــه نــزل مــن الســماء، وجاء في الجسـد. فهـذه الأفعـال تؤكـد لنـا نحـن البعيـدين عـن الله، أن المصـالحة قـد تمَّـت، وأن الحواجز التي كانت تفصلنا عن الله قد رُفِعت بسبب مجيء الابن وتجسده. إذن، البُعد Dimension الزماني والمكاني وَهْـــم، يســـقط تمامًا عنــدما تمتلـــئ الـــنفس مـــن الحضـــور الإلهي. ولقد حرص رب المجد أن يكون حضوره الإلهي فوق البعد الزماني والمكاني للإنسان حقيقة دهرية ماثلة أمام الإنسان وفي كيانه، فقال له المجد”ها أنا معكم كل الأيام وإلي أنقضاء الدهر“ثم صحب قوله بفعله عندما أسَّس سر الإفخارستيا بيديه الطاهرتين ليلة الخميس الكبير وقبل صلبه يوم الجمعة العظيمة. فقدم الرب جسده ودمه من وراء الزمن وفوق الزمن وبعد الزمن تأكيدًا لاختراق الحياة الأبدية للزمان والمكان. فقول الرب”هذا أصنعوه لذكري“إنما جَمَعَ الأزل والأبد في كفه وهو القدير، وقدَّمه للإنسان ليحياه كل يوم. فالرب هو”شجرة الحياة التي في وسط فردوس الله“. إن شجرة الحياة في سفر التكوين منذ البَدْء كانت هي غاية الخلق نفسه لكي يأكل منها آدم و”يحيا إلى الأبد“، وعندما تحقق هذا على يدي يسوع المسيح ”آدم الثاني“، خَتْم الوحي المقدس بما بدأ به في سفر التكوين وسطَّر قولته الخالدة في أخر سفر الرؤيا”مَن يغلب فسأعطيه أن يأكل من شجرة الحياة التي في وسط فردوس الله“. وأوضح الرب جليًا أن سر الإفخارستيا -أي اتحاد الإنسان ببشرية المسيح الله الظاهر في الجسد- هو السر المكتوم منذ الدهور الذي يدخل بالإنسان إلى الأبد”أشربه معكم جديدًا في ملكوت أبي“. بل ومنذ الآن في الزمان الحاضر هو سبق فِعلي لارتفاع الإنسان فوق السطوة الزائفة لحدود الزمان والمكان التي فرضها السقوط لأن الإفخارستيا هي سر كينونة الإنسان في بشرية الله الذي ظهر في الجسد. ”مَن يأكلني يكون فيَّ وأنا أكون فيه... من يأكلني يحيا بي... من يأكلني يحيا إلى الأبد“. فعلاقتنا بالمسيح هي علاقة سرّية، تُفهَم في إطار اللاهوت، ولا يمكن أن تُفسَّر بشكل فلسفي، والخلاص المسيحي هو الاشتراك في حياة الله أي الرجوع بالإنسان إلى أصل نشأته ووجوده الذي يستمد حركاته وحياته من الله. فالمســيحية ليســت ديانــة قائمــة علــى نصــوص أو تفاســير بــل علــى علاقــة أبدية بالرغم من أنها في الزمن والمكان، أي أرضية سماوية بين الله والإنسان. والمسيحية لا تقف عند حد معـين أو تاريـخ معـين فتعتـبره أنه عصرها الذهبي، فكل عصورها ذهبية بالمسيح في قلوب المؤمنين. ولكن من جانب آخر نقول إن الأسرار الكنسية لا تتمشي مع انحصار الإنسان في ذاته أصل ومنشأ له منذ السقوط، وقد كانت قصة برج بابل تعبيرًا عن ذلك في العهد القديم. فالأسرار ارتقاء فوق الحواس مثلما أيضًا الإيمان بالله ووجود النفس وخلود الروح والحياة بعد الموت. هذه كلها أمور لا تُرى ولا يمكن إخضاعها لعلم المختبرات والمعامل. ومن هنا نشأت معضلة الإنسان في أنه لا يرضي بالسر ”Mystry”، أي بالأمـور الإلهيـة الخفيـَّة الـــتي لا تُــدرَك بالحـــواس ولكنها تُــدرَك بخبرة اكتشاف الحيـاة مـع الله من خلال الإعــــلان الإلهــــي في الحياة الباطنية مع الله في الصلوات والأسرار الكنسية وكلمات الوحي المقدس في كلمة الإنجيل. ولقد واكبت حركة الإصلاح البروتستانتي في القرن السادس عشر، ميلاد الفلسفة الأوربية وتأثرت بما ساد أوروبا من أفكار واتجاهات إنسانية واجتماعية وفلسفية. فجاءت حركة الإصلاح ثمرة لحركة النهضة الأوربية، وأصبح اللاهوت البروتستانتي عقلانيًا شديد الولاء للمنهج التجريبي وللفلسفة الحديثة التي أثّرت في صياغة العديد من النظريات اللاهوتية الغربية بعد القرن الخامس عشر. ولكن بعد حوالي أربعة قرون من الحوار العنيف تارَة والعلمي تارَة أخرى اكتشف البروتستانت هذه الحقيقة (راجع كتاب العالم البروتستانتي إميل برونر بعنوان الوسيط ” The Mediator “). فلم يعد هناك جدل فيمَا بعد حول حقيقة حضور المسيح في سر الإفخارستيا وإنما الجدل الآن حول تفسير هذا الحضور. والسُبح لله بقلم د. رءوف إدوارد  مع الاستعانة بكتابات للعلامة د. جورج حبيب بباوي --- ### أخلاق العبيد - Published: ۲۰۲۳-۰٦-۱۷ - Modified: 2023-06-17 - URL: https://tabcm.net/12019/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: أخلاق العبيد كتبت صديقتي على حائطها بالفيسبوك، تعليقًا على الرغبة المحمومة في غلق المواقع الإباحية، ما يلي: الإجبار على الفضيلة، لا يصنع إلا مجتمعًا من المنافقيـن! ! ضغطت لايك. . ثم كتبت على حائطي: من لا يقدر قيمه الحرية والوازع الذاتي، لا يستحق سوى حياة العبيد. . فالعبودية كانت القرار الوحيد الذي اتخذه، وبعبوديته، أنهى كل اختيار كان أمامه! بعدها، صارت أفكاري أكثر حدّة، فقررت أن أتكلم مفتتحًا زاوية أكثر خطورة من مجرد "مجتمع المنافقين"، أتكلم هنا عن "أخلاق العبيد"، فالأمر ربما يكون أكثر تعقيدًا مع مجتمعات أبوية (باترياركية) تروّج لأخلاق العبيد. أخلاق العبيد: تعني أن يشعر العبد بأن من الأخلاق الكريمة أن ينفّذ إرادة سيده الذي يملكه. أو أن يشعر المرء -وهو ناضج- أن سيّده (أو آباه) أكثر دراية منه بمصلحته وعليه طاعتة كنوع من الأخلاق الحميدة. أخلاق العبيد تعني تنفيذ إرادة السيد، لا إرادتي الذاتية، تعني تنفيذ ما أوصاني به السيّد، لا ما أراه أنا بعد نضجي، تعني ببساطة مقايضة الحرية المسؤولة، بأخلاق السلبية المصحوبة بحالة من السلام النفسي والرضا الداخلي تمامًا. . أنا أطيع لأني ذو أخلاق! وهكذا الأمر مع الفاشية الدينية، فهي تبدأ بتعريف الإنسان على أنه "عبد الله" صراحة دون مواربة... ومن ثمّ فالله (السيّد/ الباترك/ الأب) يمتلك قدرات سحرية ومعجزة في فهم مصالحنا أكثر منا. ما نحن إلا عبيد... شهوانيين... مراهقين... تافهين... تُمحى تماما كلمة "إرادتنا الذاتية" ويتم الاستعاضة عنها بكلمة "أهوائنا الشخصية" للتعبير عن ميلنا الدائم للعقوق والشبق والانحراف الصبياني! الأمر جد أخطر مما تتصورون يا رفاق، فأخلاق العبيد لا تصنع مجتمع منافقين فقط، بل يتضاعف الأثر لشعور مزيّف بسعادة نفسية لأننا نسعى للأخلاق (شعب متدين؟! ) وسيصاحب القيد حالة من السلام والرضا نتيجة مازوخية مريضة ورغبة في تعذيب الذات الآبقة الشبقة النهمة، عن طريق فرض مزيد من القيود عليها! الكبت المصاحب لقمع إرادتك سيجعلك تفكّر أكثر فيمَا تم حظره... تفكّر فيه دون قدرة على فعله... ثم تلوم نفسك على التفكير! يأتيك الصوت من داخلك ليشعرك بكل ذنوب الدنيا لأنك ارتكبت أفكارًا عن الحرام... ! إنها النفس الأمّارة بالسوء، ذات الأهواء، تلك الشبقة النهمة! لا بد من معاقبتها... معاقبتها بفرض مزيد من القيود عليها... أنا أجاهد نفسي إذن ولن أسمح لها بغوايتي... أنا جدع! الدخول في هذا الأمر أشبه بدخول في دائرة من التبادل بين تعذيب الذات، والرضا كلما زاد هذا التعذيب... الأمر جدٌ خطير. --- ### أسطورة سليمان خاطر - Published: ۲۰۲۳-۰٦-۱۵ - Modified: 2023-06-25 - URL: https://tabcm.net/12040/ - تصنيفات: شئون علمانية - وسوم: الطب النفسي, سليمان خاطر, صلاح أبو إسماعيل, عبد الحليم أبو غزالة «في حوالي الساعة العاشرة من صباح الثلاثاء 7 يناير 1986، وأثناء المرور اليومي للحراس على الرقيب المسجون «سليمان محمد عبد الرحمن خاطر»، المحكوم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة 25 عامًا في القضية رقم 143 /85 جنايات عسكرية، السويس، والمحبوس بمستشفى السجن الحربي للعلاج، وجدوا الرقيب معلقًا من رقبته بمشمع الفراش الخاص به، بالقضبان الحديدية بشباك غرفته بالمستشفى. وبالكشف عليه وُجد أنه قد فارق الحياة» (نص بيان السجن الحربي عن انتحار المجند "سليمان خاطر") في الثالث من أكتوبر / تشرين الأول 1985، وصل فوج سياحي من خمس عائلات إلى منتجع «رأس برقة» الجبلي، (يطلق عليه البعض "رأس البركة" والبعض الآخر ينطقها "رأس برجة") بمدينة «نويبع»، بمحافظة جنوب سيناء، والذي يبعد نحو 30 كم من خط الحدود الدولي بين مصر وإسرائيل، والذي أشتُهر بصفته منتجعًا سياحيًا جبليًا مميزًا، يقصده السائحون للتخييم بهدف الاسترخاء والاستجمام وممارسة التسلق، ولا سيما للإسرائيليين الذين استفادوا من سماح مصر للسياح الإسرائيليين بدخول جنوب سيناء، دون تأشيرات مسبقة. هذه المنطقة منذ عام 1986 هي قرية سياحية تحت اسم: قرية بساطة Basata Eco-Lodge. في الساعة الثانية من ظهر السبت 5 أكتوبر 1985، تولى المجند «سليمان خاطر» نوبة حراسته في كشك عسكري للأمن المركزي بالنقطة المكلف بها مع رفاقه، وفي الرابعة والنصف من عصر نفس اليوم بدأ بعض أعضاء الفوج السياحي تسلق قمة الهضبة التي تطل على المخيم، مرتدين ملابس البحر. في الخامسة تقريبًا، وعند غروب الشمس أطلق المجند «سليمان خاطر» 49 طلقة دفعة واحدة من سلاحه الآلي؛ ليردي 7 منهم قتلى، رجل مسن وامرأتين و 4 أطفال، وهم القاضي «هامان شيلاك» (نحو 60 عامًا)، وزوجته «إيلينا»، وابنتهما «تزليل» (10 أعوام)، و«أنيتا جريفل» أستاذة الاجتماع بالجامعة العبرية بالقدس، و«ديانا باري» (10 سنوات)، و«عوفري توريل» (13 سنة)، و«أمير باوم» (10 سنوات)، ويصيب آخرين بإصابات. الصورة توضح الطفلة الناجية الوحيدة بعد أن أحاطتها أمها «أنيتا جريفل» بجسدها لحمايتها، وماتت عنها. «كنت على نقطة مرتفعة من الأرض وأنا ماسك الخدمة ومعايا السلاح... شفت مجموعة من الأجانب ستات وعيال، وتقريبًا راجل، وكانوا طالعين لابسين مايوهات، منها بكيني، ومنها عري، فقلت لهم: ستوب، نو باسينج Stop; No Passing ماوقفوش خالص وعدوا الكشك، وأنا راجل واقف في خدمتي وأؤدي واجبي، وفيه أجهزة ومعدات ما يصحش حد يشوفها، والجبل من أصله ممنوع أي حد يطلع عليه، سواء مصري أو أجنبي، وأنا إيدي كانت محملة على التتك» «فإيدي لما جت على التتك طلع عدد من الطلقات ما أعرفوش، ولقيت ناس بتجري، منهم واحد وقع... جريوا أمام الطلقات، وأنا ساعتها ما درتش بنفسي، وما عرفتش باعمل إيه، ضربت النار تاني، والا ضربت عليهم تاني... وقفت عامل زي المجنون، ومش داري بنفسي، وبقيت مرة أضحك ومرة أعيط» (عن التحقيقات مع المجند "سليمان خاطر") أثار صوت طلقات الرصاص انتباه رفاقه، فخرجوا مسرعين من كشك الحراسة محاولين منعه، وطبقًا للتحقيقات فإن سليمان لم ينح سلاحه، ويُقال إنه قد قتل أحد زملائه حين حاول منعه من الاستمرار في إطلاق الرصاص، ويُقال أيضًا إن بيان الحادث الأول ذكر تلك الواقعة، ثم أغُفل الحديث عنها لاحقًا عمدًا حيث لم تُذكر في تحقيقات النيابة العسكرية. المؤكد أن «خاطر» حاول الانتحار بإطلاق النار على نفسه: «حط ماسورة البندقية على صدره، وأنا قلت له: مانتش حاتموت نفسك يا سليمان، لو حتموت نفسك يبقى حرام» (عن التحقيقات مع المجند الشاهد "علي إبراهيم") «أنا حطيت السلاح في صدري، وعايز أضرب نفسي. . وزميلي "علي إبراهيم" شهد بذلك... وأنا عمري ما تخيلت أني ممكن أفكر أن أضرب نفسي بالنار... وأنا كنت هاضرب نفسي بالنار، ولكن "علي" قال ليّ: مش حتضرب نفسك بالنار يا سليمان... لو أنت ضربت نفسك أنا حضرب نفسي بعدك» (عن التحقيقات مع المجند "سليمان خاطر") تم إيداع «خاطر» في السجن الحربي، وصدر قرار جمهوري بتحويله إلى المحاكمة العسكرية؛ بصفته مجندًا في الجيش المصري، وقادت صحف المعارضة حملة من أجل تحويله إلى محكمة الجنايات، بدلًا من المحكمة العسكرية، وأقيمت مؤتمرات وندوات وقدمت بيانات والتماسات إلى رئيس الجمهورية، ولم يتم الاستجابة لها. كذلك طعن محاميه «صلاح أبو إسماعيل» في القرار الجمهوري، وتم رفض الطعن. في التحقيق سأل المحقق عن السبب الذي جعله يطلق النيران على النساء والأطفال، فأنكر قائلًا: «أنا لم أقتل أطفالًا، ولم أر أطفالًا... كانت الشمس قد غابت، وكان الظلام قد حل، ورأيتهم يصعدون التل حزمة واحدة... لقد كان أصغرهم يقاربني طولًا... هذا ما رأيته» (عن التحقيقات مع المجند "سليمان خاطر") ناقضت إجابته تلك، إجابة سؤال سابق بعلمه بوجود "رجل واحد"، فعاد المحقق وسأله إن كان قد بدر عن هؤلاء الأجانب أي عمل عدائي يجعله يطلق النار عليهم؟ وهل كان يعلم جنسياتهم من أية عبارة قالوها؟ فأجاب خاطر: «لا أعلم جنسياتهم، وما حدش منهم أظهر عمل عدائي، بس أنا باعتبر أي واحد يخش على النقطة يبقى عمل عدائي» (عن التحقيقات مع المجند "سليمان خاطر") أحد زملاء «خاطر» قال إن الأجانب عندما مروا عليهم قالوا «شالوم»، ("سلام" بالعبرية) مما يؤكد أن «خاطر» قد فهم أنهم إسرائيليون، كما نسي «خاطر» أيضًا أنه صرخ في هيستيريا بعدما اقترف جريمته قائلًا: “اقفلوا الطريق أحسن سيارة تبلغ إسرائيل، وإسرائيل تهجم علينا» (عن التحقيقات مع المجند "سليمان خاطر") استغل المعارضون لاتفاقية «السلام» وبالأخص الإسلاميون منهم، حادثة راس برقة لصنع أسطورة إعلامية من «سليمان خاطر»، فلقبوه ببطل سيناء وقاهر الإسرائيليين، واعتبره الكثيرون بطلًا ورمزًا لمقاومة التطبيع، وتعاطفت معه قطاعات واسعة من الشعب المصري، وكتب فيه البعض شعرًا. لم يخل دفاع «خاطر» والمتعاطفين معه من إلقاء اللوم على الضحايا، واتهامهم بالتعري وما شابه، وكأن ارتداء ملابس البحر على الشواطئ: جريمة تستوجب القتل، وقد فسر الشيخ «صلاح أبو إسماعيل» محامي المتهم قتل السياح الإسرائيليين لأنهم "صيّع" على حد تعبيره: «إنهم لم يبالوا بتحذيراته بعدم المرور، واستمروا، ثم قابلوا تعنيفه لهم بالبصق على العلم المصري، مع سيل من السباب، فثار الجندي لكرامة وطنه المستباح لفظيًا من هؤلاء الصيّع؛ فكانت المذبحة» (عن تصريحات الشيخ «صلاح أبو إسماعيل») في سؤال موجّه إلى زوج شقيقة «خاطر» في لقاء على قناة الجزيرة القطرية، اعتذر عن إطلاق خاطر للرصاص على المصيّفين العزل معللًا: «لأنه كان يحرس جهازًا خطيرًا، ولن يسمح لليهود باختراق الحدود ورؤية الجهاز»، أما بعض المواقع الإسلامية فقد ذهبت لإلقاء اللوم على الضحايا «لأنهم كانوا يمارسون الفحشاء»، أما «خاطر» نفسه، فقد أصر في التحقيق على التأكيد على تعري الضحايا، قائلًا: «كانوا طالعين لابسين مايوهات منها بكيني ومنها عرى» «دي منطقة ممنوعة وممنوع أي حد يتواجد فيها، وده أمر، وإلا يبقي خلاص، نسيب الحدود فاضية، وكل اللي تورينا جسمها نعديها» (عن التحقيقات مع المجند "سليمان خاطر") وذلك في إشارة منه إلى شائعة في ذلك الوقت، تقول إن فتاة إسرائيلية قد استطاعت أن تتحايل بالعري على أحد الجنود في سيناء، وتحصل منه على تردد أجهزة الإشارة الخاصة بالأمن المركزي هناك بعد أن أدخلها الشاليه المخصص للوحدة. تكررت إشارة «خاطر» في التحقيق إلى أهمية وخطورة «جهاز ما» في نقطة الحراسة،  بالرغم من أن طبيعة نقطة الحراسة التي يحرسها «خاطر» ورفاقه، وتدريبهم، ومستوى تحصيلهم العلمي، ورتبهم العسكرية (أعلاهم «خاطر» برتبة رقيب)، وطبيعة المكان نفسه، لهي أضعف من أن تحتوي جهازًا بهذا القدر من الأهمية، فقد كانت النقطة رقم 46 عبارة عن كشك من الخشب مغطى بالصاج والبطاطين، مساحته 5×8 متر، يحتوي على جهاز إشارة، وتحويلة تليفون تتصل بالنقطة الأصلية، وصندوق سلاح توجد به فقط بندقيتان طراز آلي، صناعة مصرية عيار 7. 62× 9مم، وخزائن ذخيرة وأمتعة شخصية داخل دواليب الجنود، وعددهم خمسة فقط، ونظرًا لأن «خاطر» كان الأرقي تعليمًا بين الخمسة (حاصل على الثانوية العامة ومنتسب لكلية الحقوق)؛ فقد تولى منصب حكمدار النقطة، أي إن نقطة الحراسة التي كان يتولى «خاطر» حراستها لا تحتوي على أي أسرار تستدعي قتل أطفال بسبب اقترابهم منها بالخطأ. بتكليف من النيابة العسكرية، عُرض المجند سليمان خاطر على لجنة من الطب النفسي، وجاءت نتيجة الفحص: «أن سليمان مختل نوعًا ما، والسبب أن الظلام كان يحول مخاوفه إلى أشكال أسطورية خرافية مرعبة تجعله يقفز من الفراش في فزع»، وخلصوا إلى أنه: «كان يخاف من الظلام ليلًا، وأن حادث مدرسة بحر البقر أثر عليه» أكدت شقيقته ذلك في لقاء مع قناة الجزيرة الفضائية، وقالت إن: «سليمان جرى بسرعة لمشاهدة ما حدث، وعاد مذهولًا مما رأى، وظل صامتًا لأسبوع كامل بعد هذه الواقعة، من الصدمة والحزن والذهول» واسترسل التقرير النفسي قائلًا: «إنه عندما رأى بعض الأشخاص يتقدمون نحوه شعر بالخوف الشديد، ولاسيما أن هذه أول مرة يقترب منه أشخاص في غير أوقات النهار» أضف إلى ذلك ما وضحته السينما المصرية عن عمليات الشحن النفسي والعاطفي والديني الذي يتم شحن مجندي الأمن المركزي ذوي التعليم المتوسط أو الأميين به، عن الأعداء الذين يتربصون بالوطن وما شابه، مع الضغط النفسي والخوف من العقاب من رؤسائه، ويبدو واضحًا أن أسطورة السائحة الإسرائيلية التي تسللت إلى كشك أحد المجندين، وحصلت على بعض الأسرار العسكرية كانت مسيطرة على عقله كما ذكر في التحقيق، فتملكته حالة من الهستيريا جعلته يرتكب مذبحته تلك. تمت محاكمة «سليمان خاطر» عسكريًا، وفي 28 ديسمبر لعام 1985، صدر الحكم عليه بالأشغال الشاقة لمدة 25 عامًا، وترحيله إلى السجن الحربي بمدينة نصر بالقاهرة، ومنه إلى مستشفى السجن لطلب معالجته من «البلهارسيا» في اليوم التاسع لحبسه، وتحديدًا في 7 يناير 1986، عثر الحراس على «سليمان خاطر» معلقًا من رقبته بمشمع الفراش الخاص به بالقضبان الحديدية بشباك غرفته، ونشرت الصحف خبر انتحاره في ظروف غامضة. في يومي 8، 9 يناير اشتعلت المظاهرات في جامعة الزقازيق وعين شمس والقاهرة، وأحبط الأمن مظاهرة كان من المرتب لها أن تخرج من جامع الأزهر، في 9 يناير صدر تصريح رسمي للدولة على لسان وزير الدفاع المشير «عبد الحليم أبو غزالة» نافيًا تعرّض «سليمان خاطر» للقتل، ومؤكدًا انتحاره. --- ### استحضار العبودية - Published: ۲۰۲۳-۰٦-۱٤ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/12067/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: الأصولية «كل اللي غيّره المسيح بخصوص العهد القديم خلاص اتغير، لكن اللي مجابش سيرته في العهد الجديد يبقى ساري» دي جملة كتير مننا بيسمعها، وطبعًا مش عارف إذا أي حد أصولي من الأصوليين الأمريكان سمع الجملة دي هيكون رد فعله إيه غير إنه هيتصدم من الأصوليين اللي بيفهموا الكتاب المقدّس بكوكتيل عجيب بيخلط الأصولية بالجهل. إيه مشكلة جملة زي دي؟ بتعتبر إن المسيح نفسه عبد للكتاب المقدّس، إنه جاي وكأنه من ضمن الكتبة وعلماء الشريعة بس تيار مضاد وكان المفروض يقضي رسالته في إنه يمسك سفر سفر من العهد القديم ويغيره، وبالمرة يكتب ويعمل تلاميذ ينشروا كتابات في مخطوطات! الجملة دي فيها اتهام لجميع الكنايس بما فيها الكنايس اللي الأشخاص دول بيتبعوها، لأن كل الكنايس مش بتطبق تقريبا ولا حاجة من الحاجات اللي منقدهاش أو غيرها حرفيا أو بالذكر من العهد القديم. الأصوليين المسيحيين الشرقيين انتقائيين، يعني بيختاروا الحاجات خصوصا الحاجات اللي بتشغل فكر الوهابيين زي المرأة والنجاسة والخ. وأخيرًا لوخز الأصوليّة، اطلب من أي حد مسيحي أصولي شرقي بيقول الجملة دي أنه يفتح سفر تثنية الاشتراع أو اللاويين وفرّجه بقى ليه لا هو ولا كنيسته أيا كانت مش بتطبق الحاجات دي على الرغم من إنه حسب رأيه وجملته المسيح مجابش سيرتها؟ فاثبتوا إذا في الحرية التي قد حررنا المسيح بها، ولا ترتبكوا أيضا بنير عبودية. ها أنا بولس أقول لكم: إنه إن اختتنتم لا ينفعكم المسيح شيئا! لكن أشهد أيضا لكل إنسان مختتن أنه ملتزم أن يعمل بكل الناموس. قد تبطلتم عن المسيح أيها الذين تتبررون بالناموس. سقطتم من النعمة. لأنه في المسيح يسوع لا الختان ينفع شيئا ولا الغرلة، بل الإيمان العامل بالمحبة. (غلاطية ٥: ١- ٥) إن المسيح قد حررنا تحريرا، فاثبتوا إذا ولا تدعوا أحدا يعود بكم إلى نير العبودية. ها هو بولس يقول لنا: إذا اختتنتم، فلن يفيدكم المسيح شيئا. وأشهد مرة أخرى لكل مختتن بأنه ملزم أن يعمل بالشريعة جمعاء. لقد انقطعتم عن المسيح، أنتم الذين يلتمسون البر من الشريعة، وسقطتم عن النعمة. فنحن بالروح ننتظر ما نرجوه من البر الآتي من الإيمان. --- ### أزمة الكنيسة في نصف قرن - Published: ۲۰۲۳-۰٦-۱۳ - Modified: 2023-06-13 - URL: https://tabcm.net/12065/ - تصنيفات: إصلاح كنسي مجموعة عوامل ممكن تدمر أي كنيسة في العالم وتفشلها. السعي وراء المال لما يكون هدف الكنيسة الأول والأخير هو جمع المال بأي طريقة والتربح بتوحش ثم الصرف ببذخ على نفسها ورجال دينها ثم تصف نفسها إنها ماتت عن العالم وليس لها مدينة باقية ووطنها سماوي. الانحرافات الجنسية والأخلاقية الأمر غير مقتصر على وقوع الانحرافات السلوكية أو الأخلاقية أو الجنسية، بل عندما يصل الأمر لغض الطرف عن الانحراف والإهمال المتعمد في كشف الجاني ومحاكمته بل والتغطية عليه بحجة حماية صورته ومكانته الدينية والتهوين من الحدث بل ولوم الضحية وعدم ضمان حماية مرتادي الكنيسة مستقبلًا. زواج السلطة بالكنيسة هذا الأمر تاريخيًا قديم وما زال يحدث، وخرب كثيرًا في الكنيسة، وحين تنخرط في معارك سياسية لا تخصها، وترتمي في أحضان الولاة حتى تكسب نفوذ وتنافق الحكام لتحصل على بعض المكاسب المادية أو المعنوية، وحين  تعتقد أن قوتها مستمدة من علاقاتها بالسياسيين وحمايتها بأيدي البشر وتصبح أداة في يد الحكومات وتتغاضى عن قول الحق والوقوف بجانبه بل وتتغاضى عنه. لو أي كنيسة في العالم أخذت في اعتبارها هذه النِّقَاط الثلاث تجنب نفسها شرورٍ كثيرة وتحترم مكانتها وتحافظ على شعبها، وهذا بالنسبة لكل الكنائس بصفة عامة. أما الكنيسة القبطية فالعامل المقبل الذي أشير إليه فيخصها. الميكروفون في رأيي أنه أكبر نكبة على الكنيسة القبطية خلال النصف قرن الماضي، ولو فصلوا الكهرباء عنه تُحل مشاكل حالية ومستقبلية، النكبة بدأت مع بزوغ نجم الكاريزما الأوحد العارف بكل العلوم وظهور موضة تلقي الأسئلة والرد الفوري أمام الميكروفون في الاجتماعات، وساعد على هذا خلو الساحة من أي منافس ولجوء الأقباط للكنيسة في كل كبيرة وصغيرة بسبب عنصرية وتطرف الدولة. وغير خفي أن المواطن القبطي انبهر من أسلوب -الإجابة المقدسة- وهو أن تسأل أي سؤال وتأخذ إجابتك فورًا -وتاخد معاها البركة- وكأنه "من فم الميكروفون تؤخذ الشريعة". دخل الميكروفون والمواطن القبطي في علاقة حميمية، حيث دائب الميكروفون على مداعبة القبطي ودغدغة مشاعره ثم رسم ضحكة على وجهه بنكتة هنا وأخرى هناك، ثم حشو دماغه بالفتوى الشرعية الفورية المباركة التي يرتاح لها قلبه حتى ولو ضد الكتاب والعقل، حتى ولو كانت إجابات ارتجالية أو اجتهادات وآراء شخصية. ثم تحولت العلاقة مع الوقت إلى نوع من أنواع الإدمان المستعصي حيث تهافت القبطي على الحصول على أي فتوى في رغيف وشهادة بإراحة الضمير لتساؤلاته بدون عناء ولا تعب في البحث، ففقد القدرة على التفكير والتمييز. العقد فرط وأصبحت ليس العقيدة التي يتجاوب عليها أمام الميكروفون، لكن وصل التاريخ، والجغرافيا، والعلوم، والفلك، والأحياء، والفيزياء، والشؤون الاجتماعية، والمشاكل الزوجية، والجنسية، والحب، والخطوبة، والاستشارات الطبية، والشعر والأدب، وحتى السياسة وأمور السفر والهجرة، والخلفة وتربية العيال والتخسيس وتنظيم الحدائق وكل شؤون الحياة. وبسبب الميكروفون تحول كل هذا الارتجال لـ(مسلمات إيمانية) تتسجل على كاسيت وتطبع في كتب وتدرس للعيال وتصبح المصدر الرئيس للتعليم في الكنيسة القبطية. في العصر الحالي ظهرت أنواع جديدة من الميكروفونات، وبقى عندنا "يوتيوبات" و"فيسبوكات" و"تيكتوكات" والعملية بقت مولد، وبدل نجم الكاريزما الأوحد في خلال كام سنة بقى هناك مجرة كاملة من نجوم الشباك ومذنبات المناطق الشعبية وكواكب الحكاوي والفتاوى! وأصبح طقس تسليم الميكروفون مثل طقس تسليم الذبيحة. أنا أعرف باحثين وأكاديميين لو سألتهم سؤال وعندهم ذرة شك في أي جزئية سيقول لك انتظر أبحث في مصادري وكتبي وأرجع لك، لكن ما شاء الله رجل الدين الميكروفوني ذهنه حاضر وبيفهمها وهي طايرة، وميقدرش يقول معرفش ولا يسيب الميكروفون ثانية واحدة لحسن يستهوى وياخد برد أو حد تاني يلطشه منه، غريبة يا جدع، تحس الواحد منهم مولود وفي بقه ميكروفون دهب. --- ### العالم مبني على الرحمة - Published: ۲۰۲۳-۰٦-۱۲ - Modified: 2023-06-12 - URL: https://tabcm.net/12061/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون - وسوم: آدم, الشرق الأوسط من يدرس كلمة الله في الكتاب المقدس، فإنه يجد إن جذور الصلاح في هذا الكتاب مبنية على الرحمة، الرحمة للقريب والغريب، بدون مفاضلة بينهما؛ ولكن بمعرفة إن الله يشاء هذا لكل البشر الذين خلقهم لصُنع الخير، ليكون لهم حياة أفضل. فمن حالفه الحظ ووجد نفسه يعيش في سلام وهدوء، فليمُد يد العون لمن هم أقل حظًا، وحالهم تتدهور من سيء إلى أسوأ. في بلاد الشرق الأوسط كانت "بركة" تعيش بين سكان الحي الشعبي المتواضع، ولها معرفة بعدد كبير من سكانه. فتزورهم بين الحين والآخر لتعرف أخبارهم بهدوء، دون إزعاجهم. تقول "بركة": حين تزوجت منذ زمنٍ، قالت لي أمي، رحمها الله: اسمعي يا ابنتي، أنتِ القائمة ببناء هذا البيت؛ فعليكِ أن تهتمي بجيرانك. فإذا سمعتي بأن امرأة مريضة، فعليكِ بعمل الآتي: خذي حلة من الدقيق، ثم ضعي فيها بعض المال، ثم أحضري فرخة جاهزة للأكل؛ ثم اذهبي إلى بيت تلك المريضة، واقرعي الباب ثم اتركي كل هذا على الباب وارجعي إلى بيتك! هذا ما تعلمناه، وهو أن نفعل أعمال الرحمة في الخفاء، بدون أن يرانا أحد! فلا يعرف أحد من أحضر هذه الأشياء! هكذا نفعل. وقد قال الله لنا: "اجعل هناك ثقب إبرة وأنا سأجعله يكفي لمرور مركبة"، أي إن عمل رحمة واحد سوف يقود إلى آخر، مثلما تقود خطية واحدة إلى أخرى! فالله يأمرنا بأن نعمل أعمال الرحمة في كل وقت، بقدر استطاعتنا، وهو سوف يكمِّل... كان الحي الشعبي ممتدًا حول المدينة التي كانت تعيش فيها "بركة". ساهمت بركة في رعاية 30 حالة من الشيوخ الذين فقدوا أقربائهم ولم يبقَ معهم أحد يهتم بهم. ثم امتدت الدائرة لتشمل العائلات التي تشابه هؤلاء الشيوخ. ولمدة 30 عامًا ومع تقدم العمر بالنسبة لبركة، أصبح عدد العائلات 1400 عائلة في المدينة، وهو ما مجموعه أربعة آلاف إنسان. إحدى الأمهات تصف ما تفعله "بركة" فتقول: إنها امرأة بسيطة ولها قلب كبير. تعرف الطريق إلى مساعدة كل إنسان محتاج. وقالت أخرى: إنها امرأة مميزة جدًا. إنها تعطي جزءًا كبيرًا من نفسها للآخرين! فإذا كان إنسان في ورطة، فليذهب إليها وهي تساعده. تقول بركة: إننا نعرف مقدار احتياج الناس للملابس، لذلك فإننا نوزع عليهم بالدور كل أسبوع مرتين لكي نكفي الجميع. وبالإضافة، فقد ساعدت "بركة" آخرون بتنظيم قوافل لمساعدة البعيدون عن مدينتهم لإمداد الأطفال بما يحتاجون من أشياء تساعدهم أن يعيشوا حياة آدمية، على قدر المستطاع! تقول بركة: ونشكر الله أن كل هذا هو من إرادة الله، فإني لم أفعل شيئًا من نفسي بل الله هو من أرشدني إلى كل هذا. وتضيف: ماذا تظن؟ لماذا أعطى الله لأبرام هذه الخيرات التي كانت عنده، وسماه "خليلي"، أي صديقي (إبراهيم الخليل)؟ فتجيب على هذا السؤال قائلة: لأن أبرام أحب الرحمة وصُنع الخير. فنحن نكمل ما بدأه أبرام وسارة. فقد صنعوا أعمال رحمة ومحبة، لذلك نكمِل نحن أيضًا تلك الأعمال ذاتها من الرحمة والمحبة. تحكي بركة عن تجرِبة شخصية وتقول: كانت الساعة حوالي الحادية عشرة صباحًا، وقد سمعت امرأة تصيح: إنني جائعة! أعطوني لآكل. فذهبتُ إليها في مسكنها، فوجدتها تسير بحذاء واحد في أحد قدميها وتدور حول المائدة. حينما سألتها ماذا حدث؟ فقالت لي: قليل من الطعام؟ قليل من الطعام! فعدت إلى منزلي وأعددت وجبة ساخنة وعدت إليها أعطيها هذه الوجبة! فأخذتها وبدأت تأكل، ثم سألتني: من أرسلكِ؟ فأجبتها: الرب الإله القدير! فبكت، وقامت وأمسكت يدي وقبَّلتها بشدة. وعشت معها أربع سنوات، كنت أعطيها ثلاث وجبات كل يوم، وأقوم بحميمها كل أربعاء وأغسل لها ملابسها! (وهنا بكت بركة من فرط تأثرها بحالة تلك السيدة، وذرفت دموع يختلط فيها الفرح والشفقة! ) وحتى بعد وفاتها، راعيتها رعاية كاملة: فأديت بكل ما احتاجت حتى إلى مثواها الأخير. إنها صديقة حياتي! ! إنها عزيزة عندي جدًا. هل تسألني لماذا فعلت ذلك؟ أقول لك: بعد اليوم الأول مع تلك السيدة، أحسست أنني فعلت شيئًا مهمًا! لقد صليت إلى الله وقلت له: اسمح لي أن أقوم بهذا العمل، وهكذا سمح بإتمام هذا العمل على أكمل وجه! إني أقوم بهذا العمل التطوعي لأكثر من أربعين سنة! وأتمنى أن أكمل هذا العمل. هذه هي الرحمة الحقيقية! نعم! ولأعمال الرحمة بقية! --- ### القداس الإلهي (٥) - Published: ۲۰۲۳-۰٦-۱۱ - Modified: 2023-12-10 - URL: https://tabcm.net/11999/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: آدم, برج بابل, بروتستانت, چورچ حبيب بباوي, سقوط آدم, عصر النهضة, مفهوم الخلاص "قبلوا بعضكم بعضًا بقبلة مقدسة". (صلاة الصلح، القداس الإلهي) بسقوط آدم في الخطيئة تغرَّب الإنسان عن الله الحياة. فدخل الموت وسكن الإنسان مثل المرض يفتك به ولا يشعر إلا بالألم. لقد زرع الموت في الإنسان ذلك الاهتمام غير العادي بالمخاطر التي تتهدد بقاءه خوفًا من مصير الموت المحتوم. فالإنسان يشعر بالقلق ويندفع في رغبة محمومة إلى حب الاقتناء والخوف من الآخرين والحسد والكراهية والمبالغة في الغضب لأن لسان حاله هو "حياتنا في خطر ينبغي أن ندافع عنها وأن نحرص عليها لأن الإنسان يعيش مرة واحدة، فعليه أن يمتص رحيق عمره حتى الثمالة". لذلك تُدخِلنا "صلاة الصلح" التي في بداية القداس إلى شركة قيامة المسيح من بين الأموات عندما تُرفَع لفافة مثلثة ومعها الصليب من فوق الإبروسفارين الذي يغطي المذبح، إشارة إلى رفع أختام القبر إيذانا بالقيامة التي تطهر قلوبنا من خوف الموت الذي هدمه المسيح وصيَّرنا خليقته الجديدة. عندئذ نستطيع أن نمد يد مصافحة حقيقية "قبلوا بعضكم بعضًا بقبلة مقدسة". فالقيامة هي أساس المصالحة، وشرحنا كيف يعبر الطقس عن القيامة في صلاة الصلح سابقًا. "هذا أصنعوه لذكري"(القداس الإلهي) لقد لوثت الخطية فكر الإنسان، فبدخول الموت في الإنسان سيطر الخوف على حياته وصار الإنسان مولع بتأمين الذات ربما إلى الدرجة التي تتعارض مع خير الآخرين. لقد تسبب الموت في رغبة عارمة عند الإنسان ليعرف أصل حياته وكيانه ويبحث داخله عن معنى وجوده وغايته. من هنا نشأت مأساة الإنسان في أنه لا يقبل ولا يرضي بما هو سر "Mystry”. فالأسرار ولا سيما الأسرار الكنسية، مضادة تمامًا لطبيعة الخطية التي تحرض الإنسان أن يكون هو المصدر المطلق لذاته، وبما يتماشى مع الاعتماد على الذات بمفهوم الذين حاولوا بناء برج بابل ليعلوا إلى سماء الإله. ولقد نشأ وتربى هذا النهج الغريب في قلب الإنسان منذ السقوط. فالأسرار تتعدى فوق مجال الحواس، بالتالي لا تحصرها. كذلك الإيمان بالله ووجود النفس أو خلود الروح أو الحياة بعد الموت. هذه كلها أمور لا تُرى ولا يمكن إثباتها بالحواس. لقد كانت الإنسانية تعتمد بشكل مباشر على الفلسفة اليونانية التي تؤمن بوجود كامل للحياة الفكرية والروحية، بل وأن الوجود الروحي أسمَى وأعظم وأكثر يقينًا. بينما الحياة المادية أو المنظورة مجرد ظلال. ثم جاءت الفلسفة الأوربية في عصر النهضة بكل ماهو معارض للفلسفة اليونانية فاهتز العقل البشري واختلَّت مقاييسه منذ القرن الخامس عشر، ووصل إلى ذروته بعد ذلك لا سيما بظهور العلوم التجريبية وميلاد الفلسفة الحديثة. فالمدرسة اليونانية تعتبر الوصول إلى الحق أو إلى الله هو غاية الإنسان العظمى، بينما المدرسة الأوربية الحديثة هدفها اكتشاف الإنسان والكون والمادة. إن حركة الإصلاح البروتستانتية في القرن السادس عشر واكبت ميلاد الفلسفة الأوربية وتأثرت بما ساد أوروبا من أفكار واتجاهات إنسانية واجتماعية وفلسفية. فجاءت حركة الإصلاح ثمرة لحركة النهضة الأوروبية، وأصبح اللاهوت البروتستانتي عقلانيًا شديد الولاء للمنهج التجريبي وللفلسفة الحديثة التي أثرت في صياغة العديد من النظريات اللاهوتية الغربية بعد القرن الخامس عشر. وبعد حوالي أربعة قرون من الحوار العنيف تارَة والعلمي تارَة أخرى اكتشف البروتستانت هذه الحقيقة (راجع كتاب العالم البروتستانتي أميل برونر بعنوان الوسيط "”The Mediator”). فلم يعد هناك جدل بعد، حول حقيقة حضور المسيح في سر الإفخارستيا وإنما الجدل الآن حول تفسير هذا الحضور. فعلاقتنا بالمسيح هي علاقة سرية، تُفهم في إطار اللاهوت فقط، ولا يمكن أن تُفسََر بشكل فلسفي. فالخلاص هو الاشتراك في حياة الله أي الرجوع بالإنسان إلى أصل نشأته ووجوده الذي يستمد حركاته وحياته من الله، دون تعارض مع حقيقة أن الله بطبيعته الحرة قد أنعم على الإنسان الذي خلقه بالحرية في الإرادة والاختيار. سبحوا الله في معترفيه د. جورج حبيب بباوي. بقلم د. رءوف إدوارد نقلًا بتصرف عن العلاَّمة حبيب المسيح د. جورج حبيب بباوي. --- ### أيديولوجيا متى المسكين - Published: ۲۰۲۳-۰٦-۱۰ - Modified: 2024-06-06 - URL: https://tabcm.net/12024/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, شئون علمانية - وسوم: الأب متى المسكين, العقد الاجتماعي, العلمانية, الكنيسة والدولة, بابا شنودة الثالث, جايوس فلاڤيوس ڤاليريوس أوريلوس قسطنطينوس, چون لوك, خريف الغضب, قديس أوغسطينوس، أسقف هيبو, محمد حسنين هيكل, مدينة الله عندما نفرق بين الأب متى المسكين، والبابا شنودة الثالث، فنحن نفرق بين تيارين مختلفين لا يلتقيان: الأول: يرى أن التربية الروحية الأخلاقية هي الدور الرئيس والوحيد للكنيسة، وأن أي أنشطة أخرى اجتماعية أو سياسية هي خروج على تقاليدها، ويرى أن "رهبنة الكفن" هي طريق الإصلاح الكنسي ﻻ الكهنوت أو العلمانيين، وألا تكون الكنيسة سببا في انعزال العلماني عمليًا أو روحيًا، فالكنيسة لا تعادي نظامًا سياسيًا ولا تمالئه، وهو ما يمثله الأب متى. والثاني: يرى أن الإصلاح يبدأ بالإحياء الاجتماعي والثقافي للجماعة القبطية، وأن العلاقة بين الكنيسة والدولة تتشكل على أرضية الندية والضغط والطلبات والمحاصصة في السلطة، أو بمعنى آخر أن تكون الكنيسة كتلة تصويتية موحّدة كالحزب السياسي، والذي يكون كهنته ممثلين لباقي الجماعة، وقائمين بدور الوسيط بين الدولة والعلماني القبطي، وهو ما يمثله تيار الأنبا شنودة المهيمن على مفصليات الكنيسة الآن. إن كليهما يمثل مدرسة في العمل؛ فالبابا شنودة يرى أن الكنيسة مؤسسة شاملة مكلفة بأن تقدم حلولًا لكل المشاكل، وأجوبة لكل الأسئلة المتصلة بالدين والدنيا، أما متى المسكين فكان له رأيًا آخر؛ وهو أن الدين علاقة بين الله وضميره، وأنه لا ينبغي أن تكون له علاقة بالسياسة. (محمد حسنين هيكل، كتاب: خريف الغضب)   الخطاة... أولًا... إذا اقتربنا أكثر من عالم متى المسكين، لا سيما في اتجاه دور الكنيسة الرعوي، فسنجدها تدور حول معنى واحد: وهو أن الكنيسة ليست مؤسسة تضم الأقباط أو جامعة الدين والهوية، وأن المسيحية ليست جنسية تكتسب بالميلاد أو قومية بديلة، وضرورة ضبط الحدود بين الطقوس الدينية والأدوار السياسية، بين ما هو سمائي وما هو أرضي، ما لله وما للقيصر. أوضح الأب متى في كتبه أن الكنيسة تختلف عن السلطان الزمني في كونها تعتمد على الإيمان وليس على ذراع البشر. تعتمد على الله وليس على العدد والتكتل، وعلى هذا فمهمتها ليست خدمة النظام الحاكم ولكن خدمة الإنسان، وأن تخدم المسيح في أشخاص الخطاة والعرايا والأذلاء والمشردين. حذر متى المسكين من خروج الكنيسة عن هذا الاختصاص والنزوع للسلطان الزمني، وتجييش العواطف والمشاعر باسم الصليب، أو أن تسعى الكنيسة وراء أموال الأغنياء أو أن ترتمي في أحضان أصحاب النفوذ؛ لأنها إذا حاولت الجمع بين السلطان الديني والزمني، ودأبت على المطالبة بحقوق علمانية، فشلت المسيحية أن تؤدي رسالتها. ورأى أن جوانب الرعاية الاجتماعية مثل: رعاية الشباب وتوجيههم وتثقيف العمال وفحص أحوالهم ومطالبهم والعناية بالطلبة، وإقامة النوادي والمعسكرات، وترتيب المؤتمرات لبحث المشاكل الداخلية والخارجية للشباب، بل وإقامة المستشفيات والملاجئ، رأى أن كل هذا يحتم أن تدرس الكنيسة نظام الحكم حتى يكون مخططها الاجتماعي موافقًا لمخطط الحكومة، وإلا فالصدام بين الكنيسة والدولة أمر لا مفر منه. خشي الأب متى المسكين من عودة الفكر القسطنطيني تحت أي ثوب جديد، لا سيما إذا عجزت الكنيسة عن ضبط الإيمان بالإقناع والمحبة والنقاش السلمي، وهرعت إلى الملوك والرؤساء لتصدر منشورًا ملكيًا بالإيمان، عندها تكون الكنيسة قد أخطأت الطريق؛ لأن الإيمان ليس بضاعة، ولا يجب أن يُحمى بالسيف أو القانون أو بفرض السيادة قسرًا. رأى أيضًا أنه من الخطورة أن تطلب الكنيسة القوة من السلطان الزمني، أو أن تحض أتباعها على الاستهتار بقوة الدولة؛ لأن في الأولى خروجًا على تعاليم الكنيسة، وفي الثانية خروجًا على المنطق المسيحي؛ بل ويعتبر الاستهتار بالسلطان الزمني أو الدولة تشجيعًا على الشر والأشرار، وحضًا للشعوب على الاستهانة بواجباتهم نحو الحكومات بحجة أن الكرامة والخضوع والولاء لله فقط، وبالتالي للكنيسة، وربما لإيهام البعض بأن المسيحية تنافس الدولة وتتصدى لها، فعند هذه الحالة يتحول الدين إلى عثرة تعترض طريق الإنسان وسلامه الداخلي؛ لأن هذا الفهم يدفع إلى بث الفرقة والانقسام والتكتلات الدينية والتعصب للجماعة، ويعزز عقدة الاضطهاد عند الأقليات فيجعلها مراكز ثقل في الدولة بل ويعيق تقدمها. ويشدد على أن كبت الروح الوطنية نوع من وأد الروح الإنسانية. يرى متى المسكين أن الكنيسة تُسأل فقط عن الإيمان، وعلى هذا لا ينبغي لها أن تلفت وزيرًا أو مسؤولًا مسيحيًا في تصرفاته الحكومية؛ لأنه ليس تحت سلطانها. وهو ما يفرض عليها أن تدفع العلماني المسيحي نحو المشاركة وإبداء الرأي في كل ما يخص وطنه دون أن توحي لأبنائها بالتزام خطة تنظيمية معينة بسلوك تصرف محدد تجاه الدولة حتى لا تكون الكنيسة مسؤولة أمام السلطان الزمني أو "قائد سياسي" بين الأقباط والدولة؛ لأن الكنيسة إن فعلت ذلك تكون قد انشغلت عن قلب الإنسان، فالكنيسة لو تمسكت بهدفها الصحيح فإنها سوف تجد نفسها ملتزمة بالبشارة المجانية ومرتبطة بالخطاة المتعطشين للتوبة. يرى مدون هذه السطور أن التراث المدني الذي تركه لنا متى المسكين، ربما يكون أهم وأعظم من التراث الروحي والنسكي. إذ ترك لنا جسرًا للمصالحة بين الكنيسة والدولة عن طريق فض التشابك الآثم بينهما. في فلسفة المسكين: الدين والوطن كيانان منفصلان ومن الوارد أن يعمل أحدهما عكس الآخر، وعليك وحدك مسؤولية فك الاشتباك الضميري بينهما. وهو تصور أكثر حداثة ونضجًا بل ومناهضة لفلسفة القديس أوغسطينوس في كتابه الأشهر: مدينة الله الذي تم تطبيقه في النموذج القيصروبابوي للعصر الوسيط قبل إعلان فشله مع عصر الفيلسوف جون لوك مؤسس نظرية العقد الاجتماعي. منذ أكثر من ألفي عام، قال يسوع المتهم بقلب نظام الحكم: "مملكتي ليست من هذا العالم" اقرأ أيضا: --- ### مسيحية بولس الرسول (١) - Published: ۲۰۲۳-۰٦-۰۹ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/11821/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: قديس بولس الرسول ثلاث سنوات بين قيامة الرب يسوع وبين ظهوره المباغت لبولس الرسول، وثلاث سنوات تالية قضاها القديس بولس في منطقة "العربية"، يتتلمذ على الروح القدس ويتسلم من المسيح إنجيله، ويعرضه على الرسل فيقروه ويعطوه يمين الشركة. كان اختيار الرب لبولس استكمالًا لبناء الهيكل الرسولي، وكان ظهور المسيح لبولس ختامًا لكل الظهورات، وختامًا لتعيين الرسل للإرساليات: "وآخر الكل، كأنه للسقط، ظهر لي أنا"، هكذا يؤكد بولس الرسول ضمه إلى قائمة رسل المسيح، ويحدد المسار الذى كلف به "لأبشر به بين الأمم"، يأتي هذا في نفس السياق والرسالة التي يؤكد فيها أنه استلم إيمانه بشكل مباشر من الرب يسوع؛ وَأُعَرِّفُكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ الإِنْجِيلَ الَّذِي بَشَّرْتُ بِهِ، أَنَّهُ لَيْسَ بِحَسَبِ إِنْسَانٍ. لأَنِّي لَمْ أَقْبَلْهُ مِنْ عِنْدِ إِنْسَانٍ وَلاَ عُلِّمْتُهُ. بَلْ بِإِعْلاَنِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ(غلاطية 11:1و12) وباقتراب الكاتب من بولس الرسول يكتشف سر تحوله من أكبر مضطهد للمسيحية إلى أكبر كارز باسم المسيح، وهو "رد فعل مباشر لفعل الله الذي عمله فيه بالمسيح"، "هذا عبر عنه بولس الرسول بقوله: مُسْتَنِيرَةً عُيُونُ أَذْهَانِكُمْ، لِتَعْلَمُوا مَا هُوَ رَجَاءُ دَعْوَتِهِ، وَمَا هُوَ غِنَى مَجْدِ مِيرَاثِهِ فِي الْقِدِّيسِينَ، وَمَا هِيَ عَظَمَةُ قُدْرَتِهِ الْفَائِقَةُ نَحْوَنَا نَحْنُ الْمُؤْمِنِينَ، حَسَبَ عَمَلِ شِدَّةِ قُوَّتِهِ الَّذِي عَمِلَهُ فِي الْمَسِيحِ، إِذْ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، وَأَجْلَسَهُ عَنْ يَمِينِهِ فِي السَّمَاوِيَّاتِ(أفسس 18:1 ـ 20) واضح هنا أن الله هو صاحب المبادرة العظمى لخلاص الإنسان كأعظم فعل. "هكذا تأسست مسيحية بولس الرسول لا على كلمة خبر سمعها؛ بل على المسيح الحي المتكلم معه من السماء، والمتكلم فيه. فمسيحية القديس بولس لم تقم على مسيح التاريخ؛ بل على الرب الروح، الحي، العامل والفعّال في كل كيانه بقوة عمله وتدبيره. وهكذا صارت مسيحية القديس بولس، الاعتماد الكامل على شخص المسيح الحي العامل فيه" (الأب متى المسكين: القديس بولس الرسول: حياته، لاهوته، أعماله) "هنا بولس الرسول لما كان (في الروح) أدرك (الرب الروح)، لذلك يؤكد بولس الرسول عن خبرة يقينية أنهليس أحد يقدر أن يقول يسوع رب إلا بالروح القدس(1كو12:3)، لهذا فالشركة في المسيح لا تقوم إلا من خلال الشركة في الروح القدس" "مسيحية القديس بولس قامت على أساس الحلول، أي حلول المسيح بالروح، كما صارت معرفة القديس بولس بالرب يسوع على مستوى (الرب الروح من السماء)، فالمسيح لما أعلن نفسه لبولس كان في وضعه الروحي السماوي، كما كان حلول المسيح في قلب القديس بولس على مستوى الاتحاد، حتى إن بولس الرسول لم يعد يعي نفسه بدون المسيح:فأحيا لا أنا، بل المسيح يحيا فيَّ  (غلاطية 20:2) يضع الكاتب يده على سر تحول بولس من مقاوم للمسيح إلى كارز به، بعد تلك المواجهة المباغتة والحوار الواعى الذى دار بينهما، هو انكشاف ماهية المسيح له، حتى أنه لم يعد يرى أحداً غيره فى قيامه وقعوده وأسفاره وكرازته؛ "لأَنِّي لَمْ أَعْزِمْ أَنْ أَعْرِفَ شَيْئًا بَيْنَكُمْ إلاَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ وَإِيَّاهُ مَصْلُوبًا. " (1كو 2:2) وكانت ابرز الفقرات التى يوضح فيها الكاتب ماهية مسيح بولس الرسول: • لقد جمع القديس بولس في وعيه المسيحي بين المسيح قائمًا فيه، وبين المسيح الكائن في أعلى السموات، فأدرك بولس الرسول أنه لم يعُد (للمسيح الرب الروح) حدود"؛ "الرب الروح والرب من السماء" عند بولس هو هو المسيح المتجسد، ولكن جسد المسيح صار جسدًا روحيًا بالقيامة من الأموات، لقد جاز الجسد البشرى "التغيُّر" الداخلي والخارجي دون أن يفقد كل ما له. • عند بولس الرسول، الله الروح و"المسيح الرب الروح من السماء" هو حقيقة أشد يقينًا وإدراكًا من كل الحقائق الأخرى وذلك عن وعى روحي واختبار، ملك عليه تفكيره ووجدانه وتدبير حياته. وقد نحت بولس الرسول لنفسه اصطلاحًا يصور هذه الحقيقة العملية الاختبارية في علاقته بالمسيح، وهو اصطلح "في المسيح"، والذي ورد في رسائله 164 مرة، والذي يُعبِّر به عن كل تفكير وحركة وعمل وحياة له "في المسيح"، ... إيمانه وبره وصلاته وفرحه وسروره وكل عطية نالها ومحبة وسلام وقداسة وختم روحي وختانة والجسد الواحد. كل ذلك يعيشه ويمارسه ويراه "في المسيح". • كذلك، كان يشعر وهو واثق أنه كما يحيا في المسيح، فالمسيح يحيا فيه، فهي شركة حية، فيها أخذ وعطاء، اغتنى بها بولس الرسول وأغنى كثيرين. • وقد صار هذا الاختبار "في المسيح" صفة خاصة بلاهوت بولس الرسول، وقد دخل في شركة حياة دائمة مع المسيح الممجد، الرب الروح من السماء، لذلك استطاع أن يقول عن يقين أنه صلب مع المسيح، ومات وقام وجلس في السماء معه، كتعبير عن الالتحام بأعمال المسيح الخلاصية في الفداء. ويستطرد الكاتب في تحليل مسيحية بولس الرسول: "هناك فرق شاسع بين أن نستحضر صورة المسيح من الماضي حينما صُلب أو قُبر أو قام، لنصنع معها علاقة أو شركة على مستوى التأمل، وبين أن يأتي المسيح بشخصه الحي ويُستعلن لنا بحاله الآن ما هو في السماء في المجد، لكى يصنع فينا منزلًا ويقيم، ونصنع نحن معه شركة في المحبة بالإيمان الواعي. " (الأب متى المسكين: القديس بولس الرسول: حياته، لاهوته، أعماله) وينبه الكاتب القارئ أن اختبار بولس الرسول كان خاليًا من التصورات المادية التي تصنعها المخيلة، بل كان حقائق روحية وفعالة يفحصها الروح حتى الأعماق ويقدمها كأفعال، فينفعل بها الإنسان انفعالًا حقيقيًا روحيًا أشد من انفعال الجسد، لهذا قال بولس الرسول عن صدق ويقين واختبار فعلى: قد صُلبت مع المسيح، قد دُفنت مع المسيح، قد قمت مع المسيح، قد جلست في السموات مع المسيح. ويقولها بصورة الجمع، معتبرًا أن ما اختبره هو يتحتم أن يختبره الجميع كحقيقة. فقد تحصنت معرفة بولس بالمسيح وتحصنت حياته ضد الخداع الفكري والزمني، حينما حلَّ في قلبه المسيح القائم في مجده في الأعالي، فملأ ذهنه ووعيه الروحي بحقيقة ذاته الفائقة على كل فكر والمتسامية عن قياسات الإنسانلِيَحِلَّ الْمَسِيحُ بِالإِيمَانِ فِي قُلُوبِكُمْ ... وَتَعْرِفُوا مَحَبَّةَ الْمَسِيحِ الْفَائِقَةَ الْمَعْرِفَةِ، لِكَيْ تَمْتَلِئُوا إِلَى كُلِّ مِلْءِ اللهِ. (أفسس 17:3و19) ويلح الكاتب في تأكيد أن بولس الرسول ليس صاحب فكر لاهوتي ولا هو هاوي لاهوت أو محترف، إذ لم يعرف المسيح من إنسان ولا تعلمه على يد معلم، وهو لم يضع مناهج تصلح أن تكون واسطة لمعرفة المسيح، ولا سجل اصطلاحات تعبر أو تحدد الحقائق الإلهية، ولكن لما كشف لنا عن علاقاته بالمسيح، حين كان يحكى لنا قصة تعرفه عليه وقبوله، خرجت منه مقولات كلها حية تُعبِّر عن حياته وحياة المسيح فيه، فكان لاهوته هو قصة قبوله للمسيح وحديثه معه وتدبير إرسالياته التي اختاره الله من أجلها. مازال الحديث عن مسيحية بولس الرسول ممتد وسنواصل الاقتراب منها المقال القادم. --- ### خير يا دكتور؟ - Published: ۲۰۲۳-۰٦-۰۸ - Modified: 2023-05-25 - URL: https://tabcm.net/11945/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون أغلب الظن أن ذلك قد حدث كاستجابة لدعاوي جارتنا العجوز، تلك التي أعتدت أن أفجر كمية من "البمب" دفعة واحدة أمام باب شقتها خلال قيلولة الظهيرة في أيام الطفولة والمراهقة، ويبدو أن العجوز لم تسامحني حتى اليوم بالرغم من كمية الحقن التي غرزتها في جسمها كعلاج لأمراضها الكثيرة، فلا يوجد مبرر أخر يدعو وزارة الصحة أن تلقيني منفرداً في ذلك الجحيم في الوحدة الصحية بقرية "بخانس" التابعة لمركز أبوطشت في محافظة قنا في صعيد مصر، والتي تبعد بعيداً عن بيتي نحو 875 كيلو متر تنفيذاً لأمر التكليف بعد تخرجي من كلية الطب العام الماضي، بينما أغلب دفعتي قد ألتحقوا بوحدات صحية أقرب لم تتعدى أبعدها ساعتين سفر من الإسكندرية، بالكوسة طبعاً، لم أتذمر فتلك مشيئة الله، وامتثلت لأمر التكييف وسافرت لقدري المحتوم! بعد 3 أيام فقط من وصولي الوحدة، دوى ضجيج وصوت صياح وتكسير بالقرب من الوحدة الصغيرة، أرسلت التمرجي لتقصي الأمر فأتي مسرعاً يصيح: - نهارنا أسود يا ضاكتور - خير يا تمرجي الغبرة؟؟ - ولاد "طلعت" الجزار... عيلة كلها لبش شغالين في الجزارة، وهما بلطجية وبتوع خناقات ومشاكل، وكل مرة بيتخانقوا فيها، بتبقى مدبحة، والشغل بيبقي للصبح - الله يبشرك بالخير ألتزمت الصمت ودعوت الله في سري أن تمر تلك الخناقة بسلام، وأنا أعلم يقيناً أنه لن يستجاب لدعائي... مرت ساعة من الزمن قبل أن يقترب الصوت المخيف من الوحدة، تلاها صوت بوابة الوحدة الصحية الخشبية القديمة وهي تنكسر تحت وطأة الجماهير العريضة، فجأة، وبدون مقدمات، أقتحم الوحدة ما يقرب من ثلاثين رجلاً، كلهم بلا استثناء مصابون بإصابات مختلفة ما بين كسور وسحجات وقطوعات في كل أنحاء أجسادهم. - كله بيعدي... هكذا تمتمت محاولاً تهدئة أعصابي المضطربة، بلا جدوي. مرت دقائق قبل يدلف أربعة من مفتولي العضلات داخل الوحدة مروراً من الباب المكسور، يحملون جثة هامدة لأحد أقاربهم، بلا رأس، ثم أسجوها على سرير الاستقبال، دقائق ودخل أخر يحمل الرأس التي تقطر دماً ووضعها بجانب الجثة، نظر الجميع ناحيتي فلم أجب، سألني أحدهم بكل ثقة: - خير يا دكتور؟؟ لم أصدق أذني، فصحت فيهم: - خير إيه؟؟ الراجل ميت وشبع موت... انتوا مجانين؟؟ لم أسمع رداً، كل ما سمعته كانت زمجرة عالية تشبه زمجرة قبيلة من الأسود قبل الانقضاض علي فريستها، قبل أن ينقض عليً أقربهم ويقبض على ياقة قميصي الذي لم يعد قميصاً، ثم أنقض الباقون علي من كل حدب وصوب، وأنهال الجميع بالشتيمة، استعداداً للانتقال لمرحلة الضرب، هتف أكثرهم ذكاءاً ويبدو انه المتعلم الوحيد فيهم قائلاً: - يعني يا ضاكتور يا حمار أنت، عمرك ما سمعت عن حاجة أسمها زراعة الأعضاء؟؟ وقعت الجملة على مسامعي كطوق نجاة، فأمسكت في تلابيبها وأجبت في عفوية وبدون تفكير: - ايوه ايوه معاك حق... ممكن نعمله عملية زرع... والله لنزرعله راس والراجل هايبقي كويس. لم يسمعني أحد وسط الصياح والصوت العالي، لكن بعد الكثير من الصياح سمع أحدهم صوتي فأمر الباقيين بالكف عن الشد والجذب، خلعت ما تبقى من القميص بعدما انخلعت أكمامه وانفلتت كل أزراره، فاعتدلت في وقفتي، وأمرت التمرجي بلهجة أمرة: - حضر يابني أوضة العمليات بسرعة. نظر التمرجي ناحيتي نظرة بلهاء غير مصدق، فعاجلته بكل جدية: - إيه مسمعتش يا حمار أنت؟؟ أجبرته الزمجرة التي بدأت تعلو بالقرب منه أن يتصرف بجدية، سحب الجثة والرأس من أيديهم إلى غرفة العمليات، ودخلت خلفه، وأغلقنا الباب، طلبت منه أن يوصد الباب بالمفتاح، وعندها ألتفت ناحيتي متسائلاّ: - هانعمل إيه يا ضاكتور في المصيبة ديه ؟؟ - أقلع - ناعاااااااااااام؟ - زي ما سمعت... أقلع الجلابية اللى لابسها من سكات بدل ما اطلع أقولهم انك مش عايز تساعدني في العملية - بس يا ضاكتور اللي بتجوله ده عيب وحرام - ولا كلمة واحدة... أنت تقلع وتسكت خالص استجاب التمرجي صاغراً، فارتديت ملابسه الريفية، ثم فتحت شباك الغرفة وهممت بالقفز منها، ترجاني ألا اهرب واتركه بمفرده فلم يكترث قلبي، تخيلت ما سيحدث للمسكين بعدما تكتشف قبيلة البرابرة في الخارج هروبي مرتدياً ملابسه لكن يا روح ما بعدك روح، تأملت البرواز الأثري المتهالك الذى كان كان يحمل يوماً ما صورة سعد باشا زغلول ولم يجرؤ احد على أزالتها حتى الآن، قبل أن أقفز وافر هاربا من الصعيد كله بلا عودة، وأترك مهنة الطب بدون رجعة! --- ### ما بين الروحانية الرعوية (الإيبارشية) والروحانية الرهبانية - Published: ۲۰۲۳-۰٦-۰۷ - Modified: 2023-06-08 - URL: https://tabcm.net/11812/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: مفهوم الرهبنة (تأمّلٌ شخصيّ جدًّا ليس للتعميم) الدعوة إلى الكهنوت، في صورتها الإيبارشيّة هي دعوة محليّة جدًّا. بمعنى أنّها تجسّديّة، مثل المسيح، الذي تجسّد في زمانٍ ومكانٍ محدّدين. الشخص المدعوّ إلى الكهنوت الإيبارشيّ شخصٌ، يحصل أساسًا على دعوته من شخص الربّ يسوع ولكن في إطار الرضى والقبول بل والتشجيع من شعبٍ معيّن، محدّد بالاسم والوجه. هؤلاء الأشخاص المحدّدين في مكانٍ وزمانً محدّدين، يرغبون في هذا الشخص بعينه، ليكون راعيهم أو كاهنهم، ليكون شخصًا منهم خادمًا لهم وممثّلًا لنعمة ورحمة الله بينهم. ذلك معناه أنّه ليس هناك دعوة كهنوتيّة إيبارشيّة رعويّة تنفصل عن الشعب. أمّا الدعوة الرهبانيّة فهي مختلفة. بالطبع لا يمكن أن يسعى شخصٌ لأن يصير راهبًا إذا كان لا يحبّ الجماعة المسيحيّة، ولكنّ دعوته هي بالأحرى دعوةٌ شخصيّة من أجل الكنيسة باعتبارها جماعة المؤمنين. الشخص المدعوّ إلى الكهنوت الإيبارشيّ هو شخص يحظى بقبول بل بموافقة جماعة المؤمنين، لكي يكون خادمهم، وعلامةً ملموسة لمحبّة الله وسطهم. أمّا الدعوة الرهبانيّة فقد يمكن أن تكون دعوةً شخصيّة من أجل علاقةٍ شخصيّة حميميّة مع الله. إذا كنت شخصًا منطويًا يمكن أن تكون راهبًا، لكن لا يمكن أن تكون كاهنًا في خدمة الجماعة. ماذا يجعل الرهبان إذًا في رباطٍ مع المسيحيّين؟ هو الرباط الروحيّ في الصلاة. أمّا مع الكهنة الإيبارشيّين، هي تلك العلاقة الشخصيّة والمسؤولية الروحيّة والثقة التي وضعها الشعب فيهم واختارهم ليكونوا خدّامًا و"سرًّا" لمحبّة الله بين الجماعة، ذلك بالطبع داخل إطار العلاقة الشخصيّة بشخص يسوع المسيح. --- ### أزمة التفسير الحرفي للكتاب المقدس - Published: ۲۰۲۳-۰٦-۰٦ - Modified: 2023-06-06 - URL: https://tabcm.net/12005/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: آدم, قصة الخلق إن الإصرار على الفهم والتفسير الحرفي للكتاب المقدس كارثة وجنون مطبق، وليس منظورًا مسيحيًا على وجه الإطلاق. وحي الكتاب مسيحيًا هو وحيًا إلهاميًا لا وحي إملائي فوقي قسري لاغي لإرادة وشخص كاتب الوحي، كما هو الوحي عند بعض الديانات الأخرى، قلت هذا وهاجمني من هاجمني، وها هو يرتد على عاقبيه بعد رحيل شاب كنيسة قصر الدوبارة "بيتر مجدي" في حادثة دامية وموجعة جدًا، ويلف ويدور ليقدم تفسير وتخاريج للإحباط والاكتئاب الذي أصاب كل من صلى له من أجل القيامة والشفاء دون جدوى. كفى عند وكفى جمود وكفى تصلب وبالأكثر كفى لف ودوران، مرة أخرى عندما ننظر إلى معجزة إقامة لعازر، فهي معجزة أحادية المصدر، وهذا لا يتناسب مع حجمها، هل هذا المعطى من ضمن معطيات كثيرة قابل للإنكار؟ هل ذُكرت في الأناجيل الأربعة وفاتني هذا؟ حسنًا كيف يتناسب هذا الإغفال مع حجم الحدث؟ هل تقدمون تفسيرًا منطقيًا أم ستواصلون اللف والدوران؟ ماذا نخرج من هذا؟ نفهم إننا بحاجه لتعريف هل الله ساحر أم الله إله راشد عاقل يضع القانون ويسهر على تنفيذه؟ الله كما علمتني قصر الدوبارة ليس المشرع فقط بل هو من له سلطة التنفيذ أيضًا، ليس هو من يضع القانون فقط بل هو من يسهر على حفظه وتنفيذه أيضًا بل هو وحده المسؤول عن ديمومة القانون زمانيًا ومكانيًا أيضًا. منهجية جديدة في فهم وتفسير النص المقدس وإلا بإصراركم على توثينه وتصنيمه ستقضوا على أي احترامٍ بقي في نفوس الشعب له. قصة الخلق التوراتية ليست سردية، لا توجد حمير تتكلم، ولا توجد حيتان تبلع بشر، ولا سفينة حوت كل الخليقة وعلى امتداد الخط لا يوجد جبل للمقطم انتقل أو حتى سينتقل ولا يوجد نور مقدس يظهر لسحرة القدس ولا يوجد ظهور إلهي لعذراء الزيتون. فإن كان الله ليس ساحرًا، فهو بالأولى ليس إلهًا استعراضيًا عبثيًا يغطي باستعراض عظمته على شعوره بالنقص فيقدم "معجزة شو" لانتزاع التصفيق من جَمهور الحضور الكرام. فنحن من نحتاج أن نعرفه و نتيجة المعرفة نُبهر به، لا هو من في حاجة على وجه الإطلاق لإبهارنا. الله مبهر بطبيعته ولا يحتاج منا لتجميل كي ما نُبهر الآخرين به وبمعتقداتنا عنه. الحياة الأبدية أن نعرف الإله الحقيقي فنشغف به والجحيم الأبدي أن نجهل به فنتجاهله، ولا يدخل عبقري ليقول إن أنكرت هذه فستنكر تلك، وإن نفيت وجود آدم الأول ستنفي آدم الثاني أي يسوع المسيح. الكذب يظل كذب يا سادة أيًا كانت عواقبه، والعواقب ليست مبرر لخداع النفس، كونوا أمناء، قبل أن تكونوا مخلصين، إقامة لعازر رواية أحادية المصدر، دفنتم رؤسكم في الرمال أم أخرجتموها؟ فهم جديد و منهج جديد نحن جميعا في أمس الحاجة إليه. --- ### هل أنت يسوع؟ - Published: ۲۰۲۳-۰٦-۰۵ - Modified: 2023-06-05 - URL: https://tabcm.net/11990/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون استدعى أحد المديرين وكلاءه من مدن قريبة، وبعد أن تجمعوا وانتهى الاجتماع، كان عدد منهم في مطار العاصمة للعودة، وقد أكدوا على ذويهم إنهم سوف يعودون في الميعاد. وكان الجميع يسرع للحاق بالطائرة. وفي سرعتهم حدث أمر مربك للغاية! فقد اصطدم أحد الرجال بطاولة أرضية موضوع عليها قفصين من التفاح، فتناثرت الثمار في كل مكان بلا رجعة! كانت الفتاة الصغيرة الجالسة أمام الطاولة كفيفة لا حول لها ولا قوة! أكمل كل الرجال طريقهم بسرعة ليلحقوا بالطائرة التي ستعود بهم إلى ذويهم؛ إلا واحدًا منهم! توقف، وتنهد قليلًا، وتحركت فيه أحشاؤه تجاه الكائن المسكين الذي تبعثر مصدر رزقه القليل، بما ينبئ عن عدم وجود مصدر للعيش لعدة أيام. نظر الرجل إلى زملائه الذين سبقوه، وأشار إليهم إنه سيلحقهم في الطائرة التالية، وأوصاهم أن يبلِّغوا ذويه إنه سوف يصل متأخرًا قليلًا، وأشار لهم بالسلامة. ثم عاد إلى الموضع الذي سقطت فيه التفاحات الكثيرة. كان سعيدًا إنه عاد ليصحح ما حدث. كانت الفتاة كفيفة كليةً، كانت تبكي ودموعها تعبِّر عن حسرتها على مصدر رزقها الذي ضاع! وفي نفس الوقت تمسك بالطاولة تحاول أن تجد ما فقدته! تكفكف طاولتها كأنها تكفكف دموعها، ولا أحد يهتم بأن يكفكف دموعها هي! تقدم الرجل وانحنى على الأرض وبدأ بسرعة في جمع التفاحات التي سقطت، ووضعها في القفص الكبير. ثم جمع باقي التفاحات التي سقطت ولكن تهشم جزء منها، ووضعها في قفص آخر جانبي. ثم أخرج محفظته وأخرج منها مئتي جنيهًا وأعطاها الفتاة وقال لها: "هذا المبلغ تعويضًا عما تسببنا فيه! أتمنى أن تكوني راضية"... أشارت الفتاة برأسها بالرضى، في هدوء من لا حول له ولا قوة! وبينما الرجل كان يستدير ذاهبًا، نادته الفتاة: "يا سيد". فتوقف ونظر إلى عينيها المملوءة دموعًا، فأكملت الفتاة قائلة: «هل أنت يسوع؟» تسمر الرجل من هول المفاجأة! وببطء تحرك في طريقه دون أن يرد عليها! ولكن السؤال كان يدور في عقله، بل كيانه كله: "هل أنتَ (أو أنتِ) يسوع؟" والآن عزيزي القارئ: صارح نفسك، هل يظن بعض الناس إنك أنت "يسوع"؟ أليس هذا هو ما يطلبه منا إنجيل بشارة يسوع المسيح؟"عيشوا كما يحق لإنجيل المسيح"(رسالة بولس إلى فيلبي 1: 27). أليس هذا هو مقصدنا في الحياة؟! أن نعيش وسط العالم والناس مثلما عاش "يسوع"، حتى يرى فينا الناس تشابهًا كبيرًا مع ربنا يسوع... نتعامل مع عالم كفَّ بصره عن محبته وحنانه ونعمته؛ بل اسمه العزيز "يسوع"! فإذا كنا ندَّعي أننا نعرفه، فينبغي أن نحيا ونسلك كما سلك هو (أي الرب يسوع)! فمعرفة الرب يسوع ليست فقط في اقتباس أقوال الكتاب المقدس، أو الذَّهاب إلى الكنيسة، إنما هي الحياة بالكلمة يومًا فيومًا. فأنت أيها القارئ حدقة عينه، مثل التفاحة التي سقطت فتضعضعت أسطحها بسحجاتٍ عديدة حين سقطت في طريقها في الحياة. لقد توقف الرب يسوع عما كان يعمله، وحملني أنا وأنت وأصعدنا على جبل الجلجثة ودفع ثمن ما تهشم في ثمار حياتي وحياتك. ليتنا نفكر مليًّا في هذا الثمن الغالي الذي دفعه من أجلنا. أيها الآب، أعطنا روحك القدوس لكي يساعدنا أن نتشبَّه بابنك الحبيب، الرب يسوع المسيح. أيها الآب السماوي، إله المحبة والمغفرة والصلاح، بارك جموعك العطشى إليك، وبارك عائلاتنا وشعوبنا. ونحن نعلم أنك قد احتسبتنا "أحباء" لأنك محب لبني البشر، ونعلم أيضًا أنك تعتبرنا من لحمك وعظامك وإننا واحد فيك، حيث نطيع كلمتك ونسلُك كما يليق بها. ونعلم أيضًا أن روح المحبة التي تجمع كل من يصلي بهذه الصلوات معًا، إنها قوة تعين العالم على تخطِّي كل العقبات التي يجابهها. أيها الآب القدوس، يا من تدبر كل الأمور حسب مشيئتك الإلهية، بارك في مَنْ يصلي هذه الصلوات لكي تحل بركتك في كل بقاع الأرض، ويحل السلام والرخاء في الأرض كلها، ويحل سلامك الذي يفوق كل عقل لكل البشر! أعط عبيدك أن يكونوا حكماء وأدوات صالحة في يدك لكي يعملوا معك للارتقاء بالحياة التي جبلتنا لكي نحياها. ولتهب أيها الآب القدوس جميع خليقتك الصحة والعمل، كما أمرت عبدك أبانا الأول "آدم" أن يعمل الأرض، ثم أرسل نورك إلى قلوب عبيدك للتعزية والرجاء لأنك مبارك إلى الأبد. آمين. --- ### القداس الإلهي (٤) - Published: ۲۰۲۳-۰٦-۰٤ - Modified: 2023-12-10 - URL: https://tabcm.net/11977/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: إفخارستيا, چورچ حبيب بباوي, يوحنا المعمدان "هوذا الرب يعطي ذاته آية". ربما هذه الآية مفتاح لفهم تقوى الكنيسة الشرقية وأين تكمن القوة في ممارستها لصلواتها الليتورجية. فهي لا تحتفل بحدَث بقدر ما تحتفل بشخص. الكنيسة تحتفل بشخص الرب ذاته لأن في شخصه تنجمع الأحداث الأساسية كلها من ميلاد وعماد وصَلب وقيامة وصعود إلى السماء. هذا ما تمارسه الكنيسة في القداس الإلهي. فهو ليس احتفال بذكري تاريخية ولكننا نستقبل شخص المسيح ذاته في سرٍ مجيد هو الإفخارستيا. في القداس الإلهي نحن نمارس شركتنا في المسيح، فنشترك ونجوز معه الأحداث التي جاز الرب فيها وهو لابس جسدنا على الأرض بل وبعد صعوده إلى السماء لأنه صعد بجسدنا،  ونحن ما زلنا فيه. ولأن القصد هو شخص الرب، لذلك ليس في القداس التزام بترتيب تتابع الأحداث زمنيًا، فنحن نشترك في قيامة المسيح في بدايات ونهايات القداس سيَّان. فالطقس أي الصلوات وترتيبها يُعبِّر عن وجود حقيقي وليس رموز تُذكِّرنا بأمور روحية نرهق أنفسنا ذهنيًا في إيجاد تفسير لها، وعلى سبيل المثال هذا الشرح الضعيف للشمعتين اللتين نضعهما على المذبح وأنهما تذكير بالملاكين في قبر المسيح، في حين منهج الروحانية الأرثوذكسية الأصيل يرى أن الكنيسة هي بيت الملائكة وهم أعضاء معنا يرافقون المسيح خلال الأحداث الهامة في الكنيسة في هذا القداس كما كانوا في بيت لحم، وفي جثسيماني، وفي القيامة. فالأرثوذكسية السليمة ترى إننا في المسيحية لا نتعامل مع فكرة. وإن عجزنا عن تذكرها تنتهي وتزول كأنها لم توجد. ولكن لأن الملائكة حاضرة في القداس ترافق جسد الرب ودمه على المذبح، لذلك أصبح وجود الشمعتين أساسًا هو تجسيد لحقيقة الواقع الذي نعيشه أي وحدة السماء والأرض والحضور المتبادل منذ مصالحة المسيح للسمائيين والأرضيين. ثم نلاحظ تقديم أكثر من قربانة في بداية القداس ثم اختيار قربانة واحدة هي الأفضل، وترافقه الصلوة ”الرب يختار له حملًا بلا عيب". هذه دلالة على أن المسيح لا مثيل له، وأن هناك وسيط واحد هو المسيح، وأن كل الذبائح القديمة لم تكن قادرة أن تعطينا الوسيط الوحيد بين الله والناس. ويعود الكاهن و يمسح القربانة بالماء، إشارة إلى معمودية الرب على يد يوحنا المعمدان، وبداية إعلان المسيح عن نفسه وسيطًا بين الله والناس، وتُغطَّى القربانة باللفائف لأنها سرُّ لا يمكن الوصول إليه إلا بالاستنارة وبالتعليم. لذلك تبدأ القراءات المقدسة.   وبعد أن تأخذ الكلمة الإلهية مجالها وتنتهي العظة، يكون الاستعداد الروحي قد تمَّ لندخل إلى الصلاة. ولا تُرفَع اللفائف لا سيما الغطاء الذي يغطي التقدمة كلها ( الأبروسفارين ) إلا بعد صلاة الصلح. إن صلاة الصلح هي مرحلة حرجة في صلاة القداس. فهي تأتي بعد قراءة الكلمة الإلهية والعظة لأننا بالكلمة -والمسيح هو ”كلمة الله “- نستعد لنصل إلى المصالحة. فعلينا أن ندرك أن حركتنا نحو الله بالصلاة ونحو إدراك السر الإلهي هي أساسًا مبادرة من الله في المسيح ” كلمة الله “، وأيضًا هي حركة قَبُول مننا للمصالحة مع الله. وكما في الوصايا حيث الوصية الثانية بمحبة القريب هي كاشفة لحقيقة الوصية الأولى أي محبة الله، فالذي لا يحب أخاه الذي يراه كيف يحب الله الذي لا يراه، لذلك فإن تصالح المؤمنين بعضهم بعضًا بقبلة المحبة هي كاشفة للتصالح مع الله الذي تم في المسيح. ويجدر الذِكر أن المصالحة في كتابات آباء الكنيسة ليست بالضرورة التنازل عن الخصومات. هذا الجانب السلبي لا وجود له في المسيحية. وإنما المصالحة هي أن نحب بعضنا بعضًا لنكون جسدًا واحدًا وروحًا واحدًا بالرغم من الخلافات. فالجسد الواحد تختلف فيه الأعضاء عن بعضها ولكنها تنسجم في محبة الجسد الواحد. والمحبة الإلهية عندما تدخل القلب هي القادرة أن تغيِّر القلب تدريجيًا فتنزع الخصومات تِباعًا. لذلك فإن تأخر الوحدة المسيحية بين الكنائس انتظارًا لفض الخلافات هي عثرة الرئاسات المسيحية في المحبة التي طالبنا بها المسيح. لأن المحبة هي التي تزيل الخصومات والخلافات وليس العكس. وفي صلاة الصلح نجد الشماس يمسك الصليب، والكاهن يرفع اللفافة على شكل مثلث، مثل أختام القبر تأكيدًا إلى أن قيامة المسيح هي أساس مصالحتنا مع الآب وأساس قبلة السلام بعضنا لبعض. ونلفت النظر مرة أخرى إلى أن القداس الإلهي هو شركة مع الشخص وليس تتبع الحدث كذكرى. فرأينا في صلاة الصلح ببداية القداس أن قيامة المسيح حاضرة كأساس. وتستمر شركة المؤمنين مع شخص المسيح في القداس في أحداث أخرى كانت قبل القيامة. مما يوضح أن الأقباط في القداس الإلهي لا يتعاملون مع أفكار يتذكرونها عن المسيح تراعي الترتيب في ذِكرها، ولكنهم يتقابلون مع شخص واحد حاضر معهم هو المسيح. فالمسيح لم يتجسد في بيت لحم ثم تخلى عن الجسد، بل المسيح وُلِدَ في بيت لحم وظل تجسده حقيقة دائمة. لذلك تقيم كل كنيسة "بيت لحم" فيها أي بيت القربان. والذين لا يفهمون أن وحدة عمل المسيح تتخطي فواصل ومراحل الزمن المخلوق، نجدهم يتساءلون: كيف أعطى المسيح جسده قبل أن يُصلَب وهو جالس وسط تلاميذه يوم الخميس قبل جمعة الصلبوت؟ والسُبح لله. بقلم د. رءوف إدوارد *) نقلًا بتصرف عن العلامة الدكتور جورج حبيب بباوي. --- ### روما - الإسكندرية
٢- قطيعة معرفية - Published: ۲۰۲۳-۰٦-۰۳ - Modified: 2025-02-02 - URL: https://tabcm.net/11979/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: الكنيسة الكاثوليكية, النسطورية, بابا شنودة الثالث, بولس السادس, سر المعمودية, طبيعة المسيح, مجمع الأساقفة جرت عدة جولات من حوار اللجان التي تشكلت بين كنيسة الإسكندرية والكنيسة الكاثوليكية، التي كانت نتاج اللقاء الذي احتفلنا مؤخرًا بمرور نصف قرن عليه بين البابا شنودة الثالث والبابا بولس السادس، توجت باجتماع بدير الأنبا بيشوي في 12 مايو 1988، وتم التوقيع على اتفاق كريستولوچي بين الكنيستين ينهي الخلاف القديم، ويضيق الهوة في فهم طبيعة المسيح التي كانت كل كنيسة تظنه عن شقيقتها، بمعنى أن كلا الكنيستان أعلنتا إنهما يتبنيان نفس الإيمان عن طبيعة الرب يسوع المسيح. يذكر أن  أمورًا أخرى خلافية مثل: انبثاق الروح القدس من الآب والابن، المطهر، خلاص غير المؤمنين  وغيرها، كانت معروفة ومعلومة لكنيستنا، ولكنها لم تمنع هذا اللقاء، وهذا الإعلان الإيماني المشترك. وغني عن الذكر أيضًا إن كنيستنا لم تكن تعيد معمودية الكاثوليك حتي هذا الوقت، حتى بعده بسنتين كاملتين، إلى أن جاء اجتماع مجمع الأساقفة في 3 يونيو 1990، ليصدر عن المجمع قرارًا بإعادة معمودية الكاثوليك، ثم توقف الحوار بين الكنيستين تمامًا عام 1992، ماذا حدث خلال تلك السنتين؟  لا أحد يعلم، و أجزم أنه حتى آباءنا الأساقفة أنفسهم لا يعلمون، كان التوقيع يتم على بياض ثقة في قداسة البابا الراحل الأنبا شنودة، وتجنبا لإحزان قلب قداسته. ثم لا شيء! هل رفض مجمع أساقفتنا البيان خلافًا لرأي البابا شنودة؟ لا نعلم، لا شيء معلن، لا تصريحات أسقفية صحفية، لا بيانات أسقفية مغاغية، فقط لا شيء. تمر سنين عدّة وتتكسر ملايين الموجات على الشواطئ، فيجد مسؤول الحوار المسكوني ذريعة يلقم بها كل من تسول له نفسه أن يسأل عن الحوار مع الكاثوليك، رفع لافتة "لقد عقدوا اتفاقية مع النساطرة". . -أها لقد صبأوا ورب الكعبة- فمن يجرؤ أن تسول له نفسه أن يفكر أن كنيستنا يمكن أن "تتحاور" مع من أصبحوا هم والنساطرة بعضهم أولياء بعض. ملحوظة عابرة: رفضت كنيستنا -بإباء وشمم-  اشتراك الكنائس الملقبة بالنسطورية في مجلس الكنائس العالمي. قرأت الاتفاقية المشتركة وأرى مضمونها إيمانا أرثوذوكسيا لا تشوبه شائبة (بالرغم من انزعاجي كـ"لا خلقيدوني" من استهلال الفقرة الثانية، ولكن خاتمة الفقرة أزالت الانزعاج)، واندهشت بشدة أن يهاجمها بعض أساقفتنا. علي العكس آراها خطوة موفقة جدا في الطريق الصحيح ينبغي البناء عليها، إن استطاع الأشقاء انتزاع هذا الإقرار الكريستولوجي الأرثوذكسي من كنيسة لطالما اتهمت بالنسطورية الصريحة، فكيف لا نحتفي به ونهنئهم بعملهم الرائع، ونفتح قنوات فورية مع الكنائس الأشورية، طالمَا كان هذا إيمانهم، خاصة أن أحدًا لن يجرؤ على التحجج بأنهم "يحرمون" القديس كيرلس، مع علمنا بأن أشقاؤنا الروم يفعلون ما هو أسوأ في طقسهم الخاص يوم "أحد الأرثوذكسية". نص الاتفاقية:  ١- إننا كورثة وحماة للإيمان المسلم من الرسل والمصاغ في قانون إيمان نيقية بواسطة آباءنا المشتركين، فإننا نعترف برب واحد يسوع المسيح، ابن الله الوحيد، المولود من الآب قبل كل الدهور، الذى فى ملء الزمان، نزل من السماء وصار إنسانًا من أجل خلاصنا. إن كلمة الله الشخص الثاني من الثالوث القدوس، تجسد بقوة الروح القدس باتخاذه من القديسة العذراء مريم جسدًا محييًا بروح عاقلة، واتحد به بغير ذوبان منذ لحظة الحبل به. ٢- لذلك فإن ربنا يسوع المسيح هو إله حقيقي وإنسان حقيقي، كامل في لاهوته وكامل في ناسوته، مساو للآب ومساوي لنا في كل شيء ما خلا الخطية. وقد اتحد لاهوته بناسوته فى شخص واحد، بغير اختلاط أو تغير، وبغير انقسام أو انفصال. واحتفظ فى نفسه بالطبيعتين الإلهية والإنسانية على اختلافهما، بكل خواصهما وإمكاناتهما وعملهما. لكن ليس بإنشاء "واحدة وأخرى" لكن باتحاد اللاهوت بالناسوت في نفس الشخص الواحد الفريد، لابن الله والرب يسوع المسيح، الذى هو هدف العبادة الوحيد. ٣- هكذا فإن المسيح ليس "إنسانًا عاديًا" تبناه الله ليقيم فيه ويلهمه، كما هو الحال مع الأبرار والأنبياء. لكن نفس الله الكلمة المولود من الآب قبل كل الوجود بدون بداية حسب لاهوته، ولد من أم بلا أب فى آخر الأيام حسب ناسوته. إن الناسوت الذي ولدته القديسة العذراء مريم هو دائمًا لابن الله نفسه. هذا هو السبب فى أن كنيسة المشرق الأشورية تدعو في صلواتها العذراء مريم "أم المسيح إلهنا ومخلصنا". وفي ضوء نفس هذا الإيمان نفسه فإن تراث الكاثوليك يدعون العذراء مريم "والدة الإله" وأيضًا "والدة المسيح". وإن كل منا يدرك صحة وشرعية هذه التعبيرات لنفس الإيمان، وكلانا يحترم ما تفضله كل كنيسة فى حياتها الليتورجية وتقواها. ٤- هذا هو الإيمان الفريد الذي نعترف به عن سر المسيح. لقد قادت الصراعات الماضية إلى حرومات ضد أشخاص وصياغات. لكن روح الرب سمح لنا أن نفهم بطريقة أفضل اليوم أن الانقسامات التى تأدت بهذه الطريقة كان أغلبها نتيجة سوء فهم. ٥- مهما كانت خلافاتنا الكريستولوجية فإننا نجد أنفسنا اليوم في وحدة الاعتراف بنفس الإيمان فى ابن الله الذى صار إنسانًا حتى نصير نحن أولاد لله بنعمته. إننا نتمنى من الْآنَ فصاعدًا أن نشهد معًا لهذا الإيمان بالواحد الذي هو الطريق والحق والحياة، ونعلن ذلك بطرق مناسبة لمعاصرينا، حتى يؤمن العالم بإنجيل الخلاص. ٦- إن سر التجسد الذي نشترك في الاعتراف به ليس حقيقة مجردة ومنعزلة. إنه يشير إلى ابن الله الذى أرسل لأجل خلاصنا. وتدبير الخلاص الذي ترجع أصوله إلى الشركة السرية للثالوث القدوس -الآب والابن والروح القدس- يبلغ تمامه خلال المشاركة في هذه الشركة، بالنعمة، في الكنيسة الواحدة المقدسة الجامعة الرسولية، التي هي شعب الله، جسد المسيح، وهيكل الروح القدس. ٧- يصير المؤمنون أعضاء في هذا الجسد خلال سر المعمودية بالماء وفعل الروح القدس الذى به يولدون ميلادًا جديداً كخليقة جديدة. ويتم تثبيتهم بختم الروح القدس الذي يمنح سر المسحة. إن شركتهم مع الله ومع بعضهم البعض تصل إلى كمال إدراكها بالاحتفال بهبة المسيح الفريدة في سر الافخارستيا. هذه الشركة تنتظر أعضاء الكنيسة الخطاة حينما يتصالحون مع الله ومع بعضهم البعض خلال سر الغفران. أما سر السيامة لخدمة الكهنوت في الخلافة الرسولية فإنه يؤكد أصالة الإيمان والأسرار والشركة في كل كنيسة محلية. ٨- وإذ نحيا هذا الإيمان وهذه الأسرار، فإنه يتبع ذلك بالتالي أن الكنائس الكاثوليكية المعينة والكنائس الأشورية المعينة يمكنها أن تعترف ببعضها البعض ككنائس شقيقة. أن نكون في شركة كاملة وشاملة فإن هذا يستلزم إجماعًا على مضمون الإيمان والأسرار وقوام الكنيسة. حيث أن هذا الإجماع الذي نتمناه لم يتحقق بعد فإننا مع الأسف لا يمكننا أن نحتفل معًا بالإفخارستيا التي هي علامة الاستعادة الكاملة للشركة الكنسية. ٩- لكن على الرغم من ذلك، فإن الشركة الروحية العميقة فى الإيمان والثقة المتبادلة الموجودة حاليًا بين الكنيستين تؤهلنا من الْآنَ فصاعدًا أن نشهد معًا لرسالة الإنجيل ونتعاون في مواقف رعوية معينة، بما في ذلك على وجه الخصوص مجالات التعليم الوعظي وتكوين كهنة المستقبل. ١٠- وإذ نشكر الله أنه جعلنا نعيد اكتشاف ما يوحّدنا بالفعل في الإيمان والأسرار، فإننا نتعهد أن نعمل كل ما يمكن لإزالة عقبات الماضي التى لا زالت تعوق بلوغ الشركة الكاملة بين الكنيستين، حتى نستجب بطريقة أفضل لدعوة الرب للوحدة، هذه الوحدة التي يجب بالطبع أن يعبر عنها بطريقة مرئية. ولتخطي هذه العقبات فإننا الآن نؤسس لجنة مختلطة للحوار اللاهوتي بين الكنيسة الكاثوليكية وكنيسة المشرق الأشورية. (كاتدرائية القديس بطرس في ١١ نوفمبر ١٩٩٤ الكاثوليكوس مار دنخا الرابع، البابا يوحنا بولس الثاني) --- ### حادث دمشق - Published: ۲۰۲۳-۰٦-۰۲ - Modified: 2023-09-22 - URL: https://tabcm.net/11819/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: آدم, الأب متى المسكين, التبني, برنابا, قديس بولس الرسول واقعة الظهور المباغت من الرب يسوع لبولس تؤكد أن تدبير الرب لبيعته لم ينقطع أو يتوقف بعد أن أتم للبشرية خطة خلاصها، ولم يرُد آدم إلى رتبته الأولى وحسب بل منحه حياة أبدية، وحول العقوبة ـ الموت ـ إلى خلاصًا حسب تعبير القداس الإلهي، هي واقعة تكشف أن المسيح مازال هو الراعي الحقيقي الذي يختار خدامه، ويدعوهم. يصحبنا الكاتب إلى تلك اللحظة وذاك المكان: "كان يومًا مشهودًا، السماء صحو والوقت ظهيرة والشمس في قيظ الصيف في أشد لمعانها، والرحلة من أورشليم بلغت نهايتها إلا قليلًا، فقد ترك بولس ورفاقه شواطئ بحيرة طبرية بجوها اللطيف وخضرتها الداكنة، ودخلوا إلى مرتفعات الجليل الأعلىبطرقها الصخرية وصحرائها القاحلة. فكان الحدث الذي ارتجت له حياة بولس". (الأب متى المسكين: القديس بولس الرسول: حياته، لاهوته، أعماله) ويورد الكاتب نص ما سجله بولس عن هذا اللقاء، وأيضًا ما سجله باقتضاب القديس لوقا عن ذات الحدث، في سفر الأعمال، وكيف لم تحتمل عينا بولس النور المبهر: "وإذ كنت لا أبصر من أجل بهاء ذلك النور اقتادنى بيدى الذين كانوا معى فجئت إلى دمشق"(أعمال 22)،"وكان ثلاثة أيام لا يبصر، فلم يأكل ولم يشرب"(أعمال 9). (الأب متى المسكين: القديس بولس الرسول: حياته، لاهوته، أعماله) يعلق الكاتب على أن الذين كانوا مع بولس: "نظروا النور وارتعبوا ولكنهم لم يسمعوا صوت الذي كلمني""معروف أنه في انكشاف الحقائق السماوية، لا يمكن أن يرى كل واحد ما يراه الآخر أو يسمع ما يسمعه الآخر، لأن الاستعلان بالرؤية يعتمد أساسًا على مقدار وعمق وعى الإنسان الروحي، حيث لا يتساوى اثنان في المدارك الروحية، ولا يتفق اثنان على معنى واحد، لذلك نجد في وصف هذا الاختبار تعدد الشهادات من حيث الرؤيا والسمع والإدراك" (راجع أعمال 7:9 و 9:22). (الأب متى المسكين: القديس بولس الرسول: حياته، لاهوته، أعماله) ويلفت الكاتب النظر إلى أن الرب يسوع يظهر في نفس الوقت في رؤيا لحنانيا وهو من التلاميذ: «قُمْ وَاذْهَبْ إِلَى الزُّقَاقِ الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْمُسْتَقِيمُ، وَاطْلُبْ فِي بَيْتِ يَهُوذَا رَجُلاً طَرْسُوسِيًّا اسْمُهُ شَاوُلُ . لأَنَّهُ هُوَذَا يُصَلِّي، وَقَدْ رَأَى فِي رُؤْيَا رَجُلاً اسْمُهُ حَنَانِيَّا دَاخِلاً وَوَاضِعًا يَدَهُ عَلَيْهِ لِكَيْ يُبْصِرَ». فَأَجَابَ حَنَانِيَّا:«يَارَبُّ، قَدْ سَمِعْتُ مِنْ كَثِيرِينَ عَنْ هذَا الرَّجُلِ، كَمْ مِنَ الشُّرُورِ فَعَلَ بِقِدِّيسِيكَ فِي أُورُشَلِيمَ. وَههُنَا لَهُ سُلْطَانٌ مِنْ قِبَلِ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ أَنْ يُوثِقَ جَمِيعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ بِاسْمِكَ». فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: «اذْهَبْ! لأَنَّ هذَا لِي إِنَاءٌ مُخْتَارٌ لِيَحْمِلَ اسْمِي أَمَامَ أُمَمٍ وَمُلُوكٍ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ. لأَنِّي سَأُرِيهِ كَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَلَّمَ مِنْ أَجْلِ اسْمِي». فَمَضَى حَنَانِيَّا وَدَخَلَ الْبَيْتَ وَوَضَعَ عَلَيْهِ يَدَيْهِ، ... فَلِلْوَقْتِ وَقَعَ مِنْ عَيْنَيْهِ شَيْءٌ كَأَنَّهُ قُشُورٌ، فَأَبْصَرَ فِي الْحَالِ، وَقَامَ وَاعْتَمَدَ». (سفر أعمال الرسل 9: 11-18) توقفت كثيرًا أمام هذا الترتيب، وتوقيتاته، الله عندما يدعو من اختاره للخدمة لا يتركه وحيدًا بل يهيء كل ما ـ ومن ـ حوله، ليتمم خدمته، كإناء مختار. ويرد الكاتب على من ذهب إلى أن بولس كان يسمع صوت الرب في داخله وحسب، أو هو تنويع على الانفعال النفساني، وبعضهم حسبه مرضًا عصبيًا، ليفرد سطوره بخبرة الناسك الباحث المختبر، لشرح درجات الاستعلان وأصوله واستعداداته، في سياحة داخل أروقة الكتاب المقدس، يجمع الاستعلانات التي تتراوح بين ما يكون أشد من البوق، وبين ما يأتي خفيفًا لينًا، ومن الاستعلانات ما يأتي والإنسان يصلي، ومنها ما يأتي في الرؤيا والإنسان شبه نائم يرى ويسمع ويتكلم، "وقد اختبر القديس بولس درجات الاستعلان جميعًا". ويستحضر الكاتب شهادات من تعاملوا مع القديس بولس في هذه الواقعة وما تلاها، حنانيا وبرنابا، فالأول الذي كلفه الرب يسوع بالذهاب إلى بولس، يسجل شهادته: «أَيُّهَا الأَخُ شَاوُلُ، قَدْ أَرْسَلَنِي الرَّبُّ يَسُوعُ الَّذِي ظَهَرَ لَكَ فِي الطَّرِيقِ الَّذِي جِئْتَ فِيهِ، لِكَي تُبْصِرَ وَتَمْتَلِئَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ»"أَخَذَهُ بَرْنَابَا وَأَحْضَرَهُ إِلَى الرُّسُلِ، وَحَدَّثَهُمْ كَيْفَ أَبْصَرَ الرَّبَّ فِي الطَّرِيقِ وَأَنَّهُ كَلَّمَهُ، وَكَيْفَ جَاهَرَ فِي دِمَشْقَ بِاسْمِ يَسُوعَ"(سفر أعمال الرسل 9: 17، 27) ومع ذلك واجه القديس بولس حالة من الارتياب من الكنيسة، يرصدها الكاتب برشاقة وحرص: "نظر ـ بولس ـ حوله فوجد الكل مرتابًا ووجلًا، ودخل فترة من أعصب فترات حياته، فمَا كان يظن أبدًا أن يأتي اليوم الذي يقف فيه موقف المنبوذ! ، فلا المسيحيون جرأوا أن يقتربوا إليه، ولا اليهود رضوا أن يقترب منهم، أما المسيحيون، فمناظر وعلامات التعذيب كانت لا تزال على أجسادهم، وأخبار الذين طرحهم في السجون كلها ليست قصص الأمس البعيد، بل قصة اليوم، ولا تزال جروحهم عليهم، وأما اليهود فلما سمعوا شهادته بالمسيح فزعوا وأخذتهم الحيرة والدهشة ... "(الأب متى المسكين: القديس بولس الرسول: حياته، لاهوته، أعماله) يرصد الكاتب تربص اليهود تجاه القديس بولس، حتى أنه انطلق إلى العربية (المنطقة المتاخمة للبحر الميت، من جهة الشرق حيث قبر موسى، وتنتهى عند خليج العقبة) لكي يتوارى عن أعين المتربصين من جانب، وبالأكثر لإعادة بناء إيمانه من جانب أهم. ويظن الكاتب مرجحًا أن تحالفًا قام بين رؤساء الكهنة ووالي دمشق لإيذاء بولس الرسول والقبض عليه، فبينما "تَشَاوَرَ الْيَهُودُ لِيَقْتُلُوهُ، فَعَلِمَ شَاوُلُ بِمَكِيدَتِهِمْ. وَكَانُوا يُرَاقِبُونَ الأَبْوَابَ أَيْضًا نَهَارًا وَلَيْلاً لِيَقْتُلُوهُ. فَأَخَذَهُ التَّلاَمِيذُ لَيْلاً وَأَنْزَلُوهُ مِنَ السُّورِ مُدَلِّينَ إِيَّاهُ فِي سَلّ". (سفر أعمال الرسل 9: 23 ـ 25) و"فِي دِمَشْقَ، وَالِي الْحَارِثِ الْمَلِكِ كَانَ يَحْرُسُ مدِينَةَ الدِّمَشْقِيِّينَ، يُرِيدُ أَنْ يُمْسِكَنِي، فَتَدَلَّيْتُ مِنْ طَاقَةٍ فِي زَنْبِيل مِنَ السُّورِ، وَنَجَوْتُ مِنْ يَدَيْهِ". (رسالة بولس الثانية إلى كورنثوس 11: 32 ـ 33) بقى القديس بولس في منطقة العربية لنحو ثلاث سنوات، "وكانت فترة مراجعة وتوبة ودراسة على يد الروح القدس وانفتاح وعى الإيمان على أعلى وأعمق إمكاناته". (الأب متى المسكين: القديس بولس الرسول: حياته، لاهوته، أعماله) يتوقف الكاتب طويلًا أمام حوار الرب يسوع المسيح مع بولس وأثاره على فكر بولس، ويعلق: "حينما أطل المسيح في مجده على بولس من السماء؛ أدرك بولس الوطن السمائي المعد للخليقة الجديدة للذين يموتون في المسيح ويحيونله من الْآنَ، أدرك نوع الحياة الممجدة التي سيحياها مُتَّقوُه، أدرك حتمية زوال هذا العالم الحاضر، بعد اكتمال التبني فداء الأجساد لقبول مجد الحياة الأبدية. أدرك أن الرجاء الذي نرجوه الآن بالقيامة من الأموات يستمد اليقين من المسيح الناظر إليه من السماء". (الأب متى المسكين: القديس بولس الرسول: حياته، لاهوته، أعماله) يعود الكاتب فيقتفى آثار عمل المسيح في القديس بولس، وكيف كان التغيير يتم على مراحل حسب تعبير ق. بولس "وَنَحْنُ جَمِيعًا نَاظِرِينَ مَجْدَ الرَّبِّ بِوَجْهٍ مَكْشُوفٍ، كَمَا في مِرْآةٍ، نَتَغَيَّرُ إِلَى تِلْكَ الصُّورَةِ عَيْنِهَا، مِنْ مَجْدٍ إِلَى مَجْدٍ، كَمَا مِنَ الرَّبِّ الرُّوحِ. "(رسالة بولس الثانية إلى كورنثوس 18:3) وكيف ظل المسيح يبنى هذا الرسول لحساب خلاص الأمم، وكيف اكتمل منهجه الروحي الذي استلهمه من المسيح نفسه، عبر استعلانات متتالية وكثيرة، وهو ما نعرفه من دفاعه عن صدق إنجيله ودرايته بسر المسيح. ويكشف الكاتب أن "قيام بولس الرسول بالخدمة الرسولية بين الأمم ذوي الغلفة هكذا بأمر الرب وتدبيره وبموافقة الرسل وإعطائه يمين الشركة، انفتحت الكنيسة على العالم كله. وهنا يليق بنا جدًا أن نتفكر مليًا، كيف أعد الله بولس الرسول ليكون فريسيًا، متعصبًا للناموس، ليقود حركة دخول الأمم الغُلف للإيمان بالمسيح دون ناموس ولا سبت ولا ختان ولا أي عادة من عادات اليهود، أخذًا على نفسه حمايتهم من سطوة الفريسيين، بما له من دراية وعلم ومقدرة للدفاع والإقناع. هذا أمر يَدهِشُ له العقل حقًا". (الأب متى المسكين: القديس بولس الرسول: حياته، لاهوته، أعماله) ثم يأخذنا الكاتب إلى لجج وأمواج خدمة القديس بولس في عرض "مسيحية القديس بولس"، وهو ما سنعرضه في المقال القادم. --- ### إنّهم يعشقونها - Published: ۲۰۲۳-۰٦-۰۱ - Modified: 2023-05-17 - URL: https://tabcm.net/11833/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون "أنا بموت فيه... هو فيه حلاوة كده يا ناس! ! " هكذا تمتمت قريبتي مدام "سوسن" مالكة أحد أكبر محلات الملابس في شارع "عباس العقاد" بمدينة نصر، لصديقتها "حنان" مالكة أحد أكبر محلات الحلويات والكب كيك في شارع "عباس العقاد"، والمجاور لـ"بوتيك سوسن"، فأيدتها الرأي، قبل أن تتجه "سوسن" إلى صالة الجيم الشهيرة في شارع "الحجاز" بمصر الجديدة لتتبعها بالساونا، ثم اتجهت إلى صالون التجميل الأشهر في الشارع المقابل، لتستلقي على بطنها شبه عارية وتستسلم لـ "لؤي" مدلك المساج، أخرجت هاتفها المحمول من حقيبتها وكتبت على صفحتها على الفيسبوك: "لازم نستحمل شوية بقى... أبداً لن تسقط مصر... "   عبثاً حاول قريبي طبيب العظام الشهير إقناعي بضرورة تأييد الدولة ضد المؤامرة التي يشنها العالم أجمع على مصر، وعن مدى الإساءة والضرر الذي يتسبب فيه أمثالي من "النوشاتاء" - مثلما نطقها ساخراً معتمداً - المتحيزين لسقطات وهفوات النظام، قاطعته رنة موبايل لحوحة، استأذن لدقائق قبل أن يعود بوجه مبتسم وبشوش قائلاً: "وشك حلو عليا... تامر أبني الحمد لله أخد إعفاء من الجيش" سألته عن سبب إعفائه، فأخبرني بصوت خفيض عن أحد مرضاه صاحب الرتبة العسكرية والذي يحمل على كتفيه عدداً لا بأس به من النسور والنجوم، والذي تدخل بنفسه موصياً على فلذة كبده، الحيلة، حتى يحصل على الإعفاء، ثم هتف قائلاً: "إحنا كنا بنقول إيه بقى؟ آه... كنا بنتكلم على الجيش والوطنية والنوشاتاء الخونة اللي بينتقدوا النظام ومش عاجبهم حاجة... " نظرت إليه طويلاً ولم أجيب.   على صفحتي على فيسبوك كتبت تعليقا ساخرا عن سذاجة النظام الاقتصادي القائم على فكرة الشحاتة وحدها، فهاجمني قريبي المهندس الكبير، الذي يعمل بأحدي أرقي الشركات في مصر، ويتقاضى راتباً مكون من عدد ضخم من الأصفار، أخبرته أن تلك هي قناعاتي، وله مطلق الحرية في قناعاته بجدوى فكرة الشحاتة ودورها في تحسين الاقتصاد مثلما يدعى، ثم سألته عن أخر تبرع قام به لمشروعات الدولة، أجابني بحدة وقد أستبد به الغضب: "ما إحنا متبرعين بعمرنا وشقائنا كله عشان البلد... ده دور الجيل بتاعكو إنه يتبرع شوية... " ولم ينس أن يتبع تعليقه بصورة للأهرامات الثلاثة، مكتوبا عليها "تحيا مصر" ثلاثا أيضا.   صدفة التقيت بزوج عمتي الذي يمتلك أحد أكبر محال الذهب والمجوهرات في مصر الجديدة، عاجلني قائلاً: "مش تبارك لأبن عمتك؟"، نظرت إلى ابن عمتي متسائلاً: "مبروك يا تامر... بس عليه؟"، قاطعنا والده مرة أخرى: "تامر بقى وكيل نيابة خلاص"، نظرت إلى تامر مهنئاً ومتعجباً، فأنا أعلم أن تقديره لم يتجاوز الـ"مقبول"، فوضح تامر الأمر بفخر أنه قد تم أختياره، متجاوزاً الآلاف المتفوقين، "بعد وساطة أونكل هشام صاحب بابي"، والذي يشغل منصب حساس في جهة سيادية عليا، وفي اليوم التالي كتب زوج عمتي على صفحته يقول: "أدعو لتامر أبني في مهمته الصعبة... تامر بقى وكيل نيابة عشان يحاكم الإرهابين والخونة والعملاء والنشطاء... ربنا يكون في عونك يا ابني وكلنا فداكي يا مصر" بسرعة أجبت عليه معلقا: "ربنا يكون في عونه وفي عوننا يا عمي"، ثم ألحقت تعليقي بصورة للزعيم الخالد سعد زغلول وقد كتبت عليها: "مفيش فايدة" --- ### المرحلة الخامسة:
غريبٌ يساند في حمل الصليب - Published: ۲۰۲۳-۰۵-۳۱ - Modified: 2023-05-30 - URL: https://tabcm.net/11817/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: سمعان القيرواني يساعد شخصٌ غريب يسوعَ في حمل صليبه! الغرباء أشخاصٌ نخشاهم، مَن الغرباء الذين أشعر بالخوف منهم؟ بالسخرية والتنمّر عليهم؟ ما أنواع النكات التي نطلقها على الأفارقة في مصر من السودان وإثيوبيا وغيرهم من الدول؟ ما شعوري تجاه اللاجئين السوريّين؟ هل فكّرتُ في الأمر نفسه إذا عامل الأوربّيّون المصريّين بالطريقة نفسها؟ سمعان القيروانيّ. هو ذلك الغريب ذو القلب الإنسانيّ الذي شعرَ بعناء الآخرين، فلا يسأل عن العرق ولا اللون ولا الدين. يؤمن فقط بالإنسان المظلوم والمتألّم والمنهار تحت حمل صليبه. يتطوّع مجّانًا ليمدّ يدَ العون. . ليحمل الصليب مع الآخرين. . يخرج من ذاته، ومن دائرة راحته ليساعد الآخر. كم قيروانيًّا قابلتُ في حياتي؟ أطبّاء وممرضين. كهنةً ورهبانًا وراهبات. . آباء وأمّهات. . عمّالًا وموظّفين. لكن أيضًا سمعانُ القيراونيٌّ هو كلّ شخص يسعى إلى خلق مجتمعٍ أفضل، أولئك الذين ناضلوا من أجل العدالة والحرّيّة والمساواة، ولكنّهم طُرحوا في غياهب ظلمات السجون، وطواهم النسيان. لقد ناضلوا ودافعوا في مجتمعاتهم من أجل تأسيس ملكوت الله على الأرض. ملكوت العدالة والسلام. . فهل نتذكّرهم؟ ماذا نفعل من أجلهم؟ --- ### الطائفية، إلى أين؟ - Published: ۲۰۲۳-۰۵-۳۰ - Modified: 2023-05-30 - URL: https://tabcm.net/11958/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, شئون علمانية - وسوم: إرنستو تشي جيفارا, الأصولية, اللاهوت السياسي, بابا شنودة الثالث, كارل هانريش ماركس, مجلة مدارس اﻷحد الصورة المرفقة مفصحة عن "كراهية" طائفية من أرثوذكس للكاثوليك، وقد أطلقها أحدهم وقت زيارة البابا تواضروس للفاتيكان، ولتسمحوا لي باستخدامها في المضي لأفاق أبعد، بهدف دراسة الحركات الأصولية الأرثوذكسية. فمشهد / موقف "المسيح يطرد باعة الهيكل" تم استخدامه في التجييش والأقصاء أكتر من مرة على مدار التاريخ. مشهد "المسيح شايل الكرباج" كان اختيار الثوري نظير جيد (البابا شنودة الثالث ﻻحقا) لغلاف مجلة مدارس اﻷحد وقت أن كان رئيسا لتحريرها، وفي وقت كانت طباعة الغلاف فيه بدائية ومكلفة عن طباعة المحتوى، بالتالي الغلاف مكنش بيتغير طيلة العام لتخفيض تكاليفه وتوزيع كلفة الماستر على كل أعداد السنة. يكفي كمان إنك تلاحظ إن الشخص الأرثوذكسي الطائفي صانع رسالة الكراهية، يضع صورة البابا شنودة أيضا كصورة لملفه الشخصي على فيسبوك. لو انت فاكر تكرار اسم "البابا شنودة" مرتين في نفس اللقطة هو مصادفة، أو حتى مقحم مني، فحضرتك ينقصك الكثير لتعرفه عن علم الأيديولوجي (علم الأفكار الكامنة، والمفصح عنها في السلوك البشري). في واقع الأمر فهذا نموذج لضحايا التسليم الأعمى وبدون ذرة مراجعة لفلسفة ومدرسة البابا شنودة في الخطابات المزدوجة وحجب المعلومات عن "العوام" وتوظيفهم السياسي كروبوتات مغسولة المخ فاقدة التفكير النقدي (جيوش غوغاء / لجان عنف) في معارك سياسية / وطنية / قومعروبية مختلطة. وعموما، لندع البابا المتنيح ومدرسته وعشاقه وعبيده وأتباعه جانبا، على سبيل "دع الموتى يدفنون موتاهم"، وهم بالتأكيد سيغضبون ويردون بطريقة "حي في قلوبنا" كعادة عبيد الكاريزما الذين تتقدم أولوياتهم في الدفاع عن "شخوص" ﻻ "قيم" عامة مجردة. جدلية المسيح الماركسي (أو الجيفاري، أو المسيح حامل السلاح) أكبر وأعظم من كل هذا، تاريخيا، تم استثمارها في صناعة ﻻهوت التحرير في دول أمريكا اللاتينية، عبر تزاوج أفكار كاثوليكية مع أفكار ماركسية جيفارية. وتم استثمارها أيضا في صناعة "ﻻهوت المقاومة المسلحة" في قضية فلسطين عبر تزاوج أفكار بروتستانتية مع أفكار اشتراكية قومعروبية أيضا. كل هذا وأكثر، بعاد تشكيله إعلاميا وإعادة طرحه بشكل جميل من بعض الأساقفة المعاصرين على إنه "موقف وطني" مثلا، بينما يراه أمثالي  على أسس أخلاقية أنه: نفاق سلطة وجبن غير شجاع على المستويين الديني والوطني. كل استثمارات "المسيح الساخط الذي يحمل الكرباج" هي جزء من كل غير متمايز في دراسات اللاهوت السياسي التي تدرس "الدين كأداة حكم / أداة سلطة / أداة قيادة في وقت الحرب"، الشبه محظور دراستها، أو المكروه تفكيكها وردها لقواعدها الدينية عند من يقولون بأن "السياسة نجاسة" (الرئيس اﻹخواني محمد مرسي)، أو حتى من يقولون "الكنيسة ﻻ تمارس السياسة"، وينظرون لها (أعني العلوم السياسية) كقيم سلبية بمن فيهم قداسة البابا تواضروس نفسه. بينما المدرسة الشنودية الأصولية تقول هذا القول أيضا كتكنيك خداع، وواقعيا تطبق عكسه، الرئيس السادات نفسه كان مخادعا هكذا، فهو القائل "ﻻ دين في السياسية وﻻ سياسة في الدين" وهو قول واضح الفصل بين الدين والسياسة، بينما واقعيا كان يتفاخر بأنه "الرئيس المؤمن" الذي صلى صلاة الظهر في قلب الكاتدرائية جالسا على كرسي وواضعا "كبير القبط" على الأرض (تركيع سيادي بالدين) سمة العصر والملابسات الصراعية والصدام بينهما (كقادة للأصولية في المنطقة) جعلت من كلاهما مسؤولا عن تصعيدات اضطرارية ﻻ يمكنك معها تحديد من أين تنزع فتيل الحرب الأهلية القادمة لو لم يختفي أحدهما من مشهد "حراسة العقيدة" فورا! وتظهر أصوات تستعيد السلم وتدير العلاقات بشكل سياسي بعيدا عن هذا الصدام الأصولي بين الكبار! في عيوني، المثقلة بالبيت من الداخل، البابا تواضروس ساذج سياسيا، والبابا شنودة متلاعب سياسيا,, إذ تظل السياسة هي الأداة الوحيدة التي نعرفها نحن أهل العالم (مسيحيين ومسلمين وملحدين) لتجنب الـConfrontation (الصدام / العنف / الحرب)، لكن أغلب رجال الدين ﻻ يعلمون هذا وﻻ يعلمون أنها علم مدني قوي ومعتبر وعليه تقام الديبلوماسيات ووزارات الخارجية في أي دولة وأي نظام حضاري ذكي. السياسة يا سادة هي علم مدني عريق، تمتد جذوره لنشأة الفلسفة ذات نفسها وقائم على ترتيب الأولويات بشكل غير عاطفي لتحقيق أكبر استفادة أو مصلحة للجماعة. علم عقلاني منطقي قائم على الثبات الانفعالي والتفكير الحكيم لخطوات أبعد. علم له قيم وأخلاق أيضا، لكن محظور على رجل الدين أن يجمع مع سلطاته الدينية سلطات سياسية. أما أنا كفرد (مواطن) فلست ممنوعا أصلا من هذا وﻻ ذاك، أنا ليس لي سلطة دينية وﻻ سياسية حتى تحسب لي دمجا بين سلطات متعددة تتضارب مصالحها. رجال الدين دوما - كنيسة كانوا أو إخوانا وشيوخا أزاهرة - يستخدمون منابرهم في تصدير مشكلاتهم المهنية وقيودهم لي أنا العلماني الأعلى حرية من كل هذا،، فيعادون -بقصد أو من دون قصد- أداة السلم (السياسة) خوفا من اتهامهم بالتدخل في نظم الحكم! ! (هم واقعيا جزء من نظام الحكم الاجتماعي مهما كان الاتفاق أو الاختلاف مع النظام الحاكم) بعيدا عن نظم الحكم بحلوها ومرها، كنت أتمنى أن أجد ﻻهوتيينا المسيحيين اﻷرثوذكس، أو ودارسي إنجيلنا العام حتى! أو اتباع المسيح من أي طائقة وملة ونحلة،، يلتفتون لما هو مكتوب في الإنجيل أن ممن طردهم المسيح بكرباجه كان "باعة الحمام"، وهي فئة فقيرة مهمشة وفي أدنى درجات القهر والضعف لدرجة أﻻ تؤخذ بشهادتهم في المحاكم اليهودية كنوع من الغبن الإضافي تجاههم. بشكل أوضح: لم يكن المسيح ذو الكرباج معاديا للأغنياء فقط، وﻻ رجال السلطة فقط، كما يرسخ الماركسيون الذين يقومون بتأويل كل أمور الدنيا لمسألة "الصراع الطبقي" ويحرضون عليه في كل وقت. بل تصادم يسوع غاضبا أيضا مع الضعفاء والمهمشين والفقراء والمقهورين إن تجاوزوا القيم! ! لم يكن المسيح يساريا انتقائيا حتى يقول "ده أصله بروليتاريا رثه، سيبوه" أما "ده برجوازي، يستاهل" في كرباجه. بل كان القائل: لا تظنوا أني جئت لألقي سلاما على الأرض. ما جئت لألقي سلاما بل سيفا. فإني جئت لأفرق الإنسان ضد أبيه، والابنة ضد أمها، والكنة ضد حماتها. وأعداء الإنسان أهل بيته. (يسوع المسيح، اﻹنجيل بحسب رواية متى، اﻹصحاح 10، اﻵيات 34-36) بطريقة أخرى، إن هؤلاء الذين يخافون من الانشقاقات الداخلية فنجدهم طيلة الوقت يدعونا للمصالحة والتريث مع الأصوليين من أهل بيتنا وعشيرتنا وأوطاننا ودولتنا وديننا وطائفتنا، أو هؤلاء الذين يوصون قداسة البابا بالتوازنات بين أصحاب القيم الوحدوية، وأصحاب القيم التمزيقية العدائية من رافعي شعار "ﻻ وحدة قبل أن يصير الكاثوليك أرثوذكسا"، هم ببساطة مخدوعون في فهم "فلسفة المسيح" الذي كان يعلم تماما كل ما هو قادم. وألقى وصايا وتعليمات صريحة جدا في بقية الإصحاح، في أن تكون أعيننا نحو "القيم"، حتى لو كانت كلفة ذلك خسارة اﻷشخاص الذين تحبهم أو من أقرب المقربين لك. لم أتعلم هذه القراءة للمسيح في مدراس اﻷحد المصممة لرياض اﻷطفال التلقينية,, (فمن الطبيعي أن يتعلم  النشء قيما أسرية وليست "فوق أسرية")، ولم أجدها في معاهدنا اللاهوتية المنحازة معرفيا لقومية ضيقة حتى لو كانت محببة لقلبي، (فمن الطبيعي أن معاهدنا تتبنى قيما قبطية (قومية) وليست "فوق قومية")، لكني وجدت ضالتي في "القراءة العلمية المجردة" في قلب مصر، عند معهد اﻵباء الدومنيكيين للدراسات الشرقية (للكاثوليك 1700 نوعا من الرهبنة الدولية موجودة في 5 قارات، والدومنيكان هم رهبان البحث العلمي ومسؤولي الحوار الكاثوليكي مع اﻵخر - أي أخر). وبالتأكيد أنا -كفرد مسيحي ومصري أرثوذكسي- أجد كمية أكبر من التوافقات الفكرية والعلمية والمنهجية في استنباط القيم المسيحية من شخص المسيح ذاته، أعلى وأهم وأمضى دلالة وتأثيرا على أفكاري الشخصية من تأثيرات ليس فقط مراكز القوى مثل اسقف مغاغة واسقف الثقافة واسقف الشباب (قادة الأصوليات وشيوخ ورؤساء العيال اللي بشبشب ومموليهم من خلف حجاب) بل أصدقكم القول في أن تأثير المسيح ووصاياه على الإنسان المسيحي يجب أن يكون أعلى من تأثير الباباوات أنفسهم، ومدارسهم، وسياساتهم، وثقافتهم، سواء التي أختاروها أو التي أجبروا عليها. وفّق الله كل / أي بابا وقائد ورئيس يسعى لتوحيد البشر وزيادة مساحات السلام بين البشر ونبذ الحروب والتقسيمات والانشقاقات والتحزبات، وأعانهم على ما ينتظرهم من ضيقي الأفق وواضعي الخشب في العجلة من أهل بيتهم. و"أعانهم" هذه ليست انتظارًا للسماء من إله السلام وملك السلام وحده، بل بنا نحن أيضا أبناء الأرض يجب أن تكون هذه المعاونة. فاااااااااااا. . فالصورة منحطة أخلاقيا، ومعبرة عن خلل قيمي ومغالطات ماركسية جيفارية ثورجية وقومجية تدين العيل أبو شبشب، وشنودة في بروفايل بكتشره ومدرسته، ومن المفترض أن تخجل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية الرسمية لأنها فاشلة في الاستخدام السياسي لعلوم اللاهوت، ومعبرة عن تسطيح وعظي ساذج لتعاليم المسيح بحيث أصبحت تستخدم في عكس مواضعها، وتعلن عن فشل تربوي وقيمي قاد لهذه الكراهية! تكلموا عن أنفسكم، ودعوا لنا مسيحنا دون تشويهكم المسيّس والمؤدلج والمحزبن! بسلطة ﻻ تزيد عن بائع الحمام المهمش والمحتقر، أتقدم بالاعتذار لكل كاثوليكي عن السلوك المنحط للعيل أبو شبشب! --- ### ضحكات طفل - Published: ۲۰۲۳-۰۵-۲۹ - Modified: 2023-05-27 - URL: https://tabcm.net/11952/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون كنت أجلس في مطعم الحي الذي نعيش فيه، أنا وزوجي، مع طفلي الذي لا يتجاوز عامه الثاني، وقد أجلسته على كرسي عالٍ إلى حدٍّ ما. ولم يكن في المطعم غير قليل من الرواد. لاحظت أن طفلي بدأ في الحركة قليلًا، ثم بدأ يشير إلى إحدى السيدات الجالسة بعيدًا مع حفيدها. كانت هذه السيدة العجوز ذات ملابس متواضعة تلفت النظر من بعيد، وقد ملأ الشعر الأبيض رأسها. كنت أخاف أن أقترب منها لئلا تكون رائحتها غير مقبولة. المهم أن ابني لمحها من بعيد، فبدأ أن يشير لها وكأنها صديقة له! ! تلفتُّ لزوجي وتبادلتا لهمسات: "ماذا نفعل؟" فطأطأ برأسه وابتسم، وكأنه يقول لي: "ليس هناك من شيء نستطيع أن نفعله". لحظات وجاء الأكل الذي كنا قد طلبناه. وبدأت في إطعام ابني وهو يمسك قطعة الشيبسي من يدي ويشير بها إلى السيدة وكأنه يريد أن يعطيها مما يأكل. بدأ الجالسون في المطعم يلاحظون هذا، وبدأت الابتسامات على الوجوه تزداد، وحالة السرور تفرِّح قلب الجالسين في المطعم. بسرعة أكلنا وانتهينا من أكلنا، فقام زوجي ليدفع الحساب وقال لي أن ألحقه إلى عربتنا الواقفة خارج المطعم. وعندما قمت من مكاني لأذهب إلى خارج المطعم، صليت قائلة: "يا ربي يسوع، أتوسل إليك: اجعلني أمر بسلام دون همسات وغمز ولمز من رواد المطعم! ! ". ومررت وأنا أحمل طفلي بجانب السيدة العجوز ولا أنظر إليها. وحالمَا اقتربت من طاولة هذه السيدة، إذا بابني يمد كلتا يديه إلى هذه السيدة العجوز، وهي بدورها مدت يديها إلى ابني وتلقفته قبل أن يفلت من بين يديَّ. فإذا بابني يلقي رأسه على كتف هذه السيدة العجوز ليعبِّر عن محبة فياضة، وثقة عميقة، بطهارة قلب، وكأنه يعرفها منذ زمن بعيد. لم أرَ عمقًا هكذا من المحبة النقية الصادقة! توقفت وأنا أشاهد هذا المنظر الجميل، كيف يعبِّر الطفل هكذا عن محبته دون خوف أو حاجز بينه والطرف الآخر. نظرت إليَّ السيدة بتمعُّن والدموع في عينيها، ثم قالت: "من أجل خاطر المسيح، اهتمي بهذا الطفل"! قلت لها: "سأفعل". ثم حَمَلـَت السيدة طفلي في كلتا يديها وأعادته إليَّ وقالت: "لقد أسعَدَتني رؤيتكما اليوم، أسعد الرب صباحكما". قلت لها: "المسيح يبارك حياتك! " قالت: "شكرًا". وأخذت طفلي وأنا أرتعش، وقليلًا قليلًا خرجت من المطعم وأنا أفكر في ما حدث: طفلي كان ينظر إلى روح إنسان؛ وأما أنا فقد نظرت إلى ملابس السيدة! كنت أنا المسيحية أحمل طفلي ولا أرى حقيقة ما يدور حولي؛ في حين ابني كان واعيًا بما يحدث! كنت كمن يسأل نفسه: "هل لديَّ الاستعداد لكي يكون ابني مشاركًا الآخرين في مشاعره! ؟"، ألم يكن الله مشاركًا لابنه مع كل العالم من أجل خلاصهم؟ فتذكرت الآية الجميلة التي تقول: "إِنْ لَمْ تَرْجِعُوا وَتَصِيرُوا مِثْلَ الأَوْلاَدِ فَلَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ"(إنجيل متى 18: 3) --- ### القداس الإلهي (٣) - Published: ۲۰۲۳-۰۵-۲۸ - Modified: 2023-12-10 - URL: https://tabcm.net/11911/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: إفخارستيا, چورچ حبيب بباوي, يوحنا الحبيب, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية يعتمد هذا المقال على ما كتبه العلامة الدكتور بباوي الذي جاء بقولين لإثنين من آباء الكنيسة القديسين: "نحن نولد من الله ونكون أبناء له، ولكننا نولد منه في كل قول وفعل، أي نصير ما نحن عليه (أي نصير أولاد الله)"(العلامة أوريجينوس) "ما معني الشركة؟ نحن الجسد نفسه. ولكن ماهو الخبز؟ هو جسد المسيح. وماذا يصبح الذين يشتركون؟ يصبحون جسد المسيح، ليس أجساداً كثيرة، بل جسدٌ واحدٌ"(القديس يوحنا ذهبي الفم) وللتفسير نقول إن الكنيسة بكونها جسد المسيح -إذ إن الروح القدس في سر المعمودية يزرعنا في الطبيعة الجديدة للإنسان التي تأسست في المسيح يسوع"لأَنَّنَا جَمِيعَنَا بِرُوحٍ وَاحِدٍ أَيْضًا اعْتَمَدْنَا إِلَى جَسَدٍ وَاحِدٍ"(هو جسد المسيح) (رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس الأولي 12: 13)، فإن الكنيسة أيضاً تكون إلى ما هي عليه -أي تكون جسد المسيح- بأن تشترك في جسد المسيح بالإفخارستيا:”مَن يأكل جسدي ويشرب دمي يكون فيَّ وأنا أكون فيه“. وكأني هنا أري الإنسان هو من جسد أمه جنيناً في أحشائها، ثم يشترك في لبن ثدييها لينمو ويكون مثلها، بالرغم من أنه منها. كذلك مؤمني الكنيسة يشتركون في جسد المسيح من خلال سر الإفخارستيا، إذ هو نمو للاتحاد الذي بدأت منه الكنيسة كيانها، لكي ما يكون لها دائماً ملء المسيح كلما أتسعت تخوم أبنائها في نموهم الروحي. لذلك يبدأ القداس الإلهي بما ينتهي إليه وهو بنيان الكنيسة جسد المسيح : "مجداً و إكراماً للثالوث الأقدس الآب والابن والروح القدس سلاماً وبنياناً لكنيسة الله“. ما تقدمه الكنيسة على مذبحها الإلهي ليس مرادفًا أو مشابهًا لما يقدمه الوثنيون أو إسرائيل العهد القديم. هم كانوا يقدمون ذبيحة لا علاقة لها بهم. أما ما نقدمه نحن الكنيسة فهو مختلف جذرياً لأنه ”شركة“. لهذا فإن سر الإفخارستيا هو سر ”الشركة“: فالشعب يقدم خبز وخمر يمثل بشريتهم وعصارة جهدهم وحياتهم على الأرض. والرب من السماء يشترك في تقدمتهم الناسوتية بحلوله لاهوتياً فيها. إن تجسد المسيح إلهنا ”الكلمة صار جسداً وحل بيننا“ لم يكن حدثاً زمنياً تمَّ وانتهي نحتفل به كذكرى عقلية كما يؤرخ له العالم، بل هو سرٌ يمتد ويستمر في حياة المسيحيين دون أن يتكرر ”ها أنا معكم كل الأيام“. نحن نصلي في القداس قائلين: "هوذا كائنٌ معنا الآن على هذه المائدة عمانوئيل إلهنا حمل الله الذي يحمل خطية العالم كله. الجالس على كرسي مجده، الذي يقف أمامه جميع الطغمات السمائية“. واضحٌ أن الصلوات تربط بين جسد المسيح في سر الإفخارستيا وبين جسد المسيح إلهنا المولود في بيت لحم ”عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا “. ما صنعه الرب له المجد في جسده الخاص ينتقل -بالإيمان والأسرار- إلينا بأن يزرعه الروح القدس في طبيعتنا البشرية فيصير ”جسد المسيح“ ليس بَعد جسدٌ خاصٌ به بل المسيح و الكنيسة. لذلك لا تفرقة في اللاهوت الأرثوذكسي بين جسد المسيح المولود في بيت لحم الذي ارتفع على الصليب، وبين جسد المسيح في الإفخارستيا، أو بين الكنيسة جسد المسيح الذي احتوى الرب فيه كل المؤمنين به في الأرض والسماء. في الإفخارستيا نحن لسنا أمام ذبيحة مثل العهد القديم أو كما عند الوثنيين، بل هي شركة بين ما يقدمه الشعب -كنيسة الله- بشرياً وبين ما يقدمه المسيح لاهوتياً بواسطة روحه القدوس وحلوله وعمله في الخبز والخمر حتي يجعله جسداً مقدساً ودماً كريماً له. واشتراكنا بالتناول من سر الإفخارستيا هو تأكيد لكينونتنا في بشرية المسيح إلهنا:”مَن يأكل جسدي ويشرب دمي يكون فيَّ وأنا أكون فيه“. وتردد صلواتنا قول الرب هذا فنقول في القداس الإلهي: "لكي إذ طهرتنا كلنا تُوحِّدنا بك من جهة تناولنا من أسرارك الإلهية"(القداس الباسيلي) "لكي إذ نتناول بطهارة من هذه الأسرار نصير شركاء في الجسد وشركاء في الشكل وشركاء في خلافة مسيحك"(القداس الكيرلسي) والسُبح لله. بقلم د. رءوف إدوارد --- ### ثراء رؤيا يوحنا، وأحلامنا الفقيرة - Published: ۲۰۲۳-۰۵-۲۷ - Modified: 2023-05-25 - URL: https://tabcm.net/11930/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: أنور جورجي, إبراهيم أبو الأنبياء, بابا شنودة الثالث, بروس أنيستي, حليم إبراهيم أرسناوي, رئيس جمال عبد الناصر, رشاد فكري, صدى النبوات, عتبات الأبدية, يوحنا الحبيب هل سبق لك أن حاولت التقاط حلم؟ في المدرسة وأثناء جلسات النميمة، غالبًا ما كنت أستمع إلى زميلاتي وهن يشاركوني أحلامهن الحية، بدءًا من اللقاءات الرومانسية إلى السيناريوهات المرعبة. بعضهن اختبرن مذاق قبلات متطايرة على أجسادهن المخدرة في أحضان حبيب أو غريب. أخريات رأين ثعابين تلتف حول أعناقهن لتوقظ لدغاتها غفواتهن المعدودات. وبعضهن وصفن وحوشاً أو أشراراً أردن افتراسهن عبر مطاردات عنيفة مثل أفلام التسعينيات... ومع ذلك، فإن جهودي للبحث عن مثل هذه التجارب أثبتت فشلها وضاعت محاولاتي في البحث عن حلم هباءً. كان ذلك في مراهقتي، إلى حين قرأت وتعرفت على: رؤيا يوحنا. "رؤيا يوحنا اللاهوتي"، هي واحدة من أكثر الرؤى شهرة في الكتاب المقدس، السفر الأخير في العهد الجديد، وكانت ولا زالت موضوعاً للتأمل والتفسير وتأويلات رجال الدين المسيحي، الذين حاولوا فك رموزها وألغازها بطرق عدة. أحياناً تم ربطها بتنبؤات مستقبلية عن نهاية العالم وشكل الحياة الأخروية، بينما جاءت تفسيرات أخرى تحاول إسقاطها على الواقع، وما نشهده من حوادث، حرب عالمية ثالثة، مجاعات وكوارث تنتهي معها الأيام على الأرض. انتشرت تلك التأويلات بكثرة، لاسيما في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، واعتبرت كتب تفسير رؤيا يوحنا واحدة من أكثر الكتب شعبية في مكتبات الكنائس والعظات المسيحية، لما تحويه رموزها من تشويق ومعانٍ مثيرة، تستفز القارئ الذي يجد نفسه عاجزاً عن تفسيرها. تحاول التفاسير المسيحية السائدة التفريق بين الحلم والرؤيا، الأول ما يراه الإنسان خلال النوم العميق، والثانية تأتي في مرحلة وسطى بين الوعي واللاوعي، أو في حال اليقظة. أما مفسرو الأحلام فيفترضون أن الأحلام لا تأتي كلها من الرب، أو ذات هدف روحي، وفي هذا الجانب يتم ذكر أحلام يوسف النجار (خطيب العذراء مريم) التي جاءت في الإصحاحين الأول والثاني من "إنجيل متى"، والتي توصف بأنها رسائل أراد الله إيصالها له ليطمئن من جهة مريم العذراء، وليخطره مرة أخرى بالهروب إلى مصر مع المسيح الطفل ومريم العذراء، حذراً من بطش هيرودس الذي أراد قتل الأطفال دون العامين. لماذا أحلامي فقيرة، وليست مثل التي عند القديسين؟ تراود الأحلام أيضاً للأشخاص غير المؤمنين، ويرى البعض أن الله كرسالة تحذيرية، مثل حلم فرعون، أو أبيمالك ملك جرار، حين أخذ زوجة النبي إبراهيم لنفسه، فحذره الله ليلاً في حلم بإعادة سارة لزوجها. أما الأحلام العادية، مثل تلك التي تعنّ لنا، أي تلك التي ليست من الله، فهي نتاج العقل الباطن (اللاوعي)، والتفكير والأحداث اليومية التي تثبت في العقل بالقراءة أو المعرفة أو السماع، التي قد تخرج كلها بصورة أحلام. مع ذلك، أذكر أن البابا شنودة، البطريرك الراحل، يقول أن الأحلام أو الرؤى كلاهما قد تكون من الله أو الشيطان، بحسب مدى مطابقته مع كلام الله أو عدم مطابقته. هل أنا مريضة؟ أخبرتني إحدى الصديقات أن قلة الأحلام أو انعدامها تعني أنني مريضة، وعليَ طلب مساعدة من مختص نفسي. صديقة أخرى نفت لي هذه الفرضية، لكني توصلتُ بقليل من البحث إلى ضرورة تهيئة نفسي للحلم. سعيت جاهدة لتدوين بعض ما أتذكره في فترات نومي، أديت بعض الطقوس التي استدعيت فيها أي حلم أو مشهد مُخزن من عقلي الباطن، كانت الصور التي تأتيني ليلاً غائمة، مطاردات غير واضحة، كأنني أركض من شيء ما، صور لا ترتقي لتوصف أنها حلم يمكن قصه على أحد، كل ما تذكرته في مراهقتي بقايا أشكال متناثرة في مخيلتي لا أكثر. قلة أحلامي لم تكن تؤرقني بقدر ما كانت تؤنبني. في فترة من حياتي ظننت أن الأحلام هي للصديقين والأتقياء، أما الأشرار أمثالي فلا حلم لهم، وما دعم تلك النظرة الدونية للنفس بعض التأملات الروحية، لعلّ من أبرزها ما جاء في إحدى قصائد البابا شنودة قرأت بيتاً يوخز فيه نفسه، ويعتبر نفسه في مرحلة الطفولة الروحية لأنه بلا حلم أو رؤيا: "أنا طفل في حياة الروح لم***يغتن القلب ولا العقل اغتنىليس لي حلم ولا رؤيا ولا***استمع صوتاً صريحاً معلناً" (البابا شنودة الثالث، قصيدة: "أيها النجم") كلما حاولت أن أبحث عن كتب تفسير الأحلام الفردية بنظرة مسيحية عجزت، شحيحة هي، على عكس تلك الكتب التي عند المسلمين، وعلى نقيض سفر الرؤيا، التي تتعدد الكتب والجدل حول تفسيراتها، ومعانيها. يقول خادم الإنجيل، ميلاد صابر، الخادم بالطائفة الإنجيلية الرسولية والخمسينية، إن: "هذا الجزء من الإنجيل رغم صعوبته، إلا أن مفاتيح فهمه أرسلها الله في الإنجيل نفسه، بعهديه القديم والجديد، ومن يشرد عن فهمه في إطار الإنجيل ككل يجد نفسه تائهاً" (ميلاد صابر، خادم بالكنيسة اﻹنجيلية، الطائفة الخمسينية) الإصحاح الأول في سفر الرؤيا يقول: "فاكتب ما رأيت، وما هو كائن، وما هو عتيد أن يكون"، ويعلق ميلاد من منطلق إيماني ديني قائلا: "ما يعني أن هذا السفر يحتوي دلائل الماضي، ونبوءات المستقبل، ويحكي حاضرنا أيضاً، لكن تنكشف أسراره للمستنيرين فقط بالروح القدس، والقارئين للكتاب المقدس بعمق وفهم" (ميلاد صابر، خادم بالكنيسة اﻹنجيلية، الطائفة الخمسينية) فسّر الدارسون المؤمنون مثلاً سقوط النجوم بسقوط الرؤساء والحكام في العديد من الدول، و"الوحش" بالوحش الشرقي، أي روسيا الحالية، بحسب ما قاله ميلاد. واستعرض ميلاد أبرز كتب التفاسير، مثل "تفسير سفر الرؤيا كلمة كلمة" للكاتب رشاد فكري، وهناك كتاب آخر صدر في عهد جمال عبد الناصر، وتم مصادرته، كان يتكلم عن الاتحاد السوفيتي، واسمه "صدى النبوات". للكاتب حليم إبراهيم أرسناوي تحدث الكتاب عن النبوءات ككل، وعن توزيع السكان على العالم، وكيف تموت الدول، وبعد فترة من مصادرته طبع 80 ألف نسخة في الأردن، بحسب تصريح ميلاد لنا. هناك كتاب آخر مترجم عن الكاتب بروس أنيستي، واسمه "الأحداث النبوية مرتبة ترتيباً تاريخياً من الاختطاف إلى الحالة الأبدية"، وأيضاً كتاب اسمه "عتبات الأبدية" للكاتب أنور جورجي. لماذا يعاقبنا الله؟ حضور الأحلام والرؤى واضحة في الإنجيل بعهديه القديم والجديد، إلا أن رؤيا يوحنا اللاهوتي تظل الأكثر رمزية وقوة في حضورها على المستوى الكتابي أو التفسيرات الخاصة بها. يرى آدم المصري، مدون مثير للجدل على منصة "يوتيوب"، يعرّف نفسه بالباحث في النقد النصي للكتاب المقدس، إنه عند إخراج رؤيا يوحنا من زمنها يكون فهمنا قد حاد عن الصواب، والسبب هو تعدد التفاسير المفرطة لها دوناً عن كتب "العهد الجديد"، إذ ستلاحظ في أي مكتبة مسيحية عشرات التفاسير المختلفة لسفر الرؤيا، كل تفسير يحاول فك طلاسمه بشكل مختلف، والسبب هو إصرار الاعتماد عليه بموقف إيماني معين، وهذا عكس ما تقدمه "الحجة التاريخية" للكتاب. يقول المصري أن سفر الرؤيا واحد من العديد من الكتب التي تم كتابتها في الأدب اليهودي والأدب المسيحي القديم، وعادة ما يدرسها الأكاديميون محاولين فهمها في ضوء سياقها التاريخي للماضي، وعن طريق فهم الأمور المشتركة بين أدب "الرؤى"، نجد أن جميع كتابات الرائيين اشتركت في عامل رئيسي، هو تقديم رؤيا قصصية تجسد رؤيتهم لنهاية العالم. وحتى نستوعب رؤيا يوحنا ربما علينا الرجوع إلى ما قبلها، إلى تاريخ بني إسرائيل القديم، لدراسة تطور الفكر اليهودي في تفسيره للأحداث، وكيف تطورت علاقة اليهودي القديم بالله. أقدم نظرة عالمية في الفكر اليهودي ما يسمى بـ "المعاهدة" أو الاتفاقية، التي جاء منها لفظ "العهد القديم" أو الاتفاقية القديمة، وهي تتلخص في أن الله يحامي عن الإنسان الذي يتبعه، ويدلل أصحاب هذا الفكر القديم بموقف الله الذي أخرجهم من أرض مصر وصار لهم نصيراً، وحفظوا الوصايا التي أعطاهم إياها موسى. أما مشكلة هذه النظرة أنها لم تتوافق مع الحقيقة والواقع الفكري، فهناك دائماً الكثير من المحن التي أحاطت باليهود، وجعلتهم عاجزين عن فهم وقوعهم في الهزيمة، واحتلالهم من شعوب المنطقة، من الآشوريين- البابليين. كيف يحدث كل هذا وهم في حماية الله؟ لم تتسق نظرتهم الإيمانية مع واقعهم المعاش. جاءت أفكار نهاية العالم التي امتلأت بها تفسيرات "رؤيا يوحنا"، وعلامات دنو "يوم القيامة" عند المسلمين، مما يسمى "المعاهدة" أو الاتفاقية في العهد القديم، عندما اكتشف بنو إسرائيل أن الله لا يحامي عن الإنسان الذي يتبعه؟ هنا بدأ الفكر اليهودي بنظرة جديدة للعالم، وهي النظرة التي تبناها العديد من الأنبياء منذ القرن الثالث قبل الميلاد، مفادها أن إسرائيل تعاني كل هذه المعاناة لأن الله يعاقبهم على كل مساوئهم، من خلال الشعوب الأخرى، أو المحن مثل المجاعة والحروب، كلها جاءت كعقاب لانحرافهم عن العلاقة مع وصايا الله؛ وهذه النظرة كانت تربط بين عودة بني إسرائيل بالله، الذي بدوره سيحميهم مرة أخرى، ويجدد عهده معهم. ولكن مرة ثانية تتكرر المشكلة مع هذه النظرة النبوية، التي لم تتصالح هي الأخرى مع الواقع المعاش مع شعب إسرائيل، لأنهم حتى إذا ما تابوا، وندموا، ورجعوا عن أعمالهم الشريرة، ومع تطبيقهم لكل وصايا الله، لم تنته المحن ولم يرفع الله عنهم البلاء. هذا الفكر تراجع مرة أخرى أمام الواقع، وكان لابد أن يتغير، هنا بدأ الركون على نظرة جديدة وهي "الرؤيا"، وفقها لا يتم اضطهاد إسرائيل كعقاب على خطايا شعبها، وليس لأنهم حادوا عن وصايا الله، ولكن لوجود قوى الشر التي تعلن حربها على الأبرار الذين يسمعون كلام الله ويحفظون وصاياه. البار إذن يمكن أن يتألم لأنه بار، أو يعاقب لأنه حاد عن البر، تلك النظرتان ما زالتا تتصارعان، سواء في المسيحية أو اليهودية وحتى الإسلام، فهناك البعض يفسر أن الله يعاقب بالابتلاءات، وهناك من يرى أن الله يجرب أو يمتحن البار من خلال أجناد الشر، هنا كان لابد من وجود أدبيات الرؤى، التي تستند على وجود قوى الخير "الله وملائكته"، في مواجهة الشر والظلمة. رؤيا يوحنا وأحلامي تفسيرات كثيرة قرأتها واطلعت عليها، تخبرني عن سبب "علمي" لعدم تذكر أحلامي، أحدها سمات الشخصية الواقعية، التي لا تميل إلى التخيل والانغماس في العواطف، ويمكن أن تكون مؤشراً على ما إذا كان الشخص قادراً على تذكر أحلامه. لم يعد الأمر يمثل لي أزمة روحية على كل حال، لكنني أنجذب دائماً إلى رؤيا يوحنا اللاهوتي، وكنت مغرمة بشراء العديد من التفاسير الشيقة عن فك رموزها، عل ثراءها يعوضني ما يفوتني في أحلامي الشحيحة، التي ما زلت أطاردها، لكن مع فارق إدراكي ألا ذنب لي في بوارها، فبعض النظريات تقول إنه يمكن أن يكون الحلم لدى من لا يتذكرون حقيقياً ومكثفاً داخل الدماغ إلى الدرجة التي يخفيها بعيداً، وتحجب أدمغتنا أحلامنا، أي إن عدم تذكر الحلم لا يعني عدم وجوده، بل وجوده بكثافة، وأنه لا يزال بإمكانه التأثير علينا بشكل كبير. --- ### شاول يضطهد الكنيسة - Published: ۲۰۲۳-۰۵-۲٦ - Modified: 2023-09-22 - URL: https://tabcm.net/11695/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: الأب متى المسكين, قديس إسطفانوس أول الشهداء, قديس بولس الرسول كان شاول (بولس) يحرس ثياب القاتلين وهم يرجمون إستفانوس، بل وراضياً عن فعلهم هذا، ولكن لماذا إستفانوس، ولماذا تحول موقف الفريسيون وكانوا قد انسحبوا من محاكمة المسيح، لتحولها من محاكمة عقيدية إلى محاكمة سياسية وحماية لمصالح رؤساء الكهنة؟ يقدم لنا الكاتب أسباب التحول "بعد أن أشعل إستفانوس شرارة الهجوم على الناموس والعوائد والسبت والهيكل وموسى نفسه، وضع الفريسيين ـ وشاول بالذات ـ في موضع الحركة والهجوم المضاد، إذ وفر له من الأسباب العقائدية ما هو كفيل للمقاومة، حسبما تنبأ يعقوب أبو الآباء عن طبيعة ومسلك بنيامين رأس السبط، وهو جد بولس الأول، "بنيامين ذئب يفترس، في الصباح يأكل غنيمة، وعند المساء يُقَسِّم نهباً" (تك 27:49)، ويستطرد الكاتب: "فقد تحرك الذئب بعد أن سُفِكَ دم أول حمل من خراف القطيع: "وأما شاول فكان لم يزل ينفث تهدُّداً وقتلاً على تلاميذ الرب" (أع 1:9). كان عنف شاول وتحالف الأضداد؛ الفريسيين والكهنة والدولة الرومانية، عاتياً فى تعقب واستهداف الكنيسة الوليدة: "وحدث في ذلك اليوماضطهاد عظيم على الكنيسة التى فى اورشليم، فتشتت الجميع في كور اليهودية والسامرة ما عدا الرسل" (سفر أعمال الرسل 1:8) لكنه كان حافزاً لخروج الكلمة والبشارة حرَّة إلى كل أقطار الأرض: "فالذين تشتتوا جالوا مبشرين بالكلمة، فانحدر فيلبسإلى مدينة من السامرة وكان يكرز لهم بالمسيح" (سفر أعمال الرسل 8 :4-5) ويتتبع الكاتب اعترافات ق. بولس في ثنايا رسائله وفى أحاديثه التي سجلها له سفر الأعمال، بما اقترفه في حق الكنيسة قبل أن يباغته لقاء الرب يسوع في لقاء طريق دمشق. ويكشف لنا الكاتب سر عداء شاول للمسيح واضطهاده للكنيسة "بجنون وبلا رحمة" أو بحسب تعرف بولس نفسه: "حتى الموت"، نقرأ معاً: "قال بولس عن هذه الفترة :نحن نكرز بالمسيح مصلوباً لليهود عثرة ولليونانيين جهالة(1كو 23:1). فهو يرى أن اليهود إنما فقدوا فرصة الإيمان بالمسيح بسبب هذه العثرة ألعلهم عثروا لكى يسقطوا (رو 11:11). وهنا يفرق بولس الرسول بين العثرة والسقوط، بمعنى أن اليهود عثروا فى المسيح ولكن لم يسقطوا من رحمته نهائياً مثلما صنع المسيح فيه هو، أى فى بولس" (الأب متى المسكين: القديس بولس الرسول: حياته، لاهوته، أعماله) ويستطرد الكاتب: "كذلك يرى ـ بولس ـ أن المسيح صار لليهود حجر صدمة وصخرة عثرةكل من يؤمن به لا يخزى ـ رو33:9، وقد أوضح نوع هذه العثرة التى شخصها الناموس، ولكنهم أخطأوا فهمها: المسيح افتدانا من لعنة الناموس إذ صار "لعنة" لأجلنا لأنه مكتوبملعون كل من عُلق على خشبةـ (غل 13:3). هنا يكشف لنا بولس الرسول كيف صار صليب المسيح هو محور العثرة عنده، إذ ترجمه على حياة المسيح وموته أنه مجرد إنسان أفرزه الناموس وصلبه وحكم عليه باللعنة. ولا يهم بعد ذلك إن كان الذين حكموا عليه كانوا خادعين أو مخدوعين، فطالما رضى الله أن يتم فيه حكم الناموس باللعنة فقد صار مفروزاً وملعوناً، فإن كان هؤلاء المسيحيون ـ اصحاب "الطريق" ـ ينادون به رباً ومسيحاً فهم يجدفون على الله وعلى الناموس ويحلَّ دمهم، وتصح فيهم كل عقوبة رادعة لإخراسهم أو لردهم للصواب" (الأب متى المسكين: القديس بولس الرسول: حياته، لاهوته، أعماله) ثم يوضح الكاتب: "أما صورة المسيا التي يؤمن بها بولس ويترقبها كعلامة فهي ما جاء عنه "ويحل عليه روح الرب" (إش2:11) وليس اللعنة، لذلك صارت كل حجج أهل الطريق ودفاعهم مرفوضة" كان مقتل إستفانوس دافعاً لأن يفر المؤمنين خارج أورشليم، وتشتتوا في البلاد المحيطة، لبنان وسوريا وقبرص، فكان قرار بولس إن يتعقبهم، ويلقى القبض عليهم وسوقهم موثقين إلى أورشليم، مدعوماً بخطابات توصية من رئيس الكهنة، وهم فروا من عنفه وفرط حنقه عليهم (أعمال11:26)، وعاد ليطاردهم حيث ذهبوا ويقدمهم للمحاكمة في أورشليم، في رحلات مكوكية. في واحدة من هذه الرحلات كان اللقاء الأخطر في حياة بولس وفى مسار الكنيسة. يرصد الكاتب هذه الرحلة الأخيرة في مسيرة اضطهاد بولس للكنيسة الوليدة: "هكذا كانت رحلة بولس إلى دمشق! ولم يكن في تاريخ الكنيسة ما يضارع هذه الرحلة في أثرها الممتد عبر الدهور كلها، خرج بولس من أورشليم ميمماً شطر دمشق، محملاً بخطابات توصية لذوى الحيثية، سواء في مجامع دمشق الكثيرة أو لدى أصحاب النفوذ في إدارة شئون البلاد على قدر ما ملكت أيدى حنّان وقيافا وزمرتهم من نفوذ، لكى يُمنح شاول سلطات فائقة يستطيع بها أن يصنع بالمسيحيين كل ما اشتهت نفسه، والقصد أن يطفئ النيران المشتعلة في قلوب أتباع يسوع" (الأب متى المسكين: القديس بولس الرسول: حياته، لاهوته، أعماله) ويتوقف الكاتب متأملاً هذا المشهد: "لم يَدْرِ بولس أن هذه النيران ستلتهمه، والذئب الذي اصطدم بالراعي الصالح سيحوِّله إلى غنمه. أما رؤساء الكهنة الذين ظنهم بولس سنداً وعضداً، فدارت الأيام ووقع تحت جلداتهم التسعة والثلاثين إلى ثلاث مرات، حتى تهرأ ظهره وحمل سمات الرب! ! " (الأب متى المسكين: القديس بولس الرسول: حياته، لاهوته، أعماله) يتوقف الكاتب ملياً عند حادثة دمشق، والتي وثقها سفر الأعمال ثلاث مرات، مرة بقلم كاتب السفر ورفيق القديس بولس، القديس لوقا، ومرتين على فم بولس الرسول نفسه، ويسعى الكاتب ليسبر غور اهتمام الوحي الإلهي بهذه الواقعة. تستحق هذه الحادثة أن يفرد لها الكاتب فصلاً وأن نعرضها في المقال القادم. --- ### إنّهم يكرهونها - Published: ۲۰۲۳-۰۵-۲۵ - Modified: 2023-05-17 - URL: https://tabcm.net/11830/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون - وسوم: توفيق عكاشة, فرج فودة قريبي يكره الثورة، فهو يحملها مسئولية سرقة مخزن شركته مرتين متتاليتين بالإضافة إلى "ميكروباص" صغير تابع للشركة بإجمالي خسائر ربع مليون جنيه تقريباً، وعندما ذهب ليبلغ بواقعة السرقة في قسم الشرطة الذي يلي المخزن المسروق بعمارتين سكنيتين فقط، اخبره الضابط المناوب الذي أعد المحضر انه لا يستطيع أن يساعده، ففي الماضي كان أمناء الشرطة التابعين للقسم يجمعون المشتبه فيهم ويضربنهم "علقة موت" على حد تعبيره، فأن كان السارق من أحدهم فسيقر على الفور بالواقعة، أما إن لم يكن منهم فبالقطع سيدلهم على الجاني الحقيقي، أما الآن وقد قامت الثورة، فالضابط لن يستطيع فعل هذا الأمر مجددا، وهو لا يعرف سواه بديلاً في كشف جرائم السرقات والسطو وما شابه، حملت إجابة الضابط في طياتها رسالة واضحة، أن الثورة هي السبب في تقييد يد الشرطة عن الإتيان بما قد نهب منك، وبالتالي فهي السبب في مصيبتك الحالية. قريبي يكره الثورة بصورة مضاعفة، فبسببها قد سرقت شركته، وبسببها لا تستطيع الداخلية الكشف عن السارق، المسكين لا يدرك أن الثورة ليس لها يد في ذلك، بل المسئولية الحقيقية تقع على عاتق داخلية مبارك التي تقاعست عن أداء دورها وتفرغت لتسييس الجريمة، والتربص بالمعارضة لحماية النظام. قريب آخر متدين للغاية يتمنى الموت قبل أن يسمع كلمة ثورة، الغلبان لا يعرف عن الثورة سوى القليل من الحقائق، والكثير من الترويع الذي سمعه في اجتماعات الكنيسة، بالإضافة إلى تلميحات القيادات الكنسية بضرورة معاداة الثورة، وضرورة مساندة نظام مبارك الذي يحمي الأقباط في مصر من وجهه نظرهم، وهو يصدق القيادات الكنيسة دون نقاش، ودون تروي أو فحص أو شك، فصارت نظرته كالإيمان بأن الثورة تدعو للانحلال وهدم الدولة وتروج إلى المبادئ الماسونية العلمانية الهدامة، سألته إن كان يعرف حجم الاعتداءات الطائفية التي حدثت للأقباط طيلة سنوات حكم مبارك الثلاثون فهز كتفيه نفياً، سألته عن معنى الماسونية فلم يجب، عاودت السؤال عن العلمانية فقال إنها تعنى الإلحاد، سألته أخيراً عن رأيه في د. فرج فودة فأجاب على الفور بدون تردد أنه "شهيد الكلمة الذى قاوم الإرهاب بالفكر فقتلوه"، كانت سيرة فودة قد انتشرت كثيراً في وسائل الإعلام بعد خلع مرسى والإطاحة بنظام الإخوان المسلمين، المسكين لا يعلم أن فرج فودة كان أشد الداعيين للعلمانية... الهدامة! قريبة أخرى تجاوزت العقد الخامس من العمر بنجاح ساحق، اعتادت أن تطلق على الثورة "ساورة ٢٥ خساير" من باب السخرية والتحقير الاستعلائي، فهي تعيش بمعزل عن العالم في شقتها الدوبلكس ذات الأمتار الثلاثمائة في "مدينتى" التي انتقلت إليها بعدما يقرب من عشرة سنوات كاملة من سكنى الرحاب، أما الآن، وقد صارت الرحاب "بيئة ولمت أوي وكل اللي معاه قرشين اشترى شقة في الرحاب" على حد قولها، فكانت الهجرة لـ"مدينتي" ضرورة حتمية، بالرغم من المسافة الهائلة التي يقطعها زوجها جراح التجميل الشهير المتخصص في تهذيب وتشذيب مقدمات النساء ومؤخراتهن، إلى عيادته في جاردن سيتى بسيارته الفارهة، لكن وجود سائق خاص قد حل تلك المشكلة. المسكينة عانت بشدة في أسابيع الثورة الثلاثة، فقد ظلت حبيسة المنزل تقريباً طوال تلك الفترة خشية البلطجية، ولم تذهب ولا مرة للشوبنج مع صديقات النادي، أما الكوافير الذي اعتادت عمل الـ"باديكير ومانيكير" عنده، فقد أغلق أبوابه أمام الجميع، لان "تشامر" صاحب المحل ذو الشعر المفلفل واللبانة التي لا تفارق فمه يخشى حرفياً من التحرش الذي قد تعرض له في السابق، لا تعلم قريبتي أن هناك ملايين من شعب مصر لا يتحصلون شهرياً على نصف ما تدفعه لـ"تشامر" في زيارتها الأسبوعية، لم أتأثر على الإطلاق عند سماعي لقصتها الحزينة، والأيام العصيبة التي مرت بها بسبب الثورة التي تكرهها، إلا عندما حكت لي بصوت متهدج انها اضطرت طوال تلك المدة الطويلة أن تقوم بإعداد الطعام وغسل الملابس بنفسها، بعد أن أغلقت كل محلات الدليفرى أبوابها، ورفضت الخدامة أن تتحرك من منزلها. أكثرهم غلباً كان قريبي الآخر موظف الحكومة المسكين، الذي لا يتحصل على أكثر من أربعمائة جنيه من عمله المكتبي في إدارة المرور، صحيح أن مجموع "الشاي" الذي يتحصل عليه شهرياً يساوى اكثر من خمسة عشر ضعف مرتبه بحسب قوله، متباهياً بشطارته "انه يطلع القرش من بق الأسد" على حد تعبيره، إلا إنه لا يكف عن الشكوى من مرتبه الهزيل، وعن تفكيره الجاد والمستمر في ترك الوظيفة والبحث عن أي عمل آخر "يجيب همه" في أي شركة خاصة. يوم أن قامت الثورة، أنتفض هذا القريب ذعراً وخوفاً من ضياع السبوبة الشهرية من الشاي والقهوة والحلاوة التي تأتى من تسهيل مصالح المواطنين، الغلبان صدق انه سيأتي اليوم و يقاطع الشعب الرشاوي والفهلوة، وينتخب حاكماً عادلاً يقيم دولة مؤسسات حقيقية. كلهم كوم والأخير ده كوم تأني... هكذا تحدثت إلى نفسى وأنا أتأمل ملابسه الرثة، فهو لا يملك من متاع الدنيا إلا اقل القليل، ولا يتحصل على أي دخل إضافي سوى مرتبه الهزيل من عمله المتواضع في إحدى مصانع الحيتان كما اعتاد أن يصف مالك المصنع دوما، دائماً ما يشكو من الفساد والظلم والمرتب الذي يكفيه مع زوجته و طفليه إلى نصف الشهر بالكاد، ويقضى النصف الآخر يتسول من الأقارب، هذا الأخير تحديداً هو من قامت لأجله الثورة، لكنه في نفس الوقت صار مش اشد المعاديين لها، لأنها "قضت على الاستكرار و وقفت عجلة الإنتاج ولأنها مدعومة من أمريكا وإسرائيل وصربيا وحماس وإيران الذين دعموا الخونة العملاء بتوع ٦ ابليس على إسقاط الدولة المصرية"، سالته عن مدى ثقته في تلك المعلومات، أجاب باستنكار واضح على تلميحي بالتشكيك في صحة معلوماته: "من قناة الفراعين بتاعت الزعيم الدكتور توفيق عكاشة"، لم أشأ أن أناقشه في الأمر، فمثله لا يقبل النقاش في تلك الثوابت، لان وطنية الزعيم المناضل دكتور توفيق عكاشة هي من حقائق الكون مثلها مثل حقيقة شروق الشمس من الشرق، سألته سؤالي الأخير مداعباً عن تخصص الدكتور عكاشة، فأجبني بثقة بالغة :"أمراض نفسية و عصبية... بتسأل ليه؟"، صمت وأنا أتأمل صورة الزعيم سعد زغلول المعلقة على الحائط بإهمال واضح وقد كتب أسفلها بالبنط العريض: "مفيش فايدة"! --- ### المرحلة الرابعة:
الأمّ، والابن حامل الصليب - Published: ۲۰۲۳-۰۵-۲٤ - Modified: 2023-05-23 - URL: https://tabcm.net/11815/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون - وسوم: محمود درويش «أمّا أمّه فكانت ترى هذه الأمور وتحفظها في قلبها». تشاهد مريم ابنها مقبوضًا عليه فينقبض القلبُ ويعتصرُ ألمًا. ينظر الابنُ أمَّه فيرى قلبَها المطعون قهرًا. ينظر الابن إلى أمّه فيمرّ أمامه مشاهد الأمّهات والنساء اللائي يودّعن أبنائهنّ وإخوتهنّ إلى عربات الترحيلات نحو محاكمات غير عادلة. نحو التجنيد من أجل حروبٍ أشعلها معتوهو العظمة، ونرجسيّو التاريخ المشوّه. فهوذا حاكمٌ استطاع وحده بأوامره أن تترمّل مئاتُ الآلاف من النساء، ومن بينهنّ مَن اغتُصِبنَ وقُتِلنَ. آلامُ مريمَ آلامهنّ وهنّ يقفن ضعيفاتِ الجسد أمامَ عنف الرجال، قويّاتِ النظراتِ والفكرّ يحاربنَ ويدافعن ويناضلنَ بصوتهنّ وكلمتهنّ وعقلهنّ. وإذا بشاعرٍ فلسطينيّ مارٍّ بالساحة، أمسكَ ريشتَه وخطّ: أحنُّ إلى خبز أميوقهوة أُميولمسة أُمي. . وتكبر فيَّ الطفولةُيوماً على صدر يومِوأعشَقُ عمرِي لأنيإذا مُتُّ،أخجل من دمع أُمي! خذيني، إذا عدتُ يوماًوشاحاً لهُدْبِكْوغطّي عظامي بعشبتعمَّد من طهر كعبكوشُدّي وثاقي. . بخصلة شعر. . بخيطٍ يلوَّح في ذيل ثوبك. . »(محمود درويش)   --- ### شارع الكنيسة المنتقمة
("الكنيسة المجاهدة" سابقا) - Published: ۲۰۲۳-۰۵-۲۳ - Modified: 2023-05-23 - URL: https://tabcm.net/11914/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أغاثون الأنبا بيشوي, أنبا مارك، أسقف باريس وشمال فرنسا, إبراهيم عبد السيد, إيليا الأنبا بولا, بابا شنودة الثالث فَأَيَّ هؤُلاَءِ الثَّلاَثَةِ تَرَى صَارَ قَرِيبًا لِلَّذِي وَقَعَ بَيْنَ اللُّصُوصِ؟» فَقَالَ: «الَّذِي صَنَعَ مَعَهُ الرَّحْمَةَ». فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «اذْهَبْ أَنْتَ أَيْضًا وَاصْنَعْ هكَذَا». (إنجيل لوقا 10: 36، 37) حكى السيد المسيح مثل السامري الصالح كما جاء في إنجيل لوقا الإصحاح العاشر ردا على الناموسي الذي سأله ماذا يفعل ليرث الحياة الأبدية، وطلب منه المسيح أن يحب الله ويحب قريبه كنفسه، فسأل المسيح عما يكون قريبه، فكانت القصة للشخص المسافر من أورشليم إلى أريحا، فخرج عليه اللصوص الذين ضربوه وتركوه بين حي وميت، فمر كاهن ولاوي من نفس مدينته أورشليم فنظروا إلى حاله وتركوا ومضوا بينما مر رجل من السامرة عدوة أورشليم، فتحنن على المجروح ودواه وطببه بالرغم من العداوة بين مدينة كل منهما للأخرى، وختم المسيح بسؤاله العبقري عن قريب المجروح وكانت إجابة الناموسي: الذي صنع الرحمة. بدأت بهذه القصة لأوضح أن وصية المسيح لم تكن لذلك الناموسي، بل هي وصية لكل إنسان أن يصنع الرحمة مع غيره حتى لو كان عدوه، فما بالنا بالكنيسة التي من المفترض أن دورها تقديم محبة ورحمة الله للجميع، سواء كان من أولادها أو من غيرهم، فما بالنا إذا كان الاحتياج لتقديم المحبة والرحمة في ظروف الوفاة، فبدلا من أن تقدم الكنيسة عبر الإكليروس التعزية بصلاة الجناز لأسرة المُتوفّى وطلب المغفرة والرحمة للشخص الراحل، تستخدم هذه الهبة لتنتقم من الأشخاص الراحلين بمنع صلوات الجناز عليهم، تارَة بدعوى أن المتوفى منتحر، وتارة أخرى يستخدم الإكليروس سلطانهم  للانتقام من أحد الراحلين وفي الغالب يكون من طغمة الإكليروس أيضًا. في الأسبوع الماضي رحل شاب عن عالمنا منتحرا في محافظة المنيا، وانتشر الخبر عبر مواقع التواصل الاجتماعي إن إيبارشية بني مزار والبهنسا بالمنيا رفضت الصلاة عليه، فنشبت موجة انتقادات حادة للكنيسة قبل أن يتم تدارك الأمر من قبل أسقف الإيبارشية المتواجد خارج مصر وتحديدا في النمسا، ويطلب من كهنته الصلاة على الشاب المنتحر وفتح الكنيسة لتستقبل عائلته العزاء. السؤال: لماذا لم يحدث هذا فور أن توفى الشاب؟ ولماذا تتخلى الكنيسة عن دورها في ممارسة عمل الرحمة وتقرر اتخاذ مواقف حادة فيها شدة وتغيب عنها الرحمة؟ ولماذا تنتظر الكنيسة أن تهاجم عبر وسائل التواصل الاجتماعي فتغير قراراها؟ هل تخافون من الناس ومن هجوم السوشيال ميديا ولا تخافون من مخالفة المسيح وتعاليمه؟ هذه أسئلة لا أملك إجابتها، وموجهة هنا للكنيسة بشكل مؤسسي أي للإكليروس المسؤولين عن لعب دور الرعاية والخدمة لبقية جسد المسيح أو الكنيسة بمفهومها الأوسع كـ"جماعة المؤمنين". الخصومة الشخصية تستفحل عند الموت من الطبيعي أن نتخاصم لأنها طبيعة البشر، وكما يوجد الود يوجد الخصوم أيضًا، وقد يكون هناك عدوان لدودان لبعضهما، لكن الخصومة والعداوة تنتهي بمجرد أن يموت أحدهم، فللموت مهابته وجلاله، ما يجعل الخصوم يحترمون حدوثه، ولكن في تاريخ الكنيسة المعاصر توجد بعد الخلافات بين الإكليروس لم تنته بموت أحدهم بل تستمر العداوة ويكون الانتقام في الجنازات، ويصدر هذا الموقف من صاحب السلطة الأعلى. في الأسبوع الماضي أيضاً، رحل عن عالمنا الراهب إيليا الأنبا بولا، بعد معاناة طويلة مع مرض السرطان خلال تواجده للعلاج في فرنسا، وبكل بساطة قرر الأنبا مارك أسقف باريس للكنيسة القبطية عدم الصلاة عليه هناك، وإعادة الجثمان إلى دير الأنبا بولا في البحر الأحمر للصلاة عليه هناك، والسبب أن الأنبا مارك منذ أن وصل باريس وهو في عداء دائم مع الرهبان الذين سبقوه في الخدمة هناك، فقرر التخلص منهم، والسيطرة على مقاليد الإيبارشية الجديدة ماليًا وإداريًا بشكل منفرد ليفعل ما يحلو له، ولأنه إداريا أعلى من الرهبان، فقد تصدى له محبي هؤلاء الرهبان من أبناء الكنيسة في فرنسا، وبينهم قضايا في المحاكم الفرنسية. كان الراهب إيليا الأنبا بولا يعاني بسبب السرطان ويحتاج للعلاج في باريس ومع ذلك لم تأخذ الأسقف شفقة به وقرر إعادته لمصر وامتثل الراهب، ولما اشتد عليه المرض مجددا تم التواصل مع البابا تواضروس الذي قرر عودته لفرنسا لاستكمال العلاج، ومنعه الأسقف من المشاركة في الصلوات باعتبار أنه جاء لتلقي العلاج وليس للخدمة، وحين رحل عن عالمنا، لم يقم له صلاة الجنازة في فرنسا، خوفا من ثورة محبي الراهب الراحل عليه. ما فعله الأنبا مارك ليس بجديد على الإكليروس صاحب السلطة الأعلى، ففي عام 1999 رحل عن عالمنا القس إبراهيم عبد السيد، وقرر البابا الراحل الأنبا شنودة الثالث المتواجد في أمريكا وقتها إغلاق جميع الكنائس القبطية في وجه أسرة القس الراحل ومنع صلاة الجنازة عليه، والسبب هو كتابات القس إبراهيم عبد السيد عن الإصلاح الكنسي التي لم ترق البابا  شنودة، وبالرغم من عدم إجراء محاكمة كنسية قانونية للقس الراحل يدافع فيها عن نفسه، تم استخدام السلطان ليمنع من الصلاة ويجلس في بيته، وحين رحل عن عالمنا لم تنته الخصومة بل ظلت الرغبة في الانتقام منه في مماته ومن أسرته. وبعد معاناة الأسرة تمت صلاة الجنازة في كنيسة المقابر، ومن صلى الجنازة كان الراهب الراحل القس أغاثون الأنبا بيشوي سكرتير البابا شنودة الأسبق المغضوب عليه أيضا، وتم إبعاده دون محاكمة مع التوصية بعدم قبوله في أي دير منذ عام 1994، وظل هو الآخر في بيت أسرته حتى رحل عن عالمنا في 2015. الغريب هنا أن الكنيسة التي من المفترض أن تقدم عمل الرحمة والمحبة لكل الناس خاصة في أوقات الموت التي تحتاج للعزاء، يستغل من هم في أعلى هرم الإكليروس سلطانهم للانتقام من خصومهم، مع أن المسيح أوضح أن سيد الكل خادمهم، يعني كلما ارتفع شأن الشخص كلما تواضع وتنازل وقدم المحبة والخدمة. تعلم الكنيسة أن الموجودين على الأرض يسمون بـ"الكنيسة المجاهدة" والسبب أنهم يجاهدون للانتصار على شرور أنفسهم وشرور والعالم، ومن يموت منهم تقول الكنيسة أنه انتقل إلى "الكنيسة المنتصرة" أي التي في السماء، ولكن يبدو أن "الكنيسة المجاهدة" لم تعد وصارت "الكنيسة المنتقمة". --- ### ذات اللؤلؤة - Published: ۲۰۲۳-۰۵-۲۲ - Modified: 2023-05-21 - URL: https://tabcm.net/11803/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون - وسوم: الموناليزا, مايكل أنجلو, يوهانس فيرمير اكتشف العالم ليفنهوك الميكروسكوب، ليرى الإنسان تلك الكائنات الدقيقة التي وجدت في الكون ولم يرها الإنسان من قبل. وكان من نتيجة ذلك، معرفة أسباب تكوُّن الفطريات والميكروبات الدقيقة وتجمعاتها، مما أدى إلى اكتشاف أنواع المضادات الحيوية وما تفرَّع عن هذه المكتشفات الأخرى. لكن كيف قدَّم ليفنهوك اكتشافاته للجمعية الملكية في لندن؟ كان ليفنهوك قد كتب في مذكراته أنه لا يجيد الرسم، لذلك فقد التجأ إلى أحد الرسامين، وكان موهوباً بدرجة كبيرة، اسمه "يوهانس فيرمير" (1632-1675م). وكان لدى ليفنهوك مئات من العينات النباتية والحيوانية لم يرها الإنسان من قبل وتحتاج إلى دراسة دقيقة. لذلك فقد أنشأ مجلة علمية يقدِّم فيها لوحات ورسوم دقيقة عن كل ما رآه تحت عدسة الميكروسكوب. فكانت الرسوم جديرة بالتقدير واستمرت هكذا حتى عام 1675م حيث تغيَّر أسلوب ورونق هذه الرسوم، مما جعل العالم الياباني أوتاكو(1)أن يؤكد أن ليفنهوك قد التجأ إلى يوهانس فيرمير الذي توفي عام 1675م، مما أثر على أسلوب ورونق هذه الرسوم. فإن كانت هذه الرسوم التوضيحية قد استمرت في تقديم المعلومات العلمية الدقيقة، إلا أنها لم تكن بنفس الرونق والتنسيق السابق قبل عام 1675م، العام الذي توفي فيه الفنان فيرمير. وهكذا استمر ليفنهوك في تقديم هذه المعلومات والرسوم التوضيحية حتى أخر نسمة من حياته. الفنان العالمي الفذ يوهانس فيرمير (Johannes Vermeer 1632-1675): أما الفنان الفذ الذي كان اليد اليمنى للعالم ليفنهوك، فقد ولد عام 1632م في بلدة دلفت Delft، في هولندا، وهي نفس البلدة التي وُلد فيها ليفنهوك، وقد قدَّم لوحات جميلة ترقى إلى مستوى العالمية، لذا كانت مساهمته مع ليفنهوك في تقديم الرسوم إلى الجمعية الملكية البريطانية في غاية الأهمية. وقد بدأ حياته العملية في أوائل خمسينيات القرن السابع عشر (1650م وما بعدها)، حيث كان يرسم لوحات كبيرة للقصص الإنجيلية. ولكن معظم لوحاته التي بقيت تعبِّر عن الحياة الأسرية ولكن معظمها يُعتبر من كنوز المتاحف العالمية، إذ له 36 لوحة عالمية، هي من أعظم ما تفتخر به المتاحف على مستوى العالم، وكلها لها طابع مميَّز يتَّسم بالنقاء من حيث الإضاءة والتكوين، وهي خصائص تدل على رفعة وسمو ورقي في الأداء. وقد اشتهر له رسم لفتاة تعلِّق في أذنيها قرطاً أو لؤلؤة كبيرة وتنظر إلى عين من يشاهدها. وهذا يشبه ما هو حادث في لوحة الموناليزا التي رسمها مايكل أنجلو (1475-1564م)، مما جعل كثير من الفنانين يعتبرون لوحة "ذات اللؤلؤة" بمثابة "موناليزا الشمال" (يقصدون شمال أوروبا). ولكن لم يمهل الزمن والعمر الكثير للفنان يوهانس فيرمير، فاختطفه الموت وهو في عمر 44 عاماً (في 16 ديسمبر 1675م في مدينة دلفت في هولندا)، تاركاً تراثاً غير قليل في الجمعية الملكية البريطانية، ولوحات لها بريق لا يُنسى. (1)هو عالم متخصص في رسوم ولوحات الفنان يوهانس فيرمير، وقد جمع معظم لوحاته ودرسها دراسة دقيقة باستعمال أشعة الليزر، حيث درس طبقات الرسوم التي وجدها، ومنها عرف تطابقها مع الرسوم المحفوظة في المجلات العلمية التي أصدرها ليفنهوك في مدينة دلفت التي قدمها للجمعية الملكية البريطانية. --- ### وهل أنت مؤمن؟ - Published: ۲۰۲۳-۰۵-۲۰ - Modified: 2023-05-19 - URL: https://tabcm.net/11863/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون, إصلاح كنسي - وسوم: أنچلينا چولي, الأم تيريزا راسلته صديقته الملحدة قائلة: "هل تؤمن بالله أو بأي إله؟أنا شخصياً لا أؤمن بوجود إله. كما أني بصراحة أجد صعوبةً في هضم "الله" على الرغم أنى ولدت مسلمة متدينة... أجد هذا "الله" متناقضاً بإصداره عدة رسالات يختلف كل واحد منها عن الآخر ومع ذلك، يريد منا اتباع ما فيها. " "أنا معجبةٌ جداً بما تكتب، وأرى فيه إلهاماً للقلة التي تمتلك القدرة على التفكير، وأتمنّى لو أعرف إذا كنت تؤمن حقيقة بأي إله، خصوصاً وأنني لاحظت أنّ لشخصية المسيح مكاناً عظيماً لديك. جوابك على تساؤلاتي أمرٌ مهمٌّ جداً لي" كان ذلك بعض ما جاء في رسالتين من قارئة لأحد النقاد الإصلاحيين الذين يفترشون أرصفة التواصل الاجتماعي... سألته سؤالاً، لطالما طرحه على نفسه، ولم يحظَ يوماً له بجوابٍ مقنع: هل أنا مؤمن؟ ربما عليه، كي يصل إلى جواب حقيقي لهذا السؤال، أن يجد جواباً مقنعاً لسؤال آخر: ما هو الإيمان؟ مفهوم الإيمان لا يختلف من دين لآخر فقط... إنما من فردٍ لفردٍ... لا... بل إنه لَيَختلفُ في فكـرِ الفردِ الواحدِ بين يومٍ وآخر! إيمان الطفولة المطوّب كان للناقد مع الإيمان، حين كان في الحادية عشرة من عمره، لقاءٌ لا يمكن أن ينساه... كان يقضي بعض أيام الصيف في محلّ أبيه، يعينه بقدر ما يستطيع صبيّ بذلك السن أن يُعين... وكان أحد الزبائن من أصحاب ورشات التصليح، رجل مسلمٌ، حذّره أبيه منه بقوله: أنه ما أن يراه حتى سيبدأ بالحديث عن الدين محاولاً إقناعه بأن الإسلام هو الدين الحقيقي... كان زبوناً مداوماً لأبيه، ورغم المناقشات الدينية فقد كانت علاقتهما طيبة... أو بالأحرى، علاقة دبلوماسية لم تبلغ مرحلة الشجار يوما. أقبل "أبو عيد" - كان ذاك اسمه - ونظر إلي الطفل فقال لأبيه: "ماذا يفعل هذا الصغير الضعيف البنية عندك؟ إنه لا يصلح لعملٍ كهذا! " فأجابه الأب قائلاً: "على الأقل يتعلّم العمل... ولكن إن غرّك حجمه، فلا تستخفّ عقله... جرّبه في أمور الدين إن شئت فهو أدرى مني" ربما لم يكن الصبي في الحقيقة على ما وصفه أبيه من خبرة واسعة في أمور الدين... ولكنه كان على عكس أقرانه من الأولاد فى تلك السن، كان محباً للقراءة إلى حدّ الهوس، وكان مهووساً بالكتب إلى درجة أستدانة المال لشرائها... لابدّ لي من الإشارة إلى أن الصبي، آنذاك، كان تلميذا في مدرسة رهبانية، قضى فيها سنينا متواصلة... قرر بعدها أنه لا يريد أن يصبح كاهناً. نظر إليه "أبو عيد" بعد أن عرف من أبيه قصة انتهاء دراسته، وقال له بلهجة تحمل معنى السخرية: "يبدو أنّك لم تجد في المسيحية ما يسعد قلبك، ولذلك عليك أن تؤمن بالإسلام والله الواحد، عوضاً عن الخرافات التي يؤمن بها أبوك. " طال صمت الصبي... و"أبو عيد" وأبيه ينظران إليه صامتين... وأخيراً،، نظر إلى عيني "أبو عيد" وقال له: "وهل أنت مؤمن بالله وبكل ما يقوله؟" أجاب "أبو عيد" تعلو شفتيه ابتسامة هازئة: "طبعاَ أنا مؤمن... ماذا تعتقد؟" فكرر الصبي بهدوء: "هل تؤمن حقاً بكل ما يقوله الله؟" حوّل "أبو عيد" وجهه عن الصبي ونظر إلى أبيه قائلاً له: "عمّا يتحدّث فيلسوفك الصغير؟ طبعاً أؤمن بكل ما يقوله الله! " قال الصبي: "وأنا أيضا، أؤمن" آنذاك تململ "أبو عيد" وقال له: "إلام ترمي بكل هذا الغموض؟" قام الصبي من حيث كان جالساً على صندوقٍ صغير قرب طاولة أبيه... وأمسكت يده بيد "أبو عيد" وهو يجذبه للخارج ويقول: "تعال معي لأريك ماذا أعني" نظر "أبو عيد" إلى عيني الأب في حيرة، وكأنما يسأله عمّا إذا كان ولداً طبيعياً أم لا، فأومأ الأب برأسه مبتسماً، لكنه هو الآخر لم يخفِ استغرابه، وقال: "اذهب معه، ولسوف ترى وأرى أنا أيضاً! " إيمان الواقفين أمام أتون النار كان بالخارج مخبز صغير من النوع الآلي... شخص يضع العجين على السير الحديدي المتحد بالنيران... وآخر يستلم الناتج من الناحية المقابلة والتي نضجت في ثوان بفعل أتون النار على الحديد المتقد.  أخذ الصبي بيد "أبو عيد" وقاده باتجاه المخبز الآلي... وهناك، وقف أمام فتحة التنور وقال له: "أنت تؤمن بما يقوله الله وأنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا... فما رأيك أن تمتحن إيمانك، وأمتحن أنا إيماني، فندخل معاً إلى هذا التنور، والذي يخرج بيننا سالماً، يكون هو صاحب الإيمان الأقوى" وفوراً، وبمنتهى الحسم، وقت تلفظه بتلك الكلمات، أخذ الصبي يتسلّق الدرجات ببطء باتجاه فتحة التنور، جاذبا خلفه "أبو عيد"... إلى أن شعر بيد "أبو عيد" تمسك به وتشدّه من خلفه. كان عقله ـ ولم يمضِ بعدُ زمنٌ طويلٌ على العودة من المدرسة الرهبانية ـ لا زال تحت تأثير سنوات من الحياة الروحية... كان إيمانه بالله قوياً، لكن ليس إلى درجة يمكنه معها أن يثق بأن الله سيخرجه من التنور حياً إن غامر ودخل فيه... لكن يبدو أن ثقته وثباته كانتا بمقدار يكفي لزرع الخوف في قلب "أبو عيد" الذي أخذ بيده وعاد به إلى أبيه مهرولاً ليقول له، بأن ابنه مجنون! شعر أباه بالفخر وهو يقول للرجل الواقف أمامه بعينين فاغرتين، "أين هو إيمانك يا رجل! " وكذلك، ربما شعر الصبي بالسعادة لرؤية ابتسامة الفخر على وجه أبيه... ولكنَّ أيّاً من الاثنين لم يشعر بما كان يدور في فكر الصبي آنذاك... لقد كان في صراعٍ داخلي مع الإيمان... حيث اتضح أنّ أيّاً منهما، لا "أبو عيد"، ولا الصبي، كان لديه أي إيمان حقيقي... لقد كان كلُّ واحدٍ يحاول أن يبيع الآخر... شيئاً لا يملكه. إيمان التبرير النظري ربما يقول قائل أن "أبو عيد" رجلٌ بالغٌ راشد ولذلك فإنّ عدم استجابته لذلك التحدي الصبياني لا يعني قلة إيمان... ربما يقول آخر أن "أبو عيد" كان بإمكانه الإجابة من نفس الإسلام: "لا تلقوا بأنفسكم إلى التهلكة"... كل هذا قولٌ حسن... ولكن الثابت أن "أبو عيد"، الرجل البالغ الراشد، لم يبذل أيّ جهدٍ ليبرهن عن إيمانه بأي شكل للطائش الصغير. ربما كان امتحان الإيمان ذاك بالنسبة للرجل، امتحاناً طفوليا صبيانياً، وربما كان بالنسبة للصبي، امتحاناً خبيثاً يمتحن به الرجلَ ونفسه رغم سالف معرفته أنه لن يقدمَ عليه في اللحظة الأخيرة... ولربما كان أيضاً مدفوعاً بروحانية السنوات التي قضاهما في وسط الرهبنة... ربما، وربما... ومن يدري... لكنّ أمراً واحداً عرفه الصبي... وهو أنّ ذلك اليوم، كان بداية رحلة طويلة في البحث عن الإيمان... إيمان الاختبار الشخصي كثيراً ما اقترب من الإيمان وهو يبحث عنه... وكثيراً ما ابتعد عنه... لكنه كان دائماً يكتشف، أن اقترابه من الإيمان وابتعاده عنه، لم يكونا نتيجة قناعات شخصية، إنما نتيجة تأثيرات خارجية... يُقال أن بعض الناس بحاجة إلى معجزة كي يجدوا الإيمان... والصبي الناقد يعترف بعد أن نضج وكبر بانه لم يمرّ بتجربة كهذه. التفت إلى الآخرين - المؤمنين - يبحث عن الإيمان في نفوسهم... لعله يستفيد من خبراتهم فيه... فوجده إما نفاقاً... أو جهلاً... أو سذاجة... أو تقليداً... أو وراثةً... إيمان الخبراء الجماعي وجده لدى أغلب رجال الدين، عبارة عن وظيفة يقتاتون منها... ولدى آخرين من الدعاة، هو تجارة مربحة... أما لدى السياسيين فهو أداة سيطرة وحشد جماهيري... وجده لدى أمّه الطيبة البسيطة أدعيةً تكرر كلماتها، وتراتيل دينية تترقرق لدى سماعها الدموع من عينيها... كما وجده لدى أم صديقه أحمد، ركعة صلاة أو ابتهالات وتعاويذ لا تفهم معناها، بل ولا تعرف من الدين غيرها... وجده لدى أناس إعلانَ شهادةٍ ينطقون بها... ولدى آخرين غطسةً في جرن معمودية، أو تناول قربانٍ... وجده لدى الناس بمختلف أديانهم، حجاً إلى مدينةٍ... أو إلى نهرٍ... أو قبرٍ... أو حجرٍ... أو تقشفاً واعتزالاً للدنيا... أو تنسكاً في معبدٍ... أو باديةٍ... أو جبالٍ وعرة... وجده في أدائهم لشعائر مختلفة، كحلق الشعر... أو إطالة الذقن... أو رمي الأحجار على شياطين وهمية... أو في عملية ختانٍ... أو وضوء... أو اعتراف بخطيئة... أو في أية طقوس تخوّل الفرد عند بلوغه سناً معيناً أن يصبح عضواً نشطاً في حلقة المؤمنين... رغم ذلك. . لم يتوقف الصبي الناقد عن البحث... وقاده بحثه من جديد إلى بعض هؤلاء الذين تحدثت عنهم أنفسهم... عاد ليجد الإيمان لدى كثيرين منهم على مختلف دياناتهم... ولم يكن غريباً أن وجد الإيمان عند أقلِّهم معرفةً بالدينِ وعلوم فقههِ أو لاهوته... لا... بل ليس غريباً أبداً إن قال بأنه وجد من الإيمانِ عند بعض الملحدينَ، ما لم يجده عند من يدّعون الإيمان! إيمان دون دين وجد الإيمان في بائع فواكه على عربة صغيرة، وهو يزيد الكيل بحبة فاكهة إضافية كي يتأكّد أنه لم يضع في جيبه قرشاً حراماً... وجده في طبيب يعالج في عيادته فقيراً فلا يطالبه بمالٍ، إنما على العكس من ذلك، يعطيه من ماله ليشتري به الدواء... وجده في جنديٍّ يحمل عدوّه الجريح على ظهره إلى شاطئ السلامة... وجده في الأطفال... يلقى الواحدُ منهمُ الآخر، فيدعوه إلى اللعب معه دون مقدمات ودون سؤال عن أصلٍ أو دين... وجده في كريمٍ محسنٍ يعطي، لا غاية له من عطائه ولا يرجو العوض، كما ولا يفرّق بين محتاج وآخر بناءً على عرقه أو دينه... وجده في الأيدي الممدودة من أجل السلام، سواء آمن أصحابها بإلهٍ أو بحجر... وجده في عابر سبيل مسرع إلى غايته، ولكنه لا يتردد عن العودة مسافات، ليلتقطَ من الأرض قطعة زجاج خوفاً من أن تجرح قدماً تدوسها... وجده في الحليم الصبور الذي لا يردّ على الإساءة بمثلها... وجده في امرأةٍ رأت أن خير ممارسة لطقوسها الدينية هي تلك التي تتم خارج جدران هيكلها، كالأم تيريزا، التي قضت جلّ عمرها بين الفقراء والمرضى في الهند، أو الممثلة العالمية "أنجلينا جولي" التي تبنت أطفالا من أفريقيا السوداء ولم توقفها إصابتها بالسرطان عن العطاء... وجده في آخرين من كل لونٍ ودينٍ وعمرٍ وجنسٍ، منهُ في كلٍّ منهمُ ما ليس لدى أنبياءَ وقديسين... لقد رأي كل هؤلاء، يطبقون أفكار وتعاليم ذلك الشخص الذي لاحظتِ صديقته الملحدة بأنه معجب به... سمعوا أم لم يسمعوا به... آمنوا أم لم يؤمنوا به... لقد رآه فيهم ورآهم فيه... ولا أعتقد أن صديقته الملحدة تخالفه الرأي بأنّ العالم لو عمِل بتعاليم هذا الرجل، لنعِمَ كل من فيه وعليه بالرخاء والسلام. إيمان دون إله تسأله عما إذا كان حقاً يؤمن بوجود الله، أو بإلهٍ مــا... سيكون كاذباً مع صديقته إن أجابها بقوله "لا"... وسيكون كاذباً مع نفسه إن أجاب بقوله "نعم"... إن قال بوجود إلهٍ، فعليه كمفكّرٍ يقع عبءُ إثبات ما يقول... وإن قال ليس إلهٌ، فعليه أيضاً كمفكّرٍ، يقع عبء الإثبات... وإنه لمقرٌّ بأنه عاجزٌ عن هذا وعن ذاك... يولد الواحد منا وربما يكون "الله" أولَ كلمة تغزو مسامعه... بارك الله... ما شاء الله... أراه الله أياماً حلوة... حمداً لله على سلامتك... للهِ ما أجمله من طفل. . الله... ويكبر الواحد منا ولا زال يسمع باسم الله أو الإله في كل خطوة ومرحلة من خطوات ومراحل حياته... يخرج من البيت فتدعو له أمه بقولها، "الله معك... برعاية الله... أعادك الله بالسلامة... وفقك الله... " يتعامل الناس مع بعضهم، سواء آمنوا أم لم يؤمنوا بالله أو بإله، فيملّحون أحاديثهم باسمه كما يملّحون طعامهم... نكبر ويصبح هذا الله أو الإله جزءاً منا... ومن تفكيرنا... سواء آمنا به أو لم نؤمن... سواء عرفنا من هو، أو لم نعرف... وإذا ما حاول الواحد منا أن يرفضه، فكأنما يحاول أن يرفض عضواً من أعضاء جسده... وإذا استمرّ على قبوله، فإنما يفعل ذلك إما تقليداً أو مُقنَعا أو حتى مُرغماً خائفاً من العقاب... إيمان مجرد أما هو... فلا زال يبحث عن الله... أو يبحث عن إلهٍ... بعيداً عن التقليد... أو الإقناع... أو الخوف من عقاب... يبحث عنه وربما يموت قبل أن يجده... ولربما يجده هو قبل أن يجده... وحتى ذلك الحين... سوف يكتفي بأن يراه فيمن حوله من الناس... بائع الفواكه الأمين... أو الطبيب الطيّب... أو الكريم الذي لا يرجو العوض... أو الجندي الذي يحمل عدوه على كتفه... أو اليد الممدودة لأجل السلام... أو عابر الطريق السامري الصالح... أو الحليم الصبور... أو الأم تيريزا... أو أنجلينا جولي... سيراه في بسمة كل طفل... وفي حنان كل أمّ... وفي عَرَقِ كلّ أبٍ... وفي كلّ ابنٍ يقدّم لأبيه وأمّه كتفاً يتّكئان عليها... سيراه في الزهور التي تزيّن الطبيعة... وفي الأنهار... والجبال... والغيوم... والبحار... سيراه في كل ما هو جميل... لأنه يتوقّع إن وجده أن يراه جميلاً... --- ### شاول الفريسي وحال الكنيسة - Published: ۲۰۲۳-۰۵-۱۹ - Modified: 2023-05-25 - URL: https://tabcm.net/11693/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: الأب متى المسكين, قديس بولس الرسول, نيقوديموس, يوحنا الحبيب ما بين سفر الأعمال ورسائل بولس المتعددة يلتقط الكاتب من لسان بولس نفسه تعريفاً دقيقاً لخلفياته الفكرية وتوصيفه لنفسه وموقفه الواضح من الكنيسة التي كان يضطهدها بإفراط ويتلفها، فيما كان يتقدم في الديانة اليهودية متقدماً على رفقاءه، لكن اللافت قوله إنه "حسب مذهب عبادته الأضيق عاش فريسياً". ويعرفنا الكاتب ـ في هامش مطول ـ على جماعة الفريسيين؛ النشأة والمبادئ، فهي تجمع بين القدرية وبين حرية اختيار الإنسان، ويذكرهم سفر ملاخي بأنهم "متقو الرب"، فيما يشير إليهم مزمور 119 أنهم ذوو تقوى وغيرة على وصايا الله، وكلمة "فريسي" من أصل قريب من كلمة "يفرز" و "فرًيز"، (فرِّيز = فريزي = فريسي)، وهى تعني تماماً جماعة المعتزلة، بمعنى اعتزالهم كل ما هو غير طاهر، سواء كان أخلاقياً أو في العبادة، وهذا يعد الجانب السلبي للقداسة التي اعتبروا أنفسهم أنهم إليها مدعوون، وفي عرفهم أن الله قدوس بمعنى معتزل أو مفروز، وهم أشد ما يكون حرصاً على حفظ السبت وتجنب الأطعمة المحرَّمة بكل تدقيق، وهم الذين أضافوا على الناموس تعاليم ووصايا، وجعلوها في مقام الناموس، والرب وبخهم على ذلك إذ حمَّلوا الناس أحمالاً عسرة والزموهم بوصايا هي تعاليم الناس، وكان تشددهم مثار إعجاب جموع الشعب. ولعل هذا يفسر سر عدائهم للمسيح. في رسالته لأهل غلاطية يذكر ق. بولس أنه كان "أوفرغَيْرَة في تقليدات آباءه"، ويربطها الكاتب بما كتبه ق. بولس في رسالته لأهل فيلبي "من جهة الناموس فريسي، من جهة الغَيْرَة مضطهد الكنيسة من جهة البر الذي في الناموس بلا لوم"، وكانت ملاحظة الكاتب أن ق. بولس "يحاول أن يوضح أن الفريسية هي التي دفعته لكل هذه الأعمال الجنونية، ويدعم هذه الملاحظة باعتراف ق. بولس نفسه حسب ما سجله سفر الأعمال: "فَأَنَا ارْتَأَيْتُ فِي نَفْسِي أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ أَصْنَعَ أُمُورًا كَثِيرَةً مُضَادَّةً لاسْمِ يَسُوعَ النَّاصِرِيِّ. وَفَعَلْتُ ذلِكَ أَيْضًا فِي أُورُشَلِيمَ، فَحَبَسْتُ فِي سُجُونٍ كَثِيرِينَ مِنَ الْقِدِّيسِينَ، آخِذًا السُّلْطَانَ مِنْ قِبَلِ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ. وَلَمَّا كَانُوا يُقْتَلُونَ أَلْقَيْتُ قُرْعَةً بِذلِكَ. وَفِي كُلِّ الْمَجَامِعِ كُنْتُ أُعَاقِبُهُمْ مِرَارًا كَثِيرَةً، وَأَضْطَرُّهُمْ إِلَى التَّجْدِيفِ. وَإِذْ أَفْرَطَ حَنَقِي عَلَيْهِمْ كُنْتُ أَطْرُدُهُمْ إِلَى الْمُدُنِ الَّتِي فِي الْخَارِجِ. (سفر أعمال الرسل 26: 9- 11) ثم يعرض الكاتب كيف يصير اليهودي فريسياً، عبر تحفظات وقيود سلوكية ومحاذير وخوف: "تجعله في حالة استنفار ويقظة بل وربكة ذهنية كفيلة أن تشل عقله، وهكذا تتلف حواسه الأخلاقية الطبيعية... وهكذا تضمحل روح العبادة في خضم الشكليات، وتذوب حاسة التقوى الروحية الصحيحة... لذلك فالفريسية تُغذى النفس بروح الذاتية والغطرسة، بخداع الذات والرياء". (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول “حياته”، “لاهوته”، “أعماله”) ويكشف الكاتب سر عنف ق. بولس، قبل مقابلة الرب يسوع، وهو فشله في تأدية الواجبات المفروضة عليه: "هنا يشعر بالفراغ ولا يعوضه إلا التظاهر وإتيان الأعمال العنيفة والغيرة الزائدة لإرضاء ضميره، كالاضطهاد والتعنيف وملاحقة الخطاة ـ في نظره ـ الذي نسميه في علم النفس مُركَّب النقص ... ". وهو عين ما شعر به ق. بولس فصرخ "ويحي أنا الإنسان الشقي! من ينقذني من جسد هذا الموت". (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول “حياته”، “لاهوته”، “أعماله”) فالفريسية أوقعته في صراع بين سروره بناموس الله وقيود وإلزامات الناموس حسب إضافاتهم وأثقالهم. وعندما تدرك استنارة المسيح ذهن وقلب ق. بولس ينتفض في مواجهة ازدواجية الفريسيين وخداعهم: "الَّذِي تَكْرِزُ: أَنْ لاَ يُسْرَقَ، أَتَسْرِقُ؟ الَّذِي تَقُولُ: أَنْ لاَ يُزْنَى، أَتَزْنِي؟ الَّذِي تَسْتَكْرِهُ الأَوْثَانَ، أَتَسْرِقُ الْهَيَاكِلَ؟ الَّذِي تَفْتَخِرُ بِالنَّامُوسِ، أَبِتَعَدِّي النَّامُوسِ تُهِينُ اللهَ؟ لأَنَّ اسْمَ اللهِ يُجَدَّفُ عَلَيْهِ بِسَبَبِكُمْ بَيْنَ الأُمَمِ. "(رسالة بولس الرسول إلى رومية 2: 21- 24) قبل أن يستطرد الكاتب في تتبع دخول بولس إلى دائرة الإيمان يتوقف بنا عند حال الكنيسة آنئذ، في سعيه أن يتعرف إلى ما حدث بعد موت الرب، إذ بادر يوسف ونيقوديموس بإنزال الجسد من فوق الصليب، فيما كان رؤساء الكهنة وأتباعهم يشعرون براحة التخلص ممن علق نفوسهم على مدى ثلاث سنوات ويزيد، متأرجحين فيها بين المبادرة برجمه، والتخلص منه، وبين أن يجدوا عنده إجابة لأسئلتهم الحائرة، من يكون؟ جاء موت المسيح على الصليب ودفنه ليؤكد عند قاتليه أنه مدَّعى، لأن الناموس عندهم يقول أن المسيا لا يموت «نَحْنُ سَمِعْنَا مِنَ النَّامُوسِ أَنَّ الْمَسِيحَ يَبْقَى إِلَى الأَبَدِ، فَكَيْفَ تَقُولُ أَنْتَ إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَرْتَفِعَ ابْنُ الإِنْسَانِ؟ مَنْ هُوَ هذَا ابْنُ الإِنْسَانِ؟»(إنجيل يوحنا 12: 34) لكن قيامة المسيح صبيحة الأحد جاءت لتعيد الأمور إلى صحيحها، فقد قام من الموت"إِذْ لَمْ يَكُنْ مُمْكِنًا أَنْ يُمْسَكَ مِنْهُ"حسب تعبير ق. بطرس في يوم الخمسين، وتتوالى ظهورات الرب القائم لتلاميذه مرات عدّة، ولمدة أربعين يوماً، ويأتي ق. بولس ليوجز هذا كله في سطور قليلة في رسالته الأولى لأهل كورنثوس: "فَإِنَّنِي سَلَّمْتُ إِلَيْكُمْ فِي الأَوَّلِ مَا قَبِلْتُهُ أَنَا أَيْضًا: أَنَّ الْمَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا حَسَبَ الْكُتُبِ، وَأَنَّهُ دُفِنَ، وَأَنَّهُ قَامَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ حَسَبَ الْكُتُبِ، وَأَنَّهُ ظَهَرَ لِصَفَا ثُمَّ لِلاثْنَيْ عَشَرَ. وَبَعْدَ ذلِكَ ظَهَرَ دَفْعَةً وَاحِدَةً لأَكْثَرَ مِنْ خَمْسِمِئَةِ أَخٍ، أَكْثَرُهُمْ بَاق إِلَى الآنَ. وَلكِنَّ بَعْضَهُمْ قَدْ رَقَدُوا. وَبَعْدَ ذلِكَ ظَهَرَ لِيَعْقُوبَ، ثُمَّ لِلرُّسُلِ أَجْمَعِينَ. وَآخِرَ الْكُلِّ ­ كَأَنَّهُ لِلسِّقْطِ ­ ظَهَرَ لِي أَنَا. لأَنِّي أَصْغَرُ الرُّسُلِ. "(رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس 15: 3-9) وهو ما كتبه ق. لوقا في مستهل سفر الأعمال: "اَلَّذِينَ أَرَاهُمْ أَيْضًا نَفْسَهُ حَيًّا بِبَرَاهِينَ كَثِيرَةٍ، بَعْدَ مَا تَأَلَّمَ، وَهُوَ يَظْهَرُ لَهُمْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَيَتَكَلَّمُ عَنِ الأُمُورِ الْمُخْتَصَّةِ بِمَلَكُوتِ اللهِ". (سفر أعمال الرسل 1: 3) ينبهنا الكاتب إلى أن الإيمان المسيحي لم يبدأ بـ "القيامة" كبرهان أن يسوع هو المسيح ابن الله، لكن القيامة كانت خاتمة أو حصيلة تجليات سابقة واستعلانات متوالية" يورد منها : * لقاء المسيح مع نثنائيل: "أجاب نثنائيل وقال له: يا معلم أنت ابن الله، أنت ملك إسرائيل"، فيجيبه المسيح:«سَوْفَ تَرَى أَعْظَمَ مِنْ هذَا! » وَقَالَ لَهُ:«الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مِنَ الآنَ تَرَوْنَ السَّمَاءَ مَفْتُوحَةً، وَمَلاَئِكَةَ اللهِ يَصْعَدُونَ وَيَنْزِلُونَ عَلَى ابْنِ الإِنْسَانِ». * اعتراف بطرس في أوائل أيام إتباعه للمسيح:"فَأَجَابَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ وَقَالَ:«أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيِّ! ». وكان رد المسيح عليه أيضاً وعلى نفس مستوى نثنائيل هكذا:"طُوبَى لَكَ يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، إِنَّ لَحْمًا وَدَمًا لَمْ يُعْلِنْ لَكَ، لكِنَّ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. وَأَنَا أَقُولُ لَكَ أَيْضًا: أَنْتَ بُطْرُسُ، وَعَلَى هذِهِ الصَّخْرَةِ أَبْني كَنِيسَتِي، وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا. ". ويعلق الكاتب "معنى قول المسيح هو أن اعتراف بطرس بأن يسوع هو المسيح ابن الله إنما جاء بإعلان مباشر من الله، ثم تأكيد المسيح أنه سيبنى كنيسته على هذه الصخرة أي على صخرة الإيمان القائم على الاستعلان السماوي". * كذلك في أول آية صنعها المسيح في إنجيل يوحنا بتحويل الماء إلى خمر، يشير إلى ذبيحته المستقبلة، يقول ق. يوحنا: "هذه بداية الآيات التي فعلها يسوع فى قانا الجليل وأظهرمجده". * وتتكرر الآيات والمعجزات حتى نصل إلى إقامة لعازر من الموت بعد أربعة أيام في القبر، وهي في مجملها تشير بقوة إلى الاستعلان الذي تحمله نحو لاهوته: «أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا، وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيًّا وَآمَنَ بِي فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى الأَبَدِ. أَتُؤْمِنِينَ بِهذَا؟» قَالَتْ لَهُ:«نَعَمْ يَا سَيِّدُ. أَنَا قَدْ آمَنْتُ أَنَّكَ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ، الآتِي إِلَى الْعَالَمِ» ويأتى حلول الروح القدس ليمنح الكنيسة قوة خاصة لأنه: "روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق... ويعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم... ويمجدني لأنه يأخذ مما لي ويخبركم... وهو يشهد لي وتشهدون أنتم أيضاً". ويواصل الكاتب توضيح: "القيمة الفعلية الثمينة لمعنى أخذنا الروح القدس أخذاً فعلياً، بمفهوم (عربون خلاصنا)، الذي نعيشه الآن جزئياً لنحياه هناك كلياً". ويوضح الكاتب كيف ابتدأت الكنيسة تنمو وتمتد بسرعة هائلة، وبدايات ظهور كنيسة الأمم، بعد حلول الروح القدس يوم الخمسين، ودور استفانوس أول شهيد في المسيحية ودفاعه وجسارته في مواجهة رؤساء الكهنة وأعضاء المجمع آنذاك، لينتهى الأمر بقتله "استشهاده". وفي كلمات قليلة يوصِّف الكاتب معنى كلمة شهيد؛ "ويلذ لي أيها القارئ أن تعلم أن كلمة "شهيد" بمعنى شَهَدَ للمسيح تحت الموت وشاهده قد نحتت أول ما نحتت وأطلقت أول ما أطلقت في المسيحية على القديس استفانوس(أنظر أع 20:22: "استفانوس شهيدك") يعود الكاتب ليقترب من شاول المضطهِد للكنيسة وهو ما نتناوله في المقال التالي. --- ### قاهرة الأحلام - Published: ۲۰۲۳-۰۵-۱۸ - Modified: 2023-05-17 - URL: https://tabcm.net/11827/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون لا توجد مدينة في العالم كله تحمل اسما على مسمى بمثل هذا الوضوح، اسما يصف حالها بكل دقة، مدينة تمددت حتى صارت أشبه بدولة كاملة، تحمل القهر في كل شبر من جوانبها، والقبح صار سمة رئيسية لشوارعها، والكره والبغض صاروا علامة مميزة لمواطنيها، هؤلاء الذين باتوا أشبه بالزومبي أنصاف الموتى أنصاف الأحياء. القاهرة مدينة قاسية لا ترحم، والحياة في القاهرة ومحاولة التعايش مع مصاصو الدماء، هؤلاء الذين يقبعون على نواصي شوارعها، صار ألمًا لا يحتمل، والخروج خارج المنزل صار مغامرة غير مأمونة العواقب. القاهرة حالة خاصة، منفردة ومتفردة. في البداية ستكرهها وستمقتها، وستحاول الهروب منها بكل الطرق، وبعد قليل من الوقت ستبدأ بالتعود عليها، ستمتص تفاصيلها وتستنشق ملامحها، تلك التي ستبدأ بالتسلل إلى عقلك ببطء، والترسب تحت جلدك بهدوء، ستقتحمك اقتحاما حتى تعتادها، ثم لا تعود غريبًا عنها، ستحبها ببطء، وستعشقها حتى النخاع، ولا تلبث حتى تدمنها إدمانًا، ليصير الابتعاد عنها يلزم طبيبًا متخصصًا في علاج هذا النوع من الإدمان. إن استطعت أن تتحمل معاناة الحياة في القاهرة لمدة عام واحد، غالبًا ستمكث بها ما تبقى لك من عمر، ولن تخرج منها إلا محمولًا على النعش، وستعاني أكثر أن تأقلمت على الحياة فيها، وستعاني أكثر وأكثر إن غادرتها بحثًا عن حياة أفضل. القاهرة مدينة مرهقة تمتص كل الطاقة، تطحن العظام وتخطف الأنفاس وتقبض الأرواح، ساعة في الشارع بين المارة كافية لإهدار عشر ساعات من النوم المتواصل، والمرور السليم بين ضفتي الشارع ليس مضمونًا، ويحمل مخاطرة تفوق مخاطرة العبث بصمام أمان مفاعل نووي على وشك الانفجار، والمواطنين القاهريين في حالة حرب مستمرة، مع أنفسهم قبل أن يكونوا مع الآخرين، مع المارة ومع السيارات ومع سائقي الميكروباصات، ومع موظفي الحكومة، ومع شرطي المرور السمج الذي يمنع مرور الميكروباص الذي يستقلونه دون الحصول على الإتاوة المعتادة. القاهرة تقتل الإبداع، وتمتص الطموح، تتحرش بالأمنيات وتغتصب الآمال العظمى اغتصابًا، وبمرور الوقت يتحول المواطن القاهري إلى ترس في ماكينة عملاقة، حتمًا ولابد ستهرسه هرسًا خلال حركتها المستمرة التي لا تهدأ، وإن لم تهرسه فستحطم بروزاته ونتوءاته التي تميزه، وبمرور الزمن سيُبلى، وسيُلقى به من علا، بعد أن صار عالة على جسم الماكينة. المواطن القاهري حرفياً يعمل كثور مغمى العينين في ساقية عملاقة ضخمة للغاية لا يراها، يعمل بها منذ شروق الشمس وحتى غروبها، وأحيانا لما بعد منتصف الليل مقابل بعض التبن والماء، يتقوت بهم حتى لا يسقط صريعاً للإجهاد والمرض، ثم ينهض في اليوم التالي ليأخذ دوره في نفس الساقية بلا كلل ولا ملل. القاهرة مدينة مقيتة، تسلبك إنسانيتك يومًا بعد يوم في سبيل الحصول على لقمة العيش الضرورية، ستتخلى عن مبادئك بينما تهرس الفقير، وستتخلى عن أخلاقك وأنت تدوس الضعيف، وستتخلى عما تبقى من أدميتك بينما تطحن كبير السن طحنًا تحت قدميك في مدينة لا تعرف الرحمة ولا الإنسانية. القاهرة مدينة واحدة وعوالم متعددة، فالفارق بين ساكني التجمع الخامس، وساكني مقابر الإمام الشافعي سنوات ضوئية لا يمكن حصرها، فقاطنو الكمباوندات ومن هم على شاكلتهم لم يمروا يومًا بتجربة زيارة مجمع التحرير البغيضة، ولا أظنهم يفعلوا في القريب العاجل، لم يرتادوا أي مصلحة حكومية، ولم يخوضوا تجربة مترو الأنفاق المؤلمة، ولا ممارسة اللهاث بسرعة الضوء محاولين اللحاق بأوتوبيس مدينة نصر الذي يحشر عشرة مليون راكب داخله دفعة واحدة، لم ينتظروا دورهم في سجل مدني الزيتون، ولم يغفوا لساعات تحت مظلة إدارة مرور مدينة السلام - وما أدراك ما هي إدارة مرور مدينة السلام - في أنتظار دورهم لتجديد رخصة السيارة، هذا الدور الذي لا يأتي أبدًا إلا بعد دفع "المعلوم" المناسب. المواطن القاهري من أكثر المصريين خوفًا من الهجرة، لإدراكه ألا توجد دولة في العالم قادرة على أن تتحمل فشله وجهله وقلة ذكائه إلا قاهرته الجميلة، لكنه لا يعترف بقلة حيلته، وإنما يلجأ لتغليف هذا الفشل بقناعات براقة مثل الوطنية وعشق الوطن، بل ربما يتهم الآخرين أن الهجرة والسفر للخارج خيانة وقلة وطنية، محاولًا إقناعهم أن بلدهم أولى بفشلهم، وأن المصري الأصيل لابد أن يعيش ويموت في مصر ويا حبذا في قاهرته، هم لا يدركون أن "وطن المرء ليس مكان ولادته، ولكنه المكان الذي تنتهي فيه كل محاولاته للهروب"، وعاشت أجيال وماتت وهي تؤمن أن حب الوطن هو أن تعيش عبء عليه، وبعد عدد من السنوات لا يعلم مقداره إلا الله، ستجد نفسك تسأل السؤال الوجودي الشهير الذي عجز الأطباء النفسيين عن الإجابة عليه: إحنا ليه عايشين في القاهرة؟ من منا لم يسأل هذا السؤال الوجودي بعد زيارته الأولى لدهب؟ هذه المتلازمة التي تحدث لأي مواطن قاهري يزور دهب، خصوصًا أن كان لا يزال يحتفظ بالحد الأدنى من عقله واتزانه، وكثيرون هجروا القاهرة بالفعل وتركوها واستقروا في دهب بعد الزيارة الأولى. أكبر تنازل تقدمه في حق نفسك هو أن تتأقلم على وضع أنت لست مقتنع به ولا تريده. أكبر تنازل هو أن تتأقلم على الحياة في القاهرة وتعتاد على ألم الحياة فيها وتستسيغه. الخطيئة العظمى التي لا تغتفر، والتي يمكن أن يفعلها أنسان ناضج في حق نفسه، هي أن يقرر بكامل إرادته الحرة أن يمضي بحياته في القاهرة، والخطيئة الأعظم هي أن يقرر أنسان ناضج، وبكامل إرادته الحرة أن يترك مدينته ويرحل صوب القاهرة للحياة فيها، تحت دعاوي براقة زائفة مثل العمل والدراسة والنجاح. القاهرة ليست مدينة، القاهرة روح شريرة تتلبس كل طفل بمجرد وصوله لهذا العالم البغيض في القاهرة، ولا يستثنى منها أحدًا، حتى لو أتى له أبواه بشيخ يكبّر له في أذنه ويقرأ عليه القرأن كاملًا، أو قسيسًا يرشمه بعلامة الصليب ويقرأ عليه الإنجيل كاملًا. تلك الروح الشريرة تنتظر كل من يصل للقاهرة، تتلبسه على الفور، ولا تتركه حتى لو غادرها، إلا بعد ردحًا غير يسير من الزمان. في العام الأخير قبيل هجرتي للخارج، أيقنت فجأة أنني لم أعد ذاك الإنسان الذي أتى للقاهرة مهاجرًا من قلب الصعيد منذ عشر سنوات، يحمل بعض الطموح والآمال العظمى، والكثير من المبادئ والإنسانيات، أفقت من غفوتي لأجد نفسي قد تحولت إلى إنسان أخر، لا يتورع عن القيام بأي شيء وكل شيء في سبيل مصلحته الشخصية، ولم يتبق لي الكثير حتى أصير وحشًا أدميًا، حينها فقط أدركت انه لم يعد هناك مناص ومفر من الهروب، ومع أول فرصة متاحة، لملمت حاجياتي البسيطة وهربت في أول طائرة خارج البلاد. بعد عدد من سنوات الغربة، عدت للقاهرة التي أحببتها وعشقتها يوماً ما، في زيارة سريعة كان من المقدر لها أن تستمر لثلاثة أسابيع، لكن طبيعتي التي تغيرت، أو عادت لطبيعتها بمعنى أدق، أجبرتني على العودة من حيثما أتيت قبل أن يتم الأسبوع الأول أيامه السبع. لو كنت تعيش في القاهرة وتقرأ هلوساتي تلك، فأنصحك بالهروب منها. أهرب قبل أن تفقد أخر ما تبقى من آدميتك، أهرب قبل أن يفوت الأوان. --- ### المرحلة الثالثة:
المسيح يسقط تحت الصليب - Published: ۲۰۲۳-۰۵-۱۷ - Modified: 2023-05-17 - URL: https://tabcm.net/11813/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا يسقط المسيح للمرة الأولى تحت ثِقَل الصليب. نعم، العار والعثرة التقيا! ولم تزل تسبّبها المسيحية حتى اليوم. فهي تؤمن بإلهٍ ضعيفٍ، متجسّدًا إنسانًا كاملًا. سقط الإله لكي يرفع الإنسانَ معه من تحت أنقاضه. سقط الإله تحت الصليب كي يُري الإنسانَ كيف ينهض وهو متورِّطٌ معه في إنسانيّته. سقط معه في ضعف إنسانيّته، كي ينهضه ويقيمه إنسانًا وإلهًا معه. وها منذ ألفيّ عامٍ لم يزل يسقط تحت صليب جهالات التقوى الساذجة وأفكارٍ أفرغَت المسيحَ من إنسانيّته وحوّلته إلى إنسانٍ "كده وكده"، وتخيّلتْه أنّه كان يتصرّف فقط مثل الإنسان إلّا أنّه صانع معجزات لم يكن في ذهنه سوى إثبات عظمته من خلال معجزات فحسب. تؤمن أشكالٌ كثيرة من المسيحيّة الشعبية بإنسانيّته جهرًا وتنكرها بل وتصلبها بالأفعال. سقط المسيح تحت الصليب، لأنّه متناغم مع شخصه لأنّه وفّق بين إرادته وإرادة الآب. هذا مصير مَن يطابق إرادته بإرادة الآب! --- ### شئ له [٢] - Published: ۲۰۲۳-۰۵-۱٦ - Modified: 2023-05-16 - URL: https://tabcm.net/11781/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون ‏جميعهم يسيرون على أسطحك النظيفة أما أنا؛ فدعني أتوحّل بتفاصيلك وإنْ ضاقَت بكَ اللّحظات أوسَعتُ لكَ الأبد في خلايا دَمي. . و‏حتى ذلك التفكير المطلق أصبح مقيداً بك ‏أجلسُ في مساحاتِ صمتك الشاسعة مثل متسوِّلةِ وحيدة أتأملُ لامبالاتكَ فيما قلبُكَ المائيُّ يغسل ملوحةَ الوجوه الزرقاء ويسمّي صريرَ بابِ البحر موسيقاه الأبديةَ. أنتظركَ لعلّكَ تقترب من تضرعي وتتبرع لي بكلماتٍ تفيضُ من أكمامِها الألحانُ والأغنيات هوَ كغيمِ يجهلُ أنّني أتَذوقه كُلما سقطَ على شفاهِ عَطشى وأنا؛ كذاكرةٍ على سطر الطريق تتهجّى خُطاك! . ‏ولا زال قلبي جندي هارب على سطورك رغم إني أكتبك بكل جيوش حروفي ‏ما بين هويتي و هوايتي و هاويتي تقبع أنت... تتأرجح، تترنح، وتعود فتتبخر وما بين لغتي... أنت قصيدتي وقافيتي وشِعري ومحبرتي أكتبك بالشمس والقمر... أجعل منك أحجيتي ‏وكأنّني كنتُ أبحثُ عنكَ أنتَ في غربةِ عمري حيثُ تأوي أشباحي مخاوفها وتسدلُ أبتسامتي حكايتها... أتصدق إن الكونَ بكامل رئتهِ لا يتنفس إلا بما همس صوتك! أتصدق إن الهواء لا يمارسُ معجزة السير إن لم تغريه الحنطةَ في وجهك! إذاً قل لي كيف، كيف... ؟! لا تمؤ في دمي الحماقات ولا تطير عصافير عقلي وتهرب خارج السبع سماوات كي أنجو بفائضٍ من "أحبك" ‏لك منازل الشمس تصعد في روحي درجة درجة انتظاري وشوقي حنيني ودفق قلبي إن كان مُغيباً ولأغلق نوافذ روحي إن كان عن صدق إحساسي غائباً ‏وأن تشير بقلبك يأتيك قلبي من كل حدب ‏دموعه عبرت بي إلى سنينه العجاف هو فجرُ غابةٌ يحرثُ النعاسَ على صفحةِ النهر ويطمئنُ بفيضِ جريانهُ كوخِ تؤرقهُ أمنيات عاقر وتتوهجُ في مدارِهُ أحلام الرعاةَ العاشقينْ هو أفقٌ لامع مِن أدراجِ عرّش عليها الياسمينْ وجودك، وحبر القلم، والحبق ‏اشتقتُ لموعدٍ معك أنت ترسمُ المكانَ وأنا أطرقُ بابَ الورق ‏تائهة فيك ولن أخلّع نعل الصمت كي لا أُزعجك بخُطى الثرثرة أنت بعينيّ كلُّ أربعينك فما زال أشباهكَ لم يخلقوا بعد في حياةٍ أخرى كُنت سأكون عصفوراً يحطّ على نافذتك يصنع له عُشاً ليراك منه يقتات من حنطتك وينسى كيف يطير. . ! ‏على الورقِ تأبى اللُّغة خطيئةَ الكتمان والحنينُ يمضـي نحوكَ بلا ساقين --- ### ورود وسط الأشواك - Published: ۲۰۲۳-۰۵-۱۵ - Modified: 2023-05-14 - URL: https://tabcm.net/11802/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون - وسوم: فيروس كورونا من عجائب المخلوقات أن نجد الأشواك حين تنمو تتحول إلى ورود يانعة لها ألوان رائعة. فلا نتعجب إذاً إذا رأينا في الحياة التي نحياها ضيقات وعوائق ينتج عنها نتائج مبهجة، بألوان متنوعة من المواهب والفضائل التي تُفرِح قلب الرب يسوع. الرحمة خير دليل على صدق مشاعر الإنسان: كان ليونيل يشتري الطعام من أحد المحال، ثم سمع أبواق السيارات ورأي كلباً صغيراً (جرواً)، حائراً بين السيارات، وهو تائه هنا وهناك في حركة المرور. كان ذلك في بلدة اسمها إيبوه في ماليزيا– في شرق آسيا. فأسرع إلى عربته وتعقب هذا الكلب الصغير، حتى اقترب منه. حينئذ رأى حول رقبته رسالة ملصقة في الحزام المحيط برقبته. وبعد حوالي عشر دقائق، اقترب الكلب بشجاعة منه، وأزال ليونيل الرسالة المحيطة برقبته، على أمل أن تحتوي على تفاصيل اتصال المالك أو عنوانه. وبدلاً من ذلك فوجىء برسالة غريبة هذا هو نصها:  أووف! مرحباًَ! اسمي سيجي، وأنا الكلب الأكثر حباُ وانتباهاً الذي ستراه على الإطلاق. يؤسفني للغاية أن صاحبي قد اضطُر لتركي هنا معك، لكنه لم يعُد يستطيع الاعتناء بي بعد الآن. أنا آسف لذلك، لأنني متأكد أنه هو أيضاً متأسف لذلك الحال. أرجوك خذني إلى منزلك. أرجوك دعني أكون جزءاً من عائلتك. أرجوك أحبني! أنا من نوع Goldendoodle، وعمري خمس سنوات في هذا العام. أنا لطيف للغاية، لم أضايق أي شخص على الإطلاق! أنا كلب حراسة جيد، سأجلس أمام باب البيت طوال اليوم، وأنبح على أي شخص يأتي إلى بوابتك، حتى تخبرني بالتوقف. أما إذا كنت أعرف هذا الشخص جيداً، فيمكنني أن أقوم ببعض الحيل الطريفة أمامه! آمل أن تقبلني، مع الحب وبعض الرفق. سيجي. حركت هذه الرسالة مشاعر ليونيل، وسالت دموعه من أجل هذا الكلب الصغير "الجرو سيجي"؛ لذلك قرر أن يأخذه معه إلى المنزل، حيث أطعمه وحممه وجففه وتركه ينام في سرير مريح أنشأه تحت الأريكة. وذكر ليونيل في حديثه: "كان هذا الجرو ذكياً سريع التعلم، يتواصل معي بمجرد النظر إليَّ، وهو ينظر إليَّ من تحت الأريكة. كنت قد فككت الرسالة من حول عنقه وقرأتها، فلم أتمالك دموعي. إنني أتمنى أن يتحمل الذين يحضرون تلك الكائنات الضعيفة إلى بيوتهم، أن يتحملوا مسؤولية تربيتها وألا يضعوا فكرة تركها وهجرها في الحسبان إطلاقاً! لقد وجدت هذا الجرو، وشكراً للرب على ذلك، ولكني أفزع من أن أفكر في أن آخرين تائهين في الشوارع، من السلالات النقية، سواء كان معهم رسالة أم لا! ! " «طوبى للرحماء لأنهم يرحمون»(إنجيل متى 5: 7) شهادة طبيب عن رد فعله أمام حالات الموت في إيطاليا: نعود وننتقل من آلام الكائنات الصغيرة إلى آلام الإنسان المتألم. ففي إيطاليا وأثناء تفشي فيروس كورونا وإصابة آلاف من البشر بهذا المرض، نجد أحد الأطباء قد عبَّر عما تحرك في فكره وقلبه ودفعه إلى أن يتصرف هذا التصرف الرائع. جوليان أوربان هو طبيب يبلغ من العمر 38 عاماً، ويعمل في مستشفى في مقاطعة لومبارديا، إحدى مقاطعات شمال إيطاليا. كتب هذا الطبيب في وسط أزمة الوفيات الكثيرة من ضحايا فيروس كورونا ما يلي: لم أكن أتخيل أبداً حتى ولو في أكثر الكوابيس إظلاماً، أنني أستطيع رؤية أو تجرِبة ما يحدث هنا في المستشفى منذ ثلاثة أسابيع. الكابوس يتدفق، وكأنه نهر يصبح أوسع فأوسع. في البداية جاء بعض المرضى، ثم زادت الأعداد فأصبحت بالعشرات، ثم بالمئات؛ والآن لم نعد أطباء، لكننا أصبحنا نقرر من يجب أن يعيش ومن يجب أن نرسله إلى المنزل ليموت هناك، حتى لو كان كل هؤلاء الناس قد دفعوا الضرائب الإيطالية طوال حياتهم. حتى قبل أسبوعين، كنت أنا وزملائي ملحدين. كان الأمر طبيعياً لأننا أطباء وتعلمنا أن العلم يستبعد وجود الله. وكملحد، كنت دائماً ما أضحك على والديَّ اللذَيْن كانا يذهبان إلى الكنيسة. قبل تسعة أيام، جاء قس راعٍ لكنيسة في الجوار، عمره 75 عاماً. جاء لرؤيتنا لكي يفتقد أحوالنا والمرضى الموجودين. لقد كان رجلاً لطيفاً، وكان يعاني مشاكل تنفسية خطيرة، ولكن كان لديه كتاب مقدس، وتعجبنا عندما رأيناه يقرأ من الكتاب للمقبلين على الموت، وكان يمسك بأيديهم! ! كنا جميعاً متعبين، ومحبطين، نفسياً وجسدياً، إلى أقسى درجة، فلم يكن لدينا الوقت للاستماع إلى هذا القس. ولكن الآن علينا أن نعترف إننا كبشر قد وصلنا إلى أقسى حدودنا، فلا يمكننا أن نفعل المزيد، بينما ازدادت أعداد الناس الذين يموتون كل يوم. وقد استنفذنا كل قوانا، ولدينا زميلان لقيا حتفهما وأصيب آخرون. لقد أدركنا أنه حيث لم يعد بإمكان الإنسان فعل أي شيء، فإننا نحتاج إلى المعونة الإلهية، وقد بدأنا نطلب من الله المساعدة عندما تسنح الفرصة لنا. نحن الأطباء نتحدث فيما بيننا ونقول: لا يمكننا أن نصدق أننا كنا مقتنعون بالإلحاد، وأننا الآن كل يوم نبحث عن الله، عن سلامنا، نطلب من الرب أن يساعدنا في المقاومة حتى نتمكن من رعاية المرضى! أمس تُوفِّي القس البالغ من العمر 75 عاماً. وعلى الرغم من أن أكثر من 120 ماتوا في 3 أسابيع، وبينما كنا جميعاً مرهقين، ودُمِّرنا، فقد نجح هذا القس -بالرغم من كل هذه الظروف والصعوبات التي نواجهها- في جلب السلام إلينا نحن الذين لم نعد نأمل في العثور على هذا السلام. ذهب الراعي إلى الرب، وسرعان ما سنتبعه نحن أيضاً، إذا استمر الوضع على هذا النحو. لم أذهب إلى منزلي منذ 6 أيام، ولا أتذكر متى تناولت الطعام أخر مرة، وأدركت عدم جدواي على هذه الأرض، وذهبت لآخذ أنفاسي الأخيرة لمساعدة الآخرين من المرضى. أنا سعيد لأنني عدت إلى الله بينما كنت محاطاً بمعاناة وموت رفاقي الرجال. (شهادة جمعتها Gianni Giardinelli) هذه هي شهادة هؤلاء الرجال الذين رأوا الضيقات وتفاعلوا معها من كل قلوبهم، فأثمرت ينابيع مياه حية تفرح قلب الرب يسوع. هذه هي شهادتهم، ومن الله نسأل العون والنعمة للجميع. --- ### القداس الإلهي (٢) - Published: ۲۰۲۳-۰۵-۱٤ - Modified: 2023-12-10 - URL: https://tabcm.net/11793/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: إفخارستيا, چورچ حبيب بباوي, مفهوم التجسد نقلا بتصرف عن حبيب المسيح العلامة الدكتور جورج حبيب بباوي: إن القداس الإلهي هو بكل يقين حضور دائم وليس تكراراً لمراحل حياة المسيح بما فيها التجسد والجلجثة والقبر وصعوده إلى السماء وجلوسه عن يمين الآب "ونحن فيه". إن تجسد المسيح هو أساس في الاحتفال بسر الإفخارستيا حيث الله "حل بيننا" على المذبح، وهو الذي جعل جسده خبزاً سمائياً يؤكل وهو الذي فتح جنبه ليمزج لنا منها كأساً: "مبارك أنت أيها المسيح إلهنا مخلص كنيستك. . مِن قِبل تجسدك أعددت لنا خبزاً سماوياً. . جسدك المقدس. . مزجت لنا كأساً من كرمة حقيقية التي هي جنبك الإلهي غير الدنس". (القداس الغريغوري) والصلاة السرية في أوشية التقدمة تُعلن أن المسيح"هو الخبز الحي الذي نزل من السماء". فهذا سبب وجودنا في الهيكل، لقد جاء المسيح إلينا وهو في وسطنا الآن. قال الرب يسوع المسيح لتلاميذه عن وليمة العشاء الرباني الإفخارستيا "إني لا أكل من نتاج الكرمة هذا حتى آكله معكم جديداً في ملكوت أبي“. لذلك فإن صلوات القداس الإلهي هي وليمة سمائية بكل معاني الكلمة: "أيها الإله الوحيد الجنس الذي في حضن أبيه، يا رب الآن بارك ... أقسم ... أكسر ... أعطنا وكل شعبك". (القداس الغريغوري) في القداس الإلهي نحن في السماء نحتفل بما أعطاه الله لنا: “هوذا كائنٌ معنا الآن عمانوئيل إلهنا، حمل الله الذي يحمل خطية العالم كله. الجالس على كرسي مجده، الذي يقف أمامه جميع الطغمات السمائية". لذلك نشارك تسبحة الشاروبيم "ونصرخ بما يرسله أولئك بأصوات لا تسكت". فيسوع المسيح أعطانا حياته بواسطة اتحاد لاهوته بناسوته في كل مراحل وجوده على الأرض من بيت لحم حتى الصعود. وهو لا يتوقف عن العطاء بعد صعوده إلى السموات. بل أدخلنا إلى خدمة السمويات عينها التي نتذوقها في القداس الإلهي. لهذا يتكلم القداس عن إصعاد الإنسانية في ناسوته "أصعدت باكورتي إلى السماء، باركت طبيعتي فيك، أكملت التدبير بالجسد“. القداس الإلهي هو تحقيق عمل المسيح الذي عمله وتمَّمه وأكمله لاهوت المسيح في ناسوته خلال رحلة تجسده، وبالإفخارستيا يتم اتحادنا نحن البشر بناسوت المسيح الإله المتجسد. دون إرساء مفهوم ما تمَّ في خلاص المسيح للإنسان، مستحيل أن نفهم القداس الإلهي الذي فيه المسيح حاضرٌ بيننا وينقل إلينا الحياة من ذاته هو. المسيح الإله واجه موت الإنسانية في ناسوته. هذا الصراع حدث في داخل المسيح وليس خارجه، بين ما في الطبيعة الإنسانية وبين ما يمكن أن تعطيه الطبيعة الإلهية. صراع يدور على أرض الاتحاد بين اللاهوت والناسوت في المسيح الواحد. حدث هذا التحول في الرب نفسه. لم يكن ممكناً إلا أن يذوق المسيح الموت بالجسد عندما لبس جسدنا جسداً له. فرغم أن المسيح طهَّر الجسد من سلطان الخطية والموت عندما لبسه، إلا أن موت الجسد الإنساني الذي سقط في موت الخطية لم يكن قد تم. ولم يكن ممكناً لجسد الإنسان الذي لبسه المسيح إلا أن يحيا عندما يتقابل مع الموت على الصليب لأنه صار جسد الإله الذي يحلَّ فيه "كلمة الله". فالطبيعة البشرية التي لبسها المسيح لم تعد طبيعة مائتة. الكاهن يقف مَثله مَثل الشعب تماماً في حضرة الله في القداس الإلهي والمسيح هو الذي يعمل من خلال الإكليروس كخادم للأسرار. وتؤكد صلوات القداس على أن الإفخارستيا هي وليمة المسيح: ”المائدة التي لك". وليس كاهن غير المسيح يقدم جسده ودمه "أذكر يا رب هذا الكهنوت المقدس الذي لك". فالمسيح هو الكاهن الأعظم يقدم ذاته ذبيحة لا تتكرر بل تستمر منذ الصليب "سبقت يا رب أن تجعل ذاتك حملاً بلا عيب عن حياة العالم". إن علاقة المسيح بالكاهن تظهر في قول الكاهن "أنت يا سيدي تعلم أني غير مستحق ولا مستعد ولا مستوجب لهذه الخدمة المقدسة التي لك... لكي أبتدئ وأهيئ وأكمل خدمتك المقدسة كما يرضيك". فالكاهن يُكمِّل عمل المسيح ليس بمعنى أن عمل المسيح ناقص، وإنما إكمال عمل المسيح يعني بشكل خاص تحقيق ما سبق فوعد به المسيح. إن القداس الإلهي هو وليمة وعمل المسيح الإله الذي يوحدنا بناسوته ويصعدنا فيه ويدخلنا إلى الأقداس السماوية. وسبق وقلنا كيف ذكر القداس الغريغوري عمل المسيح هذا في القداس "أصعدت باكورتي(الطبيعة البشرية الجديدة في المسيح)إلى السماء". ويعود الكاهن الخديم ليكرر نفس المعني ليوضح التحام بشريتنا ببشرية المسيح في صعود الرب إلى السماء وأيضا في سر الإفخارستيا، وهو اتحاد لنا بالمسيح وصعوداً فيه إلى الأقداس، فيقول الكاهن "أعطيتني إصعاد جسدك بخبز وخمر“. بينما يقول في موضع آخر في القداس "أصعدت باكورتي إلى السماء، باركت طبيعتي فيك، أكملت التدبير بالجسد“. لهذا نسمي القرابين في القداس أنها صعيدة سمائية أو الصعائد المقدسة السمائية. ونحن نقدم القرابين في سر الإفخارستيا لأن الرب طلب منا أن نصنع هذا وجعله عهداً بيننا وبينه "اصنعوا هذا لذكري". إن تقديم القرابين تؤكد إيماننا ورغبتنا في الحصول على ما وعد به الرب "يُعطَى لمغفرة الخطايا هذا اصنعوه لذكري“. والسُبح لله. --- ### إعادة معمودية الخلقيدونيين! - Published: ۲۰۲۳-۰۵-۱۳ - Modified: 2025-02-02 - URL: https://tabcm.net/11735/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أنبا إبيفانيوس المقاري, الزواج المختلط, النسطورية, بابا تيموثاوس, بابا ديسقورس السكندري, بابا كيرلس عمود الدين, خريستوذلوس, ساويرس الأنطاكي, صليب سوريال, مار فيلوكسينوس المنبجي بداية، فاعلم يا عزيزي إننا الكنيسة الوحيدة اللا-خلقيدونية التي تنفرد بهذه الوصمة! نعم، فالكنيسة الأرمينية، والكنائس السريانية والهندية، أشقاء الإيمان، لا تعيد المعمودية مع الكنائس الخلقيدونية، بل وتشترك في الإفخارستيا أيضا دون أدنى غضاضة. الواقع أن هذه هي الممارسة الصحيحة المستقرة تاريخيا، حتى كنيستنا أيضا كان هذا هو منهجنا الثابت حتى اجتماع مجلس الأساقفة في 3 يونيو 1990، الذي اتخذ فيه قرارا بعدم قَبُول معمودية الكاثوليك، وهو قرار جد شنيع لا يمكن تبريره، حتى إنني لا أعلم إن كان مصدروه يعون المعنى الكامن فيه! لم يعدم التاريخ بالتأكيد بعض المتسلطين شذاذ الطبع، ممن رفعوا لافتة "حماية الإيمان"، ولكن دائما كانت رئاستهم الدينية لهم بالمرصاد، حتى وصل الأمر إلى قطعهم. لا أريد الإبحار بعيدا في البدايات الأولى لتعامل الآباء مع هذا الموقف، ولا أن أزحم المقال بأنواع شتى من الهرطقات وكيف قبلت الكنيسة معتنقيها، ما سأحاول تسليط الضوء عليه هو حِقْبَة ما بعد خلقيدونية، وتعامل الآباء مع العابرين من الخلقيدونية إلى اللا-خلقيدونية. هناك دراسة تاريخية وافية أعدها اللاهوتي اللامع وباحث الدكتوراه أندرو يوسف، ويمكنك القراءة المتفحصة بالنقر على سلسلة: تاريخية إعادة المعمودية إن رغبت في التفاصيل. سأعرج فقط على موقف كاشف للقديس كيرلس معلم المسكونة وختم الآباء، فالمعروف هو النهاية الدرامية لمجمع أفسس، ورفض أساقفة أنطاكيَة وكثير من أساقفة الشرق لما انتهى إليه المجمع وتشيعهم لنسطوريوس والآباء المؤسسين للفكر النسطوري، واستمر الموقف ملتهبا سنتين كاملين حتى رسالة المصالحة التي أعادت الهدوء إلى الكنيسة، وإن لم تطفئ النيران. فهل طلب القديس كيرلس إعادة المعمودية والتثبيت لرعية هؤلاء الأساقفة باعتبارهم نسطوريين عابرين؟ هل طلب حتى شرطونية جديدة للكهنة والأساقفة؟ لم يحدث إطلاقا، وهو الموقف الذي انتهجه لاحقا كل آبائنا دون استثناء فيما بعد خلقيدونية. القديس ديسقوروس من المنفى، يخبرنا الأب Peter Farrington في كتابه Orthodox Christology، إنه رفض تماما إعادة المعمودية والتثبيت للمتحولين إلى اللا-خلقيدونية، وياله من موقف أعجز عن التعبير عما يناسب نبله. خليفته البابا تيموثاوس حذا حذوه، رفض إعادة المعمودية في وقت كانت الكنيسة تواجه اضطهادا عارما، كانت هذه عقيدة كنسية مارسها بارتياح كل آبائنا اللا-خلقيدونيين في الإسكندرية وأنطاكية. "بعدما استولى الآريوسيون والمقدونيون على الكنائس، لا زمانًا يسيرًا بل أكثر من أربعين سنة، طردهم منها الملك المسيحي الطوباوي ثاودوسيوس، وجاء من بعدهم الأرثوذكسيون، ولم يُذكر أنهم أعادوا وضع يد الكهنوت الذي قام به الهراطقة ولا المعمودية. ولم يعارض أحدٌ من أبناء البيعة، ولم يخاصم الواحد الآخر زاعمًا إنه لا يجب اعتبار الذين نالوا وضع يد منهم كهنة، أو إن الذين اعتمدوا منهم ليسوا بمعمدين. بل اكتفى الأساقفة الأرثوذكسيون بأن جاءهم الذين كانوا آريوسيين ومقدونيين، واشتركوا معهم وصاروا معهم ومثلهم، كنيسة واحدة وفكرًا واحدًا. ولم ينتقوا منهم ذوي الفكر الدقيق لأن ذلك كان مستحيلًا، ولأنهم ارتأوا أيضًا أنهم إذا تعاملوا بالدقة في غير وقتها، وزعزعوا بذلك الإيمان، فإنهم يغيظون الله جدًا. ولئلا تضطرب الكنيسة ويُساء إلى الإيمان، بمطالبتهم بالدقة، ضربوا الصفح عن ذلك" (مار فليكسينوس المنبجي، في رسالته إلى دير تلعدا) جوهرة تاج ما بعد خلقيدونية، العظيم القديس ساويرس الأنطاكي كان يطلق على بعض المتشددين بفلسطين (Theodotus of Joppa) الذين كانوا أعادوا الميرون "أصحاب دين إعادة المَسْحَة" وكان يتحدث عنهم كهراطقة، وأسبغ عليهم صفة "عديمي العقل". ستجد في التوثيقات الملحقة بعض فقرات من كتاب Incorruptible bodies للعالم "يوناثان موس". في قروننا الوسطى لم يكن موضوع إعادة المعمودية مطروحا على الإطلاق، على العكس، كان الزواج المختلط مع الخلقيدونيين واردا، وورد في قوانين البابا خريستوذولس تنظيما للزواج، فأشترط أن يتم الزواج في كنيستنا وأن يمارس الطرفان الشركة في كنيستنا، وأن يعمد الأطفال نتاج الزواج في كنيستنا، اند "ذاتس إت"! "من تزوج بامرأة ملكية، فلا يمكّن من ذلك إلا أن يتكللا عندنا، بعد أن يشرط على الامرأة ألا تتقرب إلا عندنا، ولا يعمدوا أولادهم إلا عندنا" (قوانين البابا خرستوذولس (البطريرك ٦٦ / ١٠٤٦م : ١٠٧٧م) - حكم زواج رجل قبطي من امرأة ملكانية ) في تاريخنا الحالي حتى قبل 1990، يبدو جليا موقف الكنيسة كما نستطيع قراءته من منهج التدريس بالكلية الإكليريكية، والذي تم إلغاء تدريسه لاحقا، بمناهج جديدة تساير التوجهات المستجدة. "والجاري عليه العمل في الكنيسة القبطية الآن، هو عدم إعادة المعمودية للذين تعمدوا في كنائس تقليدية كالكاثوليك، واليونان الأرثوذوكس وأمثالهم" (المتنيح القمص صليب سوريال، مذكرات في طقوس الأسرار) أما يا عزيزي من سيحاول تضليلك أن السبب هو أن العماد الكاثوليكي يتم بالرش وليس بالتغطيس، فأخبره أن شقيقتنا الكنيسة الأرمينية تعمد بالرش، ولا تزيد. لا أعلم كيف جرؤ مجمع أساقفتنا على هذا القرار، ولكن استمراره لم يعد مقبولا، ولا ممكنا. فلن يحكم كنيستنا رابطة خريجي الإكليريكية، دون العقل. أرجو أن يكون قد حمل قداسة البابا في حقيبته، في أثناء زيارته المباركة، قرارا بالعودة إلى عقيدة أبائنا المستقرة، وتصحيحا لوضع شائن غير مقبول. --- ### تشكيل شاول لقبوله الإيمان - Published: ۲۰۲۳-۰۵-۱۲ - Modified: 2023-06-01 - URL: https://tabcm.net/11691/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: أوريجينوس ليونايدس أدامانتيوس, غمالائيل لم يشتبك القديس بولس مع المسيحية ـ مقاوماً ثم مؤمناً ـ من فراغ، بل وفق خطة إلهية محكمة كانت تعده لدوره المحوري الذي قام به، واستطاع أن يُنَظِّر لكل ما قاله وعلم به رب المجد، ليصير ما قدمه عبر رسائله ورحلاته بل ومعاناته دستوراً للمسيحية، وقد اقترب الكاتب بشكل موثق من حياة القديس بولس قبل أن يظهر في المشهد المسيحي، طفولته وشبابه، التكوين والنشأة، وفيها نلمس كيف تم إعداده ليكون إناء مختاراً للرب. وحين يدافع القديس بولس عن نفسه، يقدم تقرير عن أصالة يهوديته: "من جهة الختان مختون في اليوم الثامن، من جنس إسرائيل، من سبط بنيامين، عبراني من العبرانيين. من جهة الناموس فريسي" (رسالة بولس الرسول إلى أهل فيلبي 3 : 5) ويرصد الكاتب الدراسات التاريخية عن القديس بولس الرسول فيجد أن اسم "شاول" تعنى "المشتهىَ ـ شوقي" أو "المطلوب في الصلاة"، وقد يكون إشارة إلى أن والديه كانا يشتهيان أن يرزقا بابن، وعلى هذا يكون بولس هو الابن البكر لوالديه، ولما كان أبوه فريسياً ملتزماً بأن يكون البكر نذيراً للرب، فقد حرص على أن يرسله لدراسة الناموس والتوراة وهو بعد صبياً، فتفتحت مداركه مبكراً على النبوات التي كان محورها المسيا المنتظر، وعندما تلقى الإنجيل من الرب مباشرة في سنوات اعتكافه بصحراء العربية أدرك انطباق النبوات التي درسها بتدقيق على شخص يسوع المسيح. وينقل الكاتب عن أوريجانوس ـ ويؤيده العلماء المحدثون ـ أنه كان يحمل اسمين؛ الأول عبراني "شاول"، والثانى رومانى "بولس" منذ ولادته، فيما يرى القديس أغسطينوس أنه أخذ اسم "بولس" فى بداية عمله كمبشر، ويؤيده في هذا القديس يوحنا ذهبي الفم والذي يقول أيضاً أن ق. بولس ولد سنة 2 ميلادية. وقد حمل الجنسية الرومانية بالمولد ربما لأن أبيه أو أحد أجداده قدم خدمة جليلة للدولة أو للإمبراطور. وهنا ندرك كيف أعده الله لخدمته الجليلة بجمعه بين الدراسة المعمقة كفريسي للنبوات وبين حرية الانتقال والحماية التي تسبغها عليه جنسيته الرومانية، وبين إتقانه للعبرانية لكونه فريسي وكذلك اليونانية لكونه مواطناً رومانياً له وضعه الاجتماعي المتميز. ويكشف الكاتب سر ومغزى تأكيد بولس انتمائه إلى سبط بنيامين؛ أنه السبط الذي خرج منه أول ملك على إسرائيل واسمه "شاول"والذي على اسمه تسمى بولس، وهو السبط الذي دعم رحبعام بن سليمان ليسترد المملكة، وهو السبط الذي واجه مع سبط نفتالي الكنعانيين وانتصرا بقيادة دبورة قاضية إسرائيل، وهو السبط إلى استرد معظم ارضه بعد العودة من السبي، وبنيامين رأس السبط هو الوحيد من أولاد يعقوب الذي ولد في أرض الميعاد بالقرب من أفراتة بيت لحم، وبنيامين هو الأصغر بين أخوته كذلك بولس يقر "أنه الأصغر بين الرسل". وفيما اختارت راحيل لابنها اسم "بن أونى" أي "إبن عنائي" ثم حوله أبوه يعقوب، بعد وفاتها عقب ولادته، إلى "إبن يميني = بنيامين"، هكذا كان بولس "ابن عناء" ومقاوم للمسيح، ثم تحول إلى إناء مختاراً يحمل اسم المسيح إلى ملوك وأمم. ثم يعرج الكاتب إلى تعليم بولس منذ طفولته وصباه والذي بدأ بالتمرن على قراءة الأسفار، ثم على كتب شرح الناموس، ثم في مطلع شبابه يتتلمذ على الناموس حتى يتقن تفاصيله، ويدرك بعدما تقابل مع المسيح أن هذه الكتب المقدسة تقوده لمعرفة المسيح وهو ما أشار إليه في حديثه إلى تيموثاوس الذي مر بنفس خبرة بولس في النشأة، "وإنك منذ الطفولية تعرف الكتب المقدسة القادرة أن تُحكِّمك للخلاص بالإيمان الذي في المسيح يسوع" (2تى 15:3). ينتقل بولس في بواكير شبابه إلى أورشليم ليستكمل دراسة الناموس والتوراة بتدقيق على يد "غمالائيل" اشهر معلمي إسرائيل، ثم يشير الكاتب إلى التزام والد بولس بتعليم التلمود الذي يوجهه لتعليم ابنه صنعة تعينه وقت الأزمات أو العوز لظروف خارجة عن سيطرته، فعلمه أبوه صنعة الخيام حتى احترفها. ويستعرض الكاتب نمو بولس الصبي ثم الشاب وصراعه وخوفه من الخطية بين ضغوط مرحلة البلوغ وأحكام الناموس المتشددة، حتى يدرك النعمة أو تدركه النعمة في المسيح، المسيح الذي قتل له الخطية ورفع عنه لعنة الناموس، إذ اصبح وكأن الناموس لا وجود له عندما أُبُطلت الخطية، فدخل بولس أسيراً لنعمة الحياة في المسيح يسوع، بعد أن كان أسيراً لناموس الخطية والموت. يرصد الكاتب الحالة الدينية السائدة وقت نشأة ق. بولس والتي شكلتها ارتباكات سيطرة الحاكم الروماني على خريطة الكهنوت اليهودي وتدخله فيها، وازدياد تمسك اليهود بالعبادة (الشكلية) الأمر الذي انعكس على ارتفاع شأن الكتبة والفريسيين وعلماء الناموس، وانتشار فتاويهم التي تحكم الشارع اليهودي. ويكشف في هذا السياق عن قيمة وأثر غمالائيل باعتباره اشهر حكماء إسرائيل والذي عندما يصفه سفر الأعمال يقول عنه "رجل فريسي اسمه غمالائيل معلِّم للناموس مكرَّم عند جميع الشعب" (أع 5 : 34). وقد استقى بولس الرسول من هذا المعلم ـ بحسب الكاتب ـ ثلاث خصال: 1. الصراحة مع الصدق مع أمانة الحكم على الأمور. 2. الاستعداد للدراسة باللغة اليونانية والاستشهاد بالكُتّاب اليونانيين. 3. اليقظة والغيرة على الناموس اليهودي. كان تأثير غمالائيل على بولس كبيراً ولهذا يقول ق. بولس "وكنت أتقدم في الديانة اليهودية على كثيرين من أترابى في جنسي، إذ كنت أوفر غيرة في تقليدات آبائي" (غل 14:1). تتجمع خيوط عديدة لتشكل ذهنية ق. بولس، في وضعه الاجتماعي والديني والثقافي وتنصهر كلها في بوتقة اللقاء الحاسم مع المسيح في طريق دمشق، لتخرج لنا أعظم من قدم المسيح للعالم (الأمم). يعود الكاتب في فصل تال ليتتبع مسار علاقة بولس بالكنيسة والتي بدأت بتعقبه لها كجماعة معادية يجب محاصرتها والقضاء عليها، وهو ما سنتناوله في لقاء قادم "شاول الفريسى مضطهد الكنيسة". --- ### الأسطورة - Published: ۲۰۲۳-۰۵-۱۱ - Modified: 2023-05-05 - URL: https://tabcm.net/11721/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون الحياة في الكويت و في دول الخليج عامة بدون سيارة خاصة معاناة لا حدود لها، لا يعرفها إلا من يعيش في الكويت، فدرجة الحرارة في الصيف تتجاوز الخمسين في الظل، أما درجة حرارة الأسفلت فتصل إلي السبعين، والتصاق نعول الأحذية بالأرض الملتهبة بعد ذوبانها أمر معتاد، هذا إن استطعت السير علي أقدامك ولم يغم عليك من الجفاف، أما في الشتاء فالسماء تمطر طوال الوقت، والمعتاد أن تستمر الأمطار أياماً كاملة دون توقف، والغريب هو ألا يكون هناك أمطار في السماء، والسيارة هناك ضرورة أساسية من ضروريات الحياة. بعد أسبوعين تحديداً من وصولي الكويت، وفي "قعدة" جمعتني برفاق الدراسة الذين كنت أعلم بوجودهم في الكويت، والذين علمت بوجودهم لاحقاً، علي قهوة بلدي في منطقة "حولي" التي تعج بالمصريين، اخبروني بتلك المعلومات مع نصائح بضرورة الحصول علي رخصة في أقرب وقت ممكن، ثم تبعوها بقائمة طويلة من الصعوبات في سبيل استخراج الرخصة، منها ضرورة الحصول علي مؤهل عالي من احدي كليات القمة، وأن يتجاوز المرتب الشهري رقم معين، إضافة إلى بعض الشروط الأخرى، والأهم من ذلك إجادة القيادة، تفحصت قائمة الطلبات، فوجدتني أستوفي جميعها ماعدا الشرط الأهم، إجادة القيادة، خصوصاً أن اختبار القيادة في الكويت أصعب من مثيله في مصر بمراحل، ولا يجتازه بسهولة حتي المتمرسين علي القيادة في السابق، طيب و الحل؟ خصوصاً أني لم أقد سيارة في حياتي من قبل! اخبرني احدهم في جدية مصطنعة تليق بجدية إعلان قرار إطلاق الحرب العالمية الثالثة: "الحل في الأسطورة"، أجبته بسخرية: "رفاعي الدسوقي؟"، ضحك الجميع بينما امتعض الصديق قائلاً: "لا يا خفيف، الأسطورة عم مجدي الأسيوطي. . وزير المواصلات"، أجبت بسخرية مرة أخري متعمداً: "هو وزير المواصلات الكويتي من أسيوط؟"، أخبرني الصديق بنفس درجة الاهتمام، أن عم مجدي الأسيوطي هو كلمة السر في موضوع رخصة القيادة، وهو الوحيد القادر علي استخراج الرخصة حتي لو لم اجلس أمام دركسيون سيارة في حياتي، مقابل مبلغ من المال، ولهذا يطلق عليه المصريين في الكويت لقب "وزير المواصلات"، ثم اشتد عوده و انتصب و هو يقول منتشياً بافتخار كمن أكتشف سر القنبلة الذرية، إن عم مجدي يمت له بقرابة وإن كانت بعيدة بعض الشيء، ومن ثم فسيحدد لي موعد في القريب مع معاليه لبحث الموضوع، سالته سؤال أخير عن أمانة الرجل، فالنقود التي بحوزتي الآن قليلة وأي عملية نصب محتملة ستقصم ظهري، أجابني بثقة يحسد عليها أن أمانة عم مجدي أسطورة منفردة تنافس أسطورة قدرته على تخليص الرخصة نفسها، في اليومين التاليين سألت بعض الأصدقاء الآخرين فأكدوا لي أسطورة عم مجدي وأسطورة أمانته التي يضرب بها المثل، فعم مجدي يحصل علي المبلغ المطلوب في ليلة التنفيذ، وهو سعر ثابت لا يقبل الفصال، ثم تذهب لاختبار القيادة في اليوم التالي بحسب الاتفاق، فأن حدث لا قدر الله ظروف طارئة حالت دون النجاح في الاختبار، فأن عم مجدي يرد لك النقود كاملة وفوقهم "حاجة ساقعة" مثلما أعتاد أن يفعل، حتى يحين موعد الاختبار التالي فتنقده المبلغ مرة أخري استعداداً للاختبار، لم أصدق ما سمعته، فهل يوجد أناس بمثل تلك الأمانة في هذه الأيام؟ ترجيت صديقي لتحديد موعد مع عم مجدي في مقره الصيفي بقهوة المصريين بمنطقة "حولي"، في ميعاده بالضبط أتي الرجل، لم أجد به ما يوحي أنه أسطورة علي الإطلاق، فـ عم مجدي قصير القامة بشكل لافت للنظر، تبرز عظامه من تحت جلده، ينفث دخانه بلا توقف كقطار الغرب السريع ولا يكف عن السعال معظم الوقت، عيناه تشع بريقاً، ويمتلك مخزوناً لا ينضب من دهاء و خبث الفلاح المصري الأصيل يتفوق علي مخزون الخليج العربي من البترول، عرفته بنفسي، وطلبت منه بمودة أن يساعدني في موضوع الرخصة بينما أحاول تفادي رذاذ لعابه المختلط بالنيكوتين والذي ينثره في أوجه الجميع بلا استثناء، سألني عن موعد الاختبار وعن اسمي الرباعي ورقمي القومي، أجريت محاولة يائسة لتخفيض السعر المطلوب، فأجاب بحزم "لو معاكش فلوس قولي وأنا ادفعلك... وكل الناس تشهد إني عملت الموضوع ده ببلاش لناس كتير قوي كانوا مزنوقين في الفلوس، منهم اللي رد الفلوس بعد كده ومنهم اللي مردهاش، إنما انزل في السعر ده مش عندي، لو مش معاك فلوس يابن الناس قولي وأنا من عيني أساعدك من غير ولا أي حاجة"، حاصرني اللعين بكلماته، فلم أتفوه ببنت شفه، سألته عن ضمان الحصول علي الرخصة المطلوبة، أجابني وهو ينفث دخان سيجارته السادسة عشر منذ أن رأيته من نصف ساعة "بص يا بني... بنسبة 95% الرخصة ها تبقي معاك بكره، إنما لو العدد كبير والضغط عالي... الجماعة بيضطروا يسقطوا شوية من الناس اللي مقدمين علي الرخصة، ولو حصل ومعدتش بكره تيجي تستلم فلوسك كاملة زى ما هيا وفوقيهم حاجة ساقعة، والحاجة الساقعة قبل الفلوس... أه... حد الله بيني وبين الحرام"، أومأت برأسي بعلامة الموافقة، وأتفقنا علي اللقاء عشية موعد الاختبار لتسليمه المبلغ كاملاً، وبالفعل، بعدها بأسبوعين وفي ليلة أختبار القيادة نقدته المبلغ كاملاً بحسب الاتفاق، ودخلت الاختبار ولم أوفّق، فقد صعدت علي الرصيف مرتان متتاليتان، بينما كان صاحب السيارة التي استأجرتها لأجري الاختبار يلعنني سراً وعلناً، بل يكاد أن يُصاب بسكتة قلبية من جراء الدمار الذي ألحقته بسيارته، حصلت علي نتيجة الاختبار وعلامة الرفض تسطع فوقها بلون أحمر زاهي، و هرعت لـ عم مجدي اخبره بنتيجة الاختبار بلا أي أمل في الحصول علي نقودي التي أستولي عليها بالأمس، وبكل ثقة طلب مني أن أقابله في القهوة حتي احصل علي نقودي كاملة دون أي خصومات وفوقها زجاجة مياه غازية كما وعدني، وبالفعل قابلته، ولم أصدق عندما أخرج لي نقودي، أحصيتها فوجدتها كاملة لم تنقص فلساً واحداً، كم هو أمين هذا الرجل، هممت بالذهاب لكنه أقسم بأغلظ الإيمانات ألا أذهب قبل أن أحتسي مشروبي المثلج، أخبرته بموعد الاختبار القادم فأجاب بنفس الثقة المعتادة "ها تاخدها المرة الجاية متقلقش" في الشهور التالية، داومت علي دروس تعليم القيادة وأجدتها في وقت قياسي، وفي ليلة الاختبار هاتفت عم مجدي الأسطورة، ونقدته المبلغ كاملاً، وفي اليوم التالي أجريت الاختبار وحصلت علي الرخصة وألا أكاد أن أصدق نفسي، هاتفني هو تلك المرة ليستعلم، وعندما علم بنجاحي هنأني. بعد أربع أشهر وبينما أتصفح احدي الصحف اليومية، وجدت صورة عم مجدي تتوسط صفحة "الحوادث" وتحتها بالبنط العريض "نصاب مصري يوهم ضحاياه بقدرته علي استخراج رخص القيادة"، وفي تفاصيل الخبر كتب: "تم سؤال المتهم عمن يساعده داخل إدارة المرور في استخراج رخص القيادة بغير حق، فنفي معرفته بأيّ من ضباط المرور ولا موظفيها، لكنه كان يوهم ضحاياه انه يمتلك من المعارف والصلات داخل إدارة المرور ما يمكنه من استخراج الرخصة بسهولة، ويذهب الضحية لأجراء الاختبار، فأن اخفق المجني عليه، فالمتهم يعيد له نقوده كاملة حتي لا يفقد سمعته، وإن نجح في الحصول علي الرخصة -دون مساعدة بالطبع- فأن المجني عليه يأتي و يهبه النقود كاملة بكل رضي، وبسؤال المتهم عن عدد ضحاياه أجاب انهم ما يربو من ألف ضحية، وبالكشف عن أرصدة المتهم، وجد بحسابه البنكي ما يتجاوز العشرون ألف دينار كويتي، وهو ما لا يتناسب مع عمله المنصوص في إذن العمل الذي يحمله كعامل بناء"، لم أكمل بقية تفاصيل الخبر وأغلقت الصحيفة وقد علت وجهي ابتسامة عريضة فخوراً بعقلية وذكاء أبناء الوطن الأم وأنا أتمتم "مفيش فايدة" --- ### التألّه: شوق الإنسان إلى الله - Published: ۲۰۲۳-۰۵-۱۰ - Modified: 2023-05-07 - URL: https://tabcm.net/11748/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: إدوارد سخلبيكس الدومنيكاني, مايستر إيكهارت «قال له فيلبّس:"يا سيّد، أرنا الآب وكفانا"» (إنجيل يوحنا 14: 8) رغبة فيلبّس في رؤية وجه الآب تعبّر في الواقع عن رغبة البشريّة كلّها وشوقها إلى المطلق، إلى رؤية وجه الله. يبحث الإنسان حتّى في الأديان الوثنيّة عمّا هو أبعد ممّا نلمسه، ممّا نشعر به. فكلّما اختبر الإنسان في حياته الجمال أو الخير أو العدالة، شعر أنّ هناك ما هو أعمق وأبعد. وحينما يصل إلى الحبّ، يجد رؤيته إلى جميع الأشياء تتغير. إلّا أنّ خبرة الحبّ هذه سواء كانت في الأسرة أو الأصدقاء أو في علاقة حبٍّ زوجيّ تشعره بأنّ هناك ما هو أعمق وأبعد وأنّ هذه الأشياء هي عربون لحبٍّ مطلق. اختبر ذلك أيضًا القدّيس أغسطينوس فيقول في اعترافاته: «خلقتنا يا ألله لك، وقلوبنا مضطربة، لن تستريح إلّا فيك» (القديس أغسطينوس، اعترافات أوغسطين) وها بعد القدّيس أغسطينوس بحوالي قرنين نجد في القرآن معنًى مشابهًا: «الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ» (سورة الرعد: ٢٨) هذا ما يعبّر عنه إنجيل اليوم: شوقُ البشرية جمعاء يعلنه فيلبّس أمام المسيح، فتتلقّى البشرية إجابة الله-الإنسان «مَن رآني فقد رأى الآب». الجواب إذًا هو مجيء المطلق عينه، وتجسّده في شخص يسوع المسيح حتّى يختبر الإنسانُ تلك المحبّة الفريدة، في داخل شخص هو كما يسمّيه أخونا اللاهوتيّ إدوارد سخلبيكس الدومنيكانيّ "سرّ الالتقاء بالله". سرّ التقاء الشوق الذي تبحث عنه البشرية جمعاء. "في يسوع، الطريق والحقّ والحياة، لا يأتي الله فقط ليظهر وجهه للبشرية، بل أيضًا يجذب البشريّة نحوه فيؤلِّهها" (مايستر إيكهارت، القرن الرابع عشر، العظه رقم ٥) «"الحبّ يجعلنا نصير الذي نحبّ". هل ينبغي لنا الآن أن نقول: عندما يحبّ الإنسان الله، يصبح إلهًا؟ هذا يبدو هرطقةً. في الحبّ الذي ينعم به الإنسان، لا يوجد اثنان، بل وَحدةٌ، واتّحادٌ: كذلك، من خلال الحب، أُصبِحُ أكثرَ إلهًا ممّا أنا عليه في ذاتي. لنستمع إلى النبيّ: "إنّي قلتُ: أنتم آلهةٌ وأنتم جميعًا أولاد العليّ"(مزمور 82: 6). يبدو غريبًا أن يمكن للإنسان أن يصبح إلهًا من خلال الحبّ، ولكنّها الحقيقة، حقيقةٌ أبديّة. يُظهِرها لنا ربّنا يسوع المسيح» ( القديس أغسطينوس) الآن إخوتي وأخواتي الأحبّاء، يسوع هو الطريق والحقّ والحياة. ذلك لأنّه الكاشف عن وجه الله الآب الحقيقيّ. محقّق آمال البشريّة وشوقها لله. هو استجابة الله لشوق الإنسان بالتقائه، وفيه، لا يلتقي الإنسان به فحسب، بل يتألّه. يتّحد بالله اتّحادًا على مثال اتّحاد الله ببشريّتنا. نصير ما نحبّ.  في هذا الاتّحاد إخوتي، لا ننسينّ أنّ اتّحادنا بالله هو أيضًا اتّحادٌ بجميع البشر. هؤلاء المختلفين معي في اللون والعرق والطبقة الاجتماعية ومن ننعتهم بالخطر على مجتمعاتنا هم أيضًا لهم المكانة عينها في قلب الله وفي يسوع المسيح الطريق والحقّ والحياة. إذا كان تألهنا يدور في شخص يسوع الإنسان-الإله، فتألهي كفردٍ إنسانيّ لا يتحقّق عن طريق ما هو إلهيّ فحسب بل عن طريق الاتّحاد والتضامن اليوميّ مع البشر. ببساطه كما اتحد يسوع ببشريتنا فتح المجال لنتحد بباقي البشر وبالله. --- ### لا حماية إيمان ولا يحزنون - Published: ۲۰۲۳-۰۵-۰۹ - Modified: 2023-05-09 - URL: https://tabcm.net/11747/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: الكنيسة الكاثوليكية, بابا تواضروس الثاني, بابا فرنسيس، بابا الڤاتيكان, كنيسة الإسكندرية منذ الإعلان عن الزيارة التي يبدأها غدا البابا تواضروس الثاني، بابا كنيسة الإسكندرية، إلى البابا فرنسيس، بابا كنيسة روما، وثائرة من يدعون حماية الإيمان لم تهدأ على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث دارت مَاكِينَة التهديد والوعيد والابتزاز وتوجيه الاتهامات بالتفريط في الكنيسة والإيمان، وظهرت هذه الأمور على عدة مستويات بداية من "هذا الأسقف" الظاهرة الصوتية في مجمع الأساقفة، ويختفي من خلفه بعض رفاقه في المجمع ولجانهم الإلكترونية، ولكن هؤلاء يا عزيزي لا يفرق معهم لا المسيح ولا الكنيسة ولا الإيمان ولا أنت شخصيا، بل يفرق معهم تدجينك والسيطرة عليك واستمرار الحصول على أموال عشورك التي تقدمها إلى الله. حال كنيسة الإسكندرية (القبطية) اليوم عبر عنه باقتدار الأديب اليوناني نيكوس كازنتزاكيس في رواية "الإخوة الأعداء"، بشخصية الأب ياناروس المنتمي لشعبه وخادمهم في مواجهة الرهبان الطامعين في قوت الفقراء باستخدام الدجل وادعاء تحقيق معجزات، فكانوا يكرهونه خاصة حينما جاء راهب إلى القرية يدعي أن معه حزام للسيدة العذراء ويطلب من شعب القرية الفقير التبرع لما لديهم من أجل رؤية الحزام والحصول على المعجزات. وشد الأب ياناروس لحيته، وامتلأ فمه بسباب ديني لم يلبث أن ابتلعه قائلًا لنفسه. - سامحيني أيتها العذراء البتول، فانا لا أثق في الرهبان، هل هذا حزامك حقًا يا سيدتنا؟فمنذ سنوات عديدة شاهد هذا الحزام في فاتوبيدي على جبل آثوس وانحنى عليه وقبله. كان حزامًا من الصوف ذي اللون البني المنسوج بخيوط من الذهب، بَلّى وتخرَّق بفعل الزمن لكن العذراء كانت امرأة فقيرة. وكان المسيح كذلك فقيرًا طوال حياته على الأرض. فكيف استطاعت العذراء أن تحصل على مثل هذا الحزام الثمين المنسوج بخيوط الذهب؟(نيكوس كازانتزاكيس، الإخوة الأعداء "رواية"، تَرْجَمَة إسماعيل المهدوي) وكان رد فعل الأب ياناروس هو الشفقة على شعب قريته فرفع صوته وأخبرهم إن العذراء أرسلت لهم خيراتها مع هذا الراهب وأخذ مما جمعه من رحلته بين القرى المختلفة ومنح شعب قريته الفقير، فاغتاظ هذا الراهب لما ضاع منه وأراد أن تنشق الأرض وتبلع الأب ياناروس. كان الأب ياناروس يعرف إذن تدليس الرهبان، وعندما ركع أمام حزام العذراء في فاتوبيدي، انتحى بخادم الدير ركنًا وسأله في ثقة شخصية: "وحق بركتك أيها الأب المبجل، هل أنت متأكد أن هذا بالفعل الحزام الحقيقي الذي كانت تلبسه العذراء؟". وكان الراهب رجلًا مهيبًا له كرش كبير ابتسم في خبث وأجاب: "لا تبحث في هذه المسائل البعيدة يا أب ياناروس. المهم أن يحقق هذا الحزام معجزة أو معجزتين، فإذا لم يكن حقيقيًا أصبح كذلك". (نيكوس كازانتزاكيس، الإخوة الأعداء "رواية"، تَرْجَمَة إسماعيل المهدوي) هذه الرواية تعبر بشدة عن واقع الكنيسة اليوم، فبعض من أصحاب العمم السوداء المنتفخة لا يفرق معهم المسيح شخصيا، ولا الكنيسة، ولكن الحفاظ على سلطانهم في التسلط على رقاب الشعب الخانع والخاضع لهم، ولا يريدون لهم أن يرفعوا رؤوسهم أو يفكروا لئلا يفقدوا سلطانهم عليهم، بالتالي لن يستطيعوا الحصول على أموالهم كما هو حادث، ومن أجل هذا يقاومون التعليم والبحث والتفكير، ويشجعون على الجهل والتعصب بدعوى حماية الإيمان. نرى ثائرة هؤلاء تنتفض عند أي حديث عن التقارب بين كنيسة الإسكندرية والكنائس الأخرى خاصة الكنيسة الكاثوليكية، التي أجرت الكثير من الإصلاحات داخلها، خوفا من أن تمتد عدوى الإصلاح لهم فيفقدون مكانتهم التي رسخوها بتثبيت السجود لهم وتقبيل أياديهم، ونفضوا من وسطهم من دعا لفعل العكس والمقصود هنا هو الراحل "الأنبا إبيفانيوس"، رئيس دير الأنبا مقار المقتول غدرا على يد راهب فاسد، فقد صرح إبيفانيوس سابقًا أنه "يفهم في الوحدة وليس الانشقاق"، وكان يرفض أن يقدم له أي شخص الميطانية "السجود"، وكل هذا مسجل في فيديوهات. فنموذج إبيفانيوس الأسقف الذي يمارس الأبوة لا السلطان، الذي يدرس ويشجع على التعليم والدراسة ويفتح قلبه وفكره للتقارب والوحدة مع الكنائس الأخرى مكروه، ويتم التأمر عليه كما حدث مع المسيح نفسه من رؤساء كهنة اليهود في زمنه لقتله، خوفا على سلطانهم، هذا النموذج من رجال الدين عبر عنه نيكوس كازانتزكيس ببراعة في هذا المقطع من الرواية على لسان شماس شاب ترك الدير والتقى بالأب ياناروس. ألا تسألني من أنا؟ سأتكلم باختصار لأني متعجل. كنت شماسًا شديد الحماس في أسقفية، وكنت سأصبح أسقفًا. لكنني رأيت. انفتحت روحي ففهمت. فرسالة المسيح قد هانت، وانمحت آثاره المقدسة من الأرض. فنحن لا نتبع إلا آثار المنافقين ذوي اللحى. الآثار التي تركتها في الوحل حوافر الشيطان. لقد قلبوا كلمات المسيح فجعلوها: "طوبى للقساة بالروح لأن لهم ملكوت الأرض. طوبى للمتكبرين لأنهم يرثون الأرض. طوبى للجياع والعطاشى إلى الظلم. طوبى لمن لا يرحمون. طوبى لمن لهم قلب دنس. طوبى لصانعي الحرب". هؤلاء يسمونهم اليوم مسيحيين.  (نيكوس كازانتزاكيس، الإخوة الأعداء "رواية"، تَرْجَمَة إسماعيل المهدوي) إلى أيهما تستمع؟ إلى المسيح ومن ينفذون كلامه بتغليب المحبة والحوار ودعم الوحدة؟ أم إلى بعض أصحاب العمم المنتفخة الذين لا يفرق معهم لا إيمان ولا غيره ولكن كل همهم نقودك وممارسة السلطان عليك باستدعاء ناموس العهد القديم بتشريعاته وتعقيداته لتقييدك به حتى تكون دائما في احتياج لهم هم لا للمسيح الذي حررك من هذا الناموس وقساوته؟ عزيزي المصنف "قبطيا أرثوذكسيا"، هذا كلام المسيح في إنجيل يوحنا الذي يريد وحدة جميع من يؤمنون به فهل تسمع له؟ أم لممارسي خطاب الكراهيَة ودعاة الفرقة؟ وَلَسْتُ أَنَا بَعْدُ فِي الْعَالَمِ، وَأَمَّا هؤُلاَءِ فَهُمْ فِي الْعَالَمِ، وَأَنَا آتِي إِلَيْكَ. أَيُّهَا الآبُ الْقُدُّوسُ، احْفَظْهُمْ فِي اسْمِكَ الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي، لِيَكُونُوا وَاحِدًا كَمَا نَحْنُ. لِيَكُونَ الْجَمِيعُ وَاحِدًا، كَمَا أَنَّكَ أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ فِيَّ وَأَنَا فِيكَ، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا وَاحِدًا فِينَا، لِيُؤْمِنَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي. وَأَنَا قَدْ أَعْطَيْتُهُمُ الْمَجْدَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي، لِيَكُونُوا وَاحِدًا كَمَا أَنَّنَا نَحْنُ وَاحِدٌ. (إنجيل يوحنا 17: 11، 21-22)  فبعد 16 قرنًا من القطيعة وتمزيق الكنيسة، حينما يأتي رجلان -تواضروس وفرنسيس- يريدان أن تقترب كنيستي روما والإسكندرية فهما هنا يريدان تنفيذ وصية المسيح، ومن يقف في وجههم بدعوى الحفاظ على الإيمان فهو هنا يقف في وجه المسيح نفسه. --- ### النعم الإلهية - Published: ۲۰۲۳-۰۵-۰۸ - Modified: 2023-05-07 - URL: https://tabcm.net/11744/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون الإبصار نعمة والصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى. كان توم شاباً في مقتبل العمر، أزرق العينين، فاتح البَشَرَة، له ابتسامة مبهجة، بالرغْم من شدة حالته الصحية. كان قد فَقَدَ نعمة الإبصار حين أصابته الحمى التي انتشرت في بدايات القرن العشرين، ثم بعدها بقليل فقد أباه في الحرب العالمية الأولى، ولم يبقَ له في الحياة إلا والدته التي كانت تطلب منه أن يجلس في شارع المدينة الرئيسي حتى يتحنن عليه المارُّون من هناك. جلس الشاب على كرسي قصير وأمامه حصالة نقود ولوحة مكتوب عليها: أرجوك ساعدني... أنا ولد كفيف وفقير. وكان المارة لا يلتفتون كثيراً لمن يجلس يستعطي، لذا كانت حصيلته قليلة. ولكن توم كان أيضاً نشيطاً في جلسته هناك. فكان يأخذ نواة ثمرة الزيتون، التي تحصل عليها والدته من مطعم مجاور، ويحكُّها في قطعة صخر بجانبه حتى تنفتح من الجانبين. وفي نهاية اليوم، يعطي هذه النويات إلى أمه التي تكوِّن منها سُبْحَة جميلة ذات ألوان مبهجة ليصلي بها الرهبان والراهبات. في وسط النهار مر أمام توم أحد الرجال، وكانت خطواته ثابتة مميزة، لاحظها توم فبادره قائلاً: "سيدي"، وأشار إلى اللوحة التي أمامه وهزها؛ أي: "اقرأ هذه". فما كان من الرجل إلا أن وضع بعض العملات في حصالة الولد، ثم أمسك هذه اللوحة وكتب عليها شيئاً ومضى. لاحظ توم أن عدد العملات التي توضع له قد زادت! وابتدأ أناس آخرون يلتفتون إلى توم ويتبرعون بقليل مما عندهم. في اليوم التالي انتظر توم مرور الرجل، حتى أحس بنفس الخطوات تقترب، ثم جلس الرجل بجانبه. فانحنى توم تجاه الرجل وسأله: "سيدي، ماذا حدث أمس؟" قال له الرجل: "لقد كتبت شيئاً على ظهر اللوحة. " أجابه توم: "وماذا كتبت؟" قال له الرجل: لقد كتبت: "اليوم يوم جميل، ولكني لا أستطيع أن أراه". فقال له الولد: "ولكن المعنى واحد، مما جعل الناس يساعدوني أكثر مما قبل". قال له الرجل: "نعم، أنت محق. ولكن اللوحة الأولى كانت تخبرهم فقط إنك كفيف. أما الأخيرة فقد نبهتهم أنهم ليسوا أكْفاء". حينئذ فهم الولد جيداً ماذا كان يقصد الرجل. وأكمل الرجل: فأنت لا تقدِّر الشيء إلى أن تكون مفتقداً له. فعليك أن تقدِّر جيداً كل البركات التي يُنعم بها الله عليك، حتى أصغرها، قبل أن يمضى الوقت على شكر الله عليها. فعش جيداً، وكن محباً، وابتسم للحياة ولكل لحظة من لحظاتها في حياتك، لأن كل لحظة تمر يمكن أن تكون فرصة عظيمة لنيل البركات من لدن الآب السماوي. وإن أردت أن تعيش سعيداً، فكن معيناً لأي إنسان، فقد تكون أنت هو سنده الوحيد. واصنع الخير مع الآخرين، فسوف يعود إليك من حيث لا تدري، وبطرقٍ شتى. والرب معك. --- ### القداس الإلهي (١) - Published: ۲۰۲۳-۰۵-۰۷ - Modified: 2023-12-10 - URL: https://tabcm.net/11749/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: القداس الكيرلسي, چورچ حبيب بباوي نقلاً بتصرف عن حبيب المسيح العلامة الدكتور جورج حبيب بباوي: - كلمة قداس هي كلمة سريانية وتعني الصلوات التي يتقدس بها الشعب والتقدمة. - أسماء القداسات تحمل أسماء قديسي القرن الرابع والخامس مثل باسيليوس- ذهبي الفم- كيرلس الكبير- اغريغوريوس الثيؤلوغوس. . ألخ. وهو عصر انتشرت فيه البدع والهرطقات. فأقتضي الأمر أن يراجع هؤلاء الآباء الصلوات التي ورثتها الكنيسة الجامعة، وأن يشهدوا لصحتها. فحملت أسماءهم دون أن يكون لهم فضل كتابتها، وإنما فضل التأكد من سلامتها. - الغاية من القداس الإلهي هي أن تصبح الكنيسة والمسيح جسداً واحداً ليدخل المسيح بالكنيسة إلى ما وراء الحجاب (أي إلى السماء) حيث دخل يسوع (عبرانيين ٩:٦). - لذلك يبدأ القداس بتأكيد إننا في السماء وفي حضرة الثالوث منذ بداية القداس عندما يفتح الكاهن ستر الهيكل قائلاً: "مجداً وإكراماً، إكراماً ومجداً للثالوث القدوس، الآب والابن والروح القدس". (دكتور جورج حبيب بباوي) علاقة المسيح بالكاهن والشعب في القداس الإلهي: - إن تقسيم الكنيسة إلى إكليروس وعلمانيين هو تقسيم متأخر تاريخياً. - فالكنيسة الواحدة هي التي ترث الرسل. وليس الإكليروس فقط هم خلفاء الرسل. فكل الشعب هم بذار للكهنوت والرهبنة. وهذه البذار قد ينمو بعضها يوماً ويثمر كهنة ورهباناً. - السلطان الكهنوتي تعبير غير معروف في الخولاجيات (كتاب صلاة القداس) الشرقية ولا وجود له في كتب اللاهوت الأرثوذكسية قبل القرن الرابع عشر. - يوجد فارق ضخم بين عبارة السلطان الكهنوتي وبين إن النعمة الإلهية هي قاعدة عمل الكهنوت وليس السلطان الكهنوتي. - فالمسيح هو رئيس كهنة الكنيسة الذين يعمل عمله من خلالهم كخدام للأسرار الكنسية التي يقوم بها هو بنفسه. وربما مَثلهم مَثل الخدام الذين قال لهم إن يملأوا الأجران ماءاً في عرس قانا الجليل بينما السادة حضور في العرس مع التلاميذ والسيدة العذراء. - لذلك فإن "السلطان" هو لنعمة الرب التي تعمل وليس الإكليروس باستقلال عن الرب، وإنما الرب هو الذي يعمل بنفسه والكهنة خدام أسراره المقدسة. - فعندما قال الرب لبطرس "أعطيك مفاتيح الملكوت" (متى١٦)، فإن هذه المفاتيح كما شرحها الآباء ليست سلطة تُعطَى لتمكِّن البشر مِن أن يفتحوا الملكوت بالشكل الذي يروق لهم، وإنما هي مفاتيح الملكوت حيث الله هو الملِك، لا ينقل سلطانه إلى آخر في كنيسته الواحدة، ولا فصل فيها بين رأسها المسيح وأعضائها من الشعب والإكليروس. - فالكاهن في حضرة المسيح هو بلا سلطان خاص به، وإنما هو خادم أسرار المسيح. - والكل قد اجتمع في الكنيسة لكي يضع الخبز والخمر "على هذه المائدة الكهنوتية التي لك (أيها الرب)". أنها مائدة المسيح، وليست مائدة أي شخص آخر. والكهنوت هو كهنوت المسيح. - و يعبِّر القداس الكيرلسي عن هذه الحقيقة في أوشية/ صلاة الكهنوت: "أذكر يا رب هذا الكهنوت المقدَّس الذي لك". (القداس الكيرلسي) - فلا يوجد في العهد الجديد كهنة كما في العهد القديم. ولا يوجد وسطاء بين الله والناس. وأنما يوجد لدينا كاهن واحد يسوع المسيح يعمل عمله بشخصه الإلهي من خلال الذين عيَّنهم في ”وظيفة“ خدام لأسراره المقدسة. لذلك يطلب الكاهن من المسيح قائلاً "يا الذي بارك في هذا الزمان الآن أيضا بارك. . أقسم. . أعطنا وكل شعبك”. - الكاهن يقف مثله مثل الشعب تماماً في حضرة الله في القداس الإلهي. لذلك نجد أن الكاهن الخديم يصف أن العلمانيين هم آباء أيضا مثل الأكليروس: "آباؤنا رؤساء الأساقفة- أباؤنا الأساقفة- آباؤنا القمامصة- آباؤنا القسوس- أخواتنا الشمامسة- أباؤنا الرهبان- أباؤنا العلمانيين"(أوشية الراقدين) -أن روح الأبوة التي هي عطية الآب السماوي ليست قاصرة على الكهنة وإنما توهب للعلمانيين لأنهم بكل حق هم الذين يميزون الذين يصلحون ولهم روح الأبوة فيختارونهم لوظيفة الأكليروس. - إن تعبير "أباؤنا العلمانيين“ هو تعبير يعلن الخلافة الرسولية في شكلها العام، وهو أصيل جعل من العلمانيين أصل كل شيء عندنا. أن العلمانيين هم رَحِم الكنيسة الذي يلد للمسيح الرعاة والرعية. - القداس الإلهي يتم بوجود إكليروس يطلب من الرب من أجل الشعب، ويشترط وجود شعب يطلب بالمثل إلى الرب من أجل الإكليروس: “وصلواتنا نحن (الشعب) أيضا عنهم (الرؤساء من الإكليروس) اقبلها على مذبحك ”. (يُتبَع) والسُبح لله. --- ### روما - الإسكندرية
تاريخ مجيد وانفصال أليم - Published: ۲۰۲۳-۰۵-۰٦ - Modified: 2025-02-02 - URL: https://tabcm.net/11645/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: آريوسية, إفخارستيا, الثالوث القدوس, الشرق الأوسط, الكرسي المرقسي, الكنيسة القبطية, الكنيسة الكاثوليكية, المجيء الثاني, النسطورية, بابا شنودة الثالث, بولس السادس, جايوس فلاڤيوس ڤاليريوس أوريلوس قسطنطينوس, ڤاتيكان, قديس أثناسيوس الرسولي, كرسي روما, ليتورچي, مجمع نيقية, ميلاد المسيح, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية على الرغم أن كنيستنا - مع كراسي أورشليم، وأنطاكية، ثم القسطنطينية لاحقا - تنتمي للإرث اليوناني، إلا أن اقرب الكنائس إلينا فكريا عبر التاريخ هي الكنيسة التقليدية اللاتينية الكاثوليكية، إلى أن وقع خلاف خلقدونية المشؤوم. باستثناء الآباء الكبادوك (تلاميذ أوريجينوس) والقديس يوحنا ذهبي الفم، كان الخلاف اللاهوتي مستعرا دائما بين كرسي الإسكندرية وباقي الكراسي الشرقية، ولم نكن نجد الدعم في المجامع وما قبلها وما بعدها سوي من كرسي روما. كان تناغما مذهلا: وكأن ما يصدر عن أحداهما صدر من الآخر. في نيقية، كان المجمع ثلاث جبهات: الآريوسية، نصف الآريوسية ذات النفوذ الطاغي، والإسكندرية ومعها روما. بعد مجمع نيقية، لم يكن الحريق قد انطفأ بعد، ولم يجد القديس أثناسيوس الرسولي سندا له في مواجهة الأباطرة وأساقفة الشرق الذين عقدوا أكثر من مجمع وقطعوه، سوي روما، وبشكل أدق: البابوان مرقس ويوليوس أسقفا روما، مثلما كان سلفهما سلفيستريوس سندا للإسكندرية في المجمع نفسه. ما قبل مجمع أفسس، كان تناغما شديدا بين القديس كيرلس والبابا كلسيتينوس أسقف روما، والذي فوّض القديس كيرلس في قطع نسطوريوس ما لم يرجع عن هرطقته، وهو ما فعله القديس كيرلس، فقامت الدنيا ولم تقعد، ونعلم ما حدث من الوفد الأنطاكي (الذي قطع القديس كيرلس) ولولا الوفد اللاتيني الذي صدق علي قرارات المجمع الذي اتخذها برئاسة كيرلس، لما انتهت الأمور على ما آلت إليه بسبب قوة الجبهة النسطورية كنسيا وسياسيا. أورد هنا نصا للاتفاقية الموقعة عام 1973 بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة القبطية، و آمل أن توضع فعلا في حيز التنفيذ:    بولس السادس أسقف روما وبابا الكنيسة الكاثوليكية، وشنوده الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرسي المرقسي، يقدمان الشكر لله في الروح القدس، إذ أنه بعد عودة رفات القديس مرقس إلى مصر، قد نمت العلاقات بين كنيستي روما والإسكندرية، وازدادت بعد ذلك الحدث العظيم، حتى أمكن الآن أن يصير بينهما لقاء شخصي. وهما يرغبان في ختام اجتماعاتهما ومحادثاتهما أن يقررا معًا ما يلي:لقد تقابلنا معًا، تحدونا الرغبة في تعميق العلاقات بين كنيستينا، وإيجاد وسائط واضحة المعالم وفعّالة للتغلُّب على العقبات التي تقف عائقًا في سبيل تعاون حقيقي بيننا في خدمة ربنا يسوع المسيح، الذي أعطانا خدمة المصالحة لنصالح العالم فيه (كورنثوس الثانية 5: 18-20). • وطبقًا لتقاليدنا الرسولية المُسلَّمة لكنيستينا والمحفوظة فيهما، ووفقًا للمجامع المسكونية الثلاثة الأولى، نقرّ أن لنا إيمانًا واحدًا، بإله واحد مثلث الأقانيم، وبلاهوت ابن الله الوحيد، الأقنوم الثاني من الثالوث القدوس، كلمة الله وضياء مجده وصورة جوهره، الذي تجسد من أجلنا، متخذًا له جسدًا حقيقيًا ذا نفس ناطقة عاقلة، وصار مشاركًا إيّانا إنسانيتنا ولكن بغير خطيئة. • ونقر أن ربنا وإلهنا ومخلصنا وملكنا كلنا يسوع المسيح إله كامل من حيث لاهوته، إنسان كامل من حيث ناسوته. وأن فيه قد اتحد اللاهوت بالناسوت اتحادًا حقيقيًا كاملًا بغير اختلاط ولا امتزاج، ولا تشويش ولا تغيير، ولا تقسيم، ولا افتراق، فلاهوته لم يفارق ناسوته لحظة واحدة أو طرفة عين. وأنه وهو الإله الأزلي الأبدي غير المنظور صار منظورًا في الجسد، واتخذ صورة عبد. وفيه قد حُفِظت كل خصائص اللاهوت وكل خصائص الناسوت جميعًا، باتحاد حقيقي كامل، اتحاد لا يقبل التجزئة أو الانقسام ولا يقبل الانفصال. • نؤمن معًا أن الحياة الإلهية تُمنَح لنا بواسطة أسرار المسيح السبعة في كنيسته، وأن تلك الحياة الإلهية تنمو فينا وتغتذي بهذه الأسرار: وهي المعمودية، الميرون ، الإفخارستيا ، التوبة، مسحة المرضى، الزيجة، الكهنوت. • ونحن نكرم العذراء مريم، أم النور الحقيقي، ونعترف أنها دائمة البتولية، وأنها والدة الإله، وأنه تشفع فينا وأنها بصفتها والدة الإله تفوق في كرامتها كرامة جميع الطغمات الملائكية. • ونحن لنا إلى حد كبير مفهوم واحد للكنيسة، وأنها مؤسّسة على الرسل، وللدور الهام الذي للمجامع المسكونية والمحلية. ولنا معًا روحانيتنا التي تعبّر عنها طقوسنا خير تعبير، كما يعبّر عنها القداس الإلهي تعبيرًا عميقًا لأن القداس هو مركز وجوهر عبادتنا الجماعية، وهو قمة اتحادنا وشركتنا مع المسيح في كنيسته. • ونحن نحفظ الأصوام والأعياد التي يأمرنا بها ديننا. ونكرم ذخائر القديسين، ونستشفع بالملائكة وبالقديسين الأحياء منهم والمنتقلين. هؤلاء يؤلّفون سحابة من الشهود في الكنيسة. وهم ونحن ننتظر – في رجاء – المجيء الثاني لربنا، عند استعلان مجده ليدين الأحياء والموتى. • ونحن نعترف، بكل إتضاع، أن كنائسنا غير قادرة على أن تشهد للحياة الجديدة في المسيح بصورة أكمل بسبب الانقسامات القائمة بينها، والتي تحمل وراءها تاريخًا مُثقَّلًا بالصعوبات لعدة قرون مضت. والواقع أنه منذ عام 451 لميلاد المسيح قد نشبت خلافات لا يمكن تجاهلها. وعلى الرغم من تلك الخلافات فنحن نعيد اكتشاف أنفسنا فنجد أن بين كنيستينا تراثًا مشتركًا. ونحن نسعى بعزم وثقة في الرب أن نحقق كمال تلك الوحدة وتمامها، هذه الوحدة التي هي عطية من الرب. • ولكيما نتمكن من إنجاز هذا العمل، نشكل لجنة مشتركة من ممثلين للكنيستين، مهمتها التوجيه لدراسات مشتركة في ميادين: التقليد الكنسي، وعلم آباء الكنيسة، والطقوس، وخدمة القداس ، واللاهوت، والتاريخ، والمشاكل العلمية، وهكذا بالتعاون المشترك يمكن أن نتوصل إلى حلول للخلافات القائمة بين الكنيستين، بروح التقدير المُتبادَل،• ونستطيع أن ننادي بالإنجيل معًا بوسائل تتفق مع رسالة الرب الأصيلة، وتتناسب مع احتياجات العالم المعاصر، وآماله. ونعبّر في نفس الوقت عن تقديرنا وتشجيعنا لأيّ جماعات من الدارسين ومن الرعاة، من بين الكاثوليك والأرثوذكس ممن يكرّسون جهودهم في نشاط مشترك في الميادين المذكورة وما يتصل بها. وإننا في إخلاص وإلحاح، نذكر أن المحبة الحقيقية والمتأصّلة في أمانة كاملة للرب الواحد يسوع المسيح، واحترام متبادل من كل طرف لتقاليد الطرف الآخر، هي عنصر جوهري في السعي نحو الشركة الكاملة. • إننا باسم هذه المحبة، نرفض كل صور الخطف من كنيسة إلى أخرى، وننبذ أن يسعى أشخاص من إحدى الكنيستين إلى إزعاج طائفة من الكنيسة الأخرى، وذلك بضم أعضاء إليهم من هذه الكنيسة بناء على اتجاهات فكرية أو بوسائل تتعارض مع مُقتضيات المحبة المسيحية أو مع ما يجب أن تتميز به العلاقات بين الكنيستين. ينبغي أن يوقف هذا الخطف بكل صورة أينما يوجد. وأن على الكاثوليك والأرثوذكس أن يعملوا على تعميق المحبة وتنمية التشاور المتبادل وتبادل الرأي والتعاون في المجالات الاجتماعية والفكرية، ويجب أن يتواضعوا أمام الرب ويتضرعوا إليه، أن يتفضل وهو الذي بدأ من هذا العمل فينا أن يؤتيه ثماره. • وإذ نفرح بالرب الذي منحنا بركات هذا اللقاء تتجه أفكارنا إلى آلاف المتألمين والمُشرَّدين من شعب فلسطين. ونأسف على سوء استخدام الحجج الدينية لتحقيق أغراض سياسية في هذه المنطقة. وبرغبة حارة نتطلع إلى حلٍّ لأزمة الشرق الأوسط حتى يسود سلام حقيقي قائم على العدل، خصوصًا في تلك الأرض التي تقدست بكرازة ربنا ومخلصنا يسوع المسيح وموته وقيامته، وبحياة القديسة العذراء مريم هذه التي نكرمها جميعًا بصفتها والدة الإله . أَلَا ليت الله مانح جميع المواهب والعطايا يسمع صلواتنا ويبارك جهودنا. .   (التوقيعات) - البابا بولس السادس أسقف روما وبابا الكنيسة الكاثوليكية - البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرسي المرقسي الفاتيكان، في ١٠ مايو سنة ١٩٧٣. (نص البيان المشترك الذي وقع عليه قداسة البابا بولس السادس وقداسة البابا شنوده الثالث) --- ### فك رموز العهد القديم - Published: ۲۰۲۳-۰۵-۰۵ - Modified: 2023-06-01 - URL: https://tabcm.net/11689/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: الأب متى المسكين, الشيطان, قديس بولس الرسول, نبي موسى, نيرون ما زلنا مع تقديم الكاتب لكتابه واقترابه من رسائل القديس بولس لتلاميذه وكنائسه، وهو هنا لا يؤدي دور الباحث الأكاديمي أو المفسر التقليدي لها، فهذا الدور أحاله لباب مستقل في كتابه هذا، أما هنا فقد استغرقته الرسائل واختطفته إلى أجواء كتابتها، ليجد نفسه يجلس بالقرب من كاتبها يتابع انفعالاته بتنوعاتها، فيصفها بأنها "تحكي لنا وتصور العلائق الحميمة التي كانت تربط هذا المبشر بكنائسه، فهي حية تنبض بالحب والحياة، وبالغضب أيضاً والوعيد والتهديد "من يضعف وأنا لا أضعف؟ من يعثر وأنا لا ألتهب". ويستطرد الكاتب: "وإذ نقرأ نحن هذا أيضاً في رسائله، ندخل خُلْسَة بواسطة تدليله لقديسيه ولمحبيه أو تعنيفه للذين صدهم العدو عنه بغروره، فنعيش رسائله، بل ونعيش كنائسه، بل ونعيش أنفاسه ونتحسس دقات قلبه وبديع مشاعره"؟(الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول “حياته”، “لاهوته”، “أعماله”) ويوجز شغفه بها في كلمات معدودات : "الآن وبعد ألفي سنة، عندما تُقرأ رسائله في الكنيسة، يصمت السامعون لأن بولس يتكلم ! ! ". (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول “حياته”، “لاهوته”، “أعماله”) ويسهب الكاتب في تقريظ الرسائل وعمقها وخلوها من "التأملات الناعسة"، أو "الفلسفات الفارغة"، وأثرها في هداية ملايين التائبين، التي تعد "شهادة للروح القدس الذي أمسك بروح بولس وفكره وأملاها". ويؤكد الكاتب استحقاق هذه الرسائل أن توضع في موقع أعلى: "فوق كل رسالة وسفر كُتب في القديم أو الحديث لأنها تحمل أعمال المبشر بكل أسرارها ومقوماتها؛ فسداة الرسالة نصائح ووصايا ولاهوت، ولحمتها عَرَق الخدمة ودموعها مع مسرات وأفراح، يتخللها ضرب العِصِيّ وجلد السياط، مع أهوال البحر ومخاطر، والزج في غياهب السجون في قيود ومقاطر، ثم تنقشع الغيوم عن نجاة وشكر، ثم مرة أخرى مزيد من الأسفار، وهكذا من مدينة إلى أخرى ومن رسالة إلى رسالة، إلى أن أكمل السعي تحت سيف نيرون". (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول “حياته”، “لاهوته”، “أعماله”) ثم يأخذنا الكاتب إلى مقارنة ترتقي لتكون مطابقة بين المعلم ـ المسيح ـ وتلميذه ـ بولس ـ فالتلميذ يقتفى آثار معلمه: المسيح تألم بالجسد؛ وبولس الرسول كمل نقائص شدائد المسيح في جسده. المسيح مات مرة فأمات الموت؛ وبولس الرسول بميتات كثيرة أكمل حياته في المسيح. المسيح بالنهاية رُفع في مجد، وبولس الرسول أخيراً وُضع له إكليل البر. (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول “حياته”، “لاهوته”، “أعماله”) الرعية عند بولس "رِسَالَتُنَا، مَكْتُوبَةً فِي قُلُوبِنَا... مَعْرُوفَةً وَمَقْرُوءَةً مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ، ظَاهِرِينَ أَنَّكُمْ رِسَالَةُ الْمَسِيحِ، مَخْدُومَةً مِنَّا، مَكْتُوبَةً لاَ بِحِبْرٍ بَلْ بِرُوحِ اللهِ الْحَيِّ، لاَ فِي أَلْوَاحٍ حَجَرِيَّةٍ بَلْ فِي أَلْوَاحِ قَلْبٍ لَحْمِيَّةٍ". (رسالة بولس الثانية إلى كورنثوس 3: 2،3)" يعقد الكاتب مقارنة بديعة بين بولس الرسول وبين موسى النبي في القديم:  * فقد خرج بولس بالأمم من عبودية الخطية وسُخرة الشيطان على مستوى خروج إسرائيل بيد موسى من عبودية فرعون. * وفيما تهذب موسى بكل حكمة المصريين؛ تربى بولس عند رجلي غمالائيل أعظم حكماء إسرائيل. * وكما ابتدأت قصة موسى بقتل المصري؛ ابتدأت قصة بولس بقتل استفانوس. * وكما تغرب موسى أربعين سنة في صحراء سيناء قبل أن يبدأ خدمته؛ تغرب بولس أيضاً ثلاث سنوات وفي العربية أيضاً قبل أن يبدأ مناداته بالإنجيل. * وكما أنه بموسى ابتدأ ناموس العهد القديم؛ كذلك يرى بولس في نفسه كفاية لخدمة ناموس المسيح والعهد الجديد:’الذي جعلنا كفاة لأن نكون خُدَّام عهد جديد’(2كو 6:3)،’نسعى كسفراء عن المسيح كأن الله يعظ بنا. نطلب عن المسيح تصالحوا مع الله’(2كو20:5). (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول “حياته”، “لاهوته”، “أعماله”) ويعلق الكاتب قائلاً: "كانت عملية الخروج تملأ وجدان القديس بولس الرسول وروحه وكل تأملاته حتى لغته، وعلى هذا الأساس وقّع كل دائرة لاهوته على هذه الخلفية الحية في قلبه فكشف جوهر الرمز. فلولا بولس ولاهوته وسفر العبرانيين المنسوب إليه فكراً وروحاً، لظل العهد القديم قصة تُحكى ورمزاً يحتاج إلى مفسر". (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول “حياته”، “لاهوته”، “أعماله”) "لقد أخرج القديس بولس إلى النور أعظم أسرار الله التي كانت مخفية في ضباب رؤى الأنبياء... ابتداء من خروف الفصح، وخروج شعب من العبودية، وعبوره بحر الموت على القدمين... وصخرة تتابعهم تسقيهم من بطنها وخيمة من جلود وذبائح وبخور، مرة واحدة يرفع الرسول بولس الستار لنرى في هذه الرواية المحبوكة: المسيح فصحنا مذبوحاً، وخروجنا العتيد من عبودية الشيطان وسُخرة الخطية، وانقضاء ليل الخطية وظلامها، والعماد لموت المسيح، والارتحال تحت قيادة الروح في الكنيسة سفينة النجاة ... . ". (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول “حياته”، “لاهوته”، “أعماله”) ويؤكد الكاتب على أن بولس الرسول سلم كنيسة الأمم سر الإنجيل الذي استلمه بإعلان مباشرةً من المسح وقد عرضه على الرسل القديسين أعمدة الكنيسة فاستحسنوه وأعطوه يمين الشركة، وهكذا يؤكد الرسول بولس أنه خدم وبشر بالإنجيل الواحد، إنجيل الرسل، والرسولية عنده هي أساس الكنيسة، المسيح فيها حجر الزاوية. وينبهنا الكاتب أن الكنيسة حتى اليوم لم تستوعب بعد المرتفعات التي حلق فيها القديس بولس وصورها واستودعها رسائله ليس لضعف فيها بل بسبب العمق الذي فيه، ومن يريد أن يتعلم على رسائل بولس عليه أن يتدرب كيف يتسلق جبال إنجيل الله ومرتفعات مواعيده ولا يكتفي بالانبطاح على سهول الأسفار"كلمونا بالناعمات"(إشعياء 30: 10)، فالذين تسلقوا مرتفعات بولس الرسول امتلؤوا بملء الله فاستؤمنوا على منابر القيادة وهزوا قلوباً وأناروا شعوباً وأيقظوا العالم من رقاد. دعونا نقترب ـ في صفحات قادمة ـ من حياة هذا المعلم القديس الذي استلم الإنجيل من المسيح وقدمه لنا مشفوعاً بمذكرة تفسيرية توقعه على يومنا وحياتنا لحظة بلحظة وتقودنا لنعرف رب المجد وقوة قيامته وشركة آلامه. --- ### بتاع عربية الفول - Published: ۲۰۲۳-۰۵-۰٤ - Modified: 2023-04-26 - URL: https://tabcm.net/11538/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون لا أعرف ما الذي يدفعني يومياً لشراء الفول من عند العربية إياها "المتلقحة" تحت البيت، هل هو غرامي وعشقي للفول منذ أيام الصعلكة والعزوبة، أم هو حنين إلى الماضي، أم متعة الأكل واقفاً في الشارع؟ ثم اكتشفت السبب متأخراً بعدما كادت تلك الساندويتشات الممتلئة بالحصى أن تأتى على معدتي ذات الحس المرهف، أن السبب الحقيقي لاستمراري في الأكل المستمر من عند تلك العربية، بالرغم من تحذيرات أمي، و تهديدات زوجتي، وتنبيهات الدكتور، هو رغبتي الملحة المتكررة في "جر شكل" بتاع الفول واجتذاب أطراف الحديث معه، وحثه على انه "يدلق اللي جواه"، فلا استطيع مقاومة أن "أنغزه" بكلمة "تسخنه"، وهو بدوره لا يستطيع مقاومة إخراج الشحنة العصبية المتراكمة بداخله عن حال البلد، والشهادة لله الراجل، "ما بيصدق" أن يشعر أن احدهم يتعاطف معه ويشاركه همه والحديث عن أحوال البلد، فينطلق كالصاروخ ليروي كل ما في جعبته. اليوم صباحاً داعبته ساخراً عن زيادة سعر "شقه الفول" (نص الرغيف نصف الممتلئ)، فأجابني بحسرة منفعلاً "يا بيه هو فيه اقل من الفول الناس تتقوت بيه؟ من ساعة واحدة جه واحد سألني بكام ساندويتش الفول قولته الشقة بخمسة، راح بص في الفلوس اللي معاه وحط راسه في الأرض ومشى، بالذمة يرضى مين ده بس؟ منه لله ابن الـ*** وزير الـ***، خرب البلد واكلها والعة، ورجالته بياخدوا مننا إتاوات وعماليين ينهبوا فلوس عمال على بطال، أنت عارف أنا بدفع قد إيه إتاوة لأمين الشرطة ابن الـ*** اللي ماسك المنطقة عشان يسيبني واقف مطرحي؟ خمسين جنيه بحالهم كل طلعة شمس"، ثم اعقب جملته بـ "شخرة" عالية التردد، ثم أردف "هي ديه بلد يا أستاذ يتعاش فيها؟ ولله الواحد بقى خايف يجيب حشيش لحسن يكون متسرطن هو الاخر"، ثم اعقب بـ "شخرة" تالية، تبعها بكلمة اعتراضية من ثلاث حروف، فنصحته إن يحاول أن يقلل من تكرار "الشخر" حفاظاً على أنفه من الالتهابات، فعاتبني على نصيحتي وأجاب بحزم قائلاً "ما أنا بطلت سجاير يا بيه، بس أكيد مش عشان صحتي، لكن عشان مش قادر على تمنها بعد ما غليت ورفعوا الضرايب عليها، لكن مش معقول ابطل سجاير وابطل شخر... مقدرش يا بيه، وبعدين متطلعنيش بره الموضوع"، أجبته بسؤال محاولاً أن انسيه موضوع الشخر، خوفاً على جهازه التنفسي وأحباله الصوتية "بس أنت طلعت جامد في السياسة. . عرفت الحاجات ديه كلها منين؟" أجابني قائلاً "من حكاوي الزباين يا بيه، يبقى الزباين بتاكل وبتقرأ الجرايد في نفس الوقت، والفول والبصل عامل معاهم أحلى شغل، وشوية شوية يحكوا في المواضيع ديه، و أنا ليا ودان بسمع بيها ولسان أتكلم بيه معاهم، أجبته مداعباً "يا عم انت هاتخوفني منك ولا إيه؟ الوقفة معاك ديه هاتودينا فى داهية"، أجابني بعد أن اطلق شخرة ع الماشي "ما إحنا كده كده رايحين في داهية، أنا سمعت يا بيه انهم حاطين جهاز "تصمت" (تنصت) في بيت كل بنى ادم مننا، وفي كل عربية، وفي "المكروباظات"، والأوتوبيسات، وحتى في الموبايل اللي حضرتك ماسكه في ايدك من ساعة ما جيت ولا مؤاخذة، أمال أنت فاكر الاوستااز عبوحييم بيجيب التسجيلات بتاعته منين؟"، حاولت أن افهّمه أن ما يقصده هو جهاز تنصت وليس "تصمت"، لكنه أصر على صحة ما يقول، معللاً أن اسمه جهاز "تصمت" وليس تنصت لأنه يجبر الناس على الصمت عشان "مايتسجلش كلامهم"، ثم أردف قائلاً "دول كمان تلاقيهم حاطين جهاز وسط قدرة الفول ديه اللي حضرتك بتاكل منها، لكن كفاية بقى، الواحد قرف و زهق، ها نفضل ساكتين لحد إمتى؟ " ثم ختم جملته بشخرة مرة أخرى. لم أشأ تلك المرة أن أثنيه عن عادته المحببة، التي بلا شك قد صارت بمثابة نوع من الراحة النفسية لديه، لكن ما أخشاه أن يعتاد عليها وتصبح لصيقة بلسانه، و عندما أحييه صباحاً ذات يوم يطلق شخرته المعتادة ثم يرد تحية الصباح. فجأة انتبهت انه قد صمت وكف عن حديثه، ووجدته يحدق في نقطة خلفي، ثم رفع يده بالتحية قائلاً "اتفضل يا سعادة البيه" (تحية خالصة بدون أي أصوات أنفية)، فنظرت خلفي لأجد أمين الشرطة البدين على موتوسيكله يشير له بيده معنفاً "يالا بسرعة يا بنى ادم فين الطلب بتاعي، هو أنا لسه هاستناك؟"، فعاجله بتاع الفول قائلاً "والنبي الطلب جاهز يا باشا ومستني سيادتك، ربنا يخليك لينا يا احسن باشا في احسن بلد في الدنيا، أنت سيادتك متعرفش أن ... "، عاجله أمين الشرطة بعنف جعله ينتفض قائلاً "أخلص يالا أنت ها تحكيلى قصة حياتك؟ يالا يا روح امك أخلص وهات الساندويتشات"، ثم نظر إلىٌ فوجدني غارق في الضحك، فرمقني بطرف عينه قائلاً "بتضحك على إيه يا أستاذ؟ تحب أجيبلك بنص جنيه زغازيغ؟ ولا تيجى معايا القسم تضحك حبتين كمان؟"، اعتذرت مبرراً ضحكي بنكتة ألقاها على مسامعي صاحب عربة الفول قبل مجيئه بقليل، ثم نظرت لبتاع الفول متضرعاً إليه، منتظراً إثبات كلامي، فرمقني هو الآخر بطرف عينه، ثم بابتسامة خبيثة تسللت إلى شفتيه رغماً عنه، مؤكداً صحة كلامي، ثم مد يده بالساندويتشات، مناولاً إياها لأمين الشرطة، داعياً له بطول العمر هو والوزير بتاعه والحكومة كلها، دون أن ينتظر ثمن الفول بالطبع. --- ### يسوع ورجال الدين في العالم العربيّ - Published: ۲۰۲۳-۰۵-۰۳ - Modified: 2023-05-01 - URL: https://tabcm.net/11686/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: حماة الإيمان, نجاسة المرأة حينئذ، خاطب يسوع الجموع وتلاميذه قائلًا: على بعض كراسي تلاميذي جلس الكتبة والفرّيسيّون. فليس كلّ ما قالوا لكم أن تحفظوه تحفظوه! ولا تفعلوا بحسب أعمالهم. فإنّهم يحزمون أحمالًا ثقيلة عسرة الحمل ويضعونها على أكتاف الناس وهم لا يريدون أن يحركوها بإصبعهم. وكل أعمالهم يعملونها لكي تنظرهم الناس فيعرضون عصائبهم ويعظمون أهداب ثيابهم، ويحبون المتكأ الأول في الولائم والمجالس الأولى في المجامع والتليفزيون والجرائد. والتحيات في الشوارع والمؤتمرات وأن يدعوهم الناس: سيدي سيدي، معلّمي معلّمي العلّامة المستنير العارف بالأسرار القدّيس حامي الإيمان! وأما أنتم فلا تدعوا أحدًا من رجال الدين سيّدي، لأن معلّمكم واحدٌ هو المسيح وأنتم جميعا إخوة. ولا تدعوا لكم أبًا على الأرض لأن أباكم واحد الذي في السماوات. ولا تدعوا معلّمين لأن معلمكم واحد المسيح، وبعده الكنيسة والتاريخ والعلم، اقرأوا الكتب الحقّة وكفّوا عن ثقافتكم الشفوية المزيّفة. أكبركم لا بدّ أن يكون خادمًا لكم. فمن يرفع نفسه يتّضع ومن يضع نفسه يرتفع. لكن ويل لكم أيها الكتبة والفرّيسيون المراؤون لأنكم تغلقون ملكوت السماوات قدام الناس فلا تدخلون أنتم ولا تدعون الداخلين يدخلون! تكفّرون من تشاؤون وتقدّسون من تشاؤون، تجعلون الجنة في أيديكم وسيلة للسيطرة بها على عقول الناس. ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون، لأنكم تأكلون بيوت الأرامل والفقراء والمرضى والكنيسة، وتوهمونهم بعلة صلواتكم وبركاتكم من أجلهم. لذلك تأخذون دينونةً أعظم. ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون، لأنكم لا تطوفوا البحر والبر لتكسبوا دخيلًا واحدًا ومتى حصل وجاءكم، تصنعونه ابنًا لجهنم أكثر منكم مضاعفًا وتكفّرونه وتشكّكون في نواياه، غيرةً وحقدًا لئلا ينال الملكوت الذي ظننتموه حكرًا لكم ولعبّادكم! ويلٌ لكم أيها القادة العميان القائلون: من كره الآخر لأنه اختلف في عقيدته فهو حامٍ للإيمان، وتركتم المحبّة التي أحببتكم بها! أيها الجهال والعميان، أيما أعظم: التعبيرات العقيدية البالية أم المحبة المسيحية؟ ويل لكم أيّها الكتبة والفريسيون المراؤون، لأنكم تعظون بالطقوس والصوم عن الطعام وعن نجاسة المرأة وتركتم أثقل ما في الإنجيل: الحقّ والرحمة والإيمان. أيها القادة العميان الذين يصفّون عن البعوضة ويبلعون الجمل! ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون، لأنكم تنقون خارج الكأس والصحفة وهما من داخل مملوءان اختطافا ودعارة! أيها الفريسي الأعمى نقّ أولا داخل الكأس والصحفة لكي يكون خارجهما أيضا نقيا. ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تشبهون قبورا مبيضة تظهر من خارج جميلة وهي من داخل مملوءة عظام أموات وكل نجاسة. هكذا أنتم أيضا: من خارج تظهرون للناس أبرارًا ولكنكم من داخل مشحونين رياء وإثما وكراهية وكبرياء! ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون لأنكم تبنون قبور الأنبياء وتزينون مدافن الصديقين وتقولون: لو كنا في أيام آبائنا في السلطة لما شاركناهم في دَم الأنبياء! فأنتم تشهدون على أنفسكم أنكم أبناء قتلة الأنبياء ومهرطقي الصديقين والصالحين. أيّها الحيّات أولاد الأفاعي كيف تهربون من دينونة جهنم؟ --- ### علاقات افتراضية - Published: ۲۰۲۳-۰۵-۰۲ - Modified: 2023-05-01 - URL: https://tabcm.net/10954/ - تصنيفات: مقالات وآراء مبقاش حد بيحارب على بقاء العلاقات، الكل بقى شايف وحاسس إن عنده عالم بديل، حتى لو كان عالم مريض، عالم يبدل على عدم السوية الاجتماعي النفسي. الناس بقت تفشل في علاقاتها، وبدل ما يشوفوا المشكلة ويحاولوا يحلوها بقوا يدوروا على علاقات افتراضية بديلة، علاقة محدش يتحمل فيها المسؤولية، ولا يتحمل فيها جهد بناء العلاقة والحفاظ عليها. للأسف حتى العلاقات الحميمية الخاصة جدًا، بقينا بنحاول نشبعها في عالم افتراضي، ممكن علشان بنتصور إن العالم الافتراضي مفيهوش مقايضة -مع إن فيه- محدش بيرفضك ومحدش بيقولك لأ، ولا يتهرب منك ولا يشترط عليك شروط وإملاءات، ممكن كمان علشان العالم الافتراضي محدش فيه بيبص غير لمتعته الشخصية -الذاتية- بغض النظر عن مسؤوليته في إمتاع وإشباع الآخر، ممكن علشان في العالم الافتراضي محدش بيلوم حد على ضعف أو قصور، أصلا كل واحد ممكن يرسم نفسه سوبر مان أو ترسم نفسها جميلة الجميلات (هو حد شايف حاجة) كل ده والذكاء الاصطناعي لسه في مهده، يعني لك أن تتخيل (وهو قريب جدا) إن كل واحد يقدر يخلق (تعبير غير مجازي) شريك يفصله على مزاجه ويكلمه في كل حاجة ويترد عليه ويعمل معاه كل حاجة بمعنى كل حاجة دون أدنى مسؤولية، وفي الأخر وقت ما يزهق يخلق شريك جديد اللي بالذكاء الاصطناعي يقدر يتلافى عيوب النموذج الأول. المجتمع بالصورة ديه، بيكون أكثر رعبا، بلا حنو بلا رضى ثالبين عديمي النزاهة، شرسين غير محبين للصلاح محبين لللذات، القساوة بتملا القلوب والغشاوة بتقفل القلوب قبل العيون، وأجيال بتضيع مع إنسانيتنا وأخلاقنا اللي بقت تنهار، وعلشان نداري على فسادنا هتلاقي التدين الشكلي بيزيد وتلاقي الناس بتزايد على بعض بمبادئ الدين اللي هي شخصيا مش عايشاه في غرفها المُغلقة. هايجي اليوم اللي محدش فيه هيطيق شره الشخصي أكتر من شرور الآخرين والكل هيشتهي الموت، وقمة العذاب إن الناس تشتهي الموت ومتنلهوش ويتسابوا في الحياة منهم لشرهم. --- ### عن لقاء البابا تواضروس بصحفيي الشأن الكنسي - Published: ۲۰۲۳-۰۵-۰۱ - Modified: 2023-05-02 - URL: https://tabcm.net/11681/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: أنبا يوليوس، أسقف الخَدمات العامة, الأب بولس حليم, بابا تواضروس الثاني, بربارة سليمان, بيير جورج, قمص موسى إبراهيم, محمد بن سلمان في ضيافة بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، الأنبا تواضروس الثاني، نظم المركز الإعلامي للكنيسة القبطية الأرثوذكسية لقاء "لنعمل معًا" للصحفيين المهتمين بتغطية شئون الكنيسة، صباح السبت 29 أبريل، بعد غيبة طويلة امتدت 8 سنوات منذ أول لقاء تم تنظيمه أيضًا في أبريل 2015، كان اللقاء فرصة جيدة لاستماع الصحفيين للبابا تواضروس بشكل مباشر دون وسطاء، خاصة أنه فتح الباب لتلقي الأسئلة كلها دون خطوط حمراء، وأجاب عنها بإجابات واضحة، شافية. تكمن أهمية اللقاء في مقابلة البابا تواضروس ذاته، فهي فرصة لا تتكرر كثيرًا للصحفيين، لكن بعيدا عن مسألة الفرص اتسم اللقاء بالكفاءة والعملية وإعلان واضح للعمل بشكل جماعي، حيث تم إلقاء الضوء على دور الكنيسة القبطية الأرثوذكسية من خلال فريق عمل متعدد يأخذ من البابا تواضروس سياسات عامة تاركا لهم فرص الظهور واﻹعلان عن أنفسهم، وبطريقتهم. اﻷنبا يوليوس أسقف الخدمات العامة، القمص موسى إبراهيم، القس بولس حليم، الأستاذة بربارة سليمان، المهندس بيير جورج، الأستاذة أوديت، وغيرهم. . كل فرد من هذا الفريق المتناغم، يقود مؤسسة فرعية عالية التخصص، فالدور التنموي والمجتمعي الذي تؤديه الكنيسة بواسطة أسقفية الخَدمات العامة، مختلف وظيفيا عن دور المكتب البابوي للمشروعات، وهكذا. يتفق الكل مع السياسة الوطنية العامة، ومع النهج الذي تتبعه الكنيسة في مساعدة المجتمع المدني، كل المجتمع دون تمييز. فالكنيسة هنا قدوة حسنة، وفي هذا فليتنافس المتنافسون. قدم البابا تواضروس مفهومه الخاص عن الـ"كنيسة"، في وقت يحتدم فيه الجدل الاصطلاحي الذي فارق تعريفها كـ"جماعة مؤمنين" كلاسيكية، إلى مصطلحات عدّة: الكنيسة كمؤسسة ، الكنيسة كشعب . بعيدا عن التقسيمات الحادة، يطرح البابا مفهوم الكنيسة ككيان شعبي، وأنها بمثابة الجسد الواحد الذي يختار من بينه الإكليروس أو الرعاة لخدمة الشعب، ولفت إلى أن طبيعة الكنيسة المصرية تدور حول ثلاث أمور: التعليم المستقيم، الاستشهاد، والرهبنة. كما أكد على أن الراهب لا يملك، ولا يرث أو يُورث. حول علاقة الكنيسة بالدولة، أشار تواضروس إلى أن الكنيسة بنت الوطن وخادمة للوطن، لا تعمل بالسياسة وأنها ليست حزبًا أو ناديًا، وأن ما يدور داخل الكنيسة هو الأمور الروحية والصلاة، أما دورها خارجها هو اجتماعي مرتبط بالتعليم والصحة. تحدث بابا الإسكندرية عن نمو الكنيسة خارج مصر، موضحا أنه وفقا لبيانات المعمودية والزواج والوفاة يتراوح عدد الأقباط داخل مصر حول 15 مليونا، باﻹضافة لـ 2 مليون قبطي في بلاد المهجر يعيشون في أكثر من 100 دولة حول العالم، مضيفا أن الكنيسة حفظت الأقباط من الذوبان في المجتمعات الغربية، وأنها بمنزلة سِفارة شعبية في أي دولة توجد بها. حول بعض من يثيرون المشاكل على مواقع التواصل الاجتماعي، أجاب البابا عن أحد الأسئلة وقال إن الكنيسة بها ضعفات بحكم الطبيعة البشرية كما حدث بين تلاميذ المسيح، أحدهما خانه والآخر أنكر وتشكك. كما أوضح أنا هذه "الضعفات نحاول علاجها" بشكل أبويّ حازم وإن كان غير معلن، وقال: "مش شرط لما أربي ابني حضرتك تعرف" (البابا تواضروس الثاني، في لقاء: "لنعمل معا"، أبريل 2023) أما عن الدور الاجتماعي للكنيسة القبطية في خارج مصر، أوضح أنه تم إنشاء مدارس في أستراليا وكندا، وفي قارة إفريقيا بدولة مثل بروندي، في مدينة تبعد عن العاصمة، ثم أن أكبر مستشفى لعلاج الإيدز تأسست في كينيا باسم Hope Hospital، وعلى مدار اليوم تم استعراض إنشاء الكنيسة لمدارس مصرية محلية تعمل وفق مناهج حديثة تهتم بالفن والمواهب وبناء شخصية الأطفال، وتخصيص مدرسة في منطقة "عزبة الهجّانة" للاجئين السودانيين، حيث تعلم الأطفال هناك وفق المنهج المتبع في السودان إلى أن يلتحقوا ببقية المراحل التعليمية. تحدث الأنبا يوليوس أسقف الخَدمات العامة عن دور الأسقفية في العمل التنموي من خلال التحالف الوطني للعمل الأهلي، والتعاون مع مبادرة "حياة كريمة" بتقديم ما يساهم في تنمية المواطنين ثقافيا أو "بناء الإنسان"، وهو بعد كان غائبا عن الكنيسة في سنوات سابقة، حيث كانت تكتفي الكنيسة بالعمل الخيري فقط، وبنفس الطريقة، يقدم المكتب البابوي للمشروعات مجموعة من الأنشطة بالتنسيق مع أسقفية الخَدمات حتى تتكامل الأدوار. والملاحظ هنا، أن هناك عملا تنمويا تم على أرض الواقع خلال السنوات الماضية لا يعلم الكثيرين شيئا عنه، لأن الكنيسة لم تبرز دورها في مجالات كثيرة متعلقة بخدمة المجتمع والعمل التنموي. حول قداس عيد الميلاد في المملكة العربية السعودية، أوضح البابا أن ذلك تم بمحبة عرضها ولي العهد الأمير "محمد بن سلمان" عندما زار المقر البابوي خلال زيارة سابقة  لمصر، وأنه لا يوجد كنيسة في السعودية لكن الصلاة تتم في أحد الفنادق أو القاعات. أخيرا، وفي مجال العلاقات الدولية، عما يدور بين كنيستي روسيا وأوكرانيا بسبب الحرب بين البلدين، أكد البابا: "لسنا مع طرف ضد طرف"، موضحا أن "الحرب ليس لها معنى"، وهو ما ذكره أيضا حينما أجاب عن سؤال حول الكنيسة القبطية في السودان موضحا أن السودان تمر بأصعب موقف حيث الاقتتال هناك "حربا أهليّة"، داعيا لتغليب الحوار على العنف. --- ### رحلة أيوب الصديق - Published: ۲۰۲۳-۰٤-۳۰ - Modified: 2023-06-01 - URL: https://tabcm.net/11635/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون - وسوم: أيوب البار ورث "أبو سالم" عن أبيه ضيعة فسيحة في شمال سيناء، وورَّثها لـ"سالم" ابنه الوحيد، فاهتم بها ورعاها أحسن رعاية. كانت الأرض في تلك السنين خصبة، درجة ملوحتها مناسبة لزراعة كثير من أنواع الأشجار والخضروات، حيث كانوا يحضرون الطمي الذي يصل إلى شواطئ مصب النيل، فيزرعون ما طاب لهم. كانت حياتهم سعيدة ومثمرة. وفي كل يوم من أيام الصيف القمرية، يجلس "أبو سالم" الجد ليحكي لأولاده وأحفاده عما سمعه من أجداده. ذات يوم قال لهم: "هل تعرفون أن أجدادي استقبلوا هنا أيوب الصديق؟"قالوا له: "وكيف حدث هذا؟" قال لهم: يحكي أجدادي إنهم في عودتهم من إحضار الطمي من شاطئ النيل، وجدوا قافلة تسير على بعد ميلين من شاطئ البحر. أما هم فكانوا قريبين من الشاطئ. كانت قافلة أجدادي لا تزيد عن عشر جمال تنقل ما يكفي الزراعة كل شهر. فنادوا على القافلة الأخرى، وعرفوا كيف يجعلوهم يقتربون من الشاطئ ليسيروا سيراً آمناً وفي حماهم. وفعلاً اقترب الموكب الآخر، وعرفوا أنهم تابعون لكبيرهم "أيوب الصديق". فجلسوا جميعهم في دائرة كبيرة، وأعدوا لهم المشروب المناسب الذي تعوَّدوا عليه في تلك الأيام. وطفق كبيرهم يتكلم: "لقد سمعت عن جمال هذه البقعة من الأرض، وقد أتيت لرؤيتها ولكي أتبارك من ترابها". فرحب به قائد الركب الآخر وشرح له تضاريس المنطقة. وبعد أن أتموا ضيافتهم تركوهم ووعد كل طرف أن يتقابلوا مرة أخرى. وبعد أن افترقوا، سارت قافلة أيوب الصديق قرب الشاطئ رويداً رويداً، حتى جاءت عند منطقة هي الآن بحيرة البردويل في شمال سيناء. وقف عندها أيوب الصديق وقال: "ها هي البقعة التي حلمت بها. فلنُنزل الرحال هنا، فإني أود أن أستريح هنا قليلاً". فأنزلوا الصديق رويداً رويداً، إذ كان متعباً من أثر سنين من التجارِب التي مرت عليه. واقترب من الشاطئ ورأى البحيرة عن قرب، وقد رأى أن الله أعد في هذه المنطقة مدخل للمياه، وفي جانب آخر تعود المياه إلى البحر المالح، أي إن المياه متجددة باستمرار. هنا قال لتابعه: "نعم، هذه هي البقعة التي حلمت بها. هذه هي التي أعدها الله لي لكي أغتسل من الأمراض والأتراح التي ثقـَّلت نفسي كل السنين السالفة. سوف أنزل في هذا الماء غداً، فأعِدَّ كل شيء". وفعلاً، في اليوم التالي جاء أيوب الصديق إلى هذه البقعة، ونزل في مائها الأزرق اللازوردي، ثم استراح مع تابعيه قرب الشاطئ. وبقي في هذه المنطقة أسبوعاً كاملاً يغتسل في المياه المالحة وقد وجدها مناسبة له. عندئذٍ تكلم أيوب الصديق مع تابعه وقال له: "إنني أذكر أن الله قال لإبراهيم في أرضه القريبة من هنا: وَتَتَبَارَكُ فِيكَ جَمِيعُ قَبَائِلِ الأَرْضِ(سفر التكوين 12: 3) فقال له تابعه: "ولابد أن الله سيقول لك هنا: "وفيك تُشفى جميع قبائل الأرض"! فانفرجت أسارير أيوب الصديق عندما سمع هذا الإطراء من تابعه. وفعلاً شُفي الصديق في هذا المكان من كل القروح والأسقام التي كانت في جسده، أزالها ماء البحر المالح وشفاها، وعاد جلده كما كان وهو شاب ابن أربعين عاماً. وأقاموا هناك أسبوعاً. ثم قاموا وأكملوا مسيرهم حتى وصلوا إلى أرض أبو سالم، فاستراحوا هناك شهراً من الزمان، استرد فيه أيوب الصديق عافيته، ثم عادوا بعد ذلك إلى أرضهم سالمين. وَبَارَكَ الرَّبُّ آخِرَةَ أَيُّوبَ أَكْثَرَ مِنْ أُولاَهُ. (سفر أيوب 42: 12) وَعَاشَ أَيُّوبُ بَعْدَ هذَا مِئَةً وَأَرْبَعِينَ سَنَةً، وَرَأَى بَنِيهِ وَبَنِي بَنِيهِ إِلَى أَرْبَعَةِ أَجْيَال. ثُمَّ مَاتَ أَيُّوبُ شَيْخًا وَشَبْعَانَ الأَيَّامِ. (سفر أيوب 42: 16، 17) تذكار نياحة أيوب الصديق هو 2 بشنس / 10 مايو من كل عام. يحكي التاريخ الكنسي إن أيوب الصديق أتى واغتسل في منطقة العريش، في أول شهر توت المبارك، ومن هنا جاءت القصة. --- ### سيدنا مار أبقطي [٢] - Published: ۲۰۲۳-۰٤-۲۹ - Modified: 2025-02-02 - URL: https://tabcm.net/11644/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: التحفة البرموسية, التقويم القبطي, التقويم القمري, الفصح اليهودي, حساب الأبقطي, عيد الفصح, عيد القيامة, قمص عبد المسيح المسعودي, مجمع نيقية سنتناول في هذا المقال الأساس المستخدم لحساب الأبقطي وطريقة تحديد التاريخ المناظر لموعد ذبح خروف الفصح اليهودي (وهو 14 نيسان في السنة العبرية)، على التقويم القبطي، بالطريقة الأبقطية الشريفة، وتطبيق ذلك على أحد الأعوام التي جاء بها عيد القيامة متأخرا عن ميعاده الطبيعي المقرر، طبقا لما استقر عليه في مجمع نيقية، بأكثر من شهر كامل. كما اسلفنا في المقال السابق نقسم التقويمين إلى دورات متكررة متساوية الطول، وفي حالتنا نستعمل دورة ميتون وطولها تسعة عشر عاما، كل عام من هذه الأعوام التسعة عشر في التقويم القمري مختلف في المعالجة عن باقي الأعوام، لأنه بينما يحتاج العام الأول في الدورة إلى احدي عشر يوما (الفرق في الطول بين السنة الشمسية والسنة القمرية) ليتساوى في الطول مع العام الشمسي، يحتاج العام الثاني إلى ضعف هذا الرقم، (اثنين وعشرين يوما منذ بدء الدورة) وهكذا، وحين يتخطى عدد أيام التصحيح ثلاثين يوما، فهذا يعني بالتأكيد أن السنة العبرية المناظرة قد زيدت شهرا (سنة كبيسة)، وإذا تخطى العدد ستين يوما، فلابد أن هذه السنة العبرية قد زيدت شهرا هي أيضا، فالخطوة الأولى هي تحديد ترتيب السنة محل الدراسة في الدورة الميتونية، ومنطقي أن تتراوح بين السنة الأولى وحتى السنة التاسعة عشرة. بناء على ترتيب السنة المعنية بالدراسة، نستطيع حساب عدد الأيام التي يلزم إضافتها منذ بدء الدورة، لتصحيح السنوات التي مرت في الدورة العبرية، لتماثل الدورة الشمسية حتى هذه النقطة في الدورة، ونحصل عليها باحتساب أحد عشر يوما لكل سنة من بداية الدورة بما فيها السنة المعنية، إذا كان ترتيب السنة يزيد عن السنة الثانية، فلابد أن هناك شهورا أضيفت، ويلزمنا أن نخصمها من العدد الذي حصلنا عليه، المتبقي هو ما نسميه: "أبقطي القمر"، ولأننا نخصم مضاعفات الرقم "ثلاثين"، فالمنطقي أن يتراوح "أبقطي القمر" بين الرقمين واحد، وتسعة وعشرون، إلا أن الأخير نجبره الى الرقم ثلاثين. ثم نخصم "أبقطي القمر" من الرقم "أربعين" فنحصل على تاريخ يوم ذبح الخروف في التقويم القبطي. وحيث أن ميعاد الاعتدال الربيعي وقت صياغة حساب الأبقطي هو 25 برمهات، فإذا أتي التاريخ بين 25، 30 يكون الاحتفال به في شهر برمهات، عدا هذا يتم الاحتفال به في شهر برمودا، وسنعود للتحدث عن هذه النقطة لاحقا.  تطبيق: حساب "عيد القيامة" لعام 2021 لحساب ترتيب السنة بالنسبة للدورة الميتونية، نقسم السنة على 19، ونستبعد عدد الدورات الصحيحة، عام 2021 يعطينا 106 دورة ميتونية صحيحة، وترتيب السنة هو السابع في جدول الدورة التالية. ما يهمنا هنا هو: 7 يضرب ترتيب السنة (7) في فارق عدد الأيام بين السنة الشمسية و القمرية (11 يوما): 7×11=77 ثم يطرح من هذا الناتج الشهور الصحيحة (2) مضروبة في مضاعفات الرقم 30: 2×30=60 محصلة طرح الخطوتين السابقتين هو: (7×11) - (2×30) 77 - 60 = 17 إذن، أبقطي القمر: 17 لتحديد يوم ذبح الخروف: يطرح أبقطي القمر من الرقم 40 كما اسلفنا. في سنتنا هذه ناتج الطرح يعطينا أن يوم ذبح الخروف هو السبت 23 برمودة (الموافق أول مايو)، ويكون عيد القيامة هو الأحد التالي له 24 برمودة. جرجس: دلوقت يا دكتور الحسابات دي بتقول إن ذبح الخروف هو أول مايو، بس فعليا اليهود ح يحتفلوا بيه في 27 مارس، طب إزاي؟! ! العلامة: مالناش فيه يا حبيبي، يحتفلوا زي ما هم عايزين، إحنا ح نعمل عقلنا بعقلهم، هم حرين يا حبيبي. جرجس: أيوة، هم حرين، بس إحنا مش حرين، إحنا مفروض نحتفل بالقيامة في أسبوع ذبح الخروف حسب مجمع نيقية. العلامة: لا لا لا يا جرجس، نيقية قال "الحد بعد اكتمال القمر في الاعتدال الربيعي"، مجابش سيرة اليهود. جرجس: أيوة يا دكتور، مجابش سيرة اليهود لاعتبارات تانية، لكن المناقشات كلها كانت عن 14 نيسان و ذبح الخروف عند اليهود، هو مش الأبقطي دا معمول عشان نحسب ميعاد ذبح الخروف؟ لو الحساب غلط ما نشوف طريقة تانية يا عمي! ! العلامة: طريقة تانية! ! ! انت مجنون يا جرجس! ! ! إحنا كنيسة آبائية يا حبيبي، زي ما استلمناها ح نسلمها. جرجس: طيب حتي حسب كلام نيقية، الاعتدال الربيعي حصل في 21 مارس و القمر اكتمل في 27 مارس، إيه اللي يودينا لشهر مايو؟العلامة: تؤ تؤ تؤ، الاعتدال الربيعي بتاع 21 مارس دا بتاع الهراطيق، وبتاع ولاد العالم، إنما الاعتدال الربيعي بتاعنا إحنا ولاد ربنا بيحصل في 25 برمهات، ٣ ابريل يعني. جرجس : عدم المؤاخذة يعني، حد يعرف إنكم بعافية شوية؟ إحنا ح نخالف الطبيعة كمان؟(حوار مفترض بين جرجس، وأستاذ علم الأبقطي بعموم الإكليريكيات القبطية) يحتاج صديقي جرجس إلى قليل من التفكير ليعلم أن الخطأ هو الاستمرار في اعتبار يوم الاعتدال الربيعي هو يوم 25 برمهات، بينما فعليا هو يحدث قبل هذا التاريخ بخمسة عشر يوما كاملا. ولكن، دعنا نعتبر أنه يحدث أبكر بثلاثة أيام فقطونقول أنه إذا جاء التاريخ من 22 وحتى 30 يكون الاحتفال في شهر برمهات، ونطبق هذا على السنة الواردة بعاليه. سيكون موعد ذبح الخروف هو الثلاثاء 23 برمهات الموافق أول أبريل، ويكون العيد هو الأحد الموافق 4 أبريل. وهنا ستكتشف اكتشافا مذهلا، أن هذا التاريخ يتوافق مع نيقية توافقا مذهلا، حيث أن عيد الفصح اليهودي هو 27 مارس! والأغرب والأعجب أن الأحد الموافق 4 أبريل هو الميعاد الذي احتفل به الغربيون وسبحان الله ولا حول ولا قوة إلا بالله! وربما يحتاج الأمر إلى مقال ثالث لاحقا، لبيان اثر هذا التعديل على تاريخ الأعياد في عشرة أعوام. اقتراح قدمه القمص عبد المسيح المسعودي في كتابه: "التحفة البرموسية" منذ ما يقرب من مائة عام، ولا حياة لمن تنادي. --- ### اقتراب محفوف بالتربص - Published: ۲۰۲۳-۰٤-۲۸ - Modified: 2023-04-26 - URL: https://tabcm.net/11094/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: الأب متى المسكين, الحق الإلهي, قديس بولس الرسول, مفهوم الخلاص أحسب أن الاقتراب من الكتاب والكاتب أمر محفوف بالمحاذير التي شكلتها الحالة القبطية المعاشة، فيما يتعلق بالكاتب، وشكلتها الحالة الفكرية حولنا والمتوارثة فيما يتعلق بموضوع الكتاب وهو يقدم قراءة معمقة لشخصية القديس بولس الرسول، الذي يقف في بؤرة مرمى نيران من يهاجمون المسيحية. ربما كانت هذه المحاذير نفسها هي الدافع للاقتراب من هذا الكتاب، ليس رداً على أحد من الفريقين ولا الاشتباك معهم فنيران دوائرهم ليست بحاجة إلى مزيد من الحطب، وإنما محاولة لاسترداد حقنا في التعامل الموضوعي مع كلاهما لحساب ضبط بوصلة الموضوعية، في التعامل مع الكتاب والكاتب، وتوثيق محاور إيماننا. يستهل الكاتب طرحه بتمهيد يلقى نظرة عامة على حياة القديس بولس الرسول؛ حسب ما سجله كاتب سفر "أعمال الرسل" الذي أفسح لهذا الغرض غالبية سفره، ويرى الكاتب أن هذا يرجع لكون القديس لوقا ـ صاحب سفر الأعمال ـ "شاهد عِيان وزميل خدمة وأسفار" وكان "يتتبع أخباره أولاً بأول ويسجلها في ذاكرته ومذكراته، وكان يستقي أخباره دائماً من الذين عاينوها وخدموها، ويوقعها على أزمنة الملوك والحكام وسجلات الشخصيات المعاصرة، بمعنى أنه كان يوثق التاريخ بشهادات ثابتة فوق شهادته هو". المصدر الثاني الذي أعتمده الكاتب في هذا الكتاب هو رسائله، يتتبع من خلالها حياة القديس بولس فيدرك "أنه قد أوقف هو الآخر كل مواهبه وملكاته على إرساليته التي استغرق في خدمتها استغراقاً، وابتلع كل ما بقى له من عمر بعد أن تعرف إلى المسيح وآمن به". ويلتقط الكاتب أول خيط في خطة وتوجه القديس بولس من قوله "لأن المسيح لم يرسلني لأعمد بل لأبشر"، والمؤسس على قول حنانيا الذي التقى بولس عقب ظهور المسيح له في رؤيا وأمره بلقاء بولس «اذْهَبْ! لأَنَّ هذَا لِي إِنَاءٌ مُخْتَارٌ لِيَحْمِلَ اسْمِي أَمَامَ أُمَمٍ وَمُلُوكٍ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ. لأَنِّي سَأُرِيهِ كَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَلَّمَ مِنْ أَجْلِ اسْمِي»(سفر أعمال الرسل 9: 15، 16)  وحين يلتقيه يبلغه برسالة المسيح له "ستكون له شاهداً لجميع الناس بما رأيت وسمعت". وقد التزم ق. بولس بهذه المهمة التي حسبها "نعمة" من المسيح؛ "الَّذِي صِرْتُ أَنَا خَادِمًا لَهُ حَسَبَ مَوْهِبَةِ نِعْمَةِ اللهِ الْمُعْطَاةِ لِي حَسَبَ فِعْلِ قُوَّتِهِ. لِي أَنَا أَصْغَرَ جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ، أُعْطِيَتْ هذِهِ النِّعْمَةُ، أَنْ أُبَشِّرَ بَيْنَ الأُمَمِ بِغِنَى الْمَسِيحِ الَّذِي لاَ يُسْتَقْصَى"(رسالة بولس إلى أفسس 3 :7، 8) حتى إلى درجة أن يحسب عدم التزامه بالتبشير جالباً للويل. "فَوَيْلٌ لِي إِنْ كُنْتُ لاَ أُبَشِّرُ"(رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس 9: 16)  لذا كان الترحال بلا توقف هو منهج ق. بولس "ثلاثون عاماً قضاها بولس الرسول في الترحال، يضرب بعصاته فوق الطرق الوعرة، تحت رحمة اللصوص والسيول، ويمخر البحار بسفن الشراع التي مادام تكسرت به ليقضى لياليه في العمق، لم يلتقط فيها أنفاسه إلا في السجون تحت المقطرة والقيود". كانت المتاعب والآلام والشدائد عنوان إرساليته، في تَرْجَمَة حياتية لكلمات الرب يسوع وهو يحدث حنانيا عنه "لأَنِّي سَأُرِيهِ كَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَلَّمَ مِنْ أَجْلِ اسْمِي»(سفر أعمال الرسل 9: 16) وتحتشد رسائل القديس بولس بالحديث عن الألم، فيفرح به ويفتخر بل ويشتهيه ويحسبه شركة في آلام المسيح، ليس من باب التلذذ بالألم في ذاته، بل كان نزيف ضميره المجروح من جرّاءِ ما عذب به المسيحيين الذين وقعوا تحت سطوة فريسيته قبل أن يداهمه الرب في مشواره الأخير إلى دمشق. ويكشف الكاتب سر اعتزاز ق. بولس بآلامه، وهو الصليب، فصليب المسيح برأي الكاتب: "كان يسطع في قمة إدراكاته ووعيه"لأَنِّي لَمْ أَعْزِمْ أَنْ أَعْرِفَ شَيْئًا بَيْنَكُمْ إلاَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ وَإِيَّاهُ مَصْلُوبًا. "(1 كو 2:2). حتى قلب له معنى الألم والمعاناة والاضطهادات والمؤذيات، حتى الموت نفسه صار عنده مسرة وشهوة يشتهيها"(الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول "حياته"، "لاهوته"، "أعماله") ما لفت نظري في سطور تقديم الكاتب لكتابه انتباهه لهدف القديس بولس المخبئ بين سطور رسائله وكرازته، في فقرة أراها مفتاح ليس الكتاب فقط ولا حياة القديس بولس وحسب، بل هي مفتاح عمل الكنيسة ومبتغاها، دعونا نقرأها معاً غير مجزأة: "كان القديس بولس يُطوِّع لهب اللاهوت المتأجج في روحه لخدمة الخلاص وإنارة طريق الحياة أمام المؤمنين، فنراه ـ في لاهوته ـ يتألق بالروح إلى آية أو آيتين، يعود بعدها ليستغرق في التطبيق الأخلاقي، فيتحول اللاهوت إلى فضائل، يحثُ ويُعنِّف، يُرغِّب ويحذِّر، لأن عينه كانت مسلَّطة دائماً على تهذيب النفوس التي أؤتمن على خلاصها، فكلما دخل إلى العمق اللاهوتي من أوسع أبوابه، تحسبه قادماً لا محالة إلى بحث خطير، فإذ به يعود ويجرفه الحماس نحو تصحيح الأفكار وتعديل المبادئ عند الكنائس التي كانت ترتد عن الإيمان المستقيم. وهذا بحد ذاته يكشف عن الخط الفكري والروحي الأكثر تملكاً على نفسية هذا القديس، فهو معلِّم أخذ فيه روح التهذيب كل مأخذ، واستحوذ عليه روح الخلاص وتحرير عقول وقلوب وأرواح الناس. وإن لزم اللاهوت فهو لحساب النفوس المتعبة والثقيلة الأحمال، ليعيد إليها أصالتها وحريتها في الله تحت نير المسيح الهين وحِملِه الخفيف". (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول "حياته"، "لاهوته"، "أعماله") وما استوقفني هو أنه لا معنى لأي تعليم لاهوتي لا يترجم في حياة الكنيسة، الجماعة والشخوص، إلى منظومة أخلاقية معاشة كل يوم كل اليوم، معلنة المسيح حياً فينا، وإلا تحولت إلى صراعات وآبار مياه مشققة لا تضبط ماء. ويستطرد الكاتب في ضبط إيقاع كرازة ق. بولس: "ولكننا حينما نجمع شوارد لاهوتياته في رسائله معاً، فإننا نكون أمام أضخم مُعجم لاهوتي ظهر في حياة الكنيسة كلها... إن لاهوت القديس بولس قدم إيماناً مسيحياً نقياً من الخرافات والشوائب، بعيداً عن التأملات المستغرقة فيما وراء الطبيعة، وتركز في فتح وعى الإنسان المسيحي لمعرفة ذاته، وكشف حقيقة العالم الذي تحكمه حكمة الله المخفية منذ الدهور، وأعطى أعظم وأجل صورة عن الله التي استُعلِنت بكاملها في المسيح... وأرجع معرفتنا لذواتنا لمصدرها الحقيقي وهي معرفة الله حتى أعماق الله بالروح، لأننا معروفون لله، وقد اعتبر بولس الرسول هذه المعرفة أنها نعمة موهوبة"لأَنْ مَنْ مِنَ النَّاسِ يَعْرِفُ أُمُورَ الإِنْسَانِ إِلاَّ رُوحُ الإِنْسَانِ الَّذِي فِيهِ؟ هكَذَا أَيْضًا أُمُورُ اللهِ لاَ يَعْرِفُهَا أَحَدٌ إِلاَّ رُوحُ اللهِ. وَنَحْنُ لَمْ نَأْخُذْ رُوحَ الْعَالَمِ(فلسفة اليونان)،بَلِ الرُّوحَ الَّذِي مِنَ اللهِ، لِنَعْرِفَ الأَشْيَاءَ الْمَوْهُوبَةَ لَنَا مِنَ اللهِ" (1كو2: 11و12) (الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول "حياته"، "لاهوته"، "أعماله") ويشرح الكاتب العلاقة بين معرفة الإنسان لذاته وانفتاحها على معرفة الله عند ق. بولس الذي يربطهما: "بالخضوع والطاعة لله للبلوغ بالإيمان والمحبة إلى واقع وجودي حي فعَّال، فيتحصن الإنسان ضد الانجراف وراء أوهام العالم وخرافات التعاليم غير المؤسسة على الحق الإلهي"(الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول "حياته"، "لاهوته"، "أعماله") ثم يضع الكاتب يده ممسكاً بأيدينا على أهم ما قدمه لنا القديس بولس، ويرد في الوقت نفسه على من يروجون لفرية أنه أعلن قبوله الإيمان بالمسيح ليفجر المسيحية من الداخل، ويشكل مسيحية لم يأت بها المسيح، فيقول الكاتب: "إن أجلَّ خدمة صنعها القديس بولس لكنيسة المسيح، التي تذكرها له بالدموع، أنه عتقها من الناموس. ولكن لا يزال يؤلمنا حقيقة أن لاهوت بولس الرسول لا يزال يحتاج لمن يفهمه ويشرحه! ! وبولس الرسول لاهوتي على مستوى رسائل، ورسائله هي بشارة حارة تستمد حرارتها من إيمان ويقين كاتبها، يدعِّمها اللاهوت بين السطور كجواهر مرصعة"(الأب متى المسكين، القديس بولس الرسول "حياته"، "لاهوته"، "أعماله") مازال أمامنا الكثير الذي كشفه الكاتب في عقل وروح وضمير القديس بولس وهو ما نحيله لمقال مقبل. --- ### نقابة العاطلين - Published: ۲۰۲۳-۰٤-۲۷ - Modified: 2023-04-25 - URL: https://tabcm.net/11543/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون تجمعنا نحن العاطلين قهوتنا المميزة في وسط البلد، تلك التي نتخذها عنواناً مميزاً لنا لشهرتها الكبيرة، فقد اشتهرت قهوتنا - أو الـ"كوفى شوب" - مثلما يحلو للحاج صاحب القهوة أن يلقبها، بعد أن أنعم الله على ابنه بعمل في تلك الشركات الخاصة، فأصرينا نحن العاطلين على مقاطعة القهوة وصاحبها هذا الخائن العميل المدسوس، لولا أن حلف على المصحف انه تبرأ من ابنه، ومن فعلته الدنيئة بعدما ترك القضية وباعها بعد الحصول على هذا العمل، كان ابن صاحب القهوة من كبار المدافعين عن قضية البطالة، منذ أن تخرج من كلية الحقوق جامعة جنوب الوادي، منذ أحد عشر عام، وحصل على الترتيب الأول على دفعته - مثلما أقنع والده - بتقدير مقبول مع مرتبه الشرف، وهو يتخذ موقعه المميز في صدارة القهوة، ويتخذها مقراً لأحاديثه الصحفية باعتباره محامياً، كان يتحدث باستمرار عن البطالة، ويدافع عن حقوقنا نحن صغار كبار العاطلين، حتى تطور الأمر وصارت القنوات الأجنبية تأتى باستمرار وبشكل دوري للحصول على تصريحات من اسم النبي حارسه وصاينه، عن قضية البطالة وأسبابها وحلولها، حتى اصبح منافساً للحكومة نفسها، فبمجرد أن يخرج علينا وجوه السادة المسؤولين بتصريحات مليئة بالآمال، بقرب انحسار أزمة البطالة، فنتوقع هجوم صحفي في اليوم الذي يليه على قهوتنا للحصول على ردود "المتر" ابن صاحب القهوة عن مدى صدق أو كذب تصريحات السادة المسئولين، وبالرغم من أن التصريحات جميعها باتت مكررة و محفوظة سواء، كانت تصريحات الحكومة أو تصريحات الأستاذ المحامي، لكن أعداد الصحفيين لم تتناقص يوماً ما، بل العكس فقد كانت تتزايد يوماً بعد يوم، حتى أتى ذلك اليوم الذي اعتقدناه نهاية العالم، أو هكذا ظننا عندما اعلن السيد الأستاذ المحامي ابن صاحب القهوة عن إنشاءه نقابة للعاطلين، تجمع كل عاطلي مصر، تحت مظلة نقابة ومؤسسة واحدة ترعى حقوقهم، وتوفر لهم القهاوي التي سيجلسون عليها وتوفر طلباتهم من القهوة والشاي والشيشة و الطاولة والدومينو بأسعار مناسبة، وبما أن عدد العاطلين في مصر يقترب من أربعين بالمائة من تعداد المصريين، لذا توقع سيادته انه في ظرف شهور قليلة ستصبح نقابة العاطلين أقوى نقابة في مصر على الإطلاق واكثرها عدداً وأوسعها انتشاراً، مما جعل الحكومة تنتفض فجأة وتصحو من غيبتها، لترى من هذا الثورجي الذي سيحرك المياه الساكنة، ويحل مشكلة العاطلين الذين وصلت الدفعات الأكبر سناً منهم إلى عمر الخمسين عاماً أو يزيد، ولا يزالوا يبحثون عن عمل منذ أن توقفت إدارة القِوَى العاملة عن تعيين الدفعات الجديدة منذ عام 1985. وبدأت الحرب بين الحكومة وبين السيد الأستاذ الدكتور المحامي، هذا اللقب الذي اطلقه عليه والده الحاج صاحب القهوة بعدما اشتهر ابنه في الفضائيات، كعادة مصرية قديمة، أن يسبق اسم السادة المشهورين والمسئولين لقب دكتور، حتى لو كان أقصى ما أستطاع الحصول عليه هذا المسئول بعد جهد جهيد، هي شهادة دبلوم الصنايع دور نوفمبر، وتحولت قهوة العاطلين إلى ساحة قتال شبه يومي، فهو يتوعد الحكومة بإنشاء حزب للعاطلين، كخطوة ثانية بعد إنشاء النقابة، ومن ثم سيعلن ترشحه لانتخابات رئاسة الجمهورية التالية، وبما أن اكثر من 40% من الشعب ينتمى إلى حزبه الذي سينشئه - على اعتبار ما سيكون - لذا فأن فرص واحتمالات حصوله على منصب الرئاسة بات وشيكاً وشبه مؤكد، وبما انه عاطل قد الدنيا لذا سيكون الأقرب إلى شباب العاطلين والأعلم بهمومهم ومشاكلهم، والحكومة تتوعده أنها لن تستطيع أن تمسك أعصابها أكتر من كده، ويا ويله يا سواد ليله من شر الحكومة إذا غضبت، فيرد صاحبنا ده قائلاً "فى المشمش" ونجوم السما أقرب لها من أن تستطيع أن تعتقله، لان ما يقرب من نصف الشعب معه، ولو كانت الحكومة تسطيع فعل ما تهدد به لفعلته من زمان دون تهديد أو وعيد، فأرسلت الحكومة مندوبا تلو الأخر لمحاولة تهدئة الموقف المشتعل بين الطرفين دون جدوى، واستعرت المعركة و التهبت حتى بادت توشك على الانفجار. في وسط تلك المعمعة التي ضربت فيها الحكومة أخماساً في أسداس، وشعرت أنها قد "تلغوصت في الوحل"، نهض احد المسئولين الصغار في مؤسسة الرئاسة، ممن يحاول ارتقاء درجات سلم الوصولية متحيزين الفرصة لهذا، مقترحاً أحد الحلول الجهنمية البسيطة، وبالرغم من سذاجة أقتراحه الذي بدا أقرب إلى الغباء في بداية الأمر، إلا أن الفكرة راقت لهم كثيراً، وناموا ليلتها مرتاحي البال، وكثيراً من رجال الحزب أقسموا اغلظ الإيمانات أن ما فعلوه مع زوجاتهم في تلك الليلة في غرف نومهم لم يفعلوه منذ أيام الشباب، خاصة وأن الكثيرين منهم لم يستطيعوا ممارسة حياتهم الطبيعية منذ أن طفت تلك المشكلة إلى السطح. في الغد، نهض هذا المسئول الصغير متجهاً صوب قهوتنا العزيزة التي غطتها لافتات الشعارات بجميع الألوان والأحجام والأشكال، واتجه إلى الدكتور المحامي، طالباً منه أن ينتحى به خارج القهوة لثوان معدودة، ثم خرج هذا المسئول الذى لم يعد صغيراً الآن، وعلى شفتيه ملامح ابتسامة لم يستطع أن يخفيها، تلك الابتسامة التي تشابهت مع مثيلتها على وجه الأستاذ المحامي ابن صاحب القهوة، وفي اليوم الذي يليه، أنفض المولد، بحجة أن الأستاذ المتر قد وجد عملاً كمستشار قانوني في إحدى الشركات الخاصة بمرتب مغري ذو عدد من الأصفار على يمينه، ومن ثم فهو تراجع عن موقفه السابق في قضية البطالة، لأنه وجد عملاً ممتازاً كهذا، دون واسطة ولا محسوبية ولا كوسه ولا أي نوع من الخضار، ومن ثم وللأمانة فيجب عليه الاعتراف بخطأة في مهاجمة الحكومة، وأن ما فعله كان نوعاً من الافتراء على الحكومة الغلبانة، وعلى العاطلين بحث قضاياهم بأنفسهم، وبما انه قد انتفت عنه صفة العاطل فهو لن يستطيع الاستمرار في الدفاع عن قضيتهم، وبعدين هو أصلاً مش فاضي وعنده شغل الله يكون في العون، لكنه لم ينس والده الحاج الذي سعد كثيراً بما وصل إليه ولده فلذة كبده، وانه كان يخبئ أمامنا نحن العاطلين مشاعره حرصاً على مشاعرنا المرفهة، وحرصاً على زباين القهوة، لكنه لم يستطع رفض طلب أبنه بتحويل اسم القهوة إلى "كوفي شوب" بعدما أصبحت كلمة قهوة لا تتناسب و مستواه الاجتماعي، ومن هنا رجعنا نحن العاطلين إلى لعب "الدومينو" والطاولة وعدنا إلى حالنا القديم باستثناء أننا قد غيرنا محل تواجدنا من قهوة العاطلين إلى: "عواطلية" كوفي شوب. --- ### شيء له [١] - Published: ۲۰۲۳-۰٤-۲٦ - Modified: 2023-04-25 - URL: https://tabcm.net/11637/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون آمنتُ بِكَ حُباً وكفرتُ بكل المذاهب بعدك يا رجلاً تنحاز إليه جوارحي بخشوعٍ وتضرُع تتبعه كالضوء كالقداسة ويُذيب تماسكي من نبؤةِ عينيه ‏وإن كان لي رغبة بكتابة شيء فلتكن أنت ! فليكن صوتك من يطرّز بشبقه حواف أصابعي فلتكن رئاتك من تسحب شهقاتي، فلتكن ‏الآهُ من شَفتيكِ، كمراجلٍ وأنا بها حَطبُ ولتكن يداك لغتي، لغتي التي تُبقيني أتهجي نثر جنونك كطفلةٍ تعاند العمر ولا تكبر ‏لوجهك العتيق كبحر الوافد كشمس لعينيكَ المصابةِ بعاصفةِ هدوء لثغركَ المكتظّ بالصّمت لحروفكَ التي تتدافعُ لمسامعي ثمَّ ترتطمُ بجبالِ قلقك وتعود إلى أعماقِك مغشية لعبارات الحب التي تئِدها أن تُخلَق ولقلبي الذي يأبى رغم هذا الهلاك إلا أن يشعر بالانتماء إليك ‏كيف يمكن، لامرأةِ مثلي، أن تتفادى علوَّ الموجِ في رجل مثلك... وأصيرَ قَشّةً إذا كنتَ أنتَ الغرقْ ! ‏أما قبل ... كنت أراك في كل المرايا في الزوايا والطرقات و ساعات السفر ترتسم على وجه الماء تنافس قرص الشمس تجاور القمر أما بعد ... لم يتغير شيء سوى غربتي والقدر ‏ولا نبض بقلبي... إلا بين أضلعك ‏دعني أجرؤ على لمس النور في جوهرك لأنيرَ ظلمتي دعني أُقَبّلْ ثغر الناي ببطءٍ دعني أعد حلوى وأكسر مرارة وحدتي دعني أشعر بالأمان بعيداً عن حقد الزمان أتكوّر داخل نبضةٍ لا تفارق قلباً وجدت فيه منارتي دعني أقتل صمتي ولعينيكَ أرسل صوتي حياةً أنت لحنها وفراقًا لا يحين إلا بموتي. ‏إلتمسني أنا رغبتُكَ النائمةِ في حًضنِ الزمنِ الآتي... ملجأُ دفء تعاودهُ شفراتُ الصقيعِ وقطعةُ سكر وكوبٌ من الأمنياتِ ... تبخَّر. ! و لشفاهي العطشى في راحتيه قطرةُ ماءٍ كحباتِ مرمر! فكلماته دفءٌ وعيناه فءٌ وطاولة القهوة دفءٌ متى الليلُ يغفو؟ ليستيقظَ الشوقُ طفلاً... ويَكْبُر ‏حضوره ضوء قمر على سطح بحيرة أفكاري... ‏هنا أعشاش القصيد تحتضن عصافيرك بوحاً مروّعا ! هنا الحسرات لمن يشتهي ويقظة الجرح شذرات حزن لمن نزف صمتهُ أدمعا ! أحلام غير آمنة وفي الروح لها مأوىً مبتغى كأنك نقاء في أرجوحة الريح وأنا الهزيمة في جذع المنتهى --- ### خناقة كل عيد - Published: ۲۰۲۳-۰٤-۲۵ - Modified: 2023-04-24 - URL: https://tabcm.net/10950/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون - وسوم: أحوال شخصية عارف يا دكتور عمري وأنا صغير ما حسيت بليلة العيد ولا يوم العيد، بابا وماما كانوا على طول بيتخانقوا زي ما قلت لك، بس خناقات العيد كانت خناقات مميزة، خناقة فجائية، بلا سبب وبلا هدف، وكأنهم اتعودوا يتخانقوا اليوم ده فقرروا إنهم ما يقطعوش العادة، كنا نبقى قاعدين في أمان الله ونسمع صوت عالي واتهامات متبادلة. أمي كانت ست طيبة باباها اتوفى قبل ما تتزوج أبويا بشهور قليلة، لكن جدتي -أمها- وعمامها أصروا إنهم ما يأجلوش الزواج، وإن كل حاجة تحصل في ميعادها. يمكن ده كان له أثر على ماما، أو يمكن ده خلالها تفضل حاسة بالذنب طول عمرها. مش عارف، كانت عاوزة أبويا يبقى نسخة طبق الأصل من أبوها، على الرغم إني عرفت أن لما جدي كان عايش كانت أمي برضه دائمة الخلاف والخناق معاه، لكن ده ممنعهاش إنها طول الوقت كانت تقارن ما بين أبويا وأبوها، في الوقت اللي كان فيه أبويا شخصية مختلفة جدًا وكان مستحيل يكون الشخص اللي هي عاوزاه. أبويا كان شخص مثالي جدًا بس وهو بعيد عن أمي، وأمي كمان كانت شخصية مثالية جدًا بس وهي بعيد عن أبويا، أكبر غلطة كل واحد فيهم عملها في حق نفسه وفي حقنا إنهم اتجوزوا بعض، المشكلة إنهم ما دفعوش ضريبة غلطتهم لوحدهم، لكن مرغمين ودون إرادة دفعنا معاهم الضريبة ديه. عمري في حياتي أنا وإخواتي ما دقنا فرحة العيد، زعيق وخناق وصراخ وبكاء، واتهامات متبادلة، وكل واحد يلعن اليوم اللي شاف التاني فيه، عيد ورا عيد ونفس المشهد بيعيد نفسه لحد ما أبويا قرر يسيبنا ويمشي، كان دائما بيهدد إنه هيمشي بس مكناش فاهمين إن فكرة الرحيل فكرة جدية مش مجرد تهديد. الغريب إنه بعد ما مشي ولا هو عاش مرتاح، ولا هي بقت مبسوطة، ولا إحنا كنا مبسوطين، ويعدي علينا العيد من غير عيلة، ومن غير فرحة زي كل عيد، هو حزين وهي بتبكي واحنا اتكتب علينا إرث ماختارنهوش، ما سبوش لينا اختيار غير إننا نكرههم هما الاتنين، رغم إننا كنا عارفين إنهم ضحايا قرار غلط وغير مدروس أخدوه في لحظة طيش أو عدم نضج، بس كرهناهم لأنهم دفعونا معاهم الثمن واحنا ملناش ذنب. لحد ما في ليلة عيد أبويا مات من الحزن، محدش عارف انتحر ولا مات موتة ربنا، ومحدش اهتم يعرف، الغريب يا دكتور إن أمي فضلت تبكي على موته ورغم كده أصرت إنها ما تروحش ولا الدفنة ولا العزا، وكانت تقول للناس اللي سابنا نتبهدل وهو حي ما نمشيش وراه وهو ميت، كانت عاوزة تبان قدام الناس إنها قوية، لكن كلنا كنا عارفين إن مكنش عندها حاجة قوية غير صوتها العالي لكن هي من جوه ضعيفة وهشة وبتتحامى في صوتها. كانت دموعه تنسال على وجنتيه منذ أن بدأ يسترجع معي ذكرياته، ولكنه عندما وصل إلى هذه النقطة أجهش في البكاء. لم أجد نفسي إلا وأنا أجذبه إلى حضني وأربت عليه، وأستعيد قصصًا كثيرة مماثلة مرت عليّ، وفي كل مرة كنت أتسأل: لماذا يخطئ أولئك ويجني ثمار أخطائهم هؤلاء الأبرياء فيتأذوا نفسيًا وتتشوه لديهم معان من المفترض أنها جيدة، بل ومن المفترض أنها هي التي تعطي معنى للحياة، كنت دائمًا أتسأل ولا انتظر إجابة، ربما لأني أعرفها من كثرة تكرارها في القصص المتشابهة. --- ### الابن الوفي "وان" - Published: ۲۰۲۳-۰٤-۲٤ - Modified: 2023-04-24 - URL: https://tabcm.net/11633/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون رن تليفون البيت: "السيد "وان"، لقد تم قبولك في المدرسة كمدرس، فهنيئاً لك ومرحباً". "شكراً، سيدتي". "وان" هو الابن الوحيد لأمه البالغة من العمر سبعون عاماً، وقد تعوَّد أن يرعاها في كل أمور الحياة. كانت الفصول الدراسية في هذه القرية الصينية، قليلة العدد، لأن القرية كان تعداد سكانها قليلاً. في كل صباح يأخذ "وان" أمه معه إلى المدرسة، ويُجلِسها في أخر الصفوف، في أثناء أدائه الحصص الدراسية. كان ذلك في بداية الفصل الدراسي. ولكن بعد مرور أسابيع قليلة بدأ أهالي الطلاب يشتكون إن أبنائهم يقل تركيزهم في الدراسة في تلك الظروف. فبعضهم كتب إلى ناظر المدرسة يشتكي من أن المدرس يُحضر أمه معه إلى الفصل. - "سيد وان، إننا نحتاج إلى أن نتحدث قليلاً، فاتبعني إلى المكتب" - "حالاً سيدي" ذهب الناظر إلى مكتبه ولحقه السيد وان بعد قليل وكانت معه والدته، فأجلسها قرب باب الناظر ودخل إليه يتحدث معه. -  "سيد وان، لقد اشتكى بعض أهالي التلاميذ إن تركيز أبنائهم ليس كالمعتاد، وذلك لانصراف ذهنهم وتركيزهم عن الدراسة، بسبب وجود والدتك في الفصل. فهلا أعلمتني السبب في إحضارها إلى المدرسة؟" - "إن والدتي مصابة بمرض ألزهايمر! " - "يمكننا أن نأتي لها بمن يرعاها في البيت" - "إنها والدتي ولا يستطيع أحد أن يرعاها مثلما أرعاها أنا" ثم نظر إلى خارج الغرفة فلم يجد والدته. فاستأذن الناظر ليبحث عن أمه، فلم يجدها. فبدأ يناديها: "أماه، أماه"؛ ولكن لم يكن من مجيب. سمع التلاميذ ذلك فهرعوا إلى نجدته، وانتشروا في كل مكان في المدرسة يبحثون عن أم مدرسهم المحبوب "وان". ولكن لم يكن هناك أحد في المدرسة. أحد الطلاب كان عائداً مع والدته إلى بيتهم فرأى والدة "وان" تسير في الطريق، فأشار إلى أمه بأن تقف، ثم نزل إلى والدة وان وقال لها: "أماه، إلى أين تذهبين؟" أما هي فقد بقيت صامتة تحملق في وجه الولد. لم تمر دقائق معدودة حتى سمعوا المدرس وان قادماً. وحين وصل أمام والدته سألته: "لماذا يا ابني لم تذهب إلى المدرسة؟" لم تنس والدته، بالرغم من مرضها، أن ابنها يعمل مدرس في مدرسة ولكنها نسيت أنها كانت معه منذ فترة قصيرة. أما ابنها السيد وان، فقد أشفق عليها واحتضنها وهو يُخفي دموعه عنها. أما الناظر فقد احتاج الأمر أن يستدعي أهالي الطلبة ويجتمع معهم، ثم قال لهم: "أعزائي، لقد وصلتني شكاواكم وأود أن تعرفوا أن والدة السيد "وان" لديها مرض ألزهايمر وهو ما يعني أنها تحتاج إلى عناية تامة من ابنها الوحيد السيد "وان"، وهو مدرس نابه ذكي، استطاع أن يكسب محبة التلاميذ كلهم، وهم يحبونه". ثم رفع ورقة بها كشف بأسماء الأهالي وقال: "فمن كان منكم يقترح علينا أن نفصل السيد وان ونستبدله بمدرس آخر فليكتب اسمه في هذه الورقة". ثم ترك الورقة أمامهم وانصرف. ثم عاد ليأخذ الورقة فوجدها فارغة إلا من عبارة واحدة كتبوها: "إننا فخورون بالمدرس "وان" وهو مثال جيد للمدرس الأمين في عمله وفي إخلاصه لوالديه، وهو خير نموذج لأبنائنا الطلاب. وقد لاحظنا تغيُّر سلوك أبنائنا إلى الأفضل منذ بدأ السيد وان في تدريس أبنائنا. " عندما وجد الناظر هذا الرد من أهالي الطلاب، أخذ الورقة وذهب إلى بيت المدرس وان. وعندما قابله احتضنه وقال له: - "مرحباً بك سيد وان! إنني فخور بعملك واهتمامك ورعايتك لوالدتك! فليباركك الرب! " - "سيدي الناظر، إن هذا هو ما تعلمته من والدي ووالدتي منذ نعومة أظفاري" فأحسنوا إلى من تحبون، فإن الشوق بعد الموت أمرٌ لا يُطاق، هكذا قال بعضهم. والإحسان إلى الوالدين ليس فقط جيد؛ بل هو واجب مقدس. --- ### موقف الله من سقوط الإنسان - Published: ۲۰۲۳-۰٤-۲۳ - Modified: 2023-04-20 - URL: https://tabcm.net/11541/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: تدبير الخلاص خلق الله الإنسان قديساً علي صورة الله في القداسة لكي يمكن أن تكون بينهما علاقة شركة بين القدوس والقديسين. ولما أخطأ الإنسان، انفصمت الشركة. وكانت النتيجة أن رزح الإنسان في طبيعة ساقطة تفعل الشر حتي لو أشتاق أن يفعل الخير ليرجع إلي الله القدوس. فالرجوع إلي الله ممتنع لأن طبيعة الإنسان دخلها الشر الذي نهايته الموت والعدم / الفساد. هناك طريقان للتعامل مع سقوط الإنسان : أن يصرف الله النظر عن الإنسان ”آدم وحواء“ الذي خلقه وسقط، ويتركه للمصير الذي أختاره ولا يمكنه النجاة منه حتي بالتوبة، لأن النجاة تستلزم تغيير طبيعة الإنسان التي سقطت. فتغيير الطبيعة ليس مجرد أمر بل عمل خلق ليس في مقدور أنسان بل هو تدبير الخالق الذي صنع الإنسان. ولو سمح الله بهذا الطريق - ونشكر الله أنه لم يسمح به - كان الإنسان سيصل به الحال أن يعود إلي العدم الذي خُلِقَ منه الإنسان ، والذي يُشار إليه في الكتاب بتعبير ”الفساد“، وعادةً يأتي ذكر الموت ويليه الفساد. لأن بعد الموت يكون العدم أي الفساد. وعلى الرغْم من أن الله تبارك أسمه لم يختر هذا الطريق من جهة مصير الإنسان الخاطي، إلا أن شهود يهوه يؤمنون بأن مصير الخطاة هو العدم والتلاشي وليس هناك بقاء مستمر للخطاة، ومن ثَمَّ لا يوجد حساب بعد الانتقال من الحياة الدنيا بل تلاشي للأشرار أي العدم. ولكن الله تبارك أسمه أختار طريقاً آخر لأنه يحب الإنسان ”هكذا أحب الله العالم حتي بذل أبنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية“. الله لم يتخل عن الإنسان الذي أحبه فخلقه بل قرر أن ينقذه من مصير العدم والفساد الذي وصل إليه عندما وقع في غواية الشيطان / الحية القديمة ومن ثمَّة دخله الشر/ الخطية وطبيعة الموت. ويشير الكتاب إلي هذه الحالة بتعبير ”موت الخطية“. لهذا نسمي عمل الله من جهة سقوط أدم أنه ”تدبير الخلاص“، بينما كان عمل الإنسان بغواية الشيطان وسقوطه هو ”تدبير الموت“ موت الخطية. إن الله هو كيان له وجود مطلق ونشير إلي هذا الوجود بالحياة الأبدية. وبالتالي فإن الحياة المخلوقة هي أمتداد للحياة الخالقة ينتج عنه وجود وتظهر له فعاليات وليس العكس. فالحياة والوجود والخلق ليس مجرد أمر من فم الله بل أنسكاب وجود من كيان الله. ولقد تكلمنا في مقالات سابقة عن وجود لله في الخليقة الغير عاقلة وأنه سبب أستمرارها بل وكان سابقاً لخلق الإنسان وسابقاً للتجسد الإلهي. فهذا يقودنا إلي الفهم الصحيح أن الخلق يستلزم وجود الخالق وليس أمراً يتم عن بُعد ويقوم به ملاك أو مندوب عن الله. إن فعل/ تدبير خلق الإنسان كان أنسكاباً لحياة الله وتمثَّل هذا في تعبير الكتاب أن الله نفخ في أنف آدم نسمة حياة فصار آدم نفساً حية (سفر التكوين). ومكتوب أيضاً أن الله خلق الإنسان علي صورة الله. و أن ابن الله هو صورة الله ورسم جوهره. وبالتالي فإن قرار الله بتجديد الطبيعة الساقطة للإنسان لا يتم إلا علي الأصل Prototype الذي خُلِقَ عليه الإنسان أولاً. لذلك كان من الضروري أن يتجسد المسيح ابن الله لكي تتجدد علي صورته الخليقة الجديدة للإنسان. ومن هنا كان تعبير الكتاب أن المسيح ابن الله هو ”الإنسان الثاني“ أو ”أبن الإنسان“ بينما أشار الكتاب لآدم بأنه ”الإنسان الأول“. والسُبح لله. بقلم د. رءوف أدوارد --- ### سيدنا مار أبقطي - Published: ۲۰۲۳-۰٤-۲۲ - Modified: 2023-10-11 - URL: https://tabcm.net/11152/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, تاريخ وميثولوچيا - وسوم: التقويم العبري, التقويم القبطي, التقويم القمري, الفصح اليهودي, الكنائس الأرثوذكسية, الكنيسة الجامعة, الكنيسة الكاثوليكية, النور المقدس, بطليموس الفرماوي, جايوس فلاڤيوس ڤاليريوس أوريلوس قسطنطينوس, حساب الأبقطي, عيد القيامة, عيد الميلاد, غريغوريوس الكبير, كنيسة الإسكندرية, مجمع خلقيدونية, مجمع نيقية يحتل "حساب الأبقطي" مكانة بارزة في الوجدان الشعبي القبطي، باعتباره الحساب الذي صيغ محليًا لتحديد توقيت عيد القيامة سنويًا، دون الاعتماد على معرفة موعد الفصح اليهودي من اليهود أنفسهم، والذين كانوا يعتمدون وقتئذ على الرصد الفلكي لتحديد بدايات الشهور والسنوات والأعياد، أي أنها كانت تحدد سنة بسنة. ومن ثم يقال إن قسطنطين الكبير أصدر رسالة إلي كل الكنائس المجتمعة في "نيقية" للاعتماد على كنيسة الإسكندرية في تحديد توقيت عيد القيامة سنويًا. والسؤال هنا: هل لا زال هذا الحساب صالحا للاستخدام؟ والسؤال الأكثر أهمية، هل لا زال هناك ضرورة لاستخدامه؟ لنحاول الإجابة معًا على هذه الأسئلة. الإشكالية والحاجة إلى حساب التقويم العبري هو تقويم قمري يعاد تصحيحه ليماثل السنة الشمسية، ليحتفظ بمواسم الأعياد كما هي سنويًا، وهو غير التقويم القمري الهجري، الذي لا يهتم متي يأتي عيد الفطر مثلا صيفًا أو شتاءً، تأتي الأعياد اليهودية في نفس الموسم سنويًا، حيث إن الفارق بين السنة القمرية والسنة الشمسية هو أحد عشر يومًا تقريبًا (الشمسية أطول)، فيتم التصحيح بألية معقدة للغاية، تضيف شهرا كاملًا كل ثلاث سنوات (أحيانا سنتين فقط)، ويكون نتاج ذلك إن أي سنة عبرية تكون واحدة من ست سنوات مختلفة في الطول. كان العالم المسيحي كله يستعمل التقويم اليولياني الشقيق، والمطابق للتقويم القبطي (نفس الطول وطريقة التصحيح). فإذا أردت تحديد التاريخ اليولياني/ القبطي الموافق لتاريخ ما في التقويم العبري (14 نيسان مثلًا) يلزم طريقة حساب تأخذ في الاعتبار طريقة تصحيح التقويم العبري. حساب الأبقطي صيغ حساب الأبقطي في القرن الثاني في حبرية البابا ديميتريوس الكرام، صاغه فلكي مصري اسمه "بطليموس الفرماوي"، كان فلكيا بارعًا واعتمد على فكرة حسابية هي اختيار عدد من السنوات (تشكل دورة تكرارية) يكون عدد الأيام الإجمالي فيهم متطابق في كلا التقويمين (أو الفارق أقل ما يمكن)، و كان سبقه لنفس الفكرة فلكي اسمه "ميتون" عام 432 ق. م، وصاغ ما يسمى "دورة ميتون" و كان عدد السنوات لهذه الدورة 19 سنة، و الفارق بين التقويمين في إجمالي الدورة 3 أيام. استغل بطليموس دورة ميتون لصياغة خطوات حسابية تستطيع منها تحديد التاريخ القبطي/ اليولياني المقابل لتاريخ عبري، وفي حالتنا كان التاريخ الهام هو 14 نيسان، ميعاد ذبح خروف الفصح وصلب المسيح، لم يكن الحساب دقيقًا تمامًا لاعتماده على فرضيتين غير دقيقتين: الأولى: إن السنة الشمسية 365 يومًا، وهي ليست كذلك على وجه الدقة. الثانية: إن السنة العبرية إحدى سنتين فقط، بسيطة 354 يومًا، و كبيسة 384 يومًا. بينما الواقع إن لكل تفريعة منهما هناك ثلاث سنوات متفاوتة الطول. الخلاف التاريخي على موعد عيد القيامة نشأ خلاف بين كراسي الكنيسة الجامعة على تحديد الاحتفال بعيد القيامة. الجميع احترم ارتباط توقيت صلب المسيح بتوقيت ذبح خروف الفصح اليهودي الموافق حصرا 14 نيسان في السنة العبرية، البعض كان يحتفل بالصلب في يوم ذبح الخروف دون اشتراط أن يوافق يوم "الجمعة"، فقط الالتزام بتاريخ 14 نيسان. بينما البعض اﻵخر (الإسكندرية وروما وآخرين) اشترطوا أن يكون الاحتفال بالصلب يوم "الجمعة"، فإن لم يوافق 14 نيسان يوم الجمعة، يتم الاحتفال بالصلب يوم الجمعة التالي لتاريخ 14 نيسان. أثار اختلاف موعد الاحتفال استياء وحفيظة الجميع، حتى السلطة الحاكمة ممثلة في الإمبراطور قسطنطين الكبير، فكان القرار أن يكون بحث تحديد موعد الاحتفال بعيد القيامة هو أحد مهام مجمع نيقية المنعقد عام 325م. قاعدة مجمع نيقية لتحديد عيد القيامة اتفق الآباء المجتمعون في نيقية على تحديد قاعدة تحديد عيد القيامة كالآتي: "عيد القيامة هو الأحد التالي للقمر المكتمل في الاعتدال الربيعي"، القمر المكتمل في الاعتدال الربيعي هو "قمر 14" نيسان بالتقويم العبري، وهو تاريخ ذبح خروف الفصح وصلب المسيح كما ذكرت سلفا. ولضرورة تحديد الأصوام والمناسبات المرتبطة بالقيامة مبكرًا، تم الاتفاق علي أن يصدر بابا الإسكندرية رسالة سنوية بتحديد ميعاد عيد القيامة، يرسلها لباقي الكنائس اعتمادًا على حساب الأبقطي. لا نعلم يقينا المدة التي استمر فيها هذا التقليد إلا أن هناك حدثان مهمان ساهما في أفول هذا التقليد، الأول هو خَشْيَة الحاخامات اليهود من عدم التنسيق بين مجموعات اليهود في الشتات في تحديد الأعياد اعتمادًا على الرصد الفلكي، فتقرر عام 359م إعداد جداول للتقويم العبري محدد بها تواريخ الأعياد للسنين المقبلة، فأصبح معلومًا قبلًا توقيت "ذبح الخروف" للسنين المقبلة، وتقريبًا انعدمت الحاجة لحساب الأبقطي. أما الثاني هو انعقاد مجمع خلقيدونية سنة 451م وما نتج عنه من انشقاق، وتقوقع كنيسة الإسكندرية. الموقف الكنسي الحالي لتحديد عيد القيامة لا توجد كنيسة رسولية تلتزم التزامًا تاما بقاعدة مجمع نيقية ولنستعرض معا موقف كل كنيسة: الكنيسة الكاثوليكية: التقويم المستخدم: الجريجوري (اليولياني بعد التعديل في 1582م)تلتزم الكنيسة الكاثوليكية بنص قاعدة نيقية وليس بروحها، كانت قاعدة نيقية أغفلت ذكر "14 نيسان"، واستعاضت عنها بعبارة "القمر المكتمل في الاعتدال الربيعي" لاعتبارات تتعلق بالعلاقات السيئة باليهود وقتها،  فإن اكتمل القمر في الفترة بين 21 مارس (الاعتدال الربيعي الجريجوري) و14 نيسان في الروزنامة العبرية، طبق نص قاعدة نيقية، ويأتي عيد القيامة في هذه الحالة قبل الفصح اليهودي، و هو مأخذ كبير على الكنيسة الكاثوليكية، وإن كانت هذه الحالة نادرة الحدوث. عدا هذا فالكنيسة الكاثوليكية هي أدق الجميع تطبيقًا لقاعدة مجمع نيقية، ويأتي عيد القيامة دائمًا متزامنًا مع الفصح اليهودي. الكنائس الأرثوذكسية: التقويم المستخدم: اليولياني- القبطي. في تقديري الشخصي إن الكنائس الأرثوذكسية -بشقيها الخلقيدوني وغير الخلقيدوني- تضرب عرض الحائط بقاعدة نيقية لأسباب مختلفة عند كليهما، يتصادف بعض الأحيان أن يأتي موعد القيامة صحيحًا مصادفة وفي أحوال نادرة، والأصل أن يأتي العيد مرحلا أسبوعًا، أو خمس أسابيع كاملة، والسبب هو استخدام تقاويم قديمة غير محدثة تراكم الخطأ فيها على مر السنين، واستخدام طريقة حساب غير دقيقة لم تعد لها ضرورة الآن بعد أن أصبح موعد الفصح اليهودي محددًا ومعروفًا سلفا حتى يرث الله الأرض ومن عليها. فالكنيسة الخلقيدونية التي تستعمل 90% من شعوبها التقويم الجريجوري في الاحتفال بعيد الميلاد، تأبى بكاملها إﻻ أن تستخدم التقويم اليولياني في تحديد موعد عيد القيامة، لغرض في نفس يعقوب، وتتبعها في هذا الكنائس غير الخلقيدونية ومنها كنيستنا. هناك حالتان: الأولى: أن يكتمل القمر بعد تاريخ 21 مارس بالتقويم اليولياني/ 25 برمهات بالتقويم القبطي/ 3 أبريل بالتقويم الجريجوري، وفي هذه الحالة إما أن يأتي العيد صحيحًا أو مرحلا أسبوعًا بسبب فروقات حساب الأبقطي. الثانية: أن يكتمل القمر في الفترة من 21 مارس (الاعتدال الربيعي الصحيح) حتى 3 أبريل بالتوقيت الجريجور ي، وفي هذه الحالة فطبقا للتقويم اليولياني والقبطي لم يحدث الاعتدال الربيعي بعد (على خلاف الحقيقة) فننتظر القمر الذي يليه، مما يتسبب في ترحيل العيد خمسة أسابيع كاملة، والسؤال الذي يثير الريبة هنا: من قرر أن موعد الاعتدال الربيعي هو 21 مارس بالتوقيت اليولياني/ 25 برمهات بالتوقيت القبطي؟ لا أذكر أن هذا التحديد قد ورد بأحد المجامع المسكونية. لماذا تتمسك الكنائس الخلقيدونية -تحديدا- بهذه الطريقة في تحديد موعد العيد؟ في تقديري الشخصي الرغبة في الانفراد بانبثاق النور المقدس في الموعد الذي يحددونه دون باقي الكنائس لما في هذا من أفضلية مفترضة. الخلاصة: + تحديد موعد عيد القيامة طبقا لروح قاعدة نيقية أمر في منتهى اليسر والسهولة، و لكنه لا يلقى اهتمامًا ولا قبولًا من أصحاب القرار في جميع الكنائس. + لا أرى أملا قريبًا في التقارب حتى في موضوع بسيط مثل هذا، يوجد به قرار مجمعي مسكوني. والأمر يحتاج إلى تدخل إلهي. (جدول مقارنة لمواقيت الفصح وعيد القيامة الغربي والشرقي) --- ### الباباوان، فرنسيس وتواضروس، يلتقيان من جديد - Published: ۲۰۲۳-۰٤-۲۱ - Modified: 2025-02-03 - URL: https://tabcm.net/11600/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, شئون علمانية - وسوم: أوسرفاتوري رومانو, إبراهيم إسحق, الخطاب الديني, الزواج المختلط, الكنيسة الجامعة, الكنيسة القبطية, المجمع الفاتيكاني الثاني, المجمع المقدس, بابا بنديكتوس السادس عشر, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, بابا فرنسيس، بابا الڤاتيكان, بابا كيرلس السادس, بولس السادس, تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش), فاتيكان نيوز, فرانس برس, ڤاتيكان, قديس أثناسيوس الرسولي, كاثوليكوس كاريكين الثاني, كردينال إبراهيم اسحق, كريستولوچي, مجمع خلقيدونية, يوم الصداقة القبطية الكاثوليكية البابا تواضروس الثاني، سيزور روما في الفترة من 9 إلى 14 مايو 2023 بعد عشر سنوات من لقائه مع البابا فرنسيس، وبعد خمسين عامًا من الاجتماع الأول بين الفاتيكان والكنيسة القبطية، أيضا سيكون البابا تواضروس الثاني خلال الاستقبال العام في ساحة القديس بطرس. وبعد ذلك سيحتفل زعيم أكثر من سبعة عشر مليون  قبطي أرثوذكسي في مصر، بالقداس الإلهي في بازيليك القديس يوحنا. وستكون هذه هي المرة الأولى التي يقود الصلاة في القصر الفاتيكاني شخص غير كاثوليكي، لتعزيز الوحدة المسيحية ينضم بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، البابا تواضروس الثاني، إلى بابا الفاتيكان، وبطريرك الكنيسة الجامعة الكاثوليكية، البابا فرنسيس، ويلقي كلمة أمام الجمهور المسيحي العالمي في اليوم العاشر من شهر أيار / مايو القادم. بالإضافة إلى التحدث مع العالم، سيحتفل تواضروس الثاني أيضًا بالقداس الإلهي في الكنيسة الملكية للقديس يوحنا لاتيران، وهو حدث يعد الأول من نوعه لغير الكاثوليك. (وكالات: فاتيكان نيوز | فرانس برس | أوسرفاتوري رومانو) باﻷمس، تناولت وكالات اﻷنباء الدولية أخبارًا عن ​​أن بطريرك الإسكندرية للأقباط الأرثوذكس، البابا تواضروس الثاني، سيزور روما في الفترة من 9 إلى 14 أيار/مايو 2023. بعد عشر سنوات من لقائه مع البابا فرنسيس، وبعد خمسين عامًا من الاجتماع الأول بين الفاتيكان والكنيسة القبطية، أيضا سيكون البابا تواضروس الثاني خلال الاستقبال العام يوم الأربعاء 10 مايو في ساحة القديس بطرس. وبعد ذلك، يوم الأحد 14 مايو، سيحتفل زعيم أكثر من سبعة عشر مليون  قبطي أرثوذكسي في مصر، بالقداس الإلهي في بازيليك القديس يوحنا، لاتران. وستكون هذه هي المرة الأولى التي يقود الصلاة في القصر الفاتيكاني شخص غير كاثوليكي، لتعزيز الوحدة المسيحية. لماذا يذهب البابا تواضروس إلى روما؟ ولماذا أتى البابا فرنسيس إلى مصر؟ بعد انفصال كنيسة الأقباط عن الكنيسة الأم عقب مجمع خلقيدونية، استغرق الحنين لعودة العلاقات ما يقرب من خمسة عشر قرنًا من القطيعة. بدأ الجليد في الذوبان مع المجمع الفاتيكاني الثاني، حيث كان المراقبون الأقباط حاضرين. في عام 1968، وجه قداسة البابا كيرلس السادس دعوة لقداسة البابا بولس السادس، لزيارة القاهرة والمشاركة في افتتاح الكاتدرائية الجديدة. لم يتمكن البابا بولس السادس من الحضور، لكنه في تلك المناسبة أعاد رفات القديس مرقس التي أخذها تجار البندقية من الأقباط في القرن التاسع. كانت هذه اللفتة إيذانًا بعصر جديد في العلاقة بين الكنيستين. في عام 1973، وخلال احتفال الفاتيكان بمرور 1600 عام على وفاة القديس أثناسيوس الرسولي السكندري، دعا البابا بولس السادس الأنبا الشاب شنودة إلى روما. وخلال هذه الاحتفالية وقّعا سوية اتفاقية كريستولوچية وضعت حدًا للجدل الذي نشأ حول مجمع خلقيدونية، والذي أدى إلى قطيعة بين روما والعديد من الكنائس الشرقية، بما في ذلك كنيسة الأقباط. وأكد هذا الإعلان المشترك عام 1973 أن المؤمنين يشاركون بالفعل في نفس الإيمان بالمسيح، الإله الحقيقي والإنسان الحقيقي. وتحولت هذه الاتفاقية التاريخية إلى نموذج للكنائس الأخرى: السريانية، والأرمنية، والهندية، وغيرها. تواضروس الثاني، الذي انتُخب وجُلّس في عام 2012، اختار بالفعل في أول رحلة له خارج مصر أن يلتقي بالبابا فرنسيس الذي انتُخب أيضًا حديثًا في عام 2013. وفي هذه الرحلة، احتفلا معًا بالذكرى الأربعين للقاء الشهير بين سلفيهما، البابا بولس السادس والبابا شنودة الثالث، واتفقا حينئذٍ على أن يكون يوم العاشر من مايو هو يوم الصداقة القبطية الكاثوليكية الذي يُحتفل به منذ ذلك الحين كل عام من خلال تبادل الرسائل الشخصية بينهما. في عام 2017، ذهب فرنسيس إلى القاهرة ليوقع مع تواضروس الثاني وثيقة مشتركة ذات نبرة رعوية. كان أحد التحديات التي واجهت كليهما هو الاتفاق على مسألة الاعتراف بالمعمودية، لا سيما في حالة الزواج المختلط. وأكد الإعلان أن الكنيستين ستفعلان كل ما في وسعهما كيلا تصلان إلى درجة إعادة معمودية المؤمنين. لكن، وباعتراف الجميع، لم يكن هناك إعلان مشترك. في العاشر من مايو، سنحتفل بالذكرى الخمسين للاجتماع الأول بين بابا الفاتيكان وبطريرك قبطي أرثوذكسي... ستمر أيضًا عشر سنوات منذ قدوم البطريرك تواضروس الثاني إلى الفاتيكان... لذلك سنحتفل بذكرى مزدوجة. (الأب هانزي ديستيفيل الدومنيكي، عضو المكتب الفاتيكاني لتعزيز الوحدة المسيحية)   كيف ستكون زيارة تواضروس القادمة إلى الفاتيكان؟ في عام 2008، أحضر بابا الفاتيكان: بنديكتوس السادس عشر، بطريرك الأرمن: الكاثوليكوس كاريكين الثاني، خلال لقاء مشترك، لكن الأخير لم يتكلم. أما في هذه المرة، سيتحدث تواضروس الثاني. يصادف يوم العاشر من مايو أن يكون يوم الأربعاء، وهو يوم الجمهور العام للقاء البابا فرنسيس في ساحة القديس بطرس. لذلك، سيكون البطريرك تواضروس الثاني حاضرًا إلى جانب البابا فرنسيس في ساحة القديس بطرس، وسيُلقي كلمة أمام العامة. سيكون الأول في ذلك. في اليوم التالي، يستقبل بابا الفاتيكان البطريرك المصري في لقاء خاص مع وفده ، ثم تُتبادل الكلمات المشتركة. قد يبرز موضوع "مسكونية الدم" حيث غالبًا ما يُطلق على الكنيسة القبطية اسم: أمّ الشهداء، وقد تُستحضر ذكرى الشهداء الأقباط الذين اغتالهم تنظيم الدولة الإسلامية في ليبيا عام 2015. ثم يقضي قائدا الكنيستين فترة للصلاة في كنيسة الفاتيكان. "سيكون الأحد ١٤ مايو يومًا تاريخيًا أيضًا، حيث سيحتفل البطريرك بقداس للمؤمنين الأقباط في بازيليك القديس يوحنا اللاتيران. ستكون هذه هي المرة الأولى التي يحتفل فيها شخص غير كاثوليكي في كاتدرائية البابا. أعتقد أن البازيليكا ستكون ممتلئة، لأن هناك شتات قبطي كبير جدًا وديناميكي في منطقة روما وفي إيطاليا، ربما ١٠٠،٠٠٠ مؤمن قبطي" (الأب هانزي ديستيفيل الدومنيكي، عضو المكتب الفاتيكاني لتعزيز الوحدة المسيحية)   في مصر، هل العلاقات بين الأرثوذكس والكاثوليك إيجابية؟ لقد فعل البابا تواضروس الثاني الكثير من أجل العلاقات المسيحية في مصر في بداية تولّيه الكرازة المرقسية. فعلى سبيل المثال، أسس تواضروس مجلسًا مسكونيًا للكنائس برئاسة دورية. وقد كان حاضرًا عند تتويج الكردينال الكاثوليكي إبراهيم إسحق في عام 2013، وهو أمر لم يحدث من قبل. وهذا يدل على انفتاحه على الأقباط الكاثوليك الذين يشكلون أقلية داخل الأقلية القبطية في مصر. تبوء معظم جهود البابا تواضروس الثاني في تعزيز الوحدة المسيحية بالفشل، وذلك لأن معاونيه من أساقفة العموم هم من اختيارات سلفه الراحل، البابا شنودة الثالث، الذي كان يتبنى نهجًا مزدوج الخطاب الديني بين الداخل والخارج. ففي حين كان الأسقف الشاب الأنبا شنودة هو المؤسس اللاهوتي للصيغة الكريستولوچية المتفق عليها بين الشرق والغرب، إلا أنه عزز التراث القومي المحلي في العزل الاجتماعي للأقباط الأرثوذكس، ورفض تمامًا السماح الكنسي بالمصاهرة مع غير الأقباط. ولا يزال هذا العزل الاجتماعي سائدًا منذ القرن التاسع عشر، بشكل يجعل المسيحيين الأرثوذكس غير مُصرح لهم بالزواج من الكاثوليك، باعتبارهم: غير مُعمّدين. --- ### كتاب "بولس الرسول" للأب متى المسكين - Published: ۲۰۲۳-۰٤-۲۱ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/11091/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: الأب متى المسكين, الكنيسة الجامعة, قديس بولس الرسول نبدأ معًا عرض كتاب (القديس بولس الرسول ـ حياته * لاهوته * أعماله) للأب متى المسكين. وهو كتاب يقع في ما يقرب من ثمانمائة صفحة. من القطع الكبير. صدرت طبعته الأولى عام 1992. يعتمد في طرحه على مصدرين: ــ أولهما الكتاب المقدس وبالأكثر سفر أعمال الرسل ومجموعة رسائل القديس بولس إلى الكنائس وإلى تلاميذه، فضلًا عن العديد من النصوص الكتابية في أسفار أخرى من العهدين القديم والجديد. ــ وثانيهما كتابات آباء الكنيسة من مختلف العصور خاصة آباء الكنيسة الجامعة قبل الانقسام. حتى نلتقى أود أن نقرأ معًا السطور الأخيرة التي اختتم بها الكاتب هذا السفر التي جاءت تحت عنوان: بولس الرسول وعَالم اليوم إن "حياة بولس" الرسول التي حازت بأعمالها وأخلاقها برهان حصوله على اتحاد قلبي وروحي وفكري بالمسيح واختبار وجوده حيًا مصلوبًا وقائمًا من الموت وناظرًا من السماء، سجَّلت للعالم بل وسلَّمته باليد كلًا من مسيح التاريخ ومسيح الدهر الآتي، حاضرًا حضورًا حيًا فعالًا. فمسيحية بولس التي سلمها لعالم الأمم عَبر الكنيسة بالإنجيل ليست ديانة فكر وكتاب وحسب، أو ديانة ناموس وقانون ونظام وحسب، بل ديانة المسيح الحي الحاضر والقائم، المنظور والمعاش بالروح، صاحب إنجيل القوة، القادر على التغيير الأخلاقي وتجديد الطبيعة وإعطاء النعمة العاملة لملء حياة كل فرد بالفرح والقداسة والعبادة والتقوى العملية. لقد استلم العالم من بولس الرسول مسيحية عملية لها قواعدها، غيَّرته فعلًا وجدَّدت طبيعته، خطَّت فيه بقوة تاريخًا خاصًا بها، تاريخًا من قصص حياتية أخلاقية روحية فائقة، وقصص قداسة وتقوى صادقة وسمو روحي، وقصص كرازة وفداء وأعمال بذل وبطولة واستشهاد، كل ذلك على مستوى الفرد والجماعة والكنيسة في كل العالم، طبعت شعوبًا بأجمعها بروح المسيح، وأعطتها وأعطت العالم معها بالتالي سماتٍ مسيحية تغلغلت فيه كصفات. وهكذا، فإن خبرة بولس الإيمانية في التصاقه بالمسيح كابن الله الحي، واكتسابه حياته الجديدة منه، والمتحدة به بالروح مع فاعلية النعمة التي صنعت منه أقوى كارز للعالم، هذه الخبرة الإيمانية كانت هي بَدْء حركة التاريخ المسيحي في العالم، الذي لا يزال يجمع ويسجل من الأفراد والجماعات والشعوب صوره الحية، حتى أصبح من المستحيل فصل العالم عن تاريخ المسيحية لأنها صارت صورة حية له. حينما ظهر يسوع المسيح وابتدأ استعلان ذاته بقوله "توبوا فقد اقترب منكم ملكوت الله" كان المسيح هو تجسيد هذا الملكوت بعينه، وكان هو تجسيد هذا الاقتراب؛ اقتراب الله ذاته. فقد تقابل آنئذ العالم مع المسيح وجهًا لوجه! ! ولكن لم يعرف العالم المسيح وأشاح بوجهه عنه... فأشاح بوجهه عن الله وهو لا يدرى! ! ! . وعندما ظهر يسوع المسيح أولاً للتلاميذ، ثم لبولس حيث استعلن ذاته له من السماء بوجهه المشرق من العلاء واستعلن فيه الله، تقابل آنئذ المسيح والله مع بولس وجهًا لوجه، فقبله بولس؛ فتغير إلى تلك الصورة عينها وظل يتغير بالروح من مجد إلى مجد، ومعه يهوديته والأمم التي دُعِي لخدمتها. وهكذا دخل العالم بواسطة بولس الرسول وفيه إلى "مقابلة" صادقة مع المسيح والله وقبول وتغييرٍ ومجد، كان بولس يستشعرها جميعًا بكل يقين، اسمعه وهو يخاطب العالم: "نسعى كسفراء عن المسيح كأن الله يعظ بنا، نطلب عن المسيح: تصالحوا مع الله! "(رسالة بولس الثانية إلى كورنثوس 20:5) --- ### نعم، نضجنا قبل الآوان - Published: ۲۰۲۳-۰٤-۲۰ - Modified: 2023-05-05 - URL: https://tabcm.net/10991/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون - وسوم: فيروز فجأة. . انتبهت إلى أنني سأتم عامي الخامس والثلاثون بعد أيام قليلة. . صدمتني تلك الحقيقة البسيطة وجعلتني أتساءل بجدية. . كيف سقطت الأعوام العشر الأخيرة بغّتة من حياتي؟ لا أتذكر من الماضي سوي أن حياتي البسيطة كانت تمضي بهدوء ورتابة، من طفولة سعيدة في بيت دافئ مفتوح للجميع، ومملوء بضحكات الأهل والأقارب، إلى مراهقة صاخبة مملوءة بالأصدقاء والأصحاب، لا يشغل حياتي سوى الضحك والمرح، واجتذاب اهتمام بعض الفتيات، ولا يقضّ مضجعي سوى تفاهات المراهقة الجميلة، إلى حياة جامعية أكثر روعة تنبئ بمستقبل مشرق، ثم حب رومانسي مع أَغَانٍ لمنير وفيروز تصدح في خلفية المشهد، ثم فجأة... مشروع ارتباط وخطوبة وزواج وكائن صغير يحمل الكثير من ملامحي، ولا يكف عن البكاء ليلًا نهارًا. أصحو من النوم وأتأمل المرآة لأجد شخصًا أخر يراقبني، شخصًا كان يحمل بعضًا من ملامحي إلى وقت قريب جدًا، بجانبي زوجة لا تكف عن التسوق طوال الوقت، وأطفال محملين بقائمة طويلة من الطلبات، وعمل مرهق مملوء بمشاكل متجددة ومتزايدة، ليتحول اليوم برمته إلى قائمة طويلة من المهام، لا يكفي اليوم لإتمام نصفها على أفضل تقدير. أترقب المناسبات العائلية لرؤية الأهل والأقارب، فأجد أطفالهم قد شبّوا، وقد عَلاَ وجوه الذكور منهم شارب المرحلة الإعدادية بلونه اللون الأخضر المستفز، أما الإناث فقد ظهر عليهن ملامح البلوغ المبكر، ينادوني جميعًا بلا أستثناء وبصوت عالي: "أزيك يا أونكل؟"، متى تحولت أنا إلى ذلك "الأونكل"؟ تنضب دعاوي الأفراح وحفلات الزفاف رويدًا رويدًا، تلك التي كانت تلاحقني يوميًا حتى وقت قريب دون القدرة على الوفاء بجميعها لضيق الوقت، ويحل محلها أخبار مفجعة وحزينة عن رحيل بعض الأقارب والأهل بل والأصحاب، ويحل القلق محل الاطمئنان، ويهجر النوم العميق مضجعي ويحل محله القلق والـ over thinking، ويبدأ الخوف على أبنائي ومستقبلهم، وأسرتي وبيتي، وأبي وأمي وأهلي، واستقرار عملي، فجأة أصبحت أتلقى اللوم من هذا أو ذاك إن أغفلت بعض الواجبات الاجتماعية المقيتة، وأصبح الجميع يعاملني كإنسان ناضج بلا رحمة. صارت الثلاثينيات هي فترة دفع فاتورة وحساب فترة العشرينيات الجميلة، وعليّ الوفاء بالدين مع فوائده المجحفة بلا أي فرصة للفكاك. أغمض عيناي محاولاً تذكر تفاصيل الماضي، فأجد معظمها وقد صار ضبابيًا، أتلمس بلهفة العاشق أخبار أصحاب وأصدقاء الماضي، فربما حظيت بسبب مقنع يجعلني أهاتف أحدهم، فنتجاذب بعض الذكريات، أخط بأيدي مرتعشة كل ما تجود به ذاكرتي عن ذكريات الماضي. . ذاكرتي التي صارت ضعيفة ولا أستطيع أن أنكر ذلك، أكتب بسرعة كلما تذكرت إحدى التفاصيل، فربما لا يسعني الوقت وأنساها. في السابق كانت فكرة البقاء في المنزل وعدم الخروج تخيفني كثيرًا، الآن أصبحت فكرة الخروج من المنزل ومحاولة التعايش السلمي مع تلك الكائنات التي تتربع على نواصي الشوارع تخيفني أكثر، أصبحت أسير أوراقي وكتبي وقلمي ونبتتي الصغيرة وأغاني فيروز التي تصدح طوال الوقت بلا توقف، وأصبح التقوقع هوايتي الجديدة التي أمارسها بلا كلل أو ملل، أصبحت أتحاشي النقاشات الجدلية التي كنت أعشقها في السابق، والسياسية منها على وجه التحديد، حتى لو أجبرتني الظروف وقادتني للنقاش، لا أبذل أي جهد في سبيل إثبات وجهه نظري، حتى بالرغم من عدم منطقية ما يتفوه به الآخرون، وما يصاحب حديثهم من غباء مستحكم، أصبحت أستمتع بكذب الآخرين، حتى مع إدراكي بفداحة كذبهم المبالغ فيه، أجد نفسي أترفع عن فضح كذبهم، بل وأتصنع الاندهاش أحياناً مسايرة للموقف. تخليت طواعية عن محاولاتي المستميتة لإصلاح الكون، وأيقنت أن المعتوه سيظل معتوهًا طوال عمره، وأن الغبي سيزداد عمقًا في غبائه، أصبحت أتغاضي عن الغضب، وأتجاهل من يتعمدون إغضابي عَنْوَة، أصبحت الابتسامة الساخرة جزءًا مميزًا من ملامحي، أسخر طوال الوقت من المنافقين والمتلونين والمتصارعين على توافه الحياة، يقيني ألا شيء سيظل على حاله، وأن من يسَعد اليوم لابد وأنه سيَحزن غدًا، وأن الحزين اليوم لابد وأنه سيسَعد غدًا. في زيارتي الأخيرة لمصر بعد أعوام من الغربة، التقيت مع منَ تبقي من أصدقاء الماضي، وجدتني أتحدث مع أشخاص لا أعرفهم، الوجوه هي ذاتها التي كنت أعرفها في السابق، أما الروح فقد تبدلت واختلفت وتغيرت كثيرًا، صاروا أُناَسًا آخرين غير الذين صادقتهم في السابق، صرت لا أفهم دعاباتهم ولا أتقبلها، ربما لأن الذين يهاجرون للخارج تتغير نظرتهم للحياة، وفكرتهم عن الرَفَاهيَة. . عن رائحة الهواء وعن معني الراحة، وربما عن الانتماء. مع مرور السنوات اكتشفت أنني قد تغيرت كثيرًا، صرت أحب ما كنت أكره، وصرت أكره ما كنت أحب، نسيت ما تعلقت به في السابق، وتعلقت بأشياء لم أكن لأتعلق بها أبدًا، صارت أقصى أُمنياتي هاتف مغلق، ابتعاد عن الجميع، صمت، مشروب دافئ، هدوء عظيم، ذهن يخلو من أىّ شيء، ومضت الحياة لتجعل مني شخصًا لا يشبه قرينه السابق. . شخصًا لا يشبهني. --- ### المرحلة الثانية:
المسيح يحمل صليبه - Published: ۲۰۲۳-۰٤-۱۹ - Modified: 2023-05-17 - URL: https://tabcm.net/11475/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون - وسوم: أمل دنقل, كلمات سبارتاكوس الأخيرة يحمل المسيح صليبه سائرًا في شوارع المدينة. فيلتقي بالفلاّحين الكادحين والباعة الجائلين من أطفالٍ وكبار، والموظّفين يحملون صلبانهم. يبدو أن السكّين قد سرقتهم من القهر والتضخّم السريع الذي تسبب في انهيار عملتهم. عليهم الآن أن يعملوا أضعافَ الوقت حتّى يشتروا نصف ما كانوا يشترون من وقتٍ ضئيل! وجوهٌ عابثه قهرها الفقر، وشفاه موصده أصمتها القهر. وإذا بصوت شاعر الجنوب يبثّه ويشاطره همّه: «لا تحلُموا بعالمٍ سعيدْفخلفَ كلّ قيصرٍ يموتُ: قيصرٌ جديد! وخلف كلّ ثائرٍ يموتُ: أحزانٌ بلا جدوى. . ودمعةٌ سُدى! » «يا قاتلي: إني صفحتُ عنك. . في اللّحظةِ التي استرحتَ بعدَها مني:استرحتُ منكْ! لكنني. . أوصيكَ إن تشأْ شنقَ الجميعأن ترحم الشجر! لا تقطعِ الجذوعَ كي تنصبَها مشانقاًلا تقطعِ الجُذوعفربما يأتي الرَّبيع"والعامُ عامُ جوع"فلن تشمَّ في الفرُوعِ. . نكهةَ الثَّمر! » عن قصيدة "كلمات سبارتاكوس اﻷخيرة"، للشاعر "أمل دنقل" --- ### العيد - Published: ۲۰۲۳-۰٤-۱۸ - Modified: 2023-04-18 - URL: https://tabcm.net/10959/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون وقفت سيدة في العقد الرابع من عمرها أمام مكتب الأب الكاهن المسئول عن احتياجات الفقراء ويبدو أنها كانت تنتظر لساعات طويلة فانكسار العوز والاحتياج امتزج مع تعب الانتظار وظهروا واضحين على ملامح وجهها. فرفعت عينيها أمام صورة للسيدة العذراء وهي تحمل الطفل يسوع وغلبتها دموعها في صمت فهذه ثالث مرة تأتي للكاهن المسئول طالبة معونة لزوجها المريض واحتياجات البيت الأساسية والكاهن يصرفها بكل جفاء فارغة اليدين بحجة أن اسمها غير مدون في سجلات أخوة الرب وعليها أن تنتظر حتى يكونوا لجنة لبحث حالتها، واللجنة تكون لجنة للوقوف على وجودها في المربع السكني الخاص بالكنيسة أم أنها تقع في مربع سكني خاضع لإشراف كنيسة أخرى فتتكون لجنة أخرى لتحويل ملفها للكنيسة الأخرى حتى يكونوا لجنة لبحث حالاتها ويشوفوا إذا كانت تستحق بركة إخوة الرب أم أنها لا تستحق. في المرة الأولى انحنت لتقبل قدمي الكاهن المسؤول فزوجها على فراش الموت وأولادها يموتون جوعًا والعيد على الأبواب، لكن الأب الكاهن أعتذر لها بأنه عاجز عن مساعدتها وأن الأسقف يشدد على أنه ممنوع مساعدة من هم أسماءهم غير مدرجة في كشوف أخوة الرب ورجعت بيتها بخيبة أمل وكسرة نفس لم يعيدها للمرة الثانية إلا تدهور حال زوجها فجاءت باكية متوسلة للكاهن المسؤول الذي كان مشغولا مع بعض أراخنة الكنيسة الذين جاءوا محملين بعطايا مادية وعينية وكان الكاهن قد أعد لهم مائدة مكتظة بالمأكولات البحرية تليق بهم انتهت بأن ترك كلا منهم تبرعًا بمبالغ عبارة عن أرقام يوضع أمامها أصفار كثيرة. كانت هي واقفة تشاهد وتنتظر، وانتظرت حتى فرغوا تماما وناداها الكاهن المسؤول لتساعد في جمع بقايا الطعام وتنظيف المكان وفِي النهاية سمع لها الكاهن ومد يده في جيبه وأعطاها ورقة فئة الخمسين جنيهًا وصرفها متعللا أنه لا يستطيع أن يساعدها بأكثر من ذلك لأنهم داخلين على عيد وبدأ تجديد مبنى الخِدْمَات، ويشترون أواني مذبح جديدة وكسوة جديدة، غير أن المستشفى ودار المسنين الملحقين يحتاجون للمال، ويريدون شراء بضاعة للكانتين لأن العيد اقترب وهناك مرتبات عيدية والذي منه. فمضت مكسورة النِفس للمرة الثانية ولَم تمض سوى بضعة أيام حتى اتصل بها الكاهن المسؤول وقال لها: "أبشري يا أم فلان ممكن تاخدي تبرع كويس بس بشرط هنصورك واحنا بنديكي كرتونة العيد وهديكي فلوس كويسة تودي جوزك للدكتور وتعالجيه ومتخافيش الكلام ده مش هيتذاع غير القنوات المسيحية علشان نعرف نلم ليكم تبرعات لما يشوفوها الناس اللي برة". وعندما حاولت أن تعتذر لخجلها وأنها لن تعرف أو تستطيع فعل ذلك، فنهرها الكاهن المسؤول قائلا: "أمال احنا هنجيب لكم منين ده بدل ما تشكريني إني بعمل معاكي معروف انتي تجيلي بكرة الساعة ٢ الضهر اقعدك مع حد يحفظك تقولي ايه! ولو مجتيش ذنب جوزك وعيالك احنا براءة منهم وذنبك على جنبك"، وأغلق السماعة في وجهها وأغلق مع السماعة كل مفاتيح السماء المتحكم فيها، الذي يمتلكها وحده وانهمرت في الدموع وجاءت ابنتها الكبرى وابنها الصغير يجلسون بجانبها يربتون كتفها. وقررت أخيرًا أن تنصاع لأوامر الكاهن وذهبت له، وها هي واقفة تنتظر حتى يأتيها أحدهم يعلمها ويحفظها ماذا ينبغي أن تقول أمام الكاميرا، وأخيرا خرج لها الكاهن المسؤول ومعه تاسوني والمخرج ومعدة البرنامَج ورحبوا بها وطمأنوها أن ما سيصوروه لن يعرض إلا على الفضائيات المسيحية وفجأة قطع هذا الهدوء صرخات وعويل لم يكن يعرف أحدهم سببه أو مصدره ولكنها استطاعت تمييز الصوت، أنه صوت ابنتها صارخة: الحقي يا أما أبويا مات ياما أبويا مات. . مات ياما وسبنا لمين أبويا مااااااااااات. التفت الكاهن للمرأة يعزيها قائلا لها زوجك ارتاح من أتعاب العالم وراح لمكان أفضل ولكنه لما يجدها أمامه فقد جرت مهرولة لمنزلها لترى زوجها الذي رحل للتو للسماء ليشكو لإله السماء عن قسوة سكان الأرض. --- ### جمعة الصلبوت يوم فرح وليس يوم حزن - Published: ۲۰۲۳-۰٤-۱۷ - Modified: 2023-04-15 - URL: https://tabcm.net/11444/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: آدم, حواء جمعة الصلبوت هي يوم فرح إلهي وليس يوم حزن بشري،  لأنه يوم عدل إلهي للشفاء وليس عدل بشري للقصاص والعقاب بمفهوم محاكم البشر. نعلم جميعاً أن هذه نبوءة عن دخول المسيح له المجد إلى أورشليم نحو الصليب في يوم أحد الشعانين. اِبْتَهِجِي جِدًّا يَا ابْنَةَ صِهْيَوْنَ، اهْتِفِي يَا بِنْتَ أُورُشَلِيمَ. هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي إِلَيْكِ. هُوَ عَادِلٌ وَمَنْصُورٌ وَدِيعٌ، وَرَاكِبٌ عَلَى حِمَارٍ وَعَلَى جَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ. وَأَقْطَعُ الْمَرْكَبَةَ مِنْ أَفْرَايِمَ وَالْفَرَسَ مِنْ أُورُشَلِيمَ وَتُقْطَعُ قَوْسُ الْحَرْبِ. وَيَتَكَلَّمُ بِالسَّلاَمِ لِلأُمَمِ، وَسُلْطَانُهُ مِنَ الْبَحْرِ إِلَى الْبَحْرِ، وَمِنَ النَّهْرِ إِلَى أَقَاصِي الأَرْضِ. وَأَنْتِ أَيْضًا فَإِنِّي بِدَمِ عَهْدِكِ قَدْ أَطْلَقْتُ أَسْرَاكِ مِنَ الْجُبِّ الَّذِي لَيْسَ فِيهِ مَاءٌ. ارْجِعُوا إِلَى الْحِصْنِ يَا أَسْرَى الرَّجَاءِ. الْيَوْمَ أَيْضًا أُصَرِّحُ أَنِّي أَرُدُّ عَلَيْكِ ضِعْفَيْنِ. (سفر زكريا 9: 9- 12) يلذ للإنسان أن يتأمل مشاعر الرب وهو يبدأ أسبوع الصلب الذي ندعوه أسبوع الآلام. كيف كان ومنذ قديم الأيام هو أسبوع الحب بين عروسين. يأتي فيه الرب عريس الكنيسة والبشرية ليقدم ذاته بالحب خلاصاً لها. ويتوقع منها نفس الشعور قائلاً: ”أبتهجي جداً . . أهتفي“. لهذا ألتفت الرب وهو يحمل الصليب في طريق الآلام إلى الجموع التي كانت تبكيه قائلاً: ”لا تبكين عليَّ“. ويلذ لنا أيضاً أن نغوص في حقيقة العلاقة بيننا وبين الرب عريس نفوسنا إننا نفرح ونتهلل بشخصه لا مظهره راكباً حصاناً أو حماراً. ما يهمنا هو شخصه أنه الملك الذي كله حب نحونا. ثم تتكلم النبوءة عن قدرته و سلطانه الذي يكشف لنا حقيقة شخصه الإلهي وحبه: فبينما هو راكب على أتان لا حصان، فإنه القادر أن ”يقطع الفرس والمركبة وقوس الحرب ويحل بالسلام بقلوبنا“. ”فإني بدم عهدكِ“: يتحير المرء في هذا الملك العجيب. فإن كل ملوك الأرض تحقق النصر في الحروب بدم الشعب والمحاربين. وتعود البشر أن يهتف في حب زعيمهم” بالروح والدم نفديك يا زعيم“. أما إلهنا فإن دَم العهد الذي قطعه مع شعبه كان دمه هو الذي أتخذه له من ناسوت العذراء القديسة مريم. فأعتبرته النبوءة دمنا. إن هذا هو قمة الحب بين العريس وعروسه عندما يصيران دماً وجسداً واحداً. فكانت العبارة الخالدة ”هذه لحم من لحمي وعظم من عظامي“ على فم آدم بالنسبة لحواء، وعلى فم المسيح من جهة الكنيسة ”لأننا لحم من لحمه وعظم من عظامه“. ونأتي إلى قول النبوءة ”أطلقتُ أسراكِ من الجب. . أرجعوا إلى الحصن يا أسرى الرجاء“. هنا الحديث - ٥٢٠ سنة قبل الميلاد - عن عمل الصليب بتحرير أسرى موت الخطية من جب الخطية إلى حصن الملكوت. ويتعجب المرء على مفهوم الرجاء في علاقة الإنسان بالله! ! فهو رجاء متجذر بشواهد قوية في التاريخ الإنساني. لقد تأكد مادياً في مسيرة الإنسان على الأرض كيف ظلت البشرية منتظرة مجيء المسيح آلآف السنين بتدقيق منقطع النظير. ولا تخلوا حضارة ما على الأرض أو أي تجمع بشري من مظاهره. إن رجاء الإنسان في مجيء المخلص أمر يفوق التعليم والتلقين بين الأجيال، إنه أمر مغروس في كيان الإنسان روحياً ولا يمكن نزعه منذ أن عاش آدم وحواء في كنف الرب الإله ومنذ أن وعدهما أن ”نسل المرأة (يسوع المسيح) يسحق رأس الحية (الشيطان الذي خدعهما بالسقوط)“. فإن كان البشر ”أسرى الرجاء“ للخلاص من ”موت الخطية والتغرب عن الله“ وانتظروا آلآف السنين في ترقب مجيء المسيح المخلص، فنحن أيضاً منتظرون و”أسرى الرجاء“ في ملكوت السموات والحياة الأبدية وفي ترقب لمجيء الرب الثاني على السحاب. ويحلو لي أن أقرأ مراراً وتكراراً وبلا ملل وصف النبوءة لله الظاهر في الجسد يسوع المسيح أنه ”ملك عادل“. وأقارن بين عدل الله الذي أظهرته النبوءة وكله شفاء للإنسان الخاطئ ”اليوم أطلقت أسراك من الجب“ ولم يتطرق مطلقاً إلى أي عقاب للإنسان. فعندما خرج آدم من جنة عدن بعد السقوط كان وعد الله له بالشفاء من نتائج سقوطه (خروجه من الفردوس إلى أرض تنبت له شوكاً وحسكاً. . إلخ) وذلك بتجسد المسيح/ نسل المرأة الذي يسحق رأس الحية. وعندما دخل المسيح أورشليم حقق العدل بمفهومه الإلهي أنه شفاء لا عقاب بأن يبذل نفسه عن الخطاة لشفائهم من ”موت الخطية“. فيوم الصلبوت المجيد هو يوم فرح إلهي لا حزن بشري لأنه يوم عدل إلهي للشفاء ”اليوم أطلقت أسراك من الجب“ وليس عدل بشري للقصاص والعقاب بمفهوم محاكم البشر الذي انتشر للأسف عند معظم الوعاظ بل وقيادات كنسية. والسُبح لله بقلم د. رءوف إدوارد --- ### رؤية لآلام المسيح المحيية - Published: ۲۰۲۳-۰٤-۱٦ - Modified: 2023-04-15 - URL: https://tabcm.net/11437/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: جبران خليل جبران, قديس بولس الرسول, كتاب العواصف أولا لو كان لي القرار لأزلت كل مظاهر الحزن والشارات والستائر السوداء التي تتشح بها الكنيسة في أسبوع آلام المسيح المحيية، ولمنعت القنوات المسيحية من عرض أفلام الآلام التي تمعن النظر في تصوير عذابات وجلد وصراخ المسيح وآهاته، ولحولت طقوس الكنيسة إلى طقوس تبعث على الطاقة الإيجابية والفرح. وهذا ليس رفضا لمشاعر الحزن أبدًا وإنما تأكيدًا على وصول الرسالة التي سمحت محبة المسيح أن تصل لنا عن طريق هذه الأيام المقدسة والأحداث المؤثرة بأعظم تأثير على الحياة الإنسانية عمومًا، فآلام المسيح هي تجسيد لمبدأ الحياة، والألم جزء هام منها ولكنه ليس الجزء القبيح أو المرذول فيها، إنما الجزء الأعظم والأقوى الذي لن نستطيع أن ننمو ونقوى من دونه وإذ كان المسيح قبل إنسانيتنا ومر بالألم بهذا القبول وهذه القوة فهو درس أعتقد إننا ما زلنا نحتاج أن نستوعبه ونتعلمه بشكل أفضل من ذلك، خاصة أن حياة المسيح كلها كانت تجسيدا لحياة الإنسان "المعرف بـ ال" بكل ما تحويه من هدف ورسالة وفرح وسلام وإنجاز يصل إلى المعجزات وآلام شديدة و... . . وقيامة مجيدة! لذلك تراوح البشر في التعاطي مع فكرة الألم وصليب المسيح المثبتة تاريخيا وعلميا بالدلائل ما بين الرفض التام، وما بين التعاطف والحزن الشديد (الذي رفضه المسيح نفسه في حديثة مع النسوة) "فَالْتَفَتَ إِلَيْهِنَّ يَسُوعُ وَقَالَ: «يَا بَنَاتِ أُورُشَلِيمَ، لاَ تَبْكِينَ عَلَيَّ بَلِ ابْكِينَ عَلَى أَنْفُسِكُنَّ وَعَلَى أَوْلاَدِكُنَّ،"(إنجيل لوقا 23: 28) وما بين رؤية القوة والصولجان في قَبُول هذه الآلام ومثال على ذلك ما كتبه جبران خليل جبران "وأنت أيها الجبار المصلوب، الناظر من أعالي الجلجلة إلى مواكب الأجيال، السامع ضجيج الأمم، الفاهم أحلام الأبدية، أنت على خشبة الصليب المضرجة بالدماء أكثر جلالاً ومهابةً من ألف ملك على ألف عرش في ألف مملكة... بل أنت بين النزع والموت أشد هولاً وبطشاً من ألف قائدٍ في ألف جيش في ألف معركة". (جبران خليل جبران، "يسوع المصلوب" كتاب العواصف) وللأسف زادت الكنيسة في تبنى الاتجاه الثاني الذي يأخذ المؤمنين خاصة البسطاء منهم إلى طريق الحزن على المسيح والتعاطف مع آلامه بشكل عاطفي هذيل يصل إلى مرحلة الشفقة والنواح عليه حتى إن كانت رؤية الآباء الواضحة بواسطة القراءات والنصوص المختارة لهذه الأيام رسائلها واضحة في فكرة الخلاص والعبور والنصرة المتجلية في هذه الأحداث إلا أن الجو العام وطرح الألحان والعظات والترانيم والميامر تجعل الجو العام يسير في اتجاه مختلف عن القراءات. في رأيي الرؤية الثالثة هي الأصدق والأقرب للواقع، فحياة المسيح على الأرض هي ثورة إنسانية تضع الإنسان أمام ذاته وقوته وعظمة تكوينه وعظمة مكانته عند الله مصدر الحب خالق الإنسان الذي أحبه إلى كمال الحب. ولكن ستظل قضية آلام المسيح قصة قد يكون فيها عبرة أو نظرة معينة إلى أن ندرك أنها ليست قصة خارجة عنا وإنما هي قصتنا بل قصة كل منا إلى أن نستوعب إننا في المسيح وأنه فينا وإلى أن تتجلى حياته فينا فنراها في حياتنا كل يوم وأنا أزعم أن هذا هو القصد من الآية المحورية "إِلَى أَنْ نَنْتَهِيَ جَمِيعُنَا إِلَى وَحْدَانِيَّةِ الإِيمَانِ وَمَعْرِفَةِ ابْنِ اللهِ. إِلَى إِنْسَانٍ كَامِل. إِلَى قِيَاسِ قَامَةِ مِلْءِ الْمَسِيحِ". (رسالة بولس إلى أفسس 4: 13) اقرأ أيضا: --- ### المسيح يُصلب من جديد - Published: ۲۰۲۳-۰٤-۱۵ - Modified: 2023-04-15 - URL: https://tabcm.net/11192/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون - وسوم: ابن اﻹنسان, الشيطان, المسيح يصلب من جديد, باراباس, سمعان بن يونا, عيد الميلاد, ليكوفريسي, مريم المجدلية, نيكوس كازنتزاكس لا تختلف جماهير اليهود قديمًا أيام المسيح كثيرًا عن جماهير المسيحيين أو غيرهم خاصة على "السوشيال ميديا" هذه الأيام، فبتحريض من رجال الدين والكهنة ورؤسائهم قد تنقلب موازين أي قضية وآراء الناس بخصوصها وتصرخ الجماهير بأعلى الصوت "اصلبه، اصلبه، دمه علينا وعلى أولادنا" "اطلق لنا باراباس". بعدما كانوا يصرخون "خلصنا في الأعالي". مع اختلاف المسيح ويهوذا وأسماء الكهنة والزمان ولكن الكرة تعيد نفسها مرارًا وتكرارًا ويُضَطهد المسيح وأي تابع حقيقي له وقد يُقتل أيضًا مرةً ثانيةً. ومع ذلك لم ولن يهم المسيح أو أي تابع حقيقي له إرضاء تلك الجماهير على حساب الحق، فالحق حق ولو تبعه ملايين، والباطل باطل ولو سكت عنه الجميع. وعلى أية حال، فـ"اصلبه" و"خلصنا" لو دققنا وأمعنا النظر سنجد أنهما تحملا نفس المعنى أصلًا. "المسيح يصلب من جديد" Christ recrucified للروائي اليوناني "نيكوس كازانتزاكس" المرشح تسع مرات لجائزة نوبل، كتبها لنا وأصدرها في ثلاثينات القرن الماضي، فكثيرًا ما تسائل جُلُنا عما كانت ستكون مواقفنا إذا عشنا وقت المسيح، هل كنا لنقبل جلده وصلبه؟ وماذا عن رجال الدين والكهنة ورؤسائهم هل كنا لننصاع لشحنهم وتحريضهم ضد المسيح؟ ماذا كانت ستكون مواقفنا من كل ما حدث؟ هل سنعيد الكرة مرة أخرى! ملخص الرواية: يسرد لنا "كازانتزاكس" بأسلوبه الوصفي الخلاب في روايته البديعة عن قرية يونانية تحت الاحتلال العثماني تدعى "ليكوفريسي"، يقيم سكان تلك القرية كل سبع سنوات مسرحيات رحلة محاكمة وآلام وصلب المسيح وموته، فيختار كبار القرية الممثلين لأداء الأدوار. يقع الاختيار على أحد الشبيبة "مانوليوس" ولد طيب يعمل راعي للأغنام، وآخر يعمل تاجر متجول بحماره بين القرى، يبيع ويشتري الممنوعات يقع عليه الاختيار لأداء دور بطرس الرسول، إنسان طيب وساذج يحب حماره أكثر من أي شيء آخر. وأحد الشباب من أولاد نبلاء القرية تم اختياره كيوحنا الرسول، يعقوب الرسول سيؤدي دوره مالك مقهى القرية. وهكذا دواليك حتى يأتي أصعب التلاميذ في اختيار الأدوار، أنه يهوذا الخائن فوقع الاختيار على ذاك الشاب الطموح الجامح الذي يسعى للانتقام. وكاترينا عاهرة القرية وجميلتها، اختارها بالطبع لأداء دور مريم المجدلية. قرية يلوي كاهنها المنطق لحساب نفسه وكبارها يسعون فقط وراء ملاذهم وكسب النقود لحساب مطامعهم ومساعيهم. قرية بسيطة أناسها طيبين يقعون في حب "مانوليوس" من يؤدي دور المسيح وتلاميذه. مر بتلك القرية أكثر من مجموعة طلبًا للطعام والعون والمساعدة بعد هجوم الأتراك (العثمانيين) على ممتلكاتهم. ومجموعة أخرى من مئات الجِياع جاءت مع الأب الورع "فوتيس" وبقوا في أحد الجبال القاحلة نادرة النباتات بجوار القرية ولم يجدوا عونًا إلا من "مانوليوس" ومجموعته ممن يمثلون دور تلاميذ المسيح. بعد رفض المساعدة من كاهن القرية الأصلي الذي لاحقًا بعد فقدان سيطرته على السكان الأصليين بدأ حملة كراهيَة ضد الأب فوتيس ومن معه ومن يساعدهم من "مانوليوس" وتلاميذه. ينقلب من يؤدّي دور يهوذا على "مانوليوس" بسبب موت محبوبته "كاترينا" ويبدأ في التجسس ونقل أخبار المجموعة التي تعيش في الجبل لحساب كاهن القرية الذي جمع لاحقًا كل سكان القرية في الكنيسة لشحنهم ضد "مانوليوس" وطلب ممن يؤدّي دور يهوذا بقتله طعنًا وأعطاه المباركة والحِل لقتله. تجمعوا حوله وطعنه يهوذا في أثناء محاولات فاشلة من باقي التلاميذ والأب فوتيس ومن معه لفتح باب الكنيسة من الخارج ولكن دون جدوى ودون أي مراعاة لصرخات الأب فوتيس: "افتحوا أيها القتلة. . ألا تخافون الله الذين أنتم في بيته! ؟". أخذ الأب فوتيس ومن معه جثمان "مانوليوس" الراعي البسيط الطيب المحبوب شهيد الحب إلى الجبل ممسكًا بيدي جثمانه، جثمان "المسيح" في ليلة سوداء خلت من سماءها النجوم، وأستمع بعدها لدقات أجراس الكنيسة معلنةً قداس عيد الميلاد، نعم، فلقد أتى المسيح إلى أرضنا ليخلصنا، هز الأب "فوتيس" رأسه وتنهد مرددًا: "لا جدوى يا يسوع، لا جدوى. مضى على صلبك ألفا عام ولا زال الناس يصلبونك من جديد، متى ستولد يا إلهي ولا تصلب ثانية، ولكن تعيش بيننا خالدًا إلى الأبد". (نيكوس كازانتزاكس، رواية: المسيح يصلب من جديد) عزيزي القارئ ماذا لو كان الاختيار اختيارك؟ ماذا لو كان المسيح شخصًا عاديًا بيننا اليوم ممن يكفره رجال الدين أو يهرطقوه أو يحرموه ماذا سيكون اختيارك؟ "الإنسان وحش كاسر... إنه يفعل ما يختار. إنه يسلك الطريق الذي يختاره لنفسه. أمامه بوابة الجحيم وبوابة الفردوس متلاصقين، وهو يدخل أيهما يختار... الشيطان لايدخل سوى النار، والملاك لا يدخل سوى الفردوس. أما الإنسان فأنه يدخل أيا منهما حسب اختياره". (نيكوس كازانتزاكس، رواية: المسيح يصلب من جديد) لو أتى المسيح ثانيًة، نعم كُنا سنسعد بمعجزاته ونبتهل بشفاءاته ونعجب بتعاليمه السامية. ولكن لا ضير في أن ينعته البروتوستانت بأنه متحرر زيادة عن اللزوم ويعلم تعاليم غير كتابية ويمنعونه من الوعظ على منابرهم أو المشاركة كمتكلم في أي من أنشطتهم ومؤتمراتهم. وماذا عن الكنائس التقليدية، حدث ولا حرج، كما اتهموا المسيح قديمًا أنه كاسر السبت لاتهموه الآن بأنه كاسر للتقليد والتسليم والطقس، وربما حتى مهرطق وقد يتطور الأمر لحرمانه من ممارسة الأسرار المقدسة وتناول الافخارستيا، التي هي جسده ودمه أصلًا، وعجبي! ولربما قتلناه ثانيةً ولكن ليس عن طريق الصلب ولكن عن طريق وسيلة تناسب مجتمعنا وعصرنا الحالي. ولكن أيًا كانت الطريقة والظروف فأنه لا صلب دون يهوذا، ولا قيامة دون صلب (موت). "لا صلب دون يهوذا، ولا قيامة دون صلب"(نيكوس كازانتزاكس، رواية: المسيح يصلب من جديد) وهذا ما كان وما هو قائم وما سيكون إلى المنتهى حتى نقرر نحن عكس ذلك. اقرأ أيضًا: --- ### هل تناول يهوذا من الإفخارستيا؟ - Published: ۲۰۲۳-۰٤-۱٤ - Modified: 2023-11-14 - URL: https://tabcm.net/11333/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: أوريجينوس ليونايدس أدامانتيوس, إفخارستيا, العشاء الأخير, الكنيسة الجامعة, المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية, بابا كيرلس عمود الدين, باسيليوس الكبير، أسقف قيصرية الكبادوك, حنا الفاخوري, دسقولية, ديونيسيوس الأريوباغي، أسقف أثينا, ساويرس الأنطاكي, علامة ترتليانوس الإفريقي, غريغوريوس النزينزي، الناطق بالإلهيات, قديس أوغسطينوس، أسقف هيبو, قديس إيرونيموس چيروم, قديس بولس الرسول, قديس كيرلس الأورشليمي, قديس هيلاري، أسقف بواتييه, مار أڤرام السرياني, مار ثاوفيلوس جورج صليبا, مار ديونيسيوس يعقوب بن الصليبي السرياني, مار ساويرس موسى بن كيفا, مار غريغوريوس بن العبري, مار فيلوكسينوس المنبجي, مار يعقوب السروجي, مرقس داود, مكتبة المحبة, نصحي عبد الشهيد بطرس, يعقوب الرهاوي, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية في الحقيقة، الموضوع محسوم أبائيا لصالح تناول يهوذا من الإفخارستيا في هذ المقال نرصد مجموعة من تعاليم الآباء حول تناول يهوذا من الإفخارستيا. يؤكد العلامة السكندري أوريجينوس على تناول يهوذا من الإفخارستيا قائلًا: لأن مَن يأكل بدون استحقاق خبز الرب أو يشرب كأسه، يأكل ويشرب دينونة، لأن القوة العظيمة الموجودة في الخبز والكأس، تثمر صلاحًا في النفوس الصالحة، وينتج عنها أمور شريرة في النفوس الرديئة! اللقمة التي أخذها يهوذا من يسوع كانت هي نفس اللقمة، التي أعطاها لباقي الرسل الآخرين قائلاً: خذوا كلوا، كانت خلاصًا لهم ودينونةً ليهوذا، لذلك بعد اللقمة، دخله الشيطان (In Johannem, 32, 24 GCS, 4, 468) ويؤكد ق. غريغوريوس النزينزي اللاهوتي على تناول يهوذا من الإفخارستيا قائلًا: اصغ، يا يهوذا، إلى كل الخير الذي صنعه إليك. أخرجك من ظلمات الجهل، خلصك، أراك نور الخلاص؛ أنعم عليك برؤية معجزات كثيرة، وقال إنك ستجلس مع رسله لتدينوا جميع أسباط إسرائيل. وبجعله المال كله بين يديك جنّبك عذر الفقر. لقد كنت سارقًا، ولا تظن أنه كان على غفلةٍ من ذلك. ولكنه هو، في رحمته العظمى، لم يوجه إليك أي تأنيب؛ لم يكن ليتأثر بموقفك. وإنه، وإن كان على علم تام بحالك، قبل جريمتك، لم يتردد في غسل رجليك المجرمتين، ومناولتك جزءًا من خبز الإفخارستيا. وبعدما نلت منه هذه الحسنات، يا أقبح البشر، خُنته، وقبلت ثمن الدم حين لم تكن بحاجةٍ إلى مال (غريغوريوس النزينزي، رسائل لاهوتية وفصلان من مسرحية المسيح المتألم، ترجمة: الأب حنا الفاخوري، منشورات المكتبة البولسية، لبنان، ٢٠٠٠، ص ٥٨) ويؤكد ق. كيرلس السكندري على تناول يهوذا من الإفخارستيا قائلًا: لذلك، فما حدث هو أن الخائن لم يفزع من التوبيخات التي قيلت سرًا وبهدوء، ولم يقدر قوة المحبة غير المغلوبة، ولا الكرامة والمجد والنعمة، ولا قدّر موهبة الإفخارستيا التي نالها من المسيح. بل أسرع دون تريث ليفكر أو يراجع نفسه لحظة واحدة، بل إذ كانت عيناه مثبتةً على ذلك وحده، الذي ثبُت أن له تأثير قوي عليه، وأعني بذلك لعنة الطمع، فإنه وقع في الشرك في نهاية الأمر، وهوى إلى الدمار التام (كيرلس السكندري، تفسير إنجيل يوحنا مج ٢، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون، القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، ٢٠١٥،، ص ١١٣) ويؤكد ق. كيرلس السكندري على تناول يهوذا من الإفخارستيا قائلًا: ولا ينبغي أن يظن أحد أن اللقمة التي أخذها الخائن كانت هي سبب إمتلاك الشيطان له، فنحن لن نصل إلى حد الجنون، ولن نكون فاقدين لكل ذكاء حتى نظن أن مثل هذه البركةهي التي أعطت الفرصة للشرير أن يدخل فيه، بل بالحري نقول - بحسب ما يتفق مع الحق من جهة الخائن - رغم المحبة الكاملة التي عُومل بها، ورغم الكرامة التي أُعطيت له، فإنه ظلَّ متعلقًا بشدة بنفس الأفكار الشريرة، ولم يحاول أن يصلح أفكاره بالتوبة، ولم يحول قلبه بعيدًا عن خططه المضادة للتقوى، ولم يبك بأسف ومرارة بسبب الشر الذي كان ينوي أن يصنعه (كيرلس السكندري، تفسير إنجيل يوحنا مج ٢، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، القاهرة، ٢٠١٥، ص ١١٢) ويوضح ق. كيرلس السكندري تناول يهوذا من الإفخارستيا كالتالي: هويمضي مسرعًا طاعةً لإرادة الشيطان، ومثل إنسان أصابه جنون يخرج من المنزل. وهو لا يرى أي شيء يمكن أن يتغلب على حبه للربح، وكم هو أمر غريب إننا سنلاحظ إنه لم ينتفع بالمرة من هبة البركةالتي نالها من المسيح، وهذا بسبب ميله الشديد للحصول على المال (كيرلس السكندري، تفسير إنجيل يوحنا مج ٢، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، القاهرة، ٢٠١٥، ص ١١٨) كما يؤكد ق. كيرلس السكندري أيضًا على تناول يهوذا من الإفخارستيا في موضع آخر كالتالي: فمثلاً هو يجبر يهوذا، بعد أن أخذ اللقمة مباشرةً، إذ أصبح الآن تحت سلطانه، أن يسرع في الحال إلى إتمام الفعل الشرير؛ إذ ربما كان خائفًا - بالإضافة إلى احتمال توبة يهوذا، من القوة الفعالة التي لهبة بركة المسيح، لئلا تضيء هذه النعمة كنور في قلب يهوذا، وتحثه بالحري أن يفكر بتروٍ ويختار العمل الصالح، أو على الأقل تولد طبعًا مخلصًا أصيلاً في شخص كان قد دُفع ضد مشاعره الطيبة، أن يفكر في الخيانة (كيرلس السكندري، تفسير إنجيل يوحنا مج ٢، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، القاهرة، ٢٠١٥، ص ١١٩) وتشهد الدسقولية أي تعاليم الرسل الإثني عشر بمشاركة يهوذا في الأسرار المقدسة والتناول من الإفخارستيا كالتالي: وإذ أعطانا سرائر الحياة التي هي جسده المقدس ودمه الكريم كان يوداسمعنا أيضًا (الدسقولية، تعريب: القمص مرقس داود، مكتبة المحبة، القاهرة، ١٩٧٩، الباب ١٨، ص ١٢٣) يتحدث أوغسطينوس أسقف هيبو عن تناول يهوذا من الإفخارستيا كالتالي: كما في حالة يهوذا وبطرس، أيتساوا كمتناولين من الأسرار؟ لأنهم من الواحد ومن نفس الشئ المقدس، يهوذا أخذ دينونةً لنفسه، وبطرس أخذ خلاصًا (Answer to the Letters of Petilian, the Donatist, Book II, Chapter XL : XCVI) يتحدث ق. يوحنا ذهبي الفم عن تناول يهوذا من الإفخارستيا كالتالي: لتكونوا غير مخادعين، غير ممتلئين بالشر، غير حاملين للحقد في عقولكم، لئلا تناولكم يؤدي إلي دينونة. لأنه بعد أن تناول يهوذا مما قُدِم، الشرير دخل فيه، ليس لأن الشرير يزدري جسد الرب، ولكن يزدري بيهوذا وخزيه. ولهذا فيمكنكم أن تتعلموا أنه فيما يتعلق بمَّن يتناولون بغير استحقاق من الأسرار الإلهية، أن هؤلاء علي وجه الخصوص هم الذين يغزوهم الشرير، ويدخل فيهم أيضًا، مثلما فعل الشيطان مع يهوذا قديمًا (On the Betrayal by Judas 1. 6, ACC IVb, CIII) يتحدث ق. كيرلس الأورشليمي عن تناول يهوذا من الإفخارستيا كالتالي: يهوذا صار جاحدًا لرب البيت، وكان علي وشك خيانته، خرج للتو من المائدة، شرب كأسهالذي للبركة، وفي مقابل ظمأ الخلاص قصد إراقة دم برئ، ذاك الذي أكل خبزه رفع عليه عقبه، يديه مؤخرًا تناولت العطايا المقدسة (On the words, Crucified and Buried. , Lecture XIII, VI) كما يؤكد أوغسطينوس أسقف هيبو في موضع آخر على تناول يهوذا كالتالي: كما أن يهوذا، الذي أعطاه الرب 'لقمة'، أعطي مكانًا للشرير في داخله، لم يتناول ما هو سيء، بل تناوله بطريقة سيئة، بالمثل كل مَن يتناول سر الرب، لا يتسبب في أن يكونسيئًا، لأنه هو نفسه سيء، أنه لم يأخذ شيئًا، لأنه لم يأخذه لخلاصه. لانه علي الرغم من ذلك، جسد الرب ودم الرب حتي وإن كان الرسول يقول:'مَن يأكل بدون استحقاق، يأكل ويشرب دينونةً لنفسه' (On Baptism, Against the Donatists. Book V, Chapter VIII, IX) ويؤكد ق. يوحنا ذهبي الفم على تناول يهوذا من الإفخارستيا قائلًا: جلسمع الاثنى عشر تلميذًا، يا لخزيك يا يهوذا! لقد كان حاضرًا أيضًا هناك ، وتناول من الأسرار، ومن الطعام، وأُدين علي نفس المائدة (On Matthew, Homily LXXXI) ويؤكد أوغسطينوس أسقف هيبو على تناول يهوذا من الإفخارستيا قائلًا: كم هو كبير استنكارنا لكل المنشقين، الذين فصلوا انفسهم بالرجاسة الخبيثة من ميراث المسيح المنتشر في كل العالم، فإن كان كبريانوس قد شارك التناول معهم، فقد فعل كما فعل الخائن يهوذا (On Baptism, Against the Donatists. , Book VII, Chapter XXV : XLIX) ويشير العلامة ترتليان إلى تناول يهوذا من الإفخارستيا كالتالي: واندلعت هرطقة أخري، تدعي التي للـ"قاينيين"الذين يؤيدون هذا، ويدافعون عن الخائن يهوذا، فيخبروننا إنه بديع وعظيم، بسبب الامتيازات التي تمجد بمنحها للبشرية، لأن البعض يظن أن 'الشكر'أُعطيت ليهوذا بسبب هذا (On Ophites, Cainites, Sethites. , Chapter II) ويشير أوغسطينوس أسقف هيبو أيضًا إلى تناول يهوذا من الإفخارستيا كالتالي: ولا حتى الرسل الذين سبقوهشاركوا سرقة وجريمة يهوذا، لأنهم شاركوا "العشاء المقدس" معه، بينما هوكان يبيع الرب (Answer to the Letters of Petilian, the Donatist. Book II, Chapter CVII : CCXLIII) ويؤكد ق. يوحنا ذهبي الفم أيضًا على تناول يهوذا من الإفخارستيا كالتالي: يا لعظم عمى الخائن! برغم أنه تناول من الأسرار، ظلَّ كما هو، سُلِمَ إلي أقدس مائدة، ولم يتغير! (On Matthew, Homily LXXXII. 1) كما يؤكد ق. كيرلس السكندري على تناول يهوذا من الإفخارستيا كالتالي: مثل الملسوع والمدفوع بالجنون، أسرعمن البيت، لم ير شيئًا يمكن أن يغلب حبه للربح، تفكير عجيب، لا يمكن أن يكون بأي صورة من الصور استفاد من عطية المسيحلطمعه الذي لا يُقاوم للمال (On John 9, ACC IVb, CVII)  ويؤكد أوغسطينوس أسقف هيبو أيضًا على تناول يهوذا من الإفخارستيا قائلًا: أية شركة للمؤمن مع غير المؤمن؟ تناول بطرس كان للحياة، بينما ذاك الذي ليهوذاكان للموت (On John, Tractate L. , Chapter XI : X) يؤكد ق. يوحنا ذهبي الفم على تناول يهوذا من الإفخارستيا قائلًا: وبينما هم يأكلون ويشربون أخذ يسوع الخبز وكسر، وقال: هذا هو جسدي الذي يُكسر لأجلكم لمغفرة الخطايا. والذين انضموا إلى الكنيسة يعرفون هذه الكلمات. وأيضًا قائلاً عن الكأس: هذا هو دمي الذي يُسفك عن كثيرين لمغفرة الخطايا. وكان يهوذا حاضرًا عندما قال المسيح هذه الكلمات. هذا هو الجسد الذي بعته أنت بثلاثين قطعة من الفضةيا لمحبة المسيح الفائقة للجنس البشري، ويا لعظم جنون وانعدام العقل ليهوذا، لأنه باع المسيح بثلاثين دينارًا، ولكن المسيح رغم هذا لم يرفض أن يعطي له غفران الخطايا، أي الدَّم نفسه الذي باعه يهوذا، لأن يهوذا كان هناك حقًا واشترك في المائدة المقدسة. وكما أن يسوع غسل قدمي يهوذا مع باقي الرسل، هكذا أيضًا مع باقي الرسل، كان مشتركاً في المائدة المقدسة لكيلا يكون له عذرًا في الدفاع عن خيانته (Daniel J. Sheerin, The Eucharist, 1986, pp. 144-145) ويشير ق. جيروم إلى تناول يهوذا من الإفخارستيا قائلًا: في الأسرار المسيحية، هناك وسيلة واحدة للتقديس للسيد والعبد، للنبيل والمولود بسيطاً، للملك وجنوده، ولكن كلِ يختلف حسب استحقاق المتناولين، مَن يتناول ويشرب بدون استحقاق، يكون مذنبًا لجسد ودم الرب. هل لأن يهوذا شرب نفس الكأس مثل بقية الرسل، يكون هو وهم بنفس الاستحقاق؟! (Against Jovinianus. , Book II, XXV) ويؤكد ق. كيرلس السكندري أيضًا على تناول يهوذا من الإفخارستيا قائلًا: فقد كان هناك وقت حتي الخائن يهوذا نفسه كان مرافقاً وصديقاً حميماً للمخلص، آكلاً من نفس المائدة معه، مشاركاً في كل شئ، دلالة علي تلمذته الحقيقية، حتى أنه كان له نصيبه المخصص وسط بقية الرسل المقدسين (On John, Book IX. Vol. II) ويشير ق. يوحنا ذهبي الفم أيضًا إلى تناول يهوذا من الإفخارستيا كالتالي: يهوذا بعدما تناول في العشاء الأخير في تلك الليلة الأخيرة، ذهب مسرعًا بينما بقا الآخرون على المائدة. (On the Feast of the Epiphany, Reflection 26-2, Synaxarion Orthodoxia)  ويؤكد ق. كيرلس السكندري على تناول يهوذا من الإفخارستيا قائلًا: كانمدانًا لخبثه الكُليّ، وكره لله، وخيانته، وسمح له بتكريم المائدة، وحُسِب مستحقًا للطف الالهي، حتي النهاية! (On Luke, Sermon CXLII) وهكذا يؤكد ق. يوحنا ذهبي الفم على تناول يهوذا من الإفخارستيا قائلًا: هذا هو يوم التقدُّم إلى المائدة الرهيبة. فلنتقدَّم كلنا إليها بطهارة، ولا يكُن أحدُنا شريراً مثل يهوذا، لأنه مكتوبٌ: لما تناول الخبز دخله الشيطان فسلَّم ربَّ المجد. وليفحص كلُّ واحد منا ذاته قبل أن يتقدَّم إلى جسد ودم المسيح لكيلا يكون له دينونة، لأنه ليس إنسان الذي يُناول الخبز والدم، ولكن هو المسيح الذي صُلب عنا، وهو القائم على هذه المائدة بسرٍّ، هذا الذي له القوة والنعمة يقول:'هذا هو جسدي'. (النص اليوناني للعظة: PG XLIX, 389-390؛ والنص القبطي: MS Copto Vat. XCVIII fol. 232v-233) وهكذا يؤكد ق. باسيليوس الكبير على تناول يهوذا من الإفخارستيا قائلًا: إن يهوذا هو ابن الأفاعيوكذلك هذا الرديء العبادة، إذ كان الخبز السماوي في فمه، صنع التسليم على المخلّص (قداس باسيليوس الكبير حسب تسليم كنيسة الروم الأرثوذوكس، يوم الخميس العظيم) يؤكد مار يعقوب السروجي على تناول يهوذا بناءً على شهادتي كل من القديس مار ساويرس موسى بن كيفا (+903م)، الذي يقول: إذا ما شارك يهوذا في الأسرار أم لا؟ نقول: يقول مار ايوانيس ومار سويريوس ومار أفرام ويعقوب السروجي ويعقوب الرهاوي وآخرون كثيرون أنه شاركه في الأسرار، كذلك قال ايوانيس في ميمره على خيانة يهوذا، وفي الميمر الحادي والثمانين من تفسير إنجيل متى، وسويريوس في المعنيث الثاني، ومار أفرام في تفسير الإنجيل ويعقوب السروجى في الميمر على الآلام، ويعقوب الرهاوي في قوانينه. أما القديس مار فيلكسينوس في تفسير إنجيل متى فقد قال أنه لم يشاركه في الأسرار وذلك لأن الشيطان قد دخله منذ زمن بعيد، ومن تسليم مار فيلكسينوس جرت الكنيسة أن لا يعطى القربان للذين يتخبطون من الشياطين. قال مار أفرام ويعقوب السروجي انه شاركه في الأسرار ولكن يضيفون أنه بغمسه الخبز بالماء نزع عنه طهرهوأنه أعطاه خبزاً بسيطاً (ساويرس موسى بن كيفا، المواعظ، عظة في خميس الأسرار، ترجمة الشماس الإنجيلى: بهنام دانيال البرطلى، دار المشرق الثقافية، العراق، ٢٠١٣، فصل ١٤، ص ٢٢٨) وشهادة القديس مار ديونيسيوس بن الصليبي (+1171م) الذي يقول: وقد اختلف المعلمون في هل اشرك السيد يهوذا بالأسرار أم لا؟ فالذهبي الفم في مقالته عن خيانة يهوذا وفي مقالته الحادية والثمانين من تفسير انجيل متى وساويرس في المغيث الثاني والقديس افرام في تفسير الانجيل ويعقوب السروجي في ميمر الآلام، ويعقوب الرهاوي في كتاب القوانين، وغيرهم، يقولون أن المسيح أشرك يهوذا في الأسرار. أما القديس فيلوكسينوس في تفسيره بشارة متى فيقول أنه لم يشركه لان الشيطان كان قد سبق واستولى على يهوذا، ومن فيلكسينوس هذا قد جرت العادة في الكنيسة ألا يعطى القربان للممسوسين من الشياطين . أما القديس افرام ويعقوب السروجي فقالا بان السيد اشرك يهوذا في الاسرار ولكنه بلَّ الجسد بالماء فزالت منه القداسة، غير ان معلمين آخرين يقولون إن الجسد المبلول بالماء لا تزول منه القداسة، وأن الماء لا يقدر أن يزيل القداسة والروح الذي فيه، قال داود الراهب ابن بولص الموصلي محب موسى ابن الحجر، أن سيدنا وإن لم يبل جسده الذي ناوله ليهوذا بالماء، لكنه أزال قداسته خفية لعدم استحقاق يهوذا الخائن له، ولا يخفى ان الحنفي إذا أكل القداس يأكله خبزاً بسيطاً، لانه يأكله بدون ايمان، ويعقوب الرهاوي يقول أن السيد ناول يهوذا خبزاً يابساً كانوا يغمسونه في الأطعمة ويأكلونه، فمن هذا الخبز غمس سيدنا وناوله لا من خبز الأسرار الذي قدس جسده منه (ديونيسيوس يعقوب بن الصليبى السريانى، الدرّ الفريد في تفسير العهد الجديد، تفسير إنجيل متى، طبع وتقديم مار ثاوفيلوس جورج صليبا مَطْرَان جبل لبنان، الجزء الأول، الطبعة الثانية، لبنان، ٢٠١٧، الإصحاح ٢٦، ص ٥٢٠-٥٢١) ويؤكد مار غريغوريوس بن العبري على أن مار يعقوب السروجي ومار أفرام السرياني وق. يوحنا ذهبي الفم وق. ساويروس الأنطاكي وداود الراهب بن بولس قالوا بتناول يهوذا من الأسرار المقدسة في كتابه "تعليقات على الأناجيل" كالتالي: يقول مار أفرامومار يعقوبأن ربنا اشترك مع يهوذا في الأسرار، ولكن بعدما قد نزع القداسة من الخبز بغمسه في الماء. ويقول الآخرون أن الأسرار لا تُنزع من القداسة حتى لو غُمست في الماء. ويقول ق. يوحناوساويروسأنه اشترك في الخبز، بالرغم من أنه لم يكن مجردًا من القداسةويقول داود الراهب، ابن بولس، إنهاشترك فيه، أي في العناصر غير منزوعة القداسة، ولكن يهوذا من دون إيمان آكل منه كخبز عادي BAR-HEBRAEUS, Commentary on the Gospels, Trans. & Edit. By Wilmot Eardley, (London: Society for promoting christian knowledge, 1925), p. ) 63) في الحقيقة، الموضوع محسوم أبائيا لصالح تناول يهوذا من الإفخارستيا، لأنه يؤكد عليه الآباء التالين: ١. يوحنا ذهبي الفم (في عظاته على إنجيل متى ورسالة ١ كو). ٢. العلامة ترتليان. ٣. جيروم. ٤. أوغسطينوس أسقف هيبو (في شروحاته لإنجيل يوحنا والرد على الرسائل إلى بتاليان الدوناتي). ٥. باسيليوس الكبير (في الليتورجية البيزنطية). ٦. غريغوريوس النزينزي (في مسرحيته آلام المسيح). ٧. كيرلس الأورشليمي (في مقالاته للموعوظين) ٨. يعقوب السروجي (بحسب شهادة ابن الصليبي) ٩. كيرلس السكندري (في تفسيره لإنجيل لوقا ويوحنا). ١٠. ساويروس الأنطاكي (بحسب شهادة ابن الصليبي). ١١. ديونيسيوس الأريوباغي (كتاب الرتب الكنسية : ٣). ١٢. يعقوب الرهاوي (بحسب شهادة ابن الصليبي). ١٣. العلامة أوريجينوس (في عظة رقم ٣٢ على إنجيل يوحنا) ١٤. الدسقولية أو تعليم الرسل الإثني عشر (الباب ١٨). بينما الآباء المعترضون على تناول يهوذا هم: ١. هيلاري أسقف بواتييه. ٢. مار أفرام السرياني (وفي كلام إنه ناوله الخبز وليس الدم). ٣. فلوكسينوس المنبجي. ٤. المراسيم الرسولية. وهذا يؤكد إجماع آباء الكنيسة الجامعة شرقًا وغربًا على تناول يهوذا من الإفخارستيا. --- ### هل نضجنا قبل الآوان؟ - Published: ۲۰۲۳-۰٤-۱۳ - Modified: 2023-04-13 - URL: https://tabcm.net/10987/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون - وسوم: أبو طارق, أم حسن أقلب صفحات الفيسبوك فأجد معظم صور "بروفايلات" أصدقائي قد تحولت لصور أطفالهم، فأتعجب، متى أنجب هؤلاء تلك الكَمّيَّة المهولة من الأطفال؟ وأين ذهب هذا الجنون العبثي الذي ميز صفحات أصدقائي في السابق؟ أقلب في صفحات رفاق الثورة والنضال، فأجد صوراً لهم مع شركاء حياتهم، وصور نزهتهم الأخيرة في الساحل، وصور وجبتهم الأخيرة عند "أم حسن" من باب إحداث النعمة، فأتذكر يوم أن كنا "نبرم" القاهرة من شرقها إلى غربها "برما"، ثم نتوقف لنأخذ الجرعة المعتادة من فيروس C من حواوشي "رغيف الأمير" ذو الثلاثة جنيهات والنصف الكائن بميدان سفير، قبل أن يغلقوه للمرة الألف بعد اختفاء كل الكلاب والقطط الضالة في محيط المنطقة، أو من طواجن أبو طارق العامرة بما لذ و طاب من مكرونة يطفو على سطحها ما يطلق عليه زوراً لحمة، مع تشكيلة من مختلف أنواع الفيروسات قبل أن يظهر اللواء عبد العاطي -سامحه الله- ليحرمنا من تلك المتعة. أجد صعوبة حقيقية في تذكر أسماء أطفالهم مما قد يغضبهم منى في معظم الأوقات، وكيف لي أن أصم أسماء ما يربو من مئة طفل، كلهم بلا استثناء يحملون نفس الملاح البريئة الشقية، خصوصاً أن معظمهم لم أراهم ولو لمرة واحدة على أرض الواقع، وربما لم أحضر حفلات زفاف آباءهم أيضا، فشخص مثلي ترك موطنه الأصلي مرتان أو يزيد، فاته الكثير من المناسبات السعيدة لأصدقاء لم نكن نتخيل يوماً ولا الفرحة ولا الحياة نفسها دون أحدنا، ربما كان هذا هو السبب الذي جعلني أعزف عن فكرة إنجاب الأطفال مع أنّ عامي الرابع للزواج فزعاً من فكرة الغرق في دوامة الحياة أكثر وأكثر. لا أريد أن أكبر أكثر من ذلك، لا أريد أن أصبح مجرد عائل للأطفال يدور في ساقية بلا حياة لتنحصر كل تطلعاتي في البطيخة والجرنال الذين سأعود بهما إلى المنزل بعد نهاية يوم عمل شاق. نوستالجيا الذكريات تقهرني وتكاد أن تصيبني بالجنون. أضبط نفسى خُلْسَة متلبساً بتصفح صور ذكريات الماضي، قبل أن تتمكن منى الذكريات نفسها وتصرعني حزناً على رحيلها، فأنطلق بلا توقف كقطار اليابان السريع في عاصفة هوجاء لأقص على زوجتي الكثير عن ذكريات الكلية والشقاوة والأيام الحلوة، قبل أن يصيبها الملل وأكتشف أنها تغط في سبات عميق منذ ساعة على الأقل لتتركني أحكي لنفسي الكثير والكثير. أفتح صفحة الفيسبوك لأهنئ صديقتي بمولودها الثاني وأتعجب، فقد كنت في الأسبوع الماضي أحاول جاهداً أن أحصل على رقم هاتفها المحمول وهي تتمنع في دلال واضح، ثم أتذكر أن تلك الواقعة كانت منذ خمسة عشر عاماً أو يزيد. عندما تركت مدينتي الصغيرة للمرة الأولى منذ ما يقرب من عشر سنوات للعمل في قاهرة المعز، كان الشهر الذي يفصلني عن رؤية أصدقائي يصيبني بالجنون، أما الآن فتمر الأيام والشهور بل والسنوات بسرعة لا أدركها، قبل أن أرى أحدهم مصادفة في مناسبة تجمعنا سوياً، نتلاقى فقط عبر رسائل الفيسبوك الجافة بلا روح، حتى مكالمات الـ"سكايب" والـ"فيس تايم" أصبحت شحيحة، ربما لأنه لم يعد هناك ما يمكن أن نقوله سوياً، فلم يعد هناك إلا ديباجة الأسئلة المتكررة عن الصحة والأحوال، أسمع خبر زفاف أحدهم فلا أفرح، ثم أسمع خبر وفاة أحدهم فلا أنزعج، فقد ولت أيام الصعلكة والشقاوة بلا رجعة، وحل محلها الهموم وتكالبت علينا المواجع، وخط الشيب الأفئدة قبل الأفواد، وشعيرات الذقن المتناثرة المهملة بجراءة يحسد عليها، بعد أن كان يفعل ذلك خجلاً في السنوات القليلة الماضية، وأصبحت الكروش الممتلئة الصفة المميزة لمعظمنا، بعدما صارت حركتنا محدودة، وصارت معظم نقاشاتنا على الفيسبوك تتمحور حول نجاح أحدنا في شراء شقة تمليك "لقطة"، أو كيفية الحصول على سيارة جيدة بسعر معقول، بعد أن كانت نقاشاتنا السابقة ﻻ تنتهي حول الليبرالية والعدالة الانتقالية والديموقراطية، والأحلام الكبرى والمشروعات الضخمة. أتذكر رفاق الثورة الخمسة عندما كنا نتلاقى على شط النيل في أسيوط في جلسات العصف الذهني والمناقشات السياسية التي لا نكل منها ولا نشبع، نتخاطف أكواب الأرز باللبن والكريم كراميل من عند "ألبان النيل"، بينما نستمع بشغف ونهم لهشام الجخ ساخراً من مبارك و"طينه" التي أكلها الدود، فنضحك حتى تدمع أعيننا، رأينا حلمنا بالثورة على النظام يتحول إلى حقيقة. قبل أن ينسل سريعاً من بين أيدينا كدخان فتيل شمعة أنطفأ لتوه. هؤلاء الخمسة هاجر أحدهم إلى كندا والآخر إلى أستراليا قبل أن يتمكن منه الاكتئاب والإحباط ويصير "فلاً" بجدارة، والثالث إلى أمريكا، فلم يتبقى منهم إلا اثنان أصرا على التشبث بتراب الوطن، مع يقين لديّ أن إصرارهما هذا لن يصمد كثيراً، بعد أن تكالب علينا الإحباط و تمكن منا جميعاً. أتذكر رفاق دفعة هندسة اتصالات السبعة، يوم أن كنا نعقد جلسات الفول والطعمية بالسلطة في بيت أحدنا بعد صدمة امتحان الـ"ماجنيتك فيلد"، أو بعد وصلة تعذيب امتحان الـDSP الشفوي، لنتخاطف أقراص الطعمية المشبعة بزيت التربانتين خطفاً، بعد أن نمسح طبق الفول بالعيش البلدي ليصير الطبق كالمرأة، ثم نعقد قرعة مستخدمين عملة فضية على آخر عود بصل أخضر فيغافلنا أكثرنا جوعاً ويلتهمه دفعة واحدة، قبل أن نصاب جميعاً بـ "كريزة" ضحك متواصل. هؤلاء السبعة هاجر أحدهم إلى استراليا، والثاني إلى قبرص، والثالث إلى إيطاليا (ترك مصر قبل امتحان البكالوريوس بشهور قليلة)، والرابع معي في نفس الدولة العربية لا أراه أكثر من مرة واحدة في الشهر تقريباً، والسادس هاجر إلى كندا منذ أسبوع واحد، ليتبقى الأخير في القاهرة يسعى بكل قوة للهجرة في أقرب وقت، أتذكر معاناة شهر مشروع التخرج، والسهر في الكلية حتى مطلع الفجر، والنوم بعمق نحسد عليه على كراسي المعمل الصلبة الباردة، وتلال الشاي والقهوة السادة التي أفنيناها في سبيل العلم، ومحاولاتي الفاشلة للامساك بتلك الأيام السريعة بلا جدوى، فتسلل الابتسامة رغماً عنى إلى شفتاي. أتذكر رفاق أسرة الكلية، والسعي الدائم والدؤوب للتعرف على أكبر عدد ممكن من البنات، ومكالمات التليفون بالساعات، والدردشة على الماسنجر حتى مطلع الفجر، وقصص الحب الرومانسية البريئة التي مررت بها، وعايشتها بين الرفاق، وسمعت بها خُلْسَة عنهم، ما انتهى منها بالزواج، وما انتهى منها بالانفصال والألم والانكسار، والرحلات و الأنشطة والأيام الرياضية وملحمة حفلات التخرج السنوية، ومساعدة رفاق الدفعات الأكبر في مشروعات تخرجهم. قلة من استطاع الحفاظ على ما تبقى لنا من صداقة تستند إلى سنوات طويلة من العشرة والعيش والملح والكثير من ساندويتشات كافيتيريا هندسة العريقة، أما الكثيرون فتفرقوا وحلت الخلافات والمنازعات بينهم. في المرة الأخيرة التي ذهبت فيها إلى الكلية لاستخراج بعض الأوراق قبيل هجرتي للخارج، تأملت ساحة الكلية، والشجرة العريقة التي تواجه "قسم كهرباء" التي كنا نجلس تحت ظلال فروعها، وأسمائنا المحفورة على جذعها حتى يومنا هذا، ثم انتحيت جانباً وبكيت بحرقة غير مبالٍ بنظرات المارة على الأيام الجميلة التي ولّت بسرعة وبغير رجعة، قبل أن يتناهى إلى مسامعي صوت أحد الطلاب وهو يغازل إحداهن وهي تتمنع في دلال مفتعل، مستخدماً نفس المفردات والطريقة التي كنت أستخدمها منذ خمسة عشر عاما تقريباً، ابتسمت رغما مني ومن دموعي المنهمرة، وذهبت مغادراً دون أن أنظر إلى الخلف. --- ### المرحلة الأولى:
يسوع محكومًا عليه بالموت - Published: ۲۰۲۳-۰٤-۱۲ - Modified: 2023-05-17 - URL: https://tabcm.net/11096/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: الإمبراطورية الرومانية, عيد الفصح المرحلة الأولى: لنتأمّل يسوع محكومًا عليه بالموت. (متّى ٢٦: ٥٨-٦٧) الصوة التي يرسمها أغلب أنواع التديّن الشعبيّ المصريّ مع بعض العظات الخالية من الأسس الكتابيّة واللاهوتيّة والتاريخيّة والآبائيّة، تُظهر مسيحًا إلهًا بطلًا وصانع معجزات فقط. تظهره خارج إنسانيّته وتجسّده الحقيقيّ في داخل لحظة تاريخيّة محدّدة لها ظروفها الدينيّة والاقتصاديّة والسياسيّة. وتحصره في مجرّد شخصٍ إلهيّ فقط، كأنّه جاء لمجرّد أن يُصلَب ليرضي إلهًا أُهين، ولا ينتظر إلّا سفك دَم هذا الرجل البريء حتّى يتخلّى عن ثورة غضبه فيصالح البشريّة ويغفر لها ذنبًا ارتكبه اثنان من البشر. يعرف الجميعُ مأساة هذا الرجل يسوع. ها قد رُفضتْ محاولاتِه تأسيسَ ملكةٍ جديدة سمّاها مملكةَ الله. ماذا وجد اقتراحُ المملكة؟ قساوة القلب. قساوة القلب الدينيّة ولا سيّما الأصوليّة، التي تدّعي الحفاظ على التقليد والإيمان المستلَّم. «تصوّراتنا عن الله هي الأصحّ والأصدق. نحن نمتلك الحقيقة، "من النهاردة مفيش حقيقة، احنا الحقيقة"». أُدين يسوع. لماذا المحاكمة؟ لماذا الحكم بالإعدام؟ تعرّض يسوع لمحاكمتين: المحاكمة الدينيّة: هذه هي الاتّهامات التي وجّهها القادة اليهود (في عصره) رغبةً في تنفيذ حكم الإعدام فيه: ١. تحدّى يسوع سلطة رجال الدين، واصفًا إيّاهم بالمنافقين وآكلي أموال الأرامل، وبأنّهم عميان! ٢. خالف قوانين السبت. ٣. اختلط مع الناس الذين يراهم قادة اليهود "نجسين" مثل الخطأة والعاهرات والعشارين جباة الضرائب. ٤. ادّعى أنّه ابن الله، وأنّه المخلّص المنتظر. ٥. التجديف على الله. وهي "ازدراء أديان". ما قاله وفعله في نظر القادة اليهود كان إهانة لله. "عقوبة التجديف الإعدام رجمًا". كان يسوع ينتظر إذًا الإعدام رجمًاـ وليس الصلب. المحاكمة المدنيّة: بما أنّه لم يكن من حقّ السنهدرين تنفيذ حكم الإعدام (رجمًا) فكان لا بدّ من إيجاد تهمٍ مدنيّة لتوريط الرومان معهم في الموافقة والإسراع بتنفيذ حكم الإعدام. يلتقي هنا نفاق رجال الدين بنفعيّه رجال السياسة والسلطة. هذه هي الاتّهامات المدنيّة: إثاره الفتنة والتحريض: هذا ما تظهره لافتة سبب الإعدام على الصليب "ملك اليهود". فهو وفقًا لهذه التهمه ادّعى أنّه ملك لليهود، وذلك يفسّر تهم تحريضه ضدّ الرومان وتحريضه للشعب بعدم دفع الضرائب للدولة الرومانيّة. التغيير الناعم: قد تكون أقوال يسوع السلميّة والمضادّة للعنف أظهرته مسيحًا يدعو إلى التغيير من الداخل. ربّما أقلق الرومان بشأن حدوث احتجاجات سلميّه خلال عيد الفصح. وقد يكون الرومان قلقوا أيضًا من شعبية يسوع المتزايدة، وقد كان ذلك ربّما يؤدي إلى إثاره الشغب بسبب حادثه طرده الباعة من الهيكل. لا بدّ من عمل الطبخة بين القادة الدينيّين والدولة الرومانية. لا بدّ أن يصمت هذا الرجل أبدًا، ويصبحَ عبرة لمن يعتبر! --- ### ليلة القبض على يسوع - Published: ۲۰۲۳-۰٤-۱۱ - Modified: 2023-04-08 - URL: https://tabcm.net/10957/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: باراباس, سمعان بن يونا كنت أتتبع يسوع الناصري منذ اختارني، كان دائما يقول ليس أنتم من اخترتم بل أنا من اختاركم وأقمتكم لتذهبوا وتأتوا بثمرٍ، وفِي الحقيقة لم أكن أعبأ بالثمر بل كنت أتبعه لأنه يعطي دائمًا ويعطي بسخاء دون أن يعاير، كان يكفي أن تمشي في معيته فتحظى بشهرته، يشيرون إليك ويقولون هذا يتبع الناصري، كنت استهلكه وهو كان يعلم ولَم يوقف عطاءه ولَم أوقف طلباتي منه، أريد أن أنجح، أريد المال، أريد الحب، أريد الشهرة. أوقفني ومنعني من الاستمرار ونظر في عيني وكأنه دخل في أعماقي وسألني: أتريدني أم فقط تريد مني؟! ! في الحقيقة تلعثمت جدًا فأنا فقط أريد منه ولا أستطيع أن اكذب فهو يعرف ما في أعماقي ولكنني في نفس الوقت لا أستطيع أن أقولها له صراحة، ترى بماذا أجيبه؟ تلجلجت للحظات ثم قررت استعارة ما قاله بطرس له ذات مرة: يا رب أنت تعلم كل شيء أنت تعلم إني أحبك. أطال النظر في عيني وكأنه يقول لي لا تكذب، فاستطردت وقلت: يا رب إلى من نذهب وكلام الحياة الأبدية عندك؟ وفجأة دخل الحراس ليقبضوا عليه فقبلته في فمه وقلت لهم هو إنه هو. فررت هاربا ووجدت الجميع يهربون واستوقفتني خطية الذات وقالت لي: أنت كنت معه فلعنتها وقلت لها من هو ذاك حتى تقولين إني كنت معه وتركتها لاصطدم بخطية النجاسة وكانت تشير إلى أني من أتباعه فشققت ملابسها وكشفت عن عورتها وقبلتها في فمها حتى تصدق إني لا أعرف الناصري وفجأة صاح الديك ووجدت بطرس يبكي ووجدتني عريان ولا يسترني شيئًا وجاء نحوي يسوع، ظننت أنه سيقتلني أو سينتقم مني، كان منهكا من ضربات السياط التي في يدي. تعجبت إني أنا الممسك بالسياط رميته على الأرض ولكني وجدت يسوع يصرخ من دقات المسامير التي أغرسها في يده، ما هذا الجنون لماذا أفعل هذا تذكرت عندما كنت جوعانا وأطعمني بخمسة خبزات وسمكتين تذكرت عندما قابلني في منتصف الليل وجلس ليفهمني الولادة من فوق وجلست معه عند البئر وقال لي كل ما قد فعلت. تذكرته عندما أخرج مني اللاجئون عندما طهرني من البرص، عندما كنت في الساحة وخيرنا الوالي بينه وبين باراباس، لم أكن أعرف باراباس بل أعرف يسوع ولكن الوجود في حضرة يسوع وحده يكشف مدى جبني وأنانيتي وخستي، فصرخت: اطلق لنا باراباس، أما يسوع اصلبه، اصلبه لأني أشتهي أكل الخنازير ومراغة الحمأة. اصلبه لأن طهره يكشف نجاساتي وجماله يكشف مدى قبحي، واتّضاعه يكشف عن قساوة قلبي، وفجأة عطش يسوع فوق الصليب فهرولت لأسقيه خلا وأزيد حلقه مرارة فوق مرارة أن تصنع جبلة في جابلها هكذا. مات يسوع ونسيت أني كنت عريانا طوال الوقت وأسير بأقمصة من جلد صنعها لنا بنفسه عندما كنا في جنة عدن وفجأة حدثت زلزلة عظيمة والقبر أصبح فارغًا ووجدت نفسي أمامه ثانية وظننت أنه عاد لينتقم ولكني وجدته يكسوني بدمه ويسترني بصليبه ويبهجني بقيامته. فسألته متعجبًا ألن تنتقم؟ ألن ترميني في بحيرة النار والكبريت؟ فأخذني في حضنه هامسًا: لقد أتيت ليكون لكم حياة ويكون لكم أفضل. سألته: والنار؟ أجابني: إنها معدة لإبليس وملائكته أما أنتم فمباركي أبي المدعون لميراث الملكوت، سألته وخطاياي وضعفاتي؟ احتضنني بقوة وأجاب تكفيك نعمتي لأن قوتي في الضعف تكمل، أعرف أنك ضعيف وأن الجسد يشتهي ضد الروح ولكني أعطيتك غلبة على كل ضعف وإن كانت خطاياك كالقرمز تبيض كالثلج ونزع عني قميص جنة عدن وألبسني جسده نفسه وأعطاني اسمه فصارت لي غلبته ونصرته. فصرخت: أين شوكتك يا موت أين غلبتك يا هاوية؟ فوجدته قادما على سحابة ومعه أكاليل في منتهى الروعة ليعطيها من غلبوا ويسكنهم معه عن يمين الآب، وسمعت صوته العذب قائلا: تعالَوا إلى يا مباركي أبي رثوا الملك المعد لكم منذ تأسيس العالم وسمعت زغاريد السماء وتهليل الملائكة. --- ### الجِنْدَرِيَّة وحقوق الإنسان - Published: ۲۰۲۳-۰٤-۱۰ - Modified: 2023-11-05 - URL: https://tabcm.net/10965/ - تصنيفات: المرأة القبطية, مقالات وآراء - وسوم: الفجوة الجندرية, قديس بولس الرسول, كوستي بندلي الجِنْدَرِيَّة تتعاطى مع الناحية الاجتماعية، أي الوضع الاجتماعي والمواقع التي تُوَزَّع على المرأة والرجل ليس من ناحية الجِنس SEX، لذا فاعتماد الجنس SEX لتحديد الأدوار ينتهي إلى نتائج خاطئة نتيجة إلى ممارسات وأفكار غير صحيحة. 1- تقسيم العَمَل اعتمادًا على الفروق البيولوجية بين الرجل والمرأة. اختلاف الفروق البيولوجية يُعتبَر اختلافًا جذريًا عن الفروق من ناحية النوع، أي الاختلاف في الوضْع الاجتماعي والمواقِع. -فالفروق البيولوجية لا تكفي لكي تكون مقياسًا وحيدًا لوضْع مواصفَات لكلا الجنسين، فهناك عوامِل أخرى مثل التنشئة الاجتماعية والدينية والتعليمية، وتأثير التغيَّرات الحديثة في المجتمعات المُعاصِرة. 2- العادات والتقاليد والعُرف التي تَتوقف عن أن تتغذّى بأفكار جديدة توجِّهها نحو أهداف إنسانية وعملية، وعندما يسانِدها هدف الجماعة التي تتمسك بالقديم تؤدي إلى جمود المَلَكات أو توقُّف نمو المواهب والابتكار، أو الكفْ عن التفكير والعمل. - لا يغيب عن البال أن هناك صِلة بين العادات والتقاليد من ناحية، والدين من ناحيةٍ أخرى حيث يرتبطان معا ويُستَخدَمان أو يُستَغلان تبادليًا لتعضيد كل منهما للآخر، يتعاون على هذا نظرةٌ سلفيةٌ دينيةٌ لتشمل العملية التعليمية والسياسية والإعلامية. فقوة العادات والتقاليد تفوق قوة الدين أحيانا كثيرة إن لم تؤثر في الدين نفسه في مجتمعات عديدة خاصة المجتمعات المُغلَقة والحضارات القديمة. 3- دور الإعلام، خاصةً بعد اتساع الميديا. ولعل العامليَن الرئيسييَن اللذين يمثِّلان خطورةً حقيقيةً على قضية الجِنْدَرِّية ويروِّج لهما الإعلام هي فكرة التَنْميط، أو توحيد الشكل لدرَجة الثبات وأيضا فكرة الخصوصية. والتنميط هو "تقديم صورة متَضمِّنة أفكارًا للفرد أو مجموعة من البَشَر وتتكرَّر هذه الصورة بإلحاح حتى تصبح لصيقة بهم حتى وإن كانت لا تمثل الواقع. ربما أن النَمَط الموحَّد مُريِح، أو لأنه يحمي مجتمعًا لا يقوى على التفاعُل مع المُتغيِّرات بما يحتاج إليه هذا التفاعُل من قُدرَةٍ ورغبةٍ في التغيير. كما أن النَمَط كأداة إعلامية لتقديم الأفكار يسهل تركيبه، وفي نفس الوقت يسهل تلقِّيه بل وتمسُّك المتلقِّي به. أما الخصوصية فتلعب على وَتَر الغزْو الثقافي أحيانًا، وعلى المشاعِر الدينية أحيانًا أخرى، والارتباط بالعادات والتقاليد من جهة ثالثة. وبالطبع فإن المرأة هي القَاسِم المُشتَرك الأعظم الذي يتحمَّل تثبيت كوادِر التنميط وأبعاد الخصوصية. وللأسف كثيرًا ماتظهر المرأة في الإعلام في صورة الرَّذِيلة ومسئوليتها عن انحرافات داخل المجتمع ولا يثمـِّن فيها سوى الجوانب التي يمكن أن تعكس استكانتها وضعفها. 4- قضية التعليم والعمل، وهما بمثابة الدّاء والدواء في نفس الوقت، فهي داء عندما يرى البعض أن مُنتَهى آمال المرأة أن تنال حقَّها من التعليم مثلها مثل الرجل، وأن التعليم سِلاح يحمي مستقبل المرأة من الناحية المادية، وأن تولِّى مناصِب ما زالت مقصورة على الرجال هو الهدف من عملها فإذا هي حصلت على هذه (الحقوق) فإنها سوف تُحرِز نصرًا كبيرًا. ويغيب هنا أن التعليم والعمل ترتبط بهما وتَنتُج عنهما علاقات ودلالات ومعانٍ وخبرات لا غنىً عنها لنضج الفرد والمجتمع. وهما أي التعليم والعمل دواءٌ لتصحيح تلك المفاهيم. 5- مفهوم الديمقراطية، فهي في المقام الأول ثقافة يتمسَّك بها المجتمع قبل أن تكون وسيلةً لتعاطي السياسة، كما أنها ليست تنظيمات تنشأ على يد نصوص أو قوانين، وإنما تنشأ في مجتمع يؤمن بها، وتأتي القوانين كمقرِّرة ومنظِّمة لحالةٍ قائمةٍ تمتد من جيل إلى جيل، فمكوِّنات الديمقراطية تشمل حرية التعبير عن الرأي والعقيدة والفِكْر وتداوُل السُّلطة والمُشاركة في صُنْع القرار، وأيضا حق المساءلة. يقدم المؤتمر الدولي للأسرة والسكان والتنمية 1994 المُنعقِد في القاهرة مثالا لهذا حين اعتبرت الجماعات المُغلَقة أن "تمكين المرأة" -وهو أحد توصيات ذلك المؤتمر-مقصود به تغليب المرأة على الرجل وتسيُّدها عليه مما يخالِف الشَّرع والتقاليد. 6- فَهْم كلام الرسول بولس فيما يختص بقضية المرأة؛ تحديد لُب وجوهر السِياق الذي تكلَّم فيه الرُسُل عامةً يكون أكثر جدوى حيث التوتُّر بين جِدَّة النفحة الإلهية من جهة، وعتَاقة الأطُر الحضارية التي تحرَّك الرسول بولس (وبقية الرُسُل) ونشأ وعاش في ظلِّها من جهة أخرى. (مثل رؤية الحضارة اليهودية إلى المرأة كقاصر، و"أنثوية" الحضارة الرومانية وصِلتها بالخلاعة البالِغة لدى المرأة). وكما قال كوستي بندلي: "إن الأنبياء والرُسُل يتكلمون لغةً عصرٍهم، ويسكبون الوحي الإلهي في قَالَب الصِّيغ الحضارية التي ينتمون إليها، ولهذا فكلامهم ليس كلاماً إلهيًا مَحضًا مُطلقًا، ولا تعبيرًا حضاريًا بحتًا وإنما الاثنين معًا في تداخُل حي. ويأتي التمسُّك بحرفية كلام الرُسُل فيخلِط الجِّدة بالعَتَاقة، أي النفحة الإلهية بالقوالِب الحَضَارية التي قيَّدتها في نفس الوقت، فيتحقَّق قول يسوع المسيح "القديم يبلى والجديد لا يوافقه". (كوستي بندلي) لقد كان انتشار الفِكْر الغنوصي كمثال على عَتَاقة الأطر الحضارية أثرًا حيث انتشرت الغنوصية في وقت كتابة الرسول بولس إلى تيموثاوس الذي كان يخدُم في أفسس بما هي عليه من تأثُّر بأفكار ومعتقدات. ويشرح طقسٌ يسمَّى “طقْس الهيروس گاموس ويعني الزواج المقدس". وفحواه أن الاتحاد الجنسي الطبيعي بين الرجل والمرأة هو الفِعْل الذي اختبر الذَّكَر والأنثى من خلاله الله. ويجعل كل منهما كاملا روحيًا ويتوصَّلان في النهاية إلى تحقيق الغنوصية، أي المعرفة الإلهية. وبما أن الجنس يؤدي إلى وِلادة حياة جديدة، المُعجِزة النهائية، وأن المُعجِزات لا يصنعها غير الآلهة، وبالتالي فإن قُدْرة المرأة على إنتاج الحياة من رَحِمها يجعلها مقدَّسةً، إلهةً". وبهذا فلا خَلْق ولا اعتراف بالسقوط، ولا حاجة إلى الخلاص بالإيمان المسيحي ولا إلى التعليم الروحي، فالعرفانية تحل محل كل هذه الأمور. وهذا مَثَلٌ لإيضاح غموُض ما جاء في الرسالة الثانية الى تيموثاوس 2: 11-15 والذي يُعتَبر النص الوحيد في العهد الجديد الذي حَمَل معانٍ كهذه. أما الوجه الإلهي لكلام الرسول بولس والذي حَدث بفِعل جِدَّة الإنجيل، فقد قَلَب مضمون المفاهيم الحضارية التي حَافَظ عليها الرسول رأسًا على عَقب، وكما يقول كوستي بندلي: "إن دور الكنيسة الآن تفعيل الخميرة الإنجيلية في التاريخ البشري، وهي حَرَكة لا تزال محدودة في إنجازاتها فيما يتعلَّق بقضية الجِنْدَر". (كوستي بندلي) 6- القانون بين المَنْح والمَنْع ومدى وقوفه في صفْ المرأة. أ. قانون الأحوال الشخصية في مصر الذي يجري تعديله هذه الآونة، لا يلْقى ارتياحًا من عدة نواحٍ، مثل حرمان المرأة من حق تزويج نفسها أيًا كان عمرها أو موقعها الاجتماعي، بل وحق الولي في تطليقها في أي مرحلة يمُر بها الزواج، وأيضًا أحوال الحضانة والاعتراف للأم بممارسة الأمور القانونية الواجِبة لتربية القاصِر، فالأم ليس لها حق قيِد مولودها. وأما قانون الأحوال الشخصية لغير المسلمين فمازال يتعثَّر بين الطوائف من ناحية، وتحريكه من جهة السلطات من ناحية أخرى. ب. المنْع من السَّفْر. تُمنَح المرأة الموافَقة على السَّفر بأذْن رجل، وأحياناً بموافَقة شُرْطة الآداب. تتأسَّس هذه النظْرَة لجَسَد المرأة باعتباره عَورةً وخطرًا كبيرًا على الشَرف، فيجب أن يكون تحت الرقابة، وهو ما يُعتبر خلطًا بين الجنس والجِنْدَرِيَّة وبالتالي الجور على الحقوق. ج. الطاعة أو الولاية على المرأة المرأة (الزوجة) في هذه الحالات ليست شخصًا حرًا ومواطنًا له حقوق ثابتة، فكل ما يمكن أن تتمتع به من حرية أو حقوق مشروط بإرادة الرجل –الزوج الذي يمنح أو يمنع "حتى لو كانت تقصد بسفرها أداء فريضة الحج". أما قانون العقوبات المصري فنصوصه على سبيل المِثال تفرِّق بامتياز في عقوبة ارتكاب الزنا فقد نص في مادته رقم 276 على أن عقوبة جريمة الزنا الحبس 6 شهور للزوج وسنتين للزوجة. إن إلغاء المساواة القانونية بين الزوجين (وإن لم يكن منْع المرأة من اللجوء للقضاء الذي تُغلقه العادات والتقاليد بمساندة الفكر الديني المُتزَمِّت في وجه المرأة وتمنعها منه أصلا) له تأثيره السلبي على الأسرة كمؤسسة تربوية والتي هي المدرسة الوحيدة للمشَاعِر الأخلاقية الأصيلة، ولذلك فالتعامُل داخل الأسرة على أساس تفوُّق جنس له نتائج بالِغة الضَّرر، فالادعاء اليومي بالتفوُّق يحط من قيمة الزوجات وله نتائج بالِغة الضَّرر على الأطفال، فطالما أن هناك موجودَين بشريَين أحدهما مُقتنِع بقدراته وسيادته على الطَرَف الآخر، وأن جو المنزل الذي يتلقَّى فيه جميع أعضائه التربية الأخلاقية المبكرِّة يقوم على أساس غير عادل في توزيع الحقوق والسلطات، فإن التقدُّم الأخلاقي للمجتمع مشكوك فيه. 8- ثقافة احترام القانون كل من الفِقه الإسلامي واللاهوت المسيحي ينادي بأن المرأة تحتَل مَكانة متفوِّقة، فإذا اصطدم بتدهور أوضاع المرأة واقعيًا فالنصوص جَاهِزة لكي تُؤخذ حرفيًا دون الالتفات إلى خلفية وظروف هذه النصوص فيلجأ كلاهما إلى "الأوامر الإلهية" وكلاهما قادِر على تحويل القيود التي تُفرَض على المرأة إلى امتيازات، وهنا يتعطَّل كلا من النص القانوني والدور المؤسسي الذي يُفترض أنه يساند القوانين. الواقع أن "احترام القانون" قيمة يتوقَّف عليها سلام وسلامة المجتمع إلى حد كبير، فالمجتمعات التي تُرسِي احترام القانون يؤمن فيها الفرد العادي بأن المعايير القانونية جزء جوهري من نظام العدالة أو أنها النواة التي من خلالها يمكن تحقيق العدالة، ويؤمن بأن مثل هذه القوانين ترفع نوعية الحياة بالنسبة للفرد وللمجتمع على السواء. ولهذا فإن تغيير نصوص في القانون لن يلقى تفعيلا إن لم يسبقه ويواكبه ويلحَقه مَنْظوُمة قِيم تُراعي المتغيِّرات، فالمناداة بالمبادئ والقوانين لابد أن يرى تحقيقًا على أرض الواقِع فقد يكفُل القانون للمرأة حقوقًا لكن القِيَم السائِدة تقف عائقًا. كمثال الموافقة على تعيين المرأة في وظيفة مأذون عام 2008 ولكن فِعليًا لم تمارس المهنةـ أو تمارسها على استحياء واضِح بتأثير الموروث. كما صدَرَ قرَار السنودس برسِامة المرأة شيخًا عام 2007 بعد جهد جهيد، أما المُوافَقة على رسامة المرأة قسًا فقد اُرتُئي أن الحل هو أن تظَل الرِسامة موقوفة. 9- بداية الاهتمام بقضية المرأة، فالاهتمام بعدم المساواة النوعية بدأ منذ أواخر القرن الثامن عشر، وهذا تاريخ قصير نسبيًا. والمقصود أنها ليست قضية ميؤوس من تحقيق نتائج إيجابية بخصوصها، فجان جاك روسو على سبيل المِثال وهو من روَّاد التنوير في القرن 17 يرى أن المرأة المِثَالية أبعد ما تكون عن الشخص المُستقِل ذاتيًا، أو حتى الشخص المتميِّز. بل إن تفكير المرأة، أو استخدامها لعقْلها في أي غَرَض آخر غير الأغراض التي حدَّدها بالجنس ودورها المنزلي ليس فقط غير مطلوب، وإنما هو بَغيِض. وفي المنطقة العربية بدأ الاهتمام بالقضية بظهور كِتابَات رِفاَعة الطهطاوي وقاسِم أمين في النصف الثاني من القرن 19، وفي الغرب بدأها جون ستيوارت مِلْ في نفس الحِقبة. وهو قام بتوصيف القضية وتبيان آثارها الجانبيِّة السِّيئة، وأيضا وصَّف علاج المشكلة وما يترتب على العلاج من آثار إيجابية وبعد... يتضح من كل ما سبق أن الإطار الذي تتحرَّك فيه هذه القضية يشمل المجتمع ككل بوجه عام. فالقضية تخص المجتمع لا المرأة وحدها، وأطرافها ليس هما الرجل والمرأة. إذ يتورَّط المجتمع كله في هذه الأزمة بأعماره المختلفة ومؤسِّساته المتنوِّعة (تعليمية-دينية-سياسية- مدنية. الخ) حيث يُسهِم هذا التمييز في نشأة النظام الهيراركي أو الأبوي أو التصَاعُدي أو الذُكورِي أو الهَرِمي، أو يكرِّسه إن كان قائمًا بالفعل، فالأمر يتحوَّل إلى (نِظام) وليس مجرَّد تمييز بين رجل وامرأة. وتتحوَّل الهيراركية إلى ثقافة سائِدة، تقترب أو تبتعِد عن العدالة والإنصاف بقدر ما تكون صادِقة وحيادية وبقَدْر ما تكون متنبِّهة للسِياق الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والديني ونوعية عاداتها وقيِمها. أما المؤسسة الدينة في مصر( إسلامية ومسيحية) فهي من المصادر الرئيسية التي يعول عليها لإحداث التطور المنشود لأننا من المجتمعات التي تتأثر بالتوجهات الدينية إلى حد كبير. هذا عن الجِنْدَرِّية، أما عن حقوق الإنسان فعلى العامِلين في هذا المجال استيعاب القضية بحسَب سِياقها حتى تنجح مساعيهم، وإن كان هناك تساؤلات الآن حول تقييم عَمَل تلك المؤسسات فمن المهم أخذها في الاعتبار. -  أما الملْحوُظة الأخيرة والمُهِمَّة فهي أن القضية ليست قضية مُزَاحَمة جِنْس لآخر، فالمرأة ليست ضِدًا وليست مُنافِسًا (فهو وهي) معًا يعني (إنسانًا) - الذي لا يكْمُل إلا (بهو وهي) - والذي لا يرْتَفِع إلا (بهو وهي) - والذي لا يَسْعَد إلا (بهو وهي) مراجع 1-كريج س. كينر " الخلفية الحضارية للكتاب المقدس" الجزء الثاني، (القاهرة: دار الثقافة، 2004). 2-كوستي بندلي، المرأة موقعها ومرتجاها، (القاهرة: دار العالم العربي للطباعة، 1994). 3-مارلين سميث، ترجمة إدوارد وديع عبد المسيح، النوع أم المواهب(القاهرة: دارا لثقافة، 2000 ). 4-الأب متى المسكين، المرأة حقوقها وواجباتها في الحياة الاجتماعية والدينية في الكنيسة الأولى( برية شيهيت: دير القديس أنبا مقار، 1982) . 5-د. منى فياض، أقنعة الثقافة العربية، ( القاهرة: دار الثقافة، 2006). --- ### مقاصيف الرقبة - Published: ۲۰۲۳-۰٤-۰۹ - Modified: 2023-10-11 - URL: https://tabcm.net/10993/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أثناسيوس الثاني, إكليروس, بابا بطرس الأول خاتم الشهداء, ساويرس الأنطاكي, قديس أثناسيوس الرسولي, كرسي القسطنطينية, مجمع خلقيدونية, نيفاليوس أينما وجد للرب حقولا وشعبا، فلا بد أن توجد الذئاب المسعورة، قاعدة كتابية وتاريخية لم تخب أبدًا، تختلف فقط في موقع الذئاب. أحيانًا يتربع الذئب السمين على كرسي الراعي الكبير، فيجتمع حوله بقية الذئاب، ويقيمون حفلة شواء دائمة على شرف ولحم القطيع، وحين تشفق الأقدار على الرعية فينفق الذئب السمين، يخلف دغلا لا حقلا، دغلا تعيث به فسادا، الذئاب والضباع وكل أنواع الزواحف والأفاعي. أحيانا أخرى حين تسوق الأقدار للحقل راعيا حقيقيًا، يجن جنون الذئاب ويتكالبون على الراعي الطيب، والرعية المثخنة بالجراح، يمارسون الافتراس والتمزيق. شأن كل حقول الرب، لم تنقطع الذئاب المتسربلة بثوب الراعي عن كنيستنا، الفارق فقط يصنعه جناح علماني قوي، يضبط أداء "المرعى" ولولاه لكانوا التهمونا أحياء. حكايتنا اليوم، حكاية عن ذئاب، لم تجد من يردعها، فتركت أثرا عميقًا ظل باقيًا حتى اليوم، وربما سيستمر أبدًا، بعد أن مزقوا أساسًا راسخًا للبناء، المرة الأولى بعد خلقيدونية المشؤوم، تنتظم كراسي الشرق الأربعة: الإسكندرية والقسطنطينية وأنطاكيا وأورشليم، في وحدة وشركة حقيقية، لو استمرت لصار خلقيدونية أثرا بعد عين. ولنبدأ الحكاية من بدايتها، بعد خلقيدونية بثلاثين عاما، وبعدما جرت مياه كثيرة في الأنهار، جاء "زينون" إمبراطورًا، وجاء "أكاكيوس" بطريركًا على القسطنطينية، كان الأول يرى إعادة الوحدة أهم ملفاته، والثاني مائلًا إلى غير الخلقيدونية، ولا يهمه في خلقيدونية سوى المكانة التي حصل عليها كرسي القسطنطينية، فصاغا معا "الهينوتيكون" منشورًا للاتحاد. يبدأ المنشور بمقدمة عاطفية تتأسى على الحال الكنسي والواقع المزري الذي خلفه التطاحن، ثم ينتقل للاعتراف بقانون إيمان نيقية -بالفهم السكندري- كوثيقة الإيمان الوحيدة المقبولة، ثم الخطوة الجبارة بالاعتراف بالحروم الإثني عشر للقديس كيرلس، ثم، يحرم المنشور: كل من آمن أو يؤمن، الآن أو في أي وقت، سواء في خلقيدونية أو في أي مجمع، بأي إيمان آخر. من وجهة النظر الأرثوذوكسية والإيمانية لم يشب المنشور شائبة، فضلا عن إسباغه المشروعية على الإيمان غير الخلقدوني ورفع الاضطهاد عن معتنقيه وإعادة فتح كنائسهم. تم إرسال المنشور إلى البطريرك السكندري البابا بطرس الذي كان هاربًا متنقلًا بين عدد من أديرة الصحراء، كما أرسل للبطريرك بطرس القصار في أنطاكية، والبطريرك مارتيروس في أورشليم. اتفقت الكراسي الأربعة الشرقية -أو بالأحرى باباواتها- علي إعادة الاتحاد، إلا أن كل كرسي واجه مشكلاته الداخلية بسبب هذا التوقيع، و كان القاسم المشترك هو الإكليروس والرهبان. في مصر تزعم مجموعة من الأساقفة آلاف الرهبان، رفضا لمنشور الاتحاد، وتصاعدت احتجاجاتهم ووصلت إلى الإمبراطور، الذي أرسل إليهم أكثر من رسول، جرت محاولات لعزل البابا القديس بطرس، لم تكلل بالنجاح لوقوف الشعب خلف بطريركه. انتهى الأمر بانشقاق هؤلاء الأساقفة ومؤيديهم وأطلق عليهم "عديمي الرأس" أو "مقاصيف الرقبة". ولأنهم لم يستطيعوا ضم أحد من الشعب، انتهت هذه العصابة سريعا. جدير بالذكر -والكاشف أيضا- إن أحد أفراد هذه العصابة كان راهبا نوبيا، انشق وأصبح أحد كبار المدافعين عن خلقيدونية، وهو من خلد اسمه قديسنا العظيم "ساويرس" في عمله الأول "في الرد على نيفاليوس". ويذكر أنه بعد وفاه البابا بطرس، رفع خلفه البابا أثناسيوس الثاني اسمه من "الدبتيخا" طلبا لتوحيد الجميع وضم هذه الجماعة، إلا إنه اضطر إعادته تحت غضب وضغط شعبي عارم. ودائما لا يصح إلا الصحيح. --- ### الكلب والبجع - Published: ۲۰۲۳-۰٤-۰۸ - Modified: 2023-04-04 - URL: https://tabcm.net/10969/ - تصنيفات: مقالات وآراء في البلاد الإسكندينافية (السويد والنرويج وفنلندا والدنمارك وأيسلندا) تكثر المياه الضحلة التي يتوالد فيها السمك بكثرة، ولذا يكثر أيضاً الصيادون هناك. خرج الصياد ليصطاد وكان معه قاربه الصغير، لا يحمل فيه سوى أدوات الصيد ودلو بلاستيك فيه الطُّعم الذي يستعمله لصيد الأسماك، مع كلبه الظريف الأمين الذي لا يكاد يفارقه. وأثناء تجول الصياد بين الجزر الضحلة وقف ليلقي بصنارته المعتاد عليها. وبعد قليل جاء أحد طيور البجع المنتشر هناك ليأخذ أحد العناكب الموجودة كطعم لصيد الأسماك. فهبَّ الكلب الأمين وزمجر ضد هذا الطائر. ثم مرة ثانية جاء الطائر ليأخذ أحد الديدان، فإذا بالكلب يلتقطها منه ويتناحران عليها. فطار الطائر الجميل وعاد إلى عشه القريب. هنا رأى الكلب الصغير ذاك الطائر البديع وهو يعطي فراخه الصغيرة أحد الأسماك كطعام. وحين دقق فيما حدث وجد أن الفراخ الصغيرة لم ترضَ أن تأكل هذا السمك. حينئذٍ أدرك لماذا كان البجع يسعى لأخذ إحدى العناكب من الصياد. هذا الموقف جعل هذا الكلب الوفي الذكي ينتبه إلى هذا الأمر. فماذا فعل؟ إذا به يمد يده ويأخذ أحد العناكب ويضعها لطائر البجع لكي يُطعم بها فراخه. هنا طار طائر البجع إلى المركَب الصغير وأخذ العنكبوت البحري وعاد إلى فراخه ليُطعمها. فيا لفرحة هذا الكلب الذكي حين رأى الفراخ الصغيرة فرحانة بالطعام الذي أتاها، فرفرفت بأجنحتها، وأكلت الطعام بفرح وسرور. وما هي إلا لحظات حتى عاد طائر البجع ليرُدَّ الجميل للكلب الوفي: لقد عاد وفي منقاره الكبير عدة أسماك صغيرة مما استطاع أن يصطادها، ثم ألقاها في المركَب أمام الكلب الصغير. نظر إليه الكلب نظرة خَجِلَة، وهز ذيله تعبيراً عن امتنانه لهذا الكرم من البجع. هنا انتبه الصياد لَمَّا يجر وجاء لينظر إلى الكلب والهدية التي حصل عليها. حينئذٍ فَهِمَ الصياد ما كان، ورَبَتَ على الكلب الصغير الوفي وفرح أنه تعلم الدرس. وما هو الدرس؟ تعلَّم أن العطاء جزء لا يتجزأ من منظومة الحياة التي نحياها. فهو باب للسعادة والرضا في هذه الحياة؛ يملأ القلب سروراً والفكر هدوءاً والعقل فهماً ووعياً، وهو سر من أسرار الحياة السعيدة. فقد قال أحد فلاسفة زمانه: إن قمة السعادة تكون في العطاء وليس في الأخذ. وبالإجمال قد صدق الكتاب المقدس حين قال: فِي كُلِّ شَيْءٍ أَرَيْتُكُمْ أَنَّهُ هكَذَا يَنْبَغِي أَنَّكُمْ تَتْعَبُونَ وَتَعْضُدُونَ الضُّعَفَاءَ، مُتَذَكِّرِينَ كَلِمَاتِ الرَّبِّ يَسُوعَ أَنَّهُ قَالَ: مَغْبُوطٌ هُوَ الْعَطَاءُ أَكْثَرُ مِنَ الأَخْذِ». (سفر أعمال الرسل 20: 35) «هَاتُوا جَمِيعَ الْعُشُورِ إِلَى الْخَزْنَةِ لِيَكُونَ فِي بَيْتِي طَعَامٌ وَجَرِّبُونِي بِهَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ إِنْ كُنْتُ لاَ أَفْتَحُ لَكُمْ كُوى السَّمَاوَاتِ وَأُفِيضُ عَلَيْكُمْ بَرَكَةً حَتَّى لاَ تُوسَعَ. وَأَنْتَهِرُ مِنْ أَجْلِكُمْ الآكِلَ فَلاَ يُفْسِدُ لَكُمْ ثَمَرَ الأَرْضِ وَلاَ يُعْقَرُ لَكُمُ الْكَرْمُ فِي الْحَقْلِ قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. وَيُطَوِّبُكُمْ كُلُّ الأُمَمِ لأَنَّكُمْ تَكُونُونَ أَرْضَ مَسَرَّةٍ قَالَ رَبُّ \لْجُنُودِ. »(سفر ملاخي 3: 10-12) «غَيْرَ أَنَّكُمْ فَعَلْتُمْ حَسَناً إِذِ اشْتَرَكْتُمْ فِي ضِيقَتِي. وَأَنْتُمْ أَيْضاً تَعْلَمُونَ أَيُّهَا الْفِيلِبِّيُّونَ أَنَّهُ فِي بَدَاءَةِ الإِنْجِيلِ، لَمَّا خَرَجْتُ مِنْ مَكِدُونِيَّةَ، لَمْ تُشَارِكْنِي كَنِيسَةٌ وَاحِدَةٌ فِي حِسَابِ الْعَطَاءِ وَالأَخْذِ إِلاَّ أَنْتُمْ وَحْدَكُمْ. فَإِنَّكُمْ فِي تَسَالُونِيكِي أَيْضاً أَرْسَلْتُمْ إِلَيَّ مَرَّةً وَمَرَّتَيْنِ لِحَاجَتِي. لَيْسَ أَنِّي أَطْلُبُ الْعَطِيَّةَ، بَلْ أَطْلُبُ الثَّمَرَ الْمُتَكَاثِرَ لِحِسَابِكُمْ. وَلَكِنِّي قَدِ اسْتَوْفَيْتُ كُلَّ شَيْءٍ وَاسْتَفْضَلْتُ. قَدِ امْتَلأْتُ إِذْ قَبِلْتُ مِنْ أَبَفْرُودِتُسَ الأَشْيَاءَ الَّتِي مِنْ عِنْدِكُمْ، نَسِيمَ رَائِحَةٍ طَيِّبَةٍ، ذَبِيحَةً مَقْبُولَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ اللهِ. فَيَمْلأُ إِلَهِي كُلَّ احْتِيَاجِكُمْ بِحَسَبِ غِنَاهُ فِي الْمَجْدِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ. وَلِلَّهِ وَأَبِينَا الْمَجْدُ إِلَى دَهْرِ الدَّاهِرِينَ. آمِينَ. »(رسالة بولس إلى فيلبي 4: 14-20) --- ### الكنيسة الفارغة تخرج زوسيما وأمثاله - Published: ۲۰۲۳-۰٤-۰۷ - Modified: 2023-04-07 - URL: https://tabcm.net/10996/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أنبا زوسيما، أسقف أطفيح والصف, التقويم القبطي, الروم الأرثوذكس, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, جمعة ختام الصوم, حماة الإيمان, عيد البشارة, كنيسة الإسكندرية عندما تجلس في مَقْعَد المتفرج وتشاهد المناقشات والموضوعات التي تدور في أروقة كنيسة الإسكندرية تتحسر على حال الكنيسة التي أسست علم اللاهوت ومدرسة التفسير الرمزي للكتاب المقدس، وكانت تقود كنائس العالم فكريا ولاهوتيًا في وقت من الأوقات خلال القرون الأولى، فالموضوع الأخير الذي قامت له القيامة ولم تقعد بعد، ومثّل خطورة شديدة على حياة العالم، هو هل تصلي الكنيسة بالطقس الخاص بجمعة ختام الصوم؟ أم بطقس الفرح لأنه يوافق عيد البشارة؟ وكأنه  سنرتكب جريمة لاهوتية عميقة وسندخل في هرطقة عظمى أو ستنفجر فينا قنبلة إذا أخطأن واختارنا الطقس الخطأ. من المفترض أن الطقس طريقة أو وسيلة لترتيب وتنظيم الصلاة، والهدف ليس امتثال العباد للطقس وكأنه صنم، إذا تغير فيه شيئا نبدو كأننا ارتكبنا جريمة لا يمكن غفرانها، لكن بسبب الفراغ وغياب التعليم وانتشار الجهل على مدار قرون مضت بسبب ما عانته كنيسة الإسكندرية من ضغوط وتحديات، انغلقت على نفسها وأصبح الطقس يُعبد ولم يتبق غيره ليتقاتل عليه الأقباط داخل كنيستهم. أما الإنتاج الأكاديمي واللاهوتي فحدث ولا حرج، لا توجد كلية أو معهد قبطي معتمد أكاديميًا على مستوى العالم، بل يمكن تصنيفه بأنهم "تحت بير السلم" وهي العبارة الدارجة على المصانع والشركات والكليات والمعاهد غير المعتمدة أو غير المرخصة أو التي ليس لها جودة حقيقية تنافس بها في السوق، فأي جهد أكاديمي في الكنيسة القبطية هو فردي وليس مؤسسي، مهما انتفخت عروق البعض وتشدقوا  بعظمة تاريخ كنيستنا، وقد ولى، ولم تعد لنا علاقة به أو تواصل معه أو محاولة البناء عليه مع مراعاة تطورات العصر الحالي. منذ كنت طفلا صغيرا اعتدت حضور أسبوع الآلام بالكامل في كنيستي، وكنت بمنتهى البراءة أذهب للسلام على الكهنة المتواجدين يوم خميس العهد، كما هي العادة، فكان بعضهم يرفض أن يمد يده ويقول: "ممنوع السلامات حتى لا نكن مثل يهوذا"، ورغم أن السلامات الممنوعة هي السلامات "الطقسية" خلال الصلاة بين الكهنة، إلا أن هذا الطقس أصبح ينسحب على التعامل العادي بعيدا عن الصلاة وكأننا إذا سلمنا على بعض سيخون أحدنا الآخر كما فعل يهوذا. في نفس الكنيسة تربيت على يد المتنيح القمص بنيامين فؤاد الذي بذل حياته حرفيا من أجل المسيح ورعيته وحلت ذكرى رحيله الثالثة عن دنيانا في 4 أبريل الجاري، وتعلمت من أبي الراحل أن الصلاة مشاركة، وأن الطقس من أجل الإنسان وليس العكس، فكانت الصلاة معه متعة، يترك ما تعارف أن يقوله الكاهن من مردات وألحان في صلوات البصخة خلال أسبوع الآلام، حتى يشارك كل شخص في الصلاة، فقط كان يصلي الطلبة الأخيرة ويختم الصلاة، كان لا يعبد الطقس فربح نفوس كثيرين وجعلهم يحبون الكنيسة والتواجد فيها للصلاة. نعود إلى أزمة عيد البشارة / ختام الصوم، التي افتعلها أنبا زوسيما أسقف أطفيح الشهير بأسقف "البلح والجوافة". يتشكل مجمع أساقفة كنيستنا القبطية من مجموعة من اللجان من ضمنها لجنة الطقوس، ومقررها حاليا هو أحد الأساقفة المعروف بعدائه للبابا تواضروس وهو الأنبا بنيامين مَطْرَان المنوفية، والمقرر المساعد هو الأنبا مكاري الأسقف العام، ولأن اليوم الجمعة 7 أبريل 2023 الموافق جمعة ختام الصوم يوافق 29 برمهات من التقويم القبطي وهو عيد البشارة بميلاد المسيح، وأحد الأعياد السيّديّة المرتبطة بالمسيح، أوصت اللجنة أن يصلى بطقس الفرح المصاحب لعيد البشارةـ وليس الطقس الجنائزي المعتاد يوم جمعة ختام الصوم، وتبنى البابا تواضروس توصية اللجنة، فقام ثائرة زوسيما، ومعه صفحات وحسابات من يدعون أنهم حماة الإيمان. يذكر أن الأسقف زوسيما الذي توقف برنامجه "إيماننا الأقدس" على قناة مي-سات الواقعة تحت إدارة الأنبا إرميا الأسقف العام، بسبب ما يبثه من تعصب وكراهية ومعلومات مضللة أو ساذجة، كما حدث وخصص حلقة للتأمل في البلح والجوافة المصادف نموهم مع عيد النيروز "رأس السنة القبطية" في سبتمبر من كل عام، وقدم فيهم تأملات باعتبارهم ركن أساسي من الإيمان والطقس، مع أن مصر لم تعرف زراعة الجوافة إلا في القرن التاسع عشر، كما قدم معلومات مضللة عن أن السيد المسيح عدد بنفسه عيد الميلاد يوم 29 كيهك بالتقويم القبطي، في حين أنه لا يعرف لا يوم ولا شهر ميلاد السيد المسيح، حتى سنة ميلاده لم تحسمها الحسابات بدقة، وعيد الميلاد بدأ الاحتفال به بعد عدة قرون من انتشار المسيحية. اﻷنبا زوسيما الذي تبكي صفحات حماة الإيمان على برنامجه المتوقف، وتحسب حتى اليوم منذ متى توقف برنامجه وتقيم بكائية عليه، خرج ليشق وحدة الكنيسة ويعلن أنه يرفض توصية لجنة الطقوس التي أقرها البابا تواضروس، وأنه سيصلي بطقس جمعة ختام الصوم، باعتبار أنه الوحيد العارف بالطقس والمحافظ عليه، والهدف هو تحدي البابا تواضروس كما كان يفعل في برنامَج "إيماننا الأقدس"، حيث كان يخرج علينا في كل مرة بكلام مناقض لأي خطاب أو عظة للبابا تواضروس، كما يفعل حاليا الأنبا أغاثون أسقف مغاغة والعدوة على صفحة مطرانية مغاغة. منذ كنت طفلا صغيرا في زمن البابا الراحل شنودة الثالث، كان مجمع الأساقفة يتخذ في كل عام قرارات مناقضة للعام الذي يسبقه، فمثلا صلاة الجناز العام في نهاية قداس أحد السعف تارَة تصلى بالطقس السنوي، وتارة أخرى يطلب المجمع أن تصلى بالطقس الحزين، في نهاية قداس أحد السعف كانت تختم بصلوات البصخة الخاصة بناهية يوم أحد السعف، ثم قرر المجمع أن  تصلى مساءًا مع صلوات ليلة الاثنين، وفي كل الأحوال كانت تصلى الصلوات والمختلف فقط هو الترتيب والوقت، والطقس هو أمر بشري متغير ويتطور بتطور الزمن، فما حدث هذا العام ليس بجديد. يجب أن نذكر بشيء أخير وهو أنّ اﻷنبا زوسيما، الأسقف الذي يخرج علينا لحماية الطقس، هو نفسه الذي يرفض الحوار اللاهوتي مع الكنائس الأخرى، ويبث سموم الكراهيَة تجاههم، وفي ذات الوقت يفضل ارتداء ملابس الكهنوت البيزنطية الخاصة بكنيسة الروم الأرثوذكس "الخلقدونية"، على زي الخدمة القبطي، فهل تريد مننا أن نصدق أنه فعلًا غيور على الطقس القبطي؟ هناك أسئلة إلى مجمع الأساقفة برئاسة البابا تواضروس تحتاج إلى إجابة: إلى متى ستظل الكنيسة القبطية تعبد الطقس وتتعامل معه وكأنه "العقيدة"؟ إلى متى سيظل الخلاف بين الأساقفة يظهر أمام الناس إلى هذا الحد؟ إلى متى يظل المجمع صامتًا على الأساقفة الذين يشقون صف الكنيسة دون محاسبة؟ فهذا التساهل والتسيب ليس محبة، وضرره أكبر على مستقبل الكنيسة. --- ### الكنيسة لا تُدار من القبر - Published: ۲۰۲۳-۰٤-۰٦ - Modified: 2024-06-29 - URL: https://tabcm.net/10976/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, شئون علمانية - وسوم: أنبا بفنوتيوس، مطران سمالوط, أنبا بيشوي، مطران دمياط وكفر الشيخ, إبراهيم عبد السيد, الأب متى المسكين, التيار العلماني القبطي, الجلاد والبرئ, بابا شنودة الثالث, چورچ حبيب بباوي, حماة الإيمان, روبير الفارس قبل نهاية فبراير الماضي، ألقى مطران سمالوط خطابًا انتقد فيه من يقارن بين البطريرك الراحل الأنبا شنودة الثالث وخليفته البابا تواضروس الثاني. ووصف كلماتهم بأنها مخيبة للآمال. أثار هذا جدلًا واسع النطاق عند أصحاب العقلية الراديكالية المتشددة، واضعًا يده على جرح قديم يتجدد كل حين وآخر. جرح تقسيم الكنيسة بشكل غير معلن إلى مدرستين مختلفتين في الرأي والإدارة. كلام خايب. الكنيسة لن تدار من القبر في عظته من على المنبر الكنسي، أكد بفنوتيوس أن الكنيسة لن تُدار من القبر، وأن لكل رئيس كنسي زمنه، في إشارة إلى عدم توافق الكثير من مواقف البابا شنودة الثالث - رأس الكنيسة الراحل - مع مواقف البطريرك الحالي، الذي لديه رؤية مختلفة. "لما محبين البابا شنودة ميعجبهمش حاجة في البابا تواضروس، ينشروا على النِت ويقولوا لو كان البابا شنودة عايش مكانش عمل كدا. البابا شنودة كمِّل زمنه، والبابا تواضروس بيدير من رؤيته هو" "هي الكنيسة هتدار من القبر؟ كل واحد وزمنه. وده بيحصل في الإيبارشيات، ناس خايبة تيجي تقول كلام خايب زي ده لما بننقل كاهن من مكان لمكان" (اﻷنبا بفنوتيوس، مطران سمالوط) حماة الإيمان ضد التنوير تزامنت تصريحات مطران سمالوط مع انتقادات صوبتها مجموعة "حُماة الإيمان" نحوه، بسبب سماحه ببيع وتداول كتب اللاهوتي الراحل جورج حبيب بباوي، في معرض نظمته الإيبارشية. إذ يحمل اسم بباوي تاريخًا طويلًا من الصراع مع البابا شنودة الثالث، الذي امتدت فترة حبريته 41 عامًا منذ 14 نوفمبر/ تشرين الثاني 1971، حتى وفاته في 17 مارس / آذار 2012. هذه الصدامات نُقلت إلى جيل كامل، لم يطلع معظمه على كتب بباوي، التي حُظرت بموجب قرار كنسي في عهد البابا الراحل، وبات كلّما يُعرف عنه، هو ما نقله البابا شنودة الثالث نفسه في عظات خصصها للرد عليه. جورج حبيب بباوي... حرمان وإقصاء عام 2007 صدر قرار من مجمع الأساقفة برئاسة البابا الراحل الأنبا شنودة الثالث بحرمان بباوي من دون محاكمة قانونية، وهذا يمنع بموجبه الشخص المحروم من أي عمل كنسي أو روحاني، ويتم إقصاؤه تلقائيًا من الشراكة مع الجماعة الكنسية. لازم هذا الإقصاء حظر تداول وبيع كتب بباوي في مكتبات الكنائس الأرثوذكسية طوال فترة حبرية البابا شنودة الثالث. فما الذي خلفته قطيعة الباحث اللاهوتي على جيل الكنيسة الحالي؟ وهل الكنيسة لا تحكم من القبر أم تطل خلافات الماضي كل فترة على مستقبل بيت الرب وحاضره؟ صداقة وصراع "المسألة بدأت مع جورج حبيب بباوي حين كتب مقالاً في مجلة روز اليوسف بعناوين مثيرة، وأسلوب لا يقبله أي قبطي" (البابا شنودة الثالث، محاضرة بعنوان: "الرد على أفكار جورج حبيب بباوي"، 2007) فنّد البابا شنودة في محاضرته أسباب الخلاف، منها رأي بباوي في حركة الإصلاح الديني في أوروبا عام 1546 بقيادة "مارتن لوثر" والتي نتجت عنها البروتستانتية اللوثرية، إذ رأى بباوي أنها "حركة تنوير" في حين يراها الأصوليون هرطقة وتجديفًا، فضلًا عن دعوته إلى ضرورة إعلان الإنسان أفكاره من دون الخضوع أو الخوف من سلطة دينية. https://www. youtube. com/watch? v=3Yx8pKeXrpw وضّح البابا شنودة الثالث في عظاته الموجودة في مكتبات الكنائس أزمته مع أفكار بباوي بشيء من التفصيل: "كان يُقلق الطلبة بشكوك كثيرة وبلغة بذيئة لا يصح لإكليريكي أن يتكلم بها مع طالب" "يقول إن الإكليركيين جماجم بلا أمخاخ. وينكر الصيام الكبير ويقول «أنا لا أؤمن بصيام الفول المدمس، وجدت صيام العقل أفضل»" (البابا شنودة الثالث، محاضرة بعنوان: "الرد على أفكار جورج حبيب بباوي"، 2007) في كتابه "الجلاد والبريء: البابا شنودة وجراح جورج حبيب بباوي"، لخص الكاتب في الشؤون القبطية "روبير الفارس" نتائج النزاع بين الطرفين بحسب ما ورد على لسان البابا شنودة الثالث، الذي رأي أن «اللاهوتي جورج حبيب بباوي يقدم تعاليم مخالفة»، أسفر عنها منع بباوي من التدريس في الكلية الإكليريكية بالقاهرة وفروعها طوال الثمانينات، ثم أُقصي عقب ذلك عن الكنيسة القبطية بموجب قرار المجمع المقدس في جلسة طارئة في 21 فبراير/ شباط 2007، قضى بعزل بباوي من الكنيسة. كتب محظورة كالمخدرات ظلت كتابات جورج حبيب بباوي قيد الحظر في مكتبات الكنيسة الأرثوذكسية، طوال حبرية البابا شنودة الثالث، وكان الحصول على أحدها في عصر ما قبل الإنترنت بمثابة مغامرة يجب عدم الإفصاح عن سريتها. كان عندي فضول لقراءة كتب جورج حبيب بباوي والقمص متى المسكين، وهو اسم بارز في الكنيسة وكان على خلاف فكري مع البابا شنودة. لم تكن كتبهما متاحة عبر الإنترنت، ولا تباع بسهولة في مكتبات ومعارض الكنيسة. صارحت أبونا ميخائيل برغبتي في الاطلاع على كتب متى المسكين، وجورج حبيب فشجعني على قراءتها ومناقشتها معه، ولكن مع الحذر من التعرض لوشاية أحد عند الأسقف الأكثر قسوة وقتها الأنبا بيشوي مطران دمياط، لئلا يطردني من الخدمة. كان تداول كتب بباوي والأب متى المسكين كالمخدرات، تنتقل بين الشباب والفتيات في سرية تامة، لئلا «نلبس الجلابية» وهو مصطلح متداول يعني أننا سنُطرد من الخدمة في الكنيسة كعقاب أدبي. (مايكل بشاي، 39 عاماً، خادم متطوع بكنائس مصر الجديدة، يحكي شهادته في بداية العشرين من عمره وأثناء قيادة الكاهن الراحل ميخائيل إبراهيم بكنيسة مارجرجس والأنبا ابرآم) بدأت التساؤلات تدور في عقل سالي فريد، 42 عامًا، وهي في الخدمة بكنيسة القديس مار مرقس الرسول بمنطقة شبرا، حول أسباب منع ومصادرة كتب بباوي في الكنيسة وهو العلامة اللاهوتي الذي لن يتكرر، بحسب قولها. كتب بباوي في معرض سمالوط سمعت الكثير من الحكايات عن الأنبا بيشوي، أسقف دمياط الراحل والملقب بمثلث الرحمات، والرجل الثاني بعد البابا شنودة الثالث، وعن عقوباته التي ينزلها بمن يعرف عنه أنه يرنم ترنيمة إنجيلية، فكيف يكون العقاب لمن يتداول كتب غير مرضٍ عنها. كم من قيادات لخدمات ناجحة، ومؤسسي اجتماعات روحية، طُردوا من الكنيسة في شبرا أو في أي كنيسة أخرى بمجرد عظات استشهدوا فيها بالأب متى المسكين أو بباوي. أخبار المطرودين من أي كنيسة كانت تنتشر كالبرق. أعرف خداماً بالاسم، منهم من ترك الأرثوذكسية واتجه للإنجيلية وبعضهم عاد للخدمة مرة أخرى وآخرين لا. (سالي فريد، 42 عاماً، خادمة متطوعة بكنيسة القديس مار مرقس الرسول، شبرا) القس إبراهيم عبد السيد...  طرد وحرمان لا تختلف حكاية منع كتب القس إبراهيم عبد السيد الذي توفي عام 1999، عما حدث مع الأب متى المسكين وجورج حبيب بباوي. بدأ الخلاف مع بابا الإسكندرية الراحل عندما أصدر عبد السيد كتباً تنكأ جراح الكنيسة وتضيء على أزماتها، وانتهت بإخطار الأنبا بيشوي مطران دمياط الراحل والرئيس السابق للجنة المحاكمات الكنسية لعبد السيد، أنه "في إجازة مفتوحة وعليه الابتعاد عن كنيسته بالمعادي". كانت كتب القس إبراهيم ثورية -إن جاز التعبير- فهي تكشف عيوب وأزمات الإدارة الكنسية في وقته، ويكفي معرفة عناوين كتبه لفهم الأسباب التي أدت إلى طرده من الكهنوت، ومعاملته معاملة الخارجين عن المسيحية، حتى بعد وفاته أُعطى البابا شنودة أمرًا للكنائس بعدم الصلاة عليه. ومن كتبه التي بقيت ممنوعة من التداول: "البدع والهرطقات خلال عشرين عامًا"، و"المحاكمات الكنسية"، و"أموال الكنيسة من أين وإلى أين؟"، و"المعارضة من أجل الإصلاح الكنسي"، و"البطريرك القادم ممن يُختار؟ ومن الذى يختاره؟ وكيف؟"، و"السلطان الكنسي أبوة لا إرهاب"، و"متى يعود الحب المفقود في الكنيسة القبطية؟"، و"الرهبنة في الميزان"، و"أموال الكنيسة من يدفع؟ ومن يقبض؟"، و"الأحوال الشخصية... رؤية واقعية". البابا شنودة المصدر الوحيد للتعليم الباحث في التاريخ المسيحي، "ماركو الأمين"، يرى أن التعليم المتشدد والراديكالي الذي تبناه البابا شنودة الثالث كان السبب في اتساع هوة الخلاف مع خصومه، وقال: "مراحل التسعينيات فصعودًا شملت خلافات البابا الراحل مع خصومه في الرؤى السياسية والاجتماعية" ويشير إلى أن الإيبارشيات تختلف فيما بينها بشأن رغبة أساقفتها في السماح ببيع وتداول الكتب الممنوعة، "ولكن أي محاولة إصلاحية من البطريرك الحالي الأنبا تواضروس تقابل بالرفض من السواد الأعظم من الأساقفة المتبنين للفكر القديم ومن عموم الشعب القبطي نفسه، الذي لا يعرف شيئًا عن أصحاب التيار التنويري بسبب إقصاء البابا السابق لهم بالمنع أو الطرد أو تشويه صورتهم في عظاته وكتبه، التي تلقى قبولًا شعبيًا". ويستكمل الباحث في التاريخ الكنسي: "لدى جيل شباب الثورة مصادر متنوعة للمعرفة، ولم يعد في حاجة إلى الاقتناع بالأفكار التقليدية التي كانت تلقن للجيل السابق". من جهته يتفق كمال زاخر مؤسس التيار العلماني في الكنيسة، والكاتب في الشؤون القبطية مع ماركو الأمين على تنوع مصادر المعرفة، وعدم الحاجة إلى البحث عن تداول أو منع الكتب في مكتبات الكنائس، ويقول: المصادرة والمنع ليسا آلية ذات تأثير في عصر السماوات المفتوحة والثورة الرقمية. معظم الكتابات التي هي محل خلاف في السابق، أصبح لها نسخ إلكترونية متاحة للقراءة على منصات التواصل الاجتماعي، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، مذكرات العلامة الراحل الأنبا غريغوريوس أسقف البحث العلمي، الذي تعرض بسببها لصدام مع البابا الراحل شنودة الثالث. الإصلاح والانفتاح على الكتابات المغايرة في الرأي هما جزء من عملية الإصلاح، التي تحتاج إلى صبر وتراكم، وهي تحدث في عصر البابا تواضروس وإن كانت تقابل بمقاومة من التيارات التي تستفيد من استمرار الانغلاق، غير أن هذه المقاومة لن تدوم، إذ ستكون هناك محاولات للفهم بعد الرفض، يعقبها قبول التنوع والاختلاف في الرأي. (كمال زاخر، كاتب ومفكّر قبطي، وعضو مؤسس بالتيار العلماني في الكنيسة) لا يزال للماضي تأثيرًا قويًا على حياتنا ويمنعنا من المضي قدمًا، ويفرض علينا أفكارًا عفا عليها الزمن، ولا يزال فقهاء عصرنا ينسخون من أفكارٍ بعضها فاق عمره الألف سنة، حيث لا يزال يتم إعادة تدوير الأفكار القديمة دون النظر في كيفية ارتباط هذه الأفكار بالوقت الحاضر. نحن بحاجة إلى تحدي هذه الأفكار وإنشاء عقد اجتماعي جديد يحدد دور الدين في الحياة وتحريره من السلطة السياسية. لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، تعال وانضم إلينا في هذه الرحلة واكتب قصصك. أخبرنا بما نفتقده. غيّروا، ولا تتأقلموا! --- ### أبانا الذي [۲] - Published: ۲۰۲۳-۰٤-۰۵ - Modified: 2023-04-04 - URL: https://tabcm.net/10937/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون - وسوم: الصلاة الربانية, چاك پريڤير «أبانا الذي في السموات، ابقَ مكانك، وسنبقى نحن على الأرض التي تكون أحيانًا جميلة كلّ الجمال! » هكذا تغنّى الشاعر الفرنسيّ جاك پريڤير! أبانا الذي في السموات، أتيتَ مكاننا بابنك، فما قدّسنا اسمَك، ويحًا لملكوتك، خسئ ملكوت العدالة والسلام، أبانا الذي في السموات، أهنّا اسمكَ! في الدولة كما في الكنيسة. لا تكن مشيئتُك، بل مشيئتنا، وحدها خبزنا أينَ هو؟ أخذَه الشرير؟ ولا تغفر لنا ذنوبنا، فإنّا نغتال المذنبين إلينا. بالكلام والفعل. ولا تدخِلنا في تجرِبة، لكن نجنا من الحقّ والعدل والإنصاف وأَلزِمنا الصمتَ والخنوعَ والزيفَ حتى ننقضي آمين. --- ### شجرة تين - Published: ۲۰۲۳-۰٤-۰٤ - Modified: 2023-04-04 - URL: https://tabcm.net/10952/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: أسبوع اﻵﻻم, شجرة التين بعد يوم حافل بالخدمة التف حولي مجموعة من شباب وشعب الكنيسة، البعض كان يمدحني على الوعظة التي ألقيتها في قداس الصباح والبعض الآخر كان يناقشني في "البوست" الرائع الذي كتبته منذ أيام على "الفيسبوك"، وحظي بأكثر من ألف مشاركة وألفي إعجاب، والبعض كان يطلب مني توقيعي على الكتاب الذي صدر باسمي الأسبوع الماضي. كان هناك مجموعة من الشباب ينتظرون رأيي في بعض الموضوعات الجدلية وآخرين كانوا يريدون مشورات وخبراتي الروحية، وهذه خادمة جاءت من الكنيسة المجاورة تطلب مني أن أَجِد لها ميعادًا في أجندتي المزدحمة لاجتماع الشباب الذي تخدم فيه، التفوا حولي جميعًا وأنا كنت أحاول طوال الوقت أن أبدو متواضعًا وأُرضي الجميع. لما حل المساء دخل يسوع مع التلاميذ إلى بيت عنيا وفي الصباح وهو خارج من بيت عنيا جاع رأى شجرة تين من بعيد ممتلئة بالأوراق فاقترب منها لعله يجد فيها ثمرًا. وقف أمامها مباشرةً. بس ديه مش شجرة التين!   ده طلع أنا! فين الناس اللي كانوا حواليّ؟ فين التلاميذ اللي كانوا مع المسيح! ! ! الكل اختفى مفضلش غيري أنا وهو لوحدنا، كان باصص لي بتركيز وعمق، غالبا كان بيدور على الثمر، من ساعات كان حواليا ناس كتيرة مبهورة بالورق اللي على شجرتي، بس يسوع مش بينبهر بالورق ولا بينخدع بالثمر المزيف زي باقي الناس. هو كان عاوز يشوف الثمر الحقيقي، الثمر اللي المفروض يكون نتيجة بذار امكانيات ونعمة هو غارسها فيَّ، بس أنا مهتمتش لأني كنت مشغول بإني أجمع وأكتر من الورق اللي بيعجب الناس،  دلوقتي يسوع عاوز ثمر وشجرتي زي شجرة التين كلها ورق،  غالبًا على حسب ما قريت هيحصل فيّ زي شجرة التين. فجأة السماء انفتحت وجاء الابن الجالس عن يمين الأب، جاء ليدين المسكونة بالعدل، شعرت بخوف وندم لأني أضاعت عمري في جمع الورق ولم أركز على الثمر، وحقيقي أنا أستحق أي حكم عليّ، سمعت صوت يقول: هوذا ثلاث سنين آتي أطلب ثمرا في هذه التينة ولم أجد. اقطعها لماذا تبطل الأرض أيضا فأجاب وقال له: يا سيد، اتركها هذه السنة أيضا، حتى أنقب حولها وأضع زبلا فإن صنعت ثمرا، وإلا ففيما بعد تقطعها. وفجأة وجدت السيد المسيح على الصليب يمد يده ناحيتي ورفعني له وقال لي: "أنا مش بحب الورق ولا بنبهر بيه أنا هنا على الصليب بالتحديد علشان يكون عندك ثمر ويكون ليك حياة أبدية معايا و يفضّل اسمك مكتوب في سفر الحياة، انزل واصنع أثمارًا تليق بالتوبة، كن شجرة مباركة مليئة بالثمر ولا تكن شجرة تين مليئة بالورق المزيف المخادع. ثم أنزلني وقال قد أكمل وسمعت زغاريد القيامة. ماران آثا. --- ### التعليم الغنوصي وتعليم بولس الرسول - Published: ۲۰۲۳-۰٤-۰۳ - Modified: 2023-04-04 - URL: https://tabcm.net/10963/ - تصنيفات: المرأة القبطية, كتاب مقدس - وسوم: الغنوصية, علامة ترتليانوس الإفريقي, قديس بولس الرسول يمكننا إدراك كلمات الرسول بولس إن اطلعنا على الفكر الغنوصي الذي كان يتسرب إلى الكنيسة منذ العصر الرسولي. لقد كان المجتمع في العصر الرسولي يضع فوارق بين الرجل والمرأة بصورة قاسية على المرأة، حتى تجاهلت القوانين المدنية والجنائية حقوقها الإنسانية. لكن جاءت المسيحية لتعلن: لَيْسَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، لأَنَّكُمْ جَمِيعًا وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ. (رسالة بولس إلى غلاطية 3: 28) أما الغنوصيون، فإذ يحتقرون الجسد ويحسبونه عنصر ظلمة يجب معاداته والتخلص منه، فرفضوا كل ما يخصه: رفضوا الزواج كأمر دنس، وبعض الأطعمة كقوتٍ للجسد، كما رفضوا قيامة الجسد في اليوم الأخير، وأخيرًا رفضوا الاعتراف بالتمايز الجنسي، فلا رجل ولا امرأة وإنما إنسان هو كائن له مواهبه التي لا ترتبط برجولته أو أنوثته. بمعنى آخر أرادوا أن يحيا المجتمع دون وجود أدنى اعتبار للرجولة أو الأنوثة! هذا الأمر أثار الكنيسة لتعلن أنه ليس رجل أو امرأة في المسيح كأعضاء في جسده المقدس، لكن دون تجاهل لدور الرجل كرجل، والمرأة كامرأة. لذلك حينما تحدث الرسول بولس عن التزام المرأة غطاء الرأس والرجل بتعرية رأسه: كُلُّ رَجُل يُصَلِّي أَوْ يَتَنَبَّأُ وَلَهُ عَلَى رَأْسِهِ شَيْءٌ، يَشِينُ رَأْسَهُ. وَأَمَّا كُلُّ امْرَأَةٍ تُصَلِّي أَوْ تَتَنَبَّأُ وَرَأْسُهَا غَيْرُ مُغُطَّى، فَتَشِينُ رَأْسَهَا، لأَنَّهَا وَالْمَحْلُوقَةَ شَيْءٌ وَاحِدٌ بِعَيْنِهِ. (رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس 11: 4-5) لم يكن اهتمام بولس بحرفة الأمر باعتباره رجلا ملتهبا في الروح -على ما يظن كثيرون- أي أنه لم يهتم بهذا الأمر في حرفيته، إنما أراد أن يؤكد أنه مع مساواة الرجل والمرأة في المسيح، لكن الخلاص أو العضوية في جسد المسيح أو الدخول في الحياة الجديدة لم ينزع عن المرأة أنوثتها ولا عن الرجل رجولته. كل له دوره الحيّ والفعال في الحياة الكنسية بروح الحب المتكامل. نستطيع أن نقول بأن الرسول بولس الذي كان منفتح القلب والفكر لم يقصد بحديثه هنا عن صمت المرأة في الكنيسة وعدم تعليمها للرجل وعن خضوعها له أن يحقِّر من شأنها أو يقلل من دورها، إنما أرادها أن تعمل فيما يناسب طبيعتها كامرأة وإمكاناتها الجسدية والنفسية. فالجسد في خضوعه للرأس لا يعني أفضلية الرأس عليه أو احتقار الجسد، لأنه لا كيان للرأس منفصلًا عن الجسد، ولا عمل له بدونه حقًا أن الرأس هو المدبر للجسد، لكن إن لم يتجاوب أحدهما مع الآخر يفقد الاثنان سلامهما وكيانهما. لا ينكر الرسول بولس دور لوئيس وأفنيكي في حياة تيموثاوس وتعليمه الكتب المقدسة (2تي 3: 15) ولا تجاهل بريسكلا مع رجلها في خدمتهما الفردية مع كثيرين وفي بلاد مختلفة، هذان اللذان قادا بولس إلى معرفة الحق (أع 18: 26)، وقد جاهدت أفودية وستيخي في الإنجيل (في 4: 2-3). لعل الرسول أيضًا أراد بهذا المنع أن ينزع كل مجال للعثرة في الكنيسة لكن دون تجاهل لدورها التعليمي على المستوى العائلي والفردي وأيضًا بين النساء. يمكننا أن نكتشف مفهوم الرسول بولس مما كتبه العلامة ترتليان مهاجمًا الهراطقة، قبل أن يسقط في بدعة ماني، إذ يقول: يا لنساء هؤلاء الهراطقة، إنهن خليعات! إنهن جسورات، حتى إنهن يعلمن ويناقشن ويخرجن شياطين ويقمن بأشفية - ألعلهن أيضًا يعمدن؟(العلامة ترتليان) حتى بعد انحرافه في الهراطقة لم ينحرف العلامة ترتليان عن الوصية الرسولية، بالرغم من اقتباسه بعض تعاليم للنبيتين ماكسميلا وبريسكلا، إذ يقول: لا يُسمح للمرأة أن تتكلم في الكنيسة(1 كو 14: 34-35)،ولا أن تعلم أو تعمد أو تنسب لنفسها عملًا خاصًا بالرجل من كل الأعمال الكهنوتية(العلامة ترتليان) هنا يظهر العلامة ترتليان أن الامتناع يقدم على أساس أنه لا يناسب طبيعتها كامرأة، وليس تحقيرًا من شأنها. لكن ترتليان عاد فتأثر قليلًا بالفكر الهرطوقي فسمح لها بالعمل النبوي. أخيرًا، ماذا يقصد الرسول بولس بقوله: "لكنها ستخلص بولادة الأولاد، إن ثبتن في الإيمان والمحبة والقداسة مع التعقل"؟ يرى البعض أن القديسة مريم قدمت للنساء كرامة عظيمة إذ أنجبت لنا المخلص. ويرى آخرون أن النساء وإن كن قد حرمن من التعليم العام في الكنيسة في وجود الرجال، لكنهن ينلن أكاليلهن خلال تربية أولادهن في الإيمان والمحبة والقداسة مع التعقل، ما لا يستطيع الرجال القيام به. إنهن بحق يقدمن للكنيسة أعضاء قيادية مباركة! مرجع: https://www. orthodoxlegacy. org/? --- ### حتمية التجسد والإخلاء الإلهي - Published: ۲۰۲۳-۰٤-۰۲ - Modified: 2023-04-02 - URL: https://tabcm.net/10961/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: آدم, سمعان بن يونا, شركاء الطبيعة الإلهية, قديس بولس الرسول لقد سقط الإنسان فريسة لخداع الشيطان الحية القديمة، ولم يكن اختيار إرادته الحرة متوافقاً مع إرادة الله بالبقاء في مجال حياة الله فينال نعمة الخلود، فانسحبت الحياة من طبيعة الإنسان ودخلها الموت، وعوض الخلود فإن مصيره صار العدم والفساد، وبهذا فإن الموت هو نتيجة لاختيار الإنسان وليس عقوبة من الله لِما أختاره الإنسان. وبمخالفة الله فقد تجردت طبيعة الإنسان من حالة البر المخلوق عليها أصلاً، لأن المخالفة هي تغرُّب عن مصدر البر والقداسة الذي هو طبيعة الله، ونجد الإشارة لتلك الغربة بعد السقوط في اختباء آدم وحواء خلف أشجار الجنة عند سماعهما صوت الله مقترباً. فخطية الإنسان أنتجت غربة عن الله وحجبت بصيرة الإنسان عن الإحساس داخل كيانه بالله أو في مظاهر الخليقة حوله فصار الكل حجاباً لا مرآة وكتاب يرى فيه خالقه. واستمر فشل ذرية آدم في التعرف على الله بالرغم من كل إعلانات الله لنفسه بطرق متنوعة و ظهورات ”حكمة الله/ كلمة الله“ في الخليقة التي سبقت تجسده وكان أبرزها ظهوره في العليقة المشتعلة لموسي نبي الله. وانعكاساً لما آلت إليه طبيعة الإنسان من شر وما أملته على فكره من ظلمة، فقد طفح جحود المحبة في الإنسان ونسي كيف أن عمل الخلق كان افتقاد من نعمة الله للإنسان قبل أن يتصور في الوجود. بل حتى إن البعض استنكف أفتقاد الله للإنسان بعد السقوط واتجهوا لتنزيه الله عن الاتصال بخليقته، فاعتبروا افتقاد الله/ كرازته لهم من خلال التجسد الإلهي جهالة ينزِّهون الله عنها بينما هم بهذا يكشفون كيف هوى الإنسان وسقط بطبيعته متغرباً عن أصله كمخلوق إلهي. وقد ألمح الكتاب إلي شرحنا هذا: لأَنَّهُ إِذْ كَانَ الْعَالَمُ فِي حِكْمَةِ اللهِ لَمْ يَعْرِفِ اللهَ بِالْحِكْمَةِ، اسْتَحْسَنَ اللهُ أَنْ يُخَلِّصَ الْمُؤْمِنِينَ بِجَهَالَةِ الْكِرَازَةِ. (رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس 1: 21) (افتقاد الله لمحبوبه الإنسان بالتجسد الإلهي الذي يعتبره البعض جهالة ). وكما تجلى حب الله العجيب في ”تدبير الخلق“ يتجلى مرة أخرى في ”تدبير الخلاص“ من مصير الموت والعدم. فتجَسَد المسيح ”الحياة أُظهرَت“ وأشرق النور الإلهي داخل طبيعة الإنسان ”بظهور الله في الجسد“ وتبددت ظلمة طبيعة الإنسان عندما سكنها المسيح ”أنا هو نور العالم“. هذا ”التدبير“ أي العمل الإلهي أشار إليه الوحي المقدس أنه صار للبشرية ”طريقاً حياً حديثاً بالحجاب أي جسده“. لقد صارت بشرية المسيح معملاً إلهياً لخلاص الإنسان وشفائه من عجزه الفاضح بغواية الشرير منذ آدم مروراً بذريته. لقد أستتر نور الله خلف حجاب الجسد الإنساني الذي لبسه في التجسد، هذا هو الإخلاء الإلهي ”إن الله أخلى ذاته ظاهراً في صورة عبد“، ولم يكن الرب الإله المتجسد عبداً في المجتمع، ولكنه -له المجد- دخل إلى عمق الطبيعة البشرية حيث استعبد الشيطان كل بشر بعد السقوط. وعندما لبس ابن الله جسدنا الإنساني، تبددت الظلمة الداخلية لطبيعتنا البشرية وانشق حجابها الذي كان يحجب نور الله. هذا ما أنبأت به النبوات ”نور يشرق على الجالسين في الظلمة وظلال الموت“ ورأته البشرية على استحياء بسبب الإخلاء على المستوى المنظور عندما انشق حجاب الهيكل اليهودي من الوسط خلال أحداث صلب المسيح وأيضاً أشرق النور على الرعاة الجالسين في ظلمة الليل برعيتهم عندما بشرهم الملاك بميلاد المخلص. إن هذه الحقائق اللاهوتية تصلي بها الكنيسة في القداس الإلهي وتسبح الله ومسيحه متذكرة نعمته فنقول للرب ”والحاجز المتوسط رفعتَه والعداوة القديمة أزلتَها “. هذا هو اللاهوت المسيحي عمق الروحانية الأرثوذكسية. فالطبيعة البشرية الساقطة التي دخلها الموت صارت حجاباً يفصلنا عن الله في القديم ولسان حالها يقول ”ويحي أنا الإنسان الشقي من ينقذني من جسد هذا الموت“، ولكنها تجددت في بشرية المسيح، فباتحاد لاهوت المسيح بالطبيعة البشرية صارت هي نفسها ”طريقاً“ يوصلنا ويربطنا بالله في العهد الجديد ”حديثاً“، هذا هو موقع الناسوت الذي لبسه اللاَّهوت في تدبير تجسد ابن الله. فناسوت المسيح صار طريقنا إلى الشركة في مجال حياة/ لاهوت الله. لذلك ”لا وسيط غير المسيح“ في خلاص الإنسان لرجوعه إلى شركة مجال حياة الله، إن كل من يؤمن بالمسيح يتحد بطبيعة المسيح البشرية التي تجدَّدت ومن ثمَّة تقدَّست وتمجدَّت في محضر الآب السمائي في المسيح يسوع. هذه هي شركتنا في الطبيعة الإلهية التي تهلل بها الوحي على لسان بطرس الرسول ”شركاء الطبيعة الإلهية“ ( رسالة بطرس الرسول) بسقوط الإنسان تشوهت فيه صورة الله التي خُلِقَ عليها كيانه الإنساني، ولكن تدبير الخلق لم ينته عند هذا الحد بل استمر في استعلان ذاته للإنسان وافتقاده له في غربته بطرق متنوعة. إن ”ابن الله“ هو صورة الله ”هو (المسيح) بهاء مجد الله ورسم جوهره“، و”كلمة الله“ (يوحنا 1) و”حكمة الله“ الذي خلق الله به العالمين. وكانت ظلال ”حكمة الله“. والسُبح لله. بقلم د. رءوف إدوارد. --- ### أثقل من الهرم - Published: ۲۰۲۳-۰٤-۰۱ - Modified: 2024-04-14 - URL: https://tabcm.net/10935/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: الهرم الأكبر, مجلة مرقس نُشرت في مجلة مرقس عدد أبريل 2020 اعتدنا في مكتبنا الهندسي الحديث أن نتقابل مع ضيوفنا في غرفة مجاورة لصالة الرسم، بها نقدم لضيوفنا ما وجب علينا تقديمه. فعندما جاء صديقي "أديب" وهو زميل منذ أيام الدراسة، استقبلته هناك. وبعد دقائق قليلة أحسست إنه يخفي همومًا كثيرة، فقلت له: إني أدعوك لرحلة جميلة ستسعد بها، فرحب بكلامي. وفعلًا تقابلنا في يوم العطلة، وكانت وجهتنا إلى أعظم ما بناه الإنسان المصري في تاريخه كله، ألا وهو الهرم الأكبر: هرم خوفو! ((نُشرت في مجلة مرقس عدد أبريل 2020. )) ذهبنا هناك وبعد أن استمعنا إلى الشرح وشاهدنا الموقع الأثري الفريد، جلسنا نأكل ما حملناه لنسد جوعنا ونتسامر قليلًا. قلت لصديقي: عزيزي أديب، ألست تفخر بهذا الهرم الأكبر هنا في مصرنا العزيزة؟ أجابني على الفور: أكيد! أنت تعلم كيف كنا نقرأ كل الكتب التي تتكلم عن هذه الحضارة العريقة. قلت له: صديقي: إنني أرى رأيًا موازيًا لهذا الرأي! قال لي: وما هو؟ قلت له: إن هناك أشياء أهميتها أثقل من هذا الهرم الكبير! اتسعت عيناه وابتسم وبدأت أساريره تسعد بهذا الحديث. ثم قال لي: ماذا تقصد؟ قلت له: تعال معي أذكرك بما حدث معنا ولم نلحظه حتى كبرنا وأدركنا كل هذه الأمور. فقال لي: "وما هذا؟" قلت له: "أذكر مَنْ حملتك تسعة أشهر في داخلها، ثم ستة أشهر على يديها، وتابعتك لتغذيك وتهتم بكل أمور حياتك حتى نَمَيت ورَبَيت جسدًا ونفسًا وروحًا، وكانت هي أول من سندك لكي تخطو الخطوات الأولى في حياتك، لكي تسير سيرًا صحيحًا! وها هي تحملك إلى الأبد في قلبها. ولو تأملت في الكائنات الأخرى في دور الأم سوف تجد العجب العجاب من الغرائز التي وضعها الله في هذه الخلائق، ليتمجد اسمه من جيل إلى جيل. أليست "الأم" ككائن خلقه الله منذ البَدْء لها هذا القدر الكبير الذي له ثقل لا يقل عن هذا المبنى القدير الأثري الذي نحميه كأثر شاهد على حضارة عريقة! ولا أستطيع أن أترك جانبًا الدور الآخر لشخص "الأب" الذي يهتم بكل ما يحيط بالإنسان في الحياة، لكي يبني الحياة التي يعيشها كل من فيه نسمة حياة. فهذا المخلوق الذي نسميه "رجل" هو أجمل مخلوق خلقه الله، لأنه مخلوق على صورة الله ومثاله: «نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا»(سفر التكوين 1: 26) فمن سماته إنه يضحي بجميع الأشياء ليعطيها لأسرته أو مجتمعه — حتى نفسه! وفي حدود العائلة، تجد إن العالم بأسره بخير ما دام رب العائلة بخير وعلى وعي بدوره الهام لحفظ السلام في العائلة والمجتمع المحيط به. كم وكم سجلت البشرية تضحيات بذلها رجال من أجل ذويهم ومجتمعهم! أما الإخوة والأخوات، فهم أول من يعطي درسًا في الحياة المشتركة وكيف يتشارك الأولاد في الحياة بحُلوِها ومُرِّها، وهم البركة الثانية بعد الأم. أما الأخ فهو مَنْ يحبك دون أن يقول ذلك، ويحبك أكثر من أي إنسان آخر في العالم. أما الأصدقاء، فهم أول من يعلِّمك كيف تحترم الآخرين المختلفين معك في الرأي ووجهات النظر. هؤلاء الأصدقاء الأوفياء هم مثل النجوم، ربما لا تميز وجودهم جيدًا، ولكن تعلم جيدًا أنهم بجانبك في كل محنة أو تعثـُّر في الطريق. ثم شريك الحياة المحب والمحبوب، وهو أول إنسان يجعلك تدرك قيمة وأهمية التضحية والتفاهم، وهو أول إنسان يجعلك تحارب العالم كله لكي تعيش معه تحت سقف واحد، داخل عش الزوجية. ثم الأبناء -لمن رزقهم الله بهم- فهم أول من يعلمك الصبر والجَلَد، وكيف تهتم بالآخرين عن أن تهتم بنفسك. أما الأحفاد -ويا لهم من خلائق رائعة-  فيجعلونك تشتاق أن تعيش من البداية، مرة أخرى، لكي تنعم بالحياة معهم وتسعد بلحظات تسترجعها من الطفولة البريئة التي عشت فيها سابقًا ولا تستطيع استعادتها مرة أخرى. فارجع يا صديقي إلى عائلتك وأقاربك الذين تركتهم واقضي معهم وقتًا أطول، فسوف تشبع بتواجدك معهم من الدفء العائلي والوحدة فيما بينكم. وتذكر إن العائلة الواحدة لا يحتاج الأمر أن تكون كاملة، بل أن تكون متحدة بعضها ببعض. والعائلة ليست دماء واحدة فقط؛ بل هم مَنْ يكونوا مستعدين أن يحملوا يدك حينما تكون محتاجًا إليهم بشدة. حينئذ اغرورقت عينا صديقي أديب، وهز رأسه موافقاً على كلامي، ثم رفع رأسه عاليًا، وبصوت خفيض قال: "يا رب". فقلت له: "عزيزي، إن أهم أمور هذه الحياة الدنيا هي: الصحة والحرية والحياة. فالصحة هي حقوق جسدك عليك وعلى من حولك؛ والحرية هي حرية إرادتك التي وهبك الله إياها وهي أن تختار الخير لكي يكون سبيلك في الحياة آمن وفي نمو دائم. يقول الرب في سفر التثنية: "قَدْ جَعَلْتُ قُدَّامَكَ الْحَيَاةَ وَالْمَوْتَ. الْبَرَكَةَ وَاللَّعْنَةَ. فَاخْتَرِ الْحَيَاةَ لِكَيْ تَحْيَا أَنْتَ وَنَسْلُكَ، إِذْ تُحِبُّ الرَّبَّ إِلهَكَ وَتَسْمَعُ لِصَوْتِهِ وَتَلْتَصِقُ بِهِ، لأَنَّهُ هُوَ حَيَاتُكَ وَالَّذِي يُطِيلُ أَيَّامَكَ"(سفر التثنية 30 : 19 و20) أما الحياة فهي "المسيح" لأنه قال: "أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ"(إنجيل يوحنا 14 : 6) وعليك أن تعلِّم هذا لمَنْ هم حولك، أو أن تعيشها بكامل كيانك، وتكون متواجدًا مع من يحتاجون إلى تلك الخبرة الحياتية. --- ### الانجماع في الليتورجية القبطية - Published: ۲۰۲۳-۰۳-۳۱ - Modified: 2024-12-19 - URL: https://tabcm.net/10919/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: أسبوع اﻵﻻم, أنبا متاؤس، أسقف دير السريان, إفخارستيا, إيسيذوروس البراموسي, الثالوث القدوس, الحلول الأقنومي, القداس الكيرلسي, الكنيسة القبطية, بابا كيرلس عمود الدين, خولاجي, دير الآباء السريان, دير البراموس, سبت الفرح, سر المعمودية, شجرة الحياة, عقيدة التأله, عيد القيامة, ليتورچي, مكتبة المحبة نجد العديد من الإشارات في نصوص الليتورجية القبطية إلى اتحادنا الكياني بالمسيح، كما سنرى في النصوص الليتورجية التالية. حيث نجد إشارة واضحة جدًا للاتحاد الكياني بالمسيح في قسمة للابن تُقال في أي وقت، وهكذا يتحدث عن إعطاء الله لنا مشتهيات الألوهية، بعدما خسرنا شجرة الحياة، وهذا يحدث من خلال تناولنا الجسد والدم الأقدسين ((الخولاجي المقدس وخدمة الشماس، إعداد: القمص إيسيذوروس البراموسي، مراجعة وتقديم: الأنبا متاؤس، مكتبة مار جرجس بشبرا، 1994، ص 343. )) : ”صنعت لي وليمة النعمة، وشفيتني من سم الحية، وسلمتني أدوية الخلاص. لأنه هكذا أيها السيد، عندما عدَّمت نفسي من شجرة الحياة، أعطيتني مشتهيات الألوهية. صيَّرتني واحدًا معك، أعطيتني جسدك ودمك الذي بذلته عن حياة العالم“. (الخولاجي المقدس وخدمة الشماس، إعداد: القمص إيسيذوروس البراموسي) وتتحدث قسمة أخرى للقديس كيرلس السكندري تُقال في أي وقت عن اتحادنا الكياني والحقيقي بالمسيح، حيث عندما نتناول الجسد والدم تشارك نفوسنا مجد الله، وتتحد نفوسنا بألوهيته، ونصير هياكل مقدسة لحلوله، ونتحد به اتحادًا سريًا، وهكذا نتحد بالثالوث القدوس، ويكون واحدًا معنا وفينا كالتالي: ((الخولاجي المقدس وخدمة الشماس، إعداد: القمص إيسيذوروس البراموسي، مراجعة وتقديم: الأنبا متاؤس، مكتبة مار جرجس بشبرا، 1994، ص 257، 258. )) ”اجعلنا أهلاً لحلول روحك الطاهر في نفوسنا، أنر عقولنا لنعاين سبحك، نق أفكارنا واخلطنا بمجدك. حبك أنزلك إلى هبوطنا، نعمتك تصعدنا إلى علوك عند استحالة الخبز والخمر إلى جسدك ودمك، تتحول نفوسنا إلى مشاركة مجدك، وتتحد نفوسنا بألوهيتك صيرنا هياكل مقدسة لحلولك أهلنا للاتحاد بك خفيةً. وهبت لنا أن نشرب كأس دمك طاهرًا، أهلنا أن نمتزج بطهارتك سرًا. وكما أنك واحد في أبيك وروحك القدوس، نتحد نحن بك، وأنت فينا، ويكمل قولك، ويكون الجميع واحدًا فينا“. (الخولاجي المقدس وخدمة الشماس، إعداد: القمص إيسيذوروس البراموسي) وهكذا نحن نتناول في سر الإفخارستيا الجسد الإلهي والدم الكريم لنتأله، وليس كما يدَّعي البعض أننا نتناول الناسوت دون اللاهوت، حيث نصلي في قسمة تُقال للابن في سبت الفرح ((الخولاجي المقدس وخدمة الشماس، إعداد: القمص إيسيذوروس البراموسي، مراجعة وتقديم: الأنبا متاؤس، مكتبة مار جرجس بشبرا، 1994، ص 250. )) ”وأنعمت علينا بشجرة الحياة، التي هي جسدك الإلهي ودمك الحقيقي“. (الخولاجي المقدس وخدمة الشماس، إعداد: القمص إيسيذوروس البراموسي) كما تتحدث القسمة الوجيزة عن أننا نتناول الجسد الإلهي والدم الكريم، نتناول الجسد الإلهي والدم الكريم، وليس الناسوت دون اللاهوت كالتالي ((الخولاجي المقدس وخدمة الشماس، إعداد: القمص إيسيذوروس البراموسي، مراجعة وتقديم: الأنبا متاؤس، مكتبة مار جرجس بشبرا، 1994، ص 244. )) : ”يا الله الذي أنعم علينا نحن الخطاة بميقات الخلاص، وذبيحة ناطقة سمائية التي هي الجسد الإلهي، والدم الكريم اللذان لمسيحك. هذا الذي صار لنا طُهرًا، وخلاصًا، ونعمةً، وغفرانًا للخطايا“. (الخولاجي المقدس وخدمة الشماس، إعداد: القمص إيسيذوروس البراموسي) وتتحدث قسمة الابن السنوي عن اتحادنا الكياني بالمسيح في الإفخارستيا كالتالي ((الخولاجي المقدس وخدمة الشماس، إعداد: القمص إيسيذوروس البراموسي، مراجعة وتقديم: الأنبا متاؤس، مكتبة مار جرجس بشبرا، 1994، ص 259. )) : ”وحينما أتقدم لتناول أسرارك، أجعلني مستحقًا لذلك، ومؤهلاً للاتحاد بك“. (الخولاجي المقدس وخدمة الشماس، إعداد: القمص إيسيذوروس البراموسي) ويتحدث ق. غريغوريوس اللاهوتي في قداسه عن امتلاء الكل سواء البشر أو الملائكة من لاهوت الابن في صلاة الصلح الموجهة للابن في القداس الغريغوري كالتالي ((الخولاجي المقدس وخدمة الشماس، إعداد: القمص إيسيذوروس البراموسي، مراجعة وتقديم: الأنبا متاؤس، مكتبة مار جرجس بشبرا، 1994، ص 195. )) : ”وصالحت الأرضيين مع السمائيين، وجعلت الاثنين واحدًا، وأكملت التدبير بالجسد. وعند صعودك إلى السماء جسديًا، إذ ملأت الكل بلاهوتك، قلت لتلاميذك ورسلك القديسين: سلامي أعطيكم، سلامي أنا أترك لكم“. (الخولاجي المقدس وخدمة الشماس، إعداد: القمص إيسيذوروس البراموسي) كما نصلي في الشيرات الثانية في باكر سبت الفرح مخاطبين العذراء مريم القديسة قائلين ((ترتيب أسبوع الآلام بحسب طقس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، إعداد ونشر مجموعة من المتخصصين في طقوس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، تقديم ومراجعة: القس غبريال، مؤسسة مينا للطباعة، 1994، ص 687. )) : ”السلام للممتلئة نعمة، المائدة الروحية التي تعطي الحياة لكل مَن يأكل منها ، السلام للإناء غير الفاسد الذي للاهوت المعطي الشفاء لكل مَن يشرب منه“. (ترتيب أسبوع الآلام حسب طقس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، تقديم ومراجعة: القس غبريال) ويتحدث هنا أننا نشرب من إناء اللاهوت غير الفاسد لشفائنا، وأعتقد أنه يقصد أننا نشرب اللاهوت سرائريًا المعطي شفاءً لكل مَن يتناول منه. كما هناك إشارة واضحة جدًا إلى عقيدة التأله بالنعمة في طرح واطس للأحد الثالث من الخمسين المقدسة، حيث تتحدث عن قيامة المسيح كعربون للتأله والقيامة الأبدية كالتالي ((إبصاليات وطروحات الأعياد السيدية والمواسم الكنسية، تقديم: الأنبا متاؤوس أسقف دير السريان، (وادي النطرون: دير السريان، 2003)، ص 575. )) : ”قام الملك المسيح من القبور عربون التأله والقيامة الأبدية، له المجد دائمًا“. (إبصاليات وطروحات الأعياد السيدية والمواسم الكنسية، تقديم: الأنبا متاؤوس أسقف دير السريان) وهكذا يصلي الكاهن في صلاة تسريح ماء المعمودية في ختام طقس سر المعمودية المقدسة، متحدثًا عن إضاءة المعمدين بنور اللاهوت بعد معموديتهم، أي أنهم اتحدوا بالنور الإلهي، وصاروا يضيئون ببهاء ونور اللاهوت كالتالي ((صلوات الخِدْمَات في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، (القاهرة: مكتبة المحبة، 1971)، ص 56. )): ”أنت يا سيدنا جعلت هذا الماء طاهرًا بنعمة مسيحك، وحلول روحك القدوس عليه، وصار لعبيدك الذين تعمدوا فيه حميمًا للميلاد الجديد، وتجديدًا من الضلالة القديمة، وأضاءوا بنور لاهوتك“. (صلوات الخِدْمَات في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية) ويصلي الكاهن على المُعمد أيضًا في صلاة حل زنار المُعمدين بوضع يده عليه، بعد التناول من الأسرار المقدسة، متحدثًا عن إضاءة المعمد بنور لاهوت السيد الرب إلهنا، ونواله النور الفوقاني الذي من فوق، النور غير الموصوف، الذي للرب يسوع المسيح مخلصنا كالتالي ((صلوات الخدمات في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، (القاهرة: مكتبة المحبة، 1971)، ص 69. )) : ”أيها السيد الرب إلهنا مانح السلام والبركة، ذو الصلاح، وحده محب البشر، الذي باركنا، وقدسنا، وأضاء علينا بنور لاهوته، الذي جعل عبيده مستحقين أن ينالوا النور الذي من فوق، غير الموصوف، الذي لمسيحك يسوع مخلصنا. أنر عليهم بنور البركة، طهَّرهم. باركهم. جدَّدهم بنعمتك من جهة الصبغة التي نالوها بقوة روحك القدوس المحيي“. (صلوات الخدمات في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية) كما يصلي الكاهن طلبة في تحليل المرأة في أثناء إتمام طقس سر المعمودية المقدسة، حيث يتحدث عن اتحادنا الكياني بشخص المسيح في شركة سرية كالتالي ((صلوات الخدمات في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، (القاهرة: مكتبة المحبة، 1971)، ص 24. )) : ”من أجل هذا يا رب طهَّرت طبيعتنا، وعتقتنا بالاتحاد في شخصك في شركة سرية. نسأل ونطلب منك يا مُحِب البشر لكي تتطلع على أمتك (فلانة) حتى يتجدد روح قدسك في أحشائها“. (صلوات الخِدْمَات في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية) وتتحدث قسمة الابن التي تُقال في أي وقت عن الاتحاد الكياني في المسيح بالروح القدس، حيث صرنا مسكنًا له بالروح القدس الحال فينا بأقنومه كالتالي ((إيسيذوروس البراموسي (قمص)، الخولاجي المقدس وخدمة الشماس، مراجعة وتقديم: نيافة الأنبا متاؤوس أسقف دير السريان، مكتبة مار جرجس بشبرا، 1994، ص 264. )) : ”وأكملت ناموسك عني، ربطتني بكمالات الشريعة. وعزيتني بلبان العلم من قِبل روحك القدوس، منطقتني بالقوة، واتخذتني لك مسكنًا“. (الخولاجي المقدس وخدمة الشماس، إعداد: القمص إيسيذوروس البراموسي) وتتحدث قسمة تُقال للابن في عيد القيامة عن نوالنا لنور قيامة الرب بتجسده وقيامته، وإضاءتنا بشكله المحيي بنور معرفته الحقيقية كالتالي ((إيسيذوروس البراموسي (قمص)، الخولاجي المقدس وخدمة الشماس، مراجعة وتقديم: نيافة الأنبا متاؤوس أسقف دير السريان، مكتبة مار جرجس بشبرا، 1994، ص 251. )) : ”ونحن أيضًا الجلوس في الظلمة زمانًا، أنعم علينا بنور قيامته من قِبل تجسُّده الطاهر. فليضيء علينا نور معرفتك الحقيقية لنضيء بشكلك المحيي“. (الخولاجي المقدس وخدمة الشماس، إعداد: القمص إيسيذوروس البراموسي) ويصلي الكاهن صلاة خضوع للآب قبل التناول في القداس الكيرلسي، تؤكد على أننا ننال بالتناول من الأسرار المقدسة طُهر إنساننا الداخلي كطُهر الابن الوحيد ((إيسيذوروس البراموسي (قمص)، الخولاجي المقدس وخدمة الشماس، مراجعة وتقديم: نيافة الأنبا متاؤوس أسقف دير السريان، مكتبة مار جرجس بشبرا، 1994، ص 242. )) : ”طهَّر إنساننا الداخلي كطُهر ابنك الوحيد، هذا الذي نريد أن نتناوله“. (الخولاجي المقدس وخدمة الشماس، إعداد: القمص إيسيذوروس البراموسي) ويصلي الكاهن في صلاة القسمة للآب في القداس الكيرلسي، ويتحدث عن تناولنا للجمرة الحقيقية المعطية حياة للنفس والجسد والروح، ألا وهي الجسد المقدس والدم الكريم اللذان للمسيح، وهذه الجمرة بالطبع هي جمرة اللاهوت، لأن إلهنا نار آكلة، بالتالي يدحض هذا القول بأننا نتناول الناسوت فقط في سر الإفخارستيا، وليس اللاهوت المتحد بالناسوت ((إيسيذوروس البراموسي (قمص)، الخولاجي المقدس وخدمة الشماس، مراجعة وتقديم: نيافة الأنبا متاؤوس أسقف دير السريان، مكتبة مار جرجس بشبرا، 1994، ص 240، 241. )) : ”تفضل طهَّر أنفسنا، وأجسادنا، وشفاهنا، وقلوبنا، وأعطنا هذه الجمرة الحقيقية المعطية حياة للنفس، والجسد، والروح، التي هي الجسد المقدس، والدم الكريم اللذان لمسيحك“. (الخولاجي المقدس وخدمة الشماس، إعداد: القمص إيسيذوروس البراموسي) ويصلي الكاهن في صلاة الحجاب لأبينا ق. يوحنا المثلث الطوبى للآب سرًا، في بداية القداس الكيرلسي، ويتحدث عن حلول الروح القدس، النار غير الهيولية (أي غير المادية) فينا، أي يتحدث عن حلول الروح القدس بأقنومه فينا ((إيسيذوروس البراموسي (قمص)، الخولاجي المقدس وخدمة الشماس، مراجعة وتقديم: نيافة الأنبا متاؤوس أسقف دير السريان، مكتبة مار جرجس بشبرا، 1994، ص 219 )) : ”أعطني يا رب روحك القدوس، النار غير الهيولية التي لا يُفكَّر فيها، التي تأكل كل الضعفات، وتحرق الموجودات الرديئة“. (الخولاجي المقدس وخدمة الشماس، إعداد: القمص إيسيذوروس البراموسي) وهذا ما نصليه أيضًا مخاطبين العذراء القديسة مريم في لبش واطس في باكر سبت الفرح (أو سبت النور) لكي ما ننال الروح القدس لنصير مسكنًا له مثلما حلَّ على العذراء القديسة مريم، وهذا يؤكد الحلول الأقنومي للروح القدس فينا كما حلَّ أقنوميًا على العذراء مريم ((ترتيب أسبوع الآلام بحسب طقس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، إعداد ونشر مجموعة من المتخصصين في طقوس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، تقديم ومراجعة: القس غبريال، مؤسسة مينا للطباعة، 1994، ص 684. )) : ”من أجلك أيضًا صرنا مسكنًا للروح القدس الذي حلَّ عليك وقدَّسك“. (57)(ترتيب أسبوع الآلام حسب طقس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، تقديم ومراجعة: القس غبريال) نستنتج من هنا أن الاتحاد الكياني بالمسيح هو عقيدة متأصلة في الليتورجية القبطية التي تُعتبر وعاءً لعقيدة ولاهوت الكنيسة، فنحن ما نؤمن به نصلي به، بالتالي، نجد عقيدة الاتحاد الكياني والحقيقي بالمسيح متغلغلة في الليتورجية القبطية وصلواتها المقدسة. --- ### من سجل خطاياي - Published: ۲۰۲۳-۰۳-۳۰ - Modified: 2023-03-29 - URL: https://tabcm.net/10926/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون لأنا ‏كُتله من أفكارٌ معقدة ومُعاناة مُتراكمة لقد أرهقني الأم أكثر مما فعل اليأس السنين تركضُ حافية وأنا لم أنْتَعل العُمر بعد... قاومت فراقاً جاء وقته بارة بكبريائي ‏لا أنسى الإساءة أبدًا ‏ما كنتُ أريد أن أرى لكن عيني غافلتني... ورأت ‏هزائمي أنتقيها بدقة متناهية أما انتصاراتي فهي مجرد صدفة. ‏كصفصافة لا يسقيها النهر ولكنّها تظلّله ‏وحين أنهي ‎الممرّ الضيّق وحدي، لن أهتمّ للبشر الذين يملؤون ‎الشّوارع الواسعة أنا من وضعتُ في حلقِ الابتسامةِ غصّة. الحقيقة العارية ترفض أن ترتدي ما صممته لأجلها من أثواب المجاز. ‏أطاردُ نفسي هرباً من نزيف العمر ‏أزمة الثقة تُجبر الأبواب على تشويه مظهرها بالترابيس أطارد وهماً يطاردني ‏أسير وحدي والحياةُ كأنها نغماتُ حزنٍ صامت بفؤادي ‏أبالغ في بناء الجدران لحماية نفسي، وهي نفسها جدران سجني الذاتي أ‏تصالح مع الأسى ليبدو ذو معنى أرق، وأعاقب من ظلمني بالنسيان ‏كان عليّ أن أعرف متى أتوقف وأغادر، حتى لا تُهدر محاولاتي في إصلاح أشياء يتعذّر إصلاحها لم أرهن الكثير من لحظات حياتي مقابل أن أعيش قيمة حقيقية للأشياء أسند رأسي على كتف الألم... لتغفو الأحلام المُتعبة والمُثقلة بالأنين والحنين بسلام. . عندما تصفعني الحياة أرفسها، وأصبح ثملة بأحزاني، غير مهتمة بالعالم الذي يحك رأسه حائراً. و‏أعجنُ الأيام أخبزها على قلقي ‏لا أبحَث عن أحد أصبَح جُل وقتي يذهبُ في أن أجدُني ‏أنا انكسار البوح والبوح انكسار... لست بنافذة أنا بل أنا الجدار ‏حتى عندمَا كانت محاولاتِي تُؤذيني، حاولت اعتدت على القلق حتى بِتُ أرى الطُمَأنينة مجرد وعكة صحية. --- ### أتريد أن تبرأ؟ لا ياسيدي - Published: ۲۰۲۳-۰۳-۲۹ - Modified: 2023-03-29 - URL: https://tabcm.net/10876/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون, كتاب مقدس - وسوم: بركة سلوام, سدوم وعمورة, مريض بركة بيت حسدا أغمضتُ عينيَّ للحظات وتخيلت نفسي مقعدٌ مكان مريض بيت حسدا، مقعدٌ في نفس المكان في أورشليم عند باب الضأن ملقى في أحد الأروقة الخمسة التي تطل على بركة بيت حسدا التي لم أشعر يوما فيها بالرحمة! !  ثمانٍ وثلاثين عاماً ملَّ مني الأقرباء وضجر الأصحاب وتركوني وحيدا فاقدين كل أمل في شفائي، وتركوني للموت، أو للحياة التي لا معنى لها سوى الموت. ثمانٌ و ثلاثون عاما يمرون أمام عيني يحملون مشهداً واحداً، مشهد المرض الذي لا يبرحني وعجزي في الشفاء، مشهد من اليأس والتذمر ولوم الناس والطبيعة، بل والله أيضاً. في كل مرة يأتي فيها الملاك ويحرك ماء البركة ويدفعني أحدهم نحو البركة ولا أكون أنا الشخص الأول ويحاول البعض انتشالي مرة أخرى نحو السطح وبينما أنا أسمع زغاريد وأفراح الشخص المشفى وأقاربه وأصحابه، يعتصرني ألم أشد، ألم المرض وبجواره تتراص آلام أُخر، ألم الفشل وألم الوحدة وألم الرفض، نعم الرفض، فقد شعرت إني مرفوض ليس من الناس فقط بل من الله أيضاً. كنت أصرخ دون صوت، لماذا أنا؟ ولماذا أنا بالذات دونا عن كل هؤلاء الذي تصيبه تلك التجربة المريرة والطويلة، لماذا الضعف؟ لماذا الألم؟ لماذا الرفض؟ لماذا الترك؟ لماذا وتتراص بجانبها ألف لماذا؟! أخيراً قد قررت أن أغير نهاية القصة، فأنا بطلها الآن، وأنا صاحب القرار، وأنا من يختار الأحداث ويكتب النهاية، أنا الملك. أعلم أنا يسوع قادم يوماً (هكذا يحكي يوحنا الإنجيلي في الإصحاح الخامس) أعلم أنه سوف يراني ويتحنن علىّ،  وسط كل هؤلاء العمي والعرج والعسم يراني أنا، ويأتي إلىَّ ويسألني سؤاله المشهور: أتريد أن تبرأ؟ للحظة فرحت وتصورت أنها فرجت بعدما استحكمت حلقاتها فتهللت فرحا قائلا: ومن منا يا سيدي لا يريد أن يبرأ بعد انغماسه في المرض والفشل سنين هذه عددها، أنا بالطبع أريد أن أبرأ، لا. . لحظة. . تمهل. . انتظر. هل تطلب مني ألا أعود لأفعالي الأولى لئلا يصير ليّ أشر، ولكني كنت مستمتع بأفعالي الماضية، كنت أتعطش للخطية مع أنّها يوما لم تروني ولم تشبعني، في كل يوم كنت أطرق بابها كنت أجدها مفتوحة المصرعين وتجذبني إليها دون استئذان، وعندما أتجرعها عن أخرها ناشداً النشوة لا أشعر سوى ألم، ألم الدونية وألم عدم الشبع، ولكني لا أقوى على فراقها وتركها. فصرخت بقوة وإصرار، لا يا سيدي لا أريد أن أبرأ، دعني وشأني، دعني في أوحالي ونجاساتي وعالمي الميت فقد اعتدته طوال الأعوام الماضية ولم أعد أقوى على حياة الحياة فدعني أحيا الموت. فجأة أُفقت عندما فتحت عيني لأبصر مريض بيت حسدا الحقيقي وكأنه هو من أفاقني ودفعني بعيدا عن المشهد ليسلك سلوكا مختلفا عما سلكته،  كان الرجل مختلف عني تمام الاختلاف، كان مثابراً طوال ٣٨ عاما يترجى الشفاء، كان يعلم أن ليس له أحد ليلقيه في البركة، كان موقن أن دائماً هناك من يسبقه، ومع كل ذلك لم ييأس يوما ولم يترك البركة ويرحل، كان عنده رجاء أنه يوما ما سيشفى، متى؟ لم يكن يعلم، ولكنه أوقن أن هذا اليوم سيأتي فأثر البقاء بجوار البركة عن الرحيل والاستسلام. هذا رأه يسوع وهو يعلم ماضيه،  لم يوبخه أو يؤنبه على أفعاله السالفة، بل تحنن عليه وسط جموع كثيرة، وانحنى نحوه فقد كان ملقيا على الأرض ومد يده ليسند رأسه واقترب من أذنه في مشهد لم يلحظه الجموع الغفيرة حول البركة، وسأله أتريد أن تبرأ؟ إن كنت لا تريد فلن أجبرك، وإن كنت تريد فعليك أن تكمل حياتك بطريقة مختلفة عن ماضيك، عليك أن تكون كلك لي وأن أكون كلي لك، أنا مصدر شبعك وأنا منبع ارتوائك، بدوني الحياة موت والشبع جوع والفرح مؤلم، ومعي لن تكون إلاّ فرحًا. وبعدها ترك يسوع مريض بيت حسدا، وتحول إليّ، واقترب مني،  نعم مني أنا، ومد يده نحوي واحتضني ورأيت أثار مِسْمَار وحربة، وسألني، ألازلت رافضاً الشفاء، أمازلت تهوى الخرنوب، ها أنا واقف على باب قلبك وأقرع، افتحه لي ودعني أجدده، بل دعني أغيره، صارحته قائلا: أخشى يا أبي الاختيار، فأنا ضعيف وكل مرة أخرج من الدائرة أجد نفسي كامرأة لوط، أنظر إلى الوراء وتغريني سدوم وتجذبني عمورة. وجدته يهمس في أذني قائلاً : ولكنك لن تشبع في كل سدوم ولن ترتوي في كل عمورة، لن تجد راحة إلا فيَّ، أنا مصدر شبعك، إذا رغبت وقررت سأكون قوتك، سأويدك سأعضدك بيمين بري، سأعطيك الغلبة ومن يغلب أجلسه معي على العرش. وفجأة، أبعدني سنتيمترات عنه وعاد ليسألني: أتريد أن تبرأ؟ وعليّ الآن أن اختار وأن أجيب. هل أريد؟ أم لا أريد؟ هل أريد وأحتاج معونته؟ أم لا أريد ولكني أريد ماله فأتظاهر بأني أريد وأنا في الحقيقة لا أريد؟ على أن أختار وأتحمل تبعات خياراتي. --- ### أبانا الذي - Published: ۲۰۲۳-۰۳-۲۸ - Modified: 2023-03-26 - URL: https://tabcm.net/10894/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون - وسوم: الصلاة الربانية أبانا الذي فينا هنا على الأرض، ليتقدّس اسمُك في الجوعى، الذين يتقاسمون خبزهم وأغنيّتهم. ليأتِ ملكوتُك، على هذه الأرض الصالحة التي تدرّ لبنًا وعسلًا. اجعلنا نصنع مشيئتَك، بأن ننهض عندما يجلس الجميع، وأن نرفع صوتنا، عندما يصمت الجميع. أنتَ تعطينا خبزنا اليوميّ، في أغنية الطير، ومعجزة القمح. واغفر لنا، لأنّنا صمتنا أمام الظلم، ودفَنَّا أحلامَنا. لأنّنا لم نتقاسم خبزنا وخمرنا، أرضنا وحبّنا، فيما بيننا الآن. لا تدَعنا نسقط في تجرِبة، تجرِبة غلق أبوابنا من الخوف، والخنوع للجوع والقهر، وحمل سلاح الأعداء نفسه. لكن نجّنا من الشرّير. أعطنا المثابرة والتضامن، لكي نبحث عن الحبّ، وإن لم يكن الطريق غير ممَهَّد بعد، وإن فشَلّنا. سنعرف ملكوتَك، الذي يُبنى من الْآنَ وإلى الأبد. آمين ترجمة عن النص الإنجليزيّ: Central American Lord’s Prayer --- ### ترنيمة الموت الأخيرة - Published: ۲۰۲۳-۰۳-۲۷ - Modified: 2023-03-26 - URL: https://tabcm.net/10924/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون - وسوم: أنبا رفائيل، أسقف وسط القاهرة هل رأيت مشهد العازفين في فيلم تيتانك؟ في واقع الأمر أن شيوخ "الدوجماتية" وأقطاب الفريسية يتصرفون بنفس الطريقة والكيفية. المركَب انكسرت لنصفين وبدأت في الغرق وصراخ الركاب وفزعهم يملأ ذاك المحيط المظلم، ولكن من يبالي! الأهم أن الفرقة الناجية بكامل طاقمها مستمتعة ومنشغلة تماماً بالعزف على وقع أصوات الصراخ والنحيب التي تدوي في الخلفية، ولا يهمهم سوى استكمال السيمفونية المفضلة "ترنيمة الموت الأخيرة" حتى أخر نفس من أخر مسافر . تعتريك الدهشة عندما تراهم ينشدونها بمنتهى الأريحية والسعادة، يصرون عليها مفتخرين بكلماتها وألحانها المملة الكئيبة غير مبالين بما يحدث حولهم طالماً تعجبهم هم الأنشودة، أو بالأصح المرثية، يرددون بأصوات مخيفة، ويتمايلون مثل الزومبيز: تراب. . تراب. . برية. . برية لا مكان للروح. . ولا للنعمة الإلهية الموت هنا أفضل... الموت معنا أجمل فلا تكن لهم حياة. . ولا يكون لهم أفضل البعض قفز فعلًا خارج السفينة وشق طريقه في البحر ليتنسم جرعة من نسيم الحياة وليكتب له عمر جديد وتنقذه سفينة أخرى، ويعرف معنى الحياة الجديدة، وكأنه يخلق أو يولد من جديد، مثل هؤلاء من وسط الضيقة العظيمة ومن وسط الألم خرجوا، تحملوا سباب وشتائم ركاب السفينة الأم واتهاماتهم بالقفز للنجاة بأنفسهم من سفينة بدأت في الغرق مبكراً وكأنه لزاماً عليهم البقاء والموت. وهناك آخرون ما زالوا يصارعون لإيجاد طريقهم للنجاة ولكنهم مترددين لا يملكون قرارهم، وقليلون جداً يحاولون إصلاح الشروخ والعوار، ولكن الأمر ليس بيدهم، فالدمار هائل، والخراب شديد، وليس بإمكانهم إصلاح ما أفسده الدهر فقط بل وما أفسده سكان الصحاري ونجوم الشباك والحطابين في البراري وأصحاب العمائم والمثلثات والمربعات والمسدسات! ! أما الباقون من ركاب السفينة، وهم الأكثرية، يقفون فقط موقف المتفرج، يستلقون على كنباتها يستندون على جدرانها يتمسحون بأعمدتها الخمسة، وعندما يفيقون سيكون الوقت متأخراً جداً وسيغرقون كما غرق الجميع! وسيكون أخر ما تسمعه أذانهم، هو فاصل آخر من ترنيمة الموت الأخيرة. تراب. . تراب. . برية. . برية لا مكان للروح. . ولا للنعمة الإلهية الموت هنا أفضل... الموت معنا أجمل فلا تكن لهم حياة. . ولا يكون لهم أفضل أما العازفون، فمستمرون في عزفهم وضربهم على الآلات واعتلائهم المنصات واحتلال الميكروفونات، يضربون عصفورين بـ"مرثية" واحدة، يضربون الألحان "الجنائزية" على آلاتهم ويضربون بنداء الركاب عُرْضَ الحائط، غير مدركين بالمرة بالخطر المحيط بهم، والمصير المحتوم عليه. --- ### الادعاء باستحالة تقرب الله للإنسان - Published: ۲۰۲۳-۰۳-۲٦ - Modified: 2023-03-26 - URL: https://tabcm.net/10911/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: آدم, حواء, قديس بولس الرسول هناك استحالة في أن يتعرف المخلوق إلى ذات الخالق أو الاتصال به دون تدخل الله الخالق، وإلا أصبح لا فرق بين الخالق والمخلوق، بل حتى صورة الله التي تصور عليها الإنسان عند الخلق وقربه من الخالق في جنة عدن لم تكن لتمنع سقوط الإنسان وتغربه عن حياة الله، وخروجه إلى مصير العدم/ الفساد. لذلك كانت المرحلة الثانية في تدبير خلق الله لآدم أن يتحقق له ”الشبه“ بالخالق في الخلود وعدم الموت والفساد. وبينما هذه الاستحالة استوجبت في تدبير الخالق اكتمال القرب من محبوبه الإنسان عندما يختار الإنسان الالتصاق بصورة الله فيه ويدخل حياة الشركة في مجال حياة الله التي أشار إليها الرب أن يصير الإنسان على مثال خالقه وشبهه، إلا أن البعض من البشر ذهب إلى عكس القصد من تدبير الخلق الواضح أن معرفتنا للخالق هي نعمة ولا تتحقق إلا باقترابه منا. وهذا صحيح لأن الله لا يقتحمه كائن من/ ما كان. ولكنهم ذهبوا إلى أبعد من هذا بأنهم ظنوا باستحالة اقتراب الله من الإنسان، وقالوا بأن هذه الاستحالة تستوجب تنزيه الله عن اتصاله بالإنسان، فأنكروا اقتراب الله من الإنسان في التجسد الإلهي. والحقيقة إن اعتقادهم هذا إنما يؤكد أيضاً استحالة تعرُّف المخلوق إلى الخالق اعتماداً على قدرته البشرية، فبحسب ما يعتقدون من تنزيه الخالق عن خليقته، فإنهم حرموا أنفسهم من تدخل الخالق بنعمته حتى يستعلن لهم ذاته. لذلك قال عنهم الله في العهد القديم والعهد الجديد ”تسمعون سمعا ولا تفهمون“. ثم أن تنزيه الله حسب اعتقادهم لا يساير حقيقة أن الله وضع آدم على مقربة منه في جنة عدن كما قلنا في مقال سابق. لقد تَخطَّي الله استحالة معرفتنا له بمفارقة عظمى للتنزيه الناقص الذي ابتدعوه عن الله. فالسياق التاريخي لعلاقة الله بالإنسان كما شهد بها الوحي المقدس يكشف بوضوح أن حياة الشركة مع الله هي الطريق الوحيد إلى معرفة الله ”لا يعرف أمور الله إلا روح الله الساكن فيه“. باختصار فإن معرفة الله لن تكون إلا بالشركة في مجال حياة الله تعالى، وهذا هو سر تدبير الخلق ”السر المكنون منذ الدهور“ الذي أكتمل إعلانه في سر الخلاص بتجسد المسيح (كما سيأتي شرحه في مقال قادم). فقد كان مُذَّخَراً منذ البَدْء أن القصد من خلق الإنسان هو حلول الله فينا فنعرفه: ”مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ الَّتِي فِي وَسَطِ فِرْدَوْسِ اللهِ“(سفر الرؤيا 2: 7) ”نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَ“(سفر التكوين 1: 26)  ”فَمَنْ يَأْكُلْنِي فَهُوَ يَحْيَا بِي“(إنجيل يوحنا 6: 57) من هنا نفهم كيف كان تدبير الله لإيمان الإنسان به هو بحلول الله الفعَّال الذي بلغ أوج قمته في استعلان المسيح كلمة الله وحكمة الله وبهاء مجد الله ورسم جوهره. فالمسيح هو ”الله الذي ظهر في الجسد“ الذي فيه نقل الله بشرية الإنسان إلى مجال حياة الله فدخلت معرفة الله إلى عالم الإنسان بصورة حياتية عملية كيانية هي سر تقوى الإنسان وخلوده في الله إلى الأبد ”وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ، تَبَرَّرَ فِي الرُّوحِ، تَرَاءَى لِمَلاَئِكَةٍ، كُرِزَ بِهِ بَيْنَ الأُمَمِ، أُومِنَ بِهِ فِي الْعَالَمِ، رُفِعَ فِي الْمَجْدِ“(رسالة بول الأولى إلى تيموثاوس 3: 16)  هذا المفهوم المسيحي للإيمان بأنه قَبُول وانتقال لحياة الله إلى داخل كيان الإنسان يظهر في أحاديث الرب بالكتاب المقدس وتركيزاً في العهد الجديد إذ يقدِّم الرب يسوع المسيح شخصه أنه ”الماء الحي/ والخبز الحي النازل من السماء“ الذي به ينقل الرب البشرية إلى ذاته ”من يأكلني يحيا بي“. وكان لقاء الرب مع السامرية مثالاً لذلك. وقراءة الإنجيل الذي نقل للعالم لقاء المسيح بالسامرية تسميه الكنيسة إنجيل السامرية وهو من الأهمية بمكان حتى أنه يتوسط أحاد الصوم الأربعين المقدس، قدس أقداس المواسم الكنسية في المسيحية. والسُبح لله. بقلم د. رءوف إدوارد --- ### الانجماع في تعاليم آباء الكنيسة الجامعة [٣] - Published: ۲۰۲۳-۰۳-۲٤ - Modified: 2023-03-24 - URL: https://tabcm.net/10851/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: الانجماع الكلي, انجماع البشرية بالمسيح, بابا كيرلس عمود الدين, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية نستكمل في هذا المقال تعاليم آباء الكنيسة الجامعة عن "الانجماع الكلي واتحاد البشرية بالمسيح". القديس يوحنا ذهبي الفم يُصادِق ق. يوحنا ذهبي الفم على نفس كلام الآباء السابقين واتحادنا الكياني في المسيح، وإننا نصير جسد المسيح ليس بالرغبة أو الإرادة فقط، بل في الواقع أيضًا كالتالي: ”إن دور التلميذ هو ألا يفحص بوقاحة في تعاليم مُعلِّمه، بل دوره أن يسمع ويؤمن وينتظر الوقت لذلك لكي ما نصير جسده ليس بالرغبة فقط، بل أيضًا على مستوى الواقع، فليتنا نصير متَّحِدين بذلك الجسد، وهذا بالحق يتم بواسطة الطعام الذي أعطاه لنا كهبة ، لأنه أراد أن يُبرهِن على الحب الذي له من نحونا. إذ لهذا السبب أشرك نفسه معنا، وأنزل جسده لمستوانا أي نصير واحدًا معه كاتحاد الجسد مع الرأس، وهذا بالحق هو سمة حبه العظيم“. (31)(يوحنا ذهبي الفم (قديس)، عظات على إنجيل يوحنا ج1، تَرْجَمَة: راهب من برية شيهيت) ويُحدِّد ق. يوحنا مفهوم التقدمة أو الفدية أو الذبيحة بأن الابن وحَّد نفسه بنا وقدَّمنا كذبيحة في نفسه، لأن الابن كله حلَّ فينا لا بنوع من الطاقة، بل كجوهر كالتالي: ”يقول الرسول وبتشديد أكثر أن كل ما هو للآب هو للابن أيضًا، لأنه صار ميتًا لأجلنا، ووحَّد نفسه بنا. لم يقل الرسول’باكورةً‘كما في الثمار، ولم يقل’قيامةً‘فحسب، بل قال’باكورة القيامة‘مظهرًا أنه قد قدَّسنا كلنا، وقدَّمنا كما لو كنا ذبيحةً. إن البعض يستخدم تعبير ’الملء‘ كنايةً عن اللاهوت، كما قال يوحنا:’ومن ملئه نحن جميعًا أخذنا‘(يو 1: 16). أي مهما كان الابن، فالابن كله حلَّ هناك ليس بنوع من الطاقة، بل كجوهر“. (32)(يوحنا ذهبي الفم (قديس)، شرح رسالة بولس الرسول إلى أهل كولوسي، تَرْجَمَة: نشأت مرجان) ويتحدَّث ق. يوحنا ذهبي الفم عن امتزاج المسيح بنا في جسده ليس بالإيمان فقط، بل بجعلنا جسده الحقيقي، حيث يقول: ”فلم يكن كافيًا للسيد أن يصير إنسانًا ويُضرَب ويُقتَل، لكنه بمزج نفسه أيضًا بنا، لا بالإيمان فقط، بل بجعلنا أيضًا جسده بالفعل“. (33)(يوحنا ذهبي الفم (قديس)، عظات على إنجيل متى ج4، تَرْجَمَة: د. عدنان طرابلسي) ويؤكِّد ق. يوحنا ذهبي الفم على نفس التعبير مُعطِيًا له بعدًا سرائريًا، وهو امتزاجنا بالمسيح في جسد واحد في سر الإفخارستيا كالتالي: ”المائدة التي منها نقتات نحن، التي بها نمتزج ونصير جسدًا واحدًا ولحمًا واحدًا مع المسيح“. (34)(يوحنا ذهبي الفم (قديس)، عظات على إنجيل متى ج4، تَرْجَمَة: د. عدنان طرابلسي) ويُشدِّد ق. يوحنا ذهبي الفم على نفس مفهوم امتزاج المؤمنين بالمسيح في الأسرار قائلاً: ”فالسيد يمزج ذاته بكل واحد من المؤمنين في الأسرار، وهو يُطعِم بنفسه الذين ولدهم ولا يُسلِّمهم لآخرين، مُقنِعًا إياكم بهذا مرةً أخرى أنه اتخذ جسدكم“. (35)(يوحنا ذهبي الفم (قديس)، عظات على إنجيل متى ج4، تَرْجَمَة: د. عدنان طرابلسي) ويُعرِّف ق. يوحنا ذهبي الفم مفهوم شركتنا في جسد المسيح في موضع آخر قائلاً: ”لقد قال: شركة جسد المسيح، ليؤكِّد على أن ما نتناوله حقًا هو جسد المسيح المحيي، فعندما قال: شركة جسد، فإنه أراد أن يقول شيئًا يُعبِّر به عن أن الاتحاد يمضي في طريقه نحو ما هو أكثر، ولذلك أضاف: فإننا نحن الكثيرين خبز واحد وجسد واحد(1كو10: 17) ولماذا يقول شركة؟ يقول إن هذا الجسد ذاته هو نحن، لأنه ما هو الخبز؟ إنه جسد المسيح. وماذا يحدث للمؤمنين الذين يتناولون منه؟ يصيرون جسد المسيح، وليس أجسادًا كثيرة، بل جسدًا واحدًا“. (36)(يوحنا ذهبي الفم (قديس)، تفسير الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس ج2، تَرْجَمَة: د. سعيد حكيم) القديس كيرلس الإسكندري يتحدَّث ق. كيرلس الإسكندري مُؤكِّدًا على فكرة وجودنا الكياني في المسيح أثناء صلبه كالتالي: ”ونحن قد صُلِبَنا معه لما صُلِبَ جسده الذي كانت فيه كل طبيعتنا“. (37)(كيرلس الإسكندري (قديس)، تفسير رسالة رومية) ويُؤكِّد ق. كيرلس الإسكندري في موضع آخر على فكرة شركتنا مع المسيح بالطبيعة في عمله الخلاصي، حيث يقول التالي: ”ومن أجل منفعتنا يقول إن الكلمة سكن فينا، لكي يرفع الحجاب عن السر العميق، لأننا نحن جميعًا في المسيح، والجماعة المشتركة في الطبيعة الإنسانية ارتفعت إلى شخصه، وهو ما جعله يُدعَى’آدم الأخير‘(1كو15: 45)واهبًا بغنى للطبيعة الإنسانية المشتركة كل ما يخص الفرح والمجد“. (38)(كيرلس الإسكندري (قديس)، تفسير إنجيل يوحنا مج1، تَرْجَمَة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون) كما يُفرِّق ق. كيرلس الإسكندري بين الهرطوقي والأرثوذكسي بشكلٍ واضحٍ في مسألة أننا ككنيسة جسد المسيح الإفخارستي قائلاً: ”وحيث أن الهرطوقي في حماقته، يريد أن يُروِّج لآرائه الزائفة، ويقول: ’إنَّ أيّ مُجادلة لن تجعل الذين يُحرِّفون معنى الكلمات التي أمامنا عن معناها السليم، ويَعتبرونها تشير إلى تجسُّد المسيح، لأننا لم نتَّحد به بالجسد، ولا الرسل يثبتون في جسد المسيح كأغصان، ولا هم كانوا مُرتبِطين به بهذا الشكل، بل عن طريق وحدة الفكر والإيمان الحقيقي‘. والآن فلنُجاوِب على هذا الكلام باختصار، ونُبِين للهرطوقي أنه قد انحرف تمامًا، وهو لا يتبع الكتب المقدَّسة باستقامة. فكون أننا مُتَّحِدون روحيًا بالمسيح بما يتطابق مع المحبة الكاملة، فهذا لا يُنكِره بيان عقيدتنا بأيّ حال، فنحن نعترف أن المعترِض على صواب في قوله من هذه الجهة، ولكن أن يقول إنه لا توجد أي إشارة في المثل إلى اتحادنا بالمسيح بالجسد، فنحن سنُوضِّح أن كلامه هذا يتعارض تمامًا مع الكتب الموحَى بها، لأنه كيف يمكن أن يُجادِل أحد، أو هل يُمكِن لأيّ إنسان ذي فكر مستقيم أن يُنكِر أن المسيح هو الكرمة من ناحية جسده؟ ونحن لكوننا أغصان حسب الرمز ، فإننا ننال في أنفسنا الحياة النابعة منه، كما يقول بولس:’لأننا نحن الكثيرين جسد واحد في المسيح، فإننا نحن الكثيرين خبز واحد لأننا جميعًا نشترك في الخبز الواحد‘(أنظر رو12: 5؛ 1كو10: 17). ما هو سبب هذا وهل يستطيع أحد أن يُعطِينا تفسيرًا بدون الإشارة إلى قوة السر المبارك؟ ولماذا نحن نتناوله ونأخذه داخلنا؟ أليس لكي يجعل المسيح يحل فينا جسديًا أيضًا بالاشتراك في تناول جسده المقدَّس؟ أنه يجيب بصواب قائلاً نعم هو كذلك. لأن بولس يكتب هكذا:أن الأمم شركاء في الجسد، وشركاء المسيح في الميراث(أنظر أف3: 6). كيف يكونون أعضاء في الجسد؟ ذلك بسبب دخولهم ليشتركوا في الإفخارستيا المقدَّسة، وهكذا يصيرون جسدًا واحدًا معه مثل أيّ واحد من الرسل القديسين! “. (39)(كيرلس الإسكندري (قديس)، تفسير انجيل يوحنا مج2، تَرْجَمَة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون) وأخيرًا، يؤكد ق. كيرلس الإسكندري على أننا بالإفخارستيا أي ”بشركة جسده الخاص الذي يسكب فينا شركة الله، ويمحو الموت الذي حلَّ بنا من اللعنة القديمة“. (40)(كيرلس الإسكندري (قديس)، تفسير إنجيل يوحنا مج1، تَرْجَمَة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون) وهكذا نجد التأكيد في شروحات آباء الكنيسة على اتحادنا الكياني في المسيح سواء في تدبير الخلاص أو على مستوى الأسرار، بالتالي لا يمكن أن يكون جسد المسيح أي جسد البشرية، كما يدَّعي البعض خطاءً، جسدًا اعتباريًا، أو رمزيًا، أو روحيًا فقط، بل جسدًا حقيقيًا بشهادة جميع آباء الكنيسة الجامعة شرقًا وغربًا. حيث يدحض آباء الكنيسة التعليم غير الأرثوذكسيّ بنظرية الأجساد الثلاثة، وادعاء البعض بأن جسد المسيح الذي أخذه من العذراء غير جسده أي الإفخارستيا، وغير جسده أي الكنيسة، واعتبار جسد المسيح السريّ أي الكنيسة هو مُجرَّد جسد رمزيّ اعتباريّ. وتتفق في ذلك آراء آباء الكنيسة الغربية اللاتينية مع آراء الكنيسة الشرقية اليونانية، حيث قد وجدنا أنهم يؤكِّدون على وحدة الأجساد الثلاثة، وعدم فصلهم عن بعضهم البعض، مُتفِقين مع أقول آباء الكنيسة اليونانية الشرقية في نفس الموضوع، وأود التنويه إلى أن ما أعرضه من أقوال الآباء وشروحاتهم هو بعض من كل، وقليل من كثير، وعشرات بل مئات من الشروحات تؤكِّد على اتحادنا الكياني في المسيح. هوامش(31)يوحنا ذهبي الفم (قديس)، عظات على إنجيل يوحنا ج1، تَرْجَمَة: راهب من برية شيهيت، (القاهرة: مكتبة المحبة، 2008)، عظة 46، تعليق على (يو6: 41- 53)، ص 451. (32)يوحنا ذهبي الفم (قديس)، شرح رسالة بولس الرسول إلى أهل كولوسي، تَرْجَمَة: نشأت مرجان، (القاهرة: مكتبة المحبة، 2009)، العظة الثالثة، تعليق على (كو1: 18)، ص 63. (33)يوحنا ذهبي الفم (قديس)، عظات على إنجيل متى ج4، تَرْجَمَة: د. عدنان طرابلسي، (لبنان، 2008)، عظة 82: 5، ص 142. (34)المرجع السابق، ص 142، 143. (35)المرجع السابق، ص 143. (36)يوحنا ذهبي الفم (قديس)، تفسير الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس ج2، تَرْجَمَة: د. سعيد حكيم، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2017)، عظة ٢٤: ٢، ص 96. (37)كيرلس الإسكندري (قديس)، تفسير رسالة رومية 6: 6. (38)كيرلس الإسكندري (قديس)، تفسير إنجيل يوحنا مج1، تَرْجَمَة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2015)، 1: 9، تعليق على (يو 1: 14)، ص 133. (39)كيرلس الإسكندري (قديس)، تفسير انجيل يوحنا مج2، تَرْجَمَة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2015)، 10: 2، تعليق على (يو15: 1)، ص 259. (40)كيرلس الإسكندري (قديس)، تفسير إنجيل يوحنا مج1، تَرْجَمَة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2015)، 3: 6، تعليق على (يو6: 35)، ص 370. --- ### امرأة قوية جائعة في مجتمع متدين بطبعه - Published: ۲۰۲۳-۰۳-۲۳ - Modified: 2023-03-23 - URL: https://tabcm.net/10873/ - تصنيفات: المرأة القبطية - وسوم: الصوم الكبير, المرأة السامرية لم تكن مشكلة المرأة السامرية الشبق الجنسي لذلك كانت كثيرة الزواج، بل على العكس كان أزواجها الخمسة يبحثون عن متعة جنسية ظانين فيها -الخبرة- التي لم يجدوها فكانوا يتركوها. كانت السامرية نموذجًا للمرأة الشرقية المثقفة التي كانت تعلم جيدًا الخلاف السياسي بين اليهود والسامريين فكانت تعرف تاريخ أمتها وتاريخ الجيران، كانت متبحرة دينيًا وكان لديها الجرأة لتحاور رجل غريب عنها وتكون له ندًا، تسأل وتنتظر الإجابة وتتناقش فيه وتعطي تعليقها بل ورأيها أيضًا، ذلك النوع من النساء يبهر الرجل الشرقي جدًا ويجذبه، ولكن من بعيد لبعيد، لسبب أو لأخر لا يستطيع التعامل معه عن قرب. إن نزعته الشرقية وصورته الذهنية عن نفسه كما يجب أن يكون تمنعه عن الاستمرار في علاقة تكون فيها المرأة ندًا أو تقود هي الدفة بِرُمَّتها،  لذلك لم تستمر المرأة السامرية في زيجاتها الشرقية لا لعيب فيها وربما لا لعيب في أزواجها الخمسة بقدر أنه عيب في مجتمع رسم صورة ذهنية لكل منهما، صورة لرجل يأمر وينهي وينتهر ويعنف، ولامرأة تخضع وتطيع وتُضرب أحيانًا دون جدال أو اعتراض أو حتى نقاش. كانت السامرية نموذجًا للمرأة الشرقية العاطفية الحالمة التي كانت تحلم دوما بالشاطر حسن الراكب على الحصان الأبيض الذي يغمرها بالحب والعاطفة دون أن يطلب منها مقابلاً جنسيًّا يشعرها أنها إنسانه مقبولة دون أن تدفع الثمن الجنسي المناسب، ويبدو أيضًا أن هذا النموذج من الرجال كان وربما ما زال غير موجود. فالرجال يعبرون عن عواطفهم بالجنس، عندما يفرحون يريدون الجنس وعندما يكتئبون يريدون الجنس، عندما ينجحون أو يفشلون، عندما يتوترون أو عندما يكونون مرتاحي البال، ليس لأنهم شهوانيين بل لأن هذه طريقة تعبيرهم عن عواطفهم ومشاعرهم، بعكس النساء اللاتي يستطيعن أن يعفوا عن الجنس مادام كانوا مشبعين عاطفيًا أو جائعين عاطفيا، والحالة الأولى أخف وطئًا من الثانية. هذه الطبيعة المختلفة، في بيئة متخلفة جعلت بعض النساء يسعون للاستقلال عن الرجل وبدلا من أن يكون شريكا صار بالنسبة إليهم خصما وندًا، فصار المجتمع حلبة صراع مليئة بالمشوهين نفسيا، وجميعهم يعوزهم المعنى الحقيقي للحب الذي يبحث عن العطاء وليس مجرد الأخذ. يا صديقي الرجال والنساء طبيعتان مختلفتان تماما ولكنهما متكاملتان في احتياجٍ دائمٍ لبعضيهما ليكونوا حقيقين أو لوجود بدائل مزيفة فيصبحوا مسوخا لا بشر، لا يعيب أحدهما خصائصه بل العيب أن نعيب تلك الخصائص المميزة لكلانا. في النهاية لا يتكامل شخصان إلا إذا أحبا بعضهما لدرجة البذل الذي فيه يكون كل واحد، مراضيًا لصاحبه وطبيعة شخصيته واحتياجاته. --- ### إنجيل الاغتراب وإنجيل التجسّد - Published: ۲۰۲۳-۰۳-۲۱ - Modified: 2023-03-21 - URL: https://tabcm.net/10891/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون, كتاب مقدس - وسوم: بيلاطس البنطي نادرًا ما يشدِّد علم اللاهوت في مصر على الجانب العمليّ للاَّهوت. فيهمل أنّ اللاهوت يخلق علاقة جديدة بين الإنجيل وتطبيقه في واقع الإنسان اليوميّ. بين المعرفة والأخلاق، وبين التفكير والثورة اليوميّة. ستتحقّق هذه العلاقة في حياة المؤمنين إذا كفّ اللاهوت عن أن يكون حكرًا على ما ليس ملموس وعلى دوائر خاصّة متخصّصة. على قراءة الإنجيل أن تكون في قلب كلّ فكرٍ نقديّ موجّه للاَّهوت وللحياة اليوميّة. للإنجيل قراءة خاصّة بشأن المجتمع. فالخلاص الذي يعلنه ليس أمرًا فرديًّا أو خاصًّا. فيسوع بتجسّده تدخل في صراع مع القوى الاجتماعيّة والدينيّة والسياسيّة لعصره. وفي النهاية لم يكن صليبه خبرةً صوفيّة في إطار العلاقة الشخصيّة الداخليّة. انتصب الصليب "في خارج الأسوار" وستائر الهيكل تمزّقتْ في النهاية، هادمة كل فصل بين المقدّس وبين اليوميّ. لذا، يجب التشديد على الصفة المدنيّة لمحاكمة يسوع أمام بيلاطس، الممثّل الرسميّ للدولة الرومانيّة، بالتالي، الممثّل للسلطة السياسيّة. إنّ وعود الإنجيل (الحرّيّة والعدالة والسلام والمصالحة) يَجِبُ ألاّ يتمّ خصخصتُها. ولا يمكن أن ينتحلها أيّ وضع اجتماعيّ كان. فهذه الوعود محفوظة في المحتوى الاسخاتولوجيّ المقدّم من الله. لهذه الوعود ارتباط كبير بما هو اجتماعيّ، لأنّها تضع الواقع الاجتماعيّ تحت نقد إجباريّ وتحريريّ. ويجب قياس الوضع الاجتماعيّ الحاليّ بمعايير مرتبطة بمضمون هذه الوعود. إنّ أمثال يسوع تؤسّس ملكوت الله وتضع المؤمنين في الوقت نفسه في علاقة نقديّة بالمحيط الاجتماعيّ. إنّ اللاهوت يتبع مباشرةً مفهوم العالم الذي يبرز من الوعي التاريخيّ والوعي الاجتماعيّ. فإنّ العالم واقعٌ اجتماعيّ في عمليّة تاريخيّة. نتيجة لذلك، لم يعد ممكنًا أن تُفهم الكنيسة وكذالك الإنجيل خارج الواقع الاجتماعيّ والتاريخيّ، وعلى الكنيسة أن تعتبر رسالتها دائمًا مرتبطة بالوضع الاجتماعيّ. --- ### يجيلك منين الشر وأنت ماعملتش الخير! - Published: ۲۰۲۳-۰۳-۲۰ - Modified: 2023-03-19 - URL: https://tabcm.net/10898/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون - وسوم: أوسكار وايلد, برودواي, بريندان جيل, بن هور, رئيس رونالد ويلسون ريجان, لو والاس, هنري الثاني عند سماعي لتلك المقولة للمرة الأولى لم أفهمها، فطلبت من قائلها تفسيرا، فأخبرني أن الشر يأتي في جناح الخير. فأغلب الأعمال الجيدة التي نفعلها مع من لا يستحق نحصد ما لا نستحق نحن من شر. تذكرت تلك المقولة وأنا أشاهد فيلم "بن هور" المأخوذ عن رواية لـ "لو والاس" التي نُشرت عام 1888، وتم إنتاجها عديد من المرات على المسرح وفي السينما، أخرهم فيلم بن هور 2016. ما جعلني أتذكر المقولة هو أحد الأبطال الرئيسين بالفيلم الذي سُمى الفيلم على اسمه "يهوذا بن هور"، الأمير اليهودي الذي يسكن أورشليم، ولم يرفض استضافة متمرد جريح في بيته، ولكن سرعان ما أنقلب خيره شرا بعدما أستغل ذلك الجريح الفرصة وأطلق سهم من أعلى سطح منزل يهوذا على الحاكم الروماني في أثناء استعراض عسكري محاولاً قتله مما أدى إلى وقوعه من على حصانه، تفاديا للسهم الطائش. أُتهم "يهوذا" بأنه حاول اغتيال الحاكم الروماني، ورغم أن "يهوذا" كان بريئًا من تلك التهمة، لكنه لم يمثل أمام محكمة، بل تم إرساله إلى سفينة عبيد ليعمل بالتجديف كعقوبة مدى الحياة، واعتقلوا أمه وأخته وتم أرسالهن إلى الصلب، ولكن بمفارقة نادرة تم تهريبهن لسجن روماني ﻻ تدخلش الشمس حيث أصيبا بالجذام، هذا باﻹصافة لأنهم صادروا جميع ممتلكات العائلة. مجرد فعل واحد  فعله "يهوذا" بدافع من الخير الذي يحمله داخله، ودون حسابات للعواقب، ومع كونه لا يناصر العنف الذي يميّز المتمردين من أمثال ذلك الجريح: دمر حياته وحياة أسرته. بحثت أكثر عن أصول تلك المقولة التي حين فكرت فيها كثيراً، أحزنني مدى صوابها، فالكثير من أفعالنا الجيدة كانت سبباً أصيلاً في معاناتنا لاحقا. ببساطة أولئك الذين يساعدون الآخرين محكوم عليهم بالمعاناة نتيجة مساعدتهم، واكتشفت أن للمقولة أصول وجذور في ثقافات مختلفة، فعلى سبيل المثال وليس الحصر، ذُكرت أول ما بحثت في القرن الثاني عشر بواسطة "والتر ماب"، الذي كان أحد حاشية الملك هنري الثاني ملك إنجلترا في كتاب "De nugis curialium" ويأخذ الكتاب شكل سلسلة من الحكايات عن الأشخاص والأماكن، ويلقى الضوء على تاريخ وعصر "والتر ماب". وردت العبارة بالكتاب كالتالي:  "لا يمر عمل صالح بلا عقاب"، وكانت تعليقا ساخرا على تواتر أعمال اللطف، التي تأتي بنتائج عكسية، على أولئك الذين يقدمونها. وذلك لأن أولئك الذين يساعدون الآخرين محكوم عليهم بالمعاناة نتيجة مساعدتهم. وردت المقولة أيضا في العديد من الأعمال الأدبية والفنية والصحفية مثلا: في رواية "بريندان جيل"  "The Trouble of One House"  عام 1950، وفي أغنية "No Good Deed" من مسرحية "Wicked "الموسيقية الناجحة في برودواي عام 2003، وفي عام 2005، في مقال للمؤلف "ديفيد هيلفارج" في مجلة "Grist Magazine": تذكر تلك الإشارة التي علقوها في مكتب EPA في أثناء إدارة ريجان، "لا يمر عمل جيد دون عقاب" في عهد جورج بوش، "لا يمر عمل جيد بلا عقاب"، إذا لا يمر عمل جيد دون عقاب كما قال أيضا الروائي أوسكار وايلد. لذا تذكر جيدا عند أقدامك على عمل خير أن ذلك الخير يحوي بداخله الشر وأنك أطلقت السهم للتو ولا تعلم متى يلحق بك؟ ولكنه عاجلاً أم أجلا سوف يصيب. وفي يوم بليتك تذكر جيدا أي خير فعلته أصابك سهمه وأي يد مددت لها خيرك ورمتك. أعلِّمه الرمايةَ كلّ يومٍفلما اشتدّ ساعدُه رمانيوكم علّمتُه نظْمَ القوافيفلمّا قالَ قافيةً هجانيأُعلّمُه الفتوّةَ كلّ وقتٍفلمّا طرّ شاربُه جفانيورمى عيني بسهم أشقذيّ (من التراثيات المختلف على نسبها بين كلا من: مالك بن فهم الازدي، وأوس بن معن المزني) وأخيرا أحذر ممن آويتهم وأحسنت إليهم أكثر من أعدائك، فصديق اليوم هو عدو الغد، وما أقسى عدو مددت له يدك بالماء، أرجعه إلى حلقك خل وعلقم. فطريق جهنم مفروش بالنوايا الحسنة. --- ### الحب الحقيقي عند الإنسان وسر الخلق عند الله - Published: ۲۰۲۳-۰۳-۱۹ - Modified: 2023-03-19 - URL: https://tabcm.net/10909/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: آدم, حواء, مفهوم التجسد لقد ربط علم النفس بين مراحل نُضْج شخصية الإنسان بمراحل تطور ونضج مشاعر الحب الإنساني وصولاً إلى مرحلة اكتماله بعد مروره بأطوار من الحب أقل نضجاً في مرحلة الطفولة والمراهقة. فالحب الناضج من أهم سمات الشخصية المتكاملة التي فيها يتكون لدى الإنسان الاشتياق والاحتياج أن يلتصق بإنسان آخر عنه ومساوي له في شركة حب هو الحب الناضج الحقيقي. ويتميز الحب الإنساني الناضج بأنه حياة شركة لا امتلاك لذلك يتميز بالفرادة ولا يحتمل التعدد، والمحبوب فيه (هو/ هي) شخص ومساوي ”معين نظيره“ (سفر التكوين) له حرية الاختيار والإرادة و وليس شيئاً يُمتَلك. ويتميز شخص المحبوب أنها/أنه ”مختلف“ (كما في الحب الناضج بين المرأة و الرجل) ليستطيع الحب أن يُعبِّر عن وجوده بالعطاء والفيض نحو آخر وليس الأنا. وعكس هذا قد يكون أنانية وليس حب ناضج يتجه نحو ”آخر“ بل نحو ”الأنا“. والحب الحقيقي ليس احتياج للأخذ بقدر أنه احتياج للعطاء، لذلك فهو يُوجَد حيثما يُوجَد الغِنى الحقيقي للشخصية عند اكتمال نضجها. فالحب بعطائه، استعلان لهذا الغِنى وتحقيق له، فالغِنى بكل أشكاله يظل بلا معنى ولا شبع لصاحبه دون حب يشارك فيه الآخر. والعجيب أن فيض و”عطاء“ الحب الحقيقي هو في واقعه ”أخذ“ لأنه يَؤول إلى ”امتلاء“ لا نقصان للحب إذا كان حقيقيا، والعكس صحيح في الحب الزائف إذ إن العطاء يستنزفه ثم  يفضحه إذ يجف هذا الحب ويتلاشى. لقد استطردنا في وصف الحب الحقيقي عند الإنسان لأنه -أي الحب الحقيقي- كما سنرى هو بصمة الخالق في ”تدبير الخلق“ وانعكاساً مُصغَّراً يشهد لحب الله المطلق ”الله محبة“ ويحمل صفات طبيعة الله كمصدر لهذا الحب، فتدبير الخلق أي خلق الله للإنسان هو فيض حب وحياة أبدية مذَّخرة في كيان الله. فإذا دققنا النظر في تدبير الخلق ينكشف لنا أن السر فيه يكمن ويتحقق في خلاص وحفظ الله للإنسان من أية احتمالات سقوط تعود به من حيث أتى قبل الخلق، أي العدم واللا وجود، فإن القصد الإلهي من خلق الإنسان هو نعمة خلود الإنسان إلى الأبد = الحياة الأبدية في الله وذلك يتحقق للإنسان عندما ينتقل من خليقة ”على صورة الخالق“ كما كان في خلق آدم الأول ليصير خليقة ”على شبه الخالق“ كما تحقق في آدم الثاني يسوع المسيح. فهذا ”الشبه“ حققه المسيح في ناسوته عندما تجسد وأكمل نعمته علينا بالشركة في الطبيعة الإلهية (رسالة بطرس الرسول الثانية). باختصار فإن تدبير الخلق الذي أعلنه الله في بداية سفر التكوين ”نعمل الإنسان علي صورتنا كشبهنا“ قد أُكمِل في المسيح يسوع ربنا بالتجسد الإلهي. فإن قول الرب يسوع المسيح "مَن رآني فقد رأى الآب“ ليس فقط لأن المسيح والآب واحد في اللاهوت ”أنا والآب واحد“، بل أيضا لأن المسيح نقل ناسوت البشرية الذي لبسه من ”صورة“ الله إلى "شبه" الله وتمم بذلك قصد الخلق الذي أعلنه الله في بَدْء سفر التكوين ”نخلق الإنسان على صورتنا كشبهنا“. والسُبح لله. بقلم د. رءوف إدوارد --- ### بولكيريا
ليليث تضرب من جديد - Published: ۲۰۲۳-۰۳-۱۸ - Modified: 2023-10-11 - URL: https://tabcm.net/10818/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: آدم, الأوطاخية, اللاهوت السكندري, النسطورية, بابا ديسقورس السكندري, بابا كيرلس عمود الدين, بوليكاريا, حواء, فيلسوفة هيباتيا بنت ثيون, ليليث, مجمع خلقيدونية  تحكي الميثولوجيا الإنسانية أن لآدم الأول زوجة أولى اسمها "ليليث" أصبحت مصدر خَشْيَة الجميع، الترابية التي خلقت بمساواة مع رجلها لم تستسغ الدونية التي عوملت بها، وكانت مصدر إزعاج مستمر للذكر المسكين، انتهى بها المطاف لترك "جمل" الفردوس بما حمل والحياة في العَتَمَة مع الملاك الساقط "سمائيل"، تعزو إليها الميثولوجيا أنها -مع رفيقها- كانت الحية التي آطاحت بالآدميين خارج الفردوس، في انتقامٍ يليق بملكة الظلام. الزانية، الناسكة، القديسة، صفات أُطلقت على الأوغسطا "ايليا بولكيريا" أُطلق الوصف الأول عليها نسطوريوس، أحد أسمن ضحاياها، وأسبغ عليها جماعة الخلقيدونيين القداسة، بعد أن كانت اللاعب الرئيس في تكريس انتصار نهائي وحاسم لهم في خلقيدونية. ليليث بيزنطة كانت العذراء المكرسة، الشقيقة الكبرى والوصية للإمبراطور ثيئودوسيوس الصغير، فحفرت لنفسها نفوذًا هائلًا، تضائل بجانبه نفوذ الإمبراطور نفسه، والحق أنها تميزت بذكاء حاد وقدرة هائلة على التخطيط، والأهم تميز فريد في التعامل مع الأضداد. نفوذ صاحبة الجلالة الديني لم يكن يقل عن نفوذها السياسي، بل كانت المشرفة على السياسة الدينية الإمبراطورية، في أوج فترة الصراع على مناطق النفوذ بين السياسي والديني، ربما ننوه هنا أنها هي من شكلت لجنة للتحقيق في مصرع "هيباتيا" الفيلسوفة المصرية، وخلصت إلى: "يسر حكمتنا أن ينأى رجال الدين بأنفسهم عن التدخل في الشئون العامة". هي نفسها التي أحاطت الأسرة الامبراطورية بحاضنة رهبانية واسعة بقيادة نساك ذوي سيرة حسنة جدا، مثل دلماتيوس، ألكسندر، وهيباتيوس، تحسبا لأي تمرد شعبي.   وهي نفسها التي اعتمدت على مقاتلين محترفين من "الجرمان" يدينون باﻵريوسية في حربها مع القبائل البربرية التي كانت تشكل تهديدًا دائمًا للحدود الشِّمالية للإمبراطورية. لا شك -عندي- أن خوض المجامع لهو عمل سياسي يتقلص بجانبه الحق الديني، الحصافة وهندسة التحالفات والمناورة السياسية، كلها مقومات لازمة لرجل الدين الذي تضعه الأقدار في مواجهة مواقف مسكونية. على عكس القديس كيرلس، لم يكن لنسطوريوس نصيب كبير من هذه المقومات، فقد بدأ بصدام مدوي مع بولكيريا، حين رفض أن يناولها في الهيكل مع شقيقها وهو الامتياز الذي كان مستقرًا لها، بل وتلاسن معها في هذا الموقف، وكان واضحًا أن "ليليث" لن تغفر، إذا أضفنا لهذا أخطاء أخرى من موقفه من الرهبان وكنيسة الجنود الجرمان، لم يكن الأمر ليمر. البطريرك الذي كان مغترا بالدعم الإمبراطوري الواسع، وثقة البلاط، والساعي إلى فرض رؤيته اللاهوتية مسكونيًا، والقضاء التام على عدوه اللدود "كيرلس" عن طريق طلب عقد مجمع مسكوني يعقد في القسطنطينية، حديقته الخاصة وتحت أنظار داعمه الإمبراطور، يحضره الأساقفة من الصفوة رفيعي المعرفة اللاهوتية، أسقط في يده عندما علم بالترتيبات التي أفضى إليها تدخل بولكيريا، نقل المجمع إلى مدينة "أفسس" مدينة "والدة الإله" التي يرأس على أساقفتها "ممنون" أحد غلاة أعدائه، والدعوات التي كان واضحًا أنها تطلب حضورًا واسعًا، لا شك أن أغلبه سيكون من أساقفة التقوى الشعبية وليس علماء اللاهوت. ندم نسطوريوس على مسعاه لعقد مجمع، فقد بدا واضحًا أنه خسر معركته قبل أن تبدأ، وهذا ما حدث، لم يكن للدعم الإمبراطوري أي أثر في مواجهة الضغط الشعبي العارم، وانتهت الوقائع كما نعرفها. أما ما يمنحها الليليثية بجدارة فهو خططها التي نجحت في خلقيدونية، التي جلبت على العالم والمسيحية شرورا مستطيرة لا زال كلاهما يعانيها، وقبل أن نتطرق إلى دورها فيه، نَمِر سريعًا على الأحداث التي أفضت إليه. لم يستسلم الأنطاكيون للهزيمة القاسية في أفسس، أعادوا تنظيم صفوفهم، وأعادوا التمركز والدفع برجالهم في الكراسي المهمة لإعادة تكوين "لوبي" ضاغط بعد فقدان عدد من رموزهم، ساهم في الأمر توالي غياب الوجوه المؤثرة بالوفاة التي طالت القديس كيرلس، يوحنا أسقف أنطاكيَة، كليستينوس أسقف روما، الذي تربع على كرسيه "لاون" رئيس شمامسته الذي سنفرد له مقالا في هذه السلسلة. عندما اشتد عودهم، تم اصطياد راهب كيرلسي مسن لم يكن لاهوتيًا من الأساس لنزال لاهوتي لم يكن يهدف إلا لتخطئة الفهم اللاهوتي السكندري وإعادة الفهم اللاهوتي الأنطاكي للصورة مرة أخرى، عقد مجمعًا محليًا حرم على أثره الراهب المذكور "أوطاخي" ولكن لإن الأمر كان صبيانيًا وفجًا، سهل الطعن على قرارات هذا المجمع، وخصوصا لأن "أوطاخي" كانت تربطه علاقة وثيقة بكبير موظفي القصر "كريسافيوس"، هذا الذي كان ألد أعداء بولكيريا في القصر، لأنه الوحيد الذي كان قادرا على إحباط خططها لقربه من ثيئودوسيوس. الطعن أسفر عن عقد المجمع المسكوني "أفسس الثاني" الذي تولى رئاسته بتكليف إمبراطوري القديس ديسقورس بابا الإسكندرية اللاحق للقديس كيرلس. هنا نعود للتذكير بالمقومات الشخصية، ق. ديسقورس لم يكن سياسيًا بارعًا كسلفه، لم يملك حصافته وتمكنه، فارتكب الكثير من الأخطاء الإدارية في إدارة المجمع، وظن أن استناده على الإيمان الصحيح المبني على أفسس سيطلق يده في التصرف فيما يراه صوابًا ولكنه كان مخطئًا، فجاءت الطامة الكبرى باستصدار قرار مجمعي بجرم فلافيان أسقف القسطنطينية المقرب من بولكيريا، مع عدد آخر من الأساقفة في تصرف غير محسوب، جن جنون بولكيريا، فالمرء لا يجد أسقفًا مواتيا كل يوم، وأصبح من المؤكد أن هناك كارثة ليليثية يجري التخطيط لها. عجل بالكارثة موت ثيئودوسيوس المفاجئ في حادثة سقوط من حصانه، وكان أول قرارات بولكيريا هو إعدام "كريسافيوس" ممثل السكندريين القوي في البلاط. دانت الإمبراطورية تمامًا لبولكيريا، حتى أنها تخلت عن تكريسها وتزوجت القائد "مركيان". كل خطط ليليث تقود حتما لما حدث في خلقيدونية، هناك حساب ينبغي تسويته مع الإسكندرية، ونزع أظافرها تمامًا، انقياد تام للتحالف مع روما -التي أصبحت في وجود لاون عدوا للإسكندرية- لتأمين شرعية زواجها من مركيان والتعاون في الحرب المستعرة مع القبائل البربرية، وأخيرًا الرغبة المتجددة في جعل القسطنطينية بمساواة روما في كرامة الكرسي الأسقفي. لم يكن الأمر صعبا، نجحت ليليث في خططها كما أعتادت دائمًا، ودفعت البشرية ثمنا فادحًا جديدًا، وهذا ما سيرد ذكره في الحديث عن وقائع المجمع. --- ### الانجماع في تعاليم آباء الكنيسة الجامعة [٢] - Published: ۲۰۲۳-۰۳-۱۷ - Modified: 2023-03-17 - URL: https://tabcm.net/10850/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: اتحاد البشرية بالمسيح, الانجماع الكلي, الكنيسة الجامعة, غريغوريوس النزينزي، الناطق بالإلهيات, غريغوريوس النيسي, قديس أمبروسيوس، أسقف ميلان, قديس أوغسطينوس، أسقف هيبو, قديس كيرلس الأورشليمي, قديس هيلاري، أسقف بواتييه نستكمل في هذا المقال تعاليم آباء الكنيسة الجامعة عن "الانجماع الكلي واتحاد البشرية بالمسيح". القديس كيرلس الأورشليمي يؤكد ق. كيرلس الأورشليمي أيضًا على اتحادنا الكياني والحقيقي بالمسيح ونوالنا شركة الطبيعة الإلهية، وذلك باتحاد جسد ودم المسيح بأعضائنا من خلال الإفخارستيا، فنصير نحمل المسيح داخلنا وفي أعضائنا كالتالي: ”وإذ أنت تشترك في جسد المسيح ودمه، تصبح جسدًا واحدًا، ودمًا واحدًا مع المسيح، وهكذا نصبح نحن حاملي المسيح بما إن جسده ودمه ينتشران في أعضائنا. وبهذه الكيفية نصبح على حد تعبير الطوباوي بطرس’شركاء الطبيعة الإلهية‘(2بط1: 4)“. (17)(تادرس يعقوب ملطي (قمص)، القديس كيرلس الأورشليمي "حياته -مقالاته لطالبي العماد- الأسرار") القديس اغريغوريوس النزينزي اللاهوتي يؤكِّد ق. اغريغوريوس النزينزي الملقَّب بـ ”اللاهوتي“ على فكرة وجودنا الكياني في المسيح في تدبيره الخلاصي، مؤكِّدًا على المبادلة الخلاصية الشفائية بيننا وبين المسيح، حيث يقول التالي: ”بالأمس صُلِبَت مع المسيح، واليوم أتمجَّد معه، بالأمس مُت معه، واليوم نلت الحياة به، بالأمس دُفِنَت معه، واليوم أقوم معه وكما تَشبه المسيح بنا، فلنتشبه نحن أيضًا به، صار إنسانًا لكي يُؤلِّهنا، قَبِلَ كل ما هو قابل للفساد حتى يهبنا الأسمى، صار فقيرًا حتى نغتني نحن بفقره، أخذ شكل العبد كي نسترد حريتنا، أتضع كي يرفعنا، جاز التجربة كي نغلب نحن به، أُهِين ليُمجِّدنا، مات ليُخلِّصنا، صعد إلى السماء ليجذبنا إلى نفسه، نحن الذين سقطنا في وهدة الخطية“. (18)(اغريغوريوس النزينزي (قديس)، عظات عيد القيامة (العظة الفصحية الأولى)، تَرْجَمَة: القس لوقا يوسف) يتحدث ق. اغريغوريوس النزينزي عن الخضوع الكلي للخليقة كلها في المسيح لله الآب، بسبب الاتحاد الكياني للخليقة كلها بالمسيح كالتالي: ”وهكذا فحين أكون غير خاضع وعاصيًا بنكراني الله وأهوائي، يكون المسيح أيضًا غير خاضع فيَّ. ولكن ’متى أُخضِعَ له كل شيء‘ -وسيُخضَع له بمعرفة الله والتحول- سيقوم هو بالخضوع النهائي فيقدمني لله ناعمًا بالخلاص. وخضوع المسيح يكون -على ما أقول- في إتمام مشيئة الآب. الابن يُخضِع كل شيء للآب، والآب يُخضِعه للابن: الواحد بفعله، والآخر بعطفه، كما ذكرنا ذلك آنفًا. وهكذا فالمُخضِع يقدم لله ما أُخضِعَ له ويجعلنا من خاصته“. (19)(اغريغوريوس النزينزي (قديس)، الخطب 27- 31 اللاهوتية، تَرْجَمَة: الأب حنا الفاخوري) ويؤكد ق. اغريغوريوس اللاهوتي على أننا بالمعمودية ننتقل إلى حالة (التأله) من خلال تطهير الروح القدس لنا في أعماقنا الداخلية، وإعادة خلقتنا لنصير من الحالة التي كنا عليها قبل المعمودية إلى حالة (التأله)، ونلبس الإنسان الجديد، ونترك الإنسان العتيق في جرن المعمودية كالتالي: ”بما أننا طبيعة مزدوجة أي من نفس وجسد، وبما أن الطبيعة الأولى غير منظورة والثانية منظورة ، فعملية التطهير هي مزدوجة أيضًا أي بالماء والروح. وهكذا نتطهّر بصورة منظورة جسديًا وبصورة غير منظورة روحيًا، بالماء شكلاً ورسمًا، وبالروح حقيقةً، لأنه يقدر أن يُطهِّر الأعماق. هذا الروح يأتينا منحة إلى خلقتنا الأولى، ويردنا من العتاقة إلى الجِدّة، ومن الحالة التي نحن عليها الآن إلى حالة التأله، ويصهرنا بدون نار، ويعيد خلقتنا بدون إخفاء الجسد“. (20)(اغريغوريوس النزينزي (قديس)، مختارات من القديس اغريغوريوس اللاهوتي النزينزي، تَرْجَمَة: الأسقف استفانوس حداد) القديس اغريغوريوس النيسي يشير ق. اغريغوريوس النيسي إلى وجودنا الكياني في المسيح في أثناء عمله الخلاصي، والمبادلة الخلاصية بيننا وبينه، وكيف ألَّه اللاهوت كياننا البشري فيه بالنعمة كالتالي: ”لأنه حتى إنْ كانت طريقة حضور الله فينا ليست هي نفسها كتلك الحالة السابقة، إلا أننا نعترف أن وجوده فينا الآن وآنذاك هو متساوي. فالآن هو يختلط بنا، باعتباره حافظ الطبيعة في الوجود، ومن ثم قد اختلط بكياننا حتى من خلال شركة اللاهوت يصير كياننا مُتألهًا، مُنعتِقًا من الموت، ومُتحرِّرًا من طغيان الخَصْم. لأن عودته من الموت صارت بداية عودة جنسنا من الفناء إلى الحياة غير المائتة“. (21)(اغريغوريوس النيسي (قديس)، تعاليم الموعوظين، تَرْجَمَة: د. جورج فرج) كما يشير ق. غريغوريوس النيسي إلى نَيْل نعمة الاتحاد بالله والتأله من خلال سر الإفخارستيا؛ حيث يزرع الله ذاته في كل المؤمنين في الإفخارستيا، ويمزج ذاته بأجساد المؤمنين باتحاد حقيقي في الإفخارستيا لينالوا به عدم الفساد (التأله بالنعمة) كالتالي: ”لذلك قَبِلَ ذاك الجسد وهو الوعاء الإلهي، هذا العنصر (السائل) من أجل بنيانه الذاتي، هو الإله الذي ظهر، ولذلك فقد اندمج بنفسه مع الطبيعة الفانية، حتى أنه بشركة اللاهوت تتأله البشرية، لذا فقد غرس نفسه في كل الذين يؤمنون بتدبير النعمة من خلال الجسد الذي يتكوَّن من الخمر والخبز، واختلط بأجساد المؤمنين، حتى باتحاده بغير المائت يصير الإنسان أيضًا شريكًا لعدم الفساد. وهو يمنح هذه (العطايا) بفضل قوة البركة التي من خلالها يُغيِّر طبيعة هذه الأشياء التي تظهر (للحواس) إلى تلك (الطبيعة غير المائتة)“. (22)(اغريغوريوس النيسي (قديس)، تعاليم الموعوظين، تَرْجَمَة: د. جورج فرج) القديس هيلاري أسقف بواتييه يرى ق. هيلاري أسقف بواتييه الملقَّب بـ ”أثناسيوس الغرب“ البعد السرائريّ في اتحادنا بالمسيح في سر الإفخارستيا، حيث يقول التالي: ”من ناحية أخرى، قد شهد هو نفسه عن كيف يكون اتحاده بالحقيقة فينا بهذه الطريقة:’مَنْ يَأْكُلْ جَسَدِي وَيَشْرَبْ دَمِي يَثْبُتْ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ‘(يوحنا56:6). إذ لن يسكن فيه أحد سوى الذي يسكن فيه بنفسه، لأن الجسد الوحيد الذي قد أخذه لنفسه هو جسد هؤلاء الذين أخذوا جسده، لقد علَّم بالفعل قبلاً عن سر تلك الوحدة الكاملة هذا هو سبب حياتنا أننا لدينا المسيح يحيا في طبائعنا البشرية الجسدية بالجسد، وسوف نحيا به كما أنه يحيا بالآب“. (23)(هيلاري أسقف بواتييه (قديس)، عن الثالوث، تَرْجَمَة: راهب من دير الأنبا أنطونيوس) القديس أمبروسيوس أسقف ميلان يتحدَّث ق. أمبروسيوس أسقف ميلان عن اتحادنا الكياني في المسيح مُردِّدًا ما نُصلِي به في تسبيحتنا ”هو أخذ الذي لنا وأعطانا الذي له“ قائلاً: ”إذًا، فقد أخذ منا ما كان يجب أن يُقدِّمه لنا، هكذا لكي يُفِيدنا مما يخصنا، وبعطيته الإلهية يُقدِّم مما يخصه، ما لم يكن خاصًا بنا، إذًا، بحسب طبيعتنا قدَّم ذاته، حتى بهذا يعمل عملاً أسمى من طبيعتنا. التقدمة هي مما يخصنا أما المكافأة فهي مما يخصه، وكثيرًا ما نجد فيه أيضًا أمور بحسب الطبيعة وأسمى من الطبيعة(البشرية)“. (24)(أمبروسيوس أسقف ميلان (قديس)، تجسد الرب، تَرْجَمَة: د. جورج عوض) ويضيف ق. أمبروسيوس في نفس السياق مُتحدِّثًا بكل صراحة عن وجودنا الكياني في المسيح كالتالي: ”إذًا، بما أن جسد الكل أيضًا في المسيح خضع للجروح، كيف تقولون إن ذلك الجسد وتلك الألوهية لهما الطبيعة ذاتها؟“. (25)(أمبروسيوس أسقف ميلان (قديس)، تجسد الرب، تَرْجَمَة: د. جورج عوض) أوغسطينوس أسقف هيبو ننتقل إلى أوغسطينوس أسقف هيبو ولنا وقفة معه، لأن البعض يُهاجِم تعبير ”جسد المسيح السري“ مُعتقدين أنه تعبير حديث مُعاصر قاله أحد الآباء في العصر الحديث، ولكن المفاجأة الكبرى إنه تعبير أوغسطينيّ صرف تعلَّمه أوغسطينوس من قوانين تايكونيوس الدوناتي، واعتاد استخدامه كمفتاح لتفسير المزامير، للتأكيد على مبدأ أن الكنيسة هي جسد المسيح السري، حيث يقول التالي في تفسيره لسفر المزامير: ”هذه النبوة تنطبق على الشيطان وملائكته الذين يقاتلون، لا ضد جسد المسيح السري فحسب، بل ضد كل عضو من أعضائه، ’قصمت أسنان الأثمة‘، لكل منا أعداؤه الذين يلعنونه، فضلاً عن فاعلي الشر الذين يسعون إلى انتزاعنا من جسد يسوع المسيح، لكن للرب الخلاص“. (26)(أوغسطينوس (قديس)، العظات على المزامير ج1، تَرْجَمَة: عبد الله جحا) كما يؤكِّد أوغسطينوس على حقيقة اتحادنا الكياني في المسيح، وعبور المسيح بجسده الكامل أي الكنيسة من الموت إلى الحياة، قائلاً: ”هكذا أيضًا عبر المسيح بجسده الكامل من الموت إلى القيامة وجسده هو الكنيسة(كو1: 24)“. (27)(أوغسطينوس (قديس)، الثالوث، تَرْجَمَة: د. أنطون جرجس، تقديم: نيافة الأنبا أنجيلوس الأسقف العام) ويضيف أوغسطينوس في نفس السياق، مؤكِّدًا على اتحاد مثال بشريته بنا لإزالة مخالفة فسادنا بشركة موتنا من أجل أن يمنحنا شركة الطبيعة الإلهية والتألُّه قائلاً: ”بالتالي باتحاد مثال بشريته بنا، قد أزال مخالفة فسادنا، وبشركته لموتنا جعلنا شركاء طبيعته الإلهية“. (28)(أوغسطينوس (قديس)، الثالوث، تَرْجَمَة: د. أنطون جرجس، تقديم: نيافة الأنبا أنجيلوس الأسقف العام) ويكمل أوغسطينوس شارحًا كيف يهب المسيح الرأس أعضاء جسده أي كنيسته ما يقبله هو ناسوتيًا من لاهوته المتَّحِد به كالتالي: ”فإنه قَبِلَ بين الناس أيضًا كالرأس يُعطِي إلى أعضائه: وهو نفسه قد أعطى وقَبِلَ بين الناس وبدون شك كما في أعضائه الذين من أجلهم أيّ من أجل أعضائه صرخ من السماء قائلاً: شاول شاول لماذا تضطهدني؟ (أع٥: ٤)، والذين من أجلهم أيّ أعضائه يقول: بما أنكم فعلتموه بأحد أخوتي هؤلاء الأصاغر فبي فعلتم (مت٢٥: ٤٠)، لذا قد أعطى المسيح نفسه من السماء ، وقَبِلَ على الأرض“. (29)(أوغسطينوس (قديس)، الثالوث، تَرْجَمَة: د. أنطون جرجس، تقديم: نيافة الأنبا أنجيلوس الأسقف العام) ثم يشرح أوغسطينوس كيفية الاتحاد بين المسيح وبيننا في الجسد الواحد مُستخدِمًا تعبيرات مثل: الانسجام، أو التوافق، أو التناغم، أو التآلف، أو الشركة، للتأكيد على وحدتنا الطبيعية في المسيح المغروسة فينا بصفة خاصة من خلال موته وقيامته بطبيعتنا البشرية كالتالي: ”بينما يُواجِه موته الواحد وقيامته الواحدة ازدواجية وثنائية موتنا وقيامتنا، لأنه بهذا الانسجام أو التوافق أو التناغم أو التآلف أو أي كلمة مناسبة أكثر يمكن التعبير بها، بحيث أن اتحاد الواحد بالأثنين له أهمية كبيرة جدًا في كل الاندماج والاتفاق أو بالحري شركة الخليقة، تمامًا مثلما يحدث لي وهو ما أقصده بدقة بالغة بالشركة التي يدعوها اليونانيون άρμονία أي الانسجام والتناغم، ومع ذلك فهذا ليس المكان لكي ما أستعرض قوة ذلك الانسجام والاتحاد بين الواحد والثنائي الموجود بصفة خاصة فينا والمغروس فينا بصورة طبيعية أيضًا (الذي لا يكون إلا بواسطة خالقنا)؟ الذي لا يفشل حتى الجاهل في إدراكه“. (30)(أوغسطينوس (قديس)، الثالوث، تَرْجَمَة: د. أنطون جرجس، تقديم: نيافة الأنبا أنجيلوس الأسقف العام) هوامش(17)تادرس يعقوب ملطي (قمص)، القديس كيرلس الأورشليمي (حياته -مقالاته لطالبي العماد- الأسرار)، (الإسكندرية: كنيسة مار جرجس سبورتنج، 2006)، مقالة 22: 3، ص 292. (18)اغريغوريوس النزينزي (قديس)، عظات عيد القيامة (العظة الفصحية الأولى)، تَرْجَمَة: القس لوقا يوسف، (القاهرة: المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي، 2012)، 44: 4، ص 14. (19)اغريغوريوس النزينزي (قديس)، الخطب 27- 31 اللاهوتية، تَرْجَمَة: الأب حنا الفاخوري، (لبنان: منشورات المكتبة البولسية، 1993)، خطاب 30: 5، ص 111. (20)اغريغوريوس النزينزي (قديس)، مختارات من القديس اغريغوريوس اللاهوتي النزينزي، تَرْجَمَة: الأسقف استفانوس حداد، (لبنان: منشورات النور، 1994)، عظة المعمودية المقدسة 40: 10، ص 138، 139. (21)اغريغوريوس النيسي (قديس)، تعاليم الموعوظين، تَرْجَمَة: د. جورج فرج، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2021)، 3: 25: 2، ص 186، 187. (22)المرجع السابق، 37: 12، ص 242، 243. (23)هيلاري أسقف بواتييه (قديس)، عن الثالوث، تَرْجَمَة: راهب من دير الأنبا أنطونيوس، (البحر الأحمر: دير الأنبا أنطونيوس، 2017)، 8: 16، ص 544. (24)أمبروسيوس أسقف ميلان (قديس)، تجسد الرب، تَرْجَمَة: د. جورج عوض، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2020)، 6: 54، ص 77. (25)المرجع السابق، 6: 57، ص 80. (26)أوغسطينوس (قديس)، العظات على المزامير ج1، تَرْجَمَة: عبد الله جحا، (لبنان: دار المشرق، 2013)، 3: 10، ص 26. (27)أوغسطينوس (قديس)، الثالوث، تَرْجَمَة: د. أنطون جرجس، تقديم: نيافة الأنبا أنجيلوس الأسقف العام، (القاهرة، 2021)، 3: 10: 20، ص 233. (28)المرجع السابق، 4: 2: 4، ص 248. (29)المرجع السابق، 15: 19: 34، ص 646. (30)المرجع السابق، 4: 2: 4، ص 248. --- ### كتاب عشقه - Published: ۲۰۲۳-۰۳-۱٦ - Modified: 2023-03-16 - URL: https://tabcm.net/10866/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون كتاب عشقه عنوانُه: رجلاً أكتمل بأحشاء حبيبته أقف أمام عينية عارية الأفكار وأرتدي كل جنونه ‏ورائحة افتراضية للمساء، قهوةٌ وأنت ورقصةٌ وغناء وقبل أن يغفو مسائي ويغفو الأمل يصلي على وعود تلامس الثغر أرتل حنينه على هيئة لقاء خَجِل ويكتبني قصيدة قبل الفجر لأضعها في كف القدر ‏عشقك... كوشاح الغيم وبَلل القصائد بحروف الرداء عشقك... كالبحر وكاليم هائج هادئ وجريء الحياء ‏أكتب له، أكتب به، أكتب عنه، وهو يكتبني على الورق على الجدار على بيتي على يدي على جسدي على العشب على الريح في عيناي... ليغار الحب ‏جميعهم... يقرأون لي وهو وحده يقرأني ‏كانت تُقرأ... كان يَكتب... كانا يمتزجان روحُ كلمة على حبر ورقٍ على وقع الحب يتناغمان يشاركني أعماقي يضيع بداخلي يجدد أنفاسي ويتوه في تقاسيمي الكفيفة ويستسلم لي هو كقصيدة عشق كتبتها على قارعة حلم تبددت غيومها لتتحقق وتهطل كزخات المطر على أرضي ليس بيني وبينه سوى أنني جبلٌ من هوى وأنّه بحر من حنان وما حوى تتفشى تفاصيلي بأوردته تتقمص أفكاره دمي يعود فيتنفس عبقي ويصلي بقدسي، فهو ملهمي وحين بحثت عنه... وجدتني ‏بحضوره، يعلو النبض وتحضر القصائد ملونة تضيء روحي فأسكن خارج حدود الكون ‏سمع لحني حين عزفت قيثارة النداء نادم الحنين يوماً حين راودني جور البكاء معاً... نكون أقسى عوداً أكثر وقوداً وتكون السماء لنا حدوداً هو الرجل الكامل معي وأنا المرأة المثالية معه ‏يهبني قلبه لأجل أن أعيش وأهبه قلبي لنواصل العيش معاً في هذه للحياة أشواقه بلا أقفال ونوافذي مشرعة لها دائماً ‏بين حبه الجنوني لي والبراكين الثائرة شبها كبيرا وأنا غليانه لشيء أجهله لكنه فاض مني أ‏سَقَىْ وردي فينبت شيئاً في قلبه يُشبه الورد... و‏يقترب لأزرع الحب في نبضه لأتلُو الأمان لروحه لأغمر الفرح في عينيه ‏بيدي نبوءة هذا العمر، وبيدك حل شفرة استفهامه ‏‎بيدي ضحكة هذا المساء وبيدك أحلامه ‏سريع المرور كالعمر وثابت كرفيق العمر... حَيْرَة الأيام هو ويقين جمالها... هو كما هو يعني العمر يعانقني في شتاء الجنون وحضنه عواصف حانية... مُجرم هو... يقتل بأحضاني كل لحظات السكون... هو الهواء المتسربل كنسائم الصيف بأوردتي ليداعب جفون همسي وأنا أشاركه أرستقراطية مواسم المطر ليحررني من حماقاتي وعبثي ‏وحديثه، همسُ أيدٍ تعرف كل لُغاتي! بنيت له قصراً وأودعت حبه المقدسة شرائعه في أقبية أوردتي وقيد أنفاسي يتجلى ليغدو غفراناً وشفاءً أفرش أشواقي على صدره... وتلتهم نيرانه قربان اللهفة ‏يملئنى من ذاته، يُفرغني من ذاتي ذاك الحاضر الغائب كزائر في الروح وساكنها يبقى لي لأواجه صخب الحياة وأمضي في تعرجاتها وروحي المتوسدة به تمده بطاقة النضال ليستمر... ‏بقلبي هو بأركانه والممرات بين أركانه بدقاته واللحظات بين دقاته بأوردته والدم في شرايينه هو دمي ‏يحمل قلبه لي هدية كيمامة زرعها في نبضي وأخبئ له في عينيّ عطية فرح كل لقاء وكماءِ النهر هو يعكس ابتسامتي حين أبحث عنها ‏وحين يتعب قلبي من شدّة الركض بين سطور قصائده يعد لي مقعداً من حروفِ اسمه على ضفاف صدره لكي أستريح عليه أضيف أنفاسه إلى قهوتي ليكون مذاقها مختلف وبهدوء ارتشفها معه بروح عاشقة لروحه ‏ نلملم الحب ونسكب بريق اللهفة والشغف في أقداحنا ونمزج أحلام العمر ونبعثرها في سماءنا... ‏يسرد حكاياته تبوح الحروف بذكرياته ينفث أحزانه من جوف آهاته... ليستنشقه إلهامي يستقر وجعه ًداخل أضلعي وأشاركه آلامه ‏يخلق لقلبي فرح يخرج منه إليه يخلق كوناً من ذكرى أحيا فيه ‏وأتوه منه إليه... كأنه خلاصي ملاذي وخطيئتي أبحث عنه و هو بي سقفه مزيج بين أنفاسه وأشواقي وامتداد لنهر بين صدره وعقلي ‏موسيقى عشقه، تلك التي يسكن لها قلبي في يوم ممطر لها نكهة صلاة رهبان لأتحدى الشتاء بين ذراعيه ‏حبّه الورديّ وانتصاراتُ عينيه تجعل منّي امرأة مستثناة، و عاشقَة أزليّة يعطني رجفة صوته... وأعطيه بحر كلماتي... ‏أذهب إليه حيث ضجيج القناديل الساهرة يعود بي حيث تنتحر القُبل على إيقاع موسيقاه الساحرة عشق حر لا ينتظر إعادة ولا تقتله سقطة الخيبة ‏وقلبي لم يكن يسعى إلا للانتساب إليه على أعتاب كون ينبلج فيه كياني حصرياً لمُقلتيه وما نقشه القلب لا يمحوه الزمن فحبنا بحجم وطن --- ### خدعوك فقالوا البيئة المناسبة للنجاح - Published: ۲۰۲۳-۰۳-۱۵ - Modified: 2023-03-14 - URL: https://tabcm.net/10870/ - تصنيفات: مقالات وآراء البيئة المناسبة للنجاح، عنوان "أهبل" و"عبيط" صنعه الفاشلون ليكون شماعة يعلقون عليها فشلهم، وملأ به أذاننا تجار الكلام الفارغ، لا يوجد ما يسمى بالبيئة مناسبة للنجاح، أصلا كل من نجحوا قبل منك نجحوا بالرغم من بيئتهم وظروفهم الصعبة التي كانت دائما حجر عثرة في مشوار نجاحهم، لأن البيئات السهلة إما موجودة فقط في خيالك، ولو موجودة فعلا فهي مصنع للفاشلين. كل من نجحوا واسمهم محفور في التاريخ أو في وجداننا كل الظروف التي مروا بها كانت كافية أن تجعلهم فاشلين أو في الأقل عاديين، زويل ومجدي يعقوب ومحمد صلاح، بيل جيتس، وسقراط وجاليليو، أديسون، وألبرت اينشتاين وغيرهم. كل واحد منهم لو سمعت جزء واحد من حياته كفيل إنك تتأكد مليون في المئة إنه كيف لهؤلاء الناس أن ينجحوا؟ لكن كيف استطاعوا أن يكملوا الحياة؟ لو منتظر بكرة يكون أفضل حتى تنجح، لو مستني أبوك وأمك يبطلوا خناق، لو مستني مراتك تبطل نكد، لو منتظرة جوزك يبطل إهماله ليكي، لو مستني مديرك في الشغل يكون دائما داعم لك، لو مستني زملائك يبطلوا "يأسفنوا" فيك، لو مستني تلاقي شغفك حتى تبدأ فحضرتَك مش بس بتحلم ومش متغطي كويس، لكن كمان هتفضل طول عمرك فاشل أو على الأقل مش بتحقق النجاح اللي تقدر تحققه. في حياتي المهنية كمدرس، كل من كانوا مميزين كانت ظروفهم صعبة، إما غير غني، وعارف إنه لا يستند إلى فلوس بابا وماما التي تسمح له بدخول جامعة خاصة، ولازم يعتمد على نفسه، إما بيته كله خناق ونكد ومشاكل و هو قرر ألا يستسلم لأب وأم أكبر غلطة لهم إنهم تزوجوا، وثاني أكبر غلطة إنهم بالرغم غلطتهم الأولى قرروا الإنجاب، لكن هؤلاء الأولاد تحدوا النكد والصراخ والتهديد، تحدوا المعيشة مع أب منفرد بلا أم، أو أم منفردة بلا أب، أو أب وأم موجودين مع بعض لكن أرواحهم وحياتهم منفصلة عن بعض. في الغالب الولد والبنت اللي شايفين الدنيا سهلة، في فلوس وسفر كل أسبوع وفيلا في الساحل، والموبايل لما يضيع ولا يهمك يا حبيبي، وتاني يوم يجي غيره، العيال بتوع متزعلهوش يا مستر ومتضغطش عليه، والواد خلي بالك منه لو عيط طبطب على "مشيها" صدره، العيال التوتو دول مش بتوع نجاح لكن بتوع إدمان وسرقة وانحراف قول زي ما أنت عاوز. طبعا مش بقول إن اللي معاهم فلوس أولادهم منحرفين، لأن فيه ناس معاها فلوس وفلوس كثيرة كمان لكن مع الفلوس عندهم وعي وإدراك ازاي يخلوا أولادهم قد المسؤولية لأن اللي بيجي بالساهل بيضيع بالساهل فبيعملوا أولادهم إن مش كل طلباتهم مجابة وإزاي يكون تعبهم ونجاحهم رأس مالهم. الحياة مسيرة طويلة من الصعاب والتحديات، اللي بيقدر يواجهها وينتصر عليها ممكن يدوق لحظات سعادة، هي لحظات الانتصار والتتويج، أما اللي مستنين شغفهم أو مستنين بكرة أحلى أو مستنين فرصة فدول بيفضلوا طول عمرهم مستنين، لأن الفرص مش بتيجي لحد لكن الفرص إما تصنعها بإيدك، إما تروح لها بنفسك. الحياة يا صديقي، ليست عادلة والطريق ليس مفروشًا بالورود بل محفوفًا دائمًا بالصعاب والمخاطر ولا يكلل إلا من أدمى الطريق قدميه وعلمت على ظهره كرابيج التجارب. --- ### كارهي النجاح لأنفسهم يحبون فشلك - Published: ۲۰۲۳-۰۳-۱۳ - Modified: 2023-03-15 - URL: https://tabcm.net/10879/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: كنيسة الإسكندرية هناك ظاهرة منتشرة في بر مصر المحروسة يمكن أن تجدها في بعض المجموعات أو على مستوى الأفراد، وهي أنه لا يركز الشخص في شانه الخاص أو تلك المجموعة فيما يخصهم من أجل النجاح بل يتمنون فشل خصومهم، ويعدون فشل الخَصْم بمنزلة نجاحٍ لهم حتى لو لم يحققوا أي نجاح يذكر لأنفسهم، وهي تصرفات مراهقين بامتياز لم يبلغوا بعد حتى لو وصلوا إلى سنوات النضج من العمر. تتجلى هذه الظاهرة بوضوح بين بعض مجموعات مشجعي الرياضة عمومًا وكرة القدم خصوصًا، فتجد أن مجموعة منهم لا يفرق معهم النادي الذي ينتمون له أو يشجعون، فإذا فاز لن يشعروا بالسعادة كما يشعرون بها عندما يخسر الفريق المنافس لفريقهم، فينتشر ضجيجهم على مواقع التواصل الاجتماعي أو بين زملائهم لمكايدتهم ويشعرون بلذة في مضايقتهم بمنتهى الصبيانية. على مستوى السياسة، رأينا في السنوات الماضية مجموعة وصل بها الحال إلى الإرهاب والعنف والتفجيرات والقتل لأنهم فشلوا، واعترضوا على رفض الناس لطريقتهم في الإدارة فكان رد الفعل العنيف ومعه الكره لمصر نفسهم، بمنطق يا نكون أصحابها يا نخربها ونهدها على دماغ كل من يعيش فيها. كما هناك مجموعات سياسية أخرى تتصرف بصبيانية، لا يفرق معهم سوى إثبات أن وجهة نظرهم هي الأصح ولو على حساب الوطن نفسه، فيمنون أنفسهم بالخراب والدمار لأثبات أنهم الأصح ولا يفرق معهم تحقيق المصلحة العامة ولو عالى حساب رؤيتهم، رغبتهم في أن يكونوا الأصح أهم من تحقيق المنفعة العامة التي قد يستفيدوا منها لو تحققت. أما على مستوى الكنيسة، فهناك مجموعات ولجان إلكترونية، ليس لها هدف سوى إثبات أن البابا الحالي لكنيسة الإسكندرية غير صالح لإدارة شؤون الكنيسة، وأنه لا يوجد بطريرك غير البطريرك الراحل، وكل همهم إثبات ذلك الأمر ولو على حساب سلام الكنيسة ونموها، فيتصيدون كل موقف يحدث ليقلبوه على طريقتهم لإظهار ما يريدون. أما على المستوى الشخصي، فقد نصادف داخل العائلة أو في المدرسة أو في العمل شخص لا يهتم لنفسه ولا لشئونه أو نجاحه لكنه يكره الآخرين ويتمنى فشلهم، وإخفاقهم وأن يلحق بهم الضرر أهم من نجاحه الشخصي. هذه النماذج يجمعها أنه لا يفرق معهم تحقيق النجاح الشخصي أو تحقيق الصالح العام، بل يفرق معهم أن يروا الدمار أو الهزيمة يلحق بالآخرين سواء لأنهم يكرهونهم أو لأن ما يريدون، لا يحدث كما يتمنون فالمهم هو الحيز والتصور الضيق المشحونة به نفسياتهم أو التصورات الضيقة والمريضة للحياة في عقولهم. للأسف المناخ العام الذي نعيشه يعج بالكثير منهم، ويسممون الأجواء وهي لا تحتمل أساسًا شرهم فيكفي ما نعيشه اليوم من أزمات اقتصادية وحروب وكوارث طبيعية وأوبئة، حتى يزيد علينا هؤلاء الذين لا يتمنون سوى الخسارة والفشل للآخرين، ولا أعرف أي حل يجدي معهم فعليا. هل من علاج لمثل هذه الحالات؟ ومسؤولية من تقديم العلاج؟ وهل يعرفون مشكلاتهم ويريدون علاجها؟ لا أعرف إجابة لتلك الأسئلة، لكن أعرف أنه يجب إبعاد ضررهم عنا، وقد يكون تجاهلهم هو أفضل طريقة لتقليل ضررهم لأنه كلما أعارنهم انتباهنا تمادوا فيما يفعلون، وشعروا بأن لهم قيمة وتأثير، ولكن لا يوجد حل واحد مثالي ينفع في كل الحالات والمواقف، فأحيانا تكون المواجهة وإيقافهم عند حدهم هو الحل الأمثل لدفع خطرهم عنا. --- ### ” تدبير الخلاص“ وتكميل ”تدبير الخلق“ - Published: ۲۰۲۳-۰۳-۱۲ - Modified: 2023-03-12 - URL: https://tabcm.net/10862/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: الكنائس الأرثوذكسية, سمعان بن يونا, قديس بولس الرسول, مفهوم التجسد, يوحنا الحبيب تكلمنا في مقالات سابقة عن سر الله في تدبير الخلق. وأنه بمثابة حضور لله فيما خلقه وليس تنزيه الله عن الخليقة والبعد عنها، وإلا فلماذا خلقها؟ نقول إن الله هو المطلق والأعظم في طبيعته و صفاته، لذلك فإن الله ليس في حاجة إلى مخلوق ليستعبده بالخضوع والعبادة لأن هذا دليل نقص لا سمو، والعكس صحيح. سر الخلق هو فيض وإعلان لعظمة الله، لقد أسبغ الله بنعمته مجاناً على الإنسان وخلقه من العدم، وعندما يدرك الإنسان عظيم صنيع الله معه فإنه يختار بحرية إرادته أن يبادل حب الله المُعلَن في سر الخلق بحبٍ مقابل ورغبة في تحقيق قصد الله نحو الإنسان وهو نعمة خلود الإنسان في مجال حياة الله إلى الأبد. لذلك نقول إن ”الخلاص المسيحي“ في مفهومه الشامل هو خلاص الإنسان من العدم، وأن معرفة  الإنسان الحقيقية لله لا تكون إلا بنعمة الشركة في  مجال حياة الله حيث ينال الإنسان الخلود والحياة الأبدية. "وَهذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلهَ الْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ الْمَسِيحَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ. "(إنجيل يوحنا 17: 3) لقد بدأ خلاص الإنسان من العدم في ”تدبير الخلق“، واكتمل بالتجسد الإلهي وفداء المسيح الذي نسميه ”تدبير الخلاص“،  لذلك قال الرب في ختام إرسالية التجسد الإلهي ”قد أُكمِلَ“. حضور الله في الخليقة كان سابقاً لتجسد المسيح: إن حضور الله في الخليقة قبل التجسد كان حضوراً غير منظور، ولكنه كان ولا يزال حضوراً كلياً  Omnipresence. إن أعمال الله الواحد القدوس هي أعمال ثالوثية، يقوم بها الله الآب بالابن في الروح القدس. إن ابن الله هو كلمة الله وحكمة الله: ”بِكَلِمَةِ الرَّبِّ صُنِعَتِ السَّمَاوَاتُ“(مزمور 33: 6)  الرَّبُّ بِالْحِكْمَةِ أَسَّسَ الأَرْضَ. أَثْبَتَ السَّمَاوَاتِ بِالْفَهْمِ. (سفر أمثال 3: 19) وهكذا  كان تدبير الخلق بدءاً لحضور الله الكلي الفعَّال في العالم، بوجود اللوغس/ الله الكلمة في العالم، وجود المحرِّك الفعَّال الُمحيي بقوته وقدرته. إن حلول ”كلمة الله“ في الخليقة Immanence  يشمل كل شيء وكل مكان جزئياً وكلياً، وفي نفس الوقت يبقي الله منزَّهاً عن عجز كل شيء، فاللوغس ابن الله الوحيد ليس بينه وبين المخلوقات أي تشابه طبيعي، هو موجود في العالم المخلوق ليس بالوجود الضمني المحدود بمعنى الاحتواء بل بقوته وقدراته. أما جوهر الله (كيانه الذاتي) فهو فائق عن كل ما في العالم. فهو حلول فيه تنزيه للكلمة. وتَفَوُّق الخالق  Transcendence. فالكلمة اللوغوس موجود في كل الخليقة (قبل التجسد) دون أن يشترك في طبيعتها، بل هي التي تشارك في مجال وجوده فتنال نعمة وجودها من سلطانه. إن الله الكلي الوجود والقدرة قد ملأ  كل خليقة بوجوده من خلال ”كلمة الله“: الَّذِي يَمْلأُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ. (رسالة بولس إلى أفسس 1: 23) وهكذا تتحقق معرفة الإنسان الحقيقية  لله في ذاته الواحد، الآب والابن والروح القدس: لأَنَّ الأَرْضَ تَمْتَلِئُ مِنْ مَعْرِفَةِ الرَّبِّ(سفر إشعياء 11: 1) وبذلك ”يجمع كل شيء في ذاته“، إن الأسفار المقدسة تشهد أن ”الكلمة“ قد ”ملأ كل شيء“ ولم يترك شيئاً خالياً من لاهوته ومعرفته، وأغلق على الإنسان في دائرة معرفة الله في كل مكان بالسماء وعلى الأرض، وعلى وجه الخصوص في داخل كيان الإنسان نفسه. لقد لمس الرب كل أجزاء الخليقة، فأخلاها من كل خداع ليرى الإنسان فيها حق ”الله الكلمة“ الذي يملأ الكل، بل وليست الهاوية استثناء في ذلك. فإذا نزل الإنسان إلى الهاوية يتيقن أن المسيح كلمة الله نزل إلى ”ما تحت الأرض، وأقسام الأرض السفلى“ وهي تشهد بقيامة المسيح وغلبته على الموت: ”لِذلِكَ رَفَّعَهُ اللهُ أَيْضًا، وَأَعْطَاهُ اسْمًا فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ لِكَيْ تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ،(الأموات في الهاوية)،وَيَعْتَرِفَ كُلُّ لِسَانٍ أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ رَبٌّ لِمَجْدِ اللهِ الآبِ“. (رسالة بولس إلى فيلبي 2: 9-11) ”الَّذِي فِيهِ أَيْضًا(المسيح مماتاً في الجسد)ذَهَبَ فَكَرَزَ لِلأَرْوَاحِ الَّتِي فِي السِّجْنِ(الهاوية)“ (رسالة بطرس الأولى 3: 19) ”لِيَجْمَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ، مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، فِي ذَاكَ“(رسالة بولس إلى أفسس 1: 10) حيث يتأكد لنا أن ”تدبير الخلاص“ بالمسيح هو تكميل ”تدبير الخلق“. التجسد الإلهي هو النقطة الحرجة لحضور واستعلان الله في الخليقة: وتأسيساً على ذلك، فإن التجسد الإلهي ليس بغريب عن هذا الحضور الإلهي في الخليقة بل هو النقطة الحرجة في هذا الوجود الإلهي المُعلَن في حيز التاريخ الإنساني المحدود لاستعلان  كيان الله الواحد الثالوث القدوس، إذ استُعلنت ”حكمة الله؛ و”قوة الله“، و”إرادة الله“،  و”فكر الله“ بصورة متجسدة  محسوسة في شخص يسوع المسيح بالقدر الذي يكشف حضور الله الفعلي والعملي في الإنسان وللإنسان: "فَإِنَّ الْحَيَاةَ أُظْهِرَتْ، وَقَدْ رَأَيْنَا وَنَشْهَدُ وَنُخْبِرُكُمْ بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَ الآبِ وَأُظْهِرَتْ لَنَا". (رسالة يوحنا الأولى 1: 2) الإخلاء الإلهي في سر تجسد ابن الله: فبرغم استعلان الله لذاته في سر تجسد المسيح، فإنه ظل في قياس يتناسب مع قدرات الإنسان المحدود، ولم يكن استعلاناً مطلقاً يتناسب مع كيان الله المطلق والغير محدود. لقد ظل الظهور الإلهي في سر التجسد مَخفِّياً ومُعلَناً بآن واحد! ! ليكون الإيمان بالله اختياراً وقبولاً من الإنسان وليس فرض وقمع الغير محدود للمحدود: "فِي ذلِكَ الْوَقْتِ أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ: أَحْمَدُكَ أَيُّهَا الآبُ رَبُّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، لأَنَّكَ أَخْفَيْتَ هذِهِ عَنِ الْحُكَمَاءِ وَالْفُهَمَاءِ وَأَعْلَنْتَهَا لِلأَطْفَالِ". (إنجيل متى 11: 25) إن الإيمان بألوهية المسيح وخلاصه للإنسان هو في متناول كل بشر حتى الأطفال منهم، ولكنه يستعصي علي الذين انتفخوا بمحدودية حكمتهم واستعلوا فوق حب الله المطلق وقدرته غير المحدودة  في سر التجسد: ”كيف يعطينا هذا جسده لنأكله. وتركه كثيرون“، أما الذين قبلوه فقد أدخلهم في سر بشريته التي من خلالها نقل الرب  البشرية إلى ذاته ”من يأكل جسدي ويشرب دمي يكون فيَّ وأنا أكون فيه“. والسُبح لله. بقلم د. رءوف إدوارد --- ### استثمارات الخوف - Published: ۲۰۲۳-۰۳-۱۱ - Modified: 2023-03-12 - URL: https://tabcm.net/10821/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون - وسوم: أحمد بدير, بطل من ورق أغسطس 1995: تنعي الصحف المصرية 17 طالباً جامعياً غرقوا بأحد الشواطئ. غرقوا جميعاً واحداً تلو الآخر وهم في محاولة لإنقاذ بعضهم البعض، وتم انتشال جثث أغلبهم ومازال البعض مفقود. بنفس العام وبنفس الشاطئ، جلست على الرمال أبني قصوراً رملية غير متقنة بالمرة. لكن لا بأس بها بالنسبة لطفلة أتمت العاشرة منذ بضعة أشهر. كنت دائما منذ نعومة أظافري أحاول أن أكون دقيقة في أبسط ألعابي، حتى وأن كانت عبارة عن مطبخ وهمي على رمال الشاطئ، أقلي بداخله أقراص الطعمية التي أعدها بنفسي بخلطة دقيقة المقادير من الرمال وماء البحر، بحيث تكون متماسكة، إلى أن ألقيها في مقلاتي الوهمية المليئة بماء البحر وتذوب بلا رجعة. لكن ذلك الصيف فقدت مهارتي في صناعة أيا من ألعابي الصيفية المحببة على الشاطئ. كان خيالي لا ينتج إلا صورة واحدة: أن أسبح بالبحر وأرجلي تلمس جمجمة أحد الغرقى الذين لم ينتشلوا جثثهم بعد. وكانت تلك الصورة كفيلة أن أقضى ذلك الصيف أعبث برمال الشاطئ في غضب، وكلما حاولت أن أقترب من الماء شيئا فشيئا، وبمجرد ما أن تلمس أرجلي أي شيء، ولو مجرد حصاة صغيرة، كنت أهلع، وأجرى، وأجلس على الرمال من جديد. لم يقم أحد بطمأنتي، بل جلسوا تحت الشماسي يتناقلون أخبار غرقى هذا العام بنفس الشاطئ. ولسوء حظي، شاهدت بعيني عملية انتشال غريق. مرت العطلة الصيفية وأنا أحاول التغلب على خوفي مراراً وتكراراً. تغلبت عليها بالعام التالي ولم تمنعني تلك الواقعة في المستقبل من نزول البحر فأنا سباحة ماهرة ولكن حتى الآن، وقد تجاوزت منتصف الثلاثينيات، دائما ما أسبح في العمق حتى لا تلمس أرجلي الأرض. مازلت أخشى اليوم الذي تتحقق فيه مخاوفي وألمس جمجمة أحدهم. اليوم، وقد جاوزت منتصف الثلاثينيات من عمري، مازلت أكره الخوف! لا أشاهد أفلام الرعب ولا أرتاد الملاهي أبدا. لا أجد سببا منطقيا أبدا في أن أصيب نفسي بالهلع بنفسي، أو أن أدفع نفسي للخوف كنوع من أنواع المتعة، أؤمن بالخوف الصحي الذي يدفعنا أن ننظر في كل الاتجاهات قبل عبور الشارع، ذلك الخوف الذي يجعلنا نتأكد من مفاتيح الغاز كل ليلة قبل النوم. لكني أخشى الخوف السلبي الذي يجعلنا نخشى المستقبل والمجازفة ويؤدى بينا إلى الأرق والاكتئاب، وأخشاه أكثر حين يكون مُصنع ومُعد جيداً لإرهابي. الخوف المُصنع هنا لا أقصده به قطارات الموت وبيوت الرعب في الملاهي فبالنهاية هدفها الحصول على بعض من المتعة عن طريق جرعات الأدرينالين، ولكني هنا أتحدث عن وسائل الإعلام المختلفة عن طريق الـ"تريند"ـات. بعد زلزال تركيا وسوريا أصبح الزلازل "تريند" على جميع محركات البحث، بالتالي جميع وسائل الإعلام المقروءة والمرئية التي تزاحمت على إيجاد مكان مناسب داخل التريند ليس لسويعات قليلة بل لأيام. مئات الإشعارات كانت تصلني يومياً تبشرني بزلزال مدمر يضرب مصر قريبا وتسونامي يبتلع الإسكندرية، ومع كل هزة أرضية صغيرة، مئات الإشعارات تصلني تباعاً إلى جانب بوستات الفيسبوك المليئة بالهلع والترقب المعاد مشاركتها من الصفحات الإخبارية بطريقة هستيرية تذكرني بجملة الفنان "أحمد بدير" الشهيرة في فيلم "بطل من ورق"، حين قالها وهو يضحك من الخوف: "هنموت كلنا". وبما أني لا أميل لثقافة الخوف والموت مثل أفلام الرعب والملاهي، ابتعدت عن جميع وسائل التواصل الاجتماعي، لأني أريد أن أعيش الحياة لا أن أخافها، الخوف هو حالة طبيعية وبيولوجية نمر بها جميعًا، وشعور إنساني معقد يمكن أن يكون إيجابيًا وصحيًا، ولكن يمكن أن يكون أيضًا سلبياً، وللأسف أصبح صناعة ومنتج يدر الربح لمروجيه. فصفحات الأخبار على مواقع التواصل الاجتماعي تجني المال عن طريق هلعك، فلا مانع من صياغة عنوان الخبر بألف طريقة مخيفة ومفزعة حتى يجذبك -بالخوف- لتصفح محتواه. لا يهمهم جهازك العصبي الذي أصبح يئن ويطلب المساعدة، وبدلا من معالجة مخاوفك شاركتها مع الآخرين فتسببت بالرعب لمتابعيك وهم بالتالي فعلوا بالمثل، حلقة كبيرة مفرغة لا تصب إلا في مصلحة صناع الخبر أو صناع الخوف. أكثر المتضررين في تلك الحلقة هم الأطفال الذين يراقبون مخاوف الكبار ويتعاملون معها، مع أنه يجب أن تكون أكبر مخاوفهم هي فقدانهم لألعابهم أو مصروفهم اليومي. ، لا الزلازل ولا حتى أسعار "البانية". دورك أن تطمأن أطفالك أنهم سوف يكونوا بخير وأن لا داعي للخوف. أتذكر في يناير 1997 و أنا بعمر الثانية عشر، وقع زلزال حين كنت ببيت جدتي بحي الظاهر الشهير ببناياته القديمة، وقتها، أخذتني جدتي تحت الطاولة واحتضنتني وأخذت تهدئ من روعي وتخبرني ألا أخاف، وأننا تحت الطاولة للحرص ليس أكثر. ومن حبي لها صدقتها حتى اليوم. لذلك لا أخشى الزلازل و لا يهمني أخبارها. --- ### الانجماع في تعاليم آباء الكنيسة الجامعة [١] - Published: ۲۰۲۳-۰۳-۱۰ - Modified: 2023-03-09 - URL: https://tabcm.net/10849/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: اتحاد البشرية بالمسيح, الانجماع الكلي, چوزيف موريس فلتس, قديس أثناسيوس الرسولي, قديس إيرينيئوس، أسقف ليون, قديس ميثوديوس الأوليمبي, نصحي عبد الشهيد بطرس في هذا المقال نستعرض جزء من تعاليم آباء الكنيسة الجامعة عن "الانجماع الكلي واتحاد البشرية بالمسيح. القديس إيرينيؤس أسقف ليون يُعتبر ق. إيرينيؤس أبو التقليد الكنسي من أكثر آباء الكنيسة الجامعة الذين تحدثوا عن الانجماع الكلي للخليقة كلها في المسيح مقتفيًا أثر بولس الرسول، وهكذا جاء المسيح في تجسُّده بتدبير شامل ليجمع كل الأشياء في نفسه، حيث يقول التالي: ”لذلك، إذ يوجد إله واحد هو الآب كما سبق أن أوضحنا، ومسيح واحد هو المسيح يسوع ربنا، الذي جاء بتدبير جامع وشامل لكي يجمع كل الأشياء في نفسه، ومن ضمن ’كل هذه الأشياء‘ يوجد الإنسان كخليقة الله؛ لذلك فهو يجمع الإنسان أيضًا في نفسه. فغير المنظور صار منظورًا، وغير المدرَك صار مدركًا، وغير المتألم صار متألمًا؛ والكلمة صار إنسانًا جامعًا كل الأشياء في نفسه. وهكذا، فكما أن أنه هو الأول بين الكائنات السماوية والروحية والأشياء غير المنظورة، هكذا أيضًا هو الأول بين الأشياء المنظورة والمادية. وهو يأخذ الأولية لنفسه؛ وإذ جعل نفسه رأس الكنيسة، فهو سيجذب كل الأشياء إلى نفسه في الوقت المحدَّد“. (1)(إيرينيؤس (قديس)، ضد الهرطقات ج 2، تَرْجَمَة: د. نصحي عبد الشهيد) ويربط ق. إيرينيؤس الانجماع الكلي في المسيح بتجديد الجنس البشري كله، وتاريخ الإنسانية كلها، وهكذا يعوضنا المسيح في نفسه عما فقدناه في آدم الأول، معطيًا لنا من جديد صورة الله وشبهه قائلاً: ”حين تجسَّد، وصار إنسانًا، جمع في نفسه، تاريخ الإنسان الطويل جامعًا الخلاص فيه ليعطينا إياه لنقبل من جديد، في المسيح يسوع ما فقدناه في آدم، أعني صورة الله وشبهه“. (2)(إيرينيؤس (قديس)، ضد الهرطقات ج 2، تَرْجَمَة: د. نصحي عبد الشهيد) ويتحدث ق. إيرينيؤس أيضًا عن أننا صرنا أعضاءً في جسد الرب ودمه، ونلنا الحياة الأبدية من خلال سر الإفخارستيا كالتالي: ”كيف يمكنهم أن يؤكدوا أن الجسد غير قادر أن يقبل عطية الله، التي هي الحياة الأبدية، ذلك الجسد الذي يتغذى من جسد الرب ودمه، وصار عضوًا فيه“. (3)(إيرينيؤس (قديس)، ضد الهرطقات ج 2، تَرْجَمَة: د. نصحي عبد الشهيد) القديس ميثوديوس الأوليمبي يتحدث ق. ميثوديوس الأسقف والشهيد عن الانجماع الكلي للكنيسة في المسيح من خلال الأسرار كالمعمودية، حيث يقترح ق. ميثوديوس إعادة خلق مطلقة وكاملة أكثر بكثير من خلق آدم الأول الذي أخطأ، وهكذا شرع الله في إعادة خلق البشرية كلها بالتجسُّد كالتالي: ”فالكنيسة تتزايد يوميًا في العظمة والجمال والكثرة، بالاتحاد والشركة مع الكلمة، الذي لا يزال يأتي إلينا، وتُدخِله ذكرى آلامه في حالة نشوة؛ وإلا ما استطاعت الكنيسة أن تحبل بالمؤمنين، ولا أن تلدهم ميلادًا جديدًا في جرن التجديد، ما لم يُخلِ المسيح نفسه لأجلهم، حتى يمكنهم أن يحتووه، كما قد قلت، من خلال الانجماع الكلي الذي لآلامه، ليموت ثانيةً؛ إذ يأتي من السماء، ويصبح ’مرتبطًا بزوجته‘، الكنيسة، لكي يمد بقوة معينة تؤخذ من جانبه، لكي ما ينمو كل مَن بُني فيه، أولئك الذين وُلِدوا ثانيةً بغسل الجرن، الذي يقبلون من عظامه ومن لحمه، أي من قداسته ومن مجده“. (4)(ميثوديوس الأوليمبي (قديس)، وليمة العشر عذارى (الكتابات النسكية في القرون الثلاثة الأولى)، تَرْجَمَة: الراهب القمص تيموثاوس المحرقي) كما يؤكد ق. ميثوديوس على حتمية تجسُّد الكلمة، واتحاده بالإنسان ليُعِيد الأشياء فيه إلى حالتها الأولى التي كانت منذ البداية، وذلك بميلاده البتوليّ والعذراويّ من العذراء بالروح القدس، وهكذا كـوَّن الأشياء بنفس الطريقة كما كانت من البداية؛ أي أعاد خلقتها على طبيعتها وحالتها الأولى قبل السقوط قائلاً: ”وكان هذا هو المسيح: إنسان مملوء من النقاء واللاهوت الكامل، وتنازل إلى مستوى الإنسان. لأنه الأكثر ملائمة أن الأقدم من الدهور والأرفع من رؤساء الملائكة، عندما أراد الاتحاد بالإنسان، استقر في أقدم وأول إنسان ’آدم‘. ولذلك عند إعادة هذه الأشياء التي كانت منذ البداية، وتكوينها مرة أخرى من العذراء بالروح؛ فقد كوَّنها الله بنفس الطريقة، كما كانت في البداية، عندما كانت الأرض لا تزال بكرًا، وغير محروثة، أخذ الله الطين، وصنع منه كائن عاقل دون بَذْرَة“. (5)(ميثوديوس الأوليمبي (قديس)، وليمة العشر عذارى (الكتابات النسكية في القرون الثلاثة الأولى)، تَرْجَمَة: الراهب القمص تيموثاوس المحرقي) القديس أثناسيوس الرسولي يتحدث ق. أثناسيوس الرسولي عن وجودنا الكياني في المسيح عند موته، ويتحدَّث عن موت الجميع في المسيح مؤكِّدًا على وحدة الجنس البشريّ في المسيح آدم الجديد، حيث يقول التالي: ”لكي إذَّا كان الجميع قد ماتوا فيه، فإنه يُبطِل عن البشر ناموس الموت والفناء، ذلك لأن سلطان الموت قد استُنفِذَ في جسد الرب، فلا يعود للموت سلطان على أجساد البشر“. (6)(أثناسيوس (قديس)، تجسد الكلمة، تَرْجَمَة: د. جوزيف موريس) ويؤكِّد ق. أثناسيوس أيضًا على وحدة البشرية في شخص المسيح، لارتباطنا به في جسده، وصعودنا معه إلى السماء في جسده، وهكذا يصير لنا شركة الحياة الأبدية، لأننا لم نعد بشرًا عاديين، بل صرنا في اللوغوس لوغسيين كالتالي: ”ولكن ارتباطنا بالكلمة الذي من السماء، فأننا نُحمَل إلى السموات بواسطته، لذلك بطريقة مماثلة قد نقل إلى نفسه أوجاع الجسد الأخرى لكي يكون لنا شركة في الحياة الأبدية، ليس كبشر فيما بعد، بل أيضًا لأننا قد صرنا خاصين بالكلمة “. (7)(أثناسيوس (قديس)، المقالات الثلاثة ضد الآريوسيين، تَرْجَمَة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون) ويؤكِّد ق. أثناسيوس على أن المسيح أبطل اللعنة وهو كائن فينا أي في بشريتنا كالتالي: ”إذ إن لعنة الخطية قد أُبطِلَت بسبب ذاك الذي هو كائن فينا، الذي قد صار لعنةً لأجلنا“. (8)(أثناسيوس (قديس)، المقالات الثلاثة ضد الآريوسيين، تَرْجَمَة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون) ويُشدِّد ق. أثناسيوس على نقطة خطيرة جدًا يُنكِرها البعض في عصرنا الحالي وهي أن موت المسيح كان موتنا جميعًا، وقيامته وتمجيده وصعوده للسماء كان هو قيامتنا وتمجيدنا وصعودنا، لأننا في المسيح نفسه أيضًا كالتالي: ”من أجل هذا السبب يُقال إنه إنسان مُجِّدَ أيضًا نيابةً عنا ومن أجلنا، لكي كما بموته قد متنا جميعًا في المسيح، وعلى نفس المنوال أيضًا، فإننا في المسيح نفسه أيضًا قد مُجِّدَنا مجدًا عاليًا، مُقامين من بين الأموات وصاعدين إلى السموات، حيث دخل يسوع كسابق لأجلنا“. (9)(أثناسيوس (قديس)، المقالات الثلاثة ضد الآريوسيين، تَرْجَمَة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون) ويؤكِّد ق. أثناسيوس في عبارة خطيرة جدًا على عدم اندهاش القوات السمائية عندما ترانا نحن المؤمنين بالمسيح أي كنيسته المتَّحِدين به داخلين إلى مناطقهم السمائية كالتالي: ”لذلك لن تُدهَش القوات السمائية حينما ترانا نحن جميعًا -المتَّحِدين معه في نفس الجسد- داخلين إلى مناطقهم السمائية“. (10)(أثناسيوس (قديس)، المقالات الثلاثة ضد الآريوسيين، تَرْجَمَة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون) ويشير ق. أثناسيوس إلى وحدتنا في جسد المسيح التي صِرنا بواسطتها هيكل الله، وصِرنا أبناء لله يُعبَد الرب فينا كالتالي: ”أنه ليس اللوغوس بسبب كونه لوغوس هو الذي حصل على مثل هذه النعمة، بل نحن لأنه بسبب علاقتنا بجسده فقد صرنا نحن أيضًا هيكل الله - وتبعًا لذلك قد جُعِلَنا أبناء الله، وذلك حتى يُعبَد الرب فينا أيضًا، والذين يُبصِروننا يُعلِنون - كما قال الرسول: ’إنَّ الله بالحقيقة فيكم‘“. (11)(أثناسيوس (قديس)، المقالات الثلاثة ضد الآريوسيين، تَرْجَمَة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون) ثم يوضح ق. أثناسيوس أن موت المسيح هو موت جميع البشر كالتالي: ”حيث إن الجميع ماتوا بواسطته، هكذا قد تم الحكم إذ إن الجميع ماتوا في المسيح. وهكذا فإن الجميع يصيرون بواسطته أحرارًا من الخطية ومن اللعنة الناتجة عنها، ويبقى الجميع على الدوام قائمين من الأموات، ولابسين عدم موت وعدم فساد“. (12)(أثناسيوس (قديس)، المقالات الثلاثة ضد الآريوسيين، تَرْجَمَة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون) كما يؤكِّد ق. أثناسيوس على وحدتنا ووجودنا في المسيح بسبب سُكنى الروح القدس فينا الذي يُوحِّدنا معه، وهكذا نصير في الله ويصير الله فينا كالتالي: ”لذلك فبسبب نعمة الروح الذي أُعطِي لنا نصير نحن فيه وهو فينا، وحيث إن روح الله فينا، لذلك فبواسطة سُكناه فينا وبحسب حصولنا على الروح، نُحسَب أننا في الله، وهكذا يكون الله فينا“. (13)(أثناسيوس (قديس)، المقالات الثلاثة ضد الآريوسيين، تَرْجَمَة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون) وهكذا يتحدث ق. أثناسيوس عن الخضوع الكلي في المسيح بسبب اقتنائه للبشرية، ولقد صارت ربوبية المخلص على الكل كالتالي: ”فإنه يملك على الذين هم فعلًا تحت سلطانه الآن. أمَّا وإن كان الرب خالق الكل، وملك أبدي، فعندما صار إنسانًا اقتنانا نحن أيضًا. وبهذا يصير واضحًا أن ما قاله بطرس لا يعني أن جوهر الكلمة مصنوع، بل يعني خضوع الكل له فيما بعد، وأن ربوبية المخلص هي التي قد صارت على الكل“. (14)(أثناسيوس (قديس)، المقالات الثلاثة ضد الآريوسيين، تَرْجَمَة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون) ويتحدث ق. أثناسيوس أيضًا عن تحرير المسيح للبشرية كلها وخضوع كل الأشياء للمسيح، مقدسًا الجميع بالروح، لأنه قد صار فاديًا للجميع وربًا للأحياء والأموات كالتالي: ”إلا أن اتخاذه للجسد لم يجعل الكلمة وهو رب الطبيعة أن يكون عبدًا، بل بالأحرى فإن الكلمة بهذا الحدث (اتخاذ الجسد) قد حرَّر كل البشرية، فإن الكلمة نفسه وهو بالطبيعة الرب الكلمة قد جُعِلَ إنسانًا، وصار رب الجميع ومسيحًا من خلال صور العبد، أي لكي يقدس الجميع بالروح ولأنه صار فاديًا للجميع، فقد صار رب الأحياء والأموات. ولذلك فإن كل الأشياء تخضع له، وهذا أيضًا هو ما يعنيه داود حينما يترنم:’قال الرب لربي أجلس عن يميني حتى أضع أعدائك موطئًا لقدميك‘(مزمور 110: 1)“. (15) (أثناسيوس (قديس)، المقالات الثلاثة ضد الآريوسيين، تَرْجَمَة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون) ويؤكد ق. أثناسيوس على أننا ننال التأله بالنعمة من خلال الاتحاد السري بجسد الكلمة ذاته في الإفخارستيا، بالتالي تُعتبر الأسرار الكنسية ضرورية في نوال نعمة التأله والحياة الأبدية كالتالي: ”ونحن إنما نتأله لا باشتراكنا السري من جسد إنسان ما، ولكن بتناولنا من جسد الكلمة ذاته“. (16)(Athanasius, Letter to Maximus the Philosopher, NPNF Ser. II, Vol. IV, Ch. 2, p. 578-579) هوامش(1)إيرينيؤس (قديس)، ضد الهرطقات ج 2، تَرْجَمَة: د. نصحي عبد الشهيد، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2019)، 3: 16: 6، ص 81، 82. (2)المرجع السابق، 3: 18: 1، ص 89. (3)المرجع السابق، 5: 2: 3، ص 276. (4)ميثوديوس الأوليمبي (قديس)، وليمة العشر عذارى (الكتابات النسكية في القرون الثلاثة الأولى)، تَرْجَمَة: الراهب القمص تيموثاوس المحرقي، (القاهرة، 2009)، الحوار ٣: 8، ص 120. (5)المرجع السابق، الحوار 3: 4، ص 115. (6)أثناسيوس (قديس)، تجسد الكلمة، تَرْجَمَة: د. جوزيف موريس، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2003)، 8: 4، ص 22. (7)أثناسيوس (قديس)، المقالات الثلاثة ضد الآريوسيين، تَرْجَمَة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2017)، 3: 33، ص 336. (8)المرجع السابق. (9)المرجع السابق، 1: 41، ص 109. (10)المرجع السابق، 1: 42، ص 111. (11)المرجع السابق، 1: 43، ص 112. (12)المرجع السابق، 2: 69، ص 260. (13)المرجع السابق، 3: 23، ص 322. (14)المرجع السابق، 2: 13، ص 173. (15)المرجع السابق، 2: 14، ص 174، 175. (16)Athanasius, Letter to Maximus the Philosopher, NPNF Ser. II, Vol. IV, Ch. 2, p. 578-579 --- ### بارك صواريخ السنة - Published: ۲۰۲۳-۰۳-۰۹ - Modified: 2023-03-09 - URL: https://tabcm.net/10837/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: بطريرك كيريل, حرب روسيا وأوكرانيا, فلاديمير بوتين, كنيسة القسطنطينية بعد مرور أكثر من عام على اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، أتذكر هذا الفيديو الخاص بطقس مباركة الأسلحة في الجيش الروسي. فقبل نشره، كنت قد نشرت صورًا قديمة منشورة منذ عدة سنوات حيث لا توجد صور حديثة لهذا الطقس الكنسي بسبب الضغط المسكوني على الكنيسة الروسية. فهذا الفيديو يشير إلى أن هذا التقليد موجود منذ سنوات طويلة ومازال مستمرًا حتى اليوم ويمارس في الكنيسة الروسية الأرثوذكسية وبعض الكنائس الشرقية. خلال عهد الرئيس بوتين (الرئيس المسيحي الديانة، الشيوعي المنهج) أصبح هذا الطقس أساسياً، حيث لا تمر مناسبة إلاّ بحضور البطريرك الروسي كيريل أو الأسقف أو الكاهن، ويبدأ بالصلاة وتبريك ورش الأسلحة الهجومية وأسلحة الدمار الشامل! ! المخيف فعلاً أنه من ضمن الصور كان هناك طقس مباركة صواريخ توبول إم - الصواريخ الباليستية العابرة للقارات الفتاكة الحاملة لرؤوس نووية حمولتها حتى 1200 كيلو جرام. - Topol M ICBM) Intercontinental Ballistic Missiles) ومعلوم أن الكنيسة الروسية مسيسة للغاية وأصبحت تحت إمرة القيصر الروسي، يوجهها حيثما يشاء، وموقفها من كنيسة القسطنطينية وكنيسة أوكرانيا خير دليل! تعرضت الكنيسة الروسية لانتقادات عدّة بسبب هذا التقليد الكنسي من خلال الصِّحافة والكنائس الأخري التي تعتبرها منافية للتعاليم المسيحية. في بداية عام 2019 قدم أحد الأساقفة الروس الأرثوذكس مسودة لتعديل هذا الطقس الكنسي بحيث يتم حظر مباركة "أسلحة الدمار الشامل" فقط مع الإبقاء على مباركة الأسلحة التقليدية الأخرى! ! طب كمل جميلك واطلب إلغائه كله من الأساس! ! كان من المفترض أن يتم مناقشة هذا التعديل في يونيو 2019 ولكن حتى هذه اللحظة لم يتم تعديل أو إلغاء أي شيئ، ومازال الطقس مستمراً. يبدو أن الناس وأغلبهم من الأقباط المتيمين بشخصية "البطل" بوتين القيصر الأرثوذكسي تغاضوا عن كل شيء وكأن بوتين يبيع "سبح" في مصر القديمة ولم يفهموا ما عنيته بانتقاد هذا الطقس، أو ربما لا يريدون أن يفهموا، فالبعض من الوهلة الأولى شتم وسب ولعن وكأني أنا الملوم وليس هؤلاء المتاجرين بالمسيح. والبعض الآخر أخذ يدافع ويبرر بأسباب هزلية عن هذا الطقس المزعج غير المسيحي على الإطلاق والبعض أخذ يحكي في وادٍ آخر ويعقد مقارنات سياسية وأيدلوجية وأخذ يعدد أسباب غزو الرئيس المؤمن بوتين لأوكرانيا! ! أما المضحك فالبعض شكك وقال أنها "مفبركة" وأني كاره للكنيسة ولسيادة الرئيس بوتين! يا إخوة، بكل وضوح لا يقبل الشك، كيف لكنيسة تنتمي إلى المسيح أن تبارك هكذا بكل أريحية أسلحة تدمر بيوت أبرياء وتقتل نساءاٌ ورجالاً وتشرد أطفالاً؟ كيف لكنيسة تدعي أنها تبشر بالسلام أن تبارك أدوات القتل؟ كيف لكنيسة أن تنقاد (عبدة) لمطامع الرؤساء روس كانوا أم أمريكان؟ أهذا ما أراد المسيح لها أن تكون؟ أري أن غالبية التعليقات غلب عليها جداً التعاطف العقيدي مع أحد السفاحين ليس إلا كونه من نفس الديانة، حيث تشل الدوجمائية مراكز التمييز في المخ ويصبح المواطن أداة في يد من يعرفون من أين تؤكل كتف الناس! وهنا أختم بكلمات الأب متى المسكين: "كم مرة ضلت الكنيسة الطريق وخاب رجاء المسيح فيها، كم مرة هجرته لتطلب رحمة الملوك بذل العبيد، ولم تتعلم الكنيسة من ملكها كيف قبل الصليب كملك وأعظم من ملك ثمنا للحق وكان هو الغالب... فكان بقدر ما تستمد الكنيسة القوة من الملوك، بقدر ما كانت تفقد قوتها الروحية، وكأنما الكنيسة لم تعترف بعد أن ما لقيصر يلزم أن يبقي لقيصر، وما لله يلزم أن يبقي لله". (الأب متي المسكين، مقالات بين السياسة والدين ص 30 – 31 – 32) اقرأ أيضا: المصادر: 1- صحيفة موسكو تايمز الروسية Russian Church Seeks to Ban Blessings of Weapons of Mass Destruction 2- مجلة نيووز ويك الأمريكية Russian Church Wants to Ban Priests From Blessing Weapons of Mass Destruction 3- وكالة رويترز للأنباء الدولية Russian priests should stop blessing nukes: church proposal 4- جريدة التليجراف البريطانية Russia mulls over ban on priests blessing weapons of mass destruction 5- موقع جيت ريليجون المتخصص في الشئون الدينية Glimpse of wider Orthodox debate: Will Russian priests keep blessing weapons of mass destruction? 6- موقع وكالة الأخبار الكاثوليكية Russian Orthodox Church considers ending blessings for nuclear weapons --- ### النسطورية.. دليلك الفريد للنقد والتفنيد - Published: ۲۰۲۳-۰۳-۰۸ - Modified: 2023-03-07 - URL: https://tabcm.net/10830/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: النسطورية, بابا شنودة الثالث, مار فيلوكسينوس المنبجي يؤطر لنا القديس كيرلس القاعدة الذهبية قائلا: "لا نعود نتكلم عن طبيعتين بعد الاتحاد"، فما تم من طبيعتين، لا يعود يعبر عنه "في طبيعتين" الذي لا يعني إلا البقاء في حالة عدم الاتحاد، لأن القول بطبيعتين بعد الاتحاد هو نفسه الاعتراف بشخصين، حيث لا توجد طبيعة عاقلة في الحقيقة والواقع غير مشخصنة، ولأن "ناسوت" الاتحاد قد تشخصن بشخص الكلمة نفسه، فمن غير الممكن أن نفهم الكلمة المتجسد كطبيعتين تتصرف كل منهما في عالمها الخاص. في رسالته الثانية إلى سكسنسوس، ينتقد قديسنا هؤلاء الذين ينسبون آلام الكلمة المتجسد إلى "الناسوت" بدلا من القول إنه تألم بالجسد، يقول: "وبذلك فهم يتماحكون عندما يتكلمون عن "الناسوت" فهذا يخدمهم فقط في فصله عن "الكلمة" وجاعلينه محددا بنفسه، ويقودون المرء للتفكير فيه على أنه اثنين وليس واحدا، ثم يضيفون عبارة "بغير انفصال" كما لو إنهم ينتهجون الأرثوذوكسية معنا، ولكن هذه ليست الحقيقة. دعونا إذن ننظف أسماعنا، ونرى كيف يتحدث الآباء الأرثوذوكسيون بفهم عميق وإيمان ثابت بواحدية الكلمة المتجسد: "كل هذه الأمور نجمت وفقا للنمط الذي ولد عليه، ذلك الذي لم يكن محتاجا أن يقتات -وهو الذي يُقيت الجميع- لكنه مارسها جميعا لأنه تأنس، كيف لا وهو كامل بطبعه وأقنومه، فعلى النمط إذن الذي صار عليه، تربى أيضا، أجل، له الأمور العظيمة، وله أيضا الأمور الصغيرة لأنه أخلى ذاته، له ما للآب لأنه واحد معه في الجوهر، وله ما لنا لأنه صار مثلنا، له الأمور المجيدة لأنه رب المجد، وله الأمور المتضعة لأنه تجلى في الجسد، له أنه أكثر الخبز وأشبع الجياع لأنه له السلطان أن يفعل، وله أنه جاع فأبان أنه صار مثلنا، لا قوة سلطانه تضاءلت، ولا طبعه تغير حين "صار". (مار فليكسينوس المنبجي، الرسالة إلى زينون الملك) "يقولون: الملائكة لا يموتون، فكيف نصدق أن الله مات؟! !   وأقول: أولا من التجديف على الله أن يقال "كيف"، فما إن سمعت أن الله فعل، فلا تسأل كيف، والأمر الآخر هو إن الملاك الذي لا يموت بطبيعته، لم يصر إنسانا، أما عن الله الذي نؤمن أنه مات، فنقول أولا أنه صار إنسانا، وإذا نسب الموت إلى شخصه فهو ينسب إلى صيرورته وليس إلى جوهره، لأن جوهر الله نزيه عن الموت، لكن متى جاء إلى الصيرورة وأحصى بين المائتين، إذ أخذ شبه العبد، ينسب إليه الموت أيضا، لا إلى طبيعة جوهره، بل إلى حقيقة صيرورته". (مار فليكسينوس، الرسالة إلى دير تلعدا) هل رأيت -عزيزي القارئ- عمق ورفعة إيمان كنيستك؟ "مار فليكسينوس" يتحرك بسلاسة ورشاقة في المناطق الملغومة دون أن يطرف له جَفْن، يملك وعيا ضاربا في عمق مفهوم "الإخلاء" الذي قبله الرب لأجلنا، دون حاجة للحذلقة والتنظير الفارغ من مضمونه. هل رأيت أي حديث عن "لاهوت" و"ناسوت"؟ مما لن أسميه فقط لغو سقيم، بل سأوصفه بما هو أهل له من نسطورية فجة تستوجب الحرم والقطع. مار فليكسينوس هنا يقتفي قاعدة ذهبية أخرى للمعلم العظيم كيرلس: "من النافع، بل والضروري، أن نقبل عن المسيح مبدأ "من جهة، ومن جهة أخرى" الذي ينطبق على الواحد ولا يسمح بفصله إلى اثنين". أظنك قادرا الآن -عزيزي القارئ- على السباحة في مستنقع النسطورية دون أن تبتل، فدعنا نذهب إذن إلى الجانب المظلم. الطبيعتان: نسطوريوس: إن طبيعة الناسوت هي التي قالت: إلهي إلهي، لماذا تركتني؟ لاون: ليس من نفس الطبيعة القول "أنا والآب واحد" والقول "أبي أعظم مني". لاون: فلينظر أي طبيعة سمرت بالمسامير، وعلقت على خشبة الصليب، وليفهم من أين خرج الدَّم والماء عندما طعن. شنودة الثالث: ليس هناك تناقض بين عبارة "أترك العالم" وعبارة "أنا معكم في وسطكم" وإنما إحداهما قيلت عن الناسوت، والأخرى عن اللاهوت، دون أي انفصال بين اللاهوت والناسوت. النمو: ديودور: كان يسوع يتقدم في الحكمة والقامة، إلا أنه لا يمكننا أن نقول هذا عن الله الكلمة، لأنه إله كامل، فهو نفسه لم ينمو، لأنه ليس ناقصا لينمو، لكن "الناسوت" هو الذي كان ينمو في الحكمة والقامة. ثيودوريت: لا ينسب الجهل إذا لله الكلمة، لكن لصورة العبد. نسطوريوس: لأن اللاهوت لم يكن أبدا طفلا، لكن اللاهوت كان مع الطفل، كان معه لنفس السبب الذي لأجله لم يكن الطفل أبدًا منفصلا عن اللاهوت. شنودة الثالث: هو بالناسوت كان ينمو، أما اللاهوت فمن المستحيل أن ينمو لأنه في الكمال المطلق. الإفخارستيا: نسطوريوس: لماذا يقول الرب في الليلة التي أسلم فيها "هذا هو جسدي الذي يبذل عن كثير... دمي الذي يسفك عنكم" لماذا لم يقل هذا هو لاهوتي المكسور والمسفوك عنكم، لأن جسده هو الذي يكسر ودمه الذي يسفك وليس اللاهوت. شنودة الثالث: في تقديم الرب هذا السر لتلاميذه، قال لهم: خذوا كلوا، هذا هو جسدي، خذوا اشربوا، هذا هو دمي، ولم يذكر إطلاقا عبارة "لاهوتي" هكذا علم عن شركة في الجسد والدم، وليس شركة في اللاهوت. والدة الإله: نسطوريوس: لم تلد العذراء اللاهوت، لأن ما ولد من جسد هو جسد، لم يلد المخلوق غير المخلوق، إنما ولدت إنسانا. شنودة الثالث: كما ترى -عزيزي القارئ- لم يترك "شنودة الثالث" جحر ضب دخله النساطرة إلا ودخله خلفهم، وبغض النظر إن كان الرجل مفكرا خلص إلى قَبُول النسطورية باعتبارها الأقرب إلى عقله، أو جاهلا بكل الهرطقات والفكر الأرثوذوكسي، فنحن أمام موقف لابد من حلحلته، هل استكنا إلى فرض هذا التعليم والإيمان على كنيستنا؟ كنيسة الإسكندرية، حيث أنه لا زال شائعا، بل هو مقياس التعليم الصحيح حاليا، أم يجب علينا العمل لاستعادة إيمان الآباء والأرثوذوكسية؟ اقرأ أيضًا: *)أقوال البابا شنودة الثالث مأخوذة من مقال "اتحاد اللاهوت والناسوت" المنشور بمجلة الكرازة --- ### أيها الأسقف.. من أنت [١٥] - Published: ۲۰۲۳-۰۳-۰۷ - Modified: 2023-03-07 - URL: https://tabcm.net/10718/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: إبرآم بن زرعة, العلمانية, مفهوم الرهبنة, ميلاد حنا خاتمة هذه السلسلة. . حاولت عبر سطوري السابقة أن اقترب من رتبة "الأسقف" حسب ترتيب كنيستنا القبطية الأرثوذكسية، وقد واجهني سؤال "ولماذا الأسقف تحديداً؟". ـ ربما لأنه يشغل موقعاً متقدماً في الترتيب الهيراركي للإكليروس. ـ وربما لأنه يحمل لقباً هو لرب المجد يسوع المسيح حسب بطرس الرسول (رسالة بطرس الأولى 2: 25). ـ وربما لفداحة المسؤولية التي تثقل كاهله، حسب صلوات رسامته وتجليسه. ـ وربما لارتباكات المناخ العام الاجتماعي والسياسي واللذان لم ينجحا حتى اللحظة، وبامتداد عقود، في القبول باندماج الأقباط في كليهما، بالرغْم من كل ما يملأ الفضاء العام من مقولات وأحاديث بل وقوانين ونصوص دستورية عن المواطنة والمساواة وعدم التمييز. وتقفز أمامي مجدداً مقولة الدكتور ميلاد حنا ـ أحد رواد الدعوة للمواطنة والعدالة ورفض المحاصصة والتمييز سواء السلبي أو الإيجابي: "الدولة اختزلت الأقباط في الكنيسة، واختزلت الكنيسة في الإكليروس، واختزلت الإكليروس في البابا". (دكتور ميلاد حنا)  وهو الأمر الذي أراح طرفي المعادلة، الدولة والكنيسة، لكنه في ذات الوقت جعل من الأسقف، وهو حسب العرف الكنسي "بطريرك في إيبارشيته"، جعل منه مسؤولاً عن رعيته اجتماعياً وسياسياً، ولعلنا حين نستحضر أجواء الترشح للانتخابات البرلمانية نلحظ أنه في اختيار المرشحين الأقباط في قوائم الأحزاب أو في المعينين حسب الدستور، يُستطلع رأي الأسقف كل في دائرته الجغرافية، ولعل صورة الصفوف الأولى في احتفالات الكاتدرائية بالأعياد المتلفزة تشي بهذا وبقدر حرص الساعين للفوز بمقعد أو موقع سياسي من نشطاء الأقباط لأن يوجدوا في تلك الصفوف وكأنها رسالة تأكيد حظوتهم ورضا القيادات الكنسية عنهم. نحن إذن أمام موقع كنسي له ثقله وأهميته التي تتجاوز البعد الروحي والرعوي، وتضعنا أمام أكثر من سؤال عن مواصفات وتكوين من يشغله، التي لم تعد قاصرة على المواصفات التي كانت الكنيسة تحرص عليها قبلاً، التقوى والروحانية والزهد وحسن التدبير، لتمتد الأسئلة إلى الجماعة التي يتم الاختيار منها، التي انحسرت وانحصرت في الجماعة الرهبانية والأديرة، بعد أن كان الاختيار يمتد ليشمل المتبتلين من غير الرهبان بل والعلمانيين المشهود لهم بحسن السيرة والتدبير، بل وتجاوزت الأقباط ومثالنا البطريرك إبرآم بن زرعة، (975 ـ 979م)، كان سورياً وتاجراً علمانياً، والمشهود له بمحاربة السيمونية -عادةشراء المناصب الكهنوتية بالنفوذ والمال-، وقاوم إلى حد الحرم ظاهرة "السراري" -اتخاذ زوجة أخرى أقل مرتبة من الأولى- وفي حبريته حدثت معجزة نقل جبل المقطم، حسب رصد السنكسار لسيرته، بالرغم من قصر مدة بطريركيته (ثلاث سنوات وستة أشهر)، وقبله بزمن ممتد كانت الكنيسة تختار أساقفتها وبطاركتها من علماء مدرسة الإسكندرية اللاهوتية، وذهبت ورائهم حين حملوا أسفارهم ومخطوطاتهم هرباً من استهدافهم ولجأوا للأديرة واستقروا فيها، ومن هنا جاء تفضيل الاختيار من سكان الأديرة. ومن الطبيعي أن حالة الأديرة ومن ثم الرهبان تنعكس على من يقع عليه الاختيار، وكنا قد عرضنا للنذور التي يلتزم بها طالب الرهبنة حال قبوله راهباً؛ * البتولية. * العزلة. * الفقر الاختياري. * النسك. ويتوزع وقته بين الصلاة وإتمام التزاماته الروحية وفق مشورة الأب الذي يتتلمذ عليه، وبين العمل بما يكلف به وفق ترتيب الدير، حتى لا يصاب بالضجر، وقد تطورت الأعمال التي تسند للراهب، التي كانت في بدايات الرهبنة وفق سيرة الآباء المؤسسين، أعمالاً بسيطة كعمل السلال ومنتجات الخوص ثم تطورت مع الزمن لتصبح أعمال الزراعة واستصلاح الأراضي، وتربية الدواجن والماشية، وإعمال التصنيع الزراعي. وبجوارها كان بعض الرهبان يُكلفون بنسخ المخطوطات التي تطورت إلى تحقيقها وطباعتها بتطور واستحداث آلات الطباعة، إضافة إلى ما يقوم به رهبان الدير من تأليف وترجمة وطباعة الكتب المعاصرة. وتعد التلمذة هي سر بقاء الرهبنة وانتقال قيمها وخبراتها من جيل إلى جيل، والتلمذة ليست فقط على التعاليم بل هي "تلمذة معايشة" ونقل خبرة الحياة في المسيح، التي هي غاية الراهب عندما يقصد الرهبنة، ولعلنا نجد ما يؤكد ذلك في قصة القديس أنطونيوس مؤسس الرهبنة، الذي انشغل فكره وقلبه بتبعية المسيح عندما سمع الآية: «قَالَ لَهُ يَسُوعُ: إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَكُونَ كَامِلاً فَاذْهَبْ وَبعْ أَمْلاَكَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ، وَتَعَالَ اتْبَعْنِي». (إنجيل متى 19: 21) الرهبنة بهذا المنظور سعي للكمال باتباع الرب يسوع المسيح، بغير مزاحمة. التلمذة في الرهبنة هي معبر وممر يصل بالراهب إلى التلمذة للمسيح، وعلامتها: "بِهذَا يَعْرِفُ الْجَمِيعُ أَنَّكُمْ تَلاَمِيذِي: إِنْ كَانَ لَكُمْ حُبٌّ بَعْضًا لِبَعْضٍ". (إنجيل يوحنا 13: 35) التلمذة في الجماعة الرهبانية مشروطة بالترك: وَكُلُّ مَنْ تَرَكَ بُيُوتًا أَوْ إِخْوَةً أَوْ أَخَوَاتٍ أَوْ أَبًا أَوْ أُمًّا أَوِ امْرَأَةً أَوْ أَوْلاَدًا أَوْ حُقُولًا مِنْ أَجْلِ اسْمِي، يَأْخُذُ مِئَةَ ضِعْفٍ وَيَرِثُ الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ. (إنجيل متى 19: 29) التلمذة تعني وجود مدبرين شيوخ يملكون نعمة العطاء ويجد الرهبان عندهم ما يبني حياتهم الروحية وما يعينهم على مواجهة الحياة في البرية ومتاعبها وحروبها، حتى يكتمل تكوينهم الذهني والروحي. الارتباكات التي طالت منظومة الرهبنة في العقود السبعة الأخيرة انعكست على الحياة الديرية وانعكست على مخرجاتها، فرغم وجود النذور الرهبانية إلا أنها لم تعد منضبطة. * فالعزلة كسرتها شبكة الطرق التي امتدت حتى أبواب الأديرة، والعمران الذي زحف إلى تخومها، وتطور وسائل النقل. * والسكون والاختلاء تهددهما الرِّحْلات اليومية التي تقتحم الأديرة وما تحمله من صخب وضغوط تهدد المكان الحجر والبشر. * ومعادلة العبادة والعمل اختلت بفعل التوسع في الاستزراع والتصنيع الزراعي والمشروعات المكملة وكلها تستنزف وقت ويوم الراهب. * والتلمذة كادت تختفي باختفاء الشيوخ، وبتركيز كل الخيوط في يد أسقف الدير، ومعايير الاختيار من بين الرهبان للأسقفية تفتقر للانضباط والتدقيق، يكفي أن يكون رئيس الدير راضياً عمن يقدمه لأولي الأمر، فيما يتم التغاضي عن نضجه الروحي والنفسي والذهني، وكيف ينضج وهو لم يمكث في الدير مدّة كافية لاكتمال تكوينه. وكنا قد أشرنا إلى تجرِبة مدرسة الرهبان التي لم تدم طويلاً وأغلقت مع مطلع الستينيات من القرن المنصرم، (1929ـ 1961م)، تاركة خلفها العديد من علامات الاستفهام المعلقة بغير إجابة، وفي مرحلة لاحقة استعيض عن التلمذة اللاهوتية والروحية بالتهليل لرهبنة حملة الشهادات الجامعية في تخصصات مدنية خاصة فيما يسمى بكليات القمة، وكان لها انعكاسات سلبية على إدارتهم لإيبارشياتهم أو المهام الموكلة لهم في دوائر الأسقف العام، لعل أبرزها الاعتداد بالرأي وعدم قَبُول المشورة من شيوخ الكهنة وحكماء الرعية. وانتقال الولاءات من الكنيسة للأشخاص، ومازال النزيف مستمراً. * هل خفوت أو أفول التلمذة مرده إقامة اسقف لكل دير؟ فيصير هو وحده مصدر التعليم والتلمذة، مع العلم بأن الأديرة القديمة لم يكن لها أسقف بل كانت تُلحق بإحدى الإيبارشيات لتوفير مصدراً يغطي احتياجاتها، فيما يدير الدير راهب لا تزيد درجته الكهنوتية عن "قمص"، ويمكن تغييره بآخر حال مرضه أو إخفاقه في حفظ سلام الدير. * أم أن خفوت وأفول التلمذة سببه الرهبان أنفسهم في أجيال معتدة بنفسها ولا تهتم بالتكوين الذاتي ولها في الرهبنة مآرب أخرى؟ خريطة الأديرة نفسها بحاجة إلى إعادة فحص وإعادة ترتيب، فلدينا أديرة متخمة بالموارد فيما تئن أديرة أخرى من شظف العيش، بالكاد توفر الحد الأدنى لاحتياجاتها، لذا تسعى لجذب الرِّحْلات إليها وتتحمل ما تجلبه معها من صخب ومتاعب للمكان وللرهبان، لذا فالكنيسة بحاجة إلى شجاعة إعادة ترتيب المنظومة المالية للأديرة بحيث تفصل بين ملكية الدير للمشروعات وبين إدارتها، وتنشئ الكنيسة مجلساً أعلى للرهبنة، يحق له جمع إيرادات الأديرة المنتجة في صندوق مركزي، وتعيد توزيع حصيلته على كافة الأديرة كل حسب احتياجه. وهو أمر سيخفف عن الأديرة أعباء كثيرة. ولعل مجلس الرهبنة المقترح يدرس توفير آلية لإعداد الرهبان قبل رسامتهم أساقفة بما يتفق واحتياجات الكنيسة والأجيال الجديدة التي تتعامل مع وفرة المعلومات عبر وسائل وتقنيات الثورة الرقمية وتحاصرهم وتكاد تقتنصهم خارج دوائر الإيمان. راحة وسلامة الكنيسة وقدرتها على أداء رسالتها تبدأ من الأديرة. ويبقى السؤال: أيها الأسقف من أنت؟! --- ### انجماع البشرية بالمسيح
من منظور الكتاب المقدس - Published: ۲۰۲۳-۰۳-۰۳ - Modified: 2023-03-02 - URL: https://tabcm.net/10789/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: اتحاد البشرية بالمسيح, الانجماع الكلي, قديس بولس الرسول يتحدث إنجيل يوحنا عن أن المسيح جاء ليجمع أبناء المتفرقين إلى واحد في شخصه كما تنبأ رئيس الكهنة في هذه السنة دون أن يدري عن موت المسيح الخلاصي والجامع لأبناء الله المتفرقين إلى الوحدة والاتحاد في المسيح كالتالي: ”وَلَمْ يَقُلْ هذَا مِنْ نَفْسِهِ، بَلْ إِذْ كَانَ رَئِيسًا لِلْكَهَنَةِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، تَنَبَّأَ أَنَّ يَسُوعَ مُزْمِعٌ أَنْ يَمُوتَ عَنِ الأُمَّةِ، وَلَيْسَ عَنِ الأُمَّةِ فَقَطْ، بَلْ لِيَجْمَعَ أَبْنَاءَ اللهِ الْمُتَفَرِّقِينَ إِلَى وَاحِدٍ“(إنجيل يوحنا 11: 51-52 فاندايك) وهكذا يصلي الرب يسوع في إنجيل يوحنا إلى الله الآب من أجل تلاميذه لكي يحفظهم في اسمه المبارك، ولكي يكونوا واحدًا ثم أن الابن والآب هما واحد، وكيف أن المسيح ممجَّد فيهم كالتالي: ”وَكُلُّ مَا هُوَ لِي فَهُوَ لَكَ، وَمَا هُوَ لَكَ فَهُوَ لِي، وَأَنَا مُمَجَّدٌ فِيهِمْ. وَلَسْتُ أَنَا بَعْدُ فِي الْعَالَمِ، وَأَمَّا هؤُلاَءِ فَهُمْ فِي الْعَالَمِ، وَأَنَا آتِي إِلَيْكَ. أَيُّهَا الآبُ الْقُدُّوسُ، احْفَظْهُمْ فِي اسْمِكَ الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي، لِيَكُونُوا وَاحِدًا كَمَا نَحْنُ“(إنجيل يوحنا 17: 10- 11 فاندايك) ويصلي الرب يسوع أيضًا إلى الآب من أجل وحدة واتحاد التلاميذ والمؤمنين بالمسيح بسبب كرازتهم، لكي ما يكونوا جميعًا متحدين وواحد مع الآب والابن كالتالي: ”وَلَسْتُ أَسْأَلُ مِنْ أَجْلِ هؤُلاَءِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا مِنْ أَجْلِ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِي بِكَلاَمِهِمْ، لِيَكُونَ الْجَمِيعُ وَاحِدًا، كَمَا أَنَّكَ أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ فِيَّ وَأَنَا فِيكَ، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا وَاحِدًا فِينَا، لِيُؤْمِنَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي“(إنجيل يوحنا 17: 20-21 فاندايك) وهكذا يؤكد الرب يسوع أنه أعطى التلاميذ والرسل والمؤمنين به المجد الذي أعطاه الآب للابن لكي يكونوا واحدًا ثم إن الآب والابن واحد، ويؤكد الرب أيضًا على حلول وسكناه واتحاده بهم وفيهم، وهكذا بواسطته يصيرون متحدين مع الله الآب بواسطة الابن المتحد بالمؤمنين كالتالي: ”وَأَنَا قَدْ أَعْطَيْتُهُمُ الْمَجْدَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي، لِيَكُونُوا وَاحِدًا كَمَا أَنَّنَا نَحْنُ وَاحِدٌ. أَنَا فِيهِمْ وَأَنْتَ فِيَّ لِيَكُونُوا مُكَمَّلِينَ إِلَى وَاحِدٍ، وَلِيَعْلَمَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي، وَأَحْبَبْتَهُمْ كَمَا أَحْبَبْتَنِي“(إنجيل يوحنا 17: 22-23 فاندايك) ويؤكد سفر أعمال الرسل أن المؤمنين كانوا قلبًا واحدًا ونفسًا واحدةً في المسيح، وكل شيء كان مشترك بينهم كالتالي: ”وَكَانَ لِجُمْهُورِ الَّذِينَ آمَنُوا قَلْبٌ وَاحِدٌ وَنَفْسٌ وَاحِدَةٌ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَقُولُ إِنَّ شَيْئًا مِنْ أَمْوَالِهِ لَهُ، بَلْ كَانَ عِنْدَهُمْ كُلُّ شَيْءٍ مُشْتَرَكًا“(سفر أعمال الرسل 4: 32) ويقارن بولس الرسول بين آدم القديم الذي كنا جميعًا واحدًا فيه عندما ملك الموت علينا من خلال هذا الواحد، وكيف سنملك في الحياة بواسطة آدم الجديد الذي صرنا واحدًا فيه أي الرب يسوع المسيح كالتالي: ”لأَنَّهُ إِنْ كَانَ بِخَطِيَّةِ الْوَاحِدِ قَدْ مَلَكَ الْمَوْتُ بِالْوَاحِدِ، فَبِالأَوْلَى كَثِيرًا الَّذِينَ يَنَالُونَ فَيْضَ النِّعْمَةِ وَعَطِيَّةَ الْبِرِّ، سَيَمْلِكُونَ فِي الْحَيَاةِ بِالْوَاحِدِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ! “(رسالة بولس إلى رومية 5: 17 فاندايك) ويؤكد بولس الرسول على إننا نحن الكثيرين جسد واحد في المسيح، وهذا الجسد هو جسد حقيقي، وليس جسدًا اعتباريًا رمزيًا كما يدَّعي البعض عن جهل ودون وعي كالتالي: ”فَإِنَّهُ كَمَا فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ لَنَا أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ، وَلكِنْ لَيْسَ جَمِيعُ الأَعْضَاءِ لَهَا عَمَلٌ وَاحِدٌ، هكَذَا نَحْنُ الْكَثِيرِينَ: جَسَدٌ وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ، وَأَعْضَاءٌ بَعْضًا لِبَعْضٍ، كُلُّ وَاحِدٍ لِلآخَرِ“(رسالة بولس إلى رومية 12: 4-5 فاندايك) ويشير بولس الرسول إلى أن مَن يلتصق بالرب هو روح واحد معه قائلاً: ”وَأَمَّا مَنِ الْتَصَقَ بِالرَّبِّ فَهُوَ رُوحٌ وَاحِدٌ“(رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس 6: 17 فاندايك) ويشدد بولس الرسول على إننا هيكل الروح القدس الساكن فينا، وإننا ملك لله الذي امتلكنا بروحه القدوس الساكن فينا كالتالي: ”أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ الْقُدُسِ الَّذِي فِيكُمُ، الَّذِي لَكُمْ مِنَ اللهِ، وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ؟ لأَنَّكُمْ قَدِ اشْتُرِيتُمْ بِثَمَنٍ. فَمَجِّدُوا اللهَ فِي أَجْسَادِكُمْ وَفِي أَرْوَاحِكُمُ الَّتِي هِيَ لِلهِ“(رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس 6: 19- 20 فاندايك) ويشير بولس الرسول إلى حقيقة شركتنا مع الله، وأننا جسد واحد حقيقي باشتراكنا مع المسيح في الخبز الواحد أي جسده المقدس في الإفخارستيا كالتالي: ”كَأْسُ الْبَرَكَةِ الَّتِي نُبَارِكُهَا، أَلَيْسَتْ هِيَ شَرِكَةَ دَمِ الْمَسِيحِ؟ الْخُبْزُ الَّذِي نَكْسِرُهُ، أَلَيْسَ هُوَ شَرِكَةَ جَسَدِ الْمَسِيحِ؟ فَإِنَّنَا نَحْنُ الْكَثِيرِينَ خُبْزٌ وَاحِدٌ، جَسَدٌ وَاحِدٌ، لأَنَّنَا جَمِيعَنَا نَشْتَرِكُ فِي الْخُبْزِ الْوَاحِدِ“(رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس 10: 16-17 فاندايك) ويؤكد بولس على أن موت المسيح من أجل الجميع معناه موت الجميع أيضًا معه كالتالي: ”لأَنَّ مَحَبَّةَ الْمَسِيحِ تَحْصُرُنَا. إِذْ نَحْنُ نَحْسِبُ هذَا: أَنَّهُ إِنْ كَانَ وَاحِدٌ قَدْ مَاتَ لأَجْلِ الْجَمِيعِ، فَالْجَمِيعُ إِذًا مَاتُوا“(رسالة بولس الثانية إلى كورنثوس 5: 14 فاندايك) ويشير ق. بولس في إشارة قوية وواضحة إلى الانجماع الكلي في المسيح قائلاً: ”إِذْ عَرَّفَنَا بِسِرِّ مَشِيئَتِهِ، حَسَبَ مَسَرَّتِهِ الَّتِي قَصَدَهَا فِي نَفْسِهِ، لِتَدْبِيرِ مِلْءِ الأَزْمِنَةِ، لِيَجْمَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ، مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، فِي ذَاكَ“(رسالة بولس إلى أفسس 1: 9-10 فاندايك) ويتحدث بولس الرسول عن خضوع الكل تحت قدمي المسيح في إشارة أخرى واضحة إلى الانجماع الكلي في المسيح رأس كل شيء، مشيرًا إلى الكنيسة كجسد المسيح الملء الذي يملأ الكل في الكل كالتالي: ”وَأَخْضَعَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ، وَإِيَّاهُ جَعَلَ رَأْسًا فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ لِلْكَنِيسَةِ، الَّتِي هِيَ جَسَدُهُ، مِلْءُ الَّذِي يَمْلأُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ“(رسالة بولس إلى أفسس 1: 22- 23) وهكذا وحَّدنا المسيح في ذاته كما يقول معلمنا بولس الرسول، وهكذا متنا مع المسيح، وصرنا أحياءً في المسيح، وقمنا مع المسيح، ونحن جالسون في المسيح يسوع في السماويات كالتالي: ”اَللهُ الَّذِي هُوَ غَنِيٌّ فِي الرَّحْمَةِ، مِنْ أَجْلِ مَحَبَّتِهِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي أَحَبَّنَا بِهَا، وَنَحْنُ أَمْوَاتٌ بِالْخَطَايَا أَحْيَانَا مَعَ الْمَسِيحِ ­ بِالنِّعْمَةِ أَنْتُمْ مُخَلَّصُونَ ­ وَأَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، لِيُظْهِرَ فِي الدُّهُورِ الآتِيَةِ غِنَى نِعْمَتِهِ الْفَائِقَ، بِاللُّطْفِ عَلَيْنَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ“(رسالة بولس إلى أفسس 2: 4-7 فاندايك) كما يشير بولس الرسول إلى انعتاق الخليقة كلها من عبودية الفساد إلى حرية مجد أولاد الله في المسيح قائلاً: ”لأَنَّ الْخَلِيقَةَ نَفْسَهَا أَيْضًا سَتُعْتَقُ مِنْ عُبُودِيَّةِ الْفَسَادِ إِلَى حُرِّيَّةِ مَجْدِ أَوْلاَدِ اللهِ“(رسالة بولس إلى رومية 8: 21 فاندايك) ثم يتحدث ق. بولس عن التجديد الشامل والكلي للخليقة في المسيح قائلاً: ”إِذًا إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ: الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ، هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا“ (رسالة بولس الثانية إلى كورنثوس 5: 17 فاندايك) ويتحدث بولس الرسول في إشارة إلى الخضوع الكلي والنهائي لله الآب في الابن المتجسِّد قائلاً: ”وَبَعْدَ ذلِكَ النِّهَايَةُ، مَتَى سَلَّمَ الْمُلْكَ ِللهِ الآبِ، مَتَى أَبْطَلَ كُلَّ رِيَاسَةٍ وَكُلَّ سُلْطَانٍ وَكُلَّ قُوَّةٍ. لأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَمْلِكَ حَتَّى يَضَعَ جَمِيعَ الأَعْدَاءِ تَحْتَ قَدَمَيْهِ. آخِرُ عَدُوٍّ يُبْطَلُ هُوَ الْمَوْتُ. لأَنَّهُ أَخْضَعَ كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ. وَلكِنْ حِينَمَا يَقُولُ: ’إِنَّ كُلَّ شَيْءٍ قَدْ أُخْضِعَ‘ فَوَاضِحٌ أَنَّهُ غَيْرُ الَّذِي أَخْضَعَ لَهُ الْكُلَّ. وَمَتَى أُخْضِعَ لَهُ الْكُلُّ، فَحِينَئِذٍ الابْنُ نَفْسُهُ أَيْضًا سَيَخْضَعُ لِلَّذِي أَخْضَعَ لَهُ الْكُلَّ، كَيْ يَكُونَ اللهُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ“(رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس 15: 24-28) --- ### ‏ثم ماذا؟ - Published: ۲۰۲۳-۰۳-۰۲ - Modified: 2023-03-02 - URL: https://tabcm.net/10801/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون ثم ماذا؟ ‏ثم إن الرحيل اقتلع عيون الترقب صلبَ أطراف القلب عمدا وقطع وريد الروح بصمت فسال اليأس على جيد الوقت فلا غياب يفي بالوعد ولا رجوع ينهي مزاعم الانتظار بعد... . ثم إني ما زلت احتفظ ببقاياك في جَيْبِ قلبي. ثمّ من أقنع العشاق أنّ الذكرى الجميلة هي نهايةٌ مشرفةٌ للحب! ثم إني لفرط حبي قد فرّ بعضي إليك شوقًا فمتى يحنّ عليّ قلبكَ ويضُمّ كلي إليك عشقاُ. ثم ماذا؟ ثم أن مناجل الشوق تحصدُ قمح قلبي منذ غبت. ثُم ماذا؟ ثُم إِن الحَياة الثَائرة بين ذِراعيك تَغوي كُلي لأن أكون بينك وأَنفاسكَ. ثم إني ‏عندما عزمت على إغراق قلبي جفّت كلُّ البحار وعزفت الغيوم عن إنجاب المطر. . ثم ماذا؟ ‏ثم كيف يسمى العشق عشقاً إن لم يُعيد الأشياء إلى أصلها؟! كل حب لا يشقني ويُنبت مني أزهاراً هو ليس بحب. ثم ماذا؟ ثم ‏كان هدوء هدوء لا يهدأ. ثم ماذا؟ ثم أن ‏الأسئلة وحدها ترى الأجوبة عمياء. ثم ماذا؟ ثم أن السطور التي تخلو من الحديث عنك أشبه بأرصفة موحشة هجرها المارّة. ثم ماذا؟ ثم إننا ‏متعبون في أحضان الراحة. ثم إن لا فائدة من رحابة المعرفة إن لم تمتلك جناحين من العزم تحلق بهما. ثم ماذا؟ ‏ثم إن حنينكَ النقيّ جداً، الشّفّافُ كقطرة الماء يلوّثه غبار الكبرياء. ‏ثم ماذا؟ ثم إن الأيام دونك كعيونٌ عطْشى بلَّلها الظَمأ. ثم ماذا؟ ثم كيف لي أن أدندنك لحناً وكيف أضبط حبال حنجرتي بعدما تمزقت بتنهيدة. ثم ماذا؟ ثم أن طيف ‏الحزن الذي يتتبع خطواتي يخشى السير في طريق يحرسه ظلك. ‏ثم ماذا؟ عبثاً، في ظل عينيكَ أسافر عبثاً، تبحث عن نقطة ضعفي لم يعد صوتك يغيرني ولا يبعد خوفي ثم ماذا؟ كم هو صعب أن تفهم هذا؟ --- ### لماذا غضب أبناء البابا شنودة من الأنبا بفنوتيوس؟ - Published: ۲۰۲۳-۰۳-۰۱ - Modified: 2023-03-01 - URL: https://tabcm.net/10810/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أنبا بفنوتيوس، مطران سمالوط, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس السادس, حماة الإيمان, قديس أثناسيوس الرسولي, قديس بولس الرسول, نبي موسى الأسبوع الماضي كان الأنبا بفنوتيوس مَطْرَان سمالوط حديث مواقع التواصل الاجتماعي بعد أن سمح لكتب الأكاديمي الراحل دكتور جورج حبيب بباوي أن يتم تداولها في مَعْرِض الكتاب الذي نظمته الإيبارشية، إضافة إلى ذلك رده في إحدى العظات على من يسمون أنفسهم "حماة الإيمان" بأن "الكنيسة لن تحكم من القبر"، بعدما استدعوا قرار مجمع الأساقفة برئاسة البابا الراحل الأنبا شنودة الثالث بحرمان بباوي دون محاكمة قانونية عام2006م، فجن جنون بعضهم بمنشورات تخلع ما للمسيح وحده من صفات وقدرات وصبغه على البابا شنودة وكأنه حل مكان المسيح. هذا الموقف فتح الطريق لمناقشة أمر مهم جدا، حذر منه بولس الرسول وهو أن تنقسم الكنيسة لتحزبات وجماعات فيترك المؤمنون المسيح ويتشيعوا لفرق تتبع أشخاص لا المسيح. فَأَنَا أَعْنِي هذَا: أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ يَقُولُ: «أَنَا لِبُولُسَ»، و«َأَنَا لأَبُلُّوسَ»، وَ«أَنَا لِصَفَا»، وَ«أَنَا لِلْمَسِيحِ». هَلِ انْقَسَمَ الْمَسِيحُ؟ أَلَعَلَّ بُولُسَ صُلِبَ لأَجْلِكُمْ، أَمْ بِاسْمِ بُولُسَ اعْتَمَدْتُمْ؟(رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس 1: 12، 13) بولس هنا حذر من الانقسام، وضرب المثال بنفسه ليوضح قدره مقارنة بالمسيح وأنه لا يمكن أن يسرق مجده وقال: ألعل بولس صُلْب لأجلكم أم باسم بولس اعتمدتم ليقطع الطريق على من ينفخون في النار ويقسمون الكنيسة ويمزقوا جسد المسيح، وهو الموقف الذي نمر به اليوم، فالبابا الراحل الأنبا شنودة الثالث جلس على كرسي القديس مرقس لمدة أكثر من 40 عاما بين 14 نوفمبر 1971 و17 مارس 2012، وهي حِقْبَة مليئة بالأحداث والصعاب والمشكلات ومعها ترسخت مكانة البابا شنودة في قلوب  كثيرين، واليوم تظهر معاناة الكنيسة مع من يحبون البابا الراحل. من يسمون أنفسهم "أبناء البابا شنودة"، يتم تصنيفهم لنوعين نوع يحبه ويعشقه لدرجة الجنون، بالتالي يرفضون فكرة أنه رحل عن عالمنا وأن الكنيسة لن تتوقف عند تلك اللحظة، لأن هذه سنة الحياة، ولأن قبل البابا شنودة رحل عظماء بداية من بولس وبطرس مرورا بأثناسيوس وصولا للبابا كيرلس السادس والبابا شنودة من بعده والكنيسة مستمرة، وهؤلاء يمكن التماس العذر لهم،  ونوع آخر لديه مجموعة من المصالح لا يمكن تحقيقها إلا بالتواري خلف اسم البابا شنودة لمكانته عند غالبية المصريين وليس المسيحيين فقط، بالتالي يتم تحقيق مصالحهم بسهولة وتحصينهم من النقد، وفي هذا الزمن يصعب الفصل بين هذين النوعين. هذا الموقف الذي تمر به الكنيسة حاليا تم تفاديه في العهد القديم عن موت موسى النبي، فهو قائد لشعبه عاش معهم زمانا طويلا ارتبطوا به وعند مماته تم إخفاء جثمانه كما جاء في سفر التثنية، ويوضح تقليد الكنيسة أن هذا حدث حتى لا يتجه الشعب لعبادة موسى النبي بعد مماته وينصرفوا عن الارتباط بالله. فَمَاتَ هُنَاكَ مُوسَى عَبْدُ الرَّبِّ فِي أَرْضِ مُوآبَ حَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ. وَدَفَنَهُ فِي الْجِوَاءِ فِي أَرْضِ مُوآبَ، مُقَابِلَ بَيْتِ فَغُورَ. وَلَمْ يَعْرِفْ إِنْسَانٌ قَبْرَهُ إِلَى هذَا الْيَوْمِ. (سفر التثنية 34: 5،6) من المتناقضات التي يجمعها "أبناء البابا شنودة" إنهم يرفضون عقيدة التأله وهي ركن أساسي في الإيمان المسيحي، حسب نص الإصحاح الأول من رسالة بطرس الثانية، وحسب الآباء كما هو موضح في سلسلة "أرثوذكسية تأله الإنسان" المنشورة هنا للدكتور أنطون جرجس، لكنهم في نفس اللحظة يرفعون البابا شنودة إلى مصاف الآلهة، ورغم الفارق بين التأله في المسيح، وأن يصير الشخص إله مكان الله، فإنهم يرفضون النوع الأول لكل المؤمنين، ويخلعون النوع الثاني -الذي يأخذ فيه إنسان صلاحيات الله- على البابا شنودة كما هو موضح هذه الصور أعود إلى تصريحات الأنبا بفنوتيوس، فالرجل بمنتهى البساطة لم يخطئ في شيء ولم يخطئ في حق البابا شنودة كما يروج مدعي البنوة له، بل قال الحقيقة وذكرنا بالأمر الواقع وسنة الحياة التي تستمر بالرغم من رحيل من نعدهم عظماء ولا يمكن تعويضهم، بل ذكرنا بمبدأ مسيحي مهم، أن الكنيسة حية وأن الروح القدس يعمل فيها دائما، عكس ما يحاول أن يفعل "أبناء البابا شنودة" بأنهم يريدون للزمن وللكنيسة أن يتوقفوا عند حِقْبَة حبريته وألا تستمر الكنيسة من بعده، وهذا يعد تجديف على الروح القدس قال عنه المسيح إن من يفعله لا يغفر له. --- ### أيها الأسقف.. من أنت؟ [١٤] - Published: ۲۰۲۳-۰۲-۲۸ - Modified: 2023-02-26 - URL: https://tabcm.net/10645/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أبو غلامسيس, إيبوكلابسيس, سبت الفرح, عيد القيامة ذهب طيف من الباحثين إلى أن صاحب سفر "الرؤيا" كان يشير إلى أسقف الكنيسة ويعنيه بكلمة "ملاك كنيسة كذا" في رسائل الجالس على العرش إلى "الكنائس السبع"، وعلى الرغم من أن هذا السفر كتب حسب علماء الكتاب المقدس، يدعمهم تقليد الكنيسة، قبيل انقضاء القرن الأول الميلادي إلا إنه يحسب سفراً استشرافياً، يجلي صورة الكنيسة المفدية وما سنكون عليه بامتداد الزمن، وما ستواجهه من متاعب ومصاعب، وما ستحصده من انتصارات روحية سلامية لحساب الإنسان تمتد إلى ما بعد الزمن، لذلك تسميه الكنيسة في أدبياتها "سفر الجليان"، وظني أن ما ذكره السفر في إصحاحاته الأولى من ملاحظات على الكنائس إيجاباً بقوله "أعرف أعمالك وتعبك وصبرك ... "، وسلباً بقوله "لي عليك إنك تركت محبتك الأولى... "، ويتكرر الأمر مع كل كنيسة، في صياغة أدبية راقية، ويحمل لغة تجمع بين التحذير والرجاء، هي رسالة لكل راع ترسم له خارطة طريق لعمله، الواجبات والمسؤوليات وما ينتظره من مكافآت تعوضه عن جهاده وتعبه كأكاليل مجد. يتكرر الأمر مع كل كنيسة: ـ "مَنْ لَهُ أُذُنٌ فَلْيَسْمَعْ مَا يَقُولُهُ الرُّوحُ لِلْكَنَائِسِ. مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ الَّتِي فِي وَسَطِ فِرْدَوْسِ اللهِ. "ـ "مَنْ لَهُ أُذُنٌ فَلْيَسْمَعْ مَا يَقُولُهُ الرُّوحُ لِلْكَنَائِسِ. مَنْ يَغْلِبُ فَلاَ يُؤْذِيهِ الْمَوْتُ الثَّانِي"ـ مَنْ لَهُ أُذُنٌ فَلْيَسْمَعْ مَا يَقُولُهُ الرُّوحُ لِلْكَنَائِسِ. مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَأْكُلَ مِنَ الْمَنِّ الْمُخْفَى، وَأُعْطِيهِ حَصَاةً بَيْضَاءَ، وَعَلَى الْحَصَاةِ اسْمٌ جَدِيدٌ مَكْتُوبٌ لاَ يَعْرِفُهُ أَحَدٌ غَيْرُ الَّذِي يَأْخُذُ". ـ وَمَنْ يَغْلِبُ وَيَحْفَظُ أَعْمَالِي إِلَى النِّهَايَةِ فَسَأُعْطِيهِ سُلْطَانًا عَلَى الأُمَمِ، فَيَرْعَاهُمْ بِقَضِيبٍ مِنْ حَدِيدٍ، كَمَا تُكْسَرُ آنِيَةٌ مِنْ خَزَفٍ، كَمَا أَخَذْتُ أَنَا أَيْضًا مِنْ عِنْدِ أَبِي، وَأُعْطِيهِ كَوْكَبَ الصُّبْحِ. مَنْ لَهُ أُذُنٌ فَلْيَسْمَعْ مَا يَقُولُهُ الرُّوحُ لِلْكَنَائِسِ". ـ مَنْ يَغْلِبُ فَذلِكَ سَيَلْبَسُ ثِيَابًا بِيضًا، وَلَنْ أَمْحُوَ اسْمَهُ مِنْ سِفْرِ الْحَيَاةِ، وَسَأَعْتَرِفُ بِاسْمِهِ أَمَامَ أَبِي وَأَمَامَ مَلاَئِكَتِهِ. مَنْ لَهُ أُذُنٌ فَلْيَسْمَعْ مَا يَقُولُهُ الرُّوحُ لِلْكَنَائِسِ". ـ مَنْ يَغْلِبُ فَسَأَجْعَلُهُ عَمُودًا فِي هَيْكَلِ إِلهِي، وَلاَ يَعُودُ يَخْرُجُ إِلَى خَارِجٍ، وَأَكْتُبُ عَلَيْهِ اسْمَ إِلهِي، وَاسْمَ مَدِينَةِ إِلهِي، أُورُشَلِيمَ الْجَدِيدَةِ النَّازِلَةِ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ عِنْدِ إِلهِي، وَاسْمِي الْجَدِيدَ. مَنْ لَهُ أُذُنٌ فَلْيَسْمَعْ مَا يَقُولُهُ الرُّوحُ لِلْكَنَائِسِ". ـ مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَجْلِسَ مَعِي فِي عَرْشِي، كَمَا غَلَبْتُ أَنَا أَيْضًا وَجَلَسْتُ مَعَ أَبِي فِي عَرْشِهِ. مَنْ لَهُ أُذُنٌ فَلْيَسْمَعْ مَا يَقُولُهُ الرُّوحُ لِلْكَنَائِسِ". (سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي الإصحاح السابع) اللافت أن الكنيسة تخصص ليلة السبت الذي يسبق أحد القيامة، بطولها لقراءة سفر الرؤيا بل وتسميها باسمه، ليلة أبو غلامسيس، وهو النطق الشعبي العربي للكلمة اليونانية إيبوكلابسيس وترجمتها "الرؤيا" إشارة إلى سفر الرؤيا، وتعكس عبقرية لاهوتية بالربط بين محتوى السفر من رموز أخروية، لم نكن لندركها بغير حدث الفداء، ونزول المسيح إلى الجحيم وتحريره لنفوس المقبوض عليهم فيه. أي عبء وأي مجد يحملهما الأسقف، وهو يتمم عمل الله في خدمته، ولعل هذا يجعلنا نتساءل عن اللا معنى للصراعات التي ينخدع بها طيف من الأساقفة، التي تأتى خصماً من المجد وإضافة إلى العبء. وما يتفاقم عنها من تحالفات وتوافقات شللية تعوق بالضرورة بل وتهدم عمل الرعاية وخلاص النفوس التي هي مهمة الأسقف الأولى. أو التحول من الأبوة إلى السلطة، وما يحمله هذا التحول من تصرفات تحجب عنه عمل النعمة فتتحول إلى صدام الذات التي تتضخم، وتطلب ما لنفسها وتستغرقها مسارات إشباعها، وتستغرقه جملة "إن كُنْتُ أَنَا أَبًا، فَأَيْنَ كَرَامَتِي؟ وَإِنْ كُنْتُ سَيِّدًا، فَأَيْنَ هَيْبَتِي؟" التي يقتطعها من سياقها وينسبها لنفسه، فيما هي تأتي ضمن تأنيب الله للكهنة في تقصيرهم: "الابْنُ يُكْرِمُ أَبَاهُ، وَالْعَبْدُ يُكْرِمُ سَيِّدَهُ. فَإِنْ كُنْتُ أَنَا أَبًا، فَأَيْنَ كَرَامَتِي؟ وَإِنْ كُنْتُ سَيِّدًا، فَأَيْنَ هَيْبَتِي؟ قَالَ لَكُمْ رَبُّ الْجُنُودِ. أَيُّهَا الْكَهَنَةُ الْمُحْتَقِرُونَ اسْمِي. وَتَقُولُونَ: بِمَ احْتَقَرْنَا اسْمَكَ؟ تُقَرِّبُونَ خُبْزًا نَجِسًا عَلَى مَذْبَحِي. وَتَقُولُونَ: بِمَ نَجَّسْنَاكَ؟ بِقَوْلِكُمْ: إِنَّ مَائِدَةَ الرَّبِّ مُحْتَقَرَةٌ. وَإِنْ قَرَّبْتُمُ الأَعْمَى ذَبِيحَةً، أَفَلَيْسَ ذلِكَ شَرًّا؟ وَإِنْ قَرَّبْتُمُ الأَعْرَجَ وَالسَّقِيمَ، أَفَلَيْسَ ذلِكَ شَرًّا؟ قَرِّبْهُ لِوَالِيكَ، أَفَيَرْضَى عَلَيْكَ أَوْ يَرْفَعُ وَجْهَكَ؟ قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. وَالآنَ تَرَضَّوْا وَجْهَ اللهِ فَيَتَرَاءَفَ عَلَيْنَا. هذِهِ كَانَتْ مِنْ يَدِكُمْ. هَلْ يَرْفَعُ وَجْهَكُمْ؟ قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. "! ! (سفر ملاخي 1 : 6 ـ 9) استحضر في هذه اللحظة ما سبق وسجلته في هذه الأطروحة حين تعرضت لطقس رسامة الأسقف وكذلك طقس تجليسه، والكنيسة تعلنه : ارع رعية الله، التي أقامك الروح القدس عليها ومن يديك يطلب دمها، ويمر أمامي شريط ذكريات العديد منهم وعيونهم تفطر دمعاً حينها وما زالت شرائط الفيديو التي وثقت تلك اللحظات متاحة في خزانة الأفلام الوثائقية. وتقفز أمامي حكايات السنكسار التي تحكي موقف الأم القروية القبطية التي أشاحت بوجهها عن ابنها الذي طرق بابها في مستهل جولته الرعوية بعد رسامته بابا للكنيسة، فظن أنها لم تتعرف إليه وقد تغير شكله وملبسه، فصدمته، بل أعرفك يا ابن بطني؛ وكنت أتمنى أن يأتوني بخبرك عن أن أراك في هذه المسئولية الثقيلة، التي صرت فيها مطالباً بأن تعطي حساباً عن كل نفس في رعيتك. وتقول الحكاية أنه لم يكف لحظة بعدها عن افتقاد الكنائس وتعليم الرعية بدموع ومثابرة. الأمر يستحق وقفة حازمة وأمينة منك أيها الأسقف لنفسك، تواجهها بأنك خادم ولست سيداً، وهدفك خلاص نفوس من اؤتمنت عليهم وليس السيطرة على حياتهم وإخضاعهم، تذكر كيف كان سيدك يفعل ويعمل ذلك، ومازال أيضاً يعمل، وهو الخالق والسيد، لذلك فالكنيسة لا تتوقف في ليتورجيتها عن الصلاة من أجلك، وأذكر مرة سألت أحد الآباء المختبرين عن دلالة أن يٌعطى الكاهن أن يضع يد بَخُور فيما يٌعطى الأسقف أن يضع ثلاث أياد عندما تقدم له الشورية، وكنت أظنها نوع من الإكرام لفارق الرتبة، فقال لي الكنيسة الحكيمة تنبه الأسقف إلى أنه يحتاج لقدر من الصلاة أضعاف ما يكلف الكاهن الأصغر، بقدر ثقل مسئوليته المضاعفة. فتغلف رسالتها في طقسها ويدركها هو بحسه الروحي. وحين يتردد اسم الأسقف في لحن من الألحان أو صلاة من الصلوات، نجده يرسم على صدره علامة الصليب، حسب تسليم الآباء، وكأن الكنيسة تحذره أن يحتمى خلف الصليب من ضربات اليمين التي قد تهاجمه لحظتها بأنه الأقدس والأعلى والأكبر، فيعطى المجد لله. تكليفك الأول أيها الأسقف كما قال وفعل راعي الرعاة: لأَنَّهُ هكَذَا قَالَ السَّيِّدُ الرَّبُّ: هأَنَذَا أَسْأَلُ عَنْ غَنَمِي وَأَفْتَقِدُهَا. كَمَا يَفْتَقِدُ الرَّاعِي قَطِيعَهُ يَوْمَ يَكُونُ فِي وَسْطِ غَنَمِهِ الْمُشَتَّتَةِ، هكَذَا أَفْتَقِدُ غَنَمِي وَأُخَلِّصُهَا مِنْ جَمِيعِ الأَمَاكِنِ الَّتِي تَشَتَّتَتْ إِلَيْهَا فِي يَوْمِ الْغَيْمِ وَالضَّبَابِ. وَأُخْرِجُهَا مِنَ الشُّعُوبِ وَأَجْمَعُهَا مِنَ الأَرَاضِي، وَآتِي بِهَا إِلَى أَرْضِهَا وَأَرْعَاهَا عَلَى جِبَالِ إِسْرَائِيلَ وَفِي الأَوْدِيَةِ وَفِي جَمِيعِ مَسَاكِنِ الأَرْضِ. أَرْعَاهَا فِي مَرْعًى جَيِّدٍ، وَيَكُونُ مَرَاحُهَا عَلَى جِبَالِ إِسْرَائِيلَ الْعَالِيَةِ. هُنَالِكَ تَرْبُضُ فِي مَرَاحٍ حَسَنٍ، وَفِي مَرْعًى دَسِمٍ يَرْعَوْنَ عَلَى جِبَالِ إِسْرَائِيلَ. أَنَا أَرْعَى غَنَمِي وَأُرْبِضُهَا، يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ. وَأَطْلُبُ الضَّالَّ، وَأَسْتَرِدُّ الْمَطْرُودَ، وَأَجْبِرُ الْكَسِيرَ، وَأَعْصِبُ الْجَرِيحَ، وَأُبِيدُ السَّمِينَ وَالْقَوِيَّ، وَأَرْعَاهَا بِعَدْل.  (سفر حزقيال 34 : 11 ـ 16) ومازال للطرح بقية. --- ### ظهور بدعة التهود في مغاغة - Published: ۲۰۲۳-۰۲-۲۷ - Modified: 2023-02-27 - URL: https://tabcm.net/10807/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, كتاب مقدس - وسوم: أنبا أغاثون، أسقف مغاغة والعدوة, بدعة التهود, قديس بولس الرسول حقيقية لم أتعجب حين سمعت أسقف مغاغة في واحدة من طلعاته الفضائية على مواقع التواصل الاجتماعي يقول فيما معناه "إننا ما زلنا تحت الناموس وخاضعين لكل أحكامه وتشريعاته وقوانينه ووصاياه كلها وبكاملها ونحترمها لأنها وردت في الكتاب المقدس"، ولكي يعطي مصداقية لما يقوله يستشهد بقول السيد المسيح "ما جئت لأنقض بل لأكمل"! ! لن أعلق من ناحية لاهوتية على موضوع الناموس بالرغم مما قاله "هذا الأسقف" في حد ذاته كارثة لاهوتية تنسف مسيحية العهد الجديد كلها، ولأنه يحتاج إلى حلَقات منفردة، لكن أتكلم في الأقل من ناحية لغوية من مواطن عادي كحالتي بأقل بحث ودراسة عادية أقارن مع الترجمات الإنجليزية، وعدت إلى التَّرْجَمَةً اليونانية بواسطة شرح أحد الدارسين فيتضح إن كلمة (لأكمل) معناها أساساً: To Fulfill - To accomplish - To give them the right meaning - وترجمتها (ليحقق- ليتمم الأمر وينهيه- ليعلن تمام الشيء- ليعطي الأمر أو الرمز المعنى الحقيقي له) - وليس المقصود بها أبداً أنه (يكمل) أي يضيف أجزاء جديدة على ما سبق. To Continue - To add to وهذا أمر لم أخترعه، إنما هو أمر معروف لدى الدارسين (من كل الكنائس) ولكن من الواضح أنه لم يصل مغاغة والعدوة بعد، المهم إن "هذا الأسقف" يصارع ويحارب من أجل لي ذراع الآية من أجل غرض واحد فقط وهو الغوص في مستنقعات التهود والفريسية والعودة للأركان الضعيفة للناموس مرة أخرى، هذه التي ظهرت بقوة في السبي الأربعيني للكنيسة القبطية. إلى "هذا الأسقف" إن كنت وأنت يهودي تعيش أمميا لا يهوديا، فلماذا تلزم الأمم أن يتهودوا؟" إذا كنت تقول إنك مسيحي حقيقي لماذا تريد منهم أن يلتزموا بالشرائع والأحكام اليهودية؟ ولماذا تأخذ منها جزء وتترك الكل؟ لماذا لا تطبق كل الوصايا اليهودية والشرائع الموسوية في سفر اللاويين بحذافيرها عليك وعلى الكل؟ أجيبكم بكل صراحة من خلال متابعتي لسنوات طويلة لهذا الأسلوب، اتضح لي أن الغرض الأساسي من لي ذراع الآية وإظهارها بهذا الشكل هو من أجل جعل المؤمن في موضع (الخاطئ) طوال الوقت، ووضعه تحت نير العبودية لشرائع وقوانين وأحكام عثرة الحمل لا يستطيع رجال الدين أنفسهم تحملها، يلوون ذراع الآيات من أجل تعظيم سلطة الإكليروس وتعظيم التسيد الشخصي لهم على المؤمنين بأحكام الناموس التي قال عنها الكتاب إنها (عتقت وشاخت واضمحلت) ولا فائدة منها ولا خلاص ينبع منها ولا تصنع بر الله. ولم يعد المؤمن في عهد النعمة يحتاجها. رأيت أنهم يحاربون الخليقة الجديدة الحرة لـ المؤمن الحقيقي في المسيح يسوع كي يظل المؤمنين مجرد عبيد يحتاجون لرجل الدين كل لحظة وفي كل كبيرة وصغيرة! وفي كل استشارة روحية وتعليمية ولا مانع من الاستشارات الزوجية والاستشارات الطبية والنفسية! ! ! أتمنى من "هذا الأسقف" وكل أسقف يروج هذا التعليم أن يعيد قراءة رسالتي رومية وغلاطية والعبرانيين بالذات بقلب مفتوح وعقل واعٍ حتى ينير له الروح القدس سر التبرير وسر الخلاص وسر الإيمان. يقول الرسول بولس عن العهد الجديد الذي للسيد الرب مع شعبه: "فَإِذْ قَالَ «جَدِيدًا» عَتَّقَ الأَوَّلَ. وَأَمَّا مَا عَتَقَ وَشَاخَ فَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الاضْمِحْلاَلِ"(رسالة بولس إلى العبرانيين 8: 13) إلى "هذا الأسقف": إذن ناموس العهد القديم اضمحل. الناموس عتق وشاخ. "إِذْ نَعْلَمُ أَنَّ الإِنْسَانَ لاَ يَتَبَرَّرُ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ، بَلْ بِإِيمَانِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، آمَنَّا نَحْنُ أَيْضًا بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، لِنَتَبَرَّرَ بِإِيمَانِ يَسُوعَ لاَ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ. لأَنَّهُ بِأَعْمَالِ النَّامُوسِ لاَ يَتَبَرَّرُ جَسَدٌ مَا. "(رسالة بولس إلى غلاطية 2: 16) الناموس انتهي بلا رجعة وليس فيه أي بر ولا يصنع خلاصاً للإنسان. "لَسْتُ أُبْطِلُ نِعْمَةَ اللهِ. لأَنَّهُ إِنْ كَانَ بِالنَّامُوسِ بِرٌّ، فَالْمَسِيحُ إِذًا مَاتَ بِلاَ سَبَبٍ! "(رسالة بولس إلى غلاطية 2: 21)   --- ### لم تتركنا عنك إلى الانقضاء - Published: ۲۰۲۳-۰۲-۲٦ - Modified: 2023-02-26 - URL: https://tabcm.net/10370/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: آدم, الخطيئة الأصلية, حواء, شجرة الحياة, شجرة المعرفة, غريغوريوس النيسي, قديس أثناسيوس الرسولي الفلسفات والديانات القديمة تؤمن بأزلية الكون والمادة وخلود الإنسان، أما المسيحية فتؤمن بأن الإنسان خُلِقَ من العدم  أو اللا وجود. (القديس أثناسيوس الرسولي) ما خُلِقَ من العدم لا يقدر على استمرار الوجود أو الخلود بقدراته الذاتية. لذلك نقول بأن الإنسان فاني بطبيعته. بحضور كلمة الله (الأقنوم الثاني في لاهوت الله - الواحد الجوهر المثلث الأقانيم) وتعطفه علينا دُعينا من العدم إلي الوجود في الفردوس. استقر عند آباء الكنيسة أن الفردوس لم يكن هو الوطن الأبدي للإنسان، فهو وطن هشٌ، وقابل للدمار الطبيعي، وكذلك النظام الكوني كله. التغيير -الانتقال من عدم الوجود إلى الوجود- هو أصلٌ في الإنسان التصق بطبعه. (القديس اغريغوريوس النيسي) لذلك فإن التغيير وعدم الثبات يؤدي إلى انحلال الوجود الإنساني والرجوع إلى العدم، هذا هو الموت الطبيعي، ولأن أساس العلاقة بالله عند خلق الإنسان هي النعمة، لذا كانت غاية الخلق هي دعوة الله للإنسان من العدم إلى الوجود الطبيعي، ثم الوجود والحياة حسب صورة الله  في الفردوس، و أخيراً دعوة الإنسان للحياة الخالدة الأبدية في السماء. فالموت الطبيعي يسبق انتقال الإنسان من الفردوس إلى السماء و الحياة الأبدية. خُلقَ الإنسان على ”صورة الله“، و هذا أساس الحياة الأخلاقية في الإنسان، التغيير وعدم ثبات طبيعة الإنسان، جعل حرية الاختيار عند الإنسان قادرة أن تميل إلى الخير أو الشر. إذا حفظ الإنسان النعمة الإلهية، واستمر صالحاً، استطاع الاحتفاظ بحياته في الفردوس بلا حزن، ولا ألم، فضلاً عن موعد الخلود -الحياة الأبدية- في السماء عندما ينتقل ”بالموت الطبيعي“ من صلاح الوجود في الفردوس إلى وجود الصلاح في السماء وخلوده. عدم ثبات الإنسان في الخير وبحسب ”صورة الله في الإنسان“ يُحسب تفريطاً في النعمة -أي استهانة بعطية الصورة الإلهية في الإنسان -وخروجاً على غاية الخلق، هذا هو التعدي والخطية. وبالموت في هذا الوضع ينتقل الإنسان من شر الحياة الأرضية إلى الوضع الأول قبل الخلق  وهو العدم والفناء واللا وجود. الموت عندئذ يُسمَّى موت الخطية، وهو لم يكن ضمن تدبير الخلق، مقارنةً بالموت الطبيعي للإنسان، إن الخطية والتعدي أعطى سلطاناً وسيادة شرعية للموت على الجنس البشري، وبموت الخطية أغلق الإنسان على نفسه في دائرة العدم، أي فقدان الشركة في مصدر الحياة، بالتالي أصبح لا مجال له في البقاء في الفردوس وطرد خارجاً، وبطبيعة الحال متى تجرَّد الإنسان من معرفة الله يعود إلى العدم، ولكن هذا لم يحدث وسنرى لماذا لم يفن الإنسان؟ كان المفروض حسب خطة الله للإنسان أن يتأمل كيانه كصورة الله فيُدرك مِن تلك الصورة حقيقة وجود (حضور) كلمة الله، والكلمة يُعلِن ذاته والآب، خطة الله للإنسان هي أن يحيا ليعرف، يختبر الحياة والوجود حسب صورة الله أولاً، حينئذ يأخذ المعرفة، يأكل من شجرة الحياة، لكي يحيا حياة حقيقية تُعطِيه المعرفة الاختبارية النابعة من الحياة. فالوجود حسب صورة الله يُكوِّن معرفة اختبارية للحق نابعة من الحياة في الحق، أما الخطية فبحسب رؤية كل آباء الكنيسة  هي ضد نعمة الله، هي استهانة بعطية الصورة الإلهية، الخطية لم تكن اعتداءاً على الناموس الإلهي، لأن الناموس لم يكن قد أُعطِّي بعد. الشريعة كانت في قلب الإنسان (الصورة الإلهية)، ثم أُعيد كتابتها على لوحي الحجر. دعَّم الله النعمة المعطاة للإنسان بالوصية التي قدمها له. الوصية جاءت تدعَّم النعمة لا لكي تخلق النعمة، فالنعمة سبقت الوصية و الناموس. الإنسان  للأسف لم يشأ أن يحيا ليعرف، بل أراد أن يعرف ليحيا. وأكل مِن شجرة معرفة الخير والشر قبل أن يأكل مِن شجرة الحياة. لذلك تعرَّى من الحياة حسب الصورة  الإلهية، إن الخطية تبدأ بالمعرفة الكاذبة التي وُلِدت من الذات الإنسانية وبسبب غَوَاية الشيطان، تحولت الطبيعة الإنسانية من الوجود حسب الصورة الإلهية (فترة الفردوس) إلى الوجود حسب العدم (بعد طرده إلى الأرض). الإنسان طلب المعرفة بعيداً عن الشركة في الحياة مع الله فتوغل في إدراك عدميته. عندما تأمل صورته دون الله لم يجد فيها الله الكلمة، وإنما وجد فيها حالته الطبيعية الأولى -أي العدم. فزرع الإنسان الأفكار الخاطئة عن نفسه وعن الله وسقط في عبادة الأوثان. الإنسان خَلق الشر. الشر هو وليد الفكر البشري ويحمل سمات الإنسان خالقه -أي العدم. ملأ الإنسان فراغ حياته بالعدم، الذي هو الشر. الخير يستمد كيانه من الله أصل الوجود. الخير يبقى ولا يفنى. إن المعرفة التي اقتناها الإنسان بعيداً عن الشركة مع الله، تنبع من خبرة الإنسان -حيث يسيطر الموت- وهي خبرة لا يمكن فصلها عن مصدرها وأهم سماتها الخوف من فقدان الجسد وعدم البقاء. هذا ما يجعل الإنسان يلتصق أكثر بما يراه  ويحسه ويسمعه من رغبات الجسد المتنوعة. إننا بعد الطرد من الفردوس نعيش في زمان المعرفة المكتسَبَة خارج الفردوس وبدون الشركة مع الله، لذلك يتعذر علينا أن نرى الله هو مصدر الحياة، في نفس الوقت الذي نظن فيه إننا نحيا ونستمر في البقاء بواسطة المعرفة المكتسَبَة. إن غاية الحياة الروحية الأرثوذكسية هي التحرر من المعرفة المكتسَبَة للإنسان ومزجها بالمعرفة التي من الله لتُطَّهرها ويصبح للإنسان معرفة واحدة صالحة. ويكمل القديس أثناسيوس أنه كان أمراً غير لائق أن يهلك أولئك الذين كانوا وقتاً ما شركاء في صورة الله. إنَّ  تَركْ الله للبشرية الساقطة، التي خُلِقَت عاقلة وأصبحت الصورة الإلهية من مكوناتها، نقول إن تركها لمصيرها بالفناء والرجوع إلى العدم لا يُعلِن صلاح الله ومحبته بل ضعفه (حاشا). لذلك فإن صلاح الله ونعمة الشركة في الكلمة وقوتها هي سبب بقاء الإنسان وعدم فناء الجنس البشري بعد السقوط. فما الفائدة من خِلقة البشر بداية، ثم تركهم يفنون إذا أخطأوا. ”لم تتركنا عنك إلى الانقضاء“ (القداس الباسيلي) لذلك فمِن مبادئ المسيحية الأرثوذكسية أن الكون لا يحيا ويتحرك حسب قوة القانون الطبيعي وحده، وإلا كان مصيرنا الآن هو العدم، لكنه يحيا حسب نعمة الله التي تضبط كل الكائنات ولذلك السبب وحده فقد ظَل الإنسان حياً بعد سقوط آدم لأنه نال نصيباً في الكلمة -القدرة العاقلة للآب وصورته- عندما خُلِقَ الإنسان على صورة الله، التي إذا تعذر على الإنسان معرفته صار مثل البهائم عديمة النطق. إن أمانة الله نحو خليقته تراث أصيل في علاقة الله بالإنسان. لذلك عندما تقسو الأيام علينا لأسباب قد لا نعرفها فإننا نثق أنها ليست بعيدة عن التدبير الإلهي الذي فيه رجاؤنا. والسُبح لله. بقلم د. رءوف إدوارد --- ### النسطورية: اقتراب حذر - Published: ۲۰۲۳-۰۲-۲۵ - Modified: 2023-02-25 - URL: https://tabcm.net/10777/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: التقليد الأنطاكي, التقليد السكندري, الكنائس الأرثوذكسية, النسطورية, بابا كيرلس عمود الدين, طبيعة المسيح هناك مجموعة من المنطلقات أخذها الآباء كضرورة مع محاولة فهم التجسد، وتكوين نموذج كريستولوجي يستلهم مقاصد التدبير الإلهي لحدث التجسد. هذه المنطلقات يمكن إجمالها فيما يلي: الأول: واحدية شخص الكلمة المتجسد. الثاني: تنزيه "الكلمة" كجوهر عما لاقاه شخص الكلمة المتجسد ولا يسري على الإله. الثالث: ضمان كمال "الإنسان" في شخص الكلمة المتجسد، حيث أنه المعني بالخلاص وتمام التدبير. الرابع: الحفاظ على "مركز الفعل" للكلمة نفسه، لأنه إذا لم يكن الله هو من قام شخصيا بخلاصنا، فباطل كل إيماننا. بِنَى السكندريون نموذجهم مبكرا جدا، بالالتزام الصارم بهذه المنطلقات الذي يمكن إيجازه في العبارة الملهمة "طبيعة واحدة متجسدة لله الكلمة"، وميزه "الاتحاد الأقنومي" أي إن الاتحاد تم على المستوى الأقنومي لطرفيه؛ أقنوم الكلمة أخذ أقنوما بشريا لم يحظ بوجوده المستقل قط خارج الاتحاد (ليس شخصا) فأصبح به أقنوم الكلمة مركبا ومتجسدا ومتأنسا. هذا النموذج قبل مسكونيا ونظر له -بجانب السكندريين- لاهوتيو روما والآباء الكبادوك، وغالبية لاهوتي الشرق. على الجانب الآخر لم يرق هذا النموذج لآباء مدرسة أنطاكيَة اللاهوتية وشرعوا في بناء نموذجهم الخاص، كان الاعتراض الرئيس هو أن هذا الاتحاد الأقنومي صائر حتما إلى الاختلاط، ثم أن "تخصيص" الكلمة (=شخص اللوجوس) كمركز للفعل قد أطاح مبدأ "عدم تغير الألوهة". لا أرى داعيا للتطرق لتاريخ التطور الفكري لهذه المدرسة، ما يهمنا أن الأمر انتهى لعدد من التلاميذ المخلصين الذين تجلّسوا على مقاعد الأسقفية في الشرق، سيلعب اثنان منهم في الأقل أدوارا مهمة في التاريخ الكنسي، وأعني بهما "ثيودوريت" أسقف قورش، و"نسطوريوس" بطريرك القسطنطينية الذي سنورد هنا بعض من اعتراضاته -باعتباره أحد الحلَقات الفكرية الهامة للأنطاكيين- على النموذج السكندري، الذي مثله في هذه الحِقْبَة القديس كيرلس الكبير. فطبقا لنسطوريوس التأسيس على بداية بالله الكلمة لابد أن يقود حتما إلى الدوسيتية أو الأبولينارية، مثلما يقود التأسيس على الإنسان يسوع إلى "التبني"، فيقول مخاطبا ق. كيرلس: "لقد بدأت تصورك مع خالق الكون، وليس مع بروسبونالاتحاد، ليس اللوجوس هو من حوى الطبيعتين، بل هو الرب، الابن الواحد، يسوع المسيح هو من حواهما، هو الذي جمع كل صفات اللوجوس، الأزلي الخالد غير المتألم، مع صفات الناسوت وهو مخلوق، مائت و متألم، أضف إليه الصفات التي للاتحاد والتجسد" (نسطوريوس مخاطبا القديس كيرلس السكندري)  ولكي نتابع فكر الرجل فهو ينفي كون "يسوع المسيح" هو اللوجوس نفسه متجسدا، هو يخلق "شخصا" جديدا يحوي شخص اللوجوس، بجانب شخص بشري، كل شخص من شخصي الاتحاد له مركز فعل مستقل، متحدان معا بالحب الإلهي والنعمة. ما وصل إليه الرجل هنا حتمي ولا مفر منه، لمن يرفض التجسد بالاتحاد على المستوى الأقنومي، لأنه إذا كان الاتحاد الجوهري (على مستوى الجوهر) مرفوضا منطقيا، فلن يقودك الفكر إلا للاتحاد الشخصي، مع ما سينتجه هذا من صعوبات فنية وعدم مرونة فكرية. ففي مقابل النموذج السكندري الذي ينتهي إلى شخص واحد هو الكلمة نفسه متجسدا، لدينا في النموذج الأنطاكي ثلاث شخوص؛ الكلمة، الإنسان يسوع، والمسيح الذي هو بروسبون الاتحاد الحاوي لهما معا. سيستند الأنطاكيون إلى أن الكتاب المقدس عندما ينسب فعلا للتجسد، يتحدث عن المسيح أو الابن أو الرب، وليس عن الله الكلمة، الأمر نفسه في استنادهم للآباء وحتى لقانون الإيمان النيقاوي، فلهم تفسيرهم الخاص. فيقول نسطوريوس مخاطبا ق. كيرلس: "إذا نظرت بتدقيق، ستجد أن آباء نيقية لم يقولوا إن طبيعة اللاهوت قابلة للمعاناة، ولا إن الواحد الأزلي مع الآب ولد زمنيا، ولا قالوا إن الذي أقام الهيكل المنقوض هو نفسه قام، انظر كيف استخدموا المفاهيم "رب" ثم يسوع، والمسيح، والابن، كأساس لهم، وبهذه الأسس يبنون تقليد التجسد، الآلام، والقيامة. " (نسطوريوس مخاطبا القديس كيرلس السكندري)  سنستعرض هنا عدد من أقوال الرجل، التي ستوضح فكره، وربما أيضا تزيح بعض الأساطير التي تعودنا سماعها "المسيح غير قابل للتقسيم، لكنه ثنائي، إله وإنسان، نحن لا نعترف بمسيحين، لكنه نفس الواحد الذي رأيناه في الخالق والمخلوق" "لقد أبقيت الطبيعتينلكني وحدت العبادة، فهذه العبادة الموجهة للمسيح الواحد، تمتد إلى الإنسان أيضا، أنا أعبد ذلك الحامل من أجل الذي يحمله، ذلك المرئي من أجل ذلك المحتجب" "لم أقل إن الإنسان كان واحدا، واللوجوس أخر، ما قلته أن اللاهوت بالجوهر شيء، والإنسان بالجوهر شيء آخر، لكن هناك ابنا واحدا بالاقتران" (من أقوال نسطوريوس) بدأت المناوشات بين المدرستين اللاهوتيتين بحذلقة لغوية نسطورية، في رفض استخدام اللقب المسكوني "والدة الإله" للقديسة العذراء، وتفضيل التسمية "والدة المسيح". فأثر جدال صاخب تسبب به أحد مقربينه الذين أحضرهم إلى القسطنطينية، وافق نسطوريوس أخيرا أن المصطلحين "والدة الإله" و"والدة الإنسان" غير هرطوقيين بذاتهما، إلا أن أيهما قد يقود إلى آراء حمقاء هرطوقية، فمن ناحية لم تكن العذراء هي مبدأ الكلمة، ومن الأخرى لم يكن المولود مجرد إنسان، والمصطلح الصحيح والأدق هو "أم المسيح". وجاء الرد فوريا وساخرا: "إذا كانت العذراء ليست -على وجه التحديد- أم الله، حينئذ ابنها ليس -على وجه التحديد- الله. وبسبب هذه البداية شاع عن نسطوريوس أنه كان يعلم بوجود "ابنين" بالرغم من أنه لم يصرح بذلك أبدا، ولاحقا -في المنفى- أدان هذا التعليم بشكل واضح. لا يعني هذا بالتأكيد براءة الرجل وأرثوذكسيته، فالخلل كامن في نموذج الاتحاد الشخصي الذي نظر له، وهو خلل جوهري. الاعتراضات على هذا النموذج المعيب وجدت مطاعنا كثيرة، والحق أن هذا النموذج ينسف كثيرا من مقاصد التجسد، سنستعرض بعضها على سبيل المثال فقط، وبإيجاز. الاعتراض الأول أن الاتحاد ليس له عدو أصيل سوى العدد، فلو إنك استطعت تفكيك الاتحاد إلى عناصر يمكن "عدها" فهي موجودة بشكل مستقل، ولا اتحاد هناك، وعند السكندريين فاختلاف الطبيعتين لا يعني الانفصال إطلاقا، فالوحدة الأقنومية لاشت الوجود المستقل والانقسام. الاعتراض الثاني هو إذا كان هناك "يسوع" كشخص بشري، فلابد أنه هو فقط من قد خلص وتبرر، دون فائدة تذكر للبشرية، على عكس التصور السكندري الذي يوصف "المأخوذ" كعجينة البشرية، وجسد كل الخطاة (بتعبير الأب متى المسكين) الاعتراض الثالث هو إذا كان هناك "يسوع" كشخص بشري، فماذا نتناول في الإفخارستيا، هل نتناول جسد "بشري"، وبالتعبير الآخر "ناسوت"! ! لا شك أن هذا المفهوم يهدم جوهرة تاج المسيحية، عربون التأله. كان التقليد الأنطاكي محليا محصورا، لا يثير القلاقل، حتى تبوأ نسطوريوس كرسي عاصمة الامبراطورية، فأعد العدة -مع الدعم الإمبراطوري ووجود عدد من الأساقفة اللاهوتيين الأنطاكيين على رأس كراسي هامة- ليكون هو التقليد المسكوني بدلا من التقليد السكندري، لم ينجح الرجل في محاولته، لكنها كانت أساسا هاما للنجاح الساحق الذي حققه معاصروه بعد عقدين من الزمان في خلقيدونية. يطيب لي أن اختتم الحديث بمقولة ملهمة للقديس كيرلس يوجز فيها مأساة النسطورية، وجهها للأسقف ثيودوريت الذي سيرد ذكره كثيرا في قادم المقالات: "إذا بدا تنازل الإخلاء ثقيلا عليك، فتعجب بالأحرى من محبة الابن لنا، وما تظنه وضيعا فقد أراد أن يفعله من أجلك" (القديس كيرلس السكندري) --- ### الانجماع الكلي واتحاد البشرية بالمسيح - Published: ۲۰۲۳-۰۲-۲٤ - Modified: 2023-02-24 - URL: https://tabcm.net/10788/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: اتحاد البشرية بالمسيح, الانجماع الكلي, الكنيسة الجامعة تتناول هذه السلسلة موضوع ”الانجماع الكلي واتحاد البشرية بالمسيح“ من منظور كتابي، آبائي، ليتورجي، من أجل الوقوف على أفضل تصور ومفهوم لهذا الموضوع المهم للغاية. حيث إن غاية المسيحية في النهاية هي الانجماع الكلي والاتحاد بالله في المسيح من خلال الروح القدس. يلقي هذا البحث الضوء على مفهوم الانجماع الكلي كما ذكره بولس الرسول، وكما شرحه ق. إيرينيؤس أسقف ليون، الملقب بـ ”أبو التقليد الكنسي“. كما يلقي الضوء أيضًا على مفهوم آباء الكنيسة الجامعة لماهية الاتحاد بين الله والبشرية في المسيح. ويناقش هذا البحث قضية حلول الروح القدس في البشر من منظور كتابي وآبائي وليتورجي عميق جدًا. لقد قمت في هذا البحث بتتبع الإشارات الكتابية، والآبائية، والليتورجية المختلفة، سواء الموجودة في الكتاب المقدس، وفي كتابات الآباء القديسين معلمي الكنيسة الجامعة، وفي التقليد الليتورجي القبطي بصفة خاصة. أرجو أن يكون هذا العمل سبب بركة وتعزية ورجاء لكثيرين، بصلوات وطلبات القديسة العذراء مريم والدة الإله، وصلوات آبائي الرسل القديسين، وصلوات آبائي القديسين معلمي الكنيسة الجامعة، وصلوات أبينا وراعينا البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية. الانجماع الكلي واتحاد البشرية بالمسيح سوف يناقش البحث الموجز ماهية الانجماع الكلي في المسيح، وماهية اتحاد البشرية في المسيح من خلال إشارات الكتاب المقدس، وتعاليم آباء الكنيسة الجامعة شرقًا وغربًا، والليتورجية القبطية. حيث سنتطرق إلى بركات ومفاعيل هذا الاتحاد بين الله والإنسان في المسيح، وكيف شهد الكتاب المقدس في إشارات كثيرة عن هذا الاتحاد الكياني الحقيقي بين الله والإنسان في المسيح، وكيف أنه لم يكن مجرد اتحاد روحي اعتباري كما يدَّعي البعض عن جهل ودون وعي، بل هو اتحاد حقيقي كياني بين الله والإنسان في المسيح. ثم سنتطرق إلى شهادات آباء الكنيسة الجامعة عن ماهية وكيفية وطبيعة هذا الاتحاد الحميمي الوثيق بين الله والإنسان في المسيح بعمل الروح القدس الساكن بأقنومه في الإنسان المؤمن الحقيقي. ثم سنعبر في رحلة سريعة بين النصوص الليتورجية القبطية التي تؤكد وتبرهن على حقيقة هذا الاتحاد الحقيقي والكياني بين الله والإنسان في المسيح يسوع ربنا. د. أنطون جرجس عبد المسيح القاهرة - يناير 2023 --- ### سوء الحظ والألم والشر.. مسؤولية من؟ - Published: ۲۰۲۳-۰۲-۲۳ - Modified: 2023-02-24 - URL: https://tabcm.net/10784/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, مقالات وآراء - وسوم: إيليا النبي, الإخوة كارامازوف, الجبل الخامس, باولو كويلهو, ڤيودور ميخائيلوڤتش دوستويڤسكي, قوانين مورفي قد تصادف يوما ممن يتم تصنيفه بأنه يوم سوء الحظ، فحين تذهب إلى المحطة وتجد الأوتوبيس أو القطار قد غادر على الفور، أو تكون في طريقك متعجلا للذهاب للعمل وتجد زحام مروري، أو تذهب لإنهاء بعض الأوراق في إحدى المصالح الحكومية وتجد أنك قد وصلت في وقت انتهاء دوام العمل حيث لا توجد مواعيد واضحة وثابتة لكل المصالح الحكومية، وهكذا،  هذه الأمور المعاكسة لَمَّا نرد تحدث مع أغلبنا من حين لأخر، وقد يجد الإنسان نفسه ينفجر في موجة من الغضب الشديد بعد أحد تلك المواقف، ويوجه اللوم إلى الله وسؤال: لماذا يحدث هذا معي؟ قد يعتقد كل شخص منا أن سوء الحظ الذي يصادفه في يوم ما أو أحد المواقف هو أمر يحدث معه هو فقط، لكن الحقيقي أن هذا يحدث مع الجميع، وحسب قوانين مورفي الخاصة بسوء الحظ فدائما ما تحدث تلك المواقف عندما  تكون في حاجة لعدم حدوثها، فعندما تتأخر عن العمل ستجد الطريق مزدحما، فتغضب وتثور، حين كنت طفلا كنت أفعل كما يفعل أغلبنا وأوجه اللوم إلى الله باعتباره المسؤول عما يحدث لنا، كما تربينا وتعودنا أن نسمع منذ الصغر في مؤسسة التربية والتنشئة المختلفة. لكن فعلا هل الله مسؤول عن خروجي متأخرا من المنزل للعمل وأنا أسكن في مدينة مليونية مكتظة بالسكان والسيارات والعشوائية ومن الطبيعي أن يكون بها زحاما وقت الذروة؟ فلماذا أعلق نتائج تصرفاتي وممارساتي على "شماعة" مسؤولية الله عما يحدث في حياتي، وكأنه ليس دخل لي في هذا. ذكرت هذا المثال لأذهب إلى نقطة أبعد مرتبطة بالألم  والمرض والحروب ووجود الشر في العالم، فهل الله مسؤول عنهم؟ كما يروج بعض رجال الدين من مختلف الأديان، أو بعض الإكليروس ملء السمع والبصر في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، كما حدث ذلك مع انتشار فيروس كورونا مطلع عام 2020، والترويج في خطاب تغيبي بأنه عقاب من الله! أتفهم جيدا ترويج هذا الخطاب على السادة المؤمنين من قبل بعض رجال الدين، فهذا الخطاب هو ركن أساسي ومهم للسيطرة على "قطيع" المؤمنين، فلا يمكن حدوث ذلك دون سلبهم حريتهم وإرادتهم الإنسانية الحرة في الاختيار وتحمل مسؤولية اختياراتهم، بل جعلهم مسلوبي الإرادة بترويج الحديث عن مسؤولية الله عن الألم والشر وعن تحكمه تماما في مصائرنا وتصرفاتنا عكس ما يروج من خطاب ديني بأنه في نهاية الحياة هناك حساب لكل إنسان عما فعله طوال حياته، فكيف يمكن محاسبة شخص لم حرا في اختياراته؟ وكيف يمكن محاسبة شخص قرر الله ألا ينتظر لنهاية حياته وأن يعاقبه بشكل سريع وواضح على الأرض وابتلائه بفيروس مثل كورونا؟ إن إلغاء إرادة الإنسان في اختيار ما يخص حياته وأن يتحمل مسؤولية اختياراته هو لشر عظيم يسلب البشر أعز ما يملكون ويقودهم جميعا للعبودية، والتراخي والتواكل بأنهم مغلوب على أمرهم فيرضون بواقعهم المرير ولا يحاولون تغييره باعتباره ابتلاءا من الله، وهنا يحضرني فصل "المفتش الكبير"، من رواية الإخوة كارامازوف للأديب الروسي فيودور دوستويفسكي، ففي هذا الفصل حكى قصة من أروع ما كتب على لسان شخصية "إيفان" الملحد. ويحكي أن السيد المسيح ظهر وقت محاكم التفتيش في إحدى الكنائس فدخل عليه البابا كبير المفتشين وأمر بالقبض عليه، وبعد سرد رائع لمعنى التجارِب على الجبل، وأن المسيح أراد أن يكون الإنسان حرا فلم يجر المعجزات التي طلبت منه بأن يحول الحجارة إلى خبز أو يقفز من فوق الهيكل، حتى يحافظ على حرية الإنسان، وأن يأتي لأنه حرا وليس لأنه أطعمه أو جذبه بالمعجزات، جاء الكلام الأخير على لسان كبير المفتشين وهو يصرف المسيح متوعده بالقتل إذا ظهر مرة أخرى لأنهم -أي رجال الدين- أجروا المعجزات وأطعموا القطيع حتى سيطروا عليهم ولا يريد أن يتغير هذا الوضع. هذا الفكر الذي يروجه بعض الإكليروس اليوم، بإلغاء إرادة الإنسان لمصلحتهم بدعوى أن الله يتحكم في كل شيء واجهه أيضًا، الأديب البرازيلي باولو كويلهو في رواية "الجبل الخامس" التي تتحدث عن إيليا نبي العهد القديم الذي حسب الرواية ظل ينتظر  إشارات الله وقراراته، حتى سقطت المدينة في يد الأعداء وماتت الأرملة التي يحبها، فوجه جم غضبه إلى الله الذي تركه، فظهر له ملاك لـ"يفطمه" كما الرضيع من هذا التصور الساذج بأن الله سيتدخل ويغير الأحداث، ليخبره أن الله يتدخل من خلاله، وأنه يجب أن يتحرك ويتصرف هو وما سيفعله سيرضي الله. أعتقد أنه آن الأوان لأن يتم فطام الخطاب الديني الذي يلغي الإنسان وإرادته ومسؤوليته عن أفعاله، لأن تأثيره قاتل على مستقبل الإنسانية وعلى مجتمعنا الغارق في التواكل واللامبالاة وتبرير الشر بأنه ابتلاء من الله أو وسوسة شيطان. --- ### أيها الأسقف.. من أنت؟ [١٣] - Published: ۲۰۲۳-۰۲-۲۱ - Modified: 2023-02-21 - URL: https://tabcm.net/10426/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أنبا غريغوريوس، أسقف البحث العلمي, الحرب العالمية الثانية, حماة الإيمان شيء ما اقتحم الكنيسة مع انتصاف القرن العشرين، فيما كان العالم يعيش تداعيات ما بعد الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945) وخريطته تتغير بشكل متسارع، تتراجع فيه القوى التقليدية لتظهر أخرى، كان الاستقطاب الحاد يشكل ملامح العالم الجديد، ويشهد العالم الثالث سلسلة من حركات التحرر، ولم تكن مصر بعيدة عن هذا الحراك. كان الشباب القبطي (المصري المسيحي) حاضراً ومشاركاً في الحراك الوطني، عبر منظومة الأحزاب القائمة وقتها، وفي مقدمتها حزب الوفد، وأسس أحد أقطابهم ـ مكرم عبيد ـ حزباً فاعلاً لم يصطبغ بصبغة دينية بل كان مصرياً ليبرالياً، حزب الكتلة الوفدية، وهو من نحت شعار "الدين لله والوطن للجميع"، وكان الأقباط مشتبكين مع الحركة الثقافية والإبداعية، لكنهم لم يجدوا موقعاً لأقدامهم، في المشهد السياسي بعد انتصاف القرن، وهو استبعاد أخذ في التصاعد حتى وصل ذروته مع إحياء جماعات الإسلام السياسي مع قدوم الرئيس السادات. كان المجال العام المتاح أمام الشباب القبطي وقتها هو المجال الديني الكنسي، كانت الأنظمة السياسية طاردة لهم أو في الأقل مضيقة عليهم، ومن صمد أمام التضييق، اصطدم بالسقف المتاح لهم، فتحولوا إلى أحد لوازم المشهد الذي يتم تصديره عندما يكون السؤال عن تواجد الأقباط في المشهد السياسي، وكان البديل المرحب الكنيسة الحاضنة للشباب الباحث عن تحقق. وكنا قد تطرقنا قبلاً لرحلة شباب أربعينيات ذاك القرن إلى قيادة الكنيسة، وما يحدث في كنيسة اليوم من صدامات بعضها معلن وأكثره يدور في الغرف المغلقة، والأروقة البعيدة، وقد وجد طريقه إلى الفضاء الافتراضي، سواء ما يعلنه بعضهم أو يكلف به اللجان الإلكترونية الاحترافية والممولة، في توقيتات بعينها، من مريدي طرفي صدام ذاك الجيل. وكما في السياسة كذلك في الكنيسة، صار الراقدون تحت التراب هم من يحركون الأحداث. وصارت أدوات السياسة هي أدوات المريدين الجدد، وإحقاقًا للحق، هم لم يبتدعوا هذا التوجه، فقد عرفت السياسة طريقها إلى إدارة صراعات الكنيسة مع أول مجمع مسكوني في تاريخها ـ بعد مجمع أورشليم في كنيسة الرسل ـ حين دعا الإمبراطور قسطنطين أقطاب الكنائس إلى مجمع نيقية (325م) وترأسه ليدشن زواج السياسة والكنيسة. ولما كانت السياسة لا تعرف الصداقات أو العداوات الدائمة، فمؤشرها يتجه بقرون استشعاره نحو المصالح القائمة، لذلك فقد صار من الطبيعي أن يبدل بعضهم مواقفه ومعاركه وفقاً لتلك المصالح، ففي أعداد مجلة مدارس الأحد في إصدارها الأول (1947 ـ 1954) نطالع رتل من المقالات التي تهاجم ترشح أسقف للكرسي البطريركي البابوي، وتعلن أن قوانين الكنيسة تقر بترشح علماني، وتورد نماذج لعلمانيين تم رسامتهم بطاركة على الكرسي المرقسي، فيما تُحرِّم بشكل قاطع ترشح أسقف للبابوية، وتأتي بنصوص تلك القوانين، وحين لاحت لأساقفة ذلك الجيل فرصة الترشح للكرسي البابوي، وقد جرى في نهر الكنيسة مياه كثيرة ـ فإذا بهم يوظفون أقلامهم، على منصات معاصرة، لشرعنة ترشحهم، بتخريجة مبدعة، أن المقصود بالتحريم ترشح أسقف الإيبارشية وليس الأسقف العام. وكأن وضع اليد مختلف بين هذا وذاك، وللخروج من مأزِق تكرار وضع اليد جاءت التخريجة المبدعة الثانية، بتسمية إقامة الأسقف بطريركاً بأنها "طقس تجليس"! ! . السؤال الآن وقد اتسعت دائرة الأساقفة العموم، ماذا هم فاعلون حال ترشحهم يوماً؟ والكلام هنا في المطلق، وفي الإطار التنظيمي، هل تتصور شكل المعارك الانتخابية وقتها ـ في وجود تقنيات التواصل الرقمية، واللجان الإلكترونية، وشغف المنصب، وإدراك الأبعاد السياسية له ـ وما تنتجه من ارتباكات تتجاوز أسوار الكنيسة والأقباط، لتقفز في فضاء الوطن بما يهدد استقراره وسلامه، فيما تملك الكنيسة تجنب كل هذا السجس والصدامات بتعديل واضح ومحدد في لائحة انتخاب البابا البطريرك ينص على عدم جواز ترشح أياً من الأساقفة (إيبارشيين وعموم) للمنصب البابوي والعودة للتقليد القبطي الأصيل، بقصره على الرهبان الديريين وحسب. ولا يخفى على الفاهمين حكمة الترتيب، بعيداً عن زعم زواج الأسقف بايبارشيته التي لا تستند لتقليد آبائي أو كتابي، وقد تعرضنا له في المقال السابق، حكمة الكنيسة أن الراهب يأتي وهو على مسافة واحدة ـ في الغالب ـ من كل الأساقفة، فلا يكون محسوباً على أحدهم، ولنا في البابا كيرلس السادس مثالاً، فتخفت أصوات لجان المتنافسين والمتصارعين. وتجنب الكنيسة مزيد من الصراعات والمصادمات وكذلك الوطن. لكن السؤال الذي يصطدم بالحالمين والساعين والداعمين "من يعلق الجرس؟". هل ننتظر من الفاهمين أو قل هل نتوقع منهم إجابة؟ وفي الإطار التنظيمي المستتقبلي طرحت رؤية عن التنظيم الهيراركي للكنيسة وقد مدت مظلتها لقارات العالم الست، فإذا بالمرجفون يشنون حملة شعواء، أكدت توصيفي لهم، كأجراء غير معنيين بترتيب الكنيسة ونجاحها في تحقيق هدفها حسب المسيح والآباء، وفيما هم ينتقدون يكشفون توجههم الإنفصالي وأنا هنا أنقل سطورهم كما كتبوها حتى بتدنيها، الذي يؤكد قدر هشاشتهم أمام الأطروحات الجادة التي تجعلهم في مهب الريح. كتبوا: "المدعو كمال زاخر موسى يدعو فى مقترحاته الشيطانية من وقت لأخر باقامة بطريرك لكل قارة وأن يكون له مجمع اساقفته وذلك من أجل الاحتياجات الرعوية التى تتناسب كل مكان توجد فيه الكنيسة، يعنى دعوة علنية من جاهل غبى للأسف الشديد جداً لشق الكنيسة وهو لا يدرى بماذا يطلب ولا يدرس عواقب هذا الطلب أو المقترح الشيطانى" (أحد من يدعون أنفسهم حماة الايمان) هكذا يفكرون وهكذا يكتبون، وهو تفكير متريف لا يتجاوز جلسات المصاطب التي يديرون عليها أمورهم، إذا كان الأمر كذلك فكيف بقيت الكنيسة الكاثوليكية التي ترعى نحو مليار ونصف المليار من الكاثوليك حول العالم، دون أن تنهار أو تنقسم وتتشظى، حسب مفهوم المرجفين، وهي تصلى بكل لغات العالم، حتى اللهجات المحلية في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية، وتقر في ترتيبها بمختلف التقاليد الآبائية كل في منطقة انتشاره، التقليد البيزنطي، والتقليد الأنطاكي، والتقليد الإسكندري (القبطي)، والتقليد الكلداني، والتقليد الأرمني. وعندما انتبهت في أوائل الستينيات إلى وجود قضايا تدبيرية رعوية وتعليمية تحتاج إلى فحص وتطوير يتناسب مع المتغيرات العاصفة التي حلت بالعالم، دعت إلى عقد مجمع موسع للتباحث فيها، شارك فيه ما يربو عن الألفين من أساقفتها حول العالم، عرف بالمجمع الفاتيكاني الثاني (1962 ـ 1965) ودعيت إليه مختلف الكنائس كمراقبين، ومنها كنيستنا القبطية الأرثوذكسية، وكلف البابا كيرلس السادس الدكتور وهيب عطالله (الأنبا اغريغوريوس أسقف البحث العلمي والدراسات القبطية فيما بعد) بالحضور ممثلاً للكنيسة. وكانت أهداف المجمع حسب ما أعلن: 1. تطوير علاقات إيجابية للكنيسة الكاثوليكية مع العالم الحديث. 2. التخلي عن نظام الحروم القاسي المستعمل في المجامع السابقة. 3. التأكيد على حقوق الإنسان الأساسية بما يتعلق بالحرية الدينية. 4. التأكيد على أن الحقائق الأساسية تُعلم أيضاً في ديانات ومذاهب غير الكاثوليكية. 5. إصلاح الروحانية الكاثوليكية والسلطة الكنسية. وغني عن البيان أننا لا نطرح تقييما لأعمال المجمع وما نوقش وصدر من بيانات عقائدية، إنما نشير إلى كيفية مواجهة الكنيسة لواقعها وجسارة ضبطه وتصحيحه ومعالجته بشفافية تحت أنظار العالم وحضوره. إنها الإدارة والالتزام والانضباط. وهي بجانب العمل الكنسي التقليدي تدير منظومة عالمية من المستشفيات والمدارس والجامعات والملاجئ وتضم العديد من الأنظمة الرهبانية من الرهبنة التقليدية إلى الرهبنة الخادمة. ومازال للطرح بقية. --- ### القط الذي علمني درسا لاهوتيا - Published: ۲۰۲۳-۰۲-۲۰ - Modified: 2024-02-29 - URL: https://tabcm.net/3506/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, لاهوتيات - وسوم: أيوب البار, إكليروس, العدالة الجزائية, قديس إيرونيموس چيروم, متلازمة ستوكهولم شفت ناس اعتقادها عن الله إنه بيتعامل مع البشر كطفولتي المشردة مع القط! يبعتلهم ڤيروس علشان يحتاجوه؟ علشان يصلوا ليه؟ كلما زادوا رعبا، كلما نجحت الخطة؟ الله بيقولي "لا تخف لأني معك"، بينما هو اللي حاططني على سن الشباك ومظبط ماكينة الرعب كلها؟ وأنا طفل صغير، كان عندي قط مميز (شبه القط اللي أنا مسميه "القديس چيروم" في كيميت) ورغم إني بحبه جدا أكتر من بقية أخواته، ومدلعة طول الوقت، إلا إنه كان بيعاملني بغطرسة واضحة، أي حد من أخواتي يناديه، يروحله، أما أنا فمستحقرني ليه مش عارف، بالرغْم من حبي الشديد له وتدليلي الدائم، واللعب معاه، وبيه. كان صعب عليّ -كطفل- إدراك انتهازية الحيوان القطقوط ده، أو إني أكتشف الميكاڤيلية الناعمة اللي بتخليه لما يسمع صوت أخواتي، يعرف إن الأكل جاهز، بينما صوتي أنا، معناه لعب ومخمضة وطبطبة ومياصة هو مش عايزها. أو بشكل فلسفي كان صعب عليّ إدراك مدى استقلاليته، أو إن ترتيبه لأولوياته بشكل غرائزي (أكل العيش أولا ثم المرقعة أخيرا) هو كان أنضج مني فيه. ولأني كنت طفل لمض ومانمش الليل إلا أما أحلها، تفتق ذهني عن حيلة سمراء جميلة جدا علشان يحبني ويتمسك بيّا، كنت باخده على حافَة شباك الدور الثالث كي يرى العالم تحته ويشعر بالخطر من السقوط، وكلما خاف أكثر، كلما تشبث بي أكثر وأكثر، وكلما اتسعت حدقتاه من الرعب كلما زادت ابتسامتي الحنونة له قائلًا "لا تخف فأنا هنا" (وأنا اللي حاطه على سن الشباك أساسًا، ومظبّط ماكينة الرعب كلها) وكل ما أحسه اتعود وحس بالطمأنينة، أنا أروح زاقه زقة ناحية الشارع، فالقط المسكين يترعب ويترمي في حضني وكانه بيقولي: "لييييه؟! ! " فأنا استقبل الحضن وأنا منتشي. وأقوله: "أوع تخاف وأنا معاك". تقريبًا أنا أول طفل مصري عمل للقط البلدي متلازمة ستوكهولم بشكل عفوي فعال جدا. ربما تجد في سلوكي بعض السادية، وهذا صحيح جدا ومن السوية أن تنظر للمشهد هكذا، كنت مجرد طفل لا يدرك الصواب من الخطأ، لكن أحب أطمنكم، الآن، عندما نضجت تغيرت نظرتي تمامًا، وفهمت إني كنت كائن قذر جدا مع القط المستقل، وإني كان لازم أحترم اختياراته، مش بس لأنها حقه، وإنما لكون القط رتب أولوياته الغريزية بشكل أعترف إنه أصح من ترتيبي. القط ده علمني حاجات كتير، من حوالي سنتين مثلا، صديق قديم ومتدين بعتلي تسجيل صوتي بيلف بالأسابيع عن فتاة (اسمها دميانة) من نجع حمادي وبتوصف رؤيا تمتلئ بالله والمسيح والعدرا والأنبا كاراس، والناس كانت بتتناقل التسجيل الصوتي بحسن نية على أساس إنها رؤيا، يعني أمر معجزي، خصوصا إن الفتاة راصة طقم قديسين ومفيش مشكلة من دعوة الناس للتوبة. بس ده مشفتوش "تبشير" وإنما "تنفير" من الله، مبني على فكرة "العدالة الجزائية"، والقائمة على الاعتقاد بإن أي مصيبة تحيق بأي حد فهي بالضرورة عقاب إلهي عادل، الفكر ده موجود في العهد القديم كنوع من تفسير وجود الشر واﻷلم بأنه لحكمة مقصودة. اللي هي إيه؟ إنك تتوب! تتوب كدا في المطلق. ما أنت أكيد عامل أي حاجة، بدل ما تجيلك المصيبة من ربنا (المحب لخليقته! ) وفي نفس الوقت بتاع "المصايب العادلة" كجزاء كلها! نقيض الفكر ده موجود برضو في الكتاب المقدس، في سفر أيوب. والسفر ده كله من أقدم اﻷسفار اللي بترفض فكرة تفسير الشر بالعدالة الجزائية: والخلاصة إني شفت ناس اعتقادها عن الله إنه بيتعامل مع البشر كطفولتي المشردة مع القط! يبعتلهم ڤيروس علشان يحتاجوه؟ علشان يصلوا ليه؟ كلما زادوا رعبا، كلما نجحت الخطة؟ الله بيقولي "لا تخف لأني معك"، بينما هو اللي حاططني على سن الشباك ومظبط ماكينة الرعب كلها؟ واللي بيتناقل التسجيل متدينين متدروشين وفي قمة اليقين ومش شايفين السيكوباتية وحاسينها قمة الفهم الروحي العميق لسيكولوجية الله شخصيا. مش عارف جايبين الثقة اليقينية دي منين؟ من بنت ميعرفوهاش محتمل بتكدب أو بتتخيل أو مكانتش متغطية كويس، أو نايمة وجنبها ناس بتتكلم فحلمت باللي بيتكلموا فيه؟ ولا على أساس إن "دميانة" فسر لها أحلامها ناس كهنة وكهان وأساقفة متخصصين في تمييز الفارق بين الوهم والإيهام؟ بيفهم الإكليروس في تفسير الأحلام بشكل مختلف عن العراف الدجال؟ يعرفوا ربنا أكتر مننا؟ يعرفوا الڤيروسات أكتر مننا؟ طيب يعرفوا القطط أكتر مننا؟ بس أرجع وأقول القط ده علمني حاجات كتير. علمني حاجات عن ربنا. ميعرفهاش غير أساقفة.   اقرأ أيضا:   --- ### التجسد لاستعلان ذات الله الواحد - Published: ۲۰۲۳-۰۲-۱۹ - Modified: 2023-02-18 - URL: https://tabcm.net/4079/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: الثالوث القدوس, قديس بولس الرسول ذكرنا في مقال سابق أن من ضمن الأسباب الأساسية للتجسد الإلهي كان استعلان جوهر الله في ذاته أنه آب وابن وروح قدس. والتجسد الإلهي لاستعلان ذات الله من واقع كيانه إنه إله واحد في ثالوث. التجسد الإلهي هو استعلان المسيح أنه: ابن حقيقي وحيد للآب، طبيعي وأصيل من جوهر الآب الذاتي. وأن المسيح هو حكمة الله، وأنه الكلمة الحقيقي والوحيد لله. وأن المسيح ليس من الخليقة ولا هو مصنوعاً، ولكنه ابن لذات جوهر الآب. لذلك فالمسيح هو إله حقيقي كائنٌ كياناً واحداً مع ذات الآب. و المسيح هو بمثابة استعلان لذات الآب ”رسم جوهره“، نور من نور،  فنخاطب الآب والأبن في صلاتنا قائلين ”بنورك يا رب نعاين النور“. المسيح هو قوة الآب ونفس الصورة الحقيقية لجوهر الآب. من أجل ذلك يقول الرب يسوع المسيح: ”من رآني فقد رأي الآب“، والمسيح منذ الأزل ، و أيضاً  للأبد، و: ”والكلمة كان الله“(يوحنا 1:1)  ”الكائن الذي كان والذي يأتي“(سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي 1: 8) ”الكائن علي الكل إلهاً مباركاً إلي الأبد آمين“(سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي 9: 5) إن الدور الذي أضطلع به الابن -عندما تجسد- في إعلان الآب لم يكن عملاً زمنياً مؤقتاً محدوداً بإرسالية التجسد. فهو لا ينتهي بأن يُخضِع الأبن كل شئ للآب: وَبَعْدَ ذلِكَ النِّهَايَةُ، مَتَى سَلَّمَ الْمُلْكَ للهِ الآبِ، مَتَى أَبْطَلَ كُلَّ رِيَاسَةٍ وَكُلَّ سُلْطَانٍ وَكُلَّ قُوَّةٍ. لأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَمْلِكَ حَتَّى يَضَعَ جَمِيعَ الأَعْدَاءِ تَحْتَ قَدَمَيْهِ... . . وَمَتَى أُخْضِعَ لَهُ الْكُلُّ، فَحِينَئِذٍ الابْنُ نَفْسُهُ أَيْضًا سَيَخْضَعُ لِلَّذِي أَخْضَعَ لَهُ الْكُلَّ، كَيْ يَكُونَ اللهُ الْكُلَّ فِي الْكُلِّ. (رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس 15: 24، 25، 28) بل هذه الصورة التي نقلها لنا ابن الله بالتجسد عن الآب هي من صميم جوهر الله الواحد الثالوث غير المُدرَك وغير المنظور : ”من رآني فقد رأى الآب“، أي مِن واقع علاقته الجوهرية والذاتية بالآب. فالأبن  هو صورة الله أزلياً أبدياً، وليس من واقع إرساليته فقط أو عمله الزمني المؤقت. فحتى بعد أن يُخضِع المسيح كل شيء لله والخليقة لله، ويسلِّم المسيح غنيمته التي أغتنمها لحساب الآب -وهي خلاصنا وإخضاع أعداء الخلاص- فإن الابن سيظل صورة الآب الجوهرية وشعاعه المعلِن عنه، كما كان كذلك سيكون إلى أبد الآبدين. أما قول بطرس إن ابن الله ”صار رباً ومسيحاً “ فإنما يتكلم عن ربوبيته علينا، حينما صار إنساناً وفدانا على الصليب، فصار ربَّاً وملكاً على الكل، أي اكتسبنا نحن لملكوته وربوبيته. وإذا كان قد مُسِح بالروح القدس، فليس لكي يصير إلهاً وملكاً لأنه كذلك إذ هو صورة الله أبدياً. ” عرشك يا الله (الكلام هو عن المسيح بصفته ابن الله) إلى دهر الدهور. قضيب البر هو صولجان مُلكِك، لقد أحببت البر وأبغضت الإثم. لذلك مسحك الله إلهك (الكلام هو عن المسيح بصفته ابن الإنسان) بزيت البهجة أكثر مِن رفقائك (الكلام عن البشر شركاء المسيح في الجسد)“.   وعلى هذا الفهم الآبائي كان اقتباس المركز الإعلامي لقداسة البابا تواضروس الثاني في عيد الغطاس المجيد هذا  العام 2023. فقد أثلج قلوبنا لأنه عودة الوعي الآبائي الكتابي  و "رد قلوب الآباء إلى الأبناء". والسُبح لله بقلم د. رءوف إدوارد --- ### لا خلاص خارج إيبارشية مغاغة - Published: ۲۰۲۳-۰۲-۱۸ - Modified: 2024-06-19 - URL: https://tabcm.net/10729/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أنبا أغاثون، أسقف مغاغة والعدوة, أنبا بنيامين، مطران المنوفية وشبين الكوم, أنبا بيشوي، مطران دمياط وكفر الشيخ, أنبا زوسيما، أسقف أطفيح والصف, أنبا مكاريوس، أسقف المنيا, الأب داود لمعي, الروم الأرثوذكس, العصور الوسطى, بابا شنودة الثالث, بروتستانت, بولس جورج, بيشوي ملاك صادق, حماة الإيمان, رشدي بهمان, زيوس, صموئيل البحيري بيان هرطوقي رقم ٧٨٩٥٤٤ صادر من "إيبارشية" مغاغة والعدوة والعصور الوسطى مذيل ببصمة فضيلة المرشد العام لجماعة حماة الإيمان القبطية يوم 14 فبراير 2023، يعلن فيه نيافته أنه يسير على درب السلف الصالح ويكفر كل الطوائف المسيحية (الكاثوليك، الروم الأرثوذكس، الأنجليكان، البروتستانت) قائلاً: إيمانهم غير إيماننا، مسيحهم غير مسيحنا، كتابهم المقدس غير كتابنا، رجائهم غير رجائنا. الدفاتر دفاترنا والورق ورقنا والفرح فرحنا واللي هيتهور يتعوور والغلطة في العقيدة مفهاش غير تأبيدة! نفس الأسقف الذي يصف بكل قساوة وعنجهية إخوته إنهم لا يؤمنوا بنفس الإله، سنجده  أول واحد على كل الموائد الرسمية وهاتك يا "بسم الإله الواحد الذي نعبده جميعاً" ولا يستطيع أن يقول مع المختلفين في الدين إنهم لا يعبدون نفس الإله وإلا هو عارف هيحصل له إيه! الأسقف أغاثون قال في وعظة إنه ليس لديهم نفس الكتاب المقدس ولا نفس المسيح، وليس لهم نفس الإيمان المسيحي وهذا معناه إنهم كفرة وكل ما يقومون به غير مسيحي ولا يُعترف به بالنسبة للكنيسة القبطية بما في ذلك كهنوتهم، بالتالي أي شيء ترتب عليه بما في ذلك المعمودية والتناول والزواج! هل تتذكرون كلام الكاهن صموئيل البحيري حين وصف الطوائف أنهم "زواني وولاد حرام"، قارنوه بكلام الأسقف أغاثون في العظة. الأسقف أغاثون هو مجرد حلقة من سلسلة طويلة (التكفير والتشهير) بدأها الأنبا شنودة مرورًا بالمطران الحديدي بيشوي ثم الأسقف مكاريوس الذي قال نفس كلام أغاثون بالحرف وزاد عليه أن الطوائف خونة وعملاء للاستعمار، والمطران بنيامين والأسقف زوسيما الذي لا تخلو عظاته من الكراهيَة والتعصب، والكاهن داود لمعي، والكاهن صموئيل البحيري، وكاهن ميت غمر وعظته الشهيرة "مسيحهم غير مسيحنا" والكاهن بيشوي ملاك صادق والكاهن بولس جورج الذي قال: "قولوا ورايا احنا مش واحد" ووصولًا إلي مثلث الدكتوراهات رشدي بهمان باشكاتب بيانات وفرمانات المغاغي. الأسقف أغاثون يقول: كتابهم غير كتابنا! ! الصبر من عندك يا رب! يا جناب الأسقف الكتاب المقدس الذي في يدك وتقرأ منه في الحلقة مؤخرًا، وخرجت لتكفر به الطوائف الأخرى، من ترجمه لحضرتك ولـ 200 لغة أخرى ومن طبعه ونشره ووزعه هم البروتستانت. فأنت بتتكلم في إيه؟. . كتابهم إيه اللي غير كتابنا ! ! خلي الطابق مستور. هل هم من يكرزون بمسيح آخر؟ طب بص حواليك كده. . مسيح مين اللي بتكرز بيه؟ فين وفين لما نسمع منكم كلمة عن المسيح! سبحان الله، تفتح القنوات، تقرأ الكتب، تذهب للكنيسة القبطية، تسمع العظات، لن تجد غير كرازة بكل حاجة، كل حاجة حرفيًا ما عدا "المسيح". المسيح مفقود عندك يا جناب الأسقف، الكرازة والتعليم عندك هي كرازة ببشر و عبادة تعاليم البطريرك الراحل فلان، والسجود للمطران علان وتأليه الأشخاص وتقديس الرفات والتهييص بالحمام والموالد والجري وراء المعجزات والتهافت على الصور أم زيت والتماثيل أم دم، والأحلام، والكلام ليل نهار عن فلان وفلانة والتوهان وراء الغيبيات والزيغان عن طريق المسيح الحقيقي! ! لكن الكرازة بالمسيح، أنت عارف كويس من يكرز بالمسيح ومازال. . بلاش نتكلم! ! قول لي ماذا فعلت للكرازة؟ وما هي إسهاماتك الكرازية في العالم المسيحي؟ وما هو دورك التعليمي من القرن الرابع حتى اليوم؟  أنت أول واحد تشنع بمن يحاولون أن يدرسوا ويعلموا ويكرزوا بالمسيح، وطاردتوهم واحد وراء الآخر حتى أصبحت الكنيسة ككيان منغلقة على نفسها طاردة وغير جاذبة، وأصبحت كأقلية معزولة عن العالم المسيحي أو بالأحرى عن العالم كله! وبعد هذا كله تقول عليهم يكرزون بمسيح آخر! !   طب تصدق وتؤمن بأيه (أنا حبيت المسيح الآخر ده) عشقت المسيح الآخر بتاعهم، حبيته بعد ما أكتشفته وعرفته وتعمقت معاه بعد ما قعدت سنين طويلة أتبع أشخاص وأعبد كاريزمات وأسمع تعاليم بشر وكرازة بالموت مش بالحياة. وخلي الطابق مستور. --- ### عيد الحب - Published: ۲۰۲۳-۰۲-۱۷ - Modified: 2023-02-16 - URL: https://tabcm.net/10716/ - تصنيفات: مقالات وآراء من أكتر المفاهيم اللي اتلخبطت واتشوهت هو مفهوم الحب فاسمحوا لي نراجع مع بعض إيه هو الحب قبل ما نحتفل بيه؟ الحب هو عطاء لا ينتظر أي رد، أحب إنسان يعني أهتم أن هو يكون مرتاح، أفرح لأنه هو يكون سعيد، أقبل أنه يكون بيعمل اللي هو عاوزه وشايفه مريح ليه. الحب مش علاقة، العلاقات لها مفاهيم تانية وبتقوم على الحب وأشياء أخرى، لكن لو أنا مستني مقابل للي بقدمه ما يبقاش حب لو محتاج مقابل ما يبقاش حب، لو عندي نقص مشاعر ومحتاج حد يملاها لي ده أخر ما يقال عنه أنه حب. والرغبة في شخص أو شيء ما ينفعش أقربها من مفهوم الحب، بالتالي الامتلاك أو الرغبة في امتلاك الآخر ليست حب. الحب لا يسقط أبدا ولا ينتهي ولا يتغير لأنه مش مرتبط بحاجة ممكن تتغير حتى لو تحول الشخص اللي أنت بتحبه إلى عدو تقدر تفضل تحبه. طيب الحب ده ييجى إزاي؟ ييجي من مصدر الحب الله الخالق لو ليك اتصال حقيقي بمصدر الحب تتملي أنت الاول وتدلدق على اللي حواليك، ودي أهم طريقة تتأكد بيها إنك بتحب لأن الحب فيض. عارفين الكوباية اللي بتملى وتفيض عمرها ما تقول هي المياه الزيادة اللي أنا وقعتها راحت فين؟ الترابيزة ولا الأرض ولا الزرع ما رجعتليش شوية الميه اللي أنا دلقتها عليهم ليه؟ لكن فيض الحب ده يغير كل اللي يلمسه ينضف ويروي ويثمر فيه ويجمل كل اللي حواليه. الفكرة أن في مفاهيم خطيرة اتسربت لنا وأحنا صغيرين ساهمت في التشويه ده، اعمل كده علشان ربنا يحبك، سوي كده علشان بابا وماما يحبوك ما تعملش كده علشان أحبك وده كله غلط كبير. الحب مفيهوش علشان، الحب يعني أحبك زي ما أنت بعيوبك قبل ميزاتك، هو ده الحب الخام الأصلي زي كده الكاكاو الطبيعي قبل ما يتحط عليه اللبن والسكر علشان يبقى شوكولاتة. كل عيد حب وأنتوا محبوبين ومحبين بالحب النقي الحقيقي القادر على تغيير الكون كله وإعادته إلى حالة الفردوس الأولى. --- ### تذكرة ذهاب وغياب [۲] - Published: ۲۰۲۳-۰۲-۱٦ - Modified: 2023-02-16 - URL: https://tabcm.net/10686/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون وكيف تعتاد هذا الغياب الحاضر وهذا الحضور الغائب؟! هي تلك العاشقة التي تنقش حروف الشوق على رصيف الغياب علها تصل تتنفسك شهيقاً وزفيراً رغم أكسيد الغياب الخانق وتراك في صحنها بفنجان قهوتها... بكتبها... بقلمها ومحبرتها، بأورقها ومذكراتها تراك بجوارها في وحدتها بمرآتها... بعمق عيناها تراك حزناً داخل روحها فرحة بوجدانها فمتى يغيب الغياب لتلتقيها؟ ‏اقرأني جيداً أنا تلك المصلوبة بيدك على خشبة وفائي لامس حروفي بجفاف أيامك فتش عن نزف جديد للحب وضمده بأنفاسك الراحلة التقي معي في غياب وأجلس مع ذاكرتي العالقة بك خفف عني صدمة إحساس تلاقيها من غصتي المتشبثة بك وأسقيني من أيام مضت كأس ذلك النبض الذي يجعلني أعطش لحبك ‏أشجار قلبي لم تحترق عبثاً تناهيد غيابك من أشعلتها. ‏كيف أتخلص من انتظارك، ومتى سأكف البحث عن عطركَ المنتشر في أكمام الغياب. ‏أنا قبيلة من عطش وصدرك صيف جاف لا شتاء يبلّل الورد فقط سنابل الغياب الجوفاء تقف حانية أمام وجه انتظاري... منكسرة، تحمل ذنب اشتهاء على مقاعد الشتاء، لحن مبتور لقصة تاهت في سواد اللّيل ضمّت أطرافها خوفاً حين باغتها الغياب وظلّ العزف مراقٌ دمه، إلى أن مات. ‏على حافةِ الريحِ مازال قلبي يراقصُ غيمةْ يلامسُ في مبسمِ البدرِ سرًّا يصبُّ الضياءَ بكأسِ المساءِ ويسقي على ضفَّة الشوقِ كرمة ويأوي إلى ظلِّ أرجوحةٍ من غيابٍ فيستمطرُ الذكرياتِ يصلّي الحضورَ فتنبتُ فوقَ جبينِ الحكايةِ نجمة. ‏وكيف أنجو من حضوري... في غيابك. ‏غياب أحدهم قد لا يقتلك لكنه يطفئ نورا كان يتقد في داخلك مؤلم أن تسير في طريق اعتدته و لا تجد في نهايته من يحملك. وتستلّ من قلوبنا نبضة غريبة متمردة ترفض الخضوع لقانون الغياب لنعود ونتشبث باللقاء... ‏خذ من أمامي طريق الغياب... فقلبي رابض في حدائق الانتظار. ‏امسك بيدي وخذني لطريق لا غياب فيه وعاهدني أن تطوقني بك لآخر العمر وأن تبتر مسافات البعد وتجمعني بك. ‏ما بين الماضي والآتي أضيّعني لأجدك غياب... هناك حيثُ الطريق. . حيثُ نُصُبِ ميعادنا الأول. . حيثُ (أنتَ) و(أنا) في فجرٍ لا يعقُبُه أُرجوانُ غروب ولا وشاية غياب. . تُسائلني الخلجات والأماكن والجوارح كل يومٍ: هَل أَتي؟ وألوذُ بالصمتِ الأليمِ أذا سُئِلتُ، فلا جوابَ على: مَتى؟ ‏في ‎رحاب قلبي أرتل أحرف أسمك للذكرى على منحدرات وهمية ما بين عناق الشوق وتضميد الجراح النازفة عن غياب نصف الروح. ‏أخبرتني زهور الربيع بأنه عاد عاد مشنوقاً بأنفاسه. . يشهق آخر غروره من رئة الحنين جاء مشحوناً بالأمل وفي قلبه صورةٌ قديمة تُخبره بأنّ أرضي عطشى ما زالت تنتظر غيثه الموسمي البخيل... أحمق لا يُدركُ بأنني اعتدت الصيف ولم يعد يُرهِقني غياب المطر. بين يقين وشك تعصف بي هواجس الحَيْرَة حضورك يشبه المطر فيض أمان، احتواء كلماتك دثار دفء في غيابك تتسلمني سياط الفراغ الممتد بيني وبينك أبتلع الوجع في صمت يكاد يُفتت مهجتي أحتاج حضورا لا يعقبه غياب حضورا يملأ روحي سكينة فأرتاح من وجع الظنون. في كل ليلة غياب جديدة أدعو ذكرياتك على مائدة شوقي ونأكل سوياً أشهى الحنين. ‏مدامع الفقد تقض مضجعي وتزيد في قلبي أنينه وشقاهُ مدامع الحرمان صمتا موجعي ضلّ الطريق... ومات صداهُ. ‏ما بين الماضي والآتي، أضيّعني لأجدك غياب. ‏منابع الصبر جفّتْ وأنتَ مِلءَ السحاب تمطر غياب. . ‏الحائط في ظهري آمنًا. . لكني لم أنتبه أنه مراوغ ويدور! أنا عالقة في فخاخ الدوائر. . ‏عبثًا محاولات الفرار! الوجود تائه في الزمكان. . والبوصلة ضيّعت وجهتها نكاية بالمغناطيس. . رغم الاستسلام ما زلت أحاول! ‏وعينيك! ! ! آه من عينيك! تلك التي لا تغيب أبدًا. . تخيط المدى في نقطة التقاء الأرض بالسماء وكأنها تتنصل من الاثنين وأحتار كيف إليهما السبيل ‏أعاني حدة الذاكرة وانتكاسات الحنين. . ذاكرتي المثقوبة التي تثبت كل يوم أنها قادرة على أن تُسقط منها كل شيء إلّاك. . ‏أعاني نكبة التجاوز. . لعنة الاستعمار وثورة الرغبة. . أعاني الالتصاق الشديد وعبث محاولات التجريف التصحّر الغائب فيما الفؤاد أخضر! ‏أعاني العشى في تفحص البدائل، شماتة البندول، وإرهاصات الانهيار العصبي. --- ### حمامة الايمان - Published: ۲۰۲۳-۰۲-۱۵ - Modified: 2023-02-15 - URL: https://tabcm.net/10704/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أنبا إبيفانيوس المقاري, أنبا بيشوي، مطران دمياط وكفر الشيخ, أنبا غبريال، أسقف بني سويف, أنبا يوأنس، أسقف أسيوط, بابا شنودة الثالث منذ عدة أيام انتشر مقطع فيديو يتحدث خلاله الأنبا غبريال أسقف بني سويف، مجيبًا على سؤال حول وقوف حمامة على رأس أحد الكهنة في الشرقية في أثناء صلاة القداس، مستنكرا في رده على صاحب السؤال الاهتمام بالغيبيات مثل ظهور الحمام والنور  والزيت وغيرها من الأمور التي يتم ترويجها بين الحين والآخر، وبقدر ما يبعث كلام الأنبا غبريال على الأمل وسط كم الغيبيات المنتشرة هذه الأيام في كنيسة الإسكندرية (القبطية الأرثوذكسية) إلا أن هناك عدة نقاط أثرها هذا الفيديو. بالرغم من اعتراضي لتوجيه هذا الكلام إلى صاحب السؤال لأنه ضحية، إلا أنني لا يسعني سوى أن أثمن كلام الأنبا غبريال وأدعمه، وأرجو أن يكون كلامه هو خطاب التعليم الرسمي لكنيستنا القبطية الغارقة حتى النخاع في الغيبيات، فقد ذكر بكل وضوح أنه لا يومن بظهور الحمام، وتساءل: المسيح أم الحمامة؟ وترجى صاحب السؤال آن يلحق نفسه وإيمانه ومعتقداته، وهذا خطاب لم يظهر في كنيستنا من أكليروس برتبة أسقف منذ مقتل الأنبا إبيفانيوس رئيس دير الأنبا مقار، وهنا أخشى على سلامة أسقف بني سويف من سهام الضباع الشريرة على مواقع التواصل الاجتماعي ومن أسيادهم من يقتاتون ويسيطرون على البسطاء ومن بينهم صاحب السؤال. مع هذا ألوم على الأنبا غبريال أنه لم يوجه حديثه إل شقيقه الأنبا يوأنس أسقف أسيوط، فهو أولى بهذا النصح، فهو صاحب "شو" الحمامة الرئيسي حاليا بشكل سنوي طيلة الخمسة عشر يوما الخاصة بصوم السيدة العذراء، فأسقف أسيوط يهم محبيه بأنه مبروووك حيث يخرج عليهم في وسط الزحام ويأتي أحدهم متخفيا ليضع الحمامة على كتفه، كما ظهر ذلك في مقطع فيديو منذ عدة سنوات، وأعتقد بحكم موقع كل منهما في مجمع الأساقفة وتساويهم في الرتبة كما أنهم أشقاء بالفعل بالجسد فيمكن أن ينصح أخوه بأن "شو الحمامة" ليس له علاقة بالمسيح وأنه بذلك يضل الشعب ويجعلهم يهتمون بما يبعدهم عن المسيح. وبالرغم من هذا فلا لوم على الأنبا يوأنس بمفرده فقد شب وترعرع داخل الكنيسة وسط انتشار لكتب المعجزات الساذجة التي يؤلفها البعض وينسبونها إلى بعض قديسي الكنيسة مثل البابا كيرلس السادس، ليتم نسف كل مميزاته حيث اشتهر بأنه رجل الصلاة، وحصر سيرته في قصص معجزات وغيبيات، ولا يوجد ما يدل على كلامي غير الاحتفال الذي شهدته الكاتدرائية المرقسية في وجود البابا الراحل الأنبا شنودة الثالث، احتفالا بالحمامة التي جاءت في يوم من الأيام ووقفت على مكتبه في أثناء عظة الأربعاء، فقد تبارى الأنبا يوأنس يومها باعتباره سكرتيرا شخصيا للبابا شنودة مع الأنبا بيشوي مطران دمياط الراحل وسكرتير مجمع الأساقفة في الاحتفاء بتمثال الحمامة الذي يشبه حصان طروادة وتم إعداده خصيصا لتوثيق لقطة وجود الحمامة. ما لم أستطع تفسيره حتى الآن هو موافقة البابا شنودة وقتها على هذا "الشو" فالبطريرك الراحل عظاته في السنوات الأخيرة من حبريته والتي تابعتها عن قرب كصحفي متابع للشأن الكنسي والقبطي لم ترتكز على المعجزات والغيبيات، وبل ومنهجه في معالجة المشكلات التي أحاقت بالكنيسة والمواطنين المسيحيين لم يكن يعتمد على غيبيات بل يلجأ لحلول منطقية والمفاوضات وممارسة الضغوط بكارت الاعتكاف لمواجهة المشكلات، وخير دليل على كلامي لاحترام البابا شنودة للعقل والمنطق هو لجوءه للطب تقديرا لأن هذه وظيفته في مواجهة متاعبه الصحية التي تحملها بقوة حتى رحيله عن دنيانا ومن بينها السرطان والفشل الكلوي فكان يتابعه أفضل المتخصصين ويذهب في رحلات علاجية بأهم منتجع طبي في العالم في كليفلاند بأمريكا. انتشار الغيبيات والخرافات عادة يكون مصاحب لفترات التراجع الثقافي والحضاري والعلمي، ومعها يلجأ الناس لها للتنفيس عن واقعهم السيء بأنهم قديسون وتحدث معهم المعجزات ويظهر لهم قديسي الكنيسة، وهذا يدل على تراجع التعليم في كنيسة القبطية وللإنصاف فهذا ليس حال الكنيسة فقط بل المجتمع المصري ككل فالكنيسة والمواطنين المسيحيين جزء أصيل منهم، لكن يبقى أن الكنيسة يجب أن يكن لها دور في الإصلاح وأن تكون منارة وقاطرة للمجتمع ولكي تفعل هذا يجب أن تبدأ الإصلاح داخلها. هل يأتي يوم تندثر فيه الخرافات والغيبيات وتحترم الكنيسة العلم ودوره كما تفعل كنائس أخرى بدأت في سلوك مسار الإصلاح فتقر بما وصل له العلم اليوم مثل نظرية التطور بدلا من الإنكار ودفن الرؤوس في الرمال وترويج لخطاب غيبي باعتباره أساس الإيمان؟ https://www. youtube. com/watch? v=C3kUBoXCjtE --- ### أيها الأسقف.. من أنت؟ [١٢] - Published: ۲۰۲۳-۰۲-۱٤ - Modified: 2023-02-14 - URL: https://tabcm.net/10354/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: قديس بولس الرسول تلقيت عبر خاصية الرسائل، في الفضاء الإلكتروني، العديد من المداخلات الجادة والقلقة، عقب نشر مقالي السابق مباشرةً، الذي تناول إشكالية تقاعد الأسقف (بالاستقالة أو الإقالة) بتعدد الأسباب، وكنت قد أشرت فيه إلى استكمال طرحي بتناول الجانب القانوني المدني الذي رتب امتداد مظلة التأمينات الاجتماعية لتشمل بقية رتب الإكليروس دون الأسقف، "قرار الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي رقم 101 لسنة 2020، بشأن سريان التأمين الاجتماعي على أصحاب الأعمال ومن في حكمهم على القساوسة والشمامسة المكرسين". ويمكن طرح ومناقشة التعليقات بإيجاز في ثلاثة محاور: المحور الأول: الانحراف بحق التقاعد وإمكانية الإحالة إليه، ليتحول من إجراء لمصلحة منظومة الرعاية وإنسانية الراعي، إلى أداة إبعاد وقمع من لا يقفون على نفس الخط التدبيري مع الأسقف. وهو تخوف أبداه العديد من الكهنة، واللافت أن غالبيتهم من إيبارشيات الأقاليم، وهم يرون أن ضوابط التقاعد لابد أن تكون محددة المعالم وفي صياغة منضبطة لا تحتمل التأويل، ويدق الأمر في شق الإحالة إلى التقاعد، أو الإقالة، من الذي يملك هذا الحق، وما هي إجراءاته وضوابطه، وما هي سياجات حماية الكاهن من التعسف تجاهه في استعمال هذا الحق. وكان السؤال: من الذي يضع هذه الضوابط والسياجات؟ هل يترك الأمر لأسقف الإيبارشية، أم لمجمع الأساقفة، أم للجنة تُشكل من شيوخ الكهنة؟ أرى أن الصحيح تشكيل لجنة قانونية كنسية تضم خبراء مدنيين في القانون المدني والقانون الكنسي، وتضم معهم أطراف ثلاثة، ممثلين لمجمع الأساقفة، وممثلين لشيوخ الكهنة، وممثلين للأراخنة، ويراعى فيها التمثيل الجغرافي للإيبارشيات، وتعقد اللجنة جلسات استماع لتلقي رؤى ومقترحات كل من له صلة بالأمر المطروح، ثم تعلن مشروع القانون الذي انتهوا إليه، ويعرض على قواعد الأطراف الثلاثة وصولاً إلى صياغة نهائية تتفق والترتيب الكنسي وتحمي حقوق الكهنة وتضمن حياة كريمة ولائقة لهم ولأسرهم. وتفصل بين حق التقاعد وبين حق الخدمة الكهنوتية الطقسية في أداء الصلوات الليتورجية كلما أحتاج إليها في كنيسته أو إيبارشيته، أو كضيف في غيرها. وتكفل توفير نظام تأمين طبي للكهنة المتقاعدين وأسرهم، سواء باتفاق بروتوكولي مع هيئة التأمين الصحي أو مع الجهات الطبية الخاصة محل الثقة (مستشفيات وعيادات) في مختلف الإيبارشيات، يوفر لهم كشفاً دورياً، وعند الحاجة، وكذلك إجراء العمليات الجراحية الصغيرة والمتوسطة والكبرى. وتدرس اللجنة بالتشاور مع هيئة الأوقاف القبطية وسكرتارية المجمع ولجنة الأديرة بالمجمع، إمكانية إنشاء منظومة طبية متكاملة تمول من موارد الأديرة والكنائس كلٍ بقدر إمكاناته وملاءته المالية، بإنشاء صندوق يخصص لهذا الأمر، ويمكن دعوة رجال الأعمال للمساهمة فيه، والجهات المانحة في إطار مجلس كنائس مصر ومجلس كنائس الشرق الأوسط ومجلس الكنائس العالمي، بأكبر درجة من الشفافية. ويخضع لرقابة آلية من هيئة الأوقاف القبطية ومجمع الأساقفة والديوان البطريركي. حتى يستقيم الأمر تكون لجنة وضع مشروع القانون مركزية تمارس عملها تحت رعاية البابا البطريرك في الديوان البطريركي، ويصدر ما تنتهى إليه بقرار مجمعي موقع عليه من كل أعضاء المجمع أو غالبيته، وتعلن أسماء الأعضاء الممتنعين عن التوقيع، وأسبابهم. المحور الثاني: حصر التعاطي مع الأمر في جانبه المادي، في حده الأدنى، وإهمال البعد الإنساني سواء للكاهن أو أسرته، وإلقاء التبعة على هيئة التأمينات ودوامة مارثون تكلفة المعيشة المتسارعة وسلحفاء زيادات المعاشات. واللافت في أمر التأمينات على الكهنة المدنيين، أنه جاء بعد رفض من الكنيسة ممتد إلى سبعينيات القرن العشرين، في مقابل مطالبات وضغوط من جهة الكهنة والخدام الكنسيين المتفرغين، حتى سمحت لهم الكنيسة بالتقدم بشكل شخصي بطلب التأمين عليهم وتحت مسئوليتهم، وبصفتهم أصحاب أعمال، وإن الأمر يتم بشكل ودي لعشرات السنين قبل صدور القرار المشار إليه الذي قنن هذا الأمر، وفيه يتحمل الكاهن ومن في حكمه من شمامسة مكرسين ومرتلين كامل قيمة الاشتراك التأميني، بعكس الفئات التي يتم التأمين عليهم بوصفهم عاملين، إذ يتحملون حصتهم المقررة قانوناً وتتحمل المنشأة حصة صاحب العمل، وهو أمر يحتاج تفسير، وقد قيل فيه تبريرات مختلفة، لعل أغربها أن الحالة الأخيرة تمنح هيئة التأمينات الحق في التفتيش على المنشأة (الكنيسة) الأمر الذي يقلقها! ! وقد شهدت الكنيسة محاولات متكررة من بعض الكهنة لإنشاء نِقابة لهم، تتبنى قضاياهم وتدافع عن حقوقهم، وقوبلت برفض قاطع ولم تكتمل المحاولات لكنها كانت تشير إلى واقع قلق يعيشه الكهنة ومن في حكمهم. وابتداءً علينا أن ننتبه إلى أن الكهنوت واحد عند الأسقف والإيغومانس والقس، والتراتبية بينهم تراتبية تدبيرية إدارية، وليست سلطوية، يحكمها منظومة حقوق وواجبات في إطار الخدمة ولا تمتد إلى الحياة الشخصية لدرجاتها، مادام أنها لا تخالف أو تناقض ضوابط الخدمة عندهم. ووفقاً للقاعدة المستقرة في الإدارة وفي القانون، فإن كل حق يقابله واجب، وعليه فإن من واجب الأسقف رعاية الكهنة المتقاعدين كما قبل تقاعدهم، باعتباره أبوهم الروحي وهم أبنائه، في مجتمع إكليروسي سوي. فالكاهن المدني رب أسرة وهو مسئول عن توفير احتياجاتها المادية والنفسية، ومعرض هو وأسرته لأن تهاجمه الأمراض، وكثيراً ما يصاب بما يعيقه عن العمل ليس فقط بأمراض الشيخوخة، بل بأمراض مباغتة، نتيجة ما يثقل كاهله من ضغوط والتزامات، تقعده وتحول بينه وبين الحياة الآمنة الطبيعية، وقد يموت فجأة في شبابه، ولا يترك خلفه ما يمكن لأسرته به أن تستكمل حياتها بشكل يحفظ لها استقرارها وكرامتها، وتجد أرملته نفسها في وضع مأساوي. المستفز هنا أن الأسقف حتى في الإيبارشيات الصغيرة يمكنه أن يسافر إلى الغرب لمراجعة الأطباء العالميين حتى في الوعكات الصحية البسيطة، وفي كثير من الحالات لمجرد الاطمئنان على سلامته في فحوصات دورية، وهو أمر يتكرر أكثر من مرة في العام الواحد! ! المحور الثالث: جمود إدارة الشئون المالية في الكنيسة وإطلاق يد الأسقف فيها، والإصرار المتتالي على إبعاد المدنيين عنها. وكأن هناك صراع بين جناحي الكنيسة بالمخالفة لما بيَّنه القديس بولس الرسول في شأن التكامل الكنسي باعتبارها جسد واحد، لكل عضو فيه دوره الذي لا يمكن الاستغناء عنه حتى الأعضاء التي نحسبها بلا قيمة! ! وقد فصل هذا الأمر في رسالته الأولى إلى كنيسة كورنثوس (فصل 12 وما بعده). "وَأَمَّا الآنَ فَقَدْ وَضَعَ اللهُ الأَعْضَاءَ، كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهَا فِي الْجَسَدِ، كَمَا أَرَادَ. وَلكِنْ لَوْ كَانَ جَمِيعُهَا عُضْوًا وَاحِدًا، أَيْنَ الْجَسَدُ؟ فَالآنَ أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ، وَلكِنْ جَسَدٌ وَاحِدٌ. لاَ تَقْدِرُ الْعَيْنُ أَن تَقُولَ لِلْيَدِ:«لاَ حَاجَةَ لِي إِلَيْكِ! ». أَوِ الرَّأْسُ أَيْضًا لِلرِّجْلَيْنِ:«لاَ حَاجَةَ لِي إِلَيْكُمَا! ». بَلْ بِالأَوْلَى أَعْضَاءُ الْجَسَدِ الَّتِي تَظْهَرُ أَضْعَفَ هِيَ ضَرُورِيَّةٌ. وَأَعْضَاءُ الْجَسَدِ الَّتِي نَحْسِبُ أَنَّهَا بِلاَ كَرَامَةٍ نُعْطِيهَا كَرَامَةً أَفْضَلَ. وَالأَعْضَاءُ الْقَبِيحَةُ فِينَا لَهَا جَمَالٌ أَفْضَلُ. "! ! . (رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس 12: 18- 23) وهو أمر حاولت أن اقترب منه بامتداد هذه السلسلة من الأطروحات، بحرص شديد، ولكن هناك الكثير الذي لا تحتمله السطور ولا الكنيسة، ويستوجب الدعوة للقاء مغلق تتواجه فيه الكنيسة مع واقعها المؤلم والمتفاقم الذي يحملنا إلى الخوف على الكنيسة نفسها، وهي مرشحة لتكرار ما حدث في كنيسة شمال إفريقيا. لا قدر الله. ويبقى السؤال حتى متى نصر على إبعاد جناح الأراخنة المدنيين من المشاركة الفاعلة في إدارة شئون الكنيسة المادية والإدارية، والاكتفاء ـ أحياناً ـ بالدور الاستشاري وعلى مضض، والكنيسة لا يمكن أن تنجح في رسالتها وهذا الجناح معطل؟ أيها الأسقف لا تغرد وحدك... حتى لا يتوه من قدميك الطريق. وما زال للطرح بقية. --- ### نوح: ثورة إنسان ضد كوارث الأقدار - Published: ۲۰۲۳-۰۲-۱۳ - Modified: 2025-04-09 - URL: https://tabcm.net/10658/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, شئون علمانية - وسوم: الطوفان البابلي, الطوفان السومري, توراة, صلاح مصطفى سالم, طوفان نوح, عقيدة التأله دراويش التدين يرون أنفسهم دائمًا أصغر من الأقدار وأحقر من التصدي لكوارث الطبيعة، وذلك لإيمانهم بأن الكوارث الطبيعية هي قضاء الله الذي لا رادّ لقضائه. ومع هذا الاستسلام القدري، لا يعبر أحدهم شارع "صلاح سالم" قبل أن ينظر مرتين للسيارات العابرة كيلا تدهسه. يُفسر الدراويش موت أحد المارة في حادث سيارة بأنه "قضاء الله وقدره" وكفى. ومع ذلك، ينظرون ويتحسسون أرجلهم قبل العبور، ولا يرون في حذرهم ذلك مقاومة للقدر مثلًا. هذا التناقض في المعايير هو مرض الدراويش الملحوظ كتب د. هشام سلّام، بروفيسور الحفريات الفقارية، على صفحته الشخصية: "ليس هناك دليل علمي يثبت أو ينفي حدوث طوفان نوح (عليه السلام) وكل ما يقال عنه اجتهاد غير علمي"، وأثارت مقولته جدلًا واسعًا. فهل هذا صحيح؟ وماذا لو كان المنطق العلمي يتصادم مع التصوّر الشعبي؟ وكيف يتعامل المؤمن بالقصص الديني مع المنطق العلمي المعاصر إن حدث تناقض في المعرفة؟ هل يكفي الفصل بين دور العلم ودور اﻹيمان ﻹحداث توافق بينهما؟ أم أننا مازلنا حتى اﻵن نعاني ممن يفسرون الكوارث الطبيعية كالفيضانات والزلازل والبراكين بل وحتى اﻷمراض الوبائية على إنها "غضب الله" استنادًا أو قياسًا على تأويل القصص الديني مثل قصة طوفان نوح؟ المنطق العلمي ينفي التصور الشعبي البابلي والتوراتي بالتأكيد، من حيث فكرة الطوفان الشامل الذي عمّ الكوكب وأهلك جميع الأحياء على الأرض. فكمية المياه في كوكب الأرض ثابتة، (1386 مليون كيلومتر مكعب)، وهي فقط تتحرك في دورة مستمرة بين الحالات الثلاث للمادة. وهذا يعني نفي فكرة تغطية اليابسة بالكامل حتى أعلى قمم الجبال، لأن كمية الماء لا تكفي لمثل هذا الارتفاع. هناك أحد التعليقات استنكر هذا بالمقارنة مع العصر الجليدي! الجليد يمكن أن يغطي سطح الأرض (بمساحة 148 مليون كيلومتر مربع) بطبقة تصعد وتهبط مع تضاريس الأرض (مساحة التضاريس 510 مليون كيلومتر مربع)، لكنه لا يكفي لملء الفجوات بين جبلين بسائل الماء الحر الذي سينحدر من الجبال إلى السفوح ويستقر بشكل مستوٍ في القاع. الكمية هنا لن تسمح بتغطية الجبال كما فعل الجليد. الممكن حدوثه فعلًا هو طوفان يختص بمنطقة جغرافية، وليس كل الكوكب. فيضانات وسيول كثيفة يمكن أن تؤدي إلى غرق قارة صغيرة على سبيل المثال. لكن هذا ينفي أن أحياء كوكب الأرض هم نسل نوح فقط، ومن ثم ينفي النسب التوراتي لأجناس الأرض حسب أبنائه: (سام وحام ويافث)، أو الجيل التالي مثل مصرايم ابن حام الذي تُنسب إليه تسمية مصر. المنطق العلمي أيضًا ينفي جمع سبع أزواج من كل حيوان مستأنس معاصر، وزوجين من كل حيوان مفترس معاصر، والطيور بأشكالها وألوانها، والزواحف والبرمائيات والحشرات، ووضعها في فلك (سفينة) ذات مساحة بالمقاسات المذكورة في التوراة. ثلاث مئة ذراع يكون طول الفلك، وخمسين ذراعا عرضه، وثلاثين ذراعا ارتفاعه (سفر التكوين، الإصحاح السادس) من جميع البهائم الطاهرة تأخذ معك سبعة سبعة ذكرا وأنثى. ومن البهائم التي ليست بطاهرة اثنين: ذكرا وأنثى (سفر التكوين، الإصحاح السابع) تخيل المساحة التي يحتاجها 14 ثورًا وجاموسة بلدي (زريبة كاملة)، وبجوارهم 14 ثورًا وجاموسًا فريزيان أستراليًا، وبجوارهم 14 ثورًا وجاموسًا إسبانيًا. . إلخ إلخ (كل هذا لصنف الجاموس وحده، المختلف عن الأبقار بأنواعها مثلًا). فماذا عن الأفيال بأنواعها؟ الخيول بأنواعها؟ الحمير بأنواعها؟ الجمال بأنواعها؟ الأغنام؟ الماعز؟ الإبل؟ الخنازير؟ الكلاب؟ القطط؟ هل تعلم أن عدد أنواع الطيور وحدها، بأقل التقديرات، هو تسعة آلاف نوع مختلف؟ هذا يعني 126 ألف طائر في السفينة. هل تعلم كم نوعًا يوجد من الديدان؟ هل تعلم أننا لا نستطيع حتى تاريخه معرفة إحصاء بعدد أنواع الحشرات مثلًا؟ الممكن في قصة حيوانات السفينة أن تكون القصة قد حدثت في زمن بدائي لم تكن الحيوانات فيه على هذا الشكل من التنوع والتعدد للأنواع. في ذلك الوقت، من الممكن أن يكون الفلك يتسع بشكل ما لزوجين من حيوانات قديمة مستأنسة وقليلة. على سبيل المثال، زوجين من الفصيلة الكلبية، وسيتطور بعد ذلك للكلاب بأنواعها والثعالب والذئاب وبنات آوى والسلعوة، إلخ. هل يبدو لك ذلك غريبًا؟ تخيل المساحة التي يشغلها زوج (ذكر وأنثى) من حيوان "الماموث" المنقرض. أيًا كانت تلك المساحة، فهي بالتأكيد أقل من تلك التي ستشغلها 14 × عدد أنواع الأفيال، أليس كذلك؟ بِطريقةٍ أخرى: لا يمكنُ تصديقُ مسألةِ أنواعِ الحيواناتِ المجموعةِ في مساحةِ سفينةٍ، إلا من خلالِ التطورِ، وذلكَ بردِّ كلِّ مجموعةِ حيواناتٍ إلى زوجٍ من أجدادِها قبلَ التطورِ. هل يمكن القياس بمنظور علمي والحدث ذاته معجزة؟ نعم، بالتأكيد، لأنه هكذا ينبغي أن نفصل بين الفيزياء والميتافيزيقا، وبين الطبيعة والخوارق. قصة نوح ليست معجزة وفق التعريف الديني الأكاديمي للمعجزة (سأفصل هذا لاحقًا)، بل آية، بمعنى علامة وعبرة. فالكتب المقدسة جميعها لا نقرأها كما نقرأ كتاب الفيزياء، فهي لا تخاطبنا معلوماتيًا، بل نقرأها كما نقرأ أدب القصص والشعر، ونستلهم منها العبر والمواعظ، لكونها تخاطب الوجدان. ليس من المهم عند أي عاقل أن تكون شخصية نوح تاريخية حقيقية بالأساس، فالهدف من ذكر قصته ليس إثبات شيء أو نفيه، وإنما الهدف وجداني حول فلسفة "الاستعداد لكوارث المستقبل" بشكل عملي وطبيعي، يمكن معاينته ماديًا في بناء سفينة عظيمة، بأيدٍ بشرية دون معجزات، وتستخدم قواعد الطفو والجاذبية دون معجزات، لمقاومة وتحدي جبروت الطبيعة القادم لا محالة. لماذا غرق "نفق العروبة" في مصر الجديدة وقت السيول؟ ليس الأمر "أمر الله" كما يظن الدراويش، بل الواقع أن هيئة الطرق والكباري لم تبنِ مصارف على جانبي الطريق. هيئة الطرق ليست مستعدة ولا تتوقع حدوث سيول بمنطقة "مصر الجديدة". ليست مستعدة ولم تبنِ فلكًا للنجاة كأي "غير مصدق" أن الطوفان قادم. لا يوجد في الكوارث الطبيعية، من طوفان نوح حتى التسونامي، ثمة أمر "خارق للعادة". الكوارث الطبيعية ليست "معجزة" بل هي نتيجة "العجز عن المواجهة" وليست من "الإعجاز الإلهي". هكذا أقرأ القصص الديني، وهكذا أستلهم منه العبر والحكمة. أما لو قلنا "كالدراويش": لا ينبغي إعمال العقل في كل شيء تم فيه ذكر الله، باعتباره حدثًا غير طبيعي (معجزة)، فوقتها سيكون هذا إفسادًا للحكم والمواعظ. فنوح ومن معه نُجّوا بسبب طبيعي مادي: تعب وعرق وشقاء في بناء (الفلك)، واستخدم قوانين الطبيعة في الطفو لتحدي الكارثة الطبيعية (الطوفان). دور الله هنا، كان دور العلم ذاته: فالله أنبأه بالكارثة (كخبيرٍ المرصد الفلكي)، وحدد مواد البناء والعزل (كالفيزيائي والكيميائي الفاهم لخواص المادة)، وحدد الشكل والأبعاد والمقاسات والزوايا وطريقة التجميع (كالمهندس في الإنشاءات)، وحدد أيضًا خريطة توازن بين الكائنات الحية، فعدد المفترسات أقل من المستأنسات (كخبراء علم الأحياء التطورية). دور نوح هنا هو العمل. . الاجتهاد. . الكفاح: ليس التخبط والتشكيك في العلم (ماهو أصل العلماء كل شوية بنظرية! ! ، ماهو أصل السفينة سقطت في الغرب! ! ؟ أصل السفينة ناقصة فردة كاوتش! ! ! ؟ أصل مال مصر الجديدة بالسيول والكوارث الطبيعية؟) أنا أصدق العلم لأنه الطريق الوحيد الذي نعرفه لفهم الطبيعة، وفهم القوانين التي تحكم العلاقة بين الأشياء الطبيعية داخل الكون. وأحب بناء السفن والتصدي للكوارث. أحببت نوحًا واتخذته قدوة. لا لكونه نبيًا خارقًا، بل لكونه رمزًا إنسانيًا للتصدي لكوارث الطبيعة بالكفاح المادي غير الميتافيزيقي وغير المتواكل على الله، فصار للإنسانية آية. لم يكن دور الله فقط أن يكون مُرسل الطوفان، كما يتصور المرعوبون من الطبيعة بتجزئة مخلة بالحكمة، بل كان أيضًا المصمم والمخطط لفلك النجاة الوحيد، والذي نفذه الإنسان للإفلات من مصير كارثي عام، لا يميز أيمانيات ضميرية، بل يميز فقط بين من كان بداخل الفلك ومن خارجه، بين المستعد للتصدي وبين المستسلم للقدر. في موعظة نوح، الله هو الطبيعة ذاتها، والشغف بدراستها هو شغف بدراسة الله، يليق بالأنبياء وورثتهم من علماء الطبيعة. ولأني أحب العلوم الطبيعية، لا يمكنني أن أكون درويشًا. فالمتواكلون على الله هم بعينهم من يتركون كل شيء بلا تفسير وبلا إعمال لعقولهم (التي لا تزال جديدة بكرتونتها) ظنًا منهم أن هذا هو الموقف الصحيح للمؤمن المتدين الذي يسلم بقضاء الله. تحدي الطبيعة كتحدٍ لقدر الله يمكننا ملاحظة أن دراويش التدين يرون أنفسهم دائمًا أصغر من الأقدار وأحقر من التصدي لكوارث الطبيعة، وذلك لإيمانهم بأن الكوارث الطبيعية هي قضاء الله الذي لا رادّ لقضائه. ومع هذا الاستسلام القدري، لا يعبر أحدهم شارع "صلاح سالم" قبل أن ينظر مرتين للسيارات العابرة كيلا تدهسه. يُفسر الدراويش موت أحد المارة في حادث سيارة بأنه "قضاء الله وقدره" وكفى. ومع ذلك، ينظرون ويتحسسون أرجلهم قبل العبور، ولا يرون في حذرهم ذلك مقاومة للقدر مثلًا. هذا التناقض في المعايير هو مرض الدراويش الملحوظ. بتصوري الاجتماعي، الدراويش هم مجرد خائفين من الله، ومن طوفانه، ومن حسابه؛ لأنه بالنسبة لهم شيء مرعب، غير مفهوم، ولا تفسير له، ولا يجرؤون أساسًا على التفكير فيه. الدراويش هم مجرد بؤساء يخافون التفكير المنطقي فيما يعتقدون بقدسيته، ويظنون في العلم غرورًا بشريًا، و"محاولة تأله"، ومشاركة مع الله في صنع أقداره، ومحكوم عليها بالفشل مقدمًا لمحدودية الإنسان. كم من مرة رفض الدراويش صعود الفضاء (لذعرهم من الاقتراب لعرش الله)، وكم من مرة تنمروا ووضعوا الوجوه الضاحكة الشامتة على المحاولات غير الناجحة للعلماء، وهم في تنمرهم كتنمر من لم يصدقوا الطوفان في قصة نوح؟ الدراويش لن يدخلوا الفلك؛ لأنهم لا يؤمنون بأن "العلماء الذين يتحدون القدر" يمكن أن يكونوا أيضًا "ورثة الأنبياء" في التواصل مع الطبيعة، أو ورثة نوح العظيم في التصدي للكوارث الطبيعية. --- ### الحلول الفعَّال والحلول الإلزامي - Published: ۲۰۲۳-۰۲-۱۲ - Modified: 2023-09-10 - URL: https://tabcm.net/10347/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: آدم, آريوسية, المنهج العلمي, حام ابن نوح, شجرة الحياة, شجرة المعرفة, يهوه لقد أنعم الله علي الإنسان بالإرادة الحرة في تقرير مصيره، إذ أعطاه حرية الاختيار أن يحب الله ويقبله ويسعى إليه مثلما أحب الله الإنسان وسعي في تدبير خلقه ”نحن نحبه لأنه أحبنا أولاً“. من أجل هذا خلق الله آدم في جنة عدن بالأرض وليس في السماء لكي يمارس الإنسان حرية إرادته بالاختيار الحر أن يستمر في مجال حياة الله ثم يدخل ملكوت السموات وينال نعمة ”الخلود“ وحياة الأبد عند الله. كانت طاعة الوصية هي المجال والوسيلة للإنسان لممارسة حرية أرادته بأن يأكل أو لا يأكل من ”شجرة معرفة الخير والشر“ في جنة عدن، ليكون له أن يدخل بملء أختياره الحر إلي مجال حياة الله في ملكوت السموات. وقد أشار الوحي المقدس في سفر التكوين إلي هذا الاختيار  السعيد للإنسان عن الأكل من ”شجرة الحياة“ ليحيا الإنسان إلي الأبد. كان الله إيجابياً بتقديم العون والسند لحرية الإنسان وأرادته خلال مرحلة الاختيار هذه. فلم يترك الله ذاته بلا شاهد أمام أختيار الإنسان الحر. فكان إستعلان ذات الله منذ البدء بواسطة حلوله في الخليقة و في داخل كيان الإنسان نفسه: ”فإن أمور الله غير الُمدرَكة، مُدرَكة منذ البدء في المصنوعات“. وينبغي التنويه أن حلول الله في الخليقة لم يكن حلولًا جوهريًا لله. فالخليقة أصلها من العدم وليست من جوهر الله، وبذلك فإن كيانها مختلف عن كيان الله: - فالخليقة لها وجود زمني، غير واجب الوجود، بل متغير ومحدود وله نهاية. - بينما كيان الله هو أبدي، واجب الوجود، ثابت، مطلق، وله الخلود. هذا معناه أن الخليقة لا تستمر في وجودها ذاتيًا بقوتها الذاتية لأن لا أصل لها، بل هي من العدم. واستمرارها هو بسبب قوة من خارجها يمنحها الله علي سبيل النعمة المجانية. إن علم اللاهوت المسيحي يرفض ما يُسمَّي ”الحلول الإلزامي لله“ ومعناه حلول الله بجوهره وبطبيعته في جوهر الأشياء المادية كعِلَّة لوجودها ودوامها. فهذا معناه  تأليه الكون ويعطيه صفة الأزلية. ولكن لله حضوره الكلي في العالم منذ تدبير الله لسر الخلق الذي يسميه علم اللاهوت المسيحي ”الحضور الفعَّال لله“. فالله ”الآب“ خلق الإنسان/الخليقة ”بأبن الله / كلمة الله“ في ”الروح القدس“، دون أن يكون ”اللُّوغس/ كلمة الله / أبن الله الوحيد الجنس“ له أي تشابه طبيعي بينه وبين المخلوقات. فوجود اللُّوغس في الخليقة والعالم بقوته وقدرته هو وجود المحرِّك الفعَّال المحيي، أما جوهره (كيانه الذاتي) فهو فائق عن كل العالم المخلوق. فإن ”كلمة الله“ لا يحل في جوهر الأشياء المادية كعلِّة لوجودها ودوامها، ولكنه يضبطها تلقائياً من الخارج بالإرادة والنعمة.  إن الوحي الإلهي في الكتاب المقدس يشير إلي الحلول الفعَّال للآب والابن في الخليقة قائلاً ”حامل كل الأشياء بكلمة قدرته“. وبالتالي فإن مفهوم ”الحلول الفعَّال“ في الخليقة يلغي مفهوم ”الحلول الإلزامي“ لله في الخليقة. وقد تسبب عدم فهم هذا الأمر عند الهراطقة إلي اعتقاد خاطئ بضرورة تنزيه جوهر وكيان الله عن عمل الخلق أو التدني بالاتصال بالبشر. وهو ما يُسمَّي ”التنزيه الجوهري لله“. هذا الفكر أنحدر بفهمهم إلي الاعتقاد بأن ”أبن الله“ هو مخلوق وسيط خلقه الله ليقوم بهذا العمل والاتصال بالبشر، وبذلك يضمنون تنزيه الله عن هذا التدني في نظرهم أن الله يخلق له العالم والإنسان. هذا كان مضمون هرطقة آريوس والآريوسية. والممتد حاليًا  في معتقدات شهود يهوه ومعتقدات بعض الأديان المعاصرة. وبينما هم يبتدعون في تفسير كلمات الكتاب المقدس نجد أن العكس صحيح. فالوحي المقدس يعلن عن حب الله وأنه  قريبٌ من الإنسان بالحلول الفعَّال وليس بعيدًا عنه بالتنزيه. وذلك لأن فعل الخلق هو فعل إرادة الله وفيض نعمته، وليس أمتدادًا لكيانه أو جوهره. هذا هو إيمان المسيحية بكافة طوائفها. --- ### طبيعة واحدة متجسدة لله الكلمة - Published: ۲۰۲۳-۰۲-۱۱ - Modified: 2025-02-02 - URL: https://tabcm.net/10667/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: أبوليناريوس، أسقف اللاذقية, اللاهوت السكندري, المنهج العلمي, النسطورية, بابا كيرلس عمود الدين, جايوس فلاڤيوس ڤاليريوس أوريلوس قسطنطينوس, قديس أثناسيوس الرسولي, مفهوم التجسد العبارة تنسب لمدرسة الإسكندرية، وشكلت أساس الكريستولوجي المسكوني حتى تم الانقلاب عليها في خلقيدونية، بل أن بعض معارضي مدرسة الإسكندرية وبعد أن انتشوا بانتصارهم هناك، قاربوا من وصفها بالهرطقة، اسبغوا عليها فهمهم المعيب، رغم أن شروحات معلم المسكونة القديس كيرلس الكبير، وتلميذه النجيب القديس ساويرس اﻷنطاكي، الذي امتلك كل نواصي تراثه، قد قطعت كل طرق الطعن فيها. ورغم أن العبارة قد أعيد لها اعتبارها، وتم الاعتراف بأرثوذكسيتها في مجمع القسطنطينية الثاني، التالي لخلقيدونية، ظلت العبارة - وجرى تسويقها - كعنوان لخطل الفهم اللا خلقيدوني للاهوت التجسد. ودون تدخل لا خلقيدوني يذكر، بدأت الترجمات والدراسات الحديثة لكتابات الآباء الشرقيين سالفي الذكر، ووقائع المجامع، في الاعتراف بدقة وتميز الفهم اللاهوتي السكندري. العبارة على إيجازها عبقرية بحق، وكأنها الهام سمائي كما وصفها القديس ساويرس اﻷنطاكي. الغريب والمحزن أنني استطيع الجزم دون تردد بأن اﻷقباط، الذين يشكل الفهم اللاهوتي لمدرسة الإسكندرية تراثهم الشخصي، لا يفهمون العبارة كما صيغت لتؤدي الغرض منها. بداءة، فالطبيعة هنا هي الأقنوم، كما سبق واسلفنا في المقال السابق إعادة فحص لهرطقات التجسد، والطبيعة الواحدة هنا هي أقنوم الكلمة نفسه، الذي هو الله بحسب الجوهر غير الجسداني، والذي في لحظة زمنية معينة، ولهدف تدبيري خلاصي، أخذ جسدا إنسانيا محيي بروح عاقلة، وجعله لنفسه، فأصبح جسده، وأصبح هو: متجسدا به. غير المرئي أصبح مرئيا في جسده الإنساني، غير المدرك سوى عقليا، أصبح مدركا بالحواس، بسيطا -كأقنوم- قبل التجسد، ومركبا بعد التجسد. "هو واحد بوضوح، قبل التجسد وبعده، انه واحد، ليس مزدوجا وليس بدون جسد، رب وابن وحيد، الكلمة الذي من الله الآب" ( القديس كيرلس السكندري، "ضد تجاديف نسطوريوس") العبارة تشكل عنوانا لتقريرات لاهوتية منطقية، ولازمة للخلاص في نفس الوقت. اتحاد أقنومي غير منفصم بين الكلمة وجسده الإنساني، لا يعني هذا أن ثمة طبيعة جديدة قد تكونت من الاتحاد، فالماء يبقى ماءا، سائلا كان، صلبا، أو بخارا، والكلمة يبقى هو نفسه بعد تجسده. ولا يعني هذا أن ثمة تغييرا قد طرأ على أي من الطبيعتين بسبب الاتحاد، بل احتفظت كل طبيعة بخصائصها الطبيعية، بمقوماتها وديناميكيتها في الاتحاد. "من يمكن أن يصدق أن طبيعة الكلمة تحولت إلى ما لم تكونه! ! أو أن الجسد تغير إلى طبيعة الكلمة، هذا مستحيل، ما نقوله هو أن الابن واحد وطبيعته واحدة، حتى ولو في الاتخاذ صار جسدا ذا نفس عاقله، لأن ما هو إنساني قد صار له، ونحن لا نعرفه إلا هكذا، إلها وإنسانا في ذات الوقت" (القديس كيرلس السكندري، "المسيح واحد") "يقولون: إن كانت هناك طبيعة واحدة متجسدة للكلمة، فبالضرورة سيتبع ذلك اختلاطا وامتزاجا، كما لو أن ثمة نقص أو اضمحلال لطبيعة الإنسان، في الحقيقة لم تنقص أو تضمحل، لأن كلمة "متجسدة" هي كافية كأفضل إشارة عن صيرورته إنسانا، لأننا لو سكتنا بعدما قلنا "طبيعة واحدة للكلمة" ولم نضف "متجسدة" لكان من المحتمل(وعندهم سبب مقبول)أن يتساءلوا عن الكمال الإنساني، أو كيف صار جوهرناقائما فيه" (القديس كيرلس السكندري، "الرسالة الثانية للأسقف سوكينسوس") "ففي قولهم "متجسدة" أشاروا بالحقيقة إلى أن الجسد لم يبارح كونه جسدا، وانه لم يتكون منعزلا أو منفصلا عن الاتحاد مع الكلمة" (القديس ساويرس اﻷنطاكي، "محب الحق") يتبقى أن نشير لبعض الضرورات التي تكمل مضمون هذه العبارة، وتجعل منها التعبير الأدق والأشمل لوصف تجسد الكلمة: فالعبارة تتفق كل الاتفاق مع الإعلانات الكتابية، عبارات مثل "الكلمة صار جسدا" و "اشترك معنا في اللحم والدم" وكل الإعلانات التي تتحدث عن آلام وموت "رب المجد"، وكلها لا يمكن تفسيرها بمعزل عن الفهم الذي أنجبته هذه العبارة. العبارة أيضا لا تحيد قيد أنمله عن الإيمان الذي تسلمه المسيحيون من آبائهم في نيقية، والذي صيغ في عبارات واضحة لا لبس فيها عن تجسد وتأنس وموت الكلمة. الإشارة الأخيرة هي لفرية، أعتاد بعض إخوتنا الخلقيدونيون إشاعتها في مطبوعاتهم: وهي نسب هذه العبارة لأبوليناريوس، بل ونسب مقال كامل للقديس أثناسيوس الرسولي وردت فيه نفس العبارة على أنها لأبوليناريوس المهرطق نفسه، ولهم نقول، أن أحدا من آبائهم في خلقيدونية وحولها لم يقل بهذا القول أبدا، وكان أمرا مثل هذا كفيلا بنسف الفهم اللاهوتي السكندري دون عناء ما حدث في المجامع. والواقع أن العبارة كانت تقليدا مستقرا في كل المسكونة، نجدها بسهولة في كتابات باباوات روما انفسهم، مثلما وردت في صياغات البابا هيبوليتوس في مقالته "ضد نوئيتوس"، كما وردت في كتابات البابا القديس يوليوس اللاهوتي في مقالته "ضد الذين يقاومون التجسد الإلهي" فأرجو أن يتركوا عنهم هذا الهراء. أترككم الآن لتستمتعوا بفهم اسقف التعليم وبابا الكنيسة القبطية لعبارة اللاهوت السكندري الشهيرة، ولا حول ولا قوة إلا بالله! https://www. youtube. com/watch? v=dxXWJ61PtjI --- ### التأله في الليتورجية القبطية - Published: ۲۰۲۳-۰۲-۱۰ - Modified: 2023-11-30 - URL: https://tabcm.net/10657/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: أنبا متاؤس، أسقف دير السريان, إفخارستيا, إيسيذوروس البراموسي, الثالوث القدوس, الكنيسة القبطية, اللاهوت السكندري, بابا كيرلس عمود الدين, خولاجي, دير الآباء السريان, دير البراموس, سبت الفرح, شجرة الحياة, عقيدة التأله, غريغوريوس النزينزي، الناطق بالإلهيات, ليتورچي نجد العديد من الإشارات في نصوص الليتورجية القبطية إلى عقيدة التأله بالنعمة، التي تُعتبر عصب اللاهوت السكندري، وأساس الإيمان الأرثوذكسي، كما سنرى في النصوص التالية. حيث نجد إشارة واضحة جدًا لعقيدة التأله بالنعمة في قسمة للابن تُقال في أي وقت، وهكذا يتحدث عن إعطاء الله لنا مشتهيات الألوهية، بعدما خسرنا شجرة الحياة، وهذا يحدث من خلال تناولنا الجسد والدم الأقدسين كالتالي: ”صنعت لي وليمة النعمة، وشفيتني من سم الحية، وسلمتني أدوية الخلاص. لأنه هكذا أيها السيد، عندما عدَّمت نفسي من شجرة الحياة، أعطيتني مشتهيات الألوهية. صيَّرتني واحدًا معك، أعطيتني جسدك ودمك الذي بذلته عن حياة العالم“. (الخولاجي المقدس وخدمة الشماس، إعداد: القمص إيسيذوروس البراموسي، مراجعة وتقديم: الأنبا متاؤس) وتتحدث قسمة أخرى للقديس كيرلس السكندري تُقال في أي وقت عن عقيدة التأله بالنعمة، حيث عندما نتناول الجسد والدم تشارك نفوسنا مجد الله، وتتحد نفوسنا بألوهيته، ونصير هياكل مقدسة لحلوله، ونتحد به اتحادًا سريًا، وهكذا نتحد بالثالوث القدوس، ويكون واحدًا معنا وفينا كالتالي: ”اجعلنا أهلاً لحلول روحك الطاهر في نفوسنا، أنر عقولنا لنعاين سبحك، نق أفكارنا واخلطنا بمجدك. حبك أنزلك إلى هبوطنا، نعمتك تصعدنا إلى علوك عند استحالة الخبز والخمر إلى جسدك ودمك، تتحول نفوسنا إلى مشاركة مجدك، وتتحد نفوسنا بألوهيتك صيرنا هياكل مقدسة لحلولك اهلنا للاتحاد بك خفيةً. وهبت لنا أن نشرب كأس دمك طاهرًا، أهلنا أن نمتزج بطهارتك سرًا. وكما أنك واحد في أبيك وروحك القدوس، نتحد نحن بك، وأنت فينا، ويكمل قولك، ويكون الجميع واحدًا فينا“. (الخولاجي المقدس وخدمة الشماس، إعداد: القمص إيسيذوروس البراموسي، مراجعة وتقديم: الأنبا متاؤس) وهكذا نحن نتناول في سر الإفخارستيا الجسد الإلهي والدم الكريم لنتأله، وليس كما يدَّعي البعض أننا نتناول الناسوت دون اللاهوت، حيث نصلي في قسمة تُقال للابن في سبت الفرح التالي: ”وأنعمت علينا بشجرة الحياة، التي هي جسدك الإلهي ودمك الحقيقي“. (الخولاجي المقدس وخدمة الشماس، إعداد: القمص إيسيذوروس البراموسي، مراجعة وتقديم: الأنبا متاؤس) كما تتحدث القسمة الوجيزة عن أننا نتناول الجسد الإلهي والدم الكريم، نتناول الجسد الإلهي والدم الكريم، وليس الناسوت دون اللاهوت كالتالي: ”يا الله الذي أنعم علينا نحن الخطاة بميقات الخلاص، وذبيحة ناطقة سمائية التي هي الجسد الإلهي، والدم الكريم اللذان لمسيحك. هذا الذي صار لنا طهرًا، وخلاصًا، ونعمةً، وغفرانًا للخطايا“. (الخولاجي المقدس وخدمة الشماس، إعداد: القمص إيسيذوروس البراموسي، مراجعة وتقديم: الأنبا متاؤس) وتتحدث قسمة الابن السنوي عن اتحادنا الكياني بالمسيح في الإفخارستيا كالتالي: ”وحينما أتقدم لتناول أسرارك، أجعلني مستحقًا لذلك، ومؤهلاً للاتحاد بك“. (الخولاجي المقدس وخدمة الشماس، إعداد: القمص إيسيذوروس البراموسي، مراجعة وتقديم: الأنبا متاؤس) ويتحدث ق. اغريغوريوس اللاهوتي في قداسه عن امتلاء الكل سواء البشر أو الملائكة من لاهوت الابن في صلاة الصلح الموجهة للابن كالتالي: ”وصالحت الأرضيين مع السمائيين، وجعلت الاثنين واحدًا، وأكملت التدبير بالجسد. وعند صعودك إلى السماء جسديًا، إذ ملأت الكل بلاهوتك، قلت لتلاميذك ورسلك القديسين: سلامي أعطيكم، سلامي أنا أترك لكم“. (الخولاجي المقدس وخدمة الشماس، إعداد: القمص إيسيذوروس البراموسي، مراجعة وتقديم: الأنبا متاؤس) كما نصلي في الشيرات الثانية في باكر سبت الفرح مخاطبين العذراء مريم القديسة قائلين: ”السلام للممتلئة نعمة، المائدة الروحية التي تعطي الحياة لكل مَن يأكل منها ، السلام للإناء غير الفاسد الذي للاهوت المعطي الشفاء لكل مَن يشرب منه“. (ترتيب أسبوع الآلام بحسب طقس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، إعداد ونشر مجموعة من المتخصصين في طقوس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، تقديم ومراجعة: القس غبريال) ويتحدث هنا أننا نشرب من إناء اللاهوت غير الفاسد لشفائنا، وأعتقد أنه يقصد أننا نشرب اللاهوت سرائريًا المعطي شفاءً لكل مَن يتناول منه. كما هناك إشارة واضحة جدًا إلى عقيدة التأله بالنعمة في طرح واطس للأحد الثالث من الخماسين المقدسة، حيث تتحدث عن قيامة المسيح كعربون للتأله والقيامة الأبدية كالتالي: ”قام الملك المسيح من القبور عربون التأله والقيامة الأبدية، له المجد دائمًا“. (إبصاليات وطروحات الأعياد السيدية والمواسم الكنسية، تقديم: الأنبا متاؤوس أسقف دير السريان) ونستنتج من هنا أن عقيدة التأله بالنعمة متأصلة في الليتورجية القبطية التي تُعتبر وعاءً لعقيدة ولاهوت الكنيسة، فنحن ما نؤمن به نصلي به، بالتالي، نجد عقيدة التأله بالنعمة متغلغلة في الليتورجية القبطية وصلواتها المقدسة. هوامشالخولاجي المقدس وخدمة الشماس، إعداد: القمص إيسيذوروس البراموسي، مراجعة وتقديم: الأنبا متاؤس، (القاهرة: مكتبة مار جرجس بشبرا، 1994)، ص 343. المرجع السابق، ص 257، 258. المرجع السابق، ص 250. المرجع السابق، ص 244. المرجع السابق، ص 259. المرجع السابق، ص 195. ترتيب أسبوع الآلام بحسب طقس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، إعداد ونشر مجموعة من المتخصصين في طقوس الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، تقديم ومراجعة: القس غبريال، (القاهرة: مؤسسة مينا للطباعة، 1994)، ص 687. إبصاليات وطروحات الأعياد السيدية والمواسم الكنسية، تقديم: الأنبا متاؤوس أسقف دير السريان، (وادي النطرون: دير السريان، 2003)، ص 575. --- ### تذكرة ذهاب وغياب - Published: ۲۰۲۳-۰۲-۰۹ - Modified: 2023-02-08 - URL: https://tabcm.net/10649/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون كل شيء حضر في وقته، ما عدا الرياح، غائبة. . العناوين ملت الغياب السماء تناست احتياج الأرض النوافذ لها جذور تنمو نحو ما قبل الأمس، وقبل الأمس، كانت أعوام ماطره. ‏ليس وشماً على جبين القلب كان جرحاً ضَمَدتهُ، بكحل غيابك. ‏يسأل عن حالي في غيابه كمن يسأل مَصلوباً عن رأيه في خشبة الصليب وأشكال المسامير وشعورهِ نحو المطرقة. ‏أنا وعطرك يا غائب نتقاسم الأنّات. ‏يَغيبُ فيه كلَّ شيء ويَحضرُني غيابه. ‏وإنّي أتنفسك أتنهّد حزني طويلاً وأنا أستنشق غيابك. ‏تعبت من فلسفة قراءة ما هو وراء الأحداث أن أفسر غيابك بأنّه ليس غياباً وأدعي أن بعده حضور. ‏كان علينا الاجتهاد في الإشراق لولا أننا رحلنا معاً، في غياب مطلق الحضور. ‏يفقد الوقت أهميتهُ في غِيابكَ غيابكَ إهدار لروح المَكان. مضيت بعيداً... تطلب ما تبقى لكَ مما آمنت به أتسائل، إن كان يهمك حال قلبي؟! أنا التي أرتشف قطرات دمعي تحت شمس الغياب ومدارات روحي تُفقد في فقدك أتضرع السماء أن تمطر لي قُرباً وليس هناك سوى دمعي معلقاً بقلب الله. ‏لليل صورةً الغياب مع أنه حضور للصمت صورةً الغياب مع أنه شعور لو لم تكن صور الغياب مؤثرة لما كان هذا الشعور بالحضور. مَن جَاءتْ به الأقدارُ في زمنِ النوحْ، وإن أخذتهُ المسافات وإن طوت الأيام تواريخُ الذكرى يظل عالقاً ما دامت الروحْ. ‏ثم ماذا؟ ثم إننا نمضي وبكل القوة في الاتجاه غير المُرضي المسافة ما عادت تطويها السرعة ولا تعترف بالزمن كأننا نسير ولا نصل واكتفت قوة الطرد المركزية بداخلنا بطرد الأحلام والأمنيات أما غلافنا الجوي فقد ثقبته الحرائق المشتعلة بداخلنا. بحق الحب و الأشعار واللهفة بحق سبيلك المرصوف بالأشواق تلقاني فيه على غفلة بحقك ترجّل عن الغياب وأعلنها هزيمة منتصرة. وأتضورك غياباً أَشبِعْ لي جَوعَتي مُدَّ لي من قلبك "خبزاً وماء" كِفافُ ليلة. ولا زلتُ أكتبك، بذات الأهمية بقدرِ حضورك الماضي، وغيابك الحاضر. ‏لا أثرٌ أُبصره... الريح فندت نبوءة البشارة، سيّان أن تكون هنا أو هناك. فالقلب الذي صافح الغياب نسي أنّ للإياب نبض مختلف. . ‏عندما تزدحم شوارع الحنين بتظاهرات الغياب ويحلَّ فصل الشتاء في عينيًّْ تدفق الأنهار لتغيّر معالم الوجنتين تتكون أعالي القمم بفعل الكبرياء تصدأ أصداء الحروف، وتصير حصون وأكمات حَيْرَة وحدي من أغني لمطر الهزيمة. متى ألقاك. . ؟! فكل قطرة من جبين الغياب تتحول إلى دمعة تنسال إلى فنجان الوحدة. مازال هذا الغياب يتعطر بالمسير ولا يكفُّ عن الغياب. . لا رياح! قل لي إذن؛ أي أدراجٍ ذهبت؟ ‏مُكلفةٌ فكرة الغياب كمن يُقرِض العمر لجيبِ اللقاء... ! كان يتوجّب عليّ ترك رسالَة ملوّنة عند نافذتك وقد نسيت... نعم نسيت، فمسافة الغياب بيننا أخذت حيزاً كبيراً من ذاكرتي، واختلقت النسيان. . لماذا لا تكون كالطيور لا أحد يرشدها إلى أعشاشها أيّها المسافر من غياب إلى غياب والأشواق تبيت في أوكارها. ‏أنت الذكرى الوحيدة التي أخاف عليها من الضياع وهو الشيء الوحيد الذي يقود الوعي إلى سفرٍ لم يتم قط. ‏أرتاب حين أنت أنا أحدنا غائب والآخر حاضر في المرايا. كمن يبحث عن سكينه في أذن جوقه، يغرقني هذا الحضور الغائب وحلمي البكر يبقى على أبواب نجمة، يخبو فيصبح جبروت من أعاصير، تصفر لنفير، لحرب... معلنه بَدْء الرحيل فتعلنُ الأنا على قلبي الرحيل. ‏اللهفة تغزل الذكريات مناديلاً حريرية كلما مسحنا بها وجه القلب نزفت أصابعنا آخر العطر العالق من بقايا لقاء ربما كان وربما اشتهينا أن يكون. --- ### درس يونان ونينوى - Published: ۲۰۲۳-۰۲-۰۸ - Modified: 2023-02-08 - URL: https://tabcm.net/10647/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: صوم نينوى, عيد الغطاس, يونان النبي يونان النبي العظيم أفضل من يمثل الإنسان ورمز المسيح. نينوى المدينة العظيمة صاحبة أشهر توبة جماعية في التاريخ. النوتية الأبرار الذين رفضوا أن يلقوا بيونان في البحر، بالرغم من أنه أعترف لهم أنه سبب العاصفة التي من الممكن أن يموتوا كلهم بسببها. الطبيعة المطيعة لصانعها وباريها من البحر إلى الحوت إلى اليقطينة. كل هذه عناصر مهمة في قصة يونان، وفرصة أن نتذكرها  في هذه الأيام، ولكن لو حبينا أن نضع  عنوانا لهذا السفر، ففي رأيي "الإله العظيم الآب المحب المغلوب من تحننه على يونان وعلى نينوى وعلى البحارة". وهذا السفر بالنسبة لي هو سفر الظهور الإلهي، من خلاله قدرنا أن نتعرف إلى إلهنا، وأنه إله محب قبل أن يكون جبار، إله متحنن وهو ضابط الكل. إذا كان بالنسبة لنا عيد الغطاس، هو عيد الظهور الإلهي، لأننا عرفنا الله مثلث الأقانيم، فسفر يونان في رأيي هو أكثر سفر أظهر لنا طبيعة الرب إلهنا التي تمثلت في: ربنا ما "بيعملش" عقله بعقلنا، "مش بيفكر" بأسلوبنا ولا "بيرد" علينا بطريقتنا، ما "قالش يا نهارك مش فايت" يا يونان أنت بتهرب مني أنا، أنت "ما تعرفش أنا مين؟ ده أنا أهلكك وأقيم من الحجارة خدامًا يوصلوا رسالتي خالصة". الله لم يفكر أساسًا أن هروب يونان إهانه له إطلاقًا. إلهنا الأب الذي أصر أن يتعلم ابنه الدرس وأن تخلص نفسه ولما لم يفهم درس البحر والحوت ظل خلفه إلى اليقطينة لأنه لم تكن الفكرة أن يسمع الكلام وينفذه (زي ما إحنا أحيانا نقول لأولادنا الجسديين ونعلم أولادنا الروحيين المهم تطيع) خالص، ربنا أصر يفهم يونان وجهة نظره وأستخدم اليقطينة وسيلة  إيضاح لكي يقنعه، لأنه يفرق معاه إني لما أطيعه يكون بفهم ولأجل هذا صنع لنا عقولصا متقدمة جدا. إلهنا محبته لنينوى المدينة الخاطئة مثل محبته للبحارة "الملحدين" الذين  لا يعرفون أنه موجود أساسا، كما محبته ليونان النبي الإسرائيلي. الله ضابط الكل الذي يأمر البحر فيطيعه، يشير للحوت فينفذ خطته بالحرف، يقول للشمس متى تشرق ومتى تحمَى ومتى تختفي، حتى اليقطينة تأتمر بأمره. هذا الإله القوي العظيم القادر على كل شيء هو الأب الحنون المغلوب من تحننه الذي يستخدم قوته ليس ليُخضع الإنسان ولكن ليخلصه، والحقيقة المفرحة جدا أن الجميع خلصوا وخلصوا بفهم. هذا هو إلهي وأبي الذي قال عنه الأنبا أنطونيوس: "أنا لا أخاف الله لأنني أحبه"الأنبا أنطونيوس أبو الرهبنة القبطية هو إلهي الذي يستحق أن يحب وأن نتعبد له ليس خوفًا من غضبه ولا استكمالًا لناموسه ولكن لأن محبته تغمرنا ويستحيل لمن يعرفه ألّا يحبه أو لا يتبعه بمنتهى الفرح. --- ### أيها الأسقف.. من أنت؟ [١١] - Published: ۲۰۲۳-۰۲-۰۷ - Modified: 2023-02-07 - URL: https://tabcm.net/10258/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: الكنيسة السريانية, بابا شنودة الثالث, رئيس جمال عبد الناصر, مار إغناطيوس أفرام الثاني, ميلاد حنا أمران أو قل قضيتان، الأولى ترتبط بحقوق أسقف الإيبارشية، فيما ترتبط الثانية بمسؤولياته، وكلاهما يقع في دائرة عمله الإداري. وقد لفت نظري إلى القضية الأولى خطاب صادر عن بطريرك الكنيسة السريانية الأرثوذكسية، وهي كنيسة شقيقة ضمن العائلة الأرثوذكسية الشرقية، المتفقة معنا في العقيدة والإيمان. وتتعلق باستقالة أسقف إيبارشية لأسباب صحية وقد بلغ من الكبر عتياً، أما الثانية فقد نبهني إليها كاهن قبطي في واحدة من إيبارشيات الصعيد، في أثناء حوارنا حول ذلك الخطاب، حول مد حق التقاعد لبقية درجات الإكليروس؛ القمص والقس والشماس المكرس، وكان رأيه الذي أوجزه في كلمات قليلة: "إذا تقاعد الأسقف فله بيته؛ قلايته في الدير الذي ترهبن فيه، حيث يتوفر له الإقامة والإعاشة والغطاء الطبي، أما الكاهن (القمص والقس المدني) فمن يدبر له معيشته والتزاماته الحياتية له ولأسرته، خاصة وهو في سن يفتح الباب على مصراعيه لأمراض الشيخوخة لتقتحمه وتكلفة مواجهتها باهظة، فيما تقلصت موارده واختزلت إلى ما تقرره الكنيسة من معاش، يكاد يقترب مما تمنحه لطابور أخوة الرب الممتد. (كاهن قبطي من الصعيد) دعونا نقرأ معاً خطاب الأب البطريرك: بطريركية أنطاكيَة وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس، 27 / 12 / 2023 بنعمة الله إغناطيوس أفرام الثاني؛ بطريرك أنطاكيَة وسائر المشرق، الرئيس الأعلى للكنيسة السريانية الأرثوذكسية في العالم. نهدي البركة الرسولية والأدعية الخيرية إلى حضرات أبنائنا الروحيين الكهنة والشمامسة، ورئيس وأعضاء مجلس الأبرشية ورؤساء وأعضاء مجالس الكنائس والجمعيات وسائر أفراد شعبنا السرياني المبارك في أبرشية السويد والدول الاسكندنافية العامرة. نكتب إليكم لإعلامكم أننا تسلمنا من أخينا صاحب النيافة مار يوليوس عبد الأحد شابو، مطران السويد والدول الاسكندنافية الجزيل الاحترام، بتاريخ 19 كانون الأول (ديسمبر) 2022، فيها يعلمنا بقراره بالتقاعد من خدمة هذه الأبرشية بسبب وضعه الصحي. فيما قبلنا تقاعد نيافته، التي يسرى مفعولها بتاريخ الأول من شباط (فبراير) 2023، نثمن عالياً جهوده في خدمة الكنيسة السريانية الأرثوذكسية بشكل عام، وأبرشية السويد والدول الاسكندنافية بشكل خاص خلال السنوات الماضية، ونصلي أن يمد الله بعمره ويكلله بالصحة والعافية. كما نعلمكم أننا سنقوم بأخذ الإجراءات اللازمة في حينه، وذلك بحسب ما تقتضيه مواد دستور كنيستنا السريانية الأرثوذكسية المقدسة. ختاماً يطيب لنا أن نهنئكم بمناسبة عيد ميلاد ربنا يسوع المسيح بالجسد ورأس السنة، سائلين الله أن تكون هذه المناسبات سبب فرح وبركات لكم جميعاً. هذا ما اقتضى، والنعمة معكم. (خطاب بطريرك الكنيسة السريانية) وفي سياق تقاعد الأسقف في الكنائس الرسولية التقليدية يحضر أمامنا واقعة استقالة الحبر الأعظم للكنيسة الكاثوليكية البابا بنديكتوس السادس عشر (11 فبراير 2013)، ورحيله بسلام عن عالمنا محتفظاً بلقبه وكهنوته في 31 ديسمبر 2022، وهو أمر شهدته الكنيسة القبطية الكاثوليكية بمصر سواء على مستوى الأب البطريرك، الكاردينال أنطونيوس نجيب (استقالته: 2013، نياحته 28 مارس 2022)، أو الآباء الأساقفة، وكان أخرهم الأنبا كيرلس وليم مَطْرَان أسيوط، نوفمبر 2021، الذي صرح في أحاديث صحفية أن قوانين الكنيسة القبطيّة الكاثوليكيّة أتاحت للمطران عند بلوغ سن الـ75 عامًا أو لظروفه الصحية أن يتقدم بطلب تخلّي عن مهامه". . فيما لا تقبل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية استقالة أو تقاعد الأسقف، تأسيساً على ما يروج أن العلاقة بين الأسقف وإيبارشيته بمثابة زواج لا تنفصم عراه حتى وفاته، وهو تأويل لا يستند إلى مرجعية قانونية، بل إلى أراء أو مقولات تراثية أحادية في سياقات مختلفة، ويصطدم بما تؤكده الكنيسة في تقليدها الصحيح أنها هي "عروس" تُهيأ لعريسها الذي فداها واشتراها بدمه، ولا يستساغ أو تقبل أن تقترن بغيره، وما الإكليروس إلا خدام للعتيدين أن يرثوا الخلاص، وقد شهدت الكنيسة قبل سنوات وفي حبرية البابا البطريرك الراحل الأنبا شنودة وقائع استقالة وإقالة أساقفة أحيل بعضهم للأديرة، فيما هام بعضهم على وجوههم بل وأقيم بدلاً منهم، في الحالين، أساقفة على إيبارشياتهم! ! الربط القسري بين الأب الأسقف وإيبارشيته وأبدية موقعه السيادي كان ضمن توجه إعادة رسم الصورة الذهنية له عند الرعية، فيخرج من دائرة الخادم لها إلى فضاء السيادة المتسع، وقد انعكس هذا على رؤية طيف متنام من الأساقفة لأنفسهم، أنهم فوق النقد وفوق التوجيه وفوق المراجعة، وبنوا العلاقة بينهم وبين رعيتهم على السيادة والصلف وأوغلوا في استخدام المنشار الكبير حسب توصيف أباء الكنيسة الأوائل ونصوص قوانينها التي تحذره من استخدامه، ويشيرون به إلى قرارات القطع من الجماعة (الكنيسة) والحرمان من الشركة، لمن لا يروقهم، وفي غياب الضوابط التي وضعتها الكنيسة وتحتشد بها قوانينها. غياب القواعد الحاكمة لاختيار وإقامة الأسقف حسب الإنجيل وحسب الخبرات المتراكمة للكنيسة، أفسح المجال لتقدم أهل الثقة على أصحاب الخبرات الروحية والتدبيرية، وتزامن مع معاناة الجماعة القبطية الاجتماعية والسياسية، بفعل نمو نفوذ وحراك الجماعات المتطرفة بامتداد قرن من الزمان، الذي بدأ مع أفول الطور النظامي الأخير من دولة الخلافة، والمعروف بالدولة العثمانية التي أعلن سقوطها، 1923، لتتقلص في تركيا، لتوصف بأنها رجل أوروبا المريض، وما جماعة الإخوان المسلمين (1928) إلا واحدة من أبرز مساعي تَرْجَمَة إحياء حلم الخلافة على الأرض، بدعم من القوى العظمى آنذاك، وبدعم من الأنظمة السياسية القائمة وقتها أو التي جاءت فيما بعد، وكان ذروة الدعم والتحالف مع قدوم الرئيس السادات الباحث عن قاعدة شعبية في مواجهة الوهج الناصري، وفي لحظة مأزومة منكسرة. تفاقم الوضع مع نظام الرئيس مبارك، إذ تنجح جماعة الإخوان في حصد 36 مقعداً في برلمان 1987، ويقفز العدد إلى 88 مَقْعَد في برلمان 2005، بتوافقات تترك للجماعة ـ كرأس حربة لتيار الإسلام السياسي ـ التوغل في الشارع المصري في مقابل دعمها لبقاء واستقرار النظام الحاكم. ولعل هذا ما أدار به النظام علاقته بالكنيسة والأقباط، حسب رؤية الدكتور ميلاد حنا الذي أوجزها في قوله: "اختزل النظام الأقباط في الكنيسة، واختزل الكنيسة في الإكليروس، واختزل الإكليروس في البابا". (دكتور ميلاد حنا) كانت الذهنية في إدارة الأمرين واحدة، إطلاق يد القيادة الكنسية في إدارة الشارع القبطي في مقابل دعمها لبقاء واستقرار النظام الحاكم. لكن تنامى الطموحات السياسية عند الجماعة وعند القيادة الكنسية، بدرجات تتناسب مع كليهما ومع سقف الطموحات المحكوم به حراكهما وقدراتهما على الأرض، انتهى إلى الصدام بين أطراف التوافقات. وجد التراجع الثقافي والمعرفي والإبداعي الذي ضرب المجتمع بجملته مع بدايات الثمانينيات من القرن العشرين، وربما قبلها، وجد طريقه إلى الأديرة والرهبنة، فمن يقصدهما تكونت ذهنيته ومنظومته الفكرية في ذاك المناخ، ويمكننا أن نشير إلى تغير النظرة الجيلية للأديرة ـ وقتها وللآن ـ بأنها أماكن آمنة، تضمن ما يفتقر إليه المجتمع خارجها، وقد يحالف قاصدها الحظ فيجد طريقه إلى مواقع إكليروسية متقدمة، إن نجح في أن يلفت النظر إلى ولاءه وخضوعه، وبعضهم لم يكن بحاجة لهذا فهو قصد الدير بتوجيه مباشر من أصحاب قرار الاختيار، ولم يمكث طويلاً بين جدران الدير، حتى لو طالت أيامه داخله، فلن يجد للتلمذة أثراً، ولا للتكوين الآبائي وجوداً. وهو ما يفسر لنا ما يحدث في أروقة الكنيسة من ارتباك معرفي وتعليمي وصدامات أجنحة المعلمين. أما القضية الثانية والمتعلقة بما أثاره صديقي الكاهن (الإيغومانس) بشأن تقاعد الكهنة من دون الأسقف وضمانات توفير حياة كريمة لائقة بهم، بعد التقاعد، فنحيله إلى مقال تال، يتناول ما تم فيه بشأن سريان التأمين الإجتماعي عليهم، وهو ما نشرته جريدة الوقائع المصرية في عددها رقم 97 الصادر في 27 أبريل 2020، بخصوص "قرار الهيئة القومية للتأمين الاجتماعي رقم 101 لسنة 2020، بشأن سريان التأمين الاجتماعي على أصحاب الأعمال ومن في حكمهم على القساوسة والشمامسة المكرسين، على أن يسري عليهم الأمر اعتبارا من أول يناير 2020، وهو الموعد الذي بدأ فيه تنفيذ القانون رقم 148 لسنة 2019. --- ### مجتمع الزومبي - Published: ۲۰۲۳-۰۲-۰٦ - Modified: 2024-06-17 - URL: https://tabcm.net/10629/ - تصنيفات: مقالات وآراء أي شخص متابع التعليقات على أي خبر على مواقع عامة سيعرف إننا نعيش في مجتمع مريض نفسيا ومريض اجتماعيا فدائما سوف تستمع إلى رد حقير في كل قضية إنسانية. مثلا في قضايا التحرش: وايه وداها هناك؟. .   مين مات؟ ومات إزاي؟ والتأكيد على أنه لا تجوز الصلاة عليه أو لا تجوز عليه الرحمة والحكم بمصيره الأبدي -جهنم وبئس المصير- و كأنه صار لنا توكيل الدينونة والحكم بخلاص من يتبعنا وهلاك من يخالفنا العقيدة والرأي! !  جواز وتحريم المعايدة أو الاشتراك في مناسبات  المختلفين معنا (كل المختلفين مسلمين ومسيحيين، شيعة وسنة، أرثوذكس وكاثوليك وبروتستانت، خلقيدونيين ولا خلقيدونيين وغيرهم، دون أن نغلق القوسين. تكفير المختلف، أيا كان هذا المختلف، ومهما كان نوع الاختلاف ديني/ طائفي/ فكري/ ثقافي. هى لابسة كده ليه؟!   هو بيتصور كده ازاي؟! هما بيعملوا كده ازاي؟!  نسقف ونغني براحتنا، بس لو غيرنا عمل كده هنقوم الدنيا عليه، نحط مكبرات صوت ونهلل بس لو المختلف عنا عمل كده يبقى قمع حريات، نبشر بمعتقداتنا وإيماننا ونمنع التانيين، بس لو التانيين عملوا كده يبقوا إرهابيين وقمعيين، نطالب الآخر بديموقراطية عادلة ونمارس نحن على بعضنا البعض ديكتاتورية غير عادلة! ! الموضوع ليس له علاقة بدين معين ولا طائفة معينة ولا حتى طبقة اجتماعية معينة لأن ببساطة الكل بقى الحاكم بأمر الله، الكل بقى جماعات تكفير وهجرة، الكل بقى حماة إيمان، الكل عاوز المجتمع كله يبقى شبهه وشبه توجهاته وفكره وثقافته مش عاوز يصدق أو يأمن بضرورة وجود اختلاف، كل ما يوافق فكره حلال ومستباح، وكل ما هو مختلف عن فكره حرام و ممنوع، الموضوع بقى له دعوى أكثر بمين معاه حشد أكبر (والحشد الجمعي جاهل ويتمتع بأمية ساحقة)، مين أقوى؟ ومين معاه سلطات أكثر؟ وبيزنس أكبر؟  الموضوع ملهوش دعوة ولا بالحق ولا بالعدل لكن له حيثيات تانية كثيرة ومختلفة. لو أي حد متخصص وبيدرس علم اجتماع أو علم نفس اجتماعي ومتابع وبيرصد وبيحلل الظواهر المجتمعية اللي بقت واضحة زي الشمس مش بس في الشارع لكن كمان على مواقع الشبكة العنكبوتية، وخصوصا مواقع التباعد الاجتماعي المسماة كذبًا التواصل الاجتماعي، أي متخصص أمين مش مريض هو كمان هيرصد عوار مجتمعي مريع ومرعب وهيخرج بنتيجة واحدة وهي إن المجتمع والعقل الجمعي مش بس إرهابي لكن كمان مريض نفسيًا ويعاني من إشكاليات اجتماعية و نفسية كثيرة معظمها مرعب ومعظمها بقى ملهوش علاج. نقطة أخيرة وأنت بتقرأ الكلام ده وبتمصمص شفايفك وبتقول اه والله معاه حق، افتكر إني بتكلم على المجتمع ككل اللي هو أنا وأنت جزء منه، مسلمين ومسيحيين وملحدين باختلاف مذاهبهم وطوائفهم، غيريين أو مثليين، أعداء المرأة أو الفيمينيستس، الأهلوية والزملكاوية واللي ملهمش في الكرة، الكل على حق طالما ينتمي للفريق الأقوى أو المنتصر، وباطل وعلى ضلال مبين طالما لا يمتلك أدوات الدفاع عن نفسه أو إعلان وجهة نظره جهارًا، الجميع لا يشعر بالآلم طالما ليس هو من يعاني وطالما يثق أن الصفعة لم تأت على وجهه، متجاهلًا بغباوة أنه مادام سمح اليوم بالصفعة على وجه من يجاوره فلابد أن الصفعة التالية أو بعد التالية ستنال من وجهه. --- ### التدبير الإلهي من جهة الإنسان
[الخلق والخلاص] - Published: ۲۰۲۳-۰۲-۰۵ - Modified: 2023-02-05 - URL: https://tabcm.net/4074/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: الأب متى المسكين, قديس أثناسيوس الرسولي, مفهوم الخلاص لابد أن نتعرف أولاً إلى الله لكي نتعرف إلى أسباب تدبيره من جهة الإنسان (الخلق والخلاص) التي هي انعكاس خارجي لصفات الله الجوهرية في ذاته  الواحدة من حيث الأبوة والبنوة فيه -الآب والابن- الآب لا يتميز  عن الابن إلا بالأبوة، والابن لا يتميز  عن الآب إلا بالبنوة. على أن هذا التمايز الذي يجعلهما اثنين في واحد، لا يخرج عن كونه ”علاقة“ داخلية جوهرية تختص بالله في ذاته الواحدة وجوهره الواحد.   هذه العلاقة الذاتية -التمايز- لا يمكن بدونها أن يكون ”الله محبة“ وهي صفة جوهرية في ذات الله الواحد، لأن الحب هو علاقة تستلزم المشاركة،  ليمكن القول باكتفاء الله الذاتي في الحب دون احتياج لكيان آخر ليس هو الله. وما نعنيه بالانعكاس الخارجي لصفات الله الذاتية والعلاقة الداخلية الذاتية في جوهره الواحد هو فيض حب ومسرة الله خارجاً بالخلق والخلاص. وبما أن أعمال التدبير الإلهي من جهة الإنسان كانت انعكاساً لأبوة وبنوة وحياة الله كصفات ذاتية واجبة الوجود في كيان الله، فمن ثمَّة فإن الله استعلن للإنسان عن مكنون كيانه ووجوده. ولكن عندما أنحط فكر البشر نهائياً إلى الأمور الحسية كان استعلان الله للإنسان في العهد القديم مستتراً، ولكنه أكتمل بالتجسد الإلهي في ملء الزمان  في العهد الجديد. بظهور الله  ”الكلمة“  في الجسد لكي يستطيع  أن يجمع البشرية في ناسوته، فيستطيعوا رؤية الله، ويدركوا الحق بما يعلنه الرب في جسده ويدركون الآب فيه. فالتجسد والفداء الذي أكمله الابن فتح أرواحنا على كيان الله وفتح كيان الله علينا، واستعلن لنا الأبوة والبنوة والحياة التي في كيانه الإلهي وأعطانا نعمة أن ندرِك ما لا يُدرَك من أعماق الله في المسيح بروح الله الذي سكبه في قلوبنا. لذلك فإن أحد الأسباب الجوهرية للتجسد هي استعلان ذات الله في كيانه وجوهره أنه آب وابن وروح قدس. وذلك من خلال حياة الابن المتجسد”يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته“(يوحنا 17: 3). لهذا السبب أيضاً فإن الابن لم يتمِّم ذبيحته عن الكل (الخلاص) بمجرد مجيئه مباشرةً إلى عالم الإنسان بتقديم جسده للموت وقيامته ثانية، لأنه لو فعل ذلك لجعل ذاته غير ظاهر. ولكنه صيَّر نفسه ظاهراً جداً بالأعمال والآيات حتى لم يعد يُعرف كإنسان فقط، بل بكونه الإله الكلمة الذي ظهر في الجسد. فكونه ظهر في جسد مماثل لهم جعل البشر يعرفوه بأوفر سرعة ويعرفوا أباه بالأفعال الإلهية التي كان يعملها. وتلخيصاً لما سبق، فإن الإنسان وبسبب الخطية  فقد انحجبت عنه معرفة الله كخالق حقيقي للعالم وكمخلِّص للإنسان. ولأن الإنسان تورط في التعدِّي لذلك أيضاً فإنه فقد القدرة على خلاص نفسه -أي إدراك النور- وعجز عن معرفة الله في ذاته ”Theognosia“ بالرغم من وسائط ناموس موسي وتعليم الأنبياء وضمير الإنسان (الناموس الطبيعي في ضمير الإنسان) والعقل الحر وإنتاجه من الفلسفة العميقة. لهذا فإن كلمة الله أخذ لنفسه جسداً وسلك بين الناس كإنسان حتى يقابل إحساسات كل البشر في منتصف الطريق إذ يكون في مقدورهم -بالمقارنة- أن يحكموا على الأعمال التي عملها المسيح كلمة الله في جسده أنها ليست أعمالاً بشرية بل هي أعمال الله. فمنذ بدايات تغرُّب الإنسان في الأرض، بدأ افتقاد الله للإنسان واستعلانه لذاته. وإن جاز لنا القول بدأت إرهاصات التجسد الإلهي الذي أضطلع به كلمة الله في ملء الزمان. فنرى في العهد القديم إرسال الله للملائكة لتبليغ رسالة الله. كان الله يتكلم ”بالكلمة“ في الملائكة. أي إن الملاك لم يكن هو ”الله الكلمة“ بل مجرد ملاك. ولكن النطق والرسالة كان هو ”الكلمة“. من هنا نفهم المكتوب في العهد القديم عن ظهورات ”ابن الله وكلمة الله“ التي كانت في هيئة ملائكة. ولذلك نقرأ الوحي يكتب عنهم تارةً ”الله يقول“، وتارةً أخرى ”الملاك يقول“. بالتالي فإن تجسد كلمة الله ليس ببعيد عن ظهورات الابن في العهد القديم في هيئة ملائكة كما شرح القديس أثناسيوس الرسولي. الإخلاء في التجسد الإلهي: يجدر بنا القول أنه بخصوص رسالة التجسد الإلهي التي تختص بفداء الإنسان، يتحتم فهم كل عمل وقول وتصرف أتاه المسيح حال تجسده، على قياس وغاية التجسد. لذلك فإن تجسد الله الكلمة كان يستدعي التزاماً بمحدودية الناسوت. بالتالي فإن قَبُول الجهالة التي للإنسان كانت مِن بين دوافع التجسد الأصيلة، وليس كما تقول هرطقة أبوليناريوس أن اللاهوت ابتلع الناسوت في شخص الكلمة. ولكن اتجاه التجسد كان هو الإخلاء أي حجب اللاهوت في محدودية الناسوت. وفي نفس الوقت استعلان اللاهوت من داخل محدودية الناسوت، ولكن كلاً في موضعه. لم تكن دوافع تجسد الكلمة هي التطلع إلى التفوق والامتياز المطلق الذي للاهوت ”الكلمة“ بالرغم من أنه استخدم لاهوته عند الضرورة لإثبات شخصه وإعلان رسالته في لحظات مصادرة المقاومين لها. - ومن أمثلة ذلك الإخلاء في الإنجيل قول الرب في (مرقس 13:32& لوقا 2: 52) ”وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا الملائكة الذين في السماء ولا الإبن إلا الآب“. هذا التصريح من المسيح لم يكن عائداً على ”اللوغوس -كلمة الله“ في ذاته كابن الله، ولكنه كان منصبّاً على الابن المتجسد في حالة تجسده كابن الإنسان. ولذلك نلاحظ أنه لم يذكر أن الروح القدس لا يعلم بالساعة أيضاً. لأن الروح القدس يعلم باليوم والساعة. ومكتوب أن الروح يأخذ مما للمسيح، بالتالي فإن الابن يعلم باليوم والساعة باعتباره ”كلمة الله“ ولكن ليس بصفته ابن البشر (متي 24: 42). ومن ناحية أخرى نقول أن المسيح لبس بشريتنا لكي يخلصها، فنلبسها نحن خليقة جديدة كنعمة منه بالإيمان والأسرار المقدسة. لذلك كان من الضروري من أجلنا أن المسيح -إذا شاء- فهو يعلم كما يعلم الله بصفته الله الظاهر في الجسد، وإذا شاء، فإنه يجهل كما يجهل الإنسان وذلك إثباتاً أنه بشر مثلنا ماعدا الخطية وحدها، وذلك من أجل إتمام الفداء. وبصيغة أخرى نقول أنه ليس من ضرورات خلاصنا كبشر أن يكون لنا علم الساعة، لذلك حجب المسيح تلك المعرفة بإرادته عن بشريته خلال تدبير التجسد. لأنه لو كشف المسيح ذلك لبشريته لأخذنا منه بالتبعية خليقة جديدة تعرف اليوم والساعة. وهذا لا يعلمه إلا الله. والسُبح لله بقلم د. رءوف إدوارد (المصادر الرئيسية كتاب: القديس أثناسيوس الرسولي للأب متي المسكين) --- ### ظلّ اﻷقزام - Published: ۲۰۲۳-۰۲-۰٤ - Modified: 2025-04-08 - URL: https://tabcm.net/10636/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, مقالات وآراء - وسوم: العلمانية, المجلس الملي, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس الرابع أبو الإصلاح, چورچ حبيب بباوي, هاني شنودة إذا رأيت للأقزام ظلًا طويلًا، فاعلم أن الشمس في طريقها للغروب (مثل إسباني) هذا بالضبط هو واقعنا الحالي. رأينا للأقزام ذيلًا طويلًا في واقعة إلغاء مسرح الأنبا رويس لحفل الفنان هاني شنودة. ترك الأمر على هذه الحال سيترك آثارًا وخيمة على مجمل الشأن القبطي إذا رأيت للأقزام ظلًا طويلًا، فاعلم أن الشمس في طريقها للغروب (مثل إسباني) هذا بالضبط هو واقعنا الحالي. رأينا للأقزام ذيلًا طويلًا في واقعة إلغاء مسرح الأنبا رويس لحفل الفنان هاني شنودة. ترك الأمر على هذه الحال سيترك آثارًا وخيمة على مجمل الشأن القبطي. ما حدث كان كاشفًا، واستدعى بالضرورة حديثًا أثرناه كثيرًا سابقًا. ولعلنا هنا نضطر إلى التخلي عن التجميل الذي كنا نستعمله سابقًا وأن نسمّي الأشياء بأسمائها الحقيقية. الواقع الحالي هو نتاج مباشر لما أسميه "ترييف الكنيسة" في العقود القليلة الماضية. لا أريد إثقال القارئ بالخوض في التاريخ، ولكننا بصدد واقع يحكمه عاملان: الأول: قادة دينيون للكنيسة من الرهبان حصرًا. وتركيبة ديرية حالية تقصر الرهبان على أهل أعماق القرى والعشوائيات الأسوأ من الريف في كردونات المدن (باستثناءات نادرة). هؤلاء القادة الدينيون لا يحكمون الشأن الكنسي والديني فحسب، بل تبسط حظوتهم وسلطتهم على الشأن القبطي برمته. الثاني: كان دائمًا هكذا، منذ أن استقرت التجمعات الرهبانية. ومنذ القرن السادس، تميزت الرهبانية بالجلافة والانغلاق. ربما لا يتسع المقام هنا لذكر بعض تدخلاتهم المؤسفة في الشأن الكنسي، وتأثيراتهم السلبية على مجمل التاريخ المسيحي. وباختصار، إذا أضفت إلى السمات الريفية سمات التصحر، حصلت على قنابل موقوتة لا حل لها إلا نزع فتيلها. لا علاقة للأمر هنا بمستوى التعليم، بل بالثقافة ومصادر تلقي الخبرات الحياتية. كنا نمتلك صِمَام أمان في مواجهة الجلافة، وهو الجناح العلماني لقيادة الكنيسة، مجلس الأراخنة، أو ما اصطُلح على تسميته "المجلس الملي" بعد أن أصبح كيانًا رسميًا. ضم المجلس دائمًا نخبة الشعب القبطي، أفرادًا من خيرة رجالات المجتمع، يتمتعون بانفساح نفسي وعقلي، وقدرة على المواجهة واتخاذ القرار الصائب. كان المجلس فعليًا هو من يدير الشأن العام القبطي، بما فيه المال القبطي المُتبرع به. يجب أن أشدد هنا على أن هؤلاء الرجال أنفسهم هم نتاج الكنيسة نفسها في إحدى حقبها المنيرة. فمن أنشأ وأدار المدارس التي صنعت هؤلاء الرجال هي الكنيسة نفسها. وواجه العظيم البابا كيرلس الرابع نفس ما نواجهه الآن من الأقزام. لا شك أن الشماعة قد تناهى إلى مسامعها جمل مثل: "بيتي بيت الصلاة يدعى وأنتم جعلتموه تخته وخوجة"، و"الكتاب يحذرنا من العلم"، وغيرها مما يجيده الأقزام. ظللنا على هذا الحال حتى أتى إلى كرسينا من جعل المجلس الملي "وردة" في عروة "فراجيته"، فأطاح بصمام الأمان، وتركنا نهبًا لرجاله الذين كانوا على شاكلته، عنوانًا للجلافة. تأثيره الأخطر كان طبع نمط التدين بطابعه الشخصي، إغراقًا في الفريسية دون فهم للمقاصد، مع جهل مُركب مقيم كالداء العضال. ولا أدل على ذلك من أن أحد بنود حرمان اللاهوتي العظيم د. جورج حبيب بباوي كان فضيحة عالمية، وأنقله هنا نصًا: التحريض على حضور أفلام عالمية فيها نوع من الشذوذ، والتشجيع على قراءة كتب غير روحية (من قرار مجمع أساقفة الأنبا شنودة بحرمان دكتور جورج حبيب بباوي) فهل ننتظر إذًا شيئًا غير ما حدث؟ أنا هنا أفترض فقط حسن النية، ولم أتطرق إلى أصحاب الغرض من ذوي الدَّلَس. الكنيسة، حين تكون ناضجة وعاقلة، تكون قاطرة الوطن نحو التمدن والحداثة. وحين تكون متريفة ومتصحرة، تتحول معه إلى كهف غارق في الظلام، بكل الانعكاسات المترتبة على ذلك. همسة في أذن أبينا القديس رئيس الأساقفة وبطريركنا المُفدى، نحن نثق كل الثقة بحكمتكم ورؤيتكم. معركتكم لتخليص الكنيسة من "الجلافة" هي معركة الشعب القبطي كله، ففي النهاية لا يصح إلا الصحيح، و"الأقزام" دون ذيول "مهضومين أكتر". دمتم في حماية الرب وروحه، سيدي الجليل. --- ### التأله بالأسرار المقدسة - Published: ۲۰۲۳-۰۲-۰۳ - Modified: 2023-11-30 - URL: https://tabcm.net/10605/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: إستفانوس حداد, إفخارستيا, المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية, بابا كيرلس عمود الدين, باسيليوس الكبير، أسقف قيصرية الكبادوك, باناريون للتراث الآبائي, تادرس يعقوب ملطي, چورچ فرج, سعيد حكيم يعقوب, شركاء الطبيعة الإلهية, غريغوريوس النزينزي، الناطق بالإلهيات, غريغوريوس النيسي, قديس أثناسيوس الرسولي, قديس أغناطيوس الأنطاكي, قديس إيرينيئوس، أسقف ليون, قديس كيرلس الأورشليمي, مكتبة المحبة, نشأت مرجان, نصحي عبد الشهيد بطرس, نيقوديموس, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية كيف ينال المسيحي التأله بالنعمة؟ سنحاول الإجابة عن ذلك من خلال الكتاب المقدس وكتابات الآباء. الكتاب المقدس لقد قال السيد المسيح لنيقوديموس: أَجَابَ يَسُوعُ: ’الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنَ الْمَاءِ وَالرُّوحِ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَدْخُلَ مَلَكُوتَ اللهِ‘ (إنجيل يوحنا 3: 5) هنا شرط دخول الملكوت والحياة الأبدية (أي التأله بالنعمة) هو الولادة من الماء والروح أي بالمعمودية ننال الحياة الأبدية والتأله بالنعمة. وقال السيد المسيح أيضًا لتلاميذه واليهود: مَنْ يَأْكُلُ جَسَدِي وَيَشْرَبُ دَمِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ (إنجيل يوحنا 6: 54) ويتحدث السيد المسيح هنا أيضًا عن أن شرط الحياة الأبدية هو التناول من جسده ودمه الأقدسين لنوال الحياة الأبدية (أي التأله بالنعمة). نستخلص مما سبق أن نَيْل الخلود والحياة الأبدية وهي حياة الله وصفة خاصة بالله يعطيها الإنسان كعطية من خلال الأسرار الكنسية كالمعمودية، والميرون، والإفخارستيا. والتأله بالنعمة هو شركة الطبيعة الإلهية، وشركة الحياة الأبدية، وشركة في صفات إلهية بالأساس كالقداسة، والبر، والصلاح، والأبدية، والحكمة، والقوة. وهذه كلها صفات إلهية يشترك فيها الإنسان مع الله كعطية، وهبة، ومنحة، من الله للإنسان، وهذا هو مفهوم ”التأله بالنعمة“ الذي تحدث عنه آباء الكنيسة الجامعة الذي يتحقق من خلال الأسرار كما سنرى. القديس أغناطيوس الأنطاكي يصف ق. أغناطيوس الأنطاكي (الثيؤفوروس) الإفخارستيا بأنها: ”دواء الخلود وترياق عدم الموت“(أغناطيوس الأنطاكي، الآباء الرسوليون، تَرْجَمَة: مجموعة من المترجمين) فنحن بالتناول من جسد الرب ودمه ننال الخلود وعدم الموت أي ننال التأله بالنعمة من خلال الإفخارستيا. القديس إيرينيؤس أسقف ليون ويتحدث ق. إيرينيؤس أيضًا عن التأله من خلال سر الإفخارستيا كالتالي: ”كيف يمكنهم أن يؤكدوا أن الجسد غير قادر أن يقبل عطية الله، التي هي الحياة الأبدية، ذلك الجسد الذي يتغذى من جسد الرب ودمه، وصار عضوًا فيه“. (إيرينيؤس أسقف ليون، ضد الهرطقات ج2، تَرْجَمَة: د. نصحي عبد الشهيد) بالتالي يؤكد ق. إيرينيؤس هنا على أن الحياة الأبدية هي عطية إلهية ننالها من خلال التغذي من الإفخارستيا، والحياة الأبدية هي مرادف لمفهوم التأله بالنعمة كما ذكرنا من قبل. القديس أثناسيوس الرسولي ويؤكد ق. أثناسيوس على أننا ننال التأله بالنعمة من خلال الاتحاد السري بجسد الكلمة ذاته في الإفخارستيا، بالتالي تُعتبر الأسرار الكنسية ضرورية في نَيْل نعمة التأله والحياة الأبدية كالتالي: ”ونحن إنما نتأله لا باشتراكنا السري من جسد إنسان ما، ولكن بتناولنا من جسد الكلمة ذاته“. (Athanasius, Letter to Maximus the Philosopher, NPNF Ser. II, Vol. IV, Ch. 2, p. 578-579) القديس كيرلس الأورشليمي كما يؤكد ق. كيرلس الأورشليمي أيضًا على نَيْل شركة الطبيعة الإلهية (التأله بالنعمة) وباتحاد جسد ودم المسيح بأعضائنا من خلال الإفخارستيا ونصير نحمل المسيح داخلنا وفي أعضائنا كالتالي: ”وإذ أنت تشترك في جسد المسيح ودمه، تصبح جسدًا واحدًا، ودمًا واحدًا مع المسيح، وهكذا نصبح نحنبما أن جسده ودمه ينتشران في أعضائنا. وبهذه الكيفية نصبح على حد تعبير الطوباوي بطرس’شركاء الطبيعة الإلهية‘(2بط1: 4)“. (تادرس يعقوب ملطي، القديس كيرلس الأورشليمي "حياته -مقالاته لطالبي العماد- الأسرار") القديس باسيليوس الكبير وهكذا يُسمي ق. باسيليوس الكبير الإفخارستيا بـ ”طعام الحياة الأبدية“ الذي به ننال الحياة الأبدية (أي التأله بالنعمة) كالتالي: ”لذلك نحتاج من الْآنَ فصاعدًا لأن نتغذى بطعام الحياة الأبدية، كما علَّمنا ذلك الابن الوحيد الإله الحي وفي مرة أخرى، يكرر كلمة’الحق‘ليؤكد ما يقوله، ويعطي الثقة التامة لسامعيه، فيقول:’فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: الْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَأْكُلُوا جَسَدَ ابْنِ الإِنْسَانِ وَتَشْرَبُوا دَمَهُ، فَلَيْسَ لَكُمْ حَيَاةٌ فِيكُمْ. مَنْ يَأْكُلُ جَسَدِي وَيَشْرَبُ دَمِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ، لأَنَّ جَسَدِي مَأْكَلٌ حَق وَدَمِي مَشْرَبٌ حَق. مَنْ يَأْكُلْ جَسَدِي وَيَشْرَبْ دَمِي يَثْبُتْ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ‘(يو6: 53-56)“. (باسيليوس الكبير ، المعمودية، تَرْجَمَة: نشأت مرجان) القديس اغريغوريوس اللاهوتي ويؤكد ق. اغريغوريوس اللاهوتي على أننا بالمعمودية ننتقل إلى حالة (التأله) من خلال تطهير الروح القدس لنا في أعماقنا الداخلية، وإعادة خلقتنا لنصير من الحالة التي كنا عليها قبل المعمودية إلى حالة (التأله)، ونلبس الإنسان الجديد، ونترك الإنسان العتيق في جرن المعمودية كالتالي: ”بما أننا طبيعة مزدوجة أي من نفس وجسد، وبما أن الطبيعة الأولى غير منظورةوالثانية منظورة، فعملية التطهير هي مزدوجة أيضًا أي بالماء والروح. وهكذا نتطهّر بصورة منظورة جسديًا وبصورة غير منظورة روحيًا، بالماء شكلاً ورسمًا، وبالروح حقيقةً، لأنه يقدر أن يُطهِّر الأعماق. هذا الروح يأتينا منحة إلى خلقتنا الأولى، ويردنا من العتاقة إلى الجِدّة، ومن الحالة التي نحن عليها الآن إلى حالة التأله، ويصهرنا بدون نار، ويعيد خلقتنا بدون إخفاء الجسد“. (اغريغوريوس النزينزي، مختارات من القديس اغريغوريوس اللاهوتي النزينزي، تَرْجَمَة: الأسقف إستفانوس حداد) القديس اغريغوريوس النيسي كما يشير ق. اغريغوريوس النيسي إلى نَيْل نعمة التأله من خلال سر الإفخارستيا؛ حيث يزرع الله ذاته في كل المؤمنين في الإفخارستيا، ويمزج ذاته بأجساد المؤمنين باتحاد حقيقي في الإفخارستيا لينالوا به عدم الفساد (التأله بالنعمة) كالتالي: ”لذلك قَبِلَ ذاك الجسد وهو الوعاء الإلهي، هذا العنصرمن أجل بنيانه الذاتي، هو الإله الذي ظهر، ولذلك فقد اندمج بنفسه مع الطبيعة الفانية، حتى أنه بشركة اللاهوت تتأله البشرية، لذا فقد غرس نفسه في كل الذين يؤمنون بتدبير النعمة من خلال الجسد الذي يتكوَّن من الخمر والخبز، واختلط بأجساد المؤمنين، حتى باتحاده بغير المائت يصير الإنسان أيضًا شريكًا لعدم الفساد. وهو يمنح هذهبفضل قوة البركة التي من خلالها يُغيِّر طبيعة هذه الأشياء التي تظهرإلى تلك“. (اغريغوريوس النيسي، تعاليم الموعوظين، تَرْجَمَة: د. جورج فرج) القديس يوحنا ذهبي الفم ونرى ق. يوحنا ذهبي الفم يؤكد على اتحادنا الكياني بالمسيح ككيان واحد كلي من خلال الإفخارستيا، ويسميها ”القوت السماوي“، وهكذا يمزج المسيح جسده بجسد بشريتنا مثل امتزاج الخميرة والعجين، وهكذا يصير الرأس (المسيح) والجسد (الكنيسة) كائنًا واحدًا متماسكًا كالتالي: ”كذلك، الكنيسة، لكنه وضع المسيح بدلاً من الكنيسة، حتى يسمو بالحديث إلى أعلى مستوى، ويثير في المستمع حياء أكثر. ما يعنيه هو الآتي: هكذا هو جسد المسيح، الذي هو الكنيسة. لأنه كما أن الجسد والرأس هما إنسان واحد، هكذا الكنيسة والمسيح، هما واحد. لذلك وضع المسيح بدلاً من الكنيسة، بأن دعا جسده هكذا. تمامًا كما لو كان يقول إن أعضاء جسدنا، وإن كانت كثيرة، هي جسد واحد، هذه الأعضاء الكثيرة، صارت جسدًا واحدًا“. (يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة بولس الرسول إلى كورنثوس الأولى ج2، تَرْجَمَة: د. سعيد حكيم) القديس كيرلس الإسكندري وأخيرًا، يؤكد ق. كيرلس الإسكندري على أننا بالإفخارستيا أي: ”بشركة جسده الخاص الذي يسكب فينا شركة الله، ويمحو الموت الذي حلَّ بنا من اللعنة القديمة“. (كيرلس الإسكندري، تفسير إنجيل يوحنا مج1، تَرْجَمَة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون) هوامشأغناطيوس الأنطاكي (قديس)، الآباء الرسوليون، تَرْجَمَة: مجموعة من المترجمين، (القاهرة: باناريون للتراث الآبائي، 2019)، الرسالة إلى أفسس 20: 2، ص 330. إيرينيؤس (قديس)، ضد الهرطقات ج2، تَرْجَمَة: د. نصحي عبد الشهيد، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2019)، 5: 2: 3، ص 276. Athanasius, Letter to Maximus the Philosopher, NPNF Ser. II, Vol. IV, Ch. 2, p. 578-579تادرس يعقوب ملطي (قمص)، القديس كيرلس الأورشليمي (حياته -مقالاته لطالبي العماد- الأسرار)، (الإسكندرية: كنيسة مار جرجس سبورتنج، 2006)، مقالة 22: 3، ص 292. باسيليوس الكبير (قديس)، المعمودية، تَرْجَمَة: نشأت مرجان، (القاهرة: مكتبة المحبة، 2009)، 3: 1، ص 43. اغريغوريوس النزينزي (قديس)، مختارات من القديس اغريغوريوس اللاهوتي النزينزي، تَرْجَمَة: الأسقف استفانوس حداد، (لبنان: منشورات النور، 1994)، عظة المعمودية المقدسة 40: 10، ص 138، 139. اغريغوريوس النيسي (قديس)، تعاليم الموعوظين، تَرْجَمَة: د. جورج فرج، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2022)، 37: 12، ص 242، 243. يوحنا ذهبي الفم (قديس)، تفسير رسالة بولس الرسول إلى كورنثوس الأولى ج2، تَرْجَمَة: د. سعيد حكيم، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2017)، عظة 30: 1، ص 198. كيرلس الإسكندري (قديس)، تفسير إنجيل يوحنا مج1، تَرْجَمَة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2015)، 3: 6، تعليق على (يو6: 35)، ص 370. --- ### ضوء وعتمة - Published: ۲۰۲۳-۰۲-۰۲ - Modified: 2024-06-17 - URL: https://tabcm.net/10592/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون - وسوم: المنهج العلمي كأن للكون خَدّان: ضوء وعتمة، متصلان في ضفتَي ثغر فجر. وثمة أشياء لا نستطيع رؤيتها إلا في الظلام. أنا كظلِّي أبناء عمّ يجمعُنا الضوء وتُفرّقنا العَتمة. لأبقى لا تكفيني الحياة لا بُدَّ من موتٍ أعيشُه ويسكُنُنِي العَتَمَة والضوء توأمان سياميان أحدهما يستدعي الآخر... وأحدهما ذاكرة الآخر وضميره المستتر يغيب أحدهما فيكون أشد حضورًا في الثاني. تعذبني الخطوات المتقلقلة، الضحكة الحزينة، اللهفة الناقصة، الرغبة الخائفة، النهايات البطيئة، المحاولات اليائسة، أنصاف الحلول، الطُرق الملتوية، ضوء الأمل المنفصل المتصل، الضباب. يعذبني أن ألمس شيئًا لا أعلم يقينًا إن كان حقيقيًا أم لا، ويعذبني أن هذا هو كل ما ألمسه في حياتي... سأبقى حتى لو اختلفت ألوان اللوحة الغيمة الرمادية سأدمجها بالقليل من زرقة البحر لتشرق ما دامت الفرشاة بيدي لن أكف عن المحاولة وقد تكون أنت من أضاء طريق العَتَمَة وسكب النور على الأبواب ونسجّ من الوهم كثيرّ أمل. تبدأ، تلمّ ذراعك المكسورة التي بَترها الوقت! تعدّ الخيبات التي أخفَتها ابتسامتك. . تحوم حوْلك. . لتِجدك تُحاصر خوفك لا تملك من نفسك سوى جسدٍ بالٍ وطعنات زمن وأشباه راحلين لكنك مُصرّ على نفضِ غبار آلامك حتى من زاوية لا تعرفها أو لا تعرفك. وبعمقِ الوحدة أنسٌ، اكتئابٌ، وأرق فنون لا يتقنها سوى من صقلهم الليل بعتمته فصقلوه بنورهم. ‏نبضات قلبي تتحول إلى شموع لمواساتي تحلّق حولي دائرةٌ من الضوء. آه كم أنا محتاجة إلى الضوء لكنّ دموع تلك الشموع لا تتوقف أبدًا وكل فراشاتي احترقت... وأنا أقف على جبل الأحزان هذا أخاف المكوث طويلًا وأخاف السقوط! ‏تخاف البقاء وحيدة في العَتَمَة. الشمعة التي دفعت من جيبها كل فواتير النور. ‏وما ليل المخيلة لدى الأنفس العميقة، إلا بصيرة تقودها من نهارٍ إلى نهار. كلما انكسر لنا حلم على قارعة الطريق تتأهب أحلام أخرى لجبر الضرر. قد أحب البقاء في العَتَمَة كونَها تحَجب عني موضِع أوجاعي. ‏لو كنت تدري بالأحزان التي استوطنت قلبي، لأدركت أن لي عمود فقري داخل نفسي... أسسته لذاتي لعلمت كم دعماً أقدمه للواقفين اعتماداً على ثباتي ولرفعت قبّعاتك كلّها، أمام كلّ ابتسامة يتلوها في حضرتك ثغري ولفهمت بعين روحك، إنني أمنح حيوات من ظِل مماتي. الضوء والعتمة هما مشهدية تحاكي وتُحاول إبراز حب ولادة الحقائق من التحامات الأضداد. غموض الطريق يحثنا لتوظيف المعاناة في إيقاد شعلة الروح عساها تنير دروب الحياة المُعتمة. لما ‏لا نلتقي على خطٍ واحدٍ، سنلتقي حين نكون على دروب متوازية، حينما نلّوح بأيدينا لبعض تتشابك وتتعانق رغم الجروح لأن قلوبنا وأرواحنا هي التي تلتقي وتنزف. عقابٌ ضع الضوء على مقصلةِ الذَنب لولاه ما أبصرنا كل هذا البؤس ‏نقطة الالتقاء الحقيقة بين الخير والشر حين تشكّلت كانت "إنسان" بأقطابه المتناقضة. ‏بالرغم من غابة الموت التي تحجب النور لكن دائما ما تكون هناك فرصة لحرق أشجار العَتَمَة. --- ### جعلتموه قاعة أفراح وكازينو ونادي أولا - Published: ۲۰۲۳-۰۲-۰۱ - Modified: 2023-02-01 - URL: https://tabcm.net/10603/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس السادس, حماة الإيمان, مسرح الأنبا رويس, هاني شنودة امتلأ الفضاء الإلكتروني ضجيجا هذه الأيام من بعض الظواهر الصوتية الذين يسمون أنفسهم "حماة الإيمان"، لكنهم في الحقيقة ضباع تحاول أن تبحث عن مكان لها، وتقتات على الجيف الميتة، بعد الإعلان عن حفل موسيقي للموسيقار المصري "هاني شنودة" بمسرح الأنبا رويس المشيد في مبنى أسقفية الشباب داخل الكاتدرائية المرقسية -مقر بابا الإسكندرية- بحي العباسية بوسط القاهرة، وأخذوا ينوحون ويبكون  على الكنيسة وقدسيتها، بالرغم من وجود ممارسات سافرة من الإكليروس الذين ينتمون لهم داخل الكنيسة نفسها وليس مسرح مشيد في مبنى مستقل تم تشييده وإنشاء مسرح بداخله لممارسة الأنشطة الفنية. يلوك ضباع الإيمان عبارة المسيح الأكثر حزما عندما دخل الهيكل وطرد الباعة والصيارفة حين قال: «مَكْتُوبٌ: بَيْتِي بَيْتَ الصَّلاَةِ يُدْعَى. وَأَنْتُمْ جَعَلْتُمُوهُ مَغَارَةَ لُصُوصٍ! »(إنجيل متى 21: 13) الحفل الموسيقى ليس الأول الذي يشهده مسرح الأنبا رويس، فقد أقيم على المسرح منذ نشأته عروض مسرحية وعروض كورال وحفلات مختلفة، ولم يخرج لهم صوتًا، والأدهى أنه حينما كانت تتحول الكنيسة الكبرى بالكاتدرائية لساحة تظاهر في عظات البابا الراحل الأنبا شنودة الثالث، خاصة بعد عودته من رِحْلات علاجية بالخارج ودوي هتافات "بالطول بالعرض البابا زي الورد"، "بنحبك يا بابا"، التي حفظتها عن ظهر قلب من قلب الكاتدرائية لعظة الأربعاء، خلال تغطياتي الصحفية لجريدة التحرير في عام 2011 حتى أخر عظات البابا شنودة يوم الأربعاء 7 مارس 2012، أو هتافات "بالروح بالدم نفديك يا صليب" التي كانت تشهدها نفس الكنيسة يوم الأربعاء مع الأحداث السياسية أو الطائفية المختلفة التي شهدتها مصر في تلك الفترة. ويتم انتهاك مكانة الكنيسة نفسها مكان الصلاة بالزغاريد والتصفيق والهتافات لم يخرج منهم أحد ليبدي اعتراضه. يذكر أن مسرح الأنبا رويس تم إنشائه كمبنى في عهد البابا يوساب الـ115، وكان المسرح عبارة عن قاعة اجتماعات كبيرة تحمل اسم ”القاعة اليوسابية“، وفي عهد البابا كيرلس السادس تم تغيير الاسم إلى “قاعة مار مرقس” خاصة بعد عودة رفات مار مرقس إلى مصر، وفي عهد البابا شنودة الثالث تم استخدم المكان كقاعة للاحتفالات والأنشطة الكنسية باسم مسرح مار مرقس؛ وتم تجديده وتطويرُه في عهد البابا تواضروس وفقا لدكتور جورج بشرى مدير المسرح في حوار لجريدة وطني في أبريل 2017، ويتضح أن المسرح أصبح مسرحا ومكانا للاحتفالات منذ عهد البابا شنودة وليس البابا تواضروس كما يصور هؤلاء الضباع. فهؤلاء الضباع لا يفرق معهم الكنيسة ولا قدسيتها، الأمر كله أنهم يؤدون المهمة لأسيادهم بالهجوم على البابا تواضروس الثاني، الذي لا يروقهم، وبعض هؤلاء الأسياد يرى أن كرسي البابا كان يحق له، بالتالي الموضوع لا يخص قدسية الكنيسة ولا يحزنون بل هو صراع على كرسي البابوية والتعطش للسلطة والهيمنة باستغلال اسم المسيح. السؤال هنا إلى ضباع الإيمان وأسيادهم، هل المشكلة في حفل الموسيقار هاني شنودة أم في وجود مسرح في الكنيسة من الأساس؟ وهل الكنيسة دورها إنشاء مسرح وأن تكون ساحة لأنشطة اجتماعية وفنية؟ أم دورها الصلاة والوصول للمسيح؟ وما هو مفهوم الكنيسة هل هي جماعة المؤمنين كما تعلمنا؟ أم المباني الحجرية والمؤسسة وترتيبها الهرمي؟ هل الكنيسة بوضعها الحالي هي ما قصده المسيح وما بدأه تلاميذه من بعده أم إننا ذهبنا إلى مسار آخر بعيدا عن تلاميذ المسيح الذين انتخبوا سبعة شمامسة لخدمة الموائد ليتفرغوا لخدمة الكلمة؟ هل لديكم إجابات على هذه الأسئلة؟ أشك إنكم ستجاوبون. إلى هؤلاء الضباع، هل تهمكم قدسية الكنيسة فعلا؟ فأين أنتم من تحويل الكنائس إلى قاعات أفراح يتم تأجيرها بعدة آلاف من الجنيهات تبدأ من الألف وصولا إلى 10 آلاف وأكثر، وكل كنيسة على حسب موقعها الجغرافي، إذا كانت في أحد الأحياء الراقية يزيد تكلفة حجز الكنيسة مع الزينة والتصوير والذي منه لزوم عقد الإكليل. أليس الزواج أحد أسرار الكنيسة السبعة؟ ألا يجب تقديم أي سر من أسرار الكنيسة بأي مقابل مادي؟ أليس طقس سر الزيجة كان يعقد خلال صلاة القداس؟ فلماذا انفصل طقس الإكليل عن القداس وصار يعقد مساءا وتحولت الكنيسة إلى قاعة أفراح؟ ثم تلومون على النساء على ملابسها وتطلبون منهن الحشمة والوقار ومراعاة قدسية الكنيسة، هل واجهتهم أسيادكم بما فعلوا في الكنيسة في أخر 50 سنة؟ إلى هؤلاء الضباع، هل تهمكم فعلا قدسية الكنيسة؟ كيف وفي أغلب الكنائس "كافتريات" تقدم المشروبات والمأكولات وأصبحت أماكن للقاء الناس؟ إذا كانت تهمكم قدسية الكنيسة فعلا؟ فأين أنتم من أحد أساقفة الصعيد من "حبايبكم" حين افتتح تجديد لصالون تجميل للنساء (كوافير) مؤخرًا؟ هل تهمكم قدسية الكنيسة فعلًا، كيف ومدارس التربية الكنسية (مدارس الأحد) حولتها من مكان لقاء المسيح إلى مكان لممارسة الأنشطة والتنافس في كورة القدم والكورال والمسرح والمنافسات المختلفة؟ وأصبحت نادي رياضي واجتماعي وكازينو على أيدي أسيادكم منذ 50 سنة؟ لو كان المسيح معنا اليوم على الأرض لقال لأسياد ضباع الإيمان: إن بيتي بيت صلاة يدعى وأنتم جعلتموه قاعة أفراح وكازينو ونادي اجتماعي كنيسة الإسكندرية كبيرة وعريقة، ولا يصح أن تسير بالقصور الذاتي، فلابد من وقفة لطرح الأسئلة وإعادة صياغة تعريف الكنيسة وما هو دورها تجاه المؤمنين؟ وما هو دورها تجاه الوطن؟ وما هو دورها تجاه كل مجتمع تعيش فيه؟ فهي الآن كنيسة تمتد في كافة قارات العالم، ودون وقفة حقيقة لإعادة النظر في الماضي والتعامل معه بشكل عقلاني، والتفكير في المستقبل وكيف يمكن أن نتعامل معه كما فعلت كنائس أخرى تقليدية فلن يكون لكنيستنا مستقبل. "وجود مسرح فى مكان تعليمي مكمل لرسالة المكان. . المضمون والمحتوى هما الفيصل فى تقييم العمل الفني. . وفي مزمور التوزيع بالقداس يطالبنا المُرنم "داود النبي" بالتعبير عن فرحنا باللحظة باستخدام كل أدوات الغناء وآلات التلحين والعزف في التسبيح" (كمال زاخر، في تقرير أجرته مارسيل نظمي على موقع مصراوي، 31 يناير 2023) --- ### أيها الأسقف.. من أنت؟ [۱۰] - Published: ۲۰۲۳-۰۱-۳۱ - Modified: 2023-01-31 - URL: https://tabcm.net/10244/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: المجمع المقدس, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس السادس, مجمع الأساقفة صارت كنيسة الإسكندرية كنيسة أقلية، بحكم التحولات التاريخية التي شهدتها القرون من السابع إلى العاشر، وهي تحولات سياسية أعادت توزيع أثقال القوى وتشكلت تأسيساً على الصراعات المذهبية (اللاهوتية السياسية) العنيفة، وبعد أن أفسحت الإمبراطورية الرومانية مساحة للدين ورجاله في بلاطها الإمبراطوري الحاكم، فخطّت بيدها سطرها الأخير من التفكك إلى الزوال، في تكرار متطابق مع ما صنعه إخناتون قديماً حين أفسح مساحة مماثلة في بلاطه لكهنة آتون وتبنى الآتونية ديانة رسمية دون سواها، ولم يكن ما فعله في حقيقته توحيداً، إنما رفضاً للتنوع ومصادرته ومطاردة المختلف، فكان الانهيار ينتظره في نهاية السطر. كان أهم ما يميز كنيسة الإسكندرية أنها كنيسة نسكية كارزة، وقد اتخذت الكرازة عنواناً لها، وانتهجت النسك مساراً، وكانت الرهبنة أبرز تجلياته، ولكن المحير أن كليهما ـ الكرازة والنسك ـ تاها وسط واقع يخشى تفعيل الأولى أو حتى الكلام عنها، ويعيش عكس الثانية. وهو ما يمكن أن ندركه بمجرد النظر إلى فخامة الكنائس والمغالاة في تشييدها وزخرفتها، حتى في القرى الفقيرة التي حظيت بشهرة أحد القديسين أو القديسات، حتى إن هناك من تندر على المفارقة أن إلهاً غنياً يسكن وسط رعية فقيرة، وهو ما تؤكده مطالعاتنا لملابس الإكليروس، والإمعان في ألوانها الزاعقة، وتكلفتها الباهظة، التي تشبه أزياء عصورنا الوسطى التي تميز بها سلاطين المماليك والعثمانيين وقبلهما الفاطميين، واللافت أن هناك من أجهد ذهنه في ابتداع تخريجات تردها إلى التوراة وكهنة العهد القديم، وبعضهم ذهب بها إلى تأويلات سفر الرؤيا والكهنة الجالسين حول العرش وتيجانهم وجاماتهم الذهب. واحدة من إشكاليات كنيسة اليوم ما أدخلته من ارتباكات على التراتبية الإكليروسية، التي بدأت مع حبرية البابا الراحل الأنبا كيرلس السادس حين أضاف رتبة الأسقف العام ثم تفاقمت في حبرية البابا الأنبا شنودة الثالث، حين توسعت الكنيسة بغير مقتضى في رسامة الأساقفة ـ إيبارشيات وعموم ـ حتى تقلصت مهامهم في دوائر رعوية صغيرة، تم تحميلها بما تتطلبه من التزامات لإعاشة الأسقف وما يحتاجه من معاونين، طواقم سكرتارية ومقرات إقامة، وكان من الطبيعي أن يتم تهميش الأب القمص (الإيغومانس)، ليصبح تواصل القسوس مباشرةً مع الأب الأسقف، بل ووجدت الرعية طريقها إلى مكتبه، ليجد نفسه محملاً ومثقلاً بأعباء يعجز عن تلبيتها، لكنه يجد فيها تحقيقاً لذاته وكينونته. ويتكرر نفس التوسع في ترقية القسوس إلى قمامصة ليصبح في الكنيسة الواحدة أكثر من مدبر، وعندما يُمنح الأسقف رتبة المطرانية، تأتى له كمنحة بعيداً عن حكمة التراتبية الكنسية في أصولها، ويصبح تجاوزه في منحه الرتبة مع دفعته من الآباء إشارة عدم رضا عنه، تماماً كما يحدث في الأديرة في أمر رسامة الرهبان كهنة حسب دفعاتهم الرهبانية. بالمخالفة لماهية الرهبنة وتحذيرات الآباء المؤسسين المختبرين من مغازلة الكهنوت للرهبان. صار من المعتاد أن تجد كهنة الإيبارشيات الشباب يجوبون أسواق القاهرة والمدن الكبرى يجمعون تبرعات من التجار الأقباط لمصلحة إيبارشياتهم الريفية الصغيرة أو قل لمصلحة أحلام أساقفتهم، وبأوامر مباشرة منهم، فالموارد محدودة والالتزامات متفاقمة والأحلام كذلك، ولك أن تتخيل ما يتعرضون له من مواقف صعبة وما ينتظرهم من تعنيف أو عقاب إن هم أخفقوا في مهمتهم. غير خافٍ على القارئ أن القضايا والإشكاليات التي أطرحها لا تتماس أو تقترب من مربع العقيدة أو الإيمان، فتلك حقول ألغام لا أملك أدوات تفكيكها، وتشهد معارك دونكيشوتية ميلودرامية بين أطرافها تدعو للشفقة عليهم وربما الرثاء. هنا لا أريد أن افتح ـ الآن ـ مِلَفّ إعداد الأساقفة قبل رسامتهم، الذي شهد انفراجة كانت تبشر بتطور أكاديمي مع تأسيس البابا يوأنس التاسع عشر لمدرسة حلوان للرهبان عام 1929م، بهدف تعليم الرهبان المزمع ترشيحهم لرتبة الأسقفية تعليماً كنسياً وإدارياً، لكنها أغلقت عام 1961، بقرار من البابا كيرلس السادس وأعاد رهبانها إلى أديرتهم، وسبق وأشرنا إلى هذا الأمر في الحلقة الثانية من هذا البحث، فيكفي أن تتابع ما يدور في الدوائر الأسقفية لتعرف ما صاروا إليه، خاصة المتصدرين منهم للمشهد والمقيمين بشكل شبه دائم في فضاء العالم الافتراضي، ونسوا أن مهمتهم الأولى هي الرعاية والتفاعل مع رعيتهم وقيادتهم إلى معرفة المسيح واستنارته، التي حسب طقس رسامتهم سيعطون عنها حساباً، "من يديك يطلب دمها". لا أحد يختلف حول وجوبية وأهمية التعليم حسب الآباء، خاصة في الدائرة الأساسية، الكريستولوجى، كل ما يتعلق بشخص وطبيعة المسيح وتدبير الخلاص، ولاهوت التجسد، وهو تعليم لا يَجُبْ ولا يقفز ولا يتعارض مع ما سجلته كلمة الله بل يجلي معانيها ويضبط مراميها، ويقدم لنا الإنجيل معاشاً ومختبراً، لكن هل أعُطي كل أسقف أن يخرج على الكنيسة بما يظنه تعليماً صحيحاً من عندياته؟ أم هناك ضوابط تحكم منظومة التعليم؟ وتحميها من الشطط والغلو، في كنيسة مجمعية عريقة؟ هذا ما سأتناوله لاحقاً فقد أُسهم في وقف نزيف التراشق الدائر بين بعض الأساقفة تحت مسميات مخاتلة ومراوغة. ربما نكون بحاجة إلى نقلة تدبيرية جادة في شأن ترتيب الهيراركية الإكليروسية تبدأ بتوثيق قانوني معاصر يحدد قواعد ومواصفات كل رتبة، الأسقفية والقسيسية والشموسية، ودرجاتها، وكيفية الاختيار لها. وضوابط التقاعد فيها، بشكل يجمع بين الأصالة والمعاصرة. وقد نكون بحاجة أيضاً لتحديد علاقة المركز بالأطراف بعد أن امتد حضور الكنيسة إلى كثير من بلدان قارات العالم الست، تأسيساً على موجات هجرة الأقباط إليها، بشكل ينقلها من المحلية إلى المسكونية، والبداية في ترتيب الخريطة داخلياً في مصر، حيث الكرسي البابوي، الإسكندرية، وتقسم إلى 27 مطرانية، بعدد محافظات الجمهورية، يقام على كل منها "مَطْرَان"، ويشكلون معاً مجلس مطارنة، يمثل مجمع الكنيسة الأعلى برئاسة البابا البطريرك. وتقسم كل مطرانية إلى مقاطعات أسقفية تضم عدد من مدن ومراكز المحافظة (حسب الكثافة القبطية فيها) يقام على كل مقاطعة أسقف، ويشكل مجموع الأساقفة في كل محافظة مجلس أساقفتها، ويمثل مجمع المحافظة الأعلى برئاسة مَطْرَان المحافظة. ويضم كل قطاع مجموع كنائس القرى والأحياء التابعة له، ويشكل مجموع قمامصة الكنائس مجلس القمامصة برئاسة أسقف القطاع. وتصدر الكنيسة مجموعة قوانين كنسية تنظيمية تحدد نطاق هذه المجالس ومهامها ومسئولياتها وصلاحياتها وقواعد إدارتها وضبط العلاقات داخلها، وعلاقاتها ببقية المجالس. ويتكرر هذا الترتيب في كل قارة بحيث يقود القارة بطريرك إقليمى، ومن مجموع البطاركة يتشكل مجلس بطريركي مسكوني برئاسة البابا الإسكندري. وتحدد الكنيسة مهام ومسئوليات وصلاحيات رتب بطاركة ومطارنة وأساقفة القارات، ومساحة حريتهم في إدارة إيبارشياتهم هناك، كل في رتبته، بتوازن بين الموروث الكنسي واحتياجات أجيالهم المنخرطة في تلك المجتمعات التي صارت جزءاً منها. السؤال هنا هل سيتم تداول موقع البابا لكل الرتب الكنسية حسب التقليد الكنسي فيجلس عليه، يوماً، راهب أو أسقف من خارج مصر، كما هو الحال في الكنيسة الكاثوليكية، سواء كان من أصول مصرية أم غير مصرية؟ سؤال يحتاج من الكنيسة الإجابة عليه، بشكل موضوعي. --- ### حقيقة التوراة: ما الذي يجعل الوحي إلهيًا؟ - Published: ۲۰۲۳-۰۱-۳۰ - Modified: 2025-01-12 - URL: https://tabcm.net/10319/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: أفلاطون, الإسكندر الأكبر, الحق الإلهي, الزواج الثاني, الشرق الأدنى, الوحي في المسيحية, تارح, تلمود, توراة, رواقية, صلفحاد, عيد الفصح, قديس بولس الرسول, كرستين هايز, ماركوس توليوس سيسرو منذ أكثر من ألفيّ عام، شرع بعض اليهود في التفكير في التوراة على أنها وسيلة لنقل حقيقة كونية ثابتة، وبالطبع، اختلف اليهود القدامى حول هذه الطريقة الجديدة في رؤية التوراة، وما زالت أصداء عواقب هذا النقاش تتردد إلى يومنا هذا. فلماذا ومتى بدأ بعض اليهود يفكرون في التوراة على أنها حقيقة ثابتة لا تتغير، ومتى ولماذا قاوم الآخرون؟ منذ أكثر من ألفيّ عام، شرع بعض اليهود في التفكير في التوراة على أنها وسيلة لنقل حقيقة كونية ثابتة، وبالطبع، اختلف اليهود القدامى حول هذه الطريقة الجديدة في رؤية التوراة، وما زالت أصداء عواقب هذا النقاش تتردد إلى يومنا هذا. فلماذا ومتى بدأ بعض اليهود يفكرون في التوراة على أنها حقيقة ثابتة لا تتغير، ومتى ولماذا قاوم الآخرون؟ ((هذا المقال مترجم عن محاضرة "كرستين هايز" على CNS تحت عنوان: "The 'Truth' About Torah" )) كيف بدأ الوحي؟ على مدار التاريخ، كانت هناك رؤيتان متناقضتان للغاية بخصوص الوحي: الأولى نشأت في اليونان، والثانية في إسرائيل التوراتية.   ومنذ حوالي 2300 عام، تصارعت هاتان الرؤيتان على الصدارة، حتى إن مفهومنا عن الوحي اليوم لا يزال محكوما بهذا الصراع. يمكن وصف القانون الإلهي باعتباره مجموعة المعايير التي توجّه السلوك البشري، التي يجب أن تكون مرتبطة بطريقة ما بالإله أو متجذرة بطريقة ما في العالم الإلهي، وهذه فكرة مشتركة بين اليهودية، والمسيحية، والإسلام. ولكن، هذه الفكرة ليست حتمية؛ فهذه فكرة لن تجدها حقًا في الثقافة الصينية مثلا؛ ولن تجدها كذلك في ثقافات الشرق الأدنى القديم، فالآلهة كانت تمنح الملوك والحكام الحكمة ومبادئ العدالة، لكنهم كتبوا قوانين حمورابي بطريقتهم الخاصة، أليس كذلك؟ المفهوم الجامد للوحي بوصفه قوانين معطاه من الإله مباشرة، ظهر أول مرة عند قدماء اليونانيين، ثم في الكتاب المقدس العبري ولكن بشكل مختلف تمامًا. وهنا حقًا تبدأ قصتنا. الوحي عند قدماء اليونانيين (الإغريق) اعتبر فلاسفة اليونان القانون الطبيعي إلهيًا لأنه يعبر عن الإطار الثابت والهيكلي لنظام الطبيعة، وأول من استخدم لفظة الوحي هم (Stoics) الرواقيون، مجموعة من الفلاسفة اليونانيين، ويمكننا أن نخص الفيلسوف "أوستن" بالذكر في إشارته إلى القانون الطبيعي. لقد فهم هؤلاء أن الوحي هو نظام عقلاني، لا يتجزأ من العالم الطبيعي، والطبيعة البشرية، ويحكمهما. وكان هذا المفهوم ثوريا في ذلك الوقت؛ لأن في ذلك الحين، كان الاعتقاد السائد أن الطبيعة فوضوية ووحشية، وتستلزم الحضارة لإنقاذ البشر من شرها. أما الرواقيون فقد رفضوا فوضوية الطبيعة، وأقروا بوجود نظام يحكم الطبيعة، وبالنسبة لهم، كان الله والطبيعة كيانا واحدا. بالتالي، فإن النظام العقلاني المتأصل في الأنماط التي تحكم الطبيعة والأنماط التي يدركها الإنسان هو النظام العقلاني لله نفسه. وبما أن الطبيعة هي الله والله هو الطبيعة، فالقانون الإلهي كان بالنسبة لهم قانونا غير مكتوب. حين كتب شيشرون النظرية الرواقية الكلاسيكية للقانون الطبيعي أو الإلهي قال بأنّ القانون الإلهي طبيعي، بالتالي فهو موجود بين الجميع بشكل ثابت ودائم، كقانون الجاذبية على سبيل المثال، الذي لا يقدر أحد على تعديله أو إلغاؤه. ثم أن القانون أبدي، غير قابل للتغيير، ويصلح لجميع الشعوب في جميع الأوقات. لذلك بالنسبة للرواقيين، القانون الإلهي: ١- منطقي، ٢- طبيعي، ٣- غير مكتوب. إن الوحي، عند اليونانيين، هو قانون يجب أن ينطبق على الجميع، وهو الكمال التام. لذلك، فمن شروطه أن يكون غير مكتوب؛ إنه ليس مجموعة من القواعد أو التشريعات المنقولة عبر الكلمات أو العبارات، إنه الترتيب العقلاني للكون نفسه (Logos)، وإتباع القانون الطبيعي الإلهي المضمّن في الطبيعة يمكن أن يقود البشر إلى الفضيلة الحقيقية والسعادة. واعتقد الإغريق أنه مثلما يوجد القانون الإلهي، يوجد أيضا القانون البشري. وفصلوا بينهما (سنرى لاحقا أن الكتاب المقدس لا يفعل ذلك). لذا فمن ناحية، هناك القانون الطبيعي الإلهي المستقل عن القانون الوضعي البشري. إن قوانين المجتمعات البشرية تخلق قواعد ومحظورات ملموسة فعلية، تخبرك بالتوقف عند الضوء الأحمر على سبيل المثال، وإلا ستدفع غرامة. تلك هي القوانين البشرية التي تم تدوينها في صورة كلمات، وجمل، ليتم فرضها من خلال القانون الوضعي للسلطة القسرية. تلك القوانين ليست طبيعية وهي عرضة للتغيير مع مرور الوقت، وهي لا تعكس بالضرورة الحقيقة أو الواقع الطبيعي للكون. فنحن نتوقف عند الأضواء الحمراء ﻻ لشيء سوى كونها (Social Convention) اتفاقية جماعية اتفق البشر على القيام بها ، ولكن، لا يوجد شيء منطقي متأصل في الإنسان يجعله يتوقف عند رؤية اللون الأحمر. أكد الرواقيون على أهمية مطابقة سلوكهم مع النظام الطبيعي دون الحاجة إلى قوانين الدولة الوضعية المزعجة، فإدراك الشكل المثالي للعدالة يعتمد على إدراك النظام العقلاني للطبيعة، الذي يمكن أن يقودنا إلى الفضيلة، فهذه القوانين المكتوبة تجبرنا على الطاعة، وهذه ليست الفضيلة الحقيقية. لذلك، قال أفلاطون إن الحل يكمن في الثقافة والكمال العقلاني. إذا قابلت فيلسوفًا يونانيًا قديمًا وسألته: "ما هو الوحي الإلهي؟" سيجيبك إن الوحي يعتمد على عدة صفات كامنة فيه: فهو المنطق والعقلانية الحقيقية الصالحة لجميع البشر بلا تغيير. اليهودية: مفهوم مختلف للوحي على النقيض من ذلك، نجد في التقليد الكتابي للكتاب المقدس العبري أن القانون يعد إلهيا ليس بحكم أي صفات جوهرية فيه، ولكن لأنه فقط قد أنزله الله؛ فهو ينبع من إله هو سيد التاريخ في الكتاب المقدس. باختصار، إن الوحي يأخذ قوته ﻻ لشيئ سوى كونه أمرا أقره الله. أي أنه ليس تعبيرًا عن العقل الطبيعي، بل مجموعة من التشريعات الفعلية، وضعت في سيناء، وأعطاها الله في صورة كلمات، وقوانين، ووصايا ملموسة. نحن لا نتكلم فقط عن الوصايا العشر ولكن عن مجموعة كاملة من القوانين حول كل شيء من الطلاق إلى قوانين الوصاية والسرقة وما إلى ذلك، لذا فهي وصايا فعلية وفقًا للقصة التوراتية. لقد ذهب موسى وكرر للناس أوامر الرب جميعها، وأجاب جميع الناس بصوت واحد قائلين إن كل الأشياء التي أمر بها الرب ستنفذ. ودون موسى أوامر الرب. ولأول مرة في التاريخ، نجد إلها يعطي قانونًا فعليًا يفصل بين الأبيض والأسود، قانونًا بالحروف السوداء المنقوشة بإصبع الله. ولم يحدث في الشرق الأدنى القديم، ولا في أي مكان آخر، أن يعطي الإله قانونًا هكذا. على عكس الوحي الصالح لجميع البشر، يقدم العقد القديم وحيا خاص بجماعة معينة من البشر (بنو إسرائيل) بهدف تمييزهم وفصلهم عن باقي الشعوب. وهو إلى ذلك يحتوي على نوع من القوانين التمييزية أو غير المنطقية بشكل خاص: قوانين لا يتم ملاحظتها طبيعيا. وهي أيضا قابلة للتغيير؛ لأن فعل الإرادة الإلهي يمكن تغييره بأفعال لاحقة. وهكذا في القصة التوراتية، هناك قواعد ومراسيم جديدة يتم إصدارها كل يوم، فنجد موسى يسأل الله مرات عدّة عما يجب أن يفعله. فهو يجمع الحطب ويوم السبت لا يعرف ماذا سيفعل؟ كيف يكون التصرف إزاء الفقراء في عيد الفصح على سبيل المثال؟ لذلك، يعود موسى مرارًا وتكرارًا إلى معطي القانون وهو يجيبه. وهناك حاجة إلى قواعد جديدة في بعض الأحيان؛ على سبيل المثال، في سفر التثنية إصحاح 12، يخبر الله الإسرائيليين أنهم على وشك دخول الأرض، وهناك، ستكون الأمور مختلفة بعض الشيء عن المعتاد. لذلك، يجب عليهم تقديم الذبيحة في مكان واحد فقط. وفي تثنية 17، يخبرهم الله أنه سيأتي يوم يحتاجون فيه إلى ملك، بالتالي سيضع الله قوانينا جديدة ليتبعها هذا الملك. وفي سفر العدد 27، تأتي بنات صلفحاد إلى موسى، ويطلبن منه ميراث أبيهن؛ لأنه من الظلم حقًا أن تذهب ممتلكات الرجل إلى إخوته إذا مات وليس له ابن. فوضع موسى دعواهن أمام الرب ليرى ماذا سيقول الرب. ويقول الرب لموسى: أتعلم يا عزيزي موسى لقد رأيت أن الفتيات على حق، فلما لا نغير القانون وفقا لرؤيتهن؟ هذه فكرة جيدة يجب عليك تدوينها يا موسى في القانون الإلهي، ولنفعل كما قالت الفتيات من الْآنَ فصاعدا! "بِحَقّ تَكَلَّمَتْ بَنَاتُ صَلُفْحَادَ، فَتُعْطِيهِنَّ مُلْكَ نَصِيبٍ بَيْنَ إِخْوَةِ أَبِيهنَّ، وَتَنْقُلُ نَصِيبَ أَبِيهِنَّ إِلَيْهِنَّ. وَتُكَلِّمُ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَائِلًا: أَيُّمَا رَجُل مَاتَ وَلَيْسَ لَهُ ابْنٌ، تَنْقُلُونَ مُلْكَهُ إِلَى ابْنَتِهِ. "(سفر العدد ٢٧: ٧-٨) فإن القانون الإلهي يخضع للتغيير عبر الزمن التاريخي حيث تنشأ الظروف. وبعض الوصايا ليست طبيعية في جوهرها، فالشعب مطالب بتناول أطعمة معينة، وبارتداء ألوان معينة في الزي! تنافر معرفي تصادمت هاتان النظرتان للقانون الإلهي وجهاً لوجه بعدما قرر الإسكندر الأكبر في سن 23، احتلال الطرف الشرقي للبحر الأبيض المتوسط. أدى ذلك إلى تدفق الأفكار الهلنستية من اليونان إلى دول الشرق الأدنى القديم، وخلق هذا تنافرا معرفيا لليهود الذين عاشوا تحت الحكم الهلنستي؛ لقد انزعج اليهود لأن اليونانيين قد رفضوا رؤيتهم للوحي الإلهي. فقد اعتبر اليونانيون الكتاب المقدس العبري مجرد مجموعة من القوانين الوضعية البشرية. فبالنسبة للفلاسفة اليونانيين، لا يمكن أن يكون القانون الإلهي مكتوبا، وموجها لمجموعة من البشر هكذا، بل يجب أن تستشعره النفس الإنسانية بشكل طبيعي، لا بفرضه فرضا. فالقانون الإسرائيلي، كونه مرتبطًا بشعب، وملك، وأرض، ويتغير بتغير الأحوال، فمن الصعب أن يصنف إلهيًا. فيلون السكندري وبولس الرسول حاول فيلون السكندري مجاراة الرأي اليوناني، وقال إن الوصايا العشرة تتوافق مع مبادئ الطبيعة الأبدية؛ لأنها لا تتغير. وهي غير مكتوبة؛ لأنها قائمة منذ الأزل بغض النظر عن قصة شعب بني إسرائيل التي تمثل الإطار الذي وضعت فيه هذه القوانين. فالمهم هو أن التوراة تبدأ بقصة خلق العالم. فرواية الخلق تثبت أن التوراة حقًا تخص البشرية جمعاء. كما أكد فيلون على أن التوراة المكتوبة هي فقط "نسخة" من الحقيقة الأزلية غير المكتوبة. كان بولس يهوديًا فريسيًا في القرن الأول، ولكن على عكس فيلون، قال إن شريعة موسى لا تمتلك السمات المميزة للقانون الإلهي الطبيعي؛ فهي تحتوي على خصوصيات لكونها الدستور المكتوب لشعب معين، وبعض قوانينها تعسفية وغير عقلانية إلى حد كبير.   دعني أقول إن فيلون وبولس يتفقان في قبول التعريف اليوناني للوحي، ولكنهم اختلفوا في تصنيف القانون التوراتي؛ كان فيلون مقتنعًا بأن التوراة قانون إلهي. أما بولس، فقد قام بخطوة معاكسة حين قال إن قانون موسى كان قانونًا وضعيا إيجابيا، لكنه ليس أبديا وملزما للجميع. فالأمم بإمكانهم الدخول إلى المسيحية دون الحاجة إلى التهود. مغالطات منطقية في التوراة تنحرف التوراة أحيانًا عن الحقيقة المنطقية، ولا تتوافق دائمًا مع الواقع المادي أو الحقائق الطبيعية. ويقر معلمو التوراة بهذا. والبعض يقول إن المنطق البشري عليه أن يتوافق مع التوراة، لا العكس. حتى أن الأدب الحاخامي يحتوي على نص من القرن الثاني يقبل فيه "جمليئيل"، عن علم، شهادة زور حول مراحل القمر، أثناء ضبطه للتقويم. وكان على الناس وقتها القدوم إلى المحكمة والإدلاء بشهادتهم بخصوص رؤيتهم للقمر، ليتحدد متى يكون اليوم الأول من الشهر القمري. وكان ذلك مهمًا؛ لأن الاحتفالات والأعياد كانت تقام وفقًا لهذا التاريخ، مثل يوم كيبور (يوم الغفران) على سبيل المثال. ومن الناحية الفلكية، لا يمكن أن يرى شخص القمر الجديد في الوقت الذي لايزال القمر القديم فيه موجودا. لكن "جمليئيل" قبل هذه الشهادة وصدق أنه من الممكن أن يتواجد القمران معا؛ فالقانون الإلهي لا يخضع للمنطق، وعلينا أن نتوقع حدوث أشياء غير منطقية: اثنان واثنان لا يجب أن تساوي أربعة! كما يرى المفسرون أن القوانين غير المنطقية في التوراة، مثل تحريم الملابس ذات الانسجة المختلطة وتحريم تناول الخنزير، تعد فرصا للإنسان لممارسة الطاعة. رغم غياب المنطق، يمكن للإنسان أن يقول: نعم أرغب في أن أرتدي أنسجة مختلطة، وأرغب في تناول الخنزير؛ لكنني سأطيع أوامر الرب التي لا أفهمها. وتلك القوانين التعسفية هي قوانين التوراة الإلهية، حسب هذا الرأي، لأن القوانين المنطقية، الفطرية مثل "لا تقتل" موجودة في كل الدساتير والأديان. مقاييس إنسانية للحقيقة يتسامح المفسرون اليهود مع التشريعات والقوانين إذا كان التهاون مع الوصايا سيحقق هدفا إنسانيا نبيلا. معظمنا يعرف تلك القضية الشهيرة حين يختفي زوج إمراة أو يفيد بعض الشهود بوفاته، ثم يعود بعد مدة ليجد زوجته متزوجة من شخص آخر. يرى المشرعون في هذه الحالة أنه لا يجب إنهاء زواج المرأة الجديد رغم عودة زوجها السابق. لقد تكررت هذه الواقعة في "أوهايو" منذ عشرة سنوات، وحكمت المحكمة باستمرار الزواج الثاني ونهاية الأول؛ بعد غياب الزوج لمدة ثلاثين عامًا. فهناك مقاييس أخرى للحقيقة الإلهية يجب أن نأخذها في الاعتبار. ليست في السماء. . بل هنا والآن يقول المفسرون إن التوراة لم تعد في السماء بعد، بل هي هنا بيننا. "لَيْسَتْ هِيَ فِي السَّمَاءِ حَتَّى تَقُولَ: مَنْ يَصْعَدُ لأَجْلِنَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَأْخُذُهَا لَنَا وَيُسْمِعُنَا إِيَّاهَا لِنَعْمَلَ بِهَا؟" (سفر التثنية 30: 12) بمجرد تلقينا للتوراة، أصبح لنا الحق في تفسيرها وتشكيلها. ووفقا للتلمود، يكمن السبب الرئيسي لتدمير أورشليم في التمسك الشديد بنصوص التوراة؛ لذلك، فالقاضي العادل يجب أن يرخي يده قليلا وهو يطبق النصوص الإلهية، ويفكر في عدة مبادىء بخلاف الحقيقة، مثل الرحمة، والتسامح، والسلام، وفعل الخير. وفي أحيان كثيرة، يجب أن يفضّل هذه المبادئ على الحق الإلهي المكتوب. كما يذكر التلمود أن الله أيضا لا يتشبث بالتوراة وهو يصدر أحكامه العادلة. فهنالك ذلك التقليد الشهير الذي يصف ما يفعله الله خلال يومه. فهو يبدأ الثلاث ساعات الأولى من النهار بقراءة التوراة، وهو جالس على كرسي الحقيقة، ثم يذهب ليجلس على كرسي الرحمة في منتصف اليوم ليصدر أحكامه التي يوازن فيها بين الحق والقيم الأخرى، وهذا هو الوقت الذي يتمنى فيه الجميع أن يحكم الله في أمورهم (من كرسيّ الرحمة، ﻻ من كرسيّ العدل). وهناك عدة قصص في التلمود تصور الله كقاض في محكمة يناشد هيئة الدفاع بالتوصل إلى وسائل تهزم عدله؛ لأنه لا يريد أن يحكم بالعدل، بل بالرحمة. "جيتين": التعديلات التي أجراها البشر على كلام الله وفقا للتقليد اليهودي، لا يجب أن نعد القانون الإلهي ثابتا وجامدا، بل على العكس، هذا القانون -لأنه إلهي- يجب أن يتغير ويتشكل عند تطبيقاته بواسطة البشر. هذه المرونة هي دليل ألوهيته. ففي كثير من الأحيان، يقرأ الحاخامات القانون الإلهي ثم يقولون: لدينا رأي أفضل مما قرأنا. ويوجد كتاب كامل في التلمود يسمى "جيتين" نجد فيه قائمة بالأحكام الإلهية والتعديلات التي أجراها الحاخامات عليها. فالتقليد يؤكد أن الله يسمح للمفسرين بتعديل أحكامه، وهذا هو دورهم الذي يتوجب عليهم القيام به؛ على سبيل المثال، رغم أن الشريعة تسمح للرجل بإلغاء عقد الطلاق دون إخبار الزوجة، منع الحاخامات مثل هذا التصرف؛ لأنه سيثير مشاكل مجتمعية. كما عدل المفسرون الشريعة الخاصة بتحرير العبد من سيّد واحد -إن كان لديه سيّدين- ليصبح نصف حر، وأصبح إلزاما على السيّد الآخر تحريره ليصبح حرا بالكامل؛ لأنهم رأوا أن نصف حرية ستسبب عدة مشاكل للعبد في الزواج؛ فهو لن يستطيع الزواج؛ لا من عبدة ولا من حرة. فالإنسان يعد شريكا أساسيا في نقد القانون الإلهي بغية تحسينه؛ وفي سبيل هذه الشراكة الإلهية-الإنسانية، لم يعطنا الله قانونا كاملا بشكل نهائي. هكذا دافع المفسرون اليهود عن الوحي التوراتي أمام الفكر اليوناني. يمكننا أن نقول أنّ المفسرين يجادلون مع الله بخصوص القوانين باعتبارهم مختبرين حقيقيين للحياة على الأرض، هم يعملون مع الله لمساعدته، لا لأنهم يجدون القوانين خاطئة؛ بل لأنهم يجربون معه مدى صلاحية هذه القوانين لهم. وهم يؤمنون أن الله أعطاهم الحق والسلطة ليقولوا له في أي وقت: يارب لقد جربنا هذا القانون، ووجدنا أنه لم ينفع معنا. لذلك، يبقى الوحي عملية مستمرة من التواصل بين الله والإنسان. المدراش: موسى يعلم الله درسا! هناك كتاب حديث النشر لـ"دوف فايس" يدعى "Pious Irreverence" (تقوى بلا خضوع) يقدم فيه الكاتب مجموعة من القصص في الأدب اليهودي يصحح فيها الإنسان أحكام الله. في بعض الأحيان، يرد الله على النقد الموجه إليه بحجج قوية، وفي أحيان أخرى، يقبل النقد، ويعدل أحكامه، وبشجاعة أدبية لافتة للانتباه، يعترف الله أن رؤيته بحاجة إلى التعديل، وأن الإنسان على حق. ولدينا المثال الشهير حين جادل موسى مع الله بخصوص قانون العقاب الجماعي. قدم الله نفسه إلى موسى قائلا إنه لا يكتفي بمعاقبة جيل واحد على الخطيئة. "مُفْتَقِدٌ إِثْمَ الآبَاءِ فِي الأَبْنَاءِ، وَفِي أَبْنَاءِ الأَبْنَاءِ، فِي الْجِيلِ الثَّالِثِ وَالرَّابعِ" (سفر الخروج 34: 7) لكن، يبدو أن موسى لم يقتنع بهذه الفكرة، فهو يصرح علانية بعد ذلك: "لاَ يُقْتَلُ الآبَاءُ عَنِ الأَوْلاَدِ، وَلاَ يُقْتَلُ الأَوْلاَدُ عَنِ الآبَاءِ. كُلُّ إِنْسَانٍ بِخَطِيَّتِهِ يُقْتَلُ" (سفر التثنية 24: 16) يقول "دوف هايس" إن المفسرون احتاروا في تفسير عبارة "موسى"؛ أهو يتحدث إلى الشعب أم إلى الله؟ ففي المدراش، هناك نص يقدم حوار تخيلي بين الله و"موسى" في محاولة تفسير معارضة الله لـ"موسى" بالنسبة  لقانون العقاب. يقول "موسى" لله في هذا النص المدراشي، إن "تارح" كان عابدا للأصنام، لكن "إبراهيم" ابنه كان بارا يخشى الله. فكيف نعاقب الأبناء على جرم الآباء؟ ليقول الله لـ"موسى": "لقد علمتنى شيئا جديدا يا موسى. سأغير عهدي، وأثبت ما قلت" ( Midrash / Numbers Rabbah II) لذلك، نجد "حزقيال" ينص فيما بعد على قانون العقاب الفردي: "اَلابْنُ لاَ يَحْمِلُ مِنْ إِثْمِ الأَبِ، وَالأَبُ لاَ يَحْمِلُ مِنْ إِثْمِ الابْنِ. بِرُّ الْبَارِّ عَلَيْهِ يَكُونُ، وَشَرُّ الشِّرِّيرِ عَلَيْهِ يَكُونُ" (سفر حزقيال 18: 20) وفقا للمدراش، هذا التحول، كان بفضل إقناع "موسى" لله. هذه الصورة عن القانون الإلهي المتطور تبتعد كل البعد عن الوحي عند فلاسفة اليونان. فبينما يرى فلاسفة اليونان أن الوحي لا يمكن تغييره وأن دور الإنسان هو الخضوع للقانون الطبيعي الذي يسري سواء شاء الإنسان أم أبى، يرى التقليد اليهودي أن القانون الإلهي الثابت هو قانون ميت. لكن، مع الأسف، لقد تأثر اليهود الأرثوذكس بالمفهوم اليوناني عن الوحي، فصاروا يجمدون قوانين التوراة ويصبغونها بصبغة هيلينستية. --- ### أهمية دراسة اللاهوت - Published: ۲۰۲۳-۰۱-۲۹ - Modified: 2023-01-29 - URL: https://tabcm.net/4077/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: الأب متى المسكين, الكنائس الأرثوذكسية قدم الأب متى المسكين رؤية لاهوتية مغايرة تماما للعبارة التي تقول ”بينما يتباحث اللاهوتيون يدخل البسطاء الملكوت“. ويذكر الأب متى المسكين الآتي: ”إن التعليم اللاهوتي لا يمكن تصنيفه مع التاريخ، فلا هو تاريخ الماضي ولا تاريخ الحاضر ولا المستقبل، لأنه لاهوت الكائن الذي كان، الذي يأتي، الأول والأخِر، البداية والنهاية معاً “. ويضيف: ”إن التعليم اللاهوتي لا يندرج تحت مفهوم المعارف والعلوم التي يستزيد منها الإنسان لمعرفة أكثر أو لثقافة أفضل، بل إن التعليم اللاهوتي تنصهر كلماته في الحق نفسه الصادر من ”اللوغوس“ شعاع النور الأزلي، كلمة الله الخالق المحيِّي الفعَّال، فتصير مَدرَجاً لارتقاء الإنسان في هذا النور فوق ذاته وفوق كيانه وفوق كل مدركاته لبلوغ ذات المصدر المحيَّي والالتحام بالكلمة الأزلي، لا في مفهوم المعرفة المجرَّدة، بل في إدراك سرَّ الخلق والدخول في صميم الحق والحرية والقداسة التي منها ومن أجلها خُلق الإنسان وإليها يسعى ويلتحم، التي هي كمال الغبطة والحب والسلام في الله لكي يصير الله الكل في الكل، كالنور الذي يبتلع الظلال“. ويتابع: ”اللاهوت نتصوره كما نتصوَّر النجم في السماء، ولكن من العسير أن نحصل على حقيقة أبعاده  فهو "قد جعل نفسه كل شيء لكل أحد" مثلما كانت أخلاق وليونة بولس المتعددة الجوانب بالرغم من غيرته وحدَّة بصيرته في الدفاع عن الحق في صلابة وثبات لا ينثني“. ويقول: ”اللاهوتي يستلم الإيمان الرسولي من الآباء والرسل دون أن يضيف على أصوله شيئاً، ويكون شارحاً ومدافعاً له حتي الموت... ويكتب ما رآه وما سمعه من فم الحكمة ذاتها التي أعطته الفطنة ليبدد أقنعة الظلام فيستعلن الله حاضراً في الكون ومتكلماً في إنسان“. ويؤكد: ”اللاهوتي هو أكثر من واثق، فمِن خلف مواقف العنف تشع كلماته بالنصرة الأكيدة، وتنبض بفرح الرائي الذي يرى الحق وهو في سبيله لتبديد الظلمة المعاكسة التي مآلها حتماً إلى زوال“. ويوضح: ”اللاهوتي يسير على القانون الروحي القائل بأن الأرثوذكسية عليها أن تشرح الإيمان بالإقناع وليس بالقوة“. ويقول: ”النصرة في حرب الإيمان ليست مسألة سيوف أو منطق كلام أو سلطان إنسان، بل إيمان وإنجيل وتقليد وتقوى. والتقوى صِدق والتزام بنص الإنجيل عملاً وسلوكاً، لتأتي بَعد ذلك، الكلمة فعَّالة ونيِّرة، والحجة ملهِمة رادعة بقوة السماء لا بسلطان الناس“. كما يقول: ”اللاهوتي يتحمل الاضطهاد ولا يَضطهد أحداً قط“. ويشير إلى أنه ”تكثر مدارس الدين العقلانية منذ العصور الأولى، التي فيها يدرسون الدين كفلسفة يندرج تحتها كل التعليم اللاهوتي كمواضيع نقاش وتحليل، حيث الرجوع فيها دائماً إلى المنهج الفلسفي القائم على تعالي فكر الإنسان فوق تنازل الله في سر التجسد حسب صلاحه... وحيثما التعالي على محبة الله الآب التي أعلنها لنا في المسيح كلمته الذاتي الأزلي، ابنه الذي بذله من أجلنا أجمعين لكي نحيا، فإنه بذلك تتوارى وتغيب حقيقة الخلاص وحقيقة الله برمتها، ويتعطل انتقالهم من الموت إلى الحياة، ويخرجون من الكنيسة مثلما خرج آدم من الفردوس“. ويوضح: ”هكذا فإن عظمة التعليم اللاهوتي أنه استنارة لمعرفتنا عن الشركة التي في سر الثالوث المقدس -شركة حب وحياة وفرح الآب في ابنه- كأعظم مصدر للحب والسرور وبهجة الخلاص لنا. ليس بالجدل والمناظرة والمقارنة الجافة بل الدخول الحقيقي والعملي في سر الشركة المفرِحة والحياة الأبدية بالثالوث وفي الثالوث المقدس“. وختاماً نكرر بأن معرفة اللاهوت والعقيدة المسيحية أساس التقوى في منهج الروحانية الأرثوذكسية. فالعقيدة المسيحية في المفهوم الأرثوذكسي هي تسبحة الداخلين إلى الملكوت، فاللاهوتي هو الذي يصلِّي ويسبِّح باللاهوت كما في كل تاريخ صلوات الكنيسة القبطية. الذي يصلِّي هو لاهوتي. والسُبح لله بقلم د. رءوف أدوارد --- ### إعادة فحص لهرطقات التجسد - Published: ۲۰۲۳-۰۱-۲۸ - Modified: 2025-02-02 - URL: https://tabcm.net/10309/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: أوريجينوس ليونايدس أدامانتيوس, الأوطاخية, الثالوث القدوس, الكنيسة الجامعة, النسطورية, بابا كيرلس عمود الدين, ساويرس الأنطاكي, قديس أثناسيوس الرسولي, مجمع خلقيدونية لا شك أن التعبير البشري عن "كينونة" التجسد سيقف عاجزا، فنحن نستعمل المفردات المتاحة لدينا، التي أنتجها العقل البشري، ولكن ماذا عن "سر" التقوى! ! لا شك أنه يفوق قدرات التصور، حتى حين اجتهد الآباء لاستخدام أمثلة تقرب "الحدث" جاءت قاصرة تغطي جانبا واحدا فقط، وعليه فنحن نستطيع القول إننا نعرف كيف "لا يكون" التجسد، أكثر بكثير مما نعرفه عن كيف "يكون" التجسد، الأمر والحالة هكذا. لا مناص من أن يؤدي إلى خلافات عميقة تظهر فهما مختلفا لزوايا "السر". في مقال سابق "مدخل إلى هرطقات التجسد" تحدثنا عن حالات الخلل في فهم التجسد، وحان الآن أن نسبح أكثر عمقا مستخدمين المفاهيم التي استعملها الآباء لمحاولة الاقتراب من فهم "كينونة" التجسد، أو بالأحرى كيف "لا يكون" التجسد (وهو ما يعرف بالهرطقات). جوهر. . طبيعة. . أقنوم. . شخص. . كان من المحتم استخدام الآباء للمفردات التي تناولت الوجود الفيزيقي والميتافيزيقي من قبل الفلاسفة السابقين على ظهور المسيحية، فمن ناحية: لوحدة الموضوع وسبق فحص العلاقة "المخلوق - الخالق"، ومن ناحية أخرى: لخلق لغة مشتركة مع الوثنيين تسهل من فهمهم للمسيحية. ولا شك أن الفضل الأعظم لهذا يعود للسكندريين، وباﻷخص العلّامة القدير "أوريجانوس"، الذي أدخل استعمال هذه المفردات في اللاهوت، ونقلها عن السكندريين الآباء الكبادوك، حتى استقرت مفاهيم ودلالات هذه المصطلحات في مجمع سكندري عقد برئاسة القديس أثناسيوس عام 362م، وأصبح وصف الثالوث الإلهي بعبارة "جوهر واحد وثلاثة أقانيم" هو علامة الاستقرار على الاستخدام الشائع للمصطلحات مسكونيا. الجوهر: الجوهر هو الأساس المجرد المشترك لأفراد من نفس "النوع"، والجوهر هو ما يجعل الفرد منتميا لهذا "النوع" طبيعيا، وهو أيضا ما يعطي لهذا "النوع" فرادته بين باقي الأنواع. فالجوهر الإلهي هو المشترك بين ثالوث الأقانيم الإلهية. والجوهر البشري هو المشترك بين جميع أفراد البشرية منذ خلقهم حتى اليوم الأخير. الجوهر يمكن إدراكه بالذهن فقط، فهو لا يوجد في الواقع إلا خلال أقانيم تمثله، وسنلاحظ أنه لا يمكن تصور أنه يقبل التركيب وإلا أنتج جوهرا جديدا و"نوع" جديد. الأقنوم: الأقنوم هو التعبير عن الجوهر ووجوده المستقل في الواقع. والأمر هنا معقد قليلا، فهناك تصنيفات مختلفة للأقنوم. فمن حيث البساطة: هناك أقنوم بسيط مفرد مثل أقانيم الثالوث القدوس، وهناك أقنوم مركب كالأقنوم البشري، مكون من أقنوم الجسد وأقنوم الروح العاقل. ومن حيث التفاعل: هناك أقنوم قائم بذاته قادر على التفاعل مثل أقانيم الثالوث القدوس، والأقنوم البشري، وهناك أقنوم اعتمادي غير قائم بذاته غير قادر على التفاعل، مثل أقنوم الجسد في الأقنوم البشري. الشخص: الشخص هو فقط كل أقنوم قائم بذاته قادر على التفاعل، مثل أقانيم الثالوث القدوس، والأقانيم البشرية: فلان، زيد، ... ... . ، الشخص هنا أقنوم بلغ كمال الوجود، وتميز من جهة الاسم وما بعده. الطبيعة: استخدم السكندريون مفهوم الطبيعة بمعنى الإطار الجامع لأقانيم من نفس النوع بمعنى عام يقترب من "الجوهر"، وذلك في السياق العام والشرح الكتابي. أما في السياق الكريستولوجي، فكان الاستعمال بالمعني المتخصص المتفرد فمثلا: طبيعة واحدة متجسدة تطابق تماما أقنوم واحد متجسد. ولنجمع كل ما سبق نستعين بفقرة للقديس كيرلس الكبير من كتاب الكنز: "إن طبيعة اللاهوت بسيطة غير مركبة، ولا يمكن أبدا أن نقسمها إلى اثنين: آب وابن، أما أن هناك اختلاف بين الإثنين فأنا أقصد أن هذا الاختلاف لا يوجد حسب الجوهر، بل يدرك من الخارج، لأن كل شخص يختلف عن الشخص الآخر، ويوجد في أقنوم خاص به، لكنهما متحدان طبيعيا في وحدانية اللاهوت"(كيرلس الإسكندري، كتاب الكنز) يتبقى الإشارة إلى أن دلالات المفاهيم التي تم إيجازها أعلاه كانت هي الدلالات المستقرة مسكونيا، ويتم استعمالها بنفس دلالاتها في الكنيسة الجامعة شرقا وغربا، حتى أتى زمان خلقيدونية ورياحه المسمومة، وفي إحدى مؤامراته جرى إعادة تعريف هذه المفاهيم لتصبح: طبيعة = جوهر، أقنوم = شخص، في محاولة ساذجة لضرب الفهم اللاهوتي السكندري، ولكن المحاولة- بالرغم من استقرارها حتى الآن- أضرت بهم كثيرا حتى أنه بالنسبة لأي منصف، فمسيح نسطوريوس أكثر معقولية من مسيح خلقيدونية منطقيا، كما فند بحق قديسنا العظيم ساويرس الأنطاكي. عودة إلى الهرطقات وكيف لا يكون "التجسد"، ومدخلنا الآن هو "مستوي الاتحاد" القائل بالاتحاد الجوهري (الاتحاد على مستوى الجوهر) لينتج جوهرا واحدا، فهذا ذهاب إلى عائلة الهرطقات المونوفيزية (الأوطاخية) فضلا عن لا معقولية التصور نفسه. القائل بالاتحاد الشخصي (الاتحاد على مستوى الشخص) لينتج شخصا واحدا، فهو ذهاب إلى النسطورية، فضلا عن لا معقولية التصور نفسه منطقيا، فالشخوص قد أكتمل وجودها الذاتي ولا يمكن دمجهما في شخص واحد. القائل بالشخص الواحد في طبيعتين، يذهب إلى "اللاونية"، حيث وجود كل طبيعة لتتلقى أو تصنع ما يخصها، وهذا يجعل من كل طبيعة مركزا للفعل لا يستقيم إلا بتشخصها، فنعود إلى النسطورية ووجود شخصين لا يمكن أن يصيرا واحدا. وإذا استبعدنا الاتحاد الجوهري والاتحاد الشخصي لأسباب تتعلق بداءة بالمنطق، دون حتى التطرق لمقاصد التدبير الإلهي الخلاصي للتجسد، لا يتبقى لنا إلا "الاتحاد الأقنومي" (الاتحاد على مستوى الأقنوم) لينتج أقنوما واحدا، وهو المنهج السكندري لشرح الاتحاد، والحق إننا لا نرى فيه مطعنا، لا منطقيا، ولا تدبيريا. منطقيا: شخص الكلمة (أقنوم مفرد قائم بذاته) أخذ من العذراء مريم "عينة" بشرية كاملة، جسدا ذو روح محيية عاقلة ليصيّره جسدا له وينشأ عن الأخذ أقنوما مركبا، قائم بذاته، قادر على التفاعل (=شخص الكلمة المتجسد). البسيط أصبح مركبا. غير الجسداني أصبح متجسدا هو نفسه. وتدبيريا أيضا فالأمر يبدو منطقيا تماما، فيقول القديس ساويرس في مقدمة كتابه "محب الحق": "فنحن نقصد بعمانوئيل الشخص الذي سلمنا الآباء الإيمان بأنه هو الله الكلمة، الابن الوحيد المولود من الآب أزليا بلا بداية وبطريقة غير جسدية، الذي في أخر الأيام، ومن أجل خلاصنا اتخذ من الروح القدس ومن القديسة والدة الإله دائمة البتولية مريم جسدا مساويا لنا في الجوهر، ذا نفس محيية مفكرة، لم يكن له وجود قبل نزول الكلمة بطن العذراء، لم يكن هذا الاتخاذ لكي يكمل أقنومه، لأنه غير ناقص مطلقا، بل هو كامل في كل شيء لكونه الله،، هذا هو الاتحاد الأقنومي، وبميلاده الزمني أظهر العذراء أنها والدة الإله، لهذا دُعي عمانوئيل لأنه من طبيعتين كاملتين من جهة الماهية وهو نفسه الله وإنسان في ذات الوقت"(ساويرس الأنطاكي، كتاب محب الحق) ويقول أيضا: "إن خصوصية الاتحاد الطبيعيتكمن في أن الأقنومين هما في تركيب، وهما كاملان دون نقص، إلا أنهما يرفضان أن يستمرا في استقلالية الوجود، فلا يمكن أن نعدهما "إثنين" لأنهما في "تركيب" وليسا في انفصال أو استقلالية، مكونين شخصا واحدا للرب والابن يسوع المسيح، طبيعة واحدة متجسدة، وأقنوم واحد متجسد لله الكلمة"(ساويرس الأنطاكي، كتاب محب الحق) --- ### التأله غاية التجسد - Published: ۲۰۲۳-۰۱-۲۷ - Modified: 2023-11-30 - URL: https://tabcm.net/10289/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: أنبا أنجيلوس، أسقف عام شبرا الشمالية, أنطون جرجس, المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية, المركز الثقافي القبطي, تجسد الكلمة, چوزيف موريس فلتس, حنا الفاخوري, دير الأنبا أنطونيوس, صموئيل كامل عبد السيد, ضد الآريوسيين, غريغوريوس النزينزي، الناطق بالإلهيات, غريغوريوس النيسي, قديس أثناسيوس الرسولي, قديس أوغسطينوس، أسقف هيبو, قديس هيلاري، أسقف بواتييه, لوقا يوسف, مفهوم التجسد لقد كانت غاية خلق الإنسان قبل السقوط هي التأله، لذا سوف نبحث الآن الوسيلة التي أعلنها الله في الكتاب المقدس والتقليد لتحقيق هذا التأله وهي التجسد، لأن التأله هو غاية التجسد. نبدأ من عند ق. أثناسيوس حيث يؤكد على أن غاية التأنس والتجسد هي التأله في عبارته الشهيرة التي تقف حجرة عثرة أمام كثيرين، مستخدِمًا الصيغة التبادلية كالتالي: ”لقد صار إنسانًا لكي يؤلهنا“. (أثناسيوس (قديس)، تجسد الكلمة، تَرْجَمَة: د. جوزيف موريس) ثم يؤكد في موضع آخر ويربط بين التأله والخلاص كغايتين للتجسد، فالخلاص هو التأله والتأله هو الخلاص عند ق. أثناسيوس المعروف بأنه ”لاهوتي التأله“ كالتالي: ”لقد صار مثل هذا الاتحاد، لكي يصير ما هو بشري بحسب الطبيعة متحدًا بالذي له طبيعة اللاهوت، فيصير خلاصه وتألهه مضمونًا“. (أثناسيوس (قديس)، المقالات الثلاثة ضد الآريوسيين، تَرْجَمَة: د. صموئيل كامل وآخرون)   ويُردِّد ق. كيرلس الإسكندري نفس كلمات ق. أثناسيوس قائلاً بأن غاية التجسد هي التأله كالتالي: ”لذا فقد صار مثلنا أي إنسانًا، لكي نصير مثله أعني آلهة وأبناء“. (Cyril of Alexandria, Commentary on John 21: 1. 1088bc) ويردد أوغسطينوس معهما نفس الكلام قائلًا: ”لأن هذا الاتخاذ قد جعل الله إنسانًا، والإنسان إلهًا“. (أوغسطينوس، الثالوث، تَرْجَمَة: د. أنطون جرجس، تقديم: الأنبا أنجيلوس الأسقف العام) ويؤكد ق. اغريغوريوس اللاهوتي على نفس كلام الآباء السابقين أن غاية التجسد هي تأليه الإنسان قائلًا: ”والإنسان الأرضي الذي اتحد بالجسد بوساطة روح، صار إلهًا عند ما امتزج بالله، وصار واحدًا يغلب فيه الأفضل والأرفع، وبذلك أصبح أنا إلهًا بقدر ما أصبح هو إنسانًا“. (اغريغوريوس النزينزي، الخطب 27- 31 اللاهوتية، تَرْجَمَة: الأب حنا الفاخوري) ويقول أيضًا ق. اغريغوريوس في موضع آخر بنفس السياق: ”وكما تشبَّه المسيح بنا، فلنتشبه نحن أيضًا به؛ صار إنسانًا لكي يؤلِّهنا، قَبِلَ كل ما هو قابل للفساد حتى يهبنا الأسمى“. (اغريغوريوس النزينزي (قديس)، عظات على عيد القيامة (العظة الفصحية الأولى)، تَرْجَمَة: القس لوقا يوسف) يؤكد ق. اغريغوريوس النيسي أيضًا على أن غاية التجسد هي تأليه الإنسان كالتالي: ”وبما أن هذا الجسد الذي صار وعاء للألوهة، قد نال ذلك أيضًا لكي يستمر في الحفاظ على وجوده، كما أن الله الذي أظهر ذاته، قد مزج نفسه بطبيعتنا المائتة حتى بهذه الشركة مع اللاهوت، يتيسر للبشرية أن تصير مؤلهةً في نفس الوقت“. (Gregory of Nyssa, Or. Cat: 37, PG 45. 97b) ويسير ق. هيلاري أسقف بواتييه المُلقَّب بـ ”أثناسيوس الغرب“ على نفس النهج في أن غاية التجسد هي تأليه الإنسان كالتالي: ”فالخطية الموجهة ضد الروح هي إنكار كمال قوة الله، ونقض للجوهر الأزلي في المسيح، الذي صار من خلاله الله في الإنسان، ليصير الإنسان إلهًا“. (Hilary of Poitiers, The fathers of the church vol. 125 (Commentary on Mathew), Trans. By D. H. Williams, Edit. By David G. Hunter) كما يؤكد ق. هيلاري في نفس السياق على الحقيقة السابقة قائلاً في موضع آخر: ”فإنه حينما وُلِدَ الله ليكون إنسانًا، لم يكن الغرض هو فقدان الألوهية، بل ببقاء الألوهية، يجب على الإنسان أنْ يُولَد ليصير إلهًا“. (هيلاري أسقف بواتييه، عن الثالوث، تَرْجَمَة: راهب من دير أنبا أنطونيوس) يتضح من خلال أقوال معلمي البيعة المقدسة شرقًا وغربًا أن غاية التجسد هي تأليه الإنسان سواء قبل السقوط أو بعده، بالتالي، كان التجسد سيحدث حتى لو لم يخطئ آدم، لكي يؤله الله الإنسان باتحاده به في التجسد ليهبه الخلود والحياة الأبدية أي حياة الله، لأنه يجعلني اشترك فيها معه باتحادي به في المسيح الكلمة المتجسد، ولا يوجد وسيلة أخرى أعلنها الله من أجل تحقيق ذلك سوى التجسد الإلهي. هوامشأثناسيوس (قديس)، تجسد الكلمة، تَرْجَمَة: د. جوزيف موريس، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2003)، 54: 3، ص 159. أثناسيوس (قديس)، المقالات الثلاثة ضد الآريوسيين، تَرْجَمَة: د. صموئيل كامل وآخرون، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2017)، 2: 70، ص 262. Cyril of Alexandria, Commentary on John 21: 1. 1088bcأوغسطينوس، الثالوث، تَرْجَمَة: د. أنطون جرجس، تقديم: الأنبا أنجيلوس الأسقف العام، (القاهرة، 2021)، 1: 13: 28، ص 153. اغريغوريوس النزينزي (قديس)، الخطب 27- 31 اللاهوتية، تَرْجَمَة: الأب حنا الفاخوري، (لبنان: منشورات المكتبة البولسية، 1993)، خطبة 29: 19، ص 100. اغريغوريوس النزينزي (قديس)، عظات على عيد القيامة (العظة الفصحية الأولى)، تَرْجَمَة: القس لوقا يوسف، (القاهرة: المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي، 2015) 44: 5، ص 15. Gregory of Nyssa, Or. Cat: 37, PG 45. 97bHilary of Poitiers, The fathers of the church vol. 125 (Commentary on Mathew), Trans. By D. H. Williams, Edit. By David G. Hunter, (Washington DC: The catholic University of America Press, 2012), on Mt 5: 15, p. 84. هيلاري أسقف بواتييه (قديس)، عن الثالوث، تَرْجَمَة: راهب من دير أنبا أنطونيوس، (البحر الأحمر: دير أنبا أنطونيوس، 2017)، 10: 7، ص 690. --- ### بلون السخرية - Published: ۲۰۲۳-۰۱-۲٦ - Modified: 2023-01-27 - URL: https://tabcm.net/10368/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون يخرسنا الواقع وينطقنا القلم يوجعنا الواقع ويداوينا السطر يفرقنا الواقع وتجمعنا الحروف كل محظور بالواقع... مباح بين الجمل. ‏ثُقلُ الصمتِ فينا، ما أتاهُ قُبح الندم الذي يحدثه الكلام لمْ تَغرق السفن بسببِ رياحٍ أتت بما لم نشتهيها، لقد أغرقها القبطان الذي أمناه إياها. ‏والسمكة أيضاً تجيد الرقص على الصنارة. وكيف يملكون القدرة على تجاوزك؟! يضعونك في مواقف لا تستطع التغلب عليها بسبب نُبل أخلاقك ثم يُلوّحون لك مودعين. ‏الكتابة بكاء الأصابع، من عاش مترفا فليعتزلها... ‏ وكلما شددتُ حبلَ (المنطق) حول خاصرتك أرختهُ يد العاطفة. ‏تخلّينا عن أحلامنا وهجرناها على أبواب الملاجئ كأطفال بلا آباء لكنها حين نضجت... قررت حق الرجوع، والعودة إلى حيث تنتمي. أرفع قبعتي للصّبر الذي استقرَّ في داخلي مع إن أقدار الحياة تُحاول جاهدة أن تقتص منه بعُنف في سبيل نفاذه، ولم ينفذ... ‏يكون لهم سبعون عذراً كي لا يسيئوا فهمي ويختارون الطريقة التي يفهمونني بها عن عمد خطأ. ما أصعب شعور "الأُحْجِيَّة"، تظل القطعة الصغيرة الناقصة من الصورة أهم من الصورة جميعها. ‏قد أتشاجر مع حائط أو أتحدث إلى كرسي أو أكون مُولعة بالصخب في مكان يعجّ بالهدوء وكل ذلك في محاولة للهروب من الأشياء المكررة والكلمات المعتادة والوجوه التي تتشابه. ‏والممرات الضيقة الشفيفة لا تعني إنني في احتياج، بل أن هناك ما يجتاحني. ‏ما عرفتُ بشراً إلاّ يفتقدُ شيئاً أو شعوراً ربما كان الافتقاد فطرةً فينا فمتعة الحياة سعياً للاكتمال... ولا كمال. ‏أجد في ضيق الآخرين رداءً فضفاضاً للخروج منهم هم في أعماقهم يكرهونني لشيء بي يتمنونه ولا يملكونه. ‏يتجمّعون ويتكتّلون ويطعنون ويَُسفّهون ثم يعودون إلينا بوجوه الأبرياء. سؤال واحد ف الحياة ستهزمك إجابته حين يكون الحيّ في السؤال ضريحه جواب. ‏الجزء الذي يقاوم، ينزف والجزء المنهار، يكابر والجزء الذي يصدّ، مشتاق والجزء الذي يحن، يلعن حنينه مع هذه التناقضات، نحن فُراداً في صور جماعية. ‏هذا العالم كحبل معلق من فتحة الكون يتحرك جيئةً وذهابًا أمامنا، ولا نمسكه وحدهم الشعراء يتأرجحون عليه، بأجنحة لغتهم، لغتهم الكاشفة لكل هذا الخراب. ‏ لو عَلمتّ الحروف بما خُطت، لكانت تحبوا للأوراق وهي تنتحب. والحنجرة غرفة ضيقة تتقاتل فيها الآف الكلمات، تستخدم السكاكين لا الأسلحة المتطورة لذا عندما أكتب تخرج الكلمات مجروحة. و المنصتون لرجاء قلوبهم، يتعثرون بحديثها الخافت. ‏يَقطّب جراحه القديمة بشيء من مُكابرة النسيان، لا لشيء... فقط ليتح مكاناً للجديد منها. في مدائني الهاربون إلى الداخل يفتعلون الحرب بدل الحب والعابرون يتسكعون في الأرجاء، يتهيؤون للفرص. ‏ نلملم خيباتنا ونودع كل محطات التعب لعلنا إذا ما التقينا نرسم خارطة الوطن التائه فينا كعاشق مضطر أن يحمل جثث الماضي ليبقى حيًا. لم تشعر بتيبسها حتى سمعت صوت كسرها الأول هزمهُ الشك والثاني غلبهُ اليقين. قد تهديك الحياة أشخاصاً، النسيان في حقهم ذنب لا يُغتفر. لا نستطيع خلق تبريرات لفشل الشعور، فشله حقيقي يلامس تلك الأشياء التي لا يعيها عالم المادة، فشل يظل يحفر في الأعماق للأبد، لا هو يتوقف ولا ينبوعاً يبدد وطأة الحفر. ‏الاستغلاليون يتمسّكون بجميع المخلصين حتى أخر صفقة. ‏وماذا سيحدث بنا حين نشعر بإحساس تلك الأشياء التي نقرأها ولم نرها أبدًا ونتجاوز بالإحساس إلى تلك الأشياء المستحيلة، التي لم تُكتب بعد. ‏صُلبنا في صوامع الصمت، نقارع بكؤوس واهمة طعم أشواق مالح وحنين أخرس. كيانات الجرح لا تمتد نحو شرفات الأبدية أسئلتنا تهادن الإجابات المريرة، وتشعل في حطب الأحزان نيران النسيان. ‏أنا ابنة الشعر الصغرى، دائمة الغرق، وفوضوية. الحياة قشّة، كلما حاولت إنقاذي، أكسرها. ‏منطقة محرمة... على الحدود منها، جُدرٌ شائكة أن أستطع التغلّب عليها والمضي قدماً، قصةُ شغف لم تكتمل. ‏وحدك ستقطع الطريق... الألم والحلم، الحزن والحنين وحدك ستمضي لتلامس ذاتك. --- ### أكسير الحب - Published: ۲۰۲۳-۰۱-۲۵ - Modified: 2023-01-25 - URL: https://tabcm.net/10277/ - تصنيفات: مقالات وآراء كم أنت عجيب أيها الحب عندما تحل بقلوبهم، تجعلهم يتقبلون ضعفاتنا، يغفرون مرارًا و تكرارًا دون حساب، يقدمون ذواتهم بسخاءٍ ورضاءٍ، يستمعون إلينا بلا ملل أو ضجر، تنظر في عيونهم فتجدها مُشرقة لامعة، وإلى شفاتهم فتجدها ترتجف حُبًا، كلما حاولوا أن يخفوه يظهر ويتجلى وكلما أنكرته فضحك. تمضي معهم الساعات وتظنها لحظات أسرعت في الكر والفر، حُضن دافئ ترتمي بداخله فتنسى قسوة الحياة، وأيادٍ حانية تمرُ فوق وجنتيك فتزيل مرارة الزمن، لا تدرك أن أمامك شخص قد خلا من العيوب أم أنك تدرك عيوبه تمامًا وتنسجم معها وترضى، تشعر بطاقة جبارة تدفعك دفعًا نحو حب الحياة. ولكن ماذا لو مات الحُب وبطل مفعول أكسيره؟ نكره الدقائق لإنها تمرُ كأنها دهرًا، تتجلى عيوبًا لم نكن نراها، أو كنا نراها ولكننا لم نعد نتحملها، يتربصون بأفعالنا، ونتصيد أخطائهم، لا شيء يمر، صدور ضيقة تحمل همًا و غمًا طوال الوقت، أصابع اتهام تشير دائمًا نحو الآخر، كل ما نراه خطأ وكل ما نفعله لا يستسيغه الآخر، إحساس دائم بالندم على حياتنا ومستقبلنا ونحن نشعر وكأنه ينفلت من بين أيدينا. لماذا تحول صديق الأمس لشخص مقيت غبي و كأنه عدو؟ لماذا مات الحب؟ لماذا جفت العيون من لمعانها؟ لماذا لم تعد ترتجف الأجساد حين تتلاقى ولماذا مات كل شيء؟ ترى أيمكن أن نبحث عن جرعة جديدة من أكسير الحب حتى يقوم من بين أمواته؟ ترى لو تنازل كل طرف بعض الشيء ونزع عنه رداء الأنا وكبرياء ذات لا ترى إلا قداستها وشيطنة الآخر، أيعيد بريق الحب؟ أهو الغفران أم مزيد من الحوار والاهتمام؟ أم فهمًا أعمق لاختلاف الآخر عني هو من يعيد الحب؟ في الحقيقة لست أعلم ولكن كل ما أعلمه إن إحياء الحب يتطلب مجهودًا وإرادة شخصان وليس أحدهما بمفرده، شخصان علما إن عليهما أن يتعاونا لإخراج حب وأدته مشكلات الحياة وقلة خبراتها أو يتعاونا ليكملا دفنه ويغادر كلاهما الآخر، يغادرا بهدوء وصمت ودون مزيد من الجراح. إن أكسير الحب ليس سحرًا ولا معجزة، ولكنه قرار يستلزم أفعال جادة ثنائية ولا يمكن أن يتحملها طرف واحد ويكون الآخر سلبي، إن أكسير الحب لا يأتيك وأنت تبكي وتندب حظك ولكنه يختطف بالرغْم من أشواك زهراته و عناء طريقه. --- ### أيها الأسقف.. من أنت؟ [٩] - Published: ۲۰۲۳-۰۱-۲٤ - Modified: 2023-01-24 - URL: https://tabcm.net/10119/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أنبا صموئيل المعترف, الإمبراطورية الرومانية, بابا كيرلس السادس, نبي موسى من أين جاءت الكنيسة بهرمها الإكليروسي، فالذي نطالعه في كتب القوانين الكنسية المختلفة بامتداد تاريخها، هو توصيف للوضع القائم وقت كتابة تلك القوانين، سواء ما عرف بقوانين الرسل، أو الدسقولية أو تلك المنسوبة لأسماء بعينها، خاصة في القرون الأولى، وسوف نعود لتناولها في طرح مستقل، وفي كل الأحوال لم تكن الكنيسة في نشأتها وفي نموها وفي ترتيبها الهيكلي بعيدة عن مجالها العام. في تقديري أنها اقتبست هرمها الإكليروسي من مصدرين، الأول من العهد القديم وتحديداً عند موسى النبي، حين نصحه حماه "كاهن يثرون"، الغريب عن شعب الله، في شأن قيادة الشعب والفصل في خلافاتهم ومشاكلهم، وقد وجده يفصل في كل كبيرة وصغيرة، فقال له: «مَا هذَا الأَمْرُ الَّذِي أَنْتَ صَانِعٌ لِلشَّعْبِ؟ مَا بَالُكَ جَالِسًا وَحْدَكَ وَجَمِيعُ الشَّعْبِ وَاقِفٌ عِنْدَكَ مِنَ الصَّبَاحِ إِلَى الْمَسَاءِ؟»... «لَيْسَ جَيِّدًا الأَمْرُ الَّذِي أَنْتَ صَانِعٌ. إِنَّكَ تَكِلُّ أَنْتَ وَهذَا الشَّعْبُ الَّذِي مَعَكَ جَمِيعًا، لأَنَّ الأَمْرَ أَعْظَمُ مِنْكَ. لاَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصْنَعَهُ وَحْدَكَ. اَلآنَ اسْمَعْ لِصَوْتِي فَأَنْصَحَكَ. فَلْيَكُنِ اللهُ مَعَكَ. كُنْ أَنْتَ لِلشَّعْبِ أَمَامَ اللهِ، وَقَدِّمْ أَنْتَ الدَّعَاوِيَ إِلَى اللهِ، وَعَلِّمْهُمُ الْفَرَائِضَ وَالشَّرَائِعَ، وَعَرِّفْهُمُ الطَّرِيقَ الَّذِي يَسْلُكُونَهُ، وَالْعَمَلَ الَّذِي يَعْمَلُونَهُ. وَأَنْتَ تَنْظُرُ مِنْ جَمِيعِ الشَّعْبِ ذَوِي قُدْرَةٍ خَائِفِينَ اللهَ، أُمَنَاءَ مُبْغِضِينَ الرَّشْوَةَ، وَتُقِيمُهُمْ عَلَيْهِمْ رُؤَسَاءَ أُلُوفٍ، وَرُؤَسَاءَ مِئَاتٍ، وَرُؤَسَاءَ خَمَاسِينَ، وَرُؤَسَاءَ عَشَرَاتٍ، فَيَقْضُونَ لِلشَّعْبِ كُلَّ حِينٍ. وَيَكُونُ أَنَّ كُلَّ الدَّعَاوِي الْكَبِيرَةِ يَجِيئُونَ بِهَا إِلَيْكَ، وَكُلَّ الدَّعَاوِي الصَّغِيرَةِ يَقْضُونَ هُمْ فِيهَا. وَخَفِّفْ عَنْ نَفْسِكَ، فَهُمْ يَحْمِلُونَ مَعَكَ. إِنْ فَعَلْتَ هذَا الأَمْرَ وَأَوْصَاكَ اللهُ تَسْتَطِيعُ الْقِيَامَ. وَكُلُّ هذَا الشَّعْبِ أَيْضًا يَأْتِي إِلَى مَكَانِهِ بِالسَّلاَمِ. فَسَمِعَ مُوسَى لِصَوْتِ حَمِيهِ وَفَعَلَ كُلَّ مَا قَالَ. ». (سفر الخروج 18: 14، 17-24)  ومن يطالع ما وثقه موسى النبي في أسفاره الخمسة "التوراة" خاصة في سفر الخروج الذي أورد هذه الواقعة يدرك أن هذا الترتيب لم يكن بتوجيه مباشر من الله لموسى، ولم يأت كما اعتاد موسى، هكذا (وَأَمَّا مُوسَى فَصَعِدَ إِلَى اللهِ. فَنَادَاهُ الرَّبُّ مِنَ الْجَبَلِ قَائِلاً: «هكَذَا تَقُولُ لِبَيْتِ يَعْقُوبَ، وَتُخْبِرُ بَنِي إِسْرَائِيل... . ». ثم يملي عليه أوامره ووصاياه)، وهو ما لم يحدث في هذه الواقعة. نحن أمام ترتيب استراتيجي ينظم منظومة القضاء لشعب الله يقول به شخص من خارج الجماعة ولم يذكر في سياق الحكاية أن الله رفض هذا الترتيب، أو أجازه بتوجيه صريح، ولهذا دلالته، إن الشأن التنظيمي متروك لأصحابه وللقيادة المسئولة التي تملك تطويره وتعديله بما يتفق وصالح الجماعة. أما المصدر الثاني فكان ترتيب الإدارة في الإمبراطورية الرومانية، التي ولدت الكنيسة وقتها ـ يوم الخمسين حسب سفر أعمال الرسل ـ ففي مقابل حاكم الولاية يأتي الأسقف، وفي مقابل مساعدي الحاكم أو رؤساء المدن يأتي القمامصة، وفي تطور لاحق يظهر موقع البطريرك الذي يناظر موقع الإمبراطور، وتبقى العلاقة بينهم هرمية تماثل النظام الإمبراطوري الهرمي بطبيعته. وإن اختلف مفهوم السلطة وأدواتها وغايتها في كليهما؛ الكنيسة والإمبراطورية. وهو ما حرص على تأكيده القديس بولس في رسائله لتلاميذه حين تعرض لمواصفات الأسقف والقسوس. وقد أوردته فيما سبق من حلَقات في هذا البحث. مع الانتباه إلى أنه لا فرق بين كهنوت الأسقف وكهنوت القس بدرجتيه، وإنما هو ترتيب إداري بحت، واختلاف في الصلاحيات لانضباط الكنيسة. تأسيساً على ذلك يمكننا استيعاب ما أدخلته كنائس تقليدية رسولية في شأن الأسقف وصلاحياته، وإمكانية تقاعده، أو إقالته، مع احتفاظه برتبته الكهنوتية، ما لم يرتكب ما يستوجب نزعها منه، وهو أمر قوبل عند طرحه برفض قاطع من الكنائس القائمة في مجتمعات أبوية، خاصة فيما يتعلق بموارد الكنيسة والتماهي بين العام والخاص، وما يصحبه من خلط بين مفهوم الوكيل ومفهوم المالك "المتسلط على أنصبة"، التي مدت هذا المفهوم الى ما هو أبعد لتنشئ ارتباطاً لا ينحل بين الإيبارشية وأسقفها حتى إلى القول بأنه ارتباط زواج لا ينفصم إلا بالموت، فيما العلاقة الوحيدة التي لا تنفصم هي بين المسيح المالك الحقيقي والوحيد وبين الكنيسة العروس المهيأة أبداً لعريسها. ويبقى الأسقف الوكيل المطالب في كل لحظة بتقديم حساب وكالته. فإذا انتقلنا لحال كنيستنا القبطية الأرثوذكسية في ضوء ما سبق نجد أن إعادة ترتيب الهرم الإكليروسي في نطاقه الإداري التدبيري بوعي كتابي وآبائي أمر مشروع، بل ووجوبي تقتضيه مصلحة الكنيسة الرعوية، خاصة في ضوء الخلط بين المَطْرَان (متربوليت) والأسقف (إبيسكوبس) واعتبار أن منح الأسقف رتبة المطرانية مكافأة فيما هي ترتيب تدبيري تنسيقي كما هو الحال مع القمص (إيغومانوس) والقس (برسفيتيروس)، فالأصل أن لكل مدينة كبيرة مَطْرَان يتبعه أساقفة المدن الصغيرة (المراكز)، ولكل كنيسة قمص (مدبر) يتبعه عدد من القساوسة، فينضبط السلم الإداري التدبيري ويُسأل كلِّ في موقعه وفقاً لمسئولياته. ولما كان للكنيسة أبناء يقيمون خارج مصر ما بين إقامة دائمة (هجرة) وإقامة مؤقتة (عمل أو دراسة)، فقد بادرت الكنيسة إلى ترتيب رعاية لهم في تجرِبة معاصرة، بدأت بشكل متواتر في حبرية البابا كيرلس السادس، وكان العقل المدبر والراعي المتابع لها الأنبا صموئيل أسقف الخِدْمَات، حتى إن صورته كانت داخل كل بيت قبطي في بلاد المهجر بالغرب، وبالتوازي كان للبابا كيرلس اهتماماً خاصاً بإفريقيا، باعتبارها الامتداد الطبيعي الجغرافي والتاريخي لمصر، خاصة السودان وإثيوبيا ودول حوض نهر النيل. بعض هذه البلاد تشهد وجود الجيل الرابع من المصريين فيها، وكثيرهم يحملون جنسية مزدوجة، ويتوارثون حنينهم الجيني لمصر، لذلك أصبح من المحتم إعادة النظر في الهيكل الإكليروسي التدبيري بما يوفر خدمة رعوية تتفق واحتياج أبناء الكنيسة بالداخل والخارج، في ضوء التطور المباغت والمتسارع للأجيال الجديدة والقادمة مع تعاظم التحديات الفكرية والمادية التي حملتها الثورة الرقمية والتطور المعلوماتي التقني الذي فرض نفسه على العالم ولم تعد المفاتيح القديمة قادرة على فتح أبوابه الجديدة والمصفحة بالعلم والخبرات المتطورة. لذلك تحتاج الكنيسة المصرية أن تطرح الهيكل التنظيمي الرعوى للبحث والدراسة بشكل أكاديمي عملي، ليس فقط فيما يتعلق بالترتيب الإكليروسي، بل وفي محاور إعداد الرتب من الأسقف إلى الشماس مروراً بالقسوس والقمامصة، ليكونوا مؤهلين وقادرين على أداء مهام مواقعهم الكنسية، وهو أمر يحتاج الإقرار بشجاعة بأننا تخلفنا كثيراً في هذا المضمار، وتقره المصادمات الدائرة داخل الجماعة الإكليروسية التي قفزت إلى صفحات العالم الافتراضي وصارت خبز يومنا على حساب سلام الكنيسة، متى نعترف أن وجود الكنيسة نفسه بات مهدداً، في عناد ومكابرة وغلو وغرور تملكوا من طيف يتزايد من القادة ربما لأنهم عزفوا عن قراءة خبرات الجماعات المسيحية التي اندثرت وعزفوا على لحن الشوفينية والاستعلاء غير المبررين. سؤالي لآباء المعارك المفتعلة والمدمرة بآن، هل أنتم مستعدون للتحول الذي ينتظر الكنيسة ومعه تنتقل من المحلية إلى المسكونية، فيكتشف الكافة إننا عراة وبائسون حسب وصف كاتب الرؤيا ورسائله إلى كنائس تشبهنا، أخشى أن يخرج بنوكم إلى كنائس أدركت التطور وخاطبت الشبيبة بلغتهم وقدمت حلولاً لقضاياهم بعيداً عن مغازلتهم بأساطير ميتافيزيقية لا تصمد أمام تيارات النقد اللاهوتي، الأفدح أن تخنقهم حبال الإلحاد وتلقي بهم خارج دوائر الإيمان! الصورة المرفقة تحمل تصوراً مبدئياً لإعادة هيكلة الهرم التدبيري الكنسي سأتناوله في المقال المقبل، ومداخلنا إليه. --- ### سينما.. ذات فلسفة - Published: ۲۰۲۳-۰۱-۲۳ - Modified: 2023-01-24 - URL: https://tabcm.net/10388/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون - وسوم: Eternal Sunshine of the Spotless Mind, Mother!, The Grand Budapest Hotel, The Truman Show, Twelve Angry Men السينما ليست منتجا تجاريا فارغا كما هو شائع، بل مليئة بالفلسفة؛ فهي تتفرد وحدها بالقدرة على إثراء عقول أعداد غفيرة من الناس في وقت قصير، بشكل تتضافر فيه مختلف الأدوات الفنية؛ فهي مزيج فريد للموسيقى، والرقص، والتصوير، والحوار تندر مصادفته. لقد قدم الفلاسفة القدماء أفكارهم ومحاورتهم في صيغة مسرحيات، وقصص، وأشعار، لكنها لم تنل تلك المكانة الشعبية واللانخبوية التي حظيت بها السينما. لذلك، إليك خمسة أفلام تناولت أهم الأسئلة التي تدور في أذهاننا عن الحياة.   اثنا عشر رجلًا غاضبًا Twelve Angry Men إذا قلت إن هذا الفيلم هو أفضل أفلام السينما العالمية على الإطلاق، لما بالغت. نعم، نحن أمام تحفة إبداعية وإعجازًا سينمائيًا بكل المقاييس؛ يعتمد الفيلم على حوار يخلو من أي مشاهد خارجية أو حتى موسيقى تصويرية، فالفيلم يدور في غرفة صغيرة تحوي اثنا عشرة رجلًا من هيئة المحلفين وهم مجتمعون لتقرير مصير شاب متهم بالقتل. يناقش العمل قضية العدالة في أعمق صورها ويطرح تساؤلات عدة: هل القضاء البشري عادل حقًا؟ وهل يحق لنا إعدام شخصًا قد ثبت جرمه أمامنا؟ وهل يمكن أن تكبل آراؤنا وتحيزاتنا الفكرية أيدي العدالة؟ وهل ما نراه هو حقًا حقيقة الواقع أم غشاوة الخيال؟ يسترسل الحديث في مجراه الطبيعي بإجماع المجتمعين على أن المجرم مذنب ويستحق الإعدام شنقًا، إلى أن تتحرك رغبة الحديث في أحدهم ليرفع يده قائلًا إن الأمر ليس كما يبدو واضحًا للكل!   ترومان شو The Truman Show هو ضمن الأفلام الفكرية التي تكشف الستار عن ذلك الجمال المحتجب وراء الشك والإيغال في عالم البحث عن المعنى. يكتشف (ترومان) فجأةً أن حياته كلها بل والمدينة ذاتها التي يقطنها ليسا سوى جزءًا من عرضًا تليفزيونًا يشاهده الملايين حول العالم، وسرعان ما يأخذه المضض لانخداعه وعجزه أكثر مما يأخذه السرور لشهرته.  يتبع "ترومان" المذهب الديكارتي في الفلسفة المبني على معرفة الحقيقة بواسطة النور الطبيعي: يرى "ديكارت" أن المخ البشري أشبه بصندوق إذا وضعت فيه بعض الثمار الطازجة مع ثمار أخرى فاسدة، سرعان ما سينتشر العفن ليدمر الثمار الطازجة، لذلك لضمان سلامة الصندوق، يجب عليك أن تفرغ الصندوق تمامًا وتفحص كل ثمرة على حدة وتعيد الثمار الطازجة فقط إلى الصندوق. وهكذا يبدأ "ترومان" بالشك في بواطن الأشياء جميعها، ويفرغ عقله من كل المسلمات، ويرسل بصره إلى الأفق العميق باحثًا عن الحقيقة بواسطة النور الطبيعي، والمعرفة التجريبية. ولا يلبث أن يزداد اللغز ألغازًا، لكنه يستمر في رحلة استقصائه الوجودي، حتى لو كاد بحثه أن ينهي حياته. وتتخلل تلك العملية من تعرية الذات وصلة لا بأس بها من الألم والشقاء، فالتخلي عمّا تعرفه ليس سهلًا. ولكن ترى ماذا سيفعل مخرج العمل، الذي رمز للخالق المتحكم في حياة "ترومان" ومدينته بأكملها؟ هل سيغضب من ثورة ترومان الفكرية أم سيقوده في عملية البحث؟ هذا ما ستعرفه بمشاهداتك الفيلم.   الإشراقة الأبدية لأصحاب العقول الفارغة Eternal Sunshine of the Spotless Mind هل حقًا النسيان نعمة كما يقولون؟ نعم، يبدو لك الأمر كذلك، فكم تتمنى أن تأخذ دواءً ينسيك جراح الماضي وعلاقاتك الفاشلة والمواقف المحرجة التي تعرضت لها. لكن ألا ترى أن تلك الذاكرة هي معلمك الأمثل؟ لقد صدع الفلاسفة رؤوسهم بغية الإجابة عن ذلك السؤال الخاص بأزمة الهوية؛ ما الذي يوحد هوية الإنسان على الرغم من كل التغييرات التي تطرأ عليه؟ ما الذي يخلع علينا الوحدانية والشخصانية ونحن نتغير من حال إلى حال؟ يخبرنا الفيلم أن الإجابة تكمن في الذاكرة؛ فالإنسان بدون الذاكرة مخلعًا مهلهلًا، لا يدري من هو وماذا تعلم من الماضي وكيف تغير من أمس إلى اليوم. يخضع بطلا الفيلم كلاهما على حدة لعملية جراحية لمحو الطرف الاَخر من الذاكرة بعد أن باتت العلاقة مستحيلة وبات الجرح عميقًا، لكن سرعان ما يلتقيان مجددًا وهم لا يذكران حياتهم السابقة.   ! الأم Mother! ربما تظنه أحد أفلام الرعب المعتادة، لكنه حقًا أبعد ما يكون عن ذلك بل أقرب إلى الأفلام الفكرية حيث يروي الفيلم قصة سيدة متزوجة من أحد الكتاب المشهورين، ممن يؤثرون عملهم على كل مناحي الحياة الأخرى. وتعاني الزوجة من اهتمام زوجها الزائد بمحبيه؛ فهو لا يمنعهم من الدخول للمنزل في أي وقت، ويتهاون مع كل ما يقترفونه من أخطاء، حتى إنه لا يجد غضاضة في أن يقوم معجبوه بدك منزله رأسًا على عقب. أما المحبون، فهم يدهشون من تسامح الكاتب معهم، ويعدونه بأن يكفوا عن أفعالهم الساذجة، لكنهم سرعان ما يعاودون عمليات التقويض كمن أصابهم مس جنون. ستضحك على مفارقة الموقف الذي يجسد لنا قصة الإنسانية الكبرى – قصة الطبيعة، والإنسان، والخالق. يستخدم الكاتب تقنية التشخيص لدغدغة مشاعر المشاهد في محاولة لإزالة الغشاوة عن أعيننا لندرك حجم ما نقترف من جرم إزاء كوكبنا الشقي، من خلال دمج رموز الكتاب المقدس والميثولوجيا وعناصر الأدب الفيكتوري.   فندق جراند بودابيست The Grand Budapest Hotel يقدم الفيلم قصة "مسيو جوستاف" مدير فندق جراند بودابيست، وهو رجل أرستقراطي، غريب الأطوار، يثير الاهتمام بغرابة سلوكه وبشذوذه عن المألوف؛ فهو يحيا في زمن غير زمنه، ويجد لذته في حفظ أبيات الشعر القديمة، وفي قضاء الوقت مع حبيبته "مدام دي"، التي تكبره بأكثر من عشرين عامًا، ويتناول وجبات زهيدة لأنه يفضل أن يستبقي أمواله لشراء العطور الفرنسية المميزة.  وفي يوم من الأيام، تسعفه المصادفة بأن يلتقي بشاب لاجئ، أسود البشرة يدعى "زيرو". وبعد لقاء مباغت، يعينه "جوستاف" نادلًا للفندق وخادمًا شخصيًا له، ومن هنا تنبسط قصتهم – قصة الوفاء والحرب. تدور أحداث القصة في وقت بداية الحرب النازية، التي هي بمثابة البوتقة التي لا تلبث أن تخرب كل ما هو جميل، لكن الجمال يظل كائنًا في تلك الصداقة العجيبة بين الخادم وسيده؛ ففي ذلك الوقت المشحون بالصراعات السياسية، ومصالح الدول، والنزعات العرقية وعبث الحرب، يرسل الصديقان زفرة قائلين إنما الإنسان يريد فقط صديقًا يعيش لأجله. --- ### بلابيصا بلامبيصا.. قصة الاحتفال بعيد الغطاس - Published: ۲۰۲۳-۰۱-۲۲ - Modified: 2023-01-22 - URL: https://tabcm.net/10373/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, مقالات وآراء - وسوم: أبو الحسن علي بن الحسين بن على المسعودي الهذلي, أنبا زوسيما، أسقف أطفيح والصف, المعز لدين الله الفاطمي, تقي الدين المقريزي, عيد الغطاس, فاطميين, قناة مي سات بما إن البعض قد ظن إنني أسخر من نقاوة قلقاسهم واستقامة إيمان زعزوعة قصبهم حين قلت إنهم اتخذوا من القصب والقلقاس "Idols" من دون صاحب العيد، وحيث أن معلمون آخرون قد اعتلوا المنبر واتخذوا من طبخة القلقاس لاهوتاً غير المعلوم لدينا وأشرك -والعياذ بالله- بعضهم بالبلح والجوافة والشموع في التقليد والتسليم الرسولي حتى اختلط القصب بالجوافة والبلح وأصبح كـ"فخفينا فرغلي"، وألف الهواة قصص وتأملات عظيمة حول القلقاس على النحو المنشور على الميديا، فقررت أنا أيضًا حيث كثر الهري تكثر المعرفة، أن أحكي بإيجاز قصة عيد الغطاس, فطرطق ودنك واسمع حكاية عيد الغطاس. كان في أيام الدولة الإخشيدية حكام متسامحون دينياً، كانوا هم أول من جعلوا مناسبة عيد الغطاس كأول عيد قومي مسيحي مصري تحتفل به الدولة الإسلامية وحكامها وشعبها معاً بكل طوائفهم المسيحيين (يعاقبة وملكانيين) والمسلمين (سنة وشيعة) وكان الاحتفال يستمر لبضعة أيام في كافة ديار مصر ولا سيما حول نهر النيل في القاهرة حتى إن المؤرخين مثل المقريزي والمسعودي وصفوه بأنه عيد ذو شأن عظيم جداً في مصر، وأن ليلة الغطاس تلك "ليلة لا ينام فيها أحد بمصر! ". عيد الغطاس كان أهم وأكثر شعبية من عيد الميلاد من حيث الاحتفال به، كانت تضاء قصور الحاكم والأمراء وأعيان البلاد وتزين الشوارع بالمشاعل وبالأنوار وتقام فيه الولائم الجماعية على شاطئ النيل وكان يتبارى الناس في إظهار تنوع وفخامة موائدهم. القلقاس والقصب كانوا جزءاً بسيطاً جداً من ضمن الأكلات المشهورة في عيد الغطاس، فكان يتم توزيع الحَلْوَيَات والزلابية والجلاب (قمع قصب السكر) والسمك والبوري وعصير الليمون واللحم الضاني وغيره على المحتفلين وطبعاً -مش ببلاش- كان يتم بمقابل رسوم (مينيمم تشارج) يدفعوها ومن ثم يأكلون ويشربون (حاجة زي all you can eat buffet) أول من أدخل عادة أكل القصب في الغطاس هم الفاطميون، من المعروف عن الفاطميون إنهم كانوا يحبون الموالد والاحتفالات والمهرجانات، واحتفلوا بموالد وأعياد كثيرة بمصر منها عيد النحر (الأضحى) رأس السنة الهجرية واحتفالات النيروز وخميس العدس (العهد)، من الأخر كانوا ناس بيحبوا الـ Have Fun عيد الغطاس كان أشبه بمهرجان قومي كبير شبيه بالمهرجانات الأوروبية والأسيوية حاليا (مهرجان الألوان في إسبانيا والديوالي في الهند)، وكانت تقام مسيرات دينية بالألحان والتراتيل من الكنائس (الأقباط الأرثوذكس) مكونة من كهنة وشعب وبعض الرهبان بالشموع والمشاعل والأنوار ويحمل الأطفال الشموع وينشدوا الأناشيد ومن اشهرها (يا بلابيصا. . يا بلابيصا ) وهي في الأصل تنطق (بلامبيصا) من اللغة القبطية (بي لامباس) وهي كلمة تعني (النور أو الشموع) لذلك يطلق على العيد أيضا اسم عيد الأنوار (الإبيفانيا) ثم يتوقفون عند النهر، ويبدأون بالصلوات ثم يغطسون ليلا في النهر ويحتفلوا بالمأكل والمشرب وبعدها يعودون إلى الكنائس بنفس المسيرات أو ينصرفوا إلى منازلهم. ما زالت عادات واحتفالات عيد الغطاس معروفة في قرى كثيرة في شمال وجنوب مصر وفي النوبة حتى اليوم، كان الملكانيين (الروم) يؤدون نفس المسيرات من كنيسة القديس ميخائيل بقصر الشمع في نفس اليوم ويشاركون الجميع الاحتفالات، واشترك معظم الحكام الإخشيديون والفاطميون في الاحتفال وكانوا يحضرون الاحتفال بأنفسهم في قصورهم التي شيدت على شاطئ النيل وأخذت الاحتفالات في التأرجح بين الحكام الفاطميين حسب أهوائهم. المعز لدين الله الفاطمي بالرغم من علاقته الجيدة جداً بالمسيحيين فإنه ألغى حضور الحاكم لاحتفالات عيد الغطاس حتى يكسب ود المتشددين ولكي يظهر وكأنه غير متساهل أو متسامح مع المسيحيين،  لكن عندما تولى ابنه (العزيز بالله) أعاد عادة حضور الحاكم مرة أخرى للاحتفالات، بعد وفاته تولى (أغتت خلق الله) المعروف باسم الحاكم بأمر الله وفي البداية كان يحتفل به ثم انقلب وبدأ في اضطهاد عظيم على الأقباط فألغى كل مظاهر الاحتفالات الرسمية وحضور الحاكم تماماً ومنع إقامتها. راح الحاكم بأمر الله وتولى ابنه الخليفة أبو الحسن علي ابن الحاكم بأمر الله منصور الشهير بالظاهر لإعزاز دين الله، وهو الذي أمر بإعادة الاحتفالات وكان ينزل مع حريمه في قصره على النيل ويشاهد الاحتفالات دون مشاركة فعلية منه وهو أول من أمر ومنع اختلاط المسلمين مع المسيحيين في نزول النهر ليغطسوا سوياً. ظلت الاحتفالات تتم بصورة شعبية ورسمية حتى وصل المماليك للحكم وقفلوها بالضبة والمفتاح ومنعوا الاحتفالات الرسمية وغير الرسمية نهائياً يا مؤمن! وسكتم بكتم، وتروح الأيام و تيجي الأيام ولا يظل من الاحتفالات الشعبية غير القلقاس والقصب فنتأمل فيهم ونعمل بوستات وننشرها على النت وتقول للناس إنه تقليد رسولي، و"استلمناها كده من الرسل وهنسلمها كده" ويطلع الأنبا زوسيما أسقف أطفيح في برنامَج إيماننا الاقدس على مي سات قبل ما يتم إيقافه محذراً أي هرطوقي من التلاعب بالثوابت الإيمانية للقلقاس ومنذراً أي منحرف من العبث بعقيدة القصب. أخيراً يوم من الأيام كان في عيد المصريين كلهم بكل أديانهم ومذاهبهم وطوائفهم كانوا يجتمعون معًا ويحتفلون به ولم يتبق عيد مصري أصيل مئة بالمئة يحتفل به المصريين حاليا سوى شم النسيم. ولا تنسوا كما قال جنابه: في القلقاس مادة هلامية لزجة سامة إلا إذا اختلطت بالماء صارت ماده نافعة ومفيدة  المصادر - المسعودي، مروج الذهب - المواعظ والاعتبار،  المقريزي،  ج2 (وصف الأعياد التي احتفل بها الفاطميين في مصر) الرابط: https://al-maktaba. org/book/11566/903#p2 - جاك تاجر، أقباط ومسلمون. https://bit. ly/2NLjNTF - الكنيسة القبطية تحت حكم الفاطميين http://coptcatholic. net/p8692/ - فاروق عطية، ، الأقباط و الدولة الفاطمية ج1، الحوار المتمدن http://www. m. ahewar. org/s. asp? aid=618978&r=0 --- ### انزلاقات اوطاخية معاصرة - Published: ۲۰۲۳-۰۱-۲۱ - Modified: 2025-02-02 - URL: https://tabcm.net/10234/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: أنبا أغاثون، أسقف مغاغة والعدوة, الأوطاخية, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس عمود الدين, ساويرس الأنطاكي, قديس أثناسيوس الرسولي الجوهر الواحد والاتحاد الجوهري في المحاضرة التي خصصها الأنبا أغاثون أسقف مغاغة والعدوة للرد على اتهامه بالنسطورية استعان بأحد مؤلفات الأنبا اغريغوريوس أسقف البحث العلمي المتنيح، وهو كتاب "عن طبيعة المسيح" والفقرة التي أوردها جاء فيها: إذا هو الإله المتجسد، جوهر واحد، شخص واحد، أقنوم واحد، طبيعة واحدة، أو هو طبيعة واحدة من طبيعتين، وبعبارة أخرى ممكن أن نتكلم عن طبيعتين من قبل أن يتم الاتحاد، أما بعد الاتحاد، فهناك طبيعة واحدة(الأنبا اغريغوريوس، كتاب عن طبيعة المسيح) هناك مآخذ عدّة على هذه الفقرة: أولها، إن عبارة "ممكن أن نتكلم عن طبيعتين من قبل أن يتم الاتحاد، أما بعد الاتحاد فهناك طبيعة واحدة" وهي نفس العبارة التي قالها أوطاخي في مجمع القسطنطينية المكاني بحروفها، هي خاطئة جدا ما لم يليها شرح ينفي عنها التراتبية الزمنية والتعاقب، وإذا أمكن أن نلتمس لأوطاخي العذر لضحالة فهمه عن اللاهوت، فكيف ندافع عن معلم لاهوت بارز في كنيستنا. ثانيهما، إن هذا الإطناب ومحاولة الترادف: (جوهر واحد، شخص واحد، أقنوم واحد، طبيعة واحدة) لا يفيد التوكيد بحال، ولكنه يربك المتلقي، يضر كثيرا بالمعنى، ويشي بعدم فهم مدلولات كل "مصطلح" من وجهة نظر اللاهوت، فالقول بطبيعة واحدة دون ذكر "متجسدة" وأقنوم واحد دون ذكر "متجسد" ينسف الفهم اللاهوتي الإسكندري اللا خلقيدوني من جذوره، ويطعنه في مقتل، كما سيرد تفصيله عند الحديث عن النسطورية، أما الطامة الكبرى التي أسفر عنها هذا الإطناب المكروه، هو استعمال مصطلح "جوهر واحد" لوصف أقنوم الكلمة المتجسد، وهذا الاستعمال يذهب بنا مباشرةً إلى قاع الأوطاخية، حتى نبرز خطئها الجسيم سنستعين بقديسنا العظيم ساويرس الأنطاكي، وننقل عنه هذه الفقرة من رسالته الثالثة إلى سرجيوس النحوي: يناسبنا لأن نقول "طبيعة واحدة متجسدة لله الكلمة" هذه التي للقديس لأثناسيوس والحكيم كيرلس، فأين قرأت لأنت في مؤلفاتهما إذ إنهم دعوا عمانوئيل جوهرا واحدا، وصفة واحدة، فمنذ أن علموا أن خطأ تشويش الطبائعهو على عكس الجهة الأخرى لأولئك الذين يقسمون المسيحاستخدموا مصطلحات مصقولة ودقيقة. (القديس ساويرس الأنطاكي، الرسالة الثالثة إلى سرجيوس النحوي) عبارة أخرى تماثلها ولا تقل عنها خطورة هي عبارة "الاتحاد الجوهري" وهي منتشرة أيضا في كتابات معلمينا، حتى إنك ستجدها في كتاب مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث "طبيعة المسيح" أكثر من مرة، بدءا من مقدمة الكتاب نفسه والمقصود منها هو أن الاتحاد قد تم على مستوي الجوهر، ليتكون من الجوهرين جوهرا واحدا، وحيث إن الجوهر -حسب آبائنا الإسكندريين- هو الأساس المجرد الذي لا يمكن وجوده في الواقع دون "ظهوره" في أقنوم، فالحديث عن الجوهر هو بغرض فلسفي بحت ولا يقترب بأي صورة من الواقع الحقيقي فلا يوجد الجوهر الإلهي دون الأقانيم الإلهية، ولا يوجد جوهر إنساني مجرد دون كيان إنساني محدد، فكيف إذن نفترض اتحادا بين "مفاهيم" لا يمكن إدراكها إلاّ فلسفيا؟ حتى على المستوى النظري التنظيري، فالاتحاد بينهما لا بد أن يؤدي إلى جوهر جديد تماما، غريب عن مكونيه حيث إن الجوهر لا يقبل التركيب. يقول القديس كيرلس: لأن الذين اجتمعا معا في وحدة تدبيرية ليسا مجرد مظهرين أو "شيئين غير متأقنمين" بل شيئين حقيقيين، حتي يصير التأنس قابلا للتصديق والإيمان به فعلا. (القديس كيرلس الإسكندري) يضيف القديس ساويرس في دفاعه الثاني ضد النحوي: لقد أظهرنا بوضوح كيف عندما نقول "من طبيعتين" لا نفهم أن هاتين الطبيعتين هما جوهرين، بالمعنى العام الذي يجمع أقانيم عدة، كما لو كان الثالوث القدوس -حسب ضلالك الخبيث- قد تجسد في البشرية جمعاء، أي كل الجنس البشري، بل فقط الأقنوم الواحد لله الكلمة، وأقنوم واحد للجسد المحيي بنفس عاقلة المتخذ من العذراء والدة الإله، ومعروفين في تركيب بغير تغيير، وبقيا على ما هما عليه (ليس في استقلالية الوجود) أو قائمين بازدواجية الطبائع، بل باجتماعهما في وحدة قد أكملا طبيعة واحدة متجسدة، أقنوم واحد متجسد، شخص واحد,(القديس ساويرس الأنطاكي، ضد النحوي) سأورد نصا أخيرا للقديس ساويرس ينتقد فيه الاستعمال الخلقيدوني لمفهوم "طبيعة"، فالطبيعة عند الخلقيدونيين لا تعني إلا "الجوهر" فيقول في رسالته إلى "مارون": ولكن الناس الذين بتجديف يدعون المسيح الواحد طبيعتين مستخدمين كلمة "طبيعة" بدلا من التسمية المفردة، بل قائلين إن الله الكلمة طبيعة(يقصد اللاهوت)،والإنسان الذي من مريم هو طبيعة أخري(يقصد الناسوت)،فإنهم لم يبلغوا هذا القدر من الحماقة الذي يجعلهم يقولون إنهم يستخدمون كلمة طبائع بنفس معني الجوهر، لأنه إن كان الثالوث القدوس هو طبيعة واحدة، والبشرية كلها هي طبيعة واحدة، سينتج عما يقولون شيئا غير معقول، إن الثالوث القدوس قد أصبح متجسدا في كل البشرية. (القديس ساويرس الأنطاكي، الرسالة إلى مارون) إن استخدام لفظي "لاهوت"، و"ناسوت" لوصف كيفية الاتحاد هو من الحماقة كما يقول القديس ساويرس، ثم أن استعمالها لوصف ما بعد التجسد دون حكمة هو أمر أكثر حماقة حتى أنه يندرج تحت الحرم الرابع للقديس كيرلس، ولعلي أقول إن الاستخدام غير المنضبط لهاتين الكلمتين كما اعتاد مثلثو الرحمات المعاصرون واللاحقون، هو أحد أكبر مشكلاتنا العقائدية الحالية ومن هنا نرى خطورة استعمال هذين التعبيريين -الجوهر الواحد والاتحاد الجوهري- التي دعت القديس ساويرس بوصفها بالضلال الخبيث، للتشويش الذي يحدثه هذان التعبيران في اللاهوت الإسكندري شديد الدقة. وإنني أدعو مجمع أساقفتنا ولجنة الإيمان والعقيدة به لمنع إعادة طباعة هذه الكتب، وإصدار بيان يوضح خطأ هذين التعبيرين في هذه الكتابات. جدير بالذكر أيضا انه هناك كتابات قديمة لآباء ما قبل تصاعد الجدل الخريستولوجي قد جاء فيها هذين التعبيرين، ويبدو أن أمانة التَّرْجَمَةً قد استدعت من المترجم الإبقاء على هذين التعبيرين بحالهما، وهنا أرجو ان يتدخل الناشر بإضافة حاشية توضيحية وعودة إلى افتتاحية المقال، فإنني أدعو  الأنبا أغاثون -مع لجنة الإيمان والعقيدة بالايبارشية- إلى التوقف عن التعليم العلني لحين تلقي دراسة حقيقية، والحصول على فهم دقيق يمكنهم من التعليم دون الانزلاق في أخطاء يصعب تداركها، وتسبب تشوها وتشويشا مزعجا، فهم يبدون كالمستجير من الرمضاء بالنار. --- ### التأله غاية خلق الإنسان - Published: ۲۰۲۳-۰۱-۲۰ - Modified: 2023-11-30 - URL: https://tabcm.net/10288/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية, المركز الثقافي القبطي, بابا كيرلس عمود الدين, چوزيف موريس فلتس, علامة ترتليانوس الإفريقي, غريغوريوس النزينزي، الناطق بالإلهيات, قديس أثناسيوس الرسولي, قديس أوغسطينوس، أسقف هيبو, لوقا يوسف, مدينة الله, نصحي عبد الشهيد بطرس, يوحنا الحلو نستعرض الآن موضوع أن التأله هو غاية خلق الإنسان، حيث أكد آباء الكنيسة على ذلك شرقًا وغربًا كما سنرى في النصوص التالية. نبدأ أولاً بتأكيد العلامة ترتليان على أن التأله هو غاية خلق الإنسان، وإن الإنسان لو لم يسقط، كان سيؤخذ في المستقبل إلى الطبيعة الإلهية، حيث يقول التالي: ”والآن، مع أنّ آدم كان عرضةً للموت بسبب حالته تحت الناموس، إلا أن الرجاء كان محفوظًا له بقول الرب:’هوذا آدم يصير كواحد منا‘(سفر التكوين3: 22)،أي نتيجة اتخاذ الإنسان إلى الطبيعة الإلهية في المستقبل. إذًا، ما الذي يلي ذلك؟’والآن، لئلا يمد يده، ويأخذ أيضًا من شجرة الحياة، ، ويحيا إلى الأبد‘. بالتالي يُظهِر بإضافة الجزء عن الوقت الحاضر ’والآن‘، أنه قد خلقه للوقت، وللحاضر، ولاستمرار حياة الإنسان“ (Tertullian, ANF03 (Against Marcion), Trans. By Dr. Holmes, Edit. By Phillip Schaff) وهذا ما يؤكده أيضًا ق. اغريغوريوس اللاهوتي عن انتقال الإنسان الأول قبل السقوط إلى عالم آخر في نهاية المطاف، ليصير إلهًا بشوقه لله، حيث يقول عن الإنسان التالي: ”كائن حي يقيم في الأرض، ولكنه ينتقل إلى عالم آخر، وفي نهاية المطاف، يصير إلهًا بشوقه إلى الله“ (اغريغوريوس النزينزي (قديس)، عظات عيد القيامة (العظة الفصحية الثانية)، تَرْجَمَة: القس لوقا يوسف) ونرى مما سبق أن هذا الكلام لا يختلف مع كلام ق. أثناسيوس من أن الإنسان لو حفظ الوصية والنعمة في الفردوس كان سينال وعد الله له بالخلود في السماء، فالإنسان لم يُخلق خالدًا، بل خُلق في مسيرة نمو وتقدم نحو الخلود والتأله، كما قال الآباء السالف ذكرهم، وهذا أيضًا ما ذكره ق. اغريغوريوس اللاهوتي في عظته الفصحية الثانية عن أن الإنسان كان مدعو ليصير إلهًا وينتقل لعالم آخر، وكيف كان سيحدث هذا الخلود، سوى باتحاد الإلهي مع الإنساني في التجسد، ليؤله الإنسان مانحًا إياه الخلود، فنرى ق. أثناسيوس يقول التالي: ”ولكن لعلمه أيضًا أن إرادة البشر يمكن أن تميل إلى أحد الاتجاهينسبق فأمّن النعمة المعطاة لهم بوصية ومكان، فأدخلهم في فردوسه وأعطاهم وصية حتى إذا حفظوا النعمة واستمروا صالحين، عاشوا في الفردوس بغير حزن ولا ألم ولا هم بالإضافة إلى الوعد بالخلود في السماء“ (أثناسيوس (قديس)، تجسد الكلمة، تَرْجَمَة: د. جوزيف موريس) ويتحدث أوغسطينوس مثله مثل الآباء السابقين عن أن التأله هو غاية خلق الإنسان منذ البَدْء، وأنه كان سيصير إلهًا لو لم يسقط بالتعدي والعصيان كالتالي: ”هنالك في الراحة سوف ترى أنه هو الله، طبيعة سامية ادّعيناها لنا حينما هبطنا من أعالي عهده على صوت الشيطان الذي أغوانا قائلاً: ’تصيران كآلهة‘، لم نحفظ الأمانة لهذا الإله الذي كان قادرًا على أن يجعل منا آلهةً، لو لم نجحد نعمه، ونتخلف عن الاتحاد به“ (أوغسطينوس، مدينة الله ج3، تَرْجَمَة: الخورأسقف يوحنا الحلو) ويفرق ق. كيرلس السكندري بين صورة الله ومثاله في الإنسان، حيث يرى أن لصورة الله معاني كثيرة، بينما المثال هو حياة عدم الفساد وعدم الاضمحلال، كما يؤكد على أن الإنسان لم يكن خالدًا بالطبيعة منذ خلقته، بل كان سينال الخلود بعد ذلك كعطية من الله على طاعته للوصية وثباته في الله. حيث يقول التالي: ”ورغم أن حديثي أقل من المستوى اللازم، إلا أنني يجب أن أواصل موضحًا الحالة الأولى لطبيعتنا. فإني أعرف إننا إذ نقصد بإخلاص أن ندرك معنى الكلمات التي أمامنا، فإننا سنتجنب الأخطار الناتجة عن الكسل. إذًا، فهذا المخلوق العاقل أي الإنسان، قد خُلق من البداية على صورة ذاك الذي خلقه حسب المكتوب(أنظر كو3: 10). وصورة لها معاني متعددة. فيمكن أن تكون الصورة ليس حسب معنى واحد، بل حسب معاني كثيرة، أما عنصر مماثلة الله الذي خلقه، الذي يعلو الكل، فهو عدم الفساد وعدم الاضمحلال. فنحن نعرف أن المخلوق لا يمكن أن يكون كفوًا في ذاته أن يكون هكذا كالله بمجرد قانون طبيعته الخاصة، لأنه كيف يمكن لذاك الذي هو من الأرض حسب طبيعته الخاصة، أن يملك مجد عدم الفساد، إن لم يحصل على ذلك من الله الذي بالطبيعة عديم الفساد، وعديم الفناء، وهو دائم هكذا كما هو إلى الأبد، والله هو الذي يغني الإنسان بهذه الهبة كما يهبه كل العطايا الأخرى؟“ (كيرلس السكندري (قديس)، شرح إنجيل يوحنا مج2، تَرْجَمَة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون) ثم يؤكد ق. كيرلس السكندري على أن التأله هو غاية خلق الإنسان لو لم يسقط في التعدي والعصيان، فالله كان سيجعله شريكًا للطبيعة الإلهية، كما يؤكد أيضًا على أن النفخة التي نفخ الله في الإنسان هي الروح القدس، روح الابن، وليس كما ينكر النساطرة الجدد بأن النفخة في بداية الخلق هي نفخة الروح القدس. حيث يقول التالي: ”فكما يقول بولس الملهم بكل عقل وحكمة:وأي شيء لك لم تأخذه(1كو4:7). لذلك، فلكي لا يتلاشى ذلك الذي خُلِقَ من العدم، ويعود إلى العدم مرةً أخرى، بل بالحري يُحفَظ على الدوام -كما كان قصد الذي خلقه- لذلك فإن الله يجعله شريكًا للطبيعة الإلهية، لأنه’نفخ في أنفه نسمة حياة‘(تك2: 7)،أي روح الابن، لأن الابن نفسه مع الآب هو الحياة، وهو يضبط كل الأشياء معًا في الوجود. لأن كل الكائنات التي تنال الحياة'به تحيا وتتحرك'حسب كلمات بولس الرسول(أنظر أع17: 28)“(كيرلس السكندري (قديس)، شرح إنجيل يوحنا مج2، تَرْجَمَة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون) كما يؤكد ق. كيرلس السكندري على أن النفخة في بداية الخلق هي نفخة الروح القدس، ويقول إنه مَن يفترض أن نفخة الله في بداية الخلق صارت نفسًا مخلوقة هو إنسان لا يملك تفكيرًا سليمًا، ويشرح ذلك كالتالي: ”فإننا يجب أن نكرر مرةً أخرى ونقول -لا يوجد أي إنسان ذو تفكير سليم، يمكن أن يفترض أن النسمة التي صدرت من الجوهر الإلهي صارت نفسًا مخلوقة، بل إنه بعد أن صار للمخلوق نفسًا، أو بالحري بعد أن بلغ إلى كمال طبيعته بوجود النفس والجسد معًا، فإن الخالق طبع عليه خَتْم الروح القدس أي خَتْم طبيعته الخاصة أي نسمة الحياة، التي بواسطتها صار المخلوق مشكلاً حسب الجمال الأصلي، واكتمل على صورة ذاك الذي خلقه. وهكذا وُهبت له الإمكانية لكل شكل من أشكال السمو بفضل الروح الذي أُعطِي له ليسكن فيه“ (كيرلس السكندري (قديس)، شرح إنجيل يوحنا مج2، تَرْجَمَة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون) يتضح من هنا تأكيد ق. كيرلس السكندري على أن التأله هو غاية خلق الإنسان كما قصد الله، أي إنه يصير شريكًا للطبيعة الإلهية، ويؤكد ق. كيرلس السكندري على أن نفخة الله في بداية الخلق لم تكن نسمة الحياة المخلوقة في الإنسان، بل خَتْم الروح القدس أي خَتْم طبيعته الخاصة في الإنسان، وليس كما ينكر النساطرة الجدد ويدَّعون أن نسمة الله في بداية الخلق هي مجرد نسمة الحياة أو النفس المخلوقة في الإنسان. هوامشTertullian, ANF03 (Against Marcion), Trans. By Dr. Holmes, Edit. By Phillip Schaff, (Grand Rapids, MI: Christian Classics Ethereal Library, 1845- 1916), 2: 25, p. 444غريغوريوس النزينزي (قديس)، عظات عيد القيامة (العظة الفصحية الثانية)، تَرْجَمَة: القس لوقا يوسف، (القاهرة: المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي، 2015)، عظة 45: 7، ص 23أثناسيوس (قديس)، تجسد الكلمة، تَرْجَمَة: د. جوزيف موريس، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2003)، 3: 4، ص 8، 9. أوغسطينوس، مدينة الله ج3، تَرْجَمَة: الخورأسقف يوحنا الحلو، (لبنان: دار المشرق، 2014)، 22: 30، ص 413. كيرلس السكندري (قديس)، شرح إنجيل يوحنا مج2، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي الدراسات الآبائية، 2015)، ص 214.   المرجع السابق. المرجع السابق، ص 215. --- ### الاستحقاق الزائف - Published: ۲۰۲۳-۰۱-۱۹ - Modified: 2023-01-19 - URL: https://tabcm.net/10297/ - تصنيفات: مقالات وآراء من أسوأ المشاعر التي إذا سيطرت على إنسان وتحوله لآلة تدمير لمن حوله هو الشعور الزائف بالاستحقاق، أي إنه يشعر باستحقاقه أكثر مما يحصل عليه في حياته، وأنه مظلوم ولم يأخذ حقه، فأصحاب هذا الشعور يرون أن لهم الأفضلية على الآخرين وأنهم يستحقون مكانة الآخرين، لكن لأن هناك مؤامرات كونية فضائية فهم لا يحصلون على نصيبهم من الحياة، بينما من تسيطر عليه تلك المشاعر، يكون بالأغلب شخص كسلان لا يحرك ساكنًا وكل ما يستطيع تقديمه هو الحقد على الآخرين. حينما تتعامل مع أحد أصحاب الشعور بالاستحقاق الزائف، فالعلاقة به ليست متكافئة أو ندية كما في أي علاقة سوية بين شخصين سواء كانت ارتباط أو زواج أو صداقة أو بين زمالة في العمل، أو على نطاق العائلة، فصاحب الشعور  بالاستحقاق، سيقوم بتحميلك فاتورة كل المشاعر السيئة التي يشعر بها، فيحملك ذنب إنك لم تسأل عنه، مع أنه لا يفعل نفس الأمر، سيطلب منك أن تقدم له دائما، وسيلومك لو لم تفعل، مع أنه لا يفعل ما يطالبك به، فأنت رهينة سوداويته. صاحب تلك المشاعر السوداوية لم ولن يعترف بأن لديه مشكلات يحتاج معها  لزيارة طبيب نفسي لمحاولة علاجها والتعامل معها، وعدم إيذاء الآخرين بها، لكنه سيحمل العالم كله المسؤولية، وكل حديثه سيكون حول أنه على حق وأنه لا يوجد في طيبته ولا كرم أخلاقه، وأن كل الناس سيئة وتسبب له الأذى، والمشكلة هنا ليست في هذه النوعية من البشر فقط، بل فيمن حولهم من هؤلاء الذين لا يستوعبون كل تلك التصرفات ويتركون أنفسهم فريسة لهم، فهؤلاء من يساعدوهم على التوحش أكثر. لعلك صديقي القارئ وأنت تقرأ هذا الكلام تتذكر أحدهم هنا أو هناك يتصرف بمثل تلك التصرفات، احترس لأن أسوأ ما قد يواجهه شخص عادي مع شخص يشعر بالاستحقاق الزائد عن الحد، هو عدم وجود أي منطق خلال الحديث معه، فعند وجود مشكلة ما أو موقف بعينه، سيكون من وجهة نظره، أنه على حق والآخرين على باطل، وهم من أخطأ في حقه، في حين أنه يكون قد فعل العكس وأخطأ هو في حقهم أو الخطأ متبادل، لكنه لن يعترف أبدا بما عليه، فهو المستحق فقط للاعتذار ولتطييب الخاطر، وسينتظر من الآخرين الاعتذار والندم، ولن يتنازل قِيد أنملة عن موقفه، وستكون النتيجة أما أن ينصاع الآخرين له، أو يصب جم غضبه عليهم ويضعهم في "النوتي كورنر". هذا النوع قد يعاقبك على ما لم تفعله، وأكثر مثال أتذكره في الفترة الأخيرة، هو بيان لـ"هذا الأسقف" يتحدث فيه عن أحد الرهبان المميزين بالدراسات اللاهوتية الأكاديمية، فقد ذكر أنه سيحاسبه على ما لم يقوله، لذااحترس من أن تكون فكرة عن شخص لا تعرفه من حكايات شخص يرسم صورة ملائكية عن نفسه، ويرى نفسه خير خلق الله، بينما  الآخرين سيئين ومرضى، فهذه النوعية من البشر تنصب أفخاخها بعناية للأشخاص الذين لا يعرفونهم، وإذا وقعت في أسر تلك الفخاخ، ستُحمل برؤيتهم للعالم والآخرين، وهذا سيأخذ من طاقتك واتزانك النفسي. وفي رأيي أنه لحماية أنفسنا من هذه النوعية من البشر، أيقنت أن هناك طريقتين للتعامل معهم: أول طريقة هي الصراحة ومواجهتهم بالحقيقية وبحقيقتهم، وإيقاف أي محاولة ابتزاز منهم بمنتهى الحزم والوضوح ووضعهم في المكانة التي يستحقون، فلا تعتذر لهم على ما لم تفعله، ولا تسأل عنهم ولا تهتم، بل اتركهم لسوداويتهم ونرجسيتهم. والطريقة الثانية هي البعد عنهم، لأن البعد عن أي نوعية مؤذية من البشر هو مغنم حقيقي لأي إنسان يريد سلامه النفسي، وخصوصا الطريقة الثانية فالانسحاب في صمت وعدم الاكتراث أفضل بكثير من هدر الطاقة فيما لا يستحق. --- ### من أجل أن يدوم الحب - Published: ۲۰۲۳-۰۱-۱۸ - Modified: 2023-01-18 - URL: https://tabcm.net/10271/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: جبران خليل جبران, سر الزيجة الارتباط مش مجرد مشاعر جميلة، مش بدلة شيك وفستان أنيق، مش معازيم وكوشة، وكاميرا وضحكة، مش زغروطة طويلة ولا أرصة ركبة العروسة، مش بوسة جميلة ولا أول حضن، مش رعشة جسد ولا هزة حب، مش فسحة جميلة ولا قاعدة لطيفة. الارتباط مسؤولية، مسؤولية عن إنسان/ إنسانه ائتمن الطرف الآخر على حياته، عن أسرار ماضيه ورعاية حاضره ورسم مستقبله، مسؤولية بيت وأسرة وأطفال وتربيتهم ومستقبلهم، الارتباط يعني ازاي لما نزعل من بعض نتفاهم ونتفاوض وحد يقدم تنازل من أجل نمو الحب، الارتباط يعني تدبير، يعني تضحية، يعني بيت جواه ربنا، يعني مسؤولية عن خلاص نفسك وخلاص من في بيتك، يعني تعلميهم يعني تثقيفهم يعني حمايتهم وتربية حماية نفسهم، يعني زرع مبادئ في مجتمع بلا مبادئ. الارتباط يعني ازاي تضحي بأحلامك وطموحاتك من أجل تحقيق أحلام وطموحات من حولك، الارتباط يعني أن تسعى لإشباع الآخر فتُشبَّع من أجل إشباعه، أن تسعى لتطوير أبنائك في مجتمع متخلف وتعليمهم في مجتمع جاهل وحمايتهم في مجتمع غير آمن وخلاصهم في مجتمع متدين ولكنه بلا دين. الحب وعفة المشاعر والجسد، فنربي في ذواتنا من الصغر العفة، فلا تضحي بقلبك مع أول كلمة رقيقة يبتاعوها من صفحات النت، الكلام المعسول لا ينشئ بيوتاً وشاتات chats الظلام لا تغوى سوى إثارة الجسد، فكوني حريصة غالية ولا تعرضي نفسك ومشاعرك رخيصاً لشخص أناني لا يبغي سوى أنانيته، يسرق منك أغلى ما عندك بكلامٍ بخس. أنتِ غالية ومشاعرك وأحلامك وعواطفك وجسدك ليسوا للبيع، لا تنخدعي بكلماته المبتذلة وقصصه الخيالية التي يضحك بهما عليكي. من يُحبكِ، يريد دائما أن يعطيكِ، أن يرفعك، أن يصونك، لا يخدش حياءكِ ولا يُشهر بسيرتك. ومن يشتهيكِ، يريد دائما أن يأخذ منكِ ما ليس له، أن يشبع ذكورته ونزواته، أن يشهر بكِ وسط أقرانه متباهيًا بكِ عليهم وكأنكِ شيئاً مملوكاً له. لا يا بنيتي، لا ترضي لنفسك بهذا الوضع الذليل، من أجل الحب، لا ترضي أن تكوني شيئا، وكوني إنسانه، كوني هدية مصونة من أجل رجل في المستقبل حلم بطهرك ففاز بعفة مشاعرك قبل جسدك. من أجل الحب، كوني غالية مهما زاد الرخيص، كوني ملكة حتى لو كان كل من حولك عبيد، كوني إنسانه حتى ولو صار كل من حولكِ حيوانات، كوني ابنة رجل فخور وزوجة لرجل مرفوع الرأس وأم لإنسان يفتخر دوما ببنوته لكِ. الحب والغفران، صديقان لا ينفصلان، فنحن نتفهم ضعفات من نحب ونقبلها، نتفهم أخطائه ونصفح عنها "سبع مرات سبعين مرة" يخطئ ونغفر، الحب الأقوى هو من يستطيع تقديم غفرانات أكثر، مش مهم مين غلط في حق مين، الأهم من يقدر يروح للتاني ويحتويه ويقدم له أيدين مفتوحة مليانة بالحب، الغفران يعني shift delete مش مجرد delete، يعني لو بتحب وغفرت مش ممكن تفتكر تاني لشريكك/ لشريكتك خطأه، لأنك فعلًا نسيتها. الغفران يعني قناعة أن اللي معاك ممكن يغلط زي ما أنت بتغلط، ممكن يضعف زي ما أنت بتضعف، والحب معناه أيد حانية تصفح وترفع الآخر لمرتبته الأولى في قلبك، ترفعه من السقوط في جنة عدن إلى الملكوت في سما السموات، المحبة تظن دائما حسن النيات ولا تفترض سوءها، المحبة تتأنى على تكرار ضعفات الآخر وتترفق به، الحب الذي نستقيه من إله الحب لا يمكن أن تفسده ضعفات الأرض. الحب والاهتمامات المشتركة، فالعلاقات تتناسب طرديًا مع الاهتمامات المشتركة وعكسيًا مع الاهتمامات المختلفة، فكلما كانت لكم إهمامات مشتركة أو متشابهة تتأصل علاقاتكم وتزايدت الموضوعات المشتركة التي تتباحثون فيها، وكلما اختلفت اهتماماتكم وأنشطتكم وكان لكل منكم دنياه الخاصة واهتماماته الخاصة كلما فترت علاقاتكم وصمتت جلساتكم. لذلك ادعموا الاهتمامات المشتركة. ، أوجدوها، غذوها، نموها، وإلا لا تندموا إن بقيت الأجساد في غرف واحدة وتباعدت الأرواح والقلوب ومات الحب، فيقول العظيم جبران خليل جبران: "وتستحقُ قُلوبُنا أن تُحمَلّ على كُفوفٍ من الحُبِّ ونستحقُّ نحنُ ألا نُهونَ أو يستَهانُ بنا"(جبران خليل جبران) دمتم محبين ودام الحب بينكم. --- ### أيها الأسقف.. من أنت؟ [٨] - Published: ۲۰۲۳-۰۱-۱۷ - Modified: 2023-01-18 - URL: https://tabcm.net/10029/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: الأب متى المسكين, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, مار آوا الثالث روئيل, مار إغناطيوس أفرام الثاني, مار إغناطيوس يوسف الثالث يونان, مار بشارة بطرس الراعي, مار لويس روفائيل ساكو في ظني أن كثيراً من ارتباكات التدبير الكنسي، وازدواجية المعاناة والمغالاة التي تحاصرنا بدأت عندما تحولت المسيحية في منطقتنا المطلة على شرق وجنوب البحر المتوسط وضفتي البحر الأحمر إلى ديانة أقليات، وتحديداً بعد القرن العاشر الميلادي الذي بدأت معه موجات استهداف المسيحيين بالتوازي مع تعريب لسانهم، ما تعاملت معه الكنيسة بواقعية يائسة بأن عربوا الصلوات والطقوس القبطية، وأظنه نفس التوجه الذي تبنته الكنائس السريانية والكلدانية، مع فارق مهم أن الكنيسة القبطية لم تهتم بدعم بقاء القبطية لغة حياة حتى داخل الجماعة القبطية، في حين بقيت لغات الجماعات المسيحية الأخرى حية ومتوارثة في تعاملاتها الحياتية اليومية. لكن الذي جمع بين كنائس المنطقة الناطقة بالعربية، بالرغْم من تعدد القوميات، هو المغالاة في المظاهر التعبدية وفي هيئة الإكليروس الخارجية، ربما لتأكيد الوجود، وكان التشدد القبطي في التعاطي مع الكنائس الأخرى أحد مظاهر مقاومة الذوبان وفقد الهُوِيَّة، في محاولة لاستعاضة غياب اللغة وفقدها، التي هي في واحدة من تعريفاتها "وعاء الفكر والثقافة"، وهي في اقتراب آخر "تمثل هُوِيَّة وتراث وتاريخ الشعب الناطق بها". وعلى هذا فاللغة القبطية ليست لغة دينية، بل هي النسخة الأخيرة للغة المصرية القديمة، وكان إقصائها هدفاً استراتيجياً عند القادمين الجدد، كان مرحلاً حتى تستتب لهم الأمور وتتراجع أهمية الجزية كمصدر سيادي لخزينة دولتهم. وهو ما تحقق في القرن العاشر وما تلاه. كان التحول القسري عن القبطية كلغة هو الثاني بعد أن سبقتها اللغة اليونانية التي كانت لغة الثقافة والعلوم واللاهوت في العالم القديم، وفي مصر تحديداً التي قدمت للعالم عبر مدرسة الإسكندرية مداخل وأسس ومدارس الفلسفة واللاهوت في عصريها الوثني والمسيحي، حتى وقع صدام خلقيدونية (451م) الذي انحزنا فيه إلى القومية فكان قرارنا مقاطعة اليونانية لحساب القبطية، وتجرعنا مرارات الانقطاع المعرفي الأول الذي تكرر مع التحول للعربية بدءاً من القرن العاشر، وتدخل الكنيسة والأقباط نفق الانقطاع المعرفي مجدداً، وينعكس هذا على وعينا اللاهوتي الذي بقي على قيد الحياة بفضل بقاء الصلوات الليتورجية (القداس والتسبحة والطقوس) التي خبأها القبطي في قلبه وعقله، وتناقلتها أجياله المتعاقبة، حتى جاء عليه وقت كان يرددها دون أن يستوعب دقائقها وأبعادها، وبحسب أحد الباحثين اللاهوتيين كان فضل بقاء الكنيسة القبطية الأرثوذكسية لذلك الفلاح المصري البسيط الأمين لتراثه وميراثه، الذي عبر به قرون هذا عددها حتى لاحت إرهاصات الاستنارة. في تتبعنا لأزمة الكنيسة المُعاشة أمسكنا بخيط منهجها في اختيار قياداتها، الأساقفة والبطاركة، فوجدناها في قرونها الأولى تأتي بهم من علماء وأساتذة مدرسة الإسكندرية، وحين اشتدت الصراعات العقيدية، كانت مدرسة الإسكندرية وعلماؤها هدفاً مرصوداً من القوى المناوئة للكنيسة بدعم من السلطات الحاكمة ـ الرومانية آنذاك ـ فحمل علماء المدرسة كنوزهم المعرفية ومخطوطاتهم ولجأوا للأديرة، احتماء بأسوارها، فذهبت الكنيسة في إثر خطاهم لتختار منهم، ويبقى العلماء بالأديرة، وتستمر الكنيسة في الاختيار من ساكني الأديرة، ويدور الزمن دورته، ويصيب الأديرة ما أصاب المجتمع الكبير خارجها، وتدخل الأديرة نفس نفق الانقطاع المعرفي، حتى أنه في وقت كان المستشرقون يطرقون أبواب الأديرة وعيونهم على مخطوطاتها، يطلبون من مسئول الدير أن يسمح لهم بنسخ تلك المخطوطات، ويقدمون ما نسخوه له ويأخذون المخطوط الأصلي، بأوراقه المهترئة، فتنفرج أسارير الراهب العجوز ويدعو للمستشرق بطول العمر ويطلب له تعويضات السماء. ويحتار المرء إزاء هذا الأمر، فقد وجدت هذه المخطوطات طريقها إلى مكتبات جامعات أوروبا وأمريكا وهي مكان آمن ربما حماها من أن تكون "وقيداً" لأفران الأديرة، أو طعاماً للفئران والإهمال، أو تدميرها على يد العربان والبربر في غاراتهم على الأديرة، لكن هذا لا يمنع ما يصيب القلب من غصة وألم، قد يخفف منهما توفر خدمة الميكروفيلم في منتصف القرن المنصرم، ما أتاح لبعض الأديرة، المهتمة بالبحث، الحصول على نسخ منها، والباحثون خارجها أيضاً. متغير نوعي حدث مع انتصاف القرن العشرين وتنامى بشكل مرتب وشكل منعطفاً تاريخياً رسم ما صارت إليه الكنيسة فيما بعد وربما حتى اللحظة ومرشح للبقاء لسنواتٍ عدّة، هو انتباه شباب أربعينيات ذاك القرن لوضع الرهبنة كمدخل وحيد لمواقع قيادة الكنيسة، وهو ما أشرنا إليه قبلاً في أكثر من موضع، ليس فقط في هذا البحث، لكن في العديد من المقالات وفى سلسلة مؤتمرات التيار العلماني السنوية (2006 ـ 2010) وفي ما أصدرته من كتب في حبرية البابا الراحل الأنبا شنودة الثالث، وفي حبرية البابا الحالي الأنبا تواضروس الثاني، وقد تُرجم هذا الاهتمام بدخول نفر منهم الدير، وتحديداً ثلاثة من نشطاء شباب مدارس الأحد، الأستاذ سعد عزيز، والدكتور يوسف إسكندر، وقصدا الدير عام 1948، والأستاذ نظير جيد وقصد الدير عام 1954، وتبعهم العديد من أبناء جيلهم سواء بتحفيز منهم أو من تلقاء أنفسهم، باعتبار أن رواد الدخول يمثلون طليعة ذاك الجيل وقادته، وينتهي الأمر بوصول الأستاذ نظير جيد إلى سدة البطريركية، بعد سنوات شهدت تحالفات ومواجهات عدّة ومتباينة، تستحق أن تكون محل بحث وتحليل بعيداً عن التربص والموالاة. اصطحب البطريرك الجديد معه خبراته السياسية التي لم تنجح في تَرْجَمَة طموحاته في عالم السياسة، وكان حريصاً على صناعة أغلبية موالية داخل مجمع الأساقفة، وكانت الرياح مواتية، فأغلب المطارنة وقتها كانوا كهولاً، وإيبارشياتهم مترامية الأطراف، وتضم أكثر من محافظة، وكان رحيل أحدهم يقابل بتقسيم الإيبارشية إلى ثلاث أو خمس إيبارشيات، وكان التفسير، إيبارشية صغيرة لخدمة مركزة، كان اللافت اختيار رهبان لم تكتمل خبراتهم الرهبانية ولم تتح لهم فرصة التلمذة على شيوخ الدير، وبعضهم لم تدم إقامتهم بالدير بضعة شهور، كان المعيار إنهم حاصلون على شهادات جامعية في كليات القمة، بينما لا يقابلها المثيل في الدراسات الكنسية اللاهوتية، وهؤلاء يمثلون اليوم رأس الحربة في مقاومة المراكز البحثية الأكاديمية التي تعمل في دوائر الدراسات الآبائية الأكاديمية. اللافت في هذه الظاهرة أن الأقل علماً هو الأعلى صوتاً، ويوزع اتهامات الهرطقة ببذخ لافت على كل ما لا يستوعبه. في كنائس الجوار وعلى الرغم من خلافاتهم التاريخية لكنهم قفزوا فوقها دون أن يفرطوا فيها، إلا أنهم بحثوا عن خيط يربطهم ويمكن أن ينطلقوا منه إلى أن يلتقوا بعد جفاء قرون، فوجدوه في اتفاقهم في أصولهم السريانية، فمنهم خلقيدونيين ومنهم لا خلقيدونيين، أرثوذكس وكاثوليك ونساطرة، واللقاء في هذه الأجواء خطوة مهمة وكبيرة، وأظنها تمهد لمناقشات موضوعية وجادة في ضوء تقدم علوم التحليل النقدي، واتفاق الثقافات، ووحدة الهدف. ولهذا جاءت الصورة المرفقة تحمل تصور أن تكون كنيستنا ضمن هذه الخطوة وعندها ما تطرحه بتاريخها وثقلها اللاهوتي والبحثي. وتضم الصورة: 1 بطريرك الكلدان في العراق والعالم: الكاردينال مار لويس روفائيل ساكو 2 بطريرك كنيسة المشرق الآشوريّة في العراق والعالم: مار آوا الثالث روئيل 3 بطريرك أنطاكيَة وسائر المشرق للسريان الأرثوذكس: مار إغناطيوس أفرام الثاني 4 بطريرك أنطاكيَة وسائر المشرق للموارنة: الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي 5 بطريرك السريان الكاثوليك الأنطاكي: مار إغناطيوس يوسف الثالث يونان ثمة ملاحظة أخيرة أن هذه الكنائس لا تقدم أحد إلى رتبة الأسقفية إلا بعد اجتيازه سلسلة من الدراسات النظامية الأكاديمية تمتد في بعضها إلى ما يزيد عن العشر سنوات، يرافقها تكليفه بالخدمة في مواقع كنسية متعددة، تبني خبراته الرعوية والتعليمية، وهو الأمر الذي يجب على كنيستنا الأخذ به في مواجهة الطفرات المعرفية التي تعيشها أجيال الكنيسة الواعدة. ومازال للطرح بقية. --- ### مسيح الحيطان أم مسيح الإنسان؟ - Published: ۲۰۲۳-۰۱-۱٦ - Modified: 2025-02-02 - URL: https://tabcm.net/10215/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أنبا يوأنس، أسقف أسيوط كلام كتبته واحتفظت به منذ سنتين واضطرتني الظروف الحالية للإضافة عليه ونشره فأرجو قراءته حتى النهاية. في 16 يناير 2021 ظهر إعلانين أغرب من الخيال في يوم واحدٍ على فيسبوك: الإعلان الأول: كنيسة في عين شمس بتشحت تبرع بأسطوانة أكسجين أو ثمن أشعة على الصدر أو مشاركة في تكاليف علاج الناس المصابة وبتموت من كوفيد 19 وكل ما طالبوه 56 ألف جنيها فقط! ! الإعلان الثاني في نفس اليوم 16 يناير 2021: في عز ما كان وباء الكورنا ضارب كل ركن في مصر، نشر  دير مكاريوس الإسكندري جبل القلالي- وادي النطرون  إعلان بعنوان "يوم مشهود في جبل القلالي" عن افتتاح كاتدرائية ضخمة فاخرة التجهيزات بحيطانها الذهبية ومبنية في قلب الصحراء بتكلفة مئات الملايين من الجنيهات من فلوس تبرعات الأقباط والدير لا يوجد به سوى راهب واحد مسئول -لحد ما يشوفوا له رهبان! ! أتعجب من بناء الأديرة لكاتدرائيات ضخمة فاخرة في قلب الصحراء تساع آلاف المصلين في حين الحضور أصلا لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة؟! ألا يجب توفير أو توجيه أموال التبرعات هذه لأخوة الرب والمحتاجين والفقراء الذين يزيدون فقرا يوما بعد يوما ويموتون في عز أزمة وباء متفشي طاحنة، بينما هناك رهبان زاهدين متقشفين يعيشون بجانب كاتدرائيات فخمة وسط الصحراء لا يصلي فيها إلا خمسة أو ستة رهبان ودمتم! !  هو فعلا يوم مشهود في أرض مصر كما يقول الإعلان ليس لأن هذه الكاتدرائية الضخمة بٌنيت، لا لأن ربنا يشهد على كل هذا ويحاسبهم عليه! في أغسطس 2022 الأنبا يؤانس أسقف أسيوط يقول إن أموال التبرعات والعشور والنذور التي تحصلها الإيبارشية (هي بالمناسبة في أسيوط بالملايين) يتم صرف 10% منها فقط على الفقراء والمحتاجين أما الباقي فيتم توجيهه للصرف على التكييفيات وصيانة المباني ومرتبات الأسقف والكهنة، من الآخر الصرف على الإيبارشية وأسقفها في رحلاتهم وإقامتهم ومقراتهم الفاخرة، يعني 10% من الـ 10% الذين دفعتهم هي التي تصل فعلا للفقير والمحتاج، يعني الفقير يأخذ أقل من 1%. أيضاف في أغسطس 2022 حدث حريق في كنيسة أبو سيفين بحي إمبابة ويموت أغلب من كانوا فيها، والسبب قلة موارد مالية وعدم قدرة أو تجاهلهم شراء عدة أجهزة إنذار حريق يتكلف الجهاز الواحد فيهم 600 جنيها، غير تجاهل استخراج تصريح الدفاع المدني أكثر من مرة و-مقضينها- (تصاريح مؤقتة) تتجدد كل فترة. لن ألوم كثيرا على كنيسة إمبابة، كفاية الكارثة التي حلت بهم، لكن لزم علينا المقارنة بين الصرف ببذخ على أديرة يسكنها 5 أو 6 أشخاص وعدم الاكتراث ببسطاء يموتون بسبب عدم وجود كم جهاز إنذار تكلفتهم الإجمالية أقل من 10 آلاف جنيها، لم يستطيعوا شرائهم أو تجاهلوا تركيبهم ربما لضيق الحال! في بداية يناير 2023 وفي ظل تمرمغ واحتفال المواطنين في إنجازات الجمهورية الجديدة في بلد على مشارف انهيار اقتصادي ومعاناة يومية وغلاء قضى على الأخضر واليابس وسعر الدولار يتربص بالمواطنين في الزراعات، ظهر لنا إعلان آخر من كنيسة في مدينة 6 أكتوبر تطالب الأقباط بالتبرع بحوالي 6. 5 مليون جنيه لتشطيب الكنيسة على أعلى مستوى من الزجاج المعشق والملون إلى أخره من أخبار -الهيخو هيخو هيخو- ولا أستطيع أن أعلق أكثر من ذلك لأن المواطنين الشرفاء فاض بهم الكيل وعملوا اللازم مع من نشر البوست المستفز في هذا الوقت. في 11  يناير 2023 وسط تناوب الدولار على اغتصاب الجنيه المصري بلا رحمة فإن إيبارشية جرجا لا تبالي وتعلن عن افتتاح قاعة الاجتماعات الكبري الفخمة الضخمة المجهزة بكل وسائل التواصل الحديثة وغرفة العمليات المركزية بقاعدة جرجا الرعوية بتكلفة تصل كم مليون! لا أحد يعرف تحديدا، من أجل مجرد اجتماع شهري بين الأسقف وكهنته يناقشون فيه -برضه مش عارف- ألا يستطع الأسقف أن يجتمع معهم في الكنيسة عادي؟ ألا يستطع أسقفها توجيه هذه الأموال لشيء أفضل؟ هل لا يصح أن يستفد بها فقراء ومساكين وسط أزمة غلاء طاحنة لكل الطبقات الاجتماعية؟ ذكرت بعض الأمثلة البسيطة جدا ولا أريد أن أسرد البقية لأن الحساسية مرتفعة لدى الأقباط بالرغم من إنهم الممولين! !   غير المزارات الفخمة الضخمة والزيارات الترفيهية المسماة زوراً بالرعوية على البزنس أو الفيرست كلاس والرحلات المكوكية العلاجية التي تتكلف مئات الملايين من الدولارات وكلها من أموال وتبرعات الأقباط! يا أقباط. . لو تعرف حد محتاج ساعده مباشرةً، لو قادر تساعد مريض ساعده مباشرةً، للأسف من يضع عشوره وتبرعاته من أجل مباني فخمة ضخمة وزجاج معشق ملون وحيطان مذهبة خشب أرو وزان، ويترك الناس المحتاجين فعلا يموتون جوعا ومن المرض في ظل حالة الضنك والفقر المتصاعد يكون إنسان... . فاكر أنه يخدم الكنيسة والمسيح! بكل أسف فلوسك هذه ليست لخدمة المسيح بل للصرف على طغمات الأساقفة وراحتهم ورفاهيتهم ومقراتهم وأسطول سياراتهم والواحدة منها بكم مليون يعني تكفل 100 عيلة لمدة سنة. الأساقفة لن يتوقفوا عن سفه الصرف والبذخ اللا مبالاة بحال الناس ولن يشعروا بكم ما دام تدفعون. الأهم عند المسيح بناء الإنسان مش بناء الحيطان! فوتوكم بعافية! --- ### خداع النفس في مسيرة الروح - Published: ۲۰۲۳-۰۱-۱۵ - Modified: 2023-01-15 - URL: https://tabcm.net/10251/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: قديس بولس الرسول إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِيكُمْ يَظُنُّ أَنَّهُ دَيِّنٌ، وَهُوَ لَيْسَ يُلْجِمُ لِسَانَهُ، بَلْ يَخْدَعُ قَلْبَهُ، فَدِيَانَةُ هذَا بَاطِلَةٌ. اَلدِّيَانَةُ الطَّاهِرَةُ النَّقِيَّةُ عِنْدَ اللهِ الآبِ هِيَ هذِهِ : افْتِقَادُ الْيَتَامَى وَالأَرَامِلِ فِي ضِيقَتِهِمْ، وَحِفْظُ الإِنْسَانِ نَفْسَهُ بِلاَ دَنَسٍ مِنَ الْعَالَمِ. (رسالة يعقوب 1: 26، 27) بنهاية الإصحاح الأول من رسالة القديس يعقوب الرسول يكون الوحي المقدس قد قدم من زوايا متعددة كيف يكون التأسيس الإلهي للمسيحية في قلب الإنسان بكونه عمل إلهي بواسطة ”كلمة الله“ المغروسة في قلوب لحمية وليس بعد في ألواح حجرية  (راجع المقالات السابقة). لذلك فإن آيات ختام الإصحاح الأول تأتي حارسة لذلك التأسيس ضد خداع النفس. الآية (26) درج استخدامها في الوعظ على المنابر لتدعيم التدبير النسكي بضبط الفم بينما النص الكتابي يحمل زخماً أعمق وأغني من ذلك المعني بكثير. فالآية تحذر من كثرة الكلام عن الروحيات كتعويض وتغطية لخواء القلب من العمق الروحي، بالتالي فهي تحرس الإنسان من الظن أن هذا هو التدِّين بينما هو خداع النفس. ثم يضع الوحي المقدس تدبيره الثاني للسائرين في طريق الملكوت للتأكيد على صدق الهدف الروحي، وذلك بأن يكون للحديث الروحي تَرْجَمَة ملموسة في عمل روحي يتضمن افتقاد النفوس وخدمة المحتاجين والمتضايقين، وأفضل مثال لهؤلاء هم اليتامى والأرامل. وسرعان ما يأتي الوحي المقدس بتدبيره الثالث عن تنقية النفس من هذا الخداع في استخدام الكلام الروحي والعمل الروحي كما شرحنا، وقد سبق للرب أن أشار إلى هؤلاء بأنهم فاعلي إثم. «لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَقُولُ لِي: يَا رَبُّ، يَا رَبُّ! يَدْخُلُ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. بَلِ الَّذِي يَفْعَلُ إِرَادَةَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. كَثِيرُونَ سَيَقُولُونَ لِي فِي ذلِكَ الْيَوْمِ: يَا رَبُّ، يَا رَبُّ! أَلَيْسَ بِاسْمِكَ تَنَبَّأْنَا، وَبِاسْمِكَ أَخْرَجْنَا شَيَاطِينَ، وَبِاسْمِكَ صَنَعْنَا قُوَّاتٍ كَثِيرَةً؟ فَحِينَئِذٍ أُصَرِّحُ لَهُمْ: إِنِّي لَمْ أَعْرِفْكُمْ قَطُّ! اذْهَبُوا عَنِّي يَا فَاعِلِي الإِثْمِ! (متى 7: 21- 23) فإن عدد (27) قد جاء بآية حاكمة تستعلن ضرورة جهاد النفس ”حِفْظُ الإِنْسَانِ نَفْسَهُ بِلاَ دَنَسٍ مِنَ الْعَالَمِ“. ومعروف أن كلمة الإنجيل فاحصة وكاشفة لأي زَيف يهدد طريق الروح سواء من خداع النفس أو من أطماع الجسد في هذه الدنيا. "لأَنَّ كَلِمَةَ اللهِ حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ، وَخَارِقَةٌ إِلَى مَفْرَقِ النَّفْسِ وَالرُّوحِ وَالْمَفَاصِلِ وَالْمِخَاخِ، وَمُمَيِّزَةٌ أَفْكَارَ الْقَلْبِ وَنِيَّاتِهِ. "(رسالة بولس إلى العبرانيين 4: 12) هكذا وفي نهاية الإصحاح الأول من رسالة يعقوب الرسول يلخص الوحي المقدس منهج الروحانية المسيحية بأنها مستيكية/ باطنية وأن كل نشاط الإنسان في  الطريق الروحي مِن مظاهر خارجية هو بهدف اللقاء القلبي الصادق مع الإله الحق الذي سكن القلب هيكلاً  له. ”اَلَّذِي عِنْدَهُ وَصَايَايَ وَيَحْفَظُهَا فَهُوَ الَّذِي يُحِبُّنِي، وَالَّذِي يُحِبُّنِي يُحِبُّهُ أَبِي، وَأَنَا أُحِبُّهُ، وَأُظْهِرُ لَهُ ذَاتِي""إِنْ أَحَبَّنِي أَحَدٌ يَحْفَظْ كَلاَمِي، وَيُحِبُّهُ أَبِي، وَإِلَيْهِ نَأْتِي، وَعِنْدَهُ نَصْنَعُ مَنْزِلًا".  (إنجيل يوحنا 14: 21 و23) في ختام مقالاتنا في الإصحاح الأول من رسالة يعقوب الرسول يتضح لنا أن منهج الروحانية الأرثوذكسية من جهة مفهوم الجهاد والنعمة يرى أن أعمال الإنسان الروحية من جهاد النفس والخدمة هي فيض لسكنى الثالوث القدوس للقلب الذي انفتح للمسيح. وأن جهاد الإنسان وأعماله ليست لاستحداث وجلب النعمة بل للبقاء في النعمة، فالنعمة كما استعلنها الرب لنا هي عطاء الرب لذاته وسكنى الثالوث القدوس لقلب الإنسان بالتالي فالنعمة مجانية لا ثمن يعدلها لأنها عطاء الرب لذاته "لَيْسَ أَحَدٌ يَأْخُذُهَا مِنِّي، بَلْ أَضَعُهَا أَنَا مِنْ ذَاتِي". (إنجيل يوحنا 10: 18) فالمسيحية ليست جهاد ضد الخطية بقدر ما هي جهاد للتمسك بالنعمة، الضمان الوحيد للنصرة على الشرير والخطية. والسُبح لله بقلم د. رءوف إدوارد --- ### انزلاقات قبطية نحو الأوطاخية - Published: ۲۰۲۳-۰۱-۱٤ - Modified: 2025-02-02 - URL: https://tabcm.net/10149/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: أبوليناريوس، أسقف اللاذقية, أنبا صموئيل المعترف, الأوطاخية, بابا داماسوس, بابا كيرلس عمود الدين, قديس أثناسيوس الرسولي, هرطقة الأبولينارية تحوي الأوطاخية -كمصطلح- طيفا واسعا من الهرطقات التي تتعلق بفهم العلاقة بين أقنوم الكلمة و"العينة" الإنسانية المأخوذة في الاتحاد، كما تتعلق بفهم سلوك هذه العينة في الاتحاد، وهي في الأغلب انزلاقات فكرية أكثر منها معتنق يتم الترويج له، على أن هذا لا ينفي خطورتها الجسيمة على الإخلال بفهم التدبير الإلهي في التجسد. وسنستعرض تباعا بعض أطياف هذه الهرطقة والانزلاقات القبطية إليها. الأبولينارية - Apollinarism تنسب إلى الأسقف الأنطاكي لمدينة اللاذقية، الذي عاش في القرن الرابع، كان أبوليناريوس عالما مثقفا تقيًا، ذو تاريخ مشرف في محاربة الأريوسية وحصارها، إلا أن الرياح تأتي أحيانا بما لا يرغب به أحد. يقول مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث عن الأبولينارية في كتيبه "طبيعة المسيح": هرطقة أبوليناريوس:"وكان ينادي بلاهوت المسيح، ولكنه لا يؤمن بكمال ناسوته، إذ كان يرى أن ناسوت المسيح لم يكن محتاجا إلى روح، فكان بغير روح، لأن الله اللوجوس كان يقوم بعملها في منح الحياة، ولما كان هذا يعني أن ناسوت المسيح كان ناقصا، لذلك حكم مجمع القسطنطينية المسكوني المنعقد سنة ٣٨١م بحرم أبوليناريوس وهرطقته هذه". (البابا شنودة الثالث، كتيب "طبيعة المسيح") الاقتباس السابق لا يحمل من الحقيقة حتى ولا شبهة ظل، وأنا في غاية الاندهاش، فالتحجج بقلة المصادر والترجمات يَجِبُ ألاّ يشملا أسقفًا للتعليم، فالجهل لا يحوي فقط التاريخ، بل ينسحب على أصول الهرطقات، مما دفع بالرجل لانزلاقات هرطوقية متنوعة، الأخطر أنها أصبحت تعليما مستقرا في كنيستنا لا يقبل المراجعة. نشوء الهرطقة بعد مجمع نيقية كان الاضطراب الكنسي لا زال قائما، وبدأت أفكار كثيرة تتسرب إلى التعليم. الأريوسيون يخفضون لاهوت الكلمة إلى درجة المخلوق، وينفون وحدانيته في الجوهر مع الآب، والأنطاكيون بدأت تعاليمهم تنحو إلى تقسيم المسيح إلى اثنين، إله وإنسان، في مقابل الأرثوذوكس الذين يصرون على فهمهم للكلمة المتجسد، وهو نفسه الله الكلمة، وهو نفسه إنسان كامل. كان أبوليناريوس يعترض بشدة ويعلم ضد كل من الأريوسيين والأنطاكيين، إلا أن اعتراضا جديدا له قد ظهر ضد الأرثوذوكسية نفسها، كان الرجل عليمًا بفلسفة أفلاطون التي تفكك الإنسان إلى جسد يمنحه الوجود الفيزيقي، ونفس تمنحه الحياة، وروح عاقلة تمنحه العقل والإرادة والحرية، ووجد ما يؤيد هذا الطرح في الرسالة الأولى إلى تسالونيكي (5: 23)، فانطلق من هذه المعرفة ليصُغ مسيحا جديدا يتلافى اعتراضه على المفهوم الأرثوذوكسي للتجسد، الذي كان: كيف يأخذ الكلمة طبيعة إنسانية كاملة بروح عاقلة ذات إرادة ولا يخطئ؟ حيثما وجدت الإرادة، فلا بد أن توجد الخطية. كان الناسوت المأخوذ لمسيح أبوليناريوس يتكون من الجسد والنفس المحيية فقط، ولم يكن له حاجة بالعقل والإرادة، وفيم الحاجة للعقل إذا اتحد باللوجوس العقل الكلي؟ وما الحاجة للإرادة إذا كان الأقنوم له الإرادة الإلهية كلية الصلاح؟ كان مسيح أبوليناريوس هو مسيح الإرادة =(المشيئة) الواحدة، ولا شك أن مسيح أبوليناريوس قد تجنب كثيرا من الإشكاليات اللاهوتية، فقد جنب التفكير في "ابنين" متصلين، كما بدأت الإرهاصات في أنطاكيَة، وسهل قَبُول مبدأ "الاتحاد الطبيعي" في شخص الكلمة المتجسد، إلا أن هذا المسيح نفسه لم يكن مناسبا لإتمام الخلاص، تجديد الطبيعة البشرية، وتقديس الإنسان. المعصية الأولى هي بالأساس نتاج استخدام الإرادة البشرية، فلم يكن للتبرير منها سبيل إلا بعلاجها هي نفسها. يقول القديس ساويرس: "إن خلاص الإنسان هو تدبير وعمل الله، ولكنه لم يتم بعمل إلهي محض بمعزل عن الإنسان، لأنه إذا كان الإنسان قد أساء استخدام هبة "الإرادة" وابتعد عن الله، فينبغي أن يتم الخلاص من خلال حياة إنسانية حقيقية وكاملة يتم استخدام الYرادة فيها بالطريقة الواجبة". (القديس ساويرس الأنطاكي) وهنا نذهب للقديس اغريغوريوس اللاهوتي الذي يخبرنا: "ما لم يتحد به الرب عندما تجسد هو ما بقي دون شفاء، أما ما اتحد بألوهيته فقد خلص، لقد سقط آدم بعقله أولا، ولذلك كان على المسيح أن يأخذ عقلا إنسانيا لكي يقدسه"((القديس اغريغوريوس اللاهوتي) أثار ظهور هذا الفكر موجة انزعاج عارمة في الكنيسة شرقا وغربا، نال الانزعاج من القديس أثناسيوس، وإبيفانيوس أسقف قبرص، والبابا داماسوس بابا روما، وعقدت المجامع تباعا لدحضه. بدأت المجامع بالإسكندرية برئاسة أثناسيوس عام 362م، مجمع في روما عام 377م، وحكم هذا المجمع بحرم ثلاثة أساقفة أبوليناريين، بينهم المبتدع نفسه، ثم مجمع في الإسكندرية برئاسة البابا بطرس عام 378 م لتأييد قرارات مجمع روما، ثم مجمع أنطاكي مماثل عام 379م، حتى عُقد مجمع القسطنطينية المسكوني عام 381م مؤيدا لقرارات المجامع المحلية السابقة، بقي الفكر الأبوليناري بعدها محصورا في مجموعات صغيرة من أتباعه دون أن يسبب مشكلات كنسية. أود هنا أن اختتم هذا الجزء بفقرة بديعة من قديسنا كيرلس الكبير شارحا مفصلا كعادته: "لأَنِّي قَدْ نَزَلْتُ مِنَ السَّمَاءِ، لَيْسَ لأَعْمَلَ مَشِيئَتِي، بَلْ مَشِيئَةَ الَّذِي أَرْسَلَنِي"(إنجيل يوحنا 6: 38)   إننا لا نقر أبداً عن الثالوث القدوس الواحد جوهرياً أنه قد انقسم ضد نفسه، أو انشطر إلى آراء متعارضة متباينة، أو أن الأب أو الابن أو الروح القدس انقسموا إلى ما قد يبدو صالحاً لكل منهم على حدة، وهم يتفقون في كل شيء، ولأنهم لاهوت واحد، فمن الواضح، أن تكون لهم نفس الإرادة، في الثالوث القدوس كله. . لأنه حال كونه ما هو عليه، إلهٌ من إلهٍ، كاملٌ من كاملٍ، الخَتْم الحقيقي لجوهر أبيه، لا يفكر إلا كما يفكر الآب أيضاً، فهو ذات مشورته وكلمته، ويشاء تماماً ما يشاؤه الآب ويفعل بالتمام والكمال ذات ما يفعله الآب، بشكل تلقائي بسبب قوانين وحدانية الجوهر، يشترك مع الأب في أن يريد كل الصالحات فلا تستاء أيها الإنسان، حينما تسمعه يقول:لأني قد نزلت من السماء، ليس لأعمل مشيئتي، بل مشيئة الذي أرسلني(إنجيل يوحنا 6: 38). لأن كل ما قلناه في البداية سوف نقوله مرة أخرى، قال المسيح ذلك عن أمر واضح ومحدد، لأنه يقول تلك الكلمات معلما أنه أراد أن يموت عن الجميع لأنه هكذا أشارت الطبيعة الإلهية، لكنه لم يرد (ذلك بسبب الآلام على الصليب، ويقدر ما هو متصل بالجسد الذي يستنكر الموت. وقد أسهبنا فعلاً في الشرح لكن من المناسب أننا يجب أن نفهم من طبيعة الأشياء ذاتها أن الآلام على الصليب لم يكن يريدها المسيح بسبب كونه إنساناً. (القديس كيرلس الإسكندري، شرح إنجيل يوحنا، كتاب 4: 1) يتبقى في النهاية أن أورد -في عجالة- حادثة تاريخية، كانت الأبولينارية فيها محاولة يائسة لتوحيد الامبراطورية البيزنطية التي أهلكها الانقسام الخلقيدوني، ونال منها على كل الأصعدة، كانت الجيوش العربية على مرمى حجر من حدود الامبراطورية في القرن السابع، فتفتق ذهن الإمبراطور "هرقل" مع البابا "سرجيوس" بابا القسطنطينية، لمحاولة لملمة الشمل ترفع لافتة "المشيئة الواحدة" لأقنوم الكلمة المتجسد، وقصد بها تحديدا "مصر" جوهرة التاج البيزنطي، فأعد الإمبراطور مشروعا للوحدة (المشيئة الواحدة- Monotheletism) وطبع منشورا عرف باسم (إكثيسيس- Ecthesis). تجنب تماما ذكر مجمع خلقيدونية، ذاكرا الاعتراف بمشيئة واحدة للكلمة المتجسد، آملا أن يحظى بقبول اللا خلقيدونيين، أرسله لواليه على مصر "كيرس" مع تعليمات مشددة بفرض الوحدة، وعندما وصل المنشور إلى الإسكندرية، عقد كيرس اجتماعات مطولة وحاول استدعاء البابا بنيامين الذي كان هاربا، وأوصل إليه المنشور، لكنه فوجئ بالرفض العارم لمحتوى المنشور واعتباره هرطقة جديدة تضاف للرصيد الخلقيدوني، مما دعاه لاستخدام العنف، دون جدوى. ولا يفوتنا هنا التنويه إلى أن حادثة العنف التي طالت القديس "صموئيل المعترف" كانت بسبب تمزيق هذا المنشور، وليس كما يذكر السنكسار -بسذاجة- أنها كانت رفضا لطومس لاون الذي كان الزمن قد تجاوزه بما يقرب من قرنين فتذكر -يا رعاك الله- حين ترى صورة للقديس صموئيل المعترف، أن الرجل قد فقد عينه رفضا لهرطقة تعتنقها أنت الآن اسمها "المشيئة الواحدة" دون أن تعي وجود المشيئتين في أقنوم الكلمة المتجسد. --- ### الهرطقة الأفنومية والرد عليها - Published: ۲۰۲۳-۰۱-۱۳ - Modified: 2023-11-30 - URL: https://tabcm.net/10206/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: آريوسية, أفلاطون, أفنوميوس, أمجد رفعت رشدي, أمفلوخيوس, الحلول الأقنومي, المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية, بابا كيرلس عمود الدين, باسيليوس الكبير، أسقف قيصرية الكبادوك, باناريون للتراث الآبائي, توماس تورانس, توماس ف. تورانس, چورچ عوض إبراهيم, حنا الفاخوري, دير الأنبا أنطونيوس, سعيد حكيم يعقوب, ضد أفنوميوس, عماد موريس, غريغوريوس النزينزي، الناطق بالإلهيات, غريغوريوس النيسي, فيلسوف أرسطو, قديس أثناسيوس الرسولي, قديس هيلاري، أسقف بواتييه, مدرسة الإسكندرية, هرطقة الأفنومية الهرطقة الأفنومية وإنكار الحلول الأقنومي للروح القدس حارب آباء الكنيسة وقاوموا ادعاء أفنوميوس الآريوسي بأن النعمة الإلهية أو الطاقة الإلهية مخلوقة، ذلك لأنها زمنية أي تعمل في الزمن، ولها بداية ولها نهاية، وتتم بإرادة الله ومشيئته، وأنها غير مرتبطة بجوهره، بل أن النعمة منفصلة عن جوهر الله غير المولود (الجوهر هو الآب فقط بالنسبة له دون الابن المولود)، حيث يؤكد على انفصال الأعمال أو الطاقات الإلهية عن الجوهر الإلهي كالتالي: ”وينبغي بالتأكيد ألا نعتقد أن هذا العملهو نوع من الانفصال أو الحركة في جوهره، لأن هذا هو بالحقيقة ما يتحتم على مَن ضللتهم السفسطات الوثنية أن يظنوه، لأنهم قد جعلوا العمليتحد بالجوهر، وبالتالي يوجد العالم متزامنًا مع الله. ولكن حتى لو لم يهربوا من الحماقة المنطقية الناجمة عن هذا التأكيد: أولئك الذين قد شهدوا مرةً عن أن توقف الفعلالخلاَّق لا يحتاج إلى النظر للوراء تجاه بدايته -لا يوجد شيء قد آتى بشكل كامل إلى نهاية، لم يبدأ من بداية ما! بالرغم من ذلك، نحكم نحن بأنفسنا على العملمن آثاره ونتائجه بحسب المبادئ المعروضة منذ قليل، ولا نعتبره لا يشكل خطورة من أن يوجد العملمع الجوهر. فنحن نعلم أن الجوهر الإلهي بلا بداية، وبسيط، وبلا نهاية، ولكننا نعلم أيضًا أن فعلهليس بلا بداية، وليس بلا نهاية، ولا يمكن أن يكون بلا بداية، لأنه -إنْ جاز التعبير- سيكون أثره ونتيجته بلا بداية أيضًا. من ناحية أخرى، لا يمكن أن يكون بلا نهاية، لأنه لو كانت الآثار تأتي إلى نهاية، فلا يمكن للعملالذي أنتجهم أن يكون بلا نهاية أيضًا. وبالتالي، يكون من المبالغة في الغباء والطفولية القول بأن العملغير مولود، وبلا نهايةعندما يعجز أحد نتائجه عن أن يكون ناتجًا سواء بشكل غير مولود، أو بشكل لا نهائي! في الحقيقة، بناءً على هذه المسلمات، يمكن أن يتبع ذلك فقط أحد النتيجتين: إما أن عملالله غير مثمر، أو أن آثاره غير مولودة. وإن كان كل من هذين حماقة على نحو لا يمكن إنكاره، فلا بد أن يكون الاحتمال المتبقي صحيحًا: الذي قَبِل بأن الآثار والنتائج لها بداية، والفعلليس بلا بداية، والذي قَبِلَ بأن الآثار والنتائج تأتي إلى نهاية، والفعلليس بلا نهاية. وبالتالي، لا توجد ضرورة من القبول بالآراء غير الناضجة للدخلاء، وتوحيد الفعلبالجوهر. بل على العكس، ينبغي علينا أن نؤمن بأن العملالأحق والأنسب لله هو مشيئته وإرادته، وأن تلك المشيئة كافية لأن تحضِر إلى الوجود، وتخلص الجميع، كما يشهد بالفعل الصوت النبوي: كل ما شاء فعله، صنعه. فلا يحتاج الله إلى شيء ليحضِر به ما قصده إلى الوجود، بل بالحري في نفس اللحظة التي قصده فيها، فأيّ شيء أراده يأتي إلى أن يكون“(Eunomius, The Extant Works (Liber Apologeticus), Text. & Trans. By R. P. Vaggione, (Oxford: Oxford University Press, 1987), 1: 22, 23, p. 63-65. ) رد آباء الكنيسة على الهرطقة الأفنومية لقد كان معروفًا في الفكر الفلسفي اليوناني القديم عند أفلاطون، وأرسطو، والرواقيين، أن الله يتسم بالفعل الثابت غير المتحرك، وأنه يُحرِّك العالم بحسب رغبة العالم؛ أي لا يوجد اتصال مباشر بين الله والخليقة ولا يوجد تدبير وعناية إلهية. القديس أثناسيوس الرسولي لكن جاء آباء الكنيسة خاصةً ق. أثناسيوس ليقول إن الله فيه الفعل، والطاقة، والحركة داخلية، وهي في صميم جوهر الله، فالله لا يكون بدون فعله، وطاقته، ونعمته على الاطلاق، والمقصود هنا ليس الحركة بمعناها المادي المتغير، بل بالمعنى الروحي فالله لا ينتقل من مكان لآخر، ومن زمان لآخر كالخليقة، ولا يمكن فصل طاقات الله، ونعمه، ومواهبه عن جوهره الإلهي، بل هي مرتبطة بالجوهر الإلهي، لأن طاقة، وفعل، ونعمة الله ليست شيئًا، وجوهره شيئًا آخر، بل هما متلازمان وكل منهما كائن في الآخر دون انفصال. إذًا، فالله ليس خاملاً في جوهره الداخلي، بل الحركة، والنشاط، والعمل، والطاقة، ينتمون إلى الطبيعة الأزلية لله. القديس باسيليوس الكبير لذا يُطوِّر ق. باسيليوس الكبير آرائه عن هذا السؤال في جدله مع أفنوميوس، الذي أكد على المعرفة الكاملة بجوهر الألوهة من خلال الأفكار، أو كما هو معتاد التعبير عنهم في الجدل حول أسماء الله التي تتناسب مع هذه الأفكار. يَعتبر أفنوميوس اسم ”غير المولود“ أو عدم المولودية هي مثل هذا التعريف للجوهر الإلهي، مطبقًا إياه فقط على الأقنوم الأول (الآب)، ويؤدي هذا إلى الاستنتاجات الأفنومية الآريوسية بخصوص الأقنوم الثاني الذي ليس له هذه الخاصية (أي عدم المولودية). لذا في الجدال ضد تعليم أفنوميوس، يقدم ق. باسيليوس الكبير مسلمة عامة، على الرغم من عدم موافقة أفنوميوس على شرح الأسماء السلبية لله عند ق. باسيليوس الكبير، واعترض (أفنوميوس) عليه ليس بدون أساس محدد: ”لا أعلم كيف من خلال نفي ذاك الذي لا يليق بالله، سوف يتفوق على الخليقة؟! لا بد أن يكون واضحًا لكل جوهر عاقل أن جوهر الواحد لا يستطيع مفارقة جوهر الآخر بما ليس له“(Ibid, , p. 177) يرد ق. باسيليوس الكبير على اتهامات أفنوميوس والأفنوميين له باللا أدرية بسبب استخدامه اللاهوت السلبي في التعبير عن الله في ذاته وجوهره كالتالي: ”إذا أجبت، أنا أعبد مَن أعرف، قالوا لي على الفور، ما هو جوهر الذي تعبده؟ عند ذلك، إذا اعترفت وقلت أنا أجهل الجوهر، يقولون لي: إذًا، أنت تعبد مَن لا تعرف. وأنا أجيب بأن فعل (أعرف) له عدة معاني: نحن نقول إننا نعرف عظمة الله، وسلطانه، وحكمته، وصلاحه، وعنايته بنا، وعدالة حكمه، لكن ليس جوهره ذاتهإن الطاقات تتنوع أما الجوهر فبسيط، لكننا نقول إننا نعرف الله من طاقاته، على أننا لا نشرع في الاقتراب من جوهرهإن طاقاته تأتي إلينا من فوق أما جوهره فيظل بعيدًا عن منالناإذًا، معرفة الجوهر الإلهي تتضمن إدراك أنه لا يسبر غوره، وموضوع عبادتنا ليس هو أن نفهم الجوهر، لكن أن نفهم أن هذا الجوهر كائن“ (باسيليوس الكبير (قديس)، رسالة إلى أمفلوخيوس) ينفي ق. باسيليوس الكبير إدراك الجوهر الإلهي بالذهن ردًا على ادعاءات أفنوميوس بإدراك الجوهر الإلهي بشكل كامل كالتالي: ”إدراك الجوهر بواسطة الذهن، لم يقل به أحد من الرجال الحكماء المعروفين“  (باسيليوس الكبير (قديس)، ضد أفنوميوس، ترجمة: د. سعيد حكيم) ويفاجئنا ق. باسيليوس بأنه حتى كلمة جوهر لا تعبر عن الله في ذاته، بل تعلن فقط المفهوم الخاص بوجود الله كالتالي: ”إن الجوهر يعلن فقط عن المفهوم الخاص بوجود الله، لكنه لا يقول لنا مَن هو الله بحسب جوهره“(باسيليوس الكبير (قديس)، ضد أفنوميوس، ترجمة: د. سعيد حكيم) كما ينفي ق. باسيليوس أن الأسماء التي تُطلق على الله تعبر عن الاختلاف في جوهره كالتالي: ”فإن هذاالذي يسفسط ويقول بأن اختلاف الأسماء، يتبعه اختلاف الجوهر، يكذب. لأن طبيعة الأشياء، لا تتبع الأسماء، بل الأسماء وُجِدت بعد الأشياء“ (باسيليوس الكبير (قديس)، ضد أفنوميوس، ترجمة: د. سعيد حكيم) يؤكد ق. باسيليوس أن الأسماء الإيجابية أو السلبية التي تُطلق على الله لا تعبر عن الله في ذاته، بل عن سمات قريبة من الله، حيث يقول التالي: ”نحن نسمي الله أيضًا، صالحًا، وبارًا، وخالقًا، وديانًا، وأسماء أخرى مماثلة، وكما في الأسماء السابقة، الكلمات التي تعني رفض ونفي العناصر الغريبة عن الله، هكذا هنا أيضًا فإن الكلمات تعني وجود السمات القريبة لله، ويليق أن تُنسب له، إذًا، فإننا نعرف من خلال هذه الأسماء سواء من حيث العناصر الموجودة، أنها موجودة بالفعل، ومن خلال تلك الغير موجودة، أنها بالتأكيد غير موجودة“ (باسيليوس الكبير (قديس)، ضد أفنوميوس، ترجمة: د. سعيد حكيم) ويؤكد ق. باسيليوس على أننا نُكوِّن فكرة عن الله من خلال كل من اللاهوت السلبي واللاهوت الإيجابي كالتالي: ”لكنه بالنسبة لنا هو كافٍ. إذ هناك أسماء من بين الأسماء التي نقولها عن الله، ما يوضح السمات والملامح التي في الله، بل والسمات التي ليست فيه، ومن خلال هاتين المجموعتين، نكوِّن فكرة عن الله“ (باسيليوس الكبير (قديس)، ضد أفنوميوس، ترجمة: د. سعيد حكيم) وهكذا نرى ق. باسيليوس الكبير يتصدى له مؤكدًا على عدم انفصال العمل (الطاقة) عن الجوهر الإلهي، وأن المخلوقات ليست هي كل قوة الله المطلقة، بل تعلن عن قوته المطلقة وجوهره السامي، وبالتالي العمل (الطاقة) الإلهي غير مخلوق، لأنه خاص بالله ومرتبط بجوهره، حيث يقول التالي: ”فلنرى ما يتبع ذلك: إن كان ينبغي على المرء أن يعتمد في بحثه على الأعمال المخلوقة كي ما يُقاد بواسطتها إلى الجوهر، مُكتشفًا أن الابن شيء ما مصنوع من غير المولود، بينما الباراقليط هو شيء مصنوع من الابن الوحيد. مقتنعًا على أساستفوق وسمو الابن الوحيد بأن أعمالهمامختلفة، فيقبل باختلافهما في الجوهر، كما هو واضح بشكل مؤكد.  ولكن أول كل شيء، كيف يمكن إدراك الجوهر من أعمال مخلوقة؟ هذا شيء أنا عاجز عن رؤيته من جانبي. لأن الأشياء المصنوعة هي إشارة إلى القوة والحكمة والمهارة، وليس للجوهر نفسه. علاوة على ذلك، لا يبلغوا بالضرورة حتى إلى قوة الخالق المطلقة، نظرًا لأن الصانع الماهر لا يمكن في أيّ وقت أن يضع قوته الكاملة في أعماله، بل يخفف بالحري من مجهوداته من أجل ثمار ومنتجات فنه. ولكن إنْ كان عليه أن يستحث كل قوته من أجل انتاجه، حتى إنه في هذه الحالة، يكون منتجه هو قوته التي يمكن قياسها من منتجاته، ولا يمكن إدراك جوهره أيا كان ما يكون. إن كان، بسبب بساطة وعدم تركيب الطبيعة الإلهية، يتحتم على أفنوميوس أن يفترض أن الجوهر متزامن مع القوة، وإن كان، بسبب الصلاح الخاص بالله، يتحتم عليه القول بأن كل قوة الآب تم حثها واستثارتها من أجل ولادة الابن، وكل قوة الابن الوحيد من أجل تكوين الروح القدس، فيمكن للمرء أن يعتبر أن قوة الابن الوحيد متزامنة مع جوهره على أساس الروح، ويدرك قوة الآب وجوهره على أساس الابن الوحيد، فلاحظ أية نتيجة تكون من ذلك؟ فالنقاط نفسها التي يستخدمها في محاولة التأكيد على اختلاف الجوهر هي تؤكد بالفعل على تماثله! لأنه لو كانت القوة ليس لها أي شيء مشترك مع الجوهر، فكيف يمكن أن يُقاد من الأعمال المخلوقة التي هي نتائج القوة إلى إدراك الجوهر؟ ولكن إن كانت القوةوالجوهر شيء واحد، فإن ذاك الذي يمثل القوة سيمثل الجوهر أيضًا بشكل كامل. لأن الأعمال لا تقود المرء إلى اختلاف الجوهر -كما تقول- بل بالحري إلى دقة التطابق.  مرةً أخرى، تؤكد هذه المحاولة على تفسيرنا وليس تفسيره. وبالتالي سواء كان لا يوجد أساس يبرهن عليه ادعاءاته، أو إن كان يتحتم عليه أن يرسم صورة من الأمور البشرية، فسوف يكتشف إنه ليس من ثمار الصانع الماهر، يمكننا إدراك جوهر الصانع، بل إنه من ذاك المولود نأتي إلى معرفة طبيعة الوالد. وقبل كل شيء، يستحيل إدراك جوهر باني البيت من البيت. بل على أساس ذاك المولود يسهل تصور طبيعة الوالد. وبالتبعية، إن كان الابن الوحيد عملمخلوق، فلن يوصلنا إلى جوهر الآب. ولكن إن كان يعرفنا الآب من خلال ذاته، فإنه عملغير مخلوق، بل بالحري هو الابن الحقيقي، وصورة الله (2 كو4: 4)، وعين وجوده (كو1: 15). ويكفي هذا جدًا من أجل ذلك الموضوع“ (Basil of Caesarea, Against Eunomius, the Fathers of the church) القديس اغريغوريوس اللاهوتي يعبر ق. اغريغوريوس اللاهوتي عن الفكرة العامة بعدم إدراك الله في شعره اللاهوتي، حيث نقرأ في أنشودته الأولى إلى الله التالي: ”إذ أنك الأعلى من الكل! لأنه لأي شيء آخر مسموح لي أن أتحدث عنك؟ وكيف يمكنني أنا أسبح بكلمة عنك؟ لأنه لا يمكن التعبير عنك بأي كلمة، وكيف يمكن للعقل أن ينظر إليك؟ لأنك صعب المنال لأي عقل، فأنت وحدك غير المُعبَّر عنه، لأنك قد صنعت كل شيء لا يمكن التعبير عنه بكلمة، أنت وحدك غير المُدرَك، لأنك قد أحدثت كل شيء مفهوم بالفكر، وكل شيء موهوب وغير موهوب للعقل يعود بالكرامة لك، أنك نهاية كل شيء، أنت وحدك الكل. أنك لست واحدًا، ولست وحيدًا، ولست الكل، أيها الواحد المُسمَى بالكل! كيف سأسميك، يا مَن لا يمكن تسميته؟ وأيّ عقل سماوي ينفذ خلال الحجاب فوق السحاب؟ كن رحيمًا، يا مَن هو أعلى الكل، لأنه لأي شيء مسموح لي أن أتحدث عنك؟“ (Basil of Caesarea, Against Eunomius, the Fathers of the church) ويؤكد ق. اغريغوريوس اللاهوتي في موضع آخر مثله مثل كل الآباء السابقين واللاحقين عليه على عدم إدراك جوهر وطبيعة الله كالتالي: ”الله في طبيعته وفي جوهره، لم يتوصل أحد قط، ولن يتوصل أحد إلى اكتشافه“ (اغريغوريوس النزينزي (قديس)، الخطب 27- 31 اللاهوتية، ترجمة: الأب حنا الفاخوري) ويؤكد على أن أفضل طريقة للتعبير عن الله في جوهره وذاته هي اللاهوت السلبي كالتالي: ”فكيف تُعبِّر عن جوهر الله من غير أن تبين ما هو، فنكتفي بإسقاط ما ليس هو؟“ (اغريغوريوس النزينزي (قديس)، الخطبة 29: 11 اللاهوتية، ترجمة: الأب حنا الفاخوري) كما يؤكد على حقيقة اللاهوت السلبي كأفضل طريقة للتعبير عن الله في جوهره بانتزاع ونفي التعاليم المادية والأرضية عن الله، والتسامي والارتقاء مع الألوهية، وترك الأرضيات، والصعود إلى الروحيات، ويميز أيضًا بين الحديث عن طبيعة الله (اللاهوت السلبي)، والحديث عن التدبير الإلهي (اللاهوت الإيجابي) كالتالي: ”لكي تنتزع أنت من تعاليمك ما هو مادي وأرضي، ولكي تتعلم التسامي فوق ذلك، والارتقاء مع الألوهة، فلا تظل في غمرة الأشياء المرئية، بل تصعد لكي تكون مع الروحيات، وتدرك ما قيل في الطبيعة الإلهية، وما قيل في التدبير الإلهي“ (اغريغوريوس النزينزي (قديس)، الخطبة 29: 18 اللاهوتية، ترجمة: الأب حنا الفاخوري) ولكن يرى ق. اغريغوريوس اللاهوتي أن الأسماء الإيجابية عن الله مثل: روح، ونار، ونور، ومحبة، وحكمة، وعدل، وعقل، وكلمة، لا تعبر عن جوهر وماهية الله في ذاته، ويفند كل اسم منها، موضحًا ملامح القصور والنقص في كل اسم إيجابي، ويطلق تعبير الابتداع على مَن يتصورون ويطبقون هذه الأسماء ولو جزئيًا على الألوهة كالتالي: ”روح، ونار، ونور، ومحبة، وحكمة، وعدل، وعقل، وكلمة، أليست هذه الألفاظ، وما شابهها أسماءً للطبيعة الأولى؟ وماذا؟ هل نتصور الله روحًا بدون انطلاق وانتشار؟ ونارًا في خارج المادة وبدون تشبب إلى فوق، وبلا لون ولا شكل؟ ونورًا غير ممتزج بالهواء، ومنفصلاً نوعًا ما عن مصدره وباعثه؟ وعقلاً وأي عقل؟ هل هو عقل في آخر، أم عقل تصوره حركة، أم عقل ساكن، أم متدفق إلى الخارج؟ كلمة وأي كلمة؟ هل هو المقيم فينا أم المنتشر - ولا أجرؤ أن أقول المُتبدِّد؟ وإن كان حكمة فأي حكمة هي؟أم ترى هل يجب أن نزرع هذا وننظر إلى الألوهة في ذاتها قدر المستطاع، ونتصور لها صورة ولو جزئية؟ فماذا يكون هذا الابتداع! أ فيكون من هذا، ولا يكون هذا؟ أو كيف يكون كل هذا، وكيف يكون كل شيء من هذا الأشياء على نحو كامل، فهو الواحد بطبيعته بدون تركيب ولا مماثلة لأحد؟“ (اغريغوريوس النزينزي (قديس)، الخطبة 28: 13 اللاهوتية، ترجمة: الأب حنا الفاخوري) ويرى ق. اغريغوريوس اللاهوتي أيضًا أن الأسماء الإلهية سواء الإيجابية أو السلبية لا تعبر بشكل كامل عن جوهر الله، وإلا كان لله عدة جواهر، وليس جوهر واحد كالتالي: ”كذلك اللا زوال، واللا خطيئة، واللا تحول، فهل هي جوهر الله؟ إذا كان الأمر كذلك، كان لله عدة جواهر لا جوهر واحد، أو كانت الألوهة من مجموعة هذه الأشياء، ولا بد لهذه الأشياء من أن تكون غير مركبة في مجموعة إذا كانت جواهر“(اغريغوريوس النزينزي (قديس)، الخطبة 29: 10 اللاهوتية، ترجمة: الأب حنا الفاخوري) ويفرق ق. اغريغوريوس اللاهوتي بين مقولتي علاقة وجوهر في الله، حيث مقولة علاقة نسبية أو علائقية، بينما مقولة جوهر في غير تحديد كالتالي: ”أو إذا شئت فهكذا: الله جوهر، والحال أن الجوهر ليس الله بنوع مطلق، استخرج النتيجة بنفسك أنت: الله ليس الله بنوع مطلق، وأنا أرى أن هذا القياس الفاسد يتناول المقولة نسبيًا، والمقولة في غير تحديد“ (اغريغوريوس النزينزي (قديس)، الخطبة 29: 15 اللاهوتية، ترجمة: الأب حنا الفاخوري) ويعلق ق. اغريغوريوس اللاهوتي على الأسماء الإيجابية أنها لا يمكن أن تحوي الله احتواءً كاملاً حقيقيًا، بل تقترب مما حوله لتكوّن صورة غامضة ضعيفة عنه كالتالي: ”وجوهر الله لم يتمكن عقل من تصوُّره، ولم تتمكن لفظة من احتواء حقيقته احتواءً كاملاً، ولكننا نتخذ مما حواليه طريقًا إلى تخيله في ذاته، ونرسم لنا عنه صورة غامضة ضعيفة، صورة تختلف باختلاف عناصرها“ (اغريغوريوس النزينزي (قديس)، الخطبة 30: 17 اللاهوتية، ترجمة: الأب حنا الفاخوري) كما يؤكد اللاهوتي على أن اللفظة لها دلالة نسبية وليست مطلقة في الحديث عن الله كالتالي: ”اللفظة على كل حال لها دلالة نسبية لا مطلقة“ (اغريغوريوس النزينزي (قديس)، الخطبة 30: 16 اللاهوتية، ترجمة: الأب حنا الفاخوري) ثم يعلق ق. اغريغوريوس اللاهوتي على أن اللاهوت السلبي معناه أن الله لا يمكن إدراكه إدراكًا كاملاً، بل هو متروك لتبحر من عنده فكر الله كالتالي: ”كما لا تكفي التعبيرات: غير المولود، ولا مبدأ له، وغير قابل للتغيير، وغير قابل للفساد، وسائر ما قيل في الله وعن الله. فماذا يعني في موضوع طبيعته، أن يقال: ليس له مبدأ، ولا يتغير، ولا تحده حدود؟ إن إدراكه إدراكًا كاملاً متروك لتبحر من عنده ’فكر الله“(اغريغوريوس النزينزي (قديس)، الخطبة 28: 9 اللاهوتية، ترجمة: الأب حنا الفاخوري) ويعلق البروفيسور توماس تورانس Thomas Torrance على الفرق بين اللاهوت السلبي واللاهوت الإيجابي كالتالي: ”فإننا نستطيع فقط أن نفكر ونتحدث عن الله بعبارات نفي عامة وغامضة، لأنه بسبب المسافة غير المحدودة التي بين المخلوق والخالق، فإننا لا نستطيع أن نعرف الله وفقًا لما هو في ذاته، أو حسب طبيعته الإلهية، بل نعرفه فقط في انفصاله التام عنا، بوصفه الأبدي والمطلق وغير الموصوف. ومن هذا المدخل لا يمكننا أن نفعل شيئًا أكثر من محاولة التحدث عن الله من خلال أعماله التي أوجدها بمشيئته وبواسطة كلمته، أي من خلال ما يتعلق بالله من خارج، الأمر الذي لا يستطيع في الواقع أن يُعرِّفنا أيّ شيء عمَّن هو الله، أو ماذا يُشبِّه في طبيعته الذاتية“ (توماس ف. تورانس، الإيمان بالثالوث، ترجمة: د. عماد موريس) القديس اغريغوريوس النيسي ننتقل إلى ق. اغريغوريوس النيسي الذي يؤكد على عدم إدراك الطبيعة الإلهية في جوهرها، ويؤكد على أن الأسماء الإيجابية عن الله لا تعبر عن طبيعته أو جوهره، بل عن فعالياته وآثاره وأعماله وطاقاته نحو الخليقة كالتالي: ”ولكنني لا أعرف، كيف أن هؤلاء الذين يدّعون كل معرفة، يتخذون من تسمية الألوهية دلالةً على الطبيعة، وكأنهم لم يسمعوا شيئًا من الأسفار الإلهية بأن الطبيعة ليست مسألة اتفاقفالتسمية تحمل دلالة على إمكانية ما، سواء فيما يُنظر، أو فيما لها من أثر، وتبقى الطبيعة الإلهية بقدر ما هي في ذاتها، في كل التسميات التي تُستخدم في وصفها غير موصوفة بحسب تعليمنا، لأننا قد تعلّمنا أنه محسن، وقاضٍ، وصالح، وعادل، والأشياء الأخرى التي من طبيعته، بتعلّمها من خلال تمايزات الفعالية ، ولكن طبيعة مَن له الفعاليةحتى هذه لا ندركها من خلال تأمل الفعاليات“ (اغريغوريوس النيسي (قديس)، الرسالة إلى أوستاثيوس عن الثالوث، ترجمة: أمجد رفعت رشدي) كما يؤكد النيسي على أن ما تشير إليه الطبيعة الإلهية لا يبين ماهية ما تكون بالتحديد، لأن الطبيعة الإلهية غير قابلة للإدراك والوصول إليها، بل يتم الاستدلال عليها من خواصها الصادرة عنها كالتالي: ”إن ما تشير إليه الطبيعة لا يبين ماهية ما تكون بالتحديد، وهذا لأن ماهية الطبيعة الإلهية غير قابلة للإدراك، وغير قابلة للوصول إليها، بل يُستدل عليها من خواصها التي تصدر عنها ومنها“ (اغريغوريوس النيسي (قديس)، الرسالة إلى اليونانيين عن الأسماء العامة، ترجمة: أمجد رفعت رشدي) ويُشدِّد النيسي على حقيقة هامة بخصوص الأوصاف الجسدانية المنسوبة لله في الكتاب المقدس، بأنها تنقل لنا من مجالنا البشري عن كيفية عمل الله من أجل مساعدة العاجزين عن الوصول إلى العالم اللا جسداني؛ معلقًا على دلالة اسم (روح) عن الله أن معناه لا محدوديته وعدم انحصاره في مكان، حيث يقول: ”ومع ذلك، تُحدِّد الأسفار التعليم الإيماني الكامل وتؤكد عليه، بل وتجعله مناسبًا، وقابلاً للتدريس بالنسبة للدارس. وبالتأكيد عندما تقول الأسفار أن لله آذان، وعيون، وفم، وباقي أعضاء الجسم، لم تسلّمنا هذا كتعليم، وكأنها تضع تعريفًا أن الطبيعة الإلهية مُكوَّنة من أعضاء معًا، بل تُقدِّم لنا الكيفية من مجالنا البشري، لعلها تستطيع أن تنقله لمَّن يعجزون عن أن يصلوا إلى العالم اللا جسداني، بينما تؤكد بتعبيرات واضحة جدًا ومباشرة التعليم الإيماني، عندما تقول إن الله روح، وبهذه الكيفية تُعلِّمنا عدم انحصاره ولا محدوديته في كل مكان أينما نذهب“ (اغريغوريوس النيسي (قديس)، الرسالة إلى اليونانيين عن الأسماء العامة، ترجمة: أمجد رفعت رشدي) ونستأنف أيضًا مع ق. اغريغوريوس النيسي، حيث نجد أن الواقعة الأساسية من أجل التعبير عن أفكار اللاهوت السلبي عنده هي مجادلته مع الغنوسية العقلانية لأفنوميوس؛ التي استمرت معه بعد نياحة أخيه ق. باسيليوس الكبير. لأنه بالنسبة لأفنوميوس، كما نعلم، لا يوجد أدنى شك في إمكانية الإدراك الكامل والشامل للجوهر الإلهي بمساعدة المفاهيم والأسماء، وكان مثل هذا المفهوم الأساسي هو عدم المولودية. يتخذ النيسي في جداله مع أفنوميوس الموقف غير المحدد بشكل عام للأسمية الشكية في نظريته عن الإدراك وتعليمه عن الأسماء. لذا من أجل دحض المبالغة غير المنطقية، أو بالأحرى الفهم الخاطئ للعلاقة الكائنة بين اسم الله وجوهر الله عند أفنوميوس، ينكر النيسي واقعية كل المفاهيم والأسماء، ويحولهم إلى مجرد دلالات وإشارات ابتكرها البشر. وهكذا في نظريته الأبستمولوجية (المعرفية) للأسماء التي يقدمها ضد أفنوميوس، لا يمكن للمرء إلا أن يرى الحماسة الجدلية، ولكن بغض النظر عن المبالغة الأسمية في الابستمولوجيا (علم المعرفة)، إلا أن وجهة نظر النيسي الأساسية من جهة عدم اقتراب الإدراك العقلي من الألوهة على نحو كامل تتفق مع الاتجاه العام للاهوت السلبي عند الآباء الأخرين. كما يضفِّر النيسي بشكل مميز في لاهوته الإيجابي الباعث الأساسي للاهوت السلبي في نظامه العقائدي، أي مفارقة الله للخليقة، وصعوبة وصول الوعي المخلوق إليه. فنجد أن النيسي يؤكد على أن الله يفوق كل اسم، وأنه أنسب تسمية له هي أنه الوحيد الأسمى من كل اسم كالتالي: ”لا يمكن إدراك الله باسمٍ، أو بفكرٍ، أو بأي قوة إدراكية أخرى للعقل، بل يظلفوق إدراك ليس البشر فقط، بل وإدراك الملائكة، وكل كينونة فوق العالم. إنه غير مُعبَّر عنه، وغير منطوق به، وفوق كل تسمية بكلام، ولديه اسم واحد فقط يساعد في استيعاب طبيعته اللائقة، أي أنه هو الوحيد الأسمى من كل اسم“ (Sergius Bulgakov, Unfading Light of Contemplations and Speculations, Trans. By Thomas Allen Smith) كما يؤكد النيسي على عدم إدراك الجوهر الإلهي، حيث أنه: ”لا يوجد في الطبيعة البشرية أية قوة من أجل معرفة جوهر الله على نحو تام، وربما أيضًا إنه من النادر الحديث فقط عن القوة البشرية، ولكن إن كان أحد يقول بأنه حتى الخليقة غير الجسدية هي أقل جدًا من التكيُّف والاستيعاب للطبيعة غير المحدودة عن طريق المعرفة، فلن يكون بالطبع مخطئًا على الإطلاقفلا تقف قوة الملائكة بمعزل عن ضآلتنالأنه عظيم ولا يمكن عبوره، البون الذي تفترق به الطبيعة غير المخلوقة عن الجوهر المخلوق. فالواحد محدود، والآخر بلا حدود، الواحد مُدرَك بقياسه، لأن حكمة الخالق أرادته، بينما لا يعرف الآخر أي قياس، الواحد مُقيَّد بمجال محدد الأبعاد، محصور بالمكان والزمان، بينما الآخر أعلى من أي مفهوم عن الأبعاد، وبغض النظر عن كم يمكن للمرء أن يضغط على العقل، فيمتنع عن التعريف من فضول المرء بالمثل“ (Sergius Bulgakov, Unfading Light of Contemplations and Speculations, Trans. By Thomas Allen Smith) ثم يتحدث النيسي عن الألوهة من حيث الجوهر في العموم، بأنها صعبة المنال، ولا يمكن تصورها، وتفوق قدرات العقل على الاستدلال والاستنتاج قائلاً: ”من حيث جوهرها، تظل الألوهة لا يمكن الوصول إليها، ولا يمكن تصورها، وتفوق أي إدراك يمكن الحصول عليه عن طريق الاستدلال والاستنباط“ (Sergius Bulgakov, Unfading Light of Contemplations and Speculations, Trans. By Thomas Allen Smith) القديس كيرلس الإسكندري يَعتبر ق. كيرلس الإسكندري أن القائل بأن النعمة الإلهية مخلوقة بأنه يجدف تجديف صريح كالتالي: ”إذا كانت الشياطين تخرج بفعل الروح بواسطة الله، ويتمجد الله، فإن كان الروح القدس بحسب بعض الأميين مخلوقًا ومصنوعًا، إذًا، هل يمكن أن تكون قوةالله مخلوقة أو مجبولة؟ وكيف يعقل -بعدئذ- أن يكون أعظم من هذا الذي بواسطته يُمجَّد؟ لكن أن يفكر أحد ويقول مثل هذا الأمر، لهو تجديف صريح“  (كيرلس الإسكندري (قديس)، الكنوز فى الثالوث، ترجمة: د. جورج عوض) ويؤكد ق. كيرلس هنا أيضًا على أن قوة الله أو طاقة الله ليست مخلوقة ولا مجبولة؛ لأنها صادرة عن الجوهر الإلهي فهي قوة ونعمة إلهية غير مخلوقة، لا تنفصل عن الجوهر الإلهي. القديس هيلاري أسقف بواتييه كما يتحدث ق. هيلاري أسقف بواتييه عن الحلول الأقنومي للروح القدس في البشر كالتالي: ”فإن المسيح يسكن فينا، وحيثما يسكن المسيح يسكن الله. وحينما يسكن فينا روح المسيح، فإن تلك السُكنى لا تعني أن هناك روحًا أخرى تسكن فينا سوى روح الله،فلابد أن نعترف اﻵن بأن روح الله هذا هو أيضًا روح المسيح، بما أن الطبيعة تسكن فينا سُكنى حقيقيفإن معلم اﻷمم يؤكد أنهما ليسا روحيين -روح الله وروح المسيح- هذين اللذين يوجدان في المؤمنين، بل روح المسيح الذي هو أيضًا روح الله. هذا ليس سُكنى مشترك، بل سُكنى واحد، ومع ذلك فهو سُكنى سري مشتركفإن روح الله فينا، وكذلك روح المسيح فينا. وحينما يكون روح المسيح فينا يكون روح الله أيضًا“ (هيلاري أسقف بواتييه (قديس)، عن الثالوث، ترجمة: دير اﻷنبا أنطونيوس، (2017)، 8: 26-27، ص 553-554) هوامشEunomius, The Extant Works (Liber Apologeticus), Text. & Trans. By R. P. Vaggione, (Oxford: Oxford University Press, 1987), 1: 22, 23, p. 63-65. توما ف. تورانس، الإيمان بالثالوث، ترجمة: د. عماد موريس، (القاهرة: باناريون للتراث الآبائي، 2010)، ص 102- 106. Sergius Bulgakov, Unfading Light of Contemplations and Speculations, Trans. By Thomas Allen Smith, (UK, Michigan, Cambridge: William B. Eerdmans Publishing Co. , Grand Rapids, 2012), , p. 173Ibid, , p. 177باسيليوس الكبير (قديس)، رسالة إلى أمفلوخيوس، 234: 1، 2. باسيليوس الكبير (قديس)، ضد أفنوميوس، ترجمة: د. سعيد حكيم، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2020)، 1: 13، ص 78. المرجع السابق، 1: 12، ص 75. المرجع السابق، 2: 4، ص 122. المرجع السابق، 1: 10، ص 71. المرجع السابق، 1: 10، ص 70. (97]Basil of Caesarea, Against Eunomius, the Fathers of the church, (USA: The Catholic University of Washington), 2: 32, p. 179, 180Sergius Bulgakov, Unfading Light of Contemplations and Speculations, Trans. By Thomas Allen Smith, (UK, Michigan, Cambridge: William B. Eerdmans Publishing Co. , Grand Rapids, 2012), , p. 177. اغريغوريوس النزينزي (قديس)، الخطب 27- 31 اللاهوتية، ترجمة: الأب حنا الفاخوري، (لبنان: منشورات المكتبة البولسية، 1993)، خطبة 28: 17، ص 58. المرجع السابق، خطبة 29: 11، ص 91.  المرجع السابق، خطبة 29: 18، ص 99. المرجع السابق، خطبة 28: 13، ص 54. المرجع السابق، خطبة 29: 10، ص 90. المرجع السابق، خطبة 29: 15، ص 95. المرجع السابق، خطبة 30: 17، ص 126. المرجع السابق، خطبة 30: 16، ص 124. المرجع السابق، خطبة 28: 9، ص 48. توماس ف. تورانس، الإيمان بالثالوث، ترجمة: د. عماد موريس، (القاهرة: باناريون للتراث الآبائي، 2010)، ص 69. اغريغوريوس النيسي (قديس)، الرسالة إلى أوستاثيوس عن الثالوث، ترجمة: أمجد رفعت رشدي، (القاهرة: دورية مدرسة الإسكندرية رقم 28، 2020)، ص 24. اغريغوريوس النيسي (قديس)، الرسالة إلى اليونانيين عن الأسماء العامة، ترجمة: أمجد رفعت رشدي، (القاهرة: دورية مدرسة الإسكندرية رقم 29، 2020)، ص 16. المرجع السابق، ص 22. Sergius Bulgakov, Unfading Light of Contemplations and Speculations, Trans. By Thomas Allen Smith, (UK, Michigan, Cambridge: William B. Eerdmans Publishing Co. , Grand Rapids, 2012), , p. 177Ibid. Ibid, , p. 178. كيرلس السكندري (قديس)، الكنوز فى الثالوث، ترجمة: د. جورج عوض، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2011)، مقالة 34: 7، ص 555. هيلاري أسقف بواتييه (قديس)، عن الثالوث، ترجمة: دير اﻷنبا أنطونيوس، (البحر اﻷحمر: دير اﻷنبا أنطونيوس، 2017)، 8: 26-27، ص 553-554. --- ### الكنيسة، ولعبة الأغلبية على الأقليات - Published: ۲۰۲۳-۰۱-۱۲ - Modified: 2023-01-21 - URL: https://tabcm.net/10197/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: إمبراطور ثيؤدثيوس, الكنيسة الإنجيلية, الكنيسة الرسولية, بابا ثاؤفيلوس, جايوس فلاڤيوس ڤاليريوس أوريلوس قسطنطينوس تشتهر كنيسة الإسكندرية "القبطية الأرثوذكسية، بلقب "أم الشهداء"، وهو لقب لم يطلق من فراغ بل نظرا لعدد من قدمتهم الكنيسة من شهداء لم يتنازلوا عن إيمانهم طوال تاريخها، وأخرهم شهدائها في ليبيا المقتولين على يد تنظيم داعش الإرهابي في فبراير 2015م، ويشير تاريخ الكنيسة إلى تعرضها لموجات من الاضطهاد طوال الحِقْبَة الرومانية وما بعدها، ولعل أشهر ما تتحدث عنه رواية الكنيسة هي موجة الاضطهاد في نهاية عهد الإمبراطور دقلديانوس (284- 305م) ومن وقتها بدأت الكنيسة تقويم الشهداء باستخدام الشهور المصرية القديمة مع التقويم اليولياني، لكن لم يتحدث أحد على الفترات التي تكون للكنيسة اليد العليا كما في مشكلة الكنيسة الرسولية، قرية الغريزات، بمحافظة سوهاج جَنُوب مصر. بالرغم من تعاليم المسيح البعيدة كل البعد عن العنف ومقاومة الشر بالشر، إلا أن الطبيعة البشرية تظهر اختلاف التصرفات عندما تتبدل المقاعد في لُعْبَة الكراسي الموسيقية بين أن تكون أغلبية وأقلية، لما كانت الكنيسة في مَقْعَد الأقلية المستضعفة بعدم الاعتراف بها ضمن الديانات المسموح بها في الإمبراطورية الرومانية تعرض المسيحيين للاضطهاد، لكن مع مرسوم التسامح الديني للإمبراطور قسطنطين سنة 313م الذي اعترف بالمسيحية كديانة شريعة ومن بعد منه حفيده ثيؤدثيوس الأول (379- 395م) الذي أعتبر  المذهب الأرثوذكسي الكاثوليكي (إيمان آباء مجمع نيقية) هو الديانة الرسمية للإمبراطورية، أخذ بابا الإسكندرية ثيؤفيلوس رقم 23 مراسيم من الإمبراطور لاضطهاد اليهود والوثنيين في الإسكندرية، وهنا ظهر وجه جديد للكنيسة معاكس تمامًا لتعاليم المسيح. غير خفي أن المواطنين المصريين المسيحيين عانوا من تضييق شديد على بناء الكنائس منذ سبعينيات القرن الماضي حتى سنوات قليلة مضت، قبل أن تتخذ الدولة نسق آخر بتشريع قانون لبناء الكنائس ومعه بدأ تقنين وضع الكنائس القائمة لمختلف الطوائف المسيحية في مصر دون ترخيص، وقد عانى الأقباط ليناء الكنائس في مختلف محافظات مصر وخصوصا المنيا التي شهدت توترات طائفية كثيرة بسبب بناء كنيسة في قرية هنا أو هناك. بعد أن انصلح الحال، أصبح المسيحيون يمارسون التضييق على بعضهم البعض، ففي فبراير 2018م حدث نزاع بين الأرثوذكس والإنجيليين في قرية بني سلطان بمحافظة المنيا، على مبنى كنسي من المفترض أنه كنيسة إنجيلية، وفي 26 أبريل 2017 أصدرت المحكمة حكمها باستخدام المكان كقاعة مناسبات لجميع الطوائف الأرثوذكسية، الإنجيلية، والرسولية ولا يسمح لأي طرف من الأطراف المتنازعة أن يتصرف في المكان بمفرده، لكن قرر الأرثوذكس باعتبارهم أغلبية في هذه الواقعة ولهم الغلبة أن يأخذوا المكان لصالحهم. في المنيا تحديدا عانى الأقباط في بناء كنائسهم، ووقت موجة الإرهاب بعد 14 أغسطس 2013، كانت المنيا من أكتر المحافظات التي تضررت فيها الكنائس والمباني التابعة للكنائس، وأشهر كنيسة تعرضت للاعتداء كانت كنيسة مار جرجس للأقباط الكاثوليك بقرية دلجا، لكن بدلا من أن يتذكر الأقباط جميعهم أنهم عانوا معا تلك الأحداث بمجرد أن تحسن الوضع بدأ الأرثوذكس باعتبارهم الأغلبية المسيحية بمضايقة الإنجيليين لأنهم الأقل منهم عددا وممارسة الاستقواء على بعض متناسين تعاليم المسيح "من طلب رداءك فاعطيه ثوبك أيضا". ويتكرر الأمر هذه الأيام في قرية الغريزات بمركز المراغة في محافظة سوهاج خلال هذه الأيام، وفي هذه الموقف يتصدر رجل مسن بعمر 87 عاما مرتديا الزي الأسود الرهباني المشهد، محرضا ضد إعادة بناء الكنيسة الرسولية بالقرية التي حصلت على تصاريح بالهدم وإعادة البناء من الجهات المختصة، فبدلا من أن يكون هذا الراهب في ديره، وفق نظام الرهبنة القبطي الذي لا يسمح للرهبان في الخدمة خارج الدير إلا بأوامر من قيادة الكنيسة، فإنه خارج الدير  منذ سنوات عدة ويعيش على حسب هواه في القرية. ووفقا لبعض المصادر من القرية ممن حاولوا التواصل مع الكنيسة القبطية في المراغة، كان الرد بأن هذا الراهب تارك لديره ولم يعد راهبا بعد، وليس للكنيسة سلطة عليه، في حين أنه يرتدي الزي الرهباني والجميع يتعامل معه باعتباره راهب كاهن، وبدلا من أن تأخذ الكنيسة القبطية في المراغة موقفا رافضا لتصرفات تتسم بالبلطجة وأن تدعوا شعبها لعدم الاستجابة لهذه الدعوات المحرضة على الكراهيَة اكتفت بغسل ايديها منه فقط. بالرغم من تعاليم المسيح الواضحة التي تدعي الكنائس السير عليها وتطبيقها، وكل كنيسة تدعي أنها صاحبة الإيمان القويم والأصيل المُستلم من المسيح وتلاميذه وأنها الحافظ لهذا الإيمان، فإنه في وقت الجد تظهر الطبيعة البشرية، وتتبدل التصرفات وفق تبدل المَقْعَد بين الأغلبية والأقلية، ولا يبدو لتعاليم المسيح أي وجود في تصرفات من يطلقون على أنفسهم إنهم أتباعه أو خلفاء تلاميذه. --- ### سبحوا الله في قُدسِهِ أَم سبحوا الله في قِدِّيسِيه؟ - Published: ۲۰۲۳-۰۱-۱۱ - Modified: 2023-01-11 - URL: https://tabcm.net/10190/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: الترجمة السبعينية, الترجمة اليونانية, النص العبري العبارة الأولى في المزمور 150 "سبحوا الله في قُدسِهِ" أم "سبحوا الله في قِدِّيسِيه"؟ لماذا نجدها في بعض الترجمات "قدسه" وفي ترجمات أخرى "قديسيه"؟! الكلمة في النص العبري هنا: בְּקָדְשׁ֑וֹ تنطق صوتيا: بـِ/قَدِش/وُ be-ka-de-Sho ومعتاها: في مَقدِسِهِ in his sanctuary فكلمة קָדְשׁ معناها (مَقدِس) في المُفرد. وحسب فهم العهد القديم يُفهم أنه مكان وحيد وأن التسبيح يكون في (مكان) المَقْدِس أي الهيكل الموجود في أورشليم. لأنه كان بيت الله حيث يسكن وسط شعبه. وعليه تُفهم: سبحوا الله في هيكله أو مكانه المقدس. أما التعبير حسب التَّرْجَمَة اليونانية السبعينية: εν τοις αγιοις αυτου وينطق: إن تِس هاجيِيس أڤتو en tis hagies avtou ومعناه: في الـ قدسات/قديسين هـ (الذين له) in the hollies (things/places)/saints of him وهنا كلمة αγιοις تأتي جمع في حالة القابل بمعنى (مُقَدَّس) وتستخدم الكلمة للأشياء things وللإنسان man أيضا، فيمكن أن تشير هنا لأماكن أو أشياء مقدسة أو أناس قديسين. وعليه تُفهم: سبحوا الله في القدسات (الأماكن) أو القديسين (الناس) الذين له. وبناءً على مفهوم العهد الجديد الخلاصي نحن تقدسنا في المسيح وصرنا نحن هيكلا مقدسا لله ولم يعد يقتصر سُكنى الله على هيكل حجري قائم بمكان مُعين كما كان في العهد القديم، فهيكل الله الآن هو جميع المُقدسين في المسيح يسوع. وأرى أنه لذلك السبب أخذت تَرْجَمَة المزمور الـ 150 عن القبطية المأخوذة من التَّرْجَمَة السبعينية هذا المعنى والمفهوم. --- ### أيها الأسقف.. من أنت؟ [٧] - Published: ۲۰۲۳-۰۱-۱۰ - Modified: 2023-10-10 - URL: https://tabcm.net/9849/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: الكرسي المرقسي, بابا مقاريوس التاسع, سمعان بن يونا, سنكسار, قديس إسطفانوس أول الشهداء, قديس بولس الرسول واقعتان يفصل بينهما ألف عام ويزيد، يؤكدان محورية دور المرأة القبطية في تسليم الإيمان في صمت، وهو الأمر الذي يؤكده القديس بولس الرسول وهو يكتب لتلميذه تيموثاوس في مستهل رسالته الثانية له: أَذْكُرُكَ بِلاَ انْقِطَاعٍ فِي طَلِبَاتِي لَيْلًا وَنَهَارًا، مُشْتَاقًا أَنْ أَرَاكَ، ذَاكِرًا دُمُوعَكَ لِكَيْ أَمْتَلِئَ فَرَحًا، إِذْ أَتَذَكَّرُ الإِيمَانَ الْعَدِيمَ الرِّيَاءِ الَّذِي فِيكَ، الَّذِي سَكَنَ أَوَّلًا فِي جَدَّتِكَ لَوْئِيسَ وَأُمِّكَ أَفْنِيكِي، وَلكِنِّي مُوقِنٌ أَنَّهُ فِيكَ أَيْضًا. فَلِهذَا السَّبَبِ أُذَكِّرُكَ أَنْ تُضْرِمَ أَيْضًا مَوْهِبَةَ اللهِ الَّتِي فِيكَ بِوَضْعِ يَدَيَّ، لأَنَّ اللهَ لَمْ يُعْطِنَا رُوحَ الْفَشَلِ، بَلْ رُوحَ الْقُوَّةِ وَالْمَحَبَّةِ وَالنُّصْحِ. (رسالة بولس الثانية إلى تيموثاوس 1: 3- 7) الواقعة المعاصرة ما زالت ندوبها قابعة في الذاكرة المصرية، التي روعتها بيانات الجماعة الإرهابية "داعش" بليبيا، وعام 2014 يلفظ أنفاسه مع يومه الأخير، والأسبوع الأول من يناير 2015 أعلنت اختطافها لنحو واحد وعشرين عاملًا مصريًا، وهي بصدد إعدامهم، ووثقت جريمتها عبر فيديو عالي التقنية، نشر عشية يوم 15 فبراير من نفس العام. كان المذهل أن القتلة ملثمون خوفا من كشف هويتهم فيما الضحايا الشهداء مكشوفة وجوههم برباطة جأش وثبات ورفضهم النجاة حال إنكارهم إيمانهم وجحدهم للمسيح، وكان السؤال كيف لأناس بسطاء جل همهم البحث عن الرزق والارتحال بعيداً عن الأهل والبيت بل والوطن سعياً له، أن يصمدوا هذا الصمود حتى الموت دون إنكار الإيمان، فيما أنكره غيرهم ممن توفر لهم رغد العيش واتساع المعرفة، كانت الإجابة "الأم"، تلك السيدة البسيطة الكادحة التي لا تقرأ ولا يعنيها جدل المتلهوتين، ولا يشغلها سوى شخص الرب يسوع، تعيش يومها موقعًا على لاهوت التجسد، وتعيش في ود بالغ مع أمه العذراء مريم وتتسامر مع القديسين، وتنقل هذه الحياة وتلك العشرة لأولادها. في واحدة من لقطات الفيديو يصطف الشهداء راكعين وهاماتهم شاخصة للسماء، كلما أراها يحضر أمامي المشهد الذي سجله سفر الأعمال، لحظة استشهاد القديس إستفانوس رئيس الشمامسة وعيناه شاخصتان للسماء، ولسانه يتهلل بالتسبيح، وهو يسأل الله من أجل راجميه.  وَأَمَّا هُوَ فَشَخَصَ إِلَى السَّمَاءِ وَهُوَ مُمْتَلِئٌ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، فَرَأَى مَجْدَ اللهِ، وَيَسُوعَ قَائِمًا عَنْ يَمِينِ اللهِ. فَقَالَ: «هَا أَنَا أَنْظُرُ السَّمَاوَاتِ مَفْتُوحَةً، وَابْنَ الإِنْسَانِ قَائِمًا عَنْ يَمِينِ اللهِ». فَصَاحُوا بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَسَدُّوا آذَانَهُمْ، وَهَجَمُوا عَلَيْهِ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ، وَأَخْرَجُوهُ خَارِجَ الْمَدِينَةِ وَرَجَمُوهُ. وَالشُّهُودُ خَلَعُوا ثِيَابَهُمْ عِنْدَ رِجْلَيْ شَابٍّ يُقَالُ لَهُ شَاوُلُ. فَكَانُوا يَرْجُمُونَ اسْتِفَانُوسَ وَهُوَ يَدْعُو وَيَقُولُ: «أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ اقْبَلْ رُوحِي». ثُمَّ جَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَصَرَخَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ: «يَا رَبُّ، لاَ تُقِمْ لَهُمْ هذِهِ الْخَطِيَّةَ». وَإِذْ قَالَ هذَا رَقَدَ. (سفر أعمال الرسل 7: 55- 60) أما الواقعة الأخرى فتدور أحداثها في القرن العاشر الميلادي، سمعتها قبل عقود وأنا بعد شماس صغير، لكنها لم تبرح ذاكرتي، فقد اختطفتني وأبونا يقرأها كما سجلها كتاب السنكسار ـ المعنى بتسجيل نماذج من وقائع الكنيسة بامتداد تاريخها المديد موزعة على أيام السنة القبطية ـ واستأذنكم في نقلها كما هي: في مثل هذا اليوم من سنة 668 ش. تنيح الأب القديس الأنبا مقاريوس التاسع والخمسون من باباوات الكرازة المرقسية. وقد ولد في بلدة شبرا وزهد العالم منذ صغره واشتاق إلى السيرة الرهبانية. فقصد جبل شهيت بدير القديس مقاريوس، وسار في سيرة صالحة أهلته لانتخابه بطريركا خلفا للبابا قزما. فاعتلى الكرسي المرقسي في أول برمودة سنة 648 ش. وحدث لما خرج من الإسكندرية قاصدا زيارة الأديرة ببرية شهيت كعادة أسلافه، أن مر على بلدته لافتقاد والدته. وكانت امرأة بارة صالحة. فلما سمعت بقدومه لم تخرج إليه. ولما دخل البيت وجدها جالسة تغزل فلم تلتفت إليه، ولا سلمت عليه. فظن أنها لم تعرفه. فقال لها: "ألا تعلمين أني أنا ابنك مقاريوس الذي رقي درجة سامية، ونال سلطة رفيعة، وأصبح سيدا لأمة كبيرة؟"فأجابته وهي دامعة العين: "إني لا أجهلك وأعرف ما صرت إليه، ولكنى كنت أفضل يا ابني أن يؤتى بك إليّ محمولا على نعش، خير من أن أسمع عنك أو أراك بطريركا. ألا تعلم أنك قبلا كنت مطالبا بنفسك وحدها. أما الآن فقد صرت مطالبا بأنفس رعيتك. فأذكر إنك أمسيت في خطر، وهيهات أن تنجو منه". . قالت له هذا وأخذت تشتغل كما كانت. أما الأب البطريرك فخرج من عندها حزينا، وباشر شئون وظيفته:• منبها الشعب بالوعظ والإرشاد. • ولم يتعرض لشيء من أموال الكنائس. • ولا وضع يده على أحد إلا بتزكية. • وكان مداوما على توصية الأساقفة والكهنة برعاية الشعب وحراسته بالوعظ والتعليم. وأقام على الكرسي الرسولي تسع عشرة سنة وأحد عشر شهرا وثلاثة وعشرين يوما في هدوء وطمأنينة. ثم تنيح بسلام. (سيرة البابا مقاريوس التاسع، السنكسار) ما هذا الوعي الذي تكلمت به هذه الأم؟ وما هذه القوة التي تغلبت بها على مشاعر الفرح الطبيعية، وهي لم تنتظم في حلَقات بحثية، ولا تلقت تعليمًا إكليريكيًا، ها نحن نقف أمام امرأة بسيطة تدرك أبعاد ومهام الأسقف الجسيمة، وما هذا الوعي الذي يقبل به هذا البطريرك (الأسقف) كلام أمه الصادم، ويراه صوت الله له؟ ويترجمه في سني حبريته بتدقيق وحكمة؟ من الذي علم هؤلاء النسوة هذه الحكمة، مع إنهن في الغالب لم يطرقن باب المدرسة ولم ينتظمن في دورات تنمية بشرية أو كورسات إعداد للزواج، وهي أمور نافعة لعصرنا بلا شك إذا لم تختطف لدوائر الاستثمار المادي والشو المجتمعي وإذا لم تبتلعها بيروقراطية الأداء وتستيف الأوراق. وإذا ذهبنا إلى مقولة "بضدها تعرف الأشياء" سنرى نماذج لقادة روعوا العالم والكنيسة أيضًا بشطط قراراتهم، ونرجسيتهم، وكتب التاريخ محتشدة بسيرهم، التي تكشف عن اختلال التنشئة لغياب الأم في سنيهم الأولى، ولم يتوفر لهم بديل، واختفاء الدفء الأسري، وقد نفهم تلك الجملة التي تتكرر في سير القديسين "أنه ولد لأبوين تقيين ربياه في مخافة الله" وأنه تتلمذ على فلان وفلان وفلان الذين قادوا خطواته في طريق الإيمان، هي إذن التنشئة والتلمذة. مفاتيح شخصية الأسقف تجدها عند "الأسرة والدير ومراكز التكوين"، فالأسرة التقية تعيش المسيح وتترجمه في حياتها عطاء ومحبة واحتمالًا، فتكون مرشحة لأن يخرج منها أحد أولادها قاصدًا التكريس، وحين يطرق أبواب الرهبنة كواحدة من طرق التكريس، يجد ديرًا يقر ويعيش التلمذة فيودعه أمانة في يد أحد شيوخه ليتتلمذ عليه، كما جرت حياة الرهبان، وحين يرى مرشده ورئيس الدير أنه يصلح للخدمة الكنسية بعد مرور سنوات كافية لتقويم وبناء شخصيته الروحية والنفسية يقدماه حال طلب الكنيسة ترشيحات الدير لشغل مواقع الأسقفية. والكنيسة ترتب للمرشحين دراسات متخصصة في الأمور التي لا تقع في دائرة اختصاص الدير، والرهبنة، بالانتظام في دورات ترتبها مراكز تكوين كنسية في علوم الإدارة والعلوم الإنسانية ذات الصلة، والتعريف المعمق بطبيعة ومهام ومسئوليات التدبير الكنسي، وهي مرحلة قد تمتد لسنوات، وخلالها يكون المتدربون تحت الملاحظة والمتابعة والتقييم، حتى يستقر الرأي على من يصلح لتولي الخدمة في الكنيسة. سطورى الأخيرة هي تصوري لَمَّا ينبغ أن تسير عليه الأمور، حتى نتجنب الوقائع الصعبة والمقلقة والضاغطة التي تعيشها الكنيسة بامتداد قرن من الزمان أو يزيد، وتأتي خصمًا من سلامها، وتعويقًا لرسالتها المكلفة بها. السؤال من يعلق الجرس؟ ومن يوقف النزيف الأسري والديري والتعليمي؟ ومن يملك شجاعة الإقرار إننا لسنا في أفضل حالاتنا؟ ومن يفتح لها غرفة العناية المركزة ويستدعي الطبيب الأعظم، راعي نفوسنا وأسقفها حسب توصيف القديس بطرس الرسول في رسالته الأولى. ومن يتدبر توجيه الرسول بولس لتلميذه تيطس: مِنْ أَجْلِ هذَا تَرَكْتُكَ فِي كِرِيتَ لِكَيْ تُكَمِّلَ تَرْتِيبَ الأُمُورِ النَّاقِصَةِ، وَتُقِيمَ فِي كُلِّ مَدِينَةٍ شُيُوخًا كَمَا أَوْصَيْتُكَ. إِنْ كَانَ أَحَدٌ بِلاَ لَوْمٍ، بَعْلَ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ، لَهُ أَوْلاَدٌ مُؤْمِنُونَ، لَيْسُوا فِي شِكَايَةِ الْخَلاَعَةِ وَلاَ مُتَمَرِّدِينَ. لأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الأُسْقُفُ بِلاَ لَوْمٍ كَوَكِيلِ اللهِ، غَيْرَ مُعْجِبٍ بِنَفْسِهِ، وَلاَ غَضُوبٍ، وَلاَ مُدْمِنِ الْخَمْرِ، وَلاَ ضَرَّابٍ، وَلاَ طَامِعٍ فِي الرِّبْحِ الْقَبِيحِ، بَلْ مُضِيفًا لِلْغُرَبَاءِ، مُحِبًّا لِلْخَيْرِ، مُتَعَقِّلًا، بَارًّا، وَرِعًا، ضَابِطًا لِنَفْسِهِ، مُلاَزِمًا لِلْكَلِمَةِ الصَّادِقَةِ الَّتِي بِحَسَبِ التَّعْلِيمِ، لِكَيْ يَكُونَ قَادِرًا أَنْ يَعِظَ بِالتَّعْلِيمِ الصَّحِيحِ وَيُوَبِّخَ الْمُنَاقِضِينَ. فَإِنَّهُ يُوجَدُ كَثِيرُونَ مُتَمَرِّدِينَ يَتَكَلَّمُونَ بِالْبَاطِلِ، وَيَخْدَعُونَ الْعُقُولَ، وَلاَ سِيَّمَا الَّذِينَ مِنَ الْخِتَانِ. (رسالة بولس إلى تيطس 1: 5- 10) --- ### أسطورة القرعة الهيكلية
(٦) قصاصات غير صالحة للنشر - Published: ۲۰۲۳-۰۱-۰۹ - Modified: 2024-12-27 - URL: https://tabcm.net/10131/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, شئون علمانية - وسوم: القرعة الهيكلية, الكرسي المرقسي, اللاهوت السياسي, المجمع المقدس, النوع الاجتماعي, اليسار, انتخاب البابا, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس السادس, بابا يوساب الثاني, جماعة الأمة القبطية, رئيس جمال عبد الناصر, رئيس محمد أنور السادات, شموسية النساء, لاهوت التحرير, مدارس الأحد, نيرون الباباوان "شنودة" و"تواضروس" كلاهما ترك الألغام في لائحة الانتخاب للبابا القادم. لكن حسبما أرى فواحد منهما فقط الذي يدرك الجريمة السياسية وتوابعها، بينما الآخر أقل شجاعة من أن يخوض لنا معاركنا الحقوقية في حقنا الانتخابي هناك نقطة ضعف هيكلية في نظام إدارة "مجلس الأساقفة" (المسمى بالخطأ الدارج "المجمع المقدس") تتلخص في ديمومة مهنة الأسقف، كرئيس كهنة، باعتبار الكهنوت صكا لا يُمحى، ومسحة بالزيت غير قابلة للإزالة مهما ارتكب من فظائع. قد يملك البابا سلطة نظرية لإعادة الأسقف إلى ديره إن ارتكب فعلًا فادحًا، لكن -وهو في الدير- لا يستطيع وضع أسقف آخر مكانه على سُدة الإيبارشية، هذا اقتران لا يفصمه إلا الموت والهرطقة. هذا القصور الإداري يجعل أي بابا جديد، غير قادر على السيطرة على "الحرس القديم" للبابا الذي يسبقه ("فلول النظام القديم" بالمصطلح الدارج) وكل ما يمكنه فعله هو إضافة أساقفة جدد يدينون له بالولاء والطاعة، لتقليص نفوذ "الحرس القديم" داخل مجلس الأساقفة. يتعامل أسلافنا بهذه الطريقة لما فيها من انتقالات ناعمة للسلطة، تجعل الكنيسة (كمؤسسة) غير عرضة لثورات مفاجئة في طرق الإدارة إن تغير البابا. الاستقرار مقدم عن التغيير في أفكار الحكماء، لأنه لا ضمان أن التغيير سيكون للأفضل، وينبغي الحذر حسب خطورة المنصب. ومنصب بابا الإسكندرية بالتأكيد هو اﻷعلى خطورة لأن اﻷقباط قساة في انتقاداتهم الداخلية كما هم قساة في جلد الذات. كل هذا مفهوم وله معنى وقيمة، لكن من الناحية اﻷخرى فهو يضع المؤسسة أمام مشكلة حتمية، فهذا أيضا يعني نظامًا يعادي التجديد القادم مع أي "بابا جديد"، ويجب على البابا توقع هذا وتحييده وضبط سلطاته تدريجيًا، وإلا فلا حراك وستتحول المؤسسة لمتحف تاريخي نظري مفارقًا للواقع الاجتماعي والسياسي. رتبة "الأسقف العام"، والتي أخذت نصيبها كبيرًا في الجدل الذي تبارى فيه زملاء السلسلة، وأبدعوا في الفصل بين أسقف الخدمة واﻷسقف المعاون لأسقف، وغير ذلك. هي ابتكار "كيرلسي" حديث ولا أصل تاريخي له، لصناعة أساقفة موالين داخل المجلس من دون الحاجة لإيبارشيات، أو من دون الحاجة لتقسيم الإيبارشيات وتفتيتها لتستوعب أساقفة موالين أكتر، ومن دون توسع في كنائس الخارج، أو أديرة الداخل. البابوية من حيث كونها في قمة الهرم اﻹداري المرقسي، تجتهد طيلة الوقت في ابتكارات -قليلة الحيلة، من حيث كون المؤسسة نفسها دينية، محافظة، ترفض الابتكار وترى فيه بدعا مخيفة- لكن الواقع التنظيمي يفرض احتياجاته شئنا أم أبينا، والنظام دائمًا وأبدا هو مسؤولية الدولة ومتشابك معها. لذاـ بشكل أو بأخر، فالبابا كيرلس السادس، هو منحوت متناسب مع الممكن في عصر عبد الناصر، كما البابا شنودة الثالث هو من منحوتات الممكن في عصر السادات، وأنا هنا أتحدث عن نسق إداري وتنظيمي لا شأن له بروحانيات مطاطة من أي نوع. ولندخل أكثر في تفاصيل التطبيق التاريخي. فور خلو الكرسي المرقسي من البابا يوساب الثاني، هرع رهبان شباب حديثي العهد بالرهبنة ومعظمهم من أديرة السريان والبراموس طلبا للترشح للكرسي البابوي. لم يكن هناك قانون كنسي يمنع ترشحهم، لكن المزعج للحرس القديم اليوسابي وقتها أن هؤلاء الرهبان ثوريون وغير قابلين للسيطرة من الشيوخ الأكبر ولم يتتلمذوا بأنساقهم، وكتبوا ما معناه إنهم متهورون متغطرسون لم يمضوا في الرهبنة شهرين دون مطامع ويعتبرون أنفسهم "مستنيرين" وسط جهلة، ويثيرون صراعًا طبقيًا حسب المؤهل الدراسي العالي، ويتعاملون بفوقية وعنجهية مع العمال والفلاحين. كان للرهبان المثقفين ظهيرًا شعبيًا قويًا، نشأ سواء من حركات اليسار الثوري المؤيد لجماعة "الأمة القبطية" أو من اليسار الاشتراكي المؤيد للاهوت التحرير المصري الذي شكلته طليعة مجلة "مدارس الأحد" على المستوى الثقافي، لكن عبد الناصر لم يكن ليسمح بيسار غيره، وهنا ظهر اسم المعتزل العابد، القمص مينا المتوحد لتهدئة الانقسامات القبطية بحلول وسط، وسط في كل شيء، حتى في المؤهل الدراسي المتوسط. عندما وصل البابا كيرلس للسلطة، وكجزء من صناعة شعبية له، استحدث فكرة "الأسقف العام" لاسترضاء تيار المستنيرين ، بعضهم قبل فورًا، وبعضهم تردد في القبول قبل سماع وعود شفهية غير مكتوبة بأن هذا المنصب لن يكون عائقًا للترشح للكرسي البابوي. ولم يكن البابا كيرلس يشغله سوى تجاوز حالة الاستقطاب الحالية و"لملمة الفرقاء" فوافق لأول مرة على فكرة "أساقفة" يمكنهم الترشح للباباوية، ولم يستقرئ ما هو معد له. سيطر الأساقفة المستنيرون على كل مفصليات الإدارة في الكنيسة، ومات عبد الناصر وجاء السادات الذي كانت له مشاكله السياسية بعد الشعبية الجارفة لعبد الناصر. لذا شهد عصر السادات صعودًا لليمين الديني في مصر للقضاء اجتماعيًا على تكتلات اليسار. ومن هنا بدت الفرصة مواتية لأساقفة اليسار لتصعيد الصراع الداخلي ضد البابا كيرلس بشكل شعبوي ريفي في مدينة القاهرة، وبقيادة أحد أساقفة العموم الذي عضده السادات ووزير داخليته في البداية ورأوا فيه "الراجل بتاعنا". بعد اعتلاء البابا شنودة الثالث للكرسي المرقسي، دارت ضده معارك شرسة من "الحرس القديم الكيرلسي" لكن هذه المرة، البابا ليس مجرد راهبًا تقليديًا، بل واحدًا من أقوى السياسيين الذين تجلّسوا على الكرسي المرقسي (شخصيًا أراه الأقوى منذ انتهاء العصر الوسيط) فسيطر في خمس سنوات بشكل محكم لا يتسرب منه الماء، مما أهله لتنظيم القوى الكنيسة ذاتها للتناطح مع اليمين الديني الرجعي، والسادات ذاته بعدها. أما ألوان المستنيرون المتعددة فلم يكن أمام الواحد منهم إﻻ الخضوع اﻷعمى دون سؤال، أو يتم حرمانه من فم الروح القدس. ماتت نسخة لاهوت التحرير في البابا شنودة وتحور لنسخة أخرى من اللاهوت السياسي لا تصنيف محدد لها. (أنا أسميها "ﻻهوت البقاء"). فتح الباب الموارب لأساقفة العموم للترشح للبابوية، تم الإبقاء عليه في عصر البابا شنودة الثالث الذي هو نفسه دخل منه. وتحول من العلماني الثوري "نظير جيد" الذي نظم ودعم مظاهرات للإطاحة بباباوين يسبقانه، إلى "البابا الجديد" الذي يترك لائحة انتخاب البابا دونما تعديل وهو يعلم تمامًا -بحكم خبرته السياسية والإدارية- أنها تحوي ألغاما موقوتة مؤجلة، هو لن يسعى لإقامة كنيسة متعافية بعده، بل يسعى أن يتذكره المحدثون ويحكون عنه كأسطورة فردية لن تتكرر. جيل الوسط قد شاهد وعاين ما حدث للمؤرخة الكنسية "أيريس حبيب المصري" التي كانت مؤرخته الشخصية عندما تقدمت مع 34 امرأة مسيحية طالبة تقييدها في كشوف الأراخنة الذين من حقهم المساهمة بأصواتهم في انتخاب البابا. وبرغم أن البابا شنودة الثالث أضاف فعلا الصحفيين (لأنه كان "رئيس تحرير" ذو طاقم عمل من الصحفيين العاملين بسياسته) لكنه لم يكن ليسمح أبدا بأي توسع إضافي في قواعد من لهم حق التصويت. المسألة الجندرية المعاصرة عن "كهنوت النساء" تبدو دينية تمامًا، ومن العبث الخاسر الخوض فيها مع من يقدسون رفض "شموسية النساء" من البداية، فما بالك بصنّاع قوانين اللعبة الانتخابية الذين يستخدمون النساء ككتل تصويتية تتيح لشيخ القبيلة الروحية التحكم في اختيار رئيس الجمهورية، لكن، وقت أن تتكلم "مؤرخة الكنيسة اﻷولى" في اختيار شيخ القبيلة، فماذا تتوقع؟ التصويت حكر على الذكور المختارين من أهل الثقة فقط، وتم تجريد "أيريس" من مكانتها الاجتماعية حتى تكون عبرة لغيرها، وكل من سعى لتعديل لائحة انتخاب البابا في عصره، تكفل به جهازه الإعلامي لتشويهه، وإظهاره كساعِ لإلغاء "القرعة الهيكلية" المستلمة من تلاميذ المسيح، ودفن أي مسار للتصحيح الديمقراطي لمن سيأتي بعده. الباباوان "شنودة" و"تواضروس" كلاهما ترك الألغام في لائحة الانتخاب للبابا القادم. لكن حسبما أرى فواحد منهما فقط الذي يدرك الجريمة السياسية وتوابعها، بينما الآخر أقل شجاعة من أن يخوض لنا معاركنا الحقوقية في حقنا الانتخابي. هذا المقال جزء من سلسلة أسطورة القرعة الهيكلية --- ### كيف يُكمِّل المسيح ما هو كامل؟ - Published: ۲۰۲۳-۰۱-۰۸ - Modified: 2023-01-08 - URL: https://tabcm.net/10136/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: قديس بولس الرسول ”الناموس الكامل ناموس الحرية“. . ”ما جئت لأنقض بل لأكمِّل“. وَلكِنْ مَنِ اطَّلَعَ عَلَى النَّامُوسِ الْكَامِلِ -­ نَامُوسِ الْحُرِّيَّةِ -­ وَثَبَتَ، وَصَارَ لَيْسَ سَامِعًا نَاسِيًا بَلْ عَامِلًا بِالْكَلِمَةِ، فَهذَا يَكُونُ مَغْبُوطًا فِي عَمَلِهِ. (رسالة يعقوب 1: 25) ناموس الله كامل، لأن الله كامل: ”ناموس الرب كامل يَرُّد النفس“ (مزمور 19: 7) فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ. (إنجيل متى 5: 48) ناموس الله كامل للكاملين نفهم هذا عندما ينادي الكاهن على الشعب في القداس الإلهي أن الإفخارستيا الموضوعة على المذبح لا يتناول منها إلا القديسون: ”القدسات للقديسين“. فيعترف الشعب مع الكاهن أنهم غير مستحقين ولكن الرب يجعلهم  قديسين ومستحقين بسبب تبرير وتقديس الثالوث القدوس لهم، فيقول الشعب: ”واحدٌ هو الآب القدوس، واحدٌ هو الابن القدوس، واحدُ هو الروح القدس“. أما الإنسان فكان ينقصه الكمال، ويصل الإنسان إلى الكمال عندما تتحقق فيه صورة الله فيصير على شبه اللهبحسب وعد الله الصالح ”نخلق الإنسان على صورتنا كشبهنا“ (عقيدة التأله  Theosis)، لكن الإنسان لم يصل إلى الكمال بسبب تغربه عن الله بغواية الحية ”الكل زاغ و فسد وأعوزهم مجد (كمال) الله“. لذلك تجسد المسيح وتمَّم في ناسوته الكمال للإنسان، وقد أشار الرب إلى هذا عندما اعتمد على يد يوحنا المعمدان وقال له ”أسمح الآن لأنه ينبغي أن نكمِّل كل بر“. ثم أشار إلى منح بره وقداسته للمؤمنين من خلال اتحادهم به ”من أجلهم أقدس أنا ذاتي“. ”ما جئت لأنقض (الناموس) بل لأكمِّل (نقص الإنسان)“، هكذا تصف رسالة يعقوب الرسول ناموس الله أنه ”الكامل“ دون تفرقة بين عهد جديد وعهد قديم. نعرف أن خلاص المسيح وهب لنا الحرية من موت الخطية. فالمسيح له المجد لحظة ميلاده لبس طبيعتنا الإنسانية، فهرب أمام وجه لاهوته الموت الذي كان مُمسِكاً بها. وليس من فراغ أن هتفت ملائكة السماء لحظة ميلاد المسيح ”المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وبالناس المسر. . ة اليوم حصل خلاص لهذا الشعب“. هذه حقائق إلهية/ إنسانية أوجزها الوحي هنا في رسالة يعقوب الرسول عندما وصف ناموس الله أنه ”الكامل“ دون تفريق بين العهدين. فإن كمال الناموس ليس بجديد، ولكن الجديد هو كمال الإنسان عندما نال نعمة الحرية من موت الخطية فأنفتح له باب الكمال باتحاده بالمسيح القدوس. هذا سر إضافة وصف ”الحرية“ لناموس الله في العهد الجديد بينما التصق وصف ”العبودية“ بناموس الله في العهد القديم لأنه تعامل مع الإنسان عندما كان في عبودية موت الخطية قبل خلاص المسيح، وليس أن ناموس الله كان يستعبد الإنسان بل إن الإنسان كان مٌستعبد تحت موت الخطية. ”وَصَارَ لَيْسَ سَامِعًا نَاسِيًا بَلْ عَامِلًا بِالْكَلِمَةِ“،  إن العمل بالناموس كلمة الله في العهد الجديد لا يعتمد على قدرة ذاكرة الإنسان للوصايا بالمقارنة لممارسات العهد القديم التي لاحصر لها ليتذكر الإنسان وصايا الله. فالإنسان لا ينسى أن يتنفس والقلب لا ينسى أن ينبض والمعدة تطلب الطعام بانتظام، فضمان عدم نسيان أمر يتطلب أن يكون من صميم طبيعة الإنسان وفي لحمه ودمه فلا ينساه. هكذا صارت ”كلمة الله“ في العهد الجديد. فوصفها ق. يعقوب الرسول بأنها ”الكلمة المغروسة فيكم“. ونحن في سر الأفخارستيا نشترك في ”قداس الكلمة“ أولاً حيث نسمع القراءات ثم  نتحد في ”كلمة الله“ كيانياً بالاتحاد في سر جسده ودمه الأقدسين في قداس المؤمنين. بالتالي فإن الحياة المسيحية ليست تعاليم نسمعها ونحاول ألا ننساها، بل هي المسيح فيكم“، وهذا هو عمق قول الآية ”عاملاً بالكلمة“، أو بتعبير آخر إن المسيح يعمل فيكم ليس بقدر ما تتذكرون نص وصاياه بل بقدر ما أنتم متحدون بشخصه ”لأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَامِلُ فِيكُمْ أَنْ تُرِيدُوا وَأَنْ تَعْمَلُوا مِن أَجْلِ الْمَسَرَّةِ “(رسالة بولس إلى فيلبي 2: 13) ولم يكن الأمر كذلك في العهد القديم حيث كانت ”كلمة الله“ مكتوبة بأصبع الله على ألواح حجرية، وفي العهد الجديد صارت بكمالها دون نقصان مكتوبة في ”قلوبنا اللحمية“ التي اتحد بها المسيح ”كلمة الله“ عندما لبس جسدنا بالتجسد الإلهي. فلم تعد ”كلمة الله“ شيئاً خارجاً عن كياننا منذ أن غرس المسيح ذاته في لحمنا ودمنا ”والكلمة صار جسداً وحلَّ فينا“. بهذا نفهم المكتوب عن كلمة الله/ رسالة المسيح أنها: أَنْتُمْ رِسَالَتُنَا، مَكْتُوبَةً فِي قُلُوبِنَا، مَعْرُوفَةً وَمَقْرُوءَةً مِنْ جَمِيعِ النَّاسِ. ظَاهِرِينَ أَنَّكُمْ رِسَالَةُ الْمَسِيحِ، مَخْدُومَةً مِنَّا، مَكْتُوبَةً لاَ بِحِبْرٍ بَلْ بِرُوحِ اللهِ الْحَيِّ، لاَ فِي أَلْوَاحٍ حَجَرِيَّةٍ بَلْ فِي أَلْوَاحِ قَلْبٍ لَحْمِيَّةٍ. (رسالة بولس إلى كورنثوس الثانية 3: 2، 3) والسُبح لله. بقلم د. رءوف إدوارد --- ### مجمع أفسس الثاني - Published: ۲۰۲۳-۰۱-۰۷ - Modified: 2025-04-01 - URL: https://tabcm.net/10145/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أوطيخا القسطنطيني, إيباس، أسقف الرها, الأوطاخية, الكنيسة الجامعة, النسطورية, بابا ديسقورس السكندري, بابا ديوسقورس الأول, بابا لاون الأول، بابا روما, ثيؤدورت، أسقف قورش, ثيؤدورس المصيصي, دومنيوس، أسقف أنطاكية, طومس لاون, فلاڤيان، بطريرك القسطنطينية, مجمع أفسس الثاني, مجمع أفسس المسكوني, مجمع القسطنطينية, مجمع خلقيدونية, نسطوريوس، بطريرك القسطنطينية شكل مجمع القسطنطينية المكاني، الذي أدان أوطاخي بالهرطقة مطعنًا سهلًا، فأستأنف أوطاخي هذا الحكم، مرسلًا رسائل للإمبراطور ثيئودوسيوس وعدد واسع من الأساقفة، متهمًا المجمع بالحيود عن الصحّة. من الناحية الإجرائية كان رفض قَبُول الاعتراف المكتوب لأوطاخي، بالإضافة إلى الأقاويل التي تناثرت عن تزوير أقوال المتكلمين، وما تردد عن إعداد قرار الحرم في توقيت سابق على الجلسة الختامية، ومن الناحية الموضوعية كان الإعلان الرسمي عن مفاهيم لم يسبق لآن قال بها الآباء والمجامع، مثل عبارة "طبيعتين بعد الاتحاد" واعتبارها معيار الأرثوذكسية، وقطع من لا يقول بها. تفاوتت ردود الأفعال، فالإمبراطور شرع في الإعداد لمجمع مسكوني وأرسل رسائله للأساقفة واختص القديس ديسقورس بتكليفه برئاسة المجمع. طلب لاون أسقف روما محاضر المجمع المكاني التي وصلت متأخرة كثيرًا، وقد سبقتها رسالتان من فلافيان، بطريرك القسطنطينية يبرر فيهما الحكم، وفور وصول المحاضر أعد لاون رسالته التي ستعرف تاريخيا بطومس لاون ((رجائي شنودة، طومس لاون The Tome of Leo ))  التي قصد منها اصطياد عصافير عدة، صيغت لتكون دستورًا إيمانيًا يقبله الشرق دون مناقشة. دون اعتبار للتقاليد اللاهوتية لكل الأطراف، ودون فهم لجذور الخلاف السكندري/الأنطاكي، ودون الوعي بحساسية الوضع بعد أفسس المسكوني، كان الدافع هو تثبيت رئاسة وسلطة "روما" على الكنيسة الجامعة. أُرسل الطومس إلى أطراف عدّة ووصل إليهم قبل انعقاد المجمع بعدة أسابيع، بعدها انعقد المجمع وتمت تلاوة المراسيم الإمبراطورية الداعية للانعقاد، وانتقلت أعمال المجمع رأسًا للاستماع إلى أوطيخا. قرارات المجمع تبرئة أوطاخي، وكل من حرم بالتبعية، وإعادتهم إلى مكانتهم السابقة. إدانة فلاڤيان بطريرك القسطنطينية، ويوسابيوس، بالإضافة إلى ثيؤدوريت أسقف قورش، وإيباس (هيبا) أسقف الرها، ودومنيوس أسقف أنطاكية، وأربعة أساقفة آخرين. المطاعن على المجمع أثار قرار المجمع بتبرئة أوطاخي كثيرًا من المآخذ من المؤيدين للجانب الأنطاكي، كان المطعن الأول هو تمرير عبارة المسيح من طبيعتين قبل الاتحاد، وطبيعة واحدة بعدها، والعبارة قد تعد خطًأ جسيمًا إذا فُهمت في إطار التراتبية الزمنية والتواجد المستقل للناسوت قبل الاتحاد، والواقع إن العبارة لم تثر حفيظة أي من المجمعين الذين مثل أمامهم أوطاخي لأنها فُهمت في السياق الصحيح "قبل أن يصبح الاتحاد واقعًا، فقد كون من طبيعتين". أما عن تردد أوطاخي في الاعتراف بوحدانية المسيح في ذات الجوهر معًا، فمرده فقط إلى فهم أوطاخي لغياب "الطبيعة الإنسانية المستقلة القائمة بذاتها" في أقنوم الكلمة المتجسد. وكان المطعن الثاني، أن المجمع كان وسيلة ديسقورس لبسط نفوذ الإسكندرية على كراسي الشرق بقطع أساقفتها وتعيين أساقفة موالين، ويتناسى هذا المطعن أنه قد يكون صحيحًا فقط إذا كان أوطاخي هرطوقيًا فعلا، وأن هؤلاء الأساقفة كانوا على حق في حكمهم عليه بالحرم، وهو الأمر الذي تنفيه الوقائع والدراسات. إنني التمس العذر للبابا ديسقورس الذي وجه بتصاعد للفهم المناوئ لمقاصد لاهوت أفسس المسكوني، مما يُخشى معه من تصاعد النسطورية مرة أخرى، ووجد الفرصة سانحة لنهو هذا الموقف الذي يشق الكنيسة، وجميع الأساقفة الذين قطعهم المجمع كانوا مؤيدين على نحو ما لنسطوريوس، إلا أنه وفي سعيه المشروع هذا لم يتحسب لخطورة قطع أساقفة كراسي رئيسية وهامة دون الترتيب والتشاور المسبق، فأثار حفيظة الجميع بالرغم من صحة موقفه. والمطعن الثالث هو عدم قراءة وإدراج طومس لاون ضمن أعمال المجمع، وبالرغم من أن البابا ديسقورس قد وجه وطلب قراءة الطومس مرتين على الأقل في أثناء جلسات المجمع إلا أن انسياب وقائع المجمع حالت دون قراءته، ما أعتبره الحبر الروماني إهانة بالغة لحقت برأس الكنيسة الجامعة، وهو ما دعاه لتسمية المجمع بالمجمع "اللصوصي" وقيادة حملة شعواء ضده انضم لها كل المتضررين. هناك احتمالان لإغفال قراءة الطومس إذا افترضنا أنها تمت عن عمد: أولهما: إن المِزَاج العام لتركيبة المجمع كان يميل للرؤية السكندرية، وعدم قَبُول تعبير "في طبيعتين" أو "طبيعتين بعد الاتحاد" اللتان كان يبشر بهما الطومس، فكان الإغفال حفظا لماء وجه الحبر الكبير، وعدم صبغه بصورة الهرطوقي. وثانيهما: إن قراءة الطومس كانت لتعوق قرارات المجمع بقطع الأساقفة المشايعين لنسطوريوس، لأن الطومس كان يتحدث بلغة تقترب كثيرًا من لغتهم اللاهوتية. تعليق أخير ما أشيع عن أوطاخي -ولا يزال- هو محض افتراء، لا يوجد في وقائع المجمعين ما يدعمه، أفسس الثاني هو امتداد لأفسس المسكوني لاهوتيًا، صحيح تمامًا من الوجهة الإجرائية والعقائدية ولا تشوبه شائبة، مع تسليمنا بغياب الحصافة عن قديسنا ديسقورس، ولا أفهم لماذا نفضت كنيستنا غبار حذائها منه، ما آراه موقف غير موفق، ولا يفوتني أن أنوه إلى أن ما يسمى بالمجمع المسكوني الخامس (القسطنطينية الثاني) قد أعاد تبني قرارات القطع التي أصدرها بعد إلغائها في خلقيدونية. --- ### حلول الروح القدس في البشر - Published: ۲۰۲۳-۰۱-۰٦ - Modified: 2023-11-30 - URL: https://tabcm.net/10110/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: آريوسية, أمجد رفعت رشدي, إبيفانيوس، أسقف سلاميس, الثالوث القدوس, الحلول الأقنومي, الحلول المواهبي, المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية, المركز الثقافي القبطي, النسطورية, بابا كيرلس عمود الدين, تادرس يعقوب ملطي, چورچ عوض إبراهيم, چوزيف موريس فلتس, حوار حول الثالوث, دير الأنبا أنطونيوس, سمعان بن يونا, شركاء الطبيعة الإلهية, علامة ديديموس الضرير, غريغوريوس النزينزي، الناطق بالإلهيات, قديس أثناسيوس الرسولي, قديس بولس الرسول, قديس كيرلس الأورشليمي, لوقا يوسف, مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية, موريس تاوضروس, نشأت مرجان, نصحي عبد الشهيد بطرس, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية هناك دائمًا خوف من القول بأن الروح القدس يسكن البشر بأقنومه، لئلا نصير آلهةً مثل الله، وهذا بالطبع خطأ فادح جدًا، ﻷننا لا نستطيع أن نصير مثل الله في كمال لاهوته بل نصير بالنعمة مشابهين لله وننمو في صورته، ومثاله، وشبهه، فلابد أن يسكن الروح القدس بذاته، وأقنومه فينا، ﻷنه مثلاً كيف يسكن اﻹنسان مسكنًا بمواهبه وقدراته وطاقاته دون أن يسكن بجوهره وذاته في هذا المسكن لذا هناك أدلة كتابية وآبائية كثيرة على الحلول اﻷقنومي للروح القدس في البشر، سنعرضها فيما يلي: 1) يتحدث رب المجد لتلاميذه عن أن روح الحق ماكث معهم ويكون فيهم وليست مواهبه كالتالي: رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي لاَ يَسْتَطِيعُ الْعَالَمُ أَنْ يَقْبَلَهُ، لأَنَّهُ لاَ يَرَاهُ وَلاَ يَعْرِفُهُ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَعْرِفُونَهُ لأَنَّهُ مَاكِثٌ مَعَكُمْ وَيَكُونُ فِيكُمْ (إنجيل يوحنا14: 17) 2) يتحدث بولس الرسول عن أن الله أعطانا روحه، ولم يعط مواهبه فقط: إِذًا مَنْ يُرْذِلُ لاَ يُرْذِلُ إِنْسَانًا، بَلِ اللهَ الَّذِي أَعْطَانَا أَيْضًا رُوحَهُ الْقُدُّوسَ (رسالة بولس الأولى إلى تسالونيكي 4: 8) 3) يقول يوحنا الرسول إن الله أعطانا من روحه للثبات فيه، ولم يقل من مواهبه كالتالي: بِهذَا نَعْرِفُ أَنَّنَا نَثْبُتُ فِيهِ وَهُوَ فِينَا: أَنَّهُ قَدْ أَعْطَانَا مِنْ رُوحِهِ (رسالة يوحنا الأولى 4: 13) 4) ويتحدث رب المجد عن أن الروح القدس، روح اﻵب هو المتكلم فينا، وليس مواهبه وطاقاته كالتالي: لأَنْ لَسْتُمْ أَنْتُمُ الْمُتَكَلِّمِينَ بَلْ رُوحُ أَبِيكُمُ الَّذِي يَتَكَلَّمُ فِيكُمْ (إنجيل متى 10: 20) 5) ويقول بولس الرسول إن الروح القدس، روح الابن هو الصارخ فينا إلى اﻵب، وليست مواهبه، وطاقاته، ونعمه كالتالي: ثُمَّ بِمَا أَنَّكُمْ أَبْنَاءٌ، أَرْسَلَ اللهُ رُوحَ ابْنِهِ إِلَى قُلُوبِكُمْ صَارِخًا: ’يَا أَبَا الآبُ (رسالة بولس إلى غلاطية 4: 6) 6) ويتحدث بولس الرسول عن أن روح الله يسكن فينا، ولم يقل مواهبه تسكن فينا كالتالي: أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ، وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ؟ (رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس 3: 16) 7) ويقول بولس الرسول إن الروح القدس الذي أقام المسيح من اﻷموات ساكنًا فينا، ولا أعتقد أن مواهب ونعم الروح القدس هي التي أقامت المسيح من اﻷموات، بل الروح القدس نفسه كالتالي: وَإِنْ كَانَ رُوحُ الَّذِي أَقَامَ يَسُوعَ مِنَ الأَمْوَاتِ سَاكِنًا فِيكُمْ، فَالَّذِي أَقَامَ الْمَسِيحَ مِنَ الأَمْوَاتِ سَيُحْيِي أَجْسَادَكُمُ الْمَائِتَةَ أَيْضًا بِرُوحِهِ السَّاكِنِ فِيكُمْ (رسالة بولس إلى رومية 8: 11) 8) ويؤكد بولس الرسول على أن الروح القدس، روح الله وروح المسيح ساكن فينا، ولم يقل طاقاته ومواهبه كالتالي: وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَسْتُمْ فِي الْجَسَدِ بَلْ فِي الرُّوحِ، إِنْ كَانَ رُوحُ اللهِ سَاكِنًا فِيكُمْ. وَلكِنْ إِنْ كَانَ أَحَدٌ لَيْسَ لَهُ رُوحُ الْمَسِيحِ، فَذلِكَ لَيْسَ لَهُ (رسالة بولس إلى رومية 8: 9) 9) ويقول بولس الرسول إن جسدنا هو هيكل للروح القدس، وليس هيكلاً لمواهب الروح القدس كالتالي: أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ الْقُدُسِ الَّذِي فِيكُمُ، الَّذِي لَكُمْ مِنَ اللهِ، وَأَنَّكُمْ لَسْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ؟ (رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس 6: 19) 10) يقول بطرس الرسول إن روح المجد والله يحل فينا، ولم يقل مواهب روح المجد كالتالي: إِنْ عُيِّرْتُمْ بِاسْمِ الْمَسِيحِ، فَطُوبَى لَكُمْ، لأَنَّ رُوحَ الْمَجْدِ وَاللهِ يَحِلُّ عَلَيْكُمْ. أَمَّا مِنْ جِهَتِهِمْ فَيُجَدَّفُ عَلَيْهِ، وَأَمَّا مِنْ جِهَتِكُمْ فَيُمَجَّدُ (رسالة بطرس الأولى 4: 14) هناك الكثير من اﻵيات الكتابية التي تؤكد على الحلول اﻷقنومي، لذا أكتفي بهذا القدر. القديس أثناسيوس الرسولي ونجد أن هناك العديد من أقوال آباء الكنيسة الجامعة تؤكد على الحلول اﻷقنومي للروح القدس فينا، حيث يتحدث ق. أثناسيوس عن طريقة مشهورة للتفريق بين الروح القدس ذاته ومواهبه في حلوله الأقنومي في البشر كالتالي: ”وواضح هنا أنه عندما يقول الروح فالمقصود هو الروح القدس. وهكذا أيضًا حيث يكون الروح القدس في البشر، حتى إذا ذكرت كلمة الروح دون أيّ إضافة، فليس هناك مِن شك أنها تعني الروح القدس وعلى اﻷخص عندما تذكر الكلمة مقترنة بأداة التعريف“ (أثناسيوس (قديس)، الرسائل عن الروح القدس، تَرْجَمَة: د. نصحي عبد الشهيد ود. موريس تاوضروس)  ويؤكد ق. أثناسيوس أيضًا على أن الحلول الأقنومي لأحد أقانيم الثالوث هو بمثابة حلول للثالوث القدوس كالتالي: ”كيف حينما يوجد الروح فينا يُقال أن الابن فينا؟ وحينما يكون الابن فينا يُقال إن اﻵب فينا؟ وعندما يكون الثالوث بحق ثالوثًا، فكيف يفهم أنه واحد. أو لماذا حينما يكون أحد أقانيم الثالوث فينا، يُقال إن الثالوث موجود فينا؟“ (أثناسيوس (قديس)، الرسائل عن الروح القدس، تَرْجَمَة: د. نصحي عبد الشهيد ود. موريس تاوضروس)  ونجد هنا أن ق. أثناسيوس يسأل محاربي الروح القدس: كيف إذا كان الروح القدس فينا لا يكون الثالوث ساكن فينا؟ ويقول إن كان أحد أقانيم الثالوث فينا، ولم يقل مواهب أحد الأقانيم، فمعنى ذلك حلول الثالوث القدوس كله فينا. القديس كيرلس الأورشليمي يتحدث ق. كيرلس الأورشليمي عن حلول الروح القدس فينا بذاته، وليس بمواهبه فقط، حيث يقول التالي: ”لقد نطق بهذا متنبأ’حين يجعل الرب روحه عليهم‘. العبارة تقول’إذ يجعل الرب‘أي يجعله يحل على الكلإنه سيُعطي بسخاء. لقد ألمح في السر إلى ما كان مزمعًا أن يحدث بيننا في يوم الخمسين، ﻷن الروح القدس بنفسه حل بيننا“(تادرس يعقوب ملطي (قمص)، القديس كيرلس الأورشليمي (حياته -مقالاته لطالبي العماد- الأسرار) القديس اغريغوريوس اللاهوتي يتحدث ق. اغريغوريوس اللاهوتي عن الحلول الأقنومي للروح القدس في البشر في يوم الخمسين، مفرقًا بين حلوله هذا، وحلوله مسبقًا في مناسبات أخرى كالتالي: ”وفي المناسبة الثالثة في وقت توزيع الألسنة النارية عليهم الذي نحتفل بذكراه اليوم، ولكن في المناسبة الأولى، كان ظهور الروح القدس بطريقة خافتة، وفي الثانية بطريقة مُعبِّرة وواضحة، أمَّا في الثالثة فبطريقة أكثر كمالاً، حيث أنه لم يعد حاضرًا بالقدرات والطاقات والأفعال كما كان فيما سبق، بل حاضرًا بجوهره يُشارِكنا ويُعايشنا، إذ لا يستطيع أحد أن يقول غير ذلك“ (اغريغوريوس اللاهوتي (قديس)، عظة عيد الخمسين، تَرْجَمَة: القس لوقا يُوسُف) القديس يوحنا ذهبي الفم وتحدث ق. يوحنا ذهبي الفم عن اختلاف طريقة حلول الروح القدس على الرسل في يوم الخمسين عن حلوله على الأنبياء في العهد القديم، حيث يقول التالي: ”أما بالنسبة للأنبياء فالوضع مختلف إذ لم يحل الروح القدس على أحدهم بالطريقة التي حدثت مع الرسللكن الذي حلَّ هنا هو الروح القدسلكن لم ينل أحد منهم الروح القدس بنفس الطريقة التي حدثت للرسل هنا“ (يوحنا ذهبي الفم (قديس)، عظات على سفر أعمال الرسل، تَرْجَمَة: نشأت مرجان) وهكذا يؤكد ذهبي الفم على حلول الروح القدس نفسه ونعمته أيضًا كالتالي: ”ليس أنهم نالوا نعمة الروح القدس فقط، بل امتلأوا منه، وابتدأوا يتكلمون بألسنة أخرى كما أعطاهم الروح أن ينطقوا“ (يوحنا ذهبي الفم (قديس)، عظات على سفر أعمال الرسل، تَرْجَمَة: نشأت مرجان) العلامة ديديموس الضرير يتحدث العلامة الإسكندري ديديموس الضرير عن سُكنى الثالوث فينا من خلال سُكنى الروح القدس فينا كالتالي: ”الروح القدس يسكن في العقل وفي الانسان الباطن بنفس الطريقة التي يسكن بها اﻵب والابن“ (ديديموس الضرير (علامة)، الروح القدس، تَرْجَمَة: أمجد رفعت رشدي) فالعلامة ديديموس لا يتحدث هنا عن سُكنى مواهب، بل عن سُكنى أقانيم الثالوث فينا. ويتحدث العلامة ديديموس أيضًا في نفس السياق عن شركتنا في الآب والابن من خلال شركتنا مع الروح القدس كالتالي: ”وهكذا فأيٍّ مَن كان له شركة في الروح القدس؛ يصير على الفور في شركة مع اﻵب والابن“ (ديديموس الضرير (علامة)، الروح القدس، تَرْجَمَة: أمجد رفعت رشدي) وهكذا يتحدث العلامة ديديموس عن شركة مع اﻷقانيم، وليست شركة مع المواهب. وكتابه عن الروح القدس مملوء بالأدلة على الحلول الأقنومي للروح القدس فينا ولكنني سأكتفي بذلك. القديس إبيفانيوس أسقف سلاميس يتحدث ق. إبيفانيوس أسقف سلاميس الملقب بـ ”صائد الهرطقات“ بكل صراحة عن الوجود الأقنومي للروح القدس في كل هذه الأشياء المعطاة للبشر من مواهب الروح القدس كالتالي: ”فإنه يُعطِي الخير للكل بشكل مختلف(1كو12: 8)’فَإِنَّهُ لِوَاحِدٍ يُعْطَى بِالرُّوحِ كَلاَمُ حِكْمَةٍ، وَلآخَرَ كَلاَمُ عِلْمٍ بِحَسَبِ الرُّوحِ الْوَاحِدِ‘وهو يُظهِر لنا الوجود الأقنومي للروح القدس من خلال تلك اﻷشياء“(إبيفانيوس أسقف سلاميس (قديس)، أنكوراتوس (المثبت بالمرساة)، تَرْجَمَة: راهب من دير الأنبا أنطونيوس) القديس كيرلس السكندري يتحدث ق. كيرلس السكندري صراحةً عن حلول الروح القدس بذاته في داخلنا، ولم يقل بمواهبه فقط في سياق إثبات ألوهية الروح القدس في مقابل محاربي الروح القدس من الآريوسيين، والأفنوميين، والمقدونيين كالتالي: ”كيرلس: فمَّن يعمل في داخلنا، ويكمل فينا عمل الله، هل يمكن ألا يكون الله؟كيرلس:قُل لي إذًا، بأي طريقة كان يوجد الله في القدماء عندما كان الروح داخلهم؟ أو كيف يمكن أن يأتي في داخلنا نحن عندما يكون الروح ذاته في داخلنا؟ لأنه لا يمكن أن يتحقق فينا وجود الله حسب طبيعته إن كان الروح مختلفًا عن اﻵب في الجوهر“ (كيرلس السكندري (قديس)، حوار حول الثالوث، تَرْجَمَة: د. جوزيف موريس) كما يُحارِب ق. كيرلس السكندري منكري الحلول الأقنومي للروح القدس في البشر، حيث يقول إننا نتَّحد بالله ونصير واحدًا معه وشركاء الطبيعة الإلهية بشركتنا ووحدتنا مع الروح غير المخلوق في سياق دفاعه عن ألوهية الروح القدس، حيث يقول التالي: ”هكذا أيضًا ذاك الذي صار شريكًا للروح القدس يصير واحدًا مع الرب، بالتالي الروح القدس هو الله، الذي بواسطته، نلتصق بالله ونصير واحدًا معه، وشركاء الطبيعة الإلهية(أنظر 2بط 1: 4)، بشركتنا ووحدتنا مع الروح. فإذا كان الروح هو الله، فكيف يكون مخلوقًا“ (كيرلس السكندري (قديس)، الكنوز في الثالوث، تَرْجَمَة: د. جورج عوض إبراهيم) ويُقاوِم ق. كيرلس السكندري الأفنوميين الهراطقة مُنكري الحلول الأقنومي للروح القدس في البشر، حيث يقول التالي: ”فإنْ كان الروح يحل ويسكن فينا، وبواسطته يسكن المسيح أيضًا فينا، إذًا، الروح القدس هو قوة المسيح. فإذا كان الأمر هكذا، فكيف يكون مخلوقًا هذا الذي من طبيعته أن يوجد في الابن؟ إنها ساعة إذًا ليقولوا: إن كلمة اللهمركب، وذلك بسبب هذا الشيء الذي يأتي من الخليقة مُضافًا إلى طبيعته. لكن هذا محض عبث، فالروح ليس مخلوقًا ولا مجبولاً، إنما هو يأتي من أعلى، من الجوهر الإلهي، كقوة وفعل طبيعي له“ (كيرلس السكندري (قديس)، الكنوز في الثالوث، تَرْجَمَة: د. جورج عوض إبراهيم) ويحارب ق. كيرلس الكبير مُنكري الحلول الأقنومي للروح القدس في البشر، والذين يدَّعون أن شركتنا مع الروح القدس هي شركة مع مخلوق، حيث يقول التالي: ”إذًا، عندما يسكن الروح في غير المرفوضين، يكون المسيح هو ذاك الذين يسكن فيهم، بالتالي يكون من الضروري أن نقول إن هذا هو الجوهر الإلهي الذي يجعل كل الذين يشاركونه شركاءً. لأنه ما من أحد يملك عقلاً يمكنه أن يقول إن شركتنا مع الله يمكن أن تصير بواسطة مخلوق، طالما كان هذا المخلوقلديه طبيعة مختلفة، وهو مختلف تمامًا عن الآب والابن، وإن هناك فرقًا شاسعًا بين الجوهر المخلوق والجوهر غير المخلوق“ (كيرلس السكندري (قديس)، الكنوز في الثالوث، تَرْجَمَة: د. جورج عوض إبراهيم) ويتحدث ق. كيرلس عمود الدين عن عمل الروح القدس فينا كالتالي: ”إنَّ الكلمة الذي من الله الآب يُرقِينا إلى حد أن يجعلنا شركاء طبيعته الإلهية بواسطة الروح القدس. وبذلك صار له الآن أخوة مشابهون له وحاملون صورة طبيعته الإلهية من جهة التقديس. لأن المسيح يتصور فينا هكذا: بأن يُغيِّرنا الروح القدس تغييرًا جذريًا من صفاتنا البشرية إلى صفاته هو. وفي ذلك يقول لنا بولس الطوباوي:’وأمَّا أنتم فلستم في الجسد، بل في الروح‘(رو8: 9)،فمع أن الابن لا يُحوِّل أحدا قط من المخلوقين إلى طبيعة لاهوته الخاصإلا أن سماته الروحية ترتسم بنوع ما في الذين صاروا شركاء طبيعته الإلهية بقبول الروح القدس وبهاء لاهوته غير المفحوص يضيء مثل البرق في نفوس القديسين“(كيرلس السكندري (قديس)، ضد تجاديف نسطور، مقالة 3: 2) ثم يدحض ق. كيرلس السكندري المعتقدين بالحلول المواهبي للروح القدس في البشر في سياق دفاعه ع ألوهية الروح القدس كالتالي: ”أمَّا لو كانت النعمة المعطاة لنا بواسطة الروح القدس هي نعمة منفصلة عن جوهره، فحينئذ لماذا لم يقل موسى النبي(تك2: 7)إنه عندما أوجد الخالق الكائن الحي، إنه نفخ فيه النعمة مع نفخة الحياة، ولماذا لم يقل المسيح لنا: اقبلوا النعمة التي أهبها لكم بعمل الروح القدس؟ والعكس هو الصحيح، لأن موسى قال: نفخة الحياة، ولأننا به نحيا ونتحرك ونوجد. كما قال بعض شعرائكم أيضًا: لأننا أيضًا ذريته(أع17: 28)،بينما دعاه المخلص الروح القدس، وهكذا سكن في نفوس أولئك الذين يؤمنون بالروح الحقيقي نفسه، الذي بواسطته وبه يقودهم إلى هيئتهم الأولى. بمعنى أنه يجعلهم مشابهين له عندما يقدسهم، وهكذا يُعيدنا إلى صورتنا الأولى أي إلى حالة ختم الآب. ومن جهة الدقة في وصف وحدة الجوهر، فإن الابن ذاته هو الخَتْم الحقيقي، في الوقت نفسه فإن الروح القدس هو شبه واضح وطبيعي للابن، الذي نتغير نحن بالتقديس بواسطته أي لنأخذ صورة اللهإذًا، الروح هو الله الذي يعطينا أن نكون على صورة الله. وهذا لا يتأتى عن طريق النعمة الخادمة، لكن بالاشتراك في الطبيعة الإلهية مانحًا ذاته عينها للمستحقينهل يمكن أن تسأل المعاندين: لماذا نُدعى هياكل لله، بل بالحري آلهة، إن كنا بالفعل شركاء مجرد نعمة بسيطة لا كيان لها؟ لكن الأمر ليس كذلك، لأننا هياكل للروح الحقيقي الكائن، ولهذا فنحن نُدعى أيضًا آلهةً، لأنه من خلال اتحادنا به نصبح شركاء الطبيعة الإلهية غير الموصوفة“. (كيرلس السكندري (قديس)، حوار حول الثالوث، تَرْجَمَة: د. جوزيف موريس) وبذلك يؤكد ق. كيرلس عمود الدين على الحلول الأقنومي للروح القدس في البشر، وليس مجرد حلول مواهبي أو حلول لنعم مخلوقة كما يدَّعي الهراطقة، ويدحض بشدة ويستنكر الهراطقة القائلين بأننا نتحد بنعمة خادمة (مخلوقة)، أو أننا نتحد بمجرد نعمة بسيطة لا كيان لها، بل يؤكد على اتحادنا بالروح الحقيقي الكائن الذي يصيرنا شركاء الطبيعة الإلهية غير الموصوفة. هوامش:أثناسيوس (قديس)، الرسائل عن الروح القدس، تَرْجَمَة: د. نصحي عبد الشهيد ود. موريس تاوضروس، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2018)، 1: 4، ص 41. المرجع السابق، 1: 20، ص 77. تادرس يعقوب ملطي (قمص)، القديس كيرلس الأورشليمي (حياته -مقالاته لطالبي العماد- الأسرار)، (الإسكندرية: كنيسة مار جرجس سبورتنج، 2006) 16: 26، ص 244. اغريغوريوس اللاهوتي (قديس)، عظة عيد الخمسين، تَرْجَمَة: القس لوقا يوسف، (القاهرة: المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي، 2012)، 36: 11، ص 51. يوحنا ذهبي الفم (قديس)، عظات على سفر أعمال الرسل، تَرْجَمَة: نشأت مرجان، (القاهرة: دار المحبة، 2011)، العظة الرابعة، ص 67، 68. المرجع السابق، ص 65. ديديموس الضرير (علامة)، الروح القدس، تَرْجَمَة: أمجد رفعت رشدي، (القاهرة: مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية، 2015)، 3: 106-109، ص 71، 72. المرجع السابق، 3: 80، ص 64. إبيفانيوس أسقف سلاميس (قديس)، أنكوراتوس (المثبت بالمرساة)، تَرْجَمَة: راهب من دير أنبا أنطونيوس، (البحر الأحمر: دير الأنبا أنطونيوس، 2018)، 72: 7، 8، ص 322. كيرلس السكندري (قديس)، حوار حول الثالوث، تَرْجَمَة: د. جوزيف موريس، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2018)، الحوار السابع، ص 350. كيرلس السكندري (قديس)، الكنوز في الثالوث، تَرْجَمَة: د. جورج عوض إبراهيم، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2011)، مقالة 34: 50، ص 578. المرجع السابق، مقالة 34: 55، ص 580. المرجع السابق، مقالة 34: 56، ص 581. كيرلس السكندري (قديس)، ضد تجاديف نسطور، مقالة 3: 2. كيرلس السكندري (قديس)، حوار حول الثالوث، تَرْجَمَة: د. جوزيف موريس، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2018)، الحوار السابع، ص 353-355. --- ### دور اللاهوتيّين ودور معلّمي التعليم - Published: ۲۰۲۳-۰۱-۰۵ - Modified: 2024-01-02 - URL: https://tabcm.net/10105/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: إغناطيوس دي لويولا, الشرق الأوسط, الكنيسة الكاثوليكية, بابا فرنسيس، بابا الڤاتيكان, ڤاتيكان, كاتيشيزم «التقليد، أصل الإيمان، إمّا أن ينمو أو يموت». في بعض دول الشرق الأوسط وبشكل خاصّ في مصر هناك سوء فهم أو عدم تمييز بين دور اللاهوتيّين وبين دور معلّمي التعليم المسيحيّ. وبالطبع هناك سوء فهم لعمل السلطة التعليميّة للكنيسة الكاثوليكيّة مقابل اللاهوتيّين ومعلّمو التعليم المسيحيّ. أشكر الله أنّ البابا فرنسيس التقى أعضاء لجنة اللاهوت العالمية في شهر نوفمبر الماضي وأوضح هذه النقطة تمامًا. قال البابا فرنسيس لأعضاء اللجنة الذين استقبلهم يوم ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٢: إنّ دعوة اللاهوتيّ هي أن يجرؤ على المضيّ نحو الأمام. كلام البابا المنشور في جريدة "أوسرڤاتورى رومانو" ركّز على نِقَاط ثلاث أذكر منها ما يهمّنا الآن: يجب على اللاهوتيين أن يذهبوا إلى الأبعد، وأنّ يسعوا نحو ما هو أبعد. لكني أريد أن أميّز ذلك عن دور "معلّم التعليم المسيحيّ"، يجب على معلم التعليم المسيحي أن يعطي العقيدة الصحيحة، والعقيدة الراسخة، وليس المستجدات الممكِنة، وبعضها جيد، بل ما هو راسخٌ. ينقل عالم التعليم المسيحي العقيدة الراسخة. أمّا اللاهوتيّون فيجرؤون على المضي نحو الأمام، وستكون السلطة التعليميّة هي المنوطة بتوقّفهم. لكن دعوة اللاهوتي هي أن يجرؤ دائمًا على المضي نحو الأمام، لأنّه يبحث ويحاول أن يجعل اللاهوت أكثر وضوحًا. مع ذلك، لا تعطوا التعليم المسيحي أبدًا للأطفال وللأشخاص ذوي المذاهب الجديدة غير المؤكّدة. هذا التمييز ليس لي، إنّه القديس إغناطيوس دي لويولا، الذي أعتقد أنه فهم بعض الأشياء بشكل أفضل مني! (البابا فرنسيس) إذًا تعليم الكنيسة الكاثوليكيّة وتعليم البابا فرانسيس للاهوتيّين لم يكن أبدًا ضدّ التقدّم في البحوث اللاهوتيّة، وترك الروح القدس ليعمل في عقول وقلوب اللاهوتيين ليبنوا على التقليد صرحًا أو شجرة تتغذى على الأصول (التقليد) من دون أن تتوقّف وإلا ماتت وتحول الإيمان إلى متحف. الخطر هو أن نطلب من اللاهوتيّين أن يؤدوا عمل معلّمي التعليم المسيحيّ! أو أن يُمارس معلّمو التعليم المسيحيّ مهمّة اللاهوتيّيّن. مَن له وحده الحقّ في إدخال الحقيقة التي يعلنها اللاهوتيّين داخل الحقيقة الشاملة (الكاثوليكيّة) هي سلطة التعليم الكنسيّة التي بالطبع يمثّلها مجمع عقيدة الإيمان. - راجع لجنة اللاهوت العالمية: السلطة التعليميّة الكنسيّة وعلم اللاهوت ١٩٧٥. - راجع النص اﻷصلي لمقال جريدة "أوسرڤاتورى رومانو" --- ### في مجتمع متدين: فتاة الكوبري دون فتى الكوبري - Published: ۲۰۲۳-۰۱-۰٤ - Modified: 2023-01-04 - URL: https://tabcm.net/10087/ - تصنيفات: مقالات وآراء في ليلة رأس السنة انتشر على العديد من مواقع و صفحات التواصل الاجتماعي فيديو قصير لفتى وفتاة يمارسون العلاقة الجسدية في وضح النهار أعلى أحد كباري المحروسة تحت هاشتاج فتاة الكوبري، وكأنها كانت بمفردها، وكأن في مجتمعنا لا يعيب الفتيان الأفعال الفاضحة، وكأنه لا يعيب الفتيان تصوير وترويج الأفعال الفاضحة، وكأن لا يعيب مجتمعنا التشهير بالأعراض وإطلاق الأحكام على ضعفات البشر. تريند وهاشتاج فتاة الكوبري، استحضر في ذهني مباشرًة قصة المرأة التي أُمسكت في ذات الفعل. رجال فريسيون متدينون أتوا بالمرأة -بمفردها- التي أُمسكت في ذات الفعل، للمسيح، لكي تُطبق عليها الشريعة ويحكم عليها بالموت رجمًا، وكأنها أمسكت في ذات الفعل بمفردها. وكأن فتاة الكوبري بمفردها! ! فأصبح التريند، تريند فتاة الكوبري دون فتى الكوبري! مجتمع متدين بطبعه، من صور متدين، ومن نشر متدين، ومن أدان الموقف متدين، ومن قبض عليهم، ومن يحاسبهم متدينين! ! حين أتى الفريسيون للمسيح ليحكم بالموت على المرأة، كانوا مستعدين لسفك الدَّم وتطبيق الشريعة، لأن روح الإنسان عندهم رخيصة أكثر من الشريعة الغالية، أو ربما تكون سمعة الناس أرخص من الشريعة. كان كل واحد مستعد بحجر أو صخرة، مجرد أن يصدر الحكم، تموت رجمًا، كل واحد يرميها بحجر في مقتل. كل واحد فيهم نسي حجراته المغلقة، نسي نزواته، ونسي ضعفاته ونجاساته وسقطاته، نسي ما فعله مرات ومرات، والفرق بينه وبينها إنه لم يُفضح بعد، فبدلا من أن يستر أو على الأقل يسكت، عمل نفسه حامي الحما وحامي الأخلاق والشرف والدين. المجتمع الممتلئ  رشوةً وفسادًا واحتكارًا، وتحرش وبيات شتوي وخمول صيفي على مواقع "البورنو" الإباحية، ثارت ثورته على مراهقين ليس لديهم شقة يمارسوا فيها علاقتهم في الخفاء، وقادهم غباءهم ليقعوا فريسة لمجتمع فاسد قادر على ممارسة البغاء في جنح الظلام والخفاء دون أن يكتشفه أحدهم. كيف لمن جوع الناس عَنْوَة أن يحكم على من سرق الخبز ليأكل، بقطع يده؟ أين عمر؟! إذا أردتم العدل فابحثوا معهم عمن صور ونشر الفيديو وهو يعلم أنه في مجتمع كهذا سيصير تريند. لا ندافع عن الفحشاء لئلا يزايد علينا أحدهم، ولكن ابحثوا عمن قاد مجتمعنا ليصبح هكذا، ابحثوا في الأزمات الاقتصادية، والمناهج التعليمية، والخطب الدينية، والدراما المقدمة لجيل جديد يكتشف الحياة ويتعلمها. لو كنت مسئولا لعرضت الفتى والفتاة على طبيب نفسي ليعيد تأهيلهما، ووفرت لهما مكانًا يتزوجان فيه رسميا حفاظًا على سمعة كلاهما، ووفرت لهما الحماية والأمان ممن سيحاول قتلهما. افحصوا حياتكم وفتشوها جيدًا، ومن يجد نفسه طاهر القلب واليدين، حياته في السر كما العلن، في الظلام كما النور، لم تغلبه يومًا شهوته و لم يسقط إثر ضعفه فليرمهما بأول حجر، وحينها فليرمنا معها، فنحن لسنا أكثر طهرًا منهما، جميعنا تحت الضعف ولا يحافظ على سيرتنا إلا الستر. --- ### أيها الأسقف.. من أنت؟ (٦) - Published: ۲۰۲۳-۰۱-۰۳ - Modified: 2023-01-02 - URL: https://tabcm.net/9813/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أنبا ميخائيل، مطران أسيوط, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث كان يوما حافلاً ومبهجاً ومرهقاً في آن، يومها قصدنا أسيوط المدينة، لترتيب إقامة ابنتي التي ذهب بها مكتب التنسيق إلى كلية الهندسة، وصلنا مع تباشير الصباح، وكان لنا جولة بين بيوت الطالبات المختلفة، قبل أن ننجح في إيجاد مكان لها في المدينة الجامعية، وكانت خبرة رائعة، حيث الحزم والانضباط والمتابعة المتميزة من منظومة إدارتها. انتصف النهار وتواصلنا مع صديقة للأسرة، أسيوطية، المرنمة التي تخدم اجتماع أبينا المَطْرَان الأنبا ميخائيل، صوتها أكثر من رائع، زادته طلاوة لهجتها التي أعادتنا إلى بيتنا الكبير ودفء الجَنُوب، استقبلتنا بحفاوة ليست بغريبة عن أهلنا، ما كدنا نجلس حتى "رن" جرس التليفون الأرضي، لم يكن المحمول قد صار في كل يد وقتها، حسب نبوءة ـأو قل رؤيةـ رجل الأعمال المصري مهندس نجيب ساويرس، نظرت إلينا مدام سارة بدهشة، كان على الجانب الآخر الأنبا ميخائيل، أخبرته بوجودي، فطلب منها أن أذهب لمقابلته في كنيسة المطرانية... "للموعودين" كان تعليقها العفوي. كان اللقاء في صحن الكنيسة العتيقة، قيل لي إن أبينا المَطْرَان سيأتي خلال دقائق، كنت وحدي في الكنيسة كانت الأضواء مطفأة، فيما تتسلل بعض من أشعة الشمس من نوافذها لتنقلك مع أيقوناتها إلى أجواء القرن الرابع، وكأنه أراد أن يستكملها، فعلى غير توقع لمحت شبحاً يخرج من الهيكل، وله باب خلفي يفضي إلى مقر إقامة الأب المَطْرَان. خرج متدثراً في شال يشبه ذاك الذي كان يرتديه جدي، وحين اقترب مني اكتشفت أن أبونا المَطْرَان لم يكن يمسك عصا، فقط صليب خشبى بسيط؛ يا رب سلام، كانت تحيته، أهلاً بالكاتب العنيد، جلس بجواري على "الدكة" ورغم أنها المرة الأولى التي التقيه فيها إلا أن الأُلفة كانت حاضرة، اكتشفت فيه قارئاً ومتابعاً مدققاً، ناقشني فيما أكتب بالتاريخ والعنوان والمضامين، سألته في إشكاليات وأزمات الكنيسة وأجابني بموضوعية وترتيب، ومحبة غامرة للكنيسة وثقة بأن للتاريخ دوراته وأحكامه. سألته لماذا تبقى بعيداً وأنت شيخ المجمع وحكيمه، أجاب بإيجاز وحسم، أشفق على صقور الفضاء الافتراضي الورقية، ولجانهم الإلكترونية من قراءة رؤيته ورأيه، لذلك سأكتفي بما تحتمله اللحظة، قال: "أنا مُحمَّل بخدمة ورعاية مدن وقرى إيبارشيتي، التي سأعطي عنها حساباً، وهي عبء ثقيل، لا يحتمل كاهلي الذي ينوء به أن أضيف عليه". لم يذهب أبونا المَطْرَان بعيداً عن قوانين الكنيسة، وحصافة الكبار، وخبرة السنين، لكنني توقفت كثيراً أمام كلماته وموقفه، فالكنيسة القبطية الأرثوذكسية كنيسة مجمعية وليست بابوية، بمعنى أن قراراتها التدبيرية تصدر عن مجمع أساقفتها ويلتزم بها كل المطارنة والأساقفة حتى من صوت ضدها داخل المجمع، وقد ذهبت قوانين الكنيسة المسكونية والمكانية إلى قطع الأسقف من درجته ومن الشركة إذا أثار الشغب والعصيان في إيبارشية أخرى في سعيه لاغتصابها، فيما يعرف بصراع الكراسي، بل ونصت أيضاً على "أنه لا يجوز لأسقف أن ينتقل إلى كرسي آخر تاركاً كرسيه، ولا أن يهمل العناية بإيبارشيته لاهتمامه بأشغاله الخاصة". وفي قانون أخر "أي أسقف أو قس أهمل الإكليريكيين أو الشعب ولم يدربهم في سبل التقوى فليُقطع من الشركة، وإذا داوم الإهمال والكسل فليُسقط". ويمكن لمن يريد التعرف باستفاضة على كل ما يتعلق بهذه القوانين الرجوع إلى أحد أهم المراجع التوثيقية "مجموعة الشرع الكنسي" التي صدرت ترجمتها العربية ضمن "منشورات النور" التي تنشرها كنيسة أنطاكيَة "الأرثوذكسية"، وهو يضم مجموعة القوانين الكنسية التي سنتها المجامع الرسولية والمجامع المسكونية (السبعة) ـمع الانتباه إلى أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية لا تعترف إلا بأربعة منها هي مجمع نيقية (325م)، مجمع القسطنطينية الأول (381م)، مجمع أفسس الأول (431م)، مجمع أفسس الثاني (449م) ـ ويضم هذا المرجع أيضاً قوانين المجامع المكانية والقوانين الآبائية مع تعليقات تفسيرية عليها. وسيجد ضمنها فيضاً من القوانين التي تحكم عمل ودور ومسئوليات الأسقف، في إيبارشيته، وصلاحيات وحدود تعامله ـوتصرفه ـ في أموال إيبارشيته، وعلاقاته بالإيبارشيات الأخرى، ومنعه من اغتصابها أو انتقاله إليها ومنع تدخله في شئونها، بل وتتعرض أيضاً لضوابط إسقاطه من رتبته، كذلك استقالته من عمله الأسقفي التدبيري. وأعتقد أن سعي البابا تواضروس في مأسسة الكنيسة، والانتقال في إدارتها من الفرد إلى المؤسسة، لن يكتمل إلا بالبدء في توثيق القوانين الكنسية، اللاهوتية والتدبيرية، التي تقرها الكنيسة بشكل أكاديمي يُشكل له لجنة كنسية تاريخية لاهوتية من آباء وعلماء وأرخنة الكنيسة، وجمعها في دستور كنسي يعتمده مجمع الآباء الأساقفة ومجمع الأراخنة. ليضع نقطة في أخر سطر الجدل والارتباك والشخصنة التي يصنعها من يقلقون الكنيسة إما لضحالة فكرهم أو لتحقيق غايات شخصية ضيقة. ولعل الكنيسة تلتفت لما استجد من قضايا لم تكن مثارة قبلاً، أو لعلها نتجت عن التطورات التي لحقت بمنظومة الخدمة التي امتدت إلى خارج مصر، في كافة قارات العالم، التي قابلتها الكنيسة برسامة أساقفة في البلاد التي تشهد حضوراً مصرياً مسيحياً، وتأسيس أديرة ببعضها. ـ فماذا عن الأجيال التالية لجيل الآباء المؤسسين؟ ـ وماذا عن طبيعة العلاقات المؤسسية مع كنائسنا بالخارج بعد أن تصبح تلك الأجيال المزدوجي الانتماء هي الموجودة حصراً بها؟ ـ وماذا عن سعي بعض أساقفة الداخل المصري لتبرير سفرهم المتكرر لتلك البلاد خاصة في أوروبا وأمريكا بعد أن صارت إيبارشيات لها أساقفتها؟ ـ هل تشهد الكنيسة تنظيماً متطوراً يفرضه واقعها الجديد، كتشكيل مجامع أسقفية إقليمية قارية أو مكانية هناك حسب كثافة الرعية فيها؟ وحدود العلاقة بينها وبين تنظيمات الكنيسة الأم؟ ـ هل يمكن دراسة هُوِيَّة البابا بعد جيل أو جيلين، أم سيظل الاختيار محكوماً بالقواعد القائمة التي قد تدفع الكنائس القبطية بالخارج إلى الانفصال والاستقلال؟ أسئلة مشروعة تنتظر إجابات هادئة ورؤية موضوعية. --- ### طاقة أمل
[البداية] - Published: ۲۰۲۳-۰۱-۰۲ - Modified: 2023-05-17 - URL: https://tabcm.net/10038/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: الطب النفسي, المنهج العلمي  (١) ديسمبر ٢٠٢٢م: دعيت إلى إحدى حفلات نهاية العام. الكل يتكلم عن إنجازاته وإخفاقاته، يستخدمون مصطلح الحصاد دائما. دائما تنتهي هذه الحفلات بأمنيات للعام الجديد.  (٢) يونيو ٢٠١١م: أتممت خدمتي العسكرية، وذهبت لأتسلم عملي بالمستشفي النفسي التي تم توزيعي عليها لقضاء فترة النيابة. لم يكف أحد عن سؤالي نفس السؤال الذي أصبح هاجس كل المصريين "يا تري شايف فيها أمل؟! ". كنت ابتسم وأنا أتعجل إجراءات تسلمي العمل مجيبا بـ"ربنا يفتح لنا باب للأمل". (٣): الشهور تمر، والسنوات أيضا تمر، بعد ثورة يناير والأمل يتقلص. فصار دعائي: "ربنا يفتح لنا شباك للأمل". (٤): كانت نصيحة المشرف على رسالتي للماجستير المتكررة لي: "لما تيجي تكتب عن موضوع، أعتبر نفسك الكاتب الوحيد في العالم اللي هيتكلم عن الموضوع ده... فحاول تكتب كل تفصيلة تعرفها، وبأسهل طريقة للعرض، لأنك الأمل الوحيد إن الموضوع ده يتكتب عنه". أعود الآن إلى حفلتي، وأتذكر رحلتي مع الأمل في بَدْء استلامي للعمل الحكومي كطبيب نفسي شاب بعد شهور قليلة من ثورة يناير: أتذكر الآن كيف كان الأمل كبيرا، وكيف تضائل هذا الأمل من "باب" إلى "شباك" مع مرور الأيام. بعد إتمامي للماجستير وأصبحت أخصائي بالطب النفسي، وتحديدا في أغسطس ٢٠١٤م، قررت أن أؤسس لمبادرة أسميتها "Hope" أو "الأمل"، كان هدفها هو سد الفجوة في خِدْمَات الصحة النفسية الحكومية المقدمة للأفراد وبشكل خاص للأطفال والمراهقين. كان برنامَج دعم المرونة النفسية للأطفال داخل المدارس هو أحد أهم البرامج التي اشتهرت به المبادرة. وبينما كنت أعمل مع الأطفال وآبائهم ومدرسيهم، كانت "طاقة للأمل" في غدٍ أفضل تنفتح لي. كبر الحلم وتحولت المبادرة إلى مؤسسة غير هادفة للربح مشهرة من قبل وزارة التضامن الاجتماعي، ولم أجد لها اسم أفضل من "طاقة أمل للتنمية". أتذكر هذه الرحلة في نهاية هذا العام، وأنا أقرر كتابة سلسلة من المقالات التي ربما تفتح "طاقة للأمل" لقرائها. تتناول هذه المقالات المواضيع المتعلقة بالصحة النفسية والطب النفسي بعد أن اختلط الحابل بالنابل، وكثرت الأقاويل والأساطير، وتاهت الحقائق. سأكتب متمنيا لنفسي ولمن حولي أن تنفتح لنا: "طاقة للأمل". --- ### الإيمان والأعمال في المفهوم الأرثوذكسي - Published: ۲۰۲۳-۰۱-۰۱ - Modified: 2022-12-31 - URL: https://tabcm.net/10041/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: سمعان بن يونا, قديس بولس الرسول, يعقوب الرسول ينتقل القديس يعقوب الرسول بالحديث إلى مفهوم العمل والجهاد الروحي من منظور مسيحي: وَلكِنْ كُونُوا عَامِلِينَ بِالْكَلِمَةِ، لاَ سَامِعِينَ فَقَطْ خَادِعِينَ نُفُوسَكُمْ(رسالة يعقوب 1: 22) ينبغي القول أنه من المستحيل للشر أن يدخل حياة إنسان عن طريق تفكير سليم لعقل إنساني سليم، لأن هذا يتعارض مع حقيقة أن خليقة الله هي حسنة جدًا (تكوين 1) ورافضة للشر بسبب طبيعتها الصالحة، بالتالي لا تقبل ما يعرضه الشيطان، وقد أيقن الملعون هذه الحقيقة أنه لا يمكنه محاربة الله ”على المكشوف“ باستمالة قلب الإنسان إلى الشر.   فنرى أنه أسقط آدم وحواء بالخديعة والتشكيك ”أحقا قال الله“، ومازال يحاول بالخداع أن يُفسِد عمل الله الصالح في البشر. فدعاه الرب ”بالكذاب وأبو الكذاب“ حيث يخدع الإنسان فيظن أنه يتبع الله بينما هو يخدم الشيطان دون أن يدري، هذا هو ما يحذر منه الوحي المقدس بقوله ”خادعين أنفسكم“ في هذه الآية. فقد أستطاع  عدو الخير أن يزرع زواناً في وسط الحنطة ويبلبل أذهان البشر بأديان مختلفة تتناحر وتقتل الإنسان تحت ستار عبادة الله. ولهذا فقد أهتم الله أن يحرس العلاقة والشركة بالإنسان من هذا الخداع. فمنذ أن أعطانا الله الوصايا العشر،  نجده -تبارك اسمه- قد وضع التقوى والعمل الروحي كاشفاً لصدق الإيمان من حيث إن العمل هو نتيجة للإيمان وشاهد على صدقه. فنجد أن الوصية الأولى ”تحب الرب إلهك“ هي في الحقيقة مُنشِئة للوصية الثانية ”تحب قريبك“. لأن السبب في محبة الآخرين هو محبتنا لله،  ثم نجد إن الوصية الثانية التي توصي بحب الآخرين كاشفة لصدق الوصية الأولى، لأنه دون أن نحب الآخرين فمحبتنا لله ليست حقيقية، لكنها تصير عملية وظاهرة في عمل المحبة تجاه الآخرين: إِنْ قَالَ أَحَدٌ: «إِنِّي أُحِبُّ اللهَ» وَأَبْغَضَ أَخَاهُ، فَهُوَ كَاذِبٌ. لأَنَّ مَنْ لاَ يُحِبُّ أَخَاهُ الَّذِي أَبْصَرَهُ، كَيْفَ يَقْدِرُ أَنْ يُحِبَّ اللهَ الَّذِي لَمْ يُبْصِرْهُ؟وَلَنَا هذِهِ الْوَصِيَّةُ مِنْهُ: أَنَّ مَنْ يُحِبُّ اللهَ يُحِبُّ أَخَاهُ أَيْضًا. (رسالة يوحنا الأولى 4: 20، 21) ثم يستطرد الوحي المقدس هذا الشرح في عدد 23 و24 لكي ينبه الوعي إلى خطورة الخلط بين ماهو حق وما هو خداع، حيث يذكر الوحي إن ”كلمة الله“ في حياتنا هي ”المرآة“ التي تكشف ذواتنا ليصلحها ويجددها ”الرب الروح“ (رسالة كورنثوس الثانية 3) كما سنشرح لاحقا. لأَنَّهُ إِنْ كَانَ أَحَدٌ سَامِعًا لِلْكَلِمَةِ وَلَيْسَ عَامِلًا، فَذَاكَ يُشْبِهُ رَجُلًا نَاظِرًا وَجْهَ خِلْقَتِهِ فِي مِرْآةٍ، فَإِنَّهُ نَظَرَ ذَاتَهُ وَمَضَى، وَلِلْوَقْتِ نَسِيَ مَا هُوَ. (رسالة يعقوب 1: 23، 24)فَاقْبَلُوا بِوَدَاعَةٍ الْكَلِمَةَ الْمَغْرُوسَةَ الْقَادِرَةَ أَنْ تُخَلِّصَ نُفُوسَكُمْ. (رسالة يعقوب 1: 21) فلكي يضمن الوحي صدق الإيمان فإنه يؤكد على أهمية العمل والسلوك المسيحي كشاهد للإيمان أنه إيمان حي وفاعل وليس وهم وخيال. فيعود بنا الوحي إلى حديثه عن أهمية ”كلمة الله“ كمعيار خِلقتنا الجديدة التي أسسها المسيح في تجسده ولبسناها في المعمودية فوق الخليقة العتيقة التي ورثناها من أبينا آدم بعد سقوطه (انظر المقالين السابقين أخر المقال). فإن محور العددين 23و24 إننا نتواجه مع ”كلمة الله“ مثل مرآة كاشفة وهادية لتَحَوُّل مستمر في الإنسان خلال حياته على الأرض من خِلقته العتيقة إلى الجديدة في المسيح. ”وَنَحْنُ جَمِيعًا نَاظِرِينَ مَجْدَ الرَّبِّ بِوَجْهٍ مَكْشُوفٍ، كَمَا في مِرْآةٍ، نَتَغَيَّرُ إِلَى تِلْكَ الصُّورَةِ عَيْنِهَا، مِنْ مَجْدٍ إِلَى مَجْدٍ، كَمَا مِنَ الرَّبِّ الرُّوحِ“(رسالة بولس الثانية إلى كورنثوس 3: 18) إن أهمية هذه الآية مع الآيات 23و24 إنها تُظهِر عمل ”كلمة الله“ في كشف الذات الإنسانية وتغييرها من العتيق إلى الجديد. ”لأَنَّ كَلِمَةَ اللهِ حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ، وَخَارِقَةٌ إِلَى مَفْرَقِ النَّفْسِ وَالرُّوحِ وَالْمَفَاصِلِ وَالْمِخَاخِ، وَمُمَيِّزَةٌ أَفْكَارَ الْقَلْبِ وَنِيَّاتِهِ“(رسالة بولس إلى العبرانيين 4: 12) فالإنسان أمام ”كلمة الله“ نوعان: إما أن ينظر ويتعجب ثم يمضي في حال سبيله كما لقوم عادة كما فعل بطرس أمام أكفان المسيح: “فَقَامَ بُطْرُسُ وَرَكَضَ إِلَى الْقَبْرِ، فَانْحَنَى وَنَظَرَ الأَكْفَانَ مَوْضُوعَةً وَحْدَهَا، فَمَضَى مُتَعَجِّبًا فِي نَفْسِهِ مِمَّا كَانَ“(إنجيل لوقا 24: 12) بالتالي تظل ”كلمة الله“ التي سمعها مثل: ”نُحَاسًا يَطِنُّ أَوْ صَنْجًا يَرِنُّ“(رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس 13: 1) لهذا انصرف بطرس إلى صيد السمك مع التلاميذ بعد صلب المسيح إلى أن افتقدهم الرب. أو ينظر ”بوجه مكشوف“ (رسالة بولس الثانية إلى كورنثوس 3) إلى ”كلمة الله“  كروح وحياة ”الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة“ قادرة أن تُغيِّره ”إلى تلك الصورة عينها من مجدٍ إلى مجدٍ“. عندئذ يتحقق قول يعقوب الرسول أن كلمة الله تصبح كياناً حياً مغروساً فينا وليس مجرد ذبذبات يبتلعها الهواء”فَاقْبَلُوا بِوَدَاعَةٍ الْكَلِمَةَ الْمَغْرُوسَةَ الْقَادِرَةَ أَنْ تُخَلِّصَ نُفُوسَكُمْ“. ولأن الشيء بالشيء يُذكر، نقول إن هذا كان اختبار مريم المجدلية للرب يسوع ”كلمة الله“ وعلى النقيض من اختبار بطرس الرسول. ”وَفِي أَوَّلِ الأُسْبُوعِ جَاءَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ إِلَى الْقَبْرِ بَاكِرًا، وَالظَّلاَمُ بَاق... انْحَنَتْ إِلَى الْقَبْرِ... فَنَظَرَتْ يَسُوعَ“(يوحنا 20: 1، 11، 14) إن لقاء الإيمان بشخص الرب”اللوغوس/ كلمة الله“ يُنشئ تجديداً لكياننا من خليقة عتيقة إلى الخليقة الجديدة، وأما سيرتنا وأعمالنا فهي كاشفة لهذا التغيير وشاهدة وحافظة لانتمائنا وكياننا الجديد في المسيح. ويظل ”الإنجيل“ المقدس هو ”مرآة“ يستعلِن من خلالها ”الرب الروح“، ”الخليقة الجديدة“ لنا في المسيح يسوع. والسُبح لله بقلم د. رءوف إدوارد --- ### هل كان أوطاخي أوطاخيًا؟ - Published: ۲۰۲۲-۱۲-۳۱ - Modified: 2024-04-27 - URL: https://tabcm.net/9900/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: الأوطاخية, بابا كيرلس عمود الدين, طبيعة المسيح, فلافيان القسطنطيني, قديس أثناسيوس الرسولي, مجمع أفسس الثاني, مجمع خلقيدونية, مدرسة أنطاكية, مدرسة الإسكندرية يلزمنا بداءة وضع خطوط قاطعة بين أوطاخي كشخص اُستخدم طعما في الحرب المستعرة بين مدرستي أنطاكية والإسكندرية، للنيل من الأخيرة وإقصائها نهائيًا عن الشأن الكنسي، وبين ما اُصطلح على تسميته بالأوطاخية التي لم تكن أبدًا هرطقة معروفة متبناه من مجموعات بعينها يلزمنا بداءة وضع خطوط قاطعة بين أوطاخي كشخص اُستخدم طعما في الحرب المستعرة بين مدرستي أنطاكية والإسكندرية، للنيل من الأخيرة وإقصائها نهائيًا عن الشأن الكنسي، وبين ما اُصطلح على تسميته بالأوطاخية ((الموسوعة الكاثوليكية: Eutyches )) التي لم تكن أبدًا هرطقة معروفة متبناه من مجموعات بعينها، ولكنها توجد في صورة انزلاقات فردية تنصب على العلاقة بين طبيعتي الاتحاد في أقنوم الكلمة المتجسد. لنبدأ بأوطاخي، الذي كان راهبًا مسنًا، رئيسًا لدير في القسطنطينية وله شعبية رهبانية كبيرة في أوساط القسطنطينية، بالإضافة لقربه الوثيق من القصر الإمبراطوري لقرابته لكبير موظفي القصر. لم يكن الرجل لاهوتيًا، لكنه كان ذو ولاء كبير للاهوت الإسكندرية وعاصر انتصاره الكبير في أفسس، ما ساهم أن يكون واعيًا للحرب الدائرة من الأنطاكيين لإعادة تنظيم صفوفهم، وإعادة بعث اللاهوت الأنطاكي اعتمادًا على فهمهم الخاص ورؤيتهم لرسالة المصالحة (كيرلس-يوحنا / الإسكندرية-أنطاكيَة) التي أعادت بعض الهدوء إلى الكنيسة دون أن تطفئ جذوة النار التي بقيت مشتعلة تحت الرماد فوضع الرجل نفسه كنقطة ساخنة مزعجة في قلب المعسكر الأنطاكي الذي كان يعيد ترتيب أوراقه. دون الدخول في تفاصيل كثيرة يمكن للمهتم أن يعود إليها في المراجع التي سنوردها لاحقًا ((في سي صمويل، مجمع خلقيدونية، إعادة فحص، ص47-61. ))، ففي جلسة عادية لمجمع أساقفة القسطنطينية عام ٤٤٨م، برئاسة البطريرك فلافيان، اتهم يوسابيوس أسقف دوريليم -سيصفه أوطاخي لاحقا بأنه "عدو قديم"- أوطاخي بالهرطقة، ودون تقديم اتهامات محددة طلب محاكمته، وبغرابة شديدة وافق الأساقفة المجتمعون على طلبه -بعد تردد البطريرك- وقرروا استمرار انعقاد المجمع للاستماع إلى أوطاخي. رفض أوطاخي المثول أمام المجمع بعد أكثر من استدعاء، حتى حضر في الجلسة السابعة، مصحوبًا بحامية إمبراطورية يرأسها ممثل شخصي للإمبراطور، كان السؤال الاستهلالي عن "الاتحاد" فأجاب أوطاخي بالإيجاب بأنه يعترف باتحاد "من طبيعتين"، تدخل يوسابيوس بصورة أكثر تحديدًا قائلًا: هل تعترف سيدي الأرشمندريت بطبيعتين بعد التأنس؟ وهل تقول إن المسيح واحد في ذات الجوهر معنا حسب الجسد؟ أجاب أوطاخي أنه لم يأت ليجادل، ولكن فقط ليعلن إيمانه، وقدم اعترافًا مكتوبًا بالإيمان رُفض استقباله على الفور وتم تجاهله ولم يدرج بمحضر الجلسة، وستكون هذه النقطة مع نِقَاط أخرى سببا كافيًا للطعن في المجمع. كان الاعتراف ولا شك مبني على الرؤية السكندرية لأفسس المسكوني ورسالة المصالحة، ولم يكن المجمع المعتنق للرؤية الأنطاكية لنفس الرسالة بقادر على تحمل تبعات إبداء الرأي في هذه الوثيقة سواء برفضها واعتبارها هرطوقية، أو قبولها واعتبارها أرثوذكسية. بعد عدم قَبُول اعتبار اعتراف الإيمان، قدم أوطاخي تصريحًا شفويًا: ... وفيما يتعلق بحضور الكلمة في الجسد، فأنا اعترف أنه حدث من جسد العذراء، وأنه صار إنسانا بالكمال من أجل خلاصنا. (أوطاخي) وبعد طلب للاستيضاح أضاف: لم أتحدث قبلا عن جسد ربنا بكونه واحد في ذات الجوهر معنا، ولكني اعترف بأن العذراء كانت بالطبع واحدة في ذات الجوهر معنا، وأن إلهنا أخذ جسده منها. (أوطاخي) فاستدركه أحد الأساقفة قائلًا: إن كانت الأم هي واحدة في الجوهر معنا، فلابد أن يكون هو نفسه واحدًا في ذات الجوهر معنا! ! فأجاب أوطاخي: فيما تقوله أنت الآن، أنا اتفق تمام الاتفاق. طُلب من أوطاخي مرة أخرى أن يعترف بوضوح بالعقائد التي نوقشت، وأن يحرم كل من يؤمن بأفكار مخالفة، رفض الرجل بإصرار أن يطلق أي حكم بالحرم، ومع إصرار أعضاء المجمع أن يقر بالطبيعتين بعد الاتحاد، أجاب أنه قرأ المطوّب كيرلس، والقديس أثناسيوس، وكل الآباء المعتبرين في الكنيسة، وهم يقولون "من طبيعتين" كإشارة إلى ما قبل الاتحاد، أما بعد الاتحاد، فلم يعودوا يتحدثون عن طبيعتين بل طبيعة واحدة، وهنا اتخذ المجمع قراره بحرم أوطاخي، لاتباعه أراء فالنتينوس وأبوليناريوس، ووقع على الحكم 30 أسقفًا و23 أرشمندريتا. لم ينكر الرجل في أية لحظة حقيقة وكمال ناسوت المسيح، أو حقيقية ميلاده من العذراء، والواضح أن تردده في الاعتراف بأن الكلمة المتجسد واحد في ذات الجوهر معنا يعود إلى فهمه أنه لا يوجد "ناسوت مستقل قائم بذاته" في أقنوم الاتحاد في محاولة لاستبعاد كارثة "الابنان" وهو أيضا ما دفعه لرفض "طبيعتين" بعد الاتحاد ربما لم يكن الرجل يملك رؤية لاهوتية كاملة وناضجة بحكم أنه ليس لاهوتيًا متمرسًا، ولكننا بكل ارتياح نجزم -على ضوء وقائع المجمع- أن الرجل لم يكن هرطوقيًا. الآن وبعد مرور قرون طويلة، يري كثير من المؤرخين أنّ إدانة أوطاخي كان عملا متعجلًا. ((Trevor Jalland ))، وأن أوطاخي لم يكن هرطوقيًا بشكل مؤكد. ((Thomas Camelot ))، وأنه لا يوجد شيء أكثر وضوحا من تأكيده على حقيقة وكمال الناسوت.  ((Kelly )). سيسفر هذا المجمع وبسبب توافر عوامل أخرى عن أكبر كوارث التاريخ المسيحي، ودفاعًا عن أنفسهم (ممن تسببوا في هذه الكارثة) نسب للرجل ما لم يقله أبدا، مثل تلك الأسطورة عن ذوبان الناسوت في اللاهوت كقطرة خل في محيط، واتهمت الكنائس التي رفضت خلقيدونية المشؤوم باعتناق هذه "الأسطورة" التي لم تكن حقيقية أبدا. الغريب والصادم أن نتبنى نحن نفس هذه الفرية دون تمحيص، وكأننا -بحرم أوطاخي- ننفي عن أنفسنا تهمة لم تكن أبدًا حقيقية.   --- ### الاتحاد بالنور الإلهي - Published: ۲۰۲۲-۱۲-۳۰ - Modified: 2023-11-30 - URL: https://tabcm.net/10017/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: إستفانوس حداد, اللاهوت الباطني, المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية, بابا كيرلس عمود الدين, باسيليوس الكبير، أسقف قيصرية الكبادوك, چورچ فرج, ديونيسيوس الأريوباغي، أسقف أثينا, سعيد حكيم يعقوب, سليم دكاش اليسوعي, سمعان بن يونا, سيرافيم البراموسي, ضد أفنوميوس, غريغوريوس النزينزي، الناطق بالإلهيات, غريغوريوس النيسي, قديس إسطفانوس أول الشهداء, قديس بولس الرسول, مار إسحق السرياني, مجدي فهيم, نصحي عبد الشهيد بطرس, يوحنا الحبيب, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية, يوحنا سابا الدلياتي الروحاني التعليم عن الاتحاد بالنور الإلهي غير المخلوق هو تعليم أرثوذكسي سليم موجود في صُلب الكتاب المقدس والتقليد الرسولي والآبائي، حيث نذكر تجلي إلهنا ومخلصنا يسوع المسيح بنوره الإلهي غير المخلوق على جبل تابور أمام تلاميذه بطرس ويعقوب ويوحنا وإيليا وموسى. تجلي السيد المسيح على جبل تابور يقول الكتاب: وَبَعْدَ سِتَّةِ أَيَّامٍ أَخَذَ يَسُوعُ بُطْرُسَ وَيَعْقُوبَ وَيُوحَنَّا أَخَاهُ وَصَعِدَ بِهِمْ إِلَى جَبَل عَال مُنْفَرِدِينَ. وَتَغَيَّرَتْ هَيْئَتُهُ قُدَّامَهُمْ، وَأَضَاءَ وَجْهُهُ كَالشَّمْسِ، وَصَارَتْ ثِيَابُهُ بَيْضَاءَ كَالنُّورِ. وَإِذَا مُوسَى وَإِيلِيَّا قَدْ ظَهَرَا لَهُمْ يَتَكَلَّمَانِ مَعَهُ. فَجَعَلَ بُطْرُسُ يَقُولُ لِيَسُوعَ: ’يَارَبُّ، جَيِّدٌ أَنْ نَكُونَ ههُنَا فَإِنْ شِئْتَ نَصْنَعْ هُنَا ثَلاَثَ مَظَالَّ: لَكَ وَاحِدَةٌ، وَلِمُوسَى وَاحِدَةٌ، وَلإِيلِيَّا وَاحِدَةٌ (إنجيل متى 17: 1-4) وهكذا ستتجلى أجسادنا بهذا النور العجيب مثل تجلى جسد المسيح أمام تلاميذه في المجد والملكوت. اختبار بطرس الرسول للنور الإلهي ولقد اختبر ق. بطرس الرسول النور الإلهي غير المخلوق وشهد عن ذلك قائلاً: لأَنَّنَا لَمْ نَتْبَعْ خُرَافَاتٍ مُصَنَّعَةً، إِذْ عَرَّفْنَاكُمْ بِقُوَّةِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ وَمَجِيئِهِ، بَلْ قَدْ كُنَّا مُعَايِنِينَ عَظَمَتَهُ. لأَنَّهُ أَخَذَ مِنَ اللهِ الآبِ كَرَامَةً وَمَجْدًا، إِذْ أَقْبَلَ عَلَيْهِ صَوْتٌ كَهذَا مِنَ الْمَجْدِ الأَسْنَى :’هذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي أَنَا سُرِرْتُ بِهِ‘. وَنَحْنُ سَمِعْنَا هذَا الصَّوْتَ مُقْبِلاً مِنَ السَّمَاءِ، إِذْ كُنَّا مَعَهُ فِي الْجَبَلِ الْمُقَدَّسِ (رسالة بطرس الثانية 1: 16-18) اختبار بولس الرسول للنور الإلهي كما اختبر ق. بولس الرسول هذا النور الإلهي غير المخلوق وشهد عنه قائلاً: فَحَدَثَ لِي وَأَنَا ذَاهِبٌ وَمُتَقَرِّبٌ إِلَى دِمَشْقَ أَنَّهُ نَحْوَ نِصْفِ النَّهَارِ، بَغْتَةً أَبْرَقَ حَوْلِي مِنَ السَّمَاءِ نُورٌ عَظِيمٌ (أعمال الرسل 22: 6) اختبار القديس استفانوس للنور الإلهي كما اختبر ق. اسطفانوس أول شهداء المسيحية مجد هذا النور الإلهي غير المخلوق وشهد عنه قائلاً: وَأَمَّا هُوَ فَشَخَصَ إِلَى السَّمَاءِ وَهُوَ مُمْتَلِئٌ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، فَرَأَى مَجْدَ اللهِ، وَيَسُوعَ قَائِمًا عَنْ يَمِينِ اللهِ (أعمال الرسل 7: 55) اختبار يوحنا الرسول للنور الإلهي واختبره أيضًا ق. يوحنا الرسول وشهد عنه قائلًا: وَهذَا هُوَ الْخَبَرُ الَّذِي سَمِعْنَاهُ مِنْهُ وَنُخْبِرُكُمْ بِهِ: إِنَّ اللهَ نُورٌ وَلَيْسَ فِيهِ ظُلْمَةٌ الْبَتَّةَ. إِنْ قُلْنَا: إِنَّ لَنَا شَرِكَةً مَعَهُ وَسَلَكْنَا فِي الظُّلْمَةِ، نَكْذِبُ وَلَسْنَا نَعْمَلُ الْحَقَّ. (رسالة يوحنا الأولى 1: 5-6) اختبار القديس كيرلس السكندري للنور الإلهي لقد تحدث ق. كيرلس السكندري الذي اختبر الاتحاد بالنور الإلهي غير المخلوق وقال عن هذا الاختبار: ”فنحن دُعِينا من الظلمة إلى نوره العجيب. وإذا كان هذا حقًا، فالمخلوق ليس حقًا هو النور، بل الابن وحده بالحقيقة وبالضبط هو النور، أما المخلوقات فهي تصير نورًا باشتراكها فيه، ولذلك فهي ليست من ذات طبيعته“. (كيرلس السكندري (قديس)، تفسير إنجيل يوحنا ج1، تَرْجَمَة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون) اختبار القديس اغريغوريوس اللاهوتي للنور الإلهي ثم يتحدث ق. اغريغوريوس اللاهوتي عن اتحادنا بالنور الإلهي غير المخلوق كالتالي: ”لنصبح نحن نورًا، كما سمع التلاميذ من النور الأعظم قوله لهم: أنتم نور العالم، بل ولنصركأنوار في العالم، نضيء بين الأمم كما قال بولس الرسول في(رسالة بولس إلى فيلبي2: 15) نحن قوة حية للآخرين. فلنتخذ شيئًا من الألوهة ولنقتبس نورًا من النور الأول. لنسر نحو إشعاع هذا النور قبل أن تحجب بيننا وبينه الظلال“. (اغريغوريوس اللاهوتي (قديس)، مختارات من القديس اغريغوريوس اللاهوتي النزينزي، تَرْجَمَة: الأسقف استفانوس حداد) ويتحدث ق. اغريغوريوس اللاهوتي أيضًا عن اتحادنا بالنور الإلهي غير المخلوق التالي: ”ولكي تتقدموا أنتم كأنوار كاملة أمام النور الكبير، وأن تدخلوا إلى موكب النور النابع من النور الكبير متخذين من النور الأبهى والأنقى، نور الثالوث الذي قبلتموه صبحًا من أصباح الألوهة الواحدة لشخص ربنا يسوع المسيح“. (اغريغوريوس اللاهوتي (قديس)، مختارات من القديس اغريغوريوس اللاهوتي النزينزي، تَرْجَمَة: الأسقف استفانوس حداد) ويتحدث ق. اغريغوريوس اللاهوتي عن الاتحاد بالنور الإلهي غير المخلوق قائلًا: ”إنه ينزل من الأعالي حيث مقره لكي ما تدخل إليه -إلى حد ما- الطبيعة المخلوقة“.  (Homily 45: 11. PG 36: 637 B) اختبار القديس باسيليوس الكبير للنور الإلهي كما يتحدث ق. باسيليوس الكبير عن اختبار النور الإلهي غير المخلوق لفهم وإدراك الإلهيات، وإنه دون الاتحاد بالنور الإلهي غير المخلوق لا يمكن أن تفكر النفس بصورة سليمة كالتالي: ”لأنه تمامًا كما هو النور المحسوس بالنسبة للعين، هكذا الله الكلمة بالنسبة إلى النفس، لأن الكتاب المقدس يقول:كان النور الحقيقي الذي ينير كل إنسان آتيًا إلى العالم(إنجيل يوحنا1: 9). وبناءً على ذلك، فإن النفس التي ليس فيها نور، لا تستطيع أن تفكر بشكل صحيح وأن يقتربوا من هذه الولادة من خلال إشراقة النور الإلهي“. (باسيليوس الكبير (قديس)، ضد أفنوميوس، تَرْجَمَة: د. سعيد حكيم) ثم يتحدث ق. باسيليوس الكبير في موضع آخر عن اتحادنا وتلامسنا مع بهاء الألوهة والاتحاد بالنور الإلهي غير المخلوق كالتالي: ”هؤلاء يوصيهم أن يقتربوا من الرب، ويتلامسوا مع بهاء ألوهيته، حتى أنهم بهذا الاقتراب، بعدما يستنيرون بنور الحقيقة، يقبلوا داخلهم هذا النور بواسطة النعمة، وكما هو الحال بالنسبة إلى النور المحسوس، فهو لا يشرق على الجميع بطريقة واحدة، بل يشرق فقط على الذين لهم أعين، وهم في حالة يقظة“. (باسيليوس الكبير (قديس)، تفسير سفر المزامير ج1، تَرْجَمَة: د. سعيد حكيم) اختبار القديس اغريغوريوس النيسي للنور الإلهي يتحدث ق. اغريغوريوس النيسي عن اتحادنا بالنور الإلهي غير المخلوق كالتالي: ”إن نور الحق يسطع علينا نحن الذين نواصل السير في هذا المساء الهادئ في الحياة، وينير أعين أرواحنا بأشعته. هذا الحق الذي تجلى لموسى بنور غامض لا يُوصَف ولا يُنطَق به هو الله“. (اغريغوريوس النيسي (قديس)، حياة موسى، تَرْجَمَة: مجدي فهيم حنا) ثم يتحدث ق. اغريغوريوس النيسي عن اختبار القديس اسطفانوس للنور الإلهي غير المخلوق، الذي هو مثال لاتحادنا بالنور الإلهي غير المخلوق كالتالي: ”كيف رأى استفانوس مجد الله؟ مَن الذي فتح له أبواب السماء؟ تُرى هل هذه النعم محصلة قوة إنسانية؟ هل ملاك أصعد طبيعتنا التي كانت تنظر إلى أسفل إلى ذلك السمو؟ لم يحدث أي شيء من كل هذا. فكل ما له علاقة بهذه القصة، لم يذكر شيئًا مثل هذا، بمعنى أن استفانوس لم ير ما رأه لأنه كان قويًا للغاية، أو لأنه نال معونة كاملة من الملائكة. فماذا قال النص الإنجيلي؟ قال:وأما هو فشخص إلى السماء وهو ممتلئ من الروح القدس، فرأى مجد الله ويسوع قائمًا عن يمين الله(أعمال الرسل7: 55). لأنه من غير الممكن، كما يقول داود النبي، أن يرى أحد النور، إن لم يكن قائمًا داخل النور:بنورك نرى نورًا(مزمور 36: 9). لأنه من المستحيل رؤية النور خارج النور. أي كيف يمكن للمرء أن يرى الشمس، وهو موجود بعيدًا عن أشعتها؟ لأن نور الابن الوحيد الجنس هو داخل نور الآب، أي داخل الروح القدس المنبثق من الآب، لذا بعدما امتلأ أولاً من الروح القدس استنار، حينئذ أدرك مجد الآب والابن“. (اغريغوريوس النيسي (قديس)، اسطفانوس أول شهداء المسيحية، تَرْجَمَة: د. سعيد حكيم) اختبار القديس ديونيسيوس الأريوباغي للنور الإلهي يتحدث ق. ديونيسيوس الأريوباغي عن خبرة اتحادنا بالنور الإلهي غير المخلوق كالتالي: ”من جهتي، فهذا ما أصلي به، أما أنت أيها العزيز تيموثاوس، انشغل بشدة بالرؤى السرية، اترك الأنشطة الحسية والذهنية، كل ما يخص الحواس والعقل، كل الموجودات وغير الموجودات (نحيه جانبًا)، وترفع غير مستندًا على معرفة حتى تتحد قدر المستطاع بمَّن هو أعلى من كل جوهر ومن كل معرفة. عندما تصل إلى الدهش، حيث تتحرر بالكلية من ذاتك، من كل الأشياء، عندما تنزع عنك كل شيء، وتعفي نفسك من كل شيء، سوف ترتفع إلى الشعاع الفائق الجوهر للظلمة الإلهية“. (ديونيسيوس الأريوباغي (المستعار)، اللاهوت الباطني، تَرْجَمَة: د. جورج فرج)  نستكمل موضوع الاتحاد بالنور الإلهي غير المخلوق، هذا النور الذي يتسامى على الإطلاق لا على الحواس فقط، بل وعلى العقل نفسه، نور يلاقيه الذهن البشري ويتطابق معه، عندما يخرج الذهن البشري من ذاته ليصير أفضل مما هو عليه، عندما يتجاوز ذاته (أي الذهن البشري) ويتحد بالله. سأتحدث عن الوصول إلى حالة الدهش والانخطاف الروحي في تعليم آباء الكنيسة، هذا الدهش والانخطاف الذي يحدث عندما تصلي النفس صلاة عقلية حارة، وتنال مواهب الروح القدس، وتحقق هذه الصلاة بصورة سرية اتحاد النفس بينبوع هذه المواهب. وننوه بإمكانية نَيْل مواهب الروح هذه حتى في أوقات عمل الجسد، فالصلاة ليست انسلاخًا (أي ترك) عن الجسد. اختبار مار اسحق السرياني للنور الإلهي يتحدث مار اسحق السرياني عن خبرة معاينة النور الإلهي غير المخلوق، وكيف ندرك هذا النور الإلهي العجيب بعيون نفوسنا الروحية كالتالي: ”إن لنفسنا حدقتين، ولكن النظر الخاص بكل منهما يختلف استعماله عن الآخر. فبإحدى هاتين الحدقتين نعاين أسرار الطبيعة، أعني قوة الله وحكمته وعنايته بنا، وندركها بفضل الجلال الذي يقودنا به. ونعاين بالحدقة الأخرى مجد طبيعته المقدسة حين يرتضي الله إدخالنا إلى الأسرار الروحية“. (St. Isaac of Syria, Homily 72) ثم يتحدث مار اسحق السرياني عن إشراق نور الثالوث القدوس مثل الشمس في نفس الإنسان النقي من الداخل، واستنشاقه للروح القدس كلي القداسة، وتساكنه الطبائع الروحية المقدسة (أي الملائكة) كالتالي: ”الرجل النقي النفس هي داخله. والشمس التي تشرق داخله هي نور الثالوث القدوس. الهواء الذي يستنشقه سكان تلك البلدة هو الروح القدس المعزي وكلي القداسة. والذين يسكنون معه هم الطبائع المقدسة الروحانية. المسيح هو نور الآب، هو حياتهم، وفرحهم، وسعادتهم. مثل هذا الإنسان يبتهج كل ساعة بالرؤى الإلهية داخل نفسه، ويسحره جمالها الخاص الذي هو بالحق أبهى مئة ضعف من لمعان الشمس نفسها. هذه هي أورشليم وملكوت الله المختفي داخلنا، كما يقول الرب. هذا العالم هو سحابة مجد الله التي لا يدخلها إلا أنقياء القلب ليروا وجه سيدهم وليستنير عقلهم بشعاع نوره“. (اسحق السرياني (مار)، الميامر النسكية، تَرْجَمَة: نيافة الأنبا سارافيم) كما يتحدث مار اسحق السرياني عن كيفية الوصول إلى الاتحاد بالنور الإلهي غير المخلوق من خلال الصلاة التي نصليها كالتالي: ”وإذ يتخذ الروح القدس مادة من صلاة الإنسان التي يصليها، يتحرك داخله، وتفقد بذلك صلاة الإنسان حركتها في أثناء الصلاة، ويرتبك ذهنه، ويُبتلَع في الدهش والانذهال، وينسى حتى الرغبة فيما كان يتوسل بشأنه. تغطس حركات العقل في سكر عميق، ولا تعد في هذا العالم في مثل هذا الوقت، لا يوجد تمييز بين النفس والجسد، كما لا يوجد تَذْكار لأي شيء، تمامًا كما قال العظيم اغريغوريوس اللاهوتي: الصلاة هي نقاوة الذهن، وهي تنتهي فقط بواسطة نور الثالوث القدوس من خلال الدهش والانذهال. هل رأيت كيف تنتهي الصلاة من خلال الدهش بالمفاهيم التي ولدتها الصلاة في العقل، كما قلت في بداية هذا الميمر وفي مواضع أخرى عديدة؟ ويكتب أيضًا نفس هذا القديس اغريغوريوس: نقاوة العقل هي التحليق السامي والمرتفع للقدرات الذهنية، وهي تشبه منظر السماء، وهي التي يشرق عليها ومن خلالها نور الثالوث القدوس وقت الصلاة“. (اسحق السرياني (مار)، الميامر النسكية، تَرْجَمَة: نيافة الأنبا سارافيم) اختبار القديس يوحنا الدلياتي للنور الإلهي يتحدث ق. يوحنا سابا الدلياتي عن كيفية الاتحاد بالنور الأقنومي غير المخلوق وأثره في الذهن البشري والنفس البشرية كالتالي: ”لهذا يدعو الروح الذهن النشيط إلى الدخول، بعد أن تعبت حركات قواته الناظرة من الشخوص، لترى ذاك الذي في الكل والكل فيه. وإذا أقام الصلاة، يرى إشراق أقنومه، ويضيء النفس حسن طبعها، وترى ذاتها على ما هي، والنور الإلهي الذي يشرق فيها، الذي يُبدِّلها إلى مثاله، ويرتفع مثال طبعها من أمام رؤيتها، وترى هي ذاتها مثالاً لله، بواسطة اتحادها بالنور الذي لا مثيل له، وهو نور الثالوث القدوس الذي يشرق في أقنومها، فتغطس في أمواج حسنها، وتندهش مدةً طويلةً. وأحيانًا تنتقل من منظر إلى منظر، وتتبدل تبدلات عجيبة لا تُحصَى في وقت قليل“. (يوحنا الدلياتي (الشيخ الروحاني)، مجموعة الميامر الروحية، تَرْجَمَة: الأب سليم دكاش اليسوعي) اختبار القديس يوحنا ذهبي الفم للنور الإلهي يتحدث ق. يوحنا ذهبي الفم عن معاينتنا للنور الإلهي غير المخلوق، وخبرة إشعياء النبي لهذا النور الإلهي في رؤياه كالتالي: ”وهذا نادى ذاك وقال: قدوس، قدوس، قدوس، رب الجنود. مجده ملء كل الأرض(سفر إشعياء 6: 2، 3). بالحقيقة هو قدوس لأنه جعل طبيعتنا مستحقة هذه الأسرار الكثيرة والعظيمة، وصيرنا شركاء هذه الأمور التي لا تُوصَف، لقد استوى عليَّ الفزع والرعدة (المقدسة) في أثناء إنشاد هذه التسبحة، وما يدعو للعجب أن هذا يحدث لي أنا الطين المصنوع من تراب في اللحظة التي فيها حتى القوات السمائية تأخذها الدهشة العظيمة والدائمة؟ لذلك يديرون وجوههم ويغطونها بأجنحتهم كمثل ساتر، لأنهم لا يستطيعون تحمل اللمعان المُنبعِث من هناك. وبالرغم من أن المشهد (الرؤيا) -كما يُقال- كان يمثل تنازلاً للطبيعة الإلهية. فلماذا إذًا لا يحتملون؟ فهل تسألني أنا ذلك؟! سل أولئك الذين يريدون أن يفحصوا الطبيعة غير الموصوفة وغير المقترب منها، أولئك الذين يتجرؤون على ما لا يمكن التجرؤ منه بينما تجاسر الإنسان أن يتكلم أو بالحري أن يُفكِّر بعقله في أنه يقدر أن يتطلع بدقة وبوضوح إلى تلك الطبيعة الإلهية البسيطة“. (يوحنا ذهبي الفم (قديس)، رؤيا إشعياء، تَرْجَمَة: د. جورج فرج) ويقول ق. يوحنا ذهبي الفم في نفس السياق: ”لأنه يقول: باثنين يُغطي وجهه(سفر إشعياء 6: 2). كأنهما ستارتان يغطيان وجهه، لأنهم لا يتحملون اللمعان المنبعث من ذلك المجد. وباثنين يغطي رجله(سفر إشعياء 6: 2)تحت تأثير نفس الانبهار، لأننا أنفسنا عندما يُسلِّط علينا جسم باهر، فإننا ننكمش ونخفي كل مكان في جسدنا. ولماذا أتحدث فقط عن الجسد، مادام أن النفس ذاتها، عندما يحدث لها ذلك الأمر في تجلياتها السامية، تجذب كل طاقاتها، ثم تجمع ذاتها ضاغطةً إياها بعمق في الجسد كما لو كان هذا الجسد ملبسًا لها؟ وحين يسمع أحد الاندهاش والانبهار لا يظن أننا نتحدث عن صراع مقزز للنفس، لأنه مع هذا الاندهاش توجد نشوة ممتزجة به لا تُحتمل من عظمتها. وباثنين يطيرون(سفر إشعياء 6: 2)،وهذا يدل على أنهم دائمًا يشتهون الأمور العلويةولا ينظرون إلى أسفل أبدًا“. (يوحنا ذهبي الفم (قديس)، رؤيا إشعياء، تَرْجَمَة: د. جورج فرج) ويضيف ق. يوحنا ذهبي الفم في حديثه عن الاتحاد بالنور الإلهي غير المخلوق وحالة الاندهاش والانخطاف الروحي كالتالي: ”لأن الأجساد البراقة، وإن كانت منيرة بشكل عظيم، حينئذ فإنها عادةً ما تثير ذهولنا لما نشاهدها للمرة الأولى بعيوننا، ولكن إن واصلنا التطلع فيها أكثر فبالتعود سوف ينتهي اندهاشنا، لأن عيوننا قد اعتادت تلك الأجساد. لذلك فعندما نرى أيقونة ملوكية، وقد تم تكريسها حديثًاوهي تزهو بألوانها، فهي تُثير إعجابنا، ولكن بعد يوم ويومين يزول إعجابنا هذا. ولكن لماذا أتحدث عن أيقونة ملوكية، مادام أن الأمر ذاته يحدث لنا مع أشعة الشمس، مع أنه لا يوجد جسم أكثر لمعانًا منها؟ وهكذا فأي جسد بسبب الاعتياد على النظر إليه يذهب الإعجاب به. غير أن الأمر ليس كذلك فيما يتعلق بمجد الله، بل على العكس تمامًا، لأنه كما واصلت تلك القواتفي النظر إلى ذلك المجد كلما انبهرت بالأكثر وازداد تعجبها، لذلك فبالرغم من أنهم يرون ذاك المجد منذ خلقتهم حتى الآن، فلا يتوقفون عن الصراخ بانبهار، لأن ما نعاني منه، ويحدث لنا في برهة قصيرة من الزمن، عندما يأتي علينا ضياء ساطع، يحدث لتلك القوات القائمة قدامه باستمرار وبلا انقطاع، وبالرغم من ذلك يُظهِرون لذةً ما وتعجبًا. لأنهم لا يصرخون فقط، بل يفعلون ذلك فيما بينهم، وهذه علامة على اندهاشهم الدائم، وهذا نفسه ما يحدث لنا عندما نسمع رعدًا أو زلزالاً يهز الأرض، لا نقفز ونصرخ فقط، بل نُسرِع بالهرب الواحد تلو الآخر إلى بيته، وهذا هو ما يفعله السيرافيم، لذلك كل واحد يصرخ نحو الآخر قائلاً: قدوس، قدوس، قدوس“. (يوحنا ذهبي الفم (قديس)، رؤيا إشعياء، تَرْجَمَة: د. جورج فرج) وهكذا بعد جولة روحية عميقة وممتعة بين تعاليم آباء الكنيسة عن حالة الاندهاش والانخطاف الروحي التي تحدث لنا في الصلاة، وكيف تصل الصلاة الذهنية بنا إلى الاتحاد بالنور الإلهي غير المخلوق وغير المحسوس والفائق الوصف، نصلي دائمًا من كل قلوبنا أن نصل إلى هذه الحالة الروحية الجميلة والطوباوية لنتمتع بلمحات من ملكوت الله ونحن سالكون في هذه الحياة الحاضرة المليئة بالمصاعب والضيقات. بالتالي نستنتج أن تعليم الاتحاد بالنور الإلهي غير المخلوق هو تعليم كتابي، ورسولي، وآبائي أرثوذكسي سليم اختبره التلاميذ، والرسل، وآباء الكنيسة على مر العصور. كيرلس السكندري (قديس)، تفسير إنجيل يوحنا ج1، تَرْجَمَة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرون، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2015)، ص 105. اغريغوريوس اللاهوتي (قديس)، مختارات من القديس اغريغوريوس اللاهوتي النزينزي، تَرْجَمَة: الأسقف استفانوس حداد، (لبنان: منشورات النور، 1994)، عظة المعمودية والمعمدون، عظة 41، ص 160. المرجع السابق، عظة 39 الظهور الإلهي في المسيح أو عظة عيد الأنوار، ص 175. Homily 45: 11. PG 36: 637 Bباسيليوس الكبير (قديس)، ضد أفنوميوس، تَرْجَمَة: د. سعيد حكيم، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2020)، ص 148، 149. باسيليوس الكبير (قديس)، تفسير سفر المزامير ج1، تَرْجَمَة: د. سعيد حكيم، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2020)، العظة السابعة على مزمور34، ص 227، 228. اغريغوريوس النيسي (قديس)، حياة موسى، تَرْجَمَة: مجدي فهيم حنا، (الإسكندرية: كنيسة مار جرجس سبورتنج، 2021)، 2: 19، ص 50. اغريغوريوس النيسي (قديس)، استفانوس أول شهداء المسيحية، تَرْجَمَة: د. سعيد حكيم، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2017)، العظة الأولى، ص 36، 37. ديونيسيوس الأريوباغي (المستعار)، اللاهوت الباطني، تَرْجَمَة: د. جورج فرج، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2020)، ص 104، 105. St. Isaac of Syria, Homily 72اسحق السرياني (مار)، الميامر النسكية، تَرْجَمَة: نيافة الأنبا سارافيم، (وداي النطرون: دير العذراء البراموس، 2017)، ميمر 15، ص223. المرجع السابق، ميمر 23، ص 278، 279. يوحنا الدلياتي (الشيخ الروحاني)، مجموعة الميامر الروحية، تَرْجَمَة: الأب سليم دكاش اليسوعي، (لبنان: دار المشرق، 2002)، ميمر 6: 13، ص 44. يوحنا ذهبي الفم (قديس)، رؤيا إشعياء، تَرْجَمَة: د. جورج فرج، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2016)، عظة 2: 2، ص 105، 106. المرجع السابق، عظة 6، ص 178، 179. المرجع السابق، عظة 6، ص 180، 181. --- ### سحر الشكر - Published: ۲۰۲۲-۱۲-۲۹ - Modified: 2022-12-29 - URL: https://tabcm.net/10006/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: قديس بولس الرسول "شَاكِرِينَ كُلَّ حِينٍ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فِي اسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، للهِ وَالآبِ. " (رسالة بولس إلى أفسس 5: 20) إذا كان كما نقول إن الفرح وصية، فالشكر أيضًا وصية وقبل ما نترك تلك النقطة، نحتاج لفهم أن الوصية لا تعني أنها فرض أو أمر من الله لو لم نؤديه سنعاقب عليه وإنما الوصية معناها نصيحة من أبيك الذي يعرف ويفهم الدنيا جيدا، لأنه ببساطة هو خالقها ومبرمجها، وكأب حنون يمنحنا الكتالوج (الوصايا) الأمثل للحياة، حتى نعيش بسلام وفرح وأمان. من الأمور الرائعة اكتشاف أن هذه الوصايا يصل إليها اليوم، علماء النفس والباحثين في مجالات العلاج بالطاقة والنفس الإنسانية، عمومًا هي المفاتيح السحرية لعلاج جروح النفس وآلامها. الشكر كمنهج حياة يختلط علينا كثيرا لأننا نتخيل أنه مرتبط بالإنجازات الكبيرة، أحيانا يحدث معنا العكس، عندما يكلمنا عن الشكر نتذكر الأمور التي تنقصنا وداخل أنفسنا نقول: نشكر ربنا طبعا، لكن لما تحصل الحاجة الفلانية أكيد سأشكر ربنا أكثر، وهذا يُضيع علينا مشاعر إيجابية كفيلة أنها تغير كثير من حياتنا لكن للأسف حتى نعرف أن نشكر صح لابد أن ندخل إلى العمق ونهدأ ونأخذ نفس عميق ونبدأ نفكر ممكن نشكر ربنا في يومنا  على ماذا؟ نشكره على اليوم الجديد مثلا، لأن فيه فرصة عظيمة للحياة وتخيل معي الفرق بين أن نعيش يوم نشعر أنه نعمة وهبة من عند ربنا وأن نعيشه في محاولة بائسة للنجاة حتى نصل أخر اليوم ونحن "خلصانين". نشكر على النفس وعلى كل عمليه حيوية تتم في جسمنا بشكل معجزي، ودون أن أشير إلى أن أي شخص يمر بتجربة مرض ولو بسيطة يشعر بالقيمة الجبارة لهذا الكلام، وأنه ليس كلامًا إنشائيًا. نشكر على الناس الذين نحبهم، ووجودهم يعطي لحياتنا معنى، وستفاجئ عندما أدعوك أن تشكر ربنا على الناس المتعبين لأن وجودهم في حياتنا دروس نتعلم منها وننمو نفسيا وإنسانيًا، وأحيانا حين نتعامل مع ناس صعبة تتعبنا وتستغلنا ويمكن توجعنا سيختلف إحساس الوجع بداخلنا  منهم جدا لو ركزنا على أنهم ناس فاقدين للحب والإحساس بالآخر ويمكن للتربية أيضا. وهذا معناه إننا نشكر على أن هذه الحاجات عندنا، ومتمتعين بها ونتمنى لهم في يوم من الأيام أن يصلوا  إلى شكر ليس له حدود، فهو منهج حياة ويغيرها، والحقيقة إننا نحتاجه جدا في هذه الأيام الصعبة والظروف الاقتصادية السيئة التي يمر بها العالم كله، وكثيرين مضطرين بسببها يستغنوا عن حاجات يمكن بدأوا يعتادوا وجودها، ولو فضلنا مركزين على الأسعار المرتفعة، ويا ترى ماذا يخفي لنا غدا، سنتعب ونفقد سلامنا. وهنا الحقيقة جاء في بالي أكثر من مثل عمل لنا صدمة لناس يعيشون في ظروف بالنسبة لكثير منا غير آدمية، ولما تتعرض عليهم المساعدة تجدهم لا يريدون شيئا، ولا يطلبون،  ويعددون النعم التي لديهم، فهم لديهم إحساس صادق يعلم أي إنسان قلبه منفتح أنهم فعلا ناس أغنياء والمجتمع يحتاج أن يأخذ منهم لا أن يمنحهم، وبالمناسبة محتاجين نشكر على ظهور هذه النماذج أمامنا. الخلاصة، إن أفضل شيء يمكن أن نقدمه لأنفسنا، أن نركز في قوة الشكر السحرية، ونركز أن نعلمها لأولادنا، خاصة إننا نميت أنفسنا حرفيا من أجل الجملة المشهورة "شان منخليهمش محتاجين حاجة"، فنضر شخصياتهم ونفسياتهم، وفي النهاية أشكر ربنا على وجودكم كلكم. --- ### الجهل المقدس صار أسقفا! - Published: ۲۰۲۲-۱۲-۲۸ - Modified: 2022-12-28 - URL: https://tabcm.net/9873/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أنبا أبرآم، أسقف الفيوم والجيزة, أنبا أغاثون، أسقف مغاغة والعدوة, أنبا بنيامين، مطران المنوفية وشبين الكوم, أنبا بولا، مطران طنطا, أنبا بيشوي، مطران دمياط وكفر الشيخ, أنبا رفائيل، أسقف وسط القاهرة, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث "كلامي هنا يدور حول الدين الاستحماري، الدين المضلل، الدين الحاكم، شريك المال والقوة، الدين الذي يتولاه طبقة من الرسميين الذين لديهم بطاقات للدين، لديهم إجازات للاكتساب وفيها علامات خاصة تنبأ عن احتفاظهم بالدين وأنهم من الدّعاة، ولكنهم من شركاء الاثنين: المال والقوة" (علي شريعتي، كتاب: النباهة والاستحمار) "هذا الأسقف" لم يحصل على أي شهادة لاهوتية حقيقة ولكنه يفتخر بأنه درس في الإكليريكية "في عزها"، وهي بالطبع ليست شهادة معتمدة وكانت آنذاك في طور النشأة والتكوين، ثم صدر نفسه مدافعا عن ما يسميه "الإيمان الأرثوذكسي"، ويوهم البسطاء بالدفاع عن الله والإيمان والكنيسة القبطية ضد أشباح لا يراها سواه هو وأتباعه من الخرافيين! فبعد نياحة الدمياطي -رحمه الله وسامحه- تنافس المغاغي والمنوفي على ميراثه، واتحد بعض رجال الأنبا شنودة (المغاغي والمنوفي والطنطاوي والمنياوي والفيومي)، ومعهم صاحب "أبعدية الشباب" ومن وراءه "قرشنات الأبعدية" وممولي الكتائب الإلكترونية، والأسقف الزجزاج الوسطبلدي، ثم تنافس جميعهم على مَقْعَد"الجلاد" حتى يتفاخرون أنهم "يشوون" -أي يقومون بشواء المخالفين-! أسوة بقدوتهم والتلميذ النجيب لمخلصهم وفاديهم! كل هؤلاء يحركون حفنة من المأجورين "حماة ونسور الكنيسة" كما يصورون أنفسهم، يعملون بطريقة الكتائب الإلكترونية على السوشيال ميديا، وعلى طريقة التذرع بقميص عثمان على نمط ما حدث في التاريخ الإسلامي، ولكنهم قد بدلوا قميص عثمان بـ"الأنبا شنودة"، ودأبوا على الصياح المستمر: "أين هي تعاليم المتنيح البابا شنودة؟"، وكأنما أصبح البابا السابق حاكما للكنيسة من مدفنه! ويجب أن نتبعه في كل آراءه، وعلى البابا الحالي أن يقلده في كل صغيرة وكبيرة! ولكننا نقول لهم: على من يريد "تقليد" أي المحاكاة، لأي أحد، فعليه أن يذهب إلى جبلاية القرود وترك الكنيسة وشأنها. منذ قريب خرج هذا الأسقف ليكفر ويلعن هذا الموقع Theosis Across Borders وصب لعناته -الفشنك- على كل من ينشر فيه، وخص بالاسم المهندس رجائي شنودة، وقال كلاما لا يمكن اعتباره عاقلا، بل هذيان صريح، ناتج عن تعاطي جرعات زائدة من الجهل المقدس، حتى أصيب بتخمة من"الخبل المقدس"! هذه هي الحالة بالضبط، مع مراعاة التحفظ، فالأوصاف الحقيقة التي يستحقها هؤلاء لا يمنعنا عن قولها إلا الحياء وحده وليس الخوف! وأما عن ادعاءه بالحفاظ على التعليم والرعاية، فهما ظاهران للقاصي والداني، فمن حيث التعليم: يجلس نيافته ليقرأ من ورق أمامه "قد أُعد له" يقرأ ثم يقرأ ثم يقرأ، وبعيون زائغة كالغريق، وعلامات واضحة على وجهه تنطق "أنا مش عارف أنا بقول إيه أساسا"! ! ، أما عن الرعاية فعليك أن تذهب إلى مكان خدمته، وتسأل عن وداعة وحلم نيافته، وكيف أنه تشاجر مع شعب كنيسة فأغلقها! ، وكيف أمام الكاميرات وفي جنازة شهداء دير الأنبا صموئيل، هاجم أسر الشهداء، وأنظر كيف كان تعامله -الرعوي- مع والد أحد الشهداء! وهؤلاء يلعبون لُعْبَة كبرى، حيث يوهمون البسطاء إنهم "حراس العقيدة" في محاولة منهم "للاستحمار الديني" على حد تعبيرات المفكر الإيراني "علي شريعتي"، وهم في الحقيقة مجرد "باعة حمام" في هيكل الرب المقدس! هذا الأسقف حاضر في كل أزمة، بل يختلق ويفتعل الأزمات للكنيسة، وآراؤه اللاهوتية العميقة التي لا يستطيع أن يكتمها تثير الغثيان والضحك معا! فمثلا يرى سيادة العلامة الفهامة فيلسوف الكنيسة المعاصر وحامي إيمانها، إن تقبيل يد نيافته ومن على شاكلته، يعتبر واجب ديني شرعي! ! اضحك معي يا عزيزي على "فقيه الكنيسة القبطية" وحامي إيمانها، يستعمل مفردات غير مسيحية لتبرير سطوته وبسط نفوذه على أتباعه من البسطاء والعوام! وأخيرا وليس أخيرا خرج هذا الأسقف "أثناسيوس العصر الحديث" ببيان ضد مدرسة الإسكندرية، والراهب النشيط المجتهد المتعلم "سيرافيم البراموسي"، وردد كلاما خزعبليا حتى صار أضحوكة للمتابعين ورواد السوشيال ميديا. (العجيب أنه يتكلم كثيرا عن صورة الكنيسة في المجتمع)! ! واتهم الراهب باتهامات من عيّنة "يدعو إلى تنمية المهارات الفكرية، النقدية التحليلة". . يا للهول! إنها جريمة حقا تستحق الاستنكار، فالتشجيع على التفكير النقدي وبناء العقل النقدي الحر، تهمة تستحق الهرطقة في الكنيسة القبطية في القرن الـ21! أضاف نيافته: "إنه لا يحاسبه على ما يقوله، بل على ما لا يقوله"! فيقول له: أنت تكلمت عن الصلاة، لكنك لم تتكلم عن المعمودية والصوم والتناول! "تقرير رجل غبي عما قاله رجل بارع يستحيل أن يكون دقيقًا، لأن الغبي يقوم لا إرادياً بترجمة ما يسمعه إلى ما يمكن أن يفهمه" (الفيلسوف وعالم الرياضيات: برتراند راسل) فمع هذا الأسقف الهرطقة ستصلك لحد البيت! ويبدو لي أن نيافته قد قرر أن يتخلص من كل المعارضين له، من الهراطقة الأشرار -أمثالنا- ولكنه يتبع طريقة "شرعية" للقتل، وهي القتل من "كتر" الضحك! وأختم مقالي هذا بهذا المقطع المنسوب لنيافته: من يراجع تاريخ الكنيسة، فيما يخص أصحاب التعاليم الخاطئة، المبتدعين والهراطقة يجدهم يجيدون المراوغة، في أنهم يدعون بأنهم الوحيدون، الذين يملكون الحجة والبرهان، على التعاليم الصحيحة، دون غيرها. وهذا عكس الواقع، لأن تعاليمهم خاطئة شخصية، موحاه لهم من إبليس، كما قال كل من الرسولين بولس وبطرس في رسالتهما. كما أن تاريخ الكنيسة، فيه يشير إلى أن أصحاب التعاليم الخاطئة، يدعون صوريا حبهم وخوفهم للكنيسة وإيمانها، دون غيرهم، أمثال آريوس ونسطور، وأصحاب البدع الحديثة، بالرغم من أنهم، هم الذين تسببوا في إفساد صحة التعليم ونقاوته وإخلاصه، وتسبب هذا في تحزبات وانقسامات في صفوف الكنيسة، بين الإكليروس والشعب، والأخطر من ذلك، كان لهؤلاء ولتعاليمهم الخاطئة، أسباب جوهرية في انقسام الكنيسة. ولا يفوتنا أن نشير، إلى أن هؤلاء أصحاب التعاليم الخاطئة، يدعون مخافة الله وتقواه، في كل عصر، بالرغم من أن تعاليمهم وأفعالهم، تبرهن على أنهم لا يعرفون الله، كمـا قـال الرسول بولس لتلميذه تيطس: «يعترفـون بـأنهم يعرفون الله، ولكنهم بالأعمـال ينكرونه» (رسالة بولس الأولى إلى تيموثاوس 1 : 16)، وقال أيضاً عن هؤلاء الرسول : «لهم صورة التقوى، ولكن ينكرون قوتها فأعرض عن هؤلاء» ( رسالة بولس الأولى إلى تيموثاوس 3 : 5) بالإضافة إلى ذلك، من يقرأ في تاريخ كنيستنا العريق، يلتقي ويتعرف على المبتدعين والهراطقة، وأفعالهم الشريرة، والتي من بينها يذنبون غيرهم، ويتهمونهم بالبدع والهرطقات، لأنهم ليسوا معهم في فكرهم وتعاليمهم، وانتماءاتهم العقائدية الخاطئة وهذا هو الذي حدث في العصور السابقة، ويحدث أيضاً معنا بأساليب وطرق خاطئة عديدة، في عصرنا الحالي. وهو هنا يصف نفسه (أو من كتب له يصفه وهو لا يدري! ! )، وهذا معروف في علم النفس الحديث باسم (الإسقاط)! وفي الختام أقول : إن الجهل المقدس صار أسقفا، وصدع دماغنا... فـ "سر يا حصاني قبل أن يطول لساني" على حد قول أبي نواس! --- ### أيها الأسقف.. من أنت؟ [٥] - Published: ۲۰۲۲-۱۲-۲۷ - Modified: 2022-12-26 - URL: https://tabcm.net/9658/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا كنت في السنة النهائية في مرحلة البكالوريوس، حين أعلنت الكنيسة اختيار البابا الجديد، وحددت موعد تجليسه، وكم كانت فرحتنا غامرة، لفيف الشباب الجامعي وقتها، ونحن نهنئ انفسنا بعهد جديد يترجم الصورة النموذجية للكنيسة التي رسمها اسقف التعليم في سطوره الملتهبة في مجلة "الكرازة" وقبلها في مقالاته الثورية التي لا تنقصها الجرأة في مجلة "مدارس الأحد" حتى لحظة دخوله الدير قاصداً الرهبنة. 14 نوفمبر 1971 كان يوماً فارقاً حرصنا على متابعته بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية والتي كانت وقتها تحت الإنشاء، وقد انتهت فيها الإنشاءات الخرسانية وتتهيأ للتشطيب، كان حدثاً مهيباً، شارك فيه وفود من الكنائس الشقيقة، وشاركوا في صلوات التجليس كل بلغته، فتناغمت الأمهرية واليونانية والسريانية مع القبطية والعربية. كانت البداية طابور طويل من الشمامسة يتقدم الآباء المطارنة والأساقفة يحيطون بالأسقف المزمع إقامته بطريركاً، يقطع المسافة بين الكلية الإكليريكية والكاتدرائية، يردد الألحان الكنسية، ويتوقف أمام باب الكاتدرائية الموصد، يتقدم الأنبا أنطونيوس مطران سوهاج والذي اختير ليتولى مهام القائمقام، ويقول بصوت جهوري موجهاً كلامه للأب الأسقف المختار "تسلم مفتاح كنيسة الله المقدسة التي أقامك عليها لترعى شعبه وتغذيه بالتعاليم المحيية، وقد إئتمنك على نفوس الرعية ومن يديك يطلب دمها"، فيرد بصوت خاشع "افتحوا لي أبواب البر لكى ادخل فيها واعترف للرب هذا هو باب الرب والصديقون يدخلون فيه اعترف لك يا رب لأنك استجبت لي وصرت لي مخلصاً" وهى كلمات من المزمور 118 بحسب الترجمة القبطية. ثم يفتح باب الكنيسة ويواصل الموكب مساره حتى يصل إلى مقدمة الكنيسة وتتواصل صلوات التجليس التي تعلن فرح الكنيسة بافتقاد الله لها في إقامة أب بطريرك يواصل مسيرة أسلافه في قيادة نفوس الرعية في طريق الأبدية والملكوت. ـ ندعوك أنبا شنودة بابا الكرازة المرقسية بابا وبطريرك وسيد الكرازة المرقسية ـ دعوناك يا أنبا شنودة بابا وبطريرك وسيد الكرازة المرقسية. ـ تسلم تقليد رئاسة الكهنوت لسنين كثيرة وأزمنة سالمة هادئة مديدة ـ نُجلِّس الأنبا شنودة رئيس الأساقفة على الكرسي الطاهر، كرسي الرسول الإنجيلي مرقس ... ـ نُجلِّس رئيس الرعاة الأنبا شنودة بطريركاً على كرسي القديس مرقس ـ أجلسنا الأنبا شنودة بابا الإسكندرية وبطريركاً على الكرازة المرقسية الكرسي الرسولي، كرسي القديس مرقس الإنجيلي. وتنبه الكنيسة الأب البطريرك مجدداً بما قالته له وهى تسلمه مفتاح الكنيسة: ـ ارع رعية الله التي أقامك الروح القدس عليها لترعى شعبه وتغذيه بالتعاليم المحيية، وقد إئتمنك على نفوس الرعية ومن يديك يطلب دمها". نفس هذا التنبيه الصارم تردده الكنيسة في رسامة وتجليس الأساقفة، ويتبين لنا منه محور عمل الأسقف ودوره الأساسي في خدمته، ارع رعية الله، غذيها بالتعاليم المحيية، وتنبهه أن من يديه يطلب دمها. ربما لهذا كان آباء البرية الواعون يهربون من قبول هذه الرتبة ـ الأسقفية ـ وفى أحيان كثيرة يقيدونهم بالحبال ويأخذونهم عنوة إلى حيث الرسامة، وهروبهم لم يكن من باب التواضع أو الهرب من مجد الرتب القيادية، إنما في ظني أنهم كانوا يستحضرون لحظة وقوفهم أمام الله في اليوم الأخير، وماذا سيجيبونه عندما يطلب منهم كشف حساب الرعاية؟ • عن الذين سقطوا أو انحرفوا أو هجروا دفء الكنيسة. • وعن البيوت التي خربتها الكراهية وخرج منها سلام المسيح، • وعن استغراق قد يبتلعهم فيغتصبون مجد الله لأنفسهم، أو يتشبهون بملوك وأمراء العالم، ويتحول سلطانهم الروحي إلى سلطة تُقصى وتُقَرّب بقياسات العالم. • ماذا لو سئلوا عن تبديد فلسي الأرملة، وعطايا القادرين، في عيش مسرف، والذي غالباً ما يجد له تبريراً؟! • أو عن انشغاله بكرامة المتكأ الأول وحقوقه، كما يظنها، وصراعاته مع المتطلعين إليه والمناوئين أيضاً؟! • أو عن استدعائه لأدوات السياسة خارج سياجات الكنيسة ليوظفها في التدبير الكنسي، فتتفاقم متاعبه ومتاعب الكنيسة معه. أذكر يوماً التقيت بأحدهم وكان مزهواً بتدقيقه في الطقوس وتفرده بطلاوة الصوت في الصلوات حتى أنه اشتهر بكروان الإكليروس، الأمر الذي ترجمه في التعامل بحدة مع الرعية، وحين سألته عن ما يبدو عليه من حزن رغم كل الأضواء التي تحيط به، راح يشكو أن الشعب لا يعطيه ما يستحقه من كرامة، وقبل أن ارد، واصل كلامه، هذا حقى الكتابي "الابْنُ يُكْرِمُ أَبَاهُ، وَالْعَبْدُ يُكْرِمُ سَيِّدَهُ. فَإِنْ كُنْتُ أَنَا أَبًا، فَأَيْنَ كَرَامَتِي؟ وَإِنْ كُنْتُ سَيِّدًا، فَأَيْنَ هَيْبَتِي؟" فقلت له "هذا إجتزاء من سياق النص بل واغتصاب حق أصيل لرب الجنود ونسبته لك؛ دعنا نقرأ النص مكتملاً" ... . "الابْنُ يُكْرِمُ أَبَاهُ، وَالْعَبْدُ يُكْرِمُ سَيِّدَهُ. فَإِنْ كُنْتُ أَنَا أَبًا، فَأَيْنَ كَرَامَتِي؟ وَإِنْ كُنْتُ سَيِّدًا، فَأَيْنَ هَيْبَتِي؟ قَالَ لَكُمْ رَبُّ الْجُنُودِ. أَيُّهَا الْكَهَنَةُ الْمُحْتَقِرُونَ اسْمِي. وَتَقُولُونَ: بِمَ احْتَقَرْنَا اسْمَكَ؟ تُقَرِّبُونَ خُبْزًا نَجِسًا عَلَى مَذْبَحِي. وَتَقُولُونَ: بِمَ نَجَّسْنَاكَ؟ بِقَوْلِكُمْ: إِنَّ مَائِدَةَ الرَّبِّ مُحْتَقَرَةٌ. وَإِنْ قَرَّبْتُمُ الأَعْمَى ذَبِيحَةً، أَفَلَيْسَ ذلِكَ شَرًّا؟ وَإِنْ قَرَّبْتُمُ الأَعْرَجَ وَالسَّقِيمَ، أَفَلَيْسَ ذلِكَ شَرًّا؟ قَرِّبْهُ لِوَالِيكَ، أَفَيَرْضَى عَلَيْكَ أَوْ يَرْفَعُ وَجْهَكَ؟ قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. وَالآنَ تَرَضَّوْا وَجْهَ اللهِ فَيَتَرَاءَفَ عَلَيْنَا. هذِهِ كَانَتْ مِنْ يَدِكُمْ. هَلْ يَرْفَعُ وَجْهَكُمْ؟ قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ" (ملاخي 1 : 6-9) كانت النتيجة أنه قاطعني حتى رحل عن عالمنا! ! . كان السؤال الملح والذي يحاصرني ويطاردني منذ ذلك اليوم كيف يمكن للأب الأسقف، على الأقل في حدود إيبارشيته، أو كرازته، أن يتابع ويرعى رعيته، في عالم لم تعد الكنيسة هي المكون الوحيد لفكر وعقل ووجدان المرء، وقد ازداد الأمر تعقيداً مع التطورات المتلاحقة التي شهدها العالم بأسره، وضغوط الحياة خاصة في عالمنا الثالث، والتحديات التي تحاصرنا في بلادنا بشكل أكثر تحديداً؟ وهو في امتحان يومي ومتجدد، ويدرك وفق تنبيه الكنيسة له في رسامته أو تجليسه أنه سيعطى عنها حساباً. يا الله ... كم هو مهيب ومرعب الوقوف بين يديك ... أدرك الآن لماذا تلح الكنيسة على بنيها أن يصلّوا من أجل الرعاة، ولماذا تتنوع وتتشعب وتتصاعد الحروب الروحية ضدهم، وأتفهم معنى أنهم يخلصون كما بنار! ! أخشى أن أقارن بين الشرق والغرب في خبرات التطور الإنساني فيما يتعلق بما نتناوله هنا، حتى لا يختطفنا المتربصون إلى الجدل العقائدي ويعودون للتأكيد على ما وقر عندهم، أنهم الفرقة الناجية، وأن الملكوت لن يتاح لغيرهم، لذلك أدعوهم لمراجعة بساطة ملابسهم بما انتهينا إليه، وأن يقارنوا حضورهم محملين برسالة السلام يطرقون أبواب العالم خاصة في الدوائر المخالفة لهم سواء مذهبياً أو دينياً، فيما نصدّر في شرقنا السعيد خطاب الاستعلاء، ونصطحب معنا "حرومات" نوزعها على غيرنا بسخاء ولا نُعمِل فيها التحليل المنطقي والذي قد نكتشف به أن كثيرها ابن صراعات وقتها وكان للسياسة حضورها. وبعضها نتج عن اختلاف الثقافات وربما اللغات بين اللاتينية واليونانية. وهو ما كشفت عنه الدراسات الأكاديمية الحديثة. هل نعيد النظر فى واقعنا الأسقفي وربما الإكليروسي بجملته، لنضبط إيقاعه ـ شكلاً وموضوعاً ـ على تكليفات الإنجيل لهم، مقتدين برب المجد وهو يقدم كشف حساب لله الآب في صلاته الوداعية في البستان: حين كنت معهم في العالم كنت احفظهم في اسمك الذين اعطيتني حفظتهم ولم يهلك منهم احد الا ابن الهلاك ليتم الكتاب(يوحنا 17 : 12) ومازال للطرح بقية ... --- ### "الصحافة للحوار" في مواجهة خطاب الكراهية - Published: ۲۰۲۲-۱۲-۲٦ - Modified: 2022-12-26 - URL: https://tabcm.net/9861/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: الصحافة للحوار, كايسيد, مايا سكر, مركز الحوار العالمي, وسيم حداد نعيش في منطقة الشرق الأوسط مع تحدي غياب الحوار، فأغلبنا في هذه البقعة الملتهبة اعتاد أن يتحدث لا أن يسمع، يريد أن يكون الجميع على مقاس رؤيته مهما كانت ضيقة، لا نؤمن بتعدد الأصوات والرؤى والتنوع، بل نريد اللون الواحد والصوت الواحد، وأي محاولة للتعاطي مع هذا الواقع وتغييره هي ضربا من الخيال، لكن مركز الحوار العالمي "كايسيد"، الذي يعمل منذ عدة سنوات في مجال الحوار بين أتباع الديانات والثقافات المختلفة قدم خلال العام الماضي برنامَج زمالة "الصِّحافة للحوار" وهو نموذج حقيقي بالعمل مع صحفيين وإعلاميين من المنطقة العربية من أجل صِحافة تدعم الحوار. القصة تعود لعام 2021، عندما ظهر إعلانا على صفحة مركز "كايسيد" بفيسبوك عن إطلاق برنامَج زمالة جديد من نوعه تحت مسمى "الصِّحافة للحوار"، وقتها تشجعت للتقديم على برنامَج الزمالة لكنني تحسست مسدسي كما يقول المصطلح الشائع للتعبير عن الشك، فدار بذهني أفكار مختلطة، فرغم إيماني بأن الصِّحافة "مهنة تنوير"، إلا أنني تساءلت كيف يمكن أن تدعم الصِّحافة الحوار أو تصنعه؟ فهي مهمتها نقل الأحداث وليس صناعتها، هذه التساؤلات جعلتني متشوقا لبدء الزمالة بعدما علمت بقبولي بعد التقديم والمرور بالمقابلة الشخصية. وجدت برنامَج زمالة "الصِّحافة للحوار" يكمل رحلة انطلاقي بعالم الصِّحافة التي بدأت في شهر سبتمبر/ أيلول 2006  بواسطة مركز "التكوين الصحفي" بجريدة وطني، الذي تأسس على نهج التربوي البرازيلي المهم "باولو فريري"، فكنت أتوقع عند دخولي "التكوين" أن أتعلم فنون العمل الصحفي، لكن وجدت مما مررت به إنني أريد إعادة بناء نفسي من جديد، وأردت أن أكون "إنسانًا" قبل أن أكون "صحفيًا"، فالمركز أهتم بأن يكون لدينا رؤية ومعرفة وثقافة، وكان هذا المسار سببا في تميز خلال رحلتي بعالم الصِّحافة،  وهكذا كان برنامَج زمالة "الصِّحافة للحوار". فبعد 16 عاما من تجرِبة "التكوين" الملهمة، حظيت بفرصة للتطوير والبناء والنمو بنفس النهج لكن بمعارف مختلفة فـ"الصِّحافة للحوار"،  برنامَج تم تصميمه بعناية من قبل الفريق المسؤول في مركز "كايسيد" عن البرامج، يعتمد على التجربة الإنسانية والتواصل بجانب المعارف والمواد العلمية والتدريبات، وهو ما أتى بثماره حرفيا، فكل أعضاء البرنامَج 26 صحفي وصحفية من 11 دولة بالمنطقة العربية لديهم خبرات متنوعة، في بلادهم، لكن برنامَج الزمالة دمجهم، وجعلهم يدركون تنوعهم واحترام اختلافاتهم وخلفياتهم الثقافية والدينية والمذهبية المختلفة، وكيف يمثل كل هذا ثراء، فأصبحت هذه  المجموعة تشعر بأنها عائلة كبيرة تساند وتدعم بعضها، والأهم أنهم يؤمنون بأن هناك تحديات يمكن مواجهتها بالحوار والتواصل ومساندة بعضهم البعض ويريدون أن ينقلوا هذا لمجتمعاتهم التي تتميز بالثراء والتنوع. أجاب البرنامَج عن سؤالي في البداية بكيف يمكن أن تدعم الصِّحافة الحوار، وعرفت بعد المرور به أنا وزملائي كيف يمكن أن تساند الصِّحافة التنوير وتدعم الحوار  وأن تقدم تغطيات مسؤولة خاصة للقضايا التي تخص أتباع الأديان والثقافات المختلفة بالمنطقة العربية، والأهم أن بعض الزملاء كان لديهم توقع مبدئي بأن مهمتهم الدفاع عن دينهم، لكن مع الوقت اكتشفوا واكتشفنا جميعا بأننا لسنا في حاجة للحديث عن الأديان أو الدفاع عنها بل يمكن تقديم قيمها السامية من خلال ممارستنا وسلوكياتنا. أود شكر مركز "كايسيد" بتوجيه الشكر  لوسيم حداد مدير البرامج العربية، ومايا سكر مسؤولة البرامج، من حولوا حلم صعب المنال إلى واقع من لحم ودم، ففي 17 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، كان حفل تخرج الدفعة الأولى، في نهاية البرنامَج التدريبي الأخير الذي استضافته عمان عاصمة الأرْدُنّ، ومعه تبدأ مرحلة تالية من مشروعات صحفية وإعلامية ترتكز على أهمية الحوار ودوره ونشر قيم التعددية وقبول الآخر ومواجهة خطاب الكراهيَة. وأود أن أوجه تحية لعائلتي الكبيرة منتنة وياسر والمحجوب من المغرب، تيبرا وهيثم من تونس، عبد العزيز ونور وهلالي من السودان، ريما ومحمد من ليبيا مايكل ومايكل وتريزا وهاجر وهناء من مصر، جسار من الأرْدُنّ، فاطمة من لبنان، زيد وأحمد من العراق، رزاق وحفصة من اليمن، جبير وأحمد ونوال وسوزانا من السُّعُودية، شكرا على الخبرات الإنسانية والمهنية التي تشاركنا معًا طوال تلك الرحلة. --- ### كلمة الله المغروسة في لحمنا ودمنا - Published: ۲۰۲۲-۱۲-۲۵ - Modified: 2022-12-23 - URL: https://tabcm.net/9643/ - تصنيفات: كتاب مقدس مقالنا السابق في رسالة يعقوب الرسول تكلم عن إن صلاح طبيعة الله قد ظهر جلياً في الخلاص المجاني والولادة الجديدة للإنسان في المسيح يسوع ”كلمة الله“. ويستكمل الوحي المقدس في عدد 21 حديثه عن كيف أن كلام المسيح ”كلمة الله“  قادر أن يملأ  كيان الذين يَقبلون شخصه بقراءة الكلمة بروح الصلاة والوداعة فيخلصون ويتخلصون من كل نجاسة وكثرة شر تملكت عليهم. وهذا، لأن كلام المسيح ”كلمة الله“ إنما هو روح وحياة ”الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة“ قبل أن يكون حروفاً في كتاب. لِذلِكَ اطْرَحُوا كُلَّ نَجَاسَةٍ وَكَثْرَةَ شَرّ، فَاقْبَلُوا بِوَدَاعَةٍ الْكَلِمَةَ الْمَغْرُوسَةَ الْقَادِرَةَ أَنْ تُخَلِّصَ نُفُوسَكُمْ. (رسالة يعقوب 1: 21) إن استعلان المسيح في هذه الأية أنه: ”الكلمة المغروسة القادرة أن تخلص آدم وبنيه“، هي تلخيص لما جاء في مواضع كثيرة بالكتاب المقدس، نذكر منها: لقد أتى المسيح من حضن الآب ”في البَدْء كان الكلمة، الكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله“ (إنجيل يوحنا 1:1). وجاء إلينا علي الأرض مِثل زارعٍ ”خرج الزارع ليزرع“ (إنجيل متى 13: 3)  ليغرِسَ ذاته”الكلمة المغروسة“(رسالة يعقوب 1: 21). في طبيعتنا الجسدية "والكلمة صار جسداً وحلَّ فينا" (إنجيل يوحنا 1: 14). فهو ”حبة الحنطة“ التي وقعت في أرضٍ هي لحم ودم طبيعة البشر. فألتفَّ الموت الذي فينا يحاول أن يُمسك بالحياة التي فيه. لكن حبة الحنطة لا تموت حتى لو دُفِنَت في الأرض، بسبب الحياة التي فيها. فليس أحدٌ يشك في حياة حبة الحنطة حتى لو أحاطت بها ظلمة تراب الأرض. هكذا هو المسيح إلهنا الحي لا يغلبه الموت. فالمسيح مجرد أنه ”ذاق الموت“ (عبرانيين) الذي فينا لكي يتواجه معه بالحياة التي فيه ويلاشيه ويقضي عليه: اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَقَعْ حَبَّةُ الْحِنْطَةِ فِي الأَرْضِ وَتَمُتْ فَهِيَ تَبْقَى وَحْدَهَا. وَلكِنْ إِنْ مَاتَتْ تَأْتِي بِثَمَرٍ كَثِيرٍ. (إنجيل يوحنا12: 24) فتعبير ”ذاق الموت“ يستعلن أن حياة رب المجد قد ”ابتَلَعت الموت“ الذي أمسك بكل ابن إنسانٍ إلا ”ابن الله“ الذي لبس جسدنا وصار ”ابن الإنسان“، ونفس الاستعلان ينطق به داود بالنبوة على لسان المسيح ”وإن سرت في وادي ظل الموت لا أخاف شراً لأنك معي“. فالموت انقشع كالظل عندما تواجه مع حياة رب المجد على الصليب. لهذا حرص الوحي المقدس أن يؤكد على لسان القديس يعقوب الرسول (كما شرحنا في مقال سابق) أن الله ”ليس فيه ظل دوران“. فالله هو ”الحق“. والحق غير متغير ولا يخضع لدورة زمن مخلوق تدور الأرض بمقتضاه حول الشمس فيظهر ظل للأشياء ثم يزول. أتي الرب إلينا يطلب أن نَقبَل شخصه الإلهي في قلوبنا فينقشع موتنا بمسيح الحياة عندئذ نطرح كل شر ونجاسة من القلب لأن الرب قد سكنه. والآن فلنقرأ الإعداد 19-21 بشكلها الإجمالي: إِذًا يَا إِخْوَتِي الأَحِبَّاءَ، لِيَكُنْ كُلُّ إِنْسَانٍ مُسْرِعًا فِي الاسْتِمَاعِ، مُبْطِئًا فِي التَّكَلُّمِ، مُبْطِئًا فِي الْغَضَبِ، لأَنَّ غَضَبَ الإِنْسَانِ لاَ يَصْنَعُ بِرَّ اللهِ. لِذلِكَ اطْرَحُوا كُلَّ نَجَاسَةٍ وَكَثْرَةَ شَرّ، فَاقْبَلُوا بِوَدَاعَةٍ الْكَلِمَةَ الْمَغْرُوسَةَ الْقَادِرَةَ أَنْ تُخَلِّصَ نُفُوسَكُمْ. (رسالة يعقوب 1: 19- 21) لو أخذنا في الاعتبار ضرورة الترابط من جهة الموضوع الذي يتناوله نص الآيات فسنجد فيها تعليما مستيكياً/ سرائرياً: فلا أعتقد أن موضوع الآيات هو عن تعليم مهارة الحديث بين الناس لنتلاف به الغضب الذي ينتج أحياناً بسبب الحوار. إذ لا أميل إلى الخروج بالنص عن إطاره الروحي الذي يربطه معاً في وحدة واحدة موضوعها الرب يسوع المسيح  ”كلمة الحياة“، بل نحن نجد الوحي المقدس يسترسل ويدعونا أن نسرع إلى سماع كلمة الرب وقبول شخصه الساكن فيها. وأمام شخص ”كلمة الله“ في كلمته يسكت الفم فيتكلم الرب في قلوبنا وتتلاشى أمامه شهوات قلوبنا التي كانت قبلاً تثور فينا كبركانٍ غاضبٍ.  وَلكِنْ كُونُوا عَامِلِينَ بِالْكَلِمَةِ، لاَ سَامِعِينَ فَقَطْ خَادِعِينَ نُفُوسَكُمْ. (رسالة يعقوب 1: 22) وهنا يتطرق القديس يعقوب الرسول إلى مفهوم ”الجهاد والعمل“ في المنظور المسيحي من حيث أنه نتيجة لمفاعيل ”كلمة الله“ في القلب. وهذا موضوع حديثنا في المقال المقبل بإذن ربنا. والسُبح لله. بقلم د. رءوف إدوارد --- ### مدخل إلى هرطقات التجسد - Published: ۲۰۲۲-۱۲-۲٤ - Modified: 2025-02-02 - URL: https://tabcm.net/9903/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, لاهوتيات - وسوم: أبولينارية, أوطيخا القسطنطيني, السنة اليوليانية, النسطورية, ساويرس الأنطاكي لا عجب أن الإخلاء والتجسد كان الهدف الأكبر للاجتهادات التي انتهت بأخطاء فادحة سميت "هرطقات"، الفعل الإلهي يستعصي على التصور البشري ويفتح أبوابًا واسعة،  الأمر دقيق جدا، والاجتهاد به مخاتل ومخادع مع صدق نوايا المجتهدين، كل تفصيله تحوي لغما، إن لم تتعامل معها بإرشاد إلهي، انفجرت بك. الخلاص والفداء هو عمل إلهي،  ولم يتم بمعزل عن الإنسان وهو محل التبرير، فيقول قديسنا الكبير ساويرس الأنطاكي: "إن خلاص الإنسان هو تدبير وعمل الله، لكنه لم يتم بعمل إلهي محض بمعزل عن الإنسان، لأنه إذا كان الإنسان قد أساء استخدام هبة الحريةوابتعد عن الله، فينبغي إن يتم الخلاص من خلال حياة إنسانية حقيقية وكاملة يتم استخدام الحرية فيها بالطريقة الواجبة"(القديس ساويرس الأنطاكي) ليس فقط الإرادة، بل حياة إنسانية حقيقية كاملة، عن طريق طبيعة إنسانية حقيقية كاملة، بكل ضعفاتها وغرائزها وموتها المحتوم، نقول بالتعبير الكنسي إنه أخذ "إنساننا العتيق" ليجدده باتحاده به، مجربًا في كل شيء، لكنه معصوما بتسليمه إرادته وضعفاته لله، وليدوس به الموت، حتى يخرج إنساننا -محمولا فيه- منتصرا على الموت، الذي بهزيمته لم يعد حتميا. فالتدبير هو أن يأخذ أقنوم الكلمة "طبيعة بشرية حقيقية وتامة" ممثلة تمام التمثيل للبشر من حيث الجوهر يتحد بها "أقنوميا" ويصيرها واحدا معها بغير اختلاط ولا امتزاج ولا "تغيير" في خصائصها، فيقدسها وتصبح مهيأة لسكنى الروح القدس، ويقدس غرائزها، ويعبر بها الموت منتصرا. أي خلل في فهم الكلمات السابقة، وبالأخص الكلمات المفتاحية، ستنتج عنها هرطقة فورا. الاجتهاد الخاطئ في فهم "طبيعة بشرية حقيقية وتامة" سينتج عائلة الهرطقات التي تنتقص من بشرية الأقنوم المتجسد مثل "الأبولينارية" و"اليوليانية". الاجتهاد الخاطئ في فهم أقنومية الاتحاد و"صيره واحدا معه" سينتج عائلة الهرطقات النسطورية. الاجتهاد الخاطئ في فهم أن الأقنوم قد احتفظ لنفسه بكل خصائص طبيعتي لحظة الاتحاد دون أن يطرأ على أيهما أي "تغيير" سينتج الهرطقة المونوفيزية (التي تسمى بالخطأ الدارج "الأوطاخية" كما سنرى لاحقا). الأمر المثير أن معلمينا الحاليين لم يتركوا واحدة من هذه الهرطقات دون أن ينزلقوا إليها براحة تامة، الأكثر إثارة أن تعليمهم حين يتناولون هذه الهرطقات بالشرح هو منتهى الغرابة، تتساءل حين تسمعهم: هل يعقل أن الجهل قد بلغ منهم هذا المبلغ؟! هل لا يجد أحدهم وقتا يسيرا للقراءة عن الهرطقات؟! فكيف يجرؤون أن يتحدثوا عنها هكذا، والأنكى، يتحدثون عنها في معاهد تعليمية! أم أنهم يعلمون ولكنهم يمارسون التجهيل على الشعب والمتلقين لأغراض يصعب سبر أغوارها. سأتركك تقرر بنفسك -بعد أن تسمع هذا المقطع- هل هو الجهل المطبق، أم ممارسة التجهيل؟ فلم يقل نسطوريوس أبدا إن العذراء ولدت إنسانا حل به اللاهوت لاحقا، ولم يقل أوطيخا (أوطاخي)  أبدا إن الناسوت ذاب في اللاهوت كقطرة في محيط، ولم يقل لاون في "طومسه" إن للمسيح طبيعتين منفصلتين. بالطبع المقطع السابق هو للعمة الأكبر، والمرجعية الحالية للتعليم الشائع، قداسة مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث، وأستطيع بكل ثقة أن أقرر لك أنه لا يحوي معلومة واحدة صحيحة. وأرجو منك عندما ننهي مناقشة هذه الهرطقات، أن تعود للاستماع لهذا المقطع، وأن تقرر بنفسك ماذا أنت فاعل! --- ### تأله ناسوت المسيح - Published: ۲۰۲۲-۱۲-۲۳ - Modified: 2023-11-30 - URL: https://tabcm.net/9868/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: أبولينارية, أبوليناريوس، أسقف اللاذقية, أنطون جرجس, المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية, بابا ثاؤفيلوس, بابا كيرلس عمود الدين, چورچ عوض إبراهيم, حنا الفاخوري, دير الأنبا أنطونيوس, ساويرس الأنطاكي, سرجيوس النحوي, صموئيل كامل عبد السيد, ضد الآريوسيين, ضد الأبوليناريين, غريغوريوس النزينزي، الناطق بالإلهيات, غريغوريوس النيسي, قديس أثناسيوس الرسولي, قديس هيلاري، أسقف بواتييه يعلم آباء الكنيسة الأرثوذكسية الجامعة بتعليم غاية في الأهمية هو تأله ناسوت المسيح، حيث يرى الآباء أن تأله ناسوت المسيح هو الطريق لتأله أجسادنا نحن بالمسيح في الروح القدس. القديس أثناسيوس الرسولي نجد ق. أثناسيوس الرسولي يؤكد على تأله ناسوت المسيح، ويؤكد أيضًا على تبادل الخواص أو الصفات أو الأسماء في المسيح كالتالي: ”بل كُتِبَت هذه العبارة عنه بسببنا ولأجلنا. لأنه كما مات المسيح ثم رُفِعَ كإنسان، فبالمثل قيل عنه إنه أخذ كإنسان ما كان له دائمًا كإله، وذلك لكي تصل إلينا عطية مثل هذه النعمة، فإن اللوغوس لم يحط من قدره باتخاذه جسدًا حتى يسعى للحصول على نعمة أيضًا، بل بالأحرى فإن الجسد الذي لبسه قد تأله، بل وأكثر من ذلك، فقد أنعم بهذه النعمة على جنس البشر بدرجة أكثر“ (أثناسيوس (قديس)، المقالات ضد الآريوسيين، تَرْجَمَة: د. صموئيل كامل وآخرين) ويكرر ق. أثناسيوس نفس الحديث عن تأله ناسوت المسيح في موضع آخر كالتالي: ”لأنه حينما صار إنسانًا، لم يكف عن أن يكون الله، ولا بسبب كونه الله يتجنب ما هو خاص بالإنسان، حاشا بل بالحري، إذ هو الله فقد أخذ الجسد لنفسه، وبوجوده في الجسد، فإنه يُؤلِّه الجسد“(أثناسيوس (قديس)، المقالات ضد الآريوسيين، تَرْجَمَة: د. صموئيل كامل وآخرين) ويشدد ق. أثناسيوس أيضًا على تأله ناسوت المسيح في موضع آخر قائلاً: ”وعندئذ لم يقل ’والابن‘ كما سبق وقال إنسانيًا، بل قال: ’ليس لكم أن تعرفوا‘، لأن الجسد عندئذ كان قد قام وخلع عنه الموت وتأله، ولم يعد يلق به أن يجيب حسب الجسد عندما كان منطلقًا إلى السماوات، بل أن يُعلِّم بطريقة إلهية“ (أثناسيوس (قديس)، المقالات ضد الآريوسيين، تَرْجَمَة: د. صموئيل كامل وآخرين) القديس اغريغوريوس اللاهوتي وهذا هو أيضًا ما يقوله ق. اغريغوريوس اللاهوتي عن تأله ناسوت المسيح، حيث يقول التالي: ”الله قد خرج مع الجسد الذي اتخذه، واحدًا من اثنين كانا مختلفين، الجسد والروح، حيث أحدهما كان يُؤلِّه، والآخر يتأله. فيا للخلط الجديد! يا للمزج العجيب! هو الذي هو، قد صار، والخالق خُلِقَ، وغير المُدرَك قد أُدرِكَ بواسطة العقل كوسيط الذي هو في المنتصف بين اللاهوت وخشونة الجسد“(Gregory of Nazianzus, Theophany, PG 36. 325 B-C) ويتحدث ق. اغريغوريوس اللاهوتي عن تأله ناسوت المسيح نفسًا وجسدًا في مواجهة أبوليناريوس الذي أنكر وجود النفس الإنسانية العاقلة في المسيح كالتالي: ”إذا كان الأقل نبلاً قد اتُخِذَ ليتقدس إذ أنهاتخذ جسدًا، أفلا يُتخَذ الأكثر نبلاً ليُقدَّس إذ أنهصار إنسانًا، إذ كان الترابأيها الحكماء قد خمَّر الخمير فصار عجينًا جديدًا، أفلا يُخمِّر الصورةفترقى إلى الامتزاج بالله، بعد أن تكون قد تألهت بالألوهة؟“ (اغريغوريوس النزينزي (قديس)، رسائل لاهوتية، تَرْجَمَة: الأب حنا الفاخوري) ويتحدث ق. اغريغوريوس اللاهوتي عن تأله ناسوت المسيح في مواجهة الأفنوميين الآريوسيين منكري ألوهية المسيح، هذا التأله الذي فتح الطريق أمام تأله أجسادنا نحن أيضًا كالتالي: ”فالذيهو الآن حقير في نظرك، كان قبلاً أرفع منك، الذي هو الآن إنسان، كان حينذاك غير مركَب. وما كانه بقى عليه، وما لم يكنه صار إليه. كان في البَدْء بلا علة -وهل يكون لله علة؟- ثم وُلِدَ لعلة. وكانت العلة هي أن تخلُص، أنت المجدف عليه، ومحتقر الألوهة التي تحملت كثافتك، والإنسان الأرضي الذي اتحد بالجسد بواسطة روح، صار إلهًا عندما امتزج بالله، وصار واحدًا، يغلب فيه الأفضل والأرفع، وبذلك أُصبِحُ أنا إلهًا بقدر ما أصبح هو إنسانًا“(اغريغوريوس النزينزي (قديس)، الخطب 27-31 اللاهوتية، تَرْجَمَة: الأب حنا الفاخوري) القديس اغريغوريوس النيسي وهذا هو أيضًا ما يؤكد عليه ق. اغريغوريوس النيسي في مواجهة الهرطقة الأبولينارية، حيث شدَّد على تأله ناسوت المسيح، واكتسابه خواص الألوهية بعد التجسد التدبيري لله الكلمة، وهذا بالطبع ينعكس على أجساد البشر الذين خلصهم الله الكلمة بتجسده من الخطية واللعنة والضعف، ومنحهم التأله وخواص الألوهية من الحكمة، والقداسة، والقوة، وعدم التألم كالتالي: ”إننا نضع في الاعتبار قول الرسول: إنه صار خطيةً، ولعنةً لأجلنا، وإنه قد أخذ ضعفنا عليه حسب كلام إشعياء النبي، ولم يترك الخطية، واللعنة، والضعف دون شفاء، بل قد ابتُلِع المائت من الحياة، ولقد امتزج كل شيء ضعيف ومائت في طبيعتنا مع الألوهية، وصار ما تكونه الألوهية“. (اغريغوريوس النيسي (قديس)، الرسالة إلى البابا ثيؤفيلوس الإسكندري ٢٣ ضد الأبوليناريين، تَرْجَمَة: أنطون جرجس) ويكرر النيسي نفس الحديث عن تأله ناسوت المسيح في نفس الرسالة قائلاً: ”لأنه باكورة الطبيعة البشرية التي أخذها امتزجت بالألوهية كلية القدرة والقوةلكن بما أن كل هذه الخواص التي نراها مصاحبةً للمائت قد تحولت إلى خواص الألوهية، فلا يمكن إدراك أي تمييز بينهما، لأن أي شيء يمكن أن يراه الإنسان في الابن هو الألوهية، والحكمة، والقوة، والقداسة، وعدم التألم“. (اغريغوريوس النيسي (قديس)، الرسالة إلى البابا ثيؤفيلوس الإسكندري ٢٣ ضد الأبوليناريين، تَرْجَمَة: أنطون جرجس) القديس هيلاري أسقف بواتييه ويؤكد ق. هيلاري أسقف بواتييه الملقب بأثناسيوس الغرب على تأله ناسوت المسيح، حيث يقول التالي: ”إذ يتلخص التجسد في هذا، أن كل ما للابن -أي ناسوته ولاهوته- قد سمح له الآب أن يستمر في وحدة طبيعته، ولم يحتفظ فقط بقدرات الطبيعة الإلهية، بل وأيضًا بتلك الطبيعة نفسها. فإن الهدف المطلوب هو أن يتأله الناسوت. لكن الناسوت المُتخَذ لم يكن ممكنًا له بأية طريقة أن يبقى في وحدة الله، إلا إذا وصل إلى الوحدة مع اللاهوت“. (هيلاري أسقف بواتييه (قديس)، عن الثالوث، تَرْجَمَة: راهب من دير الأنبا أنطونيوس)  القديس كيرلس السكندري كما يؤكد ق. كيرلس السكندري المُلقَّب بعمود الدين على تأله ناسوت المسيح، الذي يُعد الوسيلة الوحيدة لتأله أجسادنا نحن أيضًا، حيث يقول التالي: ”تتقدم الطبيعة البشرية في الحكمة وفقًا للطريقة الآتية: الحكمة الذي هو كلمة الله اتخذ الطبيعة البشرية فتألهت، وهذا مُبرهَن من خلال أعمال الجسد، والنتائج العجيبة في أعين أولئك الذين يرون الهيكل الذي أخذه، جعلته يرتقي بالنسبة لهم. هكذا ارتقت الطبيعة البشرية في الحكمة مُتألهةً بواسطتها. لذلك أيضًا نحن بطريقة مماثلة للكلمة، الذي لأجلنا تأنس، نُدعَى أبناء الله وآلهةً. لقد تقدمت طبيعتنا في الحكمة مُنتقِلةً من الفساد إلى عدم الفساد، ومن الطبيعة البشرية إلى الألوهية بنعمة المسيح“. (كيرلس السكندري (قديس)، الكنوز في الثالوث، تَرْجَمَة: د. جورج عوض)  القديس ساويروس الأنطاكي ويشرح ق. ساويروس الأنطاكي مثله مثل باقي الآباء السابقين عليه أن تأله ناسوت المسيح معناه لمعان جسد المسيح بالمجد الخاص بالله مُقتبسًا ومُفسِّرًا لقول ق. اغريغوريوس اللاهوتي من عظة الثيؤفانيا أو عيد الميلاد الذي اقتبسناه أعلاه، حيث يقول في رسالته الثانية إلى سرجيوس النحوي التالي: ”ففي العظة (Lebon p. 116) على الظهور الإلهي يقول ’الله خرج مع الجسد الذي اتخذه، واحدًا من اثنين كانا مختلفين، الجسد والروح، حيث أحدهما كان يُؤلِّه والآخر يتأله‘. لكن يُفهَم تعبير ’يتأله‘ ويُقال لأن الجسد قد لمع بالمجد الخاص بالله، كما يقول الحكيم وليس لأنه تغيَّر إلى طبيعة اللاهوت“. (ساويروس الأنطاكي (قديس)، الرسالة الثانية إلى سرجيوس النحوي، تَرْجَمَة: راهب من دير الأنبا أنطونيوس) ويتضح من هنا إجماع آباء الكنيسة الجامعة شرقًا وغربًا على تأله ناسوت المسيح كوسيلة وكتهيئة لتأله أجسادنا نحن بالمسيح في الروح القدس، بل وقد ثَبُتَ من نصوص الآباء شرقًا وغربًا أن تأله ناسوت المسيح هو عقيدة أرثوذكسية راسخة في الكنيسة الجامعة.   هوامش ومراجع:أثناسيوس (قديس)، المقالات ضد الآريوسيين، تَرْجَمَة: د. صموئيل كامل وآخرين، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2017)، 1: 11: 42، ص 110، 111. المرجع السابق، 3: 27: 38، ص 343، 344. المرجع السابق، 3: 28: 48، ص 358. Gregory of Nazianzus, Theophany, PG 36. 325 B-Cاغريغوريوس النزينزي (قديس)، رسائل لاهوتية، تَرْجَمَة: الأب حنا الفاخوري، (لبنان: منشورات المكتبة البولسية، 2000)، الرسالة الأولى إلى كليدونيوس، ص 24. اغريغوريوس النزينزي (قديس)، الخطب 27-31 اللاهوتية، تَرْجَمَة: الأب حنا الفاخوري، (لبنان: منشورات المكتبة البولسية، 1993)، 29: 19، ص 100. اغريغوريوس النيسي (قديس)، الرسالة إلى البابا ثيؤفيلوس السكندري ٢٣ ضد الأبوليناريين، تَرْجَمَة: أنطون جرجس، (القاهرة: دورية مدرسة الإسكندرية رقم 31، 2021)، ص 52، 53. المرجع السابق، ص 54. هيلاري أسقف بواتييه (قديس)، عن الثالوث، تَرْجَمَة: راهب من دير الأنبا أنطونيوس، (البحر الأحمر: دير الأنبا أنطونيوس، 2017)، 9: 38، ص631، 632. كيرلس السكندري (قديس)، الكنوز في الثالوث، تَرْجَمَة: د. جورج عوض، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2011)، 28: 11، ص 396. ساويروس الأنطاكي (قديس)، الرسالة الثانية إلى سرجيوس النحوي، تَرْجَمَة: راهب من دير الأنبا أنطونيوس، (مصر: دير الأنبا أنطونيوس بالبحر الأحمر، 2015)، ص 323. --- ### كيف تحول دير درنكة إلى ملتقى الأثرياء وكعبة الفقراء؟ - Published: ۲۰۲۲-۱۲-۲۲ - Modified: 2022-12-20 - URL: https://tabcm.net/9853/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, شئون علمانية - وسوم: أنبا يوأنس، أسقف أسيوط, المجلس الملي, بابا تواضروس الثاني الساعة تقترب من الخامسة عصرا، والميكروباصات في ميدان المحطة بأسيوط أشبه بخلية نحل، تحاول اقتناص أكبر عدد من الركاب، صيحات “عدرا عدرا. . نفر عدرا... عدرا فوق” تصدح في الميدان معلنة عن جحافل من الزوار الذين يعتزمون زيارة دير العذراء بجبل درنكة طوال فترة الصيام أو الموسم كما يطلق عليها، والتي تمتد لأسبوعين فقط في العام منذ السابع وحتى الحادي والعشرين من شهر أغسطس من كل عام. في قرية درنكة على بعد أكثر من عشرة كيلومترات من مدينة أسيوط، وعلى ارتفاع نحو مئة متر فوق سطح البحر في قلب الجبل الغربي يقع دير العذراء في صعيد مصر شامخاً يتحدى الزمن. أكتسب دير العذراء شهرته من كونه المحطة الأخيرة في رحلة هروب العائلة المقدسة، بحسب الاعتقاد المسيحي، حتى بالرغم من وجود بعض المصادر التي شككت في صحة هذا الاعتقاد، حيث تروي القصة المتواترة أن الدير المحرق كان المحطة الأخيرة في رحلة الهروب قبل أن تعود العائلة المقدسة من جبل قسقام مباشرة إلى أورشليم. تأسس دير درنكة حول مغارة ضخمة، طول واجهتها مئة وستون مترا وعمقها ستون متراً، منحوتة بدقة شديدة في بطن الجبل، تتوارد المصادر أن تاريخ حفرها يرجع لعصور قدماء المصريين نحو 4500 عام قبل الميلاد واستخدم كملجأ من الفيضان، أما التراث الشعبي المتوارث فيروي أن تلك المغارة كانت إحدى مخازن الغلال التي استخدمها يوسف النبي لمواجهة السنين العجاف السبع بحسب القصة التوراتية. لا يوجد تاريخ محدد لنشأة الدير بشكله الحديث، الذي أقيم على أنقاض دير قديم أسسه القديس يوحنا الأسيوطي في القرن الرابع الميلادي، حيث أن أول شهادة موثقة عن تاريخ الدير الحديث أرخها عالم القبطيات الألماني الشهير أوتو فريدريش أوجست ميناردوس كما يلي: “عبر مجهود المطران أنبا ميخائيل على أسيوط، تم إعادة بناء الدير ليستوعب الأعداد الكبيرة من الزوار، الكنيسة الجديدة للعذراء القديسة بُنيَت سنة 1955، الكنيسة السابقة والأبنية المُؤسَسَة في المغائر والمُستَعمَلة من الرهبان لا تزال مرئيّة” (عالم القبطيات الألماني: أوتو فريدريش أوجست ميناردوس (1925-2005)) وعبر ستون عاماً وحتى نياحته عام 2014، كان تعمير دير العذراء الشهير بدير درنكة هو الشغل الشاغل للأنبا ميخائيل مطران أسيوط، ومر الدير عبر مراحل متعددة من التعمير بداية من تمهيد الطريق الجبلي الوعر من بوابة الدير على جانب الطريق الزراعي، وحتى كنيسة المغارة، ليصبح صالحاً لسير الأفراد ومن ثم السيارات، ثم إنارة الدير بالكهرباء عن طريق دينامو كهربي في البداية وحتى تم توصيل الكهرباء بشكل دائم لاحقاً. وبمرور الوقت بدأ الدير يكتسب شعبية باطراد ثابت بعد أن كان في البداية مقصداً للطبقة المهمشة والمتوسطة، ومع مرور السنوات تحول الدير لما يشبه مدينة صغيرة في حضن الجبل، تزدحم بالزوار خلال شهر أغسطس من كل عام، وتحول الدير من مكان روحي إلى مقصد سياحي ومسرحاً لاستعراض القدرة المالية والاجتماعية فيما يمكن تسميته بالنسخة المسيحية من الساحل الشمالي. البداية كانت مع نظام استضافة الأسر والعائلات الذي أسسه أنبا ميخائيل المطران الراحل منذ عقود، وهو نظام يسمح للعائلات بتأجير غرفة سكنية بسيطة متواضعة “على المحارة” في قلب الدير خلال فترة الموسم، يتراوح ثمن إيجارها ما بين بضع آلاف إلى عشرات الآلاف من الجنيهات طبقاً لمكان ومستوى الغرفة نفسها، أغلاهم سعراً غرف منطقة “الصخرة” وهي أعلى نقطة في الجبل، وتتميز بهواها العليل وإطلالتها الفريدة على سفح الجبل من ارتفاع يتجاوز المئة متر عن سطح البحر، وتعتبر منطقة الصخرة هي الحي الأرستقراطي في الدير.  ثم يتدرج مستوى الغرفة مادياً نزولاً بحسب موقعها، مروراً بالغرف متوسطة المستوى والموقع ومن ثم السعر والتي تطل على الطريق الصاعد للأعلى، وصولاً للغرف الأدنى والتي بنيت في قلب الجبل حرفياً حيث لا يدخلها لا هواء ولا ضوء الشمس. أكثرية الأسر أصبحت تتحايل بخصم تكلفة إيجار الغرف السنوي من عشورهم، وتخصص لهم نفس الغرفة ذاتها دون تغيير كل عام شريطة الاستمرار في دفع المبلغ المقرر سنوياً، والذي يزداد سنوياً أيضا.  فإن تقاعست الأسرة سنة واحدة عن دفع قيمة الإيجار لأي سبب حتى لو خارج عن إرادتها، فقدت أحقيتها في استئجار غرفتها، ومن ثم عليها الانتظار في طابور لا ينتهي من قوائم الانتظار للحصول على أحقية تأجير غرفة أخرى، حتى أصبح فقدان  الأسرة لغرفتها المعتادة في الدير أمراً مشيناً. وبمرور الوقت أصبح مشروع الاستضافة يدر على إدارة الدير دخلاً فلكياً، خاصة مع الطلب المتزايد عاماً بعد عام، والذي يقابله إنشاء بنايات جديدة في داخل حدود الدير بشكل مطرد.  وبالرغم من الذكاء الاقتصادي الذي أسس ورسخ لمشروع استضافة العائلات، إلا أن العبقرية الاقتصادية الحقيقية تجلت في تأسيس نظام الخدمة. ادفع لتقُبل خادمًا في الستينيات والسبعينيات ومع ازدياد شعبية الدير وارتفاع عدد الزوار السنوي، كان الدير يستقبل عدداً من المتطوعين من أبناء الكنيسة يطلق عليهم لقب “خدام”، للمشاركة في الأعمال التنظيمية والتي تستدعي جهداً عضلياً، بداية من نظافة الدير والإشراف على الأمن وإعداد المأكولات والوجبات والمشروبات التي تباع للزوار، والعمل في منافذ البيع المختلفة. وفي المقابل كان الدير يستضيف الخدام المتطوعين استضافة كاملة ويوفر لهم أماكن متواضعة للمبيت مع ثلاث وجبات يومية، وبمرور الوقت ومع ازدياد الطلب على المشاركة في العمل التطوعي (الخدمة)، بدأ الدير منذ عقود في تحصيل مبالغ نقدية من المتطوعين لقبولهم كخدام في الدير في الموسم، يدفعونها عن طيب خاطر للحصول على شرف المشاركة في خدمة الدير، والحصول على لقب “خادم”، وهو شرف لا يساويه شرف. يبدأ الدير في استقبال طلبات التطوع قبل بداية الموسم الفعلي بوقت كاف، مع تزكية من الأب الكاهن الذي يتبعه المتطوع، وفرزها واختيار العدد المطلوب من الخدام الذين يقدر عددهم بالآلاف، وتوزيعهم على الخدمات المطلوبة، بحيث يصبح لكل خادم عمل معين يقوم بأداءه في أوقات محددة وتحت إشراف أمين خدمة. ومع مرور السنوات أصبح بريق المشاركة في الخدمة لا يقاوم، حتى إن معظم أبناء الأسر والعائلات المستأجرين للغرف السكنية، لا يتوانون عن المشاركة في العمل التطوعي، وإن كانوا يحصلون على الخدمات الأقل إرهاقاً ومجهوداً عضلياً، وفي نهاية اليوم يعودون للإقامة مع أسرهم في غرف الاستضافة المكيفة. وبحسب تصريح الأنبا يوأنس أسقف أسيوط الحالي، فإن عدد إجمالي زوار الدير خلال فترة صيام العذراء التي تبدأ من 7 أغسطس حتى 22 أغسطس من كل عام، قد بلغ ثلاثة ملايين زائر خلال العام الماضي. المشكلة الحقيقية في توغل ثقافة الربح المادي والبيزنس داخل مؤسسة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تكمن في عدم وجود أي رقابة من أي نوع على أموال الكنيسة وأنشطتها الاقتصادية وعلى قرارات قادتها، ورفض الإكليروس التام لمراقبة العلمانيينواعتبارهم فئة أدنى لا يحق لهم مراقبة الإكليروس. عداء تاريخي عداء رجال الإكليروس للرقابة على تصرفاتهم وقراراتهم من قبل الشعب المسيحي ليس وليد اللحظة، بل يمتد لقرون ماضية، فلم تفلح محاولات العلمانيين المسيحيين للرقابة على رجال الكنيسة إلا عام 1874 عندما استصدر بطرس غالي باشا قراراً من الخديوي إسماعيل بتأسيس المجلس الملي العام، وهو مجلس مشابه لمجلس الشعب أو البرلمان، ويقوم بنفس دوره الرقابي، وينوب أعضاء المجلس الملي عن شعب الكنيسة في الرقابة على أداء البطريرك والأساقفة إدارياً ومادياً، ويتفرع منه مجالس ملية فرعية في مختلف المحافظات. استمر المجلس في القيام بدوره الرقابي حتى عهد البابا كيرلس السادس الذي اتخذ موقفا عدائيا صريحا ضد المجلس الملي، ورفض مراقبة العلمانيين، باعتبارهم في رتبة أدنى ولا يليق بهم أن يراقبوا أداء رجال الإكليروس وميزانية الكنيسة ومصادر دخلها المادي وأوجه الإنفاق، وطلب من الرئيس جمال عبد الناصر صراحة ودون مواربة تجميد عمل المجلس، وانتشرت القصص والأساطير والخرافات داخل الكنائس، عن المصائب والكوارث التي حلت على أعضاء المجلس الملي لمجرد أنهم يقومون بدورهم الرقابي على أداء البطريرك والأساقفة، الإداري والمادي. أما الأنبا شنودة فكان أكثر حنكة وذكاء، وقرر أن يحتوي المجلس الملي بدل من الصدام معه، ويقصقص ريشه وأجنحته، وبفضله أصبح المجلس الملي مجرد ديكور شكلي عديم النفع والفائدة، يدين أعضاؤه بالولاء التام والأعمى ناحية شخص الأنبا شنودة، و يأتمرون بأوامره، لدرجة أنه كان يختار أعضاء المجلس بنفسه ويوزع قوائم على الكنائس بمن يرغب في اختيارهم ليكونوا أعضاء المجالس الملية الفرعية، ولدرجة أن من بين عدد أعضاء المجلس الملي العام الأخير الأربعة والعشرين، كان القس بطرس بطرس جيد ابن شقيق الأنبا شنودة، ود. ثروت باسيلي هو صديق الأنبا شنودة المقرب. أما الأنبا تواضروس بطريرك الأقباط الأرثوذكس الحالي، فهو رجل أكثر واقعية، يدرك جيداً أن المجلس الملي مجرد ديكور عديم الفائدة، فلم يهتم أصلاً لوجوده حتى لو مجرد وجود شكلي لا يمارس أي سلطات فعلية في الرقابة على الكنيسة وأموالها وحساباتها وبطريركها، وبالتالي فبعد انتهاء دورة المجلس الملي العام الأخير الذي انتهت في أبريل 2011  أي منذ حوالي 12 سنة تقريباً، لم تهتم الكنيسة بإعادة تشكيل المجلس الملي، ولا توجد أي  نية أو إشارة لإعادة تشكيله في القريب العاجل، بحجة واهية مثل أن الظروف السياسية الحالية لا تسمح بإجراء انتخاباته.   الإكليروس: هم كل المنتمين للسلك الكهنوتي داخل مؤسسة الكنيسة بداية من الكاهن مروراً بالأسقف وحتى البطريرك. العلمانيين: مصطلح العلمانيين داخل الكنيسة يقصد به كل المسيحيين الغير منتمين للسلك الكهنوتي، وهو يختلف تماماً عن المعنى العام المتداول خارج أسوار الكنيسة لكلمة علمانيين أي المؤمنين بالعلمانية. عدد أعضاء المجلس الملي العام حسب اللوائح الكنيسة هو 24 عضواً. --- ### كيهك.. الواقع والمأساة - Published: ۲۰۲۲-۱۲-۲۱ - Modified: 2022-12-20 - URL: https://tabcm.net/9667/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أنبا يوأنس، أسقف أسيوط, البدلية العقابية, تسبحة كيهك قبل ما تقرا: لو وراك حاجة، أو مش غاوي كلام يخوف، أو مش لازمك تقرا اللي بيتكتب هنا، أو شايف إن الكلام المباشر مش سكتك، أو أي حاجة تانية من هذا القبيل. . نصيحة من أخوك: الكلام ده مش ليك، مش مكتوبة لك يا إبراهيم. اللي جاي و ناويها بقى: الكلام كتير شوية يا ولد عمي، هات لبك وفشارك وتعالى. كلام كتير قوي اتكتب مؤخراً عن مشكلة مدايح كيهك، من حيث ركاكة اللغة وضحالة التعبير أو سخافته في بعض الأحيان، كتير من الأصدقاء على "الفيسبوك" قالوا وعبروا واستهجنوا (وده حقهم) المسألة دي. في كلام في المدايح دي، أقل ما يقال عنه إنه مسخرة! أو فضيحة! نقي اللي يعجبك. ولهذا السبب، حابب أكتب هنا رؤية شخصية، لا هي ملزمة لحد ولا هي قانون أو هجوم ... ... ... مش أكتر من مجرد دردشة. الواقع - كلام هري كتيييييير مكتوب في المدايح العربي الخاصة بالشهر الجميل ده. (ليه جميل وإيه أهميته؟ تابعونا في المأساة). - اللاهوت الشعبي وكلام المدّاحين ده هو مسخ للهوية القبطية السليمة الضاربة في جذور التاريخ والعمل الكنسي منذ نشأة المسيحية (والمشكلة هي. . تابعونا في المأساة). - طريقة الصلاة في أماكن كتير تم التعارف على إنها تكون انفعالية ومليانة شجن وانسجام. (إيه المشكلة؟ تابعونا في المأساة). - الاعتراض مش هجوم، لكن مطلوب إظهار دور أكبر للجان المراجعات الطقسية في الكنيسة القبطية (هل ها تفرق؟ تابعونا في المأساة). - إساءة استغلال الحشد (يعني إيه؟ تابعونا في المأساة). دي نقط عامة، عارف إنهم مش كتير ويهمني أكتر الصراحة إني أتكلم في المأساة أكتر من توصيف الواقع. المأساة الصراحة، الكلام هنا ها يكون كتير شوية وماشي في مشاوير وطالع من حارة يقوم داخل في زقاق وهكذا! لكن الـGPS بتاعنا ها يكون الكنيسة جسد المسيح بتعاليمها وممارساتها. + مفيش حد في الكنيسة بياخد مجد المسيح، الشهر الجميل ده تركيز وكشف لكل إشارات التجسد ورفع لدرجة استعدادنا (باللغة العسكرية) لاستقبال كلمة الله المتجسد فينا. ما ينفعش نروحه بنية غير كده ولا ينفع نحضر صلواته علشان "العدرا سرها باتع"، أو علشان "جو السهرة حلو"، ولا "الواحد بيتمزّج من كيهك قوي"! الحضور في الكنيسة له هدف واحد بس هو الالتقاء بالمتجسد، حتى في تماجيد القديسين وعشاياهم واحتفالاتهم؛ أنا رايح أشوف المسيح فيهم وألمس حضوره في حياتهم، لأن حياتهم كانت قمة استعلان عمل النعمة في الإنسان، كانت شهادة حية. مش موالد و فرحيات هي! + الوعي الإنساني تشكله الكلمات، كل كلمة بتتقال في غير محلها ها تهدم جزء من شخصية المستمع والمتلقي  الناقل والمنقول إليه. كان أولى بينا من سنين إننا ننقح ونعيد صياغة كلام مالوش 30 لازمة اتحط بالغلط في وسط صلواتنا من عصور مظلمة كان كويس فيها قوي إن الأقباط لسه موجودين! عمالين نردد كلام مش فاهمينه ولا فاهمين تأثيره، كلام ممكن يخلينا ننتحر روحياً بدون ما نحس بكده: "أنا الخاطي، أنا الجاني... أنا من عاش في الذنب! "، أو مثلاً "أنا التراب افتكري يا نانسي". . على رأي أب عظيم من آبائي، وخد كمان "قد وفى ديني كله الحمل! " ده غير كلام بيتقال في المدايح عامل زي كلام النقوط وسيرة أبو زيد الهلالي! حاجة تكسف وكلام عمال يغرز فينا دونية الإنسان وحقارته في تضاد كامل مع تعليم الكنيسة وهدف التجسد نفسه. + الطقس الكنسي بيرفع روحنا وأفكارنا وكل كياننا للسما، وده بالمناسبة معنى صلاة القداس الإلهي اللي بتقول "أين هي قلوبكم؟" (بس ده موضوع يطول شرحه)، بندخل بطقس الصلاة إلى حضرة الثالوث وشركة تسبيح السمائيين. فلما أجي أتنطط وأتهز و أتمايل آمان يا لالالي أو أقعد أعلي في صوتي وأسوِر اللي حواليا، كده قلبت على غيط في ساعة عصاري! ! ! اللياقة وهدوء الممارسة جزء أصيل من سلامة الطقس، عمر ما الحب الإلهي يتعبر عنه بالشخلعة والدندشة والآه يا آه. + الطقس بنصوصه وحركاته وممارساته، بكل حاجة فيه، نقول تاني: كل حاجة فيه، هو تعبير منظور ومعاش عن عقيدة الكنيسة وإيمانها. لو سبناه للهواة ولقواعد غير سليمة إيمانياً؛ ها تشوف بقى الهبل اللي بيحصل من مدعيَ القداسة وأنصاف الآلهة. يجب دوماً تفعيل حراك آبائي في لجان الطقس الكنسي ودايماً يكون في نقطة مرجعية إيمانية من الكتاب المقدس والآباء والتسليم الكنسي الأصيل والتقليدي (مش المحدث ولا المستحدث) علشان ما نتوهش. أبوس إيديكم: ما تسيبوناش نتوه، لأنكم لو كسلتوا. . هو مش ها يسيبنا. + الكنايس بتكون مليانة لتُمة عينها في المواسم (دلالة الوكسة المعاصرة: إله المناسبات والليالي الملاح) وعادة ما بتفوتنا فرصة هايلة إننا نقدم وجبات روحية دسمة للناس. من سنين طويلة حل الوعظ مكان التلمذة لظروف خاصة بالإعداد والإمكانات المتاحة، ماشي، مش مشكلة، نشكر ربنا إننا لسه موجودين ولينا وقت في خدمته. لكن بننسى أو نتجاهل استغلال الفرص في تقديم تعليم جميل روحاني للناس. تعليم روحاني مش متروحن، آخد لي بالك؟ يعني في صُلْب الإيمان مش جايبينه من الصحراء الكبرى وخد يا إسرائيل، هذه آلهتك التي أخرجتك من أرض مصر! ! تعليم جميل مش تعليم مرعب: تجيبني كيهك ونتكلم عن اتضاع الله ومحبته للبشر وهوب دبل كيك ألاقيني لابس في البدلية العقابية! ! يا سنة سوخة! ! كل اللي فات ده طلع فنكوش؟! ربنا بيحبني وها يدبح لي إبنه؟! ! هااااار أسود! تفتكر ها أصدقك ولا أصدقه بعد كده؟ لا ممكن أبداً. استعدوا لاستقبال المتجسد. استعدوا للظهور الإلهي. ترقبوا بحرص استعلان تجديد طبيعتنا في المسيح يسوع رب المجد الكلمة المتجسد. تهيأ يا شعب الله، جسده الذي من لحمه ومن عظامه، للنظر إلى كلية الطهر في الولادة الفوقانية. قفوا ناظرين الملائكة تبشركم بالصلح وبمسرة الآب والروح القدس. كل كيهك وأنتم طيبين وواعيين. --- ### أيها الأسقف.. من أنت؟ [٤] - Published: ۲۰۲۲-۱۲-۲۰ - Modified: 2022-12-23 - URL: https://tabcm.net/9466/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا بين القمم والقيعان تأرجحت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية عبر الزمن الممتد لقرون، من لحظة أن وطأت قدما القديس مرقس الرسول أرض الإسكندرية، كارزاً ومبشراً، وربما قبلها مع الحجيج المصري اليهودي العائد من أورشليم بعد أحداث يوم الخمسين التي وثقها القديس لوقا في سفره الثاني "أعمال الرسل"، وذكر أن من شهود تأسيس الكنيسة وحلول الروح القدس مصريين يهوداً ضمن أجناس عديدة ومنهم عرب، فمن الطبيعي أن يسيطر هذا الحدث المتفرد على أحاديثهم مع ذويهم. وظني أنه صار وقتها حديث المدينة. يؤسس القديس مرقس كنيسة الإسكندرية، فى القرن الأول الميلادي، والتي تخوض مسيرة عاصفة في مواجهة اليهود والرومان والأديان القائمة، والثقافة الهيلينية ومدارسها الفلسفية المختلفة، لم يتنكر المصريون لتراثهم قبلها، وما وقر في وجدانهم من قيم ومفاهيم حياتية راقية، بل اخذوها معهم وعمّدوها فقد وجدوها محملة بإشارات كانت غائمة عن الثالوث والتجسد والفداء والقيامة والبعث والأبدية، انكشفت عبر بشارة مرقس وتفككت غوامض الأساطير أمامهم، وقد أدركوا رموزها، وانضبطت إحداثياتها على حقائق الإنجيل؛ يتذكرون تلك الفتاة وطفلها، والتي جاءت تحتمى بهم قبل سنوات ليست بعيدة ربما على مرمى جيل أو جيلين، وقد أحسنوا وفادتهما ومعهما ذاك الشيخ الوقور، وسرعان ما تتحول المواقع التي تنقلوا فيها إلى كنائس تحكى حكايات الود المتبادل بين تلك العائلة وذاك الوطن. حكايات التاريخ لا تنتهى، وقد تستغرقنا بل وتخطفنا إلى سطور مخملية تبتعد بنا عن واقع يئن من المتاعب وتعطل انجيل المسيح، وتجنبنا الاشتباك مع القراءة المتبصرة، فيبقى الحال على ما هو عليه، بل تقودنا إلى ما هو أفدح، وهو ابتعاد له ما يبرره، فالجسد الكنسي مثخن بجراحات تتزايد وتتعمق، وهو ملقى على جانب الطريق، يمر عليه عشرات ومئات من اللاويين والكهنة دون أن يلتفتوا إليه، وأظنهم مشغولين بطرق باب قصر الغنى المنيف، الذي يقع على بعد خطوات منه. ومن يتابع ما ينشر على مواقع وصفحات الفضاء الإلكتروني متعلقاً بالكنيسة يجده ترجمة واقعية لقول رب المجد:«فَبِمَنْ أُشَبِّهُ أُنَاسَ هذَا الْجِيلِ؟ وَمَاذَا يُشْبِهُونَ؟ يُشْبِهُونَ أَوْلاَدًا جَالِسِينَ فِي السُّوقِ يُنَادُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيَقُولُونَ: زَمَّرْنَا لَكُمْ فَلَمْ تَرْقُصُوا. نُحْنَا لَكُمْ فَلَمْ تَبْكُوا. " (لو 32:7). وهى حالة متوقعة والعالم على المستوى العام يشهد ارتباكات وتطورات غير مسبوقة، يتجاوز أخبار الحروب إلى الحروب نفسها، ومن أخبار الأوبئة إلى الأوبئة نفسها، ويعيش تناقضات فارقة، فبينما تتوفر له الرفاهية في شماله يطحنه الفقر المدقع في جنوبه، تنفك فيه قيود المعلومة وتصبح في كل يد، ويلفه عدم اليقين، وتربكه الشكوك، والكنيسة لا تعيش في كبسولة معقمة بل هي في قلب العالم تؤثر وتتأثر معه وفيه. في كل الأحوال كانت ـ وما زالت ـ عيون المختبرين، وقلوبهم أيضاً، شاخصة ومتعلقة بالكنيسة متيقنة أنها تحمل مفاتيح المصالحة والإصلاح، فهي ما زالت تردد أهازيج ذلك الحدث الذي تم هناك في عمق الزمن وفى عمق قلب الله وهو يخطب في المسيح، وبه، ود الإنسان "ليرده إلى رتبته الأولى"، عبر وثيقة حب ختمها بدمه، وحققها بموته، ووثقها على الصليب، وأعلنها بقيامته، ووهبها لنا عبر تجسده، صَادِقَةٌ هِيَ الْكَلِمَةُ: أَنَّهُ إِنْ كُنَّا قَدْ مُتْنَا مَعَهُ فَسَنَحْيَا أَيْضًا مَعَهُ. إِنْ كُنَّا نَصْبِرُ فَسَنَمْلِكُ أَيْضًا مَعَهُ، إِنْ كُنَّا نُنْكِرُهُ فَهُوَ أَيْضًا سَيُنْكِرُنَا. إِنْ كُنَّا غَيْرَ أُمَنَاءَ فَهُوَ يَبْقَى أَمِينًا، لَنْ يَقْدِرَ أَنْ يُنْكِرَ نَفْسَهُ. (رسالة بولس الرسول الثانية إلى تيموثاوس، اﻹصحاح الثاني 11-13) يلح على قلمي أن أعيد التذكير بتحليل كتبه أبُ كاهن تناول فيه الزيارة الوحيدة التي قام بها أول الرهبان القديس أنطونيوس لأبى السواح القديس بولا، في مغارته بكهوف تلال البحر الأحمر، ولغز طلب الأنبا بولا منه أن يعود أدراجه إلى الإسكندرية ويطلب من البابا القديس أثناسيوس الرسولي أن يعطيه العباءة التي أهداه إياها الإمبراطور قسطنطين ضمن هداياه التذكارية لآباء مجمع نيقية ال 318، وكانت تضم بحسب الباحث، العباءة الملكية وتاج وصولجان وكرسي كمثيلاتها الإمبراطورية. اللافت أن البابا استجاب لطلبه، حمل الأنبا أنطونيوس العباءة وعاد ليجد القديس بولا قد رحل عن العالم، فكفنه بالعباءة وخلع عنه ثوبه الليفي الخشن ليعود به للبابا الذي احتفى به أيما احتفاء وقرر أن يرتديه تحت ثيابه الكهنوتية. في إشارة لاستيعابه رسالة الناسك. لم يكن الأمر رغبة من ق. بولا أن يتدثر بعد موته بعباءة الإمبراطور وهو الذي عاش حياته ناسكاً في فقر اختياري، رأى غناه في المسيح. بل كان يوجه رسالة إلى البابا أن يعود إلى إدارة الكنيسة بغير أدوات السلطان وعباءته، يقودها بسلطان الروح المتضع والأبوي. لكن الذين جاؤوا بعده أعادوا إنتاج العباءة والتاج والكرسي والصولجان، شرقاً وغرباً، وإن سبقنا الغرب إلى ترميز هذه الأدوات وخففوا من غلوائها، فيما رحنا نعمقها ونبرزها، ربما بتأثير سلاطين أزمنة القهر، الذين توالوا على حكم البلاد، وبخاصة المماليك والعثمانيين. لم تنجح ومضات التنوير التي غشيتنا في القرنين التاسع عشر والعشرين في دفعنا لمراجعة هذا الغلو، والأغرب أن هذه المظاهر السلطوية زادت مع أجيال المتعلمين ـ الجامعيين ـ الذين ملأوا الدنيا عبر مجلاتهم وبياناتهم وحراكهم المنظم والملِّح بمطالب العودة إلى الجذور الآبائية، فلما دانت لهم السلطة أصروا على تعميق سلطانهم، وتغليظه، وراحوا يدعمون هذا بغطاءات فقهية ونصوصية. وينقلبون على المراكز البحثية والديرية التي عكفت على إحياء التراث الآبائي. كان من الطبيعي عند كثيرهم أن ينقلب السلطان إلى تسلط ! ! . وكان من الطبيعي أن تشهد أيامهم أعلى نسبة ارتداد وأعلى نسبة تفكك أسرى حتى إلى الطلاق والذي اخترق ومزق سياجات أسر خدام وخادمات وكهنة، وبعضها لم تكتف باللجوء إلى تغيير الملة، بل ذهبت إلى ما هو أبعد، لترتج المدينة وتتورط الكنيسة في معالجات مرتبكة. الأمر لم يقتصر على أساقفة المدن الكبرى بل طال الإيبارشيات الصغيرة التي تضم أحد مراكز المحافظة وبعض القرى التابعة له، التي يتم إلزامها وتحميلها بمتطلبات الأسقف ـ بغض النظر عن طاقتها المالية ـ والذي يتوسع في رسامة كهنة يجندهم لجلب الأموال عبر منظومة تحولهم إلى متسولين يطرقون أبواب التجار في المدن الكبرى وأسواق العاصمة الشهيرة، ولتحفيزهم يخصص لهم نسبة تتراوح بين 15 و 25 % من حصيلة دفاتر التبرعات (! ! )، المهم أن تتوفر لنيافته السيارة الأحدث، وطاقم الزي الأسقفي بنوعيه، الخاص بالخدمة الطقسية والأخر خارجها، واللتان تتغيران مع كل عام، وتغطية زياراته المكوكية لأقباط المهجر، افتقاداً وعلاجاً. فيما يبقى للرعية الاستشفاء بالصلاة ودهنة الزيت المقدس، وتحمل التجربة في صبر ستجزى عنه بالأبدية الصالحة في أحضان القديسين. واضف إلى ذلك الإصرار على بناء كاتدرائية تليق به، ومقراً لنيافته، يستقبل فيه كبار الزوار من محافظ الإقليم إلى رئيس مجلس المدينة وأعضاء البرلمان وغيرهم من المتنفذين، ليقدم لنا إلهاً غنياً وشعباً فقيراً واسقفاً منتشياً. ومازال للطرح بقية ... --- ### تاريخ المعارك الوهمية من "دون كيخوته" إلى "دون الأساقفة" - Published: ۲۰۲۲-۱۲-۱۹ - Modified: 2024-06-03 - URL: https://tabcm.net/9661/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أنبا أغاثون، أسقف مغاغة والعدوة, حماة الإيمان, دون كيخوتي دي لا مانتشا, مصطفى كامل صدقوني هو ضحية وليس جانٍ… فقد جعلوه: "دون اﻷساقفة" "هذا اﻷسقف" ضحية من وضعه في هذا المكان من الأساس، وهو يعرف مؤهلاته روحيًا وعلميًا ورعويًا مسبقًا، ويعرف كيف يقدر أن يستغلها ويستخدمها لخدمة أغراضه. هو ضحية من صدروه إلى الواجهة وأقنعوه أنه أسد الله، وليث العقيدة، وضرغام الإيمان، وتواروا خلف الكواليس وهم يعرفون إمكاناته تمام العلم، لكنهم اعتمدوا على مؤهلاته الخاصة التي تجعله قادر على أداء المهمة الانتحارية اللا منطقية، ولسان حالهم يقول: لو هجومه أتى بنتيجة خير وبركة، ولو لم يأت بنتيجة يبقى خلصنا منه. "هذا اﻷسقف" ضحية جماعات حماة الإيمان الراديكالية الـ"مخرتقة" فكريًا، ورابطة خريجي الإكليريكية وهي عمليًا كيان وهمي تحت السلم، مثل جروب محبي أغاني الفنان مصطفى كامل الحزينة، فأوهموه أنه لديه غطاءً شعبيًا قادر على مساندته والسير خلفه في زحفه المقدس نحو المقر وقيادة حملات الإبادة الفكرية الجماعية باستخدام أساليب تطهير العقيدة العرقية من البدع والهرطقات السابقة والحالية والمستقبلية. "هذا اﻷسقف" ضحية مثلث الدكتوراهات أ. د. د. د (ر. و. ب) من يكتب له البيانات والمحاضرات الفانتازية الخيالية ويجعله يقرأها على الهواء وهو في الأساس على غير دراية بمحتوى المكتوب، ولا حتى يستطيع قراءة  كلمتين على بعض، فيخرج الموضوع مشوه متضارب لا يخلو من التأليف والارتجال والارتحال بعيدًا بعقل المواطن البسيط في غياهب اللالا لاند وبحر الظلمات. لكن الصراحة فقرة إجابة الأسئلة في نهاية الحلَقات هي كوميديا سوداء بامتياز، لأنه دائمًا ما يبدع فيها بإجابات لا تخص السؤال أصلًا، أو يسرد إجابات لا منطقية تصدر حسب ما يخطر على باله وقتها، ويبدو أنه انتبه لهذا وتوقف عنها لفترة، أو نصحه من حوله بألا يجاوب أية أسئلة على الهواء إلا الأسئلة سابقة التجهيز سريعة التحضير. "هذا اﻷسقف" ضحية تعاليم عهد سابق، يسير  على تعاليمه بالحرف لا يحيد يمين أو شمال عنه، ينقل من كتبه وأقواله قص ولزق، لا يستطيع أن يخرج خارجها لأنه حقا لا يعرف غيرها، ولو دخل في أي حوار خارجها سيُكشف، لذا يُهاجم أي تعليم آخر غير تعاليم العهد السابق. "هذا اﻷسقف" ضحية شعب يؤله ويعبد كل من ارتدي العباءة السوداء، ويصفق لكل من أمسك بالميكرفون -سواء فهم ما يُقال منه أو كالعادة لم يفهم- لكنه يصدق كل ما يقوله، ويمدحه ويطلب بركته أيضًا، وهذا في حد ذاته يعطي "هذا اﻷسقف" سلطة أكبر على المواطن الذمي الذي أمامه، وحافز لإكمال مسيرته (ومبارزة طواحين الهواء) بكل أريحية. "هذا اﻷسقف" ضحية نفسه لأنه صدق فعلا أنه (صخرة مغاغة) التي يتحطم عليها المتاويين والمستنيرين والإنجيليين وأتباع روما وأعضاء النظام العالمي الجديد ومريدي الديانة الإبراهيمية الموحدة، والفئران المبتدعين الخارجين من جحورهم، فأفنى وقته في معارك وهمية دون كيخوتيه لا معنى ولا طائل منها سوى مناطحة خلق الله أجمعين. صدقوني هو ضحية وليس جاني... فقد جعلوه دون اﻷساقفة. --- ### رسالة يعقوب الرسول
لا تضلوا - Published: ۲۰۲۲-۱۲-۱۸ - Modified: 2022-12-15 - URL: https://tabcm.net/9636/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: قديس أثناسيوس الرسولي لا تضلوا. . لو عرفتم طبيعة الله أنها صالحة لآمنتم أن المسيح مخلصنا هو ”الله الظاهر في الجسد“. لاَ تَضِلُّوا يَا إِخْوَتِي الأَحِبَّاءَ. كُلُّ عَطِيَّةٍ صَالِحَةٍ وَكُلُّ مَوْهِبَةٍ تَامَّةٍ هِيَ مِنْ فَوْقُ، نَازِلَةٌ مِنْ عِنْدِ أَبِي الأَنْوَارِ، الَّذِي لَيْسَ عِنْدَهُ تَغْيِيرٌ وَلاَ ظِلُّ دَوَرَانٍ. (رسالة يعقوب 1: 16، 17) خلاصة القول  عما سبق شرحه وجاء في الإصحاح الأول أن الله لا يُجرِب أحداً بالشرور. فليس من المعقول أن الله أبو الأنوار والصلاح يتسبب في ثورة الشهوات الرديئة في الإنسان ويشن عليه حرب الرذائل والشرور ليمتحن صدق إيمانه. نحن لم نر الله يصنع هكذا مع أيوب أو يونان أو إبراهيم أو غيرهم من رجال الإيمان الذين امتحنهم الله. لهذا نجد الوحي المقدس يستطرد في حديثه عن التجربة التي يسمح بها الله أنها لتزكية الإيمان، وكيف أن محتوى التجربة هو للصلاح وليس فيه شُبهة شر. فكيف لله الذي هو الحياة ومنبعها ينسبون إليه -سبحانه -صفات الشر والموت والأذية والمكر والضرر؟ فماذا إذاً  تكون صفات وأعمال الشيطان؟ إن الحياة والصلاح المطلق وخير الإنسان، هو من صميم طبيعة الله التي لا تغيير فيها. لذلك وجب الإيمان والثقة والرجاء فيه -تبارك اسمه. ووجب الاحتراس من الآلهة الكذبة ”كل آلهة الأمم شياطين“. فكل متغير ليس حق. الله هو الوحيد غير المتغير وكذلك صلاحه، بالتالي عطاياه. ”أَنَّ هِبَاتِ اللهِ وَدَعْوَتَهُ هِيَ بِلاَ نَدَامَةٍ“(رسالة بولس الرسول إلى رومية 11: 29) واستكمالا لتعريف الوحي المقدس بأن الحق غير متغير وأنه ليس مثل أمور هذا الزمن المتغير الوقتي، لذلك فإن الوحي يؤكد على أن الله لا ظِل له مثل المخلوقات عندما تقع عليها أشعة الشمس، لأنه -سبحانه- ليس خاضع للزمن المخلوق المتغير بدوران الأرض حول الشمس فيظهر ظل الشيء ثم يزول. لذلك فإن ثقة المؤمن بالتالي سلامه الداخلي غير مسبوق:”سلامي أنا أعطيكم، ليس كما يعطي العالم أعطيكم أنا“. وكلما ارتبط أمرٌ ما بربنا زاد ثباته وزادت الثقة من ناحيته مثل ثقة الناس في رجال الدين الذين ظهر صلاحهم بأن تخرجت من تحت أيديهم أجيالاً مقدسة، ومثل كثير من صداقاتنا التي تأسست على الارتباط بالمسيح في مجتمع كنسي روحي حقيقي غير كاذب. شَاءَ فَوَلَدَنَا بِكَلِمَةِ الْحَقِّ لِكَيْ نَكُونَ بَاكُورَةً مِنْ خَلاَئِقِهِ. (رسالة يعقوب 1: 18) ثم يأتي الوحي بحقائق تثبت طبيعة الله الصالحة. فيذكر صلاح مشيئته وعمله ونعمته التي يقدمها الله مجاناً لكل بشر يقبل الإيمان به في المسيح. ويشهد أن المسيحية تتلخص في الولادة الثانية للإنسان من فوق من الله (اقرأ حديث المسيح مع نيقوديموس في إنجيل يوحنا 3 عن الولادة الثانية للإنسان من فوق) التي يصير بها الإنسان ابناً لله بالتبني بواسطة بنوة المسيح للآب بالطبيعة. فإن كان ارتباط اللحم والدم بين البشر لا يمكن أن يتغير، بل هو فوق أي تغيير لأن الأبوة البشرية لا تزول ولا تتأثر بأي متغير، فكم بالحري انتسابنا لله بالولادة الثانية لنا منه سبحانه عبر بشريتنا في المسيح يسوع. وعن هذا التبني يقول البابا أثناسيوس الرسولي: ”نحن البشر جُعلنا آلهة بالكلمة (المسيح ابن الله وكلمة الله) بسبب إننا اتحدنا به من خلال جسده (الذي أخذه من العذراء مريم عندما تجسد)“. (القديس أثناسيوس) فصارت لنا صفاته في الخلود والحياة الأبدية والبر والصلاح وبذلك صرنا من أهل بيت الله من خلال المسيح يسوع ابنه الوحيد الواحد مع الآب والروح القدس في الألوهة ولا شريك له سبحانه. والسُبح لله. بقلم د. رءوف إدوارد --- ### مجمع قرطاجنة: إعادة فحص - Published: ۲۰۲۲-۱۲-۱۷ - Modified: 2025-02-02 - URL: https://tabcm.net/9823/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, لاهوتيات - وسوم: آدم, أنبا بفنوتيوس، مطران سمالوط, أنبا بيشوي، مطران دمياط وكفر الشيخ, التبني, الشيطان, سام ابن نوح, سنكسار, سير الشهداء, مجمع قرطاچنة, مفهوم التجسد, مفهوم الخلاص لا يتورع بعض أساقفتنا عن التحالف مع الشيطان نفسه، فقط لتمرير ما يودون فرضه من تعليم مستحدث! ! كارثة فعلية أن يدسّ أحدهم على التاريخ أن مجمع أفسس قد اعتمد مقررات مجمع قرطاجنة ، بل هي جريمة متعمدة متكاملة الأركان. لن أخوض في ملابسات هذا المجمع، ولا حتى خلافات هذا المجمع مع رئاستهم الدينية في روما، ما يهم فعلا هو الأثر الفادح الذي ساهم به هذا المجمع في تشويه الفكر المسيحي، وما زالت المسيحية تعاني منه بعد الافتراق عن الفكر الآبائي الشرقي. ولنسأل بداءة، هل تعتبر كنيستنا هذا المجمع، وتعتمد قوانينه ضمن الأساسات التي تستند إليها؟ والإجابة هي النفي لأسباب كثيرة سنعرج عليها سريعا، قبل الاسترسال في خطورة المجمع نفسه. استعراض لبعض قوانين مجمع قرطاجنة: "يحسن أن يحافظ كل من الأسقف والقس والشماس على العفة التامة فلا يقربوا نساءهم" (القانون الرابع) فهل يعيش كهنتنا وشمامستنا متبتلين؟   "لا يجوز أن يقرأ في الكنيسة إلا الكتاب المقدس، وإبطال ما يقرأ من سير الشهداء" (القانون 24) فهل توقفنا عن قراءة السنكسار؟   "لا يدعي أسقف الكرسي الأول رئيس الكهنة أو بأي لقب أخر من هذا النوع" (القانون 39) في كنيستنا لقب "رئيس الكهنة" هو لقب ليتورجي نردده في صلواتنا، ولا ننسي التراشق الذي نشب منذ بضعة سنوات بين الحبر الجليل الأنبا بفنوتيوس مطران سمالوط، والحبر الجليل المتنيح الأنبا بيشوي، حول ما إذا كان الأسقف هو رئيس الكهنة فقط أم رئيس الكهنوت (كالرب يسوع نفسه) وأصدر كل منهما كتبا تؤيد وجهة نظره، دون ادني اعتبار للمأسوف عليه قرطاجنة.   "الذين عمدهم الدوناطيون وهم أطفال تجوز رسامتهم إكليريكيين في الكنيسة" (القانون 57) والدوناطية هي هرطقة محلية مريعة حملت السلاح ضد الكنيسة، ومع هذا فالمجمع لم يجز  إعادة معموديتهم، بل واعتمد رسامتهم في رتب كنسية، فما هو رأي كنيستنا "الحالي" في وجوب إعادة معمودية "الهراطقة"؟ مما سبق، وهو غيض من فيض، يظهر بوضوح أن كنيستنا -وكل الكنائس تقريبا- لا تأخذ هذا المجمع على محمل الجد، بل وتتجاهله، حتى فوجئنا في هذا الزمان الرديء بمن يحاول إسباغ المسكونية عليه بل، ويقرنه بأحد أهم المجامع المسكونية تاريخيا.   الأثر الفكري الذي أحدثه مجمع قرطاجنة: هنا ستجد القوانين التي أصدرها المجمع في دورته الأخيرة، وعرفت بقوانين "الإثم والنعمة"، مترجمة عن الأصل اللاتيني:  تولد عن هذا المجمع ما يسمي "الأغسطينية" بمنظومتها الفكرية، والتي ما فتئت تولد الانحرافات الفكرية عند الكنائس الغربية بشقيها الكاثوليكي والإصلاحي، على الرغْم من تراجع الأولى عن كثير من المنطلقات الفكرية للأغسطينية، وليس الغرض هنا تفنيد هذه المنطلقات ومآلاتها، فالأمر يحتاج لدراسة موسعة ليس هذا محلها، لكننا سنكتفي فقط بمقارنة سريعة مع فكر آبائنا الشرقيين، دون السبر عميقا، ومع هذا يبقى الأمر جليا: تبدأ "القصيدة" بكارثة تقطع كل آبائنا الشرقيين، ولا تنتهي بكارثة تنسف كل مفاعيل التجسد الإلهي. الأغسطينية: آدم خلق خالدا بالطبيعة، غير خاضع للموت. الشرقيين: آدم فان بطبيعته المخلوقة من العدم، حياته مشروطة واعتمادية على بقاءه في معية الله. الأغسطينية: لأن آدم خالد بالطبيعة، فنتيجة الخطية (الموت) هو عقوبة يتم تنفيذها فيه وإنزالها به. الشرقيين: لأن حياة آدم مشروطة بالوجود في معية الله فنتيجة الخطية (الموت) هو نتيجة حتمية للانفصال عن الله. الأغسطينية: لأن البشرية خالدة بالطبيعة، فلابد أن يرث البشر الخطية وعقابها عن آدم حتى يعاقبوا بالموت، وإلا فلا سبيل للموت. الشرقيين: البشرية مائتة بالطبيعة، والبشر يولدون مائتين من مائت. الأغسطينية: التجسد يهدف إلى تسديد ثمن الخطية بتقديم ذبيحة صالحة، ورفع العقوبة واستعادة طبيعة آدم الأولى. الشرقيين: التجسد يهدف إلي المصالحة بين البشرية والله، والارتقاء بها إلى الاتحاد (وليس فقط المعية) والتبني، تخطي العدو الأكبر للطبيعة البشرية (الموت) والعبور بالبشرية للقيامة والخلود والتأله. الأغسطينية: حتى تكون الذبيحة صالحة، يلزم ألا تكون ملطخة بأي خطية، ولابد أن تكون بريئة من الخطية الموروثة، وعليه فهناك "اجتهادان": إما أن تكون الوالدة "حبل بها بلا دنس" فلم ترث الخطية ولن تورثها، وأما أن يقوم الروح بتطهير "مستودعها" والناسوت المأخوذ منها من الخطية الأصلية، أحدهم اجتهد وقال إن الروح صنع حاجزا بين دم والدة الأله وبين الكلمة المتجسد فلم يرث الخطية (هكذا! ! ). الشرقيين: أخذ الكلمة طبيعتنا بتمامها ليعيد إصلاحها ويقدسها، والعلي اصبح أبا للبشرية. الأغسطينية : الخلاص لا يتم إلا بالنعمة الإلهية بمفردها، وهي من تختار من يخلصون (عقيدة سبق التعيين). الشرقيين: الخلاص يتم بالتآزر بين النعمة الإلهية والإرادة الشخصية، الجميع مدعو لمعرفة الرب والتمتع بخلاصه لأن هذه هي إرادته. بالنهاية، تلخص هذه المقالة المنشورة من أحد أحبارنا الأجلاء، كل ما نبهنا له في مقالنا هذا والذي سبقه، وننتظر من صاحبها أن يتوقف عن نشر مثل هذا الكلام. --- ### التأله عند الآباء اللاتين - Published: ۲۰۲۲-۱۲-۱٦ - Modified: 2023-11-30 - URL: https://tabcm.net/9804/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: أمجد رفعت رشدي, أنبا أنجيلوس، أسقف عام شبرا الشمالية, أنطون جرجس, التبني, الكنيسة الجامعة, دير الأنبا أنطونيوس, سعد الله سميح جحا, سعيد حكيم يعقوب, شجرة الحياة, ضد براكسياس, ضد هرماجانوس, عقيدة التأله, علامة ترتليانوس الإفريقي, قديس أثناسيوس الرسولي, قديس أوغسطينوس، أسقف هيبو, قديس هيلاري، أسقف بواتييه, مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية, مدينة الله, يوحنا الحلو نستكمل بحثنا في موضوع عقيدة التأله بالنعمة في تعاليم آباء الكنيسة الجامعة شرقًا وغربًا، وسوف نتحدث في هذا المقال عن مفهوم التأله بالنعمة عند الآباء اللاتين في الغرب. العلامة ترتليان الإفريقي نبدأ من العلامة ترتليان الذي يُعد أبو اللاهوت اللاتيني، حيث يتحدث ترتليان في أكثر من موضع عن عقيدة التأله بالنعمة، ويرى أن التأله هو غاية خلق الإنسان، وإن الإنسان لو لم يسقط، كان سيؤخذ في المستقبل إلى الطبيعة الإلهية، حيث يقول التالي: ”والآن، على الرغم من أن آدم كان عرضةً للموت بسبب حالته تحت الناموس، إلا أن الرجاء كان محفوظًا له بقول الرب:’هوذا آدم يصير كواحد منا‘(تكوين3: 22)،أي نتيجة اتخاذ الإنسان إلى الطبيعة الإلهية في المستقبل. إذًا، ما الذي يلي ذلك؟ والآن، لئلا يمد يده، ويأخذ أيضًا من شجرة الحياة، ، ويحيا إلى الأبد. بالتالي يُظهِر بإضافة الجزء عن الوقت الحاضر ’والآن، أنه قد خلقه للوقت، وللحاضر، ولاستمرار حياة الإنسان“. (Tertullian, ANF03 (Against Marcion), Trans. By Dr. Holmes, Edit. By Phillip Schaff) ويتحدث ترتليان عن أن البشر يُدعون آلهةً أيضًا، ولكنه ليس من ذواتهم، بل بالنعمة حسب استحقاق كل منا، حيث يقول التالي: ”لكنك ستقول: إنه -بهذه الطريقة- لا يوجد فينا أي شيء من الله، لكن بالحقيقة إن لنا شيئًا منه، بل وسيظل لنا، لكن هذا الشيء هو منه، وقد تسلمناه، وهو ليس من ذواتنا؛ لأننا سنكون آلهةً، إذا استحققنا أن نكون ضمن هؤلاء الذين قال لهم:’أنا قلت: إنكم آلهة‘،و’الله في وسط الآلهة يقضي‘، ولكن هذا يتأتى من نعمته، وليس بسبب مزية فينا، لأنه هو وحده مَن يستطيع أن يصنعآلهةً“. (ترتليانوس الإفريقي (علامة)، ضد هرماجانوس، تَرْجَمَة: أمجد رفعت رشدي) ويستخدم آية (مز82: 1، 6) أيضًا في موضع آخر مؤكدًا على عقيدة ألوهية السيد المسيح وعقيدة تأله الإنسان، لأن الكتاب المقدس دعا البشر آلهة بسبب التبني لله والإيمان، فكيف لا يكون الابن هو بالحقيقة ابن الله الوحيد بالطبيعة كالتالي: ”فلنتذكر أنت وأولئك هذا القائل:’أنا قلت: أنكم آلهة وبنو العلي كلكم‘(مزمور82: 6)،ومرة أخرى:’الله قائم في مجمع الله‘(مزمور82: 1)،وإن كانت الأسفار لم تخش أن تدعو البشر آلهةً، وهم قد صاروا أبناء الله بالإيمان، فلنتأكد إذًا، أن نفس الأسفار بكل احتراس، تمنح لقب ’الرب‘ لمَّن هو بالحقيقة ابن الله الواحد والوحيد“. (ترتليانوس الإفريقي (علامة)، ضد براكسياس، تَرْجَمَة: أمجد رفعت رشدي) القديس هيلاري أسقف بواتييه ننتقل إلى ق. هيلاري أسقف بواتييه والملقب بـ”أثناسيوس الغرب“، حيث يتحدث عن أن غاية التجسد هي تأليه الإنسان كالتالي: ”فالخطية الموجهة ضد الروح هي إنكار كمال قوة الله، ونقض للجوهر الأزلي في المسيح، الذي صار من خلاله الله في الإنسان، ليصير الإنسان إلهًا“. (Hilary of Poitiers, The fathers of the church vol. 125 (Commentary on Mathew), Trans. By D. H. Williams, Edit. By David G. Hunter) ثم يتحدث ق. هيلاري عن اقتناء البشر للروح القدس كعربون للخلود وشركة الطبيعة الإلهية مؤكدًا على ألوهية الروح القدس، حيث يقول التالي: ”لن يجرؤ الرجال فيما بعد، بقوة المنطق البشري المجرد، على أن يضيفوا الروح الإلهي بين المخلوقات، الذي نقبله كعربون الخلود وكمصدر للاشتراك مع الطبيعة الإلهية غير الآثمة“. (هيلاري أسقف بواتييه (قديس)، عن الثالوث، تَرْجَمَة: راهب من دير أنبا أنطونيوس، مراجعة: د. سعيد حكيم) وهكذا يتحدث ق. هيلاري عن أن غاية التجسد الإلهي هي تأليه الإنسان، حيث يقول التالي: ”فإنه حينما وُلِدَ الله ليكون إنسانًا، لم يكن الغرض هو فقدان الألوهية، بل ببقاء الألوهية يُولَد إنسانًا كي يكون إلهًا. فمن ثم إن اسمه هو عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا(متى1: 23)، كي لا يقلل من شأن الله إلى مستوى الإنسان، بل يُرفَع من شأن الإنسان إلى الاتحاد بالله. وعندما طلب أن يتمجد، لم يكن هذا تمجيدًا لطبيعته الإلهية بأي شكل، بل للطبيعة الأقل التي اتخذها؛ فإنه يطلب هذا المجد، الذي كان له قبل تأسيس العالم“. (هيلاري أسقف بواتييه (قديس)، عن الثالوث، تَرْجَمَة: راهب من دير أنبا أنطونيوس، مراجعة: د. سعيد حكيم) أغسطينوس أسقف هيبو ننتقل الآن إلى أغسطينوس الذي يُعد من أكثر الآباء اللاتين حديثًا عن تأله الإنسان بالنعمة، حيث يتحدث مثله مثل العلامة ترتليان عن أن التأله هو غاية خلق الإنسان منذ البَدْء، وأنه كان سيصير إلهًا لو لم يسقط بالتعدي والعصيان كالتالي: ”هنالك في الراحة سوف ترى أنه هو الله، طبيعة سامية ادَّعيناها لنا حينما هبطنا من أعالي عهده على صوت الشيطان الذي أغوانا قائلاً: ’تصيران كآلهة‘، لم نحفظ الأمانة لهذا الإله الذي كان قادرًا على أن يجعل منا آلهةً، لو لم نجحد نعمه، ونتخلف عن الاتحاد به“. (أغسطينوس، مدينة الله ج3، تَرْجَمَة: الخور أسقف يوحنا الحلو) ثم يتحدث أغسطينوس عن أن تأله الإنسان والشركة في اللاهوت هي غاية الإخلاء والتجسد الإلهي، مستخدمًا صيغة التأله التبادلية الشهيرة، حيث يقول التالي: ”لكن المسيح، معلم التواضع، الذي جعل نفسه شريكًا لنا في سقمنا، ليجعلنا شركاء في لاهوته، ونزل من السماء ليعلمنا الطريق، ويكون هو طريقنا(يوحنا 14: 6)“. (أغسطينوس، عظات في المزامير ج2، تَرْجَمَة: سعد الله سميح جحا) ثم يتعمق أغسطينوس في شرح عقيدة التأله في موضع آخر في سياق تفسيره لآية (مزمور 81: 1) كالتالي: ”فمَّن هم؟ وأين هم الآلهة الذين إلههم هو الإله الحق؟ يجيبنا مزمور آخر:’الله قائم في مجمع الآلهة، وهو في وسط الآلهة ليدينهم‘(مزمور 81: 1). ما زلنا نجهل إذا كان لا يوجد في السماء آلهة أخرى، يقوم الله وسط مجمعهم ليدينهم. انظروا في المزمور نفسه، عمَّن يتكلم النبي:’قلت أنكم آلهة، وبنو العلي كلكم، إلا أنكم مثل البشر تموتون، وكأحد الرؤساء تسقطون‘(مزمور 81: 6). يتضح من هذا الكلام أن الذين يدعوهم الله آلهةً، هم بشر تألهوا بنعمته، وليسوا مولودين من جوهره. وحده يبرر مَن هو البر ذاته، ولم ينل بره من آخر. كذلك، وحده يُؤلِّه مَن هو الله بذاته، ولا يشاركه إله آخر. والحال، فإن الذي يُبرِّر هو الذي يُؤلِّه، لأن الذين بررهم، يجعلهم أبناء الله. يقول الإنجيلي:’أعطاهم سلطانًا أن يصيروا أبناء الله‘(يوحنا 1: 12). إن صرنا أبناء الله، صرنا آلهةً، لكن بنعمة التبني، لا بالطبيعة التي وُلِدَنا فيها. ليس لله سوى ابن أوحد هو مع أبيه إله واحد، أعني ربنا ومخلصنا يسوع المسيح الكلمة الذي كان في البَدْء، كلمة الله، والكلمة التي في الله. أما الذين يصيرون آلهةً، فبنعمة الله يصيرون، ولا يُولَدون من جوهره ليكونوا مثله آلهةً“. (أغسطينوس، عظات في المزامير ج2، تَرْجَمَة: سعد الله سميح جحا) ويؤكد أغسطينوس أيضًا على عقيدة التأله بالنعمة وشركة الطبيعة الإلهية في موضع آخر قائلاً: ”جعلك الله أخًا لابنه دون أن يلدك، فتبناك، وجعلك له شريكًا في الميراث، ثم جعل المسيح شريكًا لك في الموت ليؤهلك للاشتراك معه في اللاهوت“.  (أغسطينوس، خواطر فيلسوف في الحياة الروحية، تَرْجَمَة: الخوري يوحنا الحلو) ويتحدث أغسطينوس أيضًا عن ألوهية الروح القدس موضحًا أنه إله بالطبيعة، وعلى العكس من البشر المخلوقين الذين يُدعون آلهة أيضًا، ولكن بالنعمة وليس بالطبيعة مثل الروح القدس كالتالي: ”ولكن إن كان غير مخلوق، فمن ثم لا يكون إلهًا فقط، بل هو أيضًا الله ذاته، ولذا فهو مساويًا بالكلية للآب والابن، ويكون في وحدانية الثالوث ومن نفس الطبيعة“. (أغسطينوس، الثالوث، تَرْجَمَة: د. أنطون جرجس، مراجعة: نيافة الأنبا أنجيلوس الأسقف العام) ويؤكد أغسطينوس أيضًا على عقيدة التأله بالنعمة كبركة من بركات التجسُّد الإلهي، مستخدمًا صيغة التأله التبادلية الشهيرة كالتالي: ”لأنه صُلِبَ حسب صورة العبد، ولكنه رب المجد المصلوب؛ لأن الاتخاذقد جعل الله إنسانًا واﻹنسان إلهًا“. (أغسطينوس، الثالوث، تَرْجَمَة: د. أنطون جرجس، مراجعة: نيافة الأنبا أنجيلوس الأسقف العام) ونستنتج من هنا أن عقيدة تأليه الإنسان هي عقيدة راسخة وثابتة في تعاليم آباء الكنيسة الجامعة شرقًا وغربًا، وموجودة بقوة في جميع التقاليد المسيحية المبكرة، سواء التقليد اليوناني (سواء التقليد الإسكندري، والأورشليمي، والكبادوكي)، أو السرياني، أو اللاتيني. هوامشTertullian, ANF03 (Against Marcion), Trans. By Dr. Holmes, Edit. By Phillip Schaff, (Grand Rapids, MI: Christian Classics Ethereal Library, 1845- 1916), 2: 25, p. 444ترتليانوس الإفريقي (علامة)، ضد هرماجانوس، ترجمة: أمجد رفعت رشدي، (القاهرة: مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية، 2017)، الفصل الخامس، ص 164، 165.  المرجع السابق، ضد براكسياس، الفصل 13، ص 108. Hilary of Poitiers, The fathers of the church vol. 125 (Commentary on Mathew), Trans. By D. H. Williams, Edit. By David G. Hunter, (Washington DC: The catholic University of America Press, 2012), on Mt 5: 15, p. 84. هيلاري أسقف بواتييه (قديس)، عن الثالوث، تَرْجَمَة: راهب من دير أنبا أنطونيوس، مراجعة: د. سعيد حكيم، (البحر الأحمر: دير الأنبا أنطونيوس، 2017)، 1: 36، ص 232. المرجع السابق، 10: 7، ص 690. أغسطينوس، مدينة الله ج3، تَرْجَمَة: الخور أسقف يوحنا الحلو، (لبنان: دار المشرق، 2014)، 22: 30، ص 413. أغسطينوس، عظات في المزامير ج2، تَرْجَمَة: سعد الله سميح جحا، (لبنان: دار المشرق، 2014)، عظة 58: 7، ص 558. المرجع السابق، 49: 2، ص 313، 314. أغسطينوس، خواطر فيلسوف في الحياة الروحية، تَرْجَمَة: الخوري يوحنا الحلو، (لبنان: دار المشرق، 2004)، 7: 13، ص 422. أغسطينوس، الثالوث، تَرْجَمَة: د. أنطون جرجس، مراجعة: نيافة الأنبا أنجيلوس الأسقف العام، (القاهرة، 2021)، 1: 6: 13، ص 129، 130. المرجع السابق، 1: 13: 28، ص 153. --- ### مسافة [٢] - Published: ۲۰۲۲-۱۲-۱۵ - Modified: 2022-12-15 - URL: https://tabcm.net/9717/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون وكيف استطاع الوقت أن يمضي بك هكذا ذاهلاً دون التفات، كيف استطعت أن تعبر فوق كل ذلك الحب تاركاً إياي حبيسة لفوضى خلفها جميعك بي دون رأفة؟ ل‏تبتعد... لتأخذ من تلك المسافة طريقا لي أنت النائم بين شهقات صوتي ومسامات جسدي ابتعد... وإلا ستعلن باقترابك موتي. ‏كيف لشخص أن يتمكن منك لهذا الحد، أن يصلك ويطأ قلبك وهو ثابتاً في مكانه لم تأت به الخطوات، كيف لكل هذا الحب أن يكون والمسافة واقعة بينكما. هل يعنيك كل هذا الاشتياق الذي يشهده قلبي في حال كنت أنت تقف مكتوف الخُطى لا تحاول رتق شقوق المسافة أو حتى ادعاء بأنك تحاول؟! ‏وبضمير قلبي نفثت بروحك كل معني للانتماء وزرعت فيك بَذْرَة إخلاص ستظـل تنمـو على نبضاتي مهما ابتعدت. ‏إنك لا تدري كم كانت المسافة طويلة ولا تعلم تعب الوصول إليك ثم هذا الشقاء المتراكم بطريقي لا يمكنك المرور فوقه دون أن تستريح من كل شيء ثقيل. ‏سأختصرُ المسافات التي يبتكرها الصمت بإفراطٍ سأصل إلى الغيم، سأُقيده، وأجعله يمطر غيثاً على قدر انسكابِ أرواحنا معاً... من الظلم أن تسلبني المسافة إياك وتتركني هكذا دون معطف يدك واشتعال عناقك، إنه لمن المجحف كثيراً أن أتكأ على وسادتي دون ذراعك وأنام وحنيني يرتعد. وإن كانت للمسافة قلباً ووجدانًا لكنت شكوت لها أشواقي... لكنت جعلتها تجمعنا وتأسف لظلمها الذي كانا. ‏في الغياب أنت الجرح المقروء أنت العمق الحنون يجدر بي إعادة اكتشافك كلما غبت. ‏ألا ليت بيدي أن أقتص المسافات لاقتصصنها حتى تلتصق بي وتختلط الأنفاس بالأنفاس. ‏كم هي قاسية يد المسافة وهي تعتنى بكلماتنا لو أعرف كم يداً تحتاج لمددتها، لو أعرف كم قلباً يسعك لادعيت بأني أملكهم، لو أعرف ألّا أهزم... لهزمتك. لطالما كان لتلك الأوقات التي لا تمضي صوت يشبه صرير المسافة، كذلك الباب الذي أنهكه صدأ الانتظار وأصبحت تثقله المواربة. وتلك المسافة شتات يملأ روحي و يداهمني... تائهةً، ضائعة بها، وكأنها تسابقني تسلب أجمل الأوقات تحاربني... تنتصر وتهزمني... تعرض هدنة فتكسبني، واخسرني... ‏أنت كلمة وأنا كلمة وضع الكاتب بيننا مسافة وشاء ألّا نلتقي أبدا... وبالنهاية... أنها نكبة المسافة وخدعة النسبية التي لا نكف عن تصديقها بسذاجة كل شيء خاضع لقانون المسافة ولا شيء يمكنه الفرار من سلطة العقارب والسور الذي بدا من على بعد قصيراً تراه شاهقاً عن قرب. --- ### مورنينج من ده يا وﻻد الكئيبة! - Published: ۲۰۲۲-۱۲-۱٤ - Modified: 2025-03-11 - URL: https://tabcm.net/9721/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون, إصلاح كنسي - وسوم: آدم, إسخاتولوچي, العصور الوسطى, العلمانية, جبران خليل جبران, داود النبي والملك, دوناتيللو, رافاييل سانزيو, سقوط آدم, سلاحف النينجا, عصر النهضة, قديس بولس الرسول, كتاب العواصف, كنيسة السيستين, ليوناردو دي سير بيرو دافينتشي, مايكل أنجلو يسوع يتحرك في فن اﻷيقونات… هو حيّ فيها… هذه حقيقة وليست جملة أدبية شعرية! فهو أشقر ذو عيون زرقاء عند الرسام اﻷوربي، وأسمر ذو عيون سوداء عند اﻷقباط، مجعّد الشعر عند الأفارقة، ومسحوب العينين عند الفلبينيين، باسم الثغر عند الباسمين، وعابس الوجه عند العابسين والنكديين… من ذا المجنون الذي يريد حبس تصورات العالم في تصوّره الشخصي؟ حملة قادها الراهب واﻷب يحنس السرياني على الصورة المرفقة، بعد أن أضفى أحد المعاصرين ابتسامة وقورة على وجوه كل من يسوع وأمه مريم في إحدى اﻷيقونات الشهيرة. وصف اﻷب الراهب هذا العمل بالتهريج والعك، وإننا لم نسمع في إنجيلنا عن الرب يسوع أنه ضحك أو أم النور أنها ضحكت، لكن الكتاب قال: بكى يسوع. ثم أكمل طارحا قناعاته بشكل قاطع أن هذا العمل يسيء إلى الله وكتابه المقدس. في منشور تال، كانت أفكار السرياني أكثر وضوحا في رفضه، حيث قال: نقل ثقافة العالم وإسقاطها على الأيقونات هو عمل شيطاني، ومرفوض بشكل قطعي، بلاش فزلكة، وبلاش اللعب في المسلمات، وبلاش الخلط بين الفرح الروحي والضحك. وفي الحقيقة ربما يكون العكس هو الحادث! فاﻷب الراهب يضع خطًا فاصلًا وحادًا بين الفرح وبين الابتسام، فاﻷول لديه مقبول والثاني غير مقبول، مع أن الثاني هو أحد دلالات اﻷول! كيف يمكن للمرء أن يفرح دون ابتسامات؟ وما معنى الفرح دون أقل مظاهر الفرح؟ وماذا عن داود النبي الذي كان مفهوم الفرح لديه مرتبطًا بالرقص والعزف والهرولة بشكل ارتجالي دون قيود الملوك؟ من وضع هذه الفواصل الحادة التي قد تصل بنا لفرح حبيس الصدور ﻻ يغادرها وإﻻ عُدّ ممنوعًا؟ وﻻ نفهم لماذا يصر البعض على صناعة عداوة بين المقدس وسعادة اﻹنسان، وﻻ أرى لكل هذا أي تأصيل إيماني أو ﻻهوتي بل أعده "ثقافة موت" حاربها المسيح بثقافة الحياة، وعلى خطواته ينبغي أن نسير. الإنسانيّة امرأة يلذّ لها البكاء والنحيب على أبطال الأجيال. ولو كانت الإنسانيّة رجلاً لفَرِحت بمجدهم وعظمتهم... الإنسانيّة طفلة تقف اليوم متأوّهة بجانب الطائر الذبيح، ولكنّها تخشى الوقوف أمام العاصفة الهائلة التي تصهر بمسيرها الأغصان اليابسة وتجرف بعزمها الأقذار المنتنة... الإنسانيّة ترى يسوع الناصري مولوداً كالفقراء، عائشاً كالمساكين، مهاناً كالضعفاء، مصلوباً كالمجرمين، فتبكيه وترثيه وتندبه... وهذا كلّ ما تفعله لتكريمه. (جبران خليل جبران: “يسوع المصلوب”، صفحة من كتاب: “العواصف”)   لنصطلح أولا: الفن ليس مقدسًا، هو إبداع بشري حر وقائم على الخيال المحض، يتبارى فيه الفنانون في "أيقنة" (بمعنى وضع عدسة مكبرة، أو إطار) على "لقطة ثابتة" مرسومة أو منحوتة، وذلك وفق أدوات ومدارس فنّية ذات سمات وخصائص متباينة تختلف بالعصور والمنطقة الجغرافية. كل صورة تحمل رأيًا -شخصيًا وإنسانيًا- مذيّلًا بتوقيع الفنان وتُعدّ جزءًا من حرية اﻹبداع اﻹنساني. حريتنا نحن، البشر، في الاعتقاد، والتصوّر لما هو معنوي غير مرئي، وتوثيق لكل ما نتصوره بشكل بصري كي يستطيع اﻵخرون رؤية ما نتخيله أيضًا. بطريقة أخرى، أعمالي الفنية -بالنسبة لي- هي: شهادة على ما تخيّلت منفردًا. الفن ﻻ تحكمه قواعد ثابتة، وﻻ توجد ضمانات مقدمة من الله أو رجاله بعصمة الفن. ربما تكون تعقيدات الفنان أكبر من أن تفهمها أجيال بِرُمَّتها. على سبيل المثال، وفي اللوحة نفسها، الطفل يسوع لم يرتد التاج الذهبي الملوكي يومًا، وهو القائل راشدًا: مملكتي ليست من هذا العالم، بينما الفنان غير مقيّد بنص ديني، ويرسم قناعاته الذاتية في المسيح كملك منتصر، حتى وإن أخبرتنا اﻷناجيل أن إكليل يسوع الوحيد كان من أشواك. الفن أكبر من الحدود، وجسرٌ مسكوني أممي إلى لغة غير منطوقة. فمثلاً، وفي نفس اللوحة، القديسون ﻻ يمشون بدوائر صفراء حول رؤوسهم، بل هي رمز (وثني اﻷصل، مأخوذ من الشمس، وباﻷدق تعبير بشري فني تم التوافق الجمعي عليه قبل اﻷديان التوحيدية) لهالة الروح، كنوع من التجسيد الفني لمسألة معنوية مثل القداسة. وهكذا في باقي فنون اﻷيقونات بمختلف مدارسها. اﻷمر أشبه بلغة حوار ﻻ يفهم ديناميكياتها إﻻ المتخصصون، لكن يمكن للكل لمس تأثيرها واﻹحساس بجمالها وروعتها حتى وإن لم يدرس هذه اللغة (أعني لم يتخصص أو يمارس الفن، خصوصاً أن اﻷمر أساسه موهبة من السماء)، فإن لم تملك حسّاً فنيًا أصيلًا، فلا جدوى مأمولة من دراسة مفرداتها ولغتها. الأيقونة الطقسية ونسخها المقلّدة: من بين لغة اﻷيقونات الفنية المتعددة، هناك جزء يُسمى "اﻷيقونات الطقسية"، ومعناها التاريخي يعود للمؤسسة الدينية (التقليدية بالطبع، لأن غير التقليدية ترى في "فن اﻷيقونة" شرًا لا خيرًا، كما هو الحال في الإسلام أيضًا). وأقصد بالمؤسسة هنا أن طبقة اﻹكليروس/ الكهنوت، قد انتخبت جزءًا من هذه الفنون البشرية، ورأت أنها وافقت معايرًا أخرى للدقة العلمية بجوار كونها "إبداعًا فنّيا"، فدشنتها... أي عمّدتها... ولهذا طقوس مقدسة تصير من بعدها اﻷيقونة حاملة لبركة الكنيسة على العمل اﻹنساني، وتُعامل معاملة خاصة من المؤمنين (المسيحيين) بعد أن صارت ممسوحة بزيت الميرون المقدس، والمتوارث لمئات السنين من ذخائر ﻻمست جسد المسيح واستُخدمت في تطييبه. هي هنا، بالتدشين، قد صارت مقدّسة. ﻻ تنعكس القداسة على نُسخ الأيقونات المقلّدة المُباعة في المكتبات، وﻻ بالطبع على نسخها الرقمية التي يضعها البعض بديلًا لصورة المِلفّ الشخصي. المسيحيون هنا أحرار في تعليق صور "دينية" في منازلهم وبيوتهم وممتلكاتهم من باب التزيّن، أو إعلان الهُوِيَّة، أو حتى إعلاء الهُوِيَّة الدينية فوق الهُوِيَّة الشخصية كما تفعل النساء المنغلقات اجتماعيًا على منصات مصممة للتواصل الاجتماعي... لكن ليس هذا أبدًا من باب القداسة، ﻻ في اﻷيقونة وﻻ في رافعها... تمامًا كما أن وضعك صورة لنسر بري ﻻ يعني أنك تستطيع الطيران، بل هو إفصاحٌ عن شخص يفتقد الحرية التي تتجلى في نسور البراري. أتصور أنّ نُسخة اﻷيقونة المُقلّدة، والمُعلقة في المنازل، أشبه بأن يُعلق أحدهم صورة لأبيه الراحل، أو يضع تمثالًا لأحد اﻷسلاف من باب الذكرى. فاﻷيقونة هنا مناطها الاستحضار للذكريات وليس القداسة. أي أنّ الاعتداء هنا -جدلًا، وإن حدث وسمينا هذه اللغة الفنية اعتداءًا كما يفعل المتطرفون- هو اعتداء على الملكيّة اﻷدبيّة والفكريّة للفنان راسم الصورة، واعتداء على ممتلكات مالك اللوحة الفنية. اعتداء على ممتلكات خاصة أو رؤية خاصة، لكنه ليس اعتداءً على مُقدسات جماعية، تمامًا كما أن تمزيق صورة أبيك أو جدك أو تنينك المُجنّح أو منظر طبيعي للنيل أو إحدى الفلاحات اللاتي "يملأن القلل" المعلقة في صالون منزلك، هو بالتأكيد ليس اعتداءً على اﻹنسانية! بعد التوكيد على كل النِّقَاط السابقة، فاﻷمر واضح في كون اﻷيقونات "ثقافة عالم" استخدمتها الكنيسة، وليس العكس. الكنيسة هي التي تذهب إلى ثقافات البشر وثقافة العالم "وتُعمّدها"، وليس العكس! خاصةً أن مُعظم اﻷيقونات التاريخية لها مسار تاريخي أوروبي يعود لعصر النهضة، ويحمل بصمات فنانين معروفين بإبداعاتهم وخيالهم المتحرر، في مقابل جمود وانغلاق المؤسسة الكهنوتية. فلوحة العشاء اﻷخير مثلًا، رسمها ليوناردو دافنشي، وسقف كنيسة السيستين الذي يمثل بداية الخلق وسقوط آدم من الجنة، هو لمايكل أنجلو. أفخر أيقونات العذراء ويسوع هي لرافاييل سانزيو. هذا الثلاثي، ورابعهم دوناتيللو، ليسوا مجرد مسميات لسلاحف النينچا، بل هم رباعي الفنانين الخالد اﻷشهر واﻷشرس لكنيسة روما، ونقطة التحول الفارقة من العصور الوسطى إلى عصر النهضة. ﻻ يوجد بين الفنانين النهضويين اﻷربعة وكنيسة العصر الوسيط إﻻ كل اختلاف، كما يختلف اﻹبداع ذاته عن الثقافة الجمودية، فقد أصر دوناتيللو على أن ينحت تمثال داود بأعضائه التناسلية ومؤخرته عارية، وأصر ليوناردو على رسم الذات اﻹلهية في جدارية "خلق آدم" على سقف كنيسة السيستين. لكن في هذا العصر، النهضوي بامتياز، كانت الكلمة العليا للتخصص الفني وليس للكهنة أو الرهبان أو جماعة دينية منغلقة، بعد أن قال الوباء اﻷسود كلمته وراح ضحيته ثُلث سكان أوروبا!     لنختلف ثانيًا: منذ تسعة عشر جيلاً والبشر يعبدون الضعف بشخص يسوع... ويسوع كان قويّاً ولكنّهم لا يفهمون معنى القوّة الحقيقيّة... ما عاش يسوع مسكيناً خائفاً، ولم يمت شاكياً متوجّعاً، بل عاش ثائراً، وصُلِبَ متمرّداً، ومات جبّاراً. (جبران خليل جبران: “يسوع المصلوب”، صفحة من كتاب: “العواصف”) عندما يقول الكتاب المقدس بكى يسوع فهو تعبير عن اﻷلم في موقف عصيب ومحدد، وليس تعبيرًا عن حالة من التعاسة الدائمة وعبوس الوجه أو الكآبة التي يجب أن تقترن بالمسيح طيلة حياته (وربما يطلبون العبوس والكآبة في كل من تبعه أيضًا، وإﻻ اتهموهم بعدم الإيمان! ) خطورة هذا الطرح من اﻷب يحنس ليست فقط في الطرح ذاته، بل في شخص صاحبه. هو ببساطة راهب وكاهن رهبان يتحدث في شؤون عالم يتخاصم معه ومع لُغته، وقد يختلط اﻷمر على العامة فيظنون رأيه رأي الكنيسة والمؤسسة والدين ورأي المسيح شخصيًا. وكل هذا محض افتراء يجب أن يُردع بحسم في مجال الرأي الشخصي. يفضّل العلمانيون منع اﻹكليروس تمامًا عن التعقيب بآرائهم الشخصية حتى ﻻ يسيء العوام فهم "صراعاتهم" ونزعاتهم المعادية للفن (الذي ﻻ يفقهونه، ومع ذلك يستخدمونه في جمع النقود! )، بينما يتفضّل الليبراليون باﻹصغاء للطرح بشكل ذاتي، بغض النظر عن شخص صاحبه، قبل الاشتباك والتفاعل بالتأييد أو النقدـ وأيضًا بغض النظر عن شخص صاحبه لإيمانهم بأﻻ مقدّس فوق النقد. وهو ما سأجتهد فيه في السطور المتبقية. لم يهبط يسوع من دائرة النور الأعلى ليهدم المنازل ويبني من حجارتها الأديرة والصوامع، ويستهوي الرجال الأشداء ليقودهم قسوساً ورهباناً... بل جاء ليبث في فضاء هذا العالم روحاً، جديدة، قويّة، تقوّض قوائم العروش المرفوعة على الجماجم، وتهدم القصور المتعالية فوق القبور، وتسحق الأصنام المنصوبة على أجساد الضعفاء المساكين... لم يجئ يسوع ليعلّم الناس بناء الكنائس الشاهقة، والمعابد الضخمة، في جوار الأكواخ الحقيرة، والمنازل الباردة المظلمة... بل جاء ليجعلَ قلبَ الإنسانِ هيكلاً، ونفسَه مذبحاً، وعقلَه كاهناً. (جبران خليل جبران: “يسوع المصلوب”، صفحة من كتاب: “العواصف”)   تجزئة المسيح مخلّة به التركيز على "المسيح الباكي" هو عقائديا تركيز على "الموت" دون "القيامة"، أما ﻻهوتيا فهو تركيز قصير النظر يخلو من الإسخاتولوچي وكأنما قيمة المسيح لديك انحصرت في يوم الجمعة دون سبت، دون أحد، دون استقراء لما بعد الموت... تركيز انتقائي على ساعات و أيام، مع إهمال لثلاثة وثلاثين عاما من "حياة يسوع" اﻷرضية، بل وألفي عام بعدها من حياة يسوع وحركته الفنية في خيال البشر من عشاقه بمختلف الشعوب والعصور. يسوع يتحرك في فن اﻷيقونات... هو حيّ فيها... هذه حقيقة وليست جملة أدبية شعرية! فهو أشقر ذو عيون زرقاء عند الرسام اﻷوربي، وأسمر ذو عيون سوداء عند اﻷقباط، مجعّد الشعر عند الأفارقة، ومسحوب العينين عند الفلبينيين، باسم الثغر عند الباسمين، وعابس الوجه عند العابسين والنكديين... من ذا المجنون الذي يريد حبس تصورات العالم في تصوّره الشخصي؟ فإن كان بولس الرسول يقول كل الكتاب صالح للتعليم، فنحن من بعده نقول: كل المسيح بكل حالاته صالحة للتعليم أيضا! ومن السخف حقيقة فرض "المسيح الباكي" المجزأ المخل، على المسيح الذي ظل طيلة حياته يجول بين الناس مبتسمًا للجميع يمسح دموع الحزانى وصانعا للحالمين أملا بحياة أفضل. للكنيسة كل الحق في انتخاب "المسيح المحايد الوجه" في أيقوناتها الطقسية. هذا بخلاف كونه حقها فهو حكمة مفهومة للجميع تسمح بتأويل "حياد الوجه" إلى مختلف الحالات المتعددة في خيال المؤمنين... لكن وبالتوازي، للفنان المسيحي الحق -والحرية أيضا - في التعبير عن مسيحه كما يراه، بعيدًا عن أي طقس مرتب ومهندم، دون أن يجبر على التوافق مع القناعات الاجتماعية لغيره... بل ومن حقه أيضا -إن أتقن لغة الفن- التحاور مع الفنان الأقدم بلسان الفن وإضافة التراكمات التعديلية على من سبقه... مثل إضافة ابتسامة الفرح على وجه صانع الفرح، ونقطة ارتكازنا فيما أسماه أبائنا الرسل وكتبة اﻷناجيل: "البشارة المفرحة". بالنهاية، أقول لهذه الفنان الفيسبوكي المجهول، واضع البسمة على وجه رموز الفرح المسيحي: ﻻ تبتئس وﻻ تحزن لجهلهم وﻻ عددهم، بل اغفر لهم لأنهم ﻻ يعلمون ماذا يفعلون. قم واحمل إضافتك التراكمية ودافع بكل قوة عن حقك ورؤيتك ولغتك المتفردة التي ﻻ يشوبها عوار اﻹساءة... هي لغة مفهومة لي، ولغيري من حماة الحياة ومحبي الجمال، ولقد أرسلت إليك لتحيتك عليها وعلى روعتها... فسامح هؤلاء الضعفاء الذين ينوحون عليك لأنّهم لا يدرون كيف ينوحون على نفوسِهم، واغفر لهم لأنّهم لا يعلمون بأنّك صرعت الموتَ بالموتِ ووهبتَ الحياةَ لمن في القبور. (جبران خليل جبران: “يسوع المصلوب”، صفحة من كتاب: “العواصف”)   واﻵن، يا أيتها النسخ الرهبانية الكريمة... أما آن الوقت لنصير أفرادًا؟   مورنينج من ده يا وﻻد الكئيبة!   --- ### أيها الأسقف.. من أنت؟ [٣] - Published: ۲۰۲۲-۱۲-۱۳ - Modified: 2022-12-23 - URL: https://tabcm.net/9188/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: بابا تواضروس الثاني, سمعان بن يونا, قديس بولس الرسول, مجمع الأساقفة لا أقصد من سطوري رسم صورة مثالية عن الأب الأسقف أو إعادة نشر اقتباسات من الوثائق الكنسية، الكتابية والآبائية التراثية عن ماهية الرتبة الأسقفية ومسئولياتها وواجباتها وحقوقها، ولا تحمل سطوري إسقاطاً على شخوص بعينها، سواء القائمين بيننا أو الذين رحلوا. ما يعنيني في المقام الأول هو ضبط بوصلة واقعنا على اتجاهات الكنيسة حسب الإنجيل وما استقر فيها من قوانين رسولية وآبائية خاصة في قرونها الأولى، قبل أن تضربها رياح الانقسام والتشتت وما نتج عنها من صراعات تحالفت مع الحروب الخارجية التي استهدفت وجودها وكادت أن تقتلعها من جذورها. في تقديري أن التغيرات الحادة التي اجتاحت مصر في غضون القرن العاشر كانت فارقة في ذهنية الأقباط (المصريون الذين بقوا على مسيحيتهم) وفي تفاعل الكنيسة معها، ومنها أن صارت الكنيسة حصنا يحتمي فيه الأقباط في تحرك عفوي وجودي يقيهم الذوبان في تلك المتغيرات أو الاندثار، كما حدث في كنيسة شمال إفريقيا. ولعل هذا يفسر لنا الجمع في ذاك الزمان بين اللسانين القبطي والعربي داخل الكنيسة وخارجها، ثم تراجع اللسان القبطي ليحتمى بأسوار الكنيسة مع تعريب الطقوس والصلوات برؤية البابا غبريال بن تريك (1131 ـ 1146م) حتى لا ينفصل أبناء الأجيال الجديدة -في زمنه - عن الكنيسة، وربما يفسر لنا حرص الكنيسة على تسجيل تاريخها خاصة سير الشهداء بسبب تمسكهم بإيمانهم، وتلاوته بشكل يومي في صلواتها الليتورچية، كطقس كنسي، فيما عرف بالسنكسار، لتدرك الأجيال المتتالية الثمن الذي دفعته أجيالهم السابقة لكى يصلهم الإيمان نقياً تقوياُ كما تسلموه من الرب يسوع الذي أودعه أناس أمناء وهي الوصية التي تناقلتها الأجيال. كانت الكنيسة تعبر قمماً وقيعان بقدر حرصها على معايير أمانة من اختيروا لهذه المهمة. وقد أوجز الرسول بولس هذا في توصيته لتلميذه تيموثاوس: "وَمَا سَمِعْتَهُ مِنِّي بِشُهُودٍ كَثِيرِينَ، أَوْدِعْهُ أُنَاسًا أُمَنَاءَ، يَكُونُونَ أَكْفَاءً أَنْ يُعَلِّمُوا آخَرِينَ أَيْضًا"(رسالة بولس الثانية إلى تيموثاوس2: 2) من هنا تشكلت نواة الإكليروس، وهي كلمة يونانية تعني "نصيب"، وتشير إلى أن الشخص اختار أن يكون "الرب نصيبه وميراثه"، وصار هو نفسه مكرس ومخصص لخدمة الرب، وقد أشار إلى الرتب الكنسية كل من القديس إغناطيوس الأنطاكي (من آباء القرن الأول الميلادي)، والعلامة القديس اكليمندس الإسكندري (من آباء القرن الثاني الميلادي)، وكلاهما ذكر أن الرتب الكنسية ثلاث هي: الأسقف والقس والشماس، كما ورد ذكرهم أيضا في مجمع نيقية المسكوني (325م). وأمامنا ما لا يحصى من المخطوطات والوثائق الكتابية والآبائية التي تتناول ترتيب ومهام ومسئوليات الرتب الكهنوتية الكنسية منذ القرن الأول، يمكن لمن يؤيد التوسع في مطالعتها الرجوع إلى كتابات الباحث الراهب القس أثناسيوس المقاري، وفي مقدمتها، كتاب "الكهنوت المقدس والرتب الكنسية"، وسلسلة كتب "معجم المصطلحات الكنسية". وقد اكتفيت هنا بما أورده القديس بولس الرسول في هذا الشأن متعلقاً بالأسقف في رسالته لتلميذه تيطس (1 : 7 ـ 16)، وأظنها الأساس الذي بنيت عليه أطروحات آباء الكنيسة عبر تاريخ الكنيسة حتى الآن. لأَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ الأُسْقُفُ بِلاَ لَوْمٍ كَوَكِيلِ اللهِ، غَيْرَ مُعْجِبٍ بِنَفْسِهِ، وَلاَ غَضُوبٍ، وَلاَ مُدْمِنِ الْخَمْرِ، وَلاَ ضَرَّابٍ، وَلاَ طَامِعٍ فِي الرِّبْحِ الْقَبِيحِ، بَلْ مُضِيفًا لِلْغُرَبَاءِ، مُحِبًّا لِلْخَيْرِ، مُتَعَقِّلاً، بَارًّا، وَرِعًا، ضَابِطًا لِنَفْسِهِ، مُلاَزِمًا لِلْكَلِمَةِ الصَّادِقَةِ الَّتِي بِحَسَبِ التَّعْلِيمِ، لِكَيْ يَكُونَ قَادِرًا أَنْ يَعِظَ بِالتَّعْلِيمِ الصَّحِيحِ وَيُوَبِّخَ الْمُنَاقِضِينَ. فَإِنَّهُ يُوجَدُ كَثِيرُونَ مُتَمَرِّدِينَ يَتَكَلَّمُونَ بِالْبَاطِلِ، وَيَخْدَعُونَ الْعُقُولَ، وَلاَسِيَّمَا الَّذِينَ مِنَ الْخِتَانِ، الَّذِينَ يَجِبُ سَدُّ أَفْوَاهِهِمْ، فَإِنَّهُمْ يَقْلِبُونَ بُيُوتًا بِجُمْلَتِهَا، مُعَلِّمِينَ مَا لاَ يَجِبُ، مِنْ أَجْلِ الرِّبْحِ الْقَبِيحِ. قَالَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَهُوَ نَبِيٌّ لَهُمْ خَاصٌّ:«الْكِرِيتِيُّونَ دَائِمًا كَذَّابُونَ. وُحُوشٌ رَدِيَّةٌ. بُطُونٌ بَطَّالَةٌ». هذِهِ الشَّهَادَةُ صَادِقَةٌ. فَلِهذَا السَّبَبِ وَبِّخْهُمْ بِصَرَامَةٍ لِكَيْ يَكُونُوا أَصِحَّاءَ فِي الإِيمَانِ، لاَ يُصْغُونَ إِلَى خُرَافَاتٍ يَهُودِيَّةٍ، وَوَصَايَا أُنَاسٍ مُرْتَدِّينَ عَنِ الْحَقِّ. كُلُّ شَيْءٍ طَاهِرٌ لِلطَّاهِرِينَ، وَأَمَّا لِلنَّجِسِينَ وَغَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ فَلَيْسَ شَيْءٌ طَاهِرًا، بَلْ قَدْ تَنَجَّسَ ذِهْنُهُمْ أَيْضًا وَضَمِيرُهُمْ. يَعْتَرِفُونَ بِأَنَّهُمْ يَعْرِفُونَ اللهَ، وَلكِنَّهُمْ بِالأَعْمَالِ يُنْكِرُونَهُ، إِذْ هُمْ رَجِسُونَ غَيْرُ طَائِعِينَ، وَمِنْ جِهَةِ كُلِّ عَمَل صَالِحٍ مَرْفُوضُونَ. (رسالة بولس إلى تيطس 1: 7 ـ 16) فإذا انتقلنا إلى واقعنا ماذا نجد فيه ولماذا؟ ودعوني أشير إلى أن الكنيسة القبطية، ومن ثم الأقباط، لم تعش عبر تاريخها المديد منعزلة عن المجتمع العام، ولم تتقوقع لتشكل "جيتو" أو "حارة نصارى"، لكنها في سياق مقاومتها للضغوط والاستهدافات المختلفة راحت تدافع عن خصوصيتها الثقافية، خاصة بعد الانقلاب السبعيني على التكوين المجتمعي المصري الفسيفسائي المتراكم الذي شهد إعادة بعث ودعم التيار الأصولي الإسلامي، فأكدت على انتسابها المصري، القبطي، ولم تكن طقوسها وصلواتها بعيدة عن تأكيد ارتباطها بالأرض والزرع والنيل، وانحيازاتها للفقير واليتيم والغريب والضيف، وهي قيم مصرية أصيلة، ورتبت أعيادها، وأصوامها، مع المواسم المناخية والزراعية، وتسرب إليها بعض من العادات الشعبية لعل أبرزها طقوس احتفالات "الموالد" التي لا تختلف كثيراً عن نظيرتها الإسلامية، وبرع في تجسيدها المبدعون صلاح جاهين وصلاح السقا وسيد مكاوي وناجي شاكر، في أوبريت الليلة الكبيرة على مسرح العرائس. لم تكن سبعينيات القرن العشرين فقط محلاً للانقلاب على طبيعة المجتمع المصري بل شهدت أيضاً تحولات حثيثة في التكوين الهيراركي للهرم الإكليروسي، كانت تنبئ بأن البابا الجديد يحمل رؤية متكاملة مشفوعة بخطة عمل لإعادة هيكلة المشهد الكنسي بجملته، لحساب الإكليروس. كانت السياسة وأدواتها حاضرة، وإن لم تخني الذاكرة كان مجمع الكنيسة، لحظة مجيء البابا الجديد، يضم ثمانية عشر مطراناً وأسقفاً حصراً، كانوا في غالبيتهم من الكهول والشيوخ، وعند رحيله بشيبة صالحة كان العدد قد تجاوز المئة، قيل في تبرير ذلك أن تقسيم الإيبارشيات يوفر خدمة أفضل، وإن دفع شباب الرهبان إلى مواقع الأسقفية يجدد دماء الخدمة، لكن الواقع كان له رأيًا آخر، ربما أكثر اتساقاً مع وصايا الرسول بولس لتلميذه تيموثاوس في مواصفات معاونيه: "وَإِنَّمَا إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يَعْرِفُ أَنْ يُدَبِّرَ بَيْتَهُ، فَكَيْفَ يَعْتَنِي بِكَنِيسَةِ اللهِ؟ غَيْرَ حَدِيثِ الإِيمَانِ لِئَلاَّ يَتَصَلَّفَ فَيَسْقُطَ فِي دَيْنُونَةِ إِبْلِيسَ. وَيَجِبُ أَيْضًا أَنْ تَكُونَ لَهُ شَهَادَةٌ حَسَنَةٌ مِنَ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَارِجٍ، لِئَلاَّ يَسْقُطَ فِي تَعْيِيرٍ وَفَخِّ إِبْلِيسَ"(رسالة بولس الأولى إلى تيموثاوس 3: 5-7) فإن استبدلنا بيته هنا بديره؛ كيف يمكن لمن لم يعش في ديره بالقدر الذي يسمح له باختبار الحياة المجمعية ومن ثم التلمذة على شيوخه، كيف يمكنه أن يعتني بكنيسة الله؟ ليس في الرعاية فقط بل أيضاً في التعليم في كنيسة تقليدية آبائية تدقق فيما تعلمه لأجيالها الجديدة، ولعل ما نراه من معارك تغشى الفضاء الإلكتروني وتدخل كل بيت وتربك ثوابت الإيمان سواء عبر بعض الأساقفة أو عبر وكلائهم، تؤكد أزمة الكنيسة التي لا يريد أحد أن يطرحها بشكل صريح. لن أتحدث عن أموال الكنيسة التي يتم في أحوال كثيرة تبديدها في أمور أقرب إلى السفه، أو في مواسم رِحْلات الأساقفة إلى الشمال بغير داع أو مبرر، أو في مظاهر اقتحمتنا لعل أيسرها ملابسهم المنبتة الصلة بطبيعة الكهنوت المسيحي، والمتحصنة بتأويلات من العهد القديم بغير حق، فلا علاقة بين كهنوت العهدين، وإلا نكون في حالة ارتداد فجة وتهود قاومته كنيسة العهد الجديد. وننسى أن ما يبددونه قوامه فلسي الأرملة وعطايا البسطاء، وينسى من يبدده بدم بارد تحذيرات الكتاب من فم القديس بطرس في رسالته الأولى: "ارْعَوْا رَعِيَّةَ اللهِ الَّتِي بَيْنَكُمْ نُظَّارًا، لاَ عَنِ اضْطِرَارٍ بَلْ بِالاخْتِيَارِ، وَلاَ لِرِبْحٍ قَبِيحٍ بَلْ بِنَشَاطٍ، وَلاَ كَمَنْ يَسُودُ عَلَى الأَنْصِبَةِ، بَلْ صَائِرِينَ أَمْثِلَةً لِلرَّعِيَّةِ. وَمَتَى ظَهَرَ رَئِيسُ الرُّعَاةِ تَنَالُونَ إِكْلِيلَ الْمَجْدِ الَّذِي لاَ يَبْلَى". (رسالة بطرس الأولى 5: 2-4)  ماذا إذا استمرت الرسائل الموجهة بين الأساقفة دون حسم من مجمع الكنيسة "المقدس؟! وهل من تفسير للموقف من البابا تواضروس الذي تشير ظواهر كثيرة إلى أنه موقف مدعوم من داخل هذا المجمع (المقدس)! ! . في فمي ماء. --- ### الرقص على روح أبي! - Published: ۲۰۲۲-۱۲-۱۲ - Modified: 2024-01-05 - URL: https://tabcm.net/9673/ - تصنيفات: مقالات وآراء لم يرجع أبي من فكّي الموت! كما لم أقدر أن أذكره في صلواتي؛ إذ كيف يُمكنُك أن تُصلي من أجل من يُعد جزءًا من قلبك؟ من أجل قيامة الأموات الذين رقدوا في الأيمان بالمسيح. يا رب نيح نفوسهم أجمعين. (مقدمة الأبسلطس بلحن التجنيز: لحن البولس) كنت لم أبلغ الثالثة والعشرون بعد، آنسة لطيفة تؤمن بالأحلام والمعجزات، خريجة جديدة تجمع خيوط الألوان بين يديها ولا تعبأ بمسؤوليات المنزل: هناك شخص "كبير" موجود. على أنها نفس الأيام، الصباحات الباهتة ذاتها، محاولات البحث عن عمل ثابت أثبت به المهارة مستمرة، خدمتي كالمعتاد، التواصل مع أصدقاء الكلية باهتًا ولو أنه متاح... لكن في الأفق، وربما على بعد ميتافيزيقي غير مفهوم، لاحت غمامة وحجبت بدر الليل المكتمل أمامي؛ شعور لا يفارقني بالاضطراب، لا يلبث ويعود مهما أنهيت قراءة كتبي المفضلة أو حللت استخدام الكادرات الأمثل في أفلامي المفضلة... تمامًا كالـ"دمنتور" الشبحي الذي يعرف طريق ذكرياتك السعيدة ويجهضها في الرحم. ما خَطب العالم قد صار هكذا يبدو مسطحًا باهتًا ورَثًا كرداءٍ فَقَدَ لونَه من فرط الغسيل؟ (سي. إس. لويس: قصة فقدان) بعد ظهيرة الثاني عشر من شهر ديسمبر، بالتحديد في الواحدة وعشر دقائق عصرًا، استيقظت من رقاد النوم اللذيذ بعد ليلة عصيبة من الأرق غير المبرر على صوت مألوف، هذا صوت أبي ولكنه أكثر بهتانًا وخشونة وسرعة تشبه سرعة "غسالة أوتوماتيكية" على برنامج الغليان! أبي يطلب من طبيب المعمل الحضور سريعًا؛ كالمعتاد يؤرقه قلبه ويشعر بتلك الوخزات الوقحة لحد الغليان في صدره. كنت قد قابلت أبي مصادفة في صالة المنزل وأنا أتابع فيلم "الآخر" لشاهين أثناء مناوبة قلقي الليلية، كاد يبدو طبيعيًا، فقط تسائل لمَ لم أنم حتى الآن. كل شيء طبيعيًا وباردًا خلال أول موجات البرد القارس والمطر المنهمر في بداية ديسمبر، ما الجديد؟ في ذلك الصباح لم نتحدث حتى، فقط طمأنته أن كل شيء على ما يرام، سيأتي الطبيب ونذهب معه للمشفى، والآن سأذهب مسرعة لغسل وجهي والتحرك معه. لم تعادل برودة مياه الصنبور القشعريرة التي تسربت لفقرات ظهري وأنا أسمع صوت أمي صارخًة باسم أبي بهستيرية لم اعتدها من قبل؛ الآن انتهى كل شيء، على الأقل آلمه الشخصي. إن الموت فَقَط يفضح الفراغ الذي كان دائمًا موجودًا ونحن لا نلحظه. (سي. إس. لويس: قصة فقدان) لدقائق تسمرت في موضعي، لا أدري حقًا ماذا عليَ أن أفعل: مات أبي دون أن يودعني بأي كلمة، لم أتوقع ذلك مطلقًا. اختلفنا معًا واتفقنا كذلك، ضحكنا ودمعت عيوننا سويًا، على أننا في الأخير لم نكن دومًا على وفاق، ولكني لم أتعجل المناقشة معه؛ كان "موجود" دائمًا. جلست وأنا مدركة اختفاء أبي تحت الأغطية؛ فهو لن يعود. لم أفهم يومًا لم يُغطى وجوه الموتى؛ فهم ليسوا بأذى الأحياء! أحاول تبين ماذا ينبغي أن أفعل: أعلم أن في تلك الأحوال يبكي الناس وينوحون لفقد أحبائهم، أشعر بالذنب ربما إن استطعنا نقله للمشفى سيتمكنون من إنعاش القلب، هل ينبغي إخبار الآخرين بما حدث؟ أبي أصبح حدث؟ من أخبر؟ لا أحد هناك سوى "أنا" وارتباكي والموسيقى التصويرية لكمال الطويل وصلاح الشرنوبي في فيلم "الآخر" تصدح في الخلفية! هل يخمد النوح بعد زمن ليترك وراءه إحساسًا بالملل والبلادة مَشوبًا بمسحة من الغثيان؟ (سي. إس. لويس: قصة فقدان) فجيعتي لا تقارن، ولكن يبدو أن الحياة لن تتوقف لمصيبتي! بـ"أدب القرود" ودموع "المناسبات" المعلبة سلفًا، وتوافد المعزون المتعبون! لا أحد يشعر، كلٍ يبكي على ليلاه، الكل يرتدي لباس الحكمة والورع! شعرت بلكمة شديدة كلما وجه أحدهم لي كلمات العزاء الصلفة: إنتي كبيرة دلوقتي، أمال لو كان سابك وإنتي عيلة، هو عمل اللي عليه، ربنا بياخدنا واحنا في احسن وقت، خليكي قد المسؤولية، هتعترضي على قضاء ربنا! إنك لا تستطيع أن ترى شيئًا جيدًا حينما تكون عيناك غارقتين في الدموع. (سي. إس. لويس: قصة فقدان) تدفقت الدموع من عيني في انسياب غريب، كما لو كنت أبكي مُنذ سُرقت حلوتي في الطفولة إلى رقود أبي! بكيت حتى شحت الدموع في عيني وتغيرت ملامحي وتجعدت بشرتي... بكيت كما للموتى منذ القدمِ! باد أقنومي ورجائي من قِبل الرَبُ. الرب! يا لخيبة أملي وقتئذ منه! لماذا؟ قل لي لمَ تسرقني قبل ٦ أيام من عيد مولدي؟ لماذا تتصرف بطرقًا غامضة جدًا؟ أعني غامضة بقدر عدم تصرفك على الإطلاق؟! كانت شكوكي الغاضبة عاطفية أكثر من كونها عقلية - بحسب تعبير فيليب يانسي - فخيبة الأمل تنطوي بشكل أو بأخر على علاقة منشودة لم تفلح بطريقة من الطرق! كان علىَّ أن أتعلَّم أن كل العلاقات الإنسانية تنتهي بالألم؛ فهذا هو الثمن الذي يتقاضاه الشيطان منَّا، بسبب عدم كمالنا، في مقابل امتياز الحب. (سي. إس. لويس: قصة فقدان) كمؤمنة مسيحية، أعلم التالي: فإن الله خلق الإنسان خالدا، وصنعه على صورة ذاته، لكن بحسد إبليس دخل الموت إلى العالم، فيذوقه الذين هم من حزبه. (سفر الحكمة لسُليمان النبي: الإصحاح الثاني، من ٢٣ إلى ٢٥. ) أردد كذلك مع بُولُس: لأن انتظار الخليقة يتوقع استعلان أبناء الله. إذ أخضعت الخليقة للبطل -ليس طوعا، بل من أجل الذي أخضعها- على الرجاء. لأن الخليقة نفسها أيضا ستعتق من عبودية الفساد إلى حرية مجد أولاد الله. (الرسالة إلى رومية: الإصحاح الثامن، من 19 إلى 21) نعم، بحسب الإدراك العقلي كنت أعلم أن للبشر طريق الموات، كنت أردد أن الله صالح "عادل أنت يارب وقضائك مستقيم"، ولكن غضبي لم يكن كذلك. ”ما الذي يعنيه الناس عندما يقولون: إني لا أخاف من الله لأني أعلم أنه صالح؟ ألم يذهبوا إلى طبيب الأسنان من قبل؟“. نعم غضبت منه ومن أتباعه مرددي الحكم والمواعظ. يا سيد لو كنت ههنا لم يمت"أبي". (الإنجيل من بشارة يوحنا: الإصحاح الحادي عشر- بتصرف) أن الملحدين الحقيقيين لا يشعرون بخيبة أمل بالله. فهم لا يرجون شيء، ولا ينالون شي. غير أن أولئك الذين يسلمون حياتهم لله، مهما كان، يتوقعون شيئًا في المقابل، توقعًا فطريًا، فهل تلك التوقعات خاطئة؟ (فيليب يانسي) وضعوا أبي في تابوته الثمين، كما لو كان سيشعر بمدى حرفة صانع التابوت! ولطيبتهم الشديدة جعلوني ألقي نظرة أخيرة عليه، لم أعرفه، كطفل مقمط بمناديل وعصائب كان أبي صامتًا! كم وددت بصدق أن استقبل يسوع على مشارف المدينة ليقيمه، حتى ونحن في صلوات الجناز انتظرت أن يأتي أحد عوضًا عن نظرات الشفقة ممن حولي وترديد الكهنة الكلمات كما لو كان الأمر اعتيادي وهذا واجبهم! واجبات عديمة المعنى لم تطفئ نيران دمعي. خمس حواس، وعقل يمارس التجريد بلا هوادة، وذاكرة عشوائية الانتقاء، ومجموعة من المفاهيم والافتراضات المسبقة الكثيرة جدًا حتى إني لم أستطع فحص إلا القليل منها دون أن أكون حتى واعيًا بها جميعًا. كم من مجمل الواقع، يمكن لمثل ذلك الجهاز أن يستقبل. (سي. إس. لويس: قصة فقدان) كان صدى تساؤل في رأسي: هل تعبث معي يا الله؟! لمَ لست هنا؟ لم لا تفعل شيئًا؟ أي شيء لعين! لا تدعهم يفطرون قلبي ويوسدوا أبي تحت الغبار، أوقف ثرثرتهم الغبية بشأن القدر والرسائل، أولئك لا يعترفون بألمي: يريدوني أن أهدأ، يرغبون أن أكف عن البكاء، يريدوني أن أتناول الحلوى وأصمت! ماذا حدث؟ فقدان عزيز جميعنا فقدوا! لسخرية القدر حتى الكاهن أراد أن يجعلني أضحك خلال مراسم تلقي العزاء من خلال دعابة سمجة... لا أحد هناك فقط في ظلال الموت كنت أنا وألمي. إن السبب الكامن وراء كون معظم الناس يخشون الله، وفي قرارة النفس يبغضونه، هو كونهم لا يثقون بقلبه على الأرجح، ويتصورونه عقلًا فحسب مثل الساعة. (هرمان ملفيل) مجددًا مع السيد يانسي أتفق: ربما لم أكن متأهبًا لتقبل وجود الفرح والحزن وباختصار: "الشغف" عند إله الكون. فإذا درست عن الله، وروضته وركزته في كلمات ومفاهيم، فقدت قوة العلاقة الحميمة التي يطلبها الله فوق كل ما عداها. إنما اشخاص الذين كانت لهم أفضل علاقة بالله عاملوه بحميمية مذهلة. فقد حدثوا الله كما لو كان جالسًا على كرسى بقربهم، مثلما يتكلم المرء مع مرشد أو رب عمل أو أب أو حبيب. لقد عاملوه على أنه شخص! (فيليب يانسي) مع الوقت، بعدما هدأت عواصف الغضب بصدري، كان لا يزال ههنا... ربما حتى منتحبًا معي! في خبرتي الخاصة، أعتقد أنه لا مبال بالتبريرات! فإن حجب وجهه، فذلك الوجه توخّط بالدموع! خلاصة القول، لم يرجع أبي من فكّي الموت! كما لم أقدر أن أذكره في صلواتي؛ إذ كيف يُمكنُك أن تُصلي من أجل من يُعد جزءًا من قلبك؟ أخشى أحيانًا أن يختلف حضوره الحقيقي عن صورتي عنه التي تشوهت بفعل الزمن والنسيان وتسرب ذكرياتي الثمينة معه كتسرب حبات القمح من فتحات الغربال. ما تغير هو أنا، أنا غاضبة من الموت، إلا أن رجاءا يراودني من بعيد أن ألتقي أبي في بلاد الشمال الدافئة حيث يسكن أصلان! لابد أن تترك على شاطئ البحر الزابد كل حيلك ودفاعاتك الأولية حتى تعبر إلى تلك البلاد. علمت أنك هناك؛ مختلفًا عن الآخرين، وهذا بالطبع لحسن حظي. هناك يُمكنني البكاء والنحيب والخوف والذعر دون لوم أو إدانة. فقط أكون أنا. وهذا ما لا تسمح به الأعراف والتقاليد. --- ### رسالة يعقوب الرسول
الله غير مجرب بالشرور - Published: ۲۰۲۲-۱۲-۱۱ - Modified: 2022-12-10 - URL: https://tabcm.net/9619/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: آدم, الشيطان, حواء, قديس بولس الرسول "لاَ يَقُلْ أَحَدٌ إِذَا جُرِّبَ: «إِنِّي أُجَرَّبُ مِنْ قِبَلِ اللهِ»، لأَنَّ اللهَ غَيْرُ مُجَرَّبٍ بِالشُّرُورِ، وَهُوَ لاَ يُجَرِّبُ أَحَدًا“. (رسالة يعقوب 1: 13)  تعريف الشر هو كل ما يتعارض مع صلاح طبيعة الله. بالتالي فإن الله يستحيل أن يُجرِّب أحداً بالشرور لأنها ليست من طبيعته سبحانه: ”أَلَعَلَّ يَنْبُوعًا يُنْبِعُ مِنْ نَفْسِ عَيْنٍ وَاحِدَةٍ الْعَذْبَ وَالْمُرَّ؟ هَلْ تَقْدِرُ يَا إِخْوَتِي تِينَةٌ أَنْ تَصْنَعَ زَيْتُونًا، أَوْ كَرْمَةٌ تِينًا؟ وَلاَ كَذلِكَ يَنْبُوعٌ يَصْنَعُ مَاءً مَالِحًا وَعَذْبًا“(رسالة يعقوب 3: 11، 12) أما التجربة التي تكلم عنها الإصحاح الأول قبلاً وكما شرحنا في المقالات السابقة، فهي الضيقات التي تواجه الإنسان في العالم، التي قد تتسبب في تفكك الإنسان أمام شدتها ومن ثمَّة سقوطه. ولكن إذا وضعها الإنسان في يد الله فإنها تصير مثل سُلَّمٍ يَصعَده الإنسان وتَزكيةً له في طريق الملكوت. فصليب المسيح وآلامه كان ضيقةً ومراراً. ولمَا صعد عليه الرب صار معبراً إلى القيامة والحياة. "وَلكِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُجَرَّبُ إِذَا انْجَذَبَ وَانْخَدَعَ مِنْ شَهْوَتِهِ“(رسالة يعقوب 1: 14) فإنه الشيطان وطبيعته الشريرة هو الذي بغوايته للإنسان يتلاعب به، فيخدعه ويجذب رغباته وشهوة قلبه نحو مقاصد الشيطان الشريرة إلى أن يسقط. ” ثُمَّ الشَّهْوَةُ إِذَا حَبِلَتْ تَلِدُ خَطِيَّةً، وَالْخَطِيَّةُ إِذَا كَمَلَتْ تُنْتِجُ مَوْتًا“(رسالة يعقوب 1: 15) لقد خلق الرب الإله آدم ذو طبيعة طاهرة تحمل صورة الله فيه. فلجأ عدو الخير إلى خديعة الكذب واستغل حرية إرادة الإنسان، التي بها يختار الإنسان أن ينجذب إلى شيء دون الآخر حسب ما يشاء. وتسلل الشيطان وعبث بطبيعة الإنسان فتلوثت شهوة قلبه بمقاصد شيطانية جذبت الإنسان بعيداً عن الله. فلم يعُد الله هو كل مشتهى قلب الإنسان: ”وَرَأَى الرَّبُّ أَنَّ شَرَّ الإِنْسَانِ قَدْ كَثُرَ فِي الأَرْضِ، وَأَنَّ كُلَّ تَصَوُّرِ أَفْكَارِ قَلْبِهِ إِنَّمَا هُوَ شِرِّيرٌ كُلَّ يَوْمٍ. فَحَزِنَ الرَّبُّ أَنَّهُ عَمِلَ الإِنْسَانَ فِي الأَرْضِ، وَتَأَسَّفَ فِي قَلْبِهِ“(سفر التكوين 6: 5، 6) هذه هي المرحلة الأولى من التفاعل بين الفكر والشعور. ثم تأتي المرحلة الثانية وهي الفعل، أي اقتراف الشر والخطية فعلًا وليس بتصور القلب فقط. وقد استخدم الكتاب مثالاً تصويرياً بما يحدث للأم من تغيرات في جسمها إلى أن تلد طفلها ليشرح به ما يحدث من تغيرات في الجانب الروحي لعلاقة الإنسان بالله وتأثير غَوَاية الشيطان في دخول الفساد إلى طبيعة الإنسان الروحية بحيث تصبح طبيعته في النهاية غريبة عن طبيعة الله. عندئذ تستحيل شركة الإنسان في مجال حياة الله فيخرج خارجاً وهذا هو الموت ثم العدم. ولأن صورة الله لم تفارق طبيعة الإنسان بالرغْم من سقوطه، بسبب كرامة الصورة التي خُلِقَ عليها آدم، لذلك لم يترك الله آدم ليعود إلى العدم والانقضاء كما نقول في القداس الإلهي: ”لم تتركنا عنك إلى الانقضاء بل تعهدتنا بصلاحك“. ولهذا ظل اشتياق الإنسان إلى الله خالقه بالرغْم من السقوط الذي شوَّه وطمس صورة الله في الإنسان. ولكنها لا تزول. إن أحداث الخلق والسقوط تكشف لنا كيف أن الخطيئة تتسلل داخل الإنسان بالتدريج عبر بوابة الفكر والشعور إلى أن تقود فعله وسلوكه وأخيراً تتربع على كل كيانه مستأثرةً به في الشر. بهذا يكون الإنسان قد تغرَّب عن مجال حياة الله إلى مجال غريب يسميه الكتاب ”موت الخطية“. ولقد وصف القديس بولس الرسول حالته عندما جاز تلك الغربة عن الله  قبل ظهور المسيح له ”تحيا الخطية وأموت أنا“. أنه صراع بين طبيعة الحياة والموت وبين سلاح البر ضد الخطية. الذي انعكس على اللاهوت المسيحي الشرقي فكان التركيز ليس على الخطية بل على الحياة المُنشِئة لكل بر، التي أُظهرَت بتجسد المسيح ربنا لكي تخلص الإنسان من دائرة الموت الذي أمسك بآدم وذريته: "فَإِنَّ الْحَيَاةَ أُظْهِرَتْ، وَقَدْ رَأَيْنَا وَنَشْهَدُ وَنُخْبِرُكُمْ بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَ الآبِ وَأُظْهِرَتْ لَنَا“(يوحنا الأولي 1: 2) لذلك فإن منهج الروحانية الأرثوذكسية يهتم بأن يوقظ وعي الإنسان إلى ضرورة أن يسرع ليرتمي في حضن الرب الإله مهما كانت درجة انجذابه بالشهوة بعيداً عن الله. بل حتى لو لم تكن مشاعره مهيئة بعد للرجوع إلى الله. فعلاقتنا بالله أساسها الانتماء إليه، بينما المشاعر تعلو وتخبوا ويبقى انتماؤنا لله لا يتزعزع مهما حدث. ولنا في سلوك الابن الضال ورجوعه إلى أبيه أسوة حسنة. والسُبح لله. بقلم د. رءوف إدوارد --- ### مجمع قرطاجنة: الظروف والنشأة - Published: ۲۰۲۲-۱۲-۱۰ - Modified: 2022-12-10 - URL: https://tabcm.net/9686/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, لاهوتيات - وسوم: النسطورية, بابا كيرلس عمود الدين, بابا لاون الأول، بابا روما, ببلاجية, بيلاجيوس, جورج فلوروفسكي, طومس لاون, قديس أوغسطينوس، أسقف هيبو, مجمع قرطاچنة مع كل المهازل التي يزخر بها سنكسار كنيستنا، طالعت مصدومًا منشورًا فيسبوكيًا لأحد القساوسة الذين ألقت بهم رياح السموم إلينا، والمنشور هو صورة لفقرة أضيفت لسنكسار إلكتروني، تقول الفقرة إن أحد أسباب انعقاد مجمع أفسس هو "بدعة بيلاجيوس" وأن المجمع ناقش "بيلاجيوس" (هكذا! ! ! ! ) ثم حرمه. بعض الأساقفة وصبيانهم يتمادون، حتى إنهم استصدروا قرارًا من أفسس الآن وبعد ستة عشر قرنا، باعتماد مقررات مجمع قرطاجنة (صاحب الخلل الفكري الأكبر في تاريخ المسيحية) وهذا من ضروب الخبل، لا لهدف إلا إضفاء مشروعية على مبدأ "وراثة الخطية" الذي يروجونه. نحن لا نمانع أبدًا وجود الجهل، ونقبله كنتاج حِقْبَة حالكة السواد مرت على كنيستنا، ولكننا لا نستطيع قَبُول التدليس، لا نستطيع قَبُول الاستمرار في تزييف وعي الأجيال وإزاغة تمييزهم، والكارثة إن يتم هذا من رعاتهم. بداية، وقبل التطرق إلى "قرطاجنة" ننهي بعض الفريات الخاصة التي يلصقونها بأفسس، التي ترتبط بالبيلاجية، كان الصراع (الأغسطيني- البيلاجي) صداعا حادا للكنيسة اللاتينية، وانشقاقا واسعا بين أساقفتها، انحازت كنيسة شمال إفريقيا بالكلية نحو الأغسطينية، بينما مال الكثير من أساقفة أوروبا الغربية إلى البيلاجية، كان الصراع يدور حول "وسيلة" خلاص الفرد، بينما تؤمن الأغسطينية بعمل "النعمة الإلهية" حصرا وقصرا، تؤمن البيلاجية بأن الخلاص هو عمل "الإرادة الذاتية" للشخص. غني عن البيان إن الشرق المسيحي لم يكن معنيا إطلاقًا بهذا الصراع لأنه يؤمن بـ"التآزر" بين عملي النعمة والإرادة، ووجوب تواجد كليهما حتمت ضرورات التدبير الكنسي على باباوات روما حرمان البيلاجية ورؤوسها، وهذا ما حدث، فكان هناك حرم من البابا سليستين لرؤس البيلاجية، وكان كتجديد للحرم السابق الصادر من البابا إينوشنسيوس. وجدت البيلاجية ملاذا آمنا في النسطورية الناشئة في الشرق، ويقول "فلوروفسكي": "كان مسيح نسطوريوس فاديا مناسبا للبيلاجيين" (الأب جورج فلوروفسكي) ووجدت النسطورية في البيلاجية مخلبا مناسبا لاختراق روما، وفي الحرب المستعرة مع الإسكندرية لم تكن البيلاجية هما للمجتمعين في أفسس نهائيا، إلا من واقع دعمها للنسطورية، ولم تتم مناقشتها في أية جلسة، ولم يحضر "بيلاجيوس" المجمع أصلا (غالبا لوفاته)، ومن حضر فعلا هو "كاليستوس" تلميذه. جرت الأحداث في أفسس كما نعلمها، وقطع نسطوريوس قبل وصول "يوحنا " أسقف أنطاكيَة، صديق نسطوريوس والمنتمي لنفس المدرسة الفكرية (مدرسة أنطاكيَة اللاهوتية)، مع ملاحظة إن كل ما جرى في المجمع لم يكن على هوى السلطة المدنية. فور وصول يوحنا إلى أفسس، جمع أساقفته وأساقفة نسطوريوس و كان من ضمن الحشد كاليستوس، تحت حماية السلطة المدنية، وعقد مجمعا واتخذ قرارًا بقطع القديس كيرلس، وممنون أسقف أفسس. شعر القديس كيرلس بخطورة الموقف، وانقسم الأساقفة إلى مجموعتين أو مجمعين بالأحرى، تحظى إحداهما (أصدقاء نسطوريوس) بالدعم والرضا الإمبراطوري، في غياب دعم روما المعتاد للإسكندريين، حيث لم يكن الوفد قد وصل بعد، أعاد القديس كيرلس انعقاد المجمع المؤيد له، وكان من الحكمة أنه لم يشأ توسيع هوة الشقاق، ويرد بقطع مماثل للأسقف يوحنا والمجتمعين معه، وفي نفس الوقت كان حصيفا ليفعلها دون أن يلوث أصابعه، واستغل أن كاليستوس كان مقطوعا فعلًا من بابا روما، واستصدر قرارًا من مجمعه بقطع كاليستوس والمجتمعين معه، والمعروف حاليا بالقانون الأول. غني عن البيان إن القطع يشمل يوحنا و مجمعه، دون أن يذكر اسمه، وقد أثبتت الأيام حصافته وبعد نظره، إذ عادت المياه للجريان لاحقا بين الإسكندرية وأنطاكية، وتصالح كيرلس ويوحنا وصاغا رسالة المصالحة بينهما. أرسل القديس كيرلس رسالة للإمبراطور يطعن فيها في مجمع يوحنا الأنطاكي مستغلا وجود كاليستوس، شارحا البيلاجية وتوجهها من عدم الاحتياج لتجسد الرب، و قدرة الإنسان بإرادته الذاتية على التبرير، بعد أن استقامت الأوضاع بوصول وفد روما ودعمه لمجمع القديس كيرلس، جاءت الإشارة الأخيرة لبيلاجيوس وكاليستوس، في خطاب المجمع للبابا سيلستين، وجاء فيه بالنص: "عندما قرأ في المجمع المقدس ما تم بخصوص إسقاط الجاحدين بيلاجيوس وكالستوس ومن يشايعهم، فنحن أيضا رأينا أنه من العدل تثبيت حكم قداستكم بشأنهم، ونعتمد تنفيذه". (جزء من خطاب الأساقفة للبابا سيلستين)  ما سبق هو بيان ما حدث في أفسس فيما يخص البيلاجية والبيلاجيين، الأمر الذي يشي بوضوح تام أن الإضافة التي تمت على هذا السنكسار بالليل هي محض تدليس، وليس لأي جهة -حتى المجمع نفسه ولجانه- حق تعديل أي نص كنسي، دون الرجوع للشعب صاحب المصلحة الوحيد في تقرير هذه الأمور. يصبح من نافلة القول إذن أنه بالأحرى لا يوجد علاقة بين أفسس وقرطاجنة، ولكننا سنفرد الحلقة القادمة لفحص قرطاجنة نفسه، وتوضيح الجريمة التي يقترفها كل من يزعم بوجود أي رابطة بين المجمعين. نهاية، هناك سؤال قد قفز إلى ذهني أود مشاركته معكم وأرجو أن يلتفت له باحثونا الشباب وأن يولوه عنايتهم، وهو: هل كان "لاون" صاحب الطومس، مائلا إلى البيلاجية؟ --- ### التأله عند الآباء السريان - Published: ۲۰۲۲-۱۲-۰۹ - Modified: 2023-11-30 - URL: https://tabcm.net/9650/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: الآباء السريان, الشرق الأوسط, الكنيسة اليونانية, بهنام سوني, بولس الفغالي, روفائيل مطر, عقيدة التأله, قديس أثناسيوس الرسولي, كتاب الفينيقيت السرياني, مار أڤرام السرياني, مار فيلوكسينوس المنبجي, مار يعقوب السروجي, يوحنا سابا الدلياتي الروحاني يعتقد البعض أن عقيدة التأله بالنعمة هي عقيدة حصرية عند الآباء اليونانيين، ولكنها عقيدة راسخة في الكنيسة شرقًا وغربًا، وفي جميع التقاليد المسيحية. وسوف نبحر الآن في عالم الآباء السريان، لنرى مفاهيم التأله في الأدب السرياني. مار أفرام السرياني نبدأ من مار أفرام السرياني الملقب بقيثارة الروح القدس، حيث يسجل في أشعاره وترانيمه الموزونة عقيدة التأله كما فهمها آباء الكنيسة اليونانية، لأنه كان معاصرًا للقديس أثناسيوس الرسولي، فيتحدث عن عقيدة التأله بالنعمة كالتالي: ”الله في مراحمه، دعا المائتين آلهةً بالنعمة، أما هم فحدَّدوا مَن هو الله، وتعقبوه وكأنه إنسان، الكاروبيم حملوا جسدكم الذي لبس، والسيرافيم يزهون قدامه، وقدامه الملائكة صامتون، وأنتم أيها المحتقرون، تحتقرون ولادة الإله الوقور“. (مار أفرام السرياني، أناشيد الإيمان ج1 (1- 40)، تَرْجَمَة: الخوري بولس الفغالي) ويتحدث مار أفرام السرياني أيضًا عن أن الله في تجسده صنع معنا مبادلة خلاصية، حيث وهب لنا اللاهوت ووهبنا نحن له الناسوت كالتالي: ”الشكر لمَّن آتى بالبركة، وأخذ منا الصلاة، المسجود له نزل إلينا، أصعد منا السجود، وهب لنا اللاهوت، فوهبنا له الناسوت، آتى إلينا بالمواعيد، فوهبنا له إيمان إبراهيم حبيبه، اقترضنا منه الصدقات، نقود أيضًا وبطلبها منه“. (مار أفرام السرياني، أناشيد الإيمان ج1 (1- 40)، تَرْجَمَة: الخوري بولس الفغالي) ويتحدث مار أفرام أيضًا عن ارتقاء النفس والجسد إلى ذروة الجلال والمجد في السماء كالتالي: ”ترتقي الأجساد طبقات النفس، والنفس طبقة الفكر، ويرتقي الفكر ذروة الجلالة، وهو يقترب بخشية ومحبة، فلا يغريه الارتقاء، ولا يبعده الانفصال، فإن في بعده فطنةً، وفي دنوه عونًا له“. (مار أفرام السرياني، منظومة الفردوس، تَرْجَمَة: الأب روفائيل مطر اللبناني) مار يعقوب السروجي ثم ننتقل إلى مار يعقوب السروجي الملقب بمنارة الروح القدس وقيثارة السريان، الذي يتحدث بنفس صيغة التأله الشهيرة الخاصة بالقديس أثناسيوس ”صار ابن الله إنسانًا لكي يؤلهنا“، حيث يقول التالي: ”لما نزل، أنزل معه من العلويين، ولما صعد، أصعد معه من السفليين، أنزل الروح وأصعد الجسد، وكمل الأمرين: صار إنسانًا، وجعل الكثيرين آلهةً“. (مار يعقوب السروجي، ميامر مار يعقوب السروجي مج1، تَرْجَمَة: الأب د. بهنام سوني) ويتحدث مار يعقوب السروجي أيضًا عن تألهنا بالمعمودية، حيث يقول التالي: ”البتول أعطت لربنا جسدًا ليصير إنسانًا، والمعمودية صبغتنا بالروح لنصير آلهةً“. (مار يعقوب السروجي، ميامر مار يعقوب السروجي مج1، تَرْجَمَة: الأب د. بهنام سوني) ويستخدم مار يعقوب السروجي مجددًا صيغة التأله التبادلية المشهورة في موضع آخر قائلاً: ”ولهذا آتى الكلمة الذي شاء أن يصير لحمًا، لينتمي إلى جنس الناس ويخلصهم، هو صار منا من بطن الممجدة، وجعلنا منه من ميلاد المعمودية، صار ابن الإنسان وجعل البشر آلهةً، وأصعدهم ليدعوا السماوي: أبانا“. (مار يعقوب السروجي، ميامر مار يعقوب السروجي مج1، تَرْجَمَة: الأب د. بهنام سوني) مار فلوكسينوس المنبجي ثم يتحدث مار فلوكسينوس أسقف هيرابوليس (منبج) وهو أحد الآباء السريان المناوئين لمجمع خلقيدونية 451م، والمدافع القوي عن الخريستولوجي اللا خلقيدوني، حيث يتحدث عن أن المسيح في تجسده: ”جعلنا أبناء الآب وآلهةً في السماء“. (Tractatus tres de trinitate et incarnatione, 229: 15) ويستخدم مار فلوكسينوس المنبجي صيغة التأله التبادلية الشهيرة موضحًا معاني التأله من إعادة خلق الطبيعة البشرية من جديد في المسيح، ونوال التبني لله الآب كالتالي: ”لأن الكلمة، الذي هو الله، رغب أن يجعل البشر أبناء الله، فنعترف بأنه أخلى ذاته، وصار جسدًا، ولبس طبيعة إنسانية كاملة لكي يعيد خلق الكيان الإنساني بالكامل في نفسه، ولأنه أصبح إنسانًا فينا، نحن أيضًا تألهنا وأصبحنا أبناء الآب“. (Ibid, 299: 15 = 15- 129: 2) ثم يتحدث مار فلوكسينوس أيضًا عن أننا صرنا أبناء للآب في الابن، وصرنا متألهين في الله الذي صار إنسانًا كالتالي: ”لقد أصبحنا جميعًا أولادًا في الابن الذي صار إنسانًا، لقد تألهنا جميعًا في الله الواحد الذي أصبح إنسانًا“. (Ibid, 8- 243. 7) القديس يوحنا الدلياتي وهكذا يتحدث ق. يوحنا الدلياتي أو ق. يوحنا سابا الملقب بالشيخ الروحاني، وأحد أعمدة النسك السرياني والرهبنة السريانية في القرن السابع عن التأله بالنعمة ذاكرًا بركات اتحاد الإلهي بالبشرية قائلاً: ”أنت أيها الإنسان، صورة الله. هل تريد الصورة أن تأخذ شبه النموذج؟ احمل في قلبك دائمًا نير ربك، واحمل العجب في ذهنك من جلاله، حتى تشع في مجده، وتتغير إلى الشبه، حتى تصبح أنت إلهًا في الله، إذ قد نلت شبه الخالق بالاتحاد الذي يجعلنا نتمثل به“. (John of Dalyatha, Letters of St. John of Dalyatha Vol i, 1: 29) عقيدة التأله في الليتورجية السريانية ونرى أصداء عقيدة التأله بالنعمة في الليتورجية السريانية، حيث يذكر كتاب الفينيقيت السرياني (أي المواسم الاحتفالية) عبارات واضحة كثيرة عن عقيدة التأله كالتالي: ”أصبح جسدك الإلهي سماء الحياة، وألَّه كياننا كله، بحيث ينبغي ألا يُغوى ثانيةً ليعود إلى الفساد والفناء“. (Fenqitho V. 447 b) ويقول أيضًا مخاطبًا الإله المتجسد قائلاً: ”لقد أصبحت إنسانًا وألَّهتنا“. (Ibid, VI. 169b = 455a) ويتحدث أيضًا عن أن الله منح الألوهية لآدم التي طلبها من قبل بصورة خاطئة كالتالي: ”لقد منح الألوهية لآدم كما طلب من قبل“.  (Ibid, VII. 454a) ونستنتج من هنا أن عقيدة التأله بالنعمة هي عقيدة مسيحية راسخة في التقاليد المسيحية المختلفة سواء اليوناني، أو السرياني، أو اللاتيني، وليس كما يزعم البعض خطاءً بأنها عقيدة غير أصيلة سواء في الكتاب المقدس أو التقليد. هوامشأفرام السرياني (مار)، أناشيد الإيمان ج1 (1- 40)، تَرْجَمَة: الخوري بولس الفغالي، (لبنان: منشورات الجامعة الأنطونية، 2007)، 29: 1، ص 159. المرجع السابق، 5: 17، ص 43. أفرام السرياني (مار)، منظومة الفردوس، تَرْجَمَة: الأب روفائيل مطر اللبناني، (لبنان: رابطة الدراسات اللاهوتية بالشرق الأوسط، الكسليك، 1980)، 9: 21، ص 164، 165. يعقوب السروجي (مار)، ميامر مار يعقوب السروجي مج1، تَرْجَمَة: الأب د. بهنام سوني، (بغداد، 2003)، ميمر 6: 486، 487، ص 486. المرجع السابق، ميمر 6: 507، ص 263. المرجع السابق، ميمر 94: 165- 167، ص 1498. Tractatus tres de trinitate et incarnatione, 229: 15Ibid, 299: 15 = 15- 129: 2Ibid, 8- 243. 7John of Dalyatha, Letters of St. John of Dalyatha Vol i, 1: 29Fenqitho V. 447 bIbid, VI. 169b = 455aIbid, VII. 454a --- ### مسافة [١] - Published: ۲۰۲۲-۱۲-۰۸ - Modified: 2022-12-08 - URL: https://tabcm.net/9581/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون قدرنا أن نكون على هذا القدر من الاختلاف، حيث لا شيء يُقرب بيننا إلا الفِرَاقَ ‏أسير إليك حافية الأمل والطريق نحوك محفوف بيأس المسافة. في كل قلب مسافة تجبرنا على السير ولا تأخذنا إلى أحد ويظلّ يملكني رغم المسافات وموت اللحظات وسكون الأماكن وانتحار الابتسامات رغم الحنين والأنين والصمت اللعين وهجره الذي يطعن روحي في كل حين يظلّ يملكني كأن الدنا خالية إلا من أشيائه تبا لأشيائه قربه وبعده، غيابه وهجره ما زادني إلا شوق وحنين "‏لكنك لي" هكذا صرخ قلبي في وجه المسافة التي مدت لك ذراعيها... بشوق أنت الغضب والرضا معاً... والبكاء الانتظار، وكل تلك الخطوات المسرفة نحو اللقاء ‏ومهما غدى الطريق فاصل بيننا، وكل الخطوات لا تأخذنا على محمل الجد وكيفما نوتنا الأقدار بعيداً وحاولت بترّ أمنياتنا... سنلتقى ‏سأختصرُ المسافات التي يبتكرها الصمت بإفراطٍ سأصل إلى الغيم، سأُقيده، وأجعله يمطر غيثاً على قدر انسكاب أرواحنا معاً... من الظلم أن تسلبني المسافة إياك وتتركني هكذا دون معطف يدك واشتعال عناقك، إنه لمن المجحف كثيراً أن أتكأ على وسادتي دون ذراعك وأنام وحنيني يرتعد. ‏حقيبة سفر، ومتاعي "وحدتي" الثقيلة كثيرًا، هي لم تكن يومًا قرارًا. بل كل محاولةٍ "مطوية" وددت فيها لو أكون "معًا" وانتهيت بـ"أنا" وحدي و جدًا. ‏ يدركان أن الشعرة التي تربط بينهما لا يمكن أن تصبح في يوما ما وثاق لذا من النضج أن يحافظا عليها وعلى المسافة التي تفصلهما... ‏أصلُ لا أصل أصلُ لا أصل هكذا أنتفُ ريش المسافةِ وأتجه صوبك. ‏عاجزٌ هذا النأي! مُمتهنةٌ تلك المسافة... برغم كل كيد الخرائط، قلبه لم يبرح دارى. وأنا لستُ سوى تلك السجينـة التي تبكي بزنزانة الغُربة ترجو لقاءك: ترجو احتضانك، ترجو من يعيدك إليّ قبـل أن يقتلني غيابك! شيءٌ داخل قلبي يزرعك مهما أبعدتنا المسافات وأشغلتنا الظروف دفئك الذي يسكنني لن يبرد، لن يعصف، لن يهدأ، لن ينتهي لك نبضة مختلفة عنهم ‏حدق بي، دعني أسد جوع جفنيّ حتى يغادرني الأرق، خذ بيدي نحو عدالة الانتظار لتشعل في صدري العودات واللقاءات بعيداً عن تلك المسافات عن هذا اليأس الذي يئن في أضلعي. ‏هنا أنا وهناك أنت وكلانا نحاول أن نشد حبل المسافة لنجتمع في منتصف الأمر. ‏بجواري... ولا أعلم هل أنت حقاً؟! وتسأل أيني أجيبك أينكْ، بعيدان حتّى مسافة عمرٍ قد خلتُ تفصل بيني وبينكْ. ومع المسافة ورغم الشجون... ‏أفتقدك لدرجة الجنون، والنحيب على أرض السكون أفتقدك ولا عزاء لقلبي المفتون وأرغبك عمراً لا يمضي ‏على مدار عقارب النبض أنت وحدك قرب قلبي وليس غيرك أستنشقه، رغم بعد المسافات إلا أنك أقرب لأنفاسي، من شهيقها وزفيرها. --- ### المزامير بعيون مصريّة [٢] - Published: ۲۰۲۲-۱۲-۰۷ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/9472/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون - وسوم: الأصولية, بابا تواضروس الثاني لماذا ارتجَّ الأصوليّون، وتفكّر المتعصّبون في الباطل؟ قام بعضُ كتبة الأرض، وتآمر كهنةٌ معًا على الربّ وعلى مسيحه قائلين: لنقطع رئاستَه وتعاليمه عنّا، ولنطرح عنّا أبوّتَه! الساكنُ في السماوات يضحك. الربّ يستهزئ بهم حينئذٍ يتكّلم عليهم بغضبه، ويرجفهم بغيظه أمّا أنا فقد مسحتُ خليفةً على كرسيّ الأسد مرقس، إنّي أخبر من جهة قضاء الرب: قال لي: أنتَ ابني، أنا اليوم ولدتُك، اسألني فأعطيك الأصوليّين فتهديهم، تحطّم أفكارهم الملأى كراهيةً بقضيب من حديد. مثل إناء خزاف تكسّر تزييفهم. فالآن، يا أيّها الذين يدّعون الإيمانَ، تعقّلوا. تأدّبوا يا رعاةً في الأرض، اعبدوا الربّ، واتّبعوا الحقّ بخوفٍ، واهتفوا برعدة، قبّلوا الأبَ لئلّا تتيتّموا، فتضلّوا الطريق. لأنّه عن قليلٍ يتّقد غضبه. ويفضح نفاقَكم، طوبى لجميع المتكلين عليه. --- ### الخلاص الثمين [٢] - Published: ۲۰۲۲-۱۲-۰٦ - Modified: 2025-03-03 - URL: https://tabcm.net/9005/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: آريوسية, الكنيسة الجامعة, بابا ألكسندروس, تجسد الكلمة, تدبير الخلاص, دير الأنبا مقار الكبير, ضد الآريوسيين, طبيعة المسيح, قديس أثناسيوس الرسولي, كنيسة الإسكندرية, مجمع نيقية, مدرسة الإسكندرية تدبير الخلاص حسب تعليم القديس أثناسيوس الرسولي تأتي أهمية الذَّهاب إلى أطروحات القديس أثناسيوس الرسولي (296 ـ 373م) ليس فقط لكونه من مفكري ومنظري الكنيسة الجامعة ـ قبل الانقسام ـ ما يجعل أطروحاته محل قَبُول من كافة الكنائس، بل أيضًا لتكوينه الفكري والشخصي، الذي جمع بين البعد التقوي الذي تشرّبه في بيت أبيه وفي تلمذته النسكية على القديس أنطونيوس مؤسس الرهبنة، وبين البعد اللاهوتي والكنسي الذي تعلمه في خدمته مع البابا الإسكندري ألكسندروس كشماس ملاصق له، وعلاقته الوطيدة بمدرسة الإسكندرية اللاهوتية حتى صار من معلميها. نحن إذن إزاء معلم مسكوني مدقق، اللافت أنه كان ضمن وفد كنيسة الإسكندرية في مجمع نيقيةوهو بعد شماس ثم بطريركًا، وقد عقد ليفصل في السجس الذي أحدثه القس الإسكندري آريوس في شأن طبيعة المسيح وكمال لاهوته، وكان أثناسيوس الشاب العشريني هو فارس هذا المجمع، وعلى الرغم من تعدد الكتابات التي كتبها القديس أثناسيوس يبقى كتاب "تجسد الكلمة" هو العمدة بينها، وفيه "يقدم في وضوح قصة خطيئة الإنسان وخلاص الله، حسب تعليم كنيستنا القبطية، ويقدم رؤية آبائية صافية في موضوع الخلاص". ونحن هنا نتتبع طرح ق. أثناسيوس الرسولي عبر صفحات كتاب الخلاص الثمين، لأحد رهبان دير الأنبا مقار العامر ببرية شيهيت ـ ميزان القلوب بوادي النطرون. جاء شرح ق. أثناسيوس لعقيدة خلاص الله للإنسان في نِقَاط محددة ـ اعتمدتها الكنيسة في قانون الإيمان كواحده من أهم قرارات ذاك المجمع 325م. ـ إن الله خلق الإنسان من عدم على صورته، "وأن هذا الإنسان ليس مخلوقًا خالدًا بالطبيعة، أي غير مائت"، لكنه خلق لكى يمكن له فيما بعد أن ينمو إلى شركة غير مائته مع الله". ـ بسقوط الإنسان سقط من مصيره الإلهي الذي قصده الله له؛ فجنى العمى الروحي، من جرّاءِ فقده معرفة الله، حتى إن الخليقة صارت بالنسبة للإنسان وكأنها حجاب يحجب "معرفة الله عنه" مع أنها (أي الخليقة) "خُلقت لتستعلن الله للإنسان". ـ وجنى أيضًا الفساد والموت ـ كأجرة للخطيةـ فعاد الإنسان إلى العدم الذي سبق أن أخرج الله الإنسان منه. ـ ويستطرد الكاتب وهو يتابع طرح ق. أثناسيوس أنه "لمقابلة ما أنتجته هذه الخطية تجسد كلمة الله، وهو في تجسده يستوفي احتياج الإنسان من سبل ثلاثة: • دخول الحياة الإلهية إلى العالم: الكلمة "اللوغوس" كان هو الواسطة للخلقة الأولى (راجع رسالة القديس بولس إلى كنيسة كولوسي) "لكن الإنسان أثبت أنه ضعيف جدًا عن أن يبلغ ما أعده الله له من مصير مبارك، فبحقيقة التجسد استعاد الإنسان تلك الرابطة بين الإلهي والبشري بطريقة أكثر ثباتًا وضمانًا. فالكلمة لأنه هو الإله بالطبيعة، ولكونه اتحد بالإنسان في التجسد، أصبح ممكنًا للإنسان أن يقتني هذه الحياة الإلهية دون أن يخشى فقدانها مرة أخرى". شاكرين الآب الذي أهلنا لشركة ميراث القديسين في النور، الذي أنقذنا من سلطان الظلمة، ونقلنا إلى ملكوت ابن محبته، الذي لنا فيه الفداء، بدمه غفران الخطايا. الذي هو صورة الله غير المنظور، بكر كل خليقة. فإنه فيه خلق الكل: ما في السماوات وما على الأرض، ما يرى وما لا يرى، سواء كان عروشا أم سيادات أم رياسات أم سلاطين. الكل به وله قد خلق. الذي هو قبل كل شيء، وفيه يقوم الكل وهو رأس الجسد: الكنيسة. الذي هو البداءة، بكر من الأموات، لكي يكون هو متقدما في كل شيء. لأنه فيه سر أن يحل كل الملء، وأن يصالح به الكل لنفسه، عاملا الصلح بدم صليبه، بواسطته، سواء كان: ما على الأرض، أم ما في السماوات. (رسالة بولس إلى كولوسي1: 12- 20) • إعلان معرفة الله للبشر وفى نفس النص السابق ندرك دور الكلمة في إعلان صورة الله غير المنظور، واسترجع لنا معرفتنا المفقودة عن الله، "والتجسد والموت والقيامة، هي أعمال خلاصية حقًا لكن حياة المسيح وخدمته على الأرض كان لها دور هام في إيفاء احتياج الإنسان لمعرفة الله، وهو إعلان محبة الله الآب للبشر". • استيفاء دين موت الإنسان كان موت المسيح استيفاء للدين الإلهي أي الموت، لكى يتحرر الإنسان من الفساد، وهكذا استوفاه المسيح الذي في بشريته الشاملة صار متاحًا لكل الناس أن يموتوا بواسطة موته هو على الصليب، لذلك فإن كل الذين ماتوا بموته يصيرون أيضًا قائمين أحياء بقيامته، متجاوزين الفساد الذي سقطوا فيه". ويختم الكاتب عرضه هذا موضحًا في أحد الفصول الأخيرة من كتاب تجسد الكلمة (فصل 54)، يجمع فيه القديس أثناسيوس خيوط الموضوع الذي عرضه على مدى الكتاب، تتضح كل الأفكار السابقة معًا في صيغة مركزة ومختصرة هكذا: لقد صار ابن الله إنساناً، لكى نصير نحن آلهة. لقد استعلن نفسه بالجسد، لكي ننال نحن معرفة الآب غير المنظور. لقد احتمل هو إهانة البشر له، لكي نرث نحن عدم الموت. (القديس أثناسيوس، كتاب تجسد الكلمة) ويستطرد الكاتب الراهب معلقًا: إن الخطية استشرت في جذور مشكلة الإنسان. والخطية أدت إلى عمى الإنسان الروحي، وإلى موته. هذه لثلاثة: الجهل، الموت، الخطية؛ مرتبطة معًا بعضها بالبعض، وكل واحدة منها تعزز وتقوي الأخريين، وكل من الثلاثة هي مظهر أساسي من مظاهر قضية الإنسان، ولا يمكن بأي حال التغاضي عن بحث واحدة منها، وهكذا فعل الآباء إذ استوفوا الثلاثة أوجه لقضية الإنسان. ويعرض الكاتب رؤية القديس أثناسيوس متعلقًا بتعليم الخلاص، باستعراضه لمقالات ق. أثناسيوس الأربعة ضد الآريوسيين ورسائله إلى القديس سرابيون، وهو ما سنعرضه في مقالات قادمة. --- ### يا من أنقذ يوسف من كيد المصرية وخلصه، اسمعنا - Published: ۲۰۲۲-۱۲-۰۵ - Modified: 2025-03-07 - URL: https://tabcm.net/9503/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, المرأة القبطية, شئون علمانية - وسوم: أسنات بنت فوطي فارع, إكليروس, الأصولية, الزواج الثاني, العلمانية, توراة, دير الأنبا أنطونيوس, رأوبين, صفنات فعنيح, فوطيفار, ليتورچي, ميخائيل الأنطوني الباقوري, هكسوس, يوسف الصديق وأنا طفل، جري ورايا كلب، واتفزعت فعلا، وبطلت أهوب الشارع.. فعملولي طقس شعبي. ست كبيرة كانت بتقول تعاويذ (دينية طبعًا على حسب اعتقادها) وتخبطني بالشبشب على صدري وهي بتقول "يا خضة الكلب إطلعي من القلب (واحد)" وبعدها شوية طلاسم وتمتمات وتخبطني تاني وهي بتقول "يا خضة الكلب إطلعي من القلب (إتنين)"، وهكذا لحد ما يوصلوا 7 مرات.. خلالهم إنت بتحس إنك شخص مهم وبتكون أهدا.. أو بتتفزع من الست ذات نفسها أكتر من الكلب يا من أنقذ يوسف من كيد المصرية وخلصه، اسمعنا (من الصلوات الليتورجية في التراث العربي) مخطوط الصلوات الطقسية، للراهب: ميخائيل الأنطوني الباقوري(دير اﻷنبا أنطونيوس، البحر اﻷحمر) ما تراه أمامك موثقًا، هو جزء من الصلوات الليتورجية القبطية (المحلية) المدونة بالعربية حسب مخطوطات دير اﻷنبا أنطونيوس بالبحر اﻷحمر ((مخطوط الصلوات الطقسية، للراهب: ميخائيل الأنطوني الباقوري، دير اﻷنبا أنطونيوس، البحر اﻷحمر. )). وبالتحديد في مخطوط الصلوات الطقسية، للراهب ميخائيل الأنطوني الباقوري، وهذا المخطوط العربي أعتبره هام وخطير في دراسة التيارات الفكرية المعادية للقومية المصرية (اﻷرثوذكس اللا-أقباط)، وتناقلهم للأفكار ذات الجذور العبرية والعربية واﻹسلامية والوثنية، والموجودة شعبويًا واجتماعيًا بدعم مشايخ وأساقفة ورهبان أصوليين، والذين يضفون على هذه الليتورچيا المعادية للمرأة المصرية: سلطة المقدس العقائدي. كبداية، كتاب "الصلوات الطقسية" للراهب الباقوري موجود على الأنترنت بمجهودات شعبية، ويستخدمه بعض اﻷصوليين في الدفاع عن أفكارهم، أو صناعة مرجعية دينية لها، باعتباره "حاجة تاريخية عظيمة جدا"، بينما في الحقيقة هو كتاب تاريخي متهالك يحوي أكبر كم يمكن تخيله من الطقوس التي تم إبطالها، أو دمجها، أو التخلص منها، أو توفيق أوضاعها كي تصير مسيحية. خد عندك من أسماء فصول الكتاب مثلا: طقوس عقد الأملاك- طقوس الزواج الأول- طقوس الزواج الثاني- طقوس أبو تربو. ربما بمستوى معرفي عادي تعلم فعلًا اﻵن أنه تم إلغاء النظر للزواج كـ "عقد أملاك"، وربما تعلم أن مسألة "الزواج الثاني" تعتبرها الكنيسة من المحرمات وليس الطقسيات. لكن، هل تعلم ما هو طقس "أبو تربو" باﻷساس؟ ﻻ تندهش إذا علمت أنها طقوس خاصة بعضة الكلب ولدغ الثعابين والعقارب، ومهمتها ليس العلاج الشعبي من عضة الكلب مثلا، بل فعليا هي معالجة لـ"الخضة" وليس العضة! وأنا طفل، جري ورايا كلب، واتفزعت فعلا، وبطلت أهوب الشارع. . فعملولي طقس شعبي. ست كبيرة كانت بتقول تعاويذ وتخبطني بالشبشب على صدري وهي بتقول "يا خضة الكلب إطلعي من القلب (واحد)" وبعدها شوية طلاسم وتمتمات وتخبطني تاني وهي بتقول "يا خضة الكلب إطلعي من القلب (إتنين)"، وهكذا لحد ما يوصلوا 7 مرات. . خلالهم إنت بتحس إنك شخص مهم وبتكون أهدا. . أو بتتفزع من الست ذات نفسها أكتر من الكلب! ! (باسم الجنوبي، شهادة سردها على صفحته بفيسبوك) باﻹضافة لقسم ضخم جدا في طقوس التجنيز الشعبية، التي تميز بين الرجال والأطفال والنساء الثيب والبنات الأبكار والقمامصة والقسوس والشمامسة والرهبان. أي أنه ﻻ توجد مساواة -في صلاة الموتى- بين أيا مما سبق. وقد نتفهم مثلا حكمة ما في التمييز بين العلمانيين والإكليروس كأن يقدم للإكليروس خدمة أكثر تميزا نظير خدمته (شيء أشبه بالجنازات العسكرية للعسكريين) لكن ما الحكمة وما التأصيل وما الداعي للتمييز بين الرجل والمرأة في الموت؟ أو بين المرأة البكر والمرأة الثيب؟ لماذا التدخل في هذه التفاصيل الجنسية والشديدة الخصوصية أساسًا؟ أيضًا هو مُفصّل وثرثار جدا فيما يقال في الذكريات، مثل الذكرى السنوية وعلى القبور وغيرها من العادات غير المسيحية أساسًا. يعني كتاب شعبوي تراثي بامتياز. أسطورة "زليخا" غير المصرية الجزء المشار إليه كصلاة "يا من أنقذ يُوسُف من كيد المصرية وخلصه، اسمعنا" موجود تحت فقرة: ”يقول الكاهن هذه الطلبة لمن يكون في شدّة"، وبطبيعة الحال فهي أفكار ذات مدخل ذكوري يداعب الذكر القبطي اﻷسمر الجميل سواء الذي في شدة أو في فرج! "كيد المصرية" يا سطى موجود أهو في مخطوطات الكنيسة، وأنت بعد مئات السنين كمؤمن صالح؛ من حقك "ترازي" بها مراتك المصرية، وتهيهيخو على المساطب مع الرهبان القديسين وتتسامروا حول "كيد النسوان"، اللي ربنا ابتلا الذكور التقية بيهم! مسألة وصم امرأة فوطيفار ("امرأة العزيز" في التراث اﻹسلامي) بكونها "مصرية"، هي ثقافة عنصرية ضد المصريين، وهي ثقافة ﻻ تخرج من إنسان مصري إﻻ لو كان مختطف ذهنيًا وعميل لمصلحة شيئ ما يحركه ضد انتماؤه الوطني الطبيعي. وهذا سهل حدوثة في حياة الرهبنة، فهم أكثر ناس يسهل اختطافهم ذهنيًا لكونهم باعوا العالم والأسرة والانتماء الشخصي أساسًا، وذابت فردانيتهم لتعلي من قيمة الجماعة، تمامًا كما هو سهل حدوثه في المستشيخين المنضمين لأخويات وجماعات دينية من عينة "المسلم الماليزي أهم من المصري المسيحي"، فكلها ولاءات فاسدة ومشكوك فيها طرديا. بمعني، كلما زادت جرعة التدين كلما زاد اللعن للنسوان وللبلد وللعالم الشرير الفاسد (الكافر برضو، ميضرش). أكاديميًا، قصة يُوسُف يقال عنها كلام غير محسوم، في إن يُوسُف جاء مصر وقت احتلالنا من الهكسوس (وهناك كلام أخر غير محسوم يرجح أن الهكسوس/ حكاو خاسو/ القوم الرعاة/ العرب) لكن لن ندخل في تفاصيل هذا أو ذاك، ولن نحاول حسمه ونتركه لأكاديميوه ومتخصصوه. فقط سأكتفي أن أقول لك إن التوراة نفسها من أوحى بكل هذا، فهي من أشارت لعلاقة "رعوية" (من رعي اﻷغنام) سهلت لبني إسرائيل (رعاة اﻷغنام) وجودهم في مصر عبر حاكم راعي غنم أيضا، بعكس ثقافة المصريين التي ذكرت التوراة أنهم ﻻ يشاركون "رعاة الغنم" المأكل والمشرب. المصريون ﻻ يطيقون الخرفان وﻻ الخرفان تطيقنا. هذه طبيعتنا من آلاف السنين التي سجلتها التوراة ((سفر التكوين، الإصحاح 46: 31-34 ))! ثم قال يوسف لإخوته ولبيت أبيه: «إذا دعاكم فرعون وقال: ما صناعتكم؟ أن تقولوا: عبيدك أهل مواش منذ صبانا إلى الآن، نحن وآباؤنا جميعا. لكي تسكنوا في أرض جاسان. لأن كل راعي غنم رجس للمصريين»(سفر التكوين، الإصحاح 46: 31-34) اﻷنكى، أن من يرفضون هذه الأطروحات، وهم أكاديميون أيضا، يرفضونها من باب عدم الثقة في التوراة كحجة على التاريخ، وليس العكس! فيوسف الذي سجلته التوراة ﻻ وجود تاريخي واضح له عند كتبة التاريخ. هذه الجماعة اﻷكاديمية في رفضها تُتهم طيلة الوقت بعدم اﻹيمان أو عدم اعتبار النص المقدس أحد اﻷدوات التاريخية المعتبرة. أما أصحاب الإيمان الذين يعتقدون بأن التوراة وحي وما جاء فيها هو معصوم -مثل الراهب الباقوري مؤلف الكتاب العربي- فما هي حججه في معاداة "المرأة المصرية" سوى المعالجة الانتقائية لقيمة مصر المهيبة والبالغة الجلال عند كتبة التوراة؟ يُوسُف (بتاع "كيد المصرية") في نفس الكتاب المقدس عند نفس الراهب الباقوري، كان متزوجًا من امرأة مصرية بنص التوراة! ولم تكن أي امرأة مصرية حضرتك، إنها "أسنات"، بنت "فو-تي فا-رع"، كاهن مدينة "أون" (عين شمس حاليًا) ((سفر التكوين، الإصحاح 41: 44-46 )). وقال فرعون ليوسف: «أنا فرعون. فبدونك لا يرفع إنسان يده ولا رجله في كل أرض مصر». ودعا فرعون اسم يوسف «صفنات فعنيح»، وأعطاه أسنات بنت فوطي فارع كاهن أون زوجة. فخرج يوسف على أرض مصر.  وكان يوسف ابن ثلاثين سنة. (سفر التكوين، الإصحاح 41: 44-46) وليس هذا وحسب، إنما هي أم لابنيه المصريين: «منسى»، و«أفرايم»، وغير إن ابنيه مصريين، إﻻ إن اختياراته لأسماءهما تعكس أبعادا قومية مصرية عند يُوسُف نفسه، وأنه "نسى بيت أبيه" (إسرائيل/ يعقوب) ((سفر التكوين، الإصحاح 41: 50-52 )): وولد ليوسف ابنان قبل أن تأتي سنة الجوع، ولدتهما له أسنات بنت فوطي فارع كاهن أون. ودعا يوسف اسم البكر «منسى» قائلا: «لأن الله أنساني كل تعبي وكل بيت أبي». ودعا اسم الثاني «أفرايم» قائلا: «لأن الله جعلني مثمرا في أرض مذلتي». (سفر التكوين، الإصحاح 41: 50-52) ولو قرأ الراهب الباقوري نصوص التوراة التي يقدسها، لوجد أن هذين الابنين صارا سبطين من أسباط بني إسرائيل الإثني عشر، بعدما رفض يُوسُف نفسه أن يُحسب ضمن اﻷسباط ورفض أن يترك مصر، وأدخل بدلا منه ابنيه المصريين، «منسى» و«أفرايم»، اللذين أنجبهما من "المصرية"، بنت كاهن رع المصري ((سفر التكوين، الإصحاح 48: 5-16 )): ابناك المولودان لك في أرض مصر، قبلما أتيت إليك إلى مصر هما لي. أفرايم ومنسى كرأوبين وشمعون يكونان لي. وأما أولادك الذين تلد بعدهما فيكونون لك. ورأى إسرائيل ابني يوسف فقال: «من هذان؟». فقال يوسف لأبيه: «هما ابناي اللذان أعطاني الله ههنا». فقال: «قدمهما إلي لأباركهما». وأخذ يوسف الاثنين أفرايم بيمينه عن يسار إسرائيل، ومنسى بيساره عن يمين إسرائيل وقربهما إليه. فمد إسرائيل يمينه ووضعها على رأس أفرايم وهو الصغير، ويساره على رأس منسى. وضع يديه بفطنة فإن منسى كان البكر. وبارك يوسف وقال: «الله الذي سار أمامه أبواي إبراهيم وإسحاق، الله الذي رعاني منذ وجودي إلى هذا اليوم، الملاك الذي خلصني من كل شر، يبارك الغلامين. وليدع عليهما اسمي واسم أبوي إبراهيم وإسحاق، وليكثرا كثيرا في الأرض». (سفر التكوين، الإصحاح 48: 5-16) سبطان من إثني عشر سبطًا، أمهما "مصرية" وعند من؟ عند شعب إسرائيل الذي يوّرث دينه باﻷمهات ﻻ باﻵباء. أمهم، التي هي من ياسطى الراهب؟ هي امرأة مصرية، بنت كاهن "رع"، المصري. ومن حي عين شمس! امرأة مصرية واحدة، جعلت المصريون يشكّلون نسبة السدس في إسرائيل. شعب الله المختار واليهود ذات نفسهم لنا فيهم السدس، ومن كتاب العبرانيين المقدس لم نخرج خارجه، ولم نقترب حتى من أطروحة د. سيّد القمني في أن سبط "ﻻوي" (كهنة اليهود) هو كله مصري من كهنة "رع"، وأهو "رعنا" أمر بالستر برضو. ويبقى أبونا الراهب ميخائيل الأنطوني الباقوري، الذي جمع كتاب "الصلوات الطقسية" التاريخي، هو ﻻ شيء سوى ذكر انتقائي جاهل بأبسط المكتوب عن يُوسُف، ومختطف ذهنيًا في صراعات ميتافيزيقية عن الموت وعضة الكلب وجنسية البكر والثيب، وقاعد على المسطبة الحجرية يتف على بنات مصر وهو ميعرفش كوعه من بوعه. --- ### ادخل إلى العمق - Published: ۲۰۲۲-۱۲-۰٤ - Modified: 2024-01-03 - URL: https://tabcm.net/9479/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: سمعان بن يونا ولما فرغ من الكلام قال لسمعان: «ابعد إلى العمق وألقوا شباككم للصيد» (لو 5: 4) وَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الْكَلاَمِ قَالَ لِسِمْعَانَ: «ابْعُدْ إِلَى الْعُمْقِ وَأَلْقُوا شِبَاكَكُمْ لِلصَّيْدِ». (إنجيل لوقا 5: 4) في رأيي إنه أحد أهم الشعارات التي رفعها السيد المسيح، فكلماته لم تكن مجرد كلمات تخص موقف أو شخص واحد وإنما مبادئ وشعارات في الحياة عمومًا، وإن كانت هذه الكلمات قد غيرت من حياة بطرس، وحولته من سمعان إلى تلميذ للمسيح فاحتياج الإنسان لها يزداد زيادة سريعة، وفي هذا العصر الذي نعيشه قد تكون تلك الكلمات البسيطة هي طوق النجاة المتواجد داخلنا ولكننا لا نراه. فنحن نعيش الآن أقصى مراحل السطحية والضحالة التي حولت البشر إلى مجرد صور باهته غير مجسمة فقدت حتى بعدها الثالث فتشابهنا جميعا حينما فقدنا القدرة على التعمق في الحياة بل والرغبة في ذلك. تمهل/ ي عزيزي/تي القارئ/ة لثوان معدودة واعط نفسك الوقت الكاف لنفس عميق وتأمل بنفسك كيف أصبحت الحياة بالنسبة لنا؟ إنها السرعة، كل شيء نريد أن نفعله بسرعة حتى لو لم ندركه بالقدر الكافي، وسائل التواصل الاجتماعي وعلى رأسها الـ "تيك توك" عود أصابعنا التمرير دون أن يأخذ عقلنا الوقت الكافي لإدراك ما نراه فانعكس ذلك على حياتنا كلها وأهمها علاقاتنا حتى بأقرب أفراد أسرنا وأصدقائنا، أصبحت تتسم بالسطحية الشديدة. تقييمنا للأشخاص أصبح قائمًا بالدرجة الأولى على المظهر والملابس وماركة التليفون يليها شهادته أو مكانته أو... أو... أو. قد نعيش مع أشخاص في بيت واحد ونحن لا نعلم فعليًا ما بهم، ولم نسأل أنفسنا ولو مرة واحدة هل من يشاركوننا الحياة سعداء؟ الأصعب، والأصعب جدا، إننا نتعامل مع أنفسنا بنفس هذه السطحية، فإذا سألت نفسك الآن بعض الأسئلة البسيطة غالبا لن تجد لها إجابات واضحة، خاصة إن كنت أمين أو صريح مع ذاتك بالقدر الكافي! هل أنا سعيد؟ هل أفعل حقا ما أريد أن أفعل؟ هل احترم ذاتي بالقدر الكافي؟ هل أحبها؟ هل... ؟ هل... ؟ وليست فقط العلاقات التي تسطحت، وإنما أيضًا المعرفة حينما كانت المعلومات نادرة وتحتاج بحث في الكتب والمكتبات وكان على الإنسان بذل المجهود للوصول إليها، كان البشر من حيث العلم درجات، ولكن لأن كل معلومات الكون الآن تبعد عنا مقدار ضغطة ذر أو كتابة كلمة في محرك بحث أصبحنا جميعا علماء، ولكن دون علم، فلا يكلف أحد نفسه عناء البحث عن صحة المعلومة من خطأها، ولا حتى عن قيمة هذه المعلومة، وهذا لا ينطبق فقط على العلم بمفهومه الضيق عن الأمور البعيدة أو المعقدة وإنما حتى العلم بالأمور الحياتية اليومية، فالجميع اليوم خبراء تجميل وموضة وأتيكيت وتنمية بشرية وعلم نفس، و... و... و. الحقيقة الكلام في هذا الموضوع لا يكفيه مقال، إنما أردت فقط أن أشارككم فكرة تلح عليّ منذ فترة وقد تكون مجرد حجر يلقى في نهر، أو جرس منخفض وسط ضوضاء شديدة تنبهنا إننا نحتاج ولو قليلا من العمق في كل خطوة وكل عمل وكل شعور في حياتنا. --- ### كنيستنا وتدوير الهرطقات - Published: ۲۰۲۲-۱۲-۰۳ - Modified: 2024-01-03 - URL: https://tabcm.net/9564/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, لاهوتيات - وسوم: الأوطاخية, الكنيسة الجامعة, النسطورية, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس الخامس, بابا كيرلس السادس, حبيب جرجس, كنيسة الإسكندرية, ليتورچي, مجمع خلقيدونية ألا يجب أن نواجه الأمر!!  لو اقتصر الأمر على "خرافات العجائز" لما انزعجنا، ولا أزعجنا شعبنا، أما أن ينزلق تعليم كنيستنا -المنشور والمذاع- ليغرق في بحر الهرطقات، فهذا ما لا يمكن قبوله على -ومن- كنيسة الإسكندرية التي صاغت الأساس اللاهوتي لإيمان المسكونة كلها ألا يجب أن نواجه الأمر! !   لو اقتصر الأمر على "خرافات العجائز" لما انزعجنا، ولا أزعجنا شعبنا، أما أن ينزلق تعليم كنيستنا -المنشور والمذاع- ليغرق في بحر الهرطقات، فهذا ما لا يمكن قبوله على -ومن- كنيسة الإسكندرية التي صاغت الأساس اللاهوتي لإيمان المسكونة كلها. لم يترك معلمو كنيستنا -في نصف القرن الأخير- هرطقة مرت على الكنيسة، إلاّ أعادوا تدويرها، أما لماذا أخص نصف القرن الأخير، فلأن التعليم أصبح مستباحًا، الجميع يستسهل وجوده أمام جَمهور يسمعه، فيطلق للسانه -أو قلمه- العنان دون ضابط أو رابط. كان بطاركتنا القديسون العظام يهابون التعليم، ولا يأمنون جانب الوعظ المرسل هكذا، بالرغْم من محدودية الانتشار وقتها وقلة التأثير، كان كيرلس الخامس (وهو من هو) يجلس مستمعًا لحبيب جرجس، فهل انتقص هذا من قدره؟ أو قلل من شأنه؟ للقديس كيرلس السادس رسالة فصحية واحدة منشورة، ولا شيء سواها، فهل أعاق هذا تسميته قديسًا في كنيستنا، واعتباره مطوبًا في سواها؟ البطريرك الذي تلقى تعليمًا لاهوتيًا في اليونان وكان عالمًا، بشهادة معاصريه، لا نجد له كتبا ولا منشورات، الأمر إذن ليس بالسهولة التي يظنها أساقفتنا، والعلم الذي لا يتنزل على قريحتهم بمجرد اعتمار العمة الفخمة، دون دراسة حقيقية لعلم اللاهوت وما يلزمه من علوم أخرى (رأيي الشخصي أنها قائمة طويلة تشمل حتى فيزيقا الكم) الأمر نفسه بالنسبة لبعض القساوسة، الذين نقلوا دائرة وعظهم من الخطية وجهنم ومعجزات القديسين، إلى اللاهوت والهرطقات، في قفزة واسعة لا تحتملها سيقانهم الهزيلة، ولنبدأ من مح الكارثة، فقد تغربت كنيستنا طويلًا عن جذورها، منذ المشؤوم خلقيدونية، والاضطهاد السياسي-الديني الذي تعرضت له، وفقدان التفاعل مع باقي الكنائس، والاتجاه تدريجيًا نحو القبطية بدلا من اليونانية، مع الفارق الضخم في غنى اللغتين، حتى انتهينا بالعربية التي لا تملك أصلا مفردات تناسب الدوجما (العقيدة) المسيحية. لا ينفي هذا إننا امتلكنا في عصورنا المظلمة عددا من اللاهوتيين النابغين، الذين ترجموا إلى العربية نصوصا، بل وكتبوا بها مباشرةً كأفضل أربابها، ولكن مع الوقت أصبح العلم واللاهوت ترفا لا تحتمله كنيستنا، بل فقط محاولة البقاء، ففقدنا كل اتصال بغنى جذورنا، بقيت فقط "الليتورجيا" حاملة لأنفاس آبائنا العظام وكان لابد من ثورة معرفية لإزاحة وحل القرون الطويلة. ساموا أسقفًا للتعليم، ثم تربع على الكرسي الأكثر وثارة، فماذا فعل؟ بدلا من أن يضع خطة لمعاهدنا الكنسية الناشئة التي تعب من سبقوه في محاولات لوضعها على الطريق لتواكب معاهد العالم، نكل بأساتذتها وطردهم واستبدلهم بجهال رجاله، بدلا من أن يعد خطة لابتعاث نابهينا للحصول على دراسات لاهوتية حقيقية، شرد كل من تحمل مشقة الدراسة بالخارج، على نفقة مؤسسة خاصة، وألقاه خارج البيعة يجتر أحزانه. بدلا من أن يكون ما تبقى من مخطوطاتنا وتحقيقها ونشرها شغله الشاغل، لم يلتفت لها إطلاقًا، بل أخفى بغرابة نادرة الهدية التي تلقيناها من الفاتيكان، وتحوي نسخة من كل المخطوطات القبطية بمكتبة الفاتيكان، حتى إن أحدا لا يعلم لها أثرا  الآن، بدلا من أن يعد خطة لترجمة كتب الآباء، وينشئ وحدة خاصة للترجمة، حارب كل من جرؤ على تَرْجَمَة كتاب حقيقي. بدلا من أن يحدث ثورة تعيد لكنيستنا وجهها المضيء، تفرغ لفرض قناعاته الخاصة ونسخته الممسوخة من المسيحية، بدلا من أرثوذكسية "أخذ الذي لنا ليعطينا الذي له"، انتقلنا إلي "وفديناه بذبح عظيم". تنوي هذه السلسلة الموجزة مناقشة أهم هرطقتين في تاريخ الكنيسة الجامعة، ومصدر خطورتهما يرجع لإخلالهما الجسيم بقصد التدبير الإلهي في الخلاص، وأعني بهما "الأوطاخية" و"النسطورية" كما قد تتسع لبعض الهرطقات والبدع الأخرى "ع الماشي". ستفجر هذه السلسلة ألغاما كثيرة، وستتعرض لتعليم صادر من نجوم بازغة في سماء كنيستنا، لنبين عواره وخطله، وليس الهدف إطلاقًا هو تخطئتهم، بل كشف عمق المأساة التي تعصف بكنيستنا، وخطها اللاهوتي، لنفكر معا في كيفية ضبط المسار، وإعادته إلى الجادة. مع نهاية هذه السلسلة، سنقدم اقتراحات بطلبات لمجمع أساقفتنا، لاتخاذ ما يلزم للتصحيح، واستعادة مكانة كنيسة الإسكندرية ومجدها الغابر، ولدينا ما نظنه كافيًا لبلوغ هذا الأمل. --- ### التأله عند الآباء اليونان - Published: ۲۰۲۲-۱۲-۰۲ - Modified: 2025-03-07 - URL: https://tabcm.net/9533/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: آريوسية, أوريجينوس ليونايدس أدامانتيوس, التبني, المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية, المكتبة البولسية, بابا كيرلس عمود الدين, باسيليوس الكبير، أسقف قيصرية الكبادوك, باناريون للتراث الآبائي, تجسد الكلمة, تيموثاوس المحرقي, جرجس بشرى, چورچ حبيب بباوي, چوزيف موريس فلتس, حنا الفاخوري, حوار حول الثالوث, شركاء الطبيعة الإلهية, صموئيل كامل عبد السيد, ضد الآريوسيين, عقيدة التأله, علامة إكليمندس السكندري, غريغوريوس النزينزي، الناطق بالإلهيات, قديس أثناسيوس الرسولي, قديس إيرينيئوس، أسقف ليون, قديس بولس الرسول, قديس بوليكاربوس، أسقف سميرنا, قديس ميثوديوس الأوليمبي, لوقا يوسف, مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية, مريم رشاد, موريس تاوضروس, نصحي عبد الشهيد بطرس, وليمة العشر عذارى سوف أستعرض في هذا الجزء بعض أقوال اﻵباء الدالة على عقيدة التأله، وهذه الأقوال هي بعض من كل، لأن الآباء اليونانيين تحدثوا في كتاباتهم الغزيرة كثيرًا جدًا بشكل مفصل عن عقيدة التأله. القديس إيرينيئوس أسقف ليون يتحدث ق. إيرينيئوس أبو التقليد الكنسي وتلميذ القديس بوليكاربوس أسقف أزمير، الذي كان بدوره تلميذًا للقديس يوحنا الرسول، عن أن تأله الإنسان يحدث فقط من خلال اتحاد الله بالإنسان، وهذا يعيدنا إلى موضوع التجسد غير المشروط، لأنها جميعًا أمور مرتبطة ببعضها البعض، فتكميل خلق الإنسان ليصير إلهًا بالنعمة، لا يمكن حدوثه دون اتحاد الله بالإنسان عن طريق التجسد الإلهي، ليجعل الله الإنسان شريكًا في عدم الفساد وعدم الموت (التأله)، وهذا لا يمكن حدوثه بدون الوسيط بين الله والناس، أي الإنسان يسوع المسيح. حيث يقول التالي ((إيرينيئوس أسقف ليون، ضد الهرطقات ج٢، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، ٢٠١٩، ٣: ١٨: ٧، ص ٩٤. )): ولو لم يكن الإنسان قد اتحد بالله، لما صار شريكًا في عدم الفساد إطلاقًا، لأنه كان إلزامًا على الوسيط بين الله والناس، من خلال علاقته بكل منهما أن يُحضر كليهما إلى الصداقة، والوئام، ويُقدِّم الإنسان إلى الله، بينما يصير الله مُعلنًا للإنسان (إيرينيؤس أسقف ليون، ضد الهرطقات) ويؤكد ق. إيرينيؤس على نفس الحقيقة السابقة وهي أن غاية التجسد هي تأليه الإنسان، وبدون التجسد لا يمكن أن يصير الإنسان في حياة عدم الفساد والخلود، حيث يقول التالي ((إيرينيئوس أسقف ليون، ضد الهرطقات ج٢، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، ٣: ١٩: ١، ص ٩٥، ٩٦. )): لأنه لهذا الهدف، قد صار الكلمة إنسانًا، الذي هو ابن الله صار ابن الإنسان، ذلك الإنسان الذي إذ قد أُخذ في داخل الكلمة، وإذ نال التبني، يصير ابن الله، لأنه لم يكن ممكنًا أن نبلغ إلى عدم الفساد والخلود بأية وسيلة أخرى، لو لم نتحد بعدم الفساد. ولكن كيف كان ممكنًا أن نتحد بعدم الفساد وعدم الموت. لو لم يصر عدم الفساد وعدم الموت أولاً، هما ذلك الذي هو نحن أيضًا، حتى أن الفاسد يُبتلع في عدم الفساد، والمائت يُبتلع في عدم الموت لكي ننال تبني البنين. (إيرينيؤس أسقف ليون، ضد الهرطقات) وهذا ما يؤكده ق. إيرينيؤس أيضًا أنه لا يوجد طريق آخر لنصير في شركة مع الله ونتأله سوى تجسد الابن الوحيد، حيث يقول التالي ((إيرينيئوس أسقف ليون، ضد الهرطقات ج٢، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، ٣: ١٨: ٦، ص ٩٤. )): فبأية طريقة كان يمكننا أن نصير شركاء تبني البنين، لو لم نكن قد نلنا منه تلك الشركة معه هو نفسه من خلال الابن، لو لم يكن الكلمة الذي صار جسدًا قد دخل في شركة معنا؟ (إيرينيؤس أسقف ليون، ضد الهرطقات) كما يشير ق. إيرينيؤس إلى أن نفخة الله في الإنسان في بداية الخلق هي نفخة الروح القدس التي هي وسيلة شركة الكنيسة، وعربون عدم الفساد، ووسيلة تثبيت الإيمان، وسلم الصعود إلى السماء، وهذا على العكس مما يدَّعيه البعض بأن النفخة الإلهية في الخلق هي نفخة الروح الإنسانية وليست نفخة الروح القدس، حيث يقول التالي ((إيرينيئوس أسقف ليون، ضد الهرطقات ج٢، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، ٣: ٢٤: ١، ص ١١٨. )): فإن هبة الله هذه قد استؤمنت عليها الكنيسة، مثلما كانت النفخة بالنسبة إلى الإنسان المخلوق أولاً، ولهذا الغرض، فإن كل الأعضاء الذين ينالونها، يمكن أن يتم إحياءهم. ووسيلة الشركة مع المسيح قد انتشرت في كل الكنيسة أي الروح القدس، عربون عدم الفساد، ووسيلة تثبيت إيماننا، وسلم الصعود إلى الله. (إيرينيؤس أسقف ليون، ضد الهرطقات) ويؤكد ق. إيرينيؤس نفس الكلام في موضع آخر قائلًا ((إيرينيئوس أسقف ليون، ضد الهرطقات ج٢، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، ٥: ٦: ١، ص ٢٨٤. )): لأن الإنسان الكامل يتكون من اختلاط واتحاد النفس نائلة روح الآبوامتزاج تلك الطبيعة الجسدية التي شُكِّلت على صورة الله، ولهذا السبب يقول الرسول: نتكلم بحكمة بين الكاملين ((١كو٢: ٦ ))، مُسميًا الأشخاص الذين قبلوا روح الله كاملين ولكن أن ندمج الروح مع النفس وتتحد بصنعة الله، يصير الإنسان روحيًا وكاملاً بسبب انسكاب الروح، وهذا هو الذي خُلق على صورة الله ومثاله، ولكن إن كانت النفس خالية من الروح، فمَّن يكون هكذا، هو طبيعة حيوانية، وإن تُرِكَ هكذا ليكون جسديًا، فسيكون كائنًا ناقصًا، مالكًا لصورة الله في تكوينه، وغير مائل للمشابهة بواسطة الروح، وهكذا يكون هذا الكائن ناقصًا. (إيرينيؤس أسقف ليون، ضد الهرطقات) بالتالي نستنتج تأكيد ق. إيرينيؤس أبو التقليد الكنسي وتلميذ ق. بوليكاربوس تلميذ ق. يوحنا الرسول على أن التأله وحياة عدم الفساد والخلود وعدم الموت كان هو الغاية من خلق الإنسان. وتأكيده على أن النفخة الإلهية في الإنسان بداية الخلق هي نفخة الروح القدس في الإنسان المتكون من اتحاد وامتزاج النفس والجسد. كما أكد ق. إيرينيؤس أيضًا على أنه لا يوجد وسيلة أخرى لنوال الاتحاد بالله والشركة معه، ومن ثم نوال حياة عدم الفساد وعدم الموت والتأله إلا عن طريق تجسد الكلمة الابن الوحيد، مؤكدًا على التجسد غير المشروط للابن قبل السقوط ليعطي الإنسان الذي خُلِقَ ناقصًا منذ البَدْء وغير كامل كماله، وخلوده، وتألهه. العلامة إكليمندس السكندري ونجد عقيدة التأله عند العلامة السكندري إكليمندس، حيث يقول التالي ((اكليمندس الإسكندري، حض اليونانيين، تَرْجَمَة: القس لوقا يوسف، مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية، 2020، الفصل الحادي عشر، ص 141. )): ”هو الذي حوَّل الغروب إلى شروقٍ، وصلب الموت في الحياة، وبعد أن انتزع الإنسان خارجًا من فك الهلاك، رفعه إلى السماء، غارسًا الفساد في تربة عدم الفساد، ومُحوِّلاً الأرض سماءً. هو الزارع الإلهي، ’الذي يُعطِي الطوالع الميمونة، ويحث الرجال على العمل‘، وهذا شيء صالح، ’مذكرًا إيانا بالحياة الحقيقية‘، واهبًا إيانا عظمة الآب الحقيقية، النصيب الإلهي والثابت، مؤلهًا الإنسان بالتعليم السماوي،’جاعلاً شريعته في داخلهم، ويكتبها على قلوبهم‘ (إر31: 33)“. (إكليمندس السكندري، حض اليونانيين) العلامة أوريجينوس السكندري ويشرح العلامة السكندري أوريجينوس تلميذ العلامة إكليمندس عقيدة التأله بالنعمة كالتالي ((أوريجينوس، عظات على سفر الخروج، تَرْجَمَة: أ. مريم رشاد ود. جرجس بشرى، باناريون للتراث الآبائي، 2021، 6: 5: 44-47، ص 146، 147. )): ”يقول الكتاب: ’مَن مثلك بين الآلهة يا رب؟ مَن مثلك؟ مُمجَّدًا بين القديسين، عجيبًا في عظمتك، صانعًا معجزات؟‘ إن في قوله: ’مَن مثلك بين الآلهة؟‘ لا يقارن الله بأصنام الأمم، ولا بالشياطين التي تنتحل اسم الآلهة، ولكنه يقول آلهةً على هؤلاء الذين من خلال النعمة ومشاركة الله يُدعَون آلهةً، الذين قال الكتاب عنهم في موضع آخر:’أنا قلت أنكم آلهة‘(مز18: 6س). وأيضًا:’وقف الله في مجمع الآلهة‘(مز81: 1س). ولكن بالرغم من كونهم وارثين لله، وقد وُهِبوا هذا الاسم بالنعمة، لكن لا يوجد أحد قد وُجِدَ مشابهًا لله، لا في القدرة ولا في الطبيعة، وعلى الرغم من أن يوحنا الرسول يقول:’أيها الأولاد، حتى الآت نحن لا نعرف ماذا سنكون. ولكن حين يُستعلن لنا -بالتأكيد يتكلم عن الرب- سنكون مثله‘(1يو3: 2)،إلا أن هذا التماثل لا يشير إلى ما هو حسب الطبيعة، ولكن إلى ما هو حسب النعمة“. (أوريجينوس، عظات على سفر الخروج) القديس ميثوديوس الأوليمبي ويؤكد ق. ميثوديوس الأوليمبي على عقيدة التأله بالنعمة متحدثًا عن الذين جعلهم الله آلهةً في التطويبات، هؤلاء الهدوئيون الأطهار من الشهوات، الذين سيعاينون الله، ويصفهم كالتالي ((ميثوديوس الأوليمبي، وليمة العشر عذارى (الكتابات النسكية في القرون الثلاثة الأولى)، تَرْجَمَة: الراهب القمص تيموثاوس المحرقي، 2009، 11: 3، ص 230. )): ”إيبوليوس: هل يمكننا القول بأن الذين يعيشون بهدوء، وغير منزعجين بالشهوات هم أطهار؟ اغريغوريوس: بالتأكيد. لأن الله جعلهم آلهةً في التطويبات، فهم الذين يؤمنون به بلا شك. فيقول عنهم:إنهم يعاينون الله(مت5: 8)بثقة، لأنهم لا يُدخِلون شيئًا مظلمًا، ولا يُربِكون عيون الروح، من أجل رؤية الله؛ لكن كل رغبة في الأشياء المادية، قد أُبعِدت. فهم كما قلت: لا يحفظون الجسد طاهرًا من المعاشرة الزوجية فقط، لكن حتى القلب الذي هو هيكل للروح القدس، يسكن ويستريح فيه، غير مفتوح للأفكار غير النقية“. (ميثوديوس الأوليمبي، وليمة العشر عذارى) القديس أثناسيوس الرسولي وهكذا يقول ق. أثناسيوس عبارته التبادلية الشهيرة التي توضح عقيدة التأله بالنعمة كالتالي ((أثناسيوس، تجسد الكلمة، ترجمة: د. جوزيف موريس، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2003، 54: 3، ص 159. )): ﻷن كلمة الله صار انسانًا لكي يؤلهنا نحن. (أثناسيوس، تجسد الكلمة) ويتحدث ق. أثناسيوس أيضًا عن عقيدة التأله بالنعمة، وتأله ناسوته الذي صار طريقًا نحو تأليه أجسادنا أيضًا قائلًا ((أثناسيوس، المقالات الثلاثة ضد الآريوسيين، ترجمة: د. صموئيل كامل وآخرين، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2017، 1: 11: 42، ص 111. )): فإن اللوغوس لم يحط قدره باتخاذه جسدًا حتى يسعى للحصول على نعمة أيضًا، بل بالحري فإن الجسد الذي لبسه قد تأله، بل وأكثر من ذلك فقد أنعم بهذه النعمة على جنس البشر بدرجة أكثر. (أثناسيوس، المقالات الثلاثة ضد الآريوسيين) ثم يتحدث ق. أثناسيوس عن أننا بشركتنا في الروح القدس نصير شركاء الطبيعة الإلهية، بالتالي يثبت عقيدة ألوهية الروح القدس مستخدمًا عقيدة التأله بالنعمة، حيث يرى أنه إذا كان الروح القدس مخلوقًا، فكيف يؤلهنا نحن البشر بالنعمة كالتالي ((أثناسيوس، الرسائل عن الروح القدس إلى سرابيون الأسقف، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد ود. موريس تاوضروس، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2018، 1: 24، ص 87. )): ولكن إن كنا بالاشتراك في الروح نصير شركاء الطبيعة الإلهية، فإنه يكون من الجنون أن نقول إن الروح من طبيعة المخلوقات، وليس من طبيعة الله، وعلى هذا الأساس فإن الذين هم فيه يتألهون، وإن كانيُؤلِّه البشر فلا ينبغي أن يشك في أن طبيعته هي طبيعة إلهية. (أثناسيوس، الرسائل عن الروح القدس إلى سرابيون الأسقف) ويؤكد ق. أثناسيوس هنا أن مَن يُشكِّك في تأليه الروح القدس للبشر بالنعمة هو كمَّن يُشكِّك في ألوهية الروح القدس ويدعوه جنونًا. القديس اغريغوريوس اللاهوتي وهكذا يتحدث ق. غريغوريوس اللاهوتي النزينزي في نفس السياق قائلًا ((غريغوريوس النزينزي، الخطب 27- 31 اللاهوتية، تَرْجَمَة: الأب حنا الفاخوري، منشورات المكتبة البولسية، 1993، 31: 28، ص 164. )): فكيف يُؤلِّهني الروح بالمعمودية إن لم تجب عبادته؟ واذا وجبت عبادته، فكيف لا يكون جديرًا بمراسم تلك العبادة؟ (اغريغوريوس النزينزي، الخطب 27- 31 اللاهوتية) ويربط هنا ق. اغريغوريوس أيضًا مثله مثل ق. أثناسيوس بين التأله بالنعمة الذي نأخذه بالمعمودية والاعتراف بألوهية الروح القدس. ويتحدث ق. اغريغوريوس اللاهوتي أيضًا عن تألهنا بحلول الروح القدس فينا ليجعلنا هياكله كالتالي ((غريغوريوس النزينزي، الخطب 27- 31 اللاهوتية، تَرْجَمَة: الأب حنا الفاخوري، منشورات المكتبة البولسية، 1993، 31 :29، ص 166. )): الذي يجعلنا هياكله، الذي يُؤلِّهنا، الذي يقودنا الى الكمال، بحيث أنه يسبق المعمودية، ويطلب بعد المعمودية جميع أعمال الله، وهو ينقسم ألسنة نار، ويُوزِّع المواهب الروحية. (غريغوريوس النزينزي، الخطب 27- 31 اللاهوتية) القديس باسيليوس الكبير يشير ق. باسيليوس الكبير إلى أن عطية التأله بالنعمة هي أسمى العطايا والنعم التي أعطاها لنا الروح القدس كالتالي ((باسيليوس الكبير، الروح القدس، تَرْجَمَة: د. جورج حبيب بباوي، جذور للنشر، 2014)، 9: 23، ص 94. )): وتنال هذه النفوس من الروح معرفة المستقبل، وفهم الاسرار، وإدراك الخفايا، وتوزيع العطايا الصالحة، والمواطنة السماوية، ومكانًا في خورس تسبيح الملائكة، وفرحًا بلا نهاية، وبقاء دائم في الله، والتشبه به، وأسمى من كل هذا أن نصير آلهةً (باسيليوس الكبير، الروح القدس) القديس كيرلس السكندري يتحدث ق. كيرلس السكندري بكل صراحة عن أن اسم إله هو مُعطَى لنا من الله كعطية وإضافة لنا ولكنه فيه بالطبيعة ((كيرلس السكندري، حوار حول الثالوث، تَرْجَمَة: د. جوزيف موريس، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2018، الحوار السابع، ص 346. )): كيرلس: ماذا يعني الاسم إله؟ إرميا: يعنى مَن له هذه الطبيعة. كيرلس: غير أن خصائص هذه الطبيعة هي الأزلية، وعدم الفساد، بينما الاسم إله هو خاص بالملائكة أيضًا وبنا نحن على اﻷخص حتى لو كان مضاف إلينا ومُعطَى لنا. (كيرلس السكندري، حوار حول الثالوث) ويتحدث ق. كيرلس أيضًا مثله مثل القديسين أثناسيوس واغريغوريوس النزينزي، ويربط بين عقيدة التأله بالنعمة والاعتراف بألوهية الروح القدس، مؤكدًا على أن مَن يرفض عقيدة التأله بالنعمة، فإنه بالضرورة يعترف بعدم ألوهية الروح القدس كالتالي ((كيرلس السكندري، حوار حول الثالوث، تَرْجَمَة: د. جوزيف موريس، المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، 2018، الحوار السابع، ص 355 )): ﻷننا هياكل للروح الحقيقي الكائن، ولهذا فنحن نُدعى أيضًا آلهة، لأنه من خلال اتحادنا به نصبح شركاء الطبيعة الإلهية غير الموصوفة. أما لو كان الروح الذي يؤلهنا هو غريب ومختلف بحسب جوهره عن الطبيعة الالهية، فحينئذ سنفقد رجاءنا. (كيرلس الإسكندري، حوار حول الثالوث) ثم يُفرِّق ق. كيرلس الإسكندري بين صورة الله ومثاله في الإنسان، حيث يرى أن لصورة الله معاني كثيرة، بينما المثال هو حياة عدم الفساد وعدم الاضمحلال، كما يؤكد على أن الإنسان لم يكن خالدًا بالطبيعة منذ خلقته، بل كان سينال الخلود بعد ذلك كعطية من الله على طاعته للوصية وثباته في الله. حيث يقول التالي ((كيرلس السكندري، شرح إنجيل يوحنا مج٢، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرين، المركز الأرثوذكسي الدراسات الآبائية، ٢٠١٥، ص ٢١٤. )): ورغم أن حديثي أقل من المستوى اللازم، إلا أنني يجب أن أواصل موضحًا الحالة الأولى لطبيعتنا. فإني أعرف أننا إذ نقصد بإخلاص أن ندرك معنى الكلمات التي أمامنا، فإننا سنتجنب الأخطار الناتجة عن الكسل. إذًا، فهذا المخلوق العاقل أي الإنسان، قد خُلِقَ من البداية على صورة ذاك الذي خلقه حسب المكتوب ((أنظر كو٣: ١٠ )). وصورة لها معاني متعددة. فيمكن أن تكون الصورة ليس حسب معنى واحد، بل حسب معاني كثيرة، أما عنصر مماثلة الله الذي خلقه، الذي يعلو الكل، فهو عدم الفساد وعدم الاضمحلال. فنحن نعرف أن المخلوق لا يمكن أن يكون كفوًا في ذاته أن يكون هكذا كالله بمجرد قانون طبيعته الخاصة، لأنه كيف يمكن لذاك الذي هو من الأرض حسب طبيعته الخاصة، أن يملك مجد عدم الفساد، إن لم يحصل على ذلك من الله الذي هو بالطبيعة عديم الفساد، وعديم الفناء، وهو دائم هكذا كما هو إلى الأبد، والله هو الذي يغني الإنسان بهذه الهبة كما يهبه كل العطايا الأخرى؟ (كيرلس الإسكندري، شرح إنجيل يوحنا) ثم يؤكد ق. كيرلس الإسكندري على أن التأله هو غاية خلق الإنسان لو لم يسقط في التعدي والعصيان، فالله كان سيجعله شريكًا للطبيعة الإلهية، كما يؤكد أيضًا على أن النفخة التي نفخ الله في الإنسان هي الروح القدس، روح الابن، حيث يقول التالي ((كيرلس السكندري، شرح إنجيل يوحنا مج٢، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرين، المركز الأرثوذكسي الدراسات الآبائية، ٢٠١٥، ص ٢١٤. )): ”فكما يقول بولس الملهم بكل عقل وحكمة:وأي شيء لك لم تأخذه(١كو٤: ٧). لذلك، فلكي لا يتلاشى ذلك الذي خُلق من العدم، ويعود إلى العدم مرةً أخرى، بل بالحري يُحفَظ على الدوام - كما كان قصد الذي خلقه- لذلك فإن الله يجعله شريكًا للطبيعة الإلهية، لأنه’نفخ في أنفه نسمة حياة‘(تك٢: ٧)،أي روح الابن، لأن الابن نفسه مع الآب هو الحياة، وهو يضبط كل الأشياء معًا في الوجود. لأن كل الكائنات التي تنال الحياة’به تحيا وتتحرك‘حسب كلمات بولس الرسول(أنظر أع١٧: ٢٨)“. (كيرلس الإسكندري، شرح إنجيل يوحنا) ويؤكد ق. كيرلس الإسكندري على أن النفخة في بداية الخلق هي نفخة الروح القدس، ويقول إنه مَن يفترض أن نفخة الله في بداية الخلق صارت نفسًا مخلوقة هو إنسان لا يملك تفكيرًا سليمًا، ويشرح ذلك كالتالي ((كيرلس السكندري، شرح إنجيل يوحنا مج٢، ترجمة: د. نصحي عبد الشهيد وآخرين، المركز الأرثوذكسي الدراسات الآبائية، ٢٠١٥، ص ٢١٥ )): فإننا يجب أن نكرر مرةً أخرى ونقول -لا يوجد أي إنسان ذو تفكير سليم، يمكن أن يفترض أن النسمة التي صدرت من الجوهر الإلهي صارت نفسًا مخلوقة، بل إنه بعد أن صار للمخلوق نفسًا، أو بالحري بعد أن بلغ إلى كمال طبيعته بوجود النفس والجسد معًا، فإن الخالق طبع عليه خَتْم الروح القدس أي خَتْم طبيعته الخاصة أي نسمة الحياة، التي بواسطتها صار المخلوق مشكلاً بحسب الجمال الأصلي، واكتمل على صورة ذاك الذي خلقه. وهكذا وُهِبَت له الإمكانية لكل شكل من أشكال السمو بفضل الروح الذي أُعطِيَ له ليسكن فيه. (كيرلس الإسكندري، شرح إنجيل يوحنا) يتضح من هنا تأكيد ق. كيرلس الإسكندري على أن التأله هو غاية خلق الإنسان كما قصد الله، أي إن يصير شريكًا للطبيعة الإلهية، ويؤكد ق. كيرلس الإسكندري على أن نفخة الله في بداية الخلق لم تكن نسمة الحياة المخلوقة في الإنسان، بل خَتْم الروح القدس أي خَتْم طبيعته الخاصة في الإنسان، وليس كما ينكر النساطرة الجدد ويدَّعون أن نسمة الله في بداية الخلق هي مجرد نسمة الحياة أو النفس المخلوقة في الإنسان. --- ### قديسي [۲] - Published: ۲۰۲۲-۱۲-۰۱ - Modified: 2022-12-01 - URL: https://tabcm.net/9451/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون يمشي على إيقاع الشمس ويعشق أهازيج المَطرْ زارعُ الألفة في أرجاء الأرض ومجروحٌ في مواعيدِ السَفرْ أ‏علّق صوته على الموسيقى، فتحلّ خيول القصائد رباط الصّمت، وتصهل بي ‏على قلبه يغفو شغفي أرتله... كنص كتاب وغوص القلم بمحبرته، لقاء الطيب بالأطياب هناك تركت أحلامي تثور، ولا تخشى عقاب هناك يسقى بساتنياً من الأزهار والعناب هناك تبتلت راهبة، بين مذابح وقباب هناك رسمت بالمنفى وطناً خلف المسافات والأبواب خمر فكرهُ تعتّقَ في دَمي حرفهُ تعلّقَ في فَمي كيف أمسى هكذا، مَن علّمَ الأنامل صَيد الأنجُمِ؟! ‏وصمتي... حديثٌ عنه أيضاً هو ركنُ دهشتي البكر... وحالة وجودي، حين أكون قيد اغتراب. ويعرج على إثر نبضي، يُقبل روحي لأعلم بأنه لا زال على قيد الحُب يا طُهرَ الحروفِ كلما جئتُ أكتبكِ سمعتُ في أصابعي تراتيل صلاة. وهو الغائر في ألواحِ الجسد المحفور ببراثن كل ما هو آت وهوامش الزمن تتعلّق بأهداب ذنوبي هو الكائن في مجاهلي العابرة أوردة وجودي... يتسلق أفكاري متجاوزاً واقعي إلى عالمي الخفي وجزئي اللا مرئي. لا يقف عند حدودي الأنثوية البحتة كان يتجاوزها بحذلقة منطقية إلى عقلي وبساطة روحي يكتب العواصف والمطر يكتب النار لا الشرر يكتب الدفء ويصف الشمس يكتب عن البتلات، روعة عطرها وعمق الزهر ‏وحين شعرت أنني كهواءٌ عالِق بـ ناي، أخافُ أن تطرحني ثقوبه ‏‎أقنعني أن المخرج استراحة من ضيق وللسامعين سأبقى أجمل رحيق ‏أقبل من الشرق على جبينِ الشمس انفض عن جناحيَّ ندى الأشواق أو أقبل من الغرب كشمس القيامة أغلق عليّ باب التوبة من هواك وأُلقي عليه وردة، غيمة، وخاتم من نور يضعه في إصبع الوقت... ليراني فيما كان الجميع يراني بالطريقة التي ترضي ضمائرهم الميتة وتشبع أحقادهم اللا مبررة وتعزز بشاعتهم وقُبح سرائرهم كان وحده يرى في عَتَمَة روحي ضياء وفي شياطيني براءة ملاك وفي خفافيش سوادي فراشات ملوّنة؛ مهما يحدث ومهما حدث لا يشوهني شيئاً دائما مكشوفة ومضيئة بين يديه ما زالت تشق طريقك وسط روحي المشوشة... وما زلت تنجح وبدون مجهود منك في حبس أنفاسي... أيّة قدرة هائلة تمتلكها تطفو بك دوماً من أعماقي إلى السطح... ؟ يفترض أن تعود هناك من حيث أتيت... من أين أتيت؟ ذكرى أنت... أم حلم؟ ‏قلبي عُصفور... يتخبط في قفص صدري وصدرهُ الماء والسماء والأُفق والحياة يأتنى من بُعد... من طريق يبس به كل ما هو أخضر، وأسمع ترنيمته قبل أن أرى قامته ساريته قلم ورايته ألم نبي يحمل جرح الصدى... صرت أرى به قيامة الروح، والمدى وهو وطني العتيق يخبئني بأفاقي وأحلامي كلماته تغنّي للعالم بصوتٍ شديد النعومة، أغنية من أعماق سحر الكون كلماته تجعل الموسيقى أليفةً وحميمة، كما لو كانت من أغانِ القدر، لأشياء كائنة في أرواح ولا أحد يعرفها... وأُلقي عليه وردة، غيمة، وخاتم من نور يضعه في إصبع الوقت... ليراني --- ### المزامير بعيون مصريّةِ [١] - Published: ۲۰۲۲-۱۱-۳۰ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/9470/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون - وسوم: الأصولية طوبى لِلرجل الذي لا يَسيرُ على مَشورَة الطائفيّين، ولا يَتَوَقَّفُ في طَريقِ المنافقين، ولا يَجلِسُ في مَجلِسِ النمّامين، بل في رحمةِ المسيح هَواه، وبِمحبّته يعمل نَهارَه ولَيلَه. فيَكونُ كالهرم الشامخ في المدينةِ، ليسَ المتدينون الأصوليون كذٰلك. بل إِنَّهم كهتاف بائعي العتبة، لِذٰلك لا يَنتَصِبُ في الملكوت مدّعو القداسة، ولا عبّاد الطقوس في جَماعةِ الأحرار، فإِنَّ الرَّبَّ عالِمٌ بِطَريقِ الأَبْرياء، وإِنَّ إِلى الهلاكِ طَريقَ المنافقين. --- ### كنيسة مجمعية شعبية - Published: ۲۰۲۲-۱۱-۲۹ - Modified: 2022-11-29 - URL: https://tabcm.net/9461/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: المجمع المقدس, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, مجمع الأساقفة تردد سؤال عن صلاحيات البابا في توجيه أسقف من الأساقفة، وللإجابة على هذا السؤال لابد أن نقف على نظام الكنيسة وعلى طبيعة المرحلة: * كنيستنا كنيسة مجمعية بمعنى أن القرارات فيها تصدر عن مجمعها الذي يضم المطارنة والأساقفة والبابا ووكلاء البطريركية في القاهرة والإسكندرية، وللبابا صوت شأن بقية الأعضاء وفى حالة تساوي الأصوات ترجح الكِفّة التي فيها البابا باعتباره الصوت المرجح. * حالة البابا شنودة استثنائية لأسباب تاريخية فهو الذي اختار غالبية أعضاء المجمع، وكان أغلبهم شباب صغير يدين بالولاء والخضوع لقداسته، لاعتبارات عدّة، وكان يجيد توجيههم فيصدر القرار بما يراه هو مع الاحتفاظ بشكل وآليات التصويت، الذي كان يتم في الغالب بالتمرير. * جاء البابا تواضروس مؤمنا بضرورة نقل إدارة الكنيسة من الفرد إلى المؤسسة، ربما بحكم دراسته (ماجستير في إدارة الصيدليات)، وتلمذته على المَطْرَان أنبا باخوميوس الذي أدار الكنيسة باقتدار في لحظتين غاية في الحساسية والخطورة وخرج بالكنيسة منهما دون أدنى ضرر؛ مرحلة عزل البابا بقرار من رئيس الدولة (سبتمبر 1981، يناير 1985)، والمرحلة الانتقالية عقب رحيل قداسة البابا شنودة حتى اختيار قداسة البابا تواضروس. * أعاد البابا تواضروس مفهوم كون البابا الأخ المتقدم بين أخوة، وترجم هذا في الصلوات الطقسية، في جملة "إشليل" (صلوا) التي استقرت قبله على قولها دون إضافات باعتبار البابا متقدما عن الأساقفة، فإذا يه يعدل الصياغة إلى "إشليل إفلوجيتيه"، التي تعنى صلوا معي، وهى بالأساس عندما يتواجد عدد من الآباء من نفس الرتبة، الأمر الذي لم يحسن إخوته فهمه. * تكون لوبي معارض للبابا داخل المجمع قوامه الآباء الذين خرجوا من الترشيحات البابوية لأسباب عدّة قبل القرعة يعرفها القائمقام البطريركي والقريبون من كواليس الانتخابات، وبعضها مقلق. وبعض المعارضين ممن يدينون بالولاء لمن رحلوا من المرشحين وكانوا السبب في رسامتهم. * معالجة البابا تواضروس تتسم بالعقلانية والتريث خَشْيَة أن يصعد هذا اللوبي تهديداته بنشر افتراءات أجادوا صنعها بحنكة، وتتلمذوا عليها قبل مجيئه، خاصة مع تنامي آليات العالم الافتراضي وتجنيدهم للجان إلكترونية تعمل بإمرتهم، وستدفع الكنيسة وقتها فاتورة عبثهم، من سلامها وربما وجودها، في تكرار لخيبات طيف من أسلافهم في القرون السحيقة، وكانت النتيجة وقتها مريعة. * جزء بل ربما الجزء الأكبر من الأزمة المعاشة والمزمنة غياب المجلس الذي يمثل المدنيين أو الرعية ومسماه التاريخي "المجلس الملي" وهو مسمى لا يصلح في عصر الدولة المدنية القومية، التي تجاوزت الملل والنحل والطوائف، ولم تعد مهامه التي نص عليها قانون تشكيله قائمة، لذلك فانفراد الإكليروس بإدارة الكنيسة أنتج كل الأزمات والمتاعب التي تعاني منها بل ويعاني الإكليروس منها، وهو الأمر الذي انتبهت إليه كنيسة الرسل حسب رصد سفر الأعمال وصححته. * قداسة البابا عندما نُفى البابا أثناسيوس الرسولي وطاردته قوى الشر الرسمية والكنسية، وقتها، احتمى بشعبه في الكفور والنجوع حتى عاد إلى كرسيه. --- ### هذا الأسقف! - Published: ۲۰۲۲-۱۱-۲۸ - Modified: 2024-01-01 - URL: https://tabcm.net/9439/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أنبا بيشوي، مطران دمياط وكفر الشيخ, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث منظومة الكنيسة التي تُظهر حتى الآن أنه ليس في استطاعتها التعامل معه ومع أمثاله ممن يخالفون النظام ويسيئون لكنيسة الإسكندرية أمام الكنائس الأخرى، فـ"هذا الأسقف" الذي يدعي حماية الإيمان، يروج للنسطورية وغيرها من الهرطقات، ولم يجد من يحاكمه أو يحاسبه! تأخرت عن كتابة هذا المقال 10 أيام وأكثر، لأنه من الصعب أن أجدني مضطرًا للحديث عن بديهيات انتهت في كنائس أخرى منذ عدة قرون، بينما لا زالنا نتحدث عنها في كنيسة الإسكندرية في عام 2022، وكأننا نحاول اختراع العجلة من جديد، فـ"هذا الأسقف" الذي يملأ الدنيا ضجيجًا بلا طحين، وكأن كنيسة عريقة لا يوجد بها إلا هو ومن على شاكلته، يعبد الميكروفون ولا يمتلك لا شهادة علمية أو لاهوتية معتبرة، فأقصى شهادة حصل عليها هي "الدبلوم"، مع الاحترام لحملة هذه الشهادة الذين يمارسون بها تخصصاتهم، ولا يقحمون أنفسهم فيما لا يفقهون فيه. "هذا الأسقف"، لا يعبد الله كأي مسيحي طبيعي، بل البابا شنودة الثالث البطريرك السابق لكرسي الإسكندرية. فحياته كلها تدور حول عيد ميلاد قداسته، وعيد رهبنته، وعيد رسامته أسقف، وذكرى تجليسه على كرسي مار مرقس، وذكرى رحليه، ثم يملأ الدنيا ضجيجًا وصراخا مطالبًا الجميع بعبادة كتب ومحاضرات البابا شنودة وليس المسيح، ويتحدث عن أن هذا من أسس الإيمان اﻷرثوذكسي، لكنه بمنتهى التناقض لا يحترم البابا تواضروس البطريرك الحالي الجالس على كرسي القديس مرقس، ولا يعتبره موجودًا، بل عقله متوقف عند زمن البابا الراحل باعتبار إنه مخلد، أو حتى بعد نياحته سيُترك له كرسي مار مرقس باسمه ولن يعترف بأي بطريرك فيما بعد، وهي سمة ليست عند "هذا الأسقف"، بل عند كل عبيد البابا الراحل. "هذا الأسقف" يتعامل وكأن إيبارشيته الواقعة في الصعيد هي محور الكون، ويريد أن يفرض ما يدور بداخلها على كل إيبارشيات الكرسي المرقسي داخل وخارج مصر، ونصب نفسه باعتباره حامي حمى الإيمان، لكنه ليس الإيمان المسيحي ولا الإيمان الأرثوذكسي، بل إيمان البابا السابق، فأصبحت إيبارشيته هي الكرسي الرئيس للإيمان "الشنودي"، فلديه متحدث إعلامي موازي، ولجنة إيمان وعقيدة موازية، ويخرج مرتين في الأسبوع ليشاكل في خلق الله! فكل عظاته تدور حول من تحدث عنه أو عن البابا شنودة ليرد عليه، أو ليرى ما يجري على نطاق الكنيسة سواء من البابا أو الأساقفة غير المنضمين لحظيرة البابا شنودة، ويبدأ في القراءة من الورق الذي يكتب له، ليقول عكسهم تمامًا. "هذا الأسقف" فارغ وفاضي لدرجة أنه إذا وقع البابا تواضروس اتفاق البابا فرانسيس كاتفاق "عدم إعادة المعمودية" بين كنيستي روما والإسكندرية، خرج مهاجمًا الكنيسة الكاثوليكية معتبرها كنيسة مهرطقة، وإذا وقع الأنبا إنجيلوس أسقف انجلترا اتفاقًا مع الكنيسة الإنجليكانية خرج يهاجم الكنيسة الإنجليكانية، ويشكك في كل شيء، فـ"هذا الأسقف" الذي يهرطق الجميع يمينا ويسارا، لا يستطيع قراءة الورق الذي أمامه ومن المفترض أنه كتبه بنفسه دون أخطاء كارثية لا يقع فيها طفل صغير في الصف الرابع الابتدائي. "هذا الأسقف"، لم يدرس في كلية لاهوتية أكاديمية محترمة، والشهادة التي يدعي أنه يحملها هي بالضبط كشهادة محو الأمية التي تمنحها الدولة لكبار السن بعد تعلمهم، ولا أعتقد من يحمل شهادة محو أمية يمكنه أن يعتبر نفسه كعالم ويقارن نفسه بأحد الخريجين من جامعة مثل هارفارد مثلا! "هذا الأسقف" وقت انتشار وباء كورونا، كان من أصحاب غزوة "الماستير"، رافضا التخلي عن واحدة من أدوات ممارسة طقس وكأنها الذبيحة نفسها، مع أن "هذا الأسقف"، عندما كان مجرد راهب في إحدى الدول العربية، كان يناول الحضور بالكنيسة بغمس الجسد بالدم لأن الأعداد كانت كبيرة على أن يناول الجسد مرة ثم يعود لمناولة الدَّم مرة أخرى، فأحل هذا لنفسه ما ﻻ يحله لغيره في الكوارث واﻷوبئة، كالكتبة والفريسيين الذين توعدهم المسيح بالويلات لأنهم يحملون الناس أحمال عسرة ولا يريدون أن يمسّوها بإحدى أصابعهم، لكنه وقت الوباء ولمجرد العند: زايد عليهم جميعا. "هذا الأسقف"، الذي كان يرتجف في زمن البابا شنودة، ولم يكن أحد يسمع به، يستغل الاحترام الزائد عن اللازم الذي يتعامل به البابا تواضروس مع الجميع، ليبحث لنفسه عن دور، وهؤلاء الطامعين الذين يحاربون البابا تواضروس سرا ولا يريدون الظهور، يستخدمونه أيضا ليعبر عنهم وعن مصالحهم التي فاحت رائحتها منذ سنوات عدة ومعها أصبحت صورة الكنيسة سيئة، ولكنهم يمارسون نفس اللعبة" و"هذا الأسقف" -محب الظهور- لا يوجد من هو أفضل منهم ليصدروه للمشهد، وينأوا بأنفسهم عن أي انتقاد. لكن المشكلة ليست في "هذا الأسقف"، بل في منظومة الكنيسة التي تُظهر حتى الآن أنه ليس في استطاعتها التعامل معه ومع أمثاله ممن يخالفون النظام ويسيئون لكنيسة الإسكندرية أمام الكنائس الأخرى، فـ"هذا الأسقف" الذي يدعي حماية الإيمان، يروج للنسطورية وغيرها من الهرطقات، ولم يجد من يحاكمه أو يحاسبه! يدعون أنها كنيسة مجمعية ولكننا لم نر كرامة لهذا المجمع، فالبابا السابق كان يأخذ قرارته منفردًا وهم يصدقون فقط ولا يستطيع أحد أن يعارضه كما حدث في قرار عزل الدكتور جورج حبيب بباوي دون محاكمة كنسية قانونية ووقع عليه غالبية أساقفة الكنيسة امتثالًا لأوامر الأنبا بيشوي سكرتير المجمع وقتها، وحاليًا يدخل "هذا الأسقف" وآخرين اجتماع المجمع ويسربون تفاصيله للجانهم الإلكترونية ولا يوجد حساب. فإذا أمنت العقاب فأفعل ما شئت، وهذا ما يؤمن به "هذا الأسقف" ومن خلفه من أساقفة.   اقرأ أيضا:   --- ### سكوت المرأة - Published: ۲۰۲۲-۱۱-۲۷ - Modified: 2022-11-23 - URL: https://tabcm.net/8801/ - تصنيفات: المرأة القبطية - وسوم: قديس بولس الرسول ”لِتَتَعَلَّمِ الْمَرْأَةُ بِسُكُوتٍ فِي كُلِّ خُضُوعٍ. وَلكِنْ لَسْتُ آذَنُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُعَلِّمَ وَلاَ تَتَسَلَّطَ عَلَى الرَّجُلِ، بَلْ تَكُونُ فِي سُكُوتٍ“(رسالة بولس الأولى إلى تيموثاوس2: 11، 12) لكي نفهم هذا النص يلزمنا أن نتعرف على الظروف المحيطة بالكنيسة في ذلك الحين في بَدْء المسيحية، ففي المجتمع اليهودي كانت المرأة ممنوعة من دراسة الناموس، ولا يُسمح لها أن تقوم بأي دور قيادي في خدمة المجتمع. وكان الرجل يشكر الله كل صباح على أنه لم يخلقه "أمميًا ولا عبدًا ولا أمرأة ". هذا وإن كنا لا ننكر أن بعض النساء خلال التهاب قلوبهن بمحبة الله تسلمن أدوارًا قيادية في العهد القديم في الجانب الديني والسياسي، حيث كان الدين لا يُفصَل عن السياسة عند اليهود. ورغم ذلك نقول إن المرأة تمتعت بالكثير من الحقوق من خلال الشريعة الموسوية إذا قورنت بمركزها في العالم في ذلك الحين، لكنها بقيت بعيدة عن خدمة المقدَّسات والعمل التعليمي الكنسي، إلخ. أما عند اليونان فقد ضم معبد أفروديت في كورنثوس ألف كاهنة كُنَّ يعرضن أجسادهن على المتعبدين كنوع من العبادة، وضم معبد ديانا بأفسس مئات من الكاهنات الشريرات. جاءت الكنيسة المسيحية بالمساواة الروحية بين الرجل والمرأة، ورفعت من شأن المرأة وأعطتها الكثير من الحقوق، لكن لم يُسمح لها بالتعليم العام حيث يوجد الرجال، حتى لا يُساء الفهم من قِبَل المجتمع اليهودي الذي أبقى علي المرأة بعيدة عن خدمة المقدَّسات والعمل التعليمي فيه. فالكنيسة كانت على وعي بتطور المجتمع اليهودي الذي نشأت فيه من جهة دور المرأة فيه. وكانت الكنيسة تُدرك أيضاً مدى الحساسية نحو السماح بدور أكبر للنساء في قيادة العبادة داخل الكنيسة بسبب ما كانت تؤديه النساء في معابد آلهة اليونان كما ذكرنا. من هذا المنطلق نستطيع أن نفهم قول الرسول بولس في الرسالة الأولى إلى تيموثاوس: فَأُرِيدُ أَنْ يُصَلِّيَ الرِّجَالُ فِي كُلِّ مَكَانٍ، رَافِعِينَ أَيَادِيَ طَاهِرَةً، بِدُونِ غَضَبٍ وَلاَ جِدَال. وَكَذلِكَ أَنَّ النِّسَاءَ يُزَيِّنَّ ذَوَاتِهِنَّ بِلِبَاسِ الْحِشْمَةِ، مَعَ وَرَعٍ وَتَعَقُّل، لاَ بِضَفَائِرَ أَوْ ذَهَبٍ أَوْ لآلِئَ أَوْ مَلاَبِسَ كَثِيرَةِ الثَّمَنِ، بَلْ كَمَا يَلِيقُ بِنِسَاءٍ مُتَعَاهِدَاتٍ بِتَقْوَى اللهِ بِأَعْمَال صَالِحَةٍ. لِتَتَعَلَّمِ الْمَرْأَةُ بِسُكُوتٍ فِي كُلِّ خُضُوعٍ. وَلكِنْ لَسْتُ آذَنُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُعَلِّمَ وَلاَ تَتَسَلَّطَ عَلَى الرَّجُلِ، بَلْ تَكُونُ فِي سُكُوتٍ“. (رسالة بولس الأولى إلى تيموثاوس2: 8- 12) ولكننا مع ذلك، قد نتحير أمام تنظير القديس بولس لنصيحته قائلاً للشعب: لأَنَّ آدَمَ جُبِلَ أَوَّلًا ثُمَّ حَوَّاءُ، وَآدَمُ لَمْ يُغْوَ، لكِنَّ الْمَرْأَةَ أُغْوِيَتْ فَحَصَلَتْ فِي التَّعَدِّي. (رسالة بولس الأولى إلى تيموثاوس2: 13، 14) فحسب رأيي الخاص -وفي طاعة لروح الله في النص- أظن أنه لم يكن سهلاً أن يفصح القديس بولس عن الأسباب وجذورها المجتمعية التي وراء نصيحته. لذلك لجأ إلي سبب له ملامح مجتمعية في أحداث خلق آدم وحواء بخصوص مَن خُلِق قبل الآخر، ومَن أخطأ قبل الآخر بحيث تتناسب مع نصيحته فيستسيغها المجتمع الكنسي ويتجنب بذلك مشكلات لا لزوم لها من حساسيات ترجع إلى خصائص المجتمع ونضجه ذلك الوقت بل وربما لا نستثني من ذلك المسيحيين أنفسهم رعاةً ورعية، دون أن يكون لذلك علاقة بحقيقة المساواة بين الرجل والمرأة في المسيحية كدستور. وبتطور الحضارة الإنسانية حدث تحول تدريجي في المجتمعات من جهة المساواة بين المرأة والرجل التي سبقت  إليه المسيحية وأوصت به روحياً، حتى لو لم تطبقه مجتمعياً في البداية. ويلزم التنويه هنا إلى أن المسيحية هي دستور وليست قانون. فيبقى الدستور وترتقي بسببه المجتمعات في صياغة قوانينها في مسيرة  نضجها التاريخي. هذا ما رأيناه في نصيحة القديس بولس من جهة عدم السماح للمرأة بالتعليم في صدر المسيحية حين كان المسيحيون يمارسون مسيحيتهم داخل معابد اليهود قبل أن تنتقل ممارسة العبادة المسيحية إلى كنائس خاصة بالمسيحيين. وأما الآن وبعد تطور المجتمعات، فلا نستطيع اعتبار أن ما قاله القديس بولس في هذا الشأن التنظيمي هو مُلزِم للكنيسة من الناحية النظرية وكأنه عقيدة مسيحية. فحديث بولس الرسول في هذا الشأن ليس عقيدة مسيحية ولكنه أمر تنظيمي مجتمعي. إن المساواة بين الجنسين في المسيحية هي روحية بالأساس ولا تنتظر شكليات لإثباتها. بل إن إثباتها الحقيقي هو أن "الكنيسة هي جسد المسيح السري"، وأن هذا الجسد الواحد يجمع الرجل والمرأة في مساواة روحية يضمنها إيمان الشعب بالمسيح في "سر الكنيسة" قبل أي شكليات تنظيمية. ومن جهة أخرى أقول إن رأيي هذا ليس معناه أن المساواة الشكلية بين الرجل والمرأة هي حتمية عقيدية. بالتالي فليس لأحد أن يحجر على كنيسة ما قد ارتأت لنفسها مساحة أكبر لمشاركة المرأة في العمل الرعوي والطقسي في الكنيسة، وكدليل يسند ما أقوله من رأي بأن هذه أمور ليست عقيدية، أن القديس بولس في نفس الرسالة الأولى إلى تلميذه تيموثاوس أوصى بأن يكون الأسقف زوج امرأة واحدة، بينما الأمر ليس كذلك في عصورنا الحديثة. والسُبح لله --- ### "التأله" عربون الحياة الأبدية - Published: ۲۰۲۲-۱۱-۲٦ - Modified: 2024-01-01 - URL: https://tabcm.net/9412/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: أنتوني م. كونيارس, أوريجينوس ليونايدس أدامانتيوس, الأب متى المسكين, الروم الأرثوذكس, الكنيسة القبطية, تادرس يعقوب ملطي, تجسد الكلمة, حياة الصلاة الأرثوذكسية, سمعان بن يونا, عقيدة التأله, علامة إكليمندس السكندري, قديس أثناسيوس الرسولي, قديس إيرينيئوس، أسقف ليون, قديس بولس الرسول, مجمع خلقيدونية ظهر في الآونة الأخيرة فريق يدعي إن "التأله" هرطقة حاربها آباء القرون الأولى، والبعض منهم كان له رأي آخر بأن التأله بدعة أو هرطقة حديثة ظهرت في كنيسة الروم الأرثوذكس الخلقيدونية ثمَ دخلت إلى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية اللاخلقيدونية في وقتنا هذا. ظهر في الآونة الأخيرة فريق يدعي إن "التأله" هرطقة حاربها آباء القرون الأولى، والبعض منهم كان له رأي آخر بأن التأله بدعة أو هرطقة حديثة ظهرت في كنيسة الروم الأرثوذكس الخلقيدونية ثمَ دخلت إلى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية اللاخلقيدونية في وقتنا هذا. قبل كل شيء دعونا نرد على الفكر بالفكر، وأن نرجع إلى إيمان الكنيسة المُقدسة، المُذخر في الكتاب المقدس وتقليدها الرسولي وتعاليم الآباء، ونرى، هل هناك وجود لهذه العقيدة في القرون الأولى؟ ولو كان فهل فعلًا حارب الآباء هذه العقيدة في ذلك الزمان؟ دعونا نُعرف التأله بالمفهوم الصحيح وليس بما يؤلف البعض من اتهامات وسذاجات لا يصدقها شخص عاقل، يجيبنا الأب أنتوني كونيارس وهو من الكنيسة الرومية الأرثوذكسية ويقول: يعلمنا علم اللاهوت الأرثوذكسي أن التأله ما هو إلا النمو والإزهار -الذي لا ينتهي- لصورة الله فينا، التي تنضح بجمالها من مجد إلى مجد. التأله هو تحقيق الإمكانية التي زرعها الله فينا في المعمودية المقدسة. التأله هو تلك العملية التي تصير فيها الصورة -بنعمة الله- على مثال الله. كتب الأب ستانيلوي إن صورة الله لم تُفقد نتيجة للخطيئة، لكن عملية التحول ليصير الإنسان على مثال الله توقفت. ، هذه العملية استأنفت الآن في المسيح. لا يستطيع أحد أن يبلغ إلى هذا الاتحاد الباطني مع الله إلا في المسيح ومن خلال المسيح بقوة الروح القدس، فهو الطريق الوحيد وليس هناك غيره (الأب أنتوني كونيارس) ويضيف: التأله هو اشتراك شخصي في حياة الله من خلال الإيمان والصلاة والأسرار الكنسية. التأله هو الإمكانية الغنية التي وضعها الله في كل إنسان مُعمد. التأله هو اسم مسيرة الخلاص التي تبدأ بالمعمودية حيث نتحد بالمسيح ونتغير نحو شبهه. التأله هو تغيير وتجلي أسلوب حياتنا، من حيث اهتمامنا بالقريب والمشاركة المتبادلة و المحبة، وتوظيف أنفسنا وأملاكنا والخيرات الأرضية لخدمة الله. يكتب الأب جورج فلورفسكي ما يلي: معنى التأله هو الشركة الحميمية للبشر مع الله الحي لا أكثر. أن تكون مع الله معناه أن تسكن فيه وأن تشترك في كماله. (الأب أنتوني كونيارس) ويكتب الأب متى المسكين وهو راهب من الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في كتاب حياة الصلاة الأرثوذكسية: مفهوم التأله الذي يقصده الآباء الأولين لا يعني تحوُّل الطبيعة البشرية إلى الطبيعة الإلهية، ولكن تأهيل الطبيعة البشرية للحياة مع الله في شركة المحبة، وذلك برفع الحاجز الخطير الذي يفصل حياة الإنسان عن حياة الله، أي الخطية! وذلك بتوسط غسل وتقديس دَم المسيح لنا، وتناولنا من جسده المقدَّس، لذلك، فالتألُّه أو الاتحاد بمفهومه الكامل كحياة مع الله، لا يمكن أن يتحقق إلاَّ بالقيامة من الأموات، ولكن لأنه قد أعطي لنا منذ الآن وسائط نعمة ووصايا وقوة إلهية، لكي نغلب بها الخطية والعالم وحياة هذا الدهر، لذلك، فقد انفتح أمام الإنسان باب إمكانية تذوُّق الاتحاد بالله بشركة المحبة والطاعة منذ الآن. (الأب متى المسكين، حياة الصلاة الأرثوذكسية، ص 193) والآن دعونا نلقي نظرة عن ما يقوله الكتاب المقدس بصدد التأله. يقول معلمنا القديس بطرس: كَمَا أَنَّ قُدْرَتَهُ الإِلهِيَّةَ قَدْ وَهَبَتْ لَنَا كُلَّ مَا هُوَ لِلْحَيَاةِ وَالتَّقْوَى، بِمَعْرِفَةِ الَّذِي دَعَانَا بِالْمَجْدِ وَالْفَضِيلَةِ لِكَيْ تَصِيرُوا بِهَا شُرَكَاءَ الطَّبِيعَةِ الإِلهِيَّةِ، هَارِبِينَ مِنَ الْفَسَادِ الَّذِي فِي الْعَالَمِ بِالشَّهْوَةِ (رسالة بطرس الثانية 1: 3 -4) ويضيف معلمنا بولس الرسول: لأَنَّنَا قَدْ صِرْنَا شُرَكَاءَ الْمَسِيحِ، إِنْ تَمَسَّكْنَا بِبَدَاءَةِ الثِّقَةِ ثَابِتَةً إِلَى النِّهَايَةِ (رسالة بولس إلى العبرانين 3: 14) أَنَّ الأُمَمَ شُرَكَاءُ فِي الْمِيرَاثِ وَالْجَسَدِ وَنَوَالِ مَوْعِدِهِ فِي الْمَسِيحِ بِالإِنْجِيلِ (رسالة بولس إلى أفسس 3: 6) شَاكِرِينَ الآبَ الَّذِي أَهَّلَنَا لِشَرِكَةِ مِيرَاثِ الْقِدِّيسِينَ فِي النُّورِ (رسالة بولس إلى كولوسي 1: 12) فَإِنْ كُنَّا أَوْلاَدًا فَإِنَّنَا وَرَثَةٌ أَيْضًا، وَرَثَةُ اللهِ وَوَارِثُونَ مَعَ الْمَسِيحِ. إِنْ كُنَّا نَتَأَلَّمُ مَعَهُ لِكَيْ نَتَمَجَّدَ أَيْضًا مَعَهُ (رسالة بولس إلى رومية 8: 17) فعقيدة التأله كما قصدها الآباء الرسل في الكتاب المقدس، معناها أن نشترك في حياة القداسة والمحبة التي هي حياة الله، وأن ننمو فيها، وأن نكون وارثين المجد والمواعيد مع المسيح. ننتقل إلى نقطة أخرى، وهي: ماذا قال آباء القرون الأولى عن التأله؟ يجيبنا في هذا الصدد القديس إكليمندس السكندري في كتاب الستروماتا ويقول: صار كلمة الله إنسانًا حتى يتعلم كيف يصير الإنسان إلهًا (إكليمندس السكندري، كتاب: الستروماتا) ومن بعده يضيف العلامة أوريجينوس، ويقول: أُعطيت نعمة الروح القدس للمخلوقاتغير المقدسة بطبيعتها، لتجعلهم قديسين بشركة الروح. بهذا ينالون الوجود من الله الآب، والتعقل من الكلمة، والقداسة من الروح القدس مرة أخرى، إذ يتقدسّون بالروح القدس يمكنهم قَبُول المسيح، لأنه هو بر الله (1كو30:1). والذين حسبوا أهلا لبلوغ هذه المرحلة بتقديس الروح القدس، يتقدمون لنوال موهبة الحكمة، بقوة روح الله وعمله فيهم. (القمص تادرس يعقوب ملطي، كتاب: "الله في فكر العلامة أوريجينوس") ومن بعده أب آخر من آباء الكنيسة، هو القديس إيرينيئوس ويضيف الآتي: أنه لهذه الغاية، صار كلمة الله إنساناً، وابن الله صار ابن الإنسان، حتى يمكن للإنسان، باتحاده بالكلمة وقبوله التبني، أن يصير ابن الله. إذ لم تكن هناك أي وسيلة أخرى يمكننا بها أن نحقق عدم الفساد والخلود، إذ كيف يمكننا أن ننضم لعدم الفساد والخلود، ما لم يصر الخلود وعدم الفساد على ما نحن عليه أولاً؟ حتى يمكن للفاسد أن يُبتلع من عدم الفساد، والمائت من الخلود، حتى يمكننا الحصول على تبني الأبناء. (القديس إيرينيئوس، “ضد الهرطقات”، الكتاب الثالث، الفصل الثامن عشر) ويٌكمل قائلًا: كيف كان يمكن للإنسان أن يذهب إلى الله، لو لم يكن الله قد جاء أولاً إلى الإنسان؟ وكيف كان يمكن للبشر أن ينعتقوا من ميلادهم الأول المؤدِّي إلى الموت، لو لم يولدوا من جديد بالإيمان بذلك الميلاد الجديد الإعجازي المُعطَى من الله كآية للخلاص (انظر إشعياء 14:7 يُعطيكم الرب نفسه آية)، أعني الميلاد الذي صار من العذراء؟ بل، وكيف كان يمكن أن ينالوا التبنِّي لله، وهم باقون في ميلادهم الأول الذي حسب البشر في هذا العالم؟ من أجل ذلك صار الكلمة إنساناً، وصار ابن الله ابناً للإنسان؛ لكي يتَّحد الإنسان بالكلمة، فينال التبنِّي ويصير ابناً لله. (القديس إيرينيئوس، “ضد الهرطقات”، الكتاب الثالث، الفصل الثامن عشر) ويضيف العظيم أثناسيوس: لأن كلمة الله صار إنسانًا لكى يؤلهنا نحن، وأظهر نفسـه في جسد لكي نحصل على معرفة الآب غير المنظور، واحتمل إهانة البشر لكي نرث نحن عدم الموت. لأنه بينما لم يَمسّه هو نفسه أي أذى، لأنه غير قابل للألم أو الفساد، إذ هو الكلمة ذاته وهو الله، من أجل ذلك اتخذ جسداً إنسانياً، حتى إذا ما جدَّده لنفسهحينئذ يؤلِّهه في ذاته، وبهذا يُحضرنا جميعاً إلى ملكوت السموات على مثاله. لأن الإنسان كان لا يمكن أن يتألَّهإن كان اتحاده يتم بمخلوق، أو أن يكون ابن الله ليس إلهاً، وكذلك لا يمكن أن يأتي “إنسان” إلى حضرة الله إذا لم يكن هو كلمته الحقيقية، ومن جوهره، وقد لبس جسدًا. (القديس أثناسيوس الرسولي، كتاب “تجسد الكلمة”، الفصل الرابع والخمسون، الفقرة الثالثة) نختم مقالنا هذا مؤكدين على أن ما قاله آباء ما قبل نيقية عن عقيدة التأله ليس بالتعليم غير الصحيح، مثلما يردد  البعض ويتهموننا بالهرطقة، ونرى إنهم لم يقصدوا بها أن نصير مثل الله ونشترك في جوهره، وسوف نستكمل ما ذكره آباء الكنيسة في عصر نيقية وما بعدها وفي العصور الحديثة عن عقيدة التأله في مقالات أخرى مقبلة. --- ### التأله في الكتاب المقدس - Published: ۲۰۲۲-۱۱-۲۵ - Modified: 2022-11-25 - URL: https://tabcm.net/9199/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: سمعان بن يونا, شركاء الطبيعة الإلهية, عقيدة التأله, نبي موسى, هارون الكاهن هناك خلط شديد جدًا بين عقيدة التأله بالطبيعة الخاصة بالله (ثيؤلوجيا)، وبين عقيدة التأله بالنعمة الخاصة بالبشر (إيكونوميا). وسوف نستعرض معا بعض النصوص الكتابية الدالة على عقيدة التأله بالنعمة مثل: ”أنا قلت أنكم آلهة وبنو العلي كلكم“ (مزمور 82: 6) وهو قول صريح لا لبس فيه. وكذلك أيضًا: ”فقال الرب لموسى: أنظر أنا جعلتك إلهًا لفرعون. وهارون أخوك يكون نبيك“ (سفر الخروج 7: 1) وهنا يقصد التأله بالنعمة طبعًا. ثم يقول رب المجد نفسه: ”أجابهم يسوع أليس مكتوبًا في ناموسكم: أنا قلت إنكم آلهة، إن قال لأولئك الذين صارت لهم كلمة الله، ولا يمكن أن ينقض المكتوب فالذي قدسه اﻵب وأرسله إلى العالم، أتقولون له: إنك تجدف لأني قلت إني ابن الله؟“ (إنجيل يوحنا 10 : 34-36) يؤكد السيد المسيح هنا على هذه العقيدة، ويقول لا يمكن أن ينقض المكتوب. ثم يقول رب المجد نفسه: ”أجاب يسوع وقال له: إن أحبني أحد يحفظ كلامي ويحبه أبي واليه نأتي وعنده نصنع منزلاً“ (إنجيل يوحنا 14: 23) هنا يؤكد رب المجد على سُكنى اﻵب والابن في البشر بقولهنصنع عنده منزلاً. وهكذا يقول معلمنا بطرس الرسول متحدثًا عن شركة الطبيعة الإلهية كأحد مفاهيم عقيدة التأله بالنعمة: ”الذين بهما قد وهب لنا المواعيد العظمى والثمينة، لكي تصيروا بها شركاء الطبيعة الإلهية، هاربين من الفساد الذي في العالم بالشهوة“ (رسالة بطرس الثانية 1: 4) وهنا يؤكد القديس بطرس على شركة الطبيعة الإلهية. --- ### قديسي [١] - Published: ۲۰۲۲-۱۱-۲٤ - Modified: 2022-11-23 - URL: https://tabcm.net/9179/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون ‏قديسي وكلما رأيته... نسيت ظلي عالقاً... بجهته. ‏سأجعلهم يقرأونه رغماً عنهم، سأصلبه على فمِ الحكاية. وإني أغض الشوق عنه... أما هذا القلب فيعصيني. ‏وأنا العصية على الحب كأصنام إبراهيم يحطمني قدره ولا أسمعه كيف آمنت بدين عينيه وهو يغزو رأسي كنيسان نيسان الذي دق بابي بربيعه ولوعته وحين فتحت له الباب... هرع كالريح بوجهه؛ الباب كان كفراً أن أغلقه قديس هو، ثائر... وإله في خطواته وحديثه، جيلاً من الأنقياء يتبعه. لا يعرف إني أقع فيه وأتألم أهرب منه وأعود إليه أتخلص منه... ويتمدد في داخلي أنتزعه مني بقوة فتأخذني إليه قوة أكبر وأكثر ما يؤلمني كلما شعرت منه بالوحدة وجدته حاضر بداخلي. تنساقُ إليه الكلمات كالأنفاس في شهقة أولى يحصدُ حنطة... ينثرُ مجاز يعدد هزائمه باعتزاز كائنٌ ضوئي لأدركه... أحتاج إلى مئات الحواس. يمشي على إيقاع الشمس ويعشق أهازيج المَطرْ زارعُ الألفة في أرجاء الأرض ومجروحٌ في مواعيدِ السَفرْ. ‏أذنتُ له... أن يحتلَّ وجهي، ويركض في عقلي، وأنهارِ يدي أن يطاردَ عصافيراً تبني أعشاشاً في رئتي وأن يسافر في دمي، مُعاكساً تيّار دمائي... وحده يفكك رموزي ويمسح بيد من نور عتمتي فأغدو به يقيناً غير قابل للتأويل والتفسير. ‏قوي منتصر كقيامة ناعم كخدي أصدق ما تقوله شفتاي ويكتب صوتي. روحي تغادرني تقطع المسافة إليك في نيزك تنهب الطريق إليك نهباً تتسلق درج السلالم إلى قلبك مسرعة. ‏مد يدك نحو تربة الروح دس حنطتك المقدسة وزهورك برحم القلب فالأرض لا تحن إلا لراويها... ‏خشيت على حقلي الصغير من حقوله الممتدّة، ريفي الصغير الهادئ محاطٌ بأسوار مُدنهِ التي تعجّ بالفوضى. وحين يضبط إيقاع تفكيره، أنساب مع تقاسيم وجهه في مجرى الفكر وتتعبني العقبات. ‏عِصِيّ على الفهم، رغم أن الماء يأخذ منه بساطته، واضح كنافذة البرق، غامض كضباب المدن وسطوته. من بين خيوط شمسه، إليه أتسلل... أركل أبواب صدره، وأنظر من قلبه نافذة تطل على الحياة. وأن ما يجمعنا هو زرقة سماء تسرح عبرها اشتياقاتك... سهول ممتدة تستحوذُ على أفكارك... وأشجار، انتظرتك في ظلالها ليكتمل هديل نداءات الطيور لأترابها. ‏لأنّه اقتباسٌ للغيوم يشرحُه المطر ولأنهّ يأكل من الشمس يشرقُ كشلال القمر كم يتماهى مع موسيقى الكون! كم يستأثر بعزفه كوحيد، بين ألف وتر! وبحره أجهل أعماقه لكن أوج موجه علّمني الطفو! ‏للوردِ رائحةٌُُ للصوتِ صدى لليلِ سطوتهُ وللصباح الندى للقائك سَكرتهُ لفراقك وقع الردى للمطر موعده كموسمك، حين بدا. ‏أركض. . تكاد رئتاي تنفجر من زخم الهواء استسلم لغواية المغامرة وتنتابني لهفة الخروج عن الطريق ومغازلة الخطر متى سأصل لصفحة طُويت على الأمان صفحة برائحة الاطمئنان التي فاحت من ذلك الرجل؟ أنت ما ينقصُ كلّ شيء أنت المفتاح المفقود لأبواب المَعبد طريق القصر المستور والجزيرة البعيدة، التي لا يسمح الضباب أبداً برؤيتها. --- ### الإبرة المصدّيّة في وخز الأصوليّة - Published: ۲۰۲۲-۱۱-۲۳ - Modified: 2023-06-27 - URL: https://tabcm.net/9185/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, كتاب مقدس - وسوم: الأصولية كل من  يقرأ عناوين كتب التراث العربيّ سواء المسيحيّ أو الإسلاميّ، أكيد بيضحك أو يبتسم على العناوين المسجّعة للكتب القديمة مثل "مجموع أصول الدين ومحصول مسموع اليقين" أو "الباعثُ الحثيثْ في اختصار علوم الحديثْ". لذا فكّرت في عنوان كتاب يكون دليل للمسيحي إنه يوخز الأصولية بداخله. كيف أعرف إني أصولي؟ الأصوليّة نشأت في الولايات المتّحدة الأمريكيّة في نهاية القرن الـ19 وبداية الـ20 عشرين، وهي نشأت كردة فعل ضدّ اللاهوت الليبرالي. هي بالطبع تقلّصت بشكل كبير ولكن انتشرت بصورة أكبر من خلال الكنيسة الإنجيلية الأمريكية (مالهاش دعوة بالكنيسة الإنجيلية المصرية). ما يهمني هنا هو نظرة الأصولية للكتاب المقدّس: كل سطر وكل حرف في الكتاب المقدّس من الله، بالتالي لازم (يتاخد) بالحرف. يعني حتى العلم أو التاريخ أو الأنساب أو الأرقام أو الوقائع هي من الله ولا تقبل أي تأويل أو تفسير آخر غير المعنى الحرفي. رفض أي استخدام لأي أسلوب نقدي علمي أو تاريخي أو أدبي. رفض تام للعالم الحديث بمحتوياته بالرغم من سعيهم لتخليصه. الأصوليّة انتشرت في مصر بشكل كبير مش بسبب الأمريكان ولكن بسبب استخدام بعض الأساقفة والوعّاظ لنصوص من المفسرين الأمريكان لأنها أقرب لعقلية سلفية وهابيّة انتشرت في أواخر السبعينيات. بمعنى أن كثير من المسيحيين في مصر تأثروا بالوهابية، بالتالي طبقوا نفس الأسلوب في فهم النص المقدّس بالرغم من الاختلاف الجذري في مفهوم الوحي. فالمسيحية لا تؤمن بالتنزيل! نتيجة لهذا نجد مسيحيين كثيرين يقرأون الكتاب المقدس بعيون وهابيّة أو سلفيّة. ويرفضون أي دراسات أو قراءات باستخدام جمل ترفض كل استخدام للعقل مثل "بينما يتجادل اللاهوتيون يتسلل البسطاء للملكوت"، أو "هو أنا محتاج أدرس يعني عشان أدخل الجنه؟". يكفي الإنسان المسيحي بالطبع إنه يتبع المسيح ويكون على مثاله لكي يخلص، لم يشكك أحد في هذا. لكن لا يصح أن يمسك هذا الشخص الكتاب المقدس ويقف يفسر ويوعظ من دون دراسات جادة تأخذ في اعتبارها تاريخ التفسير وتعليم الكنيسة على مدى ٢٠٠٠ سنة مع ربطه بالدراسات الحديثة المتقدمة. --- ### البابا تواضروس.. رؤية وصمود - Published: ۲۰۲۲-۱۱-۲۲ - Modified: 2022-11-21 - URL: https://tabcm.net/9191/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أنبا باخوميوس، مطران البحيرة, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس السادس, رئيس جمال عبد الناصر, ملك فاروق بالرغم من شيخوخة قداسة البابا شنودة إلا أن رحيله جاء صادماً وخلف حالة من الحزن ليس فقط في الأوساط القبطية بل في الشارع المصري الذي سجل للرجل الكثير من المواقف الوطنية وشهدت معه الكنيسة العديد من المواقف الصعبة. كانت مصر تعبر لحظات فارقة وغائمة، وهي تضع نقطة في نهاية حكم وانتظار المجهول، كانت مرحلة ملتبسة ومرتبكة، وكانت كل الاحتمالات مطروحة كأسئلة بلا إجابات، تجمعت كل هذه الملابسات لتكون في استقبال البابا الجديد، لنجد أنفسنا أمام متلازمة مصرية، يغيب فيها الرئيس من المشهد والبابا كذلك، ويأتي في أعقابهما رئيس جديد وبابا جديد، حدث هذا مع البابا يوساب والملك فاروق، والبابا كيرلس والرئيس جمال عبد الناصر، ومع البابا شنودة والرئيس مبارك، ويتكرر الإمر حين تعبر الكنيسة والوطن مرحلتهما الانتقالية، ليأتي البابا تواضروس والرئيس السيسي في أدق لحظات الكنيسة والوطن. تنعقد المقارنة الحتمية بين البابا الراحل والبابا القادم، وتبدأ متاعب البابا الجديد مع الحرس الكنسي القديم، وكانت أدوات ذاك الحرس الفضاء الافتراضي ولجانهم الإلكترونية، بعد أن صدمهم خروجهم من مارثون خلافة البابا شنودة الذي رحل بشيبة صالحة. لم ينزلق البابا الجديد الأنبا تواضروس إلى منطقة الفخاخ المنصوبة له بفضل خلفيته العلمية وتلمذته على أستاذ إدارة الأزمات الأنبا باخوميوس الذي أدار فترتين من أدق فترات الكنيسة؛ حين اعتقل الرئيس السادات البابا شنودة وحدد إقامته في دير الأنبا بيشوي، وعقب رحيل البابا والسجس الذي أحاط بأجواء الترشح والاختيار. أدرك البابا الجديد كل ملابسات اللحظة، فاتجه إلى مأسسة الكنيسة ليخرج بها من الفرد إلى المؤسسة، فبدأ في تنظيم كل الملفات عبر وضع لوائح تنظم عملها ليتجنب شخصنة الحلول ومن ثم النتائج، وكانت العشر سنوات هي سنوات التأسيس والبناء والنأي بالكنيسة عن دوائر الصراعات. وكان صبر البابا، وحكمته ومنهجه العلمي أسلحته في العبور بالكنيسة من السياسة إلى تبني رسالتها المكلفة بها من مؤسسها المسيح لحساب الإنسان. --- ### الكنيسة القبطية وخيانة المثقفين! - Published: ۲۰۲۲-۱۱-۲۱ - Modified: 2022-11-21 - URL: https://tabcm.net/9076/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, مقالات وآراء - وسوم: الأب متى المسكين, بابا شنودة الثالث, چورچ حبيب بباوي, علي الوردي, فلاديمير لينين المثقفون هم أكثر الناس قدرة على الخيانة، لأنهم أكثرهم قدرة على تبريرها(فلاديمير لينين) في سنة ١٩٢٧ نشر الروائي الفرنسي الشهير Julien Benda جوليان بندا، كتابه العظيم La Trahison des clercs "خيانة المثقفين". . ترجمته بالانجليزية " The treason of the intellectuals " وكان قد فضح المثقفين الذين يخضعون للسلطة ولمغريات المال والنفوذ والشهرة في مواجهة دورهم المنحاز للناس، واعتبر هذا سقوط أخلاقي أقرب إلى الخيانة! ولدينا أيضا المفكر إدوارد وديع سعيد Edward W. Said وهو أديب ومُنظر فلسطيني/أمريكي، أصدر كتابا بعنوان مشابه: "The betrayal of intellectuals: the last texts" وفي حقيقة الأمر نحن نرى -بصرف النظر عن السياقات- أن هذا المفهوم ينطبق انطباقا شبه كلي على واقع الكنيسة المصرية. فإذا اعتبرنا أن الإكليروس نخبة كان يجب أن تلعب دورا في التعليم الديني واللاهوتي للشعب، فانشغلت هذه النخبة بجمع مكاسب، وارتكن أغلبهم للخرافة ومارس بعضهم الدجل الصريح أحيانًا، في محاولة استثمار حالة الجهل المتفشي في المجتمع المصري عمومًا، والمسيحي خصوصًا! وهذا ليس تعميما فهناك قلة أمينة، تحاول -في حدود إمكانيتهم- ولكن على استحياء. ولكننا نتكلم على أنه بعد ثورة يناير ٢٠١١م، قد ظهرت نخبة مثقفة دارسة للعلوم اللاهوتية من بعض الشباب وكنا توسمنا فيهم خيرا، ولكن شبت الخلافات البينية، وطفحت على السطح نوازع فردية تمزق شمل الإصلاح الكنسي المنشود! وتبادلت الاتهامات بينهم! ولم يؤدوا دورهم كمثقفين -ليس على مستوى نقدي علماني فحسب، بل وأيضًا ولا على المستوى الديني اللاهوتي. وأنا لا أتكلم هنا عن ما يسمون أنفسهم حماة الإيمان، أو بعض الموتورين الذين وجدوا في السوشيال ميديا ضالتهم، في إعلان سفالتهم وانحطاطهم! بل على بعض من الدارسين الحقيقيين. فتجد بعض هؤلاء المتعلمين يحاول أن يظهر نفسه أنه هو "الكنسي الوحيد" والشخص الروحاني التقي الورع، وباقي الدارسين خطاه، أو ملحدين متخفيين! في حين يمارس البعض الآخر نوعًا من التلاعب، وتمييع كل القضايا الجادة، ومحاولة تبرئة السلطة الكنيسة من أي خطأ! فمثلا يُظهر أن هناك صراع بين تياريين أتباع البابا شنودة، وهو منهم بريء بالطبع! وأتباع الأب متى المسكين وأتباع الدكتور جورج حبيب بباوي! ويدخل في محاولة بروزة الأخطاء! وإن كان هناك خطأ عند طرف الممثل للسلطة، فهناك أخطاء أيضا عند الطرف الآخر! بالتالي لا وجود لظلم طرف لطرف، أو في أفضل الأحوال أن الظلم له ما يبرره سواء كان نوازع طيبة وخيرة كالحفاظ على العقيدة وعلى الكنيسة وعلى إيمان البسطاء، أو استفزاز الطرف المناوئ له بالهجوم أو السخرية، بالتالي فبطش السلطة هنا له ما يبرره! هناك بعض الدارسين كانت تعول عليهم الكنيسة في نهضة حقيقة بجهودهم في ترجمات مفيدة وعميقة أو مساندة التعليم الأرثوذكسي، ومحاولة نقل المناهج التفسيرية النقدية الحديثة إلينا، حتى نواكب الدراسات اللاهوتية الحديثة ونلحق بركاب العلم كما حدث مع الكنيسة الكاثوليكية وبعض الدارسين البروتستانت بالغرب! ومن نافلة القول أن نقول إن هذا لا يمكن أن يهدد الإيمان! فتغير الرؤية التفسيرية أو بعض المفاهيم لا يعني خطأ العقائد الأساسية ولا يمس صميم إيمان الكنيسة! ولكنهم اتخذوا الطريق الآمن، وظلوا يرددون الرؤية التقليدية في كل الأمور، واتخذوا مواقف رجعية على كافة المستويات الروحية واللاهوتية والاجتماعية والإدارية! وأعجبهم لعب دور شاعر القبيلة! إن الإنسان حين ينشأ في بيئة تراثية معينة يصبح كالذي يقع تحت تأثير التنويم المغناطيسي، فهو يعتقد اعتقادا جازما بصحة المعتقدات التي نشأ عليها حتى لو كانت مضرة، فيصبح عقله مشلولا لا يفهم الدنيا إلا من خلال تلك القوالب الفكرية أو ما نسميه التنويم المغناطيسي. (عالم الاجتماع العراقي: علي الوردي) هذا كان يجب أن ينطبق على العوام، ولكن من خيبات الزمان أن يكون هذا حال دارسينا وبعض الحاصلين على دكتوراه في تخصصات لاهوتية! وتختلف نوازع هؤلاء ما بين من يريد مجد شخصي فيحاول تشويه كل من حوله، حتى تخلو له الساحة -كما يتخيل- أو من له مصالح وارتباطات مع بعض الأساقفة، أو أطماعا في مناصب كنيسة سواء في المعاهد أو الإكليريكيات، أو طمعًا في الانضمام إلى رتبة الأسياد ويصبح كاهنا ذو عمة حصينة لا يمكن أن يمسها أحد! وآسفاه على أم الشهداء، التي يخذلها أبنائها لخلل نفسي -وهؤلاء معذورين- أو لمصالح ضيقة، وهؤلاء "خيبتهم" أثقل! ولكننا نظن مع الشاعر الكبير عبد الرحمن الأبنودي أنه "أكيد فيه جيل أوصافه غير نفس الأوصاف" وسنظل نحن في انتظار الصباح! سلام على الصادقين. --- ### نُمَلِّكه لكن لا نَمْلُكه - Published: ۲۰۲۲-۱۱-۲۰ - Modified: 2022-11-20 - URL: https://tabcm.net/8790/ - تصنيفات: لاهوتيات كتبت رسالة إلى أحد الملحدين في غضبته على بعض (سلفية) الأقباط: إن إله المسيحية، سواء كان حقيقة ويقين عند المؤمن الصادق، أو ليس كذلك عند غير المؤمن الذي يعتبر الله لا وجود له بل فكرة وهمية عند المؤمنين، فمن المفترض في هذا الإله -بالتالي تابعيه أيضاً- أن يكونوا أكثر سمواً من المبادئ الإنسانية. ولقد أظهر التاريخ الإنساني فعلاً أن المسيحية كانت ولا تزال المصدر لإلهام العالم في الارتقاء بالمبادئ الإنسانية فوق نفسها. لكن هذا الافتراض يتزعزع أحياناً كثيرة ليس بسبب الملحدين ولكن بسبب مسيحيين اختطفوا المسيح  ليجعلوه ملكاً على مملكتهم وليس ملكوته، ليتحكموا ويسيطروا على الآخرين من وراء ظهر المسيح، بل وعلى النقيض من تعليمه "مملكتي ليست من هذا العالم“ وفي تضاد مع مواقفه: “أراد اليهود أن يختطفوه ليجعلوه ملكاً، فهرب من وسطهم وأختفي“. هؤلاء مسيحيون يصنعون لهم مسيحاً هو صدى لخلل نفوسهم. مسيحٌ ”مُختَطَف“ يصورونه حسب أهوائهم، بالتالي لا يجتاز من وسطهم ويغادر خيالهم المريض كما فعل المسيح إلهنا: ”هرب من وسطهم واختفى“. لقد خلق الله الإنسان غير محتاجٍ إليه في تدبير معيشته ”الله يشرق شمسه على الأبرار والأشرار ويمطر على الصالحين والطالحين“ لكي ما إذا أحبه إنسانٌ وتبعه لا تكون تبعية احتياج بل حب. المسيح طلب من الإنسان أن يدبّر حياته في هذه الدنيا حسب قوانين وضعها الرب لاستمرار العالم. وميَّز الإنسان بعقلٍ يستطيع أن يعرف به مكنونات عظمة الخلق فيسبح الله بينما يدبر نفسه بنفسه في أمور دنياه. يظهر هذا بوضوح في إجابة الرب لمَن قَصده لحل خلاف على ميراث "من أقامني قاضياً عليكما؟“. خلاصة الكلام أنه ليس هناك قهر أو تسلط في المسيحية سواء من إله المسيحية أو في الخطاب الديني حسب المنهج المسيحي الصادق والقائمين على خدمته انتهت الرسالة وأكمل هنا من خلال قراءة أحداث لقاء المسيح بالتلاميذ أول مرة، يتبادر إلى الذهن سؤال مهم: - هل التلاميذ هم الذين وجدوا يسوع؟ «قَدْ وَجَدْنَا مَسِيَّا الَّذِي تَفْسِيرُهُ :الْمَسِيحُ»، «وَجَدْنَا الَّذِي كَتَبَ عَنْهُ مُوسَى فِي النَّامُوسِ وَالأَنْبِيَاءُ يَسُوعَ» - أم أن يسوع هو الذي وَجد التلاميذ؟ ”وَأَنَا  لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُهُ، لكِنَّ الَّذِي أَرْسَلَنِيقَالَ لِي“ ” قَالَ لَهُ نَثَنَائِيلُ: «مِنْ أَيْنَ تَعْرِفُنِي؟». أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ:«قَبْلَ أَنْ دَعَاكَ فِيلُبُّسُ وَأَنْتَ تَحْتَ التِّينَةِ، رَأَيْتُكَ». أَجَابَ نَثَنَائِيلُ وَقَالَ لَهُ:«يَا مُعَلِّمُ، أَنْتَ ابْنُ اللهِ ! أَنْتَ مَلِكُ إِسْرَائِيلَ! »(إنجيل يوحنا1: 48،49) الإجابة قطعاً هي أن الرب وجد البشر وليس العكس: “لَيْسَ أَنْتُمُ اخْتَرْتُمُونِي بَلْ أَنَا اخْتَرْتُكُمْ، وَأَقَمْتُكُمْ لِتَذْهَبُوا وَتَأْتُوا بِثَمَرٍ، وَيَدُومَ ثَمَرُكُمْ، لِكَيْ يُعْطِيَكُمُ الآبُ كُلَّ مَا طَلَبْتُمْ بِاسْمِي. "(إنجيل يوحنا 15: 16) فقد كنا مثل نجوم تائهة وبلا راع في هذا العالم فاتخذنا الرب أبناءاً له. بينما العكس هو ما حدث عندما أراد آدم أن يجد الألوهة -بغواية الحية- ويقتنيها لنفسه بعيداً عن الرب.   فأكل  من شجرة معرفة الخير والشر وسقط.   فالمسيح إلهنا هو  ”شجرة الحياة“ وهو الذي يفتقدنا بصلاحه ويمنحنا الشركة في حياته الأبدية من خلال نعمة الاتحاد في بشريته. المسيح إلهنا، نُمَلِّكه بالإيمان على قلوبنا "ها أنا واقف على الباب وأقرع. . افتحِ لي يا حبيبتي"، لكن لا نَمْلُكه كمسيحيين لأنه مسيح العالم كله وهو الخالق للجميع  قبل أن يكون مخلصاً  لنا. وعندما يصير الإيمان المسيحي قنية وليس شركة، يصير إيماناً هزيلاً يعج بالافتخار الأجوف بإله جعلناه شيئاً نقتنيه. ونتسابق على حب المديح والسمعة والصيت لهذا الإله. وتتصاعد الغَيْرَة و الرغبة في غلبة الآخرين وإذلالهم حتي نكون نحن ”الأعلون“ وليس إلهنا. هذه هي آفة الأديان في العالم والمسيح بريء من ذلك. المصيبة العظمى أن هذه الآفة عندما تتسرب إلى الكنيسة، فإن أشد أنواعها تكون عند بعض رجال الدين حتي أنهم يحسبون كرامتهم من كرامة المسيح. نرى هذا في ثورة الغضب باسم المسيح باطلاً وعدم التسامح تجاه مَن يخطئ في حق بعض رجال الدين هؤلاء. ويحضرني  هنا قول المسيح: ”وَيْلٌ لَكُمْ إِذَا قَالَ فِيكُمْ جَمِيعُ النَّاسِ حَسَنًا. لأَنَّهُ هكَذَا كَانَ آبَاؤُهُمْ يَفْعَلُونَ بِالأَنْبِيَاءِ الْكَذَبَةِ“. (إنجيل لوقا 26:6) واضح هنا أنه بسبب كونهم أنبياء كذبة لذلك اعتبروا المديح أنه قيل فيهم وليس في المسيح، لأنهم في الحقيقة يعتقدون أنهم يقتنون المسيح وليسوا في شركة معه مثل بقية شعب المسيح. فلقد صار هو قنيتهم فيعطونه لمن يستحسنوه،  ويمنعونه عمن يغضبون عليه. إن الرب يسوع المسيح أعطانا درساً في ذلك عندما خاطبه أحدهم قائلاً ”أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ الصَّالِحُ“، فأجابه المسيح ”لِمَاذَا تَدْعُوني صَالِحًا؟ لَيْسَ أَحَدٌ صَالِحًا إِلاَّ وَاحِدٌ وَهُوَ اللهُ“ (إنجيل متى 16:19).   فنلاحظ أن المسيح  هنا لم ينكر أنه صالح ولكنه قال أن ليس صالحاً إلا الله، وبذلك فهو أكد أنه الصالح لأنه الله.   وبهذا فقد أرسي الرب المنهج المسيحي في أن المديح والافتخار هو  لله حتى لو كان الإنسان هو المقصود به من الآخرين. وقد ألتقط القديس بولس هذا المنهج وقال ”مَن أفتخر فليفتخر بالرب“. فالرب يريدنا أن نفرح ونفتخر بأنفسنا عندما نعمل عمل الرب وأن يكون لنا ملء الوعي إننا قنية الرب وليس العكس.   بالتالي فإن فرحنا هو فرح شركتنا في المسيح العامل فينا. و السُبح لله. بقلم د. رءوف إدوارد --- ### الإنسان صورة الله - Published: ۲۰۲۲-۱۱-۱۹ - Modified: 2022-11-18 - URL: https://tabcm.net/9062/ - تصنيفات: مقالات وآراء لأَنْ هَا مَلَكُوتُ اللهِ دَاخِلَكُمْ. (إنجيل لوقا17: 21). "وَجَبَلَ الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ تُرَابًا مِنَ الأَرْضِ، وَنَفَخَ فِي أَنْفِهِ نَسَمَةَ حَيَاةٍ. فَصَارَ آدَمُ نَفْسًا حَيَّةً"(سفر التكوين2: 7) هذه العبارة كانت تعبير عن كَمَيَّة طاقات وإمكانات رهيبة جدا أعطيت للإنسان، هذا الكائن العجيب جدا، الكائن الوحيد الذي ميزه الله بهذه النفخة من روحه، والوحيد الذي قيل عنه إنه خلق على صورة الله، الوحيد الذي أعطاه الله السلطان والمسئولية على المسكونة بكل ما فيها فقيل عنه إنه تاج الخليفة، ولكى تكتمل هذه الإمكانات الجبارة التي أعطاها  الله للإنسان، أعطاه معها مقدار مهول من الحرية وإلا ما قيمة كل ما سبق إذا كان الإنسان مسيّرا؟! وكنتيجة طبيعية لكل هذه الإمكانات وهذه الحرية أصبح عليه مسئولية عظيمة تجاه ذاته أولا، وذاته تشمل شخصه وتشمل أيضا الآخر منه وتجاه الكون عامة وما يشمله من جميع المخلوقات، لذلك أصبحت حياة الإنسان تحدي كبير، لكن في الواقع قيمة الإنسان وحياته تكمن في هذا التحدي بمعنى أنه دون هذا التحدي لم تكن لحياة الإنسان أي قيمة تذكر! وعندما نلقي نظرة على الإنسان في ضوء ما سبق سنجد أنه: مذهل هو مستوى النقاء والحب واللطف والإنجاز والسلام والفرح الذي يمكن أن يحققه إذا أدرك ماهيته وإمكاناته وقدراته وقيمة الحرية التي يملكها، وإذا استشعر قيمة ذاته المعطاة له من الله. مذهل هو تأثيرها الإيجابي على حياته والآخرين والمخلوقات جميعها وهو ما نحتاج إليه بشدة وهذا ما رأيناه في أمثلة كثيرة على مدار الأجيال ولعل أقربها إلينا الأم تريزا مثلا وغيرها كثيرين ممن استطاعوا أن يثروا العالم بل ويأسروه بوجودهم. لكن في نفس الوقت مرعب هو مستوى الانحطاط والتدني والعنف والقسوة التي يمكن أن يصل إليها الإنسان إذا استخدم إمكاناته في مكانها الخطأ إذا لم يدرك معنى الحرية المعطاة له، ومرعب هو تأثيرها إذا فشل في أداء مسئولياته تجاه ذاته ومجتمعه. مرعب هو حجم الألم بل والدمار الذي يمكن أن يلحقه بذاته أولا وبالآخرين وبكل محيطه وهو ما نعيشه ونعانيه كثيرا حتى دون أن ندركه والأمثلة أكثر من أن نذكرها وبالتأكيد تبادر في ذهن كل قارئ  أسماء تذكره بهذا المثال بل والصورة المرعبةً للإنسان. إذن الفرق بين أن نختبر الجحيم في حياتنا الأرضية وبين أن نحيا ونقيم الملكوت فيها هو فقط الإدراك والوعي بمن نكون وما نمتلك من قدرات ومصدر هذه الإمكانات والمسئوليات الواقعة علينا. --- ### أسوانيّة - Published: ۲۰۲۲-۱۱-۱۸ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/8634/ - تصنيفات: كتاب مقدس في ذَلِكَ ٱلزَّمان، قالَ يَسوعُ لِتَلاميذِهِ: «كُلُّ مَن ٱعتَرَفَ بي أَمامَ ٱلنّاس، يَعتَرِفُ بِهِ ٱبنُ ٱلإِنسانِ أَمامَ مَلائِكَةِ ٱلله. ومَن أَنكَرَني أَمامَ ٱلنّاس، يُنكَرُ أَمامَ مَلائِكَةِ ٱلله. (إنجيل لوقا 12: 8، 9) في بدايةِ التسعينيات كنت طفلًا في مدرسةِ "كمال عبّاس ناصر" في أخر شارع المطار في المنشيةِ في أسوان مدينتي. وفي يوم من الأيام، في أثناء خروجي التف حولي مجموعة أطفال في سنّي وقالو لي: أنت ياض تعال هنا، أنت مسيحي؟. . فقلت لهم آه أنا مسيحي. .   فضربوني ورنوني علقةِ سودا لمجرّد إني مسيحي. أنا الصراحةِ مفهمتش ليه يعني عشان مسيحي اتضرب! المهم عرفت أنه في ربط بين إني أكون مسيحي وبين إني لازم اتضرب وأبقى هزؤ. بعد كام يوم، تكرر الموقف من شلةِ جديدةِ: أنت ياض تعال هنا، أنت مسيحي؟ فقلت لهم لا ليه؟ أنت ياض شكلك مسيحي! لا لا أنا مش مسيحي. فسابوني. روحت وأنا فرحان إني ما أخدتش العلقةِ. لكن في شيء جوايا حسسني إني عملت حاجه غلط. فقلت لماما (الله يرحمها) واسمها نرجس (عشان عيب أقول اسم أمي). فقالت لي نص إنجيل النهاردةِ مَن أنكرني أمام الناس يُنكَر أمام ملائكةِ الله. من بعدها بقيت أقول إني مسيحي حتي لو أهل بلدي بيعاملوني وحش. دلوقتي بعد ما نضجت وكبرت عرفت إن الصعوبةِ والاضطهاد والصدام مش ببساطةِ الطفولةِ بتاعةِ أنت تبع مين مسيحي ولا غيره. ولكن الصعوبةِ تكمن في إني أعيش مسيحي، إني أشهد للمسيح، إني أظهر إني مسيحي بتصرفاتي بأفعالي مش بس بإيماني. يعني مثلا هل ممكن أظهر وأعيش المحبةِ للأشخاص اللي مختلفين عني في الطبقةِ الاجتماعيةِ؟ في الإيمان؟ في الطائفةِ؟ في الدين؟ صعب أوي أكون مسيحي علي مثال المسيح لكن سهل أقول إني مسيحي. --- ### مرثية عتمة - Published: ۲۰۲۲-۱۱-۱۷ - Modified: 2022-11-20 - URL: https://tabcm.net/9015/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون ‏ما بقي من هذا العالم، لا أراه أجول بذاكرة، بمخيلةٍ أُرجوانية أعلق بصري في كونٍ صامت لا تُعرفُ أرضهُ من سماه! شعور لا يخفى تحت وطأة الحياة القاسية ساعات وأيام تمر تباعاً في طريق التحول تجر قوانين خلفها قد لا أجد مكانا مناسب لها ‏هكذا أختلف مع الغيب في رسم الغد وأختلف مع اللحظة التي أنا فيها ومع القادمة فالخيارات شجون الوجع وما تبقى رهاناتٌ على أمس ذُل ويوم يُهان وغدٍ سيُقتل غِدْنا أرجوحة في يد الريح تقودنا تتركنا وتترك الأنفاس مشتتة حتى تتوحد في النفس الأخير. أنا الدفُّ الذي يتباهى القدر بصفعه والكلُّ حولي غير عابئ، لا مبالي أنا الغِرْبال الذي تمرّ مِن جروحه الأفراح وتتراقصُ على وجهه الحصى والأحجار أنا التي تلد قصائد أدمنت تقبيل الصمت كلما اعتصمت الحبال الصوتية لأرشي السكوت بالمكتوب. ‏أنا التي تحتاط من عينيكَ لا قطاعِ الطرق و المجرمين. ‏أنا التي تهاب أمواجك، لا السُّفن. أنا التي تُبصر رحيلك قبل مجيئك وذهابك قبل وصولك أنا التي ‏تعبثُ بعقلها مثل فكرةٌ معقدة تعبثُ بقلبها مثل شوق لا يهدأ أنا كل هذا حين التفت حولي ولا أجدك... ‏قلبك الذي أتسع العالم، بقيت خارجه وحدك بقيت والغربان في خرابك تنعق ‏قلقةٌ كسحابةٍ يحملها الهواء تنتظرُ شغف الهطول تعبة كسفينةٍ صارعت لُجج وأمواج راودها الوصول في داخلي أفرع شجر اللغاتِ، وشعلةُ المعنى، وخارطةُ البحور وبكل كلمة فيضٌ من دهشتي... وبكل نص نبي برسالته يجول ‏رحل وترك لي ميراثا وافرا بالأنين وظننت أنني صامدة في وجهه كنخله رعناء وفقدت نفسي في غياهب نفسي بحثت عنها فألفيتها في ذيل نفسي واهنه ضعيفه كهندباء تئن و تحمل في يدها المبتورة لليأس لواء كُنتُ ربيعاً لا يذبل ومحضُ طفلاً لا يكبر والآن عَتماً مثقوبا أنزفُ صقيعاً لا يرحل ‏وحين تلهث خيول الوجع على مساحة الصدر تستبيح النبض تأخذنا لذلك الصليب وتتركنا معلقين إلى الأبد. ‏ارتكبا الإثم سويا... - لم يمسك إلا بطرف ظله الغائر بالعتمة - لم تمد له خيطا من نور يهديه إليها كلاهما غرق بالخطية، وأَبى التوبة... والغفران ولم نجد طريق النورِ بعد فكُلما بحثنا، ضاقت بنا الجُدران وِسعاً ووقفتُ الظنونُ لنا نِداً ‏كان الجدار المتكأ وكان الجدار مبكاي وشعرت لو له أذرعا ما احتضن إلا سواي كلما اتضحت الصور لمرأنا رأينا لها بعداً آخر لا يؤدي إليها قبح الصور وخداع البصر ‏كسطرٍ تائه من قوافي القصيدة... كغُربة نوتةٍ غارقة على شواطئ الأُمنيات ‏ينحتني الأمل بأنامل من يقظة ويغفو على شفتي كعصفور نسي الطيران... ‏أحاولُ طمرَ ماضٍ يناضلُ ليحيا أينَ سيعيش يا تُرى وكيف سيبقى؟! حتماً بذاكرةِ طفلةٍ يُقال أنها نضِجت بعد صفعةٍ تلو الأخرى إنني معتادةٌ على كذبةٍ تقطنُ على رأسِ لساني وهي أنني سأنسى ‏تنهار الغرفة حين تدرك الأركان أنها تتعانق من بعيد لكنها لن تلتقي... ما ‏الأحلام سوى كوابيس. تخلص منها ألقى بها على الأرض وستشعر براحة عظيمة لِئَلّا أحد يلحق بك... لا شيء يُغادر، رغم مرور زمننا هي أشياء ترافقنا... ولا ترفق بنا صوتٌ معدومّ... صُلبَ على أغشية جدار المَّدى بحرف ولحن، يمزقه الصدى وكُتلة من وجع وأنين أبْكَت ثقوب النايات. ‏علام يقف المشهد الأخير. . في مكان مظلم. . ؟ الوطن الذي ركضنا إليه... يركض هو الآخر. . مبتعداً عنا. . ! وقفنا طويﻻ... في النهاية نصحونا. . أن نكتب الشعر... لنتقي مطارق الحنين. . ‏في أحيانٍ كثيرة علينا تقبل الأشياء الغريبة والأمرّ... علينا أن ننسى نعتها بالغرابة! ‏وإن مررت بقربي تمهل وسر على رؤوس أصابعك حتى لا توقظ وحدتي من سباتها فتلتهمني. --- ### هل ٩٩.٨% من سكان العالم زناة؟ - Published: ۲۰۲۲-۱۱-۱٦ - Modified: 2022-11-16 - URL: https://tabcm.net/9023/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أحوال شخصية, أندريه زكي, بابا تواضروس الثاني, بروتستانت, صموئيل البحيري الكثير من البلايا موجودة ومتجذرة بجسد المجتمع الكنسي وضاربة حتى النخاع منذ قديم الأزل، لكن مواقع التواصل الاجتماعي بمثابة أجهزة الأشعة الطبية الفاحصة والموَضِّحة لتلك الأمراض، لعلنا، يومًا ما، نفيق وندرك المرض فنسعى للعلاج. أو لعل الله ينظر إلينا ويسمعنا ويشفينا ويعود ويرحمنا مما يفعله بنا المتطرفين والمتعصبين وأخرهم القمص صموئيل البحيري. الأسبوع الثاني من شهر نوفمبر الجاري انتشر مقطع مصور للقمص صموئيل البحيري يقول فيه إن "زواج البروتستانت زنى"، وحسب ما تقول صفحته على موقع فيسبوك، فهو كاهن عام بمنطقتي عزبة النخل والمرج الجديدة بالقاهرة. انتشر الفيديو الذي أذاعه كالنار في الهشيم على صفحات السوشيال ميديا المختلفة. وكان محتوى تلك التصريحات نصًا: "يا شعب يا مسيحي يا غلبان يا طيب يا مبارك، البروستانتية هرطقة، ومش ها تروحوا السما. . هاقولها تاني،  مش ها تروحوا السما، مالهمش سما الكتاب قالها صراحةً... العماد البروستانتي باطل، الجواز البروستانتي أقولها كلمة واستسمحكم في اللفظ المُغَلَّظ "زنى"، بقول "زنى"، المتجوز بروستانتي راجل، ست، أنتوا زناة... وعايشين في الحرام زي أي اتنين راحوا الشهر العقاري وكتبوا على بعض" https://www. youtube. com/watch? v=eWY6t8nnRVw&ab_channel=AboSala7 التصريح الكارثي للكاهن الذي يحمل رتبة القمصية بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية ليس الأول من نوعه في هذا الصدد، ولكنه ربما كان البيان الوحيد المُسَجَّل صوت وصورة، بل وتمت إذاعته، وما خفي كان أعظم. فبغض النظر عن محتويات البيان الطائفية المتعصبة والمتعددة، سألقي الضوء على الزواج في المسيحية والنقاط الخاصة به في بيان القمص صموئيل. زواج المسيحيون الأوّلون مدنيا تزوج المسيحيون الأوائل زواجًا مدنيًا طبيعيًا مثل باقي المجتمع من حولهم، لم يذكر الكتاب المقدس أي طقس معين أو صلوات في أثناء الاحتفال بالزواج، بل لا يوجد في تاريخ ولا كتابات آباء الكنيسة بالقرون الأولى من المسيحية أي طقوس أو صلوات تشترط حضور أي رتبة كنسية أو إقامة أي طقس معين في مناسبة الزيجة، بالرغم من أن تلك الكتابات تحتوي طقوس أخرى مثل الإفخارستيا والمجموعة وترتيبات رسامة أساقفة أو قسس أو شمامسة. فالزواج المسيحي تاريخيًا هو زواج مدني، لاقى -كأي شيء- تغييرات وإضافات على مر التاريخ في طقوسه وصلواته حتى وصل للشكل الحالي في كل كنيسة حسب ترتيبها، فالقول بإن الزواج المدني زنى في حد ذاته يندرج تحته الكثر من الأسئلة والاتهامات، اتهامات لكل الديانات الأخرى بالزنى لأنها لا تتزوج زواجًا مسيحيًا قبطيًا أرثوذكسيًا وهذه ادعاءات لها صدى طائفي سيء جدًا وتبعات وخيمة لا أعتقد أن الكاهن المذكور يعيها ولا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية برمتها يجب أن تقبلها أو تستطيع تحمل تبعاتها، وهذا ما واجه به أحد الأصدقاء الكاهن في أحد التعليقات. وقد نستنتج من كلام الكاهن أيضًا أن جدودنا المسيحيين أنفسهم في القرون الأولى كانوا جميعًا في حالة زنى! لأنهم لميقيموا نفس الطقوس والصلوات بحضور أسقف أو كاهن وشمامسة بالطبع ذلك الطرح ساذج جدًا كسذاجة ما تفوه به الكاهن نفسه. بالتالي تلك الاشتراطات التي ذكرها القمص صموئيل في بيانه تنطبق فقط وحصريًا على المسيحيين الأقباط الأرثوذكس في عصرنا هذا ولا يمكن بأي شكل من الأشكال قبول اتهام غير المسيحيين أو المسيحيين من الطوائف غير القبطية الأرثوذكسية أو أي شخص بالزنى في حال اختلاف مراسم وطقوس الزواج. ظهرت على شبكة فيسبوك نوايا ورغبة بعض الإخوة من الطوائف البروتستانتية تقديم شكوى في حق القمص صموئيل البحيري لدي مجمع أساقفة الكنيسة القبطية، والبابا تواضروس الثاني بل وتطور الأمر لإمكانية التقدم بشكوى للجهات القضائية لاتخاذ اللازم تجاه الكاهن المذكور باعتبار تصريحاته تحث على الكراهيَة تجاه بعض طوائف المجتمع وتكدر الأمن والسلم العام. فيلزم تحويل تصريحات هذا الكاهن إلى عبرة لكل من تسول له نفسه سب وقذف الآخرين، سواء كان من الديانات الأخرى أو من الطوائف الأخرى، حتى يتوقف ذلك المشهد العبثي من التصريحات الطائفية التي تثير الفتن وتشعل النفوس. نصلي أن يعطي الله القادة والمسؤولين بالدولة والكنيسة الحكمة اللازمة للتعامل مع هذا الموقف ليمر بسلام ولا يتكرر هو أو مثله مرةً ثانيةً.   اقرأ أيضا: --- ### عن الإصلاح الديني أتكلم - Published: ۲۰۲۲-۱۱-۱٦ - Modified: 2022-11-15 - URL: https://tabcm.net/8827/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: جمال الدين الأفغاني, چون كالڤن, زوينجلي, شيخ محمد عبده, قاسم أمين, مارتن لوثر, ملكة إليزابيث الأولى أولا: الإصلاح الديني في الغرب 1- من المهم الإشارة إلى أن الإصلاح عمومًا لا يكون باختراع الجديد ولكنه عبارة عن إزالة غبار وتراكمات الزمن على التعليم مما أدى إلى انحرافه أو نسيانه. 2-لدينا خبرات للإصلاح الديني من الجيد أن نطلع عليها، ففي الغرب بدأ رجال الكنيسة أنفسهم بالمطالبة بالإصلاح(لوثر)، لكن لم يكن مارتن لوثر هو الأول على الطريق، فقبله كثيرون ولم ينجحوا لأنهم لم يجدوا سندًا من السلطات الحاكمة آنذاك (أيا كان شكلها) يحميهم من سلطة الكنيسة، وعندما ساند الأمراء لوثر ووفروا له الحماية ضد سلطان الكنيسة نجح لوثر في إصلاح العقيدة من خلال إعمال العقل بحرية وبلا خوف أو فرض شروط في فهم النص الديني، بلا رؤية أحادية، ومن هنا انطلقت سلطة العقل والحريات حين رفع السلطان الكنسي يده عن شئون الحياة ولم يعد لها سلطة التحريم والتحليل في كل أمور الحياة التي في الواقع لا يتوافر لها المعلومات التي تتيح لها هذا، وكان من الطبيعي أن يحدث الفصل بين السلطة الدينية والدنيوية. فلم يعد للكنيسة سلطانًا على العلوم لتحريمها وتحليلها، ولا على الملكة إليزابيث الأولى، التي لم يكن لها رغبةً في الزواج فهددها رجال البلاط (الذين كان من مصلحتهم الزواج بشخص بعينه) بأن البابا يحذرها من غضب الله إن لم تتزوج. هذان هما عنصرا الإصلاح في الغرب رجال الكنيسة وسلطة الأمراء، وهما ارتبطا بانتشار الحركة الإنسانية ومن ثم انتشار الثقافة وظهور المِطْبَعَة. 3- تجديد الخطاب الديني تلى حركة الإصلاح ولم يسبقها، فعلى أساس ما تم إقراره من إصلاح ممارسات كان لها أثرها السلبي على المعتقدات، حدث تِلْقائيًا تجديد في الفكر أو الخطاب الديني. 4-لم يتبع الإصلاح الديني قطيعة بين الديني والمدني، بالتالي قام التعاون بين الديني والمدني في جو صحي لمصلحة الإنسان والبشرية، فالمصلح زوينجلي مثلا تعاون مع الدولة في إيجاد مصدر دخل للدولة غير (بيع الجنود المُرْتَزِقَة) لدول أخرى. -ولم يكن تدخل كالفن في الإصلاح المدني في سويسرا باعتباره رجل دين ولكن كرجل قانون مقتدر. ثانيًا: الإصلاح الديني في الشرق مقومات الإصلاح الديني عند الأفغاني كمثال هي: - تخليص العقول من الأوهام والخرافات التي تصبح حجابًا عائقًا يحول بين العقل والحقيقة وتشل الحركة الفكرية للعقل وتحول بينه وبين الرقي الإنساني. والأوهام عند الأفغاني هي كل فكر فلسفي وكل عقيدة تختلف عن تعاليم الإسلام وتأتي من مصدرين: انتشار البدع والخرافات كالتعاويذ وزيارة قبور الأولياء، وغياب الفضائل. أما المصدر الثاني فهو: الأفكار الواردة على الأمة الإسلامية من الخارج، وهي الأفكار الفلسفية والعلمية الآتية من الحضارة الغربية. للإمام الشيخ محمد عبده كتب ومقالات ودروس تُظهر تغيّرَ موقفه الفكري إزاء الكثير من المفاهيم بما يُواكب تطور أفكاره حول الخلافة والمواطنة والجنسية والفلسفة، والإصلاح الديني، وعلاقة العقل بالنقل وتتلمذ على يديه تلامذة تراوحوا بين السلفي المغرق في سلفيته «رشيد رضا»، والليبرالي الموغل في ليبراليته «منصور فهمى» و«قاسم أمين»، والوسطي المعتدل في وسطيته «الشيخ مصطفى عبد الرازق». ثالثا: الإصلاح الديني بالقوة ولدينا تجرِبة أخرى للإصلاح الديني بالقوة وحدها، التي لم يُنتِج عنها إلا الصراع بين الديني والمدني. --- ### الخلاص الثمين [١] - Published: ۲۰۲۲-۱۱-۱۵ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/8994/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: أسرار الكنيسة, دير الأنبا مقار الكبير سوف أبدأ خلال الفترة المقبلة بطرح طيف مما جاء بكتاب الخلاص الثمين، الصادر عن دير الأنبا مقار العامر لأحد رهبانه الذي لم يذكر اسمه، وقدر صدر في طبعتين الأولى 1998 والثانية 2009، وعلى الرغم من أهمية هذا البحث وهو ما تكشفه عناوين فصوله، إلا إني أخترت أن أعرض ما جاء متعلقاً بالخلاص في تقليد الكنيسة، في بابيه؛ الأول: تدبير الخلاص حسب تعليم القديس أثناسيوس الرسولي، والثاني قضية الإنسان، وهو طرح معمق يخرج بنا بعيداً عن دوائر الاحتراب المفتعلة ويضع أمامنا ما تؤمن به الكنيسة بشكل توثيقي وهادئ، عسى أن نكتشف ما لنا في المسيح وخلاصه الثمين. وأورد هنا ما حمله الغلاف من تعريف بالكتاب هذا الكتاب يناقش ويطرح: الخلاص في المسيحية ما هو؟ ما هو مركزه بين نظريات «الخلاص» في الأديان الأخرى؟ الخلاص في العهد القديم، ماذا كان معناه ومفهومه عند شعب العهد القديم؟ وكيف تغيرت نظرة الأنبياء إلى هذا المفهوم لتقترب من مفهومه في العهد الجديد؟ كيف تحقق الخلاص في العهد الجديد بتجسد ابن الله الوحيد الرب يسوع المسيح؟ ما مركز كتاب العهد القديم في العهد الجديد؟ هل لأسفار العهد القديم أهمية وضرورة في المسيحية؟ الرب يسوع المسيح هو محور ومركز تاريخ الخلاص في العهدين القديم والجديد وهو مكمل الخلاص الحقيقي، كيف؟ وكيف سيكتمل خلاصنا أيضاً في الدهر الآتي؟ الخلاص والجهاد والنعمة: كيف عالج الخلاص المسيحي قضية سقوط الإنسان؟ وككيف نكمل ونتمتع بخلاصنا الأبدي الذي أكمله المسيح للبشرية؟ الخلاص في الكنيسة والأسرار. ما دور الأسرار في تكميل خلاص المسيح لنا؟ شرح مختصر لكل سر من أسرار الكنيسة السبعة من جهة تكميل خلاصنا الأبدي. خاتمة: ما هي رسالة الكنيسة والمؤمنين حاملي الخلاص تجاه العالم والبشرية والكون؟ حملت واجهة الغلاف أيقونة نزول المسيح إلى الجحيم ليلة قيامته ليخرج آدم وحواء من الجحيم ليدخلهما الفردوس، ويشرح المؤلف الأيقونة بإيجاز فيقول: توثق الأيقونة بشكل رمزي المسيح وهو يخلص آدم وحواء ويصعدهما من الجحيم إلى الفردوس ليلة قيامته من بين الأموات، كما نرنم في التسبحة المقدسة: "رفعهم إلى العلو معه... خلصهم من أجل اسمه، وأظهر لهم قوته". (كتاب الخلاص الثمين) --- ### اﻹله المصري "سوبيك"
"لوياثان" العبرانيين، وتمساح المصريين المقدس - Published: ۲۰۲۲-۱۱-۱٤ - Modified: 2025-03-03 - URL: https://tabcm.net/8954/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون, تاريخ وميثولوچيا - وسوم: Crocodilopolis, أوزوريس, إرسينوي, الشيطان, اليسار, تادرس يعقوب ملطي, جودت جبره, جورج فيرجستون, حورس, خوفو, دار النشر المعمدانية, رمسيس الثاني, سليمان الحكيم, سوبيك, غريغوريوس الكبير, قديس أمبروسيوس، أسقف ميلان, كنيسة مار جرجس، سبورتنج, لوياثان, محيي الدين عبد اللطيف إبراهيم, هيرودوت, هيليوس, يعقوب جرجس نجيب سوبيك: (سوخوس باليونانية) هو الإله التمساح في مصر القديمة. وفي معابده كان يتم تربية تماسيح حية تسمى بيتسوخوس يعتقدون بتجسد الإله سوبك فيهم. بدأ سوبك في الأصل كإله للخصوبه، ولعب دورا في الموت وعمليات الدفن. وفي المملكة الوسطى انتشرت عبادته كأحد الآلهة الرئيسية وأصبح حاميا لملوك قدامى المصريين. اتحد بعد ذلك في صفاته مع الإله رع وصار اسمه سوبيك-رع. ظلت عبادة الإله سوبيك مستمره لحقب زمنية طويلة حتى العصر البطلمي والروماني خاصة فى الفيوم وكوم أمبو حيث عٌثرت على مومياوات محنطه للتماسيح اكتر من أي منطقة في مصر سوبيك: (سوخوس باليونانية) هو الإله التمساح في مصر القديمة. وفي معابده كان يتم تربية تماسيح حية تسمى بيتسوخوس يعتقدون بتجسد الإله سوبك فيهم. بدأ سوبك في الأصل كإله للخصوبه، ولعب دورا في الموت وعمليات الدفن. وفي المملكة الوسطى انتشرت عبادته كأحد الآلهة الرئيسية وأصبح حاميا لملوك قدامى المصريين. اتحد بعد ذلك في صفاته مع الإله رع وصار اسمه سوبيك-رع. ظلت عبادة الإله سوبيك مستمره لحقب زمنية طويلة حتى العصر البطلمي والروماني خاصة فى الفيوم وكوم أمبو حيث عٌثرت على مومياوات محنطه للتماسيح اكتر من أيّ منطقة في مصر. كلمة تمساح في اللغة المصرية القديمة هي (مسحْ)، وقد تطورت إلى تمساح في اللغة العربية ((The Oxford Encyclopedia of Ancient Egypt V1, p. 74 )). التمساح في العصر الفرعوني في كتابات المصريين القدماء الدينية، نجد أن التماسيح تلعب دورًا متناقضًا: فنجد أن التمساح يُعبد باسم الإله سوبك، خاصة في كوم أمبو والفيوم، وإن كانت مومياوات التماسيح المحنطة التي ظهرت، تكشف عن عبادة التمساح في كل بقاع مصر. وأيضًا نجد أنه يمكن اصطياده ومطاردته. وكما نجد أن التمساح يمكن أن يُعبر عن الإله الصالح أوزوريس، فهو في نفس الوقت يُعبر عن أخيه الشرير ست. وفي الوقت الذي يُظهر فيه المصريون القدماء رغبتهم في أن يتحولوا إلى تماسيح بعد الموت، نجد أن التمساح الذي يُمثل الشيطان، يلتهم أو يفني أرواح الأموات الذين لم يعيشوا حياة طاهرة أو فاضلة، ولذلك فهم محتاجون إلى تميمة أو تعويذة تحميهم من التماسيح في الحياة الأخرى (وهذه التميمة على شكل تماثيل صغيرة للتمساح). وفي قصة الملك خوفو والمجوس، نجد رجل ينتقم من رجل غشاش آخر، ارتبط بعلاقة آثمة مع زوجته، وذلك بعمل تميمة سحرية صغيرة من الشمع على شكل تمساح، والتي تتحول إلى الحجم الطبيعي للتمساح، حيث ينقض ويقتل هذا الرجل الغشاش ((The British Museum Dictionary of Ancient Egypt, IAN show & Paul Nicholoson p. 273 )). ويشير هيرودوت إلى أن بعض المصريين القدماء يعتبرون التمساح مقدسًا، وآخرون يهاجمونه. أحيانًا يعاملونه بتكريم زائد ويقدمون له أسماك وأطعمة ثمينة، ويزينون رأسه بأقراط وقدميه بأساور وحلقان ذهبية مطعمة بحجارة ثمينة، ويروضون صغاره بلطف شديد، وبعد موته يطيبونه بأطياب ثمينة، هذا في مناطق طيبة والفيوم. وفي مناطق أخرى يتعاملون معه بشيء من الاشمئزاز الشديد، فلا يتركون فرصة يمكنهم فيها تدميره ((القمص تادرس يعقوب ملطي، تفسير سفر أيوب، كنيسة مار جرجس، سبورتنج، 2006، ج4، إصحاح 41، ص 1345. )). ويُعتبر مركزًا عبادة التمساح باسم "الإله سوبك" في كوم أمبو، حيث يوجد معبد الإله سوب والإله حورس ((The British Museum Dictionary of Ancient Egypt. P. 17617 )). ثم الفيوم، في مدينة Shedyet حيث كانت تسمى Crocodilopolis ، وبها أقدم بناء معروف باقي ينتمي إلى الإله سوبك، تم إنشاؤه في زمن الأسرة الثانية عشرة (1985-1795ق. م. ) وتم ترميمه في عهد الملك رمسيس الثاني (1279-1213 ق. م. ). وهذا البناء ازدهر جدًا في أواخر الدولة الوسطى حينما اتخذ عدد من حكام الأسرة الثالثة عشرة (1795-1650ق. م. ) أسماءهم مرتبطة بالإله سوبك، مثل "سوبك حتب" ((سوبك حتب: هو اسم الميلاد لثمانية من ملوك الأسرة الثالثة عشرة. ))، و"سوبك نفر" ((سوبك نفر: هو اسم آخر ملوك الأسرة الثانية عشرة. )). حيث أصبحت عبادة سوبك في الدولة الوسطى مشابهة في عظمتها لعبادة الإله آمون. وأيضًا عُبد التمساح على شكل "سوبك رع" كأحد مظاهر إله الشمس ((The British Museum Dictionary of Ancient Egypt. P. 17617 )). وأغلب ما تبقى من آثار في هذا المكان ((ويحتوي على معبد آخر، وبحيرة مقدسة، وبعض الحمامات. )) ترجع إلى العصر اليوناني الروماني (332ق. م. -395م)، حينما أصبحت مدينة Shedyet عاصمة إقليم إرسينوي، حيث أصبح اقتران سوبك بالإله رع، يُعبر عن الإله "هيليوس" عند اليونان. وفي بدايات القرن العشرين الميلادي، غطى هذا الموقع مساحة حوالي 300 فدان، ولكن هذه المساحة تقلصت الآن بسبب الامتداد العمراني للمدينة من ناحية الجنوب والغرب ((The British Museum Dictionary of Ancient Egypt. P. 17617 )). وقد إتخذ التمساح كشعار لستة من أقاليم مصر العليا ((The Oxford Encyclopedia of Ancient Egypt, VI, p. 321 )). ويصور "الإله سوبك" إما في شكل تمساح كامل واقف في الهيكل، أو في جسم إنسان وله رأس تمساح، كما في الصورة وهي عبارة عن: نقش على الحجر من معبد كوم أمبو تبين الآلهة تقود الملك إلى حضرة "الإله سوبك" ((محيي الدين عبد اللطيف إبراهيم، كوم أمبو، الهيئة المصرية العامة للتأليف والنشر، 1970. )). وقد صور المصريون القدماء التمساح في المقابر الفرعونية في مناظر نيلية تجمع بين الحيوانات البرمائية الأخرى والنباتات، ويصور وهو يضع بيضه، ويفترس الصيادين، أو يصور راقدًا في انتظار التهام صغائر "سيد قشطة" أو "فرس النهر" ((The Oxford Encyclopedia of Ancient Egypt VI, p. 74 )). وقد وصف الرحالة القدماء مثل Aelianus, Pliny, Plutarch التمساح بصورة متفق عليها، بأنه يجلس على الرمل كسلان بلا عمل فاتح فكيه في الصباح، وبعد الظهر يتحول ناحية الغرب، وفي المساء يرجع إلى الماء، وهو عادة صامت ((The Oxford Encyclopedia of Ancient Egypt VI, p. 74 )). ويذكر هيرودوت أنه من بين طرق اصطياد التمساح، أن يضعوا قطعة لحم خنزير في سنارة (شص) ويلقونها على الماء، ثم يأتون بخنزير حي على الشاطئ ويضربونه حتى يصرخ. فيأتي على صوت صراخه نحو الشاطئ ليقتنصه، وإذ يجد قطعة اللحم يبتلعها، فيسحبونه بالسنارة نحو الشاطئ، وأول ما يفعلونه به هو أن يملأوا عينيه بالطين حتى يمكنهم السيطرة عليه. ويرى Therenot أن البعض كانوا يحفرون بعض الحفر على الشاطئ ويغطونها بعصي، وإذ يسقط التمساح في إحداهما لا يقدر أن يخرج منها. ويتركونه لعدة أيام بلا طعام، وبعد ذلك يربطون فكه بحبال يعقدونها حوله ثم يقومون بسحبه ((القمص تادرس يعقوب ملطي، تفسير سفر أيوب، كنيسة مار جرجس، سبورتينج، 2006، ج4، إصحاح 41، ص 1345. )). وقد كانت توجد آلة تمثل حربة على شكل سمكة لها لسانان، كثيرًا ما توجد منقوشة على الآثار المصرية، هذه الحربة كانت عبارة عن عصا رفيعة طولها ما بين عشرة واثنتي عشرة ذراع، وبها ريش مزدوج في النهاية مثل السهم الحديث، ولها طرفان حادان طولهما حوالي قدمين يطوقهما سمكة. يدفع صياد السمك بها في نهر النيل وهو في قارب صغير مسطح بين قصب البردي ونبات اللوتس، عندما يرى فريسته التي بها زعانف، ويسحب الآلة بيده اليمنى ويحركها على شكل قوس بيده اليسرى ((James m. Freeman: Manners and customs of the Bible, Logos International Plainfield. N. J, 1972. P. 215 )). ويعتبر أبو قردان والنمس خطرًا على التماسيح لأنهما مشهوران بأكل بيضه ((The Oxford Encyclopedia of Ancient Egypt, VI, p. 74 )). أما "خليل التمساح"، فهو الطائر الصغير الذي يقترب من التمساح، ويجد طعامه في فم التمساح وخلال أسنانه. أسباب استخدام الرسوم في الفن القبطي لقد لقي المسيحيون خلال تاريخهم الطويل، اضطهادات قاسية مرة، الأمر الذي اضطرهم في الأيام الأولى للمسيحية، إلى أن يعقدوا اجتماعاتهم سرًا، حيث عقد الكثير من هذه الاجتماعات في السراديب والكهوف بل بين المقابر. واحتاج المسيحيون إلى أن يتعارفوا أو يتفقوا على ما نسميه في الوقت الحاضر (بكلمة السر)، وفضلوا أن تكون هذه الكلمة رمزا يرسم وليس كلمة ينطق بها. وقد وجد كثير من هذه الرسوم على جدران السراديب التي كانوا يجتمعون فيها. فان الفرد يلجأ إلى رسمه دلالة على أنه من بين الجماعة وليس غريب عنها، ولذا كانت هذه الرسوم والشارات والرموز جزء من المسيحية. لجأ الرهبان وغير الرهبان من الفنانين إلى رسم صور تمثل حوادث الكتاب المقدس. وقد ذخرت مكتبات الأديرة بكثير من هذه الرسومات، تزين المخطوطات القديمة. وكان من الطبيعي أن تختلف أخيلة الرسامين كما تختلف الزاوية التي ينظر منها الفنان إلى الحادثة ليحاول تصويرها. ومنهم من كان واقعيا لجأ إلى أشخاص الرواية دون غيرهم، ومنهم من كان خياليًا، ولجأ إلى ما إضافة خياله على القصة. ولجأ البعض إلى الرمز (من أشكال النباتات والحيوانات) ليعبر عن فكرته في الوقت الذي عمد فيه آخرون إلى خلط الزمن بالواقع. وترجع أهمية البحث في هذه الرموز التي استعملها الفنانون إلى أنها تزيد من المعرفة الدينية. وقد تكون دراسة الصورة وما بها من رموز وحقيقة، أبلغ في تعليم المؤمن البسيط، وأكثر فائدة من الدرس الملقن ((د. جورج فيرجستون، الرموز المسيحية ودلالتها، ترجمة د. يعقوب جرجس نجيب، نيويورك 1964، ص 3، 4. )). التمساح في الكتاب المقدس جاء ذكره باللفظ المباشر الذي يدل عليه "التمساح"، في وصف فرعون مصر ((سفر حزقيال 29: 3-5 )). هكذا قال السيد الرب: هأنذا عليك يا فرعون ملك مصر، التمساح الكبير الرابض في وسط أنهاره، الذي قال: نهري لي، وأنا عملته لنفسي. فأجعل خزائم في فكيك وألزق سمك أنهارك بحرشفك، وأطلعك من وسط أنهارك وكل سمك أنهارك ملزق بحرشفك. وأتركك في البرية أنت وجميع سمك أنهارك. على وجه الحقل تسقط فلا تجمع ولا تلم. بذلتك طعاما لوحوش البر ولطيور السماء (سفر حزقيال، الإصحاح 29: 3-5) وهنا يرمز التمساح إلى شر الإنسان حينما يتكبر وينسب لنفسه أعمال الله وقوتها. وجاء ذكره أيضا بلفظ لوياثان، وهي كلمة عبرية تعنى ملتف، وهو حيوان مائي كبير يرجح أنه التمساح ((معجم الألفاظ العسرة في الكتاب المقدس، دار النشر المعمدانية، بيروت 1977 )). لوياثان: كلمة عبرية يقصد بها الوحوش العظيمة سواء كانت برية أو بحرية، وبصفة خاصة التمساح، وهو رمز للشيطان عدو شعب الله ((القاموس الموجز للكتاب المقدس، 1983، ص 590. )). وجاء ذكر التمساح بلفظ لوياثان في سفر أيوب أصحاح 41. هذا الإصحاح كله يخاطب فيه الله أيوب بعد طول مرضه، إذ أراد الله أن يكشف لأيوب عن قدرته السرمدية التي تغلب كل قوى الشر، حتى لو كان هذا الشر هو مرض عضال استمر لسنين طويلة، 30 سنة. واستخدم الرب في ذلك، التمساح، كنموذج لأشرس الحيوانات المائية، وبدأ يصف لأيوب عن صفاته ((القمص تادرس يعقوب ملطي، تفسير سفر أيوب، كنيسة مار جرجس، سبورتنج، 2006، ج4، إصحاح 41، ص 1343-1376. ))، فابتدأ ببعض الأسئلة الاستنكارية التي تفيد بأن لا أحد يقدر أن يقف في مواجهة لوياثان ((سفر أيوب، الإصحاح 41: 1-10 )): أتصطاد لوياثان بشص، أو تضغط لسانه بحبل؟ أتضع أسلة في خطمه، أم تثقب فكه بخزامة؟ أيكثر التضرعات إليك، أم يتكلم معك باللين؟ هل يقطع معك عهدا فتتخذه عبدا مؤبدا؟ أتلعب معه كالعصفور، أو تربطه لأجل فتياتك؟ هل تحفر جماعة الصيادين لأجله حفرة، أو يقسمونه بين الكنعانيين؟ أتملأ جلده حرابا ورأسه بإلال السمك؟ ضع يدك عليه. لا تعد تذكر القتال!  هوذا الرجاء به كاذب. ألا يكب أيضا برؤيته؟ ليس من شجاع يوقظه، فمن يقف إذا بوجهي؟ (سفر أيوب، الإصحاح 41: 1-10، والأقواس التفسيرية من الباحثة) وفي هذا يقول القديس إمبروسيوس ((القديس أمبروسيوس، تفسير سفر أيوب، القمص تادرس يعقوب ملطي، كنيسة مار جرجس، سبورتنج، ج4، إصحاح 41، ص 1343 )): تنبأ أيوب الصديق بمجيء الرب، الذي قال عنه بالحق أنه يهزم لوياثان العظيم، صنع يدك عليه، لا تعد تنظر القتال ((سفر أيوب 41: 8)). وقد حدث فقد ضرب لوياثان المرعب الشيطان، وطرحه إلى أسفل، وأذله في آخر الأزمنة بآلام جسده المكرمة. (القديس أمبروسيوس، تفسير سفر أيوب، القمص تادرس يعقوب ملطي، ج4، إصحاح 41، ص 1343) ويقول البابا غريغوريوس الكبير ((البابا غريغوريوس الكبير، تفسير سفر أيوب، القمص تادرس يعقوب ملطي، ج4، إصحاح 41، ص 1376 )): ماذا لو أن الله القدير خفف الأثقال التي نحملها، لكنه سحب عنا عونه، ويتركنا وسط تجارب لوياثان هذا؟ إلى أين نذهب عندما يثور عدو قوي ضدنا، إن لم نحتمى بأي حماية لخالقنا؟ (البابا غريغوريوس الكبير، تفسير سفر أيوب، القمص تادرس يعقوب ملطي، ج4، إصحاح 41، ص 1376) ثم يستطرد الرب في باقي الإصحاح بوصف جسم لوياثان وقدراته الفائقة، ليس ليبين جماله، بل ليكشف عن أسلحة دفاعه، فيقول ((سفر أيوب، الإصحاح 41: 13-31 )): من يكشف وجه لبسه، ومن يدنو من مثنى لجمته؟من يفتح مصراعي فمه؟ دائرة أسنانه مرعبة. فخره مجان مانعة محكمة مضغوطة بخاتم. الواحد يمس الآخر، فالريح لا تدخل بينها. كل منها ملتصق بصاحبه، متلكدة لا تنفصل.  عطاسه يبعث نورا، وعيناه كهدب الصبح. من فمه تخرج مصابيح. شرار نار تتطاير منه. من منخريه يخرج دخان كأنه من قدر منفوخ أو من مرجل. نفسه يشعل جمرا، ولهيب يخرج من فيه. في عنقه تبيت القوة، وأمامه يدوس الهول. مطاوي لحمه متلاصقة مسبوكة عليه لا تتحرك. قلبه صلب كالحجر، وقاس كالرحى. عند نهوضه تفزع الأقوياء. من المخاوف يتيهون. سيف الذي يلحقه لا يقوم، ولا رمح ولا مزراق ولا درع. يحسب الحديد كالتبن، والنحاس كالعود النخر. لا يستفزه نبل القوس. حجارة المقلاع ترجع عنه كالقش. يحسب المقمعة كقش، ويضحك على اهتزاز الرمح. تحته قطع خزف حادة. يمدد نورجا على الطين. يجعل العمق يغلي كالقدر، ويجعل البحر كقدر عطارة. (سفر أيوب، الإصحاح 41: 13-31، والأقواس التفسيرية من الباحثة) وجاء ذكر التمساح بلفظ "لوياثان" أيضا في المزامير ((المزمور 104: 24-30 )): ما أعظم أعمالك يا رب! كلها بحكمة صنعت. ملآنة الأرض من غناك. هذا البحر الكبير الواسع الأطراف. هناك دبابات بلا عدد. صغار حيوان مع كبار. هناك تجري السفن. لوياثان هذا خلقته ليلعب فيه. كلها إياك تترجى لترزقها قوتها في حينه. تعطيها فتلتقط. تفتح يدك فتشبع خيرا. تحجب وجهك فترتاع. تنزع أرواحها فتموت، وإلى ترابها تعود. ترسل روحك فتخلق، وتجدد وجه الأرض. (المزمور 104: 24-30) وهنا يرمز لوياثان إلى قدرة الله العالية التي خلقت هذه التنانين العظام ((سفر التكوين 1: 20، 21 ))، وأعطاها طعامها. التمساح في الرسوم القبطية وعلى هذا يكون التمساح في الرسوم القبطية: رمزا نتذكر به قوى الشر المحيطة بنا، التي يثيرها حولنا عدو الخير، والتي لا يمكن مقاومتها إلا بمعونة خاصة من الرب الذي قال بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئا ((إنجيل يوحنا 15: 5 )).  وأيضا منظر التمساح وقدراته الجسدية المتعددة، يدعونا للثقة في قدرة الله التي تفوق كل حد: والقادر على هدم حصون، والضابط الكل، كما يقول سليمان الحكيم فوق العالي عاليا يلاحظ، والأعلى فوقهما ((سفر الجامعة 5: 8 )). الصورة موجودة بالمتحف القبطي بمصر القديمة، وغير معروف مصدرها، وهى عبارة عن إفريز من الخشب يصف منظر مأخوذ من نهر النيل، فهو يبين منظر تمساح كبير، وزهرة لوتس، وورقة نبات مربوطة بفرع صغير، وأسماك، وطيور مائية ((Gowdat Gabra, The Coptic Museum and old Churches, P. 95 )). وإلى اليمين من هذا الجزء، جزء آخر (غير موجود بالصورة بالكامل)، عبارة عن منظر محدد بعمود وستارة من اليمين واليسار، وبينهم يوجد ملاكان من اليمين واليسار (تظهر رجل الملاك الأيسر مع الستارة والعمود)، يحملان دائرة مزخرفة برسوم نباتية ويوجد بداخلها، إما رسم وردة "الروزيتا" التي كانت ترمز للشمس عند قدماء المصريين، وإما الإله "سيرس" إله الزراعة عند اليونان، إما صورة السيد المسيح نفسه، أو صورة صليب. ومن الملاحظ أن كثيرًا من الكنائس والأديرة كانت مزخرفة بنحت على الخشب متقن، مثل النحت على عتبة الباب العليا، أو على الباب نفسه، أو على الإفريز الذي يعلق عليه ستر الهيكل، أو إطارات صور القديسين، وأيضا منقوش عليها مناظر لحيوانات مائية مثل التمساح، أو نباتات مختلفة، وحيوانات، وخيوط هندسية، ومناظر مأخوذة من الكتاب المقدس بعهديه الجديد والقديم. وبحسب تقدير د. جودت جبره، فهذا الإفريز يرجع تاريخه إلى القرن السادس أو السابع، ولكن يمكن أن يرجع تاريخه إلى ما قبل ذلك بكثير، ويؤيد هذا الرأي وجود نفس الزخرفة بحيوانات مائية لنهر النيل، ونباتات مختلفة مثل اللوتس، في عصر الفراعنة وفي العصر اليوناني الروماني. حيث يقول د. جودت جبره في نفس المرجع السابق- وجدت مناظر كثيرة تصور أسماك وطيور وصيد فرس النهر في مقابر قدماء المصريين, وتسجيل هذه المناظر النيلية انتشرت بكثرة في العصر اليوناني، واستمرت في العصر القبطي حيث ظهرت في أعمال النسيج، والخشب، والنقش على الحجر. لذا يمكن تأريخ هذا الإفريز بالقرن الرابع أو الخامس، أو قبل ذلك. --- ### الليتورجيا: بين اليهودية والكنيسة الأولى [٢] - Published: ۲۰۲۲-۱۱-۱۳ - Modified: 2023-12-16 - URL: https://tabcm.net/8767/ - تصنيفات: لاهوتيات من البديهي أن يكون قانون التطور فعال على مر العصور، فتكون استمرارية العبادة اليهودية في أشكالها المسيحية من الممكن جدًا وجودها، وهذا نجده مؤكد في عدة أسباب، وأبسطها هي أن بعض اليهود بعد قبولهم للمسيح ودخولهم في شركة الكنيسة مازالوا يتعبدون في المجمع اليهودي كما ذكرنا سابقا، فيذكر القديس يوحنا ذهبي الفم بأنه كان هناك بعض المسيحين العاديين يحضرون في كل من المجمع اليهودي والكنيسة في وقت واحد. ((بول ف. برادشو، مينا القمص اسحق، البحث عن أصول العبادة المسيحية، الكلية الإكليريكية اللاهوتية للأقباط الأرثوذكس بالأنبا رويس، القاهرة، ص 29 )) ومن هنا نجد كل هذه العبادات والصلوات قد أثرت في حياه الإنسان اليهودي التقى، والتي كانت تشكل بالنسبة له اقترابه إلى الله، وبالتالي عند تحوله إلى المسيحية كان من الصعب أن يترك كل هذا خلفه، ولكن نجد أن المسيحية قد فعلّت هذه العبادات ولم تتركها خارجًا، ولكن فعلتها بطريقة مسيحية بهدف أسمى، ومن هنا نجد التأثيرات اليهودية على حياة المسيحين في الكنيسة الأولى. نتوقع أن المسيحية ورثت العديد من الممارسات الليتورجيا من اليهودية، وهذا يطرحه بعض العلماء منذ أواخر القرن السابع عشر مثل العالم البروتستانتي الهولندي Campegius Vitringa (1659-1722م) وهو أول من تحدث عن هذه النقطة. ((De synagoga vetere, Francquerae1696: English translation by J. L. The Synagoga and the Church, London 1842 )) ولم يتوقف الأمر عند ذلك، بل تطرق إليه أكثر من عالم في القرن الثامن عشر وأيضًا التاسع عشر. ((See for example, joseph Bingham, Origins Ecclesiasticae: The Antiquities of Christian Church (London 1710), BK. XIII, Ch V, sect 4: William Smith, dictionary of the Bible (London 1863), ‘Synagogue, V . 1’ )) يوم الرب: كما كان اليهود يقدسون يوم السبت كما أمر الناموس ويخصصونه للعبادة والصلوات والتسابيح، ورثت الكنيسة الأولى أيضًا هذا التقليد، فكان يوم الأحد هو يوم الرب، وهذا استنادًا لقيامة رب المجد منتصرًا من الموت. وقد تعين لنا هذا التقليد عندما ذكره يوحنا الحبيب في إنجيله (يو 26:20)، حيث كان في الأسبوع التالي للقيامة عندما كانوا مجتمعين في العلية، وقد ذكر عنه ثلاث إشارات في أسفار العهد الجديد، قد ذكر باسم "أول الأسبوع" في مرتين (اع 7:20، 1 كو2:16) وأيضًا قد أشار إليه باسم "يوم الرب" (رؤ 10:1). وأيضًا قد ذكر خارج الأناجيل بيوم الأحد في كتاب تعاليم الرسل "الديداخى" ((راهب من الكنيسة القبطية، الديداخي أي تعاليم الرسل، مكتبة المنار، مصر 2000، ص 189 ))، وكانت الكنيسة الأولى تتوقع مجيء يوم الرب في يوم الأحد. أنماط الصلاة: كان طقس يوم الرب حسب ما ذكر يوستينوس الشهيد في دفاعه الأول نقلا عن كتاب النصوص المسيحية في العصور الأولى : ولنا في اليوم الذي يدعى يوم الشمساجتماع لكل سكان المدن والضواحي وفى هذا الاجتماع تقرأ مذكرات الرسلأو كتابات الأنبياء حسبما يسمح الوقت، وبعد الانتهاء من القراءات يتقدم الرئيس ويعظ الحاضرين ويشجعهم على ممارسة الفضائل، ثم نقف جميعاً لرفع الصلوات، وكما قلنا من قبل بعد أن ننتهي من الصلوات يتم تقديم الخبز، والخمر، والماء، ثم يصلى الرئيس ويرفع الصلوات والشكر على قدر استطاعته، أما الشعب فيرد "أمين" ثم توزع الإفخارستيا على الحاضرين ويرسل منها للغائبين عن طريق الشمامسة. ((آمال فؤاد، النصوص المسيحية في العصور الأولى، دار باناريون للنشر، القاهرة 2012، ص 94،95 )) (يوستينوس الشهيد، النصوص المسيحية في العصور الاولي، القاهرةـ دار باناريون للنشر، 2012)، 94،95) نرى في هذا الشرح ليوم الأحد بعض الملامح الليتورجيا التي كانت للكنيسة الأولى مثل: القراءات من كتابات الرسل، أو من الأنبياء (كما كان يحدث في المجمع اليهودي)، ويعقب القراءات العظة كما كان في المجمع اليهودي أيضًا (لو 4: 16-30). الصلوات لأجل المسيحين ولأجل العالم كله. صلوات خاصة على الخبز والخمر وكان هذا طقس ضروري يسبق الإفخارستيا التي كان رمزها الذبائح في العهد القديم، وكما ذكرنا سابقًا لم تكن الذبائح تقدم إلا بعد صلوات البركة. التسبيح واستخدام المرد "أمين" من الشعب على من يرأس الصلوات (مثلما كان يحدث أيضا في المجمع حينما يقومون بصلوات البركة ليتأكدوا بأن الشعب على إيمان وعقيدة واحدة ونفس واحدة). جدير بالذكر، أن الكنيسة الأولى لم تهتم جليًا بشكل العبادات الأخرى باستثناء ممارسة عشاء الرب، فكان أمر العبادة اليهودية من الممارسات الطبيعية لديهم، فتابعوها مثل التسابيح وتماجيد الرب والصلاة الربانية التي ذكرها المسيح، أيضا كانوا يرتلون المزامير اليهودية، وأضافوا فيما بعد ترانيم العذراء، وترنيمة زكريا، وترنيمة سمعان الشيخ،  كما ذكر إنجيل لوقا، نلاحظ أيضا إشارات الرسول بولس إلى مزامير وتسابيح وأغاني روحية (اف 19:5 – كو16:3). ((جون لويمر، تاريخ الكنيسة: عصر الآباء، دار الثقافة، القاهرة 2013، ص 53  )) نجد أيضًا صلوات البركة قد أخذ منها في نصوص الليتورجيا التي كانت تقال في ليلة كسر الخبز كما ذكر في شرح كتاب الديداخي "إن البركات التي كانت تقال على المائدة اليهودية، قد خدمت بكل تأكيد نموذج الصلوات الإفخارستية في الكنيسة الأولى". ((راهب من الكنيسة القبطية، الديداخى أي تعاليم الرسل، مكتبة المنار 2000، ص 122 )) أيضًا البركة على الكأس تتوافق مع التقليد اليهودي (انظر التلمود البابلي)، فبعد صلوات البركة التي تقال على الكأس وعلى الخمر فالإنسان كان يأكل ثم يشرب من الخمر ثانيًا. انظر ديداخى (5:9، 3:10)  ((المرجع السابق، ص 174 )) نجد في نصوص الديداخى أيضا بخصوص صلوات الإفخارستيا، يقال أولًا بخصوص الكأس، نشكرك يا أبانا لأجل كرمة داود فتاك المقدسة التي عرفتنا إياها بواسطة يسوع فتاك لك المجد إلى الآبد. ((المرجع السابق )) هنا قد صارت البركة اليهودية التي كان لقبها يطلق على شعب إسرائيل متنصره ومتممة فالمسيح يسوع فقد صارت هنا بركة مسيحية حينما جاء المسيح وتجسد وتحقق الرمز بالمثال الأسمى يسوع المسيح وأطلق اللقب على إسرائيل الجديد الحقيقي. في حين دراسة أصول التسابيح التي كانت تقال في الكنيسة الأولى من حيث تركيبها اللغوي كما ذكر كتاب الديداخى، وهو أول الكتب التي ذكرت بعض النصوص وطرق العبادة فالكنيسة الأولى في أورشليم  وهي كنيسة الرسل سنجدها قريبة في مضمونها من العقلية اليهودية. لكن من المهم أن نذكر الاختلاف الأهم والمحوري الذي يختلف في عمق الصلوات والتسابيح المسيحية عن قرينتها فاليهودية، وهو غرض ودور الصلاة الأساسي فاليهود منذ نزول الشريعة والناموس وهما يسبحون الإله الجبار الذين يعبدونه، فكان نظرتهم له بتعبد خاضع من إنسان ضعيف إلى الإله الذي أخرجهم هم وآبائهم من أرض مصر واهلك الفرعون وجنوده، أما المسحية متمثلة في الكنيسة الأولى كانت النظرة الحقيقية هي نظره من ابن إلى أبيه، فهي ببدالة البنوة الحقيقية المليئة بثقة في المسيح الذي تجسد عن العالم ليأخذنا في اتحاد حقيقي دائم فعرش النعمة الإلهية. الخاتمة لقد كانت الليتورجيا منذ القدم من المفاهيم المهمة لدى الكنيسة، لأنها تضم الطقوس والعبادات والتسابيح التي نشأت بمرور السنوات من اللحظة التي عرف فيها الإنسان الله وبدأ في العبادة. إن الليتورجيا هي الطقوس التي نشترك نحن فيها مع الطبيعة المادية المخلوقة، وهذا ليس مخالف أبدًا لتعاليم المسيح، بل هو في صميم التجسد لأن الله لم يأت ليقدس الإنسان فقط ولكن قدس كل العالم فيه حيث كان متحد مع الكل في الابن، "لأن الخليقة أيضا ستعتق من عبودية الفساد إلى حرية مجد أولاد الله" (رو21:8). ومن الليتورجيا في العهد القديم سنجد أهميتها في التقرب من الله الذي عبر بهم من أرض مصر وشاركهم رحلتهم من العبودية، أما في العهد الجديد سنجد الليتورجيا أصبحت دليلًا على حضور الله واتحاده بالخليقة من خلال الرموز التي تقودنا في رحلة لاكتشاف الله. في القديم قد انقاد موسى في البرية ووقف أمام يهوه ليتغطى بمجده، أما نحن اليوم في العهد الجديد ومن الليتورجيا والتسابيح ننقاد إلى الاتحاد العميق ونصير أطفالا لله،  فنستعيد بالتراتيل، والنغم الموزون، والألحان، والطقوس المسيحية، حياة الطفولة البريئة في أسمي معانيها والواقع المسيحي المبارك التي تقدمه لنا الليتورجيا. أخيرًا، إن الليتورجيا هي حياة وليست مجرد طقوس خالية من اتجاه القلب، بل هي علاقة كيانية بين الإنسان والله، فالصلاة وممارسة الأسرار هي شركة حقيقية في حياة الله نفسه من خلال الابن بالروح القدس. من خلال الليتورجيا نفسها ينمو الإنسان نمو دائم اتجاه الغاية الأسمى والأعظم من كيانه هذه الغاية هي الله. --- ### أزمة أبوّة - Published: ۲۰۲۲-۱۱-۱۲ - Modified: 2022-11-11 - URL: https://tabcm.net/8935/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: اخاب ابن عمري, المرأة السامرية, ايليا, زكا, يوحنا المعمدان لسنوات طويلة في زمن المسيح كان يعاني اليهودي المتدين البسيط من الحكم والاضطهاد الروماني، الذي كان يعد المواطن اليهودي عاملا من الدرجة الثانية، محتلا مسلوب الحقوق يخضع بالقهر للسلطة الرومانية الغاشمة، ولم تخلص معاناة اليهودي في احتلال أجنبي فقط، بل عانى أكثر من رجال دين قساة القلوب لم يلتفتوا إلى معاناة أبناءهم في زمن صعب، بل حمّلوهم أحمالا عسرة ثقيلة، وعثرة مريرة، فأثقلوا ظهور الشعب بوصايا نسبوها إلى الله، وهي في الحقيقة من صنع أياديهم الملوثة بدَم شعبهم. قالوا إن الله أوصاهم بأن كاهن المذبح من المذبح يأكل، ولكنهم لم يأكلوا من المذبح بل كانوا يأكلون المذبح كله، والشعب، وأموال الشعب، حتى ذبائح ونذور وعطايا الهيكل أحلوها لأنفسهم، وأداروها كما ارتأوا وليس كما كان ينبغي، وعوضا عن أن يخففوا عن كاهل أبنائهم من الضرائب الكثيرة المفروضة عليهم، أثقلوا كاهلهم بفروض ثقلية من يعجز عنها، حقّروه واحتقروه وسط الجماعة، بل وأحيانا كانوا يطردونه من وسطهم. لم يشعر يوما اليهودي العادي بأبوة الكهنة أو الفريسيين.  كان يشعر فقط بعصيهم وكرابيجهم وهي تترك أثارها الحقيقية أو المعنوية على ظهورهم. كان يخاف الكهنة، ليس لأنهم رجال الله المختارين، ولكن لسوء استخدامهم لسلطانهم الكهنوتي، فحاولوا رياءهم تارَة أو تجنبهم تارَة أخرى، ووسط اضطهاد الرومان وسلطان الكهنوت اليهودي، وسط الضرائب الباهظة والفروض العسرة، وتحت سوط المحتل وعصا رجال الدين، كانت هناك أزمة أكبر يعاني الشعب اليهودي منها، أنها أزمة أبوة. تلك الأزمة التي انتقلت بطريقة لا إرادية في نفسية اليهودي البسيط، لتنقل إليه صورة مشوهة لله الآب، فما كان يعرف عن الله سوى تأديباته، لم يكن يشعر بحنو الله أو محبته لأنه لم يتذوقها يوما بواسطة وكلاء سرائره. لذلك عندما رأوا المسيح -الكلمة المتجسدة- رأوا فيه شيئا غريبا لم يكونوا قد رأوه من قبل، ليس بالمعجزات فقط وأنه بسمكات قليلة وقطع خبز معدودة أشبع بطونهم، وليس فقط لأنه شفى أوجاعهم، ولكن لأنه كان يعلمهم بسلطان ليس كسلطان الكتبة والفريسيين، أنه سلطان الحب، ذلك الحب الذي يحرر من الشعور بالخزي، حتى لو كان خزي الخطية. حبٌ ينقل امرأة سامرية زانية إلى كارزة لكل أهل السامرة. حبٌ يدفع زكا لأن يعوّض كل شخص سلب ماله أضعافا. حبٌ يسمح لامرأة نازفة ينظر إليها المجتمع ورجال الدين إلى أنها نجسة ولا يلتفت أحدهم ليشعر بمعاناتها، ولكن يسوع المحب يشعر ويخفف عنها آلامها. حٌب يقبل توبة امرأة خاطئة جاءت تبلل قدميه بدموع توبتها وتمسحهما بشعر رأسها ولا يقبل غرور سمعان وقساوة قلبه الذي دعا يسوع لبيته لا لشيء سوى التباهي والتفاخر. يعوزني الوقت إن كلمتكم عن سلطان محبته في قصة المرأة التي أمسكت في ذات الفعل دون الفاعل نفسه من رجال لا يخلو أحدهم من الخطية. امرأة تحكم عليها البشرية بالموت رجما، ولكن رب الشريعة يغفر لها خطاياها. سلطان رب السبت الذي أرادهم أن يفهموا أن السبت جُعل من أجل الإنسان، لا الإنسان من أجل السبت. سلطان تبرأ من قساوة سلطان الكتبة والكهنة والفريسيين وكال لهم الويلات ونعتهم بالمرأين ووصفهم بالوكلاء غير الأمناء الذين نهبوا الكرم وصاحب الكرم، لذلك كرهه كهنة اليهود ودبروا لصلبه والتخلص منه. وما أشبه اليوم بالبارحة فتبدأ القصة بترك مباهج العالم والفقر الاختياري، لتنتهي بحساب بنكي وسيارة فارهة ومقر أو مقرات يتباهى بها وفحص دوري أو علاج بالخارج، وكله من عطايا الشعب وعشوره ونذوره. ذلك الشعب الذي يعاني أزمات اقتصادية متلاحقة ومتتالية ولكنه عملا بوصايا الكتاب وإيمانا بأننا أعضاء في جسد واحد رأسه المسيح الذي أوصانا بإخوته.   وبدلا من أن نستر الفقراء والمعوزين والمرضى نتاجر أكثر باحتياجاتهم، ونجمع تبرعات باسمهم ثم يرمون لهم الفتات ويستحلون الباقي بتبريرات ساذجة يصفق لها المنتفعين أو الجهلاء. قصة ساذجة بدأت بترك العالم ورئاساته ليعودون إلينا بسلطان الدين وأنهم نائبي الله على الأرض. كلماتهم لا تناقش ولا ترد. آرائهم غير قابلة لأن يعترض عليها أحد حتى ولو كانت غير منطقية. قصة بدأت بشجرة الطاعة و"ها ميطانيه يا أخي" وتنتهي بآلهة تحكم على كراسي ظنوا أنها أعظم من كرسي الله نفسه. منابر أتخمت بالكلام عن المحبة والتسامح وهم لا يستطيعون تقديم غفرانا لشركائهم في الخدمة الرسولية. كل شخص يملك سلطان على شخص أضعف منه، يقهره، ولا أحد يملك شجاعة يوحنا المعمدان ليقف أمام هيرودس من جديد قائلا: لا يحل لك. من يجرؤ على الوقوف مع إيليا التسبيتي، أمام أخاب الشرير ليقول له: بل أنت وأهل بيتك من كدروا الكنيسة؟ من يملك السلطة لا يملك الحق، ومن يملك الحق ليس له أدوات لمواجهة من معهم السلطان، حتى إذا جاءهم المسيح فسيتأمر عليه أصحاب المصالح ليعاودوا صلبه من جديد. سيحاربونه ويهيّجوا حوله الشعب. سيدعون أنه سب موسى النبي، والناموس، سيهرطقونه، أو يكفرونه ويحاولون إفرازه خارج الجماعة، وفي النهاية يقدمونه لرومان العصر ليحكموا عليه بالموت صلبا مع القتلة والمجرمين. أؤمن أن في كل عصر توجد سبع آلاف ركبة لم تنحن لبعل المال، أو بعل الشهرة، أو السلطان. وأؤمن أن الله لا يترك نفسه بلا شاهد، وأن في كل عصر يوجد رجال الله القديسين. هؤلاء وأن بدوا كأنهم عملات نادرة إلا إننا نتذوق من خلالهم الأبوة الحقيقية، أبوة الحب في زمن هرول فيه الجميع نحو سلطان السيادة، هؤلاء الوكلاء الأمناء. أما أولئك فهم ليسوا سوى أُجراء زاغين فسادا وسط الشعب، وليس لهم إلا قول الكتاب: إن لم تتوبوا فجميعكم هكذا تهلكون. نصلي من القلب لله الآب أن يفتقد شعبه بآباء حسب قلبه، يرعون الشعب بسلطان الحب بعيدا عن هوى السيادة والتجبر. آباء يقدمون صورة حقيقية لله المحب  المتواضع، فيجمعون معه ولا يفرقون. يبذلون ذواتهم من أجل رعيتهم، لا رعيتهم من أجل أهوائهم. يعلمون بسيرتهم العطرة، لا بكلماتهم المنمقة. آباء حقيقيين يقال عن كل واحد فيهم كما قيل عن المسيح: كراعٍ صالح سعيت في طلب الضال. كأبٍ حقيقي تعبت معي أنا الذي سقط. آباء قديسون يستطيعون أن يقفوا يوم الدينونة قائلين الذين أعطيتني إياهم، لم نُهلِك منهم أحد. . آمين. --- ### لماذا القدّاس؟ - Published: ۲۰۲۲-۱۱-۱۱ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/8319/ - تصنيفات: لاهوتيات تصبح ممارسة سرّ الإفخارستيّا في أحيانٍ كثيرة طقوسًا غير مفهومة للكثيرين، و"مخصخَصة" (أي حكرًا على بعضٍ ممّن يظنّون أنفسهم مستحقّين)، لدرجةٍ تُفقد السرّ من معناه الأصليّ الذي قصده يسوع والذي عاشتْه الكنيسة الأولى. قد يساعد التأمّل وتمحيص الطريقة التي نمارس بها الإفخارستيّا اليوم أمرًا يساعدنا على أن نعيد اكتشاف المعنى الحقيقيّ للسرّ وإزالة القشور التي تحجب بهائه. الإشكاليّة الحاليّة هي: هل تساهم الطقوس في فهم أفضل للإفخارستيّا أم أنّ الطقوس بألحانها وحركاتها وترتيبها تحجب أساس الاحتفال أي الإفخارستيّا؟ الطقوس مهمّة جدًّا، قد يجب الإبقاء على أغلبها، قد يجب تعديل بعضها، قد يجب حذف البعض منها أيضًا (كما حدث بعد المجمع الڤاتيكانيّ الثانيّ) إلّا أنّ المؤكّد أنّ حياة الإنسان ملأى بالطقوس، الإنسان كائن طقسيّ. تكمن المشكلة، حسبما نزعم، في غياب مفهوم الإفخارستيّا التاريخيّ، وبالتالي، يُفقَد معناها، وتصبح الطقوس بلا معنى. الإفخارستيّا حدثٌ تاريخيّ في الاحتفال الإفخارستيّ هناك الصلاة والحركات الطقسيّة واللحن والخبز والخمر. هذا أمرٌ واضح. لكن هل هذا كلّ شيء؟ الإفخارستيّا هي «اصنعوا هذا لذكري»، هي إذًا ذكرى لحدثٍ ماضٍ. إلّا أنّها وفقًا لإيمان الكنائس الكاثوليكيّة والأرثوذكسيّة بل وأيضًا بعض الكنائس البروتستانتيّة هي ذكرى وحضورٌ. «اصنعوا هذا لذكري» أمرٌ من المسيح للتلاميذ وللكنيسة بعد ذلك. ما هذا الأمر؟ لنفهم أمرَ المسيح علينا العودة إلى الجذور. الإفخارستيّة عشاء (وجبة) تذكرها الأناجيل الإزائيّة على أنّها عشاء فصحيّ. فالمسيح أوّلًا أسّس الإفخارستيّا أثناء العشاء الفصحيّ، على مائدة غير مكرّسة، وبلا أيّ لوحٍ مقدّس، في كؤوس وأطباقٍ غير مكرّسة، وبالطبع بلا أيّ صومٍ، وبخبزٍ غير مختمر كما تتطلّب الشريعة اليهوديّة في خبز فطير الفصح (الماتساه) (را خروج ١٢). هذا هو الخبز الذي على الأرجح استخدمه المسيح وفقًا للإزائيين، على الرغم من أنّ الكلمة اليونانيّة artos المستخدمة تعني الخبز بشكلٍ عامّ ولا تستثني منه بالطبع الخبز غير المختمر. بشكلٍ عامّ فالترجمة السبعينيّة ستستخدم بعد ذلك كلمة artos لتترجم بها الكلمة العبريّة الدالة على الخبز غير المختمر الواردة في لاويّين ٨:٢و ٢٦. على كلّ حالٍ، في الكنيسة ليس هناك مشكلة في استخدام أيّ أنواع الخبز. باختصارٍ، أسّس المسيح سرّ الإفخارستيّا في إطار وجبة عشاء فصح بشريّة عاديّة وفقًا للأناجيل الإزائيّة. ليس فيها أيّ بهرجة أو طقوس بخلاف طقوس العشاء الفصحيّ البسيطة والعميقة. يرى البعض أنّ الاحتفال الإفخارستيّ اليوم هو محاولة المسيحيّين للاحتفال بتناول وجبة من دون تناول وجبة! لا يعني ذلك بالضرورة أن نعيد الاحتفال بالإفخارستيّا على الطريقة الأولى أو القديمة ولكن على الأقلّ ينبغي التذكّر دائمًا أنّ الإفخارستيّا في الأساس هي وجبة. العشاء الأخير في عشاء الفصح إذا كانت الأناجيل الإزائيّة تسرد حدث تأسيس الإفخارستيّا أثناء تناول عشاء الفصح، فذلك يعني أيضًا أن الإفخارستيّا تتأسس في تلك الاستمراريَّة أو الإتمام الذي أحدثه المسيح للعهد القديم «لا تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ» (متّى ٥: ١٧). يظن الكثيرون أن العهد القديم كان ناقصًا وبالتالي، كان على المسيح إتمامه، ويدعون لاستمراريّة تطبيق العهد القديم في حرفيّته، إلا أنّ ذلك بعيدٌ تمامًا عن القراءة المسيحيّة للعهد القديم. مثال لفهم ذلك، الطفل حينما يبلغ، هل نقض الطفل أم ما زال الطفل كائنًا فيه ولكنّه نضج ووصل إلى ملئه كرجل وامرأة؟ بهذه الطريقة يجب فهم العهد القديم. فالعشاء الفصحيّ يتحقّق ويصل إلى ملئه في العشاء الإفخارستيّ. من دون فهم العشاء الفصحيّ اليهوديّ ورمزيّته ومعناه نفقد جزءًا كبيرًا من فهم معنى الإفخارستيّا. عشاء الاحتفال بالتحرير من العبوديّة كان اليهود يجتمعون، ولم يزالوا، يوم عيد الفصح لتذكّر وللاحتفال بذكرى الخروج من مصر. ذكرى تحرير الله للإنسان من العبوديّة، ذكرى تحرير إلهٍ قويّ لشعبٍ أعزل من بين يديّ طاغية لا يعرف الله ولا يخافه. هذه الذكرى ليست خياليّة، بل هي ذكرى تاريخيّة اختبرها شعبٌ بطريقةٍ ما.  لا نقصد بالتاريخيّة هنا قراءة سفر الخروج على أنّه كتاب تاريخ، بل المقصود أنّ اختبار الله في حياة شعب بني إسرائيل باعتباره إلهًا محرّرًا من الظلم والطغيان والعبوديّة هي خبرة تاريخيّة، متأصّلة في خبرتهم وكانت هي الخبرة المؤسِّسة لهم ليكونوا شعبًا تاريخيًّا ليهوه ويكون هو إلهًا لهم. لقد أصبحت هذه الخبرة مسألة هويّة لدى شعب بني إسرائيل. يتذكّر الشعب العبريّ جميعه معاناة أجدادهم والظلم الذي عانوه والآلام التي سحقتهم. ويحتفلون بانتصارهم وخروجهم من قبضة دولة عظمى. ذكرى التقاء الاستعباد الأرضيّ الماديّ بتحرير الله الذي يمدّ يده داخل تاريخ البشر منحازًا للمستضعفين. في هذا السياق، اختار يسوع المسيح تأسيس سرّ الإفخارستيّا. وبما أنا المسيح لم يؤسِّس الإفخارستيّا في أيّ سياقٍ آخر، فذلك معناه اختياره استمراريّة كلّ معاني العشاء الفصحيّ بما يحمله من ذكرى التحرّر، إلّا أنّ الإفخارستيّا هي أكبر وأشمل وأسمى من ذلك التحرّر السياسيّ والاقتصاديّ، وإن كانت لا تلغيه: «آباؤكم أكلوا المنّ في البرّيّة وماتوا» (يو ٦: ٤٩). الخلاص والتحرير يشملان واقع الإنسان الأرضيّ التاريخيّ ولكنهما لا يقفان عنده، ولا يلغيانه ولا يحوّلان الإنسان إلى كائن روحيّ خارج تاريخيه. فالخلاص بالمسيح حدث بواسطة التجسّد، حينمّا اتّخذ أقنوم الابن إنسانيّتنا. المسيحيّة تؤمن بإله لا يرفض أرضيّة الإنسان وتاريخانيّته بل يحبّ العالم وينصب خيمته وسط البشر. أعمال يهوه التحريريّة تستمرّ في ابنه يسوع المسيح، وبالتالي الاحتفال الإفخارستيّ ليس فقط احتفال بماضي وبذكرى أعمال يهوه بل هو أيضًا استحضار على ضوء الذكرى واحتفال في وسط الألم والظلم السياسيّ والاقتصاديّ بالتحرير الذي قام به يهوه نحو شعبه في أرض العبوديّة، وبالخلاص الذي جلبه المسيح إذ جعلنا الآب فيه إخوة وانتصر على الموت والشرّ والعنف. في خضم الشرّ سياسيًّا كان أو اقتصاديًّا أو دينيًّا يصبح الاحتفال الإفخارستيّ ذكرى حاضرة هنا والآن بأنّ قوى الشرّ والطغيان حتمًا ستنتهي، بأنّنا مغفورٌ لنا وأنّنا مشتركون في ملكوته منذ الآن ومدعوّون لتحقيقه في وسط تاريخنا. --- ### على رياح تشرين - Published: ۲۰۲۲-۱۱-۱۰ - Modified: 2022-11-07 - URL: https://tabcm.net/8916/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون الأشجار ترتدي ألوان نوفمبر والأرض عطرها يتجدد تاج ظلال بلون الغموض والذكريات الورود كلمات أوراقها صمت لبسنا معطف ننتظر المطر وموسيقى فرقة الشتاء قهوتي وأنا نحب لون البرتقال ورائحة الفانيليا في كعكة شهية ندندن ونبتسم. تشرين؛ ولا شيئ يوحي بالدفء غير أنفاس الحطب. بقرارٍ من شمسِ تشرين يضع الفرح بصمته بين ضلوعي وبوشمٍ من ملائكة الحب تفتتحُ سماء مدينتي كرنڤال غيمٍ أبيض ليتماهى بتأشيرةِ حب ومطر. ‏في خيالات المطر. . تعجب كيف تصحو الذكريات من غفوتها، تحافظ على ألوانها دون تغيير. ! هي كالسحر شعور مميز يتبادل رائحة المطر، برد الأجواء، بعد جفاف الذاكرة. تدّونه كحديث وصور لم تختلط بقطراته واسعة بامتداد الغيم تنفي الزمن تختصر المكان وتُقلص المسافة. تَسحَقني مَرارات القلوب وأنا التي وُلدت (ثَـورة)... موطني العقل أنثر نُبلى وقوتي وميعادي عند رياح الهبوب. ثمة أسير في صدري يريد أن ينطلق شمس تنتظر أن تشرق، قافلة تتوق لأن ترحل كل ما أحتاجه مساحة صغيرة من هذا العالم أتنفس فيها هواء خالياً من ثاني أكسيد الحزن، والقليل من الدهشة تضفي اللون على رمادية الأيام ويدا تتشبث بي ولا تضيعني في منتصف الطريق. أمضي في مهب الجرح ألتقِطُ ألواحي المُمَزقة وَأُرتِق عباءةَ قلبي وَأُرشِق وجه قصيدتي بِحباتِ الفَرح. ونتوه معاً في تشارين العمر ودروبه غريبين... تائهين نبحث عن حقيقةٍ تكادُ لا تدركُ منا إلا الألم. لكنّنا نغرف من قسوتها ونستمد من تشبثها وجودنا وضحكاتنا وسخرية أقدارنا... ‏ ها تشرين مطر على الذاكرة على النوافذ على الأبواب على رحيلكَ الذي لا أعتاد... والحزن هنا ضارياً، ثقيل القلب يرتاد. رياح تشرين ‏تكلفك أمانة حملٍ عظيم على أيامها لا تنتظر صدقاً من أحد بقدر صدقها معك اجعل من همومك مِنفضة انفض بها غبار قلقك وأكثر من ملء جيبك بالمناديل فما مضى قليل وعينك سترى الكثير! ‏لماذا تنتظر أعماق الروح عودة الشتاء هل تنقب عن ذكريات عام رحل أم لتصنع ذكريات جديدة من حنين أم لنشارك المطر ذلك البكاء الجميل. ‏بغيمة عينيك... اقرأ المطر قطرة قطرة. ‏ربما تظن أوراق الشجر في الخريف أنها نالت الحرية لكن عليها أن تأخذ العبرة منا نحن البشر لأننا أوراق على شجرة الحياة. أمضي في مهب الجرح ألتقِطُ ألواحي المُمَزقة وَأُرتِق عباءةَ قلبي وَأُرشِق وجه قصيدتي بِحباتِ الفَرح. عصيَّة لا يثنيها ذبول كورقة في تشرين كلّما ذَوَت عادت غضَّة نديَّة. ‏لست أدري أكنت سأترك لك أثراً تتعقبني أم إن رياح تشرين ستمحو كل آثاري. ‏من غيمةٍ إلى غيمة، تتنقّل بي، بين لُطفٍ وزرقة، بين حياءٍ وهواء، إلى أن يستيقظ المطر و‏لا شيء يجرح العشب، أكثر من خطو الرّيح. يا لحظ النافذة المكسورة لا يتحكم فيها أحد. ‏أصبحت أرقصُ على أنغامِ حزني. . وأتنقّل بين أوتار شجوني. لستُ شجرةً أيها الخريف أنا المطر الذي سيقلّمُ أظافركَ. ‏بين تشرين يمضي. . وتشرين يأتي أنا مطرٌ واقفٌ عند عتبة بابك ليتني أهطلُ الآن من غيمتي زخّات تعانقُ روحكِ قبل ثيابك. --- ### ما الحوار؟ - Published: ۲۰۲۲-۱۱-۰۹ - Modified: 2022-11-07 - URL: https://tabcm.net/8723/ - تصنيفات: مقالات وآراء كثيرا ما نسمع كلمة "الحوار" في المسلسلات المصرية فيقولون "أنا ماليش دعوة بالحوار ده"، "أنا برّه الحوار ده ياعم" أو "أنا في الحوار ده ولا إيه؟" ويبدو أن المقصود معنى سلبي في الغالب، أي إن هناك أشياء ليست جيدة تدور بين أطراف "الحوار" وفي طرف يريد أن يدخل فيه أو يبتعد عنه. المهم وقبل أن يضيع معنى مصطلح "الحوار" رأيت أن أقدم تعريفًا له: ما الحوار؟ وما المقصود به؟ وماذا نتوقَّع منه؟ - الحوار وسيلة تنتقل به المعلومة أو المعنى بين شخصين أو أكثر مما يضمن استمرار الاتصال والعلاقة بينهم. - ويقُصد بالحوار أن يكون وسيلة اتصال لإقامة علاقة بين أطرافه حين يتمكَّن كل منهما من فهم وجهة نظر الطرف الآخر. - قد يكون موضوع الحوار تفاهم في أمر ما، أو حول قضية فكرية، أو تنوُّع فكر. وأيًا كانت موضوعات الحوار فإن تواصله يهدف إلى استمرار الاتصال. - لهذا لا يُقصد من الحوار أن تتغلَّب وجهة نظر طرف ما على وجهة نظر الطرف الآخر بقدر ما أن تكون مفهومًا من غيرك وأن تفهمه حتى تكون العلاقة مرِنة حتى تتسع البصيرة. - ويحدث الحوار بين أي طرفين (أب- ابن)، (زوج- زوجة)، (صديق وصديقه)، (معلم وتلميذ)، (بائع ومشتري)، إلى آخره. - فإذا كان هدف الحوار استغلال شخص لشخص آخر، أو الانتفاع به لا يصبح الحوار حوارًا. - بالطبع الحوار الناضج له شروط وله فن حين يكون الحوار جماعيًا. -ربما يفيدنا أن نعرف الفارق بين الحوار والسجال: فإن كان الحوار تبادُل المعلومة لإقامة علاقة بين أطرافه حين يتمكن كل منهما من فهم وجهة نظر الطرف الآخر، فإن السجال حوار من طرف واحد يصر على صحة وجهة نظره دودن انتظار أو استعداد لمعرفة وجهة نظر الطرف الآخر. -وأيضا يفيدنا أن نعرف الفارق بين الحوار والجدال: فالجدال هو حوار بين طرفين يتضمن موضوعًا تختلف فيه وجهتا نظر الطرفين، والقصد من الجدال هو استطاعة وصول الطرفين إلى وجهة نظر جديدة بناءً على ما عرضه كلا منهما، وهو بالطبع غير (الجدل العقيم) الذي يصر فيه كل طرف على وجهة نظره فينتهيان إلى الخلاف. --- ### اقتراب مبدئي من حركة الشبيبة الأرثوذكسية - Published: ۲۰۲۲-۱۱-۰۸ - Modified: 2023-10-11 - URL: https://tabcm.net/8847/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: الحرب العالمية الثانية, الكنائس الأرثوذكسية, بابا كيرلس الخامس, بابا كيرلس السادس, حبيب جرجس, حركة الشبيبة الأرثوذكسية, طبيعة المسيح, كرسي أنطاكية, ليتورچي, مجمع خلقيدونية, مدارس الأحد, مركز دراسات الآباء, مطران چورچ خضر, نصحي عبد الشهيد بطرس كان كتاب "الحركة ضياء ودعوة" للمطران جورج خضر، الذي يتناول نشأة ومبادئ ومسيرة حركة الشبيبة الأرثوذكسية، التي تأسست في لبنان وسوريا بالكرسي الأنطاكي، عام 1942، واحدًا من أبرز الكتب التي قرأتها سنة صدوره 1992، وقد اختطفني إلى دوائر الإصلاح الكنسي وقتها، خاصة في الكنائس التقليدية العريقة، واختفى الكتاب من رفوف مكتبتي شأن كثير من الكتب التي تخرج على سبيل الإعارة، ولا تعود، لكنه لم يبرح ذهني وذاكرتي، ورحت أتتبع كتابات ومقالات كاتبه، وزياراته الدورية السنوية للقاهرة، ومحاضراته، أثناءها، في مركز دراسات الآباء في ضيافة الدكتور نصحي عبد الشهيد. نحن نقف على بعد سنوات قليلة قبيل انتصاف القرن العشرين، وبلدان المنطقة العربية تشهد تقلبات عنيفة، فالحرب العالمية الثانية استعرت نيرانها، ومسيحيو المنطقة تحاصرهم الإرساليات الأجنبية، والكنائس التقليدية فيها تعاني بيات شتوي طال، لم يتبق لها سوى منظومة عباداتها الرتيبة وصلواتها المتوارثة تتناقلها في تثاقل، ليتورجيتها، التي تحفظها عن ظهر قلب، وفيها جذوة حياتها، وإن بدت فتيلة مدخنة تنتظر من ينفخ فيها مجددًا، فتعاود اشتعالها، ضياء واستنارة. ثمة حَراك خافت تشهده مصر وبلاد الشام، كل في طريق، وقد باعدت بينهما قطيعة فرضتها أحداث شهدها القرن الخامس الميلادي عقب مجمع خلقيدونية المسكوني، حول طبيعة المسيح، وتأتى رياح لاحقة بما لا تشتهي سفنهما، فتضربها وتكاد تفككها، فكان الانزواء والانكفاء سبيلهما للحفاظ على ما تبقى عندهما. مطلع القرن العشرين يتحرك قلب شاب قبطي نحو البحث عن مخرج لكنيسته من حالة الانزواء والانكفاء التي لفتها، فيذهب إلى أبيه البطريرك الإسكندري يحمل رؤيته وتصوره، فيباركها البطريرك ويتبناها، كان الشاب هو حبيب جرجس، وكان البطريرك هو البابا كيرلس الخامس، ومن مقره البابوي تنطلق منظومة مدارس الأحد، عام 1918. في العام 1941، كان هناك في بلاد الشام، لبنان تحديدًا، أحد الشباب "أحزنه، آنئذ، المشهد الأرثوذكسيّ الأنطاكيّ حتّى الانجراح... شرع يفكّر في مبادرة تكون هي بَدْء العمل، بَدْء النهضة، تستردّ لأنطاكيّة الأرثوذكسيّة كرامتها المهدورة، تنتشلها من زوايا الإهمال نافضة عنها غباره، وتزفّها إلى عريسها«كنيسة مجيدة، لا دنس فيها ولا غضن ولا شيء مثل ذلك، بل تكون مقدّسة بلا عيب»(رسالة بولس إلى أفسس 5: 27)، فكانت فكرة تأسيس حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة". (وكان الشاب هو جورج خضر، مَطْرَان جبل لبنان للروم الأرثوذكس فيما بعد) حسب وصف أحد كوادر هذه الحركة في مقال له عنها في مجلة النور وهي من إصداراتها. حسب ما كتبه مؤسس الحركة ـ المَطْرَان جورج خضر ـ نقرأ عن لحظات ولادة الفكرة ذاتها: "في خريف 1941، في الجامعة اليسوعية، في السنة الأولى في الحقوق والطب، اجتمعنا نفراً قليلاً من الطلبة حول فكرة البعث الروحي في كنيستنا، وكان الشقاء يخيم عليها آنذاك، نحسها مرمية في صحراء وناسها دون التراث العظيم الذي للشرق المسيحي. كان هذا إقبالاً على هُوِيَّة بمعناها الروحي الصرف. زمنيات الأرثوذكسيين ما شغلتنا يوماً في نهضة تلقيناها في أنفسنا لمسات إلهية"(المَطْرَان جورج خضر) ويبلور في سطور قليلة ماهية الحركة: ـ سمّيناها من البَدْء "حركة" لا جمعيّة كأنّنا كنّا متفهمّين أنّ الأمر كلّه بالوثبة بديمومة الإصلاح. ـ الجماعة الحركيّة ما هي إلا الركيزة لتحمل الطاقة الخلاقة في كنيسة المسيح اليوم. ـ الكنيسة في قوامها في أصلها من حيث هي جسد المسيح وذات سلطان وتستمدّ هذا السلطان من المسيح وامتلاكها للأسرار لا تُصلَح. ـ لكن الكنيسة من حيث حياة الروح القدس من حيث أنّ هذا الإطار الكهنوتيّ معبّأ بالروح القدس يمكن أن تصلح لأنّها تحتاج إلى قوة متزايدة من نعمة الروح. ـ أنّ ذات الحركة هي الكنيسة بحيث لا يمكن أن تفرّق بين تفكير الحركة وتفكير الكنيسة وفكر الحركة ليس إلاّ فكر الكنيسة وفكر الحركة هو المسيح، لذلك، الحركة لا تُحدَّد بغير ربّها. المسيح ذات الكنيسة لا فرق بينهما. الأنا في الكنيسة هو المسيح والأنا في الحركة هو الكنيسة. ـ الحركة هي الكنيسة. الكنيسة بسيرها نحو المسيح هي الحركة وتحرّك الكنيسة من مسيحها إلى مسيحها من مجيئه الأول إلى مجيئه الثاني هي نحن. لذلك لا يجوز أن نقول أنّ الحركة حزب في الكنيسة. إنّنا كلّ الكنيسة لأنّنا متجهون ليس إلى أنفسنا لكن إلى الكنيسة. ـ من حيث جوهر النهضة نحن كلّ الكنيسة، النهضة لا تندمج مع شخص واحد وتتحيّز له ولا للجماعة الحركيّة. يمكن أن تحمل النهضة جماعة غيرنا وعندئذٍ نكون قد انحططنا تاريخيّاً ولم نعُد حاملي لواء النهضة. وإذا كانت الحركة تحديداً وثبة الكنيسة لاستقبال الرب يجب أن نقول إنّها حركة الروح القدس. ـ حركة الشبيبة الأرثوذكسية عبارة عن ثورة، إنها يقظة في ضمير الأرثوذكسية بها تبعث نفسها بنفسها وتتجدد. هذه الأرثوذكسية التي تغفو منذ أجيال عدّة سوف تستيقظ وتكون يقظتها عظيمة. ـ إنّ حركة الشبيبة الأرثوذكسيّة لا تسعى إلى قولبة الإنسان المعاصر، لكنّها تتّخذه كما هو، بمكوّناته الفكريّة والثقافيّة والإيديولوجيّة وغيرها، وتحاوره انطلاقًا من هذه المكوّنات، ساعية إلى مخاطبته بكلمة الإنجيل وإلى أن تكشف له، من الإنجيل، وجه المسيح الكونيّ. (المَطْرَان جورج خضر) ومن يتابع سير الحركة وأدبياتها يلحظ أن سر نجاحها، أنها استطاعت أن تنجو من الفردانية، وظلت محتفظة بالجماعية، وأنها لم تكن حركة موازية للكنيسة أو متنازعة معها، بل هي "كل الكنيسة"، لذلك بادرت إلى التواصل مع القيادات الكنسية، التي قبلت رؤيتها وأقرتها، ودعمتها بشكل مؤسسي ورسمي، واستطاعت الحركة أن تطلق شبابها للتفاعل المجتمعي ليشتبكوا مع الهم العام، ويسهمون في تفكيكه لحساب الإنسان، المواطن. بغير وصاية كنسية وبغير أن يحسبوا ممثلين لها، مع التزامهم بإيمانها، بالرغم من نظام المحاصصة الطائفية، الذي يحكم المشهد السياسي هناك. ويحسب للحركة نجاحها في التعاطي مع أجنحة الكنيسة، ومؤسساتها، دون أن تستغرقها إحداها، فقد أنطلق أعضاؤها في مساراتهم حسب اختياراتهم الحياتية، فمنهم من استكمل دوره المدني ومنهم من طرق أبواب الرهبنة أو الخدمة الكنسية، وظلت الحركة مستوعبة لكل هذا. ولعل هذا هو سر نجاحها. وقد بلورت الحركة مسارها تأسيسًا على المبادئ التي أعلنتها عشية أنطلاقها، آذار (مارس) 1942، وهي: 1) حركة الشبيبة الأرثوذكسية حركة روحية تدعو سائر أبناء الكنيسة الأرثوذكسية إلى نهضة دينية، ثقافية، أخلاقية، اجتماعية. 2) تعتقد الحركة أن النهضة الدينية الأخلاقية باتباع الفروض الدينية ومعرفة تعاليم الكنيسة، لذلك تسعى لنشر تلك التعاليم ولتقوية الإيمان المسيحي في الشعب. 3) تسعى الحركة لإيجاد ثقافة تستوحي عناصرها من روح الكنيسة الأرثوذكسية. 4) تعالج الحركة المشاكل الاجتماعية التي تتعلق بالمبادئ المسيحية العامة. 5) تستنكر الحركة التعصب الأعمى والطائفية السياسية، لكنها تعتبر أن التمسك الواعي بالمبادئ الأرثوذكسية شرط أساسي لتقوية الإيمان ولإيجاد روابط أخوية بين سائر الكنائس المسيحية. 6) تتصل الحركة بالتيار الأرثوذكسي العالمي وتتبع عقائد الكنيسة الأرثوذكسية وتقليدها الحي، كما أنها تساهم في تطورها المسكوني ورسالتها الإنسانية. (مبادئ حركة الشبيبة الأرثوذكسية)   مصادر هذا المقال: ـ كتاب أنطاكيَة تتجدد ـ شهادات ونصوص (1942 ـ 1992). منشورات النور ـ مقالات متفرقة في مجلة النور. --- ### مملكتي ليست من هذا العالم
من "أوغسطين" حتى "چون لوك" - Published: ۲۰۲۲-۱۱-۰۷ - Modified: 2025-02-05 - URL: https://tabcm.net/3624/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, تاريخ وميثولوچيا, شئون علمانية - وسوم: Theosis Across Borders (TABcm Network), أسماء فهمي, ألكسندر هاميلتون, أوليفر كرومويل, اتفاق فورمس, الإسلام السياسي, الإصلاح البروتستانتي, الجمعية المصرية للتنوير, الحق الإلهي, الديمقراطية, الشيوعية, العدالة الاجتماعية, العصور الوسطى, العقد الاجتماعي, العلمانية, الكنيسة الأنچليكانية, الكنيسة القبطية, الكنيسة الكاثوليكية, الكنيسة الوطنية, الكنيسة والدولة, المجمع الفاتيكاني الثاني, بابا بنديكتوس السادس عشر, بابا تواضروس الثاني, بابا ثاؤفيلس الأول, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس السادس, بابا يوساب الثاني, بروتستانت, بوليكاريا, بيير بايل, توماس چفرسون, چورچ الثالث, چون جاي, چون لوك, چيمس ماديسون, حسن أحمد عبد الرحمن محمد البنا, دنيس ديدرو, رئيس جمال عبد الناصر, رئيس عبد الفتاح السيسي, رئيس محمد أنور السادات, رينيه ديكارت, شارل لوي دي سيكوندا مونتسكيو, عبد الرحمن الأبنودي, عقيدة التأله, فرانسوا ماري آروويه، ڤولتير, فرج فودة, ڤاتيكان, قديس أوغسطينوس، أسقف هيبو, كاترين من أراغون, كارل هانريش ماركس, كليمنت السابع, مارتن لوثر, مايكل ساتلر, مدينة الله, معاهدة السلام, مفهوم الخلاص, هنري الثامن لا يخدعنكم رجل دين أو رجل عالم أو رجل بنطلون، بمقولة تدغدغ حواسك لتجييشك في معسكرات سياسية تحت مسميات "الوطن"، وعليك أن تكون شجاعاً بما يكفي لحقيقة مؤلمة: إن الحياة معقدة وليست بسيطة، وأن الدين والوطن من الوارد جدا أن يتعارضا مع بعضهما البعض، وعليك وحدك كفرد، تقع مسؤولية فض الاشتباك النفسي والضميري بينهما إن حدث ذلك كل دول العالم في يد الله. . لكن مصر في قلب الله. . لذا أنا مطمئن على مصر ((مقولة للبابا تواضروس الثاني، قالها في نوفمبر 2022. )) (البابا تواضروس الثاني) أثارت المقولة السابقة انتقادات واسعة، لا سيما بعد ظهورها عقب المؤتمر الاقتصادي وتقريبًا خلال قمة المناخ. فظاهر النص يعلن اطمئنانًا شخصيًا على الوطن. وقد تم تبرير هذا الاطمئنان بانحيازات عاطفية (قلبية) من الله شخصيًا لصالح الوطن. الأمريكيون الرأسماليون يطبعون على دولارهم عبارة In God We Trust ، بينما السوفييت الشيوعيون كانوا يرون أن الله لا يستطيع معالجة مشكلات النقود، لذلك فهو يأمر أتباعهم (المؤمنون) بدفع النقود لرجاله عبر البكور والعشور والنذور والزكاة والتبرعات. ولا يمكن أن يُبنى اقتصاد دولة على صناديق التبرعات، حتى لو كان اسمها تحيا روسيا. مقولة البابا وإن كانت قد أُطلقت في ظروف اقتصادية صعبة، إلا أنه لا يمكننا الإمساك بتلابيبها اللفظية بكونها "مُقولة اقتصادية" بالأساس. ما يمكننا حسمه وفق أصول الموضوعية أنها "مقولة شوفينية" تُظهر انحيازات إلهية عاطفية للوطن. . أوڤردوز وطنية. شكّلت وطنية البابا اعتداء على "الحياد الإلهي" بمقولات هدفها التخدير الشعبي. . هناك اعتداء معاكس الاتجاه هدفه "الحشد ضد الوطنية" مثلما ذكرنا في مقال سابق عن الصلاة العربية التي تقول يا من أنقذ يوسف من كيد المصرية وخلصه، اسمعنا ((باسم الجنوبي، Theosis Across Borders، يا من أنقذ يوسف من كيد المصرية وخلصه، اسمعنا. )). فما كل هذا التضارب الديني في الحديث عن الوطنية؟ وهل يمكننا القول بأن هناك "دين وطني" و"دين عميل"؟ هل يمكننا القول بأن هناك "دين رسمي" و"دين غير معترف به من الدولة" أيضا؟؟ لكن أنا مش من هنا، أنا ليا وطن تاني ((ترنيمة: "العالم يبني ويزرع"، من الترانيم التراثية للكنيسة القبطية. )) (ترنيمة: "العالم يبني ويزرع"، من الترانيم التراثية للكنيسة القبطية) السطر السابق من ترانيم التراث، والمبنية على فكرة مملكتي ليست من هذا العالم ((مملكتي ليست من هذا العالم (يوحنا 18: 36) ))، التي قالها المسيح عن نفسه قاصدًا أنه صاحب "مملكة" تختلف عن "ممالكنا نحن". تعبير المسيح لا ينفي مطلقًا انتماء أتباعه لممالك أرضية يكافحون فيها، لكن التوظيف في الترنيمة تجاوز ذلك لنفي الانتماء (مش من هنا) ويعزز الانفصال عن العالم وصناعة "وطن ميتافيزيقي" مغاير للوطن الطبيعي. وبرغم أن هذا التوظيف المسيحي لتغريبات المسيح في أقصى درجاته الانفصالية لا يصنع أكثر من "رهبنة" حياتية شعاراتية لا تنفصل واقعيا عن العالم، إلا إنه يذكرني بنشيد "غرباء" السلفي، إذ كلاهما يعزز عدم الانتماء لكوكب اﻷرض أو الحياة اﻷرضية بالمجمل، ويرسخ الانتماء للحياة اﻷخرى الأكثر ديمومة. وهذا التغريب يصل أقصاه بمقولة: "الإسلام وطن وجنسية" التي قالها الإمام "حسن البنا" في رسالة المؤتمر الإسلامي. البنا هنا يصنع للإخوان "وطن موازي" واضح في عالم الإسلام السياسي. وكلها برأيي مقولات -وإن اختلفت في درجاتها- إﻻ إنها تتعمد التسلق الديني على جدار المواطنة، لتكوين "جيتوهات" دينية مفقودة الوطنية المدنية أساسًا، تصل في نهاية المطاف لتصنيع "مجاهدين متدينين" يعملون وفق أچندة دينية لا تكترث لأوطان جغرافية. لا أستوعب أبدا أيّة مفاهيم دينية للمواطنة. الدين والوطن كيانان اعتباريان منفصلان بزعمي، ومن الوارد جدا أن يعمل أحدهما ضد الآخر! لا أعي مفهوم "المواطنة" إلا طبقا للتعريفات الأكاديمية، وأرفض حتى مصطلح "كنيسة وطنية" لأنه مصطلح يُستخدم دوما للمقابلة مع "الكنيسة الأجنبية"، للتعبير عن الطوائف الأخرى وربطها بالـ"خواجات". في مصر مثلا أراه مصطلح يستجدي التمييز الفوقي لطائفة "الأقباط الأرثوذكس" ويتغذى على الفتات الساقط من مائدة السياسة، وشياطين التقارب المشبوه مع السلطة! أي سلطة وكل سلطة! ولو بحثت تاريخيا عن تلك اللحظات التي يُستخدم  فيها مصطلح "وطنية الكنيسة"، لوجدت أغلبها مواقف سياسية قمعية منحازة ضد الشعب لمصلحة الحاكم! أي حاكم وكل حاكم حتى لو كان أجنبيًا محتلًا! من ثاؤفيلس بوليخاريا، وبنيامين العرب، ويوساب العباسيين، ويوأنس العثمانيين، حتى العصور الحديثة مثل كيرلس عبد الناصر، وتواضروس السيسي، ولا يشذ عن هذا السياق سوى شنودة السادات لأن شنودة بنى أحجيته السياسية على "الوطن العربي" فتصادم مع معاهدة السلام لـ"الوطن المصري"... وأهي كلها أوطان! ده أنا بقيت عربي من قبل ما ألقى إللى يمصرني... أنا انتمائي لأمتي... ممسخرني... ((الشاعر: عبدالرحمن الأبنودي، قصيدة: الله يجازيك يا عم عبد الناصر. )) (عبد الرحمن الأبنودي، قصيدة: الله يجازيك يا عم عبد الناصر)   عن الكنيسة والدولة في العصر القديم: يُعتبر القدّيس أوغسطين أحد المساهمين المهمّين في النقاش المتعلّق بالعلاقة بين الكنيسة والدولة، إذ تعرّض في كتابه: "مدينة الله" للعلاقة المثالية بين "المدينة الدنيوية" و"مدينة الله". افترض أوغسطين في كتابه هذا بأنه يُمكن إيجاد أوجه تداخل أساسية بين "المدينة الدنيوية" و"مدينة الله"، ولا سيما أن الناس في أمسّ الحاجة للعيش سويةً والانسجام معًا على الأرض. ((القديس أوغسطين، مدينة الله، الكتاب التاسع عشر، الفصل السابع عشر. )) وبذلك، يرى أوغسطين أن مهمّة "المدينة المؤقتة" تكمن في إتاحة بناء "مدينة سماوية"، على الأرض. في العصر الوسيط: حكم الملوك بواسطة مفهوم "الحق الإلهي" لقرونٍ من الزمن. استخدم بعضهم هذا المفهوم بهدف تدعيم الفكرة القائلة بأن الملك يحكم كلًّا من مملكته والكنيسة الواقعة داخل حدودها. تُعرف هذه النظرية باسم: قيصروبابوية.   أفادت نسخة المسيحية الغربية في ذلك الوقت بأنه يجب على البابا امتلاك سلطة مطلقة على الكنيسة، وسلطة غير مباشرة على الدولة، بصفته نائب المسيح على الأرض. علاوةً على ذلك، طالب البابا بمنحه الحق في خلع الملوك في أوروبا الغربية طيلة العصور الوسطى، ونجح فيه أحيانا بينما فشل في أحيانٍ أخرى؛ كما كان الحال في عهد هنري الثامن ملك إنجلترا وهنري الثالث ملك نبرة. في غرب أوربا، تركّزت مسألة الفصل بين الكنيسة والدولة على الملوك الذين حكموا المنطقة العلمانية وتعدّوا على المنطقة الكنسية. أسفر هذا التناقض المعلّق والمنطوي على السيطرة النهائية للكنيسة عن صراعات على السلطة وأزمات في مجال القيادة، ولا سيما نزاع التنصيب الذي انتهى باتّفاق فورمس في عام 1122. حيث تخلّى الإمبراطور عن حقّه في تقليد رجال الدين بخاتم وصولجان -كرمز لقوّتهم الروحية-  ويكفل الإمبراطور أيضًا الانتخاب عن طريق شرائع الكاتدرائية أو الدير والتكريس الحرّ. الإصلاح البروتستانتي: صاغ "مارتن لوثر" عقيدة المملكتين مع بدايات حركة الإصلاح البروتستانتي. ويرى "جيمس ماديسون اﻻبن" ((جيمس ماديسون الابن (James Madison, Jr. ) رابع رئيس للولايات المتحدة، وعرف بأبي الدستور. لعب دوراً هاماً في وضع دستور الولايات المتحدة عام 1787 بالتعاون مع ألكسندر هاميلتون وجون جاي، ويعد أحد أهم المؤيدين الحديثين لفصل الكنيسة عن الدولة. )) أن عقيدة المملكتين الخاصّة بلوثر تمثّل بداية المفهوم الحديث للفصل بين الكنيسة والدولة. اتّخذت أفكار "لوثر" مسارًا جديدًا مع ظهور أفكار الإصلاح الراديكالي (تجديدية العماد). ظهر التغيير بشكل بارز في كتابات "مايكل ساتلر" (1490- 1527) الذي اتّفق مع فكرة "لوثر" القائلة بوجود مملكتين، لكنّهما اختلفا في الفكرة القائلة بأن هاتين المملكتين منفصلتان، وبالتالي يجب ألّا يصوّت المؤمنون المعمدانيون وألّا يخدموا في مناصب عامة وأّلا يشاركوا في أيّ أمر ضمن "مملكة العالم". سيصبح منظور "ساتلر" موقفًا معياريًا لمعظم الشرقيين في القرون القادمة، في الوقت الذي تنوّعت فيه الآراء خلال الأيام الأولى من حركة الإصلاح الراديكالي. جاء القائلون بتجديدية العماد بهدف تعليم الناس بأنّه لا ينبغي على سلطة الدولة التدخل في الدين، إذ تناولوا مسألة العلاقات بين الكنيسة والدولة بهدف حماية الكنيسة من الدولة في المقام الأول. ﻻ لشيء آخر. رفض البابا كليمنت السابع إلغاء زواج الملك "هنري الثامن" من "كاترين من أراغون"، ما دفع الملك إلى الانفصال عن الكنيسة وتنصيب نفسه حاكمًا لكنيسة إنجلترا. أبقى ملوك بريطانيا على سلطتهم على كنيسة إنجلترا منذ عهد "هنري الثامن"، الذي لقّب نفسه الحاكم الأعلى لكنيسة إنجلترا. وعلى الرغم من الاضطهاد الواسع للكاثوليك والناجم عن استيلاء الملك "هنري" على السلطة. أسفر الأمر في النهاية عن الانشقاق ومعاداة الكاثوليكية على يد "أوليفر كرومويل"، والكومنولث الإنجليزي، وقوانين العقوبات ضد الكاثوليك وغيرهم ممّن لم يتمسّكوا بكنيسة إنجلترا. تمثّلت إحدى نتائج الاضطهاد في إنجلترا في فرار بعض الأشخاص من بريطانيا ليتمكّنوا من العبادة كما يرغبون لكنّهم لم يسعوا إلى الحرية الدينية. لم تتسامح مستعمرات أمريكا الشمالية المبكرة مع المعارضة الدينية مثلما فعلت إنجلترا؛ على سبيل المثال، لم تسمح ولاية "ماساتشوستس" البروتستانتية بالعبادة القياسية المسموحة في كنيسة إنجلترا. أبحر بعضٌ من هؤلاء الأشخاص طوعًا إلى المستعمرات الأمريكية خصيصًا لهذا الغرض. وعُدّل دستور الولايات المتّحدة بهدف حظر إرساء الدين على يد الكونغرس على وجه التحديد، وذلك بعد ثورة المستعمرات الأمريكية الشهيرة ضد "جورج الثالث" ملك المملكة المتّحدة. عصر التنوير: غالبًا ما يُنسب مفهوم الفصل بين الكنيسة والدولة إلى كتابات الفيلسوف الإنجليزي "چون لوك" (1704-1632). وفقًا لمبدأ العقد الاجتماعي الخاص به، ناقش "لوك" افتقار الحكومة إلى السلطة في نطاق الضمير الفردي، وذلك نظرًا لكون الضمير الفردي شيئًا لم يستطع العقلاء التنازل عنه لتسيطر عليه الحكومة أو الأفراد الآخرين. يرى "لوك" بأنّ هذا الأمر قد خلق حقًّا طبيعيًا بامتلاك حرية الضمير، التي يرى "لوك" بأنها يجب أن تبقى محمية من أي سلطة حكومية. أثّرت هذه الآراء المتعلّقة بالتسامح الديني وأهمية الضمير الفردي إضافةً إلى عقده الاجتماعي في المستعمرات الأمريكية وصياغة دستور الولايات المتحدة بشكل خاص. في القرن السابع عشر، أكّد "بيير بايل" ((بيير بايل (Pierre Bayle) فيلسوف الشكية وممثل حركة التنوير الفرنسية، كان أستاذاً للفلسفة بكلية سيدان وجامعة نوتردام، دخل في نزاع مع الكاثوليكية ودعا إلى التسامح الديني، كان بايل أول من قام بدراسة نقدية للعقيدة المسيحية، وبالرغم من أنه لم يكن ملحداً على الإطلاق، إلا أنه جعل من الآخرين ملاحدة كما وصفه فولتير، وقامت حججه على الشكية التي صدرت عن المبدأ الديكارتي في الشك، والذي قوض كل إيمان بالميتافيزيقا واللاهوت كما رأى ماركس. )) وبعض من الإيمانيين الروّاد في الفصل بين الكنيسة والدولة على مبدأ استقلال الإيمان عن العقل. أمّا في القرن الثامن عشر، انتشرت أفكار "لوك" و"بايل"، ولا سيما تلك التي تعلّقت بالفصل بين الكنيسة والدولة، إذ روّج لها فلاسفة عصر التنوير. كان "مونتسكيو" قد كتب عن التسامح الديني والفصل بين الدين والحكومة في عام 1721. بينما دافع "فولتير" عن الفصل إلى حدّ ما، لكنّه أخضع الكنيسة لاحتياجات الدولة في نهاية المطاف. أمّا "دنيس ديدرو" فكان من أنصار الفصل التام بين الكنيسة والدولة. جفرسون ووثيقة الحقوق: يمنع صياغة أي قوانين تحظر إنشاء ديانات، أو يعيق حرية ممارسة الدين، أو يحد من حرية التعبير، أو التعدي على حرية الصحافة، أو التدخل في حق التجمع السلمي، أو منع تقديم التماس للحكومة للحصول على الانتصاف من المظالم. ((التعديل الأول للدستور الأمريكي، وثيقة الحقوق، 15 ديسمبر 1791. )) (التعديل الأول للدستور الأمريكي، وثيقة الحقوق، 15 ديسمبر 1791) يُعتبر المصطلح الإنجليزي الدقيق اشتقاقًا من عبارة «جدار الفصل بين الكنيسة والدولة»، العبارة التي كتبها توماس جفرسون ((توماس جفرسون (Thomas Jefferson) أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة، والكاتب الرئيسي لإعلان الاستقلال (1776) وثالث رئيس للولايات المتحدة. كان متحدثاً باسم الديمقراطية، نادى بمبادئ الجمهورية وحقوق الإنسان، وكان له تأثير عالمي في مطلع الثورة الأمريكية كرائد في عصر التنوير، متعدد الثقافات ويتحدث خمس لغات وكان شديد الاهتمام بالعلوم، الاختراع، العمارة، الأديان، والفلسفة، هذه الاهتمامات أدت به لتأسيس جامعة ڤرجينيا. )) عام 1802. كتب جفرسون في تلك الرسالة إشارةً إلى التعديل الأول لدستور الولايات المتّحدة قائلًا: أؤمن مثلكم بأنّ الدين مسألة متمثّلة بالعلاقة بين الإنسان وإلهه وحسب، إذ الإيمان والعبادة واجب له وليس لأحد آخر، فالصلاحيات الشرعية للحكومة متعلّقة بالأفعال وحسب وليس بالآراء. إنّي أتأمل في تقديس السيادة بفعل الشعب الأمريكي كلّه الذي أعلن أنه على الهيئة التشريعية «عدم وضع قانون يحترم مؤسسة دينية، أو يحظر ممارستها بحرّية»، وبالتالي بناء جدار الفصل بين الكنيسة والدولة. ((توماس جفرسون، في خطابه إلى جمعية المعمدانيين، دانبري، 1802. )) (توماس جفرسون، في خطابه إلى جمعية المعمدانيين، دانبري، 1802) في العصر الحديث: تمتلك الدول درجات مختلفة من الفصل بين الحكومة والمؤسسات الدينية. وضعت العديد من البلدان حواجز واضحة بين الكنيسة والدولة منذ ثمانينيات القرن الثامن عشر. تختلف درجة الفصل الفعلي بين الحكومة والدين أو المؤسسات الدينية على نطاق واسع. تعد المؤسستان مترابطتان بشدة في بعض البلدان. بينما وجدت صراعات جديدة في عالم ما بعد الشيوعية. ويمكن رؤية الاختلافات العديدة في الفصل في بعض البلدان التي تمتلك درجة عالية من الحرية الدينية والتسامح جنبًا إلى جنب مع الثقافات السياسية العلمانية القوية التي ما تزال تحافظ على كنائس الدولة أو الارتباطات المالية مع بعض المنظمات الدينية في القرن الحادي والعشرين. العلاقة بين الكنيسة والدولة، تقوم في الفهم المسيحي الحديث، على الفصل بين المؤسسة الدينية والمؤسسات الزمنية في شؤون السياسة والإدارة والأحزاب. تعرّف الكنيسة عن ذاتها بوصفها "كيان ذي رسالة روحية، وليس ذي رسالة سياسية"، ولذلك فإنّ "الشأن السياسي لا يدخل مباشرة في رسالتها"، فهي تعمل في كنف الدول وفي طاعتها. الكنيسة الكاثوليكية أعلنت من خلال المجمع الفاتيكاني الثاني إن: الكنيسة أوكلت للمسيحيين شؤون إدارة العالم، والعمل السياسي والحزبي، أما هي فلا تدعم الأحزاب أو تعارضها، إلا في الحالات الاستثنائية، مثل معارضة الحزب الشيوعي لمساسه بالعقيدة وحرية الكنيسة خلال مرحلة الحرب الباردة.  وتعارض القوانين التي تقرها الحكومات ضد الحقوق التي تراها الكنيسة إلزامية مثل الإجهاض أو القتل الرحيم، وتدعم بشكل خاص، القوانين التي تعزز العدالة الاجتماعية والإنماء المتوازن بين الطبقات. إن اللامساواة الجائرة، وأشكال الإكراه المختلفة، التي تطال اليوم الملايين من الرجال والنساء، تتنافى تنافيًا صريحًا مع إنجيل المسيح، ومن شأنها ألا تدع ضمير أي مسيحي مرتاحًا. ((البابا بنديكتوس السادس عشر. )) (البابا بنديكتوس السادس عشر)   الكنيسة الوطنية: هو مفهوم حول كنيسة مسيحية مرتبطة بجماعة عرقية محددة أو الدولة القومية. تمت مناقشة الفكرة بشكل ملحوظ خلال القرن التاسع عشر، أثناء ظهور القومية الحديثة. ومفهوم الكنيسة الوطنية لا يزال حاضرًا في عدد من الدول الأرثوذكسية والبروتستانتية على وجه الخصوص. والخلاصة المستقاه: لا يخدعنكم رجل دين أو رجل عالم أو رجل بنطلون، بمقولة تدغدغ حواسك لتجييشك في معسكرات سياسية تحت مسميات "الوطن"، وعليك أن تكون شجاعاً بما يكفي لحقيقة مؤلمة: إن الحياة معقدة وليست بسيطة، وأن الدين والوطن من الوارد جدا أن يتعارضا مع بعضهما البعض، وعليك وحدك كفرد، تقع مسؤولية فض الاشتباك النفسي والضميري بينهما إن حدث. المسألة مفهومة ومحسومة عند العلمانيين والذين تتضمن أدبياتهم المصرية: يوجد في مصر إناس -وأنا منهم- لو خيّروا بين العقيدة والوطن، لاختاروا الوطن. ((مقولة غير شهيرة لشهيد الكلمة د. "فرج فودة"، قرأتها على ورقة في الجمعية المصرية للتنوير، التي أسسها بشارع أسماء فهمي. )) (مقولة غير شهيرة لشهيد الكلمة د. "فرج فودة") ليس من الضروري أن تكون أحد أراخنة العَلمانية حتى تدرك ذلك. لكن إن رأيت أحدهم يدمج بين العقيدة والوطن، فعلى الأقل لا تستمع له حينما يخطب فينا عن "المواطنة" لأنها لن تعني له سوى كوننا من الـ"رعايا" لا أكثر! --- ### الليتورجيا: بين اليهودية والكنيسة الأولى - Published: ۲۰۲۲-۱۱-۰٦ - Modified: 2023-05-17 - URL: https://tabcm.net/8758/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, لاهوتيات - وسوم: أسفار موسى, أنبا إبيفانيوس المقاري, إفخارستيا, الأب متى المسكين, تفلاه, توراة, ليتورچي, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية من خلال الدراسات والأبحاث الأكاديمية لليتورجيا المسيحية نجد أن المسيحية المتمثلة في الكنيسة قد ورثت إسرائيل القديمة، حسب عبارة العلامة أوريجانوس أن الكنيسة قد ورثت كنوز الأنبياء، فحفظتها في الممارسات الطقسية والصلوات، وقد حاول الباحثين على مدى السنوات رد كل ممارسة إلى أصلها في صلوات الكنيسة الأولى والمجمع اليهودي. كما أن المسيح رأس الجسد الواحد الذي هو الكنيسة المتمثلة في المؤمنين، فأن الليتورجيا المتمثلة في التسابيح والطقوس تجمع الكل بنفس واحده لإقامة هذه الطقوس كما في أعمال الرسل "هؤُلاَءِ كُلُّهُمْ كَانُوا يُواظِبُونَ بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ عَلَى الصَّلاَةِ وَالطِّلْبَةِ، مَعَ النِّسَاءِ، وَمَرْيَمَ أُمِّ يَسُوعَ، وَمَعَ إِخْوَتِهِ. " (أع 1: 14)، ومن هنا نجد المعيار الذي تم على أساسه اختيار بعض عناصر الليتورجيا من المجمع اليهودي وهي العلاقة الجديدة التي جاءت بتجسد الابن. إلا أن هذا يضعنا أمام تساؤل مهم، فما هي أنماط الصلاة التي أخذناها من المجمع اليهودي؟ وهل أخذت كما هي؟ ولماذا هذه الصلوات تحديداً التي أخذت وكيف تطورت؟ سنقوم في هذه السلسلة  باﻵتي؛ الجزء الأول: يناقش ماهي الليتورجيا من حيث التعريف وتطورها، الجزء الثاني يناقش الصلاة في اليهودية مواعيدها وأنماطها، وأخيراً نتكلم عن الصلوات في الكنيسة الأولى وسنركز على ماهية التسابيح في يوم عشاء الرب الذي يعد من أهم الأحداث التي كانت تحدث في الكنيسة المبكرة. أصل كلمة ليتورجيا ومعناها: ليتورجيا هي كلمة يونانية، تنقسم إلى جزأين: الجزء الأول يعنى عمل، والجزء الآخر يعنى الشعب. وأصل الكلمة يعني في اليوناني القديم: عمل عام يعود فائدته على الشعب ولمصلحته، ثم تطورت حتى صارت تعنى خدمة الشعب إلى الله أو الخدمة الدينية لله. أوقات الصلاة في اليهودية المبكرة: هناك الكثير من الدلائل التي تقول أنه كان يوجد 3 مواعيد للصلاة خلال اليوم، في الصباح وبعد الظهر وفي المساء، نجد هذا في (دا 10:6). صلاة بعد الظهر نجدها في العهد الجديد مشار إليها في (أع 1:3، 3:10، 30:10)، وأيضاً توجد أبحاث بإن الصلاة ثلاث مرات في اليوم كانت من عادات جماعة وادي قمران. أنماط الصلاة في اليهودية: عندما نريد أن نركز على أهمية الممارسات المسيحية في الكنيسة الأولى، وكيف تمت الاستعارات من النصوص والممارسات اليهودية، حينئذ سنلقى الضوء على الممارسات اليهودية في القرن الأول، وهذا من أجل الروابط التي كانت تربط بين اليهودية والمسيحية، فيذكر القديس يوحنا ذهبي الفم بأن كان هناك بعض المسيحين العاديين يحضرون في كل من المجمع اليهودي والكنيسة في وقتاً واحد ، وأيضاً لا ننسى بأن التلاميذ كانوا يهوداً أولاً، والمسيح كان يمارس الطقوس والعبادات اليهودية فلم ينتقدها ولكن عمل بها. والعبادات في اليهودية كان لها ثلاث أركان أساسية: عبادة، وتعليم، وطقوس. كما كان يوجد أيضاً قراءات وشروح للأسفار المقدسة. صلاة البركة: من خلال الدراسات والأبحاث المسيحية تم اكتشاف أن صلاة البركة berakah  كانت صلاة يهودية في القرن الأول، ولم يكن لها شكل واحد نموذجي يحدث كطقس دائم، بل لها أكثر من شكل كانوا يستخدمونه اليهود في العصور الأولى. كان هناك 18 نص صلاة بركة كانت تتلى في الهيكل اليهودي. من هذه الصيغ كانت تستخدم اسم المفعول المبني للمجهول "مبارك baruk " (أو باليونانية eulogetos) وهذا نجده في إشارات من العهد القديم وأيضاً في أدب ما بين العهدين، أيضاً كانت تذكر صلوات البركة في جمل تفصيلية أكثر من التسبيحات القصيرة، وفيها يتم ذكر ما فعله الله لكي يمجده الشعب، كما جاء في (خر10:18 "مبارك الرب الذي أنقذكم من أيدي المصريين ومن يد فرعون"). أو كما جاء "فَلَمَّا سَمِعَ دَاوُدُ أَنَّ نَابَالَ قَدْ مَاتَ قَالَ: «مُبَارَكٌ الرَّبُّ الَّذِي انْتَقَمَ نَقْمَةَ تَعْيِيرِي مِنْ يَدِ نَابَالَ، وَأَمْسَكَ عَبْدَهُ عَنِ الشَّرِّ، وَرَدَّ الرَّبُّ شَرَّ نَابَالَ عَلَى رَأْسِهِ». وَأَرْسَلَ دَاوُدُ وَتَكَلَّمَ مَعَ أَبِيجَايِلَ لِيَتَّخِذَهَا لَهُ امْرَأَةً. " (1 صم 25: 39). وهنا نجد مثالا عمليا على إنه يتم تمجيد وتكريم لله على عطاياه، التي غالباً ما تذكر بعد نص البركة، وكصيغة صلاة فأنها تنتهي بصيغة: إلى الأبد، والرد يكون أمين. وأيضاً نجد هذه الصيغة في سفر المزامير "مبارك الرب إله إسرائيل من الأزل والى الأبد. آمين فأمين" (مز13:41)، ونجدها أيضا في (مز72: 18-19)، (مز52:89)، (مز48:106). تلخيص لصلاة البركة كما ذكرت في كتاب الإفخارستيا (عشاء الرب) للأب متى المسكين: أولا: إنها تحوي مباركة الله، ثانياً: إنها صلاة قائمة على العهد القائم، ثالثاً: إن مضمونها مأخوذ من كلمة الله المنطوقة بفمه التي هي أصلاً "اسمع يا إسرائيل الرب إلهنا رب واحد" (تن 4:6)، رابعا: إنها مقدمة على أساس الطاعة المطلقة لله "السائرين أمامك بكل قلوبهم"، خامسا: إن وضعها الخارجي يكون برفع الأيدي. صلاة الشمع The Shema: تتكون صلاة الشمع في شكلها المطور من 3 نصوص من التوراة (تث 6: 4-9، تث 11: 13-21، عد 15 :37- 41) وكان اسم الصلاة مأخوذ من الكلمة العبرية لأول نص وهي (اسمع)، وهذا كان عادة قديمة عند اليهود ونجدها أيضاً في تسمية الأسفار القديمة، حيث كان كل سفر يسمى بأول كلمة من السفر، مثل سفر التكوين كان يطلق عليه (في البدء). كانت صلاة الشمع تصلى مرتين، في الصباح وفي المساء، كانت ترافقها صلاة البركة قبلها وبعدها في المرتين. صلاة الحمد أو الهوداياه: من الفعل العبري ترجمته يداه، أي يحمد، وفى صيغ الصلاة عادة يأتي في المخاطب: أحمدك أيها الرب. وهنا نجد إنه يخاطب الله في صيغة المخاطب وليس في صيغة المجهول مثل صلاة البركة، وهنا يعترفوا إلى الرب بصنائعه معهم ويحمدونه. "وَتَقُولُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ: «أَحْمَدُكَ يَا رَبُّ، لأَنَّهُ إِذْ غَضِبْتَ عَلَيَّ ارْتَدَّ غَضَبُكَ فَتُعَزِّينِي. " (إش 12: 1)، "أَحْمَدُكَ لأَنَّكَ اسْتَجَبْتَ لِي وَصِرْتَ لِي خَلاَصًا. " (مز 118: 21)، "أَحْمَدُكَ إِلَى الدَّهْرِ لأَنَّكَ فَعَلْتَ، وَأَنْتَظِرُ اسْمَكَ فَإِنَّهُ صَالِحٌ قُدَّامَ أَتْقِيَائِكَ. " (مز 52: 9). طقس الصلاة في المجمع اليهودي: تم دمج هذه الصلوات وتمت تغييرات على نصوص هذه الصلوات، وعرفت فيما بعد باسم الصلاة، Tefillah تفلاه، لتمييزها عن صلاة الشمع التي كانت تتلو جماعة، أما الصلوات فكان رئيس المجمع هو الذي يتلوها، ويجاوبه الشعب قائلين آمين. كملخص لصلاة التضرع أو تفلاه كما ذكر الأب متى المسكين الأتي في كتاب: الإفخارستيا: "أولاً: إنها يلزم أن تقوم على ارتباط تعهدي بالله، أي علاقة تبعية "أيها الرب إلهي"، ثانيا: إن الأمر المتضرع عنه على اسم الرب أو يحمل اسم الرب "أسمي يكون فيه"، ثالثاً: أن التضرع قائم على أساس توبة، أي رجوع القلب إلى الله"، رابعاً: إن التوبة قائمة على أساس الاعتراف باسم الرب، خامسا: إن الطلب المقدم له أساس في وعد الله "التي أعطيتها لآباءهم"، سادساً: إنها بصراخ وتذلل"، سابعاً: إنها بركوع وسجود أمام الله، وهذه كلها جاءت في تضرعات سليمان. " ولم يكن مسموحا أن تقدم الذبيحة إلى الله، أو يأكل منها إنسان، إلا بعد أن يكون تمت عليها الصلوات مثل صلاة البركة. وهكذا نجـد أن سليمان النبي بعد أن بارك الله َّ والشعب ذبح الذبائح أمام الله ثم قدم الوليمة للشعب، هكذا نجد أن كلاًّ من التقدمة والأكل مرتبطاً ارتباطاً شديداً بصلاة البركة، كطقس ثابت ودائم في العهد القديم. كانت الخدمة العامة في المجامع يوم السبت، والإثنين، والخميس، وكانت الخدمة تتكون من الشمع والتيفلاه بالإضافة إلى قراءة فصول من الشريعة، وكانت القراءات تتم بالترتيب من الشريعة حتى تتم قراءة أسفار موسى الخمسة في سنة كاملة أو في ثلاث سنوات، بالإضافة لذلك كانت هناك قراءات من أسفار الأنبياء في خدمة صباح السبت، دون التقيد بترتيب معين في اختيار القراءات، وكانت القراءات تترجم في فلسطين إلى الآرامية، ومن الممكن أن يتبعها تفسير من أحد الحضور أو عظة كما حدث في (لو 4: 16-30). وكانت قراءة الجزء الخاص من التوراة يوم السبت صباحاً وفى الأعياد كان سمة متعارف عليها في المجمع اليهودي. كانت المزامير أيضاً تتلى في الليتورجيا المبكرة في صلوات المجمع اليهودي، فبعض الأبحاث أكدت إن هناك دورة طقسية كل ثلاث سنوات لسفر المزامير في خدمة ما بعد الظهر يوم السبت، كما يحدث في التوراة. المصادر: ديفيد فاروق، ليتورجيا الحياة (دار رسالتنا للنشر والتوزيع، 2019)، ص20. المرجع السابق، ص15. يوحنا بازجى، المصادر الليتورجيا (لبنان، منشورات معهد القديس يوحنا الدمشقي، جامعة البلمند 2005)، ص14. Paul F. Bradshaw. ’ Daily Prayer in the Early Church (London: Alcuin Club/SPCK, 1981) pp. 4ff بول ف. برادشو، مينا القمص اسحق البحث عن أصول العبادة المسيحية (القاهرة، الكلية الإكليريكية اللاهوتية للأقباط الأرثوذكس بالأنبا رويس)، ص29. أنبا يؤنس، الكنيسة المسيحية في عصر الرسل، (القاهرة، الأنبا رويس، العباسية، 1987)، ص29. المرجع السابق، ص36. أنبا إبيفانيوس، التسبيح في الكنيسة الأولي (الدقيقة 17، إنقر للاطلاع). متى المسكين، الإفخارستيا عشاء الرب، بحث في الأصول الأولى لليتورجيا (دير القديس أنبا مقار، وادي النطرون، 2000)، ص98. المرجع السابق، ص99 المرجع السابق، ص100. بول ف. برادشو، مينا القمص اسحق، ص38. المرجع السابق، ص37. The scholars cited in J. A. Lamb. The Psalms in Christian Worship (Landon 1962). Pp. 14-15 --- ### وقفة مع الابتزاز - Published: ۲۰۲۲-۱۱-۰۵ - Modified: 2022-11-05 - URL: https://tabcm.net/8890/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: أنبا أنطونيوس، مطران الكرسي الأورشليمي والشرق الأدنى, أنبا إبراهام، مطران القدس, أنبا رفائيل، أسقف وسط القاهرة, الشرق الأدنى, الكرسي الأورشليمي, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث يتعرض هذا المقال لموضوع زيارة المواطنين المصريين المسيحيين إلى الأماكن المقدسة في فلسطين وخصوصا مدينة القدس، وهو حديث أصبح متكرر كل عام قبيل الاحتفال بأسبوع آلام السيد المسيح وعيد القيامة، أو مع زيارة أحد أساقفة الكنيسة للقدس، وأخرها زيارة الأنبا رافائيل الأسقف العام لكنائس وسط القاهرة إلى إيبارشية "الكرسي الأورشليمي والشرق الأدنى" في القدس بدعوة من مطرانها الأنبا أنطونيوس، حيث يتجدد الحديث عن قرار البابا شنودة بمنع الزيارة للقدس من قبل بعض الزملاء الصحفيين غير المتابعين للشأن الكنسي ولكنهم ينحازون بألوان يسارية شعبوية يَجِبُ ألاّ تظهر عند ممارسة العمل الصحفي. في المقال السابق، كان محور الحديث هو توخي الحذر في التعامل مع المصادر للمتابعين لملف الكنائس المصرية، خصوصا مع انتشار خطاب متشدد ومتعصب من بعض الأفراد من داخل الكنيسة أو من قبل مجموعات على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي هذا المقال نتعرض لحملة الابتزاز المتكررة التي يتعرض لها المسيحيين تحت دعاوى "نقض قرار البابا شنودة بمنع الزيارة للقدس"، وكأنه "وحي سماوي" لا يمكن الرجوع عنه وليس مجرد قرار إداري، يمكن تغييره بتغير الظروف، التي تغيرت ليس في هذه السنوات بل على مدار 30 عاما. قرار البابا شنودة تراجع عنه بنفسه يتعامل البعض سواء من الجماعات داخل الكنيسة، أو بعض الزملاء الصحفيين المؤدلجين مع قرار البابا شنودة بعدم الذَّهاب للقدس وقت معاهدة السلام في مارس 1979م باعتبار أنه قرار محصن ضد النقد ولا يمكن التراجع عنه، مع أن قرار وقف الزيارة للأراضي المقدسة، فرضه الأمر الواقع بعد هزيمة 5 يونيو 1967 في عهد البابا كيرلس السادس، ولما جاء البابا شنودة كانت الزيارات متوقفة بالفعل، إلى أن جاءت معاهدة السلام التي لم تكن لها شعبية بين تيارات الانغلاق السياسي المختلفة التي رفضتها، واتُهم الرئيس السادات وقتها بالخيانة، وكان رد البابا شنودة بأنه لن يدخل القدس إلا مع إخوته المسلمين وشيخ الأزهر، ليبعد المسيحيين عن مرمى نيران الاتهام بالعمالة والخيانة في حال الموافقة على طلب السادات. دائما ما كان للبابا شنودة أبوابا خلفية حتى لأصعب القرارات ومنها هذا القرار، فرغم الموقف المعلن الذي تلقفته التيارات السياسية وأشادت به ومعه أطلق عليه "بابا العرب"، وأصبح من الصعب العودة منه رسميا، كان البابا شنودة يترك أبناء الكنيسة القبطية يذهبون للقدس كل عام وقت أسبوع الآلام وعيد القيامة، وبعدها يعودون وينشرون اعتذار في جريدة وطني الأسبوعية فيتم الصفح عنهم. على الصعيد الكنسي كان قرار البابا شنودة المعلن هو حرمان المسيحيين الذين يذهبون للقدس من التناول، ولا يوجد في قوانين الكنيسة القبطية عقوبة تمنع الناس من التناول بسبب زيارة مكان بعينه خصوصا أن هذا المكان هو كنيسة القيامة -حيث القبر الذي وضع فيه المسيح قبل قيامته حسب الإيمان المسيحي- ونهر الأردن حيث اعتمد أمام يوحنا المعمدان، ورغم أن المسيحية لا يوجد بها "الحج" كفرض ديني كما في الإسلام فإن زيارة هذه الأماكن المقدسة كزيارة الكعبة وقت الحج في أثناء عيد الأضحى بالنسبة للمسلمين، بالتالي ترك البابا شنودة الباب الخلفي لزيارة القدس متاح ومعه اعتذار في جريدة وطني، فلم يلعن أنه ألغى القرار ولم يغلق الباب في وجه الأقباط، وتفادى المزايدات السياسية واتهامات "التطبيع" و"الخيانة". الوجود القبطي في القدس وفقا لبروتوكول كنيسة الإسكندرية فإن البابا البطريرك هو الرجل الأول في مجمع الأساقفة، ويأتي بعد منه مَطْرَان القدس، الذي يرسم مَطْرَان مباشرةً، وليس أسقفا ثم ينتظر عدة سنوات حتى يترقى لرتبة المَطْرَان، أيا كان عمره أو ترتيب الأقدمية بين الأساقفة، كما هو الحال مع الأنبا أنطونيوس الذي رسم منذ عدة سنوات عقب رحيل سابقه، الأنبا إبرهام مطران الكرسي الأوشليمي والشرق الأدنى، ومن الطبيعي أن يدعو مطران القدس الذي يعيش هناك زملائه من مجمع الأساقفة لزيارة إيبارشيته كأي أسقف في أمريكا أو كندا أو أوروبا يدعو أساقفة من مصر لزيارته، وهو ما تم مع زيارة الأنبا رافائيل في أكتوبر الماضي. وللكنيسة القبطية في القدس ممتلكات أشهرها دير السلطان وبه كنيستا الملاك والأربعة حيوانات، دير مار أنطونيوس شمال شرقي كنيسة القيامة، دير مار جرجس حارة الموارنة، كنيسة السيدة العذراء بجبل الزيتون، هيكل على جبل الزيتون، كنيسة مار يوحنا خارج كنيسة القيامة، كنيسة صغيرة باسم الملاك ميخائيل ملاصقة للقبر المقدس من الغرب، وحاليا مشكلة دير السلطان بين الكنيسة القبطية وكنيسة إثيوبيا، ومعها زار وفد رسمي من الأساقفة بتكليف من البابا تواضروس الثاني القدس أكثر من مرة مع تجدد الأحداث حول دير السلطان. الزيارات تتم بعلم الدولة نظرا لأن الوضع حساس فيما يخص زيارة القدس، فطبيعي لن يكون الباب مفتوحا للمواطنين المصريين المسيحيين، إلا بعلم وموافقة أجهزة الدولة، ولو كان هناك مشكلة لمنعت الزيارة بقرارات رسمية واضحة، وهو ما لم يحدث، لذا فالمزايدات التي تمارس على الأقباط عند زيارة القدس ليس لها معنى، خاصة وأنهم يلبون طلب الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن الذي قال في زيارة سابقة للبابا تواضروس إن الزيارة تدعم الفلسطينيين فهي تكون للسجين وليس السجان. ومن غير الطبيعي أن يرفض قطاع من المصريين زيارة الأقباط للقدس باعتبارها تضر القضية الفلسطينية، بينما الرئيس الفلسطيني يدعوهم لزيارة القدس ويعدها دعم للفلسطينيين، فهنا تعد مزايدة رخيصة، وبها شبهة طائفية لمنع مواطنين مصريين يدينون بالمسيحية من زيارة أقدس الأماكن المسيحية التي عاش بها المسيح. --- ### سرّ التجسّد والاستعمار - Published: ۲۰۲۲-۱۱-۰٤ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/8316/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: مفهوم التجسد يمكن تعريف الاستعمار بأنّه الوضع الذي تصبح فيه دولةٌ مسيطرة على دولة أخرى، ومن ثمّ تمارس عليها سلطة اقتصاديّة وعسكريّة وثقافيّة. قد تكون السيطرة لغويّة أيضًا وقد لا تكون. فعلى سبيل المثال لم تتعرّب بلاد الفرس، وهناك دول احتلّتها إنجلترا ولم تتحدّث الإنجليزيّة نتيجة لذلك. يبدأ الاستعمار بإنماء شعور قوميّ بسموّه وتحضّره وقوّته عسكريًّا وثقافيًّا، وأحيانًا عرقيًّا، هذا ملخّص عقدة التعالي القوميّة. من جهة أخرى، هناك دولٌ لديها عقدة النقص القوميّة. هذه الدول يتم غزوها فكريًّا ووجدانيًّا حيث يُزرع في مواطنيها دونيّتهم وعدم جدواهم، ينمّي ويكرّس هذا الشعور رُخص حياة المواطن وحقوقه. تُصبح هذه الدول أرضًا خصبًة لجميع أنواع الاستعمار. بعض الشعوب لديها عقدتان نقيضتان في الوقت عينه، مثلا عقدة نقص أمام الغرب، وعقدة تعالٍ أمام الأفارقة وبعض الدول الناطقة بالعربيّة على سبيل المثال. يمكن أن نلاحظ في مقهى واحدٍ إلى مائدة واحدة كيف يتعامل شخص بعنصريّة بغيضة تجاه شخصٍ وبانبطاحٍ قميء تجاه الجالس إلى جواره. سرّ التجسّد هل استعمر اللاهوت إنسانيّتنا؟ في التأمّل في سرّ التجسّد، تكمن دائمًا في ذهني مسألة العقدتَين، انبطاح الإنسانيّة أمام الألوهيّة، وانتظار تعالي اللاهوتِ. يُسبغ الإنسان على الله مشاكله التي تشكّلت في العقليّة الاستعماريّة. في هذه الإشكاليّة يجدر النظر بعمقٍ في سرّ التجسّد. في التجسّد، كيف أدّى اللاهوت دورًا في شخص المسيح من غير الانتقاص من كرامته كونه إنسانًا، وكيف أدّى الناسوت دورًا في اللاهوت من غير انبطاح وعقدة نقص؟ تجسّد كلمة الله هو في الأساس كسرٌ لهذه العقد، لكل عقد تعالي وتسامي الآلهة، وكسر ومسك بيد طبيعة الإنسان لرفعها من كلّ انبطاحٍ وعقد نقصٍ:«لا أدعوكم عبيدًا بعدُ بل أحبّاءَ(أصدقاء)» (يوحنّا ١٥: ١٥). لماذا صار الإنسان صديقًا لله وليس عبدًا؟ ذلك لأن المسيح، الإله الكامل والإنسان الكامل، أطلع الإنسان على «كلّ ما سمعه من الآب» (راجع يوحنا ١٥:١٥). في العلاقة التي تحترم الإنسان، كونه إنسانًا، بقدر ما يحافظ على إنسانيّته من أي انتهاك، يمكن له الدنوّ من سرّ الله، في المسيح، وتتأسس علاقة حقيقيّة ليس علاقة المنبطح بالقادر، الضعيف بالقدير، بل الحبيب بالحبيب. في المحبّة الجميع متساوون، وفي المحبّة والعدالة تُصانُ كرامة الإنسان. تلك الكرامة، الإنسانيّة تعبّر عنها بصورة جميلة أيقونة قيامة المسيح، التي يأخذ فيها المسيح القائم من القبر يديّ الإنسان. يدي الإنسان: يدُ أدم ويدُ حوّاء. كلّ محاولة روحيّة لجعل الإنسانِ منحطًّا، ذي عقدة نقصٍ أمام الإله المُحبّ تمهيدٌ للاستعمار بكل أشكاله. مساهمة لاستخدام الإيمان المسيحي لكي يعود الإنسانُ عبدًا ذليلًا أمام آلهة الماضي. وهو بمثابة وضع حبل حول الرقبة ليمسك بزمامه دعاة الاطّلاع على أسرار الله دينيًّا ودعاة التفوّق دنيويًّا وعنصريًّا. --- ### تعال..! - Published: ۲۰۲۲-۱۱-۰۳ - Modified: 2025-02-28 - URL: https://tabcm.net/8830/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون ‏‏تعال بكامل وجودك فقد انتظرتك طويلًا حتى نهشٌ الطيرُ فُتاتَّ قلبيّ. تعال لنشعل الحب كحرب مِثلَ عِشْتَارِ تعال واضرم شوقي وداوي النار بالنارِ تعال الكون نفضحه وكن لي سر أسراري تعال واكتب لي قدري وكن سفر أسفاري تعال الأرض نبصرها كميزانٍ وأقمارِ تعال واحسم الجدل لتصير نبع أنهاري تعال الصبر نتركه كنقش أو كتذكارِ. تعالَ وارهق ذبوليَ ارتواءْ وأترع كأسى بخمرِ اللِقاءْ تعالَ وعانق اشتياقي كثيرًا وبَعثرْ شجُوني شديدَ العناءْ تعالَ وقُل للوداعِ وداعًا سئمتُ الأنينَ وطعمَ البُكاءْ. ‏تعالَ والقِ ما في نفسكَ من ثورة حُب تحت رحمة عدالتِي ومحاكمة سماعِ شهادتي بأن لا رجل اِستحقني وقطع تيار عقلي إلا أنتَ ولا ينقصني إلا اكتمال تكوينكَ بينَ جلدي وعظامي. تعال وتحدث معي عن حصاد القمح عن النهر. . عن الزهر تعال نعتلي فسحة الخيال وَنغوص في الجنون هنا... أتجاهل عالم الفيزياء ولا أصدق أن هناك جاذبية. . سوى أنتَ تجذبني تجاهكَ كلما ابتسمتَ. ! هيّا تعال هات يديك وَعانقني دع صوتك يتساقط برقة الندى على هذا العطش على الشوق على قلبي المتعب الحزين. ‏تعال فهذا شال الليل يدعوك ليتلو حصة بدأت على نغمات شفتيك يهادن بعض من ولهك ويرجو قبلة في النحر واثنتان لخديك وحضن بوسع هذا الكون أيا رجلا يغار منه الشِعر يجثو له ضفاف النهر وموج البحر بأنغام لعينيك ‏مُدّ بساط الوصل بيننا فكلّ الناس عنّا مشغول تعال نعرّي فصول أشواقنا أنا مطرٌ وصدرك الحقول. ما زلت أتحسّس عذوبة نبضتك بقلبي تعال، هات يدك، المس قلبي عانق بعينيك في عيني لهفة الشوق، وَأمطرني بِـ أحبك. تعال قبل أن يصيبنا الاكتئاب والضجر تعال لنأكل خبز الهوى لننجب طفلًا جميلًا يسمى الشعر. . أُناديك. . من كل المسافات ومن الزمان المُبحر إليك. . تعال. . تجاوز الليل والسواري والعتمة قف على موج مشاعري واترُك لشفاهنا أحقية الغوص والتملُك في مرافئ الصخب. . لا تسألني كم وقتًا مر على الغياب! ولكن تعال لنحسب كم شمسًا لم تتعامد على خط قلبك. . لأُخبرك كم قمرًا لم يكتمل بدرًا منذُ ليل الغياب ‏تعال فكل الدروب دونك تيه وكل المسافات بعدك ضياع تعال فكل ما قلناه يومًا صار يغري باللقاء. هيّا تعال هات عينيك عانق أناملي المتخمة بالشوق وَحدّثني عن الصباح ليُشرق فقد طالت غفوة الشّمس. . ! تعال أرتبك داخلي يا قطعة هاربة مني. . تعال أباعد بين ضلوعي سماء بحجم اتساعك. تعال... دعني أتنفسكَ حتّى أزفر عمري كُله في رئتيك أذوب في قلبك وَأتلاشى بين أضلعك... تعال نقيم مناورة على جبهات الأحضان من يموت أولًا هو الفائز ويسمح فيها باستخدام القبلات الطائشة. ‏تعال نخُطط لفخ عميق. ! أنا أقــع ‎بك وأنت تقوم بإنقاذي. تعال وامتزج بي في مُشتهى أضلعي بكل الوجد وبحوره الغاربة. ‏تعال، كماءٍ حملتهُ غيمة لأرضٍ تنادي الحَياة. ‏تعال ريًا لبساتين القلب تزهر بعذوبتك الروح. تعال فكل الدروب دونك تيه وكل المسافات بعدك ضياع تعال فكل ما كتبناه يومًا صار يغري باللقاء ‏تعال... لنُعكرَ مِزَاج الحُزن بخمر القبل. أنا ذاك الأوان تعال نحين معًا. ‏تعال أصعد بك إلى سابع نبضة في سماء قلبي. ‏تعال لنتبادل (الأسرى). . كَتِيبة من (حُزنك). . مقابل (حُضني)! تعال لنروض طيش الأشعار ما بين عينيك ونبضي. ‏تعال أغرقني بتلك الشفاه القديسة أنت تُعمّدني وأنا أرتلك نغمة نغمة. . هاتِ الليل وَتعال. . أشتهي غيبوبة حُلم في قلبك. . ! ‏تعال نمثّل دور الحياة أنا أولد من جديد وأنت عمري... . . --- ### دجاجات مولانا وحماراته - Published: ۲۰۲۲-۱۱-۰۲ - Modified: 2022-10-29 - URL: https://tabcm.net/8803/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أبو عثمان عمرو بحر محبوب فزارة الليثي الكناني البصري الجاحظ, بابا شنودة الثالث, كتاب الحيوان, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية يقول "الجاحظ" في موسوعته "الحيوان" إن متع العرب ثلاث، أكل اللحم، ركوب اللحم، والثالثة يمكنكم البحث عنها بأنفسكم، سنستبعدها من الحديث بالرغم من أنها حاضرة ولم تغب. كان مولانا الكبير المتنيح فذا، له مآربه، ويعلم كيف يقتنصها، كان طريقه للقنص أن يعد مساعدين من نوعية خاصة، على أن يجهز شعبا لاستقبالهما دون صدام. يجب أن يتميز المساعد بالجهل، وقوة الشخصية، والقدرة على المناورة، والولاء التام (مع توافر إمكانية السيطرة عليه أن شب عن الطوق) هؤلاء من نسميهم حاليا أساقفة الأربعين المقدسة. في المقابل، ولأن المطلوب جسيما، كان لابد من شراء الرضا التام بتوفير كل المتع لهم، ما لم يخطر ببالهم أو يحلموا به، فكان الغضب على أحدهم، هو الخروج من الجنة. كانت البداية تعويدهم حياة الرَفَاهيَة، التي لم تحك لهم جلدا سابقا، فبدأت السيارات الفارهة تظهر في الإيبارشيات، وكان لزاما نزع كل رِقابة مالية أو إدارية من العلمانيين (و هو الوضع الذي كان مستقرا وثابتا) ليصبح مولانا هو المتحكم الآمر الناهي بلا معقب، فقط خرق مبللة، لزوم استكمال الشكل العام، فعليا أصبحت الإيبارشيات تكايا ورثها أصحاب النيافة. السفر للخارج دون تكليفات محددة أصبح شائعا وطبيعيا، والعلاج والفحوصات الدورية في أغلى مستشفيات العالم أصبح أمرا واقعا دون تناطح العنز، حتى إنك ستندهش إذا علمت إن مولانا قد حشا ضرسه المبارك على أرض المحروسة. أما التعامل مع الشعب فقد كان عبقريا بحق، وتناول محاور عدة تحتاج لدراسة مستفيضة لبيان التشوه الجسيم الذي حدث للشعب القبطي خلال هذه الحبرية. التركيز على زرع فكرة "الخطية" وراثتها واقترافها والعيش في مستنقعها أصبحت جمل لا تخلو منها موعظة، بعث ممارسة الاعتراف بعد رقاد طويل والتوسع فيها بتوحش، حتى جعلت شرطا للتناول، مع ما جلبه هذا من مآس ستشفق معها على شعر الأطفال. أغراق الكنائس بأنابيب رفات لا يعرف لها فصلا من أصل، والبدء لأول مرة في التاريخ الحديث في إنشاء المزارات، مع إغراق الشعب في الحديث عن معجزات هلامية وغيبيات مضحكة، وكان الهدف هو توفير الأموال عن طريق النذور والتبرعات. أصبح للتعامل مع الأسياد بروتوكولا خاصا، لن يبدأ بالمخاطبة بـ"سيدنا" التي سيوبخ علنا الأسقف الذي يجد غضاضة في تلقيها، ولن ينتهي بالسجود التام على أربع أمام نيافته، في تصرف انفردنا به عالميا مع إخوتنا الهندوس وبقرهم.   لن تُصدم إذا علمت أن السجود للرب مكروه في الخماسين المقدسة، ولكنه واجب لمولانا الحبر. خلق هذا -والكثير غيره- حاجزا ملموسا بين الإكليروس والشعب، غابت الأبوة التي ميزت كنيستنا، وبزغ سلطان السيد حامل مفاتيح الحل والربط، وعانى الأخير شعورا بالدونية في مواجهة الأول تفاقم بالوقت، حتى أصبح الأسقف لا يُسأل عما يفعل، مهما كانت المخازي. نعود هنا لتذكر الجاحظ، ومتعه، فعليا أصبح الشعب قطعانا من الدجاجات تبيض ذهبا، وتوفر "أكل اللحم" والأفضل حالا قطعانا من الحمارات توفر "ركوب اللحم" للأسياد. لم يفلت من هذا المصير إلا من رحم ربي، ولكنهم نُبذوا وجُنبوا من أي علاقة بالكنيسة، إن لم يُحرموا أصلا. ورغم انتهاء هذه الحبرية، فلا زال نجومها على عروشهم يستميتون في الحفاظ على ما اكتسبوه، تعاونهم القطعان، دون تكليف بل فقط انطلاقا من كراهيَة المختلف، تحاول وأد أي صوت مستفهم أو مخالف وإرهابه. كان الأمل معقودا على الحبرية الجديدة وأساقفتها، ولكن "القماش" "الشايط" المتاح لم يوفر أثوابا أفضل. الوحيد الذي أفلت، قتل بدم بارد ولا أزيد. هل تستقيم الأمور هكذا؟ لا أظنها تستقيم،  ومخطئ من يظن أنها على ما يرام، ولكن لم يعد هناك من أمل إلا من الشعب نفسه. يقول ذهبي الفم: "النعمة لا تعمل في المستلقين على ظهورهم" وأود أن أستطلع رأيه فيمن سطحوها للركوب. --- ### أيها الأسقف.. من أنت؟ [٢] - Published: ۲۰۲۲-۱۱-۰۱ - Modified: 2022-12-23 - URL: https://tabcm.net/8833/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: الشيطان, الكنائس الأرثوذكسية, المنهج العلمي, بابا كيرلس السادس, جايوس فلاڤيوس ڤاليريوس أوريلوس قسطنطينوس, حام ابن نوح, سام ابن نوح, سمعان بن يونا, قديس بولس الرسول, ليتورچي, مجمع الأساقفة, مفهوم الرهبنة, يوحنا الحبيب يتفق الكتاب المقدس والتقليد (التَّرْجَمَةً الحياتية الكنسية التراكمية لتعاليم الإنجيل) في تعريف الأسقف، الصفات والمهام والاختيار، ولعل النقطة المفصلية في اقترابنا من هذه الطغمة الخادمة ما ذكره كاتب الرسالة إلى العبرانيين في سياق حديثه عن كهنوت المسيح: وَلاَ يَأْخُذُ أَحَدٌ هذِهِ الْوَظِيفَةَ بِنَفْسِهِ، بَلِ الْمَدْعُوُّ مِنَ اللهِ. (رسالة بولس إلى العبرانين 5: 4) والتكليف الأساسي حسب القديس بطرس الرسول لهم: "أَطْلُبُ إِلَى الشُّيُوخِ (الأساقفة) الَّذِينَ بَيْنَكُمْ، أَنَا الشَّيْخَ رَفِيقَهُمْ، وَالشَّاهِدَ لآلاَمِ الْمَسِيحِ، وَشَرِيكَ الْمَجْدِ الْعَتِيدِ أَنْ يُعْلَنَ، ارْعَوْا رَعِيَّةَ اللهِ الَّتِي بَيْنَكُمْ نُظَّارًا، لاَ عَنِ اضْطِرَارٍ بَلْ بِالاخْتِيَارِ، وَلاَ لِرِبْحٍ قَبِيحٍ بَلْ بِنَشَاطٍ، وَلاَ كَمَنْ يَسُودُ عَلَى الأَنْصِبَةِ، بَلْ صَائِرِينَ أَمْثِلَةً لِلرَّعِيَّةِ. وَمَتَى ظَهَرَ رَئِيسُ الرُّعَاةِ تَنَالُونَ إِكْلِيلَ الْمَجْدِ الَّذِي لاَ يَبْلَى". (رسالة بطرس الأولى 5: 1-4) وفى تأكيد على محورية الرعاية في مهام الأسقف يقول القديس بولس في كلمته الوداعية لكنيسة أفسس: "إحْتَرِزُوا اِذًاً لأَنْفُسِكُمْ وَلِجَمِيعِ الرَّعِيَّةِ الَّتِي أَقَامَكُمُ الرُّوحُ الْقُدُسُ فِيهَا أَسَاقِفَةً، لِتَرْعَوْا كَنِيسَةَ اللهِ الَّتِي اقْتَنَاهَا بِدَمِهِ". (سفر أعمال الرسل 20: 28) والسؤال هنا ما هي "الرعاية"؟ لعلنا نجد الإجابة في كلمة القديس بولس الوداعية التي توقفنا عندها هنا، وهي بمنزلة كشف حساب، وإبراء ذمة، قدمهما لرعيته؛ في كلمات موجزة وواضحة: "أَنِّي ثَلاَثَ سِنِينَ لَيْلاً وَنَهَارًا، لَمْ أَفْتُرْ عَنْ أَنْ أُنْذِرَ بِدُمُوعٍ كُلَّ وَاحِدٍ. وَالآنَ أَسْتَوْدِعُكُمْ يَا إِخْوَتِي للهِ وَلِكَلِمَةِ نِعْمَتِهِ، الْقَادِرَةِ أَنْ تَبْنِيَكُمْ وَتُعْطِيَكُمْ مِيرَاثًا مَعَ جَمِيعِ الْمُقَدَّسِينَ. فِضَّةَ أَوْ ذَهَبَ أَوْ لِبَاسَ أَحَدٍ لَمْ أَشْتَهِ. أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ حَاجَاتِي وَحَاجَاتِ الَّذِينَ مَعِي خَدَمَتْهَا هَاتَانِ الْيَدَانِ. فِي كُلِّ شَيْءٍ أَرَيْتُكُمْ أَنَّهُ هكَذَا يَنْبَغِي أَنَّكُمْ تَتْعَبُونَ وَتَعْضُدُونَ الضُّعَفَاءَ، مُتَذَكِّرِينَ كَلِمَاتِ الرَّبِّ يَسُوعَ أَنَّهُ قَالَ: مَغْبُوطٌ هُوَ الْعَطَاءُ أَكْثَرُ مِنَ الأَخْذِ". (سفر أعمال الرسل 20: 31-35) ويضع أمام أساقفته ـوأمامناـ تخوفاته التي استشعرها ربما بحدسه الروحي أو خبراته الرعوية أو بانفتاح ذهنه على طبيعة العلاقات والصراعات عندما تستقر أحوال الكنيسة وتتحول من دعوة إلى مؤسسة: "لأَنِّي أَعْلَمُ هذَا: أَنَّهُ بَعْدَ ذِهَابِي سَيَدْخُلُ بَيْنَكُمْ ذِئَابٌ خَاطِفَةٌ لاَ تُشْفِقُ عَلَى الرَّعِيَّةِ. وَمِنْكُمْ أَنْتُمْ سَيَقُومُ رِجَالٌ يَتَكَلَّمُونَ بِأُمُورٍ مُلْتَوِيَةٍ لِيَجْتَذِبُوا التَّلاَمِيذَ وَرَاءَهُمْ. لِذلِكَ اسْهَرُوا".  (سفر أعمال الرسل 20: 29-31) عمل الرعاية له هدف محدد اقترب منه القديس يوحنا التلميذ والرسول في رسالته الأولى: "كَتَبْتُ هذَا إِلَيْكُمْ، أَنْتُمُ الْمُؤْمِنِينَ بِاسْمِ ابْنِ اللهِ، لِكَيْ تَعْلَمُوا أَنَّ لَكُمْ حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَلِكَيْ تُؤْمِنُوا بِاسْمِ ابْنِ اللهِ. وَهذِهِ هِيَ الثِّقَةُ الَّتِي لَنَا عِنْدَهُ: أَنَّهُ إِنْ طَلَبْنَا شَيْئًا حَسَبَ مَشِيئَتِهِ يَسْمَعُ لَنَا". (رسالة يوحنا الأولى 5: 13- 14) لا أود أن يستغرقنا التنظير لنجد انفسنا في حالة تكرار لما استقر في أدبيات الكنيسة وفي وجداننا، لنعود إلى واقعنا وإشكالياته، خاصة في عالمنا الثالث وبالأكثر في كنيستنا القبطية الأرثوذكسية، وكنا قد أشرنا قبلاً إلى بدايات الأزمة التي أربكت الإكليروس مع اقتراب الإمبراطورية من الكنيسة بعد أن هدأت أجواء الاستهداف الوثني للكنيسة، واستقرارها، وانتباه الإمبراطور الروماني الداهية قسطنطين للتمايزات التي تميز المسيحيين، وقد تجلت في جسارة مواجهة الموت ليستثمرها في معاركه وتثبيت أركان إمبراطوريته، فراح يؤكد على رؤيته للصليب في كبد السماء وسماعه لصوت يقول له بهذا تنتصر، فيتخذه شارة يضعها على بيارق جيشه وسُرج جياده، وتتحقق مآربه، واللافت أنه بقى على وثنيته حسب مؤرخي عصره، وحين أعلن قبوله المسيحية إيماناً كانت معموديته على يد أسقف أريوسي، وقبيل وفاته بقليل. ومعه تشهد الكنيسة نقلة نوعية في نظمها ووضعية الأساقفة التي صارت تحاكى الأمراء، وزاحمت أحلامهم القومية والسياسية مهامهم الرعوية والتعليمية، وكانت الكلفة عالية من سلام الكنيسة ووحدتها، وارتبك وصفها بالواحدة الجامعة الرسولية، وتتلقى الكنيسة طوفان من الاستهدافات تتتالى بين الرومان والفُرس والعرب. امتد مكوثنا في نفق العزلة، والانكفاء على الذات، لقرون باستثناءات فردية لم يكتب لها التواصل والمراكمة، حتى مطلع القرن التاسع عشر، حين باغتتنا اقتحامات التواصل مع الضفاف المقابلة للبحر المتوسط، كما أشرنا قبلاً، ويأتي النصف الثاني من القرن العشرين ليشهد حراكاً متعدد الاتجاهات، داخل الجماعة القبطية، كان العاصم لهذه الجماعة وسر بقائها توارث الليتورجيا والتراث الطقسي الكنسي عن ظهر قلب، عبر الإنسان القبطي البسيط، كفتيلة مدخنة تنتظر من ينفخ فيها فتعود لتتوهج وتضيء يومها وغدها ومحيطها. سر بقاء الكنيسة يرجع إلى تراثها النسكي، وكانت الشرارة الأولى عام 1948 حين طرق شابان، تخرجا لتوهما من الجامعة المصرية، أبواب الدير المقفر والمغلق على نفر من كهول الرهبان، كانت الدروب المؤدية للأديرة غير ممهدة والسكون يلف جوانبها، والعزلة كانت عنوانها. رحب بهما أسقف الدير، الذي انتهت عنده رحلتهما، أيما ترحيب، ورآهما كسحابة قدر كف كالتي رآها تلميذ إيليا: "وَأَمَّا إِيلِيَّا فَصَعِدَ إِلَى رَأْسِ الْكَرْمَلِ وَخَرَّ إِلَى الأَرْضِ، وَجَعَلَ وَجْهَهُ بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ. وَقَالَ لِغُلاَمِهِ: «اصْعَدْ تَطَلَّعْ نَحْوَ الْبَحْرِ». فَصَعِدَ وَتَطَلَّعَ وَقَالَ: «لَيْسَ شَيْءٌ». فَقَالَ: «ارْجعْ» سَبْعَ مَرَّاتٍ. وَفِي الْمَرَّةِ السَّابِعَةِ قَالَ: «هُوَذَا غَيْمَةٌ صَغِيرَةٌ قَدْرُ كَفِّ إِنْسَانٍ صَاعِدَةٌ مِنَ الْبَحْرِ». فَقَالَ: «اصْعَدْ قُلْ لأَخْآبَ: اشْدُدْ وَانْزِلْ لِئَلاَّ يَمْنَعَكَ الْمَطَرُ»... كان هذا بعد زمن فيه"أُغْلِقَتِ السَّمَاءُ وَلَمْ يَكُنْ مَطَر". (سفر ملوك الأول 18: 42- 44) تشهد الأديرة، في غضون سنوات قليلة من تلك اللحظة، إقبالاً من الشباب طالبي الرهبنة، بعضهم تأسياً بالشابين المغامرين، وبعضهم لأسباب تنوعت بين ضغوط اللحظة، وصدماتها النفسية والاقتصادية والمجتمعية، وبعضهم تحت تأثير السير الرهبانية الطوباوية التي أعيد طرحها، وبعضهم ليحقق سعيه لحياة أفضل حسب فهمهم للإنجيل واعتبارهم الرهبنة تَرْجَمَة لدعوة ترك الكل والالتصاق بالواحد. وبعضهم بحثاً عن تحقق ما أخفق في صنعه بحياته في العالم. ربما يعطينا تنوع الدوافع تفسيراً لما شهدته الكنيسة فيما بعد من صدامات وخلافات بين هؤلاء الرواد حين قدر لهم أن يتصدروا المشهد الكنسي كلٍ في دائرته وموقعه، لكن ما يهمنا هنا معالجات من انتهى بهم الأمر إلى مقاعد السلطة الكنسية، لملف إدارة الكنيسة. وتحديداً في إعادة هيكلة ورسم منظومة الأساقفة. كانت البداية عند البابا (القديس) الأنبا كيرلس السادس، في حدثين لهما صلة بأزمة الأساقفة، الحدث الأول عندما أسس توجه رسامة أساقفة عموم، يتولون مهام عامة محددة في خدمة الكرازة دون إيبارشية محددة وبدون رعية، والحدث الثاني عندما أغلق مدرسة الرهبان عام 1961، وأعاد رهبانها إلى أديرتهم، وبعدها بسنوات قليلة صارت المدرسة مقراً لإقامة أسقف حلوان الذي تمت رسامته بعد مدّة وجيزة، لتموت فكرة إعداد الرهبان لتولي مهام الأسقفية، لاهوتياً وكنسياً وعلمياً عبر الدراسات اللاهوتية والكنسية، والإنسانية من علم نفس وعلم اجتماع وفلسفة على أيدي علماء متخصصون. كانت الأديرة تشهد إقبالاً من خريجي الجامعات طالبي الرهبنة، الأمر الذي جذب الأنظار لهم، واتجهت الكنيسة لتفضيلهم في رسامات الأساقفة، وكان من الممكن أن يكون هذا تطوراً إيجابياً يصب في صالح التعليم والرعاية، لكنه لم يكن كذلك، فقد شهدت الأديرة استدعاءً لمن يراه صاحب القرار أكثر ولاءً، ليترهب، بعد فترة اختبار وجيزة، ويبقى في الرهبنة سنوات لا تتجاوز في أفضل الحالات أصابع اليد الواحدة توطئة لرسامته اسقفاً، بغض النظر عن معارفه وخبراته اللاهوتية والكنسية، وبالضرورة لم يعش حياة التلمذة في سنواته الديرية القليلة، وتظهر المفارقة مع ثورة المعلومات وتدفقها، بين أصابع الأجيال الجديدة من الشباب عبر آليات الثورة الرقمية التقنية، وثورة الأسئلة عندهم، التي تقابل بإخفاق هذا النوع من المدبرين في مواجهتها، الذين يلجأون ـ عجزاً ـ إلى إعمال السلطة، ورفع سلاح الإبعاد والعقوبات حتى إلى الحرم والقطع. توقفت كثيراً أمام ترتيب الأحداث عسى أن أجد مبرراً للمتاعب التي حاقت بموقع الأسقف، أدركت أن التجريف بدأ عند اللحظة التي أغلقت فيها أبواب مدرسة الرهبان بدلاً من معالجة أزماتها، وتطويرها لتصبح نواة لجامعة لاهوتية تعيد إنتاج زخم مدرسة الإسكندرية اللاهوتية، ثم تدعم التجريف بإدارة المشهد الديري والأسقفي بذهنية سياسية، كانت مشغولة بتكوين أثقال موالية في مجمع الأساقفة. فإذا كنا نريد إعادة هيكلة المشهد الأسقفي نبدأ بالدير، لنعيده إلى نسق التلمذة وضبط العلاقات داخله، والتوقف في الأقل لمدة عشر سنوات عن منح قاطنيه أية رتبة كهنوتية (من القس للأسقف) حتى يسترد وعيه الرهباني ولا يزاحمه أية تطلعات خارجه. سيدي الأسقف أدعوك لتقرأ معي ما جاء بكتب المراسيم الرسولية (القرن الرابع): من أجل الأساقفة، هكذا سمعنا من ربنا يسوع المسيح، أنه يجب على الراعي المقررة رسامته أسقفاً على الكنائس في كل إيبارشية أن يكون بغير لائمة ولا علة، طاهراً من كل أنواع الشر الشائعة بين الناس، ليس بأقل من خمسين سنة من أجل بيته، وقد هرب من الانحرافات الشبابية وأقاويل الوثنيين. ويجب عليه أن يكون وديعاً متواضعاً هادئاً رحيماً صانع سلام ذا سريرة جيدة طاهراً من كل ظلم وشر وكل اغتصاب متيقظاً متأنياً غير قلق وغير مخاصم، غير محب للفضة وليس غرساً جديداً لئلا يتعظم فلبه فيسقط في فخاخ الشيطان. (المراسيم الرسولية: القرن الرابع) فيما توجه قوانين الرسل القبطية تحذيراً للأسقف كل أسقف راض بقلة العلم، أو بجهل أو بحقد، ليس هو أسقفاً بل يحمل الاسم كاذباً، وهو ليس من قِبل الله بل من قِبَل الناس(قوانين الرسل القبطية. . القانون 1 : 51) وللطرح بقية. --- ### أمنا التي نحبها - Published: ۲۰۲۲-۱۰-۳۱ - Modified: 2022-10-29 - URL: https://tabcm.net/8619/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: الكنيسة الكاثوليكية, بابا كيرلس عمود الدين, قديس أثناسيوس الرسولي الكنيسة أمنا، أم الشهداء التي تربينا بين أسواراها وتذوقنا حلاوة عذوبة السيد المسيح عند أقدام آبائنا الأتقياء، وسط ألحانها وسير قديسيها، عشقناها ومن تعاليم آبائنا الأول فهمنا الكتاب المقدس والعقيدة، وزاد تعمقنا أكثر عندما أدركنا أن الليتورجية تشرح تلك العقيدة، بالمنطق والعقل وبالتصديق والإيمان معا أدركنا جمال وعظمة كنيستنا. وفيما نحن ندرك عظمتها أدركنا أيضا أنه على مدار قرون مرت أحيانا بفترات ضعف، تارَة بسبب الاضطهاد وتارَة بسبب الانقسامات المسكونية وتسرب مع هذا الضعف بعد التعاليم الشعبوية، سواء عن جهل ولكن بحسن نية أو عن عمد لإثبات رأي شخصي وكأنه عقيدة إلهية، ويمر الزمن وتتأصل التعاليم الشعبوية -غير الدقيقة- في وجدان الناس وكأنها هي التسليم الآبائي، فيتساوى عندهم الرأي مع العقيدة فمن يعترض على رأي كأنه اعترض على الإيمان، ومن طرح رأيًا مخالفا يتساوى مع أريوس ونسطور. تجد الناس غير مدركين الفرق بين الثيؤطوكيات والتمجيدات، وبين الرأي الذي أجمع عليه الآباء والرأي الفردي لأحدهم الذي رفضته الكنيسة بالرغم من إقرارها قداسة قائله، تجد أن البعض لا يميز بين الأسرار المقدسة وأدوات ممارسة السر، فمن يرفض استخدام "المستير" -ملعقة التناول- في زمن الكورونا يتهم بمهاجمة الإفخارستيا، ومن يوافق على طريقة طبخ الميرون الجديدة يتهم بعدم إدراكه لأهمية سر التثبيت (الميرون). أصبحت في غفوة من البعض القلنسوة السيريانية هي القبطية والأصوام المزيدة أصوامًا رسمية، حتى إن من المضحكات المبكيات عندما أشار جناب القس كيرلس كيرلس في كتابه أصوامنا بين الماضي والحاضر عن أن الكنيسة في فترة من فتراتها أرادت تخفيف عدد الأصوام عن كاهل الشعب فانبرى أسقفين شيخين دفاعا عن التخم التي وضعت على كاهلنا ليتضح بعد ذلك أن هذين الأسقفين كانا لا يصومان كل الأصوام نتيجة أمراضهم الكثيرة. فجأة تجد الكنيسة لا تتكلم عن النعمة ولا عن مواهب الروح القدس وكأن النعمة هربت من كنيستنا ومواهب الروح القدس فجأة أصبحت محل اتهام، بالطبع نحن ندرك تماما أن الكثيرين يتاجرون كذبًا بمواهب الروح القدس ولكن هذا يعود في المرتبة الأولى إلى أننا من أهملنا تعاليم الآباء عن الروح القدس ومواهبه. ترهيب وإرهاب لكل شخص يبحث أو يناقش وكأن لسان حالهم يقول "لا تناقش ولا تجادل يا أخ علي" فتطفو على السطح مقولات وتأخذ قوة وكأنها آية "ابن الطاعة تحل عليه البركة"، و"بينما يتجادل اللاهوتيين، يتسلل البسطاء إلى الملكوت"، مقولتان يبدوان في ظاهرهما البساطة ولكنهما يغتالان النقاش والتفكير، والعقل أيضا، يحثان على طاعة عمياء كان يطلبها الكتبة والفريسيين وكهنة اليهود في زمن المسيح، ورفضها المسيح شخصيا بل كال الويلات لهم لأنهم كانوا يحملون الشعب أحمالا عسرة، كانوا يحكمون الشعب بسلطان الحل والحرمان وتركهم الجموع وتبعوا يسوع لأنه كان يعلمهم بسلطان مختلف عن سلطان الكتبة والفريسيين، سلطان لم يمارسوه لأنهم ببساطة لم يعرفوا أنه سلطان الحب وليس سلطان الإرهاب والتكفير والتخوين. العجيب يا صديقي أن معظم ما رفضته الكنيسة في عقيدتها مارسته في سياستها، فأصبحت الكنيسة القبطية على مدار أكثر من خمسين عاما، كنيسة بابوية أكثر من شقيقتها الكاثوليكية، فتجدها تهاجم عقيدة عصمة البابا الكاثوليكية، وتمارسها على أرض الواقع فما يقوله البطريرك عقيدة وأقواله الشخصية آية وقراراته جميعها الإدارية والسياسية والشخصية غير قابلة للنقاش أو إبداء الرأي في حياته أو بعدما رحل. أصابنا هزل شديد من ضعف التعاليم فتجد أن كنيسة الإسكندرية التي أخرجت للعالم أثناسيوس الملقب بالرسولي، وكيرلس عمود الدين، وأوريجينوس المظلوم وديدموس الضرير وغيرهم، أصبحت تعاليمها خليط من اللاهوت الغربي الممثل في معظمه في تعاليم أغسطينوس ابن الدموع أسقف هيبو، وبين تعاليمها الإسكندرية الشرقية الأصيلة. وفي كل هذا وبينما نحن نسعى جاهدين من أجل وحدة الكنيسة نتهم نحن بتقسيمها وتشويهها ونشر ضعفاتها على صفحات السوشيال ميديا، وكأن لسان حالهم مع أخاب الملك الظالم عندما تقابل مع إيليا بعد المجاعة قائلا "أأنت هو مكدر إسرائيل؟"، ولكننا نجيب مع إيليا النبي "لم أكدر إسرائيل بل أنت وبيت أبيك بترككم وصايا الرب وسيركم وراء البعليم". الكنيسة يا إخوتي هي أمنا جميعا، وإيمانها وتعاليمها ليست حكرا على أحد ليتولى الدفاع عن إيمان يعتقد أنه إيمانها، يكفر ويرهطق ويشنع ويقلل ويسفه من أي شخص لا ينتمي لمجموعاتهم الشيطانية. سنظل نزرع النور مهما كان هناك ظلام، وسيكون سلاحنا الحب مهما حاربنا الكارهين، سنسعى عن المسيح كسفراء وكأن الله يعظ بنا نقول تصالحوا مع الله، سنحارب الظلم والجهل والتعاليم الغريبة والتعاليم المزيدة، سنحارب تأليه الأشخاص وعبادتهم أحياءا كانوا أو أموات، سنجذب شبابا يتم ترهيبهم بسلطان الحل والربط، بسلطان الحب الذي كان يكرز به المسيح، سنحارب فساد البيزنس والمصالح والسلطة، سننادي بعودة كنيسة الرسل الذين رأوا أن خدمة الموائد تعطل خدمة الكلمة، وبحثوا عن شمامسة أمناء ليهتموا بخدمة الموائد ليتفرغوا هم لخدمة الكرازة والكلمة، سنجاهد من أجل أن يعود آباء الكنيسة لخدمة المؤمنين وليس للإتجار بهم وبمعاناتهم واحتياجاتهم من أجل جني حفنة من المال لعمل مشروع هنا أو هناك. سنحارب سلطان كل ظالم ترك العالم طواعية بحثا عن الفقر الاختياري ليخرج علينا من صومعته بحساب بنكي وسيارة فارهة ومقر مملوء بعطايا الشعب لإخوة المسيح ليتصرف بها وكأنها ميراثه الشخصي ليس هذا فقط بل ليتجبر على هذا ويصرخ في وجه هذه، مانحا الرضا والبركات لمن يهلل له، ويصب الويلات واللعنات في وجه من يعترض. إن كانت الكنيسة الكاثوليكية عانت في العصور الوسطى من بطريرك واحد أذاع وسط الناس عصمته، فإننا نعاني اليوم أن كل أسقفا صار بطريركا كاثوليكيا بل وأعظم، ربما بعضهم ينافس المسيح في عصمته، هؤلاء ليس لهم إلا قول المسيح نفسه عندما قال: فَأجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «أَتَظُنُّونَ أَنَّ هؤُلاَءِ الْجَلِيلِيِّينَ كَانُوا خُطَاةً أَكْثَرَ مِنْ كُلِّ الْجَلِيلِيِّينَ لأَنَّهُمْ كَابَدُوا مِثْلَ هذَا؟ كَلاَّ! أَقُولُ لَكُمْ: بَلْ إِنْ لَمْ تَتُوبُوا فَجَمِيعُكُمْ كَذلِكَ تَهْلِكُونَ. (إنجيل لوقا 13: 2-3) --- ### الصوفية الجميلة - Published: ۲۰۲۲-۱۰-۳۰ - Modified: 2022-10-29 - URL: https://tabcm.net/8717/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون - وسوم: الخطيئة الأصلية, الصوفية الحقيقة، لا أنكر للحظة إعجابي بروعة وجمال فكر الصوفية ومذهبهم العقلي والفلسفي. أعشق محبتهم لله المتدفقة في عروقهم وأتصور أن هؤلاء الناس لو انتشروا بين ربوع مجتمعاتنا، لكانت منطقة شرق أوسطنا الكئيبة أصبحت جنة! لكن في بعض النِّقَاط أرى فيها المسيحية مشبعة جدا ليَ في مقابل الصوفية. ملحوظة: أنا لا دارس ولا متعمق ولا حتى قارئ بما فيه الكفاية، ولكن من علم عام وقراءات متفرقة لهم وعنهم، نِقَاط الاختلاف بالنسبة لي، حيث شبع المسيحية أكثر من الصوفية، هي: الهدف النهائي الصوفية عشق كامل لله، لدرجة الاتحاد به، ولو عن طريق الذوبان فيه وانسحاب كياني الإنساني خارج الصورة تمامًا.  في مفهومنا المسيحي نسميها أوطاخية. هي حلوة جدا كمسعى في حدود السعي الإنساني تجاه الله، لكن لإنسان له دعوة الله العليا، تكون هذه النظرة قاصرة جدا. المسيحية دعوة كمال واكتمال، كمال الإنسان باتحاده بالله واكتمال هذا الكيان بالشركة مع الآخرين أيضا لأن دعوة المسيحية دعوة شمولية وليست فردانية. وهذا ما نسميه كنسيًا "الثيؤسيس" و"الأناكيفاليوسيس" بالترتيب: التأله والانجماع. الأدوات في التصوف، هناك قصور في الأدوات التي تمهد الوصول إلى الله ومبنية بقوة على الشق الإنساني تماما، الذي يستدعي الوجود الإلهي له كما هو يسعى في اتجاهه. لكن المسيحية كلها مبنية على مجيء الله لنا أولا وسكناه فينا، التجسد الإلهي، وهذا بسبب عقم أي محاولة فردية أو جماعية سعت نحو وصول الإنسان لله من بعد السقوط، المحاولة/المحاولات التي كرس لها البشر كل طاقاتهم الأخلاقية والأدبية والوجدانية منذ السقوط من أجل "الصعود" أو "الرجوع" مرة أخرى للحضرة الإلهية التي حُرم منها. الله أخذ المبادرة في المسيح يسوع لحل معضلة استحالة الوصول من أسفل لأعلى وقرر في تدبير الخلاص أنه ينزل لأسفل لكي يقدسه ويجعله كما فوق (كما في السماء، كذلك على الأرض) وأَقْفَل الباب على حيرتنا وقلة حيلتنا وعدم مقدرتنا. وتجلى هذا بوضوح في الإفخاريستيا، وسيلة الاتحاد والتأله والانجماع، حضور الرب بنفسه فينا وليس وسطنا فقط، لا، فينا شخصيا. دون هذه الوسيلة، يصبح كل سعي إنساني بعد قيامة الرب ليس فقط باطل، بل يصبح عبث وحرق بنزين في الهالك. الشوق مقابل الاختبار كلام المتصوفين حلو كالشهد، وحين تقرأه أو تسمعه تشعر أنه من عند النزينزي مثلا ولا آباء السياحة الروحية. لكن في نقطة مهمة تكشفه: شوقه غير قائم آنيًا وواقعه غير متحقق، مستقبلي ومُتَطَلَع إليه. الحوار المسيحي مع الله حوار يتم في التو واللحظة، لأنه حوار حياة معاشة اختباريا حاليا، (مش لسه "ها" يحصل ده "بـ" يحصل زي ما بيقولوا بالإنجليزي) as we speak). حوار بين الإنسان ومن يحياه بالإيمان، لأن الإيمان المسيحي هو شخص وليس إيديولوجية، لذا يسهل إقامة جسر واعٍ من التواصل والتفاعل الكياني مع هذا الإيمان. في المسيحية؛ ليس هناك طريق يقود إلى الرب لأن الرب بتجسده أصبح هو نفسه الطريق. ببساطة، كل قيمة عليا وقضية فكرية وكل شيء نابع مننا، ولنا نحن السيادة عليه، هو حلو ومقدس ونقي مادام وضعناه تحت يد الرب الروح، ويعبر عن اشتياقنا الأصيل جدا لله، لكن لا يمكن أبدا أن يرقى لدرجة عطية الله التي هي ذاته نفسه والشركة في طبيعته بالتبني. --- ### التعددية في الغرب الكافر - Published: ۲۰۲۲-۱۰-۲۹ - Modified: 2022-10-29 - URL: https://tabcm.net/8719/ - تصنيفات: شئون علمانية في مكان عملي (خارج مصر) في الإدارة المالية، فريق العمل الصغير الذي أعمل معه مكون من حوالي 15 شخصا، من 14 جنسية، منحدرين من 4 قارات، ولغاتنا الأم الأصلية حوالي 10 لغات، ولو من نفس اللغة فهي بلهجات مختلفة، نتبع حوالي 5 أو 6 ديانات مع اختلاف المذاهب والطوائف داخل الديانة الواحدة، طبعاً بخلاف اللا دينيين والملحدين وكلنا من خلفيات ثقافية وعرقية واجتماعية مختلفة، لكننا نتواصل عن طريق لغة واحدة فقط وهي الانجليزية! أعد نفسي مؤمنا مسيحيا، ومؤمنا بقيم المدنية والعلمانية، وأرى أنه بالرغم من التنوع الثقافي والاجتماعي الكبير جداً في بلاد المهجر، لكن الناس يعيشون في تناغم جميل متناسق. مارس عبادتك، عبر عن حريتك، عبر عن انتمائك، أنت حر في كل ما تعتقد وما تؤمن به،  ولن تجد نفسك عليك شيئا لأحد ما دمت لا تعتدي على حقوق الآخرين وطالما (وهي الأهم) أنك لا تفرض ديانتك أو معتقداتك أو آرائك أو أفكارك على الآخرين بالقوة أو حتى باللين! وكما يقول المثل الأوروبي القديم من القرن الـ17. Live and let others live   (مثل أوروبي) هذه مجرد عينة للتعددية الحقيقة داخل قسم صغير  من أصل 120 فردا داخل الإدارة المالية فقط، ولو تم القياس على الشركة كلها التي يعمل بها أكثر  من 9 آلاف موظف فسيظهر التنوع والتعدد أكثر وأكثر، فما بالك لو وسعت الدائرة أكثر وشملت الولاية أو البلد ستجد معدل ونسبة التنوع تضاعفت 10 أو 20 مرة! ! ! ستجد نفسك تعيش وسط ناس أصولهم من 200 دولة يتكلمون أكثر من 100 لغة وعندهم عشرات الديانات بخلاف تنوع ثقافاتهم وأعرافهم وعاداتهم وتقاليدهم و(سلاطاتهم وباباغنوجهم)! لكن الكل يعيش في سلام، في تناغم وتكامل، غير ضروري أن يكون تماثل أبداً، وغير ضروري أن نكون "شبه بعض" بالضبط حتى نتعلم ونعرف أن نعيش معًا أو في الأقل كل واحد يعيش في هدوء وراحة بال وفي حاله وفي احترام لعادات وتقاليد الآخر! إلا بعض المجتمعات العربية في المهجر بكل أسف! ! لا يحكم أحد على تصرفات الآخر، لا يكفر الآخر بسبب آرائه الدينية أو الفكرية أو حتى معتقداته الغريبة، لا يخون أحد  زميله في الشغل بسبب انتمائه السياسي أو الحزبي، لا يتدخل أحد في حياة جاره الخاصة ويحشر نفسه فيها، لا تسفيه ولا تقليل من شأن الآخر بسبب ديانته أو لغته أو لون بشرته أو جنسيته أو أصوله العرقية! ! لأن كل واحدة منهم جريمة في حد ذاتها في عرف القانون والمجتمع (بالرغم من أنها تحدث حقيقة، وسأتكلم عليها في الجزء المقبل ولا أنكر أن هناك حوادث عنصرية تحدث لكنها ليست اتجاه دولة ولا اتجاه مؤسسات وتقابل بحزم وشدة من الدولة). في أغنية حلوة يتعلمها الأطفال في المدارس خارج مصر تقول: We are one, but we are many ومعناها (كلنا واحد بالرغم من تنوعنا)، التعددية تشعرني إننا كقطع البازل Puzzle التي تكمل بعضها بالرغم من اختلاف أشكالها لكي تكون في الآخر الصورة الواحدة الكاملة. الدول المتقدمة ودول المهجر بتطلب العمالة المهاجرة المتنوعة لأنها وجدت في التعددية غنى وإثراء كبير لمجتمعاتهم اقتصادياً وثقافياً بالرغم من سيطرة العنصر الأوروبي على السياسة والاقتصاد! لكن اتضح أن هم من يحتاجون للمهاجرين أكثر من احتياج المهاجرين لهم! --- ### التهوّد والفريّسيّة المعاصرة - Published: ۲۰۲۲-۱۰-۲۸ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/8313/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: قديس أوغسطينوس، أسقف هيبو فَرَآهُمُ ٱلفِرّيسِيّون، فَقالوا لَهُ: «ها إِنَّ تَلاميذَكَ يَفعَلونَ ما لا يَحِلُّ في ٱلسَّبت». «فَٱبنُ ٱلإِنسانِ سَيِّدُ ٱلسَّبت»(إنجيل متى 12: 1، 8) نصّ إنجيل اليوم وفق الطقس اللاتينيّ نصّ يظهر الاختلاف الكبير الذي فعله المسيح في قراءته وتطبيقه للشريعة اليهوديّة. المسيح باختصار يضع الإنسان قبل الشريعة. بمعنى آخر استطاع أن يعبّر عن روح الشريعة وليس الحرف. المواقف التي اتخذها المسيح أمام الشريعة تسببت في كراهيَة ورفض يهود كثيرين له. ليس هذا فحسب، بل كانت "من أهم التهم التي تسببت في حكم الإعدام وتنفيذه ضدّه". رسالة المسيح كانت ولا زالت رسالة تحرير من عبودية الحرف ومن عبودية النص ومن عبودية الشريعة. الأمر الأشد استغرابًا هو إنه حاليًا في مسيحيين بيرجعوا للفريسية ويخلطوها بالمسيحيّة. إن المسيحيّة تتفهم وتتطبق بطريقة يهودية فرّيسية، ما يعني أن الموضوع الذي عارضه المسيح بشدة وتسبب في جزء كبير في موته هو الموضوع الذي تم إعادته من جديد والتبشير به باسم المسيح! السبت يوم الراحة هو يوم الاحتفال بحرّية الإنسان، يوم الصلاة. العبد لا يوجد داع لأن يصلي، الوقت الذي يصلي فيه يعمل فيه عمل لسيده. أما الإنسان الحر هو الإنسان غير المستعبد للعمل. السبت كما ما قال القديس أغسطينوس مع المسيح أصبح السبت ليس يوما واحدا ولكنه الحياة كله. الحياة كلها سبت، لأن السبت أصبح هو يوم يعمل الإنسان الخير ويبني ملكوت الله على الأرض. الكلام عن ساعات الصيام، نوع الأكل، اعتبار المرأة نجسة ولا تستحق التناول في أوقات معيّنة، هي فرّيسية يهوديّة حاربها المسيح بشدّة. إعطاء الطقوس والملابس الكنسية والكهنوتيّة أكبر من حجمها ودورها هو فرّيسيّة. أخذ نصّ الكتاب المقدس بطريقة حرفيّة وكأنه كتاب منزل بالحرف هي فرّيسيّة. في كل مرّة أمارس أنا الحرفيّة في الكتاب المقدّس والإيمان المسيحي أمارس ما حارب المسيح من أجله وأعرف إني أهتف مع بعض الجموع اصلبه. . اصلبه. --- ### إعادة تعريف.. - Published: ۲۰۲۲-۱۰-۲۷ - Modified: 2022-10-26 - URL: https://tabcm.net/8753/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون ‏القلم: صديقٌ حميم! النجوم: بوصلةٌ سماوية! الألوان: أثوابُ العيون! الخُذلان: موتُ السنابل عطشاً في أرضٍ تزورها الجداول والغدران! ‏الضباب: غشاوةُ دمع عين الأرض الباكية ليلا! المطر: مواساةُ دافئة! المفاتيح: أدواتٌ حملت على جسدها ضِدّينِ مُتضاديّن! ‏القُبح: عِللٌ نراها في كُلِّ الضمائر (هو، أنت، أنتما، أنا، نحنُ... . ) الذِكريات: (هو) الغائب الحاضر بألفِ صِيغة! العِطر: إحساسُ زهرٍ اختبأ في زُجاجة! الفرح: نافذة من السماء ‏النظر: مُعالج عتيق يعاد فيه ترتيب الملامح وحدها الذاكرة يرتكبها العجب ‏الشوق: رداء لا يُنزع، ذات ابتعاد ‏البُعد: سراب مسافات من وهم أنا اقرب لك من ذلك الوريد ‏القلب: حارسٌ خائن! ‏العقل: عجوزٌ حكيم! ‏النهايات: أخر ممرات الماضي وأول قرارات العَتَمَة في تتبع الضوء صفعة "الدهشة" على وجه التغافل وجفاف الحبر عند أخر نقطة بالقصيدة الخِذْلان: أن تدنو من أحضان الدفئ فيصفعك ليُلقي بك نحو أرض غطاها الصقيع ‏الوفاء: أن يبقى الكرسيّ الفارغ من صاحبه موسوماً به ولا يمتلئ بغيره. ‏‎ أن يجتث قلبي من محله وأظل أُقبّل ما بقي من آثار وجهه ‏الوهم: مدينة ببوابة مزخرفة دروبها متاهة لا مخرج لها... ‏الأسى: هو أن يعبرك العُمر حاملًا لافتة الرحيل، فتغدو الحياة في عيّنيك رصيف انتظار لا أكثر الصدق: نور لا تواريه أستار الألسنة هو جنة ونجاة الصادقين الصدق حرث الأنقياء الأوفياء هو مرادهم وغايتهم ‏الإهمال: دافع الانسحاب، وأحياناً ضعفٌ مشرّد في دائرة "العجز" العيون: مواني الدموع ومعاجم القلوب الغروب: ‏ قصصٌ متتالية ومتوالية تتعاقب معنا بعد كل مشرق وإلى حين شروق نبقى نعيش تفاصيلها مع كل شعاع أحمر الغروب وداعة مُودِّع الحرية: هي اختيار قيودك بمنتهى الحرية ‏الغياب: منطقة محظورة منزوعة الأحبّة الضياع: منطقة الفوضى العارمة... اللقاء: أطول الأحلام عمراً ‏الشغف: هو تلك اللحظة الفريدة التي تُعيدك إليك في كل مرة تقبض فيها على جوهرك وأنت في قلب موتك، هي تفتّح الوجود من براعم الوعي ‏الغفلة: استرخاءٌ في التوقيت الخطأ ‏النفاق: يمدحك في ضجة ويخونك في صمت ‏العتاب: لغة ثمينة لا تخاطب بها إلا من يستحقها ‏الإبداع: يأخذك من مكانك إلى مكان أجمل وأنت في مكانك ‏الإصرار: قطار لا يعترف بصعوبة الطريق... الأحلام: بهجة تلون ما بنفسك من قتام الدموع: لعثمة حكايات العيون ‏العطر: لعنةٌ على رئةٍ صغيرة تتنفس الهواء وتأخذه دون قصد الروح: سر لا يأخذ طابع الماضي لكنه يبقى في مستقبلٍ مستمر ‏الألم: احتمالٌ مؤقت ما لم يكن لحوحاً الأمل: احتمال مؤكد ما لم يكن قَنوطاً الوعي: شيء زئبقي لا يستطيع أحد الإمساك به! لن أعول على المعرفة في زيادة الوعي الحقيقة: بيت ليس فيه مقيمٌ ولا جار له ولا زائر ‏الحياة: ردهات منمّقة غرف فوضاوية أنفاق ظليمة وأمل ‏الدهاء: أن تُلهيك الحياة فتُلهيها! الذكريات: صندوقٌ خشبىٌّ له رنين... ! ‏القرأة والكتابة: هما الحدثان اللذان يمكن أن يلتقي فيهما غريبان بحميمية كاملة ‏الحنين: ناي مزروع في الحَنْجَرة كلما هممنا بالكلام... بكى الكذب: أصل كل الشرور الخوف: أصل كل القيود الحكمة: رغبة بإيقاف الانفعال عند حدود ما يَجِبُ ألاّ يُفعل أو يُقال ‏الصمت: سرّ الأشجار بانصرافها الدائم لتعميق توغّل جذورها في صميم ذاك الذي لا يُرى السرّ: ليس غموضاً و استعصاءاً بقدر ماهو تجليّا الشموع: لغة التعبير عن الوقت لغة الانتظار والانصهار الحرف: فراشة تعرف زهرتها ‏الارتياب: يُعملق المسافات... ! ‏الأبواب المغلقة: لا تأبه بالمنتظرين أمامها ولا بالتائهين خلفها الشفاة: كهفٌ دُفن فيه نوعين من الكلام أما حديث حكيم أو عبث الحُب: لتنطق حرفيّه تحتاج لأزمان يلزمك حقبةٌ لترى طيفه ولونه وتشعر ببصرهِ وعينيه! الرسوخ: أن تَتشعب جذور بقائك حين تُداهمك رياح اقتلاعك من كل صوب، أن تتشبث يدا إرادتك بمعصم السماء حين تَذل قدم ضعفك أو يخدع السراب ظمأ القلب. الرّوح: صيّاد طرِيد تظل في بحث عن ذائقة تُشابهها وفي ذات اللحظة، ثمّة روح أخرى... تسكنها ‏اللّجوء: أُذنٌ وكتفٌ و معصم. الكذب: محاولة وأد النار بالشمع الشتات: بروق، عواصف، وأمطار يعقبها صحو يطرد من أجوائك الاضطراب الأنين: هو ذاك الداء الذي لا نجد له علاج سوى دمعة باردة على قلبِ التهب من الحنين ‏الحياة: مراوغة للغاية‏ إن وهبتها وقتاً لدغتك عقاربها. تراكيبها رقيقة تدعوك للتروي واللطف. متناقضة هي والإيمان بها... اختبار النسيان: ثوبٌ يبدو جميل، فاشتريناه لكنه وُجدَ ملئ بالثقوب، فرتقناه! الصُدفة: مشهدٌ تحلمُ به يأتيك مباغتاً فإما يخيفك أو من غمرة فرحهِ يبكيك! ‏التفاؤل: حزين يحاول تلوين أنين حروفه دون جدوى فينثر عليها طفولته ودمه... ومن الآمال ما تَبقّى ‏الدروب: تُسجل أحزان البشر لو التفتنا لخطواتنا لأدركنا كل ما يختلج فينا من مشاعر ‏الظّل: نحن، هيئتنا، إما صدقاً أو محض كذب! ‏الوعي: أستدراك التجربة من عقلٍ واعٍ فتُصبح بوعيهِ أشد قوة وأكثر وعياً بذاتك الهموم: مداهمة الحزن وجع الغد عنوان فِرَاقَ أو سبيل للانعتاق الآهات: أنفاسٌ مطرها يهطلُ بامتداد الأرض ولا تحده أبعد سماء! النُضج: ‏ بُرعمُ يختبئ تحت جلدك، يكفي وحده كي يصير غابة ‏الندبة: شيخوخة جرح ‏‎صفعة زمن ‏‎الندبة، ذكرى بتوقيع الألم ‏السؤال: ركيزة و مفتاح المعرفة منهج العقل الفعال طريق للحقيقة، سلمًا للارتقاء و محوراً للوجود ‏الأنصاف: لا تكتمل لكنها تنصفك إلى نصفين ‏العجرفة: جبل ملح على جرف النهر القيد: شرك وهمي وحاجز ظني الطموح: دينامو الفكر الطريق: غولٌ نائمٌ يرينا انعكاس ظلّه --- ### كنيستنا بين الملهاة والمسخرة - Published: ۲۰۲۲-۱۰-۲٦ - Modified: 2022-10-29 - URL: https://tabcm.net/8715/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أنبا أنطونيوس الكبير، أبو الرهبان, أنبا رفائيل، أسقف وسط القاهرة, الشرق الأدنى تفرق اللغة بين الملهاة والمسخرة، فبينما تملأ الأخيرة صدرك بالغضب، فالأولى منعشة، وباعثة على الابتسام ورفع حاجبك الأيسر، كلاهما حاضرة بقوة في أفعال إكليروس كنيستنا، حتى إنك لا تملك نفسك من الاندهاش، كيف انزلقنا وأنجبنا هؤلاء؟! ! وأن أنجبناهم، كيف لم نجد لهم مصادر رزق تناسبهم بدلا من أن ندعوهم كهنة؟! ! من أمثلة ملاهي كنيستنا، ذلك الكاهن الذي يحكي عن غلق "قشرة الطماطم" لثقب قلب مريض، أو فضل زوجة الكاهن على نساء المؤمنين، أو ذلك الأخر الذي يحدثنا عن ظهور السيدة العذراء في صورة أشعة مريض، إيذانا بشفائه، أو حتى ذلك القزم المهرج الذي أبى ألا أن يناطح أرسخ جبالنا وأعلاها. أما عن المساخر فيمثلها ما حدث في طقس رسامة كاهن على كنيستنا في عمان  بالأرْدُنّ، التابعة لإيبارشية القدس والشرق الأدنى، فالكاهن الذي أرهق مولانا الحبر بحثا وتنقيبا عنه لسنوات طوال، ليطمئن قلب نيافته على حسن اختياره، أرشده الرب في النهاية ليختاره من مدينة الرب المباركة، العظيمة في المدن "أبوتيج"، المدينة التي أهدتنا مولانا الحبر نفسه، بشحمه ولحمه، المدينة التي لم تقصر أبدًا معنا، وكانت منحتنا سابقا العظيم في الشهداء "إشعياء المقاري سابقًا" الذي لم نستطع الحفاظ على وجوده بين ظهرانينا، والتمتع ببركاته البتاعنسوانية الماسورية، بسبب سيئات أعمالنا وفساد طوياتنا وهشاشة جماجمنا، فانصعد إلى فوق محفوفا بالعذراوات، يعوضنه عما قاسى من أيادينا الشريرة، كما أبلغنا الرجل المبروك على لسان مولانا الحبر. هل وقفت المسخرة هنا؟؟ أبت ألا أن تستمر لترفع منسوب الغضب في رئاتنا. للرسامة طقس، يشمل تعهدا يتلوه الكاهن الجديد -صاغه بنفسه مثلث الرحمات البابا شنودة- يتعهد فيه الكاهن بخضوعه للأب البطريرك، ولأسقف الإيبارشية المسام عليها. في الدقيقة 35: 18 نري تعهدا إضافيا مبتدع حديثا، يجبر فيه الكاهن على إعلان خضوعه لمولانا الحبر الأنبا رافائيل بصفته "معلم الإيمان والعقيدة في الكنيسة الأرثوذكسية". وهذا لعمري مسخرة، قد خلت من قبلها المساخر. https://www. youtube. com/watch? v=g6OPJ-i1gls&ab_channel=Mesat-%D9%85%D9%8A%D8%B3%D8%A7%D8%AA فمن سمح لهؤلاء بالعبث في طقس صادر من المجمع المقدس، دون الرجوع لجهة الاختصاص؟ من سمح لهؤلاء تنصيب مولانا الحبر كمعلم للإيمان والعقيدة بكنيستنا بكل ما يمثله من تعليم بينه وبين الأرثوذكسية ما صنع الحداد؟ بل ويُعلن له الخضوع! الملهاة هي أن تشتري شهادة لاهوت "مشمومة" فالجميع يفهم "الفولة" والمسخرة هي أن تكون هذه الشهادة مسوغا للتنصيب كمعلم الكنيسة. يقول المأثور العربي: "لاتعلموا أولاد السفلة، وأن تعلموا، فلا تولوهم الإمامة ولا تستوزروهم" (كتاب "إحياء علوم الدين " للإمام الغزالى "ج 1 ص 49) وكثيرا ما أضبط نفسي متلبسا بتأمل عبقرية القائل. --- ### أيها الأسقف.. من أنت؟ [١] - Published: ۲۰۲۲-۱۰-۲۵ - Modified: 2022-12-23 - URL: https://tabcm.net/8763/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أثناسيوس المقاري, بابا شنودة الثالث, قديس بولس الرسول, وليم سليمان قلادة توقفت ملياً أمام وصف القديس بطرس الرسول للسيد المسيح بأنه "راعي نفوسكم وأسقفها"، وذهبت ابحث في معنى "أسقف" في أدبيات الكنيسة، خاصة في قرونها المبكرة قبل أن تعرف طريقها إلى الانشقاق، وكيف يمكن أن يحمل إنساناً نفس اللقب والوظيفة اللتان لرب المجد؟ وعبر العديد من الكتب الوثائقية التي استغرقتني وجدت العديد من الإجابات، ومعها وقفت على أصالة الكنيسة وامتدادها؛ إيمانا وممارسات وحياة، حتى كنيسة الرسل التي رأسها المسيح، ومعها الكنائس الشقيقة بتعدد توزعها الجغرافي. وبقدر الأصالة كانت الصدمة، فالواقع المعاش يقدم لنا صورة مهترئة ومهلهلة أوغلت في الشكلانية والانفصام، ولم تكن المفارقة بنت الصدفة، بل تضافرت معطيات كثيرة ـ داخلية وخارجية ـ لتشكلها، وأخال أن فكرة الفرقة الناجية باتت تحتل مساحة كبيرة في الذهن الجمعي، وتتفق مع ما جاء بمستهل سفر أيوب: وَبَيْنَمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ إِذْ جَاءَ آخَرُ وَقَالَ: «بَنُوكَ وَبَنَاتُكَ كَانُوا يَأْكُلُونَ وَيَشْرَبُونَ خَمْرًا فِي بَيْتِ أَخِيهِمِ الأَكْبَرِ، وَإِذَا رِيحٌ شَدِيدَةٌ جَاءَتْ مِنْ عَبْرِ الْقَفْرِ وَصَدَمَتْ زَوَايَا الْبَيْتِ الأَرْبَعَ، فَسَقَطَ عَلَى الْغِلْمَانِ فَمَاتُوا، وَنَجَوْتُ أَنَا وَحدِي لأُخْبِرَكَ»(سفر أيوب 1: 18- 19) نجوت أنا وحدى (! ! ). انتبهت الكنيسة مبكراً لتعليمات القديس بولس لتلميذه تيموثاوس فيما يتعلق بالتعليم، والتدقيق في اختيار من يعمل معه "فَتَقَوَّ أَنْتَ يَا ابْنِي بِالنِّعْمَةِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ. وَمَا سَمِعْتَهُ مِنِّي بِشُهُودٍ كَثِيرِينَ، أَوْدِعْهُ أُنَاسًا أُمَنَاءَ، يَكُونُونَ أَكْفَاءً أَنْ يُعَلِّمُوا آخَرِينَ أَيْضًا. "(رسالة بولس الثانية إلى تيموثاوس 2 : 1 ـ 2). أمناء ... أكْفاء للتعليم. كانت الإسكندرية العاصمة الثقافية للإمبراطورية الرومانية، وطبقت شهرة مدرسة الإسكندرية اللاهوتية الآفاق، لذلك كانت أنظار الكنيسة المصرية تتركز عليها حين يتعلق الأمر باختيار المدبرين الأساقفة، من بين معلميها، وحين تعرضت الكنيسة ومدرسة الإسكندرية لملاحقات ومطاردات ما بعد الانشقاق، جمع معلمو المدرسة مخطوطاتهم وكتبهم ولجأوا إلى الأديرة، خاصة أديرة وادي النطرون، ولعل هذا يفسر لنا احتشاد تلك الأديرة بكنوز المخطوطات الآبائية، التي حملها علماء مدرسة الإسكندرية أو التي كتبوها حال إقامتهم بالأديرة، وبالضرورة تتلمذ عليهم ـ وعليها ـ رهبانها، فتقرر الكنيسة اختيار الأساقفة من قاطنيها، كان وعي الكنيسة يتشكل عبر هؤلاء العلماء الأمناء الأكْفاء. لم تكن الكنيسة والأقباط بمعزل عما يحدث في الفضاء العام، فقد جرت في النهر مياه كثيرة، وتغيرات عاتية تشهد سقوط وقيام أمم وكيانات، وتتعرض الكنيسة والأقباط، وقد تحولا إلى أقلية عددية، لحصار واستهداف، من جحافل الغزاة من الشرق والبربر من الغرب، وتتعرض الأديرة للنهب من كليهما، وثقتها كتب التأريخ القبطية، ولم تخلو منها كتب وشهادات المؤرخين المعاصرين أو التالين لتلك الحقب، وكان من الطبيعي ووفق أحكام موازين القوى، أن تلجأ الكنيسة والأقباط إلى التقوقع والانكفاء على الذات ويدخلان نفق طال، طيف من مخطوطات الأديرة حفظته سراديبها، وطيف أخر وجد طريقه للمكتبات الكبرى في الغرب عن طريق نفر من المستشرقين والرحالة. يطل علينا القرن التاسع عشر ومعه تباغتنا دورة جديدة من دورات التاريخ، فنشهد الحملة الفرنسية التي كانت تهدف إلى قطع الطريق على غريمها الأوروبي، المملكة المتحدة بريطانيا العظمى، لتحول بينه وبين مستعمراته في الشرق الأقصى، فكان لابد لها أن تمر على مصر، التي لم تبق بها إلا نحو ثلاث سنوات ونيف، لكنها كانت بمنزلة الشرارة التي أيقظت العقل المصري من سباته العميق والطويل، ولم يكن الأقباط بعيداً عن التفاعل والحراك العام، ففي أعطاف الحملة جاءت الإرساليات، خرجت الحملة العسكرية ولم تخرج معها الإرساليات، ويتحرك الغريم التقليدي بحملة موازية عاتية ليمكث طويلاً جاثماً على مقدرات مصر، وفي أعطافه تتعدد الإرساليات ومعها أدوات تواصل لم نعهدها قبلاً، بين الحملتين الفرنسية القصيرة والبريطانية الممتدة، نشهد حضور محمد علي، الذي لم يكن مجرد حاكم وافد يحمى مصالح الباب العالي، بل شخص يحمل طموحات وتطلعات صنعت منه رقماً فاعلاً ومفصلياً في إفاقة وطن، وبين ثلاثية الحملات والوالي يفيق الأقباط على واقعهم المتراجع، وتتشكل إرهاصات البعث القبطي الكنسي. المشكلة التي واجهت الرعيل الأول ومن تلاهم، هي أن التراث الآبائي الحاكم للكنيسة، باعتبارها كنيسة تقليدية، في أغلبه مدون ومحفوظ في مخطوطات يونانية وقبطية وبعضه بالعربية، وتتعمق المشكلة مع الانقطاع شبه الكامل عن هذا التراث، والممتد لقرون، الذي انعكس على حال الأديرة والكنيسة، اتجه فريق من الرعيل الأول وتلاميذهم إلى مدونات الكنائس الأرثوذكسية الناطقة بالعربية وقد سبقتنا إلى التواصل مع التراث اليوناني والسرياني والأنطاكي وتعريبه، ونهلوا منه وكان الرائد في هذا التوجه المعلم القديس حبيب جرجس. وبعد سنوات ليست ببعيدة اتجه فريق آخر إلى طرق أبواب التراث بلغاته الأصلية في ملحمة وجلد ومثابرة، وبتأسيس علمي أكاديمي، عبر بعث نسق التكريس، الذي ضم علمانيين ورهبان، وكان أبرز رواده الدكتور نصحي عبد الشهيد الذي نجح في مأسسة هذا التوجه. ظني ـ وليس كل الظن إثماً ـ أن المناخ السائد، في الفضاء العام، والممتد لقرون الذي شكل الثقافة العامة، كان حاضراً في الصدام بين الفريقين، حتى إن بعضاً مما استقر في الذهنية الشعبية وربما في ذهنية قطاع نخبوي فاعل بات متأثراً بتلك الثقافة، وراح يقرأ قضايا اللاهوت بخلفية أممية، لذلك لم يكن غريباً أن يستنكر التأويل الذي يقدمه الفريق الآبائي الذي اقتحم التراث في لغاته الأصلية. السؤال وما علاقة كل هذا بطرحنا الذي يتناول ماهية الأسقف؟ ربما ندرك العلاقة عندما نقف على اتفاق واختلاف قواعد اختيار الأسقف في القرن العشرين بجملته عن ما بيناه في سردنا هذا، كان الاتفاق في الاختيار من بين الرهبان حصراً، أما الاختلاف ففي التوسع المتواتر في رسامات الأساقفة وكان المبرر اتساع رقعة الخدمة، ثم تطور الأمر إلى قصر الاختيارات على رهبان دير بعينه، ثم تقسيم الإيبارشيات الكبيرة جغرافياً إلى إيبارشيات صغيرة وكان المبرر توفير خدمة أكثر فاعلية وتأثيراً، ثم ظهر توجه رسامة أسقف عام، وهو أسقف بلا رعية، كان في البداية يكلف بمهام خدمية عامة محددة، التعليم ـ البحث العلمي ـ الخِدْمَات الاجتماعية ـ الشباب، ثم أطلق العنان لرسامات أساقفة عموم دون مهام محددة لحين تجليسه على إيبارشية جديدة أو رحيل أسقفها. التوسع في الرسامات سواء أساقفة الإيبارشات الصغيرة أو الأساقفة العموم ثم توليتهم مهام الإشراف على قطاعات صغيرة من الكنائس كان له آثاره في إرباك الهرم الهيراركي الإكليروسي، إذ صار الإيغومانس موقع شرفى بلا صلاحيات بعد أن حل محله الأسقف الإيبارشي أو العام، وكذلك الأمر مع رتبة المَطْرَان، وصارتا أشبه بمكافأة شرفية. وانعكس هذا سلباً على جودة الخدمة وعمقها. تفجرت الأزمة بعد رحيل قداسة البابا شنودة بشيبة صالحة، لنكتشف أن طيف من الأساقفة أخذوا عنه السلطة ولم يقتربوا من قدراته في إدارة المشهد، فصاروا عبئاً على الكنيسة بعد أن عرفت خلافاتهم طريقها إلى فضاء التواصل الاجتماعي عبر وكلاء اللجان الإلكترونية، وعبر بيانات وتصريحات بعضهم، التي تفتقر للقواعد المنطقية ولا تخلو من المخالفات اللاهوتية والتعليمية. ربما كان تراجع الأديرة، والاختيار دون إعداد كاف، وقِصر مدة رهبنتهم المفتقرة للتلمذة بطبيعة الحال، وكونهم من أهل الثقة الذين يجيدون تقديم أنفسهم ـ وهم في مرحلة الرهبنة ـ لصاحب القرار على أنهم من الموالاة المخلصة، ربما كانت هذه من أهم أسباب أزمة هؤلاء. وربما نكتشف عمق الأزمة في التعامل من منطلق السلطة المطلقة والمغالاة في المظهر الفخم وتبديد أموال الإيبارشية في مكوكية السفر للخارج بمبررات غير مستساغة، واللجوء للعقوبات الكنسية لكل من يبدى اعتراضاً على منهجهم. حتى تخالهم آلهة هبطوا علينا من السماء، بصلاحيات مطلقة. وإمكانات وقدرات محدودة. وقبل أن نعرض لرتبة الأسقف كما عرفتها الكنيسة الجامعة أجدني مديناً لإثنين من فرسان التنوير الكنسي بعيداً عن الصراعات المفتعلة التي صارت خبز يومنا واقتحمتنا كنتيجة متوقعة لموجات التجريف، التي طالت حياتنا الكنسية وانعكست على حياتنا الاجتماعية، وبدأت إرهاصاتها مع مطلع النصف الثاني من القرن العشرين. الأول الدكتور وليم سليمان قلادة، الذي عكف على تحقيق ودراسة وتحليل كتاب "الدسقولية" الذي يحسب أقدم وثيقة كنسية من تراث الكنيسة الشرقية، واللافت أن تهتم الكنيسة الإنجيلية عبر دار الثقافة بطبع ونشر هذا العمل الأكاديمي الموسوعي. ويسجل الدكتور وليم قلادة في مقدمته في طبعته الثانية (1989) أن: الكتاب حظي منذ الأسابيع الأولى (عقب صدور طبعته الأولى) بتقدير خاص من قداسة البابا شنودة الثالث الذي قدم عنه في مجلة الكرازة ـ 12 يوليو 1979 ـ عرضاً شاملاً يعتز به الكاتب ويسعد. قال قداسته إن الكتاب "ثمرة بحث مدى عشرين سنة (من 1958 ـ 1978) عكف فيه المؤلف على تعاليم الرسل، وما تشملها من شرح للرعاية وطبيعة الكنيسة، وشئون عبادتها، وما يتعلق بهذا كله من مفاهيم مسيحية أخذت أصالتها منذ القرون الأولى، وأشار قداسته إلى منهج عمل الكاتب فقال: "اعتمد المؤلف على مخطوطات قبطية وترجمات عربية تعتبر من أقدم الأصول التي تحت أيدينا. واهتم المؤلف بأن يحقق كل عبارة في الدسقولية، ويعلق عليها في هوامش كثيرة تشمل الشواهد الكتابية، ومعاني بعض الألفاظ، وشروحاً طقسية ولاهوتية ولغوية" وختم قداسة البابا عرضه الشامل بقوله "كتاب الدسقولية كتابان: عرض الدسقولية، وبحث لاهوتي كتابي". (وليم سليمان قلادة)  جدير بالذكر أن كتاب الدسقولية هو الجزء الأكبر من كتاب "المراسيم الرسولية" الذي يضم ثمانية كتب، وصدر في أواخر القرن الرابع. أما الشخص الثاني الذي أدين له بالشكر فهو الراهب القس أثناسيوس المقاري الذي قدم للمكتبة العربية القبطية مع مطلع القرن الواحد والعشرين سلاسل متعددة، تضم كل واحدة منها العديد من الكتب الكنسية الوثائقية؛ تحت عناوين: ـ مصادر طقوس الكنيسة. ـ مقدمات في طقوس الكنيسة. ـ طقوس أسرار وصلوات الكنيسة، ـ طقوس أصوام وأعياد الكنيسة. وهى أعمال موسوعية تتطلب مجموعات عمل متفرغة ومتخصصة، أنجزها هذا الراهب بإصرار ودأب. ونعتمد في التعرض لماهية الأسقف على كتابين ضمن سلسلة طقوس أسرار وصلوات الكنيسة، هما الكهنوت المقدس والرتب الكنسية (جزأين)، وكتاب معجم المصطلحات الكنسية (ثلاثة أجزاء). ويقول المؤلف في تقديمه للكتاب الأول (المسيح هو ابن المحبة وبسبب حبه للإنسان، فقد أعطاه نصيباً من قيامته، ومن معرفة الآب ومشاركة مجده، كما أعطاه مشاركة في كهنوته لكى يكمل الإنسان عمل وساطة المسيح، التي أستودعها المسيح في كنيسته، فالكهنوت المسيحي هو كهنوت المسيح نفسه، وهو الوسيط الوحيد بين الله والناس كقول بولس الرسول، ومن ثم فقد صار كاهن كنيسة العهد الجديد، كوكيل لسرائر الله، يأخذ خدمة هذه الوساطة من المسيح نفسه، بنفخة الروح القدس فيه. --- ### يسوع الفريسي - Published: ۲۰۲۲-۱۰-۲٤ - Modified: 2023-11-08 - URL: https://tabcm.net/8649/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, كتاب مقدس - وسوم: أوريا الحثي, الطلاق في المسيحية, الموسوعة اليهودية, باتريك جي هارتن, بثشبع, تلمود, توراة, حاخام هارفي فولك, داود النبي والملك, قديس بولس الرسول, مكابيين, هليل وشماي اقترنت كلمة فريسي في الوسط المسيحي بتوصيفات سيئة، مثل التزمت والتدين الظاهري. لكن، الفريسية طائفة يهودية ضخمة بها مدارس مختلفة، وهي الطائفة اليهودية التي أمنت بالبعث بعد الموت على عكس باقي طوائف اليهودية. وقد اتبع يسوع ومن بعده بولس المدرسة الفريسية الهليلية وعارضا المدرسة الفريسية الشمايية بشدة. وظهر ذلك في تسليم روايات يسوع عبر العقود. لكن، مع الأسف، قد تم تعميم معارضة يسوع لبيت شماي على أنها معارضة موجهة ضد الفريسيين عمومًا. قدم الحاخام اليهودي "هارفي فولك" دراسة عن الأصول الفريسية لتعاليم المسيح والكنيسة الأولى في كتابه "يسوع الفريسي: نظرة جديدة على يهودية يسوع". كما قدم الأب الكاثوليكي "باتريك جيه هارتن" مقالا عن "الجذور الفريسية ليسوع والكنيسة الأولى". فما معنى كل هذا؟ اقترنت كلمة فريسي في الوسط المسيحي بتوصيفات سيئة، مثل التزمت والتدين الظاهري. لكن، الفريسية طائفة يهودية ضخمة بها مدارس مختلفة، وهي الطائفة اليهودية التي أمنت بالبعث بعد الموت على عكس باقي طوائف اليهودية. وقد اتبع يسوع ومن بعده بولس المدرسة الفريسية الهليلية (بيت هليل) وعارضا المدرسة الفريسية الشمايية (بيت شماي) بشدة. وظهر ذلك في تسليم روايات يسوع عبر العقود. لكن، مع الأسف، قد تم تعميم معارضة يسوع لبيت شماي على أنها معارضة موجهة ضد الفريسيين عمومًا. "لقد طمست الكنيسة تمييز مقاربات هليل وشماي في سياق تسليم تعاليم يسوع. فبدلاً من توضيح أن انتقادات يسوع وجهت إلى مجموعة واحدة من الفريسيين، عممت الكنيسة الأولى انتقادات يسوع ضد الفريسيين واليهود بشكل عام، وكان ذلك بسبب الاضطهاد الذي تعرضت له الكنيسة على أيدي القادة اليهود، فقد تم توجيه أقوال السيد المسيح بشكل عام ضد المعلمين اليهود" (الأب باتريك جيه هارتن) تساعدنا معرفة الجذور اليهودية للمسيحية على فهم الكثير من أقوال يسوع بشكل أوضح؛ لأن الكثير منها قد تناول صراع هليل وشماي في ذلك الوقت. شخصية الحاخام هليل والحاخام شماي في زمن يسوع والمسيحيين الأوائل بالكنيسة، لم يكن الفريسيون مجموعة متجانسة إذ كان هناك حاخمان بالأخص وهما هليل وشماي. كان لكل منهما مجموعة من التلاميذ، ومدرسة استمر نشاطها حتى نهاية القرن الأول الميلادي. قدم كل من هليل وشماي مساهمة ملحوظة في القانون الشفهي لليهودية. فقد وجدت تعاليمهما طريقها إلى المشنا (القرن الثاني الميلادي) وبعد ذلك إلى التَّلْمُود (القرن الخامس الميلادي). كان شماي ومدرسته يميلون إلى تقديم تفسيرات صارمة للقانون مقارنة بهليل ومدرسته. وهناك أسباب متعددة لاختلاف وجهات نظرهما، أحد تلك الأسباب يستند إلى طبائع الرجلين؛ إذ كان هليل لطيفًا وطيب القلب حين كان شماي صارمًا وسيء المِزَاج. عندما جاء رجل وثني لشماي وقال له: "سأهتدي إلى اليهودية بشرط أن تعلمني التوراة بأكملها وأنا أقف على قدم واحدة". فصده شماي بذراع البنّاء التي كانت في يده. لكن، عندما ذهب الرجل إلى هليل، أجابه هليل قائلا: "ما لا تحبه لنفسك... لا تفعله بغيرك... تلك هي التوراة كلها والباقي شرحا لذلك: اذهب وتعلمها. "(B. Talmud: Shabbat 3IA) وقبل تدمير الهيكل الثاني في القدس، كان لمدرسة شماي التأثير الأكبر على الحياة اليهودية. أما بعد الدمار في عام ٧٠م، تغيرت تعاليم الهيكل وانتصر فكر مدرسة هليل الليبرالي على آراء شماي المتشددة. قَبُول الأمم اختلف هليل وشماي في نهجهما تجاه الوثنيين. فقد مدت مدرسة هليل أيديها للأمم، ورأت أن الأمم الذين يخشون الله يستحقون الخلاص تمامًا كاليهود. إضافة إلى ذلك، أعرب هليل عن أمله في أن يؤدي هذا التواصل إلى تفادي تدمير القدس. لكن، عارض شماي بشكل جذري هذا الانفتاح. وقد تناول يسوع نقطة الخلاف حول قَبُول الأمم بين المدرستين، وعارض مدرسة شماي قائلا: لكِنْ وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تُغْلِقُونَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ قُدَّامَ النَّاسِ، فَلاَ تَدْخُلُونَ أَنْتُمْ وَلاَ تَدَعُونَ الدَّاخِلِينَ يَدْخُلُونَ (إنجيل متى 23: 13) كانت مدرسة شماي في وقت يسوع تتمتع بالنفوذ الأكبر، إذ كان أتباعها يشكلون الجزء الأكبر من الحزب الفريسي في زمن المسيح، واعتمدوا باستمرار التفسير الأكثر صرامة للتوراة اليهودية. بالتالي، فإن عبارة "يغلقون ملكوت السماء" تنطبق على بيت شماي فقط، وتناصر الرأي الهليلي. كما علق الحاخام إليعازر (Sanhedrin I05A) أن مدرسة شماي قد منعت الوثنيين من دخول العالم الآتي، وأعلنت أنه من المستحيل على الوثنيين الحصول على الخلاص. الإصلاح والثورة عندما شكلت مدرسة شماي أغلبية في وقت المسيح، لم يرفض أتباع هليل الخضوع لسلطتهم، ولم يثوروا عليهم، بل فضلوا المعارضة الإصلاحية. بالتالي، يمكننا ملاحظة اتفاق المسيح مع بيت هليل في هذا النص أيضا؛ لأنه يقبل جلوس مدرسة شماي على كرسي موسى، ويوصي الناس بحفظ ما يعلموا به، لكنه يحذرهم من الاقتداء بهم؛ لأنهم يقولون فقط ولا يفعلون. حِينَئِذٍ خَاطَبَ يَسُوعُ الْجُمُوعَ وَتَلاَمِيذَهُ قَائِلًا: «عَلَى كُرْسِيِّ مُوسَى جَلَسَ الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ، فَكُلُّ مَا قَالُوا لَكُمْ أَنْ تَحْفَظُوهُ فَاحْفَظُوهُ وَافْعَلُوهُ، وَلكِنْ حَسَبَ أَعْمَالِهِمْ لاَ تَعْمَلُوا، لأَنَّهُمْ يَقُولُونَ وَلاَ يَفْعَلُونَ (إنجيل متى 23: 1-2) ولكن في الوقت الذي شكلت فيه مدرسة هليل أغلبية، رفضت مدرسة شماي الاعتراف بهم على كرسي موسى، وجنحت إلى التمرد، لا الإصلاح. لذلك، فيسوع هنا يميل إلى النهج الهليلي الإصلاحي؛ لأنه لا يرفض مكانة خصومه على كرسي موسى، مع أنه يرفض تفسيراتهم للتوراة. مساعدة الأبوين يشير يسوع إلى عادة يهودية شمايية يتعهد بموجبها الابن أن يعطي الهيكل ما كان يمكن أن يعطيه رعاية والديه. يشير يسوع لمستمعيه إلى وجود تناقض بين الشريعة اليهودية وهذا التقليد الشمايي. فقد نصت الشريعة صراحةً"أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ"(خروج 20: 12). في حين أن تقاليد شماي سمحت لهم بمنح المعبد الأموال التي كان ينبغي في الواقع تخصيصها لدعم الوالدين. وعلى سبيل المثال، قد ورد في التَّلْمُود أن الحاخام إليعازر، المنتمي لبيت شماي، قد تبع هذا التقليد وتعهد بالتخلي عن جميع ممتلكاته بالتالي أكد أنه ليس لديه التزامات تجاه ابنه. فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ: «وَأَنْتُمْ أَيْضًا، لِمَاذَا تَتَعَدَّوْنَ وَصِيَّةَ اللهِ بِسَبَب تَقْلِيدِكُمْ؟ فَإِنَّ اللهَ أَوْصَى قَائِلًا: أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ، وَمَنْ يَشْتِمْ أَبًا أَوْ أُمًّا فَلْيَمُتْ مَوْتًا. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَقُولُونَ: مَنْ قَالَ لأَبِيهِ أَوْ أُمِّهِ: قُرْبَانٌ هُوَ الَّذِي تَنْتَفِعُ بِهِ مِنِّي. فَلاَ يُكْرِمُ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ. فَقَدْ أَبْطَلْتُمْ وَصِيَّةَ اللهِ بِسَبَب تَقْلِيدِكُمْ! (إنجيل متى 15: 3-6) أما هليل فقد رفض تمامًا أن ينذر المرء جميع ممتلكاته في المعبد. وفي ضوء ذلك، من المفهوم أن هذه العادة سادت بسبب هيمنة بيت شماي في ذلك الوقت. والتفسير الذي قدمه يسوع يتماشى مرة أخرى مع الاتجاه الذي اتخذه بيت هليل. قوانين نوح السبعة كبديل عن الشريعة وضعت اليهودية شرائع نوح السبع كأساس لكل دين، معتبرة إياها ملزمة للجنس البشري بأسره. وَبَارَكَ اللهُ نُوحًا وَبَنِيهِ وَقَالَ لَهُمْ: «أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ. وَلْتَكُنْ خَشْيَتُكُمْ وَرَهْبَتُكُمْ عَلَى كُلِّ حَيَوَانَاتِ الأَرْضِ وَكُلِّ طُيُورِ السَّمَاءِ، مَعَ كُلِّ مَا يَدِبُّ عَلَى الأَرْضِ، وَكُلِّ أَسْمَاكِ الْبَحْرِ. قَدْ دُفِعَتْ إِلَى أَيْدِيكُمْ. كُلُّ دَابَّةٍ حَيَّةٍ تَكُونُ لَكُمْ طَعَامًا. كَالْعُشْبِ الأَخْضَرِ دَفَعْتُ إِلَيْكُمُ الْجَمِيعَ. غَيْرَ أَنَّ لَحْمًا بِحَيَاتِهِ، دَمِهِ، لاَ تَأْكُلُوهُ.   وَأَطْلُبُ أَنَا دَمَكُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَقَطْ. مِنْ يَدِ كُلِّ حَيَوَانٍ أَطْلُبُهُ. وَمِنْ يَدِ الإِنْسَانِ أَطْلُبُ نَفْسَ الإِنْسَانِ، مِنْ يَدِ الإِنْسَانِ أَخِيهِ.   سَافِكُ دَمِ الإِنْسَانِ بِالإِنْسَانِ يُسْفَكُ دَمُهُ. لأَنَّ اللهَ عَلَى صُورَتِهِ عَمِلَ الإِنْسَانَ. فَأَثْمِرُوا أَنْتُمْ وَاكْثُرُوا وَتَوَالَدُوا فِي الأَرْضِ وَتَكَاثَرُوا فِيهَا». (سفر التكوين 9: 1-7) على مدار الوقت، اختلف عدد وصايا نوح لتتراوح من خمسة إلى سبعة حتى ثلاثين. ويرجع لويس فينكلستين أصلها إلى حِقْبَة المكابيين عندما كان اليهود والأمم داخل الدولة بحاجة إلى المصالحة. (باتريك جيه هارتن) يعبر التَّلْمُود عن وصايا نوح السبع بهذه الطريقة: علم حاخاماتنا: سبع تعاليم أمر أبناء نوح بتنفيذها: القوانين الاجتماعية؛ الامتناع عن التجديف؛ عبادة الأصنام؛ الانحلال الجنسي؛ إراقة الدماء؛ السرقة؛ أكل لحم حيوان حي (B. Talmud: Sanhedrin 56A-59B) وبهذه الطريقة يلتزم اليهودي بالتوراة، بينما يلتزم الوثنيون بالقوانين الملزمة لجميع الناس المعبر عنها في قوانين نوح. وتلك الوصايا ذكرت في سفر أعمال الرسل، حين قبلت الكنيسة دخول الأمم إلى المسيحية: أَنْ تَمْتَنِعُوا عَمَّا ذُبحَ لِلأَصْنَامِ، وَعَنِ الدَّمِ، وَالْمَخْنُوقِ، وَالزِّنَا، الَّتِي إِنْ حَفِظْتُمْ أَنْفُسَكُمْ مِنْهَا فَنِعِمَّا تَفْعَلُونَ. كُونُوا مُعَافَيْنَ». (سفر أعمال الرسل 15: 29) اعتقد بيت هليل أن الأممي الذي مارس الوصايا النوحية العامة من الHasi dim (الصالحين) ويستحق مكانًا في العالم الآتي. لكن، لم يكن هذا نفس موقف بيت شماي التي ارتأت إلى أن الأمم الذين حفظوا وصايا نوح لا يستحقون مكانًا في العالم الآتي. وفي القرن الأول الميلادي فيما بعد، أصبح رأي هليل هو القائم، وتم حرمان الآراء التي عارضت قَبُول خلاص مؤمني الأديان الأخرى؛ على سبيل المثال، حرمت مدرسة هليل رأي الحاخام أليعازر بن هيركانس لتمسكه بتعاليم شماي وإصراره أن غير اليهود ليس لهم مكانًا في السماء حتى إن حفظوا الوصايا النوحية. استمرت تعاليم هليل مع تطور المسيحية. فقد كانت مناصرة الرسول بولس للأمم استمرارا للتعليم الذي تلقاه على يد معلمه اليهودي جماليل الذي كان هليليا. وبعد تحول بولس إلى المسيحية، دخل في صراع متكرر مع المسيحيين المتأثرين بيهوديتهم السابقة؛ إذ طالبوا المسيحيين من خلفية وثنية بالالتزام بجميع أحكام الشريعة اليهودية، كطقس الختان. ونلاحظ أن هذا الصراع قريب جدا من صراع مدرسة هليل وشماي. كما انتصرت مدرسة هليل في اليهودية، كذلك انتصرت في المسيحية في النهاية، وأصبح موقف بولس هو الموقف الرسمي للكنيسة ( باتريك جيه هارتن) الطلاق: ما المقصود بعلة الزنا؟ إن الفهم الصحيح لتعليم يسوع بخصوص الطلاق يعد مستحيلًا دون فهم صراع مدرستي هليل وشماي؛ فكما وضح الحاخام فولك في السابق، إن أغلب تعاليم يسوع كانت تعليقات على صراعات دينية يهودية قائمة في عصره. بادئ ذي بَدْء، لم تختلف المدرستان، بل والمدارس اليهودية الأخرى حول السماح بالطلاق بموافقة كلا الزوجين. فكل المدارس اليهودية قبلت الطلاق وكتابة كتاب طلاق. إن اليهودية لا تشجع على الطلاق بالطبع، لكنها اعترفت بصلاحيته دائمًا. فقد تأسس خط داود الملكي من خلال زواج داود من بثشبع -التي كانت والدة سليمان- وطلقها أوريا الحثي. ويعتمد هذا على التقليد الحاخامي القائل بأن جميع الجنود الذين غادروا لحروب داود طلقوا زوجاتهم أولاً (الحاخام هارفي فولك) لكن، بالرغْم من اتفاقهما على شرعية الطلاق، اختلف هليل وشماي حول الطلاق في حالة واحدة، وهي إذا كان بإرادة الزوج وحده: وسمح شماي بالطلاق بإرادة الزوج المفردة فقط في حالة الزنا، بينما سمح به هليل في حالة حب امرأة أخرى، ولأسباب سطحية عدة مثل الطبخ الرديء، إلخ. وتاريخيا، في وقت زعامة مدرسة هليل، كان مسموحا فعلًا للزوج أن يطلق زوجته رغما عن إرادتها حتى القرن العاشر الميلادي لأي سبب يراه مناسبًا. (Jewish Encyclopedia) من الجدير بالذكر أن هذا الخلاف كان خلافًا خاصا باليهود فقط، ولم يشغل الأمم. ولم يكن مطلوبًا من الأمم تطبيق شريعة التثنية بخصوص تقديم كتاب للطلاق، فيمكن للزوج والزوجة تسوية الأمر بينهما دون كتابة مستندات بذلك. وقد عارض بعض حاخامات اليهود هذا الأمر، ورفضوا طلاق الأمم مطلقا بهذا الشكل، والبعض الآخر، ارتأى إلى أن الأمم غير ملزمين بما جاء في شريعة اليهود. أما عن رأي يسوع حول خلاف هليل وشماي بخصوص الطلاق بإرادة الزوج وحده، فسنجده يخالف الخط الهليلي الذي رسمه لنفسه. فلأول مرة، يرفض يسوع تأييد هليل في قَبُول طلاق الزوج لزوجته رغما عنها لكل سبب، بل نجده يقتبس مقولة شماي عن السماح بالطلاق لسبب الزنا فقط. وَقِيلَ: مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَلْيُعْطِهَا كِتَابَ طَلاَق. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ إلاَّ لِعِلَّةِ الزِّنَى يَجْعَلُهَا تَزْنِي، وَمَنْ يَتَزَوَّجُ مُطَلَّقَةً فَإِنَّهُ يَزْنِي (إنجيل متى 5: 31-32) بالطبع، لم يفهم الناس قول يسوع في هذا الوقت على أنه رفض للطلاق عمومًا؛ لأن تطابق مقولة يسوع مع مقولة شماي يوضح أن يسوع يعلق على الخلاف الهليلي-الشمايي الشهير بخصوص طلاق الزوجة لأي سبب يراه الزوج مناسبًا رغمًا عن إرادتها، وهذا الخلاف لم يكن خفيا على أحد في هذا الوقت، إذ كانت خلافات هليل وشماي تمثل قضايا عامة، يتناقش فيها الجميع، ويؤكد هذا سؤال الجموع ليسوع في البداية: هَلْ يَحِلُّ لِلرَجُلِ أَنْ يُطَلِقَ امْرَأَتَهُ لِكُلِّ سَبَب؟. (إنجيل متى 3:19) لقد اعتاد يسوع التعليق على خلافات المدرستين وإبداء رأيه الذي لطالما ناصر آراء هليل الليبرالية. وكما اعتاد يسوع أن يقتبس من كلمات هليل، مثل قول هليل: ما لا تحبه لنفسك... لا تفعله بغيرك... تلك هي التوراة كلها والباقي شرحا لذلك التي أصبحت: فَكُلُّ مَا تُرِيدُونَ أَنْ يَفْعَلَ النَّاسُ بِكُمُ افْعَلُوا هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا بِهِمْ، لأَنَّ هذَا هُوَ النَّامُوسُ وَالأَنْبِيَاءُ.  (إنجيل متى 7: 12)، اقتبس يسوع قولا لشماي في حديثه عن الطلاق، وهي المرة الوحيدة التي ناصره فيها؛ لأن الرأي الهليلي لم يكن منصفًا للمرأة، ويعطي سلطة للرجل لإنهاء العلاقة بلا أسباب. أما عن قول يسوع: وَقِيلَ: مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَلْيُعْطِهَا كِتَابَ طَلاَق (إنجيل متى 31:5)، يعلق الحاخام فولك قائلًا: يبدو أن يسوع لم يرغب في أن يمارس أتباعه قاعدة الطلاق المكتوب الموضحة في سفر التثنية... لقد أراد يسوع أن يؤسس دينًا للأمم على أساس نظام نوح: فيسوع في (متى 19: 5-6) يؤسس تعاليمه المتعلقة بالطلاق على نص في التكوين (2:24)، وهذا النص قد نوقش صراحة في التلمود على أنه ينطبق على قوانين نوح. (الحاخام هارفي فولك) ويعلق باتريك جي هارتن: حين أشار يسوع للزنا، استخدم لفظة porneiaالمكتوب في القانون النوحي. وقد أثار هذا اللفظ جدلا واسعا واختلف الناس على معناه. ويبدو أنه يشير إلى طهارة طبيعة الإنسان الداخلية. (باتريك جيه هارتن) إن إشارة المسيح للزنا بلفظته في القانون النوحي (porneia) توضح أنه لم يرد لأتباعه تطبيق شرائع اليهود، ويذكرنا هذا مجددًا بفكرة قَبُول الأمم دون الحاجة إلى التهود، وانتهاء صَلاحِيَة شريعة العهد القديم عند المسيح وبولس. من يقول إن يسوع قد رفض الطلاق عمومًا وأحله لعلة الزنا فقط، هو في حقيقة الأمر جاهل بالخلفية التاريخية لنصوص الطلاق، بل والخلفية التاريخية لنشأة المسيحية كليًّا.   مصادر: Jesus the Pharisee: A New Look at the Jewishness of Jesus, (Harvey Falk) كتاب "يسوع الفريسي: نظرة جديدة على يهودية يسوع" للحاخام هارفي فولك The Pharisaic Roots of Jesus and the Early Church, (P. J. Hartin) مقال "الجذور الفريسية ليسوع والكنيسة الأولى" للأب الكاثوليكي باتريك جيه هارتن DIVORCE: Jewish Encyclopedia (Solomon Schechter & David Werner Amram) مقال "الطلاق"، الموسوعة اليهودية --- ### الفن القصصي في الأناجيل [٤] - Published: ۲۰۲۲-۱۰-۲۳ - Modified: 2022-10-22 - URL: https://tabcm.net/8711/ - تصنيفات: كتاب مقدس في هذا المقال نشرع في استكشاف المنطقة التاريخية المظلمة الواقعة ما بين تاريخ صعود / رفع السيد المسيح إلى السماء عام 33 م (بحسب تقويمنا الحالي وبدون احتساب هامش الخطأ الذي يبلغ مقداره ما بين 4 إلى 7 سنوات)، وما بين اعتناق بولس الرسول المفاجئ لعقيدة "يسوع الناصري المقام من بين الأموات" والذي كان محاربا شرسا لها وذلك في غضون عام 47 م، وما تبع ذلك من بداية كتابته لرسائله اعتبارا من العام 51 م تقريبا وحتى موته بالسيف في روما بأمر الإمبراطور "نيرون" عام 67 م. فترة مبهمة هي، ولكنها كانت فترة اختمار وتبلور للعديد من العقائد والأفكار التي كان مقدرا لها أن تغير وجه التاريخ البشري كله شرقا وغربا طوال 20 قرنا من عمر الزمان. كيف كانت عقائد وأفكار تلاميذ السيد المسيح تجاه معلمهم خلال هذه الفترة؟ ما الذي كان يدور بداخل دوائر الجماعات المسيحية المبكرة داخل وخارج فلسطين؟ أي أفكار كانت الجماعات المسيحية المبكرة تعتنقها تجاه ما سيصبح لاحقا "عقائد أساسية" في الإيمان المسيحي (الميلاد العذراوي، أقنوم الابن المتجسد، الخطية الأصلية، الصليب وسيلة للفداء، عقيدة الثالوث بداخل الجوهر الإلهي الواحد، إلخ) ما مدى مساهمة "بولس" في صياغة وبلورة بعض هذه العقائد في كتاباته ورسائله؟ أنهار من الحبر أريقت طوال القرنين الماضيين ولا زالت تراق بواسطة باحثي العهد الجديد والدراسات المسيحية المبكرة في محاولة للإجابة على مثل هذه الأسئلة التي حيرت العقول الباحثة في ظل ندرة المصادر التاريخية لهذه الفترة بصورتها المتعارف عليها (وثائق، كتابات مؤرخين، نقوش، شواهد أثرية. . إلخ) وهي الأسئلة التي كانت المؤسسة الدينية الرسمية (أي الكنيسة) تكتفي طوال 18 قرنا بالإجابة عنها بكلمة واحدة لم تعد مرضية لفضول الباحثين الأكاديميين اعتبارا من القرن 18: Tradition (التقليد) آمنت الكنيسة شرقا وغربا بأن كل هذه الأفكار والعقائد (ومعها طقوس وممارسات الكنيسة) قد تلقاها تلاميذ المسيح رأسا من معلمهم القائم من الموت بشكل تقليد شفاهي، ثم نقلوها -عبر الكرازة- إلى المؤمنين الأوائل ومن ثم إلى خلفاءهم حتى بدأت عملية تدوين الأناجيل في حدود العام 65 م. ولنبدأ بمحاولة الإجابة عن السؤال الأخير: هل كان لبولس الرسول دورا في "صياغة" بعض العقائد المسيحية لدرجة تجاوزت الصياغة إلى "إنشاء" بعض هذه العقائد؟ الواقع أن الباحث في علم تاريخ الأديان لا يكاد يجد شخصية دينية تعرضت لاتهامها باصطناع العقائد بقدر شخصية بولس الرسول (شاول الطرسوسي سابقا). كثيرون من باحثي القرن 19 وبدايات القرن ال 20 تعاملوا مع "بولس" باعتباره (المؤسس الفعلي للعقيدة المسيحية)، وتبعهم في هذه النظرة كثير من المؤرخين والمفكرين ممن اتهمنه بدس أفكاره الشخصية في طيات المسيحية، نذكر من بينهم المؤرخ الأمريكي "مايكل هارت" الذي وضع "بولس" في ترتيب الشخصية السادسة في قائمته لأكثر الشخصيات تأثيرا في تاريخ البشرية، معللا ذلك بأن "بولس" هو من صاغ أهم أفكار اللاهوت المسيحي.  أما في الشرق، فقد راج هذا الاتهام بين علماء الأديان المقارنة المسلمين ممن رأوا فيما جاء به "بولس" في رسائله تعكيرا لصفو "الوحدانية" التي كانت عليها رسالة السيد المسيح وحوارييه / تلاميذه. تكمن أهمية بولس الرسول في أنه قد كتب حوالي نصف عدد أسفار العهد الجديد الذي بين أيدينا اليوم في شكل "رسائل" وجهها لكنائس ولأفراد (على خلاف ما بين الباحثين والكنائس المختلفة بشأن صحة نسبة بعض هذه الرسائل إلى بولس أو بعض تلاميذه) حمل بولس الرسول ألقابا لامعة في الكنيسة الجامعة: رسول الأمم، فيلسوف المسيحية الأول، لسان العطر، الإناء المختار، وغيرها من الألقاب التي تنبيء بمدى فصاحته وقوة حجته وحسن بيانه، والتي تتجلى كأوضح ما يكون في رسائله التي بين أيدينا اليوم. ليس بمقدور أي باحث في تاريخ تدوين الأناجيل والكتابات المسيحية المبكرة أن يتجاوز بولس ورسائله، إذ إن الإجماع العلمي اليوم منعقد بالكامل تقريبا على أن بولس قد قام بكتابة رسائله خلال الفترة من 50 م وحتى 65 م تقريبا، أي إن آخر رسائله ظهورا كان تاريخها سابقا على بداية ظهور أول الأناجيل. هل أضاف بولس الرسول إلى عقائد المسيحية المبكرة ما لم يكن فيها بالفعل؟ واقع الأمر أن الأبحاث الأكاديمية المتأنية خلال السنوات الأخيرة (وأغلبها لباحثين لا ينسبون أنفسهم إلى المسيحية) قد أصبحت تتحدث اليوم عن مقاطع وأفكار يطلقون عليها اسم Pre-Pauline (ما قبل بولس) استطاع هؤلاء عزلها وتمييزها من وسط متون الرسائل المنسوبة لبولس (سواءا بصورة مؤكدة أو ظنية). تتميز هذه المقاطع ببعض السمات المميزة: 1- ألفاظها وتعبيراتها الفريدة التي لم يعتد "بولس" على استخدامها في بقية كتاباته ورسائله. 2- طابعها المسجوع الذي يغلب عليه الأسلوب الشعري poetic كما لو كانت معدة للتلاوة بشكل ليتورجي (شعائري) بواسطة جماعات مسيحية مبكرة. 3- برغم كونها قد وصلتنا مكتوبة باليونانية كسائر رسائل بولس، فإن هذه المقاطع (الما-قبل بولسية) تتميز بمقاطعها القصيرة وسماتها اللغوية التي توحي بأنها مترجمة إلى اليونانية من أصل شرقي (آرامي تحديدا)، وهي اللغة التي تكلم بها المسيح وكذلك تلاميذه. 4- في بعض هذه المقاطع يتحدث بولس عن عملية تسليم (باليونانية: باريلابون παρέλαβον) وتسلم (باليونانية: باريدوكا παρέδωκα) قام بها من الكنيسة الأم في أورشليم خلال أولى زياراته إليها (بعد 3 سنوات من اعتناقه للمسيحية)، إلى المؤمنين الذين خاطبهم في رسائله. ويلاحظ هنا أن هذين التعبيرين -في زمن بولس- كانا شائعين في نطاق الدوائر الدينية اليهودية للإشارة إلى عملية تسليم الشريعة الشفهية ما بين الرباوات اليهود وتلاميذهم. يتفق أغلب باحثي Literature Criticism (النقد الأدبي) على وجود 7 مقاطع (ما-قبل بولسية) على الأقل في رسائل بولس، هي بدون ترتيب زمني: 1- الرسالة إلى أهل رومية "روما" 4،3:1:عَنِ ابْنِهِ. الَّذِي صَارَ مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ مِنْ جِهَةِ الْجَسَدِ، وَتَعَيَّنَ ابْنَ اللهِ بِقُوَّةٍ مِنْ جِهَةِ رُوحِ الْقَدَاسَةِ، بِالْقِيَامَةِ مِنَ الأَمْوَاتِ: يَسُوعَ الْمَسِيحِ رَبِّنَا. 2- الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس 26-23:11:لأَنَّنِي تَسَلَّمْتُ مِنَ الرَّبِّ مَا سَلَّمْتُكُمْ أَيْضًا: إِنَّ الرَّبَّ يَسُوعَ فِي اللَّيْلَةِ الَّتِي أُسْلِمَ فِيهَا، أَخَذَ خُبْزًا وَشَكَرَ فَكَسَّرَ، وَقَالَ:«خُذُوا كُلُوا هذَا هُوَ جَسَدِي الْمَكْسُورُ لأَجْلِكُمُ. اصْنَعُوا هذَا لِذِكْرِي». كَذلِكَ الْكَأْسَ أَيْضًا بَعْدَمَا تَعَشَّوْا، قَائِلاً: «هذِهِ الْكَأْسُ هِيَ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ بِدَمِي. اصْنَعُوا هذَا كُلَّمَا شَرِبْتُمْ لِذِكْرِي». فَإِنَّكُمْ كُلَّمَا أَكَلْتُمْ هذَا الْخُبْزَ وَشَرِبْتُمْ هذِهِ الْكَأْسَ، تُخْبِرُونَ بِمَوْتِ الرَّبِّ إِلَى أَنْ يَجِيءَ. 3- الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس 8-3:15:فَإِنَّنِي سَلَّمْتُ إِلَيْكُمْ فِي الأَوَّلِ مَا قَبِلْتُهُ أَنَا أَيْضًا: أَنَّ الْمَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا حَسَبَ الْكُتُبِ، وَأَنَّهُ دُفِنَ، وَأَنَّهُ قَامَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ حَسَبَ الْكُتُبِ، وَأَنَّهُ ظَهَرَ لِصَفَا ثُمَّ لِلاثْنَيْ عَشَرَ. وَبَعْدَ ذلِكَ ظَهَرَ دَفْعَةً وَاحِدَةً لأَكْثَرَ مِنْ خَمْسِمِئَةِ أَخٍ، أَكْثَرُهُمْ بَاق إِلَى الآنَ. وَلكِنَّ بَعْضَهُمْ قَدْ رَقَدُوا. وَبَعْدَ ذلِكَ ظَهَرَ لِيَعْقُوبَ، ثُمَّ لِلرُّسُلِ أَجْمَعِينَ. وَآخِرَ الْكُلِّ ­ كَأَنَّهُ لِلسِّقْطِ ­ ظَهَرَ لِي أَنَا. 4- الرسالة إلى أهل فيلبي 11-6:2:فَلْيَكُنْ فِيكُمْ هذَا الْفِكْرُ الَّذِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ أَيْضًا: الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً ِللهِ. لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ. لِذلِكَ رَفَّعَهُ اللهُ أَيْضًا، وَأَعْطَاهُ اسْمًا فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ لِكَيْ تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ، وَيَعْتَرِفَ كُلُّ لِسَانٍ أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ رَبٌّ لِمَجْدِ اللهِ الآبِ. 5- الرسالة إلى أهل كولوسي 18-15:1:الَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ غَيْرِ الْمَنْظُورِ، بِكْرُ كُلِّ خَلِيقَةٍ. فَإِنَّهُ فِيهِ خُلِقَ الْكُلُّ: مَا في السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، مَا يُرَى وَمَا لاَ يُرَى، سَوَاءٌ كَانَ عُرُوشًا أَمْ سِيَادَاتٍ أَمْ رِيَاسَاتٍ أَمْ سَلاَطِينَ. الْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ. الَّذِي هُوَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، وَفِيهِ يَقُومُ الْكُلُّ وَهُوَ رَأْسُ الْجَسَدِ: الْكَنِيسَةِ. الَّذِي هُوَ الْبَدَاءَةُ، بِكْرٌ مِنَ الأَمْوَاتِ، لِكَيْ يَكُونَ هُوَ مُتَقَدِّمًا فِي كُلِّ شَيْءٍ. 6- الرسالة الأولى إلى تيموثاوس 16:3:وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ، تَبَرَّرَ فِي الرُّوحِ، تَرَاءَى لِمَلاَئِكَةٍ، كُرِزَ بِهِ بَيْنَ الأُمَمِ، أُومِنَ بِهِ فِي الْعَالَمِ، رُفِعَ فِي الْمَجْدِ. 7- الرسالة الثانية إلى تيموثاوس 8:2:اُذْكُرْ يَسُوعَ الْمَسِيحَ الْمُقَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ، مِنْ نَسْلِ دَاوُدَ بِحَسَبِ إِنْجِيلِي بينما يضيف بعض علماء العهد الجديد مثل Gary Habermas (جاري هابيرماس) إلى المقاطع السبعة السابقة 3 مقاطع أخرى: الرسالة إلى أهل رومية 4: 25:الَّذِي أُسْلِمَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا وَأُقِيمَ لأَجْلِ تَبْرِيرِنَا الرسالة إلى أهل رومية 10: 9-10:لأَنَّكَ إِنِ اعْتَرَفْتَ بِفَمِكَ بِالرَّبِّ يَسُوعَ، وَآمَنْتَ بِقَلْبِكَ أَنَّ اللهَ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، خَلَصْتَ. لأَنَّ الْقَلْبَ يُؤْمَنُ بِهِ لِلْبِرِّ، وَالْفَمَ يُعْتَرَفُ بِهِ لِلْخَلاَصِ. الرسالة الأولى إلى تيموثاوس 6: 13:أُوصِيكَ أَمَامَ اللهِ الَّذِي يُحْيِي الْكُلَّ، وَالْمَسِيحِ يَسُوعَ الَّذِي شَهِدَ لَدَى بِيلاَطُسَ الْبُنْطِيِّ بِالاعْتِرَافِ الْحَسَنِ وبمطالعة سريعة لمتن هذه المقاطع يمكننا أن نلاحظ أنها قد اشتملت على أغلب العقائد المسيحية الأساسية كما ظهرت في الأناجيل بعد موت بولس عام 67 م. وأيا كان وجه الخلاف بين العلماء حول مدى مساهمة فلسفة بولس في بلورة بعض العقائد المسيحية في اتجاه معين، إلا أن هذه المقاطع (ومعها مقاطع أخرى في رسالتي بطرس الأولى ويوحنا الأولى) تدل بوضوح على وجود ما يشبه (قانون إيمان بدائي) كانت الجماعات المسيحية المبكرة تتداوله فيما بينها وتلقنه لأتباعها شفاهة وتتلوه في بعض الممارسات الليتورجية مثل المعمودية وفريضة العشاء الرباني. ومن هذه المقاطع وأمثالها من التراث الشفهي، بدأ تبلور الأناجيل التي بين أيدينا اليوم. صورة زيتية تمثل حادثة تقديم أهل مدينة (لسترة Lystra) للقرابين لبولس ورفيقه برنابا، حيث ظنوه تجسدا للإله الإغريقي "هرمس" أي عطارد (رسول الآلهة ولسانهم الناطق) من فرط فصاحة بولس وموهبته في الخطابة، وهي الحادثة التي يذكرها سفر أعمال الرسل. --- ### كيلاً ملبداً مهزوزاً.. - Published: ۲۰۲۲-۱۰-۲۲ - Modified: 2022-10-20 - URL: https://tabcm.net/8674/ - تصنيفات: مقالات وآراء "أَعْطُوا تُعْطَوْا، كَيْلًا جَيِّدًا مُلَبَّدًا مَهْزُوزًا فَائِضًا يُعْطُونَ فِي أَحْضَانِكُمْ. لأَنَّهُ بِنَفْسِ الْكَيْلِ الَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ" (إنجيل لوقا، 6 :38) كثيرا ما أعجبتني تلك الآية: "كيلاً ملبداً مهزوزاً"، تريحني عندما أتذكّر كم خذلني البعض، فتأتي كنسمة خريفية باردة تتلمس وجهي وتطرد عنه حمرة الصيف... لم يهمني بداية الآية أو نهايتها. اكتفيت أن أعرف أنّ الكيل لا يعود فارغاً حتى على من ألقوا بقمامتهم في حياتي، فالمثل ﻻ يرد إليهم فقط نفس الكيل، (نفس المقدار) بل أيضا "ملبدا ومهزوزا" أي ممتلئ (مكبوس) لا يحوى فراغات. و انتظرت أن أرى بعيني "مجازة الأشرار"، إلى أن علمتني "الكارما" أﻻ أنتظر، وأن أهتم بمكيالي أنا. الكارما: هي مفهوم أخلاقي في الديانات الهندوسية والبوذية والطاوية والسيخية وغيرها، ويشير إلى مبدأ السببية حيث النوايا والأفعال الفردية تؤثر على مستقبل الفرد والعمل الخير يسهم في إيجاد الكارما الجيدة والسعادة في المستقبل، النية السيئة والفعل السيئ يسهم في إيجاد الكارما السيئة والمعاناة في المستقبل. (كارما - ويكيبيديا) وهنا ببساطة تعلمت أن ما أحصل عليه من الكيل هو أفعالي "أنا"، كارمتي الخاصة، أفعالي الجيدة والسيئة هي ما أحصد، والآخرون كذلك سوف يحصلون على كارمتهم الخاصة بغض النظر عن شخص من أساؤوا إليه. لن يُرد إليهم ما فعلوا بسبب أفعالهم تجاهي بل بسبب أفعالهم في العموم. كل إنسان تعود عليه أفعاله بما يستحق، فكل من يزرع زرعا مستوجب الحصاد مهما طال العمر. بل عليك أيضا أن تدرك أن الكارما ليست عقابا، وليست هي النار الأرضية التي سوف ترى أعدائك يكتوون بها. بل هي سبب ونتيجة للفعل الجيد والسيئ على حد سواء. لذلك عليك أن تدرك كارمتك وليس الكارما الخاصة بالآخرين. أن تنتظر نتيجة أفعالك أنت وليس الآخرين. فإذا أساء إليك أحدهم فلن يهرب من مقصلة الكارما، ليس من أجلك ومن أجل كارمتك، بل لأنها كارمته السيئة التي رُدّت إليه. حتى وأن كان فعله السيئ تجاه شخص أسوء منه، فذلك لن يمنع الكارما من أن تقوم بعملها المعتاد "زراعة وحصادا". قد يكون ذلك الزرع والحصد مواقيته تختلف عن مواقيتك، لكن الحصاد قادم لا محالة. "كيف يعاملك الناس هو كارماهم ؛ كيف يكون رد فعلك هو كارمتك" (الكاتب والمحاضر اﻷمريكي: واين والتر داير) لا مجال هنا لعين بعين، من أساء إليك سوف يحصد نتيجة فعله ورد فعلك تجاهه. سوف تحصد أنت أيضا كارمته، لذلك لا ترد الإساءة بالإساءة ودع الكارما تقتص. أهتم بأفعالك أنت وتصالح مع كارمتك وتأكد ألا تحصد أفعالك السيئة، وكن على يقين إن كل زرعك سوف يُحصد كما زرع غيرك. وقد تكون محظوظا بأن ترى بعينيك "مجازة الأشرار"، وقد لا، لكن ذلك لا ينفى حتمية الحصاد. لذلك، أهتم بالأفعال الوحيدة التي أنت قادر كل القدرة على تغييرها، وهي أفعالك، والتي يجب أن تكون مبنية على الصدق مع نفسك قبل الآخرين. أخلق عالما أفضل حولك، لأن الكارما دائما ما تعود وبقوة. علمتني الكارما أن أجعل كيلي ملبدا مهزوزا بالأفعال الجيدة ولا أحيد عيني عنه لان منه حصادي. وبالنهاية أحذرك حباً بأن الكارما حتى وأن كنت لا تؤمن بها، لكنها موجودة. --- ### إنجيل يوحنّا ١ : ١-١٨ - Published: ۲۰۲۲-۱۰-۲۱ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/8311/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون, كتاب مقدس «في البَدءِ كانَ الكَلِمَة والكَلِمَةُ كانَ لَدى الله والكَلِمَةُ هوَ الله. كانَ في البَدءِ لَدى الله»(إنجيل يوحنا 1: 1) المسيح كلمة الله لأنّه عبّر عنه بوضوحٍ وبغير غشّ. في شخصه استطعنا أن نعرف الله. . ليس في شخص الكلمة فحسب، لكن في أعماله أيضًا. الكلمة إذًا ليست فقط حروفًا، لكنّها شخص. كلمة صادقة، تعني ما تقول. تقول ما تفعل، وتفعل ما تقول. الكلمة صارَ جسدًا، صار فلسطينيًّا، آراميًّا يهوديًّا في بلدٍ محتلّ. الكلمة تجسّدَ في محيط احتلالٍ وفقرٍ وعنفٍ وانهيار اقتصاديّ وثقافيّ للدولة وتبعيّة إمبرياليّة للقوى العظمى المسيطرة. لم يتحدّث المسيح اللغة اللاتينيّة، كمّا أنّه لم يقل إنّ اللغة الآراميّة ليست لغتي فلغتي هي العبريّة، أو الآراميّة لغة الطغاة الذين سبوا شعبنا. استطاع المسيح إذًا، كونه هو الكلمة، أن يتحدّث ويوصل الله لشعب عصره بلغته وبلغة شعبه السائدة. لم يكن في المسيح اغتراب، لا لغويّ ولا سياسيّ ولا ثقافيّ ولا حتّى دينيّ تجاه اليهود. بتجسّد المسيح الكلمة: لبسَ إنسانَ عصره، بثقافته ولغته، بوطنه ومشاكله السياسيّة والاقتصاديّة والدينيّة. الاغتراب عن لغة الوطن وربطها بمحتلّ، ليس تمثّلًا بما قام به المسيح. بل هو تكميم الأفواه ما تلبث كلمة الله تتوه بين جهل المعاني وجهل الثقافة وجهل لغة التعبير. استطاع المسيح أن يكشف عن ذاته وعن الآب بكلمات ولغة عصره. . إلّا أنّه استطاع أن يعبّر بلغة صادقة. هل الكلمات التي نستخدمها اليوم نعرف معناها حقٍّا؟ --- ### أنت وعيناك وخمري - Published: ۲۰۲۲-۱۰-۲۰ - Modified: 2022-10-18 - URL: https://tabcm.net/8623/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون ‏على باب عينيك تَوقفَ زمني طرقته بنبض متمرد وسمعته بصوت نشيد قلب كان قدومي بشكوى جروح عاشقة تخبرك عن اشتياقها لنزفك بباب عينيك شكوى مسافة وقدر تكفلت أنا بالحب البعيد فـ تكفل أنت بإجابة القدر وأخبره أين أنت؟ من أنا؟ وأين الحب منا؟ ولا تفتح باب عينيك بل أغلقه بجواب فقط استلق في ذاكرة الصمت. . كي استخرج من بحر عينيك حروف اللؤلؤ. . والمرجان عينيك ثوره شعبية ترفع رايات العِصْيَان حبك ملحمة شعرية تتحدى شعراء السلطان استلق في ذاكرة التاريخ كي اقرأ في عينيك تاريخ المجد وأمزق ثوب الأحزان استلق في ذاكرة الليل كي أقطف من عينيك عناقيد الضوء وأغلق ذاكرة النسيان ‏كنت أرسمُ على صفحة الليل صمتاً قاتم اللون وكان طيفك وهديل عشقك ينفث رعشة في خاصرة الحرف وأنا أجمع رماد الحنين والألم الدفين وأغمسه في المِحبَرة فإذا بأبخرة الشوق تصعد من الأعماق وتلتصق بالأوراق فتُزهر أنت وأرجوا من عينيك المَغفِرة وأرى عينيك تُمطِرُ أغنيةً لنَا مِنْ سَحَابَة، بِعطرِ الوِّدِ تَنهَمِرُ الحُبُّ تُربَتُها والعِشقُ ثَمَرُتها أغصانِها الوَصلُ أورَاقِها السَهَرُ العمرُ يفني وليلُ الفجرِ مُرتِحلٌ والشوقُ يحيا على أجفانه القمرُ ‏إلى متى؟ أظل أنتظر عينيك وأخشى وقوع القدر هيا لتنير بين أهدابي و أفسح إلى صدري طريقاً للقمر ‏على جبينك وشمتُ قبلة بنكهة النور وأريج الورد ومن عينيك أكلت جذوري فصارت ملامحي بلا برد رتبتُ في عينيكَ لوحة موطني وسكنتَ فيّ عواصمٍ وحنينا فيكَ ارتحلتُ وفيك آثرت الهوى عمرا شفيفا في الفؤادِ سنينا على شرفات عينيك تقوم قيامة قلبي تُناديني أنظر إليكَ عالياً من تلك المسافة بين أحلامي الناعمة وَأحلامك المُرهفة أحثّ خُطاي المثقلة بالبوح وَالحنين أسير في طريقي وَمُتهالكة من الشوق أصل إليك ‏أمشي ويتبعني الرحيل إلى صهيل الملحِ في عينيك حيث تنامُ يمامةٌ هناك ويرتَخي فيها الهديلُ. أهفو إلى العسلِ الجريحِ على شفاهك كان يبكي أقحوانٌ عاشقٌ حتى أُضيئُكِ حيثُ يأخذُني السبيل على ضفاف عينيك ثقبت جميع قواربي ‏وما الليل إلاّ فكرة انهزام الضوء أمام عينيك! عاشقةٌ أنا... أبحث في حرب عينيك عن رصاصة أعترافي. ! للحزن في عينيك هَيبة تجعلني أشتهي تقبيلها بين غمضة وغمضة. هل تعلم. . ؟! كانت النظرة إلى عمق جوهرك وإنسانيتك. . أشد فِتْنةً ودِفئاً. . من النظرة إلى عينيك الساحرة. ‏بشفاه عينيك قبلات غافيه كلما أطالت النظر ... تستيقظ أغني بكاء ودموعي نوارس بيضاء تحلق عاليًا لتعانق سماء عينيك. --- ### أول القصيدة.. تأله - Published: ۲۰۲۲-۱۰-۱۹ - Modified: 2022-10-19 - URL: https://tabcm.net/7955/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أنبا بولا، مطران طنطا, الأب متى المسكين, بابا كيرلس عمود الدين, چورچ حبيب بباوي, قديس أثناسيوس الرسولي لماذا  أكتب هذا المقال؟ ولماذا اخترت هذا الفيديو بالرغم من مرور عدة سنوات عليه؟ حتى نرصد معا تطور الفكر المتشدد ضد عقيدة "التأله" كمثال لأمور أخرى كثيرة. الفكر بدأ بالإنكار والهجوم والاتهام المباشر بالكفر والشرك، ثم تحول موقفهم حينما بدأوا بالظهور بمظهر غير المتعلمين وبدأوا خلال السنوات الأخيرة  عن طريق أسقف كبير وكاهن نجم للشباك شهير وغيرهم أيضاً انهم يحوروا ويقولوا: (أوبسس) آه التأله موجود لكن نحن نخاف أن يُعثر  الناس، آه الاتحاد بالمسيح فعلا موجود لكن ليس بهذه الطريقة. . وهكذا! ! يقول نيافته في الفيديو: ". . أصل الحكاية إن الناس دول (س و ص) وقوعوا في خطية البر الذاتي والكبرياء وحب الذات وعدوا أنفسهم فوق مستوى المحاسبة وفوق مستوى الخطأ لأنهم في نظر أنفسهم تعدوا حدود البشر. . وبقوا أنصاف آلهة! ! ". (يا مثبت العقل في النافوخ. . حد فيهم قال كده؟! )، وبالطبع يهاجم الأب متى المسكين دون تسميته، لأنه غير معقول أن تمر مناسبة مثل هذه دون أن يتم سب  الرجل و(تقطع فروته) حي وميت! للأسف أتبع نفس الأسلوب الذي كان يتبعه غيره من رموز الحرس القديم في شرح الأمور العميقة جدا والمسائل المستعصية وتبسيط اللاهوت لعموم الشعب البسيط الطيب الجميل المهاود الذي يقول آمين دون أن يقرأ أو يراجع أي شخص، تحوير الكلام وصنع اتهام مزيف ثم يبني العظة بكاملها على هذا الاتهام فيسمي التهمة بدعة "تأليه الإنسان" وليس الـ"تأله". الأغرب لما نيافته حب يفسر النص الوارد في التسبحة القبطية "أخذ الذي لنا وأعطانا الذي له، نسبحه ونمجده ونزيده علوا"، قال بكل غرابة: ". . بصوا يا ولادي محدش يضلكم. . معنى أنه (أخذ الذي لنا) أنه أخذ جسد طبيعتنا وإنسانيتنا... أما تفسير (أعطانا الذي له) مالهاش سوي تفسير ومعنى واحد بس: أعطانا سلطان الحل والربط في الكهنوت! ! ! ". (بس كده؟! ! . . أومال حضرتك فاكر إيه يعني. . أنا أقتنعت... آمنت بالله! ) حتى نص التسبحة فسره بعقلية الإكليروس وفصله على مقاس الإكليروس ودمتم! ! واتضح أنه هو وحده لا شريك له الذي يأخذ مما للمسيح، طب بقية شعب المسيح؟ بالنسبة له هم غير مهمين مجرد "شوية عبيد". ويقول في رده على "الهرطيق متى وشريكه الزنديق بباوي": "يا أخي الحبيب بلاش تكبر وتعالي، عاوز أنت والمسيح تبقوا واحد "اتقي الله يا شيخ! ! وطالما بقوا آلهه، يبقي مالهاش لزوم التوبة، ونلغي سر الاعتراف برضه، ما خلاص دول آلهه مين هيحاسبهم! ! ". (وإذا كان اللي فات ده أدهشك. . فاللي جاي هيبسطك على الآخر). فيكمل نيافته: "... وكمان الأقوال المأخوذة عن الآباء (أثناسيوس وكيرلس وساويرس. . الخ) ربما تكون محرفة، حتى يا أولادي لو طلعت مش محرفة. . يعني هو الآباء (أثناسيوس وكيرلس) غير معصومين من الخطأ ". طبعاً في وجهة نظره أثناسيوس وكيرلس الكبير وغيرهم من مؤسسي اللاهوت الإسكندري ممكن يخطئوا، لكن أي بطريرك أو مَطْرَان معاصرين أو راحلين لا يمكن يكونوا أخطأوا ولم ينسب حضرته ولا غيره إليهم خطأ تعليمي أو لاهوتي أو رعوي أو إداري أو شخصي واحد لكن أثناسيوس وكيرلس عادي! (بالمناسبة: أنا أؤمن أن البشر كلهم أنبياء ورسل وقديسين وبطاركة وشهداء. . حتى خدام أسقفية الشباب غير معصومين من الخطأ (ضحكات ساخرة) وأكد نيافته على "أننا نأخذ ونتناول الناسوت فقط ولا نتناول اللاهوت" وأنا هنا أتساءل: أليست بدعة نسطور التي فصلت ما بين اللاهوت والناسوت؟ أم يهيأ لي؟ في النهاية أخذ يقارن بين ما الأب متى المسكين ودكتور جورج بباوي وبين سقوط الشيطان وسقوط آدم وحواء وخطية هيرودس وعقابه بالموت؟! فيقول: "يا ولادي الكنيسة انتفضت لما سمعت الكلام الغريب ده، وقالت ده مش تعليم إنساني، ده تعليم شيطاني، عارفين آخرة الناس دي إيه. . أقولكم أنا بقى، عارفين الشيطان لماذا سقط؟ سقط بسبب كبريائه وبره الذاتي وتعاليه وحواء سقطت بسبب إيه؟! وهيرودس ضربه الملاك ليه يا ولاد؟ علشان عاوز يتمجد ويبقي زي ربنا سبحانه وتعالى عاوز يبقي زيه زي المسيح والعياذ بالله، بيقولوا: "إننا نصير مسيحاً" عاوزين يبقوا زي السيد المسيح. . شفتوش كفر وإلحاد أكتر من كده! ! ". وأنا أيضا لم أر أغرب من هذا الكلام، لكل تفسير رأيت منتهى أما هذه التفسيرات! ! لن أقول ماذا يعني أن يكون كل إنسان مسيحي لازم يكون "مسيح" بمعنى الكلمة وأن الاتحاد به هي غاية الرب منذ البَدْء. --- ### من أنت يا سيد؟ - Published: ۲۰۲۲-۱۰-۱۸ - Modified: 2022-10-26 - URL: https://tabcm.net/8630/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: جايوس فلاڤيوس ڤاليريوس أوريلوس قسطنطينوس, حبيب جرجس, كرسي اﻹسكندرية, كرسي القسطنطينية, كرسي روما, ليسينيوس, مجمع نيقية, مدارس الأحد, نيرون كان اللقاء الأول عاصفاً، كان الطرف الأقوى هو المبادر، وكان الطرف الثاني يَجدُ في سعيه لتعقب أتباع الطرف الأول، وقد وقر في عقله أنه يقدم خدمة لله، حتى كاد أن يتفرغ لمهمته الوجودية التي نذر نفسه لإتمامها كما تقول الشريعة. كان اللقاء في وضح النهار لكنه كان محتشداً بالإبهار بالقدر الذي يربك منطق وفكر وترتيب الطرف الثاني، لكن يبدو أنه كان يملك ثباتاً انفعاليا ساعده على أن يبقى يقظاً قادراً على إدارة حوار يسبر فيه أغوار هذه المباغتة، كان سؤاله "من أنت يا سيد؟" بعد أن سمع نداء "شاول ... شاول لماذا تضطهدني؟! " يحكى لنا شاول أطياف من هذا اللقاء وتصاعده، في أكثر من مناسبة، حتى ينتهى به الأمر إلى مصالحة وصداقة بين الطرفين، وكيف سعى ليتتلمذ شاول بدأب وإصرار وبشكل مباشر لثلاث سنوات وربما أكثر في صحراء العربية على الرب يسوع صاحب مبادرة اللقاء، تنتهى بأن يتسلم منه إنجيله الذي حمله وجال به بين الأمم، داعياً ومبشراً، وقد طوع كل ملكاته ومواهبه لهذه المهمة الحياتية، وفى مشوار تبدلت فيه أولوياته، ودوره. لم يغير اسمه ولم يتنكر لصلاحياته المدنية والسياسية المكتسبة، فكان مثله مثل كثيرين من أبناء جيله، من مزدوجي الجنسية، يحمل اسماً يهودياً بحكم الانتماء العائلي والعرقى "شاول" واسماً يونانيا "بولس" بحكم جنسيته الرومانية التي اكتسبها ميراثاً عن أبيه الذي كان يعمل في خدمة الإمبراطورية الرومانية. لم يكن سؤاله سؤالاً عابراً، ولم يتوقف طرح السؤال عنده، فقد طرح مجدداً بعد أن هدأت نيران الاستهداف المستعرة، التي حاصرت وطاردت جماعات المسيحيين الأوائل، لقرون ثلاثة، بدءً من الإمبراطور نيرون الذي دشن عصر الاضطهاد عام 64 م، حتى بلغ ذروته في عصر الإمبراطور دقليديانوس ما بين عامي 303 و313، في بواكير القرن الرابع الميلادي ثم يأتي الإمبراطور قسطنطين ليضع نقطة في نهاية تلك المرحلة العصيبة، ويعد قسطنطين أحد ابرز الثعالب السياسية، إذ يعيد قراءة المشهد في امبراطورية مترامية الأطراف، ويعيد فحص التقارير الأمنية والتقارير التي تعرض الموقف السياسي فيها، ويشد انتباهه، جسارة جماعات المسيحيين في مواجهة موجات الإبادة، التي يتعرضون لها، وما يبدونه من قبول الموت بابتهاج، وفرح. لم تكن قضية الإيمان تشغله، لكنه قرأ المشهد بعقلية سياسية استراتيجية، هم رعايا امبراطوريته، وتحكمهم منظومة قيم شكلت جسارتهم وأمانتهم، واستقامتهم، وولائهم للإمبراطورية رغم جسامة معاناتهم، بحسب التقارير المرفوعة له، فلماذا لا يحولهم إلى طاقة تدعم أهدافه، وتؤكد إحكام قبضته واستقرار حكمه، يتفتق ذهنه السياسي عن خطة تضمن ترجمة هدفه هذا، إلى واقع على الأرض، كانت البداية عام 313م. حين اصدر، بصفته إمبراطور الإمبراطورية الرومانية الغربية، بالاتفاق مع ليسينيوس، إمبراطور الإمبراطورية الرومانية الشرقية، منشور ميلان الذي عرف بمنشور التسامح، والذي يقضى بـ "منح المسيحيين وغيرهم الحرية لاتباع الدين والنهج المناسب والأفضل لكل فرد منهم". استراحت الكنيسة فقفز السؤال مجدداً: من أنت يا سيد؟ خرجت الكنائس من تحت الأرض، وخرج المسيحيون من المغائر والشقوق، وعادوا إلى حياتهم الطبيعية، وانتقلوا من حالة الاستنفار والتوجس، إلى حالة تتلامس مع الاسترخاء، وقفزوا على المناصب الهامة بالقرب من الإدارة الحاكمة وقصر الإمبراطور، الذى انتبه إلى كيفية تخليد اسمه فأنشأ مدينة القسطنطينية، وتضمنت كاتدرائية كبرى تليق به وبها، وفرضها كعاصمة جديدة، وفرضها كواحدة من الكراسي الكبرى لتآخى كراسي روما ـ العاصمة السياسية التاريخية القديمة ـ والإسكندرية ـ العاصمة الثقافية الشامخة ـ وأورشليم بما تحمله من عبق الكنيسة الأولى، وأنطاكية العريقة. دخول الدولة وعلى رأسها إمبراطور طموح في ترتيب الشأن الكنسي المسكوني برؤيته السياسية، بغية توظيفها كقوة ناعمة لدعمه، وضمان ولاء الشعب له من خلالها، أضفى على أمراء الكنيسة صبغة الحكام، وأفضى إلى اقترابهم من البلاط الإمبراطوري، وانتقلت الكنيسة في دائرة الإدارة إلى التنافس بين الكراسي الخمسة، في من هو الكرسي الأولى بالقيادة، كان المستقر أن روما بثقلها التاريخي والسياسي في المقدمة تليها الإسكندرية، فلما ظهرت القسطنطينية الواعدة والمتوعدة، أزاحت الإسكندرية إلى المرتبة الثالثة، وحلت محلها تالية لروما. مع حالة الاسترخاء، فرض الفراغ آلياته على الكنيسة، فبدأت تظهر تأويلات جديدة تتناول أسس الإيمان، ولما كان شخص المسيح هو محور وقاعدة الإيمان، لذلك صار هو محور التأويلات الجديدة، وكانت الكراسي تدعو لمجامع محلية تتناول ما يطرح، وتفحصه وتقومه وتضبطه على ما لديها من قواعد تسلمتها عبر أجيالها المتتابعة من كنيسة الرسل، فيما عُرف بالتقليد، وينتهى الأمر بإقرار أصحاب التأويلات بما انتهت إليه تلك المجامع. حتى جاء قس سكندري يملك من الحصافة والقدرة على صياغة أفكارة ليشيع رؤيته التي ترفض أن يكون المسيح مساوياً للآب في الجوهر، وعندما واجهته كنيسة الإسكندرية بما تؤمن به، خرج بطرحه إلى الكنائس الشقيقة، كان محور الأخذ والرد تنويعة على السؤال الأثير "من أنت يا سيد؟". ارتجت المدن وتعالت وتيرة السجس في شوارعها، وأدرك قسطنطين أن ثمة خطر يتهدد امبراطوريته، فبادر إلى دعوة أساقفة العالم إلى اجتماع في واحدة من مدن عاصمته، تحت رئاسته، لحسم الجدالات الدائرة بامتداد الإمبراطورية، فكان مجمع نيقية (325م. ). كان اللافت لي وأنا أتابع أعمال المؤتمر الإمبراطوري (المجمع) تعاطى الإمبراطور مع الحدث، وهو رغم موقعه السياسي المتقدم بل الأول، لم يكن طرفاً في الخلاف، وهو حتى تلك اللحظة لم يكن قد نال سر المعمودية، ولم يكن قد أعلن صراحة على قبوله الإيمان المسيحي، لكنه كان يترأس جلسات المجمع، هكذا، وعندما نقرأ عن القواعد المنظمة لكيفية انعقاد مجمع مسكوني (يضم كافة الكنائس) التى استقرت في الكنائس التقليدية، نجد في مقدمتها أن يكون الداعي لها الحاكم (الإمبراطور)، حتى تكتسب شرعيتها والاعتراف بها ! ! . يقول المؤرخون أن قسطنطين في نهاية مؤتمره المسكوني في وداعه للأساقفة المشاركين، أهدى كل اسقف كرسي مستنسخ من كرسيه الإمبراطوري، وحُلة إمبراطورية، وصولجان كصولجانه، وهكذا صار الأسقف خاصة في كنائس الشرق صورة مصغرة من الإمبراطور، بل أن الكنيسة شرقاً وغرباً رتبت هيكلها الإداري على غرار الهيكل الإمبراطوري، خاصة وأن مجمع نيقية قدم اسقف الإسكندرية على أقرانه من أساقفة مصر ليصير هو رأس الكنيسة، وتُناظر الإيبارشية المقاطعة، والأسقف هو المناظر الكنسي لحاكم المقاطعة، وتتشابه ملابس الأسقف مع ملابس الإمبراطور ويضع تاجاً على رأسه كنظيره الإمبراطوري. ويتكرر طرح السؤال وتتكرر المؤتمرات المسكونية لتنتهى بانقسام الكنيسة على نفسها، وتحجز السياسة موقعاً متقدماً في مصدامات الكراسي داخل تلك المؤتمرات (المجامع)، وينتقل السؤال من جيل إلى جيل، وتتصارع الإجابات. تنهار الإمبراطورية الرومانية وتجرى في النهر مياه كثيرة تتلاطم فيها أمواج الصراعات، تندثر كيانات سياسية وتبزغ أخرى. تراجع موقع الكنيسة فقفز السؤال مجدداً : من أنت يا سيد؟ تغادر كنائس الشرق مكانها في موقع المركز لتنزوى بعيداً عند الأطراف، وتتأثر بثقافة مختلفة لا تسترح لأطروحات الكنيسة خاصة في دائرة "الخريستولوجي" وتناصبها العداء، مع الأمة الجديدة والتي بسطت نفوذها على الشرقين الأدنى والمتوسط، يتسلل طيف من ثقافتها التي تحاصر الكنيسة، ومعها يعود السؤال الأثير ليطرح من جديد "من أنت يا سيد؟". وتتصارع الإجابات داخل الكنيسة الشرقية، ربما القبطية تحديداً، الممزقة بين تراث عريق محجوز في رقوق مدونة بلغات مهجورة، وبين ثقافات غازية، فرضت لغتها التي لا تحتمل مصطلحات اللاهوت، وهو تمزق شكّلته انقطاعات حادة، تغير فيه لسانها مرتين، مرة في أعقاب انفضاض مجمع خلقيدونية (451م. ) حين قاطعنا بملء الإرادة الإكليروسية اللغة اليونانية لتحل القبطية محلها، في انحياز قومى لا تخطئه عين، والثانية حين أُجبرنا على هجران القبطية كلغة حياة، لأسباب ينكرها من وقف وراء إجبارنا على الهجرة القسرية إلى العربية، في المساحة ما بين القرنين العاشر والثاني عشر الميلاديين، ومع عوامل تاريخية أخرى ندخل في نفق طال لقرون، حتى انتبهنا لحاجتنا إلى إعادة التواصل تحت ضغط الإرساليات التي جاءت في أعطاف الحملة الفرنسية مرة وفى مصاحبة الاحتلال البريطاني مرة، فضلاً عن الحراك الثقافي والتوعوي الذي دشنه الوالي محمد على، ثم الخديوي إسماعيل. كانت بداية السعي المؤثر مع إسناد عمادة المدرسة الإكليريكية للأستاذ (القديس) حبيب جرجس، الذي أسس منظومة "مدارس الأحد"؛ والتي جاءت استنساخاً لفكرة ونظام تجربة مدارس الأحد الغربية بعد تطعيمها ببعض المظاهر القبطية الأرثوذكسية في الممارسة، وتأثر مؤسسها وجناح شبرا بمصادر تعليمية خارج السياق القبطي الأرثوذكسي، وذكر ذلك بأمانة في كتبه التعليمية، بينما تبنى جناح آخر التوجه الاجتماعي في مقابل توجه انعزالي لجناح ثالث. وشهدت الكنيسة صراعاً غير معلن بين كهنة تلك الفترة وتيارات مدارس الأحد، وانقسم معهم الشباب إلى فريق شمامسة في مواجهة فريق مدارس الأحد. وانتهت المواجهة بتسيّد مدارس الأحد بعد صعودها إلى الكرسي البابوي لتبدأ مرحلة جديدة تتغير معها خريطة التوازنات، بتوجه الكنيسة إلى رهبنة الفضاء الكنسي، وعلى الرغم من أن الرهبنة هي بالأساس حركة علمانية إلا انه تم صبغها بالصبغة الكهنوتية، وتم إخضاعها للهيراركية الكنسية، وتم تقنين رسامة اسقف لكل دير، فتفقد تمايزات تجمعاتها والقدر المتاح لها من حرية الحركة، وتنوع مدارسها. وفى تطور لاحق يتم التمييز بين الكاهن الراهب والكاهن المتزوج، ويمتد محاصرة الأخير بالتوسع في رسامة ما عرف بالأسقف العام (اسقف بلا رعية ! ) لتتقلص معه مهام ودور الإيغومانوس (القمص)، بعد أن تراجع دور الشماس لينحصر في حفظ وترديد الألحان الكنسية. الأزمة هنا ليست في خريطة التوازنات المرتبكة واختلال الهيراركية الكنسية بالاختفاء الفعلي لدور كل من الشماس والقمص، وإنما في الصلاحيات المفتوحة للأسقف وارتهان بقاءه برضا البابا البطريرك وجماعات الضغط والمصالح. والأخطر هو خضوع التعليم فيما بعد صعود جناح من أجنحة مدارس الأحد إلى قيادة الكنيسة لما يؤمن به هذا الجناح، والذي نجح في تكريس التماهي بين قيادة الكنيسة وبين الكنيسة الكيان، واعتبار أن ما تقول به القيادة بشكل شخصي هو رأى الكنيسة. وان من يختلف مع طرح ورأى هذا الجناح إنما يختلف مع إيمان الكنيسة (! ! ! ) بل ويحسب مهرطقاً. ويخضع للملاحقة من صقور المجمع. صارت الإجابة بحسب الآباء على السؤال الأثير محفوفة بالمخاطر، وأقصر طريق لوصم صاحبها بالهرطقة. وهو الاتهام الذي طال التجمعات والمراكز الثقافية التي حملت مسئولية إعادة وصل ما انقطع مع فكر الآباء وخاصة آباء الكنيسة الجامعة قبل الانشقاق، وإعادة رسم خريطة الكريستولوجي، والتأكيد على مكتسبات الإنسان التي صارت له جراء التجسد والفداء، التي أوجزها القديس أثناسيوس الرسولي في قوله عن الرب يسوع المسيح "أخذ الذي لنا وأعطانا الذى له" واعتمدتها ليتورجية الكنيسة في تسبحتها. ويظل السؤال مطروحاً: من أنت يا سيد؟ --- ### الشك المقدس.. الله وتساؤلاتنا - Published: ۲۰۲۲-۱۰-۱۷ - Modified: 2022-10-17 - URL: https://tabcm.net/8424/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: تلميذي عمواس, توما الرسول, حماة الإيمان, قديس بولس الرسول أحيانًا كثيرة يجول بخواطرنا تساؤل إيماني، أو شك يأكل عقولنا، ندور نبحث عن إجابة منطقية مُقنعة، لكن في كل مرة لم تكن الإجابة على مقدار السؤال، وفي أحيانٍ أخرى كنا لا نجد إجابة من الأساس، و أحيان أخرى كان لا يوجد إلا تهديد ووعيد وتكفير و ترهيب. ستجده يقول لك: حبيبي أنت لسه صغير، هو أنت ممكن تحط مياه البحر كلها في كوباية صُغيرة؟ أكيد لأ، أهو أنت بقى مخك قد الكوباية الصغيرة مش كل الأجوبة عقلك يقدر يساعها. وممكن يقولك: حبيبي بلاش تفكر كثير، بلاش تفكر أصلًا، أنت عاوز ربنا يزعل منك، مفيش أحسن من الإيمان البسيط، لأنه بينما يتجادل اللاهوتيون في الأمور اللاهوتية العويصة يتسلل البسطاء للملكوت، خليك بسيط لأن كل اللي هرطقوا وهلكوا معرفوش يكونوا بسطاء، أنت عاوز نهايتك تبقى زي أريوس اللي انسكبت أحشاءه في مرحاض عام؟. . انطق عاوز تخش جهنم؟ أكيد هترد تقول لأ، يبقى خلي إيمانك بسيط. ربما لم يمر السؤال عليه من قبل، لكنه لا يفضل قول "لا أعرف"، فتجده يقول كلام ليس له علاقة أصلا بالسؤال، وتجده يقول أمور  كثيرة من وقت ما خلق الله العالم حتى و"ننتظر قيامة الأموات وحياة الدهر الآتي آمين"،  لكن لا توجد إجابة، وقد تكون الإجابة سطحية مبنية من كتاب "ما يطلبه المستمعون"، وفي الغالب كل أجوبته غير أكاديمية وغير علمية وغير منطقية،  لكن كلها مبنية على كاريزما الكاتب، وأنه من المستحيل أن يتحدث شخص بأن هذه الإجابة خطأ وإلا مصيره سيكون أسوأ من أنه فكر وسأل أساسا. ومن الممكن أن يكون حظك لو سألت حد أمين وقال لك لا أعرف الإجابة، أو قال لك أنا بحثت من قبل ووجدت كذا وكذا ولا أعرف أي رأي صح وأي رأي خطأ، يا سلام لو لاقيت شخص وقال لك على فكرة هذا السؤال نهاجم به ونحاول أن ندافع ونقول كذا وكذا لكن هذه الدفاعات ضعيفة ومردود عليها بكذا وكذا، ولا أجد مشكلة إذا كان هذا الهجوم سليم، وهذا  قد يكون راجع لخطأ في النسخ أو معلومة خطأ كانت عند الكاتب، أو معلومة خطا لكن كانت صح بالنسبة للكاتب، أو إن الفكرة المطروحة كانت مناسبة لزمانها أو لمكانها لأن فيه نمو ثقافي حصل مع مرور الزمن. وقد تجد شخص بشجاعة يفهمك إن مفاهيم كثيرة تأثرت بثقافتنا العربية وإننا لا نؤمن بالوحي الحرفي وأن هناك نظريات مختلفة لمفهوم الوحي الكتابي وأن الطقس ينمو ويتطور ويتغير وإننا حين نطور في ممارسة معينة فهذا  لا يعني أبدا إننا نخون عقيدتنا فندشن الأيقونات بـ"الرول" ولا "نتشعلق" على سلم لن تفرق، نطبخ الميرون بالطريقة القديمة أم ننجز مادام في طرق حديثة، نطلع في الإنبل ونوعظ اعتمادا على حنجرتنا ولا نستعمل الميكروفون، الأنوار ولا الشموع. بولس الرسول في أحيان كثيرة كان يقول بنفسه إنه يكتب رأيه الشخصي غير الملزم للآخرين، وأن بعض تعاليمه عن المرأة كانت تخص بيئة معينة هي بيئة كورنثوس على سبيل المثال لا الحصر نتيجة انتشار الفجور والنجاسة في كورنثوس في المعابد الوثنية ودور الكاهنات الوثنيات في ذلك، وكان يحاول أن يفرق بين سلوكيات الوثنيات وسلوكيات المؤمنات. الغريب أن من يحاولون أن يقمعوا الفكر بدعوى حماية الإيمان هم أكثر الناس إيذاءا وتدميرا للإيمان، لأننا لازم نفهم ونصدق ونتعلم ونعلم إن إيماننا غير مبني على مجرد نص مهما كان مقدس أو ممارسة مهما كانت عتيقة لكن إيماننا في الحقيقة مبني على علاقة حقيقية واختبار شخصي برب المجد يسوع المسيح، ساعتها لازم نمسك النِّقَاط التي نهاجم بها ونطرحها للبحث الدراسي الأكاديمي في اجتماعات الكهنة والخدام والشباب، ولا يوجد مانع إذا قولنا نعم هناك بعض الإشكاليات في بعض النصوص، وهناك بعض الإشكاليات في اختلاف آراء الآباء فيما بينهم، وأن هناك أسئلة وتساؤلات ستظل بلا إجابات شافية مهما حاول البعض إيجاد إجابات دبلوماسية ترضي جميع الأطراف ولكنها في الحقيقة إجابات تثير الشك أكثر من الدفاع عن الإيمان. في الوقت الذي سنتعلم فيه التعامل مع نقاشاتنا بهذه الطريقة وندرك أنه لا يهم أن تنتهي كل الموضوعات كما في الأفلام العربي بنهايات سعيدة وأنه أحيانا  تكون الإجابات المتاحة غير مرضية أو إجابات مفتوحة وقتها لن نخاف على شبابنا من أي هجوم فكري، لأننا علمناهم التفكير، وعلمناهم أن يمتحنوا الأفكار، وعلمناهم ألا يخجلوا من شكهم لأنه سيقودهم لأمانة البحث وحتما سيصلون يوما لَمَّا يرو ظمأهم، أما لو أرهبناهم من التفكير وحاولنا عمل قوالب أو اسطمبات إيمانية نحفظها للكل سنخلق منهم مسوخ يعبدون إله لا يعرفونه في الحقيقة، ويمارسون طقوس يرون أنه ليس لها فائدة ويرددون كلام عقيدة لا يعيشون جوهرها ولا فاهمين دورها في خلاصنا. من الأخر. . يا صديقي، الله لا يخجل إطلاقا من تساؤلاتنا وشكوكنا الإيمانية لأنه بمنتهى البساطة لو كان ربنا لا يريدنا ألا نفكر لم يكن ليخلق لنا عقل، ولو كان يريدنا  كلنا نسخة واحدة لم يكن يهتم بالتنوع، ولو كان لا يهمه أن نفهم لم يكن ظهر لتلميذي عمواس يفهمهم طول الطريق أن كل ما حدث كان ينبغي أن يتحقق حسب قول الأنبياء، ولو لم يفرق معه أفكارنا الضعيفة وشك إيماننا لم يكن ظهر مخصوص لتوما وقال له: "لكي لا تكون فيما بعد غير مؤمن، بل مؤمن". --- ### الفن القصصي في الأناجيل [٣] - Published: ۲۰۲۲-۱۰-۱٦ - Modified: 2022-10-16 - URL: https://tabcm.net/8604/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: برنابا, قديس إسطفانوس أول الشهداء, قديس بولس الرسول, نبي موسى نواصل في هذا المقال حديثنا عن الأحوال الدينية والثقافية للمجتمع المسيحي المبكر، لنستشف ملامح البيئة التي تبلورت فيها كتابات العهد الجديد (وفي القلب منها الأناجيل الأربعة). ونحاول هنا أن نجيب عن السؤال الهام: كيف سارت علاقة الجماعة المسيحية المبكرة بجذورها اليهودية خلال القرن الأول؟ الواقع أن رسل المسيح -كما يخبرنا سفر أعمال الرسل- قد اعتمدوا بشكل أساسي على أسفار التناخ (العهد القديم) في كرازتهم بالمسيح التي توجهت بالأساس إلى بني جلدتهم من اليهود كما أسلفنا، إذ كان محور كرازتهم هو إثبات أن كافة أحداث حياة يسوع الناصري تجد لها صدى في كتب أنبياء التناخ، وأن موته بطريقة مهينة وبشعة مثل الصليب لم يكن شيئا مخزيا، بل كان خطوة لازمة لتمجيده وإعلانه لليهود ثم للعالم بوصفه "المسيا المنتظر". ونجد لزاما علينا هنا أن نتوقف قليلا أمام هذه المعضلة العويصة التي لا يمكننا تخيلها بمفاهيمنا الحالية، التي واجهها مسيحيو القرن الأول الميلادي في دفاعهم عن الطريقة المهينة التي مات بها يسوع الناصري (أو فضيحة الصليب Scandal of the Cross) كما اشتهرت في الأكاديميا الغربية، وذلك في مواجهة السخرية الشرسة من اليهود واليونانيين على السواء: ففي نظر اليهود، كانت ميتة الصليب مرادفا للعنة والحرمان من رحمة الله لدرجة تعليق جسد المذنب بعيدا عن الأرض كيلا تتنجس بها، وذلك بموجب ما جاء في سفر التثنية بالتوراة: وَإِذَا كَانَ عَلَى إِنْسَانٍ خَطِيَّةٌ حَقُّهَا الْمَوْتُ، فَقُتِلَ وَعَلَّقْتَهُ عَلَى خَشَبَةٍ، فَلاَ تَبِتْ جُثَّتُهُ عَلَى الْخَشَبَةِ، بَلْ تَدْفِنُهُ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، لأَنَّ الْمُعَلَّقَ مَلْعُونٌ مِنَ اللهِ. فَلاَ تُنَجِّسْ أَرْضَكَ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَصِيبًا. (سفر التثنية 21: 22-23) أما بالنسبة للأمم من غير اليهود (وبخاصة بالنسبة للرومان)، فلم تكن عقوبة الصُّلْب مستخدمة سوى للعتيدين في الإجرام أو لمن ارتكبوا جرائم بشعة تمس أمن الإمبراطورية الرومانية كلها، التي تستلزم أن يتم عقابهم بطريقة استعراضية بشعة حتى يكونوا عبرة ورادعا لغيرهم، كقادة التمردات الشعبية أو السفاحين أو قطاع الطريق. ومن المثير أن هذه النظرة للصليب كأداة إعدام قد استمرت لدى الرومان حتى نهايات القرن الثاني الميلادي في الأقل: فلدينا نقش جرافيتي graffiti (مخربشة) عثر عليها في منطقة تلال تدعى "بالاتين" في روما ويؤرخ لها علماء الآثار بحوالي عام 200م، يظهر فيها شخص معلق فوق صليب ويحمل رأس حمار، بينما يقف أمامه شخص آخر في وضع التعبد، وتحت النقش نجد عبارة باللغة اليونانية المنقحرة بحروف لاتينية تقول: ΑΛΕ ΞΑΜΕΝΟϹ ϹΕΒΕΤΕ ΘΕΟΝ"أليكسامينوس يتعبد لإلهه" ! ! ويغلب الظن بأن صاحب هذا النقش -الذي أقيمت فوقه ثُكْنَة عسكرية رومانية في عهد الإمبراطور "كاليجولا"- كان أحد الجنود الرومان الذين قصدوا السخرية ممن يدعى "أليكسامينوس" بالادعاء بأنه يعبد حمارا مصلوبا. والواقع أن تهمة (عبادة الحمير Onolatry) لم تكن جديدة على المسيحيين، فلقد شاعت من قبل على اليهود الذين اتهمهم فلاسفة الإسكندرية المناوئين لهم بأنهم يحتفظون برأس حمار ذهبي في قدس أقداس هيكلهم، وهي التهمة التي حرص المؤرخ اليهودي "يوسيفوس" على دحضها في كتابه الذي دونه ردا على الفيلسوف المصري الإسكندري "أبيون النحوي" في نهايات القرن الأول الميلادي، الذي حمل اسم (ضد أبيون) (للمزيد حول الصراع الفكري ما بين فلاسفة الإسكندرية وما بين اليهود والتاريخ التوراتي، انتظر سلسلة لكاتب هذه السطور تحت عنوان: "لغز الخروج") من الطريف أن نفس التهمة قد لصقت بالمسيحيين الذين كانوا لفترة طويلة في نظر الرومان يمثلون إحدى الفرق اليهودية المارقة لا أكثر: ففي القرن الثالث الميلادي نجد أن الفيلسوف المسيحي الإسكندري العظيم "أوريجين/أوريجانوس" قد حرص على رد هذه التهمة وتفنيدها، وذلك في سياق كتابه الدفاعي الذي خصصه للرد على انتقادات الفيلسوف "كلسوس" ضد المسيحية بعنوان: Contra Celsum (ضد كلسوس)، الكتاب السابع. أما القديس "ترتليان"، وهو من آباء كنيسة قرطاج المندثرة بشمال إفريقيا، فقد كتب في بدايات القرن الثالث عن شخص يهودي كان معاصرا مثل "اسكتش" ساخر موجه ضد المسيحيين، حيث أدى دور شخص مسيحي مرتديا أذني حمار وحوافره، ووضع فوق صدره لافتة تقول: Deus Christianorum ὀνοκοίτης(إله المسيحيين حمل بحمار) ! ! (ترتليان: الدفاعيات، الكتاب 16) وهكذا كان على مبشري الجماعة المسيحية المبكرة أن يقنعوا كلا من اليهود والأمم بأن هذه الميتة المهينة كانت أداة تمجيد -وليست لعنة- ليسوع الناصري، وما أصعبها من مهمة! ! ويمكننا أن نشعر بمدى الجهد الذي عاناه بولس الرسول مثلا وهو يكافح لإثبات هذه العقيدة، ولنطالع مثلا ما قاله في رسالته الأولى إلى أهل مدينة كورنثوس: لأَنَّ الْمَسِيحَ لَمْ يُرْسِلْنِي لأُعَمِّدَ بَلْ لأُبَشِّرَ، لاَ بِحِكْمَةِ كَلاَمٍ لِئَلاَّ يَتَعَطَّلَ صَلِيبُ الْمَسِيحِ. فَإِنَّ كَلِمَةَ الصَّلِيبِ عِنْدَ الْهَالِكِينَ جَهَالَةٌ، وَأَمَّا عِنْدَنَا نَحْنُ الْمُخَلَّصِينَ فَهِيَ قُوَّةُ اللهِ(رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس 1: 17-18) وهو ما عاد ليؤكد عليه في نفس الرسالة: وَلكِنَّنَا نَحْنُ نَكْرِزُ بِالْمَسِيحِ مَصْلُوبًا: لِلْيَهُودِ عَثْرَةً، وَلِلْيُونَانِيِّينَ جَهَالَةً! وَأَمَّا لِلْمَدْعُوِّينَ: يَهُودًا وَيُونَانِيِّينَ، فَبِالْمَسِيحِ قُوَّةِ اللهِ وَحِكْمَةِ اللهِ. (رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس 1: 23-24) أما في رسالته إلى أهل مدينة غلاطية، فقد أعاد رسم مشهد الصليب -بعاره ولعنته- بنظرة لاهوتية جديدة تليق به كـ"فيلسوف المسيحية" كما يلقب: اَلْمَسِيحُ افْتَدَانَا مِنْ لَعْنَةِ النَّامُوسِ، إِذْ صَارَ لَعْنَةً لأَجْلِنَا، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ عُلِّقَ عَلَى خَشَبَةٍ». (رسالة بولس إلى غلاطية 3: 13) وهكذا لم يصبح الصليب لعنة حلت بيسوع رغما عنه كما ظن اليهود، بل لعنة اختار يسوع أن يجوز فيها بملء إرادته ليفتدي البشرية من اللعنة التي كانت واقعة عليها بموجب شريعة الناموس الموسوي. كيف كان موقف اليهود من الدعوة الجديدة؟ يمكننا القول بصورة عامة بأن موقف اليهود -لا سيّما السنهدرين والرئاسات الدينية- تجاه المسيحية قد اتسم بالشراسة والعداء لأسباب عدة، من بينها غَيْرَة اليهود التقليديين على شريعتهم من فكرة "المسيح المصلوب" التي رأوا فيها ما يحط من شأن ديانتهم ويمثل شركا بوحدانية "يهوه" الصارمة. فضلا عن ذلك، فلم يكن القادة الدينيين لليهود في أورشليم بالذات بحاجة للمزيد من المتاعب من السلطة الرومانية الحاكمة التي كانت تسمح لهم -على مضض- بتطبيق شرائعهم الدينية وتأدية شعائرهم في الهيكل، ولم يكن من مصلحتهم أن يسمحوا بانتشار فرقة دينية جديدة خارجة عن سلطتهم الدينية وليس لهم سيطرة عليها. لذلك فقد بدأت السلطات الدينية اليهودية مبكرا في محاولاتها لقمع هذه الحركة الوليدة، وكان على رأس المتحمسين لقمعها الفريسي المتشدد "شاول" الذي سيصبح لاحقا -في مفارقة دراماتيكية- فيلسوف المسيحية ورسولها الأشهر "بولس": وَحَدَثَ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ اضْطِهَادٌ عَظِيمٌ عَلَى الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي أُورُشَلِيمَ، فَتَشَتَّتَ الْجَمِيعُ فِي كُوَرِ الْيَهُودِيَّةِ وَالسَّامِرَةِ، مَا عَدَا الرُّسُلَ. وَحَمَلَ رِجَالٌ أَتْقِيَاءُ اسْتِفَانُوسَ وَعَمِلُوا عَلَيْهِ مَنَاحَةً عَظِيمَةً. وَأَمَّا شَاوُلُ فَكَانَ يَسْطُو عَلَى الْكَنِيسَةِ، وَهُوَ يَدْخُلُ الْبُيُوتَ وَيَجُرُّ رِجَالاً وَنِسَاءً وَيُسَلِّمُهُمْ إِلَى السِّجْنِ. فَالَّذِينَ تَشَتَّتُوا جَالُوا مُبَشِّرِينَ بِالْكَلِمَةِ. (سفر أعمال الرسل 8: 1-4) وهكذا تسبب اضطهاد العقيدة الجديدة في انتشار المؤمنين بها -كحبوب اللقاح- إلى خارج أورشليم وفلسطين كلها، لتبدأ بذور "المسيحية الأممية" في النمو. وفي رسائل بولس الرسول المتلاحقة يمكننا أن نلمس مدى الصراع المرير الذي خاضه مع اليهود دفاعا عن عقيدة "المسيح المصلوب"، ويروي لنا سفر أعمال الرسل جانبا من المقاومة اليهودية الشرسة التي واجهها "بولس" ورفيق كرازته "برنابا" خلال رحلتهما الكرازية إلى مدينة "برجة بمفيلية": وَلكِنَّ الْيَهُودَ حَرَّكُوا النِّسَاءَ الْمُتَعَبِّدَاتِ الشَّرِيفَاتِ وَوُجُوهَ الْمَدِينَةِ، وَأَثَارُوا اضْطِهَادًا عَلَى بُولُسَ وَبَرْنَابَا، وَأَخْرَجُوهُمَا مِنْ تُخُومِهِمْ. (سفر أعمال الرسل 13: 50)  وبرغم هذا فقد نجح "بولس" ورفيقه في اجتذاب الكثيرين من الأمميين للمسيحية: فَلَمَّا سَمِعَ الأُمَمُ ذلِكَ كَانُوا يَفْرَحُونَ وَيُمَجِّدُونَ كَلِمَةَ الرَّبِّ. وَآمَنَ جَمِيعُ الَّذِينَ كَانُوا مُعَيَّنِينَ لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ. وَانْتَشَرَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ فِي كُلِّ الْكُورَةِ. (سفر أعمال الرسل 13: 48-49)  وهكذا صدر الحكم النهائي من فم بولس على اليهود الذين رفضوا الخلاص المقدم إليهم أولا: «كَانَ يَجِبُ أَنْ تُكَلَّمُوا أَنْتُمْ أَوَّلاً بِكَلِمَةِ اللهِ، وَلكِنْ إِذْ دَفَعْتُمُوهَا عَنْكُمْ، وَحَكَمْتُمْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُسْتَحِقِّينَ لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ، هُوَذَا نَتَوَجَّهُ إِلَى الأُمَمِ. لأَنْ هكَذَا أَوْصَانَا الرَّبُّ: قَدْ أَقَمْتُكَ نُورًا لِلأُمَمِ، لِتَكُونَ أَنْتَ خَلاَصًا إِلَى أَقْصَى الأَرْضِ». (سفر أعمال الرسل 13: 46-47)  وتأكيدا لهذا الحكم، فقد نفض "بولس" و"برنابا" غبار أرجلهما على يهود المدينة كعلامة على استحقاقهم للعقاب الإلهي نتيجة رفضهم للدعوة: أَمَّا هُمَا فَنَفَضَا غُبَارَ أَرْجُلِهِمَا عَلَيْهِمْ، وَأَتَيَا إِلَى إِيقُونِيَةَ. وَأَمَّا التَّلاَمِيذُ فَكَانُوا يَمْتَلِئُونَ مِنَ الْفَرَحِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ. (سفر أعمال الرسل 13: 51-52)  وفيما بعد سيحكي لنا التاريخ عن الأحداث الجسام التي وقعت لليهود خلال النصف الثاني من القرن الأول الميلادي، بدءًا باندلاع شرارة التمرد ضد الحكم الروماني التي بدأ دخانها في التصاعد منذ عام 66م، مرورا بحشد الجيوش الرومانية الجرارة لحصار "أورشليم" في نفس العام، وصولا لذروة الأحداث عندما اقتحم الجيش الروماني بقيادة "تيتوس فسبسيانوس" أورشليم عام 70م ليدمر الهيكل ويسويه بالأرض، وسط مذابح جماعية لسكان المدينة كان المؤرخ اليهودي "يوسيفوس" شاهدا عليها بحكم عمله مع الرومان. ومنذ هذا التاريخ فصاعدا، بدأت الاتهامات المتبادلة ما بين اليهود والمسيحيين بالمسئولية عن الكارثة، حتى أعلنت القطيعة الكاملة ما بين العقيدتين عندما منع اليهود مواطنيهم المسيحيين من الصلاة في مجامعهم تماما وطردوهم في وقت ما حول العام 88م، ليتفرق طريق الديانتين منذئذ في موكب التاريخ. وفي ظل هذه الظروف الملتبسة كانت بداية الأناجيل. --- ### الحزام الأسود ذو الحلية الحديدية على هيئة رأس أسد - Published: ۲۰۲۲-۱۰-۱۵ - Modified: 2022-10-14 - URL: https://tabcm.net/8578/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون استيقظت باكراً كعادتها بالرغم من أنها ليست في حاجة إلى ذلك، فزوجها مُسافر ولن يعود قبل ثلاثة أيام،، استيقظت ضجراً وتناولت إفطارها البسيط غصباً وجلست أمام التلفاز أمداً، تشاهد فيلما عربيا قديما سرعان ما تركته مللاً بعد أن داهمتها الإعلانات التجارية متخطية الربع ساعة بمقاييس الزمن،، تحولت عنه لفيلم أخر سرعان ما أصابه نفس الداء،، تحولت ﻵخر وآخر حتى نست أي فيلم كانت تشاهد من البداية. . ! مضى النهار ثقيلاً لم تأكل خلاله سوى ثمرتيّ فاكهة ليس أكثر فهي نادراً ما تتذكر نفسها حين تكون وحيدة بالمنزل. بدأ ضجيج المارة يجتاح الشارع كعادة أيام الصيف، يخرج الجميع باحثين عن نسمة هواء تنعشهم بعيدا عن صناديقهم الأسمنتية. ضجيج الأطفال في الشارع وهم يلعبون الكرة بالحارة الجانبية ويملؤون الدنيا صياحاً مع كل هدف إلى جانب صياح أمهاتهم خوفاً من شرود الكرة إلى الشارع الرئيس وهم خلفها، وبين هذا وذاك لا يخلو الشارع من شجار كل ساعة وأخرى، فالمعلم صاحب المقهى الكائن أسفل العقار أصر على عمل مطب صناعي أمام المقهى حتى يتسنى لصبيانه المرور بهوادة يحملون الصواني المرصوصة بأكواب الشاي وفناجيل القهوة إلى الجهة الأخرى من الشارع التي أحتلها أيضا وأفترشها بكراسي المقهى، حيث يلعب فتيان الحي الدومينو والنرد يومياً كل ليلة حتى الساعات الأولى من الصباح، ومع كل سيارة تمر وتصطدم عفشتها بالمطب أو تميل على غير عمد للجهة الأخرى حتى تتحايل على المطب فتصطدم بالعربات القادمة من الجهة المقابلة إلاّ وقع شجار بسبب "مطب المعلم"! في شهورها الأولى بالحي، كانت تجرى إلى الشرفة مع كل شجار يدور، ففي اليوم الواحد هناك عشرات المشاجرات كانت تشاهدهم جميعاً، ولكن مع مرور الوقت فقدت حماسها وانتهى بها الحال بأﻻ تتوجه إلى الشرفة إلا مرة واحدة مع أعتا شجار يدور. لذا لم تهتم اليوم بأي من المشاجرات إلا عندما استمعت لصرخات مكتومة، ولم تهتم كثيراً حتى سمعت وسط تلك الصرخات صرخة واحدة لامرأة أرعبتها، توجهت إلى الشرفة يدفعها القليل من الفضول ونظرت للأسفل حيث المطب فلم تجد أي شجار أو سيارات بالقرب منه، ولكن هناك تجمع بشرى ليس بقليل يقف على الجهة المقابلة للشارع ينظرون جميعهم لأعلى. وجهت عينيها إلى حيث أعينهم مسمره فالتقطت عيناها جسد امرأة أربعينية مدلى من شرفة كائنة بالطابق السادس ولا تمسك إلا السور بكلتا يديها. هالها الموقف فأطلقت صرخة كادت أن تكون مدوية ولكن سرعان ما وأدتها بكلتا يديها. أخدت تنظر لجسد المرأة المدلى وتسمع صراخها المرعب. أردت أن تساعدها ولكن كيف؟ لابد وأن هناك من الجمع من يحسن التدبير لإنقاذ تلك السيدة، لكنها رأت الجموع بالأسفل يطالبونها بترك السور والسقوط لأسفل حيث يمسكون ما يشبه مظلة إنقاذ صغيرة. وحين تيقنت من ماهيتها، أدركت أنها ليست إلا شال حريري أبيض يشف ما أسفله. أخدت تصرخ من شرفتها بأن الشال لن يتحمل جسد السيدة وأن عليهم أن يتركوا ذلك الشال، وأن يتبرع الجار الذي يسكن أسفلها بأن يمسكها من شرفته، أو أن يكسر أحدهم باب مسكنها ويرفع جسدها لأعلى، ولكن صرخات السيدة المعلّقة من الشرفة كانت أعلى منها، لم تعد تمسك السور إلا بيد واحدة، لن تتحمل ذلك الجسد الثقيل كثيراً، وصيحات الرجال بالشارع يطالبونها بأن تثق وتترك جسدها يهوى على شالهم الحريري. لم يكن يُمسك الشال إلا أربع رجال فقط؛ أبيها وأخيها وزوجها وأبنها الأكبر، جميعهم وعلى اختلاف أعمارهم يرتدون ذات الملابس من بنطال وقميص وحذاء مدبب وحزام أسود عريض ذو حلية حديدة تتخذ هيئة رأس أسد، وجميعهم يملكون نفس الشارب الكثيف الذي يغطى أفواههم. أخد الأربعة يطالبونها بالسقوط فجلبابها قد يداعبه الهواء ولا يغطى جسدها كما يجب، وعيون الجموع تشبثت بذلك. نظر ذويها، الأربعة رجال، للجموع مطولاً حتى نكسوا رؤوسهم للأسفل، وما أن التفوا حتى رفع الجموع هواتفهم المحمولة للأعلى، هواتفهم التي سرعان ما نزلت لأسفل مع جسد السيدة المتهاوي إلى الشال الحريري الأبيض الذي كفنها إلى الأرض. أنفض الجمع سريعاً من حول جسدها الذي وراه الأربعة بأحكام الشال الحريري عليها، الذي لم يصيبه إلا قطرتين من الدماء، ثم رصوا الكراسي جوارها سريعاً لتلقي واجب العزاء، ولم يذهب وراء جسدها الذي فارقته نسمته سوى أمها الثكلى المتشحة بالسواد. سقوط السيدة من أعلى لم يستغرق إلا ثوان، لكنه شغل أياما وأسابيع من تفكيرها، أسابيعا تراقب شرفة السيدة فتراها تسقط كل يوم من السابعة صباحاً حتى غروب الشمس، لذا قررت أن تهجر شرفتها تماماً فزوجها قد ضاق ذرعاً من حزنها حتى أنبت شاربه بكثافة وغطى على فمه غضباً وغيظاً. سافر زوجهاً مرة أخرى لمدة أطول، ورجعت هي لعادتها القديمة المملة التي ألفتها منذ أن تركت عملها عند زواجها. مرة أخرى أصبحت تشاهد عشرات الأفلام يومياً حتى يأتيها النوم الذي أصبح يعاندها كل ليلة. جلست عشاء أحد أيام الخريف الأولى، تحتسى كوبا من الشاي، وحيدة، تشاهد مسرحية قديمة، حتى سمعت صراخا مكتوما يأتي من الشارع. . تجاهلته. . سرعان ما أزداد الصراخ شدة، فتنبيت أنه لامرأة. . تركت كوب الشاي واسترقت السمع والصراخ يزداد وهى تخشى أن تترك مكانها. . بالنهاية، تحركت حذره تجاه الشرفة التي هجرتها منذ وقت طويل، دخلت بحذر لم يشبه إلا صوت دقات قلبها المتزايدة والأكثر علوا من صوت الصراخ. نظرت وإذ بالجموع تحتل الشارع على الجهة المقابلة وينظرون للأعلى، فنظرت معهم وهي على حذر، وجدت سيدة ثلاثينية تتدلى من شرفتها بالطابق الخامس ولا يفصلها عن أرض الشارع إلا السور الذي تمسكه بشدة. هلعت وهى ترى ذلك الجسد المدلى تداعبه نسمات الخريف بلا خجل.  همست لنفسها: "لا، ليست مرة أخرى، عليهم أن يحتاطوا هذه المرة". نظرت لأسفل لتجد ٣ رجال فقط يمسكون بشال أبيض حريري وهم أبيها وأخيها وزوجها ويطالبونها بالسقوط. الثلاث رجال يرتدون بالمثل، حذاء مدبب وحزام أسود ذو حلية حديدية على هيئة رأس أسد. وقف إلى جوار الثلاث رجال وحيدها البالغ من العمر أثنى عشرة عام، يبكى، ناظرا للأعلى، ويرجوها أن تتشبث جيدا بالسور حتى يصعد ويمسكها. لكن الثلاث رجال نظروا له نظره أرعبته، طالبوه بأن يُمسك معهم الشال. تردد الفتى كثيرا، فتارة ينظر لأعلى لتلتقي  عينه بأمه باكياً، وتارة ينظر لعيون الثلاث رجال التي تلتهمه. ولكن بالأخير، تقدم خوفاً، وأمسك الشال معهم. لم تر كيف تحول ذلك الفتى في لمح البصر إلى شاب ذو شارب كثيف يغطي فمه، مرتدياً مثلهم: حذاء مدبب وحزام أسود ذو حلية حديدية على هيئة رأس أسد. لم تطل دهشتها طويلا حتى قاطعها وصول جسد السيدة إلى الأرض يواريه الشال الأبيض الحريري وصفوف الكراسي تمتلئ بالمعزيين وسيارة الموتى تأخذ جسدها ولا يذهب خلفها إلا صغيرتها وأمها العجوز. أصابها الهلع مجدداً تاركه الشرفة لأيام طويلة، أصبح فيها شارب زوجها أكثر كثافة خاصة بعدما أشترى ذلك الحزام الأسود ذو الحلية الحديدية على هيئة رأس أسد مثل الذي يملكه والدها. قرر زوجها أنها ولا بد من أن تضع ستائر لتلك الشرفة تمنع عنهم الأجساد المدلاة من الشرفات، لذا اشترت ستارة جديدة زاهية الألوان على غير العادة فزوجها يميل للألوان الباهتة، ولكنها أصرت عليها حتى عندما عاندها الحزام الأسود ذو الحلية الحديدية على هيئة رأس أسد. وفي نهار شتاء دافئ على غير العادة وضعت السلم بالشرفة حتى تتمكن من تركيب الستارة، وصعدت وهى تمسك ستارتها الزاهية، وبدأت تضع حلقاتها واحدة تلو الأخرى، وزوجها ينظر للستارة الزاهية الألوان والشرر يتطاير من عينيه، ومع كل حلقة تضعها يسقط جزء من شاربه الكثيف مما جعلها تزداد سرعه وهي تراقبه، وقبل أن تنتهي من جميع الحلَقات كان شاربه قد تركه كاملاً، فتأملت مطولاً في ملامحه الهادئة، تلك التي كان يملكها قبل زواجهما، وتساءلت عن تلك الابتسامة التي هاجرت شفتاه تاركه مساحة لا بأس بها لذلك الشارب الكثيف. تحسس شاربه الذي فقده وتوارى عنها سريعاً وتركها مع ستارتها الزاهية تركب حلقاتها الأخيرة، وتفكر كيف تقنعه أن يتخلى عن شاربه المزيف للأبد وحذاءه المدبب وحزامه الأسود ذو الحلية الحديدية على هيئة رأس أسد. . وسط شرودها، لم تفطن أنها عقدت للتو الحلقة الأخيرة، وأتكأت بالخطأً على أحلامها، فوجدت نفسها معلقة من شرفتها، وجسدها مدلى للشارع، وسُلمها قد سبقها إلى أسفل. أصابها الهلع وأخذت تنادي زوجها حتى يرفعها لأعلى، لكن لم يكن هناك مجيب. نظرت للأسفل، فرأت جموع كثيرة ينظرون لها، يقف وسطهم أبيها، وزوجها، يمسكون شالا حريريا أبيضا، ويطالبونها بالسقوط. نظرت لهم مطولاً وإلى الجموع الذين نكسوا رأسهم بنظرة واحدة، من أبيها، وزوجها، وتعجبت كيف نبت شارب زوجها بهذه السرعة مرة أخرى. . تمنت لو كانت أكثر حذرا من الأخريات. أخذوا يطالبونها بالسقوط لكنها ازدادت تشبثاً، بل واجتهدت في محاولة رفع جسدها لأعلى السور، وكلما اقتربت من النجاة تعالت صيحاتهم أعلى وأعلى تطالبها بالسقوط. . تمسّكت جيدا ورفعت جسدها المنقوش بعلامات رأس الأسد تلك، حتى وصلت لبر الأمان داخل شرفتها تنظر لهم منتشية. . خاب ظن المارة، وانفضوا سريعاً تاركين الكراسي، دون معزّيين، ورحلت سيارة الموتى، لا تحمل سوى: شال حريري أبيض يحوي شوارب أبيها وزوجها اللذان ما زالا يطالبانها بالسقوط ولكنها أخبرتهم صارخة بأنها: لن تسقط أبداً. --- ### رسالة مفتوحة للأنبا دانيال سكرتير المجمع المقدّس - Published: ۲۰۲۲-۱۰-۱٤ - Modified: 2024-05-20 - URL: https://tabcm.net/8590/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أنبا أغاثون، أسقف مغاغة والعدوة, أنبا دانيال، سكرتير المجمع المقدس, المجمع المقدس, النسطورية, بابا كيرلس عمود الدين نيافة الحبر الجليل الأنبا دانيال، سكرتير المجمع المقدس تحية طيبة، نلتمس معها بركات وصلوات نيافتكم،، سيدي الجليل. . دأب نيافة الحبر الجليل الأنبا أغاثون، أسقف مغاغة والعدوة، على نشر تعليم هرطوقي هو النسطورية بعينها، تعليما يحوي كل الهرطقات التي ترفضها كنيستنا ورفضها أباؤنا القديسون وخاضوا بسببها ما تنوء به الجبال دفاعا عن الحق المسلم لهم. لا يكتفي نيافته بنشر هذا التعليم في اجتماعات مغلقة على رعيته فتنحسر آثارها المدمرة للإيمان القويم، بل ينشرها في الفضاء العام مسموعة ومقروءة في صورة محاضرات، والخطورة أنه يسبغ عليها صفته الرسمية الكهنوتية، فيستقبلها المتلقي على أنها تعليم الكنيسة الرسمي بالرغم من زيغها وضلالها. يعلم نيافته بوجود سابق على الاتحاد للناسوت، ولا يخفي على نيافتكم أن هذا التعليم يهدم التدبير الإلهي وعمل الرب الخلاصي نهائيا، فهو يمسخ الاتحاد الأقنومي للكلمة المتجسد إلى مجرد حلول إلهي على إنسان بلا خطية. بتاريخ 30/11/2021 قال نيافته: "هو فقط ناسوته الخالي من الخطية، سواء قبل أن يتحد به المسيح وبعد أن أتحد به وإلى أبد الأبدية. " وبتاريخ 11/10/2022 قال نيافته: "وكان للروح القدس دور آخر، هو إعداد الناسوت لله الكلمة في بداية تكوينه خاليا من الخطية بكل أنواعها وصورها(! ! ! ! )، ثم بعد إعداد الناسوت لله الكلمة بهذه الكيفية، "حل" أقنوم الابن، أي الله الكلمة واتحد بالناسوت في أحشاء السيدة العذراء، منذ اللحظة الأولى بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير" لا يجب الاحتجاج هنا بورود شبه الجملة "منذ اللحظة الأولى" لأنها تنصب على نفي الاختلاط والامتزاج والتغيير، فأصل الجملة هي: واتحد بالناسوت بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير منذ اللحظة الأولى لم يجد معلمنا القديس كيرلس الكبير تعليما أخطر من هذا ليختصه بحرمين من حرومه الإثني عشرة التي تشكل التعليم الكريستولوجي للكنيسة الجامعة (سنوردهما لاحقا) فقد كان جوهر تعليم النسطورية هو التمسك بأن الناسوت قد تكون مستقلا في رحم العذراء، ثم اتخذه الله الكلمة بعد ذلك، وهنا يرى أباؤنا القديسون أن هذا التعليم يتضمن -في طياته- وجود شخصين في الاتحاد هما الله الكلمة، والإنسان يسوع. يرد القديس كيرلس الكبير على ديودور الطرسوسي قائلا: "إنك تعبر بكلمات لا تدل إلا على الجهل وهي ضارة جدا، فذلك الجسد المقدس كان بالفعل من مريم، ولكنه منذ لحظه وجودة في الرحم كان مقدسا بكونه جسد المسيح، ولا احد يتصور انه كانت هناك لحظة واحدة لم يكن فيها ذلك الجسد جسده" انصب التعليم الأرثوذكسي على انه: حيث إن الناسوت لم يتكون في الرحم مستقلا عن الاتحاد مع الله الكلمة، فهو ليس طبيعة موازية للطبيعة الإلهية، بمعني أن الرب قد أخذ طبيعتنا البشرية المشتركة (عجينة البشرية) وليس شخصا محددا وانعكس هذا الفكر علي رفض تعبير "في طبيعتين" في خلقيدونيا وبعدها، لأنه ضمنيا يحمل نفس فكرة التكوّن المستقل للناسوت "من يتجاسر ويقول إن المسيح هو إنسان حامل الله، وليس بالحري هو الله بالحق، والابن الواحد بالطبيعة، إذ أن الكلمة "صار" جسدا واشترك مثلنا في اللحم والدم، فليكن محروما" (الحرم الخامس للقديس كيرلس) "من لا يعترف أن جسد الرب هو معطي الحياة وهو يخص الكلمة، بل يقول انه جسد لواحد آخر غيره، وأنه فقط حصل على "حلول" الهي، فليكن محروما" (الحرم الحادي عشر) سيدي الجليل إن القلب لينزف وأنا اكتب إليكم طالبا إجراء اللازم نحو قطع الأسقف المذكور من رتبته السامية، ولكني استلهم واستعيد كلمات معلمنا القديس كيرلس الكبير الموجهة إلى نسطوريوس بعد سلوك كل السبل لرده عن هرطقته: يقول الرب من احب أبا أو أما اكثر مني فلا يستحقني، ومن احب ابنا أو بنتا اكثر مني فلا يستحقني، فماذا سوف نعاني نحن؟ من سيكون قادرا على مساعدتنا يوم الدينونة؟ وأي دفاع يمكن أن نقدمه إن كنا نؤثر الصمت على التجاديف التي صدرت منك عنه؟؟ فلو انك أذيت نفسك فقط وانت تقول هذه الأمور وتعلم بها، لكان اهتمامنا أقل، ولكنك أعثرت كل الكنيسة وأدخلت خميرة الهرطقة إليها ووسط الشعب في كل مكان، وليس فقط في إيبارشيتك إن الدفاع عن الإيمان الأرثوذكسي هو واجبٌ وحق أصيل للكنيسة، جسد الرب، مارسه الشعب دائما ودون انقطاع، وكان رقيبا صارما على انزلاقات الإكليروس. فتجدر الإشارة مثلا أن من تصدى لخبالات النسطورية وكشف عوارها هو شاب علماني، أدماه أن يتفوه بطريرك الكنيسة بما يخالف الإيمان المستقيم، فجابهه بالحق واحتشد الشعب خلفه. فنحن نكتب إلى مجمعكم الموقر ونضعكم أمام مسئوليتكم الجسيمة في عزل الاعوجاج، و تنقية الصحفة. ونرجو اعتبار كتابنا هذا بمثابة تكليف لمجمع كنيستنا لفحص الأمر على وجه السرعة، و إعلان النتائج على الشعب. الرب يقود خطواتكم، ويرشد بصائركم للحق دائما، وتفضلوا بقبول فائق التقدير و الاحترام تم تحويل هذا المقال إلى حملة لجمع التوقيعات بغرض إرسالها لسكرتارية المجمع المقدّس. اضغط لإضافة توقيعك. --- ### أنتظرك.. - Published: ۲۰۲۲-۱۰-۱۳ - Modified: 2022-10-13 - URL: https://tabcm.net/8528/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون ‏هي الآلام تأتي في غمرة الليل الباكي وأنت آخر الأطياف في الرؤى الحزينة أنتظرك شريد في الصحو المشتهى وعنيد على تجاعيد الدروب وفي حديقتك هذا الورد الشاهق اللون يسامر أشرعتي... ولا يتوب وعطرك حين يصلي في محراب الليل القلب بالصلاة يفيض وتمد الدمع نحو الظن ليصير يقين وإليه يؤوب ‏أنت لا تنطفئ داخلي لكن حين تغيب أتهشّم وحين أسقط من روابيك أحلامي تتكسّر يصلبني في الطريق إليك كمشة أسئلة وحزني ينمو أعشاباً على نصل منجل أنت يا الحاضر في الصمت والدهشة : أنتظرك شمال الهديل فصل عصافير أسراب ورد... وأكثر ‏يا رجلا بطعم رحيق الجنة اطلق أغان المدن أني لعودتكَ ما زلت أحرض الحلم وأنتظر سطوة الأماكن قبل أن يفر الندى حياء أعبر ولا تتمنع إن طالبتكَ بالسفر وأثقل الغيم بهدايا اللقاء، اهطلْ على حناياي معزوفة مطر ‏أنتظرُك كأنّ الانتظار لوحا وصايا خُتما بشمعِ الاحتراق. كأنَّ الانتظار لقاءُ المستحيل كأنّما يشدُّ على خصرهِ ياقةَ اختناقِ بيننا كلمات كانت تُدعى وعود صخب صمت على شفا الانهمار بيننا نور ونار يُبقِي الأمل متوهجًا وإن طالت دروب الانتظار ‏كيف يمكنني خيانةُ أنايَّ فيكْ، وأنا أقتفى أثر ألفَ جرحٍ غائرٍ في الرّوح... حتّى ألتقيك مهما فعلتَ، لنْ أخون روايتي تلكَ التي تظنُّ بأنّ حبّكَ ملحها ونغمها تلك التي كانت تقُصّكَ... ترتديكْ أنتظرك ولا تأتي، أمضي ويبقى بعضي ماكثاً على الأرصفة يطارد ما تبقى من أمل، أنتظرك ولا تحفل، ويبقى شالي ممسكاً بيدِ الهواء... لعلك تدركه. ‏أترقبك ولا ألمحك، ويبقى قلقي مُنصب التركيز على طيفك وهو يبتعد... لعلّه يُلوح، أقفُ على أصابع قدمى ولا أشاهدك، ويبقى سقف طموحي عالي الصبر... ربما تعود. أجلسُ في مساحاتِ صمتك الشاسعة مثل متسوِّلةِ وحيدة أتأملُ لا مبالاتكَ فيما قلبُكَ المائيُّ يغسل ملوحةَ الوجوه الزرقاء ويسمّي صريرَ بابِ البحر موسيقاه الأبديةَ. أنتظركَ لعلّكَ تقترب من تضرعي وتتبرع لي بكلماتٍ تفيضُ في أكمامِها الألحانُ والأغنيات. لستَ مجرد حلم ها أنا أقف طويلاً على سنين انتظارك أقاوم الرياح الباردة وقسوة كل الأشياء من دونك لذا لن أتنازل عن جُنون يقودني دوماً إليك... ‏وأنتظركَ في ركن الوفاء من المقهى العتيق حتى الطاولة تمدّ أغصانها الموؤودة حنيناً للأشجار نحو الطريق. ‏أنتظرك على ذاك الطريق الذي لا يصلُ إلّا إليك أُخيط لك المسافة خَطوةً، فَشارِعًا، فَمدينة. ‏أنا وأنتَ كاذِبان كما لو أنك الآن لا تشتاق لي كما لو أنني بجنون لا أنتظرك. أنتظرُك وأهربُ من ذاتي لأنَّ الانتظار لا ينتهي إليك إلى مساكبَ وقتٍ مورقة تذبل قبلَ أن أفيقَ من شفتيك. عزيزةٌ خُطوتك السماويّة على أَرضي، بكلِّ هُتافٍ للشجَر، للحصَى، و للتُراب بين بَرقٍ و آخر، تَنتشي خَيالاتي بِالرُعود أتوسّد ظِلًّا وكأساً أغرس مقعدًا وأنتظِر أكتب قصيدةً للمطرِ بِلهجةِ المسافات بيننا، أنّ تأتي... و‏أنت أيها القادم من جرح غائم الروح مكتظّ بالأطياف أنتظرك نايٌ يذرف الأبد ويغرق في هدير الضفاف. ‏الحبُ أن أنتظرك، وتأتي. . أن تُعاهدني ولا تخون أن أخبرك بمدى حاجتي فلا تتردد ومدى اشتياقي فتثور الحبُ أن أبني سور ثقةٍ فلا يُهدم. . وأن أُغامر بشعوري، ولا أندم الحُب تفاصيلٌ صغيرة لا تشُد الانتباه فقط بل تُيقظ كل ما فيك (ليتأهب). ‏سأنتظرك هناك عند آخر الغياب... --- ### "الصحافة للحوار" ومسؤولية الصحفي - Published: ۲۰۲۲-۱۰-۱۲ - Modified: 2025-02-22 - URL: https://tabcm.net/8557/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: أنبا إبيفانيوس المقاري, الأصولية, الصحافة للحوار, دير الأنبا مقار الكبير, مركز الملك عبد الله, ملك عبد الله هل يصح اللجوء لشخص باعتباره مصدرًا -لمجرد أنه يضع "عمة" (أسقف/ كاهن) على رأسه وليس له أي دراسة أكاديمية لاهوتية في جامعة معترف بها أكاديميًا- للحديث عن أمور لاهوتية تخص العقيدة المسيحية؟ سؤال لزملائي من الصحفيين المتابعين لملف الكنائس المصرية: هل يصح اللجوء لشخص باعتباره مصدرًا -لمجرد أنه يضع "عمة" (أسقف/ كاهن) على رأسه وليس له أي دراسة أكاديمية لاهوتية في جامعة معترف بها أكاديميًا- للحديث عن أمور لاهوتية تخص العقيدة المسيحية؟ جال في خاطري هذا التساؤل خلال جلسة بعنوان "خطاب الكراهيَة وتغطية الأديان"، مع دكتورة زاهرة حرب أستاذة الصِّحافة الدولية في جامعة سيتي لندن، وعضوة مجلس الأمناء في شبكة الصِّحافة الأخلاقية، ضمن برنامَج زمالة "الصِّحافة للحوار" الذي نظمه مركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات (KAICIID) في المدة بين 3إلى 7 أكتوبر/ تشرين الثاني 2022، في لشبونة بالبرتغال، خاصة مع توصية دكتورة حرب بتوخي الحذر في التعامل مع مصادر تدعي أنها "داعية" أو من "رجال الدين" وهم ليسوا مؤهلين للحديث في شئون الدين. دون وعي بدأت في عمل إسقاط على الحالة المصرية التي أتعامل معها كصحفي وأقصد هنا مِلَفّ الكنائس المصرية وشئون المواطنين المصريين الذين يدينون بالمسيحية، الذي أعمل عليه منذ عام 2011، فخلال تلك السنوات ظهرت شخصيات تطلق على نفسها "نشطاء أقباط"، دشنوا ما يسمى بـ"حركات قبطية"، لكن على أرض الواقع لم يكن لها وزن حقيقي في الشارع أو على المستوى السياسي، وكنت أتحفّظ دائما على التعامل مع أغلبهم باعتبارهم مصادر ذات صلة بالملف الذي أتابعه، وبمرور السنوات ومع التغيرات التي طرات في خريطة الشارع السياسي المصري اختفت أغلب تلك الشخصيات عن الساحة. لكن في السنوات الأخيرة بينما اختفى بشكل كبير "النشطاء الأقباط"، ظهرت مجموعات متشددة تنتمي فكريا للأصوليات الدينية، وتخاطب الجمهور بلغة اﻷغلبية (الأرثوذكسية) على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، تحت زعم "حماية الإيمان"، لكنها واقعيا تبث سموم الكراهيَة والتحريض والتمزيق والتفتيت بشكل واضح، وتتخطى حقوق الاختلاف السلمي في التعبير عن الرأي مثل أن تكون ضد المختلف دينيًا أو مذهبيًا، لتكون جماعات سلطوية إقصائية ضد من ينتمون لنفس الكنيسة معهم، ويطلقون عليهم "المستنيرين"، لكونهم  ﻻ يوافقونهم نفس خطاب الانغلاق والتشدد الرافض للآخر دائمًا، وكانت تَرْجَمَة لهذه التحريضات مقتل الأنبا إبيفانيوس رئيس دير الأنبا مقار في 29 يوليو 2018. بعد هذا العرض أخاطب نفسي وزملائي من الصحفيين المتابعين لشأن الكنائس المصرية، بهذا السؤال هل يصح أن نفتح المساحة المتاحة لنا في جرائدنا ومواقعنا للكتابة، لشخصيات تبث خطاب كراهيَة وتحريض وتدعي أنها تملك "شهادات لاهوتية"، لكنها غير أكاديمية أو من جهات ليست تحظى بالاعتراف الأكاديمي؟ والسؤال الآخر الذي طرحته في بداية هذا المقال هل لأن هناك شخص على رأسه "عمة"، وهو بمعايير الصِّحافة يعد مصدرًا رسميًا ذو صفة كـ"أسقف إيبارشية"، يجب الرجوع له في أحداث أو فعاليات تخص نطاقه الإداري، لكن سؤالي ليس عن هذه الصفة بل عن "الصفة اللاهوتية"، والمقصود بها ما يخص "شئون اللاهوت" باعتباره علم يدرس أكاديميًا في الجامعات، فهذه الأمور داخل الكنيسة لا يتحدث فيها إلا المتخصص و"العمة"، هنا ليست صفة التخصص بل الدراسة الأكاديمية في جامعة معترف بها. فهل ننتبه لذلك؟! حتى لا نكون منابر لمن يبث خطاب الكراهيَة، أو خطاب "غير دقيق علميًا"، يهاجم به أطراف أخرى ويوصمهم بكلمات مثل "الهرطقة"، وهي تهمة شديدة الْخَطَر في المسيحية تعادل تهمة "الكفر" في الإسلام، وبهذا يتم استغلالنا لكي نكون منبر لهذا الخطاب أو لشخص يقول هذا الخطاب تجاه أشخاص أو مجموعات أخرى ويحرض ضدهم، فالنتيجة هنا قد تكون حياة إنسان لو لم ننتبه ولنا في مقتل إبيفانيوس عبرة. أعود هنا لبرنامج زمالة "الصِّحافة للحوار"، وهو خبرة مهمة لأنه جمع مجموعة متنوعة ومختلفة من الصحفيين والصحفيات من عدة دول عربية، والبرنامج مهمته إنارة الطريق للصحفيين الذين يعملون في تغطية الشئون الدينية أو شئون الحوار بين أتباع الأديان والثقافات المختلفة، وكيفية تقديم تغطيات صحفية مهنية وموضوعية، وخلال مقابلة صحفية مع فريق الإعلام التابع لـ(KAICIID) أوضحت أنه عندي مسؤولية لنقل تلك الخبرة التي اكتسبتها من البرنامَج إلى زملائي، وهنا أوجه دعوة لزملائي وزميلاتي لترتيب لقاء فيما بيننا حتى نرسم معالم خريطة التعامل مع المتغيرات التي طرأت مع مِلَفّ مهم نعمل على متابعته منذ عدة سنوات. --- ### الباب الذي أطاح بالأنبا إيساك - Published: ۲۰۲۲-۱۰-۱۱ - Modified: 2025-02-22 - URL: https://tabcm.net/8546/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أسرار الكنيسة, أنبا إيساك، الأسقف العام, أنبا بيشوي، مطران دمياط وكفر الشيخ, الديمقراطية, الكنيسة القبطية, بابا شنودة الثالث, كتاب الرعاية الروحية إن اختيار بطريرك للكرازة، أو أسقف لإيبارشية، أو كاهن لكنيسة، أو شماس مكرس، أو عضو في لجنة كنيسة، أو حتى خادم لفصل من فصول التربية الكنسية، أو لرعاية فقراء الكنيسة، أمر في غاية الأهمية والخطورة، لذلك ينبغي أن نطمئن تمامًا أنه اختيار إلهي أولًا وآخرًا (الأنبا إيساك، كتاب الرعاية الروحية) من كتاب الرعاية الروحية، إعداد الأنبا إيساك. . الباب العاشر: اختيار الرعاة إن اختيار بطريرك للكرازة، أو أسقف لإيبارشية، أو كاهن لكنيسة، أو شماس مكرس، أو عضو في لجنة كنيسة، أو حتى خادم لفصل من فصول التربية الكنسية، أو لرعاية فقراء الكنيسة، أمر في غاية الأهمية والخطورة، لذلك ينبغي أن نطمئن تماماً أنه اختيار إلهي أولًا وآخرًا. (الأنبا إيساك، كتاب الرعاية الروحية) + قد ينادي البعض بمبدأ أنه ينبغي أن يكون هناك إعدادًا إكليريكيًا للرعاة على كافة المستويات. + وقد ينادى البعض بمبدأ: أنه من حق الشعب أن يختار راعيه. ولكن الذي يحدث في الواقع هو أن كل مسئول عن الخدمة يختار الشخص الذي يجد نعمة في عينيه هو، ويقيمه على عمل الرعاية، فتتلون الخدمة كلها بطابعه الخاص من شخصيات تدور في فلكه، وهذا للأسف يدعم رذيلة التحزب في الكنيسة. (الأنبا إيساك، كتاب الرعاية الروحية) فصل (1) هل يختار الرعاة من دارسي الإكليريكية؟ قد يكون هذا أحد الشروط ـ وليس كل الشروط ـ التي يجب توافرها فيمن يُختار لعمل الرعاية، لكي نضمن أن يكون للراعي المعرفة الأساسية في العقيدة المسيحية والدراسات الكنسية، فكل راع ينبغي أن يكون ملمًا بالدراسات الإكليريكية ولكن ليس كل دارس إكليريكي يصلح أن يكون راعيًا. لأن هناك شروطًا أخرى يجب توافرها. ثم أن الدراسة نفسها تنقصها الجدية والالتزام. ولنا أن نتساءل: هل لا يوجد في الكنيسة القبطية كلها أساتذة متفرغون يُطمَئن اليهم، ويعطون كل وقتهم وجهدهم للقيام بالرسالة الإكليريكية على أكمل وجه؟ هل نضبت إمكانات الكنيسة عن أن يكون لها إكليريكية بمعنى الكلمة؟(الأنبا إيساك، كتاب الرعاية الروحية) فصل (2) الشروط التي يجب توافرها في الراعي عند الاختيار لم يحدد الكتاب المقدس ـ وكذلك تقاليد الكنيسة ـ ما هي الجهة التي تختار الرعاة وإن كانت المسئولية الأولى تقع على واضعي اليد، ولكنه حدد شروطًا ثابتة فيمن يختارون رعاة ستحتم الالتزام بها:أولًا: أن يكون ملتزمًا في حياته بالوصايا والسلوكيات المسيحية، من الزهد في الدنيويات، والتمسك بالمحبة والاتضاع والوداعة، مدبرًا بيته تدبيرًا حسنًا، وله شهادة حسنة من الجميع. ثانيًا: أن يكون صالحًا للتعليم، عاكفًا على العلم الإلهي، وقادرًا أن يعلم الآخرين أيضًا. ثالثًا: أن يكون له الاختبار المسيحي العملي ـ ذاق شخص المسيح المبارك، واختبر النعمة بعمق في أسرار الكنيسة، وقد انشرح قلبه لحياة العبادة والتسبيح، واستنار عقله وقلبه بكلمة الإنجيل وله شركة الحياة السمائية. رابعًا: بجانب كل هذا، يوصي الكتاب المقدس ألّا يكون الراعي حديث الإيمان لئلا يتصلف، كما يوصي بأن يتدرج الراعي في مسئوليات الرعاية، فالذين تشمسوا حسنًا يؤهلون للكهنوت... والقاعدة العامة: كنت أمينًا في القليل، أقيمك على الكثير... خامسًا : قبل الاختيار يجب أن ترفع صلوات وابتهالات إلى الله. مع فرض أصوام كي يحدد الرب بنفسه من هم الفعلة الذين سيرسلهم إلى حصاده. فاطلبوا من رب الحصاد أن يرسل فعلة إلى حصاده (إنجيل متى38:9). (الأنبا إيساك، كتاب الرعاية الروحية) فصل (3) هل للشعب أن يختار راعيه؟ قد يكون المناداة بهذا المبدأ كسباً لقلوب الجماهير، وإبهاراً ديمقراطياً ذكياً. بالرغْم من أنه لا يستند إلا إلى آية واحدة فقط من سفر أعمال الرسل. وسنحاول مناقشة ظروف هذه الآية، ولكن لنكن صرحاء مع أنفسنا ونقول: أن هذا المبدأ لا يطبق في الواقع العملي ولا يمكن تطبيقه. ولنعد إلى الآية:وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ إِذْ تَكَاثَرَ التَّلاَمِيذُ، حَدَثَ تَذَمُّرٌ مِنَ الْيُونَانِيِّينَ عَلَى الْعِبْرَانِيِّينَ أَنَّ أَرَامِلَهُمْ كُنَّ يُغْفَلُ عَنْهُنَّ فِي الْخِدْمَةِ الْيَوْمِيَّةِ. فَدَعَا الاثْنَا عَشَرَ جُمْهُورَ التَّلاَمِيذِ وَقَالُوا:«لاَ يُرْضِي أَنْ نَتْرُكَ نَحْنُ كَلِمَةَ اللهِ وَنَخْدِمَ مَوَائِدَ. فَانْتَخِبُوا أَيُّهَا الإِخْوَةُ سَبْعَةَ رِجَال مِنْكُمْ، مَشْهُودًا لَهُمْ وَمَمْلُوِّينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ وَحِكْمَةٍ، فَنُقِيمَهُمْ عَلَى هذِهِ الْحَاجَةِ. وَأَمَّا نَحْنُ فَنُواظِبُ عَلَى الصَّلاَةِ وَخِدْمَةِ الْكَلِمَةِ». فَحَسُنَ هذَا الْقَوْلُ أَمَامَ كُلِّ الْجُمْهُورِ، فَاخْتَارُوا اسْتِفَانُوسَ، رَجُلاً مَمْلُوًّا مِنَ الإِيمَانِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ، وَفِيلُبُّسَ، وَبُرُوخُورُسَ، وَنِيكَانُورَ، وَتِيمُونَ، وَبَرْمِينَاسَ، وَنِيقُولاَوُسَ دَخِيلاً أَنْطَاكِيًّا. اَلَّذِينَ أَقَامُوهُمْ أَمَامَ الرُّسُلِ، فَصَلُّوا وَوَضَعُوا عَلَيْهِمِ الأَيَادِيَ. (سفر أعمال الرسل 1:6ـ6) ولنا هنا ثلاث ملاحظات:أ ـ وضع الرسل شروطًا لمن يختارون، بأن يكون مشهودًا لهم، وممتلئين من الإيمان والحكمة والروح القدس. ب ـ أن الاختيار كان لمجرد خدمة موائد، وليس خدمة الكلمة الإلهية والرعاية الروحية. جـ ـ أن الذين كلفهم الرسل بالانتخاب والاختيار هم التلاميذ، وليست الأرامل اللاتي كن ستؤدى لهن هذه الخدمة. (الأنبا إيساك، كتاب الرعاية الروحية) + اختيار الرسل والأنبياء والكهنة والملوك عبر كتاب الله المقدس كان بالمشيئة الإلهية، كهبة ونعمة يعدها الله ويفرزها منذ البطن. + اختار الشعب شاول ملكًا واختار الله داود حسب قلبه. وشتان بين مملكة شاول المشحونة بالتوترات التي زالت على الفور، ومملكة داود الإلهية التي لها كل المواعيد الروحية. + الاختيار الإلهي كثيراً لا يرضى عنه الشعب، فقد تذمر الشعب على موسى المرسل لهم من قِبل الله، حتى فكرت كل الجماعة برجمه، فالعمل الإلهي غالبًا ما ينقصه الشعبية والجماهيرية، ولكنه هو العمل المؤثر الخالد في الأرض والسماء إلى الأبد، ألم يأت المسيح إلى خاصته وخاصته لم تقبله؟+ ومن ناحية أخرى، أن الراعي الذي يسلك باستقامة وأمانة، يحبب الله فيه شعبه، ويجعله يلتف حوله إذ يعطيه مهابة روحية، وبهاءً كهنوتيًا فيفتخر الشعب براعيه ويفرح به. كذلك يجد الراعي مسرته في وجوده وسط شعبه. لأن الله يكون موجودًا باستمرار في مثل هذه اللقاءات. + أما إن سلك الراعي باعوجاج قلب، وفقد استقامته وأمانته أمام الله، فسرعان ما تنتشر أخطاؤه وسط الرعية، ويجد الانتقادات المتوحشة موجهة إليه، ويتسرب الشك وعدم الثقة في كل ما يقوم به من خِدْمَات. إلى درجة يحاول فيها الراعي أن يحمي نفسه من شعبه. ـ فيكف عن اللقاءات المباشرة معهم خوفا من الإحراج، وإن حدث لقاء بالصدفة تجري الاحتياطات والاستعدادات والردود اللازمة. (الأنبا إيساك، كتاب الرعاية الروحية) ـ وقد يُضَيِق الراعي اتصالاته بالعالم الخارجي، وبقصر مقابلاته على الذين ينتفع منهم، وحفنة من الأخصاء والسكرتاريين، ويستغل المنافقين والوصوليين وضعاف النفوس في أن يكونوا جواسيس له على رعيته التي سيحاسب عنها أمام الله، ويضيقون الخناق عليه بتقاريرهم ويتوهم نفسه وكأنه في غرفة عمليات حربية يقود منها معارك شرسة، محددًا قطاعات معينة من رعيته كأهداف يصب عليها نيران غضبه. ويفقد كل حنانه الرعوي. (الأنبا إيساك، كتاب الرعاية الروحية) ـ وقد يلجأ إلى الفخفخة في الملابس، وبالأخص في أثناء الخِدْمَات الاحتفالية، متعطشًا أن يكون له علاقات بمسئولين ووجوه المجتمع. ليحتفظ بعامل الإبهار الشعبي الدنيوي. حيث أنه قد فقد مهابته الروحية التي يمنحها الله لخدامه. ـ لا يفوته أي مناسبة تتاح له، كي يذكر الشعب بالسطوة والسلطان الكهنوتي، وسلطانه في أن يؤذي (كأن يقول: أنا هربيهم... أنا مش هرحم... ) مربيًا عند الشعب حالة من الإرهاب الفكري! ! . ولكن هيهات أن ينصلح حال الراعي وسط رعيته، ما لم يصلح الراعي قلبه أمام الله ويعود إلى الأمانة والاستقامة في رعايته، لتكون رعاية روحية حقيقية لمجد المسيح الذي له المجد، كل المجد من الْآنَ وإلى الأبد آمين،،،(الأنبا إيساك، كتاب الرعاية الروحية) --- ### رسالة يعقوب: كيف تصير التجربة فرحا؟ - Published: ۲۰۲۲-۱۰-۰۹ - Modified: 2022-10-08 - URL: https://tabcm.net/8381/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: عندما بكى نيتشه, نبي إشعياء وَلْيَفْتَخِرِ الأَخُ الْمُتَّضِعُ بِارْتِفَاعِهِ، وَأَمَّا الْغَنِيُّ فَبِاتِّضَاعِهِ، لأَنَّهُ كَزَهْرِ الْعُشْبِ يَزُولُ. لأَنَّ الشَّمْسَ أَشْرَقَتْ بِالْحَرِّ، فَيَبَّسَتِ الْعُشْبَ، فَسَقَطَ زَهْرُهُ وَفَنِيَ جَمَالُ مَنْظَرِهِ. هكَذَا يَذْبُلُ الْغَنِيُّ أَيْضًا فِي طُرُقِهِ. (رسالة القديس يعقوب 1: 9-11) قد نتعجب في الأعداد (٩-١١) بالإصحاح الأول مما يبدو أنه تغيير في الموضوع الذي يتناوله الوحي عن التجربة لينتقل إلى حديث عن التواضع، لكن عدد ١٢ ”طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي يَحْتَمِلُ التَّجْرِبَةَ... “ يكشف أن الحديث لا يزال مستمراَ عن التجارِب. فإن كان الوحي المقدس قد تكلم في الجزء الأول من هذا الإصحاح عن أهمية احتياج وطَلَب الإنسان أن ترافقه الحكمة الإلهية في اختياراته وقراراته اليومية أمام المشاكل والمواقف الصعبة في الحياة، فإنه في الأعداد (٩-١١) يوضح أن طَلَب معونة الحكمة الإلهية لا يستطيعه إنسان متصلف ومُعتّد بقدرته على المسيرة وحده في الحياة بمعزل عن الله ضابط الكل. لذلك يمتدح القديس يعقوب الإنسان المتكل على قوة إلهه ويطلب حكمته، إذ إن ثقة المؤمنين في الرب ورجاءهم باتكالهم عليه هو افتخار المسيحية والمسيحيين. ثم يتطرق الحديث إلى قدرات المؤمنين الذاتية في مواجهة الضيقة والتجارب، فهناك المتواضع في إمكاناته وسعة طاقاته، و كذلك هناك الغَني. فالأخ متواضع الإمكانات هو إنسان له سِعة محدودة نفسياً وجسمانياً ومادياً وروحياً واجتماعياً، بالتالي فهو لا سند له يشغله عن اللجوء بنقاء إلى عون القدير ليواجه الضيقات والتجارب. وتكون تعزيته غامرة بسماع تطويب الرب له ”طوبي للمساكين بالروح لأن لهم ملكوت السموات“. فلطالما كانت المسكنة بالروح نعمة تسكن قلوب المساكين بالجسد وترافقهم دون مقاومة الغِنَي الزمني. إن اتكال هذا الإنسان على إلهه يصير بمنزلة مَسحَنة لاتضاع حاله ورَوحَنه لمسكنة إمكاناته. وهذا كفيل أن يُسخِّر قوي السماء وجندها للذين يطلبون وجه الرب. فقد صاروا بذلك ”مسيحاً“ في مواجهة قوي الشرير : "وَأَمَّا مَنِ الْتَصَقَ بِالرَّبِّ فَهُوَ رُوحٌ وَاحِدٌ“. (رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس 6: 17). إنَّ فخر هؤلاء بالرب لا مثيل له إذ يجوز الرب بهم/ وفيهم/ ومعهم التجربة والضيقات وفي اقتدار، بل يصيرون مبررون فيه، مفتخرين به بالرغم من أي خسارة، لأن عَوضَهم هو في المسيح. فالموت وسلطانه ينحَّل أمام رجائهم في الرب إذ يقولون: لأن مسيحنا حيٌّ في السماء فموتانا هم معه. على الجانب الآخر فإن الأخ الغَني بإمكاناته النفسية والجسمانية والمادية والاجتماعية والروحية، هو أيضاً له نصيب في الافتخار بالرب أمام التجربة والضيقة عندما يضع رجاءه في الرب وليس في غِناه. بل  يتواضع في قلبه كفقير إلى عون القدير. هذا يحسبه الرب له اتضاعاً، فيعزيه بتطويب ونعمة أعظم من غِنى إمكاناته: وَلكِنَّهُ يُعْطِي نِعْمَةً أَعْظَمَ. لِذلِكَ يَقُولُ: «يُقَاوِمُ اللهُ الْمُسْتَكْبِرِينَ، وَأَمَّا الْمُتَوَاضِعُونَ فَيُعْطِيهِمْ نِعْمَةً»(رسالة يعقوب 4: 6) إن هذا التفسير للآية ”ليفتخر الأخ المتضع بارتفاعه، وأما الغني باتضاعه“ هو صدى النبوة التي استحضرها الرب عن نعمة العهد الجديد التي ستغمر وتُكَّمِل الجميع، سواء صاحب القليل أو صاحب الكثير، بل وأيضا الذين أصابهم العوج وعدم استقامة الفكر والسلوك فالنعمة لن تنساهم بل تفتقدهم بالمراحم فيستقيمون: "كُلُّ وَادٍ يَمْتَلِئُ، وَكُلُّ جَبَل وَأَكَمَةٍ يَنْخَفِضُ، وَتَصِيرُ الْمُعْوَجَّاتُ مُسْتَقِيمَةً، وَالشِّعَابُ طُرُقًا سَهْلَةً،"(إنجيل لوقا 3: 5) "طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي يَحْتَمِلُ التَّجْرِبَةَ، لأَنَّهُ إِذَا تَزَكَّى يَنَالُ «إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ» الَّذِي وَعَدَ بِهِ الرَّبُّ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ". (رسالة يعقوب 1: 12) يَستعلِن الوحي المقدس في هذه الآية أن ”تزكية“ الإنسان أمام الله ونوال إكليل الحياة الأبدية هو الهدف من التجربة. أما النتيجة الزمنية للتجربة سواء نجاح أو فشل في هذا العالم فهي ليست بالضرورة هدفاً في حد ذاته. فالضيقات في هذه الدنيا تأتي على كل البشر -والمؤمنين منهم- منذ أن غادر آدم الفردوس. ولكن الرب يستثمرها رصيداً للمؤمنين لحساب ميراث ملكوت السموات بأن يجعلها تجرِبة لتزكية علاقتهم الشخصية به وشركتهم مع الله. فالتزكية هي تَرقِّي. بالتالي فإن الضيقة هي مجال يكشف فيه الله للإنسان عن أعماق جديدة للذات الإنسانية والوجود ويَستعلِن له أبعاداً جديدة لتفاعله وعلاقته بحق الله. بصرف النظر عن الفشل والخسارة الزمنية الفادحة في ضيقة أيوب -وقد حدث ويحدث مثلها كثيراً لآخرين في تاريخ البشر- إلا إن الرب قد استثمرها كتجربة في حالة أيوب كمثال، وكيف صارت في يد الرب نعمة لأيوب تَزَكَّي بواسطتها إلى رؤية الله”بسمع الأذن سمعت عنك والآن رأتك عيناي“. بذلك يَستعلِن الرب لنا مقياس النجاح في التجربة للذين التصقوا به، أنه ليس بالضرورة أمراً زمنياً خارج كيان الإنسان يسمع به ويتغير من يوم لآخر بين مكسب وخسارة، بل هو تزكية لا تزول لأنها في كيان الإنسان إذ هي حلولٌ للرب يعاينه الإنسان داخله بالرؤيا القلبية. هنا استأذن القارئ في استطراد قصير، قد يظنه البعض خروجاً عن الموضوع. فالأبحاث النفسية أزالت الستار عن "لا محدود سحيق"  في كيان الإنسان وكأنه "الفضاء اللامحدود‘ في الكون الحاضر". حسب رؤيتي الشخصية، فربما هذا ما أشار إليه الفيلسوف "فريدريك نيتشه" بمصطلح "الإنسان الأرقى (الأعلى)".   لذلك فإني أرى أيضاً أن مقولة نيتشه "موت الله" يمكن اعتبارها صرخة يأس من وراء الوعي عن إحباط نيتشه في اكتشاف تلك الأعماق السحيقة التي في داخله كإنسان، التي أعطاها اسم "الفوق إنسان". فربما رآها نيتشه في داخله وكأنها "إله غير محدود" بسبب غموض حدودها من وجهة نظره. وأنه يحتاج أن يتعرف إليه حتى يستطيع أن يعرف أعماق نفسه خلال سعيه المحموم ومحاولاته لشفاء نفسه من معاناتها في الحياة (وقد كانت كثيرة في سيرة حياة نيتشه) جرَّاء إحساسه بأنه غير كامل أو مكتمل. وربما كلام الوحي المقدس هنا يتلامس مع معاناة الفيلسوف "نيتشه" لأن الضيقة التي قلنا إن الإنسان في العالم يجوزها بلا استثناء وكان "نيتشه" واحداً منهم، يستثمرها روح الله القدوس في أبناء الله، فيتلامسون مع اللامحدود في كيانهم (الفوق إنسان). أو بمعنى آخر إنهم يتلامسون مع حقيقة أن الإنسان هو مخلوق إلهي ولن يجد راحته إلا في الالتصاق بالرب اللامحدود الذي خَلق الإنسان على صورته ومثاله (سفر التكوين). هذا هو معني الفرح الكوني الذي يعيشه الإنسان الملتصق بالمسيح، لأنه في الحقيقة قد تكَمَّل كإنسان بانطباق صورة الله فيه على أصلها ”ذات الله“، وهكذا يكتمل تدبير الله في خلق الإنسان بأن يكون علي مثال الله ”نخلق الإنسان على صورتنا كشبهنا“ (سفر التكوين). عند هذه النقطة ينكشف لنا الرباط القوي بين عدد 2 "اِحْسِبُوهُ كُلَّ فَرَحٍ يَا إِخْوَتِي حِينَمَا تَقَعُونَ فِي تَجَارِبَ مُتَنَوِّعَةٍ،". . وبين عدد 12 "طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِي يَحْتَمِلُ التَّجْرِبَةَ “، وكيف أن الفرح هو  ”كل“ فرح وليس ”أي“ فرح. حيث يعلو الرب بالإنسان خلال التجربة فوق كل متغير أرضي سواء مكسب أو خسارة ويُخرِج  مِن الأكل (التجربة) أُكلاً (الفرح). لهذا السبب يصف الوحي ضيقات المؤمنين أنها خفيفة بينما هي ليست كذلك في نظر الإنسان العادي: ”لأَنَّ خِفَّةَ ضِيقَتِنَا الْوَقْتِيَّةَ تُنْشِئُ لَنَا أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ ثِقَلَ مَجْدٍ أَبَدِيًّا“(رسالة بولس الثانية إلى كورنثوس 4: 17). إن احتمالنا للضيقة -التي هي أصلاً آلامنا نحن- غير ممكن إلا بالمسيح  ومع المسيح وفي المسيح، باعتبارنا للضيقات أنها شركة لنا في صليب المسيح، بينما هو الذي  سبق وشاركنا آلامنا أولاً بارتفاعه على الصليب ”بإرادته وحده عنا كلنا“ (صلاة القداس). إن إلهنا الذي رافق كنيسة العهد القديم -بني إسرائيل- وحملهم كل الأيام القديمة، لا يمكن أن يترك كنيسة العهد الجديد وشعبها في مواجهة الضيقة وحدهم بعد أن أختارها لتكون ضيقته الخاصة بالصليب: ”فِي كُلِّ ضِيقِهِمْ تَضَايَقَ، وَمَلاَكُ حَضْرَتِهِ خَلَّصَهُمْ. بِمَحَبَّتِهِ وَرَأْفَتِهِ هُوَ فَكَّهُمْ وَرَفَعَهُمْ وَحَمَلَهُمْ كُلَّ الأَيَّامِ الْقَدِيمَةِ“. (سفر أشعياء 63: 9) أقول قولي هذا ويعتصرني الحزن على كل مولود للمرأة في هذا العالم إذ يجوز نفس الآلام بلا عِوَض في المسيح، إلا كونها ألم وخسارة وموت مثلما أوضح نيتشه. والسُبح لله. بقلم د. رءوف إدوارد --- ### أزمة حبّ "ميرنا ماهر" - Published: ۲۰۲۲-۱۰-۰۸ - Modified: 2023-08-06 - URL: https://tabcm.net/8461/ - تصنيفات: المرأة القبطية - وسوم: أسامة فوزي, بابا شنودة الثالث, سلوى خطاب, ميرنا ماهر, نجيب محفوظ "لا طلاق إلا لعله الزنا" (البابا شنودة الثالث) مقولة البابا شنودة تلك التي رُددت كثيرا داخل البيوت القبطية لسنوات كثيرة باعتبارها خطأ "آية"، بل قانون. فهي الرد الموجز المنجز لكل المشاكل الزوجية. ولكن المعنى الفعلي للمقولة في "بعض" البيوت القبطية ليس في حصر قبول الطلاق إلا في حالة زنا أحد الطرفين، بل هي صك ملكية أُعطى لـ "بعض" الأزواج بضمان شفهي مقدس من فم البطريرك السابق. ذلك الوعد بعدم الطلاق إلا لعلة الزنا يجيز لك ضمنياً ارتكاب ما تشاء من الأخطاء في ذلك الزواج ماعدا أن تزني بامرأة أخرى. يمكنك ضرب زوجتك وتعنيفها . . يمكنك اﻻعتداء عليها جسدياً ونفسياً . . أملك جسدها بيدك، أو بحزامك، أو حذائك . . فلك من جسدها ما شاءت، الأهم ألا تمسّ جسد امرأة أخرى . . هنا فقط تسقط شرعيتك. فإقناع الزوجة بأنك صليبها وعليها تحملك حتى تصل إلى فردوس يفصلها عنك أمر هين، ولكن كيف يقنعوها إن ارتباطك بامرأة أخرى "صليب" أخر. مين العاقل فينا، مين مجنون؟مين اللي مدبوح من الألم؟مين اللي ظالم فينا، مين مظلوم؟مين اللي ما يعرفش غير كلمة "نعم"؟ (عبد الرحيم منصور، حدوته مصريّة) المرأة في تصور أغلبية مجتمعنا المصري ملك لأسرتها وزوجها، ولذلك حين تطلب الطلاق يجب أن تحصل عليه من الجميع. تقاطعها أسرتها قبل مجتمعها الذي ينبذها تباعاً احتراماً لأب وأم نبذوا ملكيتهم الخاصة. فـ "بعض" الحب ببلادنا مشروط حتى حب الأهل، حب مشروط بالطاعة. أزمة "ميرنا" ليست في أسلام أو مسيحية، أزمة "ميرنا" أنها أرادت الحب من والديها قبل زوجها. ذلك الحب الذي يشفي الجروح ويطيب الروح أصبح عملة نادرة في بيوت اليوم. لن يفرق كثيرا إذ ما كان ذلك البيت يصلى "يوم الجمعة" أو "يوم الأحد" بل كيف يحب أفراده بعضهم البعض. الحب دائما هو الاختيار. فجميعنا نهرب إلى مرافئ الحب أي كانت بلاده. الأزمة ليست على أي دين اختارت أن تكون "ميرنا"، بل على أي حب حصلت "ميرنا" وعن أي قسوة ابتعدت "ميرنا". جميع القصص متشابهة، بطلتها ليست "وفاء" وﻻ "كاميليا" ولا "مريم" ولا "ماري" ولا "ميرنا ماهر" بل الحب المفقود. الحب الذي لم يستطعن الحصول عليه من آبائهن وأمهاتهن قبل أزواجهن. أين الرجال من تلك القضية؟ الحقيقة أني لم أر رجلا أسلم أو تنصّر وأثار مشكلة أو قاطعه أهله، بل كان الباب دائما مفتوح لهم. فعلى مدار عمري عاصرت قصص كثيرة أبطالها رجال أسلموا ولم نسمع عنهم في أي أخبار. أحد تلك القصص التي عرفت أصحابها بعد أن توفى بطل القصة، الذي تزوج بسيدة مسيحية، وأنجب منها طفلا، ثم تركها وأسلم وتزوج بمسلمة، وأنجب منها أكثر من طفل، ثم ترك اﻹسلام وعاد للمسيحية، وتزوج بامرأة مسيحية أخرى، حيث إن زوجته الأولى توفت، وأنجب من المسيحية الأخيرة. ذلك الرجل لم ينبذه مجتمعه، وعاش أبنائه المسيحيين والمسلمين علاقة طيبة يتقابلون في المناسبات حتى بعد وفاة والدهم. أيضا خير مثال هو المخرج الراحل "أسامة فوزي" الذي أسلم من أجل زواجه بالفنانة "سلوى خطاب" ولم يتبرأ منه أهله ولا قاطعوه. الكثير من الرجال يعبرون يومياً مابين فريقي الهلال والصليب في مصر ولم يسمع أحد عنهم. إذا لماذا السيدات فقط من يعاني؟؟ لأنهم في العقل الجمعي "للأغلبية" في مجتمعنا هم ملكية خاصة، أيا كانت ديانتها. يسلمهن آبائهن لأزواجهن راجين عدم عودتهن تحت أي ظرف. حكت أحدى السيدات لي، عبر صفحتي الخاصة، وهي متألمة أنها سمعت والدها بالصدفة يتحدث مع طليقها، راجياً إياه أن يرجعها حتى لو "خادمة". وصفت لي السيدة مرارتها بعد أن اهتزت صورة والداها في عينيها مسببة غصّة في قلبها وشعور بالغضب تجاه جميع من خذلوها في الحياة وأولهم والدها الذي حسبته سنداً. بمد إيدي لك، طب ليه ما تقبلنيش؟لا يهمني اسمك. . لا يهمني عنوانك. . لا يهمني لونك. . ولا بلادك. . مكانك. . يهمني الإنسان. . ولو ملوش عنوان. (عبد الرحيم منصور، حدوتة مصريّة) كيف يجوب هؤلاء الإباء والأمهات وسائل الأعلام مناشدين بناتهم العودة لحضن المسيح بدلا من أن يناشدهن العودة لأحضانهم! لم أر في عيون الكثير من الإباء والأمهات في تلك القضايا حب ورغبة حقيقية في ضم بناتهم لأحضانهم مرة أخرى بل رغبة في عودة السيطرة مع الانتقام من بناتهم الذي كسروا صورتهم مجتمعياً. لو كان هؤلاء يحبون بناتهم عن حق لأحبوهن متزوجات أو مطلقات... مسيحيات أو مسلمات. الحب النقي لا يعرف شروطا. لو أحبوهن حقاً لدعموهن، ولم يجبروهن على حمل صلبانٍ أثقل منهن، بل لحملنها عنهن. لم أتعاطف يوماً مع أب، أو أم، أو زوج، (من أيّا من الفريقين) تتركهم أبنتهم إلى طريق تعلم هي ألا عودة منه. . دائما ما يدور برأسي نفس السؤال. . ماذا فعلوا لها حتى تركت لهم كل شيئ. "الحب". . كلمة السر والسحر هي الحب. قيل لكم أحبوا أعدائكم فكم بالأحرى بناتكم وزوجاتكم. "كيف نضجر وللسماء هذه الزرقة، وللأرض هذه الخضرة، وللورد هذا الشذا، وللقلب هذه القدرة العجيبة على الحب، وللروح هذه الطاقة اللانهائية على الإيمان. كيف نضجر وفي الدنيا من نحبهم، ومن نعجب بهم، ومن يحبوننا، ومن يعجبون بنا" (نجيب محفوظ) حين شاهدت فيديو "ميرنا" لم أجد أمامي فتاة مغيبة أو مخدرة أو مخطوفة، بل سيدة هاربة من ألم لم تعد تحتمله، راجيه أهلها بتركها لحالها حتى لا تفصح عما تكنه الصدور على الملأ. للأسف "ميرنا" وأخواتها من الجانبين هم مثال مؤلم على أزمة مجتمع ينقصه الحب. أزمة مجتمع متربص لا يمرر الحب إلا من "خرم" إبرة. مجتمع مكبوت عاطفياً، ناكرا للحب حتى في أكثر صوره براءة لذلك لا تعجب حين ينفرط عقده موحلاً في الضياع. يا ناس، يا ناس يا مكبوتة، هي دي الحدوتةحدوتة مصرية. . حدوتة مصرية. . (عبد الرحيم منصور، حدوتة مصريّة) --- ### شكرًا "سڤانتي بابو" - Published: ۲۰۲۲-۱۰-۰۷ - Modified: 2022-10-07 - URL: https://tabcm.net/8419/ - تصنيفات: شئون علمانية, كتاب مقدس - وسوم: الروم الأرثوذكس, الكنائس الخلقدونية, الكنيسة السريانية, الكنيسة الكاثوليكية, سفانتي بابو, ڤاتيكان جائزة نوبل! : نشكر عقل الإنسان، الذي خلقه الله. وكل العلماء الأحرار الذين يبحثون عن الحقيقة. ونصلي من أجل الأصوليين الذين يقرؤون أول ١١ فصل من سفر التكوين بطريقة أصولية (سلفية). الشكر للكنيسة الكاثوليكية التي تحترم عقل الإنسان، كذلك للكنائس البروتستانتية (اللوثرية والأنجليكانية وغيرهم طبعًا) والكنائس الخلقيدونية وغير الخلقيدونية مثل السريان والأرمن... شكرًا سڤانتي بابو. على ضوء فوز "سڤانتي بابو" بجائزة نوبل، هل من تعارض بين العلم والكتاب المقدّس؟ لإجابة هذا السؤال وتوضيح ما جاء في مقدمة هذا المقال، في البداية أحب أن أوضّح أن الكنيسة، ، لا يرون أي تعارض بين العلم والكتاب المقدّس. حتى أكون  متحقِّقا من كلامي، سأتكلم عن تعليم الكنيسة الكاثوليكيّة بشأن علاقة الكتاب المقدّس بالعلم. وبمناسبة حصول "سڤانتي بابو" على جائزة نوبل لمساهمته المبدعة والعلميّة في اكتشاف ركن أساسي من أصل الإنسان مما يؤكّد نظريّة التطور، أفضّل أن أتكلم عن خلق الإنسان حسب الكتاب المقدّس ونظريّة التطوّر. ما هو تعليم الكنيسة الكاثوليكيّة بشأن السؤال: كيف يمكن لمسيحيّ عاقل أن يؤمن بكلام الكتاب المقدّس بشأن خلق الإنسان، ويحترم العلم ويؤمن به في ذات الوقت؟ طريقان للبحث نقطة انطلاق وهدف العلم يختلفان عن الكتاب المقدّس تمامًا. فلنقرأ أوّل ٣ فصول من سفر التكوين على سبيل المثال، وسنلاحظ أنّ: هدف هذه الفصول هو الإجابة عن أسئلة كان يطرحها بنو إسرائيل مثلهم مثل كل الحضارات المجاورة. فإذًا نحن لسنا أمام شرح علمي عن نشأة الكون والإنسان، ولكن أمام سؤال عن المعنى ولماذا: مَن هو الإنسان، مَا أصله؟ ما العلاقة بين الرجل والمرأة؟ لماذا هناك تجاذب جنسيّ؟ ما علاقة الإنسان بالمخلوقات وبالأرض؟ لماذا الشرّ؟ لماذا الألم؟ ولماذا الموت. كما قلت، سعت كل الأديان القديمة إلى الإجابة عن هذه الأسئلة. في الحضارة المصريّة تتميّز الإجابة بواسطة أساطير مسالمة لا عنف فيها، فالآلهة تخلق عن طريق الفصل كالفصل بين "نوت" (السماء) و"جيب" (الأرض). أمّا في الأساطير البابليّة والسومريّة فنجد إلى جانب تعدد الآلهة هناك نوع من العنف (راجع ملحمة جلجامش) فالآلهة يقررون قتل "تيامت" ومن دمها يخلقون الإنسان بعد خلط دمها بالتراب. وهكذا الكثير من الأساطير يمكن قراءتها. سفر التكوين يستخدم لغة عصره، وبالطبع يتأثر بالعوامل الأسطوريّة لعصره. يستخدم سفر التكوين إذًا تعبيرات وتصوّرات سائدة في عصره لينقّيها ويعطيها مضمونًا لاهوتيًّا توحيديًّا مختلفًا وهو في الوقت ذاته يحاول الإجابة عن الأسئلة السابقة. مَا أصل الإنسان؟ الله وحدَه وليس آلهة متعدّدة. مَن الإنسان؟ الإنسان مخلوقٌ ليس إلهًا، ولكنّه في الوقت نفسه مخلوق على صورة الله. الإنسان هو رجلٌ وامرأة. لماذا التجاذب الجنسيّ؟ لأنّهما من أصل واحد ويكملان بعضهما بعضًا. الإنسان وكيل الله على الأرض ومدعوّ لكي يكمل عمليّة الخلق، ففي نهاية الأمر يبدو الخلق فعلًا غير مكتمل، وكماله يستمر بين يديّ الإنسان المتميّز بالعقل. العلم؟ العلم مجاله وانطلاقه وهدفه يختلف تمامًا عن الكتاب المقدّس. يبحث العلم عن كيف حدث ذلك؟ كيف ظهر الإنسان؟ كيف ظهر الكون؟ كيف نجعل العالم أفضل من الناحية الماديّة. ليس هناك أيّ تعارض أو أي صدام. الكتاب يبحث عن المعنى، أما العلم فيبحث عن كيف. كيف ظهر الإنسان؟ هذا يجيب عنه "دارون" و"سڤانتى". مَن هو الإنسان؟ هذه محاولة من الكتاب المقدّس للإجابة. هذا هو الفارق مثلا بين أن تذهب أختي إلى الطبيب وبين أن تأتي لتتحدث معي. ما يهم الطبيب هو صحتها أو جسدها، ما تسبب في هذا "العطل" في جسدها؟ لماذا؟ وكيف يتم العلاج. أمّا حديثها معي فهو شأن آخر فالكلام هو علاقة، وإصغاء، وحبّ، وعن معنى حياتها ومعنى أن تكون إنسانًا، وأخت، وأم، على سبيل المثال. طريقتان غير متعارضتان. المشكلة تكمن في القراءة الأصولية للكتاب المقدّس، وهذا أمر تقف الكنيسة الكاثوليكيّة ضدّه. الكتاب المقدّس عمل بشري إلهي. الكلام والأسلوب والمفردات والتصورات والعلم المذكور فيها كلها هي من إنتاج الإنسان، أما كل التعاليم اللاهوتيّة أو الروحيّة أو الأخلاقيّة (ولا ننسى التدرج في الوحي) فهي من الله. لا يمكن أن تطلب الكنيسة من أي مؤمن أن يفهم المعلومات العلميّة أو التاريخيّة على أنّها حقيقة ثابتة. فنحن اليوم أكثر علمًا وتأريخًا من أي كاتب لأي سفر. فلنقرأ جزءا من المجمع الفاتيكاني: «ولمَّا كان الله يتكلَّمُ في الكتاب المقدس بواسطةِ البَشَرِ، وعلى طريقتهم، وَجَبَ على شارِحِ هذا الكتاب، ليتفهَّمَ ما أراد أن يوصله الله إلينا، أن ينتبه في تنقيبه إلى ما كان في نيَّةِ الكُتَّابِ القديسين أن يُعبِّروا عنه حقاً وإلى ما راق الله أنْ يُظهرَه بكلامِهِم. ولتوضيح نيَّةِ الكُتَّاب القديسين يجبُ من بين ما يَجبُ اعتباره، اعتبار الفنونِ الأدبيَّة أيضاً. فالحقيقةُ تُعرَضُ وتُفَسَّرُ بصورٍ مختلفةٍ، في نصوصٍ تاريخيةٍ متنوّعةٍ، أو نصوصٍ نَبَويّةٍ أو شعريّةٍ أو في غيرها من أنواعِ التعبير. فمِن الواجبِ إذاً على الشارِحِ أن يُفتّشَ عن المعنى الذي كان في نيَّةِ الكاتب المقدَّس أن يُعبِّرَ عنه وعَبَّرَ عنه حقاً في الظروف المعيَّنةِ التي عاش فيها، وفقاً لأوضاعِ عصرِهِ وثقافتِهِ بواسطةِ الفنونِ الأدبيَّةِ المتداولةِ آنذاك. ولكي يتفهَّمَ تفهُّماً صادقاً ما قد أرادَ المؤلّف المقدَّس أن يؤكّدَه كفايةً، يجب الانتباه سواء إلى طرائق الشعورِ والقولِ والإِخبار المعتادة والأصيلة، أو إلى تلك التي كانت تُتَّبَعُ في ذلك الوقتِ في معاطاةِ البشرِ المتبادَلة. وبما أنّه يَجبُ قراءةُ الكتابِ المقدس وتفسيرُه بذاتِ الروح الذي فيهِ كُتِبَ، فإنَّه من الضروريّ، لتوضيح معنى النصوصِ المقدَّسةِ توضيحاً صحيحاً أن يُنظرَ بالاهتمام نفسِه إلى مضمونِ الأسفار الكتابيَّةِ كلّها ووحدتها، مع مراعاة التقليد الحي للكنيسة جمعاء ومراعاة المُقايسَة في الإيمان. وعلى المفسّرين أن يعملوا طبقاً لهذه القواعد ليفهموا بعمقٍ أكبرَ معنى الكتاب المقدس، ويعرضوه لكي يتَّضحَ حُكمُ الكنيسة، وتكون هذه الدراسة بمثابة تهيئةٍ لها. فكلُّ هذا الذي يتعلَّقُ بشرحِ الكتاب يَخضع أخيراً لحُكمِ الكنيسة، التي كُلِّفَتْ بمهمةِ حفظِ كلمةِ الله وشرحِها بإنتدابٍ من الله ». (المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور في الوحي المقدّس ٢٢-٢٦) في النهاية: هل انتصر العلم؟ نعم! انتصر وسينتصر دائمًا. وهذا من مصلحة البشريّة جمعاء. هل سقط سفر التكوين؟ الذي سقط وسيسقط دائمًا هو الجهل وأعداء العلم. سفر التكوين ليس كتاب علم، وليس في صراع مع العلم. هو كأي سفر هو نصّ روحيّ ولاهوتيّ كتب من عشرات القرون بعلم عصره ولغة عصره.   شاهد أيضا: https://www. youtube. com/watch? v=Fam45BuppJs --- ### وأخاف…! - Published: ۲۰۲۲-۱۰-۰٦ - Modified: 2022-10-04 - URL: https://tabcm.net/8389/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون -‏أخاف أن يطأ عيني بكاء ويدك ليست هُنا لتكون منديلي، -أخاف أن يأتي يومي الأخير وأنا لم أستشعر رهبةَ اللقاء الأول في رجفة صوتك وبرودة يديك. -‏أخاف أن تسافر بي هذه الحياة على قوارب الضياع ولا أجدك تُجدف بي نحو النجاة -أخاف أن أبدأَ يوماً بترتيب بعثرتي ودحض جَزعي ولا أجد كلماتك تساندني. -‏أخاف أن أخاف ولا يرتطم فزعي بصدرك ذات مساء، -أخاف أن أخالني ممسكةً ببقائك ولا أجد سوى الهباء يلتهم فراغات أصابعي. -‏أخاف في هذه اللحظة تحديداً أن أُُقرأك مخاوفي، ويبدأ خُبث المخاوف في صدرك بسرد قصص الغياب في رأسك، فترحل مع أسراب من كانوا يوماً للوداع. -‏أخافني دونك، بل أخالني كصلاة قد بلغت اليأس ولمْ تصل إلى السماء. -‏أخاف أن أخاف منْ اندفاعاتي وكل هذا الحب المتمرد المُنتشر في أجزائي، -أخاف أن أقف يوماً في منتصف كل ما يحدث بيننا ولا أجد سوى الخِذْلان. -‏أخافُ مغبة هذا الحب، أخافُ هذا الاتساع غير المنطقي لك بداخلي بالرغم منْ ذلك إنني أحب ما يحدث لي حتى لو كانت كل الأسباب ستكون ضدي. -‏أخاف أن تعتادنا غربة الأرواح -‏أخاف علينا يا حبيبي منْ عذابات المسافة وخدوش الانتظار الحادة، -أخاف علينا الوقوف طويلاً على عتبات الترجي دون أن يمر بنا ضوء لقاء. -‏أخاف أن تمضي بي الحياة ويسرقني العمر القصير ونحن لم نلتق -أخاف أن أتلاشى وأذبل وأنا لم أراك تقترب مني لأختزل نفسى فيك على هيئة عناق وعطر لا ينسى. -‏أخاف أنْ تهندم صباحك وحدك وتنتشل تعبك مساءاً بيدك دوني، دون يدي، دون أماني وخوفي، -أخاف أنْ ينقطع بنا طريق القدر ولا نجتمع. -‏أخاف علينا ظلم المسافات وتجبر الجغرافيا، أخاف علينا أن تمتد بنا طائلة الأرض ولا نكاد نلمح طرف اللقاء، -أخاف يا عزيزي أن تموت العناقات كبتاً دوننا -أخاف دوماً من أن يغلبنّي الوجع... -أخاف من هروب أحمق يختطف قلبي مني إليك... -أخاف أن أكذب على نفسي فأوهمها أني نسيتك -أخاف من أواخر الشتاء أن يأتيني بك... ثم ينساك على صدري -‏أخاف عليَّ أن تتسربل عاطفتي باللامبالاة ولا أستطيع أن أنفض ذلك عني، -وأخاف أن يتمكن هذا الحزن من التسرب تحت جلدي... يعتصر قلبي ولا أنجو. -‏يتكاثف الشوق على شباك اللهفة. . يتقاطر إليك حنينا أعجز أن أخفيه. . وأخاف الإغماض بدمعة فتسرقك مني. . -‏وأخاف من الحب الذي يسافر بي إليك دون طوق نجاة أخاف بحرك وبرك ودفء يديك ودونك أخاف الحياة --- ### الفن القصصي في الأناجيل [٢] - Published: ۲۰۲۲-۱۰-۰۵ - Modified: 2022-10-04 - URL: https://tabcm.net/8348/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: تاتيان السوري, جوزيف فيتزماير, سمعان بن يونا, قديس بولس الرسول, نوح ابن لامك, يعقوب الرسول, يوحنا الحبيب تحدثنا في المقال السابق عن أولى محاولات المفكرين المسيحيون في سبيل تنسيق روايات الأناجيل الأربعة القانونية بشأن سيرة المسيح، وهي محاولة (تاتيان السوري) عام 170 م. وفي هذا المقال نعود بالزمن إلى الوراء قرنا كاملا، لنرى كيف كانت البيئة الثقافية والدينية التي عاش فيها مسيحيو القرن الأول الميلادي، وكيف تبلورت المادة الأدبية للأناجيل التي بين يدينا اليوم. وبالرغم من مرور ما يزيد على القرنين منذ أن بدأت أبحاث الأكاديميا الغربية في مجال Early Christianity (المسيحية المبكرة)، إلا أن كم النتائج التاريخية الموثوقة في هذا المضمار لا يزال محدودا لأسباب عدّة، من بينها قلة الوثائق التاريخية غير الإنجيلية Extra-Biblical التي تحدثت عن شخصية يسوع الناصري أو عن تلاميذه (ومن بينها وثائق يشك الباحثون اليوم في أصالتها التاريخية)، بالإضافة إلى كون الجماعات المسيحية المبكرة لم تجذب انتباه أغلب المؤرخين من الرومان وغيرهم وقتها باعتبارها واحدة من الشيع اليهودية الجديدة لا أكثر. ولكن تظل هناك بعض النِّقَاط التي يمكن اعتبارها حقائق تاريخية صلبة بهذا الشأن: 1- أن عظة بطرس الرسول في يوم الخمسين، أي بعد مرور 10 أيام على صعود المسيح، التي يحدثنا عنها سفر أعمال الرسل تعكس واقعة تاريخية حقيقية عدّها المسيحيون الأوائل بمنزلة ضربة البداية في طريق الكرازة بالمسيح القائم من الموت، وأن هذه العظة قد استمع إليها جمع من اليهود من أغلب البلدان المعمورة وقتها ممن كانوا يحجون وقتها إلى هيكل أورشليم في عيد الفصح، وأنها قد أسفرت عن اعتناق عدد كبير منهم (3000 نفسا حسب سفر الأعمال) للعقيدة الجديدة التي تبشر بيسوع الناصري بوصفه "المسيا المنتظر"، ليعودوا إلى بلدانهم حاملين بذور العقيدة الجديدة. 2- إن الجماعة المسيحية المبكرة قد شهدت شدا وجذبا متزايدين بداخلها ما بين تيارين هما: • المسيحيون من أصل يهودي، وهم من مالوا إلى التشدد بشأن شروط قَبُول عضوية المؤمنين الجدد، إذ أوجبوا عليهم أولا أن يتهودوا وأن يخضعوا لشروط قَبُول الجوييم (الأغيار) وفق تعاليم الشريعة اليهودية، وأهمها الختان والخضوع لتعليمات الشريعة اليهودية فيما يتعلق بالطعام. • ثم المسيحيين من خلفية أممية (غير يهودية)، والذين بدأوا يظهرون في بعض مدن آسيا الصغرى (مثل أفسس) وفي أنطاكيَة وكورنثوس وغيرها وصولا إلى روما نفسها وذلك بفضل كرازة بولس الرسول بصفة خاصة، حتى استحق أن يلقب بلقب (رسول الأمم). ومع تزايد الجدال ما بين الفريقين كان لابد من اتخاذ قرار حاسم، فكان عقد مجمع أورشليم عام 50م بقيادة القديس "يعقوب البار"، الذي يورد لنا سفر الأعمال رأيه بهذا الشأن: وَبَعْدَمَا سَكَتَا أَجَابَ يَعْقُوبُ قِائِلاً:«أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ، اسْمَعُونِي. سِمْعَانُ قَدْ أَخْبَرَ كَيْفَ افْتَقَدَ اللهُ أَوَّلاً الأُمَمَ لِيَأْخُذَ مِنْهُمْ شَعْبًا عَلَى اسْمِهِ. وَهذَا تُوافِقُهُ أَقْوَالُ الأَنْبِيَاءِ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: سَأَرْجعُ بَعْدَ هذَا وَأَبْنِي أَيْضًا خَيْمَةَ دَاوُدَ السَّاقِطَةَ، وَأَبْنِي أَيْضًا رَدْمَهَا وَأُقِيمُهَا ثَانِيَةً، لِكَيْ يَطْلُبَ الْبَاقُونَ مِنَ النَّاسِ الرَّبَّ، وَجَمِيعُ الأُمَمِ الَّذِينَ دُعِيَ اسْمِي عَلَيْهِمْ، يَقُولُ الرَّبُّ الصَّانِعُ هذَا كُلَّهُ. مَعْلُومَةٌ عِنْدَ الرَّبِّ مُنْذُ الأَزَلِ جَمِيعُ أَعْمَالِهِ. لِذلِكَ أَنَا أَرَى أَنْ لاَ يُثَقَّلَ عَلَى الرَّاجِعِينَ إِلَى اللهِ مِنَ الأُمَمِ، بَلْ يُرْسَلْ إِلَيْهِمْ أَنْ يَمْتَنِعُوا عَنْ نَجَاسَاتِ الأَصْنَامِ، وَالزِّنَا، وَالْمَخْنُوقِ، وَالدَّمِ. لأَنَّ مُوسَى مُنْذُ أَجْيَال قَدِيمَةٍ، لَهُ فِي كُلِّ مَدِينَةٍ مَنْ يَكْرِزُ بِهِ، إِذْ يُقْرَأُ فِي الْمَجَامِعِ كُلَّ سَبْتٍ». (سفر أعمال الرسل 15: 13- 21)وبعد أن استحسن أعضاء المجمع رأي القديس يعقوب البار، حرروا مقررات المجمع في صورة خطاب موجه للجماعات المسيحية خارج أورشليم، فيما يمكن اعتباره أول وثيقة لمجمع مسيحي في تاريخ المسيحية:حِينَئِذٍ رَأَى الرُّسُلُ وَالْمَشَايِخُ مَعَ كُلِّ الْكَنِيسَةِ أَنْ يَخْتَارُوا رَجُلَيْنِ مِنْهُمْ، فَيُرْسِلُوهُمَا إِلَى أَنْطَاكِيَةَ مَعَ بُولُسَ وَبَرْنَابَا: يَهُوذَا الْمُلَقَّبَ بَرْسَابَا، وَسِيلاَ، رَجُلَيْنِ مُتَقَدِّمَيْنِ فِي الإِخْوَةِ. وَكَتَبُوا بِأَيْدِيهِمْ هكَذَا: «اَلرُّسُلُ وَالْمَشَايخُ وَالإِخْوَةُ يُهْدُونَ سَلاَمًا إِلَى الإِخْوَةِ الَّذِينَ مِنَ الأُمَمِ فِي أَنْطَاكِيَةَ وَسُورِيَّةَ وَكِيلِيكِيَّةَ: إِذْ قَدْ سَمِعْنَا أَنَّ أُنَاسًا خَارِجِينَ مِنْ عِنْدِنَا أَزْعَجُوكُمْ بِأَقْوَال، مُقَلِّبِينَ أَنْفُسَكُمْ، وَقَائِلِينَ أَنْ تَخْتَتِنُوا وَتَحْفَظُوا النَّامُوسَ، الَّذِينَ نَحْنُ لَمْ نَأْمُرْهُمْ. رَأَيْنَا وَقَدْ صِرْنَا بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ أَنْ نَخْتَارَ رَجُلَيْنِ وَنُرْسِلَهُمَا إِلَيْكُمْ مَعَ حَبِيبَيْنَا بَرْنَابَا وَبُولُسَ، رَجُلَيْنِ قَدْ بَذَلاَ نَفْسَيْهِمَا لأَجْلِ اسْمِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ. فَقَدْ أَرْسَلْنَا يَهُوذَا وَسِيلاَ، وَهُمَا يُخْبِرَانِكُمْ بِنَفْسِ الأُمُورِ شِفَاهًا. لأَنَّهُ قَدْ رَأَى الرُّوحُ الْقُدُسُ وَنَحْنُ، أَنْ لاَ نَضَعَ عَلَيْكُمْ ثِقْلاً أَكْثَرَ، غَيْرَ هذِهِ الأَشْيَاءِ الْوَاجِبَةِ: أَنْ تَمْتَنِعُوا عَمَّا ذُبحَ لِلأَصْنَامِ، وَعَنِ الدَّمِ، وَالْمَخْنُوقِ، وَالزِّنَا، الَّتِي إِنْ حَفِظْتُمْ أَنْفُسَكُمْ مِنْهَا فَنِعِمَّا تَفْعَلُونَ. كُونُوا مُعَافَيْنَ». (سفر أعمال الرسل 15: 22-29) 3- إن الجماعة المسيحية المبكرة قد استمرت لفترة ليست بالقصيرة في ممارسة صلواتها ونمط عبادتها على النمط اليهودي التقليدي وفي إطار المؤسسة الدينية اليهودية، ولم يتميزوا عن عموم اليهود سوى في أمرين: أولا: إيمانهم بأن يسوع الناصري هو المسيا المنتظر الذي تنبأت الأسفار المقدسة لليهود بمجيئه، وبأنه قد قام من الموت بعد صلبه. ثانيا: اجتماعهم سويا في يوم الأحد من كل أسبوع للصلاة وتدارس التوراة والأسفار النبوية التي رأوا فيها ما يشير إلى شخص يسوع الناصري وينطبق على أحداث حياته، ثم المشاركة في فريضة "العشاء الرباني" التي أسسها السيد المسيح في ليلة خميس العهد قبل صلبه، التي أوصى تلاميذه بالمداومة عليها. فيما عدا هذا، فقد ظل مسيحيو أورشليم يصلون في هيكل أورشليم كالمعتاد، وظل مسيحيو البلدان الأخرى يصلون في المجامع Synagogues اليهودية المنتشرة في بلدان حوض البحر المتوسط، التي كانت الجاليات اليهودية في هذه البلدان تجتمع فيها للصلاة وتلاوة التوراة. هذه الحقيقة يوردها سفر الأعمال في سياق حديثه عن شفاء رجل مشلول بطريقة معجزية بواسطة الرسولين بطرس ويوحنا عند هيكل أورشليم: (وَصَعِدَ بُطْرُسُ وَيُوحَنَّا مَعًا إِلَى الْهَيْكَلِ فِي سَاعَةِ الصَّلاَةِ التَّاسِعَةِ... ). يذكر أن بعض الباحثين الغربيين في مجال المسيحية المبكرة قد شككوا في تاريخية (مجمع أورشليم) بسبب عدم توافر دلائل تاريخية بالمعنى المتعارف (وثائق خارج الإنجيل، شهادات مؤرخين... إلخ)، ومنهم من اعتبره بمنزلة Foundation story (رواية تأسيسية) استهدفت بها مسيحية القرن الثاني شرعنة أوضاعها الدينية والشعائرية بردها إلى عصر الرسل الأوائل. ومنهم من قال بأن المحرمات الأربعة التي قررها المجمع (الذبائح المقدمة للأوثان، الذبائح المخنوقة، الذبائح غير المصفاة من دمها، الزنا بنوعيه: الطبيعي والشعائري) هي صدى لفكرة "وصايا نوح السبع" (بالعبرية: شيفع متسوفوت بيني نوح שבע מצוות בני נח) التي يؤمن اليهود بأن يهوه قد فرضها على الأمم (غير اليهود) كشريعة كونية عامة في مقابل الوصايا الـ613 التي فرضها على اليهود، إذ إن المحرمات الأربع المذكورة هي جزء فعلا من هذه الوصايا السبع. بينما اقترح باحثون آخرون (مثل جوزيف فيتزماير) أن مقررات المجمع هي ترداد لما جاء في سفر اللاويين بالتوراة، وتحديدا في الجزء الذي يسمى "شريعة القداسة" (الإصحاحات من 17 إلى 26). ولكن يمكن القول -بصورة عامة- أن التيار العام لباحثي المسيحية المبكرة يميل حاليا للقبول بتاريخية "مجمع أورشليم". يتبع في المقال المقبل. . --- ### المغيّبون الجدد - Published: ۲۰۲۲-۱۰-۰٤ - Modified: 2022-10-04 - URL: https://tabcm.net/8393/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: براسموس مسرة, بيلى جراهام, قديس بولس الرسول أتفهم حالة الانزعاج عند المتربصين بما أكتب وأنشر، وهم في أغلبهم من الشباب الذين وقر في ذهنهم أن ثمة خطراً على الكنيسة والعقيدة والإيمان -هكذا- من أطروحاتي، وأن عداءً شخصياً يحكمني مع من يرون إنهم كبار معلمي جيلهم وربما أجيال سبقتهم بعقد أو عقدين، وهي فرضية غير صحيحة، صنعها وروجها ثلة ممن رُسم لهم ودُفع بهم -والناس نيام- أن يجلسوا على كرسي موسى، ويُزرعون وسط الحنطة ويحاصرونها، وهم في مجملهم لم ينجحوا في التحقق بالحياة العامة، فاستبدلوها بالسير عكس الطبيعة ليس بحثاً عن الملء، والالتصاق بالواحد على غرار ما فعله آباء البرية المؤسسون. اللافت أنهم لم يمكثوا كثيراً خلف الأسوار وقفزوا منها إلى مواقعهم، التي أرادها لهم من دفع بهم قبلاً إلى صحرائهم (المؤقتة)، فأداروا مقاطعاتهم بأحلامهم المجهضة، التي تجلت في السلطة التي تحولت إلى سطوة، ورؤاهم التي لا تتجاوز متحصلات مرحلة الصبا في صفوف مدارس الأحد المرتبكة، وربما المشوشة، ومن اجتهد منهم تتلمذ على كتب "بيلي جراهام"، و"براسموس مسرة" وغيرهم، متأرجحين بين الأنجليكان والروم والإنجيليين، لذلك لم يقبلوا طرح مدرسة الآبائيين الذين ذهبوا إلى كتابات الآباء في لغاتهم الأم (اليونانية والقبطية). وعربوها بعد تحقيقها. السلطويون الجدد، ترجموا عدم القبول في حملات الهرطقة، بعد أن أعادوا الحياة لهذا المصطلح (الهرطقة) في مكارثية جديدة وسط مجتمع مثخن بجروح غائرة تتهدد وجوده وبقاءه من جرّاءِ المد الإرهابي الإخواني الذي تزامن مع وجودهم. واقترب المشهد من توصيف الرسول بولس: "كُنَّا مُكْتَئِبِينَ فِي كُلِّ شَيْءٍ: مِنْ خَارِجٍ خُصُومَاتٌ، مِنْ دَاخِل مَخَاوِفُ" (2 كو 7: 5) --- ### "عم جورج"..حين تبتعد الدراما عن "التلزيق" - Published: ۲۰۲۲-۱۰-۰۳ - Modified: 2022-10-03 - URL: https://tabcm.net/8193/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون - وسوم: أحمد عبد الحميد, خالد الصاوي, صبري عبد المنعم, محمد الحناوي, مسلسل أعمل إيه يعرض خلال هذه الأيام مسلسل "أعمل إيه" بطولة خالد الصاوي، من تأليف محمد الحناوي وإخراج أحمد عبد الحميد، جذبني الإعلان السابق لعرضه لمتابعة المسلسل، ورغم المثالية المبالغ فيها التي تبدو عليها شخصية مهندس الصوت "عبد الله الفولاني" بمعاييرنا اليوم، إلا أن المسلسل لفت نظري في أمر أخر وهو في وجود شخصية "عم جورج"، وهو شخصية ليس لها وجود فهو مُتوفّى، لكنه يظهر على لسان جيرانه في المسلسل. المميز هنا أن المسلسل يعرض للعلاقة الطبيعية بين المواطنين المصريين المختلفي الديانة بشكل بعيدا عن الحساسيات الدينية والصور النمطية، وهنا أحيلكم لمقال أكثر من رائع للسيناريست فيبي أنور  هنا على الشبكة بعنوان "أين ذهب المسيحي البلطجي؟" رصدت فيه صورة الشخصيات المسيحية في السينما وكيف أصبحت نمطية، أو كما قالت: "شيئا فشيئا أصبحت الصورة النمطية للمسيحي في كل الأعمال هي صورة الطيب الوطني اللطيف “ابن الرب” الذي إذا لطمه أحدهم على خده الأيمن حول له الآخر. . كم أزعجتني تلك الصورة المثالية بمثاليتها". (فيبي أنور، أين ذهب المسيحي البلطجي؟)  لكن اللطيف في المسلسل أنه عندما يأتي ذكر "عم جورج" على لسان عبد الله أو زكريا، فإنك تشعر أنه واحدا منهم، ينتمي لهم وهم ينتموا إليه، وثلاثتهم ينتمون لفئة مما يمكن أن نطلق عليها "الفئة الأقل ماديا في الطبقة الوسطى المصرية"، التي تآكلت بمرور السنين وفقدت مِيزة وجودها كطبقة يجب أن تكون الأكبر عددا، وتصل بين الطبقات الأعلى والطبقات الأقل، وليس هذا فقط، بل مالت إلى الانغلاق والتشدد الديني وتبنتهم ظاهريا كقيم تمثل غالبية المنتمين لهذه الطبقة. نعود لـ"عم جورج" وجيرانه، فقد أعتدنا الكليشيه السخيف الذي يروجه عادة المتشددون دينيا عن العلاقة بينهم وبين أتباع الدين الآخر، لنفي التشدد عنهم، لكن في الحقيقة من يعيش علاقة صحية بجيرانه وأصدقائه لن يكون مضطرا لاستخدام هذا الكلام. في المسلسل ظهر موقفين يظهران عمق العلاقة بين هؤلاء الجيران، فـ"جورج" الذي هاجر من زمن إلى فرنسا وتوفى، ترك مفتاح شقته بالبناية مع جاره "عبد الله" الذي قرر صون الأمانة وعدم التفريط فيها أو استخدامها لحسابه الشخصي، بالرغم من الأزمة المالية التي يمر بها خاصة أنه أب لأربع فتيات، وحينما أقنعوه جميعا بتأجير الشقة والاستفادة منها ماديا، وافق بعد ضغوط كبيرة من أسرته، فظهرت "ليزا"، ابنة "جورج"، التي ولدت في فرنسا، لتجد شقتها كما هي. الموقف الأخر هو حلم "الشيخ زكريا" بجاره "جورج"، في الوقت الذي ظهرت فيه "ليزا"، فشعر أن والدها يطلب منه أن يهتم لأمرها، وحين كانت تجلس في المقهى عنده، تشاجر ابنه مع أحد رواد المقهى من الذين نصفهم اليوم بأنهم "سرسجية" لكونه تحدث عن "ليزا" بشكل سيء، وتم طرده من المقهى. المسلسل لم يذكر العلاقة بين المسيحيين والمسلمين ولم يشر إلى أية أمور دينية، لكنه عبر عن عمق هذه العلاقة من خلال المواقف، ورغم غياب "جورج" ولم يظهر أحد يؤدي دوره، لكن هذه الشخصية الغائبة كانت حاضرة بقوة بسبب وفاء وتصرفات جيرانه نحوه، فهل ينتبه صناع الدراما والسينما إلى رسم شخصيات مصرية بعيدا عن النمط الديني التقليدي الذي أشارت له فيبي في مقالها، وأن يهتموا بأبعاد الشخصية المختلفة بعيدا عن "التلزيق" والنمطية التي أعتادنا عليها عند ظهور شخصية مصرية تدين بالمسيحية؟ اقرأ أيضا: --- ### عن "امرأة تكتب" - Published: ۲۰۲۲-۱۰-۰۲ - Modified: 2023-10-23 - URL: https://tabcm.net/8074/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون - وسوم: امرأة تكتب أكتبُ علىَ عِلمٍ بأنّني قد أموتُ بسببِ الكلِماتِ، مَطعونًا بخنجرِ النحوِ، مُشوهًا بمِشرطِ الإملاءِ، مَصلوبًا علىَ خشبتينِ مُتقاطِعتينِ مِنَ الفِهمِ وسوءِ الفِهمِ.. وكان بين كتابتها وقراءتي، خيط ضوئي، يجعلني أبصر الأشياء كما لو كنتُ أعمى قبلها. . كانت تكتب كسكّين ينحت الكلمات، وكنت أقرأ كشجرة تنتظر النحت كي تبدو أجمل. . كانت تكتب فتنسج وشاحًا ملونًا في عالم لطالما بدا أبيض وأسود. . وكنت أقرأ كي أتصالح مع الأشياء التي لا أملك سلطانا عليها. . تكتب كفعل يوميّ للارتجال، فأقرأ لأن في ذلك ما يصنع رباطة جأشي. . تكتب أنها لا تصلح للوظيفة، فاقرأ لأستطيع كسب قوت يومي. . تكتب في عزلة مصنوعة من مجتمع، فأقرأ كما يلعب الطفل المتروك وحيدا في الرمل. . تكتب للأطفال الذين لم ننجبهم، فأقرأ لأني كنت أتكلم لغة مختلفة عندما كنت طفلا. . تكتب من سكون الليل في ترقّب، ترقّب دائم، فأقرأ كمهدئ للأصوات الصارخة بداخلي، ومن خارجي، وفي كل مكانٍ حولي. . تكتب للإجابات التي تبقيها راضية عن الهوان، فأقرأ للأسئلة التي تؤرق نومي. . تكتب كمخرج من كوابيسها، فأقرأ كمدخل لأحلامي. . تكتب لتكشف الغطاء، فأقرأ لأكتشف ذاتي. . تكتب لتبدأ حوارًا، فأقرأ كي أكمله. . تكتب كي تتذكّر، فأقرأ كي أنسى. . تكتب كفعل للإيمان، فأقرأ لأن ذلك يمكنني من مواجهة ما لا أعرفه. . تكتب كفعل للكفر، فأقرأ لأن ذلك يجعلني أقل خَشْيَة للموت. . تكتب للأموات، فأقرأ خارج الجسد. . تكتب للطيور المهاجرة بغطرسة اللغة، فأقرأ كنوع من التَّرْجَمَةً. . تكتب للجنّ، فأقرأ كي ألتقي بأشباحي. . تكتب للإنس، فأقرأ كي أهمس في أذن من أحب. . تكتب من صميم تقلباتها، فأقرأ لأرقص مع الضدين. . تكتب كنوع من الفرح النقي، فأقرأ كمسكّن للألم. . تكتب عن شغفها وعن غضبها، فأقرأ كي أوثّق ما أحبه في مواجهة الخسارة. . تكتب مستهترة بالكلمات، فأقرأ مؤمنًا بالكلمات. . تكتب على علمٍ بقلة حيلة الكلمات، فأكف عن القراءة وأكتب بجوارها مؤازرًا. . أكتبُ علىَ عِلمٍ بأنّني قد أموتُ بسببِ الكلِماتِ، مَطعونًا بخنجرِ النحوِ، مُشوهًا بمِشرطِ الإملاءِ، مَصلوبًا علىَ خشبتينِ مُتقاطِعتينِ مِنَ الفِهمِ وسوءِ الفِهمِ. . أكتب عن غير قصد. . أكتب متخطّيا الارتباك الذي قد يسببه افتضاح أمري. . أكتب بانغماس. . أكتب دون وعي. . أكتب بألوان الذاكرة. . أكتب كشاهدٍ على ما رأيت. . أكتب كشاهدٍ على ما تخيّلت. . أكتب كيلا أكون وحيدا. . أكتب لأنني حينها لا أحتاج أن أتكلّم. . --- ### ملاحقة "السعادة" فى جيل ناقم - Published: ۲۰۲۲-۱۰-۰۱ - Modified: 2022-10-01 - URL: https://tabcm.net/8363/ - تصنيفات: المرأة القبطية - وسوم: آرثر شوبنهاور, باتريك روثفوس, چيمس بالدوين "الطريقة الأكثر أمانًا لعدم التعاسة هي ألا تتوقع أن تكون سعيدًا جدًا". (أرثر شوبنهاور) لم أكن أعرف "للتعاسة" معنى حين كانت جدتي تمسك يداي وتغلق عليها بأحكام حتى تنسجم أصابعي الصغيرة مع حرارة كفها الذي يعلن خوفها من أن تضيعني وسط زحام شارع "كلوت بك" الذي نقصده قادمين من حي الظاهر كعادتنا كل يوم جمعة. لم تفلت يدي ولا مرة واحدة، سواء في رحلتنا الصباحية ما بين كنائس "كلوت بك" أو رحلتنا المسائية إلى كاتدرائية العباسية. في رحلتنا المسائية من الظاهر عبر شارع رمسيس وصولاً للعباسية كانت أضواء الجاليريهات المختلفة تجذبني إليها فأقف طويلاً أتأمل اللوحات المعروضة بانبهار معلنة إني يوماً ما سوف أرسم مثل تلك اللوحات الرائعة. كانت جدتي تتركني أتأمل اللوحات حتى انتهي من معاينتهم جميعاً دون أن تتعجلني أبدا. نصل إلى الكاتدرائية التي كانت شبه خالية في تلك الأيام، تحديدا بداية التسعينيات ونصعد إلى أعلى ونجلس خارج الكنيسة في تلك البقعة المميزة التي يداعب فيها الهواء فستاني القصير ويتراقص به رغماً عن أرادتي وأنا أحاول جاهدة الإمساك به وجدتي تضحك وهي تخرج ساندوتش من حقيبتها. تجلس على السور وأنا أكل وألهو من حولها حتى يغلبني النعاس فأجلس إلى جوارها منهكة وأضع رأسي على أرجلها فترتب خصلات شعري الطويل بيدها ثم تدلك ظهري برفق حتى أجد نفسي نائمة على أرجلها داخل تاكسي يحملنا إلى البيت حيث ينتظرنا جدي بالبلكون، لم أرغب في ذلك العمر أي شيء من العالم ألّا تفلت جدتي يدي. "عندما نكون أطفالًا، نادرًا ما نفكر في المستقبل. هذه البراءة تتركنا أحرارًا في الاستمتاع بأنفسنا كما يفعل عدد قليل من البالغين. اليوم الذي نشعر فيه بالقلق بشأن المستقبل هو اليوم الذي نترك فيه طفولتنا وراءنا". (باتريك روثفوس) لم أكن أعرف يومها معنى "للتعاسة" بالتأكيد ولكن سنة بعد سنة تسرب ذلك الشعور شيئا فشيئا ولكن كانت هناك دائما جدتي تمحو بابتسامتها الحانية ما تقدر عليه من ذلك الشعور حتى أكون أنا اليوم ممتنة لها لأنها "كانت موجودة" ولم تفلت يدي أبدا حتى وأنا أكتشف معنى "التعاسة" رغماً عني، كانت هي موجودة تحاول أن تقف ما بيني وبينها حائل بقدر ما استطاعت. أما اليوم أشعر بأن أطفال هذا الجيل يتعرفون إلى "التعاسة" أبكر مما يجب وأعنف مما كان، ولا شك أن تمشية ليلية بشارع رمسيس الآن سوف تزيدهم تعاسة وغضب لن يخفف حدته رؤية اللوحات المبهجة وراء فتارين جاليريهات العباسية، أشك أن طفل اليوم من الممكن أن تلتقط عينه تلك الأضواء الخافتة أبدا، فقد أعتاد أضواء أشد وأقوى تجذب الكثير من الذباب قبل أن تجذبه. في طفولتي لم أتوقع التعاسة ولا حتى سعادة أكبر، فسعادتي كانت ترتبط بمشاعر بسيطة حانية تتمثل في حضن جدتي أو قبلتها على جبيني حتى سعادتي الآتية من مكافئات لطيفة كانت تتمثل ببساطة أن ترفع جدتي سماعة الهاتف وتدير قرصه وتهاتف "البرادعي" (مش بتاع المسلسل. . بس برده وأنا صغيرة كنت بخاف يطلع هو) وتعطيني السماعة حتى أطلب ما لذ وطاب من شيبسي وبيبسي وبيمبو واللبان السحري، أو حين كانت تشتري لي "أيس كريم" من عند الجوكر بشارع خالد بن الوليد بالإسكندرية وكانت سعادتي لا توصف فهو أول محل أيس كريم أراه يغرق الأيس كريم بصوص الشيكولاتة ويرش بعض الفستق أعلاه. يا الله...   لا زالت تبهجني هذه الصورة حتى الآن، حتى سلاحف "بير مسعود" أشركتها سعادتي وأنا أراقبها وجدتي تضمني إليها بشده خوفاً علي. ويا سلام، حين كنت أخرج مع عمتي وأصدقائها وتأخذني إلى "ومبي" أو يأخذني جدي معه إلى نادي الشباب المسيحيين بالظاهر حتى يقابل صديقه الذي يحضر أيضا حفيدته معه لنلعب سوياً. لذلك لم يكن عندي توقعات بسعادة أكبر قد أنالها في المستقبل. بالتأكيد اليوم كل مصادر البهجة تلك التي كانت تُعتبر من المميزات التي كنت أحصل عليها بفضل جدتي، هي الآن أساسيات أي طفل عادي، أعط ذلك المقال إلى طفلك واجعله يقرأ مغامراتي التب أشعرتك أنت بالنوستالجيا وأنتظر رد فعله. انتظرت؟؟ بالتأكيد لن يشعر كما شعرت لأن كل ذلك -بالنسبة له- ليست رَفَاهيَة ولا متعة إنما أساسيات الحياة في هذا العصر، هذا الجيل يملك توقعات بخصوص السعادة تجعله يعيش وكأنه مشارك في سباق مستمر من أجل تحقيق أكبر قدر من السعادة في أقل وقت ممكن، لذلك للأسف يتعرف أطفال هذا الجيل إلى "التعاسة" مبكراً، لكنها تعاسة مختلفة تماماً عن تلك التعاسة التي عاصرناها، فنحن اختبرنا التعاسة حين غابت السعادة لبعض الوقت أو كله، أما تعاسة اليوم فهي تمشي إلى جوار السعادة جنباً إلى جنب لان تعاسة اليوم هي نتيجة عدم تحقيق سعادة أكبر وليست نتيجة غيابها. الطفل اليوم يملك هاتف لم نملكه ولكنه تعيس لأنه يريد الأحدث، يريد أن يذهب في رِحْلات خارجية، فالداخلية لم تعد ترضي شغفه، والمراهق يريد سيارة ما أن يتم الثامنة عشر ثم يريد سيارة أحدث عندما يتم التاسعة عشر، يريد أن يجوب العالم وعليك أن تحقق ذلك وإلا أتعسته. عيون الأطفال اليوم ترى الكثير والنفس تريد أكثر وإذا أخفق في تحقيق ما هو أكثر؛ أصابته التعاسة لأن ما يملكه يحقق له السعادة فقط ولكنه يريد سعادة أكبر، مما شكّل لدينا أجيال كاملة ناقمة بشكل مستمر، أجيال غاضبة تريد المزيد دائما وتنسى في سبيل الحصول عليه كل ما هو أخلاقي ومقبول وتلقي باللوم دائما على الحظ. هنا يقع الأهل في صراع ما بين تلبية احتياجاتهم التي توافق العصر أم تقويهم بما يناسب العقل. "الأطفال لن يكونوا جيدون أبدًا في الاستماع إلى كبار السن، لكنهم لم يفشلوا أبدًا في تقليدهم". (جيمس بالدوين) لا يمكن أن تطلب من طفلك أبدا أن يكون أكثر منطقياً أو متواضعا أو راضيا مادام لم يراك تتصرف كشخص منطقي ومتواضع وراض. فأطفالك هم مرآتك. أخذت الكثير من الوقت حتى علمت أن الحياة حين كنت طفلة كان يوجد بها الكثير من المتع والسعادة أكثر مما حصلت عليه ولكن عيني لم تراهم وكانت معلقة لحسن حظي بأشخاص يقدرون السعادة والحب والتواضع فعلمت أن نظرتي المنطقية للحياة التي يفتقدها الكثيرون اليوم أخذتها من عيون جدتي. أما أطفال اليوم يرون الكثير، فهم محاطون طوال الوقت بتوقعات أكبر منهم ومنك في أغلب الأحيان، ذلك الساحر الصغير "الهاتف" جعلهم يملكون العالم بين أيديهم و لكن كقبض الريح. ملكهم أوهام الثراء السريع و الإمكانات غير المحدودة للحياة التي (يجب) أن يحيوها وما أن يعترض المنطق طريقهم حتى يصابوا بالإحباط والتعاسة. اليوم الأطفال والمراهقون يشعرون بالملل سريعاً من كل شيء، مع أنّهم يملكون مئات الأضعاف من المُلهيات أكثر مما حظيناً به نحن، حتى في المكافئات أيضا. أتذكر يوم أن أخدتني أسرتي لعمل عملية اللوز بعد أن أقنعوني إننا هناك حتى يتخلص أبي من جبس ذراعه ولكن حين أتت ساعة الصفر والدكتور يأخذني من جدتي هلعت وتشبثت بها وهى أيضا أمسكت بي ورفضت أن يأخذني الدكتور منها بالرغم من محاولة والداي وكل الموجودين أن تتركني ولكنها رفضت أن أدخل إلى العمليات وأنا باكية بل بكت معي وكان الدكتور يسحبني منها بأمر والداي وهي تحاول منعه ومنحها بعض الوقت معي حتى تهدئني وحينها أخبرتني أن الدكتور سوف يكشف عليَّ، وإن امتثلت لأوامره سوف تأتي لي بالكثير من الجيلي والأيس الكريم، لا أنسى أبدا بعد العملية في نفس الليلة وجلوسي فوق ترابيزة السفرة وجدتي جالسة تحتضني من الخلف وأنا أحتضن علبة (كيمو) الكبيرة وأشاهد التلفاز. أخبرتني صديقة من قريب أنها وعدت ابنها بشراء بلاي ستيشن (فايف  ولا سكس وسيفين... لا أعلم) إذا طاوعها وقبل أن يُجرى له عملية اللوز. فعزيزي القارئ... أرجوك لا تشارك أطفالك الحياة دون أن تكون قادرا على إبعاد شبح التعاسة عنهم وأن تكون قادرا على أن تعلمهم أن قيمتهم الحقيقية في طريقة تقييمهم لأهمية الأشياء في حياتهم وليس في قدرتك على امتلاكها مع منحهم الكثيرة من السعادة (البكر) المتمثلة في الحب والاهتمام واللُطف. أرجوك. . كن لطيفا مع طفلك حتى تكون أنت أهم أسباب سعادته. (في ذكرى صاحبة السعادة (جدتي) في ذكراها الرابعة... السلام لروحك) --- ### المكارثية القبطية - Published: ۲۰۲۲-۰۹-۳۰ - Modified: 2022-09-29 - URL: https://tabcm.net/8341/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: المكارثية, جوزيف مكارثي المكارثية هي فعل توجيه الاتهامات الخطيرة لأشخاص (أو لشخوص اعتبارية) دون الركون إلى أدلة مادية، فقط الارتكان على القليل من الشبهات التي يتم تضخيمها إعلاميا من أشخاص نافذين، وعلى حالة الهلع والاستياء التي تنتاب الجموع بسبب خطورة الاتهام. تم صك المصطلح بعدما تسبب عضو مجلس الشيوخ الأمريكي البارز ورئيس إحدى لجانه "جوزيف مكارثي"، في سجن عدد من موظفي الخارجية المهمين، بتهمة اعتناق الشيوعية والعمالة للاتحاد السوفيتي، كما طالت اتهاماته عدد كبير من فناني هوليود الأفذاذ، قبل أن تثبت براءة الجميع وزيف الاتهامات، في خمسينيات القرن الماضي. أصدر مجلس الشيوخ في عام 1954 قراراً بتوجيه اللوم عليه. ويستخدم هذا المصطلح للتعبير عن الإرهاب الثقافي الموجه ضد المثقفين. يلزم لإقامة المناخ الإرهابي المكارثي عدد من العناصر، يتم تضفيرها معا للوصول لهذا المناخ، والذي هو هدف بذاته، يتربح منه المكارثيين. فبداءة، يلزمنا وجود "عدو"، على أن غيابه لن يفت في العضد، فيمكننا دائما خلق "عدو" وتصنيع حالة من الكراهية الممزوجة بالرعب حياله، ثم يتم استغلال حالة التسطيح الجمعي مع امتلاك جهاز إعلامي قوي، يقدم للجمع ما يرغب في سماعه، أو باﻷحرى يقدم تجسيما لمخاوفهم وكوابيسهم وبأنها قادمة بقوة إن لم تفعل شيئا تجاهها... وأخيرا يتم اصطياد الضحايا. (الصورة على اليسار هي لغلاف مجلة هزلية أمريكية تم نشره عام 1964م، تخاطب ذعر الشعبويين عن شبح الشيوعية الذي ينتظرهم. لمشاهدة تفاصيل الصورة بحجم أكبر، قم بالنقر عليها. ) هل ينطبق هذا السيناريو على الواقع القبطي الحالي؟؟ الواقع أنه يتطابق بقضه وقضيضه! فلدينا أعداء كثيرين نحتتهم بعناية أزاميل البطريرك المتنيح، من ملل ونحل مسيحية مستوردة أتت مع الاحتلال ولا هدف لها إلا استلاب تاريخنا التليد، واختلاس إيماننا القويم، ولن تقر لهم عين ولن يغمض لهم جفن، إلا أن نتبع ملتهم الهرطوقية الزائغة عن الإيمان اﻷرثوذكسي المهدد بالضياع لوﻻ وجودنا، هم أيضا لا يكتفون بالتمني، بل أن التخطيط يجري على قدم و ساق لالتهام الثمرة الشهية اليانعة، والاختراقات لا تتوقف، بل انهم زرعوا بالفعل خداما و قساوسة و رهبانا من اﻷعداء في داخل كنيستنا، بل الأدهى انهم زرعوا أساقفة، ولولا أن الرب هيأ لنا عددا من "أسود العقيدة"، تذب عنا وعن الإيمان المسلم به، لالتهمونا أحياء. المكارثية هي حالة دنيئة، وفعل بشري منحط، لا يتم إلا لأغراض شخصية ساقطة، لأن النفس الإنسانية المستقيمة تعاف الظلم، وتعاف توجيه الاتهامات هكذا. المكارثية يسهل دحرها بوجود إناس نبلاء شجعان، لا يلقون بالا إلا للحق، ولا ينحازون إلا للحقيقة، مثلما فعل الإعلامي "إدوارد مارو" مع المكارثي الأول. (أود دعوة الجميع لمشاهدة الفيلم الرائع "Good Night, and Good Luck" ) تنتهي دائما المكارثية بمقترفيها نهايات مأساوية، لأن هذه هي طبائع الأمور، انتهي رائدها مسجونا بتهم الفساد والتزوير، ونحن نبشر مكارثيينا الحاليين بمصير مشابه، فهل يتعظ احدهم! --- ### امرأة تكتب؛ الورقة الثالثة - Published: ۲۰۲۲-۰۹-۲۹ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/7937/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون - وسوم: امرأة تكتب, رجل من ورق تثير غَيْرَة النساء. . جميع النساء توهم الجميع بعشقها لكنها في الواقع تهزي بحروف تعشقها تكره الرجل الضعيف المسلوب الإرادة وتحتقره أيضاً ترفض الذوبان في شخصية الرجل القوي مهما كان قوياً ومتسلطاً ستكون مراقباً لحرفها، ستذهلك كلماتها وقد تُحرك غيرتك منها لا إرادياً، ستهز عرش كبريائك حتى لو أدعيت اللامبالاة بها لا تتوغل في عمق نصوصها ومعانيها وأسرارها... لن تستوعبها، لن تحتملها، التهامش يكفيك تماماً ‏تمشي على حواف اللهفة تنير ضياً. . في عشقها كياً وتنثر رذاذ عطرٍ لا يمكن لأخرى تقليده ترسخ بالأذهان ‏وكلما زادت خيباتها... هرعت للكتابة وتقربّت من القلم تتهجى الحب تكتب بخط القلب ‏في كل مرة تصنع رجلا من ورق تعتصم الكلمات منادية بإسقاطه فتغتاله بجرة قلم. . وتردد في رثاء الحب: لن أخلع رداء قلمي تلجم القصيدة بآلف معنى وتسرج القوافي عاتيات تشد الوتر إذا الحرف غنى وترفع الـ آهات في صدر النوتات تكتب بحبر الأصالة، حروفاً تمتد من أنفاس صدرها تكتب بملامح طيفها تكتب بنبرة صوتها حُروف قلمها عِطرٌ لأنفاس الحياة، لا تُطلقه إلا يديها وروحها فتنة تُحي القلوب وهي هشيم تِعتِق الحرف من عصمة الصمت وتُحرر أنفاس الغمام تكتب لوجه الحب حرفاً، كالفراش في هواء طلق وتنثر عبير الكلام لا يوجد أخطر منها، تكتب لك قصة من أمل تكتب لك الثقة على سطح من ماء... تكتب كلماتها على بحر تلعب به الأمواج حين يخفق قلمها تًنصت بنبضك و تكون لك الربيع في عصر الحرب تهديك الورد رغم الدمار، رغم الضيق، تأخذك إلى الراحة، تقودك للرحب ‏تظل مغرد بحرفها، بقلبها الذي لا توجد فيه أماكن للحقد والرياء تعيش دنياها بالمحبة والمودة والصفاء أناملها شفافة، زجاجية، مرئية... تستطيع أن ترى من خلالها أوردتها التي ملأها الحبر من كلماتها ‏‎‎تجعل الأحلام تغفو تحت أسوار المقل تجعل الحروف تستيقظ من سبات الضجر والملل تنثر الحرف لحنا يسري في مسامات الجسد... ليكسر صمت الألم السحر في سر حروفها وعزفها كلمات لا وتر كم من أقلامٍ تتعثر، فلا تروي نهم القراء كم من أوتارٍ دنّت لا تضفي نغم الإغراء أما عباراتها فلا تحتاج سوى أن تُخلى نفسك، أن تصغى بنقاء تكتب كي لا تبكي تأخذ حزنها في نزهة أنيقة حتى ينام... ‏من البَدْء كان عليك ألّا تعشق امرأة تكتب، امرأة يتضخم بداخلها الغضب حين تكون اللحظة ليل طويل وورقة واحدة فقط بينما الكلام يشتعل في صدرها. ‏‎ تكتب للأماني التي تغفو على ضفاف يقين للمرافئ البعيدة التي تضّج بالمسافرين للقلوب الحالمة، للحب، للصدق، وللياسمين تكتب على أطراف الغابة ‏تكتب حزنها فيبكي الحبر على مداد الورق لتغرق الأبجدية من فيض الوجع تكتب بنهم كي تغفو على حروفها الوحوش الغابة أيضاً تحتاج إليها كي تصبح أقل دموية عاشقة فى محبرة تكتب القصائد المزهرة تنادى الليل و تدهش النجوم ترافقها الكواكب المتناثرة تكتب وتكتب لتعدم أنينها لتشجب حزنها على مقصلة الحرف ‏أرادت أن ترى نفسها في شيء آخر وكونها أمرأة لن يكون ذاك الآخر رجل لطالما أردته حرفاً مبادراً وهي قارئة و كاتبة متسللة ... بعض كلماتها يُذهب العقل والبعض الآخر يعود بالقلب لا تسألها شراب يُسكر فأنت تشرب البحر قمراً في عتم تكتب شجن الناي وبكاء العطر ضحكة الغيمة وتوهان المطر تكتب غطرسة الضباب على كآبة السحاب والطيور دائماً معها حرة من واحتها القاحلة، إلى المجهول من السراب توغل في أدغال المعنى باحثة عن مفردات سماوية في مجاهل اللغة تقطف المجاز وتضعه أكاليل ورد على أضرحة أشباهها الذين اقتربوا دون تصريح مسبق منها ‏امرأة تكتب، لا تسقط جمهوريتها --- ### الفن القصصي في الأناجيل [١] - Published: ۲۰۲۲-۰۹-۲۸ - Modified: 2022-09-29 - URL: https://tabcm.net/8121/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: قديس بولس الرسول, كريسماس, مرقيون السينوبي عنوان هذه الدراسة مستوحى من اسم الأطروحة الشهيرة التي تقدم بها الباحث الراحل د. "محمد أحمد خلف الله" إلى كلية الآداب، بجامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة) عام 1947 لنيل درجة الدكتوراه تحت اسم "الفن القصصي في القرآن الكريم"، والتي رفضت الجامعة مناقشتها وقتها، وثارت حولها ضجة أكاديمية وثقافية استمرت لسنوات، بسبب مدخلها غير المألوف في قراءة عناصر القصص القرآني وربطها بواقع بيئة التنزيل. اعتاد معظم الناس على رؤية مثل هذه الأيقونة في موسم الاحتفال بميلاد السيد المسيح "الكريسماس"، حيث تظهر السيدة العذراء مريم واقفة أمام المذود الذي يرقد فيه المسيح الطفل محاطا بحيوانات الرعي، بينما يقف أمامها المجوس الثلاثة القادمين من بلاد المشرق ليقدموا هداياهم للطفل الملكي، وفوق رأسهم يظهر النجم الساطع الذي أرشدهم إلى مكان الميلاد. كما اعتاد معظمنا رؤية أيقونة "النزول عن الصليب" التي يظهر فيها جسد المسيح المائت محمولا بواسطة كل من "يُوسُف الرامي" و"نيقوديموس" اللذان أشرفا على تكفينه ودفنه حسب إنجيل يوحنا، بينما تظهر بجواره أمه المكلومة القديسة مريم وبجوارها تلميذه الحبيب "يوحنا". ولكن قليلين هم من انتبهوا إلى أن مثل هذه الأيقونات -ومعها القسم الأكبر من الفن المسيحي والأدب الديني المسيحي لقرون طويلة- عملت (دمج merge) لأكثر من رواية في سياق واحد: فحسب إنجيل "متّى"، الذي يقدم لنا واحدة من قصتي ميلاد Infancy Narrative للطفل يسوع (بينما كانت القصة الثانية هي تلك ما أوردها إنجيل لوقا)، فقد وصل المجوس من بلادهم البعيدة إلى فلسطين بعد رحلة شاقة استغرقت شهورا طويلة مهتدين بالنجم الذي ظهر لهم، حيث توجهوا أولا لقصر الحاكم الأدومي "هيرودس" في العاصمة "أورشليم" ليسألوا عن مكان الطفل الملكي الذي تنبأ به حكماءهم، وبعد أن أثاروا ضجة في البلاط الملكي كله استأنفوا رحلتهم مهتدين بالنجم ليصلوا إلى قرية "بيت لحم" الصغيرة حيث ولد يسوع. وبرغم أن إنجيل "متّى" لم يحدد لنا إطارا زمنيا لكل هذه الأحداث، فقد استنبط غالبية المفسرين المسيحيين القدامى أن عمر الطفل يسوع وقت زيارة المجوس له كان يناهز العامين، وذلك اعتمادا على الخبر الذي يورده إنجيل "متّى" بشأن قيام "هيرودس" بمذبحة لأطفال بين لحم استهدفت كل من يبلغ سنتين من العمر فما دون: حِينَئِذٍ لَمَّا رَأَى هِيرُودُسُ أَنَّ الْمَجُوسَ سَخِرُوا بِهِ غَضِبَ جِدًّا. فَأَرْسَلَ وَقَتَلَ جَمِيعَ الصِّبْيَانِ الَّذِينَ فِي بَيْتِ لَحْمٍ وَفِي كُلِّ تُخُومِهَا، مِنِ ابْنِ سَنَتَيْنِ فَمَا دُونُ، بِحَسَب الزَّمَانِ الَّذِي تَحَقَّقَهُ مِنَ الْمَجُوسِ. (إنجيل متى2: 16) من هنا يمكننا أن نستوعب كيف دمجت الأيقونة السابقة -ومثيلاتها في الفنون البصرية والسمعية المسيحية- ما بين "موتيفة" قصصية تنتمي لإنجيل "متّى" وترتبط بالطفل يسوع وهو في عمر السنتين تقريبا، وما بين خبر ولادة الطفل يسوع في مذود للحيوانات بسبب اضطرار العذراء مريم وخطيبها "يُوسُف النجار" للسفر إلى موطنهما في بيت لحم وهي على مشارف الوضع بسبب الاكتتاب الذي فرضه "أغسطس قيصر" وقتها بغرض حصر التعداد وفرض الضرائب، وهو الخبر الذي تورده لنا (قصة طفولة Infancy Narrative) أخرى هي التي أوردها إنجيل "لوقا": وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ صَدَرَ أَمْرٌ مِنْ أُوغُسْطُسَ قَيْصَرَ بِأَنْ يُكْتَتَبَ كُلُّ الْمَسْكُونَةِ. وَهذَا الاكْتِتَابُ الأَوَّلُ جَرَى إِذْ كَانَ كِيرِينِيُوسُ وَالِيَ سُورِيَّةَ. فَذَهَبَ الْجَمِيعُ لِيُكْتَتَبُوا، كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَدِينَتِهِ. فَصَعِدَ يُوسُفُ أَيْضًا مِنَ الْجَلِيلِ مِنْ مَدِينَةِ النَّاصِرَةِ إِلَى الْيَهُودِيَّةِ، إِلَى مَدِينَةِ دَاوُدَ الَّتِي تُدْعَى بَيْتَ لَحْمٍ، لِكَوْنِهِ مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ وَعَشِيرَتِهِ، لِيُكْتَتَبَ مَعَ مَرْيَمَ امْرَأَتِهِ الْمَخْطُوبَةِ وَهِيَ حُبْلَى. وَبَيْنَمَا هُمَا هُنَاكَ تَمَّتْ أَيَّامُهَا لِتَلِدَ. فَوَلَدَتِ ابْنَهَا الْبِكْرَ وَقَمَّطَتْهُ وَأَضْجَعَتْهُ فِي الْمِذْوَدِ، إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا مَوْضِعٌ فِي الْمَنْزِلِ. (إنجيل لوقا 2: 1-7) وبالمثل، ففي الأيقونة الثانية -والتي تمثل جانبا مما يسمى (رواية الآلام Passion Narrative) في الأناجيل- تظهر بجوار شخصية الشريف "يُوسُف الرامي" شخصية أخرى لم تظهر في أي من الأناجيل الثلاثة الأولى (متّى، مرقس، لوقا) ولم يرد ذكرها ولو بشطر كلمة في سياق رواية قصة الصلب والدفن، وهي شخصية المعلم الديني اليهودي "نيقوديموس" إذ انفرد بذكرها الإنجيل الرابع والأخير (إنجيل يوحنا) الذي اشتهر بكونه ينفرد بتقديم عدد كبير من الشخصيات والأحداث والمعجزات المسيانية التي لا يوجد ما يناظرها في الأناجيل الثلاثة السابقة عليه. واقع الأمر أننا لسنا أول من اعتمد على هذا الأسلوب في قراءة الأناجيل الأربعة بطريقة (تناغمية Harmonized) تحاول استيعاب قصة حياة السيد المسيح على الأرض وفق (خط زمني Timeline) يبدأ بنقطة البشارة بمولده وينتهي بصعوده إلى السماء، بحيث يتم عزل وتنسيق كل الأخبار والأقوال والمعجزات والأمثال. . إلخ، التي تحتوي عليها الأناجيل الأربعة، ثم يتم نظمها معا -كحبات المسبحة- في إطار سياق زمني متتابع. ففي الحقيقة أن أول محاولة من هذا النوع -فيما نعلم- قد بدأت منذ منتصف القرن الميلادي الثاني، وتحديدا عام 170م، وذلك عندما حاول رجل سوري يدعى "تاتيان" دمج الأناجيل الأربعة في كتاب واحد مستخدما أسلوب (القراءة التناغمية Harmonized) هذا، الذي نتج عنه كتاب ضخم حمل اسم "الدياتيسرون" (وهي كلمة مشتقة من أصل يوناني هو διὰ τεσσάρων الذي يعني "انطلاقا من الأربعة")، حيث المقصود هنا هو الأناجيل الأربعة القانونية المعترف بها في الكنيسة الجامعة وقتها. استمر استخدام هذا الكتاب في القراءات الليتورجية (الصلوات) للكنيسة السريانية حتى منتصف القرن الخامس الميلادي تقريبا، ولكن لم يكتب له البقاء بعدها لأن بقية كنائس العالم كانت قد اعتمدت أسلوبا آخر في تنسيق قراءاتها الليتورجية والتأملية بشأن حياة المسيح ما بين الأناجيل الأربعة: فبصورة عامة، تم اتخاذ إنجيل "متّى" ليكون بمثابة (الإطار العام Frame) الذي يجري إتباعه لسرد أحداث حياة السيد المسيح التي ناهزت الـ33 عاما، مع الاستعانة ببقية "الموتيفات" التي لم يشتمل عليها إنجيل "متّى" التي أوردتها الأناجيل الثلاثة الأخرى ليتم "تطعيمها" في سياق هذا الـ Frame. تنوعت هذه الموتيفات ما بين أقوال وأمثال نطق بها المسيح لم ترد في إنجيل "متّى"، أو معجزات قام بها ولم يوردها الإنجيل المذكور، أو تفاصيل في أحداث حياته لم تظهر في إنجيل "متّى" بينما أوردتها بقية الأناجيل. وهكذا اشتهر إنجيل "متّى" بلقب (الإنجيل الكنسي Ecclesteal gospel) الذي أصبح يمثل الإطار الأكثر استخداما لسرد أحداث حياة المسيح، ولا سيما فيما يتعلق بجزئيات مثل قصة ميلاده بما فيها من نجم ساطع ومجوس ومطاردة من هيرودس وهروب للعائلة المقدسة إلى مصر ثم العودة من مصر للسكنى في مدينة "الناصرة" ذات السمعة السيئة وقتها. . إلخ. فضلا عن ذلك، فقد كان إنجيل "متّى" يمثل المصدر الأنسب للتأمل في تعاليم المسيح التي اهتم كاتب إنجيل "متّى" بشدة بأن يوردها بغزارة في متن إنجيله، مستخدما أسلوبا فريدا في تنسيقها وتبويبها وجمعها في إطار 5 مجموعات كبرى وزعها بمهارة لينسجها في متن إنجيله، بحيث تفصل ما بين كل مجموعة وأخرى سلسلة من أعمال ومعجزات المسيح. ومنذ وقت مبكر، أدرك رجال الدين المسيحيون أن الإنجيل الرابع والأخير (إنجيل يوحنا) يحمل طابعا فريدا يختلف كثيرا عن الأناجيل الثلاثة السابقة عليه، إذ ينفرد بمجموعة كبيرة من الأحداث والشخصيات التي لم تشر إليها الأناجيل الأخرى كما أسلفنا، فمن بين 8 معجزات مثلا أوردها إنجيل "يوحنا" للمسيح، نجد أنه قد انفرد بـ 6 منها لم يذكرها غيره، بينما اختفت الأمثال التي كان المسيح يقدمها لعموم سامعيه بالكامل تقريبا لتحل محلها مجموعة رائعة من التعاليم المصاغة في صورة خطب مطولة قد تستغرق الواحدة منها 3 إصحاحات "فصول" في المتوسط. فضلا عن ذلك، فقد لوحظ منذ وقت مبكر أن إنجيل "يوحنا" يقدم لنا خطا زمنيا Timeline يختلف في الكثير من تفاصيله مع الأناجيل الأخرى، وهو ما يظهر مثلا في تصويره لتحركات المسيح ما بين الأقسام الإدارية الثلاثة لفلسطين وقتها (الجليل والسامرة واليهودية)، أو في عدد مرات صعوده إلى أورشليم وزيارته للهيكل، أو في أحداث قصة الآلام من صلب وموت وقيامة، أو في قصص ظهوراته لتلاميذه بعد القيامة... إلخ. وكان التفسير التقليدي وقتها (حتى يومنا هذا بالنسبة لبعض الكنائس) لهذا التفرد الذي يتميز به إنجيل "يوحنا" أنه إنما يرجع لكونه أخر الأناجيل زمنا من حيث التدوين (هناك اتفاق عام ما بين الباحثين على أن تدوينه قد تم في العقد الأخير من القرن الأول الميلادي)، وأن القديس "يوحنا بن زبدي" -تلميذ المسيح الأثير وكاتب الإنجيل الرابع- قد اهتم في إنجيله بمواجهة طائفة من الهراطقة (المبتدعين) كانت قد بدأت تنشط في زمنه وحملت اسم (المونتانية)، حيث كانت تنشر بدعة مؤداها أن جسد المسيح الذي وقعت عليه الآلام والصلب لم يكن جسدا حقيقيا بل جسد "أثيري" خيالي. قلنا أن "تاتيان السوري" كان صاحب أقدم محاولة لتنسيق رواية الأناجيل الأربعة وذلك عام 170م، وإن سبقته محاولة أخرى -لم يُكتب لها النجاة- قام بها من يدعى (مرقيون Marcion of Sinope) والذي رفض الربط ما بين إله العهد الجديد وما بين "يهوه" رب العهد القديم الذي اعتبره "مرقيون" إلها شريرا متعطشا للدماء جاء المسيح ليخلص البشرية من براثنه. وهكذا قام "مرقيون" في حدود عام 144 م بتأليف (إنجيل) خاص به حمل جزءا كبيرا من المادة الأدبية التي أوردها إنجيل "لوقا"، مع تطعيمها بأجزاء مختارة من رسائل القديس "بولس" الذي كان "مرقيون" يعده التلميذ النموذجي للمسيح، ومن نافلة القول أن نذكر أن النص الأصلي لهذا "الإنجيل" قد فقد في غياهب التاريخ ولم يصلنا منه سوى بعض الاقتباسات التي أوردها آباء الكنيسة في القرنين الثاني والثالث الميلاديين في كتاباتهم بغرض الرد على بدعته وتفنيدها. هل كان "تاتيان السوري" -ومن ساروا على دربه- على حق في محاولتهم لقراءة روايات الأناجيل الأربعة بطريقة "تناغمية"؟ يتبع في المقال  المقبل. . (الصورة لقصاصة بردية "رايلاند 52" Rylands Library Papyrus P52 التي تم اكتشافها في مصر عام 1920 التي تحتوي على مقاطع من الإصحاح 18 من إنجيل "يوحنا"، ويؤرخها معظم الباحثين بحدود عام 125م، وهي بذلك تمثل أقدم جزء مكتشف من كتابات الأناجيل حتى يومنا هذا). --- ### بلا خطيئة.. - Published: ۲۰۲۲-۰۹-۲۷ - Modified: 2022-09-26 - URL: https://tabcm.net/8184/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون تبعتهم في خوف، إذ إن الموقف مهيب ومخيف فعلا. كانوا قد أمسكوا بها في ذات الفعل! متهمة بالزنا ومقبوض عليها في حالة تلبس. بالنسبة لهؤلاء، هذه ليست صيدة عادية، هي قمة ما يسعون إليه. أخذوا يصرخون عليها. كانت في نظرهم عاهرة ساقطة ولم يروا فيها إنسان ساقط من المجد. خفت أن انكشف أمامهم، ارتعت من أن تظهر خفايا نفسي أمام هؤلاء. أنا مثلها، فقط لم أفتضح في العلن. ولكن... أي أمان وسط وحوش كأولئك؟! ! رغم الخوف، إلا أن الفضول دفعني لكي أستكمل المسيرة خلف الجمع. صاح قائل: لنأخذها إليه. ضج الجميع: نعم، نعم، فلنر ماذا يحكم فيها؟ وفي الخلف كان ذلك اللعين يبتسم ساخرا. كان قد نجح في ليّ عنق الحقيقة وجعلهم يصدقون أنهم حراس الحقيقة وأطهار الناموس. كان هادئا، يشع من كيانه كله ضي الألوهة المعتاد. الحقيقة، هو شخص محير وله من المواقف المتعددة ما يضفي عليه قدسية خاصة. وهذا الموقف لهو اختبار حقيقي:مثلها تُرجم حسب الناموس، فماذا يقرر هو؟ إن وافقهم، فقد كسر قانون الرحمة الذي يحياه ويبشر به. أما إن خالفهم، فقد كسر ناموس الأعظمين وأصبح هو نفسه مستحق الحكم. طرحوا عليه تساؤلهم، تجاهلهم. ألحوا عليه، فأنتصب قائما بعد أن كان يكتب على الأرض. "من كان منكم مبررا بالكلية أمام ناموس الحكم، فليرمها بالحجر"> كانوا يحملون الحجارة بالفعل في أيديهم؛ كانوا متحفزين لإرسالها إلى الهاوية بلا تردد. في دقائق قليلة، انفضوا من حولها وحوله. لم يوجد بعد من يستطيع أن يواجه حكم الناموس في ذاته. واقترب هو منها، طمأنها وكفكف دموعها. أوصاها ألا تعود مجددا لما أدانها وجعلها عبدة للجسد. سألته مباشرة بعد أن مضى الجميع: "فسر لي كل ما حدث". ضحك في عذوبة: "هم ظنوا أن الناموس يعطيهم حق الحكم، لا. لم يرسله أبي لهذا الغرض. به تعرفون الخطية وتشتاقون للخلاص. لم يكن غرضه أن تحكموا في بعضكم البعض، بل أن تعرف عن نفسك. أن تعي أن ما ترنو إليه من مجد لن يتم بتطهيرات وشرائع. تناولوا حجارة ليرجموها ولم يدركوا أنها سقطت من المجد ولكنها لم تسقط من مراحم الله. تناولوا حجارة ليرجموها ولم يدركوا أنهم هم أنفسهم مستوجبين الحكم تحت الناموس ذاته". ثم تنهد، وأكمل: "أرسلني الآب للعالم، مبررًا أمام الناموس ولا شكاية علي. كنت أنا الوحيد الذي يملك أن يرميها بالحجر، و لكن... " ونظر لي في عيني: "لم آت للحكم عليكم بل لتكون لكم حياة وليكون لكم أرحب وأوفر. هذه التي رأيتها ماضية، أحضروها إلي كسيرة ومنطرحة. لكنها أيضا ابنة لإبراهيم ولا يمكن أن أهمل عنها خلاصا هذا مقداره. لم تتشوه صورة الله فيكم بالكلية، لكن الخطية خاطئة جدا وأعمت أعينكم. وجعلت من سقط فيها كسير ومن أدانه قاتل. كلكم سقطتم وأعوزكم مجد أبي". ولن أنسى ما حييت ما قاله لي ختاما: "أنا الوحيد بينكم من كان يملك أن يرمها بحجر حسب إنسانيتي؛ إذ إني بلا خطية. وأنا أيضا الوحيد بينكم من كان يملك كسر الناموس حسب بنوتي؛ إذ إني أنا معطيه. ولأنكم أحباء الله ومدعويه للتبني، لم أكن لأقيم الناموس في عهد النعمة. أسقطت شريعة الحجر لتسود نعمة المحبة". --- ### كيف أصبحت أناجيل العهد الجديد "قانونية"؟ - Published: ۲۰۲۲-۰۹-۲٦ - Modified: 2025-02-18 - URL: https://tabcm.net/8087/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, كتاب مقدس - وسوم: أفلاطون, إله إسرائيل, الكنائس الأرثوذكسية, الكنيسة الإنجيلية, بابياس، أسقف هيرابوليس, جامعة يال, ديل مارتن, سمعان بن يونا, غريغوريوس النيسي, قديس أثناسيوس الرسولي, قديس بولس الرسول, قديس يوستينوس الشهيد, مار مرقس الرسول, مجمع خلقيدونية, مجمع نيقية, مرقيون السينوبي, يوحنا الحبيب, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية يجب أن نضع في الاعتبار أن القرون الأولى كان بها أنواع مختلفة من المسيحية. ففي القرن الثاني، لم يكن هناك اتفاق على الخطوط الفاصلة بين "الأرثوذكسية" و"البدعة". لذلك، فحتى الحديث عن مرقيون باعتباره "مهرطق" وعن أولئك الذين قبلوا كلا من الكتاب المقدس اليهودي والأناجيل كأرثوذكس حقيقيين يمثل مفارقة تاريخية؛ فنحن بذلك نصف أرثوذكسية عصرنا فقط يقوم الإيمان المسيحي على أساس نصوص تعد كتابًا مقدسًا. لكن كيف أصبحت هذه النصوص مقدسة (قانونية)؟ بعض الأديان ليس لديها ما نسميه نحن كتابًا مقدسًا كما في الإسلام أو اليهودية أو المسيحية. فبعض الديانات لديها الكثير من الكتابات الدينية، ولكن ليس لديهم مجموعة واحدة محددة من الكتابات تم عزلها عن جميع الكتابات الأخرى بالتقنين. تشير كلمة Canon (كانون) وهي كلمة يونانية الأصل إلى القياس المؤكد (مثل المسطرة)، ويمكن أن تشير أيضًا إلى قائمة من الكتب، إما أن يكون كتاب ما مدرجًا في القائمة وإما أن يعد غير قانوني، حتى لو كانت هناك كتابات أخرى نعتبرها خاصة أو مقدسة بمعنى ما، فإن الكتابات الموجودة في هذه القائمة لها شرعية خاصة. قبل أن تبتكر الكنائس المسيحية قوائم للكتب المقدسة، كان الكتاب المقدس الأول للمسيحيين هو الكتاب المقدس اليهودي (العهد القديم) والذي قبله المسيحيون على أنه مملوكًا لهم، فعندما يقول الرسول بولس: كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ ((رسالة بولس الثانية إلى تيموثاوس 3: 16 ))، هو لا يتحدث عن العهد الجديد، إنه يشير إلى الكتاب المقدس اليهودي، الذي كان يعرفه في ترجمته اليونانية. لم يدرك الأشخاص الذين كتبوا الوثائق التي شكلت في النهاية العهد الجديد إنهم كانوا يكتبون العهد الجديد، فهم كانوا يكتبون عظة، أو خطابًا، أو سردًا لحياة يسوع، لذلك عندما يتحدثون عن "الكتاب المقدس"، فإنهم، على الأقل في العصور الأولى للمسيحية، يشيرون إلى العهد القديم فقط. التقاليد والنصوص أقدم نصوص المسيحية المكتوبة هي رسائل بولس، قد تكون هذه مفاجأة لبعض الناس لأن الأناجيل تأتي أولًا في العهد الجديد، وتتحدث عن حياة يسوع، لذا يفترض معظم الناس أنها تحتوي على أقدم ما كتب، لكن الأناجيل كُتبت كلها بعد رسائل بولس بعشرين، أو ثلاثين، أو أربعين سنة. يعتقد معظم العلماء أن أقدم رسائل بولس هي رسالة تسالونيكي الأولى، التي يرجع تاريخها إلى حوالي عام 50م. وبعد فترة وجيزة، وربما خلال حياة بولس، بدأت كنائس مختلفة، ربما تلك التي أسسها بولس نفسه، في إرسال نسخ من رسائل بولس. علينا أن نذكر أنفسنا بعدم وجود مطابع. فعندما تتلقى كنيسة واحدة نسخة من إحدى رسائل بولس، كان لديها كتبة، وأحيانًا عبيد، ((لأن العبيد غالبًا ما تم تدريبهم ككتبة. ))، يصنعون نسخة من الرسالة، قد تحتفظ الكنيسة بالنسخة الأصلية التي تلقتها وترسل النسخة التي صنعتها إلى شخص آخر، تم نسخ الرسائل والكتب وترسلها بين مختلف الجماعات والأشخاص. لذلك، تم تداول رسائل بولس، وكتب تلاميذه رسائل جديدة باسمه مثل أفسس وكولوسي وتم نسخها جميعًا وإعادة نسخها وتوزيعها في النهاية. أصبحت رسائل بولس مشهورة لدرجة تسميتها هي نفسها بـ"الكتاب المقدس". لذا، المرة الوحيدة التي استخدمت كلمة "الكتاب المقدس" في العهد الجديد للإشارة إلى نص مسيحي محدد بدلًا من الكتاب المقدس اليهودي كانت في إشارة إلى رسائل بولس، وكان هذا في رسالة بطرس الثانية. فبحلول وقت كتابة رسالة بطرس الثانية، بعد عدة سنوات من وفاة بولس، كانت رسائل بولس قد اعتبرها بعض المسيحيين على الأقل بمثابة "كتابات مقدسة". يمكننا أن نرى أن التقاليد الشفوية (أقوال يسوع والقصص والتعاليم الأخلاقية، وقوائم الشهود على ظهور القيامة) كانت أيضًا منتشرة بين الكنائس الأولى، كان الناس يروون قصصًا عن يسوع في كنائسهم، على سبيل المثال، يقول بولس: بَارِكُوا عَلَى الَّذِينَ يَضْطَهِدُونَكُمْ. بَارِكُوا وَلاَ تَلْعَنُوا ((رسالة بولس إلى رومية 12: 14 )) وهو يشبه إلى حد كبير أقوالا مماثلة موجودة في الأناجيل التي لم تكتب بعد، ويتحدث عن الممارسة المسيحية للقربان، ويقول صراحةً إنه يمرر تقليدًا شفهيًا، يجب أن نتذكر أن بولس لا يمكنه الحصول على هذه الأقوال من الأناجيل لأنه على حد علمنا لم تتم كتابة أي أناجيل في هذا الوقت، ولم يتعلم بولس هذا من يسوع أثناء خدمة يسوع على الأرض، لأن بولس لم يكن من أتباع يسوع إلا بعد بضع سنوات من صلبه. لم ير بولس يسوع أبدًا إلا في الرؤى، لذا حين يقول بولس إنه نال قولا من الرب، إما أن بولس يشير أنه تلقى هذا مباشرة من يسوع في شيء مثل الرؤيا، أو أنه يقدم إقرارًا بأن يسوع كان المصدر الأصلي لهذا التقليد الشفهي مع أنه تعلم هذه الأشياء من قبل أناس كانوا أتباعًا له، والاحتمال الأخير هو الأرجح؛ لأن هذا الأسلوب كان أسلوبًا في اللغة اليونانية التقليدية يتعلق بنقل التقاليد الشفهية. كان إنجيل مرقس أقدم إنجيل باقٍ والذي جمع أقوال يسوع معًا، ودمجها في سرد عن خدمته وموته حوالي عام 70م، وبعد مرقس، ظهر إنجيلا متى ولوقا، وكلاهما يستخدم مرقس كأحد مصادره. يمكننا أن نرى تلميحًا آخر حول استخدام المسيحيين المبكر "للمصادر" بما في ذلك المصادر المكتوبة، ففي مقدمة إنجيل لوقا ((إنجيل لوقا 1: 1-4 )) نقرأ: إِذْ كَانَ كَثِيرُونَ قَدْ أَخَذُوا بِتَأْلِيفِ قِصَّةٍ فِي الأُمُورِ الْمُتَيَقَّنَةِ عِنْدَنَا، كَمَا سَلَّمَهَا إِلَيْنَا الَّذِينَ كَانُوا مُنْذُ الْبَدْءِ مُعَايِنِينَ وَخُدَّامًا لِلْكَلِمَةِ، رَأَيْتُ أَنَا أَيْضًا إِذْ قَدْ تَتَبَّعْتُ كُلَّ شَيْءٍ مِنَ الأَوَّلِ بِتَدْقِيق، أَنْ أَكْتُبَ عَلَى التَّوَالِي إِلَيْكَ أَيُّهَا الْعَزِيزُ ثَاوُفِيلُسُ، لِتَعْرِفَ صِحَّةَ الْكَلاَمِ الَّذِي عُلِّمْتَ بِهِ (إنجيل لوقا 1: 1-4) الرسل الأربعة لم يكتبوا الأناجيل الأناجيل الأربعة نُشرت في الأصل دون الكشف عن هويتها، فالأسماء التي تحملها الآن أُعطيت للرسل الأربعة لاحقًا من أجل ربط الكتب بتلاميذ يسوع، لكن مؤلف لوقا، أيا كان من هو، يعترف بأنه أجرى بعض الأبحاث، وجمع أقوالا عن المسيح، لقد قرأ مصادرًا مكتوبة، ومن بين تلك المصادر المختلفة، الشفوية والمكتوبة، جمع إنجيله عندما بدأت تنتشر أقوال وقصص متضاربة عن يسوع. يبدو أنه كانت هناك مواد مكتوبة أخرى متداولة خلال تلك الفترة، وكان هناك بالتأكيد العديد من التقاليد الشفوية التي تم تناقلها. يميل الإنسان المعاصر إلى الاعتقاد بأن النص المكتوب يقدم تفسيرًا أفضل من الكلام الشفهي، غالبًا ما نفترض أن الكتابة أكثر موثوقيه من الشائعات، أو الإشاعات، أو التقاليد الشفوية. لكن يبدو أن بعض القدامى لم يعتقدوا ذلك مثلنا، فالطريقة التي صكها أفلاطون في أساليب المجادلات، على سبيل المثال، غير مكتوبة، أي شفوية فقط. كتب القديس بابياس أسقف هيرابوليس بآسيا الصغرى عن هذه المسألة حوالي 130 أو 140م ((Papias’s Exposition of the Oracles of the Lord in Ecclesiastical History 3. 39. 3-4 )): كما أنني لن أتردد في أن أضع لك، جنبًا إلى جنب مع هذه الشروح، سردًا منظمًا لجميع الأشياء التي تعلمتها بعناية وتذكرتها بعناية من الكبار؛ لأني صدقت على حقيقتهم، لأنني على عكس معظم الناس، لم أستمع إلى أولئك الذين لديهم الكثير ليقولوه، ولكن فقط أولئك الذين علموا الحق، وليس أولئك الذين يتذكرون الوصايا من الغرباء، ولكن فقط أولئك الذين يتذكرون الوصايا التي أعطيت بأمانة من قبل الرب والتي تنبثق من الحق نفسه، ولكن كلما وصل شخص ما كان رفيقًا لأحد القدماء، كنت أتحرى الدقة بعناية بعدما ينتهي عما قاله أندراوس أو بطرس أو فيبلس أو توما... لأني لم أفترض أن ما يخرج من الكتب ينفعني بقدر الصوت الحي والثابت (Papias’s Exposition of the Oracles of the Lord in Ecclesiastical History 3. 39. 3-4) لم يكن بابياس قادرًا على مقابلة أي من الرسل الأصليين، لأنهم ماتوا منذ فترة طويلة، فبحث عن كبار السن الذين ربما كانوا يعرفون التلاميذ الأوائل، هذا الاقتباس مثير للاهتمام؛ لأنه يقدم على الأقل وصفًا مثاليًا لاستمرار التقليد من يسوع حتى القرن الثاني ((مدى دقة وصحة هذا التقليد تاريخيًا هو أمر آخر. )). وتظهر لنا كلمات بابياس أن بعض المسيحيين على الأقل كانوا يثقون بـ"الصوت الحي" للتقاليد أكثر من الوثائق المكتوبة. مذكرات الرسل عاش الشهيد يوستينوس في منتصف القرن الثاني واستشهد من أجل الإيمان حوالي عام 150م. ولم يذكر الأناجيل الأربعة صراحةً، بدلًا من ذلك، تحدث عن "مذكرات الرسل"، وعلى الرغم من أنه لم يذكر أيًا من الأناجيل، إلا أننا نعلم أنه بحلول هذا الوقت، كانت العديد من الأناجيل المكتوبة موجودة. إلى جانب الأناجيل الأربعة التي شكلت في النهاية جزءًا من العهد الجديد -متى ومرقس ولوقا ويوحنا- عُرفت العديد من الأناجيل الأخرى، ومن أشهرها إنجيل توما،  وكانت هناك أناجيل بأسماء مريم، وبطرس، ويهوذا الذي تم اكتشافه لاحقًا، وكان لكل منها شهرته في مناطق معينة. لكن، مع كل هذه الأناجيل المختلفة، كيف انتهى بنا الأمر مع الأربعة أناجيل الحالية؟ تشكيل القوائم الكنسية إن أول قائد للكنيسة توصل إلى تشكيل قائمة قانونية كان "مرقيون"، رجل من آسيا الصغرى (تركيا الحديثة) جاء إلى روما في النصف الأول من القرن الثاني، كان مرقيون رجل أعمال ناجحًا، وربما كان صانع سفن. أعطى الكنيسة الرومانية مبلغًا كبيرًا من المال وتم الترحيب به وتكريمه في البداية، وتنيح حوالي عام 160م. بدأ مرقيون بتعليم عقائد عن الله والكتب المقدسة اليهودية تتعارض مع آراء الكثير من بقية الكنيسة، قال مرقيون إن إله العهد القديم، ليس إله العهد الجديد الذي يتحدث عنه يسوع، كما قال إن إله العهد القديم، الإله الخالق، موجود بالفعل، لكنه إله فاشل وشرائعي ولديه جسد مادي. بينما الله الذي يتحدث عنه يسوع هو إله النعمة والمحبة والعدل والرحمة. استخدم مرقيون الكتابات التي شكلت الأسفار القانونية للعهد القديم لاحقًا، فقط كدليل على أن الإله المصور هناك لا يمكن أن يمثله يسوع المسيح.  لذلك رفض مرقيون قانونية أسفار العهد القديم. علّم مرقيون أيضا أن المسيحيين الآخرين الذين فسروا الكتاب المقدس اليهودي "رمزيًا" أو "مجازيًا" حتى يتمكنوا من تقديم إله العهد القديم كإله يسوع المسيح، كانوا يمارسون ممارسات تفسير كتابية غير شرعية. إذ كان يجب عليهم قراءة هذه النصوص "حرفياً"، لكنهم إن فعلوا ذلك، سيجدون هناك إلهًا غاضبًا منتقمًا، وليس الإله الذي مثّله يسوع المسيح. بدلا من الكتاب المقدس اليهودي، اختار مرقيون إنجيل لوقا فقط. لماذا لوقا؟ يبدو واضحًا أن بولس كان رسول مرقيون المفضل؛ لأن مرقيون علّم أن الرسل الآخرين قد غشوا الإنجيل الأصلي الذي علّم به يسوع المسيح من خلال إدخال التهويد، بينما احتفظ بولس بالإنجيل الحقيقي الخالي من اللوائح والكتابات اليهودية. كما أن بولس قد علم أن الأمميون لا يحتاجون إلى الحفاظ على الشريعة اليهودية؛ كما علمهم بولس أنه يجب عليهم عدم محاولة إتباع الشريعة اليهودية ((راجع غلاطية ٥: ٢-٤ )). اعتقد مرقيون أن بولس كان الرسول الوحيد الذي فهم المسيحية بشكل صحيح. ولقد رأينا أن لوقا كان معروفًا برفيق بولس، وفي هذا الوقت أصبح اسم لوقا مرتبطًا بالإنجيل الثالث. من المحتمل أن يكون مرقيون قد اختار إنجيل لوقا من بين الكثيرين بسبب ارتباطه المفترض ببولس. كما أضاف مرقيون عشر رسائل لبولس مع إنجيل لوقا، وكون بذلك أول "كتاب مقدس" مسيحي. لاحظ أنه في أناجيلنا، بولس يُنسب إليه كتابة ثلاث عشرة رسائل، لكن مرقيون لم يُدرج في تقنينه لأول "عهد جديد"، ما ندعوه "الرسائل الرعوية": تيموثاوس الأولى والثانية وتيطس. لا يمكننا أن نكون متأكدين لماذا، لكني أعتقد أن مرقيون لم يكن يعرفها. وبدراسة تلك الرسائل، سنكتشف أن بولس لم يكتبها بنفسه، وربما لم يتم تداولها حتى القرن الثاني. في الواقع، عدم معرفة مرقيون الواضح لها يقدم بعض الأدلة على ذلك. فربما لم يتم كتابتها حتى منتصف القرن الثاني. ربما لاحظت أنه حتى في إنجيل لوقا وبولس، هناك اقتباسات من نصوص العهد القديم على أنها كتاب مقدس، وأن إله إسرائيل يلعب دورًا في رسائل لوقا وبولس. يبدو أن مرقيون نسب هذه المقاطع إلى تدخل الرسل الشرير "لتهويد" الكلمة، لأنهم غشوا حتى خير النصوص التي قبلها مرقيون. أكد نقاد مرقيون اللاحقون أن مرقيون تخلص من تلك المقاطع في لوقا وبولس بحذفها. نقح مرقيون لوقا ورسائل بولس، وكانت تلك النسخة المحررة هي ما حدده على أنه "الكتاب المقدس" المسيحي. تم وصف مرقيون بالمهرطق من قبل هؤلاء المسيحيين الذين تم تعريفهم لاحقًا على أنهم أرثوذكس. وطردته الكنيسة في روما وأعادت له أمواله. بالطبع يجب أن نضع في الاعتبار أن القرون الأولى كان بها أنواع مختلفة من المسيحية. ففي القرن الثاني، لم يكن هناك اتفاق على الخطوط الفاصلة بين "الأرثوذكسية" و"البدعة". لذلك، فحتى الحديث عن مرقيون باعتباره "مهرطق" وعن أولئك الذين قبلوا كلا من الكتاب المقدس اليهودي والأناجيل كأرثوذكس حقيقيين يمثل مفارقة تاريخية؛ فنحن بذلك نصف أرثوذكسية عصرنا فقط. يمكننا أن نقول إن من رفضوا تعاليم مرقيون هم من انتصرت رؤيتهم في القرنين الرابع والخامس، فتم إعتبارها عقائدا مسيحية أرثوذكسية. هكذا صادف الأمر أن انتصرت أرثوذوكسيتهم على الأرثوذكسيات الأخرى. من اللافت للانتباه أن المسيحي الأول الذي أتى بأول قائمة موثوقة للكتاب المقدس تم رفضه لاحقًا باعتباره مهرطقًا - ويرجع ذلك أساسًا إلى رفضه لإله إسرائيل والكتاب اليهودي. في القرن العشرين، اعتقد العلماء أن قائمة مرقيون كانت حافزًا رئيسيًا للمسيحيين الآخرين ليخرجوا قوائم للكتاب المقدس، فإذا لم يقبل أحد قائمة مرقيون، ما البديل الذي يجب اقتراحه؟ وهل يجب على الكنيسة تفضيل إنجيل معين على باقي الأناجيل؟ وماذا يجب أن يقرأ في الكنيسة؟ بدأ بعض الكتاب المسيحيين في القرن الثاني يجادلون هكذا، وبأن الكنيسة يجب أن تقبل الأناجيل الأربعة التي اعتقدوا أنها مرتبطة حقًا بمتى ومرقس ولوقا ويوحنا. فهل كان هذا رد فعل على اختيار مرقيون للوقا فقط؟ كانت هناك طرقا أخرى للتعامل مع المشكلة. أخذ تاتيان، أحد تلاميذ يوستين الشهيد، الأناجيل الأربعة ونسجها معًا لتشكل كتابا واحدا عرف باسم دياتيسارون، وهي كلمة يونانية تعني "رباعية". وبدأت الناس تفضل أناجيل على غيرها. مثلا، اعتقد بابياس الأسقف أن مرقس قد تبع بطرس إلى روما وكتبا نسخة بطرس للإنجيل. لذلك إنجيل مرقس أقرب إلى إنجيل بطرس، الأقرب إلى يسوع. يبدو أن الآخرين فضلوا متى الذي كان، قبل الجميع، واحدًا من الأثنى عشر. كان كاتب إنجيل يوحنا أيضًا يعتبر أنه كان تلميذا ليسوع، ويبدو أن يوحنا كان مفضلا لدى المسيحيين في القرن الثاني، المشكلة مع كل هذا، من منظورنا الحديث هي أن بابياس وهؤلاء المسيحيين الأوائل لم يعرفوا حقًا ما الذي كانوا يتحدثون عنه. بابياس، على سبيل المثال، يعتقد أيضًا أن إنجيل متى كتب في الأصل باللغة العبرية وترجم إلى اليونانية لاحقًا. هذا غير صحيح على الإطلاق، الواضح للعلماء المعاصرين أن متى كتب باليونانية. وإذا كان بابياس مخطئًا جدًا بشأن تلك الحقائق التي يمكننا التأكد منها، ربما لا ينبغي أن نثق به بشأن الأمور التي ليس لدينا أي دليل آخر عليها سوى شهادته. لذلك يشك العلماء المعاصرون في التقاليد القديمة: يشكون أن مرقس كان تلميذ بطرس الذي كتب نسخة بطرس من البشارة، وأن إنجيل متى كتبه التلميذ الفعلي متى؛ وأن يوحنا كتبه يوحنا. فقد تم نشر الأناجيل الأربعة بشكل مجهول لأنها كتبت بدون أسماء مؤلفين. وتعود الأناجيل الأربعة إلى القرن الأول، في حين أن معظم الأناجيل "غير المتعارف عليها" التي نمتلكها ربما تمت كتابتها في القرن الثاني أو لاحقا نتيجة تداول التقليد الشفوي والمكتوب عن يسوع. القوائم الكنسية اللاحقة هناك قائمة كنسية مهمة عرفت بموراتوري، تم اكتشافها، إلى جانب بعض التعليقات على الكتب المختلفة من قبل لودوفيكو أنطونيو موراتوري ((تم إطلاق اسمه على القائمة. )) ونشرها في عام 1740. قد تكون تلك القائمة هي أقدم قائمة أساسية، يرجع تاريخها إلى حوالي 200م. البعض يشير إلى أنها تعود إلى القرن الرابع، وربما في وقت متأخر يصل إلى حوالي 400م. وبالنسبة لي، لا يهم تاريخ المستند الآن. المهم هو أن واضع القانون الموراتوري يتضمن أسماء الكتب التي يجب أن يعتبرها المسيحيون كتبا مقدسة والكتب التي لا يجب عليهم تقديسها. ونلاحظ أنه يستبعد بعض الكتب لا لأنه يراها سيئة بل لأنها فقط ليست أساسية. ونلاحظ أيضا أنه يتضمن كتبًا ليست موجودة في كتابنا المقدس الحالي. تضمنت القائمة سفر "رؤيا بطرس" لكنه غير مدرج في كتبنا المقدسة حاليا. ولدينا سفر "حكمة سليمان"، لكنه ليس قانونيا في كل الكنائس الآن. ورفض واضع القائمة الاعتراف بعدة كتب بالاسم، اثنان منها موجودان في العهد الجديد حاليا، وهما عبرانيين، ورسالة يوحنا الأولى. من اللافت للنظر إن القانون الموراتوري يتفق مع كتابنا الحالي في عدة أمور، فهو يبدأ بإنجيل متى ومرقس، لكنه يختلف أيضا عما أصبح فيما بعد شريعة العهد الجديد المقبولة بشكل عام. رسالة أثناسيوس الفصحية المستند الأول الذي يحتوي على قائمة تطابق ما لدينا، يعود إلى سنة 367م، وهي رسالة عيد الفصح كتبها أسقف الإسكندرية أثناسيوس. يظن البعض أن أثناسيوس بذلك الخطاب قد أنهى الجدل ووضع التقنين الأخير للكتاب المقدس. لكن هذا غير صحيح. فقانون أثناسيوس كان خاص بمدينة الإسكندرية فقط، وكان لباقي الكنائس الأرثوذكسية في البلاد الأخرى كتابها الخاص، ولم تكن ملزمة برأي أثناسيوس. ولا يوجد دليل تاريخي على اتفاق تم بين الكنائس على قانون أثناسيوس. فالجدل حول الكتب القانونية قد استمر حتى القرنين الخامس والسادس. اختراع الكتاب في القديم، لم يعرف المسيحيون فكرة الكتاب الواحد الذي نعرفه الآن. فالكتب القديمة كانت على شكل رسائل أو لفائف من الورق. كانت كل كنيسة تختار كتبها بسهولة؛ فببساطة، وضعت الرسائل في صندوق وكان بإمكان الكنيسة إخراج الكتب التي ترفضها من الصندوق بسهولة. لكن حين تم اختراع فكرة الكتاب الواحد ليوفر الوقت والجهد في الانتقال بين الرسائل بسهولة أثناء القراءة، ألزم ذلك المسيحيون أن يجلسوا معا ويتفقوا على الكتب القانونية؛ لأن إزالة الكتب لم تعد سهلة بعد. مخطوطات لدينا قائمة مخطوطة "تشلتنهام" التي تعود لعام 350م وهي تشمل الأناجيل الأربعة، وتستثني رسالة بولس الرسول إلى العبرانيين، ورسالة يعقوب، ويهوذا. ومن المثير للاهتمام، أنها تجادل بأن عدد كتب العهد الجديد يجب أن يكون بالضبط أربعة وعشرين، لأنه وفقًا لرؤيا 4:10، هناك أربعة وعشرون شيخا يحيطون بالله في غرفة العرش السماوية. ولدينا المخطوطة السينائية يعود تاريخها أيضًا إلى حوالي 350م، وهي تضمن رسالة برنابا وهرماس الراعي، وكلاهما لا نذكرهما في كتابنا المقدس الآن. اتفاق بطيء وغير كامل إن الاتفاق على الكتاب المقدس الحالي أخذ قرونا طويلة، وهذا ما نجده بالرجوع للقوائم الأولى، فبين القائمة والأخرى مئات السنين، وكل قائمة ليست كالأخرى. حاول الأساقفة في مختلف المدن إصدار المراسيم، لكنهم لم ينجحوا أبدا في توحيدها على الجميع. وحتى اليوم، لم تتفق الطوائف حول الكتاب المقدس الذي بين أيدينا. وهناك أسفار غير قانونية في الكنيسة الإنجيلية تعتبرها الكنائس الأخرى قانونية. أسباب التضمين والاستبعاد الكنسي أحد الأسباب التي تتبادر إلى الذهن بالنسبة للعديد من المسيحيين هو أن المسيحيين قد قننوا الكتب الموحى بها، وهذا ليس السبب الذي قد يعطيه المسيحيون القدامى، فقد آمنوا أن العديد من النصوص بها أنفاس الله وأن هناك تدرجات مختلفة من الإلهام. لذلك، أن يكون النص موحى به من الله لم يكن سببا كافيا لتقنينه بالنسبة للقدماء، فالمهم هو التصديق الرسولي، حتى لو عرفوا أن الرسل لم يكتبوا الإنجيل شخصيًا، يجب أن يكون المؤلف وثيق الصلة بالرسل. لذلك إذا كان هناك كتاب لا يريدون تضمينه في الكتاب المقدس لأي سبب من الأسباب -لنقل لأنهم لم يتفقوا مع فكره اللاهوتي- كانوا يحاولون إثبات أنه لم يكتبه أحد الرسل. ولعب القبول الشعبي أيضا دورا بارزا في عملية الاختيار، على سبيل المثال، كانت أناجيل توما تحظى بشعبية كبيرة في سوريا والشرق، لكن مع الوقت، فضل المسيحيون تقديس الأناجيل الأكثر قبولا من الجميع، وبالتالي الأسباب يمكن جمعها في ثلاثة نقاط وهي: ١) الاقتراب من زمن يسوع قدر الإمكان؛ إذ كانوا يفضلون الكتب الأقدم زمنا على غيرها. ٢) الشعبية العامة والجغرافية؛ فالنصوص التي كانت الأكثر انتشارًا في مناطق جغرافية أكبر هي التي تم قبولها في النهاية على أنها قانونية. ٣) العقيدة واللاهوت؛ كان المسيحيون يفضلون الوثائق التي تثبت صحة عقائدهم ويرفضون الكتب التي يفضلها خصومهم اللاهوتيين. فبطرس الثانية قد تم إدراجها رغم حداثتها زمنيا، ورغم أنها بالتأكيد لم يكتبها الرسول بطرس، لأنها تدعم معتقدات لاهوتية ضد خصوم الأرثوذكسية في ذلك الوقت. كما تم رفض رسالة العبرانين؛ لأنهم اعتقدوا أن الكاتب كان متساهلاً للغاية في أخلاقياته. فقد علّم العبرانيون أن من تاب عن خطايا خطيرة ارتكبها حتى بعد المعمودية يمكن أن يُغفر له -وهو تعليم يرفضه الأرثوذكس الأكثر صرامة أخلاقياً. إن تضمين بطرس الثانية ومحاولات استبعاد العبرانيين كلاهما يظهران مركزية العقيدة واللاهوت في تطوير الكانون. المسيحية بدأت متنوعة من المثير للسخرية أن نقول إن المسيحيين أدرجوا تلك الكتب التي اعتبروها صحيحة لاهوتياً؛ علينا أن نسأل، "صحيحة وفقا لمن؟" ففي القرن الثاني، لم يكن هناك خط واضح بين أسس العقيدة والبدع. إن المسيحية بدأت متنوعة قبل أن يحدث أي اتفاق حول الإيمان في المجامع، مسيحيو القرنين الثاني والثالث الذين نتجت عنهم عقائد نيقية وخلقيدونية -كانوا هم الذين لديهم أعظم تأثير على اختيار الكتاب المقدس وهم من رسموا معالم الأرثوذكسية. ففي النهاية، التقنين هو قائمة وضعها الفائزون في الجدل التاريخي لتحديد المسيحية الصحيحة. إضافة من المترجمة:"لأني لم أفترض أن ما يخرج من الكتب ينفعني بقدر الصوت الحي والثابت". (بابياس) هكذا رأى أحد أساقفة الكنيسة الأولى مسألة الوحي: الكتب ليست أفضل من التقليد الشفهي، لأن اللغة المكتوبة لن تكون واضحة مثل الحديث الحي، العامي، النقاشي، المتبادل. الحرف قاصر ولا يمكن أن يعطينا فهما كاملاً لأي شيء، وعلينا أن نتقصى حقيقة ما نقرأه. قد يكون تقنين الكتب المقدسة التي بين أيدينا قد تغيّر مرارا وتكرارا، وحتى أسس الإيمان نتجت عبر قرون من التخبط والتنوع بين طوائف مختلفة. على سبيل المثال، آمن بعض المسيحيين الأوائل (الأيبونيون) إن الله قد تبنى يسوع في المعمودية، ولم ينتصر فكرهم، لكن مسألة انتصار رأي على آخر يرجع لأبعاد كثيرة منها عدد المؤمنين بصحة الرأي وسلطتهم، لأننا في النهاية لن نتمكن من معرفة جوهر الله والغيبيات بشكل قاطع. سفر الرؤيا ليوحنا، الموجود في كتبنا الآن، تم رفضه من قبل الكنيسة الأرثوذكسية من قبل، وها نحن الآن نعده قانونيا: أدرج أثناسيوس الرسولي سفر الرؤيا كسفر قانوني، ولكن عارض ذلك يوحنا ذهبي الفم، وغريغوريس النيصي ولم يدرجاه في قوائمها. في النهاية، تذكر أن النص الذي تجعل منه سيفا حاسما على رقاب المؤمنين، كان من الممكن أن يتم استبعاده من كتابك المقدس الحالي. (كرستينا عزيز) --- ### عن الهويّة.. - Published: ۲۰۲۲-۰۹-۲۵ - Modified: 2022-10-03 - URL: https://tabcm.net/8239/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: صلاح مصطفى سالم, لاوتسو لا تعني الهوية التشابه أو التماثل المُطلق بين أفراد المجتمع الواحد، فالجماعات البشرية تكتسب هويتها في أثناء تطويرها للغاتها وعناصر ثقافاتها وطقوس حياتها. . الخ فالهوية تماثُل نسبي بين جماعة أمة واحدة، وهذا التماثل لا يعني التطابق الكامل لكنه لا ينفي التماسك لا التنافر. العناصر التي يمكنها بلورة هوية جمعية كثيرة، أهمها اشتراك الشعب أو المجموعة في الأرض، اللغة، التاريخ، الحضارة، الثقافة، الطموح، وغيرها. وكلما ضيَّق الشخص دائرة هويته، زاد انعزاله عن الجماعة. أزمة الهُوِيَّة: الاضطراب الذي يصيب الفرد فيما يختصّ بأدواره في الحياة، ويصيبه الشكّ في قدرته أو رغبته في الحياة طبقًا لتوقّعات الآخرين عنه، كما يصبح غير متيقن من مستقبل شخصيته إذا لم يتيسّر له تحقيق ما يتوقَّعه الآخرون منه فيصبح في أزمة. "أن الذات الإنسانية المتفتحة تنطوي على الأنا والآخر معًا" (الفيلسوف الصيني لاوتسو) يرى الكاتب والصحفي "صلاح سالم"أن الإنسان يولد بمفرده، ويموت بمفرده، لكنه لا يحيا إلا مع الآخرين وللآخرين. ويرى أن الهوية تمر بعمليتين متداخلتين تجريان في آن واحد عند كل إنسان: العملية الأولى: تتمثل في إدراك الذات الحضارية نفسها، أي الوعي بالأسس المؤسسة لها بقصد إنماء الذات، وفيما هو عرضي فيها وطارئ عليها، والذي قد يكون معطلا لمسيرتها. العملية الثانية: التعرف على الآخر بقصد التعامل الإيجابي والخلّاق معه، وفهم مصادر قوته التي يعتز بها ونقاط ضعفه وعقده النفسية التي تثقله بغرض الابتعاد عن إثارتها. لهذا يرى أن الكراهية لا تأتي من اختلاف الهوية بل من طريقة التعرُّف على الآخر.   صلاح سالم، الدين في العالم ما بعد الحديث، المكتبة الأكاديمية، القاهرة، 2016. اقرأ أيضا: --- ### "مو صلاح".. مرحبا بك في جحيمنا - Published: ۲۰۲۲-۰۹-۲٤ - Modified: 2022-09-28 - URL: https://tabcm.net/8201/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون, شئون علمانية - وسوم: عمرو أديب, ليفربول, محمد صلاح, ملكة إليزابيث الثانية, مو صلاح تفتح عينيك فجأة لتجد نفسك داخل مكان رائع، ويخبرونك أنك الآن ميت! لا بأس لأنك في "المكان الجيد" الجنة أو الفردوس، وذلك ناتج عن إن نقاطك الجيدة التي حصلت عليها على الأرض كانت أكثر من السيئة، لذلك أنت هنا. تلك كانت بداية المسلسل الكندي "المكان الجيد" حيث أربعة من أبطاله انتقلوا إلى "المكان الجيد" كلاً على حِدَةٍ حيث يرحب بهم "مايكل"، المهندس المعماري في "المكان الجيد"، ويأخذهم تباعاً في جولة داخل المكان الذي صُمم بناء على ما كانوا يفضلونه وهم على الأرض. الأربعة هم "شيدي"، بروفيسور في علم الأخلاق، وشريكته "إليانور"، محامية وعاملة بمجال حقوق الإنسان، و"تهاني"، أرستقراطية معنية بمجال الأعمال الخيرية، و"جيانيو"، راهب بوذي صامت. لا تمر الحلقة الأولى حتى تكشف "إليانور" لـ "شيدي" أن هناك خطأ ما في النظام، وأنها ليست "إليانور" المحامية، بل أنها فتاة عادية تبيع دواء مغشوش لكبار السن، وأن نظام الجنة لابد وأنه أخطأ ويجب أن يساعدها حتى لا يرسلونها إلى "المكان السيئ"، وعلى مدار الموسم الأول نكتشف أن "جيانيو" أيضا ليس راهب بوذي صامت، بل مشغل أَغَانٍ "دي جي" وحرامي، وأنه جاء "المكان الجيد" بالخطأ أيضا، ويقع على "شيدي" عاتق أن يعلمهم الأخلاق ويُحسن من سلوكهم حتى يبقوا في "المكان الجيد"، ولكن أيضا يجب أن يتكتم على سرهم، وهو يتعذب من أجل ذلك لأنه عاش كامل حياته على الأرض يُدرس الأخلاق ولا يؤدي عملًا واحدا دون التأكد من أنه أخلاقي، لذلك، يصاب بالتردد والخوف من كشف أمرهم. بالنهاية، ينكشف أمرهم من قبل "مايكل" ويحاولون إقناعه بأن دروس "شيدي" في الأخلاق جعلتهم أشخاص أفضل، وأنهم يستحقون البقاء في "المكان الجيد". لكن الأمور تتعقد ويكون الحل النهائي إن اثنين منهما يجب أن يذهبا إلى "المكان السيئ"، وعليهم أن يختاروا فيما بينهم. هنا تشعر "إليانور" أن ما يحدث غير طبيعي وأن المكان يدفعهم لتعذيب بعضهم البعض نفسياً، لذا لابد أن هذا المكان هو "المكان السيئ" (الجحيم) وليس "المكان الجيد"، وهنا يكشف "مايكل" عن نفسه بأنه شيطان يعمل كمهندس معماري بـ"المكان السيئ" وأنه أقترح على مديره طريقة جديدة لتعذيب البشر بدلا من سحقهم وحرقهم ودهسهم، أن يدعهم يعذبون بعضهم البعض نفسياً لأنه أكثر إيلاماً من التعذيب الجسدي. "تهاني" و"شيدي" لا يصدقان أنهما في "المكان السيئ". كيف وهو بروفيسور في علم الأخلاق و"تهاني" جابت العالم تساعد الآخرين، ليكشف لهم "مايكل" أن تردد "شيدي" الدائم تجاه كل القرارات في حياته حتى أبسطها، قد أفسد حياته وحياة الآخرين من حوله، و"تهاني" لم تشفع لها أعمالها الخيرية التي كانت تفعلها لجذب انتباه والديها الذين يفضلون شقيقتها عليها. على مدار مواسم المسلسل التالية، يكافح الأربعة لإثبات أنهم تحسنوا أخلاقياً وإنسانياً في تلك الجنة المزيفة، لأنه حتى وأن كانوا يعذبون بعضهم البعض داخلها دون أن يدروا، إلا أن تلك الجنة المزيفة كانت أرحم مما كانوا يتعرضون له على الأرض ليثبتوا أن الإنسان يتحول للأفضل مهما كان سيئ إذا توافرت له البيئة المناسبة ليكون إنسانا جيدا، وكانه على استعداد لذلك، وكان أبطالهم الذين أثبتوا ذلك وغيروا نظام الكون هما "إليانور" وشيدي" و"تهاني" و"جيسون"... ولكن بطلنا اليوم هو "محمد صلاح" الذي أثبت نفس نظريتهم على مدار أعوام. "مو صلاح" ذاك الشاب ابن قرية "نجريج"، من أسرة بسيطة لا تملك الكثير حتى يكون "صلاح" متفوق دراسياً أو خلافه، ولن أحكي لك عن مسيرة نجاح "صلاح" الكُرَوِيّة حتى وصل إلى "ليفربول"، فتجربة "صلاح الإنسان" بالنسبة لي اليوم هي الأهم. كيف تحول ذلك الفتى الفقير مادياً واجتماعياً ودراسياً وثقافياً إلى رمز رياضي غني مادياً وثقافياً وإنسانيا؟ ولماذا "صلاح" تحديدا مع أننا رأينا الكثيرين من لاعبي كرة القدم المصريون يحترفون في الخارج ولكن لا أحد منهم وصل لما حققه "صلاح"؟ "صلاح" ليس أفضل لاعب كرة قدم، وربما يكون في المستقبل وربما لا. لكنه تجرِبة حيّة ثرية أتمنى أن يسعني العمر حتى أراه في كهولته يجلس مع أحد المحاورين المصريين وهو يحكي كيف تحول ذلك "النجريجي" إلى "المو" إنسانيا وليس كروياً. امتيازات "مو" ليست في قدمه بل في رأسه، ذلك العقل الذي قدر ما قُدم له وكان عنصرا قابلًا وليس طاردًا و لا مُصمتًا، "مو" الذي يسمع ويفكر ويُغير لأنه تعلم أن الثابت الوحيد في الحياة هو التغيير، ذلك التغيير الواعي الممتد على مدار سنوات من التجربة والخبرة. ومع ذلك "محمد صلاح" بالنسبة لجمهوره من العرب والمصريين يتحقق بواسطته معنى واقعي لأغنية عمرو دياب "أحبك أكرهك". أحبك، أكرهك. . أسيبك، أندهك. . أعلق نفسى بيكي. . ولا أعمل فيكي إيه. . أضمك، أبعدك. . أخونك، أوعدك. . غريب إحساسي بيكي. . مش مطمنله ليه. . (عمرو دياب، ألبوم اكتر واحد بيحبك، 2001) فتارة يُرفع على الأكتاف (فخر العرب)، وتارة على غفلة يطرحونه أرضاً، تارَة يكون "صلاح" الذي رفع رأس مصر والعرب والإسلام والرجال المصريين وأهالي نجريج وبسيون والغربية وعمي وخالك وعم سيد بتاع الفول،  وتارة يكون "صلاح" الذي أغرته الشهرة وتنصل من تقاليده وأهان عقيدته وتنكر لأصوله وزعل عمي وخالك وتسبب بجلطة لعم سيد بتاع الفول. ماذا حدث؟ ما الذي تغيّر؟ كل شيء تغير، تغير بالتدريج، فصلاح الذي رفعوه على الأكتاف في 2017 حين رفض حمل زجاجة خمر إلى جوار الجائزة المقدمة من الشركة الراعية لجائزة أفضل لاعب في ليفربول خلال شهر أغسطس 2017 كالعادة مع أغلب اللاعبين كنوع من الدعايات، طرحوه أرضاً بسبب حواره مع "عمرو أديب" في 2021 حين سأله "عمرو" عن الخمور فأجابه "صلاح" أن كل ما في الأمر أنه لا يحبها ولا أحد من حوله يجبره على شربها، وهنا تحولت وسائل التواصل الاجتماعي إلى منصة لقذف "صلاح" بسبب تصريحه مع تذكيره بأن الخمر حرام وأن إجاباته مخالفه للدين. "خسارة. . صلاح كان حاملاً للقرآن والآن يحمل كتب لا معنى لها""عار. . بنات صلاح لم يرتدوا الحجاب حتى الآن""عار. . صلاح يجعل زوجة تتسلم جائزة بدلا منه""عار. . صلاح يظهر في صور له عاري الصدر على الشاطئ""عار. . صلاح في صوره مع وكيل أعماله وإلى جواره خمور""عار. . صلاح يحتفل بالكريسماس مع أسرته"(نماذج من التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي عن صلاح) إجابات "صلاح" كانت بعيدة كل البعُد عن الإجابات النموذجية التي يضعها الشعب (المتدين بطبعه) للاعبي كرة القدم والفنانين تحديدا، لم يُحسب له أنه يرفض بقرار شخصي شرب الخمر بل أرادوا أن يخبرهم أنه مجبر لأنه حرام! و من هنا الموضوع دائما في تطور مستمر. لم يشفع له تفوقه الأخلاقي والكروي والإنساني أمام تفوقه الديني الذي أرادوه. لا يلتفت صلاح كثيرا لكل ما يدور حوله ولم نسمعه أبدا يرد على منتقديه وشاتميه، فأهم ما يميز انشغاله بتطوره الذاتي والعمل عليه بجد، فصلاح ممتن لتلك الفرصة التي أتاحت له أن يكون في مناخ أفضل على المستوى حرية الإنسان الفردية بعيدا عن ضغوط مجتمع أصابه الهوى الهستيري، لذلك فهو ماض في طريقه يمارس حريته دون النظر لتوابع ذلك على المجتمع. هذا الأسبوع تصدر "صلاح" الأخبار مرتين والمرتين أثارا الجدل بين من يسموهم نبض الشارع! من هم نبض الشارع؟ فأنا من ذلك الشارع ولم يجس أحد نبضي! نبض الشارع المتمثل في المواطن المصري الأصيل ابن القرية الذي كان يعود من الخليج بالجلباب الأبيض وهو مُعوج اللسان ويحلف بحياة الملك وحياة كفيله ومع ذلك ينعت صلاح بالخائن عندما ينعي ملكة البلد الذي يعيش به ويتمتع بخدماته ويلعب لأحد أنديته في مجاملة واجبة على أي شخصية عامة، ومن الغريب إن نفس الفئة التي انتقدت "صلاح" لتعزيته في "الملكة إليزابيث"، منذ أسبوع كانوا يروجون من خلال منشوراتهم إن "إليزابيث" من نسل الرسول. "أنا رايح فين. . أنا راجع تاني. . " (عمرو دياب، أغنية حبيبي يا عمري، ألبوم علم قلبي،  2003) أهانوه ووصفه في بعض التعليقات على حسابه بأنه خروف بريطانيا وأنه خائن، مع العلم بالشيء، أن صلاة الجنازة التي حضرها رؤساء دول ورؤساء وزراء، حضرها أيضا رئيس مجلس الوزراء السيد "مصطفى مدبولي" نيابة عن الرئيس، "ازي الحال بقى يا بلدينا؟". أما بالنسبة لصورته مع "سونيا جرجس" ملكة جمال مصر السابقة فلن أخبرك لماذا أثارت الجدل لكني أعلم وأنت تعلم وعم سيد بتاع الفول أعلم مننا نحن الاثنين لماذا ثاروا على الصورة لدرجة تجعلني أشعر بالضيق والاشمئزاز تمنعني أن أُكرر ما قالوه. هل علمت الآن لماذا فكرة المسلسل عبقرية؟ فلا عذاب أبشع من تعذيب البشر لبعضهم البعض فهم بكل بساطة قادرين تحويل حياة بعضهم إلى جحيم بأقل مجهود ولكن على الطرف الأخر، حينما يتوفر لإنسان أن يوجد في مكان أكثر إيجابية ولديه "القبول" للتغيير، بالتأكيد يتطور للأفضل. . ولا عزاء لقوابل المجتمع المصمتة. --- ### لمن تحرك قيثارك يا داود - Published: ۲۰۲۲-۰۹-۲۳ - Modified: 2022-09-25 - URL: https://tabcm.net/7993/ - تصنيفات: مقالات وآراء القريبون منى، والمتابعون، يعرفون أنه لا تنقصني القدرة على طرح رؤيتي في الأمور التي نشتبك معها يومياً، وقد بدأ اشتباكي مبكراً وربما صادماً لكثيرين، وسجل كتاباتي يشهد لي إنني حرصت على ألا أشخصن ما أطرح وانتقي كلماتي بحرص أدبي وأخلاقي وأن أطرح مع الأزمة ما أراه حلولاً ومخارج قابلة للتطبيق، سواء في القضايا المجتمعية أو الدينية أو السياسية. أتفهم أسباب هجوم البعض وحالة التربص التي يكمن فيها بعض آخر، ومنهم من يقتات عليها ليقدم أوراق اعتماده لمن يسعى إلى نيل رضاه، ولا أذكر إنني توقفت عند ثلاثتهم. ولا أزعم إنني أملك حلولاً لكثير من أزماتنا أو عصمة ما أكتب، فقط أحاول ممارسة عصفاً ذهنيا يحرك حالة السكون وربما الركود التي تغشانا، وأدرك أن في تحريك بعض السكون مجازفة لأنه يحرك معه مصالح استقرت لأصحابها، أو يؤنسن ظواهر عبثية ويعيدها إلى حجمها وحقيقتها بعد أن فارقتها خرافة صنعها أصحابها، وقد أجادوا العزف على أوتار العصب الديني الملتهب. والمثخن بجروح عميقة عند كثيرين. ثمة ملاحظة أن من يخرج بهجومه عن جادة الموضوعية وتتمرغ كلماته في وحل البذاءة يرفع راية حماية الدين والزود عن القيم والفضيلة. ما بين التراجع الثقافي والموات الأخلاقي ودوائر الخرافة وعدم التحقق الإنساني والعوامل الاقتصادية الضاغطة خيوط ترسم ذهنية هؤلاء. رهاني ما زال قائماً على أجيال قادمة مختلفة بفعل تداعيات الثورة المعلوماتية والتقنية العصية على المصادرة والحجب والقولبة. وللذين يسألونني لمن تكتب؟ أكتب لجيل وربما أجيال قادمة ستعيد قراءة أطروحات التنوير بغير مواقف مسبقة، أو انحيازات لشخوص أو انتماءات ضيقة أو صراعات ساذجة أو مصالح مرتبكة. --- ### امرأة تكتب؛ الورقة الثانية - Published: ۲۰۲۲-۰۹-۲۲ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/7935/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون - وسوم: امرأة تكتب - قلبها مملكة، أعجوبة، معجزة غرس مبارك لا حدود له في العطاء، هي ثروة من بركات السماء. - تزرعك غيمة من ورق و تحصدك خمراً وعطراً ومطراً. - سترى العالم وقد أرتدى حلة لم يسبق لك رؤيتها، فالتي تمسك القلم بيمينها تهز العالم بشمالها. - ستُصعدك للسماء الثالثة في حين أنك تتنفس بأعماق بحر. - ستعلمك كيف تغوص في سراب وربما تُغرقك، سترى قمة التناقض والانسجام في آن واحد. - تسكب الأحاسيس من دورق القلب حروفاً تسقى جفاف الورق، فأصمت و أترك لها الصفحة بيضاء لتعطرها بعبير حرفها. - ستتعلم أن للكلمات أحساس قُبل - في المعاني مُتسع... في صناعة حرفها جودة رابحة، هو سلعة ثمينة - أنت قرينها أن كنت تشتاق أحرفها، فتلك الأحرف تريد أن تخرج للحياة مرة أخرى عبر قارئ. - تكتب وهي تتألم بين الحروف، هي التي تستعبد الكلمات... تُقَودها لتوقظ شيء من روحك لا يوقظه أي أحد آخر - حروفها، مشاعر تشكلها على جبين الورق، تُقبل إليك رغم المسافة والسور والمنفى - هي سيدة الكلمة، تعزف بها أوتار شجية بعيداً عن مرأى الدمع وهمهمات الحزن - بقلمها تمارس حق الجنون في زمن ضاق بالعقلاء ولفظهم واحداً تلو الآخر - تُبعث كل مرة من جديد بهيئة مختلفة وشعور متجدد - لن تفهم تراجيديا حرفها إلا بعبقرية "جبران" وعشق "نزار" وكرم "قباني" الهوى - تكتب "لترمم" تشوهات أحساسها بحرف وتجبر" برباط" سطر عظام قلبها -الكلمات رنانة بصدق المعاني وأعذب العبارات، قف أحتراماً لقلمها... فمازال يكتب رغم الجحود - موعودة بأنين يصرخ بين أبجدياتها وحبر تآملها، بزخرفة جروحها التي تومض في ختام روايتها... فأصابعها تتغلف بأوجاع حرفها - تبتسم تعبيراتها خجلاً ويسكن في سطورها الحب والوفاء، يختفى فيهم حزنها وحبها الصادق - نار الصدق تتأجج من حرفها... حارقة هي الحقيقة التي لا تروق لكثيرين - هي غرق لا ارتواء منه... تستطيع أن تقلب أمواجك لتجعل أحاسيسك باحثة متأرجحة بين شطآن الرؤى والأحلام ونبضة فؤاد تنتشر في سائر جسدك رعشة - ستتحول السطور أمامك إلى خشبة مسرح تقف عليه مشاعرها وأفكارها... أما أحساسك فهو الجَمهور - القرأة والكتابة فرعان لمفتاح العلوم والعقل معاً، لذا معها تتعلم معنى الحياة - معها سيشتعل رأسك شيباً ويخر حرفك سجداً... ستمتلئ فهماً - ستبدو حائراً، أتنتمى لزُرقة السماء أم زُرقة البحر! - تأخذ بك التساؤلات عن معرفة الأسباب التي دعتها لأن تكتب، عن سر الجمال الذي يكمن بحرفها، عن الغموض الذي تحيط به كلماتها - ستقرأ نفسك بين سطورها ولن تكتشف أعماقها، ستكون متأرجحاً في روايتها بين دور "الفارس" و"الجاني" - عليك أن تصغى جيداً إلى سطورها وإلا خسرتها، وقد يكون عليك أن تقرأ أكثر من مرة لكي لا تتعثر بقلبها - لك الظاهر ولها المعنى وما وراء كل حرف ويصعب عليك أن تصل إلى ما تريده هي - احذر أن تغلق الأبواب بوجهك لأنها لن تفتحها مرة أخرى أبداً - معها يغفو لسانك وتستيقظ العينان وكل ما عليك هو أن تعلن حالة الطوارئ في عقلك لتنقذ ما يمكن إنقاذه من قلبك! - كل حرف منها طفل مدلل يضع ساق على ساق متحدياً تجاوزه لما بعده - لا تستطيع نسيانها... ويصعب عليك أن تتذكرها - لا تظن أن كلماتها لك، ربما أنت خارج أبجديتها تماماً - لا تخدش أنوثتها فقد تمحو ملامح رجولتك بكلماتها فقط - أنت تحت رحمة قلمها فيوماً ستصنعك مجداً وآخر سيلامس جسدك الثري - أنظر لطريقك جيداً قد تكون خبأت لك في إحدى النصوص حفرة تقع فيها - ستُملى عليك تعاويذها السحرية، فلها القدرة على تسليط حروفها على الناس بقوة - أياك أياك أن تعبث... أياك أن تلعب خارج حدود الشطرنج... خطأك في اختيار الكلمات قاتل كالرصاصة - تحدث بقلبك ولا تتصنع البلاغة فتهزمك... هي تتلذذ بالحروف البسيطة التي تخرج من شفتيك - لا تنتظر منها الكثير من الكلام... أقرأ لها أن شئت، فذلك أصدق - هناك الكثير مما لم يكتب بعد، ولم تطرق أبوابه بعد، ولم يئن له حرفها بعد وإن كنت أنت قصائدها ومقصدها... - ستكون في قمة أناقتك خاصة أن كنت تمتلك عمق فكر وحصافة ويكون التورط لهفة تعبث بالأمنيات - ستدخلك النعيم بين جداول من نبع حب - ستكون أنت الحروف وهي النقط... حرفك لا يكتمل معناه إلا بنقاطها - ستجد في كل ورقة سطر فارغ لتختم فيه سيناريو كل قصة... النهاية ملك حبرك - ستكون بطل الروايات، العظيم الذي يتوارى خلف سطورها، فأنت المُلهم - ستكتب عنك وعندما تريد أن تكتب إليك، لا تستطيع - عليك أن تعتق قلبها لوجه الحب... لكى يكتبك قلمها رداً جميلاً - التزم يسار صدرك واقرأها بقلبك عوضاً عن عينيك فلن يسعفك غموض ولا ذكاء ولا كبرياء فقط أنظر إلى هالة الحب المختبئة بين السطور - القِ بقلمك وأوراقك في المحرقة وأصغ جيداً لنبض حبر حروفها الذهبية وأن كنت طالب قلب... - ستنهل منها فنون الرقة وأسرار الدقة، لتهذب الصلف بداخلك على أمل أن تصبح أهلاً لمشروع وريد مشترك - كن نائياً، بعيداً، غريباً لكن وفياً لقلبها... حينها ستحيك روحاً خالدة بين طيات الكتب وفي ملاحم حب لا يموت - ستظل في سباق مع أبجديتها، تلهث روحك لالتهام فنون البلاغة... تغرس في ثنايا السطور ورداً راغباً أن تحوز حروفك استحسانها - ستتحول كلك لمنارة تشتعل ناراً، تراقب كل عين تتغزل بحرفها وكل قلب يتراقص لهفة على سطورها - ستعيش مشاعرك معها مرتين؛ أحدهما بقلبها والأخرى بقلمها، فالكتابة متنفس المشاعر الذي يبهجها ويحيها وإن عَشقتكْ... - سيكون قلبها مع حروفها أجمل ملاذ ومنفى - ستُميت كل المسافات الصمت نحوك، ويحتضنك كل شعور يلامس أطرافها - سوف تنذر الوحدة من أجلك وتجعلك يومها وليلها... إن كنت لها كما تُريد - ثلاثة أرباعها لك والربع الأخير لها لتبقى أنت به - ستحتويك وطناً لن تحتاج لغيره ونبض سطورها بقلبك وطن - ستبدو أنت هي... وهي أنت - ستنتج لك من حروفها ألف امرأة يحاصرون الحياة لتكون مستعمرتك وحدك أما إن كان نبضك الشريد لا يروقها... . - فلن تشتكى منك إلا للقلم فهو أحن عليها منك -أن رضيت عنك ألبستك بالكلمات تاج من ذهب، وإن غضبت صنعت لك من كلماتها قيد من لهيب - لا مجال للتكهنات... قلبها على أطراف أصابعها - لن يكون وجودك مهماً طالما سلكت سبيل الفِرَاقَ، فأنت لا تعلم كيف للكتابة قدرة على انتشال الحزن من أعماقها... المجد لها تُقيم من حروفها حياة. --- ### شيخ المنصر - Published: ۲۰۲۲-۰۹-۲۱ - Modified: 2022-09-21 - URL: https://tabcm.net/8177/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: أنبا أغاثون، أسقف مغاغة والعدوة "شيخ منصر": كلمة في الأصل تقال على الشخص المجرم الهجام الحرامي، لكن بدأت  تقال على شخص غالباً يكون (جاهل) نصاب من الذين يقال عنهم بالعامية "ميعرفش ربنا"، حتى لو تكلم عن الله وظهر بزي الشيوخ، فهو كما نقول "حاميها وحراميها"، يظلم ويفتري بكل أريحية، يسلب حقوق الغلابة ويشهد بالزور على البريء، فهو لا يمكن أن يحل على مكان إلاّ تحول المكان إلى كتلة من الفساد والخراب والإجرام! شيوخ المنصر كان يستعين بهم الحكام والولاة قديما حتى ينشرون الفوضى ويغطون على بلاويهم. أو يستأجرهم الفاسدين لتخويف وإرهاب الشرفاء والنبلاء وإسكات أصوات الأحرار، شيخ المنصر هو (مملوك) يستأجره الفاسدين ويجلسون في الخلفية يديرون كل شيء من وراء الستار! شيوخ المنصر عندهم قدرة عجيبة على جمع الغوغاء والحثالة والرعاع ورائهم باسم الدين أو باسم الدفاع عن الأشخاص! يقدروا يهيجوا ويجمعوا ويحشدوا بأقل مجهود، شيء مثل تكوين كتائب إلكترونية حالياً! لكن عصر شيوخ المنصر لم ينته بعد، فهم لا زالوا متواجدين ويعيشون وسطنا وفي مجتمعاتنا، يمكن وصفهم بأنهم "شخشيخة" في يد من يدفع وأداة في يد من له مصلحة ومنفعة. إن تشكيل عقلية وثقافة الشعوب أحيانا تعتمد في جزء منها على وجود عنصر "شيخ المنصر" من عدمه. لو شيخ المنصر هو الذي يقود المسيرة فلا ننتظر  لا خير ولا علم ولا إبداع ولا تقدم ولا حرية إرادة ولا أمان اجتماعي، الشعوب تتقدم لما وعقلياتهم وتفكيرهم يكون أكبر من أن يساقوا كالقطيع، وألا توثر فيهم أي كلمة من أي "شيخ منصر" في قرية صغيرة أو مركزين "توديهم و تجيبهم"، ولا  أي خطبة أو بيان "حاير" "طاير" يهيج مشاعرهم ويلعب على عواطفهم، ولا كل من أمسك بالإنجيل وقال بولس وقال أبولوس ورفع وراية (حماية الإيمان) يتصدق ويجروا وراه عمياني. ربما يكون شيخ منصر متخفي  يريد أن يحقق مصالحه المالية أو السلطوية أو -يهيج الدنيا ويولعها نار-  من أجل أحقاد شخصية وأمراض نفسية؟! ! الشعب حين يكون واع وفاهم، قبل أن يساند ويدعم شيخ المنصر يفكر الأول ويحلل الكلام، والأهم من كل هذا يتتبع مصدر الكلام بنفسه وليس سماعيا، من يحاول أن يقوده، ولأين يريد أن يقوده؟ ولأجل ماذا؟ أتمنى من الناس ألا -يبصموا بالعشرة- لأي شخص (ضلالي) و(مفتري) و(سارق قوت الغلابة) أو لأي شيخ منصر (يرهب) أصحاب العلم والفكر أو (يخوف الشرفاء). لا يمكن مساندة و(دعم) شخص كل شغله أنه (بلطجي بالإنابة) لكبار متخفين خلف  الستار. لا تسمحوا لأي شيخ منصر أن يسوق عقولكم. --- ### لأنه أبي.. - Published: ۲۰۲۲-۰۹-۲۰ - Modified: 2022-09-20 - URL: https://tabcm.net/7990/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون - وسوم: إشباع الجموع, الابن الضال, الموعظة على الجبل جلس بجانبي وأنا أبحث في الأرض عن لقيمات أسد بها جوعي. كان لطيف المعشر، هادئا وباسما. في وجهه طيف لطيف من الارتياح. يشع منه ضي الألوهة كما لو كان إله فعلا. هو إنسان مثلي، لم أشعر بأي حاجز بيني وبينه. ولكن له حضور عجيب يملأ الكون. بادرني بالحديث: جائع؟ هززت كتفي في بساطة: على ما يبدو. ضحك في عذوبة ثم أردف: هذا ما يبدو، و لكن كيف ترى أنت نفسك؟ جائع حقا؟ جعلني سؤاله أفكر مليا: لربما أنا فقط معتاد ولست في حالة من الجوع أصلا. أجبته بأني محتاج ولكني أعتقد أني لست جائعا. ضحك في عذوبة مرة أخرى: وليس هذا أيضا بصواب، لا تعتقد ولا تشكك في نفسك، أنا مؤمن بك وبما تكونه. أنت تعلم في داخلك ما هذا الذي تصنعه. كنت قد تركت بيت أبي وابتعدت عن كل ما كان لي وكنته. سافرت، رحلت، غادرت بلا وجهة، وتنقلت بلا هدف. نظر في الأفق حيث كانت الشمس توشك أن تغيب، وقال لي: أتعلم؟ منذ سنوات عدة، و في وقت كهذا، كنت أتكلم مع بعض الناس الذين اجتمعوا ليسمعوني. كان مغيب الشمس أيضا وكان لهم وقت طويل يستمعون إلى غير مدركين لمرور الزمن. كانوا متخمين بما سمعوا، فنسوا شبعهم الجسدي. تفكرت في عقلي: هوذا ما يصلح لتخفيف حدة الجوع. طلبت منه أن يكلمني عما يسد عني الجوع كما أولئك. هز رأسه بأن لا، ثم أكمل: لم أرد أن أصرفهم جائعين. لقد تبعوني إلى موضع قفر، فكيف لا أشبع إعوازهم كما بشرتهم بمسرة أبي. حسنا، يبدو شخصا مهما من عائلة ذات شأن. سألته لسبب في نفسي: وكم كانوا؟ بسط كف يده إشارة إلى رقم ٥. حسنا، وهل شبعوا؟ هز رأسه بنعم، وقال: ورُفع عنهم فائض أيضا. لا بأس، قلت له، ها هنا واحد فقط. ربما يمكنك إعطائي طعامهم جميعا مؤن للقادم. ضحك وشعرت كما لو كنت ساذجا، ألعلهم لم يكونوا خمسة. بل أكثر مما تطلب، هكذا أجابني، أعطيك مؤن للأبد لا تجوع بعدها ولا تشعر بعوز أو احتياج. ولكن... . . فلنطعمك الطعام الذي تحتاجه أولا. والمؤن؟ والشبع؟ وعدم العوز؟ ذعرت، صعقت، فقدت صوابي وبدأت أبكي. أرجوك اشبعني، لا قدرة لي على المواصلة. احتضنني وهمس في أذني: لك هذا وذاك ولا تخف لأني معك حتى تشبع وتتشبع. لن أترك ما تحتاج لكي ألقي عليك بالمواعظ والكلمات. أنت لي ونجاتك حياتي ولأجل ذلك جئت. كيف يكون لك عوز ولي غنى ولا تأخذ؟ كيف يحبك أبي ولا أهتم بك؟ كيف تجوع فأعظك؟ تحتاج فأخبرك كلمات فم؟ تخور فأشير لك على الطريق ولا أحملك؟ لك شبع، ولك غنى. فلتلحظ جيدا كلماتي وهي حياة: مغفور لك سعيك الضال بعيدا عن أبيك. مغفورة تلك الخطية التي طرحتك ولن تشبعك. مغفور لك لا بالصفح فقط عن ماضيك بل بعتقك من سلاسل الحرمان والجوع. أطعمني وضمني وطمأنني. أشبعني ونقاني ووضع يده عليَّ. تحدثنا وطرحت عنده كل ما كان يثقلني. لم نشعر بالوقت، أصبح الْيَوْمَ الجديد ولا زلنا نتحدث. قال لي ظل شيء واحد لك. من عمق ما التصقت به، عرفت قصده سريعا. وأجبت: أعلم، أبي. ينتظرك، هكذا قال وهو ينهض مستعدا للمسير. ينتظرك مُذ غادرت ولم يفقد الأمل أن يراك ثانية. أخاف من غضبته. ضحك بحب: غضبة؟! ! ! ألم تعلم بعد؟ لست هنا مصادفة، قد جئت من أجلك خصيصا. هو يحبك ويأمل أن تعي ما لك عنده. أمله لم يكن أن ينتفع برؤيتك، بل بأن تدرك أنت من أنت. كان يتكلم كمن له سلطان، ولم أستطع مقاومته. قلت: أقوم إذن و أرجع إلى أبي. استدار وأخذ في السير، ناديته: ولكن كيف لك أن تعرف أبي؟ أجابني من البعد: لأنه أبي --- ### بنات "صلفحاد"، وإرث نساء العهد القديم - Published: ۲۰۲۲-۰۹-۱۹ - Modified: 2022-09-25 - URL: https://tabcm.net/8182/ - تصنيفات: المرأة القبطية, كتاب مقدس - وسوم: أحوال شخصية, صلفحاد, نبي موسى "والأرض لا تباع البتة، لأن لي الأرض، وأنتم غرباء ونزلاء عندي" (سفر اللاويين 25: 23) كانت ملكية الأرض للرب أساسا، فالأرض في حوزة الشعب لكن ملكيتها لله. وعند دخول الشعب أرض كنعان كان على موسى أن يقسِّم الأرض بين الأسباط عن طريق القرعة، وأما يشوع فقد قسَّم الأرض على أفراد كل سبط حسب أعداد السبط. وكان التشديد على أن الأرض مِلك للرب وليس الشعب، ولهذا نُظِّمت الملكية بتشريعات تمنع انتقال ملكية سبط ما إلى سبط آخر، وتم تشريع نظام السنة السابعة وسنة اليوبيل كسنوات مُخصصَّة لرجوع الأرض إلى أصحابها في حالة بيع جزء منها نتيجة العوز. وكان على الولي افتداء الأرض، أي شراءها وإرجاعها إلى صاحبها، فيتضح من (لاويين 25: 25: 28) أنه عندما يمر صاحب الأرض بظروف صعبة ويضطر إلى بيع جزء من أرضه، فإن الولي كان عليه افتداء الأرض إذا كانت قد بيعت، أو أن يتملكها بحق الشفعة، أو يستعيدها البائع لنفسه إذا كان في استطاعته. عندما كان الشعب في البرية وقبل دخول أرض كنعان، مات جزء منهم، وكان "صلفحاد" (من سبط منسى) ضمن الذين ماتوا في البرية، وعند دخول الأرض علمت بناته أن الأرض سيتم تقسيمها على كل سبط حسب عدد أفراده،  ويبدو إنهن كن على علمٍ بالتقاليد المُتبعة في الشرق الأدنى القديم، التي تقضي بعدم توريث البنات، فأسرعن إلى موسى قائلات إن والدهن مات بلا خطية (أي لم يفعل شيئًا خاطئًا كانت سببًا لموته، بمعنى أنه مات ميتة طبيعية) وطلبن من موسى إعطائهن نصيب أبيهن، فكان على موسى أن يستشير الله، لما كان دخولهم الأرض كان حادثًا جديدًا لم يعهد فيه وقائع مثل هذه، فأجابه الله: «بِحَقّ تَكَلَّمَتْ بَنَاتُ صَلُفْحَادَ، فَتُعْطِيهِنَّ مُلْكَ نَصِيبٍ بَيْنَ إِخْوَةِ أَبِيهنَّ، وَتَنْقُلُ نَصِيبَ أَبِيهِنَّ إِلَيْهِنَّ. وَتُكَلِّمُ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَائِلاً: أَيُّمَا رَجُل مَاتَ وَلَيْسَ لَهُ ابْنٌ، تَنْقُلُونَ مُلْكَهُ إِلَى ابْنَتِهِ»(سفر العدد 27: 6- 8) فالبنات لا يحرمن من الميراث في هذه الحالة، ولكن لا بد أن يتزوجن من رجال سبطهن حتى لا يذهب الميراث إلى سبط آخر (في حالة زواجهن من سبط آخر) وهذا شرط لثبات قيمة المواريث بين الأسباط ولتسهيل تطبيق نظام السنة السابعة وسنة اليوبيل بأن الأرض تعود إلى أسباطها في حالة بيع جزء منها عند العوز. ويقرر الأصحاح 36: 6 أن الله أمرُّ عَنْ بَنَاتِ صَلُفْحَادَ قَائِلاً: "هذَا مَا أَمَرَ بِهِ الرَّبُّ عَنْ بَنَاتِ صَلُفْحَادَ قَائِلًا: مَنْ حَسُنَ فِي أَعْيُنِهِنَّ يَكُنَّ لَهُ نِسَاءً، وَلكِنْ لِعَشِيرَةِ سِبْطِ آبَائِهِنَّ يَكُنَّ نِسَاءً". (سفر العدد 36: 6) أي إن لهن حرية اختيار الشخص الذي يردن الزواج منه من سبطهن ولا يُفرض عليهن شخص معين. لكن ما كان يحدث فعليًا أن الشعب لم يطبِّق نظام السنة السابعة ولا اليوبيل ولا حتى استرجاع الجزء الذي باعوه من الأرض، بل استمر بيع الأراضي وعدم استرجاعها إلى أن تكوَّنت طبقة من الأثرياء تستحوذ على ملكية أغلب الأراضي وطبقة من الفقراء لا تملك إلا اليسير. الملاحظ أن التوراة لم يرد فيها مطلقًا حكمًا بحرمان البنات من الميراث، لكن البنات كانت ترث في حالة غياب الورثة الذكور (عد 27 :1-8)، (يش 17 :3-6)، وشرط أن يتزوّجن في عشيرة قبيلة والدهنّ لئلاّ ينتقل مال القبيلة إلى قبيلة أخرى (عد 36 :1-9)، (1أخ 23 :22)؛ (طو 7 :10-13). --- ### رسالة يعقوب عن القلق النفسي في اتخاذ القرار - Published: ۲۰۲۲-۰۹-۱۸ - Modified: 2024-05-12 - URL: https://tabcm.net/8052/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: القرعة الهيكلية, يعقوب الرسول الإصحاح الأول "يَعْقُوبُ، عَبْدُ اللهِ وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، يُهْدِي السَّلاَمَ إِلَى الإثْنَيْ عَشَرَ سِبْطًا الَّذِينَ فِي الشَّتَاتِ"(رسالة يعقوب 1: 1) عن الصبر والفرح في التجربة "اِحْسِبُوهُ كُلَّ فَرَحٍ يَا إِخْوَتِي حِينَمَا تَقَعُونَ فِي تَجَارِبَ مُتَنَوِّعَةٍ“(رسالة يعقوب 1: 2)  التجارِب نوعان، تجرِبة من الشرير، وعن هذه أوصانا الرب أن نصلي قائلين ”ولا تدخلنا في تجرِبة لكن نجنا من الشرير“، وتجربة يسمح بها الرب من أجل نفعنا، التي يتكلم عنها يعقوب الرسول، بل ويطلب أن تكون مبعث فرح لأنها بمنزلة خطوة أخرى إلى الأمام ليس فقط في طريق ملكوت السموات، بل وأيضاً على المستوى الإنساني في هذه الدنيا، فهي مِثل فرح الإنسان الذي ينهي دراسته ويصبح لائقاً للتقدم للامتحان الذي يجيزه للترقي إلى أعلى، والتشبيه مع الفارق طبعاً لأن النمو في طريق الرب هو ”نعمة فوق نعمة“. "عَالِمِينَ أَنَّ امْتِحَانَ إِيمَانِكُمْ يُنْشِئُ صَبْرًا. وَأَمَّا الصَّبْرُ فَلْيَكُنْ لَهُ عَمَلٌ تَامٌّ، لِكَيْ تَكُونُوا تَامِّينَ وَكَامِلِينَ غَيْرَ نَاقِصِينَ فِي شَيْءٍ". (رسالة يعقوب 1: 3-4)  ثم يشرح الوحي المقدس السبب في اعتبار التجربة مبعث فرح، فالتجربة غالباً ما تصاحبها فترة ضيقة تتمثل في مدّة الضغطة للإعداد لامتحان ما سنجتازه، في هذه المدّة يُكرِّس المتقدِم للامتحان تركيزه ووقته لإضافة وصقل وتثبيت المعرفة لديه، متحلياً بالصبر، حتى يصل إلى قمة مستواه في العلم وقت الجلوس للامتحان. هذا ما أشار إليه الوحي بأن الامتحان ”يُنْشِئُ صَبْرًا “. ثم يصف عمل هذا الصبر قائلاً أنه ”عَمَلٌ تَامٌّ“ لأن بواسطته يتحقق للإنسان الكمال إذ يتخطى نقائص كانت فيه ولم يكن ممكناً الوعي بها وتخطيها إلا بالصبر على الضيقة. لذلك فإن فرحة الإنسان الذي يجتاز مثل هذه التجربة بالرغْم من ضيقتها هي فرحة لا تُنسى. الحكمة الإلهية خلال الضيقة "وَإِنَّمَا إِنْ كَانَ أَحَدُكُمْ تُعْوِزُهُ حِكْمَةٌ، فَلْيَطْلُبْ مِنَ اللهِ الَّذِي يُعْطِي الْجَمِيعَ بِسَخَاءٍ وَلاَ يُعَيِّرُ، فَسَيُعْطَى لَهُ". (يعقوب 1: 5) هنا يشير الوحي المقدس على لسان القديس يعقوب إلى أول سلاح لمواجهة التجربة والضيقة، أنها الحكمة النازلة من عند الرب خاصة في التعامل مع الضيقات. الشك والارتياب في اتخاذ القرار "وَلكِنْ لِيَطْلُبْ بِإِيمَانٍ غَيْرَ مُرْتَابٍ الْبَتَّةَ، لأَنَّ الْمُرْتَابَ يُشْبِهُ مَوْجًا مِنَ الْبَحْرِ تَخْبِطُهُ الرِّيحُ وَتَدْفَعُهُ. فَلاَ يَظُنَّ ذلِكَ الإِنْسَانُ أَنَّهُ يَنَالُ شَيْئًا مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ. رَجُلٌ ذُو رَأْيَيْنِ هُوَ مُتَقَلْقِلٌ فِي جَمِيعِ طُرُقِهِ". (يعقوب 1: 6-8)  ثم يتعرض الوحي لمشكلة الشك والارتياب والتشتت بين رأيين يتصارعان، إنها مشكلة تتكرر عند جميع الناس، والمؤمنون في ذلك ليسوا استثناء. فكيف يثق الإنسان أن قراراته في التعامل مع التجربة هي من عند الرب وأنها الأفضل؟ ولقد وصل الأمر بالبعض إلى بدعة ممارسة ”القرعة الهيكلية“ فيجعلون قرارهم رهناً بما تسفر عنه القرعة على ورقتين باختيارين يضعونهما على المذبح في صلاة القداس، وقد تسببت تلك السلوكيات في مشكلات كبيرة للذين يلجئون إليها، والله منها بريء. أما المنهج السليم في اتخاذ القرارات الصعبة هو أن يطلب الإنسان حضور الرب في اتخاذ القرار وأن يشاركه فيه، بأن يسنده ويؤأزره ويبارك في اختياراته. وَلكِنْ لِيَطْلُبْ بِإِيمَانٍ فالأيمان بالرب الذي يملأ القلب والعقل -حيث مكان تكوين القرار- هو ضرورة. أمَّا الاختيار، فهو أساساً اختيار الإنسان صاحب المشكلة وليس سواه. و الرب يكون حاضراً في اتخاذ القرار، فكما يقول الكتاب ”مَن التصق بالرب فهو روح واحد“، لذلك لا يدخل القلق إلى النفس عند هذا الإنسان، بل ولا يهتز لو كانت النتيجة في ظاهرها غير موفَّقَة، لأن الرب هو ”البانطوكراتور“ أي الضابط الكل. لذلك هو -سبحانه- يتكفل بالإنسان الذي اتكل عليه بإيمان وصلى إليه لكي يرشده في الاختيار. الشعور بالذنب بسبب نتائج قراراتنا أما عن الشعور بالذنب أو ملامة النفس بعد ذلك بسبب نتائج الاختيار إذا كان غير موفَّق بالرغم من طلب تدخل الرب في أخذ القرار في أثناء التفكير والبحث ودراسة المشكلة، فإن الوحي يطمئننا قائلاً ”طوبى للمؤمن الذي لا يدين نفسه فيما يستحسنه“ (رسالة رومية) بصرف النظر عن النتائج، فصاحب القرار ليس وحده في مواجهة المجهول لأن الرب معه. القلق البشري عند الناس والسعي نحو ”الأفضل“ ونحتاج أن نبحث قليلاً في موضوع القلق البشري عند الناس عموماً مؤمنين وغير مؤمنين، فإن الأساس في القلق البشري إن الإنسان لا يرضَى بما هو متاح بسبب أنه دائماً طموح يسعى نحو الأفضل، وبديهي أنه دائما سيكون هناك أفضل، بالتالي فإن الأفضل هو غير محدود أو بمعنى آخر أنه ليس  هناك أفضل غير الله لأنه الُمطلَق الصلاح. وكما كتبت إحدى الصديقات نقلاً عن الكاتب "سي. أس. لويس" في روايته "عودة الرحال" مشيراً إلى حالة الحَيْرَة والارتباك التي تصيب النفس البشرية، فإنه يُرجِع أحد أسبابها إلى التشتت والتقلقل بسبب فكر مسيطر وموضوعه عدم الرضا لأني ”قد أحصل على الأفضل أو المزيد“ فيظل الإنسان في حالة ترحال دائم دون مستَقَّر أو استقرار، سعياً خلف المجهول لأنه لا يرضى علي ما حصل عليه و ماهو عليه. فلا هو قد استمتع بالحاضر ولا نال مبتغاه الذي لا يعرفه. والعلاقة بين الرجل والمرأة واحتياجهما العاطفي كلٍ نحو الآخَر، هو مِن أكثر المجالات التي تَظهَر فيها الحَيْرَة عند الاختيار لأنها تختص بما هو غير مرئي مادياً من مشاعر. وقد شاهدت هذا الارتباك المزمن في عدد لا بأس به كانوا في علاقات حب بشخصيات لا تشوبها شائبة، ولكنهم لا يقدرون اتخاذ خطوة الزواج  أو الارتباط، بل يظلون لسنواتٍ معاً كأزواج دون زواج (هذه حالات في الخارج). لذلك يطمئننا الرب يسوع بأنه يعطينا شخصه المبارك وهو ”الأفضل“ وليس كما يعطي العالم ”أتيت ليكون لكم حياة ويكون لكم أفضل... سلاماً أترك لكم سلامي أنا أعطيكم، ليس كما يُعطِي العالم أعطيكم أنا، لا تضطرب قلوبكم ولا تجزع“. الذين اختبروا الرب يعرفون جيداً معني أن ”يكون لكم أفضل“. أنهم يشبعون ويتمتعون بإحساس الرضا، دائماً مكتفون لأنهم ممتلئون بمَن هو ”الأفضل“. وبحسب تعبيرهم ”أن النفس الشبعانة تدوس العسل“. إن ”أهل الطريق“ هم أعلى وفوق أي وكل خسارة تَنتُج عن اختيار كانوا يظنونه حسناً ولكنه لم يكن. إنهم مطمئنون في كل حال وعلى كل حال، وتنسكب الطمأنينة كصلاة من قلوبهم بالرغم من الخسارة قائلين ”فلنشكر صانع الخيرات علي كل حال... ". لذلك هم أمام الضيقات قادرين على اتخاذ القرار دون سجس فكر أو شوشرة رأي يتوه بحثاً عن الأفضل، إنهم ينعمون بحياة الرضا والسلام النفسي الإلهي من جهة اختيارهم، بالرغم من أنه مُحال أن يكون هناك الأفضل المطلق في هذا العالم من جهة ذلك، بل فقط وكما شرحنا لأن اختيارهم كان ”في المسيح“. فالمسيح فقط هو ضمان ”الأفضل“ في هذه الحياة. ومكتوبٌ أيضاً أن المسيح ”يملأ الكل في الكل“. فالمسيح يملأ كلَ إنسان قد التصق به. يملأه بكل الملء مهما كان هناك نقص أو خسارة أو ضيقة بسبب اختيار أو قرار منه أو مِن آخر. بل أقول طوبى/ و يا بخت مَن اختار العَوَض في المسيح عن خسارة أعتاد هذا العالم أن يأتي بها على كل مولود امرأة فيه. تباين حدود السَّعَة عند البشر ولكن يبقى بعد هذا الشرح أن نتطرق إلى موضوع "حدود سَعَة الإنسان" النفسية والعقلية والبدنية والروحية والشخصية التي قد تَزَّوَد بها منذ ولادته ليستطيع أن يتحمل ما يقابله من الضيقة الناجمة عن النقص أو الخسارة التي تواجهه، ومن ثمة، فإن عليه أن يأخذ قراراً بشأنها. وقد يكون أحد هذين العاملين (أي سَعَة الإنسان واحتماله/ أو شدة الضغوط عليه) كارثياً، بمعنى أن يكون هذا الإنسان ليس لديه السَّعَة والطاقة -نسبة وتناسب- مع هذه الضيقة. أو أن الضيقة نفسها كانت كارثية وتتعدى حدود أي إنسان مهما كانت طاقاته. هنا تكون الحاجة لوسائل أخرى أوجدها الله للمساعدة في ضبط حياتنا في هذا العالم لمحاولة إعادة الاتزان لنفوسنا، مثل العدل البشري والمحاكم المدنية لرد الظلم، أو ضرورة البُعد عن مصدر الخسارة والضرر مثل الانفصال والطلاق في الزيجات المدمِّرة. باختصار فإن الوحي المقدس على لسان يعقوب الرسول قد تعرض للجانب النفسي والروحي لمشكلة القلق النفسي والتذبذب في الاختيار واتخاذ القرار في درجته وصورته العامة. ولكن كل ما أستعصى بعد ذلك من قلق، فربما يقع في نطاق العلاج النفسي ونعمة الله على الإنسان بواسطة علم الطب كوسيلة لتخفيف معاناة الإنسان في هذا العالم . (يُتبَع) والسبح لله. بقلم د. رءوف إدواردر --- ### إليزابيث.. ربحت محمدا ولم تخسر المسيح - Published: ۲۰۲۲-۰۹-۱۷ - Modified: 2023-12-17 - URL: https://tabcm.net/8054/ - تصنيفات: شئون علمانية - وسوم: ألفونسو السادس, النبى محمد, بابا شنودة الثالث, بروتستانت, دريد إبراهيم الموصلي, رئيس محمد حسني مبارك, شيكابالا, علي جمعة, محمد متولي الشعراوي, ملكة إليزابيث الثانية, هارولد بروكس بيكر أرجوك عزيزي القارئ لا تغضب سريعًا بسبب عنوان المقال، فأنا لم أضع سوى اسم "إليزابيث" إلى جوار عنوان أحد الكتب التي بالتأكيد لا تخصني. "ربحت محمدًا ولم أخسر المسيح"، هو عنوان كتاب من تأليف : دريد إبراهيم الموصلي، عن قصة إسلامه، وذكرني بخصوص هذا الكتاب أن أكشف لك أمرًا هامًا يخص قصة إسلام كاتبه بنهاية المقال، إذا كنت تملك سَعَة الصدر لتكملته. أما بخصوص "إليزابيث"، ملكة انجلترا، فالأمر يتعلق بخبر انتمائها إلى نسل النبي محمد الذي تصدر مواقع التواصل الاجتماعي والصحف بعد وفاتها بساعات قليلة على نطاق واسع من جديد. نعم، من جديد، حيث إن الخبر في حقيقة الأمر قديم ولم تكن المرة الأولى التي يظهر فيها على السطح أو تتناوله وسائل الإعلام الغربية والعربية. الخبر يتناول فرضية لـ"هارولد بروكس بيكر" الصحفي والناشر وعالم الأنساب بأن "إليزابيث" من نسل النبي "محمد" حيث ربط الملكة بنسل الأميرة المسلمة "زائدة" وهي زوجة الفاتح (الملقب بالمأمون) وأصبحت فيما بعد محظية الملك "ألفونسو السادس" بعد أن هربت من إشبيلية.  فمنذ عام 1986 حين نُشر الخبر أول مرة، عاد للظهور مرات عدّة وتناولته صحف عالمية مختلفة. أما على المستوى المحلى فأشهر التصريحات كانت تلك المنسوبة للدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق بأنها فعلًا من نسل النبي محمد. السؤال هنا: هل ذلك الخبر صحيح أم لا؟ لا تقلق سوف اترك لك إجابة ذلك السؤال أيضا إلى جوار ذلك الأمر المهم الذي نوهت عنه بالبداية، لكن لنعود الآن لرواد مواقع التواصل الاجتماعي الذين انقسموا ما بين فريق الأقباط الرافض للخبر وفريق المسلمين المبارك للخبر وأخذوا يناوشون كثيرًا حوله. - إوعي، سيبي اللعبة بتاعتي. . - ﻻء، دي بتاعتي. . - يا سلام ياختي! ! (أوبريت: "اللُعْبَة"، كلمات: "صلاح جاهين) ولكن الغريب في الأمر أن أول مرة يتفق الفريقين في "معركة الترحم" وعلى غير المتوقع نالت إليزابيث الكثير من الترحم من الفريقين؛ من فريق المسلمين باعتبارها حفيدة الرسول ومن فريق الأقباط كملكة مسيحية تحمل تاج يزينه الصليب على رأسها، تناغم الفريقان في مشهد تقشعر له الأبدان! فلم نسمع التساؤلات المعتادة التي تسبق الترحم حتى يكون  "الترحم في الجون". فأنت لست فقط مسلم بل مسلم سني أو شيعي، وهو ليس فقط مسيحي بل مسيحي أرثوذكسي أو كاثوليكي أو بروتستانتي، كل طائفة تمنحك درجة ترحم مختلفة ولابد وأن تكون دقيقة حتى لا تكون رحلتك للآخرة محفوفة بالمخاطر ودخولك إلى جنتك أو فردوسك مرهون بترحم "أبو عجوة الترشويلي" الذي رفض أن يترحم عليك حين أخبرته "أم عزة كيداهم" أنه لا يجوز الترحم عليك لأنك عشت أيامك على الأرض تلعب لمصلحة الفريق (الغلط)، على حد قولها. من حسن حظ إليزابيث أن الأمر لن يعنيها الآن كما لم يعنيها من قبل، فإليزابيث لم تشبه تلك الدمية التي كان يتناحر عليها الشقيقين في أوبريت "اللعبة"، اللعبة التي يمزقونها نتيجة صراعهم عليها حتى تخرج منها "نيللي" لتخبرهم: "العبوا مع بعض ما تتخانقوش". على عكس الطفل شنودة صاحب الأربع أعوام الذي يتناحر عليه نفس الفريقين اليوم، ولكنه ليس من عائلة حاكمة حتى لا يعنيه الأمر بل هو بلا عائلة من الأصل. تركته أسرته الأولى في أرضية دورة مياه إحدى الكنائس يرتجف وحيدا، ونُبذ من أحد أفراد أسرته الثانية بعد طمعت ابنة عمته في مال لا يخصها، وللأسف عاقبته أسرته الأكبر متمثله في وطنه حين رأت أن حضن مسلم مشترك داخل دار أيتام أفضل من حضن مسيحي خاص بأمه البديلة التي لا تملك من الدنيا أبناء إلا هو. وبدورنا لن نستطيع إلقاء اللوم على طرف دون الأخر، فبالتأكيد "الغلط طال الجميع" من أول كاهن الكنيسة الذي أخطأ حين أخذ الطفل إلى أم بديلة بدلا من أن يُبلغ الشرطة عن الواقعة ومن ثم يساعد الأسرة على تبنيه أو كفالته بشكل رسمي. "اُدْخُلُوا مِنَ الْبَاب الضَّيِّقِ، لأَنَّهُ وَاسِعٌ الْبَابُ وَرَحْبٌ الطَّرِيقُ الَّذِي يُؤَدِّي إِلَى الْهَلاَكِ، وَكَثِيرُونَ هُمُ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ مِنْهُ! "(إنجيل متى 7: 13) فلماذا إذا لم تدخل الكنيسة من الباب الضيق في تلك القضية واختاروا الأوسع والأسرع وأقلهم متاعب؟ وللأسف لقد صار هذا "الواسع" بحكم المعتاد، فلا أعتقد أنهم أيضا اختاروا الباب الضيق حين قرروا إنشاء نادي تابع للكنيسة وله فريق كرة قدم خاص به. فبدلا من مقاومة العنصرية في نوادي مصر، قرروا أنه من الأفضل كل واحد يلعب بكورته! لذلك كان من الطبيعي عدم رضاء الكثيرين عن الفكرة لأسباب وهواجس تتعلق أيضا بهؤلاء اللاعبين الذين سوف يتحملون ضغوط وأعباء وتراكمات وطن بِرُمَّته. وللأسف معاناتهم حتمية، ففي كل مرة سوف ينزلون فيها إلى أرض الملعب سواء ربحوا أم خسروا النتيجة واحدة، ونحن جميعًا نعلمها دون إن ننطقها علنًا، فالأمر محسوم مثلما كنت ألعب "الأتاري" مع أحد أقاربي الذي كان يصغرني بتسع سنوات وحين كنت أكسبه كان يضربني وكان والديَّ يطلبون مني أن أخسر له وحين كنت أخسر كان أيضا يضربني (لأني مش بلعب عدل). على أي حال، الطفل شنودة سوف يكبر معتقدًا أن الله لم يحبه كفاية حتى جعله كرة بين فريقين في لُعْبَة لم يختارها. . بل فُرضت عليه. كم كرهت كرة القدم، أشجعها شهورا وأنبذها سنوات. فأنا أميل للقصص الإنسانية وليس لكرة القدم بحد ذاتها، أُحب القصص التي تدور حول كرة القدم وهؤلاء اللاعبين الذين ينتمون لأسر بسيطة ولكن أحلامهم كانت كبيرة. لذلك أحزن عندما تنتهي تلك القصص بتعصب وعنف. فأنا أشجع القصص، أُشجع الإنسان الذي يحيا تلك القصص، وليس إلى أي من الفرق ينتمي. ولكنى قبل أن أخذ أنفاسي الأولى في هذا العالم وجدتهم فعلًا اجتذبوني إلى أحد الفرق مسبقًا. ليس من السهل أبدا أن تكتشف منذ نعومة أظافرك أنك تنتمي لفريق زمالك الأديان، المسيحية والإسلام في مصر هما أهلي وزمالك الأديان، الاثنان يلعبان بنفس الدوري ويحملان نفس الجنسية ويتشاركان كل شيء في الوطن معا، إلا "اللعيبة"! فانتقال لاعب ما بين الناديين هو بمنزلة إعلان حرب. تخيل عبور" شيكابلا" من الزمالك إلى الأهلي، تخيلت ! ! ! (صعبة بس حاول)، تخيلت ماذا سيفعل به جمهور الزمالك عندما يتركهم؟! تخيلت الاحتفاء الذي سوف يلاقيه في الأهلي بادئ الأمر كيدا في الزمالك! طب تخليت أنهم بعد ذلك سوف يتخلون عنه تدريجيًا لأنه خان فريقه، ومن الممكن أن يكررها فلذلك سيعاملونه كخائن وبالنهاية سيكون منبوذا من كلا الفريقين إلى الأبد. و لماذا التخيل؟ راجع ما حدث مع لاعب الزمالك سابقًا والأهلي حاليًا "كهربا". فهكذا هي قصة أي شخص يفكر في ترك فريقه الديني ولو بشكل مؤقت حتى لو كان في رحلته لاكتشاف ذاته. للأسف لم يكفيهم التناحر على الأحياء بل حتى الأموات لم يتركوهم وشأنهم، فمجرد أن ينتقل أحد أبناء هذا الوطن إلى "دار الأخرة"، يبدأ الفريقين في التسخين والنزول إلى ملعب الإيمان متمثلًا في "أن فلان الفلاني المتوفى حديثًا من فريق الخَصْم مات وهو ينتمي إلينا سرا"، لذلك سمعت همسًا عن تنصر الشيخ الشعراوي قبل وفاته وسمعت أنت عن إسلام البابا شنودة قبل وفاته أيضا، مع بحث الفريقين الدائم عن مشاهير العالم على أي دين ماتوا، فتلك القصص لها وقع خاص على قلوب المؤمنين من الفريقين. ما يدفعك للحيرة إن الفئة التي تبحث وتلهث دائمًا وراء تلك النوعية من المعرفة ليسوا لاعبين من الدرجة الأولى، فهم انتساب (من منازلهم). فالأغلب تلك الفئة ليسوا على استعداد أبدًا لخوض غمار رحلة شك وبحث عن إيمان حقيقي يتبعون. فهم قانعون بما ولدوا عليه وقرروا أن يتركوا الأمر هكذا، لذلك يسعدوا كثيرًا حين يسمعوا أن أحد الأفراد من الفريق الآخر انضم لفريقه. فليس هناك أكثر سعادة من ذلك المسلم حين يسمع بإسلام فلان أو علانه، وذاك المسيحي عند تنصر فلان أو علانه، فبالنسبة له ذلك بمنزلة إعلان واضح أنه على حق دون بحث أو تقصي من جانبه، فهو على اعتقاد أن العابر إلى فريقه بحث ودرس وأيقن أن هذا هو الدين الحق. لذا هو نفسه استقى إيمانه من إيمان شخص آخر وعلى رأي جدتي الله يرحمها "القرعة تتباهى بشعر بنت أختها". بمناسبة ذكر جدتي الله يرحمها (خليتك تترحم وأنت مش واخد بالك- ضحكات شريرة متقطعة) عندما كان عمري 5 سنوات وكنت معها في إجازتنا الصيفية بالإسكندرية ألعب بحديقة الشقة التي كانت تربط مطابخ الشقق المجاورة ببعض، وكنت ألعب مع صبي يكبرني قليلًا وسألني إذا كنت مسيحية أم مسلمة لأني إذا كنت مسيحية فأنه لن يستطيع اللعب معي، نظرت له بتعجب ولم أعرف فالكلمتين يبدو متشابهتين وكلاهما يبدأ بـ(مس)، إذا فلا بأس أن أكون مسلمة حتى نلعب سويًا. بعد انتهائنا من اللعب ذهبت لجدتي التي بدا عليها الضيق حين علمت إن الصبي سألني ذلك وأفهمتني أن من العيب أن نسأل أحد عن دينه قائلة نصًا: "واد قليل الحيا" وأخبرتني أني مسيحية وأن كل ما تعلمته من ("أبانا الذي" وعن: ماما العذراء) يدل على أني مسيحية، حزنت بالطبع لأنه لن يلعب معي ولم أفهم لماذا، فأنا ابنة منطقة "الضاهر" حيث في أغلب البنايات الطابق الواحد يسكنه أسر من ديانات وثقافات وأصول مختلفة. لذلك لن أقتنع يومًا بالتناحر بين الفريقين، ولن أفهم يومًا فرحة هذا بإسلام ذاك ولا سعادة تلك بتنصر هؤلاء. وهنا نعود لإجابات الأسئلة التي تنتظرها منى عن كتاب "ربحت محمدًا ولم أخسر المسيح" والآخر عن حقيقة أصول الملكة إليزابيث الدينية؟ لن أخفي عليك، أن كنت ما زلت تنتظر مني إجابة حتى هذا الجزء من المقال فسوف يحزنني ذلك كثيرًا. لان في الواقع إجابتي لك هي: أنا لا أهتم. . نعم... أنا لا أهتم. ولكني أعرف أن بعضهم أو بعضكم يهتم أن يعرف عما يدور ذلك الكتاب، الذي لم أقرأه، ولن أقرأه، ولا يهمني أيضا أن أعرف الأصول الدينية لملكة انجلترا، ولا مين مات مسلم ولا مين مات مسيحي ولا يهودي و لا بوذي، ببساطة أنا لا أهتم. فأنا أعيش تجربتي الخاصة المليئة بلحظات الشك ولحظات الإيمان من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، وفى حالة بحث دائم عن إنسانيتي بين جميع تلك الفرق المتناحرة في هذا العالم. لذلك وضعت لك تلك الإجابة هنا في أسفل المقال حتى إذا كنت من أصحاب الباب الواسع والطرق المختصرة وليس لديك الوقت لتسمع رأي آخر فسوف تنزل لأسفل المقال بسهولة لتجد إجابتي تختصر عليك الوقت وهي: أنا لا أهتم. --- ### مقتطفات من كتاب "الأقباط والحداثة" - Published: ۲۰۲۲-۰۹-۱٦ - Modified: 2023-12-16 - URL: https://tabcm.net/7982/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: أحمد فؤاد نجم, إسخاتولوچي, الأصولية, الأقباط والحداثة, التفسير الحرفي, بولس الفغالي, بيرم التونسي, جوستافو جوتيبيرث, لاهوت التحرير, مراد وهبة مِن قبل ما أكتب أنا عارف القول ضايع والأجر بالتأكيد ذاهب حسب الشايع والشتم حايجيني مسوجر من واد صايع مهما انكويت بالنار والزيت برضك فنّان (بيرم التونسيّ) هناك خمسة مبادئ للفكر الأصولي، ولكن يمكن اختزالها كما يذكر دكتور مراد وهبه في: 1. الالتزام بحرفية النص الديني 2. إبطال وحذف ومهاجمة النظريات العلمية التي تناقض التفسير الحرفي للنص الديني 3. رفض الليبراليين اللاهوتيين (د. "مراد وهبة"، زمن الأصولية، ص25 -26) ونحن نرى أنه قد ظهرت هذه التيارات كرد فعل عكسي على الحداثة Modernity"! قَبُول الآخر: يجب علينا أن نعلم أنه لا وجود لمن يملك الحقيقة المطلقة، وأن نعلم أن رسالة المسيح هي المحبة الحقيقة وليست لغو الكلام عن محبة، وأن نحب الجميع وأن نُدرك أن التنوع صفة إيجابية، والتنوع والتعدد إثراء للجسد الواحد، ويجب علينا أن نعي أن كل من يؤمن بالثالوث، وتجسد الله في شخص المسيح، وفدائه وقيامته وإرساله للروح القدس العامل في كنيسته، يكون مؤمنًا، ويكون قد انضم للجسد/الكنيسة، مهما اختلفنا معه حول تفاصيل أخرى. ربما يكون للثقافات المختلفة دخل فيها، ويجب أن نتوقف عن وصلات الردح السنوية -المتبادلة- بين كل من الأرثوذكس والإنجيليين في مواعيد شبه معروفة وثابتة قبيل مهرجان "احسبها صح" مثلًا. جدير بالذكر أنه لا يوجد ما يسمي بـ"الإعجاز التاريخي" أيضًا، فالكتب المقدسة لا تهتم بتقديم المادة التاريخية الموثقة كما حدثت فعلا في التاريخ الأرضي المحسوس، لأنها غير معنية بذلك في منهجها الرسالي الدعوي، وإنما هي تقدمها مختلطة ومشبعة بقيمها الرمزية والإيمانية والإسخاتولوجية ((إسخاتولوجي: فرع اللاهوت المختص بالحديث عن حياة الدهر الآتي. )) والقصصية والوعظية، وذلك حتى تشبعها وتلبسها بالكائنات الروحية والميتافيزيقية والسماوية، (كنطق حمار بلعام، وتدخل الملائكة في التاريخ الأرضي بالنصرة أو بالعذاب. . إلخ). وهي كلها خطابات موجهة عن قصد لخدمة الإيمان والرؤية الرمزية الإيمانية للوجود والإنسان! فهناك فارق بين المؤرخ والراوي، فالمؤرخ يهتم بالتوثيق التاريخي، أما الراوي يهتم بالمغزي والهدف! وهذا ما نجده في أغلب القصص التوراتي (قصص راعوث، يونان، وأيوب. . إلخ) أو حتى الكتابات التاريخية، فهي مكتوبة بصيغة العصر وهو ليس التاريخ كما حدث حرفيًا، ولكن هي "تاريخ لاهوتي" للأحداث يهتم بتقديم "رؤية لاهوتية" و "مغزي لاهوتي" للأحداث! وبالطبع هذا لا ينطبق على كل الكتاب المقدس، بل يجب أن ندرس "طبيعة النص الأدبية" حتى نفهم كيف نفسره! ((هذه النظرة تحل معظم إشكاليات العهد القديم - للاستزادة راجع: بولس الفغالي: القصص الديني )) "لا وجود لقراءة نهائية للنص، سنظل نقرأه مرات أُخرى وسيبقى يأخذنا إلى أمكنة مختلفة في كل مرة"(Walter Brueggemann) لاهوت التحرير هو لاهوت ثوري فـ”التحرير يعني القطيعة مع النظام القائم والدعوة إلى ثورة اجتماعية”.  (الراهب جوسافو جوتيري) وفي ظني نحتاج في مصر إلى تفعيل مثل هذا اللاهوت الأصيل،”لاهوت التحرير”، بدلا من “لاهوت التخدير”، المعتمد لدينا الآن! واسمع كلامي وحلله تلقاه بسيط من أوله تعمل حويط و تأوله تطلع غشيم(أحمد فؤاد نجم) --- ### امرأة تكتب؛ الورقة الأولى - Published: ۲۰۲۲-۰۹-۱۵ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/7933/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون - وسوم: امرأة تكتب احذر أمرأة تكتب... - قليلون جداً من يفهمون حرفها أما هي فلن تخطئ قراءتك... تحاصرك لتبحث عن ملجأ وقد تهرب منك إليك - تغوص في الصفحات على سطح القمر تبحث عن نور الكتب... تقرأ سطور الحياة - تعانق السماء... تدخل ممرات القلب وتلتحف الروح - قلبها جامح، عقلها متمرد راجح... إحساسها دافئ، ستحصى عدد أنفاسك وتعرف درجة تواترك - ستحب حروفها وتكره تناقضها وستحاول أن تبحث عنها هنا وهناك ولن تجدها - سيراودك الشك كثيراً هل أنت من يقرأها أم هي من تكتبك - معها ستحتاج لإتقان اختيار مفرداتك لأنك تتعامل مع امرأة صعب أن تؤثر عليها بكلمات لا تصل إلى إحساسها - معها ستشك في قدرتك العقلية وثقتك بنفسك ستهتز فأنت مع محقق يستخرج من جوابك سؤال يناقضه فكن صادق حذر - تلك الـ إلهة ستعيد خلقك من قلم مستقيم وعلى الكون أن ينصت حتى تفرغ - قَبّل حروف أناملها تقديساً... أنحني لها تبجيلاً في محرابها تتلو صلوات الأبداع بخشوع تام معها... ستسافر لك الحروف وتطوى المسافات ستكون ضجيج الصمت والبوح والنبضات ستعزفك المشاعر وستكون إلهاماً لشاعر فلا تجعلها تترجم كلماتها لآهات لا تسلها عن حروف سطّرتها حبرها نزف، روته دماه‍ا تطّيب الجرح بكلمات كضماد ليلتئم النزف في حشاها - ستصاب بالفضول كي تعرف من هي تلك الأنثى خلف السطور - سيكون علاج مزاجك بقرأة حرفها، فقط جرعة واحدة من كلماتها... ولا إرادياً ستدمنها - ستجيد اللعب على ذاكرة عقلك - تحيك عباراتها بمغزل من تكلف... حتى تقيدك به - هي عاشقة لنفسها قبل أي شيء لذا لن تعرف معنى الحب حتى تعشق امرأة تكتب - كل الرجال يحسدون عاشقها حد التمني ولا يعلمون ما تخفى السطور - لتفهم كيف هي يجب أن تتنفس حروفها ! - توقف عن الشك أنك المقصود دائماً، خيالها لا يقف عندك، لا يقف عند أحد - ستعصف بك عواطفها حتى تستقر على" القوافي" وتضبط بك رتم نغمات "الأحرف" - ستبعثرك في "سطر" وتجمعك في "كلمة" - تربكك في "جملة" وتعيد توازنك في "حرف"... تعبر بك حدود الغيم وتلتقي معك في "نقطة" شعور - معها ستقرأ الحروف "المنفصلة" بمعاني  "متصلة" - تصعد بك إلى السماء "بتعبير" وتهوى بك إلى القاع "بفاصله" - معها ستسافر في ثقب "حرف" لبلاد ولا تمل - قد يوقعك حظك العثر بين "قوسيها" - ستبقى عالقاً في "المسافة" بين الممكن منها والمستحيل - ‏لا تسمح لنفسها أن تُسكن "بالسكون"لا تستسلم "للكسرة" - "تضم" روحها على نفسها - وكلّ "شدّة" بعدها "فتحة". معها... - تأكد أنك ستكون حرفاً في مهب شغف - حلق بلا أجنحة وابحر بلا أشرعة... أترك القيادة للريح - رغم البحر الشاسع والموج المتلاطم حرفها يصل لمرافئ شعورك بسلام - أنت تعيش استثناء لحظي نادر، ستشعر أنك على ضفاف نهر عذب - فك قيدك وأبسط جناح الخجل، حلق بعيداً لتشرب من غيمة فتروي جفاف فكرة - ليس بوسعك سوى التواطؤ مع كل كلمة لتنتشل بقائك على حافَة الأحلام بين فضاء يكون وآخر يستحيل - ستكتبك رواية وتعيشك قصة وحتماً حتماً ستختمها لك بأجمل الكلمات بعدما أخرجت كل ما تكتم - تمطر ثم تمطر حتى تُغرقك ذاك الغرق الجميل - يُخرسك الاحتواء الذي ينبعث من حديثها فيزهر قلبك في مواسم الذبول - تعلم كيف تُجرد عالم حروفها من مكنونه، حتى يتوارى مرتعداً خلف خبايا الكلمات - انصت لقلبك إذا أردت أن تفهم قلمها فستكون أحياناً مضطراً لأن تنتشل كلمات غارقة بين السطور بنكهة البكاء - ستظل سراً يختفي وراء تلك الأحرف يتمتع الكثيرين بقرأته ولا يعلم الحقيقة سواها ستقرأ وتقرأ وبعدها ستسأل: لماذا؟! لمن؟! - ولأنها تكتب تُصبح معتقلة للنصوص، يراقبها أكثر من سجان وجلاد... يتناوب لحراسة نَصِها أغبياء، إلتوت أعناقهم لأنوثتها ولم تلتو لقلبها وإبداعها - كن خاشعا، معها لا مكان للهراء ولا الضجيج ولا التهكم، فـ"بإشارة" يمكن أن تهشم غرورك البلوري يا "هذا" - ستعزف عيوبك مقطوعة على أوتار سطر - ستُعري حقيقتك من الزَّيف لتأخذ العدالة مجراها - سطحيتك منبوذة، لا تتذاكى، لا تتعالى، لا تتصلف، فحتماً ستكون ضحية تلك الأحرف - أمامها أنت صعلوك لأنها أذكى مما تظُن، لن تستطيع أن تبنى لها قفص بأقفال فلطالما كانت يمامة تعشق التغريد، ترفض القيود وإن لم تجد جناحها، أنبتته لنفسها لكي تطير معها... - سينتشي سطرك بنبيذ حرف يُفقد العقل اتزانه وعلى الجمال يعقد قرانه وكلما كنت أكثر فهماً أصبحت أكثر قرباً - تجاوز البصر  والبصيرة وعلم اليقين إلى عين اليقين - لا تخش على قلمك من الضياع، ستكون محبرتك أكثر حناناً ودفئاً و وعياً - يتدفق حبرها في أوردتك فيشعل نيران العبث في حدائق الهذيان لتُحجم عن أبجديتك وتلتهم نبض بلاغتها - حياتك أكثر نور وإبداع وطموح فهي مفتاح للأبواب الصعبة - ستختبر معنى أن يكون العنفوان ممتزجاً برائحة لأفكار عطرة وثورية - تجد ذاتك التي هجرتها طويلاً وتلتفت لحنين يُمزقك - ستكون هي المعجزة وستكون أنت أرض الحدث وبينكما شعاع الانفجار - ستندفع للكتابة عبر الإيماء وتعبر إلى الإبداع من خلال الإيحاء - لا يصمد أحد أمام مغريات كلماتها وصخب عاطفتها وكرم عطائها - ستبقى متعطشاً لجرعات من حب تنفجر من بين أناملها - ستدرك أن النهار قاتماً والليل قد يبدو مضيئاً وبين الظل والضوء تتأرجح مخيلتك ليستدرجك النور، فلا تتعجب أن نمت بدهشة واستيقظت بدهشتين - يتجلى النور إن شاءت... تسود العَتَمَة إن أرادت - ستعذبك كلماتها، ستمعن النظر في حروفها فتشعر أنك فهمتها، تعيد القراءة من جديد فتصمت عاجزاً عن كشف غموضها - سترى مقدار الضوء والألوان التي سكنت عالمها فكل أسرارها مختبئة في الورق؛ للحرف عطره... للكلمة فستانها... للجملة تقاسيمها... للنص رقصته --- ### اختبارات لم تحدث!! - Published: ۲۰۲۲-۰۹-۱٤ - Modified: 2023-12-14 - URL: https://tabcm.net/7927/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون - وسوم: رأس السنة, عيد الميلاد انتصف شهر ديسمبر وبدأت الاستعدادات للاحتفالات بتوديع عام واستقبال عام جديد، فبدأ الإعلام يعد لبرامج مناسبة للمناسبة والأسر ترتب لتركيب الزينة ودعوة الأهل للاحتفال معًا والأعمال التجارية لإعداد ما يلزم من بضائع تصلح للهدايا. والكنائس تُعد برامج اعتادت تقديمها في هذه المناسبة. وفكر راعي إحدى الكنائس في إعداد برنامَج بعنوان "ملكوت الله وبره"، وكانت إحدى فقرات البرنامَج فقرةً من اختبارات يقدمها بعض أعضاء الكنيسة تحت هذا العنوان.  حل ميعاد الاحتفال بالكنيسة وبدأت فقرة الاختبارات. قام رجل في حوالي الخمسينيات يحكي اختباره فقال: تعرضت لعملية جراحية وكنت في حاجة إلى نقل دَم، لكن فصيلتي نادرة وكان من شبه المستحيل أن يعثر الأطباء على فصيلة الدَّم والكمية المطلوبة، لولا عناية الرب، التي رتَّبت صدفةً وجود زائر لأحد المرضى وكانت فصيلته تطابق فصيلتي. شكرت الله على عنايته، وعندما تماثلت للشفاء، طلبت من الأطباء أن أتبرع بدمي لمن هم في حاجة له، لكن الأطباء قالوا إن حالتي الصحية لا تسمح لي بذلك. وهنا قررت أنني سأعمل على التبرع بالدم في أول مرة يكون في استطاعتي الذَّهاب إلى الكنيسة على أن يكون التبرع بصفة دورية وكان أولادي أول من انضم للفريق. جلس الرجل وصلى الراعي صلاة شكر من أجل عمل الرب، ثم قامت سيدة لتحكي اختبارها فقالت: هذا العام شغلني الرب أن أبدأ عمل حلقة دراسية للكتاب المقدس في كنيستي، فعرضت الأمر على مجلس الكنيسة وصلى الحاضرون واستحسنوا الفكرة. تم تعيين مسئول عن الدراسة الكتابية وبدأنا العمل بحماس، فقد كان الدارسون أيضًا متشوقين للدراسة. ولكن للأسف! بدأ الاجتماع يضعف والحضور يتناقص، فقرر الفريق المسئول أن يصلي ويتدارس الأمر.  بعد أن عقدنا أكثر من اجتماع، استطعنا تحديد أسباب ضعف الاجتماع، فوجدنا إننا نحتاج إلى منهاج روحي مناسب لظروف ثقافتنا وقضايانا واهتماماتنا، ليكون له تأثيره للبناء والنمو، وتوصلنا أيضًا إلى أننا نفتقد مهارات إنجاح برنامَج كهذا. قررنا كمجموعة أن نرفع صلاة للرب لينير طريقنا ويرشدنا لنعمل على إنجاح الحلَقات الدراسية، ثم بدأنا بعمل اتصالات بأشخاص ممن يمكنهم مساعدتنا ولا أستطيع أن أصف مدى سرورنا كخدام درس كتاب، عندما وجدنا معونةً من جهة متخصصة وفَّرت لنا المنهاج الجيد وطرقًا للتدريب. وشيئًا فشيئًا بدأت الحلقة تتسع وتظهر ثمارها العملية في حياة المجموعة ونموها، وهذا هو اختبارنا لهذا العام الذي نشكر الرب عليه من عمق قلوبنا. وهنا نهض رجل وزوجته يشاركان الكنيسة باختبارهما، فقالا: لاحظنا في الحي الذي نسكن فيه تزايد عدد العائلات رقيقة الحال القادمة من الريف، للبحث عن فرص عمل في القاهرة. وللأسف شاهدنا أسرًا بكاملها تضطر إلى قَبُول مستويات معيشة متواضعة للغاية وبالطبع، كان الأطفال هم أكثر من يعانون. فكرت زوجتي وأنا كيف يمكننا مساعدة هذه الأسر، فاقترحت زوجتي أن نتواصل مع الجمعيات الأهلية التي يمكن أن تشير علينا بما يمكن عمله. وبالفعل قمنا بهذا وساعدتنا إحدى الجمعيات في ضم الأطفال إلى فصول محو الأمية، كما اشترك بعض الشباب والشابات في مجموعات للتأهيل المهني. فكرت زوجتي في عمل لقاءات مع سيدات هذه العائلات لعمل توعية أسرية، لكن ما يشغلنا حتى الآن هو كيفية الوصول لسكان الحي الذين يسيئون أحيانًا معاملة هذه الفئات، بل قد يستغلون حاجتهم في بعض الأحيان. لذا نطلب منكم الصلاة حتى يعطينا الرب حكمةً وأبوابًا مفتوحة للقيام بهذا الأمر. اختبارات لم تحدث! ! --- ### الجريح.. - Published: ۲۰۲۲-۰۹-۱۳ - Modified: 2022-09-13 - URL: https://tabcm.net/7945/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون كان خاطئا حسب فهمنا. أمسكناه، طردناه خارجا، شهّرنا به. أخذناه إلى خارج، إلى قارعة الطريق حيث طرحناه أرضا وضربناه. تركناه ملقى بين حي وميت جسدا وهو مذبوح روحا. عدنا حيثما كنا، ولبسنا ملابس الخدمة المسائية. وقفنا أمام مرايا أنفسنا وتيقننا من بريق مظهرنا. عدنا إليه لكي نعبر عنه ونجوزه. فإذا بالوقح يمد يده طلبا للمساعدة، ويحك! ! ! نحن رجال الله و مستأمنيه في الأرض، أتنجسنا بدمك الملوث؟ أتدنسنا بملمسك القذر؟ إنما أنت إلا خاطئ أثيم. لفظناه وعبرنا ودخلنا إلى غير موضع. أبدلنا ثيابنا ولبسنا زي جديد. وقفنا ثانية أمام مرايا أنفسنا، وتيقننا من بريق مظهرنا. عدنا إلى نفس الموضع، موضع الدَّم. عدنا لكي نراه يهوى في ظلام ساحق يبتلعه ويخنق ما تبقى من روحه. كدنا نفتك به لننتهي، لكنه قال: من أنتم؟ لما لم أراكم من قبل؟! ! ! هذيان الموت إذن! حسنا، فلننتظر اقترب أحدنا منه وأخبره بمن نحن، نحن من ضربك وتركك وجاز فعبر عنك مجددا وها نحن نسعى لكي نقضي عليك. ضحك بعصبية، ليست لكم وجوه، فكيف أعرفكم؟ ليست لنا وجوه؟! ! ! ! ! كيف؟ ظللنا ننظر حولنا فكنا فعلا دون وجوه. حقا؟ ربما يكون شيء جيد ولكن عبر الأفق رأيناه قادما. في حنو ورفق مال إلى جانب ذاك المطروح ليطببه. احتضنه ونظر له بأبوة وأخوة في آن. ارتاح قلب المجروح له، وجهه له ضي الألوهة. حضنه واسع وآمن، وله وجه مريح كان ليعرفه في وسط ألوف وربوات صوته مألوف، ينادي قلبي. لابد وأني أعرفه بشكل أو بآخر. لا يمكن أن يعرفني إلا إذا كنت من خاصته. يبدو إنه يعرف خاصته والمحتاجون إليه. يناديهم بأسمائهم وهم يعرفون صوته ويتبعونه. من أين أتى ذلك الغريب؟ لقد أخذ ذاك من وسطنا وجاز به، دون خوف ولا وجل. كنا قد أخذنا حجارة لكي نجهز عليهما، ولكن لم نستطع. لم يرم أحدنا بحجر أولا. لم ينتهرنا، لم يغضب منا. لم يواجهنا أو يخزنا بخزي الضمير المائت. كان عبوره مثل قدومه: سلاميا ومنيرا أخذ المطروح أرضا فتبعناه صامتين. ترك خلفه تلك المدينة التي طردنا منها ذاك، فسرنا خلفه. قادنا إلى رحب عظيم ومدينة جديدة كما لو لم تكن هناك. أدخلنا في هيبة ووقار، اصطف الكثيرين ليرحبوا بِنَا. لم نفهم، لم نعي. طوال الطريق، كان الجريح يشفى تدريجيا. كان ينهض بأكثر قوة ويتشدد بأكثر نشاط. كان يتغير إلى تلك الصورة عينها، كما لو كانت تنطبع عليه من كثرة التطلع. نخسنا في قلوبنا وبكتتنا ضمائرنا. سالت دموعنا في صمت خجول. كان الألم يكتنف جنباتنا ويتسرب إلى أرواحنا. وفي هذه كلها، كان يبتسم ويحتضن. ظهرت لنا وجوه ورأينا أنفسنا. ولكن! ! ! ! كنا كلنا نشبه الجريح! كنا كلنا هذا الجريح أصبحنا كلنا أنا بمفردي ووجدته يمسك بيدي ويد الجريح في سلام وألفةٍ. جعلنا واحدا معا وأشركنا فيه. قال بحنو: هكذا أحببتكم، بل أحببتك وأرى دمه يسيل علينا كلانا أنا والجريح. أنا هو الجريح ولكني لم أعرفني. أنا هو الجريح ولكني لم أقبلني. أنا هو الجريح ولكني من جرحني وطرحني وكرهني. لم نكن عدة ولم نكن اثنين، بل أنا وذاتي التي لم أقبلها. وبدمه صنع سلاما لي معي. --- ### ظُلِمَ كثيراً ورحل في صمت - Published: ۲۰۲۲-۰۹-۱۲ - Modified: 2023-12-15 - URL: https://tabcm.net/7951/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أنبا أمونيوس، أسقف اﻷقصر, أنبا إبيفانيوس المقاري, أنبا إيساك، الأسقف العام, أنبا باخوميوس، مطران البحيرة, أنبا بافلي، أسقف عام المنتزة, أنبا بيشوي، مطران دمياط وكفر الشيخ, أنبا تكلا، أسقف دشنا, أنبا غريغوريوس، أسقف البحث العلمي, أنبا متاؤس، أسقف المحلة, أنبا متاؤس، أسقف دير السريان, أنبا مرقس، مطران شبرا الخيمة, إبراهيم عبد السيد, الأب متى المسكين, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس السادس, دير الآباء السريان, سانت تكلا هيمانوت, كمال زاخر كنتُ قد كتبت في عام 2019 سلسلة من 5 حلَقات عن "المبعدون من الكنيسة" في زمن البابا الراحل الأنبا شنودة الثالث في صحيفة التحرير، وقد أشرتُ في مقدمة السلسلة إلى اسم الأنبا إيساك، الأسقف العام، الذي رحل عن عالمنا في 6 سبتمبر 2022، كواحدا من الذين نالت منهم يد الطغيان داخل الكنيسة. لكن لم يسعفني الحظ للكتابة عنه داخل السلسلة التي تحدثت مقالاتها عن: الأب متى المسكين، الدكتور جورج حبيب بباوي، الأنبا إغريغوريوس أسقف الدراسات العليا والبحث العلمي، الراهب أغاثون الأنبا بيشوي سكرتير البابا شنودة الأسبق، القس إبراهيم عبد السيد، وجاء رحيل الأنبا إيساك عن عمر ناهز الخامسة والثمانين ليذكرنا بما عاناه واحتمله هذا الرجل في صمت. على مدار الأسبوع الماضي ومن اليوم الأوّل لرحيل الأنبا إيساك، كتب بعض الزملاء معلومات عن الرجل حسب المتوافر والمتاح، خاصة من موقع سانت تكلا هيمانوت الكنسي الشهير، وهو موقع أسسه الراحل الأنبا بيشوي، مطران دمياط  وكفر الشيخ، يذكر بعض المعلومات عن الأسقف مثل تاريخ ميلاده ورهبنته وترقيته قمصا ورسامته أسقفًا مساعدًا "خوري إبيسكوبس"، سنة 1978م ومعه الأنبا مرقس -مطران شبرا الخيمة الحالي- ليساعدا الأنبا مكسيموس مطران بنها والقليوبية وقويسنا في ذلك الوقت، ثم تنقطع المعلومات والأخبار تمامًا عن توضيح سيرة حياته الأولى. تعود المعلومات المتداولة سنة 2012، بأنه تم تكليفه من قبل القائمقام وقتها، الأنبا باخوميوس، مطران البحيرة، بتعمير المناطق الرهبانية بجبل نتريا، ومتابعة الكنائس المجاورة، ثم رسامته أسقفًا عاما في 1 يونيو 2014 بيد البابا تواضروس مع أساقفة عموم آخرين، ولم يتساءل أحد: أين اختفى الرجل كل تلك العقود حتى أعاده الأنبا باخوميوس للمشهد مجددًا وهو في فترة انتقالية على رأس الكنيسة بعد رحيل البابا شنودة؟ محاكمات وانتهاكات بالجملة حِقْبَة منتصف الثمانينيات بعد خروج البابا شنودة من العزل، بالتحديد في 5 يناير 1985، ومن بعدها التسعينيات ومطلع الألفية الجديدة، شهدت إبعاد ومحاكمة عدد من الأساقفة والكهنة، بتهم "الهرطقة" أو بدعوى وجود أخطاء إدارية، مثل: الأنبا إيساك، والأنبا متاؤس، أسقف المحلة، والأنبا أمونيوس، أسقف اﻷقصر، والأنبا تكلا، أسقف دشنا، والبعض الآخر لم تتم محاكمته لكن تم التنكيل والتشهير بهم دون محاكمة مثل: الأب متى المسكين، الذي يصفه أبناء البابا شنودة بـ"متى المسكون"، والأنبا غريغوريوس، أسقف البحث العلمي، الذي عانى التهميش والإبعاد والمنع من الصلاة في أخر سنوات عمره، والقس إبراهيم عبد السيد، الذي لم يحاكم ولم يشلح، لكنه جلس في منزله يعاني التشهير بسبب كتاباته عن أموال الكنيسة، وعن السلطان الكنسي. لا يعرف أحد على وجه الدقة ماذا فعل الأنبا إيساك حتى يتم إبعاده منذ مطلع التسعينيات. المتداول داخليًا أن كانت له أفكارا نسطورية، ورغم أن الرجل  لم يكابر ويتمسك بأفكاره التي لم نقرأها مكتوبة، أو نسمعها موعوظة، بل أعلن خضوعه للقيادة الكنسية متمثلة في البابا شنودة الثالث، وسكرتير مجمع الأساقفة وقائد المحاكمات الكنسية الأنبا بيشوي، ورغم ذلك ظل مُبعدًا  عن الخدمة حتى رحيل البابا شنودة، وخير دليل على ذلك هو الخطاب الموثق بتاريخ 19 يناير 2009 من قبل الأنبا إيساك ليعلن فيه: صدر كتاب "ماذا تظنون في المسيح" منذ عامين تقريبا - أي في 2006- وحين رأى فيه نيافة الأنبا متاؤس رئيس دير السريان بعض الأفكار الجديدة غير المقبولة، وافقته على الفور على التوقف عن نشره وتداوله قائلا لنيافته: إنني غير متمسك بهذه الأفكار الجديدة، ويهمني قبل كل شيء وحدانية الرأي في الكنيسة... وتوقعت أن تكون قصة هذا الكتاب قد انتهت للأبد. ولكن بعد عودة قداسة البابا شنودة الثالث من رحلته العلاجية، أطال الله لنا في عمره، ومنحه الصحة والعافية، وحرصا من غبطته على سلامة العقيدة في الكنيسة، ارتأى غبطته أن تُناقش تلك الأفكار معي في لجنة الإيمان والتعليم والتشريع من مجمعنا المقدس، ولقد تمت هذه المناقشة بنعمة الله يوم الأربعاء 26/ 11/ 2008. وبعد مناقشات ممتعة مع الآباء الأجلاء أعضاء تلك اللجنة... تنازلت عن آرائي الجديدة. ولما رفع الكتاب إلى غبطة البابا طلب... أن أكتب كتابا آخر أصحح فيه المفاهيم السابقة... وسلمت مسودة هذا الكتاب لقداسة البابا ونيافة الأنبا بيشوي ونيافة الأنبا متاؤس... ". (الأنبا إيساك - دير السريان في 19 يناير 2009م، عيد الظهور الإلهي) يتضح من كلام الأنبا إيساك أن كانت له بعض الآراء المختلفة التي وُصفت بأنها جديدة، وانه حرصًا منه على الرأي الواحد، كما طُلِبَ منه، نزل عن آرائه، وتلك أزمة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في العقود الأخيرة، إذ أنها أصبحت كنيسة الرأي الواحد، ففي الطِلبة بالقداس الباسيلي تصلي الكنيسة طالبة "وحدانية القلب التي للمحبة، فلتتأصل فينا"، وليس "وحدانية الرأي"، وهو ما أشار إليه شهيد الغدر، الأنبا إبيفانيوس، أسقف دير الأنبا مقار  في محاضرة هامة  عن الفرق بين "الهرطقة والإيمان والرأي".   بدوره، نشر الأستاذ كمال زاخر على صفحته الشخصية، عدة صور ضوئية للصفحات اﻷولى من كتاب: "الرعاية الروحية" للأنبا إيساك قائلًا: "ابحثوا عن هذا الكتاب فقد تضعوا أيديكم على سبب إبعاد الأنبا إيساك إلى الدير"، أما عن الكتاب نفسه، فقد أهداه الأنبا إيساك إلى البابا كيرلس السادس قائلًا: "... إلى من لم يعظ ولم يؤلف كتابا، ولكن كان تأثير حياته أبلغ من كل عظة، وتدبيره الروحي كتابا مقروءا من جميع الناس". (الأنبا إيساك، في إهداء كتاب: "الرعاية الروحية") لم يكتف الأنبا إيساك بهذا الإهداء، بل كتب في المقدمة عن تيارات معاكسة عنيفة تواجه الكنيسة، وأنه بدلا من مواجهة ما يحيق بالكنيسة بواسطة المسيح، يتم اتباع طرقا أخرى، حيث قال: "بدلا من أن نستيقظ، متوسلين بصلوات وتضرعات إلى رب الكنيسة، فادينا يسوع المسيح، نميل إلى أن نتعاطى مخدرات فكرية تنقلنا من مواجهة المخاطر المحيقة بنا، إلى عالم واهم من اللغو والغيبوبة. فقد نقول: إن الكنيسة الآن تشهد عصرا من النهضة لم يسبق له مثيل، ولذلك يحاربها الشيطان! وما الفائدة إن تركنا أنفسنا في مهب الريح لمحاربة الشيطان، دون أن نلبس سلاح الله الكامل؟ بل وحتى دون أن نقاومه حتى يهرب منا؟ سنتصر الشيطان علينا طبعا. وقد نقول بكل افتخار: هناك ظهورات روحية للسيدة العذراء فوق قباب كنائسنا! ومن قال أن تتحول هذه الظهورات إلى وسادة، نضع رؤوسنا عليها، لنغط في نوم الغفلة وتسويف العمر باطلا؟ (الأنبا إيساك، مقدّمة كتاب: "الرعاية الروحية")  إهداء الكتاب إلى البابا كيرلس، والإشارة إلى طريقة التعامل مع ما يواجه الكنيسة، يوضح إلى أن هذا الرجل كان له اتجاه ورأي مخالف لما كانت تدور به الثقافة الممثلة في رأس الكنيسة البابا شنودة، بل وجه خطابًا واضحًا ضد ما نطلق عليه اليوم "الدروشة" أو "المخدرات الروحية"، فقد انتقد الركون إلى المعجزات والغيبيات وفكرة الظهورات التي يركن إليها الناس دائمًا كدليل على صحة إيمانهم ومعتقداتهم.  جدير بالذكر، أن للأنبا إيساك فيديو شهير يتحدث فيه عن رؤيا، ذهب فيها إلى السماء، ورأى أن بعض الناس لم تعد أسمائهم في الأماكن المخصصة لهم بسبب تهاونهم، وبغض النظر عن صحة ما رأى من عدمه لكنه يقول أنه تعلم درسا مهما في أن يحرص الشخص على دعوته ويثبت إلى النهاية. وجاءت  كلمة الأنبا بافلي، الأسقف العام بالإسكندرية، خلال القداس الذي سبق صلاة الجناز لتعلن بغموض غير واضح التفاصيل كم قاسى هذا الرجل واحتمل في صمت لأكثر من 20 عاما:  اليوم يا أحباء نودع أب جليل عظيم. . عاش طوال عمره متنازلاً. . وهذه فضيلة يتعلمها الراهب قبل أن يترهبن. . أنه بيتنازل عن حاجات في الدنيا كتير. . ربما هذا يتمم القول اللي المسيح قاله "من يريد أن يخاصمك ويأخذ ثوبك تتنازل وتترك له الرداء أيضاً". . هذا المتنازل الكبير -أنبا إيساك- ما أكثر المشاكل والضيقات والآلام والاتعاب والظلم الذي وقع على شخصه. . لكنه احتمل بصمت. ما أكثر هذه الآلام. . طوال عمره وهو المتنازل. . ظُلم كثيراً. . هذا الشخص عاش لكي يرى السماء. . ظُلم. . نعم. . قُسي عليه في الحياة. . نعم. . لكن في نفس الوقت الله ليس بظالم. . ليس بظالم. . إنبا ايساك وهو على الأرض رأى السموات. (الأنبا بافلي، جنازة الأنبا إيساك) الأنبا إيساك هو بالميلاد: "لويس فهمي برسوم"، ولد في 21 أكتوبر 1937، حصل على بكالوريوس العلوم عام 1960، من كنيسة الأنبا تكلاهيمانوت بالزقازيق، دخل الدير في 11 أغسطس 1963، رسم قسا في 25 يونيو 1967، نال القمصية في 1968، انتدبه البابا كيرلس للإكليريكية ليكون أب اعتراف الطلبة، وانتدبه البابا شنودة كوكيل للبطريركية في الإسكندرية بين سبتمبر 1974 وأبريل 1975، خدم داخل وخارج مصر في: الإسكندرية، الخرطوم، ليبيا، لندن، سان فرنسيسكو، كندا، ورسم خوري إبيسكوبس في عيد العنصر 1978، وكلفه الأنبا باخوميوس في 2012 بتعمير المناطق الرهبانية بجبل نتريا، ورسمه البابا تواضروس في 1 يونيو 2014 أسقفًا عاما في البحيرة، ورحل عن عالمنا في 6 سبتمبر 2022. --- ### يسوع المسيح في القداس الحبشي - Published: ۲۰۲۲-۰۹-۱۱ - Modified: 2023-12-13 - URL: https://tabcm.net/7833/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: القداس الحبشي, يوحنا بن الرعد نقل  أحد الأخوة هذا الجزء من صلاة القداس الحبشي عن الرب الإله يسوع المسيح: أنت قد وهبت لكل قديسيك حسب صلاحك أن يكونوا قديسين. أنت قد خلقت كل خليقتك بكلمتك، أنت خلقت كل الأشياء دون أن يوجهك أحد ما، أنت تحمل الكل دون أن تكل، أنت تطعم الكل دون انقطاع، أنت تفكر في الكل دون أن تنسى أحدا، أنت تعطى الكل دون أن تنقص، أنت تروي الكل دون أن تجف، أنت تذكر الكل دون أن تنسى أحدا، أنت تحرس الكل دون أن تنام، أنت تسمع الكل دون أن تغفل أحدا، أنت الكريم دون أن يعطيك أحدا شيئا، الخالق الذي لا يوجهك أحد، الملك الذي لا يقيمك أحد، الرب الذي لا يحاكمك أحد، الإله الذي لا يفرضك أحد ولا يثنيك أحد، أنت هو المعطي من خزائنك غير المحدودة. (القديس يوحنا بن الرعد، القداس الحبشي) فوجدتني أكتب هذا التعليق علي ما قرأت: أنه المسيح حبيبي،  إله مثل هذا لابد أن طبيعته هي أصل الحب،  وأن أسمه محبوبٌ عند محبيه، إن إلهًا هذه صفاته هو ضرورة حيوية للنفس البشرية السوية، لأنه إله صالح ومُشبِع وأصل لكل ما هو سويِّ، فتحبه النفس السوية فتتبعه، فتعلو فوق كل ما هو سويِّ،  لذلك كرر المسيح وصف نبوة الكتاب عن تابعي هذا الإله: "ألم أقل لكم أنكم آلهة وبنو العلي تُدعَون؟"، بل وأتجرأ جدليًا وأؤكد نفس ما قلته، إن المسيح إلهنا بصفاته هذه هو ضرورة حتمية لقيام البشرية السوية، حتى لو جادل البعض بإثباتات من عندهم أنه ليس الله أو أنكروا وجود الإله. --- ### أين ذهب المسيحي البلطجي؟ - Published: ۲۰۲۲-۰۹-۱۰ - Modified: 2025-04-09 - URL: https://tabcm.net/7883/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون, شئون علمانية - وسوم: Theosis Across Borders (TABcm Network), أسامة فوزي, أوان الورد, أوريا الحثي, إلهام شاهين, الشيطان, بحب السيما, توجو مزرحي, سلوى خطاب, سمعان بن يونا, عمارة يعقوبيان, نجيب الريحاني, هاني فوزي, وحيد حامد لماذا يرفض الأقباط أن يكونوا بشرًا (في الدراما، بالطبع!)؟ لماذا يتمسكون بصورة مزيفة عن أن المسيحي شخص لطيف، يفرق شعره على جنب، مبتسم دائمًا، لا يشتم، ويرتكب الخطأ بحذر وخجل شديد لأنه ابن الرب! هل يعتقد الأقباط فعلًا عن أنفسهم أنهم يستحقون تلك الصورة الملائكية؟ لا تشتكِ من أنك "مواطن مهمّش"، في حين أنك أرهبت صناع الأعمال من التحدث عن مشاكلك الحقيقية، وحجّمتهم بصورة المسيحي الهادئ. لماذا تغضب حين يعاملونك على أرض الواقع بنفس الطريقة؟ فأنت "حضورك خفيف"، لا تترك أثرًا بمشاكلك البسيطة! بل أنت غير موجود أصلًا أنت هتروح النار. . عارف ليه. . ؟ عشان عاوز تروح السينما. . بس مش أنت بس اللي هتروح النار. . لاء. . أنت وكل اللي بيحبوا السينما وبيروحوها (شخصية "عدلي نعيم"، فيلم "بحب السيما") كانت تلك كلمات "عدلي" لطفله "نعيم" في فيلم "بحب السيما"، الذي تدور أحداثه قبيل نكسة 67. قد لا نكون أنا ولا أنت عشنا تلك الأيام، حين كان التلفاز والذهاب إلى السينما حرامًا بالنسبة لبعض فئات المجتمع، ولكننا سمعنا ممن عاش تلك الحقبة عن الجار الفلاني أو القريب العلاني الذي رفض دخول (الشيطان) بيته، متمثلًا في صندوق حديدي يعمل ساعات محددة بالنهار ويشع ضوءًا يسيطر على عقل متابعيه. الآن، وبعد أن أصبح لشيطان الماضي أبناء صغار نلهو بهم ليلًا ونهارًا ولا نتركهم من أيدينا. هل لا يزال التلفاز والسينما حرامًا؟ بالتأكيد لا، ولكن تحول الأمر من كراهية لهذا الشيطان إلى كراهية أن يتكلم -عنك- أحد بداخله! منذ بدايات السينما في مصر، رأينا فنانين مسيحيين ويهود يؤدون بطولات الأفلام، ولم يكن هناك ما يُنغّص ظهور أسرة مسيحية هنا وأخرى يهودية هناك. بل كان للأقليات الدينية دور كبير في بدايات السينما. فلا أحد ينسى دور "توجو مزراحي" كيهودي، ولا "نجيب الريحاني" كمسيحي في السينما المصرية، مع أن أحدًا لم يهتم بمعرفة ديانته، على الأقل حتى بدء عصر الصحوة، وبدأنا نتساءل عن كل شيء! ذلك التنوع خفت يومًا بعد يوم عقب خروج اليهود من مصر. وكأن صناع الأفلام والمسلسلات نسوا أن هناك مسيحيين يعيشون الحياة ذاتها في البلد نفسه. وحينما يتذكرون، أو يذكرهم البعض، بدأنا نرى عودة الشخصيات المسيحية للأعمال الدرامية، ولكنها عودة فاترة لا معنى لها. شيئًا فشيئًا، أصبحت الصورة النمطية للمسيحي في كل الأعمال هي صورة الطيب الوطني اللطيف "ابن الرب" الذي إذا لُطِم على خده الأيمن، حول له الآخر. كم أزعجتني تلك الصورة المثالية بمثاليتها! كانت صورة المسيحي الكيوت محل سخرية منا كأقباط، أو بعضنا على الأقل. كنا نقلد تلك الشخصيات بدلًا من أن يقلدوننا. ولكن يبدو أن هناك بعضًا ممن أعجبتهم تلك الصورة النمطية المزيفة، واتخذوا من تلك الشخصيات الكرتونية مثالًا فقلدوها. فانتشر حولنا ذلك النموذج ببطء شديد وسط فئة كبار السن بالتحديد: ذلك المسيحي المستأنس، "ابن الرب"، بتاع "سلام ونعمة". وتعايشنا مع ذلك في كلٍ من الدراما والواقع، للأسف. حتى عام 2000، مع مسلسل "أوان الورد"... بووووم... هل يمكن أن تتزوج مسيحية من مسلم؟ تمت مقاطعة المسلسل من قبل الأقباط، مع دعاوى قضائية كثيرة ضد "وحيد حامد" تسببت له بأزمة قلبية، ومناشدات بوقف عرض المسلسل. على المستوى الاجتماعي، منعني أهلي من مشاهدة المسلسل عندما كنت في الخامسة عشرة من عمري، ولكني شاهدته خلسةً منهم، ولم أجد ما يضايقني أو ما أعتبره غير طبيعي. فليست تلك المرة الأولى التي أسمع فيها عن سيدة مسيحية تزوجت بمسلم أبدًا. في ذلك العمر، شاهدت واقعتين. أينعم، أهل الفتاتين قاطعوهن للأبد، ولكنه يحدث في أرض الواقع، فلماذا الاعتراض؟ انتوا يا بهايم ياللي تحت. . انتو يا بهايم ياللي فوق (شخصية "عدلي نعيم" وشخصية "نعمات بشرى"، فيلم "بحب السيما") حتى أتى عام 2004، وقدّم أسامة وهاني فوزي لنا فيلم "بحب السيما"... أسامة فوزي، الذي غيّر ديانته من المسيحية إلى الإسلام للزواج بسلوى خطاب... بووووم مزدوجة... فيلم جميع شخصياته من الأقباط، لأول مرة. لأول مرة نرى القبطي شخصًا عاديًا: يشتم، يكذب، يضرب، يخون، كبني آدم طبيعي، وليس كشخصية كرتونية تقدم مواعظ أخلاقية للأطفال. فأول كلمات البطل "محمود حميدة" في شخصية "عدلي" هي: "انتوا يا بهايم ياللي تحت"، والمشهد الذي يليه أول كلمات بطلته "ليلى علوي" في شخصية "نعمات" هي: "انتوا يا بهايم ياللي فوق". ولكن تلك الصورة الحيّة لم تعجب أحد. . فانهالت البلاغات للنائب العام مطالبة بوقف عرض الفيلم، وتوجيه تهمة ازدراء الأديان لصناعه! ! ! لما؟؟؟ وكانت الردود المحفوظة: "مطلعين الست بتخون جوزها"، "مطلعين العيال بيبوسوا بعض فى برج الكنيسة"، "مطلعين المسيحيين بيشتموا وبيكدبوا"، "الأبطال بيكلموا ربنا بطريقة وحشة وسوقية"، "يعني إيه يقول لربنا أنا مش بحبك؟". وكانت تلك مُبرِّرات الجميع للهجوم على الفيلم. باختصار، إنه فيلم مُسيء للأقباط بكافة طوائفهم. كنتُ على وشك دخول عامي العشرين حين شاهدت الفيلم وأعجبني جدًا. لأول مرة أشعر أن الأقباط أحياء على شاشة السينما، يسبون ويلعنون ويخونون ويغضبون أحيانًا من ربهم. وأنا قد شاهدت كل ذلك من قبل في مجتمعي من حولي، فلماذا إذًا الإنكار؟ لماذا لا يعترض المسلمون على الأعمال التي يكون شخصياتها مسلمين يشتمون ويسبون ويسرقون؟ لماذا أغضبكم "عدلي" حين قال لربنا أنا ما بحبكش، ولم تتعاطفوا معه حين كان يطيب خاطر الطالب الفقير ويضرب مدير المدرسة من أجله ويعطيه من أمواله؟ لماذا أغضبتكم "نعمات" حين خانت زوجها، ولم تتعاطفوا معها حين قال زوجها أستغفر الله العظيم بعد انتهائه من ممارسة الحب معها، والذي لم يكن يتضمن لا حبًا ولا وقتًا كافيًا حتى نطلق عليه ممارسة من الأساس. لماذا لم نتناقش بخصوص رسائل الفيلم و تساؤلاته؟ هل تحب الله أم تخافه؟ هل العلاقة الجنسية بين الزوجين نجسة؟ حين يخدع زوج زوجته قبل الزواج وتكتشف ذلك بعدها. . هل من حقها الطلاق؟ هل الفن حرام؟ هل مواجهة الواقع -بالفن- حرام؟ في الواقع لم يهتم أحد برسائل الفيلم، فقد أراد الجميع الرجوع لصورة المسيحي الكيوت بتاع "ربنا يباركك" و "الرب معكم". حملة الترهيب التي تعرض لها صناع الفيلم أتت بثمارها للأسف، واتخذ صناع السينما والدراما التليفزيونية منذ ذلك الحين جانبًا يجنبهم صداع الأقباط... لأن ببساطة: القبطى المخلص للرب ما يعرفش يكدب (شخصية "فانوس" في فيلم عمارة يعقوبيان 2006) فرأيناه يرص المزة ويلم زجاجات البيرة الفارغة ويترك الشقة لـ"زكي الدسوقي" حين تأتيه عاهرة ما. . لم ينزعج الكثير من الأقباط من الفيلم طالما بالنهاية فانوس يقول "والمسيح الحي". . هكذا أحسست صناع العمل يعاملون تلك الشخصيات الكرتونية على حذر. . حتى عندما كان "ملاك أرمانيوس" يغرى "بثينة" بالمال حتى تجعل "زكي" يمضى على ورقة تمكنه من الشقة حين يموت. . تجنب صناع العمل غضب الأقباط من دناءة شخصية "ملاك" بجملة واحدة: ده أنت اللي سماك ملاك ظلمك. . أنت مش قبطي. . أنت شيطان متخفي وسط القبط (شخصية "بثينة" لـ "شخصية"ملاك أرمانيوس"، فيلم "عمارة يعقوبيان") (ها نحن رصدنا شخصية قبطي وضيع، ولكنه لا يمثل جميع الأقباط، ونحن نؤكد على ذلك بشكل واضح حتى لا يغضب أحد) وهكذا كل الأعمال منذ "بحب السيما" حتى الآن، إما أن تلتزم بصورة المسيحي الكيوت، أو ترصد ما تشاء من سلوكيات ذلك القبطي مع توبته في النهاية أو تبرير فعله بأنه يختلف عن باقي الأقباط، ولا داعي للدخول في القضايا الشائكة مثل فيلم "واحد صفر" 2009. . فسوف تنال ما نالته إلهام شاهين من مضايقات لا حصر لها. منذ دخولي لذلك المجال في 2014 تمنيت أن أكتب عمل درامي يستعرض قضايا تخص الأقباط فعلا على أرض الواقع، وتخيلت أني أستطيع أن أكون بجراءة أسامة وهاني فوزي. . وكانت الصدمة الأولى في 2017 حين شاركت في عمل رمضاني، وكنت المسئولة عن ورشة كتابته، وكان بالعمل يوجد أسرة مسيحية، فاقترحت أن تكون بصورة مختلفة غير نمطية، وحددت قضية ما نتناولها داخل تلك الأسرة، وبالفعل تم كتابة المشاهد من قبل صديقتي المسلمة لأني لم أرد أن أكتبها. . فأنا لن أكتب "الرب يبارك" و"الرب معكم" بالتأكيد. نوهت لها فقط عن المشكلة أو الموضوع الذي سوف يتم طرحه وكتبت هي المشاهد، وحين عُرض المسلسل اكتشفت أن تلك المشاهد التي تعبّر عن أزمة داخل الأسرة حذفت، أو لم تصور من الأصل، وأصبحت تلك الأسرة تعبر عن المسيحي الكيوت الخاوي عديم الطعم الذي ما دام أشعرني بالخجل. لم أيأس. . كتبت عمل خاص بي في نفس العام وعرضته على أكثر من شركة إنتاج ونال الاستحسان جدا، ولكن كانت الجملة التي سمعتها من أكثر من منتج: "بس الكلام ده هيجبلنا مشاكل مع الكنيسة والمسيحيين ويمكن العمل يتوقف". كثير من المنتجين يرفضون خوض المشاكل مع الأقباط حتى وإن كانت السيناريست قبطية، فذلك لن يجنبهم المشاكل. والسؤال هنا: لماذا يرفض الأقباط أن يكونوا بشرًا (في الدراما، بالطبع! )؟ لماذا يتمسكون بصورة مزيفة عن أن المسيحي شخص لطيف، يفرق شعره على جنب، مبتسم دائمًا، لا يشتم، ويرتكب الخطأ بحذر وخجل شديد لأنه ابن الرب! هل يعتقد الأقباط فعلًا عن أنفسهم أنهم يستحقون تلك الصورة الملائكية؟ إذا كان الأمر كذلك، فمن أين أتى صبري نخنوخ؟ انظر حولك وتابع الأخبار، فسوف تجد بسهولة المسيحي المنافق والنصاب الذي يسرق حق أخته في الميراث، والذي يبيع زوجته لراغبي المتعة. لا تشتكِ من أنك "مواطن مهمّش"، في حين أنك أرهبت صناع الأعمال من التحدث عن مشاكلك الحقيقية، وحجّمتهم بصورة المسيحي الهادئ. لماذا تغضب حين يعاملونك على أرض الواقع بنفس الطريقة؟ فأنت "حضورك خفيف"، لا تترك أثرًا بمشاكلك البسيطة! بل أنت غير موجود أصلًا. أكثر من 50 عملًا دراميًا تم إنتاجها في عام 2021. أرصد لي عملًا واحدًا كان فيه العنصر القبطي ظاهرًا دراميًا! لن تجد... فأنت غير موجود، غير موجود في الدراما التي تعبّر عن الشارع المصري بمختلف فئاته وانتماءاته. أنت غير موجود، وأنت السبب للأسف. من أين أتى الهوس بالصورة المثالية؟؟ لو أراد الله تلك الصور، لحجب هنا قصة إنكار بطرس له وخيانة يهوذا! ماذا يحدث إذا تراءى لي اليوم أن أصنع فيلمًا عن مكيدة داود ضد أوريا الحثي؟ حين يسرق زوجته بعد أن أعجبته؟ حين يتلصص عليها من على السطح وهي تستحم؟ وكان عقابه أبشع حين نام ابنه إبشالوم مع جواريه على السطح أمام الشعب! ! هكذا قال الرب: هأنذا أقيم عليك الشر من بيتك، وآخذ نساءك أمام عينيك وأعطيهن لقريبك، فيضطجع مع نسائك في عين هذه الشمس. لأنك أنت فعلت بالسر وأنا أفعل هذا الأمر قدام جميع إسرائيل وقدام الشمس. (سفر صموئيل الثاني ١٢: ١١-١٢) هل حينها سوف تضطر أن ترفع قضية على الرب نفسه لحذف تلك القصة من الكتاب المقدس قبل أن تقاضيني؟ وبالنهاية، عليك أن تعترف أنك لست مثاليًا. والصورة النمطية للمسيحي "الكيوت" التي ساهمت في تصديرها قد ساعدت في رسم صورة غير حقيقية عنك كإنسان ضعيف. فلا تحزن حين تُعامَل على أرض الواقع كخيال مآتة، مهمّش، وغير حيّ. --- ### شنودة يحاكم هؤلاء - Published: ۲۰۲۲-۰۹-۰۹ - Modified: 2022-09-09 - URL: https://tabcm.net/7877/ - تصنيفات: شئون علمانية - وسوم: أحوال شخصية, أنبا بولا، مطران طنطا, التبني, الكنيسة الكاثوليكية يا تُرَى من السبب في مأساة الطفل "شنودة"؟ بداية الكنيسة أخطأت أنها لم تبلغ عن وجود الطفل، والأهل أخطأوا إنهم نسبوا الطفل لأنفسهم دون تقنين، لكن السبب الذي دفعهم لهذا هو تجريم التبني حتى على المسيحيين. وأن الدولة لو "شمت خبر" ستأخذ الطفل وتضعه في ملجأ، وهذا ما حدث فعلاً، قمة العبث إنك تسحب طفل يتيم من أسرة تربى معها طول العمر، وتضعه  في ملجأ وتغير ديانته واسمه! يُنسب الطفل لأبويه، ويحظر التبني. (المادة ٤ من قانون الطفل رقم ١٢ لسنة ١٩٩٦ ) أنا هنا لا أتكلم من منظور ديني بل من منظور إنساني بحت ولمصلحة الطفل العليا، طب يا تُرى من السبب الحقيقي في كل هذا العبث؟ الطفل شنودة لو أتيحت له الفرصة يحاكم المسؤولين عن مأساته من سيحاكم؟ تريدون الإجابة؟! ١- يحاكم البابا شنودة الذي ألغى وشطب لائحة ١٩٣٨ للأحوال الشخصية للأقباط التي نصت صراحة على السماح بالتبني للمسيحيين وعلى مواد أخرى خاصة بالطلاق والمساواة في المواريث فور توليه المنصب ودخل الأقباط في دهاليز صراع ديني سياسي ليس لهم فيه ناقة ولا جمل. ٢- يحاكم الأنبا بولا الذي قال إنه متنازل عن "مدنية الدولة" في الدستور وكأنه المتحدث الرسمي باسم الأقباط كلهم، فنيافته ورط المسيحيين بكل طوائفهم في دستور ديني مَعِيب لا يساوي في الحقوق بين المواطنين. ٣- يحاكم الكنيستين الأرثوذكسية والبروتستانتية لأنه لما ربنا أكرمهم واشتركوا في وضع قانون الأحوال الشخصية الموحد تنازلوا صراحة عن حق "التبني" فيه! ٤- وأخيرا يحاكم (شبه الدولة) النائمة التي تقول إنها دولة قانون وتصرح بناءا على الدستور الديني المعيب أن الأطفال المولودين هم "مسلمين بالفطرة" حتى تثبت ديانتهم! فتخيل أن الدولة ترى أي طفل مولود هو مسلم حتى إن تصدر له شهادة ميلاد أو بطاقة شخصية! من ومن سيحاكم الطفل شنودة؟ مشكلة شنودة هي حجر صغير تم إلقائه في بركة عفنة من العبث الديني واللا إنساني والفساد! --- ### تنهيدة... - Published: ۲۰۲۲-۰۹-۰۸ - Modified: 2022-09-13 - URL: https://tabcm.net/7842/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون - وسوم: بلقيس ‏تنهيدة... تنهيدة ‏معك حيث تذهب، في الهواء العابر، في النار التي أُضرمت لحزنكَ، في دمكٙ وفي طفلك المؤجل! نكتب عهداً جديداً أنت آدمُ و أنا حواء التي تخصه. تنهيدة... خذني معكَ تحت المطر، أكثر الأشياء خصوصية أن نبتل معًا! نرى أخطاءنا تبكي وتذوب كل فكرةٍ لا تكون أنا، ثم تسيل دمعةً من على كتفكَ تنهيدة. . لم أصل لهذه المرحلة من السباق مضمار جديد يتسلل إلىّٙ فيه رجلٌ على هيئة إله أرتجي الغيوم أن تحمل إليه بعض عطري نحو أنفه الذي يُفلسف الرياحين ثم تعود بأنفاسه دونما قارورة كلانا نعرف كيف نستفز العبير! ‏ثم يحين وقت الضباب وهو رجل مكلفٌ بمهمة "الجمر" أي ورطةٍ هذه؟ أنا أتماهى في الغمامِ وأتساءل: ‏كم لبث شعوري مُعتق، لأقرر أنه أخيراً آن لكَ أن تصبَّ خَمركَ وعطركَ ‏‎‏تنهيدة... والحياة أنت... والموت إن لم يكن من بعدك سيكون حتما بك أنت كم سيستطيع نبضي الصمود والتصلب أمام رهبة حضورك وكم سيمكث نبضي خافتاً أمام صراخ نبضك ماذا لو وضعنا حداً لكبريائنا وامتزجنا باعتراف يوحّدنا أنا وأنت؟! ‎ تنهيدة... و‏‎صوتك الذي بعمقه يتّصف يجعل أصغر مساماتي ترتجف أنت هنا... . قيد إحساس وحرف أخالك في عناق مختلف نحن معاً ولسنا معاً! كم هو مربك حضورك كيف أبتلع لهفتي كيف؟ ماذا لو انفلتت مني آه ثملة أو انزلقت ‎"أحبك" على ثغري من الرهبة تنهيدة... وكأنك من سلالة العشق العتيق أتيت لتكمل مسيرة قَيس أو ربما يراني له بلقِيس أما عن قلبي فقد تغلب على نساء العالمين وهام في عشقه كالمجانين تنهيدة... وكأن رجال الكون في حضوره خيالات، وحده يجعل خافقي ثائر لا يهدأ بوجوده ولا يستكين! تنهيدة ... ‏لك أن تعانقَ في مسماي الحقيقةَ فكرةَ الوطنِ الجميلِ هشاشةَ المنفى وقصةَ من تنادوا للخلودِ وعانقوا أبديةً مُثلى وغابوا... لكَ أن ترافقني لنهبطَ أرضَ شقاوتنا بشوقٍ زاهدٍ في جنةٍ لم تتسع للحبِ حين نوى غوايتنا... وتابْ تنهيدة... ‏ها أنت تُكملني... تَجوَّلْ فيَّ ما شاءَ اشتهاؤكَ للقرابينِ التي لا تأكلُُ النيرانُ خضرَتها وعانق فطرتي الأنثى وصالحني على نفسي ‏أنا لكَ للمواعيدِ المؤجلةِ القريبةِ للبقايا من جنونِ الأمسِ لمواقيت البشارةِ وهي تحملُ ريحَ صوتكَ حينَ يغمرُ ضوؤهُ مدنَ انتظاريَ كن نديمي في احتساءِ الوقتِ كن لغتي إذا عزَّ الجوابُ وضيعتني هذه المدنُ الغريبةُ من أنا في كل هذا التيهِ؟ لا أدري، ولكني أرى قمراً على أفقي يسيرُ --- ### ونوس وفاوست - Published: ۲۰۲۲-۰۹-۰۷ - Modified: 2023-12-13 - URL: https://tabcm.net/7867/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون - وسوم: الشيطان, فاوست, ونوس, يحيى الفخراني "فاوست"، قصة مشهورة في الأدب العالمي تتناول خبرة "فاوست"، الذي قرر أن يبيع روحه للشيطان، شرط أن يسهِّل له الشيطان الوصول إلى قمة السعادة. وقد تناول المسلسل المصري "ونّوس" هذه الرواية، وكان "ونوس" هو من يمثِّل الشيطان في مسلسل بنفس الاسم. "فاوست"، قصة مشهورة في الأدب العالمي تتناول خبرة "فاوست"، الذي قرر أن يبيع روحه للشيطان، شرط أن يسهِّل له الشيطان الوصول إلى قمة السعادة. وقد تناول المسلسل المصري "ونّوس" هذه الرواية، وكان "ونوس" هو من يمثِّل الشيطان في مسلسل بنفس الاسم. أما فاوست المصري فهو رب عائلة مكوَّنة من ثلاثة أبناء وبنت وتعيش معهم ابنة خالتهم. باع ذلك الأب نفسه لونوس (الشيطان) واستعرض المسلسل أدوار الشيطان مع الأسرة بكاملها. وقد وُفِّق كاتب المسلسل حين عرض مواقف متباينة ومختلفة بين من يسلِّم نفسه دون قيد أو شرط لونوس، وبين متردِّد يريد أن يخطو خطوة ثم يتراجع، وبين رافض له وكاشف لنواياه. يتنقَّل المسلسل بين مشاعر وأفكار شتى وصراعات بين الاستسلام والمقاومة وبين رغبة الأب في حماية الأسرة من "ونوس" والعجز عن فعل شيء، إلا أن ونوس خسر في النهاية وعندما انتهى بالفشل أظهر حقده على البشر ولام الله لأنه يغفر للبشر ولا يغفر له مع أنه -أي ونوس- خُلَق قبلهم. تراوح تفاعل المشاهدين مع أحداث المسلسل فالبعض (شاهد) رواية تحكي قصة عائلة استطاع الشيطان أن يضحك عليها وخلصت القصة، البعض أخذ خطوة أكثر فرأى محاولات "ونوس" للإيقاع بأفراد العائلة في حبائله وضعفهم أمامه، لكن من المشاهدين من استطاع أن يتفاعل مع ما قصد العمل من إيصاله للمشاهدين من شد وجذب يعتمل داخل النفس البشرية وصراع حاد بين المقاومة والاستسلام وبين الإغراء والإغواء والاحتواء مما يظهر في مواقف أبطال المسلسل من تفاوت وتباين. ترى لو استطاع الفريق الأول من المشاهدين أن يتابع هذا العمل من جديد وبنظرة أعمق جعلته يستوعب ما يدور أمامه بشكل مختلف فمن سيكون قد تغيَّر؟ موضوع المسلسل أم المشاهد؟! فهل يقرأ الناس الكتاب المقدس على نمط متابعة المشاهدين لمسلسل ونوس؟ وماذا لو أن المتابع متابعةً سطحيةً بدأ يدرك أبعادًا لم يكن قد أدركها في مشاهدته للمسلسل في المرة الأولى؟ ومن سيكون قد حدث له تغيير؟ وما دلالة هذا التغيير؟ هل هو عمق معاني الكتاب المقدس، بل في الواقع مصداقيته التي تكفي عمق المعاني لإثباتها؟ --- ### ماذا لو سمحوا بتناول المرأة الحائض؟ - Published: ۲۰۲۲-۰۹-۰٦ - Modified: 2022-09-05 - URL: https://tabcm.net/7800/ - تصنيفات: المرأة القبطية - وسوم: الخطيئة الأصلية, المجمع المقدس, تناول المرأة, محمد طه بين الحين والآخر يطفو على سطح السوشيال ميديا حديثا حول تناول المرأة في أيام دورتها الشهرية، وفي الغالب تتوجه دائما أصابع الاتهام نحو الرجل أو الذكر الشرقي، ولكنك ستفاجأ إنه حتى لو استيقظت يومًا ووجدت أن مجمع أساقفة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وافق بأغلبيته على السماح للمرأة بالتناول طوال أيام السنة وتحت أي ظروف وصمت كل رجال الدين ورجال العالم أجمع ولم يبدوا أي اعتراض لخرج الاعتراض من النساء أنفسهم. ما زُرع عن عمد أو غير عمد لسنين طويلة وقرون عدة في عقول النساء تجاه أنفسهن وأجسادهن إن كان جُرم فهن مشتركات فيه، في كتاب "ذكر شرقي" للدكتور محمد طه يلخص في سطرين معظم مشكلات المرأة التي تشتكي منها من الكائن الذكر هي المرأة نفسها أو امرأة أخرى من نفس جنسها فيقول: لو عاوز سبب واضح وصريح ومباشر لخلق ذكر شرقي مُنقرض. . فهو ما تفعله المرأة الشرقية مع نفسها وسُلالتها. . لو حابب وصفة سريعة وجاهزة لعمل الذكورية الشرقية في المنزل. . فهو موقف المرأة الشرقية من أنوثتها وأنوثة من مثلها. . لو بتدور على أنجح الطرق وأكثرها مثالية لبث الذكورية الشرقية في أرواح الرجال و النساء على السواء. . هات بنت/ أنثى في مجتمع ذكوري. . خليها تتعاطف وتتماهى مع قوة وعنف الذكورية التي قهرتها. . سويها على نار ستوكهولم الهادئة. . ثم أطلقها على الأجيال التالية من الإناث والذكور . (محمد طه، طبيب نفسي) منذ سنوات طويلة، كنت أمينًا لخدمة ثانوي ودُعيت للكلمة في اجتماع ثانوي لكنيسة مجاورة، ولست متذكرا عن ماذا كان الموضوع الذي تحدثت عنه، لكني أتذكر جيدا وأنا أتحدث مع أحد  المخدومين سألني سؤال:  تفتكر يا أُنكل لو كان آدم و حواء ما كسروش الوصية كان ممكن يحصل علاقة بينهم في جنة عدن تؤدي للحمل والولادة في الجنة؟ بمنتهى السذاجة وقتها كنت فاكره سؤال عادي وبسيط وجاوبت الولد ساعتها إن علاقة الزوج والزوجة علاقة مقدسة جدًا وإنه لم يكن هناك مشكلة لو كان آدم وحواء ظلوا في الجنة ولم يكسروا الوصية إن تحدث بينهم العلاقة الحميمية وينجبوا. وفجأة قامت من وسط البنات خادمة كبيرة في السن لتعترض على الكُفر والزندقة التي علمت بها وسط مخدومينها، وأن العلاقة الحميمية، علاقة لا يصح أن تحدث في محضر الله القدوس، على أساس أن أي زوج وزوجة يمارسون الحب، الله يتوارى ويعطيهم ظهره حتى لا يرى "قلة الأدب اللي بتحصل ديه". وأكملت كلامها أن الحمل والإنجاب أصلا عقوبة من الله للمرأة، وبهذا تكون المرأة في مدة ما بعد الولادة أو دورتها الشهرية حسب تعبيرها -نجسة- ولا يحل لها أن تقترب من كل ماهو مقدس بل تتذكر خطاياها التي ألت بها لذلك وتقدم عنها توبة لحين انتهاء فترتها وبعد ذلك اشتكتني بالاسم عند الأسقف الذي من مراحم ربنا كنت على علاقة جيدة معه في هذه المدة وتناقش معي بهدوء -رغم تشدده- بأن هناك وجهتين نظر عند الآباء في موضوع احتمالية حدوث العلاقة الحميمية في جنة عدن ولكنه كان مصرًا على موقف الكنيسة من بقاء المرأة بعيدة عن الافخارستيا مادام عليها دَم. أتصدقني لو قلت لك إنه لو حتى أجازت الكنيسة والمجمع والأساقفة تناول المرأة في وقت دورتها الشهرية لمنعت بعض النساء أنفسهن عن التقدم للتناول نتيجة إحساسهن الدائم بالنجاسة وعدم الاستحقاق حتى لو جمل البعض الأمر ببعض الكلمات الأخف، قد تكون مشكلات المرأة تجاه جسدها والجنس ونفسها عموما في العاصمة والمدن أكثر رقيا من سكان المناطق الشعبية والقرى و الأماكن الفقيرة، وقد تكون نظرة صغيرات السن أكثر مسيانية -كما أرادها المسيح- من النساء كبيرات السن، ولكني وبعد حوار ودي مع بعضهن أكاد أجزم أن مشكلة المرأة الشرقية الكبرى لا تقع مع الذكر ولكنها تقع مع ذاتها أو مع امرأة أخرى أو مع ذكر أرضعته امرأة ذكورية معنى الذكورية والتشدد مع لبنها. --- ### الظواهر الصوتية.. وأسئلة واجبة لمجمع الأساقفة - Published: ۲۰۲۲-۰۹-۰۵ - Modified: 2023-12-13 - URL: https://tabcm.net/7855/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: Theosis Across Borders (TABcm Network), أنبا إبيفانيوس المقاري, الكنيسة القبطية, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, دير الأنبا مقار الكبير, كنيسة الإسكندرية, مجمع الأساقفة فنجد من يملؤون الدنيا ضجيجًا باسم حماية الإيمان وباسم الحفاظ على العقيدة، وهم مجرد ظواهر صوتية كما في هذه المشاهد. من مميزات السينما والمسرح والفنون عموما، إنها تستطيع التعبير عن كثير من الأفكار التي نود الحديث عنها في مشهد مجرد، أو لقطة، أو جملة، أو لوحة فنية، وهنا أشير إلى مشهدين يعبران عن الظواهر الصوتية التي تعج بها الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في هذه الأيام، فنجد من يملؤون الدنيا ضجيجا باسم حماية الإيمان وباسم الحفاظ على العقيدة، وهم مجرد ظواهر صوتية كما في هذه المشاهد. بداية أشير  لمشهد من مسرحية الهمجي، المشهور بـ"متقدرش"، وهو يعبر بوضوح عن أداء الظواهر الصوتية وتأثيرها، فهي مجرد شخصيات لا تملك إلا أصوات مرتفعة وينطبق عليهم، المثل القائل "ضجيج بلا طحين"، يناطحون كما يناطح هذا الممثل ضعيف البنية الجسدية في المسرحية بكلمة "متقدرش"، لكن على أرض الواقع لا يوجد لهم تأثير أو قوة حقيقة تذكر. https://www. youtube. com/watch? v=kr7TtZl1yXA&ab_channel=AmrZahran ولا أخفيكم سرا أن بعض من أصحاب العمائم المنتفخة هم ظواهر صوتية، أحدهم يظهر في اجتماعات وفيديوهات لا يحضرها كثيرين من شعب إيبارشيته المأسوف على أمرها في وسط الصعيد، ولا يترك أمرا إلاّ يعلق عليه، سواء كان يخص إيبارشيته، أو في إيبارشية أخرى، أو مواقف القرار يكون فيها لرأس الكنيسة، لكنه يفرض نفسه والحجة إن شعب إيبارشيته الذي يغيب عن لقاءاته ساله وهو خرج ليرد، فنجده يعلق في مسودة طويلة عريض على عظة كاهن أخر ليس في نطاق إيبارشيته بل في نطاق القاهرة الخاضعة بشكل مباشر إلى بابا الإسكندرية، بالرغم من عدم خطأ الكاهن بل على العكس الكاهن كان ينقل خلال العظة عن آباء الكنيسة القدامى. ومن الظواهر الصوتية أيضا اللجان المأجورة التي تشبه الضباع في الانقضاض على الفرائس، فلا يتركون شخصا ليس منهم، أو لا يرضى عنه سادتهم إلاّ  وترصدوا له من كتاباته أو عظاته لشن هجوم ضاري عليه، على طريقة الشاب الفاشل في المدرسة بفيلم "الناظر"، وجملته الشهيرة "محدش هيتعلم هنا"، يعني انه جاهل ويفخر بجهله، ولا يريد لأحد آخر أن يتعلم، وهكذا تفعل اللجان المأجورة فهي تروج الجهل والتعصب ولأفكار المتطرفين باعتبارها التعليم المستقيم. https://www. youtube. com/watch? v=MOwF-S3NiHc&ab_channel=%D9%85%D9%8A%D8%AF%D9%88%D9%85%D8%B4%D8%A7%D9%83%D9%84 السؤال هنا إلى مجمع أساقفة كنيستنا القبطية الأرثوذكسية، أليست قوانين الكنيسة تمنع تدخل أسقف في شئون إيبارشية أخرى، فلماذا الصمت على هذا الأسقف الذي يدس أنفه في ما لا يعنيه، وخصوصا ما يخص قرارات بابا الكنيسة القبطية، بل ويخرج يناطحه ويطلق تصريحات عكسه، ثم بعد أن تثور الدنيا على أفعاله يعود ويعتذر ويبدي الندم، ثم تعود ريما إلى عادتها القديمة، فالسؤال هنا لماذا هذا الصمت، وهذا الأسقف يملأ الدنيا ضجيجا عن أن كنيسة الإسكندرية كنيسة مجمعية، أم أنها تكون مجمعية فقط لمضايقة البطريرك الحالي، وتكون فردية إذا كانت القرارات والتصريحات لبعض الأساقفة الذين يتصيدون له، ممن يطلق عليهم "الحرس القديم". السؤال الأخر، هو لماذا الصمت على لجان إلكترونية مأجورة؟ بعضها لشخصيات تعلن أنها تعمل في واحدة من أسقفيات الكنيسة، والبعض الآخر لا نعرف عنه شيئا سوى حسابات مبهمة وصفحات لا يظهر من يديرها على مواقع التواصل الاجتماعي، تستخدم في الهجوم على الشخصيات الكنسية التي لا تعلن بوضوح بالنسبة لهذه اللجان أنهم من أبناء البابا الراحل الأنبا شنودة الثالث، الذي يتم استخدام اسمه في انقسام الكنيسة، وتقسيم الناس بين منتمي له، وعدو له. على مدار السنوات الماضية تابعت خلال عملي كصحفي تحريض عبر مواقع التواصل الاجتماعي على الأنبا إبيفانيوس رئيس دير الأنبا مقار قبل مقتله بشهور بوصفه "منحرف عقائديا"، من قبل صفحات تنسب نفسها لاسم البابا شنودة، وتعلن أمور ستحدث في الكنيسة قبل حدوثها، ومن المفترض أنها فقط تدور بين الأساقفة داخل المجمع، فكيف تعرفها تلك الصفحات وكانت النتيجة مقتل إبيفانيوس، ولم تكتف تلك الصفحات بل وبعض الشخصيات التي تنشر خطاب كراهيَة بوضوح بهذا، بل يكملون التحريض ضد البابا نفسه وأساقفة آخرين، وحاليا مع كاهن لم يمض سوى شهرين فقط على رسامته والتربص به. هل من عاقل يمكنه أن يوقف هذا التحريض العلني والمستمر تجاه كل كاهن وخادم وأسقف،  لا ترضى عنه هذه المجموعات المشبوهة التي تتحرك وفقا لأجندة تخدم مصالح شخصيات بيعنها داخل الكنيسة، ولا يهمهم فقط سوى سلطانهم والمصالح والمكاسب التي يحققونها على حساب سلام الكنيسة، وأبناء الكنيسة، في خيانة واضحة للعهود التي تلوها عند رسامتهم لمواقعهم وللأمانة التي تم ائتمانهم عليها، أم إنكم ترضون أن يتحكم في كنيسة الإسكندرية العريقة ظواهر صوتية ولجان إلكترونية مأجورة؟ --- ### تجلي "أنطونيوس"، ورد "أغاثون"، وبنت المُعوَّج - Published: ۲۰۲۲-۰۹-۰٤ - Modified: 2022-09-04 - URL: https://tabcm.net/7830/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أنبا أغاثون، أسقف مغاغة والعدوة, أنطونيوس إبراهيم عياد, حماة الإيمان, كاليستوس وير إن الموقف المُعوَّج لحماة الإيمان وأساقفتهم، خاصة المَوتور "أغاثون"، من العظة المملؤة بالروح للقس أنطونيوس إبراهيم عياد في عيد تجلي الرب، قد ذكرني بموقف ميكال بنت شاول التي سخرت من داود النبي عندما امتلأ بالروح متهللاً أمام تابوت الرب الذي تجلي راجعاً إلى بني إسرائيل. فأخذ داود يرقص فرحاً بهذا الظهور وعودة/ تجلي لتابوت عهد الرب. فَذَهَبَ دَاوُدُ وَأَصْعَدَ تَابُوتَ اللهِ مِنْ بَيْتِ عُوبِيدَ أَدُومَ إِلَى مَدِينَةِ دَاوُدَ بِفَرَحٍ. وَكَانَ كُلَّمَا خَطَا حَامِلُوا تَابُوتِ الرَّبِّ سِتَّ خَطَوَاتٍ يَذْبَحُ ثَوْرًا وَعِجْلًا مَعْلُوفًا. وَكَانَ دَاوُدُ يَرْقُصُ بِكُلِّ قُوَّتِهِ أَمَامَ الرَّبِّ. وَكَانَ دَاوُدُ مُتَنَطِّقًا بِأَفُودٍ مِنْ كَتَّانٍ. فَأَصْعَدَ دَاوُدُ وَجَمِيعُ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ تَابُوتَ الرَّبِّ بِالْهُتَافِ وَبِصَوْتِ الْبُوقِ. وَلَمَّا دَخَلَ تَابُوتُ الرَّبِّ مَدِينَةَ دَاوُدَ، أَشْرَفَتْ مِيكَالُ بِنْتُ شَاوُلَ مِنَ الْكُوَّةِ وَرَأَتِ الْمَلِكَ دَاوُدَ يَطْفُرُ وَيَرْقُصُ أَمَامَ الرَّبِّ، فَاحْتَقَرَتْهُ فِي قَلْبِهَا... ... . . فَخَرَجَتْ مِيكَالُ بِنْتُ شَاوُلَ لاسْتِقْبَالِ دَاوُدَ، وَقَالَتْ: «مَا كَانَ أَكْرَمَ مَلِكَ إِسْرَائِيلَ الْيَوْمَ، حَيْثُ تَكَشَّفَ الْيَوْمَ فِي أَعْيُنِ إِمَاءِ عَبِيدِهِ كَمَا يَتَكَشَّفُ أَحَدُ السُّفَهَاءِ». فَقَالَ دَاوُدُ لِمِيكَالَ: «إِنَّمَا أَمَامَ الرَّبِّ الَّذِي اخْتَارَنِي دُونَ أَبِيكِ وَدُونَ كُلَّ بَيْتِهِ لِيُقِيمَنِي رَئِيسًا عَلَى شَعْبِ الرَّبِّ إِسْرَائِيلَ، فَلَعِبْتُ أَمَامَ الرَّبِّ. وَإِنِّي أَتَصَاغَرُ دُونَ ذلِكَ وَأَكُونُ وَضِيعًا فِي عَيْنَيْ نَفْسِي، وَأَمَّا عِنْدَ الإِمَاءِ الَّتِي ذَكَرْتِ فَأَتَمَجَّدُ». وَلَمْ يَكُنْ لِمِيكَالَ بِنْتِ شَاوُلَ وَلَدٌ إِلَى يَوْمِ مَوْتِهَا. (سفر صموئيل الثاني 6: 12-16، 20-23) رأينا أن ميكال بنت شاول سخرت من داود، واعتبرت سلوك داود أنه سفاهة أن يرقص الملك ويراه الشعب، فكان رد داود رجل الله عليها بما هو معناه: يا بنت المُعوَّج (شاول أبيها الذي نقل إليها مثل هكذا تعليم وعدم فهم لعلاقة الفرح والحب بين الإنسان وإلهه)، فأنا أتصاغر أمام إلهي وتجليه في عودة تابوت العهد إلينا. ثم يذكر الكتاب أن ميكال ظلت عاقراً حتى ماتت. هكذا هو موقف حماة الإيمان وأغاثون والحرس القديم إذ ينطبق عليهم وصف الكتاب: لأَنَّهُ سَيَكُونُ وَقْتٌ لاَ يَحْتَمِلُونَ فِيهِ التَّعْلِيمَ الصَّحِيحَ، بَلْ حَسَبَ شَهَوَاتِهِمُ الْخَاصَّةِ يَجْمَعُونَ لَهُمْ مُعَلِّمِينَ مُسْتَحِكَّةً مَسَامِعُهُمْ، فَيَصْرِفُونَ مَسَامِعَهُمْ عَنِ الْحَقِّ، وَيَنْحَرِفُونَ إِلَى الْخُرَافَاتِ. وَأَمَّا أَنْتَ فَاصْحُ فِي كُلِّ شَيْءٍ. احْتَمِلِ الْمَشَقَّاتِ. اعْمَلْ عَمَلَ الْمُبَشِّرِ. تَمِّمْ خِدْمَتَكَ. (رسالة بولس الثانية إلى تيموثاوس 4: 3-5) السبب في المعارك التي يقودها الحرس القديم ضد رؤية روحية قال بها كاهن قبطي عن صلاة "يا ربي يسوع المسيح ارحمني"، وهل يجوز/ أو لا يجوز أن يذكر المصلي في نهايتها عبارة "أنا الخاطئ"، هي معارك ليست من أجل الإيمان، لأنها صلاة وليست عقيدة. بل المعارك كلها بسبب معلومات جاءتهم أن هذا الكاهن مِن قراء أبونا متى المسكين، لذلك فإن الحرس القديم يحاولون أن يذبحوا له القطة من البداية. أما بخصوص ”صلاة يسوع“ التي جعلوها معركة شبه تكفيرية، فإليكم بحث قصير أعجبني لأحد الأصدقاء: ١- صلاة يسوع هي ميراث وممارسة من الكنيسة الأورثوذكسية بشكلها الواسع بينما جذورها قادمة من الكنيسة القبطية الأورثوذكسية. ٢- قال  الأب "كاليستوس وير" في بحث إن أصل صلاة يسوع قادم من الإسقيط ومستمد من الإبصاليات التي تقال في التسبحة السنوية في الكنيسة القبطية. ٣- توجد مدرستان لصلاة يسوع في الكنيسة الأرثوذكسية هما:أ- المدرسة الروسية القديمة (يا رب يسوع المسيح ارحمني أنا الخاطئ) التي سمعنا عنها في كتاب سائح روحي على دروب الرب. وهذه المدرسة قديمة. ب-المدرسة الثانية قادمة من الكنيسة الأرثوذكسية جَنُوب إنجلترا (دير يوحنا المعمدان)وهناك يقولون يا رب يسوع ارحمني دون أنا الخاطئ. وحجتهم في ذلك أنه جاء في الكتاب المقدس ”خطاياكم لا أعود أذكرها“. ونحن أمام الله، فإن مجرد تَذْكار الخبرة السلبية يُضعِف الإحساس ببنوتنا لله. و هذه المدرسة حديثة في ممارسة صلاة يسوع وهذا فكرهم وأسلوبهم ومنطقهم. 4- إذا تأملنا إبصاليات الأيام في التسبحة السنوية التي جاءت منها صلاة يسوع سنجدها قوية عفية فيها إحساسات الغلبة والنصرة والقيامة وذكر الخطية فيها يكاد لا يذكر. 5- كل النقد والاتهامات بأن أبونا خالف العقيدة هو محض كذب وافتراء لأن صلاة يسوع صلاة نشأت في الإسقيط وتبلورت ومورست في روسيا وإنجلترا وكل الكنائس الأرثوذكسية في العالم. القصة كلها جاءت مِن معلومات أن أبونا هو مِن قراء أبونا متى المسكين. ولذلك حاولوا يدبحوا له القطة من البداية. 6- اللجان التي هاجمته من الأسقفية المحتلة أو ما يلقبونها بالأستاذة والأسقف المطيباتي كلهم جهلة مغرضين وجعجعة على الفاضي. 7- نصيحتي لأبونا لا تتراجع  أو تخاف أو تعتذر بل قول كل اللي في ضميرك ووعيك الروحي بكل القوة. فهؤلاء هم ظواهر صوتية تخاف ما تختشيش وأولهم الأسقف. 8- القسيس الإسكندراني اليوتيوبر بتاع الجنس المتخصص في الترند، فالكلام اللي قاله بهذا الصدد كلام فارغ كمعظم كلماته ليس له هدف غير تحقيق نسب مشاهدة ولن أعلق عليه لأنه لا يستحق التعليق. 9- أخيرًا صلاة يسوع دي صلاة وليست عقيدة كما يحاول الفشلة تصويرها. والسُبح لله. بقلم د. رءوف إدوارد --- ### توقيت.. - Published: ۲۰۲۲-۰۹-۰۱ - Modified: 2022-09-13 - URL: https://tabcm.net/7783/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون بتوقيت الحب؛ الحب لا ينتظر مؤشرات اعتراف بل يقتحم القلب بلا أدلة... وأوله وأخره قُبلة بتوقيت الحلم؛ هل الحلم يمكن أن ينتهى بواقع أم أن واقعك يفوق الأحلام بتوقيت الصمت؛ أعتذر لكل كلمة متكدسة في صدري التي حولت قلبي إلى الكثير من الرفوف المليئة بالغبار أعتذر لجفاف اللهفة على أطراف لساني ولنفسي التي خطفها الوجع بتوقيت الحنين؛ أبحث عن ثرثرة حرف تملأ صخب صمتك بداخلي بتوقيت الذكرى؛ أبحث في جوانب الماضي عن خيط أرتق به ثوب غيابك البالي بتوقيت الحزن؛ أبحث عن مساحات روحية للحزن أبواب هي من تطرقنا رغماً عنّا و مع تلك الابتسامات الجافة الحزن حي... يراوغنا فجأة بتوقيت الكذب؛ الشوق ينتمي للقلب والقلب ينتمى للحب والحب لا يصلح لأصحاب القلوب الضعيفة بتوقيت الصدق؛ أن تفتح نافذة قفصي الصدري سترى صورتك تحت الضلوع منزوية تنتظرك لتكتمل... بتوقيت الحَيْرَة؛ يُشير إلى ما بعد الغامضة والرُبع ومتى يأتي من أرساها؟! فقدُ وقت... ووقتُ فقد والحيرة تبلغُ مُنتهاها! بتوقيت ‏الثانية عشر؛ توقيت الانطلاق لساحة المجهول لأغطس بين أمنياتي المغلفة بأحجياتي وأحاول فك طلاسم عشقي لذلك الغائب فنبضه في القلب صاخب بتوقيت التمرد؛ نُكثر من القهوة نُمزق الأوراق... ونبعثر الحبر بتوقيت النبض؛ القلوب القوية لا تقبل بالهدوء بل مُدمنة على الدقات بصوت مُرتفع بتوقيت الانصهار؛ ‏‎هذا أنا... أنتَ أنا، أنا أنت وهذا العهد الذي قطعناه ذات امتزاج الروح وطن صدرك وعمقي احتواء قلبك بتوقيت الضياع؛ ‏ماتت صدفة الأيام دفنتها بقلبي لعنت التاريخ الذي مضى دون لهفتك... بتوقيت القلب؛ قلبه يبكى بداخلي... ‏بتوقيت اللهفة؛ أجد طيفك على مشارف حلمي بتوقيت الاختطاف؛ عكست عقارب الساعة لأخطفك من أوهامك لأبني لك من شوقي في بحر الهوى سفينة وشراع ليتك ترحل معى علّك تنسى عمراً من الضياع بتوقيت الشوق؛ نفثتك حلماً يظللني كالغيم... تتسورني كالطيف لتزينني بقوس العناق وحينها يتساقط الشوق على أرضنا كالمطر بتوقيت الانتماء؛ ‏رجل واحد بهيبة وطن قادر على خلق الأنثى بعينيكِ بتوقيت الألم؛ ألبس القوة، ألتحفها ها هو قلبي يحثني ألا أكترث وحين أراقص جراحي يغيب الوجع... يموت الألم بتوقيت الاعتذار؛ ‏أعتذر لقلبي... فلقد ظللت أُلقيه فوق أرصفة الوجع ثم أدسه في أتربة اللاوجود قلبي، أعدك بأن آخذك إلى صدر النور كفراشات ترفرف بجناح بهي فوق رؤوس الخيبات بتوقيت المطر؛ الحب عطر الشتاء واللقاء حكايات المطر. بتوقيت الرحيل؛ لا تقلقِ... قالها وهو يرحل قلت: مازال قلبي بك معلق وهذه الدنيا يوماً ما ستكون لك ككتاب مغلق بتوقيت الإنصات؛ ‏وإن كنتُ لا أسمعك، فإني في أشدّ الإنصات إلى قلبك بتوقيت الرجاء؛ نرسم ملامح فرح أخرى تشبه صورتنا قبل أن تتلبسنا أوجاعنا نحلق في فضاء الأمل في ليلة بؤس هرباً من أشباح أحزاننا نمزق ملايين من أستار الظلام القابعة على أفواه أرواحنا بتوقيت الترنُم؛ ترنيمة تُسبِّح باسمه والطير و الجبل الشاهق تطوع باللحن ... بتوقيت الانسكاب؛ اسكب في مسامعه كل حروف الحب أسلسل أبواب حجيرات قلبه وأسكنها وحدى اجعل منها ساحاتٍ لعشقه ورقصه ولهوه... ودموعه بتوقيت الإبحار؛ ك‏النورس ألاحق ظله أبكي بجرح أنثى... لا يفهم بكائها إلا البحّار بتوقيت الإقلاع؛ على متن خطوط العشق أدمنته على متن خطوط الخداع هجرته بتوقيت النسيان؛ ننسى كل معنى للاشتياق للحد من مواجعنا القديمة ما أصعب أن تكتب عن الفِرَاقَ دمعك حبر، وأوراق حبك يتيمة --- ### قصص قصيرة جدا - Published: ۲۰۲۲-۰۸-۳۱ - Modified: 2022-09-13 - URL: https://tabcm.net/7667/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون - وسوم: حي بن يقظان, يعقوب الرسول بين الكم والكيف ما الكم والكيف اللذان يحتاج إليهما الخدَّام حتى يدركوا نصيحة يعقوب بألا يكونوا معلِّمين كثيرين؟ هل يحتاجون إلى التواضع؟ أم إلى إعادة المجد لله؟ أم أنهم يحتاجون إلى الصدق مع النفس حتى لا ينسبوا لأنفسهم المعرفة وحدهم؟ ربما يحذرهم من تعمُّد حصر التعليم على أنفسهم ليضمنوا الطاعة أو اعتبار كل مخالفة في الرأي هرطقة؟ أو الوقوف عند نقطة والاكتفاء دون محاولة إضافة الجديد وقد يكون الأكثر فائدة. انتهت القصة. يسوع يبتسم انتهى عرض شريط الفيديو المتَرجم عن الإنجليزية الذي يتناول حياة يسوع المسيح وسأل الصغار مدرِّسة مدارس الأحد قائلين: يسوع كان يضحك وهو جالس مع الأطفال وأيضا كان يبتسم وهو في العرس وعندما كان يخاطب الناس، فلماذا لا يضحك في الصور وشرائط الفيديو التي رأيناها قبلا؟ لقد أحببناه أكثر عندما رأيناه يضحك ! ! ! انتهت القصة. الأسد والفأر نشأت صداقة بين الأسد ملك الغابة وفأر صغير. حرص الفأر على مخاطبة الأسد دائمًا بلقب "ملك الغابة". كانت الحيوانات ترى الأسد والفأر وهما يقضيان معًا أوقاتًا طيبة، فعندما يتسامران كانت ضحكاتهما تملأ أجواء الغابة، وكثيرًا ما كان الأسد والفأر ينهمكان في حوارات عن طبيعة الغابة وكيفية إدارتها. وبينما هما هكذا بين اللهو والجد تعجَّبت بقية الحيوانات من إصرار الفأر على معاملة ملك الغابة الأسد بوقار وعدم رفع الكلفة، فسألوا الفأر لقد صار الأسد صديقك المقرَّب فلماذا لا تخاطبه وتقول له يا أسد مباشرةً؟ ولماذا دائمًا تحرص على إظهار التوقير للأسد؟ قال الفأر لأن صديقي ليس مجرد كائن عادي؛ إنه ملك الغابة وأنا أتعامل معه هكذا لعدة أسباب فأولا، هذا يليق به. وثانيًا، هذا يذكِّرني دائمًا بامتيازي أنا الفأر الصغير وارتباطي بملك الغابة. ولكن السبب الأهم هو أن الملك يحبني وأنا أحبه وهو يقدِّرني أنا الفأر فكيف لا أقدِّره ولا أعطيه حق قدره؟! انتهت القصة. حي بن يقظان يروي ابن طفيل قصة مأخوذة عن ابن سينا بطلها اسمه حي بن يقظان (إشارة إلى تيقُّظ وجدانه وذهنه) التي تلخص تجرِبة صبي وُجد في غابة ليس بها بشر وأرضعته غزالة وعندما توفت بدأ يحاول إصلاح السبب الذي أدى إلى وفاتها ففتح جوفها ليحدد مكان العطب ولما لم يجد عطبًا تسبَّب في وفاتها، فكّر أن للغزالة صانع فبدأ يبحث عن صانع الغزالة بل وصانع كل الموجودات التي حوله وإذ به يستنتج وجود خالق صالح ومحب لكل ما حوله وبدأ الشاب يتعامل مع ما حوله باعتباره وكيلا عن الخالق بالعناية بالخلق. انتهت القصة. --- ### بين عبادة النص واغتيال الشخص - Published: ۲۰۲۲-۰۸-۳۰ - Modified: 2022-08-29 - URL: https://tabcm.net/7798/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, مقالات وآراء - وسوم: يوسف الصديق بين الحين والآخر تندلع على ساحات "السوشيال ميديا" معارك جديدة، وفي كل معركة يتبارى فيها كل فريق بنص، إما نص كتابي، أو نص آبائي، أو ليتوروجي وفي كل مرة يكون البطل نص، إما نص غير كامل ومجتزأ من سياقه، وفي كل مرة نقدس النص ونزدري الإنسان الذي من أجل خلاصه وجدَ هذا النص. يحاول كل فريق أن ينتصر في معركة حوارية سلاحها ليس المنطق أو العقل، ولكنها معركة تبدأ بسلاح السخرية مرورا بالسباب وتنتهي بالبلوك، الهدف الذي يضعه البعض أمامه الانتصار وحصد التعليقات و"اللايكات" حتى لو كانت على حساب ما تبقى من أنقاض من يحاوره، وكله تحت عباءة حماية الله والنص! ! ننسى أو نتناسى أنه قبل أن يكون هناك نصًا، أي قبل الشريعة المكتوبة، كان هناك الضمير الحي المتواجد في حضرة الإله الحي، فيصرخ يُوسُف الصديق قبل الشريعة التي كتب فيها الله بأصبعه "لا تزن" في نفس الوقت الذي كان الشعب يتنجس أمام البعل: "كَيْفَ أَصْنَعُ هذَا الشَّرَّ الْعَظِيمَ وَأُخْطِئُ إِلَى اللهِ؟(سفر التكوين 9: 39) نتناسى أن النص يصبح عديم الفائدة بالنسبة لإنسان أمات الروح القدس عَنْوَة في داخل قلبه، والغريب يا صديقي أن البعض أصبح بارعًا في لي الحقائق واستخدام النص ليثبت فكرته، ويستخدم نص آخر ليثبت عكس الفكرة الأولى، مادام تبناها شخص لا ينتمي لفريقه أو جماعته، فإذا تكلم الفريق الأول عن الغفران. "مَنْ ضَرَبَكَ عَلَى خَدِّكَ فَاعْرِضْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا، وَمَنْ أَخَذَ رِدَاءَكَ فَلاَ تَمْنَعْهُ ثَوْبَكَ أَيْضًا. "(إنجيل لوقا 6: 29) يصرخ الفريق الثاني ما هذه المهانة والاستكانة، ما هذا الذل والخنوع لقد عارض السيد المسيح عندما لطمه واحدا من خدام رئيس الكهنة قائلا: "أَجَابَهُ يَسُوعُ: «إِنْ كُنْتُ قَدْ تَكَلَّمْتُ رَدِيًّا فَاشْهَدْ عَلَى الرَّدِيِّ، وَإِنْ حَسَنًا فَلِمَاذَا تَضْرِبُنِي؟ "(إنجيل يوحنا 18: 23) فتجد أن آيات عدّة تتراص في مواجهة بعضها في غير موضعها السليم، آيات عن الهروب وآيات عن المواجهة "اهرب لحياتك" في مقابل "ليقل الضعيف بطل أنا"، آيات عن التبرير بالإيمان وآيات عن التبرير بالأعمال. "مَا الْمَنْفَعَةُ يَا إِخْوَتِي إِنْ قَالَ أَحَدٌ إِنَّ لَهُ إِيمَانًا وَلكِنْ لَيْسَ لَهُ أَعْمَالٌ، هَلْ يَقْدِرُ الإِيمَانُ أَنْ يُخَلِّصَهُ؟"(رسالة يعقوب 2: 14) في مقابل "لاَ بِأَعْمَال فِي بِرّ عَمِلْنَاهَا نَحْنُ، بَلْ بِمُقْتَضَى رَحْمَتِهِ ­خَلَّصَنَا بِغُسْلِ الْمِيلاَدِ الثَّانِي وَتَجْدِيدِ الرُّوحِ الْقُدُسِ"(رسالة بولس إلى تيطس 3: 5) آيات عن أن الإنسان خاطي وآيات عن أن الإنسان مبرر "إِنْ قُلْنَا : إِنَّهُ لَيْسَ لَنَا خَطِيَّةٌ نُضِلُّ أَنْفُسَنَا وَلَيْسَ الْحَقُّ فِينَا، إِنِ اعْتَرَفْنَا بِخَطَايَانَا فَهُوَ أَمِينٌ وَعَادِلٌ، حَتَّى يَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَيُطَهِّرَنَا مِنْ كُلِّ إِثْمٍ"(رسالة يوحنا الأولى 1: 8، 9) "صَادِقَةٌ هِيَ الْكَلِمَةُ وَمُسْتَحِقَّةٌ كُلَّ قُبُول: أَنَّ الْمَسِيحَ يَسُوعَ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ لِيُخَلِّصَ الْخُطَاةَ الَّذِينَ أَوَّلُهُمْ أَنَا"( رسالة بولس الأولى إلى  تيموثاوس 1: 15) "وَلكِنَّهُ الآنَ قَدْ أُظْهِرَ مَرَّةً عِنْدَ انْقِضَاءِ الدُّهُورِ لِيُبْطِلَ الْخَطِيَّةَ بِذَبِيحَةِ نَفْسِهِ". (رسالة بولس إلى العبرانين 9: 26) "لأَنَّ نَامُوسَ رُوحِ الْحَيَاةِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ قَدْ أَعْتَقَنِي مِنْ نَامُوسِ الْخَطِيَّةِ وَالْمَوْتِ"(رسالة بولس إلى رومية 8: 2) "كُلُّ مَنْ هُوَ مَوْلُودٌ مِنَ اللهِ لاَ يَفْعَلُ خَطِيَّةً، لأَنَّ زَرْعَهُ يَثْبُتُ فِيهِ، وَلاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُخْطِئَ لأَنَّهُ مَوْلُودٌ مِنَ الله"(رسالة يوحنا الأولى 3: 9)   "نَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ مَنْ وُلِدَ مِنَ اللهِ لاَ يُخْطِئُ، بَلِ الْمَوْلُودُ مِنَ اللهِ يَحْفَظُ نَفْسَهُ، وَالشِّرِّيرُ لاَ يَمَسُّهُ"(رسالة يوحنا الأولى 5: 18) وبالطبع لا يحتاج القارئ الواعي أن يدرك أن المشكلة كل مرة ليست في النص ولكن في سوء استخدام النص، في التربص بالآخر المختلف عني في تقسيم الجسد الواحد إلى فرق هذا لبولس وهذا لأبولس وهذا لصفا، المشكلة في ادعاء البعض باحتكار الحقيقة والدفاع عن الإيمان وحمايته، وفيما هم يدعون الحفاظ على الإيمان يغتالون المؤمنين، وفيما هم يدعون أنهم يحمون النص يصلبون المسيح من جديد، غير مدركين أن الكنيسة الأولى آمنت وصدقت يسوع المسيح الغالب لأوجاع الموت قبل أن يوجد نص مكتوب بين أياديهم. إن كنتم تعبدون نصًا فضعوه في سياقاته الصحية أولا، وإن كنتم تعبدون الإله المتجسد فاعلموا أنه عندما كان بالجسد حارب تأويلات وتفسيرات الفريسيين الذين قدسوا تفسيراتهم المعيبة والمزيدة للنص حتى صلبوا صاحب النص، وما أشبه اليوم بالبارحة هؤلاء صلبوه وأولئك يغتالون أبناءه. --- ### أيوب: ثورة إنسان ضد تعاليم التوراة - Published: ۲۰۲۲-۰۸-۲۹ - Modified: 2025-01-12 - URL: https://tabcm.net/7732/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, كتاب مقدس - وسوم: أليفاز التيماني, أيوب البار, إليهو ابن برخئيل البوزي, الشرق الأدنى, الشيطان, العدالة الجزائية, الوحي في المسيحية, بلدد, توراة, سيريل إدوين ميتشنسون جود, صوفر النعماتي, يهوه لقد حيرت قضية الألم البشرية لآلاف السنين. ولا يقدم سفر أيوب إجابة تفسيرية أو تبريرية للألم والظلم. ما يقدمه هو تحذير صارم وواضح من خطورة التعنيف الوعظي للمتألمين سواء بافتراض شرهم أو مخاطبتهم بلسان الله سفر أيوب، الذي يرجح المؤرخون أنه يعود إلى القرن السادس قبل الميلاد، يعد أحد أصعب كتب الكتاب المقدس بالنسبة للعديد من الحديثين للقراءة لأن استنتاجاته مخالفة للمعتقدات الدينية الأساسية للتوراة وبعض الأسفار الحكمية. قبل أن نبدأ في تحليل السفر، من المهم جدا أن نأخذ اتهامات أيوب ضد الله على محمل الجد؛ لأن السفر يوضح أن الرب تعامل مع اتهامات أيوب بجدية، ولم ينكرها على الإطلاق. كما يؤكد السفر صدق رؤية أيوب وكذب رواية أصدقائه. نظرة عامة يهاجم سفر أيوب التقوى التقليدية المتفائلة التي يصورها سفر الأمثال؛ إذ يشكك أيوب في وجود نظام كوني أخلاقي، ويثير عدة أسئلة في الذهن: (1) لماذا يسمح الإله بالظلم الصارخ والمعاناة والشر بلا أسباب؟ (2) هل يؤدي الألم إلى الفضيلة والتقوى؟ (3) هل البشر صالحون فقط لأن الإله سيكافئهم على ذلك، أم أنهم صالحون بسبب القيمة الجوهرية أو المتأصلة في البر (حبا في البر ذاته؛ لا سعيا وراء مكافأة)؟ التشريح الأدبي للسفر من الناحية الأدبية، يحتوي كتاب أيوب على عنصرين أساسيين: العنصر النثري والعنصر الشعري، يحكي الراوي من خلالهما قصة رجل صالح صارم اسمه أيوب، يمر بكارثة مروعة. وربما كانت تلك القصة أسطورة شعبية قديمة في بلاد الشرق الأدنى؛ فالقصة لا تحدث في إسرائيل بل في أدوم، وأيوب ليس إسرائيليًا بل رجلًا شرقيًا يسكن في بلدة عوص القديمة. ومع ذلك، فإن المؤلف الإسرائيلي لا يقتبس  الأسطورة فحسب، بل يضيف لها حوارًا شعريًا مطولًا (يصل طوله إلى تسع وثلاثين فصلًا) في منتصف هذه الحكاية الشعبية المعتادة. تؤدي إضافة هذا العنصر الشعري إلى قلب مغزى الأسطورة رأسا على عقب. تقوم وظيفة الحوار الشعري على الاحتجاج على ظلم الكون والإله، على عكس وظيفة النص النثري، الذي ينادي بتقبل المصير. تم بالفعل التلميح إلى هذه الثنائية المتناقضة من خلال اسم أيوب المتناقض المعنى؛ فهو يعني "العدو" بالعبرية من جهة و"التائب" بالآرامية من جهة أخرى. يحتوي الإصحاحان الأول والثاني على مقدمة نثرية عن أيوب الورع والمزدهر ودماره نتيجة التحدي الذي واجهه الرب. وفي نهاية المقدمة، يحضر ثلاثة أصدقاء لتعزيته والجلوس معه في صمت لمدة سبعة أيام. وبعد أسبوع الحداد هذا، لا يصمت أيوب وأصدقاؤه؛ بل يتم تمثيل خطابهم في المقطع الشعري الكبير الذي يمتد من الإصحاح 3 إلى 42: 7. القصة النثرية يجري الحديث على ثلاثة مقاطع: يفتح أيوب الحوار في كل مقطع، ثم يتحدث أصدقاؤه بنمط منتظم، أولًا أليفاز، ثم بلدد، ثم صوفر. تصوير الراوي لأيوب ككقائد للحوار  يجعله صاحب الكلمة الأولى والأخيرة فيه. في البداية، يسعى الأصدقاء لتعزية أيوب وتبرير معاناته، لكنهم يزدادون برودة مع الوقت، ويتجهون إلى ازدراء قاسٍ لحالة أيوب. يُختتم هذا القسم بخطاب طويل لأيوب (29-31) يأسف فيه على فقدان حياته السارة الماضية، ويقر ببراءته ويدعو إلهه للإجابة. ثم يظهر إليهو، وهو صديق رابع لم يعلن عنه من قبل، ليلقى أربع خطابات (32-37) يوجه فيها اللوم إلى أيوب ويدافع عن العدالة الإلهية. ويتبع ذلك حديث شعري بين يهوه - الذي يطرح سلسلة من الأسئلة البلاغية - وأيوب - الذي يبدو نادمًا. ينقسم هذا القسم أيضًا إلى أربعة أجزاء: خطبتان طويلتان للرب وخطابان قصيران لأيوب. خاتمة نثرية ختامية تبرر عمل أيوب. ينتقد الرب الأصدقاء، وترى نهاية سعيدة غير متوقعة إذ يستعيد أيوب ثروته، ويموت بسلام. بر أيوب تبدأ القصة بتقديم أيوب، كرجل مستقيم وخالٍ من اللوم، يخاف الرب ويبتعد عن الشر. وهكذا يقدم السفر براءة أيوب في السطر الافتتاحي كحقيقة سردية غير قابلة للنقاش، يقر بها الراوي. ورغم براءته وتقواه، يقع أيوب ضحية للشيطان. الشيطان: المحقق في مجلس يهوه لا يجب أن نمزج بين شخصية الشيطان المتعارف عليها وشخصية الشيطان في هذا السفر تحديدًا. مبدئيا، الشيطان غير موجود في العهد القديم كخصم شرير لله؛ هذه الخصومة تظهر في العهد الجديد فيما بعد. يرد الشيطان أربع مرات في العهد القديم (أيوب 32: 22، زكريا 3: 1-4، أخبار الأيام الأول 21: 1) بصفته عضو في المجلس الإلهي (أحد أتباع يهوه)، ووظيفته التحقيق في شؤون البشر على الأرض بصفته المدعي العام الذي يقدم الأشرار إلى العدالة. مع الوقت، يفقد المصطلح هذا المعنى في الفكر اليهودي والفكر المسيحي، ويتخذ الشيطان دور الخصم. تطور هذا المفهوم اللاحق للشيطان كوسيلة مفيدة لشرح وجود الشر في العالم دون أن ينسبه مباشرة إلى الله. لكن الخصومة ليست وظيفة الشيطان في قصة أيوب؛ لأن المدعي أو المحقق هنا يعمل مع الرب. حوار الله  والشيطان يتساءل المدعي ما إذا كانت تقوى أيوب صادقة. فربما يكون الدافع خلفها هو المصلحة الذاتية. لما كان أيوب ينعم بمثل هذا الثروة والازدهار، فهو بطبيعة الحال تقي وصالح. ولكن هل تنجو تقواه من العذاب والبلاء؟ إذا فقد ماله أفلا يلعن الرب؟ إن الرب واثق من أن تقوى أيوب ليست سطحية أو مدفوعة بالرغبة في المكافأة، ويسمح للشيطان أن يختبر أيوب. يقتل الشيطان كل أبناء أيوب، ويدمر كل ماشيته وممتلكاته. ويصبح رد فعل أيوب هو: عُرْيَانًا خَرَجْتُ مِنْ بَطْنِ أُمِّي، وَعُرْيَانًا أَعُودُ إِلَى هُنَاكَ. الرَّبُّ أَعْطَى وَالرَّبُّ أَخَذَ، فَلْيَكُنِ اسْمُ الرَّبِّ مُبَارَكًا. (سفر أيوب 1: 21) فِي كُلِّ هذَا لَمْ يُخْطِئْ أَيُّوبُ وَلَمْ يَنْسِبْ للهِ جِهَالَةً. (سفر  أيوب 1: 22) يثني الرب مرة أخرى على أيوب للشيطان، قائلًا: وَإِلَى الآنَ هُوَ مُتَمَسِّكٌ بِكَمَالِهِ، وَقَدْ هَيَّجْتَنِي عَلَيْهِ لأَبْتَلِعَهُ بِلاَ سَبَبٍ. (سفر أيوب 2: 3) ردا على ذلك، يقترح الشيطان زيادة المعاناة، ويوافقه الرب على شرط الحفاظ على حياة أيوب. ثم يضرب الشيطان جسد أيوب بقروح رهيبة ومؤلمة في محاولة لسحق روحه. تغضب زوجة أيوب وتقول: «أَنْتَ مُتَمَسِّكٌ بَعْدُ بِكَمَالِكَ؟ بَارِكِ اللهِ وَمُتْ! » (سفر أيوب 2: 9). "بارك" هنا بديل لـ"العن"، كتعفف لفظي من المترجم. ويستمر أيوب في رفضه للمعصية. يصر على البقاء فاضلا بلا نفع! للوهلة الأولى، يبدو أن أيوب يقبل مصيره المرير. لكن لاحظ أنه بعد الجولة الأولى من المعاناة، يشير الراوي أنه "فِي كُلِّ هذَا لَمْ يُخْطِئْ أَيُّوبُ بِشَفَتَيْهِ" (سفر أيوب 2: 10). ربما ليس بشفتيه، ربما في قلبه، ينسب أشياء بغيضة إلى الله؟ دور النص الشعري دون إضافة النص الشعري، يمكن قراءة تلك الحكاية الشعبية الشهيرة على أنها قصة رجل بريء اختبر معاناة مروعة، فقبل مصيره، واحتفظ بإيمانه، فعوضه الله. تبدو القصة النثرية بسيطة، ويبدو أنها تظهر القيم والتقوى التقليدية لأسفار الحكمة وسفر التثنية الذي نادى بوجوب تحمل التجربة وعصا التأديب الإلهي. لكن، هذه الرؤية ليست صحيحة. يستخدم المؤلف المجهول لسفر أيوب الأسطورة المتعلقة بالرجل الصالح أيوب كإطار لرأي معارض للقيم التقليدية. فتلمح نهاية المقدمة النثرية (2: 10) الذي تشير ضمنيًا إلى إسناد أيوب سبب الشر إلى الله إلى الحوار الشعري المكثف، الذي يقدم اتهامات أيوب البغيضة ضد الرب. يظهر أيوب الصبور كأسد مزمجر غاضب، يتهم إلهه بسوء إدارة فادح للعالم وينفي في النهاية وجود نظام أخلاقي تمامًا. يبدو أن الوحدتين الأدبيتين اللتين يتألف منهما السفر - إطار النثر والحوار الشعري في حالة نزاع. لكنهما متشابكان كما هما الآن، يعملان معًا، أحدهما يشكل قراءتنا للآخر، ولا يمكننا فصلهما عن بعضهما البعض. على سبيل المثال، لا يمكننا أن نقبل كلام أصدقاء أيوب واتهامهم له بالخطيئة في الجزء الشعري؛ لأن النص النثري سبق وأكد على براءة أيوب. بسبب حقيقة بر أيوب، نحن نعلم أن أصدقاء أيوب يكذبون عندما يقولون إن أيوب يعاني من بعض الخطايا الخفية، وتصبح رؤية أيوب أنه لا يستحق هذه المعاناة هي الصحيحة. أيوب يلعن الله يرى إدوين جود أن أيوب لم يلعن الإله تمامًا في خطابه الأول، إلا أنه يلعن يوم ولادته، ويشير مرارًا وتكرارًا إلى الخلق، ويلعن بذلك كل ما أنجزه الإله بصفته خالقًا للكون ويتمنى الموت. في هذه المرحلة، لا يسأل عن سبب حدوث الكثير من المعاناة عليه، ولكن فقط لماذا عليه أن يظل على قيد الحياة، بينما هو يرغب في الموت؟ إن فكرة الخلود في السماء أو جهنم بعد الموت غير موجودة في العهد القديم على الإطلاق. فالمكافأة والعقاب خاصين بالحياة الدنيا فقط. لذا، لماذا عليه أن يتحمل هذا العناء، ويكون هذا كل شيء؟ قضية العدالة رد أليفاز (الإصحاحات 4-5) طويل ومفصل. يبدو الرد معزي إلى أن يضخ عنصر جديد في المناقشة - قضية العدالة. اُذْكُرْ: مَنْ هَلَكَ وَهُوَ بَرِيءٌ، وَأَيْنَ أُبِيدَ الْمُسْتَقِيمُونَ؟ كَمَا قَدْ رَأَيْتَ: أَنَّ الْحَارِثِينَ إِثْمًا، وَالزَّارِعِينَ شَقَاوَةً يَحْصُدُونَهَا(سفر أيوب 4: 7) رؤية أليفاز تعكس رؤية سفر الأمثال الذي يظهر الإيمان بنظام العدالة الجزائية الإلهية. أي لا يمكن أن تكون هناك معاناة غير مستحقة. المعنى الضمني هو أن أيوب استحق معاناته - وهي فكرة لم تخطر بباله على ما يبدو - ومن هنا تهيمن مسألة المعاناة غير المستحقة على بقية السفر. خطاب أيوب الثاني (6-7) مضطرب ومليء بالصور المتناقضة الجامحة التي تعكس الصدمة والألم والغضب الذي يطغى عليه الآن بسبب ربط أليفاز لمعاناته بالخطيئة، فيلجأ إلى مخاطبة الإله مباشرة. يسأل أيوب بأنه إن أخطأ، فلماذا لا يغفر الله ذنبه بدلًا من كل هذا الألم؟ "«وَلِمَاذَا لاَ تَغْفِرُ ذَنْبِي، وَلاَ تُزِيلُ إِثْمِي؟ لأَنِّي الآنَ أَضْطَجِعُ فِي التُّرَابِ، تَطْلُبُنِي فَلاَ أَكُونُ». "(سفر أيوب 7: 21) يرد بلدد الشوحي: "هَلِ اللهُ يُعَوِّجُ الْقَضَاءَ، أَوِ الْقَدِيرُ يَعْكِسُ الْحَقَّ؟"(سفر أيوب 8: 3) ببساطة، يرى بلدد أن لكل معاناة أسباب وبركات يريد بها الله تحقيق مبادئ فاضلة. أبناء أيوب قتلوا لسبب، وهو التصدي للخطيئة. فمن الأفضل لأيوب أن يطلب الله ويبحث عن الرحمة. دفعت خطابات الأصدقاء أيوب إلى استنتاج أن الإله غير مبال بالحالة الأخلاقية. إنه لا يتبع القواعد التي يطلبها من البشر، ويبيد الشرير والصديق معًا. "إِنَّ الْكَامِلَ وَالشِّرِّيرَ هُوَ يُفْنِيهِمَا". (سفر أيوب 9: 22) كلمات أيوب هي أصداء لكلمات الله يلعب التطابق اللفظي لكلمات أيوب مع كلمات الله دورًا بالغ الأهمية في فهم السفر: يردد أيوب في شكواه نفس الكلمات التي قالها الله في شكواه للشيطان نصًا في البداية حين قال للشيطان قد هيجتني عليه بلا سبب. "ذَاكَ الَّذِي يَسْحَقُنِي بِالْعَاصِفَةِ، وَيُكْثِرُ جُرُوحِي بِلاَ سَبَبٍ. "(سفر أيوب 9: 17) وَإِلَى الآنَ هُوَ مُتَمَسِّكٌ بِكَمَالِهِ، وَقَدْ هَيَّجْتَنِي عَلَيْهِ لأَبْتَلِعَهُ بِلاَ سَبَبٍ. (سفر أيوب 2: 3) نعم، لا يوجد سبب لمعاناة أيوب. هكذا يشهد الله على حقيقة شكوى أيوب: فهو كامل، بار، يعاني من أجل لا شيء. الله خلف القضبان يستخدم أيوب المصطلحات القضائية ويرمي اتهامات في دعوى ضد الإله - اتهامات بالسلوك غير اللائق، لإله يرذل مخلوقاته ويبتسم للأشرار، إله تجني على البريء وهو عالم ببراءته. هذه الدعوى تضرب الأسفار النبوية في مقتل. فكما اتهم الرب الشعب من خلال أنبيائه بانتهاك صارخ لبنود عهده بما يستلزم عقابهم، ها هو أيوب يرد بالمثل، ويقول للرب أنه هو المنتهك لبنود العهد. في سفر أيوب، الإنسان هو الذي يقاضي الإله. لكن، كيف للإنسان أن يكسب القضية ضد الله؟لِأُقَدِّمَ دَعوَايَ أمَامَهُ، وَأملأ فَمِي بِحُجَجٍ مَشرُوعَةٍ. (سفر أيوب 4: 23). يتوقع أيوب أن يُقتل -ليس بالإعدام العادل، بل قتلا على يد الإله ويأمل فقط ألا يتم إخفاء الدليل على مقتله.  يَا أَرْضُ لاَ تُغَطِّي دَمِي، وَلاَ يَكُنْ مَكَانٌ لِصُرَاخِي. (سفر أيوب 16: 18). وعاظ عديمي الشعور وبينما تزداد العاطفة والألم في خطابات أيوب، تزداد قسوة التبريرات والعظات الدينية لأصدقائه بالمقابل. يبدو أن إصرارهم على أن المعاناة هي دائمًا علامة مؤكدة على الخطيئة يبرر العداء تجاه أيوب وازدراءه، الذي يُصوَّر الآن على أنه موضع سخرية وإهانة وإساءة عالمية. لا يسع المرء إلا أن يرى في هذا التوصيف لأصدقاء أيوب المزعومين تعليقًا قاطعًا على النزعة البشرية القاسية لإلقاء اللوم على الضحية، والقيام بذلك خشية أن تسقط صورتنا المنظمة والمريحة لعالم أخلاقي لا يعاني فيه الصالحين. يطلب منهم أيوب بلجاجة أن ينظروا حولهم ويفكروا، دون جدوى. أما الإله، فهو غائب، ويبدو وكأنه محايد أخلاقيًا. أيوب يرفض التخلي عن أخلاقه ينتقل أيوب إلى التهمة الضمنية بأن الله مسؤول عن الشر. ومع ذلك، حتى في أعماق معاناته، وعلى الرغم من اقتناعه الآن بأن الإله لا يفرض قانونًا أخلاقيًا على الكون، يتمسك أيوب بقيمة واحدة: البر، الذي هو فضيلة في حد ذاته. حتى إذا كان الله لا يهتم، لن يتحول أيوب إلى كائن عديم الأخلاق. وجهاً لوجه مع البصيرة المروعة بأن الخير والشر يقابلهما اللامبالاة من قبل الإله، وأن البر لا يجلب أي مكافأة والشر لا يجلب العقاب، يرفض أيوب الاستسلام رغم الحقيقة المرة - يرفض الاستسلام للعدمية الأخلاقية. "تَمَسَّكْتُ بِبِرِّي وَلاَ أَرْخِيهِ. قَلْبِي لاَ يُعَيِّرُ يَوْمًا مِنْ أَيَّامِي". (سفر أيوب 27: 6). يناقض هذا كلام الرب والشيطان في المقدمة. هناك قال الشيطان أن الرجل لن يتمسك بالفضيلة في مواجهة المعاناة، بل سيتنازل عن كل شيء مقابل حياته. في الواقع، عندما يزول كل أمل في مكافأة عادلة، يصبح لفعل الخير قيمة جوهرية. بطولة أيوب تلك هي البطولة المطلقة لرجل عارٍ، تخلى عنه إلهه وأصدقاؤه، وحرم من أي دليل لفهم معاناته. ذاك هو واجب الإنسان المطلق في أن يكون فاضلاً. لقد أدار الكون ظهره له، لكن أيوب استمر في التأكيد على قيمته الخاصة والقيمة الفائقة للخير غير المجزي. على الرغم من كل اختلافاتهما في الأسلوب، فإن أيوب الأسطورة الصبور، وأيوب الشاعر المتمرد هما في الأساس نفس الرجل -كل منهما يظل ثابتًا في شخصيته الأخلاقية- ويتشبث بالصلاح بسبب جوهره. قيمة وليس لأنه سيُكافأ: في الواقع، يبدو أن أيوب يعرف بمرارة أنه لن يكافأ. وهذا هو بالضبط السؤال الذي كان موضع خلاف بين الرب والشيطان. تغلب العداوة بين أيوب والله على المشهد، كما يشير اسم أيوب. فمثلما يعتبره الله عدوا له، ها هو أيوب يعلن أن الله هو العدو. "لِيَكُنْ عَدُوِّي كَالشِّرِّيرِ، وَمُعَانِدِي كَفَاعِلِ الشَّرِّ". (سفر أيوب 27: 7). إله الطبيعة أم إله البشر؟ في نهاية ثورته، يقاضي أيوب إلهه. ويطالب الإله بأن يكشف له سبب معاناته. يلفظ أيوب سلسلة من اللعنات ليبرئ نفسه من الاتهامات الموجهة إليه، محددًا الذنوب التي لم يرتكبها وينتهي كما بدأ في الإصحاح 3 بلعنة يوم ميلاده. نتوقع أن نسمع ردا من الإله. لكن، بدلاً من ذلك، نسمع من شخص غريب اسمه إليهو. يكرر إليهو العظات المبتذلة لأصدقاء أيوب. ومع ذلك، فهو يتراجع أيضًا، عكس الأصدقاء الثلاثة، ويقول ربما ليست كل المعاناة جزائية ويمكن للتفكير في عناصر الطبيعة أن يفتح العقل على وعي جديد بالإله. يبدو أن خطابات أيوب بدأت تحدث تأثيرا. يتجلى الله من عاصفة أو زوبعة، موبخا:"مَنْ هذَا الَّذِي يُظْلِمُ الْقَضَاءَ بِكَلاَمٍ بِلاَ مَعْرِفَةٍ؟". (سفر أيوب 38: 2). لكننا، لا نعلم إلى من يوجه الله حديثه. هل إلى أيوب؟ إليهو؟ الأصدقاء الثلاثة؟ الجميع؟ لقد سمع الرب بما فيه الكفاية - حان دوره لطرح الأسئلة، والإجابات. يواصل يهوه الأسئلة البلاغية المتعلقة بخلقه للطبيعة والحيوانات. ولكن ما هو الغرض من كل هذه الأسئلة؟ وما علاقتها بشكوى أيوب؟ لقد طرح أيوب بعض التحديات المحددة: لماذا أعاني؟ هل هناك قانون للوجود؟ هل يرفض يهوه الرد على هذه التحديات مما يشير إلى عدم وجود جواب؟ هل هذه هي طريقة الرب في القول بأن عدله يفوق إدراك البشر؟ أم أن ظهور الرب في قوى الطبيعة وترتيبها هو تعارض ضمني مع العقيدة الأساسية للديانة اليهودية التي تعلم أن الرب يظهر من خلال تفاعله مع البشر؟ فالله في اليهودية هو إله التاريخ البشري وليس إله الطبيعة. من المفهوم عمومًا أن ظهور التوحيد في إسرائيل قد أحدث انفصالًا عن المفاهيم الأسطورية للآلهة. لم يكن إله التوراة والإنجيل مطابقًا لآلهة الطبيعة القديمة في الشرق الأدنى أو الكنعانية، لأنه كان يُفهم أنه يتجاوز الطبيعة. في أكثر مصادر الكتاب المقدس توحيدًا، لا يُقابل يهوه من خلال الطبيعة، ولكن من خلال أفعاله غير المتكررة في الزمن التاريخي. هذه النظرة إلى الرب هي التي تؤكد مفهوم العدالة الجزائية برمتها. فقط الإله الصالح بشكل أساسي والذي يتجاوز القوى الطبيعية الميكانيكية ولا يخضع للقيود يمكنه أن ينشئ ويدير نظامًا للعدالة الجزائية، ويوزع العقوبة والمكافأة ردًا على تصرفات البشر في الوقت المناسب. هل يشير كاتب أيوب إلى أن التاريخ والأحداث التي حلّت بالعدل والظلم ليست وسيلة الوحي؟ هل يهوه مقيد بالطبيعة، وغير موجود في ساحة التاريخ والعمل البشري؟ إذا كان الأمر كذلك، فهذا تعارض واضح لأيوب مع التوراة. فلسفة السفر يريد الرب أن يقول إن العالم لا يعمل كما يفترض أيوب على الإطلاق. أخطأ أصدقاء أيوب لأنهم افترضوا أن هناك نظامًا للعدالة الجزائية في العالم (مجازة الأشرار ومكافأة الأخيار). قادهم هذا الافتراض إلى استنتاج أن كل الذين يعانون هم خطأة، وهذا غير صحيح تماما. لكن أيوب يخطئ أيضا لأنه يطالب بتطبيق نفس النظام الجزائي الذي يعترض عليه، لينجو البار من الألم بسبب بره. قاده هذا الافتراض إلى استنتاج أن المعاناة هي علامة على وجود إله غير مبالٍ أو شرير. وهو استنتاج خاطئ. باختصار، يرفض الرب أن يُنظر إليه على أنه محاسب أخلاقي. إن اعتبار يهوه كمحاسب أخلاقي يسبب عن خطأين رئيسيين: تفسير المعاناة كمؤشر على الخطيئة من ناحية (خطأ أصدقاء أيوب) ونسبة الظلم إلى الرب من ناحية أخرى (خطأ أيوب). توبة أيوب في خطابه الأخير، يعترف أيوب بمعرفة جديدة مباشرة عن يهوه كانت تنقصه من قبل. معرفة تقوده للتوبة. "بِسَمْعِ الأُذُنِ قَدْ سَمِعْتُ عَنْكَ، وَالآنَ رَأَتْكَ عَيْنِي. "(سفر أيوب 42: 5) وهنا المعنى الآخر لاسم أيوب - الشخص الذي يتوب. ولكن لماذا يتوب أيوب؟ من المؤكد أنه لا يتوب عن الخطيئة - لم يؤيد الرب اتهامات الأصدقاء ضد أيوب (في الواقع، سيعلن صراحة أنهم كانوا مخطئين). "لأَنَّكُمْ لَمْ تَقُولُوا فِيَّ الصَّوَابَ كَعَبْدِي أَيُّوبَ". (سفر أيوب 42: 7) يوضح الرب أن اللعبة لا تدور حول الذنب والبراءة والثواب والعقاب كما يعتقد أيوب وأصدقاؤه. بفهمه الجديد ليهوه، يتحرر أيوب من التوقعات الخاطئة التي رسخها سفر التثنية لنظام العدالة الجزائية الإلهية. بعد هذا الحوار مع الرب، عاد أيوب إلى حياته الطبيعية. وبالنسبة للبعض، تبدو النهاية معاكسة لفكرة السفر، لأنها استسلام للنهاية السعيدة ونظام المجازاة العادل الذي يتعارض مع فحوى الكتاب بأكمله. ومع ذلك، فإن النهاية مناسبة بطريقة رائعة – فكما تأتي المعاناة لسبب غير مفهوم، كذلك تنتهي لسبب غير مفهوم. بر بلا منفعة لا يحاول الرب في أي مكان أن يبرر أو يشرح سببا لمعاناة أيوب، ومع ذلك، بحلول نهاية الحوار، يكون أيوب المتذمر راضيًا. ربما أدرك أيوب أن المبدأ التلقائي للثواب والعقاب سيجعل من المستحيل على البشر أن يفعلوا الخير لدوافع نزيهة بحتة. عندما يُنظر إلى البر على أنه عبثي ولا نفع له، يصبح لاختيارنا له معنى. الخلاصة لقد حيرت قضية الألم البشرية لآلاف السنين. ولا يقدم سفر أيوب إجابة تفسيرية أو تبريرية للألم والظلم. ما يقدمه هو تحذير صارم وواضح من خطورة التعنيف الوعظي للمتألمين سواء بافتراض شرهم أو مخاطبتهم بلسان الله. رفض أيوب التخلي عن أخلاقه وتاق لنظام جزائي عادل يحكم الكون يحميه من الألم لأنه بار. وفي النهاية، تخلى عن مطلبه؛ لأنه أدرك أن قيمة البر تكمن في أن يكون بلا مقابل. إضافة من المترجمة:إن الفهم الصحيح لسفر أيوب هام للغاية للمتشوف إلى فهم طبيعة الوحي ككل. يتضح لنا أن الكتاب المقدس ليس كتابا واحدا يسير فيه الكتاب على نفس النهج والمنوال. بل هو مكتبة كاملة متنوعة، بداخلها مدارس تعارض بعضها البعض وتتحاور. وللقارئ دور هام في قراءة الأسفار قراءة تحليلية تفاعلية، من خلال إعمال فكره، وضميره، أو دعنا نقول النور الطبيعي الذي بداخله، الكائن قبل كل الكتب والأديان. أرى أن أيوب يقدم رؤية ناضجة تفوق رؤية التثنية والأسفار النبوية التي تجعل البر شرطا لتوسيع التخوم والحماية من الشر والسبي. فإن فعلنا البر سعيا لربح المكافأة، وتجنبنا الشر خوفا من العذاب، فأي فضل وحرية لنا؟ ربما لا يقبل البعض هذه الرؤية، مفضلا عليها العدالة الجزائية أي الإله الذي يجازي كل واحد كنحو أعماله. لكن الكتاب المقدس يقدم هاتين الرؤيتين المتعارضتين، ويتركنا مع هذا السؤال لنفكر. إن الكوارث الطبيعية تحدث لأن هذا هو حال الطبيعة -نتطفل على الطبيعة ونستغل مواردها، فتثور الطبيعة ضدنا لتتطور وتتجدد. مثلما نفترس نحن الحيوان والنبات، تفترسنا الطبيعة بجبروتها. تلك هي دورة الحياة التي تحكم العالم، والتي لا مفر منها حتى بدخول القوى الإلهية إلى المشهد. هكذا فسر كاتب سفر أيوب قضية المعاناة منذ آلاف السنين. (كرستينا عزيز) --- ### ماذا لو؟! - Published: ۲۰۲۲-۰۸-۲۵ - Modified: 2022-09-13 - URL: https://tabcm.net/7699/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون ‏ماذا لو... -انقطعت الهدايا، ألستَ أنت أجملها؟! -سرنا حيناً بجانب الشمس، هل ستُعيرنا صفة النجوم؟ -آثرنا الكثير لبعض الأرواح الصغيرة، أيضيرنا ذلك؟ -ابتعنا القلوب في محاولةٍ بائسة، ألن نعدم المُشتري؟ -تلاشى النظر، لا فرق حينها بين الأخضر والأحمر! -وضعت "الخيبات" قدمها أمامنا، ستواسينا غيمةُ مطر! -فقدنا الثّقة، لابد لنهارٍ أبيضٍ أن يصدقنا! -غرقنا وغرقنا إيماننا (طوق نجاة)! -قصصنا (القصص) ونحن نيام ونبحر في الورديّ من المنام، أي العبر ستخرجنا من بعض مأزِق؟! -ثرثرنا عن الحُب، ونحنُ لا نملكُ أحبّاء! -صفعتنا الريحُ العاصفُ ألف مرّة، ستسندنا الرياح اللطيفة ألفاً! -احتقنت الشوارعُ بالمارّة، لا زالت المدينةُ تحمل بهجة خفيّة في مسالكها! -كان صدرك دُخان، وظهرك غمامة حُزن، في قلبك متسع لتزرع زهرة حبٍّ جديد! -ضاقت جِهاتك ووجهاتك، ونُزعت مؤشراتُ بوصلاتك، سهامُ قلبك حيّة... سخيّة ما انفكت إلا وهي تأخذك وتدفعك للطريق! -كنتَ حبلاً مشدوداً باتجاهين متعاكسين، إلى أيُّ جهة ستميل؟! -خاننا البحر وابتلعنا بين لُججه، أي المرافئ ستنقذنا؟! وأحضانُ الأمواج بلا لملمة مُتناثرة تزهق الروح بلا رئة أمل ولا أنفاس عودة! -تقاربنا الخُطى... لا ضعت ولا غمست قدمي في وحّل الطريق! ‏‎ -انطلقت العصافير هاربة إلى أقفاصي؟! -اشتقتَ لهم، اشتقَّ لهم من حرفك (صلاة)! -اختفت الأقلام، سنعدم أوفى الأصدقاء! -كثرت أحلامك، ابدأ بـ أيسرها تحققاً! -لم تُعجـِب الآخرين، الأهم أن تتيقن بأنك مُختلف! -فقدت الأصدقاء، لكَ في الكتاب تسلية وسلوان! -حبست الكون في داخلك، قلمك موجود أدِر رأسه فقط واجعله يجري على بحرٍ من ورق! -التوت أعناق سنابلك، تيقّن أن الريح التي أهلكتها سـتحملُ لك على متنها ألف بَذْرَة وبذرة! -‏‎كانت الرسائل تخاطر، هي لأرواحنا أُنساً ‏‎ -كان الغروب محطة الكون للقاءنا، أنؤمن بصدقها؟!   ‏ماذا لو... -كان المطرُ يهطل وكنت مسجوناً في غُرفةٍ مُقفلة؟! -رماكَ الليلُ في ثوبِ حزنه، وأطل عليك القمر من وراء غيمهِ شاحباً؟! -كثُرت الروايات حول ما يجري، كم من روايةٍ عليك أن تُصدّق؟! -كان النسيانُ دواءً يباعُ في زجاجات، أكنت تؤمنُ بمقدرته على شفائك؟! -ضاع العُمر، أنعيش موتاً ربما يكون بعيداً؟! -انتهت الأمور على غير ما نشتهي، أيجففُ بلل دموعنا منديل؟! -حملنا انهزاماً وخذلاناً في دواخلنا، ألا نستطيع بذر أملٍ صغير لنحيا به؟! -‏أشجانا الغِياب، كم من زنزانةٍ سنزورها لسجنِ الذكريات؟! -‏كان ما ‏تحت رفة الأجفـان، خوف يتفوقُ على جملة الأحزان؟! -عطِشنا لـ حنانٍ بعيد، وعجزنا عن الخلاص، وراودنا اختناق الحاجة لا زلنا نملك أنفسنا ونمتلكُ كل نَفَس! -كثرت الأقاويل، يبقى الجميلُ هو الجميل! -جفت الأوراق وتساقطت، يمكننا الاستعانة بظلال الجذوع! -تلطخنا بالحِبر، سيبقى ما كتبناه جبراً لخواطرنا! -حَسبت رغباتنا مشاعرنا مجرد "صخب" أو لغز تحاشاه السؤال وغادره الجواب فـ"أنتحب"؟! - كان وقوعي في حبك هو مجازفتي الرائعة في وجه هذه الحياة الماكرة! ‏-سرقتني إليك وركلت هذا العالم وروّينا قلبينا عشقًا لا دمعًا! -أشرقت الشمس مرتين؟ ‏لن أحجب الإشراقة الأولى سأكون ساطعةً بما يكفي ولن يلمح أحد الإشراق الثاني في الدائرة البعيدة معك، وحدك. . --- ### الناموس - Published: ۲۰۲۲-۰۸-۲٤ - Modified: 2022-08-24 - URL: https://tabcm.net/7666/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: المولود أعمى الحفاظ على الناموس؟ أم حفظ الناموس؟ أم حياة تحيي الناموس؟ - شفى يسوع مريضًا مُقعدًا في يوم سبت فغضب الفريسيون جدًا بدافع حفاظهم على الناموس. - أكل تلاميذ يسوع قمحًا من الحقول في يوم سبت فغضب الفريسيون جدًا بدافع حرصهم على الناموس. - رأى يسوع إنسانًا أعمى وكان سبت فاهتم الفريسيون بمراقبة يسوع ليضبطوه متلبسًا بالشفاء يوم السبت. - فتح يسوع عيني الأعمى يوم السبت فاتهمه الفريسيون بأنه ليس من الله لأنه لا يحفظ السبت وغضبوا جدًا بدافع حرصهم على الناموس. - جلس يسوع مع العشارين والخطاة فغضب الفريسيون جدًا وانتهروا تلاميذه بدافع حرصهم على الحفاظ على الناموس. - حفظ الشاب الوصايا منذ صغره فعجز عن فهم ملكوت يسوع المسيح ومضى حزينًا. - شاول، بدافع حفاظه على الناموس، جال يقتل المسيحيين الذين في رأيه ضد الناموس. - لكن لما تقابل مع من غيَّر حياته قال: "الحرف يقتل" وتحوَّل الناموس المحفوظ إلى حياة وقيم إيمانية. - بطرس، في حفاظه على الناموس رفض أن يذهب لكرنيليوس الأممي. - بطرس، مرة أخرى، يتغلَّب عليه الحفاظ على الناموس فيؤخِّر نفسه ويمتنع عن الأكل مع الأمم ويتسبب في عثرة برنابا - أعطى الله السبت للإنسان -ولم (يأمر) الإنسان (بحفظ) طقوس خاصة بالسبت. فقد تطلع الله إلى إراحة الإنسان فعلًا، وذلك بالتوقف عن مشقة العمل، وتخصيص السبت للاجتماع بالله وبالقريب في صحبة الرب للتمتع معًا-أي ليكون السبت يوم فرح ومتعة-هذا إذا فهم الإنسان أبوة الله فهمًا سويًا وصحيحًا، أما المعلِّمون فقد حولوه إلى حِمل إضافي على الإنسان. والتجار الذين يريدون مضاعفة مكاسبهم يغشون في التجارة بقية أيام الأسبوع لتعويض ما لم يكسبوه في راحة السبت. فكيف نفهم الناموس، الوصية، الحرف؟ • هي خرائط توضح الطريق لكنها ليست الطريق. • هي مجرَّدات لكنها تحتاج إلى من يبث فيها الحياة. • هي حلول سهلة لمن يريد أن يكتفي بإشباع الميول الدينية. • لكن ليست هي الطريق الضيق الذي يؤدي إلى الحياة. فكيف يكون الناموس حياةً وليس حرفًا يقتل؟ • عندما يتفاعل مع ظروف الحياة ويتحوَّل إلى قيم وأخلاقيات إيمانية. • عندما يكون الإيمان بوصايا الناموس إيمان حي برب الناموس. • عندما يحيي رب الناموس ضمائر المؤمنين فلا يكون الناموس حرفًا فيما بعد بل روح وحياة. • عندما يدرك المؤمنون أن الحرف ليس الألف والياء وليس الغاية في ذاته. لذا طلب يسوع رحمة لا ذبيحة. --- ### نحن نحب زراعة الأشواك! - Published: ۲۰۲۲-۰۸-۲۳ - Modified: 2022-08-23 - URL: https://tabcm.net/7680/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: الإعلام القبطي, عبد المسيح بخيت على خلفية حادث كنيسة الشهيد أبي سيفين بحي إمبابة الشعبي المختلط بتاريخ القاهرة الكبرى، الذي أفجعنا منذ أيام، لا أزال أتعجب كيف يمتلك أحدهم كل ذاك التبجح أمام شبح الموت ومخالبه الباطشة؟ كيف بحق أيا كنتم تعبدون، أن تأخذكم العجرفة ونفي الاتهامات وتأليف المعجزات أمام جثامين أكثر من خمسة عشر طفلًا دنسها الإهمال؟! ثم قاطعني صوت "مصطفى خلف" المحامي الشهير في ضد الحكومة صارخًا: "كلنا فاسدون لا أستثني أحدًا! " نعم، وأنا كذلك، لا ولن استثني أحد: من إعلام فاشل، ودراويش مغيبيين، وقادة متنطعين، وتعليم ضحل، وهلوسات نظريات المؤامرة الساذجة. . لا استثناءات! الكل متهم! "أنني لن أغير سير الشريعة ولن أُقيد الجهالة، دع الجهل يستثمر ذاته حتى يمل ذريته. دع العميان يقودون العميان إلى الحفرة، ودع الموتى يدفنون موتاهم حتى تختنق الأرض بأثمارها المريرة". (جبران خليل جبران، كتاب يسوع ابن الإنسان) في هذه القبيلة، لا احترام لمهابة الموت ولا أنين المفجوعين، حتى تتطبع المفجوعون بطباع القبيلة وأنكروا على ذواتهم الحزن، ذاك الذي تجرعه المسيح في جثسيماني! مع الساعات الأولى بعد الحادث قرر مُرْتَزِقَة الإعلام القبطي -هذا الوصف ليس هجاءا؛ لأنهم ليسوا دارسي إعلام متخصصين وإن درسوا فهم لا يمتلكون الحد الأدنى للاحترافية- ممارسة هوايتهم المفضلة في تغطيات عشوائية وجلب ضيوف عشوائية لبرامجهم والمزايدة على آلام البشر إلى تصدير غيبيات جديدة وإهانة كل من أدان الإهمال وحاول وضع الأمور داخل نصابها السليم. إليك بعض الأمثلة مما ترويجه: - ده فيديو ٢٠ ثانية يا ظلمة لحقتوا تنظروا وتحللوا! - الذبيحة أهم من كل شيء! - لا تدينوا! - الكاهن الشهيد! - يا بختهم! - أنتم أعداء الكنيسة ومضللين! - متقولوش يا جماعة قدام الكاميرات أنه ماس! - معجزة هنا... معجزة هنا... معجزة هنا! وغيرها العديد والعديد مما يُثير الغثيان حقًا! والحق ربما هذا ليس انتقاصًا من شخوص بعينها بينما محاولة تشريح فيما يجول داخل عقلية شريحة كبيرة من أقباط مصر! ١- في بادئ البداية، يتميز هذا الجيل تحديدًا من الأقباط المصريين دونًا عن غيرهم من مسيحيي العالم بعشق نظرية المؤامرة الكونية، ولأجل الصدق فهم أكثر من عانوا أحداث بشعة تظل ذكراها عالقة في أذهاننا جميعًا من أحداث الكُشح ونجع حمادي وطنطا والبطرسية إلى حوادث الشارع والمواصلات العامة التي تقع فريستها الأولى سيدات وفتيات يجدن أنفسهم في دائرة عنف جندري/ديني ويقفن بصمت يعتصرهم الخزي مع المزيد من التنكيل في جلسات عرفية رديئة السمعة. هذا لا ينكره إنسان ولكن يا عزيزي المواطن لماذا لا يمكنك الاعتراف بخطأ إهمال جسيم ناجم عن المؤسسة نفسها؟ للأمر بعض الأبعاد السيكولوجية سأحاول في إيجاز تلخيصها: تربى أطفال المؤسسة الكنسية على أن هذه المؤسسة: "مقدّسة"، ﻻ تخطئ، ورجالها "قديسون"، ﻻ يخطئون، ولا حتى العاملون فيها من كهنة وإكليروس، وبهذا نفوا عنهم أي صفات إنسانية فيما يُشبه التأليه المستتر، وأخذوا يكررون الأمر مرارًا وتكرارًا بوعي أو دون وعي، حتى بات من المستحيل، وﻻ بالأدلة الجنائية، أن يصدقوا أن هناك رجل دين متحرش أو قاتل تحت شعار: "ده كاهن أنت بتقول إيه" في مسلسل عبثي سوداوي لسياسة قطيع يلهث وراء جلاده في حنان وهيام بلا ذرة تعقل أو وزن للأمور! هل مات أحباءنا هكذا دون داع؟ "على فشوش؟" ألا توجد مبررات درامية لموتهم؟ ليس هناك شبهة جنائية؟ ليس هناك من يريد زعزعة إيماننا؟ قد لا يحتمل عقل مواطن بسيط عانى بصدق ويلات الحياة فاجعة كهذه دون مُعزي؛ ولا أقصد بالمُعزي هنا الروح القدس قطعًا، بل أطنان من تراكمات القصص الفلكلورية والدراما الكنسية والبرامج الخزعبلية التي تؤكد حدوث معجزة ما تهون عليه ضنك الأيام. فإن كان المواطن العادي يُفجع من الشر والألم، فالمسيحي المصري لا يستطيع التعامل مع أبسط آلام يومه إلا عن طريق معجزة أيًا ما تكون! الله صانع المعجزات يستطيع كل شيء لكن من السخف أن تورطه في إصلاح "جلدة حنفية مخرومة"! وهذا تحديدًا ما أسميه العبث المعجزاتي! في دراسة في غاية الأهمية للدكتورة "أماني مسعود" أستاذة العلوم السياسية بسياسة واقتصاد حول حي المطرية وما جاورها من أحياء فقيرة؛ بغرض البحث في أسباب تأهل هذا الحي واحتضانه لتنظيمات إرهابية وجدت التالي: "عمران المهمشين" وهو العمران المفتقد للخدمات عمومًا ومحفز للإفقار؛ يقدم قراءة اقتصادية واجتماعية للعنف... ما دخل هذا بذاك؟ سأوضح القصد: يوجد تماس رهيب في تعريفات "عمران المهمشين" بين كل من المطرية وإمبابة؛ بيئة خصبة وثرية لمقومات العنف والإرهاب. أتتصور أيها القارئ أن المتسبب في الحادث هو وجود مولد "جينيريتور" مع "كارفانات" خشبية وتغطية بير السلم بين الأدوار ٣ و٤ لكسب مساحة أوسع للكنيسة وسطح مُقفل بشباك حديد ومن الداخل بخشب كيلا يتسرب هواء التكييف هباءً؟ هذا بالحقيقة أحط كوارث عمران المهمشين ونتائجه الكارثية. ٢- أود افتتاح التحليل الثاني بإحدى أصدق عبارات الليبي الصادق النيهوم: "لا تخافوا على سلامة دينكم من تماثيل حجرية تزينون بها منازلكم! بل خافوا من الأصنام البشرية التي تحتل رؤوسكم وتسجد لها عقولكم"(الصادق النيهوم) مرفق بهذا المقال عينات عشوائية من ردود فعل شريحة كبيرة من الأقباط حول كيفية تعامل المتنيح القمص عبد المسيح بخيت مع الحادث وإكمال طقس الصلاة. ترتكز الردود المتنوعة حول مفاهيم مثل: "الأمانة والذبيحة والمقدسات وحرام ومينفعش". أضع تحت عين القارئ بعض آيات الكتاب المقدس بالشهود حتى لا ينعتوني بالهرطقة أو الاحتكام للدامابادا البوذية: لَسْتُ أَسْأَلُ أَنْ تَأْخُذَهُمْ مِنَ الْعَالَمِ بَلْ أَنْ تَحْفَظَهُمْ مِنَ الشِّرِّيرِ. (يوحنا ١٧: ١٥) لَيْسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هذَا: أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لأَجْلِ أَحِبَّائِهِ. (يوحنا ١٥: ١٣) فِعْلُ الْعَدْلِ وَالْحَقِّ أَفْضَلُ عِنْدَ الرَّبِّ مِنَ الذَّبِيحَةِ. (أمثال ٢١: ٣) كَمَا أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ، وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ. (متى ٢٠: ٢٨) وَلأَجْلِهِمْ أُقَدِّسُ أَنَا ذَاتِي، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا مُقَدَّسِينَ فِي الْحَقِّ. (يوحنا ١٧: ١٩)   أنا حقًا أتعجب من هذا الشعب الذي يزعم بحثه عن الحقيقة وإيمانه بالإنسانية، فقط فتش عن أسماء الأقباط في التعليقات على الصفحات المطالبة بتجديد الخطاب الديني أو الحريات وما أن يتعلق الأمر ببحث حول سبب من أسباب حادث مروع ينتفضون متشنجين ضد كل من يحاورهم بمنطق! يبدو أن المنطق نفسه لا يحتمل ما يحدث! دعني استوضح قبل أي شيء أن الموتى بين يدي خالقهم ومن موقعي لا أحمل إدانة شخص الكاهن الفقيد إنما مباحثة حول الله الذي أعرفه. --- ### العلمانيون والكنيسة.. إعادة تذكرة - Published: ۲۰۲۲-۰۸-۲۲ - Modified: 2022-08-22 - URL: https://tabcm.net/7704/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, شئون علمانية - وسوم: التيار العلماني القبطي, انتخاب البابا, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث قبل نحو أربعة عشر عاماً أطلقت صرخات تحذير وتنبيه حملتها صفحات كتابي "العلمانيون والكنيسة ـ صراعات وتحالفات"، وحملت أول نسخة منه وسلمتها لسكرتارية قداسة البابا شنودة الثالث (يناير 2009)، على أمل أن تضع سطوره وأطروحاته نقطة في أخر سطر مرتبك ومحتشد بالأزمات، وهو ما لم يحدث. فور إعلان وصول البابا تواضروس الثاني إلى الكرسي البابوي ذهبت إليه مهنئاً في مقره بدير الأنبا بيشوي قبل تجليسه، ومعي نسخة من الكتاب. ورغم إصداري لكتابين لاحقين طرحا ما استجد من إشكاليات كنسية وقبطية يبقى هذا الكتاب الأكثر تناولاً لجذور أزماتنا ورؤى تفكيكها، بالرغم مما أثاره من زوابع كادت تقتلعني مشيعاً بوابل من اتهامات الهرطقة(! ! ) والعمالة التي لم تتوقف حتى اللحظة، لكن واقعنا ينتصر لأطروحاتي، وما زالت سطوري تصرخ... ومازال قلبي ينزف، ومازال صراع الديوك قائماً ومازال العشب يتحطم تحت أقدام الفيلة. وقد حمل الغلاف في ظهر الكتاب هذه السطور: هذا الكتاب ـ يقرأ الدور الشعبي في إدارة الكنيسة. . ويدعو إلى حتمية العمل الرسمي داخلها لوضع تقنين كنسي موثق ومكتوب يضبط حركتها بشكل معاصر على أرضية التقليد الآبائي، خاصة في المحاكمات الكنسية والمجلس الملي وانتخاب البابا. ـ يتعرض بعمق لفترة من أخصب الفترات الكنسية وأكثرها ثراءً في الحراك الشعبي الذي قاوم محاولة اختطاف الكنيسة والقضاء على توجهها الشعبي، من خلال أوراق "جماعة مدارس الأحد"، (1947ـ1954) تقارن ماذا قالوا حينها وماذا نفذوا عندما دانت لهم مقاليد قيادة الكنيسة. و"جماعة الأمة القبطية"، (1952ـ1954) التي لم تقف توجهاتها عند إصلاح الكنيسة وحسب بل سعت إلى إحياء "الأمة القبطية"، لغة وحياة وتاريخ، وهو ما عجل بمحاصرة تلك الجماعة والقضاء عليها. ـ يطرح السؤال المتواتر ماذا بعد غياب البابا شنودة؟ هل تملك الكنيسة آليات أو رؤى محددة للإجابة؟ وهل يملك البابا القادم أدوات وخلفيات البابا شنودة؟ ـ ويتلامس مع الطرح العلماني عبر مؤتمرات التيار العلماني (2006ـ2008). ـ ويشتبك مع إشكالية "أقباط المهجر"، المسمى والحراك، في محاولة لقراءة الجذور والدور، الكنسي والوطني، خاصة وقد ذهب البعض إلى تحميلهم مسئولية الاحتقان الطائفي واتهامهم بالاستقواء بالخارج، فيما يراهم آخرون أنهم الصوت الصارخ في الخارج لرفع الظلم الواقع على أقباط الداخل، في إطار تداعيات العولمة وعلى خلفية المد الحادث لمنظمات حقوق الإنسان وصعود نسق المواطنة، وتغيرات موازين القوى، في تواز مع المد الطائفي الإجرامي. ـ وينتهي بالاقتراب من منظومة الرهبنة كواحدة من الآليات المؤثرة والحاكمة كنسياً، وباعتبارها منظومة شعبية تولدت بمبادرة عَلمانية، ووجدت فيها الكنيسة قيمة مضافة، يقرأ الضوابط ويقترب من الحاضر وانكساراته، ويطرح رؤى إنقاذها وتفعيل رسالتها. --- ### شجرة المعرفة وشجرة الحياة - Published: ۲۰۲۲-۰۸-۲۱ - Modified: 2022-08-20 - URL: https://tabcm.net/7183/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: شجرة الحياة, شجرة المعرفة, قديس بولس الرسول في البَدْء خلق الله شجرة المعرفة وشجرة الحياة في وسط الفردوس ليرينا أن الحياة لا تنفصل عن معرفة الحق ”وتعرفون الحق والحق يحرركم“. و شجرة المعرفة ليست هي التي تُميت بل المعصية. لا حياة دون معرفة، وما من معرفة حقيقية دون حياة حق ”هذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته“، لذلك فالشجرتان غُرِسَتا معاً في مكان واحد (وسط الجنة). و بذلك يرينا الله أن الحياة هي بالمعرفة، ولكن الإنسان الأول لم يطلب المعرفة النقية من الله، فتعري مِن المعرفة بواسطة غَوَاية الحية. لقد أدرك الرسول قوة التصاق الحياة والمعرفة، فشجب المعرفة المتحررة من الحق ومن الطاعة لمنهج/ وصايا الحياة التي يمنحها الحق، ولذلك قال”الْعِلْمُ يَنْفُخُ، وَلكِنَّ الْمَحَبَّةَ تَبْنِي“. (رسالة بولس الرسول الأولى إلى كورنثوس 8: 1). فمَن يريد المعرفة الحق فليسع في طلب المعرفة التي تشهد لها الحياة. والعكس صحيح لمِن لا يحب الحياة، تغويه الحية/ الشيطان بالمعرفة غير المرتبطة بالحياة أو تطلبها بل وقد تكون في مضادة معها. هذه هي معرفة الشيطان ”ذاك كان قتالاً للناس منذ البَدْء“. فلا عجب أن الرب وصف الشيطان، برغم علمه ومعرفته الواسعة، بأنه ”الكذاب وأبو الكذاب“ لأن معرفته لا تستمر في طلب الحياة بل تعود وتكذب وتقود إلى الموت.   عن هذه المعرفة قال الوحي ”الذي يزداد علماً يزداد غماً“. أما محبي الرب فإنهم يصيرون فردوساً للنعيم، لأن الله يُنبِت فيهم شجرتا الحياة والمعرفة فيملأهم الرجاء بطلوع كل أنواع الثمر من كل شجر الجنة. وهم متسربلون بالتقوى والخشية وليس بالمعرفة التي تنفخ، فليكن قلبك وعاء المعرفة، ولتصبح الكلمة فيك شهادة حياة، وإذا نمت فيك الشجرة (حب المعرفة)، ورغبِتَ أن تأكل من ثمارها، فإنك بذلك تنال ما ترجوه من الله الذي وعدنا وأوصانا ”و تعرفون الحق“. وهو ما لا تقوى الحية حتى على لمسه ولا أن يناله فساد. فها كل شيء قد تغيَّر ولا مجال بعد لترديد الفهم الخاطئ للقول ”بينما يتجادل اللاهوتيون يتسلل البسطاء إلى ملكوت السموات“ الذي ينحدر بالإنسان إلى العزوف عن طلب الحياة التي في المعرفة، إن اللوغوس/ الرب الكلمة، يفرح عندما يُعلِّم به القديسون ليتمجد الآب بالأبن في الروح القدس آمين. والسُبح لله. إعداد د. رءوف إدوارد --- ### تأله ناسوت المسيح في تعليم آباء الكنيسة - Published: ۲۰۲۲-۰۸-۲۰ - Modified: 2023-10-11 - URL: https://tabcm.net/7708/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: آريوسية, أبولينارية, أنطون جرجس, الكنيسة الجامعة, المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية, النسطورية, بابا ثاؤفيلوس, بابا كيرلس عمود الدين, چورچ عوض إبراهيم, حنا الفاخوري, سرجيوس النحوي, صموئيل كامل عبد السيد, ضد الآريوسيين, ضد الأبوليناريين, عيد الميلاد, غريغوريوس النزينزي، الناطق بالإلهيات, غريغوريوس النيسي, قديس أثناسيوس الرسولي, قديس هيلاري، أسقف بواتييه, نبي إشعياء, هرطقة الأبولينارية يعلم آباء الكنيسة الأرثوذكسية الجامعة بتعليم غاية في الأهمية هو تأله ناسوت المسيح، حيث يرى الآباء أن تأله ناسوت المسيح هو الطريق لتأله أجسادنا نحن بالمسيح في الروح القدس. فنجد القديس أثناسيوس الرسولي يؤكد على تأله ناسوت المسيح، ويؤكد أيضًا على تبادل الخواص والصفات في المسيح كالتالي: "بل كُتبت هذه العبارة عنه بسببنا ولأجلنا. لأنه كما مات المسيح ثم رُفع كإنسان، فبالمثل قيل عنه إنه أخذ كإنسان ما كان له دائمًا كإله، وذلك لكي تصل إلينا عطية مثل هذه النعمة، فإن اللوغوس لم يحط من قدره باتخاذه جسدًا حتى يسعى للحصول على نعمة أيضًا، بل بالأحرى فإن الجسد الذي لبسه قد تأله، بل وأكثر من ذلك، فقد أنعم بهذه النعمة على جنس البشر بدرجة أكثر". (أثناسيوس، المقالات ضد الآريوسيين، ترجمة: د. صموئيل كامل وآخرين، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، ٢٠١٧)، ١: ١١: ٤٢، ص ١١٠، ١١١). ويكرر نفس الحديث عن تأله ناسوت المسيح في موضع آخر كالتالي: "لأنه حينما صار إنسانًا، لم يكف عن أن يكون الله، ولا بسبب كونه الله يتجنب ما هو خاص بالإنسان، حاشا بل بالحري، إذ هو الله فقد أخذ الجسد لنفسه، وبوجوده في الجسد، فإنه يؤله* الجسد". (المرجع السابق، ٣: ٢٧: ٣٨، ص ٣٤٣، ٣٤٤). ويشدد أيضًا على تأله ناسوت المسيح في موضع آخر قائلاً: "وعندئذ لم يقل 'والابن' كما سبق وقال إنسانيًا، بل قال: 'ليس لكم أن تعرفوا لأن الجسد عندئذ كان قد قام وخلع عنه الموت وتأله*، ولم يعد يليق به أن يجيب بحسب الجسد عندما كان منطلقًا إلى السموات، بل أن يعلم بطريقة إلهية". (المرجع السابق، ٣: ٢٨: ٤٨، ص ٣٥٨). وهذا هو أيضًا ما يقوله ق. غريغوريوس اللاهوتي عن تأله ناسوت المسيح، حيث يقول في عظته الثيؤفانيا (الظهور الإلهي) أو عظة عيد الميلاد التالي: "الله قد خرج مع الجسد الذي اتخذه، واحد من اثنين كانا مختلفين، الجسد والروح، حيث أحدهما كان يؤله، والآخر يتأله*. فيا للخلط الجديد! يا للمزج العجيب! هو الذي هو، قد صار، والخالق خُلق، وغير المدرَك قد أُدرك بواسطة العقل كوسيط الذي هو في المنتصف بين اللاهوت وخشونة الجسد". (Gregory of Nazianzus, Theophany, PG 36. 325 B-C). ويتحدث ق. غريغوريوس اللاهوتي عن تأله ناسوت المسيح نفسًا وجسدًا في مواجهة أبوليناريوس الذي أنكر وجود النفس الإنسانية العاقلة في المسيح كالتالي: "إذا كان الأقل نبلاً قد اُتخذ ليتقدس إذ أنه (المسيح) اتخذ جسدًا، أفلا يُتخذ الأكثر نبلاً ليُقدس إذ أنه (المسيح) صار إنسانًا، إذ كان التراب أيها الحكماء قد خمّر الخمير فصار عجينًا جديدًا، أفلا يُخمِّر الصورة فترقى إلى الامتزاج بالله، بعد أن تكون قد تألهت بالألوهة؟". (غريغوريوس النزينزي (قديس)، رسائل لاهوتية، ترجمة: الأب حنا الفاخوري، (لبنان: منشورات المكتبة البولسية، ٢٠٠٠)، الرسالة الأولى إلى كليدونيوس، ص ٢٤). ويقول ق. غريغوريوس اللاهوتي في خطبته اللاهوتية الأولى عن الابن في مواجهة الأفنوميين الآريوسيين منكري ألوهية المسيح متحدثًا عن تأله ناسوت المسيح، الذي فتح الطريق أمام تأله أجسادنا نحن أيضًا التالي: "فالذي هو الآن حقير في نظرك، كان قبلاً أرفع منك، الذي هو الآن إنسان، كان حينذاك غير مركب. وما كانه بقى عليه، وما لم يكنه صار إليه . كان في البدء بلا علة - وهل يكون لله علة؟ - ثم وُلد لعلة. وكانت العلة هي أن تخلُص، أنت المجدف عليه، ومحتقر الألوهة التي تحملت كثافتك، والإنسان الأرضي الذي اتحد بالجسد بواسطة روح، صار إلهًا عندما امتزج بالله، وصار واحدًا، يغلب فيه الأفضل والأرفع، وبذلك أصبحُ أنا إلهًا بقدر ما أصبح هو إنسانًا". (غريغوريوس النزينزي (قديس)، الخطب ٢٧-٣١ اللاهوتية، ترجمة: الأب حنا الفاخوري، (لبنان: منشورات المكتبة البولسية، ١٩٩٣)، ٢٩: ١٩، ص ١٠٠). وهذا هو أيضًا ما يؤكد عليه ق. غريغوريوس النيسي في مواجهة الهرطقة الأبولينارية، حيث شدد على تأله ناسوت المسيح، واكتسابه خواص الألوهية بعد التجسد التدبيري لله الكلمة، وهذا بالطبع ينعكس على أجساد البشر الذين خلصهم الله الكلمة بتجسده من الخطية واللعنة والضعف، ومنحهم التأله وخواص الألوهية من الحكمة، والقداسة، والقوة، وعدم التألم كالتالي: "إننا نضع في الاعتبار قول الرسول: إنه صار خطيةً، ولعنةً لأجلنا، وإنه قد أخذ ضعفنا عليه بحسب كلام إشعياء النبي، ولم يترك الخطية، واللعنة، والضعف دون شفاء، بل قد ابتُلع المائت من الحياة، ولقد امتزج كل شيء ضعيف ومائت في طبيعتنا مع الألوهية، وصار ما تكونه الألوهية". (غريغوريوس النيسي (قديس)، الرسالة إلى البابا ثيؤفيلوس السكندري ٢٣ ضد الأبوليناريين، ترجمة: أنطون جرجس، (القاهرة: دورية مدرسة الإسكندرية رقم ٣١، ٢٠٢١)، ص ٥٢، ٥٣). ويكرر النيسي نفس الحديث عن تأله ناسوت المسيح في نفس الرسالة قائلاً: " لأنه باكورة الطبيعة البشرية التي أخذها امتزجت بالألوهية* كلية القدرة والقوة لكن بما أن كل هذه الخواص التي نراها مصاحبةً للمائت قد تحولت إلى خواص الألوهية، فلا يمكن إدراك أي تمييز بينهما، لأن أي شيء يمكن أن يراه الإنسان في الابن هو الألوهية، والحكمة، والقوة، والقداسة، وعدم التألم". (المرجع السابق، ص ٥٤). وكذلك أيضًا يؤكد ق. هيلاري أسقف بواتييه الملقب بأثناسيوس الغرب على تأله ناسوت المسيح، حيث يقول التالي: "إذ يتلخص التجسد في هذا، أن كل ما للابن - أي ناسوته ولاهوته- قد سمح له الآب أن يستمر في وحدة طبيعته، ولم يحتفظ فقط بقدرات الطبيعة الإلهية، بل وأيضًا بتلك الطبيعة نفسها. فإن الهدف المطلوب هو أن يتأله الناسوت*. لكن الناسوت المُتخذ لم يكن ممكنًا له بأية طريقة أن يبقى في وحدة الله، إلا إذا وصل إلى الوحدة مع اللاهوت". (هيلاري أسقف بواتييه (قديس)، عن الثالوث، ترجمة: راهب من دير الانبا أنطونيوس، (مصر: دير الانبا أنطونيوس بالبحر الأحمر، ٢٠١٧)، ٩: ٣٨، ص٦٣١، ٦٣٢). كما يؤكد ق. كيرلس السكندري الملقب بعمود الدين على تأله ناسوت المسيح، الذي يعد الوسيلة والطريقة لتأله أجسادنا نحن أيضًا، حيث يقول التالي: "تتقدم الطبيعة البشرية في الحكمة وفقًا للطريقة الآتية: الحكمة الذي هو كلمة الله اتخذ الطبيعة البشرية فتألهت*، وهذا مبرهَن من خلال أعمال الجسد، والنتائج العجيبة في أعين أولئك الذين يرون الهيكل (الجسد) الذي أخذه، جعلته يرتقي بالنسبة لهم. هكذا ارتقت الطبيعة البشرية في الحكمة متألهةً بواسطتها. لذلك أيضًا نحن بطريقة مماثلة للكلمة، الذي لأجلنا تأنس، نُدعى أبناء الله وآلهةً*. لقد تقدمت طبيعتنا في الحكمة منتقلةً من الفساد إلى عدم الفساد، ومن الطبيعة البشرية إلى الألوهية بنعمة المسيح". (كيرلس السكندري (قديس)، الكنوز في الثالوث، ترجمة: د. جورج عوض، (القاهرة: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، ٢٠١١)، ٢٨: ١١، ص ٣٩٦). ويشرح ق. ساويروس الأنطاكي مثله مثل باقي الآباء السابقين عليه أن تأله ناسوت المسيح معناه لمعان جسد المسيح بالمجد الخاص بالله مقتبسًا ومفسرًا قول ق. غريغوريوس اللاهوتي من عظة الثيؤفانيا أو عيد الميلاد الذي أقتبسناه أعلاه، حيث يقول في رسالته الثانية إلى سرجيوس النحوي التالي: "ففي العظة (Lebon p. 116) على الظهور الإلهي يقول 'الله خرج مع الجسد الذي اتخذه، واحد من اثنين كانا مختلفين، الجسد والروح، حيث أحدهما كان يؤله والآخر يتأله*'. لكن يُفهم تعبير 'يتأله' ويقال لأن الجسد قد لمع بالمجد الخاص بالله، كما يقول الحكيم (كيرلس) وليس لأنه تغير إلى طبيعة اللاهوت". (ساويروس الأنطاكي (قديس)، الرسالة الثانية إلى سرجيوس النحوي، ترجمة: راهب من دير الانبا أنطونيوس، (مصر: دير الانبا أنطونيوس بالبحر الأحمر، ٢٠١٥)، ص ٣٢٣). ويتضح من هنا إجماع آباء الكنيسة الجامعة شرقًا وغربًا على تأله ناسوت المسيح كوسيلة وكتهيئة لتأله أجسادنا نحن بالمسيح في الروح القدس، وليس كما ينكر النساطرة الجدد تأله ناسوت المسيح مدعين عن جهل بأنه تعليم نسطوري، بل قد ثبُت من نصوص الآباء شرقًا وغربًا أن تأله ناسوت المسيح هو عقيدة أرثوذكسية راسخة في الكنيسة الجامعة. --- ### هل يعارض ”التوحيد الإلهي“ الحكم البشري؟ - Published: ۲۰۲۲-۰۸-۱۹ - Modified: 2022-08-18 - URL: https://tabcm.net/7573/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: اللاهوت السياسي, كارل شميت, لاهوتي إريك پترسون عمق "إريك پيترسون" المجادلات ضدّ أفكار "شمِتّ" التي انتشرت بقوّة، إذ كان پيترسون لاهوتيًّا مسيحيًّا ذا معرفة عميقة بآباء الكنيسة، إضافة إلى ذلك صار كاثوليكيًّا وقد يكون ذلك سببًا في إهمال مناقشاته في عصره. يعطي پيترسون أفكارًا تستطيع أن تمنح بدائل لاهوتيّة معتمدة على الآباء ضدّ اقتراحات اللاَّهوت السياسيّ لعصره. وعبّر عن أفكاره حول اللاَّهوت السياسيّ، بتأثير من شمتّ، في كتابين رئيسّين في ثلاثينيّات القرن العشرين. الكتاب الأوّل هو Götlische Monarchie (المَلَكيّة الإلهيّة). يتتبّع فيه مفهوم المَلَكيّة (وهي لا تتساوى مع التوحيد في رأيه)، ويُظهر كيف أنّ في التقليد الهيلّيني قدّمت المَلَكيّة تبريرًا ميتافيزيقيًّا للأباطرة الرومانيّين، وكيف صارع اللاَّهوتيّون المسيحيّون تبنّي هذه الأفكار وأخيرًا استطاع الآباء الكبادوكيّون رفض فكرة القياس أو التشابه بين المَلكيّة الدنيويّة والسلطة الإلهيّة. يدعِّم پيترسون حجّته بأنّه في وقت مبكِّر بدا للاّهوت المسيحيّ أنّ المَلكيّة الإلهيّة لا يمكن أن تتحقّق سياسيًّا، لأنّ مفهوم المسيحيّين لله ليس مفهومًا مَلَكيًّا. واستند في ذلك على هيبوليتوس والآباء الكبادوكيّين. يستشهد پيترسون إذًا بآباء الكنيسة، ويسرد نصوصًا تؤيّد آراءه، ويخرج بهذه الخلاصة: «إنّ المَلَكيّة التي تتّخذ لنفسها غطاءًا لاهوتيًّا ستسقط حتمًا بسبب عقيدة الثالوث، وسيسقط السلام الأوغسطيّ pax Augustana بسبب الإسكاتولوجيا المسيحيّة. بهذا المفهوم لم ينته التوحيد monotheismus كمشكلة سياسيّة فحسب، بل تحرّرت المسيحيّة من قيود الإمبرياليّة الرومانيّة... السلام كما يراه المسيحيّون، لا يستطيع أن يحقِّقه أيّ إمبراطور لأنّه عطيّة من ذلك الذي يعلو كلّ فهم». يرفض پيترسون إذن إمكانيّة وجود لاهوت سياسيّ ولا ينتقد شمِتّ فحسب، بل يضع أسسًا لاهوتيّة لمقاومة روحيّة للمخاطر السياسيّة. فلا يرفض پيترسون تمثيل الكنيسة أمام المجتمع، مع الحفاظ على الفصل بين الدين والدولة. فبالنسبة له التمثيل الأخرويّ لملكوت الله يتطلّب رفض كلّ محاولة لمطابقة ملكوت الله مع أيّ ملكوت أرضيّ. وهو مع ذلك، يرفض أن يكون الدين أمرًا شخصيًّا، ويرفض أن ينسحب الدين من الساحة العامّة، أمام العلمانيّة المسيطرة المتمثِّلة في الأفكار الاقتصاديّة. فالدين هو صيغة ترتبط بعامّة الشعب، وتتطلّب حضورًا عامًّا للكنيسة، نابعًا من شهادتها للتجسّد بأن يكون الله الكلّ في الكلّ، معطية بذلك شهادة أخرويّة في قلب المجتمع بواسطة صلواتها وممارساتها. يرى پيترسون أنّ الإسكاتولوجيا سمة الكنيسة. فهي التي تمثِّل المستقبل الإسكاتولوجيّ في الزمن الحاضر. فوصول العالم إلى ملئه هو الحدث النهائيّ لمدينة الله أورشليم السماويّة. فدور الكنيسة هو مقاومة كلِّ سلطة سياسيّة تعتبر نفسها المرحلة الأخيرة للتطوّر، وأنّها نهاية التاريخ. فلا تستطيع أيّ حالة حياتيّة أو مجتمع أن يعتبر نفسه أنّه وصل إلى تكوينه الأخير، بما أنّ المجيء الثاني للمسيح لم يتم بعد. على الكنيسة أن تشهد دائمًا على الحضور الإسكاتولوجيّ بواسطة الليتورجيا وأسرار الكنيسة، حتّى يصل تاريخ الخلاص إلى تمامه. من خلال ما سبق، نوافق شمِتّ بأنّ هيكليّات قوانين الدولة تأثّرت بلا شكّ بفكرة الألوهيّة وأنّها في أحيان كثيرة هي أفكار تأثّرت باللاَّهوت، وهي بالتالي أفكار دينيّة تعلمنت حسب تعبير شمِتّ. إلاّ أنّنا نتّفق في الوقت عينه مع پيترسون، بأنّه لا يمكن أن تتطابق فكرة ملكوت الله مع أي مملكة أرضيّة، وعلى الكنيسة أن تطوّر وتكون دائما شاهدة على الرجاء الإسكاتولوجيّ في قلب كلّ مجتمع. Eric Peterson, Der Monotheismus als Politisches Problem: Ein Beitrag zur Geschichte der Politischen Theologie im Imperium Romanum, Leipzig, Hegner, 1935, p. 59. Carl Schmitt, Politische Theologie II : die Legende von . der Erledigung jeder Politischen Theologie, Berlin, 1970. جون جبرائيل، اللاهوت السياسيّ، هل من روحانيّة سياسيّة؟ دار الأكويني، القاهرة ٢٠١٥. --- ### تلك المرأة - Published: ۲۰۲۲-۰۸-۱۸ - Modified: 2022-09-13 - URL: https://tabcm.net/7584/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون تلك المرأة... -تلك المرأة التي تُفشّل الجسد لتنتصر بالروح... تبتسم من خلف الستار، وجهها لا يعتلى مسرح الوجه أو خشبة المتوقّع. -‏تلك المرأة التي ألقت عن عنقها اللآلئ حين واجهت ما هو أشهى وأغلى فكراً ثريّة جداً تلك المرأة التي مجوهراتها "فكرة". -‏تلك المرأة ليست من النساء اللواتي يلقين شالاّ للزينة على أكتافهن قبل أن يتبخترن ويمشين، تلك امرأة كانت تلبس سلاسل جبال على كتفيها وتمشي. -تلك المرأة التي تستدعى بحضورها الجمال الذي بداخلك فيظهر لك من جمال روحك ما لم تعرفه من قبل. -تلك المرأة التي تعبر دهاليز الوحدة دون انهزام لن يقوى على هزيمتها شيء... ‏تلك المرأة التي لا تقبل الجمود حتى حين تبدو لك جامدة، تكون في خفية عنك متحركة، فهي كالبركان الذي يتقد. ثم لا يلبث يوماً أن ينفجر. -تلك المرأة التي تستقر بداخلها أنثى غامضة، في وضوحها يستحيل عليك التأمل والتنبؤ بما في داخلها... في أعماقها وأن تختلس أبعاد نظرتها ومستوياتها؛ كن كتلميذ مهذب، كي لا تثير بحورها وتفقد ذاتك في متاهات روحها -تلك المرأة التي أنبتها التاريخ وحفرها التراث على جدران المدن فقلبها حضارة عريقة وجمالها كالنهر... -تلك المرأة الحرة التي لا تحتاج شهادة شرف من أحد -تلك المرأة التي تحتل البرواز وتحيل النساء إلى ألبوم سابق في مهب الأرشيف -محرابها موصود أمام وجوه العابثين، وقورة حد التصوف تلك امرأة العمق والارتفاع لا مكان لها إلا بعلو السماء -‏تلك المرأة التي تنجو بقلبها وتعود متزنة من جديد. تخفي ما حل بها من دمار بشالٍ من الفتنة المذابة. هو الكبرياء حين تغدو الضمادة أبعد من الشفاء. -تلك المرأة ‏لم تُخلق لانتظار المركب. القبطان دوماً يعود إليها من لُجج بحاره، بعد أن يغرقَ الحوريات كلها، إلى الشاطئ حيث "هى"... فلرمالها العصيّة أكثر من موجة. -هي امرأة "الشهيق" تلك المرأة التي تنحاز انحيازاً كاملاً إليه، حتى لو كلفتها "الزفرة" عمراً هي الرابحة دوماً بمسابقة النفس الطويل! -تلك المرأة كثيرة خيوطها كلها واهنة، متشابهة ومتشابكة لتشدها... يجب أن يكون حدسك يقيناً هناك خيط واحد مرتبط بها... حبلها السرى المؤدي مباشرةً إلى عقلها! -‏تلك المرأة التي تلبس الصًمت حشمة عن صغار العقول... وتسرج الحرف حكمة لصاحب الفهم -تلك المرأة التي تنفرد بشخصيتها بعيداً عن البشر، وتدعهم يختلفون عليها، كاختلافهم على ماهية الإله -تلك المرأة متفردة كأثمن لوحة عرفتها التاريخ كمعجزة لا يملكها أحد كأخر امرأة على وجه الأرض -تلك المرأة الثقيلة كصخرة على صدرك... فلا تتنفس معها الخفيفة كزهرة قطن في مهب الريح... فلا تطال أمساكها -تلك المرأة التي ‏أمامهم تمشي والفخر يتلألأ في عينيها التي تُعشق ثم تقف لبُرهة... لتُسكت ضجيجهم - تلك المرأة ‏قليلها دائم وكثيرها، يتزاحم حتى يفيض -تلك المرأة أتت من رحم الألم... تعزف على مقابر النسيان لحن الفرح، وتتعمد بماء الأمل تلك هي امرأة الحياة -‏صائبة جدًا، ثاقبة رجاحة عقلٍ في امرأة لم يعد لها أشباه لا منافسون في ساحتها السِهام في يدها تصيب بها الرجالِ في مقتل... فيتساقطون أطفالاً -‏احتاجت أن تكون دامية، فملئت نفسها بالشظايا وأرادت أن تقسو، فتعلّقت غصناً شائكاً وكلما أمطروا عليها وروداً رفعت مظلتها صلبة... لا يقدرون معها على شيء -ملهمة كقهوة ميزان الفكر، حين فكرة و نشوة. وكيف سيكون السطر أن عانقته عبقرية التعبير وبديعة الذائقة؟! -‏تلك المرأة التي تدور وتحلق تقول كل شيء ولا تقول شيئاً فقط تطوع الفراغات ولا تلتهم سوى شوقاً يحضن قلبها... -كالماء، لا تستطيع إمساكها وإن سكبتها لا تعود ... في رشفها ري في غمرها أصل لكل ما هو حي -تلك المرأة الملونة التي اقتنعت أن الأسود يليق بها التي ترفض كل محاولة لإعادة تصويب الألوان بردائها. الملونة... التي لونت نفسها بالأسود فقط -تلك المرأة التي تُزهر من العدم ولا يُستباح قطفها -‏من دواعي جمال تلك المرأة هو ذلك الجزء الناعم كأطراف الورقة الحادة الجزء الذي يكسر فيك كل نظرياتك القديمة ويهبك جمالاً ستكتشفه مع الوقت ثم يعيد الحياة للأشياء التي كانت على وشك أن تموت. --- ### الركابيون - Published: ۲۰۲۲-۰۸-۱۷ - Modified: 2023-12-09 - URL: https://tabcm.net/7665/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: إله إسرائيل, ركابيون, ملك صدقيا, ملك يهوياقيم, ملك يوشيا, نبي إرميا, يوناداب بن ركاب أخذ إرميا يازنيا وأخوته وذهب عند الركابيين وأخذ معه أباريق ملأى بالخمر بل إنه أخذ معه أيضًا الكؤوس وطلب من الركابيين أن يشربوا خمرًا، لكن الركابيين أجابوه نحن لا نشرب خمرُا،  لأن أبانا أوصانا ألا نشرب خمرًا. هذه القصة واردة في سفر إرميا الإصحاح 35 ، إذ كان إسرائيل تحت حكم صدقيا قد تعدوا على العهد. أما بقية القصة فتقول: قال الرب إله إسرائيل لإرميا اذهب وقل "لإسرائيل". . ألا تتأدبون فتسمعوا لكلامي يقول الرب؟ "الركابيون"، أي بصيغة الجمع كلمهم إرميا، وأيضًا بصيغة الجمع كان ردهم. قال الركابيون: "نحن لا نشرب خمرًا" - "لأن يوناداب أبانا أوصانا". وبذا فإن من يسمعهم يدرك صدق قولهم وصدق قول أبيهم، فهم مميزون بتصرف معين كجماعة وسط مجموع، بالتالي انتشرت وصية أبيهم بتأثير شهادتهم له ثم تصرفاتهم بناءًا على شهادتهم. وطلب الرب من إرميا أن يضعهم مثالًا أمام شعبه الذي لم يحترم عهده. مثال قوي "لجماعة" في استطاعتها أن تقدم شهادة جماعية لأنهم "كجماعة" التزموا بما قاله لهم أبوهم. تخيلوا لو أن "أفرادًا" من الركابيين التزموا، فكيف يمكن أن تكون شهادتهم لقول أبيهم وهم فرادى؟ هل يستطيع الفرد أن يقول "أبونا قال لنا"؟ هذا هو درس "الجماعة" الشاهدة معًا، التي تستطيع أن تقول قولا وتتصرف تصرفًا يجعل لشهادتها أثرًا. هذا شيء يختلف عن أن تكتشف "فجأة" أنك لابد أن "تكلم" شخصًا عن المسيح - هذه العبارة التي صارت بديلًا عن شهادة الجماعة الحيَّة الفعالة التي تنطق بمضمون رسالتها بأسلوب حياتها. فأيهما الأبقى أثرًا والأقوى شهادةً؟     قال الرب لإرميا في أيام الملك يهوياقيم بن الملك يوشيا ملك يهوذا: «اذهب إلى بيت الركابيين وكلمهم، وادخل بهم إلى بيت الرب إلى أحد المخادع واسقهم خمرا». فأخذت يازنيا بن إرميا بن حبصينيا وإخوته وكل بنيه وكل بيت الركابيين، ودخلت بهم إلى الهيكل، إلى مخدع بني حانان بن يجدليا رجل الله، الذي بجانب مخدع الرؤساء، الذي فوق مخدع معسيا بن شلوم حارس الأبواب. وجعلت أمام بني بيت الركابيين طاسات ملآنة خمرا وأقداحا، وقلت لهم: «اشربوا خمرا». فقالوا: «لا نشرب خمرا، لأن يوناداب بن ركاب أبانا أوصانا قائلًا: لا تشربوا خمرا أنتم ولا بنوكم إلى الأبد. (إرميا 35: 1-6) ثم قال الرب إله إسرائيل لإرميا اذهب وقل ألا تتأدبون فتسمعوا لكلامي يقول الرب؟ بنو يوناداب بن ركاب سمعوا لكلام أبيهم أن لا يشربوا خمرا أما أنتم فما سمعتم لكلامي الذي كلمتكم به مرارًا وتكرارًا. (إرميا 35: 12-14) هكذا وضع إرميا بني ركاب مثالًا أمام زيغ صدقيا ملك يهوذا وشعبها. --- ### هل يقدم المسيحيون قرابين بشرية للإله؟ - Published: ۲۰۲۲-۰۸-۱٦ - Modified: 2022-08-16 - URL: https://tabcm.net/7629/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: عبد المسيح بخيت أهوال كثيرة تمر، لكن بعض الحوادث تأتي لتدق ناقوس إنذار يدعو لتغييرات جذرية. وهكذا يأتي حريق كنيسة إمبابة كاشفا عن فساد ينفذ عميقا في الكنيسة الأرثوذكسية المصرية. يتراكم الدُّخَان، ويستمر الكاهن في أداء صلاته غير عابئ بما يحدث خلفه. ينظر الشمامسة إلى الوراء، ثم إلى الكاهن الذي يستمر في تلاوة صلاته على الذبيحة، كأن شيئا لا يحدث. هذا ما شاهدناه في المقطع المصور بواسطة كاميرات الكنيسة في أثناء الحريق. الأطفال يتساقطون كورق الخريف، وكلمات التعزية والروحنة تصبح مبتذلة. يصرح أسقف وسط الجيزة بأن من ماتوا هم الآن في السماء لأنهم ماتوا خلال القداس، وهم في حالة توبة. وبذلك، نحن على يقين أنهم في السماء. وكأن خلاص الروح سيعزي عن الحرمان من الحق في الحياة بسبب كنيسة خالية من نظام حماية مدنية آدمي، لا تعرف السبيل إلى حماية حياة من يتردد إليها لأنها تتبنى ثقافة الموت والتواكل على الإله، والرغبة في نَيْل الشهادة التي لا تختلف عن رغبة الانتحاريين والتكفيريين. https://www. youtube. com/watch? v=ffI_K0DslIg&ab_channel=%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%86%D9%8A%D8%B3%D8%A9%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%AA%D8%B5%D8%B1%D9%87 المقطع كارثي ومؤلم، ورغم ذلك، نحن لا نعلم ماذا فعل الكاهن بعد المقطع الذي شاهدناه، ربما يكون قد شرع في صرف الناس وإنقاذهم بعد إدراكه لحجم الموقف، وربما لا. لكن، الأزمة الحقيقة تكمن في تأييد الكثيرين للإخلاص للذبيحة والأمانة حتى المنتهى. الأزمة هي عقلية من امتدحوا إيمان الكاهن العظيم الذي جعله يتمسك بالصلاة والذبيحة لأخر لحظة، فهما أهم من أرواح المصليين. لأن تركه للذبيحة سيغضب الإله الذي ذبح نفسه عن البشر بشدة. وعلى هذا، عليه الاستمرار إلى أن يلقى حتفه بصورة انتحارية مقدسة. التضحية بالبشر في سبيل الذبيحة لا تعد قتلا في عرف المؤمنين غليظي العقول؛ ورغم ذلك، يرفضون فكرة القتل بواسطة الإرهاب في سبيل الله. منذ شهر تقريبا، حضرت قداسا في دير للكاثوليك، وأثناء القداس، سقطت فتاة في حالة إغماء، وعلى الفور، خرج الأب الكاهن من المذبح وأوقف الصلاة وذهب مسرعا نحو الفتاة، واستأنف الصلاة بعدما عادت إلى الوعي. هذا هو التصرف الإنساني الطبيعي في هذه المواقف. فماذا أصاب الكنيسة القبطية؟ ولماذا بدت متحجرة وأصولية للغاية؟ أكدت مصادر كنسية صحة الفيديو المنتشر، في استنكار لما فعله الكاهن الذي كان أمامه حل آخر، وهو أخذ الذبيحة والهروب بها. لكن، هذه التصريحات تزيد الطين بلة؛ فبدلا من أن يحمل أولاده ويهرب بهم، يحمل الذبيحة؛ لأن الإله سيكون في ورطة إذا لم يحمله الكاهن ويسرع به للهرب. تصريحات تسيء لله وتجعله بحاجة لكاهن ينقذه، وتشجع على ترك البشر لإنقاذ الطقس! إن الإيمان بسلطة الكاهن سطح الإيمان المسيحي كليا وأساء إليه شر إساءة. قد حولوا الذبيحة، علامة فداء الإنسان، إلى وثن وعبدوها وأصبحوا على أتم استعداد لتقديم أطفالهم قرابين لها. فهل يدركون أنهم بهذا يعبدون إلها مردوخيا يرضى بتقديم الإنسان ذبيحة له؟ ترن في الذاكرة أصداء وباء الكورونا؛ الفاجعة التي شهدها كثير من الأسر في تلك المدّة: أطفال فقدت الأب والأم والجدود في وقت واحد. وفي خضم هذه المأساة، ارتأت العظات الكنسية إلى أن الإله يريد بذلك، استعادة الضالين عن الكنيسة. فهو يريد بواسطة ويلات البشر، والفزع، واليتم اغتصاب طاعة العباد له واستعادة المفقود إلى الحظيرة. ولا عزاء لمن تيتم ومن تألم؛ لأن النفس والجسد أمور لا تشغله. وطالما سيحضر الناس إلى الكنيسة، لا يمكننا أن نعد الوباء شرا. أعود بالذاكرة إلى قصة الراهب صربامون الشايب، أمين دير القديسين بالطود، الأقصر، الذي أخبرته امرأة بأنها تحمل الوباء بعد أن تناولت الخمر، فقرر هو تحمل المسئولية كاملة وصرف الشعب وشرب وأكل ما تبقى من الإفخارستيا بعدها بمفرده. وكتب عن معاناته بعد إصابته بالوباء، والمشانق معلقة له؛ لأنه صرح بمرضه وأعزى سببه إلى التناول، مطالبا البابا بغلق الكنائس وتغيير الطقس لإيمانه بثقافة الحياة. وما أغرب ناسكا يحدثنا بحبه لهذه الحياة وتمسكه بها؛ لأن سمت الإيمان هو سمت الموت. لذلك، فبعد وفاته بكورونا، أغلق المتشددون صفحته كي تُمحى قصته التي تثبت عدم صحة نظريتهم بخصوص التناول. بل وفرحوا لموته قائلين هذا جزاء من يحب الحياة، وموته أقوى رد من السماء! الشهداء الحقيقيون مرفضون ومرذولون مثل إلههم، والمزيفون ينتصرون. يبدو أن هذا هو النمط السائد منذ فجر التاريخ المسيحي. أصبح الموت عقب جلسة الاعتراف أو داخل القداس هو الطموح الأسمى للمواطن القبطي. تلك هي ثقافة الموت التي تجمع في نسقها الاستهانة بحياة الإنسان ونفض المسئولية عن الأكتاف انتظارا للمعجزة، وورثنا من الكوارث خلفها هذا اللاهوت الغنوصي المازوخي. إن تفكيك ترسانة الجهل الصلبة لم يعد سبيلا لإصلاح العقيدة النظرية فحسب، بل معركة وجود وبقاء حتى نمنع المزيد من الويلات. فمتى نستفيق ونعود إلى ثقافة الحياة، والإنسانية، والنضج؟ --- ### قتلناهم قبل أن يخنقهم الدخان - Published: ۲۰۲۲-۰۸-۱۵ - Modified: 2022-08-20 - URL: https://tabcm.net/7612/ - تصنيفات: شئون علمانية - وسوم: رئيس عبد الفتاح السيسي استيقظنا صباح أمس الأحد على فاجعة نشوب حريق في كنيسة الشهيد مرقوريوس -أبو سيفين- بمنطقة المنيرة في إمبابة بمحافظة الجيزة، راح ضحيته 41 وفاة و14 مصابا، وفقا للبيان الرسمي الصادر عن ورازة الصحة المصرية، فكان يوما صعبا مع هذا العدد من الضحايا، ومن بينهم أطفال كانوا متواجدين في حضانة الكنيسة بنفس الدور الذي نشب به الحريق، ولأن للموت جلاله ومهابته، وللحزن احترامه فمن المفترض الصمت وعدم الحديث عن أي شيء آخر، إلا أن الخوف من تكرار هذه الفاجعة، هو ما جعلني كسر حالة الصمت التي اعتادتها في مثل هذه المواقف. من المسؤول عن هذا العدد من الضحايا الذين لقوا حتفهم؟ هل هو الماس الكهربائي بطل كل الحرائق التي تشهدها الكنائس من وقت لآخر؟ أم أن هناك مسؤولا آخر غيره؟ هل هو شخص واحد أو جهة واحدة؟ أم عدة جهات؟ أم هي مسؤولية مشتركة مننا جميعًا؟ ما لا يمكن إنكاره أو غض البصر عنه هو أن هناك إهمال وتراخي، تسببا في تلك الكارثة، المرشح تكرارها في أكثر من كنيسة ومكان آخر، وها هو الإهمال يؤدي لنفس نتيجة الإرهاب. غير خفي أن بناء الكنائس واجه مشكلات وصعوبات منذ سبعينيات القرن الماضي، حتى نهاية عهد الرئيس الأسبق مبارك في فبراير 2011، فلم تكن تراخيص بناء الكنائس تصدر بشكل سلس، بل كانت تصدر من رئيس الجمهورية شخصيا، وبعض طلبات الكنائس بالتراخيص كانت تظل حبيسة الأدراج لمدة وصلت إلى 20 عاما في بعض الحالات، ونتج عن هذا الوضع، تأسيس عشرات الكنائس بشكل غير شرعي، بعد شراء أراضٍ في الأحياء الشعبية والعشوائية، واستصدار تراخيص لبنائها على أنها منازل، والنتيجة اختفاء نمط الكنائس المتعارف، وتحولها لمبان عشوائية ضيقة لا توجد بها اشتراطات السلامة المدنية التي يجب توافرها في مبان مثل الكنائس أصبحت تشبه المساكن العشوائية الملاصقة لها. بعد أحداث طائفية متتالية بين 2011 و2013، نتج عنها حرق وهدم عدد من الكنائس، مثل كنيسة الشهيدين في قرية صول بأطفيح (مارس 2011)، وكنيسة السيدة العذراء بشارع الوحدة بإمبابة (مايو 2011)، وهدم كنيسة مار جرجس بقرية الماريناب، في أسوان (سبتمبر 2011) ثم حرق 88 كنيسة ومبنى تابع، في 14 أغسطس 2013، بعد فض بؤرة رابعة العدوية،  وهي مدة عانى خلالها المواطنين المصريين المسيحيين، حصلت انفراجه مع جمهورية 30 يونيو  بتشريع قانون لبناء الكنائس، وتقنين أوضاع الكنائس، بالرغم من وجود اعتراضات من المتخصصين والباحثين المهتمين بالشأن القبطي على هذا القانون، باعتبار أنه لن يحل أزمة بناء الكنائس، لكنه صدر في النهاية. كما تأسست لجنة لتقنين أوضاع الكنائس التي بنيت في العقود السابقة دون ترخيص وبالفعل بدأت هذه اللجنة في إصدار قرارات تقنين تصدر كل مدة من رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، وسابقا حصلت كنيسة أبي سيفين على تقنين لوضعها، وبالرغم من التقنين إلا أن الكنيسة ينقصها اشتراطات السلامة المدنية، وكانت النتيجة حريق أمس، ومكان الكنيسة يصعب مهمة قوات الدفاع المدني والإسعاف في الوصول لإخماد الحريق ونقل المصابين. تغيرت فلسفة الدولة تجاه بناء الكنائس، بسبب فرض فلسفة جديدة من أعلى، فرئيس الجمهورية يتحدث عن التسامح الديني وعن منح المواطنين المسيحيين الحق في إقامة شعائرهم الدينية، وظهر ذلك في مشهد واضح عند افتتاح مشروع "أهالينا" واحد وسأل الرئيس عبد الفتاح السيسي عن الكنيسة، فتم بنائها فعلا في مشروع "أهالينا2"، لكن الأزمة هنا أن هذا التوجه لا زال عند رئيس الجمهورية بشكل شخصي والمسؤولين الكبار، لكن إذا هبطنا للقاعدة العامة من الموظفين فلا زالت الأفكار الطائفية والمتطرفة متواجدة. https://www. youtube. com/watch? v=Rf1QDVSusIs&ab_channel=eXtranews لا يمكن أن يستمر الوضع بهذا الشكل، خاصة وأن الحادث قد يتكرر مرة أخرى ليس في الكنائس فقط بل في كل الأماكن التي وجدت وسط المساكن خاصة في المناطق العشوائية، وحدث ما حدث في كنيسة أبي سيفين سابقا، بوجود مخازن تجارية داخل عمارات نتج عنها حرائق كبيرة، وخسائر مادية كبيرة، ولن نستطيع أن نوقف هذا إلا بمواجهة الإهمال الذي لا يقل أهمية عن مواجهة الإرهاب، وتحقيق مواطنة حقيقية يشعر فيها المواطن بقيمته لدى الوطن، يعرف ما هي حقوقه ويطالب بها، وأن يكون مسؤول ويؤدي واجباته، والمواطنة هنا لا يجب اختزالها في العلاقة الطيبة بين المواطنين المصريين مختلفي الديانات، ولا السماح للمواطنين المسيحيين ببناء كنيسة هنا أو هناك، بل هي منظومة تبدأ من الدستور والقوانين، وتطبيقها على الجميع، ومنظومة تعليم، وثقافة عامة، ويجب أن يعامل المواطن لكونه مواطن مصري، لا لكونه ينتمي لدين معين أو جماعة معينة أو قبيلة معينة. بدأت الدولة مشروعات إسكان مخططة بديلة للأحياء العشوائية التي تكونت في قلب القاهرة، وفي هذه الأحياء يتم تخصيص قطع أراضي للخدمات، ما بين قسم شرطة ونقطة إطفاء، ومستشفيات ومدارس، ودور عبادة ومن بينها الكنائس أيضا، وهذا حل جيد لأزمة بناء الكنائس، لكن ماذا عن المدن والأحياء القديمة، وأغلبها بها كنائس بنيت دون تراخيص، فهل من خطة لإحلال وتبديل كامل المناطق والأحياء العشوائية متهالكة البنية التحتية، والتي تفتقر للعديد من الخِدْمَات بأخرى مخططة؟ والأمر لا يتوقف على البناء فقط بل على زرع ثقافة المواطنة والانتماء لدى المواطنين فيحافظون على أحيائهم ومدنهم الجديدة، فهل هناك مشروع ثقافي لذلك؟ دون ذلك سنستيقظ من وقت لآخر على حوادث كهذه. --- ### التعتيم المعلوماتي في حرائق الكنائس - Published: ۲۰۲۲-۰۸-۱٤ - Modified: 2024-05-04 - URL: https://tabcm.net/7604/ - تصنيفات: شئون علمانية - وسوم: رامي كامل, فيلوباتير مرقوريوس أبو سيفين النهارده الصبح وقع حريق ضخم وصعب في كنيسة أبو سيفين بمنطقة المنيرة الغربية، محافظة الجيزة. ولأن النهارده اﻷحد (يوم القداس اﻷسبوعي لأي كنيسة) والساعة 9 الصبح اللي حصلت المأساة وقتها دي أكبر لحظة تكدس لأنها عادة بين قداسين فبتجمع بين الدخول والخروج، فاﻷرقام سواء في الوفيات أو المصابين متوقع تكون مرعبة، واللي وصلني -على تضاربه وعدم دقته- فعلا مفجع. يكفي أقولك إن في 5 مصابين بالحروق (منهم ضابطين) من الحماية المدنية (المطافي) وهما بيحاولوا يخرجوا أكبر قدر من الناس من المسارات اﻵمنة، ودول يفترض فيهم التدريب على مثل هكذا مواقف بخلاف الاستعداد الاستباقي من ملابس وأقنعة تنفس. حالة من الصمت اﻹعلامي، تتوازى مع معلومات سابقة من أصدقائنا الصحفيين العاملين على "الملف القبطي" بوجود قيود إضافية عليهم في نشر هكذا معلومات. بيان متوازن ومحترم أصدرته صفحة وزارة الداخلية، والحق أنه مكتوب بحرفية ومهنية تليق بخبير أمني متمرس في علم الاجتماع السياسي، ويعلم تمامًا ماذا يفعل وكيف يفعل، لكنه مصمم لشريحة عمومية وﻻ يخاطب "كتل حرجة" مفكّرة تجتهد في التحليل في وسط الضباب المعلوماتي. لذا، وبشكل واضح وشفاف، فملاحظاتي القادمة ﻻ حكمة منها سوى عند رجال المعلومات وليس رجال اﻷمن، وليست معروضة للقارئ العام سوى في كونها رسالة مفتوحة ﻻ يوجد بها ما يشين، هذا التعتيم المعلوماتي يجب أن ينتهي وتترك الصحافة حرة، ليس في هكذا مواقف بل في المجمل. ﻻ يصح أن تحتكر وزارة الداخلية المعرفة وتكون مصدرًا أحاديًا ممنهجًا بسياسة معينة (أي سياسة حتى ولو كانت وطنية مدروسة) إذ أن وزارة الداخلية معبرة رسميًا كغيرها من الوزارات واﻷرقام الرسمية ليست بالضرورة مصدر ثقة لكل القطاعات، والوزارات نفسها من الطبيعي أن تكون biased (لها انحيازات) اﻷقباط نموذج اجتماعي ذو خصائص واضحة. أهمها الخوف من كل شيئ وأي شيئ. خارجين من مرحلة تاريخية معينة استهدفت كنائسهم وأرواحهم لتوريط النظام الحالي وإظهاره كفاشل، وينظر لهم على أنهم blind supporter في معركة ﻻ يريدونها ومقحمين فيها وﻻ يملكون إﻻ مزيدًا من الخوف من المستقبل, ربما يكون فزعهم اﻷوّل "هل هذا حادث إرهابي"؟ أم ﻻ؟ لكن أخر ما يمكن أن تخشاه الدولة هو "نعم، إرهاب"... في الحقيقة إن اﻹجابة "ﻻ، ليس إرهابًا" هي التي ينبغي للدولة أن تخشاها. فاﻹرهاب مُبرر مقنع، أما "ماس كهربائي" فهو أمر مستهلك (حتى لو كان حقيقته هكذا، فأنا أتحدث بناء على واقع اجتماعي لفئة معينة مرت بتجارب معينة صنعت مخاوفًا مستقبلية معينة) بضم النقطتين السابقتين معًا، ينقلب ما قد تراه الدولة "معالجة معلوماتية ناجحة" إلى "فشل حتمي الحدوث"، فمنذ أيام حادثة كنيسة القديسين (ومعالجتها المعلوماتية المضببة) تشابكت الرؤية القبطية بحيث صارت ﻻ تستطيع التمييز بين حوادث اﻹرهاب ووزارة الداخلية، فأليات العنف متشابهة (يعضد ذلك حوادثًا أخرى وأخطاء أخرى غير ذات صلة بالملف القبطي وبعضها يتعلق حتى باﻹسلاميين) وأنا هنا أتكلم من منطلق: ﻻ يجب دفع الفواتير المتراكمة في حادث جديد نتيجة تغول النظرة اﻷمنية على النظرة المعلوماتية. الشرطة شرطة، والصحافة صحافة. وحتى في لحظات "عدم الثقة" فإن عدم الثقة في صحيفة حتى ولو كانت قومية أفضل كثيرًا من عدم الثقة في أجهزة الشرطة. بصفة وتجربة شخصية، حدث حريق كبير في شارع مجاور نتيجة "التكييفات" أيضا، وشاهدت التعامل والتفاني من الجميع (شرطة وإسعاف وسكان وحتى سرسجية الشارع كلهم كانوا أبطالا حقا) ولم تحدث خسائر في اﻷرواح لكن خربت منازل كثيرة. . لذا أصدق ما يمكن أن يحدث بسبب "ماس في تكييف" + التدافع والتزاحم والكثافة المتوقعة نتيجة التوقيت. . لكن ذلك بكل صدق يعزى لوجود تجربة شخصية مصغرة. كم تتوقع من أقباط مروا بتجربة مماثلة؟ بصفة وتجربة شخصية أيضا، لي صديق تم اعتقاله لعامين احتياطيًا دون حراك (تهم ملفقة مطعون على واضعها) وعلى الرغم من عدم وضوح سبب هكذا إجراء (سياسي مصاغ بشكل تنفيذي عبر أجهزة أمنية) إﻻ أن أكثر اﻷسباب منطقية من واقع التهم الرسمية هو أنه تحدث في مسألة "حرائق الكنائس" على الفيسبوك مبديًا عدم اقتناعه بقصة "الماس الكهربائي"! وتم النظر (بواسطة نفس اﻷجهزة اﻷمنية) ﻻ على أنه قبطي حذر يفصح عما بداخله من مخاوف مشروعة، بل على إنه "بث أخبار كاذبة بشكل يخدم مصالح جماعة إرهابية". كم تتوقع من بشر (وﻻ أقول أقباط فقط هنا) يعلمون بقصة "رامي كامل"؟ بضم النقطتين السابقتين معًا، هل تتخيل الفارق؟ هل تستطيع  أن تتوقع ما يجول بعقل اﻷقباط من كلاب مسعورة؟ الخوف ليس أمرا غير مشروعًا، وعدم الثقة هي نتاج طبيعي لتفزيع الناس من كل شيئ وأي شيئ. فهم المشكلات هو نصف الطريق لحلها. وتحول المشكلات لظواهر معناه خطأ مكرر في معالجات فردية، فلم اﻹصرار؟ بعيدًا عن التفكير الجماعي العرضة للتزييف، فأنا وبشكل فردي جدا أخشى أن تتحول كل البيانات الشرطية إلى بيانات تتكلم بشكل مهدد (مثل البيان المحترم الذي أشدت بحرفية صانعه) لكنه بنظرة معلوماتية ﻻ يقدم أرقاما سوى الزمان والمكان والسبب اﻷولي (المستهلك) أي شيء آخر متروك لخيال القارئ ليملأ فراغاته. حتى الرقم الخاص بالضحايا غير مذكور، والمقدم فقط هو ضحايا رجال الخدمة المدنية (المطافئ) الذين أصيبوا أثناء محاولة إنقاذ الضحايا اﻷصليين. . بطريقة أخرى، يمكن قراءة البيان المحترم بطرق سلبية جدا. خذ عندك: أمثلة تخيلية بداية من التمييز بين ضحايانا المهمين وضحاياهم الغير مذكورين، نهاية بالتفكير بطريقة مهددة مثل: لقد قدمنا ضحايا من أجلكم، فمش إحنا اللي عملناها والله العظيم ماحنا! فهم المشكلات هو نصف الطريق لحلها. وعودة ظاهرة حرق الكنائس نتيجة ماس كهربائي أيضا معناه خطأ مكرر في المعالجات فردية. خذ على سبيل المثال في نفس البيان الذي ذكر رجال الخدمة المدنية بشكل إيجابي بطولي. وهذا ﻻ خلاف عليه وهكذا أراهم واقعيا من دون بيانات وهكذا أتصورهم في المطلق. لكن أليس نفس جهاز الخدمة المدنية هو المسؤول من الناحية اﻹدارية عن إجراءات السلامة وأجهزة اﻹطفاء وأبواب الطوارئ وممرات الخروج اﻷمن والتي تعتبر جزءًا رئيسيًا من ترخيص أي منشأة تجارية الآن ولو كانت كشك سجائر صغير؟ فما بالك بكنيسة عامة؟ أنا ﻻ أستطيع تخيل أن هذا الجهاز المتشدد جدا مع القطاع الخاص يمكن أن يقدم تسهيلات خطرة وغير محسوبة في تراخيص الكنائس؟ هل يمكن أن تكون التوجهات العليا للدولة - والتي نلمسها فعلا - في تسهيلات بناء الكنائس أدت لتساهلات استثنائية في حياة المواطنين؟ فهم المشكلات هو نصف الطريق لحلها. وهذه الظاهرة بمجملها غير مفهومة، بسبب التعتيم اﻹعلامي المحكوم بعقلية تدار بالتربص والاستباق للتربص! --- ### المسيحية ليست دعوة لكراهية العالم - Published: ۲۰۲۲-۰۸-۱۳ - Modified: 2023-12-03 - URL: https://tabcm.net/7037/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: يوحنا الحبيب "لاَ تُحِبُّوا الْعَالَمَ وَلاَ الأَشْيَاءَ الَّتِي فِي الْعَالَمِ". (رسالة يوحنا الأولى 2: 15) هي  آية نقرأها بالقداس بعد وليس قبل قراءة أعمال الرسل لتوضح نتيجة تماهي الذات في المسيح كما تبين في حياة الآباء الرسل. فالمسيحية ليست دعوة لكراهية حياتنا في الأرض، ولكن لأن يتملك حب المسيح في قلبك. وأما عن مدى انشغالك بالرب وحبه فإنه يمتد ويتسع حتى يملك حياتك كلها ولا يصير فيها مكان للعالم، ليس كرها فيه ولكن لأن القلب لم يعد فيه مكانا لغير المسيح. وما الأبدية إلا مرحلة أعلى لهذا التطور في خلق الإنسان عندما يصير الرب هو "الكل في الكل" = كل شيء في كل أحد. فالموت عن العالم ليس هدفا مسيحيًا، ولكن الحياة في المسيح، التي منطوقها عند البعض هو الموت عن العالم كنتيجة، حيث أنسب مكان لهذا القول هو بعد قراءة سفر أعمال الرسل، في أثناء قراءات القداس الإلهي، وعندئذ نقرأ الإنجيل لتدخل كلمة الله لتتملك على القلوب، وختامًا نصير ونتحد في جسده بالتناول من سر جسد الرب ودمه (الإفخارستيا). فهل مكان العالم ومحبته عندئذ في قلوبنا؟ لا موضع له. ولكن العجيب إننا نخرج من الكنيسة بعد القداس لنخدم هذا العالم حبًا في مسيحنا الذي يحب العالم كله. فكيف نكره من أحبه المسيح وبذل ذاته من أجل خلاصه؟! فبينما نقول "لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم" في بداية القداس، ففي ختام القداس الإلهي نخرج مسيحًا، نبذل ذواتنا محتضنين آلآم العالم وأنينه. والسُبح لله. بقلم د. رءوف إدوارد --- ### الحلول الأقنومي في البشر
عند القديس كيرلس عمود الدين - Published: ۲۰۲۲-۰۸-۱۲ - Modified: 2022-08-12 - URL: https://tabcm.net/7575/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: الحلول المواهبي, بابا كيرلس عمود الدين يحارب القديس كيرلس السكندري منكري الحلول الأقنومي للروح القدس في البشر، حيث يقول أننا نتحد بالله، ونصير واحدًا معه، وشركاء الطبيعة الإلهية بشركتنا ووحدتنا مع الروح غير المخلوق: "هكذا أيضًا ذاك الذي صار شريكًا للروح القدس يصير واحدًا مع الرب، وبالتالي الروح القدس هو الله، الذي بواسطته، نلتصق بالله ونصير واحدًا معه، وشركاء الطبيعة الإلهية، بشركتنا ووحدتنا مع الروح. فإذا كان الروح هو الله، فكيف يكون مخلوقًا" (القديس كيرلس السكندري، الكنوز في الثالوث ٣٤: ٥٠) ويحارب القديس كيرلس عمود الدين الأفنوميين الهراطقة منكري الحلول الأقنومي للروح القدس في البشر، فيقول: "فإن كان الروح يحل ويسكن فينا، وبواسطته يسكن المسيح أيضًا فينا، إذن، الروح القدس هو قوة المسيح. فإذا كان الأمر هكذا، فكيف يكون مخلوقًا هذا الذي من طبيعته أن يوجد في الابن؟ إنها ساعة إذن ليقولوا: إن كلمة الله -الذي لا تركيب فيه ولا ازدواج- مركب، وذلك بسبب هذا الشيء الذي يأتي من الخليقة مضافًا إلى طبيعته. لكن هذا محض عبث، فالروح ليس مخلوقًا ولا مجبولاً، إنما هو يأتي من أعلى، من الجوهر الإلهي، كقوة وفعل طبيعي له" (القديس كيرلس السكندري، الكنوز في الثالوث ٣٤: ٥٥) ويحارب القديس كيرلس الكبير منكري الحلول الأقنومي للروح القدس في البشر، والذين يدّعون أن شركتنا مع الروح القدس هي شركة مع مخلوق، حيث يقول: "إذن، عندما يسكن الروح في غير المرفوضين، يكون المسيح هو ذاك الذين يسكن فيهم، وبالتالي يكون من الضروري أن نقول إن هذا هو الجوهر الإلهي الذي يجعل كل الذين يشاركونه شركاءً. لأنه ما من أحد يملك عقلاً يمكنه أن يقول إن شركتنا مع الله يمكن أن تصير بواسطة مخلوق، طالما كان هذا المخلوق -بحسب رأي الهرطقة- لديه طبيعة مختلفة، وهو مختلف تمامًا عن الآب والابن، وإن هناك فرقًا شاسعًا بين الجوهر المخلوق والجوهر غير المخلوق" (القديس كيرلس السكندري، الكنوز في الثالوث ٣٤: ٥٦) ويدحض القديس كيرلس السكندري المعتقدين بالحلول المواهبي للروح القدس في البشر، فيقول: "أما لو كانت النعمة المعطاة لنا بواسطة الروح القدس هي نعمة منفصلة عن جوهره، فحينئذ لماذا لم يقل موسى النبي (تك٢: ٧) إنه عندما أوجد الخالق الكائن الحي، إنه نفخ فيه النعمة مع نفخة الحياة، ولماذا لم يقل المسيح لنا: اقبلوا النعمة التي أهبها لكم بعمل الروح القدس؟ والعكس هو الصحيح، لأن موسى قال: نفخة الحياة، ولأننا به نحيا ونتحرك ونوجد. كما قال بعض شعرائكم أيضًا: لأننا أيضًا ذريته (أع١٧: ٢٨)، بينما دعاه المخلص الروح القدس، وهكذا سكن في نفوس أولئك الذين يؤمنون بالروح الحقيقي نفسه، والذي بواسطته وبه يقودهم إلى هيئتهم الأولى. بمعنى أنه يجعلهم مشابهين له عندما يقدسهم، وهكذا يعيدنا إلى صورتنا الأولى أي إلى حالة ختم الآب. ومن جهة الدقة في وصف وحدة الجوهر، فإن الابن ذاته هو الختم الحقيقي، في الوقت نفسه فإن الروح القدس هو شبه واضح وطبيعي للابن، والذي نتغير نحن بالتقديس بواسطته أي لنأخذ صورة الله إذن الروح هو الله الذي يعطينا أن نكون على صورة الله. وهذا لا يتأتى عن طريق النعمة الخادمة، لكن بالاشتراك في الطبيعة الإلهية مانحًا ذاته عينها للمستحقين هل يمكن أن تسأل المعاندين: لماذا نُدعى هياكل لله، بل بالحري آلهة، إن كنا بالفعل شركاء مجرد نعمة بسيطة لا كيان لها؟ لكن الأمر ليس كذلك، لأننا هياكل للروح الحقيقي الكائن، ولهذا فنحن نُدعى أيضًا آلهةً، لأنه من خلال اتحادنا به نصبح شركاء الطبيعة الإلهية غير الموصوفة" (القديس كيرلس السكندري، الحوار حول الثالوث، الحوار السابع، ص ٣٥٣- ٣٥٥) وبذلك يؤكد القديس كيرلس عمود الدين على الحلول الأقنومي للروح القدس في البشر، وليس مجرد حلول مواهبي أو حلول لنعم مخلوقة كما يدّعي الهراطقة، ويدحض بشدة ويستنكر الهراطقة القائلين بأننا نتحد بنعمة خادمة (مخلوقة)، أو أننا نتحد بمجرد نعمة بسيطة لا كيان لها، بل يؤكد على اتحادنا بالروح الحقيقي الكائن الذي يصيرنا شركاء الطبيعة الإلهية غير الموصوفة. --- ### التطويبات.. - Published: ۲۰۲۲-۰۸-۱۱ - Modified: 2025-02-06 - URL: https://tabcm.net/7439/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون طوبى لصانعي الفرح، الذين إذا أقبلوا على طفلٍ أضحكوه، وعلى محتاجٍ أكفوه، وعلى حزينٍ فأسعدوه. الحق أقول لكم، لا يحيا أحدكم في الملكوت، إلا إذا تمنى بل وصنع لكل من حوله الحياة. طوبى لكل من توازن في طريقه وكان العالم ملتويا... جبروت الانسحاب في اللحظة المناسبة يصنع منك إلهًا في نظر نفسك! طوبى لمن بِنَى في صدره مصنعًا للبطولة - طوبى لصانعي الفرح، الذين إذا أقبلوا على طفلٍ أضحكوه، وعلى محتاجٍ أكفوه، وعلى حزينٍ فأسعدوه. الحق أقول لكم، لا يحيا أحدكم في الملكوت، إلا إذا تمنى بل وصنع لكل من حوله الحياة. - طوبى لكل من توازن في طريقه وكان العالم ملتويا... إلى أين يذهب هذا العالم بظلمه وظلامه... - طوبى لهم حين يقلعون ويزرعون في الخصب، حيث يثمروا كرمًا وكرامة... ويل لهم إن نمت جذورهم فوق الصخر، فلا هم تشبثوا في الأرض، ولا أوراقهم عانقت الهواء. - جبروت الانسحاب في اللحظة المناسبة يصنع منك إلهًا في نظر نفسك! طوبى لمن بِنَى في صدره مصنعًا للبطولة. - طوبى لمن صبروا و ثابروا حتى وصلوا الحياة لن تتوقف عند بعض الحمقى المارّين من بين الجموع الحق أقول لكم أنه سيمر الكثيرون بين مجرى حياتكم و أفكاركم وسيغرق معظمهم قبل الوصول إلى الضفة المقابلة. - منذ بَدْء الخليقة، هناك من وُلدوا خصيصًا، لكي يتمردوا بأفكارهم على أفكار الزمن الذي بُثّت فيه أرواحهم، فسبقوا بذلك عصورهم طوبى لكل من ضربوا بعرض الحائط، كل ما أورثتهم إياه أزمنتهم، فلمثل هؤلاء فقط، يليق الخلود... حيث إن التمرد هو موقف كياني إزاء الوجود كله، به نصبح أولياء، لا على مصيرنا نحن وحسب، بل على مصير الكل. فالتمرد الثائر شريان الوجود النابض. - ‏طوبى للثائر الحقيقي هو شهيد أو قديس يضع المصباح على السطح ويمشي في النور، لا تحت المكيال ويختبئ في الظلمة. - إن لم تنفتح بصائرنا في الظلمة والسكون، حيث يخبو السمع والبصر، سنكون كالمغشي عليهم ولكن لا يشعرون... كم من نورٍ مشينا به وتعثرنا وكم من ضياءٍ لم يرشدنا في سيرنا فتهنا وكم من راعٍ مشينا خلف مزماره كالقطعان، فساقنا نحو الذبح... طوبى لمن أرشدتهم طبائعهم، وساقتهم مُثُلهُم، وتصالحت عقولهم مع قلوبهم فانفتحت لهم أبواب السماء... فليعبروا. ‏- ‏طوبى لمن أهدى عيوبه لنفسه قبل أن يهديني عيوبي كنت أسعى سابقًا لتغيير فكرة الشخص عني وإثبات أنَّ ما يُفكّر به لا أساس له من الصحة؛ أما اليوم فأنا أستمتع برأيه العقيم وأدعمه لينعم بأوهامه. - طوبى للعابرين على جِراحهم المُنهكين من أوجاعهم المحاصرين من أشواقهم العالقين بين سياج أقدارهم وأشواك غُربة حلمهم. - طوبى لمن حملوا الخير معهم أينما ارتحلوا لمن تسامحوا مع أنفسهم كلما خُذلوا -طوبى لأولئك الذين يحتملون حزننا ويلملمون بعثرتنا يمنعون أذانا عن أنفسنا إذا قسونا عليها، يربتون على جراحنا بكفوف ورد ويغفرون هفواتنا الصغيرة يمررون كلمة "أحبك" في أفعالهم دون أن نجاهر بحاجتنا إليها. -طوبى لمن ناديناهم بالروح فردوا علينا بالقلب. -طوبى لأولئك الذين يحملون مغناطيسًا لا قلوبًا في صدورهم؛ ما إن تقترب من دائرتهم حتى تُسلم روحك لهم. -‏طوبى للذين يتمتعون بحدس قوي يُمكنهم من الإحساس بألم غيرهم دون سؤالهم؛ أولئك هم فقط الذين يجيدون قراءة القلوب. -‏طوبى لمن يتمالك ... ولا يمتلك. -‏طوبى للأيادي التي تشعل حرائقنا ولم تدرك أن رمادنا سيظل جمرًا للأبد... -طوبى لنفوس مذيبة لجليد قلوب بات الحزن يتزلج عليها. -طوبى لمن يكتب بحبر قلبه فيتبعه رسم على قلوب قارئيه. --- ### "القانون" و "روح القانون" - Published: ۲۰۲۲-۰۸-۱۰ - Modified: 2022-08-07 - URL: https://tabcm.net/7448/ - تصنيفات: مقالات وآراء في مسلسل يعالج قضية "الحقوق" كنظرية وكقيمة، تظهر عائلة تتكون من أب وبناته، حيث تدرس إحداهن القانون وتؤمن بحق الفرد في اختيار ما يناسبه كيفما يريد فهو امتياز شخصي. لكن الأب يرى أن حق الفرد يتحرك في إطار حق الجميع. وحدث أن ابنة أخرى، من بناته، كانت حاملا في طفل لا ترغب في إنجابه. تمسَّكت دارسة القانون بحق أختها الحامل في اختيار الإجهاض، وتمسَّك الأب بحق "الجد" و"الخالات" بل وواجب "الأمومة". قال الأب لدارسة الحقوق: أنت تنظرين إلى حمل أختك على أنه "جنين"، وأنا أنظر إليه على أنه "حفيدي". مرَّت الأيام والأم الحامل حيرى بين إحساس أبيها وحقها الذي ساندته أختها. ويوما بعد يوم بدأت الأخوات بالارتباط بالجنين فأصبحن يخاطبنه في بطن الأم قائلات: خالاتك أحضرن لك هدية، خالاتك يردن الاطمئنان عليك. الخ. أحبت الأم الجنين فصار ابنها أو "ابنتها" وصارت العائلة كلها تخاطب الوليد لا الجنين. راجعت طالبة الحقوق نفسها إذ رأت أن ما تحمله أختها يحمل معنى أكثر من مجرد جنين. هو كائن حي يُحب وله قيمة. نجح المسلسل في إرسال رسالة تغير نظرة المشاهدين إلى "الجنين" باعتباره إنسانًا موجودًا فعلًا. نجح الجد في تحويل "الصواب والخطأ" إلى قيمة وليس نظرية جافة. --- ### [١٤] نقطة في آخر السطر - Published: ۲۰۲۲-۰۸-۰۹ - Modified: 2024-05-02 - URL: https://tabcm.net/7430/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: إكليروس, الأب متى المسكين, الكنيسة الجامعة, الكنيسة الكاثوليكية, بابا شنودة الثالث, بابا يوساب الثاني, قديس بولس الرسول, مجمع الأساقفة, معهد الدراسات القبطية, مفهوم الرهبنة استأذن القديس بولس الرسول مرتين، الأولى في استعارة وصفه لحاله في تجواله بين مدن آسيا الصغرى، وقد نال منه التعب لأَنَّنَا لَمَّا أَتَيْنَا إِلَى مَكِدُونِيَّةَ لَمْ يَكُنْ لِجَسَدِنَا شَيْءٌ مِنَ الرَّاحَةِ بَلْ كُنَّا مُكْتَئِبِينَ فِي كُلِّ شَيْءٍ: مِنْ خَارِجٍ خُصُومَاتٌ، مِنْ دَاخِل مَخَاوِفُ. (رسالة بولس الثانية إلى كورنثوس 7: 5)، والثانية في تعديل الوصف والقيد بلغة إخوتنا المحامين لتناسب حالنا اليوم وما يتهددنا في كنيستنا "من داخل خصومات ومن خارج مخاوف". فقد كثرت أحاديثنا الجانبية عما يتداول بين الفرقاء من حكايات التربص والتحفز بين أجنحة مجمع الأساقفة، وتكتل نفر منهم لتعويق مهام البابا البطريرك الذي جاء خلفًا للبابا الراحل الأنبا شنودة، بالرغم مما يصدر عنهم من بيانات تؤكد على ترابطهم ووحدتهم، وصورهم الموسمية في مناسبات انعقاد مجمعهم الدورية أو الطارئة وقد حرصوا على تصدير ملامح الوفاق، وبعضها مصنوع بعناية. التنافر هنا له ما يبرره، فلم يجمعهم سوى ارتياح من اختارهم لهم، بمعاييره وتقديره الشخصي، دون محددات موضوعية وقواعد مسبقة عامة ومجردة، فضلًا عن عدم تأهيلهم المسبق لمهام الأسقفية وضوابطها، استنادًا إلى فرضية معرفتهم لها، وهي فرضية غير دقيقة، لأسباب عدّة عرضنا لها في سياق ما سبق من مقالات، وأهمها قصر مدة الرهبنة، واختفاء التلمذة داخل الدير، واعتبار أن السمات الشخصية وربما حسن السيرة وحدهم كافيين للاختيار، في عالم أكثر تعقيدًا، وفي مواجهة موجات عاتية من الحروب الفكرية والذهنية والمادية أيضًا، بينما تُخضع كنائس أرثوذكسية من العائلتين، وأيضًا الكنيسة الكاثوليكية، الرهبان لسلسلة من الدراسات النظامية تمتد لنحو عشر سنوات سواء في معاهدها أو من خلال بروتوكولات مع الجامعات المدنية (فيما يتعلق بعلوم الإدارة والعلوم الإنسانية)، أو مع الكليات اللاهوتية الموثوق بها والمشهود لها. قد اعتدت في القضايا التي أتناولها، أن أعرض الإشكاليات التي تعترضها أو تعوقها ثم اتبعها بما أظنه مخارج وحلول قابلة للتنفيذ، بغير وصاية على القائمين عليها، باعتبارهم أصحاب القرار ومن يديهم يُطلب بيان التعاطي معها وفق القواعد والمحددات التي أقرتها الكنيسة في قوانينها. ربما حان الآن وقت الخروج من مأزِق شخصنة أزمة الكنيسة المعيشة، واختزالها في شخص أو أشخاص بعينهم، وعلينا أن نبحث في الأسباب الموضوعية لها وتفكيكها بهدوء وأمانة. ودليلي على هذا أن أقطاب شباب أربعينيات القرن العشرين الذين دانت لهم السلطة في الكنيسة وفي مقابلهم نظرائهم المناوئين لرؤاهم ومدرستهم، كلاهم غادروا الحياة ومع ذلك بقيت الأزمة وبقي الصراع وبقيت المصادمات، وما زالت السفينة تقاوم الغرق، وما زلنا نواجه "من داخل خصومات ومن خارج مخاوف"! ! الأقطاب رحلوا وبقي ما زرعوه، ليس في دائرة الأفكار وحسب بل في دوائر الصدام الذي تصاعد ليصنع جدارًا سميكًا من الكراهيَة. وقد عرضنا قبلًا للمناخات والطموحات التي شكلت أقطاب المواجهة ومدخلات تكوينهم الذهني والفكري التي انتهت إلى ما صاروا عليه. وهو صدام صار خبز يومنا نصحو عليه ونبيت به. نحن ككنيسة معاصرة نملك ما لم يتوفر لطيف كبير من أقطاب الصراع، ربما بفعل الثورة الرقمية، وتطور حركة التَّرْجَمَةً، بفضل مؤسسات أكاديمية كرست جهدها في مثابرة لوصل ما انقطع ونقلت لنا المخطوطات الأساسية التي تحمل فكر الكنيسة الجامعة ورؤيتها في القضايا الإيمانية الأساسية، ودقائق وعيها اللاهوتي والكتابي والآبائي. وتأسيسًا على ذلك تأتي مسئولية الكنيسة المؤسسة، بالعمل على إنشاء آلية تضم كل ما تم تحقيقه وتعريبه وترجمته من كتابات الآباء في القرون الميلادية الخمسة الأولى ـ على غرار تجرِبة معهد الدراسات القبطية التي قام بها مجموعة من الأساتذة الجامعيين في حبرية البابا يوساب الثاني ـ وتكليف مجموعة من الباحثين والخبراء اللاهوتيين، من أبنائها، لوضع دستور محدّث ومنضبط للإيمان القبطي الأرثوذكسي، يضع نقطة في نهاية سطر الارتباك والخلاف تهيئة لبدء صفحة سلامية بناءة. وما زالت المشاهدات ممتدة فيما نراه تفكيكًا للإشكاليات المتراكمة. --- ### واﻷكاديميا أيضا ترصد: ينشرون الإلحاد - Published: ۲۰۲۲-۰۸-۰۸ - Modified: 2025-02-16 - URL: https://tabcm.net/7468/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: الأخلاق الجنسية, الإصلاح البروتستانتي, الفكر التجريدي, الكنائس الأرثوذكسية, اللاهوت الدفاعي, اللاهوت النظري, بابا شنودة الثالث, باسيليوس الكبير، أسقف قيصرية الكبادوك, بروتستانت, بيشوي كامل, چون بو جمرة, چون ديوي, چيمس فاولر, شيشوي, عقيدة التأله, علامة إكليمندس السكندري, قديس بولس الرسول, نابليون بونابارت, نابليون بونابرت, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية لست بصدد تقديم معالجة لأسباب انتشار الإلحاد، لكن أريد رصد فشل الأساليب المتبعة في التعليم الكنسي في المهجر حاليًا لمواجهة الإلحاد أو أي تغرب عن الكنيسة، وكيفية مساهمة الممارسات التعليمية السيئة في ابتعاد الشباب عن الكنيسة وتوجههم للإلحاد أكتب هذه المقالة تعقيباً على مقال الصديق تامر فرج المعنون باسم أساقفة ينشرون الإلحاد، وأنا هنا لست بصدد تقديم معالجة لأسباب انتشار الإلحاد، لكن أريد رصد فشل الأساليب المتبعة في التعليم الكنسي في المهجر حالياً لمواجهة الإلحاد أو أي تغرب عن الكنيسة، وكيفية مساهمة الممارسات التعليمية السيئة في ابتعاد الشباب عن الكنيسة وتوجههم للإلحاد. "ليس بإمكانك جعل غرفة أقل ظلاماً لكن بإمكانك إضاءتها. " (عبارة مقتبسة عن أب فاضل يخدم بإحدى كنائس المهجر، سوف أشرحها في رحلتنا هذه) تنحصر أغلب طرق مواجهة الإلحاد، خاصة في كنائسنا في المهجر، إلى ٦ طرق منتشرة: ١- إثبات الفشل الأخلاقي في الغرب الملحد “السكير العربيد”. ٢- إثبات خطأ أي نظرية تتنافي مع حرفية السرد الكتابي مثل التطور. ٣- الإكثار من التعليم عن الطقوس الكنسية والألحان. ٤- محاربة التطور السريع الديناميكي للكينونة الإنسانية في الغرب. (أنا أرصد فقط ولست منحازا ضد/ مع). ٥- تجميع الشباب في نوادي كنسية تكاد تكون مقصورة على شباب الأقباط تضاهي ما نجده في وطننا الأم في انعزاليتها. ٦- محاربة كل ما هو غير مألوف حتى وإن كان فقط تسريحة شعر مختلفة أو حتي ذوق موسيقي مختلف. والسؤال المهم هنا، هل نجحت هذه الطرق في تبشير الملحدين ومواجهة الإلحاد وإيقافه عند حده؟ في الحقيقة “لا”، وإن نجحت فليس لكفاءتها بل لأن كلمة الرب حية وفعالة رغم قصور مجهودنا. إن حللنا استراتيجية مواجهة الإلحاد في المهجر، التي هي مصدر الطرق الست التي ذكرتها، لوجدناها تنحصر أيضا في ثلاثة محاور: ١- محور دفاعي. ٢- محور أخلاقي أو ممارساتي. ٣- محور يتعلق بإعادة تشكيل الشباب واستنساخهم على صورتنا. المحور الدفاعي سهل وسريع وتأثيره قوي لأول وهلة، لكن -كمّيا- سنرى فيما بعد أنه يفشل فشلا ذريعا على المدى الطويل. المحور الأخلاقي والممارساتي أيضًا سهل ويتوافق مع رسالة المنزل والأسرة، لكنة أيضًا يفشل كما سنرى. محور إعادة التشكيل والاستنساخ أيضًا سهل ولا يحتاج إلى أية معارف أو دراسات معقدة، لكنه في منتهى الخطورة، إذ مقارنته بالمحاور الأخرى ففشله مدمر، وقد يؤدي إلى عداوة بين الكنيسة والشباب. فنحن قد نحاول تغيير الشاب حتى يلائم القالب الذي وضعناه له، وأعدنا صياغته في وطننا الأم، فكل شاب يجب أن يكون نسخة كربونية من معلم الكنيسة وكل شابة من أمينة الخدمة، ضاربين بعرض الحائط التباين والاختلاف الثقافي. لماذا تفشل هذه الطرق والأساليب؟ التعليم السلبي أسئلة الشباب -خاصة في سن المراهقة- تحوم حول الأسئلة الوجودية ومحاولة فهم كينونتهم وعلاقتهم بهذا الإله الذين يشعرون به ويريدون أن يفهموه. يقول اللاهوتي الأمريكي “چيمس فاولر” في نظريته عن “تطور الإيمان”: إن مرحلة المراهقة تتسم بالفكر التجريدي، وبداية الاختلاف بين ما يفهم كقناعة شخصية نتجت عن قبول بعض الأشياء في الطفولة التلقينية البريئة، ثم نمت في الجماعة التي منها تسُتمد الهوية وما يعاكسها من الشكوك المشروعة والأسئلة المنطقية التي تأتي في هذه المرحلة. لكننا نجد أنه بدلا من إجابة الأسئلة الوجودية ومحاكاة الفكر التجريدي، ننزلق في اللاهوت الدفاعي والأخلاقي، أو كما قال نابليون: الهجوم خير وسيلة للدفاع. خير وسيلة لمواجهة الإلحاد هنا ليست اللاهوت الدفاعي، فشبابنا بحاجة لتعليم إيجابي ينبع من التقليد الأرثوذكسي ويشُكل بالثقافة المحلية. أيضاً الكنيسة يجب أن تحتضن الخلاف النابع في هذه المرحلة بدلا من مواجهة عدائية لهذه الأفكار والشكوك. أستطيع أن أقول عن خبرة أكثر من عقد ونصف عقد في خدمة الشباب إن الشباب لا يترك الكنيسة لعدم وجود إجابة عن أسئلة من عينة “هل يقدر الله على خلق صخرة لا يقدر على حملها؟” وإنما أسئلة من عينة “لماذا أنا هنا؟”، “ما الهدف من حياتي؟”، “لماذا الحياة مؤلمة؟” الخ... أتذكر كلمة قالها لي أستاذ بطب العقاقير عندما كنت في كلية صيدلة، وهو بالمناسبة راعي بالكنيسة المعمدانية، إذ قال: نحن لا ندرك أن جميعنا بلا استثناء يحمل على كتفيه كمية مهولة من الألم والمعاناة. وهذا صحيح أيضاً بالنسبة لشبابنا الذي يلجأ إلى الإلحاد حتى يسقي ألمه جرعات مسكنة من الإنكار. يقول القديس باسيليوس: غير المؤمنين عندما يواجهون صعوبة صغيرة... لا يستطيعون أن يتحملوا... فيتشككون بعقولهم إن ما كان الله موجوداً، وأيضاً: لا فرق بين من ينكر وجود الله، ومن ينكر أن الله صالح. هنا بكل وضوح نرى أهمية التعليم الإيجابي في مواجهة الإلحاد، معرفة الله ومحبته توثق معرفتنا به وبصلاحه. لا يمكن تضميد القلب المكسور بالشاش، بل يجب أن نعالج الألم الوجودي بالتعليم عن الإله المحب، ومن نحن بالنسبة له حتى نقاوم أفكار الإنكار طبيعيًا. وهذا يأتي بنا للنقطة الثانية: اللاهوت النظري في مواجهة الإلحاد يجد الخدام أنفسهم في موقف لا يحُسدون عليه، فيأتيهم الشباب بأسئلة نظرية واعتراضات عقلانية عن وجود الله. أسهل حل لهذا الموقف هو اللجوء لجوجل والإنترنت، والنتيجة عادة ما تكون إجابات معلبّة نظرية ومن مصادر غير متماشية مع التقليد. هذا يخلق تضادا بلا مساحة لتقبل أي اختلاف كجزء مما نجهله عن الله أو ما نعيشه. اللاهوت الاختباري والمعاش، هو عصب التعليم اللاهوتي الأرثوذكسي، ففي إحدى القصص الرهبانية نجد أخ يسأل القديس “شيشوي” عن كلمة منفعة، فيجيب الأخير: “لماذا تطلب كلامًا؟ أصنع مثلما تري”. هنا نرى أهمية اللاهوت الاختباري كمادة تعليمية وقوة التلمذة كطريقة تعليمه. قد لا نستطيع حصر الله في مجموعة عبارات نظرية وفلسفية لكننا نستطيع أن ننقل خبرتنا معه كحجر أساس لمعرفته، فيصبح اللاهوت نظري مُكّمِل لكن ليس الأساس. وذلك أيضا يتضمن الشكوك لأنها تأتي في سياق شكوك وتساؤلات صحية لفهم الخبرة الروحية وليس العكس. لذلك، فإن الإيمان المعاش صلب كالصخر ولا تزعزعه الأمواج لكن تصقله. فكيف لنا أن ندخل في مواضيع نظرية دون وجود بنية أساسية لهذا السياق النظري؟ هنا يجب أيضًا الإشارة إلى أن التجربة الشخصية أهم سبب لاستمرار الشباب في الكنيسة وفقا لعدة أبحاث أجرتها الكنائس الأرثوذكسية الشرقية في شمال أمريكا. التعليم الأخلاقي التركيز على الأخلاقيات والخطية كسبيل لدحض الإلحاد أصبح توجه يجب تسليط الضوء عليه ودراسته وهناك عدة محاور لقصور هذا التوجه: ١- يقولون إن الملحد سيء الأخلاق إذا أن الإيمان بالخالق سبيل لمجتمع جيد. وهذا صعب جداً إثباته خاصة في وجود فلسفات لا تؤمن بالخالق ولكن تؤمن بالقيم المشتركة وأيضاً انتشار الفساد والنفاق والأخلاق الرديئة في الشعوب المؤمنة بالخالق. ٢- وأيضًا يقولون إن التعليم الأخلاقي ينتج عنه شباب مؤمنين ومرتبطين بالكنيسة. وهنا نجد مشكلة، إن مفهوم الأخلاق نسبي للمجتمع وقد ينتج عنه ازدواجية عند شباب الجيل الثاني مثلما يحدث دوما حول مفهوم الحشمة. ٣- مشكلة أخرى مرتبطة بالتعليم الأخلاقي هو أن كل الممنوع مرغوب، وهناك أمثلة لا حصر لها من الأبحاث في علم النفس عن خطورة منع شيء ما أو إظهاره بصورة سلبية، إذ يصبح آنذاك جذابا، فإن ركزنا على الأفعال غير الأخلاقية الممتعة كشيء يجب تفادي متعته، أصبحنا دون قصد نحث شبابنا على تذوقها. ٤- التركيز على الخطية يربطنا بالخطية كما قال بولس الرسول: “بدون الناموس الخطية ميتة” (رسالة بولس إلى رومية ٧: ٨). فليس باستطاعتنا التحرر من الناموس والنمو الروحي إن كان تركيزنا على كل ما هو رديء. أتذكر في إحدى عظات المتنيح البابا شنودة عندما قال:لا يجب أن نخاف من الخطية في حياتنا”، وأنا اكرر أنه يجب أﻻ نخاف منها في تعليمنا أيضاً. ٥- التعليم الأخلاقي سطحي بطبيعته، ولا يرقى لكشف حقيقة ثبات المسيح فينا أو نحن فيه. يقول الأب الأرثوذكسي “چون بو جمرة” إن: “هدف العملية التعليمية المسيحية هو التأله”، فالسلوك المسيحي يأتي كنتيجة لإدراك الحياة الإلهية وليس العكس. غياب التعليم الشخصي افتقاد العملية التعليمية لاحترام التمايز، يجعل الكثير من الشباب عرضة للبعد عن الكنيسة. هذا يكاد أن يترجم لعداوة بين الكنيسة والشباب. الشاب يجب أن يكون مركز الخدمة بشخصه، وكما يقول أبونا “بيشوي كامل”: يجب أن نقبل الشباب كما هم، وليس كما نريدهم أن يصبحوا. غياب الارتباط الشخصي عند تحول شاول إلى بولس، قال المسيح له أن يذهب إلى المدينة ليتعلم، لم يكتف المسيح بتحويل بولس، بل جعله جزء من الكنيسة حتى يتعلم من بقية التلاميذ ويعتمد على يد حنانيا. الارتباط بين المتعلم والمعلم شيء لا يمكن الاستغناء عنه، لا يوجد تعليم كنسي دون هذه العلاقة الكيانية التي تربط أعضاء الجسد الواحد في وحدة تفوق حدود المعرفة العقلانية. أهم فرق بين التعليم الكنسي وأي تعليم آخر، أن التعليم الكنسي تنسجه المحبة والاتحاد السري. وبعيدًا عن البعد الروحي للتعليم فأن العلاقة بين المعلم والمتعلم من شروط التعليم الناجح. نجد الفيلسوف والخبير التعليمي “چون ديوي” يقول: المعلم والمتعلم شركاء في التعلم. نتيجة طبيعية لهذه العلاقة الكيانية. الشعور بالمسؤولية تجاه المخدومين والصلاة من أجلهم وإعطائهم كل الاهتمام والأولوية. ترتيب الشباب في الكنيسة هناك اعتقاد خاطئ أن الشباب مؤمنين تحت التدريب، أو مؤمنين ناقصين اﻷهلية والكنيسة تعلمهم كيف يصبحوا مؤمنين كاملين. منذ لحظة المعمودية فالإنسان المسيحي إنسان مسيحي كامل، وهناك العديد من الأدلة الكتابية وأدلة من قصص القديسين على ذلك. بالعكس يجب أن يعتبر المعلم أنه أيضًا تلميذا مثله مثل الطالب، يسير في نفس الدرب التعليمي وإلا غلبه الكبرياء واجترار نفس المعلومات بلا خبرة روحية حقيقية. النفاق المؤسسي عدم التوافق بين ما نعلّم في الكنيسة ونفعل في الحياة شيء خطير، فأن علمنا عن المحبة يجب أن تصبح المحبة حياتنا. الكنائس حسب القديس يوحنا ذهبي الفم: “مستشفى”. . فيجب أن تؤخذ هذه المسألة بجدية وتكون مصدرا للمحبة والرسالة المسيحية بلا استثناءات. الشباب حساس جدا لأي ملامح للنفاق واستعداده لتحمل ما قد يبدو نفاقا يكاد يكون منعدما.   بعض الممارسات الإيجابية نستطيع أن نلخص بعض ما تكلمنا فيه بالأعلى في بضعة نقاط عن الممارسات الإيجابية، مع إضافة القليل من النقاط لإثراء السياق: ∙ ممارسة ما نقول، أو إيضاح أننا نجاهد بهذا الصدد شيء مهم جدًا. ∙أن تصبح الكنيسة في المهجر أكثر من نادي اجتماعي، أو معقل الثقافة المصرية، أو مأوى لهؤلاء الذين لا يستطيعوا التأقلم على ثقافة بلاد الهجرة. هذا يتضمن القبول للجميع وأن تحتضن الكنيسة الثقافة واللغة المحلية بنفس قدر الثقافة واللغة المصرية، من أهم الأخطار في المهجر أي تناقض في الهوية بين الكنيسة والثقافة المحلية. ∙أن تصبح الكنيسة في المهجر منبر تبشيري يمد يديه للمجتمع المحلي بالمعونة الروحية والمادية إن أمكن. ∙توفير مساحة حرية ومحبة للحوار نحو التحديات العصرية والمحلية. ∙أن يكون للشباب دورا واضحا وفعالا في الكنيسة وليس دورا صوريا، إذ هم جزء لا يتجزأ من الكنيسة. ∙التركيز على الإيجابي وما يترتب على فهم عمل الله في الإنسان وترك ما هو سطحي. إن لم نوفر ما يحتاجه الشباب من إجابات وجودية سوف يبحثون عن بدائل خارج الكنيسة. ∙التغيير الراديكالي للسياسة التعليمية وتحويلها من المجال النظري المدرسي إلى التلمذة الاختبارية، مع وجوب الشفافية اللازمة لبناء الثقة في البيئة التعليمية الكنسية. ∙التأكيد على احتضان الشباب في المجتمع الكنسي ووجود علاقات كيانية قوية تربطهم بالكنيسة عصبها الحب غير المشروط. ∙التوافق الكامل بين ما تمارسه الكنيسة وما تعلمه الكنيسة وكيف تعلمه. ∙إصلاح التعليم الكنسي. فمثلاً إن لزم كتابة مناهج جديدة تتخذ من الاتحاد بين الله والإنسان هدفها الأوحد الذي منة يتفرع جميع الأهداف الأخرى، وأن يكون المنهج متسق مع بعضة وأن يتم تدريب المعلمين روحيا وفي فن التعليم الخ... يقول القديس كليمندس السكندري: إن استيعاب القناعات الإيمانية الصحيحة ورفض الباقي ليس نتاج إيمان بسيط بل نتاج إيمان ملتزم بالتعلم ليس هناك من يشكك في أهمية التعليم في مواجهة الإلحاد والتغرب عن الكنيسة، لكن المهم أن تكون الأساليب صحيحة وموائمة للأهداف المرجوة. في دراسة أجراها مركز بيوس عام ٢٠١٥ في أمريكا الشمالية، ؜٥٣٪ فقط من الأرثوذكس البالغين مازالوا متمسكين بالأرثوذكسية مقارنة بـ٦٥٪؜ من البروتستانت. ليس هذا فحسب ففي نفس الدراسة نجد أن من يؤمنون بلا أي شك في وجود الخالق من الأرثوذكس ؜٦١٪ مقارنة بـ٨٨٪؜ من البروتستانت، وبما إن الإيمان بالخالق هو محور هذه المقالة فهذه الأرقام تقلق خاصة لقرب خاصيات المجتمعات الأرثوذكسية. أستطيع أن أقول إننا في المهجر بصدد كارثة ويجب أن نتخذ خطوات حاسمة اليوم وليس غدا. --- ### لماذا لا يظهر الله نفسه للعالم فيؤمن به الجميع؟ - Published: ۲۰۲۲-۰۸-۰۷ - Modified: 2023-12-02 - URL: https://tabcm.net/6963/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: قديس بولس الرسول لماذا لن يصدق الناس ولن يؤمنوا لمجرد أن الله يظهر لهم؟ «قَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: عِنْدَهُمْ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءُ، لِيَسْمَعُوا مِنْهُمْ. فَقَالَ: لاَ، يَا أَبِي إِبْرَاهِيمَ، بَلْ إِذَا مَضَى إِلَيْهِمْ وَاحِدٌ مِنَ الأَمْوَاتِ يَتُوبُونَ. فَقَالَ لَهُ: إِنْ كَانُوا لاَ يَسْمَعُونَ مِنْ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ، وَلاَ إِنْ قَامَ وَاحِدٌ مِنَ الأَمْوَاتِ يُصَدِّقُونَ». (مثل الغني ولعازر. . إنجيل لوقا 16: 29-31) هذا المقال يناقش عدم جدوى الاقتراح الذي قدمه "لعازر" الرجل الغني الذي مات وذهب إلى موضع العذاب فأدرك خسارته واقترح هذه المبادرة لإنقاذ ذويه الذين لا يزالوا يعيشون في العالم. فَقَالَ لَهُ إِخْوَتُهُ: «انْتَقِلْ مِنْ هُنَا وَاذْهَبْ إِلَى الْيَهُودِيَّةِ، لِكَيْ يَرَى تَلاَمِيذُكَ أَيْضًا أَعْمَالَكَ الَّتِي تَعْمَلُ، لأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ يَعْمَلُ شَيْئًا فِي الْخَفَاءِ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ عَلاَنِيَةً. إِنْ كُنْتَ تَعْمَلُ هذِهِ الأَشْيَاءَ فَأَظْهِرْ نَفْسَكَ لِلْعَالَمِ». لأَنَّ إِخْوَتَهُ أَيْضًا لَمْ يَكُونُوا يُؤْمِنُونَ بِهِ. (إنجيل يوحنا 7: 3-5) "طُوبَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَرَوْا". (إنجيل يوحنا 20: 29) الله هو الحق، الإيمان بالله هو الإيمان بالحق. المسيح -تبارك اسمه- قال"أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ". (إنجيل يوحنا 14: 6)، ومكتوب عنه"وَنَعْلَمُ أَنَّ ابْنَ اللهِ قَدْ جَاءَ وَأَعْطَانَا بَصِيرَةً لِنَعْرِفَ الْحَقَّ. وَنَحْنُ فِي الْحَقِّ فِي ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. هذَا هُوَ الإِلهُ الْحَقُّ وَالْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ". (رسالة يوحنا الأولى 5: 20). والحق لا يَتْبع ولا يَختَّص بالزائل والمتغيِّر، الذي غير حق بالتالي غير حقيقي بالضرورة. كل ما هو غير حق فهو كَذِبْ، العالم الذي نعيش فيه ليس حق لأنه متغيِّر و زائل. والشيطان أبو المتغيِّرات و الكذب: "أَنْتُمْ مِنْ أَبٍ هُوَ إِبْلِيسُ، وَشَهَوَاتِ أَبِيكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَعْمَلُوا. ذَاكَ كَانَ قَتَّالاً لِلنَّاسِ مِنَ الْبَدْءِ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْحَقِّ لأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَقٌّ. مَتَى تَكَلَّمَ بِالْكَذِبِ فَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُ مِمَّا لَهُ، لأَنَّهُ كَذَّابٌ وَأَبُو الْكَذَّابِ". (إنجيل يوحنا 8: 44). لذلك قيل أن العالم أُعطِيَ للشيطان: "نَعْلَمُ أَنَّنَا نَحْنُ مِنَ اللهِ، وَالْعَالَمَ كُلَّهُ قَدْ وُضِعَ فِي الشِّرِّيرِ". (رسالة يوحنا الأولى 5: 19). تعريف الكتاب المقدس للإيمان: "وَأَمَّا الإِيمَانُ فَهُوَ الثِّقَةُ بِمَا يُرْجَى وَالإِيقَانُ بِأُمُورٍ لاَ تُرَى". (رسالة بولس إلى العبرانين 11: 1). إذن، الإيمان الحقيقي ليس في متناول الواقع ولا هو في متناول الرؤية بالعين، أي ليس في دائرة العالم، بالتالي فالإيمان الحقيقي ليس واقعاً تحت سلطان الشيطان، بل هو فائق على مستوى المتغيرات والعالم والشيطان. فكيف نستطيع أن نعرف الله و نؤمن به الإيمان الحقيقي إن كان الأمر هو أرفع من مستوي المنظور والمسموع، وأعلى من مستوى العقل والتعليم والقراءة والفهم؟ هنا يتضح أن الإيمان بالله والمسيح هو عطية وليس مقدرة، يقدمها الله لكل من يَقبَل"لأَنَّهُ قَدْ وُهِبَ لَكُمْ ... أَنْ تُؤْمِنُوا بِهِ ... ". (رسالة بولس إلى فيلبي 1: 29). الله يُعلِن ذاته ولا تُقتَحم معرفته لأنه ليس عِلمٌ يُفحَصْ: "يَا لَعُمْقِ غِنَى اللهِ وَحِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ! مَا أَبْعَدَ أَحْكَامَهُ عَنِ الْفَحْصِ وَطُرُقَهُ عَنِ الاسْتِقْصَاءِ! «لأَنْ مَنْ عَرَفَ فِكْرَ الرَّبِّ؟ أَوْ مَنْ صَارَ لَهُ مُشِيرًا؟ أَوْ مَنْ سَبَقَ فَأَعْطَاهُ فَيُكَافَأَ»". (رسالة بولس إلى رومية 11: 33). هنا يأتي مفهوم استعلان الحق في الإيمان المسيحي، والمقصود بالاستعلان هو كشف المستور أو الدخول إلى جوهر المعنى أو جوهر الكلمة، وهو حاسة فائقة على الفهم والعقل، "وَالَّذِي يُحِبُّنِي يُحِبُّهُ أَبِي، وَأَنَا أُحِبُّهُ، وَأُظْهِرُ لَهُ ذَاتِي". (إنجيل يوحنا 14: 21). هذا الاستعلان الذاتي لشخص الله والمسيح لا يختص بما هو بشري، وهو فوق أن يُحَسُّ به في القلب (أي هو فوق المشاعر والأحاسيس)، لأنه يختص بالروح والحق:"بَلْ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ:«مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قلب إِنْسَانٍ: مَا أَعَدَّهُ اللهُ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ»". (رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس 2: 9). هذا هو الإيمان الذي اختبره بولس الرسول ووصفه بأنه "سِرِّ الْمَسِيحِ" (رسالة بولس إلى أفسس 3: 4)، وقال عنه "لأَنِّي لَمْ أَقْبَلْهُ مِنْ عِنْدِ إِنْسَانٍ وَلاَ عُلِّمْتُهُ. بَلْ بِإِعْلاَنِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ". (رسالة بولس إلى غلاطية 1: 12). الإيمان بالمسيح والحق هو عمل روح الله في كل إنسان، وهو مستور في كلمة الإنجيل، هو في متناول الجميع، بدءًا من بولس الرسول معلم اليهود وحتى الأطفال والأميين والذين لا يقرأون:"وَفِي تِلْكَ السَّاعَةِ تَهَلَّلَ يَسُوعُ بِالرُّوحِ وَقَالَ:«أَحْمَدُكَ أَيُّهَا الآبُ، رَبُّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، لأَنَّكَ أَخْفَيْتَ هذِهِ عَنِ الْحُكَمَاءِ وَالْفُهَمَاءِ وَأَعْلَنْتَهَا لِلأَطْفَالِ. نَعَمْ أَيُّهَا الآبُ، لأَنْ هكَذَا صَارَتِ الْمَسَرَّةُ أَمَامَكَ»". (إنجيل لوقا 10: 21). فالله ظهر لصموئيل الطفل وتكلم معه ولم يتكلَّم مع معلمه عالي الكاهن. إن استعلان الحق الإلهي لا يتوقف على علم أو معرفة أو قامة أو حتى رؤية بالعين المجردة. فكل هذه المعطيات قدمها الله -تبارك اسمه- للإنسان في تاريخ العلاقة به ولم تفلح. بل الإيمان هو باستعلان الحق الإلهي لكل من يُحِّب الحق و يطلبه. "فَكَانَ الْيَهُودُ يَتَذَمَّرُونَ عَلَيْهِ... وَقَالُوا: «أَلَيْسَ هذَا هُوَ يَسُوعَ بْنَ يُوسُفَ، الَّذِي نَحْنُ عَارِفُونَ بِأَبِيهِ وَأُمِّهِ؟ فَكَيْفَ يَقُولُ هذَا: إِنِّي نَزَلْتُ مِنَ السَّمَاءِ؟». فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ:«لاَ تَتَذَمَّرُوا فِيمَا بَيْنَكُمْ. لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يُقْبِلَ إِلَيَّ إِنْ لَمْ يَجْتَذِبْهُ الآبُ الَّذِي أَرْسَلَنِي، وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ. إِنَّهُ مَكْتُوبٌ فِي الأَنْبِيَاءِ: وَيَكُونُ الْجَمِيعُ مُتَعَلِّمِينَ مِنَ اللهِ. فَكُلُّ مَنْ سَمِعَ مِنَ الآبِ وَتَعَلَّمَ يُقْبِلُ إِلَيَّ... اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ يُؤْمِنُ بِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ". (إنجيل يوحنا 6: 41) والرب يستعلن ذاته بكيفية و"مخارج" حسب شخص كل إنسان لا زال في الظلمة وظلال الموت"اَللهُ لَنَا إِلهُ خَلاَصٍ، وَعِنْدَ الرَّبِّ السَّيِّدِ لِلْمَوْتِ مَخَارِجُ". (سفر المزامير 68: 20). والسبح لله. بقلم د. رءوف إدوارد --- ### كهنة أخر زمن - Published: ۲۰۲۲-۰۸-۰٦ - Modified: 2023-12-07 - URL: https://tabcm.net/7402/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: إسحق صبري, بلاد الرافدين, ميشال فوكو انتشرت منذ مدّة قناة على اليوتيوب لكاهن قبطي أرثوذكسي يدعى "اسحق صبري"، في ظاهرة جديدة من نوعها؛ حيث اعتاد الشعب مشاهدة الآباء الكهنة عبر القنوات الفضائية المسيحية التي تعتمد في تمويلها إما على جمع التبرعات أو الإعلانات التجارية. الأمر المريب في فيديوهات القس الشاب هو ولعه الشديد بتقديم المواضيع الجنسية المتعلقة بالطهارة، مثل التخلص من العادة السرية، ونصائح للعلاقة الحميمية. فستجد تسعين بالمائة من الحلَقات عن هذه المواضيع، ولا مكان للمواضيع الروحية غير الحسية؛ لأن العشرة بالمائة المتبقية تختص بمواضيع متهافتة لا تشفي ظمأ روح تبحث عن خالقها مع أنها تبدو وكأنها مواضيع روحية. الخلاصة، تنقسم حلَقات صبري إلى قسمين، حلَقات جنسية وحلقات غير جنسية. ولحظي العثر، شاهدت واحدًا من أخر فيديوهاته، الذي كان عن الدلائل الكتابية لتقبيل يد الكاهن! يرى صبري أن تقبيل يد الكاهن أمر كتابي، وليس عادة شعبية اعتادها الأقباط. وكأن إعطاء التبجيل لفئة معينة من البشر يفرضه الله فرضا بالنصوص الكتابية! وبالفعل، شرع صبري في سرد بعض النصوص الكتابية عن "التقبيل" منها قول السيد المسيح لصديقه سمعان "بقبلة لم تقبلني"، مشيرًا إلى أن القبلة هنا علامة على الإكرام، وبذلك، فإكرام الكاهن واجب. يساوي صبري نفسه بالمسيح بكل وضوح، وكأن المسيح يعطي آخرين مجده. ثم جاءت صدمتي الكبرى حين استشهد صبري بقول فرعون مصر ليوسفأَنْتَ تَكُونُ عَلَى بَيْتِي، وَعَلَى فَمِكَ يُقَبِّلُ جَمِيعُ شَعْبِي إِلاَّ إِنَّ الْكُرْسِيَّ أَكُونُ فِيهِ أَعْظَمَ مِنْكَ. وتسأل نفسك ما علاقة العادات والتقاليد الفرعونية بتقبيل يد الكاهن؟ ثم تدخل في حالة ذهول لما وصلنا له من عبث! ! اعتاد القدماء في مصر وبلاد الرافدين على تقبيل الشفاة كعلامة على الاحترام. نقرأ في كتاب Popular Stories of Ancient Egypt ص٢١٥ عن تقبيل الرجل للرجل على الفم كعلامة للتقدير عند الفراعنة، بالأخص لأصحاب المناصب العليا، وأيضا نقرأ عن تقبيل الأرض التي يقف عليها الفرعون، وقد اكتسب القبط هذه العادة وأدخلوها للكنيسة. فما الرابط بين تقبيل فم الفرعون وتقبيل يد الكاهن؟ ولما يد الكاهن وليس فمه كما يقول النص؟ هذا مثال واضح لعظات التيك-أواي التي تقدم تعليمًا معلبًا للمستمع، وينهج واعظها منهج "الكنترول فايند" — البحث عن الكلمة المرادة في الكتاب المقدس الإلكتروني، كأن يضع أصل الفعل "قبل" في محرك البحث، ويقرأ على المستمعين الآيات التي يجدها بلا فهم أو الرجوع لسياق، ويكون بذلك قد قدم عظة وافية شافية كلاهوتي مخضرم وعصري! لما لا يطبق هذا القس، الملتزم بكل حرف في الكتاب المقدس، قول المسيح مَجَّانًا أَخَذْتُمْ، مَجَّانًا أَعْطُوا (إنجيل متى 10: 8)؟ ويكف بذلك عن كونه يوتيوبر يتربح آلاف الجنيهات شهريًا من المشاهدات والإعلانات بواسطة كلمة الله؟ حين يحاول تقديم عظات روحية، تتمخض محاولته عن مواضيع عديمة الجدوى كالنبتة الجافة لا تفيد أحد؛ لأن الحديث عن زنا اليد، والأعضاء التناسلية، والتلامس بين الشباب والفتيات، وحرمانية الحب من عدمها هو محور هذه القناة المسيحية التي يطل علينا منها هذا القس الذي يرى أن التجاوزات الجنسية بين المخطوبين تبدأ من الإمساك باليد! وبالطبع، لا مفر من تذكر مشهد فوزية رأفت الشهير حين ظنت أن خطيبها يتحرش بها حين أمسك يدها. هل الشباب المسيحي مهووس ومفتون بالجنس إلى هذه الدرجة ولا يفكر في شيء عداه حتى تصير العظات الجنسية هي الأصل بينما الروحية هي العابرة؟ في ظني، أن الهوس بالمحرمات والمحظورات هو ما يمكن أن يؤدي بهم إلى ذلك. السردية المنغلقة التي يتم تغذيتها على المنابر قد أدت بالكثيرين إلى نهج الحياة المزدوجة— الانفلات في السر والطهر في العلن كما هو حال بعض الرهبان. كما أدت إلى انتشار مرض "الوسواس القهري الديني Religious OCD" الذي يدمر المخ والحياة بالكامل بسبب الذعر والهوس بالخطيئة. "المجتمعات الأكثر تحريما للجنس، هي الأكثر هوسا به. "(ميشال فوكو) --- ### أساقفة ينشرون الإلحاد - Published: ۲۰۲۲-۰۸-۰۵ - Modified: 2023-12-07 - URL: https://tabcm.net/7397/ - تصنيفات: إصلاح كنسي هذا المقال ليس مقارنة بين طائفة وأخرى، وليس للشخصنة، وإنما مقارنة بين طرق التعامل فقط، سبق وكتبت مقالًا بعنوان "الإلحاد واللي عاوزينه. . لماذا يهاجم الشباب الإكليروس؟"، ناقشت فيه بأمانه شديدة أن ردود بعض الإكليروس على مسألة الإلحاد أو الملحدين تجعل بقية المؤمنين يتجهوا للإلحاد فورًا! كمسيحي مؤمن، حين استمع إلى ردودهم غير المنطقية، في الحقيقة التمس العذر للملحدين! فمثلًا حين يقول أحد أصحاب النيافة -عظاته ولقاءاته التلفزيونية ملء السمع والبصر-  بكل فخر إن السبب الرئيس للإلحاد هو "الكبرياء" ثم استطرد في حلقتين على الهواء، تحدث خلالهم عن الشباب والإلحاد، بدأ القصيدة بالكفر حيث شن موجات من الهجوم، والتسفيه من الشباب وأفكارهم وصراعاتهم، ولخص نيافته أسباب الإلحاد لديه في عدة نِقَاط بسيطة ممكن معالجتها بأبسط طرق القمع الفكري والهجوم الشخصي وإجبارهم على الطاعة العمياء، وهي: 1- تفشي روح الكبرياء في الشباب. 2- الرجعية والتخلف عند الشباب. 3- مبدأ خالف تعرف/ عكس عكاس. 4- حب الظهور. 5- عدم الاتضاع. 6- ركوب الموضة ومواكبة التريند. 7- العجرفة الفارغة. ثم أن بعض ردوده على الأسئلة الأخرى تدل على المستوى المتدني الغارق فيه الشعب روحيًا وعلميًا، والردود أيضًا إما مجرد استهانة بالعقول أو استخفاف بالمشاهدين وأخرها كان رده على سؤال إحدى السيدات (أمّ) تستفسر كيف تشرح لطفلها "من خلق ربنا؟" فجاءت إجابة نيافته مستخفة تمامًا بعقل المشاهد بل وعقل الطفل! وسط ضحكات وتصفيق الحاضرين! ولا عجب أن ذاك الطفل عندما يكبر ربما يشق طريقه للإلحاد من أوسع أبوابه. على الجانب الآخر من العالم شاهدت مؤخرًا بعض المحاضرات اللاهوتية، حيث تنجرف سيول الأسئلة المعقدة التي كان يتم توجيهها من الشباب إلى “أر. سي سبرول” وغيره في أحد القاعات، وكنت أندهش من قوة وجبروت الأسئلة وأمانة الإجابة من “سبرول”، حتى لو لم أكن مقتنعًا ببعض ما يقال. نعود لنيافته، هل يعرف أن كل مؤمن حقيقي بالمسيح في الأقل عند لحظة ما من حياته ساورته شكوك إيمانية، دخل في صراع فكري نفسي، انجرف في دوامة من الأسئلة التي لا يوجد لها إجابات، حَيْرَة من الظنون والأفكار، دخل في مرحلة عدم إيمان أو حتى إلحاد! ! هناك من استطاع أن يخرج منها بإجابات شافية لمعظم أسئلته، وهناك من لا زال يصارع أفكاره وإيمانياته، وهناك من اقتنع بمعتقده الجديد، لأنه في الأول والآخر إنسان، كائن يفكر ولا يستطيع أن يتوقف عن التفكير. بدلًا من معالجة الأمر بتفهّمات لما هو حتمي، نجد إما هجومًا أو ردودا غير منطقية، فأنت بذلك تثبّتهم في “عدم إيمانهم”، وتجعلهم مقتنعين أكثر بإلحادهم، أكثر من إيمانهم بسببك أنت! ثم بعد ذلك تقولون: “هي الناس بتهاجم الإكليروس ليه؟! ”. أردت أن اختم بالقصة المهمة جدًا التالية (نقلتها بتصرف) فقد زار مصر منذ سنوات أحد الوعاظ الإنجيليين المشاهير جدا -له أخطاء كثيرة ظهرت لاحقًا- وحضر مؤتمر لقادة الكنائس, فتم طرح عليه بعض الأسئلة حول الإيمان والإلحاد، وبكل صراحة ووضوح ردّ على سؤال كيف نعيد الشباب للكنيسة وسط موجة الإلحاد؟ وقال بإجابات صريحة وصادمة: بعض أسباب الإلحاد هي ردود فعل وتعبير عن حالة الغضب والإحباط وخيبة أمل الشباب من "رجال الدين"! نحن الآن نعيش في زمن مختلف، لا يصلح أن نعطي شاب جامعي نفس الإجابات التي كنا نعطيها للأطفال، كثير من الملحدين يفكرون ويقرأون ويكتبون كتابات قوية جدا، ولابد أن نحترمهم بشدة ونحترم أفكارهم. أنت، كخادم أو كراعٍ، لابد أن تقف وتسمع أسئلتهم باهتمام، وأن تسألهم بما لديك، ولا تحاول أن تفكر إنه لابد أن تجاوب عليهم في التو والحال واللحظة، بل حاول أن تفهم إن السؤال له علاقة بصراع داخلي عندهم. ونحن مرينا بذلك من قبل، وقد اكتشفنا إن بعض الحلول من الممكن أن نجدها في كلمات وبعض الإجابات نجدها بواسطة علاقات روحية بالله. لكن الله وحده هو من يستطيع أن يعطينا الحلول "بالكلمة" و"بالعلاقة" معاً. فحين يأتي الشباب إلى الكنائس لابد أن نعطيهم مطلق الحرية في التعبير عن صراعاتهم. ولو لم يشعروا بتلك الحرية سيشعرون بالذنب والإدانة ولن يأتوا مرة أخرى، قد يبحثون عن الإجابة في الجماعات ولا يجدونها، لكن يجب أن يجدونها في الكنائس. لذا، لابد أن ندرب مجموعات من القادة والرعاة والخدام رجالا ونساءا قادرين على التعامل بإيجابية مع الشباب الذين يصارعون أفكارهم وشكوكهم! والمحصلة أنه تأتي لنا آلاف الخطابات سنويا من ناس كانوا يصارعون الإلحاد. من ناس ترانا وتسمعنا. وفي الحقيقة نرى تغيير حقيقي في القلوب، يَجِبُ ألاّ تشعروا بالإحباط. نحن في زمن صعب، ولابد أن يكون لنا مساحة في الكنيسة لكي نسمع أسئلة الناس ونتعامل معاها باهتمام وبإيجابية. (نقل -بتصرّف- عن واعظ إنجيلي) بكل صراحة، هذه هي النقطة الفيصلية التي أشار إليها الواعظ الإنجيلي بكل شجاعة حين تم سؤاله نفس السؤال! ! فكان من الأفضل لنيافته، ولغيره من أصحاب النيافة وذوي العمم، بدلا من الهجوم على الشباب الذي ألحد، بالأولى أن يقتربوا منهم، أن يحتوهم، أن يجاوبوا على أسئلتهم، أن يناقشوهم ويجادلوهم بروح المحبة والاحترام حتى إن كان بعضهم يهاجم بعنف وضراوة.   اقرأ أيضا: --- ### ولما نكتب؟! [۲] - Published: ۲۰۲۲-۰۸-۰٤ - Modified: 2025-02-06 - URL: https://tabcm.net/7207/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون نكتب لنقاوم الظلم والاستبداد، موجعة هي الكتابة عندما لا نجد ما نكتب عنه سوى الخيبات نكتب الآلم والمعاناة والجراح النازفة والحصار نكتب لأن المحن وازدياد الأحزان والمآسي أرغمتنا على الاستمرار نكتب أحلامنا ونحن نعلم أن الكتابة ليست سبيلًا لتحقيقها ولكن أمل مكتوب أفضل من ألم مكبوت نكتب لنتنفس ما هو أبعد من الحدود نكتب للوحدة الساكنة في أحشائنا كطفل صغير لغربة أثقلت حقائبنا بصور الغائبين نكتب الأرق المتربع في أعيننا نكتب لنمتلك اليقين نكتب على الورق ما نريده أن يكون وحدها أيدينا تتجرأ على أن تكتشف كواليس قلوبنا والمكنون نكتب لنُخرج الأنا الساكنة بداخلنا بوجوه عديدة نكتب لنعبر من فوة الشيطان إلى قوة الحقيقة نكتب لنمحو ونكتب مرة أخرى في اللا وقت في الصومعة الداخلية حتى تتساقط أبيات الشعر الأخضر فينبت حقلًا تتهاوى حرائقه الآنية نكتب ما في القلب القلم صديق اليأس نقطع به أيامنا إلى جزئين، كأنه رأس فأس نكتب لأننا غرباء، ندرك جيدًا بأن لا وطن سيحوى رفات مشاعرنا الأجمل ولا مكان تخفى به وجعنا الأسوأ فمنهم تتنصل وقد نكتب ليستوعبنا من هو مِن الروح مُقرّب نكتب لربما يرتاح الكيان ألم المُتعب نكتب الإحساس في عمق الهوى طربًا نكتب لنسرق الأشواق قسرًا وعمدًا نكتب لأن هناك من تهمه حروفنا، لمن ينتظر همسنا ويملك أن يحمل الكثير من همنا وأن خيط الحب مازال في رهافته بين قلبين هنا تتسألون لما نكتب! فلماذا أنتم مهتمون؟! إذا كانت كتابتنا تنفع ولا تضر فلماذا تراقبون؟! --- ### مافيا - Published: ۲۰۲۲-۰۸-۰۳ - Modified: 2022-07-31 - URL: https://tabcm.net/7219/ - تصنيفات: مقالات وآراء عصابات المافيا موضوع مثير لمؤلِّفي أدب الروايات والأعمال الفنية فهو عالم ملئ بالأسرار والغرائب والمغامرات وربما أيضًا ملئ بالمتناقضات. هذا ما تناوله أحد المؤلفين في شكل جديد لرواية من روايات المافيا، عندما قصد المؤلف أن يحلِّل شخصيات تتكوَّن منها إحدى عصابات المافيا التي تعمل بأعمال التجارة والمال وتتميز بمستوى راقٍ في المعاملات والسلوكيات، بل وتضم من بين أفرادها شابًا مثقفًا يستوعب ظروف مجتمعه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وله توجهات تدعم حقوق الإنسان وتناهض النظام العولمي الذي يزيد الأغنياء غنىً ويزيد الفقراء فقرًا، لكن ظروف تربيته دعته إلى الميل للعنف –هذا غير ما يحمله رئيس المجموعة من محبة واحترام لمجموعته وهم بدورهم يفعلون نفس الشيئ. فأين عمل العصابات هنا؟ يبدأ هذا النشاط عندما يظهر شخص لا يريح الجماعة، أو يمثِّل خطرًا على مصالحها، أو يتعرَّض لها بضرر ما، وهنا يتم قتله أو إيذائه بمنتهى الهدوء والرصانة، بل وقد يبدون أسفهم أيضًا على ما أصاب ذلك الشخص. هذا غير المبادئ اﻷخلاقية التي يضعونها لضبط أعمالهم الإجرامية من عدم المساس بالأطفال والنساء والعجزة. الخ إنها صورة تستدعي إلى الذهن مباشرةً أن البشر قد يتمتعون بسلوكيات طيبة لكنهم يحتاجون إلى تغيير داخلي، لكن السؤال الأخطر الذي يجب الانتباه له هل الاكتفاء بالتغيير الداخلي وإقامة علاقة روحية بالمخلِّص والفادي يُغني عن الالتفات بشكل واضح ومقصود لمراعاة المبادئ والأخلاقيات والسلوكيات التي يراها البعض (عالمية) أي غير روحية؟ أم أنها شهادة لملكوت الله ومحبته وعمله الخلاصي لكل الأمم؟ أم أن العلاقة حتمية بين التغيير الداخلي والسلوك الخارجي كما قال يسوع ينبغي أن تفعلوا هذه ولا تتركوا تلك؟! --- ### [١٣] تحالفات ومصادمات - Published: ۲۰۲۲-۰۸-۰۲ - Modified: 2023-11-16 - URL: https://tabcm.net/7211/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أسرار الكنيسة, أوجين دي بليس, أوريجينوس ليونايدس أدامانتيوس, الأب متى المسكين, الكنيسة الجامعة, الكنيسة القبطية, اللاهوت النظري, بابا كيرلس عمود الدين, بيت التكريس, تجسد الكلمة, جمعية المحبة, حبيب جرجس, دسقولية, دير الأنبا مقار الكبير, ديمتريوس الكرام, فريدريك براذرتون ماير, قديس أثناسيوس الرسولي, قس ماثيو هنري, كمال زاخر, ليتورچي, مجمع الأساقفة, مدارس الأحد, مرقس داود, مطران جراسيموس مسرة, مكتبة المحبة, نصحي عبد الشهيد بطرس, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية, يوسابيوس بامفيلوس القيصري, يونان نخلة أعود فأؤكد أن تناولي هنا لا يقترب من الأرضية اللاهوتية أو الروحية، وسطوري ليست تقييمًا لشخوص المرحلة محل القراءة، وإنما هي في تقديري محاولة لفهم تشابكاتها وتفاعلاتها بقدر ما توفر لدى من معلومات ومشاهدات، وبعض من حوارات جرت مع أضداد أبرزهم كانوا أصدقاء حميمين لبعضهم ثم قفزوا إلى دوائر الصدام والخلاف، جمعتهم طموحات التغيير وفرقتهم صراعات السلطة. حسب موقعهم منها اقترابًا وابتعادًا، سعيًا ونفورًا. أميل إلى الاعتقاد بأن تحالفات ومصادمات جيل الشباب في أربعينيات القرن المنصرم كانت تتشكل على أرضية سياسية، شأنها شأن مثيلتها في الشأن العام، وما الجدل اللاهوتي والتأويلي إلا غطاء يقدم لتبرير الصراع، وتسويغه في الشارع القبطي، كان كل طرف يرى أن قناعاته هي الصواب المطلق. ولم يكن بينهم من تشكلت رؤيته ـ وقتها ـ على دراسة أكاديمية آبائية، في كنيسة تقليدية، عمادها التقليد الآبائي، وكان لهم عذرهم فلم يتوفر لهم من تراث الآباء المحقق، والمدون باللغة العربية، إلا النزر اليسير، فراحوا ينهلون من مصادر متاحة، تشابهت عليهم، ولعلنا ما زلنا نتذكر ترجمات تفاسير أسفار الكتاب المقدس وسير شخوص أنبياء العهد القديم، التي عكف الأستاذ حافظ داود، القمص مرقس داود فيما بعد، على ترجمتها -علمانيًا وكاهنًا- أبرزها سلسلة تفاسير الكتاب المقدس للقس الأنجليكاني ماثيو هنري ، والعديد من الكتب الروحية وترجمات شخصيات الكتاب المقدس للكاتب ف. ب. ماير، فضلًا عن كتاب الدسقولية ، وتاريخ الكنيسة ليوسابيوس القيصري، إضافة إلى تعريبه لبعض الكتب التراثية وفى مقدمتها كتاب "تجسد الكلمة" للقديس أثناسيوس الرسولي عن تَرْجَمَة إنجليزية. وهو عمل بمعايير وقته بطولى واستثنائي يستحق التقدير. ولا يمكن إغفال أثره في تشكيل قناعات غالبية ذاك الجيل. وبحسب أحد الباحثين ممن اقتربوا من المشهد آنذاك: لقد جاهدت الكنيسة بفضل علماء أفذاذ عصاميين شقوا طريقهم وحدهم وقدموا الكثير. فعندما أراد الأستاذ حبيب جرجس أن يقدم كتابًا دراسيًا في اللاهوت النظري اختار محاضرات الأب أوجين دي بليس الفرنسي الكاثوليكي فصارت مادة تُدرَّس في الكلية الإكليريكية. . وعندما وضع كتابه المشهور عن أسرار الكنيسة السبعة كان أهم مرجع استند إليه الأستاذ حبيب جرجس هو كتاب "الأنوار في الأسرار" للمطران جراسموس مسرة مَطْرَان اللاذقية للروم الأرثوذكس. وفى عرضه لموضوع الكهنوت سجل أستاذنا حبيب جرجس أنه قد اعتمد على مقالة نشرتها الكنيسة الإنجليكانية، وأنه ضم أغلب ما فيها إلى الفصل الخاص بالكهنوت. وتولت جمعية المحبة التي أسسها نفر من أراخنة الكنيسة مهمة طبع ونشر وتوزيع هذه الكتب، عبر مكتبتها "مكتبة المحبة" التي تولى إدارتها الأستاذ يونان نخلة، التي صارت أهم المكتبات المسيحية في نشر الكتب الروحية والكنسية الطقسية، في مرحلة شهدت مدًا مؤثرًا للجمعيات الدينية المسيحية في دوائر التعليم وبناء المدارس والمستشفيات والكنائس أيضًا. وقبل أن ينتصف القرن وقد شب جيل شباب الأربعينيات عن الطوق تصدر اللجنة العليا لمدارس الأحد مجلة شهرية "مجلة مدارس الأحد"، أبريل 1947، لتكون صوتها وتحمل رؤيتها، وتكشف عن توجهها الذي أكدته افتتاحية العدد الأول لها: بيد قوية، هي يد الله العلى القدير، تصدر مجلة مدارس الأحد، وما قصدنا من إصدارها زيادة عدد ما يصدر من مجلات. . لكننا رغبنا في أن نبعث بعثاً جديداً في المجتمع القبطي. . لقد اعتزمنا أن تكون مجلة مدارس الأحد صدى لصوت الله الرهيب لإصلاح الفرد والمجتمع، ليجد فيها هؤلاء جميعاً غذاءهم الروحي والاجتماعي والأدبي والعلمي. (افتتاحية العدد الأول لمجلة مدارس الأحد، أبريل 1947) وفي افتتاحية العدد الأول من عامها الرابع (يناير1950) يؤكدون من جديد توجههم ويضيفون: هذه المجلة تريد أن ترفع الصوت عالياً، وتنبه كل مسئول، وكل فرد، وإنها تريد أن تخلق الرأي العام في الكنيسة، وأن توجهه، حتى يضطر كل واحد ممن يقود كنيستنا أن يتوارى، ولا يظهر أمام الناس حين يعمل ما يخالف رسالة الكنيسة، أو حين يحاول أن يشغلنا بالأمور التافهة. (مجلة مدارس الأحد، يناير 1950) على الضفة الأخرى من النهر كانت تتشكل مجموعة موازية من نفس الجيل، ربما متفقة مع الأولى في الهدف لكنها تختلف عنها في الطريق، والأدوات، لعلها أدركت أن "وصل ما انقطع" هو نقطة الانطلاق، حتى يتحقق الوصل، يتحتم أن تكون اليونانية حاضرة، والمخطوطات، في عمل أكاديمي مؤسسي وتبلورت في اتجاهين أو بشكل أدق في مجموعة انتهى بها الأمر إلى مجموعتين، أحداهما عَلمانية مدنية، والثانية عَلمانية رهبانية. ومع الأولى ولدت حركة التكريس النظامية، عبر خطوات مدققة وجادة سبق وتتبعناها في كتابنا "الكنيسة صراع أم مخاض ميلاد" ، كانت في شقها العلماني يقودها الدكتور نصحي عبد الشهيد ومعها تأسس بيت التكريس بحلوان، فيما كانت في شقها الديري يقودها القمص متى المسكين، الذي استقر في نهاية المطاف في دير الأنبا مقار ببرية شيهيت، وجمع بينهما دأبهم على استحضار تراث آباء الكنيسة الجامعة قبل الانشقاق وبعده، في أصوله اليونانية وتحقيقه وتعريبه، وإتاحته للدارسين والباحثين والشباب. وعبر كلاهما تم تكوين مجموعات من الشباب وابتعاثه إلى اليونان للدراسة والتخصص في التراث الفكري واللاهوتي للآباء، بالتكامل مع استحضار مدرسين ليونانية الآباء، لرهبان الدير. في تجرِبة ثرية ما زالت تنتظر من يقترب منها بحثًا ودراسة وتقييمًا. اللافت أن الواقفين على ضفتي النهر لم يبادرا إلى مد جسور التواصل بينهما، ولم يلتفتا إلى الجفاف الذي لحق بالنهر بفعل عوامل الانقطاع المعرفي التاريخي الذي كاد أن يحول دون استمرار تدفق المياه المغذية والمجددة له، وصارت الكنيسة كيانًا يعيش على الكفاف بما تبقى لها من زخم ليتورجي أبقاها بالكاد على قيد الحياة. وكان -ومازال- التربص يحكم مواقف كثيرة بينهما، واقتحم مصطلح "هرطقة"، المعادل القبطي لـ"التكفير"، قذائف الحوار عن بعد بينهما. وانتشر في المجال الكنسي الحيوي وطال قامات لها ثقلها اللاهوتي والروحي، وفيما تتصارع الأفيال يستمر نزيف تحطم العشب تحت أرجلهم الثقيلة. كانت آليات الصراع السياسي حاضرة، وبقوة، في إدارة المواجهة بين الفرقاء، التي لفتت انتباه الصِّحافة العامة، وإن كنت أظن أنها استدعيت من أحد أطراف المواجهة، فراحت تحوم حول تخوم الكنيسة وتتسقط أخبارها، وفي أحيان كثيرة تصنعها وتوجهها، ربما بإيحاء من داخل المطبخ الكنسي، كانت المكاسب الذاتية القريبة مغرية لمزيد من الصخب. صار للأقباط ملفًا أساسيًا في صالة تحرير الصحف، ينافس نظيره في الأجهزة الأمنية، وأجهزة المعلومات، وحين داهمنا العالم الافتراضي الصاخب قفزت عليه اللجان الإلكترونية المصنوعة في أروقة مراكز القوى القريبة من مراكز اتخاذ القرار الكنسية ومحل ثقتها، لتصب مزيدًا من الزيت على النار. بعقل بارد وقلب فقد بوصلته الضميرية. جرى بنا الزمن في حركته الرتيبة ويرحل جل جيل الأربعينيات، وقد خلف أجيالًا تفتقر لحنكته ولكثير من قدرته على إدارة الصراع، واستبقت لنفسها اللدد في الخصومة مع الفقر الفكري وغياب الرؤية. مع تطور الأدوات والإمكانات التقنية، ليتحولوا إلى سلطة غاشمة تتورط في إغراق السفينة بغير وعي. استأذن القارئ في التذكير بما كتبته متعلقًا بهذه الإشكالية في كتاب "الكنيسة صراع أم مخاض ميلاد؟" السابق الإشارة إليه: -جزء من الأزمة المعاشة يعود إلى التواجه بين مدرستين إحداهما اعتمدت في منطلقاتها على المراجع المترجمة عن اللغات الحديثة، والأخرى تبني رؤيتها على الكتب اليونانية، ويقف بينهما ما تعرفه علوم التَّرْجَمَةً من اختلافات دقيقة ومؤثرة، تحكمها بنية اللغة وأدواتها ومصطلحاتها ومعانيها، وقدرتها على النطق بالمصطلحات اللاهوتية، وزاد من تعميق المواجهة دخول جناح ثالث اعتمد في رؤيته على متشابهات تحملها مراجع غير أرثوذكسية. ـ وجزء منها يعود إلى طبيعة المناخ الذهني العربي الشعبوي السائد، وقد تسلل إلينا بحكم الثقافة واللغة والاحتكاك المعيشي، الذي يستثقل التعددية والتنوع، ويميل إلى "واحدية" الرأي، ويبني تصوره أو قناعاته على كثير من الانطباع وقليل من الدراسة والبحث، وتغيب عنه في الغالب القواعد الموضوعية الحاكمة. ـ وجزء ثالث منها هو الخلط بين العقيدة والرأي والتفسير، ولعله الأخطر، خاصة في منظومة تقليدية هيراركية، تعاني موروث ثقيل مازال عالقاً بأجوائنا، في علاقة أصحاب الرأي بأصحاب القرار، وما زلنا نعيد إنتاج تجاربنا السلبية في هذا الأمر، على غرار ما حدث بين الباحث الموسوعي العلامة أوريجانوس، والبابا القديس ديمتريوس الكرام. وما حدث مع البطريرك العالم يوحنا ذهبي الفم من البطريرك البابا ثيئوفيلس، الذي حرمه وأوصى بنفيه، وقد نكون بحاجة والأمر كذلك إلى استكمال المشهد باستنساخ ما قام به البطريرك اللاحق له القديس كيرلس الكبير، الذي رد لذهبي الفم اعتباره، بعد وفاته في منفاه، بل واعتمدته الكنيسة القبطية ضمن قائمة قديسيها ومعلميها الثقاة. (كمال زاخر، الكنيسة صراع أم مخاض ميلاد) وبعد، أدعو الكنيسة؛ مجمع الأساقفة والمفكرين والبقية الباقية من المهمومين بتصحيح المسار إلى ترتيب دعوة للمصالحة بين الفرقاء مؤسسة على أرضية الحوار الموضوعي المبني على ما لدينا من تعاليم الكنيسة الأولى الذي توفرت على ترجمته وتعريبه مؤسسات ثقافية قبطية بتدقيق علمي. فهل من استجابة؟! --- ### إبيفانيوس الذي لم أكن أعرفه - Published: ۲۰۲۲-۰۸-۰۱ - Modified: 2022-08-03 - URL: https://tabcm.net/7223/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أنبا إبيفانيوس المقاري, الأب متى المسكين, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, بابا فرنسيس، بابا الڤاتيكان, بولس السادس, خريستوذلوس, دير الأنبا مقار الكبير قليلًا ما تجود علينا الحياة بشخصيات مهمة ومؤثرة، تعمل في صمت، لا يهمها ذاتها ولا صورتها الشخصية في أعين الآخرين بقدر ما يهمها المنفعة التي تقدم للناس، شخصيات تقدم عملًا عظيمًا دون ضوضاء، شخصيات لم تُصنّع بالدعاية والحديث عنها، بل بالتعلّم والعمل الجاد، ولأننا في مصر وفي كنيستنا المصرية حظنا سيء، فعندما تظهر مثل هذه الشخصيات تختفي سريعًا، بل ويتم تدبير المكائد للتخلص منها، حتى لا تكون نموذجًا لإيقاظ النائمين من سباتهم العميق، وبالفعل كان إبيفانيوس واحدا من تلك الشخصيات فاغتالته يد الغدر. كصحفي يتابع مِلَفّ الكنيسة وما يختص، بشئون المواطنين المصريين المسيحيين منذ عام 2011، كنت أدرك جيدا مشكلة دير الأنبا مقار الذي  يخضع رهبانه روحيًا للأب متى المسكين الراحل عن عالمنا في 8 يونيو 2006، وأعرف جيدا مشكلات البابا الراحل الأنبا شنودة الثالث مع هذا الرجل ومع الدير كليًّا، وحينما رحل الأخير في 17 مارس 2012، وجاء إلى كرسي مار مرقس البابا تواضروس الثاني، قرر ترتيب المؤسسة الكنسية ادريًا، فقرر حل المشكلات التي يمكن حلها ومنها تنصيب أسقف لرئاسة دير الأنبا مقار من بين رهبانه، فتم إجراء انتخابات داخلية أتت بالراهب إبيفانيوس المقاري. تابعت خبر أول مجموعة رسامة للبابا تواضروس لأساقفة في 10 مارس 2013، وكل المعلومات التي توفرت لدي إن الراهب إبيفانيوس سيكون أسقفا لدير الأنبا مقار، ومنذ ذلك التاريخ حتى فجر اليوم المشؤوم الأحد 29 يوليو 2018، لم أسمع عن هذا الأسقف كثيرا كصحفي من المفترض أنه يتابع مِلَفّ الكنيسة، ربما كان هذا تقصيرًا أو كسلًا مني بعدم السعي لإجراء حديث صحفي معه أو التعرف على رئيس واحد من أهم الأديرة في تاريخ كنيسة مصر، ولكن حتى زملائي من الصحفيين والصحفيات الذين سعوا لذلك لم يستطيعوا إجراء ذلك الحوار بالرغم من مقابلة الأنبا إبيفانيوس الودودة لهم. إبيفانيوس الذي لم أكن أعرفه على الإطلاق سوى اسمًا، عرفته جيدا بعدما نالت منه يد الغدر  بالقتل بتلك الطريقة الوحشية، وينطبق عليه "قارورة الطيب إذا انكسرت فاحت رائحتها"، فاهتمامي بمتابعة قضية مقتل الأنبا إبيفانيوس رئيس دير الأنبا مقار، جعلني ابحث عما تركه وفعله هذا الرجل في حياته حتى يصل به الأمر إلى القتل، فعرفته عن قرب من محاضراته المسجلة بالفيديو في أكثر من مكان ومن كتبه ومقالاته، ومن تصرفاته الواضحة، ومن المعلومات التي تسربت فيما بعد عما يمكن أن نطلق عليه "المواقف المستنيرة" داخل مجمع أساقفة الكنيسة القبطية، في مواجهة الرجعية والتشدد في موضوع مثل "تناول المرأة الحائض". اكتشفت أن هناك مجموعة من الشباب المحظوظ المهتمين بالدراسة في حقل اللاهوت تقابلوا مع إبيفانيوس، ولكل منهم موقف شخصي معه تعلم منه شيئا جديدا، وبحق كان رجلا عالما قليلا ما تجود كنيستنا بمثله، يعرف جيدا عدة لغات قديمة وحديثة، مما مكّنه من الدراسة والترجمة والاطّلاع على المخطوطات، فكان دائما ما يأتي بالقديم اﻷصيل الذي لا نعرفه، ويصدمنا لأننا نطلع عليه أول مرة، مثلما أخرج مخطوط للبابا خريسوذلوس البطريرك الـ66 (1046- 1077م)، عن عدم إعادة المعمودية مع الكنائس الخلقدونية التقليدية، ولعلنا نتذكر اتفاق كنيستي روما والإسكندرية في أبريل 2017 عندما زار البابا فرنسيس مصر ووقع مع البابا تواضروس اتفاق "عدم إعادة المعمودية"، استكمالًا لما بدأه البابا شنودة الثالث والبابا بولس السادس عندما زار بطريرك الإسكندرية الفاتيكان في مايو 1973، ووقعا اتفاق يخص الحوار اللاهوتي وتجاوز الخلافات، ولكن تم تعديل اتفاق البابا تواضروس والبابا فرنسيس من "قررنا عدم إعادة المعمودية" إلى "نسعى جاهدين" بعد ضغوط من التيار المحافظ داخل الكنيسة، ولجان من يسمّون أنفسهم بحماة الإيمان على مواقع التواصل الاجتماعي. تحدث إبيفانيوس عن الإصلاح بشجاعة في محاضراته، حين أجاب عن سؤال "هل المرأة نجسة"، وقال إن بداية الإصلاح هي الاعتراف بالخطأ كما في الفيديو التالي: https://www. youtube. com/watch? v=Rwa9MeF1GSI&ab_channel=%D9%82%D8%A8%D8%B7%D9%8A%D8%A7%D8%AATV وهنا قدم هذا البار نموذجا فريدا في البحث والأمانة العلمية والأكاديمية، وليس هذا فقط، بل يقدم هذا الرجل ما يؤكد به أنه يعرف قيمة كنيسة الإسكندرية، التي كانت في يوم منارة للتعليم اللاهوتي والفلسفي في القرون الأربعة الأولى للميلاد، ويعرف جيدا أن الاعتذار وتصحيح الخطأ هو من شيم الكبار، وليس العناد والمكابرة والتنصل من جود أخطاء مع إنها ملء السمع والبصر. لا يمكن أن تذكر اسم إبيفانيوس، دون أن تذكر اسم المسيح، فالرجل قدم نموذجًا للخادم الذي يبذل نفسه من أجل الآخرين، بل يتوارى هو عن الصورة فلا يظهر ولا يشعر أحد به، ولكن تشعر بالمسيح الذي يقدمه في خدمته، فكان بعيدا عن كل مظاهر السلطان والعظمة التي تسللت إلى كنيستنا في العقود الأخيرة، وكل من تعاملوا معه ولم يعرفوه شخصيا، لم يعرفوا إنه أسقف الدير إلا إذا أخبرهم أحد بتلك المعلومة، الرجل كان يهتم بالعلم والدراسة، وكان يرفض أي مظهر تكريم لشخصه كأسقف. https://www. youtube. com/watch? v=0DV8azIRDzs&ab_channel=amirlomaraie لذا وبالرغم من قتل الأنبا إبيفانيوس فإنه سيظل علامة فارقة في تاريخ كنيسة الإسكندرية، وسيظل محفز حقيقي لكثير من الشباب للبحث والدراسة ونفض التراب الذي تكون عبر قرون عدّة على واحدة من أقدم الكنائس في العالم، التي لا تستحق ما آل إليه حالها عبر تلك القرون، وبالرغم من أنه نادرا ما تجود الحياة بمثل هذا النموذج، فإنه فعلًا مثل قارورة الطيب، تفوح رائحتها الآن وتخرج رائحة المسيح الذكية، ونموذج يظهر صورة يسوع  كقوله: "ليروا أعمالكم الصالحة فيمجدوا آباكم الذي في السموات". --- ### لماذا قتلوه في بيت أحبائه؟ - Published: ۲۰۲۲-۰۷-۳۱ - Modified: 2025-02-03 - URL: https://tabcm.net/7186/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: أنبا إبيفانيوس المقاري, الأب متى المسكين, الكنيسة القبطية, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس السادس, بابا يوساب الثاني, تادرس يعقوب ملطي, چورچ حبيب بباوي, سهندرين, نصحي عبد الشهيد بطرس حديث الرب في إنجيل يوحنا إصحاح 5 قد يوضح لماذا رفضت الإدارة الكنسية خلال ما يقرب من نصف قرن مضي كلام وشخص أبونا متى المسكين وكل مَن شابهه في الكنيسة القبطية مثل أنبا إبيفانيوس؟ وَلكِنِّي قَدْ عَرَفْتُكُمْ أَنْ لَيْسَتْ لَكُمْ مَحَبَّةُ اللهِ فِي أَنْفُسِكُمْ. أَنَا قَدْ أَتَيْتُ بِاسْمِ أَبِي وَلَسْتُمْ تَقْبَلُونَنِي. إِنْ أَتَى آخَرُ بِاسْمِ نَفْسِهِ فَذلِكَ تَقْبَلُونَهُ. كَيْفَ تَقْدِرُونَ أَنْ تُؤْمِنُوا وَأَنْتُمْ تَقْبَلُونَ مَجْدًا بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَالْمَجْدُ الَّذِي مِنَ الإِلهِ الْوَاحِدِ لَسْتُمْ تَطْلُبُونَهُ؟(يوحنا 5: 42- 43) لقد انتشرت في الكنيسة القبطية منذ تلك الحِقْبَة ظاهرة لم يعتادها منهج الروحانية الأرثوذكسية وهي التعظيم المبالَغ للكهنة ورؤسائهم من نواحٍ كثيرة مثل زينة الملابس والزركشة المباَلغ فيها، ومظاهر الحفاوة التي قد لا نراها لحكام المحافظات. بل وصار مألوفاً أن نرى الأساقفة يتبارون في تبادل كلام الكرامة المستفزِّ دون تأفف، ولا يمتعضون أو يعترضون على أي واحد منهم يعلو بسقف كرامته الشخصية والتعليم برأيه الخاص، مادام يصُّب في كرامة وعظمة سلطانهم  كمجموعة وكزمرة على رأس الشعب القبطي. ولكن إذا جاء إنسان كانت أجندته وهدفه هو شخص المسيح وتعليمه بوصفه رئيس الكهنة الأعظم، فإنهم يقاومونه خَشْيَة أن يفقدون سلطتهم لأن الناس ستذهب حيث المسيح،  بالتالي وراء هذا الإنسان. هذا الوصف رأيناه وسجلته الأناجيل عن مجمع كنيسة اليهود (السنهدريم) في زمن المسيح. قال رؤساء اليهود عن المسيح أن الناس قد ذهبت وراءه، وهذا يشكِّل خطراً على مناصبهم كرؤساء كهنة ومتسلطين على اليهود لأن الرومان سوف يسحبون منهم السلطة، لذلك قرر رجال الدين أن يتخلصوا من رجل الله بأن يقتلوه. وما زال سيناريو ما قالوه وقتها ”خير أن يموت واحد“ يتكرر في كنيسة مسيحاً مصلوباً بأيديهم واحداً تلوا الآخر في شخص، سواء كان أبونا متى المسكين، دكتور جورج حبيب بباوي، الأنبا غريغوريوس، دكتور نصحي عبد الشهيد، أو أنبا إبيفانيوس، والحبل على الجرار: فَجَمَعَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْفَرِّيسِيُّونَ مَجْمَعًا وَقَالُوا: «مَاذَا نَصْنَعُ؟ فَإِنَّ هذَا الإِنْسَانَ يَعْمَلُ آيَاتٍ كَثِيرَةً. إِنْ تَرَكْنَاهُ هكَذَا يُؤْمِنُ الْجَمِيعُ بِهِ، فَيَأْتِي الرُّومَانِيُّونَ وَيَأْخُذُونَ مَوْضِعَنَا وَأُمَّتَنَا». فَقَالَ لَهُمْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَهُوَ قَيَافَا، كَانَ رَئِيسًا لِلْكَهَنَةِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ: «أَنْتُمْ لَسْتُمْ تَعْرِفُونَ شَيْئًا، وَلاَ تُفَكِّرُونَ أَنَّهُ خَيْرٌ لَنَا أَنْ يَمُوتَ إِنْسَانٌ وَاحِدٌ عَنِ الشَّعْبِ وَلاَ تَهْلِكَ الأُمَّةُ كُلُّهَا! ». وَلَمْ يَقُلْ هذَا مِنْ نَفْسِهِ، بَلْ إِذْ كَانَ رَئِيسًا لِلْكَهَنَةِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، تَنَبَّأَ أَنَّ يَسُوعَ مُزْمِعٌ أَنْ يَمُوتَ عَنِ الأُمَّةِ، وَلَيْسَ عَنِ الأُمَّةِ فَقَطْ، بَلْ لِيَجْمَعَ أَبْنَاءَ اللهِ الْمُتَفَرِّقِينَ إِلَى وَاحِدٍ. فَمِنْ ذلِكَ الْيَوْمِ تَشَاوَرُوا لِيَقْتُلُوهُ.  (يوحنا 11: 47- 53) ولكن اسمعوا ما يقوله الرب لأولئك وأتباعهم في ذكرى استشهاد الأنبا إبيفانيوس: وَيْلٌ لَكُمْ! لأَنَّكُمْ تَبْنُونَ قُبُورَ الأَنْبِيَاءِ، وَآبَاؤُكُمْ قَتَلُوهُمْ. إِذًا تَشْهَدُونَ وَتَرْضَوْنَ بِأَعْمَالِ آبَائِكُمْ، لأَنَّهُمْ هُمْ قَتَلُوهُمْ وَأَنْتُمْ تَبْنُونَ قُبُورَهُمْ. لِذلِكَ أَيْضًا قَالَتْ حِكْمَةُ اللهِ: إِنِّي أُرْسِلُ إِلَيْهِمْ أَنْبِيَاءَ وَرُسُلًا، فَيَقْتُلُونَ مِنْهُمْ وَيَطْرُدُونَ لِكَيْ يُطْلَبَ مِنْ هذَا الْجِيلِ دَمُ جَمِيعِ الأَنْبِيَاءِ الْمُهْرَقُ مُنْذُ إِنْشَاءِ الْعَالَمِ، مِنْ دَمِ هَابِيلَ إِلَى دَمِ زَكَرِيَّا الَّذِي أُهْلِكَ بَيْنَ الْمَذْبَحِ وَالْبَيْتِ. (لوقا 11: 47-51)   وإليكم هذا البوست المنقول من الفيسبوك ويتناول نفس الموضوع: . والسُبح لله،، بقلم د. رءوف إدوارد --- ### هل أطفأت طيور الظلام
نور الكنيسة وكوكب البرّيّة المعاصر؟ - Published: ۲۰۲۲-۰۷-۲۹ - Modified: 2022-07-29 - URL: https://tabcm.net/7195/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أنبا إبيفانيوس المقاري, طيور الظلام ينفجع قلبي ألمًا على رحيل الأنبا إبيفانيوس، ثمّ مرارة القلب وغصّة الحلق حينما علمتُ أنّ يدًا غادرة طالته. لم أكن أبدًا أتخيّل أن أحبّ أحد الأساقفة إلى هذا الحدّ، ولم أكن أتحيّل مدى هذه المحبّة والتقدير له التي جعلت الألم يعتصرني والدموع المريرة تنهال طوال يوم الأمس بعد الخبر المفزع. هل أطفأت طيور الظلام هذه النور وخمدت نار هذا الكوكب المتوهّجة؟ أوّلًا لا أستطيع تحمّل ذنب الإشارة بإصبع الاتّهام إلى أيّ أحد، لكنّ القاتل ومَن دفعه هو من أولئك الذين سمحوا للكراهية والحقد أن يعشّشوا في قلوبهم والتعصّب أن يعمي أبصارهم، بعد أن ارتووا وكبروا على تعاليم أساقفة جهلة ادّعوا العلم وادّعوا معرفة اللاهوت، وادّعوا القداسة بحركات بهلوانيّة خادعة في وسط شعب تنهش الأميّة المدنيّة والدينيّة في عقله ولحمه. نعم، مقتل إبيفانيوس يشهد ويذكّر بالشرّ الكامن وسط الإكليروس، ووسط مَن يقتلون لأنّهم يظنون أنّهم بذلك «يؤدّون خدمة لله». تاريخ الكنيسة في العصور الوسطى يشهد على الاغتيالات. ما حدث الآن هو أكبر كشف عن مدى قرب كنيسة مصر من العصور الوسطى. نعم، استطاعت يد هؤلاء اغتياله وقتله، ووقف إنتاجه الفكريّ. نعم! هذا صحيح. إلّا أنّ دماء إبيفانيوس التي أُريقَت لهي بذار لألف إبيفانيوس، وستلاحقكم أيّها القتلة روحه في كل مكان. هناك آلف إبيفانيوس سيولَد في أرض مصر، في حضن الكنيسة المصريّة وستلاحقكم ابتساماته الهادئة، فكما انتصر عليكم في حياته سينتصر أكثر في مماته. لقد انتصر إبيفانيوس حينما لم يدع مدخلًا للحقد والكراهية، التي تغوصون فيها، تتسلّل إلى قلبه النقيّ. نعم، قُتِل إبيفانيوس، ذلك لأنّه شهد للحقيقة، وطارد الظلام في صمت، وفي سكينة وفي اختفاء واحتجاب. قُتِل إبيفانيوس، لأنّه لم يعرف التزوير والنفاق والمراوغة. قُتل إبيفانيوس لأنّه سار على خطى معلّمه يسوع المسيح لإنارة هذا العالم ومحاربة الظلام. مقتل أبينا إبيفانيوس هو تهديد سافر لكلّ مَن تسوّل له نفسه قول الحقّ وفضح الزَّيف في الكنيسة. لكلّ من يفتح قلبه للمسيحيين جميعًا بغض النظر عن معتقداتهم. اغتيال إبيفانيوس تكرار لاغتيال المسيح، وتهديد هنا في مصر والآن لمن يتجرّأ على السير على خطى يسوع. لقد كان إبيفانيوس قدّيسًا على الأرض، في العالم وفي البرّية. ها قد كسبته الكنيسة الآن قدّيسًا في المجد، يصلّى من أجل كنيسته وشعبه.   --- ### ولما نكتب؟! - Published: ۲۰۲۲-۰۷-۲۸ - Modified: 2025-02-06 - URL: https://tabcm.net/7140/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون نكتب لأن الكتابة تخلق لنا أجنحة نحلق بها عاليًا لعلنا نتوه ولا نرجع… نكتب لنفرغ ما أهدرناه في زوابع صمتنا… نكتب كي لا ترتكب الحماقات وعنها نترفع… نكتب لكل ما نراه ساميًا وإن حطه الآخرون… نكتب لننسى ما بين الكلمات، ليبقى المفقود هو المقصود… نكتب ونحن على يقين أن ما نكتبه كاف ونون… نكتب لنتقاسم بعض أحلامنا وهزائمنا الصغيرة… نكتب لنشعر أننا أحياء في هذه الدنيا... ففي القلب موت إذا لم نسكبه فوق الأوراق قتلنا... نكتب كي نرشد القلوب... لحبٍ دفين... لوجعٍ عميق... الكلمات تسكب أرواحنا... نكتب لأن الأوراق تنادي أقلامها... نكتب فالحبر كالعطر... وإلى أزمنة أخرى يعيدنا فهذا العاشق وتلك العاشقة تائهين... نكتب لهم... من يدرى فقد يلتقيا! نكتب فتعاد لنا كتب الحنين من أول أسطرها نكتب... فالذكريات تحمل مناديل نجفف بها أدمعنا نكتب... ونكتب ونكتب... لكي نكون أحياء مع كل هذا الموت... فلا تسخروا منا... إنها حكايات أملٍ وألمٍ... حكايات بدون صوت. نكتب لأن الكتابة تخلق لنا أجنحة نحلق بها عاليًا لعلنا نتوه ولا نرجع نكتب لنفرغ ما أهدرناه في زوابع صمتنا نكتب كي لا ترتكب الحماقات وعنها نترفع نكتب لكل ما نراه ساميًا وإن حطه الآخرون نكتب لننسى ما بين الكلمات، ليبقى المفقود هو المقصود نكتب ونحن على يقين أن ما نكتبه كاف ونون نكتب لنتقاسم بعض أحلامنا وهزائمنا الصغيرة نكتب ليس لأن تجاربنا جديدة بل لأننا محصناها وفهمناها ولأن لغيرنا علينا حق حفظها لعله يقرأ فلا يتكبد عناء التجربة المريرة نكتب لأن الحروف أوفى من البشر وأقيم نكتب لأن الحزن تمكن منا نكتب وما تخفي صدورنا أعظم ونكتب لأننا حين نتحدث نخسر نكتب لما هو أهم من الجدال أو العبث والعراك مع الأطفال نكتب سطور الأوجاع لكنكم تسمونها إبداع نكتب لنفصح... نكتب لنصفح عن نفوسنا وما بها نكتب لأنه لا أحد يقوى على كتابة دمار يسكن أرواحنا لهذا نكتب ونسحب الحروف من مضجع أثامها نكتب لنرتب دواخلنا ليطفوا على سطح حياتنا ما هو أهم وأجدر بالبقاء نكتب بحثًا عن تعاريج وزوايا النقاء نكتب كي لا نموت صمتًا كي نجد للحن الألم عزفًا كي نهدي قلوبنا حياة أشبه بالحياة نكتب حين يبلغ العذاب منتهاه نكتب... لا تنخدعوا في بعض الأبيات بالبوح فغالبا كل ما نكتبه خيالي نكتب الفرح والقلب يمزقه الجرح ونكتب حزن مرات لكننا لا نبالي --- ### الغريب الذي ظل غريبًا - Published: ۲۰۲۲-۰۷-۲۷ - Modified: 2022-07-24 - URL: https://tabcm.net/7148/ - تصنيفات: مقالات وآراء قرية صغيرة يعيش سكانها بروح العائلة الواحدة ويربطها الحب والاحترام والقيم والعادات التي تميزها وتقوِّي ترابطهم في السرَّاء والضرَّاء وفي وقت الاتفاق وأيضًا في وقت الاختلاف. حضر إلى القرية يومًا طبيب من عاصمة البلد ليعيش وسط أهل القرية بغرض تنفيذ عمل خيري، إذ شعر أن عنده ما يكفيه من المال، وعلى هذا قرر أن يكرِّس وقته وجهده لخدمة أهل القرية فأسس عيادة وساعد الأهالي في إصلاح الأراضي وتشغيل العاطلين. هذا هو التوجه المُعلن للطبيب، لكن الواقع أنه جاء إلى القرية لهدف آخر تمامًا وهو الفوز بقلب فتاة كانت قد وصلت القرية من العاصمة مؤخرًا لتعيش مع جدتها بعد أن مرَّت بتجربة عاطفية سيئة جعلتها تقرر ترك الحياة في العاصمة. وكان ذلك الطبيب هو الطرف الآخر لتجربتها السيئة والتخلِّي عنها في وقت ما والآن يشعر أنه نادم على ما فعل. كان الطبيب ينتقد أحوال القرية وعاداتها وطرق عيشها وحاول بطرق خفية تغييرها. أضف إلى هذا أن أهل القرية عرفوا أنه جاء خلف فتاته لكنهم لم يتدخَّلوا في الأمر، لكن بعضًا منهم كان يشعر بعدم راحة تجاهه. تعرضت حياة أهل القرية لبعض من الظروف والأحداث لكن الطبيب لم يكن يهتم أن يشارك كواحد من أهل القرية فعليًا. إلى أن حدث أن فتاته ارتبطت بشاب من أهل القرية وقررا الزواج فإذ بالطبيب يحتال على الشاب ويوقعه في خدعة ليفرِّق بينه وبين الفتاة. اكتشف أهل القرية الخدعة. ذهب إليه كبير القرية معاتبًا وقائلا: لا أعاتبك لأنك أخطأت، فليس هناك من لا يخطئ ولكني أعاتبك لأنك لم تستطع أن تكون واحدًا منا فأنت في داخل نفسك لا تشعر فعلًا أنك واحد منا، فنحن نضع قيمة للعلاقة التي تربطنا في المقام الأول، لكنك أنت اعتقدت أن أعمال الخير تغني عن الحفاظ على العلاقة وتعطيك الحق في تغيير نمط حياتنا. والآن، أنا لا أطلب منك أن ترحل عن قريتنا، لكني أريد أن تراجع نفسك وتقرر فيما إذا كنت تود البقاء كفرد منا أم ستقرر الرحيل إن شعرت أنك غريب لا تستطيع أن تندمج معنا. ترى ماذا كانت نظرة الطبيب لنفسه؟ وماذا كانت نظرة أهل القرية له بعد حدوث هذا الموقف؟ --- ### [١٢] إعادة تركيب قطع البازل - Published: ۲۰۲۲-۰۷-۲٦ - Modified: 2023-11-16 - URL: https://tabcm.net/7121/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أنبا بيشوي، مطران دمياط وكفر الشيخ, أنبا غريغوريوس، أسقف البحث العلمي, إكليروس, الاشتراكية, الكنائس الأرثوذكسية, الكنيسة الكاثوليكية, الكنيسة والدولة, المجلس الملي, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس السادس, بروتستانت, جرجس حلمي عازر, رئيس جمال عبد الناصر, رئيس محمد أنور السادات, طبيعة المسيح, ڤاتيكان, كنيسة الإسكندرية, كيرلس بشرى, مجمع الأساقفة, مجمع خلقيدونية, مدارس الأحد بين الثقافة والسياسة والكنيسة تشكلت ذهنية القادم الجديد للكرسي المرقسي، ربما بنفس الترتيب، فيما يشهد المجال العام تغيرًا دراماتيكيًا، برحيل الرئيس جمال عبد الناصر وقدوم الرئيس السادات، وعلى الرغم من كونهما جاءا معًا عبر حركة ضباط يوليو إلا أنهما كانا كذراعي المقص، أو طرفي نقيض، نحن نقف هنا عند أعتاب سبعينيات القرن المنصرم، ونشهد واحدة من متلازمة الكنيسة والدولة، إذ يغيب الموت البابا كيرلس السادس بعد أن غيب الرئيس عبد الناصر قبله، بفارق خمس أشهر وبضعة أيام، كانت إشكالية البابا والرئيس الجديدين تشابههما في البحث عن مخرج من وهج سلفيهما، كل في مجاله، وفي امتلاكهما لشغف الزعامة، وربما يفسر لنا هذا لماذا تصادما، وذهبا معًا إلى نهايات درامية في علاقتيهما، العزل والاعتقال للأول، والاغتيال للثاني. في تتبعنا السيرة الذاتية للبابا شنودة يقفز سؤال مازال يبحث عن إجابة، في الأقل بالنسبة لي، فالبدايات كانت تشير إلى شاب يتطلع إلى تصويب مسار الكنيسة لتعود إلى ما كانت عليه من تكامل بين الإكليروس والشعب، حسب المفهوم الاصطلاحي الكنسي، وهو تكامل تأسس في كنيسة الرسل حسب رصد سفر الأعمال الذي يؤرخ لسنوات الكنيسة الأولى، بعد صعود السيد المسيح، وحلول الروح القدس في يوم الخمسين، وانطلاق الكرازة لكل العالم. فإذا بنا أمام منعطف في توجهاته يأخذنا إلى انفراد الإكليروس بإدارة الكنيسة. ويُحكى أنه لم يسترح في صباه وبواكير شبابه إلى منظر الكاهن وهو يسير في إثر ناظر الكنيسة العلماني حاملًا له حقيبته، وقتها كان الناظر يختاره الأسقف من وجهاء القرية أو المدينة، لأسباب اقتصادية، فهو في الغالب يتكفل باحتياجات الكنيسة أو أغلبها، في ذاك الزمان، وفي واحدة من لقاءات البابا قال إنه لن يسمح بعودة ذلك المنظر، ولن يعود الكاهن تابعًا للعلماني، وإذا كان ذاك المشهد وهذا التوجه قد حدثا فنحن نرفع القبعة للبابا شنودة لتصحيحه هذه التبعية ورده لاعتبار الأب الكاهن. تجمعت عدة عوامل لتجعل من البابا الجديد محل التفاف الرعية، فقد سبق وقدم أوراق اعتماده للجماهير الغفيرة، عبر لقائه الأسبوعي، وقد تحولت عظاته إلى شرائط كاسيت ليدخل كل بيت، وقد طبقت شهرته الآفاق، وكثيرها حملته صفحات كتيبات صغيرة كان يتلقفها الشباب بشغف. ولفت أنظار الشارع المصري وأجهزة الدولة، وهو بعد أسقفًا للتعليم حين ألقى محاضرة في نقابة الصحفيين، "إسرائيل في رأى المسيحية"، 26 / 6 / 1966، حتى إن مصلحة الاستعلامات طبعتها وترجمتها إلى عدة لغات ووزعتها على البعثات الدبلوماسية في العالم. وكان الفارس المجهول الذي رتب هذا اللقاء، الصحفي: جرجس حلمي عازر. وداعب حلم الأقباط التاريخي المتطلع إلى تقارب كنسي مسكوني، يفضى إلى وصل ما انقطع، فيذهب إلى الفاتيكان، ويجرى مباحثات أسفرت عن وثيقة تاريخية تعلن مساحة التوافقات بين الكنيستين، ورغم أنها خطوة كبيرة في مسار الوحدة ودعمت جهود سبقتها في طريق طويل للحوار المسكوني، إلا أنها قوبلت برفض صارم من شيوخ المجمع، خاصة رؤساء الأديرة الذين تتلمذ عليهم، لينتهى الأمر إلى التعتيم على الوثيقة، وعدم تفعيلها. وقد رصد الباحث الإكليريكي كيرلس بشرى، ماجستير اللاهوت الأرثوذكسي من جامعة فيينا، مسار الحوارات المسكونية، التي بدأت إرهاصاتها الجادة في النصف الأول من القرن العشرين، في بحثه: "ملخص تاريخ الحوار اللاهوتي بين الكنيسة الأرثوذكسية والكنائس الأرثوذكسية الشرقية القديمة في العصر الحديث" وصدر في أكتوبر 2019، ومتوفر بصيغة PDF على الإنترنت. لم يخرج البابا شنودة عن الأعراف البابوية التي يحرص عليها أسلافه من الآباء البطاركة، وفي مقدمتها دعم مجمع الأساقفة برسامات جديدة من الرهبان الموالين له، والمؤمنين برؤاه ومنهجه، وكانت فرصته أكبر، فغالبية الآباء وقتها كانوا من الشيوخ وكانت إيبارشياتهم مترامية الأطراف وبعضها يضم أكثر من محافظة، ومع رحيل أحدهم يتم تقسيم إيبارشيته إلى عدة إيبارشيات وكان الشعار وقتها، إيبارشية صغيرة لرعاية أفضل، إضافة للتوسع في رسامة المزيد من الأساقفة العموم بلا مهام محددة، كانت معايير الاختيار توافر الولاء والطاعة، وكانت السمة الغالبة "صغر السن". ومن ثم الخبرة. اللافت أن اختيارات البابا الجديد عند مستوى الكهنة القسوس انقسمت إلى اتجاهين؛ الأول خدام مدارس الأحد من خريجي الجامعات بغض النظر عن دراساتهم اللاهوتية النظامية، وبعضهم يشغل وظائف متقدمة في الدولاب الحكومي وفى مجتمع الأعمال والمهن ذات الثقل، والثاني خريجي الإكليريكية من القسم المسائي ، أما خريجي القسم النهاري فالمتاح أمامهم كنائس إيبارشيات الصعيد والدلتا، وكثيرهم لا يجدون لأنفسهم مكانًا. خاصة بعد ظهور إكليريكيات موازية هناك تغذي احتياجات تلك المناطق. ومن يقترب من تلك الكيانات يكتشف أنها تفتقر لكل المقومات العلمية الأكاديمية المفترض توافرها لتكون معهدًا علميًا، فهي أقرب إلى فصول التقوية في أفضلها. لم تنتبه الكنيسة للتجريف الذي لحق بالمكون القبطي في المجتمع العام، وكذلك الذي لحق بالأديرة، من جرّاءِ تلك الاختيارات، وتختفى التلمذة وينزوى شيوخ الرهبان في ركن قصي، ومعها تتراجع الأديرة وتخايلها مشروعاتها الزراعية وملحقاتها وتبعاتها وهمومها، وهي الترمومتر الذي يحدد حرارة الخدمة الكنسية وجدواها. كانت خريطة الهيراركية الإكليروسية تتغير وتمد سلطانها إلى دوائر خدمة العلمانيين، الذين أزيحوا عن دوائر الوعظ في القداسات، وتأسيًا بنهج البابا الجديد صار لكل أسقف اجتماعه الأسبوعي العام حتى لو كان يفتقر إلى موهبة الوعظ، في استنساخ للنموذج البابوي. كان إقصاء العلمانيون ممنهجًا ربما لأن عندهم مساحة من حرية الحركة لا تتوفر للإكليروس المحكوم بقواعد هيراركية صارمة، ومن ثم لا يمكن السيطرة على توجههم، وظهرت إشكالية توصيف رتبة الشموسية، هل يحسبون من العلمانيين أم تحسب رتبة كهنوتية؟ وبدأت الكنيسة تشهد ظاهرة التمييز بين الإكليروس الرهباني والإكليروس المدني أو العلماني كما يسمى في داخل الكنيسة. وبقيت الأفضلية للإكليروس الرهباني. ولم يتغير موقف البابا الجديد، وقد طال به الأمد في موقعه، في إدارة مِلَفّ المجلس الملي عن سابقيه، وقد ساندته خبرته في العمل العام قبل الرهبنة في هذا الأمر، فلم يجمد المجلس ولم يصطدم به، لكنه لجأ إلى وضع قائمة تضم أهل الثقة وأبناء الطاعة والباحثون عن البركة، وطرحها على الناخبين، بتنبيه من كهنة الكنائس التي اختيرت كمقار اقتراع، باختيار تلك القائمة حتى لا يدخل المجلس من يعوق إصلاحات البابا، وتتكون جمعية الناخبين -وفق لائحة المجلس- بأغرب طريقة، إذ إنها تتشكل مجددًا في كل مرة يتم فيها الدعوة لانتخاب المجلس، فيتقدم كل من يريد أن يكون ناخبًا إلى مراكز تلقى طلبات التسجيل، وفق الشروط المحددة في اللائحة، وينتهى أمرهم بإجراء الانتخابات، ليعود التسجيل مجددًا مع انتهاء مدة المجلس والدعوة لانتخابات جديدة. لنصبح أمام مجلس وجهاء، سبق ونزعت عنه جل صلاحياته بقرارات من الدولة في دوائر الفصل في قضايا الأحوال الشخصية، ونزعت منه إدارة المدارس والمستشفيات والأراضي الزراعية بقرارات المصادرة والتأميم الاشتراكية. ورغم أن الأسقف والبابا متساويان في الدرجة، وأن الترتيب ينحصر في دائرة الإدارة والتنسيق، فالبابا في أدبيات الكنيسة لقبه أسقف المدينة العظمى الإسكندرية، ويحسب المتقدم في الأساقفة، أو المتقدم بين إخوة، شأنه شأن أساقفة الكراسي الخمسة (العظمى)، روما، القسطنطينية، الإسكندرية، أنطاكيَة والقدس. فإنه نتيجة عوامل عدّة يتقدمها حُنْكَة الاختيار ومعاييره التي وضعت وقتها، وشخصية البابا تحول كثير من أعضاء المجمع -وقتها- إلى سكرتارية منفذين لقرارات قداسة البابا. وشهدت الكنيسة أكثر من حالة تم إبعاد الأسقف فيها من إيبارشيته إلى ديره. وكان فارس الإبعاد أسقف المحاكمات الأشهر. كان هناك تيار يغذى النزعة القومية بطريقة خاطئة لدى شباب الأقباط في مِلَفّ الخلاف العقيدي التاريخي بين العائلتين الأرثوذكسيتين، في إعادة إحياء لأجواء مجمع خلقيدونية (351م)، ويمد الخلاف إلى العلاقة بالكنيسة الكاثوليكية، على نفس الأرضية، فيما يورد الباحث الإكليريكي كيرلس بشرى في مستهل دراسته المشار إليها قبلًا، مقالًا للأرشيدياكون الدكتور وهيب عطا الله بعنوان "تعليم كنيسة الإسكندرية وإخوتها الكنائس الأرثوذكسية الشرقية القديمة فيما يختص بطبيعة المسيح"، وينوه أنها كانت كلمة ألقاها كاتبها ممثلًا لوجهة نظر كنيسة الإسكندرية في "المؤتمر العالمي" الذي انعقد بمدينة "القدس القديمة" في المدة من 12 إلى 15 أبريل 1959. وفيها ينتهى إلى أن الخلاف حول طبيعة المسيح بين الكنائس الخلقيدونية وغير الخلقيدونية هو "خلاف فلسفي صرف"، ويورد نص ما قاله: إني أجرؤ على أن أقرر أن الخلاف بين الكاثوليك ومن يقول بقولهم من أصحاب الطبيعتين كالبروتستانت وبعض الأرثوذكس الذين يعترفون بمجمع خلقيدونية من جانب، وبين القائلين بالطبيعة الواحدة في السيد المسيح وممن لا يؤمنون بقانونية مجمع خلقيدونية من جانب أخر ـ أقول إن الخلاف بين هؤلاء وأولئك خلاف فلسفي صرف يقوم على أساس التعبير الصحيح الذي ينبغي أن يعبر به عن الاتحاد الكائن بين لاهوت السيد المسيح وناسوته. (أرشيدياكون وهيب عطا الله، الأنبا غريغوريوس أسقف البحث العلمي لاحقًا) ويواصل الباحث: وبعد أن شرح الدكتور وهيب عطا الله إيمان الكنيسة غير الخلقيدونية حول طبيعة المسيح، أكد أن الاتحاد بين الطبيعتين هو سرّ من الأسرار الإلهية لا يمكن استيعابه... أنه سر من الأسرار الإلهية، لا يمكن أن نفهمه أو نعيه أو نحتويه في عقولنا، من هنا سُميّ في الاصطلاح الكنسي بسر التجسد الإلهي، فنحن نؤمن بنوع من الاتحاد يفوق كل فهم بشرى وكل تصور. اللافت أن يعيد الدكتور وهيب عطا الله نشر هذا المقال عام 1961، في كتاب: "تعليم كنيسة الإسكندرية فيما يخص طبيعة السيد المسيح"، الصادر ضمن سلسلة المباحث اللاهوتية والعقائدية، منشورات كلية البابا كيرلس اللاهوتية. ولم يوجه أحد للدكتور وهيب عطالله وقتها تهمة الهرطقة، التي بدأت تتردد في أروقة الكنيسة فيما بعد وصارت تتعقب كل من يطرح تأويلًا مختلفًا عما يراه من يديرون دفة الكنيسة وقتها، ومازال مريديهم يوجهونها لمن يختلفون معهم. أزمة الكنيسة في ظني هي ما حدث من إبعاد لقائمة ممتدة من المفكرين اللاهوتيين الأكاديميين تحت وابل من النيران الميدانية الصاخبة عبر شبكات العالم الافتراضي استغلالًا لحالة الانقطاع المعرفي اللاهوتي وإحلال التعليم الغيبي الأسطوري محل تعاليم الآباء. --- ### الشهيد الذي يجحدونه - Published: ۲۰۲۲-۰۷-۲۵ - Modified: 2025-02-06 - URL: https://tabcm.net/7155/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أسقفية الشباب, أنبا إبيفانيوس المقاري, أنبا بيشوي، مطران دمياط وكفر الشيخ, أنبا رفائيل، أسقف وسط القاهرة, أنبا موسى الأبيض، أسقف عام الشباب, إشعياء المقاري, إكليروس, الأصولية, بهاء طاهر, دير الأنبا مقار الكبير, سنكسار, معهد الدراسات القبطية, وائل سعد, يوحنا المعمدان يا نيافة الحبر الجليل، افتح سنكسارك واقرأ عن شهادة يوحنا المعمدان الذي اعتبرته الكنيسة شهيدًا، وإن لم يُقتل لإيمانه بالمسيح، بل لأنه نطق بكلمة حق لهيرودس حين أراد الزواج من امرأة أخيه. افتتح سنكسارك الذي شجبت يومًا قراءة إحدى المكرسات له على المنجلية، وكأسد زائر رفضت تصرفها الشنيع على صفحتك بفيسبوك. لقد صففت البعوضة وابتلعت الجمل مرارًا وتكرارًا. بكيت لغلق الكنائس وقت الوباء ولم تبكِ أخاك المغدور كان لا يعرف رد الإساءة إلا بالحب، هكذا وصفه من تعامل معه. لم يكن يسمح لأحد أن يُقبّل يده، ولا يقبل الميطانيات، ويجلس في آخر الصفوف. لم يكن له مقر فخم ينبئ عن رئاسة لديره، بل قلاية فقيرة كنذور الرهبان. وفي أواخر أيامه حصل على منصب مراقب بابوي على لجنة الحوار المسكوني، لكنه لم يمارسه، إذ قُتل بعد حصوله على المنصب بفترة قصيرة جدًا في ظروف غامضة. فمن هو الأنبا إبيفانيوس رئيس دير الأنبا مقار؟ ولماذا يستنكر عليه بعض الأساقفة لقب الشهيد؟ وفقًا لكتاب الأنبا إبيفانيوس الوارث روح أنبا مقار، نشأت مجموعة صغيرة من الرهبان يعارضونه في الدير. وقد أنشأ هؤلاء الرهبان مجموعة على "واتساب" يتبادلون فيها رسائل الانتقاد والسخرية منه. فطلب إليه بعض الرهبان المقربين منه أن يأمر بإغلاق هذا "الجروب"، فأجاب ببساطة: أنا أحترم حرية الرأي، ومن خلال الحب وليس الإكراه، سنكسبهم. وعندما تجاوزت المجموعة حدود اللياقة، طلب منه أحد الشيوخ أن يطردهم من الدير، فرفض قائلًا: أنا أب ولست مدير إدارة، لا أنام بالليل وأنا أفكر وأصلي من أجل خلاص هؤلاء. انتقده كثير من الرهبان على صبره في عقاب المتمردين، إذ كان يرفض وضع قوانين للعقاب، ويقول: ينبغي أن نربحهم بالمحبة. سأل أحد الرهبان في إيطاليا الأنبا إبيفانيوس عن الرهبان المشاغبين في دير الأنبا مقار. فرد إبيفانيوس: الصبر هو المحبة، لذلك يقول الرسول أن المحبة تصبر على كل شيء. الله نفسه يتمهل علينا جدًا لأنه يحبنا. ما أسهل عليَّ أن أطرد مثل هؤلاء المشاغبين، ولكن بعد ذلك سيجدون أنفسهم في الشارع. إنما أرجو أنه بالصبر و المحبة، و لو بعد عشر سنوات، سيتوبون. (الأنبا إبيفانيوس، كتاب: الأنبا إبيفانيوس الذي أحب الرهبنة) ترجم العديد من كتابات الآباء من لغاتها الأصلية. وله العديد من الأبحاث، وكان آخرها بحثًا عن قَبُول معمودية الكاثوليك. كان يستخدم دائمًا الكتب والمراجع في محاضراته وأبحاثه، ويشجع المستمع على إعمال العقل وعدم الانسياق وراء العقل الجمعي لينتقد كل ما لا يتفق مع الضمير والمنطق، حتى لو كان صلاة طقسية مر عليها قرون، ومنها صلاة تحليل المرأة التي تُقال في طقس المعمودية. فالمرأة ليست دنسة، وهناك نصوص بحاجة إلى الإلغاء. هكذا كان يبدي آراءه بصراحة شديدة. انتقد عبادة الكتاب المقدس تحت مسمى العصمة المطلقة. محور حياتنا ليس نصًا ننصاع له ولا نحيد عنه، هكذا علمنا أن كلمة الله هي المسيح، لا الكتاب المقدس. كان نادرًا ما يرتدي ملابس الأساقفة، وفضّل أن يرتدي ملابس الرهبان في ديره، حتى إن كثيرًا من الزوار كانوا يظنون أنه راهب عادي. لذلك، شكّلت حياته تهديدًا وجوديًا لمن يعلمون بوجوب تقبيل أيدي الإكليروس والسجود لهم، الذين يشجعون الشعب على عدم القراءة وإخضاع العقل لله، كي لا تنفتح أعينهم وينتقدون سلطتهم وإمبراطوريتهم التي بنوها على أكتاف شعب جاهل. واغتاظوا جدًا فور تعيينه في لجنة الحوار المسكوني. بعضهم، وهم من أعمدة "أسقفية الشباب" التي يشرف عليها نيافة الأنبا موسى، اتهموه بالتحرر والانفتاح والقبول لمن لا يقبلهم المتشددون، وكتبوا رسائل كراهية على صفحاتهم. ومنهم من افترش على السوشيال ميديا سجادة صلاة ليتضرع إلى الله بأن يهلكه، قائلين صراحة: قصّر يا رب أيامه الشريرة. أما البعض الآخر، وهم من أعمدة جماعة "حماة الإيمان" التي كان يرعاها نيافة المتنيح الأنبا بيشوي، مطران دمياط الأسبق، وهي جماعة نشأت من معهد الدراسات القبطية وقادت حملة لهرطقة الأنبا إبيفانيوس قبيل مقتله بشهرين، فقد هللوا فرحين فور اغتياله. فهم كانوا يريدون خطابًا طائفيًا عدائيًا يصنف المختلف تحت فئة الهراطقة لينعموا هم فقط بصفة الطائفة الناجية المحظوظة، لا خطابات تحث على قَبُول الآخر والإصلاح. اللافت للانتباه أن محبيه تحدثوا عنه كثيرًا منذ مقتله في يوليو ٢٠١٨ حتى الآن، لكنهم لم يذكروا له معجزة واحدة. لم يألفوا تماجيد وتراتيل له، ولم يشيدوا أي مزار يتربّحون بواسطته. وعلى العكس، نجد من يصفونه بالمهرطق قد حولوا قاتله إلى قديس! له مزار يمتلئ بصوره والعديد من التماجيد والأيقونات والمعجزات المختلقة والمثيرة للسخرية والاشمئزاز. فقط اكتب في محرك البحث معجزات إشعياء المقاري وستجد مهازل، مثل شفاعته القوية لإصلاح أعطال الهاتف والغسالات. وهو قاتل ولص، أجهض فتاة بعد ممارسة الجنس معها، واعترف بكل ذلك، وهناك تسجيلات قديمة له تثبت ما فعل. لكن حقدهم الدفين وكراهيتهم للنور تدفعهم لذلك. فهم ضحايا خطاب أصولي ضحل قائم منذ سنوات عدة. كل الأفكار العاهرة، تسمي نفسها الآن مبادئ، وتزني بالحقيقة. (بهاء طاهر، الحب في المنفى) لا يحتاج النور إلى ما يدل على وجوده. لذا، لا ينعم "القديسون بحق" بهذه الهالة المزيفة؛ لأن ظهور الله فيهم هو المعجزة. ولا أجد أبلغ من تصريحات الأنبا رفائيل حول القضية لوصف الخطاب الأصولي الذي أتحدث عنه. "طوبى للقاتل؛ فهو في السماء سواء كان قاتلًا أو مظلومًا". الموضوع بسيط، وجملة واحدة يمكنها إنهاء المشكلة! القاتل يا بخته سواء قاتل أو مظلوم. لأن اللي بيعدم بيقول أذكرني يارب متى جئت في ملكوتك. إبيفانيوس قتيل عايزين يحسبوه علينا شهيد. الشهيد هو اللي بيتقتل دفاعا عن إيمانه لكن ده واحد اتقتل في ظروف جنائية غامضة. (نيافة الأنبا رفائيل، أسقف عام وسط القاهرة) في الحقيقة، قُتل إبيفانيوس وهو يدافع عن إيمانه فعلًا، إيمانه بقداسة بيت الله الذي أراد أن يطهره من كل مظاهر الزنا الروحي، وسرقة مال الأغنياء، والتجارة بآمال الفقراء. أراد استعادة إيمان القرون الأولى حين كان الرهبان بسطاء لا يمتلكون أراضي وعزبًا وقصورًا وسيارات أو أي أدوات رفاهية. فنُبذ وشُتم ولُعن بسبب استنارته وعلمه وإيمانه هذا. وتسامح مع قاتله الذي اعتدى عليه وهدده بالقتل، وكان يعيش معه وهو مهدد، بسبب إيمانه بالمحبة. يا نيافة الحبر الجليل، افتح سنكسارك واقرأ عن شهادة يوحنا المعمدان الذي اعتبرته الكنيسة شهيدًا، وإن لم يُقتل لإيمانه بالمسيح، بل لأنه نطق بكلمة حق لهيرودس حين أراد الزواج من امرأة أخيه. افتتح سنكسارك الذي شجبت يومًا قراءة إحدى المكرسات له على المنجلية، وكأسد زائر رفضت تصرفها الشنيع على صفحتك بفيسبوك. لقد صففت البعوضة وابتلعت الجمل مرارًا وتكرارًا. بكيت لغلق الكنائس وقت الوباء ولم تبكِ أخاك المغدور. لذا، فاقرأ وفكر قليلًا قبل أن تخرج علينا بفتاوى غير مدروسة ودماء أخيك الشهيد لا تزال ساخنة على الأرض! وسيظل موقفك هذا وصمة عار على الجبين. أما إبيفانيوس، فشرع يكتب تاريخًا جديدًا للكنيسة بدمائه، هادمًا أعمدة ومقيمًا أخرى، كاشفًا ما استغرق فيه القبط من ظلام. --- ### خواطر في تفسير إنجيل يوحنا
الإصحاح الرابع [٧] - Published: ۲۰۲۲-۰۷-۲٤ - Modified: 2022-07-24 - URL: https://tabcm.net/7117/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: الأب متى المسكين, المرأة السامرية, چورچ فرج, نصحي عبد الشهيد بطرس ختام إصحاح السامرية (٧) أَمَا تَقُولُونَ: إِنَّهُ يَكُونُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ ثُمَّ يَأْتِي الْحَصَادُ؟ هَا أَنَا أَقُولُ لَكُمُ: ارْفَعُوا أَعْيُنَكُمْ وَانْظُرُوا الْحُقُولَ إِنَّهَا قَدِ ابْيَضَّتْ لِلْحَصَادِ. وَالْحَاصِدُ يَأْخُذُ أُجْرَةً وَيَجْمَعُ ثَمَرًا لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ، لِكَيْ يَفْرَحَ الزَّارِعُ وَالْحَاصِدُ مَعًا. لأَنَّهُ فِي هذَا يَصْدُقُ الْقَوْلُ: إِنَّ وَاحِدًا يَزْرَعُ وَآخَرَ يَحْصُدُ. أَنَا أَرْسَلْتُكُمْ لِتَحْصُدُوا مَا لَمْ تَتْعَبُوا فِيهِ. آخَرُونَ تَعِبُوا وَأَنْتُمْ قَدْ دَخَلْتُمْ عَلَى تَعَبِهِمْ». (إنجيل يوحنا 4: 35-38) ينبه الرب يسوع المسيح له المجد وعي وانتباه خدامه إلى أن أصول الخدمة المسيحية هي إلهية، نازلة من السماء تفوق قوانين الأرض المقصِّرة. وقد لفت الرب نظر تلاميذه إلى ذلك بالمقارنة التي عقدها بين حصاد الأرض في الحقول الذي يحتاج أربعة أشهر ليتم، وبين خلاص السامرية والسامرة، هو حصاد السماء وقد تحقق في الحال أمامهم: ”ها أنا أقول لكم : أرفعوا أعينكم وانظروا الحقول إنها قد أبيضت للحصاد“. فبينما تبدو المستحيلات في دنيانا عاقلة ومنطقية أن الحصاد لا يتم إلا بعد أربعة أشهر، فإن لله تدخلات عجيبة ومدهشة ومبهرة. لذلك يحرص الرب ألّا يغيب منهجه في خلاص الإنسان عن وعي البشر، ويكرره على مسامعنا في العهد القديم والعهد الجديد. فيقول الوحي في سفر التثنية٣٠: إِنَّ هذِهِ الْوَصِيَّةَ الَّتِي أُوصِيكَ بِهَا الْيَوْمَ لَيْسَتْ عَسِرَةً عَلَيْكَ وَلاَ بَعِيدَةً مِنْكَ. لَيْسَتْ هِيَ فِي السَّمَاءِ حَتَّى تَقُولَ: مَنْ يَصْعَدُ لأَجْلِنَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَأْخُذُهَا لَنَا وَيُسْمِعُنَا إِيَّاهَا لِنَعْمَلَ بِهَا؟ وَلاَ هِيَ فِي عَبْرِ الْبَحْرِ حَتَّى تَقُولَ: مَنْ يَعْبُرُ لأَجْلِنَا الْبَحْرَ وَيَأْخُذُهَا لَنَا وَيُسْمِعُنَا إِيَّاهَا لِنَعْمَلَ بِهَا؟ بَلِ الْكَلِمَةُ قَرِيبَةٌ مِنْكَ جِدًّا، فِي فَمِكَ وَفِي قَلْبِكَ لِتَعْمَلَ بِهَا. اُنْظُرْ. قَدْ جَعَلْتُ الْيَوْمَ قُدَّامَكَ الْحَيَاةَ وَالْخَيْرَ، وَالْمَوْتَ وَالشَّرَّ، بِمَا أَنِّي أَوْصَيْتُكَ الْيَوْمَ أَنْ تُحِبَّ الرَّبَّ إِلهَكَ... (سفر التثنية 30: 11-16) ثم يقدم لنا الوحي المقدس تفسير منهج هذا الخلاص وكيف تحقق في تجسد المسيح: «لاَ تَقُلْ فِي قَلْبِكَ: مَنْ يَصْعَدُ إِلَى السَّمَاءِ؟» أَيْ لِيُحْدِرَ الْمَسِيحَ، «أَوْ: مَنْ يَهْبِطُ إِلَى الْهَاوِيَةِ؟» أَيْ لِيُصْعِدَ الْمَسِيحَ مِنَ الأَمْوَاتِلكِنْ مَاذَا يَقُولُ؟ «اَلْكَلِمَةُ قَرِيبَةٌ مِنْكَ، فِي فَمِكَ وَفِي قَلْبِكَ» أَيْ كَلِمَةُ الإِيمَانِ الَّتِي نَكْرِزُ بِهَا: لأَنَّكَ إِنِ اعْتَرَفْتَ بِفَمِكَ بِالرَّبِّ يَسُوعَ، وَآمَنْتَ بِقَلْبِكَ أَنَّ اللهَ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، خَلَصْتَ. لأَنَّ الْقَلْبَ يُؤْمَنُ بِهِ لِلْبِرِّ، وَالْفَمَ يُعْتَرَفُ بِهِ لِلْخَلاَصِ. لأَنَّ الْكِتَابَ يَقُولُ: «كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ لاَ يُخْزَى». لأَنَّهُ لاَ فَرْقَ بَيْنَ الْيَهُودِيِّ وَالْيُونَانِيِّ، لأَنَّ رَبًّا وَاحِدًا لِلْجَمِيعِ، غَنِيًّا لِجَمِيعِ الَّذِينَ يَدْعُونَ بِهِ. لأَنَّ «كُلَّ مَنْ يَدْعُو بِاسْمِ الرَّبِّ يَخْلُصُ». (رسالة بولس إلى رومية 10: 6-13) إن وحي الكتاب المقدس يشير إلى المضادة العظمي بين بساطة الخلاص بأن يؤمن الإنسان بالمسيح ”الله الذي ظهر في الجسد“، وبين تعطيل خلاص الإنسان بمحاولة إخضاع التجسد الإلهي لفحص العقل المحدود. فبينما الله يريد أن يرتفع بنا إليه -إلى غير المحدود الذي لا يتعارض مع العقل بل يتخطاه- نجد الإنساني تمترس في محدوديته، وفي أصرار ضد مصلحته بالانطلاق بواسطة إلهه إلى غير المحدود، فيرفض ما يفوق عقله بالرغم من عدم تعارضه. ولقد أمتد الرب ليطبق ما أعلنه عن منهجه الإعجازي في خلاصه للإنسان وصرح  لتلاميذه أنه -له المجد- يحققه على أيديهم عندما يكرزون بخلاصه كما فعل مع السامرية: "والحاصد يأخذ أجرة ويجمع ثمراً للحياة الأبدية، لكي يفرح الزارع والحاصد معاً. لأنه في هذا يصدق القول: إن واحداً يزرع وآخر يحصد. أنا أرسلتكم لتحصدوا ما لم تتعبوا فيه. آخرون تعبوا وأنتم قد دخلتم على تعبهم". فعمل الخدمة المسيحية والكرازة باسم المسيح هو عمل إلهي بالدرجة الأولى ”أبي يعمل حتي الآن وأنا أعمل“. والرب ينعم لنا بالاشتراك معه في العمل كخدام، بينما يظل ”الغارس ليس شيئاً ولا الساقي بل الله الذي ينمي“. إن تجديد القلوب الحجرية وخلق قلوب لحمية تؤمن بالمسيح إنما هو عمل الخالق سبحانه وليس عمل إنسان. نحن فقط شهود لهذا الخلق والتجديد  الذي أكمله الرب في سيرتنا الذاتية ونكرز به للآخرين. تماماً مثل السامرية التي تجلَّت فيها الكرازة بالكلمة وبشهادة السيرة: فَتَرَكَتِ الْمَرْأَةُ جَرَّتَهَا وَمَضَتْ إِلَى الْمَدِينَةِ وَقَالَتْ لِلنَّاسِ: «هَلُمُّوا انْظُرُوا إِنْسَانًا قَالَ لِي كُلَّ مَا فَعَلْتُ. أَلَعَلَّ هذَا هُوَ الْمَسِيحُ؟» فَخَرَجُوا مِنَ الْمَدِينَةِ وَأَتَوْا إِلَيْهِ. (إنجيل يوحنا 4: 28-30)فَآمَنَ بِهِ مِنْ تِلْكَ الْمَدِينَةِ كَثِيرُونَ مِنَ السَّامِرِيِّينَ بِسَبَبِ كَلاَمِ الْمَرْأَةِ الَّتِي كَانَتْ تَشْهَدُ أَنَّهُ: «قَالَ لِي كُلَّ مَا فَعَلْتُ». فَلَمَّا جَاءَ إِلَيْهِ السَّامِرِيُّونَ سَأَلُوهُ أَنْ يَمْكُثَ عِنْدَهُمْ، فَمَكَثَ هُنَاكَ يَوْمَيْنِ. فَآمَنَ بِهِ أَكْثَرُ جِدًّا بِسَبَبِ كَلاَمِهِ. وَقَالُوا لِلْمَرْأَةِ: «إِنَّنَا لَسْنَا بَعْدُ بِسَبَبِ كَلاَمِكِ نُؤْمِنُ، لأَنَّنَا نَحْنُ قَدْ سَمِعْنَا وَنَعْلَمُ أَنَّ هذَا هُوَ بِالْحَقِيقَةِ الْمَسِيحُ مُخَلِّصُ الْعَالَمِ». (إنجيل يوحنا 4: 39-42) من أقوال الأب متى المسكين: ”الطريق الموصِّل إلى الاتحاد بالله ليس طريقاً مُفرداً، أي ينتهي عند الله وحسب. بل يعود وينحدر إلى القريب وإلى الغريب وإلى العدو وإلى كل الخليقة. الذي يتَّحد بالله يلزم في الحال أن ينظر كيف يتَّحد بالكلِّ ولا يهدأ حتى يكمل هذا الاتحاد“. (الأب متى المسكين) وفي وصف هذا الأب المبارك لروح الله القدوس عندما يعمل في قلب إنسان وكيف يحركه نحو خدمة خلاص الآخرين، قال: ”إن الروح القدس هو روح الآخرين“. (الأب متى المسكين) إن التغيير الذي حدث في حياة المرأة السامرية بمقابلة شخص المسيح أنشأ فيها شهادة وكرازة. وأنصح هنا بقراءة سفر أعمال الرسل الإصحاح الرابع كتطبيق لما نشرحه وكيف جاوب التلاميذ تهديد رؤساء اليهود قائلين ”إننا نحن لا يمكننا ألّا نتكلم بما رأينا وسمعنا“. فلقد تحررت المرأة من ماضيها المُخزي ولم تعد مهزومة من سيرتها. كانت قبلاً تخرج وقت الغروب تفاديا من عيون الناس وألسنتهم، والآن ترجع وتبشر قريتها علانية أن الرب حررها من ماضيها ”إنسان قال لي كل ما فعلت“. فمن خلال هذا التجديد في نظرة المرأة السامرية لماضيها، يقدم لنا الوحي المقدس المنهج المسيحي لموقفنا من خطايانا: لقد ترك شعب بني إسرائيل الرب مخلصهم الذي كان يقودهم في التيه وعبدوا عجلاً ذهبياً فاستحضروا موت الخطية عليهم بطريقة ملموسة في شكل حيات مميتة. ثم أمر الرب موسي النبي أن يرفع حية نحاسية على عمود (الحية نحاسية، فاقدة لأي سم وتهديد بالموت) لكي ينظر إليها كل مَن لدغته الحيات الحارقة فيُشفَي ولا يموت. كانت هذه إشارة قوية إلى المسيح الذي صعد على عود الصليب من أجلنا وحمل خطايانا وسمَّرها وقتلها على خشبة الصليب وشهَّر بالشيطان/ الحية القديمة. والمرأة السامرية بعد لقائها بالمسيح خلعت ماضيها المُخزي وسمرَّته وشهَّرت بموته علانية فلم يعد له سلطاناً عليها، وصارت نصرتها بمسيحها على موت الخطية موضوع كرازتها ”أنظروا إنساناً قال لي كل ما فعلت“. ونحن أيضاً لا نتذكر خطايانا وننحصر في شعور بالذنب بل نتذكر خلاص الرب لنا وكيف قتل موت الخطية الذي تملَّك علينا. إن منهج الروحانية الأرثوذكسية يحذرنا من الوقوع في الإحساس بالذنب بتذُّكر الخطية. بل أن نرفع أعيننا نحو صليب المسيح الحي ونرى الرب عليه وقد سمَّر ضعفنا وماضينا وموت الخطية على خشبة الصليب وأعطانا الحياة. إن خلاص السامرية ثم السامرة هو شهادة بأن التوبة في المسيحية هي فرح وانتصار وقوة، وليست حزن واكتئاب وضعف لأنها علاقة خاصة وفريدة تبدأ وتستمر بلقاء الإنسان بشخص المسيح الإله: وقالوا للمرأة: «إننا لسنا بَعد بسبب كلامك نؤمن، لأننا نحن قد سمعنا ونعلم أن هذا هو بالحقيقة المسيح مخلص العالم». ونختم تلك الخواطر في إصحاح السامرية بأن نكرِّر أن شهادة أهل السامرة توضح أن الكرازة المسيحية هي أساساً عمل المسيح حيث لا يعتمد خادم الرب على آخر غير شخص المسيح سواء كان قديسون من الكتاب المقدس أو تاريخ الكنيسة أو اعتماد خادم الرب على كاريزما شخصية له. وفي هذا الشأن قال الرب صراحةً "الحق الحق أقول لكم: إني أنا باب الخراف. جميع الذين أتوا قبلي هم سراق ولصوص، ولكن الخراف لم تسمع لهم. أنا هو الباب. إن دخل بي أحد يخلص". وتوضيحاً نقول أن أنبياء العهد القديم لم يكونوا سراقاً ولصوصاً ولم يسرقوا مجد المسيح لذواتهم. ولكن إرسالية الرب لهم جميعاً كانت بمنزلة إرهاصات لخلاصه الحقيقي. ولكن الرب حذَّر أن مَن يعتمد علي آخر غير المسيح أو يعتبر أن آخر غير المسيح أساسي في الخلاص بجانب عمل المسيح فإن الرب يعتبر هذا بمثابة سرقة الله تحت اسم هؤلاء العظماء ويجعل منهم سراق ولصوص لخلاص المسيح. فالمسيح كان يتكلم مع اليهود الذين تعطل إيمانهم به بسبب إصرارهم على التهوُّد مسبقاً كشرط أساسي في قَبُول أي أنسان لخلاص المسيح. وهكذا جعلوا من موسى وكأنه سارق ولص لخلاص المسيح وعقبة في طريق الخلاص بالرب. إن أي خادم يعتبر شخصه وذاته وقدراته ضرورة خلاص بجانب المسيح في الكرازة للآخرين فإنه بذلك يكون سارقاً ولصاً لأنه يسرق مجد الرب. فالإنسان الذي مات بالخطية لا يتغير ويقوم من الموت بوعظ ومجهود بشر ولكن عندما تسري حياة المسيح الإله في تلك العظام الميتة فيقوم. وفي كلمة عن  (د. نصحي عبد الشهيد والكاريزما) للأستاذ جورج فرج الباحث بالمركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية في رثاء طيب الذكر مؤسس المركز  د. نصحي عبد الشهيد، يقول: . فكل خدمة تحت اسم المسيح يكون الاعتماد فيها ليس على المسيح وحده، فهي سرقة واغتصاب مجد الله. والخادم يصير متآمراً و”سارق ولص“ مهما تهللت الجموع واحتشد الناس في جموع  فرحين ومؤيدين بتصفيق و زغاريد: كَثِيرُونَ سَيَقُولُونَ لِي فِي ذلِكَ الْيَوْمِ: يَا رَبُّ، يَا رَبُّ! أَلَيْسَ بِاسْمِكَ تَنَبَّأْنَا، وَبِاسْمِكَ أَخْرَجْنَا شَيَاطِينَ، وَبِاسْمِكَ صَنَعْنَا قُوَّاتٍ كَثِيرَةً؟فَحِينَئِذٍ أُصَرِّحُ لَهُمْ: إِنِّي لَمْ أَعْرِفْكُمْ قَطُّ! اذْهَبُوا عَنِّي يَا فَاعِلِي الإِثْمِ! (إنجيل متى7: 22، 23) تم بنعمة الرب إنجيل السامرية. . والسُبح لله. بقلم د. رءوف أدوارد --- ### من الجيد أن أكون ههنا - Published: ۲۰۲۲-۰۷-۲۳ - Modified: 2023-12-03 - URL: https://tabcm.net/7105/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: A Beautiful Mind, جبران خليل جبران, چون ناش, راسل كرو, سمعان بن يونا الحياة مثل النرد في لُعْبَة "الطاولة"، تُلقي بالنرد وعن طريق المصادفة أو الحظ سيأتي لك بمجموعة من الأرقام، ومهما كنت شخص محظوظ، فإن لم تحسن إدارة الأقراص ستخسر، فالأمر هنا لا يتوقف على الحظ فقط بل حسن إدارة ما نتعرض له، وقد يساعدك ذكائك وحكمتك في المرور من المواقف الصعبة بالرغم من الأرقام السيئة، وهكذا الحياة تقع أحداث متنوعة في حياتنا، في كثير من الأحيان لا يكون لنا دخل بها، أو سيطرة عليها، لكنها تقع، ولكن يتبقى لنا هو كيفية التعامل والتعاطي مع ما نتعرض له من أحداث، كيف نستغلها لمصلحتنا؟ وكيف نحول السلبي إلى إيجابي؟ وهذا يتوقف على السمات الشخصية لكل إنسان وكيف يرى الحياة. دائمًا ما أتوقف عند العام 2006، والتحاقي بمركز التكوين الصحفي في صحيفة وطني، وقتها كنت أبحث عن طريقي في عالم الصِّحافة، لكن التكوين كان فرصة أن أعيد اكتشاف ذاتي من جديد، وأن أبدأ في تكوين الإنسان الذي أريد أن أكونه، فبدأت رحلة أساسها ذاتي، المعرفة فيها ترتكز على البحث بنفسي وليس ما كنت قد أتلقنه في السابق خلال الطفولة، وهنا أتذكر خلال إحدى جلسات مجموعة "الإبداع الفني"، كانت عن "التأمل"، في نص لجبران خليل جبران من كتاب "دمعة وابتسامة" عن "الجمال". "قالت: هو ما كان بنفسك جاذب إليه، هو ما تراه وتود أن تعطي لا أن تأخذ، هو ما شعرت عند ملقاه بأياد مدودة من أعماقك لضمه إلى أعماقك، هو ما تحسبه الأجسام محنه والأرواح منحة".  (جبران خليل جبران، كتاب دمعة وابتسامة، ص45) وقفت كثيرًا وأنا شاب بعمر الثامنة عشر، أمام عبارة "ما تحسبه الأجسام محنه والأرواح منحة"، فتعلمت يومها بعد لحظة تأمل أن المشكلات ليست الأزمة بل رؤيتي لها وتعاملي معها، وأنه إذا كانت هناك مشكلة كبيرة لن تنتهي سريعًا، فيجب التعايش معها، والنظر إليها بشكل إيجابي، فقد ما نعده محنه قد يكون منحة لحياتنا ونستطيع أن نستفيد منه، وكان هذا الدرس الأول الذي علمته لنفسي للتعامل مع المشاكل. بعد عدة سنوات شاهدت أول مرة فيلم  "A Beautiful Mind" إنتاج عام 2001، عن عالم الرياضيات الشهير الحاصل على نوبل عام 1994 في الاقتصاد "جون فوربس ناش"، فكان ناش يعاني هلوسات سمعية وبصرية ونسج من خياله، أشخاص غير موجودين بالحقيقة، ويبني حياته على وجودهم وحديثه معهم، وهي مشكلة يصعب حلها فإذا تناول الأدوية تؤثر على بقية الأنشطة التي يمارسها بحياته ومن بينها علاقته بزوجته وأطفاله، فيقرر أن يمتنع عن العلاج لكنه يأخذ نفس عميق ويتعايش مع المشكلة ويحولها لمنحة إلى أن يحصل على جائزة نوبل، ولم أنس مشهد إخباره الفوز بنوبل حين كان يجلس مع طالبة بالمكتبة وسألها هل من يحدثانه بشان الفوز بالجائزة هم شخصان حقيقيان وهي تسمعهما معه أم لا؟ فكان لي قمة تعامل هذا الرجل مع مشكلته بوعي وكيف أنه يسيطر عليها. أذهب لنموذج آخر من الشخصيات ورغم مشكلاته الكثيرة التي رأيناها في عدة مواقف، فإنه كان شخصية حارة فطرته سليمة بالرغْم من أنه شخصية غير متعلمة، وأقصد هنا بطرس، الذي قال له المسيح "على هذه الصخرة ابني كنيستي"، فبعد أيام قليلة من إنكاره للمسيح وخوفه من أن يقبض عليه مع معلمه، إلا أن بطرس أثبت أنه شخصية إيجابية تستطيع أن تتجاوز هزائمها وانكساراتها وتعتذر عنها وتعود مجددًا أقوى. وهنا أشير لموقف تصرف فيه بطرس بإيجابية، ففي واقعة التجلي الشهيرة في أثناء صلاة المسيح على الجبل وظهور موسى وإيليا له، وكان معه بطرس ويعقوب ويوحنا فقط من تلاميذه، أقف  أمام تعامل بطرس مع هذه الواقعة. "فَجَعَلَ بُطْرُسُ يَقولُ لِيَسُوعَ: «يَا سَيِّدِي، جَيِّدٌ أَنْ نَكُونَ ههُنَا. فَلْنَصْنَعْ ثَلاَثَ مَظَالَّ: لَكَ وَاحِدَةً، وَلِمُوسَى وَاحِدَةً، وَلإِيلِيَّا وَاحِدَةً». " لأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ مَا يَتَكَلَّمُ بِهِ إِذْ كَانُوا مُرْتَعِبِينَ. (إنجيل مرقس 9: 5، 6)  فبالرغم من حالة الخوف من الموقف فإن بطرس تعامل بإيجابية وقال "من الجيد أن نكون ههنا"، وبشكل فطري أراد صنع 3 مظال ليبقوا مع المسيح الممجد في هذا المكان وبعيدًا عن الألم الذي أخبرهم أنه سيواجهه عند الذَّهاب إلى أورشليم، ورغم اندفاع بطرس وإنكار المسيح فيما بعد فإنه يعود فيعتذر ويطلب المغفرة، فيستحق أن يكون "الصخرة" التي بِنَى عليه المسيح كنيسته، ثم في يوم الخمسين يقهر مخاوفه ويتكلم فيؤمن نحو 3 آلاف نفس بالمسيح. في رأيي إن الحياة مثل النرد في لُعْبَة "الطاولة"، تُلقي بالنرد وعن طريق المصادفة أو الحظ سيأتي لك بمجموعة من الأرقام، ومهما كنت شخص محظوظ، فإن لم تحسن إدارة الأقراص ستخسر، فالأمر هنا لا يتوقف على الحظ فقط بل حسن إدارة ما نتعرض له، وقد يساعدك ذكائك وحكمتك في المرور من المواقف الصعبة بالرغم من الأرقام السيئة، وهكذا الحياة، هناك أمور خارجة عن إراداتنا ومشاكل نتعرض لها، لن يُفيد كثيرًا سؤال لماذا؟ أو التذمر أو اعتبار الأمر أنه ابتلاء أو تجرِبة من ربنا، ولكنها الحياة وهذه قواعدها ولن يستطيع العيش والنجاح إلا من يعتبر المحنه منحة، ومن يأخذ نفس عميق كـ"جون ناش" ويتعايش مع المشكلة الدائمة ويحاول النجاح في وجودها لا أن يقف عندها ويرى أن حياته توقفت تمامًا بسببها، أو من يفكر مثل بطرس بإيجابية، ويحول إخفاقاته وانكساراته إلى اعتذار وبداية من جديد. --- ### القيم الأخلاقية [كُتَّاب رواد مصريون] - Published: ۲۰۲۲-۰۷-۲۰ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/6843/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: أحمد أمين, أحمد لطفي السيد, إيمانويل كانط, توفيق الطويل, زكريا إبراهيم, عبد الرحمن بدوي الكتابات الأولى فيما يختص بعلم الأخلاق والفلسفة الأخلاقية ظهرت في القرن العشرين، تراوحت بين تحقيقات، فكر أخلاقي عربي، ترجمات فلسفية غربية، دراسات تحليلية للاتجاهات الأخلاقية في الوطن العربي. من أهم الكتاب أحمد لطفي السيد 1924 - اهتم بالترجمة باعتبارها وسيلة للنهضة كما حدث في الغرب عندما ترجموا الكتابات العربية. - اهتم بالأخلاق في الفلسفة اليونانية. - ترجم كتاب أرسطو الأخلاق إلى نيقوماخوس وهو بداية هامة في تاريخ دراسة الأخلاق في الفكر العربي المعاصر أحمد أمين 1953 - متعدد الروافد. - كتب عن تعريف علم الأخلاق. - كتب كتاب الأخلاق عام 1920 حتى الطبعة السادسة 1953 الأخلاق: تكوينها، مصادرها. - النظرية الأخلاقية وعلاقتها بالثقافة السائدة، مركزية الاستنارة الإغريقية كمصدر وحيد لكل عقلانية. - يتكلم عن علم الأخلاق وليس الفلسفة الأخلاقية فيحدد موضوع علم الأخلاق وفائدته وعلاقته بالعلوم الأخرى (بعدما لم تصبح المعرفة الإغريقية منفردة بكل ما يأتي من العقل). - هو علم يوضح معنى الخير والشر ويبين ما ينغي أن تكون عليه معاملة الناس بعضهم لبعض. - شرح الغاية التي يتصورها الناس في أعمالهم وينير السبيل لفعل ما ينبغي. - الأخلاق فرع من فروع الفلسفة وأخلاق الإنسان ليست حظًا يُمنح حسب المصادفة والاتفاق ولكنها تصلح وتفسد وترقى وتنحط تبعا لقوانين ثابتة لا تختلف. منصور فهمي والأخلاق الاجتماعية - في الأربعينيات وهو أول من درس الأخلاق بفضل سيادة الثقافة الفرنسية. - تناول الضعف الخلقي وأثره على الحياة الاجتماعية تأثرا بأستاذه ليفي برول. - كتب عن الديمقراطية والأخلاق. - كيف تكون الأخلاق في مصر لتسهم في التعاون الدولي؟ عاصر الحرب العالمية الثانية، كيف ينبغي أن تكون الأخلاق في مصر لتسهم في التعاون الدولي العالمي. - ورأى أنه من المهم الخضوع لأخلاق مشتركة يدين بها المجموع ويدعون لالتزامها مهما يكن بينهم من فوارق ومنها حب الغير والعدل والتسامح والعفو وهي مبادئ أخلاقية يحتاجها العالم في زمن الحرب. - الضعف الخلقي وأثره على الحياة الاجتماعية. - أساس ضعف الأخلاق عنده يرجع إلى التفريط في الواجب وإهمال ما ينبغي عمله. - الواجب عنده ليس كما هو عند كانط الذي رأى أن الواجب قانون أبدي كلي وضروري عند منصور فهمي يرد إلى المجتمع ويختلف باختلاف الزمان والمكان. - والضمير. - ليس فطريا لكنه مرآة الحياة الاجتماعية، ونتيجة للتفاعل بين الأفراد في المجتمع، وثمرة لانتقال التقاليد والعادات من جيل إلى جيل. - وهو يرد ضعف الضمير الخلقي إلى ثلاثة أمور: - مسايرة الهوى والخضوع للشهوات. - الإغراق في المجاملة. - ضعف الشعور بالغيرية. - ولهذا فالضمير ليس فطريا. - تكوين العادة. - بميل النفس إلى العمل. - مع تكرار ذلك تكرارا كافيا. السيد محمد البدوي - من وجهة نظر علم الاجتماع ينفي وجود علم يحدد قواعد السلوك. - القواعد الأخلاقية ظواهر اجتماعية. عبد العزيز عزت أستاذ علم اجتماع - من دعاة المدرسة الاجتماعية في الأخلاق وتناول الأخلاق بين الفلسفة والعلم. - رفض أن تكون الأخلاق أفكار نظرية. - الأخلاق ليست أفكارا نظرية يضعها فرد معين لا يرتبط بزمان ومكان معين أي فرد ميتافيزيقي لا وجود له في الواقع ويسعى وراء مثل أعلى من خلق خيال الفيلسوف قلما يتحقق لبعده عن الحياة الواقعية. - الأخلاق الاجتماعية هي أخلاق وضعية عملية تقوم فعلا في المجتمعات البشرية وهي محدودة بزمان معين ومكان معين تمثل قوى خارجية عبد الرحمن بدوي والأخلاق الوجودية - لاحظ غياب معنى الشعور المميز بين الخير والشر في الكتابات العربية. - رصد التراث اليوناني في الحضارة الإسلامية وحقق تَرْجَمَة اسحق بن حنين لكتاب الأخلاق إلى نيقوماخوس 1981. - تناول فلسفة ابن رشد وكانط في مجال الأخلاق. - تحقيقات لنصوص أخلاقية أو ترجمات. - كتب عن اتجاهات الفكر الغربي وإبداعات تظهر اتجاهه الفلسفي. - في كتابه الأخلاق النظرية ميز بين الأخلاق النظرية والعملية. - الأولى تضع المبادئ والنظريات التي يستند إليها السلوك الإنساني. - والثانية تبحث في التطبيقات العملية لهذا السلوك داخل كيان محدد. - الضمير: السر داخل الخاطر والجمع ضمائر. زكريا إبراهيم أستاذ علم الأخلاق - الأخلاق المبدعة في الخمسينيات والستينيات - ركَّز على الجانب الذاتي الفردي مقابل الاتجاهات الشمولية التي سادت في تلك المدّة في الخمسينيات وبداية الستينيات ولاحظ أن دراسة مادة الأخلاق تضيق كقضية خاصة أن حل المشكلة الاقتصادية عدّ كفيلا بحل المشكلة الخلقية. - في الخمسينيات وبداية الستينيات قدم كتاباته في مقابل الدعوى الجماعية السائدة وقت ازدهار الدعوى الاشتراكية ولذلك يأخذ على فلاسفة الأخلاق أنهم قد تناسوا دورهم شديد الْخَطَر في هذه المدّة الحرجة فتنازلوا عن كل شيء لرجال الاقتصاد أو الاجتماع أو الساسة وكأن حل المشكلة الخلقية رهن بقيام حزب من الرَفَاهيَة المادية. - الحق والخير والجمال عنده يقابل الإدراك والوجدان والسلوك. - يدعو إلى الأخلاق الإنسانية التي تقوم على الاختيار والحرية في إطار علاقة الإنسان بالمطلق وإمكانات الإنسان في الكشف عن الأخلاق ورؤية القيم. - هو اتجاه أقرب إلى الوجودية المؤمنة. توفيق الطويل والمثالية المعتدلة رائد الفلسفة الخلقية في العالم العربي المعاصر - هو رائد الدراسات الأخلاقية في العربية بإسهاماته الجادة والمتواصلة 1949. - لاحظ توفيق عدم وجود كتابات منظمة في تاريخ الأخلاق باللغة العربية باستثناء أحمد أمين. - يميز بين فلسفة الأخلاق وعلم الأخلاق. - اهتم بالتحليل والمناقشة فيما قدمه واتخذ نهجا عقلانيا وجمع بين التفلسف والتدين. - كتابه المشكلة الأخلاقية الإلزام الخلقي 1954 مقرر على التعليم الثانوي. - في رأيه أن النضج العقلي لا يستقيم بغير حرية فكرية وأن العداء مع اللاهوت وليس مع الدين. - الاعتراف بمبادئ فطرية مشتركة بين البشر متمثلة بالاستعدادات والغرائز القابلة للتوجيه بفعل العقل الذي يشكل مبعث القيم والمعايير المطلقة التي تبني عليها فلسفة الأخلاق. - يرى أن الضمير والخير والشر قائم في العقل نفسه وفي الغاية التي يتوخاها الفاعل الأخلاقي. - يميز توفيق الطويل بين فلسفة الأخلاق Moral وهم الحدسيين والعقليين، وعلم الأخلاق عند التجريبيين والوضعيين Ethics الأخلاق القومية زكي الأرسوزي 1900-1968 وفلسفة البعث القومي وارتباطه بنهضة الأمة. --- ### خواطر في تفسير إنجيل يوحنا
الإصحاح الرابع (٦) - Published: ۲۰۲۲-۰۷-۱۷ - Modified: 2022-07-17 - URL: https://tabcm.net/6999/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: الأب متى المسكين, المرأة السامرية إصحاح السامرية (٦) وَفِي أَثْنَاءِ ذلِكَ سَأَلَهُ تَلاَمِيذُهُ قَائِلِينَ: «يَا مُعَلِّمُ، كُلْ». فَقَالَ لَهُمْ: «أَنَا لِي طَعَامٌ لآكُلَ لَسْتُمْ تَعْرِفُونَهُ أَنْتُمْ». فَقَالَ التَّلاَمِيذُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «أَلَعَلَّ أَحَدًا أَتَاهُ بِشَيْءٍ لِيَأْكُلَ؟». قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «طَعَامِي أَنْ أَعْمَلَ مَشِيئَةَ الَّذِي أَرْسَلَنِي وَأُتَمِّمَ عَمَلَهُ. (إنجيل يوحنا 4: 31- 34)  إن الإنسان الذي يجهل قول الرب ”ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان“ يصبح سهلاً أن يقتصر اهتمامه و طلبه على ”أن تصير الحجارة خبزاً. ويتململ من منهج المسيح والكنيسة لكونه منهجاً سمائياً ينحصر أساساً في استعلان طريق الملكوت للمؤمنين واكتمال مسيرتهم. لقد طلب التلاميذ من معلمهم أن يأكل، وتعجبوا أنه لم يأكل من الطعام الذي ذهبوا وأشتروه فظنوا أن أحداً أتاه بشيءٍ يأكله. هذا الموقف يتكرر كنصيحة يتوجه بها الناس إلي أبناء الملكوت. فلقد أشاروا على الأب متى المسكين أن يرجع عن اشتياقه بتكريس حياته ساهراً لكلمة الله في صحراء قاحلة خوفاً على حياته. لكننا نرى في هذه الآيات ”أنا لي طعام لآكل لستم تعرفونه أنتم“ إن الرب يوثِّق بشهادته لحقيقةٍ توارت عن وعي البشر بسبب طول غربتهم عن الله، بأن الإنسان في حقيقته مخلوق إلهي. وأن طعامه ليس بالضرورة ما أتاه به التلاميذ ليأكله. هنا يتجلى الرب بالإنسان إلى ما فوق طبيعته العتيقة، إلي الطبيعة الإنسانية التي تجددت في المسيح، ولسان حالها ”ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان“. إن تاريخ الله مع الإنسان منذ تغربه وخروجه من الفردوس، يمتلئ بأمثلة مادية تشير إلى تلك الطبيعة الجديدة الموعود بها الإنسان منذ لحظة نطفته الترابية. تلك الأمثلة كانت إرهاصات الرب لتدبير الخلاص المسيحي المُعَّد والمُرتقَب الذي ينتشل الإنسان من انحصاره في الارتباط بالأرض. من بين تلك الأمثلة كان نزول المن والسلوي من السماء طعاماً لبني إسرائيل أربعين سنة في برية سيناء بعد خروجهم من مصر. فالمن والسلوي كانا استعلاناً للإنسان عن أصوله الإلهية وأن طعامه الحقيقي نازلاً من السماء، بينما طبيعة الإنسان العتيقة تشتاق للرجوع إلى عبودية عاشتها تحت سخرة فرعون مصر ”فعاد بنو إسرائيل أيضا وبكوا وقالوا: «مَنْ يُطْعِمُنَا لَحْمًا؟ قَدْ تَذَكَّرْنَا السَّمَكَ الَّذِي كُنَّا نَأْكُلُهُ فِي مِصْرَ مَجَّانًا، وَالْقِثَّاءَ وَالْبَطِّيخَ وَالْكُرَّاثَ وَالْبَصَلَ وَالثُّومَ. وَالآنَ قَدْ يَبِسَتْ أَنْفُسُنَا. لَيْسَ شَيْءٌ غَيْرَ أَنَّ أَعْيُنَنَا إِلَى هذَا الْمَنِّ! ». (سفر العدد11: 4-6) فالمن والسلوى كانا صحوة كيانية ووجودية للإنسان تؤكد أنه مخلوق إلهي وطعامه سمائي، هو أصلاً كان ”شجرة الحياة“ التي في وسط فردوس الله،  ”من يأكل منها يحيا إلى الأبد“. (سفر التكوين). فالشجرة كانت المسيح. والوعد كان لنا في آدم الأول أنه في المسيح شجرة الحياة سيكون لنا الاتحاد بالله: ”مَن يغلب فسأعطيه أن يأكل من شجرة الحياة التي في وسط فردوس الله“. فإن غاية خلق الإنسان هو أن يتأله في المسيح يسوع ”Theosis “. إن قول الرب له المجد «طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأتمم عمله» يَستعلِن أن المسيح له مشيئته الخاصة به كأقنوم الابن وأن مشيئته في اتحاد مطلق بمشيئة أقنوم الآب. والنتيجة أن ينشأ اتحاد العمل المطلق بين الأقانيم. وغني عن القول إن المحبة المطلَقة كطبيعة في لاهوت الله ”الله محبة“ هي المُنشِئ لوحدة المشيئة والإرادة والعمل في ثالوث المحبة إلهنا الواحد القدوس. وعلى أساس قول الرب «طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني» يقوم منهج الخدمة في المسيحية، أن هدفها شخص المسيح والاتحاد به، وليس الخدمة أو عمل الخير في حد ذاته، مثلما شرحنا من جهة المسيح والآب. هذا يُفسِّر لنا قول الرب: كَثِيرُونَ سَيَقُولُونَ لِي فِي ذلِكَ الْيَوْمِ: يَا رَبُّ، يَا رَبُّ! أَلَيْسَ بِاسْمِكَ تَنَبَّأْنَا، وَبِاسْمِكَ أَخْرَجْنَا شَيَاطِينَ، وَبِاسْمِكَ صَنَعْنَا قُوَّاتٍ كَثِيرَةً؟23 فَحِينَئِذٍ أُصَرِّحُ لَهُمْ: إِنِّي لَمْ أَعْرِفْكُمْ قَطُّ! اذْهَبُوا عَنِّي يَا فَاعِلِي الإِثْمِ!   (إنجيل متى7: 22، 23) والسبح لله. بقلم د. رءوف أدوارد. --- ### أنا أحلى حاجة في الدنيا - Published: ۲۰۲۲-۰۷-۱۵ - Modified: 2022-07-14 - URL: https://tabcm.net/7021/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: قديس بولس الرسول من أخطر وأعقد المشكلات التي تقابلنا كمجتمع شرقي، وللأسف تتحكم في أغلب سلوكياتنا وأفكارنا بشكل مباشر، وغير مباشر، هي نظرتنا المغلوطة والموروثة بالخطأ -مش عارفة بالظبط منين- عن الجسد ولا نعرف من أين ترسخت هذه النظرة، لأننا في الحقيقة أبناء حضارة عظيمة أدركت قيمة الجسد ولم تخفيه، بالعكس ربته واعتنت به وزينته، واهتمت به حيا، ومنحته التكريم اللائق بعد الموت بالتحنيط، حتى الآن "توجد" بيننا أجساد عظيمة لآبائنا العظماء. الجسد هذا الإناء الذي يحوي ويحمي أرواحنا وأنفسنا، ننظر إليه نظرة احتقار وخجل، فعلاقاتنا غير الناضجة بأجسادنا تجعلنا نتأرجح بين دعوات التغطية والتخبئة، والرغبة في الكشف عنه لمجرد التمرد على ما سبق، ولكن دون وعي بأهمية وقيمة بل وقداسة هذا الجسد الذي نؤمن جميعا كـ"إبراهيميين"، (المؤمنين بالديانات الإبراهيمية الثلاث اليهودية والمسيحية والإسلام) إن الله خلقنا هكذا كما نحن ورأى الإنسان حسنًا جدًا، والله لا يخلق أي شيء نجس أو غير طاهر، بالعكس في المسيحية عندما أراد الله أن يقترب من الإنسان اتخذ له جسدا ولم يتأفف من كونه إنسان بكامل أعضائه الإنسانية (وهذا التجسد تؤمن أن اليهودية أيضًا ولكن لا زالت تنتظره، بالتالي اتخاذ الإله الجسد أمر غير مرفوض في اليهودية). بولس الرسول تنبه لهذه لفكرة، وأشار إليها في رسالة أفسس. "فَإِنَّهُ لَمْ يُبْغِضْ أَحَدٌ جَسَدَهُ قَطُّ، بَلْ يَقُوتُهُ وَيُرَبِّيهِ، كَمَا الرَّبُّ أَيْضًا لِلْكَنِيسَةِ". (رسالة بولس إلى أفسس 5: 29) مهم هنا أن نفهم إن كلمة يربيه لا تعني يعاقبه أو يؤدبه، إنما يربيه تعني أنه يعتنى ويهتم به -زي ما بنقول إن فلان بيربي طيور أو حيوانات- وقال بولس أيضا: "أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ لِلرُّوحِ الْقُدُسِ الَّذِي فِيكُمُ، الَّذِي لَكُمْ مِنَ اللهِ"(رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس 6: 19) لذا نحتاج أن نقف مع أنفسنا دقيقة وأن نغمض أعيننا ونأخذ شهيق ونخرجه بهدوء في أثناء العد إلى رقم  ٨، ونسأل أنفسنا سؤال: هل أنا قابل نفسي وجسدي؟ وأؤمن أن الله خلقني في أحسن صورة وأنه لا يوجد  فيّ شيء قذر أو قليل أو رديء؟ هل أنا قادر أن أرى في نفسي نفخة الله فيّ من روحه القدوس؟ لو كانت الإجابات على هذه الأسئلة إيجابية ساعتها فقط أستطيع أن أرى الآخر، أي آخر (رجل، امرأة، بنت، كبير، صغيرة، عجوز، طفل) بالضبط كما رأيت نفسي مخلوق بيد ربنا، فيه نسمة الله، مقدس كله، وليس فيه عيب. لو استطعنا أن نعي جيدا هذا المفهوم، فإن أمور كثيرة سيئة ستختفي من حياتنا، ليس فقط سلوكيات خاطئة، لكن أمراض جسدية ونفسية أيضًا، من يفهم هذه المعاني سيحب نفسه وجسده بشكل صحي، يرعاه ويربيه بطريقة صحيحة، وبالطبع سيتعامل بالمثل مع الآخر. بالتالي لن نتحدث وقتها عن تحرش أو ضرب أو عنف زوجي لأن منظورنا الإنساني والديني لأنفسنا ولبعضنا البعض سيعدل! https://youtu. be/yoAXlDXwhV0 بقدر ما إن هذا الكلام سهل وبسيط ومنطقي، لكن للأسف تطبيقه صعب في مجتمعاتنا، لأنه زُرع  في وعينا على اختلافاتنا الثقافية والطبقية والدينية احتقار الجسد المستتر، لذا لو سألتك: ما هي أعظم الكبائر وأكبر الخطايا؟ ستجيبني "الزنا" (مع أن مفهوم الزنا وتعريفة الديني الأساسي هو الخيانة، وأشير إليه في العهد القديم لعبادة  الشعب لآلهة أخرى مع الله)، لكن تحول  الأمر في أذهاننا، لسبب غير معروف، إن الزنا هو  أي علاقة بين رجل وامرأة لا توجد بينهم ورقة مكتوبة، مع أن الزواج حتى دينيا له شروط أخرى غير الورقة، لكن مجتمعنا يرفض أي علاقة ببن أي اثنين بالتراضي دون ورقة (لأي سبب من الأسباب)، ومع ذلك ممكن المجتمع يقف متفرجًا  للتحرش والاغتصاب والعنف والقتل من أي ذكر تجاه أنثى سواء بينهم ورقة أو حتى من غير ورقة، ليس فقط المشاهدة، وإنما سيطلب من الضحية أن تقبل وتحتمل، بحجة إن ده صليبك وإنك لازم تستحمليه، وأصبح عندنا قصص وأمثلة كثيرة لسيدات قيل لهم هذا الكلام حتى تعرضن للقتل، وأولادهن تيتموا، ومنهن من قتلن أمام أعين أولادهن. لو أدركنا قيمة ومعنى الجسد، سنربي أولادنا بشكل سوي على الحمية والحضن الدافئ التقي، ونشبعهم، ونخرج للمجتمع نماذج إنسانية حقيقية، ملح الأرض ونور العالم، وسنتقدم خطوة أكثر تقدما حتى من الغرب الذي يقدم حتى للأطفال معلومات بيولوجية واضحة عن أجسامهم، يكسر بها كراهيتهم للجسد وخجلهم منه في الأقل بالمعرفة، لكن دون أن يقدم لهم القيمة الحقيقية والعمق اللاهوتي والروحي والكياني لهذه العمليات البيولوجية. *ولنا لقاء آخر للحديث عن الأسباب التي أدت إلى هذا الفهم الخاطئ والرؤية المشوشة للجسد، بالتالي للعلاقات الجسدية وإلى هذا الحين نشير إلى أنها  باختصار جوع ونقص واحتياج إنساني، ونظرة خاطئة دنيئة للجسد سواء جسد الشخص أو جسد الآخر، الذي يتخيل أنه موجود كي يستمتع به ويستخدمه، بينما قدس الله أجسادنا وقدس العلاقة الجسدية إلى أقصى حد حتى جعلها مصدر للأمان والمودة والرحمة بل والطريق إلى الشركة في الخلق فقد كان من السهل على الله أن يجعل الإنسان يتكاثر بأي وسيلة أخرى، ينقسم ميتوزيا مثلًا كالبكتيريا، أو بأي طريقة أخرى، ولكن إذا كانت هذه إرادة الله هل نصبغها نحن بالعار والإهانة والدونية؟ هذا الأمر جوهري ويحتاج أكثر من مثل هذه السطور، ولكن لعلها تساهم في استثارة أفكارنا لنرى أنفسنا كما يرانا الله في أبهى صورة. وأعتقد أنه آن الأوان أن نترك توافه الأمور التي نشغل أنفسنا بها ونركز على أعظمها، التي تتحكم في الجزء الأكبر من السلوك الإنساني شئنا أم أبينا. --- ### القيم الأخلاقية [الضمير] - Published: ۲۰۲۲-۰۷-۱۳ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/6842/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: أفلاطون, سقراط, قديس بولس الرسول في هذا المقال سنتعرف إلى الضمير عند المستشار محمد سعيد العشماوي، ورواد القرن العشرين، وصلاح سالم، فهو في مفهومهم ليس فطريًا ولكن يقصد أن يسير الإنسان بمقتضاه في تناسق مع المجتمع، تصادق مع الإنسانية، تعاون مع الكون. الضمير الكوني: هو تناغم مع كل أشكال الحياة ومع بقية الخلائق الطبيعة، البيئة، الكائنات الحية، الخير الكوني العام الذي يجمع بين الجماعة بخيوط المسئولية الإنسانية وفيما إذا كانت الغايات أساسية أم أنها تظهر ميولا عدائية وغايات استعراضية الضمير يقتضي سموًا ذاتيًا ونضجًا روحيًا يربط بين الفرد والكون، ولابد له من وعي وإرادة وجهد، ورهن بازدياد المعلومات، واتساع المعارِف، ووفرة الأفكار، والتحصيل والاطلاع، وتفتُّح الإحساس، وتنبُّه العقل، وتزايد الوعي، بحيث تقل مجاهل الحياة، والعمل بما تعلم ليحصل ويمد وينشر عبْر الزمان والمكان. الضمير عند اليونان عند سقراط وأفلاطون: صوت الضمير هو صوت الله • هو القانون الطبيعي أي الفطري الذي أودعه الله في الإنسان. • القانون لا يهيئ للفرد ترابطًا كونيًا وتفاعلا إنسانيًا وإنما إلزام بسلوكيات تحميه من الوقوع تحت العقاب. الضمير والعهد الكوني في العهد القديم (من كتاب كريستوفر رايت بعنوان أخلاقيات القديم) العهد ليس فقط بين الله وفرد-شعب-أمة، بل هو عهد مع الكون كله وَكَلَّمَ اللهُ نُوحًا وَبَنِيهِ مَعهُ قَائِلاً: 9 «وَهَا أَنَا مُقِيمٌ مِيثَاقِي مَعَكُمْ وَمَعَ نَسْلِكُمْ مِنْ بَعْدِكُمْ، 10 وَمَعَ كُلِّ ذَوَاتِ الأَنْفُسِ الْحَيَّةِ الَّتِي مَعَكُمِْ: الطُّيُورِ وَالْبَهَائِمِ وَكُلِّ وُحُوشِ الأَرْضِ الَّتِي مَعَكُمْ، مِنْ جَمِيعِ الْخَارِجِينَ مِنَ الْفُلْكِ حَتَّى كُلُّ حَيَوَانِ الأَرْضِ. 11 أُقِيمُ مِيثَاقِي مَعَكُمْ فَلاَ يَنْقَرِضُ كُلُّ ذِي جَسَدٍ أَيْضًا بِمِيَاهِ الطُّوفَانِ. وَلاَ يَكُونُ أَيْضًا طُوفَانٌ لِيُخْرِبَ الأَرْضَ». 12 وَقَالَ اللهُ: «هذِهِ عَلاَمَةُ الْمِيثَاقِ الَّذِي أَنَا وَاضِعُهُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ، وَبَيْنَ كُلِّ ذَوَاتِ الأَنْفُسِ الْحَيَّةِ الَّتِي مَعَكُمْ إِلَى أَجْيَالِ الدَّهْرِ: 13 وَضَعْتُ قَوْسِي فِي السَّحَابِ فَتَكُونُ عَلاَمَةَ مِيثَاق بَيْنِي وَبَيْنَ الأَرْضِ. 14 فَيَكُونُ مَتَى أَنْشُرْ سَحَابًا عَلَى الأَرْضِ، وَتَظْهَرِ الْقَوْسُ فِي السَّحَابِ، 15 أَنِّي أَذْكُرُ مِيثَاقِي الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَبَيْنَ كُلِّ نَفْسٍ حَيَّةٍ فِي كُلِّ جَسَدٍ. فَلاَ تَكُونُ أَيْضًا الْمِيَاهُ طُوفَانًا لِتُهْلِكَ كُلَّ ذِي جَسَدٍ. 16 فَمَتَى كَانَتِ الْقَوْسُ فِي السَّحَابِ، أُبْصِرُهَا لأَذْكُرَ مِيثَاقًا أَبَدِيًّا بَيْنَ اللهِ وَبَيْنَ كُلِّ نَفْسٍ حَيَّةٍ فِي كُلِّ جَسَدٍ عَلَى الأَرْضِ». 17 وَقَالَ اللهُ لِنُوحٍ: «هذِهِ عَلاَمَةُ الْمِيثَاقِ الَّذِي أَنَا أَقَمْتُهُ بَيْنِي وَبَيْنَ كُلِّ ذِي جَسَدٍ عَلَى الأَرْضِ». (سفر التكوين 9: 8-17) الضمير في مصر القديمة • فكرة توحُّد الإنسان مع ماعت آلهة العدل والحق والاستقامة والنظام • وإيمانه بالآلهة التي يشهد أمامها في الآخرة بالسلوك حسب نظام ماعت. نظام ماعت غَرَس للضمير الكوني والإنساني أي: • بتوافق مع صميم الحق والعدل والاستقامة • والتصادُق مع النظام الاجتماعي والنظام الكوني الصادِر عن قوى إلهية عليا تحل في قلبه على شكل ماعِت: افعل بحيث يصبح فعلك قاعدة إنسانية. بالخروج من حيِّز الثقافة المحلية والمجتمع المغلق. الخروج من حيِّز ثقافة نفسك. لم يدع الإنسان المصري الخطأ منسوب إلى غيره كالشيطان أو القدر. لكن سقط النظام وانتفى الضمير تحت تأثير تعاليم الكهنة: • الجمود المعتقدي: الاكتفاء بالإيمان وحده الذي يؤدي إلى القيامة والخلود والاستغناء عن الجانب الأخلاقي، فصار الإيمان جافَّا غير فعَّال. • انحراف الشفاعة: الأصل أن الشفاعة إثبات حق الإنسان في البراءة وتقرير جدارة الإنسان بالخلود، فصارت لإسقاط الذنوب بعد إهمال الضمير. بمعنى أن الإنسان كان يشفع في نفسه أمام الآلهة بأنه سلوك بضمير واتبع خُلُق ماعت. تحولت الشفاعة لطلب المسامحة على الشرور التي ارتكبها. • غَلَبة السِّحر: استخدام صِيَغ سحرية يكتبها الكهنة وتودع مع المتوفى فتعمل على اجتياز العقبات في العهد الجديد كما عرَّفه محمد سعيد العشماوي: الخلاص الفردي: عندما يقتصر الإنسان على ذاته: جهد ضائِع لا أصل له ولا امتداد. لا يصبح قفزة للأمام وانطلاقة. السيد المسيح قَصَد الإنسان نفسه واهتم بجوهره وأكد على الضمير. "لأَنَّهُ مَاذَا يَنْتَفِعُ الإِنْسَانُ لَوْ رَبحَ الْعَالَمَ كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ؟ أَوْ مَاذَا يُعْطِي الإِنْسَانُ فِدَاءً عَنْ نَفْسِهِ؟"(إنجيل متى 16: 26)  "أفَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّكَ أَنْتَ أَيْضًا تَرْحَمُ الْعَبْدَ رَفِيقَكَ كَمَا رَحِمْتُكَ أَنَا؟". (إنجيل متى 18: 27) "ثُمَّ قَالَ لَهُمُ: السَّبْتُ إِنَّمَا جُعِلَ لأَجْلِ الإِنْسَانِ، لاَ الإِنْسَانُ لأَجْلِ السَّبْتِ. إِذًا ابْنُ الإِنْسَانِ هُوَ رَبُّ السَّبْتِ أَيْضًا". (إنجيل مرقس 2: 27)  ويكمل قائلا: فوفقًا للنهج الكوني على المؤمن أن: يضع المسيح في قلبه، وأن يكون الله في الضمير. "إنْجِيلَنَا لَمْ يَصِرْ لَكُمْ بِالْكَلاَمِ فَقَطْ، بَلْ بِالْقُوَّةِ أَيْضًا، وَبِالرُّوحِ الْقُدُسِ، كَمَا تَعْرِفُونَ أَيَّ رِجَال كُنَّا بَيْنَكُمْ مِنْ أَجْلِكُمْ". (رسالة بولس الأولى إلى تسالونيكي1 :5) فالإنجيل ليس كلاما فقط بل كلمة وعمل. الخبرة الدينية: لها ثلاثة أوجه: الإنسان نفسه والمجتمع والكون،  وهذا لا يمكن أن يصح بشكل عفوي بل يتحقق من خلال إيمان واعي بصير. --- ### [١١] من أنت أبي الأسقف؟ - Published: ۲۰۲۲-۰۷-۱۲ - Modified: 2023-11-16 - URL: https://tabcm.net/6977/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أثناسيوس المقاري, أنبا بفنوتيوس، مطران سمالوط, أنبا ميخائيل، مطران أسيوط, إكليروس, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس السادس, دسقولية, رئيس جمال عبد الناصر, رئيس محمد أنور السادات, مجمع الأساقفة, معجم المصطلحات الكنسية تأسيسًا على ما لحق بالأديرة من تطور، وقد استعرضنا طيف منه فيما سبق، فإنه من الطبيعي أن ينعكس هذا التطور على مخرجاتها، وأنساق المعيشة داخلها، وغير بعيد تدور ماكينات المطابع لتغذي العقل القبطي بسيل من كتيبات تغازل الحلم الملكوتي وربطه بالوهج الرهباني، وفي تواز تشهد الكتيبات والرهبنة إقبالًا غير مسبوق، ربما لأن الأولى تحيل القارئ إلى نماذج مخملية يستعيض بها عن عدم التحقق الآني في حياته، فيما تعوضه الثانية عن قصور الخدمة في كنيسته المحلية ورتابتها، وفقًا لما ترسخ في ذهنه من صور مثالية وطوباوية عما يقع خلف الأسوار. كانت الرهبنة وقتها تجذب إليها الشباب الواعد من خريجي الجامعات، كل يبحث عن تحقق في دائرة ما، وبقدر كادت تفرغ المجتمع من كوادر قبطية كان يمكنها أن تحفظ له توازنه وإندماجه، وكانت رسامات الأساقفة تفرغ الأديرة ممن كانوا مؤهلين ليرسخوا نسق التلمذة، كلمة السر في قوة الأديرة والرهبنة والكنيسة، بدا الأمر شبيهًا بمن يصطاد "زريعة السمك" فيدمر تنمية الثروة السمكية. لم تكن هناك قواعد عامة ومجردة تحكم الاختيارات، وكاد دير بعينه، في حبرية البابا شنودة الثالث، أن يستأثر بالاختيار من بين رهبانه، وقد اتخذه البابا البطريرك آنذاك محلًا لخلواته، ولا نستطيع أن نقطع بأن بعضًا ممن تسللوا إلى الرهبنة وهم محملين باختلالات مجتمعية ونفسية كانوا بعيدًا عن تلك الرسامات، ويدق الأمر مع إغلاق مدرسة الرهبان بحلوان وتحول مقرها إلى مقر إقامة أسقف حلوان في حبرية البابا كيرلس السادس. فلا تلمذة ولا إعداد ولا تأهيل، فقط أن يكونوا محل رضا وارتياح رئيس الدير وقداسة البابا، وهو أمر يمكن صناعته. وما زالت الذاكرة تحتفظ بثلاث وقائع تتعلق باختيارات تلك المدّة، الممتدة من سبعينيات القرن المنصرم، حتى مطلع العقد الثاني من القرن الحالي. • الأولى جاءت في سياق نذر الصدام بين الرئيس السادات وقداسة البابا، في واحدة من خطابات الرئيس الغاضبة، قوله بلهجة حادة موجهًا رسالة للبابا البطريرك بشأن رساماته لشباب صغير السن في رتبة الأسقفية: أنا قولت له بيّض لحاهم يا شنودة! ! • والثانية في لقاء لي تم في بيتي مع واحد من أبرز الأساقفة العموميين، الذي امتد لنحو ثلاث ساعات، وكان محوره الحديث عن إشكاليات إدارة الكنيسة، ورؤية العلمانيين في تفكيكها ومعالجتها، وأذكر أنه كان مستمعًا جيدًا ومنفتحًا في الحوار ومتفهمًا لأطروحاتي، وفى نهايته قلت له؛ نيافتك أسقف ومن ثم عضو في مجمع الأساقفة أعلى سلطة في الكنيسة، فلماذا لا تناقش قداسة البابا في هذه الإشكاليات، وأنتما متساويان في الدرجة الكهنوتية فنظر إلىَّ مندهشًا؛ وقال: أنا أناقش قداسة البابا! ! ، دا أنا كنت بلبس "شورت" وكان قداسته أسقفًا له ثقله.  ولم أعلق. واحترمت فيه صراحته، وأدركت كيف يرسم قداسة البابا خريطة المجمع. • أما الثالثة فهي حوار مقتضب مع شيخ المطارنة الأنبا ميخائيل مطران أسيوط، جاءت في أثناء تواجدي في مدينة أسيوط، في مهمة عمل، سألته: لماذا تقاطع جلسات المجمع، وأنت من أنت، وتملك طرح الكثير من الحلول لما نشهده من أزمات وتراجعات، ومعارك بعضها معلن وكثيرها خلف الجدران والأبواب المغلقة؟ فقال في هدوء: أنت ترضى للشيبة دي أن تُهان؟ وأمسك بلحيته في أسى، فقلت: بالطبع لا يا أبي، ولكن من يملك أن يتعرض لك؟ قال: سأذهب وأحضر اجتماعات المجمع، وسيستقبلني البابا بحفاوة، ربما مبالغ فيها، وأثناء الاجتماعات سيقف أحد الأعضاء حديثي السن والرسامة، ويكيل لي ما يعنّ له من كلام غير منضبط، وبعد ما يكبّ عياره، سيلتفت إليه البابا ويعنفه، ويطلب إليه التوقف، ويكيل لي المديح ويتحدث عن تاريخي المديد ومكانتي عنده وعند الكنيسة، وأجدني غير قادر على الرد، وغير قادر على القبول بهذا. وللمرة الثانية، لا أعلق. أمامي ثلاث كتب لكتَّاب معاصرين، أولهما كتاب: "مقومات الأسقف وركائزه" للأب المطران الأنبا بفنوتيوس، مطران سمالوط، وصدر ضمن سلسلة: "أبحاث القانون الكنسي"، سبقه بكتاب: "حتمية النهوض بالعمل الكنسي"، وأتبعه بكتابين، الأول: "هل الأسقف رئيس أعمال الكهنوت أم رئيس سر الكهنوت؟"، والثاني: "رسالة توضيحية: إن البابا والأساقفة هم رؤساء أعمال الكهنوت وليسوا رؤساء سر الكهنوت". وكتابان للراهب القس أثناسيوس المقاري، الأول: "معجم المصطلحات الكنسية" وصدر ضمن سلسلة: "مقدمات في طقوس الكنيسة، والثاني: "الكهنوت المقدس والرتب الكنسية" وصدر ضمن سلسلة: "طقوس أسرار وصلوات الكنيسة". اللافت أن كلاهما، المطران والراهب، يطرحان رؤى متقاربة في التعريف والتأصيل الكتابي والآبائي، بالرغم من اختلاف ظروف الكتابة، فبينما تأتى كتابات الأب الراهب في سياق التأصيل التاريخي المجرد، تأتى أطروحات الأب المطران في سياق الرد على طرح مخالف يتبناه مطران معاصر يحتل موقع الصدارة لدى البابا البطريرك، في سابقة تحسب له، خاصة أن أطروحات أبينا المطران صدرت في حبرية البابا السابق الذي كان يسبغ حمايته على الأب المطران صاحب الرأي المخالف. فالأسقف، ابتداءً، يحمل لقبًا يختص به الرب يسوع المسيح، راعى نفوسنا وأسقفها حسب قول القديس بطرس في رسالته الأولى، وحين أطلقته الكنيسة على من اختارته لتقيمه في رتبته هذه كانت تقصد أن تشبه رعايته للشعب برعاية المسيح -طبعًا بشكل مجازي- ولم تقصد أن تقيمه متسلطًا على الكنيسة أو حاكمًا عليها كما في عالم السياسة، وتؤكد عليه أن مهمته تحتاج إلى معونة إلهية تسانده في قيادة الرعية إلى منابع الحياة في المسيح، متشبهًا بمنهج الرب يسوع المسيح الذي كان يطوف كل الجليل يُعلّم في مجامعهم ويكرز ببشارة الملكوت، ويشفى كل مرض وكل ضعف في الشعب (إنجيل متى 4 : 23). ويرى الأب المطران في طرحه، أن الدرجة الإكليروسية: "ليست درجة أرضية وظيفية ولا هي درجة سمائية بل هي درجة جهادية، بمعنى أن القائم فيها دائم الجهاد من أجل خلاص نفسه ومن أجل خلاص الشعب المؤتمن عليه". ويرى أن الأب الأسقف: "ليس مجرد حصوله على الرتبة يُفترض فيه اكتمال القداسة والمعرفة، فالأمر كله مازال طريقًا مفتوحًا أمامه ... "، وينقل الكاتب لرجال الإكليروس تحذير سفر الأمثال: لا تكن حكيمًا في عيني نفسك (سفر الأمثال 3 : 7)، وألا تكون النفسانية قد غطت أفكاره وصار بارًا في عيني نفسه متصورًا القداسة لذاته بواسطة تعليمه للآخرين كقول الكتاب: لا تكونوا معلمين كثيرين يا إخوتي، عالمين أننا نأخذ دينونة أعظم لأننا في أشياء كثيرة نعثر جميعنا (رسالة يعقوب 3 : 1 و 2). وفى كلمات قاطعة، يحذر الأنبا بفنوتيوس من أن يتعصب الأسقف لفئة إيمانية معينة حتى لإيمانه الأرثوذكسي، ويؤكد الفرق بين التمسك بالإيمان وبين التعصب له، ويقول: ليس هناك قداسة أو وقار حقيقي لإنسان متعصب، يُسفّه ويقلل من قدر الطوائف الأخرى كالكاثوليك والبروتستانت وغيرهم، فيجلس الأسقف في محفِل عام ويهدم مفاهيم هذه الطوائف... إن الإنسان الطائفي المتعصب لا يستطيع أن يقنع أحد بتشنجه وانتقاصه فكرة أو قهر الناس لقبول رأيه، فقط اطلب من الله أن يهب الناس فهمًا كما أُعطيت. (الأنبا بفنوتيوس، مطران سمالوط، كتاب: مقّومات الأسقف وركائزه) أما كتاب "الكهنوت المقدس والرتب الكنسية" فيذهب إلى ما سجلته الكنيسة في قرونها الأولى وبخاصة مجموعة كتب المراسيم الرسولية ويشير إلى أنه قد تم الانتهاء من تأليفها مع أواخر القرن الرابع الميلادي، ويذكر أن الكتاب الثاني منها "يضم تعليمًا مستفيضًا عما يجب أن يكون عليه الأسقف في كل مناحي حياته، سواء الشخصية أو الكنسية أو الليتورجية، وقد تُرجمت السبع كتب الأولى منها إلى اللغة العربية، وانتشرت انتشارًا واسعًا في الشرق تحت اسم "الدسقولية". ويورد الكاتب مقتطفات منها، فيذكر حول أهم صفات الأسقف: من أجل الأساقفة، هكذا سمعنا من ربنا يسوع المسيح، أنه يجب على الراعي المقرر رسامته أسقفًا على الكنائس في كل إيبارشية أن يكون بغير لائمة ولا علة، طاهرًا من كل أنواع الشر الشائعة بين الناس. ليس بأقل من خمسين سنة من أجل بيته, وقد هرب من الانحرافات الشبابية وأقوال الوثنيين، وصار طاهرًا من الإهانات التي يأتي بها قوم من الإخوة الكذبة على كثيرين. ويستطرد: ويجب عليه أن يكون وديعًا متواضعًا هادئًا، صانع سلام، ذا سريرة جيدة، طاهرًا من كل ظلم وشر، وكل اغتصاب، متيقظًا متأنيًا غير قلق، وغير سكير، وغير مخاصم، غير محب للفضة، وليس غرسًا جديدًا لئلا يتعظم قلبه، فيسقط في فخاخ الشيطان. ويذكر في فقرة أخرى نقلاً عن نفس المصدر: لا يحب النصيب الأكبر، ولا يخطف، ولا يكابر، ولا يكون كثير النميمة، ولا يشهد بالزور، ولا يحب المقاومة، ولا يدخل في أعمال هذا العالم، ولا يكفل أحد، ولا يحب الرئاسة، ولا يكون ذا قلبين، ولا ذا لسانين، ولا يحب سماع الأباطيل والنميمة ولا الدينونة، ولا يشتاق إلى أعياد الأمم. وتحت عنوان: "في التعليم المنوط بالأسقف" يكتب نقلًا عن كتاب المراسيم الرسولية: ليكن الأسقف ممتلئًا من كل تعليم وكاتبًا. وليكن على كل حال ماهرًا في الكلمة، وفي سن صالح  ... وليكن صابر القلب في وعظه، يعلم كل حين، ويدرس ويجتهد في الكتب الربانية، ويستمر في القراءة، ليفسر الكتب بتأنٍ، ويفسر الإنجيل باتفاق مع الأنبياء والناموس والأنبياء متفقًا مع الإنجيل ... ليأمر الأسقف العلمانيين باجتهاد، مقنعًا إياهم ليقتدوا بسلوكه، وليكن صديقًا لكل أحد، صديقًا ذا مروءة، وكل شيء حسن في الناس فليقتنه الأسقف لنفسه. وتحت عنوان: "معيشة الأسقف وتصرفه في أموال الكنيسة" نقرأ: ينال الأسقف طعامه وشرابه بالقدر الذي يكفيه لكى يقدر أن يستيقظ لتعليم الجهال، ولا يكن مغاليًا في غذائه أو مميزًا نفسه، وعيشته لا تكون بلذة ولا يأكل المختار من الطعام ... ولا يكن بذخًا ولا أعجميًا، يزين لباسه، بل يستعمل ما يناله لقيام الجسد فقط". ويورد الكاتب هامشًا يقول فيه: عند ابن كبر نقرأ ما يلي: ينالمن الطعام والكسوة بقدر الكفاية، كما يليق بالحاجة والعفاف، ولا يزين لباسه، بل يتخذ ما يصلح لستر جسده لا غير. وأسقف يلبس برفيرًا أو حريرًا، أو يزين مائدته بأطعمة مختلفة، وفقراء مدينته جياع أو عراة، ليس هو أسقفًا. عزيزي القارئ أقاوم إغراء استكمال النقل، فضلًا عن إغراء التعقيب، فيتحول المقال إلى كتاب، وربما أكثر، لذا أتمنى أن تجد تلك المصادر مكانًا على مكاتب آبائي الأساقفة، وتجد عندهم من الوقت ما يسمح بقراءتها.  فيما نستكمل نحن قراءتنا لمزيد من المشاهد الإكليروسية. --- ### [٦] من إيل إلى يهوه - Published: ۲۰۲۲-۰۷-۱۱ - Modified: 2024-04-24 - URL: https://tabcm.net/6987/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, كتاب مقدس - وسوم: إبراهيم أبو الأنبياء, إيل ويهوه, إيلوهيم, الشرق الأدنى, النص العبري, بنتاتوخ, توراة, سانت تكلا هيمانوت, كليف ستيبلز جاك لويس, مارك إس. سميث, نظرية المصادر, يحزقيل كوفمان, يهوه تناولت المقالات السابقة نظرية "يحزقيل كوفمان" عن ثورة التوراة في مواجهة نصوص الشرق الأدنى اللاهوتية، وفي هذا المقال، سنتناول نِقَاط التشابه اللاهوتية بين يهوه والإله إيل. من هو إيل؟ لعلك سمعت وقرأت هذا الاسم كثيرًا؛ فهو مرتبط بكثير من أسماء العهد القديم الشهيرة؛ مثل، بيت إيل، وإسرائيل، وإسماعيل، وإيلوه، وإيلوهيم، وإيل شداي. لعلك تعرف أيضا أن بعض الأسماء في العهد القديم مشتقة من إيل والبعض الآخر مشتق من يهوه (مثل إيليا). لعلك أيضًا بحثت عن معنى الاسم لتقرأ أن إيل تعني إله في العموم ويمكنها أن تشير إلى أي إله سواء في الأساطير الوثنية أو يهوه. هذا جزء من الحقيقة فقط؛ لأن إيل أيضًا اسم إله وثني شهير عبده القدماء في كنعان قبل أحداث التوراة، وهو رئيس معبد/ مجلس الآلهة في كنعان، وإله السماء العظيم أو القدير، وأبو الآلهة، وتصفه النصوص الكنعانية بأنه ذو لحية بيضاء طويلة، ويسكن في أعلى الجبال داخل خيمة، وتشمل ألقابه "أب جميع المخلوقات"، و"الثور"، و"الملك". وهو أيضًا إله جبل حرمون الذي يعد البشر بالذرية. ففي الأسطورة الأوغاريتة للملك كيريت، يفقد الملك زوجتيه وأبنائه، فيذهب إلى معبد الإله إيل ويتزوج مرة أخرى ويعده الإله أن زوجته الجديدة ستنجب له سبعة أبناء. (Theological Dictionary of the Old Testament: Volume VI ص 78). ما علاقة يهوه بإيل؟ وفقًا للعهد القديم، فإن المرة الأولى التي أعلن فيها يهوه عن نفسه باسمه كانت أمام موسى في العلية: وَأَنَا ظَهَرْتُ لإِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ بِأَنِّي الإِلهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. وَأَمَّا بِاسْمِي «يَهْوَهْ» فَلَمْ أُعْرَفْ عِنْدَهُمْ. (سفر الخروج 6: 3) "الإله القادر على كل شيء" هي تَرْجَمَة "إيل شداي" في النص العبري، ونجد الاسم في الكثير من الترجمات الإنجليزية للكتاب المقدس. أما الترجمات العربية فقد أزالته واستعاضت عنه بالإله القادر. I appeared to Avraham, Yitz’chak and Ya‘akov as El Shaddai, although I did not make myself known to them by my name, Yud-Heh-Vav-Heh (Exodus 6:2-4. Complete Jewish Bible) يشير هذا النص إلى أن الآباء إبراهيم واسحق ويعقوب لم يعرفوا اسم يهوه؛ لأنه تعامل معهم باعتباره إيل. لم ينته الجدل حول هذا الأمر، فوفقًا لبعض التفسيرات على موقع الأنبا تكلا الأرثوذكسي، لا يعني هذا النص أن الآباء لم يعرفوا الاسم قبل موسى، لكنهم فقط لم يعرفوا "كامل معنى الاسم،" و"الصفات الإلهية"، لكن، هذا التفسير ضعيف للغاية؛ لأن به ثلاث مشكلات: الأولى هو إننا نقرأ باستمرار عن تجنب يهوه لذكر اسمه للآباء وأبرز مثال على ذلك هو قصة صراع يعقوب. وَسَأَلَ يَعْقُوبُ وَقَالَ: «أَخْبِرْنِي بِاسْمِكَ». فَقَالَ: «لِمَاذَا تَسْأَلُ عَنِ اسْمِي؟» وَبَارَكَهُ هُنَاكَ. (سفر التكوين 32: 29) المشكلة الثانية هي أن المعنى لم يتضح لموسى في العلية، لأن “أهية الذي أهية” تعني “أكون من أكون”؛ بالتالي، فكرة اتضاح المعنى لموسى أكثر من الآباء غير موجودة. فَقَالَ اللهُ لِمُوسَى: «أَهْيَهِ الَّذِي أَهْيَهْ». وَقَالَ: «هكَذَا تَقُولُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ: أَهْيَهْ أَرْسَلَنِي إِلَيْكُمْ». (سفر الخروج 3: 14) المشكلة الثالثة والأهم، في رأيي، هي أن الآباء إبراهيم واسحق، ويعقوب، ويوسف هم أبطال الإيمان، وقد اختبروا الله أكثر من أي أحد وعرفوا صفاته أنه سرمدي، وقدير، وجدير بالثقة. فكيف نقول إنهم لم يعرفوا صفات الاسم بوضوح؟ لعل الغرض من هذا التفسير هو إزالة إشكالية وجود اسم يهوه في التكوين قبل ظهوره لموسى، كما هو الحال في موضع "يهوه يرأه" موضع تقديم اسحق محرقة ويوكابد، أم موسى. لكن أصحاب نظرية المصادر الأربعة (اليهوي J، والإيلوهي E، والتثنوي D، والكهنوتي P) يعتقدون أن كاتب التكوين قد وضع اسم يهوه في أثناء الكتابة حديثًا بعد أن أصبح معروفًا، مثلما تغيرت أسامي المدن لتوافق اسمها الحديث، وأن هذه التعديلات تعود للمصدر اليهوي. أو أن موسى هو من أضاف اسم يهوه على الأسماء القديمة إذا فرضنا أن هو الكاتب.   هل هناك اختلافات بين يهوه وإيل؟ يتصف إيل بأنه أحد الآلهة عديمة الجدوى (Otiose Deity) ذوي القدرة المحدودة؛ فكثيرًا ما يتوارى خوفا من الآلهة الأخرى، ويأخذ دور شرفي في مجلس الآلهة. وينجح الإله بعل في الاستيلاء على مكانه. بينما لا نجد تلك الصفات عند يهوه. لكنه يتفق  معه في صفات منها الحكمة والحنان. كيف يفسر المؤمنون ذلك؟ نعم، يبدو الأمر صادما للبعض، لأنه يأتي على عكس ما نعرف أن التوحيد بدأ من أول آدم، مميزًا الشعب اليهودي عما قبله من أديان تمييزًا قاطعا. لكن، ثمةمؤمنون تعاملوا مع الأدلة بنضج دون تحايل على التاريخ أو تزييف. لعل أشهرهم هوالمؤرخ مارك إس سميث، الذي سؤل صراحة من أحد الحاضرين لمؤتمر ألقاه في المغرب عن تصالح الإيمان مع تلك الحقائق التي يكشفها المؤرخون. رد مارك قائلًا:أنا أفصل تماما بين عملي كمؤرخ وكوني مؤمنا مسيحيا كاثوليكيا. فدوري كمؤرخ يدفعني أن أحترم ما لدي من براهين. (مارك إس. سميث، مؤتمر طنجة الدولي) يرى مارك أن اليهودية ليست مجرد ثورة  على الديانات القديمة، وهي إلى ذلك ليست امتدادًا لها فحسب؛ بل هي مزيج من التشابه والاختلاف. كان التوحيد وليدًا للوثنية التي سارت معه جنبا إلى جنب حتى تلاشت. هكذا يصف مارك نشوء التوحيد. يرى أيضا سي. إس. لويس أن رؤيتنا للديانات القديمة كأديان شيطانية محضة لا نريد أن تربطنا صلة بها رؤية ساذجة، وتضع الله في مشكلة؛ لأن القدماء كانوا بشرا مثلنا، فلما لم يتواصل معهم؟ وما المشكلة في أن يتواصل بواسطة آلهتهم ومحاولاتهم للتقرب له؟ لماذا يصعب على البعض تقبل ذلك؟ لا نتعجب أن نجد موقعا مثل موقع الأنبا تكلا -الذي يعج بمقالات عن الهراطقة- يرفض أن يكون الله متسامحًا مع الوثني والمختلف بهذا الشكل. فالاعتقاد أن بطل الإيمان إبراهيم كان أحد المؤمنين بإيل أمر مرفوض تمامًا؛ لأن بطل الإيمان لا يمكن أن يكون وثني، لا يعرف اسم يهوه. فحين تكفر من ينتمون لنفس ديانتك، لن تتقبل وجود مؤمنين خارج الإيمان القويم حسب معاييرك. لذلك، يفسر الموقع اسم إيل على أنه فقط كلمة في اللغة تعني "إله" بوجه عام، متجاهلًا حقيقة وجود إله معرف بهذا الاسم في جبل حبرون، مكتوب عنه أنه يعد مؤمنيه بالنسل في الأساطير، ويسكن في خيمة، ومتغافلا عن قول الله لموسى أنه تعامل مع الآباء باعتباره إيل. تعلمنا قصة العلية أن يهوه لم يهتم بأن يعرف الآباء اسمه، وتراءى للوثنيين بصفته الإله إيل وتعامل معهم وطور من فكرهم عنه فتعلموا الاعتماد عليه والتسليم له، فتغيرت صورة الإله إيل السلبي للإله يهوه الذي يقود شعبه. ومن وقت يشوع، الذي دعا الشعب صراحة لترك الآلهة المختلفة التي عبدها الآباء، بدأت ديانة يهوه تتخذ معالمها الخاصة. لم يعبد اليهود الإيل الواحد الذي لا شريك له، ويهوه نفسه يقر بذلك. فَالآنَ اخْشَوْا الرَّبَّ وَاعْبُدُوهُ بِكَمَال وَأَمَانَةٍ، وَانْزِعُوا الآلِهَةَ الَّذِينَ عَبَدَهُمْ آبَاؤُكُمْ فِي عَِبْرِ النَّهْرِ وَفِي مِصْرَ، وَاعْبُدُوا الرَّبَّ. (سفر يشوع 24 :14) --- ### خواطر في تفسير إنجيل يوحنا
الإصحاح الرابع (٥) - Published: ۲۰۲۲-۰۷-۱۰ - Modified: 2022-07-10 - URL: https://tabcm.net/6994/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: قديس بولس الرسول, مريم المجدلية, يوحنا الحبيب إصحاح السامرية (٥) قَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ: «أَنَا أَعْلَمُ أَنَّ مَسِيَّا، الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْمَسِيحُ، يَأْتِي. فَمَتَى جَاءَ ذَاكَ يُخْبِرُنَا بِكُلِّ شَيْءٍ». قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «أَنَا الَّذِي أُكَلِّمُكِ هُوَ». (إنجيل يوحنا 4: 25، 26)  إن قول السامرية"متى جاء ذاك يخبرنا بكل شيء"يكشف عن رجاء البشرية في افتقاد الله لها. فلقد ظل الإنسان يبحث عن إجابات لأسئلته الوجودية، أي التي تختص بوجوده وكينونته، و ظل حنين الإنسان إلى أصوله الإلهية في خالقه مستتراً في كيانه، يتوهج ويخبو على مدى التاريخ، منتظراً لقاءه في رجاءٍ لا ينقطع لأنه كان مسنوداً بصورة الله كأساس تكون عليه الكيان الإنساني، وظلت صورة الله فينا صك انتماء إليه لا يزول، وتلخيصا لما سبق قال القديس أغسطينوس”لقد خلقتنا لك يا الله ولن تجد نفوسنا راحة إلا فيك“. في المقابل نجد أن الله لم يتوان عن افتقاد الإنسان والتواصل معه في تدبير عجيب منذ السقوط. "اَللهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاءَ بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيمًا، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُق كَثِيرَةٍ، كَلَّمَنَا فِي هذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي ابْنِهِ، الَّذِي جَعَلَهُ وَارِثًا لِكُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي بِهِ أَيْضًا عَمِلَ الْعَالَمِينَ، الَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ". (رسالة بولس إلى العبرانين 1: 1-3) لقد كلم الله البشرية خلال تاريخها، مُرسِلاً كلمته إليها ”بالأنبياء “، إلى أن  ”كلمنا في ابنه“ الذي فيه لم تَعُد كلمة الله حروفاً ينطقها أنبياء بل هي روح وحياة شخص المسيح ”اللوجوس/ كلمة الله“. لذلك قال له المجد:”اَلْكَلاَمُ الَّذِي أُكَلِّمُكُمْ بِهِ هُوَ رُوحٌ وَحَيَاةٌ“(إنجيل يوحنا: 6: 63). فإن حروف الكتاب المقدس لا تخبرنا عن الله، بل إن شخص الله في كلماته ”كلمنا في ابنه“ هو الذي يعلن ويقدم ذاته لنا روحاً وحياة لمن يجلس ساهراً يطلب شخصه في الإنجيل. فيا لفرحتنا وفرحة المرأة السامرية باستعلان الرب يسوع المسيح، "قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «أَنَا الَّذِي أُكَلِّمُكِ هُوَ »" (إنجيل يوحنا 4: 26)، إن فرحة هذا الاستعلان تملأ الكتاب المقدس: ”«قَدْ وَجَدْنَا مَسِيَّا» الَّذِي تَفْسِيرُهُ: الْمَسِيحُ“. (إنجيل يوحنا 1: 41)، ”فَفَرِحَ التَّلاَمِيذُ إِذْ رَأَوْا الرَّبَّ“.  (إنجيل يوحنا 20:20). وهي فرحة مسنودة بتأكيد لصدقها من الروح القدس في قلب الإنسان. فَإِنَّ الْحَيَاةَ أُظْهِرَتْ، وَقَدْ رَأَيْنَا وَنَشْهَدُ وَنُخْبِرُكُمْ بِالْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ عِنْدَ الآبِ وَأُظْهِرَتْ لَنَا. (رسالة يوحنا الأولى 1: 2) هذا هو مسيحنا ”كلمة الله“، يضيف المسلمون على ذلك بقولهم أنه ”كلمة الله وروح منه“. فالمسيح ليس مجرد أقوال يحكمها تأويل بشر. جاء المسيح يقدم ويعطي شخص الله الحي لي ولك وللسامرية و لكل بشر، طفلاً كان أو فيلسوفاً. الكل يستطيع أن يقبل شخص الله الحي في يسوع المسيح فتدخله حياة الله ويحيا إلي الأبد وَهذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلهَ الْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ الْمَسِيحَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ. (إنجيل يوحنا 17: 3) إن لقاءنا بالله في كلمته هو لقاء بكامل شخص الله، غير منقوص. إن الله -تبارك اسمه- يقدم ويعطي ذاته في كلمته بالتمام ليقبله كل إنسان، للطفل كما للفيلسوف، لأنه لقاء شخص بشخص، وتظل أعماق كلمة الله لا منتهى لها. ينمو الإنسان إلى أعماقه حسب انفتاحه لنعمة روح الله وحسب سَعَة العقل والثقافة. فإن الله مُدرَك في المسيح ”كلمة الله“، ولكنه يظل لا يُدرَك. خبأت كلامك في قلبي لكيلا أخطئ إليك. . لكل كمال رأيت حدا، أما وصيتك فواسعة جدا(مزمور 119: 11، 96) كلمة الله هو شخصٌ/ أقنوم، وليس حروفَ لغةَ كتابٍ نقدِّسه. فقد ظهر الله في الجسد وكانت كلمته مُسَطَّرة في سيرته. ثم كتبها تلاميذه مسوقين بالروح القدس في الإنجيل المقدس بوحي الروح القدس. إن حياة المسيح في الجسد هي التفسير الحي لقصد الله من كل كلمة في الكتاب المقدس. لذلك فإن الإيمان المسيحي بالله قبل أن يكون اعتقاداً ومعتقداً، فهو لقاء مستيكي/ غير منظور على مستوى قلب كل إنسان مع شخص المسيح ”كلمة الله“. وتلخيصا نقول:”والكلمة كان الله“(إنجيل يوحنا 1: 1)، لذلك فالمسيح هو كلمة الله. و يقول الوحي ”الله كلمنا في ابنه“. هذا معناه أن  كلام الله  هو كيان حي له روح وحياة هو شخص المسيح كما يشهد بذلك المسيح نفسه ”الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة“. فالإنجيل المقدس هو حضور للرب بشخصه. نلقاه ونتقدس به وتنشأ بواسطته علاقة وشركة حياة بين شخصه وبين شخص من يجلس ساهراً لكلمة الله في الإنجيل. يكشف لنا قول السامرية للمسيح «أنا أعلم أن مسيا، الذي يقال له المسيح، يأتي. فمتى جاء ذاك يخبرنا بكل شيء»، إن مفهوم الإنسان عن موقف الله الإيجابي منه قد ترسخ في أعماق كيانه أنثربولوجياً (أنثربولوجي = علم تاريخ الإنسان). وأن الله هو شخص حاضر يتعامل مع الإنسان في حياته كل يوم. لذلك نلاحظ نبرة التأكيد في قول السامرية عن المسيح أنه ”يأتي“ أي إن مجيئه حقيقة، في مقارنة مع ”سيأتي“ التي قد تحمل معني الرجاء أكثر من الحقيقة. فحضور المسيح وتدبيره لحياتنا كل يوم هو أكيد ونحن واثقين منه، أما عن توقيته ”متي يأتي“ فهذا يخصه وهو يكفله. وأدلة حضور شخص الله تملأ تاريخ علاقته بالإنسان: - شخص الله وآدم في الجنة. - شخص الله وموسي في العليقة المشتعلة. - شخص الله و شعب إسرائيل في خروجه من مصر. وأخيراً شخص ”الله الذي ظهر في الجسد“. وها هو الرب بشخصه مع السامرية «أنا الذي أكلمك هو». لذلك فالكتاب المقدس يقول: إِذًا الإِيمَانُ بِالْخَبَرِ، وَالْخَبَرُ بِكَلِمَةِ اللهِ. (رسالة بولس إلى رومية 10: 17) ليُعلِن حقيقة الإيمان المسيحي أنه إيمان بشخص وليس بكلام نظري في كتاب، بل العكس، فالإيمان هو بشخص الله وحضوره بيننا جسدياً في بيت لحم (المسيح التاريخي)، وروحياً في كتاب مقدس يحمل حضور الله في كلمته المكتوبة (المسيح الروحي). إن ”الإيمان بالخبر، والخبر بكلمة الله“ يُظهِر أن الإيمان المسيحي ليس غيبيات. فالخبر يختص بحدث واقع محسوس وليس غيبيات ”رأينا ونشهد ونخبركم“. والإنجيل كلمة الله هو حضور شخصي للمسيح وليس حروف ونظريات. فالإيمان المسيحي ببساطة هو اللقاء بشخص المسيح كلمة الله الذي ظهر في الجسد. فهو إيمان بخبر حدث في ملء الزمان. وَلكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ. (رسالة بولس إلى غلاطية 4: 4) إنه الإيمان  بحدوث الخبر الذي انتظره الإنسان منذ خروجه من جنة عدن، أن نسل المرأة يسحق رأس الحية/ الشيطان (سفر التكوين 3). هذا الخبر تعجب إشعياء النبي على الذين لم يؤمنوا به قائلاً :"يا رب مَن صدَّق خبرنا ولمَن أستُعلِنَت ذراع الرب“. هذا الخبر هو عن شخص الرب الذي ”حل بيننا“ في بيت لحم (إنجيل يوحنا 1) الذي وجوده بيننا لا نهاية له أبدي:”ها أنا معكم كل الأيام إلى أنقضاء الدهر“(إنجيل متي28). إن ”المسيح التاريخي“ الذي تجسد في بيت لحم لم ينفصل عنا أو يفارقنا بصعوده إلى السماء، لأنه هو ”المسيح الروحي“ الحاضر وسطنا في الإنجيل المقدس ”الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة (= شخص المسيح)“. فكتابنا ”الإنجيل“ معناه الخبر المفرح لأنه لقاء بشخص الرب. يتضح مما تقدم أن الإيمان المسيحي هو التصاق بشخص هو المسيح ”كلمة الله“. نقطة ومن أول السطر. وقد كانت مريم المجدلية أيقونة هذا الإيمان وروعته عندما كانت واقفة ”عند القبر باكراً، والظلام باقٍ... حيث كان جسد يسوع موضوعاً“ بعد أن تركه الحبيب والغريب. وكانت تطلب من ملاك القيامة إذ ظنته بستاني «يا سيد، إن كنت أنت قد حملته فقل لي أين وضعته، وأنا آخذه» (إنجيل يوحنا 20). فهي تريد شخص المسيح الحي. لا فرق عندها إن كان جسداً تأخذه مِن قبرٍ ويعتقد الآخرون أنه مات، أو كان شخص المسيح الحي هو الكلمة المكتوبة في العهد الجديد ويعتقد آخرون أنها حروفاً بينما هي روح و حياة شخص يسوع المسيح ”كلمة الله“ نفسه. والسُبح لله. بقلم د. رءوف أدوارد --- ### على من نكذب؟ - Published: ۲۰۲۲-۰۷-۰۸ - Modified: 2022-07-10 - URL: https://tabcm.net/6846/ - تصنيفات: مقالات وآراء في بداية التحاقي بمركز التكوين الصحفي بجريدة وطني سبتمبر 2006، أجرى معنا الأستاذ سليمان شفيق تدريب لطيف في مجموعة الإبداع، بعرض مجموعة متنوعة من الكلمات (15 كلمة)، مطلوب استعباد 5 منهم وترتيب العشر كلمات المتبقية حسب الأقرب لنا، وإضافة الكلمة التي نشعر أنها ناقصة وسط هذه المجموعة من الكلمات، هذا التدريب كان مفيدا في كشف التفضيلات الشخصية لكل شخص وعلاقته بذاته وبالآخر، والكلمة المضافة في النهاية تعبر عما يشعر الناس أنه ينقصهم في حياتهم، وهكذا نفعل دائما على تطبيقات مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة نفس الأمر، فنظهر عليها ما ينقصنا حيث نتظاهر دائما بما ليس لنا، ونحاول أن نبرز للآخرين أننا في منتهى السعادة، فعلى من نكذب؟ حين شاهدت فيلم "the matrix"، خلال مرحلة الطفولة لم أستوعب فكرة أنه يمكن أن تسيطر مجموعة من البرامج الذكية والآلات على البشر وتتحكم فيهم إلى هذا الحد الذي ظهر في الفيلم، لكن بعدها بعدة سنوات أدركت أن السوشيال ميديا فعلت بنا نفس الأمر، في البداية استخدمناها لنجد طريقة نعبر بها عن أنفسنا في وقت لم يكن هذا متاحا بالأدوات التقليدية، ولكن مع الوقت بدأت تأخذ حيزا كبيرا من حياتنا، بل أصبحت حياتنا كلها عليها، نقضي ساعات طويلة في ممارسة عادة  الـ"scroll down" على شاشة الموبايل، ندخل في سجالات ومشاجرات تنتهي بـ"البلوكات". نعم اسمها مواقع التواصل الاجتماعي، وربما الهدف المعلن من وجودها هو زيادة مساحة التواصل بين البشر قبل أن نتحول إلى مجموعة من المعلومات تبيعها الشركات المالكة لتطبيقات السوشيال ميديا إلى المعلنين والشركات الأخرى، بعد دراسة سلوكياتنا، ورغم علمنا بكل هذا إلا إن النداهة ندهتنا، ولن نستطيع التوقف. بعد انتشار فيروس كورونا وفرض حظر على حركة البشر لمدة عامين، تغير نمط حياتنا، وأصبحت لقائتنا "افتراضية"، وأعمالنا نتممها عبر الفضاء الافتراضي أيضا، وأصبحت مواقع التواصل تقلل التواصل الحقيقي والفعال بين البشر بل وتزيدنا كآبة، ولا زالنا مستمرين وأصبحنا مثل "الزومبي" الذين تشتهر بهم الأفلام الذين يسيرون في اتجاه واحد يفترسون ما يقابلهم، وتشهد التريندات المتلاحقة حالات من الهياج العام بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي، أخرها مقتل نيرة وكيف ظهر مبررون لمقتل فتاة جامعية بهذه الوحشية لكونها غير محجبة. قبل انتشار الكورونا، اشتهرت مقابلاتنا سواء مع الأصدقاء أو العائلة بحضور الهواتف الذكية فيها بقوة، وجلوسنا معها أكثر من جلوسنا مع الأحباء والأصدقاء، وابتدع البعض تقليدا بوضع الموبايلات على المائدة وأن أول من سيمسك بتليفونه يدفع حساب المقهى للجميع حتى يبتعد الناس عن مواقع التواصل الاجتماعي والانتباه للتواصل الحقيقي المادي بينهم كبشر. أعود لتدريب "الكلمة الناقصة" المشار إليه في بداية المقال، الذي مارسته مرارًا وتكرارًًا بصيغ مختلفة خلال ورش تدريبية قدمتها، حيث نلعب نفس هذه اللعبة على مواقع التواصل الاجتماعي، نحاول دائما أن نتظاهر عليها بأننا لدينا ما ينقصنا، فكما لا نهتم بلقاءاتنا الحقيقة مع أحبائنا، هكذا عندما نكون في مناسبة أو احتفالية لا نهتم بقضاء وقت ممتع مع من نحبهم بقدر الاهتمام بالحصول على صور كثيرة كتوثيق للحظة التي لم نعشها أو نستمتع بها، لكن الصورة مهمة لننشرها على حساباتنا بالسوشيال ميديا لنبدو للآخرين أننا سعداء وأننا كنا في احتفالية أو مناسبة سعيدة، وقد نكون في غاية التعاسة في ذلك الوقت. أصبحت حياتنا مجرد مجموعة "بوستات" أو صور نعيد نشرها للاحتفال بأعياد الميلاد وغيرها من المناسبات، وكأن الحب والصداقة تحولوا لبوستات نقيمها بعدد اللايكات، ولا يهم إذا كانت علاقاتنا حقيقة وممتدة على أرض الواقع أم لا، لكن المهم هو الصورة التي نصدرها إلى الآخرين عنا عبر تطبيقات السوشيال ميديا. فالصداقة لم تعد كما كانت، ومن يتغزلون في بعض كثيرا على مواقع التواصل الاجتماعي، بكلمات غير حقيقة مقتبسة من الأفلام والروايات نسمع بعدها عن خبر انفصالهم بعد كل بوستات الحب والهيام، التي يتم تصديرها للآخرين، ولن تفلح هذه الصور والفيديوهات في إبقاء علاقة لم تكن حقيقة بين أطرافها، أو كانت حقيقة ولم تعد كذلك، فأيهما أفضل أن نتظاهر بالسعادة بمجموعة صور لا تعبر عن الحقيقة، أم نعيش علاقات حقيقة قوية بعيدا عن أعين الآخرين؟! القرار لك. سؤال لماذا وصلنا إلى هذا؟ أعتقد في رأيي إن الإجابة عليه تكمن في انتشار مواقع التواصل الاجتماعي نفسها، فسابقا كنا نبحث عن المشاهير الذين نحبهم وأخبارهم في المجلات أو ننتظر لقاء تلفزيوني أو مشاهدتهم في فيلم أو أغنية، لكن بانتشار مواقع التواصل الاجتماعي، أصبحت حياتهم على الملأ للجميع، ومواقع التواصل الاجتماعي نفسها أصبح لها نجومها ومشاهيرها، وكل شخص يستخدم حساباته بكل الطرق ليصل لأكبر عدد من المتابعين والحصول على أكبر عدد من اللايكات، فاتجهنا لتسليع أنفسنا لتحقيق هذا الغرض. هذا الهوس أصبح مثل "عضة الزومبي" التي أصابت أغلبنا، فدون تفكير نتجه لنشر صور وفيديوهات والأخيرة انتشرت بانتشار أحد التطبيقات المخصصة لذلك ولا أنكر إنني أحد مستهلكيه بمشاهدة بعض الفيديوهات من وقت لآخر من بينها لأشخاص أعرفهم، وأتعجب لماذا يفعلون ذلك بأنفسهم باستباحة حياتهم وعرض خصوصياتهم على الملأ إلى هذا الحد! لذا في رأيي واحد من أسباب الهوس هو تقليد المشاهير، فنحن نتعامل كأننا مثلهم يجب أن نسافر ونذهب للحفلات، لا للاستمتاع، بل لنبدو مثل النجوم، ورغم كل هذا إلا أننا نزداد كآبة وحزنا، ومع ذلك يتحدث كثيرين عن شعورهم بالوحدة. ينتابني شعورين متناقضين،  بين الشفقة على البشر لما آل إليه حالنا، وبين شعور إننا نستحق التعاسة التي أصبحنا نعيش فيها، فنحن نجني ثمار ما تفعله أيدينا، بشكل شخصي، كنت أدور في تلك الدائرة منذ عدة سنوات دون توقف، ومع الوقت بدأت أدرك كم التعاسة التي أصبحت عليها من الانجرار في دوامة السوشيال ميديا، وأسعى جاهدا أن أكون ما أريد أن أكون عليه وليس ما تفرضه علينا وسائل التواصل الاجتماعي من صور نمطية، لا أدعي إنني سأخرج منها، بل أحاول أن أتعامل معها بوعي، استخدمها لا أن أدعها تستخدمني، أحاول أن أحيا حياة حقيقية على أرض الواقع بعلاقات حقيقة من لحم ودم مع من أحبهم، وأحاول إخفاءها عن عيون مواقع التواصل الاجتماعي قدر الإمكان، فأنا أؤمن أن  اللحظات السعيدة  يجب أن تعاش وتُحفر في الذاكرة، لا أن تكون مجرد صورة صماء على مواقع التواصل الاجتماعي. هل أنجح فيما أسعى؟ لا أعرف حقا ولكنني أحاول. --- ### القيم الأخلاقية [بقاء الدين مرهون برسالته] - Published: ۲۰۲۲-۰۷-۰٦ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/6831/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: محمد سعيد العشماوي لماذا تجديد الخطاب (الفكر) الديني؟ الدين عنده الصَّلاحِيَة والقدرة على اقتحام الواقع ببعديه الأفقي والرأسي (مع الله ومع الناس)، فإن انسحبت الأديان من العالم الشرير وانغلقت على نفسها لتعيش في عالمها الصالح، ويترك الدين مساحته فارغة فسيملأه غيره مثل الإلحاد والإحياء الديني العنيف الناجم عن شعور بالهزيمة ورغبة في الثأر ورد الأرض المغتصبة. لا يقتصر دور الدين على مهاجمة بعض الظواهر ووصمها بالحرام وتحديد الحلال بل يعمل على إرساء مركزية الحضور الإلهي في التاريخ الإنساني والتفاعل في الظروف المعيشية والتطور المجتمعي، وهنا يتطور المجتمع الإنساني بشكل صحي، لذا يضمن الدين لنفسه إمكانية البقاء والقدرة على التجدد. مثال من كتابات الكاتب صلاح سالم: الحداثة وما بعد الحداثة وما صحب الظاهرتان من قيم أخلاقية مثل الفردية والاستقلالية خلقت نوعًا من القلق المَرَضي والانزعاج، وفي النهاية يصل الإنسان إلى فقدان أرض يثبت أقدامه عليها، ومن هنا فالحداثة وما بعد الحداثة،  أعطت الدين صَلاحِيَة لمعالجة الشك الذي غرسته، بالتالي القلق، فالدين بصلابته (وليس باعتباره مسكِّنًا مؤقتا) يملك الدفاع عن مبدأ الخير العام الكوني. الأديان وجماهيرها المؤمنة وما لها من تأثير نافِذ ليست مجرد إضافة كَمَيَّة بل هي نوعية تثري المسيرة الإنسانية نحو الخير العام الكوني. وهنا تظهر قدرة الخطاب (الفكر) الديني على حضور الدين أو غيابه عندما يقدر على صياغة روحانية فاعِلة وهي تكون فاعِلة ومتفاعِلة عندما تكون حافزًا، لِئَلّا ينحصر الإنسان على ذاته، بل يغلب ضعفه ويصير عاملا للتواصل ومتناغما مع المحاور الأساسية للوجود فيزداد اليقين الإنساني بالحضور الإلهي، والعناية الإلهية. والسؤال الآن ما دور المؤسسة الدينية في إنشاء وتدعيم قيم جديدة: يضع الراحل الدكتور القس مكرم نجيب أمثلة عملية لهذا التحديث فيرى أن هناك حاجة لتحديث الأسس التربوية وإرساء أسس جديدة فيما يخص صراع الأجيال وظهور نخب وطبقات جديدة وموازين اجتماعية مستحدثة، والمساهمة في وضع عقد اجتماعي جديد بين المواطن والدولة، وأن المحاولات الايجابية التي تقوم بها بعض القيادات الدينية والعلمانية في كل الكنائس المصرية لا يمكن إنكارها لكنها لم تستطع حتى الآن أن تشكـِّل اتجاهًا أو تيارًا عامًا فالاهتمام بالأخلاق الفردية مازال تيارًا أقوى من تيار الاهتمام بقضايا المجتمع، فالفضائل الفردية سمات خاصة، أما الأخلاق فهي في إطار مجتمعي. فالفعل المرتبط بقيمة معينة ينبغي أن يكون قاعدة لك ولغيرك وإلا لا يكون له معنى. والمطلوب: • تصحيح مفاهيم الروحانيات التي تقتصر على أن الله يهتم بالروحيات والممارسات الدينية فقط. • تفادي التلقين والخطاب الذي لا يقبل النقاش ولا يقبل التساؤلات والتقييم والنقد. • الإلمام بالمتغيِّرات التي تلحق المجتمع وتؤثر بالتالي على الدوافع الأخلاقية، ومن ثم ترتيب منظومة القيم، وهذا المجال يتطلَّب الاستعانة بالمتخصِّصين كل في مجاله. • الخطاب الديني عندما يتناول المعاملات عليه أن يركز على المبادئ الأخلاقية أكثر من مجرد التركيز على سلوكيات فردية يومية. • اتباع التفكير العلمي والمنهجي في أساليب زرع القيم أي إن القيمة تتضمَّن وعيـًا له مظاهر ثلاثة: إدراكي، ووجداني، ونزوعي أي فاعِل على الخطاب الخاص بالمعاملات أن يستوعب هذه المظاهر: يفهمها ويستوعبها ويعمل خطته بمقتضاها. ختام المستشار محمد سعيد العشماوي يرى أن: • اطلاع الإنسان المثقف على وقائع التربية ومناهجها وطرقها واتجاهاتها أمر لا غنى عنه للأب والأم والمعلم والزعيم ورجل الحكم والإنسان المثقف وبكلمة واحدة كل إنسان. • ولابد له من وعي وإرادة وجهد ورهن بإزدياد المعلومات واتساع المعارف ووفرة الأفكار والتحصيل والاطّلاع وتفتح الإحساس تنبه العقل تزايد الوعي بحيث تقل مجاهل الحياة والعمل بما علم ليحصل ويمد وينشر عبر الزمان والمكان. --- ### المسيحيّون العرب وأزمة الهويّة - Published: ۲۰۲۲-۰۷-۰۵ - Modified: 2022-07-04 - URL: https://tabcm.net/6937/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: أفلاطون, چرچي زيدان, چورچ قنواتي الدومنيكاني, لويس شيخو اليسوعي, ميلاد حنا, هوميروس ربما يكون العنوان نفسه مسببا لاعتراضات عند المسيحيين العرب لأنهم لا يعدون أنفسهم عربًا لا لسبب إلا لأنهم مسيحيّون. إذا سألت أغلب مسيحيّ العالم العربي سيجيبون لا لست عربيا بل أنا سرياني، كلداني، فينيقي، قبطي إلخ. ما يهمني هنا هو المسيحيّون في مصر. يقول العامّة من المسيحيين، إننا لسنا عربًا بل العرب جاءوا إلى مصر واحتلّونا ومسحوا لغتنا. ويذهب المتطرفون منهم إلى حد القول بأن المسلمين المصريين أنفسهم ليسوا مصريين خالصين لأنهم أحفاد الغزاة. ما سبق هو كلام يدل حقًّا عن جهل وعن تعصّب. سأحاول أن أتناول الموضوع من حيث العرق واللغة والدين. العرق من يظنّ أن المصريين أو المصريين المسيحيين خصوصا هم أحفاد الفراعنة هو أمر أسطوريّ مثله مثل ادعاء الإسرائيليين الحاليين أنهم بني إسرائيل القدامى ويبررون بذلك احتلالهم لأرض فلسطين. إن مصر دخلها الكثير من الغزاة الفرس واليونانيين والرومان، كذلك العثمانيين، فضلاً على هجرات مجموعات من إفريقيا ومن الشام ولبنان ومن بلدان عربيّة، أوربيّة أخرى. لا يوجد ما يمكن أن نسميه عرق مصري أصيل، إنها فكره عنصريّة بحته وبها حلم لعوده أمجاد الماضي، ولا أعرف في موضوع الهويّة القبطيّة أي مجد بالضبط يتحدّث عنه الناس، اللهم إلا الحفاظ على المسيحية بالطبع. هنا من المهم قراءة كتاب ميلاد حنا الأعمدة السبعة. ممكن تقول إنك مصري، لو مش عاوز تقول انك عربي ده عرقيا يعني ممكن نمشيها، لكن أنت كمسيحي مادام مصري تبقى عربي لغة وثقافة. ليه مثلا الأمريكان مابيقولوش احنا لغتنا مش انجليزي؟ دي لغة المحتل. ليه أهل أمريكا اللاتينية مش بيقولو لا احنا مالناش دعوة بلغتنا الإسبانية؟ دي مش لغتنا دي لغة المحتل؟أي شخص من أمريكا اللاتينية سيقول أنا بوليفي، أنا أرجنتيني، لكنه هيسباني بمعنى ينتمي للثقافة والحضارة الإسبانية الضخمة إلى جانب انتمائه لبلده لا بيجيب سيره عرق ولا نيله ده في الغالب طبعا لأنه في استثناءات طبعا. اللغة يقول أغلب المسيحيين المصريين إن اللغة العربيّة ليست لغتنا. هذا الأمر يجعلني أضحك، فأغلب الأشخاص القائلين بذلك لا يعرفون أي لغة أخرى، وإن عرفوا فهي الإنجليزية ولا يتحدثونها مطلقا في بيوتهم. أما القول بأن لغتنا هي القبطيّة! هنا هاقلب عاميه وأقوله أي لغه قبطيّة إنشا الله؟ اقروا كويس كتب اللغات ده فيه ٥ لغات قبطية وبعض العلماء بيقولوا ٧ لغات أو لهجات ولهجة مش معناها طريقة نطق بالمناسبة. وأحب أسألكم سؤال هو مثلا يعني اليونان لغتها إيه؟ طبعا هتقولوا يوناني، طيب حلو هل ده معناه إن اليونان كده حافطت على هويتها وبتقرأ العهد الجديد بلغته اليونانية، وآباء الكنيسة وكمان يلا بالمرة أي حد يتجعص عالكنبة ويقرا هوميروس وأفلاطون قبل ما ينام؟ ده طبعا حلم ليه لأن اليونانيين نفسهم ترجموا العهد الجديد من لغته اليونانية للغة اليونانية المعاصرة. ومفيش لغة يونانيه واحدة في لغة هوميروس ثم لغة العهد الجديد ولغة آباء الكنيسة ثم اللغة الحالية. الدين ليس هناك أي ربط بين الدين واللغة، فالمسلمون العرب هم أقليّة بين المسلمين. أتفهم جيدا أنه بسبب التمييز ضد المسيحيين في مصر في موضوع دراساتهم للغة العربية قد زاد من الشعور بالاغتراب نحو اللغة وربطها بالإسلام فقط. لقد كان هناك مسيحيون عربا قبل الإسلام، كتب لويس شيخو اليسوعي وجرجي زيدان والتراث العربي المسيحي، وكتاب جورج قنواتي الدومنيكاني"المسيحيّة والحضارة العربية"، المسيحيون العرب أثروا الحضارة العربية واللغة العربية شعرا وأدبا وفلسفة ولاهوتا وعلماً. أتمنى التفكير في الكلام قبل ترديد كلام عام جاهل. --- ### الدين للشعب - Published: ۲۰۲۲-۰۷-۰٤ - Modified: 2022-07-04 - URL: https://tabcm.net/6934/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: أنبا إبيفانيوس المقاري, إيمانويل كانط, الأب متى المسكين, چورچ برنارد شو, چورچ حبيب بباوي, فرانك كلارك كانت بَذْرَة هذا الكتاب بعض من المقالاتِ التي كتبتْ ونشرتْ في موقع "الحوار المتمدّن" على شبكة الإنترنت، وبعض مشاركاتي في صحيفة "روز اليوسف" مع الزميل الصحفيّ الأستاذ "روبير الفارس" (في صفحة قضايا تنويريّة)، ومحاضرة بعنوان "التماس والتضادّ بين الأقباط والعلمانيّة في مصر" كنت قد ألقيتها في صالون علمانيّون الثقافيّ في وسط البلد بالقاهرة، وقرّرت تجميع كلّ هذا بين دفتي هذا الكتاب مع إضافة هوامش، وإضافة موضوعات أخرى، كي تكون جل كتاباتي/ أفكاري المنشورة الخاصّة بالإصلاح الدينيّ/ الكنسيّ، مجموعة بين دفتي كتاب، وليست مبعثرة بين الجرائد والمواقع الإلكترونيّة والفيديوهات! حتّى يسهل الوصول إليها وقراءتها معاً، مما سيجعل فكرتي العامّة (التنويريّة) أكثر وضوحاً. "السبب في انتشار الجهل أنّ من يملكونه متحمّسون جدًّا لنشره". (فرانك كلارك) يجمع هذا الكتاب بين المقالات والأسلوب البحثي، ولكني راعيت تبسيط الأفكار قدر استطاعتي، حيث إن همّيّ الأوّل دائماً (الوصول للجماهير) وسؤالي الشاغل هو: كيف نصل بأفكارنا إلى الجماهيرِ؟! فليس هذا كتاب"لاهوت" فحسب، بل هو كتاب عن (الإنسان المسيحي في مصر) وعلاقته بالكنيسة واللاهوت والمجتمع والسياسة، والهدف الأساسيّ من الكتابة هو المساهمة -ولو بقدر بسيط- في إثارة ودعم قضايا التنوير في مصر المحروسة! وتفجير وتثوير الوعي العامّ ضدّ كلّ قوى الشرّ في هذا البلد الطيّب! وبذلك سيكون نهجنًا في هذا الكتاب ليس الركون إلى اليقين المميت، بل النقد والفحص والمُساءَلة.  إن النقد هو أهمّ أداة بناء عرفها العقل الإنسانيّ. (الفيلسوف الألمانيّ: إيمانويل كانط (Immanuel Kant), 1724 – 1804) انطلاقا من هذا المبدأ الهامّ، سنغوص في قضايا وهموم مسيحيّة-وطنيّة، فلا أحد هنا سيكون فوق النقد، فالجميع تحت سطوة النقد، الكلّ سيكون في موضع المُساءَلة والفحص والنقد. ولا بدّ أن ننوّه -حتّى لا يساء فهمنا- إنّنا في هذا الطرح لا ننطلق من مقارنة الأديان أو إثبات صحّة دين على آخر -وهذا ليس كلامًا دبلوماسيًّا، بل هذا هو عين الواقع- لأنّ هذا الكتاب ليس مجالًا للمقارنة في هذه المساحة، وليس الهدف من هذا الكتاب إثبات صحّة دين أو إثبات صحّة عقائد، بل الهدف هو (التنوير) كما أوضحنا، فالخلاف هنا ليس أيّ دين صحيح؟ أو هل هذا الدين صحيح أم لا؟ بل السؤال: كيف نقرأ هذا الدين؟  بل وننطلق أيضاً من فرضيّة أخرى وهي أنّ (الدين للشعب) حيث أنّ الله لم يرسل الدين لبعض رجال الدين أو ثلة من الكهنة لهم سمات خاصة، وهم فقط وحدهم يفقهون الدين وتفاصيله وباقي الشعب من الرعاع المسوقين بالخوف، لا وألف لا، فالدين (يسر وليس عسر) كما نردّد كثيرًا، والدين في جوهره بسيط، فلا يمكن أن يكون أرسل الإله الدين للتحكّم والسيطرة، كما يزعم "لصوص الدين" وسارقيه، بل جاء المسيح (ليكون لنا حياة ويكون لنا أفضل)! كما جاء في إنجيل يوحنّا الإصحاح العاشر. لقد ظهر في الكنيسة القبطيّة مفكّرون كثيرون ومصلحون مخلصون كالأب متّى المسكين؛ وجورج حبيب بباوي؛ وهاني مينا ميخائيل، والشهيد الأنبا إبيفانيوس أسقف دير الأنبا مقار، ولكن لا بدّ من الاعتراف أنّه تمّ التنكيل بكلّ صاحب فكر، سواء كان لديه مشروعًا تنويريًّا شاملاً، أو مجرّد دارس ولاهوتي ضلعياً، وتمّ تجنّب وإقصاء مشاريعهم لمصلحة "الزعامة الدينيّة السياسيّة"!   إنّ كلّ تقدّم معناه الحرب مع المجتمع.   (جورج برنارد شو. (George Bernard Shaw)، مسرحيّة الزواج) نعرف جيداً مقدار ما سنعانيه بهذه (الجرأة) على من ظنّوا أنفسهم أسياداً! ولذلك أظنّ أنّه من الجيّد أن ننّوه إنّنا نعلم جيّداً أنّه لا بدّ أن نخوض حرباً ضروس ضدّ ماهو سائد، وأنّ كتابتنا هذه لم تُقابل بترحاب شعبيّ -حيث أنّها تُقدّم حقائق وأفكار صادمة للمخيلة الشعبيّة- ولكن أيضاً لا بدّ أن يعرف القاصي والداني إنّنا لا ندعو إلى الصراع ولا التناحر، بل ندعو -وبكلّ صراحة- إلى خطابٍ واضح، وصوت جرئ، صوتٌ لديه وعي لاهوتيّ عميق، وعلى دراية بلاهوت الكنيسة ومفاهيمها وقضاياها، وله وعي بتاريخ مصر القديم والحديث، لتقديم خطاب "ثوريّ" وليس إصلاحيّ فحسب، فلا يجب أن نخاف من جيوش الجهلاء وجحافل البلهاء! وهذا هو ما يحاول هذا الكتاب أن يقوم به، فهل ينجح؟ فهذا سيكون حكمك أنت أيّها القارئ العزيز! علينا أن نعترف أن هذا ليس نبت جديد، أو فكر غريب، بل إنّنا نبنّي على من سبقنا من التنويريّين العظام (كما سنوضّح) وعلى دربهم نسير وعلى نورهم نهتدي! و ينقسم الكتاب إلى خمسة فصول:  الفصل الأوّل: الأقباط والحداثة والعلمانية، والفصل الثاني: أزمة الفكر اللاهوتيّ في الكنيسة، والفصل الثالث: في نقد التخلّف والخرافة، والفصل الرابع: الشخصيّة القبطيّة الأزمة والحلّ والفصل الخامس: لاهوت التحرير، وثوريّة المسيح.   وقرّرتُ إضافة ملحق: حوار لي كان قد نُشر في موقع الحوار المتمدّن وكان قد أجراه معي الكاتب الزميل سامح سليمان، وأيضاً ملحق طريف بعنوان "فتاوى" وهي صيغة فكاهيّة كنتُ قد استخدمتها للتهكّم على الفكر الأصوليّ والسخرية من الخرافات الأصولية، على موقع التواصل الاجتماعيّ (الفيسبوك)! وأحبّ أنّ أؤكّد إنني لا أعد هذا الكتاب وحيٌ منزّهٌ عن الخطأ، بل هي آراء تحتمل الصواب أو الخطأ، في كُلّيّتها مجملها أو بعض منها. وثمّة ملحوظة أخيرة لا بدّ من التنويه والتكرار ففي الإعادة إفادة -كما يقولون- وحتّى لا يتاجر علينا "محدودي العقول وأصحاب الأهواء المريضة والأفكار المختلفة"، وهي أنّ النقد الذي يحويه هذا الكتاب ليس له علاقة بالمسيحيّة ولا العقيدة ولا الإيمان، بل هذا نقد لبشريّتنا كأقباط في جغرافيا معيّنة وزمان معين، وليس نقداً للمطلق الدينيّ المُنزّه عن الخطأ -على الأقل- بالنسبة لنا نحن المؤمنون به! وأي شخص يستخدم مادة هذا الكتاب للطعن في الكنيسة أو المسيحية محاولاً الاصطياد في المياه العكرة! سيثبت جهله وحماقته ولن ينال من المسيحية ولا من الكنيسية! ولكن سيعطينا دليلاً إضافياً على بلاهته! وفي النهاية لا بدّ أن أشكر صديقي الأستاذ مينا فؤاد الذي كان لقراءته للمسودة الأولى لهذا الكتاب عظيم الأثر، فكانت تعليقاته هامّة جدًّا وقد استخدمتُها في تطوير وتوضيح بعض الموضوعات داخل الكتاب، ولا يفوتني أيضا أن أشكر المفكّر القبطيّ كمال زاخر لتقديمه للكتاب ودعمه المعنويّ وتشجيعه على الكتابة. وأرجو من الله أن يكون هذا الكتاب نافعاً، وأن يكون محرّكاً لبركة الفكر الراكدة! --- ### خواطر في تفسير إنجيل يوحنا
الإصحاح الرابع (٤) - Published: ۲۰۲۲-۰۷-۰۳ - Modified: 2022-07-01 - URL: https://tabcm.net/6822/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: آدم, الشيطان, حواء, سمعان بن يونا, قديس بولس الرسول, يوحنا الحبيب إصحاح السامرية قَالَتْ لَهُ الْمَرْأَةُ: «يَا سَيِّدُ، أَرَى أَنَّكَ نَبِيٌّ! آبَاؤُنَا سَجَدُوا فِي هذَا الْجَبَلِ، وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ إِنَّ فِي أُورُشَلِيمَ الْمَوْضِعَ الَّذِي يَنْبَغِي أَنْ يُسْجَدَ فِيهِ». (إنجيل يوحنا 4: 19- 20)   إن تعدد الأديان وصراعاتها هو تهديد يُنذِرُ بالخطر من الشيطان لإيمان الإنسان بالله، هذا بالضبط ما حدث مع المرأة السامرية في لقائها بالرب يسوع المسيح، فالأديان وتعددها كانا أول أهتمامات السامرية بمجرد أن تحول وعيها عن اهتمامات العالم المادي إلى ما يختص بمصير الإنسان و روحه. إن ضربة الشيطان العظمي لعلاقة الإنسان بالله كانت وستظل هي الأديان الرسمية وتناقضاتها، وقد شهد بذلك مفكرون في العالم وقالوا إن: ”الدين أفيون الشعوب“. كارل ماركس ونسمع الآن أيضاً شائعات عن ما يسمونه بالحكومة العالمية وأنها تسعى إلي القضاء على الأديان الرسمية في مؤسساتها وتجمعاتها. لقد ابتَلي عدو الخير البشرية بتعدد أديانها ليشتت الإنسان واشتياقه إلى مصيره الإلهي في شخص الله الواحد، فبدأت الصراعات الدينية والله منها براء لأن حقيقتها هي صراعات الإنسان المنقسم على ذاته ”نحن وأنتم“ بغواية من الشيطان. والتاريخ يشهد أن معارك البشرية العظمى لا تخلو من واعز ديني وراءها. فالمعتقدات الدينية صارت تنضوي على الكثير من الكذب والكراهية والقتل تحت غطاء مُخادِع مِن الانتساب لله. وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تُنَقُّونَ خَارِجَ الْكَأْسِ وَالصَّحْفَةِ، وَهُمَا مِنْ دَاخِل مَمْلُوآنِ اخْتِطَافًا وَدَعَارَةً. أَيُّهَا الْفَرِّيسِيُّ الأَعْمَى! نَقِّ أَوَّلًا دَاخِلَ الْكَأْسِ وَالصَّحْفَةِ لِكَيْ يَكُونَ خَارِجُهُمَا أَيْضًا نَقِيًّا. وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تُشْبِهُونَ قُبُورًا مُبَيَّضَةً تَظْهَرُ مِنْ خَارِجٍ جَمِيلَةً، وَهِيَ مِنْ دَاخِل مَمْلُوءَةٌ عِظَامَ أَمْوَاتٍ وَكُلَّ نَجَاسَةٍ. هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا: مِنْ خَارِجٍ تَظْهَرُونَ لِلنَّاسِ أَبْرَارًا، وَلكِنَّكُمْ مِنْ دَاخِل مَشْحُونُونَ رِيَاءً وَإِثْمًا. (إنجيل متى 23: 25- 28) إن الشيطان لا قدرة له على إلغاء تدبير الله من جهة مصير الإنسان لأنه تدبير يقوم على حب الله وهو الضامن له، وكل ما يستطيعه الشيطان هو الخداع، وتَعدُد الأديان كان وسيظل خديعة الشيطان الأولى وقد كان سبب أول سقوط للإنسان. لقد أغرق الشيطان البشر في مستنقع اللغة والحروف وتأويلات الإنسان المختلفة للنصوص المكتوبة ليحرمه لقاء شخص الله ونعيم الروح. كان الإنسان يعيش في كنف الله في جنة عدن. لكن الشيطان/ الحية القديمة، صرف الإنسان عن العلاقة بالله والارتباط بشخصه، إلى الانشغال بالديانات المتعددة وما يقدمه القائمون عليها من تأويلات نصوص وحروف عن الله كفكرة وفلسفة. فبينما قال الله في لقاء شخصي مع آدم «مِن جميع شجر الجنة تأكل أكلاً، وأما شجرة معرفة الخير والشر فلا تأكل منها»، فإننا نجد الحية وبمعزل عن حضور شخص الرب تُغرِق آدم وحواء بنصوص وحروف عن الله بعيداً عنه، وتدَّعي كذباً أن ما قاله الله لآدم وحواء ”ألّا يأكلا من كل شجر الجنة“. ولا عجب أن خدعة تعدد الأديان وصراعاتها منذ خروج آدم من لدن الله كان وراءها الشيطان الذي وصفه الرب: أَنْتُمْ مِنْ أَبٍ هُوَ إِبْلِيسُ، وَشَهَوَاتِ أَبِيكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَعْمَلُوا. ذَاكَ كَانَ قَتَّالًا لِلنَّاسِ مِنَ الْبَدْءِ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْحَقِّ لأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَقٌ. مَتَى تَكَلَّمَ بِالْكَذِبِ فَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُ مِمَّا لَهُ، لأَنَّهُ كَذَّابٌ وَأَبُو الْكَذَّابِ. وَأَمَّا أَنَا فَلأَنِّي أَقُولُ الْحَقَّ لَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِي. (إنجيل يوحنا 8: 44-45) نعود للقاء المسيح بالسامرية قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «يَا امْرَأَةُ، صَدِّقِينِي أَنَّهُ تَأْتِي سَاعَةٌ، لاَ فِي هذَا الْجَبَلِ، وَلاَ فِي أُورُشَلِيمَ تَسْجُدُونَ لِلآبِ. أَنْتُمْ تَسْجُدُونَ لِمَا لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ، أَمَّا نَحْنُ فَنَسْجُدُ لِمَا نَعْلَمُ . لأَنَّ الْخَلاَصَ هُوَ مِنَ الْيَهُودِ.  وَلكِنْ تَأْتِي سَاعَةٌ، وَهِيَ الآنَ، حِينَ السَّاجِدُونَ الْحَقِيقِيُّونَ يَسْجُدُونَ لِلآبِ بِالرُّوحِ وَالْحَقِّ، لأَنَّ الآبَ طَالِبٌ مِثْلَ هؤُلاَءِ السَّاجِدِينَ لَهُ. اَللهُ رُوحٌ. وَالَّذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَالْحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا». (إنجيل يوحنا 4: 21- 24)  هكذا أجاب الرب المرأة السامرية والبشرية في كل زمان ومكان لكيلا تسقط في خدعة تعدد الأديان. فقد أعلن ”أن الخلاص هو من اليهود“، ونفي ضرورة الارتباط بأورشليم اليهود أو بجبل جرزيم مركز عبادة السامريين. الرب بذلك قد استعلن حقه أنه فوق منظومة الأديان المتصارعة في الأرض بما فيها الكنيسة كمؤسسة زمانية يتحكم فيها رؤساء، حدث أن اختلفوا فيما بينهم بعيداً عن مسيحهم. إن قول المسيح الإله ”إن الخلاص هو من اليهود“، وليس اليهودية بالضرورة، هو عودة بوعي الإنسان إلى شخص الرب نفسه متخطياً كل وسيط حتى لو كان المؤسسة الدينية نفسها. إن مقولة ”الدين لله والوطن للجميع“ توضَّح أن الله هو الذي يقود سعي الإنسان إلى معرفته ويُعلِن ذاته للإنسان بدون تسلط ووساطة بشر لأن الدين لله”إِنَّهُ مَكْتُوبٌ فِي الأَنْبِيَاءِ: وَيَكُونُ الْجَمِيعُ مُتَعَلِّمِينَ مِنَ اللهِ. فَكُلُّ مَنْ سَمِعَ مِنَ الآبِ وَتَعَلَّمَ يُقْبِلُ إِلَيَّ“. (إنجيل يوحنا 6: 45). هكذا يقدِّم إله المسيحية ذاته -سبحانه- في استعلان شخصي لك وعلاقة مباشرة بك لا يتحكّم فيها أي بشر، منذ أن تبدأ وإلى مجيئه الأخير "لاَ يَأْتِي مَلَكُوتُ اللهِ بِمُرَاقَبَةٍ... وَيَقُولُونَ لَكُمْ: هُوَذَا ههُنَا! أَوْ: هُوَذَا هُنَاكَ! لاَ تَذْهَبُوا وَلاَ تَتْبَعُوا، لأَنَّهُ كَمَا أَنَّ الْبَرْقَ الَّذِي يَبْرُقُ مِنْ نَاحِيَةٍ تَحْتَ السَّمَاءِ يُضِيءُ إِلَى نَاحِيَةٍ تَحْتَ السَّمَاءِ، كَذلِكَ يَكُونُ أَيْضًا ابْنُ الإِنْسَانِ فِي يَوْمِهِ". (المسيح في يوم مجيئه الثاني). (إنجيل لوقا 17: 20، 23، 24).   لهذا فإن المسيح والمسيحية لا تحمل السيف لتفرض سلطاناً لله أو لتدافع عنه. فالمسيح والإيمان به هو حياة في القلب مثل الجنين في بطن أمه، تشعر بحركته في أحشائها فيملأها باليقين مهما أنكر الناكرون. قد يتساءل البعض عن قول الرب بخصوص معرفة الله الحقيقية ”أنتم تسجدون لما لستم تعلمون، أما نحن فنسجد لما نعلم“. وما سند ذلك؟ لذلك استعلن الرب شاهدين يعرف بهما الإنسان حق الله: شاهد خارجي : ”أما نحن فنسجد لما نعلم. لأن الخلاص هو من اليهود“،  فلقد ترك الله شاهداً خارجياً و دليلاً مادياً في تاريخ الإنسان يرجع إليه ”وَعِنْدَنَا الْكَلِمَةُ النَّبَوِيَّةُ، وَهِيَ أَثْبَتُ، الَّتِي تَفْعَلُونَ حَسَنًا إِنِ انْتَبَهْتُمْ إِلَيْهَا، كَمَا إِلَى سِرَاجٍ مُنِيرٍ فِي مَوْضِعٍ مُظْلِمٍ، إِلَى أَنْ يَنْفَجِرَ النَّهَارُ، وَيَطْلَعَ كَوْكَبُ الصُّبْحِ فِي قُلُوبِكُمْ، عَالِمِينَ هذَا أَوَّلًا: أَنَّ كُلَّ نُبُوَّةِ الْكِتَابِ لَيْسَتْ مِنْ تَفْسِيرٍ خَاصٍّ. لأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ“. (رسالة بطرس الثانية1: 19- 21). فلقد اختار الله أضعف جماعة علي الأرض وأقام منهم لنفسه شعباً مختاراً ليشهد لله وسط العالم هو شعب إسرائيل. إن تاريخهم كان هو حافظة البشرية لموروث الله مع الإنسان. فهم الذين كان لهم "وَلَهُمُ التَّبَنِّي وَالْمَجْدُ وَالْعُهُودُ وَالاشْتِرَاعُ وَالْعِبَادَةُ وَالْمَوَاعِيدُ، وَلَهُمُ الآبَاءُ، وَمِنْهُمُ الْمَسِيحُ حَسَبَ الْجَسَدِ، الْكَائِنُ عَلَى الْكُلِّ إِلهًا مُبَارَكًا إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ". (رومية9: 4-5). فكُتبُهم المقدسة كانت وستظل المرجع بلا مواربة. شاهد داخلي: ”ولكن تأتي ساعة، وهي الآن، حين الساجدون الحقيقيون يسجدون للآب بالروح والحق“. في نفس الوقت فإن الله لا يترك الإنسان بلا شاهد داخلي هو عمل روح الله في القلب ليشهد للإله الحق، الذي لا يرفضه إلا معاند. فبه يتأكد الإنسان أن الله بشخصه هو الذي دعاه وليس بشر. هذا قد رأيناه في عمل الله مع شاول/ بولس عندما ظهر له في الطريق إلى دمشق ثم ذهابه إلى الجزيرة العربية حيث قضى ثلاث سنوات ونصف متعلما من روح الله لا إنسان. ولكن لا مانع بعد ذلك أن يرجع من العربية لمجمع الرسل ليشهد لهم بعمل الله فيه، الذي لا يستطيعه آخر إلا المسيح لأنه قيامةٌ من الموت. وَأُعَرِّفُكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ الإِنْجِيلَ الَّذِي بَشَّرْتُ بِهِ، أَنَّهُ لَيْسَ بِحَسَبِ إِنْسَانٍ. لأَنِّي لَمْ أَقْبَلْهُ مِنْ عِنْدِ إِنْسَانٍ وَلاَ عُلِّمْتُهُ. بَلْ بِإِعْلاَنِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ... (غلاطية1: 11،12) وَلكِنْ لَمَّا سَرَّ اللهَ الَّذِي أَفْرَزَنِي مِنْ بَطْنِ أُمِّي، وَدَعَانِي بِنِعْمَتِهِ أَنْ يُعْلِنَ ابْنَهُ فِيَّ لأُبَشِّرَ بِهِ بَيْنَ الأُمَمِ، لِلْوَقْتِ لَمْ أَسْتَشِرْ لَحْمًا وَدَمًا، وَلاَ صَعِدْتُ إِلَى أُورُشَلِيمَ، إِلَى الرُّسُلِ الَّذِينَ قَبْلِي، بَلِ انْطَلَقْتُ إِلَى الْعَرَبِيَّةِ، ثُمَّ رَجَعْتُ أَيْضًا إِلَى دِمَشْقَ.   ثُمَّ بَعْدَ ثَلاَثِ سِنِينَ صَعِدْتُ إِلَى أُورُشَلِيمَ لأَتَعَرَّفَ بِبُطْرُسَ... (غلاطية1: 15-18) ثُمَّ بَعْدَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً صَعِدْتُ أَيْضًا إِلَى أُورُشَلِيمَ مَعَ بَرْنَابَا، آخِذًا مَعِي تِيطُسَ أَيْضًا. وَإِنَّمَا صَعِدْتُ بِمُوجَبِ إِعْلاَنٍ، وَعَرَضْتُ عَلَيْهِمِ الإِنْجِيلَ الَّذِي أَكْرِزُ بِهِ بَيْنَ الأُمَمِ، وَلكِنْ بِالانْفِرَادِ عَلَى الْمُعْتَبَرِينَ، لِئَلاَّ أَكُونَ أَسْعَى أَوْ قَدْ سَعَيْتُ بَاطِلًا. (غلاطية2: 1-2) والسبح لله بقلم د. رءوف أدوارد --- ### بعيدًا عن ضوضاء العالم - Published: ۲۰۲۲-۰۷-۰۲ - Modified: 2023-10-30 - URL: https://tabcm.net/3951/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أنبا أنطونيوس الكبير، أبو الرهبان, الطلاق في المسيحية, العلمانية, سر الزيجة, قديس بولس الرسول, مفهوم الرهبنة على قمة أحد تلال الجبال الملاصقة للدير يقف شامخًا متواضعًا راهب من أحد الأديرة العامرة، واحد من أُناس الله الأتقياء الكثيرين الذين تركوا العالم واتجهوا إلى الصحراء ليتفرغوا للعبادة بعيدًا عن صخب العالم واضطراباته، هروبًا من الكثير مما قد يشغل النفس البشرية عن مسعاها الأبدي في معرفة الله والاتحاد به، وهو ما يجب أن يكون مسعى جميع المؤمنين الحقيقيين الذين وضع عليهم اسم المسيح منذ يوم خروجهم من جرن المعمودية حتى وإن لم يختاروا مسلك الرهبنة لفعل لذلك. يقف مفكرًا بكل صدق وأمانة قلبية ووضوح، أمام الله في حوار مع ذاته عن ماضي وحاضر ومستقبل الرهبنة، التي ترك من أجلها أبيه وأمه وأخوته وشهاداته ومؤهلاته وعلاقاته، التي أحبها وأحب الله بها هو وجميع إخوته الذين حذوا طريق الأنبا أنطونيوس تاركين العالم لأهله منعزلين لعبادتهم وصلواتهم وعمل يديهم، ولكن سرعان ما تغيرت تلك الصورة التي عرفها عن الرهبنة والأديرة مما أدى إلى انحراف البوصلة عن اتجاهها المنشود. يتذكر كيف ترك هو وأخوته من الرهبان ميراثهم الأرضي من آبائهم وعائلاتهم بالجسد واختاروا الميراث السماوي، وبعد كل ذلك البعد الاختياري عن العالم، يزج المجتمعُ القبطيُ براهب مثله أو أب له في لجان واجتماعات لصياغة مواد دساتير وقوانين تنظم الميراث! يصاب بالسأم والضيق مما آل إليه الحال وأصبحت عليه الأمور. يزيد فوق همه همًا عندما يتذكر كيف هرب هو وإخوته من كل حروبهم الجنسية التي يحاربهم بها عدو الخير ورغم هذا الأمر الجلل يصر الشعب القبطي دون أي أدنى إحساس بخطورة الأمر على تدخل الرهبان في كل أمور الزواج والطلاق، بل والتشريعات الخاصة بها. وأصبح ما قد يظنه الجميع سخرية أو مزحه هو واقع نعيشه، أن من ترك ميراثه سيشرع للمسيحيين أمام الدولة كيف يتقاسمون الميراث. وأن من تبتل وترك الزواج سيشرع لنفس الجموع ما يتعلق بعقد زواجهم بل وشروط انفساخ عقدهم وكل تلك الظروف المحيطة بالأسباب التي قد تؤدي لانفساخ العقد أو بطلانه كالزنا أو تغيير الملة أو الهجر الطويل أو الكثير من الأسباب الأخرى، وأن من ترك العالم بمشكلاته وخلافاته سيرسمونه أسقفًا يدير لهم شئون إيبارشيتهم ويعيش وسطهم في عالمهم، وأسرهم تاركًا ديره ورهبنته وعزلته عن صخب العالم، وسيعيش وسط كل تلك الظروف والمحاربات حتى دون شريكة حياة، تُرى هل يَقبل هذا الشعب الصُّلْب الرقبة بأن يكون أسقفهم متزوجًا كما قال بولس الرسول؟ تتداخل الأفكار وتتشابك وتتعقد في ذهن أبينا الراهب في وحدته أعلى تلك التلة ويشتَم رائحة الهواء النقي بعيدًا عن هواء المدينة الملوث، يسأل متعجبًا، ما الذي جعله وهو راهب يفكر في كل تلك الأمور؟ ميراث، زواج، طلاق، بطلان، جنس، أسقف متزوج، يا للهول! ما تلك المصيبة التي فعلتها جموع الأقباط بإقحام هؤلاء المتبتلين تاركي العالم في كل هذه الأمور؟ بينما يتغنى جموع الأقباط بأي مصلح غير مسيحي ينادي بالدولة العَلمانية التي تفصل الدين عن الدولة والقوانين والحكم، يفعلون عكس ذلك تمامًا فيما يخص دينهم في تناقض فج واضح وضوح قرص الشمس في كبد السماء نهار الصيف. تمر الأفكار متكدسة واحدة تلو الأخرى تاركة خلفها الذهن عاصف، والأسئلة غير مجاب عنها، لمَ يُعثِّر العلمانيون صفو حياة الراهب وأخوته ممن تركوا العالم باعترافاتهم المعثرة هم وبنيهم وبناتهم وزوجاتهم! لمَ انتقلت جُل مراسم احتفالات الأقباط إلى الأديرة من خطوبات ومعمودية وخلافه! ألا يعلم هؤلاء العلمانيون كم العثرات التي من الممكن أن يسقط بها الراهب، يتأوه متألمًا عندما يتذكر الكثير مما هو غير مكشوف عنه ومن الأفضل أن يظل كذلك، مما حدث مع العديد من إخوته الرهبان. يلوح في الأفق أمام أبينا الراهب طائر بعيد يطير وحيدًا، ينظر الراهب إلى الأرض ثم يملأ صدره بشهيقٍ بطيء ويزفره سريعًا، يتذكر أخر حوار مع أبيه الروحي خاصة بعدما رفض لمرات هذا عددها ترشيحات لذلك المنصب المرموق في تلك الإيبارشية المعروفة. يحلم باليوم الذي يتم فصل الأسقفية عن الرهبنة وتُركه هو وأخوته الرهبان في كل الأديرة لما قد كرسوا حياتهم لأجله. يود أن يصرخ بأعلى صوتٍ قائلًا لجموع الشعب "أتركونا في أديرتنا لعباداتنا وتسبحاتنا وصلواتنا، أتركونا في سماءنا، بعيدًا عن ضوضاء العالم". --- ### هل التطور ضد الله وضد الدين؟ - Published: ۲۰۲۲-۰۷-۰۱ - Modified: 2023-12-12 - URL: https://tabcm.net/5450/ - تصنيفات: شئون علمانية - وسوم: Anthropomorphic, Transcendent, أبو عثمان عمرو بحر محبوب فزارة الليثي الكناني البصري الجاحظ, ألبرت أينشتاين, أوريجينوس ليونايدس أدامانتيوس, إخوان الصفا, ابن خلدون, الخلق التطوري, الكنيسة الكاثوليكية, المنهج العلمي, باروخ سپينوزا, غريغوريوس النيسي, فراس السواح, مجمع خلقيدونية, نظرية التطور هل التطور بيتعارض مع وجود إله؟ هل التطور بيتعارض مع الدين؟ السؤالين دول في الواقع سؤالين مختلفين، وإجابتهم هما الاتنين: "على حسب! ". التطور (وأي فكرة علمية) مش بينفوا وجود إله في المطلق، لكنهم دايمًا بينفوا تصورات معينة عن الألوهة. ومن الملاحظ إن العلم دايمًا بيميل لنفي التصورات الـAnthroppmorphic عن الله (يعني التصورات اللي بيتم فيها تخيل الله إنه بيتصرف مع العالم بشكل شبه إنساني أو non-transcendent غير متسامي). فتصور إن الله أخد طين وخلق منه إنسان حرفيًا مثلًا دا بيتسمى تصور أنثروبوموفي ودا العلم بينفيه، تصورات زي إن الشهب رجم شياطين دا العلم بينفيه، وتصورات كتير جدًا على هذا الشكل. الفكر اللي بيدور دايمًا على ثغرات العلم عشان ينسب للثغرات دي دور الألوهة، دايمًا بيجي العلم بعد كدا وينفيها. نوع الألوهية اللي بالشكل دا عادًة بيتسمى في الفلسفة باسم "إله الثغرات-God of Gaps". على الجانب الآخر، التصورات الـtranscendent (المتسامية) عن الألوهة، واللي مش بتحبس دور الله في آلية معينة في العالم الطبيعي، دي عادًة العلم مش بيتعرضلها لأنها بتعتبر خارج إطار العلم. فكرة زي تصور إله سبينوزا أو إله آينشتاين دي تعتبر مفاهيم خارج إطار العلم بنسبة كبيرة.  إله سبينوزا وآينشتاين مش إله شخصي على عكس التصورات الدينية عن الله، على الرغم من كدا، ممكن جدًا يكون في تصورات شخصية عن الله وبرضو تكون بتشوف الألوهة متسامية transcendent وتفضل خارج إطار العلم، ممكن جدًا تبقى مؤمن بإله شخصي بدون الحاجة للتعارض مع أي نظرية أو فكرة علمية. أنا طبعًا مش هقدر أناقش كل التصورات عن كل الأديان وأشرح إيه فيها اللي بيتعارض مع العلم وإيه اللي لا، لكن هتكلم بس عن المسيحية والإسلام بشكل مختصر. مشكلة التعارض بين العلم والدين بتظهر من القراءة الحرفية للنص الديني، أي شخص هيقرا الكتاب المقدس أو القرآن بشكل حرفي دايمًا هيلاقي تعارض مع العلم بشكل عام، مش مع نظرية التطور بس (أحد أبسط الأمثلة في الكتابين هو إن القراءة الحرفية النصوصية تعني خلق العالم في 6 أيام، ومركزية الأرض، وكونها مسطحة). على الجانب الآخر، القراءات اللي بتتعامل مع النص بشكل رمزي وتعيد تأويله هي اللي بتقدر تتفادى تعارض العلم مع الدين. في المسيحية، موقف الكنائس الكبيرة على مستوى العالم زي الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الأرثوذكسية الخلقيدونية بيتم التعامل مع النص بشكل رمزي وباعلانات واضحة ورسمية بعدم تعارض نظرية التطور مع المسيحية. منهجية القراءة الرمزية على الرغم من اننا ممكن نلاقيها عند آباء الكنيسة الأوائل إلا إن آباء الكنيسة كانوا بيقروا النص بشكل رمزي من غير ما ينكروا الحرفية-التاريخية للأحداث. باستثناء مثلًا حد زي القديس غريغوريوس النيسي هو الوحيد اللي كان ممكن ينكر تأريخية الأحداث (حتى أوريجانوس كان بيقرا بشكل رمزي دون إنكار التأريخية). في الجانب الإسلامي بالرغم من إن مفيش موقف رسمي بعدم تعارض النظرية مع الدين، إلا إن في مفكرين مسلمين رجحوا عدم التعارض وفي منهم كان بيميل لقراءة القرآن في سياقه التاريخي-الميثولوجي-القصصي، من المفكرين اللي إتعاملوا مع القرآن بالشكل دا كان المفكر السوري "فراس السواح" على سبيل المثال، ومن حوالي قرن صرح الشيخ الإمام "محمد عبده" بانه في حالة إثبات صحة نظرية التطور فعلى المسلم انه يعيد تأويل النص الديني بما لا يتعارض مع العلم، في الواقع فكرة التطور نفسها ليها صدى عند بعض الفلاسفة المسلمين زي ابن خلدون وإخوان الصفا والجاحظ. في النهاية التعارض بين العلم والدين بيكون موجود من قراءة النص الديني بشكل حرفي، فلو إنت بتقرا النص بشكل حرفي يبقى حتمًا هتلاقي تعارض مع العلم بشكل عام مش مع التطور فقط، بينما القراءة اللي بتتعامل مع النص الديني حسب نوع أسلوب كتابته الأدبي اللي هو إتكتب بيه (لان في النهاية دا مش كتاب أكاديمي عن العلم الطبيعي) هي اللي بتقدر تتفادى التعارض المباشر مع العلم. "التدين المستنير لطالما وجد دومًا السبيل للتوافق مع تقدم العلوم. " (چيري كوين - عالم أحياء تطورية) --- ### بدلية أم شفائية - Published: ۲۰۲۲-۰٦-۳۰ - Modified: 2023-08-28 - URL: https://tabcm.net/6754/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: أنسلم، أسقف كانتربري, الإصلاح البروتستانتي, البدلية العقابية, الخطيئة الأصلية, باسيليوس الكبير، أسقف قيصرية الكبادوك, تدبير الخلاص, ساويرس الأنطاكي, غريغوريوس النزينزي، الناطق بالإلهيات, غريغوريوس النيسي, قديس أثناسيوس الرسولي, قديس بولس الرسول, قديس هيلاري، أسقف بواتييه, يوحنا الحبيب, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية كانت الكفارة قديمًا بالنسبة لي مصطلح غامض مرتبط، نوعًا ما، بالدماء وفقًا لـ(عبرانين 9: 22) وهي مرتبطة تمامًا بالخلق، كذلك بفرضية السقوط، والذبائح ودائرة لا تنتهي من تربيط قطع البازل! نبدأ من البَدْء: لم خلق الله الإنسان؟ هل كان يحتاج لمن يمارس عليه سلطة أو كائن ليُعبد؟ بالطبع لا! منذ الأزل، يعيش الله في شركة مطلقة بين الأقانيم الثلاثة؛ لذلك خلق البشر ليتمتعوا بتلك المحبة المطلقة. إن الكون المخلوق، بدون الابن الكلمة، لا يعتبر في ذاته كافياً ليجعل الله معروفاً لنا. ولكن التأمل الصحيح في الكون إنما يكون في اللوجوس ومن خلاله، إذ هو أنشأ الكون وأعطاه نظامه المنطقي، وفيه يتماسك الكون بثبات معاً(القديس أثناسيوس الرسولي) إن الله في ذاته ليس منعزلاً لأنه كآب وابن وروح قدس هو في ذاته شركة أزلية للحب والوجود الشخصي. إلا أنه لا يريد أن يكون وجوده هو لذاته فقط، بل بتلقائية وحرية قد أحضر العالم إلى الوجود من العدم وأعطاه تكاملاً خاصاً به، ووضع فيه كائنات مخلوقة عاقلة يمكنه أن يهبها من نعمه ويشركها معه في شركة الحب الخاصة به. ومع أن الله متعال بصورة فائقة، إلا أنه ليس بمعزل عن خليقته، بل هو حاضر وعامل فيها بلا عائق، كما أنه يتدخل شخصياً بعنايته الإلهية في أحداث العالم وفي شئون خليقته من البشر. (القديس هيلاري أسقف بواتييه) ارتكز هذا الوجود على نوعية الحياة البشرية وليس وجودها فقط، كان غرض هذا الوجود أن يستمر من خلال محبة الله وليس بالانفصال عنه. لتلك العلة، تتلخص النظرة الشرقية للسقوط في كون الإنسان خُلق من العدم؛ بالتالي ليس له وجود في ذاته، لكن وجوده مُكتسب ممن خلقه أي الله. من هنا يمكننا فهم إن الإنسان المخلوق من العدم، يحمل في كيانه قابلية العودة للفناء والعدم مرة أخرى، محتاجًا أن يستمد وجوده من الله، وطالما حافظ على تلك الشركة بالله يظل متحدًا به في خلود. لكن سقط الإنسان، وفسد من الداخل. الموت والشر في فكر الآباء الشرقيين ليس لهم وجود ذاتي بل هم بالأحرى وجود سلبي، فالله لم يخلق الشر ولم يوجده، بل أن الله أوجد للإنسان معطيات تسهل له وجود الخير لأنه خالق الخيرات، ولكن حين امتنع الإنسان عن فعل الخير وأراد اكتشاف العالم بمفرده دون الشراكة والاتحاد بالله وجد الشر كوجود سلبي لانعدام الخير. بناءً على هذا الفكر، ندرك رؤية الآباء للسقوط على أنه مرض أصاب الإنسان، وليس عقابًا لتهاونه أو عدم طاعته، بل مرضًا أفضى به إلى نتيجة الموت . هنا سمح الله بالموت كعمل رحمة حتى لا يكون الإنسان خالداً في الخطيئة. كانت خطيئة آدم هي إعلانه أنه ذاتي الاكتفاء ومستقل واختياره اللجوء إلى الطبيعة والحياة البيولوجية كتلبية لمتطلبات وجوده. والحياة البيولوجية مرتبطة بالفساد والموت. وبفصل نفسه عن الله الذي له وحده عدم الموت (1 تيموثاوس 6: 16) والمصدر الوحيد للحياة، أضاع آدم الروحَ القدس، الحياة الحقة. عندما قال بولس:  "لأن أجرة الخطية هي الموت" (رومية 6: 23) فإنه لا يعني أن الله يجازي أعمال الإنسان بالموت بل أن الخطية هي مرضنا القاتل. لم يخلق الله الموتَ ولا يستلذ بموت الأحياء. لقد سمح باللعنة أن تعبر إلى الأرض: "ملعونة الأرض بسببك" (تكوين 3: 17)،  تاركاً الإنسان للنتائج الطبيعية لطبيعته الأرضية "لأنك تراب وإلى التراب تعود" (تكوين 3: 19). خُلق الإنسان قابلاً للموت والألم قبل السقوط وذلك بسبب طبيعة الإنسان أنه مخلوق من العدم وليس لأن الله خلق فيه خاصية الموت والألم. والذي كان من الممكن أن ينجو منه أن بقى في معرفة الله. (القديس أثناسيوس الرسولي) الإنسان فانٍ بالطبيعة، لأنه أتى إلى الوجود من العدم... ولكن مع ذلك لو أنه قد استمر موجهاً نظره نحو الله، لكان قد تجاوز قابليته الطبيعية للفساد وبقى غير فاسد وقد قال الله لآدم أنت تراب وإلى تراب تعود، ولم يقل له لقد صرت الآن ترابً، مما يعني ضمناً أن آدم قد خلقَ في الأصل قابلاً للموت والفناء ولكن آدم قد أعطي وعداً بعدم الموت وعدم الألم كهبة إلهية تُمنح له بنعمة الله، وبالسقوط فقد الإنسان هذه النعمة الإلهية، على الرغم من أنه لم يجرد من طبيعته. (القديس ساويرس الأنطاكي) ثم ماذا؟ بسبب خطيئة آدم وحواء صارت الطبيعة البشرية فاسدة وأسيرة للموت، لم يرث الإنسان ذنب خطيئة آدم. هذا ذنب شخصي، بل ورث نتائج السقوط التي أصابت الطبيعة البشرية العامة ككل. صارت الإرادة البشرية مختلة وتُفضل في طبيعتها الشر عن الخير! آدم أخطأ فمات. أما نحن فنولد مائتين إذ نحن عرضة للخطية. الله لا يحكم علينا بالموت الآن لأننا شركاء في ذنب آدم وخطيئته الأولي أو الأصلية أو الجدية كتفسيرات لاهوتي العصور الوسطى وآباء الغرب في ذلك الوقت، بل لأننا نرث طبيعة خاطئة. الخطية ليست جريمة ضد العدالة الإلهية، لكنها مرض يتلف الإنسان من الداخل. نتيجة لما سبق، لم يأت المسيح لكي يشفي كرامة الله المجروحة، بل ليشفي الإنسان من مرضه. منذ التعدي الأول للوصية ساد الموت، وامتزج الموت مع الشهوة بالطبيعة، وصار كل من يدخل العالم بالزواج، من الطبيعي أن يولد مائتاً، وأن يكون خاضعاً للموت حتماً، سواء أخطأ أم لا، وسواء أخطأ قليلاً أم كثيراً، لأن الموت صار ممزوجاً بالطبيعة. (مار فليكسينوس) هل كان الفداء والكفارة نتيجة لسقوط الإنسان إذًا؟ بالطبع لا، الله خارج الزمان والمكان، أعد الخلاص قبل تأسيس العالم:  مَعْلُومَةٌ عِنْدَ الرَّبِّ مُنْذُ الأَزَلِ جَمِيعُ أَعْمَالِهِ. (أعمال الرسل 15: 18) لننظر ما فهمه ابن المكين منذ زمان بعيد: إن التجسد كان أمراً واقعاً سيحدث وذلك في حال أخطأ آدم أو لم يخطئ... إنه لا يصح أن يُقال أن آدم أب البشر لو لم يخالف الوصية ويخرج من الفردوس لم يكن التجسد المجيد فهذا الاعتقاد خاطئ... إذ يجب أن نعلم أن التجسد كان أمراً ضرورياً في ظهوره لخليقته وأنه قيل إنه لسبب آدم أو لعلة خارجية أو لحادثة من الحوادث الخارجة عن ذاته تعالى كان ذاك قدحاً (إهانة) لجوده تعالى، ويترتب على زعمهم هذا، إن التجسد كان بطريق عرضي صادر عن خطية آدم وفي الحق أنه لا يجب أن يُوقف جود الله على شرط حادث... لكن لما كان من كمال جوده أن يجود بنهاية الجود وأكمله، وهو ذاته تعالى، فلذلك أظهر كمال جوده بواسطة تمكن البشر من مباشرتها والقرب منهاولو مُنع ظهور الله متجسداً وما نتج من جزيل النفع مع القدرة على إمكانياته لكان يرجع ذلك إلى أحد أمرين:إما ضناً أي بخلاً وإما عجزاً. وعلى هذا يكون الله غير مستحق أن يدعي اسم الجواد المطلق الجود. (ابن المكين،جرجس بن العميد، القرن الثالث عشر) بعد سقوط الإنسان في الفساد، لم تعد التوبة كافية لأنها لن تغير الطبيعة الفاسدة من داخل القلب، لذا كانت حتمية التجسد، أن يتأنس الكلمة ويصلب ويقوم غالب الموت بالموت ويعيد الفساد إلى عدم الفساد مرة أخرى. فالكلمة المتجسد هنا قد استطاع أن يجمع فيه الكل، ليرجع الكل إلى عدم الفساد بكونه آدم الجديد الروحي، لأنه بحسب تعبير الآباء: “احتوى في نفسه كل الطبيعة البشرية ل يصحِّحها و يرجعها كلها إلى جمالها القديم“. فالمسيح هنا قد دخل إلى هيكل جسدنا ومر بنا من الفساد إلى المجد والاتحاد به، كما يقول بولس الرسول في (أفسس2 18:16) كذلك في “لأن الكل مات في المسيح” (2كورنثوس14:5). لم ينظر آباء الشرق إلى المسيح الذي على الصليب بأنه مهزوم من الخطايا والموت، بل كمنتصر على الموت وعلى الشيطان، وأجمعوا أن هذا الانتصار لنا من خلال اتحادنا في المسيح (يقودنا في موكب نصرته). ونظريات الكفارة المتعددة؟ طُورت عدة نظريات متعلقة بالكفارة والفدية عبر التاريخ المسيحي -حتى قبل الإصلاح البروتستانتي- منها دفع الفدية للشيطان (مثل غريغوريوس النيصي)، إرضاء الناموس (مثل الآباء اللاتين)، إرضاء كرامة الله وعدله ( فكرة "أنسلم" التي يتم خلطها مع الرؤية المطروحة من قِبَل الإصلاح البروتستانتي). يمكن شرح البدلية ببساطة في: "البشرية تستحق العقاب على خطاياها. وعندما مات المسيح، أخذ مكان البشرية: وعاقب الله المسيح بدلاً من معاقبته للبشر. وبذلك نُفذ العقاب وتحققت عدالة الله". عند "أنسلم" موت المسيح هو هدية قُدمت لله حتى لا يعاقب البشرية في مفهوم استرضائي، فالخطية له هي إهانة لله وأخذ منه ما يملك، أما عند "كالفن" البدلية حيث مات المسيح بديلاً عن البشرية حاملاً اللعنة والعقوبة. بالنسبة لكالفن "نحن فيه (المسيح) ننال الفداء بدمه بل وحتى غفران الخطايا، وبذلك صنع السلام بدم صليبه، وصُلحنا بدمه، وباحتمائنا فيه خلصنا من خطر الموت. البدلية العقابية هي تعليم أن السيد المسيح قد تجسد لكي يكون بديلًا عن الخطاة، فبذلك حمل كل من الموت والعقاب واللعنة المستحقة على البشرية الساقطة كعقوبة بسبب الخطية. وهكذا يمكننا فهم أن العقوبة القادمة من الله بسبب خطايا البشر قد حملها السيد المسيح عن طريق موته الذبائحي الكفاري. تستند تلك النظرية للعديد من الآيات مثل: "وَهُوَ حَمَلَ خَطِيَّةَ كَثِيرِينَ وَشَفَعَ فِي الْمُذْنِبِينَ". (إشعياء 53: 12)، و"أَنَّهُ جَعَلَ الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا، لِنَصِيرَ نَحْنُ بِرَّ اللهِ فِيهِ". (رسالة كورنثوس الثانية 5: 21). وغيرها. تظل أزمتي مع تلك النظرية أنها تجاهلت كون ذبيحة السيد المسيح كانت ذبيحة محبة كاملة مرضية لأجل خلاصنا: هذا الذي أصعد ذاته ذبيحة مقبولة عن خلاص جنسنا(لحن فاى إيتاف أنف) لأن موت السيد المسيح على الصليب لم يكن دين تم تسديده للآب لكي يرضي كرامة الله الجريحة، بل كان استعراض لمحبة الله "نَحْنُ نُحِبُّهُ لأَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا أَوَّلًا". (رسالة يوحنا الأولى 4: 19) يقول القديس يوحنا فم الذهب (350-407) م: “لو أن ملكاً، قد رأى سارقاً أو مجرماً تحت العقاب، فأعطى ابنه المحبوب، الوحيد، فعلًا، لكي يذبح، ونقل الموت والذنب معاً، من المجرم لابنه (الذي كان هو نفسه ليس به صفات المجرم)، من أجل أن يخلص الرجل المدان ويزيل عنه سمعته الشريرة؛ ثم لو أنه، أعطاه تالياً كرامة عظيمة، ثم بعد ذلك للأسف، بعد أن خلصه وأعطاه هذا المجد الذي لا يعبر عنه، تلقي الإساءة من هذا الشخص الذي نال هذه المعاملة: ألا يكون على هذا الرجل، لو أن عنده أي نوع من الإحساس، أن يختار أن يموت عشرة آلاف مرة على أن يظهر مذنباً بعدم الشكر العظيم هذا؟ دعونا إذاً نأخذ هذا في الاعتبار بخصوص أنفسنا، ولئن بمرارة من أجل الأشياء التي تثير الغضب، التي نعملها تجاه من أنعم علينا؛ لكن، لنفعل هذا، ليس بسبب أنه بالرغم الإساءة يتحمل بطول أناته، ولكن بسبب هذا السبب عينه أننا صرنا مملوءين ندماً”. (يوحنا ذهبي الفم) أتحقق نظرية البدلية -لي- العدل والرحمة في آن واحد؟ بالنسبة لي لا، فهي إما تحقق جانب واحد، إما تجعل الأمر كله، وبمثابة سيناريو مُتفق عليه بين أطراف مُتصارعة! على عكس نظرة الشرق، التي ترى الديّن الذي على البشرية بصورة مختلفة، مثل القديس غريغوريوس اللاهوتي: أن الفدية أو الدَّين الذي دفعه المسيح هو اتحاده بنا ليقدس بشريتنا ببشريته المتحدة بالألوهة ليحررنا المسيح نفسه من قهر الشيطان الطاغية، ويجذبنا إلى الله الآب كرامةً له. فيقول: "ومن ثم، فإنه من الواضح أن الآب يأخذ دون أن يسأل أو يلتمس، ولكن من أجل تدبير الخلاص، ولأنه كان يجب أن تتقدس بشريتنا ببشرية الله حتى يحررنا المسيح نفسه، ويقهر الشيطان الطاغية، ويجذبنا إلى نفسه بوساطة ابنه الذي دبر هذا كرامةً لأبيه الذي يعطي (الابن) كل شيء. لقد تحدثنا كثيرًا عن المسيح، وبقي أن نكرمه بالأكثر بصمتنا". (القديس غريغوريوس النازيانزي العظة الفصحية الثانية ٤٥ : ٢٢ PG 36: 624-663) هذا أيضًا ما يؤكده القديس باسيليوس الكبير موضحًا أن إيفاء الدَّين بلا مقابل حَسَبَ محبة المخطط الإلهي للبشر. فالله في صلاحه يعوض البشر بلا مقابل عن ديونهم وعن مسامحتهم لأخوتهم من البشر عن ديونهم، فكيف يطالب الله بابنه الوحيد كثمن وتعويض عن ديون البشر أي خطاياهم، وهو الذي يعطي أكثر مما نعطي نحن لأخوتنا من البشر. (القديس باسليوس الكبير) كذلك كتابات ذهبي الفم الذي يقول: "لأن هذا هو الدَّين. أننا نظل نعطي، ونبقى مديونين على الدوام. إذًا، بعدما قال كيف إنه ينبغي علينا أن نحب، يظهر فائدة ذلك، قائلاً: 'لأن مَن أحب غيره، فقد أكمل الناموس. إذًا، لا تعتبر أن هذا العمل هو إحسان تقدمه، بل دَّين عليك. لأنك مدين لأخيك بالمحبة بسبب القرابة الروحية. وليس فقط لهذا السبب، بل ولأننا نحن أعضاء بعضًا لبعض". (يوحنا ذهبي الفم، تفسير رسالة رومية عظة ٢٤: ٣) ومعاصرًا يعترض البروفيسور كاثرين ساندرچير Katherine Sanderegger على سردية أنسلم عن 'إيفاء الدَّين' و 'ذبيحة الترضية' قائلًا: " تبدو للبعض نسطورية بشكل خطير، كما لو كان يمكن تقديم ناسوت المسيح كعمل مستقل للموت البريء، بمعزل عن الاتحاد الأقنومي الملازم للألوهة". (كاثرين ساندرچير) اختصارًا نظرية البدلية القانونية تعني أن هناك آخر سيخضع للعقوبة بدلا مني، بالتالي من المفترض ألّا أخضع للعقوبة ذاتها. فإن كان المسيح مات بدلًا عنا فلماذا نموت أيضا؟! نظرية البدلية هي نظرية انفصالية، شخص يموت بدلًا من آخر! لا توجد أدنى علاقة بين الإثنين، تنفيذ الحكم في البديل لا يقتضي وجود المتهم الأصلي، مادام كانت المشكلة في تنفيذ القانون وإرضاء العدالة الإلهية، وليست في الشخص الذي أخطأ! أما نظرية الشفاء الشرقية تقوم بالأساس على شفاء المتهم الأصلي عن طريق دَم الصليب، الشفاء قائم على الاتحاد بالمسيح لكي نموت معه ونقوم معه، وبدون هذا الاتحاد لا الشفاء لأن دَم المسيح هو ترياق عدم الموت. تؤمن تلك النظرية بأن المسيح مات بإرادته لكي يأتي إلينا في الهاوية ويقيمنا معه، لأن الموت هو الطريق الوحيد للهاوية، وإذ لم يكن للهاوية ولا للموت سلطان عليه فقد قام منتصرًا عليه؛ فإن متنا معه ودفنا معه واتحدنا به في جسم بشريته بواسطة المعمودية والإفخارستيا، فلا توجد أي انفصالية بيننا وبينه. لنختم قائلين: جاء الينا ليحبنا... ليسكب علينا حبه... ليعلن لنا محبة الآب السماوي... لكي يتحد بطبيعتنا لنتحد نحن أيضا بطبيعته... لكي نكون شركاء في الثالوث الأقدس من خلال وحدة اللاهوت مع الناسوت. (الأنبا بيمن المتنيح، عظة التجسد ومقاصد الأب) استند هذا البحث للعديد من المراجع، هذه أهمها: - اللاهوتي الأرثوذكسي، د. عدنان طرابلسي. - القديس أثناسيوس، ضد الآريوسيين، المقالة الثانية، فقرة 5. - دكتور هاني مينا، كتاب العدالة الإلهية حياة لا موت مغفرة لا عقوبة. - العلامة الشيخ جرجس بن العميد الملقب ابن المكين كتاب: مختصر البيان في تحقيق الإيمان، المشهور بالحاوي. - هيل، تاريخ الفكر المسيحي، 2012، 208. - جون ستوت، المسيح الذي لا مثيل له (القاهرة: دار النشر الأسقفية, 2010), 108. - أبانوب صبري، من “الخلق” إلى “الفداء” في المنظور اﻵبائي الأرثوذكسي. - Lucas F Mateo Seco and Giulio Maspero, The Brill Dictionary of Gregory of Nyssa (Leiden; Boston: Brill, 2010), 224–25. - Gregory and J. H Srawley, The catechetical oration of Gregory of Nyssa (Cambridge: The University Press, 1903). - See: Henry Wace, The Sacrifice of Christ: Its Vital Reality and Efficacy (London: John Murray, 1915). - jean Calvin, Ford Lewis Battles, and John T McNeill, Calvin, Institutes of the Christian Religion: In Two Volumes (London: SCM Press, 1961), 510. - Ibid, Anselmanian Atonement by Katherine Sanderegger, p. 177. --- ### القيم الأخلاقية [تجديد الخطاب الديني] - Published: ۲۰۲۲-۰٦-۲۹ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/6767/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: الخطاب الديني ما الخطاب الديني من حيث الشكل: هو أيًا من الموضوعات المكتوبة أو المسموعة أو المرئية التي تتناول خطابًا يعطي تعليمًا أو فكرًا دينيًا يتعلق بالشئون الدينية: المحاضرات-المناقشات-العظات-سوشيال ميديا. أمثلة للخطاب الديني 1- الوعظ بقصد الترغيب والترهيب والنصيحة وتقديم دفاعيات تقليدية كانت تصلح لزمانها طبقا للقضية التي تدافع عنها وهنا سيكون دور الخطاب محدود الأثر وأكثر ما سينجح فيه أو يصل إليه هو معالجة السلوك الخارجي لكنه لا يسهم في زرع التعليم والقيم الأخلاقية. 2- دفاعيات تقتصر على الدفاع عن العقيدة وإثبات صحتها. العقيدة تحتاج أن تثبت صحة مضمونها عندما يثبت أصحابها هذا بأسلوب حياتهم (عنف-سلام-محبة-الخ) أسمع كلامك أصدقك-أشوف أمورك استعجب (غاندي). 3- شرح ما قيل قبلا مرارا وتكرارا من أمور أصبحت بديهيات (حرمة السرقة- الرشوة- أهمية الصلاح- قوة الحب. . الخ) يعرف المتلقي كل هذه الأمور لكنه يحتاج أن يعرف كيف يعيش طبقًا لهذه القيم الأخلاقية والإيمانية ويأتي دور الخطاب الديني هنا لمعالجة الموضوعات من جوانبها المتعددة. مثال النحلة ورحيق الأزهار: ينتشر النحل في الحقول والحدائق لاستجلاب رحيق الأزهار ثم يرجع إلى الخلايا ليحول الرحيق إلى عسل، إذا اكتفى بإيداع الرحيق في الخلايا دون تحويله إلى عسل فلن تتحقق أية فائدة منه، ومثله الواعظ الذي يكتفي بتلاوة نص كتابي يعرفه الناس ويحفظوه ظهرًا عن قلب دون محاولته لتحويل (هذا الرحيق) إلى طعام يغذي روح المتلقي. مثال آخر: طالب لاهوت أراد أن يكتب عن يسوع المسيح ومعاملته للأطفال. فَقَدَّمُوا إِلَيْهِ الأَطْفَالَ أَيْضًا لِيَلْمِسَهُمْ، فَلَمَّا رَآهُمُ التَّلاَمِيذُ انْتَهَرُوهُمْ أَمَّا يَسُوعُ فَدَعَاهُمْ وَقَالَ: «دَعُوا الأَوْلاَدَ يَأْتُونَ إِلَيَّ وَلاَ تَمْنَعُوهُمْ، لأَنَّ لِمِثْلِ هؤُلاَءِ مَلَكُوتَ اللهِ. 7 اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ لاَ يَقْبَلُ مَلَكُوتَ اللهِ مِثْلَ وَلَدٍ فَلَنْ يَدْخُلَهُ. . "وَقَدَّمُوا إِلَيْهِ أَوْلاَدًا لِكَيْ يَلْمِسَهُمْ. وَأَمَّا التَّلاَمِيذُ فَانْتَهَرُوا الَّذِينَ قَدَّمُوهُمْ فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ ذلِكَ اغْتَاظَ وَقَالَ لَهُمْ: «دَعُوا الأَوْلاَدَ يَأْتُونَ إِلَيَّ وَلاَ تَمْنَعُوهُمْ، لأَنَّ لِمِثْلِ هؤُلاَءِ مَلَكُوتَ اللهِ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ لاَ يَقْبَلُ مَلَكُوتَ اللهِ مِثْلَ وَلَدٍ فَلَنْ يَدْخُلَهُ». فَاحْتَضَنَهُمْ وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَيْهِمْ وَبَارَكَهُمْ. "فَقَدَّمُوا إِلَيْهِ الأَطْفَالَ أَيْضًا لِيَلْمِسَهُمْ، فَلَمَّا رَآهُمُ التَّلاَمِيذُ انْتَهَرُوهُمْ. أَمَّا يَسُوعُ فَدَعَاهُمْ وَقَالَ: «دَعُوا الأَوْلاَدَ يَأْتُونَ إِلَيَّ وَلاَ تَمْنَعُوهُمْ، لأَنَّ لِمِثْلِ هؤُلاَءِ مَلَكُوتَ اللهِ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ لاَ يَقْبَلُ مَلَكُوتَ اللهِ مِثْلَ وَلَدٍ فَلَنْ يَدْخُلَهُ". (متى 19: 14؛ مرقس 10: 14؛ لوقا 18: 16) فماذا سيقول؟ إن هو اكتفى بالقول إن يسوع رحَّب بالأطفال وانتهر التلاميذ عندما حاولوا منعهم الاقتراب منه فسيكون مثله مثل الواعظ في المثال السابق، بينما لو أنه التفت إلى روح هذا النص ونظرة يسوع لمكانة الأطفال وربطه بما يحدث من إهدار حقوق الطفل بل كرامته في البيت- المدرسة- الشارع- الكنيسة، الخ. فسيكتب في موضوع يحتاج إليه مجتمعنا وكنيستنا أشد الاحتياج. 4- تحريك المشاعر وإلهاب الأحاسيس تأثيره محدود وعندما يكتفي به المتلقي فإنه لا ينجز أكثر من إشباع المشاعر الدينية. المطلوب لتجديد الخطاب الديني شكلًا وموضوعًا من ناحية الدراسات الكتابية واللاهوتية 1- إعادة قراءة النص: ليس لأن النص يتغير ولكن القارئ تتغير خبراته ونضجه واطلاعه. 2- الاستعانة بالتفاسير ودراسات خلفيات النصوص مثال:  (لا مِثْلَ لَكَ بَيْنَ الآلِهَةِ يَا رَبُّ، وَلاَ مِثْلَ أَعْمَالِكَ. ) (مزمور 86: 8)  (وَالأَمْرُ الَّذِي يَطْلُبُهُ الْمَلِكُ عَسِرٌ، وَلَيْسَ آخَرُ يُبَيِّنُهُ قُدَّامَ الْمَلِكِ غَيْرَ الآلِهَةِ الَّذِينَ لَيْسَتْ سُكْنَاهُمْ مَعَ الْبَشَرِ)قول الكلدانيين. (دانيال2: 11) 3- الاطّلاع على كتابات اللاهوتيين (مثل كتابات الدكتور القس فايز فارس والقس سهيل سعود باللغة العربية وبالإنجليزية صياغة لاهوت محلي لروبرت شرايتر-الإنجيل في مجتمع التعددية ليزلي نيوبيجن-كتابات هانز كونج وغيرهم) وهي موجودة أون لاين. 4- الاطلاع على مناهج الأنشطة الجماعية واستخدام الوسائل المتاحة بأسلوب صحيح. مثال مقرر الأخلاق للمدارس: لا يكفي أخذ قرار بتدريس الأخلاق، بل أهمية الاهتمام بالمنهج ومدى كفاءة من يدرسه. من ناحية العلوم الإنسانية والتطبيقية 1-تحليل السلوكيات: لأن السلوك الديني والممارسات الدينية نوع من أنواع السلوك ويحتاج إلى التحليل بنفس الطريقة لكي نوجه السلوكيات إلى الوجهة الصحيحة، فالسلوكيات وفيها السلوك الديني محكومة بدوافع نفسية واجتماعية، فالمهمة تكون تفسير السلوك الديني بالاستعانة بعلم الاجتماع وعلم النفس الاجتماعي، وتحتاج الظواهر الدينية تحليلا، لأن السلوك في حد ذاته محكوم بدوافع. من هنا لابد من الاستعانة بالعلوم الإنسانية (علم نفس- علم الإنسان- وجهود الاقتصاديين والسياسيين ونواحي الثقافة المجتمعية والإنسانية وهم موجودون داخل المؤسسة الدينية وموجودين في دور العبادة). أمثلة تحليل الكاتب توفيق الحكيم لسلوك المرأة المصرية في عهد المماليك وأثره الممتد إلى الحاضر. عُرِف المماليك (الين هم عبيد في الأصل) بالهوس بالمظاهر والاستعلاء على مواطني البلد. تتعالى السيدة المملوكية على المصريات، بالتالي يقلدونها في مظهرها وسلوكها. أما المرأة الفرنسية في نظام الإقطاع تهتم بالثقافة والفنون وتعلم الفرنسيات وهن من نفس جنسيتها كيف ترتقي، بالتالي يقلدونها في اهتماماتها وسلوكها. مثال تحليل سلوك يساعدنا في علاج قيم الاستهلاك والمظهرية. 2-الاستعانة بالأخلاق الوضعية المؤسَّسة على العقل وهي ليست بالضرورة مناقضة للأخلاق السماوية المؤسسة على الأديان بل تسهم في خطاب يجمع بين الإحساس والفِكر ليستوعب الخطاب قضايانا، بالتالي المقدرة على معالجتها. 3-خطاب ديني يقدم إجابات عن أسئلة الحياة العملية (روحيا- أخلاقيا - الخ) مثال عملي من دراسات تتناول بعض أسفار الكتاب المقدس تناولا معاصرًا. 4-خطاب ديني يعايش الحياة اليومية ويصلحها ويساعد الناس للسعي نحو المَثَل الأعلى وقِيَم مغروسة تحرك الوجدان فتدفعه للسعي نحو النضج. فكيف يتعامل هذا الخطاب (العظة مثلا) مع البُعدين الأفقي والرأسي في ضوء الحق الإلهي. فالخطاب الديني له دور عندما يترك أثرا على المتلقي ويدوم معه وليس انفعالا لحظيا. 5-التعامل مع المتغيرات، عندنا خبرات العهد القديم المسيحية الأولى أخذت في اعتبارها الظروف المواكبة للحدث ونقبلها لأن طبيعة الكتاب المقدس لا تقبل تثبيت الخطاب في نقطة معينة وتوحيد النمط ومحاولة تجاهل المتغيرات (مثال سفر التثنية) (حزقيال) (أعمال الرسل مجمع أورشليم). من غير الصائب أن نثبت الخطاب في نقطة معينة بدافع المحافظة على النص أو على ثبات المجتمع مما يكون له تأثير سيء خاصةً في النواحي الاجتماعية فيحجب عنا معالجة الأمور وكأننا نتكلم لغة أخرى في عصر آخر أو لغة غير مفهومة وهنا تأتي أهمية دراسة خلفيات النص حتى يمكن استيعاب المقصود في ضوء سياق النص. 6-الوعي بالثقافة السائدة لإيجاد القدرة على مخاطبة التغيير الاجتماعي، فكل كنيسة تضم جماعة لها مستويات مختلفة من النمو الروحي وطبقات متنوعة وخبرات مختلفة وقضايا ومشاكل لا تتشابه، فعندنا توجهات متنوعة ونتعامل بخطاب واحد، وعندنا في الأقل متغيرات في التعبير والممارسة (مثال القيم الأخلاقية موضوع دراستنا الآن) لكن نميل إلى تثبيت نمط الممارسة، بالتالي يتوجه الخطاب الديني إلى زمان ومكان ربما غير موجود. --- ### [١٠] اختلالات الأديرة - Published: ۲۰۲۲-۰٦-۲۸ - Modified: 2023-11-16 - URL: https://tabcm.net/6792/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أثناسيوس المقاري, إفخارستيا, إكليروس, الجماعات الإسلامية, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس السادس, ثورة ٢٣ يوليو, رئيس جمال عبد الناصر, رئيس محمد أنور السادات, رئيس محمد حسني مبارك, معجم المصطلحات الكنسية, مفهوم الرهبنة, يوحنا كاسيان إعادة هيكلة الذهنية القبطية الدينية -عبر الستة عقود الأخيرة- لم تكن عشوائية، وقد اجتمعت عدة عوامل في الفضاء العام هيأت مناخًا مواتيًا لإعادة الهيكلة باتجاه رؤية قيادة الكنيسة في تلك الحِقْبَة، لعل أبرزها التغير الدراماتيكي عقب حدثي ثورة يوليو 1952، ورحيل جمال عبد الناصر وتولي أنور السادات مسئولية الحكم، واللتان شهدتا بدرجات متفاوتة حَراك الجماعات الإسلامية الراديكالية، الخفى والمعلن، بدعم من الدولة، ومن قوى إقليمية سعيًا لإعادة إحياء وتحقيق حلم الخلافة، وكانت هذه الجماعات ترى في الأقباط عائقًا أمام اكتمال الحلم، فاستهدفتهم بأعمال إرهابية، سواء في مرحلة وفاقها أو مرحلة اختلافها معه، ورغم مغازلة الرئيس مبارك لهم، إلا أنها استمرت بامتداد سنوات حكمه الثلاثين في ترويع الأقباط واستهدافهم. كان من الطبيعي مع تغول العنف الطائفي وتصاعده أن يبحث الأقباط عن ملاذ آمن، وجدوه داخل أسوار الكنيسة، التي لم تكن تملك إلا أن تشرع أبوابها لأبنائها، لكن الأمر لم يكن بهذا التبسيط والنموذجية، فأصحاب الأدوار الرئيسية كانت لهم رؤيتهم التي اختلط فيها الخاص بالعام، سواء في الدولة أو الكنيسة، وقد انعكس هذا على تصاعد الأحداث في تلك الحِقْبَة، وبغير ترتيب جاء لجوء الأقباط للكنيسة مرضيًا لأطراف عدّة. صنع الأقباط لهم داخل الكنيسة مجتمعًا بديلًا، لكنهم لم ينفصلوا عن وطنهم ولم يتحولوا إلى "جيتو" منعزل، ورفضوا كل دعوات الانفصال أو الهجرة، ولم يستسيغوا تجرِبة المحاصصة أو الكوتة الباهتة في تمثيلهم داخل البرلمان، وقد قفز عليها الانتهازيون فكان مآلها الفشل. غير بعيد، كانت الحركة الرهبانية تشهد ازدهارًا ونموًا، بعضه انبهارًا بمجازفة الرعيل الأول، وبعضه اقتناعًا بأنهم يضعون أقدامهم في طريق الملكوت، باعتبار الرهبان وفقًا للقديس يوحنا كاسيان (360 ـ 435 م): ملائكة أرضيين وبشر سمائيين في مقابل هؤلاء هناك من قصد الرهبنة هربًا من البطالة، أو باعتبارها الطريق الوحيد للدرجات الإكليروسية العليا، وبعضهم رتب لذلك مع قيادات كهنوتية نافذة أو بدفع منها، وبعضهم جاءها هربا من خبرات إنسانية فاشلة، ولا أحد يستطيع أن يجزم بأن الأخيرين كانوا بعيدين عن الاختيار للمواقع الأسقفية، ومن لم يقع عليهم الاختيار بقوا داخل أسوار الأديرة يعانون المتاعب النفسية وأربكوا الأديرة بصور شتى، خاصة مع اختلال مفهوم التلمذة والتسليم، وربما غيابهما. الواقع يقول إن الأديرة في أغلبها، صارت مؤسسات منتجة لم ينتبه القائمون عليها إلى ضرورة ضبط هذا الازدهار والنمو بحزمة من الضوابط حتى لا تفقد هويتها ونذورها الأساسية. خاصة مع طوفان قاصدي الأديرة للتبرك أو طلبًا لخلوة استجمامية، واستباحة خصوصية الرهبان، وتنامى ظاهرة "الاعتراف على آباء كهنة رهبان" وما أفرزته من نتائج سلبية للكافة، الكنيسة والدير وطرفي الاعتراف. مع انتظام خطوط السياحة الديرية وكثافتها، تشهد مداخل الأديرة خليط من منافذ توزيع منتجات الدير وأيضًا ما يحتاجه الزوار من منتجات يعرضها الدير لحساب منتجيها من خارجه، من هدايا تذكارية دينية، صور قديسين وتماثيل وتحف فنية برعت الصين في إنتاجها، واختفت الكتب الروحية واللاهوتية أو كادت، لتكتظ المكتبات هناك بكتب معجزات وسير قديسين كثيرها غير محقق، لكنها تلقى إقبالًا لا ينقطع، ومعها يستنزف العقل القبطي، وتستغرقه الحكاوي ولا أقول الخرافة. وتتسلل إلى البيوت أفكار شبه رهبانية، حتى إلى شباب الكهنة والخدام، وكنا قد أشرنا قبلًا إلى عدة ملاحظات لما تسلل إلى شباب الكهنة، سواء في الشكل أو المضمون، إطلاق اللحى دون تهذيب، إشارة بعضهم إلى بتوليته هو وزوجته، وما تحمله من تعظيمها على الزواج، بالرغم من إيضاحات القديس بولس الرسول القاطعة بعدم أفضلية أحدهما على الأخرى ـ ولا يقلل هذا من توقيرنا لأصحاب هذه الخبرة الحياتية الخاصة بهم ـ ويقع الشباب في شيزوفرينا حادة بين احتياجاتهم وما يتسلل إليهم من أفكار لا محل لها خارج الحياة الديرية، وقد ينتهى بهم الأمر إلى التمزق أو النكوص أو الغيبوبة الروحية، ويهتز عند كثيرين مفهوم الزواج والعائلة والحياة الاجتماعية بجملتها، والشاهد على ذلك تفشى ظاهرة الطلاق والمشاكل الزوجية العنيفة وغير قليل منها بين خدام وخادمات، وبعضهم قضى أسبوعه الأول في الدير؛ الزوج في أديرة الرهبان والزوجة في أديرة الراهبات! ! الأمر جد يُنذِرُ بالخطر. وتسلل إلى المجتمع الكنسي، رعية وخدام وكهنة، ظاهرة "الميطانيات"، ويقصد بها: الميطانية: هى التوبة، وبحسب معناها الحرفى فى اليونانية هى "تغيير الفكر"، أى "تجديد الذهن" حسب قول الرسول بولس:تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ (رسالة بولس إلى أهل رومية 12: 2)أما في اللاتينية فالكلمة المقابلة هي penitentia، وهى تفيد معنيين:- المعنى الأول penance أي عقوبة توقع على الخاطئ نتيجة لخطيته حتى تقبل توبته. - والمعنى الثاني penitence أي ندم وتأسف على الخطية كعمل ضد محبة الله، وتبدأ التوبة بالاعتراف أمام الله بالخطية في مخدع الصلاة، وتكتمل بالاعتراف بالخطية شفاهاً على أب كاهن مختبر في الكنيسة. والتوبة فى الكنيسة -وفي اختصار- هي حياة مستمرة ترتبط حتماً بالمعمودية، وتصب في الإفخارستيا، وتنمو بكلمة الإنجيل. أي إن أساس كل توبة هو المعمودية، وغايتها هي الإفخارستيا، وديمومتها تكون بقراءة منتظمة للإنجيل المقدس. الميطانية: هي السجود الكامل إلى الأرض حتى تلامس الجبهة التراب، وهي علامة تسليم الحياة كلها لله. (الأب أثناسيوس المقاري، كتاب: معجم المصطلحات الكنسية) الميطانية بالأساس ممارسة رهبانية تعبر عن روح الخضوع بعضهم لبعض، لكنها عندما تسللت إلى المجتمع القبطي خارج أسوار الأديرة صارت تستخدم كعلامة إكرام وخشوع تقدم لبيت الله، والمذبح المقدس والأيقونة المدشنة، ثم أضيف إليها في الزمن الذي نتناوله تقدم للأسقف! واستأذنكم في إيراد واقعتين عشتهما، الأولى: كنت في المرحلة الثانوية، وكانت مدرستي ملاصقة لمقر إقامة البابا كيرلس السادس، وكان بابه مفتوحًا لاستقبال من يقصده من العامة، ذهبت إلى صالونه الذي يقع في الدور الأول على يسار باب المقر، وجدت أمامه طابور من صفين واحد للرجال والشباب والآخر للسيدات والفتيات، وحين وقفت أمامه وجدت من سبقني يسجد أمام البابا، فسجدت مثله، فإذا بالبابا يسألني: بتعمل إيه؟، أجبته في تلقائية: وجدت الرجل الذي سبقني يفعل هذا فظننت أنه من تقاليد مقابلة قداستكم، فقال بحزم: يعني بتقلد زي القرد؟ قم ولا تفعل هذا مرة أخرى! أما الواقعة الثانية فقد حدثت في الإسكندرية، فيما أتذكر، في مؤتمر للشباب والخدام، عقده البابا شنودة لمواجهة بعض الأفكار التي تهاجم بعض ممارسات الكنيسة الطقسية وأتذكر أنها كانت تفند الصلاة بالأجبيّة، وفى إحدى جلسات المؤتمر جاء سؤال عن الميطانية، وتوقيتاتها، فأحال البابا السؤال إلى الأنبا يوأنس، أسقف الغربية وقتها، الذي عرفها بما لا يختلف عن التعريف السابق ذكره، وأضاف أنها تمارس طوال العام، باستثناء وقت ما بعد التناول، وكذلك لا تمارس في أيام الخمسين المقدسة، فالحدثين هما حالات فرح. فيما الميطانية تحمل مشاعر حزن وندم وانكسار، فعقب البابا بأن الميطانية للأسقف تقدم في كل الأحوال ولا يستثنى فيها أية أوقات، لأنها تعبر عن الاحترام وليس العبادة! تسلل بعض الممارسات الرهبانية إلى المجتمع القبطي، خارج الأديرة، أسهم فيما نراه من ازدواجية وانفصام انعكست سلبًا على حياتنا اليومية. ومازال شريط مشاهدات إكليروسية يحمل الكثير منها. --- ### [٥] أساطير الطوفان - Published: ۲۰۲۲-۰٦-۲۷ - Modified: 2025-01-23 - URL: https://tabcm.net/6774/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, كتاب مقدس - وسوم: آنو, الشرق الأدنى, طوفان نوح, ملحمة اتراحسيس, ميلاد المسيح, يهوه  ليست قصة نوح هي قصة الطوفان الأولى للبشرية، فهناك أكثر من أسطورة تسبقها بقرون عدّة لأن القدماء اعتادوا الفيضانات، بالأخص من سكنوا بجوار الأنهار. كرر الكتاب المقدس نفس التيمة المنتشرة والمعتادة في أدب الشرق الأدنى لكن من منظور ثوري جديد مناقض لثقافة عصره، وسيتناول هذا المقال واحدة من أشهر الأساطير عن الطوفان  ليست قصة نوح هي قصة الطوفان الأولى للبشرية، فهناك أكثر من أسطورة تسبقها بقرون عدّة لأن القدماء اعتادوا الفيضانات، بالأخص من سكنوا بجوار الأنهار. كرر الكتاب المقدس نفس التيمة المنتشرة والمعتادة في أدب الشرق الأدنى لكن من منظور ثوري جديد مناقض لثقافة عصره، وسيتناول هذا المقال واحدة من أشهر الأساطير عن الطوفان، وهي ملحمة أتراحاسيس. كتبت الملحمة عام 2000 قبل الميلاد، في بلاد ما بين النهرين القديمة، وهناك نسخة كاملة لها تعود لما بين 1646–1626 ق. م (أي قبل كتابة التكوين بثلاثة قرون في الأقل، لو فرضنا أن موسى هو كاتب السفر) بخلاف أجزاء أخرى أقدم، قبل خلق البشر، حكم آنو السماء، وحكم إنكي البحار، وحكمت أنليل الأرض. تلك هي الآلهة الكبرى التي طغت واستبدت بالآلهة الصغرى. احتملت الآلهة الصغرى المهام الشاقة، منها حفر نهر دجلة والفرات، وحين سئم الصغار من عملهم، أشعلوا النيران غضبًا. فاقترح أنليل خلق البشر لتحمل مهام الآلهة الصغرى. ولكن لخلق البشر، يتعين التضحية بأحد الآلهة، فضحى الإله إيلو بنفسه، وخلطت الآلهة الأم دمه بالطين، وتفلت على الطين، وشكلت الأم البشر من الطين. استمتعت الآلهة الصغيرة بأوقات فراغها، ولكن مع مرور الوقت، ازداد عدد السكان من البشر وأصبحوا مزعجين للغاية، مما أزعج الآلهة بشكل كبير. ولم يستطع أنليل النوم، لذا، أرسل الجفاف لتدمير البشر. ولكنه لم ينجح.  ثم أرسل المجاعة، وفشل مجددًا؛ فقد تغلب البشر وقاوموا، وازداد عددهم مع الوقت، لذا، قرر أنليل إرسال طوفان عظيم لتدمير البشر. وكان أتراحاسيس هو الأكثر حكمة بين البشر، ويعني اسمه الرجل الحكيم. ذهب الإله إنكي خُلْسَة وظهر لأتراحاسيس في رؤية محذرًا إياه من الخطر القادم. أخبره عن الفيضان وأمره ببناء فلك ينقذ حياته. جمع أتراحاسيس مع الشيوخ المواد وبدأوا في بناء الفلك الكبير. كان يأخذ عائلته معه وكذلك العديد من الحيوانات، لكنه كان حزينا بسبب الدمار الوشيك. دخل أتراحاسيس الفلك، وأغلقت الآلهة الباب، ثم نزل الطوفان الذي كان مرعبًا حتى إن الآلهة نفسها خافت وذعرت من هذه الكارثة العظيمة. واستمر الطوفان سبعة أيام وسبع ليال. وَالدَّاخِلاَتُ دَخَلَتْ ذَكَرًا وَأُنْثَى، مِنْ كُلِّ ذِي جَسَدٍ، كَمَا أَمَرَهُ اللهُ. وَأَغْلَقَ الرَّبُّ عَلَيْهِ. (تكوين 7: 16) لأَنِّي بَعْدَ سَبْعَةِ أَيَّامٍ أَيْضًا أُمْطِرُ عَلَى الأَرْضِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً. وَأَمْحُو عَنْ وَجْهِ الأَرْضِ كُلَّ قَائِمٍ عَمِلْتُهُ. (تكوين 7: 4) وعندما هدأت العاصفة، تم القضاء على جميع البشر. لكن الآلهة جاعت وندمت؛ لأن البشر كانوا يقدمون التضحيات لها، وكانوا يزرعون الأرض! تكتشف الآلهة أن أتراحاسيس قد نجا. يقدم التضحيات للآلهة شكرا على النجاة. تشم الآلهة رائحة الأضحية اللذيذة، فتنزل على الفور لتأكل، ويتحول حزنها على هلاك البشر لفرح بالطعام. فَتَنَسَّمَ الرَّبُّ رَائِحَةَ الرِّضَا. وَقَالَ الرَّبُّ فِي قَلْبِهِ: «لاَ أَعُودُ أَلْعَنُ الأَرْضَ أَيْضًا مِنْ أَجْلِ الإِنْسَانِ، لأَنَّ تَصَوُّرَ قَلْبِ الإِنْسَانِ شِرِّيرٌ مُنْذُ حَدَاثَتِهِ. وَلاَ أَعُودُ أَيْضًا أُمِيتُ كُلَّ حَيٍّ كَمَا فَعَلْتُ». (تكوين 8: 21) غضب أنليل من إفشاء إنكي للسر وإخبار أتراحاسيس، لكن إنكي شرح له أهمية إبقاء البشر أحياء، وفي نهاية الأمر، اصطلح الإلهين على إبرام عقدًا بتقليل الضوضاء التي تنتج عن البشر بإدخال الموت إلى العالم حتى يقل عددهم تلقائيًا بلا كوارث، وجعلا ثلث النساء عواقر، وأدخلا الأمراض على الأطفال حتى يموت بعضهم. وخلقا أيضًا الكهنة والكاهنات في حالة عزوف تام عن الزواج حتى يقل التكاثر. فَقَالَ الرَّبُّ: «لاَ يَدِينُ رُوحِي فِي الإِنْسَانِ إِلَى الأَبَدِ، لِزَيَغَانِهِ، هُوَ بَشَرٌ. وَتَكُونُ أَيَّامُهُ مِئَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً». (تكوين 6: 3) نلاحظ أن قصة التكوين مقتبسة من الأسطورة بشكل واضح، بالتالي، هي ليست قصة تاريخية على الإطلاق. يمكننا أن نستنتج أن كاتب التكوين قد اقتبس الأسطورة لتجديد فكرها؛ فبعد أن كان السبب الأساسي لإهلاك البشر هو كثرة العدد والضوضاء، ورغبة الآلهة في الاستفراد بالأرض، أصبح السبب هو فساد البشر الأخلاقي، ورغبة يهوه في القضاء على ظلم البشر لبعضهم البعض وتحقيق العدالة. يفعل يهوه مثل الأسطورة لكنه يمهل البشر وقتًا ليتوبوا، وحين يزداد الشر، يقصر أعمارهم لتصبح 120 سنة. من الجدير بالذكر أن أعمار البشر في الكتاب المقدس لا تتفق مع أرض الواقع قديمًا؛ فالإنسان القديم في غياب الطب كان متوسط عمره سبعون عامًا على أقصى تقدير قبل ميلاد المسيح بقرون قليلة، وفقًا لقاموس السيرة الذاتية للدوائر. لذا، لا تعتقد أن البشر عاشوا مئات السنين تصل إلى تسعمائة سنة. هذا أمر مشكوك فيه إلى حد بعيد. لا يكره يهوه كثرة عدد البشر، بل يشجعهم على ملء الأرض. وَبَارَكَ اللهُ نُوحًا وَبَنِيهِ وَقَالَ لَهُمْ: أَثْمِرُوا وَاكْثُرُوا وَامْلأُوا الأَرْضَ. (تكوين 9: 1). يختلف رد فعل يهوه إزاء الطوفان مع ردود أفعال الآلهة؛ فهو لا يخاف مثلهم، ولا يندهش من نجاة نوح مثلما دهشوا من نجاة أتراحسيس، ولا يجوع أو يتَحَيَّرَ في زراعة الأرض بعد فناء البشر، بل يشعر القارئ في أثناء قراءة التكوين، أن كل شيء محسوب مسبقًا بدقة. فَأَتَتْ إِلَيْهِ الْحَمَامَةُ عِنْدَ الْمَسَاءِ، وَإِذَا وَرَقَةُ زَيْتُونٍ خَضْرَاءُ فِي فَمِهَا. فَعَلِمَ نُوحٌ أَنَّ الْمِيَاهَ قَدْ قَلَّتْ عَنِ الأَرْضِ. (تكوين 8: 11) لذا، فأسطورة التكوين هي الأنضج، والأرقى إنسانيًا. وقد كتبت لطمأنه البشر لا لإرهابهم مثلما يستخدمها بعض المسيحيون بمنتهى الجهل حاليًا؛ فهي كُتبت لبشر على علم كامل بالأساطير السابقة التي كانت جزءًا من تراثهم. كانت تلك القصص هي محاولات لفهم ما يحدث من حولهم من فيضانات متكررة. تخيل نفسك واحدًا من هؤلاء البشر القدماء الذين تربوا على تلك الأساطير المرعبة، ماذا سيكون رد فعلك حين تطلع على المنظور اليهودي؟ اقرأ أيضًا: --- ### نهاية العالم ومجيء المسيح - Published: ۲۰۲۲-۰٦-۲٦ - Modified: 2023-04-27 - URL: https://tabcm.net/6807/ - تصنيفات: لاهوتيات, مقالات وآراء - وسوم: أرثوبراكسيس, أنثروبولوچي, إسخاتولوچي, الكنائس الأرثوذكسية, المجيء الثاني, چوردن پيترسون هناك في الطقس اللاتينيّ زمنٌ يقابل شهر كيهك لدينا في الطقس القبطيّ يُسمّى زمن المجيء. تُكرّس القراءات الطقسيّة فيه والترانيم للتأمل وانتظار مجيء المسيح. فذكرى ميلاد المسيح هي مناسبة انتظار مجيئه. فزمن المجيء هو زمن تحيي فيه الكنيسة رجائها الاسكاتولوجيّ بانتظار عودة المخلّص. بينما تركّز الكنائس الشرقيّة على ميلاد المسيح في قلوبنا وعالمنا وتهيء مؤمنيها لاستقبال المسيح مولودًا وسطنا. هل هذا الاختلاف في التركيز على جوانب مختلفة من "الانتظار" ساهم في غياب المحتوى الإسكاتولوجي في روحانيّتنا القبطيّة؟ في أحد اللقاءات مع الشباب تأمّلنا معًا في فصلين من إنجيل متّى ٢٤ و٢٥. وأردتُ من ذلك أن أرى ما الرجاء الإسكاتولوجي الموجود في فكر وقلب الشباب المؤمنين حاليًا؟ لقد كان هناك تشوّش رهيب، مع مشاعر خوف مع خلطٍ بين رجاء الكنيسة وبين ما تتركه في أذهاننا الأفلام السينمائيّة ومشاهد الرعب الرؤيويّة حول العالم. كذلك الخلط بين ما في الأناجيل من صيغة رؤيويّة وبين ما قصده سفر الرؤيا. والخلط بين ما هو رؤيويّ وما هو نبويّ. وبين ما قد حدث فعلًا في هذه النصوص وبين ما هو تحذير لحث المؤمنين على التمسّك بالرجاء في جميع أزمنة الشدّة والضيق والاضطهاد. نحن بحاجة إلى إعادة اكتشاف الإسكاتولوجيا كميزة لا يمكن فصلها عن الإيمان المسيحيّ. كلّ ذلك على قاعدة تربط المتسامي بالمستقبل. حتّى وإن كانت هذه الصيغة قد تسبِّب سوء فهم، حتّى إن كان لا يمكن تطبيقها إلاّ بمعناها المحدود. إنّ الإيمان المؤسّس على الوعد الكتابّي يجعل العالم مفهومًا كتاريخ. هنا تبرز مساهمة الإنسان في دورة التاريخ. وفقًا للكتاب المقدّس، العالم عالمٌ تاريخيّ، وهو موجود بفضل وعود الله، وهكذا يتمّ التزام الإنسان ومسؤوليّته في مجرى التاريخ. الرجاء هو بالتحديد ما لم يأتِ بعد، ما لم يوجد بعد. هذا هو السبب في أنّ الكنيسة لا تستطيع تحقيق الوعود الإسكاتولوجيّة حتّى على المستوى الروحيّ. فالمستقبل المرجوّ لا يزال قيد الانتظار. فهو قيد التحقيق. والمسيحيّون هم العمّال المعاونون لملكوت العدل والسلام الموعود به. لكي يتحقّق ذلك، يجب أن يصاحب أرثوذكسيّةَ (استقامة) الإيمان نوعٌ من الأرثوبراكسيس (استقامة الأعمال)، أعمال موجّهة نحو نهاية الأزمنة. فالإيمان الإسكاتولوجيّ مرتبطٌ بالمجهود الأرضيّ ولا يستثني أحدهما الآخر. لا يمحو الإيمان تساؤلات الإنسان المنفتحة نحو المستقبل. فالإيمان لا يمحو موقف الإنسان كموقف تساؤل بل يجعله أكثر عمقًا. فإنّ أولويّة الرجاء تُبقي التساؤل البشريّ مفتوحًا. وإنّ التساؤل في حدّ ذاته لا يعني تغييرًا آليًّا للعالم، فما أن يرتبط السؤال بالوعد، يمكن فهم العالم على أنّه متّجه نحو المستقبل من حيث إنّ له تاريخًا. إنّ محاولة قراءة وفهم كلّ اللاَّهوت كأنثروبولوجيا مكسب عظيم لكلّ مجهود تمّ في اللاّهوت. ومع ذلك، يخاطر هذا الجانب الأنثروبولوجيّ للاّهوت بأن يصبح دون عالم وبدون تاريخ، إن لم يُفهَم على أنّه في الأساس إسكاتولوجيّ. ذلك لأنّه فقطّ بواسطة الإسكاتولوجيا يحقِّق الرجاء عالمًا متأرِّخًا. فقطّ بواسطة عالم مفهوم كتاريخ نستطيع فهم المعنى الأساسيّ والدائم للكائن البشريّ وفعله. إنّ مركزيّة الإنسان المسيحيّة تفهم الحريّة كتاريخ. ويتكشّف اللاَّهوت كإسكاتولوجيا، وتصبح قيمة الإيمان في المقام الأوّل كرجاء متضامِن. وكما يرى پيترسون، إنّ الإسكاتولوجيا هي سمة الكنيسة. فهي التي تمثِّل المستقبل الأخيريّ في الزمن الحاضر (الآن). فوصول العالم إلى ملئه هو الحدث النهائيّ لمدينة الله، أورشليم السماويّة. ودور الكنيسة هو مقاومة كلِّ سلطة سياسيّة تعتبر نفسها المرحلة الأخيرة للتطوّر، وأنّها نهاية التاريخ. فلا تستطيع أيّ حالة حياتيّة أو مجتمع أن يعتبر نفسه أنّه وصلَ إلى تكوينه الأخير، بما أنّ المجيء الثاني للمسيح لم يتحقّق بعد. على الكنيسة أن تشهد دائمًا على الحضور الإسكاتولوجي في العالم "الآن" بواسطة الليتورجيا وأسرار الكنيسة. ففي غياب الرجاء والبؤس والحروب والفقر والأمراض، تشهد الكنيسة لرجائها الإسكاتولوجيّ بأنّا تعمل على مقاومة ملكوت الشرّ لإحلال مملكة العدل والسلام، كي يكون المسيح وحدَه هو السيّد والربّ، حتّى يصل تاريخ الخلاص إلى تمامه. --- ### والخاتمة الشريفة - Published: ۲۰۲۲-۰٦-۲۵ - Modified: 2023-11-28 - URL: https://tabcm.net/6641/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: أنبا أغاثون، أسقف مغاغة والعدوة, أنبا بيشوي، مطران دمياط وكفر الشيخ, الأب متى المسكين بمناسبة ذكرى نياحة الأب متى المسكين، (رحل عن عالمنا 8 يونيو 2006)، أذكر  اعتراف بسيط مشابه لاعتراف كثير من الشباب حول نفس الموضوع، وأتذكر من سنوات طويلة إني كنت من "شمامي موقع سانت تكلا" ومتابع ردود الأنبا بيشوي مطران دمياط وإفحامه للهراطقة والمبتدعين بالردود المتينة، قرأت في الموقع وسمعت نيافته يهرطق الأب متى ويكفره ولما قرأت الاتهامات، الصراحة اتخضيت ولا أخفي عليكم سرا بالرغم من حبي للأب متى لكن، شعرت بالاشمئزاز منه جدًا. وأكثر تهمة صدمتني وسمعتها من نيافة مَطْرَان دمياط الراحل إن الأب متى يُنكر الوحي الإلهي في نهاية إنجيل مرقس، وهي المشكلة المعروفة باسم "خاتمة إنجيل مرقس"، وقررت -إني أعمل من بنها ولا كأني سمعت حاجة- ومنعت نفسي من التفكير حتى لا أكره الأب متى المسكين أكثر من ذلك، وفي ذات الوقت لا أريد تكذيب الأنبا بيشوي -هو الأنبا بيشوي هيتبلى عليه يعني؟- نيافته وقتها كان يطلق عليه: أسد العقيدة وحائط صد الهرطقات ومعلم المسكونة اللاهوتي الأول.   لكن لما الواحد ربنا  نور عينيه وبدأ يفوق ويبحث ويقرأ أكثر، تغلبت على الخوف من مجرد التفكير -وضربت شكوكي قفا علي سهوة وغفلتها في لحظة من الزمن وعديت على البر التاني- وبدأت أرى وجهة النظر الأخرى، وهنا لا أتكلم عن الأب متى المسكين تحديدًا، لماذا لا أتعامل مع الأمور  بموضوعية وحيادية، وأحاول أن أكون صورة كاملة وأبني أحكامي بنفسي دون أن أكون مجرد مستمع أو "خروف منساق في قطيع". لما قرأت أكثر في السياسة والتاريخ المصري والتاريخ الكنسي، وتاريخ الإصلاح الأوروبي، كنت أبتسم من كم الأكاذيب والمغالطات والتدليس. وجدت بعض الناس، يقولون أنهم مؤتمنين على تعليمنا داخل البلد والمجتمع المصري وداخل الكنائس، يعلمون كما يريدون، وما يودون أن نعرفه وما يوافق رؤيتهم الشخصية للأحداث فقط! المهم بدأت بموضوع "خاتمة إنجيل مرقس"، ووقع تحت أيدي كم هائل من المعلومات، قرأت لشرقيين وغربيين أرثوذكس وكاثوليك وبروتستانت، وأفاجأ يا مؤمن إن الموضوع أصلًا  قُتل بحث أكاديمي ولاهوتي على مدار قرون مضت -وخلاص شطبوا بحث فيه ولموا الكهارب والكراسي- لكن بعض أسود العقيدة في مصر تقريبًا -موصلهمش أي حاجة عنه ولا هيوصل- فمثلًا، شخص مثل ذاك الذي يصدر بيانات وتوزيع هرطقات حائرة طائرة على الرايحة والجاية وأقصى تعليم له كان دبلوم (مع كل احترامنا لخريجي الدبلوم)، فهذا الشخص لم يدرس في أي حاجة معتبرة لها اعتبار في اللاهوت أو التاريخ، ورغم ذلك يهرطق خلق الله نفر نفر! ! لن أدخل في تفاصيل موضوع "خاتمة إنجيل مرقس" لأنه طويل ومجرد اتهام ساذج وشخصنة، من المطران الراحل بيشوي، والأسقف أغاثون ضد عالم جليل هو الأب متى المسكين -فأرجو أنك متكونش مغفل زيي وكلف نفسك وأتعب زيينا وأبحث ودور ومش هنديك المعلومة في بقك- أيضا اكتشفت أن ما فعله الأب متى، يفعله أي  أكاديمي/ة محترم/ة لديه/ا أمانة علمية في النقل ومنهجية في البحث ويحترم عقل القارئ، وليس مجرد مجموعة معلومات -تلات أربعاها تزييف وخد بالباقي تدليس- للأسف علموا الشعب أن البحث حرام وصُدمت (لما فهمت واتنورت) حين قال بعضهم أن علم "النقد الكتابي الأدنى" هو ازدراء بالدين ورفض لقدسية الكتاب ونسوا تعليمهم أنه عليهم البحث في معاني أدق وأعمق وأشمل للنص وخلفياته! !   ومن هنا بدأت مشكلتي مع رجال الدين عمومًا. أحترمهم جدًا كبشر، لكن لا أصدقهم -ولو حلفوا على الميه تجمد-  أصدق فقط  ما أقرأه وأحلله وأجده مناسب للعقل والمنطق ويوافق فكر الكتاب، وليس لمجرد أن هناك رجل دين يكون بالنسبة لنا أن كلامه بمنزلة وحي من السماء، ويستطيع التحدث في الدين والتاريخ والبيولوجيا والفيزياء والفلك، أو شخص لمجرد أن لديه خلفية طبية يتحدث عن الكورونا مثلا. ومن هنا سقطت أول تهمة عن الأب متى، وكانت كلما سقطت تهمة وراء الأخرى عنه، سقطت أوارق التين ورقة تلو الأخرى عند البعض حتى تمنطق متى المسكين وتعرى الآخرون! !   دمياط مدينة تقع علي مصب النيل وتشتهر بالأثاث والهريسة والمشبك وعندهم حلواني البدري وأسعاره حلوة وخصم خاص للموظفين والطلبة بس أنت فاصل معاهم. جماعة حماة الإيمان هي جماعة منقرضة من سلالة النياندرتال، أصولية أناركية فوضوية تؤمن بالهري المقنع لخدمة الهبيدة وشمامي العك. تملك حصرًا منح شهادات ألقاب الأسود على رجالهم: الأسد الأرثوذكسي- ضرغام مغاغة- ليث أطفيح - أسامة المنوفية. . الخ --- ### هل التطور بيفسر أصل الحياة؟ - Published: ۲۰۲۲-۰٦-۲٤ - Modified: 2023-11-19 - URL: https://tabcm.net/5444/ - تصنيفات: شئون علمانية - وسوم: المنهج العلمي, نظرية التطور الاجابة على السؤال دا هو: "لأ". أي نظرية علمية بيبقى ليها النطاق أو الـScope اللي بتشتغل فيه، نظرية التطور معنية بتفسير تنوع الكائنات الحية على الأرض، هي معنية بإجابة سؤال "ليه في ملايين الأنواع الحية المختلفة وازاي بيحصل التنوع دا؟". لكن السؤال عن أصل الحياة هو سؤال مختلف، السؤال عن أصل الحياة هو سؤال عن كيفية ظهور مادة حية من مادة غير حية، دي حاجة برة إطار نظرية التطور. الفرضيات المعنية بتفسير أصل الحياة معروفة باسم فرضيات الـAbiogenesis أو "التخلق اللاحيوي"، الفرضيات اللي في النطاق دا بتبني شغلها على أساس حقيقة التطور، بمعنى انهم بيحاولوا يفسروا إزاي الخلايا الحية الأولى اللي في جذع شجرة الكائنات الحية ظهرت للحياة من المادة، وبالتالي هي بتكمل من عند النقطة اللي نظرية التطور بتقف فيها. كل علماء الأحياء النهاردة على قناعة تامة بأن الـAbiogenesis حصل، لكنهم مش متفقين على كيفية وآليات حدوثه.  البحث في فرضيات الـAbiogenesis هو بحث مُعقد جدًا بيضم بحث مشترك من علم البيولوجي والكيمستري والجيوفيزيكس والجيوكيمستري والبيولوجيا الجزيئية والبايوكيمستري وغيرهم. على الرغم من إن مفيش تفسير مُوحد مُتفق عليه إلا إن في خطوط عريضة العلماء ماشيين على خُطاها، أهمها الآتي: - عملية الـAbiogenesis غالبًا حصلت في الفترة ما بين 3. 9 مليار سنة (يعني بعد تكوين الأرض بحوالي 0. 6 مليار سنة) لـ3. 7 مليار سنة (يعني بعد تكوين الأرض بـ0. 8 مليار سنة)، في فترة الـ200 مليون سنة دول غالبًا هما اللي حصل فيهم الـAbiogenesis. - الحياة الأولى اللي ظهرت من المادة غير الحية هي حياة بسيطة مفيش ما يماثلها النهاردة لأي كائن حي على الأرض. - الخلايا الحية في النهاية على المستوى الأساسي بتتكون من 3 حاجات رئيسية، جدران الخلية (اللي بتتكون من الـlipids)، المُركبات اللي بتقوم بالشغل داخل الخلية (البروتينات اللي بتتكون من أحماض أمينيه- amino acids)، الشفرة الوراثية للحياة (الـDNA والـRNA اللي بيتكونوا من nucleic acids). - أحد أشهر التجارب اللي اتعملت في مجال الـAbiogenesis هي تجربة ميلر-يوري اللي الطلبة النهاردة بيدرسوها في المدارس واللي قدروا من خلالها انهم يثبتوا إن في توافر الظروف البدائية للأرض ممكن للأحماض ألأمينيه إنها تتكون بشكل تلقائي من المواد العضوية الموجودة في الأرض في الفترة المُبكرة من حياتها، فيما بعد ظهرت تجارب تانية بتوضح إمكانية ظهور الـlipids اللي بتكون جدران الخلايا بشكل تلقائي من المادة الموجودة في المحيطات في الأرض البدائية، وأبحاث تانية ظهرت بتوضح إمكانية ظهور الـRNA، وبعض الأبحاث بتقترح إن في الفترة المُبكرة من الحياة على الأرض ممكن للـRNA انه يقوم بدور كل من الـDNA والبروتينات، الفرضيات اللي بتقوم على أساس إمكانية الـRNA للقيام بالدور اسمها RNA World Hypotheses. - بيميل العلماء لتبني فكرة الـchemical evolution، وهو إن الانتقال من مادة غير حية لمادة حية حصل على مراحل، لكن الموضوع دا مختلف تمامًا عن الـbiological evolution اللي إحنا بنتكلم عنه في السلسلة دي. - على الرغم من كدا يظل في صعوبات كتير جدًا والنقط السالف ذكرها هي نقط مُبسطة جدًا عن الموضوع. --- ### درس بطرس - Published: ۲۰۲۲-۰٦-۲۳ - Modified: 2022-06-22 - URL: https://tabcm.net/6681/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: سمعان بن يونا, مار مرقس الرسول, مفهوم الرهبنة قبل بداية الألفية الثالثة اعتادت الأسر المصرية أن تحلم بمستقبل أطفالها، فهذا طبيب، وذاك مهندس، وهكذا، أما أنا، فقد رأت أسرتي إنني مشروع راهب، فتعاملت عائلتي معي منذ نعومة أظافري على أني راهب المستقبل. لكن أسرتي دون أن تدري وضعت عليَّ عبئا كبيرا كطفل لم يتخط العاشرة من عمره، فكطفل كنت ألعب مع الفتيات وأنجذب لهن، لكني أعرف بداخلي أنه بعد عدة سنوات يَجِبُ ألاّ تكون لي علاقة بهن، كراهب! ولم يخرجني من هذا المأزق سوى راهب شيخ بدير السيدة العذراء الشهير بـ"البراموس"، في وادي النطرون عام 2001. في رحلة لكنيستي بدير البراموس كنت في الصف الثاني الإعدادي، وقفت ووالدتي لتحية راهب عجوز ذو لحية بيضاء، مر بجوارنا فطلبت والدتي منه أن يصلي لأجلنا وأخبرته إنني أود الرهبنة، لكنه بمنتهى الحزم، طلب مني أن أنسى هذا الموضوع تمامًا، وقال: "أنت لسه صغير متربطش نفسك بحاجة كبيرة زي كده، أنت متعرفش بكره فيه إيه؟! مش يمكن تكبر وتدخل الجامعة وتحب واحدة زميلتك وتتجوز، ساعتها هتعمل ايه؟ تدخل الرهبنة عشان تلتزم بالكلمة اللي قولتها حتى لو مش رغبتك، ولا تتجوز زميلتك اللي بتحبها وبقت دي رغبتك؟! ". لم أعرف اسم هذا الراهب، ولم ألقاه مرة أخرى في حياتي، لكن هذه الوقفة العابرة التي لم تستغرق دقائق قليلة معه كانت سببا في أن أتعلم درسا مهما طيلة حياتي، وكانت سببا لعبوري من مأزِق كبيرٍ كان ينتظرني بعد عدة سنوات، فقد اعتدت أن التزم بما تعهدت بفعله، ولربما أصبحت راهبا في الوقت الحالي لكنه راهب يسبب عثرة للآخرين، فقد أدركت مع الوقت أنني لم أخلق لأكون راهبًا، وأنني لا أصلح لهذه الحياة تمامًا، كما أدركت أن إقامة علاقة شخصية بالله لا تحتاج إلى الرهبنة فقط، لأن الله له طرق عدّة ومتسعة لا يمكن حصرها في قوالب بعينها. مرت السنوات وكبرت أكثر وبدأت تتسع دائرة قراءاتي، وأعدت قراءة الكتاب المقدس بعين مختلفة، وبدأت أرى المسيح بعيون مختلفة، فاستوقفني موقف مهم للمسيح قبل أن يقبض عليه رؤساء كهنة اليهود، حينما تحدث مع تلاميذه عما سيحدث له بعد ساعات قليلة، لكن بطرس كعادته طيب القلب لكنه مندفع لا يحسب خطواته المقبلة أبدًا، يقول ما يشعر به، لكن لم يختبر قدرته على فعل ما يقول. ٢٧ وَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «إِنَّ كُلَّكُمْ تَشُكُّونَ فِيَّ فِي هَذِهِ ٱللَّيْلَةِ، لِأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنِّي أَضْرِبُ ٱلرَّاعِيَ فَتَتَبَدَّدُ ٱلْخِرَافُ. ٢٨ وَلَكِنْ بَعْدَ قِيَامِي أَسْبِقُكُمْ إِلَى ٱلْجَلِيلِ». ٢٩ فَقَالَ لَهُ بُطْرُسُ: «وَإِنْ شَكَّ ٱلْجَمِيعُ فَأَنَا لَا أَشُكُّ! ». ٣٠ فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «ٱلْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنَّكَ ٱلْيَوْمَ فِي هَذِهِ ٱللَّيْلَةِ، قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ ٱلدِّيكُ مَرَّتَيْنِ، تُنْكِرُنِي ثَلَاثَ مَرَّاتٍ». ٣١ فَقَالَ بِأَكْثَرِ تَشْدِيدٍ: «وَلَوِ ٱضْطُرِرْتُ أَنْ أَمُوتَ مَعَكَ لَا أُنْكِرُكَ! ». وَهَكَذَا قَالَ أَيْضًا ٱلْجَمِيعُ. (إنجيل مرقس 14: 27-31)  في هذا المشهد تحدث المسيح بمنتهى الواقعية عما سيحدث وأن تلاميذه المقربين سيشكون فيه، إلا أن بطرس الذي يمتلئ قلبه بمحبة كبيرة للمسيح رد بمنتهى الاندفاع وقال: "إن شك الجميع فأنا لا أشك"، وهو يجهل ما سيقابل بعد عدة ساعات، رد عليه المسيح، كاشفا أكثر ما سيحدث من بطرس بأنه سينكره، وهنا كانت فرصة جديدة حتى يتوقف بطرس للحظة ليفكر فيما يقول وما سيحدث، فإنه أكمل اندفاعه  وقال "لو اضطررت  أن أموت معك لا أنكرك"، فحينما تأملت هذا النص منذ عدة سنوات تذكرت الراهب الذي التقيته مصادفة وكيف كانت نصيحته التي استمعت لها طوق نجاة لي فيما بعد. تعلمت من هذين الموقفين ألا اندفع تجاه أية أمور مستقبلية لا أملك تأكيدًا على حدوثها، فدائما ما يجب أن أترك الباب مفتوحا لأي متغيرات، لأنه لا يمكن ضمان أي شيء في هذه الحياة، وكثيرا حينما يسألني البعض عن تصرفي أو رد فعلي في موقف بعينه، يكون ردي أنه لا يمكن الحديث عن قرارات أو مواقف أو تصرفات في أمور لم نختبرها، حتى لو اختبرناها، فكل مرة  سيكون هناك اختلاف في الظروف. "اللي على الشط عوام" "اللي ايده في الميه مش زي اللي أيده في النار " (أمثال شعبية) وهنا أتذكر الصلاة الوحيدة التي قالها المسيح، فرغم بساطتها إلا أنني في كل مرة أكون مطالب بالإجابة عن أمر لم أمر به أو اختبره، أتذكر عبارة المسيح الخالدة "ولا تدخلنا في تجرِبة"، فكلما تجنبنا المرور بالمواقف الصعبة كان هذا أفضل، ولكن لا أقصد بكلامي هذا الهروب أو الخوف، بل الحكمة تقتضي تجنب الصعاب، ولكن إذا لم يكن هناك مفر، فيجب أن يواجه الإنسان بشجاعة المواقف الصعبة ويحاول حلها والمرور منها بأقل الخسائر، وهنا أعود لبطرس الذي وعد المسيح بألا ينكره لكنه حينما مر بالموقف الحقيقي للأسف هذا المحب المندفع واجه بمنتهى الجُبُن كل من سأله عن معرفته بالمسيح فأنكر، ولكن يحسب لبطرس أيضًا مراجعته لنفسه حيث ندم على فعلته "وبكي بكاءًا مرًا"، وعاد واعتذر، بالرغم من الخطأين السابقين فإنه يحسب له محاولته إصلاح أخطائه. وهنا أود الإشارة إلى أن التعلم ليس مجانيًا، بل له ثمن يدفع، لأنه لا يوجد تعليم بلا فاتورة، والأهم ألا ندفع ثمنا كبيرًا، لكي نتعلم، وأكبر تَرْجَمَة لعبارة المسيح "ولا تدخلنا في تجرِبة"، هي التعلم من خبرات ومواقف الآخرين، التي قد تقصر علينا مسافات كبيرة نضطر أن نقطعها، ولكن هذا لا يعني ألا نختبر بأنفسنا لأن غيرنا اختبر ومر بنتيجة ما، بل القصد هو التعلم مما مر به الآخرين، والاستفادة منه ونحن نَمِر بتجاربنا.   --- ### القيم الأخلاقية [الخطاب الديني] - Published: ۲۰۲۲-۰٦-۲۲ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/6647/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: الخطاب الديني, صلاح مصطفى سالم, مطران يوحنا زيزيولاس في هذا المقال تناول عدة مفاهيم هي العلاقة بين الخطاب الديني والقيم الأخلاقية، تجديد الخطاب الديني شكلا ومضمونًا، وبقاء الأديان في رسالتها. العلاقة بين الخطاب الديني والقيم الأخلاقية التأكيد على أن النص الديني ليس محل تغيير، بل الهدف هو تقديم إسهام حقيقي وفاعل للخطاب الديني وما يحمله من فِكر ديني في غرْس منظومة قِيمَ فاعِلة، خاصةً أن الدين من المصادِر الرئيسية للأخلاق. أولا العلاقة بين الخطاب الديني والقيم الأخلاقية • انقطع المسيحيون في الغرب عن مجال الثقافة والآداب لأن تلك العلوم كانت عند الوثنيين. • فانقطعت الصلة بين الدين وعلم الجمال والآداب والفلسفة وتركز الاهتمام على السلوك الأخلاقي وأُهمل المظهر العقلي الجمالي الذي ساد تربية اليونان والرومان. (فاخر عاقل، أستاذ علم النفس التربوي، جامعة دمشق، كتاب: التربية قديمها وحديثها، 1985) كما عرفنا ففي مجال الأخلاق كان اليونانيون يبنون فلسفاتهم الأخلاقية على أساس طبيعة الإنسان العاقلة، وعلم الأخلاق نفسه كان جزءاً من الفلسفة. وما أن حل القرن الرابع للميلاد حتى أصبحت الفلسفة اليونانية هناك مرادفِة للعداء للكنيسة، بالتالي خلت التربية من كل عنصر عقلي طوال المدة الفاصلة بين القرنين السادس والثالث عشر  الميلاديين. يقول عقل: • الدين عندما يوجِّه العناية إلى السلوك أكثر من العقل تطغى عليه النظرة الترويضية، ويكون ردعًا للمجتمع وليس تغذية للقيم الأخلاقية مع أن الدين في الأصل هو التربة التي نبتت منها القيم. • وضع الآباء المؤسسون في أمريكا دستورًا يستمد مبادئه من المبادئ المسيحية، وحقوق الإنسان مصدرها الدين. فقد تتغير مسميات القيمة وطريقة السلوك بمقتضاها لكن الدين هو مصدرها. • تحتاج البشرية إلى العلوم الإنسانية التي تعينها على فهم جوهر الدين وتنطلق من هذه النقطة لأن للبشر طبيعة متغيرة والإنسان كائن معقَّد وهناك احتياج لفهم أنفسنا حتى نفهم جوهر الدين، حتى نتمكن من الصعود إلى المُثُل العليا وتتفادي من السقوط. • دور العبادة تمثِل مجتمعًا متكاملًا خاصةً إذا نقص دور الأسرة والمدرسة والبيت فيقع العبء على عاتق دور العبادة. والخطاب الديني، الذي تقدمه الأنشطة الدينية بشمل الجوانب روحيًا وتربويًا لأعمار مختلفة وثقافات ومستوى تعليم وخبرة متنوعة. • يظهر الدور المتعاظِم للخطاب الديني إذا لاحظنا ضعف الميول للانضمام إلى أنشطة تبلور الشخصية وتعمل على نضجها مثل الأنشطة الثقافية أو الندوات أو القراءة في مجالات متنوّعة. ثانيًا ما الذي نتطلع إليه لدور الخطاب الديني؟ ما الذي يمكن أن يقدمه الخطاب (الفكر) الديني من إسهامات في ترقية القيم الأخلاقية إرساءها وغرسها؟ • الخطاب (الفكر) الديني لديه صَلاحِيَة ترقية القيم الأخلاقية وتشكيل منظومة قيم مستقبلية تجسِّد هويتنا وتحقق وجودًا فاعلًا، بالتالي المساهمة في زرع القيم الأخلاقية. • لكن ما الهُوِيَّة؟ وهل يفيد الخطاب الديني من تعريفها على يد الفكر الإنساني؟ الهُوِيَّة عند صلاح سالم: • إدراك الذات نفسها بقصد إنمائها وتعزيزها التعامل مع مرونتها ثباتها • التعرف على الآخر؛ نِقَاط قوته، نِقَاط ضعفه. • بقصد تفاعل إيجابي وليس سلبيَا. • فثقافة الكراهيَة كمثال لا تنبع من الاختلاف عن الآخر بل من طريقة التعرف عليه والتعامل مع الاختلاف عليه فتجعل منه صديقًا أو عدوًا لأن الاختلاف نفسه يمنح ثراءً. ثالثًا قيم يمكن أن يعليها الخطاب الديني قيمة العمل: بإيضاح هذه القيمة من جوانبها المتعدِّدة، ففقدان العمل ليس مجرد فقدان مصدر الدخل، الرسل كانوا يعملون، فالعمل يثري حياة الإنسان، وشرح البُعد الثقافي للعمل والتواجد في مجتمع إنساني. إن الرعاة نادرًا ما يتكلمون عن قيمة العمل لأنهم لا يعملون بالمعنى المفهوم للعمل. (قس إنجليزي) غياب الروابط الإنسانية وغياب التضامن والتعاطف ليس بالأمر، ولكن بإيضاح احتياج الإنسان وأكبر مشكلة تواجهه هي الوحدة (جمع البعد النفسي مع البعد الديني) تغلغل قيم السوق الرأسمالي-الانشغال بالكسب وزيادة الثروة على حساب العلاقات. دور الدين ووجهة نظره في العلاقة بين الثروة والقيم الأخلاقية. الانفلات والإباحية بأشكالها المتنوعة: تحليلها الاجتماعي والثقافي هي سلوكيات لها مضارها على الفرد والمجتمع وتظهر ضد ممارسات حال العمران في المجتمعات. أخلاقيات الطب نقل الأعضاء وحقل التجارِب حفظ كرامة الإنسان وحقوقه. معالجة تغليب النظرة الفردية الفردية هي رغبة في اشباع الذات دون شركة في حياة الاخرين ودون الإقدام على تضحية من أجل الاخرين ولذلك تؤدي الفردية الى الانفصال والعُزلة أي انها صورة الموت.  (المطران يوحنا زيزيولاس، كتاب الوجود شركة، 1989) الفردية عند العشماوي من كتابه ديوان القيم، 2000 • العمَل الفردي عندما يقتصِر على ذاتِه يكون جهدًا ضائعًا لا أصل له ولا امتداد. • أما العمل الجماعي، الذي ينبثق من ضمير التعاون وينبع من اتصال الماضي بالحاضر فهو أقرب الأعمال إلى الكمال وأولاها بالنفع. • الجهد الفردي لا يصبح قفزة عريضة وانطلاقة بعيدة إلى الأمام ولها امتداد زمني ومكاني يؤثر في أكبر نطاق وأبعد مدى إلا إذا اتصل بغيره واتخذ وضعه بجانب الجهود الأخرى، التي تدفع الحياة إلى الأمام. • نفس التعريف للفردية عند روُّاد كُتاَّب الأخلاق. ثالثًا موضوع الخطاب الديني أو الفكر الديني كمشترك بين الأديان • قس هانز كونغ من أصل سويسري ألماني، وقد كان أستاذا لفترة طويلة في جامعة توبنغين، يؤكد على أهمية الولاء الكامل كل لدينه والانفتاح بأكبر قدر ممكن للأديان الأخرى وليس استبعادها، وهنا يمكن أن يكون للدين إسهامات كبيرة. • فالدين في الأصل هو التربة التي نبتت منها الحقوق، فلا مبرر لرفض قادة الأديان للجماعات التي تنادي بحقوق الإنسان بدعوى أنها تنادى بأمور دنيوية. ثم أن المجتمعات العَلمانية عليها أن تتعاون مع الأديان في إيجاد مساندة لدعواها، ولذلك يجب التخلي عن العناد ورفض الحوار بدعوى التمسك بالحق لأن هذا ليس معناه التخلي عن الحق. • انعزال الدين عن أمور المجتمع بدعوى النقاء والطهارة يخلي مكانه للشرور التي قد يخلفها العلم فتتكاثر شروره بلا مواجهة. • قادة الأديان مدعوون لفهم أعمق للفقه واللاهوت. --- ### [۹] زحف الرهبنة - Published: ۲۰۲۲-۰٦-۲۱ - Modified: 2023-11-16 - URL: https://tabcm.net/6712/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أمير نصر, أنبا أنطونيوس الكبير، أبو الرهبان, أنبا صموئيل، أسقف الخدمات, أنبا غريغوريوس، أسقف البحث العلمي, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس السادس, دير البراموس, ليتورچي الخطوط الأولى للمشهد الذي نقترب منه تشكلت مع قدوم البابا كيرلس السادس، في لحظة مرتبكة على المستويين الخاص والعام، أدرك البابا أن أزمة الكنيسة في تراجع الوعى الجمعي بالليتورجيا، المخزون اللاهوتي المؤسس لحياة الكنيسة والحاوي لإيمانها، والموقّع على السنة الليتورجية بترتيب بديع، وقد تحولت في المشهد المُعاش، وقت مجيئه إلى موقع البابوية، إلى ممارسات رتيبة تؤَدىَ وكأنها فروض تطلب لذاتها، نؤجر عليها أو ندان، كانت خبرته تتجاوز مفهوم الفروض إلى براح المعايشة والامتلاء. كان المذبح هو مكان اللقاء اليومي له مع الله، وفيه يضع أمامه كل ما يثقل كاهله من متاعب وطلبات وما حُمِّل به من احتياجات الرعية، ويغادره ومعه إجابات وتعزيات الملء، التي يراها من يلتقيه تنويعات على الشفافية، استدعى هذا أن يعيد الاهتمام بالصلوات الليتورجية، القداس، والتسبحة، وعادت صلوات الأجبيّة إلى موقعها، وبدأت روح جديدة تنعش جسد الكنيسة، واستدعى نشطاء الشباب من الرهبان ودفع بهم في مواقع الأسقفية فيما عرف بالأسقفيات العامة، التي تقوم ـوقتهاـ على خدمة عامة دون أن يكون لها رعية محددة أو حدود جغرافية محددة، بعد نحو ثلاث سنوات من حبريته (1962)، أسقفية التعليم وأسندت إلى الأنبا شنودة، وأسقفية الخدمات والمهجر وأسندت إلى الأنبا صموئيل، ثم بعد سنوات قليلة (1967) يثلثهما بأسقفية الدراسات اللاهوتية والثقافة القبطية والبحث العلمي وتسند للأنبا غريغوريوس. التقطت قرون استشعار الشارع القبطي إشارات البعث الجديد، التي تولدت من حَراك الشباب الجامعي المباغت باتجاه الأديرة طلبًا للرهبنة، باختلاف مآربهم وتطلعاتهم، وقداسات البابا الجديد اليومية، واهتمامه بتنبيه الذهن القبطي لأهمية الزخم الليتورجي القبطي وتطبيقاته اليومية، القداس صباحًا والتسبحة ليلًا، في تقليد أحياه وانتقل منه إلى كثير من الكنائس في الأحياء والقرى المصرية. وهو أمر لازمه منذ تحرك قلبه تجاه الرهبنة، التي عمقت توجهه النسكي. "وفي أمور كثيرة نستطيع أن نكتشف تأثير الرهبنة في حياته وعمق اختبارات الوحدة في داخله. لذلك أحترم كل َمن حوله هذا المنهج النسكي الذي عاش به أبونا مينا، وقبلوه وتعاملوا معه على هذا الأساس". (الباحث والمؤرخ "أمير نصر" في كتابه: قراءة في حياة أبونا مينا البراموسي ـ البابا كيرلس السادس) وعلى الرغم من هذه العلاقة الوثيقة ـوربما بسببهاـ نرصد أنه أصدر قرارًا يقضى بعودة الرهبان المقيمين خارج أديرتهم لغير سبب خدمي أو علاجي، إلى أديرتهم، في غضون مدة حددها القرار وإلا فينتظرهم قرار بفصلهم من الرهبنة، واللافت أن هذا القرار يتكرر مع كل بطريرك قبل وبعد البابا كيرلس، وقد تحتاج هذه الظاهرة لدراسة وحلول موضوعية وعملية. كان من تداعيات موجات التفاعل مع إشارات البعث هذه أن انتعشت حركة الرهبنة من جرّاءِ إقبال الشباب على طرق أبواب الأديرة طلبًا لها، في تواز مع زيادة وانتعاش حركة زيارة الأديرة من الأسر القبطية طلبًا للبركة أو سعيًا لاستجمام روحي ونفسى فيما عرف بالخلوات الروحية، وقد زادت وتيرة الزيارات مع شق الدولة للكثير من الطرق الصحراوية لأغراض التنمية، ومنها ما يمر بالقرب من الأديرة، ولنعرف كيف كان الحال مختلفًا وشاقًا حين قصد الشاب عازر يوسف الرهبنة (1927) ـالبابا كيرلس السادس فيما بعدـ نقرأ ما كتبه هو في مذكراته في المرجع السابق الإشارة إليه. يكتب أبونا مينا عن يوم دخوله الدير وقبوله راهباً باسم مينا البراموسي فيقول: وكان يوم تركت العالم من أسعد أيام حياتي. فتوجهت لدير البراموس الكائن ببرية شيهيت. ووصلنا إلى بلدة "الهوكاريّة" الساعة العاشرة مساءً، ومنها وصلنا الدير الساعة الثانية بعد منتصف الليل (الباحث والمؤرخ "أمير نصر" في كتابه: قراءة في حياة أبونا مينا البراموسي ـ البابا كيرلس السادس) "الهوكاريّة" فيما أظن قرية تقع في زمام وادي النطرون! ! . بما يعنى أن الوصول إلى الدير عبر المدقات داخل وادي النطرون استغرق وقتها نحو أربع ساعات، فيما لا يستغرق الوصول اليوم من القاهرة أو للإسكندرية حتى باب الدير اليوم أكثر من ساعتين. كان من نتائج تغير نوعية التركيبة الرهبانية بدخول خريجي الجامعات أن تغير مفهوم "عمل اليدين" المعروف في أدبيات الرهبنة وتراثها، نقلًا عن مؤسسها الأنبا أنطونيوس من القرن الرابع، وكان مشغولات الخوص، التي تشغل وقت الراهب وتوفر له الحد الأدنى من الدخل الذي يتماشى مع احتياجاته البسيطة، فصار الآن استصلاح الأراضي الصحراوية في محيط الدير، واستزراعها وفق أحدث الطرق، وما استتبعه من تصنيع زراعي فضلًا عن الثروة الحيوانية والداجنة، المترتبة على الاستصلاح، ما انعكس على ترتيب يوم الراهب وطبيعة العلاقات داخل الدير، ويحتاج إلى تغيير فكر إدارة الأمر بالطرق التقليدية، بما يوفر حماية للراهب والدير، قد يحتاج الأمر إلى إنشاء إدارة ديرية عامة مركزية تتولى الفصل بين الملكية والإدارة، تؤول إليها إيرادات تلك المشروعات وتتكفل بتوفير احتياجاتها، وتوزع صافى الدخل على كافة الأديرة كلٍ حسب احتياجه، وهو تصور يتفق مع قواعد الرهبنة ونذورها الأساسية وفى مقدمتها الترك وعدم القنية والتكافل وإنكار الذات. ولعل الكنيسة تنتبه إلى أن الرهبنة منظومة عَلمانية، سواء في تأسيسها أو في تطورها، وكان كل دير يختار رئيسه من بين رهبانه، ولا يشترط أن يكون حاملاً لرتبة كهنوتية، وإن حملها فلا تتجاوز رتبة الإيغومانوس ، وكان هذا يسمح للدير بمرونة في تصويب أوضاعه حال تعرضه لأزمة مع رئيسه، وهو ما يتعذر حدوثه في حال إسناد إدارته لأسقف. وظني أنه كان توجها متعمدًا لربط الأديرة قسرًا برؤية القيادة الكنسية، بالمخالفة لطبيعة وفلسفة الحياة الديرية، التي بمقتضى التاريخ تضم تنويعات من التوجهات التدبيرية المتمايزة، بعيدًا عن دائرة العقائد التي تجمعهم فيما بينهم وتجمعهم مع الكنيسة، ومن هنا جاء الثراء الرهباني، ورسامة اسقف لكل دير يأتي بمنزلة تأميم الحياة الديرية وقولبتها. اللافت في النصف الأخير من القرن العشرين والعقدين الذين انقضيا من القرن الحالي منح رهبان الدير رتبة كهنوتية وفق قوائم انتظار مرتبة سلفًا، بعد أن كان لكل الإسقيط كاهن واحد يعرف بقس الإسقيط، وكان الرهبان بالآلاف وقتها. وقد شهدنا في العقود الماضية كيف استخدمت هذه الآلية كأداة لمعاقبة الرهبان المغضوب عليهم داخل الأديرة من القيادة الكنسية عن طريق تخطيه في الرسامة في دوره، ومن النوادر التي شهدتها أن الراهب الذي يصر على بقاءه راهبًا دون أية رتبة كهنوتية، يحسبه إخوته أنه يعيش في "الجاهلية"، ويتندرون على غفلته حَسَبَ تصورهم! ! والأغرب حين يقرر راهب العودة إلى حياته المدنية تاركًا الرهبنة، وقد أدرك أنها ليست دعوته، يحسب خارجًا على الكنيسة وقد يقطع من شركتها، وقد تمتنع عن الموافقة على زواجه، فيضطر إلى الزواج خارجها، وظني أنه في عودته للحياة المدنية كان صادقًا مع نفسه، فما الرهبنة لمن اختارها إلا طريقًا ضمن بدائل للأبدية، وليس بالضرورة الطريق الأفضل في كل الأحوال، وقد نكون بحاجة إلى فتح الباب لمن يرى أن العودة للحياة المدنية أفضل دون أن تحاصره الملاحقات الكنسية، فالرهبنة في كل الأحوال ليست درجة أو ترتيب كهنوتي. والإصرار على بقاءه تحت لوائها سيحوله إلى لغم قيد الانفجار وعبئًا على الدير والكنيسة. وفتح باب الخروج الآمن من الرهبنة سيعيد لها سلامها واستقرارها، بعد أن تتخفف من حمل من قصدها بحثًا عن بديل للبطالة خارجها، ومن كان سعيه الوصول إلى موقع متقدم في هرم الكنيسة الخدمي، ومن قفز إلى دائرتها للتخلص من تجارِب حياتية فاشلة، ومن يعاني من ضغوطات نفسية وربما عقلية ظن أن علاجها سيجده في دروبها، ومن أرادها مجالًا للتربّح والتحقق، وهؤلاء قد يُختار من بينهم من يرسم أسقفًا فيصدِّر معاناته واختلالاته إلى رعيته وتدفع الكنيسة فاتورته. ومن يقترب من المشهد الديري المُعاش يكتشف بقليل من الإنصات إلى شهادات من بقى من شيوخها اختفاء التلمذة وانقطاع التواصل الجيلي والأسباب متعددة، حتى لم يبق من الرهبنة إلا شكلها الخارجي، وصارت نذورها مهددة وربما مجروحة. قدر من التصحيح يحمله الشروع في تدشين نسق "الرهبنة الخادمة"، التي اختبرتها كنائس تقليدية رسولية عريقة، بجوار الرهبنة التقليدية، وفك الارتباط بينها وبين الكهنوت. ويبقى في هذا السياق ما شهدته الكنيسة من سعى حثيث لرهبنة الفضاء الاجتماعي للكنيسة خارج الأديرة، وهو ما سنقترب منه في سطور قادمة. --- ### [٤] أساطير الخلق - Published: ۲۰۲۲-۰٦-۲۰ - Modified: 2024-04-24 - URL: https://tabcm.net/6324/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, كتاب مقدس - وسوم: آدم, أنبا رفائيل، أسقف وسط القاهرة, أنكي, أوروك, إنكيدو, إنوما إليش, الخطيئة الأصلية, الشرق الأدنى, الغنوصية, بلاد الرافدين, تعامة, جامعة يال, جلجامش, حواء, شجرة الحياة, شمخات, قصة الخلق, كرستين هايز, مردوخ, يهوه سيتناول هذا المقال أسطورتين من أشهر أساطير الخلق القديمة وإعادة تقديم سفر التكوين لهما بصورة جدلية (Polemical Retelling). الأسطورة البابلية (إنوما إليش) كُتبت تلك الأسطورة بين ١٢٠٠ إلى ١٨٠٠ ق. م، ويعود أقدم لوح أثري لها لعام ٧٠٠ قبل الميلاد، وتدور الأسطورة حول تعظيم الإله مردوخ الذي بدأت عبادته في بابل عام ٣٠٠٠ ق. م. تبدأ الأسطورة بعبارة: عندما في الأعالي، لم يكن هناك سماء، وفي الأسفل، لم يكن هناك أرض، تتطابق تلك العبارة مع بداية سفر التكوين في البَدْء، خلق الله السماوات والأرض، من حيث البَدْء بشبه جملة، والحديث عن السماء والأرض، تلك الأسطورة مكتوبة على سبعة ألواح، ستة منهم لقصة الخلق، تمثل ستة أجيال من الآلهة. ويتم خلق الإنسان في اللوح السادس. تقول الأسطورة إنه في البَدْء لم يكن هناك سوى المياه، وتلك المياه تنقسم إلى محيطين: محيط المياه العذبة المتمثلة في الإله "أبسو" ومحيط المياه المالحة المتمثلة في الآلهة "تعامة" التي يعني اسمها الغمر أو الأعماق، وتبدأ نشأة الكون من اتحاد "أبسو" مع "تعامة" بالزواج، وينجبان الآلهة الطيبة والشريرة، وينزعج الزوجان من ضجيج الآلهة الصغيرة، فيقترح الزوج على زوجته أن يقتلا أبنائهما حتى يستريحا. وتوافق "تعامة"، لكن تتدخل الآلهة "إيا" وتفشل ذلك المخطط، وتقتل "أبسو". تقرر "تعامة" الانتقام لزوجها وقتل جميع الآلهة، فتذهب الآلهة الصغيرة إلى الإله "مردوخ" إله الريح طلبا للمساعدة، وهنا يقرر "مردوخ" التدخل للسيطرة على ثورة "تعامة" التي تصورها الأسطورة كمياه ثائرة تعيث في الكون تخريبًا، ويشترط عليهم أن ينصبوه سيدا للكون في المقابل، وتوافق الآلهة. يطلق "مردوخ" ريحا عاصفة فوق "تعامة"، ويستطيع السيطرة على جنونها ثم ينهي حياتها. ويبدأ "مردوخ" في بناء الكون من جديد، ممسكًا بجسد "تعامة" المائي وفاصلا المياه إلى نصفين، نصف للسماء ونصف للأرض. أعتقد أنك بدأت الآن في الربط بين قصة التكوين والأسطورة البابلية. ففي التكوين، لا يوجد سوى مياه سحيقة قبل الخلق، والكون في حالة دمار، يدخل الله فيخمد تلك الحالة، لكنه لا يدخل في معركة ولا يحارب مثل "مردوخ" لكنه فقط يقول عبارة “ليكن” للشيء فيكون، يرف الله بروحه على وجه المياه كما رف "مردوخ" بريحه على "تعامة"، ويفصل بين مياه ومياه، مياه تحت الجلد، ومياه فوق الجلد مثلما فعل "مردوخ" بجسد "تعامة" المائي. تعلق د. كرستين هايز، أستاذة العهد القديم بجامعة يال، أن كلمة "الغمر” في الكتاب المقدس تدعى بالعبرية Tehom وهي قريبة جدا من كلمة Tiam (اسم تعامة Tiamat في الأسطورة). وَكَانَتِ الأَرْضُ خَرِبَةً وَخَالِيَةً، وَعَلَى وَجْهِ الْغَمْرِ ظُلْمَةٌ، وَرُوحُ اللهِ يَرِفُّ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ (تكوين 1: 2) بعدما يشيد "مردوخ" أساسيات الكون، يخلق آلهة (تتضمن الشمس والقمر) ويطالبها بالعمل على تنظيم الكون، لكن الآلهة تتقدم بالشكوى لأن الأعمال المطلوبة كثيرة للغاية. ويقرر القمر إشعال ثورة لأنه مل من الإضاءة، وهنا يحل "مردوخ" الأزمة بخلق البشر من الدَّم (دَم معاوني "تعامة" الذين قتلهم) ليكونوا عبيدا فيساعدوا الآلهة في مهامها. وهنا، تنتهي الأسطورة التي اعتاد البابليون أن يقرأونها في احتفالات بابل القومية. إن أردنا التحدث عن الاختلافات بين النصين، فسنجد نص الأسطورة يصور البشر كعبيد في نظر الآلهة، وأبناء الآلهة كمصدر إزعاج يقلق الآلهة التي تقرر قتل أبنائها، والآلهة كوحوش تتصارع معا على المناصب. أما النص اليهودي، فيقدم الخالق وكأنه يرسم لوحة بديعة بسلمية شديدة ويبدي إعجابه بحسنها، يخلق البشر ليخدمهم ويطعمهم هو ويجلب لهم الحيوانات فيسمونها، عكس المفهوم الطبيعي. البشر هم أصدقاء يهوه الذي يحب أن يبادلهم أطراف الحديث. يقدم التكوين نظرة مساواتيه بين الذكر والمرأة بخلق المرأة من ضلع آدم لتكون رفيقته، ويزيل الطابع الأسطوري الغامض عن المياه، والشمس، والقمر، وباقي الخليقة. فلا يبقى لها ذلك الطابع المرعب؛ لأن يهوه يعمل على ضبط الكون، وله سلطان عليه. الأسطورة السومرية: ملحمة جلجامش هي ملحمة قديمة كتبت في بلاد الرافدين عن الملك السومري "جلجامش" من "أوروك" الذي ربما حكم في وقت ما خلال الجزء الأول من حِقْبَة الآسرات المبكرة (2900 - 2350 قبل الميلاد). تم تأليف الملحمة بين عامي 2000 و 1800 قبل الميلاد، قبل كتابة التكوين بقرون، فقد تم اكتشاف أجزاء في العراق تعود إلى القرن الثامن عشر قبل الميلاد، وهناك نماذج أولية أقدم لأجزاء معينة من الملحمة. تصف القصة "جلجامش"  كملك شرير مستبد، ولديه هوس بالجنس، ويعتدي على نساء مملكته، يصرخ البشر إلى الآلهة طالبين النجاة من قبضة الملك الظالم. ثم تستجيب الإلهة "أرورو" وتقرر التصدي لجلجامش فتخلق إنسانًا من الطين يدعى "إنكيدو"، وهو يشبه "آدم" في صفات كثيرة: فهو مخلوق من الطين، يتسم بالبراءة والقوة، يعيش حياة حرة ويرتدي أمساحا من جلود الحيوان، شبه عار لكن بلا خجل، ويأكل من خيرات الأرض بلا تعب، في وئام تام مع الطبيعة والوحوش التي يلعب معها ولا تؤذيه. لذلك، تقرر الإلهة "أرورو" أن "إنكيدو" ينبغي له أن ينضج وينسلخ من طبيعته الطفولية لأنه لن يهزم "جلجامش" وهو في تلك الحالة البدائية. ترسل له بائعة هوى تدعى "شمحات" كي يمارس معها العلاقة الجنسية ومن خلالها تنفتح عيناه على العالم. وبالفعل، يعيش "إنكيدو" معها ستة أيام وسبع ليال ثم يخرج من حالة البراءة السابقة، ويصبح مثل الآلهة. ومن بعد ممارسة العلاقة، يفقد وحدته مع الطبيعة ويصير ضعيفًا أمامها، تقتسم المرأة ثيابها وتغطي جسده العاري، لأول مرة بملابس، وحين يلتقي بأصدقائه الحيوانات والوحوش يفروا من وجهه خائفين لأنه يملك الحكمة الآن ولا يعد واحدًا منهم! لبث انكيدو يتصل بالبغي ستة أيام وسبع ليالوبعد إن شبع من مفاتنهاوجه وجهه إلى ألفه من حيوان الصحراءفما أن رأت الظباء انكيدو حتى ولت عنه هاربةوهربت من قربه وحوش الصحراءذعر انكيدو ووهنت قواهخذلته ركبتاه لما أراد اللحاق بحيواناتهأضحى انكيدو خائر القوى لا يطيق العدو كما كان يفعل من قبلولكنه صار فطنا واسع الحس والفهمرجع وقعد عند قدمي البغيوصار يطيل النظر إلى وجههاولما كلمته أصاخ بأذنيه إليهاكلمت البغي انكيدو وقالت له:صرت تحوز على الحكمة يا انكيدو وأصبحت مثل إلهفعلام تجول في الصحراء مع الحيوان؟(ملحمة جلجامش) وَقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ: «هُوَذَا الإِنْسَانُ قَدْ صَارَ كَوَاحِدٍ مِنَّا عَارِفًا الْخَيْرَ وَالشَّرَّ. وَالآنَ لَعَلَّهُ يَمُدُّ يَدَهُ وَيَأْخُذُ مِنْ شَجَرَةِ الْحَيَاةِ أَيْضًا وَيَأْكُلُ وَيَحْيَا إِلَى الأَبَدِ». (تكوين 3: 22) تخبرنا القصتان أن الحرية الأدبية لها ثمن باهظ، خروج آدم وإنكيدو من حالة الطفولة وفردوس البدائية أعطاهما الألوهة -النضج، والقدرة على خلق الحضارة، والعمل الجاد لكسب الرزق. لكن النضج سلاحًا ذو حدين لأنه لا يؤول فقط إلى الإبداع والحضارة، بل أيضًا إلى الخطأ والاضمحلال في أحيان أخرى. لذا، نضحت القصتان بألم الإنسان والخالق بسبب انسلاخ الإنسان من طفولته، لكن الانسلاخ شرا لابد منه لكي يصير المخلوق إنسانًا. تتكرر أيضًا تيمة فساد الطبيعة البشرية وحتمية الموت في القصتين: يعزل الله شجرة الحياة عن الإنسان في التكوين، وكذلك في نهاية الأسطورة، يموت "إنكيدو" ثم يبحث "جلجامش" عن ترياق للموت كي لا يموت مثل صديقه "إنكيدو" الذي أحبه. وحين يعثر "جلجامش" على نبات بإمكانه إبقاء الإنسان حيًا إلى الأبد، لا ينجح في الحصول عليه إذ يسرق أحد الثعابين النبات منه. نلاحظ أيضا تكرار فكرة مكر الثعبان والحية في القصتين. المفارقة الملحوظة بين القصتين تتضح في دور المرأتين. تقدم الأسطورة المرأة "شمحات" باعتبارها محرك "إنكيدو" الوحيد؛ فهي المسئولة عن خروجه من حالته الأولى لأنه لا يمتلك الحكمة مثلها، وليس له إرادة في كل ما حدث له. فهي تقوده مثل الطفل وتطلعه على خبايا العالم والملذات الأرضية. أما في التكوين، تؤكد القصة على مسئولية آدم الذي يبدأ الله بمعاقبته قبل حواء والحية بالرغم من تحريك حواء له. تقول د. كرستين هايز إن من يقرأ نص التكوين بدقيق، سيكف عن إلصاق الجرم بحواء وحدها: يخبر الله  آدم بتحريم شجرة معرفة الخير والشر قبل خلق حواء، مما يعني أن حواء لم تسمع نهي الله بأذنيها مباشرة وسمعت عن الأمر من آدم. نلاحظ أن حواء تقول للحية إن أكل الشجرة ومسها أيضًا يجلب الموت. فمن أين جاءت بفكرة اللمس؟ هل نقل آدم كلام الله بشكل خاطيء أو بمبالغة جعلته يفقد مصداقيته؟ ولذلك، صدقت حواء كلام الحية التي لم تكن شيطانًا بالنسبة لحواء بل أحد حيوانات الجنة! (د. كرستين هايز) وَأَوْصَى الرَّبُّ الإِلهُ آدَمَ قَائِلًا: «مِنْ جَمِيعِ شَجَرِ الْجَنَّةِ تَأْكُلُ أَكْلًا، وَأَمَّا شَجَرَةُ مَعْرِفَةِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ فَلاَ تَأْكُلْ مِنْهَا، لأَنَّكَ يَوْمَ تَأْكُلُ مِنْهَا مَوْتًا تَمُوتُ». وَقَالَ الرَّبُّ الإِلهُ: «لَيْسَ جَيِّدًا أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ، فَأَصْنَعَ لَهُ مُعِينًا نَظِيرَهُ». (تكوين 2: 16-18) فَقَالَتِ الْمَرْأَةُ لِلْحَيَّةِ: «مِنْ ثَمَرِ شَجَرِ الْجَنَّةِ نَأْكُلُ، وَأَمَّا ثَمَرُ الشَّجَرَةِ الَّتِي فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ فَقَالَ اللهُ: لاَ تَأْكُلاَ مِنْهُ وَلاَ تَمَسَّاهُ لِئَلاَّ تَمُوتَا». (تكوين 3: 3) المفارقة الأخرى هي أن الأسطورة تقدم العلاقة الجنسية باعتبارها بابًا للخروج من الطبيعة، وتشير للمرأة بـ"البغي المومس"، يمكننا أن نقول إن المرأة الساقطة في الأسطورة تؤدي دور الملاك الساقط، فالمرأة والجنس هما الباب المؤدي للعالم المتشعب بالمخاطر، المؤدي في النهاية إلى موت "إنكيدو" البريء الذي سيقتل أحد أبناء الآلهة، فستقتله الآلهة انتقامًا. محللو الأسطورة يشيرون إلى ذلك الجانب المعادي للمرأة والجنس بها بشكل واضح (Sexist). أما في التكوين، نجد أن تغيير الطبيعة مرتبط بالحرية الأدبية، أي حق الخطأ والتجربة، لكن الجنس هو ضمن خطة الله للبشرية، وعلاقة مقدسة. حديثًا، أضفى المسيحيون معان جديدة على نصوص التكوين، وتأثروا بالفلسفات الغنوصية، خالفوا واحتقروا الجنس حتى أصبحوا ينادون بطهارة الأسماك أكثر من لحم الحيوان لأن السمك يتكاثر بلا جنس حسب فهمهم! ولأنهم لم يقرأوا قصص التكوين في سياقها (الأساطير الأولى)، ما زلنا نجد حواء متهمة بإدخال الخطيئة إلى العالم مع أنها لم تسمع قول الله مباشرةً، ولم تعلم معنى قول الحية "عارفين الخير والشر" لأنها كانت في حالة براءة، لا تعرف ما هو الشر في الأساس! لعلك تقول ربما خطيئتهما هي الكبرياء لأنهما وافقا أن يصيرا مثل الله. لكن، إن كان الكبرياء دخل قلبهما قبل الأكل من الشجرة فرغبوا في أخذ مكانة الله، فما هو دور الشجرة إذن؟ فهل خطيئة الكبرياء كانت موجودة قبل السقوط؟ نحن بحاجة إلى إعادة قراءة النصوص بشكل جدلي وفي سياقها الأصلي. --- ### عيد يوم الخمسين - Published: ۲۰۲۲-۰٦-۱۹ - Modified: 2022-06-17 - URL: https://tabcm.net/6499/ - تصنيفات: لاهوتيات نعمة الروح القدس في  الإنسان: الحلول والامتلاء من الروح القدس. لقد أنعم الله الآب بحلول روحه القدوس يوم الخمسين وسكناه الأبدي في قلب كل مَن يؤمن بالمسيح وفي سر المعمودية والميرون. أما الامتلاء  بالروح القدس فيحدث كلما ألتفت وعي الإنسان لعمل الروح القدس الساكن في قلبه خلال قراءة الإنجيل أو الصلاة، و غير ذلك من لقاء  ينصت فيه الإنسان لهمسات روح الله إليه. كما يحدث أيضاً بلقاء شخص ممتلئ بروح الله، أو زيارة أماكن تقدست بتواتر عمل الروح القدس في ساكنيها أو أحداث مقدسة حدثت هناك. إن الامتلاء بالروح القدس يماثل حال تلاميذ الرب في أثناء تواجدهم معه فوق جبل التجلي حيث رأوا مجده وحيث كان لسان حالهم أن يبقوا في ذلك  المجد إلى الأبد كما ظهر في اشتياق  القديس بطرس  وقوله "يا رب نصنع هنا ثلاث مظال". كنت أصلي القداس الإلهي وكانت نعمة الامتلاء بالروح إذ تعطف بكشف واستعلان معاني في صلاة القداس، التي نسميها الليتورجية، وقد صاحَبها فرح جبل التجلي. وبينما الحال كذلك سمعت عبارة في الصلاة و قراءتها هكذا: "شركة وإصعاد أسرارك الإلهية المقدسة"، وفيها يقدم الكاهن الخديم الشكر لله على كل خيراته لنا في القداس نحن المؤمنين، ولكنه نطقها بتحوير طفيف مِن عنده ربما يقصد توضيح معني الصلاة، فقد أستبدل كلمة "إصعاد" بكلمة "تناول" وقال العبارة :  "شركة وتناول أسرارك الإلهية المقدسة"، ودون أن أدري، وكأني نزلت من فوق جبل التجلي! ! وانتبهت لتأثير استبدال الكلمتين، فاسترجعت رحلة الروح خلال شركة صلاة هذا القداس، كيف كانت ولماذا تعوقت باستبدال كلمة "إصعاد" بكلمة "تناول"؟ فقد بدأت بسماع صلاة الكاهن الخديم شاكراً الرب: "أعطيتنا هذا السر العظيم الذي للتقوى/ للخلاص"، انتبه الوعي أنها صلاة مسندة بآية الكتاب المقدس "عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد"، وأن القداس الإلهي هو امتداد مزود بيت لحم (بيت الخبز) حيث نحن أمام سر تجسد ابن الله الممتد في الزمن المخلوق حتى هذه اللحظة والكاهن الخديم  ونحن نشكر الرب عليه. فالكاهن يخاطب الرب قائلاً: "أخذتَ خبزاً علي يديك الطاهرتين المحييتين وشكرتَ وباركتَ وقدستَ (الخبز)"، وقبل ذلك كانت صلاة الكاهن أن  "اقبل إليك تقدماتنا مِن الذي لك". فنحن نقدم للرب قرباناً من الخبز، حيث القمح رمز يشمل حياة الإنسان وعمله في الأرض لتنتج قمحاً تقتات عليه حياة البشر، هذا معناه أن الرب يَقبل قرباننا ويأخذه لنفسه ويقدسه ويجعله "جسداً مقدساً له" كما تقول صلاة القداس. فإذا بفرح عظيم غامر، فنحن في القداس الإلهي نقدم للرب ذواتنا وأشخاصنا في شكل تقدماتٍ مِن طحين قمح الأرض، يأخذها الرب ليتحد بها،  فالرب هو "حبة الحنطة" التي "وقعت في الأرض وماتت" لأجلنا كما قال الكتاب. إن الرب بتجسده قد لبس جسدنا ليجوز به ولأجلنا مراحل سر الخلاص، وها نحن مع  الكاهن الخديم نشكره ونسبحه على صنيعه "أخذتَ خبزاً / جسدنا على يديك الطاهرتين المحييتين (طبيعتنا أخذتها خاصةً لك) وشكرتَ وباركتَ وقدستَ (أجسادنا/ الخبز)"، ونفس هذا المعنى  يأتي في موضع آخر بصلاة القداس هكذا "باركت طبيعتي فيك". كما قال آباء الكنيسة الأوائل أن "كل من يلبسه المسيح يخلص"، فكل مائت لابد له أن يحيا بمجرد دخول رب الحياة فيه، فهكذا عادت الحياة بالتجسد الإلهي إلى الإنسان (الذي انفصل عن حياة الله فدخله  الموت)، وقد قال الكتاب عن سر تجسد المسيح أنه "السر العظيم الذي للتقوى"، لأن القداسة والتقوى لا يشتريها إنسان ولا يستحدثها، فهي تخص الله وحده فقط وليست بيد إنسان بل يعطيها الله للإنسان، كنعمة يأمر بها للذين يحبونه "كونوا قديسين لأني أنا قدوس". نأتي الآن لتلك العبارة سبب هذا المقال "شركة وإصعاد أسرارك الإلهية المقدسة" فهي عبارة  تلخص سر التجسد والخلاص الإلهي الذي فيه أخذ الرب طبيعتنا ولبسها جسداً له و تمم فيها مراحل خلاصه لنا: التكفير/ البراءة/ التبرير/ التقديس/ التمجيد (Theosis/ تأله الإنسان بالاتحاد بناسوت المسيح). إن الرب الإله قد شاركنا طبيعتنا البشرية بتجسده الإلهي في بيت لحم، وكل إلهي هو غير متغير لا يزول، بالتالي لا يتكرر لأنه ممتد فوق الزمن  المخلوق، إن جسد الرب في مزود بيت لحم نراه  ممتداً -دون تكرار- في يوم الخميس الكبير حيث قدمه الرب لنا "خذوا كلوا هذا هو جسدي"، وأيضاً في سر الافخارستيا في كل قداس "أصنعوا هذا لذكري"، "مَن يأكل جسدي ويشرب دمي يكون فيَّ وأنا  أكون فيه"، إن ذِكرى الرب ليست ذكرى عقلية بل حضور شخصه كما أعلن لتلاميذ بعد قيامته "جسوني وأنظروا". في إنجيل يوحنا الإصحاح الأول يقول المسيح: "مِن الآن ترون السماء مفتوحة وملائكة الله تصعد وتنزل علي ابن الإنسان (المسيح)".   فجسد ابن الإنسان قد صار "طريقاً حياً" ممتداً إلى السماء (عبرانيين ١)، فقد فتح الرب بتجسده طريق الملكوت وصرنا في المسيح "أهل بيت الله"، وهو قال لنا "ها ملكوت الله داخلك"،فالكنيسة هي أنتم المؤمنون باسمه، فهي "مسكن الله" على الأرض و"بيت الملائكة"، ونحن نعيش الملكوت  منذ الآن، لذلك، نصلي في القداس قائلين: "والحجاب / الحاجز المتوسط نقضته (الذي يحجب السماء وأهلها عن الساكنين  في الأرض) والعداوة القديمة هدمتها. وتأسيساً علي كل ذلك الحق الإلهي في صلاة القداس فإن العبارة سبب المقال تكون (شركة وإصعاد أسرارك الإلهية المقدسة) لأنها تشير إلى شركة واتحاد مستمر -بين ناسوت المسيح الإله وبين بشريتنا نحن المؤمنين- يمتد من بيت لحم إلى حيث المسيح جالس الآن في مجده عن يمين الآب، هذا يؤكده الروح القدس لنا في كل قداس بواسطة سر القربان/ الافخارستيا، الذي يشرح قول المسيح (إنجيل يوحنا الإصحاح الأول) أن تجسد المسيح ووجودنا فيه هو سر أبدي يمتد من بيت لحم مروراً بيوم الخميس الكبير ويوم الصليب والقيامة ثم صعود الرب إلى السماء بجسدنا وطبيعتنا فيه بعد تقديسها "أقامنا معه وأجلسنا في السماويات" إلى يمين الآب. ثم نختم صلاة القداس الإلهي بتسبحة وطلبة على فم أبونا وهو يرش إلى أعلى ماء غسل أواني تقدمتنا للرب ويقول "يا ملاك هذه التقدمة/ الصعيدة الطائر إلى العلو بهذه التسبحة أذكرنا أمام الآب ليغفر لنا خطايانا". وقد أجاب الروح عن تساؤل آخر في هذا القداس عن معني صلاة الليتورجية المقدسة التي يصلي بها الكاهن الخديم مخاطباً الرب:  "نقدم لك قرابينك مِن الذي لك، على كل حال، وفي كل حال، ومن أجل كل حال"، فرغم أنها (قرابيننا) ونحن الذين نقدمها في القداس، إلا أننا ندعوها (قرابينك)، لأنه كما شرحنا في المقال أعلاه أن الرب يقبل ذواتنا، بواسطتها، ليتحد بنا فقد لبسها الرب خاصة له بتجسده "أخذتَ (يا رب) خبزا على يديك الطاهرتين. . "، فصارت له. وأيضاً  لأن ذواتنا التي نقدمها كقرابين لله في القداس هي في الحقيقة صنعة يداه، فيشير الكاهن إلي ذلك بقوله "نقدم لك مِن الذي لك". ويضيف الكاهن أن طبيعتنا البشرية كانت للرب (علي كل حال وفي كل حال ومن أجل كل حال). فانتبهت إلى ثلاث أحوال مرت بها خليقة الإنسان: الحال الأول: "نقدم لك قرابينك مِن الذي لك (على) كل حال"، هذه حال طبيعة الإنسان عند خلقها (على) صورة الله ومثاله. الحال الثاني: "نقدم لك قرابينك مِن الذي لك. . (في) كل حال"، هذه حال طبيعة الإنسان عندما لبسها المسيح "الله الظاهر (في الجسد)". الحال الثالث: "نقدم لك قرابينك مِن الذي لك. . (من أجل) كل حال". هذه طبيعة الإنسان عندما أكمل الرب غايته بتدبير الخلق والخلاص لنا فصار "الله الكل في الكل" بنعمة اتحاد المؤمنين بالخليقة الجديدة الإنسانية في المسيح يسوع. هذا ما يسميه آباء الكنيسة (ثيؤسيس/ التأله/ Theosis) . والسُبح لله. --- ### مش التطور سقط في الغرب؟ - Published: ۲۰۲۲-۰٦-۱۷ - Modified: 2023-11-19 - URL: https://tabcm.net/5442/ - تصنيفات: شئون علمانية - وسوم: Creationism, Mutation, الانتخاب الطبيعي, التصميم الذكي, العلم الزائف, الكنائس الأرثوذكسية, الكنيسة الكاثوليكية, المنهج العلمي, بروتستانت, تشارلز روبرت داروين, معهد ديسكفري, نظرية التطور الاجابة المختصرة على السؤال دا هو: "لأ". لكن عشان نفهم سوء التفاهم دا بيجي للناس منين هنحتاج نتكلم عن حركتين موجودين في المجتمع الأمريكي واللي منهم بتنتشر الجملة دي للناس اللي متعرفش حاجة عن التطور. الحركة الأولى معروفة باسم الخلقية-Creationism الجماعة الخلقيين هما ناس ببساطة بتفسر الكتاب المقدس بحرفية تامة، بمعنى انهم مش بيرفضوا التطور بس، لكن غالبًا بيبقوا رافضين برضو حاجة زي نظرية الانفجار العظيم-Big Bang Theory، بيبقوا مقتنعين إن الطوفان حصل بالفعل على مستوى عالمي، وإن الأرض والكون كله عمرهم 6000 سنة (أو 7000 أو 10000 سنة بالكتير) وإنه اتخلق بالحرف في 6 أيام بالظبط، كل الحفريات اللي زي الديناصورات أو الحيوانات المنقرضة دي بالنسبالهم انقرضت في وقت الطوفان أو ما شابه. طبعًا الجماعة دول بيتعاملوا باعتبارهم مادة خام للسخرية والـMemes مش اكتر، زيهم زي بتوع "الأرض مُسطحة"، لكن للأسف غير المُتعلمين من المُتدينين الأصوليين العرب بيتأثروا بيهم. الحركة التانية معروفة باسم التصميم الذكي-Intelligent Design. الحركة دي تعتبر وليدة لحركة الخلقية، لكنهم بيحاولوا يكونوا "علميين" شوية، فبيقبلوا مثلًا إن عمر الكون والأرض بنفس الأعمار اللي بيذكرها العلم، وبيقبلوا إن الطوفان مثلًا كان طوفان مكاني مش عالمي، والحاجة اللي ناس كتير بقى بتسيء فهمها عن الحركة دي إنهم بيرفضوا التطور بينما هما في الواقع بيقبلوه وبيقبلوا ترابط كل الحياة مع البعض من خلال سلف مشترك بما فيهم الإنسان، من اشهر المؤيدين للحركة دي عالم كيمياء حيوية اسمه مايكل بيهي- Michael Behe. طيب أمال إيه مشكلة الحركة دي؟ مشكلة الحركة دي إنها مازالت حركة غير علمية anti-Scientific، الفكرة اللي بتنادي بيها الحركة دي هو إن ايوه التطور موجود وبيحصل بين الأنواع، لكنهم مُقتنعين إن نظرية التطور اللي معانا النهاردة متقدرش تفسر كل التعقيدات الموجودة في الطبيعة وان لازم مُصمم ذكي يتدخل من وقت للتاني عشان يعمل التعقيدات اللي بنشوفها في الطبيعة. هما هنا مش بيحددوا مين هو المُصمم الذكي، دا عشان بيحاولوا يخلوا الحركة تبقى علمية مش حركة دينية، لكن الإشكالية إنها بتقع في نفس مشاكل الخلقية، وهي إنها مش قادرة تعمل أي تنبؤات قابلة للاختبار بالمنهجية العلمية، وبالتالي فهي مش علم. حاجة تانية بتعملها حركة التصميم الذكي هو إنهم بيتكلموا مثلًا عن تركيبات مُعقدة في الكائنات الحية ويدّعوا إن نظرية التطور متقدرش تفسرها وبيسموا التعقيدات دي بالتعقيدات الغير قابلة للاختزال-Irreducible Complexity أحد أشهر الأمثلة للتعقيدات الغير قابلة للاختزال هي العين (على اعتبار إن نصف عين متشوفش، هو يا إما عين كاملة يا إما مفيش)، إلا إن مع تطور البحث العلمي بتظهر أبحاث بتحل كيفية تطور الأعضاء الغير قابلة للاختزال من وجهة نظرهم، ولحد دلوقتي كل الأمثلة اللي جابها الجماعة بتوع التصميم الذكي تم طرح أمثلة لكيفية تطورها بآليات التطور المعروفة. أشهر معهد للجماعة بتوع التصميم الذكي هو معهد اسمه معهد ديسكفري-Discovery Institute، وكان من أشهر الحاجات اللي عملها المعهد دا عشان يقنع غير المُتعلمين إن العلماء بيرفضوا التطور هو انه جمع شوية علماء كلهم بيتفقوا على الـstatement الآتية: "We are skeptical of claims for the ability of random mutation and natural selection to account for the complexity of life. Careful examination of the evidence for Darwinian theory should be encouraged. " "نحن متشككون من الادعاءات القائلة بقابلية الطفرات العشوائية والانتخاب الطبيعي على تفسير تعقيدات الحياة. يجب تشجيع الفحص الدقيق للأدلة على النظرية الداروينية" المشكلة في الورقة دي حاجتين: أولًا إن الورقة دي من ساعة ما طلعت في 2001 لحد النهاردة ممضاش عليها غير 1000 عالم معظمهم من مجالات ملهاش أي علاقة بعلم الأحياء (كلها مجالات زي الفيزياء أو الرياضيات أو الهندسة أو الكمبيوتر ساينس وهكذا). المشكلة التانية إنها بتستعمل مصطلحات غير دقيقة، لإن زي ما وضحنا قبل كدا إن نظرية التطور بالشكل اللي بتُدرس بيه النهاردة مُختلفة عن الداروينية- Darwinism اللي بتفسر التطور فقط من خلال الطفرات والانتخاب الطبيعي، لو تلاحظ فالـstatement بتاعتهم مش جايبة غير سيرة الداروينية بالشكل اللي نادى بيه داروين، ودا في حد ذاته سوء تقديم للنظرية. المُشكلة مع الجماعة دي في أمريكا إنهم كانوا بيحاولوا يدرسوا التصميم الذكي في المدارس الحكومية على اعتبار إنها نظرية علمية منافسة لنظرية التطور، وفي سنة 2004 حصل إن بعض المُدرسين حاولوا يدرسوا التصميم الذكي في الفصول في المدرسة، لكن الأهالي رفعوا قضية للمحكمة الفيدرالية في أمريكا وحصلت مُحاكمة اتعرفت باسم Kitzmiller v. Dover Area School District (قضية كيتسميلر ضد مدارس منطقة دوفر) (*) وكان من أشهر اللي دافعوا عن التصميم الذكي في المحاكمة دي هو مايكل بيهي، وكان من أشهر اللي وقفوا ضده هو كينيث ميلر-Kenneth Miller، اللي حصل في المحكمة إن الجماعة بتوع التصميم كانوا بيحاولوا يقولوا إن التصميم الذكي هو نظرية علمية، لكن القضية في النهاية انتصرت لصالح التطور لإن التصميم الذكي مش نظرية علمية، لكنه وجهة نظر دينية بتحاول تقدم نفسها باعتبارها علم لكنها في الواقع مبتخضعش لمعايير العلم، وكان من هنا إن التصميم الذكي أتمنع تدريسه في المدارس الحكومية الأمريكية، ومن هنا مفيش عالم بيتعامل مع التصميم الذكي بشكل جاد. النهاردة بيتم اعتبار التصميم الذكي علم زائف-Pseudoscience زيه زي الخلقية وفرضية الأرض المُسطحة والتنجيم، وبالتالي أي حد بيدخل يدرس حاجة زي دي في فصل علوم غالبًا بيترفد لإنه ميفرقش حاجة عن مدرس الرياضيات اللي دخل يقول للعيال إن 1+1=4 أو مُدرس الفيزياء اللي بيدخل يقول للعيال إن الشمس بتلف حوالين الأرض. لكن دا مش معناه إن التطور هو بالضرورة ضد وجود الله أو حتّى ضد الدين، في الواقع، كينيث ميلر اللي دافع عن التطور ضد التصميم الذكي هو عالم كاثوليكي، وهو بيميل لتبني فكرة الـTheistic Evolution أو ممكن نترجمها "التطور الإلهي". التطور الإلهي دا مش نظرية علمية، ولا هي ضد العلم، هي وجهة نظر فلسفية-دينية. ببساطة بتنادي بإن نظرية التطور زي ما العلماء فاهمينها النهاردة هي نظرية علمية قوية ومقبولة لكنها ببساطة مش بتتعارض مع الله أو الدين، بظبط زي ما نظرية الجاذبية مش بتتعارض مع الله أو الدين. أنت لما بتيجي تحل معادلات نظرية الجاذبية مش بتحط "الله" في المُعادلة ولا بتقول إن الله هو اللي بيزق الكواكب حوالين الشمس! لكن إن ببساطة دي نظرية علمية قادرة تفسر الظواهر دي بشكل طبيعي بدون اللجوء لقوى خارقة للطبيعة، الله مش دوره في المعادلة ولا في انه يزُق الكوكب، لكن دوره ورا النظام ككل وهو أبعد بكتير من الـscope of science. دي فكرة التطور الإلهي، وبالتالي فهو مش نظرية علمية، والمُتبنيين ليه مش بيقولوا إنه نظرية علمية، لكن إنه وجهة نظر أو Thesis (أطروحة) عن علاقة العلم بالدين، ودا التصور اللي بتتبناه النهاردة الكنيسة الكاثوليكية والكنائس الأرثوذكسية الخلقيدونية ومعظم الكنائس البروتستانتية. الأطروحة دي مش علمية، وبالتالي قبولها أو رفضها ولا هو علمي ولا هو ضد-علمي.   (*) في فيلم وثائقي اتعمل على المحاكمة المذكورة  اسمه "Judgement Day: Intelligent Design on Trial" لو حد حابب يتعرف اكتر على تفاصيل المحاكمة ممكن يتفرج عليه. --- ### إرنست وليم يكتب: الزَّيف المُريح - Published: ۲۰۲۲-۰٦-۱٦ - Modified: 2023-11-27 - URL: https://tabcm.net/6605/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: أرسانيوس وديد, أنبا غريغوريوس، أسقف البحث العلمي, الأب متى المسكين, الجماعات الإسلامية, الصحوة الإسلامية, الصوفية, الغنوصية, الكلية اﻹكليريكية, بابا شنودة الثالث, بروتستانت, چورچ حبيب بباوي, دير الأنبا مقار الكبير, رئيس محمد أنور السادات, محمد متولي الشعراوي في رحلتي الأخيرة لمصر، دخلت بالصدفة لكنيسة العذراء بمحرم بك، وهي الكنيسة التي كان عليها القمص "أرسانيوس وديد" الذي قتل على يد احد أقطاب الجماعات الإسلامية في الصعيد غدرا وغيلة، وهو برفقة أبناءه وبناته من الكنيسة في رحلة ترفيهية على الكورنيش. كان من السهل استنتاج ذلك من وجود الصور له وأنا بمكتبة الكنيسة، وتأكد لي ذلك بعد السؤال، ولكن مما لفت انتباهي اكثر هو وجود بعض الكتب للأب متى المسكين فيها كتاب اشتريته عن السيرة التفصيلية للأب متى المسكين (1919 – 2006م)، وهي ليست مذكراته التي وضعها في كتاب آخر قبل وفاته، ولكن سيرة تفصيلية نشرها تلامذته من الرهبان، وعلى الرفوف الواقعة في مواجهة باب الدخول، موقع مميز جدا بمنطق المبيعات. ولان القضية ليست "مبيعات" بالتأكيد ولكن على الأقل مُفَاد ذلك هو عدم الحرج من عرض هذه الكتب التي ربما لا يعرف الكثير أن الأب متى المسكين منعت كتبه من العرض في حياة البابا شنودة في الكنائس القبطية لأكثر من ربع قرن، ورفضت كتاباته أو أي كتابات تصدر عن دير الأنبا مقار الذي كان رئيسه وعليه تلاميذه من عرضها في معارض الكتاب القبطية التي نظمتها الكنيسة. وبعيد عن الخلافات السياسية حول السلطة واتهام كل منهما الصريح أو الضمني بالرغبة في لعب دور زعامي داخل الكنيسة أو خارجها بما لا يتوافق مع تقاليد الكنيسة وروحانيتها، وشعور كل منها بان الآخر يُجيش له ويحشد الاتباع ويتحين الفرص للعب دور اكبر داخل الكنيسة وخارجها ويتحدى إرادته ولا يعترف بسلطته أو بقامته الروحية، فان الأمر انتقل من مجال الرأي السياسي الزعامي إلى اختلاف في كل أمر، وحول أي قضية تخص طريقة إدارة الكنيسة أو الدير الخاص بالأب متى المسكين، ونفوذ البابا أو هيمنة هذا القمص في مجاله الحيوي بهذا الدير وخضوعه له، إلى الأديرة بوجه عام ودورها وحدودها، إلى سياسة المجتمع القبطي والعمل الاجتماعي للكنيسة، وقضية المطالبة بحقوق الأقباط ورفع شكواهم وامتعاضهم من أي معاملة تميزية عن طريق البابا في شبه اعتراض على سياسات الدولة وعدم قبول الاضطهاد بفرح بل بتململ وجعل المطالبة بالحقوق احد مهام الكنيسة بل أولوياتها بما يبعد الكنيسة عن دورها في إعداد ورثة السماء من خلال المعاناة. بل ذهب الخلاف بلينهم إلى اتهام كل منهم للآخر في عقيدته واستقامة تعاليمه الأرثوذكسية. والحقيقة إننا لا نعرف في التاريخ خلاف سياسي إلا أخذ في النهاية شكل اتهام في العقيدة يخفي أسبابه الموضوعية، وهي في الواقع صراع اجتماعي طبقي أو على سلطة ونفوذ، وموضوعه عروش أو هيمنة على نفوس مستعدة للطاعة، بل قل الهيام والذوبان في شخص هذا أو ذاك لا شخص المسيح كما يسهل القول ولا يليق بالعاقل تصديقه. فالسلوك والتاريخ والحاضر والماضي يكذب كل ذلك ولكن يحب الناس الصورة عن الحقيقة والكذب عن القلق، وهذا جوهر المقال الذي سنختم به، ولكن ليس قبل أن نعرض في اقتضاب موقف بعض أعلام الكنيسة لتتضح الصورة اكثر ويصير السؤال اكثر جدية مما نتخيل. نقول أن الأخطر من ذلك هذا الصراع الذي كان للأنبا غريغوريوس، المُتوفّى عام 2001م وهو اسقف التعليم والبحث العلمي، دور فيه وموقف لا يخفيه لصالح أصالة التعاليم الأرثوذكسية للأب متى المسكين، في مقابل كل ما يبتدعه البابا من كلام في اللاهوت والعقيدة عن جهل مبين، وخلفه قطيع من الجهلة والمُجهلين لا يعرف غير التصفيق. لقد كتب الأنبا غريغوريوس ذلك صراحة في مذكراته بل ونشر نص الرسالة التي كتبها للبابا شنودة يقول فيها أنه لو جمع ما يتفوه به من أخطاء لاهوتية وهو على منبره يصول ويجول لثقلت المجلدات التي تدون عناوينها، وكذلك تصريحات الأستاذ الدكتور جورج حبيب بباوي، المتوفى عام 2021، المعلنة والمسجلة أيضا، والذي كان سبب غضب البابا عليه انه لم يوافقه -وهو في موضع الحظوة لديه- على أن يكتب ضد ما يعلم به الأنبا غريغوريوس أولا، ثم الأب متى المسكين، وهو أستاذ اللاهوت الدارس، بل الأكثر دراسة فيهم أكاديميًا. وهناك تسجيلات كثيرة وطويلة متوفرة اليوم لمحاضرات ألقاها البابا شنودة على طلبة الكلية الإكليريكية يعرض فيها بدع وهرطقات الأب متى المسكين، دون الإشارة أبدا إلى خلافاتهم القديمة زمن السادات واقتراحه اللجنة الخماسية التي كان الأنبا غريغوريوس احد أعضائها فترة نفي البابا إلى ديره، لإدارة شؤون الكنيسة حتى تحل هذه الأزمة. وعودة إلى المكتبة. . وفي آخر الرف وفي الزاوية البعيدة، كانت هناك كتابات البابا شنودة -ربما لا يكون ذلك مقصودًا- ولكن الأكيد أن وجود هذه الكتب على قلتها لطرفين ندر وجودهما معا في مكان واحد إلا عند من لا علم له بالأحداث والمواقف ومعاني هذه الكتابات في خارج كل ما هو روحي تأملي إنشائي انتشائي، غنوصي تصوفي، فيأخذ مثل هؤلاء الكتب على سبيل البركة والتبرك، وكله كلام ربنا وتأملات روحية في بساطة يحسدون عليها فعلا.  أما عن الأفكار وما بين الرجلين من اتهام لكل منهما للأخر في العقيدة ذاتها وخلف كل منهم مريدين ومؤيدين وأتباع وتبع، ومناضلين ومجاهدين حراس عقيدة ومنافحين ضد هجمات عدو الخير الذي يريد زعزعة العقيدة مستخدمًا هؤلاء، ولكل فريق هؤلاء هم اتباع الآخر ومن استحسن تعاليمه. ولكن وربما لحسن الحظ أو سوءه فإن ميزان القوى والخوف من إحداث شرخ في الكنيسة اجبر كل منهم مع الحد الأدنى من البراغماتية إلى "اللغوشة" على الموضوع وتحجيمه وحصره في أضيق الحدود مع اعتراف كل منهم بحدود عمله ومراكز نفوذه لحين جولة أخرى تتغير فيها المواقع ومواضع الهيمنة. ولكن لم يمنع ذلك بالتأكيد من بعض الضربات تحت الحزام لكل منهم للأخر أو من اتباعهم المقربين الذين أحيانا يفوقون أساتذتهم عدوانية وشراسة. ورغم قلة الكتب بوجه عام في مقابل زيادة مهولة مرعبة في مكتبات الكنائس الآن للصور والإيقونات، بل اجتياح واكتساح الرفوف بتماثيل بأحجام وخامات مختلفة –لم تكن على أيامنا أصلا– بل للبابا شنودة بهذه المناسبة تسجيل صوتي يتحدث فيه عن وسطية الأرثوذكس في مقابل تطرف بروتستانتي يعتبر التصوير وثنية، في مقابل تطرف كاثوليكي عاد إلى التماثيل بشكل عبادات وثنية، فرغم قلة الكتب كانت الكتب المعروضة أكثر لو استثنينا بعض الكتيبات القليلة للأطفال برسوماتها وألوانها الناطقة عن نفسها وموضوعاتها، فان المكتبة احتلها اسمان، يبدو لكل داخل أنهما عمودان في الكنيسة ولاهوتيان قام عليهما البناء فاستقام، وتركا تراثا مشتركًا يثري المكتبة القبطية، وانضما إلى خالقهما بعد أن زادت سحابة الشهود واتسعت في السماء وعلى الأرض ظلال غنى وفيء منعش في شمس العالم الحارقة، واحة سلام وبأي منهما اقتديتم اهتديتم. كذلك قد نجد صورة للبابا شنودة على أنه حبر الأمة المنزه عن كل غرض لمصلحة الوطن والإنسان، وبجانبه الشيخ الشعراوي إمام الوسطية الجميل نموذج الإسلام الوسطي في اجمل عهوده، عهد الصحوة الإسلامية المباركة في أوج تألقها. فماذا نقول عن هذه الصور وهذا التواجد بين أضداد صاروا واحدًا في بناء وهمي قائم كله على تصور مخالف تمامًا لما حدث وقيل وفعل على الأرض، وكل عاقل تابع يعرف بطلان كل ذلك وانه تزييف لتاريخ ووعي وإهدار للتجربة الإنسانية بحلوها ومرها لصالح رؤية رومانسية كاذبة كاذبة كاذبة حد الوقاحة بقدر ما يتصور البعض أنها تصالحيه هادئة ملهمة. وهنا السؤال والدعوة للتفكير، هل نزعج الناس بالحقيقة قبل أن يعاد كتابة ما حدث ولم يعد حاضرا ومات شهوده فيصير تاريخ زيفه حقيقة، وحقيقته درب من التخمين الذي اغلبه شطط حتى يكاد زيف التاريخ بجانبه أكثر إنصافًا من شططه؟ أم نزعج الناس بالحقيقة التي يراها البعض الآن زيف رغم كل ما رأيناه ورأوه هم بأعينهم، والكتابات والتسجيلات قائمة، ولكنهم عشقوا ما كانوا يتمنون لا ما كانت الأمور والأشخاص عليه، وأرعبتهم الحقيقة فكَذَبوا من يذكرهم بان رومانسيتهم بيت عهارة يتصورنه قدس أقداس هم فيه العاهرة والقواد، الكاهن والفاجر؟ كل أكاذيب الماضي إن صدقها شعب صارت عنه وعنده الحقيقة، وفعلت فعل الحقيقة لان زيفها لا شاهد عليه، وما لا شاهد عليهم وان حدث هو والعدم سواء. فهل نصنع أكاذيبنا ما دامت مفيدة أم نستمر في محاولة الاقتراب من الأحداث بأكثر شكل ممكن من الموضوعية قدر قدرة البشر على الاستيعاب والعرض والفهم بموضوعية نسبية كوننا بشر، أم أننا بذلك نضر المجتمع ونسيء للحاضر ونحجب شمس الزيف المريح عنهم؟ --- ### القيم الأخلاقية [الاقتصاد وتأثيره] - Published: ۲۰۲۲-۰٦-۱۵ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/6487/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: حركة البيوريتان, رينولد نيبهور, فايز فارس خصَّص رينولد نيبهور (هو مصلح لاهوتي أمريكي وخبير في علم الأخلاق كتابه "الأخلاق المسيحية") لمحاولة جمع الإجابات عبْر التاريخ المسيحي للوصول إلى إيمان له معنى وتأثير أخلاقي، ورصد فيه متغيرات القِيَم الأخلاقية بدايةً من ظهور المسيحية حتى زمن كتابته. نشير إلى حالتين وردا في كتاب نيبهور يوضِّحان تأثير المتغيِّرات الاقتصادية على القِيَم الأخلاقية وهما حركة البيوريتان، وحركة الإنجيل الاجتماعي اللتان عاصرتا القرنين الـ17 ،والـ 18. القِيَم الأخلاقية التي سادت في تلك الحِقبة • المحافظة على الأمان الاقتصادي بأي وسيلة. • السعي وراء الدخول العالية. • ظهور الحركات الاستعمارية نتيجة الثورة الصناعية والبحث عن أسواق لتصريف المنتجات وجلب المواد الخام والأيدي العامِلة. 1-حركة البيوريتان: شهد القرن السابع عشر تحوُّلا من المجتمع الإقطاعي الزراعي الذي كان سائدًا في زمن لوثر (السيد مالك الأرض والأقنان أي العبيد الذين يعملون في زراعة أرض السيد)، إلى النظام الرأسمالي مع توسـُّع ملحوظ في التجارة والاستثمار، وكانت القِيَم الأخلاقية السائِدة في ذلك الوقت قيم البيوريتان، وأغلبهم من الطبقة الوسطى الصاعِدة الذين التزموا بالفضائِل والدعوة للحياة البسيطة، إلا أن هذه الدعوة تزامنت مع النجاح الاقتصادي سواء رغب فيها البيوريتان أم لا –فقد كان النجاح الاقتصادي حتميًا. لذلك فإن البيوريتان قد يجدوا أنفسهم في مواجهة مع مشكلة ضميرية وهي ما مدى صحة الازدهار الاقتصادي بالنسبة للمسيحي الأمين، فكانت الإجابة من الناحية اللاهوتية في فكرة الوكالة، وهي أن الله بارك بالثروة، فعلى الإنسان إدارة أعماله بروح مسيحية. ربما كانت الأمانة التي نادى بها البيورتان سببًا في ازدهار الاقتصاد(نيبهور) في مفهوم حركة البيوريتان لم تكن الأخلاق الاجتماعية المرتبطة بالجماعة والدولة أو المنظّمات الاجتماعية تجد اهتمامًا لديهم، بل إنهم نادوا بأن الكنيسة يجب ألا تختلط بالعالم، فلكي ينجحوا في تطبيق نظامهم الأخلاقي الصارِم الذي وضعوا قواعده كان عليهم أن ينفصلوا عن المجتمع في جماعات انعزالية، وشجعت هذه الانعزالية روح الكبرياء الروحية إذ عدّوا أنفسهم نوعًا يختلِف عن الناس العاديين، عندما نجحوا أن يتغلـَّبوا على بعض الممارسات الجَسَدية مثل الحِلف والشُّرب ولعب القِمار وغير ذلك، وهم إلى ذلك تعرَّضوا لما تتعرَّض له المجتمعات المُنغَلقة عادة من أخطاء الغَيْرَة والمنافسة والتعالي مما أوجد الانقسامات بينهم فتحوَّلوا إلى فِرق كثيرة ولم يستطيعوا أن يحفظوا روح الوحدة التي هي من المظاهر الهامة للمحبة المسيحية". (من كتاب د. ق. فايز فارس، الأخلاق المسيحية) هذه هي أخلاقيات القرن السابع عشر ، التي عالجَت حِقْبَة تحُّول تميَّزت بتطلُّعات الأفراد إلى أوضاع جديدة على المجتمع 2-الإنجيل الاجتماعي: أو حركة أخلاقيات ملكوت الله، التي ظهرت في أمريكا في القرن الثامن عشر وتواصلت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ووصلت لأعلى تأثير لها في الرُبع الأول من القرن العشرين. رأت حركة الإنجيل الاجتماعي أن الكنيسة في ذلك الوقت لا تهتم بالمظالِم والقِيَم الأخلاقية وتترك رأس المال المفتوح يطحَن الطبقة الفقيرة. رصدت حركة الإنجيل الاجتماعي مظِالم التصنيع الرأسمالي، وبنوا لاهوتهم على أن الله لا يقِصر اهتمامه بروحانيات الإنسان فقط ولكنه يقيم ملكوتًا على الأرض يعالِج الضعف البشري ويمنح القوة للعيش في ملكوته الذي يتميَّز بالبِر والحق، وأن الإيمان يعطي رؤية مستقبلية لأخلاقيات المؤسسات التي انزلقت إلى تحقيق المكاسِب السريعة على حساب استهلاك بل طَحْن العِمالة سواء الأطفال أو النساء أو الرجال. استند هؤلاء اللاهوتيون على فكرة المُصالَحة التي أقامها الله مع البَشَر والتي على أساسها أقام ملكوته على الأرض. ورأوا أن الخلاص والغفران لا يُعالِجان الضعف البشري فقط، ولكن يمنحان القوة للعيش في ملكوت الله الذي يتميَّز بإقامة الحب والبر. رأى لاهوتيو الإنجيل الاجتماعي أن الإنسان نادرًا ما يخطئ ضد الله فقط وحده وهو ما يتضح في الوصايا العشر، التي غالبًا ما يلجأ اللاهوت إلى فصل اللوح الأول (الوصايا الخمس الأولى) عن اللوح الثاني (الوصايا الخمس الثانية) أما المسيح فقد أخذ وصية السبت من الخمس الأولى وأضافها إلى الثانية فلم يعد السبت من المحرَّمات ولكن لخير الإنسان. ثم أن المؤسسات الاجتماعية والاقتصاد –في أشد الحاجة للفداء المسيحي، وأن التصنيع الرأسمالي الأمريكي تحت سيطرة إله المال، ثم أن الإيمان يُحيي رؤية مستقبلية نبوية. والإيمان يرى الله العامل في العالم وأن الفداء ليس فقط لمعالجة ضعف اللحم والدم ولكن لقوة المبادئ وعوامل القوة، فإن لم يكن للكنيسة القوة التي بها تحيا الملكوت هنا والآن فإن الكنيسة هي مجرد مؤسسة مثلها مثل أي مؤسسة. يرى نيبهور في حركة البيوريتان مثالا للعلاقة الرأسية بالله وفي الإنجيل الاجتماعي مثالا للعلاقة الأفقية. ويرى أن: طلب الإصلاح الحقيقي يقتضي الانطلاق من العلاقة الرأسية لتفعيلها في العلاقة الأفقية، أي أنه وفى ضوء الحق الإلهي نتعامل مع القضايا القائمة. --- ### [۸] شظايا السياسة وصراعاتها - Published: ۲۰۲۲-۰٦-۱٤ - Modified: 2023-11-16 - URL: https://tabcm.net/6633/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أنبا بيشوي، مطران دمياط وكفر الشيخ, أنبا بيمن، أسقف ملوي, إكليروس, الأب متى المسكين, المجلس الملي, بابا شنودة الثالث, بيت التكريس, حبيب جرجس, دير الأنبا بيشوي, رئيس محمد أنور السادات, رئيس محمد حسني مبارك, صموئيل كامل عبد السيد, مجلة الكرازة, مجمع الأساقفة, مجمع نيقية, مدارس الأحد, مكرم اسكندر نقولا, نصحي عبد الشهيد بطرس حين كان علمانيًا كان سعيه إعادة الاعتبار للدور العلماني في الكنيسة، وتكامله مع دور الإكليروس، وآيتنا حدث الدفع باسم معلمه "حبيب جرجس" في معترك رسامة مطران للجيزة، وكانت مصادمة استدعت فيها الكنيسة الشرطة في حفل رسامة راهب لهذا الموقع حين صرخ "تجمع علمانيي مدارس الأحد" مقاطعين طقس الرسامة: غير مستحق ... غير مستحق، وتم إخراجهم خارج المحفل، ومن يراجع مقالات مجلة "مدارس الأحد" وقتها، وكان صاحبنًا مديرًا ثم لاحقًا رئيسًا لتحريرها، يلحظ احتشادها بما يؤكد ويوثق ويقنن هذا التوجه بأسانيد تاريخية وتقليدية، وحين صار بطريركًا تبنى الموقف المستقر بإقصاء العلمانيين، وكانت حججه في الحالتين حاضرة، وفى كل مرة يتجه فيها إلى رسامة أحد العلمانيين من دوائر رفاقه يصر على دخوله الدير ليصير راهبًا ولو لأيام أو شهور توطئة لرسامته أسقفًا. وفى هذا السياق نتوقف عند شخصين فقد نجد عندهما ما يفيد في فهم شخصية من أدار تلك المرحلة، الأول المهندس "مكرم إسكندر نقولا" الذي رسم أسقفًا لدمياط ورئيسًا لدير القديسة دميانة ببرارى بلقاس، أنبا بيشوي، ترهب في 16 فبراير 1969 باسم الراهب توما السرياني، وتمت رسامته أسقفًا في 24 سبتمبر 1972، وتولى سكرتارية مجمع الأساقفة في الفترة من 1985 ، وحتى 2012 عقب رحيل البابا إلى الأخدار السماوية. والثاني الأستاذ "كمال حبيب" الذي اختار التكريس والخدمة بين الشباب، وكان رائدًا في خدمته، ورسم أسقفًا لإيبارشية ملوي، باسم أنبا بيمن، ترهب في 23 يونيو 1972 باسم الراهب أنطونيوس الأنبا بيشوي، وتمت رسامته أسقفًا عامًا في 22 يونيو 1975، ثم تم تجليسه أسقفًا لإيبارشية ملوي في 13 يونيو 1976 . كان البابا البطريرك يعبر لحظة قاسية وهو يشهد دولة بكل أجهزتها وتياراتها تناصبه العداء، بشكل سافر في عهد الرئيس السادات، وفى تصاعد متواتر بلغ ذروته في 5 سبتمبر 1981، بصدور قرار سحب اعتراف الدولة به كبطريرك واعتقاله وتحديد إقامته في دير الأنبا بيشوي بوادي النطرون، ومصادرة الترخيص بإصدار مجلة الكرازة، وإلغاء الاجتماع الأسبوعي له بطبيعة الحال، ومنع الزيارات إلى ذلك الدير لإحكام التضييق عليه. ولم يتغير الأمر في عهد الرئيس مبارك، فقد بقى الوضع على ما هو عليه، ولكن من خلال ما يشبه الحرب الباردة، كانت الدولة وأجهزتها في العهدين تحاول أن تكسر شموخه، وتسعى لأن تملى عليه شروطها، فيما الكنيسة تعانى تربصات وأفعال لا تقل عنفًا من نفس الجهات، التي أطلقت يد الجماعات المتطرفة لتعيث في الوطن إرهابًا وتمزيقًا، وكان الأقباط وكنيستهم الذبيحة التي اتفق الفرقاء على تقديمها على مذبح السلطة، وعقدوا صلحهم فيما بينهم، بينما نيران المذبح تلتهم الذبيحة، فيتنسمونها بخورًا يدغدغ أحلامهم، التاريخية والآنية. شيء ما انكسر داخل الرجل... كان طرفًا في معركة سياسية اقتحمها ولم يكن يمتلك أدواتها، ولم يدرك أنها تختلف عن معاركه داخل الكنيسة. ومن يقترب من المشهد الكنسي يضع يده على تطورات إدارة البابا البطريرك له، من بداية حبريته، ثم تصاعد المواجهة مع الدولة والجماعات المتطرفة، ثم مرحلة العزل والاعتقال ، ثم عودته إلى مقر كرسيه، كان انفراده بالقرار الباب الذي أوصد عليه وجعله يقف منفردًا في مواجهة طوفان الأنواء، فقد دجن المجلس الملي، وأعاد هيكلة مجمعه ليسوده أهل الثقة المفتقرين في أغلبهم للقدرة على المواجهة، وأبعد كل من يخالفه الرأي من أهل الخبرة وأحال اختلافهم إلى ساحة العقيدة ليضمن تجييش العامة، فكانت اللحظة سانحة لتصطاده القوى المتربصة به. لم يكن تصعيد مطران دمياط، الأنبا بيشوي، إلى موقع سكرتير مجمع الأساقفة (1985 ـ 2012) مجرد استحسان، بل جاء في هذه المرحلة المنكسرة ليصير العصا الغليظة في يد البابا البطريرك، في مواجهة من يُراد التخلص منه، وفى دعم نفوذ البابا، لتشهد الكنيسة في تلك الفترة أكبر حملة محاكمات في صفوف الأساقفة والكهنة والخدام العلمانيين أيضًا، وكانت التهم التي تحاصر المستهدفين تتشابه مع نظيرتها في الأنظمة السياسية المستبدة؛ الانحراف العقيدي، الفساد المالي، الفساد الأخلاقي، وهى ثلاثية تصادف هوى عند العامة. كان التلويح بإحالة أوراق شخص لنيافة مطران المحاكمات الكنسية، كفيلًا بإرهابه، وضمان خضوعه، وغنى عن البيان أن كثيرين تصدوا لهذا الأمر وبينوا افتقار تلك المحاكمات للضوابط القانونية التي توفر لها العدالة وتضمن للمحال إليها حقوقه الأساسية، فلا علنية ولا حق الدفاع بشخصه أو بانتداب محامي والأحكام نهائية غير قابلة للطعن، والقاضي هو نفسه الادعاء والجلاد. فاستكان الباقون وقد أدركتهم الحكمة من مشهد الرؤوس الطائرة. كان الأستاذ "كمال حبيب" من الرعيل الأول من المكرسين، وكان يرى في التكريس طريقًا عمليًا لخدمة الكنيسة وأجيالها الواعدة، وتبدأ حركة التكريس المنتظمة مع حلول عام 1958، باتفاق نفر من العلمانيين على تأسيس "بيت التكريس" بأحد أحياء القاهرة "حدائق القبة" ثم ينتقلون به بعد عام إلى الضاحية الهادئة وقتها، حلوان، وتنطلق منه رسالة جديدة تسعى للشباب تقدم لهم قراءة ميسرة في كنيسة الآباء وتخرج من كنوزهم ما احتفظت به خزائن المخطوطات اليونانية والقبطية، في كتيبات صغيرة. ثم تعود مجددًا إلى حدائق القبة، بعد أن اجتذبت الرهبنة ثلاثة من أعمدتها الأربعة. كانت حركة التكريس تؤمن بأن إعادة بناء ما تهدم يبدأ فكرًا، لذلك كان عنوانهم "بيت التكريس لخدمة الكرازة"، وطفقوا يترجمون كتابات الآباء؛ آباء ما قبل مجمع نيقية، وآباء مجمع نيقية، وآباء ما بعد نيقية، عن اللغات الحية، وينضم إليهم أحد أعمدة اللغة اليونانية الأستاذ صموئيل كامل عبد السيد، للبدء في تعليمها لأعضاء بيت التكريس ومريديه، كان الأب متى المسكين هو الأب الروحي لهذه المجموعة ولبيت التكريس. لم ترحب الرئاسة الكنسية، آنذاك، بتجربة بيت التكريس، في سياق المواجهة المتوارثة بين الإكليروس والعلمانيين، والتي تفجرت مع أول تشكيل للمجلس الملي (1874م). واستمر التحريض على بيت التكريس من دوائر القيادة الكنيسة ومن خارجها، فيغلق البيت أبوابه وتقصد قياداته الدير للرهبنة، بينما يتمسك الدكتور "نصحي عبد الشهيد"، ببقائه علمانيًا وبمواصلة البيت لرسالته، فيعود أدراجه إلى مقره القديم بحدائق القبة ليبدأ مرحلة جديدة، وينأى بنفسه وبخدمته وبالبيت، بجَلَد وإصرار، عن صراعات تلك الفترة، ولا يشتبك في أية معارك، متسلحًا بالصمت المطبق، فقد أدرك مبكرًا أهمية رسالة التكريس التي نذر نفسه لها. يبدو أن الكنيسة متمثلة في مجمعها لم تسترح لوجود مكرسين لهم ثقلهم في فضاء التعليم الكنسي، حتى لا يصيروا كيانًا مزاحمًا للرهبنة التقليدية، في الاختيار لمواقع الأسقفية، وكان الأستاذ "كمال حبيب" خادمًا مثاليًا يجمع بين العفة والنقاء والعلم والقدرة على إقناع الشباب والتحاور معهم، ولم يترك لمتعقبيه فرصة لتشويهه أو فض المتحلقين حوله في محاضراته الثرية، فكان الالتفاف لإقناعه بقبول الأسقفية لتعم الفائدة من علمه ورؤاه، وكان المتوقع أن تسند إليه أسقفية التعليم، فتواصل دورها الذي اطلقه اسقفها المؤسس، أو إنشاء أسقفية للثقافة تتجاوز إشكالية وجود اسقف التعليم المؤسس، وتسند إليها مهام نشر الثقافة القبطية، لكن الذي حدث تسكين الأسقف الجديد في إيبارشية ملوي، لتستغرقه همومها ومشاكلها، وتبتلعه دوامة لم تكن له ولم يكن لها، وتبقى قمة التعليم بلا مزاحمة. تشهد الكنيسة بامتداد أربع عقود سعيًا حثيثًا لرهبنة الفضاء العام للكنيسة وتنامى اختلالات الأديرة، وهو ما سنتوقف عنده لاحقًا في محاولتنا فهم حالة الكنيسة المعاصرة. --- ### [٣] ثورة النص - Published: ۲۰۲۲-۰٦-۱۳ - Modified: 2024-04-24 - URL: https://tabcm.net/6275/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, كتاب مقدس - وسوم: الأصولية, الشرق الأدنى, النص العبري, ديانات الشرق الأدنى, قصة الخلق, نظرية التطور, يحزقيل كوفمان, يهوه تقوم العديد من الدراسات الأثرية والتاريخية للعهد القديم على مقارنته بتاريخ شعوب الشرق الأدنى القديم، ويرى العديد من العلماء أن التوحيد كان تطورًا طبيعيًا انبثق من الديانات الوثنية لكثرة التشابهات بين ديانة يهوه والأديان القديمة. ويبدو للبعض أن ديانة يهوه لم تقدم شيئا جديدًا؛ فكل هذه الأديان لها قصص خلق مشابهة لقصة جنة عدن، وقصص طوفان، وقوانين أخلاقية، وشرائع تلزم المتعبدين بتقديم الذبائح. فما المختلف إذن؟ أو دعنا نصيغ السؤال بطريقة أخرى: بما أن تلك القصص والذبائح ليست بجديدة، فما هو الجديد الذي أعطاه يهوه للشعب؟ يجيب عن هذا السؤال يحزقيل كوفمان (1889 - 1963)، وعلى عكس كثير من الشراح، يرى أن ديانة يهوه ليست تطورا أو امتدادًا للديانات القديمة، لأنها تقوم على رؤية كونية مغايرة تمامًا، بل ”ثورية” إلى حد بعيد، حسب وصفه في كتابه "ديانة إسرائيل". فكوفمان  قد بدل المفهوم التطوري (Evolutionary) للتوحيد بالمفهوم الثوري (Revolutionary) معتبرا القراءة التي تنفي وجود ثورة روحية ومجتمعية في العهد القديم قراءة بليدة وسطحية مشيرًا إلى أن نص يهوه، هو فعلًا، وليد لأساطير الشرق الأدنى، لكنه استعملها كأداة للتغيير؛ لأن النص قد أبقى على شكل الأسطورة (Form) لكنه أحدث ثورة في محتواها (Content)! ربما، يعد وصف العهد القديم بالنص الثوري غريبًا علينا. فقد اعتدنا رؤية العهد القديم على إنه نص شديد التحفظ والأصولية؛ فبالمقارنة مع العهد الجديد، على سبيل المثال، يبدو العهد القديم بعيدًا كل البعد عن الثورية وكسر التقاليد المجتمعية انتصارًا للإنسان. لكن أطروحة كوفمان تثبت أن ديانة يهوه كانت ثورية كما كان يسوع ثوريًا في زمنه. يبدأ كوفمان في سرد الاختلافات بين ديانة يهوه التوحيدية وبين ديانات الشرق الأدنى الوثنية مشيرًا إلى أن كل الأديان السابقة لليهودية قامت على فكرة وجود العالم المتجاوز للآلهة (Meta-Divine Realm) الذي تخضع له الآلهة باعتباره عالمها الفوقي، ففي بعض الأساطير القديمة، نجد الإله يخضع لسلطات أعلى منه كالقدر، أو المياه، أو الدَّم، أو النار، على سبيل المثال. فآلهه الشرق الأدنى محدودة، ولا تحيط بذلك العالم الفوقي كليا. تنبثق الآلهة من ذلك العالم المتجاوز لها، وتعاني، وتتصارع، وتموت، وربما يعاد بعثها من جديد. وفي الدين الوثني غالبًا ما يكون هناك مزج وتداخل بين العالمين الإلهي والإنساني والعالم الطبيعي لأنهم قد ظهروا جميعًا في نهاية المطاف من العالم الأعلى. ويمكن للبشر الدخول إلى ذلك العالم الفوقي والتحايل على الآلهة أو تغيير إرادتهم عن طريق السحر. يوضح كوفمان أنه من المهم أيضًا أن نفهم أن الديانة الوثنية هي نظام من الطقوس؛ لأنها تنطوي على الاهتمام الشديد بالمواد التي يمكن التلاعب بها لاعتقاد البشر أن بها قوة كامنة، مثل الدَّم، ولحم الحيوانات، ولحم الإنسان، والمعادن الثمينة، وما إلى ذلك. فتلك المواد بها من القوة ما يمكنه تغيير إرادة الإله وقلب موازيين العالم كليا! والاهتمام بالطقوس والمادة كان لابد له أن ينعكس على ديانة يهوه؛ فعلى الرغم من ثورية اليهودية، لم تتجاهل هذا الهوس الشديد بالطقوس الذي كان جزءًا من الثقافة في ذلك الوقت. وبما أن الأشياء تخرج جميعها من ذلك العالم الفوقي بخيرها وشرها؛ فالوثنية محايدة أخلاقيا. يمكن للآلهة أن تكون خيرة تريد صلاح البشر أو فاسدة تتلذذ بشقائهم. أما البشر، فهم دائمًا معذبون بين الصراع الأبدي للآلهة الخيرة والآلهة الشريرة، ولا يملكون القدرة على تقرير مصائرهم؛ لأن الشر جزء أساسي في الكون. مسألة الخلاص من الشر أمر يعني البشر فقط، ولا يشغل آلهة الشرق الأدنى؛ فالآلهة الخيرة بالكاد تحاول النجاة من قوى الشر؛ لذلك، على الإنسان اللجوء للسحر واستعمال مواد القوى السابق ذكرها للنجاة بنفسه. وبما أن الآلهة الخيرة محدودة، فالخير أو الأخلاق تتحدد وفق ما يحبه الإله المحدود -أي إن المطلق غير موجود. ثم أن ردة أفعال الآلهة لا يمكن التنبؤ بها؛ ففي بعض الأحيان يغضب الإله وفي أحيان أخرى، يرضى عن الإنسان. ثم أن غاية الخلق في الوثنية هي خدمة الإله؛ فالإله يخلق البشر ليخدمنه ويوفروا له احتياجاته المادية، ويحاربوا عنه وقت هجوم القوى الأخرى عليه. لكن اليهودية، قدمت إلها غير منبثق من أي عوالم فوقية، موجود بالطبيعة، لا يشيخ أو يموت مثل الآلهة الأخرى. فلأول مرة، وفقا لكوفمان، يلتقي البشر مع إله كلي السلطان، ذو شخصية واضحة. كما أزالت اليهودية المزج بين الإله، والإنسان، والطبيعة، ولم يعد هناك أي التباس حول الاختلاف بينهم. ولم تعد هناك حاجة لاستخدام السحر للدخول إلى عالم القوة. تتعامل اليهودية مع الشر باعتباره غير مخلوق، وإنما يوجد نتيجة غياب الخير، لأن يهوه أعطى البشر الحرية ليفعلوا الخير أو لا يفعلونه. أما عن الصفات الأخلاقية ليهوه، فالنص لأول مرة يقدم إلهًا غير محايد أخلاقيا، بل مطلق الصلاح، وفي الوقت نفسه مصدر كل الوجود، وغير قادر على فعل الشر لأنه يناقض طبيعته. بالتالي، يقول كوفمان، أن النص العبري جرد الشر والخطيئة من ذلك الطابع الأسطوري (Demythologized)، بتقديم وجه نظر عقلانية (Rationalized)، ترجع الشر إلى اختيار البشر أنفسهم. لكن النص كذلك قد زاد قضية الشر والألم تعقيدًا؛ فتلك الرؤية الطفولية القديمة التي تصور الأمر بلعبة بين القوى الشريرة والقوى الخيرة الشبيهة بأفلام أفنجرز كانت مريحة بالنسبة للبشر إلى حد بعيد، أما الآن، فالخطيئة لم تعد خارقة للطبيعة. وعلى عكس الآلهة القديمة، نجد يهوه يهتم بخلاص البشر، وبراحتهم أيضا في العالم، ويسعى لتوفير ما يطلبونه. ويوضح كوفمان، أن هذه الصفات الإلهية تعد شديدة الثورية في وقتها؛ فالإنسان لم يعد جديرًا بأن يخدمه الإله في الديانات القديمة، بالتالي، يمكننا أن نقول إن حركة الانتصار للإنسان (Humanism) قد بدأت من النص اليهودي. ثم أن يهوه لا يغضب على البشر بلا سبب كما كان الآلهة في الأساطير يفعلون، بل يغضب فقط إذا ارتكبوا الشرور. الاكتشفات الأثرية منذ نحو قرن تدل على وجود كثير من الأمور المشتركة بين الصفحات الأولى من سفر التكوين، وبين بعض النصوص الغنائية والحكمية والليتروجية الخاصة بسومر وبابل وطيبة وأوغاريت (مقدمة الكتاب المقدس الطبعة اليسوعية) ورغم تلك الثورة اللاهوتية، لم يكن الانتقال من عبادة الآلهة المتعددة إلى عبادة يهوه سهلا. فعلماء الآثار، قد وجدوا أدلة متعددة أن الكثير من اليهود عبدوا يهوه وأشركوا به آلهة أخرى. حتى أننا نجد أيضا بعض المزامير المتأثرة بالأساطير والديانات القديمة تصور يهوه باعتباره رئيسًا للآلهة المتعددة أو ملكها. لأن الرب إله عظيم ملك كبير على كل الآلهة. (مزمور 95: 3) سيتناول المقال المقبل قصص الخلق كتطبيق عملي على نظرية كوفمان. --- ### الضربات العشر في التاريخ المصري القديم - Published: ۲۰۲۲-۰٦-۱۲ - Modified: 2025-02-02 - URL: https://tabcm.net/6371/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: Creationism, الضربات العشر, بردية إيبوير في أوائل القرن التاسع عشر عُثر على بردية إيبوير Ipuwer Papyrus، والتي نشر ترجمتها العالم الأثري الإنجليزي الشهير آلان جاردينر Alan Gardiner. وهي مجموعة من ورق البردي مكتوبة بالخط الهيراطيقي والتي يعود تاريخها إلى نهاية عصر الدولة الوسطى أو بدايات الدولة الحديثة في مصر على أقصى تقدير، وتُسمى "عتاب إيبوير" The Admonitions of Ipuwer. وهذه البرديات محفوظة حاليا في متحف ليدن Leiden في هولندا. تصف هذه البرديات اضطرابات عنيفة حدثت في جميع أنحاء أرض مصر. وكاتب هذه البرديات مصري يدعى إيبوير Ipuwer والذي يبدو أنه سجل هذه الأحداث كشاهد عيان. فيما يلي مقتطفات من هذه البرديات والمقابلة بينهما وبين ما ورد في سفر الخروج من توراة موسى النبي. بردية إبيوير سفر الخروج 2: 5-6 الطاعون في جميع أنحاء الأرض. الدم في كل مكان. 2: 10 النهر دم. 2: 10 ينقبض الرجال من التذوق - البشر، والعطش لأجل الماء3: 10-13 هذا هو ماءنا! هذه هي سعادتنا! ماذا نفعل لأجله؟ كله فسد. 7: 20-21 فَتَحَوَّلَ كُلُّ الْمَاءِ الَّذِي فِي النَّهْرِ دَما... وَانْتَنَ النَّهْرُ... وَانْتَنَ النَّهْرُ فَلَمْ يَقْدِرِ الْمِصْرِيُّونَ انْ يَشْرَبُوا مَاءً مِنَ النَّهْرِ. وَكَانَ الدَّمُ فِي كُلِّ ارْضِ مِصْرَ. 7: 24 وَحَفَرَ جَمِيعُ الْمِصْرِيِّينَ حَوَالَيِ النَّهْرِ لأجل مَاءٍ لِيَشْرَبُوا لانَّهُمْ لَمْ يَقْدِرُوا انْ يَشْرَبُوا مِنْ مَاءِ النَّهْرِ. 2: 10 حقًا! ! البوابات والأعمدة والجدران أهلكت بالنار. 10: 3-6 تبكي مصر السفلى ... القصر بأكمله بلا إيرادات. 6: 3 حقا فجأة، الحبوب قد هلكت من كل جانب. 5: 12 فجأة، هلك الذي شوهد بالأمس. الأرض متروكة لخرابها مثل قطعة الكتان. 9: 23-25 ... وَجَرَتْ نَارٌ عَلَى الارْضِ...  فَكَانَ بَرَدٌ وَنَارٌ مُتَوَاصِلَةٌ فِي وَسَطِ الْبَرَدِ. شَيْءٌ عَظِيمٌ جِدّا... فَضَرَبَ الْبَرَدُ فِي كُلِّ ارْضِ مِصْرَ جَمِيعَ مَا فِي الْحَقْلِ مِنَ النَّاسِ وَالْبَهَائِمِ. وَضَرَبَ الْبَرَدُ جَمِيعَ عُشْبِ الْحَقْلِ وَكَسَّرَ جَمِيعَ شَجَرِ الْحَقْلِ9: 31 فَالْكَتَّانُ وَالشَّعِيرُ ضُرِبَا. لانَّ الشَّعِيرَ كَانَ مُسْبِلا وَالْكَتَّانُ مُبْزِرا10: 15 لَمْ يَبْقَ شَيْءٌ اخْضَرُ فِي الشَّجَرِ وَلا فِي عُشْبِ الْحَقْلِ فِي كُلِّ ارْضِ مِصْرَ. 5: 5 كل الحيوانات تبكي. الماشية تئن. 9: 2-3 هوذا تُترك الماشية لتضل، ولا يوجد أحد ليجمعها معا. 9: 3... تَكُونُ عَلَى مَوَاشِيكَ الَّتِي فِي الْحَقْلِ عَلَى الْخَيْلِ وَالْحَمِيرِ وَالْجِمَالِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وبأ ثَقِيلا جِدّا. 9: 19 ... وَالْبَهَائِمِ الَّذِينَ يُوجَدُونَ فِي الْحَقْلِ وَلا يُجْمَعُونَ الَى الْبُيُوتِ يَنْزِلُ عَلَيْهِمِ الْبَرَدُ فَيَمُوتُونَ. 9: 11 الأرض بلا نور. 10: 22 ... فَكَانَ ظَلامٌ دَامِسٌ فِي كُلِّ ارْضِ مِصْرَ... 4: 3 حقا فجأة انكسر أبناء الأمراء على الجدران. 6: حقا! ! أبناء الأمراء طُرحوا في الشوارع. 6: 3 السجن خراب. 2: 13 في كل مكان هناك من يدفن أخاه في الارض. 3: 14 أنين في جميع أنحاء الأرض، يمتزج مع الرثاء. 11: 5-6 ... فَيَمُوتُ كُلُّ بِكْرٍ فِي أَرْضِ مِصْرَ، مِنْ بِكْرِ فِرْعَوْنَ الْجَالِسِ عَلَى كُرْسِيِّهِ إِلَى بِكْرِ الْجَارِيَةِ الَّتِي خَلْفَ الرَّحَى، وَكُلُّ بِكْرِ بَهِيمَةٍ. وَيَكُونُ صُرَاخٌ عَظِيمٌ فِي كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ لَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ وَلاَ يَكُونُ مِثْلُهُ أَيْضًا. 12: 29-30 ... الرَّبَّ ضَرَبَ كُلَّ بِكْرٍ فِي ارْضِ مِصْرَ مِنْ بِكْرِ فِرْعَوْنَ الْجَالِسِ عَلَى كُرْسِيِّهِ الَى بِكْرِ الاسِيرِ الَّذِي فِي السِّجْنِ وَكُلَّ بِكْرِ بَهِيمَةٍ... وَكَانَ صُرَاخٌ عَظِيمٌ فِي مِصْرَ لأنه لَمْ يَكُنْ بَيْتٌ لَيْسَ فِيهِ مَيِّتٌ. 7: 1 هوذا قد اشتعلت النيران في الأعالي. حريقها يذهب مقابل أعداء الأرض. 13: 21 ... يَسِيرُ امَامَهُمْ نَهَارا فِي عَمُودِ سَحَابٍ لِيَهْدِيَهُمْ فِي الطَّرِيقِ وَلَيْلا فِي عَمُودِ نَارٍ لِيُضِيءَ لَهُمْ - لِكَيْ يَمْشُوا نَهَارا وَلَيْلا. 3: 2 الذهب واللازورد والفضة والملكيت والعقيق والبرونز... تُعقد على أعناق الإماء. 12: 35-36 ... طَلَبُوا مِنَ الْمِصْرِيِّينَ امْتِعَةَ فِضَّةٍ وَامْتِعَةَ ذَهَبٍ وَثِيَابا. وَاعْطَى الرَّبُّ نِعْمَةً لِلشَّعْبِ فِي عُيُونِ الْمِصْرِيِّينَ حَتَّى اعَارُوهُمْ. فَسَلَبُوا الْمِصْرِيِّينَ.   من المقابلة في الجدول السابق، نجد تطابقا كبيرا بين الأحداث المذكورة في البردية وبين ما ورد في سفر الخروج حول الضربات العشر. فقد ذكرت البردية والذي يمكن أن يقابل ضربة الدمامل (خر 9: 9-10). وتَحَوُّل والتي تُقابل ضربة تحويل الماء لدم في كل أرض مصر (خر 7: 17). ونجد أثر ضربة النار والبَرَد (خر 9: 23-25) وضربة الجراد (خر 10: 12-15). فتتكلم البردية عن النار: ، وفقدان ال بسبب فناء والمحاصيل والذي يرجع لضربة البَرَد الذي يحرق المحاصيل وأيضا أهلك والتي . وخراب الأرض بالكامل حتى لم يوجد شيء متبقي. وتشير البردية إلى ضربة الماشية (خر 9: 3) فتقول: . وأيضا نجد ضربة الظلام (خر 10: 22) الذي جعل كما وصفته البردية. وتُسلط البردية الضوء أيضا على فاجعة موت الأبناء، من أول أبناء الأمراء إلى السجناء ، وكيف وصل الموت إلى كل بيت ، فالمناحة والأنين في كل مكان . وهو ما يمكن مقابلته بضربة موت الأبناء الأبكار في (خر 12: 29-30). كما تُشير البردية لاستيلاء الإماء على نفائس المصريين ، وهو ما يتفق مع (خر 12: 35-36) بأن بني إسرائيل أخذوا من المصريين ذهبا وفضة قبل خروجهم. وتذكر البردية أيضا اشتعال نار مرتفعة ، وربما يشير هذا لعمود النار (خر 13: 21) الذي كان يسير أمام شعب إسرائيل عند خروجهم من مصر. وبهذا نجد إشارات قوية في بردية إيبوير على أحداث تقابل على الأقل سبع ضربات (تحول الماء لدم – الدمامل – البرد والنار – الجراد – وباء الماشية – الظلام – موت الأبكار) من الضربات العشر المذكورة في سفر الخروج. بجانب تفاصيل تتفق مع أحداث الخروج، وهو الأمر الذي من الصعب جدا أن يكون مجرد مصادفة.   Gardiner, A. H. (1969). The admonitions of an Egyptian sage: From a hieratic papyrus in Leiden (pap. Leiden 344 recto). J. C. Hinrichs. Habermehl, A. 2018. The Ipuwer Papyrus and the Exodus. In Proceedings of the Eighth International Conference on Creationism, ed. J. H. Whitmore, pp. 1–6. Pittsburgh, Pennsylvania: Creation Science Fellowship. Mark, J. J. (2022, May 17). The admonitions of Ipuwer. World History Encyclopedia. Retrieved May 20, 2022 --- ### هل الله يؤلم البشر كما يروج القمص لمعي؟ - Published: ۲۰۲۲-۰٦-۱۱ - Modified: 2022-06-04 - URL: https://tabcm.net/6479/ - تصنيفات: إصلاح كنسي "ليا" طالبة جميلة تعيش في ولايه تازمانيا الأسترالية, حين كان عمرها  16 عامًا في ليلة الكريسماس عام 1992 تم اختطافها وضربها بقسوة وعنف من قبل 3 أشخاص تناوبوا على اغتصابها ببشاعة، وبعد ليلة كاملة من الرعب اقتادها، وأمروها أن تحفر قبرها بنفسها حتى يقتلونها، لكنها استطاعت الهرب منهم، ونجت من الموت! تخطى عمر "ليا" اﻵن 40 عامًا، وما زالت تعيش في صدمة لا تستطيع مواجهتها ولا محوها من ذاكرتها بالرغم من كل المساعدات الطبية والنفسية التي قدمت لها. قالت عنها إحدى المعلمات أنها كانت تلميذة تتسم بالهدوء والوداعة! 1- تُرَى ماذا سيكون رد فعل (ليا) إذا سمعت أن كاهن مشهور بمصر الجديدة (دون ذكر أسماء يعني اسمه القمص داود لمعي)، حيث يقول إن الشر العظيم الذي حدث لها، كان بسماح كامل من الله؟ وأن الله هو من أمر بذلك؟ وأن الله هو المتحكم في الكون، و"مفيش أي بلوة أو مصيبة بتحصل إلا بإذنه! ". 2- تُرَى ماذا سيكون إحساسها وهي تستمع نفس الكاهن وهو يكمل كلامه قائلا: إن الشيطان لم يكن يقدر يعمل هذا الشر إلا لو كان بأمر الله؟ وأن الشر الذي حدث لها كان لمصلحتها ولخيرها؟ هي ترى (الاغتصاب) شر، لكن الله يرى أنها تجرِبة، وخير لها! وأن المسيح لأنه يحبها جدًا، سمح بهذه التجربة الصعبة المرعبة؟ لأن الذي يحبه الله  -حسب كلام القمص داود لمعي- يسمح له بالألم والرعب؟ ماذا ستفعل هذه الفتاة لو أكملت بقية العظة، وسمعت القمص داود لمعي يقول إن الشيطان يكرهها فيعذبها، لكن الله يحبها فيؤلمها! والألم مدرسة للتجارب! 3- تُرَى بماذا ستفسر "ليا" كلام القمص لمعي المتناقض، بأن المصائب والبلايا والأوبئة التي تحدث للبشر، وحدثت لها شخصياً، هي مجرد غضب ولعنة من السماء على الأشرار والخطاة والفجار، بالرغم من أنها كانت إنسانه طيبة جدا بشهادة الجميع، ولم تفعل شيئا تستحق عليه كل هذا الغضب! لكن القمص لمعي  قال إنه ليس لديه أي تفسير لحدوث البلايا والمصائب غير ما ذكره! وهو أنها "غضب إلهي" على الأشرار والفجار والشواذ والملاحدة! ! المحزن أن الكاهن داود لمعي ما زال مصراً على تفسيراته هذه، ويتهم المؤمنين العقلانيين الذين يدافعون عن الله الرحوم الصالح الذي لا يمكن أن يتسبب في الأذى إنهم مضللين! ! وأنهم سبب لإلحاد الشباب (ده إحنا برضه؟! ! ). وأنا بالمثل، أؤكد لجناب القمص لمعي، أن اجتهادات وتفسيرات بعض رجال الدين هي السبب الأول في الإلحاد والابتعاد عن الكنيسة كليًّا! ورأيت نماذجا كثيرة بنفسي وبعضهم ضحايا تفسيرات وتأويلات جناب القمص نفسه! أخير لدي أكثر من سؤال مشروع: 1- تُرَى ما أول كلمة تأتي على لسان "ليا" حين تسمع كلام الكاهن لمعي؟! 2- تُرَى يا جناب القمص ماذا لديك لتقوله لـ"ليا"؟! غير كلمات جبر الخواطر المستهلكة (صليبك واستحمليه يا بنتي ومعلش مقدر ومكتوب؟)! 3- أعزائي القراء ماذا تريدون أن تقولوا للقمص لمعي شخصيا؟! "ليا" ليس الاسم الحقيقي للضحية لأن القانون يمنع نشر أسماء الضحايا القصر. الخبر من جريدة نيوز هيرالد في نيوزيلاندا. --- ### إزاي بيعرفوا عمر الحفريات؟ - Published: ۲۰۲۲-۰٦-۱۰ - Modified: 2023-11-19 - URL: https://tabcm.net/5448/ - تصنيفات: شئون علمانية - وسوم: المنهج العلمي, نظرية التطور دايما بتشوف علماء التاريخ الطبيعي يقولوا على حفرية معينة للإنسان إن عمرها 150 ألف سنة، أو عن حفرية ديناصور إنه من 70 مليون سنة، أو على شوية صدف إن عمرهم 300 مليون سنة، أو إن كوكب الأرض كله عمره 4. 5 مليار سنة، ودايما بتلاقي أشخاص على مواقع التواصل الاجتماعي وكاتب لأحد العلماء عالفيسبوك "قول يا عم، يعني هو حد هيعد وراك؟". السؤال بقى، هو العلماء بيعرفوا الكلام دا منين؟ علمًا بإن مكنش في سجل مدني من 4 مليار سنة. في المقال دا هنوضح بشكل مختصر هو العلماء بيعرفوا إزاي عمر الحفريات (أو بيعدوا ورا بعض إزاي بمعنى آخر). في الواقع تحديد عمر الحفريات حاجة ملهاش أي علاقة بعلم الأحياء، الموضوع كله فيزيائي بحت. تحديد العمر بيتم بحاجة معروفة في الفيزياء النووية باسم Radioactive dating (التأريخ المُشع) الفكرة العامة إن أي عنصر في عناصر الجدول الدوري بيبقى فيه منه كذا نظير-isotopes، النظائر دي في منها المستقر وفي منها غير المستقر، النظائر غير المستقرة بتفضل موجودة لفترة وبعدين بتتحلل لعناصر تانية اكثر استقرارًا. أشهر مثال للتأريخ المُشع هو التأريخ بالكربون المُشع. الكربون هو عنصر لا غنى عنه لكل الكائنات الحية، وموجود بوفرة في كوكب الأرض والغلاف الجوي. كوكب الأرض بيتعرض لأشعة معروفة باسم الأشعة الكونية، الأشعة دي مصدرها الشمس، لما الأشعة دي بتوصل للغلاف الجوي فيه نيوترنات منها بتتفاعل مع النيتروجين 14 وتحوله للكربون 14. الكربون 14 هو أحد نظائر الكربون غير المستقرة، وبيتحلل ويرجع تاني لنيتروجين 14 في فترة زمنية حوالي 5730 سنة معروفة باسم "نصف العمر"، فترة نص العمر دي مش معناها إن "ذرة الكربون 14 الواحدة" بتتحلل في 5730 سنة، لكن معناها إن لو عندك كمية (س) من الكربون 14، فاللي هيحصل إن نصف الكمية دي هيتحلل لنيتروجين 14 في خلال 5730 سنة، وهيتبقى كمية بقيمة (نصف س)، وبعد 5730 سنة كمان هيتحلل نصف الكمية دي وهكذا. الظاهرة دي ناتجة من قوانين ميكانيكا الكم والفيزياء الإحصائية وصعب تغطية تفاصيلها هنا، لكن بشكل عام اللي بيحصل إن لما النيتروجين 14 يتحول لكربون 14 نتيجة للأشعة الكونية، الكربون 14 دا بيتفاعل مع الأكسجين اللي في الغلاف الجوي زيه زي الكربون 12 العادي ويدينا ثاني أكسيد الكربون، الكائنات الحية زي النباتات بتحصل عليه عن طريق عملية التمثيل الضوئي، والحيوانات بتحصل عليه من خلال أكلها للنباتات، نظرًا لإن الموضوع كله عشوائي فبيبقى النسبة متوزعة تقريبًا بالتساوي في كل منطقة في الكوكب ولأي نوع (فكر كانك رميت عملة 1000 مرة (أو أكتر) بشكل عشوائي، نظرًا لإن الموضوع عشوائي بحت فغالبًا هيطلع عدد المرات اللي العملة هتنزل فيهم "ملك" زي تقريبًا ما هتنزل فيهم "كتابة")، والنسبة دي بتفضل تقريبًا ثابتة طول ما الكائن عايش، لإن الكربون اللي بيحصل عليه بيخرجه مرة تانية سواء من خلال التنفس أو غيره، لكن الكمية دي بتثبت أول ما الكائن يموت ويبطل يتفاعل مع البيئة من خلال العمليات الحيوية، ساعتها كمية الكربون 14 اللي في جسم الكائن الحي دا بتتحلل، ومن خلال قياس النسبة بنقدر نحسب العمر. Chemistry, The Central Science, P. 888 دا في حالة القياس بالكربون المشع، لكن الكربون المشع مش بيقدر العلماء يؤرخوا بيه حاجة أقدم من ألافات السنين، لكن لو حاجة عمرها ملايين السنين فالتأريخ بالكربون المشع ميقدرش يؤرخها، لإن كل ما عدد "أنصاف حياة" كتر كل ما الدقة قلت، يعني دي الطريقة اللي بيتم بيها تأريخ حفريات حديثة نسبيًا زي حفريات الإنسان أو آثار أو أحيانًا مخطوطات مثلًا وهكذا، لكن في الحاجات اللي عمرها ملايين السنيين بيضطر العلماء يلجأوا للتأريخ بعناصر تانية غير طريقة الكربون-نيتروجين، اشهرها التأريخ بالبوتاسيوم-الأرجون، والتأريخ باليورانيوم-الرصاص، دول بيقدروا يؤرخوا لملايين ومليارات السنيين. في الواقع، أي طالب علمي رياضة درس تفاضل وتكامل في ثانوي، يقدر يفتح أي مرجع عام للفيزياء أو الكيمياء لمستوى طلبة سنة أولى علوم، ويروح للجزء الخاص بالفيزياء النووية أو الكيمياء النووية في المرجع ويقرا، وهيقدر يفهم بسهولة المعادلات واثباتها. فدا بشكل عام ومختصر إجابة على سؤال: "هو إزاي العلماء بيعرفوا أعمار الحفريات من غير ما يبقالهم شهادة ميلاد في السجل المدني". --- ### التعاليم الاجتماعية للبابا شنودة
بعد تنحي مبارك - Published: ۲۰۲۲-۰٦-۰۹ - Modified: 2023-04-27 - URL: https://tabcm.net/6472/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: الاشتراكية, العدالة الاجتماعية, بابا شنودة الثالث, طه حسين علي بن سلامة لرصد التحوّل الهامّ في لغة ومضمون خطاب البابا شنودة بعد تنحّي مبارك، هناك بشكل خاصّ مقالتان نشرهما في صحيفة الأهرام القومية؛ واحد يوم ٢٧ فبراير ٢٠١١ أي حوالي ١٢ يومًا بعد البيان، أو ١٦ يومًا بعد تنحّي مبارك بعنوان: "العدالة الاجتماعيّة"؛ والثاني يوم ٢ أكتوبر ٢٠١١ بعنوان: "ما الحقّ؟ وأنواعه؟ وماذا ضدّه؟". الأهرام. المقال جديرٌ بالدراسة والتحليل، ففي المقالات التي حصلنا عليها في صحيفة الأهرام، لغة ومصطلحات هذا المقال فريدةٌ من نوعها، فلم نجد لها مثيلًا لا في كتابات البابا المنشورة ولا في كتبه. المقال الأوّل الذي سيُنقد هنا "العدالة الاجتماعيّة". يعتبر البابا شنودة العدالةَ الاجتماعية: «من أسمى القيم التي يحرص عليها العالم المتحضّر. بل كانت موجودة منذ بداية الخليقة،‏ وقد نادى بها الأنبياء والرسل والمصلحون والمفكّرون الأحرار في تفكيرهم وينادي بها رجال الدين على اختلاف مذاهبهم» ويحدّد أنّ العدالة الاجتماعية تنادي بالمساواة وعدم التمايز، فالعدالة الاجتماعيّة هي التي ألغت الرقّ: «ومع أن الرقّ قد زال إلّا أنّنا للأسف الشديد نرى بعض الكبار يعاملون الذين تحت أيديهم كعبيد» ويرى البطريركُ بأنّ الفقر أكبر تحدٍّ أمام تحقيق العدالة الاجتماعية فالفقر يرجع إلى "سوء التوزيع". العدالة الاجتماعيّة هي التي تحقّق مبدأ تكافؤ الفرص، ويراه من أهمّ مبادئ العدالة الاجتماعية، التي تتنافى مع ما يحدث في المجتمع من المحاباة والمحسوبية والتمييز وعدم المساواة في التوظيف وفي الترقية. الاشتراكيّة كيف يمكن القضاء على سوء التوزيع وتحقيق العدالة الاجتماعيّة؟ يرى الأنبا شنودة أنّ ذلك يتمّ ذلك عن طريق تطبيق النظام"الاشتراكيّ"، فالاشتراكيّة كما يراها البطريرك "تهدف إلى إزالة الفوارق الاجتماعيّة أو التقريب بين الناس. فلا تزيد الهوّةُ في المستويات بين أفراد الشعب الواحد". هل يأملُ البابا في أن تنقضي الطبقات من المجتمع؟ يرى البابا أنّ تفاوت الطبقات سيظلّ موجودًا دائمًا لكنّ المهمّ "لا نريد أن تكون الهوّة واسعة بين أعلى الطبقات وأدناها بحيث تختفي الطبقة الوسطى ويتكوّن المجتمع من كبار الأغنياء وأدنى الفقراء! ".  ويرى أنّه: "لا يعقل إطلاقًا أن يكون الجميع في مستوى واحد، وإلا فلماذا إذن أن يتعب من يتعب ويجاهد من يجاهد وإلا أيضا ستزول الحوافز الداخلية ويشعر المرء انه تعب أو لم يتعب فالأمر سيان! " الاشتراكية تعني "اشتراكنا معًا في كلّ الحقوق السياسيّة وفي كلّ الحقوق الاجتماعيّة واشتراكنا في خير هذا الوطن وفي مصيره"، كذلك يرى البابا أن الاشتراكيّة تضمن "العلاج على نفقة الدولة"، فعدم قدرة الشعب على تلقّي العلاج منافٍ للعدالة الاجتماعية التي تضمنها الاشتراكيّة. الجمعيّات الخيريّة: يشجع البابا ما تفعله الجمعيات الخيرية والهيئات التعاونية وما تقوم به الملاجئ ودور الإيواء وجمعيات الإسعاف ويرى فيهم مؤسّسات «لمساعدة الدولة» ويناشدها برفع الأجور حتى تصبح العدالة الاجتماعيّة كاملة شاملة بقدر المستطاع. يرى البابا أنّ وجوب العدالة الاجتماعية التي تحقّقها الاشتراكيّة إنّما يهمّ: "الفقير رغم أنفه الذي يريد أن يعمل ولا تتاح له فرصة للعمل، أو الذي يكافح حتى ينتهي من دراسته الجامعية ثم يصطدم بمشكلة البطالة حقا لا نقول إن هذا ذنبه إنما هي خطيئة المجتمع الذي لا يوجد له عملا ولا رزقا" لأوّل مرّة يستخدم البابا تعبير "خطيئة المجتمع" ففي أغلب كتاباته يركّز على الخطايا الشخصيّة أو الفرديّة. مجّانيّة التعليم يتكلّم البابا عن ضرورة إعادة "مجّانيّة التعليم" التي يرى أنّها لم تعد موجودةً ويستشهد بمقولة طه حسين "إنّ العلم لازم كالماء والهواء. " أطفال الشوارع: يتناول البابا مشكلة أطفال الشوارع في مصر: "مشكلة أطفال الشوارع هي عار في جبين العدالة الاجتماعية ومعها النسبة الكبرى ممّن صُنِِّفوا بأنهم تحت مستوى الفقر" ويعتبر ذلك، مسؤوليّة الدولة فهي المسؤولة أمام الله والشعب. إنّ الدولة مسئولة أيضًا على مشكلة غلاء الأسعار وعن مشكلة انخفاض مستوى الأجور. كذلك فإن مبدأ تكافؤ الفرص هو من أهمّ مبادئ العدالة الاجتماعية وهو بلا شك يتنافى مع ما يحدث في المجتمع من المحاباة والمحسوبية والتمييز وعدم المساواة في التوظيف وفي الترقية ولكنها تدخل تحت موضوع الظلم الاجتماعي الذي لا تقرّه العدالة الاجتماعية. --- ### القيم الأخلاقية [في الفكر الكتابي] - Published: ۲۰۲۲-۰٦-۰۸ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/6372/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: توما الأكويني, چون كالڤن, علامة إكليمندس السكندري, قديس أوغسطينوس، أسقف هيبو, قديس بولس الرسول, مارتن لوثر, نيبهور توجد ثلاث مفردات مهمة لدراسة القيم الأخلاقية وهي: Ethos: أي الروح المميزة للثقافة أو الحِقْبَة أو المجتمع كما يتجلى في معتقداته وتطلعاته. (كقولنا القانون هو روح الأخلاق عند الرومان)، و(هو الناموس في العهد القديم كما يرى جون كالفن)، و(ربما مثل قولنا الشعب المصري متدين بطبعه). الأخلاق ethics: وهي الواجب والنية وهما غير منظورين. القيمة Values: القيم بمعناها الواسع: القيمة بمعناها الواسع هي ما يجعل الشيء جديرا بأن يطلب أو يتحقق (بناءً على ظروف الجماعة/ المتغيرات/ الأولويات. . الخ). هذه المفردات تشرح ما تناوله نيبهور فيما يختص بتطور القيم الأخلاقية في المسيحية، فقد خصص رينهولد نيبهور كتابا لمحاولة جمع الإجابات عبر التاريخ المسيحي للوصول إلى إيمان له معنى وتأثير أخلاقي. الوحدة والتعددية في القيم الأخلاقية المسيحية يقول نيبهور إن الكتاب المقدس المصدر الرئيس الذي ينهل منه المسيحيون في مجال الأخلاق Ethos وأن النظرة المسيحية للأخلاق تنبع من مصدر يشترك فيه الكل وهو: الإيمان بطبيعة الله، وعلى هذا، فإن الحياة المسيحية هي التجاوب بمحبة مطيعة لله وتحقيق إرادته، وهذه هي الوصية الأولى والعظمى، وإرادته هي محبة القريب مثلما أحب الله الإنسان (الأخلاق). ولذلك فإن النظريات الأخلاقية جميعها تترابط رأسيا مع الله وأفقيا مع القريب. يضيف نيبهور قائلا: إن الأخلاق المسيحية Ethics عبر التاريخ واحدة، وفي نفس الوقت متعددة (القيم الأخلاقية Values، إذ إن هناك خيط يربط أشد الاتجاهات اختلافاً، Ethos فالحب الذي يربط البشر بالله هو الوصية العظمى والعامل المشترك بين كل التوجهات الأخلاقية. ويرى نيبهور أن اللاهوتيين العظام الذين كتبوا في علم الأخلاق أمثال اكليمندس وأغسطينوس وتوما الأكوينى وغيرهم، يرجعون إلى الكتاب المقدس بالرغم من إننا لا نستطيع أن نفهم فكرهم بمعزل عن الخط الفكري اليوناني الروماني، إلا أن التراث الكتابي يظل خطاً أساسياً في كتاباتهم وأفكارهم. ويبدأ نيبهور في تتبع التسلسل التاريخي من: العهد القديم اللاهوت والأخلاق لا ينفصلان في الكتاب المقدس وأنت لا تستطيع أن تشير كيف ولماذا عاش الإسرائيليون أو المسيحيون بهذا الأسلوب إلى أن ترى كيف ولماذا آمنوا بما آمنوا به وهذا له أهمية قوية للبعد الأخلاقي في العهد القديم لأنه مؤسس بالتحديد على هُوِيَّة هذا الإله. الكنيسة في القرن الأول كانت قريبة من تأثيرات المصلوب والُمقام، وأغلبهم كانوا من يهود فلسطين، وكان إيمانهم بأن الله تكلم في حياة وموت وقيامة المسيح وأن مجيئه ثانية سيحدث في جيلهم وهو مدخلهم لتحقيق ما طلبه منهم المسيح، وتتضح الملامح الأولى للأخلاقيات في وحدة الجماعة وهو ما يعود للتقليد اليهودي الذي نبعت منه المسيحية والانفصال عن العالم والعداوة له والاعتزاز بالمواطنة السماوية، إلا أن حماس التوقعات وحماس يوم الخمسين بدأ يفتر، لذا فإن السلوكيات الجادة بدأت تخمد حتى وبعد أن تغلغلت المسيحية وسط ثقافات مختلفة، كان أمامها خيارين إما التشدد أو المرونة. عندما دخلت المسيحية القرن الثاني الميلادي بدأت تركـِّز على الدفاعيات ضد الهراطقة والأفكار الغريبة التي دخلت الكنيسة، وكانت تشدِّد على حفظ الإيمان والثبات فيه وتحديده في ألفاظ تحفظها وتكررها الكنيسة. الموعظة على الجبل الموعظة على الجبل ليست تساؤلات عن كيفية ضبط سلوك البشر، ولكنها تعلن أن الله صاحب السلطان، وأنه يحكم الطبيعة والتاريخ و هو إله محب بالتمام وهو عادل (متى 5: 3-11) تركز الموعظة على المعية البشرية وأهمية محبة القريب. رسائل بولس من خلال يسوع  -وليس تعاليمه- تبدأ علاقة جديدة، إن العلاقات المسيحية عند بولس هي أخلاقيات الجماعة التي يكون الله في المسيح -أو المسيح مع الله-حاضراً على الدوام وعاملاً على الدوام كمصدر للخير وحيث كل فرد عضو في الجماعة، إنها أخلاقيات جماعة ملكوت الله كحقيقة واقعة وكرجاء مستقبلي. إكليمندس السكندري في القرن الثالث الميلادي كانت الكنيسة تقوى على المجتمع الروماني واليوناني والعكس أيضا، وكانت الإسكندرية مركزاً ثقافيًا وفكريًا وُعرفت الإسكندرية بمكتبتها التي تحوى الكتابات الفلسفية اليونانية والرومانية، ولذلك فإن نظرية اكليمندس في الأخلاق تجمع بين مبادئ السلوك المسيحي والهيلنيستي، والخطية عنده ليست طبيعة متأصلة في الإنسان ولكنها تصرف خاطئ أو هي الحيدان عن الصواب. القديس أغسطينوس (351-430) عدم حفظ وصايا الناموس ليست في الناموس ولكن في إرادة الإنسان الشريرة، وأن إرادة الإنسان شريرة ليس بسبب عدم قدرته على التمييز بين الصواب والخطأ، ولكن بسبب عجزه عن التصرف حسب ما يعرف. أخلاقيات الرهبنة نشأ نظام الرهبنة نتيجة عوامل متداخلة منها هروب بعض المسيحيين للصحراء نتيجة اضطهاد الإمبراطور ديسيوس 250 م وميل البعض للزهد، وهناك ثلاثة أمور يتعهد بها من يريد أن يسلك هذا الطريق وهي: نذر الفقر أي رفض متاع العالم حتى يتخلص الإنسان من حب اقتناء الثروة، ونذر العفة أي نبذ رغبات الدافع الجنسية، ونذر الطاعة أي الخضوع المطلق لمن يرأس الدير تعبيرا عن قهر الإرادة الذاتية للراهب. نماذج من الفكر الأخلاقي في العصور الوسطي وبدء الإصلاح الإنجيلي في الغرب توما الإكويني (1224-1274) قام الإكويني بالملائمة بين الفلسفة الأرسطية واللاهوت المسيحي والأخلاق المسيحية وتعاليم من سبقوه من الرهبان، استطاع توما الإكويني أن يضع نظرة عقلانية تفاؤلية فقد وهب الله للإنسان القدرة على التمييز بين الخير والشر وعليه أن يدرب هذه القدرة بالعقل. مارتن لوثر (1483- 1546) سار على نهج بولس الرسول في إثبات أهمية المحبة المسيحية والحرية المسيحية بالنسبة لحياة المسيحي في العالم وأعاد فكر بولس الرسول إلى دائرة الضوء الذي كان قد اختفى في القرن الخامس الميلادي، ونادى مارتن لوثر بعقيدة التبرير بالإيمان وبأن الخلاص عطية من الله لا يناله الإنسان باستحقاق أعماله ولا بطاعته للناموس، فلوثر يتجه اتجًاها أخلاقيًا بعيدًا عن الناموس ومؤسسًا على الإيمان والمحبة. جون كالفن (1509- -1564) يتصالح الإنسان مع الله ليصير الله في جانبه فتتغير كل نواحي حياته بسبب تغيير اتجاهه، والحياة المسيحية في نظر كالفن هي صراع دائم وصعب حتى يتم تحقيق متطلبات الحياة الجديدة. ظهور الكنائس الحرة والفرق الاعتزالية وجماعات التقوى: جماعة البيورتيان أو التطهريين كمثال شهد القرن السابع عشر تحولا من المجتمع الإقطاعي الزراعي، الذي كان سائدًا في زمن لوثر إلى النظام الرأسمالي وظهور البرجوازية الجديدة مع توسـُّع ملحوظ في التجارة والاستثمار، -لذلك فإن البيوريتان قد وجدوا أنفسهم في مواجهة مع مشكلة ضميرية وهي ما مدى صحة الازدهار الاقتصادي بالنسبة للمسيحي الأمين، فكانت الإجابة في فكرة الوكالة. لم تكن الأخلاق الاجتماعية المرتبطة بالجماعة والدولة أو المنظمات الاجتماعية تجد اهتمامًا لديهم، بل أنهم نادوا بأن الكنيسة يجب ألّا تختلط بالعالم، فشجعت هذه الانعزالية روح الكبرياء الروحية والمنافسة والتعالي مما أوجد الانقسامات. الإنجيل الاجتماعي أو حركة أخلاقيات ملكوت الله التي ظهرت في أمريكا ظهرت الفكرة في القرن الثامن عشر وتواصلت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ووصلت لأعلى تأثير لها في الرُبع الأول من القرن العشرين، استند هؤلاء اللاهوتيون على فكرة المصالحة التي أقامها الله مع البشر، التي على أساسها أقام ملكوته -ملكوت الله على الأرض- ورأوا أن الخلاص والغفران لا يعالجان فقط الضعف البشري ولكن يمنحان القوة للعيش في ملكوت الله الذي يتميز بإقامة الحب والبر. وأن المؤسسات الاجتماعية- والاقتصاد، في أشد الحاجة للفداء المسيحي وأن التصنيع الرأسمالي الأمريكي تحت سيطرة إله المال وأن الفداء ليس فقط لمعالجة ضعف اللحم والدم ولكن لقوة المبادئ وعوامل القوة، فإن لم يكن للكنيسة القوة التي بها تحيا الملكوت هنا والآن فإن الكنيسة هي مجرد مؤسسة مثلها مثل أي مؤسسة. يقول نيبهور: إنه ما زال هناك نقاش يدور بين المسيحيين حول المشكلات والقضايا. --- ### [٧] إعادة تشكيل المنظومة - Published: ۲۰۲۲-۰٦-۰۷ - Modified: 2023-11-16 - URL: https://tabcm.net/6542/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: الأب متى المسكين, القرعة الهيكلية, انتخاب البابا, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس السادس, دير الآباء السريان, رئيس محمد أنور السادات, مجلة الكرازة, مجمع الأساقفة, مدارس الأحد نجاوب شوية أسئلة جملة يفتتح بها الرجل القادم إلى الكرسي البابوي (48 عامًا) اجتماعه الأسبوعي، فيما كانت جملة ربنا موجود هي الجملة التي اختتم بها مقاله الافتتاحي والوداعي في مجلة الكرازة، وهو بعد أسقف مبعد من البابا البطريرك السابق، البابا كيرلس السادس، قاصدًا قلايته، سجلتها لنا مجلة الكرازة ـ اكتوبر 1967 في نهاية افتتاحية العدد التي تناولت الأزمة التي انتهت بالإبعاد فيقول: لقد اضطررت يا إخوتي القراء أن أكلمكم بصراحة بعد صمت طويل، حتى تتدبروا الأمر معنا في مصير كليتكم الإكليريكية... أما أنتم يا إخوتي الإكليريكيين، فإن كان بسببي قد حدث هذا النوء العظيم عليكم، فأنا مستعد أن أبتعد لكى تهدأ الأمور، أنا مستعد أن أرجع إلى الدير، إلى مغارتي المحبوبة في الجبل، أقضي بقية أيام غربتي هناك، وأريح واستريح "ويكفى اليوم شره"... أما الإكليريكية فهي كأيّ عمل من أعمال الله ـ لابد أن تصطدم بصعوبات ومعوقات، وكأيّ عمل من أعمال الله لابد أن تنتصر على الصعوبات والمعوقات (الأنبا شنودة، إفتتاحيّة مجلة الكرازة لعدد أكتوبر ١٩٦٧) ثم ترد عبارة ربنا موجود في برواز كبير، عقب هذه الكلمات وقبل توقيع الكاتب: شنودة أسقف المعاهد الدينية والتربية الكنسية. تتوقف المجلة عن الصدور بعد المصادمة التي حدثت بين البابا كيرلس واسقف التعليم والتي اقتضت عودة الأسقف إلى الدير، ثم يعاد لمهام عمله ولم تعد المجلة، ثم تعاود الظهور بنفس الشكل والحجم، مع تتويج البابا شنودة، في عددين، الأول يضم شهور يناير وفبراير ومارس1972، وهو عدد احتفالي خصص لسرد مسيرة انتخاب البابا الجديد واختياره بالقرعة الهيكلية، بعد انتخابات جرت بين المرشحين، ثم "تتويجه" بحسب وصف المجلة كبابا، وتنتهى المجلة بمتابعة رسامة أسقفين للغربية والبحيرة، وقد حفل العدد بنحو 180 صورة تسجل رحلة رسامة البابا واستقبالاته ونشاطاته، والعدد الثاني يضم شهور يونيو ويوليو وأغسطس، ثم تتحول المجلة في بقية زمن البابا شنودة إلى شكلها المتداول اليوم. وبين جملتي نجاوب شوية أسئلة وربنا موجود نضع أيدينا على مفاتيح تواصله مع القاعدة العريضة من مريديه ومحبيه، والآخذة في الاتساع خاصة مع وهج منصب البابوية، إضافة إلى تنامى استهداف الأقباط من قبل الجماعات المتطرفة ومغازلة القيادة السياسية لتلك الجماعات ودعمها وقتها، ليصير البابا البطريرك ملاذًا وحصنًا يحتمى فيه "الشعب القبطي"، كانت "الإجابة على شوية أسئلة" فقرة تسبق في توقيتها وأهميتها الكلمة الرئيسية ـ العظة، وكانت محل متابعة من الجهات والأجهزة الأمنية والسياسية في الدولة للوقوف على توجهات وتوجيهات القيادة الكنسية، أو الرسائل التي تحملها الإجابات سواء للحضور أو المتابعين والمحللين. وربما تفسر لنا عبر قراءة وتحليل مضمون الأسئلة والإجابات، وربما المحاضرة والكلمة الرئيسية، لماذا تصاعدت المواجهة بين الدولة والكنيسة، السادات والبابا، حتى انتهت إلى صدام سبتمبر 1981، وفيه أُبعد البابا مجددًا إلى الدير بأوامر أمنية رئاسية. وربما نكتشف أننا إزاء رجل سياسة يملك أدواته في ثياب بطريرك. كان الهدف واضحًا منذ ترشحه الأول بعد أقل من عامين في الرهبنة، إعادة هيكلة المشهد القبطي والكنسي، ولم يبارحه في مشواره حتى نجح في تبوأ موقع البابوية، فشرع في ترجمته على الأرض، بل أظنه مهد له فور التحاقه بالدير، ويحكى أقرانه كيف كان يجول بينهم محفزًا لهم على الالتحاق بالرهبنة، وبعضهم كان مازال بالجامعة فتركها وترهب، بعد أن يضعه أمام مفاضلة العالم والأبدية، وكيف ترك التلاميذ كل شيء وتبعوا الرب يسوع، والذي يكرر الدعوة للرفقاء، مجددًا، من خلاله، ونجح أيما نجاح. في تكوين الخميرة التي تخمر العجين كله. برؤيته وطموحاته. الحياة الديرية وقتها كانت رتيبة، فالأديرة كانت شبه منعزلة ويومها يتوزع بين قوانين الراهب اليومية من عبادات يتخللها بعض الأعمال اليدوية والقراءة ونسخ المخطوطات، وكان التحاق باكورة الشباب الجامعي نقطة تحول إيجابية انعكست على أنماط الحياة اليومية، لكنها لم تمنع إصابة الراهب بلحظات من الضجر الروحي والنفسى، وهى حالة يعرفها المختبرين منهم، وكان علاجها أن ينصح الراهب بالخروج خارج أسوار الدير يهيم على وجهه حتى يفرغ تلك الطاقة السلبية ثم يعود أدراجه لقلايته، ويواصل حياته ويومه، شيء من هذا أصاب الأب متى المسكين، فاتخذ قراره بأن يترك ديره قاصدًا العودة إلى دير أنبا صموئيل المهجور بصحراء مغاغة، فالتف حوله نفر من رهبان الدير الشباب المتتلمذين عليه وقرروا الخروج معه، ولم تجد معهم نصائح أبيهم. كانوا نحو إثني عشر راهبًا وكان من بينهم الراهب أنطونيوس السرياني الأكثر حماسًا، تصادف في لحظة خروجهم قدوم الأنبا ثيئوفيلس رئيس الدير قادمًا من مقر الدير بالقاهرة الذي استفسر عن تجمعهم ووجهتهم، وحاول إقناعهم بالعدول عن قرارهم، لكنهم رفضوا، وانبرى الراهب الشاب أنطونيوس بالرد، بحسب ما سجلته سطور كتاب السيرة التفصيلية للأب متى المسكين الذي أصدره الدير بعد رحيله، قال للأب الأسقف: "الرهبنة التي تعلمناها: أب روحي مرشد مع رهبان يسيرون في طريق الخلاص"، "نحن رهبان نسير وراء أبينا الروحي... الرهبنة ليست أسوارًا ولا حدائق ولا أكلًا وشربًا... إننا نسير وراء الأب الذى يقودنا ويرشدنا". فأسقط في يد الأسقف وتركهم لما أرادوا. في دير الأنبا صموئيل تفاصيل تشير إلى حقيقة التربيطات والتحالفات وما شهدته أروقته من زيارات مكوكية متلاحقه من خارج المجموعة التي قصدته انتهت بقرار مفاجئ للراهب أنطونيوس بترك المجموعة وعودته لدير السريان بحسب نصيحة صديقين أحدهما راهب والأخر مدني علماني وثلاثتهم كانت تجمعهم اللجنة العليا لمدارس الأحد ... بعد أن أدرك أن ذلك افضل جدًا ويدعم الاقتراب من سعيه الأثير. اللافت أن الهدف تحقق فيما انهارت صداقتهم فيما بعد. أشرنا قبلًا إلى الحالة التي تشكلت بعد دخول الرفاق الثلاثة سلك الرهبنة، إذ شهدت الأديرة إقبالًا متصاعدًا غير مسبوق من خريجي الجامعات ربما تأسيًا بهم، وربما للانتباه لواحد من حلول مواجهة البطالة، ومع كل صعود للرفاق الثلاثة يتزايد طالبو الرهبنة. ما أن تولى البابا الجديد قداسة الأنبا شنودة الثالث بدأ في تفعيل قناعاته، في عدة محاور بالتوازي، بداية من تقسيم الإيبارشيات الكبيرة وقد ساعده في ذلك رحيل المطارنة الشيوخ تباعًا، لتتغير موازين القوى داخل مجمع الأساقفة، وقد بدأ برفاق المسيرة، وكان وفيًا لكل من أسدى له فضلًا وهو راهب أو وهو اسقف تعليم، فرده فيمن يراه من الممكن أن يتبوأ موقع الأسقفية من أبناء أو أقارب أصحاب الفضل، لتشهد الأديرة نسق الرهبنة الترانزيت، وفيها يتم قبول الشخص الذي يود البابا رسامته، ليمكث راهبًا لمدة قد لا تتجاوز العام، ثم بخرج من الدير إلى حفل الرسامة الأسقفية، لاستيفاء الشروط المستقرة فيمن يود رسامته. فضلًا عن التوسع في رسامة الأساقفة العموم ـ أساقفة دون إيبارشيات ـ والمتابع لتاريخ البطاركة يرصد أن كل بطريرك جديد يحرص على رسامة أساقفة جدد يكون بهم كتلة تصويتية داخل المجمع تدعمه في تمرير قراراته في مواجهة الحرس القديم. وقيل في تفسير ذلك أن رعية قليلة تعنى رعاية أفضل، فيما كان هناك من يرى أنه تفتيت يربك الخدمة، ويمثل عبئًا على الرعية في تغطية مطالب واحتياجات الأسقف الجديد خاصة خارج العاصمة. في البدايات حرص البابا الجديد على التوسع في رسامة الكهنة من خريجي الجامعات، واستدعائهم من وظائفهم المدنية لضمان مستوى جيد وواعي عند الكهنة الجدد، ولم ينتبه لما يحدثه هذا من تفريغ سوق العمل من الوجود المؤثر لكوادر الأقباط، فضلًا عن أن التعليم المدني وحده لا يقدم لنا كاهنًا معد لخدمته، والقول في بعض الحالات بأنه حاصل على دراسات إكليريكية ـ القسم المسائي ـ لا يلتفت إلى تراجع مستوى الدراسة في هذه الأقسام، والتي لم يكن غرضها إعداد كهنة بل تثقيف شباب الخدام، وانتهى الأمر إلى موات القسم الإكليريكي النهاري وارتباكه، وهو ما سنعرض له لاحقًا. وفى تطور لافت بدأ التوسع في رسامة الأساقفة العموم، بغير أن يحدد لهم في منطوق الرسامة مهام محددة كما كان الحال مع نظرائهم في حبرية البابا الراحل أنبا كيرلس، أو في حالة اسقف الشباب في بدايات رسامات البابا الجديد ـ وقتها ـ أنبا شنودة. نرصد في القاهرة -مقر كرسي البابا- ظاهرة تعيين أساقفة عموميين لمهمة الإشراف على قطاع جغرافي يضم عددًا من الكنائس، مثل مجموعة كنائس المعادي، شرق السكة الحديد، وسط المدينة، عين شمس وضواحيها، وهى بالأساس تجربة مهمة تأتى في سياق دفع وتفعيل الخدمة بهذه المناطق، لكنها تجربة تحتاج إلى تقييم وإعادة قراءة في ضوء الممارسة العملية ـ فهي بشكل ما تعنى تبعية القطاع لأسقفين ـ قداسة البابا اسقف المدينة والأسقف المعين للإشراف على القطاع وإدارته. فضلًا عن تهميش دور كهنة الكنيسة المحليين وهو ما نشهده من الضغط الشعبي على الأسقف العام المعنى، طلبًا لحل مشاكل شعب القطاع والذين يتجهون إليه مباشرة في تجاوز لكهنتهم. وأدى هذا أيضًا إلى اختفاء رتبة "الإيغومانوس" ـ القمص ـ في غالبية تلك الكنائس فأخل بالترتيب التدبيري بحسب خبرة الآباء، ونتج عنه تساوى كل كهنة الكنيسة في الصلاحيات مما أدى إلى بروز العديد من الخلافات وربما المصادمات. ويبقى الأسقف العام هنا معرضًا للنقل أو إحالته للدير، لأسباب متعددة، لأنه يتولى عملًا معاونًا لأسقف المدينة بغير أن يكون له سند قانوني يستمده من رسامته على المكان ويضمن له الاستقرار والاستمرار، أو ربما لاحتمالات الوقيعة بينه وبين أسقف المدينة على خلفية القبول الشعبي الذي يمكن أن يحققه الأسقف العام وما يولده من مقارنات قد يراها اسقف المدينة انتقاصًا من هيبته، وهو وضع يحتاج إلى دراسة قانونية كنسية، وينبه إلى أهمية إعادة الاعتبار لرتبة الإيغومانوس، والتي هي وفق التجارب المعاشة في زمن أسبق الأفضل رعويًا وتدبيريًا، وينطبق هذا أيضا على دراسة إحياء رتبة الـ "خورى إيبسكوبوس" ، والتي تم تجربتها على استحياء في إيبارشية بني سويف وإيبارشية القليوبية، ولم يكتب للتجربتين الاستمرار أو التكرار لأسباب مختلفة وغير معلنة، رغم أنهما وفرا حلًا قانونيًا بحسب الآباء، ولست بحاجة إلى التأكيد على احترامي وتقديري للآباء الأساقفة العموم الموكل إليهم هذه المهام، فالطرح ينصب على التجربة لا على الأشخاص. ومازال المشاهدات تتوالى عسانا نضع ايدينا على اختلالات اللحظة المعيشة توطئة لتصويبها. --- ### [٢] متى كُتب التكوين؟ - Published: ۲۰۲۲-۰٦-۰٦ - Modified: 2024-04-24 - URL: https://tabcm.net/6343/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, كتاب مقدس - وسوم: أسفار موسى, إيلوهيم, التقليد الإيلوهي [E], التقليد الكهنوتي [P], التقليد اليهوي [J] / [Y], الشرق الأدنى, الشيطان, الفرضية الوثائقية, بنتاتوخ, توراة, چان استروك, حاخام إبراهيم بن عزرا, مملكة يهوذا, نظرية المصادر, يهوه, يوليوس فلهاوزن لقد أثار سفر التكوين جدلا واسعا منذ قرون، خاصة بعد التقدم الملحوظ في علم الآثار والتنقيب في القرن التاسع عشر. في هذا المقال، سنوضح النظريات المتباينة التي تناولت نشأته وكتابته. حسب التقليد، يُعد سفر التكوين أحد أسفار موسى الخمسة، الذي اتفق معظم المؤرخين أنه عاش بين القرنين الثالث عشر والرابع عشر قبل الميلاد. بالتالي يُعتقد أن سفر التكوين كُتب في هذه المدّة. فعلًا توجد أدلة داخلية أن موسى قد كتب الشريعة؛ على سبيل المثال، نجد في سفر الخروج، نصوص تشير إلى موسى ككاتب السفر. وَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «اكْتُبْ لِنَفْسِكَ هذِهِ الْكَلِمَاتِ، لأَنَّنِي بِحَسَبِ هذِهِ الْكَلِمَاتِ قَطَعْتُ عَهْدًا مَعَكَ وَمَعَ إِسْرَائِيلَ»(خروج 34: 27) لكن مع ذلك، لا نجد أي ذكر لموسى ككاتب سفر التكوين، فبإمكاننا التوصل أنه كاتب سفر الخروج، وأغلب التثنية، والعدد، واللاويين، لكننا لا نستطيع تأكيد كتابته لسفر التكوين. حتى في العهد الجديد، لا توجد إشارة أن موسى هو كاتب التكوين، مع إننا نجد إشارات واضحة أن موسى هو كاتب الشريعة والناموس. "لأَنَّ النَّامُوسَ بِمُوسَى أُعْطِيَ، أَمَّا النِّعْمَةُ وَالْحَقُّ فَبِيَسُوعَ الْمَسِيحِ صَارَا" (يوحنا 1: 17) يرى المفسر اليهودي إبراهيم بن عزرا (1089- 1164م)، وهو أول من أشار إلى اختلاف سفر التكوين عن باقي أسفار التوراة، أن السفر لم يُكتب في حياة موسى، وقد استشف عزرا ذلك من عبارتين: "وكان الكنعانيون حينئذ في الأرض" (تكوين 12: 6)، و“وكان الكنعانيون والفرزيون حينئذ ساكنين في الأرض. ” (تكوين 13: 7) لأنهما توحيان بأن في وقت الكتابة، لم يكن الكنعانيون موجودين في أرضهم؛ أي إن النص كُتب بعد طرد الكنعانيين بواسطة بني إسرائيل وامتلاك أرضهم. وبما أن طرد الكنعانيين حدث بعد موت موسى، فإذن هذه النصوص كتبت بعد موته، أو في الأقل، قد خضع النص لمرحلة تحرير عقب الكتابة في وقت آخر. لكن، بالطبع، لا يمكننا أن نحدد بالقطع ما النصوص التي كتبها موسى بالسفر، وما النصوص التي كتبت بعد موته. هناك نصوص أخرى تبدو أنها كُتبت بعد موت موسى. فهناك نص يذكر بلاد ما بين النهرين التي منها جاء إبراهيم إلى أرض الموعد باسم “أور الكلدانيون" (تكوين 11:28، 31؛ 15: 7) كانت أور مدينة قديمة، تأسست قبل موسى وإبراهيم. لكن، قبيلة "الكلدانيون" لم تكن موجودة في زمن موسى. بل ظهرت في الألفية الأولى قبل الميلاد؛ فالكلدانيون هم قبيلة ناطقة بالآرامية هيمنت على جَنُوب بلاد ما بين النهرين (الآن جَنُوب العراق) بما في ذلك، منطقة أور حوالي عام 940 قبل الميلاد، أي بعد موسى بزمن طويل. أيضا هناك ذكر لمدينة "دان" التي سميت على اسم حفيد إبراهيم في تكوين 14. بالطبع، لم يكن هذا اسم المدينة في زمن إبراهيم. فَلَمَّا سَمِعَ أَبْرَامُ، أَنَّ أَخَاهُ سُبِيَ جَرَّ غِلْمَانَهُ الْمُتَمَرِّنِينَ، وِلْدَانَ بَيْتِهِ، ثَلاَثَ مِئَةٍ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ، وَتَبِعَهُمْ إِلَى دَانَ(تكوين 14: 14) وَصَعِدُوا وَحَلُّوا فِي قَرْيَةِ يَعَارِيمَ فِي يَهُوذَا. لِذلِكَ دَعَوْا ذلِكَ الْمَكَانَ «مَحَلَّةَ دَانٍ» إِلَى هذَا الْيَوْمِ. هُوَذَا هِيَ وَرَاءَ قَرْيَةِ يَعَارِيمَ(قضاة 18: 12) وبعد تلك الأبحاث، كانت هناك نظريتين على الأرجح؛ النظرية الأولى تًرجع كتابة السفر إلى موسى، وتًرجع الإضافات والتعديلات على النص لأجيال لاحقة. أما النظرية الثانية لا ترجح كتابة موسى للسفر، ويعتقد أصحابها أن السفر بل والتوراة كليًّا كتبت في صورة مصادر/ كتب (لا كتاب موحد) بواسطة كتاب مختلفين وفي أزمنة مختلفة، وقد جمعت على يد عزرا سنة 400 قبل الميلاد. تعرف النظرية الثانية بنظرية المصادر، وقد نشأت في منتصف القرن الـ18 الميلادي، حين لاحظ الباحث "جان استروك" أن بعض النصوص تستخدم اسم "يهوه" (في التَّرْجَمَةً العربية: الله) فقط مثل تكوين 1 والبعض الآخر يذكر "إيلوهيم" (في التَّرْجَمَةً العربية: الرب الإله) فقط مثل تكوين 2. كما نلاحظ اختلاف أسلوب السرد في الإصحاحين؛ ففي تكوين 1، نجد الأسلوب أشبه بأسلوب التقارير الصحفية المرتبة التي تركز على الترتيب الزمني للأحداث، أما تكوين 2، نجد النص يعيد سرد القصة لكن من منظور درامي، قصصي، ولا يركز على ترتيب الأيام، بل على تفاعل الله مع الإنسان. لذلك، يعتقد الكثيرون أن القصتين كتبهما كاتبان مختلفان، ومن هنا ظهر المصدران الأولان: المصدر الأول J ويشير إلى النصوص التي تستعمل "يهوه" والمصدر الثاني E ويشير إلى النصوص التي تستعمل "إيلوهيم". غياب مبدأ التناسق (Consistency) يعد أحد أهم الحجج التي يعتمد عليها من يرى أن التكوين لم يكتب ككتاب واحد بل كعدة قصص متفرقة لعدة كتاب. ففي تكوين 1، نجد الله يخلق النباتات في اليوم الثالث قبل الإنسان، بينما في تكوين 2، نجد أن كل الشجر والعشب لم ينبت قبل وجود الإنسان؛ لأنه لم يكن في الأرض.  كُلُّ شَجَرِ الْبَرِّيَّةِ لَمْ يَكُنْ بَعْدُ فِي الأَرْضِ، وَكُلُّ عُشْبِ الْبَرِّيَّةِ لَمْ يَنْبُتْ بَعْدُ، لأَنَّ الرَّبَّ الإِلهَ لَمْ يَكُنْ قَدْ أَمْطَرَ عَلَى الأَرْضِ، وَلاَ كَانَ إِنْسَانٌ لِيَعْمَلَ الأَرْضَ. (تكوين 2 : 5) في أواخر القرن الـ18، وضع الباحث الألماني "يوليوس فلهاوزن" الفرضية الوثائقية التي ترجح أن التوراة كتبت بواسطة أربعة مصادر مختلفة J, E, D, P يعود أقدمها إلى عام 1000 قبل الميلاد وأحدثها إلى عام 600 قبل الميلاد. ولتلك النظرية ثقل أكاديمي، واعترف بها الكثير من اليهود، والمسيحيين الكاثوليك أيضًا، لكن مازال الجدل قائمًا حولها لأن العلماء لم يعثروا على هذه المصادر بمفردها. أشار فلهاوزن أن J  قد كتب في وقت مملكة يهوذا المنقسمة، ومنه كُتب معظم سفر التكوين، بينما كُتب E في شمال إسرائيل ومنه كُتبت أجزاء من سفر التكوين. وتم دمج المصدرين حوالي 722 قبل الميلاد.   أما D فهو المسئول عن سفر التثنية ويشوع والقضاة وصموئيل والملوك. P هو المصدر الكهنوتي ومنه كُتب سفر اللاويين والأنساب والعبادات. عمدت نظرية المصادر على إبراز النصوص غير المتناسقة. على سبيل المثال، في قصة نوح، نجد روايتين مختلفتين لكلام الله لنوح بالنسبة لعدد الأزواج. في تكوين 6، يطلب الله من نوح إحضار زوجين من كل نفس حية. أما في تكوين 7، يطلب منه أن يأخد، سبعة أزواج من البهائم الطاهرة وإثنين من البهائم غير الطاهرة. وَمِنْ كُلِّ حَيٍّ مِنْ كُلِّ ذِي جَسَدٍ، اثْنَيْنِ مِنْ كُلّ تُدْخِلُ إِلَى الْفُلْكِ لاسْتِبْقَائِهَا مَعَكَ. تَكُونُ ذَكَرًا وَأُنْثَى. مِنَ الطُّيُورِ كَأَجْنَاسِهَا، وَمِنَ الْبَهَائِمِ كَأَجْنَاسِهَا، وَمِنْ كُلِّ دَبَّابَاتِ الأَرْضِ كَأَجْنَاسِهَا. اثْنَيْنِ مِنْ كُلّ تُدْخِلُ إِلَيْكَ لاسْتِبْقَائِهَا.  (تكوين 6: 19- 20) من جميع البهائم الطاهرة تأخذ معك سبعة سبعة ذكرا وأنثى. ومن البهائم التي ليست بطاهرة اثنين: ذكرا وأنثى. ومن طيور السماء أيضا سبعة سبعة: ذكرا وأنثى. لاستبقاء نسل على وجه كل الأرض. (تكوين 7: 2) وفي قصة إحصاء داود للشعب، التي ذكرت في سفرين مختلفين، نجد أيضًا روايتين مختلفتين: واحدة تقول إن الله هو من أهاج داود على الشعب ليعده، والأخرى تقول إن الشيطان هو من فعل ذلك. وَعَادَ فَحَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى إِسْرَائِيلَ، فَأَهَاجَ عَلَيْهِمْ دَاوُدَ قَائِلًا: «امْضِ وَأَحْصِ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا»(صموئيل الثاني 24: 1) وَوَقَفَ الشَّيْطَانُ ضِدَّ إِسْرَائِيلَ، وَأَغْوَى دَاوُدَ لِيُحْصِيَ إِسْرَائِيلَ(أخبار الأيام الأول 21: 1) فمن الذي جعل داود يحصي الشعب، الله أم الشيطان؟ من هذه الاختلافات وغيرها (توجد أمثلة أخرى كثيرة لا يوجد متسع لذكرها)، استنتج فلهاوزن أن العهد القديم هو نتاج لمصادر مختلفة، يختلف كتابها أحيانًا في آرائهم ونظرتهم لله والإنسان، بالرغم من اتفاقهم في الإيمان به. لذلك، لا ينبغي أن نأخذ تلك النصوص من منظور حرفي. برزت تلك الأبحاث على السطح، وارتجت فكرة الوحي الجامد الخالي من أي دور بشري. وأصبح هناك رأيا جديدا يقول إن الله لم يعط البشر قوانينا منزلة ولم يقحم نفسه في قصصهم، بل جعلهم هم يكتبوا قصصهم بحرية ويختلفوا حوله، وتفاعل معهم أينما ذهبوا. استنتج الباحثون أن الاختلاف مع كاتب سفر من الأسفار كاللاويين أو المزامير  ليس اختلافا مع الله. مثلما نختلف مع أي كتب تفسيرية أو آبائية؛ لأن الكتابة بها جانب بشري واضح لن تستطيع إنكاره. انكب الباحثون لمحاولة إيجاد نظرية أخرى لعدم رضاهم عن نتيجة فرضية المصادر التي ترجح كتابة العهد القديم بين 1000 و600 قبل الميلاد. بالطبع، لم يجلس كتاب السفر في هذه الحِقْبَة ليسردوا تاريخهم القديم من العدم. لذلك، يرى الباحثون أن هناك مصادر أخرى سابقة للمصادر الأربعة؛ على سبيل المثال نجد في سفر العدد 21 ذكر لكتاب يدعى حروب الرب، وكتب أخرى في الأسفار. ربما كانت تلك الكتب هي مصادر المصادر الأربعة. ومن ضمن المصادر الواضحة هي قصص الشرق الأدنى. كما يرى البعض أن العهد القديم كان ينقل شفهيا إلى أن تمت كتابته. لِذلِكَ يُقَالُ فِي كِتَابِ «حُرُوبِ الرَّبِّ»: وَاهِبٌ فِي سُوفَةَ وَأَوْدِيَةِ أَرْنُونَ(عدد 21: 14)   اقرأ أيضا: --- ### تعليقات على سفر ملاخي [مجيء يوم الرب العظيم] - Published: ۲۰۲۲-۰٦-۰۵ - Modified: 2025-02-02 - URL: https://tabcm.net/6081/ - تصنيفات: كتاب مقدس فَهُوَذَا يَأْتِي الْيَوْمُ الْمُتَّقِدُ كَالتَّنُّورِ، وَكُلُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ وَكُلُّ فَاعِلِي الشَّرِّ يَكُونُونَ قَشًّا، وَيُحْرِقُهُمُ الْيَوْمُ الآتِي، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ، فَلاَ يُبْقِي لَهُمْ أَصْلًا وَلاَ فَرْعًا. (سفر ملاخي، الإصحاح الرابع، 1) "اليوم" هو يوم مجيء الرب (ملاخي 3: 1-2 و17). ويُشبِّه ملاخي هذا اليوم بـ "التنُّور" أي الموقد والفرن، وتمثيل يوم الرب بأنه "المُتقد كالتنُّور" يُشير لنار التنقية (ملاخي 3: 2-3) والدينونة (ملاخي 3: 5). وهذا تكلم عنه المزمور: "تجعلهم مثل تنور نارٍ في زمان حضورك؛ الرب بسخطه يبتلعهم، وتأكلهم النار" (مزمور 21: 9)، "قُدَّامَهُ تَذْهَبُ نَارٌ وَتُحْرِقُ أَعْدَاءَهُ حَوْلَهُ. " (مزمور 97: 3). أما المستكبرون وفاعلو الشر (ملاخي 3: 15) هم القش، أي وقود هذه النار. كانت هذه رسالة يوحنا المعمدان: "وَالآنَ قَدْ وُضِعَتِ الْفَأْسُ عَلَى أَصْلِ الشَّجَرِ، فَكُلُّ شَجَرَةٍ لاَ تَصْنَعُ ثَمَرًا جَيِّدًا تُقْطَعُ وَتُلْقَى فِي النَّارِ... هُوَ سَيُعَمِّدُكُمْ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ وَنَارٍ. الَّذِي رَفْشُهُ فِي يَدِهِ، وَسَيُنَقِّي بَيْدَرَهُ، وَيَجْمَعُ قَمْحَهُ إِلَى الْمَخْزَنِ، وَأَمَّا التِّبْنُ فَيُحْرِقُهُ بِنَارٍ لاَ تُطْفَأُ. " (متى 3: 10-12)، (لوقا 3: 9 و16-17). ويتفق مع ما ذكره الرب يسوع عن أغصان الكرمة غير المثمرة: "كُلُّ غُصْنٍ فِيَّ لاَ يَأْتِي بِثَمَرٍ يَنْزِعُهُ... إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يَثْبُتُ فِيَّ يُطْرَحُ خَارِجًا كَالْغُصْنِ، فَيَجِفُّ وَيَجْمَعُونَهُ وَيَطْرَحُونَهُ فِي النَّارِ، فَيَحْتَرِقُ. " (يوحنا 15: 2 و6). وَلَكُمْ أَيُّهَا الْمُتَّقُونَ اسْمِي تُشْرِقُ شَمْسُ الْبِرِّ وَالشِّفَاءُ فِي أَجْنِحَتِهَا، فَتَخْرُجُونَ وَتَنْشَأُونَ كَعُجُولِ الصِّيرَةِ. (سفر ملاخي، الإصحاح الرابع، 2) إذا كان يوم الرب هو يوم تنقية ودينونة للأشرار، إلا إنه يوم شفاء وفرح وشبع لمتقي الرب. فـ "المتقون" هم"متقو الرب"(ملاخي 3: 16) الذين عبدوا الرب بأمانة ذاكرين اسمه كل حين برغم ضلال وشر المجتمع المحيط بهم، وارتفاع المتكبرين والأشرار من حولهم. ولكن هذا لم يُفقدهم رجاءَهم في عدل الرب وصلاحه. وإشراق "شمس البر" كناية عن ظهور الرب يسوع المسيح، وإشراقه علينا نحن الجلوس في الظلمة "اَلشَّعْبُ السَّالِكُ فِي الظُّلْمَةِ أَبْصَرَ نُورًا عَظِيمًا. الْجَالِسُونَ فِي أَرْضِ ظِلاَلِ الْمَوْتِ أَشْرَقَ عَلَيْهِمْ نُورٌ. " (إشعياء 9: 2)، "لأَنَّ الرَّبَّ، اللهَ، شَمْسٌ وَمِجَنٌّ. الرَّبُّ يُعْطِي رَحْمَةً وَمَجْدًا. لاَ يَمْنَعُ خَيْرًا عَنِ السَّالِكِينَ بِالْكَمَالِ. " (مزمور 84: 11). فهو "نور العالم" (يوحنا 8: 12)، شمس البر צדקה (تصداقاه) أي بِرُّ الله هو العدل والحق justice, righteousness، وبِرُّ المؤمنين أي تبريرهم وخلاصهم من خطاياهم vindication, justification, salvation. فكما أن الشمس في طبيعتها نارٌ حارقة لكن في الوقت لها قوة شفائية مُطهرة "والشفاء في أجنحتها"، تعطي حياة لجميع الكائنات. كذلك ظهور بِرُّ الله على جميع الأمم سيكون دينونة للأشرار، وشفاء الخلاص من الخطية، وحياة أبدية للأبرار. و"أجنحتها" إشارة لـ "ملاك العهد" (ملاخي 3: 1) أي الرب نفسه وتعني الخلاص والنجاة والحماية والمعونة "وَأَنَا حَمَلْتُكُمْ عَلَى أَجْنِحَةِ النُّسُورِ وَجِئْتُ بِكُمْ إِلَيَّ. " (خروج 19: 4)، "لِيُكَافِئِ الرَّبُّ عَمَلَكِ، وَلْيَكُنْ أَجْرُكِ كَامِلًا مِنْ عِنْدِ الرَّبِّ إِلهِ إِسْرَائِيلَ الَّذِي جِئْتِ لِكَيْ تَحْتَمِي تَحْتَ جَنَاحَيْهِ. " (راعوث 2: 12)، (مزمور 17: 8 و36: 7 و57: 1 و63: 7)، "يَا أُورُشَلِيمُ، يَا أُورُشَلِيمُ! يَا قَاتِلَةَ الأَنْبِيَاءِ وَرَاجِمَةَ الْمُرْسَلِينَ إِلَيْهَا، كَمْ مَرَّةٍ أَرَدْتُ أَنْ أَجْمَعَ أَوْلاَدَكِ كَمَا تَجْمَعُ الدَّجَاجَةُ فِرَاخَهَا تَحْتَ جَنَاحَيْهَا، وَلَمْ تُرِيدُوا. " (متى 23: 37 ولوقا 13: 34). عند مجيء الرب يسوع المسيح، "تخرجون" تشير للاندفاع للخارج، أو للولادة مرة أخرى للحياة الجديدة متمتعين بضياء شمس البر. و"تنشأون" تشير إلى النمو والتقدم في الحياة مع الله، فنبلغ إلى الإنسان الكامل في المسيح (أفسس 4: 13 وكو 1: 28). "كعجول الصِّيرَة"، والصيرة هي المَعلف أو الحظيرة، مُتغذين على غِنَى ودسم وصايا الله وكلمته المشبعة. وَتَدُوسُونَ الأَشْرَارَ لأَنَّهُمْ يَكُونُونَ رَمَادًا تَحْتَ بُطُونِ أَقْدَامِكُمْ يَوْمَ أَفْعَلُ هذَا، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. اُذْكُرُوا شَرِيعَةَ مُوسَى عَبْدِي الَّتِي أَمَرْتُهُ بِهَا فِي حُورِيبَ عَلَى كُلِّ إِسْرَائِيلَ. الْفَرَائِضَ وَالأَحْكَامَ. (سفر ملاخي، الإصحاح الرابع، 3-4) نفس "يوم الرب"هو دينونة للأشرار سيكون نفسه مكافأة للأبرار على أمانتهم. ربما يعاني الصديقون الشر والضيقات التي يضطهدهم العالم الشرير بها، لكن هنا يعدهم الرب بالغلبة على الأشرار، "فِي الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيقٌ، وَلكِنْ ثِقُوا: أَنَا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَمَ. " (يوحنا 16: 33). فإن التمسك بوصايا وكلمة الله والعمل بها هو سر البركات في الحياة (تثنية 28: 1-14). هأَنَذَا أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ إِيلِيَّا النَّبِيَّ قَبْلَ مَجِيءِ يَوْمِ الرَّبِّ، الْيَوْمِ الْعَظِيمِ وَالْمَخُوفِ، (سفر ملاخي، الإصحاح الرابع، 5) أخبرهم الرب أنه سيرسل إليهم ملاكه (ملاخي 3: 1) ليهيئ الطريق أمامه. وهو ما تحقق في يوحنا المعمدان، الذي قال عنه الملاك في بشراه لزكريا الكاهن أبيه: "وَيَتَقَدَّمُ أَمَامَهُ بِرُوحِ إِيلِيَّا وَقُوَّتِهِ، لِيَرُدَّ قُلُوبَ الآبَاءِ إِلَى الأَبْنَاءِ، وَالْعُصَاةَ إِلَى فِكْرِ الأَبْرَارِ، لِكَيْ يُهَيِّئَ لِلرَّبِّ شَعْبًا مُسْتَعِدًّا" (لوقا 1: 17)، فليس بالضرورة أن يكون هو شخص إيليا نفسه (ملوك الأول 17: 1- 2مل 2: 15) بل شخص آخر بقوة إيليا وروحه، كما ذكر الكتاب عن إليشع النبي عندما طلب إثنين من روح إيليا عليه (ملوك الثاني 2: 9)، وقيل عنه: "قَدِ اسْتَقَرَّتْ رُوحُ إِيلِيَّا عَلَى أَلِيشَعَ. " (ملوك الثاني 2: 15). ولذلك عندما سُئل يوحنا: "إِيلِيَّا أَنْتَ؟" أنكر قائلًا إنه ليس إيليا نفسه (يوحنا 1: 21) في حين أن الرب يسوع المسيح قال عنه: "فَهذَا هُوَ إِيلِيَّا الْمُزْمِعُ أَنْ يَأْتِيَ. " (متى 11: 14)، "وَلكِنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ إِيلِيَّا قَدْ جَاءَ وَلَمْ يَعْرِفُوهُ، بَلْ عَمِلُوا بِهِ كُلَّ مَا أَرَادُوا. " (متى 17: 12 ومرقس 9: 13). فَيَرُدُّ قَلْبَ الآبَاءِ عَلَى الأَبْنَاءِ، وَقَلْبَ الأَبْنَاءِ عَلَى آبَائِهِمْ. لِئَلاَّ آتِيَ وَأَضْرِبَ الأَرْضَ بِلَعْنٍ. (سفر ملاخي، الإصحاح الرابع، 6) كانت هذه هي رسالة المعمدان لإعداد طريق الرب (إشعياء 40: 3) و(ملاخي 3: 1)، التي تحققت بأنه "يرد قلب الآباء على الأبناء، وقلب الأبناء على آبائهم" في (متى 3: 3) و(لوقا 1: 17). أي يُحوِّل فكر الآباء الأبرار الذين على الرجاء انتظروا المسيح إلى الأبناء الذين في زمانهم يأتي المسيح الرب فيكونوا مستعدين للإيمان به. لذلك كما قال الملاك: "يردُّ كثيرين... ويُهيئ للرب شعبًا مستعدًا" (لوقا 1: 16-17). وهنا ينتهي أخر سفر نبوي في العهد القديم بتحذير نهائي، بأن اللعنة هي المصير الأخير لمن لا يقبل السيد الرب عند مجيئه. وهنا نجد فرق كبير بين أول عبارة وأخر عبارة في العهد القديم. فيبدأ سفر التكوين بعبارة "فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ. " (تكوين 1: 1)، التي تصف كمال الأيقونة التي رسمها الله بالخليقة وتوجها بالإنسان، نجد ذلك التحذير المخيف باللعنة في خاتمة سفر ملاخي "لِئَلاَّ آتِيَ وَأَضْرِبَ الأَرْضَ بِلَعْنٍ. " (ملاخي 4: 6)، وبين هذا وذاك نجد أن خطيئة البشر هي التي أحدثت كل هذا الفرق. فبينما يبدأ التكوين بالقوة العظيمة والكمال في خليقة الرب الإله، ينتهي في ملاخي بالخوف والإنذار باللعنة والانفصال عن الله والحاجة إلى ظهور الرب المُخلص. --- ### بينما يتجادل اللاهوتيون، يتسلل الأنبا رفائيل - Published: ۲۰۲۲-۰٦-۰٤ - Modified: 2024-04-20 - URL: https://tabcm.net/6461/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, شئون علمانية - وسوم: Accreditation, Council for Higher Education Accreditation (CHEA), أنبا دافيد، أسقف نيويورك ونيو إنجلاند, أنبا رفائيل، أسقف وسط القاهرة, أوليڤر تويست, الجامعات المزيفة, المنهج العلمي, تدبير الخلاص, جامعة داكوتا الشمالية, جامعة درهام, جامعة كونكورديا, جامعة مانشستر, قمص إبراهام عزمي, مارتن لوثر, هولي صوفيا حصل نيافة الأنبا رفائيل الأسقف العام لكنائس وسط القاهرة على ماجستير في علوم اللاهوت (هكذا، دون تخصص! ) من كنيسة هولي صوفيا التي يديرها زميله اﻷنبا ديفيد أسقف ايبارشية نيويورك ونيوإنجلاند بالولايات المتحدة الأمريكية، وأجاز الرسالة مع التوصية بنشرها وترجمتها، وحملت رسالة الباحث عنوان: "تدبير الخلاص: كتابيًّا وآبائيًّا وليتورجيًّا وقانونيًّا"، وترأس لجنة المناقشة القمص إبراهام عزمي. احتفى الشعب القبطي وصفحات الكنيسة القبطية بالباحث، بل وكتب البعض تعليقات على غرار أكسيوس أكسيوس، وأنّ الماجستير قد نال بركة حصول الأنبا رفائيل عليه. وعلى الجانب اﻵخر، وصف البعض الأمر بأنه مهزلة أكاديمية متكاملة الأركان، إذ جلس الباحث على المنصة  ﻻ أمامها، وقدم شيئا أشبه بعظة تحذيرية من الطوائف الأخرى التي لا تعرف معنى الخلاص. ودون مناقشة جادة للرسالةـ وكانت بالمجمل  لا تقارن على الإطلاق بمناقشات الرسائل التي تطحن فيها اللجنة الباحث بالأسئلة. وقد سارعت صفحة "هولي صوفيا" على الفيسبوك بغلق التعليقات بعد حذفها لتعليقات الناقدين والإبقاء على تعليقات المحتفيين بدلا من الرد على الحجة بالحجة كما يفعل الباحثون.  كما اتهم البعض صفحة "هولي صوفيا" بانتحال صفة "جامعة" دون اعتماد. فهل الصفحة فعلا تنتحل صفة جامعة؟ ولماذا لم يختر الأنبا رفائيل جامعة معتمدة ينشر بها بحثه؟ الجامعات غير المُعتمدة يقع الكثير من الباحثين عن الدرجات العلمية في فخ الجامعات المزيفة وبالأخص الجامعات الأونلاين التي تمنح درجات الدراسات العليا بالخارج، لسهولة الوصول إلى شهادة من مؤسسة مرموقة دون الحاجة إلى زيارة المؤسسة فعليًا، ويمكنك قراءة العديد من المقالات في هذا الصدد، مثل كيف يمكنك تجنب التعرض للخداع من قبل الجامعات المزيفة؟ وما العلامات التي تدل على صحة شهادة ما؟ للإجابة عن هذا السؤال، يجب أن نعرف أن الفاصل الحاسم بين الجامعة الحقيقية والجامعة المزيفة هو الاعتماد (Accreditation)، لأن بدونه تصبح المؤسسة غير مرخصة وغير معترف بها قانونًا. وعلى الرغم من سعي الحكومة في الولايات المتحدة لإغلاق مثل هذه الكيانات، لا تزال هناك جامعات جديدة تظهر كل يوم لأنه من السهل جدًا إنشاء جامعة مزيفة - إنشاء اسم يبدو مألوفًا وإنشاء موقعًا على الإنترنت يشبه الجامعات الحقيقية. ويوجد مصطلح شهير في الولايات المتحدة يسمى Degree Mill (مصنع التقديرات) يطلق على الجامعات المزيفة التي تمنح درجات دون أي مجهود أكاديمي حقيقي. لكن، لا يمكننا أن نعمم ونقول إن كل الجامعات غير المعتمدة جامعات مزيفة، لكن كل الجامعات المزيفة هي جامعات غير معتمدة.  مع ذلك، يمكنك الالتحاق بكيانات غير معتمدة إذا كان ما تقدمه من محتوى تجده مفيدًا لك، لكن لا تتوقع أن يعترف أحد بشهادتك.   أو أن تعتبر نفسك قد حصلت على درجة علمية. العلامة الثانية بعد الاعتماد هي مصاريف الجامعة. الشائع أن الجامعات المعتمدة ذات الثقل في العالم يحق لها طلب مصاريف طائلة لصعوبة اجتيازها وقيمة درجتها العلمية، أما الكيانات غير المعتمدة وبالأخص عبر الإنترنت التي تطلب مبالغًا مرتفعة من الطلبة مقابل الحصول على شهادة غير معترف بها بعد حضور عددا من الكورسات عبر الإنترنت، فعادة ما يتم تحذير الطلبة من الانضمام إليها؛ لأن مثل هذه المؤسسات ترفع من مصاريفها في مقابل تسهيل متطلبات الدخول وتسهيل الحصول على الدرجة بالتقليل من المجهود الأكاديمي، ويقصدها من يريد الحصول على درجة بلا مجهود؛ لأن بالطبع، تسجيل رسالة والعمل الدؤوب عليها لا يهم كل من يبتغي الحصول على درجات علمية. أما بالنسبة للجامعات التي تسعى للاعتماد فيتم الإشراف على اعتمادها من مجلس اعتماد التعليم العالي (CHEA) ويتم فحصهم من قبل وزارة التعليم الأمريكية، وتدخل الجامعة برامج الاعتماد، ليتم تقييم أهداف الجامعة ومواردها من الأقران، وبعدها تحصل على الاعتماد. بالعودة لهولي صوفيا، فوفقا لموقع الجامعة، تعرف جامعة هولي صوفيا نفسها بأنها جامعة عبر الإنترنت غير معتمدة، لكنها تسعى بنشاط للحصول على الاعتماد، وتقدم كورسات أونلاين من أعلى المستويات، ورئيس الجامعة هو نيافة الأنبا ديفيد، أسقف إيبارشية نيويورك ونيوانجلاند بالولايات المتحدة الأمريكية. لكن الجامعة لم تذكر كيف تسعى للاعتماد؟ هل يشرف مجلس الاعتماد عليها؟ فهذه معلومات هامة من أجل الشفافية لأن التعامل كله يتم عبر الإنترنت. لذلك، من المفترض أن تقدم "هولي صوفيا" ما يثبت وجود إشراف عليها حتى قبل الحصول على الاعتماد. كما يذكر الموقع أن قيمة الكورس الواحد في الجامعة 200 دولار أمريكي (4000 جنيه) وللحصول على ماجستير، يتطلب حضور 24 كورس للطالب الذي لم يلتحق بالإكليريكية و18 كورس للحاصل على شهادة الإكليريكية. الرسالة منتج متخصص، وليست منتجا شعبويا كما يعرف معظمنا، يشترط لتسجيل أي رسالة ماجستير أن تكون محددة ودقيقة، ولذلك، يجب على المشرف على الباحث فرض قيود (محددات) على الرسالة؛ للإجابة على استشكاليه محددة. لأن تشعب الرسالة وعدم تحديد مخرجات بعينها وفق منهجية (Approach) بعينها يدل على ضحالة الرسالة. على سبيل المثال، لا يمكن أن يتقدم أحد بموضوع عن دراسة رواية أدبية مثل "أوليفر تويست" من منظور فلسفي، سياسي، اجتماعي، نفسي؛ ينبغي على الباحث تحديد منظور معين ثم تحديد منهجية بحثية معينة يبرز من خلالها إشكالية معينة يبحثها باستفاضة وعمق؛ لأن رسالة ماجستير من 40 إلى 80 صفحة لن تحتمل كل الرؤى المفتوحة. كثرة المنهجيات الفضفاضة المسمى والمختلفة اﻵلية، تعد تناولا لقشور سطحية عابرة من كل منهجية وليس التعمق بمنهجية محددة. وحتى في أبحاث التخرج، يتم رفض المواضيع الفضفاضة. كما يشترط أيضًا أن يكون موضوع الرسالة جديد وغير مسجل من قبل لإجراء بحث أصلي وإضافة معرفة جديدة إلى مجال علمي محدد. لذلك، فتغطية موضوع مثل تدبير الخلاص من منظور كتابي، آبائي، ليتورجي، قانوني في رسالة ماجستير واحدة أمر غير مألوف ولا يتوافق مع قواعد الأكاديميا؛ كما أن هناك العديد من رسائل الماجستير المنشورة بالفعل قد تناولت موضوع الخلاص من الرؤى الأربع المذكورة. فعلى سبيل المثال، هناك رسالة عن تدبير الخلاص من منظور كتابي في جامعة مانشستر وتتناول الخلاص في إنجيل لوقا تحديدا، وهناك رسالة عن تدبير الخلاص من منظور آبائي في جامعة داكوتا الشمالية، لكنها ليست بالطبع وعظية متشعبة مثل رسالة الأنبا رفائيل، فقد خصص الباحث أربعة أعمال بارزة في الأدب الرهباني تم تأليفها خلال القرن الثالث حتى القرن السادس، وهناك رسالة عن الخلاص من منظور ليتورجي في جامعة درهام، تتناول الخلاص تحديدًا في ليتورجية القديس يوحنا الدمشقي، وهناك رسالة عن الخلاص والقانون  في جامعة كونكورديا، حول القانون في رسالة غلاطية حسب تفسير مارتن لوثر. وبالتالي، من المنصف أن نقول أن الأنبا رفائيل لم ينجح في تقديم أطروحة جديدة لم تطرح من قبل، ولم ينجح أيضا في تحديد منهجية محددة للبحث. فالرسالة أشبه بموضوع يجيب عن سؤال “أكتب ما تعرفه عن الخلاص”. فهل لهذه الأسباب لم يختر جامعة معتمدة ينشر فيها بحثه وفقا لمتطلبات الأكاديميين واختار جامعة أونلاين ناشئة وغير معتمدة؟   اقرأ أيضا: --- ### ليه قرد؟ فين الحلقة المفقودة؟ - Published: ۲۰۲۲-۰٦-۰۳ - Modified: 2023-11-19 - URL: https://tabcm.net/5414/ - تصنيفات: شئون علمانية - وسوم: Mutation, المنهج العلمي, نظرية التطور لو الإنسان أصله قرد. . ليه لسة في قرود؟ دا برضو من أشهر الأفكار المغلوطة عن التطور. التطور مش بيقول إن "الإنسان أصله قرد"، لكن التطور معناه إن الإنسان والقرد وبقية الكائنات الحية كلها كان ليها سلف مشترك، إتفرعت واتنوعت منه، أقرب نوع حي موجود دلوقتي للإنسان هو الشيمبانزي.  لكن لا الشيمبانزي هو أصل الإنسان ولا العكس، الاتنين أولاد عمومة، هما الاتنين ليهم جد مشترك (سلف مشترك) عاش من ملايين السنيين. وفيما بعد النوع دا مجموعة منه أخدت خط سير تطوري وصل بيها للإنسان، ومجموعة تانية أخدت خط سير تطوري وصل بيها للشيمبانزي، ونفس الكلام ينطبق على كل الكائنات الحية التانية. Encyclopædia Britannica, Inc. وكل ما النوع الحي كان أبعد عن الإنسان من الناحية الوراثية بنلاقي إن السلف المشترك بينه وبين الإنسان عاش في فترة اقدم. السلف المشترك اللي بين الإنسان والشيمبانزي مثلًا عاش من حوالي 7 مليون سنة، بينما السلف المشترك اللي بينا وبين الكلاب عاش من حوالي 100 مليون سنة، واللي بيننا وبين النباتات عاش من حوالي 2 بليون سنة. وأقدم سلف مشترك للكائنات الحية كلها عاش من حوالي 3. 5 بليون سنة ودي كانت بداية الحياة على الأرض. كيفية حساب الزمن اللي عاش فيه السلف المشترك؟ العملية دي معتمدة بشكل أساسي على علم الوراثة. الفكرة إن أي كائن حي لما بيتكاثر مش بينقل الشفرة الوراثية بتاعته زي ما هي بالظبط، لكن بيحصل بعض التغيرات في الشفرة الوراثية (طفرات- mutations) - معظمها بيكون غير ضار وغير نافع - فالعلماء من خلال حساب معدل التطفر بين نوعين مختلفين عايشيين دلوقتي بيقدروا يحسبوا بشكل تقريبي الزمن اللي عاش فيه آخر سلف مشترك بين النوعين دول. مش فيه حلقات مفقودة كتير؟ قبل ما أجاوب السؤال دا حابب أوضح نقطة، وهي عن قيمة "الحلقات الوُسطى" (*) من ناحية الدلالة على التطور. لو افترضنا جدلًا إن العلماء مكتشفوش أي حفريات انتقالية بين الأنواع وبين بعضها، فدا برضو مش هينفي حقيقة إن التطور حصل. فحتّى لو افترضنا جدلًا عدم وجود حفريات تدل على التطور (ودا مش حقيقي)، فبرضو التطور كان هيفضل حقيقة علمية مُدعمة بالأدلة والمنهجية العلمية من خلال علوم تانية زي علم الأجنّة وعلم التشريح المُقارن والأهم على الإطلاق: علم الوراثة. لكن دا مش معناه إن علم الحفريات مش مهم، على العكس، علم الحفريات علم مهم جدًا وبيكشف جزء مش قليل من قصة تطورنا وتطور الكائنات الحية. مدى اكتمال السجل الأُحفوري ممكن يختلف من نوع لنوع، لإن أنت عندك ملايين الأنواع الحية دلوقتي، ومش كلها سجلاتها الأُحفورية مكتملة أو على نفس الدرجة من الاكتمال، ومش كل الأنواع من السهل ليها إنها تتحول لحفريات أصلا، في الواقع عملية التحفّر في حد ذاتها عملية صعبة ونادرة. على الرغم من كدا، فالسجل الأُحفوري للإنسان تحديدا بيعتبر من اكتر السجلات الحفرية اكتمالًا، فيه أكثر من 6000 حفرية بتوضح مراحل تطور الإنسان على مدار الـ7 مليون سنة اللي فاتوا من ساعة سلفنا المُشترك مع الشيمبانزي. الحفريات دي بتقدر تشوف من خلالها مراحل تطور انتصاب الإنسان على قدمين، بتقدر تشوف من خلالها تقلص حجم الفك من فك ضخم شبيه بفك الشيمبانزي لحد الفك بتاعنا النهاردة، وتطور حجم المخ من مخ بحجم صغير للمخ الضخم بتاعنا النهاردة، بتقدر تشوف من خلالها إمتى إبتدا الإنسان يكوّن أدوات يدوية زي البلطة أو غيره. من الأنواع التانية الشهيرة باكتمال سجلها الأحفوري هما الحيتان والأحصنة. والسجل الأحفوري لتطور الطيور من الزواحف (تحديدًا الديناصورات) برضو بيُعد من أقوى السجلات الحفرية (في الواقع، علميًا، الطيور بيتم تصنيفها باعتبارها زواحف).   (*) الحلقات الوُسطى: هي حفريات لأسلاف أي نوع حي ليها بعض خواص النوع اللي انحدر منها (الأحفاد) وبعض خواص النوع اللي هي انحدرت منه (الأجداد) --- ### أساقفة ومجمع - Published: ۲۰۲۲-۰٦-۰۲ - Modified: 2022-05-29 - URL: https://tabcm.net/6401/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: المجمع المقدس, صوم الرسل كالعادة المرعية، لم يخذلنا الأسياد هذه المرة أيضًا، فقبيل كل اجتماع لمجمع الأساقفة يجري تسريب المقترحات المقدمة للجان المجمع، ومع كل تسريب، تتلقي وجوه مجمعية معينة أسئلة من رعية مهمومة بالأثر الذي قد تحدثه هذه الاقتراحات على الإيمان المسلم مرة، وعلي خلاص الكنيسة القبطية وسلامة إيمانها وتوجهاتها. لا يملك أسيادنا أمام هذا الإخلاص المحمود من الرعية المباركة التي تجشمت عناء السؤال إلا طمأنتهم، إننا على العهد ماضون، وأن هناك أسودا تزد عنهم وعن الكنيسة و عن الإيمان المسلم مرة، و لن تسمح لذرة من العقل والتعقل -والعياذ بالله- في التسلل للمجمع ولجانه. يستخدمون عبارة تبعث على الطُمَأنينة فعليا: "ما تسلمناه سنسلمه دون تغيير" ولكن ما يبعث على القلق، إنهم بالأمس القريب -هم أنفسهم- قد غيروا ما تسلمناه فعلا من إيمان الكنيسة وليتورجيتها (مثل ما حُذِف من صلوات السجدة الثالثة) حتي تركونا بمفردنا بعيدا عن جميع الكنائس الرسولية، أصبحنا نحن الوحيدون الذين لا نثق في رحمة ومحبة الرب للمنتقلين ولا نأمن جانبه.   فضلاً على موضوع "تناول يهوذا"، الذي انقلب إلى نكتة "ماسخة" بعد أن تبارى فنانونا و كنائسنا في حذف "الملعون" يهوذا من أيقوناتنا ليقتصر الحضور على أحد عشر تلميذا، بدلا من إثني عشر تلميذا في أيقونات باقي "مخاليق" ربنا من الطبيعيين. الأمر إذن ليس كما يزعمون، إن باب التغيير لا يوجد له مفتاح، بل الأمر أن هناك مفتاح ولكنه يستخدم حسب الأهواء. عن موضوعنا الأخير والمنتظر مناقشته في اجتماع المجمع القادم، موضوع تعديل مدة صوم الرسل، تحدث أحدهم من "مقره الصيفي" في أمريكا، فندد بمن لا يريدون للكنيسة "أن تصوم". ثم انبرى آخر يقرأ لنا مقالا طويلا، كُتِب له ليلقم كل من جرؤ على التفكير، أحجاراً. المؤسف أن من كتبه قد استعمل التدليس غير مرة ليفرض وجهة نظره وهي: لا مساس بالوضع الحالي للصوم. سنكتفي هنا بإيراد مثالين للتدليس، نظنهما كافيين لوصم الحال الأسقفي بما يستحقه: الأول: أورد المقال للتدليل على أصالة صوم الرسل، نصا دسقوليًا، لكنه أسقط منه طول مدة الصوم المقررة بالنص وقدرها أسبوع، وهي أقرب ما يكون للتعديل المقترح، وهنا الكاتب يستخدم نصا يؤيد التعديل المقترح، للهجوم على التعديل المقترح، وهي جرأة ولا شك، تحسب لهذا الكاتب.   الثاني: اقتباس من كتاب قديم، اسمه "مرآة الحقائق الجلية"، يبدو لي أنه -بسبب اللغة البدائية وغياب المراجع التي يستند إليها- كتابا شعبويًا لا ثقل له، ولكن المقتبس يزيد التجويد من طرفه، فلا يكتفي بأن الفقرة المقتبسة غير منطقية ولا يمكن تصديقها، لكنه يحول قائلها من "يوحنا مَطْرَان نيقية" إلى "يوحنا أحد آباء مجمع نيقية" هكذا بقدرة قادر، فيسبغ على الجملة المتهافتة: العصمة! كيف لا ونحن نأخذ الحل من فم آباء نيقية.   ماهو الحل إذن في هذا السيناريو المبتذل المتكرر مع كل انعقاد لاجتماع مجمع الأساقفة؟ لا يبدو لي أن هناك حلا ناجزا في وجود هذه النوعية من الأساقفة، فالتسريبات لن تتوقف، وادعاء الغضنفرة أمام "المايكات" مرض لا براء منه، ربما لا نملك إلا أن نهيب بأفراد الرعية الملتاعة خوفا على الإيمان أن يهدأوا قليلا، ويسيطروا على هلعهم هذا، وأن يؤجلوا أسئلتهم المريبة هذه لما بعد انعقاد المجمع، ولهم الأجر و الثواب. --- ### القيم الآخلاقية [الطبقات الاجتماعية وجيلZ] - Published: ۲۰۲۲-۰٦-۰۱ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/5971/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: جلال أمين, حسن حنفي, يوسف زيدان الطَبَقة الوُسطَى: هي أكثر من غيرها تمسُّكًا بالقِيَم الأخلاقية وتطبيقًا لها حتى إن كلمة القِيَم ترتبط بالطَبَقة الوُسطَى. تعريفها: هي مجموعة واسِعة تضم فئات وشرائِح اجتماعية يجمعها مواصفات ما، كما يميِّزها عن بعضها مواصفات أخرى مما يفسِّر اتساعها وتبايناتها يجمع أبناء تلك الطبقة أن دخولهم تعتمد على الخِبرة والمهارة المُستمدَّة من التعليم بدءًا من أعلى التخصُّصات كأساتذة الجامعات ومرورًا بالفنيين والمهنيين هذه الطبقة تعتمد على دخول عائِد العمل ويمتزِج فيها العمل الذهني والعقلي بقدرات أخرى. الطَبَقة الوُسطَى تحتاج إلى وَسَط تزدهر فيه يعتمد على: • أعمال منتجة ومشروعة. • الحراك الاجتماعي المُتدرِّج بخطى ثابتة قد تستغرق العُمر المِهني كله، أي الارتقاء التدريجي سواء في الخِبرة أو الدخول. الطَبَقة الوُسطَى رُمَّانة الميزان هذه المواصفات تشرح لماذا تُوصف الطَبَقة الوُسطَى بأنها رُمَّانة الميزان فطبقًا لهذه المواصفات تعتمد القِيَم الأخلاقية للطبقة الوسطى على القانون والنظام وأخلاق الأمن والاستقرار وإبقاء الوضْع كما هو عليه لضمان ثبات مراكِز أفرادها والاحتفاظ بمناصبهم. يقول دكتور حسن حنفي: بهذا يتحقق استقرار اجتماعي نسبي وأيضا تتوافر الفُرصة للضَبْط الاجتماعي حيث ينتمي أفراد الطَبَقة الوُسطَى إلى من هم في مناصِب ومن يعملون بالحكومة، وما يتوافر لكلاهما من أدوات الضَبْط الاجتماعي لضَبْط ميزان القِيَم بما يحوزونه من سُلْطة وقُدرة تنظيمية، فهي أكثر من غيرها تمسُّكًا للقِيَم وتطبيقًا لها حتى إن كلمة القِيَم ترتبط بالطَبَقة الوُسطَى. ويضيف دكتور حسن حنفي أن تمسُّك أبناء هذه الطَبَقة بالقِيَم الأخلاقية ليس كفضيلة فيهم ولكن ضمانًا لأوضاعهم. الحِراك الاجتماعي السريع والفجائي شهدت الطَبَقة الوُسطَى في مصر (السبعينيات إلى التسعينيات) حِراكًا اجتماعيًا غير مسبوق نتيجةً لسياسة الانفتاح الاقتصادي غير المدروس وما تبعه من أعمال اقتصادية غير مشروعة كالسمسرة وتجارة العملة والغش التجاري، وأيضا ممارسة أعمال تعتمد على الاستهلاك ذات العائِد السريع والمجهود البسيط أكثر من الأعمال المُنتِجة خاصة في مجال الصناعة. نتج عن هذا ظهور صعود سريع فجائي وهبوط سريع فجائي، وتحوًّل الحِراك التدريجي إلى حرِاك فجائي بمعنى أن هناك من يتعرَّض للهبوط السريع الفجائي إلى الطبقة الدنيا فبذل المحاولات للتشبُّث بمكانته، ومن يجد الفرصة للصعود الفجائي السريع للطبقة العليا وانتهاز فُرَص قد لا تدوم، وهذا أدى إلى زعزعة الاستقرار النسبي تفاديًا للهبوط السريع وتطلُعا إلى الصعود السريع. هنا تسود القِيَم الأخلاقية المادية (استثمار استهلاكي وغش تجاري) وتضعف القِيَم الأخلاقية المعنوية، وقد خصَّص بعض الكتاب شيئًا من مؤلفاتهم لرصد مظاهِر تدهور القِيَم الأخلاقية في مجال العمل والأسرة والدين والعلاقات، ويضعف المنتج الفني والأدبي وتشهد دور العبادة ضعفٍا بل قد يُستَغل الدين في استعادة فقدان المكانة والقِيَمة وجذب الاهتمام فينتفي الوعي بمعنى هذا المفهوم أو ذاك. وكل هذه أفعال لها مردود على الأخلاق، ومنهم دكتور جلال أمين في كتابه "نحو تفسير جديد للأزمة الاقتصادية"، ودكتور عبد الباسط عبد العاطي في كتابه "الطبقة الوسطى المصرية". وكما يقول دكتور يوسف زيدان "أيا كانت التكنولوجيا التي نستوردها، وأًيا إن كان الاستنساخ للأنواع الجيدة بلا قِيَم كبرى وفرعية تكون النتيجة على أحسن تقدير إفراز مجتمع إجرامي مهذَّب وليس مجتمعًا إنسانيًا". ومن هنا يأتي الاهتمام والتركيز على الطَبَقة الوُسطَى فهي التي تُقِبل على الثقافة وعلى دور العبادة والتعليم الذي أخذ تعبيرات نمطية متكرِّرة وكل ما يتكرَّر يُبتذل. فالطبقة الدنيا غالبًا مهمومة بلقمة العيش لا يعنيها كثيرا الانشغال بالأنشطة المذكورة والطبقة العليا غالبا تأخذ مكانتها من ثرواتها وهي أيضا لا يعنيها كثيرًا الانشغال بتلك الأنشطة. الجيل Z وتناول موضوع الطبقات لابد من الالتفات إلى استيعاب طبيعة هذا الجيل وتأثيره على المكوِّن الأخلاقي وكيفية التعامل معه في هذا المجال، هم جيل يبدأ من مواليد تسعينيات القرن العشرين، أي أنهم يكونون جيل الشباب. تعدادهم في مصر حوالي 20%. المكون النفسي والسلوكي: الاندفاع والتمرد وأكثر انفتاحا على الثقافات العالمية إضافةً إلى الإحساس بالإحباط والشعور بأن حياتهم بلا معنى، وهو جيل له مميزاته ومنها سَعَة الحيلة فهم مواطنون رقميون، يمكنهم القيام بمهام متعددة مع فترات اهتمام قصيرة، ويريدون تحقيق مسار مهني مذهل سريعًا دون جهد بالإضافة إلى ميلهم للاستقلال مما يدفع البعض منهم إلى تجرِبة العمل الحر وإن حقق خسارة. هم يهتمون بالصحة والبيئة واطلاعهم جيد حيث نشأوا في عصر المعلومات: • هذا الجيل يدرك أنه يجب أن يعبِّر عن نفسه بصوت عالٍ وأن المؤسسات القائمة لا تدعمهم بالضرورة وهم متروكون لعواقب أفعالهم. • وهو جيل له أنماط جديدة من العلاقات الاجتماعية المستجدة منها زواج عبر الأنترنت وقبول الزواج المدني. • دور الأسرة في التنشئة يتراجع وأيضا المؤسسات التعليمية خاصة مع اقتصار الدور المدرسي على التعليم دون التربية، أما المؤسسة الدينية فتقليدية الخطاب يمثل معاناة حقيقية لهذا الجيل، وبتأثير السوشيال ميديا لم تعد السلطات قادرة على احتكار الإعلام. • هم يتطلعون إلى حوار مفتوح بدلا من (لا تسأل لا تقل). فهل سيعود هذا الجيل إلى تبنِّي سمات ومقومات الطبقة الوسطى؟ أم أن هناك جديد يظهر في الأفق وبناء عليه فإن توالي الدراسة مهم للغاية في مجال القيم الأخلاقية؟ --- ### [٦] الطريق إلى الزعامة - Published: ۲۰۲۲-۰۵-۳۱ - Modified: 2023-11-16 - URL: https://tabcm.net/6348/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أنبا أثناسيوس، مطران بنى سويف والبهنسا, انتخاب البابا, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس السادس, بابا يوساب الثاني, حبيب جرجس, قمص بولا ناشد, مدارس الأحد, مسعد صادق, ملك فاروق لا أحد يقدر أن يغير رأى نظير جيد إلا نظير جيد سطوري اليوم تتناول الضلع الثالث في مثلث شباب أقباط جيل الأربعينيات من القرن المنصرم والذين كان لهم أدوار محورية في تشكيل ورسم خريطة أحدات الكنيسة وتشابكاتها مع دوائر الرهبنة والكنيسة والدولة والمجتمع العام بالداخل والخارج، وهو الأستاذ "نظير جيّد" الذي صار فيما بعد اسقفا للتعليم ثم اختير لموقع البطريركية ليصير قداسة البابا شنودة الثالث. وقد امتد به المقام في موقعيه الكنسيين لنحو نصف قرن من الزمان. ومن نافلة القول أن الاقتراب من المجال الحيوي الفكري والسياسي واللاهوتي لقداسة البابا شنودة الثالث مغامرة وعند البعض من المريدين مؤامرة، حتى إن من يقترب بقلمه من هذا المجال عليه أن يقدم شهادة إبراء ذمة. كانت البداية فيما تجمع عندي من خيوط والشاب نظير جيد على مشارف التخرج في كلية الآداب، ونذر الحرب تلبّد سماء المنطقة العربية بعد أن أطلقت جماعة الإخوان بمصر نفير الحرب المقدسة وزينت الأمر لمليك البلاد بأنها الباب التاريخي لبعث الخلافة التي سقطت في طورها العثماني بانهيار تركيا، رجل أوروبا المريض، وداعبت أحلام الملك الشاب، والتي سبق وراودت والده السلطان ـ ثم الملك ـ فؤاد، بأن يصير الخليفة. ونحن في نهايات عقد الأربعينيات من القرن العشرين أعلن الملك فاروق عن إخضاع طلاب السنوات النهائية في الجامعة المصرية لدورة مكثفة للتدريب العسكري، يقضونها وفق جدول زمني بكلية الضباط الاحتياط، وفى هذه الدورة يتعرف الشاب نظير على عديد من الشباب من كليات مختلفة، وفيما هم يتسامرون في عنبر المبيت يدعوه أحد رفاقه للخدمة في كنيسة الأنبا أنطونيوس بشبرا، ومع انتهاء الدورة يتواصلا ويقصدان معًا تلك الكنيسة. سرعان ما تتكشف مواهب الشاب الوافد التنظيمية والحركية، وما يملكه من ذاكرة تستحضر دقائق ما يقرأ حتى لو كانت قراءة عابرة وكل ما يسمع حتى لو كان في دردشة غير مرتبة، وهو ما أهله ليقفز إلى صفوف قادة الاجتماع، وتصل أخباره إلى مسامع الأستاذ حبيب جرجس، الذي يستحضره وبعين الخبير يدرك ملكات هذا الشاب فيقربه إليه ويسند إليه أمور مدارس الأحد التنظيمية، وبناء على اقتراح من الشاب تصدر مجلة مدارس الأحد وتسند رئاسة تحريرها للصحفي النقابي الأستاذ "مسعد صادق"، والذي كان يترأس تحرير أكثر من مطبوعة صحفية، لذا كان المدير الفعلي للمجلة الأستاذ نظير جيد، والذي تم تعيينه رئيسًا لتحريرها بعد صدام الأستاذ مسعد مع ضباط ثورة 52، واعتقاله، وتبادر الجهات الحكومية بمخاطبة المجلة لتعيين رئيس تحرير أخر، فيطرح اسم الأستاذ نظير، وتقوم تلك الجهات بقيده صحفيًا في نقابة الصحفيين، وبهذا يتولى موقع رئاسة التحرير حتى يقرر دخوله الدير 1954، في غضون تلك الفترة يقرر الأستاذ حبيب جرجس ضمه ونفر من أقرانه إلى اللجنة العليا لمدارس الأحد. حين رُسم الراهب أنطونيوس السرياني أسقفًا عامًا للتعليم، باسم الأنبا شنودة، دشن اجتماعًا عامًا أسبوعيًا يلقى فيه محاضرات وعظات دينية، بدأه في مطعم الكلية الإكليريكية ومتاح حضوره للكافة، يعقد مساء يوم الجمعة، كانت أخباره يتناقلها الشباب المتعطش لم يقدم له كلمة الله بلغة يفهمها خارج سياقات اللغة السائدة في العظات وقتها والمسجونة خلف القوالب الجامدة والألفاظ المهجورة، كان اسقف التعليم يملك الجملة البسيطة ويجيد الحكي، وذكاء اختيار ما يتحدث فيه، دون أن يخدش فصاحة الطرح، هي لغة أقرب إلى لغة الصحافة، ويمكن أن نسميها السهل الممتنع. مازلت أتذكر حين تعرفت على اجتماعه وكيف أعيد ترتيب مقاعد مطعم الإكليريكية إلى صفوف خلف بعضها، في مواجهة عدد من مناضد الأكل التي تجمعت لتصنع قاعدة تحمل فوقها مكتب وميكروفون يجلس إليها الأب الأسقف الأربعيني، تزدحم القاعة بالحضور فينتقل الاجتماع إلى القاعة اليوسابية بمبنى الإكليريكية والتي تحولت فيما بعد إلى قاعة الأنبا رويس (! ! )، ويزداد العدد لينتقل الاجتماع إلى الكنيسة المرقسية بالأزبكية ، ثم إلى الدور الأرضي للكاتدرائية الجديدة بالأنبا رويس وكانت تحت الإنشاء وقتها، ويستقر الاجتماع بانتقاله إلى صحن الكاتدرائية نفسها، ولم يبرح ذهني صوته المسترسل الناعم وهو يطلق العنان للتأمل في "مزامير السواعي" في إعادة تقديم للإجبية لجيل لا ينقصه الشغف، كان المزمور "يستجيب لك الرب في يوم شدتك"، فبراير 1969، وكانت رحلة العودة من قاعة الاجتماع إلى بيوتنا نقطعها سيرًا على الأقدام، ونحن نزدرد ونجتر ما قاله الأسقف الساحر، وتعرف عيوننا طريقها إلى القراءات الروحية والربط بين صلوات الكنيسة وبين الكتاب المقدس. على ذكر اللجنة العليا لمدارس الأحد اسمحوا لي أن اقفز عبر الزمن لنقف عند مشارف 1997، احكي لكم فيها عن مقابلة مع الأنبا أثناسيوس مطران بنى سويف والبهنسا، وقتها، وزميل الأستاذ نظير في تلك اللجنة، ورفيقه في درب حلم الإصلاح، كان اللقاء في منزل أخي وأبى القمص بولا ناشد بالمعادي، وكنت وقتها اكتب مقالًا أسبوعيًا بجريدة الأخبار المصرية يتناول الإشكاليات القبطية والكنسية الإدارية، كانت بمثابة حجر ألقى في بحيرتنا الساكنة. وخلق دوائر من ردود الأفعال المتباينة. بادرني أبونا المطران: "بقى أنت يا أخ كمال بتكتب عشان قداسة البابا يلتفت لما تراه إشكاليات في إدارته للكنيسة، وتنتظر أن يستجيب لما تطرحه؟ طيب أنا هاحكيلك موقف حصل زمان أما كنا في اللجنة العليا لمدارس الأحد، كنا على موعد للقاء في مقر اللجنة لمناقشة بعض الترتيبات، فوجدت الأخ "وهيب عطا الله" غاضباً، خير مالك؟ أبداً شوف صاحبك الأخ نظير عمل إيه؟ مش إحنا خدنا قرار بخصوص الموضوع الفلاني بأغلبية الأصوات، ولم يعترض عليه سواه؟ تمام، طب روح شوف لوحة الإعلانات، مطلع قرار عكس المتفق عليه، روح كلمه، إنت اكتر حد بيعرف يتكلم معاه. ذهبت لألتقى صديقي، التقيته وكلى ثقة بإقناعه، واستغرقت المقابلة نحو ساعة أو يزيد، كنت أنا المتكلم في أغلبها، وكان هو منصتاً باهتمام، وهذه واحدة من سماته، في نهاية المقابلة قال بهدوء، أفهم من كلامك إن المطلوب أغير القرار؟ شوف يا غالى، واحد فقط هو الذي يقنعني أن أغير قراري، بادرته متلهفاً مين؟ قال وهو يضغط على كل حرف:لا أحد يقدر أن يغير رأى نظير جيد إلا نظير جيد "يعنى وهو أفندى كان هذا موقفه ومنهجه، وأنا صديقه ورفيق مشواره، الآن، وهو من هو، بكل ما له من سلطان وشعبية وثقل، وأنت مجرد علماني من آحاد الناس، تفتكر هل ستأتي كلماتك بنتيجة إيجابية؟ الأمر ليس بهذه البساطة" (الأنبا أثناسيوس، مطران بنى سويف والبهنسا، في لقاء بمنزل القمص بولا ناشد بالمعادي) دعونا نخرج من هذه المشاهد ودلالاتها، لنستأنف المشهد الأساسي مع الشاب نظير جيد وهو يطرق أبواب الدير طلبًا للرهبنة، وفيه تعددت روايات دوافع الرهبنة، وهو أمر لا تحسمه التحليلات، والتي تأتى محكومة بالهوى والموقف الشخصي لمن يطرحها، الأهم نتائج هذه الخطوة المفصلية. هل نجد مفتاح الشخصية في المشهدين السابق إيرادهما قبل سطور، أم نجده في اللقطة التي يجسدها ترشحه لمنصب البابا البطريرك بعد نحو عامين من رهبنته، التي بدأت في يوليو 1954 فيما رحل البابا يوساب في نوفمبر 1956، فيسارع الراهب الشاب بالترشح لشغل الكرسي الشاغر، وهو الأمر الذي ازعج شيوخ مجمع الكنيسة وشباب الحكام الجدد وقتها، فكان تحركهم معًا لتغيير بنود لائحة انتخاب البابا البطريرك كما بينا في المقال السابق، واللافت أن المشهد يتكرر بعد رحيل البابا البطريرك أنبا كيرلس السادس، فيعاود الراهب القمص أنطونيوس السرياني تقديم أوراقه للترشح للمنصب، بعد أن تخطى شروط المنع السابقة، وتغيرت أيضًا أجواء الكنيسة والدولة، ويفوز بالمنصب في مرحلتي التصويت والقرعة التي استحدثت في انتخاب البابا كيرلس السادس. ومازال للمشهد بقية. --- ### يهوه والشرق الأدنى - Published: ۲۰۲۲-۰۵-۳۰ - Modified: 2025-02-04 - URL: https://tabcm.net/5913/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, كتاب مقدس - وسوم: الزوهار, الشرق الأدنى, الصوفية, النص العبري, بنتاتوخ, توراة, ديانات الشرق الأدنى, شمعون بن يوحاي, كيرلس فتحي, موسى دي ليون, يهوه يتعامل البعض مع نصوص العهد القديم من منظور الحتمية التاريخية والاستقلال الكلي عما سبقها من نصوص لديانات الشرق الأدنى القديم، وكأن النص الكتابي مجرد، خالي من أي تدخلات بشرية، وشديد الحداثة لأنه منزل من السماء بجملته. بينما يذهب البعض الآخر للنقيض التام بنفي وجود أي اختلافات بين نص العهد القديم ونصوص الديانات الأخرى، ويذهبون إلى أن النص العبري لا يحوي سوى أساطير نقلها كتاب العهد القديم من الديانات الأخرى؛ ويرون أنه ليس ثمة اختلاف بين أسطورة الفيضان السومرية وفيضان نوح، على سبيل المثال. لكن، بالفحص يتبين أن كلا الفريقين لا يرى الصورة الكاملة ويقع في براثن التطرف، فالطرح الذي يقدمه الفريق الأول (المتدين) جامد للغاية ويضع النص في مأزِق؛ لأنه يتجاهل التشابهات الواضحة بين قصص العهد القديم وأساطير الديانات القديمة التي تسبق العهد القديم بسنين عدّة، وعادة ما يدخل هذا الفريق في حالة هلع فور إدراك الاكتشافات العلمية التي تثبت أن عمر الأرض ليس 6000-8000 سنة كما نستشف من الكتاب المقدس وأنها تبلغ من العمر  4. 5 مليار عامًا، وعمر الكون كله نحو 13. 6 مليار عاما. لقد اعتاد هذا الفريق التعامل مع النص بحرفية من جهة عمر الأرض والكون بالرغم من معرفته حقائق تناقض معلوماته الكتابية. فعلى سبيل المثال، عمر الحضارة المصرية يبلغ 7000 عام؛ فكيف نقول إن الكتاب المقدس كتاب علمي؟ في عام 2020، انتشر فيديو للقس "كيرلس فتحي"، كاهن الكنيسة المرقسية بالإسكندرية يقول فيه إن الكتاب المقدس كتاب روحي، بالتالي، لا مشكلة في وجود أخطاء علمية به. ومن ثم، تم تحويله إلى التحقيق الكنسي بتهمة الطعن في صحة الكتاب المقدس، وقدم بعدها اعتذارًا عن هذا التعليم، فليس هناك منفس للتفكير والبحث، ومحاكم التفتيش لا زالت مستمرة بشكل مختلف. والأنكى هو اندهاشهم من زيادة عدد الملحدين! أما الفريق الثاني الذي يجرد النص من أي أنفاس إلهية ويسارع باعتبار نص العهد القديم مماثلًا تمامًا لما سبقه من ديانات، ربما عليه هو الآخر أن يعيد التفكير في اعتقاده؛ فثمة فروق جوهرية بين نصوص "يهوه" ونصوص "الشرق الأدنى"؛ لأن النص لم ينقل الأسطورة فحسب، بل شذبها ونقحها ليقدم من عن طريقها مفاهيم جديدة. لذلك، علينا أن نسأل أنفسنا: هل الصحة التاريخية للنص شريطة أساسية للوحي؟ ومن أين أتينا بهذه الفكرة؟ ولما لا نعتبر تلك المفاهيم الجديدة -المنقولة عبر الأسطورة- هي الوحي الإلهي؟ على أن نعتبر القصة وعاءًا ناقلًا (vechile) لا ينبغي أن يكون كاملًا أو إلهيًا بالضرورة. لذلك، تهدف هذه السلسلة إلى توضيح عَلاقة التأثر بين نص العهد القديم ونصوص الشرق الأدنى القديم، وتسليط الضوء على النصوص التي اقتبسها العهد القديم من الأساطير القديمة. كما تهدف إلى الإجابة على الأسئلة التالية: هل أحدث النص العبري نقلة تاريخية إنسانية عن طريق إطلاق ثورة عارمة على المفاهيم المجتمعية المتاحة حينذاك؟ وهل ليهوه دور في عملية الاقتباس؟ أم أنها عملية نقل خالية من التدخل الإلهي؟ وهل نجح العهد القديم في السمو بالإنسانية نحو الأفضل، على الرغْم من شريعته التي لا نبالغ إن قلنا أنها تبدو قاسية للغاية؟ مثل خمر في جرة أريد حفظه، كذلك هو التوراة، محتوى داخل ثوب خارجي، ثوب هكذا يتألف من قصص عديدة. لكننا، نحن، نحن المطالبين بالنفاذ عبر الثوب. (كتاب الزوهار) ((الزوهار: (זֹהַר كلمة عبرية، تعني الإشراق أو الضياء) هو أهم كتب التراث الكابالي، وهو تعليق صوفي مكتوب بالآرامية على المعنى الباطني للعهد القديم. يعتقد المؤمنون به أنه كُتب في عصور ما قبل  الميلاد. ويُنسَب إلى أحد معلمي المشناه הַתַּנָּאִים الحاخام شمعون بن يوحاي، وإلى زملائه ، ولكن المرجّح تاريخيا أن موسى دي ليون هو مؤلفه الحقيقي أو مؤلف أهم أجزائه، وأنه كتبه بين عامي 1280 و1285. يتضمن الزوهار ثلاثة أقسام هي: الزوهار الأساسي، وكتاب الزوهار نفسه، ثم كتاب الزوهار الجديد. ومعظم الزوهار يأخذ شكل تعليق أو شرح على نصوص من الكتاب المقدَّس، ويضم مجموعة من الأفكار عن الإله وقوى الشر والكون. القضايا الرئيسية التي يعالجها هي طبيعة الإله وكيف يكشف عن نفسه لمخلوقاته، وأسرار الأسماء الإلهية، وروح الإنسان وطبيعتها ومصيرها، والخير والشر، وأهمية التوراة، والماشيَّح والخلاص. )) --- ### تعليقات على سفر ملاخي [ارجعوا إليَّ أرجع إليكم] - Published: ۲۰۲۲-۰۵-۲۹ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/5938/ - تصنيفات: كتاب مقدس هأَنَذَا أُرْسِلُ مَلاَكِي فَيُهَيِّئُ الطَّرِيقَ أَمَامِي. وَيَأْتِي بَغْتَةً إِلَى هَيْكَلِهِ السَّيِّدُ الَّذِي تَطْلُبُونَهُ، وَمَلاَكُ الْعَهْدِ الَّذِي تُسَرُّونَ بِهِ. هُوَذَا يَأْتِي، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. (سفر ملاخي، الإصحاح الثالث، 1) هنا يستخدم الوحي المعنى النبوي لاسم ملاخي "ملاكي" الذي يعني "ملاكي/رسولي" للإشارة للعصر المسياني. فقد أشارت الأناجيل لتحقق هذه النبوة بظهور يوحنا المعمدان "كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِي الأَنْبِيَاءِ: «هَا أَنَا أُرْسِلُ أَمَامَ وَجْهِكَ مَلاَكِي، الَّذِي يُهَيِّئُ طَرِيقَكَ قُدَّامَكَ. صَوْتُ صَارِخٍ فِي الْبَرِّيَّةِ: أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ، اصْنَعُوا سُبُلَهُ مُسْتَقِيمَةً». " (مرقس 1: 2-3) و(متى 11: 10) و(يوحنا 1: 6، 23) الذي سبق وتنبأ عنه إشعياء النبي (إشعياء 40: 3). إن المجيء المفاجئ "يأتي بغتة" من سمات مجيء الرب أن يأتي بغته دون توقع. وقد جاء الرب يسوع المسيح في الجسد في هيئة ووقت غير متوقع فلم يعرفوه، وكذلك سيأتي في مجيئه الثاني في وقت لا يعرفه أحد (متى24: 42-44). عندما صغُر في أعين اليهود الهيكل الثاني الذي بنوه بعد العودة من السبي بالمقارنة بعظمة وغنى الهيكل الأول الذي شيده سليمان، أخبرهم حَجَّىْ النبي بأن مجد هذا الهيكل الثاني سيكون أعظم من الأول لأنه سيأتي إليه "مشتهى كل الأمم" حيث يُعطي الرب السلام (حجي 2: 7-9). ونرى في (ملاخي 2) أيضا تساؤلهم: "أين إله العدل؟" فيعلن لهم هنا أن "السيد" إله العدل سيأتي وينبغي الاستعداد لمجيئه بالتوبة والرجوع لله (لوقا 3: 16-17). ويُشير تعبير "مَلاَكُ الْعَهْدِ" ليد الرب نفسه. فقد تم التعبير عن ظهور الله في العهد القديم في عدة مواقف بظهور ملاك/ملاك يهوه. فظهر كملاك لأبينا إبراهيم مع ملاكين في هيئة ثلاث رجال (تكوين 17)، وظهر لـ يعقوب وصارعه (تكوين 32: 24) ودعاه يعقوب "الملاك" (تكوين 48: 3، 15-16). وظهر لـ موسى في العليقة المشتعلة ودعاه "ملاك الرب/يهوه" (خروج 3: 2-6)، ومع يشوع (يشوع 5: 14- 6: 2) وجدعون (قضاة 6: 12-16). وهنا تُضيف نبوة ملاخي تعبير "ملاك العهد" إشارة للعهد مع الآباء خاصة أبيهم يعقوب (تكوين 32: 24 و35: 9) الذي يُشار إليه في النبوة عدة مرات بـ يعقوب وإسرائيل. وفي (إشعياء 63: 9) أشار إشعياء النبي لهذا الملاك بتعبير "ملاك حضرته" وحضرته פָּנָיו֙ تعني: حضور / وجه / شخص presence / face / person الله. وَمَنْ يَحْتَمِلُ يَوْمَ مَجِيئِهِ؟ وَمَنْ يَثْبُتُ عِنْدَ ظُهُورِهِ؟ لأَنَّهُ مِثْلُ نَارِ الْمُمَحِّصِ، وَمِثْلُ أَشْنَانِ الْقَصَّارِ. فَيَجْلِسُ مُمَحِّصًا وَمُنَقِّيًا لِلْفِضَّةِ. فَيُنَقِّي بَنِي لاَوِي وَيُصَفِّيهِمْ كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، لِيَكُونُوا مُقَرَّبِينَ لِلرَّبِّ، تَقْدِمَةً بِالْبِرِّ. فَتَكُونُ تَقْدِمَةُ يَهُوذَا وَأُورُشَلِيمَ مَرْضِيَّةً لِلرَّبِّ كَمَا فِي أَيَّامِ الْقِدَمِ وَكَمَا فِي السِّنِينَ الْقَدِيمَةِ. (سفر ملاخي، الإصحاح الثالث، 2-4) مجيء الرب مهوب ومخوف، فكما أعلن سمعان الشيخ: "ها إن هذا قد وُضع لسقوط وقيام كثيرين" (لوقا 2: 34). فمجيء الرب سيكون للخلاص والتطهير ودينونة لغير المستعدين. يُشَبِّه ملاخي عمل الرب في تطهير شعبه بـ "نار المُمَحِّص"، وهي عملية تمحيص الذهب والفضة بتخليصهم من الشوائب المختلطة بهم، ويتم ذلك بتعريض المعدن لنار شديدة، تؤدي لانصهار المعدن فتنفصل عنه الشوائب، ويتبقى المعدن خالصا. وقد أشار يوحنا المعمدان بأن الرب عند مجيئه سيُعمد "بالروح القدس ونار" (متى 3: 11). وأيضا مثل "أشنان القصار"، والأشنان هي مادة قلوية للتنظيف مثل الصابون والبوتاس، والقصَّار هو الشخص الذي يُبيِّض النسيج بعد نسجه. فيكون عمل الرب كما يقول المزمور: "تغسلني فأبيض أكثر من الثلج" (مزمور 51: 7). سيتولى الرب نفسه مهمة تنقية الكهنة والخدام وتطهيرهم بالنار ليحرق كل شوائب الخطية، لتصبح خدمتهم للرب مقبولة ويخدمونه بطهارة كما يليق. وتعود خدمتهم بتقديم ذبائح وتقدمات يهوذا مقبولة لدى الله مرة أخرى. وفي كل هذا، إشارة للتطهير الخلاصي الذي تممه الرب يسوع المسيح لجنسنا، ووهبنا به "غسل الميلاد الثاني" (تيموثاس 3: 5) بمعمودية التجديد والولادة من "الماء والروح" (يوحنا 3: 5)، التي أشار إليها إشعياء نبويًا إذ قال: "إذا غسل السيد قذر بنات صهيون ونقى دَم أورشليم من وسطها بروح القضاء وبروح الإحراق" (إشعياء 4: 4). وَأَقْتَرِبُ إِلَيْكُمْ لِلْحُكْمِ، وَأَكُونُ شَاهِدًا سَرِيعًا عَلَى السَّحَرَةِ وَعَلَى الْفَاسِقِينَ وَعَلَى الْحَالِفِينَ زُورًا وَعَلَى السَّالِبِينَ أُجْرَةَ الأَجِيرِ: الأَرْمَلَةِ وَالْيَتِيمِ، وَمَنْ يَصُدُّ الْغَرِيبَ وَلاَ يَخْشَانِي، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. لأَنِّي أَنَا الرَّبُّ لاَ أَتَغَيَّرُ فَأَنْتُمْ يَا بَنِي يَعْقُوبَ لَمْ تَفْنُوا. (سفر ملاخي، الإصحاح الثالث، 5-6) إذ كان الشعب تشكك في صلاح الله وقالوا: أن كل من يفعل الشر صالح في عيني الرب وأن الرب يُسر بالأشرار (ملاخي 2: 17) وتساءلوا:"أين إله العدل؟". يجيبهم الله هنا بأن موعد الحكم عليهم اقترب وسيكون بنفسه شاهدا على جميع خطاياهم. مِنْ أَيَّامِ آبَائِكُمْ حِدْتُمْ عَنْ فَرَائِضِي وَلَمْ تَحْفَظُوهَا. ارْجِعُوا إِلَيَّ أَرْجعْ إِلَيْكُمْ، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. فَقُلْتُمْ: بِمَاذَا نَرْجعُ؟ (سفر ملاخي، الإصحاح الثالث، 7) الرب لا يتغير ويحفظ عهوده وطول أناته لا تنتهي فلا يُهلك شعبه بسبب خطاياهم برغم أن الشعب يكرر خطايا آبائه محتقرًا وصايا الله. لذلك يدعوهم الرب للرجوع إليه قائلًا: "ارجعوا إلىَّ أرجع إليكم". ففي الوقت الذي يُعرِّف الرب شعبه بخطاياهم ويعلن اقتراب الدينونة يُقدم لهم دعوته للتوبة والرجوع إليه. وعندما يقول الرب: "أرجع إليكم"، لا تعني أن الرب تركهم -لأن الرب دائمًا كان يتعهدهم بالأنبياء ويعتني بهم ليعودوا إليه- بل تعني عودة تمتعهم بالبركات الإلهية التي فقدوها نتيجة لعدم أمانتهم وعدم حفظهم الوصايا. عندما دعاهم الرب للرجوع إليه تسائلوا: "بماذا نرجع؟"، وكأنهم غير مدركين لخطاياهم! وفقدوا القدرة على محاسبة أنفسهم في تقصيرهم في وصايا الرب. أَيَسْلُبُ الإِنْسَانُ اللهَ؟ فَإِنَّكُمْ سَلَبْتُمُونِي. فَقُلْتُمْ: بِمَ سَلَبْنَاكَ؟ فِي الْعُشُورِ وَالتَّقْدِمَةِ. قَدْ لُعِنْتُمْ لَعْنًا وَإِيَّايَ أَنْتُمْ سَالِبُونَ، هذِهِ الأُمَّةُ كُلُّهَا. هَاتُوا جَمِيعَ الْعُشُورِ إِلَى الْخَزْنَةِ لِيَكُونَ فِي بَيْتِي طَعَامٌ، وَجَرِّبُونِي بِهذَا، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ، إِنْ كُنْتُ لاَ أَفْتَحُ لَكُمْ كُوَى السَّمَاوَاتِ، وَأَفِيضُ عَلَيْكُمْ بَرَكَةً حَتَّى لاَ تُوسَعَ. وَأَنْتَهِرُ مِنْ أَجْلِكُمْ الآكِلَ فَلاَ يُفْسِدُ لَكُمْ ثَمَرَ الأَرْضِ، وَلاَ يُعْقَرُ لَكُمُ الْكَرْمُ فِي الْحَقْلِ، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. وَيُطَوِّبُكُمْ كُلُّ الأُمَمِ، لأَنَّكُمْ تَكُونُونَ أَرْضَ مَسَرَّةٍ، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. (سفر ملاخي، الإصحاح الثالث، 8-12) إن الله ليس في احتياج للعشور (الأموال والعطايا) والتقدمات (الذبائح) في حد ذاتها لأنه هو المُعطي لشعبه كل شيء، لكنه أمر بها في الشريعة ليتذكر الشعب دائمًا أنهم يقدمون مما للرب، "وَلكِنْ مَنْ أَنَا، وَمَنْ هُوَ شَعْبِي حَتَّى نَسْتَطِيعَ أَنْ نَنْتَدِبَ هكَذَا؟ لأَنَّ مِنْكَ الْجَمِيعَ وَمِنْ يَدِكَ أَعْطَيْنَاكَ. " (أخبار أيام الأول 29: 14). فعندما نمنع أنفسنا من العطاء فكأننا نسلب ونسرق الله. فالله يطلب أن يرى المحبة والرحمة في التقدمات "ذَبَائِحُ اللهِ هِيَ رُوحٌ مُنْكَسِرَةٌ. الْقَلْبُ الْمُنْكَسِرُ وَالْمُنْسَحِقُ يَا اَللهُ لاَ تَحْتَقِرُهُ. " (مزمور 51: 17)، "إِنِّي أُرِيدُ رَحْمَةً لاَ ذَبِيحَةً، وَمَعْرِفَةَ اللهِ أَكْثَرَ مِنْ مُحْرَقَاتٍ. " (هوشع 6: 6). فإن كان الرب يرفض التقدمات الخالية من المحبة والرحمة فكم يكون الإجرام في حق الله إذ سلبت الأمة كلها التقدمات ومنعوها عن بيت الرب. وهنا يُريهم الله أن معاناتهم وسوء أحوالهم ليس بسبب عدم صلاح الرب لكن بسبب اللعنة التي حلت عليهم لعدم طاعة وصايا الرب (تثنية 28: 15-66). ويعود الرب ويجدد لهم الوعد بالبركات (تثنية 28: 1-14) إن رجعوا إليه وقدموا له عبادتهم وتقدماتهم بأمانه، فيختبروا أمانة الرب معهم إذ يفيض عليهم بالبركات. أَقْوَالُكُمُ اشْتَدَّتْ عَلَيَّ، قَالَ الرَّبُّ. وَقُلْتُمْ: مَاذَا قُلْنَا عَلَيْكَ؟ قُلْتُمْ: عِبَادَةُ اللهِ بَاطِلَةٌ، وَمَا الْمَنْفَعَةُ مِنْ أَنَّنَا حَفِظْنَا شَعَائِرَهُ، وَأَنَّنَا سَلَكْنَا بِالْحُزْنِ قُدَّامَ رَبِّ الْجُنُودِ؟ وَالآنَ نَحْنُ مُطَوِّبُونَ الْمُسْتَكْبِرِينَ وَأَيْضًا فَاعِلُو الشَّرِّ يُبْنَوْنَ. بَلْ جَرَّبُوا اللهَ وَنَجَوْا. (سفر ملاخي، الإصحاح الثالث، 13-15) اختَلَّت لديهم المفاهيم وتكلموا على الرب بأقوال صعبة: (1) عبادة الله غير مجدية (2) ما المنفعة إن حفظنا شعائره وسلكنا بالحزن (بالتوبة والانسحاق) أمامه؟ (3) فلنطوب المستكبرين (4) الأشرار هم السعداء فهم تركوا الوصايا مجربين الرب ونجحوا. حِينَئِذٍ كَلَّمَ مُتَّقُو الرَّبِّ كُلُّ وَاحِدٍ قَرِيبَهُ، وَالرَّبُّ أَصْغَى وَسَمِعَ، وَكُتِبَ أَمَامَهُ سِفْرُ تَذْكَرَةٍ لِلَّذِينَ اتَّقُوا الرَّبَّ وَلِلْمُفَكِّرِينَ فِي اسْمِهِ. وَيَكُونُونَ لِي، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ، فِي الْيَوْمِ الَّذِي أَنَا صَانِعٌ خَاصَّةً، وَأُشْفِقُ عَلَيْهِمْ كَمَا يُشْفِقُ الإِنْسَانُ عَلَى ابْنِهِ الَّذِي يَخْدِمُهُ. (سفر ملاخي، الإصحاح الثالث، 16-17) وهنا يأتي دور "متقو الرب"، وهم البقية الأمينة للرب في كل مكان وزمان. يحفظون كلمة الرب ويتكلمون بها فيما بينهم دائمًا مُذَكِرين أخوتهم بها. "وَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: اعْبُرْ فِي وَسْطِ الْمَدِينَةِ، فِي وَسْطِ أُورُشَلِيمَ، وَسِمْ سِمَةً عَلَى جِبَاهِ الرِّجَالِ الَّذِينَ يَئِنُّونَ وَيَتَنَهَّدُونَ عَلَى كُلِّ الرَّجَاسَاتِ الْمَصْنُوعَةِ فِي وَسْطِهَا. " (حزقيال 9: 4). دائمًا ما تكون هذه البقية من "متقو الرب" سبب بركة ورجاء "وَيَكُونُ أَنَّ الَّذِي يَبْقَى فِي صِهْيَوْنَ وَالَّذِي يُتْرَكُ فِي أُورُشَلِيمَ، يُسَمَّى قُدُّوسًا. كُلُّ مَنْ كُتِبَ لِلْحَيَاةِ فِي أُورُشَلِيمَ. " (إشعياء 3: 3). ينعمون بالوعد ببركات الرب. إن الرب أمين. يُصغي ويسمع ويتذكر الأتقياء الذين يفكرون في اسمه القدوس. ويتخذهم الرب "خاصة" له، فيقول الرب أنهم سيكونون من خاصته في يوم مجيئه (ملاخي 3: 1). يعرفهم ويعرفونه، "أَمَّا أَنَا فَإِنِّي الرَّاعِي الصَّالِحُ، وَأَعْرِفُ خَاصَّتِي وَخَاصَّتِي تَعْرِفُنِي،" (يوحنا 10: 14)، "وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ. " (يوحنا 1: 12)، كوعده لهم منذ القديم "فَالآنَ إِنْ سَمِعْتُمْ لِصَوْتِي، وَحَفِظْتُمْ عَهْدِي تَكُونُونَ لِي خَاصَّةً مِنْ بَيْنِ جَمِيعِ الشُّعُوبِ. فَإِنَّ لِي كُلَّ الأَرْضِ. " (خروج 19: 5). فيشفق الرب عليهم كأب على ابنه الذي يخدمه "أَنَّ الرَّبَّ يَدِينُ شَعْبَهُ، وَعَلَى عَبِيدِهِ يُشْفِقُ. " (مزمور 135: 14)، فإن كنا من جهتنا أمناء كخدام لله لكنه يُشفق علينا كمن في منزلة الأبناء، فيرفعنا ويهبنا البنوة. ويكتب أسمائهم أمامه في "سفر تَذْكِرَة"، إشارة لـ "سفر الحياة" (فيلبي 4: 3)، (سفر الرؤيا 3: 5 و20: 15). فَتَعُودُونَ وَتُمَيِّزُونَ بَيْنَ الصِّدِّيقِ وَالشِّرِّيرِ، بَيْنَ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ وَمَنْ لاَ يَعْبُدُهُ. (سفر ملاخي، الإصحاح الثالث، 18) الشرير ليس كالصِدِّيق، ومن يعبد الرب لا يتساوى مع من لا يعبده. وسيظهر ذلك جليا عندما يمنح الرب متقيه مجد البنين. --- ### من أقامكم علينا قضاة ومشرعين؟ - Published: ۲۰۲۲-۰۵-۲۸ - Modified: 2023-12-18 - URL: https://tabcm.net/6357/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, شئون علمانية - وسوم: أحوال شخصية, إسخاتولوچي, إشعياء المقاري, الديمقراطية, المجمع المقدس, المجيء الثاني, المحاكم الزمنية, النزاع القضائي, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, تادرس يعقوب ملطي, تعدد الزوجات, ثيؤدورت أسقف قورش, جيزماس, دير الأنبا مقار الكبير, ديماس, رئيس محمد أنور السادات, رئيس محمد حسني مبارك, رويس عزيز خليل, سمعان بن يونا, سهندرين, سيفريان، أسقف جبالة, غريغوريوس النيسي, فيلسوفة هيباتيا بنت ثيون, قديس أوغسطينوس، أسقف هيبو, قديس بولس الرسول, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية استعرض في هذا المقال ثلاثة مشاهد، من ثلاث شخصيات، في ثلاثة أزمنه، شكّلوا برأيي نقاطا مفصلية في واقعنا المعاصر، وبالأخص في مسألة اﻷحوال الشخصية للأقباط اﻷرثوذكس. تاركًا طرح رؤيتي الشخصية أسفل كل مشهد. «( المشهد اﻷول )» ((يسوع المسيح، إنجيل لوقا، الإصحاح الثاني عشر، ١٣-١٤. )) ١٣ وقال له واحد من الجمع: «يا معلم، قل لأخي أن يقاسمني الميراث». ١٤ فقال له: «يا إنسان، من أقامني عليكما قاضيا أو مقسما؟» (يسوع المسيح، بحسب إنجيل لوقا، الإصحاح الثاني عشر) 1- في المشهد اﻷول: ملابسات هذا المشهد: شخص من الجمهور أخوه سلبه ميراثه، والتمس في المسيح "راباي" (مُعلم) وله موقفًا قويًا معاديًا للظلم، فطلب تدخل المسيح بينهما ساعيا للعدالة في أمور الحياة فرفض المسيح التدخل بينهما لأنه "ليس قاضيًا وﻻ مقسّمًا" صانعا بذلك فصلًا واضحًا بين الدور الكهنوتي، والدور القضائي. تفسيرات كثيرة تناولت هذا المشهد ووصلت لمحصلة الفصل بين الكهنوت والقضاء وعدم التداخل بينهما وظيفيًا... لكن ما أود التركيز عليه هنا هو الحكمة التي عرفناها حاليًا من ذلك، وربما تكون خفيت عن المعاصرين للمسيح وتلاميذه بل وكثير من اﻵباء لعدم رؤيتهم لمستقبل الكنيسة، والذي بالنسبة لنا تاريخًا تراكميا مهيبًا من التجارِب اﻹنسانية. بأعين عصرنا الحالي، نؤمن أن كفاءة مهنة القضاء تخضع لمعايير محددة ﻻ يمكن العمل إﻻ بها. فهي في عصرنا  مثلا تأخذ باﻷقوال الظاهرة وليس بالنوايا الباطنة. تأخذ باﻷدلة المادية وﻻ تأخذ بالظنون الفكرية، وكل هذا بالتأكيد هو مساحة عمل مختلفة عن المساحة الكهنوتية الروحية والتي تعتمد على التأثير الوجداني، ويحق لها العمل في المساحة العاطفية والشعوبية والملامسة للضمائر أو تلك التي تخاطب الظنون والشكوك والسعي لتقويمها وتحسينها. أي يحق لها ما ﻻ يحق للقاضي بشرط أﻻ تمارس دور القاضي. اﻷمر هنا أعقد من "عدم الجمع بين سلطتين" في النظم الديمقراطية، إنما هو يرتقي لتحرير كلا السلطتين من سطوة اﻷخرى، والأمثلة الواقعية والتاريخية أكبر من أن تعد أو تحصى على وجوب "التجرّد القضائي". لكني مضطر للقفز فوق كل هذا والتركيز على النسق اللاهوتي، شارحًا لمن يريد تصالحا بين الدين والدنيا. وقبل أن يأخذها علينا المتصيّدون، فنحن نفرّق بين مجيئين للمسيح. المجيء اﻷول قد تم في المسيح المخلّص كما عرفناه. أما المجيء الثاني فهو "مجيء الدينونة"، وهو مسيح مختلف يتناوله اﻹسخاتولوجي ((الإسخاتولوجيا أو علم الأخرويات أو علم آخر الزمان (بالإنجليزية: Eschatology)‏ «جزء من اللاهوت معني بالموت والدينونة والمصير النهائي للنفس والجنس البشري». )) لمن أراد المزيد من التفصيل ولن نتناوله في هذا المقال. «( من كان منكم بلا خطيئة، فلينفذ شرع الله فيها أوﻻ )» ((يسوع المسيح، إنجيل يوحنا، الإصحاح الثامن، ١٠ -١٥. )) ١٠ فلما انتصب يسوع ولم ينظر أحدا سوى المرأة، قال لها: «يا امرأة، أين هم أولئك المشتكون عليك؟ أما أدانك أحد؟» ١١ فقالت: «لا أحد، يا سيد! ». فقال لها يسوع: «ولا أنا أدينك. اذهبي ولا تخطئي أيضا». ١٢ ثم كلمهم يسوع أيضا قائلا: «أنا هو نور العالم. من يتبعني فلا يمشي في الظلمة بل يكون له نور الحياة». ١٣ فقال له الفريسيون: «أنت تشهد لنفسك. شهادتك ليست حقا». ١٤ أجاب يسوع وقال لهم: «وإن كنت أشهد لنفسي فشهادتي حق، لأني أعلم من أين أتيت وإلى أين أذهب. وأما أنتم فلا تعلمون من أين آتي ولا إلى أين أذهب. ١٥ أنتم حسب الجسد تدينون، أما أنا فلست أدين أحدا. (يسوع المسيح، بحسب إنجيل يوحنا، الإصحاح الثامن) ﻻ يخفى على أحد القاعدة القانونية التي تقول أن المتهم بريء حتى تثبت إدانته. أما في فلسفة "المسيح المخلّص" فلا إدانة من اﻷساس، إي انسداد كامل في الخطوة اﻷولى من مسار التنازع القضائي. قد يقلل هذا من كمية البشر الذين يذهبون للقضاء لفض نزاعاتهم ويجعلهم يلجأون لوسائل غير معيارية تحيد عن مسألة العدالة، ربما تكون أكثر ملائكية مثل "الصفح" أو "التسامح"، أو أكثر شيطانية مثل النزوع للانتقام أو "أخذ الحق بالدراع" خارج إطار القانون. الثابت لدينا أن يسوع قد حاول فعلا في أكثر من موقف تحفيز أتباعه على الملائكية والغفران والتسامح وتقديم المحبة حتى للأعداء والخصوم. لكن ﻻ شيئ مضمون أو قابل للتنبؤ في ردود أفعال الإنسان إذا ما شعر بالغبن والظلم. فبطرس مثلا قد استل سيفه وقطع أذن عبد رئيس الكهنة في سلوك يبدو لنا دفاعًا مقبولًا عن النفس. إﻻ أن المسيح انتهره، إذ إن بطرس يمثل الكهنة، ومن ثم هو مسؤول عن الغفران وﻻ يجب عليه الانشغال بالمنظور الحقوقي أو مسألة العدالة من اﻷساس، بل بتعليم غيره كيف يكون الصفح والتسامح والقدوة الملائكية حتى لو قاد ذلك إلى وضع غير عادل مثل الموت هو أو سيده. كل قوانين الكنيسة اﻷولى تجرّم حمل السلاح ولو دفاعًا عن النفس، وترفض  الانخراط بالجندية ولو دفاعًا عن الأرض أو الموارد الطبيعية أو البشر، وإن تم إجبار المسيحي على التجنيد اﻹلزامي فهو يعامل كخاطئ يحتاج توبة ويُحرم من حياة الشركة، وإن كان كاهنا فمصيبته أعظم ويقطع من الكهنوت.  ((راجع القانون ٨٣ من قوانين الرسل، والقانون الخامس من قوانين القديس غريغوريوس النيسي، والقانون ١٤ من قوانين هيبوليتس، القرن الرابع. ))   - ديماس على الصليب: عدﻻً إن أدنتني - يسوع: اليوم تكون معي في الفردوس ((يسوع المسيح، إنجيل لوقا، الإصحاح ٢٣. )) قد تبدو دراسة النص السابق أوضح في مسألة الغفران غير المشروط وربما بشكل أعمق من نموذج المرأة التي أمسكت في ذات الفعل، إﻻ أن المشهد العام لقبول "ديماس" للدينونة على اﻷرض يشكّل تماسًا وتصالحًا مع فلسفات الردع اﻷرضية، أو العقاب اﻷرضي، أو العدالة النسبية من البشر، كوسيلة عقاب عن ارتكاب الذنوب. هل حصل "ديماس" على فردوس المسيح لأنه قدم اعترافًا وتوبة (فقط)؟ أم لأنه تقبّل العقاب أولا -بالموت صلبا- على جرائمه؟ بطريقة أخرى: ماذا لو قال "ديماس" للمسيح أنا أخطأت وأعترف بجرائمي لكني ﻻ أريد الموت، فمن فضلك خلصني؟ أليس هذا تقريبًا لسان حال "جيزماس" (اللص اﻵخر) الذي لم يقدم له المسيح وعودًا بالفردوس؟ على كلٍ، ليس مهمٌ الحسم في هذه المسألة، واعتبر كل ما سبق هو توطئة وتمهيد للمشهد الثاني. .   «( المشهد الثاني )» ((بولس الرسول، الرسالة الأولى لأهل كورنثوس، الإصحاح الثالث. )) ٢ ألستم تعلمون أن القديسين سيدينون العالم؟ فإن كان العالم يدان بكم، أفأنتم غير مستأهلين للمحاكم الصغرى؟ ٣ ألستم تعلمون أننا سندين ملائكة؟ فبالأولى أمور هذه الحياة! ٤ فإن كان لكم محاكم في أمور هذه الحياة، فأجلسوا المحتقرين في الكنيسة قضاة! ٥ لتخجيلكم أقول. أهكذا ليس بينكم حكيم، ولا واحد يقدر أن يقضي بين إخوته؟ (بولس الرسول، الرسالة الأولى لأهل كورنثوس، الإصحاح الثالث) 2- في المشهد الثاني ملابسات هذا المشهد: يُعالج الرسول بولس موضوع "المحاكم الزمنية" . من بعد أن فصل المسيح التقاضي عن سلطة الكهنوت. هل يمكن للأخ أن يشتكي أخاه في المحكمة؟ الواقع المعاصر يقول "نعم" والابن واﻻبنة يمكن لهم أن يشتكوا اﻷب واﻷم وتوقع عليهم عقوبات مغلظة إن ثبتت إدانتهم، فمثلا اﻷب الذي اغتصب طفلته الرضيعة مسببًا شرخًا بين الشرج والمهبل فهو مغتصب + مخل بمسؤولياته اﻷبوية، وهكذا اﻷمر باﻷم التي تدفع ابنتها للبغاء مثلا. وهكذا اﻷخ الذي يتحرش بأخته، أو الكاهن الذي يهتك أعراض المخدومين ((مثل القمص "رويس عزيز"، والذي مات دون عقاب أرضي عادل على جرائم هتك العرض لعدم لجوء الكنيسة للمحاكم اﻷرضية. ))، أو الراهب الذي يجهض عاملة في الدير بعد زناه بها ((مثل الراهب "إشعياء المقاري"، والذي تم إعدامه شنقا لقتله اﻷنبا "إبيفانيوس"، رئيس دير أبومقار، وبذلك سقطت اﻹحالة في قضية إجهاضه لعاملة الدير قبل أن تحبل بطفل خطيئة. )). فالنظام العائلي والتأخي بين الناس يجب أن يكون دافعا للحماية واﻷمان وليس مستنقعًا للرذيلة. وﻻ يليق بالكنيسة أن تكون وكرا آمنا ﻹناس فوق المحاسبة. لذا فهذه الجرائم يتم التعامل معها بمعيار ردع مضاعف العقاب في أي نظام ساعٍ لتحقيق اﻷمان المجتمعي. لكن في هذا المشهد ﻻ يمكننا توقّع أن يرى الرسول بولس ما نراه اﻵن من قيم معاصرة، فنحن نتحدث عن مؤسس الهيكل التنظيمي للكنيسة التي كانت وقتئذ "جماعات" إيمانية ناشئة (كنائس) في عصر لم تكن فيه المسيحية دينا ذو كراسي ورئاسات وقيادات وطوائف كما هي اﻵن، بل أشبه بطائفة نصف يهودية تحاول الاستقلال والانتشار وﻻ يوجد لهم محاكم خاصة، بل النزاع يُنظر أمام محاكم يهودية شرعية ((يمنح القانون الروماني ما يشبه الحكم الذاتي للممالك المحتلة، فيما عدا اﻷمور الجسيمة مثل القتل. )) وفي هذه السياقات نجد الرسول بولس يوبخ الكورنثوسيين لأنهم يقودون بعضهم البعض إلى المحاكم من أجل أمورٍ تافهةٍ، إذ لا يليق كسر المحبة الأخوية بالدخول في قضايا ومحاكم من أجل أمور زمنية. تفسيرات كثيرة تناولت هذا المشهد بشكل معيب ومتضارب وغير منطقي، يقلب الملائكة لشياطين. لنتناول بعضا منها على عجالة: ليس لهكرسي للحكم. لكنه بحق يحسب نفسه ضمن القضاة عندما يقول: ألستم تعلمون أننا سندين ملائكة؟ ((القديس أغسطينوس، City of God 20:5. )) (القديس أغسطينوس، City of God 20:5) لا يتحدث بولس هنا عن ملائكة حقيقيين بل عن الكهنة ومعلمي الشعب الذين سيُدانون بواسطة القديسين بسبب بطلان تعليمهم الخاص بالمسيح. ((سيفريان أسقف جبالة، Pauline Commentary from the Greek Church. )) (سيفريان أسقف جبالة، Pauline Commentary from the Greek Church) يقول البعض أنه يشير هنا إلى الكهنة، لكن الأمر بعيد تمامًا عن هذا. حديثه هنا عن الشياطين. فلو أنه كان يتحدث عن الكهنة الفاسدين لكان يعني ذلك في العبارة: إن القديسين سيدينون العالم. ولما كرّر الأمر مرّتين. ((القديس يوحنا ذهبي الفم، In 1 Corinth. , hom. 16:5. )) (القديس يوحنا ذهبي الفم، In 1 Corinth. , hom. 16:5) يقصد بولس هنا بالملائكة الشياطين الذين كانوا قبلًا ملائكة ((ثيؤدورت أسقف قورش, PG 81:60. )) (ثيؤدورت أسقف قورش, PG 81:60) بعيدًا عن الكلام -غير المدروس- للآباء في تفسيراتهم، يبدو أمامنا أن الرسول بولس يتحدث عن نزاعات داخل اﻷسرة المسيحية في أشياء تأخذ أحكامًا مغايرة لليهودية وتعتبرها المسيحية شرا ((مثل ما نسميه "اﻷحوال الشخصية للمسيحيين" حاليا، فاليهودية تبيح تعدد الزوجات بينما المسيحية ﻻ، وترى التعدد كما الزنا . )) وأنا أقصد اليهودية تحديدًا لأنه في هذا العصر يوجد خمس درجات من التقاضي ((القمص تادرس يعقوب ملطي، سلسلة "من تفسير وتأملات الآباء الأولين"، تفسير رسالة كورنثوس الأولى. )) هم من اﻷعلى للأدنى كالتالي: مجلس السهندرين الأعلى: ويضم 72 شيخا، يجتمعون في أورشليم، ولهم أعلى سلطة قضائية دينية مجلس السهندرين اﻷصغر: ويضم 25 شخصا، في المدن الكبرى خارج أورشليم المجلس الثلاثي القضاة Bench of Three المجلس الرسمي Authorized / Authentic Bench المجلس العرفي: ويدعى هكذا لأنه يستمد سلطانه ﻻ من السهندرين اليهودي، وإنما بتراضي اﻷطراف المتنازعة إذن فاﻷرجح أن الرسول بولس يوبخ المسيحيين في كورنثوس على لجوئهم للقضاء الشرعي اليهودي، ليحكم فيهم بناموس يهودي باطل يتحكم في شؤونهم الشخصية . ومن ثمّ، يكون المقصود في قوله: أيتجاسر منكم أحد له دعوى على آخر أن يُحاكم عند الظالمين وليس عند القديسين؟ أن المقصود بالظالمين هم الكهنة فعلا باعتبارهم يرأسون القضاء ويتحكمون فيه من خلال مجلس السهندرين اﻷعلى. وبشكل يعضّد ما رسّخه المسيح بالفصل بين سلطة الكهنوت الروحية وسلطة القضاء الزمنية. ويكون المقصود بقوله: ألستم تعلمون أننا سندين ملائكة؟ فبالأولى أمور هذه الحياة أن المقصود بالملائكة هم "قديسوا اليهودية وأنبيائها" وليس الشياطين أو العالم بالمجمل، والمعنى اﻷعمق أن حياة وسلوكيات وأخلاقيات القديسين المسيحيين ستدين بالتبعية حياة وسلوكيات وأخلاقيات القديسين اليهود، إذا ما تم عقد المقارنات بينهما. بشكل أكثر بساطة، يدعو الرسول بولس كنيسة كورنثوس ﻹقامة ما يشابه "المجلس العرفي" خاص بالمسيحيين، أي الدرجة الخامسة (المحتقرة) في هرم التقاضي. المحتقرين هنا ((الترجمة الحرفية تعني: "الذين هم بلا كرامة". )) تعني المساكين وتعني أيضا "غير المهنيين" Laymen بمعنى غير كهنوتيين (علمانيين)، والمعنى المجازي هنا أن "المحتقرين"، الذين لا يُوثق فيهم، سيكونون أكثر عدلا من اليهود حين يحكموا في قضاياكم الداخلية. وهو ما قد تم فعلا بعد ذلك بتعيين نظام قضائي ديني (قضاء شرعي) بمعزل عن الكهنوت لكن ليس بمعزل عن الكنيسة. لكن التعمق فيه وفي سقطات الانصهار والانفصال عن السلطة الرهبانية (رهبان الباربوﻻني واﻷساقفة والباباوات بعد عصر اﻵباء) هو أمر مخجل ووحشي، ويخرج بنا عن نطاق هذا المقال ويحتاج مقالات مفصّلة. ((بحسب مخطوطات "يوحنا أسقف نقيوس"، فحادثة تعذيب وقتل الفيلسوفة "هيباتيا" تمت كحكم قضائي شرعي على يد القاضي "بطرس" لقيامها بالسحر واستخدام الأسطرلاب. ))   «( المشهد الثالث )» ((المواد ٨، ٩، ١٢ من اللائحة الأساسية للمجمع المقدس. )) ٨) المجمع المقدس هو السلطة التشريعية العليا ٩) المجمع المقدس هو السلطة القضائية العليا ١٢) قرارات المجمع نهائية ﻻ يعاد النظر فيها (المواد ٨، ٩، ١٢ من اللائحة الأساسية للمجمع المقدس) في المشهد الثالث ملابسات هذا المشهد: رسميًا: صدرت هذه اللائحة للمناقشة يوم السبت الموافق 1 يونيو عام 1985، وتم التوقيع عليها في اليوم التالي، اﻷحد الموافق 2 يونيو 1985. ((راجع اللائحة اﻷساسية للمجمع المقدس، اﻹصدار الثاني، مارس 2021. ))، لكن فعليًا بدأ العمل على إنشاءها بعد أحداث اغتيال الرئيس السادات في سبتمبر 1981، بتفاهمات وضغوط سياسية متبادلة في الغرف المغلقة بين البابا شنودة الثالث والرئيس محمد حسني مبارك، خلال استمرار فترة اعتقال البابا شنودة في عصر مبارك. تجلت اﻷزمة بين المجمع المقدس والدولة المصرية عقب صدور قرار السادات باعتقال البابا شنودة، ورفض المجمع المقدس تسيير أعماله أو الاجتماع من دون وجود البابا رئيسًا للمجمع. وكان مبارك يريد حل هذه اﻷزمة بتقديم ضمانات من الدولة بعدم تكرارها، وهو ما تحقق في المواد 15، 16 والخاصة بعدم جواز اجتماع المجمع المقدس بغير رئاسته في حياته. ويبدو أن المفاوضات والضغوط المتبادلة قد أثمرت عن ﻻئحة ما هي بلائحة عادية، ولكنها تستلب من الدولة السلطتين التشريعية والقضائية مع تحصين قرارات المجمع من إعادة النظر أو الإلزام بالقانون العام أو دستور الدولة. وكل هذا باطل بموجب كونها "ﻻئحة داخلية" غير ملزمة لغير أعضاء المجمع. لكنها بالتأكيد تثير اضطرابات وشائعات داخل المجتمع القبطي أو خارجه فور حدوث أي حدث يبرز هذا التناقض. إذ بموجب بعض المواد من هذه اللائحة، أو بحسب اعتقاد أعضاء المجمع المقدس في صحتها، يحصل المجمع المقدس على دولة ذاتية شعبها هم المسيحيين، ويجمع بين السلطات الروحية العليا، والتشريعية العليا، والقضائية العليا، وتحصن قراراته من الطعن أو اﻹشراف، ومن قبل ظهور المادة الثالثة في الدستور المحلي، والتي تتعاون قطعا مع المادة الثانية في التكريس لدولة طائفية. جدير بالذكر، أن تم تحديث هذه اللائحة في عصر البابا تواضروس، لكن كلها تعديلات ﻻ تمس هذه المواد -المعيبة- بل تعديلات شكلية ربما أقصاها يتعلق بتقليص صلاحيات البابا، كتعديل المادة 16 الخاصة بانعقاد المجمع من دون البابا، أو المادة 45 والتي تستبدل توقيع البابا بتوقيع ثلاثة أرباع لجنة السكرتارية. والسؤال ما زال مطروحا: من أقام المجمع المقدس قضاة ومشرعين؟ وما الفارق بين سلطات المجمع المقدس وبين "السهندرين الأعلى" الموصوف بـ"الظالمين" عند الرسول بولس؟ --- ### تطوّر صغير.. تطوّر كبير.. !؟ - Published: ۲۰۲۲-۰۵-۲۷ - Modified: 2023-11-19 - URL: https://tabcm.net/5440/ - تصنيفات: شئون علمانية - وسوم: Modern Synthesis, Mutation, الانتخاب الطبيعي, الفلسفة البراجماتية, المنهج العلمي, تشارلز روبرت داروين, نظرية التطور, يوري فيليبتشينكو يعني إيه تطور صغير (Micro-Evolution) وتطور كبير (Macro-Evolution)؟ أول حد استعمل المصطلحين دول كان عالم اسمه Yuri Filipchenko، وتم استعمالها للتمييز بين التطور داخل نفس النوع (واللي تم تسميته بالـMicroevolution) وبين التطور من نوع لنوع آخر أو لمستويات أكبر من مستوى النوع الواحد (واللي تم تسميته بالـMacroevolution). التمييز دا كان معناه بالنسبة لفيليبتشينكو إن الآليات المعروفة بتفسر التطور الصغير بس (الآليات دي اللي هي الطفرات والانتخاب الطبيعي، والهجرة-Migration، والانجراف الچيني-Genetic Drift). لكن كان التطور الكبير بالنسبة لفيليبتشينكو محتاج آلية تانية لتفسيره، وكان في بالفعل توجهات لتفسير التطور الكبير من خلال آليات أُخرى في الوقت دا، منها تفسير اسمه الـMutationism ودا كان بيفترض إن فيه طفرات بتحصل بشكل آخر ضخم (Macromutation) هي اللي بتأثر على تحول نوع لنوع آخر. كمان كان فيه فرضية الـOrthogenesis، واللي كان فيليبتشينكو بيميل ليها، وكان من أشهر مؤيديها الأب تيلارد دي شاردان اليسوعي، ويمكن هنا أخد البعض في الاعتقاد بأن الداروينية تفسر التطور الصغير لكن لا تفسر التطور الكبير، وبالتالي أخطأ دارون وشغله مش تمام. إلا أن بظهور الـطرح الحديث Modern Synthesis بالشكل اللي عليه النهاردة، تم إبطال تمامًا كل الفرضيات والتفسيرات دي، لإنه في النهاية من خلال توحيد الداروينية بعلم الوراثة تم إثبات إن التطور الكبير بيحصل بنفس آليات التطور الصغير لكن على نطاق زمن أكبر بكتير جدًا. فكر فيها بالشكل الآتي، اي عضو في الجسم، مهما كان معقد (حاجة زي العين مثلًا)، في النهاية تقدر تعمله تتبع تاريخي Tracing back للچينات بالظبط زي ما بتعمل للصفات الأقل تعقيدًا (حاجة زي لون البشرة مثلًا)، وبالتالي الفرق بين التطور الصغير والتطور الكبير هو فرق كمّي، مش فرق كيفي، ودا هو المعنى اللي بيتم استعمال المصطلحين دول بيه دلوقتي، إن التطور الصغير هو تطور على فترة زمنية قليلة (سنين أو ألاف السنين)، بينما التطور الكبير هو تطور برضو بنفس آليات التطور اللي إحنا عارفينها، لكن على فترة زمنية كبيرة (مئات الآلاف أو ملايين السنين).   أي كلام عن رصد التطور معمليًا هو بالتعريف كلام عن التطور الصغير، لكن دا مش معناه إن التطور الكبير مبيحصلش أو إن مفيش نوع بيتحول لنوع آخر، لا. هو بيحصل والأدلة عليه قوية جدًا ومفيش أي جهة علمية بتشكك فيها النهاردة، لكنه تعريفًا منقدرش نشوفه في المعمل، ولازم نؤكد تاني إن تعريفات النوع مش تعريفات موضوعية موجودة في الطبيعة لكنها تعريفات براجماتية-عملية بتفيد البحث العلمي. وبالتالي لما تسمع حد بيقول إن التطور الصغير بس هو اللي تم إثباته، وهو اللي بيحصل، لكن التطور الكبير مبيحصلش، تعرف على طول إنه متعلمش أي حاجة عن التطور، وإنه مش فاهم أصلًا يعني إيه تطور صغير وكبير أو يعني إيه نوع وإيه مفهوم تنوع الكائنات الحية ومعندوش أي فكرة العلماء بيتعاملوا مع الموضوع دا والمفاهيم دي إزاي. --- ### هذا الزواج.. ما مفهومه؟ - Published: ۲۰۲۲-۰۵-۲٦ - Modified: 2023-10-14 - URL: https://tabcm.net/6254/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أنبا غبريال، أسقف بني سويف, إكليروس, الطلاق في المسيحية, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, تتمية, تطليق, سر الزيجة, ماري مجدي ونيس, مساواتية, وليد سعد أيوب أثار فيديو الاعتداء الوحشي على السيدة "ماري مجدي ونيس" من قبل زوجها "وليد سعد أيوب" المدمن للمخدرات والرافض للتعافي 8 مرات، واعتاد ترك بيته والمجيء للاعتداء على زوجته وبناته بمنتهى العنف للحصول على قروشهن القليلة من أجل المخدرات، الحديث مجددًا حول قوانين الأحوال الشخصية للمصريين عمومًا، والمسيحيين خصوصًا، بسبب موقف الكنيسة المتعسف من التطليق، وهو موقف حبيس رؤية البابا الراحل الأنبا شنودة الثالث وعبارته الشهيرة "لا طلاق إلا لعلة الزنا"، التي يتم التعامل معها على أنها نص كتابي، والنص الكتابي مختلف عن هذه العبارة، وهي رؤية تأثرت بما مر به البابا الراحل في طفولته، وبسببه تعاني الدولة والكنيسة ومن قبلهم المواطنين من مشكلات عدة معظمها تشعل نار الطائفية. لست بصدد مناقشة موقف السلطة الكنيسة من التطليق الذي قُتل بحثا من قبل مفكرين وإكليروس مسيحيين من أجل العودة لما كانت عليه الكنيسة قبل عصر البابا شنودة، حينما كان هناك 9 أسباب للطلاق، لكني هنا أحاول إكمال ما طرحه الزميل باسم الجنوبي في مقاله المعنون: "هذا الزواج. . ما نوعه؟"، فور انتشار فيديو الاعتداء على السيدة ماري، وسأركز أكثر على مفهوم الزواج، وكيف يمكن أن تستمر مؤسسة الزواج بالرغم من التحديات العاصفة التي تقف في وجه تلك المؤسسة اليوم بما نعيشه في هذا العالم من ضغوطات ومشكلات يصعب تحملها، وهنا، ربما أكون أيضا أطرح أسئلة قد لا نجد الإجابة لبعضها. خاصة وبمنظوري الشخصي أن الكنيسة لا تهتم بهذا الجانب -أي مفهوم الزواج- بالرغم من محاولاتها في السنوات الماضية لتخصيص دورات المشورة للمقبلين على الزواج. ولكن يبدو أنها لا تؤدي دورها تمامًا، وتستمر المشكلات ويستمر البحث عن الطلاق والانفصال. أشار الجنوبي إلى وجود نوعين رئيسين من الزواج: التأمل في علم اﻻجتماع أيضا يجعلنا نلاحظ نوعين رئيسين من الزواج، أحاول دوما قياس كل الزيجات على النمط اﻷقرب منهما: زواج قائم على علاقة “خضوع مقابل إنفاق” ويقصد به طبعا خضوع اﻷنثى مقابل إنفاق الذكر. وهو يناسب هؤلاء الذين ينظرون لعلاقة الذكر باﻷنثى أنها علاقة تتمية، أي تتمم بعضها بعضا. وهو ما نراه في الزواج الديني حتى في توزيع اللعنات على اﻷسرة اﻷولى. فالرجل “بعرق الوجه يأكل خبزه، وشوكا وحسكا تنبت اﻷرض له”، بينما المرأة “بالوجع تلد، وللرجل تشتاق، ويسود عليها” (تكوين3) زواج قائم على علاقة “المسؤولية المشتركة” ويقصد به عدم توزيع أدوار معينة أو مسؤوليات محددة بين الذكر واﻷنثى، بل يترك ذلك للاتفاق بين الشريكين البالغين دون تدخل وصائي من اﻷسرة أو المجتمع أو الدولة، وهو يناسب هؤلاء الذين ينظرون لعلاقة الذكر بالأنثى أنها علاقة مساواتية. أي يتساوى فيها الذكر واﻷنثى بشكل تناظري. وهو ما نراه في الزواج بحسب اﻹعلان العالمي لحقوق اﻹنسان. (مادة16) لا يوجد أبيض وأسود تخبرنا العلوم الإنسانية أن ما يتصل بسلوكيات البشر لا يخضع لقواعد جامدة مثل الرياضيات، بل تختلف الأمور باختلاف الزمان والمكان والثقافة واختلاف المواقف والأشخاص أنفسهم، لذا المهم في العلاقات عمومًا ولا سيما علاقة الزواج أن يضع الأطراف الاتفاقات التي تجعل علاقتهم تستقر وتستمر، وما وجدته خلال المشاركة منذ عدة سنوات في دورة المشورة بإحدى الكنائس في نطاق القاهرة، هو أن الموضوع مجرد "تستيف ورق" مجموعات محاضرات على عدة مرات أو يوم واحد شامل كل المحاضرات، وبعده امتحان ثم شهادة اجتياز الدورة الملزمة لإتمام أوراق الزواج. اللافت للنظر، بالرغم من أهمية المعلومات التي تُقدم، أنها ليست كافية، وكذلك لا يمكن جمع الشامي على المغربي كما يقول المثل لتلقينهم نفس الكلام، فخريجي الجامعات أو من هم في مستوى ثقافي وعلمي عال، لن ينفعهم  ما يمكن أن يقدم لغير المتعلمين، أو كما وضح "الجنوبي" من يتفقون على نمط تخضع فيه المرأة مقابل الإنفاق لزوج يعمل بالخارج طوال اليوم وهي مهمتها المنزل، لن ينفع مع شخصين يعملان خارج البيت معًا ويريدان التشارك في الواجبات المنزلية مثلا، فلهؤلاء نمط حياة والآخرين نمط حياة، مشاكلهم مختلفة وحلولهم بالتبعية مختلفة. وكلٍ يختار ما يناسبه ويناسب ظروفه وثقافته، وهذا ما يقودني للحديث عن أزمة مفهوم الزواج. الأزمة في المفهوم ما تعريف الزواج؟ سؤال تبدو الإجابة عليه سهلة من أول وهلة، لكن في الحقيقة هو سؤال إجابته صعبة جدا. لأنه ورغم وجود بعض الأمور المجتمعية الاحتفالية والدينية الواضحة التي تقول إن هذه العلاقة "زواج" (مثل المهر والشبكة والمؤخر  وعقد القران عند المصريين المسلمين، أو الشبكة ومحاضر الخطوبة والإكليل عند المصريين المسيحيين)، فإنه لم يهتم أحد بالمفهوم الخاص بهذه العلاقة؟ أو كيف يمكن لهذين الشخصين المختلفين أن يديرا اختلافاتهما وأولوياتهما في هذه العلاقة الجديدة؟ أو ما هي حقوقهما تجاه بعضهم؟ وما هو نطاق المسؤولية؟ هل تُترك للأيام كما يقول المصطلح العامي الدراج "كله بالحب"؟ سيجيبني البعض أن الكنيسة في الإكليل توصي العريس والعروس بحقوقهما ومسؤولياتهما، لكن في الحقيقة هذا نوع آخر من "تستيف الورق" الشكلي الفاقد للمعنى، فلا يركز أيا من العروسين في هذه الوصايا للانشغال بتوزيع الابتسامات على الحاضرين. وبالرغْم من تأكيد الكهنة دائما على الحضور ضرورة الاستماع، إﻻ أنها وصايا تعود لعصر إبراهيم وسارة ومفارقة للواقع الاجتماعي المتغير الذي تعلمنا الكنيسة عكسه تماما. والسؤال المهم هل هذا النمط المقولب من الوصايا المستحضرة من الماضوية الاجتماعية اليهودية يمكن أن يعد بمنزلة دستور للبيوت المسيحية القبطية الأرثوذكسية يساهم في نجاح علاقات الزواج التي تتم بواسطته؟ لا أعتقد ذلك وإلا لماذا تكثر المشكلات وحالات الانفصال ولا تجد الكنيسة حلا معها؟ هل كل إنسان وإنسانه يتفقون على الزواج، يتفقون مقدّمًا على ملامح علاقاتهم التي من المفترض أن تمتد لسنوات طويلة؟ هل يرسمون خارطة طريق لمستقبل هذه الأسرة التي ستتكون على أيديهم؟ هل يُقدرون حجم المسؤوليات التي ستقفز في وجه كل طرف منهم بعد أن يُغلق عليهم بابا واحدا؟ أم أجواء الفرح والتهنئات والفستان الأبيض ومرآة الرغبة تعيق النظر عما هو آتٍ في تلك الحياة الجديدة؟ هل علاقة الحب والزواج على شاكلة ما روجته المسلسلات التركية في السنوات الماضية، مجرد "كلام حلو" وتعبير عن المشاعر، وخروج وسفر، وكأن الحياة وردية لا توجد بها مشكلات أو مسؤوليات؟ وهل الزواج  هو الانغماس في المسؤوليات وروتين الحياة الصعبة التي نعيشها اليوم دون البحث قضاء أوقات سعيدة؟ هل كل طرف من أطراف العلاقة يحدّث الآخر عن مفهومه ورؤيته لهذه العلاقة وتصوراته عنها؟ هل كانا حرين في أفكارهما في فترة الخطوبة وحرين في طرح هذه اﻷفكار؟ وهل تصورات وتخيلات المتبتلين من الرهبان واﻷساقفة المشكلين للسلطة الكنسية لها علاقة بالواقع الاجتماعي الذي لم يختبرونه ولم يختبرون تحدياته؟ أسئلة كثيرة لا أجد لها إجابة واضحة، لكنها فقط محاولة للعصف الذهني والتفكير بصوت عالٍ، وأرجو أن تفتح الباب لنقاش حقيقي من كل أطراف المجتمع.   اقرأ أيضا:   --- ### القيم الأخلاقية [زَرْع القِيَم الأخلاقية] - Published: ۲۰۲۲-۰۵-۲۵ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/5933/ - تصنيفات: مقالات وآراء تتنوَّع أنشطة المجتمعات وتستجد أنشطة جديدة، لذا تظهر قيم أخلاقية وتختفي أخرى أو يتغير نمط السلوك الذي تقف وراءه قيم معينة. قيم أخلاقية علمية: الأمانة البحثية قيم أخلاقية طبيِّة: قتل الأجنَّة قيم أخلاقية أدبية: حقوق الملكِّية الفكرية قيم أخلاقية تربوية: حماية النشء من سلبيات المكيِّفات والمخدرات قيم أخلاقية إنسانية: حقوق الإنسان أمثلة لبعض القِيَم الأخلاقية التي تتعلَّق بأمور حيوية في عصرنا وتتطلَّب زَرْعها: مثل قيمة الوقت- احترام العمل الفني- صيانة البيئة- الولاء للوطن- الصالح العام- والحاجة إلى مواجهة قيم الإباحية- تعاطي المخدرات الخفيفة- تغليب النزعة الفردية وهو أمر يحتاج إلى معالجة. كيف تتكوَّن القِيَمة * القِيَم تتضمَّن رأيـًا أو معنىً أو حُكمـًا على شخص أو شيء. * كما تتضمَّن لونـًا من الوِجْدان أي الانفعال بالخبرات الحياتية وتكوين ميول نحوها. * واتجاهـًا نحو شخص أو شيء. وهنا تظهر خاصيّة مُهمَّة للقيم وهي الوعي بها حتى إن بعض الدارسين يرى أن القِيَمة وعي يُضَاف له انفعال بالشيء أو الفكرة. فالقِيَمة لا تكون قيمة، أو بمعنى آخر لكي تتكوَّن القِيَمة وَسَط جماعة ما، فإن هناك وَسَط يجب توافره لتحيا فيه القِيَمة: 1. وعي يتبلوَر حول وجود شيء أو فكرة أو شخص. 2. تكوين اتجاه انفعالي مع أو ضد الشيء أو الفكرة أو الشخص. 3. تحوُّل الوعي والاتجاه الانفعالي من حالة عابِرة إلى حالة تدوم نسبيًا. أي إن القِيَمة تتضمن وعيـًا له مظاهر ثلاثة: إدراكي، ووجداني، ونزوعي * فالمظهر الإدراكي للوعي يظهر في عملية إدراك الشيء موضوع القِيَمة بما يتصل بذلك من عمليات ذهنية فكرية مثل التصوُّر والتخيل. الخ. * مظهر وجداني للوعي بالقِيَمة: يظهر في الشعور العاطفي والانفعالي (سرور ألم استحسان استهجان). * مظهر نزوعي بالقِيَمة أي عَزْم: فيظهر في السعي أو في المجهود الحَركي الظاهرِي لبلوغ هدف معين أو الوصول إلى معيار معين من السلوك. أمثلة لبعض القِيَم الأخلاقية التي تتعلَّق بأمور حيوية في عصرنا وتتطلَّب زَرْعها مثل قيمة الوقت- احترام العمل الفني- صيانة البيئة- الولاء للوطن- الصالح العام- والحاجة إلى مواجهة قيم الإباحية- تعاطي المخدرات الخفيفة- قتل الأجنة- تغليب النزعة الفردية وهو أمر يحتاج إلى معالجة. أجرى دكتور محمود عطا في كتاب "القيم السلوكية" عدة استبيانات لتحقيق عدة أهداف منها التعرُّف على الترتيب الهَرَمي أو منظومة القيم لدى طلبة المرحلة الثانوية وكانت النتيجة كالتالي: • ترتيب القِيَم في مجالات محدَّدة ترتيبًا تنازليًا: القِيَم الإنسانية تليها القِيَم الاجتماعية ثم القِيَم الأسرية فالقِيَم الوطنية ثم القِيَم الشخصية ثم القِيَم الفكرية. انتهت الدراسة إلى أن: • المراكز الثلاث الأولى: للقِيَم الإنسانية (التي تعبِّر عن الوجود الحقيقي للإنسان مثل السلام-الحرية المساواة –الرفق بالضعيف) والقيم الأسرية (التي تظهر عَلاقة الفرد بأسرته مثل صلة الرحم-طاعة الوالدين النظام والترتيب) والقيم والاجتماعية (التي تظهر عَلاقة الفرد بالآخرين مثل الصداقة-التضحية-التسامح) • القِيَم الشخصية تأخذ مكانةً أخيرة وتمثِّل غايات يسعى الفرد لتحقيقها (مثل تقدير الذات وتحقيق الذات والعقلانية والتفاؤل والمظهرية وإدارة الوقت)، وهذا يشير إلى أن المجتمع العربي مازال يتمسَّك بالقِيَم المستَمدَّة من العادات والتقاليد. • الترتيب الأخير: أخذت القِيَم الفكرية العِلْمية من المنظومة القِيَم السلوكية، وهي معايير تعمل كموجهات وضوابط للتفكير العِلمي (مثل تقدير العلم والتخطيط والإبداع وحب الاستطلاع وتقبُّل النقد) مما يدل على أن الطلبة يعطون القِيَم التقليدية أهمية أكبر، وهم أقل قبولا للأفكار الجديدة الترتيب الأخير، ما يوضِّح أن الطلبة لم يتشرّبوها بعد. --- ### مشاهدات إكليروسية [٥] - Published: ۲۰۲۲-۰۵-۲٤ - Modified: 2023-11-16 - URL: https://tabcm.net/6282/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أنبا صموئيل المعترف, أنبا صموئيل، أسقف الخدمات, إكليروس, الآباء اليسوعيين, الأب متى المسكين, الحرب العالمية الثانية, الكنيسة القبطية, بابا شنودة الثالث, بابا غبريال الثاني بن تريك, بابا كيرلس الرابع أبو الإصلاح, بابا كيرلس السادس, بابا يوساب الثاني, جماعة الأمة القبطية, دير الآباء السريان, دير الأنبا صموئيل المعترف, كرسي روما, كنيسة الإسكندرية, مجمع خلقيدونية, محمد علي باشا الكبير, مدارس الأحد, موسوعة وصف مصر ما زلت استدعي عديدًا من المشاهدات التي تختزنها الذاكرة، علها تقدم لنا -كنيسة وأقباطًا- تفسيرًا لما نحن عليه في لحظتنا المعيشة، فكما أن المادة لا تفنى ولا تُستحدث ولا تأتى من عدم، كذلك الأحداث والوقائع أيضًا، فالذي نعيشه، حلوه ومره، هو حصاد لما زُرع، بعضه تحت أعيننا وعاصرناه، وبعضه عبر قرون مضت سجلته لنا أقلام المؤرخين، وكثيره ونحن نيام. في ظني أن ثمة تحولات كبرى وحادة في تاريخنا الممتد كانت وراء حالة الانقطاع المعرفي مع المنتج اللاهوتي في زمن ما قبل هذه التحولات، فيما كانت الكنائس التقليدية التي لم تقع تحت سيطرة الاجتياح العربي ثم العثماني فيما بعد، تواصل المراكمة على التراث اللاهوتي عندها، بينما نحن نحاول نقل ذلك التراث إلى اللغة الجديدة التي احتاجت منا إلى وقت لاستيعابها والتفكير بها، كانت أولاها حين هجرنا عمدًا اللغة اليونانية عقب صدامات مجمع خلقيدونية، (451م) التي تخفت وراء الصراعات الاصطلاحية فيما كان وقودها الصراع حول قيادة الكنيسة ورئاستها، بين كرسي روما وثقله السياسي، وكرسي الإسكندرية وثقله الثقافي وقتها، وانتهى بنا الحال إلى إعلاء القومى والذاتي على اللاهوتي، ونفضل مسمى الكنيسة القبطية عن مسمى كنيسة الإسكندرية، وينتقل مقر البطريرك القبطي من الإسكندرية إلى حيث يكون الحاكم، يتنقل في القاهرة من مصر القديمة إلى حارة زويلة ثم حارة الروم ثم فٌم الخليج ليستقر في الأزبكية ثم ينتقل إلى العباسية، ثم أخيرًا يتم التحضير لنقله إلى العاصمة الإدارية الجديدة. في غضون القرن العاشر الميلادي وما تلاه يأتي التحول الثاني، حين هجرنا اللغة القبطية قسرًا، إلى اللغة العربية، ويقرر البابا البطريرك غبريال بن تريك (1131 ـ 1145م)، ربما مضطرًا، تَرْجَمَة الصلوات الليتورجية والطقوس إلى اللغة العربية، وكان من نتيجة هذه التحولات أن انقطع خط التواصل مع الأصول الآبائية إلا قليلًا، فضلا عن قصور تلك اللغات عن استيعاب دقائق اللاهوت كما كان الحال مع اللغة اليونانية. وترصد موسوعة وصف مصر، التي كتبها مجموعة من العلماء الفرنسيين المصاحبين للحملة الفرنسية، حال الأقباط وقت الحملة فتراهم جماعة من الهراطقة، ولا يختلفون كثيرًا عن بقية المصريين في أحوالهم المعيشية المتراجعة، وإن تميزوا في علوم الحساب وتقسيم وتحديد المساحات الزراعية والعقارية. (للمزيد طالع موسوعة وصف مصر؛ كتاب "المصريون المحدثون"). الحملة الفرنسية، بعيدًا عن كونها اعتداء سافر على مصر، كانت في جانب منها بمثابة حجر ثقيل ألقي في بحر السكون أو قل الخمول المصري، الذي استغرقنا بفعل الاحتلال العثماني لثلاثة قرون، ويأتي "محمد علي" ليعبر بالمصريين إلى ضفاف الدولة المدنية بمعايير زمانه. في أعطاف الحملة الفرنسية جاءت الحملات التبشيرية بأدواتها المتقدمة؛ الكتاب والجماعات الرهبانية الخادمة في دوائر التعليم والصحة والعمل الاجتماعي، الدومنيكان والآباء اليسوعيين والفرنسيسكان، فلم تقِل صدمة الأقباط الحضارية عن صدمة عموم المصريين. ذهبت الحملة العسكرية ولم تذهب الجماعات الرهبانية الخادمة، التي راحت تبنى سلسلة من المدارس في أحياء القاهرة الفقيرة وفى عواصم وقرى المحافظات خاصة الوجه القبلي، بجوار المستشفيات الصغيرة عبر رهبنة البنات. ذهبت الحملة العسكرية ولم تذهب الصدمة الحضارية، لتبدأ دورات متلاحقة من الإحياء الثقافي والفكري، حركت إحداها الشباب القبطي، من جيل الربع الأول من القرن العشرين الذي سبق الإشارة إليه، الذي خاض كنسيًا معارك متلاحقة انتهت به إلى اكتشاف أن التغيير لا يمكن أن يأتي بعيدًا عن الرهبنة، فكان قرارهم طرق أبواب الأديرة، والالتحاق بالرهبنة وكان لهم ما أرادوا. كانت الأديرة وقتها شبه مهجورة إلا من بعض الرهبان الشيوخ، وعندما نقرأ مذكرات بعض من رموز تلك المرحلة نقف على حال الأديرة والرهبان وقتها، وكم المعاناة التي يعيشونها، وكيف كانت الأديرة منعزلة عن العالم، وصعوبة الوصول إليها إلا عبر "مدقات بدائية" سواء في الصحراء الشرقية أو الغربية، فلم يكن متوفرًا سوى الطرق التي أقامها الجيش الإنجليزي لخدمة وحداته العسكرية إبان الحرب العالمية الثانية ولعل أشهرها طريق القاهرة الإسكندرية الصحراوي. شهدت الكنيسة محاولات عدّة للإصلاح، لكنها لم تكتمل لعل أبرزها ما قام به البابا كيرلس الرابع (1854ـ 1861م. ) لم يمهله العمر استكمال مشروعه الإصلاحي، وتتردد أقاويل مؤسفة عن طريقة وفاته. ولعل النموذج الثاني، الذي قد يصدم الهوى السائد، هو البابا يوساب الثاني (1946 ـ 1956م. ) الذي اغتيل معنويًا وماديًا، وتم تشويه سيرته، بالرغم من أنه -وربما بسبب- دراساته اللاهوتية، حين كان راهبًا، بجامعات اليونان، فقد انتبه لأهمية إعداد المرشحين لخدمة الأسقفية فأعاد الحياة إلى مدرسة الرهبان بحلوان، التي تستقبل الرهبان المتوسم فيهم صَلاحِيَة الخدمة الأسقفية ليخضعوا لكورسات تعليمية مكثفة في علوم الكنيسة وعلوم الإدارة، ومنهم يتم الاختيار لرتبة الأسقف، اللافت أن كل الأجنحة الفاعلة في الكنيسة من شباب الأقباط تحالفوا ضده -رغم خلافاتهم الإيديولوجية والحركية- فبينما قامت جماعة الأمة القبطية باختطافه وإيداعه أحد أديرة الراهبات وفرضوا عليه الإقامة الجبرية بعد توقيعه وثيقة تنازل عن العرش البابوي، تقوم جماعة مدارس الأحد بشن حملات لا تتوقف لتشويه صورته على صفحات مجلة مدارس الأحد، وعندما يجلس البابا كيرلس السادس على الكرسي البابوي يقوم برسامة أسقف لحلوان وتصير مدرسة الرهبان مقرًا له، وتصبح المدرسة أثرًا بعد عين! ! . من الذي يمسك كل هذه الخيوط  -المتباينة ويحركها؟. . سؤال. مع انتصاف القرن المنصرم تبدأ دورة جديدة من زمن الأديرة والكنيسة، ففي العام (1948م. ) يطرق شابان أبواب القمص مينا المتوحد بدير الأنبا صموئيل المعترف بمغاغة -كل على حدة- طلبًا للرهبنة ثم يرسلهما عام 1950 إلى دير السريان، وبعد نحو خمس سنوات (1954م) يطرق شاب ثالث أبواب نفس الدير (السريان)، ويصبح ثلاثتهم محور الحراك الكنسي بامتداد ما بقى من القرن، كان الشابان الأستاذ سعد عزيز -ليسانس حقوق ، والدكتور يوسف إسكندر -صيدلي ، أما الشاب الثالث فكان الأستاذ نظير جيد -ليسانس آداب، ، اختلفوا في الأهداف وجمعهم الطريق، كان كل منهم بارعًا فيما امتلك من مواهب، لكنهم فقدوا بوصلة التواصل والتكامل، والقبول المتبادل، ولا أزعم أنني أصلح لدور القاضي أو المحلل النفسى، وأعترف أن ثلاثتهم أسهم في بنيان وجداني الفكري والعملي والروحي أيضًا، بأقدار مختلفة وفق مشوار النُّضْج الذهني والمعرفي، ضمن دائرة كبيرة ممن تتلمذت عليهم في الفضاء العام، في زمن كان الكتاب والمطبوعة بتنوعها هي خبز يومنا، قبل أن يزاحمها الإعلام المرئي وصخب الفضاء الإلكتروني وعالمه الافتراضي، الذي جاء وجيلي يلملم أوراقه توطئة لرحيل حتمي يطرق أبوابي، أقر أنه أبهرني لكنه لم يستغرقني. لندع التقييم اللاهوتي لأهل الاختصاص، ولا أزعم أنني منهم، ولنقترب من كيفية إدارة ثلاثتهم للمشهد، فقد كان الأستاذ سعد عزيز رجل الموائمات والتحالفات، وهى قدرة صقلتها طبيعة دراساته القانونية والإدارية، ويمكن اعتباره دينامو المرحلة، وكان لهذا انعكاساته على دوره في تأسيس كنائس المهجر، وفي تحويل تجمعات الأقباط هناك إلى قيمة مضافة ومؤثرة للوطن الأم، وفي دعم رفيق مشواره الكنسي "نظير جيد" من العَلمانية إلى الرهبنة إلى الأسقفية ثم إلى كرسي البابوية، ولم يوقفه عن الحركة المكوكية بين القاهرة وبلاد المهجر إلا اغتياله في حادث المنصة ومصر تحتفل بذكرى انتصارات أكتوبر المجيدة 1981. أما الدكتور يوسف إسكندر فلم يكن سعيه للرهبنة طلبًا للنسك والتقشف، بل حسب أوراقه وكلماته المسجلة كان يبحث عن مكان ومناخ يتيحان له تفرغًا يشبع نهمه في سبر أغوار الكتاب المقدس والإجابة على سيل الأسئلة الوجودية التي تحاصره، ووجد ضالته في درب الرهبنة بتطورات متلاحقة وعاصفة، كان جادًا في سعيه، وعنيفًا مع نفسه، وفى اختياره العزلة عبر الرهبنة بين بدائل عدّة استعرضها في أوراقه، ولم تفارقه خاصية السير ضد التيار، التي تحولت إلى مواجهات حادة بامتداد حياته، يبدو أن استغراقه في البحث عن أسرار "المطلق" رسخ عنده التمسك بالمثالية دون موائمات أو توازنات، ولعل هذا يفسر صرامته في إدارة شئون وكالة البطريركية بالإسكندرية، التي لم تحتمل منهجه ولم يكن من حل سوى عودته لديره، وتتكرر صرامته في تعامله مع الأجيال التالية ممن التحقوا برهبنة أبو مقار، واعتكافاته الممتدة باستراحة الدير بالساحل الشمالي، الأمر الذي دفع العديد من رهبانه على الارتحال إلى دير الأنبا بيشوي دون أن يغيروا شكلهم الرهباني المقاري، ودون أن يسعوا لرسامة أسقفية كما فعل البعض. ودون الارتداد إلى حياتهم المدنية كما فعل بعض أخر. ماذا عن الرفيق الثالث "نظير جيد" الذي تفرد عن رفاقه بالوصول إلى موقع البابا البطريرك، وعاصر تحولات عنيفة وحادة في الفضاء المصري والإقليمي والدولي، استأذنكم أن يكون اقترابنا منه موضوع المقال القادم. --- ### هل يدخل أبي الجنة؟! - Published: ۲۰۲۲-۰۵-۲۳ - Modified: 2023-11-22 - URL: https://tabcm.net/6103/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, شئون علمانية - وسوم: بابا فرنسيس، بابا الڤاتيكان, مار مرقس الرسول مات أبي وكان ملحدًا وعمدنا نحن الأربعة أطفال.. أبي كان رجلًا طيبًا.. هل يدخل أبي الجنة؟ وقف الطفل الصغير "إيمانويل" مرتبكًا متلعثمًا يكبح جماح مقلتيه أن تفيض في بكاءٍ مكررًا: لا أستطيع فعل ذلك! فدعاه إلى حضنه مشجعًا إياه على أن يهمس في أذنيه بما يريد أن يقول. ثم أخبر الجميع بعد استئذانه بمعضلته وسؤاله الباكي: مات أبي، وكان ملحدًا، وعمدنا نحن الأربعة أطفال. . أبي كان رجلًا طيبًا. . هل يدخل أبي الجنة؟ (الطفل إيمانويل) وعلق قائلًا: الله هو من يحدد من يدخل السماء ثم وجّه سؤاله للجموع: هل يتخلى الله عن أولاده؟ هل يتخلى عنهم بالأحرى وهم صالحين؟! صرخت الجموع في المرتين: لا. فأخبر  إيمانويل قائلًا: هذا هو جوابك. . تكلم مع والدك. . صلي من أجل والدك. (لقاء البابا فرنسيس بالطفل إيمانويل بتصرف) تطل علينا من حين لآخر في مجتمعنا المصري التائه في تحديد هويته منذ قرون، أصوات طائفة "المتدينين" -حسب تعبيرهم- محرمة الترحم على من هو مختلف معهم في الديانة أو حتى الطائفة. هذه الآراء تأتي من كل المعسكرات تقريبًا، بالطبع تتباين فيما بينها حسب عدد كل معسكر وكونه من الغالبية أم الأقلية، وأدواته في التعليل والإعلان وحسب ميل كل منهم للعنف من الأكثر عنفًا لـ"الوسطي الكيوت" للمتسامح إلى الخانع. وأنا هنا لست بصدد التحليل والمناقشة، ربما يكون آخرون أجدر مني بهذا. ولن أعرض أمثلة، فصفحات مواقع التواصل الاجتماعي تعج بها. ولن أقارن تصرفاتهم في الجزم بهلاك المختلف الصالح في نفس الوقت الذي يجزمون فيه بخلاص المجرم لكونه فقط من نفس معسكرهم الإيماني. حتى إنهم يخلطون بين ما هو أخروي بلا أدلة وما هو دنيوي بدلائل قاطعة. فالقاتل قديس لأنه من معسكرنا، وعندها يَجِبُ ألاّ نعترف بجريمته المادية والملموسة وكأن العقاب على الجريمة ضد الإله؟! بينما يتربعون عرش الألوهة والدينونة عندما يكون المنتقل (ليس منا)، في تعد صارخ على الإله، ولكنه تعد مقبول ما دام يحمل سمات القبلية التي يفضلها المجتمع. أنا فقط أستدعي لذهني هذا اللقاء مع البابا فرنسيس وأتأمل؛ حيث تعزف في الخلفية كلمات المسيح في المشهد الذي نسجه ببراعة عن السامري الصالح. ويلح علي نفس السؤال الذي طرحه. فَأَيَّ هؤُلاَءِ الثَّلاَثَةِ تَرَى صَارَ قَرِيبًا لِلَّذِي وَقَعَ بَيْنَ اللُّصُوصِ؟ (لوقا ١٠ : ٣٦) فأتساءل معه: أي هؤلاء ترى صار مجسدًا لمشيئة الله؟! يعلمنا السيد المسيح في مثل السامري الصالح درسًا عميقًا يتهرب الجميع من تفهم كل جوانبه. فهو يعلن أن إنسانيتك فوق النص وتفسيره. نعم! هذه هي الحقيقة. إنسانيتك تقربك إلى الصورة الإلهية، (فلتر) معاملاتك يجب أن يكون الإنسان والإنسانية وليس النص وتفاسيره. أنت لا تحتاج نصًا لتصبح إنسانًا، فقط ليكن قلبك منفتحًا لعمل الرب، الذي عمل ويعمل وسيعمل في كل الخليقة باختلاف درجات وعيها وأشكال إيمانها. فإن تعارض النص أو تفسيره مع إنسانيتك، فلتلق به جانبًا. السَّبْتُ إِنَّمَا جُعِلَ لأَجْلِ الإِنْسَانِ، لاَ الإِنْسَانُ لأَجْلِ السَّبْتِ (مرقس ٢: ٢٧) لا تستخدم النص لتشريع الكراهيَة وتقنين سمات السيكوباتية دينيًا، فالمسيح علمنا أن بوصلتنا روح الإنسانية وهي فوق حرف النص القاتل. لتصمت وكفاك تطاولا على الإله وكأنك تحدد له من وكيف يقبل من البشر في ملكوته! https://youtu. be/PGv0YULEVTo   --- ### تعليقات على سفر ملاخي [انحراف الكهنة والشعب] - Published: ۲۰۲۲-۰۵-۲۲ - Modified: 2025-02-02 - URL: https://tabcm.net/5877/ - تصنيفات: كتاب مقدس وَالآنَ إِلَيْكُمْ هذِهِ الْوَصِيَّةُ أَيُّهَا الْكَهَنَةُ (سفر ملاخي، الإصحاح الثاني، 1) في هذا الجزء (ملا 2: 1-9) يتكلم ملاخي النبي إلى الكهنة. "الوصية"هي المُشار إليها هنا هي (ملا 2: 7) أن الكاهن مسؤول عن معرفة وصايا الرب والعمل بالشريعة، وهو الأمر الذي أوصت به الشريعة: وَاذْهَبْ إِلَى الْكَهَنَةِ اللاَّوِيِّينَ وَإِلَى الْقَاضِي الَّذِي يَكُونُ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ، وَاسْأَلْ فَيُخْبِرُوكَ بِأَمْرِ الْقَضَاءِ. فَتَعْمَلُ حَسَبَ الأَمْرِ الَّذِي يُخْبِرُونَكَ بِهِ مِنْ ذلِكَ الْمَكَانِ الَّذِي يَخْتَارُهُ الرَّبُّ، وَتَحْرِصُ أَنْ تَعْمَلَ حَسَبَ كُلِّ مَا يُعَلِّمُونَكَ. حَسَبَ الشَّرِيعَةِ الَّتِي يُعَلِّمُونَكَ وَالْقَضَاءِ الَّذِي يَقُولُونَهُ لَكَ تَعْمَلُ. لاَ تَحِدْ عَنِ الأَمْرِ الَّذِي يُخْبِرُونَكَ بِهِ يَمِينًا أَوْ شِمَالًا.  (تث 17: 9-11). وهو التكليف الذي كلف به الرب هارون من جهة الكهنة بنيه قائلا: وَكَلَّمَ الرَّبُّ هَارُونَ قَائِلًا: خَمْرًا وَمُسْكِرًا لاَ تَشْرَبْ أَنْتَ وَبَنُوكَ مَعَكَ عِنْدَ دُخُولِكُمْ إِلَى خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ لِكَيْ لاَ تَمُوتُوا. فَرْضًا دَهْرِيًّا فِي أَجْيَالِكُمْ وَلِلتَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمُقَدَّسِ وَالْمُحَلَّلِ وَبَيْنَ النَّجِسِ وَالطَّاهِرِ، وَلِتَعْلِيمِ بَنِي إِسْرَائِيلَ جَمِيعَ الْفَرَائِضِ الَّتِي كَلَّمَهُمُ الرَّبُّ بِهَا بِيَدِ مُوسَى.  (لا 10: 8-11). فالرسالة هنا موجهة للكهنة لبيان انحرافهم عن العهد مع الله والوصية التي كانوا مُكلفين بها. إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَسْمَعُونَ وَلاَ تَجْعَلُونَ فِي الْقَلْبِ لِتُعْطُوا مَجْدًا لاسْمِي، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. فَإِنِّي أُرْسِلُ عَلَيْكُمُ اللَّعْنَ، وَأَلْعَنُ بَرَكَاتِكُمْ، بَلْ قَدْ لَعَنْتُهَا، لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ جَاعِلِينَ فِي الْقَلْبِ. (سفر ملاخي، الإصحاح الثاني، 2) إن الكهنة خدام الله هم الأولى بسماع وصايا الله وتنفيذها بكل قلوبهم، وأن تكون غايتهم الأسمى هي تمجيد اسم الله. ولكن الكهنة في زمن ملاخي أهملوا الشريعة ولم يقدموا الخدمة اللائقة من القلب لله"لا تجعلون في القلب"، بل كما رأينا في (ملا 1) تهاونهم وتذمرهم من الخدمة واعتبارها عبء غير مُجدي. عندما ينحرف الكهنة عن غاية خدمتهم تتحول بركة خدمتهم إلى دينونة، لهذا يقول لهم: "ألعنُ بركاتَكم". كان الكهنة هم وسطاء العهد المقدس الذين يقدمون الذبائح فتتبارك الأمة كلها، فإن تحول مصدر البركة إلى لعنة، فماذا لهم بعد؟ فبالانحراف عن وصايا الرب وإهمالها تتحول بركات الحياة إلى لعنات. والسبب هو: "لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ جَاعِلِينَ فِي الْقَلْبِ"، أي لأنهم لم يحرصوا على أن يجعلوا في قلوبهم اتباع شريعة الرب، إِنْ سَمِعْتَ سَمْعًا لِصَوْتِ الرَّبِّ إِلهِكَ لِتَحْرِصَ أَنْ تَعْمَلَ بِجَمِيعِ وَصَايَاهُ... تَأْتِي عَلَيْكَ جَمِيعُ هذِهِ الْبَرَكَاتِ وَتُدْرِكُكَ... وَلكِنْ إِنْ لَمْ تَسْمَعْ لِصَوْتِ الرَّبِّ إِلهِكَ لِتَحْرِصَ أَنْ تَعْمَلَ بِجَمِيعِ وَصَايَاهُ وَفَرَائِضِهِ الَّتِي أَنَا أُوصِيكَ بِهَا الْيَوْمَ، تَأْتِي عَلَيْكَ جَمِيعُ هذِهِ اللَّعَنَاتِ وَتُدْرِكُكَ (تث 28: 1- 2 و15). لذلك يُعلن الربُ هنا أنه بالفعل قد لعن بركاتهم، فما يعانوه ويقاسوه في الحياة ليس بسبب عدم عدل وصلاح الله كما ظنوا، لكن لأن بركات حياتهم تحولت إلى لعنات بسبب عدم أمانة قلوبهم نحو الله. هأَنَذَا أَنْتَهِرُ لَكُمُ الزَّرْعَ، وَأَمُدُّ الْفَرْثَ عَلَى وُجُوهِكُمْ، فَرْثَ أَعْيَادِكُمْ، فَتُنْزَعُونَ مَعَهُ. فَتَعْلَمُونَ أَنِّي أَرْسَلْتُ إِلَيْكُمْ هذِهِ الْوَصِيَّةَ لِكَوْنِ عَهْدِي مَعَ لاَوِي، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. (سفر ملاخي، الإصحاح الثاني، 3-4) بركة الزرع التي تعطيها لهم الأرض لا يعودوا يأخذونها، مَلْعُونًا تَكُونُ فِي الْحَقْلِ... مَلْعُونَةً تَكُونُ. . ثَمَرَةُ أَرْضِكَ، نِتَاجُ بَقَرِكَ وَإِنَاثُ غَنَمِكَ. . تَغْرِسُ كَرْمًا وَلاَ تَسْتَغِلُّهُ... ثَمَرُ أَرْضِكَ وَكُلُّ تَعَبِكَ يَأْكُلُهُ شَعْبٌ لاَ تَعْرِفُهُ... بِذَارًا كَثِيرًا تُخْرِجُ إِلَى الْحَقْلِ، وَقَلِيلًا تَجْمَعُ، لأَنَّ الْجَرَادَ يَأْكُلُه. كُرُومًا تَغْرِسُ وَتَشْتَغِلُ، وَخَمْرًا لاَ تَشْرَبُ وَلاَ تَجْنِي، لأَنَّ الدُّودَ يَأْكُلُهَا. يَكُونُ لَكَ زَيْتُونٌ فِي جَمِيعِ تُخُومِكَ، وَبِزَيْتٍ لاَ تَدَّهِنُ، لأَنَّ زَيْتُونَكَ يَنْتَثِرُ... جَمِيعُ أَشْجَارِكَ وَأَثْمَارِ أَرْضِكَ يَتَوَلاَّهُ الصَّرْصَرُ.  (تث 28: 16-42). العهد مع "لاوي" بدأ عندما اختار الرب سبط لاوي ليكون مخصص لخدمة الرب (تث 10: 8-9) ومنه يخرج الكهنة من بني "هارون" فقط. وتم اختيار اللاويين كنصيب للرب عوضا عن تكريس كل بكر من أبكار بني إسرائيل (عد 3: 39-51). ولكن بدلا من أن يكون نصيبهم هو بركة خدمة يهوه "رب الجنود"، أصبح نصيبهم هو اللعنة. فبدلا من أن تفرح وجوههم في أعياد الرب، يصبح"الفَرْثُ"هو نصيبهم. والفرث الرَوَث والفضلات المتبقية في أمعاء الذبيحة. وكان غير مقبول أن يُقدَّم للرب فكان يُنزع من الذبيحة ولا يُقدَّم على المذبح، بل يُحرق بعيدا خارج المحلة في مكان الرماد لأنه كان يُعتبر نجاسة. فنثر الفَرْث على الوجه كان يُعتبر إهانة لأنهم كما احتقروا الرب فهو سيحتقرهم أيضا. وبرغم أن من المُفترض أن تكون ذبائح الأعياد مناسبة فرح وسرور (عد 2: 10 و15: 3)، إلا أن الله سينزعهم من أمامه كما يُنزع بعيدا فَرْثُ تلك ذبائح، فلا يتمتعون بعد بأعياد الرب لأن الرب كرهها"رُؤُوسُ شُهُورِكُمْ وَأَعْيَادُكُمْ بَغَضَتْهَا نَفْسِي. "(إش 1: 14)،"بَغَضْتُ، كَرِهْتُ أَعْيَادَكُمْ... وَأُحَوِّلُ أَعْيَادَكُمْ نَوْحًا. . "(عا 5: 21 و8: 10). كَانَ عَهْدِي مَعَهُ لِلْحَيَاةِ وَالسَّلاَمِ، وَأَعْطَيْتُهُ إِيَّاهُمَا لِلتَّقْوَى فَاتَّقَانِي، وَمِنِ اسْمِي ارْتَاعَ هُوَ. شَرِيعَةُ الْحَقِّ كَانَتْ فِي فِيهِ، وَإِثْمٌ لَمْ يُوجَدْ فِي شَفَتَيْهِ. سَلَكَ مَعِي فِي السَّلاَمِ وَالاسْتِقَامَةِ، وَأَرْجَعَ كَثِيرِينَ عَنِ الإِثْمِ. (سفر ملاخي، الإصحاح الثاني، 5-6) يُذكِّرهم هنا كيف كان سبط لاوي أمينا لله وكيف إنه وقف ضد ضلال باقي الأسباط عندما عبدوا العجل الذهبي (خر 32: 36-28)، وعندما زنوا مع الوثنيات فِينْحَاسُ بْنُ أَلِعَازَارَ بْنِ هَارُونَ الْكَاهِنِ قَدْ رَدَّ سَخَطِي عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِكَوْنِهِ غَارَ غَيْرَتِي فِي وَسَطِهِمْ حَتَّى لَمْ أُفْنِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِغَيْرَتِي. لِذلِكَ قُلْ: هأَنَذَا أُعْطِيهِ مِيثَاقِي مِيثَاقَ السَّلاَمِ، فَيَكُونُ لَهُ وَلِنَسْلِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِيثَاقَ كَهَنُوتٍ أَبَدِيٍّ، لأَجْلِ أَنَّهُ غَارَ للهِ وَكَفَّرَ عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ.  (عد 25: 11-13). لأَنَّ شَفَتَيِ الْكَاهِنِ تَحْفَظَانِ مَعْرِفَةً، وَمِنْ فَمِهِ يَطْلُبُونَ الشَّرِيعَةَ، لأَنَّهُ رَسُولُ رَبِّ الْجُنُودِ. أَمَّا أَنْتُمْ فَحِدْتُمْ عَنِ الطَّرِيقِ وَأَعْثَرْتُمْ كَثِيرِينَ بِالشَّرِيعَةِ. أَفْسَدْتُمْ عَهْدَ لاَوِي، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. فَأَنَا أَيْضًا صَيَّرْتُكُمْ مُحْتَقَرِينَ وَدَنِيئِينَ عِنْدَ كُلِّ الشَّعْبِ، كَمَا أَنَّكُمْ لَمْ تَحْفَظُوا طُرُقِي، بَلْ حَابَيْتُمْ فِي الشَّرِيعَةِ. (سفر ملاخي، الإصحاح الثاني، 7-9) تظهر أمانة اللاويين ودور الكهنة في معرفة الشريعة وتعليمها للشعب كوصية الله، إِذَا عَسِرَ عَلَيْكَ أَمْرٌ فِي الْقَضَاءِ بَيْنَ دَمٍ وَدَمٍ، أَوْ بَيْنَ دَعْوَى وَدَعْوَى، أَوْ بَيْنَ ضَرْبَةٍ وَضَرْبَةٍ مِنْ أُمُورِ الْخُصُومَاتِ فِي أَبْوَابِكَ، فَقُمْ وَاصْعَدْ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي يَخْتَارُهُ الرَّبُّ إِلهُكَ، وَاذْهَبْ إِلَى الْكَهَنَةِ اللاَّوِيِّينَ وَإِلَى الْقَاضِي الَّذِي يَكُونُ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ، وَاسْأَلْ فَيُخْبِرُوكَ بِأَمْرِ الْقَضَاءِ. فَتَعْمَلُ حَسَبَ الأَمْرِ الَّذِي يُخْبِرُونَكَ بِهِ مِنْ ذلِكَ الْمَكَانِ الَّذِي يَخْتَارُهُ الرَّبُّ، وَتَحْرِصُ أَنْ تَعْمَلَ حَسَبَ كُلِّ مَا يُعَلِّمُونَكَ. حَسَبَ الشَّرِيعَةِ الَّتِي يُعَلِّمُونَكَ وَالْقَضَاءِ الَّذِي يَقُولُونَهُ لَكَ تَعْمَلُ. لاَ تَحِدْ عَنِ الأَمْرِ الَّذِي يُخْبِرُونَكَ بِهِ يَمِينًا أَوْ شِمَالًا. (تث 17: 8-11). وفي بركة موسى لسبط لاوي عندما قال: تُمِّيمُكَ وَأُورِيمُكَ لِرَجُلِكَ الصِّدِّيقِ، الَّذِي جَرَّبْتَهُ فِي مَسَّةَ وَخَاصَمْتَهُ عِنْدَ مَاءِ مَرِيبَةَ. الَّذِي قَالَ عَنْ أَبِيهِ وَأُمِّهِ: لَمْ أَرَهُمَا، وَبِإِخْوَتِهِ لَمْ يَعْتَرِفْ، وَأَوْلاَدَهُ لَمْ يَعْرِفْ، بَلْ حَفِظُوا كَلاَمَكَ وَصَانُوا عَهْدَكَ. يُعَلِّمُونَ يَعْقُوبَ أَحْكَامَكَ، وَإِسْرَائِيلَ نَامُوسَكَ. يَضَعُونَ بَخُورًا فِي أَنْفِكَ، وَمُحْرَقَاتٍ عَلَى مَذْبَحِكَ. بَارِكْ يَا رَبُّ قُوَّتَهُ، وَارْتَضِ بِعَمَلِ يَدَيْهِ. احْطِمْ مُتُونَ مُقَاوِمِيهِ وَمُبْغِضِيهِ حَتَّى لاَ يَقُومُوا.  (تث 33: 8-11). ما أعظم الفارق بين دور الكهنة كما رسمه الرب: خَمْرًا وَمُسْكِرًا لاَ تَشْرَبْ أَنْتَ وَبَنُوكَ مَعَكَ عِنْدَ دُخُولِكُمْ إِلَى خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ لِكَيْ لاَ تَمُوتُوا. فَرْضًا دَهْرِيًّا فِي أَجْيَالِكُمْ، وَلِلتَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمُقَدَّسِ وَالْمُحَلَّلِ وَبَيْنَ النَّجِسِ وَالطَّاهِرِ، وَلِتَعْلِيمِ بَنِي إِسْرَائِيلَ جَمِيعَ الْفَرَائِضِ الَّتِي كَلَّمَهُمُ الرَّبُّ بِهَا بِيَدِ مُوسَى (لا 10: 9-11)، والكهنة في زمن ملاخي. فبدلا من أن يقودوا الآخرين في طريق الرب هم أنفسهم ضلوا عن الطريق. وبسبب إهمالهم للوصايا أعثروا الشعب في الشريعة إذ جعلوه يرى أنها مُحتقرة وغير مجدية، فأفسدوا"عهد لاوي"إذ كان منوطًا به أن يكون أمينًا على الشريعة ومُعلمًا لها. بسبب اختيار الرب لهم والدور الذي رسمه لبني لاوي والكهنة في شريعته كانوا مُكرمين في أعين الشعب ولهم نصيبا في البركات الإلهية، فلما قصروا تجاه شريعة الرب – التي هي سبب كرامتهم – بالإهمال والتساهل فقدوا النعمة والاحترام في أعين الشعب وصاروا مُحتَقرين. أَلَيْسَ أَبٌ وَاحِدٌ لِكُلِّنَا؟ أَلَيْسَ إِلهٌ وَاحِدٌ خَلَقَنَا؟ فَلِمَ نَغْدُرُ الرَّجُلُ بِأَخِيهِ لِتَدْنِيسِ عَهْدِ آبَائِنَا؟ (سفر ملاخي، الإصحاح الثاني، 10) الأب الواحد والإله الواحد هو الرب"أبٌ واحد... إلهٌ واحد". فالله منذ البدء يتكلم عن شعبه المؤمنين به كأبناء له:"إسرائيل ابني البكر"(خر4: 22)،"قدموا للرب يا أبناء الله... "(مز 29: 1)،"يا ابني أعطني قلبك"(أم23: 26)، والمؤمنون يدعون الرب أبوهم:"فَإِنَّكَ أَنْتَ أَبُونَا وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْنَا إِبْرَاهِيمُ، وَإِنْ لَمْ يَدْرِنَا إِسْرَائِيلُ. أَنْتَ يَا رَبُّ أَبُونَا، وَلِيُّنَا مُنْذُ الأَبَدِ اسْمُكَ... وَالآنَ يَا رَبُّ أَنْتَ أَبُونَا. نَحْنُ الطِّينُ وَأَنْتَ جَابِلُنَا، وَكُلُّنَا عَمَلُ يَدَيْكَ. "(إش 63: 16 و64: 8). فمن حنو الرب ونعمته علينا كخالق لا يعتبرنا عبيد، بل وهبنا نعمة البنوة فيدعونا أبناء ونحن ندعوه أب. إن خطية الفرد تضر الجماعة لأنها تُدَنس العهد بإدخال فكر غريب ونجس لجماعة الرب، فيُعثر باقي أخوته ويجعلهم معرضين للسقوط وخيانة عهد آبائهم (خر 24: 4-8). فتدنيس الفرد للعهد مع الرب خيانة وغدر لأخوته، فمن يغدر بعهد الله لا يكون أيضًا أمينا في عهده مع أخوته. غَدَرَ يَهُوذَا، وَعُمِلَ الرِّجْسُ فِي إِسْرَائِيلَ وَفِي أُورُشَلِيمَ. لأَنَّ يَهُوذَا قَدْ نَجَّسَ قُدْسَ الرَّبِّ الَّذِي أَحَبَّهُ، وَتَزَوَّجَ بِنْتَ إِلهٍ غَرِيبٍ. يَقْطَعُ الرَّبُّ الرَّجُلَ الَّذِي يَفْعَلُ هذَا، السَّاهِرَ وَالْمُجِيبَ مِنْ خِيَامِ يَعْقُوبَ، وَمَنْ يُقَرِّبُ تَقْدِمَةً لِرَبِّ الْجُنُودِ. وَقَدْ فَعَلْتُمْ هذَا ثَانِيَةً مُغَطِّينَ مَذْبَحَ الرَّبِّ بِالدُّمُوعِ، بِالْبُكَاءِ وَالصُّرَاخِ، فَلاَ تُرَاعَى التَّقْدِمَةُ بَعْدُ، وَلاَ يُقْبَلُ الْمُرْضِي مِنْ يَدِكُمْ. (سفر ملاخي، الإصحاح الثاني، 11-13) أوصى الله شعبه في الشريعة بعدم الزواج من الأمم الوثنية:"وَلاَ تُصَاهِرْهُمْ. بْنَتَكَ لاَ تُعْطِ لابْنِهِ، وَبِنتْهُ لاَ تَأْخُذْ لابْنِكَ. لأَنَّهُ يَرُدُّ ابْنَكَ مِنْ وَرَائِي فَيَعْبُدُ آلِهَةً أُخْرَى، فَيَحْمَى غَضَبُ الرَّبِّ عَلَيْكُمْ وَيُهْلِكُكُمْ سَرِيعًا. "(تث 7: 3-4). بالعهد مع الله أصبح الشعب وكل إنسان"قُدس الرب"أي مُقدَّس ومخصص للرب والاختلاط بالأمم بالزواج يُفسد شعب الله ككل أو الإنسان كفرد، قدس الرب، ويُنجسه بعبادة آلهة غريبة. وهنا نجد مقابلة بين الرب"الذي أحبه"وإله وثني"إله غريب"، فكأنه يقول لهم: كيف تتركون الرب الذي أحبكم واختاركم وأقام عهده مع آبائكم وشملكم بعنايته وبركاته وتتبعوا"إله غريب"لا تعرفوه ولا يعرفكم ولا يقدر أن يُقدم أي شيء لكم. ويظهر هنا أن تدنيس العهد مع الله له ثلاث عواقب: (1) فردية: يُقطع الرجل الذي يفعل هذا. عندما يُنجس المؤمن نفسه فإنه يقطع نفسه رعاية الله ومن جماعة الرب. (2) جماعية: يُقطع"الساهر والمُجيب من خيام يعقوب". الساهر والمُجيب هم الذين يسهرون للحراسة فينادون ويجيبون على بعضهم البعض أثناء نوبتهم. وتُشير لفقدان الحماية لأنهم سمحوا للغرباء الوثنيين بالشركة معهم ففقدوا الأمان. وقد تشير"الساهر"للسادة المسئولين و"المُجيب"للشعب الخاضع لسادته، فتكون العواقب على الجميع سيدًا كان أم مَسُودًا. (3) روحية: يُقطع من يُقدم"تقدمة لرب الجنود". فلا يعود الرب يقبل عبادتهم وهم على هذا الحال فيُصبح حتى من يُقدم التقدمات مرفوضًا من الله لأنه لا شركة بين الله والأوثان. إن خطية الاختلاط بالأمم الوثنية فعلوها سابقا عندما زنوا مع بنات موءاب وزاغوا عن الرب"وَأَقَامَ إِسْرَائِيلُ فِي شِطِّيمَ، وَابْتَدَأَ الشَّعْبُ يَزْنُونَ مَعَ بَنَاتِ مُوآبَ. فَدَعَوْنَ الشَّعْبَ إِلَى ذَبَائِحِ آلِهَتِهِنَّ، فَأَكَلَ الشَّعْبُ وَسَجَدُوا لآلِهَتِهِنَّ. وَتَعَلَّقَ إِسْرَائِيلُ بِبَعْلِ فَغُورَ. فَحَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى إِسْرَائِيلَ. "(عد 25: 1-3)، وبعد العودة من السبي فعلوها أيضا في أيام عزرا ونحميا (عز 9: 1-2) و(نح 10: 30). ويُشير هنا إلى (عز 10: 1) عندما بكى عزرا وجميع الشعب في بيت الرب للتوبة عن زواجهم بالوثنيات وخيانتهم للرب. ولكن هنا في (ملا 2: 13) يتجدد الدموع والبكاء والصراخ من النساء اللائي هجرهن أزواجهن وطلقوهن للزواج من الوثنيات. قام الشعب أيام عزرا (عز 10) بالتوبة وتقديم الذبائح عن هذه الخطية. ولكن الآن لا يعود الله ليقبل ذبائحكم وتقدماتكم لأنكم خنتم الرب مرة أخرى. فَقُلْتُمْ: لِمَاذَا؟ مِنْ أَجْلِ أَنَّ الرَّبَّ هُوَ الشَّاهِدُ بَيْنَكَ وَبَيْنَ امْرَأَةِ شَبَابِكَ الَّتِي أَنْتَ غَدَرْتَ بِهَا، وَهِيَ قَرِينَتُكَ وَامْرَأَةُ عَهْدِكَ. أَفَلَمْ يَفْعَلْ وَاحِدٌ وَلَهُ بَقِيَّةُ الرُّوحِ؟ وَلِمَاذَا الْوَاحِدُ؟ طَالِبًا زَرْعَ اللهِ. فَاحْذَرُوا لِرُوحِكُمْ وَلاَ يَغْدُرْ أَحَدٌ بِامْرَأَةِ شَبَابِهِ. لأَنَّهُ يَكْرَهُ الطَّلاَقَ، قَالَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ، وَأَنْ يُغَطِّيَ أَحَدٌ الظُّلْمَ بِثَوْبِهِ، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. فَاحْذَرُوا لِرُوحِكُمْ لِئَلاَّ تَغْدُرُوا. (سفر ملاخي، الإصحاح الثاني، 14-16) الزواج هو من البدء رسم إلهي يكون الرب هو الشاهد فيه بين عهد الرجل والمرأة وفيه يُخصص كل منهما نفسه للآخر فيُصبحان واحدًا،"لِذلِكَ يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ وَيَكُونَانِ جَسَدًا وَاحِدًا. "(تك 2: 24). لذلك عندما يتخذ الرجل له نساء من الوثنيات فهو يغدر بامرأة شبابه إما بأنه يجعل معها زوجة ثانية تشاركها فيه، أو بتطليقها ونقض العهد معها. فالله جعلهما – الرجل والمرأة – بالزواج واحدًا، فكل منهما هو بقية روح الآخر كأنهما روحاً واحدًا، وذلك لطلب زرع الله أي النسل المُقدس والذرية التي تتبع الله. لذلك يكره الرب الطلاق لأنه كسر للوحدة – بين الرجل والمرأة – كما رسمها الله منذ البدء (مت 19: 4) و(تك 2: 24). لهذا يُسمى الطلاق هنا"ظُلم"لأنه غدر بالمرأة التي تعاهد الرجل على الحياة معها طوال العُمر، وأيضا كسر لرسم الله الذي وضعه منذ البدء. لَقَدْ أَتْعَبْتُمُ الرَّبَّ بِكَلاَمِكُمْ. وَقُلْتُمْ: بِمَ أَتْعَبْنَاهُ؟ بِقَوْلِكُمْ: كُلُّ مَنْ يَفْعَلُ الشَّرَّ فَهُوَ صَالِحٌ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ، وَهُوَ يُسَرُّ بِهِمْ. أَوْ: أَيْنَ إِلهُ الْعَدْلِ؟ (سفر ملاخي، الإصحاح الثاني، 7) عندما يفقد الإنسان البركة في حياته بسبب الخطية، بدلا من أن ينتبه ويلوم نفسه، يحاول على العكس تبرير ذاته بنسب عدم الصلاح لله والتشكيك في عدله، فيُدين الله بدلا من أن يُدين نفسه على خطاياه. --- ### أُثناسيوس.. كبير من الإسكندرية - Published: ۲۰۲۲-۰۵-۲۱ - Modified: 2022-09-13 - URL: https://tabcm.net/6145/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون, تاريخ وميثولوچيا - وسوم: ريتشارد جيبون, غريغوريوس النزينزي، الناطق بالإلهيات, قديس أثناسيوس الرسولي كان الوقت نحو مغيب الشمس. كنت جالسا في غرفة مظلمة نوعا ما، ثم قام ذلك العظيم من جلوسه ليوقد لنا شمعة تبدد الظلام الذي أخذ يزحف إلينا تدريجيا. تراه قصيرا في بنيانه الجسماني، يبدو مجهدا على الدوام، ولكن له بريق في عينيه يقدم معنى جديدا للبأس، فيه قوة وجلد لا يليقان بصغر جسمه. يحيط به ضي الألوهة كما لو كان متسربلا به، بل كما لو كان متحدا بمنبع الضياء نفسه! ملامحه تنطق بفرعونية أصيلة ضاربة في جذوره، في الحقيقة، هو يبدو كما لو كان أحمس القاهر وقد خرج توا من مياه النيل العظيم. بل هو أحمس القاهر فعلا، ولكن في ميدان غير الميدان ومعركة تحديد مصير مختلفة. طرق الباب راهب مصري الملامح أيضا ليسأله: "أترغب في الطعام أنت وضيوفك يا أبانا؟". "أبانا"، اللقب الأكثر توددا وحبا لقلب الجالس على كرسي الرسول مرقس، مبشر مصر ومؤسس الكنيسة في الإسكندرية. وهو، مَن أنا ضيفه، له من روح الثيؤريموس وعنفوان المعمدان وقوة بولس وبراءة إسطفانوس. أشار مضيفي للراهب بأن "لا"، ثم أعقبها: "لدينا الكثير والكثير لنناقشه، شكرا لمحبتكم في مجمع الدير". انصرف الراهب في هدوء، واستدار مضيفي نحوي مبتسما: "حسنا أيها الباحث عن المعرفة، نلتقي مجددا". منذ التقيت به أول مرة في لقاء المعلم مع الشيخ نيقوديموس، وأنا أتوق لهذه الجلسة، فقط لم أتوقعها هنا في صحراء صعيد مصر. كنت أتصور أن نلتقي في الإسكندرية، مدينة الكرسي الرسولي، حيث يليق بالبابا أن يكون، خاصة بعد إعلان الإمبراطور للتسامح الديني وانتهاء زمن اضطهاد الدولة. كنت كالعادة، مخطئا! ! ! لم تمر سنوات معدودات على لقاء قسطنطين به في نيقية، إلّا وقد أصبح غريمه اللدود ويكاد يكون عدو الإمبراطورية الأول! لم يكن لسانه هو المطلوب، بل رأسه نفسها! ! ! هذه المرة، كان الهروب إلى أديرة الصعيد في مصر. جلست أمامه لا ألوي على شيء، فقط منتظرا أن يبوح لي بأسراره الخفية في ملخص شاف وكاف. "حسنا، هي قضية خلاصية واحدة: أنا، الإنسان، حب الله الأزلي الأبدي، من أجلي كان، كل ما كان وباتحادي به يتم كل ما سيكون". "إن كان أعداء المسيح، الأريوسيين، صادقين؛ فإن الله يكون كاذبا! ". "إن كان الكلمة ليس من نفس جوهر الله الآب، فلا قيمة لخلقة جديدة ولا داعٍ له أن يلبس جسده الخاص لكي يخلقنا فيه من جديد بعد أن يميت الموت بموته". "هو أعطانا الذي له عندما أخذ الذي لنا، أخذ ضعفنا وموتنا ليُخرج منه حياة أبدية للبشرية كلها فيه". "به نتأله أي نصير بشر كاملين حسب مقاصد الله لنا في الأساس، لذا فحينما كان الموت عائقا في طريق تألهنا؛ ظُفُر به على الصليب نيابة عنا، لقدرته هو الخالق الوحيد أن يضخ الحياة الأبدية دما جديدا فينا". "ولأنه دمه وجسده، لذا فقد أودعهم الكنيسة التي رواها بعمل روحه القدوس، لكي تنجب بهم إخوة له فيه بمسرة الآب". "صدقني ليس الموضوع عسيرا إذا ما اختبرته، لكنه كارثي إذا ما أسلمته لسلطان العقل فقط! ". "العقل الساقط يا صديقي، غير المستنير بعمل الروح لا يُدخلنا إلى عمق غنى محبة الله". هذا الرجل متصل بمصدر طاقة لا ينضب! ! ! ربما لا يعلم هو بما سيأتي، ولكنني أعلم ما سيكتب في السنوات القليلة المتبقية: (لاحظ أنه شيخا الآن، إذن فنحن في زمن النفي الثالث حيث يبلغ سنه الآن نحو ستين عاما) + رسائله إلى سرابيون، النائب الباباوي، عن الروح القدس، التي ستشكل نواة الدفاع عن لاهوت إقنوم الرب المحيي. + المقالات الأربع ضد الأريوسيين، التي تعد الضربة القاضية لهذه البدعة المريرة. + دفاعه عن هروبه. + عن المجامع. ولا ننسى أنه قبل النفي، بعدة سنوات كان قد كتب إلى الراهب أمونيوس رسالة عن الجسد والإفرازات والطهارة، رسالة من القرن الرابع تدين ضمائرنا في القرن العشرين وما تلاه. ثم في سنوات خريف العمر، كانت: + الرسالة إلى أبيكتيتوس، والرسالة إلى أدولفيوس اللتان كان تمهيدا للكتابين التاليين. + الرد على أبوليناريوس، دفاعا عن تكامل وحقيقية تجسد الابن الوحيد. هذا الرجل يعيش في كونٍ مركزه الابن المتجسد، ويدور في فلك ثابت حول عظمة الاتحاد به والوجود فيه وبه! هو متأله بالحق والنعمة، قولا واحدا لا رجعة فيه. "ريتشارد جيبون"، مؤرخ أوروبي في عصور لاحقة للكبير وغير محسوب على المسيحية مطلقا! لم يتوان عن الهجوم على الكنيسة ورجالها أيا كانوا، ولكن أمام تنين الآباء المجنح. . كان ينحني احتراما وإجلالا لما قام به. قطعا لا أتداخل في مجريات الأحداث ولكن كم وددت لو قلت له ذلك، بل وأكثر: بعد نياحته، سيقول عنه غريغوريوس النزينزي (اللاهوتي) أن: "مَن يمدح أثناسيوس إنما يمدح الفضيلة ذاتها". لا أعتقد أنه سمع في حياته بأن كتابه العظيم (تجسد الكلمة) سيصبح على الدوام من أعظم ما كُتب عن تجسد الابن الوحيد ومقاصد الله العظيمة للإنسان. ستصبح مقولة "وأنا ضد العالم" أشهر شعار للوقوف إلى جانب الحق وعدم الحياد عن الصواب. هل أخبره بأنه المحسوب ضمن الآباء الكبار معلمي العقيدة الذين تؤخذ منهم التعاليم مباشرةً دون إجماع؟ كنت في حالة من الفرح غير موصوفة؛ أنا أجالس الرسولي واستمع لتعاليمه مباشرةً من فمه المبارك. والآن تظهر مساحة الغرفة أكثر، كما لو كنت بالتدريج أتعرف على محيطي أكثر فأكثر. لاحظت ذلك الشيخ المسن يجلس بجانبي، في اهتمام شديد يستمع للمعلم الكبير كأنه يتشرّب منه التعليم والتسليم. هل كان في حالة من الدهش أو الهذيذ كما علّم عنه لاحقا؟ ربما، لا أعلم، ولكن غير مستغرَب على كلام أثناسيوس أن تتشربه بروح الصلاة. كان تأثره بوحدانية الجوهر الإلهي بين الآب والابن وصدق الاختبار في حياة الرسولي، الذي لم يكن مدافعا عن إيمان لفظي بل عن حياة اختبارية، يظهر جليا على محياه. في صوت طفولي نوعا ما سمعته يتمتم بصلاة قصيرة، مناجاة هي بالأحرى: "آه، يا ربي يسوع ولادك يا الله، إخوتك يا ربي يسوع، أصبح ممنوع عليهم أن يؤمنوا بالتأله! التأله اللي هو غاية الحياة المسيحية وهدف كل تدبير الخلاص، كنز روح الله القدوس الذي يُخفى في جسد بشريتنا. حاليا يا رب أصبح من يتبع كلام معلمنا وكبيرنا، البطل المدافع والرسولي، الناس التي تؤمن بتعاليمه التي كاد أن يدفع حياته ثمنا لها. . أصبحوا مبتدعين وهراطقة! ! آآآآآه، يا مرارة ما عشت! " --- ### يعني إيه "نوع" أصلًا؟ - Published: ۲۰۲۲-۰۵-۲۰ - Modified: 2023-11-19 - URL: https://tabcm.net/5438/ - تصنيفات: شئون علمانية - وسوم: Phylum, Species Problem, الانتخاب الطبيعي, الفلسفة البراجماتية, المنهج العلمي, شجرة الحياة, نظرية التطور هل في حاجة أصيلة في الطبيعة اسمها "نوع"؟ ولا دي مجرد تصنيفات بنعملها عشان نسهل تعاملنا مع الكائنات الحية؟ للوهلة الأولى ممكن القارئ يحس إن السؤال دا بسيط، ما إحنا عايشيين حياتنا مثلًا وعارفين إن القطة نوع والكلب نوع تاني والفار نوع تالت وهكذا، إيه الصعوبة في الموضوع؟ ! بس فكر في الموضوع شوية، إيه الخط الفاصل اللي بيتميز بيه نوع عن نوع تاني؟ يعني لو رحت جزيرة جديدة مثلًا ولقيت عليها حيوان محدش شافه قبلك، بناء على إيه هتقول إن الحيوان دا نوع جديد؟ أو نوع أنت شفته قبل كدا؟ في الواقع السؤال دا صعب ومعروف في علم الأحياء وفلسفة علم الأحياء باسم Species Problem (مشكلة النوع). الحقيقة في كام تعريف كدا العلماء بيستعملوهم باستمرار، وهما دول اللي هنتعرف عليهم في المقال دا. احد اكثر التعريفات المُستعملة في الوسط العلمي وفي الكُتب الدراسية هو تعريف وضعه (إرنست ماير- Ernst Mayr) معروف باسم (مفهوم الأنواع الحيوي-Biological Species concept-BSC). حيث يُعرف النوع على إنه مجموعة من الكائنات الحية التي يمتلك أفرادها الإمكانية على التهجين في الطبيعة وإنتاج نسل قابل للحياة وقادر هو بدوره على التناسل مرة أُخرى، ولا يستطيع أن يُنتج نسل قابل للحياة وقادرًا على التناسل من أفراد مجموعات مُختلفة، يعني مثلًا: ذكر الحصان وانثى الحصان ممكن يتزاوجوا ويخلفوا "نغل- Hinny" وذكر الحمار وانثى الحصان ممكن يتزاوجوا ويخلفوا "بغل- Mule" لكن النغل والبغل كلهم بيبقوا دايمًا غير قادرين على التزاوج، ميقدروش هما بدورهم يُقيموا نسل، وبالتالي بيتم اعتبار الحمار والحصان نوعين مُختلفين. وبالتالي فبالنسبة للتعريف دا فالنوع تعريفه معتمد على القدرة على التناسل الجنسي. في الواقع التعريف دا قوي ومن أكثر التعريفات اللي بيتم استعمالها في الأبحاث العلمية، لكنه غير كافي، لإن في أنواع حية مش بتتكاثر بالجنس (تكاثر لاجنسي)، وبالتالي بيحتاج العلماء تعريفات تانية في أوقات تانية. (مفهوم الأنواع المورفولوجي-Morphological Species Concept)، وهو يعتمد على التفرقة بين الأنواع من خلال أشكال أجسامها والسمات البنيوية. ميزة التعريف دا إن ممكن يتم تطبيقه على كل الكائنات الحية، لكن عيبه إنه بيعتمد على معيار ذاتي وأقل موضوعية بمراحل من مفهوم الأنواع الحيوي، لإن من السهل جدًا للعلماء انهم يختلفوا على ماهية الصفات المورفولوجية اللي هتحط حد للتفرقة بين نوعين، أنهي صفة اللي هتكون كافية للتفرقة بين نوعين مُختلفين، وأنهي لأ؟ على الرغم من كدا التعريف دا مهم في تطبيقه على الكائنات اللي موصلناش منها غير الحفريات، زي في الصورة دي مثلًا: كل كائن من الاتنين دول هو كائن من "المفصليات ثلاثية الفصوص- الترايلوبيت- Trilobite"، وهي "طائفة- class" من "مفصليات الأرجل- Arthropods" (مفصليات الأرجل هي "الشعبة- Phylum" اللي بتضم كائنات حية زي الحشرات والعنكبوتيات والقشريات الخ)، لكن الطائفة دي (الترايلوبيت) هي طائفة بحرية منقرضة، انقرضت من حوالي 360 مليون سنة، وبالتالي متقدرش تطبق عليهم مفهوم الأنواع الحيوي لإن المعلومات دي مش في ايدك، ومتقدرش تطبق عليهم مفهوم الأنواع البيئي اللي هنتكلم عنه كمان شوية، ومتقدرش تطبق عليهم مفهوم الأنواع الفيلوجيني اللي هنتكلم عنه برضو لإن موصلناش DNA، إحنا مفيش في ايدينا غير حفريات، فالطريقة الوحيدة لتصنيف الأنواع في الطائفة دي هو مفهوم الأنواع المورفولوجي، الاختلافات الموروفولجية ما بين الكائن في الصورة اللي على اليمين (Cheirurus ingricus) والكائن اللي في الصورة اللي على الشمال (Hollardops mesocristata) هي اللي من خلالها بيصنفهم العلماء كنوعين مختلفين. لكن لازم تاخد بالك إن المفهوم دا بيتم استعماله في حالات خاصة، زي الحالة السابقة (أنواع منقرضة)، يعني على سبيل المثال بص على حاجة زي الدولفين وسمكة القرش: التشابهات المورفولوجية بين الاتنين ممكن تكون عالية، لكن نظرًا لإن تحليل الـDNA بتاعهم ممكن، ونظرًا لإن في معلومات مورفولوجية داخل جسمهم متوفرة (Internal structure) ودي مش بتكون متوفرة في الحفريات بنسبة كبيرة) فاحنا عارفين إن اسماك القرش أقرب للسمك لإنه في الواقع سمكة، بينما الدولفين أقرب للحيتان والثدييات. وبالتالي فمفهوم الأنواع المورفولوجي بيتم تطبيقه في حالات خاصة زي إن ميكونش في حاجة متوفرة أصلًا غير الشكل المورفولوجي، أو لو أمكن بيتم تطبيقه بالمشاركة مع مفهوم آخر. المفهوم الثالث هو (مفهوم الأنواع البيئي-Ecological Species Concept)، وهو يعتمد على تعريفه للنوع من نمط حياة النوع البيئية، أي كيفية تفاعل أفراد النوع مع الأجزاء غير الحيّة والحيّة من مُحيطهم وبيئتهم. على سبيل المثال من الممكن أن يختلف نوعان من شجر البلوط (السنديان) في حجمهم وقدرتهم على تحمل ظروف الجفاف، فبالتالي هيتم اعتبارهم نوعين مُختلفين بحسب التعريف دا بسبب احتلالهم لأنماط حياة بيئية مُختلفة. التعريف دا تطيبقه مهم برضو مع الكائنات الحية اللي مش بتتكاثر بالتهجين، وفي نفس الوقت التعريف دا بيعزز دور الانتخاب الطبيعي في فكرة إن الكائنات الحية تتكيف على بيئات مختلفة. المفهوم الاخير اللي هنتكلم عنه هو (مفهوم الانواع الفيلوجيني- مفهوم الانواع التطوري الُسلالي - Phylogenetic Species Concept – PSC)، وهو يُعرف النوع بكونه اصغر مجموعة من الأفراد التي تتميز بصفات مورفولوجية وجينية مُعينة وتتشارك سلف مُشترك مُكونين بذلك فرع واحد على شجرة الحياة. ميزة التعريف دا إنه يصل لتعريف الأنواع بشكل إلى حد ما دقيق على المُستوى الجيني عن بقية التعريفات الأُخرى، فهو بيقدر إنه يُفرق بين نوعين اختلفوا جينيًا بما فيه الكفاية ولكن لسة مظهرتش بعض الصفات مورفولوجية لتمُيزهم، في الحالة دي بيشتغل مفهوم الأنواع الفيلوجيني بشكل افضل من مفهوم الأنواع المورفولوجي، كمان التعريف دا يُمكن تطبيقه على الكائنات الحيّة اللي مش بتتكاثر بالتهجين والجنس، وبالتالي فهو ليه نطاق عمل أوسع من نطاق مفهوم الأنواع الحيوي. بص على الصورة دي على سبيل المثال:   دي صورة توضيحية لأنواع مختلفة من السلامندر اسمه "Ensatina Salamander"، في المثال دا هيتم اعتبار كل من A وB أنواع مختلفة نظرًا لإن أفراد B ليهم سلف مشترك محدش من A مشترك معاهم فيه، على الجانب الآخر، بالرغم من إن أفراد الجماعة الأحيائية C حصل فيها تنوع ضخم، إلا إنه هيتم اعتبارهم كلهم نوع واحد بحسب المفهوم النوعي الفيلوجيني نظرًا لإن مفيش جماعية أحيائية منهم ليها سلف مشترك مستقل عن الجماعات الباقية، جدير بالذكر إن المجموعة C بيكونوا ما يُسمى في علم الأحياء بـ"النوع الحلقي- Ring Species"، المجموعة الأحيائية دي موجودة في كاليفورنا في الـ"Central Valley" التجمعات دي بتكون حلقة أشبه بحدوة الحصان U، حيث إن كل مجموعة بتقدر تتزاوج من أفراد المجموعة المُجاورة ليها، لحد ما نوصل لأطراف الحلقةـ وبيكون المجموعات اللي على الأطراف غير قادرين على التزاوج، في الحالة دي الـEnsantina Klauberi والـEnsantina Eschscholtzii. في تعريفات ومفاهيم تانية تم وضعها لمُحاولة تعريف النوع، ولكن اكثر التعريفات المُستعملة هو مفهوم الأنواع الحيوي ومفهوم الأنواع الفيلوجيني لإنهم إلى حد كبير جدًا بيظهروا نتائج عملية بتساعد العُلماء في إتمام أبحاثهم. السؤال المهم هنا بقى، هل في حاجة أصيلة في الطبيعة اسمها "نوع"؟ ولا دي مجرد تصنيفات إحنا بنعملها عشان نسهل تعاملنا مع الكائنات الحية في الطبيعة؟ اشهر 3 إجابات في فلسفة علم الأحياء هي الفلسفات الآتية: الفلسفة الواقعية (Realism)، وهي بتعتقد إن النوع شيء موجود في الطبيعة فعلًا، إرنست ماير كان من مؤيديين الواقعية واعتبر إن النوع يُمكن تصنيفه بشكل موضوعي بالاعتماد على مفهوم الأنواع الحيوي، فكل نوع مُعتمد على الانعزال التكاثري (أي انه لا يتكاثر مع أفراد مجموعة ليست من نوعه) وبالتالي فالنوع بيتميز بشكل موضوعي، لكن زي ما وضحنا، حدود التعريف دا بتقف عند الكائنات اللي مش بتتكاثر بالجنس. الفلسفة الإسمانية (Nominalism)، بتعتقد إن النوع ما هو إلا "اسم" أو لفظ يُطلقه الإنسان على مجموعة من الكائنات الحيّة، لكن لما بيحاول الإنسان رسم خطوط فاصلة بين الأنواع فالخطوط دي مش بتعكس أي نقطة فاصلة بين الكائنات الحيّة بشكل أساسي، وبالتالي فإن الأنواع ليست اكثر من فكرة ومسميات في عقول البشر. الفلسفة البراجماتية أو المذهب العملي (Pragmatism)، وهي بتعتقد إنه بالرغم من إن النوع غير موجود بالمعنى الطبيعي، إلا أنه حقيقي مفهوميًا ونظريًا، وموجود للتطبيقات العملية، فعلى سبيل المثال، بغض النظر عن أي مفهوم بيستعمله الباحث، فإنه يُمكنه مُقارنة التنوع الحيوي على المُستوى المكاني والزماني طالما إن التعريف مش بيتغير خلال الدراسة. --- ### هذا الزواج.. ما نوعه؟ - Published: ۲۰۲۲-۰۵-۱۹ - Modified: 2024-04-10 - URL: https://tabcm.net/6195/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, المرأة القبطية, شئون علمانية - وسوم: التتميين, القانون المدني, تتمية, رباب كمال, ماري مجدي ونيس, مساواتية, مساواتيين, وليد سعد أيوب, ويل ديورانت أحاول في هذا المقال التفكير بصوت عال حول هذا الزواج.. ما نوعه؟ من أنشأه؟ ممن يستمد شرعيته ودوامه؟ من ذا الذي يوافق عليه؟ من يحمي هذا النوع من العلاقات التي تؤدي للوفاة؟ وبأي سلطة؟ شاهدنا منذ أيام مقطع فيديوي لذكر مصري يضرب أنثى مصرية بـ"قحف النخل"، وبشكل جنوني انتقامي يستحيل معه استقراء أي نوايا للحفاظ على الحياة. وعلمنا بعد ذلك أن العلاقة بين هذا الذكر وتلك اﻷنثى، هي علاقة زواج قائمة ... أحاول في هذا المقال التفكير بصوت عال حول هذا الزواج. . ما نوعه؟ من أنشأه؟ ممن يستمد شرعيته ودوامه؟ من ذا الذي يوافق عليه؟ من يحمي هذا النوع من العلاقات التي تؤدي للوفاة؟ وبأي سلطة؟ بعضٌ مما ﻻ تفصح عنه كاميرا التصوير: أسمها "ماري مجدي ونيس"، واسم زوجها "وليد سعد أيوب"، من سكّان منطقة الشرابية بالقاهرة. ماري حاصلة على التعليم اﻷساسي (اﻹعدادية) دون مؤهلات أخرى، وزوجها عاطل عن العمل وأخر مهنة امتهنها كانت "سائق". تزوجت ماري من وليد وعمرها 16 عامًا بالمخالفة للقانون الحالي، فتاريخ الزواج يعود لعشرين عاما قبل الواقعة المصوّرة، ويسبق صدور القانون المدني بتجريم زواج القاصرات، ومن ثمّ فالسيدة "ماري" الآن عمرها 36 عامًا، أم لثلاثة فتيات أكبرهن 17 عامًا، متزوجة من مدمن مخدرات، حاولت مع اﻷسرة علاجه في مصحات علاج اﻹدمان وفشل التعافي، لثمان مرات، انتهى أغلبها بإشهار سلاح أبيض على المعالجين وتهديدهم. أُتهم بجريمة قتل ﻻبن عمه قديمًا. تقول "ماري" عن زيجتها إنها كانت "زواج صالونات" تقليدي ولم يسبقه معرفة بحال "وليد"، أو اختبار من الأسرة لماهية المخدرات. وزواج الصالونات هو زواج يتم بحسن سمعة العائلة إجمالًا ﻻ الفرد مستقلًا. وماري تقر بأن أسرة زوجها حسنة جدا. فالجد من الأب، هو من يتولى اﻹنفاق فعليا على حفيداته الثلاثة. وسبب الواقعة محل التصوير هو علم الزوج "وليد" بأن ابنته الكبرى حصلت على مبلغ من أباه "سعد" وأراد استلابه منها عنوة لشراء المخدرات. فتدخلت الزوجة لتسريب ابنتها من قبضته. فنالها ما نشاهده في الفيديو. وبقية الواقعة ﻻ تفصح عنها الكاميرا، ويمكن إجمالها في إشهاره لسلاح أبيض محاولًا طعن الزوجة. وتدخل إثنين من إخوة "وليد" مع إبن لأحدهم، محاولين إنقاذ الزوجة. فما كان من الزوج إلا مهاجمة الكل بمن فيهم أخوية وإبن اﻷخ، محدثًا ﻻثنين منهما جروحًا قاطعة لأوتار اليد. يجتمع في السيدة "ماري" ثالوث الضعف المصري (مصطلح صكّته الكاتبة: "رباب كمال") فهي امرأة + مسيحية + فقيرة... وفي وقت كتابتي لهذا المقال، كان مقررًا باﻷمس 18 مايو، أن ألتقي بالسيدة "ماري مجدي" لكن لم يتثن حدوث هذا ﻻستدعاء النيابة لها في نفس اليوم لسماع أقوالها. انتظرتها في مكتب محام كبير تطوع لدعمها، لكنها لم تأت... تواجدت ماري بسراي النيابة دون وجود محامي، واعتمادًا على مجهودات ونصائح تطوعية من المحيطين (الطيبين) وأبرزهم تاسوني من الكنيسة التي تتبعها، ونتيجة لذلك، صدر اليوم أمر ضبط وإحضار للذكر المسجّل في المقطع الفيديوي، زوجها: وليد سعد أيوب. صفحة على الفيسبوك نشرت خبر القبض على المجرم "وليد سعد أيوب"، الذي تعدى على زوجته "ماري مجدي ونيس" بالضرب بلوح خشبي. وفي ختام البوست كتب الأدمن: نتمنى صدور قوانين مدنية للأحوال الشخصية تسمح للحالات اللي زي ماري بالحصول على حكم بالطلاق بدون إذن الكنيسة حفاظا على حقوق المواطنين أيا كان دينهم. اتصدمت من تعليقات بعض المسيحيين على البوست واللي كانوا معارضين لقول الأدمن "بدون اذن الكنيسة"... إحدى المعلقات "حسته تعبير مش لطيف"، بس منظر الست اللي بتتضرب بلوح خشب وبتتهان هي واطفالها لطيف عادي! ؟واكدوا أنه: "وإيه يعني لما تتطلق منه ده مش هايحل المشكلة! ! " وإنه: "لازم يتعاقب بالقانون على تعديه عليها بس الطلاق مالوش علاقة بالموضوع! ! " عشان طبعا عادي نحبسه كم سنة على جريمة التعدي عليها، ولما يطلع يبقى يرجع بيته وهي والعيال يعيشوا معاه، ويبقوا اسرة سعيدة مع بعضيهم! ؟وقال البعض إن: "ده قانون الكنيسة وماينفعش القانون يتعدى على سلطة الكنيسة"، بينما أكد آخرون إن: "الكنيسة ممكن تسمح بالطلاق عادي لو المحكمة أدانته بالتعدي عليها"، اصل الفيديو مش إدانة كافية يعني! ؟بينما برضه أفتى آخرون إن: "الكنيسة ممكن تديها بطلان زواج أو انفصال بس مش هاتطلقها" عشان طبعا طز في حقها إنها تكمّل حياتها وتفرح مع إنسان طبيعي بعد كده! ؟انتم بجد كويسين ياجماعة؟؟ بتفكروا إزاي وأولوياتكم فين؟؟(نيفين سمير على صفحتها الشخصية بفيسبوك)   رحلة البحث عن أصول اﻷخلاق الجنسية الشرقية أفرد المؤرخ العالمي "ويل ديورانت" فصلا كاملًا عن "تطور الزواج" في سلسلة مجلداته الشهيرة "قصّة الحضارة" وأسماه "أخلاق الجنس". وفي نظر علم الاجتماع عمومًا فالزواج هو "أخلاق الجنس". أي أنه اﻷخلاق التي تحدد أن هذه الممارسة الجنسية مقبولة أخلاقيا، فنسميها "زواجًا"، أو أن تلك الممارسة الجنسية غير أخلاقية، فنسميها زنا، أو دعارة، أو اغتصابًا، أو هتكا للعرض، أو أي مسمى آخر لتأثيمها وتجريمها ومقاومتها. بطبيعة الحال، ولأن اﻷخلاق نسبية ومتغيرة ومتطورة بحسب التاريخ والجغرافيا والثقافة والمستوى الحضاري، فالزواج نفسه كمفهوم أخلاقي هو متغير وغير ثابت. خذ على سبيل المثال المجتمع الغربي والذي تنتشر فيه علاقات الـBoyfriend و Girlfriend، والتي هي واقعيا علاقات جنسية غير مثبتة أمام الدولة (أي أنها غير رسمية، وﻻ يترتب عليها تغييرًا في المركز الحقوقي أو المالي. وتشابه الزواج العرفي في المجتمعات الشرقية). هذه العلاقات وعلى كونها غير رسمية، إﻻ أنها أخلاقية تمامًا في مجتمعاتها، لكونها تحظى بالقبول والتراضي واﻹشهار ومعرفة وموافقة واعتراف اﻷسرة والمجتمع. بل حتى بالمقاييس الدينية (اﻷكاديمية غير الشعبوية) فهي زواج صحيح وإن كان رسميًا غير موجود أو غير مقنن. وﻻ يفوتنا هنا التنويه على أخلاقية هذه العلاقات قياسًا بالزيجات الرسمية الشرقية، فهي علاقات ﻻ تسمح مثلا بالضرب للمرأة بغرض التربية، ﻻ تراتبية أو ذات هيراركي يعطي الذكر ميزات مكتسبة في القيادة، وﻻ تسمح للذكر أو اﻷنثى بالعلاقات المتعددة وتعتبر ذلك خيانة، ويحق للطرف المضار إنهاء هذا الوضع الغير قانوني بسلطة القانون، والنكوص أو اﻹبراء عن أي تعهدات قُدمت للطرف اﻵخر، بما فيها المساكنة واﻹقامة المشتركة، أو استرداد كل ما تم تقديمه من أحد اﻷطراف للآخر دون مكتسبات جندرية منحازة للأنثى باعتبارها طرف غير مرغوب في خروجه للعمل والاستقلال اﻻقتصادي ويجب "تأمين مستقبلها" كما في الشرق. التأمل في علم اﻻجتماع أيضا يجعلنا نلاحظ نوعين رئيسيين من الزواج، أحاول دوما قياس كل الزيجات على النمط اﻷقرب منهما: زواج قائم على علاقة "خضوع مقابل إنفاق" ويقصد به طبعا خضوع اﻷنثى مقابل إنفاق الذكر. وهو يناسب هؤلاء الذين ينظرون لعلاقة الذكر باﻷنثى أنها علاقة تتمية، أي تتمم بعضها بعضا. وهو ما نراه في الزواج الديني حتى في توزيع اللعنات على اﻷسرة اﻷولى. فالرجل بعرق الوجه يأكل خبزه، وشوكا وحسكا تنبت اﻷرض له، بينما المرأة بالوجع تلد، وللرجل تشتاق، ويسود عليها (تكوين3) زواج قائم على علاقة "المسؤولية المشتركة" ويقصد به عدم توزيع أدوار معينة أو مسؤوليات محددة بين الذكر واﻷنثى، بل يترك ذلك للاتفاق بين الشريكين البالغين دون تدخل وصائي من اﻷسرة أو المجتمع أو الدولة، وهو يناسب هؤلاء الذين ينظرون لعلاقة الذكر بالأنثى أنها علاقة مساواتية. أي يتساوى فيها الذكر واﻷنثى بشكل تناظري. وهو ما نراه في الزواج بحسب اﻹعلان العالمي لحقوق اﻹنسان. (مادة16) واﻵن، وبعد كل هذا الطرح الذي أشكر القارئ على صبره فيه... ما هو نوع الزواج الذي يجمع السيدة "ماري" بالسيد "وليد"؟ من أنشأه؟ ممن يستمد شرعيته ودوامه؟ من ذا الذي يوافق عليه؟ من يحمي هذا النوع من العلاقات التي تؤدي للوفاة؟ وبأي سلطة؟   اقرأ أيضا: --- ### القيم الأخلاقية [الأزمة الأخلاقية] - Published: ۲۰۲۲-۰۵-۱۸ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/5901/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: يوسف زيدان ما الأزمة الأخلاقية وصراع القيم؟ عندما تتعرَّض المجتمعات المُستَقرة (إلى حد ما) إلى وافِد جديد أو دخيل جديد بقِيَم جديدة يحدث صراع بين الوافِد والمُستَقر -بين ما هو أصيل وما هو وافد- سواء كان بسبب الانفتاح على ثقافات أخرى أو بسبب عدم توازن بين التمسُّك بالقديم وبين التعايش في مجتمع تتباين وتتعدَّد اتجاهاته. إن لم يصل المجتمع إلى توازن مع الوافِد أو الدخيل تكون النتيجة: • إما أن ينكفئ المجتمع على نفسه ويحاول التمسك بالقديم. • أو ينطلق بلا وعي ولا ضوابط للتمسك بالجديد. مظاهر الأزمة الأخلاقية: • الخَلَل الذي يصيب المبادئ والمعايير المقبولة في المجتمع والمُستَمدَّة من الأديان والتراث الثقافي. • عندما يفقد الناس الشعور بالتوازن بين ما هو مثالي وواقعي. • عندما تحدث فجوة بين أهداف المجتمع ووسائل تحقيقها. يترتب على الأزمة الأخلاقية وصراع القيم أزمة ثانية وهي: المُفَارقة القيمية التي تظهر في التناقض وعدم الانسجام بين القول والفعل فنحن نقول ما لا نؤمن به ونعتقد فيه، ونعتقد فيما لا نقول، نقول ما لا نعمل، ونعمل ما لا نقول، في مجالات حياتنا المتنوّعة ومنها الكنيسة. أما الأزمة الثالثة فتظهر في: اضطراب النسق القيمي واختلاله وعدم قدرته على توجيه السلوك، أو اختلال سُلِّم القيم أو منظومة القيم، بما أن الأزمة القيمية يتبعها مُفارقة قيمية فالنتيجة اضطراب النسق القومي. تتجمع الأزمات الثلاث في العجز عن تشكيل منظومة قيم مستقبلية تجسِّد الهُوِيَّة وتحقق وجودًا فاعلًا على الساحة العالمية. فالمنظومة غير متناغِمة ولا تعمل على تناسُق سلوك المجتمع، ويتحوَّل التناسُق القيمي إلى تضاد، وتظهر المشكلة في تحديد القيم المستقبلية لتحديد الهُوِيَّة والأهداف وأدوارنا في المجتمع مع أنفسنا ومع الغير. أزمة القيم أو طمس الأخلاق ليوسف زيدان القيم الكبرى (الأخلاق) متناغمة فيما بينها، فعندما تسقط قيمة الحق تسقط بعدها قيمة الجمال. فأيا كانت التكنولوجيا التي نستوردها، وأيا كان الاستنساخ للأنواع الجيدة بلا قيم كبرى وفرعية (صغرى) تكون النتيجة على أحسن تقدير إفراز مجتمع إجرامي مهذَّب وليس مجتمعًا إنسانيًا. --- ### مشاهدات إكليروسية [٤] - Published: ۲۰۲۲-۰۵-۱۷ - Modified: 2023-11-16 - URL: https://tabcm.net/6128/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أنبا أنطونيوس الكبير، أبو الرهبان, أنبا بولا، أول السواح, إكليروس, جان كمبي, جايوس فلاڤيوس ڤاليريوس أوريلوس قسطنطينوس, سنكسار, قديس أثناسيوس الرسولي, قديس إيرونيموس چيروم, كنيسة الإسكندرية, مجمع نيقية, مفهوم الرهبنة أتوقف هنا مع دراسة قام بها أحد رجال الإكليروس المعاصرين، تعيد قراءة واقعة لقاء قطبي الرهبنة، أو قل اثنين من مؤسسي الرهبنة في مصر والعالم، الأنبا أنطونيوس الذي أسس الحياة الديرية، بعد أن استقر به المقام في فيافي الصحراء الغربية، واستحق أن يعرف بأبي الرهبان، والأنبا بولا الذي اعتزل في صحراء البحر الأحمر متوحدًا، وظني أنهما التقيا غير مرة. الدراسة التي نتوقف عندها تتناول لقائهما الأخير وما شهده من أحداث، والمجال السياسي وقتها، في توقيت كانت الكنيسة تشهد فيه حالة من الهدوء النسبى بعد أن أصدر الإمبراطور المعاصر قسطنطين مرسومًا يعترف بالأديان الموجودة بربوع إمبراطوريته، ومنها المسيحية، وقد لفت نظره جسارة المسيحيين ورباطة جأشهم، في مواجهة موجات الإبادة التي شنتها الإمبراطورية عليهم، ولم يكن قد أعلن إيمانه بعد. ولعل السؤال لماذا يهتم حاكم وثني بعقد مؤتمر إمبراطوري (دولي) يجمع فيه قيادات الكنيسة لتصفية ما بينهم من خلافات تخص عقيدتهم ويرأس هو هذا المؤتمر وكان من الممكن أن تجد حلًا بالحوار بين مفكري وآباء الكنيسة؟! ظني أن تصعيدًا متعمدًا خرج بالخلاف الفكري الطبيعي من دوائره الإقليمية والمحلية إلى الطرح العام، على مستوى الإمبراطورية، وبحضور الإمبراطور نفسه. أنه أول تسييس للكنيسة، التي ابتلعت الطُعم بل وكرسته لتقرر فيما بعد أن حضور الإمبراطور أحد شروط اعتماد أية مؤتمرات مثيلة كمجمع مسكوني! ! دعونا نقترب من مشهد افتتاح المؤتمر (المجمع) كما سجلته أدبيات الكنيسة، ورصدته الدراسة، حيث نقرأ أن الإمبراطور قسطنطين وضع أمام المجتمعين قضيب المُلك وسيفه قائلًا لهم: إن لكم هذا اليوم سلطان الكهنوت والمملكة لتحلوا وتربطوا كما قال السيد، فمن أردتم نفيه أو إبقاؤه فلكم ذلك (اﻹمبراطور قسطنطين، حسبما ورد في سنكسار 9 هاتور اليوم الموافق انعقاد مجمع نيقية سنة 325م) ومن هذه اللحظة بدأت أدوات السياسة تخايل الكنيسة، فما أن يصدر المجمع قرارًا بإدانة أحد بتهمة الهرطقة حتى تبادر الدولة إلى اعتقاله ونفيه. وتقول سطور الدراسة: الذي فعله قسطنطين في مجمع نيقية هو بروتوكول إمبراطوري ثلاثي القوة؛ قانون ـ حُكم ـ تنفيذ، وهو ذو دلالة واضحة وضوح الشمس في منتصف النهار، وهى تدشين عَلاقة صداقة أو تحالف بين الإمبراطورية والكنيسة، وقد بدأت ودامت تلك العَلاقة أزمنة، وانقلبت إلى صدام في أزمنة أخرى إلى أن جاء القرن السابع، فسقطت المملكة المنقسمة على نفسها بكنائسها المنقسمة هي أيضاً على نفسها، في فم الهزات العربية مثل: أشجار تين بالبواكير إذا انهزت تسقط في فم الآكل (ناحوم 3 : 12) وكان القديس جيروم قد أدرك وقتها مخاطر هذا التحالف فقال: إذ ارتبطت الكنيسة بالأمراء المسيحيين اقتنت سلطاناً وغنى، ولكنها افتقرت إلى الفضيلة (القديس جيروم، 347 ـ 419م) أصبح المسيحيون يعترفون بأفضال الإمبراطور قسطنطين عليهم لأنه كان يهب لهم مبانٍ رسمية وقصوراً لتستعمل استعمالاً دينياً. كما أمر ببناء أماكن رائعة للصلاة، وأهدى للأساقفة هدايا كبيرة، وخُصت المحاكم الأسقفية بولاية مدنية، واعتبر الأساقفة مساوين للحكام (الأبُ "جان كمبي"، كتاب "دليل إلى قراءة تاريخ الكنيسة"، الصادر عن دار المشرق) كانت الحُلّة (العباءة) الملكية ضمن الهدايا التي أرسلها الإمبراطور للأساقفة، ومنهم البابا أثناسيوس، ومعها كرسي مستنسخ من كرسي الإمبراطور، وهكذا صارت الكنيسة تحاكى الإمبراطورية، حتى أنها أخذت عنها التقسيم الإداري، ففي مقابل المقاطعة جاءت الإيبارشية، وفى مقابل الأمير أو حاكم المقاطعة يأتي الأسقف، وفى مقابل الإمبراطور يأتي البابا البطريرك! ! ترصد الدراسة اللقاء الأخير الذي تم بين القديسين أنطونيوس وبولا فتذكر أنه: بعد أن جلس الأنبا أنطونيوس مع الأنبا بولا وأخذا يتحدثان بعظائم الأمور، قال الأنبا بولا له: والآن أسرع وأحضر لي الحُلةالتي أعطاها قسطنطين الملك لأثناسيوس البطريرك. فمضى إلى البابا أثناسيوس وأخذها منه وعاد إليه. وفيما هو في الطريق رأى نفس القديس بولا والملائكة صاعدين بها. ولما وصل إلى المغارة وجده قد تنيح، فقبَّله باكياً ثم كفنه بالعباءة وأخذ الثوب الليف. وحينئذ وارى القديس أنطونيوس الجسد المقدس وعاد إلى الأبُ البطريرك وأعلمه بذلك. أما الثوب الليف فكان يلبسه الأبُ البطريرك ثلاث مرات في السنة في أثناء التقديس. (نقلا عن كتاب السنكسار القبطي) ويرى الباحث أن التفسير الذي ذهب إليه البعض ومنهم القديس جيروم، الذي سجل سيرة الأنبا بولا، أنه حين طلب من صديقه أن يذهب ويحضر العباءة، أراد أن يجنبه لوعة لحظات موت ونياحة الأنبا بولا، هو تفسير يصعب ترجيحه لأن الموت لم يعد كما كان قبل تجسد المسيح وموته وقيامته منتصرًا على الموت. ويؤكد الباحث أيضًا على أنه لم يكن طلب القديس بولا الرداء لتكفينه، حال موته، لتعارض ذلك مع تركه لكل مباهج الدنيا وممتلكاتها واختياره حياة التجرد والتقشف والفقر الاختياري، وتيقنه من أن مآل فلماذا طلب القديس بولا إذن عباءة البطريرك المهداة من الإمبراطور؟ تجيب الدراسة عن هذا السؤال: "مضى القديس أنطونيوس إلى البابا أثناسيوس وأخذ العباءة الملكية منه. " "سمع الحكيم أثناسيوس كلمات الرسالة الصامتة، وفهم أن المشورة في قلب الرجل مياه عميقة وذو الحكمة يستقيها، فسلم العباءة الملكية للأنبا أنطونيوس حسبما طلب الأنبا بولا" سحب الرائي بولا من كنيسة الإسكندرية ثوبًا يُظلم استنارة العقل ويغطى الرؤية قبل أن يغطى البدن. سحب الثوب الناثر براعم خصال وسجايا الأباطرة في الأذهان، تاركًا فقط ثوبه الليف. التراب هو مصير ثوب الملوك. دفنه لئلا يُكفَن به الذين أقامهم الله للحياة الجديدة. دفن في التراب ثوب الكرامة والأبهة والعظمة الإمبراطورية فلا يصير زيًا أو طقسًا كنسيًا. دفن مراودة ملكية ناعمة لكنيسته ستفقدها حريتها إن قبلتها. ويكمل الباحث هذا المشهد: طرح القديس أنطونيوس ثوب الأنبا بولا الليف على البطريرك القديس تشجيعاً له على مواصلة جهاده "ضد العالم"، وكأنه إيليا يطرح رداءه على إليشع مجدداً، كذلك تلقف القديس أثناسيوس رداء الأنبا بولا الليفي، مثلما فعل إليشع عندما أخذ رداء إيليا الذي سقط عنه وضرب الماء فانفلق إلى هنا وهناك فعبر إليشع، كذلك ضرب أثناسيوس بحر صداقة الملزك فانفلق أمامه وعبر من وجه الضيق إلى رحب لا حصر فيه (أيوب 36 : 16) والسؤال اليوم عن خيارات الكنيسة المتأرجحة بين عباءة الإمبراطور وثوب بولا الليفي، سواء في الغرب أو الشرق، فما زالت مظاهر وممارسات كثيرة لا تتفق مع طبيعة ورسالة الكنيسة، وما زال تتبعنا المشاهد الإكليروسية مستمرًا، لعلنا نضع أيدينا على أسباب تراجعنا بواقعية وتبصر بعيدًا عن صراعات الأجنحة. --- ### الوحدة ليست سيئة كما نظن - Published: ۲۰۲۲-۰۵-۱٦ - Modified: 2022-09-13 - URL: https://tabcm.net/5950/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون الوَحْدَةِ كلمة سيئة السمعة في زمننا الحاضر، وهي بمثابة مشاعر قاسية على من يمر بها، خاصة في هذه السنوات الصعبة التي نعيشها فقد مررنا بأحداث عنف وأزمات اقتصادية ووباء وإرهاب، وكلها تؤدي ليس للشعور بالوَحْدَةِ فقط، وإنما باكتئاب عام على مستوى المجتمعات وليس الأفراد فقط، وفي هذا الزمن الذي يعد الاكتئاب فيه ثمة حياة فالوَحْدَةِ ليست سيئة كما نظن بل قد تكون فرصة أن يختلي الإنسان بنفسه، وأن ينأى بنفسه عن ضغوط العصر ويحافظ على سلامه النفسي قدر الإمكان. والوَحْدَةِ معناها العزلة والانفراد بالنفس، وكلمة "وَحْدَه" معناها وحيد لا رِفْقة له، أو مُنْفَرِد عن الآخَرين، على انْفِراد، ووفقًا لمقال بموقع مستشفى الأمل فإن  الوحدة هي ذلك الشعور القوي بالفراغ والعزلة، حيث يشعر الفرد بالوحدة والعزلة حتى لو كان وَسْط جمع من الناس، وفي حالة شعور الشخص بالوحدة تجده يستغني عن الآخرين ولا يريد مناقشة أي شيء أو فعل أي شيء مع أي أحد، والوحدة أيضًا هي الشعور بكونك مقطوع عن الآخرين وليس هناك شيء يوصل بينك وبينهم. وفي بعض الأحيان يجد الشخص المصاب بالوحدة صعوبة أو استحالة في التواصل مع الآخرين، بالإضافة إلى أن المصابين بالوحدة ينتابهم إحساس شخصي ودائم بالملل والفراغِ أَو التجوّفِ الداخليِ، كما يسميه البعض، وذلك الشعور يعد نتيجة حتمية للعزلة عن العالمِ. أو يشعر المرء أنه وحيد في الدنيا لا يوجد من يشاركه همومه ولا يوجد من يساعده على فعل أي شيء، وفي معظم الأحوال لا يستطيع الشخص المصاب بالوحدة أن يعبر عن همومه أو أن يتحدث مع الآخرين بطلاقة، وفي كل الأحوال، أكد علماء النفس أن الوحدة شعور لا يُفهَم من الكلام بل بالتجربة فقط. وهناك مفهوم عن الوحدة في علم النفس، جاء في موقع "e عربي" يُعرَّفها بأنها التجربة المؤلمة التي تحدث عندما يُنظر إلى العلاقات الاجتماعية للفرد على أنها أقل كَمّيَّة، خصوصًا في الجودة، مما هو مرغوب فيه، يمكن للناس أن يكونوا بمفردهم دون الشعور بالوحدة ويمكن أن يشعروا بالوحدة حتى مع أشخاص آخرين. ويرتبط الشعور بالوحدة بأعراض الاكتئاب وضعف الدعم الاجتماعي والعصابية والانطوائية، لكن الوحدة ليست مرادفة لهذه الخصائص النفسية. عادةً ما يُنظر إلى مفهوم الوحدة في علم النفس على أنها سمة مستقرة مع وجود اختلافات فردية في نقطة الانطلاق لمشاعر الوحدة التي يتقلب حولها الأشخاص اعتمادًا على الظروف المحددة التي يجدون أنفسهم فيها، حيث يتغير الشعور بالوحدة بشكل طفيف خلال مرحلة البلوغ حتى عمر 75 إلى 80 عامًا عندما يزداد نوعًا ما. نعم الوحدة صعبة،  أعرف شخص انقطعت معه أواصر الصداقة منذ سنوات قال إن "الوحدة بتنهشني" تعبيرا عن جلوسه فترات طويلة بمفرده وعدم تكوينه لأسرة كما اعتاد الناس، نعم الوحدة قاسية ومشاعر يصعب تحملها، لكنها قد تكون أفضل من الوجود وَسْط علاقات مستنزفة وسيئة وتسبب أذى نفسي أضعاف ما تسببه الوحدة. يتسم عالمنا اليوم بطغيان وسائل التواصل الاجتماعي على حياتنا، وربما أصبحت البديل للعلاقات الطبيعية بين البشر، فمثلما استطاعت أن تقرب البعيد كما نقول، إلا أنها ساهمت في إبعاد القريب، فبدلا من أن نلتقي وجها لوجه كما اعتادنا أصحبت لقائتنا افتراضية بفعل عوامل كثيرة أخرها انتشار فيروس كورونا وإجبار البشرية على التباعد والتواصل عبر وسائل التواصل، ورغم كثرة الأصدقاء الافتراضيين والتعليقات واللايكات إلا أن الاكتئاب أصبح من سمات العصر الحالي، والوحدة هي المشاعر الغالبة على البشر بالرغْم من تلك الضوضاء حولنا. عن تجرِبة، كلما انغمست في وسائل التواصل الاجتماعي أشعر بالوحدة والاكتئاب مثل كثيرين من ضغط ما نتعرض له يوميا من أخبار وأحداث نعرف بها حتى لو كانت في أبعد نقطة في العالم منا، وكلما ابتعدت عن وسائل التواصل الاجتماعي، وجلست مع نفسي كلما استطاعت الدخول إلى نفسي أكثر ومصادقتها، وتنظيم وقتي ومحاولة الاستفادة به في الأشياء التي أفضلها مثل ممارسة رياضة الجري أو القراءة أو إنهاء المتأخر من العمل أو مشاهدة أفلامي المفضلة، والدخول حالة من السلام النفسي والتعافي مما تسببه السوشيال ميديا من ضغوط. بهذه الطريقة لا أجد الوحدة أمر سلبي، بل هي فرصة للجلوس مع النفس والهدوء وإعادة شحن الطاقة من جديد، ومن الأفضل الجلوس مع النفس على التواجد مع أشخاص وفي علاقات مستنزفة ومستهلكة للطاقة، خاصة إننا في وقت الأحوال العامة وحدها كافية باستنزاف طاقتنا النفسية، ولا أعتقد وَسْط ما نمر به من أزمة اقتصادية عالمية، ووباء غير في نمط حياتنا تماما، ومستقبل على المحك غير مضمون أي شيء فيه فليس هناك طاقة يمكن استنزافها مع أشخاص وعلاقات من حولنا. نعم الوحدة شعور سيء لكن يمكن الاستفادة منها وتحويل السلبي فيها إلى أمر إيجابي شريطة أن يكون لدى الشخص علاقات حقيقية على مستوى الكيف، تملأ مساحة التواصل الحقيقية التي يحتاجها كل شخص مننا لتحقيق توازنه النفسي. --- ### تعليقات على سفر ملاخي [أحببتكم واحتقرتموني] - Published: ۲۰۲۲-۰۵-۱۵ - Modified: 2025-02-02 - URL: https://tabcm.net/5735/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: إله إسرائيل, السبي البابلي, عيسو, يهوه, يوحنا الحبيب سفر ملاخي هو من أسفار الأنبياء الصغار، والسفر هو الأخير في ترتيب أسفار العهد القديم. وقد كُتب السفر في فترة ما بعد عودة اليهود من السبي البابلي 534 ق م، وبعد إعادة بناء الهيكل في أورشليم. وسلط سفر ملاخي الضوء على العديد من المشاكل الروحية والاجتماعية التي أصابت الكهنة والشعب، مثل: فساد الكهنة والتهاون في الذبائح والتقدمات والعشور وإهمال الشريعة، والزواج من الوثنيات، والطلاق. بالإضافة للسلوكيات العديدة المنحرفة التي أصابت الشعب كاللجوء لأعمال السحر، والسرقة، وانتشار الظلم. استخدم ملاخي النبي أسلوب طرح الأسئلة والإجابة عليها، وهو الأسلوب المعروف بـ "الطريقة الجدلية التعليمية". فيوجه اتهامًا ولومًا، ثم يقدم سؤالًا كما لو كان أحدهم يعترض، ثم يبدأ بعد ذلك في الرد على السؤال مؤكدًا صحة الاتهام، مفندنا أي إمكانية للتبرير. يُقدم ملاخي النبي التحذير والوعيد للمتهاونين والأشرار، وتوجيهات ووصايا تقود المُتلقي لتصحيح مساره. يُعتبر سفر ملاخي الإعلان الأخير من الله لشعبه في العهد القديم. ففيه بواسطة ملاخي النبي يوجه الله نداءًا أخيرًا لكهنته وشعبه، لكي يتخلصوا من الشر الموجود فيهم وتقديم خدمة وعبادة مقبولة للرب يهوه. ويتم توجيه تحذير أخير بأنه لا مفر من الحكم والدينونة على الأشرار الذين يستهينون بالرب وشريعته. ثم يُعطي الرب الوعد الإلهي للأبرار الذين يتقوه بنوال عهده، إذا ما تابوا ورجعوا بقلبهم إليه. وَحْي كَلِمَةِ الرَّبِّ لإِسْرَائِيلَ عَنْ يَدِ مَلاَخِي (سفر ملاخي، الإصحاح الأول 1) كلمة "وَحْيُ" מַשָּׂא (مِسَّا) في العبرية تأتي بمعنى: حمولة أو عبء أو ثقل cargo, burden, load. فدور النبي في إعلان رسالة الله للناس هو مسئولية عظيمة وبالنسبة للناس هي حمل كبير لأنها تتطلب التزام كامل بها. وعند مقابلة هذا المعنى بكلام ربنا يسوع المسيح في (مت 11: 28-30) عندما يقول: تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ والثقيلين الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ. اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ. لأَنَّ نِيرِي هَيِّنٌ وَحِمْلِي خَفِيفٌ. ، نتعلم أن من يُقبل للرب يسوع ويَجدُّ لأجل الخلاص يجدُ وصاياه هينة وحملها خفيف. لذلك يقول يوحنا الحبيب في رسالته الأولى: فَإِنَّ هذِهِ هِيَ مَحَبَّةُ اللهِ: أَنْ نَحْفَظَ وَصَايَاهُ. وَوَصَايَاهُ لَيْسَتْ ثَقِيلَةً (1يو 5: 3)، فعندما نسعى لحفظ وتكميل الوصايا معتمدين على قوتنا وإمكاناتنا البشرية سنجدها حملها ثقيل جدا يفوق احتمالنا، أما إذا أقبلنا على حفظ الوصايا معتمدين على قوة الرب وعمله فينا سنجدها هينة وخفيفة. جاءت هذه النبوة "كَلِمَةِ الرَّبِّ لإِسْرَائِيلَ" في شكل حوار يتخلله أسئلة يجيب عنها الله ويوضحها ليشرح للكهنة والشعب مَواطن ضعفهم وتقصيرهم وعواقب ذلك عليهم، ويدعوهم للتوبة مقدمًا لهم الرجاء بالخلاص والشفاء عند ظهور المسيح شمس البر. اسم "ملاخي" מַלְאָכִֽי هو اسم النبي صاحب السفر وهو من أنبياء ما بعد السبي، واسم ملاخي يعني: ملاكي my angel أي رسولي my messenger والذي استُخدم مدلول اسمه في الرسالة نفسها في (ملا 2: 7) "لأنه رَسُولُ رَبِّ الْجُنُودِ"، (ملا 3: 1) "هأَنَذَا أُرْسِلُ مَلاَكِي ... . ويَأْتِي بَغْتَةً ... . مَلاَكُ الْعَهْدِ الَّذِي ... . ". أَحْبَبْتُكُمْ، قَالَ الرَّبُّ. وَقُلْتُمْ: بِمَ أَحْبَبْتَنَا؟ (سفر ملاخي، الإصحاح الأول 2) ما أجمل أن تبدأ رسالة الرب لنا بإعلان الحب فيقول: "أحببتكم"، فبرغم تقصيرهم وخطاياهم إلا أنه يحبهم دائمًا مجانا بدون أي فضل منهم، لذلك يعاتبهم ويلومهم ليعودوا عن طرقهم ويتوبوا عن خطاياهم. إن إدراك محبة الله هو أكبر مشجع يدفع الإنسان إلى التوبة. إعلان الحب يسبق التحذير والعقاب، لأن غاية حب الله لنا هو الخلاص أما العقاب واللعنة فهم عاقبة خطايانا وأعمالنا الشريرة علينا ورفضنا الله مصدر النعمة والبركة في حياتنا. كان اليهود بعد العودة من السبي في حالة من اليأس بسبب سوء الأحوال، وتشككوا في محبة الله لهم وجدوى التمسك والالتزام بشريعته ووصاياه. فبعد مرور عشرات السنين من عودتهم من السبي لم يتحقق لهم الرخاء الزمني ومجد المملكة الذي كانوا يتوقعنه. مما جعلهم يتساءلون في شك إن كان الله يحبهم حقا: "بِمَ أَحْبَبْتَنَا؟". فكثيرًا ما يحصر الإنسان إدراكه لحب الله له في العطايا المادية والزمنية فقط، فتصبح عبادته وطاعته لوصايا الله مجرد شكليات جافة يمارسها من أجل أن يكافئه الرب بالمنح والمكافئات الأرضية. فإن لم يجد الإنسان مقابل مادي يرضيه يبدأ يتشكك في محبة الله له وجدوى وأهمية عبادته والخضوع لشريعته. أَلَيْسَ عِيسُو أَخًا لِيَعْقُوبَ، يَقُولُ الرَّبُّ، وَأَحْبَبْتُ يَعْقُوبَ، وَأَبْغَضْتُ عِيسُوَ، وَجَعَلْتُ جِبَالَهُ خَرَابًا وَمِيرَاثَهُ لِذِئَابِ الْبَرِّيَّةِ؟ لأَنَّ أَدُومَ قَالَ: قَدْ هُدِمْنَا، فَنَعُودُ وَنَبْنِي الْخِرَبُ. هكَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ: هُمْ يَبْنُونَ وَأَنَا أَهْدِمُ. وَيَدْعُونَهُمْ تُخُومَ الشَّرِّ، وَالشَّعْبَ الَّذِي غَضِبَ عَلَيْهِ الرَّبُّ إِلَى الأَبَدِ. (سفر ملاخي، الإصحاح الأول 2-4) "أَحْبَبْتُ يَعْقُوبَ، وَأَبْغَضْتُ عِيسُوَ" من قبل ولادتهما أخبر الرب رفقة من أحشائك يفترق شعبان شعب يقوى على شعب وكبير يستعبد لصغير (تك 25: 23)، في إشارة لنوال يعقوب البركة دون عيسو الذي احتقر البكورية. وكان لـ يعقوب إيمان بالله وبمواعيده برغم لجوئه في بدايات حياته للحيل والمكر ليفوز بالماديات لكنه تعلم أخيرًا الاتكال الكامل على الله والسعي للبركات الروحية، أما عيسو فاحتقر مواعيد الله معتمدًا على قوته وإمكاناته حتى النهاية. ويريد الرب هنا أن يعلن أنهم ليس لهم فضل في محبة الله واختياره لهم، بل هو الذي اختار يعقوب حتى من قبل أن يولد، لذلك ما يهبه لهم الله من بركات هو فضلٌ وحبٌ منه وليس على سبيل الدين لهم من أجل عبادتهم له. استُخدِم تعبير "رب الجنود" יְהוָה צְבָאוֹת (يهوه تصاباوت) 24 مرة في سفر ملاخي. ويُشير إلى أن الله ضابط كل قوات وجيوش السماء والأرض. وركزت النبوة على استخدام هذا التعبير لإيصال رسالة للشعب أن الله قوي وضابط للكل وأن الأمم قويت عليهم ليس بسبب ضعف الله فهو رب الجنود، لكن بسبب ضعفكم أنتم الروحي وعبادتكم الشكلية وترككم الشريعة. عاش الآدوميون نسل عيسو جيلًا بعد جيل كأبيهم غير مبالين بالإرادة الإلهية، بل ومقاومين لها (عد 20) حريصين دائمًا على عداوة شعب الله إسرائيل. وتعاونوا ضد يهوذا عند خراب أورشليم وهيكل الرب (مز 137: 7) و(عو 1). لقد كان الله طويل الأناة جدًا على أدوم فتركهم طويلًا وأخيرًا سقطت في خرابٍ دائمٍ بيد الكلدانيين، وبرغم محاولتهم المتعددة لم تقم بعد لهم مملكة لأن حكم الله كان نهائيًا عليهم: "هُمْ يَبْنُونَ وَأَنَا أَهْدِمُ. ". وهكذا كان بنو عيسو مثلا لمحبة الله المجانية لشعبه أبناء يعقوب، وفي نفس الوقت يمكن أن نعتبر مصيرهم تحذيرًا إن أصر الشعب على الاستمرار في الاستهانة بالرب. فَتَرَى أَعْيُنُكُمْ وَتَقُولُونَ: لِيَتَعَظَّمِ الرَّبُّ مِنْ عِنْدِ تُخْمِ إِسْرَائِيلَ. (سفر ملاخي، الإصحاح الأول 5) عندما يرى الشعب معاملات الرب معهم وكيف أنه أرجعهم لأرض ميراثهم وفي الوقت نفسه أبيدت أمم وشعوب أخرى للأبد، كان عليهم أن يدركوا كيف خصهم الرب بمحبته ويقولوا: ليتعظم الرب من أول حدود إسرائيل فصاعدًا. الابْنُ يُكْرِمُ أَبَاهُ، وَالْعَبْدُ يُكْرِمُ سَيِّدَهُ. فَإِنْ كُنْتُ أَنَا أَبًا، فَأَيْنَ كَرَامَتِي؟ وَإِنْ كُنْتُ سَيِّدًا، فَأَيْنَ هَيْبَتِي؟ قَالَ لَكُمْ رَبُّ الْجُنُودِ. (سفر ملاخي، الإصحاح الأول 6) الرب "يهوه" יהוה إله إسرائيل هو أبُّ وسيد لشعبه، يجب على الابن إكرام الأبُّ وعلى العبد مهابة السيد. والابن الذي يحتقر ولا يكرم أباه يسقط تحت لعنة الناموس وقد يتعرض للنبذ من المجتمع لاعتباره ابن عاق، وكذلك العبد الذي لا يهاب سيده، بل يتمرد عليه ويخرج عن طاعته يتعرض للعقاب الذي قد يصل للموت. أَيُّهَا الْكَهَنَةُ الْمُحْتَقِرُونَ اسْمِي. وَتَقُولُونَ: بِمَ احْتَقَرْنَا اسْمَكَ؟ تُقَرِّبُونَ خُبْزًا نَجِسًا عَلَى مَذْبَحِي. وَتَقُولُونَ: بِمَ نَجَّسْنَاكَ؟ بِقَوْلِكُمْ: إِنَّ مَائِدَةَ الرَّبِّ مُحْتَقَرَةٌ. (سفر ملاخي، الإصحاح الأول 6-7) إن كان الشعب العادي مُطالب بإكرام الرب كأب ومهابته كسيد فكم بالأولى الكهنة المؤتمنون على الشريعة؟ قد نستطيع أن نستوعب إهمال الناس لوصايا الرب وعبادته لكن الكاهن المُكرس لخدمة الرب ما عذرة إن أهمل فيما هو مُخصص له؟ فهم يتمتعوا بإكرام ومهابة الناس لهم أما هم فاستهانوا بالله، وبالتالي استهان الشعب أيضا بعبادة الله وطاعة وصاياه. وهذه قمة الاحتقار للرب وليّ نعمتهم. إنهم لا يدركون تقصيرهم وخطيئتهم، بل يتساءلون: "بِمَ احْتَقَرْنَا اسْمَكَ؟". مثلما تبلدت مشاعرهم ولم يشعروا بمحبة الله وعنايته لهم وسألوه سابقا: "بِمَ أحببتنا؟"، يُظهرون هنا ليس تبلد المشاعر في عدم إحساسهم بالخطأ في حق الله فقط، بل جهلهم بالشريعة أيضا. ومع ذلك يجيبهم الرب: "تُقَرِّبُونَ خُبْزًا نَجِسًا"، والمقصود بالنجاسة هنا هو تقديم الذبائح والتقدمات بإهمال وتقصير وليس بحسب المواصفات والشروط التي حددتها الشريعة. ثم يعودوا تسألون: "بِمَ نَجَّسْنَاكَ؟"، مثل هذا السؤال يكشف إما عن جهل الكهنة بالشريعة، أو جسارة غير لائقة إن كانوا يهملون عن عمد. ولكن الرب يجيبهم بطول أناة: "بِقَوْلِكُمْ: إِنَّ مَائِدَةَ الرَّبِّ مُحْتَقَرَةٌ". ليس بالضرورة أن يكونوا علموا بالكلام وقالوا إن مائدة الرب محتقرة، بل بأفعالهم وتعاملهم مع الذبائح بدون احترام واستهانتهم بتقديم العبادة والتقدمات اللائقة للرب أوصلوا رسالة للشعب أن مائدة الرب محتقرة. وَإِنْ قَرَّبْتُمُ الأَعْمَى ذَبِيحَةً، أَفَلَيْسَ ذلِكَ شَرًّا؟ وَإِنْ قَرَّبْتُمُ الأَعْرَجَ وَالسَّقِيمَ، أَفَلَيْسَ ذلِكَ شَرًّا؟ قَرِّبْهُ لِوَالِيكَ، أَفَيَرْضَى عَلَيْكَ أَوْ يَرْفَعُ وَجْهَكَ؟ قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. وَالآنَ تَرَضَّوْا وَجْهَ اللهِ فَيَتَرَاءَفَ عَلَيْنَا. هذِهِ كَانَتْ مِنْ يَدِكُمْ. هَلْ يَرْفَعُ وَجْهَكُمْ؟ قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. مَنْ فِيكُمْ يُغْلِقُ الْبَابَ، بَلْ لاَ تُوقِدُونَ عَلَى مَذْبَحِي مَجَّانًا؟ لَيْسَتْ لِي مَسَّرَةٌ بِكُمْ، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ، وَلاَ أَقْبَلُ تَقْدِمَةً مِنْ يَدِكُمْ. (سفر ملاخي، الإصحاح الأول 8-10) بموجب الشريعة كان يجب أن يقدموا للرب التقدمات والذبائح الكاملة التي بلا عيب (لا 22: 17-33)، لكنهم بتهاونهم في مقدسات الرب كانوا يقبلون التقدمات المعيبة، فيقدمون الذبيحة من الحيوان الأعمى والمريض والأعرج. فإن كان السيد الأرضي لا يقبل منك التقدمة المعيبة فعندنا تستعطف الله ليتحنن علينا وتقدم له بيدك هذه التقدمات المعيبة، هل ينظر إليها ويستجيب الرب لسؤالك؟ لذلك يقول الرب لهم: "منْ فِيكُمْ يُغْلِقُ الْبَابَ؟"، أي ليت فيكم أحد يُغلق باب الهيكل حتى لا توقدوا نارًا باطلة على مذبحي بلا فائدة، لأني لن أقبل تقدمة أيديكم. لأَنَّهُ مِنْ مَشْرِقِ الشَّمْسِ إِلَى مَغْرِبِهَا اسْمِي عَظِيمٌ بَيْنَ الأُمَمِ، وَفِي كُلِّ مَكَانٍ يُقَرَّبُ لاسْمِي بَخُورٌ وَتَقْدِمَةٌ طَاهِرَةٌ، لأَنَّ اسْمِي عَظِيمٌ بَيْنَ الأُمَمِ، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. (سفر ملاخي، الإصحاح الأول 11) اسْمِ الرب عَظِيمٌ بَيْنَ الأُمَمِ، فللرب شعوب من مشرق إلى مغرب الأرض سيقدمون له بخورا وتقدمة وسيعظمون اسمه. فالله ليس في احتياج لتقدماتكم وعبادتكم فهو قادر أن يُقيم من الأمم شعبا عبده ويُسبح باسمه. فإن لم تعبدوا الرب كما يليق به فلن يقبل تقدماتكم. وهنا إشارة نبوية لقبول الأمم للإيمان وتقديم للرب التقدمات والعبادة في كل مكان، وهو ما تحقق بالعهد الجديد (يو 4: 21-24)، (مت 12: 18-21)، (إش 42: 1)، (مت 28: 19)، (أع 13: 46)، (رؤ 7: 9 و15: 4). وعرفت كل الأمم الرب مقدمين له البَخُور والتقدمات في كل العالم من خلال كنيسة العهد الجديد التي تقدم البَخُور رمزا لصلواتها كمثال السماء (رؤ 5: 8 و9: 3) وتقدم إفخارستيا الخبز والخمر جسد الرب ودمه كما رسم بنفسه لها (لو 22: 19)، (أع 2: 42)، (1كو 10: 16-27). أَمَّا أَنْتُمْ فَمُنَجِّسُوهُ، بِقَوْلِكُمْ: إِنَّ مَائِدَةَ الرَّبِّ تَنَجَّسَتْ، وَثَمَرَتَهَا مُحْتَقَرٌ طَعَامُهَا. وَقُلْتُمْ: مَا هذِهِ الْمَشَقَّةُ؟ وَتَأَفَّفْتُمْ عَلَيْهِ، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. وَجِئْتُمْ بِالْمُغْتَصَبِ وَالأَعْرَجِ وَالسَّقِيمِ، فَأَتَيْتُمْ بِالتَّقْدِمَةِ. فَهَلْ أَقْبَلُهَا مِنْ يَدِكُمْ؟ قَالَ الرَّبُّ. وَمَلْعُونٌ الْمَاكِرُ الَّذِي يُوجَدُ فِي قَطِيعِهِ ذَكَرٌ وَيَنْذُرُ وَيَذْبَحُ لِلسَّيِّدِ عَائِبًا. لأَنِّي أَنَا مَلِكٌ عَظِيمٌ، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ، وَاسْمِي مَهِيبٌ بَيْنَ الأُمَمِ. (سفر ملاخي، الإصحاح الأول 12-14) استهانة الكهنة والخدام بخدمة الرب واعتبار الخدمة مشقة غير ذات جدوى، وتقديمها بروح التذمر هو تدنيس لاسم الله، وقد أدى ذلك لتقديم ذباح معيبة والبُخل في تقديم الأفضل للرب، فاحتفظوا بالأفضل لأنفسهم وقدموا السيئ للرب فاستحقوا اللعنة، فليس بالشكليات نُرضي الله، بل بالقلب المستقيم. إن الله ينظر لاستقامة القلب والأمانة في تبعيته، فإن كان لدينا إيمان حقيقي سنسلك بأمانة تجاه الله. --- ### متى يُحسم الجدل في قضايا التحوّل الديني؟ - Published: ۲۰۲۲-۰۵-۱٤ - Modified: 2023-11-15 - URL: https://tabcm.net/5025/ - تصنيفات: المرأة القبطية, شئون علمانية - وسوم: أحوال شخصية, سعيد فايز, شريف رسمي, عزة سليمان, مريم وهيب, نهاد أبو القمصان انشغل الرأي العام المصري على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأسابيع الماضية بقصص اختفاء الفتيات المسيحيات، وعودتهن، ويظل الغموض سيد الموقف. ففي حين تعاملت أسر الفتيات وذويهن مع الأمر على أنه اختطاف ومحاولة للـ"أسلمة"، تعامل البعض الآخر مع هذه الحوادث من واقع الخبرات الواقعية السابقة بقصص مشابهة على أنها مشكلات اجتماعية مستعصية الحلول، تجعل "المرأة المسيحية" تترك بيتها وأسرتها هربا من هذه المشكلات، والتي لن يتواجد لها حل من قبل قوانين الكنيسة، والتي بدورها تنكر وجود أزمات اجتماعية من طرفها، وتلقي بكل اللوم على اﻷسرة والمجتمع المسيحي إن اعترفت بمحاولات الهرب انشغل الرأي العام المصري على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأسابيع الماضية بقصص اختفاء الفتيات المسيحيات، وعودتهن، ويظل الغموض سيد الموقف. ففي حين تعاملت أسر الفتيات وذويهن مع الأمر على أنه اختطاف ومحاولة للـ"أسلمة"، تعامل البعض الآخر مع هذه الحوادث من واقع الخبرات الواقعية السابقة بقصص مشابهة على أنها مشكلات اجتماعية مستعصية الحلول، تجعل "المرأة المسيحية" تترك بيتها وأسرتها هربا من هذه المشكلات، والتي لن يتواجد لها حل من قبل قوانين الكنيسة، والتي بدورها تنكر وجود أزمات اجتماعية من طرفها، وتلقي بكل اللوم على اﻷسرة والمجتمع المسيحي إن اعترفت بمحاولات الهرب. هل نساند حرية العقيدة والاعتقاد؟! صرحت اﻷستاذة المحامية "نهاد أبو القمصان"، عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، في فيديو عبر حسابها على فيسبوك طارحة هذا السؤال، ورتبت الموقف المصري على مستويات أربعة. ارتأت فيها أن مصر تساند حريّة اﻻعتقاد على المستويين الدستوري والقانوني، أما على المستوى اﻹجرائي فيتم تسهيل الانتقال من المسيحية للإسلام بينما يمنع التغيير في الاتجاه العكسي. وأكدت أن مشاهداتها على المستوى الشعبي تقول بأن حرية اﻻعتقاد مرفوضة تمامًا وتغيير أي فرد لدينه يعامل معاملة الكارثة الكبرى فيما اسمته ب "نظام المكايدة" بين أعضاء الديانتين. ويرى المحامي والباحث في علم اﻻجتماع القانوني "سعيد فايز" أن تغيير الدين حق إنساني محمي بقوة العهد الدُّوَليّ للحقوق المدنية والسياسية، الذي وقعت عليه الدولة المصرية، موضحًا أن غضب الأقباط يرجع لأن هذا الحق مقصور فقط في حالة التحول من المسيحية للإسلام، وأنه يتم تنظيم إجراءاته القانونية بمعرفة الدولة والأزهر. أما في حالة التحول من الإسلام للمسيحية، نجد عدم اعتراف من الدولة ولا يوجد تنظيم بل يوجد تجريم لهذا التحول؛ فنجد أحكام محكمة النقض تعتبر أن الخارج عن الدين الإسلامي هو والعدم سواء، ليس له أهليه قانونية أو شخصية فلا يرث أو يحق له/ا الوصاية أو الولاية على الأبناء. خطف أم أسباب أخرى؟! قسّم "فايز" بواعث التحول لعدة مجموعات رئيسية من اﻷسباب: قد يكون اقتناعًا، أو عَلاقة عاطفية مؤثمة اﻻستمرار دون تحوّل، أو هربا من خسارة أو مشكلة، أو طمعا في مكسب أو مركز قانوني، مشكلات الأحوال الشخصية هي مجموعة كاملة من مشكلات أصغر، بالإضافة للتغرير بالقصّر أو أي سبب آخر، لافتا النظر: "كثيرًا ما نجد الاختيار الشخصي المجرد، تحول إلى أزمة اجتماعية". وهو نفس ما أكدته المحامية "نهاد أبو القمصان" حين أشارت أن هناك عدة احتمالات مطروحة في تلك القضايا الملغّزة، فالإسلام لا يدعو إلى قطع صلة الرحم والانفصال عن العائلة. فلماذا الاختفاء؟ وأن تغيير الاسم يستلزم إجراءات معقّدة. فكيف تم بهذه السرعة؟ مشيرة بذلك إلى احتمالين مرجحين: الخطف، أو الهروب من الأهل والمشاكل الأسرية. وفي كلتا الحالتين يكون التغيير نابعًا عن ضغط وليس بالإرادة الحرة. ثم ناشدت النائب العام أن يستدعي الشخصية المثار حولها الجدل في مكان آمن بعيدًا عن ضغوط كل اﻷطراف للتأكد من أنها لا تتعرض لأي ضغط يؤثر على قراراتها. في إشارة عن فرضية الخطف، والذي وصفته “نهاد أبو القمصان” بأنه إن صح وجوده فهو إرهاب أشد خطرا من إرهاب تفجير الكنائس، علق المحامي "شريف رسمي" قائلًا: "السيدات القبطيات عايشين في رعب و الأمهات خايفين علي بناتهم بجنون من انهم يتخطفوا. خلاصة الخلاصة ... ربوا بناتكم علي محبة المسيح الحقيقية وشبعوهم محبة وحنان وأمان وامنحوهم ثقة بنفسهم و عزة نفس (نفس الشيء للزوجة) ساعتها مستحيل هتختفي أو تتخطف أيا كان المسمي سواء خطف أو اختفاء" وأشار “شريف رسمي” في نفس السياق الخاص بهذه القضية إلى أنه يعمل في مِلَفّ اختفاء القبطيات منذ زمن، عرف فيه مئات القصص التي تنتهي دائمًا بأن أسرة الشخص المختفي نفسها تؤثر عدم توضيح أسباب المشكلة الحقيقية للرأي العام. متسائلا عن دور الكنيسة والبرلمان في تفعيل قانون أحوال شخصية يساعد على حل تلك المشاكل الاجتماعية المتكررة. وناشد الأسر قائلًا: "المطلوب من الأهالي بعد عودة بنتهم . . الاعتراف بوجود مشكلة و العمل علي حلها فورا . . محاولة احتواء البنت وضرورة توصيل الحنان واشعارها بالأمان الحقيقي، مع وجود لغة حوار ونقاش نابعة من صداقة مع الأهل وثقة في عقلهم" بينما أشار "سعيد فايز" إلى أنه: "ستكون الصدمة الأولى للمسيحين أنني لن أتكلم عن فرضية الخطف بل سوف أترك غير المختصين ينسجون الأساطير"، وتابع معللًا موقفه: "أنا مهتم بما يحدث نفسيًا واجتماعيًا وقانونيًا، ومدى تأثير ذلك على التماسك الاجتماعي للدولة". وبعيدًا عن عدم الاختصاص ونسج الأساطير، وضّحت الأستاذة المحامية "عزة سليمان" رئيسة مجلس أمناء مؤسسة قضايا المرأة المصرية، أن قضية مريم وهيب لم تكن جريمة خطف وإنما "عنف اسري"، وأن النساء القبطيات يحتجن للإحساس بانهن مواطنات في دولة مؤسسات تقوم بحمايتهن. واستطردت في توضيحاتها: "فيه ستات كتير بيروحوا أقسام الشرطة، أو بيخافوا يروحوا، ولا يتم حمايتهن لأنهن ناس تبع الكنيسة مش الدولة" وأكدت "سليمان" على أنه: "نحتاج إلى قانون لحماية النساء من العنف، وتغيير قانون الأحوال الشخصية، الذي يجعل الناس تصل إلى الكفر وتغير الدين بعدما اتفقت عليهم كل الطوائف المسيحية، فيلجأون لتغيير الدين من أجل الخلاص"، وطالبت أن تكون النساء مواطنات، وأن مريم اختفت وظهرت ولم يعرف أحد ماذا حدث، كما طالبت بدور أكبر للمجلس القومي للمرأة، ووزارة التضامن الاجتماعي، والمجلس القومي لحقوق الإنسان. أيضا أشارت إلى أن عدم الشفافية في اختفاء السيدات، وعودتهن بعد انتشار أخبار عن تغييرهم لديانتهن، هو شيء شديد الْخَطَر يؤدي إلى اشتعال فتيل الفتن الطائفية. تعمل "عزة سليمان" مع مؤسسة قضايا المرأة المصرية منذ بداية تأسيسها في عام 1995 من أجل المطالبة بقانون موحد للأحوال الشخصية يطبق على كافة المواطنات والمواطنين، قائم على مبادئ العدالة والإنصاف والمواطنة، وعلى قوانين الأحوال الشخصية للمسلمين وغير المسلمين، كما قامت المؤسسة على مدار كل هذه السنوات بإجراء موائد حوارية مع الكنيسة لدعم حق المصريين المسيحيين في قانون أحوال شخصية أكثر عدالة. القاصر والبالغ يقسم "سعيد فايز" التحول إلى الإسلام إلى عدة مستويات بحسب المركز القانوني والدعم اﻻجتماعي، وهي:  إسلام قاصر أقل من ١٨ عاما - إسلام بالغ عازب تخطى ١٨ - إسلام متزوج معه أطفال، أخذهم لاختياره الجديد - إسلام متزوج معه أطفال تركهم للطرف الذي بقى على نفس معتقداته - الإسلام باختيار منفرد أو بواسطة دعم جماعات تهدف إلى أسلمة الأقليات وبالأخص مزدوجة الضعف الاجتماعي (امرأة + مسيحية). إسلام قاصر أقل من 18 عاما وضّح "فايز" أنه بخصوص إسلام قاصر أقل من ١٨ عاما، فإن القانون المصري رَقْم ١٢ لسنه ١٩٩٦ والمعدل بالقانون ١٢٦ لسنه ٢٠٠٨ يعرف الطفل بأنه كل من لم يتجاوز سنه الثامنة عشرة سنه ميلادية كاملة، والطفل هنا له حماية خاصة جنائية ومدنية ونفسية، ويشير إلى أن القانون يضع حماية للطفل حتى من أهله في حالة عدم أمانتهم عليه. وأضاف: أنه لا يسأل الطفل أو يعاقب في بعض الحالات على ارتكاب الجريمة، وإن حدثت عَلاقة بين طفلة وبالغ، يعاقب الشخص البالغ بعقوبة الاغتصاب حتى لو أن هناك رضاء من القاصر، ويؤكد أن فلسفة المشرع ترى أن الرضا هنا يكون منقوصا ومنعدمًا لحداثة السن، وإمكانية التأثير النفسي والعاطفي على الإرادة بالترهيب أو الترغيب. وتابع: "من غير المنطقي أن نقول إن حالة التحول الديني لقاصر هي نتاج معرفة أو دراسة للدين، ولكن أغلب الحالات هنا لمتحولين هي نتاج علاقات عاطفية وتفكك أسري يتم التغرير فيها بعقل القاصر"، ولفت إلى أنه: "كان من الجيد صدور قرار من الأزهر بعد ضغط خلال حكم الرئيس الأسبق مبارك بعدم جواز قَبُول إشهار إسلام من هم دون الثامنة عشر عاما. " ووضّح أنه: "تظل الأزمة في اختفاء القاصر لحين اكتمال السن القانوني وظهورها في الأزهر تتمم إجراءات الإشهار"، وأشار إلى أنه: "بعد عام ٢٠١٣، كانت التعليمات الأمنية غير المكتوبة بضرورة تسليم القاصر إلي ذويها، فكان هذا القرار صاحب تأثير جيد جدا في احتواء الأزمة وتخفيف المشكلة لكونه قرار منطقي وقانوني".  وأكد: "لكن تظل الأزمة مع القاصرات في حالة استمرار الاختفاء وتجاهل الأمن لنداء أسرة القاصر".  وأشار إلى أنه: "على أرض الواقع يحدث تحايل بظهور القاصر وعقد زواج عرفي بينها وبين آخر، وقتها تجد النيابة نفسها في حرج، كون العقد سليم شرعا وباطل قانونا"، وتابع: "كما رصدنا في أكثر من واقعة بنات مختفية بتزوير أوراق ثبوتية لهن حتى تتم السن القانوني وتبدأ في إجراءات تغيير الأوراق". يرى "سعيد فايز" أن أزمة القاصرات قد تبدأ عاطفية فعلا أو بسبب غضب الطفلة من الأسرة، ولكنه أضاف: "وهنا لا نلوم إلا أسرة الفتاة سواء لعدم الاحتواء أو المتابعة ولن ننسى دور الكنيسة، لكن امتداد الأزمة يظهر متربصين يشكلون خلايا ويجمعون الأموال تحت شعارات نصرة الدين ومساعدة المسلمات الجدد، ومع هؤلاء لا نلوم إلا الأمن الذي سمح أو أجاز أو تجاوز عن وجود جماعات تستخدم أجندة بأموال خارجية تهدف إلى شق المجتمع بدعاوى دينية مستخدمين تعاطف الناس الديني. ولن أنسى فتاة كانت في زمن حكم الإخوان بالرغم من أنها قاصر ولكن تم استخدام موضوع الفتاة للحشد الديني وانشغل المسيحيين بعودتها والمسلمين بالنداء بحق أخواتنا المحبوسين في سجون الكنيسة، بينما كانت الفتاة في ليبيا مع الخلايا الجهادية متزوجة أحد الإرهابين هناك" وفي هذا السياق قدم "شريف رسمي" النصيحة لأي أسرة تختفي منها قاصر قائلًا: "اعمل محضر اختفاء، ولو شاكك في حد معين هو سبب اختفائها اعمل محضر اختطاف واتهمه مباشرة. لو البنت المختفية قاصر والأمن وصل لها بترجع بنسبة ٩٩% وأظن أكبر دليل إن كل القاصرات في كل ربوع مصر رجعوا ما عدا مهرائيل صبحي فتاة شبرا الخيمة لإن الأمن موصلهاش" مؤكدًا أن هذا هو الحل الفعال وليس النشر والصراخ على صفحات السوشيال ميديا والفضائيات التي جعلت "سيرتنا على كل لسان". مشيرًا أن عدد القاصرات العائدات "بدون فضائح" أضعاف المنشور، ومطالبًا بشجاعة مواجهة الذات والاعتراف بأننا جزء من المشكلة التي تجعل بناتنا فريسة سهلة للمدربين على اصطيادهن. إسلام بالغ/ة تخطى/ت سن ١٨ سنة وغير متزوج/ة لفت "سعيد فايز" إلى استخدم لفظ اختفاء أو إخفاء قسري، موضحًا أنها جريمة، وأن الأزمة في اختفاء البالغ/ة يكون أسبابها من أطراف كثيرة، وليس طرفا واحدًا، وتحمّل المسؤولية لابد وأن يكون لكل الأطراف. وأوضح أن الاختفاء يكون عبر قصة عاطفية، وتابع: "رغم أنه حق إنساني أن تحب الفتاة وتختار وتتجوز ولو أرادت أن تغير دينها، لكن في الحقيقة أن هذه القصة البسيطة لعلاقة كلها مشاعر يكون معها عدة جرائم جنائية واجتماعية تجعلك تغضب من سذاجة البنت أو تساهل أسرتها أو تفكك الأسرة، ونصمت عن الجرائم لمجرد أن هناك خطأ منا، ومقابل الهروب من العار الاجتماعي". أشار "سعيد" إلى قصة رصدها بنفسه، لفتاة تعرفت إلى شاب عبر الأنترنت وبعد مدة اكتشفت أنه غير مسيحي، لكنها تعلقت به، وأصبح الاتفاق أن يرتبطا ويظل كل منهما على دينه. إلا أنه بدأ الحديث في الدين، وعندما حاولت التراجع هددها بالصور و"الشات" بينهما. https://www. youtube. com/watch? v=h1GFcd-5sUI   اقرأ أيضا: --- ### الطفرة والتكيّف.. يعني إيه؟ - Published: ۲۰۲۲-۰۵-۱۳ - Modified: 2023-11-19 - URL: https://tabcm.net/5435/ - تصنيفات: شئون علمانية - وسوم: Adaptation, Modern Synthesis, Mutation, الانتخاب الطبيعي, المنهج العلمي, تشارلز روبرت داروين, نظرية التطور لو داروين نفسه قام من الموت النهاردة وعاش وسطنا، هيحتاج يدخل جامعة وياخد كورس عن التطور الطفرة Mutation هو تغير في المادة الوراثية من جيل لجيل. لما كائن حي بيتكاثر فهو بينقل المادة الوراثية منه لنسله، ولكنه مش بينقلها زي ما هي بالظبط، إنما بيحصل بعض التغيُرات في المادة الوراثية، التغيُرات دي بيسميها العلماء Genetic Mutation (طفرة وراثية). الطفرات معظمها بيبقى حيادي ومش بيؤثر بالسلب أو الإيجاب على الكائن الحي، لكن بعضها ضار وبعضها نافع. التكيُف Adaptation هو صفة مميزة في كائن حي بتحفز قدرته على البقاء والتكاثر في بيئة مُعينة. (هانفهمها أكتر بعد شوية) إيه علاقة ده بالتطور؟ التطور Evolution هو التغيُر في صفات جماعة حية على مر الزمن. التطور بيشتغل على مستوى الكائنات الحية كجماعة، مش كفرد. لو مثلا فيه طفرة حصلت لفرد مُعين في الجماعة، فدا مش معناه بالضرورة معناه هيحصل تطور، لكن لو تم انتشارها وسط الجماعة وتوارثها لمدة كذا جيل على مر الزمن، هنا بنقول إن حصل تطور. التكيُف باعتباره صفة مميزة في كائن حي، فهو بيحصل نتيجة طفرات مُعينة نافعة، لو الصفة دي انتشرت وسط الجماعة وتوارثها أفرادها لمدة كذا جيل، فدا كدا بيبقى تطور تكيُفي تم بالانتخاب الطبيعي بمعنى إن الصفة كانت نافعة للبيئة والطبيعة اللي الكائن عايش فيها، واكتسب بيها مميزات تساعده على البقاء، فتم تفضيلها على عدم وجودها، ولأن الصفة دي إتحددت بناء على البيئة/الطبيعية بيتم تسمية الآلية دي بالانتخاب الطبيعي Natural Selection، على اعتبار إن الطبيعة هي اللي انتخبت/اختارت الصفة دي. مثال على الانتخاب الطبيعي، هو حاجة زي اللي في الصورة دي: Darwin, evolution, & natural selection (article) | Khan Academy مجموعة من الفئران استوطنت في منطقة طينية لونها غامق، فبالتالي الفئران اللي لونها فاتح بيكون سهل ملاحظتها من الطيور المفترسة من مسافات بعيدة، وبالتالي الطيور بتقدر تشوفها وتفترسها، كنتيجة لكدا، الفئران اللي لونها داكن هي اللي بتعيش وبتتكاثر لحد ما يبقى التجمع للفئران في المنطقة دي بيغلب عليه اللون الداكن (الصفة اللي تم انتخابها طبيعيًا). فبالتالي بنفهم إن تكيف الجماعة الحية من خلال تغيير صفة معينة على مر الزمن، هو احد أنواع التطور، والآلية أو القوة اللي كانت هي الفاعل هنا هي آلية الانتخاب الطبيعي. لكن الانتخاب الطبيعي مش هو الآلية الوحيدة اللي بتسبب عملية التطور، لكن فيه آليات / قوى أُخرى، وبالتالي نقدر نقول إن أي تكيُف على مستوى الجماعة الحيّة هو تطور للجماعة دي، لكن مش كل تطور بيحصل هو بالضرورة تطور تكيُفي. لما نظرية التطور ظهرت في القرن الـ19 على إيد داروين، تم صياغتها فقط في ضوء التكيُف. بمعنى إنها كانت بتفسر التطور فقط من خلال آلية الانتخاب الطبيعي. النظرة دي معروفة باسم Darwinism (الداروينية). داروين مكنش يعرف أي حاجة عن علوم الوراثة، ولا الآليات الأُخرى غير الانتخاب الطبيعي، وبالتالي العلماء طوّروا نظرية التطور عمّا كانت عليه أيام داروين، من خلال دمج نظرية التطور بعلوم الوراثة، عشان يظهر في الأخر نظرية التطور بالشكل اللي إحنا بنتعامل بيه النهاردة في الجامعات والأكاديميا؛ اللي هي النظرة اللي بيتم تسميتها بالـ "Modern Synthesis" أو الـ"Neo-Darwinism". فنظرية التطور (زي أي نظرية علمية) موقفتش مع / عند الشخص اللي أسسها، لكن تم البناء عليها وتطويرها عشان تتحط في سياق ممنهج مع بقية علم الأحياء، وعشان كدا النهاردة لو دخلت على أي جامعة بتدرس بيولوجي، هتلاقي نفسك دايمًا بتدرس علم الأحياء التطورية مع علم الوراثة، دا ميتفصلش عن دا، ولو داروين نفسه قام من الموت النهاردة وعاش وسطنا، هيحتاج يدخل جامعة وياخد كورس عن التطور عشان يتعلم عن الحاجات اللي وصلها العلماء من بعده. --- ### أحوالنا الشخصية: بين الله والقيصر - Published: ۲۰۲۲-۰۵-۱۲ - Modified: 2025-02-10 - URL: https://tabcm.net/5370/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, شئون علمانية - وسوم: أحوال شخصية, أسرار الكنيسة, التحكم الاجتماعي, القانون المدني, المجلس الملي, بابا شنودة الثالث, سر الزيجة الواقع الآن أن المؤسسة الكنسية - في سعيها المقدس لتكوين الاتحاد الإلهي الأسري و هو دورها المناط بها من الرب - تفتئت علي حق المجتمع القبطي -وبالضرورة المصري- في صحة و سلامة تكوينه. إذ تمارس المؤسسة الكنسية دور المجتمع في فحص طلب أطراف الزواج والموافقة عليه ومن ثم توثيقه، بصفتها الموثق الوحيد والحصري والاحتكاري لعقود الزواج التي تجمع طرفين مسيحيين، ثم تمارس دور المجتمع في فحص طلب طرفي الزواج في انحلاله، والموافقة أو الرفض. والحق أننا لا نري سندًا من الكتاب أو التقليد يفوضها لهذا الدور، ولا نري سائغًا يسمح للمجتمع بالتنازل لها عن هذا الدور من الضروري أن يتولى القانون حماية حقوق الإنسان لكيلا يضطر المرء آخر الأمر إلى التمرد على الاستبداد والظلم. (من ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان) ١) للرجل والمرأة، متى أدركا سنَّ البلوغ، حقُّ التزوُّج وتأسيس أسرة، دون أيِّ قيد بسبب العِرق أو الجنسية أو الدِّين. وهما متساويان في الحقوق لدى التزوُّج وخلال قيام الزواج ولدى انحلاله. ٢) لا يُعقَد الزواجُ إلاَّ برضا الطرفين المزمع زواجهما رضاءً كاملً لا إكراهَ فيه. ٣) الأسرةُ هي الخليةُ الطبيعيةُ والأساسيةُ في المجتمع، ولها حقُّ التمتُّع بحماية المجتمع والدولة. (المادة ١٦ من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان) هل أجده عارًا حين أحتكم إلي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في عِلاقة تخص فرد مسيحي ومؤسسته المسيحية؟ في الواقع أنني أجده عارًا أيضا أن أحتكم إليه في شأن يخص فرد قبطي. فأسلافه الذين عاشوا علي هذه الأرض من عدة آلاف من السنين تمتعوا بكل هذه الحقوق دونما انتقاص، ولو وجدنا طريقة لإيقاظ احدهم من سباته وترجمنا له الإعلان، لصعق الرجل من احتياجنا إلى تدوينه، وكأنه ليس بديهيًا بذاته. فماذا حدث إذن؟ هل ارتدت بنا المسيحية إلى الهمجية! ! تحرم معتنقيها من حقوق بديهية اجتمع الشرق والغرب علي وجوبها! ! لا أجد في النصوص ما يدعم هذا الزعم إطلاقًا. العكس تمامًا، علي عكس كل معتقدات الأرض، المسيحية ليست معتقدًا نصوصيا، ترسم له النصوص طريقًا لا يَجِبُ ألاّ يحيد عنه، تحدد له ماذا يأكل و ماذا يشرب، أو شكل ملابسه، وحالة لحيته و شاربه. المسيحية ليست دينا و دولة، كي يصبح الفرد فيها جنديًا في معسكر الإله، خاضعا لأحكام المعسكر و نظامه، وإن لم يحضر وقت التجمع: اسُتتبب، وإن أصر علي التمرد: قُتل. ليست كذلك المسيحية، ليست كذلك. لا "حلال" و"حرام" هناك، بل بوصلة شخصية داخلية، تقرر ما يليق وما يوافق! فكلُ ما ورد بنصوصها هو "وصايا" موجهة إلى الفرد، ولا تحمل تفويضًا لأي جهة لمراقبة تنفيذها. ولا "ولي أمر" في المسيحية. فماذا حدث إذن، لماذا احتجنا إلى هذه المقدمة الطويلة؟ ! لأن ما يحدث في مِلَفّ الأحوال الشخصية للأقباط تخطي كل حدود الإنسانية. ليس هدف هذا المقال الدفاع عن لائحة ٣٨، القانون الأرثوذكسي الراسخ الذي كانت تطبقه كنيستنا لقرون طويلة، وتطبقه كل الكنائس الأرثوذوكسية في العالم، ولا حتي الهجوم علي الفهم الـ"شنودي" الكارثي لعدد كتابي مجتزأ ومقتطع من سياقه. الهدف من هذا المقال إعطاء ما لقيصر له، و تجنيب ما لله له عز وجل. الأسرة هي عماد المجتمع، ولا يمكن وجود مجتمع صحي دون وحدات أسرية مستقرة ومنتجة، وعليه فاستقرار الأسر هو مطلب مجتمعي ليس للدين دخل به، وللمجتمع وحده - ممثلًا في جهازه القانوني وتشريعاته - حق فحص رغبة الأطراف في الارتباط أو انحلاله، و ما يترتب علي كل حدث. فماذا عن الدين، و المسيحية تحديدًا؟ أضافت المسيحية بعدًا روحيًا جديدًا للزواج، صنعت منه اتحادًا مع الإله نفسه. غنيٌّ عن البيان إذًا، أن هذا الاتحاد الإلهي يستلزمه أولًا تحقيق متطلبات قيصر من سلامة واستقرار الأسرة، فإن غاب قيصر لن يجد الإله محلًا له. الواقع الآن أن المؤسسة الكنسية - في سعيها المقدس لتكوين الاتحاد الإلهي الأسري و هو دورها المناط بها من الرب - تفتئت علي حق المجتمع القبطي -وبالضرورة المصري- في صحة و سلامة تكوينه. تمارس المؤسسة الكنسية دور المجتمع في فحص طلب أطراف الزواج والموافقة عليه ومن ثم توثيقه، بصفتها الموثق الوحيد والحصري والاحتكاري لعقود الزواج التي تجمع طرفين مسيحيين، ثم تمارس دور المجتمع في فحص طلب طرفي الزواج في انحلاله، والموافقة أو الرفض. والحق أننا لا نري سندًا من الكتاب أو التقليد يفوضها لهذا الدور، ولا نري سائغًا يسمح للمجتمع بالتنازل لها عن هذا الدور. ربما فُرض عليها هذا الدور سابقا، في عصور الذمية و الملية (وإن كنت اشك كثيرًا، فالمجلس الملي كقيادة للمجتمع القبطي كان هو المناط بالبت وليس المؤسسة الكنسية) ولكنه لم يعد مطلوبًا منها الآن، ويجب أن تتخلى عنه لمصلحة المجتمع القبطي وبالضرورة المصري. ماهو الحل إذن؟ ! الحل هو صياغة "قانون أحوال شخصية مدني" يراعي حقوق الأفراد والمجتمع. يستلهم التجارِب الإنسانية الرائدة في صياغة القوانين، يطبق أحكامه المجتمع المدني بجهازه العدلي، فيستوفي "ما لقيصر". نحن هنا لا نماري في حق المؤسسة الكنسية في فرض رؤيتها فيما يخص شؤون "ما لله" في الزواج، فلتكن رؤيتها أرثوذكسية أو شنودية، هذا شأنها الذي لن ينازعها فيه احد، علي أن حقوق "قيصر" يجب أن تؤدى كما توصينا الوصية الكتابية، و هنا نحن نربأ بالمؤسسة الكنسية - ليس فقط أن تكسر وصية كتابية - أن تتخلف بالمسيحية حتي يسبقها القوانين التي صاغها البشر القانون. --- ### القيم الأخلاقية [بين الفلسفة والعِلم] - Published: ۲۰۲۲-۰۵-۱۱ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/4409/ - تصنيفات: مقالات وآراء عناوين لكتب تناولت موضوع الأخلاق: القيم الأخلاقية بين الفلسفة والعلم، د. فايزة شكري الأخلاق بين الفلسفة وعلم الاجتماع، د. محمد بدوي القيم السلوكية، د. محمود عطا هذه العناوين وغيرها تتضمن عبارات تحتاج أن يفهمها القراء الذين يرغبون في التعرُّف على شيء من الموضوعات الأخلاقية، إلا أن الحل بسيط وسيكون موضوع مقالنا. بدايةُ الأخلاق مبحث يدخل ضمن مباحث الفلسفة، وأيضًا يدخل ضمن علم الاجتماع، وكل منهما يوضح جوانب بخصوص الأخلاق. وبالنسبة للفلسفة فتعريفها ببساطة أنها قواعد مُطلقة وثابتة ومثالية، فعندما تدرس الفلسفة الخير فهي تتطلع إلى الخير الأسمى، وعندما تدرس المنطق فهي تبحث عن الحق الأسمى وهكذا الأخلاق. التفكير الفلسفي يعني البحث عن معايير ومقاييس لتقييم عمل معيَّن بذاته والحكم عليه. وفيما يختص ببحث الفلسفة في الأخلاق وبناءًا على تعريف التفكير الفلسفي، نجد أن الفلسفة تهتم بالأخلاق من ناحية ما يجب أن تكون عليه، فتدرس الفلسفة شروط تناسق السلوك مع المَثَل الأعلى، وتخاطب ضمير الفرد وإرادته (وليس مثل عِلْم الأخلاق الذي يخاطب ضمير الجماعة)، فالدراسة الفلسفية تركز على المُطلَق. والمُطلَق في تعريفه يعني ما لا حد له في ذاته وما لانهاية له لكماله وهذه القواعد تصلح لكل زمان ومكان، فكيف ننفِّذ المُطلَق على أرض الواقع ووسط متغيرات على مر الزمان والمكان لدرجة أن ما يُعتبر خيرًا في حضارة يكون شرّا في أخرى؟ وإذا علمنا أن المُطلَق ليس له اتصال بالواقِع لذلك نجد ما يُعرَف بالأخلاق المفتوحة التي تأخذ الإنسان من الدائرة الضيّقة التي تشبه تصرُّف النحل في الخلية حيث تسير بنظام لا إرادي كلي مُطلَق، إلى الدائرة المفتوحة. إذًا نستعين بدراسة الفلسفة الأخلاقية في بناء مفاهيم أخلاقية حيث يقضي الإنسان عمره كله للسعي للكمال والحَذَر من السقوط في قاع الأخلاق. هنا تأتي أهمية ما يُسمَّى بعِلم الأخلاق فبينما تدرُس الفلسفة الأخلاق من زاوية ما يجب أن يكون، فإن عِلم الأخلاق يدرس ما هو كائِن بالفعل  علم الأخلاق أو الأخلاق الوضعية يُعنى بضمير المجتمع وليس الفرد، فضمير الجماعة يكوِّن ضمير الفرد وهو ضمير أخلاقي يتقيد بما يسود الجماعة، يأخذ في اعتباره المجتمع كواقِع وما يؤثر في الجماعة من عادات وتقاليد وأبعاد اجتماعية، أي إن عِلم الأخلاق يتميِّز بالنسبية والقابلية للتغيير. هذا لا يتعارض عما تقصده الفلسفة الأخلاقية، طالما أنها تُسهم في بناء مفاهيم أخلاقية يقضي الإنسان عمره كله للسعي للكمال والحَذَر من السقوط في قاع الأخلاق أي إن الإنسان يقضي عمره كله في السعي بين الأعلى والأدنى. ومن هنا يأتي انشغال علم الأخلاق بارتقاء الجماعة بتصرفاتها والتطلع إلى المَثَل الأعلى. يُعنى علم الأخلاق بالمجتمع كواقِع ويعنى بالنسبية والقابلية للتغيير حيث تحقِّق الجماعة الشكل الأخلاقي الذي تخضع له وإذا خالفته تتعرّض للاضطراب. --- ### مشاهدات إكليروسية [٣] - Published: ۲۰۲۲-۰۵-۱۰ - Modified: 2023-11-16 - URL: https://tabcm.net/5886/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أنبا أنطونيوس الكبير، أبو الرهبان, أنبا بولا، أول السواح, إكليروس, بابا شنودة الثالث, جايوس فلاڤيوس ڤاليريوس أوريلوس قسطنطينوس, قديس أثناسيوس الرسولي مشهدان باعد بينهما الزمن لقرون، لكنهما قد يقدمان لنا مداخل تفكك تشابكات الحالة القبطية الكنسية المعاشة، الأقرب زمنًا من لحظتنا، مشهد عشته قبل أربع عقود أو نحو ذلك، والثاني أحداث اقترب منها أحد الباحثين المدققين تدور في النصف الأول من القرن الرابع الميلادي، فيما يجلس ذاك الباحث يقلب في مخطوطاته وأوراقه، في واحدة من قرى الوجه القبلي، الصعيد كما نسميه، موزعًا بين التزاماته الطقسية لكونه من رجال الإكليروس، وبين شغفه بالبحث والتنقيب. مسرح أحداث المشهد الأول كنيستنا الأثيرة مار جرجس بالقللي، الوقت صباح يوم "أحد"، أبونا القمص، وهو شيخ طاعن في السن، يصلى القداس ومعه كاهن شريك، شاب يافع تدرك من ملابسه أنه راهب من أحد الأديرة، اللافت أن أبونا كان حريصًا على تقديم هذا الشاب عليه، يتعامل معه بحرص شديد يوحى لك بأن الشاب هو الأكبر وأن أبونا القمص هو الشريك، وظننت وقتها أنه من فرط محبته وترحيبًا بالشاب الصغير، لم أكن وحدى الذي لاحظ ذلك، فبينما نستبدل ملابس الشموسية بعد انتهاء القداس، همس صديقي الشماس في أذني "شفت أبونا القمص راجل واعي وفاهم الدنيا صح! ! "، ولم يزد، كعادتي كنت أرافق أبونا الشيخ في رجوعه لبيته القريب من الكنيسة، ورغم فارق السن كنا أصدقاء، قلت له هل من تفسير لما رأيته من معاملة مجاملة لذاك الراهب؟ هل من باب الاتضاع والمحبة كدأبك مع ضيوفنا؟ ابتسم ابتسامة تحمل خبرة السنين؛ يا بنى الرهبان لا ينسون... ! ! - مش فاهم. من المحتمل أن يصير هذا الشاب يومًا أسقفًا، وقد تكون كنيستنا ضمن زمام إشرافه، ساعتها ستكون علاقته بي مؤسسة على مثل هذه المواقف، سيعتبر التعامل الطقسي وفق ترتيب الكنيسة إقلال منه، وأنا يا ولدى شيخ متقدم في أيامي ولا احتمل ردود أفعالهم، إنهم قد يغفرون لكنهم لا ينسون. تذكرت هذا الحوار المقتضب، وأنا أتابع رد قداسة البابا ـ الراحل ـ على أحد "أسئلة الناس" عن موقفه الحاد من مخالفيه رغم سنوات الصداقة الطويلة، والتي تتعارض مع مبدأ الغفران، فأجاب بأن هناك فرق بين الغفران والنسيان، ونحت مقولته البليغة: "أنا أستطيع أن أغفر، لكنني لا استطيع أن أنسى" (قداسة البابا شنودة الثالث) وذكرني هذا الحوار بواقعة حدثت في واحدة من كنائس روض الفرج (شبرا)، رواها صديقي وقت أن كنت أكتب بمجلة "مدارس الأحد"، أن شابًا من خدام الكنيسة اشتاق للرهبنة، وكان لذلك كثير التردد على أديرة وادي النطرون، وعندما حزم أمره طلب منه المسئول في الدير أن يأتي بـ "خطاب تزكية" من أب اعترافه، مع الأوراق الثبوتية وما يفيد انتهاءه من أداء التجنيد الإجباري أو الإعفاء منه، رتب أوراقه وقدمها، وتم قبوله في صفوف طالبي الرهبنة، واجتاز فترة الاختبار التي امتدت لأكثر من عام، وتم قبوله راهبًا. يومًا، قرر خدام تلك الكنيسة الذهاب في رحلة لهذا الدير، ومعهم أبونا القمص صاحب خطاب التزكية، اقترب أحد الرهبان الشيوخ من المسئول عن الرحلة ليستوثق منه أنه من ذات الكنيسة التي أتى منها ذاك الراهب الشاب، فاتجه لأبونا القمص وسأله: هل تعرف أبونا الراهب فلان، أجابه: دا كان ابني في الاعتراف، وأنا من كتبت له خطاب التوصية، خير يا أبونا؟ قال له الأب الراهب بصوت خفيض: كنت انتظر مجيئكم لألقاك وأشكو لك تصرفات هذا الشاب، وحِدّته في التعامل مع إخوته، كويس إنك جيت، سأخبره بقدومكم، وأتمنى أن تجلس معه وتطلب منه أن يصحح طريقة تعامله بما يتفق وحياة الرهبنة بل وحياة المسيحي العادي. رد أبونا القمص بنفس الصوت الخفيض: متشلش هم يا أبونا وامسحها فيَّ. جاء الراهب إلى القاعة التي يجلس فيها الشباب، وتبادل معهم الترحيب والسعادة باللقاء، طلبه أبونا القمص في جلسة منفردة، واطمئن على أحواله، ثم نقل إليه شكوى إخوته بالدير، وبدأ في الكلام عن نذور الرهبنة، ومحبة الإخوة، لكنه لم يستطع أن يسترسل في كلامه، إذ وقف الراهب الشاب مقاطعًا وموجهًا كلامه لأبونا القمص بحزم وثقة: يبدو يا أبونا انك نسيت أنك كاهن علماني وأنا كاهن راهب، ولا يحق لك توجيهي. وأقفل راجعًا إلى حيث كان! ! ، وبقى أبونا القمص صامتًا بقية اليوم وحتى عودة الرحلة. صمت الكاهن لم يوقف سيل الأسئلة عن أزمة الرهبنة المعاصرة وما اقتحمها من متغيرات: هل صارت تنويعه على التجمعات الأحادية النوع، بمتاعبها واختلالاتها؟ هل اختفت التلمذة ومن ثم التسليم؟ هل صارت عبئًا على الكنيسة بعد أن كانت الداعم الأكبر لها؟ هل صارت رافدًا إكليروسيًا بعد أن كانت بحسب مؤسسها كيانًا علمانيًا قائمًا بذاته؟ هل كان للتغيرات التي اقتحمتها بفعل التطور خارجها أو بفعل الضغوط الحياتية للأجيال الذين انبهروا بالرعيل الأول من رهبان مدارس الأحد، يد في ارتباكاتها داخل وخارج أسوارها؟ هل كان لتطور نمط الحياة الديرية ودخولها في دوائر الإنتاج الزراعي والحيواني والداجني الموسعة وما استتبعه من تصنيع زراعي وتسويق دور في خفوت الدور الروحي لها؟ هل ما زالت نذور الرهبنة قائمة؟ هل رسامة أسقف لكل دير هو مصادرة على تمايزات التجمعات الرهبانية؟ هل تحتاج الكنيسة للتفكير في انساق الرهبنة الخادمة بجوار الرهبنة التقليدية، رهبنة البحث والعمل الاجتماعي بتنويعاته؟ الأسئلة لا تتوقف. يبقى الاقتراب من الكتاب أو قل الكتيب الذي اصدره الأب الكاهن والذي يقرأ بشكل مختلف واقعة زيارة مؤسس الرهبنة الأنبا أنطونيوس لأول السواح الأنبا بولا، وما دار بينهما من حديث حول رداء البابا البطريرك الأنبا أثناسيوس الرسولي، ورحلة الرداء من قصر الإمبراطور قسطنطين إلى مقر البابا بالإسكندرية ثم إلى مغارة الأنبا بولا بصحراء البحر الأحمر، ونحيله إلى مقال تال، لما يحمله من عصف ذهني لم نعتده في تحليل مثل هذه الأحداث، حتى إن كاتبه تراجع عن طرحه بالمكتبات واحتفظ به في خزانته، تحسبًا لردود الفعل في مناخ صارت فيه أعصاب القارئ المؤمن فوق جلده. --- ### التأثير السلبي لعدم ضبط التقويم القبطي - Published: ۲۰۲۲-۰۵-۰۹ - Modified: 2025-02-02 - URL: https://tabcm.net/5383/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: التقويم القبطي, الفصح اليهودي, توحيد الأعياد, حساب الأبقطي, دسقولية, عصر المجامع, عيد الفصح, عيد القيامة, عيد الميلاد, كنيسة الإسكندرية, كيرلس الأنطوني, مجمع نيقية, مكتبة المحبة, وليم سليمان قلادة من الواضح حاليا إن عدم ضبط التقويم القبطي، أدى إلى فجوة 14 يوما، فرق في موعد أيام الأعياد الثابتة مثل الميلاد والبشارة والغطاس... الخ، بين الكنائس في الشرق والغرب، وستزداد هذه الفجوة بين الأعياد الثابتة بإضافة 3 أيام كل 400 سنة. وهو ما يعني أنه بتعاقب القرون سيتحرك موعد عيد الميلاد إلى شهر مارس أي في فصل الربيع، وهو الفصل الذي من المفترض أن نُعيد فيه بعيد القيامة وليس الميلاد! وستتحرك معه باقي الأعياد الثابتة بنفس الطريقة، مثل أعياد البشارة والختان والغطاس... إلخ. التأثير على الأعياد المتنقلة وليس كما يعتقد البعض أن هذا الترحيل يقتصر على موعد الأعياد الثابتة فقط، بل سنعرض الآن كيف أنه يؤثر أيضًا على تحرك موعد عيد القيامة بعيدًا عن الاعتدال الربيعي في 25 برمهات (قبطي)، والذي كان يوافق 21 مارس (ميلادي)، ولكنه أصبح يتأخر الآن إلى يوم 3 أبريل، بسبب عدم ضبط التقويم القبطي. ويُشير القمص كيرلس الأنطوني في كتاب "عصر المجامع" بأن آباء كنيسة الإسكندرية والكنيسة عامة منذ مجمع نقية 325م، كانوا قد حددوا موعد الاحتفال بعيد القيامة على أن يكون يوم الأحد التالي لاكتمال قمر شهر نيسان بدرًا (مساء 14 نيسان موعد ذبح الفصح اليهودي) الذي يلي الاعتدال الربيعي. وعليه يَجِبُ ألاّ يتجاوز الفرق بين موعد الفصح واليهودي وعيد القيامة 7 أيام. وبحسب كتاب "تعاليم الرسل الدسقولية" لقوانين الرسل والكنيسة نُعيد لقيامة المسيح بعد الاعتدال الربيعي ويوافق 25 برمهات (قبطي) بعد الفطير، في الأسبوع الموافق لـ 14 من القمر، أي اكتمال القمر بدرا، ويقع فيه الفصح اليهودي. وكنتيجة لعدم ضبط التقويم القبطي وترحيل موعد وقوع 25 برمهات، وهو اليوم الذي يتم بناءً عليه تحديد موعد عيد القيامة وسائر الأعياد المتنقلة على أساسه باستخدام حساب الأبقطي، بعيدا عن الاعتدال الربيعي الحقيقي 21 مارس، نجد نوعين من الخطأ في تحديد عيد القيامة عند الشرقيين: الأول هو تأخر عيد القيامة أكثر من 7 أيام عن الفصح اليهودي، والثاني هو تأخر عيد القيامة أكثر من 4 أسابيع عن الفصح اليهودي. تأخر عيد القيامة أكثر من 7 أيام هذا الخطأ يظهر بنسبة 40% تقريبًا من السنوات، وهي نسبة خطأ كبيرة جدا. ويمكن بسهولة ملاحظة السنة التي يقع عيد القيامة أسبوعًا متأخرًا حسب شكل القمر، فبحسب أطوار القمر يكون البدر مكتملًا ليلة الفصح اليهودي، ولذلك، يجب أن يكون طور القمر ليلة الأحد التالي له مباشرةً هو Waning Gibbous (الأحدب المتناقص)، أي عندما نخرج من الكنيسة بعد قداس عيد القيامة يجب أن نرى أكثر من نصف القمر منيرًا، أو على الأقل نصفه. ولكن في السنوات التي يحدث فيها هذا النوع من الخطأ نرى القمر قد تناقص إلى شكل الهلال المتناقص. ومثال على ذلك الخطأ هو موعد الاحتفال بعيد القيامة في 2020. فالمشكلة التي قابلتنا ذلك العام هي أن اكتمال بدر نيسان حدث في مساء 7 أبريل، وعليه وقع عيد الفصح اليهودي عشية 8 أبريل. وكان يوم الأحد 12 أبريل هو الأحد التالي للفصح اليهودي الذي كان يجب أن نحتفل فيه بعيد القيامة، ولكن الذي حدث أننا احتفلنا بالقيامة في 19 أبريل متأخرين أكثر من أسبوع. والدليل البصري على ذلك هو أن طور القمر كان Waning Crescent Moon هلالًا متناقصا، وليس أحدبًا متناقصا كما ذكرنا سابقا، ويمكن التأكد من هذه المعلومة من موقع "Calendars exhibit" وهو أحد المواقع المتخصصة في دراسة وحساب أطوار القمر. تأخر عيد القيامة أكثر من 4 أسابيع هذا الخطأ يتكرر 11 مرة كل مئة سنة أي بنسبة 11% من السنوات، وهي نسبة ليست قليلة. وسبب الوقوع في هذا الخطأ أن طريقة حساب الأبقطي، التي تستخدمها الكنيسة لتحديد موعد اكتمال أول قمر بدرا بعد الاعتدال الربيعي، تنظر للاعتدال الربيعي أنه يقع في 25 برمهات الذي يوافق 3 أبريل بالخطأ، وليس 21 مارس. ولأن اكتمال القمر في شهر الفصح اليهودي يحدث هذا العام قبل 3 أبريل، فحساب الأبقطي لا يعتبره الفصح، ويُعطي موعد اكتمال القمر في الشهر التالي للفصح وهو مايو/ أيار، وليس شهر الفصح نفسه أبريل/ نيسان، ونتيجة لهذا الخطأ يحدد موعد عيد القيامة متأخرًا لأكثر من شهر. وكمثال على هذا النوع من الخطأ دعونا نفحص موعد الاحتفال بعيد القيامة العام الماضي 2021. ونلاحظ في ذلك العام أن الاعتدال الربيعي أتى كالمعتاد ليلة 21 مارس، وكان اكتمال قمر شهر نيسان في موعد الفصح اليهودي يوم 28 مارس. وهذا يعني أن موعد عيد القيامة كان ينبغي أن يكون يوم الأحد 4 أبريل، ولكن لأن حساب الأبقطي يعتبر أن 25 برمهات ويوافق حاليًا 3 أبريل هو الاعتدال الربيعي، فلم يعتبر أن بدر نسيان قد حدث في 28 مارس، بل حدد موعد اكتمال القمر في الشهر التالي للفصح اليهودي! لذلك في تلك السنة احتفلنا بعيد القيامة في 2 مايو بدلا من 4 أبريل بتأخير أربع أسابيع عن موعدة المُفترض، وخمسة أسابيع عن الفصح اليهودي. هذا الخطأ تكرر ليس في سنة 2021 فقط لكن في أعوام كثيرة مثل: في 2013 الفصح اليهودي وقع في 26 مارس، واحتفلنا بالقيامة في 5 مايو، بتأخير ٤٠ يوم! في 2002 الفصح اليهودي وقع في 28 مارس، واحتفلنا بالقيامة في 5 مايو، بتأخير 38 يوم! في 1994 الفصح اليهودي وقع في 27 مارس، واحتفلنا بالقيامة في 1 مايو، بتأخير 35 يوم! في 1983 الفصح اليهودي وقع في 29 مارس، واحتفلنا بالقيامة في 8 مايو، بتأخير ٤٠ يوم! وسيتكرر في السنوات القريبة المقبلة مثل: في 2032 الفصح اليهودي سيقع في 27 مارس، وسنحتفل بالقيامة في 2 مايو، بتأخير 36 يوم! الخلاصة: مما سبق نجد أن إجمالي نسبة الخطأ في تحديد موعد الاحتفال بالقيامة تصل إلى حوالي 51%، ما بين تأخير أكثر من أسبوع، أو أكثر من أربعة أسابيع، مع أنه بحسب ما حدده الآباء في مجمع نيقية، يَجِبُ ألاّ يكون الفرق بين موعد الفصح اليهودي وعيد القيامة أكثر من 7 أيام، كما أشرنا سابقا. فانظروا أية فوضى يُنتجها عدم ضبط التقويم القبطي وحساب الأبقطي في المستقبل؟ فنجد عيد الشتاء يتحرك على الربيع وعيد الربيع وقتها سيقع في الصيف! وهل يليق بالكنيسة أن تُسلم الأجيال القادمة حسابًا غير منضبطًا؟ وهي في استطاعتها الآن تصحيح هذا الترحيل بضبط التقويم الذي يحتاج لحذف 14 يوما فقط، وتطوير معادلات حساب الأبقطي لتتماشى مع ذلك. إن الأرثوذكسية ليست في التمسك بالخطأ، بل هي كما في أسمها الذي يعني "المجد المستقيم" يجب أن تجعلنا نفحص كل شيء، ونتمسك بكل ما هو مستقيم وصحيح. وأن أمانة الكنيسة في التسليم ليست في الحفاظ على ما وصل إلينا فقط، ولكن في فحصه، والحرص على صحة ودقة ما تُسلمه للأجيال القادمة أيضا. ففي المستقبل كلما مرت العقود والقرون زاد الترحيل، وابتعدت الأعياد أكثر عن موعدها. فإن كنا الآن نلاحظ فرقا، ففي المستقبل وكلما بعدت الأجيال سيزداد هذا الفرق بشكل كبير. لذلك يجب على كنيستنا أن تكون دائمًا حريصة كل الحرص على إعداد النظم المختلفة، وتطويرها بشكل علمي سليم، حتى تضمن حُسن ترتيب الكنيسة من أجل الأجيال القادمة في المستقبل. لذلك أرجو أن يتدارك آباء الكنيسة المعاصرون هذا الخطأ الحسابي التراكمي، وأن يتخذوا خطوات لإعادة ضبط تقويمنا القبطي، وذلك باللجوء لمراكز البحوث المتخصصة لضبط التقويم القبطي وتعديل حساب الأبقطي بطرق علمية سليمة. فلا يليق بكنيسة الإسكندرية منارة العلم واللاهوت في القرون المسيحية الأولى أن تتجاهل ضبط تقويمها الذي أصبح يؤثر على مواعيد أعيادنا عامة، وخصوصا عيد القيامة تاج الأعياد.   كيرلس الأنطوني، عصر المجامع، طبعة أول، مكتبة المحبة، ص25 و96. وليم سليمان قلادة، تعاليم الرسل الدسقولية، طبعة ثانية، دار الثقافة، ف30، ص660-661. Calendars exhibit. Moon Phase - Day | Calendars. Moon Phase on 19 Apr 2020.   اقرأ أيضا   --- ### خواطر في تفسير إنجيل يوحنا
الإصحاح الرابع (٣) - Published: ۲۰۲۲-۰۵-۰۸ - Modified: 2022-05-09 - URL: https://tabcm.net/5040/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: المرأة السامرية ”١٦ قال لها يسوع: «اذهبي وادعي زوجك وتعالي إلى ههنا» ١٧ أجابت المرأة وقالت: «ليس لي زوج ». قال لها يسوع: «حسنا قلت: ليس لي زوج، ١٨ لأنه كان لك خمسة أزواج، والذي لك الآن ليس هو زوجك. هذا قلت بالصدق». “ (إنجيل يوحنا ٤  :١٦ – ١٨) إن أستخدام الرب تعبير”زوجك“ في وصفه لرجلٍ كانت المرأة السامرية في علاقة معه وقتها - رغم عِلمه بأنه ليس زوجها ”الذي لك الآن ليس هو زوجك“ -إنما يَستَعلِن لنا أن عدل الله في المسيحية هو للشفاء وليس لدينونة الإنسان وإقامة الحَّد عليه ”لأني لم آت لأدين العالم بل لأُخلِّص العالم“ (يو ١٢: ٤٧).   فالرب لم يكن موقفه من السامرية هو موقف الادعاء في محاكم الأرض الذي يواجه المذنب بالحجة والدليل لإدانته. إن عدل الله المُعلَن في المسيحية ليس هو عدل محاكم الأرض. ولا تجوز المقارنة بين الإثنين. هذه سقطة كثير من رجال الدين المسيحي في رؤيتهم القاصرة لفداء المسيح وكأنه تطبيق لعدالة البشر، بينما هو العدل بحسب الله الذي يسمو علي العدالة بمفهومها البشري القاصر كما سنوضح في المقال. إن محاكم الأرض تطبِّق عدلاً يعجز عن إصلاح الإنسان المخطئ بل فقط يعاقبه بخطيته. فالمحاكم لا تستطع أن تخلِّص طبيعة المخطئ من السبب المُنشِئ لخطيته. وكل ما تستطيعه هو إدانة المخطئ بجرمه ثم تسليمه لسلطان فساده الذي تسلَّط عليه وأدي به إلي ارتكاب الجريمة. المحاكم تكتشف ثم تعلن أن السبب المُنشِئ للجريمة هو انعدام حاسة الحياة لدي المذنب و تتركه وتسلمه لمصير طبيعة الموت الذي تسلط عليه فتقضي بالإعدام. حكم الإعدام لا تستحدثه المحكمة علي المذنب، بل هو ”تحصيل حاصل“، بمعني أن ما ”حصل“ لآدم مِن تَغرُّب عن حياة الله وبالتالي دخول الموت وتسلطه علي طبيعة الإنسان قد أستمر في ذرية آدم وصار ”تحصيل“ لِما حصل من تغيير مميت في طبيعة آدم أصل الإنسان. إن ”العدل“ كتسمية يستخدمها البشر في محاكمهم ربما ليست التعبير الدقيق. لأن عدل البشر ومحاكم الأرض هو إعلان وليس تعديل / عَدل لاعوجاج حصل في طبيعة الإنسان بسقوط آدم. وكل ما تستطيعه المحاكم هو الإعلان عنه وتسلم ببقاء/ أنتصار أعوجاج الموت علي الحياة. إن المسيحية ترفض حكم الإعدام لأنه دليل عجز وضعف أمام الموت. فلم يستسلم الله لتسلّط الموت علي محبوبه الإنسان لذلك فإن ”الله ظهر في الجسد“ (١ تي ٣: ١٦) لمنازلة موت الإنسان علي الصليب وهزمه وألغاه من طبيعة الإنسان بالقيامة. ولقد أشار سفر العبرانيين إلي الموت الذي ماته المسيح علي الصليب بتعبير دقيق أن المسيح ”يذوق بنعمة الله الموت لأجل كل واحد“ (عب ٢: ٩) فالمسيح (ذاق) الموت فقط لأنه بالحقيقة قام. وأيضاً نقول إن التعبير الدقيق عن قيامة المسيح هي كما قالها الملاك «لماذا تَطلُبنَ الحَيَّ بَينَ الأمواتِ؟ لَيسَ هو هَهُنا لكنَّه قَامَ» (لو ٢٤: ٥). المسيح قام من بين الأموات ولا نقول أنه قام من الأموات لأنه هزم الموت وألغاه. إن حقيقة أنتصار المسيح علي الموت يؤمن بها غير المسيحيين أيضاً، ولكنهم يُعبِّرون عنها بطريقتهم التي تصل إلي حد إلغاء أو إنكار تلك المنازلة بين رب الحياة وبين موت الإنسان علي الصليب، فيقولون عن صلب المسيح أنه ”شُبِّهَ لهم“. أليس هذا دليل علي شدة اليقين بغلبة المسيح الإله علي الموت إلي درجة تصل إلي إنكار الحاجة إلي منازلة؟ مثال آخر لهذا اليقين ظهر في صدر المسيحية عندما قال بعض الهراطقة بأن جسد المسيح كان خيالياً ليرفعوا ويترفعوا بالإله وقوته عن منازلة ضعف الموت. كل هذه رؤى مختلفة لحقيقة واحدة هي قدرة المسيح الإله وسلطانه وتفوقه وغلبته علي الموت الذي هو سبب خطية الإنسان ”أَمَّا شوكة الموت فهي الخطية ... أين شوكتك يا موت؟(فقد سحقهما المسيح الإله) “(١ كو ١٥). فالخطية بكونها تغرُّب عن حياة الله، هي الشوكة أي الوسيلة لدخول الموت طبيعة الإنسان. فإن خطية آدم أدخلت الموت في الطبيعة البشرية ”بإنسانٍ واحدٍ دخلت الخطيةُ إلى العالم، وبالخطية الموتُ، وهكذا اجتاز الموتُ إلى جميع الناس“ (رو ٥: ١٢) ومن ثمّ سهل فعل الناس للخطية بسبب سلطان الموت لا الحياة علي طبيعة الإنسان، لذلك ”أخطأ الجميع“، والسبب أنه ”مَلَكَت الخَطيةُ في الموتِ“. من هنا نفهم أن المسيح جاء ليخلصنا من الموت كسبب للخطية، ولهذا تصلي الكنيسة ”ولا يقوي علينا موت الخطية ولا علي كل شعبك“. ولقد وصف الرب الخطاة بأنهم مرضي يحتاجون علاجه ووصف نفسه بأنه الطبيب الشافي لموت الإنسان «لا يحتاج الأصحاء إلى طبيب بل المرضى. لم آت لأدعو أبراراً بل خطاةً إلى التوبة» (مر ٢: ١٧) ونفي عن نفسه أن يكون قاضياً جاء ليدين ويحكم بالموت علي الخطاة ”لم آت لأدين العالم بل لأُخلِّص العالم“ (يو ١٢: ٤٧). وتعبير الآباء عن الكنيسة أنها مثل المستشفي وليس المحكمة. ولكن من ناحية أخري أقول أنه ليس من الإنصاف أن تُطالب الكنيسة العالم ومحاكمه وحكوماته بالتوقف عن تطبيق العدل البشري والحكم بالإعدام، لأن العالم ليس كنيسة ولم يُسَلِّم مقاليد الحكم فيه للمسيح الطبيب الإلهي القادر علي شفاء الإنسان من ”موت الخطية“، فهذا خلط للأوراق، و الكتاب المقدس نفسه قد أشار إلي عجز العدل البشري بكونه عقوبة ”السيف“ تقتص بالقتل وليس شفاء لأنه لا يستطيعه ”ﻷنه لا يحمل السيف عبثاً“ (رو ١٣: ٤). أما عن دول العالم الأول التي ألغت عقوبة الإعدام في بلدانهم وتندد بالحكومات التي تطبق عقوبة الإعدام، فربما قول لبولس الرسول ينفع العالم الأول أن ”لا يَرتَئِيَ فوق ما ينبغي أن  يَرتَئِيَ، بل يَرتَئِيَ إلى التَّعَقُّل“ (رو ١٢: ٣). لأنه بينما يحاول العالم الأول أن يرتقي بمواطنيه إلي مراحل مِن الإنسانية الناضجة، وهذا شيء عظيم، إلا أنه من السذاجة أن يعتقد العالم الأول أن إنسانيته تَصلح  كبديل عن خلاص المسيح فينتهجون نهج الكنيسة في رفض الإعدام. إن الكنيسة بحسب وظيفتها هي جسر للحياة بإعلانها لمسيحها ويصعب علي منهج إنسانية العالم الأول أن يكون البديل. إن منع العالم الأول لعقوبة الإعدام في بلدانه،  هو خلط للأوراق بين السماوي والأرضي وقد نهي عنه المسيح ”الذي يأتي من فوق هو فوق الجميع، والذي من الأرض هو أرضي، ومن الأرض يتكلم. الذي يأتي من السماء هو فوق الجميع“. (يو ٣: ٣١) إن منهج الإنسانية في منع الإعدام هو محاولة تُظهِر اشتياق الإنسان إلي انتصار الحياة علي الموت  رغم ما فيها من مكابرة علي الواقع أن سلطان الموت جاثم علي طبيعة الإنسان. وعلي الرغم من إحصائيات أظهرت أن عقوبة الإعدام لم تقضي علي الجريمة في دول العالم الثالث، إلا أن إلغاء عقوبة الإعدام في العالم الأول  سيؤدي إلي المزيد من الفساد في بلدانه، لأن الموت وشيطانه أثبت قدرته علي خداع سذاجة الإنسان منذ خلق آدم ”وَكَانَتِ الحَيَّة أحيَلَ جَميعِ حَيَوَانَاتِ البرِّيَّةِ التي عَمِلَهَا الرَّبُّ الإلهُ“ (تك ٣: ١)، وليس من علاج إلا الذي أعلنه الله لأدم وحواء أن المسيح ”نَسْل المرأة (المسيح) هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَ الحيَّة (الشيطان)“ (تك ٣). إن من السذاجة أن تعتقد الإنسانية أنها كفيلة بإصلاح طبيعة الإنسان. ربما بعض الشيء، ولكن تبقي الحقيقة أن تطور وسمو ورقي الإنسان كان منذ خلقته وسيظل إلي قيام الساعة أنه حركة من أعلي (من عند الله) وإلي أسفل(حيث الإنسان في غربته علي الأرض) لكي يرتفع بالإنسان إلي مسقط رأسه عند الله: ”وليس أحدٌ صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ إِلاَّ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ، ابنُ الإنسَانِ (المسيح أبن الله)الَّذِي هُوَ فِي السَّمَاءِ“ (يو ٣: ١٣). والسبح لله. بقلم د. رءوف أدوارد --- ### مصادر اللاهوت اﻹرسالي - Published: ۲۰۲۲-۰۵-۰۷ - Modified: 2023-04-27 - URL: https://tabcm.net/5378/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: نبي موسى, يهوه إنَّ الكتاب المقدَّس هو أساس كلِّ مقال لاهوتيّ. فبما أنَّ المسيح هو محور إيماننا، وأساسُه، بات لا يوجد أيّ لاهوت جاد خارجاً عنه. وبالتَّالي، هناك ضرورة، لابدَّ من الانطلاق منها دائماً، هي الوحي الكتابي. والانطلاق من الوحي الكتابي هو من أجل الوصول إلى يسوعَ التَّاريخِ ومسيحِ الإيمانِ كنقطة ارتكاز وانطلاق ووصولٍ إلى أيّ علم لاهوت. أن تكون مُرسَلاً، يفترض أساساً وجود مُرسِلٍ كضرورة حتميَّة. فكلمة "مُرسَل" في اللُّغة العربيَّة هي اسم مفعول، من الفعل أرسَلَ، وحتَّى الاسم "رَسولٌ" دائماً ما يعطي معنى شخص لم يأتِ من عند ذاته بل شخص أرسَله آخرُ، الله أو ملك أو حاكم. وكثيراً ما نلاحظ وروده مضافاً، وهو صاحب فعل الإرسال، مثلاً رسول الله أو رسول الملك أو رسول المسيح. هذا ما يجب الإشارة إليه قبل الولوج إلى استخدام النّصوص. وفي استخدامنا للنّصوص الكتابيَّة نشير إلى أنَّه ببساطة ستكون القراءة تاريخيَّة، باعتبار أنَّها حدثت في الماضي، ومِن ثمَّ نعمل على تأوينها في زماننا الحاضر، وموضعتها في مكاننا الَّذي نعيش فيه. آخذين بعين الاعتبار الأبعادَ الثَّقافيَّة الَّتي تمَّت في سياقها هذه الأحداث ومدى قُربِها، لحسن الحظّ، من ثقافتنا الشَّرقيَّة كشرقيّين، وكمتثقفين بالثقافة العربيَّة. وسنتناول معاً نصوصاً من العهد القديم والجديد لكي نتعرَّف معاً إلى معنى الإرسال وهدفه ومن هو المرسَل والمُرسِل وأيضا المُرسل إليه. "وأما موسى، فكان يرعى غنم يثرون حميه، كاهن مديان، فساق الغنم إلى وراء البرية وجاء إلى جبل الله حوريب.  وظهر له ملاك الرب بلهيب نار من وسط عليقة. فنظر، وإذا العليقة تتوقد بالنار والعليقة لم تكن تحترق. فقال موسى أميل الآن لأنظر هذا المنظر العظيم: لماذا لا تحترق العليقة. فلما رأي الرب أنه مال لينظر، ناداه الله من وسط العليقة وقال: موسى موسى، فقال: هانذا، فقال: لا تقترب إلى ههنا اخلع حذائك من رجليك لأن الموضع الذي أنت واقف عليه أرض مقدسة. ثم قال: أنا إله أبيك، إله إبراهيم، وإله إسحق، وإله يعقوب. فغطى موسى وجهه لأنه خاف أن ينظر إلى الله. فقال الرب: إني قد رأيت مذلة شعبي الذي في مصر، وسمعت صراخهم من أجل مسخّريهم، إني علمت أوجاعهم فنزلت لأنقذهم من أيدي المصريين، وأصعدهم من تلك الأرض إلى أرض جيدة وواسعة، إلى أرض تفيض لبنا وعسلا، إلى مكان الكنعانيين والحثيين والأموريين والفرزيين والحويين واليبوسيين. والآن، هوذا صراخ بني إسرائيل قد أتى إليّ، ورأيت أيضا الضيقة التي يضايقهم بها المصريون. فالآن، هلم فأرسلك إلى فرعون وتُخرج شعبي بني إسرائيل من مصر. فقال موسى لله: من أنا حتى أذهب إلى فرعون وحتى أُخرج بني إسرائيل من مصر؟ فقال: إني أكون معك، وهذه تكون لك العلامة، أني أرسلتك حينما تخرج الشعب من مصر تعبدون الله على هذا الجبل. فقال موسى لله: ها أنا آتي إلى بني إسرائيل وأقول لهم إله آبائكم أرسلني إليكم. فإذا قالوا لي ما اسمه، فماذا أقول لهم؟ فقال الله لموسى: أهيه الذي أهيه، وقال: هكذا تقول لبني إسرائيل: أهيه أرسلني إليكم. وقال الله أيضا لموسى: هكذا تقول لبني إسرائيل: يهوه، إله آبائكم، إله إبراهيم وإله اسحق وإله يعقوب، أرسلني إليكم. هذا اسمي إلى الأبد، وهذا ذكري إلى دور فدور. "(سفر الخروج، اﻷصحاح الثالث، 1-15) هذا النَّص هو بداية إعلان عن حدثٍ مؤسِّس. هذا الحدث، سيُبنَى عليه إيمانُ شعب الكتاب المقدَّس، ويظلّ يُلقي بظلاله على الإيمان البيبلي (الكتابي) بأشمله. في هذا النَّص نجد أربعة عناصر: المُرسِل: يهوه المُرسَل: موسى الرسالة: معرفة يهوه والتَّحرّر المُرسَل إليهم: شعب بني إسرائيل وتجدر الإشارة إلى أنَّ الرِّسالة في هذا النَّص الافتتاحي ليست خطاباً نظريَّاً أو توجيهاتٍ أخلاقيَّةً، بل هي رسالة تحريض، رسالة تهدُف إلى التَّرجمة والتَّجسُّد في الواقع: اذهبْ... أَخرِجْ... ، هي رسالة تحرير، تحرير شعبٍ من خلال أعمالٍ ملموسة في وَسْط الجماعة، وتدخُّلٍ في التَّاريخ للحصول على التَّحرّر الآن؛ في آنيَّة تلك اللَّحظة التَّاريخيَّة، بظروفها الاجتماعيَّة والثَّقافيَّة والسِّياسيَّة. يهوه مُرسِل يتراءى يهوه في الصَّحراء لموسى، بينما يعمل راعياً للأغنام. إنَّه من الأهميَّة بمكان أن نركِّز، في قراءتنا لهذا النَّص، على الأماكن الَّتي تدور فيها الأحداث، المشهد هنا يتمُّ في الصَّحراء. الصحراء هي مكان الخوف وعدم الاستقرار، مكان لقاء الله، ولقاء الشَّيطان أيضاً. مكان التناقضات: يلتقي فيها المتعبِّدون والخارجون عن القانون، الأقوياء والضّعفاء الهاربون من البشر. موسى هنا في الصَّحراء، موقفه موقف الضَّعيف، الخارج عن القانون، الهارب من البشر ومن أيدي العدالة. لقد ارتكب جريمة قتل للتَّو، تحول على إثرها من رجلٍ ذي سُلطان وسطوة تهرب النَّاس منه، إلى رجل ضعيف يهرب هو منهم. إذن، موسى الآن هو في أضعف موقف له على الإطلاق... في الصَّحراء، النَّقيض الأوضح لقصر فرعون. ومن هنا، يتبادر إلى الذِّهن تساؤل مهمّ، لماذا يظهر يهوه لموسى الآن وهنا، بعد الهروب وفي الصَّحراء؟ أمَا كان من الأفضل أن يدعوه عندما كان في موقف قوَّة، في قصر فرعون؟ أليس في ذلك نتائج أضمن وأسهل وأسرع؟ تلك الأسئلة منطقيَّة جدَّاً، إضافة إلى ذلك، تاريخنا البشري يثبت ذلك وهو أنَّ ضمان تحقيق الأهداف يتمّ من خلال مواقف وأوضاع القوَّة. بلا شكٍّ، إنَّنا نصطدم بمنطقٍ آخر، هو منطق يهوه، وهو يختلف تمام الاختلاف عن منطِقنا. إذا ابتغينا معرفة منطقه، ينبغي لنا، أوَّلاً، خلع نعلينا. أن نتخلَّى عن أحكامنا المسبَّقة، ونستعدّ لمعرفة ما يأخذ أنفاسنا عجباً ودهشةً. يهوه هو "الإله"، وهذا الإله هو قويّ، في ذاته، ولا يحتاج، بالتَّالي إلى قوَّة أخرى، حتَّى إن كانت قوَّة دولة عظمى. فلنخلع أحذيتنا، كلَّ أفكارنا الأرضيَّة، ومنطقنا البشريَّ. الحذاء في ثقافتنا الشرقيَّة رمز للقذارة والاحتقار، وهو أيضاً يحمينا. يهوه يريد منَّا ألا نعتمد على أيَّة حماية أخرى إلاَّه. يهوه يقوم بذاته بإرسال موسى وهو في موقف ضعف ليظهِر قدرَته في تحرير الضّعفاء دون الاعتماد على أحد. موسى هنا أمام تجرِبة جديدة وغريبة في آنٍ، فهو في هذه المرّة لا يذهب إلى الشَّعب ليحرِّرهم انطلاقا من ذاته أو إرادته الشَّخصيَّة، بل انطلاقاً من يهوه المُرسِل. حينما نظنَّ أنَّنا نحن الَّذين نقوم بالعمل نقع في الخطر الَّذي سقط فيه موسى، حينما ذهب دون "إرسال" من يهوه، ارتكب جريمة قتل، وأصبح في حاجة إلى مَن يُنقذه بدلاً من أن يكون مُنقِذاً. يهوه مُرسَلٌ في هذا النَّصّ نرى أنَّ يهوه هو المُرسِل الَّذي يدعو إنساناً ما في ضعفه، يُرسل كي يُحرِّر أخوته. ولكنَّنا أيضاً نجد أمرأً مهماً وهو أنَّ يهوه ليس إلهاً ساكناً، كآلِهة الأمم، ولكِنَّه إله، كما يبيّن النَّص، "يرى" مذلَّة شعبه، "يسمع" صراخهم، "ينزل" لينقِذَهم. يهوه هنا هو رَسول، يقوم بفعل النّزول، إرسال في تاريخٍ وأرض معيَّنَينِ لإنقاذ وتحرير شعبٍ مقهورٍ تحت حكم مستَبدّ. تعجز أيَّة قوَّة على تحريره. يهوه هو الرِّسالة الَّتي ينبغي لشعب إسرائيل معرفتها، يأتي إليهم لينقذهم. الرِّسالة هنا تصبح الرَّسول, يهوه يُرسلُ ذاته من أجل تحريرهم من الظلم. رَسولُ يهوه «فالآنَ اذهَبْ». كما رأينا سابقاً، يهوه هو الَّذي يُرسِل. ذلك الإرسال يفترض تبريراً دائماً لتصرُّفات وأعمال مرسلي يهوه. «ها أنا ذاهب إلى بني إسرائيل، فأقول لهم: إله آبائكم أرسلني إليكم. فإن قالوا لي: ما اسمه، فماذا أقول لهم؟» هذا العمل الّذي يقوم به مرسل يهوه يقابله من ناحية أخرى من قبل الشعب سؤال جوهري: مَن هو مُرسلك، من هو إلهك؟ في الإجابة على هذا السؤال يكمن المحكّ الأساسي لاختبار أمانة وصدق المرسَل. فكيف يكون هناك مُرسلاً لا يَعرف مُرسِلَه معرفةً عميقة. هذا السؤال يذكِّرنا بسؤال يسوع إلى تلاميذه: "مَن أنا في قولكم أنتم؟" (مت 16/ 13-16). دون إجابة بطرس لا نستطيع أن نكون مرسَلي الله. جواب بطرس: "أنت المسيح ابن الله الحيّ". ويجاوبه يسوع مطوِّباً إيَّاه مُبيّناً أن أباه هو الَّذي كشف له عن ذلك. هذا يكشف لنا عن أهمّيَّة العَلاقة الشَّخصيَّة بين المُرسِل والمُرسَل، وتُظهر العَلاقة الجدليَّة في المعرفة، فالإنسان عليه أن يقيم علاقةً مع الله لمعرفته، وبدون تلك العَلاقة لا يمكن اعتبار هذا الشَّخص مرسَلَ يهوه؛ وفي نفس الوقت بسعي الإنسان هذا وانفتاحه على الله يقوم الله ذاته بالكشف عن نفسه للإنسان. من هنا نفهم أنَّ العمل الَّذي يقوم به المُرسَل هو أساساً عمل يهوه، يُشرك فيه بمجَّانيَّة، وبدون استحقاق الإنسان، المُرسَل. فالمُرسَل يتمِّم عمل يهوه. في نصِّ الخروج هذا، يجيب الله موسى على سؤاله، بخصوص اسمه بجملة صعبة الفهم: "أنا هو مَن هو". الله لا يخبره باسمه، ولكن يخبره بشيء يعني فهذا الرَّدّ "أنا الكائن". على الإنسان أن يسعى إلى أن يعرف من هوَ الله. تلك المعرفة لا تتمّ من خلال لقاء واحد، على الإنسان أن يكتشف الله في لقاءه اليومي، أوَّلاً في حدث الظّهور أو اللقاء الأول الَّذي فيه يكتشف المُرسل أنَّه لأوَّل مرَّة يُقيم حواراً صادقاً مع يهوه، وأنَّ يهوه يُكلِّفه برسالةٍ. وثانياً في اللقاء اليومي مع الله في الصَّلاة، وفي الأشخاص الَّذين كلَّفهم يهوه برسالة لهم. فيهم تتم معرفة يهوه، ومن خلالهم نتعرَّف إلى وجهه، ونتلمَّس مدى حبِّه لخليقته، ونعرف معنى رسالتنا، وصدقها. المُرسَل إليه مَن هم هؤلاء الَّذين يُرسَل إليهم المُرسَلون؟ أوَّل إجابة تتبادر إلى الذِّهن هي: "هم أشخاص في بلدٍ بَعيدة، لهم ثقافة ولغة مختلفتان". هذه الإجابة ليست خاطئة ولكِن مبدأيَّاً، هذا تماماً عكس ما يطرحه نصّ سفر الخروج، فالله يطلب من موسى أن يذهب إلى بني إسرائيل، شعبه، هذا من ناحية. ولكن من ناحية أخرى القريب هو في الوقت ذاته غريب عنّي، هو آخر. وهنا الرِّسالة، أن أخرجَ من "ذاتي" نحو الآخر. أن أنقل إليه خبرتي النَّابِعة من العَلاقة والتأمُّل والخبرة مع يهوه. هي أوَّلاً بعد أن أكون قد اختبرتُ الله في واقعي وتاريخي وظروفي أنا، أذهب إلى الآخر الَّذي يعيش خصوصاً في نفس واقعي ومكاني، وفي ظروفنا المشتركة إلى جانب ظروفه الشَّخصيَّة، من أجل نقل هذه الخبرة له. وهي أنَّ الله الَّذي أنقذنا من العبوديَّةِ في القِدم استطاع أن يُنقِذني الآن. بأنَّه أظهر عدم رضاه على ما يدور في العالم من ظلم وفقر، وأنَّ وجود هذه الأنواع من الاستبدادات السياسيَّة والاقتصاديَّة والتَّفاوت الطبقي هي ضدّ مخطَّطه لخلاص البشريَّة. في هذا الكلام، لا يعني أن المرسل هو شخص حصل على التَّحرّر الكامل، بل هو شخص، على غرار موسى، في موقف ضعف. ولكن بلقاءه يهوه ينهض من غفوته ليعرف الله بطريقة أفضل ومن ثمَّة يسعى من خلال مسيرة طويلة إلى تغيير وتحرير نفسه وأخوته المعاصرين من الفراعِنة الجدد على كافَّة الأصعِدة ثقافيَّاً واجتماعيَّاً وبالتَّالي سياسيّاً. هذا هو الملكوت الَّذي جاء ينادي به يسوع، عالم حالي لا مكان فيه للعبوديَّة والظلم والفقر. --- ### هل التطور حقيقة أم مجرد نظرية؟ - Published: ۲۰۲۲-۰۵-۰٦ - Modified: 2023-11-19 - URL: https://tabcm.net/5325/ - تصنيفات: شئون علمانية - وسوم: Creationism, Falsifiability, Predictions, المنهج العلمي, دوغمائية, ظاهرة علمية, نظرية التطور التطور في ظل المفاهيم العلمية بيعتبر "حقيقة علمية" Fact لإنه حصل وبيحصل وهيحصل، زيه زي الجاذبية ودوران الأرض أو تفاعل الحديد مع الأكسجين أو غيره. التطور، من القضايا العلمية الشائكة جدا والتي يحدث بسببها لغط شديد لانتشار المفاهيم المغلوطة عنه. نحاول في هذه السلسلة أن نجيب على أشهر هذه التساؤلات والمفاهيم بطريقة مبسطة قدر الإمكان وبلغة عامية مصرية لتبسيط المفاهيم العلمية المعقدة لربما نصل سويا إلى فهم صحيح لأهم مفهوم في علوم الحياة، ألا وهو: التطور. الصورة من صفحة فرز تالت على الفيسبوك هو التطور حقيقة وﻻ مجرد نظرية؟ تقريبًا دا من أشهر المفاهيم المغلوطة عن التطور وطبيعة العلم. كلمة "حقيقة" هي كلمة ملهاش موقع من الإعراب في العلوم. العلم مفيهوش "حقيقة" (truth). لكن لما العلماء بيحاولوا يبسطوا العلم  بيستعملوا مصطلح Fact (حقيقة علمية) للدلالة على إن الـحدث (event) دا حصل أو بيحصل بمنطق مفهوم وصمد أمام الدحض. وبالتالي فكلمة "حقيقة علمية" في سياق العلم معناها: حدث (event) أو ظاهرة (phenomena) حصلت، وبتحصل، وبمنطق معروف، ونقدر نتوقع تكراره مستقبلًا. وفي ظل السياق دا بيتقال على التطور إنه: FACT "حقيقة علمية" لكن مصطلح "حقيقة" (truth) في حد ذاته وقعه مش كويس أبدًا على العالم الأكاديمي، نظرًا إن المعنى اللي قد تحمله ممكن يكون مُخل للمنهجية العلمية. العلم مش عقيدة (dogma) وﻻ يتعامل مع الغيبيات وﻻ المطلقات ومن ثم ﻻ يزعم أو يدعي أو يبحث أساسا عن "الحقيقة المطلقة" (truth) وبيعتبر دا انحيازات (Biased) مخلة بالمنهج العلمي ذاته. التطور في ظل المفاهيم العلمية بيعتبر "حقيقة علمية" Fact لإنه حصل وبيحصل وهيحصل، زيه زي الجاذبية ودوران الأرض أو تفاعل الحديد مع الأكسجين أو غيره. الحادثة أو الـevent دا مش لازم يبقى حد شافه بشكل مباشر عشان يكون في مكانة "الحقيقة العلمية". يعني إحنا مثلًا بنعتبر الكهرباء أو الجاذبية اﻷرضية أو الحقل المغناطيسي "حقيقة علمية" بالرغم من إن محدش شاف الكهرباء أو الجاذبية، وبنعتبر وجود الجُسيمات الأولية زي الإلكترونات والكواركات "حقيقة علمية" بالرغم من إن محدش شافها، وهكذا. ودا بيقودنا لتصور آخر خاطئ عن العلم، وهو إن الحاجة بتعتبر "علم" فقط لو العلماء شافوها بشكل مباشر أو تم اختبارها جوه المعمل. ودا مش صحيح! العلم مش معتمد على إنك "تشوف" الموضوع بشكل مباشر، لكنه معتمد على معيار محدد مهم جدًا اسمه Falsifiability القابلية للتكذيب / القابلية للتخطئة / القابلية للدحض العلمي ودا معناه إن لما Hypothesis (فرضية علمية) بتظهر لتفسير ظاهرة مُعينة، النموذج دا مطلوب منه يعمل Predictions تنبؤات. التنبؤات دي من خلالها بيقدر العلماء يختبروا مدى ثبات وصمود "الفرضية العلمية"من خلال البحث والتجارب العلمية، لو التنبؤات بتاعة الفرضية دي طلعت صحيحة، خلاص منقدرش نسميها "فرضية" بعد أن ثبت صحتها، وبتتحول ساعتها لـ Theory "نظرية علمية". "النظرية العلمية" هنا مش معناها تخيّل نظري زي ما بتوحي لفظة "نظرية" بالعربي، بل هي عبارة عن model-نموذج تفسيري صمد أمام الشك واﻹختبار وصار "مُثبَت علميا" لتفسير ظاهرة مُعينة، والتفسير دا بيحوي في داخله Law-القانون العلمي بتاع النظرية العلمية (إذا كان ليها جانب رياضي بيربط مُتغيرين ببعض) وبيحوي في داخله واقعية الأحداث اللي بتتكلم عنها النظرية ("الحقائق العلمية"). ومن هنا بيقول العلماء إن التطور "حقيقة علمية" بمعنى إنه حادثة حصلت وبتحصل وهتحصل باعتباره الآلية اللي من خلالها أنواع جديدة بتظهر على الأرض، وبيسمي العلماء التطور بمسمى نظرية بمعنى إنها مش مجرد "افتراض"، بل بمعنى إن دا التفسير العلمي اللي صمد وقدم إثباتات فتم اعتماده كتفسير علمي للتطور.   Science and Creationism - The National Academy of Science   --- ### الخبل المقدس.. وأصول الطرمخة! - Published: ۲۰۲۲-۰۵-۰۵ - Modified: 2023-11-17 - URL: https://tabcm.net/5263/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أنبا إرميا، الأسقف العام, أنبا مكاريوس، أسقف المنيا, إكليروس, الأصولية, الأقباط والحداثة, الإخوان المسلمين, الكنيسة القبطية, المركز الثقافي القبطي, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, سالي زخاري, قناة مي سات إذا كنت لا تستطيع رفع الظلم، فأخبر عنه الجميع على الأقل. (المفكر الإيراني "علي شريعتي") في بداية الألفية تم تسريب خبر من جريدة النبأ عن مغامرات جنسية لراهب محرقي شهير، انقلبت الدنيا ثم هدأت بمساومات وتفاهمات لتهدئة الأجواء، ثم توالت الأخبار بعد ثورة يناير ٢٠١١م عن بعض مثل هذه التجاوزات على السوشيال ميديا، بل والأكثر من ذلك كان هناك بعض الأقاويل والإشاعات والتقارير الصحفية عن بعض رجال الكنيسة الكبار "المتبتلين نظريًا"، ولكني دائمًا لست من أنصار التشنيع مطلقًا ولا احب تتبع مثل هذه الأفعال إلا في حدود ما يخص الضرر بنا كمجتمع كنسي خاصة ومجتمع مصري ككل! وأظن أنه ليس مطلوب منا التأكيد على أن هذه الانحرافات موجودة في كل الأديان والمعتقدات والمذاهب، وهي لا توصم المذهب نفسه إلا في حالة أن تكون بتشجيع منه، ولكن طالما أنها مجرد "انحراف بشري"، فتظل في هذا النطاق، لأنه لا يمكن إنهاء الانحرافات ولا الجريمة مطلقًا إلا في عقول المهاويس دينيًا وعقليًا، والذي دوما يكذبهم الواقع! الفكرة الأساسية هنا: يجب أن يكون هناك "إدانة" لتلك الانحرافات وتجريمها، وليس "الطرمخة عليها" وإضفاء صبغة دينية لتبرير "الطرمخة" (مثل فضيلة الستر وعدم الإدانة... إلخ) وعلى هذا تمرير الجرائم بلا حساب ولا رادع، فأصبحنا في حالة يرثى لها حيث تحول "الستر" إلى "تستر"... وشتان! منذ عدة سنوات، تواردت الأخبار عن تجاوزات جنسية وشبهات أخلاقية حول أكثر من كاهن، خصوصا ممن يخدمون في الخارج، ولكن ما زاد الطين بلة، عند وفاة الكاهن المتهم بالتحرش منذ أسابيع، وكان قد تم إيقافه عن الكهنوت بقرارات رسمية من نيافة الأنبا مكاريوس، وبمرسوم بابوي خاص من البابا تواضروس الثاني، ولكن عند الوفاة تم وضع خبر وتقديم تعزية بصفته الكهنوتية على صفحة المركز الثقافي القبطي "ثم تم الحذف"! ! ! ! ثم تمت الصلاة عليه باسمه ككاهن، بمباركة وترحاب شعبي، ومشاركة أساقفة حتى من المشهورين بالدفاع عن الانحرافات العقائدية! (بالطبع هذه الانحرافات ليست على قائمة اهتماماهم! ) مما دعى ضحيته السيدة "سالي زخاري" تثور مرة أخرى، وتخرج على السوشيال ميديا مطالبة بحقها، ومن ثم إعادة طرح القضية مرة أخرى. مضافًا لها قضية العصيان الكنسي الذي يمر وكأنما هناك اتفاق على خداعنا بقرارات حبر على ورق. ومن اللافت للنظر أنه حدث قبل هذه المرة حادث مشابه مع الراهب المدان بقتل الأنبا إبيفانيوس رئيس دير أبو مقار، حيث تم الحكم عليه حكم نهائي بات بالإعدام في قضية قتله لرئيس ديره! (وتم تنفيذه)! حدث آنذاك إنكار تام أن يكون هذا الراهب هو القاتل الحقيقي، وخرج أحد أساقفة الكنيسة ليقول "مفيش راهب يقتل"! ! ثم تم التشكيك في الشرطة والنيابة والقضاء لصالح هذا الراهب! بل وتم أيضا الاحتفاء به وتحويله إلى شهيد! (بالرغم من الأدلة والتقاضي حتى النهاية، بل وتسريب مكالمات سمسرة وبيع أراضي لحسابه الخاص ويتخللها ألفاظ بذيئة، وتسريب صور لمحادثات بها ألفاظ جنسية تنم على علاقاته الجنسية ببعض هؤلاء السيدات! ) تم تجاهل كل هذا لتصويره على أنه المظلوم الشهيد القديس البار الذي تآمرت عليه الدولة و الكنيسة معا! هذان الحدثان يشكلان معًا دليلًا دامغًا على "لَوثَة العقل الجمعي القبطي المعاصر" حيث رفض العقل القبطي الجمعي الاعتراف بالجريمة، وقامت الأغلبية بالإنكار التام للوقائع المثبتة، بل ويتم تحويل المجرمين إلى ضحايا وشهداء ومعترفين! في حالة تحدي للعقل والواقع والمنطق والضحايا! وانتشار هذه الحالة المرضية، ووضوح ما يمكن أن نسميه حالة من "الخبل العام" (وهو عام في المجتمع المصري عمومًا)! وكنت قد قلت، وقال آخرون، أن هناك تيار قبطي متنامي داخل الكنيسة يمكن تسميته: "التيار الشنودي"، أو ما يمكن تسميته: "الديانة الشنودية" وهذه ليست مبالغة، ولكن الحق يقال قد تم صبغ وإعادة تشكيل العقلية القبطية في خلال الخمسين سنة الماضية، وكان لتأثير المتنيح الأنبا شنودة الثالث عظيم الأثر في هذا التشكيل بما لعبه من أدوار دينية واجتماعية وسياسية –إيجابًا وسلبًا- وتم هيكلة الكنيسة بشكلها الحالي، ووضع رجاله من الأساقفة "الفاسدين، وغير المؤهلين" -والتي تعاني منهم الكنيسة حتى الآن- وفي ظني أن هذا الاحتفاء بأشخاص قد تمت إدانتهم على جرائم في هذه الأحداث -من وجهة نظري- تجسيد لكل سمات "الديانة القبطية/ الشنودية" الجديدة! فهنا تكمن جذور الخبل! من سمات الديانة الشنودية: -الأصولية fundamentalism : هذا نموذج صارخ واضح للأصولية في أبشع صورها، حيث إن الأصوليات الدينية تسحق الإنسان باسم المقدس، وهذا ما يحدث الآن حيث يتم التعامل بلامبالاة مع الضحايا في مقابل أن نحافظ على الصورة حتى "تطلع حلوة"! ! ! ولابد أن نضع بالاعتبار وجود ضغط إسلاموي متطرف يحاول تشويه المسيحية عمومًا! ويلعب دورا كبيرًا في هوس الأقباط بالظهور بشكل مثالي! -الفاشية fascism : لا يجانبنا الصواب إن قلنا أن هناك تشابه في الفكر القبطي الشنودي -والذي رسخ له المتنيح الأنبا شنودة وأتابعه- والفكر الفاشي! لا يخفي على أحد وجود تشابه إلى حد التطابق بين الممارسات الكنسية والطبيعة السلطوية للأنظمة الفاشية، والذي كان قد بدأ بهذه الممارسات المتنيح، ومازال حتى الآن يسيرون على نهجه بداخل هذا التيار! حيث لا صوت يعلو على صوت المعركة، فهم يخافون الفضيحة ولا يخافون الرذيلة! - سيكولوجية الجماعات المغلقة closed group psychology : تحولت الكنيسة القبطية وكأنها منظمة منغلقة، إلى ما يعرف في "علم النفس الاجتماعي Social psychology" بالجماعات المغلقة closed groups حيث تحولت الكنيسة في أدائها كالجماعات السرية على مر التاريخ: كجماعة الحشاشين، وجماعة الإخوان المسلمين! بالطبع تختلف درجة الانغلاق والانفتاح، ولكن الطبعة الشنودية للكنيسة القبطية بلا شك ينطبق عليها الكثير من سمات الجماعات المغلقة. ونتيجة للعنف والضغط الإسلاموي على الكنيسة على مر العصور، ومن قبله عصور الاضطهاد الروماني، نشأ ما يمكن أن نسميه persecution complex "عقدة الاضطهاد" وكما نوهنا سابقا يلعب التطرف والإرهاب دورا كبيرًا في خلق هاجس قبطي أخلاقي، لأن الخطاب الإسلامي المتطرف يرى ويردد ويستبيح إطلاق الشائعات حول الحياة الجنسية والأخلاقية للمسيحين بل وكل المخالفين لهم من اشتراكيين وعلمانيين وليبراليين وأقباط وشيعة وبهائيين! - متلازمة "عبادة العباءات السوداء" : حيث تقديس البشر وعبادة الكاهن ممثل الإله، ومفاهيم خاطئة و غير أرثوذكسية متجذرة عن "الرهبنة" و"الكهنوت" وما يسمونه "سلطان الربط والحل" وخزعبلات قبطية عن خوارق رجال الدين، إلى أخر تلك الترهات التي كنت قد أشرت إليها في كتابي الصادر يناير 2022 م بعنوان "الأقباط والحداثة" وناقشت بعضها، وحاولت توضيح الخلل في الفهم والممارسة والتطبيق! -حيلة الإنكار Denial : أخيرًا وليس أخرا يعرف دارسين علم النفس، "الحيل الدفاعية" Defense mechanism" "حيلة الأنكار" Denial وهي حيلة دفاعية شهيرة -ضمن حيل أخرى- وهي تعني ببساطة رفض الإقرار بأن حدثًا ما قد حصل فعلًا. تكون ردة فعل الشخص المصاب كما لو أن شيئا لم يحدث، ويتصرف بطرق قد يرى الآخرون أنها غريبة. ويحدث هذا الأمر دون إدراك أو وعي الشخص المصاب/ المتأثر بالطبع، وهي حيلة يلجأ إليها الإنسان في المصائب، وأظن أن تعامل العقل الجمعي القبطي مع هذه القضايا مثالًا حيا تطبيقيًا على هذه الحيلة! قد يظن البعض أن كلامنا هذا به بعض التجني، ولكن صدقا هذه هي الحالة كما أرها، وعلاج كل هذا يستلزم: الوعي الأرثوذكسي: لابد استعادة الوعي اللاهوتي، ودراسة التقليد tradition : (ليس بمعنى المحاكاة، بل التسليم)، و هو كل ما تسلمناه من تراث مسيحي، ومصادر هذا التقليد (الكتاب المقدس أولًا- ثم الليتوريجيات أو الصلوات الشعبية العامة – المجامع – الآباء – الفن الكنسي). الانفتاح: لابد أن ننفتح على الثقافات الأخرى لكسر حالة الانغلاق الفكري، ونمارس أعظم مفردة وهي "النقد Criticism"، "من المفيد أن نضع علامات استفهام بين الحين والأخر على الأمور المسلّم بها"حسب نصيحة المفكر والفيلسوف البريطاني Bertrand Russell برتراند راسل. ويجب أن نتقبل النقد، فلا وجود لتقدم ونمو لأي جماعة ترفض سماع النقد! عدم الخوف: اعلم جيدا كقبطي كم المضايقات التي يتعرض لها المسيحي خصوصا من التجمعات الإسلامية المتشددة، ومن قطاعات كبيرة من الشعب تم التأثير عليهم من قبل هذا الخطاب المتشدد، المحتقر للآخر عمومًا وللمسيحين وللأقباط خصوصا، ولكن هذا يَجِبُ ألاّ يجعلنا نستسلم لأجندات التشدد، فلا يمكن لشخص أن يتصرف تصرفًا صحيحًا تحت تأثير الخوف أو القلق كما يعلمنا علم النفس، فلا يجب أن نلتفت لمثل هذه الترهات الصادرة عن متطرفين، ولا ننساق وراءهم، حيث يَجِبُ ألاّ نسير معهم بنفس منطقهم المريض، بل علينا ألا نخشى مثل هذه الاتهامات الباطلة، ونتصرف بتعقل وحكمة، والوضوح والشفافية هما طوق النجاة في حل المشكلات، ومواجهة المشكلة وليس إنكارها تحت ضغط الواقع، فليس هذا هو الحل المناسب لأي مشكلة، بل سيجعلها تتفاقم أكثر فأكثر! وهذا إجمال سيكون بعده تفصيل إن عشنا وكان لنا عمر، وكتابة! --- ### القِيَم الأخلاقية [الخصائِص] - Published: ۲۰۲۲-۰۵-۰٤ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/4408/ - تصنيفات: مقالات وآراء القِيَم بمعناها الواسع: هي ما يجعل أي شيء جديرًا بأن يطلب أو يتحقق. فالإنسان هو الذي يحمل القيمة في ذهنه ويحمـِّلها على ما يريد، الأشياء حيادية في ذاتها (ضارة أو خيرة). والقيمة: هي الاهتمام بشيء ما، له أهمية لاعتبارات اجتماعية أو أخلاقية أو نفسية أو جمالية. فالأخذ بالثأر قيمة لدى الجماعة التي ترى أنه يحقق شيئَا ما، واللجوء إلى الأحجبة والسحر له قيمة عند من يعتقد فيه. خصائص القِيَم: 1- عنصر التقدير الشخصي عامل مشترك بين خصائص القِيَم. فالقيمة هي الاعتقاد أن شيئا ما له قدرة على إشباع رغبة إنسانية، وهي صفة في الشيء تجعله له أهمية لفرد أو جماعة ففكرة المنفعة أساسية في القيمة (جمالية، مالية، ثقافية، صحية. الخ). 2-القيمة حقيقة سيكولوجية ليست قابلة للقياس. فالقيمة مسألة اعتقاد، فالشيء الذي له منفعة زائفة له نفس قيمة الشيء كما لوكان حقيقيا، وتحقق شيئًا يهدف إليه الشخص في حياته إلى أن يتبيَّن زَيف القيمة. 3-نسبية وليست مُطلَقة. القيمة نسبية وشخصية تتوقف على الاعتقاد فلا بد أن تكون، أي تختلف من شخص لشخص بالنسبة لحاجاته ورغباته وتربيته وظروف وتختلف من زمن لزمن ومن مكان لمكان ومن ثقافة لثقافة. 4- حيادية. القيمة حيادية في ذاتها ويحمّلها الإنسان ما يريد. 5- ترتيب هرمي. وهو ما يسمى سلم القِيَم للفرد الواحد العديد من سلم القِيَم يتناسب مع المواقف الكثيرة التي تدعوه للاختيار (يتربط من لسانه) وسلم القِيَم ليس ثابتا. 6- القِيَم تتضمن نوعا من الرأي أو الحكم على شخص أو شيء أو معنى. 7- تتضمن لونا من الوجدان، واتجاها نحو الشخص -الشيء- المعنى. فالوفاء عند الكلب غريزي وليس من قبيل القِيَم. 8- القِيَم اختيار واعٍ فإذا كانت مجرد سلوك عادي فهي تندرج تحت تعريف السلوك الوعي بشيء أو فكرة أو شخص أي إدراك الشيء موضوع القيمة وتمييزه (تذكره تصوره. الخ). 9- اتجاه وجداني أو انفعالي أكثر من مجرد حالة وقتية عابرة الميل للشيء أو النفور منه (السرور، الألم الحب، الكراهيَة). 10- السعي بذل مجهود لبلوغ هدف معين والوصول لمعيار معين من السلوك. 11- الفرد حر في اختيار ما يحب وإنما مقيد إلى حدٍ بعيدٍ بالبيئة التي نشأ فيها، وبالمجتمع الذي يعيش فيه. أهمية القِيَم تعطي إطارا لثقافة المجتمع فتربط أجزاء المجتمع وتوحدها بقدر الإمكان فتعطيها صبغة معينة. تعطي إطارا أخلاقيا للنشاط الإنساني ولذلك تعمل على تنمية المجتمع وتعاون الجماعة. القِيَم تدخل ضمن إطار الأمن القومي، الذي يتطلب جانبًا سياسيًا وجانبًا عسكريًا وجانبًا قيميًا. وهي أحكام تحدد المرغوب فيه طبقًا لمعايير الجماعة، فالقِيَم تصور عام ومجرد للسلوك، ويشعر أعضاء الجماعة بارتباط شديد بالقِيَم فهي تتيح لهم مستوى للحكم على الأفعال. والمجتمع يحتاج إلى قيم يحتكم لها، وهذه القِيَم تُعطى للشخص والمجتمع قوامه فهي ليست ترفًا. لذلك،، هناك أمر في غاية الأهمية، أن يتعلم الفرد كيف يقوم وكيف يحكم وكيف يختار من بدائل، وماذا يدخل في حسابه خلال الاختيار وكيفية توقعه لنتائج أعماله قبل أو في أثناء فعلها وكيف يتحمل نتائج أعماله.   --- ### مشاهدات إكليروسية [٢] - Published: ۲۰۲۲-۰۵-۰۳ - Modified: 2023-11-16 - URL: https://tabcm.net/5358/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: إبراهيم فهمى هلال, إكليروس, الأب متى المسكين, الإخوان المسلمين, الضباط الأحرار, الكنيسة القبطية, انتخاب البابا, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس السادس, بابا يوساب الثاني, جماعة الأمة القبطية, جمعية التوفيق القبطية, حبيب جرجس, رئيس جمال عبد الناصر, رئيس محمد نجيب, صبحي صموئيل, عبد الرزاق السنهوري, مجلس قيادة الثورة, مدارس الأحد, منسى فرج, منسى يوحنا قبل نحو نصف قرن وبضع سنوات، تحديداً في العام 1968، شهدت كنيستنا المحلية ـ مار جرجس، القللي ـ رسامة أوّل كاهن يخصص لخدمتها، القس "منسى فرج"، بعد سلسلة ممتدة من الكهنة الأتقياء الذين يتم نقلهم من كنائس وربما إيبارشيات أخرى للخدمة بها بشكل مؤقت. كانوا يأتون محملين بمشاكل وأزمات بينهم وبين كنيستهم، أو بينهم وبين اسقفهم، أو بينهم وبين مجلس كنيستهم. كان البابا كيرلس يسارع بنقلهم إلى كنيستنا ليفض الاشتباك وحتى يكون الكاهن بالقرب منه يتابعه ويراقب التزامه، وتصحيح مساره، فيعيده إلى كنيسته. لذا فهو بالنسبة لكنيستنا المحلية: "كاهن ترانزيت" يرى فترة وجوده هذه أقرب إلى العقوبة، وكان لهذا انعكاساته على خدمته، فوجوده المادي هنا بينما قلبه هناك. لكن هذا لا يمكن تعميمه كقاعدة، فقد كان بينهم من يرى يد الله في نقله. وأنه محمّل برسالة يؤديها حيثما يرسله الله. لهذا كانت فرحتنا غامرة بالكاهن الجديد، شاب يافع مجتهد مقبل على الخدمة، يعشق الليتورجيا، والألحان والطقوس الكنسية، بادرنا؛ صديقي "صبحي صموئيل" وأنا، بالذهاب إليه في محل إقامته بعد الرسامة حيث يقضى فترة أربعين يومًا كترتيب الكنيسة لإعداده لخدمته في دقائق جانبها الطقسي والمعروفة بفترة استلام الذبيحة، وكانت إقامته ببيت المطارنة الملاصق لمقر إقامة البابا البطريرك، بالكنيسة المرقسية بكلوت بك. ذهبنا ومعنا كتابين للقس "منسى يوحنا" (1899 ـ 1930) ـ أحد نوابغ الكهنة الشباب والذي أثرى المكتبة المسيحية بالعديد من الكتب الروحية والتاريخية وفى مقدمتها "تاريخ الكنيسة القبطية" أحد أهم المراجع في التأريخ الكنسي ـ تيمنًا بأن كاهننا على اسمه، وتطلعًا لأن يكون فيه من روحه. كان المشهد جدير بالتأمل، يجمع بين شاب مولع بالألحان القبطية يملك حنجرة ذهبية، وبطريرك يتماهى مع الصلاة ويعتبرها خبز يومه، لكن هذا المشهد رحل مع رحيل البابا البطريرك، لتبدأ رحلة رهبنة الفضاء القبطي خارج الأديرة، إذ تقرر أن يمضى الكهنة الجدد أربعينية إعدادهم الطقسي داخل أحد الأديرة، ليعودوا إلى كنائسهم بهوى رهباني وأقدار متباينة. لم يكن الأمر بظني محض مصادفة، بل كان وراءه عقول تملك رؤية واضحة، وهدف محدد، كان يسيطر على طيف من الرعيل الأول من كوادر منظومة مدارس الأحد، جيل شباب الأربعينيات الواعد من القرن المنصرم، والذي تفتح وعيه على تناقضات المشهد المصري السياسي والديني. كانت سني ولادتهم تتماس مع تفجر ثورة 1919 أو بعدها بسنوات قليلة، وتحتشد بالوهج الوطني، المطالبة بالاستقلال، قبل أن يصدمهم إعلان تشكيل جماعة الإخوان المسلمين (1928) التي تبنت الدعوة والعمل على إعادة إحياء الخلافة بعد سنوات قليلة من سقوطها في طورها العثماني (1922). كان المشهد يشمل كل الجيل بأطيافه الاجتماعية والدينية، ومنه تشكلت الخريطة السياسية والحراك السياسي لذاك الجيل. وأنا هنا أتناول ما يتعلق بالجانب القبطي، لذلك سأكتفي بالقول أن على الجانب الأخر ظهر تأثير الحدثين؛ ثورة 19 وتأسيس جماعة الإخوان في التكوين الفكري والسياسي لما عرف باسم "تنظيم الضباط الأحرار"، والذي كان له موقفًا متحفظًا تجاه ثورة 19، فيما افسح مساحة في تكوينه لجماعة الإخوان، وحين قُيّض له أن يتولى السلطة في 1952، كان من بين الحقائب الوزارية وزارة الإرشاد القومي، والتي تتولى وضع السياسة الإعلامية العامة للدولة، ومخاطبة الرأي العام في الداخل، والتواصل مع العالم الخارجي، وربما يكون المسمى مستوحى من نظيره في تنظيم تلك الجماعة، وما يدعم ذلك استبداله باسم الثقافة والإعلام على إثر الصدام بين الجماعة وبين مجلس قيادة الثورة 1954. واللافت عودته مجددًا حتى رحيل الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر. كان جيل شباب الأقباط، الذي شب عن الطوق في أربعينيات القرن العشرين، يعيش مناقضة المد الوطني ترتيبًا على ثورة 19، والمد الديني ترتيبًا على تأسيس جماعة الإخوان، حين أراد أن يجد لقدمه موضعًا في الشارع السياسي، كانت الغيوم تملأ فضاء الأحزاب، وكان الهوى الطائفي يتسلل إلى الشارع. كانت تجربتي جماعة الأمّة القبطية ومنظومة مدارس الأحد، أبرز التكتلات القبطية تأثرًا وتأثيرًا بالمناقضة التي أشرنا إليها، فبينما تبنت الأولى طريق المواجهة حتى المصادمة، تبنت الثانية سياسة النفس الطويل والتغيير المرحلي. لكنهما اتفقتا على التربص بالبابا البطريرك الأنبا يوساب الثاني، وكان لكل أسبابه، ففي حين رأت جماعة الأمة فيه رجلًا ضعيفًا ترك زمام أمور الكنيسة في يد تلميذه، كما رُوِّج وقتها عبر كلام مرسل لم يقم عليه دليل، كانت جماعة مدارس الأحد تراه خطرًا على الكنيسة بتوجهاته للتقارب مع الكنائس الخلقيدونية، يدعمهم أساقفة يتوجسون من دراساته اللاهوتية في اليونان، لكن كلاهما ـ مدارس الأحد والأساقفة ـ لم يعلن ذلك، وحشدوا مجلة مدارس الأحد بسيل من المآخذ الطقسية والإدارية. ثمة ملاحظات على سير هذه الأمور وقتها: • أن جماعة الأمة القبطية، ظهرت واختفت في غضون عامين، في أعطاف ثورة 52، وكان لها موقعًا قريبًا من قيادتها، بجناحيها، سجلتها صور قيادة الجماعة، الأستاذ إبراهيم فهمى هلال المحامي، مع كل من محمد نجيب وجمال عبد الناصر. • البيان التأسيسي للجماعة وشعارها جاءا محاكاة تكاد تصل للتطابق مع نظيرهما عند جماعة الإخوان المسلمين. • وفى احتفال الجماعة بمرور عام على تأسيسها والذي أقيم بجمعية التوفيق القبطية ـ 1953 ـ أعلن أن عضويتها تجاوزت التسعين ألف، • وثالث الملاحظات، وتزامن توقيت القبض على هلال وقيادات الجماعة مع دخول الأستاذ نظير جيد الدير قاصدًا الرهبنة، بالرغْم أن كلاهما أكد على عدم انضمام الأخير للجماعة، • أما أخر الملاحظات اللافتة، أن محاكمة هلال وحل جماعته لم يكن لهما عِلاقة بحادثة اختطافهم للبابا يوساب، الذي من منطلق أبوته وحرصه على مستقبل هؤلاء الشباب، ناشد قيادة الثورة بالإفراج عنهم، واستجيب لطلبه، إنما جاءت المحاكمة لاحقًا والإدانة وقضاء عقوبة السجن كاملة على خلفية المذكرة التي قدمتها الجماعة للجنة إعداد الدستور التي رأسها الدكتور عبد الرزاق السنهوري، وكانت الصراعات بين أجنحة ضباط يوليو خلف كل هذا. كانت شباب اللجنة العليا لمدارس الأحد يسعون لكسر احتكار الرهبان للرسامة لرتبة الأسقفية، اعتمادًا على أن تاريخ الكنيسة يحفل بالعديد من الأساقفة بل والبطاركة الذين اختيروا من غير الرهبان، تجار وأراخنة ومزارعين وكانت لهم بصماتهم في حبريتهم، فبادروا إلى الدفع باسم رائدهم الأستاذ "حبيب جرجس" للرسامة أسقفًا للجيزة عقب خلو كرسيها، لكن مجمع المطارنة والأساقفة رفض هذا السعي تمامًا وأبطله. ويرقب شباب اللجنة هذا ويتابعون فشل إقصاء البابا يوساب عن الكرسي بالقوة، وما آلت إليه حالة جماعة الأمة القبطية، ويدركون أنَّ لا تغيير يأتي خارج منظومة الرهبنة فيبادرون إلى الالتحاق بالرهبنة، فيما ينتصف العام 1954، وفى الأيام الأخيرة للعام 1956 يرحل البابا يوساب فيبادر شباب رهبان مدارس الأحد ولم يمض على رهبنتهم عامين بالترشح للكرسي البابوي في ترجمة على الأرض لمخططهم، فتباغتهم تعديلات لائحة انتخاب البابا البطريرك فيما يتعلق بشروط الترشح، وقد تضمنت ألا يقل السن عن أربعين عامًا وألا تقل سنوات الرهبنة عن خمسة عشر عامًا، فيجدوا انفسهم خارج قوائم المرشحين لعدم استيفائهم لهذين الشرطين، وكان في مقدمة المستبعدين الراهب متى المسكين والراهب أنطونيوس السرياني. لم يستسلم المستبعدون فيدفعون باسم أبيهم الروحي الراهب مينا المتوحد والذي يحظى بموافقة جمعية الناخبين ليصبح البابا كيرلس السادس، ومن خلاله يجدون لهم مواقعًا أسقفية كما أوضحنا في الحلقة السابقة من مشاهداتنا الإكليروسية. ثمة ملاحظة عابرة حول شخصيتين كان لهما دورا إيجابيًا وفاعلًا في نهضة الكنيسة: الأستاذ حبيب جرجس والبابا كيرلس السادس، ومن عندهما انطلق قطار هذه النهضة، وفيما يتعلق بشباب اللجنة العليا لمدارس الأحد لا يمكن إغفال دورهما في مسارات هؤلاء الشباب، فالأول اختارهم ووضعهم على قمة منظومة مدارس الأحد والثاني ضمهم إلى صفوف القيادة العليا للكنيسة، ويربط البعض بين هذا وبين اعتمادهما ضمن قديسي الكنيسة مؤخرًا (يونيو 2013). ومازالت جعبة المشاهدات مليئة بالأحداث الجديرة بالطرح. --- ### القبطية وإشكالية القومية والتغرب - Published: ۲۰۲۲-۰۵-۰۲ - Modified: 2023-11-17 - URL: https://tabcm.net/5286/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, مقالات وآراء - وسوم: إليعيزر بن يهودا, المركز الثقافي القبطي, تادرس يعقوب ملطي, ليتورچي منذ أن توقف استعمال اللغة العبرية المحكية في القرن الثاني الميلادي، بدأت العبرية تندثر شيئا فشيئا حتى أصبحت تقتصر على الشعائر الدينية في المعابد إلى أن تم استرجاعها في القرن التاسع عشر على يد الصحفي "اليعيزر بن يهودا" الذي درس العبرية في روسيا ليكون حاخاما، ثم سافر إلى القدس. ولم يكن الأمر سهلا على الإطلاق لإحياء تلك اللغة البائدة نعم، يمكن للمرء أن يكون مغتربًا بينما هو يتغنى بمباهج الانتماء. هذا هو حال المواطن القبطي الأسمر الذي يتغنى فرحا بألحان لغة لا تربطه بها أي صلة سوى أن أجداده كانوا يتحدثون بها قبل انقراضها وخروجها من كل الأطر الاجتماعية. يقرأها بحروف عربية، ويزعم أنها لغته القومية وأنه يفعل ما يفعل ليحفظ هويته من الاندثار. إلام وصلنا؟ إن كنت تحاول الحفاظ على لغة الأجداد فعلا؛ فصون الهوية القومية أمر محمود لا غبار عليه. لكن، هل تلك الجهود تؤول إلى حفظ القومية وإعادة إحياء اللغة فعلا أم أننا نفعل ما نفعل بلا أي نتائج ملموسة؟ للإجابة على هذا السؤال، ينبغي أن نعود إلى التجربة العبرية في إحياء اللغة. فهي تجربة واقعية ناجحة لإحياء لغة منقرضة ومائتة ينبغي أن نتعلم منها. منذ أن توقف استعمال اللغة العبرية المحكية في القرن الثاني الميلادي، بدأت العبرية تندثر شيئا فشيئا حتى أصبحت تقتصر على الشعائر الدينية في المعابد إلى أن تم استرجاعها في القرن التاسع عشر على يد الصحفي "اليعيزر بن يهودا" الذي درس العبرية في روسيا ليكون حاخاما، ثم سافر إلى القدس. ولم يكن الأمر سهلا على الإطلاق لإحياء تلك اللغة البائدة. أصر "بن يهودا" على تحدث العبرية في منزله مع عائلته. وواجه صعوبات عديدة لأن أعضاء أسرته لم يعرفوا العديد من الكلمات الأساسية، وكان عليه أن يلجأ إلى الإشارة إلى الأشياء للتواصل. ومع الوقت، أتقنت أسرة واحدة العبرية كلغة منطوقة. وكانت تلك الأسرة النبتة التي أفرخت. ثم، دعا "بن يهودا" يهود الشتات وكذلك يهود فلسطين للتحدث بالعبرية. واعتمد على تأجيج مشاعر اليهود للترسيخ إلى الصهيونية وأرض الميعاد المنشودة، ما دفع اليهود إلى الاستجابة له وتحمل مشاق التعلم. وأسس اجتماعات ناطقة بالعبرية. وبدأت المدارس في القدس في تدريس العبرية. كما أنشأ "بن يهودا" صحفا باللغة العبرية. تشير تلك التجربة إلى إمكانية إحياء اللغات المائتة، لكن ليس عن طريق ترديد كلمات اللغة المائتة دون فهم أو قراءتها بحروف لغة أخرى! بالتالي، يمكننا القول إن إصرار آباء الكنيسة على الصلاة بالقبطية لا هو إحياء للغة ولا حفاظ على القومية! هي جهود بلا هدف يستوي فعلها وعدم فعلها على حد سواء. إن استمرت الأمور على هذا النهج، لن نصل إلى شيء؛ ستبقى القبطية لغة منقرضة، وسيبقى القبطي في وضع المتغرب واللامنتمي أبدا. إن كنتم تريدون إحياء اللغة فعلا، أفعلوا مثل "بن يهودا" بداية من أسرتكم الصغيرة. ولدينا مركزًا ثقافيًا قبطيًا يمكن أن يساعد في التثقف باللغة القبطية كما يمكن أن يساعد في نشر اللغة صحفيًا بجوار المركز الإعلامي القبطي. وسنشكركم نحن الجهال المبتلون بالعجمة وعجز اللسان جزيل الشكر إن نفّعتونا بعلمكم. لا مثيل للغة الأم كوني مطبوعة بلغتين، العربية والإنجليزية التي أتقنها مثل لغتي الأم العربية، سألت نفسي: لماذا يصبح السباب أسهل كثيرًا بالنسبة لي حين أستخدم الإنجليزية. ولماذا أنزعج حين أسمع الألفاظ النابية بالعربية بينما أسمع الألفاظ المقابلة لها بالإنجليزية دون أي انزعاج يذكر! اكتشفت أن السبب هو ما تحمله لغتنا الأم التي نولد بها من ذكريات ومشاعر ومفاهيم مجتمعية تأتي في صورة ومضات تحملها الكلمات. فاللغة الأم جانب شعوري لا تقايضه أي لغة أخرى مهما أتقنتها. التأثير الشعوري الذي تُحدثه اللغة التي ننشأ عليها، لا يقارن على الإطلاق بلغة مكتسبة، فكم بالأحرى لغة بائدة تبدو كالطلاسم نفهمها من خلال الترجمة؟ ولماذا أحتاج إلى مترجم كي أتواصل مع الله؟ ناهيك عن نسبة الأمية في مجتمعنا المصري أساسًا. التبشير والليتورجيا يرى القمص "تادرس يعقوب ملطي" أن الصلاة باللغة الأم أمر جوهري من أجل الحفاظ على الروحانية، لافتا إلى أن دور الكنائس هو التبشير بالمسيح. لذلك، فهو يصلي القداسات في الولايات المتحدة بالإنجليزية فقط حتى يفهم أي شخص يدخل إلى الكنيسة رسالة الله. كما انتقد تباري الشمامسة بالألحان على حساب الشعب. لغة السماء هل مازلت تصر على أهمية الصلاة بالقبطية؟ حسنا، ربما قد نجحوا في إقناعك أنها لغة الملكوت. لكن، لما لا تكون لغة السماء هي اللغة الآرمية التي تحدثها المسيح في أثناء تجسده؟ هل من اللائق أن تكون لغة الملكوت لغة لم يتحدثها المسيح ولم ينطق بها؟ إن كانت هناك لغة للسماء، ستكون لغة رب السماء، لا لغة قدماء المصريين. هذا إن افترضنا المسيح به من العنصرية ما يجعله يفرض لغته القومية كلغة السماء، ولا عزاء للقوميات الأخرى. كفانا شعوذة وصياحًا قومجيًا لا معنى له. لا يرفض أحد فكرة تعلم لغة جديدة أو استرجاع لغة مصرية قديمة، لكن، لكي نحقق ذلك، يجب أن ينبت للغة براعم في الحياة العامة لا فقط أن نرددها في الكنيسة وكأننا نردد تعويذة بلا  ذهن حاضر. أُصَلِّي بِالرُّوحِ، وَأُصَلِّي بِالذِّهْنِ أَيْضًا. أُرَتِّلُ بِالرُّوحِ، وَأُرَتِّلُ بِالذِّهْنِ أَيْضًا. (1 كو 14: 15) --- ### خواطر في تفسير إنجيل يوحنا
الإصحاح الرابع (٢) - Published: ۲۰۲۲-۰۵-۰۱ - Modified: 2022-04-21 - URL: https://tabcm.net/4841/ - تصنيفات: كتاب مقدس أجاب يسوع وقال لها: «لو كنت تعلمين عطية الله، ومَن هو الذي يقول لك أعطيني لأشرب، لطلبت أنت منه فأعطاك ماءً حياً». (إنجيل يوحنا ٤  : ١٠) ذكرنا في مقالاتٍ سابقة أن معرفة الإنسان لله وتَعَرُّفه على الإله الحق هو عطية الله بالدرجة الأولي للإنسان، لأن الله أعلي من قدرة العقل البشري أن يعرفه. وأن الله هو الذي يُعلِن ذاته للإنسان - علي سبيل النعمة - بواسطة عِلاقة مع الإنسان فيعرف الله الذي هو فوق وأعلى من المعرفة العقلية ”الغنوصية Gnosticism“. و كان أول مثال لذلك عندما خلق الرب الإله آدم وحواء وأنعم عليهما أن يعيشا بالقرب منه في شركة حياة معه في جنة عدن علي الأرض، بهدف الوصول بالاختيار الحر إلي حالة الاتحاد بالله فيتحقق خلود الإنسان، وينال الحياة الأبدية ودخول ملكوت الله في السموات. إن عطية الله للإنسان  هي دائماً حاضرة تنتظر قَبُول الإنسان. و لقاء المسيح مع السامرية يوضح أن قَبُول شخص المسيح  ليس معضلة تحتاج طاقات بشرية فائقة لأن الإيمان بالله هو ببساطة دعوة منه ”يا أبني أعطني قلبك، ولتلاحظ عيناك طرقي“ (أم ٢٣: ٢٦). وقَبُول الإنسان وإيمانه بالرب هو عمل الخالق وحده لأنه فعل قيامة وانتقال من موتٍ إلي حياة ”إِذًا لَيْسَ الْغَارِسُ شَيْئًا وَلاَ السَّاقِي، بَلِ اللهُ الَّذِي يُنْمِي. “ (١ كو ٣: ٧). فإن عمل خادم الرب (الغارس) في توصيل بذرة الإيمان، ومجهود المخدوم (الساقي) في عنايته بها ليس مُنشِئ للحياة ولكنه كاشف لنعمة الله بقيامة الإنسان من موت الخطية المُعلَنَة في نمو السيرة والمسيرة الروحية. ١١ قالت له المرأة: «يا سيد، لا دلو لك والبئر عميقة. فمن أين لك الماء الحي؟ ١٢ ألعلك أعظم من أبينا يعقوب، الذي أعطانا البئر، وشرب منها هو وبنوه ومواشيه؟». (إنجيل يوحنا ٤  : ١١ - ١٢) لقد طرحت المرأة السامرية تساؤلاً يراود الإنسان علي مدى تاريخه منذ خروجه من شركة الحياة مع الله في جنة عدن و بسبب غربته التي طالت حتي صارت الأرض- وليس جنة عدن -هي الفردوس  في نظر الإنسان. ببساطة فإن السامرية أجابت دعوة الرب لها بتساؤل مفاده : ماذا ستعطيني أنت ولم يستطع العالم أن يعطيني إياه؟! إنه تساؤل مشروع رغم أنه مزعوم كما سنري ! فلقد عقدت المرأة مقارنة صريحة بين عطية الله في المسيح، وبين ما يتمتع به الإنسان من خيرات مادية ملموسة في حياته علي الأرض أستطاع من خلالها الوصول بالقدرات والإمكانيات البشرية في العالم الحاضر إلي ما يفوق الخيال. وربما هذه المقارنة تبدو للوهلة الأولي أنها ستُنهِي تلك المنافسة المزعومة في صالح العالم الحاضر وليس الرجاء فيما يقدمه المسيح ! ! . ولكن العجيب في الأمر أن الرب يسوع المسيح قد أجاب في موضعٍ آخر بما لا يتعارض مع هذا التساؤل بل ربما يوافقه، إذ قال له المجد ”لأن أبناء هذا الدهر أحكم من أبناء النور في جيلهم“ (لو ١٦: ٨). فالمسيحية ليست انقلاباً علي حياة الإنسان الحاضرة أو دعوة للخروج من العالم الحاضر وتكفيره بحجة أنه شرير ”نَعلَمُ أننا نَحنُ مِن الله، والعالَمَ كُلَّهُ قد وُضِعَ فِي الشرِّير“ (١ يو ٥: ١٩). إن الله لا يخلق الشر لأنه - سبحانه - ليس فيه شر. وقد جعل آدم كاهناً ومسئولاً عن الخليقة في الأرض. ولَما سقط آدم و خضع للشيطان، تبعته الخليقة لأنها مرتبطة به، فصار العالم في قبضة الشرير. وتجدر الإشارة إلي أنه و بالرغم أن الفردوس كان جزءاً من الأرض و تميز بخلوه من الشرور، إلا أن هذا لم يحمي أو يمنع الإنسان من أختيار الشر حينئذ، لأن الإنسان مخلوق حر الإرادة. و بالِمثل فإن تسلل الشر و الشرير إلي العالم لا يُحتِّم ولا يُجبِر الإنسان علي أختيار الشر”أنت بِلاَ عُذرٍ أيها الإنسان“ (رو ٢: ١).   وقد كان أخنوخ البار الذي أختُطِفَ إلي السماء مثالاً لذلك ”وَسَارَ أَخنُوخُ مَعَ الله، وَلَم يُوجَد لأَن اللهَ أخَذَهُ“ (تك ٥: ٢٤). ”ولكِن لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزمَانِ أَرسَلَ اللهُ ابنَهُ مَولُودًا مِنِ امرَأَة“ (غل ٤: ٤) ليُنهي هذا الوضع الغريب والشاذ للإنسان المخلوق أصلاً للخلود والحياة الأبدية، وأنتصر الرب لأجلنا - كإنسان - علي الشيطان وقال الرب بلسان كل إنسان : ”رئيس هذا العالم يأتي وليس له فيَّ شئ“ (يو ١٤: ٣٠). هذه النصرة  أستعلنها الرب لنا وأعطانا إياها سلاحاً في حياتنا علي الأرض عندما هزم الشيطان الذي جاء يجرب الرب يسوع المسيح علي الجبل (أنجيل متى ٤). إن تدبير الرب لخلاص الإنسان الذي أكتمل بالتجسد الإلهي قد همَّش وقيَّد الشيطان كرئيسٍ لهذا العالم ”فقبض على التنين، الحية القديمة، الذي هو إبليس والشيطان، وقيده ألف سنة“(رؤ ٢٠: ٢). وإلي أن يأتي المنتهَي وتصير الأرض للرب ومسيحه بمجيئه الثاني. هذه الألف سنة رمزياً هي ”الملك الألفي للمسيح“ تعيشها الكنيسة ومؤمنوها الآن في هذا العالم الحاضر وخيرات الرب فيه منتظرين مجيئه وليسوا تحت عبودية الشيطان، بالرغْم من انه أستمر في خداع البشر لكي يستخدموا خيرات الله علي الأرض في الشر، كما سبق وخدع أبوينا بالاستخدام الخاطئ لعطايا الله الخيّرة في الفردوس. ١٣ أجاب يسوع وقال لها: «كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضاً. ١٤ ولكن مَن يشرب مِن الماء الذي أعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد، بل الماء الذي أعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية ». ١٥ قالت له المرأة: «يا سيد أعطني هذا الماء، لكي لا أعطش ولا آتي إلى هنا لأستقي ». (إنجيل يوحنا ٤  : ١٣ - ١٥) إن إجابة المسيح علي تساؤل السامرية لا تحمل أي دعوة لانفصام أو تناقض أو عداوة داخل الإنسان بين أيمانه و حياة الشركة في المسيح مِن جهة، وبين متطلبات حياته اليومية وسعادته في دنياه مِن جهةٍ أخري. فالرب لم يثنيها عن عزمها أن تملأ جرتها ماءً من البئر لتستقي. إن قصد الرب كان واضحاً وصريحاً وهو عودة وعي الإنسان لحقيقة مصيره أنه ليس محصوراً في الأرض بل هو أيضاً ممتدٌ إلي ملكوت الله في السموات. فبينما انشغلت السامرية بالمقارنة بين العطايا ”من أين لك الماء الحي؟ ألعلك أعظم من أبينا يعقوب، الذي أعطانا البئر؟“، فإن الرب أيقظ وعيها لِمَا وراء العطايا من حيث دوامها وثبات طبيعتها. لقد دخل الرب إلي العمق ”نهايةُ أَمْرٍ خيرٌ مِن بدايته“ (جا ٧: ٨) و وجَّه المقارنة لتكون عن مصير الأمور، لأن معرفة النهاية يكشف لنا الحقيقة التي قد تكون خافية في البداية. كان حديث الرب عن الماء أنه يروي عطش الإنسان وإلا هلك بانقطاعه. وأن الماء الذي يَفرَغ فإنه يحمل عدم جدواه فيه لأنه مِثل عدمه إذ أنه ينتهي بالعطش والفناء و العَدَم : «كل من يشرب من هذا الماء يعطش أيضا». والعكس صحيح، فضمان الحياة وحفظها من الفَنَاء يوفره يَنبوع لا تنقطع الماء فيه إلي الأبد : «ولكن من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا فلن يعطش إلى الأبد، بل الماء الذي أعطيه يصير فيه ينبوع ماء ينبع إلى حياة أبدية». هنا بدأ وعي المرأة يستيقظ ... فسقط بعض صدودها في الحُوَار عندما انتبهت إلى الفرق بين المتغير الذي يفنى وبين غير المتغير الذي يبقى خالداً. كان  دخولاً للسامرية إلي العمق رغم أن البدايات حيث الحكمة  لم تتجاوز بَعد المصير المرتبط بالأرض ”قالت له المرأة : «يا سيد أعطني هذا الماء، لكي لا أعطش ولا آتي إلى هنا لأستقي»“. إن طِلبة السامرية (يوحنا ٤  :  ١٥) نكررها كثيراً خلال مسيرتنا مع الرب. وهذا لا مانع منه وهو جيد. فنحن نقصد الطب للعلاج رغم أننا نطلب الشفاء من الرب. ونجتهد في التحصيل الدراسي لننجح ولكننا لا نتوقف أن نطلب من الرب التوفيق في الامتحان ... إلخ. فلا ينبغي أن نقلل من شأن إيماننا بالرب عندما نقصده طالبين خيره المادي هنا علي الأرض فهو كثير”و أوصي الربُ الإله آدمَ قائلاً«من جميع شجر الجنة تأكل أكلاً»“(تك ٢: ١٦). إن خيرات وعطايا الأرض هي قبسٌ من خيرات  الرب في السماء و تشير إلي فضله وكرمه ومحبته ”خيراتك جديدة في كل صباح... السموات تُحدِّث بمجد الله والفَلك يخبر بعمل يديه“ (مز ١٩: ١). ثم كان التجسد الإلهي دخولاً لله في تاريخ الإنسان والخليقة من أجل العودة بالمادة والجسد إلي حالة القداسة الأولي ”ولأجلهم أقدس أنا ذاتي ليكونوا هم أيضاً مُقَدَّسِينَ في الحق“ (يو ١٧: ١٩). وهذا هو المقصود بالعبارة التي نسمعها ”مَسحَنة المادة والعالم في المسيح يسوع“. فمِن خلال مسيرة الإنسان مع الله في هذا العالم الذي تمسحن بالقداسة في الرب يسوع المسيح  ينمو الإنسان وتنمو سيرته في المسيح  وتتضاءل اهتماماته بالماء الذي يحمل نهايته فيه - رغم أهميته - لأنه قد وجد الماء الحي. كان أستعلان تلك الحقيقة في ختام لقاء الرب مع المرأة السامرية. فقد تركت جرَّتها عند البئر وذهبت تكرز بالمسيح لقريتها. فأصبحت مثالاً  للذين تقابلوا مع الرب وامتلأوا حتي تضائل بالتدريج شغفهم وانحصارهم وقلقهم بمتطلبات الحياة الزمنية مقارنة ً بحالهم عن ذي قبل. و ذلك ليس هرباً وكأن متطلبات الحياة  شراً في حد ذاتها؛ وليس لتغطية قِلة طموح أو تخلِّي عن مسئولية النجاح في الدنيا حَسَبَ طاقة كل فرد (دراسة أو عمل أو علاقات ... إلخ)، ولكن ببساطة لأن الذي يشرب الماء الحي يرتوي فيتضاءل عطشه إلي أمورٍ في العالم هي ضرورية لآخرين. إن الرب يَقبل الذين يقصدونه وطلباتهم و يحققها لهم - وبحسب سَعَة كل إنسان - يرفعهم فوقها. هكذا تمسحنت طِلبة المرأة السامرية «يا سيد أعطني هذا الماء، لكي لا أعطش و لا آتي إلى هنا لأستقي». والسُبح لله بقلم د. رءوف أدوارد --- ### عند الصليب وقفت مريم - Published: ۲۰۲۲-۰٤-۳۰ - Modified: 2023-11-17 - URL: https://tabcm.net/5296/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون, المرأة القبطية - وسوم: الأب متى المسكين, المرأة الفاضلة, شجرة الحياة, مريم المجدلية ساعة واحدة هي جل ما طلبت في ضيعة جثسيماني من تلاميذك المختارين، ابتعدت نحو رمية حجر من الثلاثي المقرب لقلبك بطرس ويعقوب ويوحنا، وطلبت فقط ساعة واحدة يقضونها معك بروح نشيط أيها البار. في ليلة آلامك المقدسة، والظلام يُحيط بك، خرج المخلص وهو عالم بكل ما يأتي عليه (يوحنا ١٨) ليُعين هذا العالم البائس، طالبًا بعض السهر من أصدقاء مسيرته الذين دعاهم مرة يا أحبائي ومرة يا أولادي (يوحنا ١٣). لم يسهر أحد مع البار في ليلة الصراع المرير، أخذ التلاميذ سنة النوم، وأنقض الخونة كأسد مزمجر على فريسته، ومن حلفَ بأغلظ الأقسام أن يتبعه وإلى السجن وحتى الموت انكسر حينًا أمام الحشد، والجالس على كرسي الولاية ارتعش من سطوة الرعاع مع أنه عالم بكونه أُسلم حسدًا، حتى عُلق مَن السماء والأرض في قبضته على خشبة في ظُلمة لفّت الأرض من وقت الساعة السادسة حتى الساعة التاسعة. مُزين السماوات بحُسن النجوم، مؤسس الأرض بروح فيه وحيدًا، مُهانًا، مُجدفًا عليه، ومشكوكًا فيه من أقرب ١٠ قضى بينهم سنوات خدمته ما خلا حبيبه صغير السن يُوحنا! حين انسحب عمالقة الإيمان من المشهد الحالك السواد، كان هناك من لا يرهبن موت أو ألم أو حراس هيكل ولا جنود وثنيين. هل كانوا مُساقات من العاطفة؟ أم فاح طيبُ السيد بين ضلوعهن الهشة؟ أكانوا بكامل قواهن العقلية؟ أم خلعن مخاوفهن أمام جلال الصليب؟ بمراجعة سريعة لأناجيل الساعة الحادية عشر من صلوات الجمعة العظيمة للكنيسة الأورثوذكسية نجد "جوقة النائحات" كالتالي: وكانت هناك نساء كثيرات ينظرن من بعيد، وهن كن قد تبعن يسوع من الجليل يخدمنه. وبينهن مريم المجدلية، ومريم أم يعقوب ويوسي، وأم ابني زبدي (إنجيل متى ٢٧ : ٥٥ و٥٦) وَكَانَتْ أَيْضًا نِسَاءٌ يَنْظُرْنَ مِنْ بَعِيدٍ، بَيْنَهُنَّ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ، وَمَرْيَمُ أُمُّ يَعْقُوبَ الصَّغِيرِ وَيُوسِي، وَسَالُومَةُ، اللَّوَاتِي أَيْضًا تَبِعْنَهُ وَخَدَمْنَهُ حِينَ كَانَ فِي الْجَلِيلِ. وَأُخَرُ كَثِيرَاتٌ اللَّوَاتِي صَعِدْنَ مَعَهُ إِلَى أُورُشَلِيمَ. (إنجيل مرقس ١٥ : ٤٠ و٤١) وَكَانَ جَمِيعُ مَعَارِفِهِ، وَنِسَاءٌ كُنَّ قَدْ تَبِعْنَهُ مِنَ الْجَلِيلِ، وَاقِفِينَ مِنْ بَعِيدٍ يَنْظُرُونَ ذلِكَ. (إنجيل لوقا ٢٣ : ٤٩) طوباهن، طوباهن من اشتقن إلى بهائك أكثر من كل شيء أيها المسيح إلهنا، طوباهن من استحققن وسام الشجاعة عن جدارة، طوباهن من عرضن أنفسهن للأخطار والأهوال حين انسحب أقوى الشجعان؛ لذا استحققن معرفة موضع دفنك، وصار لهن قبرك سماءً مفتوحة تشهد عن أنوار القيامة، بل صرن مبشرات القيامة في زمن لا تؤخذ فيه بشهادات ناقصات العقل! السلام للتي بكرت جداً، والظلام باق، تسعى، يقودها الحب، تطلب تكريم من تحبه، فوجدها ووجدته. التلاميذ رأوا القبر قبراً فارغاً؛ وهذه رأته سماء مزينه بالملائكة. هؤلاء لما دخلوا القبر ما طلبوا شيئاً؛ وهذه تشبثت ببكاء تطلب من تحبه، حتى استعلن لها صاحبه في ملء الحياة وقوتها. هؤلاء عادوا صامتين من القبر إلى حيث أتوا؛ وهذه تسمر قلبها ورجلاها في الحجر كالحجر، تتأوّه، والدموع ملء عينيها، فاستحقت أن ترى مجد الله! السلام لمبشرة صهيون، أول من قطف من ثمرة شجرة الحياة، وأعطى التلاميذ، فأكلوا، وانفتحت أعينهم، وعاينوا النور، وادثروا بثوب الخلاص. السلام لمن استؤمنت، أول من استؤمنت على رؤية الرب المُقام، وعلى سماع اول كلمة من فيه. السلام لمن تسجل اسمها، أول ما تسجل في سفر الخلود وسجلات ملكوت السموات. بوركتِ يا مجدلية الأناجيل الأربعة، وبوركت دموعك وجرأتك ولجاجتك وأمانتك للجسد. شهوة اشتهبتِ تكريم الحبيب الميت، وتطييب الجسد، فاستحققتِ حبّ الحي ونوال رائحة المسيح الزكية ببشارة الحياة. (الأب متى المسكين) آه يا سيد، يا من أسلمت نفسك الحبيبة لأيد أعدائها، يا من أبطل عز الموت بصليبه، يا ذا القدرة المنيعة، يا من مضى إلى الجحيم بالنفس التي أخذها من طبيعة آدم وجعلها واحدة معه، يا من رآه البوابون الأشرار وقوات الظُلمة فهربوا في جزع ولم يطيقوا الثبوت أمام قوة جبروته، تطلع اليوم وانظر؛ فقد استباحوا كلماتك وعمل فدائك العظيم، تعال وانظر فقد ضربوا بـ"لَيْسَ يَهُودِيٌّ وَلاَ يُونَانِيٌّ. لَيْسَ عَبْدٌ وَلاَ حُرٌّ. لَيْسَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، لأَنَّكُمْ جَمِيعًا وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ. " (غلاطية 3: 28) عرض الحائط وها هم الآن بجبروت يُشيدون الحواجز أمام من عشقنك، يُفرضون حفرة عميقة بين النساء والرجال. لسنا واحدًا فيك يا سيد؛ فهم يروننا "مربوطين بالأدناس" والدنس ليس فينا بل في نظراتهم المستبيحة، أنهم ينكرون علينا محبتنا لك ويُخرسون ما تبقى منا لأنهم الأقوى والأقرب إلى مذبحك! هم يرون فينا الشهوة ورمز السقوط بينما ترفع أنت مريم العذراء أعلى من الطغمات السمائية أذ هي المجمرة الذهب النقي وعنبرها هو مخلصنا. أنهم يُثقلن على ضمائرنا بأعباء لا يمسسنها بأطراف أصابعهم، هم مهووسين بأجسادنا وملابسنا وشعورنا وما فوقنا وما تحتنا حتى غاب ظلك عنا، وتخبطنا في ظلام الجهالة الأولى، محرومات منك، ومن نعمة خلاصك، مُثقّلات بأجساد خلقتها أنت دون رغبة منّا، حتى هذا جعلونا نحتقره ونبغضه. أنهم يمرون بصفوفنا يتأكدون من أغطية الرأس وطول الكم ونبرة الصوت، ويتركون عنهم أثقال الناموس المحبة والإيمان والعدل والرحمة. والآن يا سيد، فإن عزائي وأقنوم رجائي أنك ثابت لا تتغير ولا يشوبك ظل دوران، أنت من كفكف دموع أرملة نايين، والتقى السامرية على بئر يعقوب، وفتح ذراعيه لمريم أخت لعازر، وقبل طيب الناردين كثير الثمن المخلوط بدموع امرأه... أنت يا سيد تبقى وكرسيك إلى الأبد، أحكم لي بعدلك ممن لم يدركوا أسرار الله ولم يفكروا في راحة النفوس التي لا عيب فيها أكثر من تمسكهم بالسلطة والثقافة المحيطة. أما أنا فأنتظر الرب، وأتمسك بالله مخلصي، فيستجيب لي إلهي، ولا يفرح بي أعدائي، وإن جلست في الظلمة فالرب يُضيء لي. إمضاء ابنة. --- ### كما في السينما كذلك على الأرض - Published: ۲۰۲۲-۰٤-۲۹ - Modified: 2023-04-27 - URL: https://tabcm.net/4875/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون, إصلاح كنسي, لاهوتيات - وسوم: Anthropocentric, Deocentric, بطلان الزواج, بليغ حمدي, ثروت أباظة, شيء من الخوف, عبد الرحمن الأبنودي, فؤادة شيء من الخوف (١٩٦٩) (لاهوت الدهاشنة) فيلم «شيء من الخوف» (١٩٦٩) مأخوذ عن قصّة للكاتب "ثروت أباظة". تدور أحداث الفيلم في عقد الستينات على ما يبدو، فالعقود نادرًا ما تختلف في حياة القرى المصريّة. أمّا المكان فهو قرية الدهاشنة، قرية لا وجود لها، ويريد المخرج التركيز على أنّ هذه القرية لا وجود لها، أو بالمعنى الأدقّ، لا يريد الكاتب حصر هذه القرية في مكان جغرافيّ بعينه، ولا في زمان بعينه. فالزمان والمكان حيث يسود القهر والظلم والانتقام والعنف وسط شعب خانع صامت خائف. وهذا الشعب يثير الدهشة، وهذا ما يبدو من اختيار اسم القرية: الدهاشنة. سنتعرّض لاحقًا لكلمات أَغَانٍ الشاعر الصعيديّ "عبد الرحمن الأبنوديّ"، فهي تتداخل مع أحداث الفيلم، ومع موسيقى "بليغ حمدي"، تتداخل مع قصّة الفيلم كنسيج سجّادة فارسيّة لا يمكن فصل أحد خيوطها وإلا أصاب الخلل الفيلم برمّته. ملكوت الشرّ ١. عتريس الجد يمثِّل ملكوتَ الشرّ شخصيّةُ عتريس الجدّ. يفرض هذا الشخص سطوته على القرية، ويحصل من أهلها على الإتاوات دون تقديم أيّ شيء مقابلها، فهي إتاوات لتجنّب شرّه. حتّى الموت، هيهات أن يتجنّب الإنسان شرَّه، فأقرب الأشخاص للمَيّت عليه أن يدفع الدَين، وإلا لاقى المصير نفسه. النظر إلى شخصيّة عتريس يطرح سؤال قديمًا: ما أصل الشرّ؟ هل الشر أمر يُفطَر عليه الإنسان أم مُكتَسَب؟ في حالة عتريس الجد نشعر وكأنّ الشر ليس مكتسبًا؛ إلّا أنّنا حينما نرى عتريس الحفيد في طفولته بل وبداية شبابه نرى أنّ الشرّ مُكتَسَب. ٢. الدهاشنة «آدي الدهاشنة، وادي انت، وادي عتريس، بتدور فيهم على مين؟ شيء من الخوف ما يأذيش» ترد هذه الجملة على لسان عتريس الجدّ. فعتريس أوّلًا ليس شخصًا من قرية أخرى بل هو من الدهاشنة نفسها. لذا أظنّ أنّ أوّل أتباع عتريس في مملكة الشرّ هم أبناء الدهاشنة أنفسهم، فهم الذين بخنوعهم جعلوا عتريسًا يتمادى في عنفه وقهره وظلمه. مَن يريد التمرّد على الظلم؟ إن أردتَ التمرّد على الظلم، فها هم الدهاشنة، وهام هم المقهورون الخانعون الصامتون المدجّنون. ستصبحَ أنتَ مَن يرفضك المقهورون ولن يساندوك، فشيئ من الخوف مايأذيش. . شيئ من الخوف يجعل الهشَّ ديكتاتورًا يأمر ويقتل مَن يشاء. مملكة الخير ١. قاتِل عتريس الجدّ؟ يقبض رجال عتريس الجدّ على رجل من الدهاشنة، ويعذبونه ويذلونه، فيتدخّل أخو هذا الرجل ليقتل الحفيد، إلّا أنّ الجد هو الذي يموت بعد انتزاعه تعهّدًا من حفيده بالثأر له. يطرح هذا المشهد مسألة النضال ضدّ الظلم: هل يجوز اتّخاد العنف سبيلًا للنضال ضدّ الظالمين؟ بكلمات أخرى، هل يمكن استخدام العنف لإنهاء العنف ذاته؟ ٢. فؤادة فؤادة دورها معقّد. لن أستطيع أن أختصر ما قامت به في سطور، عليّ أن أفكر أكثر وأكتب أكثر. مبدأيًّا، فؤادة، الأنثى، كسرت تابوهات المجتمع وكشفت خزي المجتمع الذكوريّ الذي يمارس ذكوريّته مطيّة يخفي فيها رعبه من النساء. أولئك النساء اللائي بصوتهنّ وإرادتهنّ يستطعن أن يخلقنَ عالمًا أفضل، وأن يصرخن صرخة قويّة قاسية صارمة جريئة تقضّ مضاجع أعتى الديكتاتوريين الذكور، وأن يفضحن تقاعس ذكوريّة المجتمع العربيّ الهشة. فؤادة المرأة التي تعرف كيف يتحوّل الحبّ في قلبها إلى صرخة تحرّريّة للخلاص الشامل للمدينة (الدولة) وليس الخنوع الذي يرضى بالخلاص الفرديّ. ٣. الشيخ إبراهيم (المؤسَّسة الدينيّة) أوّل كلمة "لا" في الفيلم خرجت من فم الشيخ إبراهيم! ونجح الشيخ إبراهيم في قول الحق من قبل أن تقضي يد الغدر على حياة ابنه. على هؤلاء الشيوخ إذًا أن يختفوا من الوجود، فهم خطر على وجود أي حاكم ظالم. مش خايفة... محبّش يدّ حد تتمدّ عليّ في الدقيقة الحادية عشرة مشهد يصوّر أوّل لقاء بين عتريس الجدّ والطفلة فؤادة التي لم تهرب كبقيّة الأطفال. تقول الطفلة إنّها ليست خائفة وتفسّر بعدها حين حاول لمسها على أنّه ليس خوفًا، بل لأنّها ترفض أن يلمسها أحد. يستحضر ذلك إلى ظاهرة الضرب في المدارس. يبدو أنّ هناك عقد غير معلَن بين النظم الديكتاتوريّة ونظامها التعليميّ، فيبدأ تعليم القهر مبَكِّرًا. فضرب التلاميذ على أياديهم في المدارس صورة مبكِّرة بل وتمهيد لضرب مخبر النظام الشموليّ على "قفا" المواطن الذي تسوّل له نفسه أن يتصرّف باعتباره شخصًا حرًّا ذي كرامة؛ بل هي صورة تمهّد وتسهّل عمل "فرج". «لا تحسب أنك تخيفني بهذا التهديد؛ فأنت لا تستطيع أن تقتلني، وإذا قتلتني فإنّي لن أموت... أنا أملٌ في نفسك... فكرة في ضميرك... الزواج منّي حلم طفولتك، وصباك، وشبابك. إذا قتلتني فسأظلّ في نفسك أملًا وفكرةً وحلمًا... وسيظلّ الحلم حلمًا لم يتحقّق». ‎‎ عرفت فؤادة أنّ ليس من حقّ أيّ إنسانٍ أنّ يمسّ جسدها، اعتداءً، ليس ذلك فحسب. فكرامة جسدها وكرامتها باعتبارها إنسانًا جعلتها تدرك تمام الإدراك سرّ قوتها. ففؤادة فكرة، والفكرة لا تموت، بل كما قال المقنّع في فيلم v for Vandetta الأفكار مضادّة للرصاص. الحقّ فكرة لا تموت، وإذا قتل الطاغية البشرَ فسيظلّ حلمه دون التحقّق، وسيزداد انهزامه، وتظلّ أحلامه من دون تحقّق. حقوق الإنسان وحقّ الله ما دوافع الشيخ إبراهيم للثورة على الطاغية؟ يمكن اعتبار الشيخ إبراهيم في الرواية على أنّه يمثل "الدين". وأوّل كلمة "لا" في الفيلم خرجت من فم الشيخ إبراهيم! ونجح الشيخ إبراهيم في قول الحقّ من قبل أن تقضي يد الغدر على حياة ابنه. على هؤلاء الشيوخ إذًا أن يختفوا من الوجود، فهم خطرٌ على وجود أيّ حاكم ظالم. ولكن، هل كانت الثورة التي قادها الشيخ ثورةً على انتهاك حقوق الإنسان؟ أمّ أنّها ثورة من أجل انتهاك آخر؟ في الفيلم كما في الرواية يتكلم الشيخ على أنّ الشعب صبرَ على انتهاك حقوقه، إلّا أنّه لا يمكن أن يصمت عن انتهاك "حقّ الله". يمكن من الرواية ومن الفيلم إدراك رمزيّة بطلان الزواج باعتبارها تلميحًا لحكم الحاكم على الدولة، والذي يرفضه الشعب، ممّا يجعل حكمه باطلًا. فإرادة الشعب ورضاه هما أساس العقد وأساس صحّته. إلّا أنّ رمزيّة بطلان زواج فؤادة باعتباره زواجًا باطلًا مرتبطًا بحقّ الله يثير مسألة غايةً في الأهمّية. فكلام الشيخ: "صبرنا على انتهاكه حقوقنا، أما انتهاكه لشرع الله فلا يمكن السكوت" يثير مسألة حقوق الإنسان وحقّ الله. الوجه الآخر لبعض المؤسسات الدينيّة التي لا تفتح فاها إلّا حينما يُنتهك "حقّ الله" وليس عندما يُنتهك "حقّ الإنسان". وكأنّ هناك تعارض أو فرق بين الاثنين. يأتي التعارض أو الاختلاف، أو دونيّة حقوق الإنسان أمام حقّ الله من النظرة للدين ذاته. فالنظرة السائدة في الشرق للدين أنّه دين "ذو مركزيّة إلهيّة"(Deocentric)، مقابل توجه الدين السائد في الغرب وبخاصّة بدءًا من القرن الثامن عشر باعتبار الدين ذا "مركزيّة بشريّة" (Anthropocentric) عالم الحداثة اليوم يظهر بجرأة أن دينًا لا يحترم الإنسان وحقوقه لن يكون له مستقبٌل. تلك هي النزعة الإنسانيّة. فالمسيحيّة في جوهرها دين ذو نزعة إنسانيّة humanist فإيمان المسيحيّة بالتجسّد جعل كرامة حقوق الإنسان من كرامة حقّ الله. ففي نهاية الأمر، الكلمة صار إنسانًا، وعانى من انتهاك حقوق الإنسان، ومن الطغيان، ووقع عليه حكم ظالم بالإعدام. --- ### الزواج المسيحي بين سندان الدولة ومطرقة الكنيسة - Published: ۲۰۲۲-۰٤-۲۸ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/5214/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, المرأة القبطية - وسوم: أسرار الكنيسة, الإصلاح البروتستانتي, الزواج الثاني, الزواج الكنسي, الزواج المدني, الطلاق في المسيحية, الكنيسة القبطية, بابا شنودة الثالث, جون مايندورف, حبيب جرجس, سر الزيجة, ڤاتيكان, قديس أوغسطينوس، أسقف هيبو يرى الكثير من رجال الدين الأقباط أن الزواج في المسيحية لا يتم إلا في الكنيسة، بل ولا يصح إلا إذا كان على يد كاهن "قبطي"، وما هو غير ذلك يُعتبر زنا! ويكرر الكثيرون -ومنهم أساقفة- جملة شهيرة وهي: "أن الزواج المدني زنا"... يا للهول! ! وهذا الكلام عقيم ويدل على ضيق الأفق، وعدم فهم لطبيعة الزواج بل طبيعة المسيحية أيضا، فهم يرون حَسَبَ هذا الرأي -إن جاز التعبير- أن العالم كله يعيش في زنا ما عدا "الكام مليون" قبطي من أتباعهم! وهذا كلام لا ينطق به إلا خريجو عنبر العقلاء "مع احترامنا لكل صاحب مرض". بل ويدعي بعض الكذابين والمُدعين أن من ينادي بالزواج المدني يريد أن يلغي الزواج الكنسي، وهم يروجون لذلك، إما عن عدم فهم، أو عن خبث، ولحشد أتباع من الجهلاء؛ والبسطاء، وعديمي المعرفة. ويبرر أوصياء الدين موقفهم هذا بأن الزواج في المسيحية "سر كنسي"، ونحن لا نختلف معهم في ذلك، ونقر ونقرر أن الزواج في المسيحية "سرّ مُقدس" لا خلاف ولا جدال في ذلك، ولكن لابد من تحديد معنى ومفهوم السر، فالسر الكنسي ليس شيئا غامضًا غير مفهوم، ولا هو سحر يقوم به رجل دين مشعوذ، ولا هو حجاب من بقايا خرافات الماضي؛ ولا من مًخلفات أساطير الأولين، بل أن السر الكنسي وحسب تعريف القديس أغسطينوس "ما لم ينته الإنسان من فهمه/إدراكه! "، بل وأن مؤسس السر هو الله في بداية الخليقة، وليس رجل الدين، فالزواج ناموس طبيعي، أي أنه فعل مغروس في الطبيعة الإنسانية، وفعل مُقدس أساسًا في ذاته، أي إن الله خلق الإنسان (ذكرًا وأنثى) وقدس الزواج منذ البَدْء. لِذلِكَ يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ وَيَكُونَانِ جَسَدًا وَاحِدًا (سفر التكوين 2: 24)  ومما لا يحتاج إلى دليل أن هذا الزواج كان يتم دون رجال دين، حتى دون أوراق مدنية، فلابد أن يفهم هؤلاء أن قدسية الزواج لا يتم تحديدها طبقًا لعقود مدنية أو دينية أصلًا. فمن الذي زوَّج آدم وحواء؟! أو أبناء أدم وحواء؟ فمنذ بَدْء الخليقة والزواج مُقدس، بلا أوراق وبلا رجال دين. وبالعودة إلى الإصحاحات الأولى في سفر التكوين نجد أن "مؤسسة الزواج" سابقة على "المؤسسة الدينية"، أي إن البشر يتزوجون قبل حتى ظهور الشرائع المكتوبة والمؤسسات الدينية الرسمية، وتأسيسًا على ذلك فظهور الأوراق القانونية يعتبر فعلًا اجتماعيًا تنظيميًا ليس إلا، وذلك لتنظيم المجتمع، وتكوين أسر مستقرة؛ والحفاظ على حقوق النساء، وعدم اختلاط الأنساب، وحماية الأطفال الخارجين إلى الحياة والحفاظ على حياة كريمة لهم -وهذا غرض طيب، ومقصد شريف، وهدف نبيل، ونية تُحترم- بشرط ألا يُتخذ هذا ذريعة لتكبيل الأفراد؛ وكبت الحريات الفردية، والتلاعب والتحكم في مصير البشر باسم المُقدس الديني! فالمفهوم الكنسي الصحيح أن الأصل هو الزواج المدني، ولكن هذا الزواج المدني ينتهي مفعوله بموت الزوجين. ثم يأتي سر الزيجة المقدس كإكليل للزواج المدني المَيْت/ الجسدي/ الحياتي/ الدنيوي، لكي يأتي السر الكنسي، لكى يظل الزواج أبديًا حتى بعد موت الزوجين جسديًا، وهكذا يصيران أحياءً كملائكة الله في السماء، كما قال السيد المسيح (إنجيل متي 22: 30). أي إن السرّ نعمة إلهية، وليست فريضة دينية، فالمسيحية ليست ديانة فرائض وشرائع ونواميس جامدة! وما يستحق لفت الانتباه له، هو أن السيد المسيح لم يُزوج أحدًا طوال حياته على الأرض بالجسد  -وهو في العهد الجديد "الكاهن الأعظم"- ولم يأت الذكر على أن التلاميذ أو الرسل مارسوا هذا الفعل، فلم نسمع أنهم كانوا يقيمون أي زيجات! وكان الزواج في بداية التاريخ المسيحي مدنيًا بمباركة الأسقف، وكان المسيحيون في كل أنحاء العالم يخضعون للقوانين المدنية التي تخص بلادهم. وحتي القرن الخامس لم يكن هُناك طقس كنسي خاص بالزواج، وبمرور الوقت، تحديدًا في القرن العاشر، نالت الكنيسة من الأباطرةالاحتكار القانوني والتشريعي لتسجيل الزيجات وتوثيقها (جون مايندورف، كتاب "الزواج من منظور أرثوذكسي"، الصفحة 80) وهنا تحول الزواج المدني إلى زواج ديني، ظل هكذا حتى الآن، وفكرة أن الزواج لا يصح إلا في الكنيسة فقط هي فكرة ناتجة عن جهل بتاريخ الفكر اللاهوتي وجهل بالتاريخ الكنسي والتفكير على طريقة "هذا ما وجدنا عليه آباءنا"! ، ومن جهة أخرى تم تحديد وتقنين "أسرار الكنيسة السبعة" داخل الكنيسة القبطية في كتاب "أسرار الكنيسة السبعة" للأرشيدياكون حبيب جرجس في أوائل القرن العشرين الذي نُقل عن الغرب الكاثوليكي! حيث إن أول مرة يتم تقنين الأسرار إلى سبعة أسرار فقط كان مجمع تريندت الكاثوليكي في القرن السادس عشر. في مواجهة الإصلاح البروتستانتي في الغرب. جدير بالذكر أن هناك ثلاثة أنواع رئيسية للدول في العالم: - دول عَلمانية: باختصار هي دول تقوم على احترام القانون والدستور المدني ولا تفرق بين أي من مواطنيها. مثل فرنسا وأمريكا و السويد. مع اختلاف درجة العَلمانية بداخل كل دولة حسب ثقافة المجتمع. - دول دينية: مثل الفاتيكان وإيران وأفغانستان والسودان. - دول مختلطة أو انتقالية: وهي تخلط بين القوانين المدنية/ العصرية، والقوانين الدينية. وللأسف مصر ما زالت دولة انتقالية (شبه دولة)، وعلينا الآن أن نختار إما أن ننحاز للحداثة والحرية وقيم العصر، أو للجهل وقيم الماضي والتخلف والجمود وقيم العبودية. فالدولة المدنية الحديثة تحترم القانون، والأصل فيها هو احترام القانون وأن كل المواطنين متساويين أمام القانون بصرف النظر عن الدين أو العقيدة أو العرق أو الجنس أو اللون ! وتنشأ قوانين الزواج -كباقي القوانين- موحدة لكل مواطنيها، ومن يريد أن يُطبق على نفسه تعاليم دينه فالدولة لا تقف أمامه فليذهب ويصلي في كنيسته -أو أي دور عبادة- ويمارس ما يؤمن به كيفما يشاء! الزواج المدني أو الكنسي اختيار شخصي، وليس من حق أي جهة سواء سياسية أو دينية أن تفرض وصيتها على خلق الله ! فكل شخص حر أن يختار حسب قناعته الشخصية، وإيمانه الشخصي، وليس من حق أي شخص أن يتدخل في حياة البشر باسم الفضيلة، أو العقيدة الدينية. فيمكن لشخص أن يولد مسيحيًا أو بالأحرى لأسرة مسيحية وبعد مدة يصبح لا أدري أو ملحدًا، فلماذا نُطبق عليه طقوس هو غير مقتنع بها؟ هل المسيح يغصبُ البشر على إتباعه قهرا؟! لماذا التحكم في حياة البشر تحت مسميات براقة مثل الحفاظ على الحياه الأبدية و ما شابه من حجج واهية للتسلط والتجبر؟! فتعاليم السيد المسيح يَجِبُ ألاّ تُفرض قسرا على الإنسان، ولا تحتاج إلى قوانين متعسفة، بل تنبع من قلب الإنسان وإراداته. فالفضيلة لا تصبح فضيلة إلا إذا نبعت من داخل الإنسان وليس بقوة وسلطان القانون. وختامًا يجب على الأقباط أن يفهموا جيدا أن الزواج المدني ليس زنا كما يدعي البعض، وهو مُطبق في دول المهجر، والأقباط يتزوجون هناك بهذه الطريقة ولا يعترض أحد من رجال الدين الأتقياء/ الأشاوس كما يفعلون هنا! (مما يُثير علامات الاستفهام)، وعلى الدولة أن تصدر قانونا مدنيًا للزواج للجميع، وليس من حق أي شخص الاعتراض، فالدولة لن تمنع البشر من الزواج الديني، بل ستسترد سُلطتها في الزواج، وتقوم بواجبها كأي دولة تحترم نفسها، وتحترم شعبها. وهذا هو الحل الذهبي -من وجهة نظرنا- الذي سيحل كثير من المشاكل، ويؤكد على أن الدولة تتعامل مع الأقباط كمواطنين وليس كرعايا للكنيسة، ومن ناحية أخرى سيفض الاشتباك الدائم بين الكنيسة وبعض الأقباط المتضررين من ناحية، وبين الدولة والكنيسة من ناحية آخري (مثال ما حدث في 2010 وصدام البابا شنودة مع السلطة القضائية)، وسيجعل الأقباط يتعاملون مباشرة مع الدولة. وسيحل هذا الصراع الأزلي والصداع المزمن في جسد الكنيسة. سلام على الصادقين   اقرأ أيضا: --- ### القيم الأخلاقية [تعريفات واصطلاحات] - Published: ۲۰۲۲-۰٤-۲۷ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/4405/ - تصنيفات: مقالات وآراء نتناول في هذا المقال تعريفات لبعض المُصطَلَحات الخاصة بموضوع القِيَم الأخلاقية.  Ethosهي رأس الهرم الأخلاقي أي الباعث على الأخلاق. Ethos الروح المميِّزة للثقافة أو الحِقبة أو المجتمع كما يتجلَّى في معتقداته وتطلعاته، أي الطبيعة الأخلاقية الباعثة على الأخلاق. تعريف للـethosعند"كالفين"توازي الناموس وهو صالح وروحاني، أماالأخلاق ethicsفهي تفسير للباعث أي للوصايا (لا تقتل، لا تسرق، الخ).  الأخلاق:في تعريف القواميس هي الطبع أو السجية وهو أمر باطني داخل الإنسان أي غير ظاهر. الأخلاق: هي مجموعة من القواعد التي تحدد السلوك الإنساني وتنظمه، وهي لا تظهر في تصرفات ملموسة لكن إرادة الإنسان تحدِّد الأخلاقي وغير الأخلاقي. الأخلاق في تعريف آخر: تدرس شروط تناسق السلوك مع المثَل الأعلى. الأخلاق: خريطة للالتزام بالقِيَم وليس لها أثر مرئي. . (هي القِيَم الكبرى أي التي لا تُعَرَّف ولكن يُعرف بها الحق (ما الحق؟)- الخير (ما الخير؟)- الجمال (ما الجمال؟)الأخلاقمَلَكة ومهارة وتدريب لتكون مصدر للالتزام بالقِيَم وليس تطبيقًا لها. الأخلاق:هي الواجب والنيَّة وليست النتيجة الظاهِرة. القِيَم:لا تُعطي قواميسنا العربية معنى محدَّد للقيم، اللهم ما نجده بمعنى مكارِم الأخلاق، ومن هنا يعتمد تعريف القِيَمة بالمعنى الدارِج أي قيمة المتاع أو قيمة الشيء المادية. فالقِيمةما يجعل الشيء جديرًا بأن يُطلب أو يتحقق الاهتمام به وهي الجانب التطبيقي للأخلاق وتُبنَى على أساس عقلي أي اختيار بالتزام بالقِيَمة. القِيَمتظهر بواسطة تطبيق إجرائي وتتضمن الوعي والشعور والسعي الحَركي. في العالم غير الإنساني نجد الحيوانات كالكلب أوفياء، لكن الوفاء فيها طبع وليس قيمة، أما البشر أوفياء كقيمة على أساس عقلي اختار أن يلتزم بقيمة هي الوفاء أو غيرها من القِيَم. القِيَمبمعناها الواسع: هي ما يجعل أي شيء جديرًا بأن يطلب أو يتحقق. القِيَم:هناك قيم إيجابية وأخرى سلبية. القيمة:هي الاهتمام بشيء ما له أهمية لاعتبارات اجتماعية أو أخلاقية أو نفسية أو جمالية. القيمة تتضمن لونًا من الوجدان والفكر والمشاعر تجاه شخص أو شيء وأساس عقلي اختار أن يلتزم بقيمة ما. محتوى القِيَم، ثقافية، جمالية، دينية، اقتصادية، سياسية، اجتماعية، قيم عابرة: قيم الشلة والأنداد. السلوك: الطريقة التي يتصرف بها الشخص مع غيره أو يتصرف معه الغير. السلوك لا يعني شيئا إن لم يُعرف ما الدافع للسلوك مادام أن تعريف السلوك يقتصر على جلب منفعة اتقاء ضرر، فهو تصرف غريزي يشترك فيه الحيوان والإنسان. السلوك:نابع من ضغط خارجي أو لاستجلاب الرضا أو لتفادي الضرر أو هو مجرد عادة لا تحمل أي معنى قيمي أي عندما يكون تصرفًا لا يختاره الإنسان بوعي وإرادة، وقيل إن السلوك الذي لا تدفعه قيم هو مجرد سلوك لا أخلاقي. الضميرهو الأساس الكوني للأخلاق والضمير لا يحركه الخوف من العقاب الضمير:أسلوب لنمو الإنسان وسمو ذاتي ونضج روحي يربط بين الفرد والكونويتحقق من خلال إيمان واعٍ، بصير، ومعرفة كونية صحيحة، وممارسات إنسانية صادقة، وعمل بحزم. تناسق مع المجتمع تصادق مع الإنسانية تعاون مع الكون الضمير:نظام أخلاقي صائب تناغم بين التصرفات الإنسانية والحقيقة الإلهية وإلا سيكون الوضع الأخلاقي كالآتي سلوكيات مادية عادات اجتماعية تقاليد شعبية أَنَّ كُلَّ مَنْ يَعْمَلُ السَّيِّآتِ يُبْغِضُ النُّورَ، وَلاَ يَأْتِي إِلَى النُّورِ لِئَلاَّ تُوَبَّخَ أَعْمَالُهُ. وَأَمَّا مَنْ يَفْعَلُ الْحَقَّ فَيُقْبِلُ إِلَى النُّورِ، لِكَيْ تَظْهَرَ أَعْمَالُهُ أَنَّهَا بِاللهِ مَعْمُولَةٌ». (إنجيل يوحنا 3: 20، 21) فالضمير نظام أخلاقي صائِب ولا يتم بشكل عفوي بل يتحقق من خلال إيمان وإدراك واعي. المُعتقد الشعبي:يؤدي إلى تغريب الأخلاقيات عن حدودها ليصبح كل شيء جائز، ولتبرير القول وإعطائه مبررًا شرعيًا دون أي التزام. الجزاء: لا يصدر من طبيعة العقل ذاته بل من عدم موافقة العقل لقاعدة يقرها المجتمع (الإجهاض-الثأر-الكذب-الحرية الجنسية) منظومة القِيَم: القِيَم ليست مستقلة عن بعضها تمام الاستقلال ومن المهم أن تكون في شكل منظومة أو سلم بين حلقات أو درجات انسجام وتناغم سواء على المستوى الفردي أو الجمعي. الأزمة الأخلاقية: خلل يصيب المبادئ والمعايير المقبولة في المجتمع وتظهر حين يفقد الناس الشعور بالتوازن بين ما هو مثالي وواقعي، وحين تحدث فجوة بين أهداف المجتمع ووسائل تحقيقها. --- ### مشاهدات إكليروسية [١] - Published: ۲۰۲۲-۰٤-۲٦ - Modified: 2023-11-16 - URL: https://tabcm.net/5234/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أنبا صموئيل، أسقف الخدمات, أنبا غريغوريوس، أسقف البحث العلمي, أنبا موسى الأبيض، أسقف عام الشباب, إكليروس, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس السادس, حنا يوسف حنا, رئيس جمال عبد الناصر, صليب سوريال, قمص مرقس سرجيوس عبد الملاك, مجمع الأساقفة, مدارس الأحد كان بيتنا الكبير يشهد العديد من زيارات الآباء الكهنة، أصدقاء والدي، ربما لأنهم يأتنسون برأيه الذي يحمل خبرة السنين وحنكة التاجر وتقوى القبطي العاشق لكلمة الله. لم يجبرني يومًا على الذهاب للكنيسة لكنني كنت مبهورًا به، رغم قسمات وجهه الصارمة، كنت أتتبع خطواته وانتظامه يوم الأحد في الذهاب إلى الكنيسة واختياره الصف الأخير للصلاة، كنا وقتها في منتصف خمسينيات القرن العشرين وكنت اقترب من العاشرة من عمري، ورغم أن كنيسة الحي باسم مار جرجس إلا أنها عرفت شعبيًا بكنيسة سرجيوس، خطيب ثورة ١٩١٩، وقتها كان قد أُبعد لأسباب لا أعرفها، لم يذهب بعيدًا بل اختار أن يعيش بالقرب منها، في حي جزيرة بدران، لكن اسمه كان عصيًا على الإقصاء. تعاقب على خدمة الكنيسة عشرات الكهنة الأتقياء، تابعت من خلالهم التطورات التي لحقت بطبيعة خدمتهم، كان الكاهن في عقدي الخمسينيات والستينيات يحرص على ارتداء "الفراجية" وهى أشبه بعباءة الفلاح ذات أكمام متسعة، يرتديها فوق الروب الإكليريكي، صيفًا وشتاء، وتصنع في الغالب من الصوف، ولونها اسود دائمًا، فيما تتعدد ألوان الروب تحتها، ما بين البيچ والبنى والرمادي، والعمامة متعددة الخامات، فهي تصنع من الجوخ المضغوط، وبعضها من أشرطة سوداء رفيعة مشدودة على قالب مستدير، فيما تتميز عِمَامَة القمص بتوسط عِمَامَة حمراء صغيرة للعمامة السوداء، لتقترب من عِمَامَة عمدة ووجهاء القرية مع اختلاف خامات كليهما، وفى كل الأحوال كان القس والقمص حريصان على تهذيب لحاهم. لم تكن أحوالهم المادية تسمح لغالبيتهم بامتلاك سيارة خاصة، فكان من المألوف أن تراهم يجاورونك في الترام أو الأوتوبيس أو تصادفهم في الأسواق العامة. كان من المعتاد أن تسند عظة القداس لأحد أراخنة الكنيسة ممن يمتلكون موهبة الوعظ، فيما يكتفى الكاهن بمهمة الصلاة، دون أن يجد في هذا انتقاصًا منه أو تخطيًا له. كنيستنا على بعد دقائق من الكنيسة المرقسية - مقر البابا البطريرك آنذاك - وقتها كان عدد الآباء المطارنة والأساقفة حوالى ثمانية عشر تقريبًا، وكان قدوم أحدهم للصلاة في كنيستنا أقرب إلى اعتباره يوم عيد، على المستويين الشعبي والرسمي، فما بالنا لو كانت الزيارة من البابا البطريرك، والتي رغم بساطته كانت محوطة بالمهابة والبهجة. يرحل الرئيس عبد الناصر ٢٨ سبتمبر ١٩٧٠ ويلحقه في الرحيل البابا كيرلس ٩ مارس ١٩٧١، وينتقل مقر البابا البطريرك إلى الكاتدرائية الجديدة بالعباسية، ويجرى في نهري الدولة والكنيسة مياه كثيرة. بشكل متدرج بدأت هيئة الكاهن تتغير، اختفت الفراجية، وصار لون الروب أسودًا، وتم تعميم أمر بحتمية ارتداء العِمَامَة حتى خلال قيادة السيارة، وفارق التهذيب اللحى، واصبح من النادر أن تسند عظة القداس لغير الكاهن حتى لو كان مفتقرًا لموهبة الوعظ، حتى زوجة الكاهن صار لقبها "تاسونى"، وارتبكت التراتبية الإكليروسية بعد أن صارت رتبة القمصية بلا صلاحيات كنتيجة طبيعية للتوسع في رسامة الأساقفة العموم خاصة في إيبارشية البابا (الإسكندرية والقاهرة)، فلا الكهنة الصغار يحتكمون للأب القمص، ولا الرعية أيضًا، وصارت القمصية تمنح للكاهن كترضية على غرار مكافأة نهاية الخدمة. كانت بداية رسامة أسقف عام في حبرية البابا كيرلس السادس، ١٩٦٢، باقتراح مقنن من القمص صليب سوريال، وكان اقتراح الأسماء من الدكتور حنا يوسف حنا. والأسقف العام هو أسقف بدون إيبارشية، ويسند إليه مهام عامة في معاونة البابا البطريرك، ويحسب بذلك معاونًا له، ولذلك لا يتطلب اختياره ورسامته موافقة مجمع الأساقفة، وجاء الاقتراح في البداية كمخرج من موقف آباء المجمع الشيوخ الرافض لرسامة الرهبان المنتمين لمدارس الأحد أساقفة على إيبارشيات، توجسًا وتخوفًا منهم بعد معركتهم التي امتدت لثلاث سنوات (١٩٥٦ - ١٩٥٩) في الترشح والاستبعاد لكرسي البابوية، والتي حسمتها اللائحة الجديدة التي صدرت عام ١٩٥٧ وبسببها استبعدت كل أسماء الرهبان الشباب، لعدم استيفائهم شروطها المعدلة، السن ومدة الرهبنة. كان الأسقف العام استثناء، فالقاعدة أن يكون الأسقف ناظرًا على رعية ومقامًا على إيبارشية، وكان الأمر محددًا، في رسامات البابا كيرلس للأساقفة العموم، فرسم اثنين من طاقم سكرتاريته أسقفين عامين، إذ أقام أحدهم اسقفاُ للتعليم (الأنبا شنودة)، والثاني للخدمات الاجتماعية، (الأنبا صموئيل)، وعندما رأى رسامة اسقف عام ثالث أقامه على البحث العلمي، (الأنبا غريغوريوس) ليحجم تمدد اسقف التعليم، بمشورة القمص صليب سوريال أيضًا. وفى بدايات رسامات البابا شنودة التزم بان يكون للأسقف العام مهام محددة، إذ رسم الأنبا موسى أسقفًا للشباب، لكنه في تطور لاحق رسم رهط من الأساقفة العموم بعير مهام محددة، وهو ما سار عليه البابا تواضروس الثاني، الذي أضاف إسناد إدارة الإيبارشية الشاغرة أو التي يرحل اسقفها، إلى أحد الأساقفة العموم وقيل في تفسير ذلك أنه لا يحق للبابا نقل أسقف الإيبارشية من إيبارشيته، فيما يحق له نقل الأسقف العام الموكل إليه مهمة الإشراف على إيبارشية. ما لم يتم تجليسه عليها. اللافت في سياق أخر الإشادة ببتولية بعض الكهنة المتزوجون، في تكريس لأفضلية البتولية على الزواج، بينما تبقى البتولية اختيارًا والزواج سرًا مقدسًا! ! والأنكى، انتشار اتفاق المتزوجون حديثًا على قضاء الأسبوع الأول من حياتهم الجديدة في الدير، هو في أحد أديرة الرجال وهى في أحد أديرة البنات، ثم يسألونك على فشل أبناء وبنات الكنيسة في حياتهم الزوجية وتفشى حالات الطلاق بين الشباب خاصة الخدام والخادمات. كان هناك إصرارًا غريبًا على رهبنة المجال الاجتماعي القبطي بتسلل مظاهر الرهبنة إلى تفاصيل يومنا، في غير إدراك أننا نزرع نبات في غير ارضه ومناخه، فعقمت الأرض وجفت حتى بذور النبات... وتصحرت الكنيسة. ومازال للمشاهدات بقية. --- ### يأتون بثياب الحملان، وهم ذئاب خاطفة - Published: ۲۰۲۲-۰٤-۲۵ - Modified: 2023-11-15 - URL: https://tabcm.net/5066/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون, المرأة القبطية - وسوم: الزواج الكنسي, مساواتية, مساواتيين, وليام شكسبير تستيقظ في كل صباح وهي تشعر أن عدوًا ينام بجوارها، يستلب حياتها، استسلمت للميتة البطيئة المفعمة بالقنوط لأن نفق الخلاص مظلم وطويل بلا نهاية. حاولت كثيرًا أن تجد حلا، أن تشرح لهم أن شريكها في السكن لم يعد ذلك الشخص الذي اتحدت به أمام المذبح منذ عشرة أعوام. لكن، في كل مرة، كان اليأس يكلل مساعيها. تستيقظ في كل صباح وهي تشعر أن عدوًا ينام بجوارها، يستلب حياتها، استسلمت للميتة البطيئة المفعمة بالقنوط لأن نفق الخلاص مظلم وطويل بلا نهاية. حاولت كثيرًا أن تجد حلا، أن تشرح لهم أن شريكها في السكن لم يعد ذلك الشخص الذي اتحدت به أمام المذبح منذ عشرة أعوام. لكن، في كل مرة، كان اليأس يكلل مساعيها. تخشى أن تفصح عما تحتاج إليه كيلا يتهمنها بالوقاحة. المرأة ليس من حقها الاستمتاع في علاقتها الزيجية كما يحق للرجل. فتلك ثقافة مساواتية لا يعرفها مجتمعنا المحافظ. اعتادت أنها وعاء للإنجاب، وأن ما تتوق إليه ليس إلا وساوس جسدانية شيطانية. ولا يصح أن تكون مولعة بالحياة إلى هذه الدرجة! وهكذا انقسمت الذات بين كيانين، كيان يحاول التذرع بالصبر وآخر يسعى للخلاص. تعنف نفسها، تحاول التشبث بالكنيسة، بيت الله أبيها، الذي أضحت صورته تنفرها لأنها لا تغفر مقابلة شكواها بهذا التعنت، ولماذا وُضعت تلك القوانين القاسية وهو يعلم أن التغير هو لُحمة الإنسانية وسداها! هو من خلق البشر هكذا في الأساس، فماذا تفعل؟! تحاول مرة أخرى، وتبث شكواها إلى المنوط بهم تقرير مصايِر المتزوجين من الرهبان العازفين عن الزواج. - الأسقف:تحمّلي صليبك يا ابنتي مثلما احتمل المسيح. - هي:المسيح احتمل لسبب ما، لكنني لا أجد سبباً واحداً للاحتمال. - الأسقف:لست تعلمين السبب الآن لكنك ستفهمين فيما بعد. - هي:الحق يا سيد إني أهان كل يوم، حاسبوه هو. هو المخطئ، لماذا أتحمل أنا؟ - الأسقف: لا تعرفين شيئاً عن شرائع الرحمة. أين غفرانك لمن أساء إليك؟ "اغفروا يغفر لكم. " فكعادتهم يصبغون مفرداتهم بمصطلحات الكتاب المقدس، وبهيمنة تشعر من يحاورهم دائمًا أنه على خطأ. ودائمًا لديهم ردود معلَبة جاهزة لكل من يريد أن يلفت النظر إلى أي أبعاد تكوينية إنسانية. يعبدون أوراقا خرجت من المِطْبَعَة، يظنون بسذاجة أن معاني ألفاظها منفصلة عن عوامل اللغة والثقافة والزمن. يقول لهم متخصصو اللغة إن الكلمات ليس لها معان في ذاتها، نحن من نضفي عليها معانيها، لكنهم لا يفهمون.   يعصمون الأوراق وكأنها أصبحت مساوية لله في كامل لاهوته، اللا نهائي وحده كما نعرف عنه. يقرأون في قوانين الرياضيات أن الـ"ما لا نهاية" واحدة، لكن في عرفهم، يوجد "ما لا نهايتان": الله والنص. لا يعتبرون الحرف صنما؛ لأن الحرف يمنحهم السلطة لتقرير المصايِر وفقا لمصالحهم. تدرك أنه ليس من حقها أن تُعامل كمواطنة كاملة الأهلية تابعة لدولة؛ فالكنيسة هي دولتها. يصلإلى مسمعها أن "الأسقف (ب)" قد تلقى مبلغًا وقدره من سيدة ثرية، نالت في مقابله الطلاق. يشتعل غضبها. تهدد أخيرا أنها ستترك لهم "الجمل بما حمل" وتعتنق دينا آخر، تتوقع أنهم سيعاملنها بفردانية مثلما خرج الراعي ليبحث عن خروفه المفقود وفضله على التسعة وتسعين بارًا، ثم تضحك على سذاجتها عقب سماعها: الباب يفوت جمل، إلى الجحيم بعارك إذن. ذات يوم، تلتقي شابا من غير دينها بمصادفة عابرة، تفضي له بشكواها لأنها ملّت من الحديث أمام الأحجار اﻵدمية الصماء. يفتح آذانه لها ويغدقها بمشاعر اشتاقت لها منذ سنوات هذا عددها. هو يعلم ما تحتاج إليه، ويعلم كم يشتاق القلب المعوز إلى الحب. وﻻ يحتاج اﻷمر تدريبًا على الإيقاع بهن بخطة مبتكرة، فهذه الخطوات التقليدية العادية نجحت مئات المرات. تحدث نفسها: 'ربما هذا هو سبيل الخلاص، لما لا؟' توقع على الأوراق متلهفة، تغيّر عقيدتها وتمحي هويتها بالكامل، وكأنها تريد محو ذكرياتها الأليمة معها. تذهب معهم تاركة وراءها كل شيء. لا تعلم ماذا تفعل، ولمن تذهب. هل يستغل هؤلاء احتياجها فقط ليربحوا نفساً جديدة ويتباروا بانتصارهم؟ انتصارهم أم انتصارها؟ وماذا إن فشلت المحاولة وعادت؟ ستصبح مهانة إلى الأبد... يكتشف الزوج هروبها، يعلم أنها فعلت ما ليس في الحسبان. يصرخ بانفعال: 'ماذا فعلت؟ أتريد تدمير حياتي وتقودني إلى الفشل؟ تلك الملعونة التي طالما ذهبت إلى قادة الكنيسة لتشويه صورتي، ها هي الآن تقلب حياتي رأسا على عقب! لكنني سأستردها مجددًا. ' يجلس، يهدئ من روعه. يفكر في سيناريو للخلاص! يفتح صفحته على فيسبوك المملوءة بتلك الصور التي ينشرها من حين لآخر ليراه الناس كما يحب أن يبدو. يدشن حملة مصحوبة بنصوص من الإنجيل للبحث عن حبيبة عمره التي اختطفتها منه الذئاب. يتحدث إلى وسائل الإعلام عن ارتباط أسرته الشديد بالكنيسة، عن قصة حبه التي كللها الزواج الكنسي كمسيح يصف إكليسيا. يصحب منشوراته بعبارات بالإنجليزية ليرسل الرسائل إلى الخارج. وليعلم العالم كله كم هو مضطهد وتشتعل الميديا فيهبوا إلى نجدته. يكتب: "القضية قضية رأي عام. قضية كل أسرة تريد حماية بناتها" وكأن أصداء هذا النص الشكسبيري تملأ الأجواء: إني أقترف الإثم، وأبدأ بالشكوى، وأتهم الآخرين بأشنع ما دبرت من شرور. . فهأنذا أبكي لمصير "كلارنس"، الذي رميته رمياً في ظلمات السجن، أمام هؤلاء السذج المخدوعين. . أتحسر، وأسوق لهم نصاً من الإنجيل. . وهكذا، أستر شري المفضوح. . بخرق أسرقها من الكتاب المقدس. . فأبدو كالقديس وأنا أمضي في تمثيل دور الشيطان. (وليام شكسبير، مسرحية ريتشارد الثالت) يدهش الناس من محبته. يمدحنه: "عظيم إيمانك أيها الرجل البار" يصطفون حوله كغنم مرددين: "كرياليسون يارب إرحم. " يكتب آخرون: "ماذا لو كانت ضحية للعنف الزوجي؟ فالتجارب السابقة تقول إن الغالبية منهن يهربن من البطش أو سعيا وراء عِلاقة عاطفية. نحن لم نسمع لها بعد. " تصرخ الشريحة الأعظم: "هششش. لكل قاعدة استثناء. هذا قديس، خادم أمين للمسيح. اخرسوا واستمعوا إلى صراخه. " انظر، كيف يسير بين اثنين من رجال الدين. . انظر! إن في يده كتاب صلاة! إنها أمور تزين حقيقة الرجل التقي! (وليام شكسبير، مسرحية ريتشارد الثالث) ووسط الضغط المجتمعي والانتفاضة الشعبوية، تعود وهي تعلم أنها سائرةً في طريقٍ لا رجعة منه. يتوقع البعض أن يسمعوا حديثًا صحفيًا لها، للاطمئنان عليها ومعرفة الحقيقة. ولكن، يتحدث هو باسمها كما هو المعتاد والغبطة تملؤه لعودتها. يجر عجلة الحديث جرًا فالأمر بالنسبة له قد انتهى. يغير ما قاله في السابق: "القضية قضية خاصة وحساسة يا جماعة. دوركم انتهى. ليس من حق أحد أن يسأل عن أي تفاصيل. من فضلكم لا تسألونا عن شيء حفاظًا على مشاعر زوجتي الحبيبة. " إن لك في نفسي من الحب ما يحملني على أن أبعث بروحك قريبا إلى السماء. (وليام شكسبير، مسرحية ريتشارد الثالث) أما هي، فلم يسمع أحد رؤيتها. كنعجةٍ تُساق صامتةً إلى هنا وهناك. يتحدث زوجها ووليها باسمها ويشرح ما تمر به لأنه، بالطبع، واحدًا مع زوجته ويعلم نواياها ودواخلها. وهي في الواقع، صلصاله الذي يشكِّله على نحوٍ تعسفي، مادته الخام موضع تشذيبه. تتوارى خلف الستار، مكانها المعتاد، بأنينها دون أن نعلم من الذئاب الخاطفة التي ثُرنا من أجلها وانتفضنا! --- ### المسيح مصلوباً - Published: ۲۰۲۲-۰٤-۲٤ - Modified: 2025-01-13 - URL: https://tabcm.net/5204/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون, تاريخ وميثولوچيا - وسوم: جبران خليل جبران, عشتار, كتاب العواصف وأنت أيّها الجبّار المصلوب، الناظر من أعالي الجلجلة إلى مواكب الأجيال، السامع ضجيج الإثم، الفاهم أحلام الأبديّة، أنت على خشبة الصليب المضرجة بالدماء أكثر جلالاً ومهابةً من ألفِ ملكٍ على ألفِ عرشٍ في ألفِ مملكةٍ. بل أنت بين النزع والموت أشدّ هولاً وبطشاً من ألفِ قائدٍ في ألفِ جيشٍ في ألفِ معركةٍ "يسوع المصلوب" - كتبت يوم الجمعة الحزينة (صفحة من كتاب: "العواصف" - جبران خليل جبران) اليوم وفي مثل هذا اليوم من كلّ سنةٍ، تستيقظ الإنسانيةُ من رقادِها العميقِ، وتقف أمامَ أشباحِ الأجيالِ ناظرةٌ بعيونٍ مغلفةٍ بالدموعِ نحو جبل الجلجلةِ، لترى يسوعَ الناصري معلقًا على خشبةِ الصليبِ... وعندما تغيب الشمس عن ماَتي النهارِ تعود الإنسانيةُ فتركع مصلية أمام الأصنامِ المنتصبةِ على قمةِ كلّ رابيةٍ وفي سفحِ كلّ جبلٍ. اليوم تقود الذكرى أرواحَ المسيحيّين من جميعِ أقطارِ العالمِ إلى جوار أورشليم فيقفون هناك صفوفًا قارعين صدورهم، محدقين بشبحٍ مكلّلٍ بالأشواكِ، باسطٍ ذراعيه أمام اللانهاية، ناظر من وراء حجاب الموت إلى أعماقِ الحياةِ... ولكن لا تسدل ستائرُ الليلِ على مسارحِ هذا النهارِ حتى يعود المسيحيون فيضطجعوا جماعات جماعات في ظلال النسيان بين لحف الجهالة والخمول. وفي مثل هذا اليوم من كلّ سنةٍ، يترك الفلاسفةُ كهوفَهم المظلمةَ، والمفكرون صوامعَهم الباردةَ، والشعراء أوديتَهم الخياليّةَ، ويقفون جميعهم على جبلٍ عالٍ، صامتين، متهيّبين، مصغين إلى صوتِ فتىً، يقول لقاتليه: "يا أبتاه، اغفر لهم لأنّهم لا يدرون ما يفعلون"... ولكن لا تكتنف السكينة أصوات النور حتى يعود الفلاسفة والمفكّرون والشعراء ويكفنون أرواحهم بصفحات الكتب البالية. إن النساء المشغولات ببهجة الحياة، المشغوفات بالحلي، والحلل، يخرجن اليوم من منازلهن، ليشاهدن المرأةَ الحزينةَ الواقفةَ أمام الصليب وقوف الشجرة اللينة أمام عواصف الشتاء، ويقتربن منها ليسمعن أنينَها العميق وغصّاتها الأليمة. أمّا الفتيان، والصبايا، الراكضون مع تيار الأيّام إلى حيث لا يدرون، فيقفون اليوم هنيهة، ويلتفتون إلى الوراء، ليروا الصبية المجدليّة تغسل بدموعها قطرات الدماء عن قدمي رجل منتصب بين الأرض والسماء. ولكن عندما تمل عيونهم النظر إلى هذا المشهد يتحوّلون مسرعين ضاحكين. في مثل هذا اليوم من كلّ سنة، تستيقظ الإنسانيّة بيقظة الربيع، وتقف باكية لأوجاع الناصري، ثمّ تطبق أجفانها، وتنام نوماً عميقاً. أمّا الربيع، فيظل مستيقظًا، متبسمًا، سائرًا، حتى يصير صيفًا مُذَهّب الملابس، مُعَطّر الأذيال. الإنسانيّة امرأة يلذّ لها البكاء والنحيب على أبطال الأجيال. ولو كانت الإنسانيّة رجلًا لفَرِحت بمجدهم وعظمتهم. الإنسانيّة طفلة تقف اليوم متأوّهة بجانب الطائر الذبيح، ولكنّها تخشى الوقوف أمام العاصفة الهائلة التي تصهر بمسيرها الأغصان اليابسة وتجرف بعزمها الأقذار المنتنة. الإنسانيّة ترى يسوع الناصري مولودًا كالفقراء، عائشًا كالمساكين، مهانًا كالضعفاء، مصلوبًا كالمجرمين، فتبكيه وترثيه وتندبه، وهذا كلّ ما تفعله لتكريمه. منذ تسعة عشر جيلًا والبشر يعبدون الضعف بشخص يسوع، ويسوع كان قويًا ولكنّهم لا يفهمون معنى القوّة الحقيقيّة. ما عاش يسوع مسكينًا خائفًا، ولم يمت شاكيًا متوجعًا، بل عاش ثائرًا، وصُلِبَ متمردًا، ومات جبارًا. لم يكن يسوع طائرًا مكسورَ الجناحين، بل كان عاصفةً هوجاء، تكسّر بهبوبها جميعَ الأجنحةَ المعوجةَ. لم يجئ يسوع من وراء الشفق الأزرق ليجعل الألم رمزًا للحياة، بل جاء ليجعل الحياة رمزًا للحق والحريّة. لم يخف يسوع مضطهديه، ولم يخشَ أعداءَه، ولم يتوجّع أمام قاتليه، بل كان حُرّاً على رؤوس الأشهاد، جريئًا أمام الظلمِ والاستبدادِ، يرى البثور الكريهة فيبضعها، ويسمع الشرّ متكلّماً فيخرسه، ويلتقي بالرياء فيصرعه. لم يهبط يسوع من دائرة النور الأعلى ليهدم المنازل ويبني من حجارتها الأديرة والصوامع، ويستهوى الرجال الأشداء ليقودهم قسوسًا ورهبانًا، بل جاء ليبث في فضاء هذا العالم روحًا، جديدة، قويّة، تقوّض قوائم العروش المرفوعة على الجماجم، وتهدم القصور المتعالية فوق القبور، وتسحق الأصنام المنصوبة على أجساد الضعفاء المساكين. لم يجئ يسوع ليعلّم الناس بناء الكنائس الشاهقة، والمعابد الضخمة، في جوار الأكواخ الحقيرة، والمنازل الباردة المظلمة، بل جاء ليجعلَ قلبَ الإنسانِ هيكلًا، ونفسَه مذبحًا، وعقلَه كاهنًا. هذا ما صنعه يسوع الناصري، وهذه هي المبادئ التي صُلب لأجلها مختارًا، ولو عقل البشر لوقفوا اليوم فرحين، متهلّلين، منشدين أهازيج الغلبة والانتصار. وأنت أيّها الجبّار المصلوب، الناظر من أعالي الجلجلة إلى مواكب الأجيال، السامع ضجيج الإثم، الفاهم أحلام الأبديّة، أنت على خشبة الصليب المضرجة بالدماء أكثر جلالاً ومهابةً من ألفِ ملكٍ على ألفِ عرشٍ في ألفِ مملكةٍ. بل أنت بين النزع والموت أشدّ هولاً وبطشاً من ألفِ قائدٍ في ألفِ جيشٍ في ألفِ معركةٍ. أنت بكآبتك أشدّ فرحًا من الربيع بأزهاره، أنت بأوجاعِك أهدأ بالًا من الملائكة بسمائها، وأنت بين الجلادين أكثر حرية من نور الشمس. إن إكليل الشوك على رأسك هو أجلّ وأجمل من تاج بهرام، والمسمار في كفّك أسمى وأفخم من صولجان المشترى، وقطرات الدماء على قدميك أسنى لمعانًا من قلائد عشتروت، فسامح هؤلاء الضعفاء الذين ينوحون عليك لأنّهم لا يدرون كيف ينوحون على نفوسِهم، واغفر لهم لأنّهم لا يعلمون بأنّك صرعت الموتَ بالموتِ ووهبتَ الحياةَ لمن في القبور. --- ### إلهي، إلهي… - Published: ۲۰۲۲-۰٤-۲۳ - Modified: 2023-11-15 - URL: https://tabcm.net/5123/ - تصنيفات: لاهوتيات, مقالات وآراء - وسوم: أسبوع اﻵﻻم, أمجد بشارة, أوريجينوس ليونايدس أدامانتيوس, الأب متى المسكين, البدلية العقابية, بابا كيرلس عمود الدين, جبران خليل جبران, داود النبي والملك, غريغوريوس النزينزي، الناطق بالإلهيات, قديس أوغسطينوس، أسقف هيبو, كتاب العواصف, ليتورچي, يوحنا منصور بن سرجون الدمشقي مُنذ تسعة عشر جيلاً والبشر يعبدون الضعف في شخص يسوع، ويسوع كان قوياً ولكنّهم لا يفهمون معنى القوّة الحقيقيّة "مُنذ تسعة عشر جيلاً والبشر يعبدون الضعف في شخص يسوع، ويسوع كان قوياً ولكنّهم لا يفهمون معنى القوّة الحقيقيّة" (جبران خليل جبران، كتاب العواصف) مع اقتراب حلول أسبوع الآلام الخلاصية المعروف شعبيًا بأسبوع الآلام، أتحسس مسدسي!  يرى أبناء جبلتي المسيح مصلوبًا، مهانًا، ضعيفًا، وربما لا يتذكرون أو لعلهم يستمتعون بتهميش قوة ذاك المنتصر، القائم بمجد أخذًا جسدنا إلى أعلى السماوات! هذا المنتصر، صاهر أبواب الجحيم، وساحق المتاريس النحاس، قد يبدو مَهيبًا لمن أدمن ذل النفس ويخجل من تعرية ضعفاته مع السيد على صليب الجُلجُلة والقيام فيه منتصرًا. يستعد مسيحيو مصر لأسبوع الآلام المحيية بحرص وتبجيل، وإن اقتصر الأمر على الذَّهاب للصلوات الليتورجيا دون محبة للآخرين أو تحضير ملابس سوداء مناسبة للأجواء! لكن ماذا ينقصنا؟ ينقصنا أن نشعر من داخلنا بالحرية، ما مات عنه مسيحنا، مسيح العالم كله، موت فدائي لتخليص البشر من ذاتهم الأنانية المزيفة ويتيح لها كرامة البنين المحمولين ليس على الكتف بل في قلبه. ينقصنا أن نشعر بقوته في كل ترديد لتسبحة البصخة ونحن نرسم صليبه، أكثر علامات الإذلال والضعف، ونحن نسبحه ونعلنه ملكنا القدوس، من له القوة والمجد والكرامة والسلطان. "لم يجيء يسوع من وراء الشفق الأزرق ليجعل الألم رمزاً للحياة، بل جاء ليجعل الحياة رمزاً للحق والحريّة" (جبران خليل جبران، كتاب العواصف) لعله في مكان ما من لاوعينا الجمعي نعلم تلك الحقيقة التي نادى بها جبران، ولكن، ما سمعناه مرارًا وتكرارًا، ما رددوه في قطعان التربية الكنسية جعلنا ننسى. كانت أكبر أكذوبة سمعتها في سنوات مراهقتي هي واحدة من أقدس كلمات المسيح وهي تُلوى وتُستغل في غير موضعها. تقول الأكذوبة أن السيد المسيح أتى ليُعاني ويُعاني فقط "عنا". المصطلح الذي تكرر داخل جدران مدارس الأحد لأكثر من ٤٠ عاما كاملة ولكن هذا ليس مكانه مناقشة "البدلية العقابية"، أو بعضا من أفكار أغسطينوس، وتوما الإكويني ولماذا يرفضها تعليم آباء الشرق. تُدلل الأكذوبة على صدق نواياها بواسطة استخدام العبارة الرابعة للمسيح على الصليب: "إلهي، إلهي... لمَ تركتني؟" لكن كيف ردد المسيح كلمات مزمور ٢٢ من مزامير داود النبي؟ هل رددها كبائس يتوسل العفو؟ أم كجبار أظهر بالضعف ما هو أعظم من القوة؟ بين جثسيماني والإقرانيون، فقط بضع ساعات؛ ساعات من ليل النفس المظلم، ساعات الترك والوحدة الرهيبة. في جثسيماني، يصرخ "يسوع" كي تعبر عنه الكأس، παρένεγκε باليونانية (take away). ونحو الساعة التاسعة يصرخ كذلك ἀνεβόησεν التي تعني (cried out) بأكثر صوت ألمًا في الوجود، ألمًا مشابه لذاك الذي تجتازه نفسي في ليل الحياة الحالك: “Eloi Eloi lama sabachthani? ” - "Ἠλί, Ἠλί, λεμὰ σαβαχθανί. "which is, ‘ My God, my God, why have you forsaken me? ’ (Matthew 27:46) “Eloi Eloi lama sabachthani? ” (Mark 15:34) كان أول ذكر ل "إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟" في مزمور ٢٢ لداود النبي قائلًا: "إلهي، إلهي، لماذا تركتني، بعيدًا عن خلاصي، عن كلام زفيري" لم يكن عجيبًا أن يبدأ "يسوع" في الدهش وحَزن الموت في جثسيماني، ألم يُعرى آدم ويُطرد من بستان عدن تاركًا للبشرية ألم السقوط؟ في جثسيماني، قرر "يسوع" حَمل عارنا وتحمل كُلفة حماية أرواحنا للأبد. في سلطان ظلمتهم (لو٢٢: ٥٣) صلبوا نور العالم (يو ٨: ١٢) وارتضى "هو" بكامل إرادته أن يُقطع من أرض الأحياء (أش٥٣: ٨). ومن وقت الساعة السادسة حتى وقت الساعة التاسعة (١٢ ظهرا إلى ٣ مساء) كانت ظلمة على الأرض كلها، ما أن أوثقوا رُبط هيكل جسده (الهيكل الجديد) انحل الهيكل القديم وشُق من وسطه، متروك لهم خرابًا. كانت الظلمة الخارجية مُكافئ للظلمة الداخلية التي ذاقها المسيح على الصليب، ظُلمة إخلاء ذاته عن المجد الذي كان له قبل كون العالمين، الإخلاء الذي قبله في جسده الملموس، وهو النور الحقيقي الذي لا تستطيع ظُلمة أن تقهره! الإخلاء لا يُفهم أبدًا على مستوى الجوهر والطبيعة واللاهوت مُطلقًا، لكن يُمكن فهمه على مستوى زمني من ذاك الذي تخلى عن مجده زمنًا. لكن ما تلك الصرخة؟ لا ننكر حالة التخلي التي حدثت للمسيح هُنا، ولكن أي نوع من التخلي؟ إنّه الترك، لا حجب الآب وجهه عنه كما قال بعض المفسرين، ولا ترك اللاهوت له ليعاني الآلام، كما اعتقد البعض، وهو رأي الهرطقة النسطوريّة. نؤمن أن الكلمة المتجسد هو إنسان كامل كما نعلم أنّه إله كامل، ولم تنتقص أي من طبيعتيه من الأخرى. وحالة الترك هُنا هي أن يُترك ليُسلَّم ويصلب ويتألم ويحمل خطايا البشريّة ليموت. إنه شعور من يعرف النهاية، لكن لحظة التنفيذ هذه صعبة على النفس البشريّة، النفس الذي ارتضى أن يأخذها بالكامل ليُلبسننا بره. المسيح هُنا يتحدث لا بلسانه كالابن الوحيد، ولا بلسان حال إنسانيّته، بل بلسان البشريّة كلها، نحن من خرجنا من معيّة الآب، يصرخ يسوع بلساننا طالبًا عودة وجه الآب علينا، وإحاطته برحمة إلهيّة بنا. ”نفهم بوضوح قوله لماذا تركتني حين نقارنه مع المجد الذي للمسيح عند الآب بالاحتقار الذي كابده على الصليب، ذاك الذي عرشه كان الشمس ومثل القمر يكون للأبد ثابتًا وشاهدًا“ (العلَّامة أوريجانوس، Ancient Christian Commentary on Scripture NT 1b) (Downers Grove, Ill. : InterVarsity Press, 2002, Page 294) "وظهر في التعبير "إلهي إلهي لماذا تركتني؟" أنَّه لم يكن هو الذي تُرك سواء من الآب أو من لاهوته كما ذكر البعض، كما لو أنَّه كان خائفًا من الألم... ولكن كما قلت كان في شخصه ممثلًا لنا، لأنّنا نحن الذين كنا متروكين ومحتقرين من قبل ولكن الآن ارتفعنا ونجينا بمعاناة ذاكالذي كان يمكن ألا يعانيفقد جعل عصياننا وخطأنا خاص به هو" (غريغوريوس النيزنزيّ، On The Son: 4: 1) "إلهي إلهي لماذا تركتني؟هي من عبارات التشديد والعون، ف"إنَّ الذي لم يعرف الخطية جعله خطيئة لنا". و"صار لعنة لأجلنا" (غلا 13: 3). و"يخضع الابن نفسه للذي أُخضِعَ له كلّ شيء" (1كو 28: 15). الحق أنّ الآب لم يترك ابنه قط لا من حيث هو إله، ولا من حيث هو إنسان. ولم يكن الابن قط خطيئة ولا لعنة، ولم يكن بحاجة أن يخضع للآب. فمن حيث هو إله، وهو مساو للآب وهو ليس معاديًا له ومن حيث هو إنسان، فلم يكن قط مقاومًا لأبيه كي يضطر إلى تقديم الخضوع له. وإنَّما قال هذا لإنَّه أختصّ بشخصنا وجعل ذاته بمستوانا، لأنَّنا كُنَّا خاضعين للخطية واللعنة. ولذلك كُنَّا متروكين" (يوحنا الدمشقي، المائة مقالة في الإيمان الأرثوذكسيّ، مقالة 91) "أما قول المسيح: "إلهي إلهي لماذا تركتني؟" فمعناه أن المسيح أختص شخصيًا، فإنَّ الآب لا يكون إلهه إلَّا إذا فصل العقل بتصوُّرات دقيقة بين ما يرى وما يعقل جاعلًا المسيح معنا في صفنا دون أن يفصله البتة عن لاهوته الخاص، لكننا كُنَّا نحن المهملين والمنسيين، حتّى أنّه وقد أختص شخصنا صلى الصلاة المذكورة" (يوحنا الدمشقي، المائة مقالة في الإيمان الأرثوذكسيّ، 205) "إذا أعتبرنا أن الابن الوحيد تأنس، فهذا الاعتبار هو الذي يجعلنا نفهم لماذا صدرت عنه هذه الكلمات، لأنه صار كواحد منا ونائب عن كلّ الإنسانية، وقال هذه الكلمات لأنّ الإنسان الأوَّل تعدى وسقط في عدم الطاعة ولم يسمع الوصية التي أعطيت له وإنما تعداها بمكر التنين، فصار أسيرًا للتعدي ولذلك بكلّ حقّ أُخضِعَ للفساد والموت. ولكن الابن صار البداية الجديدة على الأرض ودعيَّ آدم الثاني. وكان الابن الوحيد يقول: "أنت ترى فيَّ أنا الجنس البشريّ وقد وصل إلى عدم الخطأ وقدوس وطاهر" فأعطه الآن البشارة المفرحة الخاصّة بتعطفك وأزل تخليك، وأنتهر الفساد وليصل غضبك إلى نهايته. لقد غلبت الشيطان نفسه الذي نجح قديمًا ولكنه لم يجد فيَّ شيئًا يخصَّه. هذه معاني كلمات المخلِّص التي كان يستدعي بها تعطُّف الآب، ليس عليه هو، بل على الجنس البشريّ الذي كان يمثله" (كيرلس السكندريّ، المسيح واحد 78) الشكر كل الشكر والمجد والسلطان والعزة والبركة لمن رفع بصليبه بشريتنا، من بصليبه انهبط الجحيم وبطل الموت، من داس المعصرة وحده، من قام ناقضًا أوجاع الموت إذ لم يكن ممكنًا أن يُمسك منه. "ولو عَقُل البشر لوقفوا اليوم فرحين مُتهللين مُنشدين أهازيج الغلبة والانتصار" (جبران خليل جبران، كتاب العواصف) أمجد بشارة، ! تفسير إلهي إلهي لماذا تركتني؟ اﻷب متى المسكين، مع المسيح في آلامه حتى الصليب جبران خليل جبران، العواصف --- ### ذكرى القبض على الشاب الفلسطيني يسوع - Published: ۲۰۲۲-۰٤-۲۲ - Modified: 2025-01-13 - URL: https://tabcm.net/5205/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, لاهوتيات - وسوم: Theosis Across Borders (TABcm Network), إسخاتولوچي, باراباس, جوليو ريجيني, خالد سعيد, شهدي عطية, شيماء الصباغ, ليتورچي, يورجن مولتمان, يوهان بابتست متس هذه الومضات وجدت طريقها إلى حياتي خلال حَدثين؛ الأوّل عندما كنت أؤدّي خدمتي العسكريّة أثناء الحرب العالميّة الثانية. والحدث الثاني كارثة أوﺷﭭيتس. (اللاهوتي الألماني: يوهان بابتست متس) كتب الأستاذ "عاطف العطّار" منشورين على الفيسبوك، جعلاني أفكر كثيرًا. يتساءل فيهما عن جدوى الاحتفال أو الانشغال بموضوع موت شاب فلسطينيّ من ٢٠٠٠ سنة وما جدواه اليوم في ظلّ قتل وسجن واختفاء الكثير من الأبرياء والذين يصمت عنهم عالمنا الخانع القانع وينساهم. كنت فاكر أنه مع الوقت والقراءة والخبرة بالحياة ممكن فهم ظواهر اجتماعية وثقافية بشكل أسهل. لكن يبدوا أن العلاقة هنا مش بسيطة ولا طردية. مش قادر فعلا أفهم سبب النقاشات والتساؤلات المكثفة اليومين دول عن طبيعة موت شاب فلسطيني يهودي من الناصرة من حوالي ٢٠٠٠ سنة. خلال الألفين سنة قتل الموضوع بحثًا ونقاش وجدلًا. في ناس بتشوفه شخصية أسطورية وناس تشوفه أيقونة دينية، نبي، إله، إبن إله بمعنى مباشر أو مجازي. كل ده مافهوش مشكلة الحقيقة، كل إنسان حر في إدراكه وفهمه. لكن ليه لغاية النهارده وخصوصًا في مجتمعاتنا مازالت أسئلة من النوع ده تبدو وكأنها مصيرية ويتوقف عليها حياتنا أو موتنا. في منطقة ووسط ثقافي مر ومازال بيمر بأحداث عاصفة، ثورات وانقلابات وحركات فكرية ونهضوية وأنظمة سلطوية، فقر وقهر ومرض وجهل وأخيرًا وباء عالمي. لكن مازال من المهم الآن وهنا أن نحسم ونحدد الطريقة التي توفي بها هذا الرجل، هل مات أم لا، هل صلب أم قتل بشكل أخر. طيب لو الموضوع فارق وجوهري عند جماعة المؤمنين به، السؤال لماذا هو أيضًا فارق وجوهري عند أصحاب العقائد الأخرى. هتفرق إيه لو كان قتل أو شنق أو صلب أو مات في حادث سقوط طائرة أو دراجة نارية أو غرق، أو هو نفسه أو"شبه لهم"؟ فعلًا مش قادر أفهم معنى السؤال ولماذا هو ملح الآن بهذا الشكل؟ قربنا ننسى البحث عن حقيقة وملابسات موت خميس والبقري وشهدي عطية وخالد سعيد، وما بينهم، من سقطوا في الثورة المصرية وفي مذبحة رابعة وفي عربية ترحيلات أبو زعبل، شيماء الصباغ وريجيني، من ماتوا في السجون وأقسام الشرطة ومقرات أمن الدولة. بس طبعًا مصممين نحسم ملابسات وحقيقة موت يسوع المسيح عيسى إبن مريم من ألفين سنة. الحقيقة كلام الأستاذ "عاطف العطاّر" جعلني أفكر كثيرًا في حدث "مقتل الشاب الفلسطيني" المدعو يسوع من الناصرة. وكيف أن المسيحية الشعبية أو المسيحيّة البرجوازيّة اللي دجّنتها السلطات المستبدة تحوّلت إلى مجرد فولوكلور شعبي، مجرّد أفيون للناس كي تنسى واقعها و"تتلهي" بأمور سماويّة ليس لها علاقة برسالة الشاب الفلسطيني "المغتال" خارج أسوار أورشليم حوالي سنة ٣٣ ميلاديّة. ذكرى هذا الشاب الذي تم القبض عليه من حرّاس الدين، وحراس الدولة، وذكرى القبض عليه وتعذيبه، والمحاكمات الباطلة التي حوكم أمامها من قضاء غير مستقل، هي فعلا ذكري تشغل كثير من الناس منذ ألفين سنة، علي عكس المنسيين في التاريخ، الناس اﻵخرين، الذين تمت تصفيتهم أو ماتوا  بالأمراض والتعذيب في السجون. يا ترى ليه؟ وهل معنى إن المسيحية الشعبية المنتشرة وكونها تسطح القضية، يقلل من أهميّة هذه الذكرى؟ الذكري مهمة وأتمني أن تستمر للأبد، المشكلة التي أثارها الأستاذ عاطف هو أن تتحول الذكري إلى مجرّد إلهاء "شايف العصفورة دي؟" بدون ربطها بتاريخنا البشري الذي يتم دفنه وهو غارق في الظلم والقهر. ما يلهمني في هذا الموضوع هو كتابات إثنين من اللاهوتيين الألمان: "يوهان بابتست متس" في فكرة الذكرى التخريبيَّة، واللاهوتي "يورجن مولتمان"، فالإيمان المسيحيّ هو أيضًا ذكرى إسكاتولوجية تنفتح على المستقبل: «الإيمان المسيحيّ سلوك، فيه يتذكَّر الإنسان الوعود والرجاء الذي تمَّ معايشتُه بفضل هذه الوعود، هو سلوك يربط نفسه فيه بالذكريات ليحيا حياته» . وبالتالي على الكنيسة أن تعتبر نفسها وتقدَّم ذاتها على أنَّها تشهد وتُبلغ العالم هذه الذكرى الخطرة بحريّة في داخل نظم مجتمعنا. . يكتمل الإيمان في ذكرى الآلام، موت وقيامة يسوع المسيح، فالتاريخ ليس تاريخ المنتصرين والناجحين فحسب، بل هو تاريخ الخاسرين أيضًا. تاريخ من نساهم العالم، أو من أرادت السلطة أن ينساهم العالم أو من يراد لهم أن يظلوا مقتولين في صمت دون شوشرة. اللاهوتي "متس" يعارض "خصخصة الإيمان" لأنه يعتبر الروحانية هي التعبير عن الذكرى الخطرة لموت وقيامة يسوع المسيح. وإبراز أهمّية الذكرى في الخبرة البشريّة. هذه الخبرة معبّر عنها في روايات الذاكرة. الذكرى عند "متس" هي التي تمنح الإنسان هُويّته التاريخيّة. وتتكوّن هذه الهُويّة عند استنهاض  هذه الذكريات. فهويّة العبيد تكونت عن طريق انتزاعهم من جماعاتهم التاريخيّة وتشويه ذاكرتهم والعبث فيها. الذاكرة عند "متس" تاخذ شكلين: الشكل الأوّل تذكُّر الماضي على أنّه "ياااه كانت أيام جميلة". وهي جنّة بدون مخاطر، ومكان للهروب من إحباطات الحاضر. أصبح الوضع الراهن أمرًا لا خلاف عليه منذ عصر الأنوار، وتقدّم مجتمعاتنا في مرحلة ما بعد السرد، وقتما يصبح التاريخ لا بداية له ولا نهاية. في هذا الخطاب، يصبح الخلاص نتيجةً لتحكُّمٍ زائد يُمارَس على طبيعة التاريخ، من خلال سيطرة العلوم، وقبضة التكنولوجيّا والتحكّم السياسيّ. وهكذا يتم تفسير التاريخ على أنّه تاريخ الانتصار وتاريخ النجاح. وﻻ مكان لذكرى الخاسرين وآمالهم الضائعة أو المحبَطة. وبهذا المعنى، الذاكرة هي في قلب تكوين ضميرنا الجماعيّ، لكنّها ذاكرة انتقائيّة ﻻ تتذكّر غير انتصارَ الأقوياء؛ وتحطِّم الضحايا، وتكوّن بالتالي ضميرًا مزيفًا لماضينا، يصبحُ أفيونًا لحاضرنا. إذ عندما تعمل الذاكرة بهذه الطريقة، سيستمرّ التاريخ / الواقع كما كان في الماضي، دون أي عوائق. الشكل الثاني: ذكريات خطرة تقوم باستفزازنا. ذكريات تُسلِّطُ فيها خبراتُ الماضي ضوءًا باهرًا، وتعيد ليومنا حَدْسًا جديدًا وخطرًا لحاضرنا. تسلِّطُ نورًا قاسيًا يفتح الأبصار على المشكلة التي اعتدناها منذ زمنٍ طويل، وعلى تفاهة ادِّعائنا بالواقعيّة. تفجِّر هذه الذكريات واحدةً من أكثر الاتِّساقات سيطرةً وتحمل بداخلها بذورا تخريبيّة. يتم اختبار هذه الذكريات كلقاءاتٍ خطرة واستحضار للماضي ﻻ يمكن لأحد توقّعه. مع هذه الذكريات يتم استحضار مخاوف التكرار في المستقبل. لهذا فليس من الصدفة أن النظم القمعيّة الشموليّة تعتبر تشويه الذاكرة سمةً أساسيّة لها. يبدأ تدجين الإنسان عندما نبدأ بنزع ذكرياته. هنا نجد مبدأ كلِّ استعمار. هذه الذاكرة تصدمنا، وتُخرِجنا من حيّز المعتاد؛ يحدث هذا في اللحظة التي نعي فيها حقيقة آلام البشر. يسمي "متس" ذكرى آلام البشر اسم الذكرى الخطرة، لأنّها «تُعرقِل» تطوّر المنطق اللاّسرديّ لطريقة تسارع اﻷحداث، وتكشف رؤًية جديدة وخطرة لحاضرنا. هذا الكشف عن الأفكار الخطرة مدمِّر وخطر لأنّه ينتقد الأمور التي اعتدنا عدم نقدها. بالنسبة للمسيحيّين، ذكرى الآلام خطرة لأنّها لا تكمن في النظر إلى الماضي كما لو كنّا ننقِّب عن الآثار، ولكن في النظر نحو المستقبل "الذي نتحسس فيه الوعود التي وعدها الله" و"الرجاء الذي عايشناه نتيجةً لهذه الوعود. " ذكرى الآلام البشريّة "تكبس علي نفَسنَا" وتجعل الحاضر أقلّ ثقةً، لأنّها تحطِّم النظرة المنتشرة بين الناس للوعي بالحاضر؛ وهذا على ضوء الرجاء المُنتَظَر. تقوم هذه الذكريات بتمحيص الحاضر على ضوء المستقبل الذي وعد الله به. هذه الومضات وجدت طريقها إلى حياتي خلال حَدثين؛ الأوّل عندما كنت أؤدّي خدمتي العسكريّة أثناء الحرب العالميّة الثانية. والحدث الثاني كارثة أوﺷﭭيتس. (اللاهوتي الألماني: يوهان بابتست متس) يرى "متس" الإيمان المسيحيّ مرتبطًا بحدث خاصّ: الذكرى الخطرة لموت وقيامة يسوع المسيح، والتي حطّمت القوى السياسيّة والعنف المتأصِّل. وتفتح عيوننا على آلام الأبرياء. الكنيسة عند "متس" هي حاملة وشاهدة في الوقت نفسه أمام العالم لهذه الذكرى الخطرة المرتبطة بضحايا التاريخ. في هذا الإطار تسمح الليتورجيا للمسيحيّين أن يوقفوا الزمن عن طريق استحضار ذكرى الألم البشريّ الذي يتحدّى الوضع الراهن، ويوسِّع آفاق تخيّلنا عن طريق توعيتنا بطريقة أعمق بوضع ضحايا العذابات. في أيامنا الحاضرة وفي التاريخ. الإيمان المسيحيّ ﻻبد أن يتخذ أبعادًا إسكاتولوجية ورؤيويَّة، «على الإيمان أن يرتجّى مستقبلًا خاصًّا للإنسان، ومستقبلًا خاصًّا بوضع المسحوقين واليائسين والمظلومين في العالم». والروحانيّة التي تضع في محور تفكيرها الذكرى الخطرة للألم، سيترتّب عليها نتائج جذريّة على المستوى الشخصيّ والسياسيّ. وستتشكّل ممارسة الذاكرة عندما يتعهّد المسيحيين بالتضامن مع ضحايا العنف من أجل التغلّب على الآلام الناتجة عن معارضة القهر والظلم والعنف على ضوء وعود الله. الدعوة إلى التضامن التي يوجِّهها "مِتس" لا يمكن خلطها مع التعاطف المحض، ولا مع التضامن المزيَّف المؤسَّس على "العهد بين طرفين متساويَين". التضامن المسيحيّ الحقيقيّ هو شامل. «يمتدُّ إلى من كانوا مُسَيطرًا عليهم ومنسيين. فالتصنيف اللاَّهوتيّ للتضامن يكشف في الواقع عن جانبه التصوّفيّ والشامل في قلب ذاكرة التضامن مع الأموات». وعلى المستوى الشخصيّ، يتطلّب هذا التضامن الجذريّ انفتاحًا يقوم بالاهتداء الشخصيّ والذي يخلق الإرادة في تقاسم المعاناة والألم مع الآخرين. سيوعى المسيحيّون ليس فقط ما يجب عليهم فعله أو عدم فعله مع الآخرين، ولكن سيتسع وعيهم بما يسمح لهم بالوصول إلى الآخرين. وعندما يأخذون بعين الاعتبار الذكرى المسيحيّة للألم، يصبح واضحا أنّ كلّ أشكال السيطرة الاجتماعيّة والقوى السياسيّة، عليها أن تبرِّر ذاتها أمام الآلام الحاضرة. وعلى القوى الاجتماعيّة والسياسيّة أن تعي بمدى المعاناة التي تحدث والتي أصبحت مكشوفة ومفضوحة. يرى "مِتس" أنّ الروحانيّة تخلق تضامنًا عميقًا من الجميع مع ضحايا المعاناة والظلم والعنف، وتوسِّع من آفاقنا الشخصيّة والسياسيّة، وتنشِّط تصوّراتنا بالرجاء الإسكاتولوجي المتمثِّل في أنّ العدالة يمكن أن تتحقّق كما عبّرت عنها وعود الله والتي تحقّقَت في القيامة. توضيح من الناشر: الصورة المستخدمة مع المقال اسمها Give us Barabbas (أطلق لنا باراباس) وهي تعكس توجها معارضًا لقومجة المسيح كفلسطيني عربي. الصورة تسجل لحظة الهتاف الشعبوي بإطلاق "باراباس" المعتقل السياسي في سجون الرومان، وعدم إطلاق المسيح صائحين "أصلبه أصلبه" - "دمه علينا وعلى أوﻻدنا". اختيار هذه الصورة في مقال عنوانه "الفلسطيني يسوع" هو إدراك -ومعارضة- من طاقم التحرير والنشر بالموقع لخطورة إضفاء التوجهات القومية على الرموز الدينية... هكذا صورة في هكذا سياق قد ﻻ يصطدم ظاهريا بعنوان "الفلسطيني يسوع"، لكنه يقول بين اﻷسطر "لو كان المسيح فلسطينيًا بحسب مكان الوﻻدة، فهكذا سيصير قتلة المسيح وحاملين دمه أيضًا فلسطينيون عربًا. " (Theosis Across Borders) --- ### المسيح ثائرًا - Published: ۲۰۲۲-۰٤-۲۱ - Modified: 2025-01-13 - URL: https://tabcm.net/5045/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, مقالات وآراء - وسوم: أحد الشعانين, الإمبراطورية الرومانية, الاحتلال الروماني, الشيوعية, العدالة الاجتماعية, الكنيسة القبطية, باراباس, بروليتاريا, بيلاطس البنطي, عيد الفصح, فريدريك إنجلز, قديس بولس الرسول, كارل هانريش ماركس, يوحنا الحبيب, يوسيفوس فلاڤيوس منذ نحو ألفي عام، ونحو الساعة الثالثة بعد ظهر الجمعة الثالث من أبريل من العام 33، أعدم النظام الروماني الحاكم، الذي كان يحتل المملكة اليهودية في ذلك الوقت، بقيادة الوالي بيلاطس بنطيوس ، الحاكم الروماني لمقاطعة اليهودية، الثائر اليهودي والمُعلم والفيلسوف يسوع المسيح الناصري، بأبشع وسائل الإعدام تعذيبًا وألمًا، وهي الصلب، وكانت عقوبة الإعدام بالصلب تستخدم في الإمبراطورية الرومانية على الثوار والمتمردين، كما طبُقت في السابق على أتباع الثائر سبارتاكوس، الذي قاد ثورة العبيد في الإمبراطورية الرومانية عام 73 ق.م، ولقي حتفه عام 71 ق.م، وتم إعدام نحو 6000 من رفاقه على الصلبان على مدى سنوات طويلة وبإصرار بالغ، دأبت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية على تصدير صورة القبطي الخانع الذليل المستأنس المؤيد للحاكم طوال الوقت، للمجتمع قبل أن يكون للمسيحيين أنفسهم، حتى بات الطرفان مقتنعين بتلك الصورة. المجتمع الذي دأب على الاستهانة بحقوق المواطنة للأقباط المستأنسين، والأقباط أنفسهم الذين باتوا مقتنعين بأن واجبهم كمسيحيين مؤمنين أن يُهانوا ويُذلوا من الجميع ويؤيدوا القوات والرئاسات على مر العصور والسنين. ولكيما يحدث هذا التحول في الموروث الثقافي والاجتماعي، استندت الكنيسة على صورة مجزأة للمسيح عكفت على تعديلها وتكييفها ولي عنق الآيات وتفسيرها بطرق مغلوطة وتصديرها بما يتناسب مع صورة "المسيح الخانع" الذي تصر المؤسسة الكنسية على تقديمه. ولم تدرك الكنيسة -ولا يبدو أنها ستفعل- أن المسيح نفسه كان ثائرًا على نظام القيصرية الروماني العظيم وعلى السلطة الكهنوتية المستبدة، قبل أن يكون معلمًا. وبالرغم من أن المسيحية أول ما ظهرت كانت حركة بين الفقراء والمضطهدين واشتهرت كطائفة للعبيد والمُعتقين والفقراء والمنبوذين، حركة أممية للشعوب التي أخضعتها وشتتت شملها الإمبراطورية الرومانية، إلا أن المسيحية بعد نحو ثلاثة قرون صارت دين الدولة الرسمي بعد التفاف الكنيسة ورجالها حول القياصرة. كان المسيح متمردًا على النظام وعلى التقاليد، كان ينادي بالفضيلة وفي نفس الوقت كان صديقًا للمنبوذين وشاربي الخمر والزناة والخطاة. دافع عن الزانية أمام الجموع ولم يخجل، بل جعل مدعي التدين الزائف يخجلون، لم يدافع عن المرذولين فقط، لكنه منحهم الأمل في الخلاص. كان نجارًا فقيرًا، ولم يكن يمتلك أي شيء، كان ينتمي حرفيًا إلى طبقة البروليتاريا، وهي تلك الطبقة التي لا تملك أي وسائل إنتاج، وتعيش من بيع مجهودها العضلي. وشكل يسوع نواة مقربة من التابعين ليكونوا الخلية الأولى لحركته الإصلاحية السلمية، وهم التلاميذ الإثنا عشر (الحواريين)، وليكونوا سندًا وعونًا له في نشر رسالته، وضمن هذه الحلقة كان هناك حلقة أصغر مقربة، مكونة من بطرس ويوحنا بن زبدي وأخاه يعقوب، وجميعهم من المهمشين والفقراء، منهم صيادي السمك مثل بطرس وأندراوس ويعقوب ويوحنا، ومنهم متى، جابي الضرائب، وهي المهنة التي كانت ينظر إليها عوام اليهود بكونها خيانة وعمالة للرومان، وبشكل عام، فإن الخلفيّة الثقافيّة أو المراكز الاجتماعية للتلاميذ لم تكن مرموقة على المستوى الاجتماعي، وتنوعوا في اعتقاداتهم السياسية، فبعضهم كان يعتقد بضرورة الكفاح المسلح ضد النظام، مثل بطرس الذي استل سيفًا، وضرب به "ملخس" عبد رئيس الكهنة فقطع أذنه، عندما أتوا ليعتقلوا يسوع في بستان جسثيماني. كانت أفكاره تقض مضاجع كهنة اليهود بشعبيته الجارفة التي يصنعها هذا النجار الفقير، المجهول النسب، ويقضي على شعبيتهم التي فشلوا في الحفاظ عليهم رغم سلطتهم الدينية والدنيوية، ورغم أموالهم الوفيرة التي لم تنقذ شعبيتهم من طوفان شعبية المسيح الجارفة، تمرد على سلطة الكهنوت ونعتهم بـ(أولاد الأفاعي)، طرد المرابين من الهيكل وكشف مرتزقة الدين وعرى زيفهم، نقض شريعة موسى وشريعة حفظ السبت ووبخ المتشددين، معلنًا أن "السَّبْتُ إِنَّمَا جُعِلَ لأَجْلِ الإِنْسَانِ، لاَ الإِنْسَانُ لأَجْلِ السَّبْتِ"، كان يساري الهوى مناديًا بالعدالة الاجتماعية معلنًا أن "كُلَّ منْ لَهُ يُعْطَى فيزداد، ومنْ لَيْسَ لَهُ فَالَّذِي عِنْدَهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ"، مناهضًا لجشع الأغنياء، معلنًا أن "مُرُورُ جَمَل مِنْ ثَقْبِ إِبْرَةٍ أَيْسَرُ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ غَنِيٌّ إِلَى مَلَكُوتِ اللهِ"، أسس نظام تكافل اجتماعي قوي عندما أشبع نحو خمس الآلاف فرد بالقليل من الطعام، وأخيرًا نادى بفصل الدين عن السياسة قائلًا: "أَعْطُوا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ وَمَا لِلّهِ لِلّه"، وصنع أسطورته في وقت قياسي، نحو ثلاث سنوات فقط. وفي ذلك الوقت، كان يعيش يسوع، وهو رجل من رجال الدين، إذا جاز أن نسميه كذلك؛ لأنه كان يأتي بأعمال عجيبة، ويعلّم الناس، ويتلقى الحقيقة وهو مغتبط، وقد اتبعه الكثير من اليهود والرومان. (المؤرخ اليهودي "فلافيوس يوسيفوس" في كتابه: "العاديّات اليهودية" الموضوع عام 93 في روما) وفي مقدمة الطبعة الجديدة من كتاب كارل ماركس الصراعات الطبقية في فرنسا من 1848 إلى 1850، الذي نشر في مارس (آذار) 1895، كتب الفيلسوف الألماني والمنظر الشيوعي فريدريك إنجلز، الملقب بأبو النظرية الماركسية، عن المسيح الثائر قائلًا: منذ قرابة 1600 سنة، عملفي الإمبراطورية الرومانية حزبًا ثوريًا للانقلاب شديد الخطر، فقد قوض هذا الحزب الدين وجميع أسس الدولة، وأنكر صراحة أن تكون إرادة الإمبراطور القانون الأعلى، وكان بلا وطن، كان أمميًا؛ وقد انتشر في جميع أقاليم الإمبراطورية، من بلاد الغال إلى آسيا، وتسرب إلى ما وراء حدودها، وزمنًا طويلًا جاهد خفية وعمل سرًا، ولكنه شعر خلال حقبة مديدة نسبيًا بأنه صار من القوة بحيث يستطيع العمل جهارًا وعلنًا. (فريدريك إنجلز، مقدمة كتاب كارل ماركس: "الصراعات الطبقية في فرنسا"، مارس 1895) أثارت شعبية يسوع الجارفة والمتزايدة كهنة اليهود وأحبارهم، حتى قرروا أن يختفي عن المشهد السياسي، لأن استمراره على قيد الحياة قد يؤدي إلى ثورة سياسية ضد الحكم الروماني، تفضي إلى تدمير الحكم الذاتي لكهنة اليهود على المجتمع اليهودي، حتى خلصوا إلى استمالة تلميذه يهوذا الإسخريوطي لخيانته مقابل المال، فقُبض على يسوع وحُوكم عسكريًا، وصدر الحكم بإعدامه، كونه مضل يسوق الناس إلى الضلال، ويغرى الناس على الشغب والهياج، عدو الناموس (الشريعة)، ومجدف يدعو نفسه ابن الله وملك إسرائيل، إضافة إلى أنه قد دخل الهيكل ومعه جمع غفير من الناس حاملين سعف النخل (مساوية لتهمة: التجمهر)، وتلك كانت التهم الخمس التي أدُين المسيح بسببها، ويمكن تلخيصهم في تهمتين أساسيتين، إحداهما دينية وهي تهمة التجديف (مقاربة لازدراء الدين)، والأخرى سياسية وهي الثورة ومعاداة القيصر والنظام، والتحريض على الفتنة. الجزء الأكثر أهمية على الإطلاق في قصة المسيح الثائر، هو ذلك التحول غير منطقي، وغير مفهوم في سيكولوجية الجماهير والتحول المزاجي لجموع فقراء اليهود، الذين استقبلوا المسيح أستقبال الفاتحين يوم أحد الشعانين، حتى أنهم: "فَرَشُوا ثِيَابَهُمْ فِي الطَّرِيقِ. وَآخَرُونَ قَطَعُوا أَغْصَانًا مِنَ الشَّجَرِ وَفَرَشُوهَا فِي الطَّرِيقِ، وكَانُوا يَصْرُخُونَ قَائِلِينَ: أُوصَنَّا. . مُبَارَكٌ الآتِي بِاسْمِ الرَّبِّ، مُبَارَكَةٌ مَمْلَكَةُ أَبِينَا دَاوُدَ الآتِيَةُ بِاسْمِ الرَّبِّ أُوصَنَّا فِي الأَعَالِي. " وبعد مرور أقل من خمسة أيام، وبدون أي أحداث تبرر هذا التحول، وفي ظل انعدام تام لكل وسائل الإعلام والاتصال في ذلك الوقت، نجد أن نفس الجماهير قد تحولت إلى النقيض تمامًا بحلول يوم الجمعة التالي، ولا يمكن تفسير هذا التحول سوى أن تأثير رجال الكهنة وأحبارهم كان بمثابة السحر على الجماهير، وكنتيجة مباشرة لإقحام أحبار اليهود وكهنتهم للدين وخلطه بالسياسة، انقلبت الجماهير على المسيح الذي أتى خصيصًا كي يحررهم، وطالبوا بإعدامه وصلبه، فعندما خيّر الحاكم الروماني بيلاطس الجماهير، أن يطلق لهم أحد أسيرين بمناسبة عيد الفصح، أما يسوع الناصري، وأما لص قاتل يدعى باراباس، فصاحت الجموع "اصْلِبْهُ اصْلِبْهُ". فأجاب بيلاطس "لَمْ أَجِدْ فِي هذَا الإِنْسَانِ عِلَّةً مِمَّا تَشْتَكُونَ بِهِ عَلَيْهِ"، "وَهَا لاَ شَيْءَ يَسْتَحِقُّ الْمَوْتَ صُنِعَ مِنْهُ فَأَنَا أُؤَدِّبُهُ وَأُطْلِقُهُ"، "فَصَرَخُوا بِجُمْلَتِهِمْ قَائِلِينَ: خُذْ هذَا! وَأَطْلِقْ لَنَا بَارَابَاسَ"،فَقَالَ لَهُمْ ثَالِثَةً: فَأَيَّ شَرّ عَمِلَ هذَا؟ إِنِّي لَمْ أَجِدْ فِيهِ عِلَّةً لِلْمَوْتِ، فَأَنَا أُؤَدِّبُهُ وَأُطْلِقُهُ، فَكَانُوا يَلِجُّونَ بِأَصْوَاتٍ عَظِيمَةٍ طَالِبِينَ أَنْ يُصْلَبَ، فَقَالَ الْوَالِي: وَأَيَّ شَرّ عَمِلَ؟ فَكَانُوا يَزْدَادُونَ صُرَاخًا قَائِلِينَ: لِيُصْلَبْ، بل وهددوا بيلاطس البنطي، الحاكم الروماني المحلي لمقاطعة اليهودية، إن لم يصدر أوامره بإعدام يسوع قائلين:إِنْ أَطْلَقْتَ هذَا فَلَسْتَ مُحِبًّا لِقَيْصَرَ. كُلُّ مَنْ يَجْعَلُ نَفْسَهُ مَلِكًا يُقَاوِمُ قَيْصَرَ، فتأكد بيلاطس أن سلطته لا تقارن بسلطة رجال الكهنة على الشعب، وخشى من حدوث شغب،فأَخَذَ مَاءً وَغَسَلَ يَدَيْهِ قُدَّامَ الْجَمْعِ قَائِلًا: إِنِّي بَرِيءٌ مِنْ دَمِ هذَا الْبَارِّ! أَبْصِرُوا أَنْتُمْ، فَأَجَابَ جَمِيعُ الشَّعْب وَقَالُوا: دَمُهُ عَلَيْنَا وَعَلَى أَوْلاَدِنَا. منذ نحو ألفي عام، ونحو الساعة الثالثة ((كان اليهود يقسمون الليل إلى 4 ساعات كبيرة ويقسمون النهار إلى 4 ساعات كبيرة، وكل ساعة كبيرة تماثل ثلاث ساعات بتوقيتنا، وتبدأ ساعات النهار عند شروق الشمس، والساعة التاسعة بالتوقيت اليهودي، تماثل الساعة الثالثة ظهرًا. )) بعد ظهر الجمعة الثالث من أبريل من العام 33 ((هناك رأيان في هذا الشأن، الأول أن صلب المسيح كان في الثالث من أبريل، استنادًا إلى فصح اليهود الذي صُلب فيه يسوع حسب الإنجيل من جهة، وحادثة إظلام السماء التي أشار إليها الإنجيل أيضًا من جهة أخرى، مع بعض الأبحاث والدراسات التي أجريت في هذا الصدد، لكن في رواية أخرى أن حادثة الصلب تمت في الخامس والعشرين من مارس (آذار)، بحسب صورة الحكم الذي أصدره بيلاطس على يسوع الناصري بالموت صلبًا. ))، أعدم النظام الروماني الحاكم، الذي كان يحتل المملكة اليهودية في ذلك الوقت، بقيادة الوالي بيلاطس بنطيوس ، الحاكم الروماني لمقاطعة اليهودية، الثائر اليهودي والمُعلم والفيلسوف يسوع المسيح الناصري، بأبشع وسائل الإعدام تعذيبًا وألمًا، وهي الصلب، وكانت عقوبة الإعدام بالصلب تستخدم في الإمبراطورية الرومانية على الثوار والمتمردين، كما طبُقت في السابق على أتباع الثائر سبارتاكوس، الذي قاد ثورة العبيد في الإمبراطورية الرومانية عام 73 ق. م، ولقي حتفه عام 71 ق. م، وتم إعدام نحو 6000 من رفاقه على الصلبان. كانت المسيحية في السابق تدعي، المذهب الثوري، قبل أن يأتي بولس الرسول ويلقبها المسيحية، وهو نفسه الذي قال في رسالته لأهل رومية:لِتَخْضَعْ كُلُّ نَفْسٍ لِلسَّلاَطِينِ الْفَائِقَةِ، لأَنَّهُ لَيْسَ سُلْطَانٌ إِلاَّ مِنَ اللهِ، وَالسَّلاَطِينُ الْكَائِنَةُ هِيَ مُرَتَّبَةٌ مِنَ اللهِ، حَتَّى إِنَّ مَنْ يُقَاوِمُ السُّلْطَانَ يُقَاوِمُ تَرْتِيبَ اللهِ، وَالْمُقَاوِمُونَ سَيَأْخُذُونَ لأَنْفُسِهِمْ دَيْنُونَةً، ليتحول النص من نص يساري يقف مع الفقراء والمهمشين ويعادي الأغنياء، إلى نص يميني يدعم الدولة والنظام ويعادي المعارضين والمتمردين، وتتحول المسيحية برمتها من مذهب ثوري إلى ديانة النظام والدولة والسلاطين، وهي نفس الآية التي تستخدمها الكنيسة حرفيًا اليوم في وجه الشباب المسيحي الثائر، كدليل كتابي (من الكتاب المقدس) على محاباة الحكام وإدانة المعارضة والثورة. --- ### القيم الأخلاقية - Published: ۲۰۲۲-۰٤-۲۰ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/4403/ - تصنيفات: عام, مقالات وآراء البحث في الأخلاق عمومًا موضوع حديث نسبيًا في ثقافتنا العربية والشرقية (عكس اليونان كمثال الذي يرجع لقرون ما قبل الميلاد)، أما القِيَم بوجه خاص فيرجع الكلام عنها إلى قرن مضى عندما اكتشف الاقتصاديون تأثير السلوك الأخلاقي على عمليات الإنتاج والاستهلاك والأسعار. كما بدأت تظهر أهمية القِيَم بعد أن تعددت الأنشطة وتنوعت فظهرت أخلاقيات العلم وأخلاقيات الطب (القِيَم ونقل الأعضاء كمثال)، قيم حماية النشء من تأثير السوشيال ميديا. الخ لما كان التغيير سِمة الإنسان، فهو ليس جنس واحد متماثِل في الطبيعة والخصائص الشخصية والدوافع العملية والخواطر النفسية والمستويات الروحية، بالتالي تظهر أهمية دراسة الأخلاق من كافة الجوانب. عوامل تتفاعل معًا وتكوِّن المحتوى الثقافي لشعب وجماعة ما فأين تقع المسئولية الأخلاقية وَسْط هذه المتغيرات؟ هل الأخلاق ظاهِرة طبيعية؟ تنشأ وتتطور تختفي بشكل تلقائي؟ أم أن هناك ما له تأثير في هذا المجال؟ عدة تساؤلات سنطرحها بخصوص هذا الموضوع وستكون مجموعة المقالات المقبلة محاولة للإجابة والتوصل إلى رؤية واضحة لموضوع الأخلاق. * بدايةً من معاني المُصطَلَحات والفارق بين كل منها أو المشترك؟ فمثلا معنى الأخلاق، الضمير، السلوك * ما الفارق بين فلسفة الأخلاق والقِيَم وعلم الأخلاق والقِيَم؟ * هل هناك أخلاق وقِيَم إيجابية وأخرى سلبية؟ * بالتالي ما المُطلق وما النسبي في هذا المجال؟ ولماذا؟ * تساؤل آخر عن خصائص الأخلاق وخصائص القِيَم ودور هذه الخصائص في هذا المجال؟ * ما الأزمة الأخلاقية؟ وكيف تظهر؟ وكيف نعالجها؟ * ما تأثير استقرار المجتمع على الأخلاق والقِيَم؟ * ما معنى زرع القِيَم وكيف نزرعها؟ * ماذا نقصد بمنظومة القِيَم أو سلَّم القِيَم؟ * ما مدى صحة القول إنه من الواجب تدعيم قيم المجتمعات في وَسْط المتغيرات السريعة؟ * على عاتِق من يقع هذا الدور؟ --- ### المسيح مدنياً - Published: ۲۰۲۲-۰٤-۱۹ - Modified: 2025-01-13 - URL: https://tabcm.net/5056/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون, مقالات وآراء - وسوم: ابن اﻹنسان, كريستولوچي أما أنا،، فسأظل أحلم بكنيسة من الناس، تُبشر بالمسيح كاملًا غير مجتزأ.. كنيسة تُعلم اتباعها لا عن "ابن الله" الطائع لأبيه وحسب، بل أيضًا عن "ابن الإنسان" الذي رفض في أكثر من موقف إطاعة البشر، أو الخضوع السياسي لرجل الدين، وقام بالتعديل والإسقاط لما يُروج له مجتمعه المتدين كله علي أنه "شريعة الله" أسبوع الآلام بالنسبة لي ليس طقسًا وصلاة... إنما أراه الذكرى السنوية لموت أكثر شخص اختلف البشر حول ماهيته... البحث في هوية المسيح من تعقيده تحول لعلم كامل يحمل اسمه ، فالطفل يسوع، المطعون في نسبه اﻷبوي، والمنسوب لوالدته "مريم"، تم تلقيبه بأكثر من ١٢٨ لقبًا واسمًا لكل منها معنى مختلفًا... بينما هو كان يفضّل أن يدعو نفسه: "ابن الإنسان". عندما كنت طفلًا وارثًا للمسيحية، وعضوًا ناشطًا في حلقة المؤمنين... لم أقابل المسيح يومًا في أيقونة مرسومة، أو تمثالًا مصلوبًا، بل قابلته بين أوراق كتاب... كانت أفكار "ابن الإنسان" تذهلني بتحطيمها لكل ما هو تقليدي، وتفتح لي نوافذًا جديدة للرؤية... كان يسخر من ثقافة الموت، ووضع كل تركيزه على ثقافة الحياة... هذا المنادي بالفضيلة كان مختلفًا... كان صديقًا مدوامًا لكارهي الصيام، وتاركي الصلاة، وشاربي الخمر، والزناة، والأنكى، أنه دافع عنهم حرفيًا أمام مجتمعاتهم وقال أنكم لستم بأفضل منهم... كل الفاشلين والمرذولين أخلاقيًا والمنبوذين من مجتمعاتهم، صنع لهم أملًا... يبدو لي أن "ابن اﻹنسان" كان مختلفًا عن كل اﻷنبياء والقديسين وكل رجال الله في كونه يؤمن بإنسانيتنا... قبله كنت أتصور الله قويًا جبارًا عسكريًا وقاضيًا عادلًا وحاسمًا وعنيفًا ولا يوجد بشر لا يخافه إﻻ وعد خوفه؛ "حكمة"... أما بعده فصرت أرى الله في زنابق الحقول وفي الزهور وفي اﻷلوان وفي الجمال وفي براءة اﻷطفال... أزال الخوف من الله وصرت أحبه... لقد حول الله في تصوراتنا من "مصدر مخيف" إلى "مصدر آمان" من كل ما يخيف، وهو ما لم يفعله آخر... شقّ مضاجع الكهنة، انتقد المثقفين، وبخ المتشددين، جلد مرتزقة الدين بسياط الكلمات، داس على الشريعة بكلتا قدميه وهتف: الإنسان أولًا... والمثير للدهشة أنه فعل كل هذا بسلاسة، دون صدام... أنشأ أقوى برنامج اجتماعي ضمائري، بأن يهتم الفرد بصلاح نفسه ولا يحكم على الآخرين... وإن أخطأت، فابتسم، وقم من جديد كالعنقاء تنهض من رمادها وقل للخطيئة "لا تشمتي بي يا عدوتي، فإن سقطت أقوم"... لم يكن فكر المسيح مقترنًا بسياسة، لكنه أنشأ مجتمعًا مدنيًا قويًا، ووضع بذور فكرة التكافل الاجتماعي التي استخدمها تلاميذه فيما بعد... أيضًا هو أسطورة حيّة لكل ليبرتاريان حول قدرة الفرد على تغيير أفكار العالم بمفرده... وبالتأكيد هو كعبة لكل مثقف أو فيلسوف أو باحث أو منشغل بالعمل الميداني والجماهيري في قدرة الأفكار على تغيير الشعوب في زمن قياسي، فكل تعاليم وأفكار المسيح وصلتنا عن الثلاثة سنوات وأربع أشهر الأخيرة من حياته... وظلت أفكاره، وأقواله، بعد أكثر من ألفي عام، متماسكة، صلبه، تصمد للنقد، وتحظى باحترام الخصوم قبل المريدين... في مثل هذا الأسبوع، حوكم المسيح أمام خمس محاكمات، اثنتان منها محاكمات دينية،، جميعها لم تستطع إثبات تهمة جنائية أو سياسية واحدة،، لكن بالنهاية، صدر الحكم بإعدامه لارتكابه: "جريمة الكلام" أما أنا،، فسأظل أحلم بكنيسة من الناس، تُبشر بالمسيح كاملًا غير مجتزأ. . كنيسة تُعلم اتباعها لا عن "ابن الله" الطائع لأبيه وحسب، بل أيضًا عن "ابن الإنسان" الذي رفض في أكثر من موقف إطاعة البشر، أو الخضوع السياسي لرجل الدين، وقام بالتعديل والإسقاط لما يُروج له مجتمعه المتدين كله علي أنه "شريعة الله"! ! سأظل أحلم لأني قابلت مسيحًا مكافحًا صنع للحالمين أمثالي أملًا، وقرأت رسالته، بعد أكثر من ألفي عام، فأيقنت أن الحلم: "ممكن". . --- ### أسبوع آلام المسيحيين في مصر - Published: ۲۰۲۲-۰٤-۱۸ - Modified: 2023-11-15 - URL: https://tabcm.net/4892/ - تصنيفات: المرأة القبطية - وسوم: أرسانيوس وديد, رضوى عاشور, سمعان شحاتة, عبد الله رشدي, مريم وهيب, مينا عبود يستعد مسيحيو مصر في هذه الأيام لذكرى أسبوع آلام السيد المسيح ومن بعده عيد القيامة. وهذا العام، عاش مسيحيو مصر أسبوعًا يمكننا أن نسميه مجازًا أسبوع آلام الأقباط. وكأن جهود الإرهاب والشر تضافرت ليشارك أقباط مصر آلام الرب. وكأن هما واحدا لا يكفي، أو كأن الهموم تأتنس بعضها ببعض فلا تنزل على الناس إلا معا! (رضوى عاشور، ثلاثية غرناطة) بدأ هذا الأسبوع الحزين بمقتل القمص أرسانيوس وديد على قارعة الطريق بالإسكندرية غدرا لارتدائه زي الكهنوت، وهي ليست الحادثة الأولى من نوعها لمقتل كاهن على الهُوِيَّة -أي دون وجود أسباب شخصية أو معرفة سابقة بين القاتل والمجني عليه- فالقمص أرسانيوس واحد من بين كثيرين قتلوا بطرق متشابهة إلى حد التطابق، مثل: القس مينا عبود (شهيد العريش عام 2013)، والقس روفائيل موسى (شهيد العريش عام 2016)، والقس سمعان شحاتة (شهيد المرج عام 2017)، وغيرهم. كشف الباحث في شؤون الجماعات المتطرفة، ماهر فرغلي، أن قاتل القمص أرسانيوس هو "نهرو عبد المنعم"، القيادي المتطرف، قد أمضى وقتا بمستشفى الأمراض النفسية سابقا، وليس بكامل قواه العقلية. لا يخفف جنون القاتل من وطأة الجريمة على الإطلاق بل يجعل المصيبة أعظم ويزج بالمجتمع كليًّا في قفص الاتهام؛ لأنه يشير إلى وجود كره مجتمعي متأصل وأفكار إرهابية راسخة لا يمحيها حتى فقدان العقل أو الذاكرة! فهذا العقل النَخِر المُتفتت لا زال يحوي تلك التعاليم السامة التي تربى عليها منذ النشأة، واستعصت أفكاره على ترويض الأطباء والسجون! ربما لم يكذب من قالوا أن التعليم في الصغر كالنقش على الحجر. إن هؤلاء  يدينون بالكراهية ونبذ المختلف، ولا تلين قلوبهم حتى أمام طفلة صغيرة تأكل. ففي واقعة أليمة أخرى، ذهبت سيلفيا بطرس مع ابنتها إلى مطعم كشري التحرير لتناول الغداء بعد إنهاء اليوم الدراسي ليمنعها مدير الفرع لأن الإفطار لم يحن وقته بعد. الوقوف أمام طاولة الطعام وتحضيره ومشاهدة إعلانات الطعام وتناول الممثلين أشهى الأكلات في التلفاز طوال اليوم لا تضايق من اتخذوا الكراهيَة عقيدة لهم. إنما ما يثير جنونهم بالتحديد هو أن يتناول شركائهم في الوطن طبقا من الكشري أمامهم. ما حدث في هذا المطعم ليس بواقعة فردية ولا يمثل أصحاب هذا المطعم فقط. فالتعصب سم يسري في عروق هذا المجتمع المرعب؛ تتكرر تلك المشاحنات هكذا دواليك حتى أصبحنا نعتادها ولم تعد تستوقفنا مثلما استوقفتنا قديما. على سبيل المثال، هناك مطاعم وشركات مثل مطعم مؤمن لا تحبذ تعيين المواطنين المسيحيين. وهناك مطاعم أخرى تنتقم من الفاطر بوضع سموم في الوجبة لعلها تكون وجبته الأخيرة كما سكب أحد العاملين بمطعم ماكدونالدز الكلور لسيدة ابتاعت وجبة في نهار رمضان. حتى الجرائد ووسائل الإعلام التثقيفية أصبحت تصل إلينا محملة لا بالثقافة والفن بل بشحنات الكراهيَة. فالإعلام والفن لم يعدا منافذ نرى من خلالها واقعنا كما نتمناه أن يكون بل أصبحا كالمرايا يعكسا صورة الشارع القبيحة، مرايا نرى فيها وجه أخينا المؤمن الهائج. صار الاعتذار عن مثل هذه التصرفات مبتذلا! من العته أن نصدق أن صحفي المصري اليوم صاحب فتوى تحريم "بيع الطعام للكافر" قد نشرها من تلقاء ذاته، أي بلا مراجعة محرر ديسك، ولا مدير تحرير، ولا رئيس التحرير، ولا سياسة جريدة. وأنه قد نشرها كذلك على صفحة المصري اليوم على فيسبوك دون أن يراه أحد. هؤلاء يفرضون الدين فرضا، يسلبون كل صفاته الجمالية الكامنة في الفردانية، يسلبون الإنسان نضجه الوجداني. ألا يفهمون أن أسمى العقائد تفقد جدواها متى فرضت كأن يصير الحب اغتصابا بفرضه قهرا؟ تلك هي انتصارات الضعفاء، من يستشعرون القوة الكاذبة في إجبار أحدهم على ما لا يريده قلبه. هم كالفئران لا يعيشون إلا حين يقرضون خيوط حياتنا. دعني الآن أحكي لك عن يومي العادي -كفتاة مصرية غير محجبة- كيف يكون. ولا أعتقد أن يومي يختلف عن أيام فتيات كثيرات مثلي: كفتاة مسيحية غير محجبة أسير على أرضنا الحبيبة وكأني أحمل روحي على راحتي بالأخص في شهر رمضان. تناول الطعام والشراب في الشارع هو بمثابة مجازفة لأن أخينا المؤمن الهائج سيعاملني وكأني عدو المجتمع الأول، وكأنه بمنع الطعام عني يحفظ الوجود وعلة الوجود! ارتداء الفساتين التي لا تغطي الساقين بالكامل مغامرة رهيبة تثير غضب أخينا الهائج وتبرز هوسه الجنسي على السطح. لطالما سألت عن سبب الأزمة في رؤية ساقي امرأة! هل الأمر مثير لهذه الدرجة؟ وهل زوجة أخينا الهائج ليس لديها مثلهما؟ أصبحت أعتاد المضايقات اليومية وكأن تلك هي طبيعة الحياة في مصر؛ أن أسمع سبابهم كل يوم بأبشع الألفاظ. كان أخر تلك المضايقات المعتادة هو سب عامل نظافة لي في أثناء مروري قائلاً: "اتفو، رباية وسخة". فتخيل عزيزي القارئ أن ذلك الشخص الودود إلى حد اللزوجة، الذي يلقي السلام على كل من يمر بجواره ويتبعه بعبارة "كل سنة وأنت طيب/طيبة" ليحصل على المساعدات المادية، قرر أن يستثنيني ويبصق عليّ لأني أخرجته عن صيامه! هل جار علينا الزمن إلى هذا الحد، نحن بنات ذلك البلد المنكوب؟ بعد أن أنهيت يومي، وقفت تحت أشعة الشمس الحارة لأنتظر وصول المواصلة التي ستأخذني للمنزل بعيدًا عن هذا الجحيم، ولسوء حظي أني شعرت بالعطش، وفعلت ما أفعله في الأيام العادية، أخرجت زجاجتي لأشرب لأجد أمامي مؤمن هائج آخر يرمقني بنظرة احتقار شديدة، فوجدت نفسي أركض إلى أقرب كشك لابتاع أي شيء يؤكل وأعود لمكان أخينا الهائج وأتناول ما ابتعته أمامه وأنا أشاهد غضبه يتصاعد في اغتباط إلى أن رحل. ويبدو أن ما يفعله هؤلاء الغاضبين يأتي بنتائج عكسية، بالأخص مع من يتسمون بالعناد ولديهم ميول استفزازية مثلي. تصريحات عبد الله رشدي -الذي لا أعلم حقا السر وراء كونه حرا طليقًا إلى الآن- عن  ملابس الفتيات تزيدني إصرارًا يومًا فيوم أن أرتدي ما أشاء وأن أفعل ما أشاء بلا انصياع لأي قيود مجتمعية؛ لأني لست من جنس الفئران أو القوارض ولن أكون. أتناسى ما يحدث كل يوم حتى أنسى، لكنني لا أنسى، ومع ذلك، أحاول كل يوم أن أبدأ مرة أخرى لأواصل الحياة العادية. --- ### خواطر في تفسير إنجيل يوحنا
الإصحاح الرابع (١) - Published: ۲۰۲۲-۰٤-۱۷ - Modified: 2022-04-15 - URL: https://tabcm.net/4811/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: المرأة السامرية, يوحنا الحبيب "تركاليهودية ومضى أيضا إلى الجليل. ٤ وكان لا بد له أن يجتاز السامرة. ٥ فأتى إلى مدينة من السامرة يقال لها سوخار، بقرب الضيعة التي وهبها يعقوب ليوسف ابنه. ٦ وكانت هناك بئر يعقوب. فإذ كان يسوع قد تعب من السفر، جلس هكذا على البئر، وكان نحو الساعة السادسة. ٧ فجاءت أمرأة من السامرة لتستقي ماء، فقال لها يسوع: «أعطيني لأشرب » ٨ لأن تلاميذه كانوا قد مضوا إلى المدينة ليبتاعوا طعاماً. ٩ فقالت له المرأة السامرية: «كيف تطلب مني لتشرب، وأنت يهودي وأنا أمرأة سامرية؟» لأن اليهود لا يعاملون السامريين. “ ١٠ أجاب يسوع وقال لها: « لو كنت تعلمين عطية الله ، ومَن هو الذي يقول لك أعطيني لأشرب، لطلبت أنت منه فأعطاك ماء حياً»" (إنجيل يوحنا ٤  : ٣ - ١٠) إنه لقاء المسيح مع المرأة السامرية الذي هو أروع استعلان لافتقاد شخص الرب لقلب الإنسان في سعي إيجابي حتي يتعرف الإنسان على الرب  شخصاً إلى شخصٍ  ”ها أنا واقف علي الباب وأقرع إن سمع أحد صوتي وفتح أدخل وأتعشى معه وهو معي“  (رؤ ٣ : ٢٠) إن اعتزاز الكنيسة القبطية بإنجيل السامرية هو قديم قِدم انفتاح وعي الكنيسة بالروح أن استعلان الرب هو سر يتممه شخص الرب نفسه في لقاء خاص مع كل إنسان. وتقرأه الكنيسة في الصوم الأربعيني المقدس ”أحد السامرية“، ثم في فترة الخمسين المقدسة. فهو شهادة لعمل الرب الذي يقصد قلب كل إنسانٍ قارعاً بابه في إيجابية حب رقيقة ”أعطيني لأشرب“ تحنو وتحتوي ضعف النفس الإنسانية في صدودها لزيارات الروح ”كيف تطلب مني لتشرب“ إلي أن ينفتح وعيها فتعرف شخص الرب”مَن هو“ فتشتاق وتطلبه ”لطلبتِ أنت منه“ وتمتلئ به وترتوي ”فأعطاكِ ماءً حياً“. ”وكان لا بد له أن يجتاز السامرة“ (إنجيل يوحنا ٤  : ٤) إن خدمة بولس الرسول في سيرته بعد أفتقاد الرب له تشرح لنا أعماق هذه الآية إذ يقول: ”ويل لي إن كنت لا أبشر“  (١ كو ٩ : ١٦). فالخدمة في المسيحية ليست فرضَ عينٍ  ولكنها فيضٌ مِن غيضٍ لقلبٍ سكنه الرب فامتلأ وفاض حباً واشتياقا للخدمة ”لابد“ و أفتقاد العالم بنور المسيح الذي أشرق فيه. ”فإذ كان يسوع قد تعب من السفر... “ (إنجيل يوحنا ٤  : ٦) إن الراعي الصالح لا يكتفي بترديد كلمات الصلاح علي المنبر. بل يقضي يومه مشاركاً خرافه مسيرهم نهاراً ويسهر علي حراستهم ليلاً. فالراعي يقضي يومه مع خرافه ماشياً علي قدميه نفس المسافة التي تمشيها الخراف ويصير تعب الخراف هو تعب راعيها الصالح أيضاً. لقد أختبر داود النبي حياة الشركة مع الرب راعيه الصالح ”صرتُ كبهيمٍ عندك(لا أعرف ما تعرفه يا رب). ولكني دائماً معك. أمسكتَ بيدي اليمنى، برأيك تهديني، وبَعد إلى مجدٍ تأخذني“ (مزمور٧٣). لذلك يتعجب الرب راعينا الصالح علي رعاةٍ ”يحزمون أحمالاً ثقيلة عسرة الحَمل ويضعونها على أكتاف الناس، وهم لا يريدون أن يحركوها بإصبعهم“ (متى ٢٣). وعلى سبيل المثال، هناك رعاة يتشددون في تحريم الإجهاض ويضعون علي الفتاة حِملاً ثقيلاً أن تحتفظ بالجنين على الرغْم من الظروف القاسية المترتبة علي (فضيحتها) التي قد تصل إلي قتلها في بعض المجتمعات. بينما الرعاة لا يمسون هذا الحِمل بأصبعهم. إن الذي ينصح بعدم الإجهاض - وأنا أوافقه الرأي - فعليه أن يشارك في تحمُّل الثقل مع الأم في مسيرة الحَمل ورعاية المولود وكأنه أبيه. وإلا فليصمت عن تطبيق وصية الرب في هذه الحالة. إن للغنمات ربٌ يحمل حِملها معها في سرٍ هو قدس أقداسٍ بينه وبين الغنمات، لا دخل لأحدٍ به ”فقال يسوع لها(للمرأة التي ارتكبت جريمة الزنى  فأمسك بها رجال الدين وقدموها ليسوع ليدينها حَسَبَ ناموس موسي): «ولا أنا أدينك. اذهبي ولا تخطئي أيضاً»“. (يوحنا ٨). إن منهج الرب كراعٍ صالحٍ هو قديمٌ قِدم خلق الله للإنسان. فعندما سقط آدم لم يكتف الرب بأن يسرد عليه نتائج سقوطه ”شوكا وحسكا تنبت لك الأرض... وبعرق جبينك تأكل خبزك ... وبالوجع تحبلين البنين“ (سفر التكوين)، بل كان الرب متابعاً لمشقة الإنسان في محنته التي صنعتها يداه ”إني قد رأيتُ مشقة شعبي الذين في مصر وسمعت أنينهم ونزلت لأنقذهم“ (أعمال الرسل ٧). نعم لقد نزل الرب بالفعل إلي أرض اللعنة مراتٍ ومراتٍ (كما في حادثة العليقة المشتعلة بالنار) إلي أن جاء ملء الزمان و ظهر الله في الجسد وشاركنا المسيح الإله آلامنا وحولها إلي مجدٍ لنا. لقد أرتضي الرب أن يحمل الشوك الذي نبت لنا في أرض الغربة أكليلاً علي هامته، و مَسحَن الرب حياتنا وأتعابنا في هذا العالم، «مِنَ الآكِلِ خَرَجَ أُكْلٌ، و مِنَ الجافِي خَرَجَتْ حَلاَوَةٌ» (قض ١٤ : ١٤). و لم تَعُد ضيقاتُ الحياة وأتعاب الدنيا خسارةً نستحقها نتيجة سقوطنا لأن الرب حوَّلها لنا إلي شركة في آلامه بينما في حقيقتها هي آلامنا التي حملها مِن أجلنا. فكلما ضغطت الحياة علينا بالتعب فإننا نتقوى بل نفرح في وَسَط الضيقة عندما نتذكر أن أتعابنا صارت تعب الرب ”يسوع قد تعب من السفر“. فصار ألم كل إنسان أرتبط بالمسيح ويقدمه شركة في آلآم الرب، مكسباً لا خسارة. فلم يَعُد الألم عاراً حين كان تذكاراً للخطية والسقوط بل صار شركة لنا في آلام المسيح و أكليلَ مجدٍ. ”فجاءت أمرأة من السامرة لتستقي ماء، فقال لها يسوع: «أعطيني لأشرب»“. (إنجيل يوحنا ٤  : ٧) إن لقاء المسيح مع السامرية يعطينا فكرة عن لجاجة الرب في سعيه لخلاص السامرية بل وكل إنسان من خلال أحداث اليوم العادية بل ربما يختلق الرب الفرص في إيجابية حب عجيب”أعطيني لأشرب“. لقد مدح الرب اللجاجة في الصلاة و أوصانا بها في طلباتنا إليه لأنها صفة من صفات الرب نفسه في طلبه لخلاصنا. إن وعيِّنا بلجاجة الرب في خلاصنا يطرد اليأس بكل أشكاله من حياتنا اليومية و الروحية. وكذلك فإن لجاجة الرب نحو أمر خلاصنا ربما تشير إلي حتمية خلاصنا. فإن مثل ”الخروف الضال“ قد يصيب المرء بالذهول فرَحاً لكل من يفتح الروح بصيرته ليري مثابرة الرب ولجاجته نحو خلاصنا في صورة مطلقة تليق بالربَ لأنه مطلقٌ بطبيعته. فلقد وصف الرب لجاجته وسعيه بتعبيرٍ في غاية القوة إذ أنه يبحث عن خروفه الضال ”حتى يجده“ (لو ١٥ : ٤). وتجدر الملاحظة أن كلمة ”حتى“ وهي تختص بالزمن، لم تأتي في هذا المثل باليونانية ”Cronos“ وهو الزمن المخلوق و يخص الخراف، بل جاءت باليونانية ”Coros“ وهو الزمن الغير مخلوق والأبدي الذي يخص الراعي لأنه الرب الإله. وأترك القارئ مع روح الله ليتأمل أعماق كلمة ”حتى“ وأهميتها في حتمية خلاص الإنسان المرتبطة بلجاجة لا نهاية لها لأن الرب مطلقٌ هو.  ”فقالت له المرأة السامرية: «كيف تطلب مني لتشرب، وأنت يهودي وأنا أمرأة سامرية؟» لأن اليهود لا يعاملون السامريين“. (إنجيل يوحنا ٤  : ٩) لقد أنعم الله علي اليهود بالناموس والاشتراع والعهود والأنبياء والمواعيد ليكونوا ارساليته في أفتقاد العالم، ولكنهم فشلوا حتي في الحفاظ علي السامريين الذين انحدروا في عبادة آلهة كاذبة وصاروا ”أنجاساً“ في نظر اليهود. لذلك جاء الرب وأعلن أن سعيه لخلاص الإنسان يتجاوز خلافات البشر و فهمهم المحدود وتقصيرهم. فالرب لم ينزلق إلي هذا المستنقع الذي يتقاتل فيه البشر علي الإيمان بالله لأن ”الله أكبر“ من الإيمان به  بل  وفوق الإيمان نفسه، فالله هو ”أبيكم الذي في السماوات، يشرق شمسه على الأشرار والصالحين، ويمطر على الأبرار والظالمين“. (متي ٥) إن الإيمان بالله هو علاقتنا بشخص الرب وليس حروفاً نتقاتل عليها بينما هي مفردات لغة بشرية محدودة و متغيرة بتغير حدود البلدان. لذلك لم يلتفت الرب إلي خدعة تعدد الأديان وصراعات البشر ولم يتكلم عن الصراع بين اليهود والسامريين، فكان حديثه عن شخص الله الذي يحب شخص الإنسان. إن الدعوة لمعرفة الله لا تكون أو تتحقق بالعداوة و المقاطعة الناتجة من صراع مفاهيم البشر عن الله، ولكن بتقديم شخص الرب لهم فهو القادر وحده أن يُحي ويقيم الناس من مواتهم عند لقائه بهم. وليس نحن بتقديم مفاهيم ونظريات عن الله. والسُبح لله. بقلم د. رءوف أدوارد --- ### مشكلات ما بعد عودة "مريم" - Published: ۲۰۲۲-۰٤-۱٦ - Modified: 2023-11-15 - URL: https://tabcm.net/4999/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, المرأة القبطية, شئون علمانية - وسوم: Anthropocentric, Deocentric, أحوال شخصية, بابا تواضروس الثاني, بطلان الزواج, ثروت أباظة, رئيس جمال عبد الناصر, شيء من الخوف, غادة عبد العال, كاميليا شحاتة, مريم وهيب والحلول التشريعية ﻻ تبدأ فقط من اﻷحوال الشخصية (التي توقف الإصلاح فيها وقهرت الأقوياء مثل عبد الناصر، ومثل نابليون الذي أشهر إسلامه وتزوج بمسلمة كي يعتبره المسلمين واحدًا منهم) بل تبدأ بنزع فتيل الصفة التشريعية من الهيئات الدينية غير المنتخبة. ﻻ أن يجامل الدستور الكنيسة بمادة جديدة تزيد من مبدأ المحاصصة الطائفية على حساب المواطنة فنعود للخلف فراسخًا وأميالا! منذ أعوام ليست بالبعيدة، وفي عصر مبارك الشهير بالتوازنات، لو كان ما حدث (في سرية) مع مريم، حدث وقتها، كنا سنتوقع يوم الجمعة التالي وبعد صلاة الظهر تجمهرات لإناس بجلابيات بيضاء وشوم وعصيان تحاصر الكاتدرائية منادين "عايزين أختنا مريم" وهم يضربون صورة للبابا تواضروس باﻷحذية. في مشهد (حدث بالفعل في عصر البابا اﻷسبق) يعبر عن غضب اﻷصوليات المسلمة ووجهة نظرها من انحيازات الدولة وأن الإسلام مضطهد في أرض مصر المسلمة! بالطبع حادثة "أختي كاميليا" (التي كانت متزوجة من كاهن وتريد الطلاق منه، ورفضت الكنيسة، فأشهرت إسلامها كمخرج من نفق الزواج اﻷرثوذكسي المؤبد) هي أول ما قد يجول بخاطرنا. لكن في الحقيقة فهذا المشهد أقدم مما نتخيل، وجسدته السينما المصرية عام 1969 في فيلم "شيء من الخوف" (فؤادة) لكن اﻷمر يحتاج أن نفهم "ﻻهوت الدهاشنة" كما يسميه راهب الدومينيكان چون جابريل. يقول اﻷب جون عند جزئية "الشيخ إبراهيم": يمكن اعتبار الشيخ إبراهيم في الرواية على أنّه يمثل "الدين. وأوّل كلمة "لا" في الفيلم خرجت من فم الشيخ إبراهيم! ونجح الشيخ إبراهيم في قول الحقّ من قبل أن تقضي يد الغدر على حياة ابنه. على هؤلاء الشيوخ إذًا أن يختفوا من الوجود، فهم خطرٌ على وجود أيّ حاكم ظالم. ولكن، هل كانت الثورة التي قادها الشيخ ثورةً على انتهاك حقوق الإنسان؟ أمّ أنّها ثورة من أجل انتهاك آخر؟ في الفيلم كما في الرواية يتكلم الشيخ على أنّ الشعب صبرَ على انتهاك حقوقه، إلّا أنّه لا يمكن أن يصمت عن انتهاك "حقّ الله". يمكن من الرواية ومن الفيلم إدراك رمزيّة بطلان الزواج باعتبارها تلميحًا لحكم الحاكم على الدولة، والذي يرفضه الشعب، ممّا يجعل حكمه باطلًا. فإرادة الشعب ورضاه هما أساس العقد وأساس صحّته. إلّا أنّ رمزيّة بطلان زواج فؤادة باعتباره زواجًا باطلًا مرتبطًا بحقّ الله يثير مسألة غايةً في الأهمّية. فكلام الشيخ: "صبرنا على انتهاكه حقوقنا، أما انتهاكه لشرع الله فلا يمكن السكوت" يثير مسألة حقوق الإنسان وحقّ الله. الوجه الآخر لبعض المؤسسات الدينيّة التي لا تفتح فاها إلّا حينما يُنتهك "حقّ" الله وليس عندما يُنتهك حقّ الإنسان. وكأنّ هناك تعارض أو فرق بين الاثنين. يأتي التعارض أو الاختلاف، أو دونيّة حقوق الإنسان أمام حقّ الله من النظرة للدين ذاته. فالنظرة السائدة في الشرق للدين أنّه دين "ذو مركزيّة إلهيّة"(Deocentric)، مقابل توجه الدين السائد في الغرب وبخاصّة بدءًا من القرن الثامن عشر باعتبار الدين ذا "مركزيّة بشريّة" (Anthropocentric) (يكتب اﻷب جون جابريل معنا على الشبكة، وسأحرص على أن تعرض هذه القطعة التي اسمها "كما في السينما كذلك على اﻷرض" كاملة في أقرب فرصة) والخلاصة السياسية -كما أتصورها بشكل شخصي- أن الكّل يستخدم الدين (أي دين) لتحفيز غيره على الاصطفاف خلفه (الحشد) فيما ﻻ يستطيع القيام به بمفرده. سواء السلوك السياسي للشيخ إبراهيم في رواية الكاتب"ثروت أباظة"، أو سلوك الجماعات السلفية في التظاهر ضد ما يرونه "حق الله" عمومًا، أو حتى سلوك الجماعة المسيحية المتحضرة في حشد الكنيسة ﻻستعادة "كاميليا" أو "مريم" أو غيرهن. الدين هنا في هذه السياقات الاجتماعية، ليس قيما وأخلاقًا... ليس طقوسا شعائر... بل هو "تنظيم"... تنظيم اجتماعي متكتل وجاهز للعمل إذا ما امتلكت مفاتيح قيادته بلغة يفهمها... أو بطريقة أخرى لنقل أنك ستسيطر إذا ما نجحت في إقناع "التجمع الديني" بأن "حقك" هو "حق الله" الذي تصونه الجماعة بفدائية وانتحارية لضمان ما بعد الموت! لن تجد بشرا أو مواطنين عاقلين هنا، بل جموعا ثائرة، يمكن أن تفعل كل ما هو غير عقلاني اعتقادا منها أنها وإن ماتت فسيسعد الله بها ويستقبلها أحسن أستقبال في جنته عشان إيه؟ بيجيبوله حقه! ! حق الله يا أخواننا مش أي حد! ! بصراحة شديدة، في مثل هكذا سياقات اجتماعية شللية (طائفية ضيقة إذا ما نظرت لمصر كصورة أكبر)، أتعاطف مع أجهزة اﻷمن الوطني، فهي دائما محشورة في موقف خاسر. تنفيذ أمر فيه لمصلحة فريق، سيغضب فريقا أخر! حتى الحسبة في الفلسفة النفعية المعتادة (تحقيق أكبر قدر من المنفعة لأكبر قدر من البشر / تحقيق أقل قدر من الضرر لأقل عدد من البشر) التي هي ظالمة للأقليات دائمًا، ليست دائمًا متاحة للأجهزة إن تلقت أوامرًا بأنه: ﻻ يصح إﻻ الصحيح! فدائمًا هناك "كاميليا ما" مستنزفة من غبن اجتماعي ﻻ مخرج منه إﻻ باستخدام الدين! ! واللي في القلب في القلب يا كنيسة. ما الحلول الحقيقية للجميع؟ هنا نأتي لاقتباس أخر، وهو من كلام الكاتبة "غادة عبد العال"، كتبت تقول: مستغربة من إيمان كل أصدقائي المسيحيين من ان المسيحيات بيتخطفوا عشان يغيروا دينهم، و مافيش غير نسبة ١٪؜ اللي حاطين احتمال إن دول ستات طهقانة نفسهم يتطلقوا و مش عارفين، فبيهربوا! ده نوع من الخطف برضه بالمناسبة! ! الحل ل ٨٠٪؜ من الحالات دي ان ماكانش أكتر هو في قانون أحوال شخصية "مدني" يطبق ع الجميع! انتهى الاقتباس. وانتهت معه الحلول التي يجمع عليها العقلاء. حق "مريم" هو حق "كاميليا" هو حق كل مسيحي رجلا كان أو امرأة، في أﻻ يتم استعباده وابتزازه بما يعتقد آخرين غيره عن "أحواله الشخصية". مهما كانت صحة هذا الاعتقاد دينيًا، خاصة إن صدر عن منعدمي الخبرات في تجرِبة الزواج مثل الرهبان واﻷساقفة، والذين هم ﻻ يصلحون لتمثيل صوت متزوج واحد. نعم، قامت الدولة بخطف لمعالجة "إهمال قانوني" لمشكلة اجتماعية فردية صنعها مؤسسة الكنيسة، بقانون "اخبط دماغك في الحيط مفيش حلول"، وراضت فيها أجهزة العدل مؤسسة الكنيسة في أكبر صفقة على "أحوالنا الشخصية" في 2008. مريم عادت... لكن حق مريم لم يسترد، وإنما للتو بدأ. حقها علينا ألا نكون مثل باقي المجتمع ونتهمها بالـ"تلاعب باﻷديان" كما سيفعل "الخبير الاستراتيجي" لتهدئة الجموع. بل أن نكون أكثر شجاعة ونقر ونقول قولا واحدًا أن الكنيسة (شعبا وقيادة وأسرة وأقارب) هي كنيسة مذنبة ومتجبرة ومتسلطة، ربما من قبل أن تولد مريم، عندما سلبتها وسلبت كل مسيحي حق تقرير "أحواله الشخصية" وخطفت قراره الشخصي الحر باستخدام المقدسات وكله بالكتاب والسنة المسيحية! أوضاعنا في اﻷحوال الشخصية ظالمة وﻻ مثيل لها حتى عند المذاهب الأرثوذكسية الشقيقة كالسريان والأرمن والتي لم توافق كنيستنا تعسفها في أحدث إصدار لقانون اﻷحوال الشخصية، ومازال يتم تنقيحه منذ سنوات في وزارة العدل! في كل العصور السابقة، فإن أي تنظيم للأحوال الشخصية لغير المسلمين، كان يتم من خلال لوائح داخلية تقع مسؤوليتها، بما فيها من مشكلات وحلول، على الكنيسة أو الطائفة المصدرة لهذه اللائحة. ومن ثم، كان يمكن للدولة المصرية أمام المجتمع الدولي إلقاء مسؤولية التنظيم الاجتماعي على المؤسسة الدينية المسيحية، وبأنها هي صاحبة اللائحة، لا الدولة. خطورة طرح "قانون" بدلا من "لائحة داخلية" هو أنه يضع الدولة المصرية في موقع المسؤولية عن هذا القانون. وهو ما نراه غائبًا عن فلسفة "الراهب المحلي" الذي صمم مشروع القانون الحالي بفلسفة القرون الوسطى في السيطرة الاجتماعية، ودون قراءة لمواثيق حقوق الإنسان. فالدولة (بما فيها الشعب كمكوّن رئيسي للنظام الجمهوري) لم يشارك حقيقة في هذا المشروع. بل تم تسليم مسؤولي الدولة نموذجًا سريا لمشروع خالي من التأصيل الشرعي وانحصر دور الدولة في ضبطه. رجال التشريع بالدولة، مهما بلغوا من الكفاءة والمهنية، ربما قد يستطيعون ضبط الصياغة، أو إلغاء بعض المحاور، أو حتى أغلاق بعض الأبواب التي تفتح الذرائع، لكنهم حتما لا يستطيعون تغيير "فلسفة القانون" والذي هو مصمم بالكامل لحل مشكلات المؤسسة الدينية مع الدولة، وليس مشكلات المسيحيين الذين تمت مصادرة حقوقهم الشخصية، ووضع الدولة المصرية علي فوهة المدفع في مواجهة المجتمع الدولي. والحلول التشريعية ﻻ تبدأ فقط من اﻷحوال الشخصية (التي توقف الإصلاح فيها وقهرت الأقوياء مثل عبد الناصر، ومثل نابليون الذي أشهر إسلامه وتزوج بمسلمة كي يعتبره المسلمين واحدًا منهم) بل تبدأ بنزع فتيل الصفة التشريعية من الهيئات الدينية غير المنتخبة. ﻻ أن يجامل الدستور الكنيسة بمادة جديدة تزيد من مبدأ المحاصصة الطائفية على حساب المواطنة فنعود للخلف فراسخًا وأميالا! هذا إن ابتغينا حلوﻻ... ﻻ مجرد "مكلمة" تنتهي بمشهد هزلي معتاد لشيخ حكومي وقس حكومي يقبلان بعضهما البعض، بينما الحرائق داخل القلوب تشتعل على المستوى الشعبي. --- ### اصنعوا هذا لذكري - Published: ۲۰۲۲-۰٤-۱۵ - Modified: 2023-04-27 - URL: https://tabcm.net/4865/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون, لاهوتيات - وسوم: العشاء الأخير, يورجن مولتمان, يوهان بابتست متس قال: "اصنعوا هذا لذكري"، ثمّ رفع عينيه إلى السماء وقالَ: أبتِ، إن شئتَ فاحفظ ذاكرَتهم من الزَّيف! ثمّ دنا إليه تلاميذه مقاطعين صلاته، أمّا هو، فأمال وجهه نحوهم من دون أن تتحول عيناه عن السماء وقال: ستأتي أيّام تتناسون فيها أنّ الذكرى تاريخ، ليس تاريخًا شخصيًّا أو فرديًّا فحسب، بل تاريخ شعب. تاريخُكم ذاكرتُكم، بل مستقبلكم. سيكون لديكم نوعان من الذكرى: ذكرى الأحداث الماضية، فيها تُسرد الأحداث من مؤرّخين أو شهود عيان. ربّما تختلط فيها ذكراكم الشخصية، فتصبح الذكرى تذكارًا لأيام مضت كانت جميلة وتحمل في تذكارها "نوستالجيا" حنينًا إلى الماضي. وفي عالمكم ستُصاغ هذه الأحداث سياسيًّا، ودينيًّا، بل وعرقيًّا أحيانًا. سيكون المراد منها فقط السيطرة على حاضر من يسمعونه ويقرؤونه، والذهاب بهم نحو مستقبل يريده ويخططه لهم حاكم مستبد وحاشيته. لن يذكر هذا التاريخ الإخفاقات إلا نادرًا، وسيبجَّل الحاكم ويمجّده حتّى يموت أو يختطف منه السلطة حاكمٌ آخر... وتبدأ مسيرة أخرى من طمس التاريخ، فلعلّ كلّ ما سبق يتحوّل إلى أن يوصف بالعهد البائد. وتبدأ مرحلة أخرى من صياغة تاريخٍ يهواه ويريده ويملي خطوطه أهل السلطة. يكتب المؤرِّخون ما لا يضعهم في قلق أو مشكلات، وقد لا يكون الحاكم نفسه يعرفهم، ولكنّهم كانوا قد استقبلوا جلّادًا في صدورهم، يجثم عليها حينما يمسكون بالقلم. التاريخ سيكون تاريخ مختارات، مشوَّهًا ومُضلَّلًا، مزيَّف... سيسعى إلى العبث بذاكرة أمّة بأثرها. تاريخٌ ستكتبه يد الأقوياء، وفي إفريقيا ستكتبه يدٌ بيضاء. سيضع تفاصيله المنتصرون، ولن يكون مجال فيه لأن يتحدّث الضحايا أو المظلومون. سيُقتل الضحايا مرتين، مرة جسديًّا ومرة حينما تُكمَّمُ أفواههم أبدًا عن الكلام في صفحات تاريخكم، فيطويهم النسيان، وتحشو أفواههم صحفُ التاريخ، فلن تعود الآذان تسمع لهم أنينًا! ستدجّن السلطةُ الطاغية الإنسان عن طريق تزوير تاريخه، وهذا ما سيفعله أيضًا المستعمرون. ثمّ نظر إلى تلاميذه وأردف: ذكرايَ نوع ثانٍ من الذكرى، ستكون "ذكرى خطرة". فهي ستكونُ استحضارًا للماضي في حاضركم، ستصبح ذكرى خطرة من حيث أنها ستستطيع أن تنير حاضركم. وسيبدأ الكثيرون قراءة التاريخ من خلال ما يرويه المظلومون والضحايا، وسيشكّ الكثيرون في كل ما يقرؤونه، وكل ما تضعه السلطات بين أيديهم من تاريخ. سيتذكّر التاريخ هذه الضحيّة. ففيه سيبدأ التاريخ يصبح مرّةً تاريخ الضحايا والضعفاء، وليس تاريخ القتلة والأقوياء. تاريخ الداعين إلى السلام وليس فقط تاريخ من قَتَلوا وقُتِلوا. سيذكر التاريخ رجلَ الطبقة الوسطى اليهوديَّة. الذي حوكم باعتباره مخربً أمام مستعمريه، وخانه أهل وطنه، ونفّذ فيه حكم الإعدام علنًا. فيه ستصبح الذكرى خطرة حيث إن فيه يستطيع الإنسان قراءة التاريخ مرة أخرى. مع هذا الرجل ستصبح الذكرى خطرة، لأن فيه يجد الضحايا والمتألمون والمسجونون تعبيرًا عن معاناتهم. سيصبح تاريخه تاريخهم... وتاريخ كل واحد منكم. إن كل العنف والقتل والقهر والاستبداد لن يستطيع أن يطمس الحقيقة أبدًا، ويكمم أفواه من يصرخون دهرًا. اصنعوا هذا لذكري. . كلّما أكلتم من هذا الخبز وشربتم من هذه الكأس كلّما حضرَ ابن الإنسان حيًّا في قلب "اللحظة التاريخيّة" سيحضر ذاك الذي "نصب خيمته بينكم" متى كسرتُم الخبزَ، وشربتُم الكأسَ وضعتم ذاكرتكم أمام الله الحاضر هنا والآن وقرأتم الماضي بنور الحاضر وحينئذٍ، تعرفون كيف تُقاوَم ويناضَل ضدّ قوى الشرّ الكامنة في الحياة اليوميّة. ستكون ذكرى ابن الإنسان خطرةً... لأنّ بحضورها سيُلهَم كثيرون، بفاعليّة الحضور وسيستطيع المقهورون أن يفتحوا أفواههم. . ولعلَّكم إن تذكّرتموه فيهم، وسمعتموه مرةً واحدة، أصغيتم إليهم. . بعيدًا عن تزوير ذاكرتكم الفردية والجماعية. --- ### قراءات في دفتر العبث
ما بعد استشهاد القس أرسانيوس - Published: ۲۰۲۲-۰٤-۱٤ - Modified: 2023-11-14 - URL: https://tabcm.net/4885/ - تصنيفات: شئون علمانية, مقالات وآراء - وسوم: أرسانيوس وديد بعد استشهاد أبونا أرسانيوس في المدينة اللي كانت حتى زمن ليس ببعيد، مدينة كوزموپوليتان وبيتضرب بها المثل في التعددية الثقافية والإثنية، الإسكندرية، ناس كتير جدا مسيحيين ومسلمين على قدر عالي من الوعي الإنساني والثقافي، كتبوا وحللوا الموقف بشكل يجعل من الصعب جدا محاكاة أو إضافة أي أفكار جديدة للموضوع. بس في شوية حاجات كدة لازالت بشوفها على الفيسبوك، محسساني أنه لا إفاقة غير لما أصحاب المشاكل نفسهم يبتدوا يكون عندهم تمييز سليم، أو على الأقل، أكثر سلامة من القائم حاليًا بعد استشهاد أبونا أرسانيوس في المدينة اللي كانت حتى زمن ليس ببعيد، مدينة كوزموپوليتان وبيتضرب بها المثل في التعددية الثقافية والإثنية، الإسكندرية، ناس كتير جدا مسيحيين ومسلمين على قدر عالي من الوعي الإنساني والثقافي، كتبوا وحللوا الموقف بشكل يجعل من الصعب جدا محاكاة أو إضافة أي أفكار جديدة للموضوع. بس في شوية حاجات كدة لازالت بشوفها على الفيسبوك، محسساني أنه لا إفاقة غير لما أصحاب المشاكل نفسهم يبتدوا يكون عندهم تمييز سليم، أو على الأقل، أكثر سلامة من القائم حاليًا. اللي ها أكتبه في شكل نقاط سريعة هي مجرد خواطر أو أفكار، لو مش عاجباك، ما تشغلش بالك. ولو عجبتك أديها حيز من تفكيرك يمكن تلاقي لها مكان، أو تلاقي عليها إضافة تفيدني وتفيدك. - أنا ما ضرتكش بكفري لكن أنت قتلتني بإيمانك + ! ! ! ! بجد؟ لا والله؟! أنت شايف كده إنك بتخاطب ضمير الطرف الآخر؟ بما يجعله يرتدع أو يرفض الموقف، أنت مش بتخاطبه لله في لله. ده جهل، وخنوع وانبطاح ومش ها أكتر في الكلام عشان ما نجيبش زعل. جهل: لأنك وأنت بتكتب كده فأنت لا تفقه شيء ولا تعي حرف عن أحكام الكفر في الإسلام ولا حتى مفهومه، واللعبة الخايبة اللي هي إن كل واحد كافر بدين التاني، دي ماسخة وغبية وما يتضحكش بيها على عقل عيل صغير (المفروض). لأن أنا مش كافر ولا المسلم بالنسبة لي كافر، ولو في حد بيتعامل معايا على أساس إني كافر فيجب أنه ينصرف فورًا من محيطي، كل إيمان بالله له عقيدته، وفي الإسلام لأن الكافر هو رافض رفض صريح لله وللإيمان به، فله أحكام عند المتشددين تصل إلى وجوب القتال والقتل (حسب علمي واللي قارئ وفاهم يصحح لي، مسلم أو مسيحي). حضرتك بموافقتك العرة دي على الاعتراف ضمنيًا بالكفر، وضعت نفسك تحت طائلة الأحكام دي ومدى "منطقية وعقلانية" منفذيها! خنوع: وده إلحاقًا على اللي قبله عدل، إنك كده مسلم نفسك تسليم أهالي من غير تغسيل وفي انتظار لحظة الحسم، فمبروك عليك الـ fast pass to eternity. انبطاح: لأنك بتستخدم المصطلح بنظام "الإيد اللي ما تعرفش تقطعها، بوسها"، وده طبعا أسلوب خايب لأن الأيد دي مش مستنية قبلتك ومش ها ترضى عنك أو تتقبلك، بس لأنك ميلت وجاي زاحف، توء. - يا بخته بالاستشهاد + آه كنسيًا أو دينيًا، لكن مش إنسانيًا ولا ضميريًا ولا مجتمعيًا، حضرتك كده بتروج لفكرة إنك راغب في الموت وده نتيجة وعظ سخيييييييييييف ورديء جدا وغير مسيحي تسلل لفكرنا المعاصر، المسيحي لا يخاف الموت من أجل إيمانه، صح. بس بيحب الحياة لأنها عطية الله، ولو وقفت الحياة في طريق أمانة الإيمان والحياة مع الله؛ يبقى اللي يشوفه ربنا ما نرفضوش وما نخافش منه ولو كان الموت. المسيحي مش واحد متدروش عبيط نازل يجري في الشارع يقول: هما بيموتونا فين؟ خليني ألحق أروح لهم، دي صورة عبيطة وخايبة وغير مسيحية أصلا! سلام المجتمع وسلامته مرهون باتزان كل عنصر من مكوناته، ما تتبناش أفكار هدامة وترجع تزعل لما المجتمع يكون خايب وبريالة، يعني ها يجيبه منين؟ - لازم يقولوا مختل عقليًا، زي كل مرة + طب هو مختل عشان قتل أبونا؟ ولا عشان قتل من الأساس؟ تصالح مع نفسك، معتقدك، الأول قبل ما تتضايق من المواقف، وراجع النقطة اللي فوقيها. - ده لا يمثل صحيح الدين ودي أفعال يرفضها الدين. + متفق معاك، بس مش دوري ولا ينفع أن أنا اللي أبحث عن صحيح دينك أنت، أنت اللي لازم تفرز وتنقي وتقدم صحيح الدين. وبعدين طالما هناك من يعبث بصحيح الدين، سايبينه مطلوق وبيجمع جمهور وتابعين ليه؟ حضرتك لو واحد اتقفش بكارنيه نقابة مزور، بيتجرس جرسة الحرامي في المولد، وأنت عاوزني اقتنع واتعايش مع إطلاق يد العابثين بالعقيدة والوعي المجتمعي؟؟؟؟ يا حِزن الحِزن، ما انا مش لاحق اتعايش أهوه - في نفس اليوم، في واحد مسلم اتعدى على إمام جامع: الهم واحد + لا معلش، مش واحد ولا حتى نفس نوع الهم، لأن الراجل اللي اعتدى على إمام الجامع كانت عنده مشكلة أخلاقية إجرامية سابقة على التعدي، هو اعتدى عليه عشان الإمام شهد على جريمته مش عشان هو غاوي قتل أئمة. حادثة أبونا أرسانيوس تمت على ايد واحد مش مجرم، هو على العكس تمامًا بقى، متصور أنه كدة بيرضي ربنا بزيادة الهم مش واحد لأن مفيش حد علق على التعدي على الإمام بجهاد الهاهاها، ولا كتب كلام مسيء أو جارح ضد الإمام أو دينه ولا تصيّد للناس اللي دخلت تعلق بتهذب على الموضوع. في الناحية التانية بقى، اكتشفنا إن المختل اللي مسك السكينة وراه ألف ألف مختل معجب بالحدث ومستني فرصته هو كمان! بلاش تمييع الأمور لأن عدم تسمية الأشياء بمسمياتها لا يساعد في شيء يا غالي، ركز شوية - الأقلية هي السبب في اللي بيجرى لها ومتحالفين مع النظام و بلا بلا بلا بلا من الهراء + فكرة إن لسه في تقسيم في الوعي بناء على أساس ما، أن هناك تصنيف فئوي يصبغ البعض بصبغة الأقلية والباقيين بصفة الأغلبية، فده هرتلة وكلام خايب. طبعا في فرق مفهوم بين إن في مواقف معينة يتسمى فسطاط ما بالأقلية والآخر بالأغلبية زي الانتخابات مثلا، لكن أن يكون في لزقة على قفا النفر طول عمره بتصفه بسمة معينة يتحمل وزرها أو يجني أرباحها بدون ذنب منه أو فضل، فنقدر نقول إن الإنسانية بالنسبة لنا كذبة كبيرة. - شيخ الأزهر عزى بابا الإسكندرية في الشهيد + أبونا ارسانيوس كان شايل بطاقة هوية صادرة عن الدولة المصرية والكنيسة ليست دولة داخل الدولة، وقداسة البابا هو أب روحي للمسيحيين فيما يتعلق بعقيدتهم فقط فقط فقط في كل جوانب حياتنا التانية، نحن مواطنين مصريين كاملي الأهلية والاستقلالية عن أي مؤسسة أو رعاية ما عدا مؤسسات الدولة اللي بننضم أو ننتمي لها إذا كنا أعضاء فيها أو موظفين أو كده، لكن الكنيسة هي أمنا الروحية اللي بنكتسب منها تعاليمنا الروحية وزادنا الإيماني، نشتغل إيه؟ أو ندرس أمتى؟ أو نسافر راكبين ايه؟ دي قضايا مجتمعية، أهملتها دولة السادات ومبارك عمدا فيما يخص الأقباط؛ فأوجدنا البديل تحت مظلة الشق المجتمعي الكنسي، لكن مش لأن ده صح، ده كان نتيجة الاحتياج في الزمن ده. نفس بالظبط الفراغ اللي تركته الدولة في الثمانينات والتسعينات من القرن العشرين في جانب المصري الذي يدين بالإسلام؛ فملأته الجمعيات الشرعية والسلفيين والإخوان. ختاما: أبونا أرسانيوس مواطن مصري قُتل على الهوية، حسب ما هو معلوم حتى الآن واللي مستني من أجهزة الدولة أنها تنط المربع وتنقل مصر نقلة نوعية ما حصلتش، اسمح لي أقول لك أن ده مش هيتم بكائنات فضائية، الحشو عفش يا ابن عمي، بمسلميه ومسيحييه إلا قلة قليلة، ممكن يتداس على وشها بسهولة للأسف. طهر بيتك الداخلي (وعيك وضميرك) الأول وساعتها هنعرف نطلع لقدام، غير كده. . "وثبت بالفحص الظاهري للعين المجردة إن الجاني المُثبتة جنايته، ليس مشتبها به، بل فاعل عمد ولكنه يا حبة عين أمه. . مختل عقليا ومهتز نفسيا ومشوش اجتماعيا وملعوب في أساسه ضميريا ومغيب دينيا ومضحوك عليه ذاتيا، لذلك تأمر النيابة بحبس المجتمع الرمة ده ٧٥ سنة على ذمة التعديل، إن أمكن". ودي هتكون جملة الختام في محضر الواقعة حسب إملاء السيد فلان الفلاني وكيل النائب العام في كل بقاع المحروسة للسنوات الكتييييييييييييير اللي جاية، نداء الصلاة عند إخواتنا المسلمين، بيقول (لهدف تاني غير المقصود هنا، بس وجب استحضاره): استقيموا، يرحمكم الله. --- ### شرور التدخُّل في شئون الغير - Published: ۲۰۲۲-۰٤-۱۳ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/4097/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: سمعان بن يونا, قديس بولس الرسول, يعقوب الرسول قال يسوع للشاب "كيف تقرأ؟" ومازال يقول لك يا من تقرأ كلمة الله "كيف تقرأ؟" وكيف تتحرَّر من القراءة الحرْفية؟ هذه المحاولة لقراءة حيَّة لكلمة الله بواسطة بعض النصوص والأمثلة. فَلاَ يَتَأَلَّمْ أَحَدُكُمْ كَقَاتِل، أَوْ سَارِق، أَوْ فَاعِلِ شَرّ، أَوْ مُتَدَاخِل فِي أُمُورِ غَيْرِهِ (رسالة بطرس الأولى 4: 15) أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، لاَ تَسْتَغْرِبُوا الْبَلْوَى الْمُحْرِقَةَ الَّتِي بَيْنَكُمْ حَادِثَةٌ، بَلْ كَمَا اشْتَرَكْتُمْ فِي آلاَمِ الْمَسِيحِ، افْرَحُوا لِكَيْ تَفْرَحُوا فِي اسْتِعْلاَنِ مَجْدِهِ أَيْضًا مُبْتَهِجِينَ. فَلاَ يَتَأَلَّمْ أَحَدُكُمْ كَقَاتِل، أَوْ سَارِق، أَوْ فَاعِلِ شَرّ، أَوْ مُتَدَاخِل فِي أُمُورِ غَيْرِهِ (رسالة بطرس الأولى 4: 12-15)  يتناول الرسول بطرس موقفًا دقيقًا قد يصعُب على البعض الالتفات إليه، فهو يقول إن المؤمنين بيسوع المسيح يشتركون في آلامه، وفي مقابل الآلام يوجد مجد وابتهاج وطوبى (وروح المجد والله يحل على المتألِّم) لكن احذر أيها المتألِّم، انتبه جيدًا واعرف السبب الحقيقي ومصدر الألم؛ هل هو بالفِعل راجِع لاتباع يسوع المسيح أم راجِع لأسباب أخرى؟ هل أنت قاتِل؟ سارِق؟ فاعِل شر؟ أو مُتداخِل في أمور غيرك؟ هل يساوي بطرس الرسول بين التداخُل في أمور الغير مع السرقة والقتل وفِعل الشر؟ من يدرك أن التداخُل في شئون الغير أمر بغيض يستطيع أن يتقبَّل كلام بطرس ويعطيه الحق فيما يقوله. وبالنسبة للثقافة السائدة في بلادنا فإن التداخُل في أمور الغير عادًة تميِّز السلوكيات، ولهذا فوصية بطرس تهمُّنا وتخاطِب سلوكياتنا. هو فعلًا سلوك مؤذٍ حتى لو توافر حُسن النية، كأن يظن الشخص أنه يحل مشكلة أو يحذِّر من شر. ويحدث أيضا عندما يظن البعض أنه يمارِس هذا (التداخُل) غيرةً على الإيمان أو انتقاد بعض العادات السائدة التي لا يقبلها هو شخصيًا، أو يتصوَّر أن مفاهيمه الإيمانية هي التي يجب أن يأخذ بها الآخرون كقواعد جامِدة مفروضة عليهم. وغالبًا ما ينتهي هذا الموقِف بإثارة الخلافات والمشاكل وسوء التفاهم. فما بالك لو كان وراء هذا السلوك سوء نيِّة. التدخل في شئون الآخرين يؤذي الغير، وهو الوقود الذي يضرم نار اللسان نَارٌ قَلِيلَةٌ، أَيَّ وُقُودٍ تُحْرِقُ؟ فَاللِّسَانُ نَارٌ! عَالَمُ الإِثْمِ (يعقوب 3: 5-6) تنشب النار في الأسرة الصغيرة، وفي العائلة الواحدة، وفي الجماعات والمؤسسات بل والمجتمع كله من نار اللسان. وقد يكون التداخُل دليلًا على غياب المحبة بِالْمَحَبَّةِ اخْدِمُوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا. . فَإِذَا كُنْتُمْ تَنْهَشُونَ وَتَأْكُلُونَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، فَانْظُرُوا لِئَلاَّ تُفْنُوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا. (غلاطية 5: 13-15) ويلمس بطرس جانبًا له أهميةً شديدة وهو أن من يمارسون هذا الأمر عندما لا يجدون عدم قَبُول لسلوكهم هذا فهم يعتبرون أنفسهم ضحايا يتألَّمون من أجل المسيح. النهش يعني العض والخدش والتمزيق بالأسنان، أما المحبة لا يصاحبها التداخُل في شئون الغير ولا يوجد معها الخدْش والتمزيق بالأسنان. الْمَحَبَّةُ. . لا تَنْتَفِخُ، وَلاَ تُقَبِّحُ، وَلاَ تَطْلُبُ مَا لِنَفْسِهَا، وَلاَ تَحْتَدُّ، وَلاَ تَظُنُّ السوء، وَلاَ تَفْرَحُ بِالإِثْمِ بَلْ تَفْرَحُ بِالْحَقِّ (رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس 13: 5) هذا السلوك قد يجد له مكانا في الكنيسة للأسف، وإن كان هذا السلوك من شوائِب سلوكياتنا الاجتماعية فلا مانِع من الاستعانة بمتخصِّصين في العلوم السلوكية والتنمية البشرية لمعالجة الأمر بجانب العمل الروحي. وهذا يتطلَّب تحليل الظواهِر الدينية تحليلًا اجتماعيًا، أي النظر للسلوك الديني والممارسات الدينية التي هي نوع من أنواع السلوك وينطبق عليه ما ينطبق على الأنواع الأخرى من السلوك كالسلوك الاجتماعي والسياسي والأسري وكلها بما فيها السلوك الديني محكومة بدوافِع نفسية واجتماعية، فهناك مهمة مطلوبة وهي الاستعانة بعِلم الاجتماع وعِلم النفس الاجتماعي لتفسير السلوك الديني. --- ### الحسبة باظت؟! - Published: ۲۰۲۲-۰٤-۱۲ - Modified: 2023-11-13 - URL: https://tabcm.net/4816/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: ٢٥ ديسمبر, ٢٩ كيهك, أنبا إرميا، الأسقف العام, أنبا زوسيما، أسقف أطفيح والصف, التقويم القبطي, التقويم الميلادي, الكنيسة القبطية, المركز الثقافي القبطي, عيد البشارة, عيد الميلاد, قناة مي سات هذا المقال إعادة تَذْكِرَة بالأنبا زوسيما، أسقف أطفيح  -جنوب الجيزة-  قبل أن يتوقف برنامَج "إيماننا الأقدس" الذي فتحت قناة مي سات التي يشرف عليها الأنبا إرميا أبوابها، لنشر كم من التحريض والتعصب إلي جانب مغالطات فلكية وتاريخية، أغرق بها  الأنبا زوسيما كل من شاهد هذه الحلَقات. كل سنة وأنتم طيبين، احتفلت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، الخميس الماضي، بعيد البشارة يوم 29 برمهات من التقويم القبطي الموافق 7 أبريل من التقويم الميلادي، وهنا لنا وقفة، فهذا المقال إعادة تَذْكِرَة بالأنبا زوسيما، أسقف أطفيح  -جنوب الجيزة-  قبل أن يتوقف برنامَج "إيماننا الأقدس" الذي فتحت قناة مي سات التي يشرف عليها الأنبا إرميا أبوابها، لنشر كم من التحريض والتعصب إلي جانب مغالطات فلكية وتاريخية، أغرق بها  الأنبا زوسيما كل من شاهد هذه الحلَقات. ومن ضمن الأمور التي ذكرها الأسقف زوسيما،  في أخر حلقتين قبل أن يتوقف البرنامَج، أن السيد المسيح اختار بنفسه وحدد موعد ميلاده وهو يوم 29 كيهك من التقويم القبطي، وأنه اليوم الحقيقي، الذي ولد فيه السيد المسيح وسلمه للرسل! ! ما علينا من هذه المغالطات الفجة، لكن حسب كلامه أن الكنيسة حسبتها وطلعت بنتيجة وهي أن مدّة الحبل المقدس (9 أشهر) يعني 270 يوما بالضبط، لا يزيدوا يوم ولا ينقصوا يوم! ! وعلي حسب كلامه: "وده سبب رئيسي يخلينا نعترض على تغيير عيد الميلاد ونخليه 25 ديسمبر أو أي تاريخ تاني. . ليييه بقى؟! لأن ده هيخلي مدة الحبل الإلهي تتغير ودي حاجة من رابع المستحيلات ! إزاي السيد المسيح يتولد زيادة أيام؟ا أو ينقص أيام؟". https://www. youtube. com/watch? v=JHNhi1EOmLM&t=33s وهنا نتساءل: هل هي جريمة مثلاً لو لم يولد المسيح في 9 أشهر بالضبط، سواء أقل أو أكثر؟ وطبعاً نيافة الأسقف وبعض رجال الدين الآخرين قالوا نفس الكلام وأصروا وتشددوا جداً في هذا المنطق، بالرغم من إنهم يعرفون أن ضبط التقويم القبطي وتغيير موعد العيد لميعاده الأصلي، سيرحل بقية الأعياد بالمثل،  ولا يوجد إخلال بهذه النظرية. فقد تناسوا، أو نسوا عن عمد أن ميعاد عيد الميلاد، وعيد البشارة وكل الأعياد، وضعت وتم ترتيبها بأيادٍ بشرية، ومن الطبيعي جداً أن تتغير وتتطور، كما تطورت من قبل، ومع ذلك سنمر على كل هذه الأمور. الموضوع وما فيه، هو إنني أود منك عزيزي القارئ لأن تركز معي وتحسب الأيام من 29 برمهات إلى 29 كيهك، ونرى كم عدد الشهور؟ وكم عدد الأيام؟ وهل مثلما يدعي الأسقف زوسيما أم لا؟ بالنسبة للشهور (من 29 برمهات، برمودة، بشنس، بؤونه، أبيب، مسرى، نسئ، توت, بابه, هاتور، حتى 29 كيهك)،  كم شهر؟ 10 أشهر ، نعم لأن ضمنهم الشهر الصغير  المسمى النسيء، وهو  5 أو 6 أيام. لنحسب معا عدد الأيام  (9 أشهر × 30 يوم) + 5 = 275 يوم. ما يعني أنهم 275 يوما، وليس 270 يوما كما يدعي الأسقف زوسيما. بالمناسبة  إذا كان 270 يوما أو 275 يوما أو غيرهم، فليست هناك مشكلة، الموضوع بالنسبة لي، هو تحديد أيام معينة للاحتفال الروحي بذكرى الميلاد والبشارة والقيامة. . الخ، لكن بالنسبة لك كأسقف فأنت ترسل رسائل تعصب وتشدد، وتقول إنه لا يمكن أبدأ المساس بنظرية الـ270 يوما، ووضعت هذا الشرط كسؤال تعجيزي للطالب المتفوق في الامتحان كمجرد حِجَّة أو عقدة في المنشار لمنع أي محاولة لتصحيح وتعديل التقويم القبطي. أتلفت لك الحسبة يا نيافة الأسقف أنت وبقية المتشددين، آني آسف! ! ملحوظة: أنا احترم الترتيبات والنظم لأي مكان، لكني ضد وضع هالة نورانية إلهية على نظم وضعت بيد بشرية وعبادتها. نعم نحترم القواعد لكن قبلها احترموا عقولنا. اقرأ أيضًا --- ### يونان والمسيح   - Published: ۲۰۲۲-۰٤-۱۱ - Modified: 2023-11-04 - URL: https://tabcm.net/4081/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: صوم نينوى, يونان النبي يونان لم يذهب ليكرز إلى نينوى كأمر الرب، بل اعتفى عن ينفذ العمل، وهرب من وجه الرب ذاهبا إلى ترشيش ونام نوما ثقيلا في جوف السفينة. آراء كثيرة قيلت لتفسير سبب اعتفاء يونان وهروبه من وجه الرب: (1) أنه نبي متكبر، يعلم رحمة الله وأنه سيرجع في كلامه بهلاك نينوى، لذلك هرب لأن كلمته بخراب المدينة لن تتحقق. (2) أنها مهمة مستحيلة ولا فائدة منها، لأن نينوى كانت العاصمة المدنية والروحية لمملكة أشور العظيمة، فذهابه وكرازته كمِثل كرازة مبشر بدين آخر غير الإسلام في مكة، ودعوته لأهلها بأن المدينة ستنقلب إن لم يرجعوا إلى الله. فلسان حال يونان: إنهم سيقتلوني. (3) يونان نبي رقيق فهرب لمرارة الرسالة، واعتفى من أن يكون رسول هلاك،  ورأيه في الله أنه "إله رؤوف ورحيم وبطيء الغضب وكثير الرحمة ونادم على الشر"، وسيعفو عن نينوى، ولن يسمح للحياة أن تُهزَم من الخطيئة والموت. هنا يونان كمثال للمسيح الذي عبَّر عن مرارة الرسالة في جثسيماني قائلًا: يا أبتاه إن أمكن أن تعبر عني هذه الكأس، وذلك بسبب المرارة المطلقة لقبول السيد المسيح حكم الموت وهو الحياة نفسها  أنا هو الطريق والحق والحياة إن هذه التفسيرات الثلاثة لشخصية يونان مهما تباينت إلا أنها تشترك في نقطتين أساسيتين هما : (1)  "موت "يونان بدخوله جوف الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال ثم قيامته عندما خرج من جوف الحوت كمثال لموت الرب يسوع المحيي وقيامته. (2)  ثم الإشارة الواضحة إلى مكانة "الأمم"  في تدبير الله الخلاصي، فهنا نجد يونان اليهودي يبشر نينوى الأممية إشارة إلى أن الله اختار بني إسرائيل ليكرز للعالم أجمع بواسطتهم بالخلاص الذي يبلغ كماله في كرازة المسيح الذي من اليهود وللعالم أجمع. هذا المقال  هو  اعتراف بفيض ونعمة روح الله القدوس لرجاءٍ لم يخب على مدى أكثر من خمسين سنة بقراءة السفر كل موسم كنسي لاستعلان قصد الرب في  يونان النبي. * يونان في حواره مع أهل السفينة : كان له منظر الخاطئ (حتى اليوم في نظر  الكثير من المفسرين)، وكذلك السيد المسيح؛ صُلِبَ كمذنبٍ في أيامه (وحتي اليوم هو كذلك في نظر اليهود أنه مُضِّل). * يونان نبي الحب والفداء: طَلب أن يُلقى في البحر لكي لا يَهلَك سكان السفينة، لقد بَذل ذاته كمذنبٍ، فعاش هو، وعاش أهل السفينة، المسيح "ذاق" الموت على الصليب كمذنبٍ، وبقيامته حيّاً انتصرنا على الموت. *  الثمن في إرسالية الخلاص: كما كان صلب المسيح وقبره ثلاث أيام، مثلما كان يونان في بطن الحوت ثلاث أيام. * صوم أهل نينوى وتوبتهم : هو أيقونة للشجاعة النادرة  للإنسان وتحدي إنذار الموت بقراره أن يرجع إلى الله أبيه دون أن ينثني تحت صِغَر نفس كاذب أو روح فشل، التوبة شجاعة، مثل مَن يواجه الموت ويرميه أرضًا، إنها شجاعة الموت عن الخطية والارتفاع على الصليب "(صليب المسيح) الذي به صُلِبَ العالم لي وأنا للعالم". *  مِن أين لأهل نينوى بهذه القوة على هذه التوبة والتغيير الجذري؟: أليس بسماعهم بآية يونان النبي وكيف كان في جوف الحوت ونصرته على الموت وقيامته حيًا بعد ثلاث أيام، ففي ظننا أنه من المؤكد أن يونان النبي جاء  إلى نينوى وقصته معه. إن الرب يسوع المسيح صام في البرية أربعين يومًا وتحدَّى الشيطان في التجربة على الجبل وطرحه أرضًا  فرفع عنا حكمَ موتٍ -يشبه ”انقلاب مدينة نينوى“  نتيجة شر أهلها- كان قد صدر من الآب بخصوص العالم  نتيجة شروره، ونحن ننال قوة وعافية على التوبة والرجوع عندما ننظر إلى شخص الرب يسوع ونستمد من غلبته غلبة لنا على الخطية والموت، فنتمثل بأهل نينوى في توبتهم بسبب كرازة يونان وآيته. * تصوم الكنيسة القبطية أربعين يومًا كتذكار لصوم المسيح في البرية. وهو يعقب ثلاث أيام  صيام تذكارًا  ليونان في بطن الحوت وصوم أهل نينوى: إن هذا الصوم وهذه التوبة والغلبة لأهل نينوى قد أتمَّها الرب يسوع المسيح  ابن الإنسان من أجلنا، بصومه المقدس في البرية أربعين يومًا وأربعين ليلة، ثم نصرته على الشيطان في التجربة على الجبل، وبشركتنا مع المسيح في الصوم الأربعيني المقدس ننال استحقاقات نصرته على الشيطان. *  الإصحاح الثاني، مزمور يونان وصلاته من جوف الحوت إلى الله: هو رمز وإشارة إلى حوارٍ دار  بين ابن الله الذي تجسد وشابهنا في كل شيء ما خلا الخطية وحدها وحمل خطايانا على خشبة الصليب، حوار مع الآب لم نسمع منه إلا القليل في كلمات المسيح على الصليب. هذا الحِوَار تنبأ عنه أيضا داود في المزمور 143، قائلًا على لسان المسيح بالنبوة: استجب لي يا إلهي عاجلاً فقد فنيت روحي. ومعناها: لقد جزت الموت من أجل الإنسان لكي يحصل هو على البراءة في عينيك أيها الآب. فالآن أستجب وأقبله ثانيةً إليك، لأني أكملت هذا العمل من أجله قد أُكمِل. وها هو يونان، بالنبوءة، يسمع  استجابة الله وينظر خلاص الإنسان  أعود أنظر إلى هيكل قدسك أي عودة بالإنسان إلى حضن الآب في شخص الابن القائم من الموت والصاعد إلى السماء، الذي كان يونان مثالًا له، من أجل هذا تقرأ  الكنيسة القبطية صلاة يونان إلى الله من جوف الحوت في طقس صلوات يوم الجمعة العظيمة كمثال للسيد المسيح على الصليب في حواره مع الآب من أجلنا. * كان يونان إنسانًا تقيا شديد التمثل بإلهه في عدله ورحمته: هذا يفسر لماذا أغتاظ وأغتم يونان غمًا شديدًا مرتين، عندما لم تنقلب المدينة، وأيضا عندما أكلت الدودة اليقطينة (نبات الخروع). - في عدله:  لأن يونان لم يجد عدلًا في الصفح عن نينوى لأنها خاطئة، ومَن يخطئ يموت، وهكذا سلك هو عندما طلب من البحارة أن يلقوه في البحر إذ أدرك خطأه. - في رحمته : لأنه لم يجد سببًا لموت اليقطينة وقد فعلت به حسنًا إذ ظلَّلت عليه وحمته من جفاف الشمس. * يونان أمام مضادة الحياة والموت: إن شخصية وسلوك يونان النبي كان استعلانًا لهذه المعضلة، فموت الإنسان بسبب فساد طبيعته بالمعصية كان لا حلَّ له بنظر يونان، لذلك كان اليهود يدعون الأمم "كلاب" نظرًا  لنجاستهم الناشئة من الابتعاد عن الله.   ولكن اختبار الخلاص الذي عاشه الشعب اليهودي مع الله خلال تاريخهم معه وعنايته بهم في عبور البحر الأحمر، وأثناء التيه في البرية أربعين سنة جعل يونان يؤمن أن الله حتمًا لن يترك هِبَّة الحياة للإنسان تنهزم مِن الموت، ولكن كيف؟ هذه كانت معضلة يونان، التي بسببها تضاربت مواقفه من النقيض إلى النقيض، مِن استعداد المحبة الباذلة في قبوله أن يُلقَي في البحر لتخلُص السفينة وأهلها، و إحساسه المرهف عندما أغتم من أجل موت اليقطينة بلا ذنب، إلي النقيض الآخر عندما أغتم بسبب عدم تنفيذ حكم الموت في أهل نينوى المدينة الخاطئة،  إن شدة هذه المعضلة تلقِي الضوء على سبب هروب يونان ونومه العميق سواء في جوف السفينة أو تحت اليقطينة. * إن الله في مسيرته مع يونان يريد أن يقول له ولنا : يونان يا حبيبي، إن الله لا يرجع في كلامه بل هو عادل، وكلامه حق، ولكنه يحتمل بنفسه الثمن من أجل أحبائه. هذا لم تره أنت وقتها بالرغم من أنك كنت مثاله،  فأنت أيقنت أن تموت عن أهل السفينة ليحيوا،  ولكنك احترت فيمَن يموت و يفتدي أهل نينوى، ولم تعلم أنك أنت كنت هو النبي الفادي لأهل نينوى "على مثال الآتي" يسوع المسيح. إذ دون موتك وقيامتك من بطن الحوت بعد ثلاث أيام "على مثال الآتي" يسوع المسيح، وسماع أهل نينوى بهذه الآية لمَا أمكنهم أبدًا أن يصدقوا رسالتك ويؤمنوا بإلهك ويتوبوا عن خطاياهم. لذلك أنا أحببتك،  بل أنت الوحيد الذي ذكرتك بالاسم كمثال لعمل الخلاص الذي أنا تمَّمته "في ملء الزمان"  -بالتجسد الإلهي في يسوع المسيح ابن الله الحبيب الذي ذاق الموت بالجسد وقام بعد ثلاث أيام. فَأَجابَ وَقَالَ لَهُمْ: «جِيلٌ شِرِّيرٌ وَفَاسِقٌ يَطْلُبُ آيَةً، وَلاَ تُعْطَى لَهُ آيَةٌ إِلاَّ آيَةَ يُونَانَ النَّبِيِّ. (إنجيل متى 12: 39)  جِيلٌ شِرِّيرٌ فَاسِقٌ يَلْتَمِسُ آيَةً، وَلاَ تُعْطَى لَهُ آيَةٌ إِلاَّ آيَةَ يُونَانَ النَّبِيِّ». ثُمَّ تَرَكَهُمْ وَمَضَى. (إنجيل متى 16: 4) وَفِيمَا كَانَ الْجُمُوعُ مُزْدَحِمِينَ، ابْتَدَأَ يَقُولُ: «هذَا الْجِيلُ شِرِّيرٌ. يَطْلُبُ آيَةً، وَلاَ تُعْطَى لَهُ آيَةٌ إِلاَّ آيَةُ يُونَانَ النَّبِيِّ. لأَنَّهُ كَمَا كَانَ يُونَانُ آيَةً لأَهْلِ نِينَوَى، كَذلِكَ يَكُونُ ابْنُ الإِنْسَانِ أَيْضًا لِهذَا الْجِيلِ. (إنجيل لوقا 11: 29- 30) *  سفر يونان يوضح الفرق بين  الآية والمعجزة: المعجزة: هي مِثل شفاء الله لمرض مستعصي بطريقة معجزية، ولكن من الممكن أن تتم أيضًا بواسطة العلم. الآيـــــة: هي أمر لا يمكن أن يصنعه إنسان بل اللـــه، مثل إقامة لعازر من الموت، وخروج يونان حيًا من بطن الحوت. فأحداث سفر يونان النبي كانت آية من حيث أنها تشير إلى المضادة الكبري في حياة الإنسان وموته، التي لا حل لها إلا بفداء المسيح وموت ابن الله البار على الصليب الذي وهب الحياة والخلود للعالم إذا أمنوا به وتابوا كما أمن أهل نينوى وتابوا بمناداة يونان مثال المسيح في موته وقيامته. * اغتم يونان في موقفين متناقضين تمامًا: عندما صفح الله عن نينوى، إذ لم ير يونان من فدائهم ليخلصوا. و لا يعرف على أي أساس تمَّ هذا. بالرغم من أنه لا يُسّر بهلاكهم، كما ظهر في هروبه من وجه الرب أولًا. عندما  أكلت الدودة اليقطينة فماتت، فكيف تنهزم الحياة من الموت ويستمر شقاء الإنسان. * يونان كان مؤمنًا برحمة الله وأنه سيعفو عن نينوى. . ولكن كيف؟: كانت هذه معضلة يونان. . ولم يعرف أن موته وقيامته كمثال المخلص هما السبب في توبة أهل نينوى إذ أمنوا بإلهه. فبدون هكذا آية لما أمكن أن يقبلوا دعوته، وربما كانوا قتلوه بسبب تبشيره. * يونان هو نبي الحب والرحمة و الفداء وهو رمز المسيح في قبوله الموت لفداء أهل السفينة وأهل نينوى: فلا نجد أي إشارة أن الله غضب على يونان بسبب اعتفائه عن المهمة والرسالة القاتمة أولاً، أو غيظه في النهاية السعيدة للمهمة والرسالة، إن الله تَفهَّم موقف يونان وأعلن له أن الله لن يترك الحياة تنهزم من الموت لأنه الخالق الذي أوجد الحياة، بالتالي هو المخلِّص الذي سيفدي هذه الحياة. * يونان كان شديد الإيمان بعدل الله ورحمته ولكنه لم ير حينئذ كيف أن محبة الله هي السبيل إلى التوفيق بينهما: لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. (إنجيل يوحنا 3: 16) فأعتفي يونان بالرغم من أنه كان مثالًا لربه في التوفيق بينهما عندما أرتضي وطلب أن يُلقَي في البحر، فكان نبي الحب والرحمة والفداء.   (تمَّ بنعمة الله، فله السُبح). بقلم الدكتور/ رءوف  ادوارد   --- ### أحمد علام يكتب: القس الشهيد أرسانيوس - Published: ۲۰۲۲-۰٤-۱۰ - Modified: 2023-11-14 - URL: https://tabcm.net/4849/ - تصنيفات: شئون علمانية, مقالات وآراء - وسوم: أحمد محمود كريمة, أرسانيوس وديد, إسلام البحيري, الإخوان المسلمين, الإسلام السياسي, الصوفية, بابا شنودة الثالث, حمام الكموني, زكريا بطرس, سعد الدين الهلالي, سمعان شحاتة, عبد اللطيف المناوي أنا كمسلم، أرفض التعزية التي قدمها الأزهر في القس الشهيد "أرسانيوس"، وارفض ما قاله الشيخ "أحمد كريمة" من ألا يتحمل الأزهر خطايا السلفيين، لأن الأزهر الحالي يعتبر المادة الخام للسلفية، وحسب المادة السابعة من دستور دولتنا فالأزهر هو المؤسسة (الوحيدة) المسؤولة عن نشر الدعوة والقيام بكافة ما يتعلق بأمور الدين الإسلامي، فان كان الأزهر غير قادر على إنهاء الفكر السلفي، فليترك للدولة المساحة لاستغلال جامعاتها وقصور ثقافتها وإعلامها وسيل المفكرين التنويريين للإصلاح دون مهاجمتها والتأليب عليها بأنها تهاجم الدين كالعادة أنا كمسلم، أرفض التعزية التي قدمها الأزهر في القس الشهيد "أرسانيوس"، وارفض ما قاله الشيخ "أحمد كريمة" من ألا يتحمل الأزهر خطايا السلفيين، لأن الأزهر الحالي يعتبر المادة الخام للسلفية، وحسب المادة السابعة من دستور دولتنا فالأزهر هو المؤسسة (الوحيدة) المسؤولة عن نشر الدعوة والقيام بكافة ما يتعلق بأمور الدين الإسلامي، فان كان الأزهر غير قادر على إنهاء الفكر السلفي، فليترك للدولة المساحة لاستغلال جامعاتها وقصور ثقافتها وإعلامها وسيل المفكرين التنويريين للإصلاح دون مهاجمتها والتأليب عليها بأنها تهاجم الدين كالعادة. أي رجل دين مسيحي يخطئ في التعدي اللفظي على الإسلام أو المسلمين؛ فجميعنا نتوجه نحو الكنيسة التي تقوم بشلحه مع بيان اعتذار، وهو ما حدث عدة مرات، آخرها بيان الكنيسة بعدم علاقتها بـ"زكريا بطرس"، ورفض منهجه الفكري تضامنا مع شركاء وطنهم المسلمين، والآن، فإنني أتقبل من الشيخ الذي قال أن التراث الفقهي (كله) يمثل ¾ الدين، أن يتقدم باعتذار لا تعزية، لأن الاعتذار يعنى وجود خلل يتطلب معالجته، ومستعد تمامًا لتحمل أي قضية ازدراء لشيخ الأزهر لو ذلك سيحل مشكلة ازدراء الإنسان في بلدي، من منطلق ضميري، وحبي لوطني، ورغبتي في دولة مواطنة حقيقية. وأعتذر عن تصنيف نفسي دينيًا أول المقال، ولكن ذلك هو لتسجيل موقف، وعلى كل مسلم الآن أخذ موقف حاسم غير متميع، لأن دائرة القتل تضيق فتبدأ بغير المسلم، ثم المسلم الصوفي كقتلهم لمصلين مسجد الروضة الصوفيين الـ400، ثم الشيعي كقتل الشيخ الشيعي حسن شحاتة... الخ، فهي دائرة جهنمية إن لم نوقف دورانها فلن ينجو أحد من الحرق. إن دم القس "أرسانيوس" معلق في رقبة المجتمع... وذنب ترويع أولاده... من رأوا أبوهم يقتل أمام أعينهم... سيظل لعنة تطاردنا... ما لم... القانون وحده ليس كفيلا بحمايتي، وليس كافيا لعمل أرضية تعايش حقيقية، لأننا هنتعايش غصب عننا في الحالة دي،،، لكن اللي هيعمل ده هو خلق التعايش الحقيقي، هو فهم أخي المسلم لأهمية التعايش من منطلقات اجتماعية وطنية ودينية، وده هيتم بتغيير الفكر (قداسة البابا شنودة الثالث، في حوار مع الإعلامي "عبد اللطيف المناوي"  على خلفية إطلاق النار من "حمام الكموني" على كنيسة "نجع حمادي" وروادها عام 2010) وهذا الكلام صحيح جدا، فإعدام "حمام الكموني" لم يردع قتلة ضحايا "كنيسة القديسين"، وإعدام قاتل القس "سمعان شحاتة" لم يقم بردع قاتل القس "أرسانيوس"،، لان هناك شحنة حقد مقدسة حفرتها في العقول قوى آثمة لعينة، نحاول أن نواجهها كي نغير الفكر الجمعي. ومسيحيو مصر يدفعون ثمن هذا التغيير والمواجهة الفكرية من دمائهم وكنائسهم في سبيل الوطن، فنزلوا في 30 يونيو دون خوف من الإرهاب،، وقال البابا "تواضروس" جملة انتقده بسببها الكثيرين: وطن بلا كنائس، خير من كنائس بلا وطن. لكن كما يدفعون ثمن وطنيتهم ووقوفهم مع دولتهم بدمائهم، يجب أيضا أن يرون منا كمسلمين -أفرادًا ومؤسسات وحكومة- مواجهة حقيقية لهذا الفكر الذي يستهدفهم بغشومية حاقدة. فماذا لو سأل أبناء القس المغدور "أرسانيوس": بأي ذنب يقتل والدنا؟ ولماذا يقتلون أب أمام أبناءه؟ وماذا عن رؤيتنا لهذا المشهد من طعن والدنا أمام أعيننا؟ كيف سنصبح بعده أسوياء؟ وكيف سنكون آمنين بين إخوتنا وشركاء وطننا؟ أفنجيبهم بأننا حين نناقش حديثًا خرافيًا أو به تمييز ضد غير المسلم أو المرأة أو أمرا غير قابل للتطبيق مثلا، يقولوا ضعيف مع أنه في البخاري،، وإن ناقشنا فتوى دموية مثلا أو رأى شاذ لفقيه، يقولوا هذا لا يمثل الدين،، وإن طرحنا تفسير المفسرين لأية، يقولوا هناك تفسيرات أخرى، ومجرد أن تناقش رجل دين أو متدين عادي، يقول لك مثلا هل قرأت أصول الفقه وعلوم الحديث والنحو واللغة حتى تجادل؟ وحين تسأله بالمقابل هل قرأت عن عقائد وأفكار غيرك ولغتها وفقهها وعلومها حتى تسخر منها ليل نهار وتظن أنك الأفضل، لن يجيب، ولن يقر أن هذا دليل أن الدين عقيدة خاصة بالأفراد، مكانها دار العبادة والقلب، ولا تصلح للتشريع القانوني أو الحكم لأن بها بالطبع تمييزًا لأصحابها عن غيرهم، فما بالنا بفقه يقوم على تقسيم المجتمع لرجل وامرأة، وغير مسلم ومسلم، مطيع و عاصي، وكل تلك التصنيفات. نعم، إن أي تغيير وإصلاح يسقط فيه ضحايا، ودائمًا ما يكون الضحايا من الطراف الأضعف في المجتمع كالأقليات الدينية والفكرية والمرأة، فهم الأكثر تضررا، وهم أكثر من يناضل لنيل مواطنة كاملة،، ولكن مثلا، فإن قاتل القس "أرسانيوس" هو مختل، فمن يصاب بالذعر حين يري قسا أو كنيسة أو صليب أو ملحد أو سيدة غير محجبة أو فتاة سعيدة، لابد أن يكون مختلًا،، لكن ستظل بلدنا تنتج المختلين طالما نقبض عليهم بعد أن يؤذوا غيرهم بخللهم، ولا نعالج الخلل وأسبابه،، تلك الأسباب التي تجعل بنى آدم تثير غرائزه المرأة الغير محجبة والتي لا تلتزم بمعاييره،، ويستفزه المفطر برمضان،، ويرى في وجود المختلف والتارك لدينه والناقد لموروثه، تهديدًا كونيًا له، ويريد أن يكون متديّنًا ويفوز بجنته، ويريد من العالم حوله أن يتكيف، ويتنازل، ويُنافق، ليُساعده في عباداته وتدينه الذي قد يؤدي به لقتل غيره طمعا في رضا الله، فأخطر القتلة هو من يقتل لا طمعا في جنة ولا حور عين ولكن ظنا منه أن الله يرضى يذلك! ! ثم أتعجب فعلا بعد ذلك ممن يقول أن خوف المسيحيين من الإسلاميين ومن تطبيق الشريعة، هو كراهيَة للإسلام،، وأنهم نزلوا في 30 / 6 ضد الإسلام وليس الإخوان المسلمين، فيما نحن أنفسنا كمسلمين كرهناهم وكرهنا دينهم بفهمهم وتدينهم بفهمهم. إن بيان 3 / 7 جاء لينسف أحلام الإخوان، لكنهم لا زالوا يعملون، ولا زال فكرهم حاضرا، استتروا به خلف الأزهر تمامًا فصوروا لشيخه أنه سلطة فوق السلطة، ليستطيعوا من خلاله البقاء في المشهد،، لذا فالصراع الآن فكريا في المقام الأول، وهو ما لم يعلمه القائمين على الإعلام للان، فيستضيفون "خالد زعفراني" مثلا على أنه من المنقلبين على فكر الإسلام السياسي ويفند فكر الإخوان، فيما صفحته تحريضية بامتياز ضد "سعد الدين الهلالي" و"إسلام البحيري" وغيرهما. ولا أعرف متى سيفهم هؤلاء الإعلاميين أنهم أهم مصدر في تشكيل الوعى، وتشكيل الفكر الجمعي العام، فيكون لديهم هدف حقيقي دون مداعبة فكر القطيع، ويدركوا أنه لا يُصلَح الفكر بمن أفسده أصلا، ولا يريد إصلاحه.  والعلاج ليس سهلا ويحتاج للمصارحة المجتمعية ومناقشة تلك القضايا بوضوح وتوجيه البوصلة الإعلامية المؤثرة في المجتمع بدلا من عشوائيتها الدينية والثقافية.  مع استمرار كتابتنا عن أهمية فصل السلطة الدينية عن واقعنا الدستوري والمجال السياسي للدولة ومراجعة ما يقال على المنصات الدينية وبرقابة الدولة هو ما سيقفز بنا قفزة سريعة تعوض قرون الظلام،، وتريح دماء الضحايا. المنتقدون للباكين على استشهاد القس أرسانيوس والمهونون من الجريمة، قد لا يدركون أن خطورة تلك الجريمة أنها أول جريمة قتل تحدث على أساس الهوية الدينية، ودون أي خلفية مسبقة،، نعم هي ليست أول مرة يُقتل فيها كاهن، ولكن تلك ليست فتنة طائفية نتيجة هروب فتاة مسلمة أو مسيحية مع شاب مختلف عنها دينيًا، أو بسبب كنيسة تبنى، أو مشكلة ما يتدخل فيها رجال دين ينتج عنها مقتل كاهن من بين الضحايا ويكون لها بعد ديني. وليست عملية إرهابية قام بها دواعش أو جماعة إرهابية في تنظيم ضد كنيسة أو تجمع مسيحيين، أو مسجد صوفي أو شيعي، ولكن القاتل هنا اختار ضحيته لأنه يرتدى زي كهنوت مسيحي فقط، مما يعنى قتله لأنه كاهن مسيحي من بين كل المارين في الشارع، ولم يكن ثمة سبب لهذا خصوصا وأن القاتل مسن أيا كانت حالة عقله،، وهنا خطورة تلك الجريمة حين قام المتطرف اليميني النيوزلندي بقتل المصلين بالمسجد منذ ثلاث أعوام، ورغم عدم وجود أي دافع ديني لجريمته إلا البعد القومى، لكن انتفض النيوزلنديين وذهبوا إلى المسجد إعلانًا لتضامنهم الكامل مع الضحايا، وذهبوا لجنازتهم، ورأينا صورا وفيديوهات احتضانهم ومعهم رئيسة الحكومة لعائلات الضحايا، وجمع سكان هذه المقاطعة 5 مليون دولار قدموها لعائلات الضحايا الذين لن يرجعهم ذلك، لكن خطوة ذهاب النيوزلنديين واعتذارهم ودعمهم لعائلات الضحايا كان إعلانًا برفض الجريمة، وضمانا لعدم تكرارها في خطوات ملموسة، ورأينا رئيسة الحكومة النيوزلندية في البرلمان النيوزلندي بعد تحويل القاتل للمحاكمة وهى مرتدية الحجاب وتقرأ القرآن تضامنا مع أهالي الضحايا دون أي اعتبارات لخلفياتهم، فيما دارت تعليقاتنا نحن هنا حول ارتداء رئيسة الحكومة للحجاب وهل أسلمت وآمنت أم لا! ! ! وهذا هو الفارق بيننا كمجتمعات تشغلها الأديان، وبينهم كشعوب يشغلها الإنسان، والمصيبة أننا نشغل بالأديان لا بجوهرها ومضمونها وقيمها،، لا،، ولكن بمدى قوتها وضعفها وأعداد معتنقيها ومن أسلم ومن تنصر. حتى لا تكون واقعة قتل القس أرسانيوس مثل غيرها وتهدأ ردود أفعالنا، يجب أن نتحمل المسؤولية كاملة كمجتمع قبل الحكومة، فنحن لا نريد تحمل أي مسؤولية، فأى محاولات إصلاح فكرى وديني نعتبرها مؤامرة، وحتى الفساد مؤامرة، والحروب والطائفية مؤامرة، وداعش مؤامرة، والجهل مؤامرة، والتخلف مؤامرة، والانهزام مؤامرة،، ولا يوجد أفشل وأسهل من إلقاء المسؤولية على المؤامرة لنخدر ضمائرنا،، ونرتاح. و‏بداية التغيير الحقيقية تبدأ بالشفافية في التاريخ والأحداث التاريخية والمجتمعية، ويبدأ التغيير حين نسمى كل الأشياء والأحداث بمسمّياتها،، وكفانا تجميلًا لواقع مزري لا ينبغي أن يكون.   صورة المقال هي آخر صورة تجمع القمص "أرسانيوس" بأبنائه حيًا، وقد تم التقاطها يوم وقوع الجريمة، قبيل ساعة من انتقاله. --- ### أشرف راضي يكتب: "الانتباه واجب" - Published: ۲۰۲۲-۰٤-۰۹ - Modified: 2025-02-01 - URL: https://tabcm.net/4828/ - تصنيفات: شئون علمانية - وسوم: أرسانيوس وديد, الإخوان المسلمين, الإسلام السياسي, جمال الدين أحمد سلامة العطيفي أثار الحادث الإجرامي الذي راح ضحيته القمص أرسانيوس وديد، كاهن كنيسة السيدة العذراء ومار بولس في كرموز بالإسكندرية، ردود فعل تراوحت بين التهوين من شأن الحادث، باعتباره حادثا منعزلًا ارتكبه مسن وصفته البيانات الرسمية بأنه "مهتز نفسيًا" و"مختل دينيًا"، وبين ردود فعل شبه رسمية بالغت في تصوير الحادث باعتباره مؤامرة تستهدف مصر وأمنها. واتفقت البيانات التي أصدرتها هيئات دينية وسياسية ومدنية على إدانة الحادث الذي وصف بأنه "إجرامي" وكررت التأكيدات المعهودة في مثل هذه الحوادث بضرورة التضامن والحفاظ على أواصر المودة بين المصريين. صحيح، أن الحادث قد يكون حادثا منعزلًا ارتكبه شخص ليست لديه أي ارتباطات تنظيمية أو تقف وراءه جهات منظمة، لكن هذا لا يعني أنه حادث بلا دوافع، وأنه يتعين على جهات التحقيق أن تتعرف على هذه الدوافع، وأن تحيل النتائج لهيئات يفترض أنها تتعامل مع مثل هذه الدوافع، خصوصا إذا ما كانت مرتبطة بمفاهيم خاطئة، لكنها مع الأسف سائدة، بخصوص الموقف من المخالفين في العقيدة. أيضًا قد تكون هناك دوافع أخرى يجب أيضا التعامل معها وتوضيحها للرأي العام لكسبه في المعركة ضد التعصب الديني والعمل على تصحيح المفاهيم الخاطئة التي راجت مع صعود تفسيرات متشددة للإسلام. هناك من يميل إلى تصنيف مثل هذه الحوادث في سياق تصور عام عن وجود مؤامرة دولية كبرى تستهدف مصر، وتلقى المسؤولية بشكل تلقائي على مخططات لقوى معادية لمصر تستهدف استقرارها وأمنها وتسعى لتفتيتها، ويستخدم هذا الرأي عادة كصرخة تحذير تستهدف تأكيد معاني الوحدة الوطنية واستنهاضها في مواجهة هذه المؤامرات. مشكلة هذا الطرح أنه يساعد على التنصل من مسؤوليتنا عن مثل هذه وإلقاء المسؤولية على قوى غربية، أو قوى إقليمية معادية، تسعى لإحداث اقتتال طائفي، أو إحداث حالة من عدم الاستقرار. لكن الأمر الثابت هو أن هذه المحاولات الخارجية لإثارة الفُرْقَة الدينية بين المصريين يكون مآلها الفشل عادة، إذ يستنهض التحدي الخارجي عوامل التماسك الوطني وينحي جانبا الانقسامات الدينية، ولا يعني هذا عدم التصدي وبحزم لمثل هذه المؤامرات إن وجدت، لكن ثمة خطورة في استدعاء تحدي خارجي غير حقيقي في مواجهة توتر طائفي له أسبابه الداخلية أو المحلية. من الأمور المتفق عليها بين كثير من المراقبين والدارسين لهذا الملف منذ أحداث الزاوية الحمراء في عام 1981، أن العلاقات بين المسلمين وغير المسلمين بشكل عام، والمسيحيين على وجه التحديد تواجه أزمة على مستويين: الأول، هو مستوى العلاقة بين الدولة والكنيسة والتي بدأت ملامحها تتضح مع أحداث الخانكة في عام 1972، وأن هذا المستوى كان له تأثير بالغ في المستوى الثاني المتعلق بالعلاقة المجتمعية بين المسلمين والمسيحيين، لاسيما مع هيمنة التفسيرات والرؤى الوهابية المتشددة للدين وصعود تيارات الإسلام السياسي. والأسباب التي أدت إلى أزمة العلاقة بين المسلمين والمسيحيين على المستوى المجتمعي عديدة، والمسؤولية عن هذا الوضع مشتركة، وعليه، فإن الخروج من هذا الوضع يتطلب حوارًا شاملًا وتحركا من قبل جميع الأطراف: الدولة بمؤسساتها، المؤسستان الدينيتان -الأزهر والكنيسة-، والنخب الثقافية، وقادة الرأي. وهذه نقطة تحتاج تناولا مفصلا. لعل النقطة التي يجب الالتفات إليها هنا، هي أن ملف الأزمة الطائفية جرى تسييسه والتلاعب به لاعتبارات سياسية، وسبب توترا في العلاقة بين الدولة والكنيسة، ومعالجة بعض النقاط التي وردت في تقرير اللجنة التي شكلها مجلس الشعب برئاسة الدكتور جمال العطيفي بعد أحداث الخانكة 1972، والمعروف بتقرير العطفي، والذي أكد كثيرا من مطالب النخبة الاجتماعية المسيحية منذ المؤتمر القبطي الأول لإعادة صياغة العلاقة بين الطوائف الاجتماعية وبعضها، وبينها وبين الدولة، على قاعدة المواطنة الكاملة. صحيح أن العلاقة بين الدولة والكنيسة تحسنت بعد ثورة 30 يونيو والإطاحة بحكم الإخوان، إلا أن هذا التحسن قد وضع المسيحيين والكنيسة في مصر في موقف أكثر صعوبة وتعقيدًا، ويعرضهم لدفع ثمن تغيير طالبت به قوى اجتماعية كثيرة في المجتمع، خصوصا مع إصرار جماعة الإخوان المسلمين المحظورة وحلفائها على تصوير أحداث 30 يونيو وما تلاها على أنها انقلاب على حكمهم برعاية الكنيسة، الأمر الذي يشير إلى احتمال توظيف هذا الملف في الضغط على النظام في مصر من قبل بعض قوى المعارضة. وبدلا من التفكير في كيفية التعامل مع هذا المأزق تسعى تلك القوى لاستمراره وتوظيفه على نحو يهدد مقومًا رئيسيًا من المقومات التي تأسست عليها الدولة المدنية الحديثة في مصر. إن ادعاء الجماعة المحظورة ليس تدليسا وحسب، وإنما لعبا بنيران وإشعال حرائق يصعب احتوائها، ولا يصلح كورقة تستخدم في الصراع على السلطة. ويجب اليقظة والتصدي بحزم لأي محاولة لاستغلال هذه الورقة والمضي قدمها في ترسيخ مبدأ المواطنة على مستوى التشريعات وعلى مستوى الممارسات، ولا بد من توسيع دوائر المشاركة السياسية المتنوعة أمام المصريين، بحيث تصبح اختياراتهم السياسية تتسق مع الميول والتوجهات المصالح، ولا بد من التصدي للتصور الذي روجه الإخوان وحلفائهم. فانتفاضة الشعب المصري ضد حكم الإخوان وسوء إدارتهم والتصدي لمشروعهم ضمت المصريين جميعا من كل الطوائف والمذاهب والتيارات السياسية. --- ### [١٣] ما بعد الموت - Published: ۲۰۲۲-۰٤-۰۸ - Modified: 2024-04-29 - URL: https://tabcm.net/4045/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, لاهوتيات - وسوم: آدم, أبوفاتيكية, إكليروس, المجمع المقدس, بابا بطرس الأول خاتم الشهداء, بابا كيرلس عمود الدين, باسيليوس الكبير، أسقف قيصرية الكبادوك, تادرس يعقوب ملطي, حنانيا وسفيرة, ساويرس الأنطاكي, سمعان بن يونا, قديس أثناسيوس الرسولي, قديس بولس الرسول الموت هو النهاية الحتمية لنا جميعًا. أما طريقة الموت فتظل بلا أهمية إلى حد كبير. لكن النهاية الأبدية التي تأتي بعد الموت هي غاية في الأهمية. يقدم لنا ق. باسيليوس الكبير نظرة عميقة للموت والجحيم فيقول ((Basil the Great, On the Human Condition, (Crestwood, N. Y. : SVS Press, 2005), 67 )) : هذا الشيء ينبغي أن نتمسك به في عقولنا، أنه كوننا مخلوقات الله الصالح وأننا محفوظين بواسطته، إذ أنه يدبر الأشياء العظيمة والصغيرة الخاصة بنا، فلا يمكن أن نمر بأي شيء ما لم يكن ذلك بإرادة الله، ولا نتألم حقيقةً بأي شيء ما لم يكن مفهومًا أن هذا الشيء يجلبنا نحو ما هو أفضل. فالميتات التي تأتي من الله؛ حقًا ولا الموت يعد شرًا، إلا إذا كنا نتكلم عن موت الخاطئ، إذ أن موت مثل هذا انتقال نحو بداية العقوبات في الجحيم. ومرة أخرى، الشرور التي في الجحيم، لا يعد الله سببها، بل نحن سببها. فبداية وأصل كل خطية فينا وفي حرية إرادتنا. فمن الممكن لمن ابتعدوا عن الشر ألا يمروا بأي شيء سيء، أما من ضلوا بشهواتهم في الخطية، وهي الحالة الحقيقية إذا تكلمنا بطريقة دقيقة ((أي إن حالة الضلال يسببها الإنسان نفسه بسبب شهوته. ))، ألا يكونوا هم سبب ألمهم؟ (Basil the Great, On the Human Condition, (Crestwood, N. Y. : SVS Press, 2005), 67) فعلى كل حال، نحن نحدد مصيرنا الأبدي بعد الموت بسبب حرية إرادتنا. فحين يختار الله أن يموت أحدهم—أيًا كانت طريقة الموت، يمنع نسمته عنهم والتي يسوس البشر بها والتي بواسطتها يستمد البشر وجودهم كأحياء. فقد يسمح الله أن يكون الموت بطريقة ما ليعلمنا شيء ما. دون شك، كانت ميتة كميتة حنانيا وسفيرة ذات هدف تعليمي إذ أنها علمت المؤمنين أن الحضور الإلهي الذي كان في إسرائيل قد انتقل إلى الكنيسة. فضلًا على ذلك، بينما موت الخاطئ يبدو شرًا من منظور مصيره الأبدي، إلا أن هناك جانب من الرحمة الإلهية في موت الخاطئ إن لم يكن هناك أملًا في توبته. فبذلك يكون هذا الموت طريقة مؤكدة لوقف استمراره في طريق الخطية التي ستزيد من سوء مصيره الأبدي. يعلمنا ق. بطرس عن دينونة ضحايا الطوفان في رسالته: فإن المسيح أيضًا تألم مرة واحدة من أجل الخطايا، البار من أجل الأثمة، لكي يقربنا إلى الله، مماتًا في الجسد ولكن محيى في الروح، الذي فيه أيضًا ذهب فكرز للأرواح التي في السجن، إذ عصت قديمًا، حين كانت أناة الله تنتظر مرة في أيام نوح، إذ كان الفلك يبنى، الذي فيه خلص قليلون، أي ثماني أنفس بالماء (بطرس الأولى 3: 18 – 20) تعلمنا الكنيسة الأرثوذكسية أن المسيح، بعد موته نزل إلى الجحيم وجلب أرواح الأبرار معه. يحضر ق. بطرس إلى أذهاننا أن المسيح كرز للأرواح التي في الجحيم والتي كانت قبلًا عاصية في زمن الطوفان العظيم, وهذا يجعلنا نتساءل: لماذا كرز لهم المسيح؟ فلو كان مصيرهم محتوم وهم بلا فرصة، فلماذا يكرز لهم؟ وإن كان هناك فرصة ثانية لهم بعد الموت، فكيف تبدو هذه الفرصة؟ وإذ أنه من الصعب التخمين في مثل هذه الأمور، سأشاركك -عزيزي القارئ- أقوال ثلاثة من آباء كنيستنا المعتبرين في هذا الموضوع وهم ق. أثناسيوس وق. كيرلس وق. ساويرس. في تفسيره لبطرس الأولى، يوضح القمص تادرس يعقوب ملطي أن أثناسيوس رأى في هذه الآيات أنه من الممكن أن يكون البعض قد تابوا وطلبوا الرحمة حين كانت مياه الطوفان تعلو فوقهم لتغرقهم. لهؤلاء الذين سعوا نحو التوبة، أعلن المسيح ذاته لهم في الجحيم ((تادرس يعقوب ملطي (القمص)، تفسير رسالة بطرس الأولى، (كنيسة مارجرجس سبورتنج: الإسكندرية، مصر) )). أما ق. كيرلس فيكتب لنا ((Thomas Oden, ed. , Ancient Christian Commentary on Scripture: James, 1-2 Peter, 1-3 John, Jude, 1st edition (Chicago: Routledge, 2000), 107-108 )) : ليخلص كل من سيؤمنوا، علم المسيح من كانوا أحياء على الأرض زمن تجسده، وهؤلاء الأخرين اعترفوا به حين ظهر لهم في المواضع السفلية، ولذا استفادوا هم أيضًا من مجيئه... والابن الوحيد صرخ بسلطان للنفوس المتألمة، حسب كلمات العهد الجديد، قائلاً للمقيدين: "هلم خارجًا! ". وللذين في الظلمة: "استنيروا". بكلمات أخرى، كرز لمن هم في الجحيم أيضًا، كي يخلص كل من يؤمنوا به. فالأحياء على الأرض وقت تجسده والذين كانوا في الجحيم كانت لهم ذات الفرصة لمعرفته. فالجزء الأعظم من العهد الجديد يعلو فوق الطبيعة والمعتاد، فبينما استطاع المسيح أن يكرز لمن كانوا أحياء زمن ظهوره ومن أمنوا به صاروا مباركين، كذلك أيضًا استطاع أن يحرر الذين في الجحيم إذ أمنوا به واعترفوا به بواسطة نزوله هناك. على الرغم من ذلك، فنفوس من اشتركوا في العبادات الوثنية والأفعال الشريرة ومن عميت عيونهم بشهوات الجسد، لم يستطيعوا أن يروه ولم يخلصوا. (Thomas Oden, ed. , Ancient Christian Commentary on Scripture: James, 1-2 Peter, 1-3 John, Jude, 1st edition (Chicago: Routledge, 2000), 107-108) ونسمع صدى هذه الكلمات في كتابات ق ساويرس الأنطاكي الذي اعتبر نفسه تلميذًا لكيرلس الكبير إذ يقول ((Thomas Oden, ed. , Ancient Christian Commentary on Scripture: James, 1-2 Peter, 1-3 John, Jude, 1st edition (Chicago: Routledge, 2000), 108 )) : لم تعط المغفرة لكل من كانوا في الجحيم، بل فقط لمن أمنوا واعترفوا بالمسيح. هؤلاء الذين نقوا ذواتهم من الشر بصنع الأعمال الصالحة في حياتهم عرفوه، لأنه حتى ظهوره في المواضع السفلية كان الكل، بمن فيهم من تعلموا البر، كانوا موثقين بقيود الموت وكانوا منتظرين وصوله هناك، إذ كان الطريق إلى الفردوس مغلقًا بسبب خطية آدم. على الرغم من ذلك، لم يستجب كل من كانوا في المواضع السفلية للمسيح حين ذهب إلى هناك بل فقط من آمنوا به. (Thomas Oden, ed. , Ancient Christian Commentary on Scripture: James, 1-2 Peter, 1-3 John, Jude, 1st edition (Chicago: Routledge, 2000), 108) باختصار، أمن القديسون أن عبدة الأصنام لم يستفيدوا من نزول المسيح إلى الجحيم إلا إذا كانوا قد تابوا في نهاية حياتهم إذ رأوا حكم الله العادل. ومن كانوا أحياء وأموات في جهل، كان مجيء المسيح استنارة لهم إذا كانوا أحياء في الصلاح حسب الناموس المكتوب على قلوبهم الذي يعلمنا عنه ق. بولس ((رومية 2: 14- 15. )) : لأنه الأمم الذين ليس عندهم ناموس، متى فعلوا بالطبيعة ما هو في الناموس، فهؤلاء إذ ليس لهم الناموس هم ناموس لأنفسهم، الذين يظهرون عمل الناموس مكتوبًا في قلوبهم، شاهدًا أيضًا ضميرهم وأفكارهم فيما بينها مشتكية أو محتجة (رومية 2: 14- 15) كثيرًا ما بحث الآباء فيما سيحدث بعد الموت وكثيرًا ما اختلفوا في تفاصيل هذا الموضوع. لو اختلف الآباء في هذا الموضوع أغلب الظن أننا لن نصل إلى إجماع فيما اختلف فيه الآباء. فإن كنا محتاجين لمعرفة تفاصيل هذه الأمور من أجل خلاصنا لأعلنتها الكنيسة بشكل واضح في التقليد. ولكن إذ اتخذت الكنيسة طريقًا أبوفاتيكيًا (أي التعبير عن الحقيقة بنفي ما ليس بها) تجاه الحياة بعد الموت، وجب علينا أن نسير في خطاها. فلنا إيمان برحمة الله، وصلاحه، وعدله الذي بهم يدبر موتنا تمامًا كما يدبر حياتنا كما يليق. نحن جاهلين بما سيحدث بعد الموت، لكن لنا إيمان كامل بمن يأتي بعد الموت، أي المسيح المصلوب والقائم من بين الأموات. الختام: خلال هذا البحث، استخدمت العديد من المصادر بقدر الإمكان مستندًا على الكثير من المصادر العربية والإنجليزية التي تعطي القارئ فهمًا حقيقيًا للكتاب المقدس والجذور الآبائية لإيماننا فيما يخص صفات الله والطبيعة وعمل الله في العالم. حين فحصنا الأجزاء الكتابية المتعلقة بالكوارث الطبيعية سواء كانت عالمية أو محلية، لم نغفل استخدام المدارس الكتابية الحديثة إذ أنها تلقي الضوء على السياق التاريخي والحضاري للأحداث، والتفسير اليهودي لمواضيع العهد القديم، وتفاسير الآباء للكتاب المقدس التي درسناها لنصل إلى مستوى جيد من معرفة المعنى المقصود من الأسفار الإلهية. لا أدعي أني قدمت إجابات لكل الأسئلة المختصة بالله أو بالصعوبات الموجودة في الكتاب المقدس. لكن كلي أمل أن أكون قد قدمت للقارئ أدوات يستطيع استخدامها والبحث فيها أكثر وأكثر ليصل إلى معرفة أعلى بأسرار الله كما استعلنت في المسيح يسوع، ودُونت في الكتب المقدسة، وحُفظت من قبل الآباء. فلا ينتهي هذا البحث بخاتمة كلاسيكية إذ أنه لا نهاية لمعرفة الله في أي موضوع لاهوتي وما هذا البحث إلا بداية لبحثك أنت عن الحقيقة. ستظل العلاقة بين الله وأحكامه والأوبئة موضع جدل، وتساؤلات، وأبحاث، ونقاشات. أملي أن يجتمع قادة الكنيسة الأرثوذكسية ليضعوا أجوبة عن الأسئلة التي طرحتها في هذا البحث وحاولت الإجابة عنها بقدر الإمكان. فالحاجة لبيان واحد واضح مجمع عليه من رجال الإكليروس صارت ملحة مع كم البيانات التي تبدو متضاربة إذ تأتي من كل رجل دين على حدة دون حوار مع باقي رجال الإكليروس. بوركت الكنيسة الأرثوذكسية بكونها كنيسة جامعية حيث الوصول إلى الحقيقة يأتي في صورة حوار في شركة المحبة. إذا كان فيما كتبت ما هو نافع، أروم أن أرى الكنيسة تستخدمه كما ترى سواء في صياغة بيان مجمعي أو غير ذلك. وإذا كان هناك أي شيء خاطئ فيما كتبت، فرجائي أن تصححه الكنيسة وسيكون من دواعي سروري تصحيحه في الطبعات القادمة لتتفق مع بيان يتفق عليه المجمع المقدس بقيادة الروح القدس. --- ### يحرم الكهنة العلاقة الزوجية خلال الصوم
فهل هم يمتنعون؟ - Published: ۲۰۲۲-۰٤-۰۷ - Modified: 2025-01-27 - URL: https://tabcm.net/3870/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أحوال شخصية, أنبا بنيامين، مطران المنوفية وشبين الكوم, أنبا بيسنتي، أسقف حلوان والمعصرة والتبين, أنبا رفائيل، أسقف وسط القاهرة, إكليروس, الحل والربط, الكنيسة القبطية, الولدينسيين, بابا شنودة الثالث, سر الزيجة, صليب متى ساويرس, مجمع فلورنسا, ميلاد المسيح, مينا أسعد كامل يضحك القبطي على تدخل الشيوخ في أدق تفاصيل المؤمنين غير مدرك أن رجال الدين في كنيسته سيلعبون نفس الدور لاحقًا. ينتقد الكاتب الذين يحرمون تنظيف الأسنان بالفرشاة خلال الصوم الكبير ويقيدون العلاقات الجنسية أثناء الصوم، مستشهدًا بأمثلة لأساقفة صرحوا بمثل هذه الادعاءات. ويشكك في المنطق والأساس الكتابي لهذه القيود. يشارك الكاتب تحليلًا لتواريخ ميلاد مستخدمي فيسبوك، والذي أظهر أن أطفال الكهنة يولدون بشكل غير متناسب مع القيود المفروضة خلال الصوم، مما يشير أنهم لا يمتنعون عن الممارسات التي يقيدونها جلس كأي قبطي أسمر جميل أمام التلفاز ضاحكًا، ضاربًا الكف على الكف من ذلك الشيخ الذي يتدخل بشكل سافر في أدَّق تفاصيل حياة المؤمنين بدينه، التي تبدأ من أمور النظافة الشخصية وتصل إلى سرير الزوجية، ولم يكن يعلم أخينا القبطي الأسمر أن الدُنيا دوارة، وأنه من سخرية القدر، وفي قرون ما بعد الحداثة، سيخرج كهنة من كنيسته القبطية الأرثوذكسية، يمارسون نفس الدور، ويضطر إلى الصمت عن تلك الأشياء التي ضرب الكف على الكف واستهزأ بها ورفضها. سيصمت، لأنه قام بتأليه رجل دينه واعتبره وسيطًا بينه وبين الله -حاشا- بل ومصدرًا حصريًا للتشريع، والحل والربط، والتكلم باسم الله. إن الصوم في الكنيسة القبطية ليس سرًا مقدسًا ولا توجد فيه أي نوع من السرائرية، بل هو امتناع عن الطعام والشراب، إما لفترة معينة طوال اليوم، أو امتناع عن بعض أنواع الطعام لأيام معينة، أو مزيج بين الطريقتين. هدف طريقتي الصوم تدريب الجسد على قمع الأهواء والرغبات الجسدية التي لا تليق، فالطعام في حد ذاته ليس محرمًا، ولكن تمسك عنه الكنيسة نفسها بنفسها عن طريق الصوم للتدريب. وبالمنطق الإنساني، فالظروف الجسدية والأمراض، استثناءات خاصة، لأنه ليس من المنطقي أن يكون هناك ممارسة كنسية ضارة عن عمد بالأعضاء الذين هم جسد المسيح حسب فكر الكنيسة. قد تفاجئ معي عزيزي القارئ عندما تجد أن الطعام الشهي كأغلب المأكولات البحرية متاحًا في بعض الأصوام، بينما قام بعض رجال الدين المسيحي المتطرفين بالآتي: ١- تحريم غسل الأسنان خلال الصوم الانقطاعي قبل التناول. ٢- تحريم الجنس في أثناء الأصوام جميعها، إلا بعد الحصول على الإذن من الأب الكاهن. فدعونا نستعرض معًا هاتين الصورتين من التطرف المتعلق بالصوم في كنيستنا. تحريم غسل الأسنان قبل التناول لم أجد سوى الكلمة الدارجة "يع" عندما أسمع رجل دين مسيحي يحرم غسيل الأسنان خلال الصوم الانقطاعي قبل التناول، وللأسف ليس رجل دين عادي بل أسقف، وهو نيافة الفاضل الأنبا بنيامين، مطران المنوفية وشبين الكوم. https://www. youtube. com/watch? v=ZHc15K4dKRQ أسقف مسيحي ضلت تعاليمه الغريبة طريقها إلى القنوات الفضائية المسيحية، فجلس على كرسي، وددت أن يستبدله بـ"مسطبة" مفتيًا للشعب في أمور حياتهم، محللًا ومُحرمًا بمنطق غريب غرابة الأساطير. فلا نعرف حقًا ما علاقة عذرية العذراء مريم بغسل الأسنان الذي حرمه نيافة الشيخ الأسقف، ولماذا وكيف ربط هذا الربط اللولبي العجيب الغريب بين هذا وذاك؟ هل أحتاج إلى ذكر اقتباسات آبائية أو كتابية لأثبت خطأ تعاليم الأب الأسقف الغريبة؟ هل يصل وعي المسيحي لهذه الدرجة من السطحية حتى يحتاج نص ديني يأمره بأن يكون نظيفًا ويغسل أسنانه؟ إن غسل الأسنان من أمور النظافة الشخصية التي لا تحتاج إلى نص ديني لكي نتعلمها، أراهن على وعي إخوتي المسيحيين، فلا حاجة لنص أو لأي رجل دين أصلًا كي نتعلم مثل تلك الأشياء. تحريم الجنس خلال الصوم إلا بعد استئذان الكاهن من المُرجَّح أن أي أسقف أو راهب أو شخص اختار البتولية يُعَلِّيها على الزواج ويُنَاصِرُها ويَجعَلُها أفضل ويَنتَقِي من النصوص الكتابية ما يُؤَيِّد رأيه دون أن يَعير انتباهًا لقول الله نفسه: «لَيْسَ جَيِّدًا أَنْ يَكُونَ آدَمُ وَحْدَهُ، فَأَصْنَعَ لَهُ مُعِينًا نَظِيرَهُ» (سفر التكوين 2: 18) وعشرات النصوص الأخرى، التي ترفع من شأن الزواج والعلاقة الجنسية في سياقها، وبينما تعتمد الكنيسة الزواج سرًا مقدسًا، ولا ترى الصوم يصل لدرجة السر، فوجئنا برجال دين مسيحيين مثل الأنبا بيسنتي، أسقف حلوان والمعصرة، يقول إن العَلاقة غير مسموح بها في الصيام، وإن حدث فهذا استثناء ويجب الرجوع للكنيسة لأخذ السماح. https://www. youtube. com/watch? v=CtK_IJ8uCmE وليس الأنبا بيسنتي وحده، بل آخرين من رجال الدين المسيحي يقللون من قيمة السر المقدس لمصلحة سلطتهم الأبوية الكهنوتية، محرمين العَلاقة الجنسية المقدسة الطاهرة خلال الصوم، ومن بينهم الأنبا رفائيل الذي يرى أنه من الأفضل الامتناع عن العَلاقة خلال الصوم لكن شرط موافقة الطرفين ((الأنبا رافائيل: الامتناع عن العلاقة الزوجية خلال الصوم هيبقى حاجة كويسة، مقطع صوتي على يوتيوب. )). ومنهم من زاد الطين بلة، عندما صرح أن الممارسة مباحة ولكن -يا للخجل- بإذن مسبق من الكاهن وفي ظروف معينة، تخيل معي أخي القارئ ماذا ستخبر الكاهن في تلك المكالمة ليلة الخميس؟ وكيف يكون شعورك عندما تستأذن في أمر كهذا من إنسان مثلك؟ وممن يستأذن الكاهن المتزوج لإقامة علاقة بزوجته؟ أليس من كاهن آخر؟ (أبيه في الاعتراف) أو حتى من أسقف الإيبارشية غير المتزوج بالطبع! تخيل معي عزيزي القارئ ليلة خميس باردة شتاءًا يتصل أخينا المتزوج من سمع لتعاليم هؤلاء من تحت البطانية ليسأل  أحد الإكليروس بكل وقار  في خجل: ‏حاللني يا أبي، أنا -لا مؤاخذة- مع المدام النهاردة! ... اصحوا ‏وتعقلوا، هداكم الله. لا داعي لذكر المزيد. المنحنيات الإحصائية والممارسات المسيحية الجنسية في 23 يوليو ٢٠٢١، بعد تسريبات الفيسبوك الشهيرة على شبكات الأنترنت العميق، أمضيت أنا وزميلي المهندس المغاغي "إ" ليلة حتى الفجر، في محاولة تجميع بيانات وبرمجة خوارزمية لتحليل أعياد ميلاد المسيحيين من مستخدمي الفيسبوك، واستخدمنا جزء من المعلومات العامة المنشورة على الفيسبوك. ليس في التفاصيل أي معلومات مقرصنة أو سرية أو خاصة بأي شكل من الأشكال، فهي يوم وشهر الميلاد فقط لمئات الآلاف مستخدمي الفيسبوك، لكنها كانت كافية لرؤية النتائج. مثلنا أيام أعياد الميلاد على منحنى بياني، مطروحًا من يوم الميلاد تسع أشهر، وكان من المتوقع أن نجد اقتصار القيم في المنحنى على أشهر الإفطار من الصيامات أو في الأقل نجد تركيزًا أقل بها. ولكن المفاجأة كانت تقريبًا تساوي قيم أعداد المواليد في كل شهور السنة على حد سواء. ثم عملنا مرشح آخر لانتقاء أعياد ميلاد أبناء رجال الدين من وَسْط مئات الآلاف من البيانات، لم يكن الموضوع صعبًا فمعظم أبناء رجال الدين يكتبون أسماؤهم متبوعة بلقب السيد الوالد "El kess" أو "El kommos" أو شبيهاتهم بتغيير الحروف أو باللغة العربية "فلان القس فلان" أو "فلانه القمص فلان". وبعد عرض أعياد ميلاد أبناء رجال الدين المسيحيين مطروحًا منها تسع أشهر -ليفهم القارئ- كانت المفاجأة الصادمة، معظم الأرقام تركزت في الشهر الأخير من العام ومن المؤكد أن هذا الشهر به صيام. وكانت باقي الشهور أرقامها ليست بالقليلة، مما جعلنا نصل إلى نتيجة مفادها أنه: لا المسيحيين، ولا رجال دينهم، يمتنعون عن الجنس خلال الصوم، لأنه ليس من المفترض بهم أن يمتنعوا أصلًا.   اقرأ أيضا: --- ### لماذا النِسيان والتَرْك؟ - Published: ۲۰۲۲-۰٤-۰٦ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/4096/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: قديس بولس الرسول قال يسوع للشاب "كيف تقرأ؟" ومازال يقول لك يا من تقرأ كلمة الله "كيف تقرأ؟" وكيف تتحرَّر من القراءة الحرْفية؟ هذه المحاولة لقراءة حيَّة لكلمة الله بواسطة بعض النصوص والأمثلة. اِسْمَعِي يَا بِنْتُ وَانْظُرِي، وَأَمِيلِي أُذُنَكِ، وَانْسَيْ شَعْبَكِ وَبَيْتَ أَبِيكِ (المزمور 45: 10) لماذا هذه الوصيِّة القاسية؟ لماذا (إما. . أو. . )؟ إما الله أو الأهل؟ ولماذا لا تكون العَلاقة مع الله سببًا لبَرَكة العَلاقة مع الأهل؟ أيضًا يقول الكتاب المقدس: لِذلِكَ يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ (سفر التكوين2: 24؛ إنجيل متى 19:5؛ إنجيل مرقس 10: 7؛ رسالة بولس إلى أفسس 5: 13) ما قصْد الله من النسيان والترك؟ "إنسي أهلك"، هل يلزَم على الزوجة أن تنسي أسرتها، وتقطع علاقتها بأهلها بعد أن تتزوجَّ؟ هل التطبيق العملي لهذه الآية هُجران الأهل وقطْع الصِلة بهم لدرجة النسيان؟! الواقِع أن القراءة السريعة، بل القراءة (النظرية) التي تسجن القرَّاء داخل الحروف تجعلنا نعجز عن فهْم وقصْد الله، وأحيانا تأتي الخبرات العملية لتوضِّح الكثير مما يقوله الله. فمع مرور الأيام ومع التواجُد مع أسر متنوِّعة سواء في العمر أو المستوى الاجتماعي، ومع ملاحظة العلاقات المتبادَلة بين أفرادها يمكن فهم أمور كثيرة بما فيها كلام الله. فكمثال، نعرف أن الفتاة تميل إلى الارتباط بأهلها وهذا لا غبار عليه إطلاقًا، لكن عندما لا تنتبه الزوجة إلى عَلاقة التوازُن بين ما كانت تمارسه وهي في بيت أهلها، وما يجب عليها أن تلاحظه في بيت الزوجية، فهنا يحدث عدم التوازُن، فبيت العائلة يفرق عن بيت أسرة تتكون حديثًا، هو فارِق بين كيان قائِم في ظروف معيَّنة وكِيان جديد بين زوجَين يحتم عليهما أن يفكِّرا في طبيعة هذا الكِيان الجديد. - تجد الزوجة تطبِّق نظام (ماما) في المواعيد وفي ترتيب البيت وطبْخ أنواع الطعام وبنفس طريقة (ماما) لدرجة أنها قد تمتنع عن طبخ وَجَبات غير التي كانت تطبخها (ماما) حتى وإن طلبتها أسرتها وأولادها. - وتطبِّق نظام (بابا) في ترتيب العلاقات والأولويات والقِيَم أيًا إن كانت إيجابية أو سلبية. - تحب الزوجة أن تربي أولادها كما كانت تفعل والدتها (حرفيًا). - تدور الأحاديث في أغلبها عن (ماما وبابا وخالتي. الخ) وهو ما لا نجده عادةً لدى الرجل. - تؤخذ القرارات بالرجوع إلى ما كان يمكن أن تقرِّره (ماما) أو يقرِّره (بابا) في هذا الظرف. - وهكذا يغيب عن الزوجة أنها تؤسِّس أسرة جديدة لها ظروفها المختلفة عن أسرتها الكبيرة. - لا يقول الله انقطعوا عن أُسَركم وأهلكم، انسُهم وكأنهم غير موجودين، بل يريد ألا تُسجَن البنت في خبرة ماضية وتحرِم نفسها من خبرات جديدة وثرية، فالأفضل أن تجمع بين التركيز عن الخبرات القديمة لتضيف إليها الجديد. نعود إلى مزمور 45 لنفهمه بالطريقة الجميلة والعملية وأيضًا الروحية التي يقصدها الله:"اِسْمَعِي يَا بِنْتُ وَانْظُرِي، وَأَمِيلِي أُذُنَكِ، وَانْسَيْ شَعْبَكِ وَبَيْتَ أَبِيكِ"،وماذا يحدث عندما تنسى؟ ستسمع وتنظر:"فَيَشْتَهِيَ الْمَلِكُ حُسْنَكِ، لأَنَّهُ هُوَ سَيِّدُكِ فَاسْجُدِي لَهُ وَبِنْتُ صُورٍ أَغْنَى الشُّعُوبِ تَتَرَضَّى وَجْهَكِ بِهَدِيَّةٍ كُلُّهَا مَجْدٌ ابْنَةُ الْمَلِكِ فِي خِدْرِهَا. مَنْسُوجَةٌ بِذَهَبٍ مَلاَبِسُهَا. بِمَلاَبِسَ مُطَرَّزَةٍ تُحْضَرُ إِلَى الْمَلِكِ. في إِثْرِهَا عَذَارَى صَاحِبَاتُهَا. مُقَدَّمَاتٌ إِلَيْكَ. يُحْضَرْنَ بِفَرَحٍ وَابْتِهَاجٍ. يَدْخُلْنَ إِلَى قَصْرِ الْمَلِكِ". أفسحي مكانًا للملك وأخلي طريقك من العوائِق حتى يمكنك التجاوب معه، واعطيه الفرصة والوقت ليتمكَّن من إظهار ما لديه فإذ بكِ تنفتحين على الجديد من غنى ومجد وحب الملك. نهاية المزمور تقول:"عِوَضًا عَنْ آبَائِكَ يَكُونُ بَنُوكَ، تُقِيمُهُمْ رُؤَسَاءَ فِي كُلِّ الأَرْضِ. أَذْكُرُ اسْمَكَ فِي كُلِّ دَوْرٍ فَدَوْرٍ. مِنْ أَجْلِ ذلِكَ تَحْمَدُكَ الشُّعُوبُ إِلَى الدَّهْرِ وَالأَبَدِ"،وحسَب الترجَمة العربية المُشتَركة وترجَمة الحياة"عرش آبائك يكون لبنيك. تقيمهم رؤساء في كل الأرض"،والمعنى أن الأبناء سيكونون ملوكًا كالآباء. وهل هناك أكثر من هذا يمكن أن تتمنَّاه الأم لأولادها؟ لكن هذا يتطلَّب منها أن توسِّع دائرة أفقها وبالتالي أولادها، وتكتسب خبرات جديدة وتتعلَّم لتفيد أولادها. وماذا عن المعنى الروحي للمزمور خاصة وأن عنوانه "مزمور محبة"؟ هكذا تتعمَّق المحبة وتتزايد وتفيض، فتتزايد نغَمَة المزمور ارتفاعًا كلما واصَل المرنِّم تأمُّله في الله، وتشعر أن الكلام لا يسعفه ليصف ما يفهمه ويشعر به نحو الله، إلى أن يدعو الفتاة أيضًا لتشارِكه هذا المجد ثم يختم قائلًا:“أَذْكُرُ اسْمَكَ فِي كُلِّ دَوْرٍ فَدَوْرٍ. مِنْ أَجْلِ ذلِكَ تَحْمَدُكَ الشُّعُوبُ إِلَى الدَّهْرِ وَالأَبَدِ". --- ### احترس من الزهور البراقة ورحيقها سام - Published: ۲۰۲۲-۰٤-۰۵ - Modified: 2022-09-13 - URL: https://tabcm.net/4775/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون أنت شرير في رواية أحدهم لأنك استطعت أن تصد الأذى الذي يسببه لك، أيا كان نوع هذا الأذى سواء داخلي (نفسي) أو خارجي ملموس. سيشيطنك هذا المؤذي لكونه حاول إيذاءك نفسيا ولكنك تماسكت وعبرت آذاه وتجاوزت الأذى وصاحب الأذى ومضيت في حياتك. سيشوه صورتك ذاك الذي حاول أن يقف في طريقك، ويمنع الخير عنك، لأنك بالرغْم من ذلك تظل متماسكا ولا تستسلم للسقوط. هؤلاء يملأون الدنيا ضجيجًا، مدعين أنهم ضحايا الآخرين، وأنهم أصحاب القلوب الرحيمة الذين يقدمون المحبة، لكنهم لا يلقون إلا الجحود والكراهية من الآخرين، وفي حقيقة الأمر هم ضحايا أنفسهم لأنهم لم يستطيعوا أن يحبوا ذواتهم، وفي قرارة أنفسهم يشعرون بعدم الاستحقاق إذا منحهم أحد الحب أو حاول تقديم مساعدة لهم. تمتلئ حياتنا بهؤلاء الأشخاص الذين يبدون من الخارج في منتهى الجاذبية لكي يقترب الناس منهم، لكن عندما تقترب من هذه النوعية من الأشخاص ستكون وقعت في فخٍ كبيرٍ، لا تستطيع الخروج منه بسهولة،  وربما لا تستطيع الخروج منه طوال حياتك، فهم مثل الزهرة التي تبدو جميلة فتجتذب الفراشات، لكن رحيقها سام، وبمجرد أن تستنشقه الفراشة، تشعر بأعراض سريان السم في جسدها لكنها مع ذلك ستظل واقفة على تلك الزهرة لا تستطيع الحراك، ويتغلغل السم حتى يقتلها تمامًا، وفي مرات قليلة قد تنجو إحدى الفراشات وتطير وتبتعد كثيرًا عن مصدر هذا السم. هذا النوع السام من سماته أنه "متدين"، سواء بالشكل التقليدي، أو أنه متدين بطريقته الخاصة، في النهاية هذا النوع يصدر للعالم أنه يملك قيم وقيمه مستمدة من الدين، لكن في الحقيقة هو ستار لبث سمومه، كما يدعي أنه حبيب الكل، ليس من أجل المحبة بل لمعرفة أخبارهم والتدخل في حياتهم وتخريبها بالطبع بدعوى أنه يهتم لشؤون الآخرين ويريد لهم الراحة والسعادة. تلك النوعية السامة تستخدم الآخرين لتصفية حسابتها، فتدعي أنها تدافع عن الحق وتقف مع المظلوم ضد الظالم، لكنها لا تقف مع طرف إلا إذا كانت تستخدمه لتصفية حساب يخصها مع الطرف الآخر، فتزعم أنها تدافع عن الحق وتؤلب الآخرين وتتزعم المقاومة لكنها لا تقف في الصفوف الأولى، بل تدفع الآخرين من خلف الستار. هذه النوعية السامة تعبد الشخصيات التاريخية السامة التي تبدو من الخارج طيبة وتمتلك كاريزما تقنع المغفلين بهذا الوجه الزائف، لكنها في الحقيقة شخصية مؤذية مدمرة لكل خصومها، ولكل من تسول له نفسه أن يعاديها أو يثير غضبها. الشخصيات السامة ستحاول أن تتسبب بالأذى لك بكل الطرق، ستكون جميلا إذا استطاعت تدميرك وتقبلت ذلك وستنجو من التشويه أمام الآخرين، لكن إذا قاومت هذا الأذى وكشفت ألاعيبهم فالويل لك، لأنها ستشوه صورتك أمام الكل، وستبدو كأنك مجرم حرب حقيقي، فقط لأنك تفطنت لسمومها، وحاولت المقاومة، لأنهم يرون أنه لا ينبغي مقاومتهم بل ينبغي الانصياع لهم ولرغباتهم في تدمير الآخرين. عزيزي القارئ  عليك أن تتعلم أن تكون هذا الشرير في رواية أحدهم السام، لأنه خير لك أن تكون شرير في رواية شخص سام، على أن يقتلك هو بسمومه، والأهم حتى لا تكون هذا الشرير في تلك الراوية أو قتيل السموم، تعلم كيف تنجو من الزهور التي تبدو جميلة من الخارج لكنها سامة وقاتلة. --- ### سيدهم.. "حمص وحلاوة"! - Published: ۲۰۲۲-۰٤-۰٤ - Modified: 2023-11-12 - URL: https://tabcm.net/4758/ - تصنيفات: شئون علمانية - وسوم: أنبا بولا، مطران طنطا, بروتستانت, حمدي رزق, ياسر برهامي الأسقف الذي كان قد توافق مع الشيخ السلفي ياسر برهامي في لجنة كتابة الدستور 2014م، ودافع عنهم باستماتة وأعتبرهم "فصيل وطني" وكأنهم زُنَماءُ تلاقوا على جثة هذا الوطن! كما صرح أيضا منذ أيام بأن نيافته "يشعر براحة في السيد البدوي" (في ظني ليس لأسباب روحانية، لكن ربما حبا في "الفتة" و"الحمص")!!!، ولكنه وفي نفس الوقت -يا للعجب- يرفض الكاثوليك والبروتستانت، وينتقد "أخيه الأسقف" الذي شارك معهم في اجتماع، وتشاركوا فيه بما أسموه "كسر الخبز"، ويرى هذه الفعلة الشنعاء "توريطة"   لا تأخذهم بجدية حتى لا تمنحهم احترامًا لا يستحقونه، اسخر منهم وسيسقطون وحدهم. (ألبير قصيري، رواية "العنف والسخرية") الأسقف "سيدهم الجليل" الذي كان قد توافق مع الشيخ السلفي ياسر برهامي في لجنة كتابة الدستور 2014م، ودافع عنهم باستماتة وأعتبرهم "فصيل وطني"! ! وكأنهم زُنَماءُ تلاقوا على جثة هذا الوطن! ! كما صرح أيضا منذ أيام بأن نيافته "يشعر براحة في السيد البدوي" (في ظني ليس لأسباب روحانية، لكن ربما حبا في "الفتة" و"الحمص")! ! ! ، ولكنه وفي نفس الوقت -يا للعجب- يرفض الكاثوليك والبروتستانت، وينتقد "أخيه الأسقف" الذي شارك معهم في اجتماع، وتشاركوا فيه بما أسموه "كسر الخبز"، ويرى أن سؤاله عن هذه الفعلة الشنعاء "توريطة"، فهو لا يمكن أن يفعل ذلك أبدا إذا كان حاضرا! أعتقد أنه لا يمكن لعاقل أن يتهمنا أننا ضد هذا النوع من الخطاب المتسامح مع الأديان الأخرى، فأننا لا نكتب أصلا إلا لإعلاء روح التسامح والعدل والمحبة والإخاء بين جميع البشر دون النظر إلى جنس أو عرق أو دين أو لون! فما هو وجه اعتراضنا إذن؟! قد يفهم البعض -لا يجانبنا الصواب- إذا فهمنا أن سيدهم هذا متسامح مع الدين المخالف ولكنه متشنج داخل ديانته! وهي عادة أصيلة في الأصوليات الدينية عمومًا، حيث تجد المسلم السني ربما يتقبل -نسبيًا- المسيحي (مخالف الديانة)، ولكنه أكثر تشنجًا ضد الشيعة فهم كما يعلمهم شيوخ السلفيين (أخطر من اليهود. . والعياذ بالله). وأيضا مع البهائيين! وهي حالة ريما سيكولوجية عند كل الأصوليين، وربما تكون لصيقة بالعقل الديني الأصولي! ولكن ومن وجهة نظري الأمر هنا ليس كذلك بالضبط، بل هو أكثر تعقيدًا، فالأصولي لا يعرف المحبة ولا التسامح عمومًا -رغم أنها قيم ومفاهيم مسيحية أصيلة- وفي حالة نيافة الأسقف "سلفي الهوى" هذا، فهو وبكل بساطة رجل دين، يلعب بالبيضة والحجر، ويعمل مناورات سياسية "مفقوسة"، ولكنه يظن في نفسه أنه "أذكى إخواته"، و"جاب الديب من ديله"، بهذه الحركات "الأونطة"، هذا كل ما في الأمر ليس أكثر ولا أقل! فنيافة "أسقف الموالد" هذا، مازوخي وذمي ذليل، يقدم فروض الولاء و الطاعة للطائفة الأكبر والأكثر عددًا، لعله يأخذ منهم بعض المكاسب التي يظن أنها تخدم طائفته (أو بالأحرى تخدم وتدعم سلطته في السيطرة على طائفته). ولكنه يظهر ما بداخل قلبه  -كأصولي- عندما يتعامل مع من هم أقل منه عددا! باختصار إنني أرى هذا السلوك البغيض اِسْتِئْسادٌ طائفي بغيض على الطائفة الأقل عددا، ومازوخية وذمية مع الأكثر عددًا والأقوى سياسيًا! هذه مجرد لقطة واحدة فقط من "محاسن" و"مفاخر" سيدهم "حمص وحلاوة"، فهو بالطبع لم يكتف بذلك، بل له من المناقب والفضائل التي تذخر بها خدمته في مِلَفّ الزواج والطلاق، ورأيه في المرأة، والإعجاز العلمي في الكتب المقدسة! فهو من أعلام القبط المعاصرين ! ولا حول ولا قوة إلا بالله! ! ! . . ولنا الله العَلمانية هي الحل! أو هي –على الأقل- جزء كبير من الحل! ! --- ### خواطر في تفسير إنجيل يوحنا
الإصحاح السابع عشر (٤) - Published: ۲۰۲۲-۰٤-۰۳ - Modified: 2022-03-13 - URL: https://tabcm.net/4296/ - تصنيفات: كتاب مقدس  ”أنا فيهم وأنت فىَّ ، ليكونوا مُكَمَّلين إلي واحد، وليَعلَم العالم أنك أرسلتني، وأحببتَهم كما أحببتني“. (إنجيل يوحنا ١٧ : ٢٣) ”أنت  فيَّ ... أحببتني“ كلمات تشهد للحب المطلق بين أقانيم الثالوث القدوس في الله الواحد لأن ”الله محبة“. هذا الحب المطلق هو الضمان المطلق لوحدانية المشيئة والإرادة والعمل بين أشخاص/ أقانيم الثالوث القدوس الآب والابن والروح القدس. ”وليَعلَم العالم أنك أرسلتني“ هذا الحب الثالوثي أعلن ذاته للعالم بتجسد ”أبن الله“  من أجل خلاص الإنسان، وهو إعلان وشهادة  للعالم بحب الله العجيب للإنسان. ”أحببتَهم كما أحببتني“ والدليل علي المقابلة في هذه الآية بين حب الآب للابن وبين حب الآب للإنسان هو أن ”الله الآب“ لم يَضِنّ بابنه الحبيب من أجل خلاصنا. ”أنا فيهم وأنت فىَّ“ ”أنا فيهم(بالناسوت الواحد)وأنت فيَّ(باللاهوت الواحد) “ لقد ظهر الله في الجسد بتجسد الابن  للتكفير عن خطية آدم وذريته، و تبريره و تقديسه ”من أجلهم أقدِّس أنا ذاتي“. وبذلك فتح الباب لقبول كل إنسان يؤمن  بألوهية المسيح ”أبن الله“ ويتحد بناسوت ”أبن الإنسان“، فيدخل مجال حياة الله وخلوده. ”وليَعلَم العالم أنك أرسلتني“ مَن تألَّه في المسيح يسوع  حَسَبَ ما قاله الرب، فإنه حتماً ستنضح سيرته بملامح سيرة مسيحه البار القدوس،  ويصير مسيحاً يشهد بين الناس دون أن يدري. هكذا يتمسحن العالم ويصير الكل للرب ومسيحه. فالخدمة والكرازة بالمسيح لا تحتج كاريزما الخادم - كما يعتقد البعض - بقدر ما تحتاج حياة المسيح فيه وسكني الروح القدس. ”أريد أن هؤلاء يكونون معي حيث أكون أنا لينظروا مجدي“. (إنجيل يوحنا ١٧ : ٢٤) يقول المثل المصري أن معرفة الإنسان لشخص ما، لا تكون صادقة إلا من خلال المعاشرة والحياة المشتركة للشخصين. هكذا أيضاً علاقتنا بشخص الرب حَسَبَ العدد (٢٤)، فالإيمان هو عِلاقة بشخص الله الحي ”يكونون معي“. لذلك فالمسيحية ليست فكرة أو معرفة عقلية بل شركة حياة يومية مع شخص الرب. وقد قدَّم الرب مبادرته بأن يدخل بشخصه إلي قلب كل إنسان يؤمن به، لينال نعمة الوجود في حضرة الله : ”هنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ. إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ الْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشَّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي. “ (رؤ ٣: ٢٠) وعندئذ تنفتح العين وتري مجد الرب. ”أيها الآب البار إن العالم لم يعرفك أمَّا أنا فعرفتك“. (إنجيل يوحنا ١٧ : ٢٥) قول حاسم و باتر يجدر بنا أن نستلهمه من الرب.  فهو تقرير مصير و شهادة انتماء إلى الآب وملكوت الله. فإن المعرفة (عدد ٢٥) القائمة علي خبرة المعاشرة  و حياة الشركة  (عدد ٢٤) تُنشِئ الانتماء. وانتماؤنا للمسيح يحرق جذور كل أنتماء غريب يتسلل إلي قلوبنا بغواية عدو الخير. فهذا الملعون يتفنن في شيطنة أدوات العصر اللازمة لوجودنا في العالم ليجعل منها  أهداف مصيرية - في حد ذاتها - تربط الإنسان بها في انتماء بعيدً عن الله. هكذا أصبح المال والوظيفة والصحة والنفوذ والشهرة... إلخ  بمنزلة أهداف - وليست وسائل - استعبدت الإنسان لها فصار إليها أشتياقه وانتماؤه. ”إن العالم لم يعرفك“ لقد خدع عدو الخير أبوينا آدم وحواء بشيطنته لمِا وضعه الله لخيرهما في جنة عدن - إن جاز لنا القول -، ليستخدماه وَفْقاً لقصده الشرير فكان السقوط. لقد شيطن أشتياقَهما لتحقيق وعد الله لهما بأن يصيرا ”مثل الله “. فأشار عليهما بمعرفة غير متألهة غاشة ليست من خلال الانتماء لله والعشرة معه :”تصيران مثل الله عارفَين الخير والشر ... “  فسقطا. (ملحوظة: إن الله ومعرفته تخلو من الشر. ) ”أمَّا أنا فعرفتك“ إن المعرفة التي يتكلم عنها الرب يسوع المسيح في هذه الآية، هي المعرفة التي كان علي آدم الأول أن ينمو فيها خلال عشرته بالله في الفردوس ولكنه فشل بغواية الحية. فشكراً ليسوع المسيح الذي أكمل - من أجلنا - كل برٍ كإنسانٍ لبس بشريتنا وعاش مثلنا علي الأرض وأستخدم أدوات العصر في سيرة مقدسة، ثم تركها لنا كنعمة من نِعم تجسده وميراث للمؤمنين به، يثبتهم في حياة شركة و أنتماء للثالوث القدوس علي مثال المسيح ”أبن الإنسان“. هذا ما يشير إليه الكتاب المقدس في مواضع أخري بأنه نعمة  ”بر المسيح“ أو  ”تبرير المسيح للإنسان“. ”وعرَّفتَهم أسمك وسأُعرِّفهم، ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به، وأكون أنا فيهم“. (إنجيل يوحنا ١٧ : ٢٦) هذه الآية هي تلخيص لسبب خَلق الله للإنسان، ولماذا يريده أن ”يعرف الله “. و أنه لكي يسكب الله حبه في الإنسان ”ليكون فيهم الحب “. إن الحب هو طبيعة كيان الله ”الله محبة“. وهو سبحانه في اكتفاء ذاتي بحبٍ مطلق بين الأقانيم الثلاثة : ”الحب الذي أحببتني به“. وعندما ”يحِّل المسيح بالإيمان في قلوبنا“، وتتحقق كينونة المسيح فينا: ”وأكون أنا فيهم“، يفيض الحب الإلهي في الإنسان” ليكون فيهم الحب“. هذا هو الهدف الأساسي من عمل الخَلق ”نعمل(إشارة للآب والابن والروح القدس)الإنسان علي صورتنا كشبهنا“. فلقد  خلق الله الآب الإنسانَ بالروح القدس علي ”صورة“ الابن. وإن عِلاقة الإنسان بأصل الصورة هي الهدف. فالإنسان هو المخلوق الوحيد الذي أنعم الله عليه بإمكانية العِلاقة الخاصة معه ليغمره  بحبه العجيب. لقد أعطى الله للإنسان أن يختار بحرية أرادته هذه النعمة، فتنطبق الصورة علي الأصل و يتحقق الشبه بالأصل ”كشبهنا “. هذا يكون للإنسان عندما يَقبل بكينونة المسيح داخل قلبه ”وأكون أنا فيهم“. هذا هو الاتحاد بالمسيح.   وهو أصل عقيدة  ” الثيؤسيس“ أي تأله الإنسان في المسيح يسوع. وهي عقيدة في  الكنيسة الأرثوذكسية وتكلم بها آباؤها. لقد حقق المسيح بتجسده ما أخفق فيه آدم. ففي شخص يسوع المسيح تم  اتحاد الإنسان بالله ولذلك ”انسكبت محبة الله الآب في قلوبنا بالروح القدس“ كقول الكتاب. و ظهر ذلك عياناً بحلول الروح القدس مثل حمامة علي شخص يسوع المسيح  أثناء معموديته في نهر الأرْدُنّ، ثم بحلول الروح القدس كألسنة نار علي تلاميذه يوم الخمسين. (تمَّ : إلي هنا أعاننا الرب في قراءة أنجيل يوحنا الإصحاح السابع عشر) والسُبح لله. بقلم د.  رءوف ادوارد --- ### عبد الحميد منصور جاد الله.. المواطن الناصري المثالي - Published: ۲۰۲۲-۰٤-۰۲ - Modified: 2022-09-13 - URL: https://tabcm.net/4596/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون, شئون علمانية - وسوم: أبو العروسة, رئيس جمال عبد الناصر, عبد الحميد منصور تابعت، بعد عصر كيلو ليمون أضاليا على نفسي، بمزيد من الغثيان والامتعاض والرغبة في القيء، الجزء الثالث من المسلسل الذي تلتف حوله الأسرة المصرية بكامل أفرادها، وهم يرتدون البيجامات الكستور، هذا المسلسل الذي لا يخجل الأبُ المصري من أيا من مشاهده الجميلة أمام أبنائه: "أبو العروسة" الجزء الثالث، الذي لا يمت عنوانه بأي حال من الأحوال لمحتوى هذا الجزء. وبغض النظر عن ركاكة التمثيل المفرط من معظم أبطال العمل، وأعتقد أن سببها هو لزوجة السيناريو والحوار، والمط والتطويل المبالغ فيهم، وعدم وجود أحداث حقيقية، جعلت الملل سيدًا للموقف يتربع جالسًا القرفصاء فوق شاشة التليفزيون، إلا أن شخصية عبد الحميد منصور جاد الله، كان لها نصيب الأسد من هذه الركاكة والرغبة في المثالية المفرطة، فالأب، رب الأسرة يعيش منفصلًا عن الواقع، لا يزال يعيش بكل جوارحه في الحِقْبَة الناصرية المثالية، حيث كل شيء مثالي بامتياز. عبد الحميد منصور جاد الله، مواطن مصري مثالي نمطي، نحيف نحافة "عصاية المقشة"، لا يأكل كثيرًا كتعليمات الحكومة، لكنه لا يلتزم بتعليمات الدولة بشأن تنظيم الأسرة، فاشل بامتياز طول حياته، لا يمتلك أي موهبة أو حرفة أو شهادة مميزة، عمل بالجهاز الحكومي طيلة حياته موظف سقيم عقيم، لم يجازف ولم يسعى لتحقيق أي نجاح يذكر، يخاف من المجازفة، لا يكل ولا يمل من ترديد الشعارات البراقة الخاوية طول الوقت. عندما خرج ابنه الكبير أكرم من دائرة العمل الحكومي واتجه للعمل الحر، ودخل بقوة في مجال التسويق، وبدأت حياته تتغير للأفضل، لم يسلم من لوم الأبُ الفاشل، الذي ربما تخوف على عكس السائد بشأن كل الآباء أنهم يتمنون، أن يتفوق أبنائهم عليهم، إلا أن عبد الحميد كان له رأيًا آخر، تخوف من أن يصنع الابن نجاحًا يبرهن به على فشل الأبُ المتشدق بالشعارات البراقة طول الوقت، عبد الحميد يلوم ابنه باستمرار على سعيه الدؤوب للنجاح والادخار، مغلفًا غيرته التي لم يستطع أن يُخفيها بخوفه على ابنه أن يكون محبًا للمال، فالمواطن المثالي من وجهه نظر الدولة لابد أن يكون فقيرًا، فالفقراء يدخلون الجنة على رأي الزعيم عادل أمام. في الجزء الثالث تقابل عبد الحميد مع "أنفلونسر" أو صانعة محتوى على اليوتيوب، فتاة دؤوبة تعاني بعض المشاكل الأسرية، لكنها على الجانب الآخر ناجحة بشكل لافت للنظر، وتدر دخلًا مهولًا مقارنة بالعمل الذي تقوم به، هذا الذي لم تستطع عقلية سطحية مثل عقلية عبد الحميد استيعابه، فالمواطن المثالي لابد أن يعمل منذ شروق الشمس إلى غروبها في عمل شاق "ستاليني"، يدر عليه دخلًا معقولًا بالكاد يكفيه شظف المعيشة والحياة، لكن وجود نموذج لفتاة، ناجحة، غنية، عملها مسلي وغير شاق، ولا يستغرق منها ساعات طويلة تقضيها خلف مكتب حديدي بارد، ولا تبذل مجهودًا بدنيًا شاقًا، هو أمر يراه عبد الحميد غير عادل، ويطلب منها بكل صفاقة وأنانية أن تدمر عملها الذي بذلت فيه الكثير من الوقت والمجهود، وتتبنى عبر قنواتها على وسائل التواصل الاجتماعي موهبة أحد أصدقائه الذي يقدم قصصاً للأطفال، قصصًا لا تتناسب ولا تتفق قطعًا مع المحتوى الذي تقدمه تلك "الأنفلونسر"، ويؤذيها ماديًا بشدة، لكن كل ذلك لا يهم، المهم أنها ستبهج صديقه العجوز. عبد الحميد منصور ابن الجهاز الإداري المترهل الذي بناه عبد الناصر في الستينيات، ونشأ وترعرع فيه طوال عقود طويلة لا يكف عن لوم ابنه طوال الوقت، لأنه يغرق نفسه في العمل، ويسعى بكل أمانة ليصنع نجاحًا ملحوظًا في سن صغيرة، لكن عقلية عبد الحميد منصور ترفض بكل حب الذات والنفس نجاح ابنه أكرم لأنه يهدم نظرياته الفاشلة في التربية، ويؤكد له أمام نفسه أن خطبه الرنانة المثالية لم تصنع إلا إنسانًا فاشلًا عديم القيمة مشحون بالشعارات الناصرية الزائفة التي كانت يومًا ما تُكتب على غلاف الكتب الحكومية، نجاح الابن أكرم يضرب بفلسفة عبد الحميد عُرْضَ الحائط ويقتلها بسكين منثلم. عبد الحميد الأناني يكتم بكل أنانية العالم كله معرفته بتلك "الأنفلونسر" الشهيرة وهو يعلم تمام اليقين أن ابنه ظل يبحث عن فرصة واحدة كي يلتقي بها ليتمم بها مشروع يدر عليه أرباح وفيرة، وعندما يعلم الابن بذلك ويواجه آباه، يستخدم الأبُ حيلة رجل القش ليحدثه عن القيم الأسرية، وكيف يجب على أكرم أن ينحي عمله جانبًا كي يخدم الآخرين. حتى ملاك صديق عبد الحميد، وزميله في نفس الجهاز الإداري الحكومي الفاشل، لا يكف عن لوم أخته على استمتاعها بالحياة عندما فتح الله على زوجها بالأموال الوفيرة، وكأن الاستمتاع بالحياة هو إثم وخطية يجب أن نعتزلها، وعندما ربحت الأخت وزوجها طبيب الأسنان تَذْكِرَة الهجرة العشوائية لأمريكا، ثار الأخ الفاشل، وهاج وماج معددًا مزايا الحياة التعيسة داخل مصر، ويحصي مساوئ الحياة في أمريكا، مواطن ناصري بامتياز مثل صديقه عبد الحميد، تسألت كثيرًا هل قدم لنا السيناريست هاني كمال نموذج الفاشل عبد الحميد كي نجتنبه؟ أم ليكون قدوة ومثالًا انطلاقًا من قناعات السيناريست الدينية المسيحية الموظفة ذميا؟ حتى شهر واحد من الْآنَ كنت أعتقد أن مسلسل ونيس بطولة شرطي الأخلاق الفنان محمد صبحي هو المسلسل صاحب نصيب الأسد في اللزوجة والركاكة والبحث الدائم عن المثالية المفرطة، لكن أبو العروسة تفوق عليه بمراحل، قبل أن يلفت انتباهي أحد الأصدقاء أن ونيس أبو الفضل جاد الله عويس، وعبد الحميد منصور جاد الله، يشتركان في نفس اسم الجَدّ، فربما كان الأمر وراثيًا أو أن المشكلة في اسم جاد الله. "الأضاليا: "نوع من الليمون يتم استيراده من الخارج، ويتوافر في الأسواق بسعر أقل من الليمون المتعارف عليه. --- ### [١٢] وباء كوفيد١٩ - Published: ۲۰۲۲-۰٤-۰۱ - Modified: 2024-04-28 - URL: https://tabcm.net/4043/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, لاهوتيات - وسوم: إمبراطور جاستينيان, الكنيسة الكاثوليكية, سمعان العمودي, فيروس كورونا, قديس باخوميوس الكبير أب الشركة, كبريانوس الإفريقي، أسقف قرطاچنة, يوسف الصديق صار الشغل الشاغل للإعلام في الوقت الحالي هو فيروس كورونا المستجد بين عامي 2020 والوقت الحالي بسبب تأثيره البشع على حياة الكثيرين بشكل مباشر أو غير مباشر. الكثير من رجال الدين، سواء مسيحيين أم لا، نسبوا الوباء الحالي لغضب الله وتأديبه لعل العالم يتوب. الحلقات الماضية من الكتاب المقدس والتاريخ التي فيها يجلب الله حكمه على مجموعة من المؤمنين ترجح أن الله لا يقرر عقابه بشكل عشوائي. بالحري، يعلمنا الكتاب المقدس أن الله ليس إله تشويش، بل إله سلام (كورنثوس الأولى 14: 33). وإذ نعرف أن المجموعات الأكثر عرضة للإصابة هي المسنين ومرضى الجهاز التنفسي ومرضى الأزمة، ينبغي أن نتعجب إن كان هؤلاء هم هدف الله المستحق للعقاب! فمحبة الله ورحمته لا يتماشيا مع هذه النظرية خصوصًا وأن المرض أصاب الملحدين في الصين من ناحية والكثير من المؤمنين بمن فيهم الكهنة الأتقياء من الكنيسة الكاثوليكية في إيطاليا الذين تنازلوا عن أجهزة التنفس للمرضى الصغار في السن كي تزيد فرص حياتهم من الناحية الأخرى. فلو أن الهدف هو عقاب الملحدين بسبب عدم إيمانهم، لماذا يسمح الله بمرض الكهنة الأتقياء؟ وإن كان يعاقب الكهنة لعدم أمانتهم في خدمتهم، فلماذا يتألم الملحدين من ذات المرض؟ وإن كان المرض تجربة يستخدمها الله ليختبر إيمان المؤمنين، فماذا يختبر حين يصاب به الملحدين؟ وإن كان هذا المرض هو إرادة الله، لماذا إذن يتبارى الأطباء والصيادلة بمن فيهم المسيحيين في قضاء الوقت في علاج المرضى والبحث عن طرق لإنهاء المرض الذي سببه الله بحسب هذه النظرية؟ الكلمة اليونانية المستخدمة للتعبير عن الخطية هي هامارتيا والتي تعني عدم إصابة الهدف. فإن أراد الله أن يعطي ثوابًا أو عقابًا، فلن يخطئ في إصابة هدفه. فالله كما سبق وتعلمنا إما أنه يرفع عقاب الخطية عن الخاطئ من أجل صلوات الأبرار، أو أنه يعاقب الخاطئ بينما يحفظ الأبرار كما رأينا في قصة لوط على سبيل المثال. فكل الاحتمالات التي تعلمناها من الأحداث الكتابية التي درسناها في هذه السلسلة لا تنطبق على الوباء العالمي الحالي. لكن لابد أن نعترف أن الله يستطيع أن يستخدم الظروف الحالية ليعلم الإنسانية العديد من الدروس. هذه الدروس قد تتضمن دعوة لنبطئ نمط حياتنا، فلا نتخذ وجود الكنيسة كأمر مسلم به، وندخر الوقت لنقضيه مع الله وفي الكنيسة. فإذا اتخذنا هذه الدروس وحفظناها في قلبنا وصححنا طبيعة علاقتنا به، نكون قد استفدنا استفادة حقيقية من الوباء الحالي على الرغم من المصاعب التي جلبها هذا الوباء في حياتنا. إذا حولنا هلعنا إلى صلاة وأنانيتنا في شراء أكثر من حاجتنا بقلب كريم، نكون قد استخدمنا الوضع الحالي لمنفعتنا الروحية. هذا التحول من الشر إلى الخير هو أمر جيد بلا شك وهو أمر وارد جدًا أن يصنعه الله كما سبق ورأيناه في قصة يوسف وأخوته. فقط حين نقتني كل المنافع الروحية الممكنة من الموقف الحالي نستطيع أن نقول مع يوسف كان هذا الأمر من قبل الله لمنفعتنا. لكن بلا شك يظل هذا نوع من البلاغة في التعبير كما كان الحال مع يوسف. فالله لا يسبب الشر، ولكنه قدير بما يكفي لجلب الخير من وسط الشر. فإله شمشون الذي أخرج عسلًا من جثة حيوان نتنة قادر على جلب نمو روحي من مرض قاتل. القديسون والأبرار تأثروا بالأوبئة في الماضي سواء بموتهم أو بموت أحبائهم. يعلمنا التاريخ عن الوباء زمن ق. كبريانوس حيث أصاب المرض الكثيرين خصوصًا في قرطاجنة حيث كان أسقفًا. ويعلمنا ق. كبريانوس أن كثيرين صاروا مسيحيين بسبب الوباء إذ رأوا كم أن حياتهم قصيرة وصدقوا وعد المسيحية بالحياة بعد الموت. كما يتغنى ق. كبريانوس بالكثير من المسيحيين اللذين رعوا المرضى زمن الوباء بصرف النظر عن انتمائهم الديني ((George C. Kohen, Encyclopedia of Plague and Pestilence, 2nd Revised edition (New York, 2001), 100 )). ومثل مسيحيي قرطاجنة، نرى في سيرة ق. باخوميوس البحيرية القبطية أنه قضى ثلاثة سنوات خادمًا المرضى بالوباء ((Armand Veilleux, Pachomian Koinonia Vol 1: The Life of Saint Pachomus (Kalamazoo, Michigan: Cistercian Publications Inc. , 1980), 29 )). إضافة إلى ذلك، نجد في سيرة ق. سمعان العمودي كيف تحير الكثيرين في أمر الوباء الذي حل زمن الإمبراطور جاستينيان، إذ أصاب بعض أبناء المسيحيين بينما لم يمس أبناء الوثنيين. جعل هذا البعض بمن فيهم الأبرار مثل إيفاغريوس يتشككوا في الله، لكن بمساعدة ق. سمعان عادوا إلى رشدهم. إلا أننا لا نجد في أي موضع أن ق. سمعان أعطاهم إجابة مؤكدة على مصدر الوباء والهدف منه. ما نجده في المقابل هو أن إيفاغريوس قد نال الغفران إزاء تشككه بصلوات ق. سمعان ((Mischar Meier, “The ‘Justinianic Plague’: The Economic Consequences of the Pandemic in the Eastern Roman Empire and Its Cultural and Religious Effects,” Early Medieval Europe 24, no. 3 (2016): 282 – 283 )). فلا عيب في أن نعلن أننا لا نعرف سبب هذا المرض. لا نجد ما يحتم أن تكون الإجابة على هذا السؤال في المجال اللاهوتي من الأساس. فلو كان ق. سمعان مكتفيًا براحة إيفاغريوس في ألمه بسبب الوباء والشك دون تخمين أسباب المرض، لا يكن هناك أي خطأ في أن نعلن جهلنا بسبب هذا المرض إن لم يكن أمامنا جواب واضح. كمسيحيي قرطاجنة وزمن ق. باخوميوس، يمكننا أن نخدم المتضررين من الوباء. فلو الطب في العصر الحديث لا يسمح لنا بالمساعدة كآبائنا القديسين، قد نستطيع المساعدة بطرق مختلفة كالصلاة من أجل الفرق الطبية، ومساعدة كبار السن والأكثر عرضة للعدوى بشراء حاجتهم بدل من خروجهم في أوقات تفاقم الوباء، أو على الأقل بأن نكون معتدلين في استخدامنا للموارد المتاحة من أجل الآخرين. كل هذه هي طرق نستطيع أن نسلك بها نهج القديسين ونريح أخوتنا في الإنسانية بدلاً من الفكر السلبي الذي يحاول ربط سبب المرض بالله. --- ### غسيلكم الـ"وِسِخ".. نضفوه - Published: ۲۰۲۲-۰۳-۳۱ - Modified: 2023-11-11 - URL: https://tabcm.net/4612/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أحوال شخصية, أفلاطون, أنبا إرميا، الأسقف العام, إكليروس, المركز الثقافي القبطي, بابا شنودة الثالث, بيدوفيليا, رويس عزيز خليل, سالي زخاري, فيلسوف أرسطو, قناة مي سات, يوسف عزيز خليل الحل في الاعتراف بالمشكلة أولا، والنشر ومواجهة تلك الجرائم وليس التصالح معها تحت مظلة تفسيرات مخلة شيطانية لكلمات مقدسة. أو حتى تحت خسة "بلاش ننشر غسيلنا الوسخ". فالعيب ليس في "نشر الغسيل" تحت نور الشمس لتطهيره، بل في التمسك بالقذارة وعدم السعي لتنظيفها، هذا الغسيل الذي اتسخ بسبب نهج معين لتعاطي المشاكل، لا يمكن تنظيفه باستخدام نفس النهج والعقلية. انتشرت أخبار احتفاء عددٍ من الكنائس القبطية الأرثوذكسية بموت المجرم المدان بالاعتداء الجنسي على الطفلة سالي زخاري بعمر 11 سنة، عام 1997 وغيرها من الحالات، الذي تم تجريده من رتبته الكهنوتية بعد مماطلة استمرت لسنوات عدة بدأت منذ عهد البطريرك السابق الأنبا شنودة الثالث، في محاولة حثيثة للتستر على جرائمه المتكررة، حيث جاءت الإعلانات عن وفاته على صفحات المركز الثقافي القبطي وغيرها، من صفحات الكنائس وهي تعطيه صفته الكهنوتية؟! ! فأثارت معها كثير من الجدل لن أخوض في كل جوانبه، فأنا أؤمن أن "الحي أبقى من المَيْت". وهنا أود إلقاء الضوء على ظاهرة متكررة عندما نتحدث عن أي عوار موجود في مجتمعنا الكنسي، فيباغتنا المواطن القبطي الأسمر التقليدي الجميل باستخدام المثل الدارج بين شعوب المنطقة: "بلاش ننشر غسيلنا الوسخ". وهذا المواطن حقًا هو شخص حسن النية جدًا، ولا يدافع عن المجرم، لكنه كما تربى ونشأ وترعرع يهتم كثيرًا بالمظهر، فيتجاهل الجوهر والحقيقة فيما يسمى بفلسفة "الكنس تحت السَّجادة". ونحن هنا بصدد فرد مساحة لتوضيح كيف أن نيته الحسنة تؤذي أكثر مما تنجي. الجريمة. . ماهيتها؟ تتخذ كل من المدارس الوضعية والكلاسيكية رؤية إجماعية للجريمة: إن الجريمة هي فعل ينتهك القيم والمعتقدات الأساسية للمجتمع، هذه القيم والمعتقدات تتجلى كقوانين يوافق عليها المجتمع. (ويكيبيديا العربية) وفقًا لما سبق، فإن الجريمة يتم تحديدها وتعريفها بواسطة عين المجتمع، فلا يمكن تجريم أي فعل إلا عندما يرفضه المجتمع ويجرمه. فالجريمة فعل يهين ويهدد المجتمع، وهذه الأفعال يجب أن يُعاقب عليها. وهذا هو الأساس الذي بنيت عليه فلسفة القانون والعقوبات التي تهدف إلى توقف الجريمة المهددة للمجتمع. يمكن تقسيم الجرائم إلى ثلاثة أقسام رئيسية:- جرائم ضد أشخاص (قتل، سرقة، اغتصاب، تحرش، سب وقذف... الخ) جرائم ضد ممتلكات أو مؤسسات (السطو المسلح، الحرق... الخ) جرائم بلا ضحايا (تعاطي المخدرات، الدعارة، المقامرة... الخ) تطور فلسفة العقاب يرجع تاريخ العقاب على الجرائم إلى بدايات تطور الإنسان. فبدأ كانتقام فردي ضد أي فرد يتسبب بعمل ضار للجماعة أو أحد أفرادها، وتختلف العقوبة في حالة كون المجرم جزء من الجماعة عن لو كان خارجًا عنها. ثم وبظهور المدنية وصلت الفلسفة العقابية لما نعرفه باسم (العين بالعين والسن بالسن) في قوانين حمورابي. التي تظهر أصدائها في الكتاب المقدس وكذلك القرآن الكريم. تطورت فلسفة العقاب فيما بعد من الانتقام وإرضاء الآلهة إلى الردع متأثرة بالفلسفة الإغريقية، فالجريمة ليست إساءة للآلهة فقط ولكنها مهددة للمجتمع وللاستقرار السياسي. وعلى هذا الأساس فقد نادى أفلاطون بمبدأ شخصية العقوبة، وأن يكون من بين أهداف العقوبة الردع على أمل تجنيب المجتمع شرور الجريمة في المستقبل. وهي ذات المبادئ التي نادى بها أرسطو محاولًا جعل غرض إصلاح الجاني من بين أهداف الجزاء الجنائي إلى جانب الردع كوظيفة أساسية. أي إن العقوبة استُهدف بها تحقيق أمرين هما الردع والإصلاح. كما كان للكنيسة فيما بعد الفضل في المناداة بالمساواة بين الجميع في الجريمة فلا فرق بين جريمة أحد العبيد أو أحد النبلاء، وأضافت نَّظْرَة أخرى للعقوبة كنوع من التكفير عن الذنب. الفلسفة الحديثة في العقاب لم تعد تركز على المجرم فقط وتوقيع العقاب عليه، فمعاقبة المجرم لم تعد الهدف الأساسي، إنما ضرورة التركيز على الجريمة وكيفية الحيلولة دون وقوعها. . المهم ليس توقيع العقوبة على المجرم فهذا أصلًا وارد طبقًا للقانون، إنما الأهم هو كيف يتم منع الجريمة أو عدم تكرارها، فاقتلاع الجريمة من جذورها مسألة بالغة الأهمية، أما التركيز فقط على المجرم وحده فهذا غير كافٍ. نحن بحاجة شديدة إلى ضرورة منع وقوع الجريمة. (المستشار بهاء الدين أبوشقة "فلسفة العقاب الحديث" موقع حزب الوفد) الإعلام. . دوره لوسائل الإعلام دور مهم في التأثير على رؤية المجتمع للجريمة، فهي تؤثر على الصورة الذهنية للوعي الجمعي للمجتمع في مواجهة الجريمة ورفضها. وتطور التشريع عبر الزمن تأثر تأثرًا بالغًا بدور وسائل الإعلام، ويكفي النظر إلى بعض الأفلام المصرية التي أدت إلى تغيير في بعض مواد التشريع كمثال، أو تحول بعض القضايا إلى ما يسمى قضايا الرأي العام فيصبح تأثيرها مختلفًا. بناءًا على كل ما سبق، يقع على عاتق المجتمع الكنسي القبطي مسئولية تجريم ورفض تلك الأفعال (التي هي مجرمة قانونيًا وإنسانيًا) ووضع قانون رادع حاسم يمنع تكرار مثل هذه الجرائم وانتشارها واستفحالها، ورفع الحصانة عن مرتدي الزي الكهنوتي وكسر صنم تقديسهم وتنزيههم، نحتاج وجود قانون وآليات تضمن أن الضحايا يتم الاستماع لهم دون تهديدٍ أو ابتزازٍ. المجتمع المسيحي كله مدان لعدم إعلانه رفض وتجريم كل هذا وبوضوح، الحل في الاعتراف بالمشكلة أولا، والنشر ومواجهة تلك الجرائم وليس التصالح معها تحت مظلة تفسيرات مخلة شيطانية لكلمات مقدسة. أو حتى تحت خسة "بلاش ننشر غسيلنا الوسخ". فالعيب ليس في "نشر الغسيل" تحت نور الشمس لتطهيره، بل في التمسك بالقذارة وعدم السعي لتنظيفها، هذا الغسيل الذي اتسخ بسبب نهج معين لتعاطي المشاكل، لا يمكن تنظيفه باستخدام نفس النهج والعقلية. وإن غسلت غسيلك: ستتباهى بنشره. اقرأ أيضًا: --- ### سيفٌ للربِ وسيفٌ لجدعون - Published: ۲۰۲۲-۰۳-۳۰ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/4095/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: الترجمة اليسوعية, يربعل, يهوه قال يسوع للشاب "كيف تقرأ؟" ومازال يقول لك يا من تقرأ كلمة الله "كيف تقرأ؟" وكيف تتحرَّر من القراءة الحرْفية؟ هذه المحاولة لقراءة حيَّة لكلمة الله بواسطة بعض النصوص والأمثلة. سِفر القضاة يحكي عن "تاريخ" القضاة الذين قضوا لشعب إسرائيل. وفترة القضاة تمتد من بعد موت يشوع بحوالي 20 عامًا حتى تتويج شاول ملكًا، وهذه الحِقْبَة التي يقدِّرها البعض بـ 450 عامًا، بعد انتقال الشعب من الحكم الثيوقراطي theocratic، وفيها سقط إسرائيل في الارتداد عدة مرَّات، وإذ كانوا يسقطون تحت التأديب يصرخون إلى الله فيرسل لهم قاضيًا يخلِّصهم. وكان القاضي حاكمًا ذا سلطة مطلقة وقائدًا للجيش. (موقع أنبا تكلا) جدعون قاضٍ من القضاة الذين ذكرهم السِّفر، إلا أن (التاريخ) في سِفر القضاة يذهب إلى قصد وليس تاريخًا يعيد نفسه ويدور في دائرة مُفرَغة، وليس هدفه سرد أسماء القضاة على أطفال مدارس الأحد، لحفظ أسماءهم وترديدها، وليس سفرًا يسجِّل بطولات أشخاص، ولكنه سِفر شعب الله عندما عانى من مضايقين وعندما أعطاهم الله مخلِّصين وهذا كان دور القضاة؛ أي خلاص الشعب ممن يضيِّقون عليهم ونصرة الله للشعب عن طريق القضاة. وإذا صح التشبيه فهو تاريخ خطّي بمعنى أنه يتجه إلى قصد معيّن، بل إن الكتاب المقدس كله سجل شهادة عن عهد الله الذي قطعه مع البشر بصدق وبحق وبقصد أن يكون يهوه وَسْط شعبه بالحقيقة. تظهر معيِّة الله وَسْط شعبه في قصة جدعون في نسيج تفاصيل القصة، حيث كان المديانيون هم المضايقين هنا. وَكَانَ لَمَّا صَرَخَ بَنُو إِسْرَائِيلَ إِلَى الرَّبِّ بِسَبَبِ الْمِدْيَانِيِّينَ أَنَّ الرَّبَّ أَرْسَلَ رَجُلاً نَبِيًّا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَقَالَ لَهُمْ: «هكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلهُ إِسْرَائِيلَ: إِنِّي قَدْ أَصْعَدْتُكُمْ مِنْ مِصْرَ وَأَخْرَجْتُكُمْ مِنْ بَيْتِ الْعُبُودِيَّةِ، وَأَنْقَذْتُكُمْ مِنْ يَدِ الْمِصْرِيِّينَ وَمِنْ يَدِ جَمِيعِ مُضَايِقِيكُمْ، وَطَرَدْتُهُمْ مِنْ أَمَامِكُمْ وَأَعْطَيْتُكُمْ أَرْضَهُمْ. وَقُلْتُ لَكُمْ: أَنَا الرَّبُّ إِلهُكُمْ. لاَ تَخَافُوا آلِهَةَ الأَمُورِيِّينَ الَّذِينَ أَنْتُمْ سَاكِنُونَ أَرْضَهُمْ. وَلَمْ تَسْمَعُوا لِصَوْتِي». (سفر القضاة 6: 7-10) وهنا يذِّكرهم الله بل يطمئنهم أنه معهم كما كان من البداية. طلب الله من جدعون هدم مذبح البعل وتكسير السارية فاجتمع المديانيون وَاجْتَمَعَ جَمِيعُ الْمِدْيَانِيِّينَ وَالْعَمَالِقَةِ وَبَنِي الْمَشْرِقِ مَعًا وَعَبَرُوا وَنَزَلُوا فِي وَادِي يِزْرَعِيلَ (سفر القضاة 6: 33)وهنا أرسل جدعون رسلا لدعوة بعض الأسباط للحرب. الرب لم يأمرهم بالحرب كما يرى البعض، بل إن المديانيين هم الذين بدأوا الاستعداد للهجوموَأَرْسَلَ رُسُلاً إِلَى جَمِيعِ مَنَسَّى، فَاجْتَمَعَ هُوَ أَيْضًا وَرَاءَهُ، وَأَرْسَلَ رُسُلاً إِلَى أَشِيرَ وَزَبُولُونَ وَنَفْتَالِي فَصَعِدُوا لِلِقَائِهِمْ، وَقَالَ جِدْعُونُ لِلهِ: «إِنْ كُنْتَ تُخَلِّصُ بِيَدِي إِسْرَائِيلَ كَمَا تَكَلَّمْتَ». (سفر القضاة 6: 35، 36) فخرج جدعون للحرب ومعه الذين دعاهم من الأسباط للمشاركة لكن الله قال: إِنَّ الشَّعْبَ الَّذِي مَعَكَ كَثِيرٌ عَلَيَّ لأَدْفَعَ الْمِدْيَانِيِّينَ بِيَدِهِمْ، لِئَلاَّ يَفْتَخِرَ عَلَيَّ إِسْرَائِيلُ قَائِلاً: يَدِي خَلَّصَتْنِي. (سفر القضاة 7: 2) وبالفعل جاء الآلاف تلبيةً للدعوة، لكن الله طلب من جدعون عمل تصفية بأن طلب من الخائف أن يرجع، فرجع اثنان وعشرون ألفًا، وطلب الرب تصفيةً ثانية عن طريق اختبار المتبقِّين بالخروج لكي يشربوا من النهر وملاحظة طريقة شربهم للماء، فكان عدد من ولغ في الماء من راحته إلى فمه ثلاث مئة رجل، وسائر الشعب أجمع" جثوا على ركبهم ليشربوا (ترجمة البستاني- فان دايك) فكان عدد من شرب الماء من راحته ثلاث مئة رجل، أما البقية فركعوا على ركبهم ليشربوا. (الترجمة اليسوعية) أخذ البعض المياه في كفيه ورفعها لفوق ليشرب، والبعض ركع على رُكَبتيه وشرب، وكان عدد الذين أخذوا المياه في أكفهم ثلاثمائة. طريقة شُرب الثلاثمائة للماء توضح أنهم متيقِّظون، أما من ركعوا فهم لا يستطيعون رؤية ما يجري حولهم وهم منحنون. فَقَالَ الرَّبُّ لِجِدْعُونَ: «بِالثَّلاَثِ مِئَةِ الرَّجُلِ الَّذِينَ وَلَغُوا أُخَلِّصُكُمْ وَأَدْفَعُ الْمِدْيَانِيِّينَ لِيَدِكَ. وَأَمَّا سَائِرُ الشَّعْبِ فَلْيَذْهَبُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى مَكانه (سفر القضاة 7: 7) والآن لنقف عند قول الله لجدعون إِنَّ الشَّعْبَ الَّذِي مَعَكَ كَثِيرٌ عَلَيَّ لأَدْفَعَ الْمِدْيَانِيِّينَ بِيَدِهِمْ، لِئَلاَّ يَفْتَخِرَ عَلَيَّ إِسْرَائِيلُ قَائِلاً: يَدِي خَلَّصَتْنِي. (سفر القضاة 7: 2) • هل الله يضع الشعب ندَّا له؟ • هل الله يقف في موقف منافسة مع الشعب؟ لنأخذ مثالًا واقعيًا من الحياة ونفترض أننا دعونا بعض المتطوِّعين لتأدية عمل ما، فاجتمع لدينا آلاف، ألا يكون بعضهم جادًا، وبعضهم مُحرَج من عدم تلبية الدعوة، وآخرون يسيرون في الزحام بلا نيِّة حقيقية للعمل؟ ألا تكون التصفية في هذا الحال واجبة؟ وإذا فُرِض وأن لم تحدث تصفية ألا نجد أن من يؤدون العمل في الواقع عددٍ قليلٍ، أما الباقون يكونون معطلِّين للعمل أو ينسبون النجاح لأنفسهم وهذا ما قاله الله لجدعون؟ لكن قصة جدعون لم تنته بعد، فقد حان دور الخدعة الحربية التي ستحدِّد سير المعركة: نزل جدعون وغلامه فورة كما قال له الله (ومن المهم أن نفهم معنى "وقال له الله" وأن القول ليس تحت شرط يكون كلامًا مباشرًا من الله لجدعون، فنحن للآن نستخدم هذه العبارة لأن الله مازال يجري حوارًا مع شعبه وإن كان غير منطوق)، ليستطلع الحالة النفسية لجيش المديانيين الذي ينتشر كالجراد في الوادي، ومعهم تجهيزات من جمِال لا عدد لها على رمل شاطئ البحر، وإذا بهم في حالة رعب من جدعون. (سفر القضاة7: 9-13). وسمعوا الأعداء يقولون: لَيْسَ ذلِكَ إِلأَّ سَيْفَ جِدْعُونَ بْنِ يُوآشَ رَجُلِ إِسْرَائِيلَ. قَدْ دَفَعَ اللهُ إِلَى يَدِهِ الْمِدْيَانِيِّينَ وَكُلَّ الْجَيْشِ (سفر القضاة 7: 14) ثم تأتي الخطوة التالية فقد قسَّم جدعون الثلاثمائة رجل إلى ثلاث فِرق ووزَّع عليهم الأبواق والجِرار الفارغة وبها مصابيح في الوَسْط وشرح لهم الخُطَّة وَقَالَ لَهُمُ: «انْظُرُوا إِلَيَّ وَافْعَلُوا كَذلِكَ. وَهَا أَنَا آتٍ إِلَى طَرَفِ الْمَحَلَّةِ، فَيَكُونُ كَمَا أَفْعَلُ أَنَّكُمْ هكَذَا تَفْعَلُونَ. وَمَتَى ضَرَبْتُ بِالْبُوقِ أَنَا وَكُلُّ الَّذِينَ مَعِي، فَاضْرِبُوا أَنْتُمْ أَيْضًا بِالأَبْوَاقِ حَوْلَ كُلِّ الْمَحَلَّةِ، وَقُولُوا: لِلرَّبِّ وَلِجِدْعُونَ». (سفر القضاة 7: 17، 18) هي خطة حربية ذكية وليست أعمالا من وراء العقل أو تخفى على الفطنة البشرية، ولنلاحظ أنه خلال تنفيذها يعلنون: "لِلرَّبِّ وَلِجِدْعُونَ" نعم يهوه وسط شعبه بالحقيقة وفي واقع الأحداث: فجاء جِدْعُونُ وَالْمِئَةُ الرَّجُلِ الَّذِينَ مَعَهُ إِلَى طَرَفِ الْمَحَلَّةِ فِي أَوَّلِ الْهَزِيعِ الأَوْسَطِ، وَكَانُوا إِذْ ذَاكَ قَدْ أَقَامُوا الْحُرَّاسَ، فَضَرَبُوا بِالأَبْوَاقِ وَكَسَّرُوا الْجِرَارَ الَّتِي بِأَيْدِيهِمْ. فَضَرَبَتِ الْفِرَقُ الثَّلاَثُ بِالأَبْوَاقِ وَكَسَّرُوا الْجِرَارَ، وَأَمْسَكُوا الْمَصَابِيحَ بِأَيْدِيهِمِ الْيُسْرَى وَالأَبْوَاقَ بِأَيْدِيهِمِ الْيُمْنَى لِيَضْرِبُوا بِهَا، وَصَرَخُوا: «سَيْفٌ لِلرَّبِّ وَلِجِدْعُونَ». وَوَقَفُوا كُلُّ وَاحِدٍ فِي مَكَانِهِ حَوْلَ الْمَحَلَّةِ. فَرَكَضَ كُلُّ الْجَيْشِ وَصَرَخُوا وَهَرَبُوا. وَضَرَبَ الثَّلاَثُ الْمِئِينَ بِالأَبْوَاقِ، وَجَعَلَ الرَّبُّ سَيْفَ كُلِّ وَاحِدٍ بِصَاحِبِهِ وَبِكُلِّ الْجَيْشِ. فَهَرَبَ الْجَيْشُ إِلَى بَيْتِ شِطَّةَ، إِلَى صَرَدَةَ حَتَّى إِلَى حَافَةِ آبَلِ مَحُولَةَ، إِلَى طَبَّاةَ. فَاجْتَمَعَ رِجَالُ إِسْرَائِيلَ مِنْ نَفْتَالِي وَمِنْ أَشِيرَ وَمِنْ كُلِّ مَنَسَّى وَتَبِعُوا الْمِدْيَانِيِّينَ. (سفر القضاة 7: 19- 23) كل هذه الأحداث كانت مقدمة الحرب وبعدها استدعى جدعون إلى كل جبل أفرايم للاشتراك في الحرب الفعلية فَأَرْسَلَ جِدْعُونُ رُسُلاً إِلَى كُلِّ جَبَلِ أَفْرَايِمَ قَائِلاً: «انْزِلُوا لِلِقَاءِ الْمِدْيَانِيِّينَ وَخُذُوا مِنْهُمُ الْمِيَاهَ إِلَى بَيْتِ بَارَةَ وَالأُرْدُنِّ». فَاجْتَمَعَ كُلُّ رِجَالِ أَفْرَايِمَ وَأَخَذُوا الْمِيَاهَ إِلَى بَيْتِ بَارَةَ وَالأُرْدُنِّ. (سفر القضاة7: 24) هكذا يتفاعل الله مع شعبه وهكذا يتفاعل الشعب مع ما قاله الله • وهو مازال موجودًا بنفس التوجُّه. • وتاريخ حضوره مع شعبه لا يدور في حلقة مُفرَغة. • ووجوده وَسْط الأحداث التاريخ والواقع يصل إلى مقصد وغاية وهدف. --- ### مجاملات "ميّتين أبوكم" تؤذي أطفالنا - Published: ۲۰۲۲-۰۳-۲۹ - Modified: 2025-01-11 - URL: https://tabcm.net/4666/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, المرأة القبطية, شئون علمانية - وسوم: إنفانتوفيليا, الطب النفسي, العلمانية, بارافيليا, بيدوفيليا, تيليفيليا, جرنتوفيليا, رويس عزيز خليل, كرونوفيليا, ميسوفيليا, نيبوفيليا, هيبيفيليا لو مريض البيدوفيليا تجاوز مرحلة "المشاعر" إلى مرحلة "دوافع سلوكية" ولو لمرة واحدة، إذن فـمن الواجب هنا التشهير به وفضحه وتجريسه وشيطنته على المستويين اﻷخلاقي والديني. مهما كانت درجة القربى لأنه مع زيادة القرابة تزيد فرص الخلوة ومن ثم تزيد الخطورة هذا المقال يستخدم اللغة العامية لتبسيط المعرفة، وكل ما جاء فيه من معلومات هو دقيق ومقصود حتى لو كانت الصياغة التبسيطية توحي بغير ذلك. وعنوان المقال جزء لا يتجزّأ من هذه المقدمة. سنة 2001 لما اتعرض الجزء الأول من فيلم "هاري بوتر"، النجم "مايكل جاكسون" وقع في غرام بطلته "إيما واتسون" وقرر إنه يتجوزها. . لو أنت ما تعرفش”هاري بوتر” هاتقول جاكسون داخل البيت من بابه،، فين المشكلة! هاقولك المشكلة بسيطة أوي، عمر العروسة وقتها كان 11 سنة، ومايكل جاكسون كان عمره 43 سنة. دكتور "كونراد موراي" الطبيب المعالج لمايكل جاكسون قال بعد موته إن “إيما” مكنتش أول طفلة يحبها جاكسون. قبلها كان فيه "هارييت" بنت الممثل "مارك ليستر" صديقه، واللي حبها وعمرها 5 سنين، وفكر في الجواز منها وعمرها 12 سنة. لو مندهش من حب مايكل جاكسون للبنات الصغيرة، هاتندهش أكتر لما تعرف إنهم مكنوش بنات بس! بعد موت جاكسون ب5 سنين قدم الشاب الأمريكي "جيمس سايفتشاك" شكوى قضائية بيقول فيها إن النجم إتحرش بيه حوالي 100 مرة خلال 4 سنوات، لما كان بيشاركه إعلان لشركة بيبسي، وكان عمر "جيمس" وقتها 10 سنوات. انت ممكن تقول: طيب، مش ممكن كل ده ظلم لنجم البوب اتقال عليه لما مات؟! هاقولك لأ، وهو عايش كمان، لإن في التسعينيات كان فيه فضيحة كبيرة عن تحرش جاكسون بابن صديقه واضطر إنه يدفع تعويض 15 مليون دولار، وبقى اسم مايكل جاكسون مرتبط بالبيدوفيليا. يعني إيه Pedophilia "بيدوفيليا"؟ البيدوفيليا هي نوع من الـ "كرونوفيليا" ، والكرونوفيليات نفسها هي أنواع من الـ "بارافيليا" . شذوذ عشقي؟ ده غير الشذوذ الجنسي؟ المقطع اليوناني "فيليا" يعني الحب الشديد (ولع / غرام / عشق) ومنه لفظة "فيلوسوفيا" (عشق الحكمة) اللي هي "علم الفلسفة". . هل سمعت بحد عمل جنس مع الحكمة؟ عمومًا اللي الناس بتسميه شعبويا "شذوذ جنسي" هي ترجمة غير مهنية للبارافيليا، والأدق تسميها "شذوذ عشقي" لأنها بتوصف حالة شعورية مريضة، مش سلوك مادي (مش بتوصف ممارسة جنسية، وإنما المشاعر نفسها قبل أن تكون دافعًا للقيام بسلوك) أما الممارسة نفسها فهي "جريمة" مش "مرض". إيه أنواع الكرونوفيليا؟ نيبوفيليا / إنفانتوفيليا (عشق الرضع أقل من 5 سنوات) بيدوفيليا (عشق الأطفال من 6 - 13 سنة) هيبيفيليا / إيفيبوفيليا (عشق المراهقين من 14 - 19 سنة) تيليفيليا (عشق البالغين) ميسوفيليا (عشق منتصف العمر) جرنتوفيليا (عشق كبار السن) مصطلح "كرونوفيليا" مش شائع عند العلماء وبيفضلوا استخدام المصطلحات اﻷكثر دقة ووضوحا في تحديد الفئة العمرية على طول. يعني يقولوا "بيدوفيليا" / "ميسوفيليا" على طول. وطبعا أهم حاجة التركيز عليها هي "البيدوفيليا" لأنها موجهة لأطفال في مراحل تكوين عقلي سلبي (بتقبل التلقين دون معارضة) وممكن متفهمش أو متعرفش تشتكي، أما الفئات اﻷكثر عمرا فعلى اﻷقل تقدر تتكلم وتحكي لو توافر لها ظرف مناسب. مش معروف لحد دلوقتي نسبة الأشخاص المصابين بالبيدوفيليا في العالم (آخر أرقام تقريبية في الدول اللي عندها إحصائيات بتقول 5%)، لكن النسبة المفزعة هي إن 20% من الأطفال الأمريكيين تعرضوا للاعتداء الجنسي، وإن الجاني غالبا شخص بيعرفه الطفل وبيثق فيه. انت ممكن تقول النسبة دي في أمريكا، إنما إحنا مجتمعات محافظة متدينة ومعندناش "بتوع عيال"؟ للأسف ده مش حقيقي، ومن غير نسب ولا إحصائيات، لو فتحنا دلوقتي الهاشتاج اللي انتشر من فترة #أول_محاولة_تحرش_كان_عمري، هانقرا حكايات مرعبة من آلاف البنات والشباب المصريين اتعرضوا للتحرش والاعتداء الجنسي وهما أطفال، وبرضو من أشخاص كانوا في دايرة أمانهم ومعارفهم. وده بيقودنا للـ CSO - Child Sexual Offending الاعتداء الجنسي على الأطفال (CSO) هو الاتصال الجنسي بين بالغ وقاصر، وهو جريمة يعاقب عليها القانون حتى لو تم بموافقة الطفل (يعد هذا إغواء قاصر، وهو جريمة إضافية) مع التركيز أن دول العالم المتحضر المستندة للقوانين الوضعية (العلمانية) تعاقب على مثل هذه الجرائم بعقوبات أعلى من عقوبات الاغتصاب مثلا، لأنها موجهة لفئات شديدة الضعف (الأطفال) وتتشدد أكثر في حالة الطفلة الأنثى. القانون الأمريكي مثلا لا يكتفي بالعقوبات السالبة للحرية (السجن) فقط، بل يشترط بعد قضاء فترة العقوبة تأهيلًا نفسيًا، ثم بعده يجبر المتحرش بالطفل على إخطار كل الحي الذي يعيش فيه بأنه قضى مدّة عقوبته في جريمة تحرش بطفل، وذلك لإبعاد أطفالهم عنه مستقبلًا، أو مراقبته مراقبة شعبية. لكن برضو لازم نوضح إن مش كل المتحرشين بالأطفال مصابين بيدوفيليا. - الدراسات في 2006 بتقول 35% من المتحرشين بالأطفال مصابين بيدوفيليا. - في عدة جامعات ألمانية عام 2017 الدراسات قالت أن 50% من المعتدين على الأطفال تم تشخيصهم مصابين بيدوفيليا. وبالتالي فمن 50% إلى 65% من نسبة المتحرشين بالأطفال عندهم دوافع تانية. كمان علينا أن نميز بين مصابين البيدوفيليا المسيئين للأطفال، وبين المصابين غير المسيئين الذين يكتفون بالنظر إلى الصور والفيديوهات على الإنترنت مثلا... الأولاني مجرم، لكن التاني معملش جريمة مادية مؤذية. كتير بنسمع كلام إن اللى اتعرض لاعتداء جنسي وهو طفل، لما يكبر هيمارس هو الاعتداء الجنسي على الأطفال. لكن الدراسات الحديثة بتقول إن ده مش صحيح. في دراسة أجريت عام 2017 بالشراكة بين جامعة ريغنسبورغ، وأساتذة الطب النفسي في فنلندا، وكانت النتيجة عدم اكتشاف وجود رابط واضح بينهما، أي لا يمكننا الحكم على المصابين بالبيدوفيليا بأنهم تعرضوا لتجارب سيئة في طفولتهم. لو البيدوفيليا مرض، إيه العلاج علشان متحصلش جرائم الـ CSO؟ الإجابة المختصرة: التعذيب الذي قد يقود للانتحار! ! مفيش علاج فعال أو مفيش شفاء، لكن الممكن هو تأهيل نفسي لتقليص المخاطر المحتملة ما أمكن، أو بطريقة أخرى: التعايش مع المرض! ! نظريًا: العلاج المتاح 3 أقسام: طريقة التنمية البشرية في علاج الإدمان,, يعنى تعريف المريض بمرضه، والدوافع اللي بتخليه يحول شهوته لفعل، مع تنمية عقدة الذنب! الأدوية. . تديله مضادات الأندروجين بحيث تقتل رغبته الجنسية. التشويش الشرطي. . يعني تفرجه صور أطفال ولو حصله انتصاب تكهربه. . فيتعقد. اللي هو من الأخر، مفيش علاج إلا وعليه تحفظات أخلاقية (أنا مرضيتش أكتب "الإخصاء" لأن ده مش كلام طبي أساسًا، ده كلام همج) وشخصيًا معرفش وسيلة عملية غير توعية المحيطين، ومحاولة تخفيف مخاطره بـالتأهيل النفسي. ولو مريض البيدوفيليا تجاوز مرحلة "المشاعر" إلى مرحلة "دوافع سلوكية" ولو لمرة واحدة، إذن فـمن الواجب هنا التشهير به وفضحه وتجريسه وشيطنته على المستويين اﻷخلاقي والديني. مهما كانت درجة القربى لأنه مع زيادة القرابة تزيد فرص الخلوة ومن ثم تزيد الخطورة. أه ده هيخلي حياته جحيم، بس الأولوية في حماية الأطفال أهم مليون مرة من مشاعر المريض، خصوصا لو تجاوزت كونها مشاعر مسيطر عليها وتحولت إلى: سلوك جنسي إجرامي! ! والطرمخة هنا في السياق ده مش مسألة أخلاقية أو ستر ديني حميد. . ده سذاجة واستهبال واستخفاف بنفسية أطفال متفهمش حاجة. يعني تدمير للأمان المجتمعي لفئات شديدة الضعف، وانت مكلف ضميريا بحمايتها، ورعايتها، والوصول بيها لبر اﻷمان، مش مشاركة المجرم في جريمته بالتعاطف معاه.   --- ### رويس عزيز: مجرم حولوه قديساً في ست ساعات - Published: ۲۰۲۲-۰۳-۲۸ - Modified: 2025-01-18 - URL: https://tabcm.net/4639/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, المرأة القبطية - وسوم: أنبا إرميا، الأسقف العام, أنبا فيلوباتير، أسقف أبو قرقاص, أنبا مكاريوس، أسقف المنيا, إبراهيم عبد السيد, إكليروس, الكنيسة القبطية, الكنيسة الكاثوليكية, المجلس الملي, المركز الثقافي القبطي, بابا شنودة الثالث, بيدوفيليا, رويس عزيز خليل, سالي زخاري, قناة مي سات, كليف ستيبلز جاك لويس أقامت الكنيسة القبطية التقليدية المحافظة لأبينا المتحرش جنسيًا التقليدي المحافظ، صلوات تجنيز باسمه الكهنوتي السابق، ورتبته السابقة، لا في مسقط رأسه بمصر فقط، بل في كافة أرجاء المسكونة بما فيها مسقط رأس بعض ضحاياه في ولاية فلوريدا الأمريكية أيضًا، وكأنها تعمدت ضرب قرار تجريده من قبل أسقفه المباشر وقتئذ، نيافة اﻷنبا مكاريوس، والمرسوم البابوي من بطريرك الإسكندرية، عُرْضَ الحائط، وذلك بتكريمه عبر القارات! في عام ٢٠٢٠، تابع العالم قضية سالي زخاري، فتاة مصرية مقيمة بالولايات المتحدة الأمريكية تعرضت للتحرش في سن الحادية عشرة على يد القمص رويس عزيز الذي كان يخدم بالمنيا وانتقل للخدمة في أمريكا. تعرضت للتحرش من قبل القمص رويس عزيز، وكنت في سن الـ١١، في عام ١٩٩٧، وكانت تلك هي المرة الأولى التي أمارس فيها سر الاعتراف، وكنا في غرفتي في بيتنا، وقتها انقض عليَ القمص وأمسك بجسدي، ثم حذرني من إبلاغ الأهل بتفاصيل جلسة الاعتراف لأنه طقس سري، بالطبع كان يستغل صغر سني وعدم معرفتي بشيء. (الناجية: سالي زخاري) ظلت سالي تخاطب البابا شنودة الثالث لسنوات عديدة، ولم يستجب لها. فالبطريرك الذي ألغى سلطة المجلس الملي حتى لا يجد الإكليروس من يحاسبهم من المدنيين، لم يكن يهتم بشيء سوى الرد على الهرطقات، وتجريد المهرطقين، ومنع أداء صلاة التجنيز عليهم. أما المتحرشون، فبإمكانهم أن يتوبوا. نعم، فالكنيسة يجب ألاّ تحرم المتحرشين من فرص التوبة، كما صرح المتحدث الرسمي باسم الكنيسة، وهو يوضح آلية التعامل الكنسي مع المتحرشين بصراحة وبلا أي محاولات لتجميل الصورة. (مقطع فيديو) في فبراير عام ٢٠١٤، تم منع رويس من ممارسة الأعمال الكهنوتية بقرار بابوي كتابي بعد التنبيه عليه شفهيًا عام ٢٠١٣، لكنه ظل يعمل كاهنًا رغم قرار التجريد. وفي عام ٢٠٢٠، بدأت سالي في تدشين حملة إلكترونية لمخاطبة باقي الفتيات اللاتي تعرضن للتحرش على يد رويس وحثهن على الظهور. ونشرت سالي تقريراً يعود تاريخه لعام ٢٠١٩ يوضح أن رويس قد انتهك عددًا من الفتيات وتسبب لهن في تشوهات نفسية عديدة في ظل علم أساقفة وكهنة بذلك. كيف لليد التي لمست جسدي وأنا صغيرة، أن تحمل جسد المسيح؟ (الناجية: سالي زخاري) وانتهى الأمر بمرسوم بابوي صدر في يوليو ٢٠٢٠ في اليوم التالي لقرار تجريده بواسطة اﻷنبا مكاريوس، أسقف المنيا، مرة أخرى في عام ٢٠٢٠ وتحويله بشكل نهائي لاسمه العلماني "يوسف عزيز"، ومخاطبة السلطات الدولية لاتخاذ ما يلزم من إجراءات بشأن التغير المترتب على زوال الشخصية الاعتبارية للكهنوت. ورغم مطالبة الفتيات بمواجهة الجاني، لم تمكنهم الكنيسة من ذلك المطلب لأن المجرم رفض حضور المحاكمة.   في يوم ٢٣ مارس ٢٠٢٢، نشرت صفحة المركز الثقافي القبطي خبر نياحة كاهن فاضل ونعي رسمي لنفاجئ أن هذا الكاهن هو أبونا رويس المتحرش (نفعنا الله بصلواته). وبالطبع، انهالت تعليقات الغضب والسخرية على ذلك المنشور العبثي، لتزيله الصفحة في غضون ساعات قليلة. ليس هذا وحسب، فالكاهن الفاضل سيحظي بجنازة لائقة بحضور الأنبا فيلوباتير، أسقف أبو قرقاص. أما النعي المنشور على إعلان الجناز، فبدأ ب"طوبي للرجل الذي يحتمل التجربة. " كما انتشرت بعض التعليقات المريضة التي تطالب بعدم إدانة القمص لأن حروب الشيطان تكون كثيرة لمن يعمل في هذا المجال المقدس! ! أقامت الكنيسة القبطية التقليدية المحافظة لأبينا المتحرش جنسيًا التقليدي المحافظ، صلوات تجنيز باسمه الكهنوتي السابق، ورتبته السابقة، لا في مسقط رأسه بمصر فقط، بل في كافة أرجاء المسكونة بما فيها مسقط رأس بعض ضحاياه في ولاية فلوريدا الأمريكية أيضًا، وكأنها تعمدت ضرب قرار تجريده من قبل أسقفه المباشر وقتئذ، نيافة اﻷنبا مكاريوس، والمرسوم البابوي من بطريرك الإسكندرية، عُرْضَ الحائط، وذلك بتكريمه عبر القارات! ما كل هذا التضارب اﻷخلاقي؟ هل تدعم الكنيسة المغتصبين ومستبيحي اﻷعراض وتكرمهم طالما كانوا من المنضمين لحزب العباءات السوداء؟ أهو اتفاق بينهم أن يمتص النبلاء اﻷجلاء غضب الشعب المغرر به بفرارات وهمية، وهم -جميعا- متواطئين على عدم تطبيقها؟ هل هذا عصيان كهنوتي وكسر لعصا الطاعة مثلا؟ كيف نقرأ -نحن- هذا التضارب وهذه الازدواجية؟ كتب القس رفائيل حنا، كاهن كنيسة العذراء والأنبا إبرام بميسوري عن رويس: "إن أبينا المحبوب القمص رويس عزيز قد انتقل للفردوس فرحا اليوم. " مشهد عبثي صادم يشير إلى استباحة أجساد الناس وكراماتهم لحساب أصحاب العباءات السوداء. فليس هناك اكتراث لمشاعر أهالي الضحايا، ولا لصورة الكنيسة أمام منظمات المجتمع الدولي، ولا حتى للقانون الذي يجرم التساهل مع انتهاك الأطفال أو الترويج له. ولا بأس أن نشعر ضحية مجروحة بالرخص. ماذا تفعلون؟ ولمصلحة من هذا الجنون؟ إن تكريم المجرمين بهذا الشكل ما هو إلا دعوة عامة للجميع على الاستباحة، وإساءة الأدب! (بالطبع، أعني جميع من لهم نفوذ وسلطة). فمن أمن العقوبة، ورأى بعينه تكريم المجرمين، لن يسئ الأدب فحسب، بل سيتمادى في الشر والانحطاط! ألم يكن يكفي الصلاة عليه باسمه العلماني من أجل أن يرحمه الله باعتباره إنسان مات بعد ارتكاب فظائع غير إنسانية مثبتة وتنصل منها بكل برود واستهانة؟! لماذا أردتم التركيز على كهنوته؟ أهذا هو قدوتكم؟ وأين إيمان الكنيسة بإله "يجازي كل واحد كنحو أعماله"؟ معروف عن الكنيسة الأرثوذكسية صرامتها في منع صلوات التجنيز عن المنتحرين والملحدين، رغم أن الصلاة على مثل هؤلاء لن تؤذي أحد. وهناك من منعت الكنيسة صلاة التجنيز عليهم بلا أي سبب، فقط لأنهم لم ينالوا رضاء البابا البطريرك ال١١٧، مثل القس "إبراهيم عبد السيد". ورغم كل ذلك، ستكرم الكنيسة "بيدوفيل" ثبت بالمستندات وشهادة الشهود أنه مجرم لأن له من النفوذ ما يكفي. ولأن العباءة السوداء، سوداء بما فيه الكفاية لتخفي قذارة الكثيرين. ومهما حاول البعض إصلاح الفساد، ستضيع كل محاولاتهم سدى، وسيلقب "يوسف" -المجرم- مجددًا بالقمص الفاضل، وربما نسمع عنه معجزات كونه شفيع المتحرشين ومستبيحي الأطفال. وماذا عن تكريم مجرم تسبب في تدمير حياة الكثيرات؟ ماذا عن شعورهن أثناء تكريم قاتلهم؟ وكيف سيشعرن بالأمان في مجتمع يعامل المتحرش كقديس تائب؟ ولماذا لا نفرق بين الخطايا والسهو، وبين الجرائم في حق الآخرين؟ فالوقوع في الزنا دون إكراه الطرف الآخر مختلف تماماً عن الاغتصاب. فالأولى، خطية يمكن علاجها، أما الثانية جريمة يعاقب القانون فاعلها ومن يتستر عليه. ولا تمنع توبة المجرم القانون من أن يأخذ مجراه؛ لأن التوبة هي فعل شخصي تجاه الله، ولا يعطي المجتمع حقه في القصاص من المجرم. ولنا في فضائح التحرش الشهيرة بالكنيسة الكاثوليكية في الغرب عظة وعبرة. يقول "سي. إس. لويس" إن توبة القاتل لا تعد توبة حقيقية إذا لم يسلم نفسه للشرطة؛ فكيف يزعم أنه تاب عن فعله وهو لا يريد أن يفي بدينه نحو المجتمع. إن حبي لصديقي المخطئ يدفعني لأسلمه للشرطة لينال جزاءه العادل ويفي ما عليه من دين. (سي. إس. لويس) وفي ظل ما نراه من فساد وتستر على المجرمين، يصبح: الاعتراف لغير الله مذلة.   اقرأ أيضا: --- ### خواطر في تفسير إنجيل يوحنا
الإصحاح السابع عشر (٣) - Published: ۲۰۲۲-۰۳-۲۷ - Modified: 2022-03-13 - URL: https://tabcm.net/4251/ - تصنيفات: كتاب مقدس مررنا عبر المقالتين السابقتين على صلاة الرب يسوع في الإصحاح السابع عشر في انجيل يوحنا، ونستكمل هنا الاطلاع عليها متأملين في كلماتها الإلهية. "ولست أسأل من أجل هؤلاء فقط، بل أيضا من أجل الذين يؤمنون بي بكلامهم، ليكون الجميع واحداً، كما أنك أنت أيها الآب فيَّ وأنا فيك، ليكونوا هم أيضاً واحداً فينا، ليؤمن العالم أنك أرسلتني" (إنجيل يوحنا ١٧ : ٢١-٢٢) ”يؤمنون بي بكلامهم“ الرب يكشف عن ملامح كنيسته التي هي محور اهتمام الثالوث القدوس وموضوع طلبة المسيح إلهنا وصلاته إلي أبيه الصالح في هذا الإصحاح. و كيف أن الإيمان بشخصه المبارك هو قدس أقداس المسيحية والمسيحيين. وأن هناك خيط رفيع يفصل بين الإيمان بالمسيح وعلاقة المؤمنين به، وبين أرتباط المؤمنين  بخدام كلمة الرب. فمِن عثرات الخدمة في الكنيسة أن يتوارى شخص المسيح بينما يتعاظم الاهتمام بالقديسين الذين خدمونا بكلمة الرب. ” ليكون الجميع واحداً، كما أنك أنت أيها الآب فيَّ وأنا فيك، ليكونوا هم أيضاً واحداً فينا“ إن منهج و روحانية الخدمة المسيحية الغير الكاذبة تتجلي في كل خادم بالكنيسة يمتلئ شخصياً بالمسيح فلا يحتاج أن يقدم شخصه هو إلي الناس بل يقدم شخص المسيح الحي والحاضر والمُعلَن في كلمة الإنجيل ”وكان الكلمة الله“. فعندما يكون شخص المسيح وحده هو الهدف، عندئذ يتحقق قصد وتدبير الثالوث القدوس من تجسد المسيح :”ليكون الجميع واحداً “. والعكس صحيح، إذ تتعطل الخدمة المسيحية وينشأ الانقسام والتكتل والطائفية والتحزب بين طوائف المؤمنين بالمسيح، بل وفي داخل نفس الطائفة، عندما يحجب الخدام شخص المسيح و ينشغلون بذواتهم ليُظهِروها ”كيف تقدرون أن تؤمنوا وأنتم تقبلون مجداً بعضكم من بعض، والمجد الذي من الإله الواحد لستم تطلبونه؟“ (يوحنا ٥). ”ليؤمن العالم أنك أرسلتني“ فعندما يكون شخص المسيح  هو ”الكل في الكل“ في حياة الكنيسة رعاةً ورعية، تصير الكنيسة امتداداً لمسيحها في العالم. فليَعلَم كلُ خادمٍ للمسيح أن العالم مملوء "بأبناء هذا الدهر" والكثير منهم ذوي ملكات شخصية وبشرية أعظم من خدام الكنيسة ”أبناء النور“ (لوقا ١٦). إن الناس تقرع باب الكنيسة ليس بحثاً عن شخص الخادم وكاريزمته، ولكن شخص المسيح الفادي، الذي هو حبة الحنطة التي وقعت في الأرض وماتت وصارت طحيناً مقدساً. فلا تحجبوا شخص المسيح  بأشخاصكم لأن العالم سينصرف عنكم وعن الكنيسة التي لا يجدون فيها حبة الحنطة وطحينها. ”كما أنك أنت أيها الآب فيَّ وأنا فيك، ليكونوا هم أيضاً واحداً فينا“ لقد طلب المسيح أن نكون ”واحداً فيه“ أربع مرات في ثلاث كلمات متتالية (يو ١٧ : ٢١-٢٣)، ولكن هناك قادة للكنائس منقسمين ويقسمون شعب المسيح  بحجة حماية الإيمان، علي الرغم من تأكيد الرب أن المؤمنين هم كنيسة واحدة "فيه" بسبب أتحادهم بجسده الواحد الغير منقسم. وبذلك فإنهم ”واحداً فينا“، لأن المسيح أبن الله هو واحد بلاهوته في الثالوث القدوس الغير منقسم. فمهما تنازع قادة الكنيسة وقسموا شعب المسيح إلي طوائف إدارياً، فإن الرب يؤكد  للمؤمنين به أنهم واحدٌ فيه. فالمسيح واحدٌ غير منقسم ونحن فيه ... ومن يتنازع من رؤساء الكنائس فليتنازع بَعد ... لقد قُضِيَ  الأمر من فوق رؤوسهم. والرب له المجد يؤكَّد هنا علي ضمان وحدة المؤمنين في كنيسته أنه أمرٌ مقضيٌ و غير قابل لعبث رؤساء كنائس، فوضع المقابلة بين وحدة المؤمنين في المسيح  وبين الوحدة المطلقة لأشخاص الأقانيم الثلاثة في الله الواحد. إن الإيمان بالمسيح أنه أبن الله المساوي مع الآب والروح القدس في اللاهوت الواحد لله القدوس، وأنه تجسد وذاق الموت وقام من بين الأموات من أجل خلاصنا وأصعدنا فيه وأجلسنا في السموات عن يمين الآب، هذا الإيمان  هو الأساس الذي وضعه الرب لوحدة كنيسته المقدسة. وبذلك  فهي كنيسة  مستقيمة الرأي (= أرثوذكسية) جامعة (= كاثوليكية) رسولية (= أنجيلية تأسست علي كلمة الإنجيل التي كرز به الرسل). ”وأنا قد أعطيتهم المجد الذي أعطيتني ليكونوا واحداً كما أننا نحن واحد“. (إنجيل يوحنا ١٧ : ٢٢) ”المجد الذي أعطيتني“ المسيح هو "أبن الله" الوحيد الجنس لأنه واحدٌ مع الآب في الجوهر/ اللاهوت؛ حيث ليس هناك سابق ولا لاحق في أقانيم الله الواحد الثالوث القدوس. إن مجد "أبن الله" هو ذاته مجد الله الآب و الروح القدس. و مجد الله هو مجد ذاتي للاهوت الله الواحد، لا يُشارَك  و لا يُعطَي خارج الطبيعة الإلهية الواحدة لله. وبالتالي، فإن (يو ١٧ : ٢٢) بالضرورة هو عن المجد الذي أعطاه الآب قبل خلق العالم  وخلق آدم إلى "أبن الإنسان" الذي علي صورة  وشبه "أبن الله". و من هنا تظهر أهمية التعبير المحوري الذي أستخدمه المسيح "أبن الله" ليَستعلِن طبيعة "أبن الإنسان" فيه، فقال في سفر الرؤيا  ”أنا أصل و ذرية داود“ فالمسيح هو أصل ذرية داود بكونه "أبن الإنسان"، الأصل الذي خُلِقَ عليه آدم. والمسيح هو مِن ذرية داود بسبب ولادته من العذراء مريم في ملء زمان تاريخنا. إن مفردات وكلمات الآية (٢٢) التي قالها المسيح "أبن الله"  تشير بالضرورة  إلي شخصه (كابن الإنسان) لأنها تتكلم عن بشر (ذرية داود). والرب يتكلم في الآية (٢٢)  عن القصد النهائي من "تدبير الخلاص" في التجسد الإلهي و كيف أنه  لتكميل "تدبير الخلق" بأن ينعم الله لمحبوبه الإنسان بالشركة في مجال حياة ومجد الله، والذي أخفق آدم الأول أن يناله عندما خالف "تدبير الخلق". إن طبيعة آدم  وذريته قد تجددت بتجسد المسيح "أبن الله" لأنه  أعادها إلي أصلها  Prototype الذي هو "أبن الإنسان" المخلوق علي صورة"أبن الله" و أتحد به  قبل خلق آدم ”مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح ... أختارنا فيه(أبن الإنسان)قبل تأسيس العالم ... إذ سبق فعيننا(آدم و ذريته)للتبني بيسوع المسيح لنفسه“. (أفسس١). إن "تدبير الخلق" هو منتهي التعبير عن حب الله المطلق، عندما خلق الإنسان من العدم ... لقد خلقه حراً ... يستطيع أن يختار بحرية إرادته أن يخلُص من قابلية الرجوع إلي العدم "الفساد" حيث أتى، بأن يواصل أنتماءه للصورة الإلهية المخلوق عليها، فيتحقق له وعد الله (بالشبه) بخالقه، أي ينال نعمة الخلود بالشركة في مجال حياة الله إلي الأبد. فنقرأ في سفر التكوين (تك ١ : ٢٦-٢٧) عن قصد الله في "تدبير الخلق" أن يكون  الإنسان علي صورة الله فيمكنه أن يرتقي - بحرية أرادته - ليكون على مثال / شبه الله في الخلود ”وقال الله: «نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا»“. فكان خلق آدم علي صورة الله فقط في أنتظار أن يتحقق الشبه ”فخلق الله الإنسان على صورته. على صورة الله خلقه“.   ثم سقط آدم بغواية  الشرير، دون تحقيق قصد الله (الشبه). ولكن الله الذي يقول "كن فيكون" لا تفشل مقاصده. فإن تكميل "تدبير الخلق"  قد تحقق من قَبل خَلق العالم أو خَلق آدم ! ! هنا يتجلى لنا شخص ”أبن الإنسان“ ( دانيال ٧).  وفيه قد تحقق ”تدبير الخلق“ للإنسان علي صورة  و  شبه/مثال  "أبن الله". إن سقوط آدم لا يمكن أن يُسقِط تدبير الله في خلق الإنسان. ففي "مِلء الزمان" لبِس (أبن الإنسان المتحد بإبن الله) جسد آدم بعد السقوط وأكمل فيه مفاعيل الخلاص (تكفير / تبرير/ تقديس) و حقق "الشبه" لآدم  و ذريته. هذا هو تجديد الطبيعة البشرية  لآدم  وذريته برجوعها إلي أصلها المخلوق (أبن الإنسان) الذي أتحد بالمسيح (أبن الله) لأنه علي صورته ومثاله. ولذلك تحقق له نعمة الدخول  إلي شركة حياة  الله إلي الأبد  "كنت أرى في رؤى الليل وإذا مع سحب السماء مثل أبن إنسان أتى وجاء إلى القديم الأيام، فَقَرَّبُوهُ قدامه. فَأُعْطِيَ سلطاناً ومجداً" (دانيال ١٣:٧). ومن ثمة صار لنا الدخول إلي الأقداس فيه ”أَدْخَلَنِي الْمَلِكُ إِلَى حِجَالِهِ“ (نشيد الأنشاد ١). وكل إنسان يؤمن بالمسيح مخلِّصاً له يتحد به في هذه الخليقة الجديدة ”آمن بالرب يسوع المسيح  فتَخلُص أنت وكل بيتك“ (أعمال الرسل ١٦). والسُبح لله بقلم د.  رءوف أدوارد --- ### هل من حساب للمركز الثقافي القبطي؟ - Published: ۲۰۲۲-۰۳-۲٦ - Modified: 2023-11-12 - URL: https://tabcm.net/4614/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أنبا إرميا، الأسقف العام, أنبا مكاريوس، أسقف المنيا, إكليروس, المركز الثقافي القبطي, بابا فرنسيس، بابا الڤاتيكان, رويس عزيز خليل, سالي زخاري, قناة مي سات, يوسف عزيز خليل المدافعين عن تلك الجرائم والمتسترين عليها هم بكل وضوح إما شركاء أو متورطين في جرائم مماثلة لذا يخافون من كشف الأمر علانية لأنه بكل بساطة يعنى أن الدور آت عليهم! نشر  المركز الثقافي القبطي لصاحبه ومديره، نيافة الأنبا إرميا، في مساء الثلاثاء 23 مارس 2022، نعيا كنسيا للكاهن المشلوح "رويس عزيز خليل"، الذي رحل عن عالمنا، على صفحة المركز الرسمية، وبعد استشعار الغضب من المتابعين للصفحة، تم إزالة المنشور. بالرغْم من أن الكاهن المشلوح قد أُدين كنسيًا بالتحرش بطفلة ذات 11 عامًا، وتم تجريده رسميًا من الكنيسة ورجوعه لصفته العَلمانية، واسمه العلماني "يوسف عزيز خليل" وإبعاده تمامًا عن العمل الكنسي. إلا أن المركز الثقافي نشر نعيًا لا يزال يرى فيه أن الشخص المُتوفّى (يوسف)، هو كاهن بصفة رسمية، في رسالة واضحة للفتاة المتحرش بها جنسيًا أن عليها أن تضرب رأسها في "أقرب حيطة" لأن "الورق ورقنا والدفاتر دفاترنا"، وعلى المتضرر أن "يركن على جنب"! ! في تحدٍ صارخ ومقزز للمجتمع كليًّا، قبل أن يكون تحديا للكنيسة! ! رحل  الكاهن القبطي المشلوح وهو بين يدي الله الديان العادل حاليًا، وبكل بساطة لا أطالب بتعليق المشانق له، فهو ثبت ارتكابه لجرائم التحرش الجنسي بالأطفال والنساء. لكن المشكلة تكمن فيمن يتغاضى عن جريمة الاعتداء الجنسي وكأن شيئا لم يكن، خاصة أننا كنا نأمل وبشدة أن يُتخذ ضده إجراء فور أن تقدمت المعتدى عليها بالشكوى، وبدون أدنى تردد من اللحظة الأولى هو أن يتم شلحه و إبعاده عن الخدمة تمامًا وعدم الرجوع إليها حتى وإن تاب، وتركه ليتحمل بعدها مسئوليته القانونية بكامل تبعاتها. لا ننصب له المقصلة ولا نشهر بشخصه، فحتى الجاني له حماية قانونية. بل كمؤمنين منصفين (عاقلين) واعين لما يحدث نطالب بالعدالة التامة والكاملة للضحايا ونطلب ونصلي له بالمغفرة والتوبة في نفس الوقت! ما أحزننا فعلًا منذ انتشار تلك الواقعة على مواقع التواصل الاجتماعي، هو السلوك (الشاذ) من بعض الأقباط مسوقين ممن يدعون أنفسهم جماعات "حماية الإيمان" وأسقفيتهم ومركزهم الثقافي، هؤلاء الذين يوهمون أتباعهم بأن تلك المطالبة العادلة بالحقوق هي مؤامرة على الكهنوت والكنيسة والمسيحية! ! لم أتخيل أن أرى ألوف الأقباط يهاجمون الضحية المجني عليها "سالي زخاري" ويتهمنها بالرذيلة، فقد رأيت أقباطًا يتهمون طفلة تبلغ 11 عامًا بأنها من أغرت الجاني لارتكاب فعلته! يا للعار والخزي! لم أستطع قراءة المزيد من تعليقاتهم، فجميعها تثير الغثيان ولا تعبر إلا عن كم المازوخية واختلال انظر التي تربوا وترعرعوا فيها، كم من الجهل جعلهم عاجزين عن التمييز بين الجاني والمجني عليها، كم من الانحياز والنفاق الديني والدفاع المستميت عن كل من ارتدى عباءة الإكليروس السوداء، والتماس كل الأعذار له حتى وإن ارتكب الفحشاء، ورفعه إلى مرتبة الآلهة التي لا تخطئ! ! رأيت سيدات وأنسات قبطيات تعانين من التحرش، وتشتكين من العنف والتمييز والدونية، وتتجنين بكل أريحية على "سالي" التي وقع عليها الاعتداء وقت أن كانت طفلة بعمر 11 عامًا مجني عليها ! بمنطق (إيه اللي وداها هناك). أريد أن استشير أحد الأطباء النفسيين عن تلك الظاهرة ربما يكون عنده تفسير! ! ربما لأنه ترسخ في ذهنهم أن الكاهن لا يخطئ، والأسقف معصوم، والراهب ملاك، ربما لأنهم تربوا على مقولة إن (طغمة) الإكليروس هم ملائكة أرضيين أو بشر سماويين! ولذا فلا يصدقون أبدًا أن يسقط أو يزل أحدهم! ! ونكرر لمن يدعون حماية الإيمان، هذه ليست خطية شخصية يتوب عنها المخطئ وانتهي الأمر عند ذلك، فهذه جريمة ينبغي للمخطئ أن يتحمل عاقبتها قبل أن يتوب عنها. أما المدافعين عن تلك الجرائم والمتسترين عليها هم بكل وضوح إما شركاء أو متورطين في جرائم مماثلة لذا يخافون من كشف الأمر علانية لأنه بكل بساطة يعنى أن الدور آت عليهم! أما المدافعين عن تلك الجرائم والمتسترين عليها هم بكل وضوح إما شركاء أو متورطين في جرائم مماثلة لذا يخافون من كشف الأمر علانية لأنه بكل بساطة يعنى أن الدور آت عليهم! نتمنى أن يكون هناك نظام محكم داخل الكنيسة يحاسب المخطئ (كنسيًا ومدنيًا) يتسم بالشفافية والمصارحة ولا يتهاون مع أي جُرم أو وقائع فساد ويقدم المخطئ للعدالة بلا تردد، إذا كان الفعل يتطلب ذلك، حتى لا تكون المؤسسة الكنسية أو أحد رجالها متورطين في جريمة تستر، فلا نستطيع التستر أو إخفاء جريمة ربما لم تكن أبدًا الأولى من نوعها ولن تكون الأخيرة من أي فرد من طغمة الإكليروس! كنت أتمنى أن تحل الأمور من جذورها من البداية بدلًا من التراكمات المتتالية والوصول لتلك المرحلة من اليأس، أن يلجأ الضحايا للسوشيال ميديا لعرض مأساتهم حتى يحصلون على حل وهو حق شرعي مكفول لهم بلا شك! أتمني وبشدة أن يتم محاسبة ومسائلة المسئولين عن التقصير في تنفيذ القرار البابوي السابق بوقف خدمة الكاهن وعودته للخدمة مرة أخرى، وأتمنى محاسبة من أهمل شكاوى الفتاة منذ عام 2002 ومسائلة من عطل قرارات البابا بتحويل الأمر إلي مجلس إكليريكي (محاكمة كنسية). أتمني للكنيسة المصرية أن تأخذ عبرة مما حدث في الفاتيكان، حيث أنها التزمت الصمت وتسترت لسنوات طويلة على تجاوزات وانتهاكات جنسية خطرة، حتى آلت ما آلت إليه الأوضاع، ولكن تغير وتبدل الأمر تمامًا مع وصول البابا فرنسيس حيث انتهج مبدأ تطهير المؤسسة الكنسية من الداخل، وأصبحت الآن لا تتستر على أي فساد أو فاسد. وتعمل على كشف وإبلاغ السلطات المختصة مباشرة، عن أي تجاوزات. وبذلك تكون قد أنقذت نفسها وشعبها من تهم عدة! فهل نرى محاسبة للمسئول عن المركز الثقافي وقناة "مي سات" الذين لا يراعون أي اعتبار لقرار المجلس الإكليريكي في إيبارشية المنيا وأبو قرقاص قبل تقسيمها، بنعي شخص تم تجريده من الكهنوت بعد إدانة بصفته الكهنوتية؟ --- ### [١١] حنانيا وسفيرة - Published: ۲۰۲۲-۰۳-۲۵ - Modified: 2024-04-28 - URL: https://tabcm.net/4041/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, لاهوتيات - وسوم: آدم, الأب متى المسكين, الترجمة السبعينية, باسيليوس الكبير، أسقف قيصرية الكبادوك, حنانيا وسفيرة, سمعان بن يونا, عخان بن كرمي, غريغوريوس النيسي, غريغوريوس صانع العجائب أسقف قيصرية, قايين, قديس إيرونيموس چيروم, هابيل, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية حين يتعلق الأمر بإجابة سؤال عن الغضب الإلهي، يتجه العديد من اللاهوتيين لربط الأحداث التي تبدو معلنةً لغضب الله على أنها أحداث متعلقة بالعهد القديم فقط ولا مكان لها في العهد الجديد. وهذه الأجوبة إن لم تنقح بطريقة لاهوتية دقيقة قد تبدو وكأنها تنادي بانقسام أو تغير فظ في طبيعة الله. وسواء كانت الإجابة منقحة لاهوتيًا أم لا، فهي تتركنا بدون معرفة حقيقية بكيفية فهم الآباء لطبيعة غضب الله كما سبق وشرحنا في الجزء الأول. فحادثة موت حنانيا وسفيرة في العهد الجديد تجعل الإجابة السهلة التي تروق للبعض "هذه الأشياء تخص العهد القديم ولا تخصني" إجابة غير نافعة وغير مقبولة. فإن كان لا مكان للغضب إلا في العهد القديم، فلماذا يقدم الله على إنهاء حياة شخصين اعتمدا وصارا عضوين في الكنيسة الأولى؟ السياق اليهودي: على الرغم من سرد هذا الحدث في العهد الجديد إلا أنه من الصعب أن نرى الصورة الكاملة له دون قراءتها في ضوء قصة أقل شهرةً من العهد القديم ألا وهي قصة عخان بن كرمي في سفر يشوع. بعد أن هزم يشوع شعب أريحا، جاءت الوصية الإلهية مقررة بألا يحتفظ أي شخص بأي شيء من غنيمة الحرب إذ اعتبرت ممتلكات شعب أريحا محرمة ولذا من يأخذ منها يجلب لعنة وحرامًا بين شعب إسرائيل. وكان فعل سرقة عخان لجزء من غنيمة الشعب سببًا في هزيمة شعب إسرائيل مقابل شعب عاي الذي كان أقل عددًا من شعب أريحا. فصارت خطية عخان سببًا في ترك الله لشعب إسرائيل وقت الحرب. فناح يشوع على ما حدث لشعب إسرائيل على يد عاي يومًا كاملًا حتى أمره الرب الإله أن يطهر الإسرائيليين ذواتهم لليوم التالي، ثم تم التعرف على عخان كونه سبب الفاجعة التي حلت بإسرائيل خلال عملية فرز طويلة. وخلال هذه المدة الطويلة لم يعترف غخان بفعلته لا هو ولا أي من أهل بيته كي يحفظ الشعب الإسرائيلي من فعلته. وبسبب تعديه على العهد وبسبب مسؤوليته عن مقتل الكثيرين في معركة عاي، تم إعدامه مع أهل بيته وممتلكاتهم. وبينما يبدو ذلك وحشيًا للوهلة الأولى، كان يعد كسر العهد سواء مع الله أو مدينة أو شخص أخر إثمًا عظيمًا له عقبات وخيمة آنذاك ((Berlin and Brettler, The Jewish Study Bible, 454 )). يظن بعض الرابيين أن أبناءه لم يعدموا بل اتخذوا فقط ليشاهدوا عقاب أبيهم عن فعلته لئلا يقعوا في خطية أبيهم عينها مستقبلاً، بينما يرى البعض الأخر من الرابيين أنهم كانوا مذنبين لعدم إقرارهم بجرم أبيهم على الرغم من مشاهدتهم للعواقب الوخيمة لفعلته ((Berlin and Brettler, The Jewish Study Bible, 455 )). يرى ق. باسيليوس الكبير في فعل عخان سببًا كافي لإنهاء حياته فيكتب ((John Franke, ed. , Ancient Christian Commentary on Scripture: Joshua, Judges, Ruth, 1-2 Samuel, 1st edition (Downers Grove, Ill: IVP Academic, 2005), 45 )) : لذا، أجد في اتباعنا للكتب المقدسة... أن التمرد على الله أمرًا مدانًا بلا شك، لا من حيث عدد المرات التي يقع فيها المرء في هذا التعدي البشع، بل حتى وإن تم هذا مرة واحدة بالتعدي على أي وصية أيًا كانت، بل وأكثر من ذلك، قضاء الله يمتد لكل أنواع العصيان. في العهد القديم، نقرأ عن نهاية عخان المرعبة... قد يعترض البعض على أن هؤلاءكانوا بالفعل مدانين بسبب خطايا أخرى التي أدت بهم لهذه العقوبات إلا أن الكتاب المقدس لم يشر إلا لهذه الخطايا، بل هذهفقط كونها خطيرة وتستحق الموت. (John Franke, ed. , Ancient Christian Commentary on Scripture: Joshua, Judges, Ruth, 1-2 Samuel, 1st edition (Downers Grove, Ill: IVP Academic, 2005), 45) قد يسأل أحدهم لماذا مات آخرين من إسرائيل في حربهم مع عاي أو باقي بيت عخان؟ هذا السؤال يأتي من طبيعة تفكيرنا الفردانية في وقتنا الحالي. أما في السياق والفكر الكتابي، ما يفعله الشخص يؤثر على مجتمعه، بل وأحيانًا على الخليقة بأسرها. فكانت خطية آدم على سبيل المثال هي أساس الموت والفساد في البشرية كلها. وإذا قيل مجازًا أن الأرض صرخت بسبب خطية سفك الدم كما كان الحال بين قايين وهابيل، فيمكننا أن نتخيل فكر العالم القديم الذي ساد فيه مفهوم تألم الجماعة بشكل عام بسبب خطية الفرد وتبعيات خطيته خصوصًا لو كانت هذه الخطية هي خطية تمرد وتعدي على العهد بين الله وشعب إسرائيل. كما يعلمنا ق. غريغوريوس صانع العجائب ((John Franke, ed. , Ancient Christian Commentary on Scripture: Joshua, Judges, Ruth, 1-2 Samuel, 1st edition (Downers Grove, Ill: IVP Academic, 2005), 42 )) : انظر، ألم يسرق عخان بن زارح بسبب عدم أمانته الأشياء المكرسة فأتى الغضب على كل شعب إسرائيل؟ فهو وحده أخطأ، إلا أنه لم يكن الوحيد الذي مات في خطيته. والآن نحن في وقتنا الحاضر كل ما لا يخصنا بل يخص غيرنا، ينبغي أن نعتبره “أشياء مكرسة" (John Franke, ed. , Ancient Christian Commentary on Scripture: Joshua, Judges, Ruth, 1-2 Samuel, 1st edition (Downers Grove, Ill: IVP Academic, 2005), 42) التفسير المسيحي: يوجه الأب متى المسكين في تفسيره لسفر الأعمال أنظارنا نحو العناصر المتشابهة بين قصتي عخان من ناحية وحنانيا وسفيرة من الناحية الأخرى. فالكلمة اليونانية المستخدمة في الترجمة السبعينية للإشارة إلى خيانة عخان للعهد بين الله وإسرائيل هي ذات الكلمة المستخدمة في سفر الأعمال للتعبير عن اختلاس حنانيا من ثمن الحقل ((متى المسكين، تفسير أعمال الرسل، الطبعة الثالثة (وادي النطرون، مصر: مطبعة دير ق. مقاريوس، 2007)، 270 )). فخطية حنانيا وسفيرة كانت خطية ذات أوجه عديدة: فكسروا نذرهم بإعطاء ثمن الحقل للرسل، وسرقا ما صار حقًا للكنيسة، وكذبا على الرسل، وحاولا أن يقتنيا لذواتهما مجدًا مقابل عطيتهم العظيمة. ويلقي الأب متى المسكين الضوء على هذا الجانب الأخير فيقول ((متى المسكين، تفسير أعمال الرسل، الطبعة الثالثة (وادي النطرون، مصر: مطبعة دير ق. مقاريوس، 2007)، 271 - 272 )) : والأمر في مضمونه الإلهي يقاس على أساس أن حنانيا قدم حساب الحقل كله ليأخذ أجرة هذا العمل من الله روحيا سماويًا، مع مديح من الناس وشهرة وإكرام وتعظيم وتبرير وكتابة اسمه في لوحة شرف الكنيسة أو استئمانه على حمل الصندوق أو الطبق أو الصرف على الفقراء على أساس أنه قدم كل ما عنده، أي كل معيشته على الأرض... وكأنه أراد أن يربح الأرض والسماء، هذا العالم وعالم الدهر الآتي، النعمة والمال معًا، الاتكال على الله وعلى المال معًا، هنا مناقضة فضحها الروح القدس وسلب منه الأرض والمال والحياة... (الأب متى المسكين، تفسير سفر أعمال الرسل) ويساعدنا ق. يوحنا ذهبي الفم في فهم سياق هذه الأحداث وكيف سألهم بطرس عن عملهم آملًا أن يعترفا أو يتوبا فيقول ((Francis Martin, ed. , Ancient Christian Commentary on Scripture: Acts, 1st edition (Downers Grove, Ill: IVP Academic, 2006), 75 )) : كان هذا المال مقدسًا. فالذي يمتلك جزءًا من ممتلكاته بعد أن قرر بيعها وتوزيعهايصبح متهمًا بتدنيس المقدسات، ما بالك الذي يأخذ مما لا يخصه من الأساس. ولا تظن أن كون هذه العواقب لا تحدث الآن، أن مثل هذه الجريمة ستظل بلا عقاب. أترى كيف أن هذه العقوبة التي وقعت ضد حنانيا كانت بسبب أنه بعد أن جعل المال مقدسًا اتخذه لنفسه؟ فيقول بطرس ألم يكن ممكنًا أن تحتفظ بثمن الحقل أو فوائده لنفسك؟ لم يكن هناك ما يمنعك، أليس كذلك؟ لماذا إذن فعلت هذا بعد أن نذرت؟ أترى كيف خطط الشيطان هجمته منذ البداية؛ كيف أنه بين هذه العجائب والعلامات يصير شخصًا بلا عقل كالصخر! ... فتدنيس المحرمات هي من أشنع الجرائم، ممقوتة ومملؤة عصيانًا. فيقول الرسل، نحن لم نجبرك أن تبيع ولا أن تعطي ثمن ما بعت. أنت اخترت هذا بمحض إرادتك، لماذا إذن سرقت من الخزانة المقدسة؟ (Francis Martin, ed. , Ancient Christian Commentary on Scripture: Acts, 1st edition (Downers Grove, Ill: IVP Academic, 2006), 75) وقد يتهم البعض ق. بطرس بالشدة المفرطة إلا أن بطرس لم يقتلهم بكلماته، بل بالحري الروح القدس الساكن في بطرس هو الذي حقق العدالة الإلهية بينما لم يكن بطرس سوى معلنًا لما هو آت لا محالة. فيكتب ق. غريغوريوس النيسي ((Francis Martin, ed. , Ancient Christian Commentary on Scripture: Acts, 1st edition (Downers Grove, Ill: IVP Academic, 2006), 76 )) : وعن الروح القدس أيضًا، يقول بطرس لحنانيا: لماذا ملأ الشيطان قلبك كي تكذب على الروح القدس؟ مشيرًا بذلك لكون الروح القدس شاهد حقيقي واعٍ بما تجرأ عليه حنانيا في الخفاء، والذي بواسطتهصار السر معروفًا لبطرس. لأن حنانيا صار سارقًا لممتلكاته سرًا، كما ظن، بعيدًا عن عيون الجميع خافيًا خطيته. لكن الروح القدس في نفس الوقت كان في بطرس وكشف نيته، التي انحدرت نحو الجشع، وأعطىبطرس من ذاته قوة رؤية الأسرار. فمن الواضح أن الروح لم يكن له أن يفعل ذلكما لم يكن ممكنًا له هوأن يعرف الخفايا (Francis Martin, ed. , Ancient Christian Commentary on Scripture: Acts, 1st edition (Downers Grove, Ill: IVP Academic, 2006), 76) وبشكل مشابه، يرى ق. جيروم أنه من الجهالة أن نربط العقوبة ببطرس بدلًا من الله. فيكتب جيروم ((Francis Martin, ed. , Ancient Christian Commentary on Scripture: Acts, 1st edition (Downers Grove, Ill: IVP Academic, 2006), 76 )) : في الحقيقة، لم يأمر بطرس الرسول الموت أن يأتي عليهم بأي شكل، كما يدعي بروفيري الجاهل. لم يكن سوى معلنًا لحكم الله بروح النبوة كي تصير خاتمهما درسًا لكثيرين. (Francis Martin, ed. , Ancient Christian Commentary on Scripture: Acts, 1st edition (Downers Grove, Ill: IVP Academic, 2006), 76) أخيرًا: في كل أحداث العهد القديم التي فحصناها سابقًا، نرى أن حكم الله كان دائمًا حكمًا صالحًا. وأي شر حدث، كان الله قادرًا أن يحوله إلى خير. وهذا الحدث لا يستثنى من هذا النمط. فلقصة حنانيا وسفيرة حدث موازٍ في العهد القديم حيث يحاول أحدهم أن يخدع الله بسرقة الأموال التي كُرست لله. لا نعرف الكثير عن حيوات عخان أو حنانيا وسفيرة قبل الأحداث المدونة عنهما. لكننا نعلم أن الخطية لا تولد في ليلة وضحاها. بل على العكس، تأخذ الكثير من الوقت لتتأصل في قلب الإنسان. وبينما تتأصل الخطية، يظل الروح مناديًا الخاطئ نحو التوبة. فمن يلبوا نداء الروح يصيروا قديسين ومن يرفضوا الله يجلبوا حكمه على ذواتهم. من الصعب على البعض التمييز بين طريق الله وطريق العالم. أما محاولة امتلاك الطريقين مع محاولة خداع الله وشعبه فهي خطية مكر وخداع تؤثر على الكنيسة بشكل كامل. في الماضي، جلبت هذه القصة خوفًا على أعضاء الكنيسة. فعلى الرغم من أنه حدث أليم راح ضحيته روحين غاليتين، استطاع الله أن يستخدم الحدث لصالح الكنيسة ككل. قد تكون هذه القصة قاسية، لكن إذا قرأناها راغبين تعلم طرق الله، ستقودنا هذه الرغبة لرفض محبة المال والخداع. سنرى كذلك كيف أن خطيتنا الخاصة تؤثر على الكنيسة ككل بشكل سلبي، وبالتالي توبتنا هي الأخرى تجلب ثمارًا للكنيسة ككل. --- ### عظيمة هي أرطاميس وسط البلد - Published: ۲۰۲۲-۰۳-۲٤ - Modified: 2023-11-11 - URL: https://tabcm.net/4461/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أرطاميس, أنبا رفائيل، أسقف وسط القاهرة, أنبا مكاريوس، أسقف المنيا, أوريا الحثي, الكرسي المرقسي, بابا شنودة الثالث, داود النبي والملك ما تراه أنت خطأ يراه غيرك جريمة، وما تراه أنت معجزة يراه الآخرون عاديًا، وما أراه أنا عوار في السياسة الإدارية يراه ضحيتها ظلمًا سافرًا. في تَذْكار نياحة الأنبا شنودة البطريرك السابع عشر بعد المئة حسب تعداد بطاركة الكرسي المرقسي الأرثوذكسي، تصبح فرصة جيدة للتعلم من حياته وإنجازاته وأخطائه كما تعودنا في الكنيسة، وحيث أننا في عالم نسبي بحت بلا حقائق أو رؤى مطلقة، فقد تراوح المدح والذم أقصى اليمين وأقصى اليسار، فما تراه أنت خطأ يراه غيرك جريمة، وما تراه أنت معجزة يراه الآخرون عاديًا، وما أراه أنا عوار في السياسة الإدارية يراه ضحيتها ظلمًا سافرًا. لكن ما لم أتخيله أبدًا، إن عاقلًا في عصر التطور العلمي والفلسفي والتكنولوجي يجلس على كرسي رعاية تصدر منه كلمات، مثل تلك التي صدرت على صفحة الفيسبوك المنسوبة لأسقف عام منطقة وسط القاهرة. تلك الكلمات التي تستحضر إلى ذهني -كعاشقة لكلمات وقصص الكتاب المقدس- هتاف أهل مدينة أفسس ضد بولس الرسول فَلَمَّا سَمِعُوا امْتَلأُوا غَضَبًا، وَطَفِقُوا يَصْرُخُونَ قَائِلِينَ: «عَظِيمَةٌ هِيَ أَرْطَامِيسُ الأَفَسُسِيِّينَ! ». (سفر أعمال الرسل ١٩: ٢٨) فالأسقف الجليل لم يتورع -في كلماته المنسوبة له على صفحته الشخصية- عن أن يحقق أعظم مخاوفنا التي انتقدنا الكثيرون عليها عندما أشرنا إلى انتشار عبادة بعل وثنية في ثياب مسيحية، فهو ربط بين صحة الإيمان وتقديس البطريرك السابق وجعل عصمته وتنزيهه عن النقد شرط من شروط صحة المعتقد. وكأنه يهتف في آذان أي من تسول له نفسه الإشارة بالسلب إلى اسم البابا شنودة قائلًا: "عظيمة هي أرطاميس وَسْط القاهرة". ويبدو أن الهتاف وصلت أصداؤه عبر القطر المصري إلى محافظة المنيا، فخرج أسقفها يحيي الذكرى المنشودة بكلمات عاقلة بعيدة عن وثنية الشنودية. والحق يقال، فقد أدى الأنبا مكاريوس عملًا جليلًا في الحفاظ على الإيمان المسيحي القبطي من الانهيار، حيث أشار بكل جرأة إلى أن الأنبا شنودة إنسان له أخطاء. ولا تستهن بإعلان بديهي مثل هذا، ففي ظل تصاعد حدة لهجة الإرهاب من أنصار الشنودية فهو تصرف يحتاج شجاعة كبيرة. ولكني أعتب عليه أنه وضع هذا الانحراف العقيدي الفج تحت مسمى المبالغة في الثناء. عذرًا يا أنبا مكاريوس، المبالغة في الثناء تنطبق على باقي أجزاء كلامك في إحياء ذكرى الأنبا شنودة. فأنت تبالغ من باب الحب، التقدير، القناعة الشخصية، في تمجيد شخصه وأعماله وهذا بديهي ومقبول. فكلنا كبشر نفعل ذلك مع أحبائنا بدرجة من الدرجات، أنا نفسي فعلت ذلك فعلًا في وقت نياحة البابا شنودة وكتبت قصائد في رثائه رآها البعض أنها مبالغات. لكن ما صرح به أسقف وَسْط القاهرة ليس بالهين لنمر عليه مرور الكرام بأنه مبالغة، فهو عوار تعليمي وثني متكرر خارج من شخص برتبة أسقف تدعي المؤسسة الكنسية قدرته على تسليم التعليم الأرثوذكسي. هذه كارثة! وقد تأصل هذا الانحراف التعليمي في كثير من الشعب، يكفي أن ترى جحافل الردود العنيفة التي تصل إلى حد الإرهاب والسباب الذي يطال منتقد البطريرك شنودة وأهله لتتخيل حجم الكارثة. ولتقريب الصورة، تخيل أنك تتحدث لمجموعة من الناس وتخبرهم أن داود النبي زني بـ"بيتشبع" وقتل "أوريا الحثي"، فتجد جحافل الناس تسبك وتتهمك بالانحراف عن الإيمان لأنك قلت إن داود زانيًا قاتلًا! هذه الردة جعلتنا نشكر الأنبا مكاريوس على كلماته البديهية جدا، وأقل من عادية، في إشارته إلى إنسانية البابا شنودة وكونه أخطاء بالضرورة وليس فوق النقد أو الانتقاد، هذه الردة جعلتنا نحتفي بكل من يبتعد عن شيطنة المختلف معه إلى حد إخراجه من حظيرة الإيمان وتكفيره، هذه الردة لا يقودها فرد من العوام بل يقودها مجموعة من التعاليم الصادرة من فم أساقفة! فهل ننتظر إنشاء مجمع شنودي في مواجهة مجمع كنيستنا الأرثوذكسية؟ أم نتحرك مثلما تحرك الأنبا مكاريوس على استحياء في مواجهة العوار؟ إن قررت عدم التحرك فلا تمنع المتحركين. اقرأ أيضا: --- ### مشغولية الله بالآباء والأبناء - Published: ۲۰۲۲-۰۳-۲۳ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/4094/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: إيليا النبي قال يسوع للشاب "كيف تقرأ؟" ومازال يقول لك يا من تقرأ كلمة الله "كيف تقرأ؟" وكيف تتحرَّر من القراءة الحرْفية؟ هذه المحاولة لقراءة حيَّة لكلمة الله بواسطة بعض النصوص والأمثلة. مشغوليه الله بالآباء والأبناء هأَنَذَا أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ إِيلِيَّا النَّبِيَّ قَبْلَ مَجِيءِ يَوْمِ الرَّبِّ، الْيَوْمِ الْعَظِيمِ وَالْمَخُوفِ (سفر ملاخي 4: 5) إيليا النبي سيأتي قبل مجيء يوم الرب، فماذا يُنتَظَر من مجيئه، خاصةً أن هذا اليوم عظيم ومخوف حَسَبَ ما ذكره ملاخي في إصحاح 3: 3؟ كثير من المواعِظ قيلت عن يوم الرب اليوم العظيم والمخوف، وما كُتب عنه ربما أكثر مما قيل. فهل هذا المجيء للتحذير أم للعقاب؟ ومتى سيحدث هذا المجيء؟ بل ما المعنى المقصود بيوم الرب؟ خاصةً وأن ملاخي يكمل كلامه قائلًا: فَيَرُدُّ قَلْبَ الآبَاءِ عَلَى الأَبْنَاءِ، وَقَلْبَ الأَبْنَاءِ عَلَى آبَائِهِمْ (سفر ملاخي 4: 6) فما المناسبة التي جعلت ملاخي يتكلَّم عن "رَدْ القلوب" هنا؟ ومن منا يمكنه أن يتصوَّر أن المجيء يتبعه رَدْ قلوب الآباء على الأبناء، والأبناء على الآباء؟ هل هو يوم لجمع شمْل الأسر والعائلات؟ هل أن الله مشغول ليرُد قلب الآباء للأبناء في ذلك اليوم؟ فعلًا رأى شرَّاح العهد القديم في هذا العدد من ملاخي أن الرب يجيء ليرُد السلام والتوافق الاجتماعي للجماعة، ولهذا فإن قراءة التقليد اليهودي (النص الماسوري) تكرِّر العدد 5 مرة أخرى بعد العدد 6، أي إن القراءة تكون هكذا: هأَنَذَا أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ إِيلِيَّا النَّبِيَّ قَبْلَ مَجِيءِ يَوْمِ الرَّبِّ، الْيَوْمِ الْعَظِيمِ وَالْمَخُوفِ، فَيَرُدُّ قَلْبَ الآبَاءِ عَلَى الأَبْنَاءِ، وَقَلْبَ الأَبْنَاءِ عَلَى آبَائِهِمْ. لِئَلاَّ آتِيَ وَأَضْرِبَ الأَرْضَ بِلَعْنٍ". هأَنَذَا أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ إِيلِيَّا النَّبِيَّ قَبْلَ مَجِيءِ يَوْمِ الرَّبِّ، الْيَوْمِ الْعَظِيمِ وَالْمَخُوفِ (النص الماسوري) هذا الترتيب في القراءة مقصود منه ألّا ينتهي العهد القديم بتهديد ولعْن. فعلًا يتكلم ملاخي عن مشاعر واهتمام الله، ويُفهَم من هذا العدد أن الله يقدِّم وعدًا جميلًا للعائلات، وأن مشغوليته محبة وليس مجرَّد أمر أو وصاية على حياتنا، بل عِلاقة قوية توسِّع دائرة وعود الله وصِدق هذه الوعود التي يبدو أنها تشمل كل تفاصيل الحياة. نعم تعترف الكنيسة بأن وعود الله غنيِّة وصادِقة، وأن الكتاب المقدس بعهديه يمتلئ بالوعود، وهنا في ملاخي وعد مُحدَّد يقدم عنايةً محدَّدة تدفع من يقرأ الكتاب المقدس ليتكشَّف وعودًا كثيرة لم يعهدها من قبل. هي عهود أكبر وأوسَع مما تكون إطارًا عامًا (بالبَرَكَة)، أو "الخلاص" أو "النعمة" وغيرها من الوعود العامة،  إنها وعود تفصيلية والالتفات إليها يعمل على إيجاد الإحساس المُرهَف بوعود تشمل أدق ظروف الحياة وتنوُّعاتها المُختلِفة، ويحفِّز الإرادة لتحقيق الوعود، فالإصغاء إلى الله وهو مشغول بالأسرة لتنعم بهذا السلام، يحفِّز الإرادة لتكون حاضرة لتتميم وعد الله برَدْ القلوب، وبذلك يمكن تحقيق الوعود نتيجةً لهذا الفهم والوعي بها. كما هو معروف أن العِلاقة بين الأجيال غالبًا ما يصيبها سوء تفاهم وربما انفصال بين الآباء والأبناء، بين الجيل القديم والجيل الجديد، وهو ما يحدث سواء على مستوى الأسرة أو المجتمع. وتتواصل هذه الحالة حتى يتحقق رَدْ القلوب "رّدْ قلب الأبُّ إلى ابنه، ورد قلب الابن إلى أبيه “وهي حالة تتطلَّع إليها كل الأجيال وَسْط صِدام الأجيال وتضاد المواقِف، وتغيُّر الثقافات، فهنا مُعادلة ليست سهلة، لكن بَرَكة الوعد المحدَّد من الله تحقِّق تطلُّع العائلات إلى فَهم جديد يدفع كلا الجيلين القديم والجديد إلى تصحيح مفهومه ويعيد تأكيد اعتماديته على الجيل الآخر فتنشأ روابط أقوى مما كان موجودًا وعلاقات قوية، وهذا هو سر العِلاقة المتواصِلة غير القابِلة للكسْر في العائلة. في العهد الجديد قال الملاك لزكريا عندما كلَّمه عن ميلاد يوحنا المُعجِزِي: وَيَكُونُ لَكَ فَرَحٌ وَابْتِهَاجٌ، وَكَثِيرُونَ سَيَفْرَحُونَ بِوِلاَدَتِهِ، لأَنَّهُ يَكُونُ عَظِيمًا أَمَامَ الرَّبِّ، وَخَمْرًا وَمُسْكِرًا لاَ يَشْرَبُ، وَمِنْ بَطْنِ أُمِّهِ يَمْتَلِئُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ وَيَرُدُّ كَثِيرِينَ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى الرَّبِّ إِلهِهِمْ وَيَتَقَدَّمُ أَمَامَهُ بِرُوحِ إِيلِيَّا وَقُوَّتِهِ، لِيَرُدَّ قُلُوبَ الآبَاءِ إِلَى الأَبْنَاءِ، وَالْعُصَاةَ إِلَى فِكْرِ الأَبْرَارِ، لِكَيْ يُهَيِّئَ لِلرَّبِّ شَعْبًا مُسْتَعِدًّا (إنجيل لوقا1 : 17) هذه الأعداد مليئة بالفرح والبهجة: فرح وابتهاج لزكريا. فرح لكثيرين، عَظَمة ليوحنا. تهيئة شعب مستعد للرب. هي ليست أوامر أو قيود تعكِّر صفو أي ممن ذُكروا في النص، بل وعد عظيم بأفراح كثيرة. وأيضًا قال يسوع: فَإِنْ قَدَّمْتَ قُرْبَانَكَ إِلَى الْمَذْبَحِ، وَهُنَاكَ تَذَكَّرْتَ أَنَّ لأَخِيكَ شَيْئًا عَلَيْكَ، فَاتْرُكْ هُنَاكَ قُرْبَانَكَ قُدَّامَ الْمَذْبَحِ، وَاذْهَبْ أَوَّلاً اصْطَلِحْ مَعَ أَخِيكَ، وَحِينَئِذٍ تَعَالَ وَقَدِّمْ قُرْبَانَكَ (إنجيل متى 5: 23، 24) فبأي إحساس ومشاعِر تأتي هذه النصوص سواء في كلام الملاك أو كلام يسوع؟ هل كلامه وصيِّة أم أمر؟ أم أنه يتكلَّم بإحساس الأبُّ وبقلْب الأم وأقصى أمانيهما هو اتحاد الأبناء وحبهم واهتمامهم بعضهم ببعض؟ عندما لا يقدر الإنسان على التمييز بين الإحساس والمشاعر المحبة والعناية فالخسارة تكون فادِحة إذ ينقلب لطف الله ورقّته وحبه إلى حِمل يسقط الإنسان تحته. لهذا من النافع تمييز مغزى كلام الله ووعوده المحدَّدة واستيعابها والالتفات إلى ما يريده الله لحياتنا من عِلاقة مُبارَكة معه وليس مجرد وصايا وأوامر فتتزايد ونمو هذه البَرَكَة وتنمو وتنتقل من الأسرة، إلى الكنيسة، والمجتمع كدوائر أوسع تغمرها البَرَكَة والفرح والسلام. --- ### عن يومٍ جعلوه عيداً للأم - Published: ۲۰۲۲-۰۳-۲۲ - Modified: 2024-03-22 - URL: https://tabcm.net/4484/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: التبني, سيمون دي بوفوار, عيد الأم, غادة عبد العال غادة أجلستني كثيرًا في مَقْعَد امرأة، ومنذ فترة ليست بالبعيدة انتقلت غادة لمعركة “التبني” وقررت أن تكون أمًا دون أن تتزوج. تشاركنا غادة لحظاتها مع “دودو” عبر صفحة فايسبوك مجانية يتابعها العالم. ومن المزعج أن من بأيديهم قلادات وأوسمة النسويات، يشغلهم الصراع الذكوري والتمويل المادي، عن الانتباه لفتاة الأقاليم التي تحارب مجتمعها بالقلم، ونجحت في التأثير بأدوات مجانية، وقضية عادلة. ﻻ أحب عيد الأم! نعم، هذه حقيقة. . لأنه يوم تعيس يذكرني بفراق أمي... وبمقدار حبك لوالدتك تكون قسوة اليوم. كل شيء فيه يقلّب عليّ المواجع. مش عارفين نقولكم إيه يا خواننا، تخيل إنك تشوف حد سعيد بوالدته، وسعادته دي بتجلدك بكرباج ذكريات. ولأنه مش قاصد يحزنك، تكتم وجعك، وتقوله: "ربنا يخليهالك" تشاركه سعادته، وانت من جوه خربان، وعايز تهرب من حتة منك. لا يمكنك قياس حبك لشخص إلا بتجربة محنة غيابه عنك. لكن في مسألة الأم، كيف تهرب من الحنين لشخص، وأنت تحن لكل ما يربطك به؟! أول من لفت نظري لآلام عيد الأم، كانت الكاتبة "غادة عبد العال" في ٢٠٠٨ تقريبًا. إذ قبل أن ألعق مرارة فِرَاقَ أمي، تذوقت كأسًا عبر تدوينة "يوم في شهر مارس". كثيرون يعرفون "غادة عبد العال" عبر عملها الأشهر "عايزة أتجوز" وقت تحوله لمسلسل من بطولة الفنانة "هند صبري"، لكن المتابعين لغادة منذ عصر المدونات المصرية، يستطيعون تمييز نشاطها التنويري الاجتماعي، والذي تستخدم فيه أدواتها الأدبية في تبديل الكراسي، بحيث تجلس في مكان البطل و"تحس على دمك شوية". غادة أجلستني كثيرًا في مَقْعَد امرأة، ومنذ فترة ليست بالبعيدة انتقلت غادة لمعركة "التبني" وقررت أن تكون أمًا دون أن تتزوج. تشاركنا غادة لحظاتها مع "دودو" عبر صفحة فايسبوك مجانية يتابعها العالم.   ومن المزعج جدًا أن من بأيديهم أوسمة النسويات، يشغلهم الصراع الذكوري والتمويل المادي وصراعهم الوجودي مع تضييقات الدولة، عن الانتباه لفتاة الأقاليم التي تحارب مجتمعها بالقلم، ونجحت في التأثير بأدوات مجانية وقضية عادلة، فيما تشكو منه مؤسسات عريقة تطلب نقودًا لدعم مطبوعات باهتة القضية. على سيرة مؤسسات النسويات الشرسات، قرأت عدة مقالات نسوية / يسارية تتخذ من هذا اليوم فرصة لتمجيد الأمهات المعيلات اللاتي يقمن بدور كلا الوالدين معًا. دور الأمومة قوي بمفرده ولا يحتاج خلطًا مع الدور الاجتماعي الأبوي. "مش ضروري يعني الأب يموت أو يطلع زبالة علشان الأم تاخد السوكسيه! " الأم فعليًا تأخذ "بطولة مطلقة" في حياة أي فرد دون مبالغات درامية. وقضية "المستقلات" هي قضية مختلفة، ولا أرى في هذا إلا تسلقًا انتهازيًا يشوّش مفهوم دور الأم والذي هو بمفرده مستحقٌ للانحناء. التشويش الاجتماعي طال حتي مؤسسات الدولة التي تتبارى في توزيع جائزة "الأم المثالية" لأكثر القصص كآبة أو أكثر الأمهات تعاسة: أم الشهيد، أم المعاق، أم مكلومة وكفى! للحزن وقاره بالتأكيد، لكن لا يمكن أن تكون مؤهلات الأمومة "المثالية" هي فقدان الأبناء وفقدان الأمومة! هذا السخف السياسي يجب أن يزول، وهذه المباراة في التعاسة يجب أن تتوقف! فلا يوجد أم طبيعية ترغب في موت ضناها أو إعاقته، ولا يوجد شهيد سعى للموت ببلاهة المنتحرين، أو رغب في إنهاء حياته على يد مجرم قاتل أو حتى حادث غادر. تمجيد الشهداء أيضا قضية مختلفة ولا أرى في هذا إلا تسلقًا انتهازيًا يشوش المفاهيم المجرّدة. كقارئ مهتم بالوعي والإبستمولوجي، أجد أن الفلاسفة قاموا بالتمييز بين كل هذا إلى أن وصلت "سيمون دي بوفوار" لرهافة التمييز بين "الأنثى" و "المرأة" و "الأم". فالأنثى هي جسد بيولوجي ليس بالضرورة أن يقوم بوظائف المرأة أو الأم. ستجد أشياء قد تبدو طريفة في هذا التفكير مثل أن الأطفال يتامى الأم، من الممكن أن يكون أباهم أو جدتهم أو خالتهم هي أمهم. الأمومة هنا اختيار (أو إجبار بحكم الظروف) لكن على الأقل ليست مكتسبة بكون الجسد جسد أنثى، أو نتيجة لحمل ورضاعة. هناك فصل بين الأدوار. وبهذا المعنى فـ"عيد الأم" ليس لكل شخص عنده "أم أنثى" أو حتى بشر "طرزان" ربته غوريلا. بل عيد الأم لكل مولود تمت رعايته. ماما... وحشتيني... ومش عارف اتجاوز فراقك بالنسيان... وكل ما أحاول، العيد ده بيفكرني ويوجعني... وانا مشاغب فقررت أعكنن عليهم كلهم... كل أم حية في أولادها... الأمهات خالدات أبدًا... اختفاءهم من الأحياء، لا يعني اختفاءهم من الذاكرة... موتهم، لا يعني سكونهم عن الحركة... إنهم يتحرّكون دومًا فينا، ويتكلمون أبدًا عبر أفكارنا... يعيشون فينا، كما يعيش وطن... كما تعيش امرأة... كما تعيش أم... كل عيد أم وانتم طيبين. --- ### "تجوزني أمك؟" - Published: ۲۰۲۲-۰۳-۲۱ - Modified: 2023-08-11 - URL: https://tabcm.net/4173/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون, إصلاح كنسي - وسوم: أفلام القديسين, أنبا بضابا, سمير سيف, سنكسار, سير الشهداء, عبد المسيح المناهري, فرانسوا فاريون, ماجد توفيق شرعت الكنيسة القبطية في ثمانينات القرن الماضي في إنتاج أفلام مسيحية عن سير الشهداء والقديسين، لا تعرضها دور السينما مثل باقي الأفلام، بل تُباع في شرائط فيديو بمكاتب الكنائس. وانفردت وحدها بعرض قصص السنكسار التي لم نشاهدها من قبل في أي أفلام غربية؛ فهوليود قد أنتجت العديد من الأفلام حول قصص الكتاب المقدس لكننا لم نر أبدًا فيلمًا هوليوديًا عن عذابات الشهيد مارجرجس أو الشهيدة مارينا. أنشأت الكنيسة لجنة للمصنفات الفنية لمراجعة القصة والسيناريو والحوار كي تكون الأفلام مطابقة للتاريخ، ولمراجعة المضمون الروحي للفيلم كذلك. وكان المخرج "سمير سيف" أول من ساهموا بالإخراج. أما عن المخرج صاحب الرصيد الأكبر على الإطلاق في إخراج هذه الأفلام، فهو بالطبع المخرج "ماجد توفيق" الذي انفرد بتقديم أفلام لم ولن نشاهد مثلها قط. لن أتطرق إلى النقد التقني للأفلام، أي فيما يتعلق بالملابس، وجودة الجرافيك، والمواهب التمثيلية، والغنائية وما إلى ذلك. ولا يعني كلامي أني أرفض نقد الأفلام رديئة المستوى طالما الهدف هو الرسالة الروحية؛ فكنيسة بحجم الكنيسة الأرثوذكسية بمصر يجب أن تقدم ما يليق بها من أفلام حتى لا تصبح مثارًا لسخرية كل من هب ودب. لكنني فقط سأخصص حديثي عن المضمون الروحي والأخلاقي لتلك الأفلام. الميديا وعلم الاجتماع الميديا، تلك الأداة التي تتغلغل إلى عقل المتلقي وتشكل وعيه ووجدانه، كانت من أهم أسلحة الحرب الباردة التي وظفتها الدول للترويج إلى أيديولوجياتها، كما عملت من خلالها على تجهيل الشعوب وتسطيح عقولها حتى يسهل حكمها. وبالمثل، لعبت الميديا المسيحية - التي ظلت بعيدة عن الرأي العام - دورًا كبيرًا في تشكيل وعي المواطن القبطي بشكل متسلل، وجعلته يصدق ما لا يصدقه عقل، بل وجعلته أيضًا ينحي فطرته السوية جانبًا ويتبنى أخلاقيات ومفاهيم جديدة عن العالم. "تجوزني أمك يا حبشي يا أسود؟"(القس عبد المسيح المناهري) تلك العبارة المبتذلة التي قرأتها الآن، هي عبارة شهيرة للقس "عبد المسيح المناهري"، الذي قدم المخرج "ماجد توفيق" قصته في أحد الأفلام. ووفقًا للقصة، كان هذا القديس يحب أن يشتم الناس بأمهاتهم، هكذا، لكي يخفي قداسته. وبالطبع، هذا سبب مقنع جدًا وعذر مقبول لسب الناس والتنمر عليهم وبث اﻷفكار العنصرية والتمييز بحسب لون البشرة على لسان القديسين. فمن قال أن السب خطيئة إن أراد الإنسان إخفاء قداسته؟ وإذا سمعت كاهنًا يقول لوالدتك أو زوجتك: "تتجوزيني يا ست؟" كما كان هذا القس يفعل، لا تعترض، بل دعه يمر؛ لأنه ربما يكون من الآباء السواح وأنت لا تعلم. ولا تسأل عن كيفية التفريق بين إخفاء القداسة بهذه الطريقة والتحرش الجنسي. قراءات أخرى وعبارات مجهولة المصدر عمدت تلك الأفلام إلى ترسيخ مبدأ الطاعة والاستكانة، فتجد عبارة "ابن الطاعة تحل عليه البركة" تتكرر بين الفينة والأخرى لدرجة أن البعض يظنها نصًا كتابيًا. كما تجد قراءات أخرى (سأستخدم هذا اللفظ اللطيف ولن أقول تحريفات) لعبارات كتابية؛ فنسمع عبارة "من يكرمكم يكرمني" كثيرًا في تلك الأفلام على أنها مقولة للمسيح، وهذا ليس حقيقي. فالعبارة الأصلية التي قالها المسيح هي: "من يقبلكم يقبلني" (متى 40:10).  وإن عثرت على الشاهد لعبارة "من يكرمكم يكرمني"، من فضلك أكتبه لنا في التعليقات. الابتذال في "فلسفة المعجزة" نعود هنا للقس عبد المسيح ومعجزته الشهيرة الذي أقام فيها "ذكر بط" من الأموات لسيدة فقيرة. وربما كان من الأيسر عليه أن يشتري لها بطة أخرى. فهل لا يستطيع القديس المساعدة بطريقة طبيعية، بشرية؟ ما الداعي للتدخل الإلهي الخارق في مسألة مثل إحياء الموتى من البط، لإطعام امرأة؟ وكيف لها أن تأكل البطة التي قامت من الموت؟ وكيف تذبحها أساسا فتفسد عمل الله الذي أقام البط؟ عشرات من الأسئلة التي تهدر "فلسفة المعجزة" وتبتذلها في سيناريو فقير مصبوغ بالقداسة، لكننا سنترك كل الأسئلة ونكتفي بسؤال أخلاقي واحد: وماذا عن المعجزة التي تلغي دورنا كبشر تجاه بعضنا البعض؟ "حين اتلو الصلاة قبل الطعام، احترس أن أقول: يارب بارك هذا الطعام الذي سنتناوله واعطِ الجائعين خبزا. أخشى أن يجيبني الله: عليك أنت أن تعطيهم. فأقول دائما: علمنا أن نتقاسم"(الأب فرانسوا فاريون) وهناك أفلام أخرى تصور القديس باعتباره حامي حمى المنطقة أو رئيس قطاع الأمن. ففي فيلم الأنبا بضابا، يهرع السكان إلى القديس لكي يقضي على الأسد الذي فر إلى الشارع! وفي فيلم الأمير تادرس الشطبي، يلجأ الناس إلى البطل ليقتل لهم التنين قبل أن يلتهم الأطفال! فهل لم يكن لهؤلاء الناس حكومة يلجؤون إليها؟ أين الجيش الروماني، وأين المسئولون عن هذا البلد؟ ألم يكن لديهم أسلحة؟ لماذا القديس يقوم بدور "فتوة الغلابة"؟ ولماذا يعينه الله؟ ولماذا يجب على البار أن ينجح في هذا الأمر؟ (لماذا نحن هنا؟! ) وحين تفشل جميع الأسلحة، يقف القديس البطل بمنتهى الجسارة ليقول عبارة واحدة: "لينتهرك الرب أيها الوحش اللعين" وقبل أن ينهي العبارة، لا يتمالك الوحش نفسه، ويسقط أرضاً. روحنة الأمراض النفسية كلنا مرضى نفسيين بشكل أو بآخر، وكلنا نسعى إلى النضوج والتعافي. وبالتالي، للقديسين أيضًا أمراضهم النفسية التي لا يجب علينا أبدًا أن نروحنها أو نكتسبها منهم. فالقديس الذي يفرح بالمرض، ويرفض الذهاب إلى الطبيب، ويرفض الاستحمام، ويأكل التراب والخبز المتعفن، يعاني من مرض نفسي شهير وهو "اضطراب الشخصية المازوخية Masochistic Personality Disorder". وما فعلته أفلام "ماجد توفيق"، يعد في رأيي جريمة إنسانية. لأنها صورت تلك الأمراض على أنها فضائل روحية. وكأن القديس يجب أن يكون بارًا تمامًا، فأكتسب العديد من شعبنا القبطي البسيط المازوخية والشعور بالدونية، بالإضافة إلى اضطرابات نفسية أخرى. --- ### خواطر في تفسير إنجيل يوحنا
الإصحاح السابع عشر (٢) - Published: ۲۰۲۲-۰۳-۲۰ - Modified: 2022-03-13 - URL: https://tabcm.net/4217/ - تصنيفات: كتاب مقدس نستكمل شرح صلاة الرب يسوع المسيح إلى الآب في إنجيل يوحنا الإصحاح السابع عشر. واشرنا في المقال السابق أنها تستعلن حقيقة الإيمان المسيحي من جهة طبيعة الرب يسوع المسيح -الله الذي ظهر في الجسد- (تيموثاوس الأولي ٣). فلا يمكن فهم هذه الصلاة إلا علي ضوء سر التجسد الإلهي الذي فيه تم أتحاد اللاهوت بالناسوت في شخص/أقنوم "أبن الله" الذي هو في نفس الوقت "أبن الإنسان". ”مِن أجلهم أنا أسأل ... مِن أجل الذين أعطيتني لأنهم لك“. (إنجيل يوحنا ١٧ : ٩) واضح أن صلاة المسيح "أبن الله" إلي أبيه الصالح، وبالذات في هذا الإصحاح هي "مِن أجل" خلاص البشر "ذرية داود"، لأنه هو أصلُهم بكونه "أبن الإنسان"، وقد حَلَّ بينهم في ملء الزمان المخلوق عندما صار واحداً منهم ”أنا أصل و ذرية داود“ -كما شرحنا في المقال السابق-. وهذا يلغي الاستدلال الخاطئ أن صلاة المسيح إلى الآب من أجل الإنسان تتعارض مع ألوهية المسيح. ”أنا أظهرت أسمك للناس“. (إنجيل يوحنا ١٧ : ٦) الرب يسوع المسيح هو ليس مجرد واحدٌ مِن الأنبياء كما تقول بعض الأديان عنه، لأن ”الله، بعدما كلم الآباء بالأنبياء قديماً، بأنواعٍ وطرقٍ كثيرة، كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في أبنه... الذي به أيضا عمل العالمَين، الذي هو بهاء مجده، ورسم جوهره، وحامل كل الأشياء بكلمة قدرته“ (عبرانيين ١)، فالمسيح هو "كلمة الله". وبهذا نفهم أن كلام الله لنا ليس حروف بل يحمل الحضور الحي والفعلي لشخص الله الفاعل في تاريخ الإنسان (الله... كلمنا ... في أبنه). وهكذا أيضاً "أسم الله". فنجد أن الرب يسوع المسيح يكشف لنا في (يو ١٧ : ٦) أن شخصه الحي هو الاستعلان الحقيقي لأسم الله، وقد أظهره للناس بحضوره الحيّ الفعَّال في تاريخ الإنسان عندما تجسد ”الله ظهر في الجسد“. وبهذا فإن المناداة باسم الله وكلمته هو أستحضار فعلي واستعلان متجسد لكيان الله الحي في شخص يسوع المسيح  بين البشر ”إن أجتمع اثنان أو ثلاثة بأسمي فهناك أكون في وسطهم“. يستكمل الرب حديثه عن البشر والإنسان ” كانوا لك وأعطيتهم لي وقد حفظوا كلامك. والآن علِموا أن كل ما أعطيتني هو من عندك. لأن الكلام الذي أعطيتني قد أعطيتهم، وهم قبلوا وعلموا يقيناً أني خرجت مِن عندك وآمنوا أنك أنت أرسلتني“. (إنجيل يوحنا ١٧ : ٧-٨) ”كانوا لك“هو تصريح يكشف عن مكانة الإنسان عند الله في تدبير الخلق. فالإنسان مخلوق إلهي، أراده الله أن يكون في شركة حب معه بملء حرية الإنسان وليس بالغصب عنه. فالقصد من الخلق هو أن يكون الإنسان لله عن حب وليس أستعباد ”لا أعود أسميكم عبيداً لكني قد سميتكم أحباء” (يوحنا ١٥). ”وأعطيتهم لي“ثم تدخَّلت إرادة الله الخيِّرة عندما عبث الإنسان - بغواية الشيطان - في تدبير الخلق. فكان تدبير الخلاص تالياً لتدبير الخلق عندما تغرَّبت الخليقة عن الله بسقوط آدم. إن سقوط آدم كان دليلاً علي حرية أرادة الإنسان في الاختيار فلم يجبره الله علي البقاء في شركة الحياة معه، ولكن في نفس الوقت  لم يتخل عنه. بل أفتقد الإنسان في غربته بأن تجسد أبن الله كإنسان مثلنا. وجدير بالذكر أن ناسوت الرب يسوع يضم كل البشرية لأنه ناسوت متحد بلاهوت المسيح الغير محدود. ”كانوا لك“ = تدبير الخلق؛ ”وأعطيتهم لي“ = تدبير الخلاص. ”وهم قبلوا وعلموا يقيناً أني خرجت من عندك وآمنوا أنك أنت أرسلتني“الرب يوضح أن عودة الإنسان إلي شركة الحياة مع الله مرتبطة بإيمان الإنسان بتدبير الخلاص الذي تم بإرسالية الآب لابنه الوحيد. ”وكل ما هو لي فهو لك. وما هو لك فهو لي. وأنا مُمَجَّد فيهم“. (إنجيل يوحنا ١٧ : ١٠) يستمر حديث الرب (يو ١٧ : ٦-٩) عن الذين يؤمنون به، وعن مكانتهم لدي الثالوث القدوس، و المجد الذي أعدَّه لهم، بالاتحاد ببشريته المتحدة بلاهوته. وقد يتساءل البعض أنه يكفي القول "أنهم للابن"، فالآب لم يتجسد بل الابن. ولكن قول "أبن الله" أن البشرية المتحدة به في تجسده إنما هي للآب أيضاً لأن اتحادهم في شخص المسيح، وهبهم - بالتبعية - حياة الشركة مع الآب والثالوث. فالمسيح هو الوسيط والطريق الوحيد لنا إلي الله : ”لأنه يُوجَد إله واحد ووسيط واحد بين الله والناس : الإنسان يسوع المسيح“ (تيموثاؤس الأولي٢). ”ولست أنا بعد في العالم وأما هؤلاء فهم في العالم وأنا آتي إليك. أيها الآب القدوس أحفظهم في أسمك الذين أعطيتني ليكونوا واحداً كما نحن“. (إنجيل يوحنا ١٧ : ١١) ”ولست أنا بعد في العالم وأما هؤلاء فهم في العالم وأنا آتي إليك“فقد كانت أحداث الصليب والقيامة قريبة. فأشار الرب إلي صعوده المُزمَع أن يكمله إلي السماء، ودخوله  إلي حضرة الآب لابساً ناسوت الإنسان. وربما كان هذا هو سبب قول المسيح لمريم المجدلية بعد قيامته من الأموات ”لا تلمسيني“، لأن بشريتنا الجديدة في المسيح يسوع القائم من بين الأموات التي نالت فيه التبرير والتقديس، لم تكن قد صعد بها ودخل إلي حضرة الآب بَعد ليقبلها في وجه أبنه الحبيب الوحيد الجنس. وبالتالي، فإن بشرية مريم المجدلية لم تكن قد قَبِلها الآب بَعد. هذا نفهمه من تكملة  قول المسيح لمريم المجدلية ”لا تلمسيني لأني لم أصعد بَعد إلي أبي“. إن قول المسيح ”ولست أنا بعد في العالم وأما هؤلاء فهم في العالم وأنا آتي إليك ... “ يتكلم عن دخوله المُزمَع إلي الأقداس السماوية حاملاً علي يديه، ومقدِماً لأبيه السماوي بشريتنا التي تبررت وتقدست فيه ليصالحنا مع الثالوث الأقدس بعد غربتنا الطويلة منذ أن خرج أبونا آدم وأمنا حواء من هناك بالمعصية. فالقول ”أنا آتي إليك“ تشير إلي صعود بشرية المسيح، أما لاهوت المسيح فهو يملأ السماء والأرض، ولم يحدث أن أنفصل عن لاهوت الله في أثناء التجسد. وقد أكد ذلك تصريح المسيح عن لاهوته وناسوته في تعبير واحد ”ليس أحد صعد إلي السماء إلا الذي نزل من السماء أبن الإنسان الذي هو في السماء“ (إنجيل يوحنا ١) حيث نجد اللاهوت والناسوت متحدان في كل حركة صعود ونزول. وربما نلمح هنا  إشارة مستترة عن شخص (أبن الإنسان)، وأنه سابق لميلاد المسيح من العذراء مريم : "كنت أرى في رؤى الليل وإذا مع سحب السماء مثل أبن إنسان أتى وجاء إلى القديم الأيام، فقربوه قدامه. فأُعطِيَ سلطانا ومجدا وملكوتا لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة. سلطانه سلطان أبدي ما لن يزول، وملكوته ما لا ينقرض" (سفر دانيال ٧). وعندما تم قبول الآب للإنسان في وجه المسيح المتجسد عند دخوله ببشريتنا إلي الأقداس، حينئذ زالت العداوة وأنشق حجاب هيكل اليهود من الوَسَط أثناء صلب وقيامة المسيح، لأن المسيح بذلك قد فتح لنا الطريق مرة أخري إلى الآب. لذلك يكتب الإنجيل أن مريم المجدلية لمست المسيح، بينما أنجيل آخر يقول أنه منعها أن تلمسه. هذا ما أشار إليه قول الرب ”أيها الآب القدوس أحفظهم في أسمك الذين أعطيتني ليكونوا واحداً كما نحن“. فقد تحقق لنا في المسيح نحن البشر أن نصير "أهل بيت الله" ومحسوبين من الخليقة الجديدة للإنسان في المسيح يسوع ولسنا بَعد مِن بشرية الإنسان العتيق آدم الأول بعد سقوطه. فقد صارت بشريتنا واحدة مع بشرية المسيح. إن أهمية اتحادنا بناسوت المسيح تظهر في تأكيد المسيح عليه إلي الدرجة أن جعله في مقابلة ومشابهة لوحدانية لاهوته مع لاهوت أبيه  ”ليكونوا واحداً كما نحن“. ولكن يجب الانتباه أنه عندما يتكلم المسيح "أبن الله الوحيد الجنس" عن كونه واحداً مع الآب في اللاهوت فهذا أمر لا يخص - بطريق مباشر - اتحادنا بناسوت المسيح بسبب تجسده. ”أما الآن فإني آتي إليك. وأتكلم بهذا في العالم ليكون لهم فرحي كاملاً فيهم“. (إنجيل يوحنا ١٧ : ١٣) إن فرح الرب يكمل بخلودنا الأبدي في ملكوت أبيه. لقد تهلل الرب باقتراب تلك الساعة في ختام أرسالية التجسد الإلهي بصعوده الوشيك إلى الآب، حاملاً بشريتنا فيه بصفته "أبن الإنسان"، ليقبلنا أبيه الصالح في وجه "أبن الله" الحبيب. ”قدسّهم في حقك. كلامك هو حق “. (إنجيل يوحنا ١٧ : ١٧)  ”ولأجلهم أقدس أنا ذاتي ليكونوا هم أيضاً مقدسين في الحق“. (إنجيل يوحنا ١٧ : ١٩) إن الفرح (يو ١٧ : ١٣) والمجد (يو ١٧ : ١٠) بعودة الإنسان إلي الشركة  في مجال حياة ثالوث الله الواحد القدوس هو سبب ونتيجة التجسد الإلهي ”الله ظهر في الجسد“. لأن به تحقق التبرير والتقديس والمجد لطبيعتنا البشرية في ناسوت المسيح ”ولأجلهم أقدس أنا ذاتي“. فصرنا مقبولين عند الله الآب في وجه أبنه يسوع المسيح. وتأسيساً علي تجسد المسيح "كلمة الله" وحق الله (أنا هو الحق)، نفهم طلبة المسيح إلي أبيه الصالح من أجلنا ”قدسهم في حقك (المسيح). كلامك (المسيح) هو حق “. والسُبح لله. بقلم د. رءوف ادوارد --- ### العار والشنار للأسقف السمسار! - Published: ۲۰۲۲-۰۳-۱۹ - Modified: 2022-04-03 - URL: https://tabcm.net/4436/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, مقالات وآراء - وسوم: أحمد رأفت, عبد الرحمن الكواكبي, نعيمة مسداري إن الاستبداد يقلب الحقائق في الأذهان، فيسوق الناس إلى اعتقاد أن طالب الحقِّ فاجر، وتارك حقّه مطيع، والمشتكي المتظلِّم مفسد، والنّبيه المدقق ملحد، والخامل المسكين صالح أمين، ويُصبح -كذلك- النُّصْح فضولًا، والغيرة عداوة، والشّهامة عتوًّا، والحمية حماقة، والرحمة مرضًا، كما يعتبر أنَّ النِّفاق سياسة، والتحيُّل كياسة، والدناءة لطف، والنذالة دماثة. (كتاب "طبائع الاستبداد" للمفكر السوري عبد الرحمن الكواكبي) لأنه تم غلق المجال العام، وتأميم السياسة، والسيطرة على الإعلام، وبما أنه غير مسموح لأحد أن يتفوه بكلمة واحدة مخالفة، دخلنا فيما يسميه "آلان دونو Alain Deneault"، بـ"نظام التفاهة"، فأصبحت "السوشيال ميديا Social Media"، تلعب دورًا بديلًا في صناعة الرأي العام، ولملء الفراغ طفا على السطح ما يعرف بالـ"تريند Trend "، ومن العجيب واللافت للنظر أن هذا التريند في مصر له Gramar موحد، فمن "بائع الفريسكا"، و"سيدة المطار"، و"سيدة القطار"، و"سيدة المطر"، و"طبيب الميكروباص"، إلى "طفل الليمون"، وصولا إلى "فتاة سقارة"! ثم أغرقونا في "تريندات دينية" مصنوعة -من وجهة نظري- تغذي الصراعات بين البشر، فمن "صراعات تغطية النساء وأنواع المايوهات الشرعية"، و"الشماتة في موت العلمانيين"، و"تكفير الأقباط"، وصولا إلى "اقتلوا زكريا بطرس شاتم الرسول"، و "فداك أبي وأمي يارسول الله"، و "كله إلا رسول الله"! لكن هذه المرة، طفا على السطح "تريند" إنساني بسيط من مذيع الشارع أحمد رأفت  في برنامجه المتميز "جبر الخواطر" مع سيدة مسنة هي السيدة "نعيمة مسداري" خطفت القلوب بتلقائيتها وروحها المصرية، امرأة مصرية من مواليد سنة ١٩٣٥ (عام ثورة المصريين المنسية)! وتعرفنا على ظروفها وإن لديها ابن لا يتكلم ولا يسمع، وهي ترى أن الله أطال عمرها لتعوله! -فزاد تعاطفنا- ورفضت أن تحصل على المبلغ المقدم لها وقالت: "أنا أدي. . مش أخد يا حبيبي"، ثم خرج ابن أخيها "مايكل"وأخذ الفلوس! فهو صحيح فيديو جميل وإنساني ومبهج عن سيدة مصرية أصيلة ذكرتنا بمعدن شعبنا الطيب، وروح مصر النبيلة، وكفاح أهالينا العظام وهم في حالة سلام ورضا ومحبة! ولكن، ما عكر صفو المشهد الجميل، أنه تم اختزال المشهد في إنها "سيدة قبطية" في حين إذا تمت مشاهدة بقية حلَقات البرنامَج سنجد نماذج مصرية عظيمة (دون التركيز على البعد الديني)! ثم ما زاد الطينة بلة، دخول سمسار ديني شهير، وتاجر أديان "ملو هدومه" فتذكرت محمود عبد العزيز في فيلم الساحر عندما قال فأوجز "كنا قريبين من البهجة، لغاية لما الدقون أتحركت"! حيث أرسل صاحب النيافة والسلطان الجنرال المغوار، فتاة مفترض أنها "مذيعة" تعمل في قناته، ومن المفترض إنها قناة مملوكة للكنيسة، ولكنها في الواقع ملكية خاصة لنيافته وتياره! https://www. youtube. com/watch? v=sxAMWLKX0Fc وتم توجيه رسائل غاية في السوء والسلبية، وتم التركيز على ما أسموه (الرضا)، و"لوم الناس الذين يشتكون من الأسعار"! في رسائل سياسية فجة، ففي الحقيقة لم أر في هذا المقطع إلا توظيف سياسي حقير لسيدة مسنة تعيش بفطرتها! مما يفتح باب التساؤل عن دور هؤلاء المخبرين المتسربلين بالدين، لابسي مسوح التقوى المزيفة! فهم في الحقيقة -ويا للأسف- سدنة الظالم، وخادمي السلطان، ومبرري الظلم والطغيان، ودورهم بارز في الدفاع عن الظالم والغلوشة على الفساد، و تهيئة وتخدير الجماهير لقبول العذاب الأرضي في مقابل النعيم السماوي المنتظر! ثم جاء بها هذا السمسار الديني إلى مكتبه، في استدعاء رسمي لسيدة مسنة (بطلانة) على حد قول أهالينا المصريون! واتخذ لها صورة في وضعية "تكريم" وهي تقبل يده "الطاهرة"! بدلا من أن يتعلم منها، ولكن على حد قول صديق: ما يغيظني إننا سنموت جميعا، الخير والشرير، لكن هذا السمسار سيصبح قديسا يتشفع به، وقتئذ ستكون السيدة الفاضلة "نعيمة" في طي النسيان! فهذه هي قواعد أرض النفاق! ولكننا نقولها بملء أفواهنا : العار والشنار لكل مخبر سمسار! --- ### [١٠] في الطريق لأرض الموعد - Published: ۲۰۲۲-۰۳-۱۸ - Modified: 2024-04-28 - URL: https://tabcm.net/4039/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, لاهوتيات - وسوم: نبي موسى على عكس المقالات السابقة، لا يتحدث هذا المقال عن قصة منفصلة وإنما عن سلسلة أحداث نرى فيها تسلسل مستمر حيث يتمرد شعب إسرائيل على الله ثم ينالوا العقاب الإلهي. من ضمن هذه الأحداث، نرى الله مرسلًا نار لحرق حدود محلة إسرائيل ((عدد 11. ))، الوباء الذي سبب وفاة أربعة عشر ألف وسبعمائة إسرائيلي ((عدد 16. ))، وحادثة الحيات المحرقة ((عدد 21. )). كل هذه الأحداث كانت جزء من عدالة الله ضد تمرد الشعب الإسرائيلي. وقد تدفع طبيعة هذه الأحداث البعض للتسرع في وصف هذه الأحداث كأحداث عشوائية أدت بحياة الكثيرين بدون فصل واضح بين من يحيا ومن يموت. لكن بالنظر بشكل أدق لقصة الخروج - العدد نرى أن الحقيقية هي أن الله حكم من البداية بأن من خرجوا من مصر لن يدخلوا أرض الموعد، بل بالحري سيهلكون في الصحراء قبل الوصول للأرض. وتضمن هذا الوعد موسى، رجل وديع أكثر من جميع الناس ((عدد 12: 3 ))، وأخيه هارون. أما أن البعض مات قبل الآخرين فكان هذا نتيجة طبيعية لحدوث تمردات مختلفة على فترات متباعدة نوعًا ما إلا أنه في النهاية تحقق وعد الله في هذا الأمر. على الرغم من أن هذه الأحداث لا تقدم لنا رؤية واضحة لمفهوم العدالة الإلهية نظرًا لما يحيط بها من أحداث وتفاصيل مختلفة، إلا أن الكنيسة استخدمتها لمساعدة شعبها في قراءة الكتاب المقدس في ضوء المسيح. فهارون الذي يمر بين الشعب بالمجمرة يشير إلى المسيح، رئيس الكهنة، الذي سيقدم حياته رائحة بخور على الجلجثة حيث اشتم أبيه الصالح رائحة تقدمته الذكية. رفع الحية النحاسية في البرية لخلاص من سممتهم الحيات كان إشارة للصليب الذي رُفع عليه المسيح حيث يقول بنفسه قبل آلامه ((يوحنا 3: 14-15 )) : وكما رفع موسى الحية في البرية كذلك ينبغي أن يُرفع ابن الإنسان، لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له حياة أبدية (يوحنا 3: 14-15) مرات عديدة نرى الله يحول أحلك أحداث الضعف البشري وتحقيق الله لعدالته ليضيء على العقل بفهم أفضل لحكمة الله وتدبيره الداخلي. --- ### من هي المرأة الفاضلة؟ - Published: ۲۰۲۲-۰۳-۱٦ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/4088/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: إبراهيم أبو الأنبياء, الترجمة العربية المشتركة, الشرق الأدنى, المرأة الفاضلة قد تكون هذه المرأة زوجة أو عزباء.. قد تكون ربة بيت أو عاملة.. قد تكون شابة أو كبيرة السن.. فهي في النهاية: المرأة الفاضلة والقديرة قال يسوع للشاب "كيف تقرأ؟" ومازال يقول لك يا من تقرأ كلمة الله "كيف تقرأ؟" وكيف تتحرَّر من القراءة الحرْفية؟ هذه المحاولة لقراءة حيَّة لكلمة الله بواسطة بعض النصوص والأمثلة. من هي المرأة الفاضلة؟ 10 اِمْرَأَةٌ فَاضِلَةٌ مَنْ يَجِدُهَا؟ لأَنَّ ثَمَنَهَا يَفُوقُ اللآلِئَ. 11 بِهَا يَثِقُ قَلْبُ زَوْجِهَا فَلاَ يَحْتَاجُ إِلَى غَنِيمَةٍ. 12 تَصْنَعُ لَهُ خَيْرًا لاَ شَرًّا كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِهَا. 13 تَطْلُبُ صُوفًا وَكَتَّانًا وَتَشْتَغِلُ بِيَدَيْنِ رَاضِيَتَيْنِ. 14 هِيَ كَسُفُنِ التَّاجِرِ. تَجْلِبُ طَعَامَهَا مِنْ بَعِيدٍ. 15 وَتَقُومُ إِذِ اللَّيْلُ بَعْدُ وَتُعْطِي أَكْلًا لأَهْلِ بَيْتِهَا وَفَرِيضَةً لِفَتَيَاتِهَا. 16 تَتَأَمَّلُ حَقْلًا فَتَأْخُذُهُ، وَبِثَمَرِ يَدَيْهَا تَغْرِسُ كَرْمًا. 17 تُنَطِّقُ حَقَوَيْهَا بِالْقُوَّةِ وَتُشَدِّدُ ذِرَاعَيْهَا. 18 تَشْعُرُ أَنَّ تِجَارَتَهَا جَيِّدَةٌ. سِرَاجُهَا لاَ يَنْطَفِئُ فِي اللَّيْلِ. 19 تَمُدُّ يَدَيْهَا إِلَى الْمِغْزَلِ، وَتُمْسِكُ كَفَّاهَا بِالْفَلْكَةِ. 20 تَبْسُطُ كَفَّيْهَا لِلْفَقِيرِ، وَتَمُدُّ يَدَيْهَا إِلَى الْمِسْكِينِ. 21 لاَ تَخْشَى عَلَى بَيْتِهَا مِنَ الثَّلْجِ، لأَنَّ كُلَّ أَهْلِ بَيْتِهَا لاَبِسُونَ حُلَلًا. 22 تَعْمَلُ لِنَفْسِهَا مُوَشَّيَاتٍ. لِبْسُهَا بُوصٌ وَأُرْجُوانٌ. 23 زَوْجُهَا مَعْرُوفٌ فِي الأَبْوَابِ حِينَ يَجْلِسُ بَيْنَ مَشَايخِ الأَرْضِ. 24 تَصْنَعُ قُمْصَانًا وَتَبِيعُهَا، وَتَعْرِضُ مَنَاطِقَ عَلَى الْكَنْعَانِيِّ. 25 اَلْعِزُّ وَالْبَهَاءُ لِبَاسُهَا، وَتَضْحَكُ عَلَى الزَّمَنِ الآتِي. 26 تَفْتَحُ فَمَهَا بِالْحِكْمَةِ، وَفِي لِسَانِهَا سُنَّةُ الْمَعْرُوفِ. 27 تُرَاقِبُ طُرُقَ أَهْلِ بَيْتِهَا، وَلاَ تَأْكُلُ خُبْزَ الْكَسَلِ. 28 يَقُومُ أَوْلاَدُهَا وَيُطَوِّبُونَهَا. زَوْجُهَا أَيْضًا فَيَمْدَحُهَا: 29 «بَنَاتٌ كَثِيرَاتٌ عَمِلْنَ فَضْلًا، أَمَّا أَنْتِ فَفُقْتِ عَلَيْهِنَّ جَمِيعًا». 30 اَلْحُسْنُ غِشٌّ وَالْجَمَالُ بَاطِلٌ، أَمَّا الْمَرْأَةُ الْمُتَّقِيَةُ الرَّبَّ فَهِيَ تُمْدَحُ. 31 أَعْطُوهَا مِنْ ثَمَرِ يَدَيْهَا، وَلْتَمْدَحْهَا أَعْمَالُهَا فِي الأَبْوَابِ. (سفر الأمثال 31: 10-31 - ترجمة فان دايك - البستاني) تَرْجَمَة أخرى 10المَرأةُ القديرةُ مَنْ يَجِدُها؟ قيمَتُها تفوقُ الَّلآلئَ. 11إليها يَطْمَئِنُّ قلبُ زَوجِها، فلا يُعوِزُهُ مَغنَمٌ. 12تَحمِلُ لَه الخَيرَ مِنْ دونِ الشَّرِّ، طُولَ أيّامِ حياتِها. 13تَطلُبُ صُوفا وكتَّانا وتَعملُ بِيَدَينِ راضيتَيْنِ، 14فتكونُ كالسُّفُنِ التِّجاريَّةِ، تَجلِبُ طَعامَها مِنْ بعيدٍ. 15تقومُ قبلَ طُلوعِ الفَجرِ لتُهَيِّئَ لأهلِ بَيتِها طَعاما، ولِخادِماتِها عمَلا. 16تـتَأمَّلُ حَقلا فتَشتَريهِ، وبِثَمَرِ يَدَيها تَغرِسُ كرما. 17تـتَزَنَّرُ بالقُوَّةِ وتُشَدِّدُ ذِراعَيها. 18تَرَى أنَّ تِجارَتَها رابِـحةٌ، فسِراجُها لا يَنطَفِـئُ في اللَّيلِ. 19تُلقي يَدَيها على المِكَبِّ، وتُمسِكُ بِكفَّيها المِغْزَلَ. 20تَبسُطُ كفَّيها إلى المِسكينِ، وتمُدُّ يَدَيها إلى البائِسِ. 21لا تَخافُ على أهلِ بَيتِها مِنَ الثَّلْجِ، فكُلُّ واحدٍ يَلبَسُ حُلَّتَينِ. 22تَصنَعُ لِنَفْسِها أغطيَةً مُوَشَّاةً، وتَلبَسُ الدِّيـباجَ والأرجُوانَ. 23زَوجُها مَعروفٌ في المَجالِسِ، وهوَ مِنْ مَشايخِ البلدِ. 24تَصنَعُ قُمصانا وتَبـيعُها، وتَعرِضُ أحزِمَةً على التَّاجِرِ. 25تَلبَسُ العِزَّ والبَهاءَ، وتَضحَكُ على الأيّامِ الآتيةِ. 26تَفتَحُ فَمَها بالحِكمةِ، وفي لِسانِها كَلامُ المَعروفِ. 27تُراقبُ سُلوكَ أهلِ بَيتِها، ولا تَأكُلُ خبزَ البِطالَةِ. 28يَنهَضُ أولادُها فيُبارِكونَها، وزَوجُها يَمدَحُها فيقولُ: 29«نِساءٌ كثيراتٌ أظهَرنَ قُدْرةً، وأنتِ تَفَوَّقْتِ علَيهِنَّ جميعا». 30الحُسْنُ غُرورٌ والجَمالُ باطِلٌ، وللمَرأةِ الّتي تَخافُ الرّبَّ كُلُّ المديحِ. 31فأعطُوها مِنْ ثمَرِ يَدَيها، ولتَمدَحْها أعمالُها في المَجالِسِ. (سفر الأمثال 31: 10-31 - التَّرْجَمَةً العربية المشتركة) عندما يختار عروسان الآية 10 لطبعها على دعوة الزفاف فما التصور لمواصفات تلك المرأة في نظرهما؟ هل هي المرأة الجميلة؟ أم المطيعة؟ أم ست البيت؟ أم المرأة العاملة؟ أم كل هذا؟ يرد في كتاب The Complete Jewish Study Bible أن إبراهيم كتب هذا الوصف في ذكرى زوجته سارة، وأن الزوج العبراني كان يردِّدها لزوجته في مساء الجمعة. هي المرأة القديرة (ع. 10 التَّرْجَمَةً العربية المشتركة) / الفاضلة (ع. 10 تَرْجَمَة فان دايك- البستاني). وهي تتمتَّع ببسالة بطولية، والصورة المُثلى في هذا الإصحاح تذهب لأبعد من أي شيٍء كان مُتاحًا للنساء في ذلك الوقت، فهي تشتري حقلًا تتأمل حقلًا فتأخذه وبثمر يديها تغرس كرمًا (ع. 16 ترجمة فان دايك-البستاني)، تتأمل حقلا فتشتريه، وبثمر يديها تغرس كرمًا (ع. 16الترجمة العربية المشتركة). إذ لم يكن للنساء الحق القانوني للوقوف لشراء أرض، أما الصناعة الوحيدة المذكورة في نصوص الشرق الأدنى القديم التي كانت مُتَاحة للنساء هي النسج. أما استخدامها للمغزل والفلكة فيتم بنشاط مكثَّف تقوم به المرأة ذات الهمة "لتشمِّر عن ساعديها" وتنتج كميات كبيرة من البضائع المنسوجة لعائلتها وتصنع قمصانًا وتبيعها وتعرض مناطق لتبيعها للكنعاني، مما يعني تفوّقها في عمل تخصَّص فيه الكنعاني نفسه واشتهر به. أما ثوب الكَتَّان فهو غالٍ ومرغوب ولذلك من المتوقَّع أنها تتمتع بقدرة على اختيار أفضل أنواع الصوف والكتان لنسيجها وأنها تتُقن هذه الصناعة فتشتري الأفضل وهي واثقة من نجاح عملها. أما الصبغة القرمزية. أي الصبغة الحمراء أو البنفسجية فكانت غالية الثمن ويستخدمها الأغنياء. فهي إذًا لا تكتفي بإنجاز أعمال خفيفة وثانوية. وهي تقف عند شيوخ في باب المدينة أي المكان التقليدي لشيوخ المدينة للتجمُّع لإنهاء الأعمال (ع. 23) وكل هذا يدل على أنها (سيدة أعمال) تدير تجارة كبيرة. • هي تقوم إذ الليل بعد، وتعطي أكلًا لأهل بيتها، وفريضة لفتياتها (ع. 15 تَرْجَمَة فان دايك- البستاني)، تقوم قبل طلوع الفجر، لتهيئ لأهل بيتها طعامًا، ولخادماتها عملا (ع. 15 التَّرْجَمَةً العربية المشتركة) وهو تصرُّف تتميَّز به المرأة التي تدرك أن مسئوليتها تقتضي الإشراف على بيتها بنفسها حتى مع وجود عاملات، بل إن العاملات أنفسهن بحاجة لإشرافها وترتيب الأمور. • هي مبتكرة، تحسن التصرُّف تلبس العز والبهاء، وتضحك على الأيام الآتية (ع. 25 التَّرْجَمَةً العربية المشتركة) • منتبهة لنفسها ولمن حولها، (ع. 27) • وهي في نفس الوقت امرأة عملية وروحانية وواعية تمامًا لعمل الله في حياتها (ع. 30). • مشغولة بخير وسعادة الآخرين(ع. 20) • تشع جمالا وتعتني بنفسها، تصنع لنفسها أغطية موشاة، وتلبس الديباج والأرجوان (ع. 22 التَّرْجَمَةً العربية) • ولكنها تعرف أنها ليست مجرد جسد حسن غِشّ والجمال باطل. أما المرأة المتقية الرب فهي تُمدَح (ع. 30 تَرْجَمَة فان دايك- البستاني)، الحسن غرور والجمال باطل، وللمرأة التي تخاف الرب كل المديح (ع. 30 التَّرْجَمَةً العربية). قد تكون هذه المرأة زوجة أو عزباء. . قد تكون ربة بيت أو عاملة. . قد تكون شابة أو كبيرة السن. . فهي في النهاية: المرأة الفاضلة والقديرة. --- ### استغلال سافر لنموذج رائع - Published: ۲۰۲۲-۰۳-۱۵ - Modified: 2022-03-14 - URL: https://tabcm.net/4349/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, مقالات وآراء - وسوم: أنبا إرميا، الأسقف العام, قناة مي سات, نعيمة مسداري انتشر منذ أيام مضت فيديو لسيدة ثمانينية عظيمة رفضت جائزة أو مكافئة مالية، والأهم من رفضها إنه لم يكن أبدًا بسبب الخجل أو عزة النفس، بل كان عن قناعة إنها لا تستحق هذه الهدية أو المكافأة، وترى أن الأولى بها الفقراء، وقالت إنها تُعطي ولا تأخذ، وأنها راضية وسعيدة، وترى نفسها غنية، ومعاشها جيد تصرف منه على أولادها حتى الآن. كلام جميل وعظيم جدا لكن الأهم أن نعرف أن هذه السيدة العظيمة نموذج موجود في مصر بكثرة، وهذا ليس تقليلًا منها أبدًا لكن بشكل شخصي أعرف عددًا كبيرًا وأغلبهن سيدات لديهن نفس هذا المنهج في الحياة، وطبعا هذا أمر غير مرتبط بالدين، بمعنى أن السيدة المصرية (كثير منهن) بالنسبة لهن هذا منهج حياة، وأمر طبيعي أنها تعطي من حولها، والأهم أنها تشعر بهم، وكثيرًا جدا نجدها تهتم بمأكل وملبس جامع القمامة أو من  ينظف السلم أو الجار الفقير أو. . أو. . أو. . ونموذج السيدة الكبيرة التي تنفق من معاشها على أفراد من أسرتها، نموذج يتواجد بشدة، لكن أهميته تكمن في أنه لا يتواجد في الأجيال التالية أو الأصغر سنًا بنفس الكثافة، ومن الطبيعي كان لزاما أن يتم تناول الموضوع من وجهة النظر هذه، نموذج متميز في المجتمع يجب دعمه وتشجيع وجوده. لكن ما حدث  للأسف هو عكس سلوك هذه السيدة تماما، وما حدث أن  كل واحد تفاعل مع الفيديو بمنطق كيف أستفيد منه؟ وما يمكن أن أكسبه منه؟ بدأت الصفحات المسيحية مثلًا بصبغ الموضوع بصبغة دينية وتنشر الفيديو تحت عنوان "سيدة قبطية"، مع أن أساس الموضوع ليس له عِلاقة بديانتها ولا المذيع نفسه الذي حاول منحها  الفلوس صبغ الموضوع أو أشار لأي رؤية دينية في الموضوع، وبدأت القنوات الدينية أيضًا  تستضيفها جريًا وراء "الترند" والسيدة نفسها، حقيقًة في غنى عنه، وأنا أرى أنهم أزعجوا تلك السيدة المباركة واخترقوا حياتها وخصوصيتها، وسرقوا هدؤها وراحة بالها من أجل حفنة "لايكات" ومشاهدات -يعنى شوية فلوس- أما عن دور أسقف القناة وجامع التبرعات لأسوأ مشروع لخدمة إخوة الرب، من الممكن أن يصل إليه فكر الإنسان بإهانة الفقراء والمتاجرة بهم في الحقيقة، وكالمعتاد موقف مخزي، وهذا لأسباب كثيرة، مثلما ذكرت أعلاه، هذه السيدة نموذج أزُعم أنه موجود منه في كل كنيسة من كنائسنا -وهنا أتحدث فقط عن الكنيسة عن دائرة اختصاص الأساقفة- ولم يحدث أن استدعاهم أحد أو كرمهم، أو سأل نفسه كيف تعيش هذه السيدة؟! https://www. youtube. com/watch? v=Je_WVx92vqI السؤال هنا، ما وجه التكريم لهذه السيدة في أن "أشحططها" واستدعيها إلى مكتبي الفخم المجهز  بفلوسها، وفلوس غيرها؟ كي أخذ صورا وفيديوهات معها، وأنشر الصور،  وفى كل اللقاء الذي لم يكن طويلًا -اصله مش ممكن يستحمل كلام الست البسيطة دي وحكايتها- اختار صورتها وهي منحنية أمامه تقبل يده تكريمًا لها،  كي تتنشر. يا ليتهم تركوا تلك السيدة في حالها، ومن شبهها، وحاولوا أن يتعلموا من كلامها البسيط الجميل في الفيديو مع المذيع، وحاولوا إيجاد تعريف جديد (قديم أو أصلي للبركة والقداسة) المتواجدة في شوارع وحواري البلد، وبسبب وجودهم لا زال العالم يعيش اليوم. لابد أن أعترف بشعوري بحزنٍ شديدٍ يتطور إلى غضبٍ، حينما يكون الشغل الشاغل هو الاستغلال على طول الخط، كان بالأولى من الأسقف أن ينزل إلى الشوارع وأن يبحث عن الكثيرين ويقبل أيديهم، ويجلس تحت أرجلهم، يمكن يفهم معنى الحياة، ومعنى الإنسانية، ومعنى العطاء من الإعواز  برضا، والأهم معنى الهدوء والراحة النفسية، التي -لا يعرف الأسقف وكثير من أمثاله طريقها- كان بالأولى بالأسقف الذي من المفروض أن  يبحث عن المسيح بين المهمشين ومن بينهم هذه السيدة العظيمة، لا ليأخذ اللقطة، لكن على الأقل يقابله ولو مرة واحدة في حياته، كان من الممكن أن يعطي فرصة للنور الذي فيها أن يتعامل مع الظلام الذي يعيشه من مؤامرات واتفاقيات على إخوته وعلى أي شخص يأتي في طريقه، أو على الأقل يصمت مثل الآخرين، ويوفر علينا رؤية هذا الموقف المهين كالمعتاد. --- ### وحدة الكنائس والاشتراك في الخبز - Published: ۲۰۲۲-۰۳-۱٤ - Modified: 2022-03-13 - URL: https://tabcm.net/4308/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أنبا بولا، مطران طنطا, أنبا دانيال، سكرتير المجمع المقدس, الكنيسة الأنچليكانية, بابا تواضروس الثاني أسبوع الصلاة من أجل الوحدة اعتاد مجلس كنائس الشرق الأوسط إطلاق أسبوع الصلاة من أجل الوحدة، الذي يجمع الكنائس بطوائفها المتعددة كل عام للصلاة بغية الوحدة والسلام. وهذا العام، افتتحت الكنيسة الأسقفية الأنجليكانية فعاليات الأسبوع في  ٣ مارس ٢٠٢٢ بالصلاة التي انتهت بكسر الخبز أو القربان، وهو تقليد اتبعه مجلس الكنائس منذ عشر سنوات؛ وهو لا يعد تناولًا بالمعنى المتعارف عليه، بل وجبة أغابي "محبة" لتعزيز الشركة. كما ترأس البابا تواضروس الثاني قداس أسبوع الصلاة يوم ٨ مارس ٢٠٢٢ مستضيفًا ممثلين عن جميع الطوائف، وقال إن هذه الفعالية تقوم على الرجاء المشترك في تحقيق الوحدة الكاملة للكنائس. صخب وغضب حول كسر الخبز انتشر خلال هذا الأسبوع مقطع فيديوي لكسر الخبز، مما أثار حفيظة الكثير من المحافظين، وبالأخص من يطلقون على أنفسهم "حماة الإيمان. " فالاشتراك في وجبة أغابي (أي وجبة محبة) وتناول القربان بعد الصلاة يعد من الكبائر بالنسبة لهم. وشهد موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك هجوما حادًا على البابا تواضروس؛ لأن هذا التقليد تأسس منذ عشر سنوات، أي تزامنًا مع جلوسه على كرسي مار مرقس. كما نال الأنبا دانيال أسقف المعادي وسكرتير مجمع الأساقفة، قسطا من الهجوم أيضا لأنه كان حاضرا ومشاركا في كسر الخبز كممثل عن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية. خاصة بعد أن قال أسقف المعادي في لقاء سابق، إن الحِوار مع الآخر يتطلب بعض التنازلات للوصول لأرضية مشتركة. وكأول أسقف يرسم شماسات في إيبارشية بمصر، بالطبع، لا يحظى أسقف المعادي بقبول من يلقبون ذواتهم بـ"حماة اﻹيمان". الأنبا بولا وسؤال "التوريطة" أما الأنبا بولا أسقف طنطا، فكرجل لا يحب التساهل في العقيدة، لم يتوان عن إبداء رأيه حين أرسل له أحد الحاضرين من الشعب سؤالا -وصفه الأسقف بالتوريطة- حول رأيه في مقطع كسر القربان. ليرد الأنبا بولا، إن الأنبا دانيال تورط في الأمر، ولا ينبغي أن نلومه لأنه تورط بشكل خبيث. ثم عاد ولامه مجددًا بشكل غير مباشر قائلا إنه لو كان حاضرًا بدلًا من الأنبا دانيال، لما قبل الأمر مطلقا. واستطرد قائلا إن استخدام القربانة مقصود لأنها توحي باشتراكنا في الافخارستيا، وهذا غير مقبول. فكان من الممكن أن يأكلوا أي شيء آخر. ثم تفضل نيافته بإعطاء مقترحات لبعض الوجبات مثل الخبز العادي، والملح، والدقة؛ مشيرًا إلى القصد الخبيث من وراء اختيار القربانة تحديدًا. تبدو إشارة الأنبا بولا إلى تورط الأنبا دانيال في الأمر غير مفهومة؛ فالتقليد قائم منذ عشر سنوات. هل سكرتير المجمع لا يعلم بالأمر؟ أم أن المقصود بتلك العبارة -أعني التورط- هو إلقاء اللوم على عاتق البطريرك الذي أرسله؟ فيم تشترك الكنائس؟ لم تتفق الكنائس حول تعريف ماهية الافخارستيا، ولا الأسرار. فهناك من ركز على الطابع العقلي للأسرار (كالكنيسة الإنجيلية)، وهناك من ركز على سرائريتها (كالكنيسة الأرثوذكسية). لكن، لا خلاف على اشتراك جميع المؤمنين في الذبيحة الوحيدة والإيمان بالمسيح مصلوبا. فلماذا لا نضع هذه الحقيقة نصب الأعين، بدلًا من أن نرى الحياة من ثقب أبرة؟ وهل اجتماع المؤمنين للصلاة وتناول القربان يستلزم ابتكار نظريات المؤامرة تلك؟ بشائر الإصلاح منذ بداية عهد البابا تواضروس، سعت الكنيسة مسعى جديد نحو الوحدة والإصلاح والانفتاح على الآخر. وربما يبدو ذلك الصخب الكنسي أمرًا مقلقًا بالنسبة للبعض. لكن، يمكننا أن نراه من منظور آخر؛ كظاهرة صحية، بل وبداية مبشرة للتغيير والاستنارة. فالغضب والمقاومة هما ما تفعله عقولنا بالطبيعة لأن التغيير ليس سهلاً؛ بل مؤلم كالمخاض. لذلك، لا يميل البشر إلى التغيير بطبيعتهم ويفضلون الاستقرار. لا يمكننا أن نتوقع أن يحدث التغيير في عصرنا هذا بشكل حاسم؛ لكن، من المؤكد أن الأجيال القادمة ستحصد ما يزرعه الآن من يدفعون ضريبة الإصلاح. وربما، سيسجل التاريخ أسمائهم بحروف من نور إن آمننا بهم ومنحناهم الدعم. --- ### خواطر في تفسير إنجيل يوحنا
الإصحاح السابع عشر (١) - Published: ۲۰۲۲-۰۳-۱۳ - Modified: 2022-03-11 - URL: https://tabcm.net/4188/ - تصنيفات: كتاب مقدس إن صلاة الرب يسوع المسيح إلى الآب في إنجيل يوحنا الإصحاح السابع عشر تَستَعلن الإيمان المسيحي من جهة طبيعة الرب يسوع المسيح أنه "الله الظاهر في الجسد". فلا يمكن فهمها إلا على ضوء الرؤية الصحيحة للتجسد الإلهي الذي فيه تمّ اتحاد اللاهوت بالناسوت في شخص/أقنوم "أبن الله"، الذي هو في نفس الوقت "أبن الإنسان". ”أيها الآب قد أتت الساعة مجِّد أبنك ليمجدك أبنك أيضاً “ (العدد اﻷول) نري هنا أن السيد المسيح بصفته "أبن الإنسان" يتشفع لدي الآب في بشريتنا التي أخذها من العذراء مريم وأتحد بها. والآية تُظهِر بوضوح كيف أن خلاص الإنسان ودخوله إلي المجد هو مبادرة النعمة الإلهية أولاً وأخيراً ”أيها الآب... مجِّد أبنك“. وأن جهاد الإنسان الروحي”ليمجدك أبنك أيضاً“هو نتيجة  استجابة الإنسان وقبوله  للنعمة التي حصلت بقبول الآب للإنسان. إن جهادنا الروحي مِن تمجيد وشكر وتسبيح وسعي لا يهدأ، هو  كاشف لنعمة الله ورغبتنا في الانتماء لله أي الثبات فيها، لذا فإنّ الجهاد الروحي ليس استحداثا للنعمة ولكن كاشفاً لها. ثم يقدم المسيح في بقية الصلاة، حيثيات طلبه لقبول الإنسان  في المجد مرة ثانية. ”إذ أعطيته سلطاناً علي كل جسد ليعطي حياةً أبديةً  لكل من أعطيته“ (العدد الثاني) هنا يبدأ الرب يسوع المسيح  في الإشارة  إلي مرحلتين مهمتين في خلق الإنسان. فلقد أعلن لنا الكتاب المقدس في مواضع كثيرة أن خلق الإنسان هو عمل ثالوثي لله الواحد من خلال شخص وأقنوم "أبن الله". مكتوب عن  أقنوم "أبن الله" أنه”صورة الله ورسم جوهره“. وأن على تلك الصورة خلق الله الإنسان”نخلق الإنسان علي صورتنا “. فلما سقط آدم وتشوهت خِلقة الإنسان بالخطية ودخلها الموت، عاد الله و أفتقد البشرية الساقطة بواسطة تجسد (صورة الله) أي المسيح نفسه، إذ هو الصورة التي تصوَّر عليها الإنسان أصلاً. هذا هو تدبير الله في التجسد الإلهي لكي يجدد خلقة الإنسان. من هنا كانت حتمية تجسد المسيح "أبن الله" الذي هو (يسوع أبن مريم العذراء) ليكون هو ذلك الإنسان الجديد و آدم الثاني المخلوق علي نفس الأصل الإلهي، ولكي يبقي هذا الاتحاد ويدوم إلي الآبد وليس كما حدث مع آدم الأول. ونحن إذ نؤمن بالتجسد الإلهي لأبن الله نُولَد ولادة ثانية روحية ونصير خليقة جديدة رأسها هو الله الظاهر في الجسد يسوع المسيح أبن الله. ونفهم من  قول المسيح”إذ أعطيته سلطاناً علي كل جسد“أنه بصفته "أبن الإنسان" فقد انجمعت في ناسوت المسيح  كل البشرية لأن بشريته غير محدودة إذ هو"ابن الله" أيضاً. ثم أوضح الرب يسوع أن هدف الله من خلق الإنسان وتجديد خلقته بتجسد أبن الله، هو أن يمنحه الخلود والحياة الأبدية :”... ليُعطي حياة أبدية لكل مَن أعطيته“. ”وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته “. (العدد الثالث) يقول الرب أن معرفة الله الواحد الثالوث هي الحياة الأبدية للإنسان. وبتعريف الرب لنعمة الحياة الأبدية للإنسان أنها هي معرفة الله الواحد الثالوث يتضح أن المقصود ليس هو المعرفة المجردة للإنسان عن الله وعبادته، ولكن معرفة الإله الحقيقي هي وجود أبدي يمتد منه كأصل ليُعطِي شركةً للإنسان في هذا الوجود الإلهي. والمثال القريب إلي فهمنا هو أنتقال الحياة من الأم إلى أبنها. فالابن يحتاج أن تكون له شركة وجود مع أمه، متحداً بها مِن لحمها وعظامها. هكذا هي معرفة الله الواهبة للحياة الأبدية التي تكلم عنها الرب، التي من أجل تحقيقها قد تجسد "أبن الله" كما أشار إلي ذلك في العدد الرابع: ”أنا مجَّدتك علي الأرض. العمل الذي أعطيتني لأعمل قد أكملته “ (العدد الرابع) إذ أكمل  تجديد خلقة  الإنسان  ومخاض البشرية  الجديد من خلاله هو كابن الإنسان. ”والآن مجدني أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم“. (العدد الخامس) نري هنا أن المسيح "أبن الله" يطلب من أجلنا بكونه "أبن الإنسان". فهو لا  يطلب فقط عودة الإنسان إلي مكانته الأولى التي خَلقه الله فيها، ولكننا نلاحظ أنه قد صار هناك ارتباطاً له صبغة مصيرية بين أبن الله وأبن الإنسان. فالطِلبة تذهب إلي أبعد من هذا إذ تقول”مجدني عند ذاتك“. بل وتذكر أيضا أن هذا المجد المحفوظ للإنسان عند ذات الله هو ”قبل كون العالم“. أي قبل خلق آدم. هنا إشارة مستيكية إلي أعماق هذا اللقب السرائري "أبن الإنسان" الذي أحبه المسيح وكان يردده أكثر من لقبه "أبن الله"، لأنه يستعلن مرحلة الخلق الأولي للإنسان(قبل كون العالم) أي قبل خلق آدم. ومن ثمَّ  يشرح لماذا كان التجسد الإلهي ضرورة لخلاص الإنسان. ويصعب الكلام عن تفاصيل خلق الله للإنسان لأنه موضوع مستيكي سرائري تجلَّت فيه طبيعة ”الله محبة“ (1يو 4 : 8). ولكن لو جاز لنا بعض الاجتهاد المشفوع بالشغف في"الله المحبة"نقول  أن "أبن الإنسان" هو الأصل في خلق آدم وذريته ”أنا أصل وذرية داود“ (رؤ 22 : 16). فسفر دانيال يتكلم عن "أبن الإنسان" وكيف "قربوه إلي قديم الأيام" وأنه كان "أول خلق الله". و قال "أبن الإنسان" عن نفسه "الرب قنَّاني/ أنشأني". و مكتوب في العهد الجديد أن أبن الإنسان هو  ”بداءة خليقة الله“ (رؤ 14 : 3). لذلك يمكننا القول أن "أبن الإنسان" قد تصوَّر "قبل كون العالم" علي "صورة  الله ورسم جوهره". أي تكوَّن علي صورة المسيح "أبن الله". وإن جاز لنا القول، فبحسب التدبير الإلهي لسر الخلق، فإن الله خلَق آدم كأول ذرية داود (وليس أصلها). والهدف من خلق الله لآدم هو أن  يتحد بأصله "أبن الإنسان" المخلوق علي صورة "أبن الله" الغير مخلوق بل الواحد في جوهر الله الثالوث. فلما سقط آدم (أول ذرية داود)، ظهر "أبن الله" في الزمن المخلوق ولبس الطبيعة البشرية  لآدم وذريته، التي أخذها من العذراء القديسة مريم لكي يوحدها ببشريته هو أبن الإنسان (أصل ذرية داود). فإن كان سقوط آدم  قد أوقف مسيرة آدم للشركة في مجال حياة الله حَسَبَ التدبير، فإن الحب الإلهي للإنسان لم يزول لأن الحب هو طبيعة  الله. ولهذا أكمل الله تدبيره الصالح بتجديد بشريتنا (التي أخذها من العذراء مريم) علي أصلها الذي هو "أبن الإنسان" المخلوق علي صورة "أبن الله" الأزلي غير المخلوق. والسُبح لله. بقلم د. رءوف ادوارد --- ### إدارة الكنيسة.. جذور الأزمة - Published: ۲۰۲۲-۰۳-۱۲ - Modified: 2022-12-23 - URL: https://tabcm.net/4200/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: بابا شنودة الثالث, بطرس غالي, جماعة الأمة القبطية, فخري عبد النور, مدارس الأحد, مكرم عبيد نحن الأقباط والكنيسة، بحاجة إلى إعادة فحص ما استقر بيننا من أفكارٍ صارت ثوابت، منها القول بأن المجتمع العام استبعد الأقباط من المشاركة في فعالياته الرسمية والمجتمعية بفعل تغلغل الفرز الطائفي، ربما مع تكون جماعة الإخوان ١٩٢٨، ما دفع الأقباط إلى خلق مجتمعٍ بديلٍ موازٍ، وهو أمر فيه كثير من الصحة خاصة مع صعود وشيوع الفكر الأصولي فيما عرف بالصحوة الإسلامية، لكنه حق يراد به باطل، وربما يتضح ذلك عند مقارنته بتجربة الشبيبة الأرثوذكسية بلبنان. قدر من المسئولية يتحمله جيل الأربعينيات من القرن المنصرم، الذي انتبه لحاجته إلى إحياء الفكر الأرثوذكسي في مواجهة ثلاثية الانقطاع المعرفي، والهجوم البروتستانتي والكاثوليكي اللذان بُعثا في أعطاف موجات الاحتلال الغربي، والاستهداف الإسلامي المقابل. طيف من النشطاء وقتها، وقد صدمه الاستبعاد قدم تنازلات جعلته في خدمة تلك الثلاثية، ووجد مكانًا في المشهد السياسي كتابع على حساب القضية القبطية، فبعضه انضم للمذهب البروتستانتي (مكرم عبيد)، وبعضه سخر نفسه لخدمة السلطان (بطرس باشا غالي)، وبعضه انحاز للقضية الوطنية وناصر ثورة ١٩ وصار أحد أركانها (فخري عبد النور)، وكلهم صاروا من الإيليت (الصفوة) وما زالوا. فيما انتقل طيف آخر، وجلهم من الطبقة المتوسطة، من المجال العام إلى المجال القبطي الكنسي، وهم الشريحة المستهدفة بإعادة الفحص، إذ حَملوا فشلهم في عدم التحقق في الفضاء العام، باختلاف طموحاتهم وخلفياتهم الفكرية، وذهبوا إلى الفضاء القبطي الكنسي، وصيروه ميدان صراعاتهم، تحالفوا حينًا وتصادموا أحيانًا، كانت الأرضية تبدو كنسية دينية بينما الأدوات سياسية قحة. كانت أبرز تجمعاتهم: * جماعة الأمة القبطية، التي استنسخت تجرِبة الإخوان المسلمين حتى تطابق شعارها الشهير، وأعلن المبادئ، ويأتي تاريخ التأسيس (١١ سبتمر ١٩٥٢ وتاريخ الحل أبريل ١٩٥٤)، وملابسات تطور علاقتها بالكنيسة وأجنحة يوليو ٥٢، ومطالبها السياسية المقدمة منها للجنة الدستور، التي كانت السبب الرئيس لحل الجماعة وليس حادثة اختطافهم للبابا يوساب الشهيرة. *جماعة مدارس الأحد؛ التي استنسخت فكرة ونظام تجرِبة مدارس الأحد الغربية بعد تطعيمها ببعض المظاهر القبطية الأرثوذكسية في الممارسة، وتأثر مؤسسها وجناح شبرا بمصادر تعليمية خارج السياق القبطي الأرثوذكسي، بينما تبنى جناح آخر التوجه الاجتماعي في مقابل توجه انعزالي لجناح ثالث. وشهدت الكنيسة صراعًا غير معلن بين كهنة تلك الحِقْبَة وتيارات مدارس الأحد، وانقسم معهم الشباب إلى فريق شمامسة في مواجهة فريق مدارس الأحد. وانتهت المواجهة بتسيد مدارس الأحد بعد صعود أحد روادها إلى الكرسي البابوي (البابا شنودة)، لتبدأ مرحلة جديدة تتغير معها خريطة التوازنات، بتوجه الكنيسة إلى رهبنة الفضاء الكنسي، وعلى الرغم من أن الرهبنة هي بالأساس حركة عَلمانية إلا أنه تم صبغها بالصبغة الكهنوتية، وتم إخضاعها للهيراركية (التراتبية) الكنسية، وتم تقنين رسامة أسقف لكل دير، فتفقد تمايزات تجمعاتها والقدر المتاح لها من حرية الحركة، وتنوع مدارسها. وفى تطور لاحق يتم التمييز بين الكاهن الراهب والكاهن المتزوج، ويمتد محاصرة الأخير بالتوسع في رسامة ما عرف بالأسقف العام (أسقف بلا رعية! ! ! ) لتتقلص معه مهام ودور الإيغومانوس (القمص)، بعد أن تراجع دور الشماس لينحصر في حفظ وترديد الألحان الكنسية. الأزمة هنا ليست في خريطة التوازنات المرتبكة واختلال الهيراركية الكنسية بالاختفاء الفعلي لدور كل من الشماس والقمص، وإنما في الصلاحيات المفتوحة للأسقف وارتهان بقاءه برضا البابا البطريرك وجماعات الضغط والمصالح. والأخطر هو خضوع التعليم فيما بعد صعود جناح من أجنحة مدارس الأحد إلى قيادة الكنيسة لما يؤمن به هذا الجناح، الذي نجح في تكريس التماهي بين قيادة الكنيسة وبين الكنيسة الكيان، واعتبار أن ما تقول به القيادة بشكل شخصي هو رأى الكنيسة. وأن من يختلف مع طرح ورأي القائد إنما يختلف مع إيمان الكنيسة(! ! ! ) بل ويحسب مهرطقًا. الكنيسة في خطر وطرحى لا يستهدف أشخاص بقدر استهدافه لمنهج استقر لعقود في إدارة الكنيسة. --- ### [۹] يوسف والمجاعة - Published: ۲۰۲۲-۰۳-۱۱ - Modified: 2024-04-28 - URL: https://tabcm.net/4037/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, لاهوتيات - وسوم: فوطيفار, قديس أمبروسيوس، أسقف ميلان, قديس بولس الرسول, كرونولوجي, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية, يوسف الصديق الدراسات الكتابية: كانت مصر أرض خصبة زارعة للقمح بشكل مستديم نظرًا لوجود النيل في وسطها وفيضانه بشكل سنوي. أحيانًا كانت تمر مصر بمجاعة لكن هذه المجاعات لم تستمر لسبعة سنوات إلا في حالة يوسف ((Chavalas, Matthews, and Walton, The Ivp Bible Background Commentary, 72 )). ونظرًا لوجود يوسف في ذات السجن الذي كان فيه اثنين من عمال الفرعون، كان أغلب الظن أنه في السجن الملكي الذي كان سجناؤه من المسجونين السياسيين ((Chavalas, Matthews, and Walton, The Ivp Bible Background Commentary, 71 )). ولحكمته وقدرته على تفسير الأحلام، حرره فرعون من قيوده جاعلًا إياه الرجل الثاني في المملكة. فرعون مصر آنذاك غير معروف ومن الصعب تحديد وقت وجود يوسف في مصر. ترجح السجلات التاريخية احتمالية ورود هذه الأحداث "إما في عهد الهكسوس (1750 – 1550 قبل الميلاد) أو عهد العمارنة (القرن الرابع عشر قبل الميلاد) بينما يرجح الكرونولوجي الكتابي (أي التاريخ الكتابي) حدوث هذه القصة في أوائل المملكة الوسطى في زمن الأسرة الثانية عشر (1963 – 1786 قبل الميلاد) في مصر ((Chavalas, Matthews, and Walton, The Ivp Bible Background Commentary, 72 )). بدور سياسي يشابه دور رئيس الوزراء في زمننا وباسم مصري جديد، بدأ يوسف مشروع الحفاظ على مصر والمناطق المحيطة من خطر المجاعة الآتية. في النهاية، يظهر يوسف كمخلص لمصر والمناطق المحيطة من مجاعة استمرت سبعة سنين. التفسير اليهودي: تركز التفاسير اليهودية على التشابه في السرد بين عناصر قصة يوسف حيث يروا بيع يوسف للعبودية مقابل أنه كان سيخدع أخوته بادعائه أنه سيتخذهم كعبيد له، وحلميه بالسلطة على أخوته مقابل حلمي فرعون فيما يخص الدمار الآتي مع المجاعة، وارتدائه الثوب الملون الذي أعطاه إياه أبيه وارتدائه الثياب الملكية التي أعطاه فرعون إياه مقابل خلع أخوته ثيابه قبل بيعه كعبد ومحاولة امرأة فوطيفار خلع ملابسه لتوقعه في الخطية ((Berlin and Brettler, The Jewish Study Bible, 69-80 )). بخصوص المجاعة التي أنبئت بحلمي فرعون، نجد أمرين هامين. الأول هو أنه لا يوجد أي إشارة لكون المجاعة آتية من قبل الله. بل على العكس، الله هو من حفظ العالم خلال حلم فرعون وحكمة وتفسير يوسف. الأمر الثاني هو أنه على الرغم من أن الحلم أشار السنوات الضعيفة ستغضي على السنوات القوية، إلا أن يوسف يقدم لفرعون الطريقة التي بها سيُحفظ العالم من المجاعة ((Berlin and Brettler, The Jewish Study Bible, 77 )). ومع أنه من الممكن أن يربط الشخص بين الخصب والخير وبين المجاعة والشر، إلا أن في حالة يوسف كانت المجاعة سببًا في لقائه بأبيه وإخوته مرة أخرى بينما الغنى الذي أتى بعد هذه الأحداث كان وقت اعتلاء كرسي الفرعون ملكًا جديدًا لم يعرف يوسف واستعبد الإسرائيليين ((Berlin and Brettler, The Jewish Study Bible, 78 )). بالتالي، فالنظرة الإنسانية أو التوقع البشري لا يتلاقى دائمًا مع الحقيقة. وقد ينطبق ذلك أيضًا على الشر الذي صنعه أخوة يوسف به حين باعوه. من ناحية، قد كان هذا شرًا اقترفوه (تكوين 45: 4)، ومن الناحية الأخرى، كان الله هو المدبر للأحداث حتى لا يكن الدمار صاحب الكلمة الأخيرة وحتى تنتصر الحياة على الموت ((Berlin and Brettler, The Jewish Study Bible, 83 )). التفسير المسيحي: حين بيع يوسف بعشرين شاقل، الثمن المتعارف عليه آنذاك للعبيد ((Chavalas, Matthews, and Walton, The Ivp Bible Background Commentary, 69 ))، كان هذا سببًا في اهتمام الآباء بالنظر ليوسف كرمز ليسوع الذي بيع بثمن العبد في زمنه، أي ثلاثين من الفضة. بهذا المنظور، رأى معظم المفسرين المسيحيين الأوائل في حياة يوسف رمزًا حياة يسوع على عدد من المستويات. فيعلمنا أمبروسيوس أنه من كانوا في زمن يوسف كانوا سيهلكون جسديًا، كذلك من لم يطعمهم المسيح لن ينالوا الحياة الأبدية ((Sheridan, Ancient Christian Commentary on Scripture: Genesis 12 – 50, 296-297 )). على المستوى التاريخي الذي يحاول أن يبحث عما إذا كان الله هو سبب المجاعة أو سبب بيع يوسف كعبد، نجد يوحنا ذهبي الفم في عظاته على التكوين معلقًا على تعيين فرعون ليوسف، قائلًا ((Sheridan, Ancient Christian Commentary on Scripture: Genesis 12 – 50, 292 )) : انظر في هذه الحالة كيف أنه حين أراد الله ذو الوسائل العديدة أن يحقق قراراته، لا يجد صعوبة أمامه في الأحداث الجارية في نفس الوقت. انظر على سبيل المثال كيف أن قتل يوسف على يد أخوته كان على وشك الحدوث، والبيع، والاتهام الذي أدى به إلى الخطر الشديد، أي السجن لمدة طويلة، وكيف أنه بعد كل ذلك يمكننا أن نقول أنه ارتفع للعرش الملكي. (Sheridan, Ancient Christian Commentary on Scripture: Genesis 12 – 50, 292) فالله له الكلمة الأخيرة في كل ما يحدث في حياة يوسف محولًا كل الشر بطريقة تجعل من يوسف مخلصًا للناس في زمنه. ونسمع صدى هذه الفكرة مرة أخرى في كلمات يوحنا ذهبي الفم حيث يقول الكلمات التالية معلقًا على كلمات يوسف عندما أعلن هويته لأخوته ((Sheridan, Ancient Christian Commentary on Scripture: Genesis 12 – 50, 313 )) : يقول يوسف: "لا تكونوا شديدي اللوم على أنفسكم، ولا تظنوا أن هذه الأشياء حدثت لي حسب مشيئتكم. لم تكن هذه الأشياء بسبب حسدكم بقدر ما كانت من حكمة الله وحبه غير الموصوف أنني جئت إلى هنا والآن أصبحت في مكانة مرموقة لأعطي الغذاء لكم ولكل البلد. (Sheridan, Ancient Christian Commentary on Scripture: Genesis 12 – 50, 313) وبعد رقاد يعقوب، يتحدث يوسف وأخوته مرة أخرى عن الشر الذي قام به أخوته وضده في نهايات سفر التكوين. ومرة أخرى نجد يوسف مؤكدًا أن الله حول شرهم إلى خير. يقدم لنا يوحنا ذهبي الفم سرد وافي لعناية الله التي تحول الشر إلى خير قبيل نهاية عظاته على سفر التكوين فيقول ((Sheridan, Ancient Christian Commentary on Scripture: Genesis 12 – 50, 375-376 )) : إذن ليريهم مرة أخرى النعمة التي نالها من الله، يقول يوسف: "قد قصدتم بي شرًا لكن الله حوله إلى خير لي". لذا يقول أيضًأ بولس: "كل الأشياء تعمل معًا للخير"... ماذا يعني بـ"كل الأشياء"؟ حتى المخاصمات والإحباطات، حتى هذه الأشياء تتحول إلى خير وهذا بالضبط ما حدث مع هذا الإنسان الرائع. في الحقيقية، ما حدث من قبل إخوته أدى مباشرة لمجيئه إلى الملك، فشكرًا لحكمة الله الخلاقة التي حولت كل شرورهم إلى خير. (Sheridan, Ancient Christian Commentary on Scripture: Genesis 12 – 50, 375-376) أخيرًا: من الممكن أن نستنتج من التفاسير السابقة أنه من الممكن أن تحدث كارثة طبيعية دون أن يكون الله المسبب لها. وفي الحقيقة، يمكن أن يكون دور الله خلال أشخاص مثل يوسف هو السيطرة على الكارثة. فلا يوجد أي ذكر لله كمسبب للمجاعة في القصة كنتيجة لغضب أو حكم على الخطية. الشيء الوحيد الذي يمكن أن يفسر بطريقة قريبة من ذلك هي كلمات يوسف: وأما عن تكرار الحلم على فرعون مرتين، فلأن الأمر مقرر من قبل الله، والله مسرع ليصنعه (تكوين 41: 32) إلا أنه حتى ذلك لا يوحي بأنه كان ناتج عن غضب أو شر. علاوة على ذلك، على الرغم من أنه لا يمكن أن يظن أحدهم أن الله هو الذي جعل أخوة يوسف يبيعنه، إلا أن يوسف يقول: فقد أرسلني الله قدامكم ليجعل لكم بقية في الأرض وليستبقي لكم نجاة عظيمة (تكوين 45: 7). حقًا، الله لم "يرسل" يوسف عن طريق شر أخوته، بل بالحري أحضر إلى الواقع أفضل نتيجة ممكنة من شرهم. وبالنظر لأن العالم قد خلص بوجوده في مصر، لا يستنكف يوسف من نسب وجوده في مصر لسبب إلهي بالرغم من أن الله لم يكن هو المسبب لشرور أخوته. لو ظن يوسف أن الله كان سببًا لبيعه بشكل مباشر، لما حاول أن يخيف أخوته بسجن شمعون أو تهديده بسجن بنيامين لو أنهم لم يصنعوا شرًا وكانوا فقط منفذين لخطة الله. نسب الضعفات البشرية لله كمسبب لها يعد تجديف على صلاح الله واستخفاف بحرية الإرادة البشرية. في ضوء نسب يوسف بيعه لمشيئة الله على الرغم من أن إرادة الله لم تكن أن يبيعه أخوته، يمكننا أن نفهم تكوين 41: 32. من الممكن أن يقال إن الله هو سبب المجاعة فقط للإشارة لكونه المعلن عنه ولاستخدامه إياه لاعتلاء يوسف عرش الرجل الثاني في مملكة مصر ولحفظ النسب الإبراهيمي الذي سيأتي منه المسيح. على الرغم من كل ذلك، لا يمكننا أن نقول أن الله قرر بطريقة عشوائية أن يؤتي مجاعة على كل الأرض دون سبب. --- ### أسبوع "الاستعداد" أم "هرقل"؟
رحلة تطور الصوم الكبير - Published: ۲۰۲۲-۰۳-۱۰ - Modified: 2023-12-16 - URL: https://tabcm.net/4181/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أثناسيوس المقاري, أسبوع هرقل, أوريجينوس ليونايدس أدامانتيوس, إبرآم بن زرعة, الصوم الاربعيني, الصوم الكبير, الكنيسة القبطية, بابا كيرلس السادس, بابا كيرلس عمود الدين, جايوس فلاڤيوس ڤاليريوس أوريلوس قسطنطينوس, خريستوذلوس, دسقولية, صوم نينوى, عيد الغطاس, عيد الفصح, قديس أثناسيوس الرسولي, قس كيرلس كيرلس, كنيسة الإسكندرية, مجمع خلقيدونية, هرقل, يوسابيوس بامفيلوس القيصري جميع الليتورجيات في الكنيسة - التي تتكون من العبادات والأصوام والصلوات والألحان - لا تكون وليدة اللحظة، بل هي نتاج تطور تاريخي معقد عبر الزمان منذ العصر الرسولي إلى الآن. فكيف تطور الصوم الكبير من الصوم الأربعيني وحده، وأصبح سابقًا لصوم الفصح، أو ما ندعوه أسبوع الآلام. وما هي تاريخية أسبوع الاستعداد "أسبوع هرقل"، من أين أتى، وكيف ثبت في الكنيسة؟ القرن الأول كان يصام في القرن الأول الميلادي يومًا واحدًا فقط، وهو يوم الجمعة العظيمة، بغرض الحزن في قلوب المسيحيين على إخوتهم من اليهود الذين لم يؤمنوا بالرب وقيامته. ثم تطور من يوم إلى يومين بإضافة يوم السبت اليهودي الذي كان مكرما من اليهود أيضًا كصوم للمسيحين، استعدادًا منهم للاحتفال بأحد القيامة "يوم الرب العظيم". أما الجمعة والسبت فصومهما معا (الدسقولية 5 :15: 1) وأوضحت الدسقولية أن صوم السبت أكثر صرامة من صوم الجمعة حيث قالت: ولكن إذ لم يقدر أحدًا أن يصوم الإثنين معا، فليصم السبت حتى صياح الديك (الدسقولية 5: 18) القرن الثاني ظل هذا التقليد بصيام أيام متفاوتة حتى عهد القديس إيريناؤس (130- 200م)، فيوجد من يصوم يوم، أو اثنان، أو مدة أربعين ساعة دون أي طعام. لأن النِّزاع ليس محصورًا في اليوم فقط، بل يتعلق أيضًا بطريقة الصوم، فالبعض يظنون أنهم يجب أن يصوموا يومًا واحدًا، وغيرهم يومين، وغيرهم أكثر. والبعض يحسبون يومهم أربعين ساعة نهارًا وليلًا. وهذا الاختلاف في حفظ الصوم لم ينشأ في أيامنا، بل في أيام آبائنا قبل ذلك بوقت طويل ( يوسابيوس القيصري على لسان القديس إيريناؤس) هذا كله بالنسبة إلى أسبوع الفصح (الآلام)، أما ما يخصّ الصوم الأربعيني، فلا نجد عنه في القرون الأولى أي تعليم، إلا في إشارة وحيدة: إن أيام الصوم التي ثبِّتت هي الأربعين المقدسة والأربعاء والجمعة (العلامة أوريجانوس (185-254م)) القرن الرابع تطور صوم الفصح في هيئته الأخيرة في القرن الرابع إلى صوم ستة أيام متواصلة، ودعي "أسبوع البصخة" وتم تقنينه في الكنيسة في عهد الملك قسطنطين (306-337م)، وتطور صوم الأربعون المقدسة أيضًا فقد كان صومًا مستقلًا بذاته لا يرتبط بعيد الفصح (أسبوع الآلام)، إذ كان يبدأ بعد عيد الغطاس مباشرةً على مثال صوم المسيح أربعين يومًا في البرية. أول ما تم ذكره عن دمج الأربعين المقدسة، وأسبوع البصخة، كان في القرن الرابع في كنيسة الإسكندرية زمن البابا أثناسيوس، حيث كان يصام 35 يومًا ثم أسبوع البصخة، تبدأ يوم الإثنين، وتنتهى يوم سبت النور، فيكون مجموع الصوم 41 يوم كاملًا (ست أسابيع)، ففي الرسالة الفصحية الأولى للقديس أثناسيوس تم ذكر صوم الفصح ولم يُذكر الصوم الأربعيني، وفي الرسالة الفصحية الثانية تم ذكر الصومين متتاليين بحيث يبدأ يوم 9 مارس ويكون إثنين البصخة هو 13 أبريل، ويوم سبت النور 18 أبريل فيكون المجموع 41 يومًا. واستمر هذا الوضع قائماً حتى نهاية حبرية البابا كيرلس الكبير (421- 444م) على أقصى تقدير. وهو النظام الذي تبنته مصر وفلسطين وليبيا. القرن الخامس بعد مجمع خلقيدونية سنة 451م، تمثلت كنيسة الإسكندرية بالكنائس الشرقية الأخرى، فأضافت أسبوع آخر للصوم المقدس، حيث صار الصوم في كل الشرق سبعة أسابيع. ولكن في كنيسة الإسكندرية ظل التمييز واضحًا بين الصوم الكبير، وصوم أسبوع الفصح. القرن السابع تمت إضافة أسبوع ثامن إلى الصوم الكبير، وسمى "أسبوع هرقل" نسبة إلى الملك هرقل (610- 640م). كان الملك هرقل ملك الروم ذاهبًا إلى بيت المقدس، ووجد هناك اليهود قد أحدثوا خرابًا كبيرًا بالكنائس، والقبر المقدس، ومكان الجلجثة حيث صُلب الرب، وأحرقوا المسيحين بالنار. وعندما رأه المسيحين من الرهبان والأساقفة، طلبوا منه أن يأخذ بثأرهم ويقتل اليهود، ولكنه لم يستجب، لأنه عاهد اليهود ألا يقتلهم، وهنا وعده المسيحيون بأنهم سيصومون أسبوعًا إلى انقضاء الدهر إكرامًا وغفرانًا له، وبالفعل كتب البطاركة والأساقفة إلى جميع البلاد لصوم أسبوع باسم الملك هرقل. (كتاب: "مصباح الظلمة وإيضاح الخدمة" لابن كبر - الباب الثامن عشر، بتصرف) فكانت هذه الحادثة التاريخية بداية صوم هذا الأسبوع، حيث بعث بطريرك الروم إلى البابا أندرونيكوس (616-623م)، ولكن بعد موت الملك هرقل تراجعت كنيسة الروم وباقي الكنائس عن صوم هذا الأسبوع، ما عدا الكنيسة القبطية. عن جمعة هرقل: أهل مصر القبط إلى الآن يصومونها، إلا الشام والروم الملكية، فإنهم بعد موت هرقل رجعوا يأكلون في هذه الجمعة بيضا وجبنًا وسمكًا ("نظم الجوهر" لسعيد ابن بطريق  877-940م) وجاء أيضًا: وذلك أن الأسبوع الأول ليس من الأربعين يوما الصوم، بل نحن نصومه عبادة من أجل الملك هرقل، الملك لم قتل اليهود، وفسخ العهد الذي كان عاهدهم به، فهو كان خبر مشهور معروف في أخبار هرقل. ("نظم الجوهر" لسعيد ابن بطريق  877-940م) وفى موضع آخر يكمل: أما اليونان وأهل القسطنطينية الذين نسميهم الروم، فأنهم يصومون من أول الأسبوع الثاني الذي هو بدء صوم الأربعين يومًا، فأما أسبوع كفارة هرقل فلا يصومون.   (المقالة الثامنة من كتاب: "الدر الثمين في إيضاح الدين"، الأنبا ساويرس بن المقفع أسقف الأشمونين) هذا الأسبوع من الصوم قد تأسس بصورة تتنافى مع الروح المسيحية، فلا يوجد صوم يستطيع أن يمحى الخطايا دون توبة حقيقة. كما صامت إيزابيل الملكة عندما أرادت قتل نابوت اليزرعيلى ورجمه.  وإن فرضنا أن هذا الصوم فرض على الروم لوقت وظروف معينة حتمت عليهم ذلك، فلماذا يصوم العالم أو الكنيسة القبطية عن هذا الذنب؟ وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: لِمَاذَا لاَ يَحْمِلُ الابْنُ مِنْ إِثْمِ الأَبِ؟ أَمَّا الابْنُ فَقَدْ فَعَلَ حَقًّا وَعَدْلًا. حَفِظَ جَمِيعَ فَرَائِضِي وَعَمِلَ بِهَا فَحَيَاةً يَحْيَا. (حزقيال 18 : 19) ومن المضلل أن نطلق عليه "أسبوع الاستعداد" وكأننا نبرئه من هذا الإثم، فمنطقيًا كيف نستعد للصوم بصوم مثله لا يختلف عنه لا في قراءاته ولا قوانينه أو ليتورجيته. وتتوالى السنين ويأتي البابا إبرآم ابن زرعه في القرن العاشر ويشترط فرض صوم يونان ثلاثة أيام كشرط أساسي مقابل أن يصوم هذا الأسبوع، وبالفعل وافق الشعب.  مع العلم أنه تم التراجع عن هذا الصوم مرة أخرى بعد نياحته فنجد أن قوانين البابا خريستوذولس البطريرك 66 لم تذكر هذا الأسبوع من ضمنها. المصادر: - يوسابيوس القيصري، تاريخ الكنيسة (24:5)، تَرْجَمَة القمص مرقص داود، القاهرة، الطبعة الثانية، مايو 1979م، ص 278. - كتاب "صوم نينوى والصوم الكبير، الباب الثاني، الفصل الثاني"، للراهب القس أثناسيوس المقاري. - كل الرسائل الفصحية بدءًا من البابا أثناسيوس الرسولي حتى البابا كيرلس الكبير، نفصل بين الـ35 يومًا الأولى للصوم، والستة أيام التالية التي لأسبوع الفصح. - مجلة مار مرقس يوليو 1971 – الأربعين المقدسة ص 5،6 - كتاب أصوامنا بين الماضي والحاضر، القس كيرلس كيرلس، طبعة أولى، 1982 - كتاب صوم نينوى والصوم المقدس الكبير، أبونا أثناسيوس المقاري - Cross, F. L. , & Livingstone, E. A. The Oxford Dictionary of The Christian Church (ODCC), (2nd edition), 1998, p. 661 --- ### الرَحْمَة والراحِم والمَرحومون - Published: ۲۰۲۲-۰۳-۰۹ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/4087/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: الترجمة اليسوعية قال يسوع للشاب "كيف تقرأ؟" ومازال يقول لك يا من تقرأ كلمة الله "كيف تقرأ؟" وكيف تتحرَّر من القراءة الحرْفية؟ هذه المحاولة لقراءة حيَّة لكلمة الله بواسطة بعض النصوص والأمثلة. ماذا تعني "الرَحْمَة" في قواميس اللغة؟ الرَحْمَة هي: المغفرة، الشفقة، الرقّة، الإحسان، الخير، النعمة. الرَحْمَة: نداء لالتماس المغفِرة والصفْح أو لاستثارة الشفقة، وتذكر القواميس: كَانَ تَحْتَ رَحْمَتِهِ: أي تَحْتَ تَصَرُّفِهِ الكَامِلِ. رحَمَه: رق له. رحَمَه: غفر له. أي إن الرَحْمَة حالة تجمع بين طرفين يترجَّى أحدهما رَحْمَة الآخر الذي في مقدرته العفو والصفح. يحتوي الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد، آيات توضِّح رَحْمَة الرب للبَشَر، ومنها على سبيل المثال: "الصَّانِعُ رَحْمَة لِمَسِيحِهِ، لِدَاوُدَ وَنَسْلِهِ إِلَى الأَبَدِ" (مزمور 18 : 50) "إِنَّمَا خَيْرٌ وَرَحْمَة يَتْبَعَانِنِي كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِي"(مزمور 23 : 6) "كُلُّ سُبُلِ الرَّبِّ رَحْمَة وَحَقٌّ لِحَافِظِي عَهْدِهِ وَشَهَادَاتِهِ" (مزمور 25 : 10) "وَرَحْمَتُهُ إِلَى جِيلِ الأَجْيَالِ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَهُ" (لوقا 1 : 50) "اللهُ الَّذِي هُوَ غَنِيٌّ فِي الرَحْمَة، مِنْ أَجْلِ مَحَبَّتِهِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي أَحَبَّنَا بِهَا" (أفسس 2 : 4) فالرَحْمَة قصْد الله من ناحيتنا، ولا يخلو سفر من أسفار الكتاب المقدس من التأكيد على هذه المعاني التي تكشِف محبة الله لخليقته، فهو من أجل محبته الكثيرة هو غَنِي في الرَحْمَة، وبحسب التَّرْجَمَةً اليسوعية "الله الواسِع الرَحْمَة، لحبه الشديد الذي أحبنا به" وحسب التَّرْجَمَةً المشتركة "بواسِع رحمته وفائِق محبته لنا"، فالمحبة كثيرة وشديدة وفائقة، والرَحْمَة غنيَّة وواسِعة. لا نملك إلا أن نشكر من كل قلوبنا إلهنا من أجل رحمته ومحبته اللتين تتلاقيان مع الحق. "الرَحْمَة وَالْحَقُّ الْتَقَيَا. الْبِرُّ وَالسَّلاَمُ تَلاَثَمَا" (مزمور 85 : 10) "أَمَّا أَنْتَ يَا رَبُّ فَإِلهٌ رَحِيمٌ وَرَؤُوفٌ، طَوِيلُ الرُّوحِ وَكَثِيرُ الرَحْمَة وَالْحَقِّ" (مزمور 86: 15) “بِالرَحْمَة وَالْحَقِّ يُسْتَرُ الإِثْمُ" (أمثال 16 : 6) الرَحْمَة والحب لدى الله يجعلاه طويل الروح عند المطالبة بالحق، فيستر الإثم، "وَنَحْنُ أَمْوَاتٌ بِالْخَطَايَا أَحْيَانَا مَعَ الْمَسِيحِ بِالنِّعْمَةِ أَنْتُمْ مُخَلَّصُونَ، وَأَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ" (أفسس 2 : 5 - 6) لا يجد الإنسان ما يقوله لله سوى إنك يا الله "محبة" أما قِمَّة المحبة لربنا فإنه لا يتركنا وحدنا نصارِع كيفية تجاوبنا مع محبته ورحمته، وهو مستعد أن: "يُعَلِّمُ الْخُطَاةَ الطَّرِيقَ ويُدَرِّبُ الْوُدَعَاءَ فِي الْحَقِّ، وَيُعَلِّمُ الْوُدَعَاءَ طُرُقَهُ" (مزمور25: 9) هذا طريق اختبار مُفرِح وغني ومُبَارك، وليس مجَّرد وصايا أو أوامر، إنها عِلاقة مجيدة مع الله. التجاوب مع رَحْمَة الله عندما بشَّر الملاك السيدة العذراء مريم هتفت في نهاية الحِوار قائلة: "وَرَحْمَتُهُ إِلَى جِيلِ الأَجْيَالِ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَهُ" (لوقا 1: 50) فقد استشعرت العذراء امتداد الرَحْمَة إلى جيل الأجيال. كأن مريم العذراء لم تأخذ الوعد لها فقط بل امتدت به إلى كل الأجيال ورأت أعمال الله في طول الزمن. هكذا هي النفْس النقيِّة أمام الله التي تتطلَّع إلى الخليقة مُعلِنةً رَحْمَة الله مُبتَهجةً به. كيفية تجاوب المؤمنين مع رَحْمَة الله: "وَأَمَّا الْحِكْمَةُ الَّتِي مِنْ فَوْقُ فَهِيَ أَوَّلاً طَاهِرَةٌ، ثُمَّ مُسَالِمَةٌ، مُتَرَفِّقَةٌ، مُذْعِنَةٌ، مَمْلُوَّةٌ رَحْمَة وَأَثْمَارًا صَالِحَةً، عَدِيمَةُ الرَّيْبِ وَالرِّيَا" (يعقوب 3 : 17) "قَدْ أَخْبَرَكَ أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا هُوَ صَالِحٌ، وَمَاذَا يَطْلُبُهُ مِنْكَ الرَّبُّ، إِلاَّ أَنْ تَصْنَعَ الْحَقَّ وَتُحِبَّ الرَحْمَة " (ميخا 6: 8) "الْوَاعِظُ فَفِي الْوَعْظِ، الْمُعْطِي فَبِسَخَاءٍ، الْمُدَبِّرُ فَبِاجْتِهَادٍ، الرَّاحِمُ فَبِسُرُورٍ" (رومية 12: 8) "طُوبَى لِلرُّحَمَاءِ، لأَنَّهُمْ يُرْحَمُونَ" (متى 5: 7) “تَرْحَمُ الْعَبْدَ رَفِيقَكَ كَمَا رَحِمْتُكَ أَنَا" (متى 18: 33) كثيرون لهم اختبارات يقرُّون فيها عن رَحْمَة الله التي بلا حدود، فكم من الذين شُفوا بطُرق مُعجِزية والذين اختبروا معونة من آخرين كانت يد الرب واضحة فيها تمامًا. نعم يسرد أصحاب هذه الاختبارات بإقرار وإحساس مُمتَن لرَحْمَة الله، ولكن لا يصح أن يقف الاختبار عند هذا الحد. فعندما سأل يسوع الناموسي عمن صار "قريبًا َ لِلَّذِي وَقَعَ بَيْنَ اللُّصُوصِ" قال الرجل "الَّذِي صَنَعَ مَعَهُ الرَحْمَة". فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ:اذْهَبْ أَنْتَ أَيْضًا وَاصْنَعْ هكَذَا(لوقا 10: 37) لعل من أنقذه الرب من الموت نتيجة تبرُّع بفصيلة دَم نادرة مثلًا، في إمكانه أن ينظم حملة لجمع هذه الفصيلة؟ لعل من أنقذه الرب من مشكلات في العمل، يمكنه أن يمد يده لغيره ممن يعانون ظروفا مماثلة؟ تأثير الرَحْمَة للراحِم "اَلرَّجُلُ الرَّحِيمُ يُحْسِنُ إِلَى نَفْسِهِ، وَالْقَاسِي يُكَدِّرُ لَحْمَهُ" (أمثال 11: 17) هذه الأعداد تتحقَّق حرفيًا، فالنفس تهدأ وتتطلَّع إلى أشياء طيبة تريح النفس وتطمئن القلب وتُنضِج الفكر فتحسن فعليًا إلى نفسها. الرَحْمَة ووحْدة الجَسَد الرَحْمَة طريق من طُرق وحدة الجسد، يتحقَق بممارسة كل أثمار الإيمان مع بعضنا البعض. فالمسيحية ليس بها (إيمان وأعمال) وإنما إيمان بالبر وبالتقديس وبالتمجيد. فهل التقديس حِمْل ثقيل؟ ينال الإنسان الحياة الجديدة بالإيمان وبالتصديق، هكذا يكون التقديس بالإيمان والتصديق. إلا أنه أحيانا يكون الموقف سلبيًا من ناحية "الأعمال" حين يكون تركيز التعليم على (الخلاص بالإيمان بدون أعمال) وأيضًا حين يُنظر إلى القيم والأخلاقيات على أنها (أنشطة دنيوية) لا تتناسب مع الإيمان، فلا يكون الكلام والتعليم عن كلا من الأعمال والأخلاقيات مُستحبَّا كموضوعات روحانية. ممارسات وأساليب الرَحْمَة في مجتمعنا يصف سِفر الأمثال الإنسان الصدِّيقِ قائلًا: "الصدِّيقُ يُرَاعِي نَفْسَ بَهِيمَتِهِ، أَمَّا مَرَاحِمُ الأَشْرَارِ فَقَاسِيَةٌ" (أمثال 12: 10) "الصدِّيق يصون حتى حياة بهيمته، أما الشرير فقلبه لا يرحم" (بحسب الترجمة المُشتركة) من هو الصِدِّيق؟ هو الذي يُصَدِّق قولَه بالعمل حَسَبَ تعريف القواميس، فالـ"رَحْمَة" تشمل أيضًا الحيوان وصيانة حياته، وهو ما قد يظهر عكسه في بعض الأحيان من تهكُّم بمن يسلك هذا السلوك في مجتمعنا، فقد عاش مجتمعنا ظروفًا دفعته إلى الخشونة والاحتدام في الكلام والتعامل، ورد الفعل الذي يشوبه العنف، فكل مجتمع له ثقافة وأسلوب معين لأن الإنسان يتأثر بما حوله. نعطي أنفسنا مبرِّرات للمعاملة الخشنة لأقرب الأقارب والذين قد يكونون في أشد الاحتياج، وربما حتى في الكنيسة. هل هذا يتطلَّب أن تدرس الكنيسة واقع مجتمعها وأن تبذل الجهد في التعرُّف على قضايا كثيرة؟ هل من الصواب أن تقتنع الكنيسة أن الحياة أصبحت معقـَّدة تتطلَّب تعاون الدين مع مختلف أنواع العلوم الاجتماعية والنفسية والعلمية للوصول لحلول أخلاقية؟ --- ### نحن نثق فيمن لا نعرفهم ﻷنهم لم يخدعوننا من قبل - Published: ۲۰۲۲-۰۳-۰۸ - Modified: 2022-03-05 - URL: https://tabcm.net/4197/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أنبا مارتيروس، أسقف عام شرق السكة الحديد, أندرو ميشيل, نحن نصدق الناجيات انتشر منذ أيامٍ فيديو الشابٍ أندرو ميشيل -من ذوي الإعاقة- يشكو من بعض خدام كنيسة القديسة بربارة بحي الشرابية، القاهرة، لأنهم -وفقا لأندرو- نشروا بعض الشائعات الخاطئة عنه، مما جعله غير قادرٍ على الاستمرار في الحياة. وانتحر أندرو بكل أسف سقوطًا من الشرفة بعد هذا الفيديو. وصدر بيان عن كنيسة القديسة بربارة وحمل توقيع الأنبا مارتيروس الأسقف العام، مجمله أن أندرو كان يغضب لأي سبب، ومريض نفسي شديد الحساسية، لذا، ما قاله عن الكنيسة غير حقيقي، والخدام لم يقصروا في حقه. واختتمت الكنيسة البيان بدعوة الجميع إلى عدم الإدانة، والفرح. كيف يصدر بيانًا كهذا بهذه السرعة بعد وفاة أندرو بساعات قليلة؟ فالمتوقع في مثل هذه الحوادث هو التحقيق في الأمر لتقصي الحقيقة، ومحاسبة المخطئ إن وُجد، لكن البيان لم يذكر أنه سيفتح تحقيقًا مع الخدام لدراسة الأمر، فقط، دار الأمر حول تجميل صورة الكنيسة بالتأكيد على مرض أندرو وحساسيته، وكيف يطالبنا البيان بعدم الإدانة وهو قد أدان أندرو فعلًا بتكذيب ما قاله في مقطعه بهذه السرعة؟ أليس من الممكن أن يكون أندرو مريض نفسي شديد الحساسية، ولكنه أيضًا تعرض لأذى حقيقي ومؤلم ربما لا يتحمله حتى الأسوياء؟ هل المريض النفسي غير صادق على طول الخط؟ ولماذا لم يسأل الآباء أنفسهم لماذا خص أندرو كنيستهم "بربارة الشرابية" ونفى الأمر عن كنيسة "العذراء الشرابية"؟ فمن يشعر بالكره لأتفه الأسباب، بالطبع سيجد في كل مكان يدخله أسبابًا تافهة تجعله يغضب! الإقدام على خطوة الانتحار ليس أمرًا سهلًا، بل يتعارض مع الغريزة الإنسانية للبقاء، وغالبية المنتحرين لا يريدون قتل أنفسهم بقدر ما يريدون إيصال رسالة للعالم، وتلقين من عنفوهم درسًا قاسيًا كيلا يفعلوا ذلك، مرة أخرى مع الآخرين، ولم يكن أندرو كارهًا لحياته ولنفسه؛ فقد ذكر في مقطعه أنه إنسان جميل، ونقي، ويستحق الحب بعكس ما يقوله الناس عنه. ابدأ بتصديق الضحية ذكرتني قصة أندرو بقصة "ماري أدلر"، تلك الفتاة الشهيرة التي تعرضت للاغتصاب بولاية لينوود بالولايات المتحدة الأمريكية، التي أنتجت شركة "نتفلكس" مسلسلًا عن قصتها في ٢٠١٩ باسم "Unbelievable" كانت ماري تعاني مشكلات نفسية عدّة، بسبب العنف الأسري الذي تعرضت له، ودخولها لعدة ملاجئ ومؤسسات إصلاحية، فكانت تحاول دائمًا جذب انتباه المحيطين بها باختلاق أحداث وهمية تجعلها تظهر دائمًا في دور الضحية. تعرضت ماري للاغتصاب في عمر ١٨ عامًا على يد مجرم مهووس باغتصاب النساء وتعنيفهم جنسيا (serial rapist). وحين ذهبت إلى الشرطة لتقدم بلاغًا، رفضوا مساعدتها بعد معرفتهم بمشكلتها النفسية، ظنا منهم أن الاغتصاب أكذوبة جديدة للحصول على تعاطف الآخرين. نعم، كانت ماري مريضة، وقد اختلقت كثيرًا قصصًا غير حقيقية؛ لكنها، لم تكن تكذب هذه المرة، فيا للمصادفة، قد تعرضت تلك الفتاة "المريضة" للإيذاء عن طريق حادث اغتصاب بشع، واتهمتها الشرطة أنها تكذب ولم يكلفوا أنفسهم مشقة التحقيق، وبعد سنوات، أعادت الشرطة فتح المحضر من جديد، بعدما تكرر الحادث مع فتيات أخريات بنفس التفاصيل التي روتها ماري للشرطة، كما تم العثور على صورة لماري على كاميرا المتهم بعد القبض عليه، فكان يحب أن يصور ضحاياه في حالة الضعف والرعب. أثارت تلك القضية الرأي العام وأحدثت صخبًا واسعًا بين الحقوقيين الذين رفعوا شعار "Start by Believing"، "ابدأ بالتصديق". وحركة "We Believe Survivors" "نحن نصدق الناجيات". نال الشرطي الأمريكي، الذي سارع بإغلاق محضر ماري وإرهابها لتعترف أن البلاغ كاذب، جزاءه المستحَق، ودفع غرامة باهظة للضحية، بل وصار أيضًا عبرة للرأي العام لأنه لم يصدق الضحية ولم يؤدي واجبه. فهل إذا جاء له أحد الرجال ليبلغ عن سرقة سيارته أو منزله، سيرتدي نظارة فرويد ليحلل صاحب البلاغ نفسيًا، ويرى إذا كان صادقًا أم لا؟ بالطبع لا؛ بالرغْم من إمكانية اختلاق حدث كهذا لكسب تعاطف الناس أمر وارد، فلماذا نفعل ذلك مع الفتيات اللاتي تعرضن للتحرش والابتزاز والأقليات كأصحاب الأمراض النفسية مثل أندرو؟ فالتصرف الإنساني المتوقع هو أن تبدأ الكنيسة بتصديق روايته. هل نذكر فتاة الدقهلية بسنت التي انتحرت بسبب الصور المزيفة لأنها لم تجد من يصدقها؟ فحتى أسرة الفتاة لم تستطع تطبيق ذلك المبدأ الأخلاقي البسيط "القضاء على الشر يبدأ بتصديق الضحية" حتى انتهى الأمر بالفتاة بكتابة رسالة فحواها أن الصور ليست لها ومزيفة وأنها ستنتحر لأنها لم تجد من يصدقها. فمتى سنتعلم أن الضحية صادقة حتى يثبت العكس، ثم أن المتهم بريء أيضًا حتى تثبت إدانته! وكم حادث انتحار نحتاج أن نكف عن إدانة الضحية وصم آذاننا نحو صراخها كما فعلت الكنيسة ولا زالت تفعل مع أندرو؟ --- ### الثورة الثقافية والفعل الثقافي - Published: ۲۰۲۲-۰۳-۰۷ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/4012/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, لاهوتيات - وسوم: إبراهيم الكرداوي, الإنسان ضد المجتمع الجماهيري, الفعل الثقافي في سبيل الحرية, باولو ريجلوس نيفيس فريري, جابرييل مارسيل لا تستطيع القيادة الثورية كشف واقع محيّر والدعاية لمشروع تمهيدي، إن هي لم تنجح في حل المعضلات التالية: 1-التشهير بالواقع دون معرفته. 2-الدعاية لواقع جديد دون امتلاك لمسودة المشروع، الذي بالرغم من كونه ينبثق من التشهير يصبح مشروعًا قابلاً للحياة في خضم الممارسة فقط. 3-معرفة الواقع دون الاعتماد على الشعب، وكذلك على الوقائع الموضوعية كمصدر لمعرفته. وإذا ركزت على: 1- القيام بالتشهير والدعاية لنفسها كقيادة. 2- خلق خرافات جديدة من التشهير والتبشير، إذ يجب أن يقف التشهير والتبشير ضد الأيديولوجية بنفس القدر الذي ينشأ به كنتيجة للمعرفة العلمية بالواقع. 3-التخلي عن الصلة الحميمة مع الشعب، ليس فقط في خلال الزمن ما بين جدل التشهير والتبشير وبين التحقيق الملموس لمشروع قابل للتطبيق، ولكن أيضًا في نفس عملية إعطاء هذا المشروع صفة الواقع الملموس. ومن الضروري للثوريين أن يوجهوا عنايتهم أكثر فأكثر إلى ملاحظة الخلاف الجذري الذي يفرقهم عن النخبة اليمينية. إذ ليس بكافٍ أن ندين عنف اليمين، ووضعه الأرستقراطي وخرافاته، بل يجب أن يثبت الثوريون أنهم يحترمون الشعب ويؤمنون به ويثقون فيه، لا كمجرد استراتيجية وإنما كمطلب صريح يطلبه كل من هو ثوري. ويعتبر هذا الالتزام تجاه الشعب التزامًا أساسيًا في كل وقت، وبصفة أساسية خاصة في الفترة الانتقالية التي يخلقها الانقلاب. إن "التوعية" هي أكثر من التملك البسيط للوعي، في حين أنها تتضمن هزيمة "الوعي الزائف"، هزيمة الحالة شبه الثابتة أو الانتقالية الساذجة للوعي، كما تتضمن كلية الانخراط النقدي للشخص الذي يتوعى في الواقع، وقد فقد خرافيته. ذلك هو سبب أن "التوعية" هي فكرة غير قابلة للتحقيق عند اليمين، لأنه بطبيعته عاجز عن أن يكون طوباويًا. ومن هنا، كان عجزه عن أن يطور شكل الفعل الثقافي الذي تنبثق منه "التوعية"، وكما أنه لا يمكن أن تكون هناك "توعية" للشعب بدون تشهير جذري بالأبنية التي تستلب الإنسانية، مصحوبًا بدعاية لواقع جديد سيخلقه البشر. ينتهي باولو فريري إلى الآتي: وهناك اتجاهان مفتوحان أمام الوعي الانتقالي الشعبي: أولهما، أن ينمو من حالته الساذجة إلى مستواه النقدي "أقصى وعي كامن" كما يسميه جولدمان، أو أن ثانيًا، تتشوه الحالة الانتقالية هذه، فيصبح الوعي في شكله المرضى وعيًا "غير عقلاني" أو متطرف كما وصفه "جابرييل مارسيل" في مؤلفه "الإنسان ضد المجتمع الجماهيري"، وهذا الشكل ذو سمة خرافية تحل محل السمة السحرية لحالتي الوعي شبه الثابت والانتقالي الساذج وتنشأ "التعمية" ظاهرة المجتمع الجماهيرية. (باولو فريري) وينهي بهذه الفقرة: لقد تحدثنا عن التحدي الذي يواجه أمريكا اللاتينية في هذه الفترة من التحول التاريخي. وكلنا إيمان بأن المناطق الأخرى للعالم الثالث لا تعتبر استثناء فيما سبق لنا وصفه. هذا بالرغم من أن كلاً منها سوف يراعي دقائقه الخاصة به. فإذا ما كانت الطرق التي تتبعها سوف تؤدي إلى تحررها، فإنها لا يمكن لها أن تضع جانبًا الفعل الثقافي في سبيل "التوعية" إذ يمكنها عبر مثل تلك العملية فقط للجماهير غير الانتقادية والناهضة أن تصل إلى مرحلة "أقصى وعي كامن" ويمكنها بلوغ نهاية الطريق من الانغماس في الوعي شبه الثابتإلى النهوض الكامل. فإذا ما وثقنا في البشر، فلن يسرنا القول بأنهم بشر، بينما نقف مكتوفي الأيدي عن الأعمال الملموسة التي تمكنهم من الحياة كبشر (باولو فريري) الفعل الثقافي في سبيل الحرية تأليف: باولو ريجلوس نيفيس فريري (بالبرتغالية: Paulo Freire‏)معلم وفيلسوف برازيلي وصاحب نظريات ذات تأثير كبير في مجال التعليمريسيف، بيرنامبوكو، 19 سبتمبر 1921 - ساوباولو 2 مايو 1997ترجمة: إبراهيم الكرداوي الناشر: مركز الدراسات والمعلومات القانونية لحقوق الإنسان الطبعة: الأولى - 1995 --- ### "القتل المُباح" في رأي اﻷنبا شنودة  - Published: ۲۰۲۲-۰۳-۰٦ - Modified: 2022-03-02 - URL: https://tabcm.net/4150/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أنسلم، أسقف كانتربري, بابا شنودة الثالث "إذن وصية "لا تقتل" كانت وصية للمعاملات الفردية، و لكن جماعة المؤمنين عموماً وقتذاك، أو الدولة حالياً كدولة، لها الحق أن تقتل في نطاق القانون" (البابا شنودة الثالث - الوصايا العشر في المفهوم المسيحي - الكتاب الثالث -  "ﻻ تقتل" - الطبعة السادسة) "فالذين  يُعلِّمون  الناس طريقاً خاطئاً في الإيمان ، أو يرشدونهم إرشاداً خاطئاً يتلف حياتهم الروحية، إنما هم بذلك يكونون قد قتلوا هذه النفوس و ألقوها في الجحيم. ومن أمثلة هذا ما فعله الهراطقة والمبتدعون ... قتلوهم بقتل أبشع من القتل الجسدي. لأنه في القتل الجسدي ربما تخلص الروح ... بينما في الهرطقة ... يكون مصيره الهلاك الأبدي. لذلك نضع في مقدمة أولئك القتلة اَريوس ومقدونيوس ونسطور ... ولوثر وكثيراً من المبتدعين الحاليين كأصحاب بدعة شهود يهوه والسبتيين إلخ"(البابا شنودة الثالث - الوصايا العشر في المفهوم المسيحي - الكتاب الثالث -  "ﻻ تقتل" - الطبعة السادسة) رأي قرأته وأذهلني لشدة غرابته وتناقضه مع علاقة الله وتعاليمه للإنسان في العهد الجديد، والتي أسسها الرب يسوع المسيح في إرسالية تجسده لخلاص الإنسان لا لقتله. هذا الرأي قد يتسلل إلي ذهنية البعض عندما يخلطون بين عهد الله مع الإنسان قديماً وقبل مصالحة الله للإنسان بيسوع المسيح الذي خلق الإنسان جديداً ”إِذًا إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ: الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ، هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا. وَلكِنَّ الْكُلَّ مِنَ اللهِ، الَّذِي صَالَحَنَا لِنَفْسِهِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، وَأَعْطَانَا خِدْمَةَ الْمُصَالَحَةِ، أَيْ إِنَّ اللهَ كَانَ فِي الْمَسِيحِ مُصَالِحًا الْعَالَمَ لِنَفْسِهِ، غَيْرَ حَاسِبٍ لَهُمْ خَطَايَاهُمْ، وَوَاضِعًا فِينَا كَلِمَةَ الْمُصَالَحَةِ“ ( كورنثوس الثانية : ٥) إن العصور الوسطي المظلمة في أوروبا قد صاحَبَها ظهور نظرية لاهوتية تناسب المجتمع الإقطاعي لأمراء هذا العصر، هي نظرية أنسليم، الأسقف الكاثوليكي حوالي القرن ١٦، والتي علي هديها نشأ الفكر اللاهوتي البروتستانتي (والذي يقول البعض منهم أنهم يتركونه حالياً). تقوم  تلك النظرية علي وراثة الإنسان لخطية أبيه آدم  وضرورة عقوبته بالموت. وسيطر الفكر العقابي الذي لعدالة محاكم البشر علي فهم اللاهوت في الغرب تأثراً بالمجتمع وقتئذ. فمفهوم الشرق لخلاص المسيح أنه علاج و تأهيل و شفاء  لفساد وموت الإنسان، بينما الغرب غلبت عليه ملامح عصره من الجريمة والعقاب. ولأن شريعة العهد القديم قامت علي عدالة القضاء وليس عدالة الشفاء: "سافك دم الإنسان، بالإنسان يسفك دمه"(تكوين 9 : 6) - ”بِإِثْمِهِ الَّذِي فَعَلَهُ يَمُوتُ“(حزقيال ١٣ :٣٣) لذلك فكلما احتاج بشر إلي السيطرة علي تابعية فإنه يبحث عن سند من شرعية إلهية لأوامره  و عاقبة العصيان، فيرجع إلي خطاب العهد القديم  بطريقة انتقائية لتخدم رأيه الخاص بغرض التمكين. ولأن الكتاب المقدس يحذر أن الذين بلا مرشد يسقطون كأوارق الخريف، لذلك كان شطط البعض الذين لم ينصتوا لتعليم الآباء. فادعوا بأن الله لم ينه عن القتل بصفة مطلقة في العهد الجديد، وهم في ذلك يخلطون خطاب العهد الجديد بخطاب العهد القديم وبالمخالفة للإيمان المسيحي. أولاً : المسيح كمَّلَ الناموس  و شريعة العهد القديم ”ما جئت لأنقض بل لأكمل“ بمعني أنه وَصَل بالشريعة  إلي كمال شكلها وهدفها بحسب خطة الله ونضج الإنسان. لذلك فالالتزام بالناموس بمفهوم العهد القديم  هو خلط للكامل مع الناقص الذي لم يَكْمُل.   والرب يسوع أرانا بنفسه كيف حقق هدف العهد القديم للخلاص من الشر، فبينما يأمر  العهد القديم بقتل الزانية، نجد الرب يسوع لم  يترك المرأة الزانية  لليهود ليقتلوها، بل شفي طبيعتها الساقطة بالتوبة والغفران. وهكذا تَكمَّل العهد القديم في العهد الجديد بالمسيح، ليس بقتل الإنسان  كقضاء محاكم الأرض، ولكن  بإزالة الموت وفساده الذي سيطر علي طبيعته. فيسوع المسيح هو الطبيب العظيم الذي واجه موت الإنسان وفساد طبيعته علي الصليب وهزمه وأعطاه طبيعة جديدة. ثانياً : إيمان الكنيسة الجامعة منذ مجمع أورشليم برئاسة يعقوب الرسول بعد سنوات قليلة من قيامة المسيح، منع التزام المسيحية بالتهود وناموس موسي وشرائع العهد القديم. ثالثاً : رسائل بولس الرسول وبخاصة غلاطية ورومية، هي شهادة دامغة لانتهاء العمل بشريعة العهد القديم بعد أن كمَّلتها شريعة الحرية في المسيحية. رابعاً : المسيحية قاطبة  تقول إن الله  نهي عن القتل في العهد الجديد بصورة مطلقة. وبذلك فإن نص العهد القديم قد توقف العمل به في العهد الجديد لأنه قد اكتمل بشفاء الطبيعة الفاسدة  للإنسان القاتل بالتوبة والغفران. فهؤلاء الذين ينكرون أن الله نهي عن القتل بصفة مطلقة  في العهد الجديد،  اعتمدوا علي تفسيرهم الخاص لثلاثة آيات إعتبروها أدلة علي صحة فهمهم، فلجأوا إلي آية من العهد القديم بقتل القاتل "سافك دم الإنسان، بالإنسان يُسفَك دمه" (تك 9 : 6). وقول الرب يسوع  المسيح لبطرس "رد السيف إلي غمده لأن كل الذين يأخذون بالسيف، فبالسيف يهلكون" (مت 26 : 52). و أن  بولس الرسول صرح بالقتل بقوله أن السلطانلا يحمل السيف عبثاً(رو 13 : 4) ”إذ هو خادم الله منتقم للغضب من الذي يفعل الشر“. خامساً : من العجيب أنهم يأتون بحادثة ضرب بطرس لأذن عبد رئيس الكهنة بالسيف وقطعها (مت 26 : 52) ويستخدمونها لإثبات أن الله لم ينه عن القتل بصفة مطلقة في العهد الجديد.   بينما قولهم هذا هو العكس تماماً لموقف المسيح الواضح  حيث نهي الرب يسوع تلميذه بطرس عن العنف والقتل بل وأظهر منهجه الشافي والغافر للمُعتدِي (بطرس) والمُعتَدي عليه (شفاء العبد مقطوع الأذن). ثم تحججوا بقول المسيح ”لأن كل الذين يأخذون بالسيف، فبالسيف يهلكون“ وكأن المسيح يؤيد القتل  بينما هو يُظهِر بقوله هنا مضادة تعليمه لِما يَسلك به العالم الذي وُضِعَ في الشرير. سادساً : ِبناءً علي تفسيرهم الملتوي هذا نجدهم  يؤيدون عقوبة الإعدام  لأنهم يقولون أن الله لم ينه عن القتل بصفة مطلقة  في العهد الجديد، وأن هناك أنواع من القتل قد صرح بها الرب و لا تدخل في نطاق الخطيئة! فبينما الإنسان في معظم دول العالم ألغي عقوبة الإعدام لأنها لا تتوافق مع الرحمة التي أحسَّها الإنسان في إنسانيته (التي تحمل بصمات صانعها الرحيم)، نجد هؤلاء لا يستعملون الرحمة  بل ويقولون عن الله ما لم يقله. سابعاً : بل ونجدهم يُخرِجون قول بولس الرسول ”(السلطان)لا يحمل السيف عبثاً“ عن نطاق المعني والاستدلال الذي يشير إليه الرسول بخصوص  سلطة الدولة في الضبط والربط، فاعتبروا قوله تصريحاً استثنائيا من الله للقتل. ثامناً : نأتي إلي أخطر مرحلة لادعائهم بأن الله لم ينه عن القتل بصفة مطلقة في العهد الجديد فيقولون "إذن وصية "لا تقتل" كانت وصية للمعاملات الفردية، و لكن جماعة المؤمنين عموماً وقت ذاك، أو الدولة حالياً كدولة، لها الحق أن تقتل في نطاق القانون" (البابا شنودة الثالث - الوصايا العشر في المفهوم المسيحي - الكتاب الثالث -  "ﻻ تقتل" - الطبعة السادسة) إن خطورة هذا المفهوم  تظهر إذا قرأنا رأيهم عن القتل بمفهومه الشامل والذي يتضمن ”قتل الروح“ "فالذين  يُعلِّمون  الناس طريقاً خاطئاً في الإيمان ، أو يرشدونهم إرشاداً خاطئاً يتلف حياتهم الروحية، إنما هم بذلك يكونون قد قتلوا هذه النفوس و ألقوها في الجحيم. و من أمثلة هذا ما فعله الهراطقة والمبتدعون ... قتلوهم بقتل أبشع من القتل الجسدي. لأنه في القتل الجسدي ربما تخلص الروح ... بينما في الهرطقة ... يكون مصيره الهلاك الأبدي. لذلك نضع في مقدمة أولئك القتلة اَريوس و مقدونيوس و نسطور ... و لوثر و كثيراً من المبتدعين الحاليين كأصحاب بدعة شهود يهوه و السبتيين إلخ"(البابا شنودة الثالث - الوصايا العشر في المفهوم المسيحي - الكتاب الثالث -  "ﻻ تقتل" - الطبعة السادسة) والسؤال هنا: هل الدولة هي التي ستقوم بقتل الهراطقة الذين يقتلون الإنسان عندما يقترف جريمة ”قتل الروح“ كما يفسرون؟، أم الذي يقوم بالقتل هم جماعة المؤمنين؟ إن الدولة لا تفهم في الأمور الإيمانية  وبالتالي فإن ما يدَّعونه من حق الله في قتل مَن يقتل ”روح الإنسان“ يصير مسئولية جماعة المؤمنين! وهنا يكمن خطر الانفراد بتفسير الكتاب المقدس خارج تعليم الروح القدس الذي أعلنه في إجماع الكنيسة المسيحية بآبائها والمستقِر عبر عصورها  اعتمادا علي سلوك مسيحها و المكتوب في إنجيلها. إنني أطالب الكنيسة القبطية - قبل أن يقوم أحد من خارج الكنيسة بذلك - بسحب هذا الكتاب من السوق بسبب خطر رأيه الشاذ علي سلامة الآخرين، فمِن المحتمل أن يعتبره أي شخص موتور غير منضبط وكأنه تنظير وفتوي بقتل مَن يخالف تعليم الأنبا شنودة باعتباره مهرطقا. لقد أحتكر الأنبا شنودة التعليم المسيحي في الكنيسة القبطية وأختزله في نفسه لأكثر من ٤٠ سنة. ونجح أن يفرض نفسه أسطورة متحكِّمة في أذهان أغلبية الأقباط بما يشبه "غسيل المخ". وبحسب التفسير الخاطئ للأنبا شنودة فإن الهرطقة أشد من "القتل الجسدي" لأنها ”قتل للروح“، وبالتالي تؤدي إلي القتل الأبدي.  ومثل هذا التفسير الدموي كان سبباً في إباحة الإدارة الكنسية لقتل مسيحيين في العصر الوسيط المظلم بأوروبا.  ومن المرجَّح جداً أنه مهَّد الطريق لاغتيال الشهيد "أنبا إبيفانيوس" رئيس دير القديس مكاريوس الكبير في صحراء مصر منذ سنوات قليلة علي يد راهب مارق بنفس الدير وبدم بارد بسبب معاداة أنبا شنودة علي مدي عشرات السنين لتعاليم القمص متي المسكين أب رهبان هذا الدير المبارك . --- ### متى يعلنون الـ"شنودية" دينًا بديلاً؟ - Published: ۲۰۲۲-۰۳-۰۵ - Modified: 2023-11-07 - URL: https://tabcm.net/4171/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, مقالات وآراء - وسوم: الأصولية, الكرسي المرقسي, الكنيسة القبطية, بابا شنودة الثالث, بابا يوساب الثاني, مدارس الأحد لو لم يفعل الأنبا شنودة في حياته سوى أنه أنتج هذا الجيل من المتعصبين غليظي القلوب، أفظاظ الألسن، متجمدي العقل والفهم، سود الأرواح، لكان ذلك كافيًا لانتقاده حتى تقوم الساعة. لسنوات طويلة، يتصرف الأقباط على أنهم المثال الحقيقي للمحبة والوداعة والتسامح، عملًا بما علمه لنا المسيح خلال 33 عامًا هي سنوات عمره على الأرض، ومن خلال إنجيلٍ مكتوبٍ، يعد دستور المسيحية الأسمى على الإطلاق، ويتباهى المفكّرون المسيحيون بأنه مهما كانت درجة راديكاليتهم ورجعيتهم وجمودهم، إلا أنهم يحبون أعدائهم، ويباركون لاعنيهم، ويصلون من أجل الذين يسيئون إليهم ويطردنهم، فجاءت حلقة "مختلف عليه" مع الأستاذ "إبراهيم عيسى" على فضائية "الحرة" كطلقة كاشفة للمسيحية الواقعية دون رتوش تجميلية، وهادمة لأسطورة المسيحي الوديع المتسامح. وبغض النظر عن أن ضيوف الحلقة لم يتكلموا إلا بشكل أكاديمي، فلم يرددوا إلا حقائق دامغة وتاريخية، ومعظمها مكتوب نصًا في الكتب المسيحية التي تباع في المكتبات داخل الكنائس، وبغض النظر أن العقيدة القبطية الأرثوذكسية لا تعتقد في "عصمة البابا" من الخطأ والخطية، (في الحقيقة فالمسيحية واليهودية ﻻ تعتقدان حتى في عصمة اﻷنبياء حَسَبَ ذكر خطاياهم في الكتاب المقدس)، إلا أن رد الفعل العنيف والخارج عن حدود الأدب واللياقة، الذي تجاوز حد الخوض في أعراض المتحدثين ووصفهم بألفاظٍ نابيةٍ، واتهامهم بتهم الخيانة والعمالة وتلقي الأموال اتساقًا مع نظريات المؤامرة التي يؤمنون بها، حتى وصل الأمر إلى إرسال رسائل تهديد للمشاركين في الحلقة تتوعدهم بالويل والثبور وعظائم الأمور عقابًا لهم على انتقاد "البطريرك السابق"، إلا أن الحلقة كانت بمنزلة سقوط ورقة التوت الأخيرة التي كشفت عوراتهم الفكرية وعرت عقولهم، وهدمت أسطورة التسامح المسيحي. "لو لم يفعل الأنبا شنودة في حياته سوى أنه أنتج هذا الجيل من المتعصبين غليظي القلوب، أفظاظ الألسن، متجمدي العقل والفهم، سود الأرواح، لكان ذلك كافيًا لانتقاده حتى تقوم الساعة. " رد فعل قطاع واسع من الأقباط على الحلقة، كان بمقام جرس إنذار لوقف خطاب الكراهيَة الآخذ في الانفجار من أتباع ما يمكن تسميتهم "التيار الشنودي"،  وهم مجموعات مختلفة داخل الكنيسة من بعض الأساقفة والكهنة والشباب وعموم الأقباط متوقفين زمنيًا عند حدود أن البابا شنودة هو بطريرك الكنيسة ولن يأتي بعده، ويرفضون أي محاولة انتقاد لعصره أو لإدارته للكنيسة، والذين اختلط عليهم الأمر ما بين عبادة الله الواحد، وما بين عبادة الأنبا شنودة والاعتراف به كأقنوم رابع مكمل لقبطيتهم، وللحديث عنهم سنفرد لها مقالًا آخر في وقت لاحق. ويبدو أن عقول غالبية الأقباط بِنَى العنكبوت عليها خيوطه واستقر وأنجب قبيلة تخلفه وتخلد أسمه، لا تزل عاجزةٍ على استيعاب فكرة تقبل الانتقاد أو التقييم السلبي، أو الرد على الوقائع بالوقائع المعارضة وليس بالشعارات الغاضبة، لقد بات الرد على الفكرة بفكرة حلما بعيد المنال، ومستباح كل لحظة البحث في نوايا ونفوس المنتقدين. عقولهم التي يبست وصارت جاهزة كي توضع في "فاترينة" زجاجية ضمن مقتنيات المتحف القبطي، لا تزل ترفض بكل عناد وطفولية فكرة مناقشة القضايا الكنيسة على الملأ، بحجة أنه "عيب أن ننشر غسيلنا المتسخ" على الملأ، عقولهم تربت على هوس كتب المعجزات غير المُراجعة، التي تعج بها رفوف مكتبات الكنائس، استعصى عليهم فهم أن الأكثر إحراجًا من مناقشة المشاكل على الملأ، هو بقاء تلك المشاكل لعقود دون محاولة إصلاحها، المساكين لا يزالوا عالقين في حِقْبَة التسعينيات البائسة، حيث لا متنفس للإعلام غير القناتين الأولى والثانية، وكان ينتهي إرسال كل منهما في الحادية عشر مساءً، والحداثيون الذين وصلوا بسلام إلى عصر الإنترنت، لم يطالعوا أعداد مجلات "مدارس الأحد" التي كان يكتب فيها نظير جيد (البابا شنودة) بكل عنف مطالبًا بالإصلاح، منتقدًا البابا يوساب بأكثر الكلمات قسوة وحدةٍ، وأخفاها قداسته عمدًا فور وصوله لسُدة الكرسي المرقسي. إن عقول غالبية الأقباط لا تزل قابعة في الحِقْبَة الناصرية بامتياز، عقول ناصرية لأبعد الحدود، لا تعي معنى انتقاد المسئولين، ولا تدرك أن للرعية حق في انتقاد الراعي ومسألته ومحاسبته، حق أصيل لا يختلف عليه أحدًا، وأن الراعي مهما كانت قداسته فهو في النهاية بشر يخطئ ويصيب، وقد يحيد عن الطريق القويم إذا لم يجد من يقومه ويراقب عليه، ولا داعي لذكر أمثلةٍ من أساقفة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية الذين أغراهم حب المال، وحادوا عن الطريق القويم إذ لم يجدوا من يرفع صوته مناديًا بكلمة اعتراض. إننا أمام غالبية من العقول القبطية المتسلفة لأبعد الحدود، راديكالية، أصولية، غير قابلة للتجديد والتطوير، تؤمن بالعنف كوسيلة لكسب معاركها، ولحسن الحظ أنهم لا يزالوا جبناء عن حمل السلاح حتى الآن، وإلا كانوا أطلقوا رَصاص كراهيتهم صوب العقول التي تنتقدهم وتحاول الإصلاح بكل الطرق وشتى الوسائل. عزيزي القبطي المتسلف، قطار الحداثة والتنوير سوف يدهسك أجلًا أم عاجلًا، أما حملاتكم المسعورة فلن تزيدنا إلا كل عزم وإصرار على استكمال الطريق. --- ### [۸] سدوم وعمورة - Published: ۲۰۲۲-۰۳-۰٤ - Modified: 2024-04-28 - URL: https://tabcm.net/4035/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, لاهوتيات - وسوم: أركيولوچي, إبراهيم أبو الأنبياء, باسيليوس الكبير، أسقف قيصرية الكبادوك, جيولوجي, چون كولينز, رحبعام, سدوم وعمورة, سليمان الحكيم, علامة إكليمندس السكندري, قديس أثناسيوس الرسولي, قديس أمبروسيوس، أسقف ميلان, قديس هيلاري، أسقف بواتييه, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية الدراسات الكتابية: استطاعت المصادر الأركيولوجية أن تحدد مواقع خمس مدن يعود تاريخها إلى الحقبة البرونزية والتي غالبًا مرتبطة بشكل أو بأخر بمدن السهل التي تضمنت سدوم وعمورة وصوغر ((Chavalas, Matthews, and Walton, The Ivp Bible Background Commentary, 50-51 )). هذه الاكتشافات تظل غير محسومة نظرًا لصعوبة تأريخ الأدلة الأركيولوجية التي تعود للحقبة البرونزية. ويُوجد في تلك المنطقة تكوينات جيولوجية مصنوعة من الملح يربط البعض بين أحدها وبين امرأة لوط التي صارت عمود ملح ((Harold W. Attidge, ed. , Harper Collins Study Bible, Revised & Updated Edition (Harper One, 2017), 30 )). إلا أنه لا يوجد أي طريقة علمية حديثة لإثبات أن هذه التكوينات الجيولوجية كانت يومًا ما إنسان بشري. فهم السياق القانوني لقوانين سدوم هي عنصر أخر مهم في فهم هذه القصة تقدمه لنا الدراسات الكتابية الحديثة. تقدم التقاليد اليهودية والمسيحية كل العلاقات الجنسية خارج الزواج كرجس أو خطية. كذلك اعتبرت قوانين سدوم العلاقات الجنسية المثلية جريمة قانونية ((Chavalas, Matthews, and Walton, The Ivp Biblical Background Commentary, 51 )). لذا، فإن رجال سدوم كسروا القانون الديني والمدني حين رفضوا الاستماع لنصيحة لوط، الرجل البار بينهم. التفسير اليهودي: نظرًا لمركزية إبراهيم في الديانة اليهودية، تركز التفاسير اليهودية للسرد أولًا على المقارنة بين إبراهيم ولوط. الفروق بينهما تتضمن الدور الأساسي الذي يقوم به إبراهيم في التفاوض مع الله بالمقارنة بالدور الثانوي الذي يقوم به لوط حتى في اتباعه للوصية الإلهية حتى أن الملائكة اضطروا أن يأخذوه باليد لكي يتبع الوصية. يرى إبراهيم الرب والملاكين بينما يرى لوط الملاكين فقط. يركض إبراهيم نحو زواره بينما لوط يقف فقط لاستقبالهم. يقدم إبراهيم وليمة وعجل مسمن إلا أنه يسميها "كسرة خبز" (تكوين 18: 5) بينما "وليمة" لوط لم تحتو إلا على خبز غير مختمر (تكوين 19: 3) ((Berlin and Brettler, The Jewish Study Bible, 37-38 )). وبالرجوع لشعب سدوم، نجد الكتاب المقدس الدراسي اليهودي يلقي الضوء على كون خطيتهم لم تكن فقط الشذوذ الذي اعتبره الناموس خطية بل فاقت ذلك بتعاملهم الفظ مع ضيوفهم الذي كان من الواجب عليهم أن يحسنوا ضيافتهم ((Berlin and Brettler, The Jewish Study Bible, 38 )). ومن العجيب أن اختيار لوط الأناني لمدينة صوغر كموضع لجوئه صار سببًا في خلاصهم؛ الأمر الذي لم تشفع فيه تضرعات إبراهيم غير الأنانية لأجلهم. ويهدف ذلك للتأكيد على أنه أحيانًا يكون من المستحيل أن نفهم حكمة الله. بشكل مشابه للدراسات الكتابية، ربط المفسرين اليهود بين تكوينات الملح في منطقة البحر الميت وموت امرأة لوط ((Berlin and Brettler, The Jewish Study Bible, 39 )). والعنصر غير المفهوم في هذا النص هو كيف أن اختيار لوط لمدينة صوغر كموضع هروبه خلص المدينة ككل إلا أن بناته ظنن أنه هو الرجل الوحيد الباقي على وجه الأرض ولذا رأوا أنه لابد أن يعتمدوا عليه لإقامة نسل. التفسير المسيحي: نظرًا لمركزية المسيح للمسيحية، يركز التفسير المسيحي بالأساس على وجود الرب بين الملاكين باعتباره الأقنوم الثاني من الثالوث. يؤكد المفسرين المسيحيين على أن إبراهيم سجد لواحد منهم فقط كرب وإله بينما الآخرين دعاهم ملائكة. حتى حين رأى لوط الملاكين، قدم لهم الاحترام لكنه لم يسجد لهم. يعلق امبروسيوس أسقف ميلان على استقبال إبراهيم للثلاثة ملائكة كرمز للثالوث ((Mark Sheridan, ed. , Ancient Christian Commentary on Scripture: Genesis 12-50, 85 )) : رأى إبراهيم، إذ كان فرحًا باستقبال الغرباء، أمينًا لله ولا يمل من خدمته لله، مسرعًا لتنفيذ واجبه، رمزًا للثالوث. فأضاف تقواه الدينية على إضافته للغرباء لأن على الرغم من رؤيته لثلاثة، لم يعبد إلا واحد، وبينما حفظ التمايز بين الأشخاص، دعا واحدًا منهم الرب، معطيًا الكرامة للثلاثة لكن مشيرًا لقوة واحدة. (Mark Sheridan, ed. , Ancient Christian Commentary on Scripture: Genesis 12-50, 85) قديسون مثل أثناسيوس وباسيليوس وأمبروسيوس وهيلاري رأوا في الآية: "فأمطر الرب على سدوم وعمورة... من عند الرب من السماء" إشارة للثالوث حيث يؤتي الابن نارًا من عند الآب. ((Neslosn, The Orthodox Study Bible, 25 )) (Neslosn, The Orthodox Study Bible, 25) يستطيع المرء أن يتعلم الكثير عن طبيعة شفاعة القديسين من حديث إبراهيم مع الله. على الرغم من علم الله من نتيجة الحديث وأنه سيخلص لوط، إلا أن الله يفتح الباب أمام إبراهيم حبيبه ليشترك في خلاص لوط ((Neslosn, The Orthodox Study Bible, 24 )). يتوسع يوحنا ذهبي الفم في هذا المفهوم موسعًا إياه ليتضمن شفاعة المنتقلين لأجل الأحياء وليس فقط صلوات الأحياء لبعضهم البعض في إطار الصلاة كما كان الحال مع إبراهيم ولوط، فيقول ((Sheridan, Ancient Christian Commentary on Scripture 12-50, 97 )) : للتأكيد على أن حسن سيرة الأشخاص هي طريقة لكسب طول الأناة لأجلنا، انظر لهذه القصة عينها التي يقول فيها للأب: "إن وجدت عشرة أبرار، لن أدمر المدينة". لماذا يقول عشرة أبرار؟ لأنه لم يوجد في المدينة أي إنسان خالي من التمرد إلا الرجل الجيد لوط وبنتيه. زوجته، إذا تذكرتم، غالبًا هربت من عقاب المدينة لأجله إلا أنها فيما بعد دفعت ثمن عقوبة عدم اكتراثها. الآن، ولأن من محبة الله زاد المؤمنين، كان هناك كثيرين بشكل ظاهر في قلب المدن قادرين على استعطاف الله، آخرين في السهول والكهوف، وفضائل هؤلاء القلائل نجحت في موازنة شرور الأغلبية. فصلاح الله هائل وكثيرًا ما يجد طريقة لخلاص الأغلبية من أجلالأقلية. لماذا أقول الأقلية؟ كثيرًا، حين لا يمكن أن يوجد شخصًا صالحًا في الحياة الحاضرة، يرحم الله الأحياء من أجل فضائل الراقدين، صارخًا بهذه الكلمات: "سأحمي المدينة لأجل ذاتي ولأجل عبدي داود". فحتى ولو لم يستحقوا أن يخلصوا، فهو يخلص. وهم لا حق لهم في المطالبة بالخلاص؛ على الرغم من ذلك، لأن من المعتاد أن أُظهر محبتي فسأسرع لأرحم وأخلص من الهلاك، لأجل ذاتي ولأجل عبدي داود فسأكون كدرع الوقاية: فمن ينتقل من هذه الحياة للأخرى منذ سنين عديدة سيسبب خلاص من سقطوا فريسة عدم اهتمامهم. (Sheridan, Ancient Christian Commentary on Scripture 12-50, 97) الله دائمًا ما يبحث عن عذر يخلص الإنسانية لأجله من عدله الصالح سواء صلوات الأبرار، الأحياء منهم والأموات، أو صلاح الأحياء أو صلاح الذين سبقوا فرقدوا. فلابد أن نجد راحة في علمنا أن الله لا يصدر الحكم على هذه المدن إلا بعد الكثير من الصبر والرجاء في عودتهم وتوبتهم. وحتى حين تصير العقوبة حتمية، يستخدمها الله لتعليم وتهذيب أبناءه فيما بعد. يقول كليمنضس السكندري ((Sheridan, Ancient Christian Commentary on Scripture 12-50, 104 )) : الله ينظر بشكل خاص للدافع الداخلي، كما كان الحال لما كانت زوجة لوط هي الوحيدة التي التفتت بحرية إرادتها نحو شرور العالم. فجعلها بلا إحساس بأن صارت عمود ملح تاركًا إياها بلا قدرة على التحرك للأمام، كصنم، لكن ليسبلا رسالة مفيدة بل بالحريموجهة لتصلح وتملح الشخص القادر على الرؤية الروحية. (Sheridan, Ancient Christian Commentary on Scripture 12-50, 104) على الرغم من الترابط بين خطية سدوم والمثلية إلا أنها تضمنت العديد من ألوان الانحلال الأخلاقي بما فيها الولع بالأطفال الصغار والاغتصاب المثلي، بالتالي، لم يعاقب الرب بلاد بريئة اختار البعض فيها أن يخطئ بل بالحري بلاد اختار سكانها أن يؤثروا على حرية وأمان من اختاروا ألا يخطئوا. أخيرًا: ينبغي أن ننظر بعناية لمن نجوا من النار والكبريت، أي لوط وامرأته وبنتيه. فعلى الرغم من أن لوط كان بارًا نوعًا ما، إلا أنه كان رجلًا مستعدًا لأن تصير بنتيه ضحيتان للاغتصاب الجماعي لينجي غريبين. حتى وإن قام بهذا الفعل ليحافظ على أصول الضيافة، إلا أن هذا ليس عذرًا لاستعداده للتضحية ببنتيه لمثل هذا الفعل المشين. إذا قال بولس:وإن كان أحدًا لا يعتني بخاصته، ولا سيما أهل بيته، فقد أنكر الإيمان، وهو أشر من غير المؤمن (2 تيموثاوس 5: 8)، فكم يكون الرجل الذي يؤثر على سلامة أهل بيته بهذا الشكل أسوأ من الوثني وغير المؤمن؟ أما زوجته، فنهايتها شهادة لارتباطها بحياة سدوم على الرغم من امتلائها بالخطية. ينتهي الأمر ببنات لوط ليجدا ذواتهن ساقطتين تحت نير خطية زنا المحارم باغتصابهما لأبيهما الذي أسكرتاه. على الرغم من خطايا هؤلاء إلا أن الله اعتبرهم بارين أمامه بما يكفي لاستعداد الله لتخليص هذه المدن لأجل عشرة مثل هؤلاء. لذا فمن الصعب أن نرى الله في هذه القصة إلا كونه إله رحيم. فعلى الرغم من علمه السابق بميل قلوبهم نحو الشر، إلا أنه يحفظ أسرة لوط لأجل "برهم" وبر إبراهيم. يبدأ سرد الأحداث بشفاعة إبراهيم لأجل سدوم وعمورة ويبدو أنه ينتهي بخطية بنتي لوط الشنيعة التي ينتج عنها الشعب الموآبي والعموني اللذين طالما كانوا أعداء لشعب إسرائيل فيما بعد. لكن بالرغم من بداية هذين الشعبين المخزية إلا أن الله سيكرم هذه الشعوب من خلال إكرامه لامرأة موآبية وامرأة عمونية صارتا أمهات في سلسلة أنساب السيد المسيح، أي راعوث الموآبية ونعمة العمونية التي ولدت رحبعام بن سليمان الملك (متى 1: 6). --- ### فضيلة النساء و "ميتافيرس" - Published: ۲۰۲۲-۰۳-۰۳ - Modified: 2023-11-06 - URL: https://tabcm.net/4161/ - تصنيفات: المرأة القبطية - وسوم: ميتافيرس حاول مارك زوكربيرغ، مؤسس فيسبوك، تقريب مفهوم "ميتافيرس" خلال إعلانه عن بداية انطلاق عصر الواقع الافتراضي: "عندما تكون في اجتماع عبر ميتافيرس، ستشعر وكأنك داخل الغرفة مع الآخرين، وتتواصل بعينيك، وتمتلك إحساساً مشتركاً بالمساحة، وليس مجرد النظر إلى شبكة من الوجوه على الشاشة". تخيُّل الفكرة نفسها ومحاولة فهم ما تعنيه خروج الحواس المادية إلى عالم آخر سيقودان إلى تصورات لا نهائية عن أشكال الحياة مستقبلاً. https://www. youtube. com/watch? v=myqw4yV5Co4&t=147s ومع ذلك، فالحديث عن نظم التعليم في السنوات القادمة، وتغير أساليب التواصل الإنساني، وحتى الصعود إلى الفضاء، ليست هي الموضوعات الأكثر جاذبية لمن لا يزال الجنس والرومانسية حبيسَي ذهنه. وبالمقارنة مع تابوهي السياسة والدين في مصر، تظل محاولات فهم العلاقات الجسدية المنطقة الأكثر خطورة على من يفكر في الاشتباك معها بأي طريقة، فالوصم بالإباحية أو سوء السلوك جاهزان على كل حال. ومنذ انطلاقة فكرة "ميتافيرس"، لازمها تفاعل على السوشال ميديا حول شكل العلاقات العاطفية والجنسية المتخيلة، وبسبب القيود التي يتضاعف ثقلها على النساء يصبحن مكتفيات بمشاركة هذه الميمز على الجروبات الخاصة، إذ يعتبرنها مساحة آمنة مقارنة بالصفحات العامة.   حلم في عامها الـ 36، أدركت فريدة (اسم مستعار)، كاتبة تسكن في القاهرة، أن عدم ممارستها للجنس من قبل، لم يعد أمرًا هينًا، فقراءاتها جعلتها تشعر بعظم احتياجها لرجل في حياتها. تعيش كعازبة صراعًا ضخمًا بين رغبتها في اختبار مشاعر يحق لمن في عمرها فهمها، وبين تعاليمها الدينية والتقاليد التي تحول دون معاشرتها لرجل بلا زواج. ميتافيرس هو حلم جميل، ليته يصبح متاحاً لي اليوم قبل الغد، لن أندم أو أشعر بالذنب إذا مارست علاقة جسدية كاملة مع من أختاره، فمن غير المعقول أن يحدنا الحلال والحرام حتى في خيالاتنا أو واقعنا الافتراضي (فريدة) أطلق ميتافيرس العنان أمام التخيلات المُكبلة داخل عقول بعض النساء، فبات فرصة ومساحة للحديث عما تخشى الكثيرات البوح به، حتى لأنفسهن أمام المرايا في الغرف المغلقة. وفي ظله تمسكت فريدة بأحلامها، وتتخيل أن يكون المكان المحتضن لتجربتها الجنسية الأولى غابة مليئة بالأشجار، وفي نهايتها بحر وشمس هادئة، تلامس أشعتها مسام بشرتها، وتخبرها بأن اليوم لا يزال أمامها وفي انتظار المزيد لتؤديه. أتخيل نفسي وقد رجعت لعامي السادس والعشرين، هو العمر الأقرب لي، يجمع بين الأنوثة والبراءة، ألتقي هناك حبيباً سابقاً لم يحالفني الحظ باستكمال حياتي معه، سأعيش وإياه لمدة عام بطريقة المساكنة الكاملة قبل الزواج، نشاهد التلفاز، نجرب شراء الخضروات والفاكهة من السوق، نقوم بأبسط التفاصيل التي يمكننا القيام بها إذا كنا متزوجين، نختبر أيضاً خلافاتنا اليومية، وإذا تجاوزنا كل هذا وشعرنا بالارتياح، سأنتظر منه المشهد الذي طالما داعب مخيلتي وتمنيت حدوثه، يجلس على ركبتيه، ويفاجئني بخاتم سواريه، ويطلب الزواج، وأنا سأحتضنه بقوة وأجلس بجانبه ثم أرتدي الخاتم على الفور (فريدة) وفق تقرير نشرته "بي بي سي"، النسخة الإنجليزية، فإن الحفلات الجنسية التي تقام عبر الإنترنت بواسطة مواقع مخصصة، أتاحت لأفراد مشاركين إعادة استكشاف حياتهم الجنسية، والتعرف على رغباتهم الخاصة، بما في ذلك الأزواج. كما أن العزلة المنزلية التي فرضتها جائحة كوفيد19 العام الماضي، ساهمت في ارتفاع معدلات زيارة الشباب والفتيات لمواقع المواعدة والتعارف، التي تفضي إلى علاقات افتراضية.   جنس بلا خوف ينظر للمرأة التي تعبّر عن رغباتها ومتطلباتها الجنسية كبائعة هوى، هكذا تتربى النساء على انتظار الأزواج في تأدية ما يرغبن فيه من دون أن يفصحن عنه، "حتى السواد الأعظم من الأزواج يرفضون معرفة التفضيلات الجنسية لزوجاتهم". هذا ما خلصت إليه شاهندا (42 عاماً)، مدرسة تعيش في الإسكندرية، في علاقتها مع زوجها إذ تصفها بالـ"متحنطة"، في بداية زواجي تحدثت مع زوجي عما أريده بالضبط من العلاقة وعن توقعاتي تجاهه، لكن ردة فعله المهينة أخرستني، أصبح متحفزاً وقاسياً لفترة طويلة، كأنه يعاقبني على صراحتي التي اعتبرها وقاحة (شاهندا) تشير شاهندا إلى صديقة لها طُلقت في عامها الأول من الزواج بسبب معرفتها بطريقة التقبيل، مما أثار شكوك زوجها فيما إذا كانت قبّلت رجلًا قبله أم لا. بتراكم المواقف تعلمت أنه ليس كل شيء يقال للرجال (شاهندا) خبرة شاهندا مع هذا الشكل المتكرر من الزواج في مصر، والذي يجمع بين رجل يبرر له المجتمع حق التجارب الجنسية قبل الزواج، ويحرمها على النساء، ويظل متربصًا بكل امرأة لديها تطلعات جنسية، جعلها تتخيل فوراً ما يمكن أن تفضي إليه العلاقات في ميتافيرس. أتخيل نفسي مع رجل لا يمل الحديث عن الجنس، ويحب اكتشاف تفضيلات كل منا، فعلى رغم زواجي منذ ما يزيد على 15 عاماً، أشعر دائماً أن هناك جزءاً ما داخلي لم أفصح عنه بعد، ومتعة مكبوتة لم تنجح في الانطلاق (شاهندا) ترى شاهندا نفسها مع رجل يشبه أوباما الرئيس الأمريكي الأسبق، فتقول: لديَ قناعة بأن الرجال أصحاب الأصول الإفريقية والبشرة السمراء هم الأكثر جاذبية وقوة في الأداء الجسدي على كل حال لا أمانع في التجربة مع أوباما نفسه، ومع كثيرين غيره لأحكم بموضوعية (شاهندا)   وهم لم يعلم الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت أن نظريته عن ثنائية العقل / الجسد التي تميز كل منهما عن الآخر دون أن تنكر تأثير أحدهما في الآخر، ستصبح التحدي الأكبر أمام تقنيات الواقع الافتراضي التي تحاول المزج بين مجالات الرؤية الحقيقية "الحسية" والافتراضية، ومن ثم تضييق الحدود الفاصلة بين العقل والجسم إلى حد التلاشي. وفي الوقت الذي تنتظر فيه نساء في مجتمعات أبوية محافظة حول العالم فرصة هذا التلاشي، بين ما يرغبن فيه وما يعجزن عن تنفيذه، بسبب علاقات زوجية هشة، أو عدم تجربتهن للجنس من الأساس، يحذر خبراء مما اعتبروه انفصالًا عن "الواقع الحقيقي"، وينبهون إلى قيمة التلامس الجسدي الحقيقي، ودوره في فهم الإنسان قيمته، والتصالح مع جسده بعيدًا عن التخيل. الدكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، أشار إلى تأثير تلاشي الفجوة بين الواقع الافتراضي والحقيقي، حتى تزداد معهما نسب الاكتئاب والعزلة الفردية، المشاعر العاطفية والحميمية التي يمكن اختبارها افتراضياً بهذا الشكل مستقبلاً، وفي المقابل تختفي بالحقيقة، ستزيد معها الإحباطات والشعور بالخزي، لأنه في النهاية لا شيء يضاهي الواقع والتعامل المباشر مع الجنس الآخر مهما تشابه الافتراضي مع حياتنا (دكتور جمال فرويز، استشاري الطب النفسي) ويوضح فرويز أن إدمان العلاقات بطريقة إلكترونية يمكن أن يحوّل الحياة إلى جحيم، حتى أن الفرد المنكب على هذه الممارسات يفقد المتعة الأصلية، ويعجز مع الوقت عن إعادة اكتشاف السعادة في واقعه المعيش. ما قالته فريدة وشاهندا اختلفت معه ماريا (38 عامًا) المنفصلة عن زوجها منذ عامين، فهي ترى أن: الطيبة والحنان أهم من علاقة كاملة باردة. ويمكن لعناق رومانسي، أو قبلة محملة بمشاعر الحنو والحب بين المرتبطين، أن تغني عن مغريات تجارب باردة لا طائل منها (ماريا) وعلى الرغم من عدم ممانعتها تخيل تجربة علاقة جنسية بالواقع الافتراضي، تشدد ماريا على قيمة العلاقات الحقيقية، وترفض أن يكون الأساس العاطفي مبنيًا على "افتراض" أو "وهم" --- ### الشونمية: المرأة المبادِرة - Published: ۲۰۲۲-۰۳-۰۲ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/4017/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: أليشع النبي, المرأة الشونمية, جيحزي قال يسوع للشاب "كيف تقرأ؟" ومازال يقول لك يا من تقرأ كلمة الله "كيف تقرأ؟" وكيف تتحرَّر من القراءة الحرْفية؟ هذه المحاولة لقراءة حيَّة لكلمة الله بواسطة بعض النصوص والأمثلة. قال يسوع للشاب "كيف تقرأ؟" ومازال يقول لك يا من تقرأ كلمة الله "كيف تقرأ؟" وكيف تتحرَّر من القراءة الحرْفية؟ هذه المحاولة لقراءة حيَّة لكلمة الله بواسطة بعض النصوص والأمثلة. شونم: كانت لسبط يشوع(1)، حل الفلسطينيون بها قبل معركة جلبوع العظيمة، وكان أليشع النبي يمر على شونم كثيرًا لأنها على طريقه من الكرمل إلى مدن الجليل ومدارس الأنبياء في الجلجال وبيت إيل وغيرها، وكانت تلك الحِقْبَة معروفة بانتشار الانحلال العام والفساد لكن وُجِدت قِلة مقدسة للرب مثل هذه المرأة التي يصفها الكتاب المقدس بأنها "عظيمة". (2)عاصرت أليشع وجاء ذِكرها في سفر ملوك الثاني، الإصحاحين 4؛ 8،عندما أقرأ قصتها أتخيل ملامحها وحركتها ونظرة عينيها، كل ما أعرفه عنها أنها من شونم، لكنى لا أعرف اسمها. هذه السيدة تراودني في مواقف كثيرة في الحياة اليومية (العمل، البيت، الشارع... الخ) عندما أرى احتياجات لا حصر لها، وهنا تقفز هذه السيدة إلى مخيِّلتي وأجد نفسي أقول: ماذا كانت ستفعل الشونمية في هذه المواقف؟! هي في رأيي سيدة مبادِرة، وقد تكون المبادَرة مُقلقة، أو قد نكون لم نعتد ممارستها في مجتمعنا وثقافتنا، لكن الشونمية التي لا أعرف اسمها تشجعني أن أكون مثلها. كان أليشع يتردَّد على شونم، وهي كانت تدعوه ليأكل، وفي يوم ما فكَّرت أن احتياجات النبي أكثر مما تقدمه. تكلمت مع زوجها مقترحةً عمل عليَّة بها سرير وكرسي وقنديل يرتاح فيها أليشع حين يجئ(3)الشونمية تقيِّم ما يدور حولها وتحدِّد الاحتياج، وأتوقَّع أن هذا الأسلوب كان منهاجًا في حياتها وليس فقط مجرد موقف عابر مع أليشع، وهذه الشخصيات تخرج خارج نفسها وتبحث عما يمكن أن تقوم به، ليس باعتبار أنها تحمل حِملا، ولكنها تستمتع بالعطاء والمبادرة. لا أبالغ في وصف الشونمية فهي لها موقف آخر يساند رأيي فيها ويثبت أنها صاحبة موقف وسنأتي إليه فيما بعد. فكَّر أليشع هكذا: وَفِي ذَاتِ يَوْمٍ جَاءَ إِلَى هُنَاكَ وَمَالَ إِلَى الْعُلِّيَّةِ وَاضْطَجَعَ فِيهَا. فَقَالَ لِجِيحْزِي غُلاَمِهِ: «ادْعُ هذِهِ الشُّونَمِيَّةَ». فَدَعَاهَا، فَوَقَفَتْ أَمَامَهُ. فَقَالَ لَهُ: «قُلْ لَهَا: هُوَذَا قَدِ انْزَعَجْتِ بِسَبَبِنَا كُلَّ هذَا الانْزِعَاجِ، فَمَاذَا يُصْنَعُ لَكِ؟ هَلْ لَكِ مَا يُتَكَلَّمُ بِهِ إِلَى الْمَلِكِ أَوْ إِلَى رَئِيسِ الْجَيْشِ؟» فَقَالَتْ: «إِنَّمَا أَنَا سَاكِنَةٌ فِي وَسْطِ شَعْبِي». (سفر ملوك الثاني 4: 11-13) نركز على إجابتها في نهاية الشاهد فقد قالت:  "أنا بين أهلي فلا أحتاج شيئًا". فهل كانت فعلًا لا تحتاج شيئًا؟ أم أنها كانت في أشد الاحتياج لما يمكن لأي امرأة أن تحتاج، خاصة في ذلك العصر؟ كنت أتوقَّع أن تمسك بتلابيب النبي وتطلب معجزة، بل كنت أتوقَّع والحال هكذا أن تكون امرأة متقوقعِة حول نفسها تجلس في الزاوية تنعى ظروفها، يبدو أن الشونمية استوعبت -بالفطرة- مغزى الأمومة وعطائها وأبعادها، فالأمومة أوسع وأشمل من أن تنحصر في طفل أو أطفال ولدتهم الأم، بالفطرة عاشت الشونمية، عطاء الأمومة لكل من في حاجة إلى العطاء والرعاية والمحبة، ألهذا لم تقع هذه السيدة ضحية رثاء الذات؟ أليست الدائرة الواسعة التي أشبعت فيها أمومتها كان لها مردودها عليها هي شخصيًا في عدم شعورها بالنقص والعار كما هو السائد لدى السيدات في عصرها حين لا يلدن أولادًا؟ لكن أليشع استشار خادمه جيحزي: ماذا يعمل لها؟. . أجابه: لا ولد لها، وزوجها شيخ، فقال أدعها. فدعاها، فوقفت بالباب فقال لها أليشع في هذا اليوم من السنة المقبلة، يكون بين ذراعيك ابنًا لك. ثُمَّ قَالَ: «فَمَاذَا يُصْنَعُ لَهَا؟» فَقَالَ جِيحْزِي: «إِنَّهُ لَيْسَ لَهَا ابْنٌ، وَرَجُلُهَا قَدْ شَاخَ». فَقَالَ: «ادْعُهَا». فَدَعَاهَا، فَوَقَفَتْ فِي الْبَابِ. فَقَالَ: «فِي هذَا الْمِيعَادِ نَحْوَ زَمَانِ الْحَيَاةِ تَحْتَضِنِينَ ابْنًا». فَقَالَتْ: «لاَ يَا سَيِّدِي رَجُلَ اللهِ. لاَ تَكْذِبْ عَلَى جَارِيَتِكَ». (سفر ملوك الثاني 4: 14 -16) وفعلا تم ما قاله النبي وجاء الولد، لكنه مرِض ومات، فأصعدته إلى عليَّة أليشع رجل الله ومدَّدته على سريره. وأغلقت عليه وخرجت. (4)بمنتهى الهدوء ورباطة الجأش خرجت بعد أن أغلقت الباب على الولد. وكما يقول المعلِّقون على تفسير هذا الموقف أنها وضعت في تفكيرها إقامة الصبي وليس موته، لأنها لو توقَّعت الموت لبدأت تنوح وتدعو لأهل بيتها لإعداد ترتيب الجِنازة. ذهبت المرأة إلى أليشع، وهو بدوره طلب من جيحزي، الذَّهاب معها، ربما لأنه شاب وفى استطاعته الإسراع في السير أكثر منه، لكن المرأة أصرَّت أن يذهب أليشع معها. الملاحظ أن أليشع مدَّد نفسه على الصبي-الجسد الميت-وهذا طبقًا للشريعة ينجِّس أليشع لكنه وأمام الصبي المَيْت لم يتراجع. والآن إلى الموقف الآخر للشونمية حين حدث جفاف في شونم بعد انقطاع المطر وشح الحصول على الغلة اللازمة للطعام. وَكَلَّمَ أَلِيشَعُ الْمَرْأَةَ الَّتِي أَحْيَا ابْنَهَا قَائِلًا: «قُومِي وَانْطَلِقِي أَنْتِ وَبَيْتُكِ وَتَغَرَّبِي حَيْثُمَا تَتَغَرَّبِي، لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ دَعَا بِجُوعٍ فَيَأْتِي أَيْضًا عَلَى الأَرْضِ سَبْعَ سِنِينٍ». (سفر ملوك الثاني 8: 1) أليشع يوجِّه لها النصيحة فقد ذهب إليها ليكلِّمها فهي امرأة ذات حيثية ويُعتَمد عليها. فَقَامَتِ الْمَرْأَةُ وَفَعَلَتْ حَسَبَ كَلاَمِ رَجُلِ اللهِ، وَانْطَلَقَتْ هِيَ وَبَيْتُهَا وَتَغَرَّبَتْ فِي أَرْضِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ سَبْعَ سِنِينٍ. (سفر ملوك الثاني 8: 2) لكن عند عودتها لبلدها شونم لم تجد بيتها وحقلها، لكنها لم تجلس عاجزةً، ولم تلجأ للتشكِّي واجترار المرارة، ولأنها سيدة مبادِرة نجد: وَفِي نِهَايَةِ السِّنِينِ السَّبْعِ رَجَعَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ أَرْضِ الْفِلِسْطِينِيِّينَ، وَخَرَجَتْ لِتَصْرُخَ إِلَى الْمَلِكِ لأَجْلِ بَيْتِهَا وَحَقْلِهَا. وَكَلَّمَ الْمَلِكُ جِيحْزِيَ غُلاَمَ رَجُلِ اللهِ قَائِلًا: «قُصَّ عَلَيَّ جَمِيعَ الْعَظَائِمِ الَّتِي فَعَلَهَا أَلِيشَعُ». وَفِيمَا هُوَ يَقُصُّ عَلَى الْمَلِكِ كَيْفَ أَنَّهُ أَحْيَا الْمَيْتَ، إِذَا بِالْمَرْأَةِ الَّتِي أَحْيَا ابْنَهَا تَصْرُخُ إِلَى الْمَلِكِ لأَجْلِ بَيْتِهَا وَحَقْلِهَا. فَقَالَ جِيحْزِي: «يَا سَيِّدِي الْمَلِكَ، هذِهِ هِيَ الْمَرْأَةُ وَهذَا هُوَ ابْنُهَا الَّذِي أَحْيَاهُ أَلِيشَعُ». فَسَأَلَ الْمَلِكُ الْمَرْأَةَ فَقَصَّتْ عَلَيْهِ ذلِكَ، فَأَعْطَاهَا الْمَلِكُ خَصِيًّا قَائِلًا: «أَرْجِعْ كُلَّ مَا لَهَا وَجَمِيعَ غَلاَّتِ الْحَقْلِ مِنْ حِينِ تَرَكَتِ الأَرْضَ إِلَى الآنَ». (سفر ملوك الثاني 8: 3-6) نعم، المرأة مبادِرة ونعم يهوه الله وَسْط شعبه، عمانوئيل الله معنا، حيث تسير الأمور للخير بمعيِّته معنا، فالله ونحن عاملان معًا لحياة مثمِرة مباركة. أرى أن هذه السيدة تستحق أن تكون مثالا للمبادرة والتفكير خارج الصندوق، على أن هذا الأسلوب من التفكير ليس معناه العشوائية وانتظار الاستثناءات والأمور التي بلا ترتيب، بل يحتاج إلى نضج ومعرفة وفطنة وبصيرة وأظن أن تفاصيل النص توضِّح أن تلك السيدة كانت تلك الشخصية الناضجة قوية الشخصية. هوامش ومصادر:(1)سفر يشوع 18:19(2)موقع أنبا تكلا(3)سفر ملوك الثاني 4: 8-10(4)سفر ملوك الثاني 4: 20-21 --- ### يسوع و"قلة الأدب" - Published: ۲۰۲۲-۰۳-۰۱ - Modified: 2023-11-06 - URL: https://tabcm.net/4154/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: إكليروس, سمعان بن يونا, قديس إسطفانوس أول الشهداء, قديس بولس الرسول, يوحنا المعمدان في نهار يوم ربيعي مائل للحرارة، وداخل ساحة أحد البيوت، التي تشبه غيرها في الحي، جرى هذا الحوَار في بلدتنا:- سمعتي اللي حصل؟- سمعت. . كل البلد بتتكلم. . - دول اتجننوا. . كلهم هايجين وقاموا ع الراجل- أحسن يستاهل. . كله إلا الجلابية السودا. . رجال ربنا يتكلم معاهم وعنهم بأدب. . مش بالأسلوب الحاد والعنيف ده. . ومش قدام الناس الغلابة عشان كده بيشككهم في إيمانهم- قصدك إيه؟. . أنتي موافقة على اللي بيعملوه؟! . . أنتي نسيتي إن الراجل ده هو اللي ساعدني وخلاني أرجع أقوم على رجلي من تاني- ﻻ مانستش. . وكتر خيره. . بس ده ما يخليهوش يعيب في الجلابية السودا. . وخدام الهيكل. . شكله غاوي شهرة وفاكر أنه بكده الناس هاتتلم حواليه. . بس هو نسي نفسه. . مش الصنايعي ده اللي هايعلمهم يعملوا إيه. . أو يكلمهم كده- بس دول هايقتلوه- الكهنة والمجمع أكيد ليهم فكر. . دول خدام الهيكل. . مش احنا اللي هنعلق عليهم. . وﻻ النجار ابن النجار يعلق عليهم. . وهو حسب كلامهم مهرطق. . وحسب ما سمعنا محدش يبيعرف يناقشه وعنيف في مواجهاته وحاجة أخر قلة أدب وعدم احترام. . وضد قيمنا. . تخيلي يقول على الكهنة إنهم قبور مبيضة من بره، وجواها نجاسة. . لا طبعا. . يستاهل القتل.   هذا هو يسوع المسيح باختصار في عيون أغلب متشددي القرن الحالي، الرافضين لأي صوت من أصوات الإصلاح. لا تغرنك مبرراتهم ومنها إن أسلوب النقد قاسٍ وغير مقبولٍ، متناسين أن قساوة القلب المنتشرة بين جماعة المؤمنين والإكليروس تخطت كل الحدود! ! وإن كانوا يجهلون ما وصل إليه الواقع، فهذا ليس مبررًا لتحجر فكرهم وتقاعسهم عن الاهتمام والبحث والفحص. هؤلاء المؤمنين أنفسهم إن عاد يسوع للظهور بينهم سيصلبونه بحجة أن كلامه قاسٍ ولا يصح أن يخاطب الإكليروس والشعب بهذه الطريقة. يصلبون المسيح! نعم. . فهو في ميزانهم خارج عن الأعراف مشاغب لا يحترم الألقاب والرتب، ينتقد كثيرًا وكثيرًا وكثيرًا. أتخيل أحيانًا إذا ظهر المعمدان بيننا، كيف سيكون الحال؟ المعمدان الذي لم يتورع أن ينعتهم بأولاد الأفاعي. فَلَمَّا رَأَى كَثِيرِينَ مِنَ الْفَرِّيسِيِّينَ وَالصَّدُّوقِيِّينَ يَأْتُونَ إِلَى مَعْمُودِيَّتِهِ، قَالَ لَهُمْ: يَا أَوْلاَدَ الأَفَاعِي (إنجيل متى  الإصحاح ٣ الأية ٧) بالقطع سيرون إنه عنيفًا حادًا لا يلتزم بالآداب العامة وعفة اللسان والوداعة، تلك الصفات التي يصبغون عليها سمات الفضيلة ليخفوا ورائها عجزهم عن مواجهة العوار وتغييره. أتخيلهم يشاهدون بولس وهو يوبخ بطرس ويعنفه، بالقطع سيقيمون محاكمة لبولس ناعتينه بالمتعجرف الذي يسعى للشهرة بين الرسل متطاولًا على أكبر الرسل نفسه وهو الذي لما يقابل الرب بالجسد وجها لوجه مثله، وربما يهددونه بالقتل إرهابًا له لمواجهته لرئيس الكهنة. حِينَئِذٍ قَالَ لَهُ بُولُسُ: «سَيَضْرِبُكَ اللهُ أَيُّهَا الْحَائِطُ الْمُبَيَّضُ! أَفَأَنْتَ جَالِسٌ تَحْكُمُ عَلَيَّ حَسَبَ النَّامُوسِ، وَأَنْتَ تَأْمُرُ بِضَرْبِي مُخَالِفًا لِلنَّامُوسِ؟» . فَقَالَ الْوَاقِفُونَ: «أَتَشْتِمُ رَئِيسَ كَهَنَةِ اللهِ؟» (أعمال الرسل الإصحاح ٢٣ الآيات ٣-٤) تراهم يهاجمون كل من تسول له نفسه تسليط الضوء على مخابئ العطب داخل المجتمع الكنسي، باختلاف كل أساليب النقد، ويلجأون دائمًا للشخصنة للهروب من مناقشة الفكرة بين ترهيبٍ أو تشويهٍ أو تدليسٍ، في أفعال تدل على ضعف حجتهم وقدرتهم على المواجهة، فأيا كان أسلوبك -ناعما هادئًا مثل إسطفانوس أو صاخبًا حادًا كالمعمدان- سيغتالونك معنويًا في كل الأحوال، فينطبق عليهم المثل الذي استخدمه المسيح: زَمَّرْنَا لَكُمْ فَلَمْ تَرْقُصُوا! نُحْنَا لَكُمْ فَلَمْ تَلْطِمُوا! . (إنجيل متى الإصحاح 11 الآية 17). زمرنا ونحنا فلم تقبلوا إلى الإصلاح، حيث تجدون راحتكم في التحجر. ولكل ساعٍ للتغيير والتطور تعرض بالضرورة لهذا الكم من الهجوم والتشويه وأنه (قليل الأدب) أقول لك: يسوع بنفسه لن يفلت من بين أيديهم، فهو بنفس المقياس مثلك في نظرهم (قليل الأدب) لهذا فقد نبهنا بنفسه قائلًا: إِنْ كَانُوا بِالْعُودِ الرَّطْبِ يَفْعَلُونَ هذَا، فَمَاذَا يَكُونُ بِالْيَابِسِ؟» (إنجيل لوقا الإصحاح 23 الآية 31). --- ### مستويات الوعي والشرط التاريخي - Published: ۲۰۲۲-۰۲-۲۸ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/4011/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, لاهوتيات - وسوم: الفعل الثقافي في سبيل الحرية, باولو ريجلوس نيفيس فريري, لوي بيير ألتوسير, ميتروبوليتان كما أوضح "التوسير": تهيمن ثقافة الصمت على البنيان السفلي الذي انبثقت منه. ولا يمكن فهم ثقافة السكوت إلا إذا أُخذت كجزء من كلية أكبر، ويجب علينا أيضًا أن نتعرَّف على الثقافة أو الثقافات التي تحدد من صوت "ثقافة السكوت". ولسنا نقصد من ذلك أن "ثقافة السكوت" هي كيان يتم تحضيره في معامل متخصِّصة ثم نقله إلى العالم الثالث. وحيث أن الكائن الذي يعيش لمجرد أن يعيش، ليس بقادر على أن يتفكر في نفسه وعلى أن يعرف بمعيشته "في" العالم، تقوم الذات الموجودة بالتفكير في حياتها عبر نفس مجال الوجود، كما تبحث في علاقتها بالعالم، أما مجال وجودها فهو نفسه مجال عملها. الثقافة والقيم، ذلك المجال الذي يلتقي فيه الناس مع الجدل ما بين الحتمية وبين الحرية. إن وعي البشر وفعلهم يتميزان بالانعكاس وبالقصدية، وبالزمنية، وبالتعالي. عن مجرد الصلات التي تربط الحيوانات بالعالم. إن صلات الحيوانات غير نقدية، فهي لا تتعدى رابطة بقاءها. وعند هذه النقطة، أرى من الملائم أن نحلل بشكل واضح منظم مفهوم "التوعية". على أن تنطلق نقطة البداية لهذا التحليل من الفهم النقدي للإنسان ككائن يوجد في ومع العالم. فلأن الشرط الأساسي للتوعية هو أن فاعلها يجب أن يكون ذاتًا لأنه الكائن الواعي. فالتوعية، كالتعليم، على وجه الحصر وبشكل نوعي، عملية بشرية والناس كائنات واعية، ليسوا فقط في العالم، ولكنهم أيضًا "معه"، جنبًا إلى جانب الآخرين. ثم إن البشر ككائنات "منفتحة" هم فقط القادرون على إنجاز العملية المعقدة للتحويل المتزامن للعالم بفعلهم، واستلهام، والتعبير عن واقع العالم في لغتهم الخلاقة. تشير كلمة توعية إلى عملية يتملك فيها البشر، لا كمتلقِّين بل كذوات عارِفة، إدراكًا عميقًا لكلٍ من الواقع الثقافي الاجتماعي المشكل لحياتهم، وقدرتهم على تفسير ذلك الواقع. (الفقرة التالية هي اقتباس من كلمات "باولو فريري" مباشرة، وهي فقرة دسمة وعصية على الترجمة، حاولت شرح بعض العبارات لكني فضلت الاحتفاظ بالفقرة رغم صعوبتها) طريقة التدريب والتعليم التي ندافع عنها في منطقة هامة من العالم الثالث، هي "بيداجوجية طوباوية"وفي حد ذاتها حقيقة تملؤنا بالأمل، إذ ليست الطوباوية مجرد المثالية أو اللا-عملية. وإنما هي التشهير والتبشير. ولن يجدي أسلوبنا دون رؤى للإنسان وللعالم. فهو يصيغ تصورًا إنسانيًا علميًا يجد تجسيده في ممارسة حوار يقوم فيه المدرسون والدارسون معًا بتحليل الواقع المختزل للصفات الإنسانيةويشهرون به، بينما هم يبشِّرون بتغييره تحت راية تحرير الإنسان. لأنهم أي البشر هم القادرون على تحديد أهدافهم. (باولو فريري) القطاعات المسيطرة على العالم الثالث تنظر إليه على أنه غير قابل للنمو بعيدًا عن المجتمعات الموجهة له، وأن هذا الاتجاه هو مصدر الحركة "لإنقاذ" العالم الثالث الذي يتلبسَّه الشيطان، وتعليمه وتصحيح تفكيره وفقًا للمعايير الخاصة بالمجتمعات الموجهة. المصالح التوسعية للمجتمعات الموجهة هي التي تكمن وراء مثل تلك الأطروحات. إذ لا يمكن لهذه المجتمعات أن ترتبط مع العالم الثالث كشريك لها، حيث تفترض المشاركة مسبقًا مساواة بين أطرافها دونما اعتداد بما هم عليه من اختلاف. كما لا يمكن أن تقوم للمشاركة قائمة بين أطراف تعادي بعضها بعضًا. إن صَمْتْ المجتمع المفعول به، في ارتباطه بالمجتمع الموجَّه، يتم تكراره في العلاقات داخل المجتمع المفعول به ذاته، فتقوم نخب السلطة الصامِتة في مواجهة المجتمع الميتروبوليتاني، بإسكات شعبها هي بدورها. ولن يكون في مقدور مثل ذلك المجتمع التابع أن يكف عن صمته تجاه المجتمع الموجه إلا عندما يكسر ذلك المجتمع ثقافة صمته ويستحوذ على حق الكلام. إن المجتمع التابع هو من تعريفه مجتمع صامت وصوته ليس صوتًا أصيلًا، ولكنه مجرد الصدى لصوت المدينة الميتروبوليتانية. وتتسم المجتمعات الأمريكية اللاتينية المُغلقة بأنها ذات بنية اجتماعية هرمية الترتيب تفتقد للمرونة ومحتاجة إلى أسواق داخلية، حيث يتحكم الخارج في اقتصادياتها، وتتميز بتصدير المواد الخام واستيراد البضائع المُصنَّعة، دونما إرادة منها في كلتا العمليتين، وهي ذات نظام تعليمي انتقائي مُزعزَع تعمل مدارسه للحفاظ على الوضع الراهن، وبنسبة عالية من الأمية، وبالأمراض، بما فيها ما يدعونه في سذاجة "الأمراض الاستوائية"، والتي هي في حقيقتها أمراض التخلف والتبعية، وبمعدلات إنذارية لوفيات الأطفال بسوء التغذية، والذي غالبًا ما يترك آثارًا لا سبيل لتقويتها على الكفاءات الذهنية، وانتظارًا لحياة هابطة، وبالمعدل العالي للجريمة. ويجب على المرء ألا يظن، مهما كان، أن تعليم القراءة والكتابة يفوق "التوعية" في الأهمية، أو أن العكس صحيح. فالتوعية تحدث متزامنة مع محو الأمية أو تأتي بعدها. ويجب أن تكون هكذا، فالكلمة في طريقتنا التعليمية، ليست شيئًا ساكنًا أو منفصلاً عن خبرة البشر القائمة، وإنما هي بعد الثنائية (الفكر / اللغة) لديهم عن العالم. دور المعلم هنا، هو طرح المشكلات حول الأوضاع القائمة، لمساعدة الدارسين على الوصول إلى رؤية نقدية متزايدة لواقعهم، إن مسئولية المعلم أكبر على كل المستويات. وهو نمط يختلف عن المعلم الذي يعتمد على التلقين. هو ذات تعريف "تقف وجهًا لوجه أمام ذوات تَعرِف"، فلا يمكنه إطلاقًا أن يكون مجرد مُلقِّن، ولكنه شخص يضبط بشكل ثابت قراءاته لمعرفته، ويعمل على استجماع المعرفة من طلابه، ويشكل التعليم لديه علمًا لأصول تدريس المعرفة، أما المعلم الذي لا تعدو طريقته أن تكون مجرد الحفظ فإنما هو ضد الحوار، ولا يمكنه أن يعدل فعله في شكل المعرفة. وعلى العكس من ذلك فإن الحوار يشكل للمعلم الذي يمارس خبرة فعل المعرفة جنبًا إلى جانب طلابه إنما هو الذي يشكل الضمانة لفعل المعرفة، ومهما يكن، فهو يدرك أنه ليس كل حوار هو في حد ذاته علامة دالة على وجود علاقة المعرفة الحقيقية. وبقدر ما تكون اللغة مستحيلة دون فكر، فإن اللغة والفكر مستحيلين دون العالم الذي يرجعان إليه، بهذا القدر تزيد الكلمة الإنسانية عن أن تكون مجرد معجم، فهي كلمة فعل. ولذا يجب أن تتضمن الأبعاد المعرفية لعملية محو الأمية: العلاقات بين الناس وبين عالمهم. تلك العلاقات هي مصدر الديالكتيك، الجدل بين المنتجات التي ينجزها البشر في تحويلهم للعالم، وبين التكيف الذي تمارسه عليهم هذه المنتجات بدورها. ويتعين أن تكون عملية التعلم والقراءة فرصة للبشر لكي يعرفوا ما يعنيه فعلاً نطق: الكلمة: من فعل بشري يتضمن التفكير والعمل، بما يعد في حد ذاته حقًا إنسانيًا أساسيًا وليس امتيازًا لقلة، كما أوضحت في كتابي "الأبجدية للكبار". ولا يعتبر نطقه لكلمة فعلاً حقيقيًا إن لم يرتبط في نفس الوقت مع حق التعبير عن الذات وعن العالم ومع حق الإبداع والبعث، وحق التقرير والاختيار والحق في المشاركة بشكل مطلق في العملية الاجتماعية التاريخية. وإن كان التكيف مع العالم يعني – بالنسبة للحيوانات – إعدادها لهذا العالم، فإنه يعني بالنسبة للإنسان أنسنة هذا العالم بتغييره. إذ لا يوجد بالنسبة للحيوانات حس تاريخي ولا اختيارات أفكار أو قيم في تكيفها مع العالم، ولكن بالنسبة للإنسان هناك كلا البعدين التاريخي والقيمي. كما يمتلك البشر حس الخطة في تضاد مع النظم الغريزية للحيوانات. التعليم في جوهره: فعل ثقافي من أجل الحرية، ولذلك فهو فعل للمعرفة لا للاستظهار. ومحو أمية الكبار خصوصًا هو فعل للمعرفة، وما يحدث بالفعل أننا نختزل ممارسة التعليم إلى عملية معقدة من الأساليب بظن ساذج بأنهما متساويان، وبذا تصبح عملية التعليم عملية بيروقراطية عديمة الجدوى. إن التساؤلية (المقدرة على التساؤل وعدم أخذ الأمور على علاتها) هي المفتاح لإدراك الوعي، ومن ثم لاستعادة الواقع المختفي أو الغامض لأن إشكالية التساؤلية تعني كلاً من طرح الأسئلة والدعوة إلى طرح أسئلة. ولهذا فهي تعتبر موقف تحدٍ وفي نفس الوقت تعتبر البدء لفعل حقيقي للمعرفة، والبداية لتدمير "الهيمنة"، أي تدمير الممارسة المستقبلية ضد الإنسان. يوصف العالم الثالث بأنه العالم "المتشيئ" بلا منازع: فهو العالم الذي تم "اكتشافه" وتم غزوه، وتم إخضاعه وكذلك حكمه، ثم تعليمه، وفي النهاية يغيره ويساعده الآخرون. والغرض من هذا الفعل وذلك الاهتمام المنظمين هو تهدئة العالم الثالث. ولقد ظلت تلك التهدئة تحت إحسان حكم العالم الأول، ولا تزال هي النغمة السائدة منذ عهد قريب، ولا تضطلع بآراء هذه المهمة الجديدة جيوش وخدمات مدنية فقط، بل وتضطلع بها الكنائس والجامعات. لقد تحدثنا عن التحدي الذي يواجه أمريكا اللاتينية في هذه الحقبة من التحول التاريخي. وكلنا إيمان بأن المناطق الأخرى للعالم الثالث لا تعتبر استثناء فيما سبق لنا وصفه. هذا بالرغم من أن كلاً منها سوف يراعي دقائقه الخاصة به. الجماعات الثورية هي التي تمثل النقيض المناهض لليمين، وعلى كل، كما يجب أن يكون هناك اختلاف بين ممارسة اليمين وبين ممارسة الجماعات الثورية التي تحدد نفسها أمام الشعب. مما يجعل اختيارات كل منها اختيارات صريحة. ويتولد هذا الاختلاف بين الجماعتين من طبيعة الجماعات الثورية الطوباوية، من استحالة أن يكون اليمين طوباويًا. ولا يعد هذا التمييز تعسفيًا، ولكنه الكفيل بالإنجاز الجذري لأغراض وأشكال العمل التي تمارسها الجماعات الثورية والتي يمارسها اليمين. --- ### خواطر في تفسير إنجيل يوحنا
الإصحاح الثالث (٥) - Published: ۲۰۲۲-۰۲-۲۷ - Modified: 2022-02-26 - URL: https://tabcm.net/4112/ - تصنيفات: كتاب مقدس ”فجاءوا إلى يوحنا وقالوا له: « يا معلم، هوذا الذي كان معك في عبر الأردن، الذي أنت قد شهدت له، هو يعمِّد، والجميع يأتون إليه »“ جاء تلاميذ يوحنا المعمدان في حمية واستهجان يخبرونه عن يسوع المسيح الذي جاء إليه عند نهر الأردن يطلب منه المعمودية قائلاً ”فأجاب يسوع وقال له: «اسمح الآن، لأنه هكذا يليق بنا أن نكمل كل بر»“ (متي٣)، هذا الذي شهد له يوحنا المعمدان أنه المسيا الذي ينتظره اليهود، هوذا يقوم بتعميد الناس ! ! وكما يبدو أنهم جاءوا إليه بوشاية أو ”مصيبة“ أن المسيح يسحب البساط من تحت قدميه وينافس يوحنا المعمدان علي الصدارة. نعم إنها مصيبة ... مصيبة أبتُليت بها البشرية منذ أن تغربت عن الله بسقوط آدم. مصيبة بدأت بغواية الشيطان وانزلاق الإنسان حتي تمكّنت منه وتكررت علي مدي تاريخ الإنسان مع الله وسجَّلها الكتاب المقدس في عهديه. وحتي تلاميذ المسيح ”كانت بينهم أيضا مشاجرة من منهم يُظَنُّ أنه يكون أكبر“ (لوقا ٢٢) وصَمَت الكتاب عن أن يخبرنا إن كانوا قد ضربوا بعض أم لا؟ ! ! . كان هذا تماماً موقف آدم وحواء من الله ذاته عندما تحاورا مع الشيطان وهو يحاول إغواءهما... فقد كانا يريدان أن يصيرا مثل الله. وتسجِّل لنا بدايات تاريخ الله مع الإنسان (تكوين١١) كيف أن بنو آدم بعد طرده من الجنة ”قالوا: هلم نبن لأنفسنا مدينة وبرجاً رأسه بالسماء. ونصنع لأنفسنا أسماً لئلا نتبدّد على وجه كل الأرض“ ليصيروا آلهة. هذه قضية قديمة وخطيرة جداً وينبغي فهم جذورها، لأنها تدور حول سمة    ”الطموح“ المرتبط بطبيعة الإنسان منذ الخلق. لذلك يلتبس علي الكثيرين بأنه خطية وأنه سبب سقوط الإنسان. ويتكرر الربط بين طموح الإنسان وسقوطه في الكتاب المقدس. كما يتكرر النصح والإرشاد بين الوعاظ بضرورة التواضع كعلاج لهذا الطموح. وأختلط الأمر عند جموع المؤمنين بين الطموح والكبرياء. وقد يستشهد البعض بموقف يوحنا المعمدان المعارِض لموقف تلاميذه وطموحهم إذ قال لهم ”ينبغي أن ذلك يزيد وأني أنا أنقص“. في هذا المقال نحاول أن نتناول موضوع الطموح الإنساني من جهة أصوله الإلهية في خَلق الإنسان. وكيف أن الطموح الإنساني ليس خطأ ولا خطية.   لذلك فالمقال يحاول أن يلقي الضوء علي الخيط الرفيع الذي يفصل بين الطموح الإنساني وبين أن يتحول إلي مادة خصبة لغواية عدو الخير ليجعل من الطموح الإنساني نفسه سبباً لخسارة الإنسان في تحقيق طموحه في الرقي والرفعة والنجاح والخلود، الذي من أجله خلق الله تعالي الإنسان بهذا الطموح. فعندما نتكلم عن ”طموح الإنسان“ فنحن نتكلم عن شيئ أصيل في كيان الإنسان لا ينفصل عنه وهو الذي يجعله يشتاق ويسعى إلي ما هو أعلي مما هو عليه كيانه، مهما كان العصر والزمان والمكان الذي يعيش فيه. فهذا هو دافع المنافسة بين البشر والرغبة في النبوغ الكاشف لطموح الإنسان في كل مجالات حياته مثلما في المنافسات الرياضية والامتحانات الأكاديمية... إلخ. فكيف يكون هذا خطأ؟! بل حاشاً لحياتنا مع الله أن تتعارض مع الطموح الإنساني. ولكي نأتي بالإجابة ”مِن الآخِر“ كما يقول المصريون في لغتهم الدارجة، نقول  بأن حقيقة هذا الطموح الإنساني في حياته علي الأرض هو انعكاس لأصل الطموح الغير محدود الذي وضعه الله في الإنسان عند خلقه. فلنستعين باللاهوت المسيحي بحسب الإنجيل وكيف أن التجسد الإلهي للمسيح يسوع ”كلمة الله“ كان من أجل الارتقاء الفائق بالإنسان ليتعرف علي الله من جهة ذاته وفكره وعلاقته بالإنسان والكون فيحب الله لذاته الجديرة بالحب. فبالتجسد الإلهي صار اللاهوت متكلماً وعاملاً وشارحاً ومفسراً لكيان الله ذاته من خلال إنسانٍ هو يسوع المسيح الذي هو نفسه كلمة الله ”الله كلَّمنا في الأيام الأخيرة في أبنه“ (عب١). فإن النتيجة الحتمية التي أكملها الله بالتجسد واتخاذ اللاهوت بالناسوت في شخص/ أقنوم المسيح أبن الله الوحيد، أن الله أدخل الطبيعة البشرية - التي كانت واقعة تحت الفساد والموت بعد سقوط آدم - إلي دائرة عدم الفساد لأن لاهوت الله وحياة الله أتّحدت بطبيعة الإنسان لتجدده وتقدسه، وبذلك يتسنى للإنسان إمكانية الشركة الغير مباشرة في لاهوت الله من خلال اتحاد الإنسان بناسوت المسيح المتحد باللاهوت. وهكذا تجمَّعت وتواصلت وتوحَّدت في ناسوت المسيح  كل البشرية منذ بدء الخليقة. ومن ثمّ فإن المسيح بتجسده فتح الباب لعودة الإنسان إلي مصيره السعيد بحسب تدبير الله ومسرته منذ خلق آدم ”نخلق الإنسان علي صورتنا كشبهنا“. بهذا نعرف أن الله خلق الإنسان وغرز في طبيعته طموح الإله اللانهائي بأن يكون في الله من خلال الاتحاد بالله، ليكون له الخلود والحياة الأبدية التي ليست لأحد آخر غير الله ”وهذه هي الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته“. وهكذا فإن ”التأله Theosis“ هو طموح الإنسان الأصيل الذي خلقه الله عليه ليحققه بنعمة الله ومن خلال الله. وليس بمعزل عن الله، كما أراد الشيطان/الحية القديمة، فخدع به الإنسان - ولا زال. فبدلاً من طموح الاتحاد بالله بالنعمة، فإن الشيطان يوظِّف الطموح الإنساني بمعزل عن نعمة الله، بل وإلي أن يصير طموح الإنسان سبباً في التغرب عن الله، فيقتل الأخ أخاه، بل وأحياناً كثيرة باسم الله. لهذا وصف المسيح له المجد الشيطان بصفتين يستطيع أي أنسان أن يكتشف بهما غواية الشيطان الخبيثة في أي شيئ حتي لو كان الدين نفسه. قال المسيح أن الشيطان هو ”الكذاب وأبو الكذاب“، وأنه ”كان قتالاً للناس منذ البدء“. فكل طموح - ولو كان يبدو أنه في سبيل الله وليس فقط الإنسان- ولكنه ينتوي الكذب وموت الإنسان، فإنه انحراف بالطموح الإنساني من أن يكون بحسب تدبير الله ومسرته لينحدر ويصير بحسب الشيطان الذي أستعبد الإنسان وطموحه حتي ولو كان باسم الله وفي سبيل الله. والسُبح لله. بقلم : د. رءوف أدوارد --- ### نعم: للحرب الروسية جذور كنسية - Published: ۲۰۲۲-۰۲-۲٦ - Modified: 2024-07-14 - URL: https://tabcm.net/4116/ - تصنيفات: شئون علمانية - وسوم: أدولف هتلر, الأصولية, الحرب العالمية الثالثة, الشرق الأوسط, الشيوعية, العلمانية, الكنائس الأرثوذكسية, الكنيسة الروسية, الكنيسة الكاثوليكية, بابا فرنسيس، بابا الڤاتيكان, برثلماوس الأول، بطريرك القسطنطينية, جايوس فلاڤيوس ڤاليريوس أوريلوس قسطنطينوس, دونالد تاسك, ديانا باتلر, رئيس دونالد چون ترامب, فلاديمير الأول, فلاديمير بوتين, كرسي القسطنطينية, كنيسة الإسكندرية يعتقد البعض أن أسباب الحرب الروسية الأوكرانية تقتصر فقط على المشاحنات السياسية بين البلدين، ومخاوف بوتين من الزحف الأوروبي نحو بلاده، لكن للحرب أسبابٍ أخرى، لعل أهمها هو الصراع الديني بين الكنيستين الأرثوذكسيتين في روسيا وأوكرانيا. علّقت المؤرخة الكنسية "ديانا باتلر" قائلة: إن السبب الجوهري للحرب هو "الأرثوذكسية الروسية" شديدة المحافظة، ووصفتها بأنها: "حرب صليبية أرثوذكسية". كما أوضح رئيس حزب الشعب الأوروبي "دونالد تاسك" قائلًا: إن مطالب بوتين مرتبطة بالكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية واستقلالها عن موسكو. أما البابا فرانسيس فقد وصف الحرب في عام ٢٠١٥ بالـ"فضائحية" لأنها "fratricidal war among Christians" . فما الذي دفع السياسيين والمؤرخين لربط الحرب بالدين وبالكنيسة؟ وما الذي يدفع أساقفة الكنيسة للنزول لمباركة الأسلحة بالماء المقدس من حين لآخر؟ هل مبتغاهم فقط هو كسب رضاء الرئيس؟ للإجابة على هذا السؤال، يجب أن نعود إلى تاريخ الكنيسة الأرثوذكسية في روسيا، التي تعود أصولها إلى الكنيسة البيزنطية (كرسي القسطنطينية). انتشرت المسيحية في منطقة كيفين روس (حاليًا مناطق روسيا وأوكرانيا وبيلاروسيا) بواسطة المبشرين اليونانيين القادمين من الإمبراطورية البيزنطية في القرن التاسع، وبسبب توسع حدود الدولة الروسية، شهدت الكنيسة الروسية أيضًا توسعًا جغرافيًا هائلًا لتصبح أقوى كنيسة أرثوذكسية في العالم. انهيار الاتحاد السوفيتي عام ١٩٩١، كان من نتيجته استقلال أوكرانيا عن روسيا في العام نفسه، ومع ذلك ظلت كنيسة أوكرانيا تابعة لكرسي موسكو، وشهدت الكنيسة الأوكرانية عدة محاولات للاستقلال وإنشاء كنيسة "قومية مستقلة" غير خاضعة لسيطرة دولة أخرى. نالت الكنيسة الأوكرانية مبتغاها فعلًا في عام ٢٠١٩، وذلك بتأسيس الكنيسة الأوكرانية الأرثوذكسية، وهي مؤسسة كنسية وطنية مستقلة تمامًا ولا تخضع لسيطرة موسكو، ورأسها في عاصمة أوكرانيا، "كييف". نالت الكنيسة الجديدة مباركة الكنائس الأرثوذكسية الشقيقة، مثل كنيسة الإسكندرية، وكنيسة اليونان، والبطريرك المسكوني برثلماوس الأول، بطريرك القسطنطينية. لكنها، ظلت تؤرق الكنيسة الروسية التي لم ترض بوجود كنيسة أرثوذكسية أخرى "ذاتية الرأس" لم تعد بين تلابيبها لأول مرة منذ القرن السابع عشر. ندد فلاديمير بوتين الرئيس الروسي بتلك الكنيسة الجديدة وسعى سعيًا حثيثًا لتحريض المؤمنين ضدها، وقال إنها تمثل خطرًا على الإيمان، وستنشر عقائد غربية في كنيسته اﻷرثوذكسية المستقيمة؛ مثل زواج المثليين جنسيًا وأشياء أخرى تتعارض مع جوهر الإنسانية. فالرئيس الروسي، الذي يعشق التصوير وهو يرتدي صليبه، ويعوم في مسبحه وسط صور القديسين، لا يحب أن يتساهل في الأمور التي تخص الإيمان المسيحي. وقام بتشييد تمثالًا شاهقًا أمام الكريملن للقديس فلاديمير الأول، الإمبراطور الـ"كيفن-روس"ـي، الذي تحول إلى المسيحية ونشر الإيمان في أوروبا الشرقية، وعمّد المواطنين في نهر دنيبر (هو بمثابة اﻹمبراطور قسطنطين بالنسبة للإمبراطورية الرومانية). أراد فلاديمير بوتين بتشييد هذا التمثال تذكير الأوكرانيين بأن الروس هم أصل المسيحية في المنطقة؛ وربما، كما أشار البعض، أراد الإعلان عن نفسه بصفته فلاديمير هذا العصر، أو فلاديمير الثاني، الذي سيسير على خطى سلفه فلاديمير اﻷوّل. ومن الجدير بالذكر أن "دونالد ترامب"، الرئيس الأمريكي السابق، لم يستطع - رغم العداء الأميركي الروسي الشهير - منع نفسه من مدح نظيره بوتين ووصفه "بالعبقري"، قائلاً "أنا أعرف بوتين جيداً. " فكتاجر "دين سياسي" زميل بالمهنة، بالطبع ستكون شهادته في بوتين مجروحة. ربما يكون بوتين لا يريد فقط حماية بلاده من هجوم أوكرانيا بعد انضمامها للناتو؛ فهذا الهجوم المزعوم قد أنكرته أوكرانيا التي ظلت تستغيث بأوروبا والناتو، ولا من مغيث. فالدب الروسي يريد بالأحرى الاستيلاء على الأرض الأوكرانية التي تفيض بالخيرات المتعددة، بالإضافة إلى السلطة الدينية حين تستعيد كنيسة روسيا الوصاية على ابنتها المستقلة، ليصبح بذلك قائد أكبر دولة مترامية الأطراف، وحامي أقوى كنيسة أصولية محافظة في أوروبا الشرقية. وهو أيضا يهدف إلى توحيد القوى اليمينية في الغرب المحافظ الذي يتمثل في  الإنجيليين المتشددين، والكاثوليك المحافظين، والأرثوذكس الروس تحت مظلة الكنيسة الروسية، ككتلة واحدة ضد الصين الشيوعية، والشرق الأوسط المسلم، وأمريكا العلمانية. وعلى غرار هتلر، يسير نحو هدفه بلا كلل، حتى وإن تطلب الأمر قتل بعض المدنيين  وﻻ بأس ببعض جرائم الحرب. وبالعودة إلى الكنيسة الروسية "المجاهدة" التي نزلت إلى الشارع لمباركة الأسلحة ليكون القتل مباركًا بسم المسيح والصليب، لا نجد أمامنا إلا أن نتذكر الحروب الصليبية ومحاكم التفتيش في العصر الوسيط، والتي مازال بعضنا يتعجب منها متسائلاً: كيف يمكن أن تفعل الكنيسة مثل هذه الأمور وفكرة القتال مرفوضة رأسًا من المسيح كما هو موضح بشكل صريح في العهد الجديد؟! ربما لا يبدو الأمر بهذا الصعوبة. فالتحايل على الوحي لتبرير القتل ليس مستحيلًا، أليس كذلك؟ فحين شنت الكنيسة الكاثوليكية حربها في القرون الوسطى، وقفت أمامهم بعض النصوص مثل "سافك دم الإنسان، بالإنسان يسفك دمه. " ((تكوين 9: 6 ))، و"من يأخذ بالسيف، بالسيف يهلك. " ((متى 26: 52 ))، وتفتقت الأذهان حينها عن حيلة رائعة، وهي القتل بدون سفك دم. لذلك، اتفقوا على ممارسة القتل بالحرق على أن تسلم الكنيسة الهراطقة إلى السلطة المدنية لتقوم بحرقهم أحياء. وبذلك، يتفادوا سفك الدماء بأنفسهم ويحافظوا على تعاليم الإنجيل. لعل من أشهر من حرقوا بتلك الطريقة هو العالم "جورديانو برونو" لأنه تقدم بنظرية فلكية عن إمكانية وجود حياة في كواكب أخرى غير الأرض، مما أغضب الكنيسة لأن لو كانت هناك حياة على كواكب أخرى، لما أصبحت الأرض بآدم، وخطيئته الأصلية، والخلاص محور الكون! والآن، ها هي الكنيسة الروسية تعيد التاريخ من جديد وتبارك الأسلحة ليتسلمها الجنود الروس بعد ذلك من الأيادي الطاهرة ليقوموا هم بالدور القذر الذي تريده الكنيسة —الاستيلاء على كنيسة أوكرانيا بالإكراه لتصبح الكنيسة الروسية بذلك محور المسيحية الأرثوذكسية في أوروبا بلا منازع. وتدعي أنها بدعم بوتين تطبق قول الكتاب: "لتَخْضَعْ كُلُّ نَفْسٍ لِلسَّلاَطِينِ الْفَائِقَةِ" ((رومية 13: 1 )). الصور المرفقة في هذا المقال لم تلتقط في هذا العام (٢٠٢٢)، ومنها ما يعود لعام ٢٠١٩ و٢٠١٥. لكن الحرب الروسية-الأوكرانية، لمن لا يعلم، ليست وليدة اللحظة. فقد بدأ النزاع المسلح في فبراير ٢٠١٤ في أعقاب منطقة الميدان الأوروبي، التي تركزت على وضع شبه جزيرة القرم وأجزاء من دونباس، المعترف بها دوليًا كجزء من أوكرانيا. وبدأت محاولات الكنيسة الأوكرانية في الاستقلال منذ ١٩٩١. وكأي حرب كبرى، تم التمهيد لها منذ سنوات إعلاميًا وعسكريًا. --- ### [٧] الطوفان العظيم - Published: ۲۰۲۲-۰۲-۲۵ - Modified: 2024-04-28 - URL: https://tabcm.net/4033/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, لاهوتيات - وسوم: أركيولوچي, الشيطان, بابا كيرلس عمود الدين, تادرس يعقوب ملطي, تجسد الكلمة, جلجامش, سمعان بن يونا, شيث, علامة إكليمندس السكندري, قايين, قديس أوغسطينوس، أسقف هيبو, قديس إيرونيموس چيروم, قديس إيرينيئوس، أسقف ليون, لامك, مار أڤرام السرياني, مدينة الله فيما سبق، حاولت في إيجاز وضع الخطوط العريضة لإيمان الكنيسة فيما يتعلق بمن هو الله؟ كيف نفهم الصفات المنسوبة له؟ كيف نتكلم عن الله؟ كيف نتكلم عن العناية الإلهية، هدف الخليقة، سقوط الخليقة، مركز الإنسان في الخليقة، وإعادة بعث الحياة في الإنسانية والخليقة من خلال تجسد الكلمة؟ هذا الجزء يتحدث بشكل مباشر عن بعض الأحداث الصعبة الواردة في الكتاب المقدس والتي تترك الكثيرين في حالة من عدم الارتياح. الطوفان العظيم الدراسات الكتابية: استطاعت الدراسات الكتابية أن تكشف عن العديد من المخطوطات من بلاد ما بين النهرين والأساطير البابلية التي تتشابه مع قصة الطوفان في عدد من التفاصيل. للأسف، لا يوجد ما يكفي من الأدلة الأركيولوجية ما يؤكد على حدوث طوفان عالمي إلى هذا اليوم ((Mark W. Chavalas, Victor H. Matthews, and John H. Walton, The IVP Biblical Commentary: Old Testament, 1 edition (Downers Grove, III: IVP Academic, 2000), 37 )) مما جعل البعض يعتقد أن قصة الطوفان الكتابية ما هي إلا واحدة من هذه الأساطير. البعض الآخر اعتبرها قصة قديمة نموذجية تعبر عن علاقة الإنسان بالآلهة والخليقة وصارت جزء من العقل الجمعي للبشر وتداولت من مكان لآخر بتفاصيل مختلفة تتوافق مع السياق الحضاري والديانة الخاصة بكل منطقة أو جماعة. إلا أننا نجد بعض المفسرين الأرثوذكس قد اتخذوا منهج محافظ مثل القمص تادرس يعقوب ملطي، الذي رأى في التشابه الجزئي بين القصص الأسطورية والسرد الكتابي إشارة لحدوث الطوفان في القديم وأنه قد تم تسجيله بطرق مختلفة في الحضارات المختلفة إلا أن السرد الكتابي يقدم القصة الأصلية التي لا تعطي أحداث مجردة بل ترينا أيضًا عنصر العناية الإلهية ودوره في تسلسل الأحداث ((تادرس يعقوب ملطي (القمص)، تفسير التكوين (القاهرة: كنيسة مارجرجس سبورتنج، 1983)، 97-99. )). من اللازم أن نبحث عما وراء عناصر التشابه والاختلاف لنرى كيف اختلف السرد الكتابي عن الأساطير. فمن عناصر التشابه نجد حدوث الطوفان، استمرارية وجود العالم من خلال شخص واحد يحافظ على قلة من البشر يستمر العالم من خلالهم، استخدامهم لفلك للحماية من المياه، وتعرفهم على مستوى تراجع المياه باستخدام الطيور المختلفة. عناصر الاختلاف تتضمن سبب حدوث الطوفان، العلاقة بين الله والإنسان في السرد الكتابي، شكل الفلك، نوعية الطيور المرسلة لاستكشاف نهاية الطوفان، ومدة الطوفان. سبب الطوفان في السرد الكتابي هو استمرارية الانجذاب نحو الخطية التي سيطرت على البشرية. بالتالي، يحكم الله باحتياج العالم لبداية جديدة خلال شخص نوح، رجل صالح وكامل في جيله. يظهر الله إرادته لنوح؛ الأمر الذي يتباين مع أسطورة جلجامش حيث يقرر الآلهة أن يقضوا على البشرية بسبب علو أصواتهم وإزعاجهم للآلهة. أحد الآلهة المحبة للبشر تعلن لرجل خطة الآلهة وتحذره ليسكن في فلك وبهذا تخلص الخليقة من المياه. نجد أن الله هو من دعا نوح للخروج من الفلك بينما الملحمة الأسطورية تظهر الإنسان مسرعًا خارج الطوفان ليقدم الذبائح لاسترضاء الآلهة. الاختلافات في التفاصيل وعناصر التشابه البسيطة تقدم توضح أنه لا يوجد عناصر تطابق إلا في الخطوط العريضة، بينما الاختلافات كافية لتوضح الفروق الشاسعة بين الله والآلهة المزيفة سواء في الحافز المؤدي لحدوث الطوفان، أسباب فناء الإنسانية، وأسباب وطريقة تخليص البشرية ((K. A. Kitchen, On the Reliability of the Old Testament, 1 edition (Grand Rapids, Mich. : Eerdmans, 2006), 425 )). التفسير اليهودي: أبناء الله المذكورين المشار إليهم في افتتاحية الإصحاح السادس تم تفسيرهم بطريقتين أساسيتين: الأول يشير لهم كملائكة ساقطة بينما الثاني يشير لهم كأبناء شيث. التفسير الأول يعتمد على مقارنة النص بسفر أيوب حيث يشير للملائكة بما فيهم الشيطان، والمعروف في السفر باسم المشتكي، على أنهم أبناء الله الظاهرين أمامه (أيوب 1: 6). التفسير الثاني يعتمد على مقارنة "أبناء الله" بسفر المزامير حيث يقول الله عن البشر، أنهم آلهة وبنو العلي يدعون (مز 82: 6). التفسير الثاني يستمر في الربط بين أبناء شيث بأبناء الله باعتبار شيث أكثر برًا من قايين، ذو البنات التي سماهم الوحي ببنات الناس. يربط المفسرين اليهوديين بين الله الذي "يرى" كل شيء أنه حسن سبع مرات في تكوين 1 ورؤية الله للإنسان وشره وندمه على خلقة الإنسان في تكوين 6. ((Adele Berlin and Marc Zvi Brettler, eds. The Jewish Study Bible, 2 edition (Oxford University Press, 2014), 19 )) يعلمنا الكتاب المقدس فيما بعد أن نوح وجد نعمة في عيني الرب (تكوين 6: 8). على الرغم من أنه للوهلة الأولى تبدو هذه الآية كآية عابرة، إلا أنها تلقي الضوء على الترابط بين نوح والنعمة؛ الأمر الذي يشير إليه المفسرين اليهوديين حيث أن نوح بالعبرية "ن-ح" بينما كلمة نعمة بالعبرية هي "ح-ن". فالآية تشير إلى المستقبل حيث نعمة الله "ح-ن" هي صاحبة الكلمة الأخيرة في هذه الأحداث وأن هذه النعمة "ح-ن" ستأتي عن طريق نوح "ن-ح". هنا ويجب أن نشير إلى أن لامك حين ولد نوح قال: هذا يعزينا عن عملنا وتعب أيدينا من قبل الأرض التي لعنها الرب (تكوين 5: 29). حتى قبل أن يدين الله العالم، يبدأ بقطع عهد مع نوح (تكوين 6: 18). فنعمة الله لم تكن فقط صاحبة الكلمة الأخيرة في خلاص الإنسانية من خلال نوح بل أيضًا صاحبة الكلمة الأولى في الوعد المُعطى من الله للإنسان قبل حدوث فاجعة الطوفان ((Adele Berlin and Marc Zvi Brettler, eds. The Jewish Study Bible, 2 edition (Oxford University Press, 2014), 20 )). وبينما يحدد الإصحاح السابع تفاصيل الطوفان وكيفية حدوثه، يستهل الإصحاح الثامن ب"تذكر الله نوح" مشيرًا لنصرة الرحمة على الحكم. سيتذكر الله العديد من الأشخاص والعهود وسيجعل من هذا التذكار سببًا وإعلانًا لتخليصه للبشر كما سنراه فيما بعد يتذكر إبراهيم ولوط ((Adele Berlin and Marc Zvi Brettler, eds. The Jewish Study Bible, 2 edition (Oxford University Press, 2014), 21 )). التفسير المسيحي: لكثرة التفاسير الخاصة بالتكوين وكثرة تفاصيلها، سنكتفي هنا بما يخص المواضيع الخاصة ببحثنا ألا وهي: الرحمة الإلهية التي تعطي فرصة للتوبة، معنى ندم الله، ومعنى غضب الله في سياق الطوفان. يبدأ الإصحاح السادس بالزيجة بين أبناء الله وبنات الناس. نجد صدى التفسير اليهودي لأبناء الله على أنهم ملائكة ساقطة في تفاسير كليمنضس السكندري ((Andrew Louth, ed. , Ancient Christian Commentary on Scripture: Genesis 1-11, 1 edition (Downers Grove, Ill. : IVP Academic, 2001), 121 )) وإيرينيئوس أسقف ليون ((Irenaeus of Lyons, Proof of the Apostolic Preaching, 18 )). إلا أن هذا التفسير تم رفضه فيما بعد من قبل لاهوتيين مهمين في تاريخ الكنيسة مثل مار إفرام السرياني ((Louth, Ancient Christian Commentary on Scripture: Genesis 1-11, 121-122 ))، وأغسطينوس ((Louth, Ancient Christian Commentary on Scripture: Genesis 1-11, 123 ))، وكيرلس السكندري ((كيرلس السكندري، جلافيرا التكوين )). يؤكد الأخير على أن أبناء الله لا يمكن أن تشير إلا لأبناء شيث وليس للقوات الملائكية حيث يرى أنه من الأساسي في إيماننا أن الملائكة غير الجسدانية لا يمكن أن تسقط في الشهوة الجسدانية. يشترك افرام السرياني وكيرلس الكبير في هذا التفسير المستقر الآن في الكنيسة. يعلن الله في تكوين 6: 3 أن عمر الإنسان سيقل ليكون 100 سنة فقط بعد أن نرى الأعمار التي تصل لتسع مئة سنة في سلاسل الأنساب التي تظهر في بداية لتكوين. يختلف المفسرين المسيحيين في تفسير هذا التقليل في العمر البشري. يفسر إفرام هذا النص بطريقة حرفية دون أن يفسر وجود أشخاص عاشوا لما فوق المئة وعشرين سنة بعد نهاية الطوفان. يؤكد جيروم أن هذا الوقت المشار إليه بمئة وعشرين سنة هو وقت التوبة الذي أعطاه الله للبشر الذين عاشوا زمن الطوفان. إلا أن كلاهما (أي إفرام وجيروم) يؤكدا أنه لو تاب البشر لأوقف الله الطوفان ((Louth, Ancient Christian Commentary on Genesis 1-11, 122 )). ففترة السماح هذه هي شهادة للرحمة الإلهية إلا أنه لا يوجد ما يدل على معرفة من انتهت حياتهم بالطوفان بأن هذه الفترة كانت فترة سماح قبل حدوث الطوفان إذ كان نوح هو الوحيد الذي أعلن له الله أن الطوفان سيحدث. وحتى لو كرز نوح بما أعلنه الله له، لا نعرف مدى هذه الكرازة. فلو كانت هذه الكرازة مبنية على رؤية الناس له وهو يبني الفلك، فماذا عمن لم يروه؟ في الحقيقة، عدم ذكر النص لمدى معرفة الناس بما هو آتٍ لا يؤكد بشكل ضروري أنهم عرفوا أو لم يعرفوا. فالنص لا يعلن كل التفاصيل. على سبيل المثال، نحن لا نعرف كيف "دخلتإلى نوح إلى الفلك" (تكوين 7: 15). فلو قدموا بشكل معجزي ولو لم يحضرهم نوح بنفسه، فلماذا حدد الله عدد الحيوانات والطيور (اثنين من غير الطاهرين وسبعة من الطاهرين مع العلم أن شريعة الحيوانات الطاهرة وغير الطاهرة لا نقرأها بشكل مكتوب إلا بعد سنين من نوح في زمن موسى في أسفار الخروج واللاويين والتثنية)؟ لا نعرف أي شيء عن كيفية إحضار نوح لكمية الطعام اللازمة لهذا العدد من الحيوانات، وكيف حفظ الطعام، وكيف تناولت الحيوانات المفترسة الطعام الخاص بها، هل صارت نباتية أم افترست الحيوانات الأخرى؟ هناك عدد من التفاصيل التي اختار الوحي ألا يُعلمنا بها والتي كانت من الممكن أن تقدم لنا تسلسل قصصي أفضل مما يدل على أن هدف النص ليس مجرد السرد القصصي. فحين يختار الوحي أن يخفي مثل هذه التفاصيل، نفترض أن معرفتها غير لازمة لخلاص البشرية أو لمعرفة الله. فسواء عرفنا أو لم نعرف هذه التفاصيل، ستظل الحقيقة أنه: ما أبعد أحكامه عن الفحص وطرقه عن الاستقصاء (رومية 11: 33). بعد البحث في الكتب المقدسة، والتفاسير، وحتى التخمين في حدود النص واللياقة، وبعد تقديم النظريات المختلفة، لابد للمؤمن أن يعترف بجهله في النهاية بحكمة الله. يتخذ النص فيما بعد منحدرًا جديدًا تجاه غضب الله والذي يستتر تحت نص "ندم الله" لكونه صنع الإنسان. يلقي أغسطينوس الضوء على هذه المصطلحات في كتابه الشهير مدينة الله فيقول ((Louth, Ancient Christian Commentary on Genesis 1-11, 125 )) : غضب الله لا يوحي بوجود اضطرابفي العقل الإلهي. فالموضوع ببساطة هو إصدار الحكم على الخطية. وحين "يفكر الله، ثم يفكر بطريقة أخرى" هذا يعني ببساطة أن الحقائق المحيطة به قد تغيرت فيما يخص علاقتهم بفكره غير المتغير. لأنه غير ممكن لله أن "يندم / يتوب" كما يتوب أو يندم البشر عما صنعوه لأنه من الواضح أن أحكامه ثابتة في كل شيء في علمه السابق. لكن باستخدام هذه اللغة البشرية بطرق متعددة يتمكن للكتب المقدسة أن تساعد قراءها المختلفين أن يشعروا بالألفة. لذلك يمكن فقط بهذه الطريقة أن يخيف المتكبرين ويقيم الكسالى ويدفعهم للتساؤل ويقدم طعام للمقتنعين. وهذا ممكن فقط حين يتنازل الكتاب المقدس لمستوى أقل القارئين. (Louth, Ancient Christian Commentary on Genesis 1-11, 125) حين نقرأ الكتاب المقدس، لابد أن يميز القارئ بين من هو الله كما تعلنه الكنيسة بالمقارنة مع ما تقوله الكتب المقدسة لمساعدة غير المتعلمين باستخدام الصور والأمثلة واللغة البشرية. كيف يمكن لنا أن نميز بين الإثنين؟ بالقراءة المصلية للكتاب المقدس أخذين بعين الاعتبار تعاليم الكنيسة وكتابات الآباء المشمولين بنعمة الروح القدس الذي قادهم في تفسير تلك الكتب المقدسة عينها التي سبق وأوحى بها للأنبياء والرسل. فما يتفق عليه الآباء في تفسيرهم نتخذه كتعاليم أساسية في الكنيسة وما يختلفوا عليه نتخذه كأشياء يمكن الاختلاف فيها دون أن يؤثر هذا الاختلاف على معرفتنا بالله. فغضب الله هو مسألة تفسيرية اتفق فيها الآباء شرقًا وغربًا وسكندريين وأنطاك. أخيرًا: على الرغم من عدم وجود الكثير مما يمكن إضافته لما قاله الآباء إلا أنه من الواجب أن نأخذ بعين الاعتبار بعض النتائج والتبعيات العملية لسرد الطوفان. أولًا، لو كان القارئ لا يزال غير مقتنع بمدى الفساد والانحلال البشري حين قرر الله بوجوب الطوفان، ينبغي أن ينظروا لمن خلصوا من الطوفان ومدى برهم. نوح، الذي قال الله عنه أنه كان بارًا وكاملاً في جيله، يُظن أنه اتخذ دور أشبه بدور الكاهن إذ يصفه بطرس الرسول بأنه كان كارزًا للبر (بطرس الثانية 2: 5). على الرغم من أن أول أعماله بعد الطوفان كان تقديم الذبائح لله، إلا أن السرد التالي يظهره كشخص سكير وعاري بسبب سكره. من الطبيعي أن يتوقع القارئ سلوكًا أفضل من السكر والولع بالخمر في حياة الرجل الكامل كارز البر الذي لم يلبث أن يرى العالم ينتهي بسبب الخطية أمام عينيه. علاوة على ذلك، نجد أن حام، ابنه الذي رافقه على الفلك ورأى حكم الله، لم يخز من النظر والسخرية من عورة أبيه. فلو أن هذه هي سلوكيات الأبرار الذين رأوا عدل الله، فينبغي أن يعطيك هذا فكرة عن سلوكيات من عاشوا في الفساد قبل الطوفان. وعلى الرغم من هذا الانحلال الأخلاقي، نجد رحمة الله هي المنتصرة في النهاية باستمرارية البشرية خلال شخص نوح. ثانيًا، كمؤمنين في عهد النعمة، لا بد أن نرى في نوح رمزًا للمسيح الذي خلص العالم من الخطية. يرمز الفلك إلى الكنيسة التي تحفظنا من طوفان الشهوات والملاذ العالمية. فكوننا في المسيح، نوح الجديد، أو في الكنيسة، الفلك الجديد، متوقف على حرية إرادتنا التي تدرك أهمية الخلاص. يمكنني القول بأن الكلمة، الابن الوحيد، الذي تجسد في ملء الزمان الحاضر محتملاً الموت من أجل الجميع محررًا إياهم من العقوبة وماحيًا للخوف من العقوبة من كل المؤمنين هو نوح الحقيقي، أي النياح / الراحة والبر، لأن هذا هو معنى اسم نوح. ((كيرلس الكبير، جلافير التكوين، 2 )) (كيرلس الكبير، جلافير التكوين، 2)   --- ### العدل.. العقاب.. والله.. - Published: ۲۰۲۲-۰۲-۲٤ - Modified: 2023-11-01 - URL: https://tabcm.net/4020/ - تصنيفات: مقالات وآراء العدل، هو مفهوم يرتبط ارتباطًا وثيقًا بسلامة المجتمعات البشرية، ويتطور -صياغة وأليات- بتطور المجتمع وتحضره. العدل، هو أن يحظي جميع أفراد مجتمع ما، بنفس النظرة المتكافئة أمام المجتمع، بغض النظر عن العرق، اللون، النوع، المستوي المادي أو التعليمي. . الخ. يقول "أرسطو" أن العدل هو نقطة الأساس لإرساء قواعد المجتمع وعلاج تشوهاته، ويميز بين فرعين في نظم العدالة: أولًا: العدالة التوزيعية، بمعني توزيع الثروات والموارد علي الأفراد بمساواة تامة. وثانيًا: العدالة الوقائية، التي ترتب لكل حدث ضار بالمجتمع أو أحد أفرادة (جريمة) عاقبة تتناسب مع الحدث (عقوبة رادعة)، العقوبة تصدر عن المجتمع (ممثلًا في هيئة المحلفين) أو باسم المجتمع (ممثلًا في القاضي) ولا تصدر عن / باسم الفرد المضار، ولكنها تعيد إليه الإحساس بالمساواة الذي سُلب مع الجريمة. وللعدالة الوقائية نظريات تفسر فلسفتها: منها التاريخية، وهي تتبني فلسفة "الردع"، وأن سيف العقوبة يقلل الجريمة. ومنها الحديثة، وفلسفتها أن المجتمع بأكمله مخطئ حتي انه أفرز مجرمًا، وأن لهذا المجرم حقوقًا لدي المجتمع، تُلزم الأخير بإعادة تأهيل المجرم ليعود فردًا منتجًا مفيدًا للمجتمع. ليس لكلا النظريتين أدنى علاقة بالانتقام من المجرم "نفسه" علي فعله. مبحث فلسفي: أيقنت البشرية فلكيا، أن نيزكًا ما، سيضرب الأرض بعد فترة زمنية قصيرة نسبيًا، وستفنى الحياة عليها، هل يستمر النظام العدلي المجتمعي؟ مبحث فلسفي: أين تجد الله في كل ما سبق؟ هل الانتقام من الخطاه والمجرمين يليق بالله؟ هل أنشأ الله مجتمعًا بشريًا عادلًا بمقاييسنا الحالية؟ هل كان صاحب "ملكوت السموات" عادلا في مثل أصحاب الساعة الحادية عشر؟ هل كان الأب عادلا في مثل الابن الذي كان ضالًا؟ سادتي الأعزاء، الله ليس عادلًا بمقاييسكم الأرضية هذه، فلا تنصبوا أنفسكم أوصياء عليه. --- ### التفسير بين الحرفية والرمزية [مدرسة الإسكندرية] - Published: ۲۰۲۲-۰۲-۲۳ - Modified: 2024-02-16 - URL: https://tabcm.net/3916/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: آريوسية, أبوليناريوس، أسقف اللاذقية, أثناسيوس فهمي چورچ, أفلاطون, أفنوميوس, أوريجينوس ليونايدس أدامانتيوس, التفسير الحرفي, التفسير الرمزي, المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية, النسطورية, بابا كيرلس السادس, بابا كيرلس عمود الدين, بولس رمزي, بيت التكريس, تادرس يعقوب ملطي, چورچ حبيب بباوي, علامة إكليمندس السكندري, علامة ديديموس الضرير, قديس أثناسيوس الرسولي, قديس إيرونيموس چيروم, قديس بولس الرسول, مار مرقس الرسول, مدرسة الإسكندرية, نصحي عبد الشهيد بطرس مراحل تطور التفسير الرمزي أول من استخدم الطريقة الرمزية في التفسير كان فلاسفة اليونان، قبل مجيء السيد المسيح، واستخدموا هذه الطريقة في تفسير الأساطير الوثنية، وهذا المنهج يتضح ويظهر بالأخص في فلسفة أفلاطون، وكان أول كاتب يهودي استخدم المنهج الرمزي كان الكاتب أرسطوبولس السكندري، واستخدمه في تفسيره للشعر الإغريقي في منتصف القرن الثاني قبل الميلاد، وأيضا استخدمه في تفسيره للعهد القديم. أما الكاتب اليهودي الذي طور هذه الطريقة في التفسير، واستخدمها أفضل استخدام، فكان "فيلو" الفيلسوف السكندري، يُعتبر التفسير الحرفي بالنسبة لـ"فيلو" هو الظل بالنسبة للجسم أما المعنى الرمزي العميق للأحداث يمثل الحقيقة الكامنة والصحيحة، ومن هذا المنظور قد تبنى الكتاب المسيحيون السكندريون هذا الطريق في التفسير والمنهج لأنهم اعتقدوا أن التفسير الحرفي غير لائق بالله. سنجد أن القديس إكلميندس السكندري استخدم التفسير الرمزي أيضًا في مرات كثيرة، ولكن العلامة أوريجانوس أسس له نظامًا ونظرية كاملة، وبفضل التفسير الرمزي سنجد في هذا العصر إن علم اللاهوت والتفسير الكتابي تقدم خطوات كثيرة، وقد ساعد التفسير الرمزي بوجود اتصال خصب لتكوين عِلاقة بين الفلسفة اليونانية والوحي الإلهي، وسنجد أيضا المرجعية التي اتخذها الآباء لهذا التفسير هو بولس الرسول في (غلاطية 24:4، 1كورنثوس 9:9). أصل مدرسة الإسكندرية ومؤسسيها يخبرنا جيروم عن أصل مدرسة الإسكندرية بأن من أنشأها كان القديس مرقس الرسول بنفسه، وقد أنشأها بهدف أن تكون مدرسة للموعوظين، حيث كان يأتي إليها كل من يطلب الإيمان المسيحي ومعرفة الكتاب المقدس، كمرحلة تأهيلية للمعمودية المقدسة. وقد أُطلق عليها "الأكاديمية المسيحية الأولى"، وأُسست لتواجه العالم اليوناني، ليس بغرض العداوة للفلسفة اليونانية ونقضها بل بالعكس أُسست لتجذب طبقة المثقفين والفلاسفة إلى المسيحية، فكانت في هذا الوقت كمثال لمعهد للدراسات المسيحية المتقدمة. منهج التفسير الرمزي لمدرسة الإسكندرية من أعظم ما علم في مدرسة الإسكندرية: القديس بنتينوس، القديس إكلميندس السكندري، العلامة أوريجانوس، القديس ديدموس الضرير، القديس أثناسيوس الرسولي، القديس كيرلس الكبير. هذه الأسماء، من أهم آباء الإسكندرية الأفلاطونيين وتأثروا أيضا بأفلوطين وفيلو كما ذكرنا سابقا، فنرى تأثرهم بأفلاطون يتضح في أن الحق يُدرك أكثر بالعقل، والإدراك أكثر من الشعور الحسي الذي تُستخدم فيه المادة والتاريخ. فكما أن مدرسة أنطاكيَة اهتمت بالتاريخ أكثر من الرمز، نجد أن التفسير السكندري فعل العكس تمامًا، فكانت نتيجة هذا الخليط بجانب الثراء الفكري لعقول الآباء السكندريين، إنتاج سمات خاصة باللاهوت المسيحي السكندري، حيث كانت براعتهم تكمن في أخذهم لكل الثراء الموجود في المدارس الفكرية في هذا الوقت بما يتوافق مع العقائد المسيحية الأرثوذكسية. سنجد إنهم اعتمدوا على أفلاطون في شرحهم للأخرويات وطبيعة الله، واعتمدوا على أفلوطين في "التأله" و"اتحاد الله بالإنسان"، وأخذوا من فيلو التفسير الرمزي للكتاب المقدس، وعلى هذا الأساس والتنوع قد نتج الفكر الإسكندري في آفاقه الواسعة وصار مركزا لكل من يريد أن يتعلم ويعيش المسيحية في كل بقاع العالم. مثال للتفسير الرمزي "وَضَفَرَ الْعَسْكَرُ إِكْلِيلاً مِنْ شَوْكٍ وَوَضَعُوهُ عَلَى رَأْسِهِ، وَأَلْبَسُوهُ ثَوْبَ أُرْجُوَانٍ"(الإنجيل بحسب يوحنا 19 :2)"لقد عامل العسكر المسيح كمن يسعى إلى عرش ولذلك أهانوه كعادة الجنود ولنفس السبب وضعوا إكليل شوك على رأسه والإكليل هو رمز للسيادة والملك الأرضي أما الرداء الأرجواني فهو دلالة على الملك وأهانوه بطريقة تتفق مع كل هذه المظاهر لأنهم اقتربوا منه وكانوا يقولون له السلام يا ملك اليهود. و قد سمعت هذا التفسير و هو يرضى خيال البعض أن إكليل الشوك يرمز إلى الجماعات من الوثنيين الذين سيعودون للمسيح وسيقبلهم هو ليجعلهم تاجه الملوكي عندما يؤمنون به، و الأمم مثل الشوك لأنهم بلا ثمر ولا نفع كما يجمع الشوك للحريق هكذا الأمم كانوا بلا فائدة أما الآن فهم في المسيح يسوع لهم كل الفوائد، أما الرداء الأرجواني فهو يرمز إلى ملكوت المسيح الذي سوف ينتشر في العالم كله، ويمكننا أن نقبل أي تفسير مادام أنه ليس غريبًا عن الحق بشرط أن يكون له هدف واضح و لا يوجد ما يدعو إلى رفض هذا التفسير لأنه يحتوى على براعة في فهم عمل المسيح في المستقبل". (تفسير إنجيل يوحنا للقديس كيرلس الكبير صـ 54) التوافق بين المدرستين في كتابات البابا كيرلس عمود الدين نجد أن أعظم من أستطاع أن يأخذ منهجًا صحيحًا وأن يوفق بين المنهجين فلا يأخذ الرمزية والمعنى المخبئ بطيات الحروف ويهمش التاريخ، وأن يدرس التاريخ ولا يهمش الرمز هو القديس البابا كيرلس عمود الدين، ولذلك فإن تعاليمه العقائدية فيما يختص بطبيعة السيد المسيح له المجد ضد كل من هرطقة آريوس، ونسطور، وأبوليناريوس، وأفنوميوس، تمثل الأساس لفهم شروحاته وتفسيراته للكتاب المقدس إذ يربط ربطًا محكمًا بين عقيدة الكنيسة وبين تفسيره للكتاب المقدس. جمع كيرلس الكبير بين المدرستين والتأويلين، الرمزية والتاريخية، على أرضية خريستولوجية، في شخص يسوع المسيح الإله المتجسد، الذي اجتمع فيه الله والإنسان، الزمن والأبدية، التاريخ والروح، الطبيعتين بلا انفصال ولا استحالة ولا امتزاج، فما عاد للروح أن تطغى على الجسد كما كان تصور مدرسة الإسكندرية، ولم يعد التاريخ هو سيد الرمز كما في مدرسة أنطاكيَة، بل أن الاثنين قد جُمعا معًا، في شخص المسيح، لقد كان هذا منهجه منقوعًا في صبغة التجسد. فقد جمع الكل على أرضية الخضوع للحياة الروحية التي تسلمناها من المسيح بفعل روحه القدوس، والتقليد الآبائي الراسخ في الكنيسة المقدسة، والنظرة الخلاصية لعقيدة التجسد التي يشرحها، كل ذلك جعله يبنى منهجه بعيدًا عن المناهج العقلية التي استندت إليها الفلسفة وجعلته ينطلق من هذا المنهج الضيق القاصر الذي اتبعه أسلافه إلى اللاهوت الذي هدفه خلاص الإنسان، والحياة الجديدة التي أُعطيت لنا في الابن الوحيد المتجسد. مصادر  السلسلة - محاضرة مدارس تفسير الكتاب المقدس أبونا بولس رمزي. - محاضرة عن القديس ديديموس الضرير، للدكتور ميشيل بديع، الكورسات المتخصصة للمركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية. - كتاب التربية عند آباء البرية| آباء الكنيسة كمربين - القمص أثناسيوس فهمي جورج - دراسات في آباء الكنيسة/ لأحد رهبان برية القديس مكاريوس - نظرة شاملة لعلم الباترولوجى في القرون الستة الأولى –  تفسير المعجزات في إنجيل يوحنا عند آباء الكنيسة ومعلميها 2 – الكتاب الشهريّ – بيت التكريس مارس 2006 – ص26 - محاضرة عن مدرسة الإسكندرية، للدكتور نصحي عبد الشهيد/ المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية - تفسير إنجيل يوحنا للقديس كيرلس الكبير - الدراسة اللاهوتية التي قام بها د / جورج حبيب بباوي "الخلاص كما شرحه القديس كيرلس السكندري" - القمص تادرس يعقوب ملطي – آباء مدرسة الإسكندرية الأولون 2001 --- ### الكرسي الإريتري ومعالجة الانشقاق: رؤية تاريخية - Published: ۲۰۲۲-۰۲-۲۲ - Modified: 2023-11-04 - URL: https://tabcm.net/4049/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أنبا أنطونيوس الأول، بطريرك إريتريا, القرعة الهيكلية, الكرسي المرقسي, الكنائس الأرثوذكسية, الكنيسة الإثيوبية, الكنيسة الإريترية, الكنيسة القبطية, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس السادس, سانت تكلا هيمانوت, غبريال الثالث, كرسي القسطنطينية, يوأنس السابع تنيح في غضون الأسبوع الماضي أبونا أنطونيوس بطريرك الكنيسة الإريترية الأرثوذكسية منذ عام ٢٠٠٤ في منفاه الذي فرضته عليه الحكومة الإريترية على مدى خمسة عشر عامًا،  لم يعد فيها إلى كرسيه إلا في عام ٢٠١٧ حيث عاد يومًا واحدًا ثم أعادته السلطات إلى منفاه. خلال هذه المدّة، تم عزل أبونا أنطونيوس من منصبه بواسطة المجمع الإريتري المقدس وتعيين بطريرك جديد باسم أبونا ديسقوروس ثم تنيح الأخير وسيم بطريركًا جديدًا باسم أبونا كيرلس في حياة أبونا أنطونيوس، عاد المجمع الإريتري وحرمه من عضويته في الكنيسة كليًّا عام ٢٠١٩ بحجة الهرطقة (دون محاكمة)، ما أدانته سائر الكنائس الأرثوذكسية اللا خلقيدونية. لم تعتبر الكنيسة القبطية الأرثودكسية أبونا ديسقوروس أو أبونا كيرلس بطاركة شرعيين وظلت لا تذكر سوا اسم البطريرك الإريتري أبونا أنطونيوس في صلواتها، الآن وقد تنيح أبونا أنطونيوس، هل يتثنى للكنيسة القبطية الاعتراف بالبطريرك الإريتري الحالي الذي اختاره الشعب والمجمع؟ دعونا نلقي نظرة على التاريخ. بطريركان على الكرسي المرقسي في القرن الثالث عشر زاد الصراع بين فريقين في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، رأى أحدهما في يوأنس بن أبي سعيد الشخص المناسب لسدة الكرسي المرقسي بينما رأى الفريق الأخر في الراهب غبريال الشخص المناسب للكرسي، فبعد أن اُختير غبريال من قِبل الأراخنة وسيم قمصًا استعدادًا لسيامته البطريركية، اتفق الفريق الأخر على يوأنس، ولحسم الصراع بين الطرفين، رأوا حل نزاعهم بالقرعة الهيكلية ووقعت على غبريال إلا أن الفريق التابع ليوأنس أبطل القرعة ولم يأخذوا بها وسيم يوأنس على أي حال باسم يوأنس السابع عام ١٢٦٢ م، إلا أنه عُزِل وتولى مكانه غبريال باسم غبريال الثالث بعد ست سنوات. مع مرور الوقت، ازدادت الخلافات بين البابا غبريال والسلطان فعزله وأعاد يوأنس السابع إلى كرسيه مرة أخرى وفي هذه الفترة الثانية من بابوية يوأنس السابع تنيح البابا غبريال الثالث، بناءًا عليه، تقدم البابا غبريال على البابا يوأنس في الترتيب البطريركي إذ تنيح أولًا فيعتبر البابا غبريال هو البابا السابع والسبعون بينما يوأنس هو البابا الثامن والسبعون في عداد بطاركة الأقباط، ولم يصر تواجد كليهما في نفس الزمن أو صراع الفريقين التابعين لهما على الكرسي سببًا في شق الكنيسة القبطية الأرثوذكسية. بطريركان على الكرسي القسطنطيني على الصعيد الخلقيدوني نجد وضعًا مشابهًا حين استقر الإمبراطور مايكل في القرن التاسع على تحديد إقامة البطريرك إغناطيوس ليجبره على الاستقالة بعد توليه بطريركية الكرسي القسطنطيني وسيم موضعه فوتيوس بطريركًا، مع أنّ الأخير كان علمانيًا (الأمر المخالف للقانون الكنسي). مع مرور الوقت، استمر الصراع بين العرش الامبراطوري والكرسي البطريركي حتى عُزل فوتيوس ليعود إغناطيوس إلى كرسيه ولم يعد فوتيوس لمباشرة أعمال البطريركية إلا بعد نياحة إغناطيوس، بالرغم من هذا الصراع إلا أن كليهما يعدا قديسين في الكنيسة الأرثوذكسية الشرقية (الخلقيدونية). بطريركان على الكرسي الإثيوبي بعد نياحة أبونا تكلا هيمانوت البطريرك الإثيوبي عام ١٩٨٨، تم سيامة أبونا ميرقوريوس إلا أن الحكومة الإثيوبية عزلته بعد عامين وظل هاربًا مع مجموعة من الأساقفة الذين ظلوا أوفياء له ولم يعتبروه معزولًا، وعُرف هذا المجمع باسم الكنيسة الإثيوبية الأرثوذكسية بالمنفى وظلت بعض الكنائس الإثيوبية خارج إثيوبيا وفية لبطريركها خصوصًا بأمريكا حيث ظل هناك بعيدًا عن أثيوبيا حتى عام ٢٠١٨. إلا أن خلال هذه المدّة، سيم بطريركًا جديدًا للكنيسة الإثيوبية الأرثوذكسية باسم أبونا باولص عام ١٩٩٢ حتى نياحته في ٢٠١٣ وخلفه أبونا ماثياس عام ٢٠١٣. على الرغم من عدم تدخل الكنيسة القبطية في الشأن الكنسي الإثيوبي بشكل صارم، إلا أنها عبرت عن موقفها بوقف الاشتراك في الصلوات الليتورجية بين إكليروس الكنيستين دون منع الشعب من الاشتراك في الإفخارستيا لأسباب رعوية، مع حلول عام ٢٠١٨، استقرت الكنيسة الإثيوبية الأرثوذكسية على عودة أبونا ميرقوريوس شريكًا لأبونا ماثياس في إدارة شئون الكنيسة الإثيوبية الأرثوذكسية، ودمج الكنيسة الإثيوبية الأرثوذكسية في المنفى مع الكنيسة الإثيوبية الأرثوذكسية في إثيوبيا، مع ذكر كلا البطريركين في الصلوات الليتورجية حتى يتنيح أحدهما ويصير الآخر هو البطريرك الإثيوبي الوحيد ويبدأ التسلسل الرسولي/ البطريركي من بعده ببطريرك واحد على الكرسي الإثيوبي الواحد. الكنيسة الإريترية اليوم مما سبق يتضح لنا من التاريخ أن الكنيسة كثيرًا ما أدركت الفجوة بين ما هو قانوني ومعتاد (أي بطريرك واحد على كل كرسي) وبين الاستثناءات التي ينتج عنها الحفاظ على الوحدة الكنسية، لعله وقتًا مقبولًا في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وباقي الكنائس الأرثوذكسية اللا خلقيدونية أن تعترف بشرعية البطريرك الإريتري الحالي للحفاظ على وحدة الكنيسة حتى وإن اختلفنا على قانونية سيامته في حياة بطريرك آخر، حتى وإن اختلفنا على حرم أبونا أنطونيوس من كرسيه أو من عضويته في الكنيسة الإريترية الأرثوذكسية. هذا بالإضافة لقبول حقيقة أن الكنيسة في إريتريا مستقلة بمجمع مقدس خاص منذ عام ١٩٩٤ إلى أن تم سيامة أول بطريرك لها باسم أبونا فيلبس في عام ١٩٩٩ بيد البابا شنودة الثالث، مما يعني أنه لم يعد لنا حق التدخل في شئونها أو إملاء أي شيء عليها كما كان الحال في الكنيسة الأثيوبية بعد اعتراف البابا كيرلس السادس باستقلالها منذ عام ١٩٥٩ بترقية أبونا باسيليوس لرتبة البطريرك الإثيوبي. أظن أنه آن الأوان للم شمل الكنيسة الأرثوذكسية اللا خلقيدونية دون تعالي على باقي الكنائس الأخرى حتى وإن ضلت الطريق فالتاريخ يؤكد أننا أنفسنا لسنا فوق احتمالية الخطأ كما يؤكد التاريخ أن هذه المشاكل تُحل بالنهاية بشكل أو بأخر مع مرور الوقت. --- ### الوجود في ومع العالم - Published: ۲۰۲۲-۰۲-۲۱ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/4010/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, لاهوتيات - وسوم: الحرب العالمية الثانية, الفعل الثقافي في سبيل الحرية, باولو ريجلوس نيفيس فريري العالم الثالث لا يحاول التوجُّه إلى إدارة العالم الأول، حيث لا محل –كما يرى هو ومن يماثلونه – لحوار بين الأعداء. إلا أن باولو فريري يدعو القطاعات الصامِتة حتى الآن في عالم الوَفرة، أو القطاعات التي تعد، على الأقل، أكثر يقظةً في المجتمعات المُتخمة ترويضًا واستهلاكًا، يدعوهم إلى أن يعيدوا من جديد اكتشاف عالمهم الذي يعيشون فيه وأن يقوموا بمهماتهم التي يحيون من أجلها في هذا العالم. يرى فريري أن مرور الجماهير من مرحلة الوعي شبه الجامِد إلى مرحلة الوعي شبه الانتقالي الساذج، تمثل لحظة استيقاظ الوعي لدى النخبة، ولحظة حاسِمة للوعي النقدي لدى الجماعات التقدمية. في البداية يظهر إدراكًا هشًا لدى الجماعات الصغيرة من المثقفين الذين ما يزالون يتميزون بالاغتراب الثقافي للمجتمع كليًّا، باغتراب عزَّزه فيهم "تشكيلهم الجماعي"، ولأن التناقضات تتماثل تمامًا مع تناقضات مجتمع في مرحلة بعث انتقالي أوضح، تتضاعف تلك الجماعات وتصبح قادرة أكثر فأكثر على أن تنجز وبدقة ما يعوض مجتمعها، ويتزايد ميلها أكثر فأكثر للارتباط بالجماهير الشعبية بأشكال متنوِّعة. من خلال الأدب، الفنون التشكيلية، والمسرح، والموسيقى، والتعليم، والرياضة، والفن الشعبي. والمهم هو هذه الصلة الحميمة بالشعب والتي استطاعت بعض هذه الجماعات أن تنجزها. وعند هذا الحد، يصبح الوعي النقدي المتزايد لهذه الجماعات التقدمية، خارجًا من مرحلة الانتقال الساذج للجماهير الناهضة، ويصبح تحديًا لوعي نُخَب السلطة. ويجب علينا أن ننظر إلى هذا التلاعب الشعبي بالجماهير من منظور ديني، فهو من الناحية الأولى نوع لا يمكن إنكاره من الأفيون السياسي الذي يحافظ لا على سذاجة الوعي المنبعث فحسب، ولكن أيضًا على أن يظل الشعب معتادًا أن يُوجَّه من آخرين. وهو بقدر ما يستغِل، من الناحية الثانية، احتجاج الجماهير ومطالبها، بقدر ما يسارِع من عملية اكتشاف الجماهير للواقع بما يبدو متناقضًا في ظاهره، وبالرغم من أن خروج الجماهير عن صمتها لا يسمح ببقاء الأسلوب السياسي السابق المُغلَق، إلا إن هذا لا يعني أن الجماهير أصبحت قادِرة أن تعبِّر عن نفسها ومصلحتها، وإنما هي فحسب قد اجتازت مرحلة إدراكها شبه المنغمِس إلى مرحلة إدراكها الانتقالي الساذج. أما القيادة الشعبية ذات الطابع الأمريكي فيمكننا أن نقول عنها أنها استجابة ٌكافية لحضور الجماهير في العملية التاريخية، إلا أنها قيادة متلاعِبة تتلاعب بالجماهير حيث لا تستطيع أن تتلاعب بالنُخبة. في عملية الانتقال تظهر التناقضات على السطح، مثيرةً للصراعات التي يصبح فيها الوعي الشعبي مطلبًا أكثر فأكثر، مُسبِّبةً لحذر أكبر فأكبر في روع النُخب، وتنحفر خطوط هذا الانتقال التاريخي بحدَّة أكثر، فتلقى الضوء على التناقضات الملازمة للمجتمع التابع. هنا تنخرط جماعات المثقفين والطلاب المنتمين، وهم أنفسهم المنتمون إلى النخبة المتمايزة في الواقع الاجتماعي مع اتجاهها إلى نبذ المخطَّطات المُستَوردة والحلول الجاهزة سلفًا. وتكف الفنون تدريجيًا عن أن تكون مجرد تعبير عن الحياة السهلة للبرجوازية المرفَّهة، وتشرع في البحث عن إلهامها في حياة الشعب الشاقَّة. ويتجاوز ما يكتبه الشعراء حبهم المفقود، وتصبح حتى نغمة الحب الضائع ذاتها أقل ثمالة، وأكثر موضوعية وطقسية. لقد صاروا الآن يتناولون مجال العمل والعمال، لا كمفاهيم مجردة أو ميتافيزيقية، وإنما كأناس مجسَّدين يحيون حياة ملموسة. وإن لم تكن الهيمنة لثقافة السكوت فإن انبثاق الوعي الشعبي يتضمن حضور الجماهير في العملية التاريخية ممارِسةً ضغطًا على نُخبة السلطة، ولا يمكن فهم هذا الوعي إلا بكونه يشكل بُعدًا لظاهرة أكثر تعقيدًا. نقصد إلى القول بأن انبثاق الوعي الشعبي، بالرغم من كونه ما يزال وعيًا انتقاليًا بشكل ساذج، فإنه أيضًا لحظة في تطور الوعي لدى النخبة السلطوية. إذ لن يوجد في بنية هيمنة "سكوت جماهير" شعبية إلا بوجود نُخب سلطة تُسكِتها، كما أنه لا نخبة سلطة بدون جماهير، وبالضبط فكما أن هناك لحظة مفاجأة بين الجماهير عندما تشرع في رؤية ما لم تكن تراه قبلاً، فهناك كذلك مفاجأة مماثِلة بين النخب في السلطة، فالجماهير تصبح مشتاقة إلى الحرية، إلى هزيمة صمتها الذي لا يفارقها، وتشتاق النخب بدورها إلى "بقاء الوضع الراهِن" بأن تسمح بتحويلات سطحية لا غير، مُصمَّمة لإعاقة أي تغيير فعلي لسلطتهم في تغيير ذواتهم. وعندما يبدأ المجتمع المُغلَق في التصدع، كيفما كان، يصبح المُعطَى الجديد حضورًا للجماهير مليئًا بالمطالب. ولا يعد السكوت باديًا كمُعطَى غير قابل للتغيير، ولكن كنتيجة للواقع الذي يمكن، بل ويجب أن يتغير. هذا الانتقال التاريخي والذي تعيشه مجتمعات أمريكا اللاتينية، بدرجة قد تزيد أو تنقص، يتماثل مع مرحلة جديدة للوعي الشعبي، مرحلة "الانتقال الساذج" بعد أن كان الوعي الشعبي شبه جامد، ومحدودًا ولا يلبي التحديات المرتبطة بالحاجات الحيوية. وفي عملية النهوض من السكوت تتسع قدرة الوعي الشعبي لدرجة أن يتمكن الناس من رؤية وتمييز ما لم يكن قبلاً مرئيًا في وضوح. وتحت تأثير التغيرات التحتية التي أحدثت أول "تصدُّعات" في مجتمعات أمريكا اللاتينية، دخلت في المرحلة الحالية من التحوُّل التاريخي والثقافي بعضها أكثر كثافة من بعضها الآخر. في حالة البرازيل كحالة خاصة، بدأت هذه العملية مع إلغاء الرق وفي نهاية القرن التاسع عشر، وتسارعت خلال الحرب العالمية الأولى، وتسارعت مرة أخرى بعد كساد 1929، ثم زادت كثافتها أثناء الحرب العالمية الثانية، واستمرت بين كرَّ وبين فرَّ حتى عام 1964، عندما أعاد الانقلاب العسكري الأمة بالعنف إلى السكوت. ومع ذلك، فما هو مهم، هو أنه بمجرد ظهور التصدعات في البنية، وبمجرد دخول المجتمعات إلى دورة تحول، بدأت الحركات الأولى للنهوض بالجماهير، الخاضعة إلى الآن والساكتة، لكي تعبِّر عن نفسها. وعلى كل حال، هذا لا يعني أن الحركات في اتجاه النهوض تحطم تلقائيًا ثقافة السكوت. ومن ناحية أخرى، فإذا استولت مجموعة على السلطة من خلال انقلاب، كما في وضع بيرو الحالي، (وقت كتابة الكتاب) ثم بدأت تتخذ إجراءات وطنية دفاعية ثقافية واقتصادية، فسوف تخلق سياستها هذه تناقضًا جديدًا يؤدي إلى أيًا مما يلي: أولًا، أن يتجاوز النظام الجديد نواياه ويلتزم بأن يقطع نهائيًا مع "ثقافة الصمت" على كلا الصعيدين داخليًا وخارجيًا، وثانيًا، أن يرتد خوفًا من نهوض الشعب، ويعيد من جديد فرض الصمت على الشعب، ثالثًا، أن تتبنى الحكومة نمطًا جديدًا من مبادئ الشعبية الأمريكية. ولندرس أولًا التشكل الثقافي والتاريخي الذي أسميناه "ثقافة السكوت". فهذا النمط من الثقافة هو تعبير فوقي. --- ### خواطر في تفسير إنجيل يوحنا
الإصحاح الثالث (٤) - Published: ۲۰۲۲-۰۲-۲۰ - Modified: 2022-02-26 - URL: https://tabcm.net/3984/ - تصنيفات: كتاب مقدس ”14 وكما رفع موسى الحية في البرية هكذا ينبغي أن يُرفَع ابن الإنسان، 15 لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية. 16 لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل أبنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية. 17 لأنه لم يُرسِل الله أبنه إلى العالم ليدين العالم بل ليُخلِّص به العالم. 18 الذي يؤمن به لا يُدَان، والذي لا يؤمن قد دِين، لأنه لم يؤمن باسم أبن الله الوحيد. “ هل هناك تناقض في النَّص (عدد ١٧) أن المسيح لم يأتي ليدين العالم، مع النَّص (عدد ١٨) أن الذي لا يؤمن بالمسيح يُدان؟ إن الدينونة ليست بسبب عدم الإيمان بالمسيح، ولكن عدم الرغبة في الخلاص من الشر. والدينونة بذلك هي كاشفة لوضع أختاره الإنسان لنفسه فجعله لا يهتم أن يطلب التخلص منه بالإيمان بالمسيح. إن كل من لا يرغب في الخلاص من الشر والمصير الذي يؤدي إليه الشر والخطية - وهو الموت وبالتالي العودة إلي حالة العدم، أي الفساد - إنما هو قد أختار لنفسه وحكم علي نفسه بالتغرب عن الحياة - الله - وبالتالي الرجوع إلي عدم الوجود الذي كان قبل الخلق. هذا يوضِّح أن الإيمان بالمسيح هو الطريق الوحيد للنجاة من هذا المصير. ولقد شرح الرب هذا التعريف للدينونة: ”19 وهذه هي الدينونة: إن النور قد جاء إلى العالم، وأحب الناس الظلمة أكثر من النور، لأن أعمالهم كانت شريرة. “ فبحسب لغة القانون فإن الدينونة هي ”تكييف“ قانوني ومنطقي لحالة الإنسان التي أختارها لنفسه وهي عدم الوجود. لأن الشر ينتهي بالعدم. فالشر هو غياب الخير الذي مصدره الله أصل الوجود. لذلك فإن الخير هو دليل انتماء إلي الله لأنه يحمل صفات الله - الوجود والنور. هذا الوجود/النور/ الحياة أُظِهرَت في يسوع المسيح (١يو :١) عندما تجسد في دنيانا ”لِيُضِيءَ  علي الجالسين في الظلمة وظلال الموت“ (لو١). فهل قول الرب عن الناس الذين أحبوا الظلمة أكثر من النور أن ” أعمالهم كانت شريرة “ هو عذر للإنسان عن موقفه السلبي الرافض للخلاص من مصير الموت والعدم؟ الحقيقة أن حالة الشر المؤدي إلي مصير الموت والعدم والذي أنتهي إليها آدم وذريته ليست عذراً بقدر ما هو وصف لعجز الإنسان بعد سقوط آدم. فالبشرية بعد السقوط صارت مثل موتي القبور بلا حول ولا قوة ولا قدرة علي النجاة من مصير الموت و العدم . فلم نسمع في تاريخ البشر عن ميتٍ أقام نفسه من القبر” لأن الأجنة دنت إلى المولد ولا قوة على الولادة “( أشعياء ٣٧). لذلك فإن خلاص الإنسان لم يكن ليتحقق بتوبة الإنسان، لأنه فَقَدَ تذوق وحب الحياة، مثل الموتي في القبور، ولا رجاء في خلاص الإنسان إلا بفعل قيامة و حياة تخترق الموت الذي تملَّكه وتبدده. إن فعل القيامة والحياة بعد موتٍ هو غريبٌ عن طبيعة الإنسان ومسامع البشرية وتاريخها. وقد أدخله المسيح رب المجد إلي العالم كطبيعة جديدة في الإنسان. وبذلك فإن الخلاص أساساً هو نعمة مِن بدايته وإلي كماله. بل وحتي الجهاد الناتج عنه هو كذلك. ولهذا كشف المسيح إلهنا عن دور الروح القدس في تدبير الله الواحد الثالوث من جهة خلاص الإنسان وقال أن الروح القدس”يبكت العالم علي خطية وعلي بر وعلي دينونة “: ”لكني أقول لكم الحق: إنه خير لكم أن أنطلق، لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي، ولكن إن ذهبت أرسله إليكم. ومتى جاء ذاك يبكت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة : أما على خطية فلأنهم لا يؤمنون بي. وأما على بر فلأني ذاهب إلى أبي ولا ترونني أيضا. وأما على دينونة فلأن رئيس هذا العالم قد دين“ ( يوحنا١٦) إن عمل الروح القدس هو عمل إيجابي يبني ولا يهدم. لذلك فإن التبكيت ليس دينونة ولكنه فعل سِرِّي لروح الله القدوس يستعيد به وعي الإنسان ويقوده لما هو لخيره ومصلحته العليا التي كان غافلاً عنها في غربته التي طالت عن الله. لذلك أعلن المسيح أنه لم يأت ليدين العالم بل ليرسل الروح القدس ليبكت العالم: ”يبكت العالم علي خطية فلأنهم لا يؤمنون بي“ الروح القدس ينخس قلب الإنسان ليرجع ويتطهر ويتبرأ مجاناً من خطيته = نعمة التطهير. فالمسيح جاء كطبيب يعالج ويشفي العالم من مرض الخطية، وليس كقاضي يمسك سيفاً يقطع به رقاب الخطاة. إن المسيح صالحنا مع الآب بتكفيره عن خطايانا وفدائنا من موت الخطية. لذلك أنفتح باب السماء وسكب الآب روحه القدوس علي الإنسان ليبكته وينخسه لكي لا يبقي في قبضة الخطية والموت، بل يحثه أن يقوم لينال نعمة التطهير بالإيمان بالمسيح والفداء من مصير الموت. ”يبكت العالم علي بر، فلأني ذاهب إلي أبي ولا ترونني أيضا“ الروح القدس ينخس قلب الإنسان عندما يري نفسه  أنه خالي ومفتقد للبر الذي سبق أن خلقه الله عليه أولاً. فإن المسيح بعد تطهير الطبيعة البشرية (فيه) من خطاياها، صعد بطبيعتنا الجديدة (فيه) إلي ملكوت السموات حيث قدَّمنا (فيه) إلي أبيه الصالح فقَبِلَنا الآب (في) المسيح. فبعد تطهير المسيح ننال فيه نعمة التبرير = أقتناء البر كطبيعة. إن الخليقة الجديدة للإنسان والتي أسسها المسيح في بشريته كإله وصعد بها إلي السماء ودخل بها إلي ملكوت الله هي عودة بالخليقة إلي حالتها الأولي قبل سقوط آدم. هذا هو عمل التبرير الذي يقوم به الروح القدس إذ ينقل للإنسان بر المسيح مجاناً إلي كل من يؤمن. فعندما أكمل الرب يسوع المسيح عمل الفداء علي الصليب،  دخل بالبشرية (عندما قام وصعد إلي السماء) إلي تلك الحالة التي طال غياب الإنسان عنها منذ سقوط آدم. إنها حالة تبرير الإنسان. لأنه قد تسَّجل في البشر أول إنسان بار بالحقيقة منذ خلق ثم سقوط آدم. هذا الإنسان هو يسوع ابن مريم. وصار وسيظل ”المسيح أبن الإنسان“ بمثابة مصدر ومنبع تبكيت للعالم يقوم به الروح القدس في قلوبنا، لأن الله قد أسس الخليقة الجديدة البارة للإنسان لنا في شخص يسوع المسيح وقبلها الآب فحل وسكن فيها الروح القدس، وما تبقي علي الإنسان أن يعمله هو أن يقبل بر المسيح ونعمة التبرير. تماماً كما في حالة الحية النحاسية التي أمر الرب موسي أن يرفعها في البرية. فإن الدور الذي حققته الحية النحاسية لم يكن فقط شفاء وتطهير الذين لدغتهم الحيات المميتة، ولكن الحية النحاسية كانت أيضاً أيقونة مرفوعة تنخس الذين يصارعون الموت من لدغ الحيات ليطلبوا الحياة لأنهم قد رأوا وعاينوا كيف يبرأ ويتبرر الآخرون أمامهم. كذلك الروح القدس ينخس القلب باشتياق التبرير والحياة بعد أن كان مداناً وميتاً بلدغ الحيات. هذا هو المفهوم الذي أشار إليه المسيح بالتبكيت علي البر. فإن الحية النحاسية كانت إشراقة حياة هي بمثابة تبكيت لكل من لدغته الحية لكي يشتاق إلي الشفاء والعودة إلي الحياة. ”وأما على دينونة فلأن رئيس هذا العالم قد دين“ ويستمر توضيح الرب أنه لم يأتي ليدين العالم بل ليدين الشيطان ويخلِّص العالم. وقد يظن البعض أن هذه الآية تتعارض مع ما قاله الرب أن الروح القدس سيبكت العالم علي دينونة. لذلك شرح الرب أكثر أنه لم يأتي ليدين الإنسان بل الشيطان ”رئيس هذا العالم قد دين“، حتي عندما يري الإنسان تحقيق النبوة أن المسيح ”نسل المرأة يسحق رأس الشيطان“ (سفر التكوين) ينخسه قلبه بسبب دينونة المسيح للشيطان فيتشجع ويفتح قلبه بالإيمان للمسيح الواقف بالباب يقرع حتي نسمع و نقبل المسيح مخلصاً شخصياً لنا. آمين. والسُبح لله. بقلم د. رءوف أدوارد --- ### [٦] العناية اﻹلهية - Published: ۲۰۲۲-۰۲-۱۸ - Modified: 2024-04-28 - URL: https://tabcm.net/3733/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, لاهوتيات - وسوم: أوريجينوس ليونايدس أدامانتيوس, إفخارستيا, تادرس يعقوب ملطي, تجسد الكلمة, چورچ عوض إبراهيم, سنرجيا, علامة إكليمندس السكندري, مدرسة الإسكندرية, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية في فصل "الله: غضوب؟"، تباحثنا في حقيقة أن الله غير خاضع للأهواء. ولكن لا بد من موازنة ذلك بفهم وجود وعمل الله في الخليقة. فكون الله بلا هوى لا يعني أن حياتنا صارت متروكة للصدف. حاشا! فدور الله يمتد لما وراء خلق الإنسان لأن حصر دور الله في بدء الخلق يجعلنا مؤمنين بنوع من الربوبية () حيث يصير الله مجرد قوة خلق مجردة بدون أن يكون فيه قدرة على إقامة علاقة شخصية مع الإنسان والخليقة ومثل هذا الإيمان لا وجود له في المسيحية. فوجود الله في الخليقة هي الطريقة التي يعمل بها في الخلق وتقديم العناية لنا ولسائر الخلائق. من اللازم أن نفهم أن العناية لا تتطابق مع القدرية لأن مثل هذا الفكر بعيد كل البعد عن روح التعاليم المسيحية. يقول ق. يوحنا ذهبي الفم: من هم الذين يجدفون على الله؟ هم الذين يضعون حتمية القدر فوق حكمة العناية الإلهية... إن الذين سجدوا للمسيح، واستحقوا أن يعرفوا أسرارًا كثيرة، وعرفوا عقائد الحق والحكمة التي أتت إليهم من السماء واستمتعوا بحياة وهبها لهم الله، ثم انزلقوا إلى الإيمان بالتواكل والقدرية يكونون قد دمروا أنفسهم بإرادتهم ورفضوا بغباء شديد الحرية الممنوحة لهم من الله (ق. يوحنا ذهبي الفم، التواكل والقدرية والعناية الإلهية - ترجمة د. جورج عوض إبراهيم - مركز الدراسات الآبائية، 2014 - صـ 20) وتوسع الآباء في مفهوم العناية الإلهية مستخدمين العظات المكتوبة والأمثلة. فيقول ق. كليمنضس السكندري: "فكما أن الفأس لا يقطع إلا إذا استخدمه شخص ما، أو المنشار ما لم يستخدمه أحد، لأنهم لا يعملوا من تلقاء ذاتهم، بل لهم خصائص مادية طبيعية فيتمموا عملهم بقوة المستخدم؛ كذلك بواسطة عناية الله الفائقة، وبواسطة الأسباب الثانوية، فالقوة العاملة تعمل بالتتابع في سائر الأشياء"(ق. كليمنضس السكندري، كتاب مدرسة الإسكندرية - الكتاب الأول: ما قبل أوريجانوس، للقمص تادرس يعقوب ملطي - إصدار كلية البابا شنودة الثالث اللاهوتية، أستراليا، 1995 – صـ 347) وعلى الرغم من أن العلامة أوريجانوس لا يعد من آباء الكنيسة اللاهوتيين، إلا أنه سار في خطوات من سبقه في مدرسة الإسكندرية بخصوص مسألة العناية الإلهية. يقدم أوريجانوس رؤى جديدة فيما يخص مدى عناية الله حتى وسط الشر، فيقول: الله لم يصنع الشر، ولا يمنعه حين يصنعه الآخرين، على الرغم من قدرته على ذلك. فبواسطة هؤلاء الذين فيهم الشر، يجعل السائرين نحو اقتناء التقوى أكثر شهرة واستحقاقًا للمديح. فلو أن الشر اختفى سوف لا يوجد ما يقف مقابل الخير، والخير، إن لم يكن له ضد، لا يستطيع أن يشع بنوره العظيم اللمعان وما استطاع أن يبرهن على سموه (أوريجينوس، كتاب مدرسة الإسكندرية - الكتاب الثاني: أوريجانوس، للقمص تادرس يعقوب ملطي - إصدار كلية البابا شنودة الثالث اللاهوتية، أستراليا، 1995 - صـ 393) فالله ليس هو سبب الشرور ولكن كونه ضابط الكل (البانتوكراطور) فهو قادر على توظيف الشر لتحقيق الصلاح في النهاية. يلخص القمص تادرس يعقوب ملطي الفكر السكندري الخاص بالعناية الإلهية في الكلمات التالية: آمنبعناية الله بصورة كتابية؛ أي أنها احتوت الخليقة بشكل عام والإنسان بشكل خاص. فهي تفوق الزمان والمكان، فهي دامت مهتمة بالإنسان حتى من قبل خلقته، أي قبل وقت خلقته حين كان في فكر الله، وتظل تعتني به وستظل تحتضنه إلى الحياة الأبدية، أو في الدهر الآتي. العناية الإلهية تعتني بالمؤمنين وغير المؤمنين والطبائع غير العاقلة. ويستعلن هذا بواسطة الأحداث المفرحة وخلال الشر والأحداث المحزنة (القمص تادرس يعقوب ملطي، مدرسة الإسكندرية - الكتاب الأول: ما قبل أوريجانوس، صـ 346) خاتمة اﻷساسيات النظرية: قوة الله خلقت العالم من العدم. لكن قوته لا تقف أمام حرية إرادتنا التي تختار الشر حتى لو كان هذا يعني أننا نصير غرباء عنه. فصلاحه يحتم أن غضبه يختلف عن غضبنا، بل حتى خبرة الوقوع تحت تأديبه هي في النهاية لفائدة الإنسان. وبهذه الأحكام الإلهية، أصبحت العلاقة بين الله والإنسان والخليقة في حالة من النظام. قبل السقوط، ظل هذا النظام في حالة من الانسجام. لكن السقوط أثر على هذا النظام، وجعل العلاقة بين الإنسان والخليقة ضارة فلم يعد الإنسان قادرًا على القيام بدوره كوسيط بين الله والخليقة. بواسطة النعمة الإلهية، تم رد الإنسان مرة أخرى بتجسد الكلمة الذي صار وسيطًا بين الآب من ناحية والخليقة بشكل عام والإنسانية بشكل خاص من الناحية الأخرى. وبالتجسد، تم استعلان الله لنا فعرفنا أن الله ثالوث وصرنا عارفين بمحبة الله تجاه البشرية. علاوة على ذلك، فالتجسد سمح لنا أن نقبل الصورة التي شوهناها مرة أخرى والروح الذي فقدناه عاد ليسكن فينا مرة أخرى. لذا فالعلاقة الإلهية-الإنسانية لا بد من فهمها في ضوء السنرجيا ((أي العمل المشترك بين طرفين لابد من اشتراكهما، ولكن ليس من الضروري أن يشتركا بنفس القدر. )) حيث يقدم الله عنايته الإلهية ويرد الإنسان بطاعته للوصايا الإلهية. اشترك الكثير من القديسين في هذه السنرجيا وقبلوا مواهب شفاء تحكموا فيها بقوى الطبيعة لأجل مجد الله. العالم المادي الذي سقط بات قادرًا على نقل الحياة الإلهية لنا في حياة الكنيسة السرائرية (المياه تنقل التجديد في المعمودية، والخبز والخمر ينقلا لنا الحياة الإلهية في الإفخارستيا، إلخ). وفي ضوء هذا الاستعلان وهذا التدبير الإلهي الخاص بالتجسد، كما تقودنا الكتب المقدسة والتقليد الكنسي، يستطيع المرء أن يبدأ في فهم العناصر عسرة الفهم الموجودة في الكتاب المقدس مثل أحداث القتل الجماعي والكوارث الطبيعية مثل الطوفان العظيم وسدوم وعامورة، إلخ. --- ### التفسير بين الرمزية والحرفية [مدرسة أنطاكيَّة] - Published: ۲۰۲۲-۰۲-۱٦ - Modified: 2024-05-08 - URL: https://tabcm.net/3915/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: آريوسية, أبولينارية, أفلاطون, التفسير الحرفي, التفسير الرمزي, المقدونية, المولود أعمى, النسطورية, ببلاجية, بركة سلوام, علامة ترتليانوس الإفريقي, فيلسوف أرسطو, قديس أثناسيوس الرسولي, مار أڤرام السرياني, مدرسة أنطاكية, مدرسة الإسكندرية, مريض بركة بيت حسدا, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية عرفنا في المقال السابق ماهية الكتاب المقدس وعلاقته بالكنيسة، وإن تفسيره هو تفسير بداخل الكنيسة، وقداسته موجودة بداخلها، فالكتاب المقدس لا يصبح مقدسًا خارج الكنيسة. وقد وضعنا معنى وتعريف التفسير، وما الفرق بين التفسير والشرح، وفى هذا المقال نستكمل هذه الرحلة بأمثلة حية لهذا التفسير، حيث تكونت في الكنيسة وتمت دراسة الكتاب المقدس بها. في هذا المقال سندرس منهج من هذه المناهج وهو التفسير الحرفي للكتاب المقدس، سنعرف ماهية المنهج، ومدرسة أنطاكيَة التي عرفت بتبني هذا المنهج في التفسير، وأصولها، ومؤسسيها، وأمثلة حية على تطبيق هذا المنهج. التفسير الحرفي: هو التفسير الجسدي، وهنا لا نقصد التفسير التاريخي الأدبي المعروف لدينا اليوم، لكن يقصد به الفهم البسيط للحرف أو لكلام الكتاب كما في مثل: "جنة عدن، زرع الله الفردوس... الخ"، وهي طريقة تكرار النص الكتابي باستعمال كلمات مبسطة، وهذا التفسير قد يكون ضروريًا بسبب غموض النص ولكن يُلاحظ أن التكرار لا يكون دائمًا أوضح من النص! أحيانًا يقوم المفسر بتلخيص النص وأحيانًا يطيل إيضاحه، وغالبًا ما يأتي الشرح الحرفي مباشرًة بعد النص بالتعليق عليه، وقد يأتي الشرح الحرفي أحيانًا بعد أن يكون قد بدأ في تفسير النص الكتابي ثم يتوقف ليقدم الشرح الحرفي عندما يبدو له أن تفسيره للنص لا يمكن إيضاحه إلا عندما يقدم الشرح الحرفي وقد اتبعته بالأخص مدرسة أنطاكيَة. أصل مدرسة أنطاكيَة ومؤسسيها في نهاية القرن الثالث الميلادي ظهرت مدرسه أنطاكيَة، وكانت ثاني أهم مدرسة، وأسسها لوسيان في (240-312م)، وبلغت شهرتها على يد ديودور الطرسوسي، ومن مشاهير المدرسة أيضًا نسطور "الهرطوقيّ" الذي أُدين في مجمع أفسس سنة (431م)، وثيودور أسقف موبسويست، وأهم عظماء هذه المدرسة مار إفرام السريانيّ، والقديس يوحنا ذهبيّ الفم، والعلاّمة ترتليانوس. إنَّ تيودور ويوحنا فم الذهب وتيودوريت ساروا على طريقة مار إفرام في شرح الكتاب، وهو يأخذ الحقائق الواردة في الكتاب المقدس خاصة العهد القديم كحقائق واقعية فهي ترفض الرمزيّة. (المستشرق الفرنسيّ L. Le Camus) اتجهت مدرسة أنطاكيَة في التفسير للكتاب المقدس، إلى الالتزام بالإطار التاريخي والاعتماد على معنى الآية الحرفي والصريح كما تدل عليه اللغة وحالة الكاتب، لقد كان منهج كنيسة أنطاكيَة عقلانيًا تاريخيًا وحرفيًا. تأثرت المدرسة بالمنهج الرابوني لشرح الكتب المقدسة، وهذا يرجع لوجود اليهود الذين حفظوا التفسيرات الحرفية للكلمات المقدسة في أنطاكيَة، وكما تأثرت مدرسة الإسكندرية بأفلاطون تأثرت أنطاكيَة بأرسطو، لكن ليس معنى ذلك أن الأنطاكيين لم يضعوا في اعتبارهم المعنى الروحي والجانب الإلهي في كتابة الأسفار، لكنهم اعتقدوا إن التفسير اللغوي التاريخي هو صِمَام الأمان والأساس الراسخ لفهم الأسفار المقدسة، دون أي تفسير آخر، ويتضح ذلك في أن الأنطاكيين كانوا يرونَّ رموزًا أو تشبيهات مجازية أو استعارية للسيد المسيح أحيانًا وليس دائمًا في العهد القديم، فأينما يكون التشابه واضحًا مميزًا فعندئذ فقط تعترف بما ينبئ عن المخلص أو يرمز إليه. الرموز هي الاستثناء وليست القاعدة في دراستهم للعهد القديم، فهم يرون أن التجسد مُعدًا ومُجهزًا بواسطة العهد القديم كله، لكن لا يرون رموزًا أو صورًا تشبيهية في كل موضع. كان هذا الاتجاه فعلًا حاجزًا منيعاً في وجه التمادي في التفسير الرمزي، الذي اتجه نحو فرض المعنى الرمزي، أكثر من الشرح المبسط، ولكن من السقطات في المدرسة الحرفية هو تجاهل الروح في مقابل الاحتفاظ بالحرف وقد استبدلوا المعنى الرمزي بالتعليم الأخلاقي (خاصة ذهبي الفم) وكانوا يتبنون فلسفة أرسطو، مع ذلك فإن هذا التفسير الحرفي قد أخل أحيانًا بالمضمون الروحي الإيماني لآيات الكتاب المقدس، وقاد إلى العديد من الضلالات، وأخطاء عانتها الكنيسة كثيرًا، حيث قاد الاستخدام المفرط لهذه الطريقة اللغوية النَحْوِيّة في تفسير الكتاب المقدس إلى هرطقات بتفسيرها جزئيًا عقلانيا فقط، أي الرغبة في تخليص العقيدة المسيحية من كل عناصر الغموض والسرية والرمزية، ما ظهر بعد ذلك في الهرطقات الآريوسية والمقدونية والأبولينارية والبيلاجية والنسطورية. لقد اضطر كثير من الأنطاكيين في جدلهم مع الآريوسيين والأبوليناريين إلى المبالغة في التركيز على الطبيعة البشرية لله الكلمة المتجسد، إلى الدرجة التي ذهبوا فيها إلى وجود شخص آخر اتحد به اللوجوس متنازلين في ذلك عن وحدة شخص الرب يسوع المسيح في الطبيعتين المتحدتين، الإلهية والبشرية، ففي البداية أكدوا على أن ناسوت السيد المسيح هو ناسوت حقيقي، ولكن أكثرهم تطرفًا  وعلى رأسهم ثيودورت ونسطوريوس مالوا إلى القضاء على وحدة شخص السيد المسيح، ولم يروا فيه الله الإنسان أو الإله المتجسد، بل إنسانًا حل فيه الله، فكان محور تركيزهم على يسوع التاريخي. إن طريقة الفهم النقدي الصارم للبعض مثل ديودور الطرسوسي وثيودور المبسويستي، قادت إلى دراسة نصوص الكتاب المقدس حرفيًا، من أجل وصف تاريخ خلاصنا بدلًا من شرحه، وحيث أنهم تمسكوا بالتفسير الحرفي للعهد القديم، ففي تفسيرهم للرسائل والبشائر في العهد الجديد، وضعوا تركيزهم على يسوع التاريخي في ملء حقيقة طبيعته الإنسانية التي هي هدف وغاية تاريخ إسرائيل. (ميندورف) أمثلة عن منهجيتهم في التفسير في تفسيره الحرفي للكتاب رفض تيودور تفسير سفر نشيد الإنشاد على أنه رمز للعلاقة بين الله والكنيسة، بل أصر أنه مجرد سفر حرفي لسليمان يناشد فيه عروسته، ولذلك نعلم أنه تفرع من هذه المدرسة النسطورية والآريوسية. لكن هذا لم يكن موقف كل تلاميذها بل كان هناك القديس يوحنا ذهبي الفم، وثيودوريت الذين كانا يميلان إلى التفسير الرمزي في أوقاتٍ كثيرة. ظهر لدى آباء أنطاكيَة ما يُعرَف الثيؤريا "Theoria"، وهو نوع من الرمزيّة والتأمل، يقوم على أساس ما يُسمى بالنمطية "Typology" بشرط ألاَّ تكون الرمزيّة اجتهادًا شخصيًا، ويتضح ذلك من الأمثلة الآتية: يُفسِّر هذه الآية "وَأَجْعَلُهُ خَرَاباً لاَ يُقْضَبُ وَلاَ يُنْقَبُ"(سفر إشعياء 5: 6) بهذه العبارة: “فمعناه أنّه تعالى يتخلّى عن الاهتمام به، وقوله أوصي السحاب لا يمطر عليه مطرًا معناه أنَّه يمنع الأنبياء عن أن يتنبؤوا له" (مار إفرام السرياني) في هذا النموذج نرى جليًا طريقة مار إفرام في التقيّد بالنصّ الكتابيّ، وتفسيره بالمعنى الحرفي المنسجم أكثر مع الواقع والحقيقة. فسَّر القديس معجزة تحويل الماء إلى خمر في عرس قانا الجليل، بقوله: "إن في الخمر دخول عجيب للطبيعة البشرية في رحم العذراء " (مار إفرام السرياني) كما يرى أن مريض بركة بيت حسدا لم يُشفَ لعدم الكفاية الخلاصية للناموس، وأن المولود أعمى الذي اغتسل في بركة سلوام، إشارة إلى المعمودية المقدسة التي نحصل منها على الخلاص. ويعتمد منهج الثيؤريا على أن معاني عبارات الكتاب المقدس لها معنى حرفيّ؛ وتقبل التفسير الثيؤريا دون أن يكون لها معنى رمزيّ فقط، وجود ثيؤريا لحدث أو بعض آيات الكتاب المقدس يكون فيه شيء من التطابق وليس اجتهادًا، مثل وجود نص صريح عن الحيّة النحاسية. وَكَمَا رَفَعَ مُوسَى الحيّةَ فِي الْبَرِّيَّةِ. هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ ابْنُ الإنسان. (إنجيل يوحنا 3: 14) --- ### الفعل الثقافي في سبيل الحرية - Published: ۲۰۲۲-۰۲-۱٤ - Modified: 2023-10-30 - URL: https://tabcm.net/3982/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, لاهوتيات - وسوم: إبراهيم الكرداوي, الفعل الثقافي في سبيل الحرية, باولو ريجلوس نيفيس فريري, لاهوت التحرير أصحاب لاهوت التحرير يتحدثون عن تأويل جديد للكتاب المقدس، يستند في التطبيق العملي إلى جدل بين التجربة الحياتية للفقراء وبين كلمة "الله". وهم ينتقدون النظام اللاهوتي الذي يقول بوجود مستويين، الطبيعي وما فوق الطبيعي، ويرون أن الناس يعيشون، والله موجود في عالم لا يفترق فيه هذان الحقلان، بل يتوحدان، ويطلبون من اللاهوت الاعتماد على أدوات التحليل الاجتماعي كي يُدرِك العالم الذي يعيش فيه الإنسان، وتتم التوعية للفقراء والمضطَّهدين أصحاب لاهوت التحرير وعلى رأسهم "فريري" يتحدثون عن تأويلية جديدة للكتاب المقدس، تستند في التطبيق العملي إلى جدل بين التجربة الحياتية للفقراء وبين كلمة "الله" في الكتاب المقدس. وهم ينتقدون النظام اللاهوتي الذي يقول بوجود مستويين، الطبيعي وما فوق الطبيعي، كما أن أصحاب لاهوت التحرير ومنهم "فريري" يرون أن الناس يعيشون، والله موجود في عالم لا يفترق فيه هذان الحقلان، بل يتوحدان، ومن ناحية ثالثة يطلبون من اللاهوت الاعتماد على أدوات التحليل الاجتماعي لكي يُدرِك العالم الذي يعيش فيه الإنسان، كما أن لاهوت التحرير ذو طابع تعليمي وسيكولوجي وهو الحاجة إلى التوعية للفقراء والمضطَّهدين - وهذا المفهوم ظهر مبكرًا عند "باولو فريري" الذي شجَّع الفقراء على الخوض في تحليل نقدي لمدى تأثير البِنى المُستبِدة على حياتهم، وكيف أن العمل الجماعي يستطيع تغيير هذه البِنى. نتناول في هذه السلسلة تلخيصًا لأهم اﻷفكار لكتاب: الفعل الثقافي في سبيل الحرية تأليف: باولو ريجلوس نيفيس فريري (بالبرتغالية: Paulo Freire‏)معلم وفيلسوف برازيلي وصاحب نظريات ذات تأثير كبير في مجال التعليمريسيف، بيرنامبوكو، 19 سبتمبر 1921 - ساوباولو 2 مايو 1997ترجمة: إبراهيم الكرداوي الناشر: مركز الدراسات والمعلومات القانونية لحقوق الإنسان الطبعة: الأولى - 1995 يقول فريري: أفسح تحرُّر العالم الثالث من الاستعمار الطريق إما إلى تحرُّر حقيقي لكل الجنس البشري، أو ترويضه بأشكال أكثر كفاءة. ومن أجل ذلك كان هذا الوضع داعيًا إلى إعادة تقويم ومقصد وأساليب التعليم. وهو يرى أنه: ليس هناك تعليمًا محايدًا، فإما تعليم للترويض، وإما تعليم للحرية. الجزء اﻷوّل: عملية: محو الأمية للكبار، كفعل ثقافي، في سبيل الحرية تصبح محو الأمية فعلا ثقافيًا في سبيل الحرية عندما يمارِس المتعلِّم دور الذات العارفة في حوار مع المعلم والنفس، ولذلك على المعلم أن يناضل في سبيل الوضوح وتخليص الواقع من إطار الأسطورة. تتضمن عملية "محو الأمية كفعل للمعرفة" وجود علاقة حوار أصيل بين المدرسين والدارسين، فليس الأمر حكاية حفظ وترديد مقاطع لفظية، ويكون التعليم فرصة لكي يعرف المتعلمون فعلا نطق الكلمة من فعل بشري، يتضمن التفكير والعمل. إن الجماهير بكماء في "ثقافة السكوت" بمعنى أنها ممنوعة من المشاركة الخلاقَّة في تحولات مجتمعها، ولذا فهي ممنوعة أن تحيا كيانها حتى لو كانت تعرف القراءة والكتابة التي تعلمتها في الحملات الخيرية اللا إنسانية. نحاول صياغة نمطٍ للتعليم يتطابق مع أسلوب الكائن الإنسان، ذلك الكائن التاريخي. ولا تبشير بمستقبل دونما تشهير بواقع، فقط لأن كل تشهير يولد تبشيرًا، ويستحيل الأمل دونما تبشير. وفي رؤية طوباوية أصيلة لا يعني إعطاء الأمل، مهما كان، أن يعقد المرء ذراعيه وأن ينتظر، فالانتظار فقط ممكن عندما يبحث المرء، وملؤه الأمل، من خلال الفعل لإنجاز ذلك المستقبل "المبشَّر به" المتولِّد من داخل التشهير. إن هذا هو سبب انعدام الأمل الأصيل في أولئك الذين يقصدون إلى جعل مستقبلهم تكرارًا لحاضرهم، وفي أولئك الذين يرون في المستقبل شيئًا قد أفترضوه سلفًا. فكلاهما لديه مقولة "مدجنة" عن التاريخ، الأولون لأنهم يريدون إيقاف الزمن، والأخيرون لأنهم واثقون من مستقبل معروف لهم بالفعل. سنتناول في المقالات القادمة، ملخصًا لأهم أفكار الجزء الثاني والذي يحمل اسم: "الفعل الثقافي والتوعية"، ومن المرجح تلخيصه في ثلاث مقالات تحمل أسماء الفصول التالية: - الوجود في ومع العالم - مستويات الوعي والشرط التاريخي - الفعل الثقافي والثورة الثقافية --- ### خواطر في تفسير إنجيل يوحنا
الإصحاح الثالث (٣) - Published: ۲۰۲۲-۰۲-۱۳ - Modified: 2022-02-26 - URL: https://tabcm.net/3985/ - تصنيفات: كتاب مقدس نعود مجددا لسلسلة خواطر في أنجيل يوحنا، وربما في أتصال مع مقالنا الأخير الذي فرضته علينا كلمة لأسقف في حفل وداع طيب الذكر الأب مكاري يونان، وأيضا تصريح لكاهن معروف بخصوص موضوع الإيمان والعقيدة. بين الإيمان والعقيدة في حديث الرب مع نيقوديموس كان أقصي ما يتصوره الإنسان الحكيم - مُمثَّلاً في نيقوديموس - عن كيفية إصلاح الله للخليقة الساقطة، أن المسيح سيأتي بتعليم إلهي: «يا معلم، نعلم أنك قد أتيت من الله معلماً، لأن ليس أحدٌ يقدر أن يعمل هذه الآيات التي أنت تعمل إن لم يكن الله معه» فأوضح الرب يسوع المسيح  لنيقوديموس أن ما جاء به المسيح ليس تعليما، بل ولادة من فوق لتجديد خليقة الإنسان: «الحق الحق أقول لك: إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله » وأن إرسالية التجسد الإلهي لتجديد خليقة الإنسان هي تدبير إلهي لا يمكن إخضاعه للفحص ولكنه لا يتعارض مع العقل مثل هبوب الريح: «الريح تهب حيث تشاء، وتسمع صوتها، لكنك لا تعلم من أين تأتي ولا إلى أين تذهب. هكذا كل من ولد من الروح» إن التعليم يرتبط عادةً بأصحاب العقول أما الولادة فارتباطها بالحب وليس الفهم... حب الأم أن يكون لها مولود، وحب المولود لأمه التي سبق فأحبَّته وأرادته قبل أن يوجد. هكذا هي العلاقة بين الله والإنسان.   هي حبٌ لا سبيل لعقل أن يسبر أعماقه بالفهم رغم أنه لا يتعارض مع الفهم. هذا أوضحه المسيح بتشبيه الريح التي تهب. لذلك كان الإيمان بالمسيح له الأولوية علي تعليم العقيدة التي تتمايز فيها العقول بين الطوائف المسيحية في العالم، ولكن يبقي الإيمان بالمسيح واحداً وموحِداً للمؤمنين مهما تناحر رؤساؤهم علي حروف في  تفسيرهم للإيمان الواحد. ولقد احتدمت محنة العقل والعلم والتعليم أمام عظمة الإيمان أثناء الحوار بين نيقوديموس والمسيح عندما أعترض الأول قائلاً: أجاب نيقوديموس وقال له: «كيف يمكن أن يكون هذا؟» حينئذ صادق الرب يسوع المسيح علي حقيقة أن الإيمان هو فوق العقل دون تعارض. وأشفق علي نيقوديموس وعلمه اللاهوتي (وعلي كل الذين يتعالون علي إيمان البعض رافعين في وجوههم راية حماية العقيدة) لأنه أخفق أن يصل إلي أبعاد حب الله المطلق نحو الإنسان وقصد الله من جهة خلقه وخلاصه للإنسان: أجاب يسوع وقال له: « أنت معلم إسرائيل ولست تعلم هذا! » ولم يكِّل رب المجد أو يتعب في افتقاده لعجز وقصور فهم الإنسان ونيقوديموس، لذلك أستحضر حادثة ”الحية النحاسية“ وكيف كان الإيمان بقدرة الله من خلالها علي الشفاء من الموت الناتج من لدغة الحيات لبني إسرائيل في برية سيناء عندما أخطأوا وضلوا فضربتهم الحيات المميتة. هذا كان مثالاً مما حدث في دنيا الإنسان وتاريخ بني إسرائيل كنموذج صغير لخلاص الله للإنسان مِن الموت. وهو يتطلب الإيمان الذي فوق العقل دون تعارض. من هنا كانت أولوية الإيمان علي العقل والتعليم دون تعارض. إن شفاء الذين لدغتهم الحيات المميتة في برية سيناء من الموت، كان بمثابة ولادة وحياة جديدة لهم، وتحقق هذا بالإيمان في الله والنظر إلي الحية النحاسية التي رفعها موسي وأوصاه ربه أن كل من لدغته الحيات ونظر إلي الحية النحاسية مؤمناً في خلاص الله فإنه يغلب الموت ويحيا. ثم أستعلن الرب يسوع المسيح لنيقوديموس وللعالم أجمع أن ما حدث من شفاء من موت جسدي بسبب لدغ الحيات المميتة في سيناء هو ”الأرضيات“ التي كانت بمثابة تحضير لذهنية الإنسان وتعليم  لهم ليفتح الطريق للعقل المستنير  أن يؤمن ”بالسماويات“ التي سيأتي بها أبن الله في تجسده عندما يرفعونه علي خشبة الصليب ويغلب الموت واهباً الحياة للجالسين في ظلال الموت بسبب لدغة الشيطان ”الحية القديمة“. وأوضح الرب - بكل أسف - كيف أخفق عقل الإنسان أن يؤمن بالسماويات علي الرغم من شهادة الأرضيات الدامغة والشاهدة للإيمان  في كل تاريخ الله مع الإنسان: "إن كنت قلت لكم الأرضيات ولستم تؤمنون، فكيف تؤمنون إن قلت لكم السماويات؟“ إن عجز الإنسان في التعرف علي الله وقصوره في رؤية الله والإيمان به رغم افتقاد الله للإنسان علي مدي التاريخ، كان أحد أسباب التجسد الإلهي وظهور الله في جسدٍ مشابه لجسد الإنسان القديم، دعاه الكتاب بلقب ”الإنسان الثاني الرب من السماء“. وهو ”أبن الإنسان“ الذي سيَقبَل خلاص الله بل ويؤسس في شخصه خلاص الله الذي لا يزول بتحرير  الإنسان من العبودية لسلطان الشيطان الحية القديمة الذي بدأ منذ سقوط آدم.   هذا هو تجديد وتأسيس الخليقة الجديدة للإنسان في المسيح يسوع. وهي خليقة لا تشيخ ”يجدد مثل النسر شبابك“. لأنها خليقة نالت الخلود والأبدية، فلا يطالها موتٌ ولا شيخوخة بَعد، مثلما كان الحال في الإنسان بعد سقوط آدم و تغرَّبه عن حياة الله فدبَّت فيه شيخوخة الموت، موت الخطية. فأستحال عليه أن يتجدد بقدراته الذاتية.   ولقد ظهر جلياً هذا اليأس لدي البشر في النجاة من الموت في كلمات نيقوديموس: "قال له نيقوديموس: «كيف يمكن الإنسان أن يولد وهو شيخ؟ " . ألعله يقدر أن يدخل بطن أمه ثانية ويولد؟ » لقد بدأ نيقوديموس يفهم أن الرب لم يأت بتعليم ولكن بخلق جديد للإنسان. ولكن نيقوديموس توقف أمام كيفية تحقيق ذلك، إذ أنحصر ذهنه في رحم الأم كوسيلة الله في خلق الإنسان. لذلك رجع به الرب إلي أصول الخليقة وكيف بدأت ”وكان علي الغمر ظلمة وروح الله يرف علي وجه المياه“ (سفر التكوين)، وأوضح له أن نعمة الخلق وكذلك نعمة تجديد الخليقة كانت وستظل من خلال عمل روح الله القدوس كما منذ البدء عندما رفرف الروح القدس علي وجه المياه في بدء الخلق، كذلك سيكون بأن يعود وبرفرف روح الله القدوس علي وجه مياه المعمودية المسيحية بسرٍ عظيم لتجديد الخليقة: "أجاب يسوع: «الحق الحق أقول لك: إن كان أحد لا يُولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله“ وهنا نطلب أن يفتح الرب قلوبنا لنتكلم عن أعماقٍ في حديث الرب إلي نيقوديموس، ربما لم نسمع بها في الوعظ المسيحي حالياً. فنلفت نظر القارئ أن الرب عندما قال ”إن كان أحد لا يُولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله“، فإنه كان يتكلم عن ملكوت السموات وليس عن جنة عدن التي وضع الرب آدم فيها عندما خلقه ”علي صورة الله“ أولاً، بانتظار الانتقال بآدم إلي السماء / ملكوت الله في السموات. والذي كان سيتحقق إذا أختار آدم - بحرية إرادته - وجوده وخلقه من العدم الذي أنعم به الله عليه. فبحسب حرية أختيار آدم كان يمكنه أن يثبت محتفظاً بصورة الله فيه بحرية إرادته، عندئذ يحقق الله له ما وعده به من خلود وحياة أبدية في ملكوت الله، فيكون ليس فقط علي "صورة الله" بل وعلي "شبه الله" في الخلود حتي يتسنى له أن يحيا مع الله إلي الأبد: ”نخلق الإنسان علي صورتنا كشبهنا“ إن ما قاله الرب في (عدد ٦) من أن المولود من الجسد جسد هو، إنما يختص بآدم في جنة عدن الذي كان في انتظار أن ولادة روحية  لكي يدخل ملكوت الله في السماء: "المولود من الجسد جسدٌ  هو، والمولود من الروح هو روح“ وتأكيداً لهذا المعني يقول الوحي في موضع آخر ”هكذا مكتوب أيضا: «صار آدم، الإنسان الأول، نفسا حية، وآدم الأخير روحا محييا». . الإنسان الأول من الأرض ترابي. الإنسان الثاني الرب من السماء. " (١كورنثوس ١٥) هذا توضيح ما بعده توضيح أن دخول آدم إلي ملكوت الله لم يكن ليتم إلا إذا أختار هو بإرادته أن يتحد بصورة الله التي خلقه الله عليها. والمسيح أبن الله وكلمته وحكمته هو صورة الله ورسم جوهره (عبرانيين ٣:١). وأشار الكتاب أن المسيح هو ”شجرة الحياة التي في وسط فردوس الله“ بانتظار أن يأكل (يتحد) منها آدم بإرادته ويحيا إلي الأبد. ولكنه سقط بغواية الحية. فجاء ”نسل المرأة“ الموعود به وسحق رأس الحية (تكوين ١٥:٣). هذا هو آدم الأخير يسوع المسيح، الله الذي ظهر في الجسد. وباختصار فإن التجسد الإلهي كان لتحقيق تأله الإنسان في المسيح يسوع لينال الخلود ويحيا إلي الأبد مع الله في ملكوت السموات وليس جنة عدن . إن حيرة نيقوديموس ليست بمستغرَبة عليه وعلي كل ذرية آدم الأول الذي وبسبب أختياره أنحصر كل نسله في تراب الأرض فغمرته الظلمة بتغربه عن نور السماء - لذلك أشار الرب علي  نيقوديموس أن يرتفع برؤيته إلي آدم الأخير . . الرب يسوع المسيح ”ابن الله / وابن الإنسان“: "وليس أحدٌ صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء، ابن الإنسان الذي هو في السماء“  والصعود والنزول هنا هو عن  السماء  وليس مجال لحديث عن جنة عدن بَعد. فالسماء لا يدخلها إلا المتحدون بالمسيح والذين تحقق لهم الخلود الأبدي في شركتهم بالثالوث القدوس من خلال أتحادهم بناسوت المسيح الإله. ولقد  وضع الرب في حديثه مع نيقوديموس تلخيصاً للمضادة العظمي بين محدودية معرفة الإنسان وبين حب الله المطلق الذي هو موهبة الإيمان بالمسيح  لكل من يؤمن: "لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل أبنه الوحيد، لكيلا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية“  إن أهمية العقل تظهر بوضوح إذ إنه وسيلة الإنسان  في رفض كل المعروض عليه من آلهة تتعارض تعاليمها مع أصل الإنسان المخلوق عليه من حب الخير والحياة وكراهية  الشر والموت . و التعرف علي الإله الحق  يتطلب قبول افتقاد الروح القدس لعقل الإنسان الذي انحسر في ظلمة طالت  للأسف بسبب طول تغربه عن الله . وقد أشار الرب في أسي إلي ذلك قائلاً: "إن كنت قلت لكم الأرضيات ولستم تؤمنون، فكيف تؤمنون إن قلت لكم السماويات؟“ ومن له أذن للسمع فليسمع ما يقوله الروح. أؤمن يا رب فأعن ضعف أيماني بقلم د. رءوف أدوارد --- ### الأنبا "بنيامين" وكبسولات الـ"تيك أواي" - Published: ۲۰۲۲-۰۲-۱۲ - Modified: 2023-10-31 - URL: https://tabcm.net/3997/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أنبا بنيامين، مطران المنوفية وشبين الكوم, الكنائس الأرثوذكسية, الكنيسة القبطية, المجمع المقدس, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس عمود الدين, تجسد الكلمة, چورچ حبيب بباوي, سانت تكلا هيمانوت, شركاء الطبيعة الإلهية, قديس أثناسيوس الرسولي, كنيسة الإسكندرية, مجمع الأساقفة أثارت ما تسمى"الكبسولة"، التي تصدر عن الأنبا بنيامين مطران المنوفية بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية، جدلًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي، وكانت بعنوان "النوايا الحسنة"، واستعان فيها بحديث شريف لنبي الإسلام، والمقال هنا ليس بصدد التعرض للإسلام ولا نبي الإسلام، بل عن الأنبا بنيامين ومدى ارتباطه بالمسيحية التي يؤمن بها ويُعلم بتعاليمها ويشغل منصب مقرر لجنة الإيمان والتعليم بمجمع أساقفتها، خاصة وهو يقدم نفسه باعتباره محافظًا، وأحد حراس الإيمان والعقيدة، وله أكثر من "كبسولة" أثارت الجدل على مدار العامين الماضيين أثارت حديثًا ما تسمى"الكبسولة"، التي تصدر عن الأنبا بنيامين مطران المنوفية بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية، جدلًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي، وكانت بعنوان "النوايا الحسنة"، واستعان فيها بحديث شريف لنبي الإسلام، والمقال هنا ليس بصدد التعرض للإسلام ولا نبي الإسلام، بل عن الأنبا بنيامين ومدى ارتباطه بالمسيحية التي من المفترض أنه يؤمن بها، ويُعلم بتعاليمها بل أنه حاليًا يشغل منصب مقرر لجنة الإيمان والتعليم بمجمع أساقفة كنسيتنا، خاصة وأنه يقدم نفسه باعتباره أسقفًا محافظًا، وأحد حراس الإيمان والعقيدة، وله أكثر من "كبسولة" أثارت الجدل على مدار العامين الماضيين. يقول ما لا يفعل في هذه "الكبسولات" اليومية، يقدم الأنبا بنيامين نفسه باعتباره الحافظ للإيمان الأرثوذكسي القويم، إلا أنه بدلا من أن يقدم تعاليم المسيح وفكر آباء الكنيسة يستعين بتعاليم وثقافات مغايرة من دين آخر! ! أليس هذا أمرا مثيرًا للسخرية، ومثيرًا للتعجب أيضًا، ويجعلنا نتساءل عن مستوى التعليم والثقافة العامة وكذلك التعليم اللاهوتي لدى الأنبا بنيامين، وهل ما حصل عليه لاهوتيًا هو فعلًا إيمان كنيستنا؟ أم أن معلوماته مشوشة ويجب مراجعة ما يصدر عنه من لجنة علمية مشهود لها؟ مطران المنوفية استخدم الحديث الشريف لنبي الإسلام إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى، ولم يكمل الاقتباس لنهايته، وذكر أنه مثلًا دارجًا، ولم يكلف نفسه فقط أن يكتب الجملة على محرك البحث "جوجل" أو يطلب من أحد مساعديه أن يتأكد له من نص العبارة ونسب مصدرها في كلمته، وهنا لدينا احتمالين: إما أنه لا يعرف وهذا يعد "جهلا"، وإما أنه يعرف لكنه رأى من ضرورة إضافة هذا الاقتباس وهذا يعد "تدليسًا"، ولكن في الواقع هو استسهال واعتماد على ثقافة سمعية وتعليم شفاهي، فنحن لا نعرف ما هي مؤهلات نيافة الأنبا بنيامين اللاهوتية، فالمكتوب عنه مثلا في موقع سانت تكلا هيمانوت أنه خريج كُلْيَة الهندسة، ويدرّس مادة اللاهوت الطقسي، لكن لم نعرف عنه أي دراسة للماجستير أو الدكتوراه في مواد اللاهوت سواء في الكُلْيَة الإكليريكية في مصر غير المعترف بها دوليًا، أو في أي جامعة لاهوتية دولية مرموقة. كما تدين تدان بعد رحيل أستاذ اللاهوت الدكتور جورج حبيب بباوي في فبراير من العام الماضي، وقد حدث وتناول قبل رحيله عن دنيانا بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وكما سمح البابا تواضروس الثاني بتناوله، سمح بالصلاة عليه داخل الكنيسة القبطية في أمريكا، وقتئذ، خرج علينا الأنبا بنيامين في لقاء تلفزيوني ليؤكد أن بباوي لا يزال محرومًا، وأن ما فعله البابا هو تصرف شخصي يخصه من واقع مسؤوليته وأن قرار الحرمان الصادر في فبراير 2007 في عهد البابا شنودة لا زال ساريًا، بالرغْم من عدم إقامة جَلسة محاكمة قانونية، بل صدر قرارًا وقع عليه الأساقفة دون نقاش. https://www. youtube. com/watch? v=Z2KDW8_u1xw&t=55s اللافت للنظر، وما يثير التساؤلات هنا، هو أن الأنبا بنيامين الذي يصدر نفسه باعتباره محافظًا على إيمان وتعليم الكنيسة، يقدم لنا التعليم بواسطة الاستعانة بتعاليم دين آخر غير المسيحية، هو نفسه الذي يقوم بتقييم شخصية درست أكاديميًا، ونالت درجات الماجستير والدكتوراه في اللاهوت من جامعات عريقة في العالم مثل جامعة كامبريدج، وترجم عن اللغة اليونانية لآباء كنيسة الإسكندرية القدامى مثل أثناسيوس وكيرلس الكبير. فهل هذا يستقيم؟ تعليم ضحل يبدو أن فبراير هو شهر "الكبسولات" المثيرة للجدل مع الأنبا بنيامين، ففي 17 فبراير من العام الماضي، نشر  مطران المنوفية كبسولة بعنوان "بدعة تأليه الإنسان"، التي يبدو في ظاهرها أنه يريد بتذكيرنا بضعفنا كبشر، لكنه بواسطتها ينسف عمل الله الخلاصي، وقدم ما ينافي تعليم الكنيسة، بل ما يستحق وقفة وتحقيق معه، ومراجعة أفكاره فقد قال نصا: وأصحاب هذا الفكر كهرطقة يعتمدون على إننا في العهد الجديد وما فيه من أسرار إلهية، إذ نأخذ طبيعة جديدة في المعمودية وعمل الروح القدس في الميرون وتناول جسد الرب ودمه في التناول، ونثبت في المسيح كما ورد في كلمات السيد المسيح: من يأكل جسدي ويشرب دمي يثبت في وأنا فيه ويعتبرون أن الأسرار المقدسة وعود تجعل الإنسان يتأله، أي يصير إلها، بينما ما يحدث أنه بشر يحاربه إبليس وأحيانا يسقطه في خطايا باللسان أو أي عضو في الجسد. (الأنبا بنيامين، مطران المنوفية) خطورة هذا الكلام أنه ينكر عمل جسد ودم المسيح فينا، ويؤكد أنه مهما تناولنا من جسد الرب ودمه فإبليس سيسقطنا في الخطايا، وكأن جسد ودم المسيح ليس لهم أي تأثير في حياتنا، بل وينكر ما جاء في رسالة بطرس الثانية حرفا بأننا "شركاء الطبيعة الإلهية". كَمَا أَنَّ قُدْرَتَهُ الإِلهِيَّةَ قَدْ وَهَبَتْ لَنَا كُلَّ مَا هُوَ لِلْحَيَاةِ وَالتَّقْوَى، بِمَعْرِفَةِ الَّذِي دَعَانَا بِالْمَجْدِ وَالْفَضِيلَةِ، اللَّذَيْنِ بِهِمَا قَدْ وَهَبَ لَنَا الْمَوَاعِيدَ الْعُظْمَى وَالثَّمِينَةَ، لِكَيْ تَصِيرُوا بِهَا شُرَكَاءَ الطَّبِيعَةِ الإِلهِيَّةِ، هَارِبِينَ مِنَ الْفَسَادِ الَّذِي فِي الْعَالَمِ بِالشَّهْوَةِ (رسالة بطرس الثانية، الإصحاح الأول، الآيات 3، 4) وهو كلام عكس كلام آباء كنيستنا القدامى الذين أكدوا على مفهوم "التأله"، وهنا أستعين بنص للقديس أثناسيوس: لأن كلمة الله صار إنسانًا لكى يؤلهنا نحن، وأظهر نفسـه في جسد لكى نحصل على معرفة الآب غير المنظور، واحتمل إهانة البشر لكى نرث نحن عدم الموت. لأنه بينما لم يَمسّه هو نفسه أى أذى، لأنه غير قابل للألم أو الفساد، إذ هو الكلمة ذاته وهو الله (القديس أثناسيوس الرسولي، كتاب “تجسد الكلمة”، الفصل الرابع والخمسون، الفقرة الثالثة ) وأدعوكم لقراءة مقال الصديق العزيز "مينا زكريا" والذي أورد فيها جانب كبير من تعاليم آباء الكنيسة الكبار عن مفهوم التأله، والمنشور على الموقع هنا في 5 يناير من العام الجاري. وبينما يشكك الأنبا بنيامين في فاعلية التجسد في الكبسولة السابقة، يخرج علينا في فيديو على قناة "مي سات" ليتحول إلى مفتي ويجاوب عن سؤال: هل يجوز غسل الأسنان قبل التناول أم لا يجوز؟ فيجيبنا بهذه الإجابة: دخول المياه في الفم ممكن يفطر الريق، عذراوية البطن قبل التناول مهمة جدا، السيد المسيح حل في بطن العذراء، فمهم إن مفيش حاجة تنزل المعدة قبل التناول، ممكن الغسيل بالمعجون ليلا (الأنبا بنيامين، مطران المنوفية) https://www. youtube. com/watch? v=ZHc15K4dKRQ أعتقد يبدو واضحًا مما نعرفه عن مستوى التعليم اللاهوتي للأنبا بنيامين لماذا لجأ إلى الاقتباس من دين آخر، وكذلك يعتبر  كل ما هو من إيمان الكنيسة وجاء في الكتاب المقدس أو في فكر الآباء القدامى بدعة خاصة مفهوم"التأله"، إضافة إلى تقليله من فاعلية التناول على حياتنا، كما في كبسولة العام الماضي، وكأن جوهر إيمان كنيستنا يتمثل في هل أغسل سناني قبل التناول بـ"معجون الأسنان" أم لا؟ لعله يستعين بهذا المثل خطًأ والذي جاء على لسان المسيح في متى 15: لَيْسَ مَا يَدْخُلُ الْفَمَ يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ، بَلْ مَا يَخْرُجُ مِنَ الْفَمِ هذَا يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ (إنجيل متى الإصحاح 15 الآية 11) --- ### [٥] الطبيعة الساقطة / القائمة - Published: ۲۰۲۲-۰۲-۱۱ - Modified: 2024-04-28 - URL: https://tabcm.net/3731/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, لاهوتيات - وسوم: آدم, أسرار الكنيسة, إفخارستيا, باسيليوس الكبير، أسقف قيصرية الكبادوك, چورچ فرج, حواء, روبيرتا تشيسنت, ساويرس الأنطاكي, طبيعة المسيح, غريغوريوس النزينزي، الناطق بالإلهيات, غريغوريوس النيسي, قايين, مار فيلوكسينوس المنبجي, مار يعقوب السروجي, هابيل الطبيعة الساقطة: على الرغم من كونهم على صورة الله، أحياء في شركة مع الله وحاصلين على كل أسباب الراحة، إلا أن ادم وحواء اختاروا أن يخطئوا أمام الله. من المهم أن نفهم أن خطيتهم، من ناحية لاهوتية، ليست مجرد الأكل من ثمرة محرمة. حين خلق الله الإنسان، خلقه بعيون روحية مثبتة على الله. جاء هذا نتيجة للصورة التي ثبتت في الطبيعة الإنسانية. وبحرية الإرادة، أُعطي ادم وحواء فرصة أن يصيروا على مثال الله ((التمييز بين الصورة والمثال، كون الأول هو ما خُلقنا عليه، والثاني هو ما ينبغي أن نسعى له، هو تمييز لاهوتي من وضع الآباء الكبادوك: باسيليوس الكبير وغريغوريوس النزينزي اللاهوتي وغريغوريوس النيسي. )). تقول العالمة تشيسنت عن ق. ساويرس الأنطاكي أنه اعتقد بأن... آدم خُلق في الأصل غير كاملًا، حتى أنه بإرادته الحرة يستطيع أن يشترك في أعمال الله الصالحة. وليساعده على التقدم كما كان لازمًا، أعطاه الناموس المكتوب على قلبه. فالناموس الإنجيلي والروحي كان لامتحان حرية إرادته، ليساعده على الحفاظ على ما كان له وليأتي لما لم يصر له بعد... لكن السقوط كلف الإنسانية لا فقط أبديتها؛ بل أيضًا بالسقوط، فقدت الناموس الإنجيلي الروحي المكتوب على قلبه. وهذا معناه أن الجنس البشري صار متروكًا بلا شيء سوى الناموس الطبيعي أي معرفة الفرق بين الخير والشر، وضمير يستطيع بواسطته أن يصنع أعمال فضيلة حسنة فيعمل بناء على محبة الخير الذي فقدناه (روبيرتا تشيسنت، ثلاثة خريستولوجيات مونوفيزية: ساويرس الأنطاكي وفلكسينوس المنبجي ويعقوب السروجي - إصدار جامعة أوكسفورد، 1985 - صـ 45) منذ السقوط، فخبرتنا وعلاقتنا بالله والحياة قد اختلفتا. فالكنيسة لا تعلم بوراثة الخطية كما لو كانت شيء مادي مختلط بطبيعة أجسادنا ((للمزيد راجع كتاب: الخطية الجدية حسب فكر القديس ساويرس الأنطاكي، للدكتور جورج فرج. )). ولكننا دون شك صرنا في حالة من فقدان النعمة التي جُلبت على الجنس البشري. لذا فالإنسانية خضعت للموت وصارت تحيا في طبيعة فاسدة مريضة بالميل تجاه الأهواء الجسدانية. لهذا يقول ق. غريغوريوس النزينزي: نحن البشر لسنا فقط مركبين؛ نحن أيضًا متنافرين ومتعارضين حتى على المستوى الداخلي. فلا نظل على نفس الحال يومًا واحدًا ما بالك العمر كله. ففي أجسادنا كما في نفوسنا، نحن دائمي التغير والتقلب (غريغوريوس النزينزي، عن الله والمسيح - إصدار معهد ق. فلاديمير، صـ 128) فارتباكنا وتقلبنا جاء نتيجة للخطية التي جعلت رؤيتنا لله تتجزأ لرؤية الماديات (في ثمرة الشجرة) ورؤية الإنسان لذاته (حيث نظر أبوينا الأولين لأجسادهما وعرفا أنهما عريانين). لذا، تضمن السقوط تغيرًا في رؤية الإنسان لله وللعالم المخلوق كوكيل الخليقة بل بالحري صارت رؤيته مركزة على الذات والتي تؤدي إلى رؤية اقتنائية ومؤذية. ويصير هذا واضحًا في كلمات الله لآدم بعد خطية الأخير: ملعونة الأرض بسببك؛ بالتعب تأكل منها كل أيام حياتك. وشوكًا وحسكًا تنبت لك وتأكل عشب الحقل. بعرق وجهك تأكل خبزًا حتى تعود إلى الأرض التي أخذت منها. لأنك تراب وإلى تراب تعود (تكوين 3: 17-19). فالأرض ملعونة إذن بسبب خطية آدم حتى أنها ستصرخ فيما بعد بسبب خطايا أبنائه (أيوب 31: 38). ويستخدم الله لغة مشابهة في قوله لقايين، بكر ادم، بعد قتله لأخيه هابيل: ماذا فعلت؟ صوت دم أخيك صارخ إلي من الأرض. فالآن ملعون أنت من الأرض التي فتحت فاها لتقبل دم أخيك من يدك. متى عملت الأرض لا تعطيك قوتها. تائهًا وهاربًا تكون في الأرض (تكوين 4: 10-12). وبعد دعوة إبراهيم وتكوين شعب إسرائيل، ورث الإسرائيليين أرض كنعان التي كان يقطنها أولًا شعوب شريرة عاشوا حياة منحرفة وبغيضة. وحين جاء الإسرائيليين ليسكنوا نفس الأرض، أمرهم الله أن يتجنبوا انحرافات من سبقوهم في سكنى ذات الأرض. فيحدد الله أسبابه لأمرهم بهذا فيقول: بكل هذه لا تتنجسوا لأنه بكل هذه قد تنجس الشعوب الذين أنا طاردهم من أمامكم فتنجست الأرض فأجتزي ذنبها منها، فتقذف الأرض سكانها. لكن تحفظون أنتم فرائضي وأحكامي، ولا تعلمون شيئًا من جميع هذه الرجسات لا الوطني ولا الغريب النازل في وسطكم، لأن جميع هذه الرجسات قد عملها أهل الأرض الذين قبلكم فتنجست الأرض. فلا تقذفكم الأرض بتنجيسكم إياها كما قذفت الشعوب التي قبلكم. (لاويين 18: 24-28) على عكس تفكيرنا المقيد بالفردانية، الله يؤكد على أن الخطية تؤثر على الشخص والأرض التي يخطئ فيها. الصورة التي يقدمها لنا الله هي صورة الأرض التي تتقيأ الشعب بسبب الخطية. فعدل الله تطلب أن تتقيأ الأرض الإسرائيليين مثل الأمم. فحين أخطأ الإسرائيليين أمام الله وكان السبي على وشك الفتك بهم، وصف الله خراب إسرائيل هكذا: رعاة كثيرين أفسدوا كرمي، داسوا نصيبي. جعلوا نصيبي المشتهى برية خربة. جعلوه خرابًا ينوح وهو على خرب. خربت كل الأرض، لأنه لا أحد يضع في قلبه. على جميع الروابي في البرية أتى الناهبون، لأن سيفًا للرب يأكل من أقصى الأرض إلى أقصى الأرض، ليس سلام لأحد من البشر. زرعوا حنطة وحصدوا شوكًا. أعيوا ولم ينتفعوا، بل خزوا من غلاتكم ومن حمو غضب الرب. (أرميا 12: 10-13) فأثر الخطية على الأرض دائم الحضور في الكتاب المقدس سواء قبل أم بعد تكوين إسرائيل وسواء كان الخاطئ يهودي أم أممي. هذه الحقيقة أصبحت كائنة في فكر الصالحين من الآباء القدام مثل أيوب الذي كان يبرر ذاته أمام الله فيضع حجته فيما إذا كانت الأرض ستشهد ضده أم لا (أيوب 31: 38). عاش اليهود، الذين أعلن لهم الله ذاته في الناموس، بطريقة تحترم الأرض أغلب الوقت. فصاروا مثمرين حين أعطوا الأرض فرصة للراحة من الزراعة حسب الناموس الذي أقر بعدم إيجاز فلاحة الأرض في عام اليوبيل. وحين تعدوا الناموس، واجهوا متاعب ومجاعات وأخيرًا السبي من الأرض التي أعطاهم الله. ففي العالم الإسرائيلي، كان ينبغي أن تكون المحلة دائمة الطهارة حسب الناموس. ومن كان سببًا في نجاستها كان يُقطع من الشعب بقدر فساد ما صنعه. صار الناموس هو طريقة الله الجديدة للتحكم في علاقات الإنسان مع الخليقة. وصارت الحاجة للناموس كامنة في حقيقتنا الساقطة التي خضعت لها الخليقة بشكل عام والبشرية بشكل خاص. وأعطى الناموس قوانين لطهارة خيمة الاجتماع والهيكل فيما بعد، واللذين يعتبرا أراضي مخصصة لعبادة الله. وبسبب السقوط وصرامة الناموس، خلق الإنسان ثنائية عقلية رأى فيها الخيمة والهيكل كأراضي مقدسة مقابل باقي الأراضي التي اعتبرها غير مقدسة. فكان مجيء المسيح إزالة لهذه الثنائية حيث إن مجيئه قدس الخليقة ككل جاعلًا إياها قادرة على الشركة في القداسة مرة أخرى بسبب وجوده فيها. الطبيعة القائمة: يؤكد تقليد الكنيسة أن المسيح، الكلمة المتجسد، كامل في لاهوته وكامل في ناسوته. شركته في كلا الطبيعتين يحتم أنه وسيط مناسب بين الله والإنسان. وعلاوة على ذلك فطبيعته البشرية صارت مثلنا في كل شيء جاعلةً إياه وسيط مناسب بين الله والخليقة بشكل كامل. وفي هذه الوساطة، يصبح المسيح ادم الثاني الذي نجح في دور ادم الأول الذي سقط في إتمام مهمته. ولفهم هذا بطريقة أبسط، لا بد أن نؤكد على أن يسوع المسيح، كإنسان، أكل طعامًا (نباتات وحيوانات وأسماك) وشرب ماء وخمر وتنفس هواء. وفي ذلك، صارت هذه العناصر الطبيعية مختلطة بطبيعة المسيح البشرية تمامًا كاختلاطنا بها. ويسوع المسيح هو شخص الكلمة المتجسد الواحد الذي قام من الأموات وصعد إلى السموات. بالتالي، فبقيامته لم يعط الفرصة للإنسانية فقط أن تقوم به، أو بالحري فيه، بل الخليقة ككل. كذلك، بصعوده إلى السموات وجلوسه عن يمين الآب، صارت طبيعتنا البشرية مكرمة جدًا حيث أن واحدًا منا، بالحقيقة بكرنا، جالسًا عن يمين الله. وبما أن ناسوت المسيح اتصل اتصالًا مباشرًا مع عناصر الطبيعة المخلوقة، فهذه العناصر ذاتها صارت قادرة على قبول التقديس. فقدرة العناصر المادية على قبول التقديس كامنة في التجسد الذي فيه اتخذ الله المادة، الجسد الإنساني والنفس العاقلة، وجعلهما خاصته وواحدًا معه. وبناء على هذه الرؤية الجديدة التي رأيناها في التجسد، تعتمد الأسرار الكنسية على المادة لإتمامها. المعمودية والميرون ومسحة المرضى والزيجة والكهنوت يعتمدوا على الزيت والماء. ويعتمد سر الإفخارستيا على الخبز المصنوع من القمح والخمر المصنوع من العنب. ونرى دور الإنسان، أعظم مخلوق مادي في إتمام جميع الأسرار. أسرار الكنيسة تقف شاهدة على تقديس الحياة البيولوجية في المسيح حيث أنها صارت قادرة على نقل الحياة الإلهية للإنسان. --- ### الكتاب المقدس والتفسير بين الحرفية والرمزية - Published: ۲۰۲۲-۰۲-۰۹ - Modified: 2024-05-08 - URL: https://tabcm.net/3897/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: أوريجينوس ليونايدس أدامانتيوس, إيلاريون الكبير, التفسير الحرفي, التفسير الرمزي, علامة ترتليانوس الإفريقي, قديس إيرينيئوس، أسقف ليون, قديس يوستينوس الشهيد, ليتورچي, مدرسة أنطاكية, مدرسة الإسكندرية سيكون موضوعنا "ماهية الكتاب المقدس وعلاقته بالتقليد" الذي نبدأ به هذا المقال، هو بداية لسلسلة مقالات حيث سنناقش معنى تفسير الكتاب ومنهجيته التي تطورت عبر القرون. فالمعرفة بالكتاب المقدس شيء مهم، تستحق بعضًا من الوقت للتفكير، فهل هو مجرد كتاب أدبي موجه إلى القارئ العادي، الذي يستطيع أن يستوعبه بشكل مباشرًة دون الاحتياج إلى مساعدة من شخص يفسر  ماهيته؟ الكتاب المقدس ليس بقراءته، بل بفهمه. (القديس إيلاريون الكبير) الكتاب المقدس هو جزء من التقليد، فالكتاب المقدس نشأ بداخل الكنيسة وليس العكس، والكنيسة هي التي أفرزت لنا تعاليمها المقدسة ورسالة إلهنا الخلاصية لنا وللجنس البشرى. بقول آخر: مسيحنا تجلى في الكتاب المقدس، وكنيستنا هي التي علمتنا أي طريق نسلكه بمساعده الآباء الأوليين عن طريق شروحات الآباء ومعايشتنا لليتورجيا كنيستنا. فالكنيسة على مر العصور كان لها سلطان تفسير الكتاب لأنها المستودع الحقيقي الأوحد للتعليم الرسولي، فحفظت لنا هذه التعاليم الحية فيها لأن الروح أُعطى لها. أما خارج الكنيسة والتقليد المسلم لنا من أيام الرسل الأوليين فلا نستطيع الوصول لتعليم صحيح للإنجيل ولا لتبشير قويم ولا لفهم حقيقي لكلمه الله الخلاصية لنا، فلا حياة في أي كلمات خارج كنيستنا الجامعة الرسولية. فالكنيسة والكتاب المقدس لا ينفصلان ولا يتناقضان ففهمنا الصحيح للكتاب المقدس موجود فالكنيسة فقط، لأن الروح القدس يوجهها ويرشدها. كتب آباء القرن الثاني الميلادي عن وحدانية الإيمان داخل الكنيسة: حيث إن الكنيسة تسلمت هذه الكرازة وهذا الإيمان كما قُلنا وبالرغم من أنها موزعة في كل العالم فأنها تحفظه بعناية كاملة كأسرة واحدة، والكنيسة كلها على حد سواء تعتقد بهذه الأمور كأن لها نفس واحدة وقلبا واحدا وفي تناغم تكرز بهذه المعتقدات وتعلم بها وتسلمها كما من فم واحد. (القديس إيرينيؤس، أسقف ليون)  فالكتاب المقدس خارج الكنيسة لا يصبح مقدسًا، فإذا نظرنا إلى الهرطقات التي كانت فالكنيسة على مر العصور نجد أن أصحابها كانوا يدعمون أفكارهم الخارجة من داخل الكتاب المقدس، فهل يعتبر هذا تفكيرًا كتابيًا؟ بالطبع لا، لأنهم كانوا يشكلون تفسيرهم ليبرهنوا على نظرياتهم التي كونت خارج الرسالة الإلهية التقليدية عبر السنوات والعصور. فنجد كمثال موقف ترتليان من الكتاب المقدس كان مثال لوحدة الكنيسة والكتاب فلم يكن يبحث على براهين لتعاليمه دائمًا من أسس كتابية ضد الهرطقات، فكان يقول بأن الكتاب يخص الكنيسة، لذلك احتكام الهراطقة الذين هم خارج الكنيسة هو احتكام غير شرعي، ونجد هذا في كتابه "معارضة الهراطقة"، ولذلك نجد العلامة أوريجانوس يؤكد وحدة الكنيسة والكتاب، ويرى أن مهمة المفسر هي الإعلان عن كلمه الروح القدس فيقول: يجب أن ننتبه عندما نُعلم لئلا نقدم تفسيرنا الخاص بدلا من تفسير الروح القدس. (أوريجينوس في تفسير روميه 1،3،1) إن الكتاب المقدس هو تفاعل سرائري، فهو كتابًا بشريًا، ولكن الله يقدم لنا الحضور الإلهي في هذا الكتاب، ولهذا تصبح كلماته مقدسة، ومن خلاله يتكلم الروح القدس لنا في الوقت الحاضر، فإن عمل الكتاب كسر إلهي أمر معتاد للمسيحيين في الاستخدام التعبدي الخاص بالصلوات الخاصة والتأملات والقراءات الروحية، في الخدمات التعبدية المسيحية "أي الليتورجية". إن قراءة نصوص الكتاب المقدس عمل سرائري، فيه تصبح كلمات المنتج البشري أوعية تنقل لنا الكلمة الإلهية (اللوغوس)، فالكتاب المقدس يعمل سرائريًا من خلال ترديده أو سماعه، حيث نسمع الروح القدس مخاطبًا إيانا من خلال تلك الكلمات العتيقة. فهو وسيلة يتحدث بها الله ويأتي إلينا، وتلك النظرة لعمل الكتاب المقدس يمكن أن تمتد للتقليد المسيحي ككل، وليس فقط للكتاب المقدس، فذات الأمر لإقرارات الإيمان المسيحية القديمة، والتعبدات الليتورجيا، والطقوس، والممارسات والعقائد، كلها يمكن أن ترى كتصويرات سرائرية. من خلال ذاك المنظور، أن تكون مسيحيًا، هو أن تكون لك رؤية تجعلك قادرًا على تغيير الحياة.   أن تكون مسيحيًا يعني أن تكون في علاقة مع الله، حيًا في التقليد المسيحي، وهذا التقليد/ التسليم يشمل على وجه الخصوص الكتاب المقدس كقاعدة للتقليد/للتسليم. فالحياة المسيحية هي علاقة مع من يشير له الكتاب، وفيه يتأمل، أي علاقة مع الله. أن تكون مسيحيًا يعني أن تحيا في ذاك التقليد/ التسليم. ومن هنا نتطرق إلى التفسير، فمن البديهي إننا نقر بأن لغة الكتاب المقدس لم تعد هي لغتنا السائدة، لأنها ليست لغتنا الحالية، بل إن الحقيقة الخلاصية المستترة في طيات حروف الكتاب تقدم لنا من خلال مصطلحات لشعوب مختلفة زمانا ومكانا. ولهذا على مر العصور ومنذ زمن وجود الرسل الأوليين إلى الآن. لزم على الكنيسة وجود تفاسير لكي تصل الرسالة الخلاصية المخفية في كلمات كتابنا المقدس إلى الإنسان المعاصر في كل قرن وكل تاريخ. إن الجوهر الأسمى يظهر في رسالة الكتاب الكاملة عبر رحلة الإنسان مع الله ليس في مجرد كلمات أدبية أو تاريخية، ومع ذلك فإننا لا نهمش الخلفية التاريخية أو الأدبية التي تكون في الكتاب. لقد وجد علم التفسير على مر العصور لهذا السبب وأصبح يتطور حتى أصبح له أكثر من منهجية، ومن هنا سنرى ما هو التفسير، وما المنهجيات المختلفة التي كونت على مر السنوات وأساسها ومكانها وزمانها. معنى كلمه تفسير: كلمة تفسير مصطلح يونانيّ، يعني ترجمة من لغة أجنبية إلى لغة معروفة عند القارئ، أو عَرض جوهر الأمور بطريقة سهلة وواضحة، فأن مصطلح تفسير بكل مشتقاته اللغوية له علاقة بالشرح، بالتعبير. اجعل النص مفهوما. (الدفاع الأول للقديس يوستينوس الشهيد، 2:21) وهذا التفسير الصحيح يبقى مستحيلًا خارج تقليد الكنيسة الرسولي المحفوظ داخل الكنيسة. فكتابنا المقدس وحدة واحدة، كُتب لقصد خلاصي واحد فيجب على التفسير أن يكون توضيح وتجلى لهذا القصد. فالذين يقدمون كلام الله من دون أن يقرنوه بقصد الكتاب وبحقيقة الإيمان يزرعون قمحا ويحصدون شوكا. (تفسير إرميا العظة 7،3)هناك طريقتان نتعامل بهما مع كلمات الكتاب المقدس هما الشرح، والتفسير:الشرح: هو التعامل مع النص مع فهم جميع الاحتياجات للأمور التاريخية واللغوية التي تقودنا إلى مفهوم النص كما هو في ذهن الكاتب. من الذي كتب النص؟ من هم الذين وجه لهم النص؟ ما سبب كتابة النص؟ بأي لغة كُتب النص؟ بأي أسلوب جديد كتب النص؟ التفسير: عندما نقوم بتفسير نص معين فهو محاولة لنقل النص القديم إلى واقعنا اليومي، وهو بطبيعة الحال مختلف اختلاف جذريًا عن وقت كتابة هذا النص، ويتم ذلك بدون تغيير جوهري في قصد ومفهوم النص. ولأهمية التفسير في كنيستنا سنقدم هنا مدرستين للتفسير، مدرسة أنطاكيَة التي تبنت التفسير الحرفي ومدرسة الإسكندرية التي تبنت المنهج الرمزي في التفسير، حيث نتتبع منهجهم، وأصلهم، وما الدافع الذي حفز كل مدرسة على إتباع هذا المنهج التفسيري، وما هو سبب الخلاف بين المدرستين، عارضين أهم آباء ومفسري المدرستين بأمثلة عن منهج كل مدرسة على حدةٍ. --- ### جورج بباوي: نورٌ حاربته خفافيش الظلام - Published: ۲۰۲۲-۰۲-۰۸ - Modified: 2023-02-04 - URL: https://tabcm.net/3970/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أنبا بيشوي، مطران دمياط وكفر الشيخ, أنبا غريغوريوس، أسقف البحث العلمي, الأب متى المسكين, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس السادس, چورچ حبيب بباوي يأتي شهر فبراير هذا العام مع الذكرى الأولى لرحيل اللاهوتي د. جورج حبيب بباوي الذي ارتبط اسمه بالهرطقة بعد قرار مجمع أساقفة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية،  الصادر بعزله وقطعه من شركة الكنيسة سنة 2007 بإمضاء من البابا شنودة الثالث و66 أسقف آخرين دون حضور المتهم وبلا محاكمة، وحين سؤل البابا تواضروس عنه قال إنه يعرفه اسمًا فقط، بالرغْم من إنه كان واحدًا من الأساقفة الـ66 من الموقعين على قرار الحرمان، مما يشير إلى عدم اطّلاع أساقفة المجمع على أراء المحكوم عليه وعدم استماعهم إلى دفاعه، وهو ما يخالف القوانين الكنسية المعمول بها، فالتوقيعات جاءت إذعانًا لرغبة البابا الراحل الذي أغنى صوته عن بقية الأصوات، ولم يمل جورج بباوي من مطالبة الكنيسة بمحاكمته طوال حياته، وقوبلت مطالبته بالتجاهل والرفض حتى رحيله. الدب الذي قتل صاحبه كان جورج بباوي واحدًا من الشخصيات المقربة للبابا الراحل بشدة حتى إن البابا قد كلفه بمناصب عدّة منها على سبيل المثال لا الحصر، منصب وكيل الكُلْيَة الإكليريكية، ومنصب سكرتير الوفد القبطي في الحِوار مع الفاتيكان، وممثلًا لبابا الإسكندرية في لجان دراسة وصياغة اللقاءات العالمية، ومدرسًا في الإكليريكية بطنطا. كان بباوي صديقًا مقربًا للبابا الراحل الذي أهداه يومًا قلنسوته الشخصية، لكن دوام الحال من المحال، فسرعان ما انقلبت الأوضاع ليتحول بباوي إلى عدو البابا شنودة اللدود وأشرس مهرطقي الكنيسة في العصر الحالي، هكذا بلا مقدمات، وكأن البطريرك الراحل لم يكن على دراية بمن يعينهم ويكلفهم بالمهام الرفيعة، ووصف بباوي ما تعرض له من هجوم وتكفير بمثابة عملية قتل بطيئة ومريرة. بداية القطيعة بدأ الاحتقان حين صرح البابا الراحل بعدم قدسية أي زواج غير أرثوذكسي ووصف زواج الطوائف الأخرى بالزنا، مما أثار حفيظة الكثيرين. كتب بباوي وقتها مقالة انتقد فيها ما جاء في تصريح البطريرك باعتباره كلامًا يقلل من ناموس الطبيعة ويهين الكثير من العائلات بلا وجه حق، وتسببت تلك المقالة البسيطة في تحويل بباوي إلى أول محاكمة كنسية. ومرت تلك الحادثة بسلام إلى أن اصطدم بباوي مع البابا مجددًا حين طالبه البابا بكتابه نقد لكتب الأب متى المسكين والأنبا إغريغوريوس، أسقف البحث العلمي، وقال بباوي إنه ببساطة غير مقتنع بوجود أخطاء بتلك الكتب، ولا يجد شيئًا ليكتبه عنها. جاءت الضربة الثانية لتكون أفدح حين رفض بباوي ما جاء في عظة البابا شنودة بخصوص تناول المرأة خلال العادة الشهرية، وهو ما تسبب في مشادة كلامية بينهما قال فيها بباوي للبابا إن كلامه يتنافى مع القداس الإلهي ويشير إلى عدم فهم لصلوات الكنيسة، فأمر البابا بوقف بباوي عن التدريس وقطع مرتبه لمدة عام. لم يجد بباوي في ذلك الوقت سبيلًا لإعالة أسرته، مما دفعه إلى البحث عن أي فرصة لكسب الرزق، وجاء الفرج الإلهي حين حصل على منحة مجانية من جامعة برمينجهام للسفر إلى إنجلترا، وسافر بباوي وكأن لسان حاله يقول: "هوذا بيتكم يترك لكم" ليقابل بضغوط البابا الراحل للتضيق عليه لتلفظه الجامعة التي أرسل لها جوابًا مفاده أن بباوي مهرطق ومن يتعامل معه يعادي الكنيسة القبطية. أما الضربة القاضية جاءت حين سؤل بباوي في إحدى اللقاءات عن خلافات البابا مع السادات فوصف رفض البابا لتأدية صلاة العيد وخروجه بمظاهرات بسبب أزمة كنيسة الزاوية الحمراء في هذا الوقت بالأمر غير الحكيم، مما تسبب في القطيعة الكاملة، وانتهى الأمر بمنعه من شركه الكنيسة بالكامل -أي منع دخوله وممارسته للأسرار وليس منعه من الخدمة فقط- وأرسل بباوي خطابًا للبابا يقول فيه: "لست في حاجة لأن أشرح لقداسة بابا الإسكندرية الإجراءات التي ينبغي اتخاذها كي يصدر حكم بهذا الجزاء الرهيب. . فمن الثابت أنني لم أواجه بقائمة تهم محددة. ومن الثابت أنه لم تشكل لجنة للفصل في هذا الأمر من الهيئة الكنسية القانونية التي ناط بها القانون الكنسي للفحص وإصدار الأحكام. ومن الثابت أن حكمًا قانونيًا شرعيًا لم يصدر في مواجهتي. والذي يخلص من كل ذلك أن ما تضمنه بيان الآباء الموقرين وخطاباتهم لا يستند إلى أي سند قانوني. وأنني واثق أن قداستكم وأنتم خير من يعرف القانون الكنسي. " الموضوع أساسه نفسي كان الأنبا إغريغوريوس أسقف البحث العلمي، أبرز من دافعوا عن جورج حبيب بباوي، فنقرأ في مذكراته خطابه الذي أرسله لبباوي ينصحه فيه بألا يجهد نفسه في مخاطبة البابا شنودة قائلًا: "إن الموضوع أساسه نفسي". ونقرأ أيضًا الخطاب الذي أرسله الأنبا إغريغوريوس للبابا شنودة بشأن بباوي، وجاء فيه: "يا صاحب القداسة، الواضح أنه لم يكن منطقكم في موضوع جورج حبيب منطلقًا لاهوتيًا عقائديًا بالدرجة الأولى، وضميركم الباطن يشهد ويعلم هذا جيدًا. وكل من يعرفكم عن قرب يعرف هذا عنكم جيدًا. وهذه حقيقة لم تعد خافية على أحد غير البلهاء وغير العارفين. وليكن أن لجورج حبيب أو غير جورج حبيب أخطائه، فهل بهذا الأسلوب تعالج الكنيسة أمورها؟" (السيرة الذاتية للأنبا إغريغوريوس) الخطب المؤلم هو أن البابا شنودة الثالث قد اعترض من قبل عندما كان أسقفًا للتعليم على قرار المنع دون محاكمة سابقه ووصفه بالظلم حين منعه البابا كيرلس السادس من ممارسة الشعائر الدينية لفترة. فكتب الأنبا شنودة أسقف التعليم خطابًا إلى البابا كيرلس قائلًا: "منع أسقف من أداء الشعائر الدينية. لا يمكن أن يتم حسب قوانين الكنيسة وتقاليدها إلا بواسطة المجمع المقدس بعد محاكمة قانونية. " (اﻷنبا شنودة أسقف التعليم - السيرة الذاتية للأنبا إغريغوريوس) ويحق لنا أن نسأل: أين ثقافة الاختلاف هنا؟ وهل تتفق سياسة البطش تلك مع تعاليم المسيح "من ليس علينا فهو معنا"؟ مغالطة رجل القش أما عن أسلوب الاحتجاج المنطقي الذي اتبعه البابا الراحل مع جورج بباوي وغيره من المحرومين، فحدث ولا حرج. فالمغالطات المنطقية لا حصر لها، لكن مغالطته الأشهر على الإطلاق هي مغالطة رجل القش (Strawman Fallacy) وهي من أشهر المغالطات التي يتفتق لها الذهن حين يريد المرء التنكيل بخصمه دون وجود حجج منطقية فيلجأ إليها، تعتمد تلك المغالطة على التهويل من حِجَّة الخَصْم وتحريف كلامه ليحمل أكثر من معناه حتى يسهل هدمه، وكأنك تصنع رجلًا من القش ثم تهدمه بكل سهوله. مثال: تحدث جورج بباوي في كتبه ومحاضراته كثيرًا عن عقيدة التأله التي كتب عنها الآباء وآمنوا بها. ومفاد تلك العقيدة هو أن الإنسان حين يتحد بالله يصير إلهًا مخلوقًا وشريكًا للطبيعة والمجد. لاحظ كيف انتقد البابا الراحل الفكرة ليلصق بجورج تهمة الهرطقة: قال البابا في عظاته إن تلك العقيدة تهدم لاهوت المسيح وتجعل الإنسان مساويًا لله، مما يجعل المسيح كأي شخص عادي. "صدقوني يا أخوتي من يريد هدم التجسد سيجعله يبدو كشيء عادي يمكن أن يحدث لكل البشر" (البابا شنودة الثالث) لم يقل جورج بباوي أبدًا إن الإنسان يصير مثل الله تمامًا، ولم يقلل من تجسد المسيح، بل على العكس قال إن التجسد هو الخطوة الأولى التي بدونها لن يتأله الإنسان. "ولذلك لا تتم الخطوة الثانية بدون الأولى. والشركة في الطبيعـة الإلهيـة لا تلغـي طبيعـة الإنسـان كمخلـوق، بـل تحفـظ الطبيعـة المخلوقة إلى الأبد، وتعطي لها كل أمجاد الابن المتجسد" (جورج حبيب بباوي) هل رأيت كيفية تشويه رأي الخَصْم بانعراج الحديث إلى ما لم يكن يعنيه، وخلق حِجَّة هاشة لهدمها بسهولة بدلًا من هدم الحِجَّة الأصلية؟ بباوي والأكاديميا المسيحية حصل بباوي على الدكتوراه في اللاهوت من جامعة كامبريدج، ودرس الإنجليزية، والعربية، والقبطية، والآرامية، واليونانية، والسريانية، والعبرية، والفارسية، والفرنسية، واللاتينية. ويعد الإنجاز الأهم لجورج بباوي هو اهتمامه بالبحث العلمي والباترولوجي (علم دراسة كتب الآباء)، وتأسيسه لموقع الدراسات القبطية والأرثوذكسية. ففي وقت يكتفي فيه الناس بسماع العظات وتصديق ما بها دون بحث، جاء هذا الرجل ليرفع راية البحث الأكاديمي. وفي وقت نصطدم فيه بكتيبات صغيرة للجيب يكتبها بابا الإسكندرية والمطارنة لتقدم للقارئ بعض الخواطر على أنها لاهوت وبلا مراجع ولا مصادر، وبلا احترام لعقل القارئ قِيد أنملة، جاء بباوي ليقدم لنا كنز من كتب ومجلدات مدعومة بشواهد من أمهات الكتب، ويمكنك مراجعة ما شئت لتحقق مما يكتبه. أما محاضراته على اليوتيوب، فستجد فيها عمق اللاهوتي ممتزجًا ببساطة المعلم الموهوب. الإيمان والممارسة لطالما تحدث جورج بباوي عن خطورة عبادة الممارسة ومساواتها بالمعبود، وقال إن حديثه عن اختلاف الممارسات الكنسية عبر العصور ليس الغرض منه الثورة والتمرد، بل هدفه توضيح الفرق بين الإيمان والممارسة، كي لا تصبح الممارسة هدفًا في حد ذاتها. على سبيل المثال، كان العلمانيون قديمًا يتناولون بمفردهم في المنازل، والآن قد تغيرت الممارسة تمامًا، لكن ظل الإيمان بالإفخارستيا ثابتًا. "عندما تصبح الوسيلة هي الغاية، نقع في أشد خطية. . تبقى العلامات والرموز والصلوات والممارسات وسائل تقربنا من الله" (جورج حبيب بباوي) خدمته وتأثيره لو كنت تسمع عن بباوي لأول مرة، ربما ستظن أن تأثيره توقف بقرار وقفه، لكن، المثير للدهشة أن نعمة الله رافقته طوال تلك الرحلة المؤلمة وأصبح له تلاميذ في شتى بلاد العالم، وفي ذكرى نياحته يوم الرابع من فبراير، امتلأ موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك بمنشورات تشهد عن تأثيره. "من حوالي 15 سنة أو أقل شوية، كنت واحد من أشد مؤيدي المطران بيشوي (واللي يعرفوني شخصيا عارفين ده كويس)، وكان على النقيض واحد زي متى المسكين عندي مهرطق، عدو للكنيسة، بيفتي في اللاهوت.   كانت قناعتي بده زاي قناعتي إني أشرف! ... افتكر اني بعت للمطران رسالة قلتله فيها اني بطلب معونته في الرد على التأله اللي كان منتشر نسبيا بين بعض الاراء هنا وهناك، وفاكر انه رد بذوق عليا وبعتلي مقدمة بحث ليه مع بداية الرسالة بلفظ "الابن اشرف... "، اللي كانت وقتها كلمة في رسالته مخلياني مزقطط،لفت سنين تاني، وكان النت بداية طفرة، وكان أول مرة اسمع عن وجود ترجمات آبائية فرنسية وانجليزية (كان ظني وقتها إن كلها يوناني ولاتيني)، ومكانتش متوفرة free online، فطقت في دماغي أما أجهز كام رد على المنتديات على المهرطق متى المسكين، ووقتها كان ابتدا تاني شخص يظهر ميقلش عنه هرطقة اسمه جورج بباوي، وكنت أنا قاريء ممتاز لكتب البابا والمطران، بدون مبالغة قريت كل كتبهم أكتر من مرة، وكنت متشبع عمياني بكلامهم، وفعلا قلت لازم أرد على العك المسكيني البباوي ده. . قريت تاني وتالت ورابع، ملقتش أي نصوص فيها مشكلة، مسكت كتب البابا اللي كان بقالي سنتين أو اكتر منقطع عنها هي وكتب المطران عشان استرجع الاعتراضات (كنت بقول لنفسي أنت اللي مش شايف السم في العسل! )، وبعد كام صفحة حسيت إن في جبل بيتحط على دماغي، اعتراضاتهم عليه هي اللي مخالفة للآباء ! ! ! ازاي ؟. . بس قلت يمكن الأب متى المسكين أب رهبنة مختبر مش سهل يتمسك عليه غلطة، قلت أشوف جورج بباوي المهرطق الأكبر، وكانت الصدمة بعد ما قريت في حوالي سنة تانية كتبه (اللي كانت متاحة أونلاين وكان ابتدا النت يرخص)، إن جورج بباوي كان أكثر تطابق مع الآباء من متى المسكين! ! ! لدرجة إني كان ممكن أرصد اختلافات آبائية مع المسكين بس شبه مستحيل مع بباوي. . وكان كل كتاب بقراه قلم بيخبطنى وبينزل على وشي"( أشرف بشير على صفحته الشخصية بفيسبوك، بتاريخ 7/6/2017 ) لم يتوان الدكتور جورج حبيب بباوي عن تقديم الخِدْمَات المجانية من الكتب والعظات بالرغْم من مرضه إلى أن انتقل من عالمنا في العام الماضي، وكانت وصيته هي أن نروي قصته للأجيال القادمة ونرفع دعواه إلى أن يظهر الحق. ونتمنى أن نكون قد ساهمنا بهذا المقال على تنفيذ جزء يسير من وصيته تلك. سلاما لروحك يا د. جورج. --- ### وقائع حارة المقراوي - العباسية - Published: ۲۰۲۲-۰۲-۰۷ - Modified: 2022-09-13 - URL: https://tabcm.net/3948/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون - وسوم: إكليروس في شتاء العام السابع بعد الألفين، نفخ في النفير العام، انطلق الصوت من العباسية ليعبر أرجاء المحروسة معلنا عن حدث جلل ينتظر اجتماع المجلس. امتطي فارسنا ركوبته علي عجل، رفض اعتمار العمة الجديدة التي أتاه بها خادمه، فالأجواء ملبدة و تنذر بالخطر وهو لا يريد إثارة حفيظة أحد، خصوصا "مولانا" و "حاشيته"، هو يعرفهم جيدا. انطلقت الركوبة تشق الهواء، كان للوصول أسبق من الباقين مميزاته الكبري في هكذا أحداث، موعد وصوله سيكون أحد بنود التقرير الذي يعده العجوز المتصابي عن كل فارس، والأهم، أنه قد يقوده حظه السعيد إلي الانفراد بأحد خدم مولانا المقربين ليتلقط منه بعض الأخبار. تحسس صرة الجواهر، وتأكد أنها في موضعها، وتساءل: لمن ستكون؟ للطويل الذي يتصنع الأهمية، أم للسمين الذي يتصنع العبط؟ وصل فارسنا إلى القصر، ترجل عن ركوبته، وحاول السيطرة علي رعدة شعر بها، لو لاحظها أحد سيعزوها إلى الطقس البارد.  توجه إلي الديوان و هو يمسح بنظره كل ركن في حذر، تبادل التحيات السريعة مع فرسان آخرين يبدو أنهم تلقوا التكليفات وفي طريقهم للرحيل. ولج من باب الديوان و قد حاول جهده السيطرة علي الرعدة، لم يكن مولانا حاضرا، وجد الوزير الأول متصدرا المجلس، يتبادل الحديث مع العجوز المتصابي، الذي يمقته فارسنا بقدر ما يخشاه. كانا يبتسمان تلك الابتسامة التي يعرفها فارسنا جيدا، تقطر اصفرارا، و قال لنفسه: "هناك من سيشنق اليوم ويعلق علي باب القصر" هرول في اتجاههما وسجد بين ايديهما. لم يحركا ساكنا. خرجت الكلمات بطيئة ثقيلة من بين أسنان الوزير الأول: "شوف يا بك، مولانا متوعك قليلا وهو يريد توقيعك علي هذه الورقة، ثم "خد واجبك" و "اتكل"، هو يريدك أن تبيت وسط أولادك، "الدفا حلو"، مش كدا يا بك؟؟ كان توقيعي قد سبقني علي الورقة، وأومأت له بابتسامة بلهاء مؤمنا علي حديثه وألمعيته الفذة. في طريقي للخروج كان الهواء خفيفا منعشا، ابتسمت لنفسي، لم اقرأ علام وقعت، و لابد أن هذه اللفتة ستكون أحد بنود التقرير الذي سيعدونه عني، وإن كان هذا المتصابي لا يؤمن جانبه. حين سألت نفسي عما قصده الوزير الأول حين قال "الدفا حلو"، شعرت بقطرة عرق ساخنة تهبط من مؤخرة رأسي علي ظهري, لا بأس صرة الجواهر لا تزال في جيبي، و الأهم، رأسي في مكانه بين كتفيي. --- ### بين الإيمان والعقيدة في المفهوم الأرثوذكسي - Published: ۲۰۲۲-۰۲-۰٦ - Modified: 2023-10-30 - URL: https://tabcm.net/3927/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: أنبا أنطونيوس الكبير، أبو الرهبان, أوريجينوس ليونايدس أدامانتيوس, الثالوث القدوس, الحق الإلهي, قديس أثناسيوس الرسولي, قديس بولس الرسول, مجمع نيقية, مكاري يونان نتوقف قليلاً عن سلسلة خواطر في تفسير أنجيل يوحنا لكي نتطرق بهذا المقال إلي العلاقة بين الإيمان والمعرفة في المسيحية. حيث يشير تعبير العقيدة إلي المعرفة والتعليم الديني. وقد ثار اللغط حول مفهوم الإيمان والعقيدة في المسيحية بعد كلمة أحد الأساقفة في حفل وداع المتنيح طيب الذكر الأب مكاري يونان. لذلك لزم التوضيح، خاصةً بعد أن أخذ موضوع ”التعليم الصحيح والعقيدة السليمة“ مركز الصدارة في أهتمام القائمين علي الكنيسة القبطية خلال حقبة نصف قرن مضت، والتي أستُحدِث فيها منصب ”أسقف التعليم وأسقفية التعليم“. والتعليم في المسيحية هو موهبة من مواهب الروح القدس يفيض بها علي أناس في الكنيسة تدعوهم ”معلمين“، مثلما كان أثناسيوس الشاب قبل رسامته كاهنًا. فالذين ينالون موهبة التعليم من الروح القدس ليسوا بالضرورة أصحاب رتب كهنوتية. والسبب الثاني لاهتمامنا بظاهرة أولوية العقيدة بالنسبة للإيمان هو الخطر الكامن في إمكانية استخدامها كقوة طاردة، أكثر منها جاذبة إلي المزيد من العمق في الإيمان، والذي بالضرورة ينتهي إلي الاتحاد بالمسيح وبالتالي الوحدة المسيحية. من البديهي أن هناك أستحالة في معرفة الإنسان المخلوق لذات لله الخالق أو الاتصال به دون تدخل الله. وإلا سيزول الفرق بين الخالق والمخلوق. لذلك فإن الإيمان بالله في المفهوم المسيحي الأرثوذكسي هو بالضرورة حركة فعل من الله تؤثر في أعماق النفس البشرية وتكاد تكون طبيعية في الإنسان. ولكنها تستلزم رد فعل من الإنسان يتقبل به فعل الاستعلان الإلهي وبذلك تتم وتتحقق معرفة الله الباطنية في النفس البشرية. هذه الاستجابة هي ليست فقط رد فعل من الإنسان نحو الله، بل هي فعل إيماني لأنها تتوقف علي حرية إرادة الإنسان. هذا يوضحه المكتوب في الإنجيلأؤمن يا سيد فأعن ضعف أيماني لأن أي فعل أيماني من الإنسان نحو الله يسانده في الحال جذب روحي مِن الله ليعين الإنسان في ضعف أيمانه. الإيمان بالله يسبق المسير نحوه، أولوية الإيمان علي العقيدة: فالمفهوم الأرثوذكسي للإيمان هو أنه -الإيمان- هو الذي يقود إلي المعرفة (العقيدة). هذا يوضحه الكتاب المقدس: ”آمنت لذلك تكلمت“ ”ولكن إن لم تؤمنوا فلن تقدروا أبداً أن تفهموا“ (أشعياء ٩:٧) ”يجب أن الذي يأتي إلي اللهيؤمن أولاً بأنه موجود وأنه يجازي الذين يطلبونه“ (عبرانيين ٦:١١) ”القلب يؤمن به للبر والفم يعترف به للخلاص“ (رومية ١٠:١٠) فهناك أولوية للإيمان علي العقيدة. لأن معرفة الله عن طريق الإيمان هو عمل الله الفطري في النفس البشرية وكأنها مخلوقة علي هذا الاستعداد. هذا علي عكس المفهوم السائد بين أكثر البشر أن العقيدة تعتمد علي البرهان بالحجة. فهذا ما يجعل العقيدة عملًا خارجيًا بالنسبة لأعماق النفس البشرية. بل وحتي وإن قلنا أن الأيمان يساوي المعرفة تمامًا، فإن الإيمان هو أمان المعرفة وهو الذي يؤمِّنها. استعلان الله في الخليقة المنظورة: ” لأن أموره غير المنظورةتُرَي منذ خلق العالم مُدرَكَةٌ بالمصنوعات، قدرته السرمدية ولاهوته، حتي إنهم بلا عذر“ (رومية ١) إن استعلان الله لذاته بين البشر بدأ بإظهار ظلال ”حكمة الله“ في الخليقة المنظورة. وقد أشار المسيح إلي نفسه بصفته ”حكمة الله“ كما يتضح من قوله أنه هو الذي كان يرسل الأنبياء قبل أن يتجسد، بصفته حكمة الله المُدبِّر للخلاص العتيد أن يكمله بالتجسد: ”لذلك ها أنا أرسل إليكم أنبياء وحكماء وكتبة ... “ (متي٣٤:٢٣) ”لذلك أيضاً قالت حكمة الله إني أرسل إليهم أنبياء ورسلاً... “ (لوقا ٤٩: ١١) استعلان الله في كيان الإنسان بالتجسد الإلهي: وأخفق البشر في أن يصلوا إلي معرفة الله والأيمان به من خلال استعلان ”حكمة الله“ في الخليقة و ظهورات ”حكمة الله“ وأبرزها ظهوره لموسي النبي في العليقة المشتعلة بالنار التي لم تحترق. لذلك استحسنت ”حكمة الله“ أن تَستعلن ذاتها في الإنسان نفسه حتي يري الإنسان مجده ويؤمن به: الكلمة صار جسدًا وحل بيننا ورأينا مجده. وكما هو حال البشر دائمًا عندما يقتصُرون نظرتهم وفهمهم علي محدودية إدراكهم، فقد اعتبروا استعلان الرب لذاته من خلال التجسد الإلهي هو جهالة بسبب ما يسمونه تنزيه الخالق عن الاتصال بخليقته. وقد شرح الكتاب ما سبق هكذا: ”لأن العالم بالحكمة لم يعرف الله، ولكن سُرَّ الله أن يُخَلَّص المؤمنين بجهالة الكرازة(التجسد والموت والقيامة التي يعتبرها البعض جهالة)“ (١كو١). العثرة في تجسد المسيح: إن جسد المسيح هو جزء من الخليقة. ونحن لا نفرِّق الجسد من الكلمة لنعبده كجسد فحسب. ولا نحن حين نعبد الكلمة نفصله بعيدًا عن الجسد، مثلما أخفق اليهود (وبعض المعتقدات الأخري) الذين بسبب عثرتهم في التجسد خاطبوا المسيح قائلين فإنك وأنت إنسان تجعل نفسك إلهًا (يو١:٣٣). ولكننا إذ نؤمن أن ”الكلمة صار جسدًا“ نحتسب الكلمة إلهًا أيضًا حتي بعد أن جاء في الجسد. فعندما ظهر الله في الجسد لم يتساوى مع الجسد، لأنه هو الخالق أتي وحل في المخلوق. هذا لا يتناقض حتي مع المنطق البشري المجرَّد. فأي مَلك يستطيع أن يحل وسط شعبه دون أن يفقد مُلكَه. فنحن نعبد الله كخالق للعالم قبل وبعد أن شاءت محبته وقدرته أن يسكن في جسد مخلوق جعله وسيلته وهيكله الذي نعبده فيه. فالجسد لا يُنقِص شيئاً من ”مجد الكلمة“، بل علي العكس فإن الله عندما ظهر في الجسد خلَّص الجسد وكل خليقة معه. إن الجسد لا يمكن أن يلغي لاهوت الله، بل لاهوت الله يلغي الخطية والموت من الجسد دان الخطية في الجسد (رو٨). لذلك يقول الكتاب أننا نصير به وفيه جنسًا مقدسًا (٢بط١). فليعلم الجميع أن بعبادتنا للرب وهو في الجسد أننا لا نعبد مخلوقًا. نحن نعبد الخالق الذي لبس جسدًا مخلوقًا ونطق بالوصايا من داخله. ونستطيع القول أن المؤمنين بالله في جميع الديانات يقصدون بيوتًا مصنوعة من حجارة يسمونها ”بيوت الله“ ويعبدونه فيها مؤمنين بأن الله يسكن فيها بدون أي شبهة لديهم أن الله بهذا يصير مخلوقًا ويسكن بيوتًا من حجارة، أو أن سجدوهم في مساجدهم هو سجود لحجارة أو عبادة لمخلوق. التقوي هي برهان الأيمان والعقيدة في المفهوم المسيحي: ” القلب يؤمن به (أولاً) للبر (التقوي)، والفم يُعتَرَف به (العقيدة) للخلاص (التقوي) “. يستحيل الاقتراب إلي الله عقلياً بدون الإيمان الخاشع بالتقوي. هناك فرق كبير بين الإيمان الصحيح المتولِد من عمل الله الداخلي في القلب، وبين الإيمان المتولِد من الجدل والبرهان بالمحاجاة الذي هو حرفة الأذكياء ”العلم ينفخ“. فالذين لهم عمل الإيمان الداخلي لا حاجة لهم إلي الجدل (عن تمايز العقيدة بين الطوائف المسيحية) بل يكون لهم ذلك نافلة (عطية إضافية). فمن السياق التاريخي لعلاقة الله بالإنسان يتضح أن هدف تدبير الله من جهة الإنسان هو حلول الله في الإنسان، وقد بدأ بحلوله الغير منظور في الخليقة كما قلنا، ثم حلوله المنظور في الإنسان بالتجسد الإلهي في ملء الزمان، والذي دعاه الوحي في الكتاب المقدس أنه سر التقوي عظيم هو سر التقوي، الله ظهر في الجسد (١تي١٦:٣). هو سر التقوي لأنه مصدر قداسة البشر كونوا قديسين لأني أنا قدوس. فهذا الحلول الإلهي ينشئ قداسة سيرة الإنسان بالضرورة. حيث دخلت معرفة ذات الله إلي عمق كيان الإنسان بصورة عملية بلغت أوج قمتها في التجسد الإلهي الله ظهر في الجسد. فتتجدد خليقة الإنسان باستعلان المسيح كلمة الله، وحكمة الله، وبهاء مجد الله ورسم جوهره في الإنسان ”عظيم هو سر التقوي، الله ظهر في الجسد. . كُرِزَ به. . أُمِن به“. والكنيسة القبطية تمارس وتؤكد في صلواتها علي هذه العلاقة الصميمية بين الإيمان والعقيدة من خلال التقوي” أعطانا هذا السر العظيم الذي للتقوي (وهو سر التجسد إذ يعترف به الكاهن مسبقاً في صلاته بقوله ”تجسَّد“). هذه هي الحقيقة الساطعة للإيمان بالله في المسيحية. والقديس أثناسيوس الرسولي يُعبّر عن هذا المفهوم بلسان ق. أنطونيوس الكبير: لذلك فنحن المسيحيين نتمسك بالسر، ليس بالحجج الفلسفية، بل في قوة الإيمان المُعطَي لنا بغني من الله بواسطة يسوع المسيح ”لا بكلام الحكمة الإنسانية بل ببرهان الروح والقوة“ . . حيث يزدهر ضياء معرفة الله ليس في جدل عقيدي بل في سمو المحبة وضبط النفس وإحتقار الموت الذي تبرهن في سيرة المؤمنين المقدسة ... أما أنتم فتعتمدون علي مماحكاتكم الكلامية ... فالإيمان يسبق براهين الحجج. وعلي أي حال فإننا نقدم برهاناً كما كان يفعل معلمنا بولس الرسول ”ببرهان الروح والقوة“: هوذا هنا بعض المعذبين بالشياطين . . فهل تستطيعون تطهيرهم بالحجج؟ وإلا كُفُّوا عن منازعتنا إن عجزتم لتُرُوا قوة صليب المسيح. قالهذا ودعا المسيح ورشم المرضي مرتين أو ثلاثة بعلامة الصليب، وللحال وقف الرجال أصحاء بعقلهم السليم وقدموا الشكر للرب في هذه اللحظة. أما أنطونيوس فقال «لماذا تتعجبون من هذا؟ لسنا نحن الذين نعمل هذه الأمور، ولكن المسيح هو الذي يعملها بواسطة مَن يؤمنون به، لذلك آمنِوا أنتم أيضاً لكي تَروا بأنفسكم أن ليس لدينا حيل كلامية بل الإيمان عن طريق المحبة التي وُجِدَت فينا نحو المسيح والتي إن حصلتم عليها أنتم أنفسكم لمَا طلبتم في ما بعد حججاً منطقية بل أعتبرتم الإيمان بالسيد المسيح كافياً (Athanas. , St. Antony 78&79) الإيمان فعل نعمة ممتد لمزيد من المعرفة والاستعلان: فكما اتضح مما سبق نقول أن الإيمان هو فعل نعمة، لأنه يفوق في عمله وفي جوهره قدرات الإنسان العقلية، وهو لا يتوقف عند حد، إذ أنه بمجرد أن يبدأ في الإنسان، يستمر روح الله في استعلان المزيد من الأمور غير المنظورة في معرفة الله. هذا يوضحه قول الكتابفإذ لنا روح الإيمان عينه (٢كو١٣:٤). إذ إن الإيمان في المفهوم المسيحي لا يقوم بالأساس علي قدرة عقلية بل أن الله يمنح ”روح الإيمان“ للإنسان المؤمن ليجعله علي مستوي المسير نحو الله. ولأوريجانوس قول مشهور تظهر فيه النعمة القائمة في الإيمان والتي تربط كيان الإنسان وليس عقله فقط بالله: إنه بمجرد أن نؤمن، نصير أولاد الله (Origen, Hoil, in Jerem. , 9. 4. ) سلامة التعليم الذي يقوم عليه الإيمان الصحيح وبالتالي العقيدة: إن الإيمان المسيحي الصحيح والمستقيم يقوم علي / ويتلخص في اليقين القلبي والاعتراف بأن يسوع المسيح هو أبن الله المساوي للآب في الجوهر وأنه كلمة الله المتجسد، الذي صُلِب من أجلنا ومات ودُفن وفي ثالث يوم قام من بين الأموات، وأن كل من يعمده الآب فإنه يعتمد بالابن، وكل من يعمده الابن، فإنه يتقدس بالروح القدس. فالإيمان الصحيح في المفهوم المسيحي هو مِن داخل الثالوث القدوس الآب والابن والروح القدس. وبذلك فإن الإيمان المسيحي ليس منطوقًا ولا مجرد نظرية فكرية بل هو فعل تجديد للإنسان وتقديس ومن ثمة قبول الاتحاد بجسد المسيح السري وبالتالي الاتحاد بالثالوث القدوس نفسه. هذا يتوقف علي نية الضمير عند المؤمن ومدي أنطباق الحق الإلهي المُعلَن في الإنجيل وإيمان الكنيسة (قوانين مجمع نيقية) علي ما يضمره الإنسان المؤمن. وهنا تجدر الإشارة أن هذا المفهوم للإيمان المسيحي الذي يدركه المؤمنون في أعماق قلوبهم مِن داخل الثالوث القدوس، إنما تعجز صيغ الكلمات في شرح مضمونه. وبالتالي هناك ما يكون دائمًا قصور عن بلوغ التصوير الكامل لحقائق الإيمان بالكلمات (العقيدة المصوغة في كلمات). ونعيد القول أن التعليم الصحيح الذي يقوم عليه الإيمان الصحيح هو عمل أساسي من أعمال الروح القدس. فالروح القدس هو الذي يقود الكنيسة ويحمي تعليمها بتدبيره داخل الكنيسة، وليس هو سلطان محسور ومقصور علي من يتقلد وظيفة بعينها في الكنيسة. فالتعليم الصحيح هو من الروح القدس للكنيسة كلها: ”وتصيرون متعلمين من الروح القدس ولا يعلمكم أحد“. قانون إيمان الكنيسة العام (Catholic) المستقيم (Orthodox): إلا أن الكنيسة، وبعد أن أسسها المسيح ككيان يسكنه الثالوث القدوس وقد تحصنت بهذا الإيمان المتولد مِن داخل الثالوث القدوس، اضطرت أن تصيغ أيمانها في كلمات هي قانون إيمان الكنيسة العام (Catholic) المستقيم (Orthodox) وذلك لمجابهة كل إيمان يقوم علي المعرفة الخاصة والحكم الشخصي والإرادة الخاصة، والذي يقوم علي هوي شخصي. فهذه النزعة الشيطانية قديمة قِدم كرازة المسيح بين اليهود، إذ قاوموا استعلان المسيح نفسه لذلك قال لهم ”تضلون إذ لا تعرفون الكتب“. إن قانون الإيمان العام في الكنيسة هو لمواجهة الإيمان الخصوصي الذي لا يكُف الشيطان أن يخترعه ويغوي البعض به ليُفرِّغ الإيمان المسيحي من مضمونه الخلاصي الحقيقي للإنسان، والذي هو دخول الإنسان- بالاتحاد ببشرية المسيح الله الذي ظهر في الجسد - إلي مجال حياة الثالوث القدوس. ويجدر القول أن قانون الإيمان العام في الكنيسة هو قانون يتعلق بالمسائل اللاهوتية الأساسية كما قلنا. وهو قانون لا يُعلِّق علي المعاني في حد ذاتها لكل آية في أسفار الكتاب المقدس ولكنه قانون يحدِّد وبصورة قطعية أن كل معني يُستقرأ من آيات الكتاب المقدس يكون منطبقاً علي مفهوم الإيمان العام الذي علَّم به المسيح وكرز به الرسل وحفظته الكنيسة في تقليد عام تسلمه الأجيال إلي بعضها. هذا هو ما نسميه التقليد الكنسي للكنيسة الجامعة (Catholic) المستقيمة (Orthodox) وهو محصلة الإيمان الشمولي الواسع الذي يحتضن كل الإنجيل ونقرأ به الأسفار المقدسة الملهَمة كما علم بها الرسل. والسبح لله --- ### [٤] الله: غضوب؟ - Published: ۲۰۲۲-۰۲-۰٤ - Modified: 2024-04-28 - URL: https://tabcm.net/3728/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, لاهوتيات - وسوم: آدم, أبوفاتيكية, أنبا أنطونيوس الكبير، أبو الرهبان, أنثروبومورفية, أوريجينوس ليونايدس أدامانتيوس, إفخارستيا, الابن الضال, النص العبري, بابا كيرلس عمود الدين, باسيليوس الكبير، أسقف قيصرية الكبادوك, شيروبيم, غريغوريوس النزينزي، الناطق بالإلهيات, فيلوكاليا, كاتافاتيكية, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية تحدثنا في المقال السابق عن أبوة الله وأخوة المسيح لنا. وفي عالم ساقط مليء بالعلاقات المتأثرة بهذا السقوط، من الممكن أن يتخيل المرء أن هذه العلاقات السامية التي يشرح بها الله علاقته بنا تشبه علاقاتنا بين آبائنا وأخوتنا الجسديين التي قد تتأثر بالسقوط. لهذا علم الآباء بطريقتين أساسيتين ومتميزتين للتحدث عن الله: الأبوفاتيكية والكاتافاتيكية. تعترف الطريقة الأبوفاتيكية في التحدث عن الله بجهلنا بشخصه وعلى هذا تستخدم النفي. نجد مثال رائع على ذلك في القداس القبطي الغريغوري الذي يصف الله على أنه الذي لا يُنطق به، غير المرئي، غير المحوي، غير المبتدئ، الأبدي، غير الزمني، الذي لا يحدر، غير المفحوص، غير المستحيل. أما الطريقة الكاتافاتيكية فهي أكثر وضوحًا حيث أنها تؤكد بالإيجاب على ما نعرفه في الله. فيمكننا على سبيل المثال أن نقول أن الله خيّر أو أن الله محبة، إلخ. وعلى الرغم من أن هذه الطريقة تبدو أسهل للوهلة الأولى، إلا أنها تتطلب مننا أن نتذكر دومًا أن ما نقوله عن الله ينبغي ألا يُفهم بطريقة بشرية. حقًا، إن الله حب وخير إلا أن الخير والمحبة البشرية تتلاشى بالمقارنة بعظمة واختلاف محبته وخيره (راجع الحوار الأول حول الثالوث من تأليف ق. كيرلس الكبير). هناك طريقة أخرى تبناها الكتاب المقدس وهي الكلام عن أعمال الله بدلًا من الكلام عن شخصه وتعرف بالأنثروبومورفيزم (وهي نسب صفات ومشاعر إنسانية لله لنتمكن من فهمها). هذه التعبيرات تتضمن "وجه الله" و"يد الله" و"غضب الله". يعلّم ق. يوحنا ذهبي الفم بأن استخدام هذه التعبيرات في الكتاب المقدس نوعًا من التنازل الإلهي. فعلى كل حال، من غير الممكن أن نتوقع من إلهًا رضي بأن يصير إنسانًا أن ينأى عن تعريفنا بأعماله باستخدام تعابير بشرية. يقول ق. يوحنا ذهبي الفم: حين تسمع عن الغضب أو الهياج منسوبًا لله، لا تفكر في هذا بالطريقة الإنسانية؛ فالكلمات التي تراها هي نتيجة مراعاته لنا. الطبيعة الإلهية على كل حال حرة من كل هذه الأهواء. بل على العكس، فحين يتكلم بهذه الطريقة فهو يترك أثرًا في عقول البشر الماديين. ففي حالتنا نحن أيضًا، حين نتحدث مع الأجانب، فإننا نستخدم لغتهم؛ وإذا تكلمنا مع الأطفال، فإننا قد نهذي بكلام غير مفهوم ومهما كنا موهوبين، فإننا نراعي حالتهم غير الكاملة النمو... كذلك، فالله مريدًا أن يترك أثرًا على البشر الماديين، يستخدم مثل هذه الكلمات. فانظر كيف أن حديثه بهذه الطريقة لم يكن اهتمامًا بمجده بل نفع سامعيه... حسنًا، حيث أن هذه الكلمات كانت موجهة لليهود، فإن هذه الحقيقة تطلبت أن تكون هذه هي الكلمات التي استخدمها آنذاك ويرتفع بمستوى تفكيرهم بطريقة تدريجية رافعًا من سلوكهم مقومًا إياهم بلطف... فانظر أن ما يشغله في هذا الوقت لم يكن عما إن كان ما يقوله يتناسب مع الاحترام اللائق لله بل أن يتمكنوامن فهم ما يعنيه. لهذا السبب، يقودهم إلى أعلى وفي نفس الوقت لا يتركهم في المستويات الضئيلة من معرفة الحقيقة، فيفتح لهم طرق أكثر اتساعًا. (يوحنا ذهبي الفم، كما اقتبسه ستيفن وسترهولم ومارتن وسترهولم، كتاب: قراءة الكتاب المقدس: أصوات من تاريخ تفسير الكتاب المقدس - إصدار 2016، صـ 120) ومع ذلك، فإن هذه الفكرة سببت جدلًا واسعًا في تاريخ الكنيسة؛ الأمر الذي ألزم ق. كيرلس السكندري بوضع مقالة كاملة بعنوان "ضد الذين يتصورون أن لله هيئة بشرية" تهدف للتأكيد على حقيقة الله غير المنظورة. فسواء كان المفسر إنطاكيًا كيوحنا ذهبي الفم أو سكندريًا ككيرلس الكبير، اتفق المفسرون على أن التعبيرات الأنثروبومورفية لا تعبر عن الحقيقة كاملة فيما يخص الله ((اعتاد علماء الكتاب المقدس في القرنين التاسع عشر والعشرين، على توسيع الهوة بين مدارس التفسير السكندرية والأنطاكية بطريقة غير مقبولة. فكلا المدرستين يؤكدا على وجود مستويات من التفسير والفهم. فعلى الرغم من تركيز الإسكندرية على الرمزية، إلا أن أوريجانوس اهتم بوضع "الهيكسابلا" وهي وثيقة قارنت بين المخطوطات المختلفة للكتاب المقدس والنص العبري واليوناني في ستة أعمدة ومن هنا جاء الاسم "هيكسابلا" حيث "هيكسا" تعني الرقم ستة باليونانية. كذلك، فعلى الرغم من انتماء ق. يوحنا ذهبي الفم للمدرسة الأنطاكية، إلا أنه لا يجد حرجًا في التركيز على أن جنب المسيح المطعون والخارج منه دم وماء هو رمز للكنيسة الخارجة من جنب المسيح في الماء المشير للمعمودية والدم المشير للإفخارستيا. )). فغضب الله هو واحد من هذه التعبيرات التي تندرج تحت الأنثروبومورفية. وهذا لا يعني بالطبع أن غضب الله أمرًا غير حقيقي. وإنما هذا يعني أن شعورنا أو اختبارنا لغضبه لا يتساوى مع الغضب الإنساني. ومن المهم، أن نتذكر أن الله عرف ذاته كـ"حب" أو كـ"محبة": حيث يقول الكتاب المقدس أن الله محبة (1 يوحنا 4: 8). لكن حين يشار إلى الغضب الإلهي، فالغضب هو شيء ينتسب لله ولكن لا يعبر عن ذاته فيقال أنه "حمي غضب الله على فلان" أو ما شابه ولكن لا يوجد أي مكان في الكتاب المقدس يعرف فيه الله ذاته على أنه غضب كما هو الحال مع المحبة. فالمحبة عنصر من هوية الله، بينما الغضب يعبر عن بعض مما يصنعه الله في بعض الأوقات، وحتى في هذه الحالة فهذا الغضب لابد أن يُفهم بطريقة آبائية كما سبق وأوضحنا. فمن المستحيل أن يعبر الغضب عن كينونة أو ذات أو ماهية الله. وقبل أن نغوص في البحث عن معنى الغضب الإلهي، فمن اللازم أن نشير لأن هناك كلمتان يونانيتان يترجما بكلمة واحدة وهي "الغضب". الكلمة الأولى هي أورغي () والثانية هي ثيموس (). الكلمة الأولى في معناها الأصيل تعبر عن العنصر الطبيعي في الإنسان المسئول عن رد الفعل أو الهوى. ولكن لأن أقوى أهواء الإنسان هي الغضب، صارت الكلمة تُترجم وتُستخدم للتعبير عن الغضب. وهذه الكلمة هي المستخدمة عادةً للتعبير عن غضب الله في معاملاته مع البشر في الحاضر وهي نفس الكلمة التي يستخدمها المرتل في المزمور حيث يقول اغضبوا ولا تخطئوا (مزمور 4: 4، وأفسس 4: 26). أما كلمة ثيموس فتكاد تستخدم أغلب الأوقات بطريقة سلبية للتعبير عن الغضب المنتقم. وهذه الكلمة إما تستخدم في سياق خطية الغضب الذي لا يصنع بر الله أو نهاية الأزمنة معبرًا عن الغضب الذي سيخضع له الأشرار. وفيما يخص هذا البحث، فسنركز على الغضب في إطار المعنى الذي تُعبر عنه كلمة أورغي. إن كان الله محبة وأحيانًا يحمى غضبه على شخص ما، فمن المنطقي أن نستنتج أن هذا الغضب له هدف خلاصي وتعليمي وإصلاحي وليس عقابيًا بهدف الانتقام. وحيث أن الآباء يعطوا إجابات وافية واضحة في هذا الصدد، فقلما نحتاج للاستنتاج والاستدلال المنطقي وسنكتفي بالاقتباسات التالية من آباء الكنيسة التي تشرح مفهوم العدل الإلهي وطبيعة الغضب: عن معنى تعبير "غضب الله": بعض الأشياء التي تُذكر في الكتاب المقدس ليست حقيقية؛ فبعض الحقائق لا تُذكر؛ وبعض الأشياء غير الحقيقية لا تُذكر أيضًا؛ وبعض الأشياء حقيقة ومذكورة. أتسأل هنا عن أدلتي؟ أنا مستعد لتقديمهم. في الكتاب، الله "ينام" و"يستيقظ" و"يغضب" و"يمشي" و"له عرش الشاروبيم". ومع ذلك فمتى خضع الله لمثل هذه الأهواء؟ ومتى سمعت أن الله له جسد بشري؟ هذه الأشياء غير حقيقية وإنما هي تصور عقلي. فبعض الأسماءتُستمد من الخبرة الإنسانية ويتم تطبيقهم بقدر الإمكان على صفات الله... فسمينا عقابه لنا "أنه غضب علينا"؛ لأن في حالتنا، يلد الغضب عقوبة. (ق. غريغوريوس النزينزي، الله والمسيح: العظات الخمسة اللاهوتية، إصدار معهد ق. فلاديمير، صـ 133-134. ) عن طبيعة العقاب الإلهي: فما تراه حواسنا على أنه شر هو شيء، بينما ما هو في حقيقته شرًا هو شيئًا أخر. فما هو شر في طبيعته هو من صنعنا نحن، أي الظلم والفجر والجهالة والجبن والحسد والقتل والتسميم والكسل وما يشبهها من أهواء تنجس النفس التي جبلت حسب صورة الخالق وبها نصير سببًا في إسدال الظلال على الجمال الخاص بالنفس. وعلى العكس، فنحن ندعو ما هو متعب ومؤلم لحواسنا شرًا مثل الأمراض الجسدية أو ما يصيب الجسد أو انعدام الحاجات الأساسية أو التشهير أو الأزمات المالية أو فقدان الممتلكات. كل هذه الأشياء يجلبها علينا السيد الخيّر والحكيم لمنفعتنا. فالغنى يؤخذ ممن استخدموا غناهم استخدامًا خاطئًا مدمرًا بهذا وسيلة الظلم. يرسل المرض لمن يكون من الأفضل لهم أن تقيد أطرافهم عن أن يتحركوا بلا عائق نحو الخطية. يأتي الموت على من كملت حياتهم؛ فمن البداية، حكم الله العادل وضع لكل شخص كما سبق فرأى ما هو لصالحه. المجاعة والجفاف والطوفان يوجهوا ضرباتهم بطريقة ما للبلاد والأمم معاقبين ازدياد الشر. لهذا فكما أن الطبيب يعد فاعل خير إذا سبب ألمًا أو تعبًا للجسد، كذلك فالله صالح ويعطي الخلاص للكل من خلال العقوبة الخاصة. وحين يقوم الطبيب بهذا فأنت لا تتهمه بأي شيء سيء كونه سبب جرحًا أو حرقًا أو قطعًا في الجسد، بل بالأحرى تدفع له الأموال وتدعوه مخلصًا مقابل أنه سبب ألمًا في جزء صغير من الجسد حتى يضع حدًا لانتشار الألم في كل الجسد. ومع ذلك فإنك كلما رأيت مدينة تقع على سكانها في زلزال أو كلما ضاعت سفينة بطاقمها في البحر، فلا تكف عن تحريك لسانك بالتجديف ضد الطبيب والمخلص. (ق. باسيليوس الكبير، عن الحالة الإنسانية لباسيليوس الكبير - إصدار معهد ق. فلاديمير، صـ 67 - 68) عن الموت كعقوبة رحيمة لآدم: ولما قل احترامه بسبب السعادة الكاملة، فضل ما ظهر طيبًا للعين الجسدية على الجمال الروحي واعتبر ملء بطنه أكثر قيمة من التمتع الروحي. وللوقت صار خارج الفردوس وخارج طريقة الحياة المباركة صائرًا شريرًا لا بسبب طبيعته بل بسبب طيشه. ولذلك فقد أخطأ بسبب اختياره الشرير بمحض حريته ومات بواسطة الخطية. لأن أجرة الخطية هي موت (رومية 6: 25). فبقدر ابتعاده عن الحياة، أصبح يقترب تجاه الموت. لأن الله هو الحياة وفقد الحياة هو الموت. لذلك فإن أدم هيأ الموت لنفسه بابتعاده عن الله حسب ما هو مكتوب: لأنه هوذا البعداء عنك يبيدون (مزمور 73: 27). لذا فإن الله لم يخلق الموت بل بالحري نحن جلبناه على نفوسنا بسبب نيتنا الخاطئة. فبالتأكيد، إنه للأسباب السابقة، فإنه لم يمنع انحلالنا حتى لا تستمر شرورنا كغير مائتين. فأصبح هذا مثل شخص يسمح بوضع وعاء طيني ضعيف يتسرب منه الأشياء في النار حتى يصير صلبًا ويتم إصلاح الضعف الذي كان فيه بإعادة تشكيله مرة أخرى. (ق. باسيليوس الكبير، عن الحالة الإنسانية لباسيليوس الكبير - إصدار معهد ق. فلاديمير، صـ 74-75) اختبارنا للغضب الإلهي: الله صالح، بلا هوى وبلا تغيير. ومن يفهم بطريقة صحيحة أن الله لا يتغير، من الطبيعي أن يتساءل: إذن كيف يمكن التحدث عن رضا الله بالأخيار وأنه يرحم الذين يعرفونه بينما يبعد الأشرار ويحمى غضبه على الخطأة. ينبغي أن نجيب بأن الله لا يفرح ولا يغضب لأن الفرح والغضب هي أهواء. ولا يمكن أن يكسب الشخص الله بهدايا ممن يعرفونه لأن هذا يعني أنه يتغير بناء على الترضية. من غير الممكن للألوهة أن يكون فيها شعور بالسعادة أو عدم السعادة بسبب حالة البشر. الله صالح ولا يسكب إلا البركات ولا يُسبب البلايا بل يظل كما هو. لكن لو أننا كبشر ظللنا أخيار بمشابهتنا إياه، فنحن نتحد به، ولكن إن صرنا أشرار بفقدان مشابهتنا إياه نصير منفصلين عنه. فبحياة القداسة، نتحد بالله؛ وبصيرورتنا أشرار، نصير على عداوة معه. فالأمر ليس أنه يصير غاضبًا علينا اعتباطًا بل بالحري خطايانا هي التي تمنع إشراق الله داخلنا وبالتالي نصير عرضة للشياطين التي تسبب ألامنا. ولو أننا بالصلاة وأعمال المحبة، نكتسب الحرية من خطايانا، فهذا لا يعني أننا كسبنا الله أو جعلناه يتغير بل بالحري بسبب أفعالنا ورجوعنا لله، نُشفى من أشرارنا ونعود للاستمتاع بصلاح الله. القول بأن الله يبعد عن الخطأة يتشابه مع القول بأن الشمس تخفي ذاتها عن العميان. (ق. أنطونيوس أب الرهبان، المائة والخمسين مقالة لأنطونيوس الكبير - الفيلوكاليا) طريقة أخرى لفهم غضب الله من لوقا 1: 73: فكما أن الغضب، حين يُنسب لله لا يعد غضبًا ولا يعني أن هناك هوىبل بالحري يعبر عن القوة الظاهرة في العقوبة أو ما يشابهها من حركات؛ فهذا ينطبق أيضًا على القسم أو الحلفان. فالله لا يقسم ولكنه يعبر عن يقين حدوث الأمر، حتى أن ما يقوله حتمًا سيحدث. لأن قسم الله في كلمته التي ستقنع السامعين معطيةً لكل شخص القناعة بأن ما وعد به سيحدث لا محالة. (ق. كيرلس الكبير، تفسير إنجيل لوقا) في مثل الابن الضال، قبل الأب ابنه بذراع مفتوحة بينما رفض الأخ أن يكون في حضرة أخيه. من وجهة نظرنا كمسيحيي القرن الواحد والعشرين، يسهل علينا أن نقول بأن الأب كان رحيم بينما الابن الأكبر كان عادلًا. لكن بقراءة الآباء يتحتم علينا أن نتأمل كيف أن الأب كان عادلًا بطريقة إلهية بينما رد فعل الأخ كان عادلًا بطريقة بشرية تبحث عن العقوبة والقصاص واستيفاء أو ترضية العدالة الساقطة. فحتى حين يعاقبنا الله أو حين نختبره في إطار الغضب، فهذا الاختبار يظل قصيرًا جدًا إذا ما قارناه بالأبدية التي سنتأمل فيها جماله حيث نحيا في نوره الإلهي. --- ### خواطر في تفسير إنجيل يوحنا
الإصحاح الثالث (٢) - Published: ۲۰۲۲-۰۱-۳۰ - Modified: 2022-02-26 - URL: https://tabcm.net/3690/ - تصنيفات: كتاب مقدس سنحاول في هذا المقال أن نمعن الرؤية في شهادة نيقوديموس عن المسيح وكيف كانت : " كان إنسان من الفريسيين اسمه نيقوديموس، رئيس لليهود. هذا جاء إلى يسوع ليلا وقال له: «يا معلم، نعلم أنك قد أتيت من الله معلماً، لأن ليس أحد يقدر أن يعمل هذه الآيات التي أنت تعمل إن لم يكن الله معه» ( يوحنا ٣) - إن نيقوديموس كان رئيساً لليهود (راباي يهودي متمكن في علوم الدين اليهودي). إلا إن أيمانه بالمسيح لم يعتمد بالضرورة علي علمه الديني الذي شهد عبر تاريخ اليهودية بأن يسوع المسيح الواقف أمامه هو المسيا الآتي من السماء الذي ينتظره اليهود لإعلانه لكل العالم. وللتدليل علي ذلك نقول إن معظم اليهود ومنهم تلاميذ المسيح عثروا في الإيمان بالمسيح. - إن السبب الذي قاله نيقوديموس لإيمانه بالمسيح «يا معلم، نعلم أنك قد أتيت من الله معلماً» هو سبب متاح لأي بشر يتمتع بتفكير سوي غير مشوه بتأثيرات خارجية من المحيطين به : ”لأن ليس أحد يقدر أن يعمل هذه الآيات التي أنت تعمل إن لم يكن الله معه». 
- ولقد أظهر الإنجيل بدليل تحرر نيقوديموس من هذه التأثيرات بأن قال إنه جاء ليقابل المسيح ليلاً بعيداً عن تأثير المتدينيين ورؤسائهم المعادي للمسيح "الله الذي ظهر في الجسد ”وانتظار شعب الله. - ملخص القول إن معرفة الإله الحق والإيمان به ليست حكراً علي علم ديني وبحث يستلزم عقول جبارة في اللاهوت والتاريخ. - فالإله الحق لا يترك نفسه بلا شاهد لعقل الإنسان و إنسانيته. لأنه -تبارك أسمه- قد وضع في أعماق كيان الإنسان أساساً جوهرياً يشهد لله. - إن صفات الإله الحق قد أستعلنها الخالق -جل جلاله- لإدراك الإنسان وفي حدود بشريته بأن طبعها في صميم خلقته ”نخلق الإنسان علي صورتنا كشبهنا“ - هذه هي حقيقة الخالدة في خلق الله للإنسان والتي هي فاتحة الكتاب المقدس في سفر التكوين الذي يدون سيرة الله مع الإنسان . وأكدها في الإنجيل ”إن ملكوت الله داخلكم“. فما معني هذا؟ - بحسب الكتاب المقدس فإن الله هو ذات واحد يعلن ذاته في كلمته ”كلمة الله (اللوغوس)“. وبهذا فإن ”كلمة الله“ هو ”صورة الله ورسم جوهره“. فهو من ذات الله، وهذا يعبِّر عنه الكتاب بالبنوة والأبوة في ذات الله الواحد، فنقول إن ”الله الابن“ مولود من ”الله الآب“. ومساوٍ وغير منفصل في ذات الله ”أنا والآب واحد“. - ثم خلق الله الإنسان مطبوعاً في صميم كيانه علي أصل إلهي لا يزول منه ألا وهو صورة الله ... المسيح ”كلمة الله“ ... الذي هو إعلان الله لذاته. - هذا هو ما كشفه الوحي الكتابي عن عظمة خلق الله للإنسان ومكانته. فهو مخلوق إلهي عظيم يحمل أصله فيه، والذي لا يزول بما لا يقاس بما تحمله بصمة أصبع الإنسان أو الحمض النووي كدلالة علي أصل للإنسان. - وحينما تصير الصورة الأصلية المطبوع عليها الإنسان في أعماقه مصقولة جيداً ، فإن النفس الإنسانية من تلقاء ذاتها تري نفسها فيها -كما يري الإنسان حقيقة وجهه عندما ينظر في مرآة. هنا تتقابل نفس الإنسان مع مثيلها- أي تتقابل الصورة مع أصلها. - فكلما أزداد وعي الإنسان واشتياقه إلي اكتشاف حقيقة ذاته فإنه يتقابل مع الحق سبحانه لأنه في أعماقه ” ها ملكوت الله داخلكم“. حيث الله لا يَحجب ذاته عن محبوبه الإنسان. - هذه هي نقاوة النفس التي تؤهل لتأمل الله ذاته داخل الإنسان والتي قال عنها المسيح كلمة الكلمة ” طوبي لأنقياء القلب لأنهم يعاينون الله“. - وكما شهد نيقوديموس للمسيح، يستطيع كل أنسان هذا بالتثبت من تلك الصفات التي تحمل بصمة الإله الحق في أعماق كيان الإنسان وبذلك يضمن تطابق المثيل علي مثيله غير مخدوعٍ بالتشويه الذي ألحقه الشيطان ”رئيس هذا العالم“ بإعلان الله لنا عن ذاته فينا. والسُبح لله. بقلم د. رءوف أدوارد --- ### نساء يحكين أوجاعهن في "رواية" - Published: ۲۰۲۲-۰۱-۲۹ - Modified: 2023-10-27 - URL: https://tabcm.net/3697/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون, المرأة القبطية - وسوم: برديس سعد, رضوى رأفت, ميرهان خليل, نورا ناجي, هند الأشعل تظل مساحة الكتابة النسائية، والهموم التي تشغل النساء، كالسحر الذي يناديهنّ لصياغة مشاعرهن، وأفكارهن في رواية أو قصة أدبية، ووسط زخم الكتابات، نلقي الضوء على نماذج روائية لكاتبات واجهن تحدياتهن النفسية والاجتماعية، بالإبداع تظل مساحة الكتابة النسائية، والهموم التي تشغل النساء، كالسحر الذي يناديهنّ لصياغة مشاعرهن، وأفكارهن في رواية أو قصة أدبية، ووسط زخم الكتابات، نلقي الضوء على نماذج روائية لكاتبات واجهن تحدياتهن النفسية والاجتماعية، بالإبداع.   رجال من ورق. . وعروس من حلوى. . عن الحب، الخذلان، إخفاء المشاعر ثم المجاهرة بها، وسط مجتمع يخشى البوح. كل هذه التوليفة جاءت في رواية "رجال من ورق. . وعروس من حلوى"، لهند الأشعل، خريجة كلية فنون جميلة بمصر، والتي تعتبر الكتابة هي "المنفذ الوحيد" الذي يعبر عن حياتها، وسبق لها كتابة روايتين: "خاطر الماريونيت"، و"ماء وحياة". استغرقت الأشعل بكتابة "رجال من ورق "على مدار 10 سنوات تقريبًا، حيث توقفت كثيرًا عن مواصلة كتابتها، وأصابها ما يعرف لدى الكتاب بحالة "السُدة الكتابية" حتى قرأت رواية "تغريدة البجعة" للكاتب الراحل مكاوي سعيد، وكانت نقطة تحول في حياتها، حيث شجعها على مداومة مشروعها الكتابي، الذي تُرجع إليه فضل الانتهاء منه. إن معاناة النساء في الشرق الأوسط عامة، ومصر خاصة، هي محور الرواية التي تعتمد فكرتها على الاختباء والتخفي من مواجهة الأزمات، خوفاً من رد فعل المجتمع (هند الأشعل) تدور الفصول حول علاقة فتاة بأبيها الذي يشغل منصبًا مرموقًا في الدولة، لم يكتف بالانفصال عن زوجته (أمها)، لكنه أصبح شخصًا مؤذيًا أيضًا، فتكتب له ابنته رسائل سرية تخبره فيها عن كل ما تمر به، بداية من انتهاء مرحلتها المدرسية حتى التحاقها بالجامعة ثم تخرجها، وما بينهما من علاقات، ومعاناة، وغيرها من الأمور التي تكتبها بدقة، وتعرف أن هذه الرسائل لن تصل إلى والدها الغائب عن حياتها. في الرواية أحداث متلاحقة، وشخصيات متناثرة، كلها مكتوبة في هذه الرسائل، فثمة كتابات أخرى توجهها بطلة الرواية إلى ابنتها التي لم تلدها بعد، فتعطيها خلاصة خبرتها في الحياة، وتتمنى ألا تكون ضحية أشخاص مارسوا الأذى الذكوري ضدها دون هوادة. تأثرت الأشعل خلال الإعداد للرواية بأحداث واقعية، سمعت عنها، وضمتها إلى الرواية بنفس تفاصيلها، تحكي هند عن فتاة تعرضت للاغتصاب من ابن عمتها، وتجاهل والداها الأمر كأنه لم يكن، وظل أبيها يشنع بسمعتها لدى كل عريس يتقدم لخطبتها، حتى حاولت الانتحار أكثر من مرة، كما أنها تعرضت للابتزاز من شخص أحبته بعد معرفته بتفاصيل حكايتها. بعض دور النشر طلبت حذف هذه القصة بسبب أحداثها المؤسفة، لكنني صممت على وجودها. (هند الأشعل) تؤكد الأشعل أنها مهمومة بالكتابة النسوية، وسرد الحكايات المسكوت عنها، وأن هناك العديد من المحاولات الجادة السابقة في هذه المنطقة التي لا تزال بحاجة إلى مزيد من تسليط الضوء عليها. الكثيرات يكتبن بهدف التربّح أو الشهرة، لكن قليلات من لديهن شجاعة عرض أزمات تعاني منها المرأة في المجتمع. (هند الأشعل)   ما يخبئه الفراش اسم جريء لصاحبة الكتاب رضوى رأفت، خريجة كلية التجارة، اتخذت الجرأة في طرح القضايا المسكوت عنها طريقًا من قبل في كتابها الأول "لستُ عذراء"، الذي يتناول أزمات التحرش الجنسي بالأطفال، وغياب دور الأهل أو رفضهم للبوح بما يحدث بأطفالهم. أحب هذا النمط من الكتابة، وتعلمت الكثير من الكاتبة والدكتورة نوال السعداوي، فهي الوحيدة التي تناولت قضايا المرأة من ناحية صادقة، وتحدثت في الأمور المسكوت عنها، وأدين لها بالكثير من تكوين أفكاري وكتاباتي. (رضوى رأفت) يناقش كتاب "ما يخبئه الفراش" العديد من الحكايات النسائية والمشاكل التي تقابلها المرأة في المجتمع، وقضايا يخشى الكثيرون الاقتراب منها، مثل الاغتصاب الزوجي، التعنيف الأسري للفتيات، الإجبار على الزواج، الختان باسم الدين. . وغيرها.   كوكب لونه بينك أما الكاتبة برديس سعد، فقد ناقشت في كتابها الجديد"كوكب لونه بينك"، عددا كبيرًا من المشكلات التي تتعرَّض لها المرأة في المجتمع، ولعل أبرزها الإهانةـ والتعدي الجسدي من قبل الزوج أو الأخ أو الأب أو حتى الابن، الرجال الذين يتعاملون بذكورية في حياة النساء يتخيلون أن لديهم السلطة المطلقة على حياة ومصائر نساءهم. (برديس سعد) تتلامس كتابة برديس الروائية مع عدة مشاكل أخرى خاصة بالمرأة، مثل: أزمة وصم المطلقات، والتعامل معهنّ وكأنهن مباحات، أو "بلا ولي"، مثلما يقولون عنها في المجتمع، وكذلك تتعرض إلى فكرة ارتباط "النكد"، وتغيّر المزاج بالنساء، تقول برديس: وكأن الرجال لايتغيرون أو تتقلب أمزجتهم، وكل هذا تربطه بفكرة طريفة، وهي تجربة نسائية في التوجه لكوكب جديد، لونه وردي "بينك"، مخصص للسيدات فقط، وفضلت اختيار هذا اللون لكونه "رمزًا للأنوثة، والفرح".   كلهن أنا بدأت ميرهان خليل رحلة الكتابة الاحترافية عام 2015، بعد إصابتها بنوع نادر من سرطانات الدم غير القابل للشفاء، علاجه عبارة عن فترات من الهدنة، هذا النوع يدعى "المايلوما"، وكلما اشتد عليها الألم فجّرت مساحات أخرى من الإبداع وطاقات الفن بالكتابة والرسم. مساحات لم أكن أعرفها عن نفسي، جعلها المرض وسيلة للتنفيس عن ألمي من خلالها. (ميرهان خليل) أصبت عام 2012 بنوع نادر من سرطان الدم، وجدت نفسي أحارب بمفردي، فالكل تخلى عني، من هنا بدأتُ تدوين مشاعري كل يوم، وبعد دوامة من الحرب ضد شراسة المرض الذي يعود في كل مرة بشكل أكثر عنفاً، قررت الوقوف مع نفسي بشكل جاد، والانتظام على العلاج النفسي الذي ساعدني على التعايش مع المرض، وشجعني على ممارسة هوايات لم أكن أعلم أنه يمكنني القيام بها بهذا القدر من الإتقان. (ميرهان خليل) صعوبة بداية امتهان الكتابة سببها عدم وجود أي خبرة لدي، كنت متزوجة بعمر صغير، وانتظرت من زوجي على مدار 20 عام أن يساعدني في إيجاد مساحة لنفسي، لكن دون جدوى، ومع قسوة المرض نجحت في إظهار كل طاقات النور والإبداع بنفسي. (ميرهان خليل) كانت ميرهان خليل تعوِّل على زوجها لمساعدتها في إيجاد مساحة لنفسها، ولكن بلا جدوى، وما فجّر فيها طاقات الكتابة هو السرطان، أو قسوة المرض دون الاتكال على أحد، لأن الكل تركني، وتعلمت الحرب بمفردي، حتى اعتبرت مرضي محنة ومنحة أيضًا. تدور رواية "كلهن أنا" حول تجارب 6 فتيات مع الحرب ضد السرطان، جزء منه أقرب للسيرة الذاتية أو إيضاح معاناة عايشتها بنفسي، تقول ميرهان.   أطياف كاميليا راودت نورا ناجي فكرة روايتها بعد اطلاعها على أخبار يومية متكررة، عن اختفاء سيدة من منزلها أو فتاة من بيت أسرتها، لتجد نفسها في حيرة وتخيل أحداث سابقة لهذا الهروب، متسائلة: كيف يمكن لامرأة أن تترك بيتها وزوجها وأبناءها، أو والديها وحياتها الدراسية، لتقرر فجأة أن تختفي بلا عودة، وما مصير أي سيدة من المختفيات إذا قررت العودة مرة أخرى، ومع من تتعامل في حياتها الجديدة (نورا ناجي) كل هذه الأسئلة خلقت في ذهن نورا شخصيات من لحم ودم، يمكن كتابة مصائرهم على الورق، وتحويل هذه التشابكات الخاصة بحياتهم إلى رواية شيقة. لا تجد نورا أزمة في تصنيفها ككاتبة نسوية، فهي تعمل مديرة تحرير لموقع "نواعم" المهتم بالنساء، ويقدم مادة تفيد جوانب حياتهم الصحية والنفسية، أو الاهتمامات الخاصة من العلاقات، الموضة، الأكل والأطفال. كل هذه الأمور التي أجد نفسي مطلعة عليها يوميًا تفتح مداركي على ما يحدث حول العالم، وتجعل لدي حصيلة وفيرة من قصص حياة النساء، تمكنني من المداومة على الكتابة عن أمور تتلامس مع النساء المصريات، وهو ما حدث في "طيف كاميليا". (نورا ناجي) --- ### [۳] الله كآب والابن كأخ - Published: ۲۰۲۲-۰۱-۲۸ - Modified: 2024-04-28 - URL: https://tabcm.net/3726/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, لاهوتيات - وسوم: أنبا إبيفانيوس المقاري, إفخارستيا, التبني, الثالوث القدوس, الكنيسة السريانية, بابا كيرلس السادس, برسوم العريان, بيلاطس البنطي, تجسد الكلمة, ساويرس الأنطاكي, قديس أثناسيوس الرسولي, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية كل ما نعرفه عن الثالوث القدوس يكمن في استعلان التجسد الذي به صار ابن الله إنسانًا ومشى بيننا على الأرض. ففي خضوع المسيح للمعمودية، ثلاثة أقانيم الثالوث استُعلنوا وصاروا معروفين للبشرية. والعلاقة بين الآب والابن هي موضع تركيز كلمات المسيح في إنجيل يوحنا. فعلاقة يسوع بأبيه تصبح الباب الذي من خلاله ندخل في علاقة مع الثالوث أو بالحري نصير منسوجين في الثالوث بحسب تعبير ق. أثناسيوس.  يعد يوحنا 17 بداية جيدة لفهم علاقة الآب بالابن في سياق التجسد. يؤكد يسوع أن علاقته بالآب هي علاقة مجد مشترك. الآب يُمجد الابن بينما يمجد الابن أبيه (يوحنا 17: 1-5). يرى الآباء الكبادوك أن المجد المشترك بين الآب والابن هو أقنوم الروح القدس. فبعد صلاته من أجل تلاميذه، يبدأ يسوع في الصلاة من أجل المؤمنين ويقول: ولست أسأل من أجل هؤلاء فقط، بل أيضًا من أجل الذين يؤمنون بي بكلامهم، ليكون الجميع واحدًا، كما أنك أنت أيها الآب في وأنا فيك، ليكونوا هم أيضًا واحدًا فينا، ليؤمن العالم أنك أرسلتني. وأنا قد أعطيتهم المجد الذي أعطيتني، ليكونوا واحدًا كما أننا نحن واحد. أنا فيهم وأنت في ليكونوا مكملين إلى واحد، وليعلم العالم أنك أرسلتني وأحببتهم كما أحببتني. أيها الآب أريد أن هؤلاء الذين أعطيتني يكونون معي حيث أكون أنا، لينظروا مجدي الذي أعطيتني، لأنك أحببتني قبل إنشاء العالم. أيها الآب البار، إن العالم لم يعرفك، أما أنا فعرفتك، وهؤلاء عرفوا أنك أنت أرسلتني. وعرفتهم اسمك وسأعرفهم، ليكون فيهم الحب الذي أحببتني به، وأكون أنا فيهم. (يوحنا 17: 20-26) فمن الواضح أن هناك علاقة حميمة بين الآب والابن وأننا مدعوون للشركة في هذه العلاقة لنكون واحدًا فيهم. فأن نكون في المسيح هو أن نشترك في جسده، أي الكنيسة المنبثقة من جنبه المسكوب منه ماء، رمز المعمودية، ودم، رمز الإفخارستيا. وعلى الرغم من أنه شيء رائع أن نكون في المسيح وأن نكون أقرب إلى الآب إلا أنه من اللازم أن نعرف، نحن البشر، هذا المسيح الذي دُعينا للشركة فيه. كمسيحيين، نعرف أن المسيح هو أحد الثالوث الذي انحدر من علو السماء وتجسد من الروح القدس ومن العذراء مريم صائرًا إنسانًا مثلنا في كل شيء ما خلا الخطية وحدها. في إنجيل مرقس، يُعرف المسيح لأول مرة كابن لله بواسطة إنسان وهو جثة هامدة معلقة على الصليب ((يبين إنجيل مرقس أن السيد المسيح لم يكن معروفًا كابن لله، إلا للشياطين الذين أخرجهم. أما البشر فظلوا في حالة من الشك والتردد بما فيهم التلاميذ. والمرة الأولى التي أعلن فيها إنسان لم تسكنه الشياطين أن المسيح هو ابن الله كان قائد المئة تحت الصليب. )). ففي أقصى حالات الانكسار الإنساني الأتية كنتيجة للموت، نسمع شهادة قائدة المئة أن المسيح المصلوب هو الله. فهوية المسيح كإله كامل وإنسان كامل تتجلى أمامنا في آلامه وموته. يسرد سفر التكوين قصة الخليقة إلا أنه يتركها بلا نهاية واضحة، فلا نسمع على سبيل المثال رأى الله الإنسان الذي خلقه وإذ الإنسان حسن جدًا أو انظروا هوذا الإنسان حسن جدًا. فقط في إنجيل يوحنا، نسمع على لسان بيلاطس البنطي وهو يشير إلى المسيح قائلًا: هوذا الإنسان! (يوحنا 19: 5). وفيما بعد، نسمع المسيح من الصليب معلنا إتمام خلقة الإنسان في قوله قد أُكمل (يوحنا 19: 30). فكمال خلقة الإنسان لا يُرى إلا في شخص المسيح المصلوب والمتألم الذي في آلامه ننظر قوة لاهوته. لذا يعتبر يسوع هو الإنسان الكامل. وبسبب كماله كإنسان وسلطان لاهوته كإله، يتخذ الدور الُمعطي في البداية للإنسان كوسيط قادر على التحكم في الخليقة بدل من أن تتحكم فيه الخليقة. فنرى المسيح يشفي المرضى ويمشي على المياه، ويهدئ العاصفة ويقيم الموتى ويقوم من بين الأموات بقوته الذاتية. وفي كل هذه المعجزات، يظهر لنا لاهوته وناسوته معًا. يقدم ق. ساويرس الأنطاكي حادثة مشي المسيح على المياه كمثال لتوضيح هذه النقطة فيقول: وهو يصنع الأعمال الإنسانية بطريقة فوق الإنسانية: فبطريقة منزهة يقدم عناصر الطبيعة بطرق جديدة. فمن الواضح أن المياه غير ثابتة ولا يمكن أن تحتمل أو تدعم وزن الأقدام الأرضية المادية. ولكن بقوة فوق الطبيعة، يُقدمها خاضعةً. فلو أنه بأقدامه غير المبتلة ذات الوزن الجسدي المادي، سار على المياه ذات المادة غير الثابتة سائرًا فوق المياه كما لو أنها أرض مرصوفة، فهو يبين لنا بهذا العبور أن أعماله الإنسانية غير منفصلة عن قوة لاهوته. (ساويرس الأنطاكي، ترجمة أندرو لاوث، عالم اللاهوت، كتاب: "مكسيموس المعترف"، روتليدج، 1996، ص 289) في التجسد، طريقة الوجود اللاهوتية وطريقة الوجود الإنسانية اتحدتا في شخص المسيح الواحد الذي فيه نشترك بسبب ناسوته المساوي لناسوتنا. هذا يسمح لنا بأن نصير أبناء متبنين للآب وشركاء للطبيعة الإلهية. كما يقول ق. أثناسيوس: صار الله إنسانًا كي يصير الإنسان إلهًا. (أثناسيوس، تجسد الكلمة، فقرة 64) فصيرورة الله إنسانًا لا تعني تغير أو تحول في طبيعته اللاهوتية لطبيعتنا البشرية. فالفعل "صار" هنا يعني الاتحاد. ففي النصف الأول من الجملة: "صار الله إنسانًا" تعبر عن الوحدة الطبيعية التي فيه اللاهوت والناسوت يجتمعا معًا بلا اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير في الأقنوم المركب الخاص بالكلمة المتجسد. أما النصف الثاني من الجملة: "كي يصير الإنسان إلهًا" يعبر عن وحدتنا مع الله الناتجة عن نعمة التبني. الوحدة الثانية (أي وحدتنا مع الله) تُشبه وحدة الزيجة حيث يصير الرجل والمرأة جسدًا واحدًا على الرغم من احتفاظ كل منهما بطريقة وجوده وأنهما يظلا أشخاصًا مختلفين. وبالعودة للعلاقة مع الخليقة، نرى طريقًا جديدًا قد انفتح أمامنا في المسيح لنستعيد السلطان المُعطى لنا من الله على الخليقة. بالفعل، استطاع بعض القديسين أن يصنعوا المعجزات مثل ق. البابا كيرلس السادس أو مصاحبة الوحوش مثل ق. برسوم العريان الذي عاش مع حية في قلايته. وعلاوة على ذلك، يقول المطران باولص مار غريغوريوس من الكنيسة السريانية الهندية الأرثوذكسية: الإنسان في المسيح يخلص العالم: فهو يعيد الخليقة لله لتمتلئ بمجده (باولص غريغوريوس، الحضور الإنساني، الروحانية البيئية، وعصر الروح – صـ 65) وبطريقة أخرى، يمكننا أن نقول أنه كلما لاحظنا مكانتنا في الخليقة كوسطاء بين الله والخليقة، كلما استعدنا ميزة وجودنا في المسيح، وكلما استطعنا أن نعيد العالم إلى هدفه المنشود. وكوننا صرنا أبناء الله بالتبني من خلال التجسد، الآب لا يعد يرانا بمعزل عن الابن كوننا في المسيح. فنحن بالفعل صرنا لحم من لحمه وعظم من عظامه (أفسس 5: 30). وبالتجسد، يصير البكر بين أخوة كثيرين (رومية 8: 29) وبكر كل الخلائق الذي يصالح كل شيء لنفسه (كولوسي 1: 15و 19). يعلق الشهيد الأنبا إبيفانيوس -نيح الله روحه- على هذه الآية في كولوسي، فيقول: المسيح يُعلن باعتباره الصورة المنظورة لله غير المنظور وكأصل كل خليقة، سواء مادية أو غير مادية. فهو أساس الخليقة وكل الخليقة تعتمد عليه... المسيح يظهر كالوسيط الذي به تتصالح الخليقة مع خالقها (إبيفانيوس المقاري، خلاصًا هذا مقداره – صـ86) كذلك يؤكد ق. يوحنا ذهبي الفم على كون المسيح أخ لنا بسبب التجسد فيقول: ولذا يقول: هو لا يستحي من أن يدعونا أخوة - قائلًا أنه سيعلن اسمه لأخوته. لأنه حين لبس جسدًا، لبس الأخوة أيضًا، وفي نفس الوقت صار في أخويتنا (يوحنا ذهبي الفم، سلسلة أباء نيقية وما بعد نيقية، فيليب تشاف - السلسلة الأولى، الجزء الـ14، صـ 720) وفي كلمات ق. يوحنا ذهبي الفم، نسمع صدى كلمات ق. أثناسيوس الذي قال: وبهذا يتبين قول الرسول: أنه صار لا تعني أن الكلمة مخلوق، بل تعني أن الجسد الذي اتخذه كان كجسدنا وبالتالي فهو يُدعى أخًا لنا كونه صار إنسانًا (أثناسيوس، ضد الأريوسيين – المقالة الثانية 14، 10) وأكثر من ذلك، فبالرغم من قول الله قبل التجسد مجدي لا أعطيه لأخر في إشعياء 42: 8 إلا أنه في المسيح يعطينا مجده كنعمة إضافية يسكبها علينا على الرغم من عدم استحقاقنا (يوحنا 17: 22). الله لم يعد يرانا بعد كـ"آخر" بل بالحري كأعضاء في ابنه الحبيب. فصوت الآب في الأردن قائلًا: أنت هو ابني الحبيب الذي به سررت كان موجهًا للابن، ولكن باتخاذ الإنسان مكانه في المسيح، تصير هذه الكلمات منطبقة عليه كابن للآب بالتبني. وحين اضطهد شاول الكنيسة واستوقفه المسيح على الطريق لدمشق، لم يقل له المسيح: "لماذا تضطهد الكنيسة؟" بل بالحري قال له المسيح: لماذا تضطهدني؟ فالكنيسة، كونها جسده، لم تعد غريبة عنه. لهذا، فإنه واجب الكنيسة السامي أن تنشر رسالة إنجيل الإيمان والرجاء والمحبة: حتى تستطيع الإنسانية أن تقبل التبني للآب في المسيح. وفي ختام هذا الفصل، علينا أن نؤكد أننا حين نتكلم عن أبوة الآب فهذه الأبوة على الرغم من كونها حقيقية إلا أنها تختلف عن أي أبوة أرضية يمكننا تخيلها. فالطريقة التي نتكلم بها عن الله مهمة جدًا في البحث اللاهوتي كما سنرى فيما بعد. --- ### بثياب الحملان - Published: ۲۰۲۲-۰۱-۲۷ - Modified: 2023-12-18 - URL: https://tabcm.net/3868/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, شئون علمانية, مقالات وآراء - وسوم: أنبا إبيفانيوس المقاري, أنبا رفائيل، أسقف وسط القاهرة, الأب داود لمعي, الأصولية, الخطاب الديني, بروتستانت, زحفطون, سامح موريس, مكاري يونان حدادا على الذين انتقلوا، وعهدوا إلينا بإصلاح سفينة مثقوبة، من أجل إيمانهم الذي صنع لنا أملا، صرنا لا نكتب -وقت الموت- عن حداد وحزن، وإنما نكتب عن حنق وسخط! حدادًا على الذين انتقلوا، وعهدوا إلينا بإصلاح سفينة مثقوبة، من أجل إيمانهم الذي صنع لنا أملا، صرنا لا نكتب عن حداد وحزن، وإنما نكتب عن حنق وسخط! ... بعد أن كان للأقباط الأرثوذكس، فلاسفة، يرفعون الوعي القبطي على مستويات مفتخرة مثل "الفرق بين الرأي والعقيدة" ((الفرق بين العقيدة والرأي، محاضرة أبينا المتنيح اﻷنبا إبيفانيوس، الجزء اﻷول (مقطع فيديوي). ))، أصبح الوضع مؤسفًا، والمستقبل بلا علامات، ولا مستقيم! قُتل الفلاسفة في قلب أديرتهم... حورب من يرفع الوعي بشكل مؤسسي واتهم بالهرطقة والزندقة... وعادت ريمة لعادتها القديمة، وأمسك الميكروفون كاهن عظيم، وسطحي، ولا يعي الفرق بين "الإيمان" و"العقيدة" و"الفكر" و"الرأي" ((خطاب الأب داود لمعي إلى القس سامح موريس، عقب نياحة اﻷب مكاري يونان (مقطع فيديوي). )) من حيث درجات اليقين، وتوابع هكذا تسطيح علي السلوك البشري... أو مسالة في صميم الخطاب الديني مثل مسألة "قبول الآخر"، واستشكالات "احتكار الحقيقة"، وعجرفة "امتلاك المعرفة"، وعنصرية "الفِرْقَة الناجية" تجاه بقية الفرق الغير ناجية... وتأثير كل ما سبق على السلام المجتمعي من رجل دين يفترض إن كتابه المقدس يطوّب "صانعي السلام" ويدعوهم بأبناء الآلهة. ((إنجيل متى 5: 9. )) المسيحية ديانة قائمة علي نشر الحب الإلهي بين البشر... مسيحنا قال لنا: "سالموا الناس قدر طاقاتكم" ((رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 12: 18. )) و"كن مراضيًا لخصمك ما دمت معه في الطريق" ((إنجيل متى 5: 25. )). بل يصل الانفجار الإلهي أقصاه في المقولة اﻷشهر "أحبوا أعدائكم، باركوا لاعنيكم" ((إنجيل متى 5: 44. ))، بينما لو تركنا الكلام واللسان النظري وتأملنا الواقع فلن تجد خمسة من الكهنة، بل ولا حتى أثنين من الأساقفة، يستطيعون الخطابة في أي موضوع (حتى وإن كان "عزاء مَيِّت"! ) دون تحويله لحرب أهلية ضد المذاهب التي من نفس دينهم. ولا يستحي الفاجر منهم من مهاجمة المَيِّت ذاته ((كلمة نيافة اﻷنبا رفائيل في جنازة اﻷب مكاري يونان (مقطع فيديوي). )) -والذي لم يُدفن بعد ونعشه مازال بظهر المتكلِم- لكونه لم يشاركنا كراهيتنا للطوائف المنافسة، وأحب أصحاب المعتقدات الأخرى، وأطاع الله أكثر مما أطاع أساقفة الكراهيَة. هناك بحوث وكتب تاريخية مرعبة عن نشأة الحروب المذهبية والطائفية، قد لا يعلمها تلميذ إكليريكي متدرب، لكن ماذا عن محاضر وخريج قديم وكاهن عظيم ومسؤول وممحون ومتدين زحفطون وعضو مؤسس لجمعية "نحن بنات عائلات محترمات، عاشقات للقدر يضربنا سبنكات"؟ وماذا تكون الأصولية التكفيرية سوى إقناع الناس إن "رأيك" -الأصولي الصدامي- هو "عقيدة" أرثوذكسية و"إيمان" مقدس؟ كاهن عظيم قد رشّ الشيب على رأسه دون أن يعلم إنّ الفارق بين "رجل الدين" وبين "الإرهابي" هو فقط مسالة "توظيف" لتأثير الدين في النفوس؟ ((كل المسيحيين إيمانهم واحد، أرشبيشوب كيرلس كيرلس ينتقد خطاب اﻷب داود لمعي (مقطع فيديوي). )) ليس هناك مشكلة جادة في إن يكون لدينا كاهن ساذج ضحل المعرفة. في الحقيقة أنا معجب كثيرًا بشجاعته في إعلان حيرته الإنسانية وضعفه البشري، وإنه يفكر بصوت عال ويقول بصدق إنه لا يرى الفرق (المعلوم عند الفلاسفة) بين مصطلحين مختلفين، وكل اعتراضاتي إنه بنى علي "إنطساس نظره" بيوتا وأبراجا محفوفة بالخطر هو -كساذج- ﻻ يدرك تبعياتها وتأثيرها وفادحة فواتيرها. "رجل الدين"، يعتبر العامة خطابه: "كلام الدين"... وعندما نقيم خطابه بأنه كلام جهل أو سطحية مدمرة، يعتبرنا العامة نهاجم الدين... ويكفرننا نحن ويتركنه هو... والأعجب إن الناس تحاسب الناس وتترك رجل الدين معتبره إياه "عبيط" أو "ميقصدش"، وكانه عيّل غير مسؤول عن كلامه وتوابعه الكارثية! ! يهبد رجل الدين كقروي نخّاع يهجص فيما يجهل... يهبد في التاريخ وفي الجغرافيا ويهبد في الميكروبيولوجي ويرزع في علم الاجتماع رزعًا مبينًا... كبسولات مبتسرة تناسب سرسجية التيك أواي وفتاوى عن الغيب صادرة عن مديوكر بكل ثقة ويقين لا أعلم كيف تأتيهم جرأة التقول به بغير مرجعية قوية. بالتأكيد لا يلحظ الفرق بين "الإيمان" وبين "الاعتقاد" لطالما يرى النسبية مجرد عدو غير مفهوم... فالاختلاف معه إذن قد يساويه بالاختلاف مع "داود" آخر برتبة "نبي"، وقد يساويه بالاختلاف مع الله شخصيًا، إذ لن يتسع العقل الأصولي لاستيعاب الفارق في درجات الثقة بين أقوال المسيح وأقوال أوغسطين أو حتى أقوال الكاهن المتهم في قضية آداب... سلطة الله تتساوى عنده مع سلطة البشر، فهي مسألة ثقة مطلقة غير نسبية، وليط يا حبيبي ليط علي كيف كيفك طالما طقم البساطة والمحن والزحفطونية المتواضعة -عدة الشغل- انت ظابطها كويس. رجل الدين سلطته ﻻ روحية وﻻ زمنية، رجل الدين سلطته أبوية... اﻷب لا يُحاسب... لا يُمس... لا يُرد عليه... اﻷب لا يُناقِش الأبناء كرجل يطرح رأيا على طاولة البشر، بل يصّرح تصريحات كمتحدث رسمي عن الله شخصيًا... يُكرم "تلييط" الأب الحنيّن الراعي العطوف الرحمّن الرحيم ذو الجلال والإكرام... والأسقف الذي يرأسه يعظنا عن سلطة الـ"حنيّنين" الكهنوتية... الناعمة بس شقية... وفي آخر الليل، يقتسموا غنائم عشوري ونذوري وطاعتي كحق مكتسب... ويدعون هذا الكهن: "سرا مقدسًا" عيني عينك، على أساس أن القبطي المعياري الأسمر هو أيضا لن يلحظ الفرق بين الكهن والكهنوت، ولن يطبق "من ثمارهم تعرفونهم" ((إنجيل متى 7 - 15 : 20. )) لانتفاء التفلسف والعقلية النقدية أو التدريب عليها... جزء يسير وثمن هين في مقابل الإطاحة بالرقابة الشعبية علي الكهنوت لأننا "مش عايزين صداع هنا". ومن أمن العقاب أساء البرطعة في حقول الرب المجانية. الذين يأتونكم بثياب الحملان، ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة! من ثمارهم تعرفونهم. هل يجتنون من الشوك عنبا، أو من الحسك تينا؟لا تقدر شجرة جيدة أن تصنع أثمارا ردية، ولا شجرة ردية أن تصنع أثمارا جيدة. كل شجرة لا تصنع ثمرا جيدا تقطع وتلقى في النار. فإذا من ثمارهم تعرفونهم. (المسيح كما رواه متى، الإصحاح 7 - 15 : 20) المشكلة التي تفزعني دوما هي الاستجابة الشعبوية من جحافل السرسجية والمريدين والاتباع وجموع الزومبي، والذين لا يرون في الاعتراف بالجهل المعرفي -في بداية الخطبة- سوى تواضعًا أخلاقيا حميدًا، ومن ثمَّ، جعلوا من الجهل فضيلة، يمكن أن يُبنى عليها "دين"، طالما صدرت من "رجل دين"، يمارس عمله اليومي، والمفترض إنه مؤهل له. وطائفة الزومبي الأرثوذكس، في مصر، كبيرة عن بقية الطوائف، وهاتك يا نشر في الصفحات الدينية تحت عناوين التعبئة والحشد وإعلان الحرب تجاه الآخرين: "داود لمعي يرد على الباستير سامح موريس"... هذا وقد قامت طائفة الهنود الحمر بدق طبول الحرب علي البروتستانت تحت زعم أن ده الكلام الأرثوذكسي المتين! بالطبع أي انغلاق في القناعات هو أرثوذكسية ثقافيا، لكن كيف نفهمهم أن هذا "حاجة تكسف"؟ تضخيمٌ أجوفٌ ﻻ يحتمل عراك الطوائف والكلام التكفيري الكبير. وبتقديري الموضوع في عقلية ضحلة مثل هذا الكاهن الزحفطون ((زحفطون: مفردة أدبية جديدة نشأت من تزاوج "الزحف" مع "البطون"، فأنجبا الزحفطون، وهو كائن نصف بشري يزحف على بطنه كلما تحدث. )) لن تتخطى محاولة مرتعشة لدعم أسقفه المرعوش في الهبد المقدس الذي قاله في جنازة كاهن مَيِّت، وهو مصمم على قتله من جديد معنويًا عن طريق قتل ذكراه... لكن من سيفهم هذا الكلام؟ من يقدر أن يعترف باستخدام الخطاب الديني في المكائد والكيد الطائفي والمذهبي، تاركًا فرصة لتصدير كراهيته وأمراضه واعتبار "الاعتراف بالجهل" قد صار يكفي لتحريك العقيدة الحربية للمواطن القبطي الأسمر الذي صار ينافس الهنود الحمر في الصياح والفشل؟ " إحنَا آسفين يا سامح! " " إحنَا آسفين يا أبونا مكاري! " --- ### تناول المرأة بين النجاسة والنعمة - Published: ۲۰۲۲-۰۱-۲٦ - Modified: 2025-02-02 - URL: https://tabcm.net/3858/ - تصنيفات: المرأة القبطية - وسوم: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية, بابا كيرلس عمود الدين, تناول المرأة, حواء, نجاسة المرأة, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية إن كنا ما زلنا نتكلم عن تطهير حسب العوائد اليهودية في العهد الجديد فنحن لم ننل بعد الخلاص بدم المسيح إن كنا مازلنا نتكلم عن تطهير حسب العوائد اليهودية في العهد الجديد فنحن لم ننل بعد نعمة الخلاص بدم المسيح. فشرائع التطهير في الناموس هي أمر مرتبط بفساد الخطية بالسقوط والموت وليس بنجاسة في خليقة الله في حد ذاتها، فخليقة الله طاهرة وهو لا يعمل أمرًا نجسًا أو دنسًا. فاعتبارات النجاسة وشرائع التطهير في ناموس العهد القديم تقصد أن تضع الإنسان دائمًا في حالة موقف من الخطية ونتائجها. لذلك أخدت شريعة العهد القدم موقفًا من النتائج المرتبطة بالخطية وسقوط الإنسان واعتبرتها تحمل نجاسة خاصة يجب على الإنسان تجنبها ومراعاة التطهر منها: 1- نجاسة اللحوم: لأن تناول اللحوم كطعام جاء بسبب عقوبة الخطية بالطوفان فلا يوجد طاهر ونجس في الطعام النباتي لأنه طعام الإنسان الأساسي من قبل السقوط ولكن في الحيواني فقط لأن السماح به جاء كنتيجة بعد الخطية والطوفان. 2- نجاسة الموت والبرص والجذام وذي السيل: لأن الموت والألم دخل للعالم بسبب الخطية - موتا تموت - وهو ما يُعتبر من أكبر نتائج السقوط بالإضافة للألم - شوكا وحسكا تنبت لك الأرض - والخطية الذي أدت لتشوه الطبيعة البشرية. 3- نجاسة المرأة: الأمور الخاصة بالحبل والولادة أيضا أصبحت مرتبطة بعقوبة الخطية عندما عاقب حواء بالوجع تحبلين وتلدين (تكوين 3). والقديس كيرلس السكندري يفسر سبب شريعة تطهير المرأة في العهد القديم هو أن بالولادة المرأة تغذي البشرية بالفساد الذي هو الموت - نتيجة الخطية - لأنها تلد أولادا تحت حكم الموت، لذا اعتُبِرت فترة الولادة والطمث مرتبطة بنجاسة الخطية وحكم الموت. وهو ما انتفى بالخلاص في العهد الجديد بالولادة الثانية من الماء والروح التي بها صرنا مولودين من الله. وهذا قصد الشريعة: أن الإنسان في كل الأمور المرتبطة بالسقوط ونتائجه - اللحوم والولادة والموت والبرص والجذام والسيل... إلخ - يقف في حالة المُدان غير المستحق أمام الله ويؤكد دائمًا على حاجته للتطهير من الخطية التي تسببت في هذه النتائج. هذه الأمور هي ما قام المسيح برفعها عنا بالفداء والقيامة إذ صنع بنفسه تطهيرًا لخطايانا فلم نعد تحت حكم هذه الشرائع لأن المسيح أكمل العمل. فلم تعد نجاسة في الطعام الحيواني ولا في الموت الذي صار مجرد انتقال لنا وبوابة العبور للسماء. لأن في العهد القديم كنا تحت الناموس أما في الجديد فقد ظهر بر الله بدون الناموس ونحن تحت النعمة. فهل حياة المسيح في التناول من جسده ودمه تتأثر بالموت أو المرض أو بأي ضعف جسدي أم هي التي تؤثر فيه بالحياة والغفران؟! هل ما يُعطى لمغفرة الخطايا يعطله أمر جسدي طبيعي؟! لذلك بالنسبة للناموس نحن فقط مطالبين بما حدده مجمع أورشليم: إِذْ قَدْ سَمِعْنَا أَنَّ أُنَاسًا خَارِجِينَ مِنْ عِنْدِنَا أَزْعَجُوكُمْ بِأَقْوَال، مُقَلِّبِينَ أَنْفُسَكُمْ، وَقَائِلِينَ أَنْ تَخْتَتِنُوا وَتَحْفَظُوا النَّامُوسَ، الَّذِينَ نَحْنُ لَمْ نَأْمُرْهُمْ... ... لأَنَّهُ قَدْ رَأَى الرُّوحُ الْقُدُسُ وَنَحْنُ، أَنْ لاَ نَضَعَ عَلَيْكُمْ ثِقْلاً أَكْثَرَ، غَيْرَ هذِهِ الأَشْيَاءِ الْوَاجِبَةِ: أَنْ تَمْتَنِعُوا عَمَّا ذُبحَ لِلأَصْنَامِ، وَعَنِ الدَّمِ، وَالْمَخْنُوقِ، وَالزِّنَا، الَّتِي إِنْ حَفِظْتُمْ أَنْفُسَكُمْ مِنْهَا فَنِعِمَّا تَفْعَلُونَ. كُونُوا مُعَافَيْنَ. (أعمال الرسل) لأن تلك الأمور الأخرى اكتملت بالخلاص في العهد الجديد. فلماذا يتمسك البعض فقط بتطهير المرأة في وقت الطمث والولادة؟ في نفس الوقت الذي يتحررون به من باقي التزامات الطهارة والنجاسة! ! لذلك يشرح القديس يوحنا ذهبي الفم ويشير إلى أن الأمور المتعلقة بتطهير المرأة من جهة الولادة ليست مطلوبة منا الآن بل قد تحولت إلى الروح، قائلًا: إن الله هو الذي خلق الولادة وبذرة الجماع. فلماذا إذا تصبح المرأة غير طاهرة؟إلا إذا كان يقصد أن يشير لأمر ما. ما هذا الأمر؟ إنهقصد أن يجعل التقوى في النفوس ويردعها عن الفجور. لأنه إن كانت التي تلد طفل  غير طاهرة، فكم بالأكثر تلك التي ارتكبت الزنا. وإذا كان الاقتراب من الزوجةأمرًا ليس نقيا بالكلية، فكم بالأكثر معاشرة زوجة رجل آخر. وإذا كان من يحضر جنازة نجس، فكم بالأكثر من يتورط في الحرب والذبح. وأنواع كثيرة من النجاسةيمكن أن نجدها. ولكن كل هذه الأمور ليست مطلوبة منا الآن، بل كلها تحولت إلى الروح. (القديس يوحنا ذهبي الفم، العظة الثالثة على الرسالة إلى تيطس ) لذلك علينا أن نفهم أن الناموس مؤدبنا للمسيح كما قال القديس بولس. فكل شريعة الناموس هي رمز وإعداد للخلاص فإن كنا ما زلنا نتكلم عن تطهير حسب العوائد اليهودية في العهد الجديد فنحن لم ننل بعد الخلاص بدم المسيح. سفر اللاويين 11سفر اللاويين 21سفر اللاويين 13-15سفر اللاويين 12كتاب "العبادة والسجود بالروح والحق" للقديس كيرلس السكندري - المقالة 15، الناشر: مؤسسة القديس أنطونيوس - المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائيةسفر أعمال الرسل 15العظة الثالثة على الرسالة إلى تيطس للقديس يوحنا ذهبي الفم، http://www. ccel. org/ccel/schaff/npnf113. v. v. iii. html --- ### أسطورة القرعة الهيكلية
(٥) إعادة السعي - Published: ۲۰۲۲-۰۱-۲۵ - Modified: 2024-12-27 - URL: https://tabcm.net/3867/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, شئون علمانية - وسوم: أنبا أثناسيوس، مطران بنى سويف والبهنسا, أنبا باخوميوس، مطران البحيرة, أنبا سيرابيون، مطران لوس أنجلوس وجنوب كاليفورنيا وهاواي, أنبا صموئيل، أسقف الخدمات, الأب متى المسكين, القرعة الهيكلية, الكرسي المرقسي, الكنيسة القبطية, المجلس الملي, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس الخامس, بابا كيرلس السادس, بابا يوساب الثاني, قديس أثناسيوس الرسولي, مينا بديع عبد الملك بت متيقنًا أنني افتقد للكثير من مهارات الكتابة وأدواتها، فما يبدو لي من رد صديقي بيشوي القمص علي مقالي الأخير، أن المقال قد حوى خللًا جسيمًا في قدرتي وأن كل مقاصدي قد غارت سحيقًا، فأتي رده علي ما لم اقصده نهائيًا، وما لم يخطر ببالي وقت الكتابة. وإن كان الحال هكذا مع كاتب متمرس بحجم صديقي، فما بال القارئ العادي! سيكون هذا المقال محاولة لإجلاء ما قد اعتراه الغموض في مقاصدي، ولنعد إلي مقال صديقي الأخير: يقول الصديق : أوّد أن أوضّح هنا أن شخص د. “عبد الملك” ليس محل النقاش، وأنا شخصياً لا أتفق مع د. “عبد الملك”، الذي أكن له كل الاحترام والتقدير، في العديد من المواقف السياسية والكنسية، لكن هذا لا يمنع، بل ومن المنطقي، أن أستخدم مذكرات د. “عبد الملك” التي تخدم الفكرة التي حاولت أثباتها في مقالي، حتى لو اختلفت معه في نواحي أخرى كثيرة، ولو أتيحت لي دراسات أو مقالات مشابهة تخدم الفكرة التي أحاول إثباتها، لكنت استخدمتها على الفور. وأتفق تمام الاتفاق أن مصداقية د. "عبد الملك" لم تكن أبدا محلا للنقاش، و لكن هل يستقيم أن يكون د. "عبد الملك" هو المصدر الوحيد الذي اعتمد عليه الكاتب لسوق أسانيده في مسألة ظنية محفوفة بالخطورة مثل انحياز الأنبا باخوميوس القائمقام للأنبا تواضروس؟ يقر كاتبنا بعدم وجود دراسات أو مقالات مشابهة تخدم إثبات الطعن ويقول: "ولو أتيحت لي دراسات أو مقالات مشابهة تخدم الفكرة التي أحاول إثباتها، لكنت استخدمتها على الفور"، وهنا أيضا أنا اتفق تمامًا، بل وأجده واجبا، فأني له أن يجد مصدرًا آخر. لا نستطيع قبول مصدر وحيد لهذا الاتهام الضميري، حتي وإن تغاضينا عن معاناته من الـ"conflict of interest"، ببساطة لأننا لا نرى السياق الكامل الذي قيلت فيه الجملة المحورية: "وأهل إسكندرية رأيهم إيه في اللي عندنا"، فإن كنا قد استبعدنا سبق التخطيط لهذا الأمر بشهادة د. "عبد الملك" نفسه، فلابد أن الجملة قد تولدت من النقاش الذي لم نراه واضحًا في بضع وخمسين مقالًا، يكتبها شخص منفرد وظاهر الانتقائية، إذن الاحتمالات كثيرة و مفتوحة لما قصده نيافة الأنبا باخوميوس، لا يمكن الجزم بصحة أيهن. تحت عنوان "الاعتراضات القانونية"، يقارن صديقي "بيشوي" بين انتخابات ٥٩ والانتخابات الأخيرة، والواقع أن البون شاسع: تبرير تجاوز وتغاضي القائمقام عن الشرط الأهم في المرشح، وهو ألا يكون أسقفاً، هو تبرير غير مقبول، هل تلك الظروف والمؤامرات التي أحيكت بعد نياحة الأنبا شنودة تفوق مثيلتها التي كانت وقت نياحة البابا يوساب الثاني، ووجود ما عرف بمراكز القوى داخل الكنيسة القبطية متمثلين في الحاشية البطريركية وسكرتير البطريرك الراحل “ملك”، ورغبته في تولي بطريرك ضعيف لا يستطيع عزله من منصبه، وتفشي السيمونية والفساد وسطوة رجال الحرس القديم التابعين للبطريرك الراحل الأنبا يوساب الضعيف؟ فبعد نياحة البابا يوساب، كانت الكنيسة مثخنة بجراح عميقة، وعزي السبب إلى تعاقب ثلاثة من مطارنة الإيبارشيات علي الكرسي المرقسي، ولم يكن أحدا من الأساقفة يرغب في تكرار التجربة المريرة، بالإضافة إلى زهدهم الشخصي وهم آخر عهدنا بهذه النوعية المباركة من الأساقفة (إلا من رحم بنا). أما عن الحديث عن نفوذ للسيد "ملك"، الذي انقطعت صلته بالمكتب البابوي بمجرد نفي البابا يوساب إلى الدير، وتولي اللجنة الثلاثية لإدارة الشئون الكنسية، أو غيره، فهو حديث استغربه بشدة، باختصار لأن السيد "ملك" لم يكن يملك ترشيح نفسه أو غيره للبابوية. أما الحال بعد نياحة البابا شنودة، فسأكتفي بتكرار الجملة التي ذكرتها سابقا : نيافة القائمقام تعامل مع: 1)لائحة تجيز ترشح الأساقفة، 2) وتم رفض تغييرها في أثناء حبرية البابا شنودة، 3)ولا يمكن تغييرها في أثناء خلو الكرسي، 4) ومع أساقفة اعدوا انفسهم فعليا للخلافة. و ربما لا يعلم صديقي بيشوي، أن هناك محاولات قد جرت لمنع ترشح الأساقفة وديا، قادها نيافة الأنبا سيرابيون مطران "لوس أنجلوس" مع عدد أخر من الأساقفة، أسفرت عن تراشقًا كبيرًا، و تجييشًا واسعًا لكهنة إيبارشيات بعينها. مرة أخرى، عدم القانونية هو أن تعطل -بفرض الاستطاعة- لائحة قانونية قائمة ومطبقة سلفا وأتت بالبابا شنودة الثالث نفسه، ونيافة القائمقام قد أدار عملية محفوفة المخاطر في ظل لائحة معيبة، وكانت النتائج باهرة، ولا أري داعيا لإضافة المزيد. تحت عنوان "الاعتراضات الانحيازية"، يفند صديقي الموقف الذي أوردته سابقا من تماثل دفع الأنبا أنطونيوس باسم الراهب مينا البراموسي، بإبداء الأنبا باخوميوس رغبته في ترشح الأنبا تواضروس (الأنبا تواضروس حصل علي تزكيات عديدة للترشح من أساقفة آخرين) يستعرض م. “رجائي” واقعة مقاربة تاريخياً (وبرأيي لا تصل لحد التماثل)، عندما زج الأنبا أثناسيوس القائمقام، باسم الراهب مينا البراموسي في قائمة الترشيحات النهائية للانتخابات الباباوية وكانت تخلو من اسمه، تلك الانتخابات التي أسفرت عن فوزه ليصبح البابا كيرلس السادس، ولم يتهم أحد وقتها نيافة القائمقام بالانحياز. موافقة الأنبا أثناسيوس القائمقام على إدراج الراهب مينا البراموسي كانت تحت ضغط شيوخ الكنيسة وكبار السن، الذين اعترضوا على صغر سن المرشحين الثلاثة الشباب، فأصروا على إدراج مينا البراموسي بوصفه المعلم والقائد الروحي لهؤلاء الشباب، وليس لرغبة شخصية من القائمقام الأنبا أثناسيوس، ولم يُعرف وجود أي دالة مميزة تجمع بين الأنبا أثناسيوس والراهب مينا المتوحد قبل الانتخابات، وبذلك ينتفي أي أتهام بالانحياز، ويفسر لماذا لما يتهمه أحد وقتها بتلك التهمة. ولكنه يستخدم معلومات غير صحيحة تاريخيا للتفنيد. يقول أن الدفع بمينا البراموسي كان ضغطا من شيوخ الأساقفة، لمواجهة ترشح الرهبان الشبان: مكاري السرياني، أنطونيوس السرياني، ومتي المسكين، بصفته معلمهم ومرشدهم، ويغيب عن صديقي أن هذه الأسماء لم تكن مطروحة أصلا في هذه الانتخابات لعدم انطباق اللائحة عليهم، وأن الخمسة المرشحين كانوا شيوخا وهم: القمامصة: دميان، تيموثاوس، وأنجيليوس المحرقيين، مينا الأنطوني، ومينا البراموسي. أما الأنبا أثناسيوس القائمقام فقد كانت تربطه معرفة وثيقة بالقمص مينا البراموسي وتقديرًا كبيرًا له. عمومًا ما قصدته في مقالي السابق، أن كلا الـ"قائمقام"ـين قد امتلكا رؤية ثاقبة وشفافية ملائمة (ولن أقول إلهامًا سماويًا أو إرشادًا روحيًا، فقط احترامًا لقارئ قد يرى أن تدخل الرب غير وارد، حتي لو كانت الأشياء تعمل معا للخير) وقد أسفرت عن اختيار الأفضل للكنيسة. تحت عنوان "الاعتراضات الشخصية"، يقول صديقي أن قرار الانسحاب كان جماعيًا شمل مؤسسة الأزهر، وكل القوي المدنية وكل الكنائس، وعلى ما أعتقد فهو هنا يخلط بين الجمعية التأسيسية الأولي، التي ولدت ميتة، وصدر حكم من الدستورية العليا بحلها، وكان انسحاب الأزهر لضعف التمثيل وتخصيص مقعد وحيد له، يخلط بين هذه التأسيسية وبين الانسحاب من الجمعية التأسيسية الثانية، والذي كان قرارًا منفردًا للكنيسة المصرية. وهو أيضا يرى أن القرار كان قرار الأنبا باخوميوس القائمقام، وليس قرار البابا تواضروس، وأود هنا أن اهمس في أذنه مذكرًا أن قداسة البابا كان يمارس عمله منذ لحظة إعلان نتيجة القرعة في ٤ نوفمبر، وأن لقداسته تصريحات إعلاميه، سبقت الانسحاب، يعلن فيها أنه لن يقبل دستورًا يفرق بين المصريين، أو يحد من حرياتهم ((وكالة فرانس24، الكنائس المصرية تنسحب من لجنة صياغة الدستور عشية تنصيب البابا تواضروس. )). أما عن رفض حضور احتفالية تسليم مسودة الدستور لرئيس الجمهورية، فأرى أيضا أنه كان موقفًا فريدا للكنيسة، ولم نسمع وقتها أن أيا من القوي قد شاركت الكنيسة فيه، وهو مما لا شك فيه سعد واحدًا من أقوي المواقف في تاريخ الكنيسة المصرية والكرسي البابوي، وبزعمي لا يماثله إلا دعم البابا كيرلس الخامس للثورات المصرية، حتي توجت بثورة عام ١٩١٩. وأعتقد صادقا إياك القول، بأن التاريخ سيقف بكل إجلال واعتبار لهذا الموقف، والذي كان الإرهاص الأهم للتخلص من الحكم الثيوقراطي. في الخاتمة، تقاطعنا في حوارنا في هذه السلسلة حول الكثير من الأوضاع الكنسية التي تحتاج إلي نقاشًا قبطيًا واسعًا، وهي ملفات مفتوحة ونازفة، لعل منها: - لائحة انتخاب البطريرك (هل من تعديل جديد؟) - الأسقف العام (هل لا يزال ضروريًا؟) - تعهدات الأسقف (الصيغة الحالية، هل هي كافية؟) - المجلس الملي (هل تجاوز الزمن صيغته؟ وما البديل؟) ولربما يتبني كتاب الموقع هذه الملفات في قادم الأيام. --- ### "مكاري يونان" بين المرقسية وقصر الدوبارة - Published: ۲۰۲۲-۰۱-۲٤ - Modified: 2023-09-16 - URL: https://tabcm.net/3775/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, مقالات وآراء - وسوم: أنبا بيشوي، مطران دمياط وكفر الشيخ, أنبا رفائيل، أسقف وسط القاهرة, أوريجينوس ليونايدس أدامانتيوس, الأب داود لمعي, الأب متى المسكين, الكنيسة الإنجيلية, المركز الثقافي القبطي, بابا ثاؤفيلس الأول, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس عمود الدين, باسيليوس الكبير، أسقف قيصرية الكبادوك, بروتستانت, چورچ حبيب بباوي, سامح موريس, قديس أثناسيوس الرسولي, مكاري يونان, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية أتخيل نفسي لو كنت أعيش عام 400 م، كيف كنت سأتعامل مع حرمان ذهبي الفم من فم البابا البطريرك؟ هل كنت سأفكر في الأمر بحيادية وأقرأ كتبه قبل أن أحكم أم كنت سأردد ما أسمع كالببغاوات "ذهبي الفم محروم محروم ومهرطق"؟ وكيف نتعامل اليوم مع متى المسكين وجورج بباوي وغيرهم؟ رحل القس مكاري يونان كاهن الكنيسة المرقسية بعد خدمة أربعة عقود حظي فيها بشعبية واسعة بين المسيحيين في مصر من مختلف الطوائف والملل. لم تكن خدمة الأب مكاري سهلة على الإطلاق؛ فرغم الشعبية الشديدة التي حظي بها، لم ينل رضاء العديد من الأساقفة الذين حاولوا محاولات حثيثة لقلب الشعب ضده. ولذلك، لم يحصل على درجة "قمص" على الرغْم من استحقاقه لها. فمناداته بوحدة الكنائس وخدمته في مجموعة "حبة الخردل" التي جمعته مع صديقه القس الإنجيلي "سامح موريس" كان لها ثمنها الذي دفعه راضيًا. "أخطر حاجة بتواجهنا ككنيسة إن البروتستانت بدأوا يلبسوا عمم سودة ويتسللوا إلى الكنيسة. فالكاهن من دول يعمل الاجتماع ويلاقي البروتستانت بيزيدوا فيخاف يقول تعليم أرثوذكسي لا عدد الحاضرين يقل. "(البابا شنودة الثالث، محاضرة الشركة مع الله، 24/4/1991) (لا أعلم كيف، فالبروتستانت هم الأقل عددًا من الأرثوذكس وليس العكس! ) وإخراج البروتستانت للشياطين كان أمرا مرفوضا تمامًا بالنسبة للبابا المتنيح، وحين سألته سيدة في الاجتماع عن قسوس الكنيسة الإنجيلية واجتماعات إخراج الشياطين قال: "أحيانًا الشيطان بيخرج على يد واحد عقيدته فاسدة عشان يشكك الناس في العقيدة الصحيحة. خديها من متى ٧ لما المسيح قال للي أخرجوا شياطين أنا لا أعرفكم. "(البابا شنودة الثالث – 25/12/1995) أما الأنبا بيشوي مطران كفر الشيخ الراحل فقد شن ضد القس مكاري يونان حربًا طويلة، وقال صراحة عنه إنه "دجال" و"خمسيني" ويصنع معجزاته المزعومة بالاتفاق المسبق (مقطع1 – مقطع2). وكان للأب مكاري سجالًا طويلًا مع الأنبا رفائيل أيضًا. فقد اتهمه الأسقف بأن "تعاليمه شيطانية وأن شعبيته لا تعني شيئا؛ فآريوس قد تبعه الكثيرون، أما أثناسيوس فوقف ضد العالم.   والعقيدة لا جدال فيها، ويجب أن نتحول إلى أسود ووحوش بقرون للدفاع عنها. " (مقطع3). وهو ما رد عليه الأب مكاري قائلًا إن التحول إلى وحوش من أجل العقيدة لا يفرق عن الجهاد الإرهابي في شيء (مقطع4). اشتكى الأب مكاري كثيرًا من هذه الحرب واستمر في الدفاع عن إيمانه الأرثوذكسي في عظاته دون ذكر أسماء من وجهوا له تلك الاتهامات. وفي رحيله، لم تنته الخصومة كما كان يجدر بها أن تنتهي. فقد ترأس الأنبا رفائيل الجناز، ولاحظ الكثيرون أنه لم يتحدث عن الراحل إلا بجمل قصيرة استهل واختتم بها عظته التي كانت بعنوان كرامة الكهنوت والتي تحدث فيها عن سلطان الكهنة على البشر، وقال إن بدون الكهنة، لا معمودية (أي لا دخول في الإيمان). كما قال أيضًا إن الكاهن ليس بشخص عادي وله سلطان مختلف. وهو عكس ما كان يعظ به الأب مكاري؛ فهو كان يعلم بقبول معمودية الطوائف الأخرى، وبسلطان جميع المؤمنين على فعل الأعمال التي عملها المسيح. لم تكن العظة موفقة على الإطلاق (مقطع5)، فربما كان ينقصه أن يختتم عظته قائلًا: وهذه دعوة للبروتستانت الحاضرين في العزاء بالتوبة. اعتلت عيون الحاضرين نظرة اندهاش وحاولوا ابتلاع استنكارهم إلى أن انتهت العظة. نالت العظة انتقادات كثيرة؛ لأن الحديث في مواضيع جدلية ليس مكانه العزاء الذي ينبغي أن يقوم على تعزية الأهل وإكرام شخص المتوفى، لا أن نعظ عن مواضيع عامة كما لو كنا في أي اجتماع عادي. فتخيل أن تذهب إلى جنازة مدرس وتجد الواعظ يتحدث عن دور التعليم في الحياة! دفعت تلك الانتقادات صفحة المركز الثقافي القبطي لنشر صورة الأنبا رفائيل مع ابنة القس مكاري وهو يواسيها، مصحوبة بتعليق "لقطة للأبوة بألف عظة". كما تجاهلت قناتا سي تي في وأغابي الحدث. بعد صلاة الجناز أعلنت كنيسة قصر الدوبارة الإنجيلية إقامة حفل وداع لتكريم الأب مكاري، ودعت الأسرة ومحبيه للحضور. وفي الحفل، تحدث القس سامح موريس في عظة بعنوان: "دروس من حياة الأب مكاري يونان" عن الصعاب التي واجهها الأب الراحل في أثناء خدمته بسبب علاقته مع الكنيسة الإنجيلية، مشيرًا إلى أنه لم يتنصل من عقيدته الأرثوذكسية كما اتهمه البعض، كما ألقى عظة أخرى تحت العنوان نفسه في اجتماع الشباب. وألقى حفيد الراحل كلمة عن جده. كما قدم د. شادي جورج شعرا عنه، ورتل الفريق تراتيل الأب مكاري الشهيرة. أما الأب داود لمعي فلم يعجبه ما جاء في عظة سامح موريس عن الفرق بين الإيمان الواحد والعقائد المتباينة التي يختلف عليها أصحاب الإيمان الواحد، وقال بكل بساطة إنه لا فرق بين الإيمان والعقيدة وهكذا تسلمنا العقيدة مع الإيمان منذ ألفي سنة. ولا أعرف كيف تكون العقيدة ثابتة على مر العصور؟ فمن المعروف أن الآباء قد اختلفوا كثيرًا بعضهم البعض، كما أن الطقوس والأسرار قد شابها الكثير من التطور والتنقيح. فكما يعرف دارسو التاريخ الكنسي أن سر الاعتراف إلى الكاهن —الذي دخل إلى الكنيسة في القرن الرابع على يد باسيليوس الكبير— كان يتم في العلن قبل ذلك؛ لأن الإنسان لا يخطئ إلى الله فقط ولكن إلى المجتمع ككل. وفي العصور الوسطى (ما بين القرن الحادي عشر والثالث عشرة)، سمحت الكنيسة بإجراء السر بين المؤمن والله دون إعلام الكاهن بأن يتعرف المصلي بأخطائه لله عند مرور الكاهن بالشورية خلال القداس. وهناك العديد من الآباء الأجلاء ممن حكم عليهم بالهرطقة في زمنهم، لعل أهمهم هو القديس يوحنا ذهبي الفم الذي حُرم من فم البابا ثاؤفيلس (385 - 412 م. ) بسبب مشكلة الإخوة الطوال (أتباع أوريجينوس، الذي حُرم هو الآخر). تنيح ذهبي الفم في المنفى، واليوم، لم يعد محرومًا ولا مهرطقًا بل من أهم آباء الكنيسة. فبعد تولي البابا كيرلس الكبير كرسي ما رمرقس، تغيرت النظرة إلى ذهبي الفم الذي حُكم عليه ظلمًا بالهرطقة بسبب مشاحنات شخصية مع البابا ثاؤفيليس. فكيف نتحدث عن الكنيسة باعتبارها جامدة لا تتطور ولا تختلف حول العقيدة! فحتى تحيزاتنا الشخصية تؤثر على العقيدة في أحيان كثيرة! أتخيل نفسي لو كنت أعيش عام 400 م، كيف كنت سأتعامل مع حرمان ذهبي الفم من فم البابا البطريرك؟ هل كنت سأفكر في الأمر بحيادية وأقرأ كتبه قبل أن أحكم أم كنت سأردد ما أسمع كالببغاوات "ذهبي الفم محروم محروم ومهرطق"؟ وكيف نتعامل اليوم مع متى المسكين وجورج بباوي وغيرهم ممن ألصق بهم البابا ال117 تهمة الهرطقة؟ هل نفكر وندرس كتبهم؟ هل من الوارد أن يكون حرمانهم بسبب أمور أخرى غير العقيدة كمعارضتهم لخلاف البابا مع السادات مثلا؟ أما تسطيح التاريخ واختزاله بهذا الشكل فلم يعد يتوافق وعصرنا الحالي بسبب الثورة المعلوماتية التي يتميز بها. فشباب اليوم لديه من الوعي ما يكفي ليعرف تاريخ كل العقائد وكيف اختلف الآباء حولها. وكم هو معثر أن تعلم الكنيسة الشعب أن العقيدة لا تتطور ليصدموا بقراءة التاريخ واكتشاف العكس. أليس من الأفضل أن تقول لهم الكنيسة بصراحة بدلا من أن يعرفوا من الخارج؟ أتذكر ذلك الشاب الذي حكى لي عن صراعه وتفكيره في ترك المسيحية بعد اكتشافه لاختلافات الآباء قائلا: "أنا مكنتش أعرف بالتناقض ده، وكنت فاكر العقيدة ثابتة مش بتتغير كل شوية حسب رأي كل واحد". فهذا الشاب قد تربى منذ نعومة أظافره على الفكر الأصولي المتطرف الذي يساوي بين الإيمان والخلافات التفسيرية. بالطبع، لو وجد هذا الشاب من يقول له إن الآباء قد اختلفوا في أفكار وتفسيرات بعيدة عن صلب الإيمان لما صدم لهذه الدرجة؛ فهو لا يعرف الفرق بين لب الإيمان وما يحيط به من اجتهادات بشرية. أما عن خدمة القس مكاري لإخراج الشياطين وشفاء المرضى، فقد تضاربت الآراء حولها أيضًا، فصراع العلم والإيمان المعهود قائم منذ قرون ولن ينتهي إلا بانتهاء الدهر. بشكل شخصي، أؤمن بوجود كائنات روحية لها حرية الاختيار بين الخير والشر والقدرة على الإيذاء والضرر، كما هو الحال مع الكائنات الأرضية. وأؤمن بوجود معجزات، ولا أرى أن ذلك يتنافى مع العلم في شيء — إن آمنا بوجود إله أعلى من الطبيعة. وأرى أن العالم الروحي أعمق بكثير من أن نعلم كُنهه بشكل كامل. وحتى العالم المادي ليس معروفًا كليا بالنسبة لنا، فكيف نجزم بعدم وجود شياطين وكأننا ذهبنا في رحلة إلى العالم الآخر وعدنا لنحكي ما شهدناه ونتهم كل من يعلم بوجودهم وتأثيرهم بالشعوذة والدجل؟ ومن ناحية أخرى، لا تعني معجزات إخراج الشياطين في الكتاب المقدس وجود شياطين بالمعنى الحرفي (أي كأشخاص، وأجناد، ورتب). وثمة مسيحيون وآباء لم يؤمنوا بوجود شياطين بالمعنى الحرفي، بل بوجود الشر بشكل عام كنتيجة لغياب الخير. (كما هو الحال مع النور والظلام). وفي وقت المسيح، لم يعرف البشر علم النفس الذي ظهر مع فرويد في القرن العشرين. ولذلك، من الطبيعي أن يترجموا أي مشكلات نفسية مثل ازدواجية الشخصية، والجنون، والصرع، والضلالات على أنها مس شيطاني. فربما هكذا رأي الرسل المرضى المعذبين بمشاكل نفسية، فصلوا لكي تخرج هذه الأمراض منهم باعتبارها أرواح شريرة، واستجاب الله وأبرأ المرضى من مرضهم دون شرح طبيعة المرض لهم لأن ذلك لا يهم، وبعيد عن استيعاب العقل. وليس الكتاب المقدس بكتاب علمي ليعطي تفسيرات علمية لكل مرض. لذلك، إن كنا لا نؤمن بوجود مس شيطاني، لا ينبغي أن نتسرع في الحكم على القس مكاري وغيره بالدجل. فهو يرى الأمر من منظور كتابي بسيط دون تعقيدات أخرى. فرجل الدين يترجم المرض على أنه مس روحي، والطبيب يترجمه على أنه مشكلة عصبية. وفي نهاية الأمر، سواء كان هناك مس شيطاني أم لا، لا ينبغي أن نركز على الشيطان ونعطيه أكبر من حجمه. يكفي أن نركز على الله وسلطانه. وبشكل شخصي، لا أعلم إذا كان للسحر وإبرام التحالفات مع الشيطان التي نسمع عنها مفعول حقيقي أم لا، ولا أعلم هل يمكن أن يمس الشيطان بعض الناس ويتحكم فيهم بهذا الشكل أم لا. ولدي تساؤلات حول الأمر، ولا أصدقه بشكل كامل. ورجوعًا للأب مكاري، يكفيه أنه عاش كارزًا بالمسيح ورسالته كانت الحب والانفتاح على الآخر. ويكفيه أننا لم نسمعه يتحدث بالإساءة عن أحد طوال حياته. ورغم أني لم أكن من متابعيه، ولم ترق لي الكثير من أراءه وعظاته، لكنني رأيت فيه شيء مختلف. ويكفيه أنه كان يرفض التمجيد الشخصي وإكرام الناس. بالطبع، لم يخلُ الأمر من الانحرافات الشعبوية؛ فبعض الأقباط تعاملوا معه وكأنه ساحر ينبغي أن يحقق لهم أمنياتهم، فتجد من تضع المياه المقدسة للدجاجة لكي تُشفى، ومن يلقي بالدواء جانبًا ويكتفي بوضع المياه أمام شاشة التلفاز في أثناء الاجتماع، بالإضافة إلى التبرك من القس مكاري خلال عبوره، ونسيان أن صلاة الإيمان هي التي تشفي المريض. التقيت بمن صلوا معه وشفيوا وبآخرين ممن لم ينالوا الشفاء؛ لأن الأمر ليس مرتبطًا به بقدر ما هو مرتبط بإرادة الله وبالإيمان؛ الله لن يمنعك من نوال الشفاء لأنك لمن تجد قديسًا يصلي لك. ولا أنكر وجود الدجل باسم المسيح، وانتشاره في الكنائس (وبالأخص في الغرب) كالمرض العضال، لكنني فقط أدعو إلى الإنصاف والفحص قبل إصدار الأحكام. كما أدعو إلى التعقل في التعامل مع صانعي المعجزات باعتبارهم بشر لهم أخطائهم ونواقصهم. وصنع المعجزات ليس هو العلامة الفارقة على القداسة – بل الحب والاتضاع.   اقرأ أيضا:   --- ### خواطر في تفسير إنجيل يوحنا
الإصحاح الثالث (١) - Published: ۲۰۲۲-۰۱-۲۳ - Modified: 2022-02-26 - URL: https://tabcm.net/3683/ - تصنيفات: كتاب مقدس ”1 كان إنسان من الفريسيين أسمه نيقوديموس، رئيس لليهود. 2 هذا جاء إلى يسوع ليلا وقال له: « يا معلم، نعلم أنك قد أتيت من الله مُعَلِّماً ، لأن ليس أحد يقدر أن يعمل هذه الآيات التي أنت تعمل إن لم يكن الله معه ». مسحنة العالم بالمسيح : تتكلم الآيات عن شهادة نيقوديموس، وهو أحد كبار معلمي اليهود، عن المسيح يسوع ربنا أنه ” أتي مِن الله“ بدليل أن ” الله معه “. 
- فأقتربت هذه الشهادة من حقيقة تدبير الخلاص بتجسد المسيح ”الله الذي ظهر في الجسد“ (١تيموثاوس:٣) من حيث أن الله بالتجسد الإلهي دخل وأتحد بطبيعة الإنسان ليكون مع وفي الإنسان - أولاً من خلال يسوع أبن مريم : ”هذا كله كان لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل « هوذا العذراء تحبل وتلد ابنا، ويدعون اسمه عمانوئيل » الذي تفسيره الله معنا“ (متي١). - و في أقوال كثيرة ومواضع عديدة، أكد الرب تلك الحقيقة بأن المسيح يسوع ”أتي مِن الله“بهذا المفهوم ولهذا الغرض: ”أنا والآب واحد . . الله لم يره أحدٌ قط . . الأبن الوحيد ( المسيح ) الذي هو في حضن الآب هو خبَّر“. - إن بشرية الإنسان الساقطة تجددت بتجسد المسيح الإله بولادته منها واتحاده بها. وبذلك فإن المسيحية ليست كلام عن الله ولكنها اتحاد به علي مستوي الحق والحقيقة. إن المسيح هو ”الطريق“ للإنسان ليتحد بالله من خلال الطبيعة البشرية التي تجسد فيها ثم صعد بها مطهَّرة إلي مسقط رأس الإنسان في السماء بعد أن صار الإنسان ”مِن“ الله، وليس مِن تراب الأرض كما كان أبونا آدم. - لذلك فإن المسيحية ليست أيديولوجية وفكرة ينتج عنها اقتناع عقلي يمكن أن يلغيه فكر آخر، بل هي طبيعة جديدة نلبسها فوق طبيعتنا القديمة. وعندئذ يشير الكتاب المقدس إلينا أننا نصر”هياكل الله وروح الله يسكن فينا... ها ملكوت الله داخلكم“. إن الإنسان المسيحي صار، وبسبب التجسد الإلهي مسكن الله الواحد الثالوث الآب والإبن والروح القدس. - إن تغيير كينونة الإنسان بالاتحاد في المسيح يسوع، يجمعنا نحن المؤمنين بالمسيح في كينونة جسده. هذا هو ما يشير إليه الكتاب أن الكنيسة صارت أمتداد جسد المسيح المولود في بيت لحم، عبر الزمان ”وأما أنتم فجسد المسيح، وأعضاؤه أفراداً“ ( ١كور١٢). هكذا صرنا مسيحاً للعالم تنطبق علينا شهادة نيقوديموس ” أتينا مِن الله... والله معنا “. ولذلك قال المسيح له المجد عن المسيحيين ” أنتم ملح الأرض“ وصار كل مسيحي أتحد بالمسيح بركة للعالم والأرض علي مدار التاريخ وإلي قيام الساعة . . وتمسحن العالم بالمسيح بواسطتنا. بنوة المسيح للآب وبنوة المسيحيين للآب: إن إجابة الرب يسوع المسيح علي شهادة نيقوديموس كانت بإعادة صياغة ما قاله ” أتيت مِن الله“ فأستخدم تعبير” يُولَد مِن فوق “: 3" أجاب يسوع وقال له : «الحق الحق أقول لك : إن كان أحد لا يُولَد مِن فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله »“. - هنا أستعلن الرب لنا حقيقة الولادة الجديدة للإنسان من الله التي جاء ليحققها للبشرية في شخصه، وهي التي تشرح ماهية المسيحية، وليس غيرها، كنعمة الله للبشرية. - إن الولادة والبنوة هما وجهان لنفس الحق والحقيقة. فلا وجود لأبن بدون أن يكون هناك أب. وليس وجود لأب إن لم يكن هناك أبن . 
- فالمسيح هو أبن الله ”الوحيد الجنس“ لأنه الوحيد الذي هو واحد مع الآب في الجوهر الإلهي الواحد. حيث وحدة الكينونة حتمية. فليس سابق ولا لاحق . كما شرحنا. 
- إن نعمة إنتماء الإنسان إلي الله بلغت كمالها في المسيحية، وليس غيرها، في تاريخ الإنسان، من حيث أنه انتماء إلي الله يبلغ درجة البنوة لله. - وبنوة الإنسان لله بالإيمان بالمسيح يسوع، ليست بنوة معنوية بل بنوة جوهرية، لأنها إتحاد للإنسان ببشرية المسيح أبن الله ”الوحيد الجنس“ بسبب تجسده. لذلك وصفها المسيح أنها ” الولادة مِن فوق“. لأننا في المسيحية ننال نعمة الاتحاد ببشرية المسيح ”الله الذي ظهر في الجسد“ الذي لم يزال هو أبن الله ”الوحيد الجنس“ ولا يشاركه في ذلك آخر، لأنه الوحيد المولود أزلياً مِن الله حيث حتمية الجوهر الواحد والكينونة الواحدة الآب وحيث لا سابق ولا لاحق. والسُبح لله. بقلم د. رءوف أدوارد --- ### الأقباط وصناعة «نشأت» جديد كل يوم - Published: ۲۰۲۲-۰۱-۲۲ - Modified: 2023-10-29 - URL: https://tabcm.net/3796/ - تصنيفات: شئون علمانية, مقالات وآراء - وسوم: النبي نشأت حتى نحن أنفسنا كذبنا ما رأيناه، فهو على مدار سنوات يحتل مكانة تشبه القديسين، أو لنقل تشبه "نشأت" الذي نصنعه بأيدينا كل يوم، بكنائسنا تارة، بانغلاقنا على أنفسنا وأنشطتنا وأفكارنا وحتى أطبائنا، وتارة أخرى بعزل وانتقاد من يراجع تلك الأفكار، واعتباره خارجًا عن المألوف والنظر له بفوقية الأتقياء للخاطئين توقف بعضنا كثيرًا أمام شخصية الرجل اللبناني "نشأت عبد النور" مدعي النبوة، ولجأنا إلى السخرية كسلاح مضمون النجاح في التنكيل بالفكر الذي روجه النبي الجديد، ودعوته الإلهية التي استثنى منها المصريين بعدما ضاق ذرعا من عدم ملاحقة نكاتهم وتعليقاتهم الساخرة، التي حالت دون أخذ الموضوع برمته على محمل الجد. لكننا بحاجة إلى وقفة مع النفس، ومراجعة لما نقوم به نحن كمسيحيين من صناعة وتنجيم أشخاص، ووضعهم في مرتبة لا تزاحم مكانة الأنبياء فقط، بل تصل نجوميتها عنان السماء وهم لا شيء؛ فكّر معي عزيزي القارئ: هل نحن بالفعل ليس لدينا عالم خاص من «النشأتات» إن جاز التعبير عنه بالجمع؟ ولماذا رفضنا "نشأت"؟ هل لادعاءه النبوة بشكل صريح أم لأننا نرفض من يجعل من نفسه وصيا علويًا علينا؟ في تقديري أن الأخيرة نمررها طوال الوقت، إذ نرتضي بأوصياء، ونصنع قديسين، وأنبياء، وآلهة أيضًا. يخاطب المسيحي -في نسخته الحديثة- الله خلال صلاته كصديق ودود، ويحث أبناؤه على رفع جميع الحواجز اللغوية الجامدة تجاه الإله الذي تنازل وأخذ صورتنا البشرية، معددًا مميزات هذا الإله غير المتعالي عن حياتنا، بينما في الوقت نفسه يطلق ألقابًا لا حصر لها على آباء وبطاركة الكنيسة بداية من سيدنا، نيافة، الحبر الجليل، قداسة، الأب المعظم، أب الآباء، جناب القس، أبي القديس، وغيرها من ألقاب تتشابه مع النمط المتبع منذ عصور قدماء المصريين حتى الحكم الروماني، حين كان اللقب الملكي الكامل لفرعون يتألف من 5 أسماء متوالية، كمبالغة في التفخيم الدنيوي وتعبيرًا عن السلطة والقوة المقدسة. هذه ليست مجرد كلمات عابرة، بل يتبعها نمط حياة كاملة يجعل الأشخاص العادية: "آلهة"، مكتوب عليها: "ممنوع الاقتراب"، فمهما حاولت إقناع هذا الإنسان المسيحي الغارق في التعاملات المنسحقة مع آباء الكنيسة، بأنه يحق لنا كأفراد مراجعة ما يقوله رجال الدين، وأنه لا حدود أمام العقل والتساؤلات وعلى أصحاب النيافة الرد والقبول لطالما أنهم اختاروا سلك هذا الطريق الذي يجعلهم في صدارة المشهد، لن يقتنع بذلك، وسيفاجئك بمستوى أعمق من الخنوع المغلف بكلمات تبدو في ظاهرها روحانية مثل: لا تدين أحد، ابن الطاعة تحل عليه البركة، ونحن علينا قبول ما يقوله لنا القديسون وأصحاب الحل والربط، وربما يلكم وجهك بالعبارة الأكثر انتشارًا بين الأجيال السابقة: "ابتعد عمن يرتدي جلابية سودا وإلا حرقتك نارها"، ليغلق عليك أي فرصة للجدال أو مراجعة الأفكار. هذا النمط من الخنوع لا يتوقف عند حد معين وليس له سقف، التمجيد المبالغ قد يكون لكتاب، أو فكرة، أو شخص، أو مكان، أو حتى للمعجزات الشعبوية الخارقة المعبأة في كتيبات، والتي يتم تداولها في المكتبات الكنسية ولا يقبلها طفل لديه القليل من التعقل، لكن هذا الإنسان المسيحي المحترف في صناعة "نشأت" يقبلها دون مراجعة، بل ويجدها وسيلة فعالة لكسب أرضية صلبة من البشر في صفه. خلال زيارتي مع إحدى قريباتي لطبيب نفسي له شعبية جارفة في الأوساط المسيحية، كلما ذكر الطب النفسي ذكر اسمه، جدوله الأسبوعي مقسم بين الظهور على القنوات المسيحية والحديث في الاجتماعات الكنسية، وكتابة الكتب النفسية المتداولة كنسيًا، بخلاف السفر والتنقلات داخل مصر وخارجها، مما جعل أخذ موعد منه مهمة شبه مستحيلة. وبعد نجاحنا في الحصول على ميعاد، وصُدمنا من ثمن الكشف المرتفع الذي لا يتناسب مع أحاديثه المنطلقة من مبادئ روحانية، لكن قلنا في النهاية هذا عمله وأجره وهو الذي يحدده، لا أزمة في ذلك، لكن ما كان صادمًا أكثر أن المقابلة لم تكمل 5 دقائق، وصف فيها حالة قريبتي باكتئاب حاد، وكتب أدوية خطورة أعراضها الجانبية تصل حد التفكير في الانتحار، دون أن يخطرها أو ينبهها بذلك. بعدها ساءت حالة قريبتي حتى تابعت مع طبيب آخر أوقف كل الأدوية التي كتبها الطبيب المسيحي الذي تمتلئ عيادته بصور القديسين وكتيبات معجزاتهم كأي تاجر شاطر صنع لنفسه صنمًا على أيدي العقليات التي تٌعلي مراتب من يخدرهم باسم الدين، كي يتمكن من بيع الوهم في زجاجات أو روشتات طبية لا فارق إذن. حتى نحن أنفسنا كذبنا ما رأيناه، فهو على مدار سنوات يحتل مكانة تشبه القديسين، أو لنقل تشبه "نشأت" الذي نصنعه بأيدينا كل يوم، بكنائسنا تارة، بانغلاقنا على أنفسنا وأنشطتنا وأفكارنا وحتى أطبائنا، وتارة أخرى بعزل وانتقاد من يراجع تلك الأفكار، واعتباره خارجًا عن المألوف والنظر له بفوقية الأتقياء للخاطئين. --- ### [۲] الله كخالق - Published: ۲۰۲۲-۰۱-۲۱ - Modified: 2024-04-28 - URL: https://tabcm.net/3724/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, لاهوتيات - وسوم: آدم, أوريجينوس ليونايدس أدامانتيوس, الثالوث القدوس, باسيليوس الكبير، أسقف قيصرية الكبادوك, حواء, قديس أوغسطينوس، أسقف هيبو, مار أڤرام السرياني يبدأ الكتاب المقدس بقصتي الخليقة اللتين فحصهما أباء الكنيسة ووصلوا للحقائق التالية: الله خلق كل الأشياء المنظورة وغير المنظورة، وخلق كل الأشياء من العدم، وخلق كل شيء بالابن خلال الروح القدس. بالتأكيد، لم تورد هذه الحقائق بالنص في الكتاب المقدس بل بالحري جاءت كتفسير من الآباء الذين تأملوا الله في الكتب المقدسة. الله، كونه خالق كل الأشياء المنظورة وغير المنظورة، هو الوحيد الذي يستطيع أن يعيد خلقة الإنسان الساقط والعالم الساقط. الله، حين خلق كل الأشياء من العدم، لم يحتاج لوجود مادة سابقة الوجود ليخلق بواسطتها العالم كما ظن بعض الفلاسفة في القديم. بل بالحري، هو جلب كل الأشياء من العدم دون الحاجة لشيء خارج ذاته. إن استخدام صيغة الجمع في العبرية هلم نخلق الإنسان (تكوين 1: 26) لم يعني اليهود في شيء كونهم رأوا أن هذه الصيغة إما أنها صيغة تعظيم للخالق أو أن الخالق كان يتشاور مع جمع من الملائكة قبل أن يبدأ في خلقة الإنسان ((الكتاب المقدس اليهودي الدراسي، تكوين1. ))، إلا أن المفسرين المسيحيين رأوا في صيغة الجمع ثلاث أقانيم الثالوث القدوس: الآب والابن والروح القدس خالقين معًا في وحدة الألوهة. ففي عقيدة الثالوث، وحدة العمل تعكس وحدة الإرادة التي بدورها ترتبط ارتباطًا وثيقًا بوحدة الجوهر الإلهي. أما عن طريقة الخلق، قدم الآباء أراء مختلفة. قدم البعض تفسيرًا رمزيًا مثل مار إفرام السرياني، والعلامة أوريجانوس السكندري، وق. أغسطينوس أسقف هيبو، بينما اتخذ البعض الآخر طريقة حرفية مثل ق. باسيليوس الكبير. فسواء كانت كلمة "يوم" تعني أربعة وعشرين ساعة أو حقبة زمنية، فهذا لم يكن موضع اهتمام الكنيسة بالقدر الذي يجعلها تضع رأيًا نهائيًا في هذا الموضوع. هذا يوضح أن هذا السؤال لا يؤثر على الخلاص، الأمر الذي يعد هدف الكتاب المقدس والكنيسة. على الصعيد الأخر، يمكن لكل الآباء أن يتفقوا على أن الله خلق العالم لأجل الإنسان وأن الإنسان بدوره يعد وكيل الخليقة. فمن الأفضل أن تُقرأ الثلاثة إصحاحات الأولى من سفر التكوين في إطار العلاقة الثالوثية بين الله، والخليقة، والبشرية. قصة الخليقة الأولى في التكوين لها صدى إنشاء المعابد الوثنية في القديم حيث كان يُعد كل شيء استعدادًا لوضع صورة الإله أو الوثن في وسط المعبد حيث يُكرس المعبد لعبادة هذا الإله. بطريقة مشابهة، نرى الله يخلق السماء كسقف ويفصل بين اليابسة حيث يقف الشخص والمياه حيث يتطهر الشخص قبل العبادة في المعبد، وأخيرًا نرى صورته في الإنسان موضوعًا في الوسط. في القصة الثانية، نرى العلاقة بين الإنسان والخليقة في أن الله قدم الحيوانات لآدم ليعطيها أسماء. في العالم القديم، كان تسمية الشخص يعد نوع من خلق هُوِيَّة جديدة لهم. فحين غير الله اسم إبرام لإبراهيم أو ساراي لسارة أو سمعان لبطرس، كان يلقي الضوء على جانب جديد أو هُوِيَّة جديدة سيتبناها الشخص من ذلك الوقت فصاعدًا. لهذا، أنعم الله على آدم بميزة أن يكون له شركة في الخلق معه بأن يخلق هُوِيَّة للحيوانات غير العاقلة بتسميته إياهم. ويمكن أن نفهم علاقة الإنسانية بالخليقة بطريقة أخرى في كلمات الله لآدم وحواء: وباركهم الله وقال لهم: «أثمروا واكثروا واملأوا الأرض، واخضعوها، وتسلطوا على سمك البحر وعلى طير السماء وعلى كل حيوان يدب على الأرض". وقال الله" إني قد أعطيتكم كل بقل يبزر بزرًا على وجه كل الأرض، وكل شجر فيه ثمر شجر يبزر بزرا لكم يكون طعامًا. ولكل حيوان الأرض وكل طير السماء وكل دبابة على الأرض فيها نفس حية، أعطيت كل عشب أخضر طعامًا. (تكوين 1: 28-30) فمن ناحية، أُعطيت الإنسانية سلطان وسيادة على الخليقة، بينما من الناحية الأخرى، يعتمد الإنسان على الخليقة ليحيا. فالعلاقة بينهما هي علاقة اعتماد متبادل فتعتمد الخليقة على الإنسانية من لتجد هويتها ونظامها وتعتمد الإنسانية على الخليقة من أجل الطعام والبقاء. عظمة الإنسانية بالمقارنة بالخليقة في معادلة الاعتماد المتبادل تكمن في كون الإنسانية هي صورة الله التي تنقل لنا الحضور الإلهي. على عكس ما قد يظنه الكثيرين، إلا أن الله لم يخلق الإنسان ليلتقي تأثير قُوَى الخليقة عليه. بل بالحري، خلق الله الإنسان وسكن فيه بصورته وبنفخة روحه القدوس في أنفه ليكون الإنسان هو الكائن الأولي الذي يؤثر على باقي الخليقة. ففي خطة الله لخلق الإنسان لإتمام هذا الدور، خلقه الله ككائن مركَب من جسد مرئي مشابه لجسد الحيوان يشترك به مع الحياة البيولوجية الخاصة بالحيوانات ونفس عاقلة غير مرئية يشارك بها الحياة الإلهية والكائنات السمائية. فبنفسه التي تشترك مع الله، يستطيع الإنسان أن يقدم للخليقة فكرة عن الله غير المنظور. وبجسده، يقدم الإنسان الخليقة المنظورة أمام الله كشفيع ووسيط بين الله والخليقة. سيصبح السقوط فيما بعد سببًا في تغير هذه الحالة الكاملة التي أرادها الله للإنسان. --- ### أسطورة سلطان الحل والربط! - Published: ۲۰۲۲-۰۱-۲۰ - Modified: 2023-10-20 - URL: https://tabcm.net/3193/ - تصنيفات: كتاب مقدس, مقالات وآراء - وسوم: إكليروس, الحل والربط, الكنيسة القبطية هوذا لا يضلكم أحد، ويردد على مسامعكم كلامًا غير موجود بالإنجيل، ويدعي أن خدام المسيح وخدام أحباء المسيح من البشر لديهم سلطانا يحلون ويربطون ما يشاؤون، فهذا كذب وتدليس تعيش العقلية القبطية المعاصرة وفق بعض المسلمات السمعية، حتى وإن كانت اختراع أحد الأشخاص وليست داخل الكتاب المقدس، وربما لمكانة أحدهم لا نراجع ما يقول، ولم يحاول كثيرون داخل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية التفكير أو البحث أو التدقيق أو حتى قراءة الكتاب المقدس للتفكير في هذه المسلمات ومن بينها: "أسطورة سلطان الحل والربط للكهنة"، التي يعظ بها قطاع كبير من الأساقفة والكهنة على مسامع الشعب في مختلف المناسبات، ويردد كثيرون الآية المقطوعة من سياقها التي تقول: كل ما تربطونه على الأرض يكون مربوطا في السماء، وكل ما تحلونه على الأرض يكون محلولًا في السماء ليهدد بها الجميع لما للكهنة من سلطان يمكن أن يسحقك إذا فكرت في انتقاد تصرفات أحد الإكليروس. قبل مناقشة تلك المسلمة أود طرح بعض الأسئلة: هل المسيح يفرق بين البشر؟ هل يتعامل المسيح مع أحبائه البشر باعتبارهم درجات وتوجد فئة أقرب من فئة لديه؟ أو فئة أعلى من فئة؟ إذا كنت ترى أن الإجابة نعم فنصيحة لا تكمل هذا المقال، وإذا كنت ترى أن الإجابة لا، فتعال نراجع تلك الآية من خلال متى 18 ونرى ماذا كان يقصد المسيح بها. يبدأ الإصحاح بسؤال التلاميذ عمّن الأعظم في ملكوت السموات، وكان رد المسيح: 1 فِي تِلْكَ السَّاعَةِ تَقَدَّمَ التَّلاَمِيذُ إِلَى يَسُوعَ قَائِلِينَ: «فَمَنْ هُوَ أَعْظَمُ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ؟» 2 فَدَعَا يَسُوعُ إِلَيْهِ وَلَدًا وَأَقَامَهُ فِي وَسْطِهِمْ 3 وَقَالَ: «اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنْ لَمْ تَرْجِعُوا وَتَصِيرُوا مِثْلَ الأَوْلاَدِ فَلَنْ تَدْخُلُوا مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. 4 فَمَنْ وَضَعَ نَفْسَهُ مِثْلَ هذَا الْوَلَدِ فَهُوَ الأَعْظَمُ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ. 5 وَمَنْ قَبِلَ وَلَدًا وَاحِدًا مِثْلَ هذَا بِاسْمِي فَقَدْ قَبِلَنِي. 6 وَمَنْ أَعْثَرَ أَحَدَ هؤُلاَءِ الصِّغَارِ الْمُؤْمِنِينَ بِي فَخَيْرٌ لَهُ أَنْ يُعَلَّقَ فِي عُنُقِهِ حَجَرُ الرَّحَى وَيُغْرَقَ فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ. (إنجيل متى الإصحاح 18 الآيات 1: 6) من بداية الإصحاح، والمسيح يلغي من ذهن التلاميذ الذين هم باكورة أتباعه، والذين تناموا اليوم ليكونوا مليارات البشر، بأنه ليس هناك أحد أعظم من أحد، بل طلب منهم أن يصيروا مثل الأطفال ليدخلوا ملكوت السموات، وألا يعثروا أحد هؤلاء الصغار، ثم يتحدث عن الخروف الضال ويوضح أنه: 11 لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ قَدْ جَاءَ لِكَيْ يُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ. 12 مَاذَا تَظُنُّونَ؟ إِنْ كَانَ لإِنْسَانٍ مِئَةُ خَرُوفٍ، وَضَلَّ وَاحِدٌ مِنْهَا، أَفَلاَ يَتْرُكُ التِّسْعَةَ وَالتِّسْعِينَ عَلَى الْجِبَالِ وَيَذْهَبُ يَطْلُبُ الضَّالَّ؟ 13 وَإِنِ اتَّفَقَ أَنْ يَجِدَهُ، فَالْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ يَفْرَحُ بِهِ أَكْثَرَ مِنَ التِّسْعَةِ وَالتِّسْعِينَ الَّتِي لَمْ تَضِلَّ. 14 هكَذَا لَيْسَتْ مَشِيئَةً أَمَامَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ أَنْ يَهْلِكَ أَحَدُ هؤُلاَءِ الصِّغَارِ. (إنجيل متى الإصحاح 18 الآيات 11: 14) فالمسيح بالإشارة للخروف الضال، يوضح أن الواحد مثل التسعة والتعسين، وأن الجميع لديه سواء، وإذا ضل أحدهم، يسعى ورائه ليضمه لبقية المجموعة دون تفريق. ثم نأتي للجزء الخاص بالحل والربط بين السماء والأرض، ونرى هل كان يتحدث المسيح مع تلاميذه باعتبارهم الصفوة أو الخاصة ويمنحهم سلطانا مختلفا؟ هل يناقض السيد نفسه، فيبدأ مع التلاميذ بكلامه عن أنه لا يوجد أعظم ولا يوجد صفوة بأن يقول لهم إنكم مميزون دونا عن بقية أتباعي؟! 15«وَإِنْ أَخْطَأَ إِلَيْكَ أَخُوكَ فَاذْهَبْ وَعَاتِبْهُ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ وَحْدَكُمَا. إِنْ سَمِعَ مِنْكَ فَقَدْ رَبِحْتَ أَخَاكَ. 16 وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ، فَخُذْ مَعَكَ أَيْضًا وَاحِدًا أَوِ اثْنَيْنِ، لِكَيْ تَقُومَ كُلُّ كَلِمَةٍ عَلَى فَمِ شَاهِدَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ. 17 وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنْهُمْ فَقُلْ لِلْكَنِيسَةِ. وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ مِنَ الْكَنِيسَةِ فَلْيَكُنْ عِنْدَكَ كَالْوَثَنِيِّ وَالْعَشَّارِ. 18 اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ مَا تَرْبِطُونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِي السَّمَاءِ، وَكُلُّ مَا تَحُلُّونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولًا فِي السَّمَاءِ. 19 وَأَقُولُ لَكُمْ أَيْضًا: إِنِ اتَّفَقَ اثْنَانِ مِنْكُمْ عَلَى الأَرْضِ فِي أَيِّ شَيْءٍ يَطْلُبَانِهِ فَإِنَّهُ يَكُونُ لَهُمَا مِنْ قِبَلِ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، 20 لأَنَّهُ حَيْثُمَا اجْتَمَعَ اثْنَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ بِاسْمِي فَهُنَاكَ أَكُونُ فِي وَسْطِهِمْ». 21 حِينَئِذٍ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ بُطْرُسُ وَقَالَ: «يَا رَبُّ، كَمْ مَرَّةً يُخْطِئُ إِلَيَّ أَخِي وَأَنَا أَغْفِرُ لَهُ؟ هَلْ إِلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ؟» 22 قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لاَ أَقُولُ لَكَ إِلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ، بَلْ إِلَى سَبْعِينَ مَرَّةً سَبْعَ مَرَّاتٍ. (إنجيل متى الإصحاح 18 الآيات 15: 22) يشير المسيح في هذا الجزء إلى الخصومة التي تقع بينك وبين أخوك، ويطلب منك أن تعاتبه بينك وبينه وأن تحاول أن تربحه بكل الطرق، وإن لم يستجب بعد تدرج المحاولات فليكن عندك مثل الوثني والعشار، ثم قال جملته الشهيرة التي يتم قطعها من هذا السياق لإلباسها زورا بأنها سلطان للكهنوت لحل وتقييد البشر، على الرغْم من أن المسيح يتحدث عن الخصومة، فجاءت هذه الجملة ليؤكد أن ما يحدث بيننا على الأرض هو ما يحدث في السماء، يعني خلافنا على الأرض سيكون في السماء، وحل خلافنا على الأرض سيحل في السماء، ثم يكمل هذا المعنى بقوله إذا اتفق اثنان منكم على الأرض في أي شيء يطلبانه يكون لهم من قبل الآب، ثم يأتي سؤال بطرس عن كم مرة يغفر لأخيه، ليتأكد لنا أن السياق له علاقة بالخصومة ولم يكن المسيح يميز تلاميذه أو يمنحهم وضعا استثنائيًا فوق البشر ويهبهم سلطانا على الآخرين؟ وإلا كان ذكر ذلك بوضوح كما قال: هَا أَنَا أُعْطِيكُمْ سُلْطَانًا لِتَدُوسُوا الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبَ وَكُلَّ قُوَّةِ الْعَدُوِّ، وَلاَ يَضُرُّكُمْ شَيْءٌ. (إنجيل لوقا الإصحاح 10: 19) ثم ينتهي الإصحاح بمثل العبد الذي سامحه سيده، وعندما خرج لم يسامح أخوه، فكان عقابه شديدًا، فأي سلطان منحه المسيح للتلاميذ في هذا الحديث؟ وإذا كان التلاميذ هم الأتباع الأوائل للمسيح، وأوصاهم أن يبشروا ويكرزوا الناس، فقد طلب منهم ألّا يحملوا زادا ولا عصا، وأن يخدموا الكل، لا أن يمارسوا عليهم فوقية وادعاء سلطان كاذب، فمن يريد أن يقول على نفسه إنه خليفة التلاميذ فعليه أن يفعل ما فعلوه، وأن يبذل نفسه لأجل الآخرين، لا بالتعالي عليهم وادعاء أن له ميزة وحصانة وسلطان فوقهم. كهنوت المسيح وكهنوت العهد القديم تقرأ  كنيستنا القبطية وكافة الكنائس التقليدية، فصل الإنجيل الخاص بالويلات من قبل المسيح لرؤساء الكهنة والكتبة والفريسيين في العهد القديم، ثم يقف بعدها الكاهن أو الأسقف للحديث عن هذا النموذج السيئ من تصرفات كهنة العهد القديم في زمن المسيح، ويذكرنا بأن كهنوت العهد الجديد مختلف عن هذا الذي رفضه المسيح، وأنه كهنوت بذل وخدمة وعطاء، وليس كهنوت سلطان، وهذا صحيح ونجد أمثلة على هذا الكهنوت في كهنة وإكليروس كثيرين على مدار تاريخ كنيستنا، كما نجد عكسه تمامًا في كثيرين أيضا على مدار تاريخ كنيستنا وفي زمننا الحاضر. الفكرة ليست في تقسيم زمني بين عهد جديد وآخر قديم، الفكرة في نظامين مختلفين، أحدهم قديم وتسلط على رقاب الناس، والجديد خادم للكل، يقدم المحبة والبشارة المفرحة لكل البشر، وإذا لم يفعل الجديد ما هو مطلوب منه، وحاد عن طريق المحبة والبذل الذي رسمه المسيح، فإنه يصير مثل القديم ولن يشفع له أنه يتواجد في الزمن الجديد. هوذا لا يضلكم أحد، ويردد على مسامعكم كلامًا غير موجود بالإنجيل، ويدعي أن خدام المسيح وخدام أحباء المسيح من البشر لديهم سلطانا يحلون ويربطون ما يشاؤون، فهذا كذب وتدليس، ما يجب أن يكون لديهم هو الحب وتقديم الحب وإذا لم يفعلوا ذلك، فهم يضللونكم بادعاءات واهية مثل حماية الإيمان وحماية العقيدة. --- ### من "الخلق" إلى "الفداء"
في المنظور اﻵبائي الأرثوذكسي - Published: ۲۰۲۲-۰۱-۱۹ - Modified: 2023-10-29 - URL: https://tabcm.net/3753/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: آريوسية, البدلية العقابية, التقليد السكندري, المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية, بابا كيرلس عمود الدين, تجسد الكلمة, تدبير الخلاص, چوزيف موريس فلتس, ساويرس الأنطاكي, شجرة الحياة, ضد الآريوسيين, عدنان طرابلسي, عماد موريس, قبل السقوط, قديس أثناسيوس الرسولي, قديس أوغسطينوس، أسقف هيبو, قديس بولس الرسول, قديس هيلاري، أسقف بواتييه, قديس يوستينوس الشهيد, مجمع خلقيدونية قيل لنا أن خطية آدم كانت غير محدودة ولهذا يجب أن يكون الفادي غير محدود، الإنسان أخطأ ولهذا يجب أن يكون الفادي إنسان يموت ويعاقب. ولماذا العقاب من اﻷساس؟ هل خلقنا الله لكى يعاقبنا؟! هل أصبحت الخطية غير محدوده كمثل الله؟ هل الله خلق شجرة محرمة كي يشتهيها الإنسان فيسقط ويموت؟ هل يتجسد الابن كي يرضى الأب ويضع عليه جام غضبه لكى ينقذنا نحن؟ هل الله يحتاج أن يعاقب ابنه كي يرضى كرامته؟ مسرحية عبثية ومخيفة وقد تعلمناها ورددناها منذ الصغر دون فحص أو اختبار إن فحصنا ما يُقال الآن ضمن التعاليم القبطية، سنجد الكثير من الأخطاء والانحرافات العقائدية التي تعلمناها منذ الصغر وزرعت داخلنا.   فكم من مرة عندما سألنا: لماذا يتجسد الله ويصلب؟ كنا ومازلنا نجد الكثير من الإجابات المبهمة التي لا تمس لكنيستنا بصلة، قيل لنا أن خطية أبونا ادم كانت غير محدودة ولهذا يجب أن يكون شخص الفادي غير محدود، الإنسان أخطأ ولهذا يجب أن يكون الفادي إنسان يموت ويعاقب. ولماذا العقاب من اﻷساس؟ هل خلقنا الله لكى يعاقبنا؟! هل أصبحت الخطية غير محدوده كمثل الله؟ هل الله خلق شجرة محرمة كي يشتهيها الإنسان فيسقط ويموت؟ هل يتجسد الابن كي يرضى الأب ويضع عليه جام غضبه لكى ينقذنا نحن؟ هل الله يحتاج أن يعاقب ابنه لكى يرضى كرامته؟ مسرحية عبثية ومخيفة وقد تعلمناها ورددناها منذ الصغر دون فحص أو اختبار لماهية هذه التعاليم الغريبة عن الله. تتطرق هذه الدراسة إلى الفداء، لكن في عمق العقيدة الأرثوذكسية والتقليد الكنسي، أو بمعنى اكثر دقة سنذكر العقيدة الخلاصية بكل جوانبها حسب كتابات الآباء اليونانيين. وينضم لهم الأربع كراسي الكبرى: القسطنطينية، وأورشليم، وأنطاكية، والإسكندرية. وسنرى خلال دراسة هذا التقليد السكندري اليوناني أنهم تعمقوا في الفلسفة، وقاموا بتعميد التعاليم لخدمه الكنيسة، فالفكر الشرقي كان فلسفيا يهتم بالأسئلة الأنطولوجية (الوجدانية وعن الوجود وأصله وكينونته) وهذا الفكر كان وليد الزمكان الموجودين فيه. تعتمد الأرثوذكسية على فهم العقائد من كتابات اﻵباء، وتتبع أصولها الأولية وإيمان الكنيسة الأولي، وهما المرجعية الأولي لشرح العقيدة في الكنيسة الأرثوذكسية، سنرى أن الإباء هنا بالأخص في عقيده الفداء لا يبدأن أولا بالفداء أو يرون السقوط كبداية لقضيه الفداء كما يحدث في الغرب، ولكن بالأحرى ينظرون في بداية الخلق وسببه. سنبدأ بمناقشة القضية الأنطولوجية للإجابة عن سؤال لماذا الخلق؟ في المفهوم المسيحي الأرثوذكسي، ثم نناقش ماهية شجرة معرفة الخير والشر ولماذا كان وجودها ضروري وهل هي مجرد اختبار من الله فقط لأسقاط البشر؟ ثم السقوط لأنه المفتاح الذي سيقودنا إلى الفهم الصحيح للفداء، وهل كان السقوط هو السبب الأوحد للتجسد أم هناك أسباب أخرى؟ وأخيرًا، سنتطرق إلى لب الموضوع وهو الفداء وماهيته في العقيدة الأرثوذكسية وكيف تم؟ لماذا خلق الله الإنسان؟ لقد أجاب الآباء هذا السؤال في أكتر من نقطه: الله منذ الأزل يعيش في شركه مطلقه بين الأقانيم الثلاثة، ولهذا أراد أن يجلب البشر لكى ينعموا في تلك المحبة بين الأقانيم والشركة، فأصبح الخلق مثل التجسد عمل محبه من المنطلق الأول، واشترك فيه الثلاث أقانيم وكما قال القديس أثناسيوس: أن الكون المخلوق، بدون الابن الكلمة، لا يعتبر في ذاته كافياً ليجعل الله معروفاً لنا. ولكن التأمل الصحيح في الكون إنما يكون في اللوغوس ومن خلاله، إذ هو انشأ الكون وأعطاه نظامه المنطقي، وفيه يتماسك الكون بثبات معاً (القديس أثناسيوس الرسولي) فالإنسان الذي أتى إلى الوجود بكلمة من الله، إنما هو في صميم كيانه علاقة حوار مع الله، والحوار يفترض الحرية، فالخلق إذًا ليس استعبادًا للإنسان ولا احتقارًا لكيانه ولا امتهانًا لكرامته. إن الله في ذاته ليس منعزلاً لأنه كأب وإبن وروح قدس هو في ذاته شركة أزلية للحب والوجود الشخصي. إلا أنه لا يريد أن يكون وجوده هو لذاته فقط، بل بتلقائية وحريه قد أحضر العالم إلي الوجود من العدم وأعطاه تكاملاً خاصاً به، ووضع فيه كائنات مخلوقه عاقله يمكنه أن يهبها من نعمه ويشركها معه في شركة الحب الخاصة به. ومع أن الله متعال بصوره فائقة، إلا انه ليس بمعزل عن خليقته، بل هو حاضر وعامل فيها بلا عائق، كما أنه يتدخل شخصياً بعنايته الإلهية في أحداث العالم وفي شئون خليقته من البشر. (القديس هيلاري أسقف بواتييه) المسيحية لم تقصد اﻹجابة عن كيف وجد العالم، بل ركزت على إجابة معنى وجوده، وأن هذا الوجود مستقى من الله ذاته. وتلك العلاقة هي علاقة محبة، فالعالم هو فيض من محبة الله اللامتناهية وعطيّة مجانية من إله العطاء والمحبة، وليس شيئ من النطق يستطيع أن يحد لجة محبتك للبشر. خلقتني إنساناً كمحب للبشر، ولم تكن أنت محتاجاً إلي عبوديتي، بل أنا المحتاج إلي ربوبيتك. من أجل تعطفاتك الجزيلة، كوَنتني أذ لم أكن. . لم تدعني معوزاً شيئاً من أعمال كرامتك. أنت الذي جبلتني. ووضعت يدك عليَّ. وكتبت فيَّ صورة سلطانك. ووضعت فيَّ موهبة النطق. وفتحت لي الفردوس لأتنعم. وأعطيتني علم معرفتك. أظهرت لي شجرة الحياة. وعرفتني شوكة الموت. (القداس الغريغوري) • شجرة معرفه الخير والشر: في الفكر الأرثوذكسي فان الشجرة لا تعني أبدا مجرد التمييز بين الخير والشر، لأن هذه الصفة هي نعمه معطاه للإنسان منذ الخلق، وإنما تعنى المعرفة المطلقة، وهذا التشبيه معروف جدا في نصوص الكتاب المقدس مثل: خالق النور والظلمة. والمعرفة، في الكتاب مرتبطه بالقدرة، فتكون معرفه الخير والشر معرفه مطلقه تترادف مع سلطان مطلق، بمعنى سلطان إلهي، وهذا يتضح من النص: تصيران كآلهة عارفين الخير والشر (تكوين 5:3) فالإنسان في الفكر الشرقي هو كائن عطش وجائع، كائن يحول العالم إلى حياة لذاته، فإن هدف البشرية تحويل العالم إلى: "حياة"! وبهذا يجعل الحياة وسيلة شركة مع العالم، مع بداياته، مع هدفه، مع الله. . وفي مقابل عطايا الله للإنسان: عطية العالم، عطية الطعام، عطية الحياة، يستجيب الإنسان بالشكر والتسبيح، وبواسطتهما يملأ ويعيد تشكيل العالم. أُعْطَى كل العالم للإنسان من الله كطعام باستثناء ثمرة واحدة ممنوعة. وهذه الثمرة على وجه التحديد هي التي يأكلها الإنسان، رافضًا أن يطيع الله، وهذه الشجرة بعكس كل الأشجار الأخرى، لم تُعطى كعطية للإنسان. أي لا تحمل البركة الإلهية، هذا يعني أن الإنسان لو أكل هذه الثمرة فهو لا يأكل ليكون له حياة مع الله، كوسيلة لتحويلها إلى حياة، ولكن كهدف في ذاته. ولهذا بأكله إياها، عَرّض الإنسان نفسه للخروج عن إرادة الله! اشتهى أن يحصل على الحياة، ليس من الله، وليس لله، ولكن لذاته. فلم يُخلق الإنسان خطّاء بطبيعته، ولم يُخلق طاهرًا معصومًا بطبيعته، بل خُلق علي حالة تقبل كلا من الصورتين، إما حياة المعية الشركة أو حياة السقوط، وقد أوضح القديس أثناسيوس الرسولي هذا من خلال قوله: خلق الله الإنسان وجعل فيه عقلا يعقل به إكراما للنفس التي خلقها مع الجسد، فإذا مارست النفس ودبرت أمورها جيدا والجمت حركات الجسد، فإنها تنجو وتخلص الجسد من السقوط في الشدة، أما إذا توانت ولم تدبر حركات الجسد وتغافلت وتكاسلت وفكت لجام الجسد، فمن أجل أنه لا فكر له يخرج إلى الطريق الوعرة وتسقط النفس في الشرور، وليس هذا من اجل شر الجسد بل من أجل أن النفس لم تدبره كما يجب (القديس أثناسيوس الرسولي، تجسد الكلمة) • السقوط: السقوط في الفكر الشرقي يتلخص في أن الإنسان خلق من العدم، وبالتالي الإنسان ليس له وجود ذاتي في كيانه، لكن وجوده مكتسب، ومرتبط بالذي خلقه، وترتب على هذا احتياجه الدائم للحياة المستمدة منه. خلق الإنسان قابلاً للموت والألم قبل السقوط وذلك بسبب طبيعة الإنسان أنه مخلوق من العدم وليس لأن الله خلق فيه خاصية الموت والألم. والذي كان من الممكن أن ينجو منه أن أبقى الله في معرفته (القديس أثناسيوس الرسولي) الإنسان خلق من العدم، وبحسب طبيعته تلك فإنه قابل للفناء والعودة إلي العدم مره أخري، وقد وهبه الله نعمة الخلود حتي إن بقي محافظًا علي هذه النعمة، يظل خالدًا إلي الأبد في شركه حقيقيه في الله. أما وقد سقط الإنسان من نعمة الله وفقد شركة الروح القدس، فقد أصبح عائدًا مرة أخري إلي الأرض التي أخذَ منها وفي طريقه إلي العدم والاضمحلال. الإنسان فانٍ بالطبيعة، لأنه أتي إلي الوجود من العدم ... ولكن مع ذلك لو انه قد استمر موجهاً نظره نحو الله، لكان قد تجاوز قابليته الطبيعية للفساد وبقي غير فاسد وقد قال الله لآدم أنت تراب وإلي تراب تعود، ولم يقل له لقد صرت الآن ترابً، مما يعني ضمناً أن آدم قد خلقَ في الأصل قابلاً للموت والفناء ولكن آدم قد أعطي وعداً بعدم الموت وعدم الألم كهبه إلهيه تمنح له بنعمة الله، وبالسقوط فقد الإنسان هذه النعمة الإلهية، علي الرغم من أنه لم يجرد من طبيعته (القديس ساويرس الأنطاكي) أنا جلبت الموت على نفسي (القداس الغريغوري) فالموت والشر في فكر الآباء ليس لهم وجود ذاتي بل وجود سلبي، فالله لم يخلق الشر ولم يوجده، بل أن الله أوجد للإنسان معطيات تسهل له وجود الخير لأنه خالق الخيرات، ولكن حين امتنع الإنسان عن فعل الخير وجد الشر كوجود سلبي لانعدام الخير. النفس ليس فيها الشر بطبعها، إنما وجد فيها الشر من جهة أنها لم تعمل الخير (القديس باسيليوس) ومن تعريف الشر ووجوده، وطبيعة الإنسان وعدم مصدرية الشر فيه، وقابليتها لبلوغ أي من الصورتين "الحياة" أو "الموت"، نستطيع أن نستشف أن الآباء نظروا للسقوط ما إلا مرض أصاب الإنسان. ليس عقابا لتهاونه أو عدم طاعته، بل لا يعدو كونه مرضا أحضره إلى الموت. خطيتنا هي التي جلبت علينا المرض (القديس باسيليوس) ومن هذا المنظور للفكر الشرقي، يتضح أن جلب الإنسان لذاته مرضا، أوجد بدوره سلطان علي الإنسان، فكما أن المرض يتسلط علي الجسد ويحنيه ويعيقه ويسيطر عليه، هكذا الخطية كانت مسيطرة علي الإنسان كمرض خبيث لم يخلقه الله ولم يوجده ولم يسع إلى بلوغ الإنسان إليه من المنطلق العقابي. ويلخص هنا القديس كيرلس الكبير هذا السؤال الهام في تفسير رسالة رومية فيقول: هل نتوارث خطية آدم بعقوبتها؟ أم الطبيعة الفاسدة بمرضها؟ بَعْدَمَا سَقَط آَدَمَ بِالخَطِّيَّةِ وَغَرِقَ فِي الفَسَادِ، فَعَلَى الفَوْرِ تَدَفَّقَتْ اللَّذَّاتُ النجسة وَاِنْفَجَرَ قَانُونُ الغَابَةِ فِي أَعْضَائِنَا. وَهَكَذَا أَصْبَحَتْ الطَّبِيعَةُ مَرِيضَةً بِالخَطِّيَّةِ مِنْ خِلَالِ معصية الوَاحِدُ الَّذِي هُوَ آَدَمُ. وَبَعْدَ ذَلِكَ صَارَ الكَثِيرُونَ خَطَأَةً، لَا كَشُرَكَاءَ فِي المعصية مَعَ آَدَمَ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا حَتَّى مَوْجُودِينَ، وَلَكِنْ لِكَوْنِهِمْ مِنْ نَفْسِ الطَّبِيعَةِ الَّتِي سَقَطَتْ تَحْتَ نَامُوس الخَطِّيَّة. لَقَدْ أَصْبَحَتْ الطَّبِيعَةُ البَشَرِيَّة مَرِيضَةٌ فِي آَدَمَ، مِنْ خِلَالِ فَسَادِ المعصية، وَهَكَذَا دَخَلَتْ إِلَيْهَا الأَهْوَاءُ (القديس كيرلس الكبير) ينظر الفكر الشرقي لثلاثية: الموت والخطية والفساد، كتعبير واحد عن الخطية الجدية، وعندما يستخدم أي قديس كلمه من الثلاثة فهو يعبر عن معنى الثلاثة لأنهم واحد بالنسبة له. لا يوجد هنا تراتبية مثل الفكر الغربي والقديس أغسطينوس أول من علم بالتراتبية بين الثلاثة في شرح معناه أن الإنسان اخطأ (تعدى)، فصار في فساد، فدخل في حكم الموت، لكن الفكر الشرقي يستخدم الثلاثة في تبادليه وليس بعلاقة زمنية. وبالتالي النظرة الشرقية للخطيه الأولي لا تكون قضائيه كما النظرة الغربية التي تكونت على يد ترتليان، وازداد في شرحها القديس أغسطينوس، ولكنها نظرة طبية، وكما قلنا سابقا أن الخطية هي الموت هي السقوط، والثلاث كلمات لمفهوم واحد، بمعنى أن الطبيعة البشرية أصبحت مريضة. بعدما سقط آدم بالخطية وغرق في الفساد، فعلى الفور تدفقت اللذات النجسة وانفجر قانون الغابة في أعضائنا. وهكذا أصبحت الطبيعة مريضة بالخطية من خلال معصية الواحد الذي هو آدم. وبعد ذلك صار الكثيرون خطاة لا كشركاء في المعصية مع آدم لأنهم لم يكونوا حتى موجودين ولكن لكونهم من نفس الطبيعة التي سقطت تحت ناموس الخطية. لقد أصبحت الطبيعة البشرية مريضة في آدم من خلال فساد المعصية وهكذا دخلت إليها الأهواء (القديس كيرلس السكندري)   الخطية ليست جريمة ضد العدالة الإلهية، لكنها مرض يتلف الإنسان. لم يأت المسيح لكي يشفي كرامه الله المجروحة، بل ليشفي الإنسان من مرضه. بسبب الخطية صار الإنسان أسير الموت والفساد. الله حياة، والإنسان قطع نفسه عن الله مصدر الحياة الأبدية، جاء المسيح ليعيد هذه الحياه الضائعة للإنسان. بسبب خطيئة آدم وحواء صارت الطبيعة البشرية فاسدة وأسيرة للموت. لم يرث الإنسان ذنب خطيئة آدم. هذا ذنب شخصي، بل ورث نتائج السقوط التي أصابت الطبيعة البشرية العامة ككل. أيضاً لم نرث طبيعة مائته فحسب، بل أيضاً طبيعة أصاب الفساد ملكتها. الإرادة البشرية صارت مشلولة بالخطية وتفضل الشر علي الخير. آدم أخطأ فمات. أما نحن فنولد مائتين إذاً نحن عرضه للخطية. الله لا يحكم علينا بالموت الآن لأننا شركاء في ذنب آدم وخطيئته الأولي أو الأصلية كما يفهمها لاهوتي العصور الوسطي واباء الغرب، بل لأننا نرث طبيعة خاطئة. الله سمح بالموت كعمل رحمه حتي لا يكون الإنسان خالداً في الخطية عندما قال بولس لأن أجرة الخطية هي موت (رومية 23:6) فلا يعني أن الله يجازي أعمال الإنسان بالموت، بل أن الخطية هي مرضنا القاتل. خطية آدم كانت إعلان بأنه ذاتي الاكتفاء. ويفصل نفسه عن الله الذي له وحده عدم الموت ( 1 تيموثاوس 16:6) (اللاهوتي الأرثوذكسي د. عدنان طرابلسي) أضاع آدم الروح القدس، الحياة الحقه. وهذا يتفق تماماً مع ما تسلمته الكنيسة من تعاليم الآباء: منذ التعدي الأول للوصية ساد الموت، وامتزج الموت مع الشهوة بالطبيعة، وصار كل من يدخل العالم بالزواج، من الطبيعي أن يولد مائتاً، وأن يكون خاضعاً للموت حتماً، سواء أخطأ أم لا، وسواء أخطأ قليلاً أم كثيراً، لأن الموت صار ممزوجاً بالطبيعة (مار فليكسينوس) • الفداء والكفارة: الفداء لم يكن وليد لحظه السقوط، بمعنى أن الله اعد لنا الخلاص والفداء قبل خلقنا، بل قبل تأسيس العالم، لأن الله فوق الزمكان ولا يحده الوقت، وقد شرح القديس أثناسيوس هذا باستفاضة في ضد الآريوسيين المقالة الثانية. فقره 5، وهذا أيضا يؤكد من الأية التي تقول معلومة عند الرب منذ الأزل جميع أعماله (أعمال 18:15) ولكن بعدما حدث وسقط الإنسان في الفساد، لم يكن هناك وسيله أخرى إلا التجسد، وأن يتأنس الكلمة ويصلب ويقوم غالب الموت بالموت ويعيد الفساد إلى عدم الفساد مرة أخرى. فلم تعد مثلا التوبة فعل كافي للإنسان لأنه قد نزعت النعمة من البشر وصاروا في فساد، فلا تستطيع التوبة أن تغير هذا الفساد لأن التوبة كافيه لعدم فعل الخطية مرة أخرى فقط، ولكن الإنسان لم يعد ينظر إلى أعلى بل إلى الماديات والشهوات عائشا فيها. فتجسد الكلمة في ملئ الزمن من العذراء المطوّبة، فأتخذ المسيح كل أداه من العصيان ليحولها إلى انتصار إلهي فيقول القديس يوستينوس: إننا نؤمن أنه مولود من عذراء لكي يزيل العصيان الذي تسببت فيه الحيه بالطريقة نفسها التي نشأ بها هذا العصيان. لأن حواء وهي عذراء عفيفة (لأن آدم عرف امرأته بعد السقوط) حبلت كلمة الحيه وولدت العصيان والموت، ولكن العذراء مريم الممتلئة إيماناً وفرحاً عندما أعلن لها الملاك البشارة بأن روح الرب يحل عليها وقوة العلي تظللها والمولود منها يدعي ابن الله قالت "ليكن لي كقولك"، وبالفعل ولدت الذي أشار إليه الكتاب المقدس كثيراً والذي به يسحق الله الحيه، ويسحق هؤلاء الملائكة والناس الذين صاروا مثل الحيه، ويحرر من الموت هؤلاء الذين يتوبون عن خطاياهم ويؤمنون به. (القديس يوستينوس الشهيد) فالكلمة المتجسد هنا قد استطاع أن يجمع فيه الكل، ليرجع الكل إلى عدم الفساد بكونه آدم الجديد الروحي، لأنه بحسب تعبير الآباء: احتوى في نفسه كل الطبيعة البشرية ل يصحِّحها و يرجعها كلها إلى جمالها القديم. فالمسيح هنا قد دخل إلى هيكل جسدنا ومر بنا من الفساد إلى المجد والاتحاد بالمسيح، فالمسيح إذن احتوانا كلنا في نفسه لكي يصالحنا جميعا في جسد واحد مع الله الآب كما يقول بولس الرسول في (أفسس2 18:16) وعندما قال أيضا لأن الكل مات في المسيح (2كورنثوس14:5) فعندما تألم المسيح كنا فيه، وعندما مات متنا معه، وعندما قام قمنا به وفيه. فذاك الذي هو غير قابل للتألم كإله، تألم في جسده الخاص إنسانياً، وجعل الجسد القابل للموت خاصاً به. (القديس كيرلس السكندري) إن الآباء الشرقيين لم ينظروا إلى المسيح الذي على الصليب بأنه مهزوم من الخطايا والموت، بل كان منتصرا على الموت وعلى الشيطان، فلخصوا هذا الانتصار في أنه لا انتصار لنا دون الاتحاد في المسيح "يقودنا في موكب نصرته" "طهر نفسك من الخطايا ولتمسح رأسك بالمسحة المقدسة لتصير شريكاً للمسيح"، وبدون تلك الشركة في المسيح لما صار للتجسد أي فائدة تعود علي الإنسان ولكن بشركتنا فيه صار انتصاره انتصارنا وموته موتنا وقيامته قيامتنا الخاتمة: رأينا من هذه الدراسة أن الفداء ليس مجرد رد فعل لخطيه آدم أو سقوطه، ولكن كان بالحري خِطَّة وتواجد إلهي عظيم، ومعد للإنسان من قبل بدأ الخليقة، فهو فعل اتحاد كامل إلهي إنساني عظيم. ويتضح مما ذكر من كتابات الآباء الشرقيين أن جميع الأفعال الإلهية يجتمع فيها عمل الثالوث، فدائما نرى جملة "من الآب في الابن بالروح القدس"، فالخلق تم بالآب بالابن بالروح القدس، وأيضا سننظر إلى الفداء نظرة ثالوثية. وقد اتضح هذا العمل الثالوثي في أن اللاهوت الشرقي لم يتغاض عن عمل الروح القدس كاللاهوت الغربي في البدلية العقابية. إذ اعتبر "الخلاص" ليس عملية تمت وانتهت بل عملية ديناميكية مستمرة في كل أفعال الله حتي الآن حتي وان لم ندرك هذا: إن جميع ما يصنعه الله هو من أجل خلاصنا بتدبير لا ندركه (القديس باسيليوس) وأيضا لم يهمل عمل الروح في التأله، حيث قال أن الباراكليت يمنح الاتحاد بالله وأن نصبح شبه الله، بل والأعلى من كل هذا هو أن نصبح آلهة، هذا هو التراث الشرقي في النظر إلى العمل الفدائي ليس فقط كعمل بنوي أو عمل أبوي بنوي، بل عمل ثالوثي كامل اشترك فيه أقانيم الثالوث، الآب والابن والروح القدس، وتخالف اللاهوت الذي يقلص دور الروح القدس في صورة رمزية وتعظم دور الابن، وتنظر لدور الآب الناقم في خزي من السادية الأبوية، وتنظر لدور الروح بنظرة تعجب واستفسار، فان النظرة الشرقية للخلاص التي شرحها القديس باسيليوس هنا نظرة متكاملة للعمل الثالوثي للخلاص. هوامش ومراجع: 1 - الإيمان بالثالوث في القرون الأولى، توماس ف تورانس، ترجمة د. عماد موريس، إصدار دار بناريون للنشر 2 - تجسد الكلمة، القديس أثناسيوس الرسولي، ترجمه المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية 3 - مجمع خلقيدونية إعادة فحص، بحث تاريخي ولاهوتي، الأب ف. سي. صموئيل، ترجمة د. عماد موريس إسكندر، مراجعة د. جوزيف موريس فلتس، سلسلة دراسات عن المسيحية في العصور الأولي، إصدار دار بناريون للنشر 4 - الطب النفسي الأرثوذكسي، ايروثيئوس فلاخوس 5 - سألتني فأجبتك، د. عدنان أديب طرابلسي ومجموعه من العلماء واللاهوتيين الأرثوذكس، الجزء الأول 6 - سلسلة النصوص المسيحية في العصور الأولي، القديس يوستينوس الفيلسوف والشهيد، الدفاعان والحوار مع تريفون ونصوص أخري، ترجمة أ. آمال فؤاد، مراجعة د. عماد موريس إسكندر، د. جوزيف موريس فلتس، إصدار دار بناريون للنشر. 7 - شرح قانون الإيمان، ترجمة وإصدار المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، فقره 33، 34 8 - شرح تجسد الابن الوحيد للقديس كيرلس السكندري، تعليقاً علي فقره 37، إصدار المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية 9 - مدخل إلى اللاهوت المسيحي، إعداد امجد بشارة 10 - مقال تدبير الخلاص، سكشن مدرسه تيرانس --- ### أسطورة القرعة الهيكلية
(٤) سعياً للإصلاح - Published: ۲۰۲۲-۰۱-۱۸ - Modified: 2024-12-27 - URL: https://tabcm.net/3687/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, شئون علمانية - وسوم: أحمد الطيب, أنبا أثناسيوس، مطران بنى سويف والبهنسا, أنبا باخوميوس، مطران البحيرة, أنبا صموئيل، أسقف الخدمات, الأب متى المسكين, العلمانية, القرعة الهيكلية, الكنيسة القبطية, المجلس الملي, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس السادس, بابا يوساب الثاني, دسقولية, رئيس جمال عبد الناصر, رئيس محمد محمد مرسي عيسى العياط, قديس أثناسيوس الرسولي, مينا بديع عبد الملك ما يؤكد وجهة نظري أن الباباوات الثلاثة كيرلس وشنودة وتواضروس، قد اتخذوا موقفًا مناوئًا من المجلس الملي العام الذي يفترض به أن يمارس نفس الدور الذي يمارسه مجلس الشعب في الرقابة على الحكومة ورئيس الدولة، ويمثل الشعب القبطي في الرقابة على البطريرك وعلى الكنيسة، فالأنبا كيرلس أتخذ موقفًا عدائيًا صريحًا ضد المجلس الملي ورفض مراقبة العلمانيين، والأنبا شنودة قرر أن يحتوي المجلس الملي ويقصص ريشه وأجنحته، بدلًا من الصدام معه، حتى أصبح المجلس مجرد ديكور عديم النفع، أما الأنبا تواضروس فكان أكثر استخفافًا بالمجلس الملي، فلم يكترث لوجوده حتى لو كان مجرد وجودًا شكليًا لا يمارس أي سلطات فعلية في الرقابة لا أستطيع أن أخفي مدى سعادتي برد الفعل الذي أثاره مقال "أسطورة القرعة الهيكلية" بجزئيه، وأسعدتني الانتقادات التي طالت المقال أكثر من تلك التعليقات التي أشادت به، فالغرض في النهاية هو تحريك الماء الآسن، وإثارة القارئ الغير مهتم، على الالتفاف والاهتمام والبحث، وتحري الدقة حول تلك المنطقة المهجورة من سياسات الكنيسة (إن جاز استخدام مصطلح سياسيات). حتى تلك الانتقادات التي رأت أن الجزء الثاني من المقال ينقصه الكثير من النقاط التي كان من الضروري توضحيها، لكني آثرت عدم الغوص في العمق أكثر من ذلك حتى لا يكون المقال ثقيلًا على البعض أو منفرًا للبعض الأخر. وأسعدني أكثر مقال الصديق المهندس رجائي شنودة وترتيبه المنطقي والهندسي لنقد المقال، وأرجو أن يتسع صدره للإجابة على مقاله، في صورة نقاط منطقية مرتبة، حاولت قدر الإمكان أن تكون شديدة التركيز ومختصرة وبسيطة بقدر ما سمحت به الظروف. الاعتراض الأول كان الاعتماد على سلسلة مقالات د. "مينا عبد الملك" دون غيرها في انتقاد انتخاب الأنبا تواضروس، وإلقاء د. "عبد الملك" كل اللوم على عاتق الأنبا باخوميوس القائمقام البطريركي في أثناء العملية الانتخابية، في الوقت نفسه الذي لم ينتقد ولم يهاجم د. "عبد الملك"، من صاغ تلك العيوب التي شابت عملية انتخاب البطريرك برمتها، (ويقصد الأنبا شنودة الثالث). أوّد أن أوضّح هنا أن شخص د. "عبد الملك" ليس محل النقاش، وأنا شخصيًا لا أتفق مع د. "عبد الملك"، الذي أكن له كل الاحترام والتقدير، في العديد من المواقف السياسية والكنسية، لكن هذا لا يمنع، بل ومن المنطقي، أن أستخدم مذكرات د. "عبد الملك" التي تخدم الفكرة التي حاولت أثباتها في مقالي، حتى لو اختلفت معه في نواحي أخرى كثيرة، ولو أتيحت لي دراسات أو مقالات مشابهة تخدم الفكرة التي أحاول إثباتها، لكنت استخدمتها على الفور. لم أدع الحياد أبداً، وأنما حاولت -بكل ما أوتيت من قوة- إثبات صحة اعتقادي ورأيي، وهو أمر لا يمكن أن ينتقص من قوة الحجج التي أثيرت في المقالتين، وأزيد على الصديق م. "رجائي" أني أتفق معه شكلًا وموضوعًا في أنني أيضا أود لو كان د. "عبد الملك" قد كتب شيئا ينتقد فيه من صاغ تلك العيوب التي شابت العملية الانتخابية في الأساس، (ولكم أود أن يفعل مستقبلًا)، لكن يظل ما تناوله في سلسلة مقالاته "الحلم الذي تبدد في كنيستنا" التي تجاوزت الخمسون مقالاً هو مجهود جبار وشجاعة فائقة في انتقاد الذات، ومحاولة غير مسبوقة لإصلاح الكنيسة القبطية بواسطة متابع أكاديمي من الوزن الثقيل مثل د. "عبد الملك"، وأعتقد أن محاولته الشجاعة التي قام بها عند لقائه الأنبا باخوميوس في الأسبوع الأخير من حياة الأنبا شنودة، هي محاولة غير مسبوقة وينبغي تثمينها. استعانة د. "عبد الملك"، ببعض كتابات الأنبا شنودة الملتهبة، والتي دعت لقصر الترشح للبطريركية على الرتب الكهنوتية والرهبان، وتنكر الأنبا شنودة نفسه لما ما نادى به وكتب عنه وتناوله في مقالاته عندما كان لا يزال علمانياً، لا ينتقص من حجتنا وإنما يؤكد على أن شهوة الكرسي قد طالت الجميع وعلى رأسهم الأنبا شنودة ذاته، وهنا لابد أن أؤكد أني أتفق مع الصديق م. "رجائي" في وجهه نظره التي تؤكد أن أسقف الخدمات مثله مثل أسقف الإيبارشية لا يجوز ترشحه لمنصب البطريركية، وأزيد عليه أنه من خلال فهمنا لروح المبدأ وقوانين الدسقولية وتعاليم الآباء الرسل، فأنا أعتقد بعدم جواز أختيار البطريرك من الأساقفة عامة، حتى لو كان أسقف عام أو معاون أسقفي. عن الاعتراضات القانونية بالنسبة للاعتراضات القانونية التي أثارها د. "عبد الملك"، في مسألة قبول القائمقام ترشيح الأساقفة للكرسي البطريركي، وتبرير الصديق م. "رجائي" بأن الظروف وقتها وحجم المؤامرات التي كانت تحاك من أساقفة بعينهم، كان كافية لتبرير تجاوز وتغاضي القائمقام عن الشرط الأهم في المرشح، وهو ألا يكون أسقفًا، هو تبرير غير مقبول، هل تلك الظروف والمؤامرات التي أحيكت بعد نياحة الأنبا شنودة تفوق مثيلتها التي كانت وقت نياحة البابا يوساب الثاني، ووجود ما عرف بمراكز القوى داخل الكنيسة القبطية متمثلين في الحاشية البطريركية وسكرتير البطريرك الراحل "ملك"، ورغبته في تولي بطريرك ضعيف لا يستطيع عزله من منصبه، وتفشي السيمونية والفساد وسطوة رجال الحرس القديم التابعين للبطريرك الراحل الأنبا يوساب الضعيف؟ بالرغم من تلك الظروف أصر القائمقام الشجاع الأنبا أثناسيوس مطران بنى سويف أن يكون كل المرشحين في الانتخابات التالية من الرهبان وهم الأب متى المسكين، والأب مكاري السرياني والأب أنطونيوس السرياني (الأنبا شنودة الثالث فيما بعد)، والأب مينا البراموسي المتوحد. أما بالنسبة للسؤال الهام الذي طرحه الصديق "رجائي": لماذا لم يكتب د. “عبد الملك” عن هذا الموضوع في أثناء حبرية البابا شنودة وفي حياته! ؟ أو عن عوار اللائحة وزيغها رغم أن أصوات كثيرة فعلت؟ فإجابة هذا السؤال تقع على عاتق د. "مينا عبد الملك" بشخصه، ويظل هذا السؤال قائمًا حتى يجاوبنا د. "عبد الملك" عنه. عن الاعتراضات الانحيازية هنا يستعرض م. "رجائي" واقعة مقاربة تاريخيًا (وبرأيي لا تصل لحد التماثل)، عندما زج الأنبا أثناسيوس القائمقام، باسم الراهب مينا البراموسي في قائمة الترشيحات النهائية للانتخابات الباباوية وكانت تخلو من اسمه، تلك الانتخابات التي أسفرت عن فوزه ليصبح البابا كيرلس السادس، ولم يتهم أحد وقتها نيافة القائمقام بالانحياز. موافقة الأنبا أثناسيوس القائمقام على إدراج الراهب مينا البراموسي كانت تحت ضغط شيوخ الكنيسة وكبار السن، الذين اعترضوا على صغر سن المرشحين الثلاثة الشباب، فأصروا على إدراج مينا البراموسي بوصفه المعلم والقائد الروحي لهؤلاء الشباب، وليس لرغبة شخصية من القائمقام الأنبا أثناسيوس، ولم يُعرف وجود أي دالة مميزة تجمع بين الأنبا أثناسيوس والراهب مينا المتوحد قبل الانتخابات، وبذلك ينتفي أي أتهام بالانحياز، ويفسر لماذا لما يتهمه أحد وقتها بتلك التهمة. بعكس الأنبا باخوميوس، الذي أكد بكل صراحة عن رغبته في اختيار الأنبا تواضروس في حديثه المشار إليه في المقال الثاني مع د. "عبد الملك". عن الاعتراضات الشخصية أما بالنسبة للاعتراضات الشخصية على الأنبا باخوميوس، فأجد نفسي مضطرًا لتجاوزها لأن الاعتراضات الشخصية نسبية، فقد يجدها أحدهم سببًا للاعتراض على شخص الأنبا تواضروس، ويجدها آخر أنها ليست ذات قيمة، حتى لو كنت أنا شخصيًا أجدها أهم من الاعتراض الأول القانوني والثاني الانحيازي، لأن منصب البطريرك كما هو معروف، إضافة إلى كونه منصب روحي، فهو منصب إداري في المقام الأول، فلو كان الأسقف عاجزًا عن إدارة مشكلات إيبارشية صغيرة، فكيف سيكون قادرًا على إدارة الكنيسة القبطية بِرُمَّتها في الداخل والخارج؟ أما بخصوص الاستشهاد للتدليل على "شجاعة" الأنبا تواضروس المتمثلة في تجاهل دعوة رئيس الجمهورية محمد مرسي لحضور الاحتفالية الخاصة بانتهاء الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور، بعدما سحب ممثلي الكنيسة من الجمعية التأسيسية عشيه تجليسه، في تصرف صادم يفيض بالتحدي، فهو استشهاد خاطئ برأيي، فما حدث وقتها  أن كل فئات المجتمع المدني قد اتخذوا قرارًا جماعيًا بالانسحاب يوم 16 نوفمبر 2012 دون استثناء من الجمعية التأسيسية للدستور، قرارًا جماعيًا شاركت فيه الكنائس الثلاثة، القبطية والإنجيلية والكاثوليكية، وحتى مؤسسة الأزهر الشريف قد انسحبت بدورها، اعتراضًا على العوار الذي شاب التوازن في الجمعية التأسيسية، وعلى كبت الحريات المتعمد في الدستور المزمع صدوره، ولم يكن قرارًا منفردًا على الإطلاق. وأزيدك من الشعر بيتًا أن الأنبا تواضروس لم يكن صاحب قرار انسحاب الكنيسة من الجمعية التأسيسية بل كان قرار الأنبا باخوميوس القائمقام ((تم تجليس الأنبا تواضروس يوم 18 نوفمبر بعد يومان من قرار الانسحاب. )). حتى قرار تجاهل دعوة رئيس الجمهورية محمد مرسي لحضور الاحتفالية الخاصة بانتهاء الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور في 2 ديسمبر، لم يكن قرارًا منفردًا للأنبا تواضروس، بكل كان قرارًا جماعيًا لكل القوى السياسية التي قاطعت تلك الاحتفالية الهزلية (باستثناء شيخ الأزهر "أحمد الطيب" الذي شارك في الاحتفال)، ولم يكن الأنبا تواضروس ليملك سوى مسايرة التيار السائد، محتميًا في المقاطعة الجماعية لكل القوى المؤثرة من الجمعية التأسيسية، والمدعومة دون شك بأجهزة قوية في الدولة العميقة كانت ترفض الأخوان ودستورهم، أي أنه لم يكن بمفرده ضد التيار، ولم يتخذ أي موقف صادم. عن عصمة البابا، ومواقف البطاركة الثلاثة من المجلس الملي العام بالنسبة للجزء الأخير في مقالة الصديق م. "رجائي"، والذي أجده هو الجزء الأهم في الثلاثة مقالات مجتمعين، وهي مسألة العصمة من الخطأ والخطية في بابا الإسكندرية، فأنا أتفق مع م. "رجائي" في أن الرقابة الشعبية هي الضامن الحقيقي لعدم تحول البطريرك إلى نصف إله لا يُسأل ولا يحاسب، لكن الفرق بين المفترض وبين الواقع كمثل الفارق بين الأرض والشمس، فقوانين الكنيسة القبطية تنزع أي عصمة عن بطريرك الكنيسة القبطية من الخطأ أو الخطية، أما الواقع فأن الكنيسة تدفع بكل ثقلها ناحية تأكيد فكرة عصمة البطريرك الغير مكتوبة والغير رسمية، فكرة تنتشر كالنار في الهشيم يمكن رصدها بكل سهولة من خلال رد فعل الكنيسة الرسمي والغير رسمي تجاه أي أنتقاد ينال البطريرك أو أحد الأساقفة، حتى وصل الحال إلى تحريم انتقاد الكهنة والرهبان في تأكيد ضمني على عصمتهم من الخطأ والخطية. وما يؤكد وجهة نظري أن الباباوات الثلاثة كيرلس وشنودة وتواضروس، قد اتخذوا موقفًا مناوئًا من المجلس الملي العام الذي يفترض به أن يمارس نفس الدور الذي يمارسه مجلس الشعب في الرقابة على الحكومة ورئيس الدولة، ويمثل الشعب القبطي في الرقابة على البطريرك وعلى الكنيسة، فالأنبا كيرلس أتخذ موقفًا عدائيًا صريحًا ضد المجلس الملي، ورفض مراقبة العلمانيين، حتى أنه طلب، في عهد الرئيس جمال عبد الناصر بتجميد عمل المجلس. أما الأنبا شنودة فكان أكثر حنكة ودهاء، وقرر أن يحتوي المجلس الملي ويقصص ريشه وأجنحته، بدلًا من الصدام معه، حتى أصبح المجلس مجرد ديكور عديم النفع والفائدة، يدين أعضائه بالولاء التام والأعمى ناحية شخص البطريرك الأنبا شنودة ويأتمرون بأوامره، بعد أن أحكم هذا الأخير السيطرة على اختيارات أعضائه وتوزيع قوائم على الكنائس بمن يرغب في اختيارهم. أما الأنبا تواضروس فكان أكثر استخفافًا بالمجلس الملي، فلم يكترث أصلًا لوجوده، حتى لو كان مجرد وجودًا شكليًا لا يمارس أي سلطات فعلية في الرقابة على الكنيسة وأموالها وحساباتها وبطريركها، فالمجلس الملي العام الأخير للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، الذي شُكل نتيجة الانتخابات التي أجريت في 2006، انتهت مدته القانونية في أبريل 2011، أي ما يقرب من أحد عشر عامًا، دون أي نية أو إشارة لإعادة تشكيله في القريب العاجل، متحججًا بأن الظروف السياسية التي مرت بها مصر في الأعوام العشر الأخيرة لم تسمح بعقد انتخابات المجلس الملي، وهي حجج واهية بنظري، ففي أوج الظروف العصيبة التي مرت بها البلاد في نوفمبر 2012، وبعد أقل من خمسة شهور على تولي الرئيس الإخواني محمد مرسي، وفي وقت الصدام مع الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور الإخواني، عقدت الانتخابات البطريركية والقرعة الباباوية دون أي غضاضة، وتولى الأنبا تواضروس منصبه كبطريرك للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، فهل نجد رد فعل مسئول من البطريرك الأنبا تواضروس تجاه تغلغل فكرة عصمة البابا في الشعب المسيحي، وتجاه انتخاب مجلس ملي عام حقيقي يمارس دوره الرقابي بكفاءة؟ النقطة الأكثر أهمية، هل يمكن أن يتخذ الأنبا تواضروس موقفًا تاريخيًا شجاعًا بتغيير لائحة انتخاب البطريرك، واتخاذ ما يلزم في المستقبل لمنع ترشح أي أسقف، أيًا كانت إيبارشيته وتخصصه، وأيًا كانت الظروف، للكرسي المرقسي؟؟ --- ### جبل آثوس: أرض مقدسة أم مُجمع مرضى؟ - Published: ۲۰۲۲-۰۱-۱۷ - Modified: 2024-03-03 - URL: https://tabcm.net/3647/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, المرأة القبطية - وسوم: أنبا بولا، مطران طنطا, الجنة المتجددة, بابا شنودة الثالث, بستان الرهبان, جبل آثوس, جراهام سبيكي, سيجموند شلومو فرويد, شهرا وسط الرجال, فوطيفار, ماريز تشويسي, يوسف الصديق بالنسبة للحيوانات، فقد التزموا هم أيضًا بالعزوبة. فلدينا قطط ذكور كثيرة بالدير، وقد نسوا أمر الزواج مثل الرهبان (جراهام سبيكي، جبل آثوس: الجنة المتجددة) تحدثت منذ أيام عن القرارات الجديدة التي صاغها الأنبا بولا بمطرانية طنطا حول تفتيش النساء قبل الدخول بواسطة الأمن النسائي، والتأكد من طول الملابس وعرضها، حتى لا يقع أي شاب مسكين في العثرة. كما كتبت الزميلة سارة مقالًا عن الموضوع نفسه قائلة: إن تلك القرارات جعلتها تلعن جنسانيتها بل وتراجع نفسها في فكرة الانتماء للكنيسة من الأساس! فالقرارات قد أثارت حفيظة الكثيرين وذكرتنا بإسلام آباد أو أفغانستان، أيهما أقرب. لكن، لا تنزعج عزيزي القارئ. طنطا ليست الأسوأ؛ فهناك أماكن تحمل اسم المسيح وتمنع دخول المرأة مطلقًا، من أشهرها جبل آثوس. للفضيلة درجات ومراتب، وهذه الأماكن تفوقت على المتطرفين وحسمت الأمر، وضربت فكرة السقوط في العثرة في مقتل. فتفتيش النساء وحثهم على تغطية الجسد ليس كافيًا؛ لأن بعض الشباب ينجذب للمرأة المستترة ويفضلها على غيرها. أتذكر ذلك المشهد للممثل "لاري ديفيد" في مسلسل Curb Your Enthusiasm حين قال للفتاة التي حاولت إغرائه إنه قد مل من تلك الملابس القصيرة، ويريد بعض الغموض وطالبها بارتداء الملابس المحتشمة كنصيحة لها لتحسين مسارها الوظيفي مع الرجال. وبالفعل، تبدأ الفتاة الأمريكية في ارتداء الفساتين الطويلة والبناطيل الواسعة، وتزدهر تجارتها كبائعة هوى. وقد روى البابا شنودة الثالث قصة شبيهة عن الفتى الراهب الذي رأي في أول مرة خرج فيها من الدير: امرأة تغطي وجهها وجسدها بالكامل، وظل يفكر فيها وتسأل عن شكلها! ففكرة تفتيش النساء ليست هي الحل الأقوى. ماذا لو كان عطر المرأة شديد الجاذبية؟ عيناها؟ إلى أخره. لذلك، منع رهبان جبل آثوس -وهو دير للرهبان الأرثوذكس باليونان- زيارة المرأة ودخول إناث الحيوانات (لأن الحرص واجبًا). يخلو الدير من جميع الحيوانات والطيور التي شاء لها القدر أن تولد إناثا مثل الدجاج والبقر. لكن، لم يستطع الرهبان منع الحشرات والعصافير المؤنثة متعللين باستحالة الأمر. لكنهم قد فكروا في منعهم، وفشلوا. وبالطبع، سيقدر الله تعبهم وجهادهم بغض النظر عن النتيجة. أسمعك يا من تتهامس ضاحكًا، وتسخر من قداسة الرهبان. يعتبر بعض الأطباء النفسيين، الدير، أرضًا خصبة لدراسة الأمراض النفسية والعقد الفرويدية المتعلقة بتشوه صورة الأم لدى الإنسان، وما ينتج عنها من احتقار لجنس المرأة والزواج (Mother Figure/ Attachment Disorder). لذلك، شرع بعض الأطباء في دراسة تلك الظاهرة نفسيًا. وقضت الفيلسوفة والصحفية الفرنسية "ماريز تشويسي" شهرًا في ذلك الدير متخفية في زي رجل وكتبت كتابها الاستقصائي "شهرًا وسط الرجال". فلا توجد أي نساء على مقربة 500 متر من الساحل المحيط بالدير، وإذا دخلت إحداهن، تُطرد وتُعاد الصلوات من بدايتها. وفي عام 2008، ألقى بعض المهربون أربع نساء في تلك البقعة، وفروا. وسرعان ما ألقى الرهبان القبض عليهن ليدخلن في نوبة من الذعر والاعتذار للرهبان لجهلهن بالمكان ولوقوعهن بالخطأ على أرضه. يقول "جراهام سبيكي" صاحب كتاب "جبل آثوس: الجنة المتجددة" إن هذا هو أفضل حل وجده الرهبان لضمان العزوبة والبتولية. ولدى الرهبان تقليد يقول إن السيدة العذراء قد خرجت عن مسارها عندما كانت تحاول الإبحار إلى قبرص وهبطت على جبل آثوس. وقد أحبت ذلك المكان كثيرًا لدرجة أنها صليت لابنها أن يمنحه لها. لذلك، قرر الرهبان منع جميع الإناث لكي تبقى العذراء مضيئة وحدها، لا تسرق أي أنثى أخرى الضوء منها! لكن، لم يوضح "سبيكي" كيف يمكن أن تسرق دجاجة الضوء من السيدة العذراء! وهل منح المكان لها يلزمه كل هذا؟ وهل ما يفعله هؤلاء الرهبان يسر العذراء أو يسر أي إنسان عاقل؟ ولماذا يكون هذا هو السبيل الوحيد لضمان البتولية؟ هل الرهبان ضعفاء لهذا الحد حتى يفقدوا بتوليتهم بسبب تردد النساء إلى الدير؟ ألا يهين ذلك التصور الرهبان ويطعن في قداستهم وفي الرهبنة؟ لم يكن "يوسف الصديق" راهبًا، ولم يختر الانعزال وسط الجبال الخضراء للتفرغ لمحاربة الشياطين، بل عاش في قصر "فوطيفار" وسط الجواري والنساء الجميلات وزوجة "فوطيفار". لكنه، لم يكن بهذه الهشاشة على الرغم من صغر سنه. كما يرى البعض أن هذا التقليد المزعوم ما هو إلا تمحك فارغ في السيدة العذراء للتغطية على أصول شريرة تكمن في النفس. ناهيك عن مصدر هذا التقليد من الأساس! فكيف نعرف أن العذراء قد أعجبها آثوس وصلت هذه الصلاة. من سمعها وهي تصلي؟ ويستطرد سبيكي قائلًا: بالنسبة للحيوانات، فقد التزموا هم أيضًا بالعزوبة. فلدينا قطط ذكور كثيرة بالدير، وقد نسوا أمر الزواج مثل الرهبان. (جراهام سبيكي، جبل آثوس: الجنة المتجددة) امنعوا الضحك. فما أجمل هذا المكان الذي أنسى القطط غرائزها وجعلها تقبل نعمة التبتل في سرور؟ هذه هي الجنة فعلا!  أما عن منتجات الألبان التي يطعمها الرهبان للقطط المترهبنة، فيقوم رهبان الدير بشرائها من الخارج لعدم وجود أبقار ودجاجات في الدير. وكل هذا العناء ما هو إلا حب وإجلال للسيدة العذراء، وليس كره أو نكاية في المرأة والجنس بشكل عام لا سمح الله. عمومًا، نشكر مطرانية طنطا لسماحها لنا كنساء بالدخول إلى كنائسها، راجين الله ألا تتمادى في الفضيلة أكثر من ذلك حتى لا نصبح مثارًا للسخرية والاستهزاء مثل جبل آثوس وتأتي نساء غربيات مارقات من أقاصي الأرض لإجراء الأبحاث والتجارب النفسية علينا وكتابة كتب ساخرة مثل: "مغامرة مع الأمن النسائي" . . "شهرًا وسط الطنطاويين". . "كيف دخلت مارجرجس طنطا بلا إيشارب". --- ### خواطر في تفسير إنجيل يوحنا
فهرس: الإصحاح الثاني - Published: ۲۰۲۲-۰۱-۱٦ - Modified: 2022-02-11 - URL: https://tabcm.net/3691/ - تصنيفات: عام, كتاب مقدس --- ### يا شعبي الحبيب الطيب المهاود: أعلن عليكم قداستي - Published: ۲۰۲۲-۰۱-۱۵ - Modified: 2024-12-19 - URL: https://tabcm.net/3613/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أنبا أثناسيوس، مطران بنى سويف والبهنسا, أنبا أنطونيوس الكبير، أبو الرهبان, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس السادس, بابا كيرلس عمود الدين, بيشوي كامل, قديس أثناسيوس الرسولي, مزارات القديسين, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية ثم ظهرت نوعية جديدة من المزارات، داخل الأديرة، لرهبان يزعمون قداستهم تأسيسًا علي انهم "بهاليل" و "علي باب الله" وان معجزاتهم تملأ سيرهم. ولكني يا سادتي الأعزاء نقبت كتب التاريخ بحثا عن معجزات لأثناسيوس وكيرلس ولم أجد، أنطونيوس والمقارات ولم افلح، ذهبي الفم والكبادوك ولم أنجح لعلك تذكر تلك الصورة الكاريكاتورية لأحد رؤساء جمهوريتنا السابقين وقد غطت بذلته جميع الأوسمة والنياشين التي تقلدها الدولة لمستحقيها، فالرجل -فور انتخابه- وضع لنفسه كل القلادات والأوسمة، حتي وسام "الكمال" المخصص للسيدات، لم يتورع عن منحه لنفسه. أثار الأمر حينها استياءًا واسعًا وسخرية قاسية، فالرجل المؤتمن علي كل مقدرات الدولة، قد طعن الأمانة في مقتل في اختبار مبكر. التوصيف الصحيح لما حدث -كما قد تتفق معي- أن الرجل بصفته حكمًا مؤتمنًا، حكم باستحقاقه هو نفسه لكل التكريمات الممكنة من الكيان الذي قاده حظه العاثر أن يكون تحت رئاسته! الموقف برمته يتكرر اﻵن كنسيًا بكثافة، فما أن يتنيح أسقف حتي نفاجأ بأن الرجل قد أعد لنفسه مزارًا فخمًا مستقلًا، بل ومدائح -رغم ركاكتها- لا تبدو لي أنها أُعدت علي عجل. الوحيد الذي خالف القاعدة و لم ينشئ لنفسه مزارًا، بل ترك وصية بالدفن في" طافوس" ديره، قذفوا بوصيته عُرْضَ الحائط وأقاموا له مزارين وليس واحدًا، في تصرف يعيد إلي الذاكرة ما حدث لوصية القديس البابا كيرلس السادس، وسنأتي لها لاحقا. الواقع أن هؤلاء الأساقفة بهذه المزارات المعدة لهم، يعلنون علينا قداستهم، رغمًا عن أنوفنا وأنف التقاليد الكنسية المستقرة التي أزاحت إعلان القداسة لنصف قرن علي الأقل، وأنف القرار الذي استصدره منهم قداسة البابا في اجتماع للمجمع المقدس بحظر إنشاء مزارات أو كتابة مدائح لمن لم تُعلن الكنيسة قداستهم "بعد". ولنبدأ الحكاية مبكرًا قليلًا، فلم تكن كنيستنا تعرف المزارات، حتي تربع علي السدة حبر مختلف، فصنع حبرية خاصة جدًا. لا أزعم أن ما سأسرده اﻵن هو الوقائع بحذافيرها، ولكنها أفضل المعلومات المتوفرة لدي. بدأت صحوة المزارات في العصر الحديث بعد نياحة أبونا البطريرك القديس كيرلس السادس، كانت وصية قداسته واضحة تمامًا، لا تحتمل اللبس، الدفن بملابسه وقت الوفاة، بالمدفن اسفل "الكنيسة" بدير مار مينا، لم يذكر قداسته شيئًا عن مزار أو مدفن خاص، ولا أعلم إن كان يقصد هذا المكان المدفون به حاليًا أم كان يقصد مكانًا آخر. لكن مثلث الرحمات البابا شنودة الثالث لم يرضه الدفن بهذه الطريقة، فأمر بتجهيز مزارًا لجسد قداسة البابا كيرلس، واستغرق الأمر عشرين شهرًا حتي نُقل جسد قداسته إلي المزار الحالي، ومن هنا كانت البداية. ثانية الأثافي، كانت نياحة أبونا القديس بيشوي كامل، وطلب قداسة البابا شنودة أيضا تجهيز مدفن له داخل الكنيسة! لم تكن هذه فكرة أو رغبة أبونا القديس، ويظهر هذا من البيان الذي اصدره كهنة الكنيسة المباركة، يشكرون فيه قداسة البابا شنودة، ويطلبون دفنهم في مدفن كهنة الإسكندرية (وبالمناسبة: إعلان قداسة أبونا بيشوي كامل لا يزال رهينة في سراديب مجلس الأساقفة) لم يكن أحد ليعترض علي إنشاء مزار لأحد القديسين سالفي الذكر، رغم شذوذ الفكرة، لمكانتهما عند جموع الشعب القبطي، وقداستهما التي ليست محلًا للنقاش، فمر الأمر دون نقاش. أصبحت المزارات أمرًا واقعًا، يقبله الشعب كقضية مسلم بها، لا يتناطح فيها عنزان، لم تعد حتي"القداسة"معيارًا، أو بالأحرى، أصبحت القداسة صفة لصيقة لكل من يحمل عمة الأسقفية، وبات المزار لزوم الأسقفية. ثم ظهرت نوعية جديدة من المزارات، داخل الأديرة، لرهبان يزعمون قداستهم تأسيسًا علي أنهم "بهاليل"، و"علي باب الله"، وأن معجزاتهم تملأ سيرهم. ولكني يا سادتي الأعزاء نقبت كتب التاريخ بحثًا عن معجزات لأثناسيوس وكيرلس ولم أجد، أنطونيوس والمقارات ولم أفلح، ذهبي الفم والكبادوك ولم أنجح. لابد أن هناك سببًا خاصًا يدعو الرب أن يؤيد قديسينا المحدثين هؤلاء بالمعجزات، وحينها لابد أن نسعد بوجود مزارات لهم. الجديد هو ما فاجأنا به البعض من إعادة تأهيل مزارات بأثر رجعي. وتتلخص الحكاية في أن نيافة الجليل العظيم بحق الأنبا أثناسيوس، مطران بني سويف المتنيح، قد سُجي جسده في مدفن مُجمَّع لأساقفة الإيبارشية في أحد الأديرة بنطاق الإيبارشية، كما هي العادة المستقرَّة والمتَّبعة في كنيستنا. فهل يمر الأمر هكذا؟ لقد شاهدنا عملًا تأهيليًا لتحويل المدفن إلى مزار، وأنا على يقين أنه لو سُئل نيافته -وهو الرجل الذي كان يرتق جواربه زهدًا- لاستنكر بشدة. نعم يا سادة، شيدوا ما تشاؤون من المزارات في الأديرة، للأساقفة والبهاليل ومن شئتم، ولكن ابتعدوا عن الكنائس. كنائسنا طريقنا للحياة، وليست محلًا للقبور. --- ### الله اﻷب أم الطبيعة اﻷم؟
من طوفان نوح حتى كوفيد١٩ - Published: ۲۰۲۲-۰۱-۱٤ - Modified: 2024-04-28 - URL: https://tabcm.net/3694/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, عام, لاهوتيات - وسوم: إفخارستيا, الثالوث القدوس, الغنوصية, تاجر البندقية, حنانيا وسفيرة, سدوم وعمورة, طوفان نوح, قديس أثناسيوس الرسولي, قديس أوغسطينوس، أسقف هيبو, قديس إيرونيموس چيروم, قديس بولس الرسول, وليام شكسبير كمسيحيين أرثوذكس، نسعى لإيجاد أجوبة لأسئلتنا في الكنيسة، والكتاب المقدس، وكتابات الآباء، والمجامع المسكونية وقوانين الكنيسة، إلخ. غالبًا ما يُجبر المؤمنين على محاولة فهم ما يحدث في العالم المحيط بهم في الكتاب المقدس، كونه أسهل عناصر التقليد الكنسي الممكن الوصول إليها. أحيانًا لا يكون لسؤالهم جواب في الكتاب المقدس وبالتالي إما يضيفون مفاهيمهم المسبقة على الكتاب المقدس أو يمضوا حزانى لعدم إيجادهم للإجابات التي جاؤوا للبحث عنها. المشكلة الأساسية هنا هي المحاولة الإنسانية في الذهاب للكتاب المقدس لإيجاد الذات أو الأنا أو أي شخص آخر غير المسيح. الجهل بالكتاب المقدس هو جهل بالمسيح. (القديس جيروم - مقدمة تفسير إشعياء) الوحدة بين المسيح والكتاب المقدس غير قابلة للجدل. محاولتنا للبحث عن أي شيء غير المسيح هو، بشكل ما، خطية ضد الكتاب المقدس. قدرتنا على الاقتباس من الكتاب المقدس لا تعني بالضرورة أننا نعرف المسيح. الشيطان يستطيع أن يقتبس الكتاب المقدس لتحقيق أهدافه. (وليام شكسبير، مسرحية: "تاجر البندقية") لا فائدة في البحث في كيفية أو أسباب أو أهداف اقتباس الشيطان للكتاب المقدس. تستطيع قصة التجربة على الجبل في الأناجيل الإزائية أن تلقي الضوء على طرق قراءة الكتاب المقدس بالمنهج الشيطاني. فما هي إذن الطريقة المسيحية لقراءة الكتاب المقدس؟ لإجابة هذا السؤال، لننظر إلى سؤال طرحه المسيح على تلاميذه منذ حوالي ألفين سنة: من يقول الناس إني أنا؟ على الرغم من أن إجابة ق. بطرس: أنت هو المسيح ابن الله الحي صحيحة، إلا أنها بالطبع لم تكن كافية للرد على الغنوسيين والأريوسيين والأبوليناريين، إلخ. لذا احتاجت الكنيسة لفحص الكتب المقدسة مرارًا وتكرارًا للرد على الاعترافات الخاطئة عن هوية المسيح التي قدمها الهراطقة. بناء على هذا الفحص، تم التأكيد على الاعتراف الكنسي القديم الذي يقدم هوية المسيح باعتباره الكلمة المتجسد الذي جاء ليخلص العالم. وحين واجهه واضطهده اليهود بسبب صنعه للمعجزات، أجاب يسوع وقال: فتشوا الكتب لأنكم تظنون أن لكم فيها حياة أبدية. وهي التي تشهد لي... لأنكم لو كنتم تصدقون موسى لكنتم تصدقونني، لأنه هو كتب عني. (يوحنا 5: 39، 46) إجابة يسوع تتضمن عنصرين أساسيين لابد من فحصهما: أولًا، ما هي الحياة الأبدية؟ وثانيًا، كيفية تكلم موسى عن يسوع. حين يسمع المرء عن الحياة الأبدية، يأتي لذهنه صورة العصر الوسيط حيث النفوس التي بلا أجساد تحوم حول السحب والملائكة المرسومة على هيئة أطفال بينما يسوع جالس على عرش. هذه الصورة هي أبعد ما يكون عن الحقيقة. فإجابة يسوع هي أن الحياة الأبدية هي معرفة الله ويسوع المسيح الذي أرسله (يوحنا 17: 3). وفي موضع آخر، يؤكد يسوع على أننا نتذكر كلماته التي نعرفه بها بواسطة الروح القدس (يوحنا 14: 26). فالخلاصة هي أن الحياة الأبدية هي معرفة الثالوث القدوس كما استُعلن لنا في التجسد. وذكرى التجسد محفوظة لنا في العهد الجديد. أما العنصر الثاني من إجابة يسوع الخاصة بموسى الذي كتب عنه، نجد صداها في قانون الإيمان النيقاوي-القسطنطيني حيث نقول: نؤمن برب واحد يسوع المسيح... كما في الكتب. ومن المهم أن نتذكر هنا أنه حين كُتبت هذه الكلمات في القرن الرابع الميلادي، كان المقصود بالكتب ما نعرفه الآن باسم "العهد القديم". وهذا ليس بأمر عجيب، فالمسيح القائم من بين الأموات على طريق عمواس فسر لهماالأمور المختصة به في جميع الكتب (لوقا 24: 27). وعلى الرغم من ذلك، فهذا التفسير الخاص بالعهد القديم لم يكن كافيًا لمساعدة التلميذين على معرفة هوية ذاك الذي كان يحدثهم. فقط في كسر الخبز الإفخارستي انفتحت أعينهما وعرفاه ثم اختفى عنهما (لوقا 24: 31). لذلك، فالقراءة الأرثوذكسية للكتاب المقدس هي في الأساس قراءة إفخارستية. فالكنيسة، باعتبارها المسيح مُوزعًا على المؤمنين حسب تعبير ق. أغسطينوس، تمتلك حق تفسير الكتاب المقدس للمؤمن. وبسبب أهمية العهد القديم في الاعتراف الأرثوذكسي بهوية يسوع، فالكنيسة استمرت في الاهتمام بالعهد القديم باعتباره مشيرًا لشخص المسيح. بل أكثر من ذلك، بدأت الكنيسة في تغيير عدسة تفسيرها للكتاب من البرقع للإعلان عن شخص المسيح القائم والدائم الحضور في الإفخارستيا. كما يقول ق. بولس الرسول: فإذ لنا رجاء مثل هذا، نستعمل مجاهرة كثيرة وليس كما كان موسى يضع برقعًا على وجهه لكيلا ينظر بنو إسرائيل نهاية الزائل، بل أغلظت أذهانهم، لأنهم حتى اليوم ذلك البرقع نفسه عند قراءة العهد العتيق باق غير منكشف، الذي يبطل في المسيح... ولكن عندما يرجع إلى الرب يرفع البرقع. وأما الرب فهو الروح، وحيث روح الرب هناك حرية. (2 كورنثوس 3: 12-17) لهذا فالإجابات السطحية التي يعطيها البعض مثل: "أنا لا أهتم بهذه القصة لأنها من العهد القديم" لن تكون كافيةً بالنسبة لبحثنا. وللأسف، فهناك اتجاه عند البعض يتضمن التقليل من شأن ما يحدث في العهد القديم كما لو أنه لا يعلن أي شيء عن الله وتعاملاته مع البشرية. فالبعض يتطرف في هذا الاتجاه حتى أنه يربط العنف بالله في العهد القديم بينما يربط الرحمة بالله في العهد الجديد. والمتطرفين في هذا الاتجاه يغفلوا آيات من العهد الجديد مثل أما أعدائي، أولئك الذين لم يريدوا أن أملك عليهم، فأتوا بهم إلى هنا واذبحوهم قدامي (لوقا 19: 27)، أو لأن غضب الله معلن من السماء على جميع فجور الناس وإثمهم، الذين يحجزون الحق بالإثم (رومية 1: 18)، أو أحداث مثل موت حنانيا وسفيرة.  ويوجد نوع أخر يتطرف في التركيز على آيات مثل يسوع المسيح هو هو اليوم والأمس وإلى الأبد (عبرانيين 13: 8) وأن في الله لا تغيير ولا ظل دوران (يعقوب 1: 17) ويتجاهلون بقية الكتاب المقدس. هؤلاء يضطروا لتجاهل حقيقة التجسد الذي به تغيرت علاقة الإنسانية بالله وبالتالي تعاملات الله مع الإنسانية التي صارت منذ ذلك الحين ملائمة لحقيقة البشرية الجديدة في المسيح. أتمنى أن نفحص الكتاب المقدس معًا بالطريقة الأصيلة التي طالما استخدمتها الكنيسة. هلم نفحص الكتاب المقدس ونحن واضعين الحياة الأبدية، كما عرفها المسيح سابقًا، نصب أعيننا. هلم نقرأ كل سفر وكل حادثة بالطريقة التي ينبغي أن تُقرأ بها بواسطة الروح القدس في شركة الكنيسة، وليس بالطريقة الهرطوقية التي وصفها ق. أثناسيوس في قوله: أنهم ضالين جدًا لأنهم لا يفسرون الأسفار المقدسة بحسب القصد الإلهي للسفر. (القديس أثناسيوس الرسولي، الرسالة الثانية لسرابيون عن الروح القدس) هلم نقرأ ونفهم -في روح الصلاة- العلاقة بين الله والطبيعة في الخليقة والإنسان. من الطبيعي أن يرى الكثيرين الجمال في الطبيعة وأن ينسبوا الجمال للطبيعة الأم بينما كثيرًا ما ينسب نفس الأشخاص الكوارث الطبيعية لله أبانا. أني أدعوك للانطلاق معي في هذه الرحلة راجيًا أن نرى الأشياء بطريقة مختلفة نوعًا ما. الجزء الأول: الأساسيات النظرية: الله كخالق الله كآب والمسيح كأخ الله: غضوب؟ الطبيعة الساقطة / الطبيعة القائمة العناية الإلهية الجزء الثاني: حوادث كتابية وعواقبها: الطوفان العظيم سدوم وعمورة يوسف والمجاعة في الطريق لأرض الميعاد حنانيا وسفيرة الجزء الثالث: وباء كوفيد١٩ ما بعد الموت --- ### للصخب والارتباك القبطي جذور - Published: ۲۰۲۲-۰۱-۱۳ - Modified: 2022-01-14 - URL: https://tabcm.net/3716/ - تصنيفات: شئون علمانية - وسوم: مكاري يونان الحالة المرتبكة التي تكشفها ردود أفعال بعض رواد العالم الافتراضي من المسيحيين المصريين إزاء رحيل أبونا مكاري يونان، لم تكن وليدة لحظة، أو انفعال مفاجئ.  نحن نجنى ثمار ما تم زرعه والناس لم تكن نياماً، كانت الساحة تمور بتيارات متعددة، على المستويين العام والكنسي، في أربعينيات القرن العشرين، وكان لتيار مدارس الأحد مساحة متنامية في التشكل والتأثير، وحثيثاً حثيثاً صار اهم تيار في الساحة، ولم تعوزه الجرأة والصراحة وربما العنف في طرح رؤيته عبر صفحات مجلة مدارس الأحد، في مرحلة شبه ليبرالية. لم يكتف شباب هذا التيار بإدارة معاركه عبر المقالات، بل ترجمها إلى خطوات مدروسة ومخططة لفرض سيطرته على مقاليد الكنيسة، وخلال عقدين كان رموز هذا التيار يجلسون على مقاعد قيادة الكنيسة، وشأنها شأن كل الحركات الفاعلة في الشأن العام، عندما تنتقل من براح التنظير وشعاراته الطوباوية إلى واقع الحياة والسلطة، تبدأ الصراعات، والتي تنتهى غالباً بأن يقفز الجناح الأكثر تشدداً وحنكة ليستأثر بالمشهد ويقصى الأجنحة الأخرى.  ويقع في مأزق تصفية الحسابات مع من يرى أنهم معوقين، ممن كانوا قبلاً من الداعمين ويقفون في نفس الخندق، لكنهم مازالوا يبدون اعتراضهم على إدارة المشهد. لم يختلف الأمر عما يحدث في الحركات الثورية حين تنتقل إلى دوائر السلطة، ويبدو أن قاعدة أن الثورة تأكل أولادها مازالت صحيحة. الأزمة الحقيقية هي القاعدة الفكرية المرتبكة التي قامت عليها رؤية الجناح الحاكم، الذي لا تنقصه الثقافة والوعى والإيمان بالإصلاح، كانت قاعدتهم تنطلق من رؤى ذاتية منبتة الصلة بالمصادر الآبائية، وهو أمر يمتد إلى أطروحات الأب المؤسس الأستاذ حبيب جرجس، الذي اعتمد على مصادر مختلفة هي جل المتاح وقتها.  ولعل هذا يفسر لنا المواجهات العاتية التي استهدفت تيارات الإحياء الآبائي، في تنويعة على صراع المثقف والسلطة، وعمق الأزمة حالة التردي العام في الذهنية العامة، وفقاً لنظرية الأواني المستطرقة. اختفى جيل الصراع، وجاءت أجيال تالية لا تملك أدوات وحنكة الأولين، سلطة بلا فكر، تحولت إلى سطوة غاشمة، وصراع متهافت يغوص في المصطلحات دون جوهرها، وقاعدة عريضة تعاني من ضبابية الرؤى واختلاطها. فماذا عن التيارات الاصلاحية الآنية؟ عندما لاحت في الأفق مؤشرات أو بدايات ما تعانيه الكنيسة اليوم بادرنا بالكتابة في مجلة "مدارس الأحد" التي أسسها الرعيل الأول من الخدام، وتولى رئاسة تحريرها الأستاذ "نظير جيد" حتى عام ١٩٥٤، العام الذي دخل فيه الدير ليبدأ مشوار الرهبنة الذي قاده إلى موقع القيادة. تشهد المجلة العديد من الكتابات التي تنبه لوجود اختلالات ما في فضاء إدارة الكنيسة، وطرحت رؤى عديدة لمعالجتها، وجاء هذا اتساقاً مع خط المجلة الذي إستنه الرعيل الأول، لكن إدارة الكنيسة والتي كانت تتشكل عند قمتها من ذاك الرعيل لم تسترح لأطروحات المجلة واتخذت موقفاً مناوئاً لها انتهى بصدور قرار بابوي يندد بتوجه المجلة ويعلن سحب اعتراف الكنيسة بها (! ! ) -أغسطس ١٩٩٤- وتبدأ حملات تشويه عاتية لكل من شارك بالكتابة فيها. لفت القرار الذي تم نشره في كل الصحف انتباه الإعلام العام، الذي افسح المجال لعديد من كتاب المجلة لنشر مقالاتهم الاصلاحية. في تطور لاحق شكلنا مجموعة بحثية فكرية عرفت باسم "التيار العلماني القبطي" وقصد بالاسم أن المجموعة كلها من أبناء الكنيسة من المدنيين من غير الإكليروس. وقدم التيار العديد من الأبحاث في محاور الإدارة والرهبنة والتعليم، في فاعلية سنوية استمرت من عام ٢٠٠٦ حتى عام ٢٠١٠، ثم توقفت مع ما حدث في مصر من تطورات، ثم رحيل قداسة البابا شنودة ٢٠١٢. والتزمنا بتقديم ما تسفر عنه مؤتمرات العلمانيين السنوية من أبحاث وتوصيات لقداسة البابا شنودة الثالث يداً بيد. لم يلتفت قداسته لكل ما قدمناه له، وتفاقمت المشاكل والأزمات. فأصدرت بشكل شخصي في هذا التوقيت كتاب "العلمانيون والكنيسة" تضمن في أحد فصوله موجزاً، ولما قدمناه عبر مؤتمرات العلمانيين، مع العديد من الفصول التي تناولت ما يؤرق الكنيسة وقدمنا نسخة منه لقداسته وآباء المجمع. واتصالاً بتوجه طرح الحلول لما تعانيه الكنيسة، أصدرت لاحقاً كتابين في حبرية قداسة البابا تواضروس الثاني: * كتاب "قراءة في واقعنا الكنسي" ٢٠١٥ * كتاب "الكنيسة... صراع أم مخاض ميلاد؟" الكرة في ملعب الكنيسة... لعل إدارتها تنتبه لما تم طرحه والبناء عليه قبل فوات أوان التصحيح، ولعلها تستوعب أن المفاتيح القديمة لا تفتح الأبواب الجديدة. --- ### العلل البذرية والخلق التطوري - Published: ۲۰۲۲-۰۱-۱۲ - Modified: 2024-02-29 - URL: https://tabcm.net/3513/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: أفلاطون, الخلق التطوري, الشيطان, العلل البذرية, الكنيسة الجامعة, باسيليوس الكبير، أسقف قيصرية الكبادوك, رواقية, علامة أثيناغوراس, غريغوريوس النيسي, فريدريك تشارلز كوبلستون, قديس أثناسيوس الرسولي, قديس أوغسطينوس، أسقف هيبو, قديس يوستينوس الشهيد, مدينة الله لقد وُجد تصور هذه البذور عند الأفلاطونية الجديدة، وعند ق. أوغسطينوس تحت اسم العلل البذرية، حيث وجد في هذه الفكرة حلاً لمشكلة فعل الخلق، الذي لا بد أن يكون واحدًا على الرغم من تعدد الأشياء، التي هي دائمة النمو والتطور سأعرض في هذا المقال أحبائي إحدى الشروحات الآبائية الهامة التي استخدمها آباء الكنيسة الجامعة شرقًا وغربًا في شرح عملية الخلق من العدم، واستمرار الخليقة في التطور إلى أنواع مختلفة من الكائنات والمخلوقات. حيث نجد الآباء يتحدثون عن موضوع العلل البذرية في الخلق لتفسير عمل الخلق الواحد والمتعدد لله في نفس الوقت، حيث معروف أن الله يخلق مرة واحدة بمجرد مشيئته الصالحة، ولكنه في نفس الوقت خلق العالم في ستة أيام أو ست حقب زمنية طويلة الأمد تُقدر بملايين وآلاف السنين. وهكذا فهم آباء الكنيسة الجامعة هذه المعضلة مبكرًا جدًا، وفكروا في التفسير السليم لهذه المعضلة الكتابية، ولجأوا إلى الرأي القائل بالعلل البذرية Rationes seminales، وهي فكرة رواقية بالأساس تذهب إلى أن الأشياء كانت في البداية على شكل بذور كامنة أخذت تنمو وتتطور وتظهر منها الأشياء، فالأشياء وُجدت من البذرة التي خلقها الله مرة واحدة ثم تطورت. يقول الأب فريدريك كوبلستون أحد أهم شراح تاريخ الفلسفة عن نظرية العلل البذرية عند الرواقيين التالي: الله إذًا هو العقل أو المبدأ الفعال الذي يحتوي داخل ذاته على صور فعالة نشطة لجميع الأشياء، التي يمكن أن توجد، وهذه الصور أو الأشكال هي البذور الكامنة، وهذه الأشكال النشطة الفاعلة -وإن كانت مادية- فهي بذور، إن صح التعبير، من خلال الذي تظهر به الأشياء الفردية إلى الوجود كلما تطور العالم، أو قل إنها بذور تفضي نفسها في صور الأشياء الفردية. لقد وُجد تصور هذه البذور عند الأفلاطونية الجديدة، وعند ق. أوغسطينوس تحت اسم العلل البذرية، حيث وجد في هذه الفكرة حلاً لمشكلة فعل الخلق، الذي لا بد أن يكون واحدًا على الرغم من تعدد الأشياء، التي هي دائمة النمو والتطور (فريدريك كوبلستون، تاريخ الفلسفة مج١ "اليونان وروما"، ص ٥٢٠) نجد أصداء هذه النظرية عند آباء الكنيسة لشرح عملية الخلق، ونجد أن من أوائل آباء الكنيسة الذين استخدموا العلل البذرية في شرح عمل الله في الكون هو يوستينوس الشهيد، حيث يقول التالي: لأن بذرة اللوغوس مزروعة في كل البشر... ليس كما كانوا يفعلون مع مَن كانوا يحيون بحسب بذرة اللوغوس، بل بالأكثر مع مَن يحيون بمعرفة وتأمل اللوغوس الكامل الذي في المسيح (يوستينوس الشهيد، الدفاع الثاني: ٨) ويذكر أيضًا في نفس السياق عن عمل بذرة اللوغوس الإلهي في البشر التالي: فكل واحد من هؤلاء من خلال اشتراكه في بذرة اللوغوس الإلهي، وما يتعلق به تكلم حسنًا جدًا، أما الذين ناقضوا أنفسهم في الأمور الهامة، فهم لم يكتسبوا الحكمة السماوية، والمعرفة القاطعة التي لا تقبل الجدل... حقًا إن جميع الكُتاب كان لهم قبس من الحقيقة بواسطة بذرة الكلمة المغروسة فيهم. لأن بذرة الشيء وما شابهها التي تعطي لكل واحد حسب قابليته هي أمر، والشيء الذي يتم الاشتراك فيه ومحاكاته حسب نعمة الله هو أمر آخر تمامًا (يوستينوس الشهيد،الدفاع الثاني : ١٣) نجد إشارة أخرى مبكرة عن العلل البذرية عند العلامة الأثيني أثيناغوراس، حيث يتحدث عن البذرة الأولى في أجساد البشر كالتالي: وبنفس السهولة التي صنع بها أيًا كانت الطريقة التي سيفعل بها ذلك. إذ إن هذا أيضًا مستطاع لديه بنفس الدرجة، ولا ضرر لهذه الحجة إذ أتت المكونات الأولىمن مادة مشتركة كما يفترض البعض، أو أن أجساد البشر-على الأقل-مشتقة من العناصر-مثل المبادئ العليا-أو من البذرة الأولى. إذ أن القوة التي بإمكانها أن تعطي شكلاً لما يعتبرونه مادةبلا شكل - ويجملها بعد أن كانت مفتقرة للشكل والترتيب- لا شكلاً واحدًا، بل أشكال عديدة ومتنوعة، وبإمكانها أن تجمّع الأجزاء العديدة للعناصر في واحد، وتقسّم البذرة إلى لفيف بعد ما كانت واحدة بسيطة، وتنظّم ما قد كان غير منظّم، وتعطي الحياة لما قد كان دون حياة (العلامة أثيناغوراس، مقالة عن قيامة الأموات: ٣) ويتضح من هنا أحبائي استعمال آباء الكنيسة الأوائل لهذه النظرية في تفسير عملية الخلق، ولكن التوسع في استعمال هذه النظرية كان مع آباء العصر الذهبي سواء اليوناني أو اللاتيني. نبدأ من ق. أثناسيوس الرسولي الذي يتحدث عن بذرة اللوغوس الغريزية المودعة في كل المخلوقات والعاملة فيهم كالتالي: ولا أقصد بالكلمةتلك القوة الغريزية المودعة في كل الأشياء المخلوقة، التي أعتاد البعض أن يدعوها بذرة اللوغوس والعديمة النفس، والتي لا تملك المنطق ولا التفكير، لكنها تعمل من الواضح حسب فطنة مَن يستخدمها (أثناسيوس الرسولي، ضد الوثنيين ٤: ٤) ويذكر ق. أثناسيوس بذار اللوغوس المودعة في البشر في موضع آخر قائلاً: فضلاً عن أن الشيطان عدونا لما كان يحسدنا على تلك العطايا العظيمة، شرع طالبًا أن يغتصب بذار اللوغوس التي زُرعت فينا (أثناسيوس الرسولي، الخطاب إلى أساقفة مصر وليبيا : ١) نجد أيضًا الإشارة إلى العلل البذرية في الخلق عند ق. باسيليوس الكبير، حيث يؤمن ق. باسيليوس بالخلق الآني اللحظي، ثم تتابع الخليقة بعد ذلك من خلال قوة الكلمة الدافعة داخلها، حيث يقول التالي: ألا يوافق التعليم الديني الصحيح أن نقول أن القوة الدافعة والمحركة التي للعقل الإلهي هي بحق كلمة الله؟ إن كلمة اللههو ما يريد أن يوضحه الكتاب المقدس على أنه المشارك مع الله في خلق العالم (باسيليوس الكبير، الهيكساميرون ٣: ٢) ويستطرد ق. باسيليوس مؤكدًا على فكرة إطاعة الأرض لأمر الله في لحظة واحدة بقوة الأمر الإلهي وطاعتها لقوانين الخالق للإنبات واستكمال مراحل النمو المختلفة كالتالي: وفي لحظة بدأت الأمر بطاعتها لقوانين الخالق عن طريق الإنبات، وأكملت كل مراحل النمو، وأتمت عملية الإنبات، فتغطي الحدائق العشب الكثيف (باسيليوس الكبير، الهيكساميرون ٤: ٥، ٦) ويستطرد ق. باسيليوس أيضًا موضحًا فكرة الخلق الآني واللحظي لكل الأنواع في لحظة واحدة برغم تعددها واختلافها في خواصها وصفاتها المميزة فيما بينها قائلاً: وفي لحظة واحدة ظهرت كل تلك الأنواع إلى الوجود، كل منها بخواصه المميزة، ميزتها الاختلافات العديدة بين بعضها البعض، فلكل منها صفاته صفاته الخاصة (باسيليوس الكبير، الهيكساميرون ٤: ٦) كما يؤكد ق. باسيليوس على فكرة الخلق الآني في لحظة واحدة بمجرد الأمر الإلهي، واستمرار الطبيعة في التطور عبر الأزمنة وإلى انقضاء الدهر كالتالي: لذا فإن الطبيعة إذ هي تلقت الأمر الإلهي الأول، تستمر بغير توقف عبر الأزمنة وإلى انقضاء الدهر (باسيليوس الكبير، الهيكساميرون ٤: ١٠) ويؤكد ق. غريغوريوس النيسي في نفس السياق على كلام ق. باسيليوس أثناء تعرضه لشرح عملية الخلق، واستكمال ما بدأه ق. باسيليوس في التوفيق بين عمل الخلق الإلهي الواحد والمتعدد الصور والأشكال والأنواع في آن واحد كالتالي: يشير بوضوح إلى أن القوة المنتجة لكل واحد من المخلوقات تصبح نشطة بكلمة ما، بيد أن الكلمة هو القوة اللازمة لصُنع المعجزات (غريغوريوس النيسي، الهيكساميرون : ١٧) ويؤكد ق. غريغوريوس بكل وضوح على وجود بذرة الإخصاب التي وضعها الله من أجل تكوين كل شيء من خلال الدفعة الأولى للخلق بطاعة مشيئته الإلهية كالتالي: مكتوب وكانت الأرض خربةوخالية حتى أنه من خلال الكلمات يتضح أنه بمقتضى ذلك، أن جميع الكائنات كانت قائمة في البداية، أو هي الدفعة الأولى للخلق بحسب إرادة الله، كما لو كانت قد وُضعت بذرة إخصاب لتكوين كل شيء (غريغوريوس النيسي، الهيكساميرون : ٢٥) نجد نظرية العلل البذرية بوضوح أيضًا عند ق. أوغسطينوس، حيث وجد فيها الحل والتوفيق بين فعل الخلق الإلهي الواحد والخلق المتعدد للأنواع المختلفة، لأنه رأى معضلة في التوفيق بين آية (سي ١٨: ١) "الْحَيُّ الدَّائِمُ خَلَقَ جَمِيعَ الأَشْيَاءِ عَامَّةً. الرَّبُّ وَحْدَهُ يَتَزَكَّى"، وستة أيام الخلق في سفر التكوين. فلجأ إلى نظرية العلل البذرية ليوفق بين الأمرين كالتالي: لأنهم يقاومون رجل الله بأساليب وفنون السحر بخلق هذه الضفادع والحيات، ولكنهم ليسوا خالقيها، بل هناك في الحقيقة بعض البذور الخفية لكل الأشياء المولودة ماديًا ومرئيًا، والتي تكمن في عناصر العالم المادية، لأن البذور المرئية الآن لأعيننا في الثمار والأحياء مختلفة تمامًا عن البذور الخفية لهذه البذور المرئية السابقة، والتي أخرجت الماء منها وبأمر من الخالق الكائنات المائية الأولى والطيور، وأخرجت الأرض البراعم الأولى كأجناسها، والكائنات الحية الأولى كأجناسها (تك١: ٢٠- ٢٥) (أوغسطينوس، الثالوث ٣: ٨: ١٣) ويستطرد موضحًا في نفس الموضع عمل هذه البذور الخفية التي خلقها الله في الكائنات الحية كالتالي: لأن خالق هذه البذور الخفية هو نفسه خالق كل الأشياء، حيث أن كل ما يظهر لنا، ويمكن رؤيته بالولادة يستقبل المبادئ الأولى لحياته وسلوكه من البذور الخفية، ويبدأ في التغيرات والتحولات المتتالية ليصل إلى حجمه المناسب ولأشكاله ومظاهره الواضحة من هذه البذور التي هي المبادئ والقواعد الأصلية (أوغسطينوس، الثالوث ٣: ٨: ١٣) كما يؤكد ق. أوغسطينوس على نظرية العلل البذرية في عملية خلق وولادة الأجنة في موضع آخر كالتالي: هنالك علل جسدية أو بذرية، سواء كان ذلك بمساهمة الملائكة، أو البشر، أو أي كائن حي آخر، أو بمجامعة الجنسين التي توصّل إلى الإنجاب النوعي، أيًا كانت القوة التي تمارسها حركات الأمهات ورغباتها على ثمرة الحشا للتعديل في الملامح أو اللون، فإن تلك الطبائع نفسها مهما طغى على كيانها من تأثيرات متنوعة، تظل عمل الله السامي دون سواه، الذي بقدرة خفية منه، يلج كل شيء بحضور منه (أوغسطينوس، مدينة الله ١٢: ٢٥) ومن هنا يتضح أحبائي أن آباء الكنيسة الجامعة شرقًا وغربًا كانوا سابقين عصرهم في أمور كثيرة مفسرين كلمة الله بالخبرة الروحية الإيمانية المنقادة بالروح القدس، والمعرفة اللاهوتية المتعمقة من خلال الخبرة الروحية السابقة، علاوة على استخدامهم لمعطيات العلم في عصرهم في تفسير الإعلان الإلهي عن الخلق، والذي نراه يتفق في نواح عدة مع العلم، وهذا هو إسهام آباء الكنيسة وعظم إرثهم اللاهوتي والروحي والثقافي والحضاري والفلسفي في بعض الأحيان. أرجو من الجميع أحبائي أن يحذوا حذو الآباء في معرفتهم اللاهوتية الاختبارية العميقة، وفي معرفتهم العلمية والثقافية والفلسفية المعاصرة لهم من أجل تفسير الإعلان الإلهي للجميع على أسس إيمانية وعلمية سليمة. --- ### أسطورة القرعة الهيكلية
(٣) اقترابات كاشفة - Published: ۲۰۲۲-۰۱-۱۱ - Modified: 2024-12-27 - URL: https://tabcm.net/3642/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, شئون علمانية - وسوم: Theosis Across Borders (TABcm Network), أنبا أثناسيوس، مطران بنى سويف والبهنسا, أنبا أنطونيوس، مطران سوهاج, أنبا باخوميوس، مطران البحيرة, أنبا غريغوريوس، أسقف البحث العلمي, الديمقراطية, القرعة الهيكلية, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس السادس, قديس أثناسيوس الرسولي, قديس باخوميوس الكبير أب الشركة, مينا بديع عبد الملك يتبقى القول أن شخص اﻷنبا تواضروس، الموصوم بالسلبية في رأي د. "عبد الملك"، قام بأحد أقوي التصرفات في تاريخ البطاركة الأقباط عندما تولي المسئولية، وأعني تجاهله دعوة "رئيس الجمهورية" لحضور الاحتفالية الخاصة بانتهاء "الجمعية التأسيسية" لكتابة الدستور وإحالته لمجلس الشعب، بعد أن كان في تصرف سابق، قد سحب ممثلي الكنيسة من الجمعية التأسيسية، عشية تجليسه، في تصرف صادم، يفيض بالتحدي كنت قد شرفت في أثناء دراستي الجامعية، بتلقي العلم من الأستاذ الدكتور "مينا بديع عبد الملك"، وحقيقة أكن له تقديرًا علميًا كبيرًا، على أنني لا أتابع كتاباته في الشئون الأخري ومنها الكنسية. ويبدو أن لصديقي بيشوي القمص رأيا آخرًا، حتي أنّه اعتمد عليها كلّية -بمفردها- في مقاله اﻷخير: أسطورة القرعة الهيكلية (٢) اقتراب غير حذر ((بيشوي القمص، Theosis Across Borders، أسطورة القرعة الهيكلية (٢) اقتراب غير حذر. )) يلقي د. "عبد الملك" كل عيوب عملية انتخاب البطريرك الأخيرة علي عاتق نيافة الأنبا باخوميوس، القائمقام البطريركي الذي أدار عملية الانتخاب، ويتعامل بصرامة مع القوانين التاريخية، في مقابل انتقائية شديدة في التعاطي مع الواقع الكنسي، فهو يصطحب معه مقالات "نظير جيد"، العلماني الثائر، دون أن يظهر شيئا من مقالات البابا شنودة الثالث وكل آراؤه التي استحالت واقعيا إلى أعرافٍ وقوانين. انتقائية مفرطة، وربما غير متعمدة، لكن اﻷكيد لديّ أنها مفصحة عن انحيازات د. "عبد الملك" تجاه عيوبٍ يعود أغلبها لقرن منقضي، وترسخ بعضها الأخر في ربع هذا القرن الأخير علي يد بطريرك كان د. "عبد الملك" أحد رجاله المقربين. ولم نر لسيادته حينها مقالًا واحدًا يهاجم فيه الصائغ الصانع لكل هذه العيوب، ومشرعنها، والمدافع عنها! "نظير جيد" الذي استعان د. "عبد الملك" بكتاباته الملتهبة عن "قصر الترشح للبطريركية علي الرتب الكهنوتية"، هو نفسه قد تنكر لمواقفه تمامًا، وانعكست كلماته إلى النقيض عندما وجد فرصة سانحة ليرشح نفسه للكرسي المرقسي. تبدأ القصة عقب نياحة القديس البابا كيرلس السادس، وتولي الأنبا أنطونيوس، مطران سوهاج حينئذ، مسئولية القائمقام. تلقى اﻷنبا أنطونيوس تزكيات عدّة للترشح، رفضها، وجمع مجلس الأساقفة وتحدث إليهم طالبا عدم ترشح أي منهم، والاستمرار في النهج القبطي المستقيم بقصر الترشيحات علي الرهبان دون الأساقفة، كما تم في الانتخابات التي سبقتها وأفرزت قداسة البابا كيرلس. فمن رفض؟ هل تملك تخمينا؟ نعم، الأنبا شنودة أسقف التعليم وقتها (وستجد هنا صورة لما خطه بيده لأسباب متهافتة لرفضه طلب القائمقام) رفض آخر قدمه الأنبا شنودة لاقتراح ثان للقائمقام، وهو: "تعطيل اللائحة"، والاتفاق علي مرشح وحيد بالنقاش المشترك حتي الاستقرار علي تسمية البطريرك. لم يستطع القائمقام اﻷنبا أنطونيوس فرض رؤيته أمام سلطان الـ"شنوديال ميديا"، وأسفر الأمر في الانتخابات النهائية عن خمسة مرشحين، أربعة منهم كانوا من الأساقفة، وراهب وحيد. وبالطبع نعلم جميعا أن النهاية كانت تربع قداسة البابا شنودة علي السدة المرقسية. أود هنا تسليط الضوء علي وجهة نظري فيما يثيره البعض أحيانا عن جواز ترشح الأسقف العام دون أسقف الإيبارشية، ومن هو الأسقف العام: إيبارشيات مثل الخدمات، التعليم، الشباب، البحث العلمي، هي إيبارشيات فعلية، لها نطاقها المحدد، ولعلنا نعرف موقف الأنبا شنودة أسقف التعليم والمعاهد التعليمية من رسامة الأنبا غريغوريوس كأسقف للبحث العلمي، واعتبار ذلك اقتطاعًا لا يجوز من إيبارشيته. إذن أسقف مثل هذا هو أسقف إيبارشية، لا يجوز إعادة تجليسه علي إيباراشية أخري، علي عكس الأسقف العام، الذي يمكن تسميته ب "المعاون" الأسقفي، الذي يشغل موقعًا معاونًا للبطريرك أو أحد الأساقفة ويجوز نقله للمعاونة في موقع آخر، أو تجليسه علي إيبارشية مستقبلًا. الصدمة قد تصل إلى منتهاها إذا علمت أن كل ما عمل الشاب الثوري "نظير جيد" علي ترسيخه، وكل ما نادي به الأنبا شنودة أسقف التعليم، قد محاه تمامًا البابا شنودة الثالث في أثناء حبريته. فمن حق الشعب في اختيار راعيه، إلى القول بأن: ((البابا شنودة الثالث، عظة الأربعاء 4 نوفمبر 2009. )) الديمقراطية في الكنيسة لا تعني أن يكون لكل شخص الحق في أن ينتخب البطريرك، فالرتب الكنسية الكبيرة خاصة منصب البطريرك لا تترك لعامة الشعب، لأنهم لا يعرفون ما هي اختصاصات القائد الديني وما هي تعاليم الكتاب المقدس، ويمكن التأثير عليهم ببساطة بخطبة قوية... وحاجات تانية أتكسف أقولها (البابا شنودة الثالث، عظة الأربعاء 4 نوفمبر 2009) فمن رفض ترشح الأساقفة للبطريركية، إلى القول بأن جميع بطاركة الأرثوذكس كانوا أساقفة! وﻻ ندري ماذا حدث في أثناء حبريته لينحدر بوعي الشعب الذي حارب دائما من أجل حقه في الاختيار، لمستوى التأثر بـ"الحاجات اللي تكسف"   اعتراضات د. "عبد الملك": أولًا، الاعتراضات القانونية: والتي يمكن تلخيصها في قبول القائمقام ترشيح الأساقفة للكرسي البطريركي. وهي اعتراضات مثير للدهشة! وكأن د. عبد الملك لم يكن يعرف ويكتب عن حجم المؤامرات التي كانت تحاك من أساقفة بعينهم ((د. مينا عبد الملك، بوابة الوفد الإلكترونية، مقال بعنوان الكنيسة تتعرض لمهزلة، نسخة على موقع الأقباط متحدون. )) ذوي حظوة لخلافة البابا شنودة في أثناء حياته، وعن حجم الكارثة التي كانوا ليحدثوها لو منعوا من الترشيح، وهو حديث لا أنوي الخوض به لحساسيته البالغة. لكن ما يمكنني قوله أن نيافة القائمقام تعامل مع لائحة تجيز ترشح الأساقفة، وتم رفض تغييرها في أثناء حبرية البابا شنودة، ولا يمكن تغييرها في أثناء خلو الكرسي، ومع أساقفة اعدوا انفسهم فعليا للخلافة. لكن يبقي السؤال قائمًا: لماذا لم يكتب د. "عبد الملك" عن هذا الموضوع في أثناء حبرية البابا شنودة وفي حياته! ؟ أو عن عوار اللائحة وزيغها؟؟ رغم أن أصوات كثيرة فعلت. لقد أدار القائمقام هذا الملف بمهارة فائقة، واستطاع استبعاد كل الوجوه المثيرة للجدل دون صدامات، وكانت محصلته النهائية خمسة مرشحين، ثلاثة رهبان وأسقفين عامين، وهي نتيجة أفضل كثيرًا من سابقتها، بل هو إنجاز رائع في رأيي. ثانيًا، الاعتراضات الانحيازية: والذي يمكن تلخيصه في نيّة القائمقام لترشيح أسقفه المعاون لكرسي البابوية، و هو ما يراه د. عبد الملك انحيازًا. وهذا اعتراض في غير محله تمامًا، فلدينا تاريخيا موقف مطابق، عندما زج القائمقام الأنبا أثناسيوس باسم الراهب "مينا البراموسي" في قائمة الترشيحات النهائية التي كانت خالية من اسمه، والتي أسفرت عن فوزه ليصبح البابا كيرلس السادس، ولم يتهم احد وقتها نيافة القائمقام بالانحياز! الأهم أنه في حالتنا الأخيرة، لم يكن هناك ترتيب مسبق للأمر، فالمعلومات المتواترة أن نيافة الأنبا باخوميوس: كان ينوي الاعتذار عن قبول منصب القائمقام كما ذكر د. "عبد الملك" نفسه، وأنه قبل الأمر بعد إلحاح كثير من أرآخنة الشعب بينهم د. "عبد الملك" نفسه، درءا لوضع كارثي كان ينتظرنا. ثالثًا، الاعتراضات الشخصية: وهي تنصب علي ترشيح شخصية "الأنبا تواضروس" الأسقف العام وقتها، وهو يورد ثلاثة حوادث طائفية حدثت بنطاق إيبارشية البحيرة كان موقف نيافة الأنبا تواضروس منها سلبيًا كما يري أستاذي الجليل، ويتناسى سيادته أمرين: أولهما حدود تعامل الأسقف المعاون داخل نطاق الإيبارشية التي يخدم بها، وثانيهما حدود تعامل أسقف الإيبارشية مع حوادث الفتنة الطائفية في حبرية البابا المتنيح، والذي كان التعامل مع هذا الملف حقًا حصريًا لقداسته ومعاونيه، لا شك أن أساقفة الإيبارشيات كانت يدهم مغلولة في التعامل مع هكذا حوادث. يتبقى القول أن شخص اﻷنبا تواضروس، الموصوم بالسلبية في رأي د. "عبد الملك"، قام بأحد أقوي التصرفات في تاريخ البطاركة الأقباط عندما تولي المسئولية، وأعني تجاهله دعوة "رئيس الجمهورية" لحضور الاحتفالية الخاصة بانتهاء "الجمعية التأسيسية" لكتابة الدستور وإحالته لمجلس الشعب، بعد أن كان في تصرف سابق، قد سحب ممثلي الكنيسة من الجمعية التأسيسية، عشية تجليسه، في تصرف صادم، يفيض بالتحدي ((المصري اليوم، البابا يرفض مشاركة الأقباط فى اختيار «البطريرك» وينفى تقديم لائحة جديدة لانتخابه. )). هناك حديث عن مآخذ أخري أوردها د. "عبد الملك" تحت إطار الاعتراضات الشخصية، لكني لا أرى داعيا لصرف وقت في التعليق عليها. خاتمة: يثير صديقي بيشوي القمص أسئلة في نهاية مقاله عن هل البطريرك اختيار الهي؟ وهل هذا يجعله معصومًا؟ وأود أن أشاركه إجابتي،، فاختيار البطريرك هو نتاج تفاعل إنساني محض، الله لا يملك قائمة مرشحين، أو دعنا نقول أنها قائمة غير مفحوصة من الله، ولكن دعنا نتذكر أن "كل الأشياء تعمل معا للخير للذين يحبون الرب"، فالأمر حقيقة لا يتوقف علي الله ولا علي البطريرك، بل علي الشعب وقربهم من الرب، والمؤسسة الكنسية، ومدى شركتهم في إدارة مؤسسة الرب. لا شيئ يجعل البطريرك أو الأسقف معصومًا، والواقع أن الرقابة الشعبية الفاعلة كانت دائمًا حاضرة تاريخيًا في العلاقة بين الراعي والرعية في علاقة تكاملية ناضجة، حتي أتي علينا بطريرك "لا يٌسأل عما يفعل" وربما يكون موضوع الرقابة الشعبية محلا لمقال قادم. --- ### إشكالية الظل لدى الفرد والمجتمع - Published: ۲۰۲۲-۰۱-۱۰ - Modified: 2024-03-02 - URL: https://tabcm.net/3634/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: Shadow Archetype, أنبا بولا، مطران طنطا, الطب النفسي, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, دانتي اليجيري, رويس عزيز خليل, سالي زخاري, سيجموند شلومو فرويد, فريدريك أنطوني رافي كومار زاكارياس, كارل جوستاف يونج, مايكل فهمي, نموذج الظل قدمت المسيحية حلًا مماثلًا لتلك الإشكالية، فنجد النصوص دائمًا ما تركز على الفرد باعتباره المسئول عن خطيئته لا الضحية أو المفعول به. فعلى سبيل المثال، لا نجد أي نصوص للمسيح يحث فيها النساء على تغطية أجسادهن، بل نجده يلقي بالكرة في ملعب المتضرر بالحديث عن العين وفعل النظر؛ لأن انشغال المرء بالآخرين يساعد على تغذية الظل، وبقائه في الظلام يعرف معظمنا عالم النفس الشهير "سيجموند فرويد" ونظرياته التي كانت باكورة الطب النفسي، لكن لا يعرف الجميع العالم "كارل جوستاف يونج" -صاحب مدرسة علم النفس التحليلي- بنفس المقدار، وهو الذي جاء في أعقاب "فرويد" ليكمل مسيرته رغم اختلافه معه في بعض الآراء. لعل من أهم إنجازات "يونج" هو نظريته عن النماذج الأولية، وهي المركبات الأساسية التي تتكون منها شخصياتنا. وسأتحدث في هذا المقال عن نموذج الظل (Shadow Archetype) — الذات المتوارية أو الجانب المظلم الخفي في شخصية الإنسان. لكل مننا جانبه المظلم الذي لا يخفيه عن الآخرين وحسب، بل عن ذاته أيضًا. نريد أن نبدو أمام أنفسنا في أبهى صورة، كما نريد أن يرانا الآخرون، ولذلك، يسعى عقلنا الباطن أو اللاوعي إلى إخفاء ذلك الجانب المظلم واستبداله ببعض الأكاذيب الزائفة عن تميزنا وسمونا الأخلاقي. يحتوي الظل على الجوانب البغيضة من شخصياتنا مثل الأنانية، والدونية، والهوس الجنسي، وفقدان الإرادة، إلى أخره من مساوئ. يستخدم العقل الباطن عدة حيل لإبقاء ذلك الظل مستترًا، من أهمها إسقاط الظل على الآخرين: يبدأ العقل الباطن بإقناع العقل الواعي بعدم وجود ذلك الخلل في الشخصية، ووجوده في شخصيات أخرى من المحيطين بالفرد في المجتمع. وحينها، يبدأ الفرد في رؤية عيوبه الذاتية في الآخرين، بل ويشرع في تأنيبهم بصورة متعالية وبشدة لكي يتخلوا عن ذلك الخلل البغيض. قدم فيلم American Beauty (1999) صورة لذلك الإسقاط من خلال شخصية "فرانك" الذي لا يتوقف عن نعت المثلية والمثليين أمام الجميع وبصورة متكررة. وتستبد به الشكوك حول علاقة الصداقة بين ابنه "ريكي" وجاره "ليستر"، ويسأل عن سبب تردد "ريكي" على صديقه كل يوم، ويبدأ في تعنيف ابنه لكي يعترف له بحقيقة أنه مثلي، خاصة حين يعثر "فرانك" على صورة "ليستر" على كاميرا "ريكي" تبدو غير لائقة من وجهة نظره. ينتهي الفيلم بالكشف عن حقيقة الأب "فرانك" الذي عانى منذ شبابه من ميول مثلية، وانتهى به الأمر بالزواج من امرأة، ظنًا منه أن المثلية ستموت بالزواج. لم يكن الفتى "ريكي" مثليًا كما ظن والده، بل نكتشف في النهاية أن "فرانك" (أو بالأحرى عقله الباطن) كان يسقط ظله ومثليته على ابنه بطريقة غير واعية (Unconsciously) كوسيلة لإقناع نفسه أنه قد شُفي من دائه، بل وأصبح يعظ الآخرين للتغلب عليه – وهو ما فشل فيه "فرانك" بالفعل. هكذا، نلقي بظلالنا على الآخرين، ونهاجم تلك الظلال متجسدة فيهم بهوس وعنف لكي نبدو متعافين، مصلحين. وليس إسقاط الظل على أشخاص بعينهم هو الطريقة الوحيدة لإخفاء الظل؛ فكثرة العظات التي نلقيها عن الأخلاق ربما تكون علامة على غياب تلك الأخلاق فينا. يؤكد علم النفس أن الهوس الشديد بالحديث عن تغطية الجسد والفصل بين الرجال والنساء يشير في أحيان كثيرة إلى هوس المتحدث بالجنس، وقلة حيلته أمامه - وكأن هناك تهمة تحاصرة يريد إنكارها من حين إلى آخر بالحديث عن أهمية العفة والمطالبة بوضع قوانين صارمة تمنع أي تهاون في الأمر. لذلك، لا تتعجب حين تجد عظات لـ"رافي زكارياس" عن الطهارة والعفة، فهذه مهارة العقل الباطن الذي يصور للمرء أنه غير فاسد تمامًا بجعله يعظ عن الأمر ويصدق نفسه وهو يكذب؛ فالعظات أحياناً ما تكون بمنزلة المخدر الذي يلهي المرء عن ظله. (لمن لا يعرف "رافي": هو واعظ إنجيلي عالمي شهير، ثبت أنه متورط في جرائم اغتصاب، وتحرش، وابتزاز جنسي لا حصر لها). وعظ "رافي" عن الفضيلة، وساعد الشباب على فك رباط الخطيئة، وأبدع في الحديث عن تجنب السقوط في الشهوة، واللجوء إلى الله للهروب منها، وواحدة من أشهر عظاته عن اليوتيوب هي عظة Temptation (الإغواء). يتعجب أحد المشاهدين للعظة في تعليق له على اليوتيوب، ويقول: لا أصدق أن من يقول هذا الكلام هو نفس الرجل الذي ارتكب كل تلك الفظائع؛ كيف يعظ بهذا الكم من الإبداع عن الخطيئة وهو شيطانًا! فكما قال الشاعر الإيطالي دانتيإن الشيطان ليس بالسواد الذي يُرسم بهنجد أيضًا ذئبًا بشريًا آخر يبدع في إخفاء ظله، وهو "مايكل فهمي"، الطبيب والخادم ومغتصب الأطفال الذي حكم عليه القضاء المصري بالمؤبد في نوفمبر 2021. من يشاهد أحاديث "مايكل" في البرامج والخدمات، يجده يتحدث ببراعة عن قدسية الزواج، بل ويقدم دورات تدريبية للمقبلين عليه كي يعلمهم كيف يعيشوا حياة سعيدة! وفي صوره مع زوجته، يبدوان في قمة السعادة والحب. فها هو عقل "مايكل" الباطن يقول لعقله الواعي وللمجتمع ككل: أنت لست زوجًا فاسدًا، ولا مجرمًا. صحيح أنك جعلت زوجتك تشاركك في تخدير الفتيات وإقناعهم بالمجيء لتغتصبهم أمامها، لكن هذا لا يعني أن زواجك غير ناجح، أو أنك لا تحترمها. وفي يوم ما، ستقلع عن تلك العادة، ولن يعلم بها أحد. الأنا الواعية ليست دائماً هي المُسيطرة، ولكن غالباً ما يتم التغلب عليها بواسطة قوة ظلنا. (كارل يونج) وأسهل طريقة لإخفاء الظل وخداع الآخرين هي ارتداء ثوب القداسة واستخدام آيات الإنجيل. نتذكر أيضًا ذلك الكاهن السابق "رويس عزيز خليل" الذي ظل يخدم لسنوات عدّة في مصر وأمريكا، وعُزل حديثًا بسبب جرائم التحرش بالأطفال. حاولت "سالي زخاري" (إحدى ضحاياه، والتي أعتدي عليها في 1997 حين كانت طفلة في الحادية عشرة من عمرها) محاكمة هذا الوغد المتسربل في رداء القداسة طيلة سنوات عديدة منذ حبرية البابا شنودة الثالث، إلى أن انتهى الأمر بعزل "رويس" في عهد البابا تواضروس عام 2020. ولا يتضمن الظل عيوبنا فقط كما توضح القصص السابقة، بل أيضًأ مواهبنا وأحلامنا التي عجزنا عن تحقيقها بسبب إخضاع المجتمع لنا. فتلك المواهب والأحلام تلقي بظلالها على علاقاتنا بالآخرين وسلوكياتنا. ومشكلة الظل ليست مشكلة قاصرة على النطاق الفردي فحسب، بل هي مشكلة مجتمعية أيضًا. فللمجتمع ظله كما هو الحال مع الأفراد. فالمجتمعات التي تقوم على إعلاء مصلحة الجماعة على الفرد (Collectivistic Communities) مثل المجتمعات العربية هي المجتمعات التي تنبذ الفرد المستقل المنهمك في تحقيق ذاته، بل وتتهمه أحيانًا بالفشل الأسري والأنانية. فأن تحيا كما تحب، وتعمل ما تختار، ولا تأبه بالرأي الجمعي في تلك المجتمعات، أنت بذلك تثير حفيظة البعض ممن تخلوا عن أحلامهم تلك وذابوا في المجتمع. فهم لن يعطوا لك المساحة لتفعل ما لم يفعلوه لأن ظلهم يطاردهم. أما المجتمعات التي تفضل حرية الفرد على مصلحة المجتمع  (Individualistic Communities) مثل المجتمعات الغربية، دائمًا ما يسخر أفرادها من مصطلحات مثل كيان العائلة ومصلحة المجموعة أو المؤسسة مما يتسبب في إحداث أضرار متعددة، لأن هؤلاء الأفراد قد تناسوا تلك الكيانات، واهتموا بتحقيق ذواتهم. لا تكف المجتمعات الشرقية عن الحديث عن الفضيلة والاحتشام مع أنها تحقق أرقامًا قياسية في مشاهدة المواقع الإباحية والتحرش. فالهوس بالحديث هو الحيلة التي تصدر عن العقول اللا واعية لأفراد هذا المجتمع، لإخفاء ظل الكبت الجنسي والضعف الإرادي، وسادية الذكر المطحون من مديره على المرأة. يقول "يونج" إن الحل للتغلب على الظل يبدأ من الاعتراف بوجوده، ورفض الاستسلام له. أن تبدأ بالاعتراف بأن لديك مشكلة، وأن تكف عن وعظ الآخرين وكأنك لا تعاني مثلهم، ومن كوكب آخر. ولا يعد ذلك الأمر سهلًا، بل يحتاج إلى جهاد طويل وشاق. الصدق مع النفس، في البداية، هو التَعرّف على ظلّ المرء. الظّل عبارة عن ممر ضيق، باب ضيق، لا ينجو أحد من انقباضه المؤلم ويصل بنا إلى بئر عميقة. لكن يجب على المرء أن يتعلم كيف يعرف ظله حتى يعرف من هو (كارل يونج) قدمت المسيحية حلًا مماثلًا لتلك الإشكالية، فنجد النصوص دائمًا ما تركز على الفرد باعتباره المسئول عن خطيئته لا الضحية أو المفعول به. فعلى سبيل المثال، لا نجد أي نصوص للمسيح يحث فيها النساء على تغطية أجسادهن، بل نجده يلقي بالكرة في ملعب المتضرر (أو من يُعرف نفسه كذلك) بالحديث عن العين وفعل النظر؛ لأن انشغال المرء بالآخرين يساعد على تغذية الظل، وبقائه في الظلام. فَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ الْيُمْنَى تُعْثِرُكَ فَاقْلَعْهَا وَأَلْقِهَا عَنْكَ. (إنجيل متى 5: 29) تعكس فكرة "قلع العينين" شدة مسئولية الناظر عن خطيئته، وأهمية شعوره بدوره في تجديد نظرته للحياة. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى امْرَأَةٍ لِيَشْتَهِيَهَا، فَقَدْ زَنَى بِهَا فِي قَلْبِهِ. (إنجيل متى 5: 28) فَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ بَسِيطَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ نَيِّرًا، وَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ شِرِّيرَةً فَجَسَدُكَ كُلُّهُ يَكُونُ مُظْلِمًا، فَإِنْ كَانَ النُّورُ الَّذِي فِيكَ ظَلاَمًا فَالظَّلاَمُ كَمْ يَكُونُ؟! (إنجيل متى 6: 22، 23) كما تحذر المسيحية من الهوس بالتعليم والوعظ والاستعلاء على الموعوظين، مشيرة إلى أننا نأخذ دينونة حين ننغمس في التعليم. كتب المسيح أخطاء من أدانوا المرأة الزانية، وهم لم يكونوا بمواطنين عاديين بل ذوي مناصب دينية في المجتمع اليهودي. رفض هؤلاء الحكم على الرجل الزاني وأرادوا إعدام المرأة وحدها لأنهم كانوا يفعلوا مثل ذلك الرجل مع نساء أخريات فأردوا إخفاء ظلهم بالحكم على تلك المرأة. لاَ تَكُونُوا مُعَلِّمِينَ كَثِيرِينَ يَا إِخْوَتِي، عَالِمِينَ أَنَّنَا نَأْخُذُ دَيْنُونَةً أَعْظَمَ! (يعقوب 3: 1)   لم يركز المسيح على المظهر الخارجي، فالطهارة مصدرها شخصية الفرد وليس ما يرتديه، فمن الممكن أن ترتدي رداء الكهنوت مثل "رويس" وأنت في حالة أشد نجاسة من حالة فتاة الليل التي لا تغطي جسدها، وتبيعه للرجال مقابل المال؛ لأنك تعتدي على طفل لا حول له ولا قوة، وتسبب في جرحه مدى الحياة وتشويه نفسيته.   --- ### ماذا لو أتى المسيح مرة ثانية - Published: ۲۰۲۲-۰۱-۰۹ - Modified: 2025-02-02 - URL: https://tabcm.net/3658/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: المجيء الثاني أجلس مع نفسي متأملًا متسائلًا أنه مع كمّ الزيف والضلال المنتشر والذي يُنادي به في وجه الحق والنور، هل لو أتى المسيح مرة أخرى وسط المسيحيين، الذين في وجهة نظري منهم من تَهَوَّد أكثر من اليهود أنفسهم، ماذا كان سيحدث؟ أتصوّر أنه لو أتى المسيح مرةً ثانيةً أيامنا هذه، لرفضه جُل مسيحي العالم، كما فعل اليهود تمامًا. أتصوّر لو أتى المسيح اليوم، لسار مع المرفوض من كنيسته، والمهرطق، والمبتدع، والزاني، والشاذ، والملحد، وكثيرين من المرفوضين والمطرودين خارج أسوارنا. ولم يكُن ليهمه قولهم أنه يسير ويجلس مع هؤلاء. أتصوّر لو أتي اليوم، لدخل أسوارنا، وقلب كل موائد الموالد، والاحتفالات الدينية الشعبية، وطرد كل هؤلاء الباعة، والمشترين، ورجال الدين، المشرفين على التنظيم، والمنتفعين منه. أتصوّر لو أتى اليوم، لدخل ووقف على منابر كنائسنا، وقرأ وفسر ماهو مسكوت عنه ومفهوم بشكل خاطئ وبعيد عن رؤية الله للإنسان، ولاقتاده حماة الإيمان ورجال الدين لأقرب ناصية في قرية بعيدة عن بيت الله ليضربوه، أو حتى ليقتلوه، بعيدًا عن أعين القانون وبكل ظلم، ولكانوا يدعون قاتليه قديسين، وإن ماتوا شهداء، ولكتبوا لهؤلاء المجرمين القتلة التسابيح والتراتيل، لأنهم فعلوا خدمة وخلصوهم من ذاك المهرطق. أتصوّر لو أتي اليوم، لحاول بعض الظلاميين من رجال ديننا الإيقاع به في أي فخ سياسي، أأنت مؤيد للسيسي وحكومته بشكل تام وكامل ومطلق إم ضده ومن الإخوان -هكذا كل شيئ لديهم- وربما سألوه أخبرنا ما رأيك في آخر حزمة ضرائب فرضتها الحكومة؟ ولأجاب عليهم بكل حكمة وأفحم سواد نفوسهم. أتصوّر لو أتى اليوم، لوقف مع الزانية حامية الإيمان، ولحاولت أيضا تلك الزانية أن تكلمه عن طائفتها وطائفتكم ومذبحنا وكنيستكم، ولتغيرت تلك الخاطئة وعادت تخبر وتبشر باسم المسيح الحقيقي وليس مسيح طائفتها الهزيل الضعيف. أتصوّر لو أتى اليوم، لجلس على المقاهي ونواصي الشوارع والمساطب يعلم ويناقش الناس في اللاهوت ويعلمهم عن ملكوت السموات الذي يجب نعيشه من الآن في قلوبنا قبل أن يكون مجرد مكافأة وحلمًا أخرويًا. أتصوّر لو أتى اليوم، لرفضه الذين يدعون أنهم شعبه وخاصته ودعي عليهم اسمه، الذين جاء من أجلهم ولم يقبلوه، وربما سلموه للأمن الوطني قائلين للضابط أنه إرهابي مهرطق، وقائلين للقاضي اعدمه، اعدمه، إنه إرهابي، دمه علينا وعلى أولادنا. ولم يكُن ليرى فيه القاضي شيئا، ولكان يستشعر الحرج، و للأسف قد يعاقبه بسبب مظاهرات الشعب العارمة على من يدعون أنه مهرطق ويكون جماعة محظورة وهرطوقية مشكّلة على خلاف القانون. أتصوّر لو أتى اليوم مرة أخرى، وسمع بكل تلك الخلافات الفلكية على تاريخ مولده، فمن أتباعه من يحتفل نهاية ديسمبر وآخرين بدايات يناير، ووصل بهم الحال لتحريم الاحتفال بعيد الآخر. لقال لهم "يا أولاد الأفاعي كل هذه المواعيد خاطئة، عيد مولدي الحقيقي هو كل يوم يعرفني حقًا أحد أولادي ويعيش كما يحق لإنجيلي" طبعًا لن يحدث كل هذا، لأن المسيح موجود بالفعل من حولنا في كل صوت صارخ في كل خادم وأب وراهب حقيقي داخل الأسوار أو خارجها، هؤلاء المرفوضين والمضطهدين من أجل الحق الصارخين: أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبِّ، اصْنَعُوا سُبُلَهُ مُسْتَقِيمَةً المسيح بالحق موجود حولنا وفينا ويوم ملكوته حاضر ومُعاش من كل المؤمنين الحقيقيين به كما قال: ... هَا مَلَكُوتُ اللهِ دَاخِلَكُمْ --- ### كيف تكون قبطيا أرثوذكسيا مظبوطا في ١٠ خطوات - Published: ۲۰۲۲-۰۱-۰۸ - Modified: 2024-03-02 - URL: https://tabcm.net/3582/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, شئون علمانية - وسوم: بابا شنودة الثالث, بروتستانت ظهرت في الحقبة الأخيرة حركات عالمية هدفها التآمر على هدم الإيمان القبطي الأرثوذكسي عشان يخطفوا ولادنا من حضن كنيستهم المستقيمة التي ﻻ تهادن الكنائس المش مستقيمة. وللأسف يلبس أغلبهم ثوب المسيحية كذئاب خاطفة متنكرة لنهش أولادنا السذج والغلابة المش فاهمين أرثوذكسية صح. وحيث أن أكتشافهم وسط زخم الإنترنت أصبح صعبا، وحركاتهم كترت أوي. حبيت ألخص في نقط بسيطة: إزاي تعرف القبطي الأرثوذكسي المظبوط الأصيل ظهرت في الحقبة الأخيرة حركات عالمية كثيرة هدفها الأهم والأوحد هو التآمر على هدم الإيمان القبطي الأرثوذكسي عشان يخطفوا ولادنا من حضن كنيستهم المستقيمة التي ﻻ تهادن الكنائس المش مستقيمة. وللأسف يلبس أغلبهم ثوب المسيحية كذئاب خاطفة متنكرة لنهش أولادنا السذج والغلابة المش فاهمين أرثوذكسية صح. وحيث أن أكتشافهم وسط زخم الإنترنت أصبح صعبا، وحركاتهم كترت أوي من جروبات وصفحات. حبيت ألخص في نقط صغيرة وبسيطة: إزاي تعرف القبطي الأرثوذكسي المظبوط الأصيل. . الصفات دي لو مالقيتهاش في إنسان أو مجموعة أهرب منهم حالًا. ١- يحرص دائمًا على انعدام الرأي؛ لأن إبن الطاعة تحل عليه البركة. بيقول حاضر واللي تشوفه يا سيدنا / قدسك. ٢- طبعا مش هاتلاقيه بيعترض على حاجة أبدا؛ لأن "المعترضون" دول تاريخيا بروتستانت. ٣- يمشي جانب الحائط وعلى الحائط وجوه الحائط، وحياته وأنشطته جوة الكنيسة، لأن المجتمع شرير ﻻ يمكن الاشتراك معه. ٤- وسطي، يمشي وسط القطيع، ولأن الإنجيل استخدم الـ"خروف" في الأمثلة، فبيحب يطبقها عملي، ويتماهى كخروف. ٥- كعادة أبناء الله في الحياء والخجل اﻷنثوي الصبوح، بيمشي موطي راسه مايرفعهاش، وكل خطوتين أو جملتين بيعمل ميطانية. ٦- ترنيمته المفضلة هي: "أنا التراب إفتكري يا نفسي، أنا التراب إياكي تنسي" ٧- حكمته المفضلة هي: جيد للإنسان أن يأتي على نفسه دائمًا بالملامة ٨-شكل الكنيسة أهم  من مشكلات الناس. وأي مشكلة في الكنيسة مستحيل يناقشها على الملأ، ولا على الإنترنت، وﻻ بينه وبين نفسه، الستر ثم الستر. ولو كان شاهد على جريمة وشاف حد بيقتل أو بيغتصب طفلة، بيستر عليه طبعا. ٩- يقدس الأشخاص (البابا شنودة الثالث غالبًا) إلى حد العبادة، فلا يسأل ولا يجادل ولا حتى يحاول يفهم، لأن مجرد السؤال أو الانتقاد علامة ارتداد عن الأرثوذكسية، وفي حالة البابا شنودة فالسؤال والجدال هو ارتداد عن الإيمان كله. ١٠- يهاجم أي حد يخالف النقط السابقة بكل ما أوتي من قوة وألفاظ وشتائم، حتى لو وصلت انه يشهر بيهم وبصورهم وحياتهم الشخصية ويخوض في أعراضهم، كل ده يهون في سبيل النصر في الحرب المقدسة ضد الذئاب دي. بناء على ما سبق، أي حد أو مجموعة أو صفحة، تحس إن الناس فيها بتشغل مخها، أو تختلف عن باقي القطيع المقدس، حتى لو قالوا إن هدفهم الإصلاح (إصلاح برضه يبقوا بروتستانت)، هاجمها أو أهرب منهم حالا. والأفضل إنك حماية لروحك ولخلاص نفسك وعيلتك تقطع سلك التليفون وتلغي اشتراك النت لأن فيه احتمال إن الإنترنت نفسه يكون هو سمة الوحش في زمن الارتداد. --- ### بولا بولا: لماذا تُزعج المرأة؟ - Published: ۲۰۲۲-۰۱-۰۷ - Modified: 2024-03-02 - URL: https://tabcm.net/3587/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, المرأة القبطية - وسوم: ليتورچي, متلازمة ستوكهولم تتلخص كل قواعد النساء في شيئان لا يشاركهما ثالث: الجسد والسلطة. فكرة بها شبهة غنوصية ولكنها واقعية: أجساد النساء تخضع للرقابة الصارمة، شرفهن مرتبط بآخرين، أخلاقهن موضع امتحان، أرواحهن تحت الفحص والتمحيص، قراراتهن بلا معنى. أما السلطة فهي لذة التحكم الخفي والفوقية المستحقة. والسلطة هي الأخرى تراتبية في المجتمع الديني فلكل رقيب رقيب، ولكل امرأة واحدة عشرة على الأقل، تبعًا لميزان القوة في المشهد "أحمدك لأني لست امرأة" تلك هي الصلاة التقليدية، من ضمن صلوات حمد أخرى، تلاها الرجل اليهودي التقي في استهلال يومه، ولكني امرأة! أنا كاتبة تلك السطور "امرأة" ولا يُمكنني التنصل من تلك الحقيقة، كما لا يُمكنني شكر الله عليها! في واقع الأمر، ربما كان يجدر بصديقنا اليهودي الورع إضافة بعض الكلمات لصلاته المعتادة، على سبيل المثال لا الحصر: "أحمدك لأني لست امرأة... من أقلية شعبوية... تعيش في عالم شرقي! " حسنًا صديقنا التقي كان يعيش هو الأخر في ثقافة شرقية، لكنها بلت وأكل عليها الدهر وشرب منذ عقود! قيد واحد لا يكفي، فالحياة كامرأة ناضجة -وأؤكد هنا على عنصر النضج الوجداني- ليست سلسة على الإطلاق. أسمعك يا من تقول أننا جميلات وموقرات وتتاح لنا كل الفرص الدُنيا بإغراءات جمالنا، إذًا لماذا لا تُشاركني النخب ولتُجرب حياتي يومًا واحدًا؟! في زمن ما لم أعد أذكره لا بخير أو شر، زمن لعنت فيه كوني امرأة في الشوارع والمواصلات حتى بيت أبي: أبي السماوي أو: الكنيسة! ما الكنيسة؟ أليست جماعة مؤمنين، تجمعهم مظلة إيمان واحد، يشعرون بالألفة والإخاء ويتشاركون أغنيات السماء سويًا؟! بالطبع لا! كان هذا هو التصور الطوباوي في مرحلة ما قبل تبلور الشخصية، حيث كنت ابتلع كل تساؤلاتي في صمت ولا أجرؤ على الجدال. الحق يُقال لم أشعر يومًا بالدفء والعائلة أو حتى الأمان في ذلك التجمع الأسبوعي الذي اضطر فيه لجحد كينونتي النسائية والالتزام بالقواعد: قواعد الجماعة! أراك يا من يتهامس: ما الضرر من القواعد؟ القواعد في ذاتها غير مُضرة بل هي ضرورة لأي كيان مؤسسي كالكنيسة، كعنصر ضمان للنظام والتراتبية الهيكلية. أما عن مشكلتها -أعني القواعد- فهي أنها يُمكن أن تُعبد عوضًا عن المعبود! خلال مراهقتي وصباي كان النصيب الأكبر من القواعد للنساء ولا غيرهن من كائنات! أولئك الساحرات، الفاسقات، الغانيات، مصدر الخطايا الأولى... فقط كان ينقص مفجرات برج التجارة العالمي وقاتلات موفاسا! تتلخص كل قواعد النساء في شيئان لا يشاركهما ثالث: الجسد والسلطة. فكرة بها شبهة غنوصية ولكنها واقعية: أجساد النساء تخضع للرقابة الصارمة، شرفهن مرتبط بآخرين، أخلاقهن موضع امتحان، أرواحهن تحت الفحص والتمحيص، قراراتهن بلا معنى. أما السلطة فهي لذة التحكم الخفي والفوقية المستحقة. والسلطة هي الأخرى تراتبية في المجتمع الديني فلكل رقيب رقيب، ولكل امرأة واحدة عشرة على الأقل، تبعًا لميزان القوة في المشهد! وبعد محاولات حثيثة لاكتشاف الذات وتقبل كينونتي، لعنت في ثورة غضب جنسانيتي بعد قراءة منشور دارج على وسائل التواصل الاجتماعي تحت عنوان "قرار أسقفي رقم (7) لعام 2021" يزعم صدوره عن مطرانية طنطا وتوابعها. نقاط البيان ببساطة ملخصة في التالي: جرعات تعليمية مكثفة عن الاحتشام، لا يُسمح بحضور قداسات دون غطاء رأس، للشباب عدم ارتداء بناطيل ممزقة تكشف الساق، إلزام مدعوي الأفراح بارتداء ملابس محتشمة، تعيين أمن نسائي لمنع المخالفات من الدخول، طرد أي مخالفين من الكنيسة ضمانًا لاستمرار الصلوات، وقف الخادمات غير الملتزمات بالقرار واستتابتهن للعدول عن أفكارهن، وبالتأكيد بند مبلغ التأمين 2000 جنيه الشهير يستردوا في حال التزام مدعوي الأفراح بالاحتشام! اليوم شعرت بالعجز وراجعت كل دوافع إيماني بالمسيح، فذلك المنشور أعاد لي أسوأ مخاوفي وتساؤلاتي: هل للنساء أي حق في أجسادها؟ ماذا عن أجساد النساء والوصاية الرقابية؟ ماذا عن مطاطية مفهوم الاحتشام؟ هل تضمن السلطة عدم الالتزام بالقواعد؟ لماذا يسعد الرجال بمنشور موجه أساسًا للنساء؟ لماذا تشمت النساء في أخريات لا يعرفهن؟ هل يصمد مبدأ درء الذرائع للأبد؟ وبعد تفكيرٍ عميق، ومحاولات مستميتة لمراجعة كل ما اعتنقته يومًا، كانت النتيجة: "أحمدك لأنك فككت الأسر بالمسيح وأطلقتني حرة أبدًا" وربما نختلف سويًا في تعريف "المسيح"، الحق أنا لا أعرف المسيح المُشار إليه في هذا المنشور! صديق الخُطاة والعشارين، مقيم المنحنين، مطلق المأسورين من أغلالهم العميقة، الثائر على الظلم وعاشق الجدال، هذا هو من أعرفه. تخيل معي أن يرفض المسيح التحدث مع السامرية إلى أن ترتدي رداءًا محتشمًا، تلك التي تحترف مهنة لا أخلاقية! أو يتناول الحجر الأول ويرجم امرأة أمسكت بذات الفعل ل"تتربي"، أو ينهر نازفة الدم لأنها لامسته دون استعداد ووقار! تخيلت؟ هذا بالتحديد ما جال في ذهني بعد قراءة هذا المنشور. أما من أعرفه وأسعى لتعميق علاقتي معه، فكان ودودًا، له تلميذات يتبعنه، لا يحكم من الخارج إنما يحكم عدلًا ورحمةً. ذاك القائل: أتركوها! لماذا تزعجونها؟!  لساكبة الطيب. الحق يا سيد أن عالمك يدين بالجنون ونبذ المختلف وإزعاج المرأة، لكن لا بأس طالما أنت ههنا. والآن ها منطوق دعواي في نقاط واضحة بعيدًا عن موضوع الغرامة:   - الاحتشام ضروري فنحن لسنا بمفردنا! حسنًا قلت: نحن لسنا بمفردنا، إلا أننا أفراد كاملي الأهلية فردانيين الاختيار، أليس كذلك؟ يُذكرني هذا القول بقول جدتي المأثور:"الناس هتقول عنا ايه؟"، "أصل الناس مبترحمش"، "أصل يمكن... ، واترك القول مفتوحًا. السؤال ههنا أأعبد الله أم أعبد الناس؟ هذه الحجة الشهيرة تُعرف باسم "درء الذرائع" فلكي "محدش يقول علينا حاجة" سنستأسد على طرف المعادلة الأضعف سهل الانصياع وهو النساء! فالاحتشام واجب نسائي فقط! عملًا بمبدأ درء الشبهات لماذا لا نمنع صلوات ليلة رأس السنة؟ ألا تثير حيرة وتساؤلات مجتمعنا؟ لماذا لا تلغي جملة "قبلوا بعضكم بعضًا" من صلاة الصُلح لئلا تُعثر مجتمعك؟ لماذا تعترف بالمسيح ربًا وإلهًا أن كان هذا يُعثر أخاك؟ أليست العثرات على مسطرة واحدة؟ أم نختار ما يعزز أيديولوجية ما ونقول لئلا أعثر أخي؟   - الملابس ثم الملابس ثم الملابس: اتفقنا من النقطة السابقة أن مفهوم الاحتشام في الاصطلاح الديني يتعلق بالملابس وبالأخص ملابس النساء، فهو مصطلح مطاطي نوعًا ما يمكن تطبيقه على الملابس ويمكن وقفه حين نتحدث عن القيم الأخلاقية والسلوك بمبادئ واضحة وعدم ازدواجية المعيار، ههنا ينتفي الاحتشام. كعادة المهيمن في سلسلة ميزان القوى، يختار منتقي الأعراف الطرف الأضعف للتحكم به وإسقاط هشاشته وعدم نضجه عليه، والحديث هنا عن نساء ورجال مختلفي الأعمار. فلم أتعجب مطلقًا من تعليقات الرجال والنساء المؤيدة لمنشور مطرانية طنطا، أما موقف الرجال فمفهوم: ذكر شرقي تطحنه الأيام بين فكيها، لا قدرة له على التأثير في مجتمعه بتاتًا، لم يتعلم تحمل تبعات قراراته مطلقًا فلجأ لحلول سريعة داخل جدران الكنائس... لم يتبقى له سوى طرف واحد لإسقاط كل مخاوفه عليه: النساء. لماذا يسلك الدرب الأصعب من احترام الأخر وتقدير كينونته واختياراته والتحكم بغرائزه طالما بإمكانه قمعه، لئلا يتهمه مجتمعه بالدياثة وأعوذ بالله؟ راجع نظرية "منظرنا". أما عن النساء فهذا تصرف عجيب يستدعي "متلازمة ستوكهولم" للأذهان، حيث تبرر الضحية لجلادها في عذوبة تُحسد عليها! وهذا عجيب ويستحق التأمل: أن يُقصي المرء بإرادته كرامته ويُستعبد بحريته بل يُهين ذاته ويعتذر عما لم يرتكبه من ذنوب!   - الملابس وغضب الله المُعلن! : هذا أكثر تعليق أدخلني في نوبة ضحك هستيرية! الله كامل القدرة والسلطان، المنزه عن الهوى، الذي لا يشوبه تغيير أو ظل دوران بالنسبة للبعض، يصب جام غضبه على المسكونة بسبب ملابس النساء! هل يدرك أصحاب مثل هذا التعليق كم الإهانة الموجه للذات الإلهية بمثل هذا الادعاء؟ يحول هذا الادعاء "الله" إلى قوة مُهددة في ذاتها، تطلب انصياع العبيد وإلا كوتهم بنارها! هذا تصور ليس فقط مهينًا بل وثنيًا فجًا يُذكرني بالآلهة التي يُتقى شرها بأضحيات الأطفال! هذا ليس الله الذي أعرفه. ربما بإمكاني احترام التعليق إن كان بهذه الصورة: أنا رجل في مجتمع يربط ذكورتي بقدرتي على السيطرة على من أعرفهن، وإن لم أفعل سأتهم بالدياثة، والحقيقة أن متعة فرض القرار والانفراد بالحكم تشعرني بأحقيتي وتزودني بالأمان الذي لا أطوله أبدًا، وهذا امتياز عظيم لا أحب التخلي عنه! بهذا الوضوح كنت سأحترم هذا التعليق أكثر من إقحام الله في الأمر.   - ثقافة الملابس والسُلطة: في حادثة شهيرة بإحدى كنائس القاهرة المرموقة التي أرادت تطبيق شيئا مشابهًا لهذا المنشور وفرض أغطية الرأس على كل مرتادي الكنيسة السيدات، حيث قامت الخادمة المسؤولة بإعطاء ال"إيشارب" لسيدة بجوار زوجها يهمان بالدخول، وفي الوقت الذي أحرجت فيه السيدة واستلمت "صك" دخول الكنيسة، تناول الزوج "قطعة القماش" وقذفها في وجه الخادمة وتمتم فيما معناه: إيه الجهل والقرف ده! وصمت الجميع، فالزوج من ذوي النفوذ والسلطة، وبتحرك واحد منه قد تختفي تلك الكنيسة من خارطة الحي بأكمله. يُشير المثال السابق إلى قدرة السلطة في ردع القواعد والأعراف، فالقوانين الوضعية لا تُطبق سوى على المهمشين الذين لا يجرؤن على الاعتراض ولا يتحلون بشجاعة تقرير المصير. يخفي عن واضعو مثل تلك القرارات أساسيات عديدة: ثقافة الملبس وارتباطه بجغرافية المكان ونظامه الاجتماعي، فالمنتقض في منطقة مُرحب به جدًا في مناطق أخري، والمُعثر هنا قد يكون قمة الاحتشام هناك. فالملابس ترتبط ببيئتها الثقافية وقواعد أخلاقية لا واعية مرتبطة بالذنب وحالة الطقس بالطبع. من العبث ربطها بأشياء أخرى وخيال مريض! فلم أصادف شخصًا قبل نزوله من المنزل يسأل: حسنًا سأرتدي هذا وأعثر 10 أفراد اليوم، فهو ليس "تارجت" نسعى لتحقيقه. وأزيدك من البيت شعرًا لن تنتهي العثرة بفرض أي نوع من الملابس لأنها تبدأ داخل العقل والقلب، فإن ارتدت سيدة 10 أردية فوق بعض، وأنت تشتهي كما أنت، تستطيع تخيلها من وراء كل تلك السواتر، وهذا بالمقارنة مع كلام المسيح زنى واعتداء على كرامة الأخر!   - طبعًا ما أنتوا عايزين تقلعوا! : هذا التعليق مضحك كسلفه مُدعي غضب الله بسبب ملابس النساء، إلا أنه لحسن الحظ لا يُهين الله هذه المرة، إنما يهين جنس النساء نفسه، وهي متعة لا تخفى عن البعض. يُذكرني مثل هذا التعليق بالمُلصقات الموضوعة في عربات مترو الأنفاق التي تربط الملبس والجزاء الحسن حيث تدعي: ينتهي الغلاء حين تتحجب النساء! والحقيقة لم ينتهي شيء لأن لا رابط بينهما من الأساس! بهذه البساطة. فهذا اقتصاد وحركة كساد وتضخم، وذاك اختيار وذوق ونسبية. تكمن أزمة هذا التعليق في رفع الأهلية عن النساء واعتبارهن حمقى سهل استدراجهن لمنهجية ما بسهولة، وبالتالي تنفيذ مؤامرات أجنبية وتكدير السلم العام! وهذا يستدعي تدخل طبي عاجل.   - فين مشكلتك ما العدرا كانت بايشارب؟: للعذراء مكانتها الخاصة في قلوبنا جميعًا، ولكن لم يخلق الله أيًا منا ليكون شخصًا أخر. خلقت لأكون أنا: نُسخة فريدة وليست تقليدًا لأحد. ومرة أخرى يُمكنك الرجوع لنقطة نسبية الملابس وارتباطها ببيئتها الجغرافية والثقافية، فبالتأكيد كانت العذراء بغطاء رأس فهي تعيش في اليهودية وفي القرن الأول الميلادي، في حين لم تكن أوكتافيا الرومانية المسيحية ترتديه ببساطة لأنه ليس من ثقافتها في شيء!   - الملابس وكود الاتفاق المحلي: للمؤسسات القدرة على اختيار Dress Code متفق عليه بينها وبين أعضاءها لضمان الشكل العام والالتزام بالقواعد هذا معروف في العديد من الأماكن، وإن نُفذ داخل كيان مؤسسي كما الكنيسة ربما سيساعد على سد الفجوات بين الغني والفقير وعدم إحراج الأخير، لكن هذا المنشور لا يتبع هذا النهج! تأتي صياغة هذا المنشور بصيغة وصاية فوقية، فحتى في أرقى أماكن العمل يُخبر الموظف بأن Dress Code المؤسسة Formal مثلًا ويُترك له حق اختيار قطع ملابسه بما يتفق مع المفهوم الضمني لكلمة Formal لكن لا يتم تفتيش موظف البنك صباحًا كمسجل خطر لضمان عدم ارتداؤه بليزر أسود على بنطال بيج! هذا سيكون موقف يدعو للسخرية، فما بالك في مكان يُفترض به تحرير روحك وليس تكبيلك بمزيد من القيود، وليست قيودًا بالاتفاق معك مثلًا إنما صياغة فوقية متعالية لقطيع منصاع!   - الملابس والعثرات: بالنسبة لكُتاب هذه المناشير العثرات للرجال فقط! والسؤال لسيادتهم في هذا الصدد ألا تشتهى النساء الرجال؟ ألا ينجذبن للشكل المهندم والمظهر النظيف؟ لمَ لم تطل علينا يومًا سيدة وسط ليتورجية وهي تصرخ: مش عارفة أركز في الصلا داري دراعك يا أخ؟ هذا مشهد عبثي أليس كذلك؟ في كنائسنا القبطية يوجد أماكن مُخصصة للرجال وغيرها مُخصصة للنساء وبينهما مسافة فاصلة، ولا أدري أن كنت أذهب لأحملق في هذا وتلك في أثناء قدسية الصلاة وروحانية حقيقية بعيدة عن التشتت، فلماذا أذهب من الأساس؟! في الواقع ربما أضاف القائمون على المنشور بند السراويل المُمزقة بالنسبة للشباب لصد مثل هذا الاحتجاج، وحسنًا فعلوا، ولكن هذا أيضًا تدخل في الاختيارات الحرة للأفراد، وفرض وصاية أخلاقية عليهم، وهذا أيضًا ضد كل مبادئ "لا يحكم علىٌ أحد"!   الأمن النسائي: كبت ولذة سلطة، أم عبد المأمور: اللهم أن هذا هو مربط الفرس. من هؤلاء؟ من أقامهن رقيبًا علىّ أو على غيري؟ ماذا إن كان هناك عداوة شخصية بيني وبين أحدهن: هل ستستغل هذا حُجة لمنعي من دخول الكنيسة؟ ماذا إن كانت تلك السيدة أم شريكي السابق وتريد فقط التقليل مني وعدم احترامي؟ ماذا لو كانت السيدة الفاضلة كبيرة في السن وتغير من فتاة في مقتبل العمر ومظهرها الأنيق ليس إلا؟ ماذا لو كانت السيدة المُكلفة بالأمر سادية أو حتى لديها انحرافات ما؟ هل يُمكن أن تتحرش بفتاة أو تُسبب لها صدمة بسبب تلامس معين؟ وغيرها من ماذا وماذا وماذا. لم أتخيل تلك اللجنة سوى بمظهر سجانات يكرهن أنفسهن ويكرهن الحياة ويريدون كتم أنفاس الجميع بلذة التحكم في المصير الروحاني حيث تختلط السلطة بالقداسة. تخيلتهن كنساء بدينات فقط يحاولن التحكم بساقي فتاة صغيرة لتشويه أعضاءها فقط لتصبح مثلهن وتتذوق كأسهن المرير! كأس المهانة والانصياع! الحقيقة لم أفهم الأمر، وذهبت أردد مع نفسي من سيفصلني عن المسيح؟ "طنط" الواقفة على بوابة الكنيسة! ما هذا التهريج؟ هل تدرك السيدة الفاضلة التي تتولى هذه المهمة أنها تعتدي مباشرةً على حقي القانوني في ممارسة شعائري الدينية وقانونًا استطيع تحرير محضر ضدها؟ هل دور الخادمات الحقيقيات هو مراقبة الآخرين وحشر أنوفهن في حياتهن؟ هل الخادمات الفضليات يمارسن الخدمة من برج المراقبة أم بالتجول بين الجموع كفيبي وليديا وتكلا؟ هل هذه خدمة أم دافع خفي لسيدة مقهورة ترغب في أي سُلطة للتحكم بما تبقى لها من كرامة في الحياة؟ لست هنا أطرح إجابة عن هذا السؤال فقط أطرح مخاوف مشروعة ونفس بشرية لا تخلو من الهوى.   وإلى هنا أعاننا الرب، لا يمكنني الإسهاب بمزيد من الحُجج لإقناعك بما لا تُريد، فالمستعبد يستميت دفاعًا عن عبوديته ويخشى أنوار الحرية. فقط تذكر: أي فضيلة لا تُفرض فرضًا، إنما تنبع من داخل البشر، وهنا تأتي عظمتها وفضيلتها، أما ترديد الأوامر كالببغاوات والانصياع خوفًا من العقوبة، لهو عبودية، خالية من أي فهم، تمامًا كثور الساقية البائس الذي لن يكف عن الدوران حتى أن حُل منها. --- ### عيد الميلاد، والقبطي المخالف - Published: ۲۰۲۲-۰۱-۰٦ - Modified: 2024-02-28 - URL: https://tabcm.net/3491/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: ٢٥ ديسمبر, ٢٩ كيهك, أنبا أغاثون، أسقف مغاغة والعدوة, أنبا زوسيما، أسقف أطفيح والصف, الإمبراطورية الرومانية, الانشقاق الكبير, التقويم القبطي, التقويم الميلادي, الروم الأرثوذكس, الكنيسة القبطية, الكنيسة الكاثوليكية, توحيد الأعياد, جايوس أوريلوس ڤاليريوس دقلديانوس أغسطس, عيد القيامة, عيد الميلاد, كريسماس, كنيسة الإسكندرية منذ عدة سنوات ظهرت صورة على مواقع التواصل الاجتماعي، يتفاخر من صممها بكونه "مسيحي أرثوذكسي ولا أحتفل بأعياد الكاثوليك.. أنا عيدي  29 كيهك"، وكأن العيد الذي يحتفل به الكاثوليك وغيرهم من الكنائس المختلفة حول العالم في 25 ديسمبر ليس تذكارًا لميلاد السيد المسيح على الأرض منذ عدة أيام انشغلت السوشيال ميديا بمنشور منسوب لصفحة باسم "حنان ترك" تدعوا فيها لعدم الاحتفال بالكريسماس ولا أي مظاهر تخصه، وهاجمها كثيرون لهذا السلوك المتطرف، ورغم أنها ليست المرة الأولى لحدوث هذا الأمر، إلا أن الموضوع أخذ زخمًا ونقاشًا لعدة أيام، فمنذ عدة سنوات اعتدنا فتاوى تحريم تهنئة المواطنين المصريين الذين يدينون بالمسيحية بأعيادهم، ولكن هذه الدعوات المتطرفة واجهها مواطنون مصريون يدينون بالإسلام بمنتهى القوة، وكانوا يقدمون التهاني بالأعياد لمواجهة الدعوات المتطرفة، وكانت هذه الدعوات تسبب ألما وضيقا للمسيحيين إلا أن هناك قطاعًا منهم رغم شكواه من هذه الدعوات المتطرفة، مارسها بنفسه بطريقة أخرى مع المسيحيين الذين يحتفلون بعيد الميلاد في 25 ديسمبر من كل عام رافضًا الاحتفال معهم أو تهنئتهم. الكيل بمكيالين ما يدعو للتساؤل هو كيف تجرؤون على الشكوى وتوجيه الانتقاد لحنان ترك لما في رسالتها من تشدد وتطرف وأنتم تمارسون نفس هذا التطرف والتشدد مع آخرين؟ لا توجد لدي إجابة سوى أن كل من يشعر أن لديه شيئًا من القوة يحاول ممارسة قهر وتشدد على من يعتبره أضعف منه، وهذا ما يفعله بعض من المصريين المسيحيين المنتمين للكنيسة القبطية الأرثوذكسية مع أتباع الكنائس الأخرى باعتبار أن (الأقباط الأرثوذكس) الأكثرية العددية من المسيحيين داخل مصر. منذ عدة سنوات ظهرت صورة على مواقع التواصل الاجتماعي، يتفاخر من صممها بكونه "مسيحي أرثوذكسي ولا أحتفل بأعياد الكاثوليك. . أنا عيدي  29 كيهك"، وكأن العيد الذي يحتفل به الكاثوليك وغيرهم من الكنائس المختلفة حول العالم في 25 ديسمبر ليس تذكارًا لميلاد السيد المسيح على الأرض، ونحن لا نعرف لا اليوم ولا الشهر  ولا السنة التي ولد فيها المسيح تحديدًا، وكل ما يتم هو مجرد نظريات وتخمينات غير مؤكدة تمامًا، فإذا كنتم بهذا التشدد أيضا مع المسيحيين الكاثوليك وغيرهم الذين هم من نفس ديانتكم فلماذا الشكوى من بعد المتشددين من غير المسيحيين الذي يرفضون تهنئتكم؟ هل تناسيتم قول المسيح "لأن الكيل الذي تكيلون به يكال لكم ويزاد"، وحقًا أنه يزاد. وَقَالَ لَهُمُ: «انْظُرُوا مَا تَسْمَعُونَ! بِالْكَيْلِ الَّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ وَيُزَادُ لَكُمْ أَيُّهَا السَّامِعُونَ. (مرقس 4: 24) العار أن تتحكم فينا مغاغة وأطفيح منذ عدة سنوات ظهرت دعوات تطالب بتوحيد عيد الميلاد بين جميع الكنائس، فهناك من يحتفل به يوم 25 ديسمبر وهناك من يحتفل به يوم 7 يناير، والسبب ليس عقائدي أو إيماني، وإنما لاختلاف التقويم الذي تتبعه كل كنيسة، فكان الرد من أسقف مغاغة والعدوة، وكذلك أسقف أطفيح من الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، برفض هذا الدعوات، وأدعى أحدهم بأن "الوحدة في الإيمان قبل الوحدة في الأعياد"، بينما قال الآخر في فيديو إن يوم 29 كيهك من التقويم المصري القديم -المعاد إحيائه كنسيًا منذ عام 284م باسم تقويم الشهداء واستخدمته الكنيسة في تحديد أعيادها ومناسباتها-  "هو اليوم الذي ولد فيه السيد المسيح، كما قال الآباء"، ولم يذكر أي آباء ذكروا هذا، وأكمل حديثه: "يكون في 29 كيهك الموافق 7 يناير أقصر نهار وأطول ليل"، وهذا الكلام غير دقيق فقد حدث الانقلاب الشتوي هذا العام في 21 ديسمبر 2021، وليس 7 يناير 2022، بينما حدث الانقلاب الشتوي في عام 2019 الذي تم تصوير هذا الفيديو خلاله في 22ديسمبر 2019 وليس 7 يناير 2020 كما أدعى. https://www. youtube. com/watch? v=-HJJpISz-Ds    تطور الحسابات وزيف الادعاءات تحدد الاحتفال بعيد الميلاد في القرن الرابع الميلادي، وتم الاتفاق على يوم 25 ديسمبر بالتقويم الميلادي، الموافق 29 كيهك بالتقويم القبطي، ويروج الرافضون من الكنيسة القبطية الأرثوذكسية لفكرة توحيد الأعياد أو ضبط التقويم القبطي الذي تتبعه الكنيسة حاليًا، لفكرة أن تقويمنا هو الأدق، وبذلك نحن من لا يجب أن نغير مواعيد الاحتفال بل على الآخرين أن يتبعونا، ولكن هذا الادعاءات غير صحيحة، فالتقويم المصري القديم الذي بدأ منذ 6262 عاما، غير التقويم القبطي الحالي الذي بدأ عام 284م وهي سنة اعتلاء دقلديانوس حكم الإمبراطورية الرومانية، فالمتشابه بينهم هو استخدام أسماء الشهور المصرية فقط. ففي 11 سبتمبر 2021، نشر موقع المصري اليوم خبرا على لسان الدكتور جاد القاضي، رئيس المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية، الذي أكد أن جميع الدراسات العلمية (سواء كانت فلكية أو أثرية أو كانت عربية أو أجنبية) اتفقت أن المصريين القدماء هم أول من قاموا بحساب طول السنة الشمسية عن طريق رصد ما يسمى بظاهرة الشروق الاحتراقي لنجم الشعرى اليمانية وعرفوا أن طول السنة 365،25 يوم وسمى بالتقويم المصري القديم الذي بدأ منذ 6262 عاما وينسب إلى «توت» رب الحكمة والكتابة في عقيدة المصريين القدماء الذي توصّل إلى أول حساب للأيام عرفه الإنسان. وأن هذه الظاهرة تحدث مع بداية فيضان النيل في شهر يوليو من كل عام حسب خط عرض المكان ففي القاهرة بداية شهر توت فلكيا هو 24 يوليو من كل عام. ولأسباب سياسية أمر الإمبراطور «أغسطس قيصر» بتغيير بداية التقويم المصري ليبدأ يوم 29 أغسطس من كل عام ليتزامن مع التقويم اليوناني الجديد (وهو أساس التقويم الجريجورى الذي يسير عليه الغرب إلى اليوم)، وهكذا ظهر إلى الوجود “التقويم القبطي" أو "التقويم السكندري” الذي يختلف عن التقويم المصري الفرعونى في بدايته فقط. عدّ تاريخ تقلد الإمبراطور الروماني دقلديانوس حكم مصر بداية للتقويم القبطي تخليدًا للشهداء الأقباط الذين نكل بهم هذا الإمبراطور الوثني لتمسكهم بعقيدتهم المسيحية ورفضهم تأليهه وعبادته، وتم تحديد بداية التقويم القبطي على هذا الأساس بيوم 29 أغسطس من عام 284 ميلادية، الذي قابل بداية شهر توت وهو الشهر الأول في التقويم القبطي وبعد عدة تصحيحات في التقويم الميلادي في منتصف القرن السادس عشر بات يوم 11 سبتمبر هو بداية السنة القبطية البسيطة، و12 سبتمبر بداية السنة القبطية الكبيسة. والثلاثة عشرة يوما ما بين 7 يناير و25 ديسمبر هو نفس الفرق ما بين 29 أغسطس و11 سبتمبر، وهو فرق أيام التصحيح بين التقويم اليولياني والجريجوري. وقد احتفظ الأقباط بالنظام الفرعوني للتقويم المصري على أساس أن السنة الشمسية تضم 12 شهرا عدد أيام كل منها 30 يومًا يلحق بها أيام شهر النسيء، وعدد أيامه إما 5 أيام في السنة البسيطة، أو6 في السنوات الكبيسة، وتم الاحتفاظ بأسماء الأشهر القبطية ال 12 كما عرفت بها في التقويم الفرعوني منذ الأسرة الخامسة والعشرين في عهد الاحتلال الفارسي لمصر، هي بترتيب تواليها: توت، بابه، هاتور، كيهك، طوبة، أمشير، برمهات، برمودة، بشنس، بؤنة، أبيب، مسرى، ونسئ. إذن فأي ادعاء يربط بين تقويم الشهداء (القبطي) والتقويم المصري القديم هو باطل، لأن السنة المصرية القديمة تبدأ فلكيا في 24 يوليو، عند مشاهدة الشروق الاحتراقي لنجم الشعرة اليمانية "سبدت"، وبسبب أغسطس قيصر تم ترحيل بداية السنة المصرية لتبدأ في 29 أغسطس، وكان أخر تطور للتقويم هو حساب أن السنة مدتها 365 يومًا و6 ساعات، ولكن مع الوقت وبالتحديد في 1582 م أي في القرن الـ16 اكتشف العلماء كريستوفر كلافيوس ويوهانس كيبلر في زمن بابا روما جريجوري الـ13 إن الاعتدال الربيعي، أصبح يقع في 10 مارس بدلا من 21 مارس، وبذلك انتهى يوم 4 أكتوبر1582، وأصبح اليوم التالي له هو 15 أكتوبر وليس 5 ليتم ضبط التقويم بالمقاييس الجديدة، حيث أن مدة السنة هي 365 يوم و5 ساعات و48 دقيقة و46 ثانية أي هناك فارق 11 دقيقة و14 ثانية، عن طريقة الحساب القديمة للتقويم الذي كان يعرف باسم "اليولياني" -نسبة ليوليوس قيصر- وتحول اسمه إلى الجريجوري. مختلفين في الإيمان متحدين في التقويم والعكس العجيب كل العجب في قصة عيد الميلاد، هو أن كنائس اتفقت في الإيمان وتختلف في موعد العيد، بينما كنائس اختلفت في الإيمان تتفق في موعد العيد، فمعروف أن أول انشقاق حدث كان في مجمع خلقدونية 451م وفيها انفصلت كنيسة الإسكندرية وأصبح اسمها "القبطية الأرثوذكسية" وكنيسة أنطاكية وأصبح اسمها "السريانية الأرثوذكسية"، عن كنيستي روما والقسطنطينية، وفي 1054م حدث الانشقاق الكبير بين الأخيرتين، وعرفت القسطنطيينة باسم "الروم الأرثوذكس"، وبعد سقوط القسطنطينية على يد العثمانيين في 1453م أصبح أهم كنائسها كنيسة روسيا وكنيسة اليونان. ويحتفل بعيد الميلاد يوم 7 يناير كلا من الكنيسة القبطية الأرثوذكسية (لا خلقدونية)، وكذلك كنيسة روسيا الأرثوذكسية (خلقدونية)، وهما كنيستان مختلفتان في الإيمان ولكن اتفقتا على عدم قبول تعديلات البابا جريجوري على التقويم، بينما تحتفل كنيستا السريان والأرمن الأرثوذكس المتحدين في الإيمان مع الكنيسة القبطية، وكنيسة اليونان المتحدة في الإيمان مع كنيسة روسيا يوم 25 ديسمبر حسب التقويم الجريجوري مع الكنيسة الكاثوليكية. كنيسة عالمية لا يعرف قيمتها محدودي الفكر إن دعوات ضبط التقويم القبطي على أحدث طريقة لقياس السنة، ليست إلا تصحيح خطأ قديم وتطور لمسايرة حركة الزمن بدلا من الوقوف للتباه بماضٍ لم يعد منه لدينا إلا سيرته ونبتعد كل البعد عنه، والاعتراف بالخطأ وتصحيحه من شيم الكبار، وكنيسة الإسكندرية هي كنيسة كبيرة وعريقة، وكانت في يومًا من الأيام تقود المسيحيين لاهوتيًا وفكريًا، ولم تنحسر عن دورها العالمي إلا بانغلاقها على ذاتها، من بعد خلقدونية وتغيرت هويتها من "الإسكندرية" إلى "القبطية الأرثوذكسية". هذه الكنيسة التي عانت كثيرًا طوال تاريخها، لم تعد اليوم منحسرة داخل مصر، بل مع حركة هجرة المواطنين المصريين وفي القلب منهم المسيحيين منذ خمسينيات القرن الماضي، امتدت هذه الكنيسة من داخل مصر إلى قارات العالم الست المأهولة بالسكان، وأصبح لها أتباع لهم ثقافة مختلفة، فأبناء الجيل الثاني والثالث من المصريين المهاجرين، هم أبناء بلدانهم وثقافتهم ومجتمعاتهم التي نشأوا فيها، ومن العار أن يتحكم في هؤلاء مغاغة أو أطفيح أو المنوفية، وليس المقصود المدن بل المسؤولين عن هذه الإيبارشيات، فكنيسة الإسكندرية يجب أن يتسع صدرها لتشمل الجميع باختلافاتهم وثقافتهم المتنوعة، وضبط التقويم القبطي هو تصحيح وضع خاطئ وفي نفس الوقت يجعل أبناء كنيسة الإسكندرية مرتبطين بكنيستهم ومندمجين مع مجتمعاتهم غير منفصلين عنها ولا يشعرون أن كنيستهم تقف حجر عثرة في هذا الاندماج. من غير الطبيعي أن يعيش المصري المسيحي فترة إجازة عيد الميلاد من 24 ديسمبر إلى 6 يناير في بعض الدول، ويوم الاحتفال بالعيد حسب تقويمنا الخاطئ. يجد الأطفال أنفسهم في الامتحانات وآبائهم في العمل لانتهاء إجازة العيد، فلماذا التشدد في موعد العيد وهو أمر له علاقة بالحسابات التي يحسمها العلم وليس له علاقة بالإيمان والعقيدة؟ ثم إذا كان التاريخ يسمى بالميلادي نسبة لميلاد السيد المسيح أليس من باب أولى إتباعه، ورغم ذلك لم يطالب أحد بالتنازل عن التاريخ القبطي بل ضبطه وفق تطورات العلم الحديث كما حدث في التاريخ الميلادي/ الجريجوري، وهذا سيعيد 29 كيهك ليوافق 25 ديسمبر، كما أن الـ13 يومًا فرقًا بين التقويمين سيتم إزالتهم وسينعكس هذا على عيد القيامة وهو موضوع له مقالًا آخر. فهل يدرك أساقفة مجمع كنيستنا قيمة هذه الكنيسة التي هي اليوم عالمية؟ أم يتعاملون معها بمنطق أنها "بيعة" محلية في قرية صغيرة في ريف مصر؟ --- ### التجسد ونحن - Published: ۲۰۲۲-۰۱-۰۵ - Modified: 2024-02-29 - URL: https://tabcm.net/3366/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: آدم, آريوسية, التبني, بابا كيرلس عمود الدين, باسيليوس الكبير، أسقف قيصرية الكبادوك, تجسد الكلمة, شركاء الطبيعة الإلهية, ضد الآريوسيين, علامة إكليمندس السكندري, غريغوريوس النزينزي، الناطق بالإلهيات, قديس أثناسيوس الرسولي, قديس إيرينيئوس، أسقف ليون, قديس بولس الرسول, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية كان يشغل خاطري في كثير من الأوقات لماذا دافع آباء الكنيسة الأوائل عن لاهوت المسيح وإنسانيته في المجامع المسكونية باستماتة؟ هل لإنه يحتاج إلى دفاع بسبب عدم مقدرته على ذلك! مرت الأيام وبدأت في طريق القراءة والمعرفة، وحينما تصفحت كتابات الآباء استطعت وقتها إن أصل إلى إجابة كان يشغل خاطري في كثير من الأوقات لماذا دافع آباء الكنيسة الأوائل عن لاهوت المسيح وإنسانيته في المجامع المسكونية باستماتة؟ هل لإنه يحتاج إلى دفاع بسبب عدم مقدرته على ذلك! مرت الأيام وبدأت في طريق القراءة والمعرفة وحينما تصفحت كتابات الآباء استطعت وقتها إن أصل إلى إجابة، يؤكد القديس أثناسيوس الرسولي إنه إن لم يكن الابن هو الإله الذي تجسد واتخذ طبيعة ناسوتية كاملة مشابهة لنا تمامًا بدون الخطية وحدها كالتدبير، لما كان ممكنًا أن يؤلهنا ويعطينا معرفة الله الآب غير المنظور عندما اتحد بطبيعتنا البشرية. لأن كلمة الله صار إنسانًا لكى يؤلهنا نحن، وأظهر نفسـه في جسد لكى نحصل على معرفة الآب غير المنظور، واحتمل إهانة البشر لكى نرث نحن عدم الموت. لأنه بينما لم يَمسّه هو نفسه أى أذى، لأنه غير قابل للألم أو الفساد، إذ هو الكلمة ذاته وهو الله (القديس أثناسيوس الرسولي، كتاب "تجسد الكلمة"، الفصل الرابع والخمسون، الفقرة الثالثة ) من أجل ذلك اتخذ جسداً إنسانياً حتى إذا ما جدَّده لنفسهله حينئذ يؤلِّهه في ذاته وبهذا يُحضرنا جميعاً إلى ملكوت السموات على مثاله. لأن الإنسان كان لا يمكن أن يتألَّهإن كان اتحاده يتم بمخلوق، أو أن يكون ابن الله ليس إلهاً، وكذلك لا يمكن أن يأتي “إنسان” إلى حضرة الله إذا لم يكن هو كلمته الحقيقية ومن جوهره وقد لبس جسدًا (القديس أثناسيوس الرسولي، المقالة الثانية "ضد الآريوسيين"، الفصل السبعون ) ويؤكد من قبله القديس إيرينيئوس والقديس أكليمنضس السكندري على نفس المفهوم. ان المسيح كما قلنا، قد ألَّف ووحَّد الإنسان مع الله، لأنه لو لم يكن الإنسان قد اتَّحد بالله لما استطاع أبداً أن يشترك في الخلود. لذلك كان ينبغي أن الوسيط بين الله والناس، بسبب انتسابه لكلٍّ منهما، يعيد بينهما الأُلفة والتوافق حتى إن الله يقبل إليه الإنسان، والإنسان يقدِّم نفسه لله. فبأي وسيلة كان يمكننا أن ننال التبنِّي لله، إلاَّ بأن نحصل بواسطة الابن على الشركة مع الله، وذلك بأن يصير كلمة الله مشاركاً لنا، بأن يصير جسداً؟! لذلك فقد جاء مجتازاً في جميع القامات حتى يسترجع للجميع الشركة مع الله (القديس إيرينيئوس، "ضد الهرطقات"، الكتاب الثالث، الفصل الثامن عشر، الفقرة السابعة) ويٌكمل قائلًا: كيف كان يمكن للإنسان أن يذهب إلى الله، لو لم يكن الله قد جاء أولاً إلى الإنسان؟ وكيف كان يمكن للبشر أن ينعتقوا من ميلادهم الأول المؤدِّي إلى الموت، لو لم يولدوا من جديد بالإيمان بذلك الميلاد الجديد الإعجازي المُعطَى من الله كآية للخلاص (انظر أشعياء 14:7 «يُعطيكم الرب نفسه آية»)، أعني الميلاد الذي صار من العذراء؟ بل، وكيف كان يمكن أن ينالوا التبنِّي لله وهم باقون في ميلادهم الأول الذي بحسب البشر في هذا العالم؟ من أجل ذلك صار الكلمة إنساناً، وصار ابن الله ابناً للإنسان؛ لكي يتَّحد الإنسان بالكلمة، فينال التبنِّي ويصير ابناً لله (القديس إيرينيئوس، "ضد الهرطقات"، الكتاب الثالث، الفصل الثامن عشر) ويضيف في الفصل الثالث من نفس المرجع السابق: الله صار إنسانًا لكي يجعل الإنسان إلهًا (القديس إيرينيئوس، "ضد الهرطقات"، الكتاب الثالث، الفصل الثالت) ويذكر القديس إكليمنضس في كتابه الستروماتا: صار كلمة الله إنسانًا حتى يتعلم كيف يصير الإنسان إلهًا (إكليمندس السكندري، ستروما) ويقول القديس يوحنا ذهبي الفم: فحينما تسمع أن ابن الله هو ابن داود ابن إبراهيم، تيقَّن أنك أنت يا ابن آدم ستصير ابناً لله. فليس جزافاً أو باطلاً قد وضع نفسه إلى هذا الحد، إلاَّ لأنه كان ينوي أن يرفعنا معه إلى فوق! فإنه قد وُلِد بحسب الجسد لكي تُولَد أنت بحسب الروح، فكما إذا وقف أحد بين شخصين منفصلين، ومدَّ يديه من الناحيتين لكي يوحِّدهما معاً؛ هكذا فعل هو ليوحِّد العهد القديم بالجديد، والطبيعة الإلهية بالبشرية، والذي له بالذي لنا (القديس يوحنا ذهبي الفم، العظة الثانية لشرح الإصحاح الأول من  إنجيل القديس متى) ويُكمل أيضا القديس يوحنا ذهبي الفم: صار ابنًا للإنسان لكي يصير بنو الإنسان أبناء الله (القديس يوحنا ذهبي الفم، العظة الثانية لشرح الإصحاح الأول من  إنجيل القديس متى) ويذكر أيضا القديس كيرلس الكبير: أريد أن أعرف ما هي الغاية من مجيئه إلينا، وكيف تأنَّس ولماذا؟ أليس من الواضح تماماً ولا يخفى على أحدٍ أن الابن الوحيد صار مثلنا، أي إنساناً كاملاً، لكي يعتق جسدنا الأرضي من الفساد الذي اندس فيه؟ وكما أن الجسد لمَّا صار جسداً للكلمة الذي يُحيي الكل تغلَّب على سلطان الموت والفساد، هكذا تماماً أعتقد أن النفس لمَّا صارت نفساً للذي لا يعرف أن يخطأ، صارت في وضع ثابت ومستقر في جميع الخيرات، وصارت أقوى بلا قياس من الخطية التي كانت تتسلّط عليها فيما مضى فالمسيح أول إنسان «لم يفعل خطية ولا وُجد في فمه مكر» (1بط22:2)، وقد جُعل مثل أصلٍ وباكورةٍ للذين يتغيَّرون عن شكلهم إلى جدة الحياة بالروح، وصار منذ الآن يوصِّل إلى سائر جنس البشرية بالمشاركة وبالنعمة عدم فساد جسده، وثبات واستقرار لاهوته! (القديس كيرلس الكبير، "تجسد الابن الوحيد"، غاية تجسد الله الكلمة ربنا يسوع المسيح) ويُكمل في شرحه لإنجيل القديس يوحنا ويقول: إن التأكيد على أن الكلمة ”حلَّ فينا“ هو نافع، لأنه يُعلن لنا أيضًا سرا عميقًا جدًا، لأننا كنا كلنا في المسيح. فالعنصر المشترك للبشرية قد تركَّز في شخصه، وهذا هو السبب في تلقيبه بآدم الأخير، فهو أَغَنى طبيعتنا البشرية المشتركة بكل ما يوصِّل لها الفرح والمجد، بعكس ما َفعَلَ آدم الأول إذ أفقرها بكل ما أتى بها إلى الفساد والحزن. وهذا هو بالتحديد السبب في أن الكلمة حلَّ فينا كلنا حينما حلَّ في كائن بشري مفردلأنه من خلال هذا الواحد الذي تعيَّنمن جهة روح القداسة )رو 1 : 4) فإن كل البشرية ترتفع إلى قامته، حتى أن الآية القائلة "أنا قلت إنكم آلهة وبنو العليِّ كلُّكم" قد كرَّر ذِكرها ، فمن خلال تطبيقها على واحد مناتنطبق علينا جميعًا وهكذا يحل ويسكن في الجميع، لمَّا حَلَّ وسكن في هيكلٍ واحد مأخوذ منا ولأجلنا، إذ احتوانا كلنا في نفسه ”لكي يُصالحنا جميعًا في جسد واحد مع الله الآب“ كما يقول بولس الرسول في أفسس 2 : 17 (القديس كيرلس الكبير في شرحه لانجيل القديس يوحنا، الإصحاح الأول) واستمرارًا في حلقة أباء الكنيسة يقول القديس باسيليوس الكبير: اللهفى الجسد، ليس فقط بفعله وعلى فترات متقطعة، كما كان في الأنبياء؛ ولكنه اقتنى البشرية مغروسة فيه و متحده به، فقد جمع في نفسه البشرية كلها بواسطة جسده الذي كان مساوياً لأجسادنا. اعلم، إذن، السر: من أجل ذلك جاء الله في الجسد، لكي يقتل الموت المتخفي فى أعماقنا، فقد ملك الموت حتى مجيء المسيح (رو ٥: ١٤)، ولكن لما ظهرت نعمة الله المخلصة (تى ٢: ١١)، وأشرق «شمس البر» (ملا ٤: ٢) ابتلع الموت إلى غلبة (١كو١٥ :٥٤)، إذ لم يحتمل التواجد أمام الحياة الحقيقية، فيا لعمق صلاح الله ومحبته للبشر! لماذا يتباحث الناس في كيفية مجيء الله بين البشر، بينما كان الأجدر بهم أن يسجدوا أمام صلاحه؟! (القديس باسيليوس الكبير، عظة عن الميلاد) يقول القديس غريغوريوس النيزينزي: لقد وُلد بكل ما للإنسان ما خلا الخطية، وُلد من عذراء طهَّرها الروح القدس جسداً وروحاً، خرج منها إلهاً مع الجسد الذي اقتناه، واحداً من اثنين مختلفَين، جسداً وروحاً، حيث. يا له من اقتران من نوع جديد! يا له من إتصال مدهش عجيب! فهوذا «الكائن بذاته» ”يصير“(يو 1: 14)، وغير المخلوق يأخذ صفة المخلوق، وغير المحوى يدخل إلى حدود، ومعطي الغِنَى يجعل نفسه فقيراً (2كو 8: 9). إنه يفتقر بأخذ جسدي، لكي أغتني أنا بلاهوته. هوذا المملوء نعمة وحقّاً (يو 1: 14) يُخلي نفسه، أي يُفرِّغ ذاته (في 2: 7). فإنه يُفرِّغ ذاته من مجده الخاص إلى حين، حتى أشترك أنا في امتلائه (يو 1: 16). فما أعظم غِنَى صلاحه! وما أعظم هذا السر الحادث  من أجلي (القديس اللاهوتي "غريغوريوس النيزينزي"، العظة 38 عن الظهور الإلهي) ونختم أخيرًا بالقديس أثناسيوس الرسولي بقوله: فالابن الذي كان على صورة الله لم يفقد شيئاً من لاهوته لما أخذ شكل العبد، بل على العكس فقد صار بذلك مخلِّصاً لكل جسد بل وللخليقة كلها. وإن كان الله قد أرسل ابنه مولوداً من امرأة فهذا الأمر لا يكون لنا سبب خجل، بل على العكس هو سبب فخر لنا مع نعمة فائقة. لأنه قد صار إنساناً لكي يؤلّهنا في ذاته وصار من نسل المرأة ووُلِد من عذراء لكي يحوِّل لنفسه ميلادنا الذي كان في الضلال ولكي نصير فيما بعد "جنساً مُقدّساً" (١بط٩:٢)، بل وشركاء الطبيعة الإلهية كما كَتَب الطوباوي بطرس (٢بط٤:١) (القديس أثناسيوس الرسولي، الرسالة 60 إلى ادلفيوس) نستنتج من كل هذا أن دفاع آباء الكنيسة عن المسيح كان في المقام الأول دفاعًا عن قيمة الإنسان في المسيح الذي رفعه لمشاركة مجده وقدسه في ذاته وأعطاه نعمة التبني والتأله، فلو لم يكن المسيح هو الله بالحقيقة وهو الكلمة المتجسد لما كانت جميع أفعاله خلاصية ولما كنا استفدنا من تجسده وحلوله بيننا. --- ### أسطورة القرعة الهيكلية
(٢) اقتراب غير حذر - Published: ۲۰۲۲-۰۱-۰٤ - Modified: 2024-12-27 - URL: https://tabcm.net/3461/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, شئون علمانية - وسوم: أنبا باخوميوس، مطران البحيرة, أنبا ميخائيل، مطران أسيوط, القرعة الهيكلية, الكرسي المرقسي, الكنيسة القبطية, الكنيسة الكاثوليكية, بابا بطرس الأول خاتم الشهداء, بابا شنودة الثالث, بابا فرنسيس، بابا الڤاتيكان, جريدة الدستور, كنيسة الإسكندرية, مجلة مدارس اﻷحد, مدارس الأحد, مينا بديع عبد الملك, وليم سليمان قلادة, يسى عبد المسيح فإن كان اختيار المسيح ليهوذا الإسخريوطي، لم يعصمه من خيانة المسيح، فهل الاختيار الإلهي للبطريرك (على فرض أنه إلهي) يضمن جودة قرارات الشخص الجالس على الكرسي المرقسي ويعصمه من أخطاء اﻹدارة؟ في أواخر شهر فبراير (شباط) 2012، بدا واضحًا للمقربين أن الحالة الصحية للأنبا شنودة الثالث قد تدهورت جدًا، وأن رحيله سيكون في ظرف أسابيع وربما أيام، لذا كان من المنطقي التحرك لترتيب البيت والتحضير لما بعد الانتقال المتوقع؛ لأنه بعد رحيل الأنبا شنودة سيكون المطران الذي يفترض أن يتولى مسئولية قائمقام البطريرك هو الأنبا ميخائيل مطران أسيوط بصفته أكبر المطارنة سنًا، ولكن لأن الحالة الصحية لمطران أسيوط سيئة للغاية وهو شيخ مُسن، فغالبًا سيعتذر عن هذا المنصب، وعلى هذا سيؤول منصب القائمقام إلى مطران البحيرة الأنبا باخوميوس، وقيل إنه سيعتذر عن المنصب أيضًا، وستدخل الكنيسة في صراعات إن اعتذر هذا الأخير. وحرصًا منه على أستقرار الكنيسة، وبالتشاور مع بعض أصدقاء الكنيسة الأوفياء، ونظرًا لدالة الصداقة القديمة التي تربطه مع الأنبا باخوميوس مطران البحيرة، اتصل الدكتور مينا بديع عبد الملك الباحث في الدراسات القبطية وعضو المجمع المصري والأستاذ الدكتور بكلية الهندسة جامعة الإسكندرية والجامعة الأمريكية، بالأنبا باخوميوس، وطلب أن يلقاه في أقرب وقت في إيبارشية البحيرة ((د. مينا عبد الملك، جريدة الدستور، سلسلة مقالات الحلم الذي تبدد في كنيستنا، المقال رقم 34. )). وفي يوم الأحد 11 مارس (آذار) 2012 وقبل وفاة البابا شنودة بأسبوع واحد، وفي حوالي الثانية ظهرًا، وصل د. مينا لمدينة دمنهور لمقابلة الأنبا باخوميوس، حاملًا معه مقالات متعلقة بقوانين الكنيسة وتقاليدها وتاريخها في فترة المخالفات والتجاوزات الكنسية التي حدثت منذ عام 1928 بجلوس الأنبا يؤانس البابا 113 على الكرسي البابوي مخالفًا قوانين الكنيسة، ومقالات للأستاذ نظير جيد، والمؤرخ الكنسي الأستاذ يسى عبد المسيح أمين مكتبة المتحف القبطي بالقاهرة، ومقالات قانونية للمستشار د. وليم سليمان قلاده، والمقالات التي صدرت من الإسكندرية في الانتخابات البابوية المختلفة، وغيرها من الكتابات القانونية، وفيها افتتاحية مجلة مدارس الأحد، التي كتبها الأستاذ نظير جيد ((نظير جيّد، افتتاحية مجلة مدارس الأحد، بعنوان: قوانيننا الكنسية، عدد مايو 1950. ))، وقال في مطلعها: لم توضع القوانين الكنسية بإرشاد الروح القدس لتُعرض في المتاحف كأثر من آثار الآباء، أو لتُحفظ في المكتبات ليطلع عليها دارسو التاريخ القديم أو الحديث، وإنما وُضعت لتكون دستورًا ينظم كل أمورنا الكنسية. إن كل بند من بنود هذه القوانين لازم كل اللزوم لبناء شعب الله، غير أننا نجد أن هذه القوانين المقدسة مُعطلة في أغلب مناحيها ومكسورة حتى من الذين عهد إليهم الله بحفظها وحراستها. (نظير جيّد، إفتتاحية مجلة "مدارس الأحد" عدد مايو 1950، تحت عنوان: "قوانيننا الكنسية") ثم اختتم كلمته بقوله: هناك قوانين كُسرت ويُخشى أن يُصبح توالى كسرها تقليدًا تسير عليه الأجيال المُقبلة كأنه قانون متوارث، مثال ذلك أن الكنيسة تمنع رسامة البطريرك من بين المطارنة. (نظير جيّد، إفتتاحية مجلة "مدارس الأحد" عدد مايو 1950، تحت عنوان: "قوانيننا الكنسية") وعلى مدى ثلاث ساعات، أستفاض د. مينا عبد الملك في شرح قوانين الكنيسة المتعلقة بالانتخابات البطريركية، وركز محور حديثه على قرار صدر من مجمع أساقفة الكنيسة القبطية في سنة 1865، بعد وفاة الأنبا ديمتريوس البطريرك 108 بعدم جواز ترقية الأسقف إلى البطريركية وأسند هذا المجمع قراره إلى الكتاب المقدس والقوانين والتاريخ وأقوال الآباء، وبعد الكثير من النقاشات، نظر الأنبا باخوميوس إلى د. مينا عبد الملك وقال له نصًا: ما هو رأى شعب الإسكندرية في اللي عندنا؟ وكان يقصد الأنبا تواضروس أسقف عام البحيرة ((د. مينا عبد الملك، جريدة الدستور، سلسلة مقالات الحلم الذي تبدد في كنيستنا، المقال رقم 39. )). بعد أن تم الإعلان عن أسماء المرشحين للكرسي البابوي لم يفاجأ د. مينا بترشيح أسقف عام البحيرة الأنبا تواضروس؛ لأن هذا ما تأكد له في مقابلته مع مطران البحيرة الأنبا باخوميوس، الذي صار بعد ذلك قائمقام البطريرك، فبادر إلى إرسال مذكرة إلى القائمقام اعتراضًا على ترشح أسقف عام البحيرة، والتي جاءت في صفحتين كاملتين ((د. مينا عبد الملك، جريدة الدستور، سلسلة مقالات الحلم الذي تبدد في كنيستنا، المقال رقم 44 و45. )). اعتراض عبد الملك على تواضروس جاء عبر ثلاث أسباب رئيسة يمكن فهمها ضمنيًا من سلسلة مقالاته: "الحلم الذي تبدد في كنيستنا"، حتى وإن لم يذكرها نصًا: أولًا، اعتراضات قانونية: بطريرك الكنيسة القبطية هو الاسم المرادف للقب أسقف الإسكندرية،‏ لذلك طبقًا للقوانين الكنسية وقوانين المجامع المسكونية والإقليمية، ممنوع منعًا باتًا، بل محرم، أن يتم رسامة أساقفة، سواء كان أسقف إيبارشية أو أسقفًا عامًا، ليكون أسقفًا علي الإسكندرية، أو بمعني آخر أكثر وضوحًا تتم رسامة أسقف الإسكندرية من بين الرهبان الذين لا تزيد درجتهم الكهنوتية عن درجة قمص، وهو ما استعرضه د. عبد الملك مع الأنبا باخوميوس خلال حديثه المطول واستعراضه لجميع قوانين الكنيسة التي تحكم اختيار أسقف الإسكندرية، وجميع قرارات المجامع السابقة وكتابات الآباء المحدثين، وما يتضح جليًا أن الأنبا باخوميوس لم يكن لينصت لحديث د. مينا عبد الملك، أو أنه لم يكن مقتنعًا بتلك القوانين الكنسية من اﻷساس ((فيديو للأنبا باخوميوس القائمقام أثناء القرعة الهيكلية - قناة مار مرقس - ME Sat )). ثانيًا، اعتراضات انحيازية: ميل القائمقام الأنبا باخوميوس مطران البحيرة منذ اللحظة الأولى، وقبل أسبوع كامل من نياحة الأنبا شنودة، ناحية أسقفه المساعد: الأنبا تواضروس، فطبقًا لشهادة د. مينا عبد الملك، تلك اللي أوردها في الحلقة رقم 39 من سلسلة مقالاته، المنشور على موقع الدستور بتاريخ 2 مايو 2017، وبعد أن استعرض عبد الملك مع مطران البحيرة يوم الأحد 11 مارس 2012 ولمدة ثلاث ساعات، جميع قوانين الكنيسة التي تحكم اختيار أسقف الإسكندرية الذي يحمل لقب بابا وبطريرك، وجميع قرارات المجامع السابقة وكتابات الآباء المحدثين، فوجئ برد القائمقام الأنبا باخوميوس (والمفترض به أن يكون حياديًا تجاه الجميع) يجيبه قائلًا: ما هو رأى شعب الإسكندرية في اللي عندنا؟ ويقصد الأسقف العام الموجود في البحيرة الأنبا تواضروس، والذي تم اختياره بعد ذلك ليكون بطريرك الكرازة المرقسية! ثالثًا، اعتراضات شخصية: تقع باللوم على الأسقف تواضروس، وتلك الأخيرة أوردها د. مينا عبد الملك تفصيليًا في مذكرة جاءت في صفحتين كاملتين، أرسلها إلى القائمقام اعتراضًا على ترشح أسقف عام البحيرة، وسلمها عبر وسيط إلى المقر الباباوي بالقاهرة جاء فيها نصًا: ((مذكرة د. مينا عبد الملك إلى الأنبا باخوميوس. )) أحقًا يريد الأنبا تواضروس أن يصير بطريركًا؟ ما هي المواهب التي لديه؟ أين كانت هذه القدرات يوم حوصِرَت كنيسة أبي سيفين بقرية «عبد القادر بحري» على بُعد بضعة كيلومترات من المقر الفخم الذي يقيم فيه وسط مساكن الشعب الفقير! وترك كاهنها الشجاع المتنيح القمص هدرا يستنجد به بالهاتف، وهو محاصر لعدة أيام، وبدلًا مع أن يشجعه ويسنده، ألقى باللوم عليه وكأنه هو المخطئ، حتى يتهرب من مساعدته أو حتى دعمه معنويًا، فكيف يستأمن على أسقفية الإسكندرية؟أين كانت هذه القدرات يوم موقعة قرية «النهضة»؟ عندما ترك كاهنها المكافح يصارع الآلاف وحده، هل هذه كانت خطته أيضًا أن يتركه ليلقى مصيره قتلًا أو جرحًا! ألا تتذكر أسقف الإسكندرية الشجاع البابا بطرس خاتم الشهداء البطريرك 17 عندما طلب من الجنود أن يضعوا حدًا للاستشهاد بقطع رأسه بحد السيف، وينقذ شعبه وينجيهم، أين كانت هذه القدرات في أحداث قرية «العراق»، تميز بأنه يملك أذنين واحدة من طين والأخرى من عجين. أين الشجاعة والشهامة والنخوة؟في يوم احتفال إيبارشيته بعيد رسامته السنوي كأسقف، توقفت القداسات في هذا اليوم في جميع أنحاء الإيبارشية واتجه جميع الكهنة وزوجاتهم للقائه. وفي أحد الأيام ذهب إليه مجموعة من خدام الإسكندرية الأتقياء الذين يخدمون طواعية فقراء قرى «عبد القادر» و«العامرية» وغيرهما الذين لا يهتم بهم أحد، وطلبوا منه مساعدات مالية حتى يقدموها لشعبه الفقير ويسدوا عوزهم، فقابل طلبهم بالرفض وعدم الاهتمام، وعندما أصر الخدام الأمناء على ضرورة الحصول على مساعدة قال لهم: "أنتم مش عارفين بتكلموا مين؟" فانصرف الخدام، وحضروا إلىّ وعرضوا عليّ الموضوع وطلبوا مني أن أتصرف لإنقاذهم من المشكلة التي هم بها، فقمت بعرض الموضوع على البابا شنودة الذي لم يفكر لحظة في تقديم المساعدات المطلوبة، وقال لي: "يا ابني لما تكون هناك مشكلة، لا تتردد في أن تحضر لأبيك". (من مذكرة د. مينا عبد الملك إلى الأنبا باخوميوس) على فرض أن البطاركة "اختيار الله" وليس "اختيار البعض"، هل البطريرك المرقسي معصوم من الخطأ ومن الخطيئة؟ لسنوات عدّة ظلت العلاقة بين الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والكنيسة الكاثوليكية متوترة بسبب العديد من الخلافات والاختلافات، على رأسهم اعتراض الكنيسة القبطية الأرثوذكسية على العقيدة الكاثوليكية المعروفة باسم عصمة البابا، والتي قدمتها الكنيسة القبطية لشعبها المسيحي القبطي بصور مغلوطة معظمها كاذب للأسف، بداية من كتب اللاهوت المقارن الذي أورد نص العقيدة بشكل مقتضب، مع تصريح مختصر بفسادها، وانتهاءً بتحريفها شفهيًا لأطفال مدارس الأحد في الكنيسة الأرثوذكسية وتقديمها بصورة مغلوطة ومخالفة للحقيقة، على نحو يوحي أن الكاثوليك يعتقدون بعصمة البابا من الخطيئة، وبالطبع الخطأ. والفارق بين الخطأ والخطيئة معروف، فالخطيئة هي ما يحاسب عليها الله عباده مثل الغِشّ والكذب والزنا والسرقة والقتل، أم الخطأ فهي الأخطاء الإدارية مثل القرارات الكنسية التي تحكمها دوافع سياسية، أو إقحام الدين في السياسة، وتأييد ونفاق الحكام على سبيل المثال. فعقيدة العصمة البابويّة الكاثوليكية في حقيقة الأمر لا تعصمه من الخطأ ولا من الخطيئة، بعكس الصورة التي قدمتها الكنيسة القبطية الأرثوذكسية لأتباعها، ولا تعني إطلاقًا أن البابا معصوم من الخطيئة في حدّ ذاتها، ولا تتعلق بحياة البابا الشخصية أصلًا، فهو إنسان بالتّمامّ، يخطئ ويمارس سر التوبة ويعترف عن خطاياه، ويدرك الكاثوليّك تمامًا أن البابا، وعلى الرّغم من مكانته العلميّة الكبيرة، إلا أنه إنسان مُعرّض للخطأ والخطيئة، أما عقيدة العصمة البابوية فهي عقيدة تنبع من الإيمان بأن أسقف وبابا روما بصفته خليفة القديس بطرس ومؤسس كنيسة روما، فهو ينعم بنعمة العصمة عندما يعلن، بصفته السلطة العليا في الكنيسة، عقيدة أو تعليمًا كنسيًا يهدف إلى إنماء وحماية وفهم الإيمان المستقيم، وتتعلّق العقيدة بعصمة تعاليمه الإيمانيّة، وبحكم دوره كراع أوّل للكنيسة، كما أنّه يمارس تعاليمه الشّخصيّة في مجال تخصصه من دون أن تسري عليه هذه العصمة، فمثلًا إذا ما كان متخصصًا في مجال الاقتصاد، أو الهندسة، أو الطب، أو أي علم آخر، تظلّ كتاباته وآراءه كأيّ كتابات أخرى معرضة للخطأ والانتقاد. وهو نفس الاعتقاد الذي تعتقده الكنيسة القبطية الأرثوذكسية حرفيًا، بل تزيد عليه، فالكنيسة القبطية الأرثوذكسية التي كانت تعارض الكنيسة الكاثوليكية في مسألة عصمة البابا من الخطيئة ((ما هي الاختلافات ما بين الأرثوذكسية والكاثوليكية؟ - موقع كنيسة الإسكندرية للأقباط الكاثوليك بمصر. ))، أصبحت واقعيا تعتقد اعتقادًا مُعاشًا ومطبقًا ومعمولًا به، غير مكتوب وغير معلن، بعصمة بطاركة الأقباط من الخطيئة حتى من الخطأ (لاحظ الفرق بين الخطأ والخطيئة)، و يكفي نظرة بسيطة غير مدققة على تصريحات الكنيسة ورجالها واعتقادات عوام الأقباط وحتى المثقفين والمستنيرين منهم، في الخمسين عامًا الماضية، لتؤكد اعتقادهم وإيمانهم العميق والراسخ أن كل قرارت البطاركة الإدارية وتصرفاتهم وآراءهم الشخصية وميولهم واختياراتهم وانحيازاتهم السياسية، حتى وإن قادت الكنيسة والمسيحيين إلى طريق خطأ، فهي كانت حكمة يصعب على أهل العالم فهمها، وقرارات صحيحة مدعومة من السماء ولا تقبل الانتقاد أو المعارضة، وما قاله الباباوات بصفة شخصية حتى لو مخالفًا للمجامع وللتعليم المستقيم، عدّ عقيدة لا يمكن أن تناقش ((لماذا يؤمن الكاثوليّك بالعصمة البابويّة؟ - موقع البابا فرنسيس – موقع كاثوليكي غير رسمي. )). فإن كان اختيار المسيح ليهوذا الإسخريوطي، لم يعصمه من خيانة المسيح، فهل الاختيار الإلهي للبطريرك (على فرض أنه إلهي) يضمن جودة قرارات الشخص الجالس على الكرسي المرقسي ويعصمه من أخطاء اﻹدارة؟ --- ### بولا الأوّل وبولا المتأخر - Published: ۲۰۲۲-۰۱-۰۳ - Modified: 2024-03-02 - URL: https://tabcm.net/3578/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, المرأة القبطية - وسوم: آدم, أنبا بولا، مطران طنطا, الحجاب في المسيحية, حواء, شيروبيم, قديس أثناسيوس الرسولي, ليتورچي أصدرت مطرانية طنطا وتوابعها قرارًا أسقفيًا رقم 7 بمنع دخول غير المحتشمات للكنيسة، ومنع الخادمات من الخدمة دون ارتداء غطاء للرأس، وتعيين "أمن نسائي" من "سيدات فضليات" لفرز الفتيات والسيدات الغير فضليات وطرد غير المحتشمات منهن، وغرامة 2000 جنيه للمخالفة، ومنع الشباب من ارتداء البناطيل الممزقة، والشورت أصدرت مطرانية طنطا وتوابعها قرارًا أسقفيًا رقم 7 بمنع دخول غير المحتشمات للكنيسة، ومنع الخادمات من الخدمة دون ارتداء غطاء للرأس، وتعيين "أمن نسائي" من "سيدات فضليات" لفرز الفتيات والسيدات الغير فضليات وطرد غير المحتشمات منهن، وغرامة 2000 جنيه للمخالفة، ومنع الشباب من ارتداء البناطيل الممزقة، والشورت. جاء هذا القرار لنيافة الأنبا بولا أسقف طنطا ليثير حالة من الجدل بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي. فالأمر متروك للجنة من البوليس النسائي الكنسي لتحدد إذا كانت الفتاة محتشمة أم لا لتدخل بيت الله، وعزاؤنا فقط أنهن نساء فضليات سيحكمن بصدق ودون تجن على أحد، ولا وجود لأهواء أو أحقاد شخصية أو غيرة هنا أو هناك، ولا يوجد شيء يسمي بالنسبية، فكل هذه فلسفات فارغة أتى بها الغرب الكافر ليحللوا كل شيء ويميعوا الأخلاقيات، مستخدمين حجج تافهة مثل اختلاف وجهات النظر والرؤى، وهذا بالطبع، أمر غير موجود، فكل البشر في كوكب طنطا: متفقون على كل شيء. لقد عاش الأنبا بولا أوّل السواح عاريًاـ وارتدى فقط مسحة من القماش تغطي عورته. فلماذا لا نزيل صوره العارية من الكنائس مثلما نمنع أصحاب البناطيل الممزقة والشورت وصاحبات الجوارب القصيرة من الدخول؟ ولماذا نعتبر عريه نوعًا من الزهد والقداسة؟ أيهما أكثر احتراماً لقدسية الجسد: أن أرتدي ما أشاء بحرية، وأعامل باحترام دون أن يتم اختزالي إلى قطعة من اللحم؟ أم أن تأتي مجموعة من السيدات "الفضليات" للتحديق في جسدي "المقدس" والحكم على حشمتي من عدمها، وطردي أمام الجميع لأني غير مهذبة ولا أحترم جسدي المقدس؟! وهل يجوز لامرأة أن تفعل هذا بامرأة أخرى؟ بالطبع، الانتهاك الجسدي واحد إذا فعلته امرأة بحق امرأة، أو رجل بحق امرأة. لا يليق بامرأة أن تبدي رأيها في جسد امرأة أخرى أو ملابسها. فضلاً على الإهانة والإيذاء النفسي حين تنظر لي سيدة باستعلاء قائلة لا يحق لكِ الدخول إلى بيت الله أبيكِ لأني أرى أن ملابسك مثيرة، وكيف ستعرف أن ملابسي ستثير الرجال وهي ليست ورجلا بل امرأة فاضلة؟ أليس من المفترض أنها بسيطة العينين ولا تفكر فيما يثير الرجال؟ أتذكر ذلك الموقف الذي حدث لي خلال ركوب الحافلة، حين قالت لي سيدة خلفي "معلش شدي إيشارب اللي قدامك عشان رقبتها باينة. " فأجبتها بالرفض معللة أن هذا يعد نوعاً من التعدي على ملكية غيري؛ لأنه لا يحق لي أن أمد يدي على أي إنسان، حتى لو كانت فتاة مثلي، وأجابت السيدة "خلاص قوليلها إن رقبتها باينة. " وانتهى الأمر بأن نظرت لي تلك السيدة باشمئزاز حين قلت لها إن هذا ليس من حقي أيضًا. كوني فتاة لا يمنحني حق التعليق على ملابس الأخريات وأجسادهن. وبالطبع، نادت هذه السيدة المتطفلة على الفتاة التي تجلس أمامي وقالت لها "رقبتك باينة. " العذراء مثال الاحتشام دائمًا ما يستخدم المتشددون العذراء كمثال لحث الفتيات على الخضوع لقوانينهم ورؤيتهم بخصوص الزي والحشمة؛ لأنها كانت تغطي شعرها. لكن، العجيب أنهم لا يشيرون إليها للحديث عن كرامة المرأة ومكانتها، وفي المقابل، يتحدثون عن حواء التي أغويت أولًا، وكيف عاقبها الله وأخضعها لآدم. للعذراء عدة صور شهيرة ترتدي فيها ملابس البابا البطريرك كرئيسة للكنيسة الكاثوليكية، كما تضع الكنيسة الأرثوذكسية العذراء في مكانة أعلى من جميع الكهنة، والرتب، والملائكة. ومع ذلك، يردد البعض أن العذراء لم تنل رتبة الكهنوت، وعلى هذا، لا كهنوت للمرأة! مع أن العذراء لم تكن بحاجة لوضع يد بشرية عليها، لأنها ارتفعت عن جميع الرتب بالفعل، وأصبحت أعلى من جميع الكهنة، بشهادة نصوص الليتورجية. أنتِ مرتفعة جداً، أكثر من رؤساء الآباء، ومكرمة أفضل، من الأنبياء. (ثيؤطوكية الأحد (التذاكية) - القطعة العاشرة) سوف لا نجد شيئًا مرتفعًا عنك، ألا سوف تكوني أنت مرتفعة عن الجميع؟ ... عندما نقول: الشاروبيم مرتفعون، أنت مرتفعة أكثر منهم جميعًا. (أثناسيوس الرسولي) لكن، كل هذا لا يهم، ولا يعني تمجيد العذراء أن المرأة مكرمة في الكنيسة مثل الرجل. ويكفي أن الكنيسة تقبل دخولها في أثناء فترة الدورة الشهرية، وقبلت وجودها في الحياة من الأساس، وعلى الفتاة أن تتمثل بالعذراء في فضائل ثلاث لا غيرها:  الحشمة، والخضوع، والصمت، لا تقف على منبر أو منجلية ولا تتزعم أي شيء. تغطية الشعر في المجتمع اليهودي من يقرأ عن العادات اليهودية القديمة يعلم أن تغطية الشعر لم تكن بهدف الاحتشام على الإطلاق. فالرجال كانوا يغطون رؤوسهم داخل المعابد اليهودية وخارجها. والسبب الرئيسي لتغطية النساء لشعرهن في المجتمع اليهودي هو للدلالة على الارتباط من عدمه، فغطاء الرأس كان يشير إلى ارتباط المرأة برجل آخر أو زواجها (مثل الدبلة)، وعدم تغطية الشعر كان يدل على أن المرأة متاحة للزواج وغير مرتبطة. ففكرة تغطية الرأس كنوع من الحشمة والعفة لم تكن هي السبب كما يظن البعض. إن كان أكل اللحم يعثر أخي، فلا آكل إلى الأبد يتعامل البعض مع هذا النص كمبرر لربط التحرش والسقوط في الشهوة بملابس المرأة، وإن كان لحم المرأة يعثر أخيها الرجل لتغطيه حتى لا يسقط في التجربة. لكن، المقارنة هنا غير عادلة. فكيف نخفف من وطأة شهوة رجل لجسد امرأة ونعامله وكأنه غير كامل الأهلية لا عليه حرج إن لم يستطع أنسنة البشر واحترامهم، ونساوي بينه وبين شخص دخل إلى المسيحية في القرن الأول الميلادي -وهي فترة شابها التهود والتخبط- لا يعلم إذا كان أكله لللحم المقدم للوثن عبادة للوثن أم لا. الفرق شاسع بين الموقفين! كما تكمن المغالطة أيضًا في فداحة النتيجة التي تترتب على ذلك، لأن المتحرش -وفقا لذلك الرأي- ليس عليه حرج، ومفعولًا به، أو ليس مسئولًا بشكل كامل، فهو مخطئ وهي مخطئة مثله، وبهذا يتساوى الذئب مع الفريسة، ولتشعر الفريسة بالذنب لأنها تسببت في العثرة، وليشعر الذئب بأنه ربما ليس ذئبًا وليس مهووسًا بالجنس كما يظن. ولا تحدثني عن تغيير الإنسان من الداخل والخليقة الجديدة؛ لأن كل هذه فضائل غير واقعية تسقط بمجرد بمرور فتاة ترتدي فستانا قصيرًا من أمامك. لذا، فالحل في وضع تدابير حاسمة وصارمة، والاستعانة بلجنة الأمن النسائي ليخلوا لك الطريق لتتأكد أن "الجو آمن" في أثناء عبورك نحو قاعة الكنيسة. --- ### خواطر في تفسير إنجيل يوحنا
الإصحاح الثاني  (٧) - Published: ۲۰۲۲-۰۱-۰۲ - Modified: 2022-02-26 - URL: https://tabcm.net/3536/ - تصنيفات: كتاب مقدس ” ولما كانفي أورشليم في عيد الفصح،آمن كثيرون بإسمه، إذ رأوا الآيات التي صنع. لكن يسوع لم يأتمنهم على نفسه، لأنه كان يعرف الجميع. ولأنه لم يكن محتاجاً أن يشهد أحد عن الإنسان،لأنه عَلِمَ ما كان في الإنسان. “ ”طوبي لمن آمن ولم يري“ يظن البعض أن المعجزات الباهرة كانت السبب في إيمان الناس بالمسيح خلال إرسالية تجسده الإلهي. لكن هذا ليس حقيقي بدليل المكتوب هنا في الإصحاح: " لكن يسوع لم يأتمنهم على نفسه، لأنه كان يعرف الجميع. ولأنه لم يكن محتاجاً أن يشهد أحد عن الإنسان، لأنه علم ما كان في الإنسان“ إن معظم هؤلاء الذين آمنوا بالمسيح بسبب معجزاته التي أبهرتهم، لم نري إيماناً لهم  وقت صلب اليهود للمسيح. بل وربما أشترك البعض منهم في الصلب. ناهيك عن التلاميذ الذين تفرقوا ورجعوا إلي مهنتهم القديمة صيد السمك. وخانه بعضهم وأنكره وشتم فيه البعض الآخر ! ! هذا يؤكد أن الأيمان بالإله الحق يسوع المسيح "الله الذي ظهر في الجسد“ لا يعتمد أساساً علي الرؤية الخارجية بالعين المجردة، بل يعتمد بالضرورة علي نعمة الله الواحد الثالوث داخل كيان الإنسان عندما يقبل زيارة النعمة له، فيخلق فيه الروح القدس طبيعة بشرية جديدة تستطيع أن تؤمن بالمسيح ” لا يستطيع أحد أن يقول أن المسيح رب إلا بالروح القدس“. فالإنسان مخلوق أصلاً علي الصورة الإلهية. وحنينه واقتناعه بأصله هو طبيعة فيه، ولا يحتاج معه إلي معجزة مِن خارجه. بل يحتاج فقط أن ينتبه إلي أعماق كيانه حيث تزوره نعمة الله كل حين ليعمل روح الله القدوس فيه من أجل أن يتقابل الإنسان مع أصله الإلهي فيؤمن بالإله الحق. بعد هذا التصريح في نهاية الإصحاح الثاني جاء الإصحاح الثالث مباشرة بحديث مطوَّل للرب يسوع المسيح مع نيقوديموس عن موضوع الخليقة الجديدة للإنسان من حيث ضرورتها للإنسان وكيف ينالها الإنسان. ولكن الرب هنا في الإصحاح الثاني كان يتكلم عن تأسيسه لهذه الطبيعة البشرية الجديدة في جسده هو أولاً كباكورة لنا ”أجاب يسوع وقال لهم: « انقضوا هذا الهيكل، وفي ثلاثة أيام أقيمه »... كان يقول عن هيكل جسده“. جسد المسيح هو أول مَن تمَّ تخليصه، كباكورة للخليقة الجديدة للإنسان: ”الرب لبس جسدنا وصار مشابهاً لنا بحسب الجسد، فدُعِيَ أخانا وبكرنا. وبما أن البشر قد هلكوا بسبب مخالفة آدم، فإن جسده كان أول ما تم تخليصه وتحريره إذ إن هذا الجسد هو جسد الكلمة نفسه. وهكذا إذ قد صرنا متحدين بجسده خلُصنا علي مثال جسده“(القديس أثناسيوس الرسولي - المقالة الثانية ضد الآريوسيين - فصل ١٦/٢١) إن الإيمان المسيحي الأرثوذكسي يقول بأن الله ” شابهنا في كل شيئ ما خلا الخطية وحدها“. وذلك عندما أخذ  الرب جسداً له من مستودع / جسد مريم العذراء المشابه لنا   (أي له طبيعة آدم بعد السقوط). ثم طهَّره كما يقول ق. أثناسيوس ” فإن جسد (يسوع المسيح) كان أول ما تم تخليصه وتحريره إذ إن هذا الجسد هو جسد الكلمة نفسه “. فلأن المسيح إلهنا هو الحياة نفسها، لذلك بمجرد دخوله مستودع مريم هرب منه الموت وتجددت طبيعة آدم التي أخذها الرب الحياة. هذا قاله المسيح في موضع آخر أنه ” يقتحم بيت القوي (الشيطان) أولاً، وينهب أمتعته (طبيعتنا البشرية التي استعبدها الشيطان بالموت) “. وبناء عليه كان قول ق. أثناسيوس  أن ” جسد (يسوع المسيح) كان أول ما تم تخليصه وتحريره“. ” المسيح شابهنا في كل شيئ ،  ما خلا الخطية وحدها“ : كان ناسوت المسيح المتجسد مُجَرَّباً مثلنا... بدليل تجربة الشيطان له علي الجبل. لكن الرب يسوع المسيح قال ” مَن منكم يبكتني علي خطية “. أي أنه شابهنا ما خلا الخطية وحدها بسبب انحياز ناسوته كاملاً إلي لاهوته الذي أتحد به. إن المسيح إلهنا هو الحياة الذي بمجرد دخوله مستودع مريم هرب الموت منها، وتجددت طبيعة آدم التي لبسها المسيح وصارت الخليقة الجديدة للإنسان في المسيح يسوع. في هذه اللحظة من تاريخ البشرية ظهرت الملائكة تسبح ” المجد لله في الأعالي وعلي الأرض السلام وفي الناس المسرة “ . ولولا تلك الخليقة الجديدة للإنسان في المسيح يسوع ما كانت السماء تنفتح ليعلن الله قبوله لها في المسيح يسوع : ” هذا هو أبني الحبيب الذي به سررت“ . ثم  تبرهن ذلك برجوع الروح القدس - ولأول مرة منذ أن فارق آدم عند سقوطه وخروجه من الفردوس. فحل الروح القدس علي بشريتنا الجديدة في المسيح يسوع علي شكل حمامة عند نهر الأردن ” لأن محبة الله الآب قد أنسكبت في قلوبنا بالروح القدس“. هذه الخليقة الجديدة هي بشرية المسيح التي لبسها وتكلم فيها إلي اليهود في حواره معهم بعد تطهيره الهيكل قائلاً أنه حتي لو صلبوه ” أنقضوا هذا الهيكل“ فإنه بسبب الخليقة الجديدة التي لهيكل جسده فإنه لا سلطان لموت (الخطية) عليه بعد. وحتما سيقوم « انقضوا هذا الهيكل، وفي ثلاثة أيام أقيمه ». و الصليب كان إعلاناً لنهاية سلطان الموت علي خليقتنا الجديدة في المسيح يسوع إذ قام المسيح . والسُبح لله. بقلم د. رءوف أدوارد --- ### ما قيمة الأصوام إن فاقمت أمراضنا؟ - Published: ۲۰۲۲-۰۱-۰۱ - Modified: 2024-03-02 - URL: https://tabcm.net/3541/ - تصنيفات: شئون علمانية - وسوم: الصوم الكبير, العصور الوسطى, الكنيسة القبطية, بابا خرستوذولس, ساتورناليا, عيد الغطاس, عيد القيامة, عيد الميلاد, غريغوريوس الكبير, قديس أثناسيوس الرسولي, قس كيرلس كيرلس, يوحنا بن زكريا بن سباع, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية, يوليوس الأول، بابا روما وسادته الخاصة به، يضعها أسفل بطنه وهو نائم كي يختلس من دفئها قليلًا من الراحة. خلال توصيله إلى المكان المتفق عليه، أخبرني كم يعاني آلام مبرحة في القولون، مما دفع طبيبه لتوبيخه وتحذيره: "بتقتل نفسك بالبطيء"، إذ تؤثر مضاعفات مرضه على كل شيء في حياته يلتزم بكل تعليمات الطبيب إلا الصوم: يرفض "شادي ونس" (46 عامًا) سائق تاكسي، وتاجر ملابس بالقاهرة، التخلي عن نظامه الغذائي السيئ الذي أوصله لحالة بائسة لم تعد تفلح معها أدوية القولون، بل تزيده تعبًا. وسادته الخاصة به، يضعها أسفل بطنه وهو نائم كي يختلس من دفئها قليلًا من الراحة. خلال توصيله إلى المكان المتفق عليه، أخبرني كم يعاني آلام مبرحة في القولون، مما دفع طبيبه لتوبيخه وتحذيره: بتقتل نفسك بالبطيء، إذ تؤثر مضاعفات مرضه على كل شيء في حياته. يلتزم "شادي" بكافة طقوس الصيام التي تقرها الكنيسة القبطية الأرثوذكسية على المسيحيين، وتمثل ما يزيد عن ثلثي العام، أي نحو 200 يومًا، حتى وان كانت لا تتناسب مع صحته العامة. تخضع أنظمة الصوم المسيحية إلى طرائق صارمة في الأكل، مثل الامتناع عن الأطعمة الحيوانية، ومشتقاتها من ألبان وبيض وأجبان، مع الاكتفاء طوال مدد الصيام بالطعام النباتي، باستثناء بعضها يسمح بوجود الأسماك. أزمة "شادي" وغير قليل من الأقباط في مصر، ليست الطعام النباتي، فاختيار النمط النباتي أصبح له مكانة، خاصة لدى المهتمين بالصحة العامة، وقد يكون صحيًا إذا ما أُعد بطرق واعية، غير أن الثقافة المصرية بشكل عام لا تتعامل مع الأكل النباتي إلا من خلال طهي البقوليات والمقليات، وهي المتاحة في الشارع لمن يقضي معظم وقته بالعمل مثل شادي. والنتيجة، يتناول الصائمون المسيحيون الفول والطعمية والبطاطس المقلية والباذنجان والعدس طيلة مدة الصيام، ومع هذه الأطباق تأتي الأزمات الصحية بالجملة. الجذور التاريخية المسيحيون الأوائل كانوا يحتفلون بعيد القيامة أكثر من أي عيد لآخر، ولم يبدأ الاحتفال بـ"ميلاد الرب" قبل القرن الرابع الميلادي لأن فكرة موت المسيح وقيامته هي صلب المسيحية واستقطبت كل شيء في حياة المسيحيين، ويلي "عيد القيامة" في الأهمية "عيد العنصرة" (حلول الروح القدس)، واتخذ الاحتفال بعيد الميلاد أهميته من مجيء المسيح ورمزية القصة، فالمسيح هو النور المتجسد وشمس الحياة وفق المسيحية. لم تذكر القوانين القديمة شيئًا عن صوم الميلاد، ولكنها ذكرت الاحتفال بعيد الميلاد، ولأنه بدأ في القرن الرابع، كان لابد من الاستعداد له بصوم اليوم السابق للعيد، ويقول المؤرخ بن سباع: يجب أن يكون للعيد براموني (يوم الاستعداد) أي صوم يوم واحد من الصباح حتى المساء، إذ إن الصوم قديمًا كان يومًا واحدًا ولم يتطور إلى شكله الحالي إلا في القرن الحادي عشر، في عهد البطريرك خرستوذولس الـ 66، وجعله فرضًا على جميع أفراد الكنيسة. ينفي كتاب "أصوامنا بين الماضي والحاضر. . أصولها الروحية وجذورها التاريخية"، للقس كيرلس كيرلس بكنيسة مار جرجس شبرا، وجود مصادر تشير إلى أن مدة الصوم 43 يوماً (ستة أسابيع) قبل الميلاد، إلا عند القديس غريغوريوس، الذي ذكر في كتاباته أن الصوم كان أيام الاثنين والأربعاء والجمعة فقط من كل أسبوع، وبدأ في فرنسا تغيير مدة الصوم إلى 6 أسابيع قبل عيد الميلاد، وتم ترتيبها في القرن السادس للتتشابه مع الصوم الكبير السابق للقيامة. مع الأهمية الكبرى لعيد الميلاد، لم ينفصل عن "عيد الغطاس" إلا بعد القديس أثناسيوس بزمان، وبداية من روما، ويقول القديس يوحنا ذهبي الفم إن عيد الميلاد أخذناه من مسيحيي روما، وكانت روما قديماً تحتفل بمجموعة من أعياد "الوثنية" أو الأديان القديمة مثل: الساتورناليا، وسيجلاريا، وجوفيناليا، وروماليا. في منتصف القرن الرابع، عمد الأسقف يوليوس الأول إلى تحويل عيد الساتورناليا "الوثني" في الفترة ما بين 17- 23 ديسمبر/ كانون الأول إلى عيد مسيحي. ويروي فيترابل بيد، راهب إنجليزي ومؤرخ من القرن الحادي عشر، بأن يوم 25 ديسمبر/ كانون الأول كان عيدًا قبل أن يعتنق الإنجليز المسيحية بأجيال، وكانوا يطلقون على ليلة هذا اليوم اسم ليلة "الأم" يرفعون فيها القرابين لآلهة الخير. أما الأناشيد والتمثيليات الخاصة بالميلاد فقد بدأت من العصور الوسطى، في حين ترجع شجرة الميلاد وزينتها إلى أبعد من القرن السابع عشر. "المهم الصوم" الصيام بشكل عام في المسيحية يهدف إلى الترفع عن الارتباط الزائد بأي شيء، بما في ذلك الطعام الشهي، وينطبق ذلك على صوم الميلاد، سواءً كان يومًا واحدًا كما بدأ، أو 43 كما أصبح الآن. السبت إِنّما جُعِل لأجل الإِنسان، لا الإنسان لأجل السبت، عبارة جاءت على لسان المسيح حين لامه اليهود على كسره وصية تخصيص يوم السبت لله، والامتناع عن أي عمل آخر، بعدما قام بشفاء يد رجل يابسة. وكأن التشابه الذي يجمع مسيحيي اليوم بيهود الماضي، هو رفض تحرير الإنسان من قيود الوصية، وتحويل الشريعة إلى أحكام شكلية، وفرض المزيد من الأكبال على حساب الراحة والرفاهية، بل وأحيانًا يعاقب البعض أنفسهم إذا ما شعروا بهذه الرفاهية لبعض الوقت. الأمر تجاوز مركزية الإنسان في الطقوس إلى عدم المبالاة بإلحاق الضرر، مثل "سناء عبد السيد" (60 عاماً)، التي تعاني من جملة من الأمراض كالضغط والسكر والتهابات بالمعدة، تقول سناء: لا يهم ما يحصل لي، المهم أن أكمل الصوم. سألتها: ما قيمة الصوم أو الفروض الدينية إذا ما أوصلتنا للمرض؟ هل سيكون الرب راضيًا عن هذا التخريب الجسدي والنفسي، وإهدارنا للصحة والمال والوقت؟ ولم أحصل على إجابة حاسمة منها، كما هو حال كثيرين، يمارسون هذه الشعائر ويرتبطون بها، ربما دون التفكير بما يمكن أن تؤثره على حياتهم من نواحٍ مختلفة. --- ### هل يحتاج التقويم القبطي إلى ضبط؟ - Published: ۲۰۲۱-۱۲-۳۱ - Modified: 2025-02-02 - URL: https://tabcm.net/3495/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, مقالات وآراء - وسوم: التقويم القبطي, التقويم الميلادي, السنة اليوليانية, توحيد الأعياد, دسقولية, عيد الميلاد, مجمع نيقية هل يحتاج التقويم المصري الذي نعمل به إلى تعديله وتطبيق التعديلات الجريجورية عليه؟ أم أنه لا يزال متوافق مع القواعد الفلكية التي بُني عليها وكان يتوافق معها؟ الإجابة تُحسم بشكل علمي وفلكي وتتلخص في نقطتين وسؤالين في غاية البساطة. التوصيف الصحيح لقضية ما، هو البداية السليمة للوصول لحل صحيح لها. فما سنناقشه هنا هو مسألة ضبط التقويم وليس توحيد الأعياد! فقُل "ضبط تقويم" ولا تقل "توحيد أعياد". فتصدير الأمر على أن هدفه مجرد "توحيد" للأعياد فيه مغالطة كبيرة، لأن الأعياد لم تكن مختلفة في الأساس. قد كانت الكنائس الشرقية والغربية في كل العالم يحتفلون بعيد الميلاد في نفس اليوم 25 ديسمبر الميلادي الذي كان يوافق 29 كيهك القبطي حتى القرن ال 16، والاختلاف نتج لأسباب حسابية وفلكية على أساسها حدث تعديل وضبط للتقويم الميلادي في القرن ال 16. ولم يُطبق هذا الضبط على التقويم المصري، مما أوجد ترحيلًا في الأيام تسبب في اختلاف يوم الاحتفال بالعيد، ونتج عن هذا التعديل أن موعد 29 كيهك أصبح يتأخر عن 25 ديسمبر إلى أن صار يوافق 7 يناير حاليًا وبعد سنة 2100 سيصبح موافقًا ل 8 يناير! والمطلوب الآن ضبط التقويم المصري ليستعيد دقته ويتوافق مرة أخرى مع القواعد الفلكية التي بُني عليها والذي سيؤدي بدوره لعودة اتفاق عيد الميلاد في نفس اليوم كما في السابق ليكون 29 كيهك موافقًا ل 25 ديسمبر. إن عملية ضبط التقويم هي عمل علمي حسابي فلكي بحت، ولا يجب أن نخلط معه المسائل الإيمانية أو نخشى منه على الهوية! ومن غير المنطقي أو العقلاني أن أرفض تصحيح وتعديل أمر غير دقيق حسابيًا لمجرد أني أختلف في مسائل إيمانية مع شخص سبقني إليه. ولإجابة السؤال: هل نحتاج لضبط التقويم القبطي؟ يجب أن نستعرض علاقة التقويم المصري بالتقويم الميلادي وتاريخ تطورهما وبعض النقاط التي تؤدي إلى الإجابة. التقويم المصري التقويم المصري بدأ منذ عام 4236 ق م. ويعتمد على الفترة التي تدور فيها الأرض دورة كاملة حول الشمس وفيه قسم المصريون القدماء السنة إلى 365 يوم موزعة على 13 شهر. منها 12 شهر يحتوي كلا منها على 30 يومًا والشهر ال 13 يحتوي على 5 أيام فقط. وتم تقسيم السنة لثلاثة فصول أو مواسم وهي: الفيضان والزراعة والحصاد. وحدد قدماء المصريون بداية السنة في 1 توت مع بدء موسم الفيضان ووصول مياه الفيضان لمدينة منف، وتم ربط هذا اليوم بظاهرة فلكية للظهور الاحتراقي للنجم Sirius نجم الشعرى اليمانية. مما جعله أول تقويم شمسي عرفته البشرية، كما أنه كان الأكثر دقة من حيث ظروف المناخ والزراعة خلال العام. ومع تعاقب السنين والقرون، لوحظ فرق في التقويم وأن بداية السنة المصرية لم تعد منضبطة مع فصول السنة كما في السابق ويوم 1 توت لم يعد أول يوم في بداية الفيضان. وفي القرن الثالث قبل الميلاد تم اكتشاف أن السنة تتألف حقًا من ¼365 يومًا. وكان ربع اليوم المفقود وقتها هو سبب التحول التدريجي الذي حدث في الفصول. وفي عام 238 ق م حاول الفرعون بطليموس الثالث، تصحيح هذا الخطأ في الحساب عن طريق إضافة يوم للتقويم كل أربع سنوات ليعوض الربع يوم الإضافي في كل عام. لكنه لاقى معارضة شديدة من الكهنة المصريين لتطبيقه في البداية ولكنه طُبق في نهاية الأمر. وبهذا التعديل تم ضبط السنة مرة أخري واتفقت بداية السنة مع موسم الفيضان. وبهذا نرى أن التقويم المصري قد سبق تعديله في الماضي بإضافة يومًا كاملًا كل أربع سنوات لتصبح السنة الرابعة 366 يومًا، وأُطلق عليها السنة الكبيسة. التقويم الروماني كان التقويم الروماني في البداية تقويمًا قمريًا غير منضبط يتكون من 12 شهرًا قمريًا وكانوا يقومون بإضافة شهر كامل بشكل اعتباطي كل عدة سنوات لمحاولة ضبط التقويم مع فصول السنة. التقويم اليولياني عندما وصل يوليوس قيصر لحكم روما 63 ق م قرر إصلاح التقويم الروماني واعتمد السنة الشمسية بدلا من القمرية واستخدم أسس التقويم المصري من حيث عدد أيام السنة وإضافة يومًا كاملًا كل أربع سنوات، وسُمي التقويم الروماني الجديد بالتقويم اليولياني نسبة ليوليوس قيصر. ودخل التقويم اليولياني حيز التنفيذ ابتداء من عام 45 ق م. وبهذا توافقت شهور وأيام السنة اليوليانية مع شهور وأيام السنة المصرية ، فعلى سبيل المثال كان يوم 29 كيهك المصري يوافق دائمًا 25 ديسمبر اليولياني، وأيضا الاعتدال الربيعي في 25 برمهات المصري يوافق دائمًا 21 مارس اليولياني. التقويم الجريجوري في القرن ال 16 أيام البابا جرجوري الثالث عشر بابا روما لوحظ مرة أخرى فرق في التقويم، وكان هذه المرة في موعد الاعتدال الربيعي (الذي هو تساوي ساعات الليل والنهار) وأصبح يأتي في 11 مارس بدلا من 21 مارس! بفارق 10 أيام عما كان في زمن مجمع نيقية سنة 325م. وفي عام 1582م توصل الفلكيان أليسيوس ليليوس وكريستوفر كلافيوس إلى أن زمن دورة الأرض الكاملة حول الشمس هو 365 يوم و5 ساعات و48 دقيقة و46 ثانية، وليس كمان كان في الحساب اليولياني والمصري 365 يوم و6 ساعات، مما أوجد فارق 11 دقيقة و14 ثانية. وهذا الفارق يُنتج فرقًا 3 أيام كل 400 سنة تقريبًا. وبناء على ذلك أصدر البابا جرجوري مرسوم بإصلاح التقويم اليولياني بحذف 10 أيام، فيتقدم التقويم من يوم 4 أكتوبر 1582 ليصبح اليوم التالي هو 15 أكتوبر 1582. ويُضاف يوم كل 4 سنوات لكل سنة يقبل رقمي الآحاد والعشرات فيها القسمة على 4 (السنوات الكبيسة)، تمامًا كما هو الحال في التقويم اليولياني، ماعدا السنوات القرنية التي لا تقبل القسمة على 400 مثل 1700، 1800، 1900، 2100، 2200... حيث تكون كلها سنوات بسيطة، في حين تكون السنوات المئوية القابلة للقسمة على 400 هي فقط السنوات الكبيسة مثل 1600، 2000، 2400... وهكذا. وبحذف هذه العشرة أيام وتطبيق هذه الإجراءات عاد الاعتدال الربيعي إلى موعده في 21 مارس كما كان في زمن مجمع نيقية. وكان نتيجة هذا التعديل اختلاف موعد الأعياد الثابتة بين الكنائس التي تبعت التقويم الجرجوري وبين الكنائس في الشرق التي ظلت تعمل بالتقويم اليولياني والمصري! فاختلفت مواعيد الأعياد وأشهرها عيد الميلاد، فبعدما كان 25 ديسمبر يوافق 29 كيهك، عيدت الكنائس في الغرب في هذه السنة في 25 ديسمبر كعادتها، ولكن عندما عيدت الكنائس في الشرق وقع يوم 29 كيهك في 4 يناير وقتها! وبناءًا عليه أصبح يحدث فرق يوم مع كل سنة قرنية لا تقبل القسمة على 400. بمعنى أنه بعد عام 1700م تحرك يوم 29 كيهك وأصبح عيد الميلاد يوافق 5 يناير، وبعد عام 1800م أصبح 6 يناير، وبعد 1900م أصبح 7 يناير إلى الآن. وسيتحرك مرة أخرى بعد عام 2100م ليصبح عيد الميلاد في 8 يناير وبعد 2200م سيكون يوم 9 يناير! وهكذا. السؤال الآن هل يحتاج التقويم المصري الذي نعمل به إلى تعديله وتطبيق التعديلات الجريجورية عليه؟ أم أنه لا يزال متوافق مع القواعد الفلكية التي بُني عليها وكان يتوافق معها؟ الإجابة تُحسم بشكل علمي وفلكي وتتلخص في نقطتين وسؤالين في غاية البساطة. 1- الاعتدال الربيعي من المؤكد بحسب ما يخبرنا به التاريخ المصري القديم بالإضافة للتقليد في الدسقولية وأعمال مجمع نيقية أن الاعتدال الربيعي كان يقع في 25 برمهات. وحاليًا نجد يوم 25 برمهات يوافق 3 أبريل! فالسؤال هنا هل هذا اليوم حاليًا مازال يتوافق مع الاعتدال الربيعي؟ أم ابتعد عنه؟ بالبحث نجد أن الاعتدال الربيعي لم يعد يأتي في 25 برمهات! بل يقع في الفترة من 20-22 مارس، بفارق 13 يوم عن 25 برمهات الذي يأتي حاليا متأخرًا في 3 أبريل! 2- شروق النجم SIRIUS استخدم قدماء المصريون رصد الشروق الاحتراقي لنجم الشعرى اليمانية Sirius لتحديد بداية السنة المصرية 1 توت وضبطها مع أول فصول السنة. فالسؤال هنا هل يأتي 1 توت الآن مع الشروق الاحتراقي للنجم أم حدث ترحيل لليوم؟ بالبحث نجد أن الشروق الاحتراقي لنجم الشعرى اليمانية Sirius يحدث الآن في أغسطس! مما يعني أن بداية السنة المصرية 1 توت يجب أن تكون في أغسطس وليس 11 سبتمبر. لذلك من الواضح أن التقويم القبطي والأيام المُشار إليها لم تعد تتوافق مع الظواهر الطبيعية التي تأسس عليها التقويم، وهذا يعني أن ترحيلًا يحدث في الأيام على مر السنين والقرون وأن حساب التقويم يحتاج إلى ضبط. وأرى أنه من المناسب إدخال التعديل الجريجوري على التقويم المصري ليتوافق مرة أخرى مع القواعد الفلكية التي بُني عليها، وأيضا ليتوحد موعد الاحتفال بالأعياد لكل المسيحيين في العالم. http://culturediff. org/english/index. htm https://www. timeanddate. com/calendar/march-equinox. html http://culturediff. org/english/index. htm --- ### خريستولوجية الامتزاج والاختلاط - Published: ۲۰۲۱-۱۲-۲۹ - Modified: 2024-02-29 - URL: https://tabcm.net/3445/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: الأوطاخية, النسطورية, بابا كيرلس عمود الدين, غريغوريوس النيسي, فيلسوف أرسطو, قديس أوغسطينوس، أسقف هيبو, مجمع خلقيدونية, مونوفيزتية كان آباء الكنيسة شرقًا وغربًا يستخدمون مصطلحات الامتزاج والاختلاط للحديث عن الاتحاد اﻷقنومي بين لاهوت المسيح وناسوته، بحرية وبدون قيد قبل الهرطقة النسطورية واتهام نسطوريوس آباء الأرثوذكسية عامةً أنهم يمزجون أوسيا (جوهر) الله ويحولونه إلى أوسيا (جوهر) الإنسان، وكذلك أيضًا بعد الهرطقة الأوطاخية والاتهامات بالمونوفيزتية (أي ابتلاع طبيعة الناسوت في طبيعة اللاهوت)، فكان لزامًا على آباء الكنيسة تقنين وتحديد المصطلحات المستخدمة في الخريستولوجي منعًا للسجس والارتباك والقلاقل. أود التنويه في هذا المقال أحبائي أنه مصطلحات الامتزاج والاختلاط للحديث عن الاتحاد اﻷقنومي بين لاهوت وناسوت المسيح، كان آباء الكنيسة شرقًا وغربًا يستخدمونها بحرية وبدون قيد قبل الهرطقة النسطورية، واتهام نسطوريوس آباء الأرثوذكسية عامةً، وآباء الإسكندرية خاصةً ممثلين في ق. كيرلس الكبير أنهم يمزجون أوسيا (جوهر) الله ويحولونه إلى أوسيا (جوهر) الإنسان، والعكس صحيح في المسيح، وكذلك أيضًا بعد الهرطقة الأوطاخية والاتهامات بالمونوفيزتية (أي ابتلاع طبيعة الناسوت في طبيعة اللاهوت في المسيح الواحد)، فكان لزامًا على آباء الكنيسة تقنين وتحديد المصطلحات المستخدمة في الخريستولوجي منعًا للسجس والارتباك والقلاقل. ولكن لا تنفي هذه الحقائق الهامة استخدام الآباء لمصطلحات الاختلاط والامتزاج بين اللاهوت والناسوت في المسيح قبلًا، حيث انطلق هؤلاء الآباء من خلفية فلسفية أرسطية. حيث يتحدث الباحث في الخريستولوجي إيان ر. تورانس Iain R. Torrance عن هذه الخلفية كالتالي: يقول أرسطو: بما أن بعض الأشياء لها وجود كامن، والبعض الآخر وجود فعلي، يمكن لمكونات الخليط أن توجد أو لا توجد بنوع ما، فمن جهة الوجود الفعلي لا توجد، إذ أن الناتج مختلف عنها، ولكن من جهة الوجود الكامن توجد، لأن كلاً منهما لازال موجودًا كما كان قبل الخلط ولم يفنى (De Gen. Et Corr. , 327 b 22-26. ) وهكذا ترى أن مخلوط أرسطو يشمل نوعًا من الشد لأجل الهوية، فالمكونات التي قد اتحدت بالحقيقة إلى شيء متماثل ومختلف، ولكنها تبقى محفوظة بطريقة ما. (Cf. Joachim, Chemical Composition, op. cit p. 75 n. 2, Commenting on 328 b 22. ) ويقول أرسطو أيضًا في نفس السياق: لكن خلط المخلوطات المختلفة هو اتحاد (أرسطو) ويقول أيضًا: لو لم تكن المكونات مصانة بشكل ما في المخلوط، فسوف نحصل ببساطة على فناء المكونات، وتكوين جديد للناتج المتماثل (أرسطو) وملخص كلام أرسطو هو ما يلي: ١. مخلوط μιχθέν أرسطو متماثل الأجزاء όμοιομερές. ٢. هناك في الاختلاط ما يُسمى"الشد لأجل الهوية"، حيث تبقى المكونات مصانة، لكنها مختلفة وموحدة. ٣. هناك تفكير بأن المخلوط هو نفسه "توازن" أو حالة وسط μέσον. " (تورانس، ر. أيان، الخريستولوجي بعد مجمع خلقيدونية، ص١٢٢، ١٢٣). ثم نرى استخدام الآباء لتعبيرات الامتزاج والاختلاط لوصف الاتحاد الأقنومي بين اللاهوت والناسوت في المسيح كالتالي: يقول ق. غريغوريوس اللاهوتي مستخدمًا تعبير الخليط عن الاتحاد بين الله والجسد التالي: وهكذا فالإنسان الكامل المجرب في كل شيء مثلنا ما خلا الخطيئة على حد قولهم، ولكنه الخليط من الله والجسد وأي شيء أكمل من ذلك؟ (القديس غريغوريوس اللاهوتي، الرسالة الثانية إلى كليدونيوس) كما يستخدم ق. غريغوريوس النيسي تعبير الامتزاج لوصف الاتحاد بين اللاهوت والناسوت في المسيح، كما يؤكد على أن اللاهوت نزل في جسد بشري قابل للفساد، يقصد بالتأكيد الفساد الطبيعي أي الأهواء البشرية غير الملومة كالجوع والعطش والألم والقابلية للموت كالتالي: فإن الذي أنار الطبيعة المظلمة وأرسل شعاع ألوهيته على مركبنا، أعني النفس والجسد، أشرك العنصر البشري كله في نوره الذاتي وحوله بهذا الامتزاج إلى ما هو عليه، وكما أن الألوهية لم تفسد بنزولها في جسد قابل للفساد، كذلك لم تتغير بشفائها ما هو متغير في نفسنا (القديس غريغوريوس النيسي، الرسالة رقم ٣ إلى أوسطاثيا وأمبروسيا وبازليسا الفضليات). كما استخدم ق. أوغسطينوس أسقف هيبو في الغرب تعبير امتزاج بحرية تامة عن اتحاد اللاهوت بالناسوت في المسيح كالتالي: فسار المسيح إلى الموت الجسدي، ولكنه لم يفارقهابدون إرادته، بل لأنه أراد ذلك، وعندما أراد ذلك، وكما أراد ذلك. لأن كلمة الله امتزج هكذاليصير واحدًا معه (القديس أوغسطينوس، الثالوث ٤: ١٣: ١٦) ومن هنا نرى أحبائي استعمال الآباء شرقًا وغربًا لتعبيرات الامتزاج والاختلاط عن الاتحاد اﻷقنومي بين اللاهوت والناسوت في المسيح بكل حرية قبل الهرطقات النسطورية و الأوطاخية والمونوفيزتية، بدون الانتقاص من الطبيعتين الإلهية والإنسانية في المسيح. --- ### أسطورة القرعة الهيكلية
(١) اقتراب حذر - Published: ۲۰۲۱-۱۲-۲۸ - Modified: 2024-12-27 - URL: https://tabcm.net/3458/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, شئون علمانية - وسوم: أثناسيوس الثالث, أدولف هتلر, أنبا باخوميوس، مطران البحيرة, أنبا بفنوتيوس، مطران سمالوط, أنبا توماس، مطران الغربية, أنبا غريغوريوس، أسقف البحث العلمي, أنبا مكاريوس، أسقف المنيا, القرعة الهيكلية, الكرسي المرقسي, الكنيسة القبطية, المجلس الملي, المجمع المقدس, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس السادس, بابا يوساب الثاني, برنابا, بطرس السادس, جماعة الأمة القبطية, رئيس جمال عبد الناصر, سعد الدين إبراهيم, سليمان شفيق, غبريال الثالث, قوانين الرسل, كيرلس الثالث ابن لقلق, متياس الرسول, مجمع نيقية, مدارس الأحد, مرقس الثامن, مكاريوس الثالث, ميلاد حنا, نيرون, يوأنس التاسع عشر, يوأنس السابع عشر, يوأنس السادس عشر بعد صلب المسيح وقيامته، اجتمع الرسل، واقترح بطرس اختيار أحد أتباع المسيح الذين آمنوا به منذ بدء دعوته ليكون التلميذ الثاني عشر بدلا من يهوذا الإسخريوطي، الذي كان قد انتحر بعد أن سلم يسوع لليهود، وقد استشهد بطرس بنص من المزامير "لتصر داره خرابا ولا يكن فيها ساكن وليأخذ وظيفته آخر" تعتبر القرعة الهيكلية ((تعرف بـ "القرعة الهيكلية"، نظراً لأنها تجري أمام الهيكل داخل صحن الكنيسة، وتعرف أيضاً بـ"القرعة الإلهية"، نظراً لإعتقاد معظم الأقباط أن البابا إختيار الإله أو الرب. ))، والتي أقُحم عليها وصف «الإلهية» عنوة لإضفاء انطباع الاختيار الرباني عليها، هي الفصل الأخير في انتخابات بابا الإسكندرية وبطريرك ورئيس أساقفة الكرازة المرقسية للأقباط الأرثوذكس، إذ يختار أحد الاطفال، وهو معصوب العينين، ورقة واحدة فى قرعة هيكلية علنية، تحوي اسمًا واحدًا من بين ثلاثة مرشحين للمنصب البابوي، حصدوا أعلى الأصوات من بين خمسة أو سبعة مرشحين، في انتخابات مقصورة على بعض أفراد الأكليروس ((الأكليروس: كلمة يونانية المقصود بها أصحاب الرتب الكهنوتية من أساقفة وكهنة. ))، والقلة القليلة المخُتارة بعناية من الشعب المسيحي القبطي، ويكون هو الفائز بمنصب البطريرك، وتتم سيامته بمعرفة القائمقام ومطارنة وأساقفة الكنيسة، ويصدر قرار من رئيس الجمهورية باعتماد اختياره. شرعية بطريرك الإسكندرية يستمد بطريرك الإسكندرية شرعيته من سلامة طريقة اختياره وسيامته طبقًا لقوانين الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والآباء الرسل، إذ يُعتبر بطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية هو أسقف الإسكندرية، وبصفته أسقفًا للمدينة العظمى الإسكندرية يصبح رئيسًا وبطريركًا لأساقفة الكرازة المرقسية، حسب القانون الخامس من قوانين مجمع نيقية المسكوني، أي أن البطريرك لقب كنسي وليس بترقية، بمعنى أن الأسقف أو المطران لا يرقى إلى بطريرك، لذلك فإن الشرط الأول لصحة اختيار بطريرك الإسكندرية هو أن يُختار من بين الرهبان ليقام أسقفًا للإسكندرية، مثله مثل أي أسقف لأي إيبارشية ((إيبارشية Parish كلمة يونانية معناها مقاطعة أو مديرية، وهي كلمة تطلق على المنطقة التي يرعى شعبها مطران أو أسقف. )) أخرى. وكما أن الأسقف يعتبر كزوج لأيبارشيته، فلا يجوز له بأي حال أن يجمع ما بين رئاسة إيبارشيتين، وإلا يعتبر كمن تزوج امرأتين معًا، ولا يجوز له أن يترك إيبارشيته التي سُيم عليها، ليُسام على إيبارشية أخرى، وإلا يعتبر كمن طلق امرأته وتزوج بأخرى، فلا يجوز لأسقف البحيرة (على سبيل المثال) بأي حال من الأحوال أن تُعاد رسامته كأسقف على المدينة العظمى الإسكندرية، وذلك بحسب قوانين الكنيسة التي نصت على منع إعادة وضع اليد ((طقس وضع اليد : أو الشرطونية في اللغة اليونانية Cheirotonia فيقصد بها الرسامة أو التكريس، وهى أهم مرحلة في طقس رسامة الأسقف، وهي مثل المعمودية في المسيحية لا يمكن تكرارها أبداً لنفس الشخص. )) مرة ثانية على الأسقف المرسوم: إنه قد تقرر نهائياً إلغاء العادة التي ظهرت على خلاف القانون في بعض الأماكن، بحيث لا أسقف أو قس أو شماس ينتقل من مدينة إلى مدينة، وإذا حدث بعد أمر المجمع المقدس والعظيم أن أي أسقف تجرأ على مثل هذا العمل، أو استسلم لمثل هذا التصرف، فإن الإجراء يكون باطلاً بالكلية، والشخص المنقول يعاد إلى الكنيسة التي رسم عليها أسقفًا ((القانون الخامس عشر من قوانين مجمع نيقية. )) (القانون الخامس عشر من قوانين مجمع نيقية) مخالفات بالجملة شهد القرن العشرون وحده مخالفات عدة، فسُيم الأنبا يؤانس مطران البحيرة بطريركًا غير شرعيا على كرسي مارمرقس. وبعد نياحته سُيم الأنبا مكاريوس مطران أسيوط بطريركًا غير شرعيا على كرسي مارمرقس، لكنه كان على دراية كاملة بقوانين الكنيسة التي خالفها، فلم يجرؤ على سيامة أسقفًا بديلاً على أسيوط طيلة حياته، لأنه يعلم انه لا يزال أسقفًا على إيبارشية أسيوط ولا يمكن أن يصبح هناك أسقفين على نفس الإيبارشية في نفس الوقت. وبعد نياحته أتى الأنبا يوساب أسقف جرجا بطريركًا غير شرعيا على كرسي مارمرقس للمرة الثالثة على التوالي، وأيضًا لم يستطع أن يرسم أسقفًا على جرجا طوال حياته لأنه يعلم كل العلم أنه لا يزال أسقفًا على إيبارشية جرجا وسيظل كذلك طوال حياته. هل اختيار البطريرك (سواء كان عن طريق القرعة أو غيرها) هو إرادة الله؟ بمعنى آخر. . هل يمكن أن يجلس على الكرسي المرقسي من لا يستحق؟ يؤمن المسيحيون الأقباط الأرثوذكس أن هناك فارق مهول بين إرادة الله، وبين وحدوث الاشياء بسماح من الله، فقطعًا كل شيء يحدث في الكون هو بسماح من الله، لكن قطعاً أيضاً ليس كل ما يحدث هو إرادة الله، وهذا الاعتقاد منطقي للغاية، فعلى سبيل المثال فإن الشر والحروب والنزاعات والمجاعات والمذابح والقتل وسفك الدماء، وتولي طغاة مثل نيرون وهتلر وستالين، لشؤون الحكم في بلادهم، وربما تولي بعض غير المستحقين لمنصب البطريركية، قطعًا ليست إرادة الله بل هي ضد إرادة الله، لكنها كلها تحدث بسماح منه، بينما إرادة الله هي قطعاً الخير ورقي الإنسان، وبالتالي فإن اختيار طفل القرعة لأحد المرشحين، لا يمكن الجزم أنه اختيار الله. . ربما يكون وربما لا يكون، وعلى هذا القياس وعلى سبيل المثال لم تكن إرادة الله أن يستمر شاوؤل ملكًا على بني إسرائيل، لكن رغم ذلك سمح أن يستمر ملكًا حتى يأتي داود ملكًا عوضًا عنه. وبالطبع لم تكن إرادة الله في ارتقاء القس داود الفيومي لسدة العرش الرسولي باسم البطريرك كيرلس الثالث بن لقلق، والذي كان تواقًا للمناصب وحب الرياسة وشهوة الرتب، حتى أنه رشح نفسه لمنصب مطران الحبشة، أثناء حبرية البطريرك السابق، وقدم مائتى دينار للملك العادل ليصدر أمره للبطريرك برسامته مطرانًا للحبشة، ولم يفلح الأمر وقتها، وبعد نياحة البطريرك الأنبا يوحنا ترشح القس داود لمنصب البطريرك، ولم يفتأ يسعى بدون انقطاع ليفوز برغبته، مستعملاً تارة الحيلة وأخرى التوسل لكبار الحكومة وأحيانًا الرشاوى والهدايا، حتى فرغ كل ما لديه من آمال دون أن يرضى الشعب ولا الأساقفة عنه، وحدثت مهازل مثل محاولات استمالة أساقفة ومحاولات لرسامته سرًا بعيدًا عن أعين المعارضين، وفى كل مرة كان الأساقفة المعارضون يتدخلون ويمنعون الرسامة، وطال الحال بغير بطريرك نحو عشرين عامًا، وخلال تلك السنون مات معظم الأساقفة المعارضين له، وكان كلما يسمع بموت واحد منهم يفرح ويسر لأن مراده قد اقترب، وفي نهاية الأمر توفي الملك العادل وخلفه ابنه الملك الكامل، واشتدت حاجته للمال، فحضه بعضهم أن يأمر بسيامة القس داود بطريركًا، مقابل ثلاثة آلاف دينار يحصلها منه لبيت المال، وبالفعل تمت سيامة داود بن لقلق بطريركًا بالإسكندرية بعيدًا عن معارضيه بالقاهرة، باسم كيرلس الثالث، ولما كان بن لقلق لا يملك المال لسداد الثلاثة آلاف دينار فلجأ إلى سيامة الأساقفة والكهنة مقابل المال (تعرف في المسيحية باسم السيمونية) لسداد هذا المبلغ، وقيل عنه إنه لم يرسم أسقفًا أو كاهنًا أو شماسًا إلا بالسيمونية، ولم يترك أحد منهم سواء أسقفًا أو كاهنًا إلا وتناول منه مبلغًا من المال، حتى أنه جعل لكل منصب سعرًا. وبسبب سلوكه المشين، عقد الأساقفة مجمعًا طلبوا منه أن يتوقف عن تلك الأفعال، وقام فى وجهه راهب يسمى بطرس وأقام الأدلة على ما ارتكبه بن لقلق من ارتكاب الرشوة، والخصال الدميمة، وقدم له قانونًا ليوقع عليه مؤداه أن يعين أسقفًا طاهر الذمة ليراقب أموال الوقف، وأن يرسم أسقفين لإيبارشيتين خاليتين بدون رشوة، كان كيرلس قد امتنع عن رسامة أحد ما حتى يتحصل منه على الضريبة المعتادة، فماطل وتهرب من الشرطيين، وظل على حاله حتى صمم الأساقفة على خلعه، فترك الكرسي واعتزل فى دير الشمع بالجيزة حتى وفاته. وبالطبع لم تكن إرادة الله أن يستمر البطريرك يوساب الثاني الـ 115 على سدة العرش المرقسي بعد أن ثبت بالدليل القاطع ضعف شخصيته والفساد الذي شاب عهده وتورط خادمه الأثير «ملك جرجس» في العديد من قضايا الفساد، وفشلت حينذاك كافة محاولات الإصلاح بين البابا يوساب الثاني وبين المجلس الملي، وكان «ملك جرجس» سبباً رئيسياً في توتر العلاقة بين البابا والمجلس الملي بسبب ما عُرف عنه من فرض إتاوات على الكنائس والأديرة، والتدخل في تعيين الكهنة والأساقفة والمطارنة، حتى وصفه الأنبا توماس مطران الغربية وسكرتير المجتمع المقدس حينذاك بأنه «بطريرك غير متوج»، وبلغت ثروته عام 1950 نحو ربع مليون جنيه ((أنبا توماس، مطران الغربية، صحيفة الجمهورية، بتاريخ 23 سبتمبر 1955. ))، وأن البطريرك يغض النظر عنه، ويغضب من المتذمرين عليه. ويكفي للدلالة على تردي الأوضاع في عهد البطريرك يوساب الثاني، أن النيابة حققت عام 1950 في حادث اقتحام البطريرك (بنفسه) ومعه خادمه «ملك» وبعض رجاله، حجرة ناخبي المجلس المللي في 10 فبراير 1950 واعتدوا بالضرب على أعضاء اللجنة، مما اضطر د. المنياوي إلى الاستقالة في 1951 من وكالة المجلس، وحل محله يوسف صالح الذي حاول التهدئة مع البطريرك وفشل ((د. سعد الدين إبراهيم، الملل والنحل والاعراق: هموم الأقليات في الوطن العربي، الجزء الثاني. ))، وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى اختطاف البابا يوساب الثاني، واحتجازه بدير البنات وإجباره على التوقيع على وثيقة التنازل عن البطريركية عن طريق «جماعة الأمة القبطية»، وفي 5 سبتمبر (أيلول) سنة 1955 اجتمع المجمع المقدس وأصدر قراراً بإعفاء الأنبا يوساب الثاني من منصبه، وتشكيل لجنة ثلاثية لإدارة الكنيسة، وبرر المجمع قراره بإعفاء البطريرك بأسباب تتعلق بتبديد أموال الكنيسة، واتخاذ البطريرك الأشرار مستشارين له، وأخطر المجمع المقدس المجلس الملي بقراره، فتمت الموافقة عليه، واستُبعد البطريرك الأنبا يوساب الثاني إلى دير المحرق في 24 سبتمبر سنة 1956. فهل يعقل أن يكون كيرلس الثالث بن لقلق ويوساب الثاني اختيارًا إلهيًا؟ الإجابة: قطعاً لا. أما بالنسبة للسؤال أعلاه، هل يمكن أن يجلس على الكرسي المرقسي من لا يستحق؟ فالإجابة: نعم، فبحسب نظير جيد، رئيس تحرير مجلة مدارس الأحد، والبابا شنودة الثالث لاحقاً، والمعارض الشرس لتصرفات وأداء البطريرك يوساب الثاني، في مقالته المطولة بعنوان «تغيير لائحة انتخاب البطريرك» ((نظير جيّد، مجلة مدارس الأحد، مقال بعنوان: تغيير لائحة انتخاب البطريرك، العدد السابع، سبتمبر 1953. ))، اختتم نظير جيد بالعبارة النارية الحاسمة مؤكداً أن: بقاء الكرسيخالياً خير من أن يجلس عليه شخص غير مستحق (نظير جيّد، مجلة مدارس الأحد، العدد السابع، سبتمبر 1953، بعنوان: «تغيير لائحة انتخاب البطريرك») ، مما يعني بدون أي لبس، أنه وارد الحدوث أن يصل أحدهم بدون استحقاق إلى منصب البطريرك دون إرادة الله. اختيار الله أم اختيار بشري؟ على مدى تاريخ بطاركة الكرازة المرقسية، الذي بدأ عام 60 م. بدخول مرقس الرسول إلى مصر، وحتى البطريرك الحالي الأنبا تواضروس البطريرك رقم 118، استُخدمت طريقة القرعة لاختيار البطريرك مرات محدودة، اختلف الباحثون على عددها، لكنهم على أي حال لم يتجاوز إثنى عشر بطريركاً على أفضل تقدير، من أصل 118 بطريركاً، ثلاثة منهم في النصف الثاني من القرن العشرين، منهم على سبيل المثال لا الحصر: البابا اثناسيوس الثالث رقم 76، البابا غبريال الثالث رقم 77، البابا يوأنس السادس عشر رقم 103، البابا بطرس السادس رقم 104، البابا يؤانس السابع عشر رقم 105، البابا مرقس الثامن رقم 108، وبالطبع البابا كيرلس السادس والبابا شنودة الثالث والبابا تواضروس الثاني. مما يرسخ ويؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن طريقة القرعة الهيكلية في اختيار بطريرك الإسكندرية ليست إلزامية، ولم تكن إلزامية من قبل، وليست تقليداً أساسياً راسخاً في اختيار بطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، خاصة أن قاعدة اختيار البابا من بين ثلاثة مرشحين تحديداً لم يتم العمل بها سوى في لائحة 1957، ويقال أن طريقة القرعة الهيكلية قد وُضعت بإيعاز من عبد الناصر بديلاً عن الانتخاب المباشر للبطريرك، لأنه «لم يكن من المستحب أن يأتى رئيس الدولة "جمال عبد الناصر" باستفتاء شعبي، ويكون بطريرك الأقباط الأرثوذكس بالانتخاب الحر المباشر»! ((د. ميلاد حنا فى حوار خاص مع الكاتب الصحفي: سليمان شفيق. )) أما المروجون لأكذوبة الإرادة الإلهية والتدخل الإلهي المزعوم في اختيار البطرك، فقد نسوا – أو تناسوا – أن عملية الاختيار منذ بدايتها وحتى المرحلة قبل الأخيرة منها هي عملية بشرية محضة، بداية من تقدم المرشحين للمنصب، والقواعد والإرادة البشرية التي تمنع أو تسمح لبعضهم أو كلهم للمضي قدماً نحو المنصب، وفرز المرشحين وتصفيتهم إلى 7 أو 5 مرشحين بحسب لائحة 1957، ثم الانتخاب البشري المحض للمرشحين لتصفيتهم إلى ثلاثة منافسين فقط، بعضهم أو كلهم أساقفة بالفعل على إيبارشيات أخرى، وترشحهم للمنصب باطل ومخالف من البداية بحسب قوانين مجمع نيقية، ثم يأتي طفل ويختار من بين الثلاثة مرشحين الذين اختيروا بواسطة البشر، ليسحب ورقة من الثلاثة ويقنعوا البسطاء أن الفائز هو اختيار إلهي. فهل إرادة الله هي التي تختار بطريركاً، محروماً طبقاً لقوانين الكنيسة والآباء الرسل ومجمع نيقية المسكوني؟ وماذا لو كانت إرادة الله ترفض الثلاثة مرشحين برمتهم؟ كيف نعرف أن الله راضٍ عن الثلاثة المكتوبة أسماؤهم بالورق؟! فلماذا لا نضع ورقة رابعة بيضاء إذا تم سحبها نعرف أن الثلاثة الموضوعة أسماؤهم غير مرضي عنهم؟! ((الأنبا غريغوريوس أسقف البحث العلمي. )) (الأنبا غريغوريوس أسقف البحث العلمي) عمل القرعة الهيكلية هو اسم مختلق لا أساس له لاهوتيا وعقائديا، ولا يوجد نص قانون كنسي يبرر إجراء مثل هذه القرعة، ولا يمكن أن نفهم إرادة الله عن طريق إيقاف عقلنا عن التفكير السليم الذي يكون بالصلاة وإرشاد الروح القدس الذي يعمل على إظهار من يحصل على أكثر أصوات المؤمنين ((الأنبا بفنوتيوس أسقف سمالوط، كتاب «حتمية النهوض بالعمل الكنسي»، صـ 95 )) (الأنبا بفنوتيوس أسقف سمالوط، كتاب «حتمية النهوض بالعمل الكنسي»، صـ 95) ماذا عن اختيار متياس الرسول خلفاً ليهوذا بالقرعة؟ أليس هذا تأصيلاً كتابياً على مبدأ القرعة في الاختيار؟ بعد صلب المسيح وقيامته بحسب الاعتقاد المسيحي، اجتمع الرسل واقترح بطرس عليهم اختيار أحد أتباع المسيح الذين آمنوا به منذ بدء دعوته ليكون التلميذ الثاني عشر بدلا من يهوذا الإسخريوطي، الذي كان قد انتحر بعد أن سلم يسوع لليهود، وقد استشهد بطرس بنص من المزامير لتصر داره خرابا ولا يكن فيها ساكن وليأخذ وظيفته آخر ((مزمور  109: 8 ))، وهكذا تم انتخاب متياس وبارسابا لهذا المنصب، وألقوا القرعة بينهم فوقعت على متياس الذي أصبح بذاك يعتبر من جماعة الاثني عشر. ويتخذ المدافعون عن القرعة الهيكلية تلك القصة كإثبات على صحة اعتقادهم، لكنهم تناسوا أن اختيار الرسول متياس تم عن طريق القرعة كان قبل حلول الروح القدس على التلاميذ في اليوم الخمسين، ولم يذكر الإنجيل أي اختيار آخر تم عن طريق القرعة بعد اختيار متياس، بل كان هناك طرق مختلفة للاختيار، مثل الاختيار المباشر من الله حيث طلب الرب قائلاً افرزوا لي برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه. ((أعمال الرسل 13: 2 ))، أو عن طريق الانتخاب الجماعي، فعندما طلب الشعب اختيار مندوبين للخدمة، دعا الإثنا عشر جمهور التلاميذ وقالوا: لا يرضي أن نترك نحن كلمة الله ونخدم موائد فانتخبوا أيها الإخوة سبعة رجال منكم، مشهود لهم وممولون من الروح القدس وحكمة، فنقيمهم على هذه الحاجة ((أعمال الرسل 6: 2-3 ))، ومنذ ذلك الوقت لا يوجد أي ذكر لنظام القرعة في الإنجيل أو أياً من قوانين الرسل أو المجامع المسكونية. --- ### إلهي لا نفع له - Published: ۲۰۲۱-۱۲-۲۷ - Modified: 2024-02-29 - URL: https://tabcm.net/3500/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: آريوسية, إلهي لا نفع له, الآباء اليسوعيين, البدلية العقابية, ديتريش بونهوفر, شارل ديليه اليسوعي, شركاء الطبيعة الإلهية, شمس الدين التبريزي ليدخل العيد والفن والحب في الخليقة، وتصبح تلك النشاطات اللانافعة والمجانية العلامة المميزة للإنسان، ولما فيه من قلق، ونتساءل ماذا لو كان الله الترف الأسمى، الذي لا نفع له وهو في الوقت نفسه جوهري؟ ماذا لو كان أسمى عمل هو ما يتم في تلك الهنيهات النادرة من العبادة، حيث نتخلى عن كل ما هو قابل للكسب، ونروح ننشد معجبين بالسر الإلهي؟ في أثناء مشاهدتي لأحد البرامج المسيحية، طرح أحد مشاركي البرنامَج سؤالًا على المحاضر عن خلاص غير المؤمنين بالمسيح، وبخاصة إذا كان تصورهم عن الله مشابهًا إلى حد بعيد لشخصية المسيح. بمعنى أن مشكلة هؤلاء ليست في صفات النموذج الذي يقدمه المسيح لله، فهم يضفون تلك الصفات على الآلهة التي يعبدونها حتى وإن كانت لا تنطبق عليهم، بل مشكلتهم تكمن في البراهين التاريخية التي تثبت أن المسيح هو الله. انفعل المحاضر بشدة خاصة حين قال له السائل: هل من العدل أن يعاقب الله شخصًا يؤمن بالمسيح إيمان روحي وجداني فقط لأنه لم يقتنع بالأدلة التاريخية المقدمة له أو لم يفهمهما أو لم تُقدم له في الأساس، وأيهما أفضل أن يؤمن الإنسان إيمانًا قلبيًا صادقًا بشخص الله أم أن يقتنع ببعض الحقائق التاريخية دون أي علاقة حقيقية مع ذلك الشخص؟ كان رد المحاضر المنفعل هو: إزاي يعني يخلص؟ أمال فايدة اللي إحنا بنعمله ده كله إيه؟ كدة كل حاجة بنعملها ملهاش لازمة. شعرت وأنا أشاهد ذلك المحاضر أنه يقول بصورة غير مباشرة إن لم أستفد من الله لأدخل الجنة من خلاله، لن أؤمن بما أؤمن، ولا أريد الله في حياتي. فالاستفادة شريطة أساسية للإيمان، وإن كان هناك طريق آخر سيصل به الآخرون إلى الخلاص، لي الحق في أن أحزن وأن أنفعل لأن ما أفعله ضاع كالهباء. وهنا أسأل: هل الإيمان بالله غير ممتع وكاف في حد ذاته حتى دون وجود أي مكافأة؟ ألم يعبد آدم الله في الجنة قبل حدوث مشكلة السقوط، والحاجة إلى الخلاص؟ هل إذا خلا الإيمان من تلك المنفعة وذلك الإلزام، سنتخلى عنه؟ وماذا لو كان إيمانك بالله سيقودك إلى الجحيم، هل سيدفعك  للذهاب إلى الجحيم معه أم لا؟ ولماذا يتمنى البعض في أعماق أنفسهم لو كانت طقوسهم هي السبيل الوحيد إلى الله كيلا تخلو تلك الطقوس من الإلزامية التي تدفعهم إلى الاستمرار فيها؟ أليست تلك الطقوس ممتعة ومريحة للإنسان في حد ذاتها أم هم مجبرون عليها فقط لأنها واجبة؟ إيمان بلا جدوى أبدع الأب "شارل ديليه" اليسوعي في الحديث عن ذلك المبدأ النفعي أو فلسفة النفعية (Utilitarianism) في العلاقة مع الله في كتابه "إلهي لا نفع له". يبدو عنوانه صادمًا بعض الشيء أو مهينًا للذات الإلهية، لكنه، على العكس تمامًا من ذلك. يتحدث "شارل ديليه" عن العلاقة بالله باعتبارها متعة مجانية، كالفن، والترف، وجلسة الأصدقاء، لا باعتبارها مادة تُستهلك من أجل منفعة ومصلحة في نهاية الطريق. ويشير "ديليه" إلى الأبعاد النفسية والروحية التي تقبع في أعماق من ينادون بوجوب النفعية، مصورًا مبدأ النفعية كعلامة على غياب الحب لله. هل نسأل أنفسنا حين نذهب في نزهة مع الأصدقاء، أو نقف أمام لوحة فنية لماذا نفعل ما نفعل وما فائدته؟ أم نستنشق الفن لأننا نحبه وحسب؟ ليس للإنسان أن ينغلق على ذاته في إطار النافع والمفيد لئلا يفقد ما يجعل منه روح الكون. ماذا تنفع المحبة والصداقة؟ لا شيء. الحب هو أن يضيع الإنسان وقته مع صديقه وفي سبيله (شارل ديليه اليسوعي) لو كانت الجنة والنار بيدي لأحرقت الجنة واطفأت النار . . لنُحِب الله حباً خالصاً وليس عن خوف أو طمع. (شمس الدين التبريزي) امتلأت الكتب والعظات بالحديث عن أسباب تجسد المسيح ووجوبه، ووضع البعض نظريات قضائية مثل "البدلية العقابية" التي تصور الله وكأنه يعاني معضلة لتوفيق عدله ورحمته حتى يصبحا على قدم المساواة، وتصبح المازورة الإلهية بلا عيب. وإلى أصحاب تلك النظريات يوجه الأب "شارل" حديثه قائلًا إن الله ليس بحاجة إلى فعل أي شيء للتوفيق بين صفاته وإنه تجسد حبًا للإنسان وحسب، لا بسبب الخطيئة أو السقوط. يصف "شارل" التجسد باعتباره تعبيرًا عن الحب، ورغبة في الاتحاد بطبيعة المحبوب، والوصول إليه بشتى الطرق. لا يحتاج الله إلى السقوط، والمعضلات القضائية لكي يظهر حبه وشخصه للإنسان. كان الله سيفعلها حتى وإن لم يسقط آدم. جنون الحب الإلهي يصف "شارل ديليه" خلق الإنسان ككائن حر، لديه مسؤولية الاختيار بين الخير والشر، بالجنون الإلهي. حين أراد الله أن يخلق كائنًا أرضيًا أرقى من الحيوانات التي تُقاد دون اختيار، وأقل من الملائكة التي تحظى بقدرات خارقة لا يقوى عليها الإنسان. من المؤكد أنه رأي الكثير من الأخطار المحدقة تلوح في الأفق، لكنه على الرغْم من ذلك، فاض حبا وخلق كفنان يطلق لجنونه العنان في مغامرة ربما تجلب له العناء. وفي تجسده كذلك، لم يخل أيضًا من جنون المحب. ليدخل العيد والفن والحب في الخليقة، وتصبح تلك النشاطات اللانافعة والمجانية العلامة المميزة للإنسان، ولما فيه من قلق، ونتساءل ماذا لو كان الله الترف الأسمى، الذي لا نفع له وهو في الوقت نفسه جوهري؟ ماذا لو كان أسمى عمل هو ما يتم في تلك الهنيهات النادرة من العبادة، حيث نتخلى عن كل ما هو قابل للكسب، ونروح ننشد معجبين بالسر الإلهي؟ (شارل ديليه اليسوعي) الإنسان هو الحيوان المدعو ليصير الله هكذا صاغ "شارل ديليه" جوهر المسيحية... إن الله صار مثلنا لكي نصير مثله. إن الله يدعونا كي ننمو في الإنسانية سائرين نحوه لكي نشابه صورته. لذلك، لم يعطنا وحيًا جامدًا أو دستورًا تقليديًا، بل وحيًا يتطور وينمو مثلنا. فعلى مر التاريخ، تلمسنا السبل إلى الحرية والسعادة، أدركنا كرامتنا شيئًا فشيئًا. أصبحنا لم نعد نقدر في يومنا هذا أن نقبل ما قاله بولس عن خضوع العبيد لساداتهم أو خضوع المرأة للرجل. كانت الإنسانية مثل طفل ينمو في النضج والقداسة، تعينها كلمات الوحي الإلهي تارة، وتارة أخرى تدرك مسئوليتها في عملية النمو. قدمت أسفار العهد القديم صورة بدائية عن علاقة الله بالإنسان، ربما كانت مناسبة للبشر حينها؛ لكنها الآن لم تعد مناسبة لنا. تطور الوحي عبر الزمن من أسفار ترى أن التقوى لازمة لتوسيع التخوم واتقاء الشرور التي تسقط من السماء كنوع من العقاب لمن يبتعدوا عن الله، إلى أسفار تدعو الإنسان إلى اتقاء الله مجانًا، وتنفي توصيف الشر كعقاب الإلهي  (مثل سفر أيوب الذي كان بارًا). يدعونا "شارل ديليه" للبناء على ما قُدم لنا من نصوص، وللتحرر من عبادة النص إلى عبادة الإله الواحد الذي لم يصمت بعد، ويستمر في وحيه. المسيح لا يخلق نموذجًا للإنسان، بل الإنسان يجد ذاته (ديتريش بونهوفر) إن دساتير السلوك هي الخط الذي رسمه لنا السلف في محاولة لأنسنة الوجود، نجحوا فيها جزئيًا، على أن الضعف والشر تركا بصمتهما في ما شرعا القيام به، فبقى علينا أن نصحح الطريق ونتابعه. علينا أن نثق بالسلف ونحترم القواعد التي وضعها، دون أن نتركها تغشى أبصارنا ... الحكم يبقى في النهاية من صلاحيات ضميرنا. (شارل ديليه اليسوعي) --- ### أبو مقار: هدوء العزلة وصخب بحجم القتل - Published: ۲۰۲۱-۱۲-۲٦ - Modified: 2024-02-29 - URL: https://tabcm.net/3481/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: أنبا أنطونيوس الكبير، أبو الرهبان, أنبا إبيفانيوس المقاري, أنبا بيشوي، مطران دمياط وكفر الشيخ, الأب متى المسكين, البدلية العقابية, الكنائس الأرثوذكسية, الكنيسة والدولة, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس السادس, بروتستانت, بيت التكريس, دير الآباء السريان, دير الأنبا مقار الكبير, رئيس محمد أنور السادات رائدا هذا الدير هما الأب متى المسكين، والأنبا إبيفانيوس الذي قتل على يد راهبيْن، وهنا يأتي ذكر الجانب الأكثر إثارة في مسار هذا المكان، فذكر الاسمين السابقين يستدعي فضول الباحثين عن الغموض والدراماتيكية. باختصار هو دير السلام والزحام، البراءة والصخب، أو بشكل أوضح: الحياة والموت نفس عميق خرج مني دون إرادتي لدى وصولي إلى بوابة دير الأنبا مقار الكبير بصحراء وادي النطرون، معلنًا عن حالة سكينة ستلازمني طوال مدة الزيارة. هدوء المكان يمكنه التسلل بخفة لكل جزء داخلك، يعطيك فرصة لسماع صوت أنفاسك، وملاحقة وقع خطواتك كيلا يفسد عليك الإنصات إلى نسمات الهواء وهي تداعب وريقات الشجر الذي يغطي فناء الدير. الدير أسسه القديس الأنبا مقار الكبير، الذي ولد سنة 300 ميلادية، ويقع في مواجهة المدخل الجنوبي لمدينة السادات شمال مصر، يجمع نقيضين: سكون يجعلك تظن ألّا أحد فيه، ومظاهر مكان عصري، يعمل رهبانه كخلية نحل لا تنام، وينتجون ما تعجز مؤسسات كاملة عن إنتاجه. لدى الدير منتجات في مجالات استزراع الصحراء، والإنتاج الحيواني، والكهرباء والتشحيم، وبه مطبعة مزودة بأحدث الماكينات لنشر الثقافة والفكر التنويري المنفتح على الكنائس الغربية واللغات القديمة.  ولا عجب في ذلك، فرائدا هذا الدير هما الأب متى المسكين، والأنبا إبيفانيوس الذي قتل على يد راهبيْن، وهنا يأتي ذكر الجانب الأكثر إثارة في مسار هذا المكان، فذكر الاسمين السابقين يستدعي فضول الباحثين عن الغموض والدراماتيكية. باختصار هو دير السلام والزحام، البراءة والصخب، أو بشكل أوضح: الحياة والموت.   آثار لا تقدر بثمن الأنبا مقار الكبير، تلميذ الأنبا أنطونيوس مؤسس النظام الرهباني في مصر والعالم، دفعته الرغبة في الاعتكاف إلى اختيار صحراء وادي النطرون لإنشاء صومعته حوالى الثلث الأخير من القرن الرابع الميلادي. حفر لنفسه مغارة ذات سرداب طويل ينتهي بمغارة أخرى سرية يلتجئ إليها، ليتحاشى مقابلة الزائرين، طلبًا للوحدة والسكون إلى أقصى مدى. وسار على نهجه في ما بعد رهبان وجدوا في برية الإسقيط، وادي النطرون حاليًا، ملاذًا بعيدًا عن ضوضاء المدن وزحامها. مع زيادة التلاميذ الباحثين عن الهدوء ذاته، بُنيت مساكن متفرقة تدعى "منشوبيات" (كلمة قبطية تعني السكن الجماعي أو الفردي)، ثم تكاثرت أعداد الرهبان الذين يجتمعون يومي السبت والأحد لصلاة القداس الإلهي، وتناول القربان المقدس. أدرك المسؤولون عن الدير عبر السنوات الأولى لترميمه قيمة كل أثر قديم فيه، مهما ضؤلت هذه القيمة، حتى أصبحت القطع المجمعة من صحن فخار وباب خشبي ولقيات متنوعة كنوزًا أثرية لا تقدر بثمن، وحفظت في أحد أركان المكتبة الملحقة بالدير. كان همنا الأول أثناء عمارة الدير وترميمه الحفاظ على كل أثر قديم في الدير مهما قلَّت قيمته، بل اكتشفنا أثناء الحفر وإزالة الجدران الحديثة بعض الأجزاء المعمارية والقطع الرخامية الأثرية القيمة، التي كانت مطموسة داخل الأسوار أو خلف الطبقات الحديثة من البياض الجبسي السميك أو تحت التراب (الموقع الرسمي للدير)   عند دخولك الدير، ونزولك على السلالم الكبيرة للوصول إلى كنيسة أنبا مقار، ستعبر من تحت قوس أثري من الطوب الأحمر، وهو عبارة عن مقصورة arch ضخمة، كانت هي المدخل البحري القديم للكنيسة قبل القرن التاسع، ويرجح أنها من القرن السابع أي يُقدَّر عمرها بأكثر من 1300 سنة‏، هذه المقصورة ستجعلك تشعر وكأنك داخل عالم جديد، عليك الإنصات لكل حكاياه.   الأب متى يواجه التيار التقليدي عام 1969 دعا البابا كيرلس السادس، بطريرك الكرازة المرقسية وقتذاك، الراهب متى الشهير بالمسكين مع جماعته الرهبانية (12 راهبًا) للانتقال إلى دير أنبا مقار، الذي كانت الحياة الرهبانية فيه توشك أن تنطفئ، ووكل إليه مهمة تعمير الدير وإحياء الحياة الرهبانية فيه من جديد. في ذلك الوقت كاد الدير يخلو من الرهبان، لم يكن فيه سوى خمسة رهبان مسنين ومرضى، ومبانيه على وشك السقوط. منذ هذا التاريخ بدأت نهضة عمرانية جعلت من الدير مزارًا للمصريين والأجانب على السواء، ووضعته ضمن خريطة أحد أهم أماكن السياحة الدينية العامرة، وبالتوازي حدثت "طفرة" فكرية وثقافية كبرى على يد متى المسكين، وأبناء مدرسته الفكرية المنفتحة على اللغات القديمة العبرية واليونانية والمصرية القديمة. لكن الأمور لم تكن بين البطريرك والراهب على وفاق دائم، ففي عام 1960 أصدر البابا كيرلس قرارًا يلزم الرهبان بالعودة إلى أديرتهم، وحرمان المخالفين للقرار، وكان وقتذاك القمص متى المسكين مع مجموعة من الرهبان خارج دير السريان الذي ترهّب فيه، وغادره إلى بيت التكريس بحلوان، نتيجة خلافه مع مدير الدير، فطبق عليه وعلى من كان معه الحرمان البابوي، وتم تجريده من الكهنوت، غير أنه استغل هذه الفترة من الراحة القسرية في الكتابة التي أثمرت غلالًا معرفية استعان بها دارسو اللاهوت المسيحي، وأعلن خلالها فكره الآبائي المنتسب لرواد الكنيسة الأولين. ومع كل كتاب جديد يصدره يثير عداوات عقائدية مع عدة أطراف. في كتاب "الكنيسة والدولة" انتقد منازعة الخدمة الكنسية للحكومة في أنشطتها، ورأى أن على الكنيسة الترفع عن الدخول في السياسة. هنا كان البابا شنودة على الطرف الآخر، إذ لعب دورًا روحيًا وسياسيًا في عهد بابويته، التي امتدت نحو 40 عامًا، ولم ترقه أفكار متى المسكين وراح يرد عليها كلما سنحت الظروف. لم تخلُ الخلافات أيضًا من تباين في وجهات النظر حول عدة مسائل عقائدية بين القمص متى والأنبا شنودة، منها عقيدة الكفارة والبدلية العقابية، ومفهوم تأله الإنسان، والوحدة مع الطوائف الأخرى التي كان يؤيدها المسكين، ويرى فيها ثراءً للكنيسة، بينما يحرمها شنودة، ويشن حرباً كلامية خلال عظاته على من يفكر في التقارب مع الطوائف الأخرى، ومنع تداول كتبه في مكتبات الكنائس الأرثوذكسية، حتى أن الأنبا بيشوي، مطران دمياط الراحل، شن الحرب نفسها على المسكين وحرق كتبه.   الصراع إرث للأبناء بعد وفاة الأب متى المسكين عام 2008 سار تلاميذه على نفس دربه بدير الأنبا مقار في وادي النطرون، وعلى رأسهم الأنبا إبيفانيوس الذي عُيّن رئيسًا للدير عام 2013 بحبرية البابا تواضروس الثاني، وخلال هذه الفترة وفد إلى الدير رهبان ينتمون إلى مدرسة البابا شنودة الفكرية، ما شكل خلافات بين الرهبان، تحوّل إلى كراهية ملحوظة للأنبا إبيفانيوس، لا سيما بعد أن قال بكلمته في ذكرى وفاة الأب متى المسكين العاشرة ما يفيد بأن كتابات الأب متى أحدثت تغييرًا جذريًا بمجال التعليم الكنسي، خاصة أنه استمدها من أقوال الآباء الأولين لإتقانه اللغة الإنجليزية. الصراع هذه الكلمة التي قالها إبيفانيوس أمام جمع من الحضور بدير كاثوليكي إيطالي، مع تعاليمه الخاصة بأهمية مد الجسور بين الكنيسة الأرثوذكسية والطوائف الكاثوليكية والبروتستانتية، أعطت الضوء الأخضر لكارهي فكر الأب متى المسكين ومن بعده رئيس الدير، لتتحول الكراهية إلى وقود في أيدي الراهبين أشعياء وفلتاؤوس المقاري لقتل إبيفانيوس. مات إبيفانيوس غارقًا في دمائه، لتُكتبَ صفحة جديدة في الدير الهادئ، عنوانها جريمة كراهية في ساحة السلام والفكر الإصلاحي. --- ### ما كفاية احترام - Published: ۲۰۲۱-۱۲-۲۵ - Modified: 2023-10-22 - URL: https://tabcm.net/3477/ - تصنيفات: شئون علمانية خصوصيات المواطن البسيطة مستباحة للجميع، وهي الشيء الترفيهي الوحيد المجاني!! والمطالبة باحترام الآخرين لخصوصياتك هي نوع من العجرفة الزائدة، والعنطزة، وقلة ذوق منك!! وكما كان الجميع يتسابقون على متابعة ما أقرأه علي هاتفي وأنا جالس في المواصلات، كنت أيضا أتبارى أنا وزملائي علي حشر رؤوسنا داخل الصحيفة التي كان يتصفحها أي من الغرباء الذي قادهم الحظ العاثر للجلوس بجوارنا على القهوة، حيث أصبحت جريدته جريدتنا، وحياته حياتنا المقال ده مش غرضه التنظير ولا الاستعراض، واعتبروه فاصل من الرومانسية السياسية وسط الإحباط والخذلان. في بداية سنوات الغربة بالغرب الكافر، وصلتني الكثير من الخطابات الحكومية الرسمية على مدار عدة شهور، وهي: 1- الخطاب الأول من الحي الذي أسكن فيه، وكان مفاده: نود أن نعلمك أن جارك سوف يقوم ببناء بيت من دورين بجانب منزلك، وحيث أنّه يهمنا سعادتك، ونحترم رأيك وخصوصياتك، فيسعدنا استقبال أي اعتراض على بناء البيت بجوارك في خلال ١٤ يومًا 2- الخطاب الثاني وصلني من إدارة الطرق، وكان مفاده: سنقوم بعمل تعديل مروري في الشارع القريب، وسنحول التقاطع لإشارة مرورية لتسهيل الحركة، وحيث أننا نحترم إرادتك وقرارك، فيسعدنا استقبال أي اقتراحات أو اعتراضات على التعديل المروري في خلال ٣٠ يومًا 3- المنطقة اللي أعيش ليس بها حديقة للأطفال, جمعنا توقيعات لسكان الحي الصغير وأرسلنا مطالبة للحي ببناء حديقة تشمل تجهيزات وألعاب لأطفالنا، وبعد أسبوعين جاءنا خطاب من الحي كان مفاده: حيث انه يهمنا راحتكم وسعادة أطفالكم، فقد خصصنا مبلغ لبناء حديقة شاملة لأطفال الحي على قطعة أرض فضاء   كنت افكر مليا في كل هذه الخطابات في أثناء عودتي من عملي... كنت مصعوقًا، حيث أني مواطن شرق أوسطي اعتاد أن يتم اﻹشارة له في المخاطبات الرسمية بوصفه "المذكور"، ولم اعتد سماع تلك اللغة المهذبة والمصطلحات الغريبة! لم أكن اعلم قبل هذا اليوم ما المقصود بالضبط من "الكرامة الإنسانية"، حيث أنها غير متاحة للعامة مثلنا في بلادنا الأم، وشحيحة في السوق، ويحضرها المسافرون معهم من الخارج. ولم افهم ماذا يقصدون باحترام "إرادتي" أو "قراري" كفرد، فقد علمتنا أوطاننا أن كل هذه كماليات للحياة ولا نعلم لماذا يحتاجونها أصلًا... في بلادنا نولد ونعيش ونموت دونها، ولا احد يشتكي، أو حتى يجرؤ أن يشتكي، أو يجرؤ أن يفكر في أن يشتكي من قلتها! وأصابتني الريبة والحيرة والشك من تكرار كلمة "تهمنا راحتك"، حيث اعتدنا في بلادنا أن "الاهتمام ما بيتطلبش"، ومحدش يهمه راحتك أساسًا! أما ما أضحكني جدًا، فهي مسألة "نحترم خصوصيتك"، فلا أتذكر خلال حياتي بالشرق الجميل أن أحدا فكّر ولو مرة أن "يحترم خصوصياتي"، حيث من المعروف عندنا أننا شعب "عِشري" بطبعه، و"حشري" أوقات أكثر. وخصوصيات المواطن البسيطة مستباحة للجميع، وهي الشيء الترفيهي الوحيد المجاني! ! والمطالبة باحترام الآخرين لخصوصياتك هي نوع من العجرفة الزائدة، والعنطزة، وقلة ذوق منك! ! وكما كان الجميع يتسابقون على متابعة ما أقرأه علي هاتفي وأنا جالس في المواصلات، كنت أيضا أتبارى أنا وزملائي علي حشر رؤوسنا داخل الصحيفة التي كان يتصفحها أي من الغرباء الذي قادهم الحظ العاثر للجلوس بجوارنا على القهوة، حيث أصبحت جريدته جريدتنا، وحياته حياتنا، والورق ورقنا، والدفاتر دفاترنا! أما بخصوص مطالبتنا للحي بإنشاء حديقة لأطفالنا، فتلك كانت الصدمة الكبري، حيث تم الاستجابة للطلب في خلال أسبوعين فقط من تقديمه، واندهشت بشدة أنهم لم يطلبوا منا شهادة تحركات أو فيش وتشبيه وقيد عائلي ولا إمضاءات، ولم نحتاج للذهاب إلي مبنى "ليبرتي سكوير" (مجمع التحرير بتاعهم)  لإحضار طابع دمغة من مسز "كوثر باركر"، إن ليفيل ثري! في طريق عودتي للمنزل قابلت ساعي البريد الذي ناولني خطابًا جديدًا، وكان هذه المرة من هيئة الاتصالات وهذا مفاده: نود أن نعلمك أننا سنبني برج اتصالات علي بعد 300 متر من منزلك لتقوية الشبكات، وحيث أنه يهمنا راحتك و ... ... ! ! وقبل أن اكمل الخطاب واقرأ الجملة المعتادة ... . نظرت للساعي وقلت: ما كفاية احترام بقى يا ولاد الـ*#@&%! * فوتوكم بعافية. --- ### هدية يسوع في عيد ميلاده - Published: ۲۰۲۱-۱۲-۲٤ - Modified: 2025-02-02 - URL: https://tabcm.net/3455/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: عيد الميلاد عندك هدية تليق تقدمها ليسوع ليلة عيد ميلاده؟ علشان أريحك أحب أقولك إن ماحدش عنده هدية تليق بيسوع! ومهما حاولت تفكر مش هتلاقي هدية مناسبة تقدر تقدمها له! فعلى غير العادة صاحب عيد الميلاد المرة دي هو اللي قدم الهدية. هو أخذ الذي لنا وأعطانا الذي له. أخذ طبيعتك وحمل خطيتك وفسادك وموتك، وأعطاك جسده تتحد بيه وحياته تعيش بيها. بارك طبيعتك في اتحاده بها، وجعلك هيكل لروحه القدوس. يمكن ما تلاقيش هدية تليق بيه! لكن ممكن تلاقي هدية هو بيحبها! عارف هو بيحب إيه؟ بيحب أننا نحفظ وصاياه، بيحب أننا نحب أخواتنا، بيحب أننا نعطيه قلوبنا، بيحب اللي يخلص نفس من الموت، بيحب اللي بيستر كثرة من الخطايا. حاسب نفسك، هل محافظ على هديته اللي وهبها لك؟ وفكر كده وشوف إيه الهدية اللي بيحبها تقدمها له. عيد ميلاد مجيد وكل سنة وأنتم طيبين. --- ### عيد الشمس التي لا تُقهر - Published: ۲۰۲۱-۱۲-۲۳ - Modified: 2024-12-27 - URL: https://tabcm.net/3470/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, تاريخ وميثولوچيا - وسوم: ٢٥ ديسمبر, أنبا أغاثون، أسقف مغاغة والعدوة, التقويم الشمسي, العلمانية, المانوية, تشارلز چون هوڤام ديكنز, عيد الشمس التي لا تقهر, عيد الميلاد, كريسماس, ميلاد المسيح, هلينية وأنا طفل كنت فاكر إن المسيح اتولد يوم ١ / ١ سنة ١ ميلادية. إمال اسمه "الميلادي" ليه يعني؟ وهو الهجري اتسمى هجري ليه غير علشان الهجرة؟ ده قادني لسؤال وجودي أكثر عمقا: ليه بنحتفل يوم ٧ مش ١ مع بداية السنة؟ كطفل كنت أسأل… وكطفل كانت الإجابات الطفولية الجميلة التي لا أساس لها من الصحة، وإنما خليط من البساطة والتسطيح والفتي الوراثي الأسمر الجميل وأنا طفل كنت فاكر إن المسيح اتولد يوم ١ / ١ سنة ١ ميلادية. أمال اسمه "الميلادي" ليه يعني؟ وهو الهجري اتسمى هجري ليه غير علشان الهجرة؟ ده قادني لسؤال وجودي أكثر عمقا: ليه بنحتفل يوم ٧ مش ١ مع بداية السنة؟ كطفل كنت أسأل... وكطفل كانت الإجابات الطفولية الجميلة التي لا أساس لها من الصحة، وإنما خليط من البساطة والتسطيح والفتي الوراثي الأسمر الجميل... النهاردة هنتكلم كلام ناس ناضجة شوية... هنتكلم حسب "ما نعرف" وليس حسب "ما نعتقد"   المسيح مولود قبل الميلاد دي مش جملة أدبية شعرية... دي حقيقة تاريخية... فعليًا، نحن لا نعلم تاريخا دقيقًا ليوم ميلاد المسيح، ولا حتى سنة ميلاده، فتم استخدام الأحداث المذكورة في الإنجيل ومضاهاتها علي الأحداث التاريخية، ومن هنا توصلنا بالعلم لتاريخ تقريبي إن المسيح وٌلد من ٦ق. م إلى ٤ق. م تقريبًا. ثم بعدها استطاعت الدراسات الأكثر دِقَّة تحديد إنه شتاء عام ٤ق. م بنسبة خطأ عام واحد، ففي ناس بتحب تحط العام ده وتعتبره ٣ق. م. إزاي حصل ده؟ ليه الناس استنوا ٣ أو ٤ سنين وبعدها ابتدوا يعدوا من رقم ١ ؟ ويبقي ميلادي ازاي كدا؟ مش ده اللي حصل... السنوات وحسابها بالتقويم الشمسي هو ابتكار روماني من قبل المسيح أساسًا، وأسماء الشهور مأخوذة من آلهة الرومان وأباطرتهم السابقين عليه... أهمية المسيح كتاريخ مظهرتش غير بعد انتشار المسيحية بعد قرون من ولادته... فتم ده بأثر رجعي لما بقيت المسيحية دين سياسي للدولة الرومانية... وطبعا لما بتمر سنين وقرون على حدث بتكون النتائج غير دقيقة. طيب ده بالنسبة للسنة، فما بالك بتحديد يوم الميلاد؟ الناس اللي بتصوم وتفطر كل سنة دي، عرفت يوم الميلاد إزاي؟ اليوم ده ليه قصة طريفة عند الأوربيين، ومزعجة عند الأمريكيين، ولا يعلمها أكثرية الشرقيين نتيجة للانغلاق والقطيعة المعرفية! في بداية انتشار المسيحية، كان معظم أوربا يتبع الديانة المانوية، والتي هي أشبه بديانة خليط من الوثنية الهلينية مع التقديس الشمسي (مكانوش بيعبدوا الشمس، لكن بيقدسوها)، وفي نفس الوقت قصة الإله مثرا في المجوسية الفارسية تتشابه مع قصة المسيح في الميلاد العذري... العوامل دي كلها خلت التحول للمسيحية سهل علي الأوربيين دول... وهما دول اللي لما تحولوا للمسيحية، ظلوا يحتفلوا بشكل اجتماعي بميلاد شمس العام الجديدة في يوم "الانقلاب الكبير". يعني إيه "يوم الانقلاب الكبير" / عيد الشمس التي لا تقهر / Dies Natalis Solis Invicti ؟ عدد ساعات النهار مش نفس عدد ساعات الليل طول العام... يعني أكيد لاحظت إن "ليل الشتا طويل" من غير الأغنية إياها... ببساطة ساعات ظهور الشمس (النهار) في فصل الصيف أطول من فصل الشتاء. نظرا لأهمية الشمس في العبادات المجوسية، وفي التقويم الشمسي عمومًا، كانوا بيحسبوا بدقة زمن ولادة الشمس الجديدة (أول يوم هتبتدي فيه زيادة النهار) واليوم ده اسمه الفلكي "الانقلاب الكبير"، وكان له عيد بيسموه عيد الشمس التي لا تُقهر. الأوربيين حافظوا علي اليوم ده واعتبروه بشكل معنوي يوم معبر عن ميلاد المسيح، على أساس إن المسيح هو "شمس البر" وأنسب يوم لتذكره هو ولادة الشمس في كل عام. دي قصة الاحتفال بعيد ميلاد المسيح... قصة بسيطة ولا ليها علاقة بدقة تقويم ولا بما يقابله في تقويم أجدادنا، ولا ليها علاقة بالبابا جريجوري وتعديله، وبالتأكيد لا صلة لها بأسقف النينچا بتاع مغاغة والعدوة، وكلامه عن التراث في مية البطيخ! العيد ده تم استخدامه في الصراع الطائفي من زمان جدا... نقدر نقول إنه كان عيد أوربي شعبي بامتياز، (زي "شم النسيم" عندنا مثلا) ثم بعد الانشقاق الأنچليكاني في بريطانيا استخدمه المتشددون منهم في الطعن على الكاثوليك، (تاريخيا هم أول من اعتبروه عادة وثنية، أو حاجة زي العودة للجاهلية الأولي في المكافئ الأصولي الإسلامي لكتابات "سيد قطب" مثلا)، وده خلى الكاثوليك يتمسكوا بيه أكتر واعتبروه صوم مسيحي مقدس... والتاريخ بيذكر حوادث شغب واضطرابات واعتصامات كان بيقوم بيها البروتستانت في توقيت العيد ده كنوع من الاعتراض عليه. مع القرن ال١٩ ساهمت الكتابات الثقافية والتنويرية في إخماد نيران التشدد والاحتراب الطائفي، ولعل أبرزها كان أعمالا فنية وأدبية مثل كتابات "تشارلز ديكنز" عن "ترنيمة عيد الميلاد". في العصر الحديث مثلا في الولايات المتحدة الأمريكية (ذات الأغلبية البروتستانتية) فاليمين الديني تدخل لمنع الدولة من أي مظاهر دينية خلال الكريسماس استنادًا للدستور الأمريكي الذي يحظر انحياز الدولة لدين بعينه أيا كان. القصة العقائدية في المسألة هي مختصرة جدا: هل تؤمن أن المسيح "شمس البر"؟ إذن فيوم ميلاده سيكون عندك يوم ميلاد الشمس علي أي تقويم وفي أي مكان سواء كنت أوربي أو أمريكي أو مصري أو من كوكب مغاغة والعدوة... أي كلام تاني فده ديماجوجية وشعبوية وشغل حشد وتجييش لصراع أصولي تاريخي. فحاول إنك تكون ناضج ومتقعش في فخ اﻷصولية وأن يتم استخدامك في صراعات تاريخية تافهة القيمة اﻹيمانية وغرضها الوحيد هو تعزيز الانقسامات والعزلة. --- ### دحض نظرية اﻷجساد الثلاثة [آباء شرقيين] - Published: ۲۰۲۱-۱۲-۲۲ - Modified: 2024-07-18 - URL: https://tabcm.net/3408/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: آريوسية, إفخارستيا, الكنيسة اليونانية, ضد الآريوسيين, قديس أثناسيوس الرسولي, نظرية الأجساد الثلاثة, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية نستكمل معًا أحبائي ما بدأناه في المقالة السابقة من دحض التعليم غير الأرثوذكسي بنظرية الأجساد الثلاثة، وادعاء البعض بأن جسد المسيح الذي أخذه من العذراء غير جسده أي الإفخارستيا، وغير جسده أي الكنيسة، واعتبار جسد المسيح السري أي الكنيسة هو مجرد جسد رمزي اعتباري. استعرضنا في المقال السابق آراء آباء الكنيسة الغربية اللاتينية حول هذا الموضوع، ووجدنا أنهم يؤكدون على وحدة الأجساد الثلاثة وعدم فصلهم عن بعضهم البعض، وسوف نستعرض في هذا المقال أقول آباء الكنيسة اليونانية الشرقية حول نفس الموضوع، لنرى أنهم مثل آباء الكنيسة الغربية يدحضون التعليم بالأجساد الثلاثة. وأود التنويه أحبائي قبل البدء في استعراض أقوال وشروحات الآباء أن ما أعرضه من أقوال الآباء وشروحاتهم هو بعض من كل، وقليل من كثير، وعشرات بل مئات من الشروحات تؤكد على وحدة الأجساد الثلاثة في المسيح، لذا لزم التنبيه. نبدأ بالقديس أثناسيوس الرسولي معلم الأرثوذكسية، يدحض التعليم بالأجساد الثلاثة، ويؤكد على وحدتهم في شخص المسيح، لارتباطنا ككنيسته أي جسده معه، وصعودنا بواسطته إلى السماء في جسده، وهكذا يصير لنا شركة الحياة الأبدية، لأننا لم نعد بشرًا عاديين، بل صرنا في اللوغوس لوغسيين كالتالي: "ولكن ارتباطنا بالكلمة الذي من السماء، فأننا نُحمل إلى السموات بواسطته، لذلك بطريقة مماثلة قد نقل إلى نفسه أوجاع الجسد الأخرى لكي يكون لنا شركة في الحياة الأبدية، ليس كبشر فيما بعد، بل أيضًا لأننا قد صرنا خاصين بالكلمة"(أثناسيوس الرسولي، ضد الآريوسيين ٣: ٣٣) ويؤكد ق. أثناسيوس على أن المسيح أبطل اللعنة وهو كائن فينا أي في بشريتنا كالتالي: "إذ أن لعنة الخطية قد أُبطلت بسبب ذاك الذي هو كائن فينا، والذي قد صار لعنة لأجلنا"(أثناسيوس الرسولي، ضد الآريوسيين ٣: ٣٣) ويؤكد ق. أثناسيوس على نقطة خطيرة جدًا ينكرها البعض في عصرنا الحالي وهي أن موت المسيح كان موتنا جميعًا، وقيامته وتمجيده وصعوده للسماء كان هو قيامتنا وتمجيدنا وصعودنا، لأننا في المسيح نفسه أيضًا كالتالي: "لأجل هذا السبب يُقال إنه إنسان مُجد أيضًا نيابة عنا ومن أجلنا، لكي كما بموته قد متنا جميعًا في المسيح، وعلى نفس المنوال أيضًا، فإننا في المسيح نفسه أيضًا قد مُجدنا مجدًا عاليًا، مقامين من بين الأموات وصاعدين إلى السموات، حيث دخل يسوع كسابق لأجلنا"(أثناسيوس الرسولي، ضد الآريوسيين ١: ٤١) ويؤكد ق. أثناسيوس في عبارة خطيرة جدًا على عدم اندهاش القوات السمائية عندما ترانا نحن المؤمنين بالمسيح أي كنيسته المتحدين به داخلين إلى مناطقهم السمائية كالتالي: "لذلك لن تُدهش القوات السمائية حينما ترانا نحن جميعًا -المتحدين معه في نفس الجسد- داخلين إلى مناطقهم السمائية"(أثناسيوس الرسولي، ضد الآريوسيين ١: ٤٢) ويؤكد ق. أثناسيوس على وحدتنا في جسد المسيح التي صرنا بواسطتها هيكل الله، وصرنا أبناء لله يُعبد الرب فينا كالتالي: "أنه ليس اللوغوس بسبب كونه لوغوس هو الذي حصل على مثل هذه النعمة، بل نحن لأنه بسبب علاقتنا بجسده فقد صرنا نحن أيضًا هيكل الله -وتبعًا لذلك قد جُعلنا أبناء الله، وذلك حتى يُعبد الرب فينا أيضًا، والذين يبصروننا يعلنون - كما قال الرسول: أن الله بالحقيقة فيكم"(أثناسيوس الرسولي، ضد الآريوسيين ١: ٤٣) ثم يؤكد ق. أثناسيوس على أن موت المسيح هو موت جميع البشر كالتالي: "حيث أن الجميع ماتوا بواسطته، هكذا قد تم الحكم. وهكذا فإن الجميع يصيرون بواسطته أحرارًا من الخطية ومن اللعنة الناتجة عنها، ويبقى الجميع على الدوام قائمين من الأموات، ولابسين عدم موت وعدم فساد"(أثناسيوس الرسولي، ضد الآريوسيين ٢: ٦٩) كما يؤكد ق. أثناسيوس على وحدتنا ووجودنا في المسيح بسبب سكنى الروح القدس فينا الذي يوحدنا معه، وهكذا نصير في الله ويصير الله فينا كالتالي: "لذلك فبسبب نعمة الروح الذي أُعطي لنا نصير نحن فيه وهو فينا، وحيث إن روح الله فينا، لذلك فبواسطة سكناه فينا وبحسب حصولنا على الروح، نُحسب أننا في الله وهكذا يكون الله فينا". (أثناسيوس الرسولي، ضد الآريوسيين ٣: ٢٣) يؤكد ق. يوحنا ذهبي الفم على نفس كلام ق. أثناسيوس على وحدة الأجساد الثلاثة في المسيح، وأننا نصير جسد المسيح ليس بالرغبة فقط، بل في الواقع أيضًا كالتالي: "إن دور التلميذ هو ألا يفحص بوقاحة في تعاليم معلمه، بل دوره أن يسمع ويؤمن وينتظر الوقت لذلك لكي ما نصير جسده ليس بالرغبة فقط، بل أيضًا على مستوى الواقع، فليتنا نصير متحدين بذلك الجسد، وهذا بالحق يتم بواسطة الطعام الذي أعطاه لنا كهبة، لأنه أراد أن يبرهن على الحب الذي له من نحونا. إذ لهذا السبب أشرك نفسه معنا، وأنزل جسده لمستوانا أي نصير واحدًا معه كاتحاد الجسد مع الرأس، وهذا بالحق هو سمة حبه العظيم"(يوحنا ذهبي الفم، عظات على انجيل يوحنا، عظة ٤٥ على يو٦: ٢٨- ٤٠) ويتحدث ق. يوحنا ذهبي الفم عن وحدة الأجساد الثلاثة في موضع آخر بتعبيرات خطيرة جدًا قد تفاجئ البعض في عصرنا الحديث، كامتزاج المسيح بنا في جسده ليس بالإيمان فقط، بل بجعلنا جسده الحقيقي، حيث يقول: "فلم يكن كافيًا للسيد أن يصير إنسانًا ويُضرب ويُقتل، لكنه بمزج نفسه أيضًا بنا، لا بالإيمان فقط، بل بجعلنا أيضًا جسده بالفعل"(يوحنا ذهبي الفم، عظات على إنجيل متى، عظة ٨٢: ٥) ويؤكد ق. يوحنا على نفس التعبير وهو امتزاجنا بالمسيح في جسد واحد في سر الإفخارستيا كالتالي: "المائدة التي منها نقتات نحن، التي بها نمتزج ونصير جسدًا واحدًا ولحمًا واحدًا مع المسيح"(يوحنا ذهبي الفم، عظات على إنجيل متى، عظة ٨٢: ٥) ويشدد ق. يوحنا على نفس مفهوم امتزاج المؤمنين بالمسيح في الأسرار قائلًا: "فالسيد يمزج ذاته بكل واحد من المؤمنين في الأسرار، وهو يطعم بنفسه الذين ولدهم ولا يسلمهم لآخرين، مقنعًا إياكم بهذا مرة أخرى أنه اتخذ جسدكم"(يوحنا ذهبي الفم، عظات على إنجيل متى، عظة ٨٢: ٥) ويعرِّف ق. يوحنا مفهوم شركتنا في جسد المسيح في موضع آخر قائلًا: "لقد قال: شركة جسد المسيح، ليؤكد على أن ما نتناوله حقًا هو جسد المسيح المحيي، فعندما قال: شركة جسد، فإنه أراد أن يقول شيئًا يعبر به عن أن الاتحاد يمضي في طريقه نحو ما هو أكثر، ولذلك أضاف: فإننا نحن الكثيرين خبز واحد وجسد واحد (١كو١٠: ١٧) ولماذا يقول شركة؟ يقول إن هذا الجسد ذاته هو نحن، لأنه ما هو الخبز؟ إنه جسد المسيح. وماذا يحدث للمؤمنين الذين يتناولون منه؟ يصيرون جسد المسيح، وليس أجسادًا كثيرة، بل جسدًا واحدًا"(يوحنا ذهبي الفم، عظات على رسالة ١ كو، عظة ٢٤: ٢) أخيرًا، أحبائي أود التنويه إلى أنه لا يوجد أخطر وأبشع من نظرية تقسيم جسد المسيح إلى ثلاث أجساد على العقيدة المسيحية وتدبير الخلاص الذي لمخلصنا الصالح يسوع المسيح، لذا وجب دحضها ومحاربتها بكل قوة من كل إنسان مسيحي أرثوذكسي حقيقي غيور على عقيدته وخلاصه الأبدي. --- ### الذين لا يقيمون وزنا للحياة - Published: ۲۰۲۱-۱۲-۲۱ - Modified: 2024-07-16 - URL: https://tabcm.net/3410/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أفلاطون, أنبا شنودة، رئيس المتوحدين, أوريستوس, إمبراطور ثيؤدوسيوس الكبير, إمبراطور يوليانوس, إيزيس, الإمبراطورية الرومانية, الصوم الكبير, الغنوصية, الكرسي المرقسي, الكنيسة القبطية, النسطورية, بابا ديونيسيوس السكندري, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس عمود الدين, بارابولاني, بانوبوليس, بوليكاريا, تادرس يعقوب ملطي, ثيؤدوسيوس الصغير, ثيؤطوكوس, جايوس فلاڤيوس ڤاليريوس أوريلوس قسطنطينوس, جايوس ميسيوس كوينتوس تراجانوس ديسيوس, دير الأنبا مقار الكبير, سرابيوم, سلستين الأول, سنكسار, سيرابيس, ضد الجليليين, عزيز سوريال, فيلسوفة هيباتيا بنت ثيون, ڤاتيكان, كنيسة الإسكندرية, مرسوم ميلان, مكتبة الإسكندرية, موسيون وبمجرد توليه الكرسي الباباوي قام بتكوين جيش من الأتباع المخلصين من المكرسين (المنذورين للرب)، من بعض الرهبان والخدم والعبيد الذين أعُتقوا بعد اعتناق أسيادهم للمسيحية، وكان يطلق علي هؤلاء الأتباع "بارابولاني" وهي كلمة تعود بأصولها إلي تعبير يوناني بمعنى: "الذين لا يقيمون وزنا للحياة الدنيا" في العام 313 ميلادية، أصدر الإمبراطور الروماني "گايُوس فلاڤيُوس ڤاليريُوس أَوريليوُس كونستانتِنُوس"، المعروف اختصارًا باسم "قسطنطين الكبير"، مرسوم ميلانو، الذي أعلن فيه إلغاء العقوبات المفروضة على معتنقي المسيحية، وأنهى حقبة اضطهاد المسيحيين بعدما أعتنق هو نفسه المسيحية، وجعل منها ديانة رسمية للدولة الرومانية، وأمر بحفظ يوم الأحد، وصادر المعابد الوثنية وحوّل الكثير منها إلى كنائس، وأعفى رجال الدين المسيحي من الضرائب، وأعاد أملاك الكنيسة المصادرة، وكان عهد الإمبراطور "قسطنطين العظيم" الذي توفي عام 337 هو النقطة الفاصلة في تاريخ المسيحية، ومن بعده توالى الأباطرة "قسطنطين الثاني" و"قنسطانطيوس الثاني"، وفي عام 361 تولي "يوليانوس" الملقب بـ "الجاحد" عرش الامبراطورية الرومانية، وهو ابن أخو "قسطنطين العظيم"، غير أن "يوليانوس" ارتد عن المسيحية وانحسرت سيطرتها السياسية والعسكرية، وأستعدى المسيحيين ولا سيما الرهبان، وحاول أن يُعيد إحياء التعددية في الإمبراطورية الرومانية، وكتب "يوليانوس" رسالته الشهيرة: "ضد الجليليين"، والتي فند فيها العقيدة المسيحية وطعن في ألوهية المسيح وشكّك في أقواله وتعاليمه ومعجزاته، وتسبب ذلك في موجة من الغضب المسيحي تجاه الديانات المصرية واليونانية وأتباعها ومعابدها، حتي قُتل "يوليانوس" على يد حارسه المسيحي عام 363م على ضفاف نهر دجلة، ومن بعده توالى الأباطرة "جوفيان" و"فالنس"، حتي تولى الإمبراطور "ثيؤدوسيوس الأول" الملقب بـ "الكبير" عرش الامبراطورية عام 378م، وتبنى المسيحية من جديد عام 380م، وجعل منها مرة أخرى ديناً وحيداً للإمبراطورية في العام 391م، وفي نفس العام أيضا، أصدر "ثيؤدوسيوس الكبير" أوامره بإحراق مكتبة الإسكندرية لاعتقاده أنها تحوي أفكار وفلسفات ومؤلفات وثنية تخالف العقيدة المسيحية، وفي عهد "ثيؤدوسيوس الكبير"، هاجم أتباع "الأنبا شنودة" الملقب بـ "رئيس المتوحدين" في مدينة "بانوبوليس" أتباع الديانات المصرية القديمة في الأقصر وأسوان وباقي مراكز الصعيد، وشرعوا في تحويل المعابد المصرية إلى كنائس، وطمسوا أثار الفراعنة في المعابد بقدر استطاعتهم ونحتوا الصلبان بدلًا منهًا، مثل معبد الآلهة "إيزيس" بجزيرة "فيلة" بأسوان، كما اعتدى الغوغاء من رهبان مريوط ووادي النطرون وأتباع البطريرك "ثاؤفيلس" على أفراد الطبقة الأرستقراطية في الإسكندرية من الوثنيين من أتباع ديانة "سيرابيس"، بالقتل وتدمير متحف مكتبة الإسكندرية والـ"سرابيوم" وما طالته أيديهم من المكتبات الفلسفية الغنوصية، على الرغْم أن الإمبراطور "ثيؤدوسيوس الأول" قد أرسل رسالة للبابا "ثاؤفيلس"، يسمح له بتحويل المعابد إلى كنائس، ولكن ينهاه بشدة عن قتل الوثنيين. في العام 376م ولد "سيريل" / "كيرلس"، وهو أبن أخت البابا "ثاؤفيلس" البابا الثالث والعشرون الذي تولى تربيته وتعليمه العلوم اللاهوتية في الإسكندرية، وعندما شب "كيرلس" أرسله خاله البطريرك ليتتلمذ في دير الأنبا "مقار الكبير" بوادي النطرون، وبعد أن أتم فترة تعليمه عاد إلي الإسكندرية، وقام خاله بسيامته شماسًا وعينه واعظًا في الكنيسة، وكاتبًا له، تمهيدًا لتوريثه الكرسي المرقسي، وبعد يومان فقط من وفاة البابا "ثاؤفيلس" في 15 أكتوبر 412 م، أرتقي "كيرلس" سدة الكرسي المرقسي في 17 أكتوبر سنة 412 م، ليصبح البابا الرابع والعشرون، وعلى الرغم من أن منافسه علي كرسي البطريركية رئيس الشمامسة "تيموثاوس" كان يحظى بدعم الحاكم الروماني المسيحي "أوريستوس"، لكن ربما كان دعم "أوريستوس" هو سبب رفض الأساقفة والرهبان تولي "تيموثاوس" منصب الباباوية، ذلك لأن "أوريستوس" كان الصديق المقرب للفيلسوفة الوثنية "هيباتيا" وتلميذها، إضافة أنه كان يتمتع بحب واحترام بقايا الوثنيين والجالية اليهودية في المدينة.   الذين لا يقيمون وزنا للحياة كان البابا "كيرلس" يتمتع بصوت واثق وكاريزما قوية، مكنته من أن يسحر أفئدة المستمعين إليه، ويخلب عقولهم وتفكيرهم، وفاقت شهرته الحدود كواعظ، بسبب قدرته علي التأثير علي مستمعيه. وبمجرد توليه الكرسي الباباوي قام بتكوين جيش من الأتباع المخلصين من المكرسين (المنذورين للرب)، من بعض الرهبان والخدم والعبيد الذين أعُتقوا بعد اعتناق أسيادهم للمسيحية، وكان يطلق علي هؤلاء الأتباع "بارابولاني" وهي كلمة تعود بأصولها إلي تعبير يوناني بمعنى: "الذين لا يقيمون وزنا للحياة الدنيا" كان أول ظهور للبارابولاني في عهد البطريرك "ديونيسيوس" في النصف الثاني من القرن الثالث الميلادي، كمتطوعين بهدف مساعدة المرضي من فقراء المسيحيين ودفن الموتى خلال وباء الطاعون الذي ضرب الإسكندرية في تلك الفترة، ومنذ ذلك الحين أستمر البارابولاني تحت سلطة بطريرك الإسكندرية، حتي أعاد البطريرك "كيرلس" تنظيمهم للاستعانة بهم في الأحداث التي تستدعي القمع بالقوة، بالرغم من أن وجودهم في الأماكن العامة كان مجرمًا قانونيًا بسبب سلوكهم المتعصب العنيف. بعد وقت قليل سرت الشائعات في المدينة تقول "أن حريقًا نشب في كنيسة، وعندما اتجه المسيحين لإطفائها هجم عليهم اليهود وقتلوهم"، فثارت ثائرة البارابولاني، وقاموا بالاستيلاء علي المعابد اليهودية الموجودة في الإسكندرية، واستولوا علي ممتلكاتهم ودمروا منازلهم. لا يوجد ما يؤكد تواطؤ البطريرك "كيرلس" في تلك الاعتداءات، لكن المؤكد أن موقفه كان سلبيًا ولم يردع أتباعه، ولم يردهم عن السلب والنهب، ولم يكتفي المسيحيون بذلك بل عمدوا على الإيعاز للإمبراطور "ثيؤدوسيوس الصغير"، حفيد "ثيؤدوسيوس الأول"، بطرد ما تبقي من الجالية اليهودية من الإسكندرية، والتي كان قوامها ما يقرب من 40 ألف يهودي، وكان "ثيؤدوسيوس" صبيا في الرابعة عشر من عمره، لذا لم يكن عسيرًا علي البابا "كيرلس" إقناعه بأن اليهود قد اجرموا في حق المسيحيين ولابد من طردهم، وأستجاب الإمبراطور الصغير وطرد اليهود من المدينة، حتى بالرغم من شكوى الحاكم الروماني المسيحي "أوريستوس" للإمبراطور من تصرفات الغوغاء وأتباع البطريرك، وكرد فعل لشكواه، قامت جماعة من الرهبان بالتهجم علي عربة "أوريستوس" خلال سيرها في شوارع الإسكندرية، وقام الراهب "أمونيوس" من جماعة البارابولاني برشق الحاكم "أوريستوس" بالحجارة مما تسبب له بجروح بليغة، وعندما قام رجال الحاكم بالقبض علي الراهب وقتله طبقا للقانون. اعتبر البطريرك "كيرلس" ما حدث جريمة في حق الراهب المقتول، وصلى عليه بنفسه، وألقي عظة اعلن فيها "أمونيوس" شهيدًا من شهداء المسيحية وقام بتغيير أسمه إلي "ثاوماسيوس الرائع"، وعلي الرغم من عدم وجود نص تاريخي يقطع بتورط "كيرلس" في مهاجمة الحاكم الروماني، إلا أن رد فعله على ما حدث يدل علي أن الحادث كان علي اقل تقدير حائزًا علي رضائه. بعدما تخلص "كيرلس" من يهود الإسكندرية، لم يجد أمامه من معارضين سوي المسيحيين الـ"نوفاتيين"، فأصدر أوامره بغلق كنائسهم في الإسكندرية وطردهم من المدينة مثل اليهود، والـ"نوفاتيين" هم اتباع الأسقف "نوفاتس" الذي كان معاصرًا لاضطهاد الإمبراطور "ديكيوس" عام 250، وأثناء الاضطهاد قام العديد من المسيحيين بالتظاهر بترك المسيحية خوفًا من الموت، وبعد انحسار موجة الاضطهاد عادوا مرة أخري إلى المسيحية، لكن كنيسة روما رفضتهم واعتبرت إيمانهم مشكوكًا في أمره، لكن الأسقف "نوفاتس" قبل إيمانهم بحسب تعاليم المسيح، وكانت سياسته معهم اكثر لينا، وبعد وفاة "نوفاتس"، ظلت الكنيسة ترفض قبول الـ"نوفاتيين" ونسلهم، علي الرغم من عدم وجود ما يشوب إيمانهم. لُقب "كيرلس" بـ "عمود الدين" بسبب كفاحه ضد أفكار "نسطور" بطريرك القسطنطينية التي وصمت بالهرطقة، والتي كانت تتمحور حول رفضه استخدام لقب "ثيؤطوكوس" Theoticos والذي يعني "والدة الأله" لوصف العذراء مريم، وأصر على إطلاق لقب "والدة المسيح"، ونصب "كيرلس" نفسه كحامي حمي المسيحية، وارسل إلي بابا الفاتيكان "سلستين الأول" ليؤلبه على "نسطور"، وقام بتأليب الإمبراطور "ثيؤدوسيوس الصغير" على "نسطور" وأوعز إليه أن يدعو لإقامة مجمع كنسي لمحاكمته، وأرسل رسائل إلى زوجة الإمبراطور وإلى أخته الكبرى "بوليكاريا" Aelia Pulcheria ،لمزيد من الضغط علي الإمبراطور الذي أستجاب ودعا إلى مجمع مسكوني في مدينة أفسس عام 431م، وتولى "كيرلس" رئاسته، وحكم علي "نسطور" بخلعه من منصبه والحبس في خلوة لا يبارحها، وفي عام 433 ضُرب "نسطور" وأعُتدي عليه في محبسه من قبل بعض الغيورين علي الإيمان، فنفي إلي "البتراء" في الأردن حاليًا، ثم أعاده الإمبراطور إلي المنفى في مصر حيث أقام بين الواحات الخارجة وأخميم حتي مات عام 439. نجاح البابا "كيرلس" في القضاء على "نسطور" إلى جانب فرض إرادته في طرد اليهود من المدينة أكسبته ثقة لا حدود لها، وبدأ خطابه الوعظي الديني تجاه الوثنين بشكل عام والفلسفة الأفلاطونية و"هيباتيا" التي كانت تشغل منصب كبيرة الفلاسفة بشكل خاص يأخذ منحني جديد أكثر تشددًا وعنفًا. كانت "هيباتيا" ابنة "ثيون" أحد العلماء والفلاسفة القلائل المتبقين الذين تخصصوا في الفلسفة الأفلاطونية، ولمع اسمها كعالمة رياضيات، كما لمعت في تدريس الفلسفة وعلم الفلك في جامعة الإسكندرية القديمة الـ"موسيون"، وتتلمذ على يديها العديد من الوثنيين والمسيحيين علي حد سواء، وكانت إحدى أبرز الشخصيات في مجتمع الإسكندرية القديم، لدرجة أن الوالي "أوريستوس" كان أحد تلاميذها وأكثر أصدقائها قربًا، ولذلك اتهمه المسيحين والبارابولاني بالوثنية علي الرغم من كونه مسيحيًا معمدًا في القسطنطينية، وكان التفاف جمهور المثقفين حول الفيلسوفة "هيباتيا" يسبب حرجا بالغا للكنيسة المسيحية وللبابا "كيرلس" تحديدًا الذي كان يدرك خطورة "هيباتيا" على جماعة المسيحيين في المدينة، خاصة وأن أعداد جمهورها كان يزداد بصورة لافتة للأنظار، بالإضافة إلى تأثيرها على الوالي "أوريستوس" الذي كان بينه وبين البابا "كيرلس" صراعا سياسيًا على النفوذ والسيطرة على المدينة. ونتيجة لخطاب البابا التحريضي المتشدد، وفي أحد أيام الصوم الكبير عام 415م، هاجم حشد مسيحي متعصب مكون من الرهبان والبارابولاني عربة "هيباتيا" وقاموا بإخراجها من العربة وجرها من شعرها، وجردوها من ملابسها ثم سحلوها وهي عارية تمامًا بحبل ملفوف على يدها في شوارع الإسكندرية حتى تسلخ جلدها إلي أن وصلوا بها إلي إحدى الكنائس، و إمعانًا في تعذيبها قاموا بسلخ الباقي من جلدها بالأصداف وتقطيع لحمها عن عظامها إلى أن صارت جثة هامدة، ثم أخذوا أشلائها و ألقوها فوق كومة من الأخشاب لحرقها خارج أسوار المدينة، وقد كان هذا الحادث البشع له ابلغ الأثر في إثارة الرعب في قلوب من تبقي من علماء وفلاسفة الإسكندرية الذين رحلوا عن المدينة لتنطفئ شعلتها العلمية التي ظلت تضيء العالم القديم لأكثر من 700 عاما. بعدما تخلص البابا من معظم أعدائه ألتفت للتعليم والكتابة، فكتب أطروحة للرد علي مؤلف الإمبراطور "يوليانوس" الشهير "ضد الجليليين"، ثم طلب من الإمبراطور "ثيؤدوسيوس" جمع كل نسخ كتاب "يوليانوس" وحرقها، ولما وجد أن الطريق إلي تدمير الكتابات المناوئة للمسيحية يسيراً، واصل طريقه بتدمير العديد من كتب الفلسفة والعلوم الهيلينية ومؤلفات الفيلسوفة "هيباتيا" أملًا في القضاء على تاريخها، كما قام أيضا بتدمير الكثير من مؤلفات "ديودورس" أسقف طرسوس (378-394م) و"ثيودور" أسقف المصيصة (392-428م) واللذان اتهمهم البابا "كيرلس" بفساد أفكارهم وانهم قد مهدوا الطريق لأفكار "نسطور" الفاسدة. جلس البابا "كيرلس" علي الكرسي المرقسي نحو 32 عامًا كانت مليئة بالصراعات والمشاكل، ولقب بألقاب عديدة أشهرها "عمود الدين" و"الكبير" لنجاحاته في قمع الوثنية والنسطورية والقضاء علي بقايا العلوم والفلسفة الإغريقية، والتخلص من كل أعداء كنيسة الإسكندرية في فترة توليه للكرسي البابوي، وأعلنته الكنيسة قديسًا بعد موته وتحتفل الكنيسة القبطية بذكراه في الثالث من شهر أبيب المصري الموافق 10 يونيو من الشهور الميلادية بينما تحتفل الكنائس الكاثوليكية بذكراه في الثامن والعشرون من يناير.   References Cyril of Alexandria, Saint. (2013). Encyclopædia Britannica. Encyclopædia Britannica Ultimate Reference Suite. Chicago: Encyclopædia Britannica Surial Attia, Aziz (1991) Cyril I, Saint. Coptic Encyclopedia. Vol. 3 Kannengisser, Charles (1987) Cyril of Alexandria, The Gale Encyclopedia of Religion, Second Edition, Vol. 3 Scott-Moncrieff, Philip David (1908) Coptic Church, Encyclopedia of Religion and Ethics, Vol. 4 Foote, G. W & Wheller, J. M (1885) Crimes of Christianity عطية، عزيز سوريال (2005) تاريخ المسيحية الشرقية، المشروع القومي للترجمة، المجلس الأعلى للثقافة القمص تادرس يعقوب ملطي- قاموس أباء الكنيسة السنكسار القبطي   اقرأ أيضا: --- ### إنسانية يسوع - Published: ۲۰۲۱-۱۲-۱۹ - Modified: 2023-10-21 - URL: https://tabcm.net/3394/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: مطران جرجس موسى, نيقوديموس من ذا الذي يحيط بشخصية يسوع الكاملة! كثيرون كتبوا عنه وحوله وفيه... ولم يَفْوه حقه... وعبثًا نحاول فهم واقع يسوع الحقيقي إذا اكتفينا بالحديث عن المسيح، أو عن المسيح الإيمان، ولم نهتم في أن هذا الإيمان إنما يستند على الوجود التاريخي ليسوع، فيسوع متجذر في تاريخ وارض بنتا شخصيته وطبق رسالته، وبقدر اكتشافنا هذه الشخصية الإنسانية بقدر ذلك ندخل في فهم رسالته الإلهية... ونحدد موقفنا منه. المطران جرجس موسى يتقدم بتأملاته هذه على رؤوس أصابعه، فإذا بها إشارات رقيقة إلى بعض الجوانب الإنسانية لشخصية يسوع. من هو، يا ترى، يسوع هذا؟ أهو نبي نال من روح الكشف والوحي ما لم ينله نبي من قبله أو من بعده؟ أهو صوفي شغف بالله إلى حدود الانعتاق من كل ما هو دنيوي؟ أم هو مجرد ابن اله بعيد، قد مر علينا مر الكرام، وشاءت حاجتنا إلى رب قوي قدير أن نجعل منه موضوع إيماننا؟ إذا جعلنا من يسوع ذلك النبي المتميز وحسب، وذلك الروحاني المنسلخ عن المادة تماما، وابن اله سام لا شان له بتاريخنا وطموحاتنا. . فقد جنينا عليه وعلى أنفسنا، وكنا كمن لفه بقماشة من المثالية والتجريد لا تصلح سوى للمتاحف ولبطون الكتب؟ عبثا نحاول فهم واقع يسوع الحقيقي إذا اكتفينا بالحديث عن "مسيح صوفي" أو عن "مسيح الإيمان" ولم نفطن إلى أن هذا الإيمان إنما يستند على الوجود التاريخي ليسوع، يسوع إنسان يحمل رسالة إلهية إلى البشر، اجل، لكنه يحيا إنسانية بأعلى درجات الوعي والإحساس وبكل بلاغة أوتار النفس البشرية. أنا لا أنكر "مسيح الإيمان" واتفق مع مضمون هذا الإيمان كليا، غير إني اعترف بان يسوع أقرب إلينا مما نظن، وإذا كان يحيا فينا بالإيمان اليوم، فذالك بعد أن عاش مثلنا أنسانا في التاريخ، وأرى انه بقدر ما نتعرف بصدق وموضوعية عمق شخص يسوع التاريخي، فبقدر ذلك نكتشف ذواتنا... ونحبه بالأكثر. ما هي سمات وجه هذا الإنسان، يسوع؟ الأفكار التالية دراسة تفسيرية مقارنة وليست تحليلًا نفسانيًا فرويديًا، وإن استندت إلى معطيات تاريخية اجتماعية إنسانية، وإنما اعتبرها رؤوس نقاط لبحث أوسع يبدو لي شيقًا ومثيرًا حول شخصية يسوع الإنسانية. يسوع ابن الأرض: أول ما يلفت النظر في هذا "الرجل"، يسوع، أنه إنسان، ابن الأرض والقرية، وككل ريفي يحب الأرض والحقول. وكان مجتازا بين الزروع، فاخذ تلاميذه يقتلعون سنبلا وهم سائرون (مرقس 12:2) تأملوا زنابق الحقل (لوقا 27:12) الإطار الجغرافي لكرازته يكاد يكون كله ريفيًا، فهو يدور في القرى وعلى سفوح الجبال وفي الحقول والمزارع وبين الربوع وعلى شواطئ البحار (مرقس 13:2، 1:4). ولدى تتبعك تنقلاته من خلال الإنجيل، تكاد تلمس حركة الحياة والدأب في هذه الأرياف الفلسطينية الآهلة، وكأنها خلية نحل في عملها، ولا يوقفها عن مسعاها سوى سكون الليل (مرقس 45:6) ويسوع كابن للطبيعة، كل الصور التي يتناولها لتوضيح أفكاره يستمدها من هذا الإطار إنه يحب الجماهير المندفعة حوله ولا يخاف منها، لأنه أصلا (مرقس 31:5) وهو يجد الكلمات المناسبة لمخاطبتها بلغتها ومشاعرها وانتظاراتها، فتصغي إليه بارتياح (مرقس 37:12)، ويقدر إيمانه البسطاء -وان تردى هذا الإيمان أحيانا برداء من الخشونة والسذاجة- لأنه صادر من القلب مباشرة يسوع، ككل إنسان، يجوع (مرقس 12:11)، ويعطش (يوحنا 7:4)، ويشعر بالتعب من السير الطويل والعمل فيأخذ قسطه من الراحة كما يتسنى له ذلك، شأنه شأن كل كادح، واضعًا حجرة تحت رأسه عوض الوسادة، مرة، أو متكئًا على شباك الصيد أو على وسادة مبللة في مؤخرة السفينة (مرقس 38:4)، مرة أخرى. أهله معروفون عند العامة و يقلقون عليه، ككل الناس، عندما يرونه في مأزق (مرقس 21:3). أما هو فحتى رسالته لا تقطعه عن جذوره الإنسانية والشعبية: انه من ناصرة الجليل، هذه المقاطعة الحدودية ذات السمعة الوضعية التي تختلط فيها الأجناس ويتكثف التواجد الوثني، ويعرف بالنجار بن النجار. ولأمه مريم، ولبنات وأبناء عمومته صلات قربي وجيرة ومصاهرة تجعلهم معروفين (مرقس 6: 3-4) يسوع: شخصية قوية وحرية داخلية: يتحلى يسوع بشخصية قوية وبعزة نفس لا تثلمها المهانة: فهو، إذن، إذا يغضب في غيرته على شرف الله وحرمة المقدسات وكرامة المستضعفين ولا يتردد من استعمال السوط ضد تجار الهيكل السماسرة (يوحنا 15:12)، فانه يستعمل الحلم والتدليل إلى فعله يهوذا تلميذه الماضي في خيانته ولا يشهره علانية صيانة لماء الوجه (يوحنا 21:13، 48:14)، (لوقا 48:22)، وذلك بالرغم من الألم الذي يحز في قلبه من نكران الجميل، لان هذا يصيب القلب المحب في الصميم، كما في حادثة نكران بطرس له حين نظر إليه بشفقة وعتاب(لوقا 61:22). يسوع إنسان له كرامته، وهو، أن استعبد الألم عنه لقسا وته وانه دبه جسده الشاب ،لا تخور قواه المعنوية، فيصمت أمام الادعاءات ولا يتكلم في استجوابه إلا متى شاء، وبإباء يسوع رجل يتمتع بحرية داخلية وتوازن نفسي عظيمين في كل الحالات وليس معقدًا تجاه أي شيء (مرقس 7 :1-23) أو أي إنسان مهما كانت مكانته الاجتماعية (مرقس 2 :16-17) أو انتماءه العرقي (يوحنا 4 :46) أو الديني(مرقس 7 :26)، ويقدر تكريم الناس له ويقبل استضافتهم، لا سيما البسطاء منهم، بارتياح. وإذ يكن للمرأة كل احترام، لا نجد في تصرفه أية عقدة تجاهها أو منها . وحتى في مسالة الطلاق حين يشد على وحدانية الزواج فإنما يفعل ذلك -وهو الرجل الأعزب- لاحترامه الكبير للرابطة الزوجية (مرقس 10 :9) القاطع أن يكون الزمام كله بيد الرجل على حساب المرأة، فالحب فوق الأنانية المتمثلة في طلاق (مرقس 10 :11-12). . يكون فيه الشرع في معظم الأحيان إلى جانب الرجل. ويسوع، رغم وعيه بمحبة الجماهير له، ليس ساذجًا ينساق وراء فورة المتحمسين (يوحنا 6 : 15، 26، 24:2). أما تجاه خصومه من المتنفذين والمتصيدين، فهو حذره اليقظ، يستخدم إستراتيجية الإيقاع التي لا تخلو من روح الدعابة والاستدراج إنه يشفق على المعذبين والمستضعفين (مرقس 1 :41) ويتحنن على كل متألم يقصده (مرقس 7 :1-23)، وأصدقائه تراهم في صفوف البسطاء والهامشيين (مرقس 3 :14). أما المنافقون وذوو الوجهين والانتهازيون فضحهم أمام الجمهور -وتلك قوته- لأن القاعدة الشعبية معه، ولا يستطيع أولئك الارتداد عليه بيسر وبمجابهة مكشوفة خشية أن يخسروا نفوذهم وبقية رصيدهم عند الناس (مرقس 12 :37-40). --- ### أيوة، إحنا عاوزين نقلع - Published: ۲۰۲۱-۱۲-۱۸ - Modified: 2024-02-29 - URL: https://tabcm.net/3379/ - تصنيفات: المرأة القبطية - وسوم: الطلاق في المسيحية, بابا شنودة الثالث, شون جروفر, قديس بولس الرسول إن كانت المطالبة بحرية اختيار الملابس هي دعوة للعري في قاموسك، ف "أيوة، إحنا عاوزين نقلع". إن كان رفض صورة سادية مريضة للإله في عرفك هو إلحاد ف "أيوة، إحنا عاوزين نلحد"، وإن كانت الدعوة لرفع السيطرة المجحفة للمؤسسة الكنسية عن التدخل في غرفة النوم تشجيع على الطلاق ف "أيوة، إحنا عايزينهم يتطلقوا" من الأمور المتكررة دائمًا عند الحديث عن حرية المرأة وخاصة حريتها في اختيار مظهرها دون أن تجبر على التوافق مع المعايير اﻷصولية المحافظة؛ أن يلجأ محاورك إلى جملة شهيرة ألا وهي: "انتوا عاوزين تقلعوا! " جملة عبقرية جدًا، لأنها -على الرغْم من قصرها- إلا أنها تحمل في داخلها مجموعة مركبة من أساليب التلاعب النفسي للسيطرة على تصرفات وأفكار الشخص المقابل. بها تهويل مقصود، وتسطيح متعمد لقضية عميقة، واتهام غير حقيقي، هدفه تشنيع أخلاقي منحط، يؤدي إلى إرهاب فكري لتهديدك وإجبارك على اختيار الصمت مكرها. الخنوع مقابل السلامة يسترعي انتباهك تكرار هذا النمط كثيرًا، فعندما تتحدث عن تحرير العبيد، يخيفونك بانهيار النظام الاجتماعي والاقتصادي؛ حرية الاعتقاد ستؤدي إلى انتشار الإلحاد؛ حرية الإنسان تؤدي إلى الفوضى... إلخ. ولا استثني الأقباط المسيحيين من استخدام تلك الفزاعات في سجالاتهم، خاصة في أمور الأحوال الشخصية. فكلما تحدث شخص ما عن وجوب رفع قبضة المؤسسة الكنسية في تحكمها المجحف والغير إنساني بالمرة عن ملف الأحوال الشخصية، وإتاحة خيارات أوسع وأكثر مدنية؛ يتم اتهامك بنفس النبرة: "انتوا بتشجعوا الناس على الطلاق! " وما يليها من ادعاءات أننا "خرابين بيوت". ورغم تفنيد هذه النقاط سابقًا؛ إلا أنهم يستمرون في إلقاء نفس التهديدات عمدًا. فهدفهم ليس الحوار أو المناقشة بل إسكاتك. إن رفع نير العبودية عن كاهل الجموع هو أكبر مخاوفهم. فالحرية مسؤولية ثقيلة جدًا وإن حصل الآخرون على حريتهم فهذا يزعج فريق "سكينتي في عبوديتي". أسمها زوي. . في الثالثة عشر من عمرها. . جلست أمامي ذراعيها متقاطعتين. . وجهها عابس. . وكأنها رهينة مخطوفة مجبرة على جلسة العلاج النفسي. . وبعد محاولات فاجأتني قائلة:. . سأكون مستعدة للعلاج إن وعدتني بشئ واحد. . قلت لها ما هو؟! . . قالت أن تقنع والدي أن ينفصلا أحدهم عن الآخر! (شون جروڤر، بتصرف) أحد الفزاعات التي يستخدمها الأصوليون وكأنها ابتكار لم تلتفت إليه البشرية؛ هو أن الطلاق مؤذٍ للأطفال، وأن الاستمرار في زيجة سيئة هو تضحية عظيمة من أجل سلامتهم. وهنا أعود إلى مقالة د. "شون جروڤر" حيث يشير نصًا Whether divorce hurts or helps children depends on how it is handled by their parents, but one thing is certain: Staying in a toxic marriage is certain to cause children more damage than good (Sean Grover)كون الطلاق حدث يؤذي أو يفيد الأطفال يعتمد كلياً على كيفية تعامل الأبوين عبر الطلاق، بينما هناك شيئ واحد مؤكد: ألا وهو أن بقاء الأطفال في زواج غير سوييؤذيهم ويسبب لهم ضررا أكبر. (شون جروفر) ويستفيض في شرح بعض مساوئ نشأة الأطفال في أسر الأبوين فيها ليسوا على وفاق وعلاقتهم الزوجية غير صحية. فأنت تفترض أن الأطفال لا يعرفون ولا يعون ما يحدث وهذا عكس الحقيقة تمامًا؛ ربما لا يمكنهم تحليل ما يعايشونه بشكل ناضج ولكنهم يلاحظون ويتفاعلون بشكل أعمق وعلى نطاق أوسع بكثير مما تظن. ويسهب معدداً بعض الأعراض التي تظهر على الأطفال من خلال تجربته في علاجهم كالتوترالمزمن - الشعور المشوه بالذات - الخوف من الحميمية - الاضطرابات المزاجية.  جدير بالذكر أن الطفلة زوي المذكورة في القصة أعلاها حققت تقدماً وتطوراً صحياً كبيراً بعد طلاق أبويها. النص المقدس وتفسيره تطرقنا سابقاً لإشكاليات كثيرة في التفاسير المتاحة. ولكني أود هنا أن أتطرق إلى انتقاد الآلية المستخدمة، وسألجأ إلى مشهدين تخيليين نشرهما أحد الأصدقاء على صفحات فيسبوك. مشهد١: ليل داخلي... صوت المذياع مرتفع وسط ضجيج وصخب شوارع القاهرة المزدحمة التي لا تعرف الهدوء، وفجأة يتعالى صوت منفر يهز أرجاء المدينة قائلًا: - لا طلاق إلا لعلة الزنا= يعني يا فلان لو زنى تطلق؟- أيوة= ليه؟- عشان فيه نص= يعني لو فيه نص خلاص اشطة؟- أيوة= طيب هو اللي بيشتهي ست تانية على مراته بيبقى زنى بيها ولا لا؟- (صوت صرصور الحقل في ليلة شتاء قارصة البرودة)= زنا ولا لأ؟- أيوة زنا= يعني مراته تتطلق؟- لأ مازناش= يعني النص نركنه على جنب؟- لأ ما ناخدش هنا النص حرفي في إن اللي يشتهي يبقى زنا= يعني ما ناخدش برضه لا طلاق إلا لعلة الزنا حرفي! - لأ ناخده= يبقى ناخده مشهد٢: نهار خارجي على ضفة بحيرة مليئة بحشرات عجز العلم عن تصنيفها، حيث تتراقص أنغام الربيع الدافئة مع أصوات بعض العصافير المغردة المحتضنة تلاطم الأمواج على ضفتي البحيرة، وفجأة يتعالى الصوت المنفر من جديد: - لا طلاق إلا لعلة الزنا= طيب وإنكار الإيمان؟- تطلق طبعا= ايه ده! هو فيه نص بكدة؟- زنا حكمي او زنا روحي في الآخر زنا= يعني لو انكر إيمانه تطلق؟- أيوة= أكيد؟- يادي الليلة السودا ما قولنا أيوة= طيب قولي يا أخويا هو اللي ما يعتنيش ببيته أنكر الإيمان؟- لأ ما أنكرش= أكيد؟- لأ أنكر= استقر بقى- لأ ما أنكرش . . جواب نهائي= بس القديس بولس الرسول قال: "وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يَعْتَنِي بِخَاصَّتِهِ، وَلاَ سِيَّمَا أَهْلُ بَيْتِهِ، فَقَدْ أَنْكَرَ الإِيمَانَ، وَهُوَ شَرٌّ مِنْ غَيْرِ الْمُؤْمِنِ. "(1 تي 5: 8)- لا هو ما يقصدش كدة ما تبقاش حرفي= بس ده نص! أركنه يعني؟- متركنهوش إفهم النص وما تبقاش عبد حرف= هو أنت قولتلي في الاول ليه لا طلاق إلا لعلة الزنا- عشان فيه نص= مش شايف حاجة متناقضة؟- لأ= يعني الفهم الحرفي إنتقائي وقت ما تحب فيه نصوص تبقى حرفية ووقت تاني ما تبقاش- م الآخر قداسة البابا شنودة قال كدة وإحنا بنمشي على فهمه هذان المشهدان المستوحيان من واقع نقاشات كثيرة، يكشفان عن مدى عوار آلية فهم وتفسير النصوص ولي عنقها، للوصول إلى تفاسير ترضي تعصبنا وتعنتنا الغير إنساني، وتنطبق على مختلف الآيات التي يلجأ المتحاورون إلى استخدامها، سواء لإقناعك أو لإقناع ذواتهم. ناهيك عن أن المسيح نفسه رفض أن يؤسس تشريع وشريعة مَنْ أَقَامَنِي عَلَيْكُمَا قَاضِيًا أَوْ مُقَسِّمًا؟ (لو 12: 14) وهم يصرون أن يستعبدوا بتشريعات تنسب زورًا لأسمه. استخدام الفزاعات تقنية قديمة مملة عفى عليها الزمن وفقدت فعاليتها؛ ويجب ألا نخافكم أو نخاف فزاعاتكم. فإن كانت المطالبة بحرية اختيار الملابس هي دعوة للعري في قاموسك، ف "أيوة، إحنا عاوزين نقلع". إن كان رفض صورة سادية مريضة للإله في عرفك هو إلحاد ف "أيوة، إحنا عاوزين نلحد"، وإن كانت الدعوة لرفع السيطرة المجحفة للمؤسسة الكنسية عن التدخل في غرفة النوم تشجيع على الطلاق ف "أيوة، إحنا عايزينهم يتطلقوا". حظ سعيد موفق مع فزاعات أخرى. --- ### لقد "إخترنا لك" شريك حياتك - Published: ۲۰۲۱-۱۲-۱۷ - Modified: 2025-04-02 - URL: https://tabcm.net/3198/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, المرأة القبطية - وسوم: سر الزيجة, مدارس الأحد تختلف تلك الخدمة جذريًا عن خدمة المقبلين على الزواج، والتي تقدم ما يشبه محاضرات التوعية بحقوق -لا سمح الله- الشريك وكيفية ديمومة استقرار الأسرة، وليذهب الاستقرار النفسي للجحيم! تتكون غالبية كورسات المقبلين على الزواج من 8 محاضرات، تنتهي بامتحان صوري لاجتياز المادة، ولا يمكن عقد القران بدون تلك الشهادة التي لا تضمن إطلاقًا الصحة العقلية للطرفين المقبلين على خطوة الزواج، ولا السعادة الأبدية لهذا الارتباط! حاولت أن استبعد سوء النوايا الذي يستبد برأسي، كذلك مشهد السوبر ماركت حين أشار أحدهم إلى علب التونة المرصوصة للعرض والبيع! حاولت طرد فكرة: "البضاعة المبيعة لا ترد ولا تُستبدل بعد الفتح" فهي لا تنطبق على الكائنات الحية! حاولت جاهدة التماس الأعذار، والتعلل بالمستوى الفكري والثقافي لشعبنا. كما حاولت وافترضت أنها مصادفة، أو خدمة نصح وإرشاد، حاولت وحاولت وحاولت، لكن في الحقيقة لم استطع! انتشرت في الآونة الأخيرة، ربما في الكنائس القبطية الأرثوذكسية تحديدًا، خدمة شريك الحياة، أو أسرة "قانا الجليل"، أو أي مسمى يحمل نوعا من الشرعنة الكتابية ليلقى مصداقية بين الجماهير، ولكني لم أراها سوى مكتب خاطبة من القرن السابق! الأمر بسيط للغاية: كل ما عليك للتمتع بهذه الخدمة هو تقديم أوراقك مع صورة بطاقة الرقم القومي، وتزكية من أب اعترافك (بالطبع نحن لا نتعامل سوى مع من لديه أب اعتراف، خسئنا إن لم نفعل)، وبالطبع رسوم بسيطة نظير استمارة التقديم، وصورة شخصية. ينطوي المشهد على عبثية هائلة قد تُبكيك من فرط الهزل، شر البلية ما يُضحك فعلًا! تخيل معي أنك تدخل إلى مكتب خادمة أو تاسوني مُكلفة بتلقي الطلبات، تُسلم أوراقك وتدلي بدلوك في صفات واختيارات الشريك المناسب. تُحدد عمره، ومهنته، ومحل إقامته، ونسبة ثروته، ومستوى أسرته، ومواصفاته الجسمانية من لون بشرة وطول ووزن... لتبدأ الخادمة، أو التاسوني، أو الخاطبة سمها كما شئت، في "فلترة" قاعدة البيانات التي لديها، وتوصيلك بالشريك المحتمل، لتتعرفا إلى بعضكما البعض، وتعيشان في تبات ونبات، وتنجبون الصبيان والبنات، و يا بخت من وفق الرؤوس المشتتة في سر الزيجة الحلال! الأمر ولا أسهل! لتأمر ونحن ننفذ! تختلف تلك الخدمة جذريًا عن خدمة المقبلين على الزواج، والتي تقدم ما يشبه محاضرات التوعية بحقوق -لا سمح الله- الشريك وكيفية ديمومة استقرار الأسرة، وليذهب الاستقرار النفسي للجحيم! تتكون غالبية كورسات المقبلين على الزواج من 8 محاضرات، تنتهي بامتحان صوري لاجتياز المادة، ولا يمكن عقد القران بدون تلك الشهادة التي لا تضمن إطلاقًا الصحة العقلية للطرفين المقبلين على خطوة الزواج، ولا السعادة الأبدية لهذا الارتباط! لكنها خدمة تندرج تحت بند النصح والإرشاد. وعلى الرغم من أن الكائنات الحية العاقلة لا تتعلم الود والمحبة والعطف والشفقة والاحترام في كورس من 8 محاضرات، لكنها محاولة لإنقاذ ما يُمكن إنقاذه، أو ربما مراجعة النفس قبل الإقدام على خطوة لا فِرار من عواقبها. لكن ماذا عن خدمة اختيار شريك الحياة؟ لماذا اسخر منها بهذا الشكل وأقلل من مقدارها في هذا المقال؟ لأسباب عدة، دعنا نفكر فيها سويًا: - منذ نعومة أظافرنا في فصول مدارس الأحد، حتى نهاية المرحلة الثانوية، وسواء فتيان أو فتيات، يتم تحذيرنا من الجنس الأخر بصفته المثير الأول للشهوة والغرائز التي وبقدرة قادر تم الاعتراف بها داخل نفس الفصول مع بداية تهيئتنا للجامعة! بين ليلة وضحاها يتم الاعتراف بجنسانيتنا، وحثنا على احترام إخوتنا من الجنس الأخر مع عدم تجاوز الحدود، لأننا بالطبع "مش عايزين صداع هنا" وقصص حب فاشلة تتطلب دخول أمناء الخدمات والآباء لحلها! فكيف عزيزي / عزيزتي نثق بمن سلبنا حقنا في التعبير عن أنفسنا وإرشادنا بصدق في طفولتنا ومراهقتنا وشبابنا، بل من توعدنا بالنيران المستعرة إن تجرأنا وتحركت مشاعرنا، ولامنا على أفكارنا غير المرئية حتى! هل نثق بسهولة في مثل تلك المنظومة التي تحتقر الجسد والمشاعر؟ - فكرة "اخترنا لك" شريك حياتك، أو مستقبلك المهني، أو كليتك. . كلها أفكار تذكرني بـ"بينوكيو" العروس الخشبية العاجزة عن تقرير مصيرها! فأنت تجلس فارغ القلب والرأس، لا ترغب بتحمل عواقب اختيارك كليًا، فتفرح بل تهلل أن يحمل أحدهم عنك عبء المصير، ويختار لك، ويُرشح لك، ويُحذرك من هذا أو ذاك. فعلى الرغم من أنك لن تتقدم لهذه الخدمة إلا وقد جاوزت سن الرشد، إلا أنك واسمح لي باتهامك بأنك رضيع وجدانيًا! فإن كانت أدوار الراشد، واﻷب الوالد، لا تتحمل القيام بها! فكيف -حبًا بالله- تُقدم على خطوة كالزواج حينذاك؟ - لا أتخيل أن تُدار العلاقات الإنسانية: صداقة، حب، زواج. . من وراء المكاتب التي تتصاعد منها كمكمة الزمن! فضلاً على ذلك، فاختيار شريك الحياة بتلك الطريقة ما هو إلا -وليُسامحني الله- سوق نخاسة مقنن! يأتي الطرفان ليجلسا أمام بعضيهما البعض، بحضور الخادمة، ليُعاينا بضاعة البعض أولًا قبل أن يستكملا رحلة التعارف! هل هي كما رأيت صورتها؟ هل هو ممشوق القوام كما يبدو على صفحة التواصل الاجتماعي خاصته؟ إن نجحت تلك الخطوة وبدء الطرفان رحلة التعارف، فلابد أن تكون خطواتهما المقبلة معروفة لدى الخادمة. فهي تُقدم خدمة داخل إطار كنسي، وبصفتها وصي على هذه العِلاقة، يهمها الاطمئنان لسلامة النيات واحترام سمعة المكتب! ببساطة، كلاكما ليس راشدًا كفاية بل يلزمكما وصاية أبوية جديدة ورقابة لضمان السلامة والجودة! فإن كان زواج الصالونات مجردًا من أي مشاعر وتحكمه المصالح والقيل والقال، فهذا النوع المستحدث من اختيارات الزواج المدبر عشوائيًا هو أكثر تدميرًا. - لا يزال عشرات الشباب يُعانون الإدلاء بأسرارهم الشخصية لخادم أو قس أو أي مسؤول، فالوجود في موقع المسؤولية له لذة خاصة تعطي صاحبها نشوة السيطرة والتحكم في مصير الأخر. لتتأهل لعلاقة عاطفية، فأنت تُعرض نفسك لقدر من الحميمية وكشف الأسرار الدفينة. فكيف ههنا تكشف ذاتك، روحك، وكيانك الداخلي، لموظف خدمات؟! نعم إنه لا يهتم بك لذاتك فأنت رقم من أرقام كشف الخدمة، لكنه إن رأى بعين الخبرة العشوائية أن أحد أسرارك التي ائتمنته عليها لا يمكن التعامل معها، سيرفع سرك الخاص إلى الرأس الأعلى منه! فأنت لا تشارك خياراتك وأفكارك لشريكك المستقبلي إنما لموظف سهل عليه أن يُطلق أحكامه عليك! وما أدراك ما إطلاق الأحكام داخل الوسط الكنسي! - كيف يمكنك أن تضمن أن يكون الخادم المسؤول على القدر الكافي من النضج النفسي لنصحك وإرشادك في مسؤولية ستستمر معك لباقي العمر؟ بالتأكيد يمكنه أن يُخطئ كما تُخطئ أنت أيضًا في اختياراتك، لكنها دائمًا مسؤوليتك وحدك. وهنا نرجع مرة أخرى لنقطة البداية والرغبة في التملص من تحمل القرارات. قد عرضت أمامك بعض نقاط الاعتراض على هذا النوع من خدمات الزواج. . لك كل الحق في القبول أو الرفض،، لك حق الامتعاض أو التفكير في الأمر،، لك مطلق الحرية أن تراها خدمة لها أبعادها والحاجة إليها، أو تراها هايبر ماركت ضخم تُعرض فيه البضائع ويُساوم المرء فيه على السعر وطريقة التغليف المناسبة. . في النهاية أنت / أنتِ أحرارا، ويا ليتنا نصدق تلك الحقيقة. --- ### في آدم × في المسيح - Published: ۲۰۲۱-۱۲-۱٦ - Modified: 2025-02-02 - URL: https://tabcm.net/3383/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: آدم, الخطيئة الأصلية, قديس بولس الرسول أَنَّهُ كَمَا فِي آدَمَ يَمُوتُ الْجَمِيعُ، هكَذَا فِي الْمَسِيحِ سَيُحْيَا الْجَمِيعُ. (1كورنثوس 15: 22) استخدم القديس بولس الرسول تعبير "في آدم" مقابل تعبير "في المسيح" ليوضح موقعنا في كل من آدم والمسيح في عمل السقوط والفداء. فهل بكوننا "كنا في آدم" يكون موقعنا هو الاشتراك الشخصي كأفراد فاعلين أم كان وجودًا بحسب الطبيعة البشرية التي كانت متجمعة في آدم وقتها؟ وبناءًا عليه نستطيع أن نحدد هل ما ورثناه هو الذنب الشخصي أم الطبيعة الفاسدة؟ ولنصل إلى إجابة هذه النقطة علينا بالمثل أن نناقش نفس السؤال بالنسبة لتعبير "في المسيح"، فهل نحن في المسيح بحسب اشتراكه معنا في طبيعتنا الإنسانية التي تمم بها كل ما هو لائق لطبيعتنا البشرية؟ أم كنا موجودين كأشخاص فاعلين مشاركين في أعماله الخلاصية؟ وكيف نفهم أقوال الكتاب مثل: وَأَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ (أفسس 2: 6) وأيضا: مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا، بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ (غلاطية 2: 20) وكذلك: عَالِمِينَ هذَا: أَنَّ إِنْسَانَنَا الْعَتِيقَ قَدْ صُلِبَ مَعَهُ لِيُبْطَلَ جَسَدُ الْخَطِيَّةِ، كَيْ لاَ نَعُودَ نُسْتَعْبَدُ أَيْضًا لِلْخَطِيَّةِ. لأَنَّ الَّذِي مَاتَ قَدْ تَبَرَّأَ مِنَ الْخَطِيَّةِ. فَإِنْ كُنَّا قَدْ مُتْنَا مَعَ الْمَسِيحِ، نُؤْمِنُ أَنَّنَا سَنَحْيَا أَيْضًا مَعَهُ. (رومية 6: 6-8) فهل نحن كأشخاص كنا موجودين في زمن المسيح وأتممنا معه بالوجود الشخصي والفعلي عمل الفداء بالصليب والموت والقيامة والصعود؟ بالتأكيد لا، فلا يمكن فهم هذه الأمور بأن للإنسان وجود سابق للحبل به وميلاده! فلم نكن موجودين كأفراد لا وقت آدم ولا في زمن حياة الرب يسوع على الأرض. فالديانات والفلسفات الوثنية هي التي تعتقد بوجود الإنسان السابق لميلاده! فكيف إذا يمكن أن نفهم ما قاله الكتاب بأننا (صلبنا) و(متنا) و(قمنا) و(صعدنا) مع وفي المسيح؟ تصلي الكنيسة، وتقول: كل عجينة البشرية أعطتها بالكمال لله الخالق وكلمة الآب (ثيؤطوكية الخميس - الفطعة السادسة) وأيضا نقول: باركت طبيعتي فيك(القداس الغريغوري) ومن هنا نفهم المقصود والمعنى السليم، وهو أن اشتراكنا معه وفيه، يكون بحسب الاشتراك في طبيعتنا التي أخذها الرب يسوع، ولا يصبح الاشتراك فعليا في مفاعيل ونتائج الخلاص إلا بالارتقاء باتحادنا معه بواسطة الإيمان والأسرار. فكما أن آدم بطبيعتنا تمم الخطيئة، فالكلمة المتأنس بطبيعتنا البشرية تمم الخلاص. فمن آدم انحدرت إلينا -كأفراد- نتائج الخطيئة، ومن المسيح نلنا كأشخاص مفاعيل الخلاص. فالطبيعة البشرية اشتركت في كل من عمل السقوط والفداء كطبيعة وليس كأشخاص، ولكن النتائج هي التي وصلت إلينا كأشخاص. فعندما نقول: "أخطأنا في آدم" أو: "كنا في آدم حين أخطأ" فلا يمكن أن نفهمها إلا من خلال الطبيعة وليس بالوجود والفعل الشخصي، فما يُسمى بوراثة الخطية أو الخطية الجدية أو الأصلية هو وراثة الطبيعة المُتجهة للموت الذي جاء على جنسنا بسبب عصيان آدم. ففي مقابل انحدار جنسنا بعصيان آدم للموت والفساد، هكذا نرتقي بالاتحاد بالرب يسوع لنوال الخلاص. --- ### دحض نظرية الأجساد الثلاثة [آباء غربيين] - Published: ۲۰۲۱-۱۲-۱۵ - Modified: 2024-07-18 - URL: https://tabcm.net/3404/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: إفخارستيا, تدبير الخلاص, قديس أثناسيوس الرسولي, قديس أمبروسيوس، أسقف ميلان, قديس أوغسطينوس، أسقف هيبو, قديس هيلاري، أسقف بواتييه, نظرية الأجساد الثلاثة سأناقش في هذه المقالة أحبائي ما يُعرف باسم نظرية الأجساد الثلاثة، وهي أن جسد المسيح له ٣ استخدامات، أو دلالات، وهم جسد المسيح الذي أتحد الكلمة به، وجسد المسيح أي الكنيسة، وجسد المسيح أي الإفخارستيا، وسوف نرى أحبائي أنه لم يقل أحد الآباء سواء شرقًا أو غربًا بهذه النظرية مطلقًا، بل للأسف مَن نادى بها هم الأفنوميون والنساطرة المهرطقين، ومن أجل دحض هذه النظرية سأستشهد بأقوال آباء الكنيسة الغربية اللاتينية أولًا، وفي مقال لاحق سوف أستشهد بأقوال آباء الكنيسة الشرقية اليونانية. ابدأ بالقديس هيلاري أسقف بواتييه الملقب بأثناسيوس الغرب، حيث يقول التالي داحضًا نظرية الأجساد الثلاثة مؤكدًا على وحدة الأجساد الثلاثة في المسيح: "من ناحية أخرى، قد شهد هو نفسه عن كيف يكون اتحاده بالحقيقة فينا بهذه الطريقة: مَنْ يَأْكُلْ جَسَدِي وَيَشْرَبْ دَمِي يَثْبُتْ فِيَّ وَأَنَا فِيهِ. (يوحنا56:6) إذ لن يسكن فيه أحد سوى الذي يسكن فيه بنفسه، لأن الجسد الوحيد الذي قد أخذه لنفسه هو جسد هؤلاء الذين أخذوا جسده، لقد علّم بالفعل قبلاً عن سر تلك الوحدة الكاملة... هذا هو سبب حياتنا أننا لدينا المسيح يحيا في طبائعنا البشرية الجسدية بالجسد، وسوف نحيا به كما أنه يحيا بالآب"(هيلاري أسقف بواتييه، عن الثالوث ٨: ١٦) كما يتحدث ق. أمبروسيوس أسقف ميلان داحضًا نظرية الأجساد الثلاثة، مؤكدًا على وحدة الأجساد الثلاثة، مرددًا ما نصلي به في تسبحتنا القبطية الأرثوذكسية قائلين: هو أخذ الذي لنا وأعطانا الذي له، قائلًا: "إذًا، فقد أخذ منا ما كان يجب أن يقدمه لنا، هكذا لكي يفيدنا مما يخصنا، وبعطيته الإلهية يقدم مما يخصه، ما لم يكن خاصًا بنا، إذًا، بحسب طبيعتنا قدم ذاته، حتى بهذا يعمل عملاً أسمى من طبيعتنا. التقدمة هي مما يخصنا أما المكافأة فهي مما يخصه، وكثيرًا ما نجد فيه أيضًا أمور بحسب الطبيعة وأسمى من الطبيعة"(أمبروسيوس أسقف ميلان، تجسد الرب ٦: ٥٤) يستطرد ق. أمبروسيوس داحضًا نظرية الأجساد الثلاثة قائلًا بكل وضوح: "إذًا، بما أن جسد الكل أيضًا في المسيح خضع للجروح، كيف تقولون إن ذلك الجسد وتلك الألوهية لهما الطبيعة ذاتها؟"(أمبروسيوس أسقف ميلان، تجسد الرب ٦: ٥٧) ننتقل إلى ق. أوغسطينوس ولنا وقفة معه، لأن البعض يهاجم تعبير "جسد المسيح السري" معتقدين أنه تعبير حديث معاصر قاله أحد الآباء في العصر الحديث، ولكن المفاجأة الكبرى أنه تعبير أوغسطيني صرف تعلمه أوغسطينوس من قوانين تايكونيوس الدوناتي، واعتاد استخدامه كمفتاح لتفسير المزامير، للتأكيد على أن مبدأ الكنيسة هو جسد المسيح السري، حيث يقول التالي في تفسيره لسفر المزامير: "هذه النبوة تنطبق على الشيطان وملائكته الذين يقاتلون، لا ضد جسد المسيح السري فحسب، بل ضد كل عضو من أعضائه، "قصمت أسنان الأثمة"، لكل منا أعداؤه الذين يلعنونه، فضلاً عن فاعلي الشر الذين يسعون إلى انتزاعنا من جسد يسوع المسيح، لكن للرب الخلاص"(أوغسطينوس أسقف هيبو، عظات على المزامير ج١، ٣ : ١٠) كما يؤكد ق. أوغسطينوس على حقيقة وحدة الأجساد الثلاثة في المسيح، وعبور المسيح بجسده الكامل أي الكنيسة من الموت إلى الحياة، قائلًا: "هكذا أيضًا عبر المسيح بجسده الكامل من الموت إلى القيامة وجسده هو الكنيسة (كو١: ٢٤)"(أوغسطينوس أسقف هيبو، الثالوث ٣: ١٠: ٢٠) ويستطرد في نفس السياق، مؤكدًا على اتحاد مثال بشريته بنا لإزالة مخالفة فسادنا بشركة موتنا من أجل أن يمنحنا شركة الطبيعة الإلهية والتأله قائلًا: "وبالتالي باتحاد مثال بشريته بنا، قد أزال مخالفة فسادنا، وبشركته لموتنا جعلنا شركاء طبيعته الإلهية"(أوغسطينوس أسقف هيبو، الثالوث ٤: ٢: ٤) ويستطرد شارحًا كيف يهب المسيح الرأس أعضاء جسده أي كنيسته ما يقبله هو ناسوتيًا من لاهوته المتحد به كالتالي: "فإنه قَبِلَ بين الناس أيضًا كالرأس يعطي إلى أعضائه: وهو نفسه قد أعطى و قَبِلَ بين الناس وبدون شك كما في أعضائه الذين من أجلهم أي من أجل أعضائه صرخ من السماء قائلاً: شاول شاول لماذا تضطهدني؟ (أع٥ : ٤)، والذين من أجلهم أي أعضائه يقول: بما أنكم فعلتموه بأحد أخوتي هؤلاء الأصاغر فبي فعلتم (مت٢٥: ٤٠)، لذا قد أعطى المسيح نفسه من السماءوقَبِلَ على الأرض"(أوغسطينوس أسقف هيبو، الثالوث ١٥: ١٩: ٣٤) ثم يشرح أوغسطينوس كيفية الاتحاد بين المسيح وبيننا في الجسد الواحد مستخدمًا تعبيرات مثل: الانسجام، أو التوافق، أو التناغم، أو التآلف، أو الشركة، للتأكيد على وحدتنا الطبيعية في المسيح المغروسة فينا بصفة خاصة من خلال موته وقيامته بطبيعتنا البشرية كالتالي: "بينما يواجه موته الواحد وقيامته الواحدة إزدواجية وثنائية موتنا وقيامتنا، لأنه بهذا الانسجام أو التوافق أو التناغم أو التآلف أو أي كلمة مناسبة أكثر يمكن التعبير بها، بحيث أن اتحاد الواحد بالأثنين له أهمية كبيرة جدًا في كل الاندماج والاتفاق أو بالحري شركة الخليقة، تمامًا مثلما يحدث لي وهو ما أقصده بدقة بالغة بالشركة التي يدعوها اليونانيون άρμονία أي الانسجام والتناغم، ومع ذلك فهذا ليس المكان لكي ما أستعرض قوة ذلك الانسجام والاتحاد بين الواحد والثنائي الموجود بصفة خاصة فينا والمغروس فينا بصورة طبيعية أيضًا، الذي لا يفشل حتى الجاهل في إدراكه"(أوغسطينوس أسقف هيبو، الثالوث ٤: ٢: ٤) أخيرًا، أحبائي أود التنويه إلى أنه لا يوجد أخطر وأبشع من نظرية تقسيم جسد المسيح إلى ثلاث أجساد على العقيدة المسيحية وتدبير الخلاص الذي لمخلصنا الصالح يسوع المسيح، لذا وجب دحضها ومحاربتها بكل قوة من كل إنسان مسيحي أرثوذكسي حقيقي غيور على عقيدته وخلاصه الأبدي. --- ### تاريخية "أسرار الكنيسة" بين الشرق والغرب - Published: ۲۰۲۱-۱۲-۱٤ - Modified: 2023-05-05 - URL: https://tabcm.net/3332/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, لاهوتيات - وسوم: أثناسيوس المقاري, أسرار الكنيسة, إفخارستيا, العصور الوسطى, اللآلئ النفيسة في شرح طقوس الكنيسة, بطرس لمبارد، أسقف باريس, حبيب جرجس, زونيكليوس, سر الزيجة, سر المعمودية, شمس الرئاسة ابن كبر, قديس بولس الرسول, قديس فيكتور, قمص ميخائيل مينا, قمص يوحنا سلامة, مارتن لوثر, مجمع ترنت, مجمع فلورنسا, مصباح الظلمة في إيضاح الخدمة, معجم المصطلحات الكنسية, مفهوم الخلاص, ملانكتون, يوحنا كلفينوس إن السر الكنسي هو مصدر العلاقة بين الله والإنسان، وفي ذات الوقت مجال تحقيقها الوحيد، فبالسر الكنسي ننال حياة الله فينا وبالسر الكنسي يسكب الله فينا كل هباته وعطاياه ومواهبه وأسراره، فهو باب دخولنا إليه، أو بالحري دخوله إلينا، أي وسيلة سكناه فينا، هذا ما تفعله الكنيسة لنا وتحققه الأسرار فينا، وهكذا تلتحم الحياة الليتورجية في الكنيسة مع مضمون أسرارها فتمزج التقوى باللاهوت، الليتورجية تكمل السر الكنسي والسر الكنسي يحقق الليتورجية، فتصبح العبادة هي مصدر العقيدة. تحتل الأسرار الكنسية مكانة مهمة في اللاهوت المسيحي والتراث الكنسي ما بين الشرق والغرب لدرجة التطابق في مضمونها فيما بين جميع الكنائس التقليدية الرسولية سواء الخلقيدونية منها أو اللا خلقيدونية. يقول الأب أثناسيوس المقاري: "إننا لا نستطيع أن نفصل أسرار الكنيسة عن أسرار اللاهوت، أي الجسد عن الرأس، لان المسيح هو رأس الكنيسة والكنيسة هي جسد المسيح، فسر المعمودية يعلن سر موت المسيح وقيامته بل ويحققه، فهل يستطيع من لا يجوز الموت والقيامة مع المسيح في المعمودية أن يقول: المسيح قام؟ وسر التجسد بكل تدبير الخلاص فيه كامن في سر الإفخارستيا ومُحقق فيه، فسر التجسد هو عينه سر التقوى، وسر الإفخارستيا هو عينه سر التقوى كقول القداس الإلهي "ووضع لنا هذا السر العظيم الذي للتقوى" فبدون الإفخارستيا تصبح قضية تجسد ابن الله، قضية لاهوتية بحتة، بعيدة عن كونها سبب حياة تقوية للذين يؤمنون بالمسيح، وأيضاً سر الميرون المقدس في الكنيسة هو سر الروح القدس فيها"("مُعجم المُصطلحات الكنسية"، الجزء الثاني، صفحات 605، 606) لقد ظلت أسرار الكنيسة في حياة المسيحيين الأوائل ملتحمة بصلواتهم ومُختبرة في عباداتهم، فالإيمان بالأسرار هو إيمان بالكنيسة ذاتها لان السر يُحقق في الكنيسة. ما معنى السر الكنسي؟ هو اصطلاح كنسي يُعنى به: نعمة إلهية سرية لا نراها، وينالها المومن بطريقة غير منظورة بفعل الروح القدس، عن طريق صلوات يرفعها كاهن شرعي، بطقس خاص مع وجود مادة السر. ويُعرف القديس أوغسطينوس السر بانه: شكل منظور لنعمة غير منظورة أو علامة لشيء مقدس. وكان استخدام كلمة سر في الكنيسة الأولي لها مجال متسع حتى أنها كانت تُطلق على صيغ الصلوات الكنسية مثل قانون الإيمان والصلاة الربية واستمر هذا التطبيق المتسع حتى العصور الوسطى. عدد الأسرار الكنسية: على مدار أحد عشر قرنا من نشأة المسيحية، لم تعرف الكنيسة في الشرق أو الغرب تحديدا لعدد الأسرار، أما أول تحديد لعدد الأسرار الكنسية فقد كان في القرن الثاني عشر الميلادي حين قام القديس فيكتور (+1142 م) بعَدَّ الأسرار الكنسية إلى حوالي ثلاثين سرا، مقسمًا إياها إلى ثلاث مجموعات. أما "بطرس لمبارد" أسقف باريس (1100- 1160 م) فقد جعلها سبع أسرار، وهو الرقم الذي أصبح تقليدًا ثابتاً انتقل فيما بعد من الغرب إلي الشرق. وفي مجمع فلورنسا سنة 1439 ميلادية، تقرر بقانون أن الأسرار الكنسية هي 7 (سبعة)، وتبعه أيضًا مجمع ترنت (1545 - 1563) ميلادية، حيث وُضعت في هذا المجمع تحديدات منهجية للأسرار الكنسية، وفي الكنيسة الشرقية -نقلا عن الغرب- تحددت الأسرار الكنسية بسبعة أسرار وذلك بعد القرن الرابع عشر الميلادي. أما أن ينتقل هذا التقليد من الشرق إلى الغرب فهذا بالأمر الغريب، ذلك أن تقليد الكنيسة الشرقية لا يعرف هذا التحديد. فإن عُدنا إلى القرن الرابع عشر في الكنيسة القبطية، وعند العالم الطقسي شمس الرئاسة ابن كبر (+1324 م) وهو قس الكنيسة المعلقة، لا نجد أي تفريق عنده بين صلوات الأسرار التي نعرفها اليوم وباقي الصلوات الكنسية، فهو مثلًا لا يفرق بين صلوات تكريس الكهنة (سر الكهنوت) وصلوات تكريس الكنائس. ففي الباب السادس عشر من مؤلفه: “مصباح الظُلمة في إيضاح الخدمة" نقرأ: "والصَّلوات المختصة بالكهنة هي مرتبة في البيعة، ولا تجوز بغير كاهن، صلاة التَّعميد، صلاة تقديس القُربان، صلاة تكريس الكهنة والبيعة، وصلاة الزواج، وصلاة التَّحليل، وصلاة أشفية المرضى وهي صلاة الزَّيت، وصلاة الموتى حال انتقالهم وبعدها، وأبكار المآكل، وصلاتا الغطاس والقصريَّة مستنبَطة من القُدَّاس"( “مصباح الظُلمة في إيضاح الخدمة"، لشمس الرئاسة ابن كبر، الباب السادس عشر) ففي القائمة السابقة يذكر ابن كبر أسرار: المعمودية والإفخارستيا (القربان المقدس) والكهنوت والزيجة والتوبة والاعتراف الذي يدعوه التحليل ومسحة المرضى إلى جانب الصلاة على المنتقلين وتذكاراتهم وصلاة تبريك باكورات الثمار وصلاة اللقان في عيد الغطاس والقصرية أي لقان خميس العهد. وفي جميع المؤلفات والموسوعات الطقسية الحديثة التي كُتبت في القرن العشرين، يذكر مؤلفيها عدد الأسرار بسبعة أسرار. فيذكر القديس حبيب جرجس في كتابه"أسرار الكنيسة السبعة" ويقول: "أما عدد الأسرار، فقد شاءت عناية الله أن تكون سبعة، لتكون مناسبة وموافقة لحاجات الإنسان في الحياة، وهي سر المعمودية، وسر المسحة المقدسة أو الميرون، وسر الشركة أو الإفخارستيا، وسر التوبة ومسحة المرضى، وسر الزيجة والكهنوت"("أسرار الكنيسة السبعة"، حبيب جرجس، إصدار جمعية المحبة القبطية اﻷرثوذكسية بالقاهرة عام 1934م) ويذكر أيضا القمص ميخائيل مينا في موسوعته الشهيرة "علم اللاهوت" التي صدرت عام 1934 م ويقول: "عدد الأسرار هي سبعة: المعمودية، المسحة (الميرون)، الإفخارستيا، التوبة (الاعتراف)، مسحة المرضى، الزيجة الشرعية، الكهنوت"(موسوعة "علم اللاهوت"، للقمص ميخائيل مينا، 1934م. ) ويضيف: "الأسرار سبعة بناء على تقليد قديم، ولإجماع الكنيسة عليه منذ الكنيسة الأولي"(موسوعة "علم اللاهوت"، للقمص ميخائيل مينا، 1934م. ) وقد ذكر أيضا القمص يوحنا سلامة (+1960م) في موسوعته الشهيرة عدد الأسرار الكنسية فيقول: "بما لا خلاف فيه أن جميع الكنائس المسيحية الشرقية والغربية تعتقد معنا بوجود سبعة أسرار في الكنيسة مؤسسة من السيد المسيح، يجب ممارستها في الكنيسة بحسب النظامات والترتيبات الموضوعة لها من الرسل القديسين والآباء الأطهار، وقد استعملت الكنيسة هذه الأسرار جيلا بعد جيل منذ قام الدين المسيحي، ولا تزال تستعملها إلى الآن، وتبقى كذلك إلى أن يأتي ابن الله في سحاب السماء في مجده وجميع الملائكة القديسين ليجلس على كرسي مجده (مت25: 31)("اللآلئ النفيسة في شرح طقوس الكنيسة"، للقمص يوحنا سلامة (+1960م. )، الجزء الثاني) مع كل هذه التأكيدات، لا نجد في الشرق وخصوصًا في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تحديد لعدد الأسرار قبل القرن الرابع عشر. تقسيم أسرار الكنيسة السبعة: ا) ضرورية لكل الشعب: كالمعمودية والميرون والاعتراف والتناول ومسحة المرضى. ب) غير ضرورية للفرد: كالزيجة والكهنوت، لكنهما ضروريان للهيئة الاجتماعية. ج) واسَمَه: أي هي ختم روحي غير قابل للإزالة أو الإعادة مثل الميرون والمعمودية والكهنوت، كما قال بولس الرسول: "وَلكِنَّ الَّذِي يُثَبِّتُنَا مَعَكُمْ فِي الْمَسِيحِ، وَقَدْ مَسَحَنَا، هُوَ اللهُ، الَّذِي خَتَمَنَا أَيْضًا، وَأَعْطَى عَرْبُونَ الرُّوحِ فِي قُلُوبِنَا"(2 كو 1: 21-22)  الكنائس الغير تقليدية والأسرار: أ) قَبل كلا من لوثر وملانكتون، المعمودية والتناول والاعتراف، ولكنهما أكدا على أهمية الإثنين الأولين دون الثالث (لوثر، كتاب "سبي بابل" ص 226) ب) لم يقبل كلا من زونيكليوس وكلفينوس الاعتراف، وقَبل الأول الزيجة، وقبَل الثاني الكهنوت. ج) يقبل المحدثون سري المعمودية والتناول. د) تقبل الكنائس اللوثرية والأسقفية المصلحة الألمانية سر التثبيت بعد معمودية الأطفال، وبعد تعليمهم الإيمان المسيحي. المادة المنظورة في الأسرار المقدسة: تعتبر المادة المنظورة التي من خلالها ننال النعمة السرية غير المنظورة هامة جدًا، ولها شروط معينة تجعلها مطابقة ماديًا للفعل غير المنظور للنعمة السرية، وبدون هذه المادة لا يتحقق السر: - فيُستخدم الماء كمادة منظورة للمعمودية (أع16:22). - ويُستخدم زيت الميرون الذي يحتوي على أنواع أطياب مختلفة إشارة إلى مواهب الروح القدس المتنوعة، وقد استخدمه الرسل كمسحة مقدسة (1يو20:2، 27). - يستخدم القربان المقدس المصنوع من دقيق الحنطة ليتحول إلى غذاء سمائي وخبز سمائي هو جسد الرب (يو51:6). - وعصير العنب (1كو24:11؛ إش3:62). - وفي سر التوبة يكون وضع الصليب على الرأس هو المادة المنظورة لغفران الخطايا (يو23:20). - وفي سر مسحة المرضى يستخدم القنديل (زيت وفتيل) (لو24:10؛ مر13:6؛ يع14:5). - وفي سر الزيجة يكون الإكليل المقدس على رأس العريس والعروس إشارة إلى إكليل العفة والتقديس (نش11:3). - وفي سر الكهنوت تكون المادة المنظورة هي اليد الأسقفية أو الكهنوت لمنح الموهبة والسر (أع6:6؛ غل9:2؛ 1تي14:4؛ 2تي6:1؛ عب2:6؛ تث9:34). تعتبر الكنيسة القبطية الأرثوذكسية السر هو: كل عمل مقدس ونعمة إلهية غير منظورة، ننالها عن طريق مادة منظورة، وأن المسيح هو مصدر النعمة ومُتممها، بينما تحديد عدد بعينه للأسرار الكنسية هو طقس (ترتيب) متأخر دخل الكنيسة بعد القرن الرابع عشر الميلادي، وربما يكون مقبولا لو فهم في إطار التنظيم البحت وليس في إطار التخصيص لعدد بعينه. --- ### الشك ليس خطيئة، والإيمان ليس فضيلة - Published: ۲۰۲۱-۱۲-۱۳ - Modified: 2025-01-13 - URL: https://tabcm.net/3346/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, شئون علمانية, مقالات وآراء - وسوم: Theosis Across Borders (TABcm Network), أحلام مستغانمي, أفلاطون, أوريجينوس ليونايدس أدامانتيوس, أوزجانوس, إبراهيم أبو الأنبياء, الأصولية, الإخوة كارامازوف, المجمع المقدس, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, حماة الإيمان, رينيه ديكارت, زكي نجيب محمود, سقراط, سمعان بن يونا, سورين كيركجارد, سيرابيس, علامة إكليمندس السكندري, ڤيودور ميخائيلوڤتش دوستويڤسكي, لجنة التاريخ, مار مرقس الرسول, مدرسة الإسكندرية, هادريان نحن نحترم رحلة كل إنسان نحو الله مهما كان مسماها، بل دعني أقول إني على قناعة تامة أن الملحد الصادق الذي يبحث عن الحق بإخلاص، هو عند الله أفضل من المؤمن المزيف الذي وجد نفسه على إيمانه بالصدفة. بل وأتصوّر أن الملحد الذي يتحمل النبذ المجتمعي، ويموت كل يوم بسبب ما يقابله من رفض، هو عند الله أفضل من المؤمن الذي يصدر إيمانه كشعارات ولافتات رغبة في القبول المجتمعي انتشر مؤخرًا تحذيرًا على بعض المجموعات المسيحية بفيسبوك ضد ما أكتبه هنا على شبكة Theosis Across Borders، التحذيرات استهدفتني مع زميلة كاتبة بشكل خاص، واقترنت ببعض الشتائم والاتهامات بالهرطقة والإلحاد، أيضا طال التراشق عبارة "مؤمنين بأنه لا مقدس فوق النقد" الموجودة في صفحة «( من نحن؟ )». كما وآتت بعضهم الجرأة للدخول على صفحاتنا ونشر صورنا الشخصية، لكي يحفظ الناس أشكالنا ونوصم مجتمعيًا ويتم نبذنا في أي كنيسة نتردد عليها. ومن قال لأخيه: رقا، يكون مستوجب المجمع، ومن قال: يا أحمق، يكون مستوجب نار جهنم. (الإنجيل برواية متى 5: 22) لا أعلم كيف يدافع شخص -يرى نفسه مسيحيًا- عن الإيمان بهذا الشكل، متجاهلًا قول المسيح السابق، ثم يستمر معرفًا نفسه كمؤمن مسيحي، أي يسير وفق تعاليم المسيح، راميًا إخوته بالإلحاد هكذا بسهولة، ﻻ جهنم تهم ولا مجمع يلم. بالطبع أنا لست بملحدة كما سارع المتذاكين المذعورين بتعريفي. لكن، ماذا لو كنت ملحدة؟ ما سر الذعر الذي يدفعهم لتحذير الناس بهذا الشكل المؤامرتي؟ وإن تركوا العمل بتعاليم المسيح ربما لظنهم أنها تتكلم عنهم وحدهم كـ"أخوية" خاصة، فلماذا أيضًا يتركون العمل بقول بطرس الرسول عن التعامل مع اﻵخر، فهي تصلح مع الملحدين؟ مستعدين دائما لمجاوبة كل من يسألكم عن سبب الرجاء الذي فيكم، بوداعة وخوف. (رسالة بطرس الرسول الأولى 3: 15) نؤمن بحق اﻹنسان في الشك نؤمن بقدسية الإنسان الذي صار باتحاد المسيح بطبيعته، أقدس من السماوات ومن الأرض ومن الشرائع. نحن نحترم رحلة كل إنسان نحو الله مهما كان مسماها، بل دعني أقول إني على قناعة تامة أن الملحد الصادق الذي يبحث عن الحق بإخلاص، هو عند الله أفضل من المؤمن المزيف الذي وجد نفسه على إيمانه بالصدفة. بل وأتصوّر أن الملحد الذي يتحمل النبذ المجتمعي، ويموت كل يوم بسبب ما يقابله من رفض، هو عند الله أفضل من المؤمن الذي يُصدّر إيمانه كشعارات ولافتات رغبة في القبول المجتمعي. بل أؤمن أيضًا أنه لو انتهت حياة هذا الملحد في أثناء رحلته المخلصة دون أن يصل إلى الله، هو ليس بمتروك لهوّة العدم؛ لأن الله أمين ويحترم الأمناء. يؤسفنا في المجتمع الكنسي، إصراره على سياسات اﻹقصاء بدلًا من إعلان الفشل بشكل مسؤول وناضج، تزعجنا أسئلة اجتماعية لأننا لا نتخيل لماذا يقوم المؤمنون الأصوليون بالوصاية على عقول غيرهم إن قام واحد بالتفكير فيما يرونه مُسلمات؟ لماذا يُقرنون القراءة النقدية بالكفر واﻹلحاد دومًا؟ لماذا بدلًا من المساعدة بتقديم اﻹجابات للمتسائلين، نجدهم يقومون بتجريم مبدأ السؤال من اﻷساس، واعتبار الشك من نواقض اﻹيمان؟ ألا تؤمن أن الله هو الراعي الصالح الذي يبحث عن الضال بنفسه؟ هل تشك في قدرة الراعي أن يجد الخروف الضال خاصة إن ضلّ بحثًا عن الحق ورغبة فيه؟ بل واﻷهم، هل تجد نفسك أصلح من الله حتى تقوم بدوره وتُصحح على طُرقه اﻷبعد من ضحالة تفكيرك؟ نعم، لا مقدس فوق النقد، ومن علمنا ذلك هو المسيح نفسه، فإن كنت لا تعرفنا وتعرفه، فاعلم يرعاك الله، أنه من أعطى الأولوية للإنسان فوق الشريعة، وهو من جعل الشريعة خادمة للإنسان، وهو من كان يُعلم الشعب بالأسئلة، ويستثير فكرهم. وهناك نهر يجري من الكتب والأبحاث عن أطروحات المسيح الفكرية والفلسفية التي شابهت مناظرات سقراط وأفلاطون. فَإِنْ كَانَ دَاوُدُ يَدْعُوهُ رَبًّا، فَكَيْفَ يَكُونُ ابْنَهُ؟(متى 22: 43) لكن، كما قال "دوستويفسكي" مخاطبًا المسيح: أنت كنت تريد أن يهبوا لك محبتهم أحرارًا، لا أن ينصاعوا إليك عبيدًا حين تذهلهم قوتك. أنت أسرفت في تقدير البشر ووضعتهم في منزلة أعلى من منزلتهم، ذلك أن البشر عبيد رغم أنهم مفطورون على التمرد. (فيودور دوستويفسكي، الإخوة كارامازوف) لم يُقدّر الإنسان الحرية والكرامة التي وهبنا له المسيح، وبعضنا اختار، بحماقة، أن يُستعبد للديانة بل وللخرافة أيضًا. وفضّل تواضع العقل على التطور الفكري، بل وأصبح يتعامل مع الله على أنه مادة جامدة مقولبة. ولعل خير مثال على ذلك هو ذلك الهجوم الحاد الذي نال البابا تواضروس من رابطة حماة الإيمان حين استخدم فرشاة في تدشين الأيقونات، وكأنه ارتكب جرمًا فادحًا أو بخر لصنمًا، مع إن تلك الرابطة نفسها لا تجرؤ على التحدث عن البابا الأسبق بأي سوء، بل وتعصمه من الخطأ. جرب أن تكتب أي تعليق على صفحتهم عن أي خطأ أو قصور حدث في عصر البابا الراحل بمنتهى الحيادية ودون أيّ تطاول، أو حتى جرب طرح فكرة أن البابا شنودة، إنسان، مثله مثل كل البطاركة، له ما له وعليه ما عليه، وستجدهم يسارعون بحذف تعليقك وحظرك من التعليق مجددًا. عن مدرسة الإسكندرية، قبل أن يديرها اﻷساقفة الوصم باﻹلحاد، أو الهرطقة، أو التشويش اﻹيماني، أو عدم الاستقامة، هي ضريبة قديمة يدفعها كل المصلحين ولم يسلم منها حتى المسيح ذاته، والذي تمت محاكمته دينيًا بتهمة "التجديف". مقدمو التهم لم يكونوا أشخاصًا عاديين، بل ذوي رتب روحية مثل "رئيس الكهنة" (يعادل "الأسقف" في المسيحية)، أو "رئيس السهندريم" (رئيس المجمع المقدس / بطريرك اليهود)، أما عن المجتمع المعاصر للمسيح فحدث ولا حرج. فاﻷناجيل تنقل لنا كلام المسيح نفسه أنهم يرونه: أكول، شريّب خمر، مُجالس للنساء. تهم عقائدية وأخلاقية جاهزة ومُعلبّة ومسبقة اﻹعداد كعادة كل جماعة عتيقة في الذعر من التجديد. لكننا اليوم لن نتكلم عن هذا، بل عن أجدادنا المحليين في مدرسة الإسكندرية، وكيف أن الفلاسفة منهم يراهم الوثنيون من عبّاد سيرابيس. في ذلك العصر، والذي كانت فيه اﻹسكندرية منارة العالم المسيحي قاطبة، كانت مدرسة الإسكندرية كما أسسها مار مرقس، بمثابة النقيض الموضوعي للإكليريكيات الحالية، والتعليم الكهنوتي عمومًا. إذ كانت مفتوحة لأي أحد بأي معتقد. الدراسة كلها بعيدة عن التلقين وقائمة على السؤال والجواب. يتعلم التلاميذ المبادئ الأخلاقية والقيم العليا، بينما يدرس الطلبة الرياضيات والمنطق والأدب والفلسفة. والمدهش فعلًا  هو التعاون العلمي العجيب بين الـ"كاتشيزس" وبين الـ"سيرابيوم" ومن المهم هنا نوضح إن الإمبراطور الروماني "هادريان" (١١٧-١٣٨م) لم يلغ مرسوم سلفه "تراچان" (٩٨-١١٧م) بإلقاء المسيحيين إلى الوحوش في "الكولوسيم"، لذا كتب التاريخ الكنسي أن حكمه كان اضطهادًا رابعًا. لكن الشواهد التاريخية تؤكد عدم استجابه "هادريان" لوشايات عوام الوثنيين بسبب تصدي فلاسفة السيرابيوم للدفاع عن أصدقائهم فلاسفة الكاتشيزس. وسجل التاريخ للإمبراطور الوثني "هادريان" هذه المقولة الهامة: إن عبّاد سيرابيس بالإسكندرية مسيحيون، كما أن أساقفة المسيحية يعبدون سيرابيس. (الإمبراطور الروماني "هادريان" (١١٧-١٣٨م) - لجنة التاريخ ج١ ص١٢١) هذه الجملة من أخطر الجمل التي قيلت في القرن الثاني، وعلى لسان الإمبراطور الوثني نفسه، وليس مقصودًا بها الأساقفة لأن هذا العصر لم يكن به تعدد أساقفة وإنما أسقف واحد وإنما المقصودين هنا هم فلاسفة "مدرسة الإسكندرية"، التي أسسها اﻹنجيلي مار مرقس الرسول. وبالتوازي وفي نفس العصر، سجل التاريخ الكنسي وقتها اعتبار العلامة "إكليمندس السكندري"، أحد أشهر فلاسفة مدرسة الإسكندرية، أن الفلسفة: "علما إلهيًا"، وأن الفلاسفة هم: "أنبياء الوثنية"، وأن تعاليمهم: "تمهد الطريق للمسيحية بين الوثنيين". أنا أؤمن بالشك، وأشك في إيماني. ( أوزجانوس) لا إيمان دون شك، لأن الإيمان يتطلب وجود الشك ليهزمه، مثلما يتطلب النور وجود الظلام ليصبح نورًا، وبقدر انتصار المؤمن على الشك يعظم إيمانه. (الفيلسوف واللاهوتي والناقد "سورين كيركجارد") كما صارع يعقوب مع الله، واستحال بعدها رجلًا غير الذي كان في السابق، من حق كل إنسان أن يصارع. لقد كان إبراهيم صاحب أقوى إيمان عرفته البشرية، لكن الله امتحن إيمانه حين بعث فيه روح الشك في تحقيق الوعد الإلهي، مطالبًا إياه بأن يقدم ابنه الذي وعده أن يأتي منه النسل ذبيحة. في كتابه "خوف ورعدة"، يتحدث "سورين كيركرجارد" عن هذا اليوم المشؤوم الذي كلم الله فيه إبراهيم، وعن سيل الأسئلة والشكوك التي اعترت عقل إبراهيم: هل وعد الله لإبراهيم لن يتحقق إن مات اسحق ولم يقم؟ هل يعتبر إبراهيم كل تلك السنوات من الانتظار وما تلتها من سنوات أمضاها في رعاية الابن هباء منثورًا؟ وكيف يسمح الإله الذي عرفه بتقديم الأبناء ذبائح بشرية؟ وهل يقدم إبراهيم نفسه ذبيحة فداء لابنه وبذلك يبقى الابن ويحقق الوعد؟ هل يقيم الله أسحق بعد الموت، ولكن كيف وإبراهيم لم ير في حياته معجزات إقامة موتى؟ وكيف سيعيش الفتى بعد النجاة من موقف مثل هذا؟ ولماذا هذا الامتحان وإثارة الشكوك في عقل الرجل المؤمن؟ ألا يكفي أنه يطيع الله ويسير على الطريق الصحيح؟ لماذا هذا التشتيت؟ دارت كل هذه الأسئلة وربما عشرات الأسئلة الأخرى في عقل إبراهيم في هذا اليوم، وفي عقل كل مفكر يقرأ القصة. فالله هو من يضع أمامنا الأسئلة والشكوك، ويشككنا في الإيمان لكي ننمو، ويبدو أن الطريق المفروش بالورود الذي يسير فيه الإنسان على خطى الهدى وهو على يقين تام من معتقداته، ليس هو الطريق المفضل لله كما توضح القصة. هناك أجيال لا حصر لها تعرف قصة إبراهيم بحذافيرها، لكن كم من الناس أرقتهم هذه القصة؟ (سورين كيركرجارد) نعم نؤمن بأنه لا مقدس فوق النقد لا نُلزم أو ندعو لاتجاه فكري معيّن، بل ننادي بحرية إطلاق التعددية الفكرية وندين الوصاية على العقول وتتشابك أيدينا معلنين أن اختلافنا هو ثروتنا. لا ندّعي تمثيل الأقباط، ولا حتى نرى أننا نمثل مجتمع الشباب، إنما نُعبّر عن آرائنا الفردية المختلفة والمتعارضة أحياناً بكل حرية في شتى المجالات مؤمنين بأنه لا مقدس فوق النقد. بل نحاول تخطى مرحلة النقد إلى مرحلة الاقتراح ووضع الحلول علنا نفيد من يتابعنا ويملك صناعة القرار. نحاول أن ننشئ تجمعا كنسيا مستنيرا في عالم إفتراضي من الأفكار ودون حدود جغرافية، يمكن للجميع أن يدخلوه بلا ميزة وبلا حكم مسبق. نحاول أن نخلق عالما يمكن فيه لأيٍّ كان في أي مكان التعبير عن رأيه أو رأيها بغض النظر عن قدر تَفَرُدِ هذا الرأي، بلا خوف من أن يُكره على الصمت أو يجبر على التوافق مع غيره. ولا نملك من أدوات سوى: أفكار وأقلام. «( من نحن؟ )» - Theosis Across Borders يتفاخر صنّاع هذا الموقع بأنهم صنعوا مساحة حرة للتفكير، التفكير في لماذا نؤمن بما نؤمن من مسلمات، وكيف نتطور، وكيف ننمو في الإنسانية. ولا أعتقد أن ما نكتبه سيؤدي بأحدهم إلى الإلحاد، لكنني على يقين أن هناك مئات الشباب ممن ألحدوا بسبب تحجر الرأي، والأصولية، وسيطرة رجال السلطة الدينية على عقول الناس بزعم أنهم وحدهم من عرفوا الحق. الشك وامتحان الإيمان هو فضيلة أخلاقية واجبة.  الفيلسوف "ديكارت" الذي شك في كل شيء حتى في حواسه الخمسة، وفي فكرة وجوده في واقع حقيقي من الأساس، وشك في وجود إله وفي وجود إله صالح بالتحديد، مشيرًا إلى إمكانية وجود الإله كلي القدرة وكلي الشر، الذي يحرك الناس مثل العرائس ويخدعهم أنه صالح (The Evil Genius). لكن، ديكارت نجح في الوصول في النهاية إلى الإيمان بالخالق، وأصبحت نظريته الفلسفية من أقوى نظريات الفلسفة الوجودية في التاريخ. النقد هو وسيلة الإصلاح، والاختلاف هو السبيل إلى النجاح والمعرفة. فأي شركة أو مؤسسة ناجحة دائمًا ما تختار تعيين كوادر مختلفة لتستفيد من هذا الاختلاف وتنمو. نحن نرفض أن نكون أصداء لما نسمع دون وعي وامتحان للإيمان، والنقد جزء أساسي من الكتابة، إن كتابة الكاتب لا تكون إلا نقدًا لما هو قائم؛ إذ لو كان الكاتب راضيًا بما هو قائم، ففيما حمله للقلم؟ إن كان ما هو قائم، قائم قبل أن يكتب، فلماذا يكتب؟ (زكي نجيب محمود (1905م - 1993م) ﻻ أؤمن في مقال ﻻ يحرك جرحًا؛ والكاتب الجيّد: ينكأه! على القلم أن يشكّل خطرًا. (الكاتبة والروائية الجزائرية "أحلام مستغانمي") وختامًا، نرحب بأي شتائم، أو رسائل كراهية، ويمكنكم إرسال شتائمكم من خلال التعليقات أو عبر البريد الإلكتروني للموقع، ودمتم في حماية الإيمان، أو دام الإيمان في حمايتكم. ولا تعلموا أولادكم أقوالًا عن حكمة الصمتِ، فجميع قائليها جبناء عن مواجهة واقعهم، وهاربين من حمل نور "الكلمة"... بل كونوا أبناء الحيّاة الثرثارة... هؤلاء الساخرين في مواجهة الموت، والمناضلين ضد شيّاطين الخرّس... تكلموا كثيراً وإخطئوا كثيراً، فمن الأخطاء نتعلّم كل شيئ حسن... أنا أكتبُ على علمٍ بأنّني قد أموتُ بسببِ الكلمات، مطعونًا بخنجرِ النحو، مشوّهًا بمِشرط الإملاء، مصلوبًا على خشبتين مُتقاطعتين من الفهم وسوء الفهم... لكنّ كُل هذا أهوّن من حياة فاقدة الروّح بين صمت القبور. (باسم الجنوبي، عضو مؤسس في شبكة Theosis Across Borders) --- ### خواطر في تفسير إنجيل يوحنا
الإصحاح الثاني  (٦) - Published: ۲۰۲۱-۱۲-۱۲ - Modified: 2022-02-26 - URL: https://tabcm.net/3238/ - تصنيفات: كتاب مقدس " فأجاب اليهود وقالوا له: «أية آية ترينا حتى تفعل هذا؟»أجاب يسوع وقال لهم: «انقضوا هذا الهيكل، وفي ثلاثة أيام أقيمه». فقال اليهود: «في ست وأربعين سنة بُنِي هذا الهيكل، أفأنت في ثلاثة أيام تقيمه؟ »وأما هو فكان يقول عن هيكل جسده. فلما قام من الأموات، تذكر تلاميذه أنه قال هذا،فآمنوا بالكتاب والكلام الذي قاله يسوع. ولما كان في أورشليم في عيد الفصح،آمن كثيرون بإسمه، إذ رأوا الآيات التي صنع. لكن يسوع لم يأتمنهم على نفسه، لأنه كان يعرف الجميع. ولأنه لم يكن محتاجاً أن يشهد أحد عن الإنسان،لأنه علم ما كان في الإنسان. “ « أية آية ترينا حتى تفعل هذا؟ » في هذه المقالة نستعرض إجابة الرب علي أستراتيجية تجار الدين والرعاة اللصوص والأجراء الذين لجأوا إلي اللف والدوران والتحايل في مواجهة الحق الإلهي. فقد استبدلوا منهج الله الروحي المهتم بالحياة الأبدية بمنهج أرضي يهتم بالتجارة والبيع والشراء. و رأيناهم بدلاً من مراجعة عِوار وانحراف سلوكهم وتعليمهم، يهاجمون شخص الرب ويتحججون قائلين له «أية آية ترينا حتى تفعل هذا؟». فالإستراتيجية المخفية وراء أسلوبهم هي أن يتوه الناس بعيداً عن الحق الإلهي بالدخول في مناقشات حول الأشخاص وليس حول الحق. لذلك هاجموا شخص الرب يسوع المسيح وليس تعليمه بالحق. ولكن المسيح له المجد، لم يلتفت إلي أسلوب المراوغة والإصرار علي الشر عن طريق اللف والدوران واختلاق متاهات من السفسطة بأسئلة تبدو قانونية ”من أعطاك السلطان حتي تعلمنا وتنتقد ما نفعله؟ “. لقد كانت إجابة المسيح مستيكية، أي سرائرية. فمن خلال إجابته كشف الرب لهم عن السبب في سلوكهم المخالف للحق وكيف أن المسيح جاء ليخلصهم. فإجابة المسيح أستعلنت لهم أن السبب هو ” الموت الذي دخل إلي العالم بحسد إبليس“ (صلاة القداس) عندما تغرَّب آدم عن الله خالقه وصار عبداً لطبيعة الموت الغريبة عنه. وأوضح الرب كيف أنه جاء ليخلصهم ويخلص البشرية من هذا الموت بموته وقيامته، بعد أن فشلت جهود الإنسان علي مر العصور أن يُخلِّص ويحرر نفسه من عبودية الموت علي الرغم من الفرصة تلو الفرصة التي سمح الله بها للبشر (أنبياء العهد القديم) لكي يُخلِّصوا أنفسهم - لو استطاعوا - مِن الشر المسيطر الذي يتنافر مع أصل خلقتهم الإلهي. إن هذا التعليم اللاهوتي كان موضوع صلاة الأقباط وتسبيحهم علي مر عصورهم كما تظهره صلواتهم في القداس الإلهي : ”يا الله العظيم الأبدي الذي خلق الإنسان علي غير فساد. والموت الذي دخل إلي العالم بحسد إبليس، هدمته بالظهور المحيي الذي لابنك الوحيد“ فالمسيح - له المجد - جاء متجسداً لتجديد خليقة الإنسان بأن يخلصها من موتها وأن يعيد الحياة إليها. وعندئذ تستطيع أن تؤمن وتعود إلي أصلها. فالميت لا يطلب أحد منه شيئا لأنه ميت لا يستطيع شيئاً. لذلك فالخلاص المسيحي هو نعمة وهبة من الله في الآساس. هذا هو خلاص المسيح وهدف التجسد الإلهي والذي أشار إليه الرب المتجسد بقوله  "«انقضوا هذا الهيكل، وفي ثلاثة أيام أقيمه». وأما هو فكان يقول عن هيكل جسده. فلما قام من الأموات، تذكر تلاميذه أنه قال هذا. فآمنوا بالكتاب والكلام الذي قاله يسوع. “. فإن خلاص المسيح الذي تقدمه المسيحية ليس عمل بشري بل نعمة إلهية. هو عمل خلق إلهي لطبيعة جديدة  في الإنسان أشار إليها المسيح بطريقة مستيكية بقوله ” أقيمه“ وهو يشير إلي جسده الذي يحمل كل بشر. « انقضوا هذا الهيكل ... » ولكني وقفت متعجباً من قول الرب لهم " «انقضوا هذا الهيكل . . ». وأما هو فكان يقول عن هيكل جسده“. فهل كان الرب يدعوهم إلي قتله بأن ينقضوا هيكل جسده؟  حاشاً. ولكننا هنا أمام قضية وجودية للإنسان، أي أنها شملت كل تاريخ وجود الإنسان، ألا وهي قضية خوف الإنسان من مواجهة مصيره الذي هو الموت. فالكتاب قال إن البشر ”خوفاً من الموت­ كانوا جميعا كل حياتهم تحت العبودية“ (عبرانيين ٢). نقول إن هناك طائفة من البشر قد تحالفت مع الموت لكي تعالج خوفها منه. لأن فاقد الحياة لا يخاف فقدانها بعد أن فقد ذاته وحياته باختياره. هؤلاء رئيسهم الشيطان. وإليهم كانت عبارات المسيح " «انقضوا هذا الهيكل. . ». أي هيكل جسده“. « ... وفي ثلاثة أيام أقيمه ». ثم أكمل المسيح قوله بأنه سيقيم الإنسان من الموت عندما يقوم هو - له المجد - من القبر بعد ثلاثة أيام " «انقضوا هذا الهيكل، وفي ثلاثة أيام أقيمه». وأما هو فكان يقول عن هيكل جسده. فلما قام من الأموات، تذكر تلاميذه أنه قال هذا. فآمنوا بالكتاب والكلام الذي قاله يسوع. “. إن قول الرب «... وفي ثلاثة أيام أقيمه» كان موجهاً إلي الفريق الثاني من البشر ، وهم كل الذين عاشوا علي رجاء خلاص الله الذي سبق أن أعلنه منذ لحظة سقوط آدم أن ”نسل المرأة (الرب يسوع المسيح) سوف يسحق رأس الحية (الشيطان) “. هؤلاء هم الذين اختاروا علي مدي تاريخ البشرية أن يتحالفوا مع الحياة في مواجهة الخوف من الموت، وغلبوه بقوة الإيمان والرجاء، فلم يخافوا الموت ”أقول لكم يا أحبائي: لا تخافوا من الذين يقتلون الجسد، وبعد ذلك ليس لهم ما يفعلون أكثر“ (لوقا ١٢). فهم علي عكس الفريق الأول من البشر الذي تحالف مع الموت لكي لا يخافه بأن أستغرق في تغربه عن الله كفاقد للحياة  وأنحصر في عدمية ذاته الترابية ففقد ذاته. ” يسوع كان يعرف الجميع ... وعَلِمَ ما كان في الإنسان. “ ولكن لا يزال هناك فريق ثالث من البشر لم يعرفوا المسيح الحياة بَعد. ولكنهم لم يتحالفوا مع الموت لأنهم انحازوا إلي الأصل الإلهي لخلقتهم الذي يتنافر مع طبيعة الموت الدخيلة علي أصلهم. هؤلاء مازالوا يعيشون في عبودية لهذا الخوف ويجاهدون. إلي هؤلاء يقدم الوحي المقدس بشارة المسيح بالخلاص ليعتقهم من عبودية الخوف من الموت، إذ إن المسيح له المجد هو الوحيد الذي ” يبيد بالموت ذاك الذي له سلطان الموت، أي إبليس، ويعتق أولئك الذين­ خوفاً من الموت­ كانوا جميعا كل حياتهم تحت العبودية“ (عبرانيين ٢). والسُبح لله. بقلم د. رءوف أدوارد --- ### ربنا عرفوه بالعقل - Published: ۲۰۲۱-۱۲-۱۱ - Modified: 2021-12-08 - URL: https://tabcm.net/3222/ - تصنيفات: المرأة القبطية في الأمثال المصرية الجميلة قالوا إن ربنا عرفوه بالعقل. وده الحقيقة مثل لاهوتي مهم قوي، وقبل ما تقول لي: لاء، ربنا عرفوه بالإيمان، اسمح لي أقول لك: الإيمان ده لما يفوق قدرات العقل، واللي مش ها يفهم ويعرف ربنا من خلال العقل وتحليل اللي عمله وقاله المسيح، يبقى بيضحك على نفسه لو قال انه مؤمن. وطبعا لأننا بنعيش في عصر مفيهوش مواقف واضحه وقاطعه من المنوطين بالمواقف، فإحنا بنمر بمواسم بتتكرر على فترات وتتعاد تاني لان المشكلة الأساسية ما بتتحلش ولا بيتبت فيها، فرجعنا تانى نسمع كلام عن المرأة في الكنيسة بعد فضيحة المكرسات اللي يالهوى 😱 دخلوا الهيكل واعتذر اسقفهم وقتها، وبعدين إتكررت الحكاية بشكل تانى. الأم الراهبة اللي بتقرا السنكسار وبردوا ولا سحر ولا شعوذة اعتذر الأسقف واعتذرت الأم واعتذر الجمهور واعتذرت المرأة بجميع أنواعها علشان هذه الخطية العظيمة! وأنا هنا بأكرر كلام قلته قبل كده، إن دي ليست قضية نسوية ولا لها عِلاقة لها بالجندر والفمينست، لكنها رؤية مسيحية بحته للأمر أنا بادعو من خلالها إن إحنا نستخدم عقلنا علشان نفهم المسيح شايف المرأة ازاى؟ * أولا في خلق حواء القرار كان واضح لنخلق له معينا نظيره يعنى حواء كانت شغلتها تعين ادم وهنا على طول باستدعى كلمات البابا تواضروس أدام الله حياته، أن هناك أفعال للإنسان وأفعال لله، فالإنسان يساعد ولكن الله يعين، وهنا اعطي الله لحواء من أفعاله هو، فلم يقل نخلق له مساعد وإنما معين، تأكيدا على الدور الهام اللي بتقوم بيه حواء بالنسبة لادم. * ثانيا ها اجري بسرعة على حياة المسيح وأتكلم عن مثال مهم قوى للمرأة، يحل لنا معضلات كتير إحنا مكبرينها اليومين دول، وهو المرأة السامرية وحكايتها، واهتمام المسيح بيها، والتلاميذ اللي اتودودوا ولسّنوا عليه وقالوا ها هو يتحدث مع أمرأة، كل ده مش مهم، المهم بعد ما الست سمعت وفهمت والمسيح ملك قلبها وعقلها وجريت علشان تبشر بيه وتتكلم عنه، وبالمناسبة، دى المهمة اللي فشل فيها التلاميذ، هما ما قدروش أصلا يدخلوا السامرة لكن المرأة دي كرزت بكلماتها الخاصة، وكتبت إنجيلا وبشارة مفرحة للسامريين عن المسيح، ولما نشغل عقلنا كده اللي ربنا إداه لنا، نلاقى إن الكرازة اعظم من قراءة السنكسار، طبعا لأنها مش إعادة أو ترديد كلمات وإنما إنشاء انجيل (باكررها تانى بقصد) لتصبح أول كارزة بالمسيح. * وبسرعة ها اجى لوقت قريب من كام سنة بس، علشان نكتشف الازدواجية اللي إحنا بتعيشها، وضحالة التفكير اللي تخلينا نثور من أفعال إحنا أصلا متعايشين مع أقوى منها بكتير، ونروح للام أيريني رئيسة دير أبو سيفين الشهيرة جدا، واللي كانت بتقف على المنجلية في حضور طغمات من الإكليروس علشان توعظ وتحكى عن عمل المسيح ومواقف أبو سيفين ومعجزاته، وهى بالنسبة لكثيرين قديسة، واحب افكر الناس اللي كانت بتحضر قداسات إنها كانت أحيانا بتناول الدم 😎... . وقبل الصراخ دي حقيقة أنا مش ها أسعى للدفاع عنها من طقس الكنيسة ولا دور الشماسة الكاملة في الدسقولية، ولا يهمنى الحقيقة خالص إنها تكون صح أو خطأ، لكن يهمني إنها حصلت على مرأى ومسمع من آباء كثيرين، وكانت مقبولة لأنها الأم أيريني، وده اللي قلته في منشور سابق إن ما ينفعش نكيل كل نص ساعة بمكيال، ونمشي بمنهج الغوغاء اللي بيثوروا من غير ما يفهموا ولا يفكروا، وها اكرر تاني قراءات الراهبات والمكرسات والخادمات في الليتورجيه والتسبحة، حضرتها واشتركت فيها بنفسي مع آباء مازالوا أحياء، منهم من أدين له بالكثير ومنهم اللي اتصدمت فيه لمًا سمعت وشفت منه مواقف عكس اللي عشتها معاه بنفسي قبل كده، واعتقد الفيديو اللي انتشر لقراءة الراهبات والمكرسات في حضور المتنيح الأنبا بيشوي ده اكبر دليل على إن الناس اللي بتتكلم في الموضوع ده مش بس متآمرة على الكنيسة وليها أهداف من وراء إثارة البلبلة دي، لكنهم زي ما اتعودناهم أغبياء وجهلة مش بيقروا ولا بيفكروا كويس قبل ما يقوموا الدنيا. *وأخيرا، ببساطة شديدة نلقى نظرة على الكنائس المشتركة معنا في الإيمان، العائلة الارثوذكسية اللاخلقدونية، ونشوف دور المرأة إيه في خدمة الليتورجية، وقبل ما أقول هراطقة وكفار افهم الأول إن إحنا متحدين معاهم في الإيمان والعقيدة، ومسموح لنا بمشاركتهم فى الطقس. يعنى حضرتك ممكن تروح تحضر قداس وتتناول في الكنيسة الأرمنية أو السريانية، ويكون اللي بيخدموا في القداس شماسات عادى جدا، ولا دي هرطقة، ولا انهيار الإيمان، ولا ربنا ها يغضب لو المرأة اللي خلقها واللي احبها وائتمنها على شركة التجسد ومعية رحلة حياته على الأرض وعلى خدمته بمجهودها وأموالها وأولادها واللي ظلت معه حتى الصليب والقيامة، قرت السنكسار ولا شالت الصليب في الدورة ولا دخلت المذبح فهي تتحد بمن هو اعظم من المذبح، هي متحدة بالمسيح ذاته. --- ### عشرة أعوام من الرجوع إلى الله! - Published: ۲۰۲۱-۱۲-۱۰ - Modified: 2023-10-20 - URL: https://tabcm.net/3167/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: الإخوة كرامازوف, بروتستانت, ڤيودور ميخائيلوڤتش دوستويڤسكي, مدارس الأحد لم يلق الأقباط لتلك الدعوات بالًا في 2011، بل نسبة كبيرة منهم تجاهلوها، ربما لأن الأجواء العامة للبلاد كانت تنذر بخطر محدق، وتتطلب الاحتماء بونس البشر، والدفء الروحاني الحقيقي غير الموجود داخل جدران الكنائس المحلية، والتي تتسم تجمعاتها بالمحاباة والأقنعة. لتلك الأسباب بعينها، ورغم التحذيرات المبطنة بنبرة الشفقة والاهتمام، لم يستطع أحدا إيقاف ليلة الرجوع إلى الله! ربما عليك الانتظار حتى تتمكن من الحكم جديًا على أمر ما، لكن لعل 10 سنوات كاملة مدّة كافية. بالطبع هي كافية، هناك من عاش ومات وسافر وعاد في 10 سنوات، إلا شيئا واحدًا: تلك البراءة القديمة والرغبة الصادقة في التغيير التي طحنتها قسوة الواقع، ولاكتها اضطراباتنا الداخلية بين فكيها. في الحادي عشر من نوفمبر 2011، لاحت في الأفق بوادر الأمل في نوع ما من الوحدة والاتساق تحت سفح جبل المقطم بعنوان: "ليلة الرجوع إلى الله". كان عجيبًا أن ترى اجتماعًا مسيحيًا اتفقت فيه الطوائف، التي لطالما اتفقت على إلا تتفق، مجتمعة، تُسبح وتُرنم، وتتشارك أجواء البهجة، ويسكن أعضاء كلًا منها دافئًا إلى جاره. ألم أقل لك أنه كان من أنبل الأحلام، حُلم لم يتكرر، حُلم كذلك الذي وعدتنا به قناتا شباب المستقبل "سبيستون" وأوبريت "الحلم العربي" مجتمعان!  في تلك الليلة، اجتمعت التسابيح ورفرفت الأعلام عاليًا، كيف حدث ذلك وما أسبابه؟ كيف أراه اليوم؟ وكيف يتعامل القبط أنفسهم الآن في ظل تبعات ذلك اليوم؟ حين أفكر اليوم في هذا التجمع، أتذكر فصول "مدارس الأحد" التي صورت لنا الطوائف الأخرى - بالأخص الإنجيلية منها - كمتآمر ضخم ذو حوافر وقرون يرغب في اصطياد أتباعًا جدد! الصورة التي انتابني الشك فيها حين فتحت "قصر الدوبارة" أبوابها لمصابين "ميدان التحرير" و"محمد محمود"، متحولة إلى مستشفى ميداني في خضم مظاهرات يناير 2011. كانت تلك السنة عجيبة بحق، فعلى الرغم من كوني في بادئ المرحلة الثانوية، إلا أنه كان ثمة تحرك، لم أفهمه سوى الآن، وهو الرغبة العارمة في الحرية، التصرف كبشر كاملي الأهلية، إعادة التفكير في المسلمات المتوارثة. . ظهر حينها مصطلح "ندين بدين الإنسانية". . الإنسانية الكافية لإذابة الفوارق الطبقية والطائفية والمذهبية، والتمحور حول هدف أسمى وأجل. وعلى الرغم من رفرفة شعارات لا يهمني اسمك لا يهمني عنوانك في الأفق، كانت رواسب التعصب والاحتقان الطائفي والمذهبي تندد بتلك التجمعات -على استحياء- على عكس ما سنحلله اليوم، وتطالب الأتباع بعدم الانسياق وراء التيارات الغريبة. لم يلق الأقباط لتلك الدعوات بالًا في 2011، بل نسبة كبيرة منهم تجاهلوها، ربما لأن الأجواء العامة للبلاد كانت تنذر بخطر محدق، وتتطلب الاحتماء بونس البشر، والدفء الروحاني الحقيقي غير الموجود داخل جدران الكنائس المحلية، والتي تتسم تجمعاتها بالمحاباة والأقنعة. لتلك الأسباب بعينها، ورغم التحذيرات المبطنة بنبرة الشفقة والاهتمام، لم يستطع أحدا إيقاف ليلة الرجوع إلى الله! الآن التمس العذر للمجتمع الكنسي، فقط اليوم أدرك أنه مجتمع مؤسسي، ولكي تكون مؤسسة لابدَّ أن تمتلك نظامًا هرميًا وعدد من الأتباع المنصاعين، لهذا غالبًا تهددك فكرة التفرد والحرية المطلقة والانشقاق عن القطيع. بالعودة إلى العام الحالي 2021، نتساءل: أين ذهب هذا المواطن المصري القبطي وأين اختفى؟ هل رجع إلى الله بحق؟ هل أعلى قيم التسامح والإنسانية؟ هل يفخر بذكريات 2011؟ في واقعنا المنقسم، سترى الأقباط أيضًا منقسمون: فهناك من يلعن ويسب 2011 بكل ذكرياتها وبالأخص النهضات الروحية التي حدثت فيها، ويصف الأمر حرفيًا ب"اتحاد الخبل البروتستانتي مع العته القبطي"! وبالطبع هذا اتهام ضمنى لكل حضور تلك التجمعات بالعته والخبل والإصابة بالهلاوس السمعية والبصرية! اتهام فج مضمونه نرجسية بغيضة واستعلاء استحقاقي يقبع في أعماقه امتلاك الحق المطلق وتشييء الأخر واختزال كينونته. هذا الفريق لذيذ للغاية، فهم على كل الألوان تقريبًا: قامت ثورة: لنشجعها أو نلعنها، تيارات إسلامية تُرشح نفسها: نقاوم، تنحى رئيس: نفرح أو نحزن، المسكين: "ترند"، يجلب لنا الاحترام أو نتسق مع أنفسنا ونكرهه. . إنه حقًا فريق لذيذ: إن عشت على هواه مُجاملًا ستتلقى المديح وإن خرجت عنه ستتلقى اللعنات! لم يُحبذ هذا الفريق - لا أقصد التعميم- مجازفات الحرية واتخاذ القرار، تمامًا كما قال المفتش الأكبر للمسيح في رواية الأخوة كرامازوف، رجع هذا الفريق بنوع من الاستسلام لقطيعه الحاني، مختبئًا وَسَط جدران الكنائس، وغارقًا في تراتبية الخدمات، تاركًا من يضل لضلاله، ومن يأتي لصلاحه، فلا اعتراض إلا لأقل القليل، ولا يوجد شيء فاسد فكل الأجواء وردية، وتارة ندعم رأس الكنيسة وأخرى نهلل لقتلة الأبرار! أما الفريق الأخر، والذي أكاد اكون في تلابيبه، فقد ظل حائرًا. والحق يمكننا غلق هذا المقال بتلك الكلمات: ظل حائرًا! نعم! ! فريق شكلته عشرة سنوات من الصراع والتخبط والاصطدام بالصور المثالية. لم نغير الواقع لكن حملنا أجنة أحلامنا وواصلنا السير بها، رغبنا في طريق يجمعنا برفيقنا المتمرد على كل فساد وظلم، "المسيح"، أحببنا البر وأبغضنا الظلام والفساد، لذا لم نستطع العودة بالكامل إلى جدران كنائسنا المحلية ولا حلقنا بالكامل بعيدًا! أعضاء هذا الفريق تفرقوا بحثًا عن "الواحد"، فهناك من حاول البحث في الكنائس بكل طوائفها، وهناك من يبحث في المجتمع المدني، وآخرون على فوهة الشك واللا-يقين، جميعنا يطارد سراب الحرية والسلام. لكن يكفي المحارب صدق بحثه، ويكفي الأطفال مسيرة نموهم، يكفينا شرف كوننا أنفسنا. ربما في 2011 أردنا تحويل مسار العالم ورغبنا في وحدة مزعومة، لكن اليوم أتضح لمعظمنا أن كل تغيير يبدأ من الداخل ويمتد ليشمل دوائر أوسع وأشمل. --- ### العضو التناسلي المقدس - Published: ۲۰۲۱-۱۲-۰۹ - Modified: 2023-10-20 - URL: https://tabcm.net/3255/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, المرأة القبطية - وسوم: أنبا موسى الأبيض، أسقف عام الشباب, الغنوصية, باسيليوس الكبير، أسقف قيصرية الكبادوك, سالي زخاري, سنكسار, غريغوريوس النيسي, ليتورچي هل تعلم عزيزي القارئ أنه نظريًا وبحسب الإيمان المسيحي فلا فرق بين رجل أو امرأة في المسيح يسوع؟! لَيْسَ ذَكَرٌ وَأُنْثَى، لأَنَّكُمْ جَمِيعًا وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ. (غلاطية 3: 28) وهل تعلم عزيزي أيضًا أنه من علامات سمو الإيمان المسيحي أنه تصدى للأفكار الغنوصية التي تحتقر المادة بما فيها الجسد، وأكدت أننا كلنا مقدسين في المسيح يسوع؛ بما في ذلك أجسادنا المادية بكل أعضائها حيث لا يوجد عضو محتقر؟ نعم عزيزي القارئ أنا أعني كل الأعضاء بلا استثناء بم فيها الأعضاء التناسلية والتي لأسباب اجتماعية وثقافية عدة - لا تمت للمسيحية بصلة - يتم احتقارها. عفوًا، دعني أتدارك تلك المعلومة. فقد انتبهت إلى أن هناك عضوًا جنسيًا واحدًا يتم تقديسه وتعظيمه من قبل كنيستنا القبطية - التي تدعي أرثوذكسية إيمانها - ألا وهو "القضيب". القضيب ذلك العضو الذي يتكون لدى الجنين البشري نظرًا لحصوله على زوج الكروموسومات XY بدلاً من الزوج XX لينتج لنا بشريًا ذكرًا يقوم بدوره البيولوچي في عملية التكاثر بالاشتراك مع الأنثي. فلا أرى ما الداعي المادي أو الروحي الذي جعل أباء الكنيسة يعتقدون أن كل من يحمل في جسده "قضيبًا" له امتيازات أعلى في ملكوت يسوع! ! على النقيض تمامًا؛ فكل من تحمل عضوًا جنسيًا أنثويًا يتم احتقارها عمليًا. مقدمين صورة حية متجسدة لكل العقد النفسية الفرويدية (مجازًا) المرتبطة بالصورة المشوهة للأم Mother Figure في انفسهم ملحين علينا في التماس العون من متخصصي العلاج النفسي لإنقاذهم وإنقاذنا من تحويل عقدهم النفسية إلى تعاليم مقدسة وعقيدة. فتجد أحدهم لم تشفع له ألقابه في أن يتهذب بحكمة الفردوس يخرج علينا معتذرًا عن أن امرأة قرأت السنكسار في ليتورجية القداس! ! وتجد أحد الرعية يستنكر أن تمسك بنت بصليب (ست على آخر الزمن تمسك صليب وتبارك! ضاع إيماننا). على الرغم من أن قصص القديسين الكتابية والتراثية والفلكلورية تحوي الكثير من الأحداث أبطالها بشر أصحاب أعضاء جنسية أنثوية. أبرزها القصة الشهيرة التي قامت فيها الأم بتعميد أطفالها وقبل الرب منها طقس المعمودية ولم يسمح للبطرك بإعادته بل جمد له مياة الجرن معلنًا أن الطقس قبل من الأم بلا رجعة. ولكننا نجد تعاليم الكنيسة الحالية ترى أن كل قبطي يحمل قضيبًا هو أحكم من داود النبي الذي اهتدى بحكمة "أبيچايل" وامتدحها ونفذها، وأقوى من كل بني إسرائيل وقادة جيوشهم في خضوعهم لـ"دبورة" القاضية. ذلك القبطي ذو العضو الذكري أسمى في نظرهم من شيوخ البرية الذين كانوا يلتجئون للأم "سارة" طالبين إرشادها وصلواتها عنهم، تماثلها "ماكرينا" التي كانت المرشدة الروحية لأخوتها بالجسد باسيليوس الكبير وغريغوريوس أسقف نيصص، وبطرس أسقف سبسطية. ترى المسيح يطوب نازفة الدم التي لمسته متحديا الشريعة الموسوية التي تعتبرها نجسة؛ بينما تجدهم يحرمون على المرأة لمس المنجلية والأجساد وإمساك الصليب في تعنت متهود ومتأسلم. إنهم يحتقرون كل قبطية تفتقر إلى وجود ذلك القضيب احتقارا يندى له الجبين، متناسين أن أعضائها الأنثوية مكرمة في المسيح يسوع ومقدسة كمصنع للحياة. يحتقرون كل أنثى مانعين إياها من الافخارستيا في البركة سواء الحصول عليها أو الإنعام بها على الآخرين فذلك حكر على كل بشري يحمل العضو الجنسي المقدس إياه فقط. متناسين مثلاً أن القديسة "ميلانيا" أخذت اعتراف القديس أوغريس في مرضه وكانت سبباً في توبته وتغيير بوصلة حياته. بل إنك تجد أحد مطارنة الكنيسة - الأنبا بيشوي المتنيح - يتجرأ على إتلاف مخطوطة أثرية لسيرة الشهيدة "مهرائيل" لأنها تذكر أنها كانت تشفي المرضى برشمهم بالزيت، فقط لأنه يرى أنها أنثى تقوم بعمل من أعمال الكهنوت وهذا لا يصح؛ متجاهلاً الأمانة العلمية وحرمة الأثر الواجب الحفاظ عليه، فقط ليتمسك بازدراء قديسة لأنها تحمل عضواً تناسلياً أنثوياً لا غير؛ فلم يشفع لها عنده قداستها وإكليل شهادتها ومعجزاتها فكم بالحري تتوقع من تلاميذه مع أخواتهن! لا ادري هل تلك الثقافة كانت أحد الدوافع التي جعلتهم يدافعون باستماتة عن الكاهن مغتصب الطفلة "سالي زخاري" وجعلت اسقف وسط البلد يتستر على خادم أسقفية الشباب مغتصب المخدومات المراهقات؟! أفعالهم تثبت انهم يستبيحون المرأة. فما يبدأ بترسيخ ازدراء الإنسان ينتهي بجرائم انتهاك له معطين إياها صبغة مقدسة. ليس هذا هو روح المسيح بل هو ضد المسيح، إنها النبوة الكاذبة التي حذرنا منها يسوع. تلك النبوة التي تبشر بإله يعطي امتيازات بناء على زوجين من الكروموسومات إن تطابقا Xx فانت محكوم عليك بالازدراء وإن تباينا Xy فأنت المدلل المعصوم المسموح له بقراءة الكتب المقدسة ومباركة الآخرين والإمساك بالصليب في كف يدك وربما كنت فوق المساءلة. أي مسيح هذا الذي تروجونه؟ أو تسقطون عليه تدنيكم وأمراضكم؟! ! ! فويل لكم ويلات مجمعة على لسانه، وويل لذلك الشعب المنقاد وراء قادة عميان تاركين النور الحقيقي. --- ### تسبحة كيهك.. هل فكّرت فيما ترتل؟ - Published: ۲۰۲۱-۱۲-۰۸ - Modified: 2023-10-20 - URL: https://tabcm.net/3311/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, لاهوتيات - وسوم: أمل صابر, أنبا أغاثون، أسقف مغاغة والعدوة, أنبا بيشوي، مطران دمياط وكفر الشيخ, أنبا يوأنس، أسقف أسيوط, الأب متى المسكين, الكنيسة القبطية, بابا كيرلس عمود الدين, تسبحة كيهك, چورچ حبيب بباوي, سمعان بن يونا, شركاء الطبيعة الإلهية, قديس أثناسيوس الرسولي ساعات مرت منذ ردد الأنبا "أغاثون" أسقف مغاغة والعدوة وجموع الأقباط في صلوات تسبحة كيهك وبالتحديد ثيؤطوكية الجمعة، عبارة "أخذ الذي لنا وأعطانا الذي له.. نسبحه ونمجده ونزيده علوا إلى الأبد" ساعات قليلة مرت منذ ردد الأنبا "أغاثون" أسقف مغاغة والعدوة و"جموع" -مبحبش كلمة جموع بس قاصد استخدامها- الأقباط الأرثوذكس في صلوات تسبحة كيهك وبالتحديد ثيؤطوكية الجمعة، عبارة " أخذ الذي لنا وأعطانا الذي له. . نسبحه ونمجده ونزيده علوا إلى الأبد ". وستتحمس الجموع مع الأنبا "يوأنس" أسقف أسيوط الذي ضاعت حلاوة صوته على مر السنين بسبب الصراخ في التسبحة، لترتيل بقية ألحان ومدائح التسبحة الكيهيكية، بمنتهى الحماس لكن دون التفكير في معاني الكلمات التي نرددها. وبعدما يرددون بمنتهى الحماس طوال الليل سيخرجون بعد القداس صباح الجمعة وهما يلعنون ويهرطقون كل من يؤمنون بما جاء في (2بط1: 3،4) حيث تقول: كَمَا أَنَّ قُدْرَتَهُ الإِلهِيَّةَ قَدْ وَهَبَتْ لَنَا كُلَّ مَا هُوَ لِلْحَيَاةِ وَالتَّقْوَى، بِمَعْرِفَةِ الَّذِي دَعَانَا بِالْمَجْدِ وَالْفَضِيلَةِ، اللَّذَيْنِ بِهِمَا قَدْ وَهَبَ لَنَا الْمَوَاعِيدَ الْعُظْمَى وَالثَّمِينَةَ، لِكَيْ تَصِيرُوا بِهَا شُرَكَاءَ الطَّبِيعَةِ الإِلهِيَّةِ، هَارِبِينَ مِنَ الْفَسَادِ الَّذِي فِي الْعَالَمِ بِالشَّهْوَةِ(رسالة بطرس الثانية، الإصحاح الأول، الآيات 3، 4) مع هذا الحماس لم يفكر أحد في معنى العبارة التي تقول "أخذ الذي لنا وأعطانا الذي له"، إني حقا أتساءل ما هو الذي لنا وأخذه المسيح؟، حسب ما تعلمنا في الكنيسة أخذ الطبيعة الإنسانية وشابهنا في كل شيء ما خلا الخطيئة وحدها، هذا بخصوص الذي لنا، فماذا عن الذي له وأعطاه لنا؟ النص واضح في الإصحاح الأول من رسالة بطرس الثانية، إن قدرة المسيح الإلهية وهبت لنا كل ما للحياة والتقوى، بمعرفة الذي دعانا بالمجد والفضيلة، الذين بهما وهب لنا المواعيد العظمى والثمينة، لكي تصيروا بها شركاء الطبيعة الإلهية. أكرر النص مرة أخرى لأن التكرار يعلم الشطار ويذكر من نسى أو تناسي. يرفض الأنبا أغاثون ومعه كثيرون ما جاء في رسالة بطرس الثانية بالعهد الجديد من الكتاب المقدس، ويروج هؤلاء الرافضين لما جاء في الوحي، بأنه من ابتداع الراحلين الأب القمص "متى المسكين" والدكتور "جورج حبيب بباوي"، على الرغْم أن الأخيرين لم يشتقا اصطلاحًا جديدًا، بل نقلا ما نص عليه العهد الجديد، وما علم به آباء الكنيسة القدامي مثل كيرلس الكبير وأثناسيوس عن مفهوم "التأله". لفت نظري خلال الضجة التي أثيرت حول "التأله" أو "شركاء الطبيعة الإلهية"، في الأسابيع الماضية، أنه في 23 نوفمبر  2021، نشرت الصفحة الرسمية لمطرانية مغاغة والعدوة منشورا   يقول:  "مقال لنيافة الحبر الجليل الأنبا أغاثون - أسقف مغاغة والعدوة، بعنوان (الرد على بدعة شركاء الطبيعة الإلهية)، ولكن حينما تفتح المقال الهمام المكون من 6 ورقات والمنسوب للأنبا أغاثون للرد على هؤلاء المبتدعين والهراطقة، سنجد في نهايته ملحوظة تقول: هذا الجزء من كتاب "الرد على بدعة تأليه الإنسان" إعداد وتأليف/ الأستاذة أمل صابر كيرلس ميخائيل -باحث ماجستير في العلوم اللاهوتية ومراجعة وتقديم/ نيافة الحبر الجليل الأنبا أغاثون- أسقف مغاغة والعدوة. وسوف يصدر قريبا في المكتبات المسيحية والكنائس وبالرغم من أن المفروض أن المؤلف غير المُراجع ومقدم الكتاب، لتنسب صفحة المطرانية مجهود الأستاذة أمل صابر إلى الأنبا أغاثون، ولكن ما علينا من هذه التفاصيل الأكاديمية، ذكرت الأستاذة أمل في جزء من رفضها لفكرة "شركاء الطبيعة الإلهية"، بعض مما كتبه الأنبا بيشوي، مطران دمياط الراحل، والذي يعتبر مرجعًا لكل التيار المتشدد والمنغلق داخل الكنيسة القبطية، فتقول على لسانه: للأسف فإن بعضهم يحرفون الآية عند تعرضهم لها ويقولون شركاء في الطبيعة الإلهية، وهذا لم يقله الرسول بطرس، لأنه لا يمكن إطلاقا أن يشترك أي مخلوق في طبيعة الله أو في كينونته، أو في جوهره. ومن يدعي ذلك يكون قد دخل في خطأ لاهوتي خطير، ضد الإيمان بالله، وبسمو جوهره، وطبيعته فوق كل الخليقة، كما أن هذا الإدعاء هو لون من الكبرياء، سقط فيه الشيطان، من قبل حينما قال: "أصير مثل العلي الرب" يحمينا من هذا الكبرياء المهلك أما قول معلمنا بطرس الرسول: "لكي تصيروا بها شركاء الطبيعة الإلهية" فهو بمنتهى البساطة يقصد أن نشترك مع الله في الملكوت الأبدي، من خلال اشتراكنا في قداسته حسب الوصية، لأنه مكتوب كونوا قديسين لأني أنا قدوس (ابط11:16) (أمل صابر، الرد على بدعة تأليه الإنسان) أتعجب كل العجب من هذا التدليس في تفسير هذا النص، والادعاء بأنه المقصود به أن نصير مثل الله بكبرياء وتكبر على طريقة الشيطان الذي سقط، فهم يقفون أمام اتحادنا بالمسيح كحجر عثرة يمنع اتصالنا به، وينصبون أنفسهم آلهة موازية علينا بعبادتها والسجود لها بدعوى أنه "سجود احترام"، وأن نقبّل أيديهم، مع أن المسيح ألغى الوساطة بين الله والناس بمجيئه لنا على الأرض وصار هو الوسيط الوحيد بين الله والإنسان، ولم يطلب منا أن ندعو أحدا بـ"سيدي"، وطلب من أتباعه بمن فيهم من أطلقوا على أنفسهم أنهم "ورثة الرسل"، بألا يحملوا عصا! فإن كنتم ترفضون نص الوحي المقدس على لسان بطرس في رسالته الثانية، فماذا عن الذي قاله المسيح بنفسه في إنجيل يوحنا إصحاح 17؟ 10 وَكُلُّ مَا هُوَ لِي فَهُوَ لَكَ، وَمَا هُوَ لَكَ فَهُوَ لِي، وَأَنَا مُمَجَّدٌ فِيهِمْ. 11 وَلَسْتُ أَنَا بَعْدُ فِي الْعَالَمِ، وَأَمَّا هؤُلاَءِ فَهُمْ فِي الْعَالَمِ، وَأَنَا آتِي إِلَيْكَ. أَيُّهَا الآبُ الْقُدُّوسُ، احْفَظْهُمْ فِي اسْمِكَ الَّذِينَ أَعْطَيْتَنِي، لِيَكُونُوا وَاحِدًا كَمَا نَحْنُ. 17 قَدِّسْهُمْ فِي حَقِّكَ. كَلاَمُكَ هُوَ حَقٌ. 21 لِيَكُونَ الْجَمِيعُ وَاحِدًا، كَمَا أَنَّكَ أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ فِيَّ وَأَنَا فِيكَ، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا وَاحِدًا فِينَا، لِيُؤْمِنَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي. 22 وَأَنَا قَدْ أَعْطَيْتُهُمُ الْمَجْدَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي، لِيَكُونُوا وَاحِدًا كَمَا أَنَّنَا نَحْنُ وَاحِدٌ. 23 أَنَا فِيهِمْ وَأَنْتَ فِيَّ لِيَكُونُوا مُكَمَّلِينَ إِلَى وَاحِدٍ، وَلِيَعْلَمَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي، وَأَحْبَبْتَهُمْ كَمَا أَحْبَبْتَنِي. (إنجيل يوحنا، الأصحاح 17) وفقا لهؤلاء الذين يريدون أن يحجبوا اتحادنا بالله فإن المسيح أصبح "مهرطقا"، لأنه خاطب الآب وقال له: "ليكون الجميع واحدا، كما أنك أنت أيها الآب فيّ وأنا فيك، ليكونوا هم أيضا واحد فينا"،  فماذا ستقولون عن هذه العلاقة التي يتحد فيها الآب بالابن ويطلب من الآب أن يكون المؤمنين واحد فيهم؟! ! ، هل لديكم تفسير؟! أعلم أنكم تقاومون كل تعليم يجعل الناس تتحد بالمسيح مباشرة دون أن يشعروا إنهم بحاجة إليكم، حتى لا يهربوا ولا ينتقصوا سلطانكم الذي ترسخ عبر مئات السنين على رقاب الناس، على طريقة سلطان كهنة العهد القديم الذين اعتبروا يسوع في زمنهم "مهرطقا" ووصفوه بتهمة ذلك العصر "التجديف"، لأنه قرر أن يُرينا الله وأن نعرفه بأنفسنا ولأنه قرر أن نتعرف عليه وجها لوجه دون الحاجة لوسطاء، ولا من يثقلون علينا بقيود تمنعنا من الوصول إليه مباشرة، فينطبق عليكم قوله للكتبة والفريسين "لا تدخلون ولا تدعون الداخلين يدخلون". لكِنْ وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تُغْلِقُونَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ قُدَّامَ النَّاسِ، فَلاَ تَدْخُلُونَ أَنْتُمْ وَلاَ تَدَعُونَ الدَّاخِلِينَ يَدْخُلُونَ (متى 23 : 13) أنصح بقراءة هذا المقال عن "التأله".  وأذكركم وأذكر نفسي، أن الذين حررهم يسوع يَجِبُ ألاّ يستعبدهم إنسان آخر تحت أي مسمى، خصوصا لو كان هذا الاستعباد باسم المسيح الذي حررنا من العبودية. --- ### المرتد / الكافر / الجاحد - Published: ۲۰۲۱-۱۲-۰۷ - Modified: 2024-04-17 - URL: https://tabcm.net/3257/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, تاريخ وميثولوچيا - وسوم: إفسابيوس، أسقف نيقوميذية, إكليروس, إمبراطور يوليانوس, الإمبراطورية الرومانية, القانون المدني, باسيليوس الكبير، أسقف قيصرية الكبادوك, جايوس فلاڤيوس ڤاليريوس أوريلوس قسطنطينوس, سوزمين, غريغوريوس النيسي, فيلوباتير مرقوريوس أبو سيفين, ليبانيوس, يوحنا مالالاس القاتل الخائن الخسيس، مشهور شعبيًا تحت اسم: القديس العظيم فيلوباتير مرقوريوس، أبو سيفين كان للإمبراطور قسطنطين (الذي عمدته أمه قبيل وفاته) ثلاثة أبناء، واشتعلت الحرب بينهم فور وفاته. ما يهمنا في هذا المقال هو طفل في السادسة من عمره، شهد إعدام كل أسرته المسيحية بواسطة عمه المسيحي، ونجا من الموت بأعجوبة. كان هذا الطفل اسمه جوليان / يوليان / يوليانوس، وإما عمه فكان "قسطنطين الابن". الطفل يوليان ظل تحت رعاية إفسابيوس، أسقف نيقوميذية، وعندما توفى الأسقف تم نفيه 6 سنوات في قيصرية، ثم بعدها تم نفيه 7 سنوات أخرى في القسطنطينية، ثم بعدها تقرر إعادته إلى نيقوميذية. تسلم يوليان مقاليد الحكم الإمبراطوري بعد موت "قسطنطين الابن" في ظروف عصيبة جدًا، وفي زمن الاستقواء المسيحي الغوغائي. فكما اضطهد الرومان المسيحيين قديمًا، عندما تحول الرومان للمسيحية أخذوا معهم تراث العنف واضطهدوا المعتقدات الوثنية العتيقة وأتباعها. أما الإمبراطور الشاب "يوليان" فقد كان ضد كل هذا العنف، فترك هذه المعتقدات اللاسلمية العنفية وعمل على استصدار أول قانون مدني علماني يقف على مسافة متساوية بين المعتقدات كلها، ويعطي كل مواطن روماني الحق في أن يعبد ما يشاء دون إكراه أو عنف أو معاملة تحقيرية. هل سمعت بالقاعدة القانونية: "المتهم بريء حتى تثبت إدانته"؟ الإمبراطور "يوليان" هو من صكها في تاريخ القانون المدني. وكل متهم بالظنون نال براءته من عقاب ظنّي ظالم لعدم اﻷدلة ضده، مدين ببراءته في الضمير الإنساني لمن وضع هذه القاعدة. والذي كان يعيش مُطلقًا لحيته كناسك عرفاني . في وقت تعرض الإمبراطورية الرومانية لغزو الفرس، خرج الإمبراطور الشاب "يوليان" لصد خطرهم (أغلبنا يعلم قصة الصراع الدائم بين الفرس والروم) وفي الطريق تعرض للخيانة من أحد جنود حرسه الخاص، وطعنه بطعنات نافذة من الخلف بكل خسة، ومات الإمبراطور الشاب غدرا. هذا القاتل الخائن الخسيس، مشهور شعبيًا تحت اسم: القديس العظيم فيلوباتير مرقوريوس، أبو سيفين حيكت حول خيانة الاغتيال تلك، عشرات القصص المقدسة، ظهرت بأشكال مختلفة في التقاليد الكنسية المتعددة، وكلها هدفها تبرأه فاعل هذا العمل الإجرامي وإضفاء القداسة على عملية الاغتيال، لأنها تمت بتحريض من القديس "باسيليوس الكبير"، وبمباركة هؤلاء الذين تقلصت وحشيتهم بمرسوم الشاب "يوليان"، الذي أسموه في التاريخ الكنسي: يوليان المرتد / الكافر / الجاحد.   عن التقاليد الكنسية المنحازة معرفيا ﻻ توجد مصادر تاريخية، أو باﻷحرى موضوعية، تربط بين الشهيد "فيلوباتير مرقوريوس" (224 م. - 250 م. ) وبين اﻹمبراطور "يوليانوس" (331 م. – 363 م. )، وذلك لسبب بسيط وعقلاني يتضح من نظرة واحدة لتاريخ ميلاد وموت كلا منها. كلاهما لم يعش في زمن واحد ولم يتشاركا الحياة في نفس القرن. لكن التقاليد الكنسية الشرقية كلها تنسب جريمة اغتيال سياسي ضلع فيها القديس "باسيليوس الكبادوكي"، وذلك بالصلاة أمام أيقونة الشهيد المسيحي القديم، والذي غادر أيقونته في بعض القصص ثم عاد لها وسيفه ملوث بدماء الإمبراطور يوليان. بطريقة أخرى: القديس باسيليوس يصلي، وشهيد يعود للحياة وينفذ جريمة قتل، استجابة من الله لصلوات الكراهية الحارة. إن كانت مصادرنا للمعرفة هي التاريخ وليست أقاويل اﻷجداد القديسين، فما لدينا يمكن حصره فيما كتبه المؤرخ المعاصر لحدث الاغتيال "ليبانيوس"، أن من اغتال اﻹمبراطور يوليانوس هو أحد رجال حرسه اﻹمبراطوري المسيحيين الديانة. سنجد أيضا المؤرخ "يوحنا مالالاس" يربط بين جريمة الاغتيال لكونها صادرة من حارس مسيحي، وبين تحريضات سابقة قام بها "باسيل" (باسيليوس الكبير) رئيس أساقفة الكبادوك. (Ref. : John Malalas, Chronographia, pp. 333–334. Patrologia Graeca XCII, col. 496) التاريخ أيضا ينقل لنا أشياء جديرة بالتوقف عندها عن علاقة "يوليان" بأساقفة الكبادوك، إذ فور إعدام أبويه بواسطة عمه ، كان مقررًا ذبحه أيضًا لولا تدخل إفسابيوس، أسقف نيقوميذية، الذي تعهده بالحماية في حياة ديرية نسكية متبتلة، وخلالها تقابل مع "باسيل" قبل أن يصير أحدهما إمبراطورًا واﻵخر بطريركًا كبادوكيًا. إلى هنا فالمتوقع لـ"يوليان" حياة مسيحية مليئة بالتقوى، وربما هذا بعض ما حدث فعلا، إﻻ أن ذبح أسرته أمام عينيه وهو طفل قد شكّل لديه موقفًا ﻻ عنفيا تفوق فيه على المسيحيين الرومان المولعين بالعنف. لم يعودوا أمامه "مسيحيون" بعد، بل "جليليون" وكتب فيهم كتبًا نقدية أشهرها ثلاثية: "ضد الجليليون"، ويقصد هنا نسخة المسيحية المبنية على العنف والاستقواء الديني. أثار هذا غضب البطريرك "باسيليوس الكبادوكي"، وشرع الرهبان في تأليف اﻷكاذيب عنه حتى رماه غوغاء أنطاكيَة بالتراب وبالحجارة، ومع كل هذا الاستفزاز لم يجنح مرة إلى اضطهادهم وكان يقول: يجب ألا يستشهد أحد. ربما يكون "باسيليوس الكبادوكي" قد اختلق قصة الصلاة أمام أيقونة فليوباتير مرقوريوس ونشرها شعبويًا، وذلك لإضفاء سمة القداسة على حادث الاغتيال وتبرأة الجندي المسيحي، لا أحد يعلم كيف بدأ هذا، لكن المؤكد أن هذه القصة الشعبية ستترسخ كمعجزة على يد المؤرخ الكنسي "سوزمين" الذي كتب عن البطريرك ومرقوريوس بعد أكثر من 80 عامًا من اغتيال اﻹمبراطور يوليان. ومن كتابات "سوزمين" الكنسية، ستصبح هذه القصة مصدرًا في التقاليد الشرقية المتعددة لسيرة الشهيد فيلوباتير مرقوريوس، بل حتى أيقوناته الطقسية، التي يظهر فيها وهو يقتل "يوليان" من ظهره، وفي الخلفية يقف القديس "باسيليوس الكبادوكي" وهو يصلي بوداعة. ﻻ مقدس فوق النقد بأعين عصرنا الحالي، نرى الإمبراطور يوليان متسقًا مع قيم العدالة والمساواة وحرية الاعتقاد، بينما القديس باسيليوس مجرد بلطجي استقواء. وﻻ يصح أن نفترض تدخل الله في جريمة اغتيال وسفك دم غادر لمجرد أن "قديس" يختلف مع "كافر" في تبني قيم السلمية واللا عنف. الله لو ساعد البلطجي يبقى بلطجي! فإن كان البعض يؤمن بهكذا إله، إذن فلدينا مشكلة إيمان، وليس مشكلة تاريخ! النسخة القبطية من فيلوباتير مرقوريوس تتفرد بأسطورة السيف الثاني، ومنها لقب "أبو سيفين" ومختلفة عن التقليد الشرقي عند الأرثوذكس الروم، وتشير لكنيسة محلية مهزومة، تؤمن بإله محارب هداياه سيوف! وليس إله قال من يعش بالسيف فبالسيف يقتل. أتصور هذه القصص على أنها تكتب بعد النصر. إذ بعد الهزيمة لا نرى مثل هذه الانحيازات الإلهية لمعارك البشر. الكل يقول أن حربه نبيلة، شريفة، دفاعية، مقدسة. كلهم بما فيهم "داعش" تقول نفس الكلام! بل قصة استشهاد فيلوباتير مرقوريوس تقول هذا الكلام بوضوح، لقد حارب مرقوريوس المسيحي بجوار الوثني جنبًا إلى جنب لصد خطر البرابرة، ونجح كلاهما في ذلك فلماذا استشهد فيلوباتير مرقوريوس؟ لأن الإمبراطور الوثني كل منهما يعتقد أن إلهه سبب الفوز على البربر الأشرار ذوي الإله الأضعف! أصر الإمبراطور الوثني أن تقدم الذبائح لإلهه الذي نصره على البربر، وخالفه مرقوريوس المسيحي في تأويل سبب النصر لإله آخر! كل من يشارك مرقوريوس الاعتقاد في أن الله عضده، فسيرى مرقوريوس مؤمن عن حق. وكل من يشارك اﻹمبراطور الاعتقاد فسيرى الإمبراطور أيضا مؤمن عن حق. والفرق بينهما في اختلاف تأويل الإله المحارب الذي كان سببا للنصر. لو كان مرقوريوس مات في الحرب ضد البربر، لصار شهيد الدولة ﻻ شهيد المعتقد. لكن لأن هذا لم يحدث، ولأنه فعليا قُتِل بسبب مسيحيته، فهو هكذا شهيدًا للمسيحية وليس الدولة الرومانية. لكن هذا لا يجعل منه قديسًا. القديسون لا يحملون السيف أصلا! ولعمري، ما سمعت كلمة "حرب مقدسة"، دون أن أرى في ذلك نصبًا باسم الله في المسألة. إيمان الكنيسة الأولى في تجريم العسكرية الكنيسة الأولى كانت تعي هذا، ووضعت القوانين بحيث لا تحارب إلا مضطرًا. وإن حاربت مضطرًا، فلابد أن تكون مدنيًا وسيتم اعتبار كل قتالك : خطية، تحرمك من التناول والشركة إلى أن تتوب. المسيح نفسه كان هكذا، وهو الذي أسس لهذه الفلسفة. ورغم إدراكنا جميعًا أن هناك لحظات اضطرارية يمكن تجبرنا على القتال، لكننا سنفعلها بعيدًا عن لصق اسم المسيح أو الله. سنقاتل على مسؤوليتنا ونحن مُكرهين ونشعر أنها "خطية"، نتمنى زوالها بالسلام. إن كان أسقف، كاهن، او شماس منخرطًا في أعمال عسكرية، ويبتغي أن ينتمي للرومانية كما للمنصب المقدس، فهو يسقط من منصبه الكنسي (القانون ٨٣ من قوانين الرسل) إن كان إكليروس وقع في دنس القتل، حتى لو دفاعا عن النفس، يسقط من الكهنوت الذي دنسه هو بهذه الجريمة البشعة (القانون الخامس من قوانين القديس غريغوريوس النيسي) الإنسان المسيحي لا يتجند. لا يجب أن يصير المسيحي جنديًا إلا إن تم اجباره من رئيس أن يحمل السيف. لا يحمّل ذاته خطيّة الدماء. وان شارك في سفك الدم، لا يشترك في الأسرار، إلا إن خضع لتأديب، وتوبة، وبكاء ودموع، ولا يأتي للكنيسة مخادعًا بل في خوف الله (القانون ١٤ من قوانين هيبوليتس، القرن الرابع) شخصيًا لا أؤمن بقداسة أبو سيفين. هو شهيد نعم، لكنه ليس قديسًا وفق أي تعريف نظري للقداسة. لا يوجد "قاتل قديس"، وكل هذه أوهام يجب أن تزول. الشهيد: هو من استقبل الموت، دون خوف، مسؤولًا عن قراره. قد يقرر المرأ تعريض حياته للموت في مقابل "إحياء قيم" يراها أهم منه شخصيًا. قد تكون وطنه، قد تكون دينه، قد تكون حياة آخر يحبه، والبعض يضيف الدفاع عن النفس في حالة الاستحالة، مثل أن يهاجمك مجموعة يستحيل انتصارك عليهم، فتقرر الموت وأنت تقاتل بدلا من الموت مستسلمًا لهم. هذا اللقب: "شهيد"، لا يناله إلا من مات. إذ لا يكفي التعرض للخطر والنجاة مثلا. الاستشهاد ثمنه حياة. القداسة موضوع آخر، فهي لا تتعلق بالموت وإنما بالحياة وفق نسق أخلاقي موصوف بالقداسة. مثلا لو رأيت الحب مقدسًا، إذن فأنت لا تكره كيلا تفسد قداستك. لو رأيت الحياة مقدسة إذن فأنت لا تقتل. الصدق مقدسًا إذن فأنت لا تكذب. وهكذا. في حين يتعلق الاستشهاد بالموت في سبيل القيم، تتعلق القداسة بكيفية الممارسة لهذه القيم. قد يستشهد إنسان وهو ليس قديسًا. قد يتقدّس إنسان ولا يموت شهيدًا. لا علاقة بين الإثنين. القاتل ليس قديسًا... ﻻ يصح مثل هذا الادعاء، ولكل دوره في الأرض. مش ضروري يعني كل حاجة نلطع عليها "قديس" فنفقد القداسة معناها! غاية ما أستهدفه هنا هو ضبط مصطلحاتنا، حتى ﻻ تصير المسألة مجرد توزيع "نياشين" فاقدة المصداقية. --- ### "الحانوكا"، وعيد الميلاد - Published: ۲۰۲۱-۱۲-۰٦ - Modified: 2025-02-02 - URL: https://tabcm.net/3261/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: أيام الخليقة, التقويم الميلادي, الحانوكا, السبي البابلي, دسقولية, عيد الميلاد, مكابيين, ميلاد المسيح, وليم سليمان قلادة سيبدو غريبًا أن انقل مقالًا كاملًا داخل مقالي، إلا أنني موقن أن هذا "الاستغراب" سيتبدد بمجرد قراءتك للمقال. المقال يفض اشتباكًا كان غير مفهومًا بين ارتباط تاريخ 29 كيهك القبطي، مع تاريخ 25 كسلو العبراني، بعيد الميلاد في الدسقولية. هذا المقال دراسة للباحث الشاب "توني مرقس"، أحد طيورنا المهاجرة، والذي يعمل بالرياضيات. وربما هذا سببا في أن يستهويه البحث في التقاويم ودراساتها. (رجائي شنودة) ميلاد الرب يسوع المسيح والحانوكا عيد الأنوار اليهودي، أو عيد التجديد؛ الحانوكا، يرتبط ارتباطًا وثيقًا بميلاد المسيح. وبمناسبة هذه الأيام والاحتفال بعيد الميلاد المجيد، سأشرح هذه العلاقة. الموضوع به تفاصيل كثيره لكنه غاية في الأهمية، لأنه يعرفنا بنبوءة قوية جدا عن ميلاد المسيح، ودليل قوي وحاسم ضد اليهود الذين ينكرون أن المسيح قد جاء وأتم الخلاص. وسنلخص هذا الموضوع في تسع نقاط. الارتباط التاريخي بين عيد الأنوار ومولد المسيح: 1- تاريخيا الرب يسوع ولد على الأرجح في أواخر عام 5 قبل الميلاد ((Monte Shanks, Why Isn’t Jesus’s Birth Year AD 1 and Other Answers about His Ministry and Crucifixion ))، أي في العام اليهودي الموافق للسنة 5 ق. م. / 4 ق. م. 2- وَفْقاً لتقليد الكنيسة (الدسقولية)، فالكنيسة تعيد بمولد المسيح في 29 من الشهر الرابع للمصريين الموافق 25 من الشهر التاسع للعبرانيين ((د. وليم سليمان قلادة، تعاليم الرسل: الدسقولية، فصل 29، ص646. )). توقيت 29 كيهك في القرون الأولى وحتى قبل عام 1582 كان يوافق يوم 25 ديسمبر، لكنه تغير بسبب التعديل الغريغوري على التقويم الميلادي. فتاريخ ميلاد المسيح 29 كيهك كان يوافق 25 ديسمبر، لكنه بسبب هذا التعديل أصبح الآن يأتي في 7 يناير. اللافت للنظر هنا، هو ربط الدسقولية موعد 29 كيهك/25 ديسمبر وهو تقويم نجمي/شمسي بموعد 25 كسلو العبري وهو تقويم قمري! وهما لا يلتقيان إلا كل عشرات السنين. فلماذا ربط التقليد بين هذين التقويمين في هذا اليوم؟ 3- بالبحث عن تاريخ (29 كيهك/25 ديسمبر) عام 5 ق. م. وُجد أنه وافق فعلا 25 كسلو من السنة العبرية في ذلك العام، وهو اليوم الذي يبدأ فيه عيد الأنوار (الحانوكا = التدشين) ((راجع يوم 29 كيهك/ 25 ديسمبر عام 5 ق. م. من هنا: http://www. cgsf. org/dbeattie/calendar/? roman=-4 )). وعيد الأنوار (الحانوكا) ((Jewish Virtual Library, Jewish Holidays: Chanukah, by Rabbi Nina Beth Cardin, Rabbi Randall Mark )) هو تذكار تدشين الهيكل الثاني بعد العودة من السبي البابلي ((حجي 2 : 18 ))، وأيضا تذكار تطهير الهيكل عام 164 ق. م. بواسطة المكابيين وتطهيره من العبادات الوثنية ((مكابين 4 : 59 )). 4- بهذا يكون ميلاد الرب يسوع يوافق بداية عيد الأنوار اليهودي، الذي يستمر لمده ثماني أيام، والذي في اليوم الثامن منه نعيد بعيد ختان المسيح ولقاؤه بعد ذلك مع سمعان الشيخ الذي حمله في الهيكل في اليوم الـ40 من ميلاده ((لوقا 2 : 21-38 )) وربما هذا ما جعل سمعان يتكلم عن "نور إعلان للأمم" في تسبيحته الشهيرة عندما تحقق من موعد ميلاد الصبي يسوع. البعد الروحي والنبوي لعيد الأنوار الحانوكا وميلاد المسيح: 5- تدشين الهيكل الثاني بعد دمار الهيكل الأول في السبي البابلي (586 ق. م. ) أو تطهير الهيكل بعد تدنيسه أيام المكابيين (164 ق. م. ) يشير روحيًا لتجسد المسيح في طبيعتنا التي فسدت بالخطية وأصبح مصيرها الموت، وجاء الرب يسوع في الجسد ليجدد هذه الطبيعة ويمنحها الحياة بالخلاص. نقول في القداس الغريغوري: باركت طبيعتي فيك. 6- منارة الحانوكا مكونة من تسعة أفرع تضاء بالشموع. ويبدأ الاحتفال بالعيد بإضاءة الشمعة الوسطى في ليلة 25 كسلو، ومن هذه الشمعة الوسطى يتم إيقاد شمعة كل يوم لكمال أيام العيد الثمانية. وتشير هذه المنارة بشمعتها التي في المنتصف والتي تقاد من باقي الشموع الثمانية، إلى المسيح نور العالم، الذي أضاء علينا نحن الجالسين في الظلمة، وهو مصدر نور باقي الشموع التي هي نحن، لنكون نحن أيضًا نورا للعالم كما قال لنا، ولكنه هو مصدر النور الذي فينا. 7- وباكتمال أنوار المنارة في الثمانية أيام تكتمل نبوة حجى النبي ((حجي 2 : 10-32 )) بظهور يسوع وختانه في الهيكل. فنجد سمعان الشيخ بعد ذلك اليوم يسبح ويقول: نور إعلان للأمم ومجدا لشعبك إسرائيل ((لوقا 2 : 30-32 )). لأن النور الحقيقي ظهر في العالم كما قال القديس يوحنا في بداية إنجيله ((يوحنا 1 : 6-13 )). 8- وبدخول المسيح للهيكل في اليوم الأربعين من ميلاده، نجد تحقيق لنبوة حجي ((حجي 2 : 7-9 )) التي تنبأ فيها عن مجيء مشتهى كل الأمم لهذا البيت فيصبح مجد هذا الهيكل بحلول المسيح فيه أعظم من مجد البيت الذي بناه سليمان. ونحن نعرف الآن أن الهيكل الثاني موضوع النبوءة الذي كان قائمًا حتى زمن المسيح تم تدميره بواسطة الرومان عام 70م. وليس له أي وجود الآن. لذلك فمن المؤكد بحسب نبوءة حجى النبي أن المسيح جاء في هذا الهيكل الثاني ولا داعي لأن يحاول اليهود الآن بناء هيكل ثالث انتظارًا للمسيح. لأن النبوءة تحدد ظهور المسيح في الهيكل الثاني الذي كان قائمًا وقتها وليس أي هيكل آخر يتم بناؤه بعد ذلك، لأن الهيكل الثالث هو الرب يسوع نفسه ((يوحنا 2 : 19-22 )). 9- الثمانية أيام مدة عيد الأنوار وهي المدّة من الميلاد للختان تشير إلى الأبدية. سبع أيام الخليقة والدخول لليوم الثامن الذي يشير رمزيًا للأبدية. فنور المسيح هو الذي ينير ظلمة أيام حياتنا ويقودنا للدخول بنا إلى الأبدية. وأيضا كما يذكرنا عيد الأنوار بتدشين الهيكل الجديد بعد دمار الهيكل الأول بواسطة العائدين من السبي وإلى تطهير الهيكل من النجاسات الوثنية التي دخلت إليه ببناء مذبحه الجديد بواسطة المكابيين ((مكابين 4 ))، فيشير قطع الغرلة إلى الموت بخلع الإنسان العتيق المائت ولبس الإنسان الجديد المخلوق بحسب الله في البر والقداسة والتقوى ((أفسس 4 : 24 )) والذي يتجدد للمعرفة على حسب صورة خالقه ((كولوسي 3 : 10 )). --- ### خواطر في تفسير إنجيل يوحنا
الإصحاح الثاني (٥) - Published: ۲۰۲۱-۱۲-۰۵ - Modified: 2022-02-26 - URL: https://tabcm.net/3006/ - تصنيفات: كتاب مقدس "ووَجد في الهيكل الذين كانوا يبيعون بقراً وغنماً وحماماً، والصيارف جلوساً. فصنع سوطاً من حبال وطرد الجميع من الهيكل، الغنم والبقر، وكبَّ دراهم الصيارف وقلب موائدهم. وقال لباعة الحمام: « أرفعوا هذه من ههنا. لا تجعلوا بيت أبي بيت تجارة» . فتذكر تلاميذه أنه مكتوب: «غيرة بيتك أكلتني»“ إن تصرف الرب يبدو وكأنه عنيفاً في هذه الحادثة . لأن تجار الدين و ” الرعاة الأجراء واللصوص“ لم يجرؤا أن يناقضوا الحق وما قاله الرب عن تعليمهم و سلوكهم الفاسدة . إنهم لم يدافعوا عن سلوكهم الخاطئ ” كانوا يبيعون بقراً وغنماً وحماماً، والصيارفة جلوسا بالهيكل “، لأنهم ليس لديهم سند أو تعليم أصيل يلجأون إليه لمواجهة الحق الإلهي الذي فضح رياءهم . إن تجار الدين ، وخاصةً رجال الدين منهم الذين وصفهم الرب له المجد بأنهم ” أجراء و لصوص“ ، دائماً أبداً تجدهم يسعون إلي الفوز بالمناصب القيادية في المؤسسة الدينية لكي يأخذون عافية ، ليس من الرب، بل من تراب الأرض . وأقصد هنا ما يمنحه المنصب من فرصة للتشدق بقوانين يختلقونها تُمكِّنهم من الإلتفاف علي الحق الإلهي والتهرب من مراجعة أنفسهم . لقد رأيناهم بدلاً من الدفاع عن عِوار سلوكهم وتعاليمهم فإنهم هاجموا شخص الرب« أية آية ترينا حتى تفعل هذا ؟»لأنه أعلن الحق الإلهي الذي فضح متاجرتهم بالدين . إن إستراتيجيتهم المخفية وراء هذا الإسلوب أن يتوه الناس بعيداً عن الحق الإلهي بالدخول في مناقشات حول الأشخاص ومايقولون ، وليس شخص الرب يسوع المسيح وما يقول . فما أسهل إختلاق التُهَم المُعلَّبة . وعلي مستوي مصر فإن قانون ” أزدراء الأديان“ ليس ببعيد عما نقول ، كذلك ما عاصرناه في جيل الخمسينات في كنيستنا ومازلنا . الرب عن يمينك يا أبينا البطريرك ... . فكيف كان جواب الرب علي أستراتيجية تجار الدين والرعاة الأجراء واللصوص في اللف والدوران والتحايل علي مواجهة الحق الإلهي؟. يُتبع في المقال القادم بإذن المسيح. والسُبح لله. بقلم د. رءوف أدوارد --- ### المرأة في فكر المسيح مش أي حد تاني - Published: ۲۰۲۱-۱۲-۰٤ - Modified: 2024-02-29 - URL: https://tabcm.net/3218/ - تصنيفات: المرأة القبطية - وسوم: بابا شنودة الثالث, حنة بنت فنؤيل, خطورة الآية الواحدة, دسقولية, دياكونيس, قديس بولس الرسول, مرقس داود, مريم المجدلية, مريمات, يوسف النجار لازم نتفق الأول أن ده مش موضوع يخص المرأة، ولا حقوق المرأة، ولا هو موضوع جندري، بقدر ما هو موضوع مسيحي صرف، يخص إيماننا المسيحي الذي يتمحور حول تقديس الإنسان في البداية ‏علشان نتكلم عن موضوع الساعة، لازم نتفق الأول أن ده مش موضوع يخص المرأة، ولا حقوق المرأة، ولا هو موضوع جندري، بقدر ما هو موضوع مسيحي صرف، يخص إيماننا المسيحي الذي يتمحور حول تقديس الإنسان، وتجديد طبيعته، وينير لنا الطريق خلال  قواعد هامة لعلاقتنا بالمسيح التي يسميها العالم: المسيحية. ‏كان ينبغي انه لما تجسد المسيح من أمنا العذراء، يبقى نقطة ومن أول السطر. ما ينفعش نتناقش تاني إن المرأة في المسيحية لها مكانة زي الرجل ولا لاء، تدخل الكنيسة ولا تطلع منها، هو مش نجسة بس لازم تتطهر الأول! ! كل الكلام اللى مالوش معنى ده، ‏لأن إحنا مؤمنين أن السيد المسيح له كل المجد اختار بنفسه طريقة تجسده، واللي كانت عن طريق حلول الروح القدس في أمنا العذراء. لو هو كان عايز المرأة تفضل في مكانة أقل من الرجل، كان يقدر يلاقي طريقة ثانية يتجسد بيها. ‏وركز في موضوع "العذراء فخر جنسنا" اللي إحنا بنقولها وواضح إننا مش فاهمين معناها. لأنه مش معناها إنها "فخر النساء"، ولكن معناها إنها "فخر جنس البشر"، فالسيد له المجد اتخذ له جسدا من جسدها، وبالتالي سمح لها بما لم يسمح به لأي إنسان آخر. فالمرأة اللي مش عاجباكم صارت مشاركة بشكل ما في تجسد المسيح الذي خلصنا. طيب مش كفاية؟ لا! ! هايقولك طيب ما هى أمنا العذراء دي أطاعت وتركت الهيكل وهى سنها ١٢ سنه علشان مش مسموح لها تقعد فيه نقول تاني ... . . أولا هذا حدث في العهد القديم وطبقا للشرائع اليهودية اللي أنتو سيبتوا كل حاجة فيها ومسكتوا فيما يخص المرأة وتطهيرها ولا كأن هناك أي تقدم علمي أو طبي حدث في العالم. ثانيًا وده الأهم، العذراء تركت الهيكل لسبب آخر غير اللي لا مؤاخذة في دماغكم، لأن كان فيه في نفس الوقت واحدة ست تانية، ترملت بعد زواجها ب ٧ سنين، يعنى وهى في عز شبابها، ولم تفارق الهيكل ٨٤ سنةً. اسمها "حنة بنت فنؤيل" (لو٢: ٣٦ -٣٨) والسبب ده ممكن يكون خاص بنذرها أو حياتها اللي لازم تعيشها بعد كده. أنتو عارفين يعنى إيه المسيح تجسد من امرأة وصارت أمه؟ يعنى أخذ لحمًا ودمًا من جسدها، تربى على لبنها. . علمته المشي والكلام. . يوسف النجار كان شيخ كبير في السن، وبالتالي هي اللي كانت بالتأكيد اقرب ليه في كل حياته، وتيجي حضرتك تناقش تلمس ولا ماتلمسش، تدخل ولا ما تدخلش. . إيه ده؟ وقبل ما حد يقول إن السيد المسيح له المجد اختار التلاميذ من الرجال فقط، نبقى حاجة من الاتنين: يا إما ما قريناش الإنجيل، يا إما مش فاهمين خالص شكل الحياة وقتها كان إيه. . كانت النساء جزء كبير من خادمات وخدام المسيح، وذكروا في الأناجيل ماشيين وراه وكارزات باسمة، وهن اللائي لم يتركوه حتى عند الصليب، وذهبن فجرا حاملات الحنوط حين كان تلاميذه الرجال هاربين خائفين بائعين ناكرين. . ألا تخجلون يا جماعة! السيد المسيح له المجد ظهر أولا (خط تحتها ١٠٠خط) لمريم المجدلية، بالرغم إن بطرس ويوحنا كانوا عند القبر ودخلوا الأول. لكن مظهرلهمش. . إحنا فاهمين اللي بنقراه ولا نقول تانى؟ الكنيسة الأولى كانت عبارة عن التلاميذ والمريمات (النسوة اللاتي تبعنه) وطبعا قبلهم أمنا العذراء، وحل الروح القدس عليهم جميعا معا. زي بعض بالظبط، محدش خد حتة زيادة، ولا حتى بطرس اللي وقف أتكلم في هذا اليوم. وقبل ما تقول بولس الرسول قال لتصمت نساؤكم في الكنيسة، لازم تفهم المعنى المقصود من الكلام بناءً على العصر والأحداث اللي كتبت فيها، وأنصحك بالرجوع لكتاب "خطورة الآية الواحدة" لقداسة المتنيح البابا شنودة. ومن كتاب الدسقولية ترجمة أبونا "مرقس داود" صفحة ١٧٠، ١٧١، إن المرأة كانت ترسم شماسة كاملة، دياكونيس، ولها مهام وواجبات الشماس الكامل، حتى أنها كانت تقوم برشم السيدات المعمدات بالميرون، وكانت تساعد في التناول! ده قبل ٢٠٠٠ سنةً ? ! ! وقبل الكلام ده بآلاف السنين وفى عز العهد القديم، كان التسبيح هو عمل المرأة في موقف من اعظم مواقف التاريخ الإنساني في عبور البحر الأحمر، وأمسكت مريم أخت هارون الدف وبدأت تسبح الله بالتسبحة اللي بنسنخدمها في الهوس الأول. ونقول لا كخ البنات صوتهم ما يطلعش في الكنيسة. .   جبتوه منين الكلام ده؟! وإحنا دلوقتي لما اسقف قديس حب يفرح بناته العذارى المكرسات (الشماسات) وسمح لهم يشيلوا الصلبان، مش يشيلوا الجسد والدم والميرون، والمذبح غير مدشن ولا يوجد لوح مقدس، وتقوم الدنيا وما تقعدش غير لما الأسقف المبارك ينحنى كسيدة ويعتذر ليجنب الكنيسة مكائد إبليس وأولاده، سامحوني تبقى مصيبة! إذا كنا بعد اكتر من ألفين سنة من مجيء المسيح، مش فاهمين إنه مفرقش بين الرجل والمرأة في الكنيسة ولا في المسيحية، يبقى لسه ما عرفناش أصلا مين المسيح! واللي ها يقوللى كهنوت المرأة وحكايات أمنا الغولة اللي بتخوفوا بيها الناس علشان ما يحاولوش يفكروا، دوروا لكم على حجة غيرها. . محدش جاب سيرة كهنوت المرأة ولا طالب بيه، ولكن هذا أمر تنظيمي وبالأولى رعوى، لان الكهنوت ليس سيادة ولا مكانة عليا ولكن الكهنوت أبوة، والله لم يخلق المرأة لتكون أبًا كما لم يخلق الرجل ليكون أما وماعدا ذلك كل ما يقوم به الرجل تستطيع أن تقوم به المرأة وعلى نفس المستوى وأحيانا افضل نتيجة التخصص. أتمنى من مجمعنا المقدس والمليء بآباء قديسين مملوئين من روح الله والنعمة، أن يضعوا لنا إجابات على هذه التساؤلات الهامة. أين نحن من تطبيق تعاليم المسيح، وأين نحن من قوانين الدسقولية المنظم الأول لترتيبات الكنيسة. . وآن الأوان أن نسمع كلمات منطقية حكيمة بعيدة عن قصص ديزني والكلام الذي اصبح لا يغنى ولا يسمن. --- ### "الحفرة" وسُمّية المجتمع الزّائف - Published: ۲۰۲۱-۱۲-۰۳ - Modified: 2024-02-29 - URL: https://tabcm.net/3225/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون, شئون علمانية - وسوم: أحمد البنهاوي, أندرو أشرف, سورين كيركجارد, صدقي صخر, عمرو عابد, قايين, كريم قاسم, مهرجان القاهرة السينمائي الدولي, هابيل أحيانًا، وكثيرًا، من شدة تأثرك بعمل ما، أو في شدة اكتماله، تبدأ في فتح ملفاتك الأقدم والأكثر تقيحًا! ألا يُذكرك كل هذا بشيء؟ هذا ما قلته لنفسي بنهاية العرض وساقي اليسرى تهتز متوترة! بالطبع ذكرني ويُذكرني منذ أيام، بدأ العرض الأول للفيلم القصير "الحفرة" من تأليف وإخراج "عمرو عابد" وإنتاج "كريم قاسم" وبطولة كل من "صدقي صخر" و"أحمد البنهاوي"، وذلك في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته ال43. اتخذت موقعي المعتاد على الجانب الأيمن من صالة العرض شديدة البرودة، متحمسة ومشجعة، فأنا أدرك جيدًا صعوبة خروج فكرة ما للنور بعد سنوات من البلورة والعمل الشاق. كانت مدة العرض تقريبًا 15 دقيقة أو أكثر بقليل، غلبت الإضاءة الحمراء الممتزجة باللون الأخضر المائل للزرقة على الأجواء، موقع تصوير واحد وممثلان اثنان فقط ووتيرة سريعة معتمدة على الحوار المتبادل لكنها تكشف أكثر مما يُنطق به! تدور الحبكة ببساطة حول شقيقان أحدهما مُمثل موهوب، غير تقليدي، محبوب من عائلته وله شعبية لا بأس بها، من الجانب الأخر هناك الأخ الهادئ، البشوش، الذي يتبع القواعد ولا يجرؤ على كسرها حتى بينه وبين نفسه! للوهلة الأولى، تتصور كم هو بغيض ذلك الفنان الذي يدفع أخيه دفعًا للتعبير عما بداخله من كراهيَة وسواد، فربما تقول: لماذا يفعل ذلك؟ فأخيه لطيف ويتمنى خير الجميع. لماذا يُساومه على حضور حفل زفاف؟ فلن يخسر شيئا من مجاملة اجتماعية عابرة. بين تلك التساؤلات، كان العرض ينفجر بالضحكات المتوالية لأسلوب الممثل الساخر المُصر على توبيخ أخيه وسب أبيه وضرب كل الـ"مفروضات" بعرض الحائط. والحقيقة أني نوعًا ما شاركت الضحكات، فمن النادر انتزاع ضحكة وسط موبقات الحياة الصاخبة، وإن تملكني توتر، خوفٍ ما، شيء يُخبرني هذا ليس مُدعاة للضحك، أنها مرارة مُغلفة بطبقة من الـ"كراميل" السائح، طبقة ذاتية جاهدت لتُظهر نفسها عارية مُثخنة بجراح لم تلتئم بعد! ذاتية قد تُعيد إليك مُحاكمة "شاهين" لنفسه وماضيه ومستقبله في فيلم "حدوتة مصرية": الطفل الذي يريد تدمير ذاته إذ لم يعد قادرًا على مُداواه الجروح العميقة. ذاتية سريعة القطعات تُجبرك على تكملة التجربة إلى نهايتها! كان ما توقعته صحيحًا: فمع اقتراب نهاية العرض، أعيد إلينا مشهد دفن "قايين" لـ"هابيل" تحت رمال من مشاعر الخزي والشعور بعدم الاستحقاق، لحظة من تكشف حقيقة الوجه البشوش اللطيف الذي لا تخرج العيبة من فمه، فهو أيضُا قبر مُبيض لعبت به الحياة وأنهكته معاييرها وتخبط عدالتها، والحقيقة، كل الحقيقة، أنني تعاطفت معه للغاية حين صاح مُعبرًا عن غضبه من كل شيء يقمعه حتى الإله القدير! خلال عرض قصير المدة، تواترت داخلي أسئلة كنت ومازلت أبلعها بعمق داخل كياني، والحقيقة هذا جانب جيد من الفن: فهو مؤثر ويمس جزءًا من روحك كان يمكن أن تنسى وجوده. أحيانًا، وكثيرًا، من شدة تأثرك بعمل ما، أو في شدة اكتماله، تبدأ في فتح ملفاتك الأقدم والأكثر تقيحًا! ألا يُذكرك كل هذا بشيء؟ هذا ما قلته لنفسي بنهاية العرض وساقي اليسرى تهتز متوترة! بالطبع ذكرني ويُذكرني، فكما أن تجربة "الحفرة" تغلب عليها الصدق الذاتي، تجرأت وكتبت تلك السطور حول أكثر المواقع التي تعلمنا فيها ارتداء الأقنعة وارتداء القطع الجديدة على نزف دامٍ. ههنا، سأطلق عليها مصطلح المجتمعات المزيفة السامة، هربًا من مقص الرقيب، لكن وأنت تقرأ بإمكانك مطابقة معايير وصفات المجتمعات السامة على ما شئت، فقط استجمع شجاعتك واكمل قطع البازل المتناثرة فترى بوضوح على من تنطبق تلك المعايير. ولأني من عشاق "سورين كيركيجارد" فربما أعذبك معي ببعض أقواله الوجودية خلال رحلتنا القادمة ((أفكار مستلهمة من محاضرات: "مشكلة الخزي... الجذر السام لكثير من أمراضنا الروحية والنفسية" للمحاضر: أندرو أشرف. )). The most common form of despair is not being who you are (Søren Kierkegaard) الشق الأول من سمات المجتمعات السُمية هو القولبة: لا تعترف المجتمعات السُمية بقدرات الفرد في ذاته وإن أكدت على مسامعنا ليل نهار كم أن الإنسان هو لمحة من التصور الإلهي الكامل للحياة، الكائن العاقل الحامل لسمات الأبدية في روحه بشكل خاص. لكن، المجتمعات "إياها" لا تقدر بل لا مكان فيها لأي نوع من التفرد والاختلاف: فقط كن كفلان أو علان وليس ذاتك لنرضى عنك. تلك المجتمعات دائمًا ما تضعك في موقع المقارنة، لا مجال ههنا للأصالة والاختيارات الحرة، أو بمعنى أدق لا قدرة لدى مرتادي تلك المجتمعات على التعبيير عن ذواتهم ودائمًا ما ستجدهم باحثين عن من يحمل عنهم وزر القرارات. حياة كاملة لا تديرها بتعقل أو تدبر لكن هناك من يشد خيوطك لتتشكل على مقاسات مجتمعه! مؤسف. What if everything in the world were a misunderstanding, what if laughter were really tears (Søren Kierkegaard) الشق الثاني في التعرف على المجتمعات السُمية هو معيار الإنجاز السريع: تتبع المجتمعات السالف ذكرها معيار البقاء للمتفوق، فتكرم الناجح والصالح أخلاقيًا وكل من يتبع الصواب والمفروض من قواعد تلك المجتمعات الواضحة. الحقيقة أن ذلك ليس سيئًا بالكامل فما الضرر من اتباع القواعد أو محاولة الإنجاز أو الصلاح الأخلاقي؟ في الواقع لا ضرر إطلاقًا. لكن يبدأ الضرر حين ترسل لك تلك المجتمعات سمها باستمرار في أن وجودك، كيانك بالكامل لا معنى له ولا يحدده سوى ما تفعل! أنت لست ما تكون بل ما أنت فاعله! بهذه الطريقة تحاول فقط اللهث وراء مكافأة قبول الجماعة التي تنتمي لها، حيز أكبر نسبة من أمان وجودهم حولك، فاحتمالية انكشاف بعض الرغبات الجامحة أو الخلل في شخصيتك سيعرضك لسيل من الخذلان والرفض. فما العمل إذًا؟ تمامًا كجبل الثلج تُخفي كتلتك الأعظم تحت المياه وتظهر كما يُريد ذلك المجتمع! ربما الآن تُدرك أن ليست كل الابتسامات حقيقية. Love is all, it gives all, and it takes all (Søren Kierkegaard) الشق الثالث في التعرف على المجتمعات السُمية هو معيار النمو مقابل الإنجاز: بكلمات أقل تعقيدًا: الظاهر أولى وأهم من الباطن! هل تتذكر مثل الزارع الذي سقطت ثماره على الطريق وعلى الأرض الصخرية وعلى أرض شوكية وأخيرًا على أرض جيدة؟ تعرف تلك المجتمعات جيدًا مظهر الثمار وقت الحصاد وروعة خضرة الأرض ذات التربة العميقة حيث تضرب النباتات جذورها، ولكنها لا تمتلك ذلك العمق ولا تلك القدرة على طلب يد العون لتُصلح. فماذا تفعل؟ تُقرر الاستعانة بنباتات صناعية مفروشة فوق تربتها، مشهد مبهج وبديع سمته الكمال ظاهرًا لكنه فاسد إلى العمق ومع أقل امتحان حقيقي سيتداعى منهارًا! هذا قد يُعيدنا للنقطة السابقة التي تعتمد في المقام الأول على الظهور بالمظهر الصالح لكن المختلف في هذه النقطة هو سُمية التمحور حول الذات في المقام الأول: فأن تتبع القاعدة لتنال المكافأة أو ترضى عن ذاتك هو إعادة إنتاج لجذر مشكلة التمحور حول الذات والخوف من افتضاح الحقيقة بدلًا من تعريضها للنور ومعالجتها. في تلك المجتمعات، لا يتم تقدير من أين بدأت وأي رحلة قطعت فالمهم أن تبدو مثلما نرجو: غير مدخن، صالح، لا تصيح، لا تسب، لا تغضب، لا ترتدي ذلك، لست أنانيًا، لست حاقدًا وغيرها. ولهذا قد تكون من سيء لأسوأ من الداخل لكن لا يهم نموك الشخصي، فالأفضل هو إنجاز معاييرنا! تُروى الثمار بالحب وليس بإطلاق الأحكام والمواعظ. هاممني مكونش زيف لابس يقين! في النهاية، ربما تكون قد استنتجت لماذا تعاطفت مع الأخ المنبوذ من فيلم الحفرة، فهو مثل الكثيرين حولنا، يشحذون الحب والقبول، ينعمون بالدفء الكاذب لأمن جماعاتهم، لا يجرؤون على معالجة مشاكلهم فهم لا يعرضونها للنور من الأصل، هم فقط مختبئون داخل قشور من الذات الزائفة التي لا مبادئ لها في ذاتها إنما تحاول إنتاج ما تتلقنه سلوكيًا فقط! فلا حب حقيقي، لا مودة حقيقية، لا عفة متأصلة، لا إيثار أصيل، لكن عظام أموات وكل نجاسة في محاولة فقط للحياة، حياة بائسة لا تُعبر عن ملء الكينونة وثقل مجد الخليقة الأولى. --- ### رحلة الدجل والشعوذة
من "مكاري يونان" إلى "سعيد عبده" - Published: ۲۰۲۱-۱۲-۰۲ - Modified: 2023-07-18 - URL: https://tabcm.net/3176/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, شئون علمانية - وسوم: اخراج شياطين, سعيد عبده, فيروس كورونا, قناة الكرمة, مكاري يونان اليوم: الجمعة. . الوقت: بعد غروب الشمس بقليل. . المكان: شارع كلوت بك المتفرع من ميدان رمسيس المزدحم، المؤدي للكاتدرائية المرقسية القديمة بالأزبكية. . الباعة الجائلون يفترشون الأرصفة على الجانبين، والمسيحيون يسيرون بجانبك كمنومين مغناطيسياً يعرفون هدفهم جيداً، يمكنني تمييز ملامحهم جيداً. . لم أستعجب كثافة اﻷعداد، فصديقي الذي أصر على أن نخوض تلك التجربة سوياً نبهني مسبقاً بالزحام المتوقع. دقائق ووصلت لهدفي، وبالرغم أني تعمدت الوصول مبكراً بوقت كاف قبل موعد بدء الاجتماع، حرصاً على مكان مناسب في الصفوف الأولى يؤهلني للمشاهدة من كثب، لكن يبدوا أن تلك الفكرة قد راودت الجميع، بالكاد تمكنّا أنا وصديقي من الحصول على مكان متواضع في الصف الأخير تقريباً. جلست وصديقي متجاورين قبل حضور القس "مكاري يونان" بنحو نصف ساعة كاملة، قضيتها في تأمل وجوه الحاضرين وتحليلها كما يحلو لي دائماً، تلاحظ وجود عدد من الأخوات المسلمات في الصفوف الأولى، تعرفت إليهن من الحجاب الذي يغطي رؤوسهن. تفوهت ببعض العبارات الساخرة لصديقي قبل أن ألحظ أن جاري على المقعد المجاور قد بدأ يزمجر كأسد، غاضباً من سخريتي اللاذعة، قبل أن يلكزني صديقي في صدري وعلى وجهه ترتسم عبارة "في عرض ربنا أقفل بقك شوية بدل ما هانتطحن ضرب" حاولت جاهداً أن ألتزام الصمت قبل أن يحضر القمص المبجل في زيه الكهنوتي وسط هتاف الحضور والاحتفاء المبالغ فيه، توسط مقعده أمام الهيكل قبل أن يبدأ في ترديد بعض الترانيم المسيحية الشعبية الرديئة بصوته المتحشرج البشع، أعقبها بعظة أو خُطْبة لم أفهم منها شيئاً، فالكاهن المبجل لا يقول شيئاً مفيداً، هو فقط يؤدي عرضاً مسرحياً بدا لي وكأنه تدرب عليه عدة مرات مسبقاً. تذكرت لوهلة صور الفوهلر وهو يتدرب على فن الإلقاء بغرض التأثير على الحضور، وقارنتها بأسلوب القمص "مكاري يونان" المسرحي، وهو يتعمد أطالة بعض الجمل والعبارات والكلمات بأسلوب بائس مضحك للغاية. تأملت وجوه الحضور فوجدتهم منبهرين منصتين وكأن على رؤوسهم الطير استعدادا لفقرة الساحر المعتادة التي بدأت في غضون دقائق. تقدم بعضاً من السيدات والبنات يستندن إلى أيادي ذوييهم ناحية القمص يونان، ثم بدأن الحديث بأسلوب كوميدي يشبه أفلام المقاولات في زمن النكسة، يتصنعن الصعوبة في الكلام للإيحاء أنهن ممسوسات من الشياطين، قبل أن يبدأ القس مكاري في مخاطبة الشيطان الذي يسكنهن، ويلقي عليهن بعضاً من صلواته قبل أن يرشهم بالمياه المباركة ثلاث مرات، فتقوم الشابة أو السيدة متعافية دفعة واحدة وتتحدث بشكل طبيعي جداً. شتان الفارق بين ما هي عليه الأن وبين ما كانت عليه من ثانية واحدة. يسألها القس عن اسمها فتجيبه باسم إسلامي قح. أسم لا يحمل أي شبهة في كونه أسم مشترك بين المسيحيات والمسلمات، في كل مرة الاسم يكون إسلامياً خالصاً. فاطمة أو خديجة أو أم محمد، حتى بالرغم من كونها محجبة، لكن الاسم الإسلامي القح أدعى في التأكيد على هويتها الدينية، قبل أن تندفع الزغاريد من حناجر وأفواه الحضور عالية، مهللين بخروج الشيطان من جسد الممسوسة، التي تأخذ الميكروفون من القس المبارك وتحكي قصتها البائسة ولا تنسى أن تختمها بعبارات الشكر والأمتنان للقس الخارق للطبيعة. عرض مسرحي بائس متكرر منذ عقود، والمتابعين يحرصون على مشاهدته، وعلى وجوهم نفس تعبيرات الانبهار وكأنهم يشاهدون للمرة الأولى في كل مرة، ولا بأس أن ينوع القس مكاري من قدراته الإعجازية، فمرة يخرج الشياطين والمرة التالية يشفي من مرض السكر المزمن، وهكذا، حرصاً على تنوع العرض المسرحي، ومنعاً للملل من جَمهور لا يمل أبداً. انفلتت مني ضحكة ساخرة وتهكمت على العرض البائس دون أن أنتبه، قبل أن ترتفع أصوات المحيطين بي يلعنون عدم إيماني ويتهموني بأنني لست مسيحياً قبل أن يتفوه أحدهم بلهجة آمرة "طلعوه بره" فتمتد بعض الأيادي محاولة إرغامي عنوة على الخروج، حاولت المقاومة لكن صديقي نصحني بالمثول حتى لا يتطور الأمر لما هو أسوأ من ذلك، فأذعنت وأعلنت استسلامي وهممت بالخروج وسط نظرات السخط والضيق والغضب من المحيطين. في الخارج وجدت وحدة تليفزيونية تابعة لقناة مسيحية أمريكية تبث من كاليفورنيا تدعى قناة الكرمة، وقفت لثوان أراقب مسؤول المونتاج والشاشات العديدة التي يتحكم فيها في مهارة، قبل أن ألاحظ هذا الشريط الأحمر الدقيق الذي يدعو المشاهدين للتبرع بسخاء لدعم القناة والخدمة، افلت مني مجددا ابتسامة ساخرة، لم يلحظها أحد، قبل أن ألمم نفسي وأرحل. البداية في أسيوط تبدأ قصة الأب المثير للجدل في أسيوط، عندما سيم قساً بيد المطران الراحل أنبا ميخائيل عام 1976، وخدم في أسيوط نحو عام تقريباً قبل أن يوقفه الأنبا ميخائيل بسبب أسلوبه المسرحي الاستعراضي البعيد كل البعد عن عمق المسيحية، وبحسب موقع الأنبا تكلا، فأن سبب الطرد المباشر كان أسلوبه الغير لائق خلال عظة أحد الشعانين بحضور الأنبا ميخائيل، وبسبب بعض الملاحظات العقائدية في عظاته. فشد القس "يونان" رحاله إلى القاهرة بحثاً عن فرصة أفضل للظهور والنجومية والشهرة، فرصة تناسب مواهبه التمثيلية وقدراته، لكنه أصطدم مع الوحش الكاسر: الأنبا بيشوي، بعدما حوله البابا شنودة للمجلس الإكليريكي لمحاكمته، بسبب ميوله البروتستانية، لكن يبدو أن الشعبوية التي صنعها "مكاري يونان"، والجمهور العريض الذي ألتف حوله، كان أقوى من قرارات البطريرك والأنبا بيشوي مجتمعين. قيل وقتها أنه قد فرض إرادته على البطرك القوي، الأنبا شنودة، واستولى على الكاتدرائية المرقسية القديمة، منافساً الأنبا شنودة في العظة الأسبوعية. وحرصاً على عدم تضارب المصالح، فضل "مكاري يونان" أن يعقد عظته يوم الجمعة تاركاً الأربعاء للأنبا شنودة. ويبدو أن ما قيل كان صحيحاً، فلم يقو الأنبا شنودة على وقف عظة القس "مكاري"، وأستمر في تقديم عظاته وعروضه المسرحية الأسبوعية حتى يومنا هذا، متعمداً جذب الانتباه بين الحين والأخر عندما يشعر بخفوت الأضواء. ففي يوليو 2015 خلال عظته الأسبوعية بالأزبكية، دعا سيدة خلال عظته لتروى شهادتها عما قالت إنه ظهور للسيد المسيح على شاشة قناة "الكرمة" الفضائية المسيحية. أدعت حينئذ أنها التقطت صورة للقس "مكاري يونان" خلال العظة وقد ظهر بجانبه المسيح بكاميرا هاتفها المحمول، قبل أن يلتقط القس هاتفها ويعرض الصورة المزعومة للحضور، الذي ضج بالتصفيق الحار. صورة رخيصة معدلة بالفوتوشوب للقس "مكاري" وبجانبه صورة مرسومة لوجه المسيح، وعلق "مكاري يونان" على حديثها باكياً بعبارة "المسيح حاضر وسطينا". حيلة رخيصة لزيادة نسب المشاهدة على القناة ومن ثم زيادة التبرعات. خلال كل تلك السنوات حاول العشرات، بل المئات، من الكتاب والمثقفين، تفنيد عرض مكاري يونان المسرحي بحجة التنوير والرجوع عن طريقة المسيحية الشعبوية والدجل والشعوذة، لكن لا حياة لمن تنادي، فالخرافة والجهل أقوى من أي تنوير.   رجل الله: سعيد عبده أستمر يونان لأكثر من أربع عقود أو يزيد ملهماً العديدين ليسيروا على دربه، حتى ألتقط طرف الخيط منذ عدة أعوام شاب موهوب في التمثيل يدعى "سعيد عبده"، ويلقب نفسه بالقس المبشر رجل الله. قصير، مترهل الجسد، يمتلك كرشا عريضا، ولا يرتدي ملابس كهنوتية مثل "مكاري يونان". وبحسب موقعه الشخصي يعرف نفسه على أن لديه "مسحة" من الروح القدس للشفاء من الأمراض المستعصية مثل التهاب الكبد والسرطان والعقم ومشاكل القلب، وإخراج الشياطين وتعليم الألاف. ينتشر "عبده" في الإسكندرية عن طريق كنسيته التي سماها "نور المسيح للأمم"، ولا ينسى خلال موقعه الشخصي البدائي أن يطالب الزوار بالتبرع السخي لأن "رجل الله سعيد عبده يستغرق وقتًا للصلاة من أجل اسمك وعائلتك" فيديوهات "سعيد عبده" تفوق فيديوهات "مكاري يونان" إثارة للجدل بمراحل. يبدأ "عبده" اجتماعه بالصلاة الارتجالية التي يؤكد أنها تخرج من عمق القلب لتصل إلى مسامع الله، ويفصل بين كل صلاة وأخرى مجموعة من الترانيم التي تعتمد على نوع من الموسيقى يتسم بالحماسة التي تُلهب المستمعين لتجبرهم على مشاركة الجسد للإيقاع باهتزازات انفعالية في صورة أشبه بـجلسات الزار. ويستكمل سعيد اجتماعه بفقرة البركة التي يدعى أنها حلول للروح القدس، فيضع يده على رؤوس الحاضرين في اجتماعه، أو على الهواء، فيبدأ الحاضرون في التدافع حتى يسقط جميعهم على الأرض، مع صراخ شديد كعلامة على حلول البركة. ويؤدى عشرات المشاركين الذين يداومون على حضور الاجتماع، حركات غير مفهومة تشبه ما يفعله المصابون بمرض الصرع. يختتم "سعيد" اجتماعه الأسبوعي، بفقرة إخراج الشياطين المسرحية، يهمهم فيها "سعيد عبده" ببعض الكلمات والجمل القتالية قبل أن يوجه لكمة في الهواء في وجه الممسوس بالتزامن مع صوت لكمة قوي "بووم" من فم "سعيد عبده" كموسيقى تصويرية للحدث، فيسقط الممسوس على الأرض دون أن يلمسه "سعيد"، بينما يُطلق الممسوس أصواتًا غريبة غير مفهومة، وينتفض بقوة بينما أيدي الخدام والخادمات الأفارقة المعاونين للأخ سعيد يحيطون بالممسوس إحاطة السوار بالمعصم، حتى تحين اللحظة المناسبة التي يطلق فيها سعيد عبده "بوكس الروح القدس" من قبضته المدمرة على غرار "مازنجر"، مع صوت "بوووووم" قوية في الميكروفون، فتكون تلك الإشارة للمعاونين حتى يتركوا الضحية فيسقط أرضاً في حركة مدروسة ويتنفض لعدة ثوان قبل أن يقوم معافى تماماً ليتحدث بشكل طبيعية شاكراً الله ورجله "سعيد عبده" على نعمة الشفاء من الشياطين. ولا تقتصر خدمات سعيد عبده على إخراج الشياطين فقط، ففي فيديو أخر يأمر عبده الفقرة القطنية أن تنشفي بأسم "يســــــووووووووووع" – كما يتعمد أن يطيل في الأسم – فتستجيب القطنية في الحال وتنشفي وتقوم المريضة التي لم تكن تقوى على السير بمفردها منذ ثوان، وتسير بطريقة طبيعية، ولا بأس أن تقوم ببعض التمارين الصباحية مثل تمرين الأنحناء بظهرها للأسفل حتى تلمس بأصابع يدها مشط قدميها كدليل على شفاء الفقرة القطنية اللحظي كأمر رجل الله "سعيد عبده"، وتضج القاعة بالأحتفال والصراخ الهستيري فرحاً وتهليلاً. دفعني أسلوب "عبده" المسرحي للتعرف عليه أكثر وأكثر، وأسال شهيتي وفضولي للتعرف على تلك العقليات التي تتبع شخصاً مثله. أتتني الفرصة عندما أرسل لي أحد الأصدقاء رابط "جروب الحصاد الأخير" على تطبيق "تيليجرام"، التابع للأخ "سعيد عبده"، ولم أضع وقتاً، فالجروب يحوي أكثر من ألفي متابع نشط، ولا يحوي الجروب على أي دعوة للصلاة أو التوبه أو ما شابه، وانما يدور حول نظريات المؤامرات والماسونية وعلامة الوحش والرقاقة الذكية التي يدسها بيل جيتس بكل خباثة في أجسام المسيحين عبر لقاح كورونا لتمييزهم بعلامة الوحش 666 بحسب سفر الرؤيا، والاف التحذيرات من تلقي اللقاح الذي يعتبره الأخ "سعيد"، وزوجته خطية يجب التوبة عنها، وعشرات الفيديوهات الساذجة التي تؤكد أحتواء اللقاح بأنواعه الدولية المختلفة على خطة لتغيير الجينوم الألهي المرتبط بشبكة الجيل الخامس من التليفونات المحمولة، ولم أفهم العلاقة بينهم، حاول بعض اعضاء الجروب المشبوه توعية الأعضاء فقابله الأدمن بالطرد خارج الجروب والحظر التام. أسلوب "عبده" الفني يقترب من اسلوب الكنيسة البروتستانتية، لكن القس رفعت فكري نائب رئيس "سنودس النيل الإنجيلى" أكد أن "عبده" لا ينتمي للكنيسة الأنجيلية من قريب أو من بعيد، لأن الكنيسة الإنجيلية على علم بقساوستها وشيوخها من الإسكندرية إلى أسوان، مؤكدًا أن عبده لا منصب له بالكنيسة الإنجيلية المشيخية على الإطلاق، فليس قسًا ولا راعيًا ولا شيخًا، وأكد القس رفعت فكري أن الطقوس التى يؤديها "عبده" لا علاقة لها بالكنيسة الإنجيلية، موضحًا أن "عبده" غير موهوب فى إخراج الشياطين أو شفاء الأمراض، وإنما يعتمد على إثارة عواطف التابعين له، من خلال الموسيقى المُستخدمة وحركات التمايل والاهتزاز العنيف الذى يشبه الصرع، الأمر الذى يعتمد عليه بعض البسطاء فى إخراج الطاقات السلبية والإحباطات التى يمرون بها فى حياتهم اليومية. ما بين "مكاري يونان" و"سعيد عبده" أطنان من رواسب الجهل والسطحية ترعرعت في وادينا الطيب لعقود، ولا يبدو أن هناك من يقدر على مواجهتهم أبداً بعدما صار هؤلاء مصدراً سخياً لتدفق مئات الأف من التبرعات السخية، وقنوات فضائية تتبنى خطابهم المشعوذ. --- ### نصوص مغمورة: رسالة كورنثوس الثالثة - Published: ۲۰۲۱-۱۲-۰۱ - Modified: 2023-10-20 - URL: https://tabcm.net/3151/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: أوريجينوس ليونايدس أدامانتيوس, قديس بولس الرسول, مار أڤرام السرياني تعد هذه الرسالة جزءًا من "أعمال بولس" وهو يعد من الأسفار المنحولة. على الرغم من ذلك، نجد "أوريجانوس" يشير إلى نص مقتبس من كتاب "أعمال بولس"، إلا أنه لا وجود لهذا النص المقتبس في المخطوطات الموجودة لدينا. على الرغم من أنه لا يوجد من يظن أن هذه الرسالة فعلًا من كتابات القديس بولس الرسول، إلا أنها كانت محل اهتمام ق. إفراهاط وق. إفرايم السرياني إذ يظن أنهما رأياها قانونية، خاصةً أن الأخير كتب تفسير لها. جدير بالذكر أيضًا، أنها كانت جزء من بعض قوائم العهد الجديد في الكنيسة الأرمينية الأرثوذكسية مثل قائمة أوسكان للكتاب المقدس الأرميني عام 1666 م وبعض القوائم الأخرى من القرون الحادية عشر والثالثة عشر والرابعة عشر. لكن على أية حال، لا تعد هذه الرسالة جزءًا من العهد الجديد الأرميني في الوقت الحالي. وعلى الرغم من عدم الاعتراف بها حاليًا في أي كنيسة إلا أنها رسالة نافعة روحيًا. الكلمات الموضوعة بين الأقواس غير موجودة في بعض النسخ، أما الكلمات الموضوعة بين الأقواس فهي من وضع المترجم لتوضيح المعنى المقصود من النص.   الرسالة الثالثة لأهل كورنثوس - النص المترجم بولس، أسير يسوع المسيح، إلى الأخوة في كورنثوس، تحية لكم. إذ أني بين شدائد عديدة، لا أتعجب إزاء تعاليم الشرير التي تنتشر سريعًا. لأن ربي يسوع المسيح سيسرع بمجيئه، وسيجعل هؤلاء المحرّفين كلماته كلا شيء. لأني سلمتكم منذ البداية الأشياء التي استلمتها من الرسل (القديسين) الذين سبقوني، الذين كانوا في كل وقت مع يسوع المسيح: أي إن ربنا يسوع المسيح وُلد من مريم (التي) من زرع داود (حسب الجسد)، فالروح القدس إذ أرسل إليها من السماء من الآب (بواسطة الملاك جبرائيل)، لينزل إلى هذا العالم ويفدي كل جسد بجسده، ويقيمنا من الأموات في الجسد، كما أعلن لنا في ذاته كونه المثال. ولأن الإنسان يُشكل بواسطة أبيه، لذا سعى وراء (البشر) إذ ضلوا كي يعيدهم إلى الحياة بالتبني. لهذا السبب، الله القدير الذي صنع السماوات والأرض أرسل أولاً الأنبياء إلى اليهود لعلهم يبعدوا عن خطاياهم. لأنه خطط لخلاص بيت إسرائيل. لذا، أعطى مقدارًا من روح المسيح على الأنبياء وأرسلهم إلى اليهود أولاً (أو لليهود الأوائل)، وكرزوا بعبادة الإله الحقيقي لزمن مديد. لكن أمير الإثم، راغبًا أن يكون كالله، وضع يده عليهم وقطعهم، وقيد كل جسد بالشهوات الشريرة (ونهاية العالم بالدينونة اقتربت). أما الله القدير، الذي هو بار، لم ينزع عنه خليقته، (بل تحنن عليهم من السماء) وأرسل روحه إلى مريم (في الجليل)، (التي أمنت بكل قلبها وقبلت الروح القدس في مستودعها، كي يأتي يسوع إلى العالم)، لكي بهذا الجسد الذي بواسطته أحضر الشرير الموت داخليًا، بنفس الجسد يرينا كيف نغلبه . لأن بواسطة جسده، يسوع المسيح خلص كل جسد (وأعاد الأجساد إلى الحياة)، لكي يرينا هيكل الأبرار في جسده، الذي فيه نحن مخلصين، (الذي فيه، إن أمننا، نطلق أحرارًا). فاعلموا إذن أنهم ليسوا أبناء البر، بل أبناء الغضب الذين رفضوا حكمة الله، قائلين إن السماء والأرض وكل ما فيهما ليسوا من عمل الله. (فهم أبناء الغضب)، لأنهم ملعونون، تابعين تعاليم الحية، الذين ينبغي أن تخرجوهم خارجًا وتهربوا من تعاليمهم. (لأنكم لستم أبناء المعصية، بل من الكنيسة المحبوبة للغاية. لذا، فزمن القيامة يُكرز به للجميع). أما عما يقوله هؤلاء أنه لا قيامة للأجساد، فهم حقًا لن يروا قيامة، بل دينونة لأنهم لم يؤمنوا بذاك الذي قام من الأموات، (غير مؤمنين ولا فاهمين). فهم لا يعلموا، أيها الكورنثيين، أن بذور القمح أو أي من البذور الأخرى، كيف يطرحوا هكذا في الأرض ويفسدوا ثم يقوموا مرة أخرى بمشيئة الله بالأجساد ومزينين. وليس (الجسد) فقط الذي يُطرح يقوم مرة أخرى، بل أيضًا ببركات أكثر بكثير. وإذا لزم ألا نتخذ من البذار مثالًا (بل من أجساد أكثر كرامةً)، تعلموا كيف أن يونان بن متاي — حين لم يبشر لأهل نينوى، (بل هرب) —ابتُلع من قبل الحوت. بعد ثلاث أيام وثلاثة ليال، سمع الله صلاة يونان من عمق الهاوية، ولم يفسد جزءًا منه، لا ولا شعرة أو رمش من عينه. فكم بالحري، (يا قليلي الإيمان)، سيقيمكم أنتم المؤمنين بالمسيح يسوع، كما قام هو. بذات الطريقة، رجلاً ميتًا طُرح على عظام النبي إليشع بواسطة أبناء إسرائيل، فقام، جسدًا ونفسًا وعظامًا وروحًا (أو قام في جسده). فكم بالحري أنتم الذين طُرحتم على جسد وعظم وروح الرب (أو كم بالحري، يا قليلي الإيمان، ينبغي أن تُطرحوا فوقه) أن تقوموا مرة أخرى في ذلك اليوم بجسد كامل، (كما قام هو)؟(بذات الطريقة، حين أقام النبي أليشع ابن الأرملة من الموت. كم بالحري يقيمكم الرب يسوع من الموت متى سُمع صوت البوق، في طرفة عين؟ لأنه أرانا المثال في جسده). فإن تسلمتم أي تعليم آخر، (الله هو الشاهد عليكم). لا يضايقني أحد، لأني أحمل هذه القيود لأربح المسيح. لذا أنا أحمل سماته في جسدي لعلي أصل إلى قيامة الأموات. كل من قِبَل (أو ثبت في) السلطان الذي تسلمه من الأنبياء المباركين والإنجيل المقدس سينال جزاءً من الرب، (وحين يقوم الشخص من الأموات سيحصل على الحياة الأبدية). لكن من يتعدى على هذه الأمور، معه النار، ومع من يسيروا على نفس الطريق، الذين هم أولاد الأفاعي (الذين بلا إله)، الذين ينبغي أن ترفضوهم في قوة الرب. السلام، معكم.   --- ### إلى سادتي الأطهار في المجمع المقدس - Published: ۲۰۲۱-۱۱-۳۰ - Modified: 2023-10-12 - URL: https://tabcm.net/2714/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: آريوسية, الأوطاخية, المجمع المقدس, النسطورية, النور المقدس شعبنا الجميل يزور القدس منذ اكثر من ثمان قرون، بل وربما يعود إليه الفضل في تحويل زيارة الأماكن المقدسة إلى طقس، يشمل السعي والطواف بل والإحرام بالملابس البيضاء في حرم نهر الأردن، وإعادة استلهام معمودية الرب، ثم استقبال النور المقدس، والعودة حاملًا لقبا تهفو إليه كل نفوس الأقباط وهو لقب "المقدس" فلان التماس باقتراح مقدم إلى سادتي الأطهار في المجمع المقدس يتمثل الاقتراح في إدراج "ظهور النور المقدس" ضمن قائمة الأسرار الكنسية لتصبح ثماني أسرار، بدلا من سبعة حاليين، حيث إن البعض يسبغ علي "انبثاق النور المقدس" في سبت النور صفة المعجزة، وهي صفة لا تناسب الحدث، حيث إن المعجزة هي حدث فريد لا يتكرر، له قصد الهي خاص، وهو ما لا ينطبق علي انبثاق النور المقدس، الذي يتكرر سنويًا في موعد معروف ومحدد سلفًا. بينما ينطبق تعريف السر الكنسي علي الانبثاق تمام الانطباق، والمعروف أن تعريف السر الكنسي هو "نعمه إلهيه سريه لا نراها وينالها المؤمن بطريقه سريه، بفعل الروح القدس عن طريق صلوات يرفعها كاهن شرعي بطقس خاص مع وجود مادة السر" وإذا قسنا هذا التعريف علي حدث انبثاق النور، نجد تطابقا لن تخطئه أعينكم المقدسة الخبيرة، فمادة السر هي الشموع التي يحملها المؤمن، والنعمة هي أنه يستطيع تلقي النور بواسطة الشموع، ويستطيع أن يمرر النور علي جسده دون أن يتلسوع لمدة ٣٣ ثانية، ثم ممكن أن يتلسوع بعد ذلك، والحدث يتم عن طريق صلوات بطقس خاص (لا نعلم عنه شيئا) عن طريق كاهن (بطريرك الروم ذات نفسه) ومع هذا التطابق كيف لا يكون الانبثاق سرا كنسيًا؟ يتبقى مناقشة تفصيلة صغيرة لا ينبغي لها أن تزعج أحدا، وهي "شرعية" الكاهن المؤدي للطقس، ونحن نفعل ذلك حتي نسد كل الأفواه الغاشة، فليس معنى أن قداسة البطريرك المؤدي للطقس وكنيسته يهرطقون كنيستنا ولا يعترفون بأرثوذكسيتها، أن نزعل منهم وناخد علي خاطرنا، لا لا يا سادتي فإلهنا الله محبة، وليس معنى أن البطريرك نفسه وكنيسته يلعنون سنسفيل آباءنا ومعلمينا في "أحد الأرثوذكسية" في الطقس المسمي "السينوديكون" قبل أسابيع قليلة من حدث الانبثاق (ضمن قائمة تضم آريوس وأوطاخي، ولا تضم نسطوريوس وثيودوريت وثيودورس وهيباس) أن نتقمص منهم، بل نصلي إلى الله أن يسامحهم. لا يجب إذن أن تقف هذه الأفعال حجر عثرة في طريق أن ندرج انبثاق النور المقدس كسر كنسي. ثمّ لا يغيب عن فطنة آبائنا المقدسين في المجمع ذلك الارتباط الوثيق بين الشعب القبطي ومدينة القدس، فشعبنا الجميل يزور القدس منذ اكثر من ثمان قرون، بل وربما يعود إليه الفضل في تحويل زيارة الأماكن المقدسة إلى طقس، يشمل السعي والطواف بل والإحرام بالملابس البيضاء في حرم نهر الأردن، وإعادة استلهام معمودية الرب، ثم استقبال النور المقدس، والعودة حاملًا لقبا تهفو إليه كل نفوس الأقباط وهو لقب "المقدس" فلان. إنني أضع هذا الموضوع الهام بين أيدي قداستكم ونيافتكم آبائي المباركين، راجيًا أن تشملوه بالعناية والتدقيق المعروف عنكم. والله الموفق والمستعان وتفضلوا بقبول كل التقدير والاحترام   هوامش ومراجع: عن الأثر، عن اﻷب "أبي يزيد البسطامي": خرجت إلى الحج, فاستقبلني رجل في بعض المتاهات فقال: أبا يزيد إلى أين؟ فقلت: إلى الحج, فقال: لماذا تركت الله في "بسطام" كم معك من الدراهم؟ قلت: معي مائتا درهم, فقال: طف حولي سبع مرات, وناولني المائتي درهم فإن لي عيالًا, فطفت حوله وناولته المائتي درهم. --- ### الكهنوت: خدمة أم سلطان؟ - Published: ۲۰۲۱-۱۱-۲۹ - Modified: 2023-10-20 - URL: https://tabcm.net/3157/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: الأب داود لمعي, بابا كيرلس عمود الدين, حبيب جرجس, قديس أثناسيوس الرسولي, قديس أوغسطينوس، أسقف هيبو, كهنوت لاوي, نيلسون مانديلا قال "نيلسون مانديلا" أنه لم يدرك القيمة الحقيقية للوطن والحرية، إلا بعد أن أمضى سنوات عدة داخل السجن، وهذا ما أراده الله من خلال تلك الفرائض الجامدة. فهل سنتعلم الدرس؟ لطالما سمعنا الكثير من هذه التعاليم التي تقول بإن الكاهن وكيل، أو نائب عن المسيح، ووسيط بين الله والناس، وهو أيضًا السبيل إلى الملكوت؛ فمع إنه يخطئ ويتوب مثله مثل باقي البشر، هو يستطيع أن يصل بك إلى السماء، وبدونه لن تصل. نعم، وإن وجدت في هذا تناقض، اعلم أنك غير مؤمن، ولا تسأل لماذا! في هذا المقال، لا أريد أن أتحدث كثيرًا، سأترك الحديث لبعض النصوص الكتابية والآبائية لتوضح كيف فهم الآباء الكهنوت وكيف تعاملوا معه باعتباره خدمة، ورعاية، لا سلطان أو وكالة، أو وساطة. فالمسيح ليس بحاجة لمن ينوب عنه. فَلاَ يَكُونُ هكَذَا فِيكُمْ. بَلْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ فِيكُمْ عَظِيمًا فَلْيَكُنْ لَكُمْ خَادِمًا (إنجيل متى 20: 26) يتضح لنا من مشاهدة حياة المسيح، وقراءة تعاليمه أن فكرة السلطان أو التسلط على البشر لا توجد في قاموسنا كمسيحيين. فكيف يعلم المسيح برفض السلطة، ثم نقول نحن أن هناك رتب، على غرار رتب الجيش في الكنيسة، ونقول إن الكاهن رئيس على الشعب؟ وعلى الرغم من تعاليم بولس الواضحة بعدم صلاحية كهنوت لاوي بعد واضمحلاله، تجد من يقول إن المسيح يكمل ما بدئه في العهد القديم بتعيين الكهنة على غرار كهنة لاوي قديمًا! ألم ندرك بعد أن كهنوت لاوي كان ضمن أحكام الناموس وفرائضه التي أبطلت في العهد الجديد؟ هل لا يفهم من يعلمون هذا التعليم أن الناموس كان تمهيدًا ورمزًا للمسيح (الكاهن الحقيقي)؟ فَلَوْ كَانَ بِالْكَهَنُوتِ الّلاَوِيِّ كَمَالٌ - إِذِ الشَّعْبُ أَخَذَ النَّامُوسَ عَلَيْهِ - مَاذَا كَانَتِ الْحَاجَةُ بَعْدُ إِلَى أَنْ يَقُومَ كَاهِنٌ آخَرُ عَلَى رُتْبَةِ مَلْكِي صَادَقَ؟ وَلاَ يُقَالُ عَلَى رُتْبَةِ هَارُونَ. (عبرانيين 7: 11) لأَنَّهُ كَانَ يَلِيقُ بِنَا رَئِيسُ كَهَنَةٍ مِثْلُ هذَا، قُدُّوسٌ بِلاَ شَرّ وَلاَ دَنَسٍ، قَدِ انْفَصَلَ عَنِ الْخُطَاةِ وَصَارَ أَعْلَى مِنَ السَّمَاوَاتِ (عبرانيين 7: 26) وكيف يشير بولس إلى أحكام الناموس باعتبارها ظل، وصورة وضعت ليفهم الشعب حاجته إلى الكاهن الحقيقي، ثم نجد من يشير إلى الظل باعتباره المدخل إلى الملكوت؟ فإن هذا الأمر كانت له ظلال في القديم، فإن ما حققه المخلص في مجيئه هو ما كان هارون رمزًا له بحسب الناموس. فقد كان هارون هو نفسه ولم يتغير بارتدائه ثياب الكهنة، بل ظل كما هو.   إنما قد ارتدى الثياب فقط (القديس أثناسيوس الرسولي، المقالة الثانية للرد على الأريوسيين 8) من غفرتم خطاياهم في كتاب شرح انجيل يوحنا لكيرلس عمود الدين، نجد شرحًا للمقطع الذي يستخدمه محبي السلطة لمنح سلطة خاصة لأنفسهم، وهو: مَنْ غَفَرْتُمْ خَطَايَاهُ تُغْفَرُ لَهُ، وَمَنْ أَمْسَكْتُمْ خَطَايَاهُ أُمْسِكَتْ. (يوحنا 20: 23) يقول عمود الدين إن النص يجب أن يفهم بالمقارنة بالأمور البشرية، ويتعجب قائلًا: إن الله وحده القادر على منح البشر غفران الخطايا... وبأي كيفية وبأي معنى يعطى المخلص لرسله الكرامة اللائقة بالله وحده؟(القديس كيرلس عمود الدين، شرح إنجيل يوحنا، ص510) ويشرح قائلًا إن غفران الخطايا يتم من خلال الروح القدس الساكن في الكنيسة، ويحدد كيرلس نقطتين فقط لهذا الدور – الأول هو دورهم عند دعوة الناس للمعمودية، لدعوة الناس إلى التوبة قبل نوال المعمودية، ومنع من لم يقدم توبة عن حياته السابقة منها. وثانيهم هو انتهار أبناء الكنيسة حين يتمادوا في شرورهم. (شرح إنجيل يوحنا للقديس كيرلس عمود الدين ص 510). ولا نجد أي ذكر عن دورهم في إدخال الناس للسماء أو التسلط عليهم، فقط حث الناس على التوبة، ومنع من يتمسكون بأسلوب الحياة الوثني من العماد، وقطع الأشرار عن الشركة. وهذا مطلوب بشدة، كمنع خادم متحرش عن الخدمة على سبيل المثال، أو قطع من يظن أنه سيخلص بالشركة الكنيسة دون توبة حقيقية شخصية مثل الخادم الذي سلمه بولس لهلاك الجسد. ويستطرد القديس كيرلس قائلًا إنه حينما نفخ المسيح في وجه الرسل قائلًا: اقبلوا الروح القدس لم يكن يعطيهم شيئًا مختلفًا أو زائدًا عن الروح المعطى لكل شعب الكنيسة، الذي تم استعلانه في يوم الخمسين، وتم التنبؤ به قبلا  "على كل بشر. " لكن، المسيح فقط كان يعطي عربونًا لهم كباكورة (أول) الممتلئين من الروح، ولا يوجد أي تميز بين الروح المعطى لهم والمعطى للكنيسة. وهكذا رغم أنه قد حدد وقتًا معينًا لتحقيق كل شيء، الإ أنه كان يعطي بشكل جزئي وفي نطاق محدود كعربون، وتذوق مسبق لما هو متوقع أن يحدث للخليقة كلها. (القديس كيرلس عمود الدين، شرح إنجيل يوحنا، ص507) والغريب أن نسمع أن الكاهن ممتلئ أكثر من الشعب، وكأن الأمر يتعلق بكمية شيء ما، أو كأننا لا نتحدث عن عِلاقة بشخص! كاهن واحد وكنيسة واحدة يتحدث البعض عن الكهنوت والكنيسة قائلين إن هناك كهنة متعددين ورئيسهم الأسقف، ورئيس الأسقف هو البابا، ورئيس البابا هو المسيح، وأن هناك  كنيستان — كنيسة أرضية، مجاهدة رئيسها البابا وكنيسة سماوية منتصرة رئيسها المسيح، ورجوعًا إلى كتابات الآباء، نجد أن تلك التعاليم مرفوضة تمامًا عند آباء كثيرين قديمًا وحتى حديثًا، فحبيب جرجس على سبيل المثال، قد قال إن التعليم بتلك الرئاسة التراتبية أو الرتب والرياسات هرطقة وإهانة للمسيح. وعلى الرغم من رفض حبيب جرجس لعقيدة كهنوت جميع المؤمنين، فإنه قد رفض فكرة الرئاسة والسلطان مطلقًا، وخصص عدة فصول في كتابه الصخرة الأرثوذكسية (وهو كتاب للرد على الهرطقات) لشرح خطورة الفكرة.  لم توجد في الكنيسة رتبة خاصة تسمى الرئاسة، فإن هذه الروح مضادة تماما لتعاليم الكتاب المقدس، وقد أوضحنا أن جميع الرسل متساوون في الحقوق وأنه لا يوجد بينهم رئيس ولا مرؤوس، بل كلهم إخوة. (حبيب جرجس، الصخرة الأرثوذكسية، ص٣٥) ويحث حبيب جرجس الأرثوذكس على عدم التأثر بتلك العقائد القادمة من كنيسة روما في العصر الوسيط، قائلًا: ومن غريب فلسفتهمأنهم يقولون إن السيد المسيح رئيس الكنيسة غير المنظورة وأما البابا فهو رأس الكنيسة المنظورة، ولم يدروا أنهم بفلسفتهم الباطلة يتبنون العجز والضعف للسيد له المجد، كأنما هو لا يقدر أن يسود الكنيستين في وقت واحد. (حبيب جرجس، الصخرة اﻷرثوذكسية، ص٢٣) ويقول إن فكرة الفصل في الكنيسة خاطئة من الأساس لأن الكنيسة السمائية لا تتكون إلا من جماعة المجاهدين على الأرض. (الصخرة اﻷرثوذكسية، ص٢٣) أما فكرة كهنوت جميع المؤمنين التي رفضها حبيب جرجس هي عقيدة تقول إن جميع المؤمنين كهنة لأنهم جميعاً قادرين على إيصال كلمة الله وحضوره للجميع، ويقوم هذا الاعتقاد على عدة نصوص كتابية، منها دعوة الله في العهد القديم للشعب كله ليصعد إلى الجبل حين قال لهم: فالآن إن سمعتم لصوتي، وحفظتم عهدي تكونون لي خاصة من بين جميع الشعوب. فإن لي كل الأرض  وأنتم تكونون لي مملكة كهنة وأمة مقدسة. هذه هي الكلمات التي تكلم بها بني إسرائيل. (خروج 19) لكن الشعب أبى وقال لموسى إنهم لا يريدون أن يتحدثوا مع الله، فأقام الله عليهم كهنوت لاوي كوسيط وكنوع من النير للتأديب لكي يعلموا أنهم بحاجة إلى عِلاقة شخصية مباشرة مع الله. ونجد الرسالة تتكرر مرة أخرى إلى الشعب في العهد الجديد: وَأَمَّا أَنْتُمْ فَجِنْسٌ مُخْتَارٌ، وَكَهَنُوتٌ مُلُوكِيٌّ، أُمَّةٌ مُقَدَّسَةٌ، شَعْبُ اقْتِنَاءٍ، لِكَيْ تُخْبِرُوا بِفَضَائِلِ الَّذِي دَعَاكُمْ مِنَ الظُّلْمَةِ إِلَى نُورِهِ الْعَجِيبِ. 10 الَّذِينَ قَبْلًا لَمْ تَكُونُوا شَعْبًا، وَأَمَّا الآنَ فَأَنْتُمْ شَعْبُ اللهِ. الَّذِينَ كُنْتُمْ غَيْرَ مَرْحُومِينَ، وَأَمَّا الآنَ فَمَرْحُومُونَ. (1 بطرس 2: 9، 10) وكما قلت، يمكنك أن تقبل هذه الفكرة أو ترفضها، لكن قضيتي هي دحض فكرة السلطان الكهنوتي. فحتى من يؤمن أن الكهنة هم من يعينون بوضع اليد —مثل حبيب جرجس— قد رفض فكرة السلطان وعرف الكهنوت على أنه خدمة ومسئولية، لا كرامة أو سلطة روحية أو درجة من درجات النمو الروحي. أما أوغسطينوس، فقد قال إن الكاهن في القداس هو الذبيحة (جسد المسيح ودمه)، وليس الكاهن البشري: من هو الكاهن إلا الكاهن الواحد الذي دخل قدس الأقداس؟ ومن هو الكاهن إلا الذي هو نفسه الذبيحة والكاهن في وقت واحد؟ (القديس أوغسطينوس، تفسير مزمور ١٣٢، ٦)   ما جئت لأنقض لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ (متى 5: 17) يستعمل البعض ذلك النص للادعاء أن المسيح لم ينقض فرائض الناموس بل جاء ليكملها! مع إن المسيح قال هذا النص في متى ٥، الذي تحدث فيه عن الوصايا العشر، فمن يقرأ النص يجد المسيح يسرد الوصايا ويؤكد عليها، ويعلم الشعب كيف يحققونها بالتمام. قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ ... وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ فالزنى لم يصبح فعلًا فقط بل بالفكر أيضا، والقتل لم يصبح ماديًا فقط بل معنويًا أيضًا، وهكذا. وبذلك فالحديث لا يدور حول فرائض أو طقوس أو أحكام، بل عن الناموس الأخلاقي الأصلي المكتوب بأصبع الله. فالعهد القديم ليس ناموسًا واحدًا، بل به عدة نواميس – الناموس الأخلاقي (وصايا الله العشرة)، والفرائض الدينية (مثل السبت، والذبائح، والخضوع للكاهن الوسيط)، واللوائح والقوانين التشريعية (مثل عين بعين وسن بسن). وكلمة ناموس عمومًا تعني في اللغة قانون أو إلزام. اهتم المسيح بالقانون الأخلاقي وأكمله، لكنه أزال الفرائض بل ودعى الشعب للتفكير فيها بشكل نقدي، وكسرها أمامهم. لأن قصد الله لم يكن فرائض دينية بل علاقة مع الله. فحين يفشل الدين، وكهنوت لاوي، والسبت، والذبائح في تغيير حياة الناس، حينها يفهم الناس ما يحتاجون إليه فعلًا. لأن الوقوع تحت رحمة إنسان يدعي أنه الوسيط، ووكيل الله، والممتلئ، وشيخ المنصر صاحب السيف الموضوع على الرقاب، هو ما جعل اليهود يتلفون حول المسيح، وهم يتوقون للحرية التي أدركوا قيمتها وكأن لسان حالهم يقول كيف رفضنا أن نصعد للجبل بأنفسنا؟ قال "نيلسون مانديلا" أنه لم يدرك القيمة الحقيقية للوطن والحرية، إلا بعد أن أمضى سنوات عدة داخل السجن، وهذا ما أراده الله من خلال تلك الفرائض الجامدة. فهل سنتعلم الدرس؟ إِذًا قَدْ كَانَ النَّامُوسُ مُؤَدِّبَنَا إِلَى الْمَسِيحِ، لِكَيْ نَتَبَرَّرَ بِالإِيمَانِ. وَلكِنْ بَعْدَ مَا جَاءَ الإِيمَانُ، لَسْنَا بَعْدُ تَحْتَ مُؤَدِّبٍ. لأَنَّكُمْ جَمِيعًا أَبْنَاءُ اللهِ بِالإِيمَانِ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ (غلاطية 3: 24-26) --- ### خواطر في تفسير إنجيل يوحنا
الإصحاح الثاني (٤) - Published: ۲۰۲۱-۱۱-۲۸ - Modified: 2022-02-04 - URL: https://tabcm.net/3005/ - تصنيفات: كتاب مقدس "وكان فصح اليهود قريباً، فصعد يسوع إلى أورشليم. ووَجَد في الهيكل الذين كانوا يبيعون بقرا وغنما وحماما، والصيارف جلوسا. فصنع سوطا من حبال وطرد الجميع من الهيكل ، الغنم والبقر، وكبَّ دراهم الصيارف وقَلَبَ موائدهم . وقال لباعة الحمام : «ارفعوا هذه من ههنا. لا تجعلوا بيت أبي بيت تجارة ». فتذكر تلاميذه أنه مكتوب : «غيرة بيتك أكلتني». "(يوحنا ٢) المسيح والمسيحية تتعارض مع الخلط المعيب بين الزمني والأبدي: إن موقف الرب يسوع المسيح الذي رأيناه في هذا العيد كان واحداً من وسائل تعليمية كثيرة أستخدمها الرب ليضع أحد أساسيات منهج الروحانية المسيحية . فقد أهتم الرب أن يضع نهاية للخلط المعيب بين ما هو زمني وماهو أبدي كهدف لممارسات الإنسان الروحية في طريقه نحو ملكوت السماوات . لأن الشيطان يستثمر هذا الخلط المعيب ويتسلل منه ليفسد بالتدريج علاقة الإنسان بالله . والرب حذرنا من هذا الخلط المعيب صراحة بقوله : " الذي يأتي من فوق هو فوق الجميع، والذي من الأرض هو أرضي، ومن الأرض يتكلم. الذي يأتي من السماء هو فوق الجميع "( يوحنا ٣١:٣) فبينما نحرص علي تواتر ( تكرار ) ممارستنا لليتورجية الكنيسة (أي الصلوات الكنيسة) في الصلوات والطقوس والأعياد والأحتفالات ، فإنه يعوزنا الوعي والإنتباه لنعمة الله خلال تلك الممارسات ، فنطلب بالدرجة الأولي سكناه الشخصي في قلوبنا . لقد كان حرص الرب يسوع أن يطهر ممارسة طقس عيد الفصح في أورشليم من أي أهداف زمنية ، وأن يكون اللقاء مع الله هو هدف حضور المؤمنين بالدرجة الأولي . بل ونضيف ما هو أكثر من ذلك وهو أن لا تتحول الممارسات الدينية فتكون هدف في حد ذاتها ويضيع بالتدريج الهدف الأصلي منها وهو لقاء الرب يسوع . فكثيرا ما نلتفت وننشغل بكل ما في الكنيسة من نشاطات ، ثم ننصرف بدون شخص الرب الحبيب رغم أننا ذهبنا هناك لنلقاه وليسكن في قلوبنا ، ولكننا قد ننشغل بأمور هي أشبه بما أنشغل به هؤلاء الذي طردهم يسوع . فما كانوا يقومون به من بيع وشراء كان له علاقة بطريقة غير مباشرة بممارسة طقوس تخص العبادة . فلننتبه أن لا نتوه عن شخص الحبيب الرب يسوع المسيح حتي بالممارسات الكنسية نفسها ومايجري فيها لأن الكتاب يصف الحرص الواجب أن يكون الرب هو محور كل نشاط ” فأمسكته ولم أرخيه “. تعاليم المسيح ومبادئ المسيحية لا تتعارض مع المجتمع: العجيب أن الرب يسوع المسيح قد قدم لنا شخصه وهو يحول الماء إلي خمر في عرس قانا الجليل ، ثم بعد ذلك مباشرة يطرد من الهيكل الذين يبيعون ويشترون بضاعة مرتبطة بالممارسة الدينية لليهود داخل الهيكل . هذا يوضح موقف الرب يسوع المسيح والمسيحية من تسلل وتسرب الدنيا في الدين ، دون التورط في تزمت ديني لاتعرفه المسيحية . فقد أكد الرب لنا هذا المنهج المسيحي بقوله تبارك أسمه: "لست أسأل أن تأخذهم من العالمبل أن تحفظهم من الشرير. هم ليسوا من العالم كما أني أنا لست من العالم"(يوحنا ١٧) والسُبح لله بقلم د. رءوف أدوارد --- ### المومس التي أحبها يسوع - Published: ۲۰۲۱-۱۱-۲٦ - Modified: 2023-10-20 - URL: https://tabcm.net/3124/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون, المرأة القبطية - وسوم: أسقفية الشباب, أوريا الحثي, إكليروس, التحكم الاجتماعي, تادرس يعقوب ملطي, چان پول شارل إيمارد سارتر, سر المعمودية "ليزي" فتاة الليل، التي يطرق بابها زنجي فتغلق في وجهه الباب، فهي منشغلة مع زبونها، الزائر الليلي: "فريد"، الذي طلب منها أن تغطي سريرها الغارق في الخطيئة من وجهة نظره، ولا يكف عن الاقتباس من الكتاب المقدس حاضر حاضر سأغطيه، إنه يفوح بالخطيئة. قل إذن أنها خطيئتك أنت عزيزي "فريد" أثارت مؤخرًا مسرحية La Putain respectueuse "المومس الفاضلة"  للفيلسوف الروائي (الملحد) "جان بول سارتر" حفيظة شعبنا (المتدين بطبعه)، تلك المسرحية التي لا تتمالك نفسك في أثناء قرأتها عن استبدال أسماء الكثير من الشخصيات بأسماء واقعية وصور حقيقية معاشة. "ليزي" فتاة الليل، التي يطرق بابها زنجي يطلب منها العدل؛ فتعده بتحقيق العدل وتغلق في وجهه الباب، فهي منشغلة مع زبونها، الزائر الليلي: "فريد"، الذي طلب منها أن تغطي سريرها الغارق في الخطيئة من وجهة نظره، ولا يكف عن الاقتباس من الكتاب المقدس. حاضر حاضر سأغطيه، إنه يفوح بالخطيئة. قل إذن أنها خطيئتك أنت عزيزي "فريد"(ليزي - المومس الفاضلة) يحكي الأب تادرس يعقوب ملطي في مجموعته قصص قصيرة عن قصة الإشبين الغريب؛ حيث يقوم الأب البطريرك بالتحقيق في واقعة تعميد سيدة "مومس"، يشتكي الكل من سيرتها، فيخبره الأب الكاهن أنه عمدها بعد إصرار ثلاثة من شرفاء المدينة المشهود لهم بالبر والتقوى، ولكن عند مواجهتهم أنكروا أنهم يعلمون أي شيء عن هذا الأمر. فتم استدعاء تلك الـ"مومس" التي أقرت بأن الكل تهرّب منها عندما طلبت ضمانتهم لنوال سر المعمودية، إلا أن هؤلاء الأشراف الثلاثة تطوعوا دون أن تطلب منهم، وضمنوها وتمموا السر. فطلب الأب البطريرك إرشاد الرب لحل هذه المعضلة؛ فأعلن له الرب أن هؤلاء الثلاثة هم ثلاث ملائكة ظهروا في هيئة هؤلاء الأشراف لمساعدة تلك السيدة. عندما تم سؤالها عن حياتها، قالت: في صباي إذ كنت أسير بجوار حقل، وجدت إنسانًا ربط حبلًا على شجرة، ووقف على كرسي ليشنق نفسه، فتألمت جدًا. وذهبت إليه أساله: ماذا تفعل؟ أجابني بأنه قد استدان أموالًا كثيرة، وليس له ما يوفي به دينه، والدائنون يشكونه، لذا فكر في الانتحار. بكيت أمامه بمرارة، وقلت له: هل تضيع حياتك كلها من أجل الأموال؟ أجابني: ماذا أفعل وأنا عاجز عن الوفاء بالديون؟ قلت له: سأعطيك كل ما أملك، ولا تفعل بنفسك شيئًا. . بالفعل ترك الشجرة، وجاء معي إلى بيتي وقدمت له كل ما أملك من حُليّ وأموال، وافتقرت حتى مرَّت علىَّ ضيقة شديدة، فاضطررت أن أبيع جسدي للخطية مرة ومرات. إذ فقدت طهارتي تحوَّلت حياتي إلى النجاسة. هنا تنهد الأب البطريرك قائلا: إن الله ليس بظالم لينسى تعب محبتك. المومس التي يعايرها الجميع ويتقززون منها؛ أحبها يسوع، وكانت في عيونه: قديسة، صانعة محبة، تستحق أن تنزل الملائكة من أجلها لتنعم عليها بنعمة المعمودية، وأن يتم إظهار قداستها، والتبكيت على ريائنا، المبني على مظاهر لا تمت لجوهر الإنسان بصلة. هذه المومس نجت من ويلات المرائين وفوقية الفريسيين بشكل معجزي، ربما لم تنج منه جدات يسوع ذاته. وَيْلٌ لَكُمْ أَيّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنّكُمْ تُشْبِهُونَ قُبُورًا مُبَيّضَةً تَظْهَرُ مِنْ خَارِجٍ جَمِيلَةً، وَهِيَ مِنْ دَاخِل مَمْلُوءَةٌ عِظَامَ أَمْوَاتٍ وَكُلَّ نَجَاسَةٍ. (يسوع، إنجيل متى 23: 27) يكفي أن نلقي النظرة على سلسلة نسب يسوع المسيح، لنرى خمس سيدات تم اختيار ذكر أسمائهن، فنجد أربع منهن: راحاب الزانية، وثامار من أقامت نسلا من حماها، والتي لأوريا الحثي حيث يذكرنا الوحي بما فعل داود معها، وراعوث الموآبية حفيدة لوط من بناته. كل هؤلاء السيدات طبقًا لمعايير المجتمعات المحافظة بطبعها، كن: "مومسات"، ولكن طبقا لمعايير الله، فهن أكثر طهرًا من كل هؤﻻء المتشدقين بالطهارة والقداسة. تحضرني هنا قصة من التراث الشعبي، أنقلها كما هي: دخل الزوج فوجد زوجته تبكي، فسألها عن السبب فقالت أن العصافير التي فوق شجرة بيتنا تنظر ليّ حينما أكون دون حجاب وهذا قد يكون فيه معصيةً لله. فقبلها الزوج بين عينيها على عفتها وخوفها من الله، وأحضر فأسا، وقطع الشجرة. بعد أسبوع عاد من العمل مبكرًا فوجد زوجته نائمة بأحضان عشيقها ! لم يفعل شيئا سوى أنه هرب من المدينة كلها فوصل إلى مدينة بعيدة، ووجد الناس يجتمعون قرب قصر الملك. فلما سألهم عن السبب قالوا: خزينة الملك قد سُرقت. في هذه الأثناء، مر رجل يسير على أطراف أصابعه فسأل من هذا؟ قالوا هو شيخ المدينة ويمشي على أطراف أصابعه خوفًا أن يدعس نملة فيعصي الله! فقال الرجل والله لقد وجدت السارق أرسلوني للملك. فقال للملك إن الشيخ هو من سرق خزينتك وإن كنت مدعيًا فاقطع رأسي. فأحضر الجنود الشيخ وبعد التحقيق اعترف بالسرقة! فقال الملك للرجل: كيف عرفت إنه السارق؟! ! قال الرجل:حينما يكون الكلام عن الفضيلة مبالغًا به، فاعلم أنه تغطية لجرم ما. نعود لمسرحية "سارتر"، التي يرسم فيها بوضوح التناقض الصارخ بين أبناء العائلات (المحترمة) الذين يرددون آيات الإنجيل طوال الوقت، ويخدمون الكنيسة، وينعتهم الناس بالطيبين، وهم يقتلون المهمشين منهم بدم بارد، ويتهافتون على النساء، ملقين بالإثم عليهن وكأنهم بلا خطيئة، حتى وإن كانوا مشاركين فيها بالسلطة والفعل. مذكرينك بالـ"جلابية السوداء" التي حتى وإن ارتكب لابسيها أبشع الجرائم سيقومون بتقديسهم؛ وﻻ وجه للمقارنة هنا مع "فتاة الليل"، التي تمتلك بعضا من الفضائل الشريفة فلا تحنث بقسمها، وترفض الشهادة الزور ضد زنجي أسود حتى وإن كان ثمن ذلك هو حياتها، تُرى من فيهم أقرب إلى قلب الله ومن ينزل إلى بيته مبررًا؟! لم يفت المسيح نفسه أن يشير إلى هذا التناقض في مثل الفريسي والعشار؛ وفي المثل الذي قدمه يسوع لسمعان عندما تشكك عند رؤية العاهرة تلمس قدميه، مفحمًا إياه قائلًا: مِنْ أَجْلِ ذلِكَ أَقُولُ لَكَ: قَدْ غُفِرَتْ خَطَايَاهَا الْكَثِيرَةُ، لأَنّهَا أَحَبّتْ كَثِيرًا. وَالّذِي يُغْفَرُ لَهُ قَلِيلٌ يُحِبُّ قَلِيلًا. (يسوع، إنجيل لوقا 7: 47) فالفيصل هنا هو المحبة الحقيقية لا التقوى الظاهرية. والمومس الصادقة، أفضل عند الرب من أسقف متبتل ومتستر على خادم يغتصب الفتيات. عندما يكافح أيًا منا تصرفات معيبة وجرائم مستمرة يشارك بها أو يديرها أحد القادة الكنسيين؛ تنهال عليه اللعنات والاتهامات طالبة منه الخرس وعدم مقاومة الشر حتى بالرأي ووجهات النظر! وعندما يتجاسر أحد إلى وصف بعض الواقع بأمانة ودون تجميل للقبح، أو عندما يلتزم بقول الحق عاريًا مجردًا من زيف النفاق أو مهادنته، وتابعًا المسيح الذي هو الطريق والحق والحياة. لا يرون في هذا إلا غضب غير مبرر، ويتصيدون لك ويتهمونك ويقصونك عن دائرة المسيحية. تاركين الجريمة وضحاياها وفاعليها والمتسترين عليها والممولين لها، فانطبق عليهم قول المسيح: أَيُّهَا الْقَادَةُ الْعُمْيَانُ! الَّذِينَ يُصَفُّونَ عَنِ الْبَعُوضَةِ وَيَبْلَعُونَ الْجَمَلَ. (يسوع، إنجيل متى 23: 24)   --- ### نصوص مغمورة: مزامير الباشيطا (٢) - Published: ۲۰۲۱-۱۱-۲٤ - Modified: 2023-10-20 - URL: https://tabcm.net/3102/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: باشيطا, ملك كورش الكبير في هذه الحلقة، تعرض ترجمتي المزمورين ١٥٤ و١٥٥. الأول منسوب لحزقيا الملك، حين كان تحت الحصار في يهوذا من قبل جيوش سنحاريب. ويعد الملك حزقيا أحد جدود السيد المسيح حسب سلسلة الأنساب في إنجيل متى، أما المزمور الأخير فهو صلاة شكر حين سُمح للشعب بالعودة إلى موطنهم من قبل كورش ملك الفرس.   مزمور ١٥٤ ١ مجدوا الله بصوت عال وخبروا بمجده بين الجموع الكثيرة. ٢ مجدوا تسبيحه بين صفوف المستقيمين، وتحدثوا عن مجده مع الأبرار. ٣ ألصقوا نفوسكم بالأخيار والكاملين، لتمجدوا الله العلي. ٤ اجمعوا أنفسكم معًا لتُعرّفوا قوته، ولا تتباطئوا في إعلان خلاصه وقوته ومجده لكل الفتيان. ٥ الحكمة قد أُعطيت كي يُعرف جلال يهوه، وصارت معروفة لكل البشر كي يُخبرّوا بأعماله:٦ أن تُعلموا الأبناء عن قوته، وتجعلوا غير العارفين يدركوا مجده،٧ البعيدين عن مداخله والمبتعدين عن أبوابه،٨ لأن إله يعقوب مرتفع، ومجده على جميع أعماله. ٩ يسر بالرجل الذي يمجد الله العلي، أي الذي يقدم ذبيحة جيدة،١٠ والذي يقدم التيوس والعجول، والذي يجعل المذبح مسمنًا بكثرة المحرقات، وكرائحة بخور من أيدي الصالحين. ١١ سيُسمع صوته من أبوابه المستقيمة، والويلات من صوت المستقيمين. ١٢ في أكلهم وفي شرابهم، حين يجتمعوا معًا، سيشبعون في الحق. ١٣ أفكارهم ساكنة في ناموس الله العلي، وتُعرّف كلماتهم قوته. ١٤ فكم يبعد حديث الأشرار عنه وعن جميع المخالفين معرفته. ١٥ انظروا؛ عين يهوه ترحم الأخيار! هو سيكثر رحمة على ممجديه، ومن زمن الشر سيخلص نفوسهم. ١٦ مبارك يهوه، الذي خلص البائس من يد الشرير؛ المقيم قرنًا من يعقوب، وحاكم الشعوب من إسرائيل،١٧ ليطيل سكناه في صهيون، ويزين زمننا في أورشليم.     مزمور ١٥٥ ١ يا يهوه، صرخت إليك؛ فاسمعني. ٢ رفعت يدي إلى مساكنك المقدسة؛ فأمل أذنك إلي. ٣ هب لي طلبي ولا ترد صلاتي عني. ٤ ابن نفسي، ولا تهلكها، ولا تكشفها أمام الأشرار. ٥ من يجازونا بالشرور يبعدوك عني، يا حاكم الحق. ٦ يا يهوه، لا تحاكمني حسب خطاياي، لأن لا جسد برئ أمامك. ٧ اجعل ناموسك واضحًا أمامي يا رب وعلمني أحكامك. ٨ كثيرون سيسمعون أعمالك والأمم ستسبح جلالك. ٩ اذكرني ولا تنساني؛ ولا تقودني إلى الأشياء التي هي أعلى مني. ١٠ اجعل خطايا شبابي تعبر عني ولا تذكر تأديبي بعد. ١١ طهرني يا يهوه من البرص الشرير، ولا تتركه يأتي ضدي بعد. ١٢ جفف جذوره الكامنة داخلي ولا تترك أوراقها تنبت داخلي. ١٣ أنت قدير يا يهوه؛ لذا، طلبتي ستُستجاب لديك. ١٤ لمن أشكو كي يعطيني؟ وأي عون أجد في قوة البشر؟١٥ منك يا يهوه يا متكلي؛ صرخت إلى يهوه، وسمعني، وشفا كسر قلبي. ١٦ نعست ونمت؛ حلمت وأُعنت، ويهوه يوردني. ١٧ بالوجع أوجعوا قلبي؛ سأقدم الشكر لأن يهوه نجاني. ١٨ الآن سأفرح في خزيهم؛ وضعت رجائي فيك وسوف لا أخزى. ١٩ ليكن لك الإجلال إلى الأبد، وإلى أبد الأبدين. ٢٠ خلص إسرائيل، مختارك، وبني بيت يعقوب، صفيك.   حرفيًا: الذي يقدم وليمة جيدة. --- ### البابا شنودة الثالث ونسطوريوس
تساؤلات واجبة [٢] - Published: ۲۰۲۱-۱۱-۲۳ - Modified: 2023-10-19 - URL: https://tabcm.net/3116/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, لاهوتيات - وسوم: إفخارستيا, اللاهوت السكندري, النسطورية, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس عمود الدين, باسيليوس الكبير، أسقف قيصرية الكبادوك, ساويرس الأنطاكي, قديس أثناسيوس الرسولي, مجلة الكرازة, مجمع خلقيدونية دعونا نرى: هل قال "نسطوريوس" أقل أو أكثر من هذا؟ تناولنا في المقال الأول الجملة المضحكة "اللاهوت لا يؤكل"، ويبدو أن الجملة قد أثارت لغطا كبيرًا عندما نشرها قداسته، فقرر أن يدافع عنها بتفصيل اكثر، فتوالت الانحدارات المريعة، ونشر قداسته هذا المقال: "اتحاد اللاهوت بالناسوت" بمجلة الكرازة منبره الأثير، ويبدو أنه تلقي ردودا قاسية، أوفقته عن نشر مقاله "اللاهوت المقارن" مجددًا في "الكرازة" اعتبارًا من نشر هذا المقال: سنستعين لتبيان انزلاقات المقال بالقديس ساويرس الأنطاكي، الاسم الذي قفز إلي سطح الأحداث فجأة بعد محاضرة عن كتاباته ضد "جوليان" أسقف هاليكرنسوس، والردود المتشنجة غير الواعية التي توالت عليها. قديسنا يذكر اسمه في مجمع القديسين أولا، في العهد ما بعد الرسولي، فيسبق اسمه الكبار أثناسيوس وكيرلس والآباء الكبادوك. والحق أن الرجل قد أمتلك ناصية اللاهوت السكندري، فأخرجه متبلورًا مصقولًا محكما. ينطلق اللاهوت السكندري من الأساس الفكري "الكلمة - جسد" ومن هذه الصيرورة ولد مفهوم "الاتحاد الأقنومي"، لم يعد هناك طبيعتان (أو شخصان) يتصرفان بمعزل (أو حتي باشتراك مع) الأخري، هناك شخص واحد يفعل (سواء تم تصنيف الفعل ذهنيًا بشريًا أو الهيا) أو يقول (سواء تم تصنيف القول ذهنيًا أنه قول بشري أو قول إلهي) الحديث حصرا عن الواحد غير المنقسم، ولا يعني هذا تجاهل اللاهوت السكندري أن الواحد هو من طبيعتين متمايزتين، تحمل كل منهما صفاتها التامة والكاملة، مع هذا يصير الحديث عن فعل بعينه صادر عن / واقع علي طبيعة بذاتها، أمرا مؤثما ومحرومًا في هذا اللاهوت. "مَنْ ينسب الأقوال التي في البشائر والكتابات الرسولية، أو التي قالها القديسون عن المسيح، أو التي قالها هو عن نفسه، إلى شخصين أو جوهرين، ناسبًا بعضها للإنسان على حده منفصلًا عن كلمة الله، وناسبًا الأقوال الأخرى، لكونها ملائمة لله، فقط إلى كلمة الله الآب وحده، فليكن محرومًا. " (الحرم الرابع للقديس كيرلس الكبير) ويبلور القديس ساويرس هذا المبدأ بقوله: "وبينما نحن نحرم أولئك الذين يقولون أن عمانوئيل هو طبيعتين بعد الاتحاد، بما لهما من فعلين وخواصين، فإننا لا نضعهم تحت الادانة بسبب قولهم بالطبيعتين أو الفعلين أو الخواصين، ولكن لأنهم فيما يؤكدون علي الطبيعتين بعد الاتحاد، ينسبون الأقوال والأفعال لكل طبيعة علي حدة، وبذلك هم يفصلونهما" (القديس ساويرس الأنطاكي) إذن هذا الفصل يذهب بالقائل مباشرة إلى عمق النسطورية، وما ورد بالمقال إذن ينزلق بنا إلى الخطر الداهم، وسنتبع هنا نفس الترقيم الذي اتبعه قداسته. ١+ النمو في القامة والحكمة بينما يتحدث الكتاب المقدس عن الأقنوم "يسوع" فيقول: "وأما يسوع فكان يتقدم في الحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس" (الإنجيل بحسب لوقا 2: 52) يفصل قداسته بين الطبيعتين ويقول: "هو بالناسوت كان ينمو، أما اللاهوت فمن المستحيل أن ينمو" (البابا شنودة الثالث، مجلة الكرازة، مقالة: "اتحاد اللاهوت بالناسوت") ٢+ جاء العالم بالجسد وفارقه بالجسد يورد قداسته هنا قول الرب الكتابي: "خرجت من عند الآب، وأتيت إلى العالم، وأيضا أترك العالم وأعود إلي الآب" (الإنجيل بحسب يوحنا 16: 28) ثم يتجاهل الشطر الأول من القول، ويقول: "طبعا عبارة "أتيت إلى العالم" تنطبق علي الناسوت فقط، أما من جهة اللاهوت فمكتوب "في العالم كان، والعالم به كوّن"" (البابا شنودة الثالث، مجلة الكرازة، مقالة: "اتحاد اللاهوت بالناسوت") وهنا نسأل: هل أتى "الناسوت" من عند الآب؟! وبنفس الفهم يستطرد في الحديث عن "أترك العالم" فينسبها إلى الناسوت. ٣+ الصعود إلى السماء بالجسد يورد قداسته هنا جملة القداس الغريغوري: "وعند صعودك إلي السماء جسديًا"، والنص الكتابي أنه: "ارتفع"، و"أخذته سحابة عن أعينهم"، وإنه: "ارتفع" عنهم "إلي السماء" و"منطلقًا إلى السماء"، فينسبها إلي الناسوت حيث إن اللاهوت لا يصعد ولا يرتفع، إذ أنه مالئ الكل. ٤+ النوم يورد قداسته النصوص التي تتعلق بنوم الرب يسوع، ثم يقول: "لا شك أن هذا النوم ينسب إلي الناسوت فقط، لأن اللاهوت لا ينعس ولا ينام" (البابا شنودة الثالث، مجلة الكرازة، مقالة: "اتحاد اللاهوت بالناسوت") ٥+ الجوع والعطش يورد قداسته نصوص الكتاب الخاصة بالجوع بعد الصوم، ويقول: "هو جاع بناسوته" (البابا شنودة الثالث، مجلة الكرازة، مقالة: "اتحاد اللاهوت بالناسوت") ٦+ التعب (الإرهاق) يورد قداسته هنا ما قيل كتابيا قبل لقاء الرب بالسامرية، ويقول: "لا شك انه تعب بالجسد" (البابا شنودة الثالث، مجلة الكرازة، مقالة: "اتحاد اللاهوت بالناسوت") ويعني الناسوت. ٧+ آلام السيد المسيح يعدد قداسته النصوص التي تتكلم عن آلام الرب يسوع، ثم يقول: "ومع كل هذا فاللاهوت لا يتألم، ومن يقول بآلام اللاهوت يقع في هرطقة" (البابا شنودة الثالث، مجلة الكرازة، مقالة: "اتحاد اللاهوت بالناسوت") فالآلام إذن تقع علي الناسوت ٨+ موت السيد المسيح يقول قداسته: "والمسيح مات أيضا، مات بناسوته، أما اللاهوت فهو لا يموت" (البابا شنودة الثالث، مجلة الكرازة، مقالة: "اتحاد اللاهوت بالناسوت") ٩+ الإفخارستيا وهو هنا يعيد كلامه السابق الذي ناقشناه بتوسع في المقال الأول عن اللاهوت الذي لا يؤكل. ولا يفوتني أن أنوه أن قداسته مع كل نسب الأفعال السابقة إلى الناسوت بمفرده، يطمئننا، أنه في جميع هذه الأحوال فإن اللاهوت متحد ولا يفارق الناسوت، وهو لا يدري أنه نسف الاتحاد الأقنومي تمامًا، و صاغ الأمر أقرب ما يكون للنسطورية. دعونا نرى: هل قال "نسطوريوس" أقل أو أكثر من هذا؟ "من هو الذي قاسي تجربة الخيانة و التسليم إلى اليهود؟؟ من الذي كان يقدم بصراخ شديد و دموع طلبات و تضرعات؟؟ من الذي تحمل ألام الموت و عذاباته و لطمات الأعداء؟؟ اعترفوا إذن بابن الله الواحد ولكنه ذو طبيعتين "الله - إنسان" وعليه ننسب الآلام للطبيعة البشرية، والخلاص من هذه الآلام للطبيعة الإلهية" (نسطوريوس، بطريرك القسطنطينية (٣٨٦م - ٤٥١م)) لم يقبل القديس كيرلس هذا الفكر، واعتبره ازدواجية وتقسيمًا إلى مسيحين أو ابنين. ابن تألم لأنه إنسان، وابن لم يتألم لأنه الله الكلمة، فكيف إذن عالج القديس كيرلس هذه القضية تحديدًا، و ينسحب علاجه هذا علي كل ما يقسم الواحد غير المنقسم؟ يقول القديس كيرلس: "إنّ الكلمة بحسب الجوهر غير قابل للولادة البشرية والآلام والموت، ولكن لأن هذا الإله المحب صار جسدا - لأجلنا - فيجب القول أنه ولد وتألم ومات في الجسد الذي اتخذه لنفسه من العذراء مريم" (القديس كيرلس، تاريخ الفكر المسيحي، المجلد الثالث، صفحة ١١٩) "فإن اللاهوت الذي لا يعرف الآلام او الموت، تألم و مات فعلا، في جسده المائت والخاضع للآلام والموت" (القديس كيرلس، تاريخ الفكر المسيحي، المجلد الثالث، صفحة ١٢٠) وننتهي باقتباس ملهم أورده القديس "ساويرس" عن القديس "باسيليوس الكبير"، فبعد عدة اقتباسات للآباء الكبادوك تصب جميعها في عدم تقسيم الواحد، وعدم نسبة الأعمال المتواضعة إلى الطبيعة البشرية، يختتم بالقول: "إن الأعمال المتواضعة لا تنسب إلي اللاهوت، بل إلى "التجسد" والذي هو فعل إخلاء وتدبير لله الكلمة" (القديس باسليوس الكبير، مجمع خلقيدونية - إعادة فحص، الصفحة ٤٦٧)   اقرأ أيضا:   --- ### خطابات الكراهية - Published: ۲۰۲۱-۱۱-۲۲ - Modified: 2022-04-21 - URL: https://tabcm.net/3121/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: زكريا بطرس إنتشرت في الأيام الماضية، مقاطع فيديوية تتناول مقتطفات مسيئة للإسلام، وتؤذي مشاعر المسلمين وتتعرض لمقدساتهم بالإزدراء والتحقير. ونسبت هذه المقاطع لأحد الكهنة اﻷقباط، واقرن كثير من صانعي الفيديوهات مقاطعهم بدعوات تحرض أو تدعو لسلوكيات انتقامية عنيفة أو دموية تجاه هذا الكاهن، أو الكنيسة، أو اﻷقباط عموما. مما إستدعاني لكتابة هذا المقال لكل من يهمه اﻷمر. - أدعو الجميع لتوخي الدقة في المعلومات المقدمة، إذ أكدت الكنيسة المصرية في أكثر من موقف قديم، ومنذ أيام قداسة البابا المتنيح شنودة الثالث، على أن السيد "فايز بطرس"، والمشهور اعلاميا باسم القمص "زكريا بطرس"، هو ليس على درجة القموصية الكهنوتية، وليس من رعايا الكنيسة المصرية، ولا يخضع لأي سلطة روحية في داخل مصر بأي درجة من الدرجات. - يعيش "فايز" مطاردا، مهددا بالقتل، في أماكن غير معلومة للسلطات المصرية، بعد أن رصد "تنظيم القاعدة" مبلغ 60 مليون دولار ثمنا لرأسه، ناهيكم عن المطالبات بسحب الجنسية المصرية، أو تعقبه عبر الانتربول منذ عام 2010، ومن حين لأخر يلجأ لاستفزاز المسلمين كلما إنخفضت مشاهدات القناة. ومكررا كلاما سطحيا عن "محبة المسلمين" ﻻ تعكس أفكاره العدائية والعنصرية تجاههم. وبشكل واضح وصريح أرى تماما أنه يبث "رسائل كراهية" مهما إدعى عكس ذلك. بالتأكيد نحن مع حرية الفكر والتعبير، لكن أعتى الديمقراطيات الليبرالية لا تقدم أي نوع من الحماية للأفكار إذا ما إقترنت برسائل الكراهية. ﻻ أرى أنه يجب قتله أو استتابته أو تحريض الناس على العنف ضده (كما فعل تنظيم القاعدة برصد المكافأت على رأسه، أو كما فعلت الجماعات الإسلامية الأصولية بالتحريض عليه وعلى فريقه)، لكني بالتأكيد مع رفع تراخيص البث ووقف هذا النوع من رسائل الكراهية. مع التوكيد على أن هناك مطالبات مصرية لوقف بث أي قناة تستضيفه من على النايلسات، وتم ذلك في وقت وزير اﻹعلام "أنس الفقي" لكن استقالته وقت تنحي "مبارك" أوقفت المسألة ولم تكرر بعدها - على حد علمي - أية مطالبات تدعو لذلك. هذا الموضوع برأيي ليس مسألة ترف نظري وثقافي، بل هناك استغلال واضح من جماعات الاسلام السياسي المعادية للنظام المصري. استخدمت هذه الجماعات مقاطع "بطرس" للتحريض ضد الكنيسة واﻷقباط عموما، ونشرت مقاطع فيديوية لقداسة البابا شنودة الثالث في حوار مع اﻹعلامي "عمرو أديب" يتكلم فيه عن هذه المسألة، وقامت بتجزئتها واقتطاعها للإيحاء بأن القيادة الدينية غير مكترثة أو مستمتعة بهذا النوع من رسائل الكراهية. كما قام بعض اﻷصولين المنتسبين للأزهر والمقيمين خارج مصر ببث رسائل موازية على صفحاتهم الشخصية، مفادها أن "تواضروس" أخيب من "شنودة"، ناقلين المسألة من "شخص" إلى "جماعة"، وهو الخطوة التي تسبق القيام بعمليات عقاب جماعي تتم في الداخل. يأتي هذا بعد أقل من شهر واحد على إعلان الرئيس المصري بعدم تمديد فترات الطوارئ مجددا. وتخوفات أن تكون العناصر الجهادية التي دعمت نشر الفيديوهات مقرونة برسائل الانتقام الجماعي، هي إستدعاء لعودة حالة الطوارئ. أدعو الجميع للإحتمال بأكبر قدر من ضبط النفس، وأن تقتصر حواراتهم ومناقشاتهم المجتمعية مع اﻷخرين على ما يصنع سلاما إجتماعيا يوئد الفتن. وطوبى لصانعي السلام. سلام. . --- ### خواطر في تفسير إنجيل يوحنا
الإصحاح الثاني (٣) - Published: ۲۰۲۱-۱۱-۲۱ - Modified: 2022-02-04 - URL: https://tabcm.net/3004/ - تصنيفات: كتاب مقدس أم يسوع: السيدة العذراء هي أيقونة تَمثَّلت فيها كلمات الرب " طوبي لمن آمن ولم يري". فقد أمنت بألوهية المسيح مِن قَبل إعلانها في معجزة خلق الخمر من الماء في عرس قانا الجليل، بل منذ بشارة الملاك بميلاده في أحشائها. فالمسيح بقوله ”طوبي لمن آمن ولم يري“ قد نقل أساس الإيمان المسيحي بعيداً عن تأثير الأرض و إبهار وإنبهار الجسد وحواسه الخمسة. فقد أعلن الرب له المجد أن الإيمان به هو عمل إلهي داخل كيان الإنسان إما يقبله أو يرفضه الإنسان. لذلك فالإيمان بالمسيح هو معجزته، هو يجريها في سر إلهي داخل قدس أقداس قلب الإنسان ولا يشعر بها إلا صاحبه. مثلما الأم عندما تدب حياة الخليقة الجديدة في أحشائها. فالإيمان بالمسيح ليس من أختصاص المبشرين بعد توصيل رسالة الخلاص المسيحي للآخرين. التلاميذ : "وأظهر مجده ، فآمن به تلاميذه". كان التلاميذ يمثَّلون تلك الفئة من المؤمنين الذين يتبعون الرب طالبين وجهه في حياتهم كل يوم لكي يجعلها إختباراً جديداً لهم معه " خيراتك هي جديدة كل صباح“. وقد كان تعليق الرب علي أشتياق هذه التلمذة هو ”مَن له ، يُعطَي ويُزاد“، مما يكشف أن الحياة العادية اليومية لكل مَن كانت هكذا تلمذته للرب ، هي حياة مرشحة لتكون معجزة متصلة تراها العيون المفتوحة والمشتاقة أن تري الرب في أحداث حياتها كل يوم. ” طوبي لعيونكم لأنها تبصر ولآذانكم لأنها تسمع“. الخدام : إن الذين يخدمون المسيح قد أختاروا تكريس حياتهم لروح الرب ليستخدمهم في توصيل رسالة الخلاص ومتابعتها في حياة المخدومين . لذلك هم ينعمون كل يوم أكثر من غيرهم بشرف ونعمة المشاركة في هذا العمل الإلهي الذي يقوم به إلهنا "أبي يعمل حتي الآن و أنا أعمل" . فنجد في أحداث معجزة الرب يسوع المسيح له المجد في عرس قانا الجليل أنه بينما "رئيس المتكأ لم يكن يعلم من أين هي الماء المتحول خمراً. لكن الخدام الذين كانوا قد استقوا الماء علِموا "وقد أعلن الروح لنا عن عظم قدر خدام المسيح بسبب معاينتهم لهذا المجد : ” مَن أشتهي تلك الوظيفة ( خدمة الرب ) فقد أشتهي عملاً صالحاً ". "قال الرب للخدام :أستقوا الآن وقدِّموا إلى رئيس المتكإ. فقدَّموا ... لكن الخدام الذين كانوا قد أستقوا الماء عرفوا“. لو أفترضنا أن الخدام ” لم يستقوا أولاً “ ، فربما ما كانوا يجرؤن أن يقدموا إلي رئيس المتكأ شراباً هم متأكدون أنه مجرد ماء قد ملئوا به الأجران بأيديهم مسبقاً. لذلك فإن الخدمة المسيحية كما تظهرها سيرة الرب يسوع المسيح هي أرتواء شخصي من الرب أولاً تكون نتيجتها إنسكاب وفيض لهذا الإمتلاء علي الآخرين. هكذا هم خدام المسيح، لا يمكنهم بدون خبرة حياة خاصة مع شخص المسيح، أن يجرءوا علي المجاهرة بتعاليم المسيح، لأنها نازلة من فوق وبالتالي فإن لسان حال الخدام سيكون ” كيف يمكنني أن أخاطب المجتمع المادي الأناني عن المحبة والعطاء والبذل و... المسيح الإله الحق“. رئيس المتكأ : وهذه الشخصية بما تمثله من بشر في هذا العالم، هم الذين لم يتعرفوا علي المسيح بسبب ظروف مواقعهم في هذه الحياة الدنيا (ثقافة / مجتمع / مفاهيم ... إلخ)، ورغم ذلك فإن الرب لا يترك نفسه بلا شاهد لديهم. فقد رأينا في أحداث عرس قانا الجليل كيف كان عقل الإنسان وفهمه عطية ثمينة من الله للإنسان للتمهيد للإيمان بالمسيح. فعندما قارن رئيس المتكأ ما قدموه إليه ليشرب أولاً، وبين الخمر الجيدة التي خلقها الرب يسوع من الماء، وكيف أعادت إليه الوعي، فإنه خرج بتحليل من المؤكد أن نتج عنه مزيد من البحث عن حقيقة ماحدث وبالتالي التعرف علي شخص الحق - الرب يسوع: "فلما ذاق رئيس المتكإ الماء المتحول خمرا، ولم يكن يعلم من أين هي، دعا رئيس المتكإ العريس وقال له: «كل إنسان إنما يضع الخمر الجيدة أولا، ومتى سكروا فحينئذ الدون. أما أنت فقد أبقيت الخمر الجيدة إلى الآن! ». إن مجرد إعمال العقل بفكره الإنساني وفطرته السليمة ذات المرجعية الإنسانية، يمنح الإنسان القدرة علي تحليل الأحداث مع النقد والمقارنة بغرض الإستنارة. وهذا في حد ذاته هو شهادة حرة لكل إنسان ترشده الي الحقيقية وبالتالي الحق. والمعجزة من المنظور المسيحي ليست هي في تحويل الماء إلي خمر، بل هي أساساً في الإنفتاح علي شخص الرب يسوع المسيح و مجده. والدليل، أن كثير من الحاضرين لم يؤمنوا بالرب علي الرغم من المعجزة التي صنعها و أختبروها علي مستوي الماء والخمر فقط. والسُبح لله. بقلم د. رءوف أدوارد --- ### موت الابداع الفاعل على مقهى الرافضين - Published: ۲۰۲۱-۱۱-۱۹ - Modified: 2021-12-03 - URL: https://tabcm.net/3118/ - تصنيفات: مقالات وآراء اتفهم غضب بعض الممثلين من جيل ما بعد توغل الثقافة النفطية ومعها تيارات التصحر، فهم يعانون ازدواجية مربكة بين الأرضية الدينية الأحادية التى شكلت ذهنيتهم وبين طموحات اللحاق بمعطيات العصرنة، والتى تحاصرهم بها الثورة الرقمية. الملاحظة الجديرة بالتوقف عندها أن الأمر مرتبط بجيل وربما أجيال بعينها، فثمة اسماء ظل اصحابها مبدعين بنائيين وفاعلين بايجابية رغم تقدمهم العمرى، ربما لأنهم من اجيال اسبق لم تختطفهم الأحادية، وعاشوا فى بواكير شبابهم ثقافة التنوع والتعدد حيث الثراء الفكرى. فلماذا؟ ظنى ان الفيصل هو البيئة الاجتماعية والسياسية والثقافية التى اقتحمت وسيطرت وشكلت وعى وذهنية جيل أو قل أجيال الغاضبين والرافضين لحرية الابداع خارج خطوطهم الحمراء المتصحرة. وهى بيئة سيطر عليها تياران رئيسيان، التيار الأصولى المتصحر، الذى لم ينس خصومته التاريخية والوجودية مع الوادى والنهر، والتيار الرأسمالى المتوحش والعشوائى، وقد تحالفا معاً وانتجا تلك الأجيال، ولم يحتاجا الى نظرية المؤامرة الساذجة. ولعل فيلم "تيمور وشفيقة" نموذجاً يكشف هذا التأثير وذاك التحالف؛ بما يكرسه من مفاهيم ماضوية بأمكانات مكلفة ضخها اصحابها بوعى كامل. وتجربة "مسرح مصر" كاشفة لصحراء الربع الخالى برماله المتحركة فى عقل اجيال الرافضين. ويمكن ان نمد الخط ليدخل دهاليز دواوين الثقافة والإعلام والتعليم بتنويعاتها، ومؤسساتهم العريقة لنجد انها محكومة بأجيال الرافضين أيضاً. ويكفى ان ندخل الى براح العالم الافتراضى لنتعرف على الوجه الحقيقى لنادى الرافضين بين رواده ويضم غالبية المثقفين الجدد حتى من اجيال الشباب وبعضهم يزعمون انهم حداثيون وثوريون. --- ### نصوص مغمورة: مزامير الباشيطا (١) - Published: ۲۰۲۱-۱۱-۱۷ - Modified: 2023-10-20 - URL: https://tabcm.net/3101/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: الترجمة العربية المشتركة, الترجمة اليسوعية, الكنيسة السريانية, باشيطا, ترجمة فاندايك, عيد القيامة, ليتورچي ما لا يعرفه غالبية المسيحيين باستثناء أعلام الكنيسة السريانية، هو وجود أربعة مزامير إضافية في النسخة السريانية المعروفة بالباشيطا بالإضافة إلى مزامير أخرى في مخطوطات البحر الميت اعتدنا أن نقرأ ترجمة فاندايك للكتاب المقدس في الكنائس الناطقة بالعربية، حيث يحوي سفر المزامير 150 مزمورًا، ثم جاءت الترجمة العربية المشتركة والترجمة اليسوعية متضمنتين مزمور 151 والذي يقر الأرثوذكس والكاثوليك بقانونيته على حد سواء. وبالنسبة للأقباط الأرثوذكس، يشكل المزمور ال151 أهمية ليتورجية نظرًا لاستخدامه في طقس سبت النور قبيل الاحتفال بعيد القيامة المجيد. * ما لا يعرفه غالبية المسيحيين باستثناء أعلام الكنيسة السريانية، هو وجود أربعة مزامير إضافية في النسخة السريانية المعروفة بالباشيطا بالإضافة إلى مزامير أخرى في مخطوطات البحر الميت. أود أن أشاركك عزيزي القارئ ترجمة هذه المزامير الأربعة لما فيها من أهمية روحية، سواء اتفقنا أو اختلفنا مع وحوية هذه الأربعة مزامير الإضافية بين الكنائس المختلفة. في الحلقة الأولى من هذا المقال، سأعرض ترجمة المزمورين الأولين من هذه المزامير المضافة، حيث المزمور ال152 وال 153 منسوبين لداود وقت منازلته للأسد والذئب اللذان افترسا خروفًا من قطيعه. اعتنيت في ترجمة الأربعة مزامير باختيار الألفاظ العربية التي استخدمتها ترجمة فاندايك، نظرًا لتعود القارئ بالعربية على ألفاظها.   مزمور ١٥٢ ١ يا الله، يا الله، تعال إلى معونتي؛ ساعدني وخلصني؛ نج نفسي من القاتل. ٢ أأنزل إلى المواضع السفلية بفم الأسد أم بذئب يربكني؟٣ ألم يكن كافيًا لهم أن يتربصوا بقطيع أبي، وأن يقطعا خروف لأشلاء من قطيعه؟٤ ارحم يا يهوه مختارك، وخلص قدوسك من التهلكة؛ لكي يلهج في أعمال مجدك في سائر الأوقات وليسبح اسمك العظيم:٥ حين خلصته من أيدي الأسد المهلك ومن الذئب الجشع، وحين أنقذته من سبي أيدي الوحوش. ٦ أسرع يا رب وأرسل مخلصًا من محضرك، وارفعني من الجب المنفتح الطامح لسجني في براثنه.     مزمور ١٥٣ ١ سبحوا يهوه يا كل الأمم، مجدوه وباركوا اسمه:٢ الذي ينجي نفس مختاره من أيدي الموت، ويخلص قدوسه من التهلكة: وخلصني من شباك العالم السفلي، ونفسي من الجب غير المفهوم. ٣ لأنك، قبيل خلاصي استطعت أن تتقدم أمامه، كنت على وشك الانشقاق إلى نصفين بواسطة وحشين. ٤ لكنه أرسل رسوله، وأغلق الأفواه المنفتحة عني، ونجا حياتي من التهلكة. ٥ فتمجده نفسي وترفعه لكل تعطفاته التي صنعها وسيصنعها لأجلي.   * لتعلم المزيد عن تاريخ وأهمية المزمور 151، يمكنك اقتناء كتاب المزمور 151 للإكليريكي جاك عبده   --- ### خواطر في تفسير إنجيل يوحنا
الإصحاح الثاني (٢) - Published: ۲۰۲۱-۱۱-۱٤ - Modified: 2022-02-04 - URL: https://tabcm.net/3003/ - تصنيفات: كتاب مقدس علي قدر حساسية المجتمعات الدينية في الحديث عن الإرتباط بين الرجل والمرأة ، إلا أننا نجد الله عندما بدأ تقديم نفسه للإنسان سواءً في العهد القديم أو العهد الجديد كانت علاقة الحب و الأرتباط بين الرجل والمرأة أولوياته. حدث هذا في أحداث خلق آدم وحواء في بداية سفر التكوين وكانت أول وصية لله إلي الرجل والمرأة ” أثمروا وأملؤا الأرض“ . ثم في إفتتاح العهد الجديد لله مع الإنسان عندما أظهر الرب يسوع المسيح مجده في حفل عرس بقرية قانا الجليل فآمنوا به. إننا نري في هذا التدبير الإلهي رسالة واضحة يَستعلِن فيها الله لنا أن الرب خلق المرأة بعد خلقه لآدم حتي يعين الإنسان - المرأة والرجل - أن يمتد ويُجسِّد حبه لله من خلال حب شخصي وعلاقة حميمية بين الرجل والمرأة . والعكس صحيح أن الزواج المسيحي هو ، وسيبقي منارة للباحثين عن أيقونة الحب الحقيقي بين الرجل والمرأة. إن الحديث يطول في شرح الزواج الطبيعي والزواج الطائفي والزواج المسيحي. الزواج الطبيعي هو الذي أسسه الله في بدء الخليقة ”أثمروا وأملؤا الأرض“ والذي هو حق طبيعي قدسه الله للإنسان، وتحكمه حرية الإنسان في الإرادة والإختيار وإحتياج الحب للإرتباط بين الجنسين مع متطلبات صيانته. والزواج الطائفي هو زواج طبيعي وَضعَت له طوائف المجتمع ( ومن ضمنها الدولة ) شروطاً تختلف بحسب إختلاف تراثها ومعتقداتها التي تطورت خلال تاريخها. والزواج المسيحي هو زواج طبيعي يدعو إليه الزوجان شخص المسيح إلهنا ليكون فيه هو الجسد الواحد الإلهي الذي يرتبط به وفيه الزوجان. ولكني سأقتصر حديثي علي جانب من رؤيتي للزواج المسيحي الذي تَمثَّل في دعوة أصحاب عرس قانا الجليل ليسوع وأمه وتلاميذه و ما قام به المسيح من معجزة خلق جديد خلال العرس عندما أنعم علي أصحاب العرس بالخمر الجيدة التي جلبت لهم الوعي بالفرح بعد أن فرغت الخمر الردئ التي تتسلط علي الإنسان بالنشوة الكاذبة التي لا تدوم بل تذهب بالوعي والفرح. قلنا أن الإرتباط الحميم الذي نسميه الزواج بين المرأة والرجل قد أسسه الله عندما خلق آدم وحواء وقال لهم "اثمروا وأملئوا الارض“. هذا الإرتباط الطبيعي الذي تأسس عند خلق الإنسان قد تدنَّي بسبب تدنِّي البشرية بالسقوط ثم تغربها عن الله مصدر الحب وحياة الشركة في الإنسان. ثم تجسَّد الرب يسوع المسيح ” الله الذي ظهر في الجسد“ وبدأ عهده الجديد مع الإنسان بالخلاص و فتح باب النعمة علي مصراعيه أمام المؤمنين من خلال تجديد طبيعتهم الساقطة وذلك بإتحادهم بالطبيعة الجديدة للإنسان التي أسسها الرب لنا في جسده. لذلك فقد صار الزواج المسيحي الذي هو دعوة موجهة إلي الرب يسوع المسيح ليشترك ويتواجد كإساس في هذا الإرتباط، هو بمثابة عودة بعلاقة الرجل والمرأة إلي مجالها الإلهي الذي هو موطنها الأصلي حين خلق الله آدم وحواء. فالزواج المسيحي يرتقي بالزواج الطبيعي بين المرأة والرجل. لأنه بدعوة العروسان للرب يسوع المسيح لحضور العرس والأشتراك فيه، والذي مثاله كان في عرس قانا الجليل فإن إرتباط العروسين بالرب الإله ودعوتهما له ليشترك في أرتباطهما هو معجزة الزواج المسيحي التي لا توجد في أي زواج آخر حتي لو تمت مراسيمه في الكنيسة لأنه سيكون فقط مجرد زواج طائفي للمسيحيين. وبحسب أحد قادة الكنائس: . إن أساس الزواج المسيحي هو شركة وأتحاد كل طرف من الزوجين في المسيح يسوع أولاً. ثم الوعد بينهما بالأرتباط في شركة حب يكون المسيح مدعواً إليها كشريك. فبحسب الكتاب ”من ألتصق بالرب فهو روح واحد“ فإن المسيح يصير هو الجسد السري الواحد الذي يتحد فيه كل من الزوجين ”يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بإمرأته ويصير الإثنان جسداً واحداً“ إذ قد سبق إتحاد كلٍ منهما في المسيح كعضو في جسد المسيح السري الذي يجمع المؤمنين فيه. فتأتي الكنيسة وتعلنه وتحتفل به من خلال مراسيم الزواج الكنسية كطائفة في المجتمع. لهذا كانت الكنيسة تُعلن الزواج ”الإلتصاق“ المسيحي بين المرأة والرجل أثناء مراسيم الإحتفال الإفخارستي الذي هو ”الإلتصاق“ بالمسيح في القداس الإلهي، حيث الأول هو أمتداد وممارسة فعلية للثاني . فالإتحاد بالمسيح وحضور وأشتراك شخص المسيح الإلهي هو ضمان دوام الفرح ، لأن الرب هو الخالق والواهب الفرح الحقيقي والذي تَمثَّل في الخمر الجيدة التي خلقها المسيح لأصحاب عرس قانا الجليل . فالمسيح الإله قد أستعلن لنا أنه هو ”الكرمة الحقيقية “ وجعلنا أغصانا فيه ( يوحنا ١٠) . فالزواج المسيحي هو إعلان المسيح عن إرتباط وإلتحام أثنين من أغصانه ، يكون فيه هو أصل الحب وخلوده ” أنا هو الكرمة الحقيقية وأنتم الأغصان“. لذلك لو حدث إنفصال بين الزوج أو الزوجة وبين المسيح ( مثلما فعلت اسرائيل في العهد القديم تجاه الله ، فقال الله لليهود " أين كتاب طلاق أمكم“) فإن هذا هو الزني في مفهومه المسيحي الذي من أسبابه تَغرُّب النفس عن الله وبالتالي سهولة إقترافها كل ما يحزن قلب الله مع عدم سماع النصح والأرشاد . مثل هذا الإنسان قال عنه الرب ” فليكن عندك مثل الوثني والعشار“ أي ليس مسيحياً . هنا ينحل الإرتباط والزواج المسيحي لأن أحد الزوجين قد خرج من الشركة في جسد المسيح الواحد الذي كان أساس وحدة الرجل والمرأة في أرتباطهما . فتصبح الزيجة المسيحية غير قائمة. هنا تُعلن الكنيسة الطلاق . لذلك فإن الزواج الثاني في المسيحية هو توبة ورجوع للإتحاد في جسد المسيح السري ، يمكن بعده الإرتباط الزيجي بالآخر في شخص المسيح. والسبح لله. بقلم د. رءوف أدوارد --- ### عن الـ"أنا" - Published: ۲۰۲۱-۱۱-۱۱ - Modified: 2024-04-10 - URL: https://tabcm.net/3032/ - تصنيفات: لاهوتيات, مقالات وآراء - وسوم: The Virtue of Selfishness, آيان راند, أبراهام لينكولين, أوجست كومت, كارل هانريش ماركس أنا أكتب كيلا أكون وحيدا.. وكل الباقي هو عرض جانبي.. فُطمنا منذ الصغر على كراهية الأنانية. . أن نتخلص من الـ"إيجو" الشرير الذي بداخلنا، ونتحلي بفضائل الإيثار والعطاء. . بداية من الطفل الذي يقدم لزميله قطعة من المقرمشات قبل أن يأكل شيئا منها، مرورًا باليافع الذي يجب عليه تمرير كرة القدم لبقية فريقه، والعم والخال الذي يجود بالـ"عيدية" لاسعاد أطفال العائلة، نهاية بالأبطال الذين بذلوا أرواحهم في صورة أيقونية لهدم الذات من أجل الآخرين. الأمر هنا يتخطى أطنان التعاليم الدينية المختلفة والتي تدور في فلك "حب لأخيك ما تحبه لنفسك"، بل لدينا تراكم ثقافي مهيب في محاربة الـ"إيجو" يمكن أن نلمسه في الأدبيات الماركسية القائمة علي التفسير المادي وليس الميتافيزيقي. حتى الأدبيات الرأسمالية المعارضة قدمت لنا مصطلح Psychological Egoism (الأنانية النفسية) وهو مذهب فلسفي يعتبر الـ"إيجو" هو المحرك للسلوكيات الفردية بما فيها الموصوفة بالإيثار والعطاء! فعندما تتخلص من أنانيتك وتمنح شيئا لآخر فأنت في الحقيقة تفعل ذلك طمعا في تحقيق مصلحة ذاتية. ربما تكون ثوابًا دينيًا، أو تخفيضًا في الضرائب، أو حتى شعورًا بالسعادة والسلام الداخلي يرضي الـ"سوبر إيجو" بداخلك. طبقا للسيكلوچيكال إيجويزم، فكل أفعالنا الغير أنانية هي فعليا مواربات أنانية بشكل ملتوي، لأننا نفعلها لمصلحة أنفسنا، ولن تفلتوا من سيطرة الـ"إيجو" ولو حرصتم! "أبراهام لينكولين" قال عن نفسه أن كل دوافعه في الحياة كانت أنانية. يُقال عندما سألوه: كيف ساعدت المرأة في إنقاذ خنازيرها من الغرق في المستنقع وغامرت بحياتك ثم تصف نفسك بالأنانية؟ أجابهم بأنه لم يكن ليستطيع النوم ليلا لو تركها دون مساعدة. بطريقة أخري، فهو أنقذ الحيوانات كي ينعم بنوم هادئ، وهو دافع ذاتي جدا وليس كما يبدو للوهلة الأولى. "لينكولين" الذي حافظ على دولته من مخاطر الحرب الأهلية، والداعي لتحرير العبيد، يرى دوافعه لكل ما فعل هو هذا الـ"إيجو" الأناني الملعون! ! الفيلسوف الفرنسي Auguste Comte (أوغست كومت) هو الذي ابتكر مذهب الـ Altruism (الإيثار)، وهو لا يعني التنازل عن الـ"أنا" من أجل الآخرين وحسب، بل يشترط ألا يعود عليك أي استفادة أو مصلحة من ذلك حتى تكون منتميا لفضيلة الإيثار. لدى "كومت" فأي استفادة هي غير أخلاقية. وهو صاحب العبارة الفرنسية الشهيرة "الحياة من أجل الآخرين" والتي صارت حجر زاوية في الأدبيات الماركسية. بينما الفيلسوفة النصف أمريكية نصف روسية Ayn Rand (آيان راند) في كتابها اﻷشهر: The Virtue of Selfishness (فضيلة الأنانية) هاجمت الإيثار بمفهوم "كومت"، وقالت أن من حق الإنسان أن يكون أنانيًا، وأن يفسر سلوكه الخدمي (الإيثار) بشكل صادق على أنه مدفوع بالـ"أنا". وقالت أن مهاجمة الـ"إيجو" وطرحه علي أنه دافع غير أخلاقي، هو طرح يحض علي النفاق والادعاء. وأن زعم البشر أن دوافعهم لخدمة الآخرين تخلو من المصلحة، لن يجعلهم يفهمون أنفسهم بل فقط يخدعونها. "راند" قالت بوضوح وجرأة: لو الاهتمام بالمصلحة الشخصية هو أنانية، إذن فأنا أدعوكم للأنانية (Ayn Rand, The Virtue of Selfishness) كي ننقذ البشرية والأخلاق سويا، علينا أن ننقذ فضيلة الأنانية (Ayn Rand, The Virtue of Selfishness) وعُرف هذا الفكر فيما بعد باسم Moral Egoism (الأنانية الأخلاقية) سواء "الأنانية النفسية" أو "الأنانية الأخلاقية"، فكلاهما يرد سلوكياتنا الخدمية تجاه الآخرين لدافع ذاتي من الـ"إيجو". والفارق الحقيقي بين المذهبين هو مدي رؤيتهما لأخلاقية ذلك. فإن كنت من أنصار الفكر التقليدي، أو حتى من أنصار طوباوية الجمال الإنساني وستر قبحه، فربما تجد نفسك أكثر في المنادين بلا أخلاقية الدوافع الأنانية، وانه لا يصح وصف فعل ما بالإيثار وهو ساعٍ لمصلحة. بينما إن كنت غير تقليدي أو من أنصار صدق الحقيقة رغم ألمها، فربما تجد نفسك أكثر مع المنادين بأن الـ"إيجو" ليس شرا، بل ربما تكون الأنانية هي الدافع الأصيل لكل سلوكياتنا الخدمية الأخلاقية. شخصيًا، ولدت على الأولي، وانتهيت بالثانية. ليس فقط لأن الثانية تبدو لي أكثر صدقا، بل لأني أراها أيضا الأكثر شجاعة في مواجهة الـ"إيجو" ذاته. والأكثر تصالحا مع الـ"أنا" بقبولها على ما هي عليه. ووفق هذا التصور عن الـ"أنا"، فربما لا أكتب الآن كي تستفيد، أو تزداد علما وثقافة، أو عمقا بتفاصيل ذاتك. بل أكتب لسبب ذاتي فرداني أهون بكثير من كل هذه الكلمات الكبيرة. أنا أكتب كيلا أكون وحيدا. . وكل الباقي هو عرض جانبي. . --- ### سي. إس. لويس: اللاهوتي والأديب - Published: ۲۰۲۱-۱۱-۰۸ - Modified: 2023-10-20 - URL: https://tabcm.net/2998/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون, تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أدهشني الفرح, أفلاطون, ألم ملحوظ, إلى أن نمتلك وجوها, الكنيسة الإنجيلية, الله في قفص الاتهام, المسيحية المجردة, بروتستانت, چون ميلتون, حكايات نارينا, رسائل خربر, كليف ستيبلز جاك لويس كم أحب "سي. إس. لويس"، وكم تأثرت بكتابته، وللأسف لا يحظى هذا الرجل -الذي يعد أحد عمالقة الأدب واللاهوت في القرن العشرين- بالقدر الكافي من الشهرة والصيت بين مسيحي اليوم من يعرفني بشكل شخصي، يعلم كم أحب "كليف ستيبلز جاك لويس" وكم تأثرت بكتابته، وللأسف لا يحظى هذا الرجل -الذي يعد أحد عمالقة الأدب واللاهوت في القرن العشرين- بالقدر الكافي من الشهرة والصيت بين مسيحي اليوم. بالطبع، يحظى "لويس" بشعبية لا بأس بها في الكنيسة الإنجيلية لأنها كنيسته الأم؛ لكنه لا يحظى بالمكانة ذاتها عند الطوائف الأخرى. لذلك، دعونا نتحدث اليوم عن هذا المفكر الرائع، وعن أهم كتاباته التي ستجد فيها نبعًا من الإلهام والاستنارة. من الإلحاد إلى الإيمان عاش "سي. إس. لويس" كملحد في فترة شبابه، وكان لا يأبه بشيء إلا العلم والخدمة العسكرية، على حد وصفه في كتابه "أدهشني الفرح". أما عن قصة رجوعه للمسيحية، فهي من أشد القصص غرابة؛ فما جذب "لويس" للعالم الروحي هي تلك الأشعار الروحية لـ"جون ميلتون"، وكتابات "أفلاطون" الوجودية! كانت تلك الأشعار والتراتيل البسيطة بمثابة مفتاحًا أمام "لويس" لفتح مصاريع ذلك العالم السحري. فعلى الرغم من احتقاره للدين، وسخريته من أصدقائه المتدينين، كان لا يستطيع أن يمنع نفسه من قراءة تلك الأشعار التي كانت تطير به خارج العالم المادي، ليجد شعورًا عجيبًا يملأه على الرغم من إيمانه بأن تلك الكتابات هي من "أكاذيب الشعراء. " أحب "لويس" أكاذيب الشعراء خلسة، وشعر بأنه من المحال ألا يوجد عالم روحي وراء ذلك العالم المادي الجامد بما أن شيئًا ما يرتج بداخله بسببها، إلى أن أصبح مسيحيًا عام 1930. لم يعتقد "لويس" يومًا أنه قد سوى صراعته الفكرية كليًا، لكن هذا لم يمنعه من أن يكون مؤمنًا. وهو يعبر عن تلك الحالة ذاتها في قصته الرائعة "حكايات نارينا" أنه قد اختار أن يكون مسيحيًا حتى لو كانت المسيحية وهم؛ لأن ذلك الوهم هو بالطبع أفضل من فراغ الواقع. قال "لويس" إنه حتى لو كان المسيح خيالًا وليس حقيقة؛ يكفي أنه يجعل البشر قديسين؛ لذلك، قرر "لويس" أن يحافظ على ولائه إلى ذلك العالم الروحي الجديد. تلك العقيدة البسيطة هي ما جعلت "لويس" يحفظ إيمانه رغم كل شيء.   الله يتحدث في الأساطير الوثنية من أهم أسباب حبي لـ"لويس" هو ولعه الشديد بالأدب، وبالأخص الأساطير القديمة. طالما تعجب "لويس" من رفض المسيحيين للأساطير، وخوفهم من التحدث عن الأساطير التي تتشابه مع قصص شهيرة في الكتاب المقدس حتى لا تكون سببًا للعثرة، والوقوع في براثن الشك في تاريخية النصوص المقدسة. كان يقول إنه من السخف أن نظن أن الله تحدث إلينا فقط في الكتاب المقدس والكتب اللاهوتية، فالأساطير الوثنية كانت إحدى تعاملات الله مع الشعوب القديمة. وطالما أن الكتاب المقدس يدور حول حقائق روحية، لا يهم أن يكون تاريخيًا بشكل كامل. كما وصف الأساطير الوثنية أنها جاءت تمهيدًا لمساعدة البشر على قبول التدبير الإلهي. لذلك، لا نتعجب أن وجدنا الكتاب المقدس يتبع ذلك النهج الأسطوري ويقتبس الأساطير بالأخص لأن تلك الأساطير كانت تمثل معتقدات البشر آنذاك. أكن عميق الاحترام حتى للأساطير الوثنية، وهذا لا يمنع أن لديّ احترام أكبر لأساطير الكتاب المقدس. وأعتقد أن التفسير الذي يقول إن تفاحة جنة عدن تعد رمزًا خياليًا يحتوي على حقيقة أعمق بكثير من ذلك التفسير الذي يتعامل مع التفاحة من منظور حرفي. (سي. إس. لويس - مشكلة الألم) عشقه للفن أبدع "سي. إس. لويس" في وصف جمال الرمز والقصة الخيالية. فهو يصف الأدب على أنه السبيل الوحيد للاستمتاع والمعرفة في تجربة واحدة. ويقول "لويس" إننا جميعًا في حاجة ماسة للقصص، والروايات، والأشعار، لأن الإنسان لا يستطيع وصف ما يتعرض له من تجارب بنفسه، وبخاصة وهو داخل التجربة، ودومًا ما يحتاج لقصة خيالية من خارجه، تصف تجربته، وتشعره أنه داخل التجربة، ويمكنه الإحساس بها، واختبارها، وفي نفس الوقت يستطيع أن يفكر فيها بعقلانية وحيادية، لأنه لم يعد داخل القصة تمامًا.  هذا هو دور الأدب، والفن، حسب وصف "سي. إس. لويس"، ومن النادر أن تجد لاهوتيًا مخضرمًا يبدع في وصف قيمة الفن والأدب بهذه الدرجة من الجمال. حين يتوقف ألم أسناني، سأكتب فصلا جديدا عن الألم. لكن، إن توقف ألم أسناني، هل سأستطيع إدراك معنى الألم حينها؟ (سي. إس. لويس - الله في قفص الاتهام) رأيه عن خلود الحيوانات كان "لويس" من محبي تربية الكلاب والقطط بشدة، وكان يسأل هل حين يموت ويذهب إلى السماء، سيلتقي بحيواناته أم لا. بالطبع، تعجبت بشدة من طرحة للموضوع لأنه لم يخش سخرية القراء منه، وهو معروف بكتاباته الجادة! كما يشرح في كتابة "مشكلة الألم" أن قيام الحيوانات الأليفة بعد الموت ليس أمرًا مستحيلًا أو مرفوضًا؛ فإذا كان الحيوان ليس له شخصية أو كينونة، ولا يعي من هو، لا مانع من أن يقيمه الله إذا كان جزءًا هامًا من حياة إنسان تقي من أجل هذا الإنسان. يبدو من الممكن بالنسبة لي أن يكون لبعض الحيوانات خلود، ليس في ذاتها، بل في خلود أسيادها ... أو بمعنى آخر سيعرف الإنسان كلبه، والكلب سيعرف صاحبه. أما إدراك الحيوان لنفسه فهو أمر ليس له معنى، لأن الحيوان ليس له إدراك. (سي. إس. لويس - مشكلة الألم) قديس من نوع آخر اعتدنا على تلك الصورة النمطية للقديس الذي تظهر عليه هالة نورانية، ويبدو وجهه كأيقونة يسيل منها زيتًا مقدسًا لا ينضب، تلك الصورة للقديس المثالي، البعيد كل البعد عن طبائع البشر. لكن ما يعجبني في "لويس" هو أنه لم يحاول التظاهر ليبدو على هذه الصورة، بل على النقيض، كان به من النقاء ما يجعله يتحدث عن عيوبه وصراعته على الملأ. وكان شجاعًا بالقدر الذي يجعله يفعل ما يريد طالما أنه مقتنع أنه ليس على خطأ، حتى وإن عارضه الناس. لذلك، لا تتعجب إن وجدت صورة له وهو يدخن السجائر أو يمسك بكأس من الخمر. كان لـ"لويس" رأي مميز حول موضوع ما يحل وما لا يحل. فهو يقول إن ما يهم هو حرية الإنسان من جميع الأشياء؛ ألا يتسلط على الإنسان شيء، حتى الأشياء العادية، أو المقبولة مجتمعيا، وليس أن يكون الشيء محرمًا أو معيبًا في ذاته. فمثلا، القهوة ليست محرمة وليست مسكرة مثل الخمر؛ لكن هذا لا يعني أن تبالغ في شربها. لذلك، لا يهم ماذا تشرب أو ماذا تفعل؛ المهم هو أن تعتدل فيه. لا يشمل الاعتدال المسكرات فقط، بل جميع الملذات. ولا تطالب المسيحية بالامتناع الكلي عن الأشياء بل الاكتفاء بالقدر السليم وعدم تخطيه ... لقد نتج أذى كبير من تقييد كلمة الاعتدال حول المسكرات فقط؛ فهذا يسهم في إنساء الناس أن يكونوا معتدلين في أشياء أخرى. فالرجل الذي يجعل كرة القدم مركز حياته ... هو غير معتدل تمامًا مثل الرجل الذي يسكر كل ليلة. إنما بالطبع، لا يظهر ذلك في العلن. فكرة القدم لا تجعلك تترنح وتسقط على الطريق. لكن الله لا تخدعه المظاهر. (سي. إس. لويس - المسيحية المجردة) وحين ماتت زوجته "جوي ديفيدمان" بالسرطان بعد ثلاث سنوات فقط من الزواج، كتب لويس كتابه "ألم ملحوظ" الذي عبر فيه عن كل الغضب الذي بداخله بصورة جعلت البعض يظن أنه عاد إلى الإلحاد من جديد. كان هذا الكتاب بمثابة ثورة عارمة وصرخة ألم وغضب، عبر فيه عن ألم الفقدان، واليأس والخذلان بعد الأمل. وبالطبع، لم يعجب هذا الكتاب المجتمع المسيحي، والبروتستانتي بالتحديد. لأن البروتستانتي يعشق الانتصارات والتهليل بطبيعته. أما "لويس"، فهو لم يبال بهذا، لأنه يعلم أن المسيح قد سبق وصرخ صرخة مشابهة حين قال إلهي إلهي لماذا تركتني. لم يهتم لويس بمظهره أمام العامة؛ فقد كان حريصًا على خوض تجربته الشخصية بصدق عالمًا أن الله ينظر إليه من الداخل.   إلى أن نمتلك وجوهًا... ربما كتابي المفضل على الإطلاق للويس هو تلك الرواية الأخيرة التي كتبها عن حياته قبل رحيله والتي سماها "إلى أن نمتلك وجوهًا". يرمز الوجه في الرواية إلى عدة أشياء، أهمها شجاعة التفكير والبحث. تدور الروية حول بطلة تدعى "أورويل"، وهي فتاة تعيش في زمن قدماء اليونانيين، وهي عكس غالبية المجتمع، لا تؤمن بآلهة اليونان. ترتدي "أورويل" نقابًا على وجهها خوفًا من مواجهة العالم. يسافر "لويس" بهذه الشخصية إلى أبعد الحدود، ملقيًا الضوء على مناهج التفكير المختلفة كالمنهج العقلاني الذي يحد الله بالعقل المحض، والمنهج الشعوري الذي يلقي بالمنطق عرض الحائط. ويوضح "لويس" عيوب ونواقص كلا المنهجين. لكن تبدو حقيقة واحدة واضحة طوال القصة هي أن الآلهة لا تكشف عن نفسها لمن اختاروا أن يغطوا وجوههم، ويذوبوا في المجتمع بلا شخصية. لن تلتقي الآلهة بالبطلة إن لم تنزع ذلك القناع، وتوضح شكواها وأسئلتها. قدم "لويس" تلك الفكرة في كتاب آخر له وهو "رسائل خربر"، وهو عبارة عن رسائل يقدمها الشيطان "خربر" لتلميذه من الشياطين الصغار ليعلمه كيف يوقع البشر في الشر، ويبعدهم عن العدو (الله). يقول "خربر" لتلميذه إن اصطياد البشر وفصلهم عن العدو يبدأ بفصل الإنسان عن نفسه، لذلك، على الشيطان أن يجعل الإنسان يذوب في الجمع ذوبانًا، ويردد ما يحفظه دون وعي، يذهب إلى الكنيسة، ويتخذ منها هويته، ويردد ما يقوله الناس عن العدو كمسجل مكسور، دون اختبار شخصي، فالعدو يريد البشر متمايزين، متفردين، أما "خربر" وتلامذته، فهم يريدون البشر نسخا مكررة.   السماء هي حالة التحقق الأبدي يقول "لويس" عن السماء إنها حالة سعادة وتحقق كامل، لا نعرف ماذا تكون بالتحديد؛ فكل الصور الكتابية هي مجرد صور أدبية لوصف حالة مستقبلية بعيدة لا يمكن فهمها الآن. لذلك، من الخطأ أن نظن أن السماء عبارة عن ترانيم وتسابيح بلا توقف. فبالطبع، لا يقصد الكتاب أننا سنفعل هذا إلى ما لا نهاية. والأشياء التي يذكرها الكتاب مثل الأكاليل، والذهب، والمزاميز ترمز لما هو أبعد من ذلك بكثير. ربما يخلق الله عوالم جديدة، ونكون في حالة مختلفة، ولدينا أدوار مختلفة. المؤكد أننا سنكون في حالة تحقق وفرح. ويقول لويس ساخراً: إن الكتاب المقدس كتابًا أدبيًا، كُتب لأناس بالغين، عقلاء. لذلك، ليس من المفترض أن نأخذ رموزه بشكل حرفي. فهل حين قال المسيح كونوا كالحمام، كان يقصد أن نكون كالحمام بشكل حرفي، ونبيض البيض؟ (سي. إس. لويس - الأعمال الكاملة)   إن الحديث عن "سي. إس. لويس" يلزمه مجلدات، ولن ينتهي. لذلك، إن كنت لم تقرأ له بعد، ربما حان الوقت لتفعل ذلك. وما يميز "لويس" أنه لم يكتف بنمط واحد من الكتابة، فله كتابات لاهوتية مثل "المسيحية المجردة" الذي يعد من أهم ما كتب للرد على الإلحاد، وكتابات قصصية مثل حكايات نارنيا الذي تحول إلى سلسلة أفلام شهيرة تحكي عن أربعة أطفال يخوضون تجربة الذهاب إلى "نارنيا"، تلك المدينة التي يحكمها الأسد "أسلن"، وتتعرض للهجوم من قبل جيش ساحرة العالم السفلي. ويستخدم لويس "نارنيا" كرمز للمدينة السماوية، أو الخليقة الجديدة، كما يرمز الأسد "أسلن" إلى المسيح، وترمز الساحرة إلى قوى الشر. --- ### خواطر في تفسير إنجيل يوحنا
الإصحاح الثاني (١) - Published: ۲۰۲۱-۱۱-۰۷ - Modified: 2022-02-04 - URL: https://tabcm.net/3002/ - تصنيفات: كتاب مقدس بحسب المنهج الأرثوذكسي للروحانية المسيحية ، فإن قراءتنا لإنجيل ربنا يسوع المسيح ” الله الذي ظهر في الجسد“ ، هي قراءة لسيرتنا الذاتية نحن ، من خلال قراءتنا لسيرة الرب نفسه ، لأن هدف تجسد إلهنا هو « كونوا قديسين لأني أنا قدوس » . فنحن نقرأ الإنجيل كل يوم ليَستَعلِن الرب لنا كيف تكون سيرتنا نحن بحسب ما سبق الرب وحققه لنا في أحداث سيرته هو متجسداً . بهذا المفهوم سنقرأ سيرة المسيح في الحدثين بالأصحاح الثاني من أنجيل يوحنا، ونبدأ بحضوره عرس قانا الجليل ، ثم تطهيره الهيكل . فنجد أن الرب في تعاملاته مع أمه القديسة مريم العذراء خلال حضور عرس قانا الجليل قد أستَعلَن لنا أساسيات في الإيمان المسيحي : مِن الواضح أن المسيح لم يحضر العرس أصلاً بغرض أفتتاح إرساليته وإعلان لاهوته ليؤمن به تلاميذه من خلال معجزة خلق الخمر. بل كان أحد المدعووين مع أمه وتلاميذه . والسيدة العذراء كانت بين الضيوف عندما فرغ الخمر. وبدون مبادرة من أصحاب العرس تشفعت العذراء لهم عند أبنها " ليس لهم خمر“ . وعلي الرغم من إستعفائه ، إلا أنها فاجأتنا بثقة وإيمان وحب ودالة عند الرب ، ربما قد تتعارض ظاهرياً مع حروف قوله / وصيته لها ” لم تأتي ساعتي بعد“. لكن موقف أمنا العذراء يتوافق تماماً مع روح قول الرب ومضمون الوصية ، أي خلاص الإنسان . لذلك قالت للخدام : « مهما قال لكم فافعلوه » . والعجيب أن الرب أستجاب لأمه رغم أن الوقت والساعة لم تحين بعد . هنا نري تطبيق عملي لتعليم الرب «السبت إنما جُعِلَ لأجل الإنسان ، لا الإنسان لأجل السبت» حيث رأينا الرب يُقدِّم الأنسان عن الوصية / السبت في تدبيره . هذا يرتبط أيضاً بمبدأ مسيحي مهم . فالبرغم أن الخلاص هو مبادرة ونعمة من المسيح بالدرجة الأولي ، إلا أن الخلاص المسيحي لا يقتحم الإنسان بالسيف بل ينتظر قبول ورغبة وطلب الإنسان لخلاص المسيح بكونه الإله القادر علي الخلاص. هذا واضح في إلتجاء العذراء إلي الرب مع قولها للخدام "مهما قال لكم فأفعلوه“. وأمام أيمان والدته بألوهيته ولجاجتها ، إستجاب الرب لشفاعتها وبدأ أرساليته قبل الوقت : ”هذه بداية الآيات فعلها يسوع في قانا الجليل ، وأظهر مجده، فآمن به تلاميذه“. وقد يظن أحدٌ أن أهل هذا العرس كانوا محظوظين أن يكون الرب يسوع المسيح بينهم وأمه وتلاميذه ”كان عرس في قانا الجليل، وكانت أم يسوع هناك . ودُعِيَ أيضا يسوع وتلاميذه إلى العرس“ . نقول . . نعم ، جيدٌ للإنسان أن يختار هؤلاء صحابته . فيدعو ربنا يسوع المسيح وأمه والقديسين علي الدوام ليكونوا صحابته ورفقته ، ليس في الضيق فقط ، بل وفي الفرح أيضاً. نقول أن يطلب في وقت الضيق ليس فقط بإسم الرب ”كل من يدعو بإسم الرب يَخلُص“ بل أيضاً يطلب شفاعة القديسين والملائكة وعلي رأسهم أم يسوع المسيح ليكونوا صحابته . لأنه ليس هناك تناقض بين شفاعة القديسين وبين أيماننا بأن المسيح الإله لا يحتاج لشفاعة أحد في تدبيره لحياتنا وخلاصنا . إن أساس هذا المنهج هو في أصله ، الذي هو حياة الشركة بين الأقانيم الثلاثة في طبيعة إلهنا الواحد القدوس ، حيث نري أن كل أعمال الله الواحد أشترك فيها كل أشخاص / أقانيم الثالوث . هذا هو أساس حياة الشركة والحب في طبيعة الله الواحد . فلا عجب أن نري إنعكاس طبيعة الله في علاقته بالإنسان الذي أحبه وخلقه . فإلهنا - سبحانه - يُشرِك أحباءه في عمله وتدبيره . فقد رأيناه يناقش أبراهيم أبو الآباء من جهة سدوم وعمورة . و نعرف أن أم يسوع والملائكة والقديسين هم أحباء الله الثالوث ولهم مكانة وشفاعة عنده . ومن جهة أخري ، نقول إنه جيدٌ أيضاً للإنسان أن يكون القديسين والملائكة وعلي رأسهم العذراء أم الرب ، هم الصحبة و الرفقة في وقت الفرح أيضاً . لأنه ليس هناك تناقض بين أيماننا المسيحي وبين حياتنا الإجتماعية علي الأرض بما فيها مِن أفراح أيضاً. فقد رأينا كيف أن قدسية المسيح والعذراء أمه لم تتعارض مع شرب الخمر . ولكن في نفس الوقت رأينا كيف كان يوحنا المعمدان ” نذيراً للرب “ متقشفا يعيش في نسك بالبرية لايشرب خمراً . هذا نجده أيضاً في معظم مناهج الرهبنة الارثوذكسية التي قد تتمايز عن بعضها من جهة شرب النبيذ . فهو مسموح به في بعض الرهبانيات إلي الآن . بل ونقرأ عنه في تاريخ الرهبنة القبطية ذاتها. ملخص الكلام أن النسك المسيحي في مفهومه السليم - ومن مظاهره عدم شرب الخمر - ليس مُنشِئ لقداسة بل ربما كاشفٌ لها . بمعني أنه نتيجة سمو القامة الروحية عند بعض مجتمعات النسك المسيحي التي تأسس منهجها علي عشق للرب حتي صار حبهم للمسيح هو الخمر الجيدة الحقيقية التي يسكرون بها روحياً بل ويمكننا القول أن هذا العشق والحب الروحي - والذي هو مثيل للمفهوم المستيكي / السرائري لسفر نشيد الأنشاد - نقول أنه الأصل لمِا تَمَثَّل خمراً مادياً صنعها الإنسان ، فيشربها لتعطيه فرحاً . ولكنه فرح مؤقت لأنه نتاج خمر مصطنعة من كرمة ليست هي " الكرمة الحقيقية " التي هي المسيح رب الحب والفرح الحقيقي. و في اعتقادي، أن تجسيدها كان هو تلك الماء المتحول خمراً في عرس قانا الجليل ، بدليل أنها عادت بالوعي للحضور في عرس قانا الجليل بينما المفروض أنهم قد ثملوا بسبب أستهلاك وشرب كل الخمر الرديئة حتي فرغت. 
لذلك اقول إن النسك وعدم شرب الخمر هو نتاج حياة شركة مع المسيح ، ملؤها حب وفرح وعشق لشخص الرب ” الكرمة الحقيقية " فتذهب خمرها بوعي النساك بعيداً عن سواه كما هو مكتوب ” لأن محبة المسيح تحصرنا “ . والسُبح لله ( يُتبع) --- ### لماذا يخاف الأقباط وكنيستهم من الحب؟ - Published: ۲۰۲۱-۱۱-۰۵ - Modified: 2023-10-19 - URL: https://tabcm.net/2978/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أنبا إبيفانيوس المقاري, أنبا بفنوتيوس، مطران سمالوط, أنبا رفائيل، أسقف وسط القاهرة, أوريجينوس ليونايدس أدامانتيوس, الكنيسة القبطية, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, بابا فرنسيس، بابا الڤاتيكان, بابا كيرلس عمود الدين, تجسد الكلمة, دون كيخوتي دي لا مانتشا, دير الأنبا مقار الكبير, سر الزيجة, سيرافيم البراموسي, قديس أثناسيوس الرسولي, كنيسة الإسكندرية, مجمع خلقيدونية, مدرسة الإسكندرية للدراسات المسيحية, ميجيل دي ثيربانتس سابدرا خطاب الكراهية لا يقدمه كل أبناء الكنيسة القبطية، بل بعضًا منهم، لكن للأسف صوتهم يظهر وسط مواقع التواصل الاجتماعي وكأنه لا يوجد إلا هم على الرغم من أن المسيحية قائمة على الحب،  والدعوة الرئيسية للسيد المسيح كانت الحب، والهدف الأساسي لتجسد الكلمة هو الحب، وأهم تعريف لله في المسيحية هو أنه "محبة"، إلا أن كنيستنا القبطية تخاف من الحب، وغالبية تعاليمها طوال العقود الخمسين الأخيرة تبتعد عن الحب، وجعلت أتباع الكنيسة القبطية يخافون من الحب، ونتيجة لتجذر هذا الخوف من الحب فأصبح الآباء يخشون منح الحب لأولادهم بل صدروا لهم هذا الخوف من الحب. قبل أن تتهمني بالافتراء على كنيستنا أو التعميم أو إطلاق أحكام مطلقة، سأدلل على كلامي بأدلة واضحة وبمواقف واضحة يختفي فيها الحب، أو يتم تصدير فيها مشاعر الكراهية بدلا من الحب أو تصدير الخوف من الحب، وسنرى هل أفتري أم أتحدث عن شيء ملموس؟ التخويف من الحب وفشل العلاقات الزوجية منذ سنوات طويلة دأبت الكنائس على فصل الأولاد والبنات في مدارس الأحد منذ سن إعدادي وأحيانا منذ سن ابتدائي، ولا يأتي هذا الفصل إلا خوفا من ارتباطهم بعلاقات عاطفية في هذه السن المبكر، وتبدأ في هذه الفترة توعية عكسية لإخافة الفتيان والفتيات من الحب والارتباط، وأنا شخصيًا مررت بهذا في مدارس الأحد خلال سن إعدادي وثانوي وحتى في الجامعة حينما حضرنا أول اجتماع لأسرة كلية آداب جامعة عين شمس فحذرنا أمين الخدمة من الارتباط، وكان المطلوب مننا أن نقهر مشاعرنا الطبيعية، ومشاعر الحب التي تتولد بداخلنا في ذلك السن، وبدل من مساعدتنا على توجيهها بشكل صحيح تم تحذيرنا وكأنها خطية كبرى ولا يجب أن نشعر بهذه المشاعر. ليس خفيا أنه يوجد حالات طلاق مرتفعة بين المسيحيين خصوصا المنتمين إلى الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ولعلنا نتذكر شهر يوليو 2011، ومظاهرات أصحاب قضايا الأحوال الشخصية أمام باب المجلس الإكليريكي بالكاتدرائية، ومحاولة تفريقهم باستخدام كلاب الحراسة الخاصة بالمقر البابوي في ذلك الوقت فيما عرف إعلاميا باسم "موقعة الكلب"، ألم نسأل لماذا وصل هؤلاء إلى الفشل في زيجاتهم؟ هل هو الأمر وليد اللحظة داخل الحياة الزوجية، بل أساساها التنشئة ومسؤول عنها بشكل رئيسي خطاب الكنيسة الذي يغيب عنه الحب، وخصوصا في مدارس الأحد التي تساهم في تنشئة الأطفال والشباب، إضافة إلى غيابه عن الآباء والأمهات، وبالتالي ننشأ محرومين من الحب. خطاب كراهية مستعر تجاه المستنيرين والكنائس الأخرى مثلما نمّى تنظيم داعش الإرهابي المتطرف حول وداخل دولنا في المنطقة التي توجد بها مصر وتسمى الشرق الأوسط، بالتزامن مع ظهور هذا التنظيم المتطرف والذي استشهد على يده عشرات الآلاف من بينهم 21 مواطن مصري مسيحي في ليبيا في فبراير 2015، ظهر تنظيم آخر متطرف داخل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية يطلقون على أنفسهم "حماة الإيمان"، ويعتبرون أنفسهم أصحاب التوكيل الحصري للإيمان الأرثوذكسي، ويطلقون على أنفسهم أنهم "أبناء البابا شنودة الثالث"، هؤلاء يحرضون على صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي ضد من أطلقوا عليهم "المستنيرين" من أبناء الكنيسة القبطية من لا يأتون على هواهم أو هوى من يحركهم ويمول تلك الصفحات. هؤلاء المتطرفون من داخل الكنيسة يهاجمون العلم والتعلم وأي محاولة للدراسة لنفض التراب الذي أنهال على كنيسة الإسكندرية منذ أن انعزلت عن بقية الكنائس عقب مجمع خلقيدونية في 451م، واضمحلال مدرسة الإسكندرية اللاهوتية، بعد أن تخلينا عن اللغة اليونانية لغة اللاهوت والفلسفة وتمسكنا بلغتنا المصرية القديمة بحروف يونانية والتي يطلق عليها اليوم "القبطية"، ثم مرة أخرى نتخلى عن لغتنا المصرية إلى اللغة العربية، فتحدث قطيعة معرفية مع تراث آباء كنيستنا مثل أوريجانوس وأثناسيوس وكيرلس الكبير. هؤلاء الموتورون يهاجمون البابا تواضروس، وهاجموا من قبل الأنبا إبيفانيوس رئيس دير الأنبا مقار، واتهامه بالهرطقة إلى أن قُتل على يد راهب فاسد تم استبعاده من الرهبنة عقب جريمة القتل وحكم عليها بحكم قضائي بات بالإعدام وتم تنفيذه، كما تتم مهاجمة الأب سيرافيم البراموسي مؤسس مشروع مدرسة الإسكندرية، وهو مشروع دراسي ومجهود كبير في محاولة لإعادة إحياء المدرسة اللاهوتية القديمة، وأخر هذه المحاولات بعد أن استضاف الأنبا بفنوتيوس مطران سمالوط الأب سيرافيم البراموسي ليقدم محاضرة لكهنة الإيبارشية. هؤلاء الموتورون هاجموا الكنائس الأخرى وخاصة في كل مرة يلتقي فيها البابا تواضروس قيادة كنسية من كنيسة أخرى مثلما فعلوا عندما التقى بالبابا فرنسيس في القاهرة في نهاية أبريل 2017، وهاجموا ومعهم عدد من الأساقفة اتفاق "عدم إعادة المعمودية" بين كنيستي روما والإسكندرية، إلى أن تم تعديله بسبب ضغوطهم وابتزازهم على مواقع التواصل الاجتماعي. فبدلا من توجيه خطاب المحبة الذي دعانا السيد المسيح لأن نقدمها للك ليس لإخوتنا فقط بل لإعدائنا يتم التحريض على العنف ومهاجمة الآخرين وبث الكراهية على يد هؤلاء الموتورين باسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وكأن الإيمان والكنيسة كـ"مؤسسة" أصبحوا صنم جامد لا يجب أن يتطور ولا يتغير ويجب أن نبقي عليهم كما تركهم البابا شنودة كما يدعون، ناسفين عمل الروح القدس الحي والفعال والمستمر في الكنيسة كوعد المسيح. هذا الخطاب المفعم بالكراهية لا يقدمه بعض الجهلاء أو لجانٍ إلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي، بل يقدمه بعض من الأساقفة والكهنة تجاه الكنائس الأخرى، فأحد الأساقفة محدودي العلم والثقافة وفقا لتاريخه التعليمي المعروف يخرج علينا كل أسبوع ليحدثنا عن دين عالمي جديد وأن مؤامرات لا توجد إلا في عقله وخياله فقط، ويوجه خطاب كراهية تجاه الكنائس الأخرى ويفتعل معارك غير حقيقة وغير مطلوبة مع الآخرين على طريقة الفارس الهُمام "دون كيخوته" الذي يحارب طواحين الهواء ورسمه بريشة أدبية ساخرة الأديب الإسباني الشهير ميجيل دي ثيربانتس سابدرا. متى نعود لخطاب المحبة الشامل؟ ما أذكره هنا عن خطاب الكراهية لا يقدمه كل أبناء الكنيسة القبطية، بل بعضًا منهم، لكن للأسف صوتهم يظهر وسط مواقع التواصل الاجتماعي وكأنه لا يوجد إلا هم، فمن يقدمون تعاليم المحبة الحقيقة لا يحتاجون إلى الظهور بل ويؤدون دورهم في صمت، أما هؤلاء فيبحثون عن أدوات الميديا المتاحة حاليًا بفعل مواقع التواصل الاجتماعي ليفرضون خطابهم وكأنه خطاب الكنيسة ككل، ولكي تتحرك هذه الكنيسة من سباتها العميق وتنفض التراب عليها أن تقدم خطاب المحبة تجاه الكل والذي يقدمه دائمًا البابا تواضروس تجاه الجميع في كل المناسبات، بما فيهم الأسقف الذي يقدم خطاب الكراهية والتحريض وعندما وقع في شر أعماله سامحه ولم يستخدم سلطان الكنيسة لعقابه والنتيجة أنه لم يقدر المحبة ولازال يتمادى في تصرفاته الهوجاء وتصريحاته الممتلئة بالكرهية. إن لم تقدم الكنيسة محبة الله لأولادها وأن تعيد بناء خطابها اللاهوتي ليعتمد على المحبة وليكون خطاب محبة، فإن كثيرًا من المشاكل ستظل قائمة، لغياب المحبة. --- ### القبطية المعاصرة والطوطمية - Published: ۲۰۲۱-۱۰-۲۳ - Modified: 2023-10-18 - URL: https://tabcm.net/2963/ - تصنيفات: إصلاح كنسي - وسوم: أنثروبولوچي, طوطمية, عبادة الأسلاف, مزارات القديسين, هربرت سبنسر والآن عزيزي القارئ، هل ترى تشابهًا بين هذه العبادات الطوطمية البدائية وبين القبطية المعاصرة؟ قبطية الرفات والحنوط، والأجساد والموالد، والمزارات بصناديق نذورها، وهل ترى أملا في التخلص من هذه الممارسات القميئة؟ صك "هربرت سبنسر"، عالم الأنثروبولوجيا الشهير، مصطلح Ancestor Worship "عبادة الأسلاف" ليصف أوسع المعتقدات الماورائية (الميتافيزيقية) للقبائل البدائية، ويربطها على نحو وثيق بأساس تكوّن واستمرار التجمعات البشرية، فالتجمع البشري يلزمه للحفاظ على تماسكه والالتفاف حول رموز مشتركة، وليس هناك أفضل من الأسلاف للعب هذا الدور. تطور "الدين" البشري البدائي من عبادة عناصر الطبيعة التي تساعده -أو تزعجه- إلى التسليم بوجود "خالق أعظم" لكل العناصر، على أنَّ غموض هذا الإله، وعدم القدرة على التنبؤ بقراراته، وصعوبة إرضاؤه من جهة أخرى، حتّمت البحث عن وسطاء يسهل اتصالهم بالعالمين: الأرض والسماء. بدأ الوعي بدور الأسلاف من منامات وأحلام البشري غالبا، حيث اعتقد انه يرى في أحلامه أن الموتى قد عادوا، فيكلمهم ويتشاور معهم، فجرى الخلط بين الحقيقة والأحلام، واعتبر أن أرواحهم عادت فعلا للعيش معه، وأنها تزوره بين الفينة والأخرى مزودة بإطلاعها الواسع، بسبب تخلصها من أثقال المادة، ووجودها في المرتفعات، واتساع رؤيتها. انتشرت -تقريبًا- عبادة الأسلاف لدى كل قبائل العالم المأهول قديمًا، بل لا تزال مستمرة حتى الآن في وسط وغرب أفريقيا، غرب آسيا، وسط وجنوب أمريكا الجنوبية. استراح البشري لإلقاء مهمة إرضاء الإله الأعظم على عاتق أسلافه "أنصاف الآلهة"، الذين يستريحون في بيت الإله ويمكنهم مع هذا القدوم إليه و سماعه، وانحصرت مسئوليته في استمالة أسلافه ولسان حاله يقول: "ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى" فابتدع نظام الذبائح والقرابين كتقدمات لأرواح أسلافه. تنوعت القرابين لتشمل طيفا واسعًا من كل ما يمكن تقديمه، بدءًا بالذبائح البشرية والحيوانية، مرورًا بثمين المشغولات، حتي الأطعمة والمشروبات. وانقسمت، بين تقدمات جماعية لصالح القبيلة، لحمايتها من الأعداء والطبيعة، وكانت موسمية غالبا، في مواقيت معلومة وتقدمات شخصية، لصالح الفرد، اعتمادًا على أن الصلوات والطلبات تجد طريقها أسرع للإله والاستجابة إذا مرت عبر الأسلاف. استدعى هذا بالتأكيد تعاملًا خاصًا مع جثامين الأسلاف بشعائر خاصة، وإنشاء المعابد لهم لاستقبال التقدمات، أحيانًا لدى بعض الشعوب كان يتم الاحتفاء بالجثث كل فترة زمنية وإلباسهم ملابس جديدة في احتفال شعائري قد يشمل الرقص. في بعض القبائل كان يتم توزيع أشلاء الجثث على عدد من المعابد، على أن يتم الاحتفاظ بالفكّ -كأقدس عضو- في المعبد الرئيسي. استلزم الأمر -والحالة هكذا- ظهور طبقة من السدنة، السحرة، لقيادة الشعائر، ولعب دور الوسيط بين الجموع والأفراد من جهة، والأسلاف من جهة أخرى، وحظي هؤلاء بمعاملة وتقديس خاص، حتى أماكن سكناهم كانت بمعزل عن القبيلة. المثير للدهشة أن الإناث لعبن دورًا باهرًا في هذه الطبقة، بل ربما يمكن القول أن القيادة انعقدت لهن (وربما يكون هذا محلًا لمقال آخر لاعتقادي الشخصي بتأثير هذا على دور المرأة في بداية المسيحية) حمى الرب شعبه من الانزلاق إلى هذه النوعية من العبادات -رغم قبوله بنظام الذبائح على غير مسرة منه- بتشريعات صارمة في التعامل مع الموتى، واعتبار المَيِّت مصدرًا للدنس، فقطع الطريق تمامًا على هذا التدهور. والآن عزيزي القارئ، هل ترى تشابهًا بين هذه العبادات الطوطمية البدائية وبين القبطية المعاصرة؟ قبطية الرفات والحنوط، والأجساد والموالد، والمزارات بصناديق نذورها، وهل ترى أملا في التخلص من هذه الممارسات القميئة؟ --- ### ريش: هل يخشى الذكر من الأنثى القيام بأدواره؟ - Published: ۲۰۲۱-۱۰-۲۰ - Modified: 2023-10-18 - URL: https://tabcm.net/2949/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون, المرأة القبطية - وسوم: أحمد مهني, أشرف عبد الباقي, أم ماريو, أيام قرطاچ, دميانة نصار حنا, ذكورية, سمير صبري, شريف منير, طارق العوضي, عمر الزهيري, كاملة أبو ذكري, محمد رمضان, مصطفى مدبولي, مهرجان الجونة, مهرجان كان أعترف بأني قابلت في حياتي أكثر من "دميانة" واحدة، قابلت نساء لم يتزوجن عن قصة حب شاعري، معنّفات، أزواجهن من أسوأ ما يكون… وما أن يسقط الزوج طريحًا كالدجاجة بعجز ما، حتى تخرج شخصية "دميانة" التي بداخلهن قوية كعنقاء تنهض من رمادها، وتقود اﻷسرة… لم أفهم يومًا ما المبرر وﻻ الدافع وﻻ من أين استمددن القدرة على الحياة من أجل اﻵخرين. لكن ما أدركه إن لم نقم بتقديس مثل هؤلاء وصناعة اﻷيقونات لهن، فنحن إذن أكثر وضاعة مما نعتقد منذ خمس أعوام، كان شاب مصري اسمه "عمر الزهيري" مولع بالسخرية من الواقع بشكل إبداعي، بالكاد أنهى العشرينيات، وينتظره مستقبل مجهول في عالم اﻹخراج. كان "الزهيري" تلميذًا نجيبًا للمخرجة "كاملة أبو ذكري"، عظيم الحلم في عالم قواعده ﻻ تحفز على اﻹبداع بل التقليد، وعندما حصل على قصة روائية محورها الفانتازيا وتصلح أن تكون فيلما كوميديا ناجحًا عن "رجل تحول إلى دجاجة"، تفنن في التفاصيل وكسر القواعد. الفيلم النهائي لم يكن عن الرجل، بل عن المرأة... الزوجة هي البطل. أعوام من البحث عن تلك التي تصلح لدور البطولة... لم يختر "نجمة شباك" بل امرأة عادية لم تحترف التمثيل يومًا إنما فقط تحبه... انتقاها ﻻ لشيئ سوى كونها منحوتة لهذا الدور وكأنما خلقت من أجله... "دميانة نصار حنا"، أو "أم ماريو" كما ينادونها في قرية "البرشا" محافظة المنيا. امرأة ﻻ تعرف القراءة والكتابة، فقيرة، ومسيحية تؤمن عقائديا بعدم الطلاق ولم تقابل يومًا من يعطيها خيارات إن فقدت زوجها كعائل للأسرة، من ذا الذي أصلح منها لدور يتطلب الإيمان بالكفاح والعمل والقيام بدور الزوج في حماية اﻷسرة مهما تكلف اﻷمر؟ ليس مطلوبًا سوى أن تكون نفسها، وأما "الصنعة" و"المهنية" فهي مسألة تعلّم، وهو ما تكفلت به "يوستينا" التي تجيد العمل في فرقة "مسرح الشارع" بالبرشا، ملوي. "أم ماريو"، العادية جدا، حصلت في خطوتها اﻷولى على: جائزة مهرجان "كان" السينمائي الدولي، وجائزة لجنة تحكيم الاتحاد الدولي لنقاد السينما (فيبريسي) والجائزة الكبرى لمهرجان "بينجياو" في الصين، كما تم اختيار فيلم "ريش" ليعرض في "أيام قرطاج" السينمائية في دورتها القادمة، وتم عرضه في مهرجان "الجونة" السينمائي منذ أيام. . ومن "الجونة" المصرية، انفجرت الأزمة.   ما قبل اﻷزمة يمزج الفيلم بين الواقع والفانتازيا، إذ يتناول قصة أب يقرر إقامة عيد ميلاد ابنه الأكبر، فيحضر ساحرًا (حاوي) لتقديم بعض الفقرات المسلية للأطفال، وفي إحدى الفقرات يدخل الأب في صندوق خشبي ليتحول إلى دجاجة. ومع محاولة الساحر إعادته مرة أخرى تفشل الخدعة، ويبقى الأب في هيئة دجاجة. إلى هنا والخيال الخرافي الساخر هو سيد الموقف، لكن إن ظننت أن الضحكة، هي الحبكة، هي الهدف الوحيد، فأنت واهم. إذ تلجأ الزوجة إلى كل السبل لاستعادة الأب دون جدوى، وبعدما تستنفد ما لديها من جنيهات معدودة، تبدأ في الاعتماد على نفسها لتدبير متطلبات الأسرة، وتدفع بابنها الأكبر للعمل في المصنع الذي كان يعمل فيه أبوه لسداد ديونهم. يعود الأب من جديد، لكن حالته المزرية وفقده للكلام والحركة، يجعله عبئا جديدًا على الأسرة. وتستمر مفارقات الفيلم لتلقي بظلال من النقد الساخر على مشكلات اجتماعية واقتصادية وكذلك أوضاع المرأة المعيلة التي تقوم بكل اﻷدوار.   "إيزيس"، التي لملمت أشلاء زوجها "أوزيريس" للفن حضوره القوي، وللفانتازيا توظيفها الجاد. كثير من اﻷعمال ربما تعرض لمشكلات المرأة، لكن من منهم أبدع لدرجة اختلاق ظروف حياتية معاصرة تجبر "الزوجة" على العمل في "مصمت فراخ" من أجل لقمة العيش، بينما زوجها "دجاجة" مضطرة لإطعامها وإخفائها من اﻷعين والحيوانات الضالة، بل حتى أصحاب العمل حتى ﻻ يتهمونها بسرقة إحدى دجاجتهم. مع فيلم "ريش" ستجلس مرغمًا في مقعد المرأة المعيلة وترى بأعينها وتتحدث بحديثها وتعاني معاناتها عبر لوحات فنية إبداعية لن تنل منك إﻻ بحسب وعيك، وقدرتك كمشاهد على مجاراة طاقم العمل في الاستيعاب. https://www. youtube. com/watch? v=6HbQMGBhEjg&t=7s   تطورات اﻷزمة أثار فيلم "ريش" جدﻻ بدأ بفعاليات الدورة الخامسة لمهرجان الجونة السينمائي، بعد انسحاب عدد من الفنانين من العرض، معتبرين أنه "يسيء إلى سمعة مصر"، بسبب حالة الفقر المدقع والبؤس الذي تعيشه العائلة. وغادر العديد من الممثلين المصريين قاعة العرض بعد مرور أقل من ساعة على عرض العمل، وهم "شريف منير" و "أشرف عبد الباقي" و "أحمد رزق"، إضافة إلى المخرج "عمر عبد العزيز"، وَفْقاً لـِما ذكرت الصحافة المصرية. إﻻ أن "أشرف عبد الباقي" علل موقفه بعد ذلك بأنه ليس انسحابًا بل انصرف لارتباطه بموعد هام وأنه لو قابل طاقم العمل لكان حياهم قبل الانصراف. تحول اﻷمر لحديث الساعة على مواقع التواصل الاجتماعي. بعدها بيوم، تحول إلى ساحات التقاضي. إذ تقدم المحامي "سمير صبري"، ببلاغ للنائب العام ونيابة أمن الدولة العليا في مصر، ضد مخرج وسيناريست ومنتج العمل، معتبرًا أنه "أساء للدولة المصرية والمصريين". سبق التحرك القضائي تحرك برلماني قام به النائب "أحمد مهني"، عضو مجلس النواب، الذي أعلن أنه سيتقدم بطلب إحاطة لرئيس البرلمان المستشار "حنفي جبالي"، ورئيس الوزراء "مصطفى مدبولي"، ووزيرة الثقافة، بشأن عرض فيلم "ريش" المسيء لمصر، حيث أنه لا يقدم الصورة الحقيقة لمصر، ويساعد على تشويه الصورة الداخلية لمصر عالميًا". (المصدر: سكاي نيوز العربية) من ناحية أخرى، قال المحامي "طارق العوضي" عبر تويتر، إنه في حالة جدية الشكوى، سيتطوع بالدفاع طالبا شهادة رئيس الجمهورية: لو تم محاكمة صناع فيلم ريش بتهمة الاساءة الي مصر ساتطوع للدفاع عنهم وستكون خطة دفاعي هي طلب شهادة رئيس الجمهورية . #احنا_فقراء_اوي#بيعايرونا_بفقرنا — طارق العوضى المحامى (@tarekelawady2) October 19, 2021   لغة النخبة لا تصلح ﻷنصاف المشاهدين أعلم أن مصطلح "النخبة" هو مصطلح سيئ السمعة في مصر، لكني أسفًا مضطر لاستخدامه لحين ابتكار مصطلح بديل. وفيلم "ريش" فيلم نخبوي بوضوح من قبل أن نشاهده. فكرة التعرض لمعاناة المرأة المعيلة التي تشكل 70% من أسر العشوائيات وفقا لتقارير المنظمات غير الحكومية، أو 57% وفقا لجريدة اﻷهرام الحكومية، هي فكرة غير جذابة للذكور الذين هم باﻷغلب من يدفع ثمن تذاكر السينما. بل تستهويهم أفلام تجارية ذكورية تتحدث عن الشهامة والمجدعة والحماية للنساء خارج إطار القانون والتي تجسدها بوفرة أفلام "محمد رمضان" في الفترة الحالية. ومن غير المنطقي أن تطرح على مثل هؤﻻء "الفتوات في الخيال" فيلما يشعر الذكر أنه يمكن أن يصير فجأة "دجاجة" منزلية. إذ بطبيعة الحال فالذكور قد يشعرون بالغبن الشديد وبالتهديد الوجودي لدورهم الاجتماعي إن تحول لهذه الدجاجة. أتصور الفنان الجميل "شريف منير" رأى نفسه في زوج الست "دميانة" الذي يجتهد في إسعاد أطفاله بكل ما يتاح له من قروش قليلة، أتصوره ابتسم وتفاعل مع فقرة الساحر حتى وجد "العطاء اﻷبوي" يتحول من أجنحة الملائكة إلى مجرد كابوس ذو ريش، فترك العرض بعد ساعة واحدة. أسوأ كوابيس الذكور هو الفشل فما بالك بالتحول لطائر داجن لا حول له وﻻ قوة وﻻ فائدة منه. وهل تتوقع حينئذ أن تتمسك بك زوجتك كما فعلت "دميانة"؟ أعترف بأني قابلت في حياتي أكثر من "دميانة" واحدة، قابلت نساء لم يتزوجن عن قصة حب شاعري، معنّفات، أزواجهن من أسوأ ما يكون... وما أن يسقط الزوج طريحًا كالدجاجة بعجز ما، حتى تخرج شخصية "دميانة" التي بداخلهن قوية كعنقاء تنهض من رمادها، وتقود اﻷسرة... لم أفهم يومًا ما المبرر وﻻ الدافع وﻻ من أين استمددن القدرة على الحياة من أجل اﻵخرين. لكن ما أدركه إن لم نقم بتقديس مثل هؤلاء وصناعة اﻷيقونات لهن، فنحن إذن أكثر وضاعة مما نعتقد. المشكلة اﻷعمق تتولد عندما ترى "مصر" فيك أنت كـ"ذكر" تحول لدجاجة، ثم "مريض" ﻻ يقوى على الكلام والحركة. أنت لست مصر، بل هي الست "دميانة" التي تقوم بكل اﻷدوار. عزمها ﻻ يلين مهما كانت فقيرة، وجاهلة، وفي أشد أحوال العوز أبدا ﻻ تستكين... ما المسيء لمصر في الشخصية التي جسدتها "دميانة" والتي خلبت لب العالم شرقا وغربا؟ ﻻ يوجد. أنه الخوف الذكوري من أن تصير بحالة الدجاجة إذن. الفقر ليس عيبًا أو حرامًا، وليس في برنامج الدولة المصرية التظاهر بالثراء والرفاهية كما يظن أنصاف الواهمين. أسباب ذلك قديمة ومعروفة، ويضاف عليها أن خطاب رئاسة الجمهورية يعلن ذلك في أكثر من موضع، بل واﻷهم أنه لم يخجل يومًا من فقره هو شخصيًا وأن ثلاجة بيته ظلت فارغة إﻻ من الماء لعدة أعوام. الفنانون ﻻ يمثلون الدولة أو حتى معبرين عن اﻹرادة السياسية، وليسوا هم من يعلمنا الوطنية كيف تكون، كل هذه المزايدات يجب أن تتوقف فورًا. بالنهاية، ﻻ أشعر بالقلق على صنّاع هذا العمل الرائع، فقط نقول لكم :مبروك. . شرفتونا وشرفتوا مصر في الوقت اللي خصومكم فضحونا وفضحوا البلد. --- ### يسوع النسوي - Published: ۲۰۲۱-۱۰-۱۸ - Modified: 2023-10-17 - URL: https://tabcm.net/2933/ - تصنيفات: المرأة القبطية - وسوم: أنبا إبيفانيوس المقاري, أنبا بيشوي، مطران دمياط وكفر الشيخ, إكليروس, التحكم الاجتماعي, النظام الأبوي, بستان الرهبان, جين أير, ذكورية, شارلوت برونتي, عبد الله رشدي, قديسة مهرائيل, كاليستوس وير, مساواتيين, ميشيل غبريال, نيكولاس توماس رايت نفخر أنا وكثيرون غيري بنسويتنا، بل ونعتبرها نتيجة طبيعية لمسيحيتنا؛ فكما لقب المؤرخون المسيح أنه نسوي، نريد نحن أن نلقب مثله أصبح البعض يسخر من النسوية، كما أصبح البعض الآخر يخشى المجاهرة بإيمانه بها؛ فبسبب عبد الله رشدي ومن يتبعه من عرابيد، يتجنب كثير من الرجال والنساء الحديث عن حقوق المرأة، وحتى حين يتحدثون انطلاقًا من وخز ضمير، تجدهم يتبعون حديثهم أو يسبقونه بعبارة "أنا مش فيمنست". فللأسف، نجح هؤلاء المرضى في تحويل حركة النسوية العظيمة إلى سُبة يسارع الناس بإنكارها. على الرغم من أن حركة النسوية التي يتنمر عليها هؤلاء كانت سببًا في حصول أمهاتهم على التعليم والعمل. فكل من عاش بسبب أموال أمه هو مَدِينٌ للنسوية والنسويين. كما تسربت تلك المفاهيم الذكورية إلى المجتمع المسيحي، فتجد كثيرًا من هؤلاء اللاهوتيين الصغار على الفيسبوك، وأصحاب الكتب المسيحية الصفراء يتمخضون ويصيحون غضبًا متى تحدث أحد عن حق المرأة في أن يتساوى دورها مع أقرانها من الرجال في الكنيسة، ساخرين من صاحب الرأي لأنه "فيمنست". لكن، لا يعرف هؤلاء الصبية أن المسيح كان نسويًا شرسًا في زمنه، وربما كان أول النسويين. فدعونا اليوم نتحدث عن المسيح المساواتي، النسوي، ومناصرته لحقوق المرأة، لندرك قيمة النسوية وما قدمته للبشرية، ولنعقد مقارنة بين نسوية المسيح وذكورية المؤسسة الكنسية التي استحت أن تسير على خُطا معلمها، وفضلت أن تخضع للنظام الأبوي العالمي. ١) نسوية يسوع مقاطع من كتاب مقدمة توم رايت لإنجيل لوقا أدهشني مدى تحدي يسوع للنظام الأبوي التقليدي لثقافته. اعتمد يسوع على خدمة النساء ولم يخجل من تلقي خدمتهن في الأماكن العامة. إن هؤلاء النساء: لقد فعلوا ما لا يمكن تصوره: لقد تركوا المساحة الاجتماعية المحددة جيدًا للبيت والأسرة، حيث كان لهم دور وواجب، واختاروا مرافقة يسوع وأتباعه على الطريق من مكان إلى آخر، ورعاية احتياجاتهم وعلاوة على ذلك، من أموالهم الخاصة. (إن. تي. رايت) كسر يسوع الحدود التقليدية لثقافته بإدراج النساء كمعلمات وتلاميذ. ففي لوقا ١٠:٣٩، أخذت مريم من بيت عنيا مكانها بين التلاميذ الآخرين حيث جلست عند قدمي يسوع واستمعت إلى تعليمه. والجلوس عند أقدام الحاخام هو ما كان يفعله اليهودي إذا أراد أن يكون حاخامًا بنفسه. ففكرة التعلم من أجل التعلم لم تكن معروفة حين ذاك. لقد اتخذت مريم مكانها بهدوء كمعلمة وواعظة لملكوت الله، لتكتسب لقب الحاخام. (إن. تي. رايت) من المهم ملاحظة أن النظام الأبوي للثقافة اليهودية القديمة لم يكن خاصًا بالثقافة اليهودية القديمة؛ كان النظام الأبوي منتشرًا في جميع أنحاء العالم القديم. وما يميز اليهودية القديمة هو أنها تحدت نظامها الأبوي. استكمل يسوع هذا الخيط الذي يضم نساء قويات مثل النبية خلدة، التي قدمت النصح للملوك والكهنة، والمحاربة والقاضية دبورة التي قادت اسرائيل ضد أعدائها. واستير التي أنقذت شعبها. يُظهر العهد الجديد أن الكنيسة الأولى ضمت النساء كمشاركات كاملات أيضًا. يشير أحد العلماء المعاصرين إلى "جونية" التي كانت ضمن السبعين رسولًا والمذكورة في روميا ١٦: ٧ (إن. تي. رايت) ٢) ذكورية الكنيسةبسبب الاعتقاد بأن المرأة لا يمكنها أن تكون رسولة، حوّل مترجمو الكتاب المقدس في القرن ال١٢ اسم جونية المؤنث إلى يونياس (بالانجليزيه: جونياس) ليبدو الاسم مذكرًا. وفي أحيان أخرى، ترك المترجمون اسم جونية المؤنث كما هو، لكن أزالوا عنها لقب رسولة! وهناك عدة كتب وأبحاث كتبت عن الرسولة جونية التي أحدثت جدلا واسعًا في أوساط الأكاديميا المسيحية. فجر الكاتب "ميشيل غبريال" صاحب كتاب سيرة القديسة مهرائيل، أن الأنبا بيشوي مطران دمياط سبق وحرف مخطوطة تعود للقرن الرابع الميلادي، لأنها تشير إلى أن القديسة كانت ترشم المرضى بالزيت، وبالطبع لم يرق ذلك للمطران لأن رشم الزيت عمل كهنوتي! فهل تتساوى تلك الفتاة بالكاهن؟ لذلك، قام بمسح كلمة بالزيت واستبدلها بعلامة الصليب! وذلك على الرغم من أن النساء شغلن منصب الشموسية بالفعل (إحدى رتب الكهنوت). وهنا صورة للمخطوطة كما أوردها الكاتب في الكتاب. كما نجد في بستان الرهبان مقاطع ذكورية بشعة للغاية عن المرأة تشبهها بالشيطان، منها على سبيل المثال لا الحصر: وإذا اضطر أحد الرهبان الكلام مع النساء، فليدر وجهه عن نظرهن عند كلامه معهن، ليفر من لقاء الراهبات ومؤانستهن ونظرهن، كالهارب من فخ الشيطان، لئلا يتسخ بحمأة الأوجاع النجسة، حتى وإن كن أخواته بالطبيعة، فليحفظ نفسه منهن في كل شيء كالغرباء... والأصلح أن يأكل سم الموت ولا يأكل مع امرأة ولو كانت أمه أو أخته. (نقلا عن: بستان الرهبان) ونتذكر ذلك المقطع الشهير للأنبا إبيفانيوس الذي قال فيه بكل صدق إنه على الكنيسة أن تعترف أن ما يُذكر في طقس المعمودية عن المرأة فيه إهانة لها؛ فكيف نقول "وطهرها من دنسها" وهي لم تفعل شيئًا مشينًا؟! قال إبيفانيوس إن الإصلاح يبدأ بالاعتراف بالخطأ. فالتاريخ الكنسي -مثله مثل أي تاريخ- يكتبه الذكور والمنتصرون، ويحدده النظام الأبوي البطريركي العالمي. لذلك، فمن العبث أن نقول: لو أراد المسيح للمرأة أن تتساوى مع الرجل في القيادة الكنسية لكنا رأينا ذلك عبر التاريخ. فهذا الطرح مبني على أن التاريخ مكتوب بطريقة منصفة، ويتجاهل وجود النظام العالمي القائم! وقد ذكر الأسقف الأرثوذكسي كاليستوس وير هذا الرأي في حوار له قائلًا: طيلة الألفي سنة الماضية، كانت القيادة للرجل لكن هذا لا يعد حجة كافية لمنع المرأة من الحصول على الحق نفسه. كما أن الكهنوت هو الدخول بالناس إلى محضر الله، وبالطبع هناك نساء كثيرات دخلن بالناس إلى محضر الله. (كاليستوس وير، متروبوليتان بطريركية القسطنطينية المسكوني) فتخيل، عزيزي القارئ، لو أن كل شخص أراد فعل شيء جديد، انتظر شخصًا آخر ليفعله قبله! هل سيتحقق شيء؟ بالطبع لا. فأصحاب هذه الحُجة لم يستطيعوا دحض قيادة المرأة بشكل منطقي، لذلك يلجؤون لهذا الأسلوب؛ قائلين لم يفعلها أحد من قبلنا! ثم، كيف نتصور أن المرأة ستحصل على كامل حقوقها في الكنيسة في ظل ما تعرضت له من اضطهاد، لا في الشرق فقط بل في الغرب أيضًا! فأوروبا لم تعترف بالنساء إلا في  القرن العشرين بسبب حركة النسوية، وكاتبات الروايات الإنجليزية كنَّ يكتبن روايتهنّ تحت أسماء ذكور مستعارة، مثل الكاتبة "تشارلوت برونتيه" التي كتبت روايتها الشهيرة "جين إير" تحت اسم "سميث إلدر". فهل من الممكن أن تدرسوا التاريخ أولًا قبل أن تقحموه في حواراتكم؟ وختامًا، نفخر أنا وكثيرون غيري بنسويتنا، بل ونعتبرها نتيجة طبيعية لمسيحيتنا؛ فكما لقب المؤرخون المسيح أنه نسوي، نريد نحن أن نلقب مثله، فكل إنسان سوي سيدافع عن حق المرأة كإنسانة كاملة كما يدافع عن حق الرجل،  ولا عزاء لأصحاب الذكورة المتورمة. --- ### باحثة أردنية تؤمن بدور الموسيقى في صناعة السلام - Published: ۲۰۲۱-۱۰-۱۵ - Modified: 2023-03-09 - URL: https://tabcm.net/2901/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون - وسوم: المعهد الملكي للدراسات الدينية, دار الكلمة, رينيه حتر خلال حوار جانبي مع القس الدكتور "متري الراهب"، رئيس جامعة دار الكلمة للثقافة والفنون بفلسطين، والدكتورة "رينيه حتر" مديرة المعهد الملكي للدراسات الدينية في الأردن، على هامش اللقاء الدولي السادس الذي نظمته الجامعة بالتعاون مع المعهد وبرعاية من الأمير الحسن بن طلال، حول "المواطنة الفاعلة نحو مجتمعات حاضنة للتعددية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا"، في عمان في الفترة من 19 إلى 20 أغسطس/ آب الماضي، لفت نظري ما ذكرته الدكتورة رينيه حتر عن دور الموسيقى في صناعة السلام، وهو وما استدعى أن أجري معها حواراً مفصلاً عن علاقة الموسيقى بالسلام.   الموسيقى والسلام عُينت الدكتورة رينيه حتر، مؤخراً، مديرة للمعهد الملكي للدراسات الدينية في الأردن، ورغم صغر سنها، فهي تتمتع بسجل أكاديمي حافل بالدراسة والتدريس منها 10 سنوات في جامعة غرناطة "جرينادا" بإسبانيا، وقد كان موضوع أطروحتها للدكتوراة عن "الموسيقى والسلام". تقول حتر: "نطبق نظريات الحوار وبناء السلام في المجتمع عن طريق الموسيقى، والهدف منها استعمال أداة مثل الموسيقى لتشجع على اللاعنف والإبداع وبناء السلام في نفس الوقت، حيث تملأ وقت فراغ الشباب بشكل بناء وخلاق وتحفز عندهم روح الإبداع وتعطيهم مشروعاً مشتركاً للعمل عليه، ما ينمي لديهم القدرات الفردية واللاعنف ". الموسيقى المقدسة والتبادل الثقافي تقول حتر: "من هنا بدأت فكرة أطروحتي للدكتوراة حيث عملت على الموسيقى المقدسة تحديداً، ودرست التقاليد الكنسية الموسيقية في الشرق، وأثارت اهتمامي ثلاثة منها، حيث درست الموسيقى السريانية والموسيقى البيزنطية، والموسيقى الغريغورية اللاتينية، خاصة الأشكال الكبيرة من الموسيقى وكيف أثرت وتأثرت بما يعرف اليوم بالموسيقى العربية أو الموسيقى المشرقية، لأنها تعبر عن حضارات ولغات موجودة، وكيف أخذت من المنطقة وأعطتها، وهذا هو التبادل الثقافي والفكري والموسيقي. " وتابعت حتَّر: "من هنا درست هذه التقاليد وركزت على لغة السلام والحوار بين أتباع الأديان عن طريق الموسيقى المقدسة، واقترحت، في أطروحتي، خلق حوار متناغم بين المسيحيين والمسلمين عن طريق التراتيل والموسيقى الصوفية من ناحية موضوع الكلام ومعاني السلام في التراتيل حيث نحكي عن العشق الإلهي وعن المحبة، وعن الرحمة وعن الفرح". http://youtu. be/s_RV3hnq0ow   الموسيقى تجمع التصوفين المسيحي والإسلامي تشير الدكتورة رينيه حتر إلى وجود تصوف مسيحي وتصوف إسلامي من الناحية النسكية، ومن ناحية التركيز على الروحانيات، والعلاقة مع الله حيث يمكن أن تراه في الناس، مما يقوي التراحم والتعاطف، وتضيف أن "هناك قيماً مشتركة كثيرة يسهل أن نلاقيها، فبدل البحث عما يفرقنا علينا أن نبحث عما يجمعنا". وضحت حتر أنه وبناء على ما سبق، فقد بدأت بتطبيق الخط الأكاديمي "الموسيقى والسلام"، كما تحدثت عن التناغم بين الجوقات الموسيقية، موضحة وجود تجارب مختلفة حالياً في العالم العربي من جوقات موسيقية مختلطة، مسيحية وإسلامية، وجوقات فيها أفراد من كل الديانات يعزفون معاً، وقادرين على إنجاز مشروع ناجح، ويعتبرون هذا النوع من الموسيقى، روحانياً وإنسانياً. لفتت الدكتورة إلى وجود مشاريع يجري العمل عليها في المعهد الملكي للدراسات الدينية ضمن برنامج سنوي منذ عام 2017، ويحمل البرنامج عنوان "السلام والفنون". توضح حتر: "نحاول نشر ثقافة السلام في المجتمع الأردني وتعزيز لغة التواصل والحوار مع الناس عن طريق الموسيقى، حيث أجرينا تدريبات على العيش معاً والحوار والتواصل". وتقول إن معظم هذه التدريبات يركز على أساسيات الحوار مثل فن الاستماع وفن التعبير عن الذات، مبينة أن الشباب يفتقد إلى مهارات وركائز الحوار، لذلك يسعى المعهد، إلى بناء السلام الداخلي لديه عن طريق الموسيقى التي تساعد على بلوغه، وتشير أن بناء الشاب أو الشخص لسلامه الداخلي سينعكس سلاماً خارجياً بالتواصل مع الآخرين، والشعور بهم والتعاطف معهم، مع القدرة على التمييز بين التعاطف والشفقة... الموسيقى لغة يستوعبها الجميع "أجمل ما في الموسيقى أنه ليس لها حدود، هي لغة عالمية، حتى لو لم توجد كلمات مع الموسيقى ستجد نفسك تنسجم معها"، هكذا تشير الدكتورة رينيه حتر إلى قيمة الموسيقى، وأنه يمكن للجميع استيعابها وفهمها، وتضيف: "أحد الأمثلة التي طرحتها، كانت تجربة سامي يوسف وهو معروف بالبوب الإسلامي، وآخر تجربة له كانت مع موسيقيين من أذربيجان، فالآلات التي كانت تعزف والكلمات للرومي، لم يفهم المستمعون الكلام (خلال التدريب)، لكن الطاقة والفرح الموجودين في الموسيقى، جعلا الجميع يشعر أنها قريبة منهم". علاقة ثلاثية تقول حتر : "إذا فكرنا بطريقة روحية، إذا كنت تعزف موسيقى روحية أو ترتل أو تنشد ضمن جوقة، فهناك علاقة بين الفنان أو العازف أو المؤدي، وبين الله، لأنه يصلي فعلياً ولا يغني أو يعزف فقط، وكذلك علاقة بين الموسيقى والجمهور المتلقي، وتلقائياً أو لا شعورياً بين الجمهور والله أيضاً". وتضيف: " هذا كله لأنك دخلت في جو روحاني نسكي، وبلحظة سكينة حتى ولو مؤقتة ضمن هذه التجربة، إلا أنها تجعلك تدخل، لا شعورياً، في حالة من السلام الداخلي، والسكينة وتجعلك تفكر بنهارك ضمن الضوضاء الموجودة في حياتنا وضمن عصر السرعة المتواجدين فيه، حيث لم يعد هناك وقت لنتواصل مع أنفسنا فكيف بالتواصل مع الله! لقد وصلنا مرحلة نركز فيها على التدين والعبادات بمعنى الطقوس لكننا ابتعدنا عن الروحانيات بعض الشيء، وحتى نكون عصريين فنحن نذهب لليوجا مثلاً لتساعدنا على التأمل، لكن لا نفكر أنه بدياناتنا المتأصلة فينا هناك الكثير لنتأمل بدون الذهاب نحو ثقافة أخرى". http://youtu. be/lbbWNOja4Mc   علاقتها بالمعهد الملكي تقول حتر إن "المعهد الملكي تأسس سنة 1994 بالأردن كمؤسسة غير ربحية، برؤية لسمو الأمير الحسن بن طلال، وهو من الرائدين في عالمنا العربي بموضوع الحوار بين الثقافات والأديان، وحين تأسس المعهد، بدأ كمؤسسة بحثية أو معهد أبحاث حول موضوع المسيحية المشرقية، والعلاقات المسيحية الإسلامية". وتضيف لأنه كان هناك نظرة مستقبلية لسمو الأمير بأن الغرب لا يعرف الكثير عن مسيحية الشرق، فهناك نوع من الشرخ يجعل الأفكار أو الصور النمطية الموجودة لدى الغرب عن العرب والمسلمين والتعصب تضعهم جميعاً بنفس السلة، وكثيراً ما ننسى أن المسيحية مشرقية قبل أن تذهب إلى الغرب". وتوضح أن هذا الأمر تطور بعض الشيء "حتى صرنا ندرس باقي الأديان في المعهد، وبعد فترة بدأنا نرى أن هناك حاجة ملحة لتوسيع نطاق العمل من الصفوة الأكاديمية والمتخصصين في الحوار بين الأديان، من رجال الدين وغيرهم إلى العمل مع الشباب والمعلمين ومع المتواجدين في القاعدة المجتمعية، وهكذا صرنا نقوم بمشاريع تدريبية تتضمن إعداد أدلة تدريبية حول موضوعات مهمة مثل حقوق الإنسان والحوار، وبناء السلام والمواطنة الفاعلة... إلى أخره، نصل في هذه التدريبات إلى كل محافظات المملكة، ونشمل الجميع من مختلف الديانات والخلفيات". وعن علاقتها بالمعهد الملكي أوضحت أنها تتابعه منذ زمن لأن "موضوع الحوار بين الأديان والثقافات يهمني كثيراً، وكوني أردنية، ولدي الهوية المشرقية، وكل الهموم التي تقربنا من بعضنا، أريد أن تظل هذه التجربة الإيجابية في الأردن، مستمرة، وألا تؤثر بنا الحروب الدائرة حولنا ولا التعصبات الناشئة بالمنطقة". وتضيف: "لدينا في الأردن تجربة إيجابية مميزة، لكل الأردنيين من كل الأصول والخلفيات، وخلال إعدادي لأطروحة الدكتوراه، صادفت العديد من الكتب والمراجع من إصدارات المعهد الملكي، وأحدها لسمو الأمير الحسن، بعنوان "المسيحية في العالم العربي"، هذا الكتاب من أهم المراجع التي صدرت في الثمانينات باللغة الإنجليزية، وكان موجهاً للغرب وهو عن تاريخ المسيحية والكنائس المشرقية، وهو كتاب قيم جداً وفريد من نوعه في وقتها، واليوم، وبتوجيهات من سمو الأمير الحسن، نعمل في المعهد على تحديث هذا الكتاب لإعادة إصداره في نسخة منقحة تشمل الأوضاع المستجدة للمسيحيين في المشرق". وتوضِّح حتر أنه خلال دراسة الدكتوراة كانت تزور المعهد "كأحد المؤسسات المهمة بالأردن وبالمنطقة والتي تهتم بالحوار بين الأديان والثقافات"، "ومن هنا بدأت علاقتي معهم ودعوني إلى أحد المؤتمرات، وبقينا على تواصل. وتتابع حتر: "أنهيت دراستي بغرناطة في إسبانيا، وتلقيت عرضا للعمل بالمعهد، كرئيسة لقسم الدراسات الدولية، وكنت أُدرس بإسبانيا لمدة 10 سنوات، خلال الدكتوراه، فطورت بالقسم عددا من النشاطات مع الفريق الذي أعمل معه، بتوجيهات ودعم من سمو الأمير، وها أنا في المعهد منذ خمس سنوات". توضح الدكتورة رينيه أن المعهد يرتبط بشبكة علاقات مع جامعات هامة في أوروبا وأمريكا والعالم العربي والأردن، ومع منظمات دولية ومنظمات مجتمع مدني. وفي العالم العربي، للمعهد شراكات في لبنان وفلسطين والعراق وفي المغرب وفي مصر. ويسعى المعهد لتطوير علاقات وشراكات أكثر في المستقبل إن شاء الله. تولي إدارة المعهد وتطلعات للمستقبل تشير حتر أنه في الفترة المقبلة "نحاول تحفيز البحث العلمي باللغة العربية وباللغات الأجنبية، ونسعى لأن يكون هناك إصدارات أكثر، ولأن نكمل المشاريع التدريبية المختلفة التي بدأناها، ولأن نطور برامج للتعاون أكثر. لدينا في المعهد برنامج لاستقبال باحثين في الدكتوراة والماجستير من جامعات مختلفة، أغلبها أجنبية، لأن هناك منحاً دراسية مثل إيراسموس، وفولبرايت، تدعم باحثين أوربيين وأمريكان. كما نحفز مشاركة الباحثين الأردنيين من الجامعات المختلفة، أما الباحثين العرب فهناك تحديات كونهم لا يجدون منحاً تمول دراستهم، فنحاول أن نوفر لهم الدعم والتواصل قدر المستطاع حيث أن برامج البحث والإقامة لدينا غير مدفوعة كوننا مؤسسة غير ربحية... ونرجو الله أن يوفقنا في مواصلة مسيرة المعهد الحافلة ومواصلة العمل على ترسيخ قيم التعددية والتنوّع وتعزيز السلم المجتمعي والسلام وتعميق القواسم المشتركة بما يُسهم في تحقيق العيش المشترك وتعزيز الحوار الإنساني. " --- ### أثر فراشة دانيال - Published: ۲۰۲۱-۱۰-۱۳ - Modified: 2023-10-17 - URL: https://tabcm.net/2897/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون, المرأة القبطية - وسوم: أثر الفراشة, أمل رمسيس, أنبا يوأنس، أسقف أسيوط, إرنستو تشي جيفارا, بابا شنودة الثالث, رشا مجدي, ماسبيرو, محمود درويش, ملاك ميخائيل, مينا دانيال, نجلاء عبد البر فقط لوحة رخامية حملت اسم سبعة عشر شهيد في كاتدرائية الملاك ميخائيل بمدينة 6 أكتوبر، وهُددت في وقت لاحق بإثارة الفتنة والرغبة في إزالتها   أَثر الفراشة لا يُرَى أَثر الفراشة لا يزول   لازلنا إلى اليوم نتغنى بقصيدة "محمود درويش" أثر الفراشة، فشخصيًا كلما قرأتها في كتابه المُعنون بنفس الاسم يُثار بداخلي حنين عميق. لكن، ما أثر الفراشة حقًا؟ من الجانب العلمي، تقول نظرية "أثر الفراشة" أن أرق هفهفات لجناح الفراشة في أقاصي الأرض، هفهفات لا تُذكر ولا تُساوى الكثير، قد تتسبب في اضطرابات شديدة فيما بعد في الجانب المقابل للأرض، ربما حتى تتسبب رفرفتها بإعصار هائج! تمامًا كوقوع حبة الحنطة في الأرض وموتها، فذلك يأتي بالثمر الكثير! افتتحت المخرجة "أمل رمسيس" فيلمها المؤثر "أثر الفراشة" بحُلم مُرعب لشهيد الثورة المصرية وجيفارا الشارع كما عُرف وقتها "مينا دانيال"، الفراشة المحلقة التي دام أثرها على جيلي وسيدوم على أجيال أخرى قادمة بلا شك.   هو جاذبيّةُ غامضٍ يستدرج المعنى، ويرحلُ حين يتَّضحُ السبيلُ   دعني أغوص معك لخريف 2011، تحديدًا العاشر من أكتوبر / تشرين الأول 2011، في ذلك الوقت كنت لا أزال طفلة مُدللة في الصف الأول الثانوي لا تعبأ بالواقع، فحتى خلال أحداث ثورة الخامس والعشرين من يناير، كنت أجلس لأتابع أفلام "بوليوود" الـ"مبهرجة" عوضًا عن متابعة الأخبار، وماذا يهمني وقتها من أخبار؟ أليس أهلي بخير وأذهب للكنيسة بانتظام وجميع مُحيطي سعيد بابنة الكنيسة المثالية وتلميذة المدرسة النجيبة؟ لسبب أعلمه - إلا أني أحاول نسيانه - مازلت أتذكر ليلة التاسع من أكتوبر، وأنا أرى ذعر والداي، والغضب المحتقن في وجنتي أبي الذي أخذ يُردد: “هذا متوقع بالطبع. . هذا متوقع. . السُذج! ” كان لأبي عهدًا بالسياسة بحكم وظيفته، أما أمي فقد ذهبت كما للمصريات عمومًا في وصلة من الحسبنة على المذيعتين "رشا مجدي" و"نجلاء عبد البر" اللتين أكدتا “تعرض قوات الجيش لتراشق بالحجارة من متظاهرين أقباط! ” وفي صباح الاثنين العاشر من أكتوبر، ذلك الصباح الباهت بألوان الخريف ورائحة تراب العُشب المُندي على أرضية المدرسة المحافظة التي ارتدتها، أشارت الإذاعة المدرسية إلى وقفة حداد على أرواح شهداء الوطن، الأمر الذي أثار حفيظة بعض زميلات الدراسة في الطابور الصباحي، تبعته همهمات واعتراضات داخل حصة اللغة الفرنسية والتي تم السيطرة عليها سريعًا. ولكن حتى السيطرة لم تلغ النظرات المشمئزة لي ولزميلاتي القبطيات على غرار تصريحات سيادة المذيعات!   هو خفَّةُ الأبديِّ في اليوميّ أشواقٌ إلى أَعلى وإشراقٌ جميل   تفتح "أمل رمسيس" حكاية "مينا دانيال" من خلال شقيقته الكُبرى "ماري دانيال" والتي حملت في كل مظاهرة علمًا أحمرًا يحمل صورة "مينا". تُعرفنا "ماري" ذات الأصول الصعيدية بالمزيد من تفاصيل بيوت الأقباط المتواضعة، والتي تتشابه مع بقية بيوت مجتمعهم في الفكر والثقافة، فـ"ماري" التي وٌصِمت بالعنوسة تزوجت في عمر ال26 فقط لكسر لقب "عانس"، الأمر الذي ندمت بشدة عليه وقررت الانفصال وإن لم تسمح لها الكنيسة بذلك، أما "شيري" الأخت الأخرى ل"مينا"، أو "مونا" كما كانت تحب مناداته، فهي تدون له الملاحظات على جدران غرفته المتواضعة. حين دخلت مع "أمل رمسيس" بيت "مينا دانيال"، شعرت بدفء العائلة التقليدي، ولهفة "ماري" لفراق أخيها التي طالما اعتبرته ابنها، ولا أدري من أين أتت إشاعة أن جميع الأقباط تجار ذهب؟!   هو شامَةٌ في الضوء تومئ حين يرشدنا إلى الكلماتِ باطننا الدليلُ   وفقًا لـ"ماري" فـ"مينا" عاشق للحياة، مُحب للتصوير، فهو يُحب التقاط الصور، والمزيد من الصور، حتى صورة وفاته تحمل ابتسامة أمل لواقع أفضل! "أي مكان فيه اضطهاد، فيه ظلم: مينا كان موجود فيه"، تقول "ماري". كان لـ"مينا" تأثيرًا حميدًا على "ماري"، تلك التي عرفت الحياة بسببه، وتجولت بأريحية وسط الشوارع المزدحمة، وعبرت عن آرائها بتلقائية لم تألفها سيدات المجتمعات المحافظة من قبل. يستمر الفيلم في متابعة رحلة "مينا" من خلال "ماري"، وكيف حاولت دعم ما تبقى من أحلام "مينا" في الحرية والجمال. "مينا الثائر الحالم": هذا ما روته "أمل رمسيس" في فيلمها: أثر الفراشة.   هو مثل أُغنية تحاولُ أن تقول، وتكتفي بالاقتباس من الظلالِ ولا تقولُ...   بالعودة لي، ولتبعات عام 2011، توقعت أن أجد ولو تنديدًا، أو وقفة اعتراضية، داخل أسوار كنيستي المحلية، كعادة شجب وإدانة هيئة الأمم المتحدة حتى! ! ولكن مر الأمر مرور الكرام! فقط لوحة رخامية حملت اسم سبعة عشر شهيد في كاتدرائية الملاك ميخائيل بمدينة 6 أكتوبر وهُددت في وقت لاحق بإثارة الفتنة والرغبة في إزالتها! وكيف لا يكون الأمر كذلك وقد أصدرت بطريركية الأقباط الأرثوذكس بتاريخ 15 مايو بيانًا عقب أحداث إمبابة جاء فيه: “يا أبناءنا المعتصمين أمام ماسبيرو إن الأمر قد تجاوز التعبير عن الرأي وقد اندس بينكم من لهم أسلوب غير أسلوبكم، وأصبح هناك شجار وضرب نار وكل هذا يسيء إلى سمعة مصر وسمعتكم أيضا لذلك يجب فض هذا الاعتصام فوراً، وما يحدث لا يرضي أحدًا، وان صبر الحكام قد نفذ، وأنتم الخاسرون إذا استمر اعتصامكم” (بيان للبابا شنودة الثالث، ألقاه اﻷنبا يوأنس سكرتير البابا، وتم بثه في التلفزيون المصري يوم اﻷحد 15 مايو)   أَثر الفراشة لا يُرَى أَثر الفراشة لا يزولُ   ربما لا يحتاج الأمر فهيمًا لتبين اتجاه الكنيسة من التظاهرات والمتظاهرين، ولا يسعني الآن سوى تذكر مشهد العبقري محمود المليجي في فيلم "إسكندرية... ليه؟" وهو يصيح: وعايزنى أكسبها! وأبكي لسخرية الأقدار: فالحرية، والقدرة على التعبير عن الرأي، والاعتراض، غالبًا لا يُرحب بهم داخل كنائسنا، فنحن منذ نعومة الأظفار ننشأ على السمع والطاعة داخل أروقة مدارس الأحد! لكن اليوم وقد مرت السنوات بسرعة البرق، أستطيع أن أجزم أن "مينا" ورفقاؤه تركوا أثرًا في حياتي وحياة آخرين. أثر التفكير، وفحص الادعاءات، والرغبة في المعرفة، وحب الجمال، والخير، والرغبة في الحرية،، أشياء لم نتعلمها في صبانا، ولكن علمتها لنا أحلام مينا الدافئة. فلروحك السلام يا مينا إن لم نتقابل شخصيًا يا مينا. https://www. youtube. com/watch? v=ZsPP1qM3ebE   --- ### خوارق العادات في قصص القديسين والقديسات - Published: ۲۰۲۱-۱۰-۱۱ - Modified: 2023-08-28 - URL: https://tabcm.net/2870/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, مقالات وآراء - وسوم: الإخوة كرامازوف, باسكال, تشارلي تشابلن, جايوس أوريلوس ڤاليريوس دقلديانوس أغسطس, دونالد أتواتر, سنكسار, ڤيودور ميخائيلوڤتش دوستويڤسكي, مار جرجس الروماني أجساد لا تعرف الفساد في رواية الإخوة كرامازوف، يروي لنا دوستويفسكي قصة الراهب القديس زوسيما الذي يكرس حياته للخدمة والكرازة برسالة الإنجيل إلى أن ينتقل من العالم بعد سيرة عطرة دامت لأعوام عديدة، لكن للأسف، يصبح كل ذلك هباء منثورًا حين تخرج رائحة تعفن من جسد القديس، فيفقد تلاميذه من الرهبان إيمانهم بكل شيء؛ لأن جسد القديس لا يجب أن يتحلل، أو تصدر منه روائح كريهة، فالقديس شخص خارق للطبيعة بطبيعته، وليس مثل باقي البشر. يقف الراهب إليوشة (أحد تلامذة الراهب زوسيما المقربين) مصليًا من أجل حدوث معجزة كيما يرجع الرهبان إلى إيمانهم، وتخرس كل الألسنة التي تتكلم عن معلمه بسوء. لكن، لا شيء يحدث، يُدفن الجثمان وسط ضجيج، وعدم تصديق لما يحدث: أيعقل؟ يُدفن الراهب القديس، ويتحلل جسده مثل باقي البشر، دون حدوث معجزات شفاء وخوارق؟ كتب دوستويفسكي قصته في القرن التاسع عشر وكأنه يصف حال الكنيسة القبطية اليوم، فهي تكتظ بأجساد القديسين التي تبدو لأي ناظر عاقل في أشد تحللها، ومع ذلك، يتحدثون عن هذه الأجساد باعتبارها لم ترَ فسادًا!   حد السيف تصور قصص الشهداء في السنكسار القبطي المؤمن باعتباره كائن خارق للزمكان وقوانين الطبيعة، فهو يموت عدة مرات ويقوم، وتقطع السيوف جسده إربًا إربًا، لنجده يقوم مرة أخرى ويصعق الطغاة: لأنه يفضل أن يموت بحد السيف، لا شيء آخر! ولا أدري ماذا كان سيحدث إن مات الشهيد بأي ميتة أخرى كالحرق أو الشنق، أو بالسم؟ لماذا قطع الرأس بحد السيف بالتحديد؟ لكن، بغض النظر، تظل مشكلتي الكبرى مع هذه القصص هي تلك الصورة المشوهة التي تقدمها عن الإله. فالإله يشارك الرومان في تعذيبهم للشهيد، ولا يبالي حتى وإن كان هذا الشهيد طفلًا صغيرًا؛ فبعد أن يموت الشهيد ويستريح من آلامه، يقيمه الله مجددًا لكي يبهر الرومان بقدرته ويتبارى أمامهم، وبالطبع، لكي يحصل الشهيد على إكليل إضافي، وتكتمل المجموعة. فتجد الإله يقول للشهيد: أنا أعلم أنهم قطعوا جسدك، وخلعوا عينيك، وأحرقوك مرات عديدة؛ لكن، ها أنا أقيمك هذه المرة مجددًا لتشهد لي أمامهم ويخروا ساجدين. في هذه المرة، سيفعلون ما هو أسوء. (تنبيه لحرق الأحداث) لكن، اعلم إني أحبك. وبالطبع، ينهض الشهيد، وهو في منتهى السرور ويشكر الله على هذه الفرصة العظيمة، والإكليل الإضافي. ألا ترى أن الإله هنا قاسي بعض الشيء؟ فالإله لا يتوقف عن الدخول في تحديات مع الرومان الذين يزيدون حدة العذابات في كل مرة ليجربوا الإله، وهو يقبل التحدي، ويدخل معهم في هذه اللعبة، هكذا دواليك. كسر قانون الحرية الأدبي بالإضافة إلى القسوة، نجد الإله لا يجد أي غضاضة في خرق قانون حرية الإنسان الذي وضعه في الأساس. فهو يقحم ذاته حتى يؤمن به الجنود الرومان ببث الرعب في قلوبهم ؛ فبعد أن يقتل الوالي الشهيد تجد الشهيد يقوم مجدداً ويذهب للوالي قائلاً ها أنا حي مجدداً، ليرتعد الوالي ظنًا منه أنه يرى شبحًا. هل يتفق هذا التصرف مع روح المسيح الذي كان يتحدث بأمثال، ويحترم من ليس له أذنان ليسمع؟ فالمسيح، لم يكن يقحم المعجزة بهذه الصورة، ولم يرد أن يؤمن به الناس لأعماله بل لشخصه، ممتدحًا من آمنوا ولم يروا، ونافرا ممن آمنوا به تحت سطوة  المعجزة. وَلَمَا كَانَ فِي أُورُشَلِيمَ فِي عِيدِ الْفِصْحِ آمَنَ كَثِيرُونَ بِاسْمِهِ إِذْ رَأَوُا الآيَاتِ الَتِي صَنَعَ. لكِنَّ يَسُوعَ لَمْ يَأْتَمِنْهُمْ عَلَى نَفْسِهِ لأَنَهُ كَانَ يَعْرِفُ الْجَمِيعَ. (الإنجيل بحسب يوحنا ٢) فالإله الذي يحترم الحرية يترك للإنسان مساحة للشك والرفض. يقول الفيلسوف باسكال إن تحقيق الحرية يتطلب وجود "نور كاف لكل من يرغب أن يرى الحقيقة، وأيضًا غموض كاف لكل من قرر العكس". الله بالطبع قادر أن يظهر في ملئ قوته بنور يراه الجميع لكنه لا يفعل هذا حتى لا يكون الجميع مجبرين على الإيمان به دون إعمال عقولهم. هذا هو قانون الحرية الأدبي. الله لا يريد أن يرعب غير المؤمنين به ليؤمنوا، ولا يدخل في تحديات سخيفة مع غير المؤمن أو المجرب، كما توضح لنا قصة تجربة المسيح على الجبل. ثم، لماذا لا تحدث هذه الخوارق في العصر الحاضر؟ لماذا لا نجد أجساد المؤمنين المبتورة جراء التفجيرات الإرهابية تعود وتلتئم من جديد؟ الفلكلور القصصي هل يعني هذا أننا نلقي بتلك القصص عرض الحائط، ونلغي السنكسار؟ بالطبع لا، فتلك القصص هي نوع من التراث الشعبي أو الفلكلور، وهو نوع من الآداب والفنون له احترامه ومكانته. ودارس الأدبيات والإنسانيات يعلم هذا. لكن، اللوم على من يتعاملون مع هذه القصص على أنها حقائق تاريخية مؤكدة. فنحن لا نعيب على من كتبوا هذه القصص وتداولوها. فالفلكلور حاضر في كل الثقافات والديانات، أبرزها اليهودية. وليست القصص خيالية بالكامل؛ وبالطبع فيها جزء من الحقيقة. فمثلًا، كتب الأساطير اليونانية الشهيرة مثل الإلياذة والأوديسا تستند إلى بعض الحقائق التاريخية التي يمكن أن نستشفها. قراءة السنكسار من منظور أدبي كنوع من التراث يجعلك تفهم الهدف المقصود منه؛ أما القراءة التاريخية تضع أمامنا نبعًا لا ينضب من المغالطات التاريخية والمنطقية. على سبيل المثال، دوماً ما تصور القصص الإمبراطور الروماني على أنه غبي للغاية أو معتوه بشكل لا يصدق. على سبيل المثال، نعلم أن دقلديانوس قد قتل وعذب عدد هائل من شهداء الكنيسة القبطية. لكن، في كل قصة، يبدو فيها وكأن هذا أول شهيد يعذبه. فهو يدهش في كل مرة يقوم الشهيد من الموت ويسأل محتارًا كيف يقتله. ألم يعذب شهداء من قبل؟ ألم يدرك أن طريقة القتل الفعالة هي قطع الرأس بحد السيف؟ هل يفقد الرجل ذاكرته في كل مرة يعذب فيها شهيدًا أو شهيدة؟ كما تجد الوالي يسأل عن الصليب وماهيته، مع أن الصليب أداة تعذيب رومانية يعرفها كل الرومان! فلو اعتبرنا أن القصص تاريخية، لوقعنا أمام إشكاليات عدة. لكن، من درسوا الأدب يعلمون أن القصص تصور الوالي بهذه الصورة شديدة السذاجة بهدف السخرية (Satire) وهي أسلوب أدبي متعارف عليه حتى يومنا هذا لكسر شوكة الزعماء المتجبرين عن طريق الاستهزاء بهم، كما يفعل رسامو الكاريكاتير، ولعلك شاهدت الفيلم الشهير لتشارلي تشابلن الذي جسد فيه دور هتلر، مصوراً إياه في صورة كاريكاتيرية هزلية بهدف إسقاط هذا الديكتاتور الغاشم. بالطبع، لم يكن هتلر غبيًا، بل كان داهية سياسية وحربية. طالما تسألت وأنا أسمع هذه القصص، هل ليس هناك أي شيء يفعله هذا الوالي في يومه غير التفرغ لهذا الشهيد أو ذاك؟ فعلى سبيل المثال، تجد دقلديانوس لا يفعل شيء في حياته سوى الحديث عن جرجس وتبخيره للأوثان، يستيقظ وينام على اسم جرجس، هل بخر جرجس؟ هل قام جرجس من الموت؟ كيف أقتل جرجس؟ هل نجحت سوسنا جميلة الجميلات في إقناع جرجس بالسجود للأوثان؟ وحين تسأله زوجته لماذا لا يأكل ولا يشرب الخمر مثل عادته، يقول: جرجس لم يبخر بعد يا ألكسندرا. اتركيني، فأنا الآن حزين. وفي القصص الأخرى يفعل الشيء نفسه مع مارمينا، وأبانوب، وغيرهم. لم يكن الأمر شخصيًا لهذه الدرجة بالنسبة للرومان، فإعلانهم الحرب على المسيحيين كانت بسبب أن المسيح يدعى ابن الله، وهو نفس لقب الإمبراطور. فالرومان لم يكن لديهم مشكلة في أن يعتنق المرء أي ديانة، مثل الشمس، أو القمر، أو أبولون، أو المسيح طالما أنه لا يسلب الوالي هذا اللقب. لكن، القصص تصور الوالي وكأنه يهتم بخلاص كل فرد يعذبه. تجده ينزل إلى السجن وينصح الشهيد قائلًا: يا بني بخر لأبولون، أنا خائف عليك، وأريد مصلحتك، فقد كنت أحد جنودي المخلصين. هل تعتقد أن والي روما كان يفعل هذا؟ كما تصور القصص الشيطان على أنه أيضًا شديد السذاجة، ففي قصة الشهيدة مارينا، يرسل الشيطان إليها ثعبانًا وهي في السجن، فتنهض الشهيدة وترشم عليه علامة الصليب ليموت في الحال. ثم، يرسل إليها تنينًا ضخمًا، لتفعل الشيء نفسه وتطرح التنين أرضًا. ثم، يأتي الشيطان إليها بنفسه لترشم الصليب، ويحترق الشيطان في الحال. هل الشيطان الذي يمكنه أن يظهر في صورة ملاك نور، ويقرأ أفكارنا، غبي لهذه الدرجة؟ هل الشيطان لا يعلم أن مارينا ستتذكر علامة الصليب وترشمها؟! وبالمناسبة، التنين حيوان أسطوري، مثل طائر العنقاء، ولم يوجد في الواقع. لم يجد العلماء له أي حفريات، مع أنهم وجدوا حفريات الديناصورات، وحفريات طيور وحيوانات صغيرة عاشت وانقرضت منذ ملايين السنين، قبل عصر الشهداء بكثير. نعم، عزيزي القارئ، إن كنت لا تعلم: وجود التنين ليس له أساس علمي، والأرض تدور حول الشمس، والأسبوع به سبعة أيام! البحث التاريخي يعد البحث عن تاريخية القصص أمرًا محبطًا في كثير من الأحيان، فالباحث سيصدم بكثير من الحقائق حين يعرف أن كثيرًا من قصص الشهداء والقديسين مشكوك في صحتها التاريخية. على سبيل المثال، وفقا لدونالد أتواتر: لم يبقَ أي تفاصيل تاريخية عن حياة الشهيد مارجرجس الروماني. كان جورج يحظى بتبجيل واسع كقديس جندي منذ العصور الأولى في ديوسبوليس. ويبدو أن القديس جورج استشهد هناك، في نهاية القرن الثالث. أو بداية القرن الرابع؛ هذا كل ما يمكن التكهن به بشكل معقول(Dictionary of Saints (Third ed. ). London: Penguin Reference. p. 152) كما يعتبر الكثيرون مارجرجس رمزًا لكل شهداء الكنيسة، وترمز سنوات تعذيبه السبع إلى الكمال، وإلى الاضطهاد الدائم الواقع على الكنيسة المجاهدة. وهناك شهداء مشكوك في وجودهم التاريخي من الأساس، مثل الشهيدة بربارة. لذلك، أزيلت قصتها من التقويم الروماني العام عام 1969، لكنها مازلت مدرجة في قائمة الكنيسة الكاثوليكية للقديسين. وختامًا، إن كنت ترى أن التشكيك في قصص الشهداء يرقى إلى التشكيك في العقيدة، لا أعتقد أنك عالم بمن آمنت. --- ### فهرس سلسلة: نهاية العالم والمجيء الثاني - Published: ۲۰۲۱-۱۰-۱۰ - Modified: 2023-10-13 - URL: https://tabcm.net/14730/ - تصنيفات: عام, كتاب مقدس - وسوم: المجيء الثاني, مار أڤرام السرياني "اسأل وتعّقب علامات مجيئه، فإن الديان لن يتأخر، لا تكُفّ عن السؤال، حتى ولو لم تعرف الموعد بدقة. ولكن اهرب بسرعة من الذين يدَّعون أنهم يعرفون هذا الموعد بدقة" (مار إفرام السرياني) "اسأل وتعّقب علامات مجيئه، فإن الديان لن يتأخر، لا تكُفّ عن السؤال، حتى ولو لم تعرف الموعد بدقة. ولكن اهرب بسرعة من الذين يدَّعون أنهم يعرفون هذا الموعد بدقة" (مار إفرام السرياني) --- ### قد نغفر.. لكننا لا ننسى.. - Published: ۲۰۲۱-۱۰-۱۰ - Modified: 2024-10-02 - URL: https://tabcm.net/2876/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, شئون علمانية - وسوم: ١٥٠ يوم في تاريخ مصر, أسامة هيكل, أنبا يوأنس، أسقف أسيوط, إسحق إبراهيم, الجماعة الإسلامية, المبادرة المصرية للحقوق الشخصية, المجلس العسكري, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, حركة شباب ماسبيرو, حرية الفكر والتعبير, حسن الرويني, حسين طنطاوي, رائف أنور فهيم, رشا مجدي, سارة رمضان, شيرين الصياد, عادل عمارة, عصام شرف, عماد جاد, عماد مبارك, عمرو خليل, في طريق الأذى, ماسبيرو, متياس نصر, محسن مراد, محمد جوهر, محمد حسان, محمد عبد المقصود, محمود حجازي, مصطفى السيد, مصطفى نور, منصور عيسوي, مينا دانيال, نوارة نجم, ياسر برهامي, يسري فودة هنا ترقد أجساد بعض شهداء أولاد الشهداء إنضموا إلى المذبح السمائي يوم ٩-١٠-٢٠١١ برصاص ومدرعات الجيش المصري أمام مبنى الإذاعة والتليفزيون أثناء وقفة سلمية -بدون سلاح- لوقف هدم الكنائس في مصر اعتصام ماسبيرو الثانى في السابع من مايو 2011 نظم العديد من المسيحيين إعتصامًا مفتوحًا، أمام مبنى اتحاد الإذاعة والتليفزيون المصري، المعروف باسم ماسبيرو، إعتراضًا على تقاعس الدولة في الدفاع عن الأقباط، على أثر أحداث إمبابة الأخيرة. كان هذا الاعتصام هو الثاني من نوعه بعد الاعتصام الاول في 6 مارس من نفس العام، والذي بدأ على خلفية أحداث كنيسة "صول"، وانفض في 14 مارس بعد التوصل لحلول واتفاق ووعود بإعادة بناء الكنيسة في نفس المكان، وانعقد على أثره اجتماع بين عصام شرف رئيس الوزراء وقتها، وممثلين عن الشباب المسيحيين المتظاهرين، وكما جرت العادة تعاملت الدولة بقيادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة بالطريقة القديمة الكلاسيكية المعتادة، واعتمدت على أسلوب الجلسات العرفية لحل النزاع، كبديل عن الحلول السياسية والقانونية، حيث أكد اللواء "حسن الرويني"، قائد المنطقة المركزية للقوات المسلحة السابق، خلال مؤتمر عقده بقرية "صول"، حضره قيادات أمنية، ومشايخ العائلات، بالإضافة للشيخ السلفي "محمد حسان"، التزام القوات المسلحة بإعادة بناء الكنيسة وترميمها في التوقيت المحدد، وحفظاً لماء الوجه هدد المتظاهرين بالعودة للاعتصام مجدداً يوم الجمعة 25 مارس إذا لم تنفذ باقي مطالبهم المذكورة. وبالفعل رحل في ذلك اليوم معظم المشاركين في الاعتصام قبل ساعات من بدء حظر التجوال، أما الأعداد القليلة التي أبت الرحيل وصممت على مواصلة الاعتصام فقد فوجئوا، في حدود الساعة الرابعة صباحاً، باقتحام قوات الشرطة العسكرية لإنهاء اعتصامهم بالقوة، واستخدمت الشرطة العسكرية العصي الكهربائية لتفريق المتظاهرين، وألقت القبض على 17 من المعتصمين، ليتشكل بعدها ما عرف بأسم "إتحاد شباب ماسبيرو"، والذي تكون من عدد من الشباب المسيحي الذي تولى مسئولية التفاوض مع الجهات الرسمية أثناء أزمة كنيسة "صول"، وتولى تنظيم الاعتصام وتجهيزه والدعاية له، وتبلور دور الاتحاد فيما بعد، وأصبح له مقر ثابت وهيكل تنظيمي ولجان ذات مسئوليات واضحة. وعقب الاعتداءات على كنيسة السيدة العذراء بإمبابة في 7 مايو، والتي عرفت بـ "فتنة إمبابة"، دعا إتحاد شباب ماسبيرو المتظاهرين لتنظيم اعتصام مفتوح أمام مبنى الإذاعة والتلفزيون بمنطقة ماسبيرو في اليوم التالي 8 مايو، وذلك للضغط على الحكومة والمجلس العسكري من أجل القبض على الجناة وتقديمهم للعدالة، وكذلك لفتح الكنائس المغلقة، وهتف الأقباط هتافات ضد المشير "حسين طنطاوي" وطالبوه بالتنحي عن منصبه، معتبرين أن الجيش لم يحم الأقباط ولا كنائسهم، ولم يعاقب أيًا ممن قاموا بحرق وهدم الكنائس. وتعرض الأقباط المعتصمون مساء السبت 14 مايو لاعتداءات من مسلمين من مناطق بولاق أبوالعلا وغيرها، وتراشقوا مع المعتصمين بالمولوتوف والحجارة، مما أدى لوقوع 78 مصابًا طبقًا لتصريحات وزارة الصحة. وفي اليوم التالي الأحد 15 مايو، دعا البابا شنودة الثالث المسيحيين المعتصمين أمام مبنى التليفزيون بماسبيرو لفض الاعتصام فوراً، وقال البابا شنودة: ((البابا شنودة الثالث، بيان ألقاه الأنبا يؤانس سكرتير البابا، وبثّ في التلفزيون المصري يوم الأحد 15 مايو 2011. )) يا أبناءنا المعتصمين أمام ماسبيرو إن الأمر قد تجاوز التعبير عن الرأي وقد اندس بينكم من لهم أسلوب غير أسلوبكم، وأصبح هناك شجار وضرب نار وكل هذا يسيء إلى سمعة مصر وسمعتكم أيضا لذلك يجب فض هذا الاعتصام فوراً، وما يحدث لا يرضي أحدًا، وان صبر الحكام قد نفذ، وأنتم الخاسرون إذا استمر اعتصامكم (البابا شنودة الثالث، بيان ألقاه الأنبا يؤانس سكرتير البابا، وبثّ في التلفزيون المصري الأحد 15 مايو) وقال القمص "متياس نصر"، راعي كنيسة العذراء بعزبة النخل، إن الأقباط يرفضون الاستجابة لمطلب البابا بفض اعتصامهم قبل الاستجابة لمطالبهم المشروعة التي تتلخص فى محاكمة مرتكبي أحداث إمبابة وإقرار قانون دور العبادة الموحد، وإعادة فتح عدد من الكنائس المغلقة بدون وجه حق، ثم تراجع وأعلن فض الاعتصام يوم الخميس 19 مايو وتعليقه إلى 27 مايو من نفس الشهر. ((إسحق إبراهيم، تقرير: الأقباط تحت حكم العسكر. . وقائع عام ونصف من جرائم المرحلة الانتقالية، ملف حرية الدين والمعتقد، المبادرة المصرية للحقوق الشخصية. ))   اعتصام ماسبيرو الثالث البداية لم تكن في ماسبيرو . . وإنما كانت في "الماريناب" في أسوان على بعد أكثر من 850 كم من ماسبيرو حيث ستقع المجزرة الأكثر دموية  في الفترة الانتقالية بعد أيام قليلة. عقب صلاة الجمعة 30 سبتمبر 2011، قام عدد من المسلمين بالاعتداء على كنيسة مارجرجس بقرية الماريناب، التابعة لمركز إدفو بأسوان، بحجة أنها كانت مجرد مبنى خدمات تابع للكنيسة وان المسيحيين قد حولوها الى كنيسة. بدأت الأزمة بين المسلمين والمسيحيين فى القرية منذ شهر، بسبب قيام المسيحيين بأعمال البناء والترميم للكنيسة القديمة بعد الحصول على التصاريح الخاصة بذلك، وهو الأمر الذى تسبب، كالمعتاد، فى تجمهر أهالي القرية من المسلمين، إحتجاجاً على أعمال البناء الخاصة بالكنيسة، على إعتبار أن تلك الأعمال مخالفة للقانون لعدم حصولهم على تصريح بالبناء، وقام الطرف المسيحى والأمن بعدة محاولات لإقناع المسلمين باستكمال البناء بالكنيسة دون قبة أو جرس، لكن باءت جميع المحاولات بالفشل، وسيطرت قوات الجيش والشرطة على الموقف بجمع الطرفين فى جلسة مشتركة، حتى يتم التوصل إلى حلول ترضى الطرفين، لكن النيران ظلت تحت الرماد حتى انفجرت ظهر الجمعة، نتيجة لتحريض بعض الشيوخ المتطرفين في مساجد القرية، وأسفرت المصادمات عن حرق بيوت المواطنين المسيحيين وأعمال سلب ونهب، ولم تستطع  قوات الأمن السيطرة على الموقف، كما منع المتجمهرين سيارة المطافي من دخول القرية لإطفاء النيران المشتعلة  فى الكنيسة. ((سارة رمضان وعماد مبارك، تقرير: مذبحة ماسبيرو . . وقائع قتل على أساس الهوية، برنامج الضمير والذاكرة، مؤسسة حرية الفكر والتعبير. )) في أول رد فعل رسمي، نفى اللواء "مصطفى السيد"، محافظ أسوان، تصريحات منظمات قبطية تدعي تعرض الأقباط أو مساكنهم للإعتداء سواء بالحرق أو الهدم على خلفية الأزمة، بل ونفى وجود كنيسة اصلاً فى ذلك المكان، وأشار فى بيان أصدرته المحافظة في الاول من اكتوبر، إلى إحالة الموضوع للنيابة العامة لمحاسبة "ضعاف النفوس الذين تلاعبوا فى استخراج التراخيص"، خاصة أن الكثافة السكانية لا تسمح بإقامة كنيسة. ((إسحق إبراهيم، تقرير: الأقباط تحت حكم العسكر. . وقائع عام ونصف من جرائم المرحلة الانتقالية، ملف حرية الدين والمعتقد، المبادرة المصرية للحقوق الشخصية. )) واتصل المحافظ "مصطفى السيد" بوزير الإعلام في ذلك الوقت "أسامة هيكل"، كي يبلغه أن خبر حرق المسلمين لكنيسة الماريناب بأسوان غير صحيح، وأن ما تم إحراقه هو مجرد مضيفة، حاول بعض الأقباط تحويلها إلى كنيسة، دون الحصول على ترخيص، فثار المواطنين المسلمين وقاموا بإحراق الأخشاب الموجودة بجوارها، نافياً ان يكون هناك أي كنائس قد أحرقت، ليتصل وزير الاعلام بدوره بقطاع الأخبار حتى يقوم بالتنسيق مع المحافظ "لإظهار الحقيقة حتى لا يتضخم الحدث او يستغل بشكل سيء" على حد تعبير هيكل. ((أسامة هيكل، وزير الإعلام السابق، كتاب: "١٥٠ يوم في تاريخ مصر"، ص. 106. )) أما وزير الداخلية "منصور عيسوي" المنوط به تحقيق الأمن والأمان، فقد أعلن أنه قد أتصل بقادة التيار السلفي "محمد حسان" و"محمد عبد المقصود" و"ياسر برهامي" كي يتصلوا بوسائل الإعلام لتهدئة الموقف وحدة التوتر، معللاً ان قادة السلفيين لهم سلطة قوية على أعضاء جماعتهم، بينما لا يتمتع المجلس العسكري ومجلس الوزراء بتلك السلطة على السلفيين، مؤكداً أنه لم يحدث أي تقاعس من الشرطة في حفظ الأمن، رغم أنهم يحصلون على أدنى رواتب في الدولة، وأن هناك بعض القنوات الفضائية التي استغلت الموقف لإحداث فتنة وأبرزها قناة الجزيرة مباشر مصر، والتي استمرت في تكرار مشهد بعينه بشكل متواصل بشكل يعطي إنطباعاً بتدهور أكثر للأوضاع. ((أسامة هيكل، وزير الإعلام السابق، كتاب: "١٥٠ يوم في تاريخ مصر"، ص. 112. )) فى المقابل، نفى القمص مكاريوس، كاهن كنيسة مارجرجس بقرية الماريناب، ما جاء على لسان المحافظ من أن الكنيسة مجرد مضيفة، مؤكدا أن هناك قرار برقم 42 لسنة 2011 خاص بإعادة إحلال وتجديد الكنيسة، منتقداً تباطؤ الأجهزة فى محاولة وقف هدمها. ((إسحق إبراهيم، تقرير: الأقباط تحت حكم العسكر. . وقائع عام ونصف من جرائم المرحلة الانتقالية، ملف حرية الدين والمعتقد، المبادرة المصرية للحقوق الشخصية. )) وفي أول رد فعل للأحداث، تظاهر المسيحيون أمام دار القضاء العالي، قبل أن تخرج مسيرة من شبرا ضمت مئات المواطنين مطالبين بإقالة محافظ أسوان، بعدما أنكر وجود الكنيسة، رغم وجود تصاريح هدم وبناء وقّعها بنفسه، وهدد المتظاهرون بالاعتصام مجددًا أمام مبنى الإذاعة والتليفزيون، وأمهلوا المجلس العسكري وحكومة "عصام شرف" يومين لإقالة المحافظ وإعادة بناء الكنيسة والقبض على الجناة. ولما لم يستجب المجلس العسكري بالطبع، فقد نظم آلاف الأقباط مساء الرابع من أكتوبر 2011، مسيرة إحتجاجية اعتراضاً على أحداث الماريناب، والمطالبة بتقديم الجناة للمحاسبة، حيث بدأت المسيرة من منطقة دوران شبرا واستقرت أمام مبنى التلفزيون في ماسبيرو، حيث قرر المئات من المتظاهرين الاعتصام أمام المبنى، لحين تحقيق مطالبهم. فى حوالى الواحدة فجراً، قامت قوات الشرطة العسكرية بفض اعتصام الأقباط بالقوة، عقب قيام قوات من الأمن المركزي بضرب المتظاهرين وتعقبهم حتى ميدان التحرير، ثم انسحبت لتحل محلها قوات الشرطة العسكرية، التي طالبت الأقباط بإنهاء اعتصامهم، وعندما رفض المعتصمون الرحيل، فضت الشرطة العسكرية اعتصامهم بالقوة وقامت بإطلاق أعيرة نارية أصابت 6 معتصمين، كما أنتشر على موقع يوتيوب مقطع فيديو يظهر فيه نحو ثلاثين جندياً من قوات من الشرطة العسكرية يتناوبون على ضرب أحد المتظاهرين فى شارع رمسيس، يدعى "رائف أنور فهيم"، ضرباً مبرحاً بالعصي وركله، قبل أن يسحلوه على الأرض، بينما كان "رائف" يتلقى الضربات بيديه كي يمنع وصولها للمناطق المؤثرة بجسمه، ورغم ذلك أصيب بكسور في ساقه وذراعه، وجروح قطعية في الوجه ومناطق متفرقة في جسمه نتيجة الضرب المبرح من قوات الشرطة العسكرية، نٌقل على أثرها إلى المستشفى القبطي لتلقي العلاج. فى المقابل، صرح  اللواء "محسن مراد"، مدير أمن القاهرة، أن قوات الشرطة العسكرية فضت الاعتصام دون اى احتكاكات مع المواطنين الذين أشعلوا النيران فى سيارة شرطة تواجدت فى ميدان عبد المنعم رياض، وفى اليوم التالي 5 أكتوبر، قررت نيابة إدفو، إخلاء سبيل الـ 14 متهمًا بحرق الكنيسة من سراي النيابة بكفالة 500 جنيه، بعد أن وجهت لهم تهم "الإتلاف والحرق وهدم مضيفة كانت معدة لبناء كنيسة" خلال أحداث يوم الجمعة، بعدما تقدم أهالي القرية من الأقباط ببلاغ ضد المتهمين يتهمهم بالإتلاف والحرق، وأوصت لجنة العدالة الوطنية، المشكلة بمجلس الوزراء لبحث أزمات الاحتقان الطائفي والاجتماعي، بعزل محافظ أسوان اللواء "مصطفى السيد"، لعدم كفاءته فى التعامل مع أزمتي أهالي النوبة وكنيسة قرية المريناب، فيما هددت "الجماعة الإسلامية" فى أسوان بالتصعيد، فى حالة استجابة المجلس العسكري لمطالب الأقباط بشأن إقالة محافظ أسوان. ((إسحق إبراهيم، تقرير: الأقباط تحت حكم العسكر. . وقائع عام ونصف من جرائم المرحلة الانتقالية، ملف حرية الدين والمعتقد، المبادرة المصرية للحقوق الشخصية. )) فى منتصف يوم 9 أكتوبر، نظمت الحركات القبطية مسيرة أخرى حملت عنوان "يوم الغضب القبطي"، بدأت من دوران شبرا وانتهت بوقفة أمام مبنى الإذاعة والتليفزيون ماسبيرو، بمشاركة بعض القوى السياسية والأحزاب، شارك فيها آلاف الأقباط، ورفعوا لافتات تطالب بمعاقبة الجناة، وتحقيق العدالة والمساواة، وعزل المحافظ. بعد وصول المسيرة إلى نفق "أحمد حلمي"، رشق بعض أهالي منطقة "السبتية" المتظاهرين بالطوب من أعلى النفق، وأطلق أحدهم أعيرة خرطوش فى الهواء، قبل أن يتولى بعض الشباب الأقباط تأمين جانبي المسيرة حتى وصلت إلى شارع الجلاء، وانحرفت إلى اليمين باتجاه ميدان التحرير، واستقرت أمام مبنى التليفزيون. بعد قليل وقعت اشتباكات بين المتظاهرين وأفراد الشرطة العسكرية، أسفرت عن وقوع عدد من الإصابات، وخرجت فى هذه الأثناء مدرعتان من أمام مبنى التليفزيون بإتجاه كوبري أكتوبر لتفريق المتظاهرين الذين تجمعوا عليه وقطعوا الطريق، وخلال سيرهما بسرعة شديدة دهستا العديد من المتظاهرين، فوقع بعضهم ضحايا ما بين قتيل وجريح، واشتبك عدد من أهالي المنطقة مع المدرعتين اللتين حاولتا تفريق المتظاهرين، واحتمت السيدات والفتيات بالعمارات المجاورة، واحتشد المئات من أفراد القوات المسلحة والشرطة أمام ماسبيرو لحماية المبنى، وتم إبعاد المتظاهرين عنه، وفرضت القوات كردونات أمنية فى مداخل ومخارج الطرق المؤدية إلى مبنى التليفزيون، ووقعت مواجهات فوق كوبري 6 أكتوبر، بين قوات الأمن والمتظاهرين، بينما استخدمت الشرطة القنابل المسيلة للدموع. بعد نجاح الجيش في ضرب طوق أمني حول مبنى ماسبيرو وتراجع المتظاهرين إلى كورنيش النيل أمام المبنى، ظهر مجهولين يستقلون دراجات بخارية وسرعان ما انضموا في حماية الشرطة العسكرية واعتدوا على المتظاهرين بالجنازير، كما وصل بعد ذلك عدد من السلفيين إلى منطقة ماسبيرو مرددين هتافات إسلامية، وقاموا بإشعال النيران في سيارتين، ومنعوا رجال الدفاع المدنى من إطفائها. في نفس الوقت، كان الإعلام الرسمي ممثلاً في التليفزيون المصري يمارس الكذب، سواء من خلال خطاب المذيعين التحريضي المفعم بالكراهية الصريحة، أو من خلال ما يكتب من عبارات على شاشة التليفزيون، مؤكداً قيام الأقباط بقتل قوات الجيش، ولم يذكر التليفزيون المصري أي أخبار عن سقوط شهداء قتلى أو مصابين من صفوف المتظاهرين الأقباط، وتجنب نقل أياً من المشاهد التي تؤكد استخدام العنف المفرط ضد المتظاهرين، بل اكتفى ببث صور لسيارتي الجيش المحروقتين، إلى جانب استقبال مكالمات هاتفية زائفة تحرض المواطنين على المتظاهرين "والنزول لحماية الجيش من الأعيرة النارية التي يطلقها المتظاهرون"، ((مقال "قوى سیاسیة تنتقد تغطية التلفزيون المصري للأحداث وتطالب بإقالة وزير الإعلام"، دنیا الوطن. )) وتحول تلفزيون الدولة إلى طرف غير محايد، يؤجج ويدعو لحرب أهلية ضد المسيحيين المصريين، ووصل التزييف المهني إلى أقصاه عندما ناشدت مذيعة التلفزيون المصري "رشا مجدى" المواطنين الشرفاء بالنزول إلى الشارع لحماية قوات الجيش، لأن المتظاهرين الاقباط يطلقون عليهم النار، وادعت "إن هناك العديد من الضحايا من جنود الجيش"، وقالت نصاً: ((الإعلامية "رشا مجدي"، مذيعة التلفزيون المصري، يوم 9 أكتوبر 2011. )) أكد شهود عيان أن مئات المتظاهرين الاقباط الذين قطعوا طريق الكورنيش يقومون برشق جنود الجيش المكلفين بتأمين مبنى ماسبيرو بالحجارة والزجاجات الحارقة ... حتى الان هناك أكثر من ثلاثة شهداء وعشرين مصاب كلهم من جنود الجيش. . و بأيدى من؟ ليس بأيدي الإسرائيليين وليس بأيدى عدو، ولكن بأيدي فئة من أبناء الوطن، الذي يُضرب الآن. . هو الذي وقف بجوار الثورة ورفض أن تطلق رصاصة واحدة على أى من أبناء الشعب المصرى، لنجد اليوم أنه هناك من يطلق الرصاص على أبناء الجيش (الإعلامية "رشا مجدي"، مذيعة التلفزيون المصري) أما الشريط الإخباري أسفل الشاشة فقط بث رسالة ثابتة تقول "تعرض قوات الجيش لتراشق بالحجارة من متظاهرين أقباط"، وهي العبارة التي عدلوا نصها بعد ذلك لتصبح "تعرض الجيش لتراشق من متظاهرين". أما وزير الاعلام "أسامة هيكل"، فقد أكد "أن ماحدث من تحريض خلال التغطية هي مجرد انفعال مذيعين، وتغطية الصورة كانت متميزة نسبياً، الا ان البعض أستغل هذه التغطية في الترويج لأن التليفزيون المصري حرض على قتل الاقباط"! ((أسامة هيكل، وزير الإعلام السابق، كتاب: "١٥٠ يوم في تاريخ مصر". )) في تمام الساعة السادسة والنصف وصلت الصحفية والناشطة "نوارة نجم" ابنة الشاعر الشهير "أحمد فؤاد نجم" إلى ماسبيرو، ثم توجهت نحو شارع الكورنيش لتجد سيلًا مهولًا من القنابل المسيلة للدموع، ثم التحمت مع بعض المتظاهرين ما بين كر وفر مع قوات الأمن والجيش حتى ظهرت فجأة مجموعة من "المواطنين الشرفاء" الذين طاردوا المتظاهرين إلى شارع "رمسيس"، أما في ميدان "عبد المنعم رياض" فكان بعض "المواطنين الشرفاء" يلقون بالحجارة على المتظاهرين الذين تفرقوا، أما قوات الأمن والجيش فكان تتخفى خلف صفوف "المواطنين الشرفاء"، لم يمر الكثير من الوقت حتى فوجئت "نوارة" بمسيرة من المواطنين الشرفاء قادمة من كوبرى أكتوبر بجوار"رمسيس هيلتون" وهم يهتفون: "إسلامية إسلامية"، و"ارفع راسك فوق انت مسلم"، وسرعان ما تمكنت قوات الأمن من فرض سيطرتها على منطقة ماسبيرو والمناطق المجاورة لمبنى الإذاعة والتليفزيون وميدان التحرير، وفرضت أجهزة الأمن والشرطة العسكرية حظر التجوال من الثانية وحتى السابعة صباحاً، وتم إلقاء القبض على العشرات، وبعد ذلك بدأت قوات الأمن تكثيف تواجدها بمنطقة ماسبيرو، والدفع بالمئات من جنود الأمن المركزى والمدرعات إلى موقع الاشتباكات، وطارد عدد من أهالى منطقة ماسبيرو المتظاهرين بالشوم والأحزمة، وخرج "عصام شرف" رئيس وزراء مصر في هذا الوقت ببيان على التلفزيون المصري يؤكد أن ما حدث مؤامرة، ويطالب الشعب بعدم الانسياق وراء الأحداث والتصدي لمثيري الفتن. ((جزء من شهادة "نوّارة نجم". )) اقتحام قناتي الحرة وقناة مصر 25 نحو السادسة مساءاً وصل رجل الأعمال الأستاذ "محمد جوهر" رئيس مجلس إدارة شركة فيديو كايروسات، ورئيس مجلس إدارة قناة مصر 25 إلى مقر شركته بجانب دار المعارف على بعد أمتار من مبنى ماسبيرو على الكورنيش المطل على مسرح الأحداث، ليفاجأ بكم الجرحى والقتلى والأشلاء في مدخل البناية والممر الضيق المظلم المخيف المؤدي إلى درجات السلم، وعندما صعد إلى أحد مكاتب القناة في الدور الثالث، فوجيء بنحو 17 من المتظاهرين الأقباط، بينهم القس "متياس نصر منقريوس"، وتنامى إلى مسامعهم أصوات اقتحام جنود يأتي من الاسفل، فقرر رئيس القناة والعاملين بها إخفاء المسيحيين جميعاً في دورة المياه في الدور الثاني عشر لحمايتهم وضمان عدم الاعتداء عليهم، وقدم بعض العاملين المسلمين في الشركة بطاقات هوياتهم الشخصية للمسيحيين قائلين: "لو أتمسكتوا قولوا إن أنتوا احنا"، ثم أغلق باب الحمام بستارة ووضع مكتب أمام الستارة. ((يسري فودة، كتاب: "في طريق الأذى". )) ولم تمر دقائق حتى أقتحم عشرات من مجندي الأمن المركزي يرافقهم ضابط أمن مركزي وآخر من القوات المسلحة، مقر القناة أثناء التغطية الحية لبرنامج "اليوم"، أثناء قيامهم بتغطية أحداث ماسبيرو، بهدف مصادرة الفيديوهات المصوّرة عن الأحداث، والبحث عن الفارين، قبل أن يُوقف البث عنوة، مع صوت صراخ المذيعة "شيرين الصياد" في خلفية المشهد تصرخ "حراام عليكم. . أنا حامل"، حيث أمر الجنود الموجودين بالانبطاح أرضاً، ووضعوا مدافعهم في وجوههم، وقام الجنود بتحطيم كاميرات التصوير وشرائط الفيديو المسجلة عن الأحداث، التي تثبت بالدليل القاطع قيام مدرعات الجيش بدهس المتظاهرين، وطمأن المجندين الأستاذة "نسمة الخطيب" كبير المعدين والأستاذة "شيرين الصياد" مذيعة برنامج التوك شو الرئيسي في القناة، بعدم اعتزامهم الاعتداء عليهما كونهما مسلمتين، وأنهم على استعداد لإخراجهما خارج مقر القناة بسلام، وبدأ الجنود يسألون العاملين بالقناة الواحد تلو الآخر عن أسمائهم بحثاً عن متظاهرين مسيحيين فارين، ثم بدأوا بالتفتيش عن هوياتهم الدينية، أول من فحصوا هويته كان مصور شاب مسيحي الديانة يعمل في القناة ولا علاقة له بالتظاهرات، ضربوه حتى كسروا ذراعه وجرحوه في رأسه بظهر البندقية، مرددين أن الأقباط قتلوا زملاءهم المجندين أمام مبنى ماسبيرو، ثم سألوا أحد العاملين المسلمين عن بطاقته التي قد تنازل عنها لأحد المسيحين المختبئين، فقرأ عليهم بعضاً من القرأن ليثبت لهم أنه مسلم. ((يسري فودة، كتاب: "في طريق الأذى". )) إنتهى الجنود من مهمتهم في قناة مصر 25 ثم صعدوا لمهمة مماثلة في قناة الحرة في نفس المبنى، وحاول الإعلامي "مصطفى نور" من قناة مصر 25 اللحاق بهم قبل أن يقتحموا ستوديو الهواء على المذيع "عمرو خليل" مذيع "برنامج اليوم" لكنه فشل، وتطور الموقف ما بين أحد الجنود والمذيع "مصطفى نور" الذي فوجيء بالجندي يشد أجزاء سلاحه إستعداداً لاطلاق النار، فحاول المذيع تلطيف الموقف "بس يا مصطفى . . براحتك. . أخرس يا مصطفى. . براحتك. . سيبوه يدخل"، ثم ألتفت المذيع مرة أخرى للمشاهدين موضحاً "الآن أحد جنود القوات المسلحة موجود داخل المبنى بسلاحه الآلي داخل الاستديو... "، ثم حاول المذيع تهدئة الجندي قائلاً "براحتك. . دور زي ما أنت عايز. . براحتك خالص"، ثم ألتفت إلى المشاهدين مرة أخرى قائلاً "هناك عدد من الجنود الغاضبين الذين دخلوا المبنى ويفتشوا في كل شيء . . عذرًا سنضطر لإيقاف الهواء لظروف أمنية" ((تفريغ نصّي لما قاله الإعلامي "مصطفى نور" على الهواء، مذيع قناة مصر 25. ))، بينما كانت أصوات تحطم المعدات واضحة في خلفية المشهد، قبل أن يُوقف البث عنوة، ولاحقاً اضطرت قناة الحرة لإعادة البث من دبي بعد إيقاف بثها من القاهرة، وتم التشويش المتعمد على قناة العربية لنقلها للأحداث. عندما بدأ الوضع يهدأ قليلاً، بدأ الاستاذ "محمد جوهر" بتسريب المتظاهرين المختبئين الواحد تلو الآخر من الأبواب الخلفية، مع قصة مبتكرة لكل منهم لتبرير تواجده في الشارع، وهكذا حتى صباح اليوم التالي، لكن تبقى القس "فيلوباتير" الذي رفض رفضاً باتاً تغيير ملابسه حتى يستطيع الهروب، فطلب منه جوهر أن يحمل المصحف كي يحفظه، فحمله وتسلل هارباً من المبنى بحلول الثانية من ظهر اليوم التالي للحاق بصلاة الجنازة على الضحايا. ((شهادة "محمد جوهر" مع الإعلامي "يسري فودة"، برنامج "آخر كلام" بتاريخ 9 أكتوبر 2012. )) https://www. youtube. com/watch? v=kb7ubXaG1Co ((تم حذف أرشيف كل حلقات برنامج أخر كلام من على موقع يوتيوب بعد بيع قناة ONtv لرجل الأعمال "أحمد أبو هشيمة"، الذي قام ببيعها بدوره لمجموعة "إعلام المصريين". )) (تم حذف أرشيف كل حلقات برنامج أخر كلام من على موقع يوتيوب بعد بيع قناة ONtv لرجل الأعمال "أحمد أبو هشيمة"، الذي قام ببيعها بدوره لمجموعة "إعلام المصريين") بعد منتصف الليل، توالى وصول جثث الضحايا والمصابين إلى المستشفى القبطي بالضاهر، وانتقلت المعركة إلى شارع رمسيس الذي شهد اشتباكات عنيفة بين أقباط ومسلمين، ما أدى إلى وقوع عدد من الإصابات، حيث قام خلالها مجهولون بإشعال النيران في إحدى العمارات التي تبعد بضعة أمتار عن ميدان رمسيس، وإشعال أكثر من 7 سيارات ملاكي وأتوبيس نقل عام، مما جعل وزارة الداخلية تدفع بقوات إضافية إلى المنطقة. كما دفعت الشرطة العسكرية وقوات الأمن المركزى بقوات أخرى فى منطقة وسط القاهرة، ونشرت قوات الجيش أكثر من 30 مدرعة بطول شارع رمسيس وحتى ميدان غمرة، وقام بعض العقلاء من الطرفين بحماية المستشفى القبطى الذى كان يستقبل بعض المصابين فى أحداث الاشتباكات مع قوات الأمن. اتصل أحد الأصدقاء بـ"نوارة نجم" ليخبرها أن المستشفى القبطي يعانى من نقصًا فى الدم، فاستقلت تاكسي للذهاب إلى المستشفى القبطي، وحين سلك التاكسى الطريق فوجئت بمسيرة من ميليشيات (المواطنين الشرفاء) مسلحة بالهراوات والمولوتوف، فاضطرت صديقتها أن تخرج رأسها من النافذة حتى يرى المواطنين الشرفاء أنها ترتدي الحجاب وليست مسيحية! ((جزء من شهادة "نوّارة نجم". )) فى طريقها إلى المستشفى القبطي، وجدت "نوارة نجم" رجلًا ملتحيًا يرتدى جلبابًا قصيرًا ويشير إلى الناس ليغيروا طريقهم، سألته نوارة عن السبب فأجاب: "النصارى بيضربوا نار على المسلمين! "، سلكت نوارة طريقًا آخر وسألت مواطنا آخر فأجاب: "الناس محاصرة المسيحيين جوه المستشفى"، حين وصلت نوارة إلى المستشفى القبطي لم تجد أي "نصارى" يطلقون أي نيران، وإنما كانوا يحتمون بالمستشفى، بينما يحاصرهم "المواطنون الشرفاء"، ويلقون عليهم الحجارة. ذهبت نوارة إلى المستشفى القبطي ودخلت المشرحة، وشاهدت جثث الشهداء، ومنهم من خرج مخه من جمجمته  إثر دهس المدرعة. تقول نوارة في شهادتها الموثقة: ((جزء من شهادة "نوّارة نجم"، الموثّقة بالتحقيقات الرسمية. )) لم يكن بين المتظاهرين المسيحيين أو المسلمين أى مسلحين، لم أر جثة عسكري، لم يطلق أحد الرصاص على الجيش، وإنما أطلقت قوات الجيش والأمن الرصاص والقنابل المسيلة للدموع على المتظاهرين، بالطبع كان هناك من ألقى بالحجارة على قوات الجيش والأمن حين أطلقوا الرصاص على الناس، حيشنقونا ونسكتلهم يعنى؟ كان من بين المواطنين الشرفاء من يعملون لصالح الداخلية ووجوههم معروفة منذ حادثة العباسية، وبعضهم كان بريئًا وصدق الإعلام، وحين صدموا بالحقيقة إنضموا إلى المتظاهرين... والله على ما أقول شهيد... الله يعلم صدقي، فأنا لا أورط نفسي فى يمين غموس، ولم أعتد الإتيان بشهادة الزور أمام المحاكم، وسيعلم الذين ظلموا أى منقلب ينقلبون (جزء من شهادة "نوّارة نجم") وقال بيان لوزارة الصحة ان المواجهات الدامية  قد أسفرت عن سقوط 27 قتيلاً أشهرهم الناشط المعارض "مينا دانيال" الذي ينتمي لحركة "شباب من اجل الحرية والعدالة"، و329 مصاباً من المتظاهرين وقوات الجيش والشرطة، الذين نقلوا إلى مستشفيات القبطي وكوبري القبة العسكري وبولاق العام ومعهد ناصر والهلال، ولم توضح الوزارة فى بيانها، ما إذا كان المصابون من الجنود أو المتظاهرين، فيما أعلن التليفزيون المصري عن مصرع اثنين من القوات المسلحة وإصابة 30 جندياً، وما لبث ان ثبت كذب هذا الإعلان بعد ذلك، فلم يلق اياً من جنود القوات المسلحة مصرعه. وامتنعت وزارة الدفاع عن النفي أو الإثبات وادعت أن تلك الحقائق أسرار عسكرية لا يجوز الإفصاح عنها. ((سارة رمضان وعماد مبارك، تقرير: مذبحة ماسبيرو . . وقائع قتل على أساس الهوية، برنامج الضمير والذاكرة، مؤسسة حرية الفكر والتعبير. )) في اليوم التالي دُفن الشهداء في كاتدرائية الملاك ميخائيل بمدينة 6 أكتوبر، وكُتب على شاهد المقبرة: ((توثيق لما جاء في شاهد المقبرة الجماعية بكتدرائية الملاك ميخائيل، مدينة 6 أكتوبر. )) هنا ترقد أجساد بعض شهداء أولاد الشهداء إنضموا إلى المذبح السمائي يوم ٩-١٠-٢٠١١ برصاص ومدرعات الجيش المصري أمام مبنى الإذاعة والتليفزيون أثناء وقفة سلمية -بدون سلاح- لوقف هدم الكنائس في مصر. وذهب وزير الإعلام "أسامة هيكل" بنفسه يوم الاثنين 17 أكتوبر لتقديم واجب العزاء للبابا شنودة الثالث، الذي عاتبه على قيام التليفزيون المصري بدعوة المصريين للدفاع عن القوات المسلحة، فأجابه هيكل : "إن باحثاً بمركز الأهرام للدراسات((يقصد د. "عماد جاد". )) هو أول من روج لهذه الشائعة، وتبعه عدد من مدعي الثقافة من باب المزايدة، وقد أيدني بعض الحاضرين للقاء من رجال الكنيسة، والتحريض لم يحدث"، وأستغرب أسامة هيكل في كتابه: "أن تقريري لجنة تقصي الحقائق بوزارة العدل والمجلس القومي لحقوق الإنسان لم يتهما التليفزيون المصري بالتحريض، ورغم ذلك لم يصحح مدعو الثقافة موقفهم، واستمروا في ترسيخ فكرة أن التليفزيون المصري كان المحرض على احداث ماسبيرو" ((أسامة هيكل، وزير الإعلام السابق، كتاب: "١٥٠ يوم في تاريخ مصر". )) وفي المؤتمر الصحفى الذى عقده عضوا المجلس العسكري اللواء أركان حرب "عادل عمارة"، واللواء أركان حرب "محمود حجازي"، حول أحداث ماسبيرو في 12 أكتوبر 2011، قال اللواء "عمارة" مبرراً قتل جنود الشرطة العسكرية لـ 27 متظاهراً قبطياً هرساً تحت المدرعات أن: "هناك شهداء ومصابين بين القوات المسلحة نتيجة أحداث ماسبيرو، إلا أن القوات المسلحة حريصة على عدم ذكر ذلك حرصًا على الروح المعنوية داخلها، وأن عملية الدهس التى حدثت من مدرعات جيش لبعض المتظاهرين لم تكن ممنهجة، حيث أن بعض المدرعات استولى عليها متظاهرون، وأن البعض الآخر أصيب سائقوها بهلع، فانطلقوا يدهسون من صادفهم، والجيش المصرى لا يرتكب مثل هذا التصرف حتى مع العدو، والمجلس لم يتأكد بعد من طبيعة من أطلق النيران أمام ماسبيرو، وهناك من قام بإطلاق نيران على الطرفين، وبعض المتظاهرين أمام ماسبيرو كانوا يحملون أشياء غريبة جداً وبكثرة، منها السنج والسيوف وأعواد خشبية. " ((سارة رمضان وعماد مبارك، تقرير: مذبحة ماسبيرو . . وقائع قتل على أساس الهوية، برنامج الضمير والذاكرة، مؤسسة حرية الفكر والتعبير. )) فى 27 ديسمبر بدأت المحكمة العسكرية العليا إجراءات محاكمة ثلاثة جنود بتهمة "القتل الخطأ" لأربعة عشر من شهداء مذبحة ماسبيرو، بقرار من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وافتقرت المحاكمة إلى الحد الأدنى من ضمانات الجدية والعدالة عبر تقديم الجنود الثلاثة إلى محكمة عسكرية قبل حتى أن ينتهي قاضي التحقيق المنتدب من النيابة العامة من تحقيقاته في الواقعة نفسها، بهدف السعي إلى حماية أفراد الشرطة العسكرية من المساءلة الجنائية، طبقاً للحصانة التي يتمتع بها العسكريون من المساءلة أمام القضاء المدني بشأن جرائمهم بحق المدنيين. ((إسحق إبراهيم، تقرير: الأقباط تحت حكم العسكر. . وقائع عام ونصف من جرائم المرحلة الانتقالية، ملف حرية الدين والمعتقد، المبادرة المصرية للحقوق الشخصية. )) وقد وجهت النيابة العسكرية للجنود الثلاثة الاتهام بأنهم: "تسببوا بخطئهم في موت أربعة عشر شخصا من المتجمهرين أمام مبنى اتحاد الإذاعة والتلفزيون، وكان ذلك ناشئاً عن إهمالهم وعدم احترازهم وذلك حال كونهم سائقي المركبات والمدرعات التابعة للقوات المسلحة بأن قادوها بطريقة عشوائية لا تتناسب وحالة الطريق الذاخر بالمتجمهرين مما أدى إلى اصطدامهم بالمجني عليهم. " ((سارة رمضان وعماد مبارك، تقرير: مذبحة ماسبيرو . . وقائع قتل على أساس الهوية، برنامج الضمير والذاكرة، مؤسسة حرية الفكر والتعبير. )) وبعد مرور أقل من ثلاثة أشهر على مذبحة ماسبيرو، أستقبل البابا شنودة بعض أعضاء المجلس العسكري في قداس عيد الميلاد 6 يناير 2012 بالكاتدرائية الكبرى بالعباسية، ووجه لهم التحية خلال عظته قائلًا "أهنئكم أيضًا بحضور هذا العدد المميز والمشرف من القيادات العسكرية التي تحبنا ونحبها، والتي عملت كل جهدها من أجل رفعة البلاد"، فقاطعه بعض شباب حركة ماسبيرو بالهتاف "يسقط يسقط حكم العسكر"، فيما قابل الحضور كلمة البابا بالتصفيق، واستمر هتاف شباب حركة ماسبيرو المناهض للمجلس العسكري نحو دقائق، وسط تجاهل تام من البابا شنودة الذي حاول جاهدًا رفع صوته في مكبر الصوت متعمدًا؛ للتغطية على صوت الهتافات، قبل أن يخرجهم شباب الكشافة الكنسية عنوة وبالقوة للخارج لمنعهم من الاستمرار. أما البابا تواضروس فكمحاولة يائسة لتبرئة المجلس العسكري من دم شهداء الأقباط، قال: ((البابا تواضروس الثاني، حوار مع صحيفة الموندو اﻹسبانية، بتاريخ 23 ديسمبر 2014. )) ليس من الحكمة التطرق الآن عن حادث ماسبيرو، ولا أعلم بالتحديد من المسؤول عن الحادث لأنه حدث قبل تعييني في منصب البابا (البابا تواضروس الثاني، حوار مع صحيفة الموندو الإسبانية، بتاريخ 23 ديسمبر 2014) وفي حوار آخر، أكد أن: ((البابا تواضروس الثاني، حوار أجرته قناة "سكاي نيور، بتاريخ 4 يناير 2015. والبابا هنا ينقل عما جاء بجلسات المجمع المقدّس. )) حادث ماسبيرو كان خدعة من الإخوان للشباب المسيحي، استدرجوهم لمواجهة الجيش ثم تركوهم. (البابا تواضروس الثاني، حوار أجرته قناة "سكاي نيور، بتاريخ 4 يناير 2015) --- ### (٤) هيكل اليهود والمجيء الثاني - Published: ۲۰۲۱-۱۰-۰۳ - Modified: 2023-10-13 - URL: https://tabcm.net/2755/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: المجيء الثاني, زربابل, سقوط آدم, قديس أوغسطينوس، أسقف هيبو, مدينة الله, ملك كورش الكبير, هيرودس الكبير, هيكل زربابل, هيكل سليمان, يعقوب الرسول بُنِىَ الهيكل وهُدِمَ ثلاث مرات وتنبأ الكتاب بإعادة بنائه كما يلي: الهيكل الأوّل: هيكل سليمان: البناء: ُبِنَى في عهد الملك سليمان ابن داود حوالى سنة 1004 ق. م (سفر الأيام الثاني 3: 1) الهدم: على يد نبوخذ نصّر ملك بابل حوالي 606 – 587 ق. م (ملوك الثاني 25: 9و 13و 17 – الأيام الثاني 36: 19) النبوة بإعادة البناء: حوالي عام 520 – 518 ق. م "فأجاب ملاك الرب وقال : ‘ يارب الجنود إلى متى أنت لا ترحم أورشليم ومدن يهوذا التى غضبتَ عليها هذه السنين الـ 70 سنة ’... لذلك قال الرب ‘ قد رَجعِتُ إلى اورشليم بالمراحم، فبيتى يُبنَى فيها، وُيمدُّ المطمار على أورشليم’" (زكريا 1: 12, 16) ،وتحققت النبوة ببناء الهيكل الثاني الهيكل الثاني: هيكل زروبابل: البناء: بُنِىَ بأمر الملك كورش (عزرا 5، 6) في عهد زروبابل حاكم اليهود آنذاك عام 200 – 150 ق. م وبمعاونة النبي زكريا والنبي حجّى. الهدم: ثم دمره انطيوخوس الرابع عام 175 – 163 ق. م. النبوة بإعادة بنائه: كان عصر النبوات قد انتهى. فلم يوجد أنبياء لليهود حتى مجيء يوحنا المعمدان سنة 4 ق. م، ولكن دانيال النبي تنبأ ضمنًا بإعادة بنائه ضمن نبؤته عن المجيء الأول للمسيح (راجع دانيال 9: 24 - 26). الهيكل الثالث: هيكل هيرودس: البناء: على يد هيرودس الكبير ابتداء من سنة 19 ق. م، وظل يُبنَى حتى عام 64 بعد الميلاد. الهدم: على يد تيطس القائد الرومانى سنة 70 م. وكان هذا تحقيقًا لنبوة السيد المسيح: "فتقدم تلاميذه لكى يروه أبنية الهيكل. فقال لهم يسوع أما تنظرون جميع هذه؟ الحق أقول لكم: إنه لا يُترك هاهنا حجر على حجر لا يُنقَض" (متى 24: 1, 2)، (مرقس 13: 1)   النبوات ببناء الهيكل الجديد: "فأجاب اليهود وقالوا له: أيّةُ آيـةٍ تُرينا... أجاب يسوع وقال لهم ‘‘انقضوا هذا الهيكل، وفى ثلاثة أيام أقيمه’’. فقال اليهود ‘‘فى ست وأربعين سنة بُنِىَ هذا الهيكل، أفأنت في ثلاثة أيام تقيمه! ’’ وأما هو فكان يقول عن هيكل جسده" (يوحنا 18:2-21) - لم يَعُد في تدبير الله للخلاص في العهد الجديد هيكل من حجارة بَعدْ، يَجمع المؤمنين به من البشر كما كان في العهد القديم. لأن بشرية المسيح (والتي كان هيكل العهد القديم رمزا لها) تَجمع فيها كل إنسان يؤمن به ويأتي إليه. فالحديث عن "الهيكل الحجري وهيكل جسده" بين السيد له المجد واليهود يُظِهر أن "مسكن الله مع الناس" أي الكنيسة لم يَعُد اجتماع المؤمنين به بل اتحادهم معًا في بشرية المسيح الإله المتجسد. ولهذا نقول بأن الكنيسة هي جسد المسيح. - والقديس يوحنا في وصفه لأورشليم الجديدة النازلة من السماء أكد هذا صراحةً: "ولم أرفيها هيكلا، لأن الرب الله القادر على كل شىء هو و الخروف هيكلها" ( رؤيا 22:21) - أما عن النبوات التي يتخذها بعض المسيحيين في الغرب ليؤيدوا بها المحاولات الحديثة لليهود لبناء هيكلهم المندثر إلى الأبد، وكأن اليهود بهذا يحققون نبوات الكتاب المقدس استعدادا للمجيء الثاني للمسيح، فهي كالآتي: "وأجعل مقدسي في وسطهم إلى الأبد ويكون مسكني فوقهم، وأكون لهم إلهًا ويكونون لي شعبا" (حزقيال 37:26) فنجد أن يوحنا الرائي يسمع تحقيق هذه الأية حين رأى مسكن الله الجديد مع الناس(أنظر أعلى)، الهيكل الحقيقي الذي هو جسد المسيح: "وسمعت صوتا عظيمًا من السماء قائلًا: هوذا مسكن الله مع الناس وهو سيسكن معهم وهم يكونون له شعبا والله نفسه يكون معهم إلهًا لهم" (رؤيا 21 :3) "في ذلك اليوم أُقِيمُ خيمة داود الساقطة وأُحَصّن شقوقها وأُقيم ردمها وأبنيها كأيام الدهر" (عاموص 11:9) فَسّر القديس يعقوب الرسول تحقيق هذه النبوة في حديثه في مجمع الرسل في أورشليم، وأعلن أنها تشير إلى كنيسة المسيح التي تَجْمَع الأمم مع اليهود ليُكَوّن منها شعبه، والتي هي جسد المسيح القائم من بين الأموات والذي يُوَحّد فيه المتضادات. "أجاب يعقوب قائلا :‘‘أيها الرجال الأخوة ، أسمعونى. سمعان قد أخبر كيف إفتقد الله أولا الأمم ليأخذ منهم شعبا على إسمه . وهذا توافقه أقوال الأنبياء ، كما هو مكتوب ‘سأرجع بعد هذا وأبنى أيضا خيمة داود الساقطة وأبنى أيضا رَدْمَهَا وأقيمها ثانية’" (أعمال الرسل 13:15-18) فمن الخطأ الفادح استخدام هذه النبوة كأنها تشير إلى هيكل من حجارة، وتجاهل تفسيرها المسيحي الذي نطقه القديس يعقوب الرسول. وبالتالي فإن النبوات عن إعادة بناء الهيكل الحجري لليهود قد استُنفِذَت إذ تَمَّتْ كل نبوة في حينها. فلم تَعُد هناك نبوة تنتظر التحقيق سوى نبوة السيد المسيح بأن الهيكل اليهودي لن تقوم له قائمة إلى الأبد. آراء خاصة ببعض آباء الكنيسة: "ثم رأيتُ سماءً جديدةً وأرضاً جديدةً، لأن السماء الأولى والأرض الأولى مضَتَا، والبحر لا يوجد فيما بعد" (رؤيا 1:21) يقول أغسطينوس في كتابه "مدينة الله": "لأن هذا العالم سوف يمضي. أى أن القديم سيتحول إلى الجديد ، ولكن ليس بتحطيمه وفنائه. لهذا السبب يقول الرسول "لأن هيئة هذا العالم تزول" (كورنثوس الأولى 31:7). فالهيئة القديمة أو الشكل القديم هو الذى سيمضى ويفنى ويزول وليس طبيعته "وللوقت بعد ضيق تلك الأيام تظلّم الشمس، والقمر لا يعطى ضوءه، والنجوم تسقط من السماء وقوات السموات تتزعزع" (متى 29:24-31). (عن القديس أوغسطين في كتابه الأشهر: مدينة الله) يُعلّم القديس يوحنا ذهبي الفم بأن الشمس والكواكب: "لن تتحطّم ، بل سوف تنخسف وتَخْفُت من شدة نور حضور المسيح. والنجوم سوف تتساقط إذ ما الحاجة إليها بَعد، إذ لن يوجد ليل بَعد" (القديس يوحنا فم الذهب، العظة 76 على إنجيل لوقا) وكما يقول سفر الرؤيا "ولا يكون ليل هناك ولا يحتاجون إلى سراج أو نور شمس لأن الرب الإله ينير عليهم" (رؤيا4:22). فهذه الشمس العظيمة سوف تبدو وكأنها أظلمت. - في هذه السماء الجديدة والأرض الجديدة لن يكون للشيطان موطئ لقدم. والموت لن يكون معروفًا هناك. الحياة الأبدية هي التي ستملك وحدها ببِّر الله "ولكننا بحسب وعده ننتظر سموات جديدة وأرضا جديدة يسكن فيها البر" (بطرس الثانية 13:3). - إن انقضاء العالم يعنى إبادة عنصر الشر الذي فيه، فيقول القديس بطرس كنايةً عن ذلك: "ولكن سيأتى كلص فى الليل، يوم الرب الذي فيه تزول السموات بضجيج وتَنحَّل العناصر محترقة، وتحترق الأرض والمصنوعات التي فيها" (بطرس الثانية 3: 7 -10). - فكما لعن الله الأرض بسبب آدم (تكوين 3: 17)، هكذا سوف يباركها ويجعلها أرضًا جديدة بسبب النصرة النهائية للمسيح على الشيطان. وبذلك تعود الخليقة إلى نقاوتها الأصلية التي فقدتها بسقوط آدم في الخطية. وكناية عن ذلك الوضع الجديد يقول إشعياء في رؤياه: "فيسكن الذئب مع الخروف، ويَربِض النمر مع الجدي، والعجل والشبل والمُسَمّن معًا، وصبي صغير يسوقها. والبقرة والدبة ترعيان، تَربِض أولادهما معًا، والأسد كالبقر يأكل تبنًا. ويلعب الرضيع على سرب الصلَّ، ويَمُد الفطيم يده على جُحر الأفعوان" (إشعياء 11: 6 -8) وكما يُصورها القديس بولس برؤية العهد الجديد: "فإن الخليقة نفسها أيضاً ستُعْتَقمن عبودية الفساد إلى حرية مجد أولاد الله. فإننا نَعْلَم أن كل الخليقة تئن وتتمخض معًا إلى الآن" (رومية 8: 21، 22) - فانقضاء العالم لا يعنى فناءه بل تجديده، كمِثل الإنسان حينما يصطبغ بصبغة المعمودية فيُقَال إن الإنسان العتيق قد مات وهوذا الكلُ قد صار جديداً (كورنثوس الثانية 5: 17 ، أفسس 2: 15) دون أن يعنى هذا فناء الإنسان المُعَمّد بالمعنى الحرفي وظهور إنسان جديد عوضًا عنه، بل يعنى تحرره من الفساد الذي في طبيعته. هكذا سيصير التجديد للعالم والخليقة من العتيق إلى الجديد. وسيحدث هذا بغتةً في لمح البصر. الموتى سيقومون بأجساد جديدة هي أجسادهم ولكن مُجَدّدَة ومتجلية. تمامًا كما قام المخلص بجسده نفسه وفيه آثار جروح المسامير والحربة ولكن بخاصيات جديدة والذي نُسّميه إنه جسد القيامة المُمَجّد "جِسّونى فإن الروح ليس له جسد ولا عظام كما ترون". - وهكذا، فإنه بسبب تجديد الخليقة البشرية يَحدُث تجديد للسماء والأرض، والجسد المادي يتحول إلى جسد روحاني على مثال تَجلّى المسيح على جبل طابور . فالإنجيل يُسَجّل أنه "أضاء وجه كالشمس وصارت ثيابه بيضاء كالنور" (متى 17: 2). - نور المسيح الإلهي سوف يتغلغل إلى ما داخل أعماق الخليقة مطهرًا إيَّاها من كل نجاسة فيها إلى الأبد. وهكذا تتجلّى الخليقة بسبب تجلى الطبيعة البشرية في الأبدية. إبادة الموت ونهايته: - عند المجيء الثاني للمسيح لن يكون موتٌ بَعْد. "وبعد ذلك، النهاية، متى سَلّمالمُلك لله الآب، متى أََبطَل كل رياسة وكل سلطان وكل قوة، لأنه يجب أن يَملك حتى يَضع جميع أعداءه تحت قدميه. آخر عدو يُبطَل هو الموت" (كورنثوس الأولى 15: 24 - 26). وفى النهاية، الموت نفسه سوف يُبَاد: "وطُرِحَ الموت والهاوية في بحيرة النار" (رؤيا 20: 14). - "وسيمسح الله كل دمعة من عيونهم والموت لا يكون فيما بعد، ولا يكون حزن ولا صراخ ولا وجع فيما بعد، لأن الأمور الأولى قد مضت" (رؤيا 21: 4). آمين تعال أيها الرب يسوع... (تم) والسُبح لله. --- ### لروحك السلام يا أسامة
ولروحك نار تأكلهم - Published: ۲۰۲۱-۱۰-۰۱ - Modified: 2023-10-16 - URL: https://tabcm.net/2857/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: أسامة عيد, أنبا إبيفانيوس المقاري, أنبا بيشوي، مطران دمياط وكفر الشيخ, بابا شنودة الثالث, حماة الإيمان, فيروس كورونا الموت هو الحقيقة المؤكدة في هذه الحياة التي لا يمكن الاختلاف عليها، ومن هذا المنطلق صار للموت مهابته واحترامه، ومهما تواجدت الخصومة والبغضة بين البشر فإنهم يحترمون ويقدرون بعضهم البعض عند الموت، حتى بين الأمم المتحاربة قديمًا وحديثًا توجد هدنة لاحترام الموت حيث يجمع كل فريق متحارب جثث جنوده لدفنها باحترام. ورغم مرور آلاف السنين، حافظ فيها البشر على هذه العادة، إلا أن المصريين مع انتشار السوشيال ميديا تناسوا هذا التقليد الإنساني الراسخ، وصار الموت عندهم فرصة للنهش في الشخص المتوفى، وتناسوا أبسط قاعدة تخص الموت وهي الترحم على المتوفى أو الصمت في أضعف الأحوال، حدث هذا، ويحدث، عند موت كثيرين ممن يوجد جدل واختلاف حول أشخاصهم ومن مختلف الانتماءات. يوم الثلاثاء الماضي، رحل عن عالمنا الصديق والزميل الصحفي "أسامة عيد" متأثرًا بمضاعفات إصابته بفيروس كورونا اللعين. بدأ أصدقاء وزملاء ومحبي أسامة في الترحم عليه عبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي،  إلا أن حماة البغضة والكراهية ممن يسمون أنفسهم "حماة الإيمان"، أو  "أبناء البابا شنودة الثالث" أو "أبناء الأنبا بيشوي" مطران دمياط الراحل، وغيرهم ممن يرون في "أسامة عيد" خصما لهم، لم يمرروا فرصة رحيله عن دنيانا إﻻ بإعلان شماتة وكراهية بمنتهى الوضاعة والخسة، دون احترام لمهابة الموت ولا تقدير لأسرة الشخص المنتقل. لم يحترموا مهابة الموت، لكنهم وجدوا في رحيل أسامة، الذي لم يعد بمقدوره الرد عليهم، فرصة للتشفّي والنهش فيه، نظرا لمواقفه التي كانت مناوئة لهم وضد مصالحهم، وضد مصالح من يمثلونهم من أقطاب مهمة داخل كنيستنا القبطية، التي امتلئت بشرور الانقسام والتبعية والانتماء لأشخاص هم مجرد بشر، على حساب الانتماء للمسيح. هذه ليست المرة الأولى التي يعلن فيها حماة البغضة الشماتة على الملأ، فقد أعلنوها من قبل عندما قُتل الأسقف البار إبيفانيوس على يد راهب فاسد تم تجريده من الرهبنة بسبب أفعاله، ولم يكتفوا بهذا بل أعلنوا قداسة الفاسد وأهانوا البار، ولا يتركون فرصة إلا ويعلنوا شماتة في رحيل الأنبا إبيفانيوس، وكل شخص ليس على وفاق معهم ولا مع سادتهم الذين يعلنون على الملأ الانتماء لهم والخضوع لهم. هذه الكلمات ليست دفاعًا عن أسامة ومواقفه، فهي أمور تخصه، وحتى إن كان هناك اختلاف معه وهذا طبيعي، فالاختلاف له قواعده وشروطه، وأهمها احترام الآخر المختلفين معه، ودائمًا يكون الاختلاف ليس مع الشخص نفسه، لكن مع الأفكار والآراء والاتجاهات، لكن هذه الكلمات من أجل التذكير بقاعدة مهمة وهي أن للموت احترامه ومهابته، وهو مبدأ إنساني اتفق عليه البشر  منذ آلاف السنين، لكن من يدعون حماية الإيمان المسيحي وينسبون للمسيح بالاسم تناسوا هذه القاعدة، ويبدو لنا أنهم منتمون لسادتهم أكثر من انتمائهم للمسيح لذلك لم يحترموا أبسط القواعد الإنسانية المرتبطة بحدوث الموت، وهي الترحم على الشخص المنتقل، أو في أضعف الأحوال التزام الصمت، ولو حتى مرور فترة الوفاة والحداد، واحترام أن الشخص المتوفى له أسرة ومحبين في حالة حزن على فراقه. الله يرحمك يا أسامة، نطلب العزاء من السماء لأسرتك وأصدقائك ومحبيك، ونطلب الصمت واحترام جلال الموت من حماة البغضة الذين يبثون سمومهم وكراهيتهم علنا على مواقع التواصل الاجتماعي باسم الإيمان زورا، وأقول لهم أن الدنيا لا تسير في اتجاه واحد، اليوم أنت تشمت في غيرك ولكن كما قال المخلص بِالْكَيْلِ الّذِي بِهِ تَكِيلُونَ يُكَالُ لَكُمْ وَيُزَادُ لَكُمْ أَيّهَا السّامِعُونَ.  (مرقس4: 24)، فربما وبدافع المصلحة تخافون من اليوم الذي تجدون أنفسكم فيه مثار شماتة من الآخرين، فتحرمون جلال الموت. --- ### رمال أبونا يسى العجيبة والمستير - Published: ۲۰۲۱-۰۹-۲۷ - Modified: 2023-10-15 - URL: https://tabcm.net/2791/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, مقالات وآراء - وسوم: إفخارستيا, الكنيسة الكاثوليكية, بابا كيرلس الخامس, بابا كيرلس السادس, خولاجي, سر الزيجة, شركاء الطبيعة الإلهية, فيروس كورونا, يسى ميخائيل الله سمح ويسمح لأنه سبق وأعطى الإنسان عقلا، وليس إلزامًا على الله أن يحمي المغفلين من جراء التصرفات الناتجة عن عدم إعمال العقل. أنت تعلم أن المستير عبارة عن معلقة معدنية، والمعادن تنقل الفيروسات والبكتيريا بطبيعتها، وتعلم أن هناك وباء. وتعلم وسائل الوقاية منه، كما تعلم الكنيسة أن هناك طرق أخرى للتناول دون المستير كانت تستخدم قديمًا، وما زالت تطبق اليوم في كنائس أخرى. إذن فأنت بلا عذر إن أصابك الوباء اعتاد بعض المسيحيون على الذهاب إلى مقبرة القمص يسى ميخائيل، بمدينة طما، للتبرك من التراب المحيط بجسده، ويُقال إن لهذه الرمال مفعول السحر؛ فهي تشفي من الأمراض، وتحل جميع المشاكل. لذلك، اعتاد الكثيرون على شرب هذه الرمال مع المياه (مثلما نفعل مع الفوار، والعصائر المجففة). وقل ما شئت عما يُقال عن هذه الرمال السحرية؛ لكن على الرغم من ذلك، لا يستخدم هذه الرمال سوى عامة الشعب من البسطاء، فالأساقفة يذهبون باستمرار لتلقي العلاج بالخارج حيث التقنيات الحديثة ذات التكاليف باهظة الثمن، حتى وإن كان الأمر يتعلق بأتعاب بسيطة مثل أتعاب الأسنان. فإن كان لهذه الرمال مفعول السحر حقًا، لماذا لا يستخدمها رجال الدين؟ هذا بالإضافة إلى الزيوت، والحنوط، وما إلى ذلك. وهل يليق بإنسان مخلوق على صورة الله أن يصب في جسده رمال المقابر! هل نحن بلا قيمة عند الله إلى هذه الدرجة لنشرب جسد إنسان متحلل ليزيل عنا الأمراض؟ معًا نحو فشل كلوي أسرع ذكر أحدهم على موقع أرثوذكس تحذيرًا من الرمال، قائلًا إن هذه الرمال متعفنة، وتصيب من يشربونها بالتسمم، مشيرًا إلى من يسقونها إلى أطفالهم. وجاءت الردود كالآتي: إذا أصابت الرمال أحدهم بالتسمم، لا يعني هذا أن الرمال بها مشكلة؛ فالسبب في نقص إيمان المتسمم! لقد خلق الله الإنسان مسئولًا عن أفعاله؛ فنحن آلهة أرضية، آلهة محدودة، نعم لكنها مسئولة وعاقلة. نحن "شركاء الطبيعة الإلهية،" وعلى هذا، لا يليق بنا أن نتعامل مع الله بهذه الطفولة والسذاجة، منقادين خلف الخرافات، ونحن في القرن الحادي والعشرين. نحن نحظى بتقدم طبي هائل، والعلم هو معجزة المعجزات، شاء من شاء، وأبى من أبى. وقف المسيح عند قبر لعازر، داعيًا الجموع لمساعدته على تحريك الحجر؛ لأنه سيقيم الميت ليعرف كل فرد أنه مسئول، وشريك في المعجزة. الزيت وشفاء الأمراض أَمَرِيضٌ أَحَدٌ بَيْنَكُمْ؟ فَلْيَدْعُ شُيُوخَ الْكَنِيسَةِ فَيُصَلّوا عَلَيْهِ وَيَدْهَنُوهُ بِزَيْتٍ بِاسْمِ الرّبِّ، وَصَلاَةُ الإِيمَانِ تَشْفِي الْمَرِيضَ وَالرّبُّ يُقِيمُهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ فَعَلَ خَطِيّةً تُغْفَرُ لَهْ(يعقوب 5: 14و15) يستخدم البعض هذا النص لتبرير استخدام الزيوت، والرمال، والحنوط، وشعر الأموات، وملابسهم للتبرك والشفاء. لكن، يجهل هؤلاء أن الزيوت كانت تستخدم قديمًا كوسيلة علاج طبية. ويمكنك البحث في تاريخ العقاقير والعلاج، وحتى يومنا هذا، يستخدم الكثيرون، بل وينصح الأطباء أيضًا باستخدام بعض الزيوت لأنها تلطف من حدة الألم، وتجدد خلايا الجسد. فالنص هنا لا يشير إلى الزيت كوسيلة دينية سحرية، فباقي النص يقول إن صلاة الإيمان تشفي المريض. لكن، الزيت يستخدم لأنه وسيلة تلطيفية كمسكنات الألم اليوم. ولا أعتقد أن شيوخ الكنيسة في القرون الأولى كانوا يجلبون الزيوت الرديئة ويصلون عليها لتتقدس، وتأخذ طبيعة معجزية. فالإنسان المسئول العاقل يعرف أن تناول الرمال المسممة الناتجة عن تعفن الأجساد لن يضيف له شيء سوى الفشل الكلوي، والتسمم، وغيرها من الأمراض. المستير والكورونا حتى حين نتحدث عن سر التناول،  لا يليق بنا أن نقول: 'حسنًا نعلم أن هناك جائحة، وأن فيروس كورونا منتشر انتشار النار في الهشيم، لكن المستير لا ينقل المرض بتاتًا. فكيف يسمح الله أن يُصاب شخص بالمرض وهو يتقدم للتناول؟' ببساطة، الله سمح ويسمح لأنه سبق وأعطى الإنسان عقلا، وليس إلزامًا على الله أن يحمي المغفلين من جراء التصرفات الناتجة عن عدم إعمال العقل. أنت تعلم أن المستير عبارة عن معلقة معدنية، والمعادن تنقل الفيروسات والبكتيريا بطبيعتها، وتعلم أن هناك وباء. وتعلم وسائل الوقاية منه، كما تعلم الكنيسة أن هناك طرق أخرى للتناول دون المستير كانت تستخدم قديمًا، وما زالت تطبق اليوم في الكنيسة الكاثوليكية، وكنائس أخرى. إذن فأنت بلا عذر إن أصابك الوباء. على سبيل المثال، نجد في كتاب الخولاجي، طبعة 1902 للقمص عبد المسيح المسعودي نصًا عن غمس الجسد في الدم في صفحة ٤١٦، مما يشير إلى إن الكنيسة الأرثوذكسية كانت تطبق سر التناول دون مستير حتى القرن التاسع عشر- في عصر البابا كيرلس الخامس! لذلك، فمن العبث أن يقول أحدهم إن المسيح سلم الكنيسة السر وأدوات المذبح معًا! وضع الله أمامنا هذه الحقيقة منذ قديم الأزل: أنت إنسان عاقل، لا آلة تقاد دون وعي، فالله لم ولن يحقق لك كل شيء دون اجتهاد منك، ولن يضعك في بلورة تحميك من نتائج أفعالك. أُشْهِدُ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ السّمَاءَ وَالأَرْضَ. قَدْ جَعَلْتُ قُدّامَكَ الْحَيَاةَ وَالْمَوْتَ الْبَرَكَةَ وَاللّعْنَةَ. فَاخْتَرِ الْحَيَاةَ لِكَيْ تَحْيَا أَنْتَ وَنَسْلُكَ(سفر التثنية 30: 19) ثم، لماذا لا يسمح الله بأن يصيبك الفيروس خلال ممارستك لسر الإفخارستيا، ويسمح بذلك وأنت تصلي في قاعة الكنيسة، أو في أثناء عملك، أو حين تلعب كرة القدم مع أصدقائك؟ ما الفرق أو أين الأزمة؟ والأهم، لماذا يصاب البعض بأمراض جنسية مُعدية خلال العلاقة الحميمة، بعد المثول أمام سر الزيجة المقدس؟ لماذا لا يحمي سر الزيجة الزوج والزوجة من هذه الأمراض؟ ولماذا يسمح أن تصاب بالتسمم إذا تناولت أطعمة متعفنة، لكن لا يسمح بذلك وأنت تشرب رمال أبونا يسى؟! وإن كان يجب على الله أن يطعمنا كل شيء بالمعلقة، لماذا لم يزودنا بكل الاكتشافات، والعلاجات الطبية التي حارب البشر سنوات عديدة للوصول لها لشفاء الأمراض؟ الله يريدك أنت أن تفعل هذا، فهذا هو دورنا كبشر. اِنْتَفِضِي مِنَ التّرَابِ. قُومِي اجْلِسِي يَا أُورُشَلِيمُ. انْحَلّي مِنْ رُبُطِ عُنُقِكِ أَيّتُهَا الْمَسْبِيّةُ ابْنَةُ صِهْيَوْنَ(إشعياء 52: 2) --- ### (٣) “هرمجدون”، حرب الشيطان الأخيرة - Published: ۲۰۲۱-۰۹-۲٦ - Modified: 2023-10-13 - URL: https://tabcm.net/2753/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: الشيطان, المجيء الثاني, قديس بولس الرسول, هرمجدون وهى تمثل المحاولة الأخيرة الفاشلة من جانب الشيطان لتحدى مملكة المسيح الروحية الأبدية. وهرمجدون هي الموضع الذي سقط فيه يوشيا الملك قديمًا في معركة مع فرعون مصر "نخو" (أخبار الأيام الثانية 35: 22). وهى رمز للقتل والموت الذين يتسبب فيهما الشيطان، وطرفّي المعركة الأساسيان معروفان، وهما السيد المسيح ضدًا للشيطان: "فنظرتُ وإذا فرس أبيض، والجالس عليه معه قوس ، وقد أُعِطى إكليلاً وخرج غالباً ولكى يَغلب. . وخرج فرس آخر أحمر. وللجالس عليه أُعِطى أن يَنزع السلام من الأرض وأن يَقتل بعضهم بعضاً. وأُعِطى سيفاً عظيماً" (رؤيا 6: 1-3) "ورأيتُ من فم التنين، ومن فم الوحش، ومن فم النبي الكذاب، ثلاثة أرواح نجسة شبه ضفادع، فإنهم أرواح شياطين صانعة آيات، تخرج على ملوك العالم وكل المسكونة، لتجمعهم لقتال ذلك اليوم العظيم، يوم الله القادر على كل شئ. ‘ها أنا آتى كلص. طوبى لمن يسهر ويحفظ ثيابه لئلا يمشي عرياناً فيروا عُريته’. فجمعهمإلى الموضع الذى يُدعى بالعبرانية ‘هرمجدون’. ثم سكب الملاك السابع جامه على الهواء ، فخرج صوت عظيم من هيكل السماء من العرش قائلاً: ‘قد تمّْ’" (رؤيا 16: 13 - 17) "ورأيتُ الوحش وملوك الأرض وأجنادهم مجتمعين ليصنعوا حرباً مع الجالس على الفَََرَسومع جنده . فقُبِضَ على الوحش والنبي الكذاب معه، الصانع قدامه الآيات التي بها أضَلّ الذين قَبِلوا سمة الوحش والذين سجدوا لصورته. وطُرِحَ الإثنان حيّيَن إلى بحيرة النار المتقدة بالكبريت ، والباقون قُتِلوا بسيف الجالس على الفرس، الخارج من فمه" (رؤيا 19: 19 - 21) "ثم متى تمّت الألف سنة يُحََل الشيطان من سجنه ويخرج ليُضِل الأمم الذين فى أربع زوايا الأرض جوج وماجوج ليجمعهم للحرب، الذين عددهم مثل رمل البحر. فصعدوا على عرض الأرض وأحاطوا بمعسكر القديسين وبالمدينة المحبوبة، فنزلت نار من عند السماء وأكلتهم. وابليس الذى كان يضلهم طُرِح فى بحيرة النار والكبريت حيث الوحش والنبى الكذاب، وسيُعَذّبون نهاراً وليلاً إلى أبد الآبدين" (رؤيا 20: 7 -9) وقد كرر أنبياء العهد القديم التنبؤ عن هذا اليوم الذي تقوم فيه الحرب الأخيرة ضد الشيطان، وبعدها النصرة النهائية. ويسمى هذا اليوم "يوم الرب" أو معركة "هرمجدون": "ولولوا، لأن يوم الرب قادم قاسيًا بسخط وحمو غضب... تُظِلم الشمس عند طلوعها والقمر لا يلمع بضوئه، وأُعَاقب المسكونة على شرها والمنافقين على إثمهم. وأُبْطِل تعظم المستكبرين وأضع تجبر العتاة" (أشعياء 13: 6، 9، 10 - 11) أما النبي زكريا فكان أكثر تحديدًا في وصفه لهذا اليوم: "ويكون في ذلك اليوم أنى ألتمس هلاك كل الأمم... في بقعة ‘هدد رمون’ في بقعة ‘مجدون’" (زكريا 12: 9، 11) "ويكون في ذلك اليوم أنه لا يكون نور... ويكون الرب ملكًا على كل الأرض. في ذلك اليوم يكون الرب وحده، واسمه وحده" (زكريا 14: 6، 9) ومن الملاحظ أن نبوءة زكريا هي من بين النبوات التي تتلوها الكنيسة الأرثوذكسية القبطية في الساعة التاسعة من الاحتفال بيوم الجمعة العظيمة. والسبب أن هذه النبوات قد تحققت في يوم صليب المسيح: فإظلَّمت الشمس، وإنشق حجاب الهيكل بما يُنبئ عن إنهدامه، وانتصر المسيح على الشيطان في المعركة على الصليب وقيده ألف سنة. إلى أن تأتى المعركة الأخيرة الحاسمة والمشار إليها بمعركة "هرمجدون". ولقد أعاد الرب يسوع المسيح استخدام هذه النبوة وهو على جبل الزيتون قبل آلامه متنبئًا عن الأيام الأخيرة: "وللوقت بعد ضيق تلك الأيام تُظلم الشمس، والقمر لا يعطى ضوءه ، والنجوم تسقط من السماء وقوات السموات تتزعزع، وحينئذ تظهر علامة إبن الإنسان فى السماء" (متى 24: 29، 30) رئيس الملائكة ميخائيل يحرس شعب الله الجديد: إن هناك حقيقة إيمانية كتابية تقليدية طالما آمن بها آباؤنا، وهى أن المسيحيين، شعب الله الجديد وإسرائيل الجديد، محفوظون ومحميون بقوات سماوية يرأسها رئيس الملائكة الجليل ميخائيل. الذي يقول عنه دانيال في نبؤته: "وفى ذلك الوقت يقوم ميخائيل الرئيس العظيم القائم لبنى شعبك. ويكون زمان ِضْيق لم يكن منذ كانت أمة إلى ذلك الوقت. وفى ذلك الوقت يُنَجِى شعبك، كل من يوجد مكتوباً فى السفر" (دانيال 12: 1) وقد وصف سفر الرؤيا معركة "هرمجدون" بين رئيس الملائكة ميخائيل وإبليس: "وحدثت حرب فى السماء، ميخائيل وملائكته حاربوا التنين. وحارب التنين وملائكته ولم يقووا ، فلم يوجد مكانهم بعد ذلك فى السماء. فطُرح التنين الحية القديمة المدعو إبليس والشيطان، الذي يضل العالم كله. وطُرح إلى الأرض وطرحت معه ملائكته" (رؤيا 12: 7- 10) مجيء المسيح الثاني واختطاف المؤمنين: في عقيدة الكنيسة الأرثوذكسية، أن الرب يسوع المسيح سوف يأتي ثانيةً من السماء في مجد عظيم ليجمع مختاريه . وذلك بعد الضيقة العظيمة للمؤمنين ثم هزيمة الشيطان في المعركة النهائية "هرمجدون": "ويبصرون ابن الإنسان آتيًا على سحاب السماء بقوة ومجد كثير، فيُرسِل ملائكته ببوق عظيم الصوت، فيجمعون مختاريه من الأربع الرياح من أقصاء السماء إلى أقاصيها" (متى 24: 30 -31) "فإننا نقول لكم هذا بكلمة الرب، إننا نحن الباقين إلى مجئ الرب لا نسبق الراقدين، لأن الرب نفسه بهتاف، بصوت رئيس ملائكة وبوق الله، سوف ينزل من السماء، والأموات فى المسيح سيقومون اولاً . ثم نحن الأحياء الباقين سنُُخطَف جميعاً معهم فى السحب لملاقاة الرب فى الهواء" (تسالونيكى الأولى 4: 15 -17) وقد أوضح السيد المسيح له المجد أن الاختطاف سيكون أولًا للمختارين الذين سيستقبلون الرب في مجيئه الثاني المملوء مجدًا على السحاب: "كذلك يكون أيضاً مجئ ابن الإنسان. حينئذ يكونان اثنان فى الحقل، يؤخذ الواحد ويُترَك الآخر. اثنتان تطحنان على الرحى، تُؤخذ الواحدة وُتترَك الأخرى. إسهروا لأنكم لا تعلمون فى أية ساعة يأتى ربكم" (متى 24:39-42) أما الآخرون فسُيجَمعون معًا للدينونة كما أوضح الرب في مثل الحنطة والزوان: "دعوهما ينميان كلاهما معاً إلى الحصاد، وفى وقت الحصاد أقول للحصادين إجمعوا أولاً الزوان واحزموه حزماً ليُحَرق، وأما الحنطة فاجمعوها إلى مخزنى" (متى 13: 30) لكن تعليمًا خاطئًا ظهر في أوساط المسيحيين الغربيين ابتداء من القرن التاسع عشر مُفَاده أن المسيح سوف يأتي سرًا قبل مجيئه الثاني ليَجمع كل المسيحيين من على الأرض قبل الضيقة العظيمة، حتى لا يظلوا على الأرض في أثناء الضيقة العظيمة التي ستأتي على العالم. بينما يَبقى على الأرض الأشرار والخطاة وغير المؤمنين حيث سيصطلون من نار هذه الضيقات. وقد اعتمد هذا التعليم الخاطئ على ما ورد في سفر الرؤيا من كلام المسيح ليوحنا الرائي: "لأنك حفظتَ كلمة صبري، أنا أيضًا سأحفظك من ساعة التجربة العتيدة أن تأتى على العالم كله لتجرب الساكنين على الأرض" (رؤيا 3: 10). وكأن كلمة "سأحفظك"، تعنى "سأرفعك بعيدًا عن التجربة" ولكن التعليم الكنسي الأرثوذكسي يَِرى بأن حِفظ الرب لتلاميذه ومؤمنيه "من ساعة التجربة" لا يكون بإخراجهم من العالم، بل بالأحرى "بحفظهم من الشرير"، كما قال في صلاته الشفاعية الأخيرة للآب: "لستُ أسأل أن تأخذهم من العالم بل أن تحفظهم من الشرير" (يوحنا 17: 15). وما يؤكد أن الاختطاف لن يكون قبل "الضيقة العظيمة" بل بعدها، هو قول الرب "من يصبر إلى المنتهى فهذا يَخلُص". وأن الرب في رحمته على المختارين في أتون "الضيقة العظيمة" ومن أجلهم، سُيقَصّر طول تلك الأيام : "لأنه يكون حينئذ ضيق عظيم لم يكن مثله منذ إبتداء العالم إلى الآن ولن يكون. ولو لم تُقَصَّر تلك الأيام لم يَخلُص جسد. ولكن لأجل المختارين تُقَصّر تلك الأيام" (متى 24: 21 - 22). وأخيرًا، فإن مجيء المسيح الثاني سيكون بغتةً وفجأةً لكل البشر ولكل الأرض في وقت واحد: "كما أن البرق يخرج من المشارق ويظهر إلى المغارب، هكذا يكون أيضًا مجيء ابن الإنسان" (متى 24: 27). وليس كما يقول المفسرون الغربيون أن المسيح سَيَظهر في مجيئه الثاني في أورشليم، ولكنه سيأتي لكل الأمم والشعوب. وهو لن يأتي ليستقر في مكان واحد على الأرض في مُلك أرضى، بل كما قال له المجد "ليجمع مختاريه". هل يَنتظِر المسيح حتى يؤمن كل اليهود، ثم يأتي؟ يدَّعى البعض أن هذا سيحدث. ويعتمدون على قول بولس الرسول: "واشعياء يصرخ من جهة إسرائيل ‘وإن كان عدد إسرائيل كرمل البحر، فالبقية ستَخلُص’" (رومية 9: 27). "البقية" هنا لا تعني "الكل". فلا يحتاج المسيح ليعود في مجيئه الثاني أن ينتظر إيمان كل بنى إسرائيل، بل إيمان "البقية الأمينة" فقط. وسيكون ذلك بسبب شهادة أخنوخ وإيليا الذين سوف يُبشّرا­­ن بالمسيح في أورشليم المدينة المقدسة لمدة ثلاث سنوات ونصف. ويؤكد سفر الرؤيا على أن المؤمنين من اليهود قبل المجيء الثاني للمسيح هم "بقية حسب اختيار النعمة" (رؤيا 4:11-5)، وليس كل اليهود، لذا يُحّدد عددهم رمزياً: "وسمعت عدد المختومين مائة وأربعة وأربعين ألفًا مختومين من كل سبط من بنى إسرائيل" (رؤيا 7: 4). أي ليس الكل. (يُتبَع) والسُبح لله --- ### (٢) النصف الثاني من الأسبوع الأخير - Published: ۲۰۲۱-۰۹-۱۹ - Modified: 2023-10-13 - URL: https://tabcm.net/2750/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: إكليروس, إيليا النبي, الإمبراطورية الرومانية, الشيطان, العصور الوسطى, المجيء الثاني, قديس إيرينيئوس، أسقف ليون, قديس بولس الرسول, نيرون, هرمجدون, هنري الثامن الشخصيات في النصف الثاني من الأسبوع الأخير: الضد للمسيح: وُسمّى إبن الهلاك والوحش. النبي الكذاب. التنين: وهو الشيطان. أخنوخ وإيليا النبيان. رئيس الملائكة ميخائيل وملائكته. الأحداث خلال النصف الثاني من الأسبوع الـ70: الضيقة العظيمة معركة هرمجدون غلبة المسيح على الشيطان المجيء الثاني للمسيح الدينونة الأرض الجديدة والسماء الجديدة خضوع الخليقة الجديدة كلها تمامًا للآب واستعلان ملكوت الله.   الضد للمسيح (الوحش الأول/ ابن الهلاك/ الأثيم/ إنسان الخطية): "وحينئذ يُستَعلن الأثيم الذي الرب يبيده بنفخة فمه ويبطله بظهور مجيئه. الذي (الأثيم) مجيئه بعمل الشيطان بكل قوة وبآيات وعجائب كاذبة ، وبكل خديعة الإثم فى الهالكين. لأنهم لم يقبلوا محبة الحق حتى يَخلصوا. ولأجل هذا سيرسل لهم الله عمل الضلال حتى يصدقوا الكذب، لكى يُدان جميع الذين لم يصدقوا الحق بل سُرّوا بالإثم" (2 تسالونيكي 2: 8 - 12)   النبي الكذاب (الوحش الثاني): "ثم رأيت وحشًا آخر طالعًا من الأرض، وكان له قرنان شبه خروف، وكان يتكلم كتنينويعمل بكل سلطان الوحش الأولأمامه، ويجعل الأرض والساكنين فيها يسجدون للوحش الأول الذي ُشِفَى جرحه المميت، ويصنع آيات عظيمة حتى انه يجعل نارًا تنزل من السماء على الأرض قدام الناس و يُضِل الساكنين على الأرض بالآيات التي أُعطى أن يصنعها أمام الوحش، قائلًا للساكنين على الأرض أن يصنعوا صورة للوحش الأول الذي كان به جُرح السيف وعاش. وأُعطِىأن يَعطى روحاً لصورة الوحشحتى تتكلم صورة الوحش، ويَجعل جميع الذين لا يسجدون لصورة الوحشيُقتَلون" (رؤيا 13: 11 - 15) لقد قامت تفاسير كثيرة على مدى التاريخ لتحديد من هو، أو ماهو الوحش الضد للمسيح. وحاول الكثيرون تركيب اسمه من الرقم الذي ذكره يوحنا الرائي "هنا الحكمة. من له فَهْم فليحسب عدد الوحش فإنه عدد إنسان. وعدده ستمائة وستة وستون" (رؤيا 13: 18). ونذكر من هذه التفاسير الآتي: في القرن الأول: أعتُِبر الوحش هو "نيرون" الذي اضطهد المسيحية. والبعض اعتبره الإمبراطورية الرومانية نفسها. في العصور الوسطى: عندما انتشر فساد الإكليروس وسيادتهم على الحياة الزمنية، ألصق البعض شخصية الوحش بالبابا الروماني. الملك هنري الثامن، نابليون، هتلر، السوق الأوربية المشتركة، مجلس الكنائس العالمي، "عملة اليورو". وعند اقتراب نهاية الألف الأولى للميلاد، اعتمد البعض على تفسير قديم للقديس إيرينيئوس أسقف ليون (القرن الثاني الميلادي) بأن الضد للمسيح سيكون يهوديًا من سبط دان. وبعض المفسرين قالوا إن الضد للمسيح لن يأتي من خارج المسيحية، لأن ضلاله سيكون أعظم تأثيرًا إن كان من داخل المسيحية، أي حينما يأتي رئيس ديني يجمع ما بين السلطان الروحي والسلطان الزمني على نفوس الناس وضمائرهم، ويجمع الناس حوله ليعظموا اسمه دون أسم المسيح. ولا شك أنه سيضطهد الرجال الروحيين الذين يقاومون تعظيم اسمه دون اسم المسيح. وهذا التفسير معقول، لأن القديس بولس تنبأ بمجيء "إنسان الخطية ابن الهلاك المقاوم والمرتفع على كل ما يُدْعَى إلهًا أو معبودًا حتى أنه يجلس في هيكل الله مظهرًا نفسه أنه إله" (تسالونيكي الثانية 2: 3 -4). ولأن الضد للمسيح سوف يجلس في أقدس مكان في هيكل الله، أي الكنيسة، أي في موضع الرئاسة والسلطة فيها، فإنه سيمكنه التأثير على جمهور المؤمنين ليعبدوه بدلًا من المسيح. وهذا يؤكده قول المسيح إنه "سيُضِل لو أمكن المختارين أيضًا" (متى 24: 24). فلو كان هذا الضد للمسيح يهوديًا وسيجلس في هيكل اليهود المندثر (إذا تَّم بنائه) كما يدعى المفسرون الغربيون، فَمَن من المختارين أو المسيحيين عمومًا سينخدع به ويُضّلَل منه؟! ! لكن الضد للمسيح سيكون من داخل الكنيسة وجالسًا في أرفع مركز فيها. وهنا يكمن كل الخداع والضلال. إن نعمة الله لم تشأ أن تسجل اسم هذه الشخصية المدمِرة على صفحات الكتاب المقدس، حتى تكون الكنيسة والمؤمنين فيها مستعدين دائمًا وفى كل زمن وعصر لمواجهة الضلال والخداع والمروجين له، من أضداد المسيح حتى لو كانوا من "داخل هيكل الله". فالقديس يوحنا نفسه يعترف بأن "الضد للمسيح" ليس هو واحدًا بل أضداد كثيرون:  "وكما سمعتم أن ضد المسيح يأتي، قد صار الآن أضداد للمسيح كثيرون" (1 يوحنا 2: 18) فلم يَخلُ تاريخ الكنيسة من مِثل هؤلاء الأضداد الذين وإن كان الله يتركهم عن سماح وبالتدبير، فإنه يسمح بتركهم لكى تَظل الكنيسة والمؤمنون ساهرين مستعدين في كل زمن وجيل لمجابهة الضلال والخداع ومقاومة أضداد المسيح، حتى إذا جاء "الضد للمسيح" ونبيه الكذاب في الأيام الأخيرة، لا يكون في الكنيسة نوم أو تهاون أو جهالة أو استهانة، بل شجاعة ومجابهة وشهادة، وقدرة على التمييز بين الخير والشر (المُغَلَّف بالخير)، والتفريق بين الإيمان الصحيح والإيمان الباطل المزيف (المُغَّلَف بالظواهر والمظاهر الخارقة البَرَّاقة). ­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­­الضيقة العظيمة: - وهى النصف الثاني من الأسبوع الأخير، أي الثلاث السنين والنصف رمزيًا. وهى غير مُحَدَّدة الزمن. وفيها يظهر الضد للمسيح ونبيه الكذاب ويشتد اضطهاد الضد للمسيح لمسيحيو الأيام الأخيرة، الذين يرفضون حمل سماته وعلاماته بل سيظلون أمناء للمسيح ووصاياه. ودانيال النبي سماها "ضيق الأزمنة"، و"ما لم يكن" (دانيال 9: 25-12: 1). - والسيد المسيح دعى هذه الفترة "ضيق تلك الأيام" (متى 24: 9. مرقس 13: 19 . لو 21: 23). ويسميها سفر الرؤيا "الضيقة العظيمة" (رؤيا 7: 14). - ومضمون هذه الضيقة أن الضد للمسيح سيحاول أن ُيثْبت للناس أنه من الممكن الوجود والحياة دون المسيح، وسيحاول إدخال الوهم في عقول الناس أن المسيح هو عدو الوجود والحياة، وبالتالي يُشككهم في القِيم والُمثُل المسيحية. كل ذلك تمهيدًا ليسوقهم هذا الضد للمسيح إلى "عبادته كإله". - وهو سيؤيد ادعاءاته بقوى متنوعة جبارة: بالعنف تارة وبالإغراء المادي تارةً أخرى. بالإقناع العقلي مرة وبالآيات من السماء والأرض والأعمال الباهرة مرة أخرى. وسيأمر بوشم كل من يسجد للوحش بْسِمَة الوحش. بينما سيضطهد كل من ليس عليه سِمَة أو اسم الوحش: "ويجعل الجميع الصغار والكبار والأغنياء والفقراء والأحرار والعبيد تُصْنَع لهم سِمَة على يدهم اليمنى، أو على جبهتهم، وأن لا يقدر احد أن يشترى أو يبيع إلا من له السِمَة أو أسم الوحش" (رؤيا 13: 16، 17) - لذلك فعلى الرعاة والمعلمين الروحيين أن لا يكُفُّوا عن دعوة المؤمنين إلى تثبيت إيمانهم وإعلان محبتهم لله وللمسيح. وتركيز هذا الإيمان وهذه المحبة في شخص المسيح، أكثر من أي إنسان آخر أو موضوع آخر. فليكن اسم الله واسم يسوع هو موضوع لَهَّج وتسبيح المؤمنين الدائم، وهو ينبوع معونتهم في وسط الضيق. لأنه سيكون الحافظ لهم من ضلال وضيق الأزمنة الأخيرة، حيث تَظهر الشخصيات العظيمة والأعمال الباهرة ولكن مُضلّة. رفْض المسيح أن يتملك على الناس بالمعجزات التي قد يُستَعْبَد لها الناس: يريد السيد المسيح أن يُقْبل الناس إليه كاستجابة داخلية لعمل الروح القدس الخفِّى في قلوبهم وبمحض إرادتهم. فإيمانهم به بعيدًا عن أي تأثير أو إبهار بعمل معجزي غير عادى، هو المعجزة الحقيقية. إذ هو انتقال من الموت إلى الحياة. وهو عمل الله وليس من قدرة المُبَشِّر، الذي هو خادم ووسيلة ليس إلا. فنجد السيد المسيح له المجد يرفض تحويل الحجارة إلى خبز ليؤمن الناس به في التجربة على الجبل (متى 4: 6 -7)، ولم يُرِد أن يصنع ولا معجزة واحدة أمام إخوته وبنى بلده لكى يؤمنوا به حسب طلبهم (متى 13: 58، مرقس 6: 5). ولم يستعرض قوته أمام هيرودس (لوقا 23: 8 -12). ولم يستجب لنداءات الناس وهو على الصليب "إن كنتَ ابن الله فانزل عن الصليب". (متى 27: 40). فليس كل عمل يبدو خارقًا للطبيعة يُعتَبر من وجهة نظر اللاهوت الأرثوذكسي آية أو معجزة إلهية. لذلك يحذر المسيح المؤمنين في كل زمان وعصر – وليس فقط مسيحِّي الأزمنة الأخيرة، من خداع المعجزات والآيات الباهرة التي ليست من الله فعلًا، والتي يسميها بولس الرسول "آيات وعجائب كاذبة". فيقول السيد له المجد: "لأنه سيقوم مُسَحَاء كذبة وأنبياء كذبة ويُعطون آيات عظيمة وعجائب حتى ‘يِضِلوا لو أمكن المختارين أيضًا" (مرقس 13: 22، متى 24: 24). كنيسة آخر الأيام: الكنيسة السابعة: كنيسة لاودكية: يقول كثير من المفسرين إن حال الكنائس السبعة في آسيا المذكورة في سفر الرؤيا (الإصحاحات من 2-3) والتي كانت هي الكنائس في العصر الرسولي الذي ُكِتبَ فيه سفر الرؤيا، يرمز إلى حالة الكنيسة المسيحية على مدى السنين حتى آخر الزمان. وكنيسة لاودكية السابعة في الترتيب ُتمَثِّل كنيسة زمان الضد للمسيح (رؤيا 3: 15 - 19). - لم يسمع القديس يوحنا أية كلمة مجاملة أو ملاطفة طيبة لملاك هذه الكنيسة كما سمعها تجاه ملائكة الكنائس الست السابقة. ويظهر كيف ستَّدَعى الكنيسة في ذلك الزمان أنها بالغنى المادي الذي يسود فيها يمكن أن تكون غنية ومستغنية عن الالتزام بوصايا الإنجيل وأولها عدم الاعتماد على غنى العالم وغروره. ولذلك هي كنيسة "فاترة" أي لها مظهر التقوى ولكن الباطن لا يحمل أي قوة للتقوى. - لكن المسيح إلهنا في رحمته يعطى وعداً لكنيسة لاودكية (لم ُتطعه كنيسة لاودكية الأولى) وهو موجه لكنيسة آخر الزمان لعلها تسمعه، بأنها إذا تابت وعادت إلى المسيح ستنال منه الغِنى الحقيقي: َذْهب القداسة، ثياب الطهارة، ُكحل البصيرة الروحية، وِعَوض أن يتقيأها من فمه، يَدخل حياتها ويُشبعها "وأتعشى معه وهو معى" (رؤيا 3: 20). الشاهدان الإثنيان : أخنوخ وإيليا: - هذان الشاهدان مُعتَبران في تعاليم كنيستنا الأرثوذكسية أنهما "إيليا وأخنوخ" وهما من أنبياء العهد القديم الأتقياء، وكلاهما لم يذوقا الموت بل اختُطِفا إلى السماء ولم يوجدا على الأرض. فقد تأجل موتهما إلى أن يُتَمما خدمتيهما في الأزمنة الأخيرة. - ويسميهما زكريا النبي فرعا الزيتون: "فأجبتُ وقلتُ له: ما هاتان الزيتونتان عن يمين المنارة وعن يسارها؟ وأجبتُ ثانية وقلتُ له: ما فرعا الزيتون... ؟ فأجابنى قائلاً: أمَا تَعلم ما هاتان؟... هما... الواقفان عند سيد الأرض كلها" (زكريا 4: 12، 14) - وسوف يأخذان السلطان من المسيح نفسه ليتنبئا لمدة 3 سنوات ونصف السنة وليُشَّهِرا الضد للمسيح فى الأسبوع الأخير: "وسأُعطى لشاهديَّفيتنبئان ألفًا ومائتين وستين يومًا، لابسين مسوحًا. هذان هما الزيتونتان والمنارتان القائمتان أمام رب الأرض. هذان لهما السلطان أن يُغلقا السماء حتى لا تمطر مطرًا في أيام نبوئتهما، ولهما سلطان على المياه أن يحولاها إلى دم، وأن يضربا الأرض بكل ضربة كلما أرادا" (رؤيا 11: 3- 6) - وقد أشار يهوذا الرسول في رسالته، إلى أن أخنوخ كان أول من تنبأ عن مجيء المسيح "تنبأ أخنوخ السابع من آدم قائلًا: هوذا قد جاء الرب في ربوات قديسيه ليصنع دينونة على الجميع". (يهوذا 14، 15). قتل الشاهدين: "ومتى تمَّمَا شهادتيهما، فالوحش الصاعد من الهاوية سيصنع معهما حربا ويغلبهما، وتكون جثتاهما على شارع المدينة العظيمةالتي تُدعَى روحيًا سدومومصر. وينظر أناس من الشعوب والقبائل والألسنة والأمم جثتيهما ثلاثة أيام ونصفًا، ولا يَدَعُون جثتيهما توضعان في قبور. ويشمت بهما الساكنون على الأرض ويتهللون ويرسلون هدايا بعضهم لبعض، لأن هذين النبيين كانا قد عذَّبا الساكنين على الأرض. ثم بعد الثلاثة الأيام والنصف دخل فيهما روح حياة من الله فوقفا على أرجلهما، ووقع خوف عظيم على الذين كانوا ينظرونهما. وسمعوا صوتًا عظيمًا من السماء قائلًا لهما: اصعدا إلى ههنا، فصعدا إلى السماء في السحابة ونظرهما أعداؤهما" (رؤيا 11: 7 -13) "وأُعطِىَأن يصنع حرباً مع القديسين ويغلبهم، وأُعِطَى سلطاناً على كل قبيلة ولسان وأمة، فسيسجد له جميع الساكنين على الأرض، والذين ليست أسماؤهم مكتوبة منذ تأسيس العالم فى سفر حياة الخروف الذى ُذبح" (رؤيا 13: 7، 8) (يُتبَع) والسُبح لله --- ### خدعوك فقالوا: عن الطلاق في المسيحية - Published: ۲۰۲۱-۰۹-۱۳ - Modified: 2023-10-13 - URL: https://tabcm.net/2741/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, المرأة القبطية, شئون علمانية - وسوم: ابن العسال, الزواج الثاني, الطلاق في المسيحية, القانون المدني, الكنائس الأرثوذكسية, الكنيسة الكاثوليكية, المجموع الصفوي, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس الخامس, بابا كيرلس السادس, تطليق, سر الزيجة, شريعة الزوجة الواحدة, لائحة ١٩٣٨, مجمع فلورنسا كيف توافق الكنيسة على الطلاق في حالة الخروج من الإيمان المسيحي لكنها لا تسمح به حين يكون المرء مسيحيًا بالاسم أو شرير؟ مع إن الكتاب يقول إن عدم الاعتناء بالأسرة أشر من إنكار الإيمان! "لا طلاق إلا لعلة الزنا" تبدو العبارة حقيقة قاطعة لا يعتريها شك أو لبس، كما يؤمن الغالبية العظمى من الأقباط اليوم. لكن كما أشار البابا تواضروس الثاني في إحدى مقابلاته الصحفية: هذه العبارة ليست آية في الإنجيل بل مجرد مقولة للبابا شنودة الثالث. فهل حرم المسيح الطلاق حقًا؟ وهل فهم جميع بطاركة الكنيسة السابقين للبابا شنودة ذلك؟ ما بين الطلاق والتطليق تحدث المسيح عن الطلاق في إنجيل متى، الإصحاح ال19، في حوار له مع الفريسين، وبدأ الأمر حين سأله الفريسيون هذا السؤال: "هَلْ يَحِلُّ لِلرَجُلِ أَنْ يُطَلِقَ امْرَأَتَهُ لِكُلِّ سَبَب" (متى 3:19) ليجيب المسيح: "إِنَّ مَنْ طَلّقَ امْرَأَتَهُ إِلاّ بِسَبَب الزّنَا وَتَزَوّجَ بِأُخْرَى يَزْنِي، وَالّذِي يَتَزَوّجُ بِمُطَلّقَةٍ يَزْنِي" (متى 19: 9) السؤال المطروح في الأصل كان عن رأي المسيح في أن يطلق الرجل زوجته بالإرادة المنفردة، لأي سبب يراه هو مناسبًا، وهو ما يسمى "بالطلاق". فالمسيح كان يحمي المرأة من تسريح الزوج لها بإرادته المنفردة، لذلك، أمر الزوج ألا يطلق زوجته ويلقي بها خارجًا، فالكلام ليس عن انفصال الزوج والزوجة لاستحالة العشرة بينهما بقرار من طرف ثالث محايد، وهو ما يسمى "بالتطليق" - مصطلح آخر مختلف تمامًا. حرم المسيح تشريد الزوجة، وقديمًا، كما نعلم، كان الحل الوحيد للزوجة المشردة هو الزنا لتكسب رزقها؛ فكما نقرأ في التاريخ، يعتبر الزنا واحدًا من أقدم المهن لكسب المال لمن شُردت لأن زوجها لم يعجبه طعامها، أو وجد من تفوقها في الجمال، إلى أخره. لذلك، من يطلق زوجته يحتم عليها الزنا، ويكون مسئولًا أمام الله عن تشريدها دون سبب، ووقوعها في الخطيئة. أما المتزوج من امرأة تزني بالفعل، لن يخطئ في إخراجها من حياته، فهي أصبحت زانية فعلًا، وطردها لن يضيف لها شيئًا جديدًا. ولا عيب في أن يسترد كرامته كرجل. أما التطليق، أي إنهاء العلاقة بين طرفين بواسطة طرف ثالث ، هو أمر لم يرفضه المسيح بتاتًا، ولم يتعرض له النص الذي كان إجابة على سؤال الفريسيين، وظل التطليق موجودًا طوال تاريخ الكنيسة في مصر (قديمًا)، والكنائس الأرثوذكسية في العالم. هل تغير الله؟ أعطى موسى حق الطلاق بسبب قساوة القلب، وسمح الله بهذا، فهل تغير الله ليعود ويغير مبادئه؟ هل حين سمح الله لموسى بإعطاء تلك الشريعة كان متسامح مع الزنا، ويشجع عليه؟ (حاشا) فكما نعلم، الله في العهد القديم كان لا يقبل الزنا على الإطلاق، وموسى أيضًا كحاكم للشعب كان يبغض الزنا ويعاقب الزناة بالرجم. فلو كان الطلاق زنا، كيف سمح الله به؟ وعلى هذا فاعتبار التطليق "زنى" يحمل إهانة لله ولموسى نبيه. "إن موسى، من أجل قساوة قلوبكم، أَذِنَ لكم أن تطلّقوا نساءَكم" (متى 19: 7) "إذا أخذ رجل امرأة وتزوج بها، فإن لم تجد نعمة في عينيه لأنه وجد فيها عيب شيء، وكتب لها كتاب طلاق ودفعه إلى يدها وأطلقها من بيته، ومتى خرجت من بيته، ذهبت وصارت لرجل آخر" (التثنية 24: 1) هل سفر التثنية يبيح الزنا؟ بالطبع لا يمكننا أن نقول ذلك! فكيف يأمر الله بعدم الزنا في الوصايا العشرة ثم يصرح بالطلاق، وهو يعلم أنه زنا؟! تاريخ الكنيسة أتذكر ذلك الحديث الغبي الذي سمعته من تلك الفتاة التي تؤمن أن كل من يفشل في اختيار الشخص المناسب، يستحق ما يناله من معاناة في زواج تعيس أبدي كعقوبة على غبائه، وقالت مستطردة إن الأمراض النفسية كلها تظهر بوضوح في فترة الخطوبة، والله يعطي علامات، لكن من يقعن في الفخ هن الجاهلات أو غير المؤمنات، لا الذكيات مثلها، وعلى هذا: لا طلاق إلا لعلة الزنا. (كان هذا على سبيل الجد، لا المزاح). بغض النظر عن سذاجة الطرح، وقسوة القلب التي نبعت منها هذه الكلمات، هذه هي الطريقة التي يُمنطق بها الأقباط الأمر اليوم. فهم يجوبون الأرض بحثًا عما يبرر هذه المقولة، ظنا منهم أن المسيح هو قائلها، مع أنهم لو كلفوا أنفسهم العناء نفسه في قراءة التاريخ الكنسي لوجدوا أن هذه المقولة ليس لها وجود. في البداية، يجب أن نعرف أن كل كنيسة كانت تطبق القانون المدني الخاص بدولتها، وهذه القوانين جمعها ابن العسال في كتابه المجموع الصفوي، وتاريخيًا، لم يظهر الزواج كسر مقدّس حتى القرن الخامس عشر، وكان المسيحيون يتزوجون مدنيًا إلى أن تم إدخال سر الزيجة في مجمع فيرار 1438-1439 وحتى الكنيسة الكاثوليكية لم تعتبر الزواج سرًا حتى القرن ال12. لكن، آفة الشعب أنه لا يقرأ، ولا يسأل من أين أتى هذا وذاك!   لائحة 1938: اللائحة الأشهر على الإطلاق صدرت هذه اللائحة في فبراير عام 1874 في عهد البابا كيرلس الخامس، وظلت سارية، ثم تحولت إلى قانون عام 1938. وتنص اللائحة على السماح للزوجين بالتطليق للأسباب الآتية: الزنا الخروج عن الإيمان المسيحي الهجر لمدة تزيد عن 5 سنوات متصلة الحكم القضائي بالسجن على الزوج أو الزوجة الجنون الضعف الجنسي الإيذاء البدني، وتهديد الحياة الفساد الأخلاقي إذا أخل أحدها بواجباته نحو الآخر إذا قرر أحد الزوجين الرهبنة بموافقة الآخر ويُقال إن البابا كيرلس السادس أطلق على هذه اللائحة "شريعة الرحمة" لأنها حلت جميع الأزمات، واحترمت عهد الزواج، وسلامة الأسرة، وإنسانية الإنسان. لكن، كان الراهب أنطونيوس السرياني من أشد معارضي هذه اللائحة، لذلك بدأ في شن الحروب بداية من عام 1958 حين أصدر بحثًا يرفض فيه اللائحة، ويطالب بالتطليق فقط لعلة الزنا، لكن لم يستجب البابا كيرلس لذلك، وظلت اللائحة سارية في الكنيسة والمحاكم الوطنية إلى أن تنيح البابا كيرلس. وحانت الفرصة للراهب أنطونيوس حين وصل للكرسي عام 1971، وصار بطريركا للكرازة المرقسية، وفي رابع، يوم من توليه البطريركية، أعلن رفضه للائحة، وأصدر مرسومًا بعدم تنفيذها، والسرعة هنا تعكس اهتمامه الشديد بالأمر. وتحول بحثه الصادر عام 1958 إلى كتابه الشهير: شريعة الزوجة الواحدة. ما جمعه الله، لا يفرقه إنسان من هو الله؟ أليس الله محبة، وجوهره محبة؟ فإذا غابت المحبة في العلاقة غاب الله. وبعيدًا عن ذلك، كيف يؤمن إنسان سوي أن الله كلي الحكمة يجمع شخصين لا يطيقون العشرة معًا ويجبرهم على ذلك؟ فالله لن يجمع بين اثنين استحالت الحياة بينهما إلا لو كان سادي، ويريد تعذيبهم من خلال الmismatching. من جمعهم الله (الحب)، لا يفرقهم إنسان. لأن "الْمَحَبَّةَ قَوِيَّةٌ كَالْمَوْت. " هكذا يفسر الأسوياء الشريعة الإلهية، لكن من يظن أنه بمجرد وقوف اثنين أمام المذبح، ينزل الله عليهم رباطًا أزليًا حتى وإن كرهوا بعضهما البعض، يهين الله، ولا يعرفه! ولماذا لا نقيم طقسًا كنسيًا، وبذلك يكون التفريق من الله؟ فالأمر ليس صعبا، يذهب الزوجان إلى الكنيسة ويصلي الكاهن، وسوف "تقطع كل الرباطات، تبطل كل المحاربات، آمين! " هل لا يعرف الله أن الإنسان نفس وروح وليس فقط جسد يمارس الجنس؟ هل يتغاضى الله عن الانفصال النفسي، والوجداني بين الزوجين، لكنه يفك رباطهما فقط إن زنوا؟ هل لا يعرف الله أن الإنسان يتطور مع الوقت؟ هل العلاقة الزوجية هي جنس فقط؟ هل نحن حيوانات؟ ثم، كيف توافق الكنيسة على الطلاق في حالة الخروج من الإيمان المسيحي لكنها لا تسمح به حين يكون المرء مسيحيًا بالاسم أو شرير؟ مع إن الكتاب يقول إن عدم الاعتناء بالأسرة أشر من إنكار الإيمان! "وَإِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يَعْتَنِي بِخَاصّتِهِ، وَلاَ سِيّمَا أَهْلُ بَيْتِهِ، فَقَدْ أَنْكَرَ الإِيمَانَ، وَهُوَ شَرّ مِنْ غَيْرِ الْمُؤْمِنِ" (1 تيموثاوس 5: 8) حتى في الطب، يوجد شيء يسمى بالعلاج بالبتر، وهو يطبق على الرغم من أن جسد الإنسان خليقة الله (جمعه الله). وهل من يرغموا على العيش معا ليسوا بمتفرقين؟ سيقتص الله أشد اقتصاص ممن دمروا أسر بأكملها، وممن تسببوا في وقوع جرائم قتل، وعنف، وخروج من الإيمان، ونتذكر هنا قصة تلك السيدة البالغة من العمر 40 عامًا، والتي قتلت عام 2019 بأستراليا على يد زوجها، وكانت الكنيسة قد قالت لها أن تحمل صليبها وتتألم في صمت. ونتذكر الفتيات اللائي قررن عدم الزواج خوفًا من الوقوع في براثن معاناة أبدية، مضحين بأحلامهن في تكوين أسر وفي الأمومة. فإذا تزوجن مدنيًا، سيلقبن بالزانيات، ولا سبيل للخروج من زواج كنسي فاشل. سيقتص الله من واضعي قوانين العثرة التي لا تحترم حتى حق الإنسان في الخطأ. "وَمَنْ أَعْثَرَ أَحَدَ هؤُلاَءِ الصّغَارِ الْمُؤْمِنِينَ بِي فَخَيْرٌ لَهُ أَنْ يُعَلّقَ فِي عُنُقِهِ حَجَرُ الرّحَى وَيُغْرَقَ فِي لُجّةِ الْبَحْرِ" (متى 18: 6) من أقامني عليكم قاضيًا؟ رفض المسيح، رغم كونه القاضي العادل، العالم بجميع الحقوق، أن يحكم في خلاف أسري بين أخ وأخيه، وقال: "يَا إِنْسَانُ، مَنْ أَقَامَنِي عَلَيْكُمَا قَاضِيًا أَوْ مُقَسّمًا؟" (لوقا 12: 14) أراد المسيح لنا أن نكون مسؤولين، وناضجين، ونفكر بأنفسنا، لذلك رغم كلية معرفته، رفض أن يحكم في المشاكل الشخصية! لكن، رغبة الإنسان المحمومة بأن يحكم، ويجلس على كراسي القضاة، ويأمر وينهي، جعلته ينسى ما قاله سيده! فمن فشلوا في دخول كليات الشرطة، والالتحاق بالنظام القضائي، يمكنهم الآن تحقيق الحلم من خلال المنظومة الدينية! أكتب هذا وكلي أسف! !   اقرأ أيضا:   --- ### (١) نهاية العالم والمجيء الثاني - Published: ۲۰۲۱-۰۹-۱۲ - Modified: 2023-10-13 - URL: https://tabcm.net/2744/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: إيليا النبي, ارتحشتا, الدوسيتية, الشيطان, المجيء الثاني, بلطشاسر, مار أڤرام السرياني, ملك كورش الكبير, ملك نبوخذ نصر الثاني, نبي إرميا, هرمجدون, يونان النبي "اسأل وتعّقب علامات مجيئه، فإن الديان لن يتأخر، لا تكُفّ عن السؤال، حتى ولو لم تعرف الموعد بدقة. ولكن اهرب بسرعة من الذين يدَّعون أنهم يعرفون هذا الموعد بدقة" (مار  إفرام السرياني) الكنيسة الأرثوذكسية كنيسة "مجيئية أُخروية"، أي تَضع نصب أعين أبنائها دائمًا انتظار المجيء الثاني للمسيح (المُسَمى فى صلواتها بـ "الباروسيا Paroussia"). إن المجيء الثاني للمسيح أعلنه صراحةً الملاكان لتلاميذ المسيح بينما كان معلمهم صاعدًا من الأرض إلى السماء، قائلين لهم: "ما بالكم واقفين تنظرون إلى السماء، إن يسوع هذا الذى ارتفع عنكم إلى السماء سيأتى هكذا كما رأيتموه منطلقًا إلى السماء" (أعمال الرسل 1: 11). لقد جرت على مدى الألفي عام الماضية محاولات عدة لتحديد موعد مجيء السيد المسيح وكلها باءت بالفشل، بل وكانت تخدم تشكُك الذين يسألون في كل زمان "أين هو موعد مجيئه. لأن من حين رقد الآباء كل شئ باق هكذا من بدء الخليقة" (بطرس الثانية 4:3). إن مراجع فَهْمِنا وتعاملنا مع الأزمنة الأخيرة تنبع من تقليد الكنيسة المقدسة الجامعة الرسولية، وأولها هو السيد المسيح نفسه، والذي قطع في الأمر "وأما ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد ولا ملائكة السموات إلا أبي وحده" (متى 24: 36). ويضيف إنجيل مرقس "ولا الابن إلا الآب" (مرقس 13: 32). . وكذلك آباء الكنيسة لم يحدث أن حددوا مواعيد لمجيء المسيح. فالقديس مار إفرام السرياني (القرن الرابع) يشير على المسيحي قائلًا: "اسأل وتعّقب علامات مجيئه، فإن الديان لن يتأخر، لا تكُفّ عن السؤال، حتى ولو لم تعرف الموعد بدقة. ولكن اهرب بسرعة من الذين يدَّعون أنهم يعرفون هذا الموعد بدقة" (مار  إفرام السرياني) ومن جهة أخرى قد ُيفضِّل البعض من المسيحيين أن يتفادوا الحديث أو الاهتمام بموضوع الأزمنة الأخيرة بسبب ما يحيطه من أفكار وآراء مختلفة، مدعين أن هذا الموضوع أصعب من أن يفهموه، وبالتالي فهو غير نافع لخلاصهم. ولكن شكراً لله أن سبق وأنبأنا عن بعض العلامات التي تنبه أولاده المتغربين في العالم ليَرَوا الله في كل حين من خلال عمله في التاريخ الإنساني. فإن الله القدوس يَحْكم التاريخ ويضبط أحداثه ويجعلها تصُّب في النهاية لخدمة تدبيره لخلاص العالم مهما كانت حرية إرادة الإنسان أو أنحيازها لعمل الشيطان. ولذا نجد السيد المسيح يلقى باللوم على الذين لا يفهمون علامات الأزمنة "يا مراءون تعرفون أن تميزوا وجه السماء، وأما علامات الأزمنة فلا تستطيعون" (متى 16: 3). وهنا يشير المسيح إلى زمان مجيئه الأول لأنه أتبع قوله هذا بحديثه عن آية يونان النبي في بطن الحوت والتي ترمز إلى موت المسيح ودفنه وقيامته بعد ثلاثة أيام وثلاثة ليالي. وأيضًا بالنسبة لزمان مجيئه الثاني نجد الرب يسوع يسمح ببعض العلامات التي ستحدث في الأزمنة الأخيرة للإنذار والتبيُّن "هكذا أنتم أيضًا متى رأيتم هذا كله فاعلموا أنه قَرُبَ على الأبواب، الحق أقول لكم لا يمضى هذا الجيل حتى يكون هذا كله" (متى 24: 33- 34). ويقول مفسرو علامات الأزمنة إن "هذا الجيل" هو "كل جيل". أي أن هذه العلامات تحدث في التاريخ من وقت لآخر لتُذّكرنا أن هذا الصراع بين الضد للمسيح وبين كنيسة المسيح يقترب إلينا يومًا فيومًا "لئلا تَثقل قلوبكم في خمار وسكر وهموم الحياة، فيصادفكم ذلك اليوم بغتة" (لوقا 21: 34). السبي البابلي لليهود: في عام 606 قبل الميلاد، أي من أكثر من 2600 سنة، غزا نبوخذ نصّر، ملك بابل، مدينة أورشليم وهدم هيكل اليهود الذي بناه سليمان النبي (2 أخبار الأيام 36: 19). نبؤة إرميا النبي عن السبي البابلي: شهد أرميا النبي لهلاك أورشليم قبل خرابها بنبوته: "وتصير كل هذه الأرض خراباً ودَهْشاً، وتَخدُم هذه الشعوب ملك بابل سبعين سنة" (إرميا 5: 11) نبؤة دانيال النبي عن انتهاء السبي البابلي: كان دانيال النبي معاصرًا لإرميا النبي. وفى عودة نبوخذ نصّر إلى بابل أخذ معه كثيرين من الأسرى، وكان بينهم الشاب دانيال، بينما بقى إرميا النبي في أورشليم تحت الاحتلال البابلي. عاصر دانيال الملوك الغازين نبوخذ نصّر وبلطشاسر وداريوس وكورش. وقد فسر دانيال أحلام نبوخذ نصّر. كان دانيال على علم بنبوة إرميا عن خراب أورشليم، وعندما قاربت السبعون سنة على الانتهاء، صلى دانيال إلى الله ليعلن له ماذا سيكون حال شعبه. واستجابة لسؤاله أرسل الله له رئيس الملائكة جبرائيل قائلًا: "إنى خرجت الآن لأعلمك الفهم" (دانيال 9: 22)، "وجئت لأفهمك ما يصيب شعبك في الأيام الأخيرة" (دانيال 10: 14). وقال له في هذه النبوة: "سبعون أسبوعًا ُقضيت على شعبك وعلى مدينتك المقدسة، لتكميل المعصية، وتتميم الخطايا، ولكفارة الإثم، وليؤتى بالبر الأبدي، ولختم الرؤيا والنبوة ولمسح قدوس القدوسين". هنا تصف النبوة المجيء الأول للسيد المسيح. ثم امتدت النبوة لتصف تألمه ثم خراب أورشليم وهدم الهيكل النهائي: "فاعلم وافهم أنه من خروج الأمر لتجديد أورشليم وبنائها إلى المسيح الرئيس سبعة أسابيع واثنان وستون اسبوعاً، يعود وُيبنى سوق وخليج فى ضيق الأزمنة. وبعد اثنين وستين اسبوعاًُيقطَع المسيح وليس له، وشعب رئيس آتٍ يخرب المدينة والقدسوانتهاؤه بغمارة وإلى النهاية حرب وخَرَب ُقضَى بها" (دانيال 9 : 24 -26) - المعنى الرمزي للأسبوع في نبوة دانيال ليس 7 أيام بل 7 سنين. إذن، ابتداءً من الأمر بإعادة بناء أورشليم سيمضى "سبعة أسابيع ثم اثنين وستين أسبوعًا" أي 69 × 7 سنين = 483 سنة وبعد ذلك يقطَع المسيح ". - خروج الأمر لتجديد أورشليم وبناء هيكل اليهود الثاني تم في أيام نحميا، حينما أعطى الملك ارتحشتا الأمر بإعادة بناء أورشليم "في شهر نيسان فى السنة العشرين لأرتحشتا الملك" (نحميا 2: 1). وقد حدد كثير من العلماء الثقاة بمن فيهم المرصد الملكي في غرينتش بانجلترا هذا التاريخ بيوم 14 مارس عام 445 قبل الميلاد. أي بعد نبوة دانيال بأكثر من 15 سنة. مجيء المسيح الأوّل حسب نبوة دانيال: في عام 1895 م حسب السير روبرت أندرسون من سكوتلانديارد، هذه السنين الـ 483 محسوبة على أساس السنة اليهودية والتي تتكون من 360 يومًا، فوجد إنها تساوى 173880 يومًا والتي إذ عدّ هذه الأيام من 14 مارس سنة 445 ق. م (صدور الأمر ببناء أورشليم) أوصلته إلى يوم 6 أبريل سنة 32 بعد الميلاد، والموافق ليوم دخول يسوع إلى أورشليم راكبًا على جحش، حسب الدراسات التاريخية للتواريخ المذكورة في الأناجيل. ماذا سيتم بين الأسبوع 69 والأسبوع 70؟ إنها الحقبة الكبيرة التي عاشها العالم منذ صلب المسيح وتعيشها الكنيسة إلى الآن، وستعيشها الكنيسة إلى المجيء الثاني للرب. - النصف الأول من الأسبوع الأخير: يتم فيه هدم الهيكل اليهودي الثالث (هيكل هيرودس)، ووقف الذبيحة والتقدمة اليهودية القديمة: "وُيثّبت عهداً مع كثيرين فى أسبوع واحد. وفى وسط الأسبوع يُبطل الذبيحة والتقدمة . وعلى جناح الأرجاس ُمخّرب، حتى يتم، وُيصّب المقضّى على المُخّرِب" (دانيال 9: 27) فالرئيس الآتي، المذكور في الآية 26 من النبوة، هو الحاكم الروماني الذي تعاهد مع اليهود "ثبّت عهداً" على قتل ملكهم المسيا يوم جمعة الصلبوت، والذي تعاهدوا معه على المسيح بصراخهم "ليس لنا ملك إلا قيصر" (يوحنا 19: 15). وبعد ذلك بحوالي 35 سنة، وفى سنة 70 ميلادية، يَنْقُض عهده مع الأمة اليهودية. ويدنس الرومان بقيادة تيطس قدس الأقداس. فقد دخل بجنوده إلى قدس أقداس الهيكل حيث دنسوه بخيولهم قبل أن يخربوه. - وقد ذكّرهم السيد المسيح بهذه النبوات وأكدها "وفيما هو يقترب، نظر المدينةوبكى عليها. . وقال ‘إنه ستأتي أيام ويحيط بك أعداؤك بمترسة ويحدقون بك ويحاصرونك من كل جهة ويهدمونك وبنيك فيك، لا يتركون فيك حجرًا على حجر، لأنك لم تعرفي زمان افتقادك" (لوقا 19: 41 - 44). وأما عن تدنيس قدس أقداس الهيكل فقال الرب يسوع "فمتى نظرتم رجسة الخراب التي قال عنها دانيال النبي قائمة في المكان المقدس... ليفهم القارئ" (متى 24: 15). ولقد تحققت هذه النبوة بعد صعود السيد المسيح إلى السماء بحوالي 37 سنة. النصف الثاني من الأسبوع 70 الأخير: وهو أصعب الأزمنة التي ستصادفها البشرية ويصف المسيح -له المجد- هذه الفترة الدقيقة بقوله : "لأنه يكون حينئذ ضيق عظيم لم يكن مثله منذ ابتداء العالم إلى الآن ولن يكون. ولو لم تقصر تلك الأيام لم يخلص جسد. ولكن لأجل المختارين ُتقَصّر تلك الأيام" (متى 24: 21 - 22). - ويشار إلى هذه الفترة العصيبة في النصف الثاني من الأسبوع الـ 70 بوصفها : "42 شهرًا، أي ثلاث سنوات ونصف"، أو "زمان وزمانين ونصف زمان"، أو "زمان وأزمنة ونصف زمان"، كما يظهر من هذه النصوص: "وأما الدار التي هي خارج الهيكل فاطرحها خارجاً ولا تقسها لأنها قد أعطيت للأمم، وسيدوسون المدينة المقدسة اثنين وأربعين شهراً" (رؤيا 11:2) "ويتكلمبكلام ضد العلىّ ويبلى قديسى العلىّ ، ويظن أنه يغير الأوقات والسُنّة ، ويسلمون ليده زمان وأزمنة ونصف زمان" (دانيال 7: 25) "... إلى زمان وزمانين ونصف ... " (دانيال 12: 7) الملك الألفي: ما بين الأسبوع 69 والأسبوع 70 إن هذه الحقبة هي "زمان الكنيسة" الذي بدأ منذ قيامة ربنا يسوع المسيح ونصرته على الشيطان وتأسيس ملكوته بحلول الروح القدس يوم الخمسين. وعلى مدى زمان الكنيسة هذا انتشرت المسيحية في العالم الوثني أو من يسمون في الكتاب المقدس : "الأمم". - ولكى يتم هذا، كان لابد أن ُيقَيّد الشيطان كما ذكر سفر الرؤيا: "ورأيت ملاكاً نازلاً من السماء معه مفتاح الهاوية وسلسلة عظيمة على يده فقبض على التنين الحية القديمة الذي هو إبليس والشيطان وقيده ألف سنة وطرحه فى الهاوية وأغلق عليه وختم عليه لكي لا يُضِل الأمم فيما بعد حتى تتم الألف سنة وبعد ذلك لابد أن ُيحَلّ زماناً يسيراً" (رؤيا 20: 1- 3) - معنى هذا أن الله تركه يعمل ولكن ليس بكل طاقة قوته الجبارة، وذلك حتى يعطى الله الفرصة للكرازة بالإنجيل أن تمتد حتى تصل إلى أقاصي الأرض ثم بعد ذلك لابد أن َيحِل الشيطان زمانًا يسيرًا. وهذا الزمان اليسير هو زمان الشيطان (التنين) وأتباعه: الضد للمسيح (الوحش)، والنبي الكذاب. وهو يشكل الجزء الثاني من الأسبوع 70 في نبوة دانيال النبي. - يعزينا الوحي المقدس بأن هذا الزمان سيكون قصيرًا: "ويل لساكني الأرض والبحر لأن إبليس نزل إليكم وبه غضب عظيم، عالمًا أن له زمانًا قليلًا" (رؤيا 12: 12). (يتبع) والسُبح لله --- ### فهرس سلسلة: عن المرأة في المسيحية - Published: ۲۰۲۱-۰۹-۱۱ - Modified: 2023-10-11 - URL: https://tabcm.net/2712/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, المرأة القبطية, شئون علمانية مع الزمن، ستدركين صديقتي أنّكِ أضعتِ نصف العمر تنعمين بكسل التَبعيّة وأنتِ تشكين التوافه… وسترفضين أن يضيع النصف الآخر من العمر فاقدة الروح… ربما يكون فطامك الثاني أصعب من الأوّل… ربما تتلوثين بحقيقة الحياة الأقسى من رفاهية تيبّس الطعام… لكن لا شيء أهم من أن تكوني بطلة نفسك… أن تهزمي انكسار روحك وعجزك الذي أطعموكِ إياه مع الحليب… أن تملئي نقصك الذي صار جزءً من عقيدة معطوبة… أن تمضي في هذه الحياة امرأة شجاعة، تدرك ذاتها، وتعرف ماذا تريد، وتعرف تماما كيف تحصل عليه… امرأة كهذه يهابها الجبناء من الرجال، وتغار منها الفارغات من النساء… إهداء. . إلى صديقتي، وطفلتي، والتي كانت تعاملني مثل أمي... مع الزمن، ستدركين صديقتي أنّكِ أضعتِ نصف العمر تنعمين بكسل التَبعيّة وأنتِ تشكين التوافه... وسترفضين أن يضيع النصف الآخر من العمر فاقدة الروح... ربما يكون فطامك الثاني أصعب من الأوّل... ربما تتلوثين بحقيقة الحياة الأقسى من رفاهية تيبّس الطعام... لكن لا شيء أهم من أن تكوني بطلة نفسك... أن تهزمي انكسار روحك وعجزك الذي أطعموكِ إياه مع الحليب... أن تملئي نقصك الذي صار جزءً من عقيدة معطوبة... أن تمضي في هذه الحياة امرأة شجاعة، تدرك ذاتها، وتعرف ماذا تريد، وتعرف تماما كيف تحصل عليه... امرأة كهذه يهابها الجبناء من الرجال، وتغار منها الفارغات من النساء... --- ### فهرس سلسلة: تعليقات مختصرة على العهد القديم - Published: ۲۰۲۱-۰۹-۱۰ - Modified: 2022-06-05 - URL: https://tabcm.net/2735/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, عام, كتاب مقدس --- ### فهرس سلسلة: تاريخية إعادة المعمودية - Published: ۲۰۲۱-۰۹-۰۸ - Modified: 2022-02-04 - URL: https://tabcm.net/2709/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, تاريخ وميثولوچيا, عام - وسوم: سر المعمودية --- ### التمايز في شرح العقيدة المسيحية (٨) - Published: ۲۰۲۱-۰۹-۰۵ - Modified: 2022-02-04 - URL: https://tabcm.net/2356/ - تصنيفات: لاهوتيات الصليب و ذبائح العهد القديم في اللاهوت الشرقي الأرثوذكسي لقد تجسد إبن الله الكلمة وصار رئيس كهنتنا الأبدي الذي قدَم جسده الذاتي بإرادته وحده ذبيحة أبدية أسس بها عهده الجديد مع الإنسان. لذلك هو الكاهن والذبيح معاً للعهد الجديد. أما عن  ذبائح العهد القديم  ”تِلْكَ شَرِيعَةُ الْمُحْرَقَةِ، وَالتّقْدِمَةِ، وَذَبِيحَةِ الْخَطِيّةِ، وَذَبِيحَةِ الإِثْمِ، وَذَبِيحَةِ الْمِلْءِ، وَذَبِيحَةِ السّلاَمَةِ،الّتِي أَمَرَ الرّبّ بِهَا مُوسَى فِي جَبَلِ سِينَاءَ، يَوْمَ أَمْرِهِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِتَقْرِيبِ قَرَابِينِهِمْ لِلرّبِّ فِي بَرِّيّةِ سِينَاءَ. “ ( لاويين ٢٣:٧) ، فإن الليتورجيات ( الصلوات ) الأرثوذكسية لم تقدم أية إشارة إليها، أي  ذبيحة الإثم - المحرقات بكل أنواعها - ذبيحة الخطية - ذبيحة السلامة - تقدمة خبز الوجوه . إن غياب هذه الذبائح في الليتورجيات الأرثوذكسية ليس مجرد مصادفة . ذلك لأن قلب وجوهر الطقس والعقيدة الأرثوذكسية لا يمكن أن تشرحه ذبائح العهد القديم تلك . وقد أوضح القديس بولس الرسول والقديس أثناسيوس الرسولي هذه الحقيقة . فرسالة العبرانيين ١٠ تتكلم عن أن الله لَمْ يُسَرّ و لم يطلب أصلاً ذبائح الشريعة الموسوية ”لأَنّهُ لاَ يُمْكِنُ أَنّ دَمَ ثِيرَانٍ وَتُيُوسٍ يَرْفَعُ خَطَايَا . . بِمُحْرَقَاتٍ وَذَبَائِحَ لِلْخَطِيّةِ لَمْ تُسَرَّ(الله لم يُسرُّ بها). . ذَبِيحَةً وَقُرْبَانًا لَمْ تُرِدْ(الله لم يطلبها)وَلكِنْ هَيّأْتَ لِي جَسَدً(تجسُد المسيح) “. و يشرح ق. أثناسيوس في (الرسالة ١٩من رسائل عيد القيامة عام ٣٤٧م) كيف أن الشريعة لم تأمر أولاً وفي البداية بتقديم الذبائح، وأنه لم يكن هذا هو تدبير الله الذي أعطي الشريعة أن تُقَدَم له المحرقات ”لأَنّي لَمْ أُكَلّمْ آبَاءَكُمْ وَلاَ أَوْصَيْتُهُمْ يَوْمَ أَخْرَجْتُهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ جِهَةِ مُحْرَقَةٍ وَذَبِيحَةٍ. “ (ارميا ٢١:٧). ولكنه أوصي الشعب بأن يعرفوه أنه الإله الحقيقي و كلمته ، وأن يحتقروا هؤلاء الآلهة الكاذبة التي تُدعَي كذباً آلهة . وأظهر الله ذاته لشعبه بشكل ظاهر ، و جعلهم يعرفون أنه هو الذي أخرجهم من أرض مصر. ولكن عندما اختاروا أن يعبدوا البعل و تجاسروا على أن يقدموا الذبائح لمن لا وجود لهم ونسوا المعجزات التي تمَت في أرض مصر، وعِوضاً عن الحَمَل (الفصح) الذي أُعطِيَ لهم أن يقدموه، تعلموا كيف يذبحون للبعل ، بل وفكروا في العودة إلي مصر، هنا فقط جاء الناموس بالوصية الخاصة بالذبائح وحتى يتعلموا كيف يعبدون الله حسب وصايا الناموس وبذلك يتركون الأوثان.  أما عن  الحَمَل الذي أُعطِيَ لهم والذبيحة الواحدة التي تَجُب كل الذبائح فهي ذبيحة عيد الفصح وهي المناسبة التي أسَس فيها ربنا يسوع المسيح سر تقديم جسده ودمه بخبز وخمر . لذلك فإن مركز وقلب التعليم الأرثوذكسي هو حَمَل الفصح؛ لأن حَمَل الفصح أَبعد ملاك الموت وحَوَل الُمهلك عن شعبٍ بأكمله، مثلما حَوَلت ذبيحة الرب على الصليب الموت والفساد عن الجنس البشري كله. والعلاقة بين حَمَل الفصح و موت الرب تتلخص في أن  ذبيحة حَمَل الفصح: أبادت الموت / كانت للخلاص من الموت والعبودية / هي الوحيدة التي يأكلها الشعب كلها / هي عن الشعب كله / يقدمها الشعب كله / لا يُقَدَم منها شئ على المذبح ليُحرَق بالنار، لأنها لم تكن لمغفرة الخطايا . فعلى خلاف رؤية اللاهوت الغربي لذبيحة المسيح على الصليب ، نجد أن حَمَل الفصح لا علاقة له بما يمكن أن ُيقال عن حَمْل عقوبةٍ، أو موتٍ نيابي عن خطيئة آخر، أو إستيفاءٍ لعدل الله أو ترضيةٍ لغضب الله مِن جهة ذنب إنسان . هذا الفكر هو مِن وَضْع  مدارس لاهوت العصر الوسيط في أوروبا و بتأثير من الفكر القانوني السائد ذلك الوقت عن عدم وجود مغفرة مجانية. وأيضاً بسبب تفسير الغرب أننا ورثنا خطية آدم وليس طبيعته المائتة ، مما استوجب عقابَ  شخصٍ بديلٍ عن البشر - و هو يسوع المسيح - يحمل العقوبة عنهم إستيفاءاً لعدل الله الذي ظنوه عدلاً لا يختلف عن عدل محاكم البشر وربما أقل لأن القانون البشري لا يعاقب برئ  عِوضاً عن المذنب. أما اللاهوت الشرقي فبحسب الكتاب ( انظر مقال ٣ ) اعتقد بوراثة الطبيعة المائتة لآدم و ليس خطيئته. لأن فعل الإنسان لا يُوَرّث بل نتائجه. . أي فساد الطبيعة البشرية نتيجة خطية آدم. مما تطَلب شفاء الطبيعة البشرية بتجسد المسيح. ولقد أُلصِقت فكرة  موت البديل البريء عن المذنب بدايةً بالعهد القديم، ثم وصلت إلي المسيح نفسه و جَعلت منه خاطئ - حاشاً له. . فهو قدوس القديسين - حتى يدفع ثمن خطايا البشرية موتاً على الصليب . مع أنه لا يوجد نص ٌواحدٌ في العهد القديم، ولا في المصادر اليهودية السابقة علي المسيحية، أو في المسيحية الشرقية، يقول إن الخطية تنتقل بوضع يد مُقرّب الذبيحة إلى الذبيحة. أما بخصوص ما ُذكِر في ( لاويين ٤:١)  عن ذبيحة المُحرَقة  ”وَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِ الْمُحْرَقَةِ، فَيُرْضَى عَلَيْهِ لِلتّكْفِيرِ عَنْهُ“ ، فإن السفر لم يذكر أية علاقة بينها وبين الخطية بالمرة؛ بل إنها تقدمة إختيارية حيث يبدأ السفر بكلمة إذا ”إِذَا قَرّبَ إِنْسَانٌ مِنْكُمْ قُرْبَانًا لِلرّبّ“. كما  أنها ”رَائِحَةِ سَرُورٍ لِلرّبّ“ و لا علاقة لها بالخطية. و لكن المُقرّب يضع يده علي رأس الذبيحة، لكي يؤكد فعل التقديم حسب شرح كل علماء المسيحية و اليهودية.   إن خرافة إنتقال خطية الإنسان إلى حيوان برئ لا يَعرف فكر الإنسان ولم يشاركه خطيته، حاول بها شيعة ” الإخوة “ وغيرهم ، شرح  ما جاء في ( 1 بطرس 24:2 ) ”الّذِي حَمَلَ هُوَ نَفْسُهُ خَطَايَانَا فِي جَسَدِهِ عَلَى الْخَشَبَةِ ، لِكَيْ نَمُوتَ عَنِ الْخَطَايَا فَنَحْيَا لِلْبِرّ“ بينما هم يجهلون الأصل اليوناني للفعل   ” حَمَلَ “ أنه بمعني” رفع “ أو” أزال “ الخطية كعائق، وليس أضاف إلى نفسه و مَلَك ما لا يمكن امتلاكه، و هو الخطية. الله لا يقبل موت إنسان عن إنسان وإلا كان إستجاب لشفاعة موسي عن بني إسرائيل أن يموت بديلاً عنهم ”وَالآنَ إِنْ غَفَرْتَ خَطِيّتَهُمْ، وَإِلاّ فَامْحُنِي مِنْ كِتَابِكَ الّذِي كَتَبْتَ“. بينما كان رّد الله له ”مَنْ أَخْطَأَ إِلَيّ أَمْحُوهُ مِنْ كِتَابِي“ (الخروج 32:32 ). ويقول المزمور( ٧:٢٩) ”الأَخُ لَنْ يَفْدِيَ الإِنْسَانَ فِدَاءً، وَلاَ يُعْطِيَ اللهَ كَفّارَةً عَنْهُ“. إن مصطلح أن ربنا يسوع المسيح ” قُدّمَ مُحرَقةً “ للآب لم يذكره أيٌ من الآباء، و هو مصطلح غائب عن العهد الجديد. أما نص أفسس (2:5) ”  وَاسْلُكُوا فِي الْمَحَبّةِ كَمَا أَحَبّنَا الْمَسِيحُ أَيْضًا وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِنَا، قُرْبَانًا وَذَبِيحَةً للهِ رَائِحَةً طَيّبَةً“ فقد فسره ق. كيرلس الكبير . فلا يجب أن يُشرَح النص علي أساس ما جاء في العهد القديم من الذبائح التي لم يُسَرّ بها الله، بل إستناداً إلي شرح الآباء و إستناداً إلي القاعدة اللاهوتية أن تفسير العهد القديم يجب أن يتم علي أساس إعلانات العهد الجديد وليس العكس”فَإِنّ شَهَادَةَ يَسُوعَ هِيَ رُوحُ النّبُوّة“( رؤيا ١٠:١٩). لذلك كانت ذبيحة الفصح و يوم الكفارة و تقدمة إبراهيم لأسحق وتقدمة ملكي صادق من الخبز والخمر هي فقط التي ارتبط ذكرها بذبيحة المسيح في الليتورجيا الأرثوذكسية القبطية. ( وهذا موضوع المقال القادم بمشيئة الرب ) . والسُبح لله. بقلم: رءوف أدوارد --- ### [٥] بولس التتمي: صانع التراتبيات المأقوتة - Published: ۲۰۲۱-۰۹-۰٤ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/2585/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, المرأة القبطية, شئون علمانية - وسوم: التتميين, الخطاب الديني, المرأة الكورنثوسية, النوع الاجتماعي, دياكونيس, شموسية النساء, قديس بولس الرسول, مساواتية, مساواتيين بأعين عصرنا الحالي، يبدو بولس الرسول متلعثما حينا ومتناقضا أحيان أخرى عبر نصوصه المتعلّقة بالمرأة بأعين عصرنا الحالي، يبدو بولس الرسول متلعثما حينا ومتناقضا أحيان أخرى عبر نصوصه المتعلّقة بالمرأة. . فهو من جهة، يُعيد المرأة، التي عزَز يسوع دورها الاجتماعيّ، إلى الوراء، مكتسبًا بلا منازع صفة مناهضها، وقد أصبحت هذه الصفة ملازمة لشخصه (1كورنثوس 11، 14). وهو من جهة ثانية يناصر المساواتية بشكل جوهري في مواقع أخرى، ويعلن نهاية التمييز القومي والطبقي والاجتماعيّ كما في (غلاطية 28:3)، ثم يطلب من المرأة الصمت في الكنيسة (1كورنثوس 34:14)، ثم يعود فيثني جهود "فيبي" (رومية 16: 1-2) مستخدما لفظة "دياكونيس" والتي تعني: "الشماسة الكاملة" (مساعدة كاهن)، بينما هو نفسه الذي أكد على سيادة الرجل وخضوع المرأة (1كورنثوس 2:11-16) كما نجده في موقع أخر عندما يشير إلى "أكيلا" وزوجته "بريكسلا" فإنه يذكر "بريكسلا" أولا (رومية 16: 3،7،15) ليس على سبيل تقديم المرأة عن الرجل، فهذا البروتوكول لم تعرفه البشرية إلا بعد قرون،، وإنما لأنها الأعلى من زوجها في الرتبة الدينية كراعية كنيسة، مستخدما العبارة "وعلى الكنيسة التي في بيتهما" (رومية 16: 3) بشكل متناقض تماما مع الهيراركي / التراتبية (الهيكل التنظيمي) الذي صاغه بنفسه! عبر قرون عدة، حاولت الأفكار المسيحية توفيق التناقضات المتلعثمة بين بولس ونفسه، ليس فقط في مسألة الدور الاجتماعي وحده بل في قضايا التراتبية والخضوع عمومًا سواء الخضوع الروحي، أو خضوع العبد لسيده (الخضوع الطبقي)، أو حتى خضوع الشعب لاستبداد الحاكم (الخضوع السياسي) فكل هذه الأمور كتب فيها بولس الرسول وصنع تراتبية مبنية على صفة الأشخاص ومناصبهم وليس بناء على جودة ما يفعلون... الأديان الشمولية: "دين شمولي"، هو مصطلح ثقافي للتعبير عن حركة دين ما، من الإيمان، والذي يعتبر علاقة بين الفرد وربه، إلى دور ديني مؤسساتي يتحكم فيما خارج النطاق اللاهوتي إلى نقاط حيوية في إدراك العالم، مثل علاقة الأفراد بعضهم البعض (لا تشاركية مع غير المؤمن)، أو موقف معادي لنوع اجتماعي (لا للمرأة كرئيس للرجال) أو حتى الموقف من نظام الحكم وممارسة المشاركة السياسية بشكل ثابت (نعم للرئيس مهما قال). . جميع الأديان شمولية بشكل عام لأنها تشكّل أحد أهم المصادر المعرفية المبسطة في إدراك العالم من حولنا. . لكن مصطلح "دين شمولي" يستخدمه المثقفين دائما كعلامة سلبية عند تخطي الدين دور "تبسيط القيم" إلى "تشويه القيم"، مثال: "أكرم أباك وأمّك" هذه الجملة هي أحد الوصايا العشر، وتعتبر بمثابة قانون تبسيطي للعلاقة الأخلاقية مع الوالدين والتي لا يختلف اثنان عليها... هذا تبسيط لأخلاقية التعامل مع الوالدين... تبسيط لقيمة... هل كل الآباء والأمهات جيدين؟ ألم تقرأ صحيفة عن الذي اغتصب ابنته؟ أو الأم التي أجبرت بناتها على البغاء للارتزاق؟ هناك حوادث طيلة الوقت لتقييم جودة الآباء والأمهات بينما هذه الوصية (أكرم أباك وأمك) هي تبسيطية كعلامة إرشادية، ولو صارت مطلقة دون اعتبار لتعقيدات الواقع، لما وصلت البشرية لسن قوانين بسحب أطفال ووضعهم تحت رعاية الدولة نتيجة سوء الوالدين... لو تشبث أحدهم بنفس الوصية الدينية في إكرام الوالدين رغما عن الواقع،، إذن فالدين هنا تحول من "تبسيط قيم" إلى "تشوية قيم" وبشكل عام، سمة إطلاق تنميطات اجتماعية عامة، دون النظر للتفاوت الفردي، هي سمة تقاومها الإنسانية لما تحمله من ظلم وغبن (عاطل في باطل)، لكن في الوقت ذاته فأعتى الليبراليات المنادية بالفردانية ترى التنميط  تأسيس ضروري للأديان في احتياجها لتبسيط القيم للمؤمنين بها. . بطريقة أخرى وببساطة شديدة، المسيح لم يصنع دينا، لكن بولس فعل. . وهذا يحتاج لما هو أبعد من علاقة مع الله ويحتاج لرؤية شمولية عن العالم كما يراه. . وطبقا للعصر الذي عاش فيه بولس فكل هذا متسق مع ذاته، ومنسجم تمامًا مع بعضه البعض كهيكل تنظيمي اجتماعي وسياسي متّبع في عصره بين جماعات المؤمنين (الكنائس). . ، ولقد وصلنا في عصرنا الحالي لقيم سياسية واجتماعية أكثر رهافة وتحضرا وأكثر حنكة، تجعل كثير من التنظيم الذي نظمه بولس في زمنه هو أمر متخلف ورجعي وجاوزه الزمن. . والمشكلة الحقيقية فيمن لا يرى في تراتبية بولس تنظيمًا اجتماعيًا وطبقيًا وسياسيًا،، بل في هؤلاء الأصوليين الذين يرون في تراتبية بولس: وحيا مقدسًا من فم الله (صالح لكل زمان ومكان - نسخة مسيحية). ونكرر من جديد، فالمسيح لم يصنع أي تراتبية في السلطة، بل منع هذا: "رؤساء الأمم يسودونها، وعظماءها يتسلطون عليها، فلا يكن هذا فيكم" (متى 20: 25) (مرقس 10: 42) (لوقا 22: 25) أما من حيث تراتبية بولس، فهي ليست مقدسة وليست وحيا بالتأكيد، ويكفينا هنا في مسألة الجندر، التركيز على المفردات التي استخدمها بولس الرسول نفسه في طرحه الشخصي عن المسائل الاجتماعية في رسالتيه لأهل كورنثوس: ". . أقول لهم أنا، لا الرب: . . " (1كو 7: 12) "وأما. . ، فليس عندي أمر من الرب فيهن، ولكنني أعطي رأيا" (1كو 7: 25) "أظن أن هذا حسن لسبب الضيق الحاضر" (1كو 7: 26) "هذا أقوله لخيركم، ليس لكي ألقي عليكم وهقا، بل لأجل اللياقة" (1كو 7: 35) "ولكن إن كان أحد يظن أنه . . " - ". . فليفعل ما يريد" (1كو 7: 36) ". . بحسب رأيي، وأظن أني . . " (1كو 7: 40) "لست أقول على سبيل الأمر، بل باجتهاد آخرين" (2كو 8: 8) "أعطي رأيا في هذا أيضا" (2كو 8: 10) وبصدق شديد، لا أعلم ما الذي يمكن أن يفعله الرسول بولس، أكثر من هذا، لكي يميّز الناس بين الرأي والوحي،، أو تفض الاشتباك والتداخل بين المنتج البشري وبين المنتج الإلهي،، لدينا في هذا العصر، ونتيجة لتردي مستوى التعليم الكنسي في الحقبة اﻷخيرة، أجيال كاملة من الكهنة والأساقفة ضائعة تمامًا في مسألة اﻹدراك (بما فيه اﻹدراك اللغوي (الفهم) لما هو مكتوب ومسجل وموثق في الكتاب المقدس ذاته). وربما يكون هذا بسبب الاعتماد على الثقافة السمعية من كهنة وأساقفة أقدم، وليس القراءة للنصوص المؤسسة للعقيدة، وربما بسبب التغييب للمنتج النقدي لأقوال القائلين وعدم مساءلتهم عن أفكارهم مِن قِبل مَن يسمعون ويهزون رؤوسهم إيجابًا واتفاقًا بشكل تلقيني غير حذر وغير فطن... واﻷخطر أن هذه اﻷجيال وبهذه اﻷفكار المشوهة، منهم من يتقلد المناصب ويحتل منابر الخطاب الديني وينشر أفكارا عنصرية ﻻ تختشي من الجهر بمعاداة المرأة، أو معاملتها معاملة خاصة، أو تحرمها من ميزات وتخص بها الرجال وحدهم، دون إدراك أن ما يفعلون هو جريمة اسمها: "العنصرية". عنصرية  ﻻ تستقيم في مفاهيم هذا الزمان مع أي منتج يروج للعدالة البشرية، فما بالك بالعدل الإلهي؟ وكيف يؤمن الناس بإله ﻻ يؤمن بتكافؤ الفرص بين الرجل والمرأة، بل ويحاسبها حسابًا مختلفًا لا لشيء سوى كونها امرأة، وهو الذي حدد لها هذا التكوين ولم تختره هي؟ لدينا - بكل أسف - أجيال نصّبت أنفسها حماة إيمان تخصص قمع المرأة (تحت مسمى الرعاية)، ونشر ثقافة العبيد (تحت مسمى اللاعنف)، والتهليل المازوخي (تحت مسمى الوطنية) والحديث عن المرأة ﻻ ينتهي. . هذا المقال جزء من سلسلة: عن المرأة في المسيحية --- ### [٩] آباء ما بعد الطوفان - Published: ۲۰۲۱-۰۹-۰۳ - Modified: 2023-10-12 - URL: https://tabcm.net/2391/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, كتاب مقدس - وسوم: آدم, أبوللو, أخنوخ البار, أرطاميس, أرفكشاد, أفروديت, أنوش, أوروك, إبراهيم أبو الأنبياء, إيابيتوس, إيلوهيم, بلاد الرافدين, تارح, توبل, جلجامش, جون سكينر, حام ابن نوح, حواء, رمسيس الثالث, سام ابن نوح, عيراد, قايين, قينان, كوش, لامك, متوشائيل, متوشالح, محويائيل, مصرائيم, ملك نبوخذ نصر الثاني, نقد تأريخي, نقد كتابي, نمرود, نوح ابن لامك, نيفيليم, نينورتا, هابيل, هيفيستوس, يابل, يافث ابن نوح, يهوه, يوبل الأسماء في قصص التاريخ البدائي وتاريخ الأجداد مش بتكون تدوين لتاريخ أو أسماء أشخاص، في الأساطير الأسماء بتلعب دور تفسيري لحدث معين في القصة، أو كتفسير لماهية الشخصية محل الموضوع، واحيانًا تستخدم للربط بين الأحداث. الأسماء في قصص التاريخ البدائي وتاريخ الأجداد مش بتكون تدوين لتاريخ أو أسماء أشخاص، في الأساطير الأسماء بتلعب دور تفسيري لحدث معين في القصة، أو كتفسير لماهية الشخصية محل الموضوع، واحيانًا تستخدم للربط بين الأحداث. التقليد اليهوي بيقدم سلسلة أنساب بتبدأ بآدم وحواء اللي تم تفسير اساميهم في النص نفسه، آدم بمعنى "الترابي/الأرضي"، حواء بمعنى "أم الأحياء / أم كل حي"، حواء بتخلف قايين، واسمه متفسر في النص "المُقتنى" (لإنها اقتنت رجلًا من الرب)، أما "هابيل" مش متفسر بس غالبًا معناه "الابن"، شيث "البديل" (لإنه بديل هابيل)، وأنوش "الإنسان".   قايين فيما بعد بيخلف أخنوخ وهو اسم معناه مش واضح قد يكون معناه "الذكي/الماهر/المُخصص-dedicated" وبالتالي في التقليد اليهوي بيوضح إن أول مدينة تم بناءها على أيد قايين اتسمت باسم ابنه أخنوخ، وعلى الجانب الآخر لما ظهر تاني في التقليد الكهنوتي كان بيتفهم الاسم في سياق انه سار مع الله "dedicated to Elohim". أخنوخ خلف عيراد، وقد يكون تم تسميته نسبة لمدينة إريدو-Eridu. عيراد خلف محويائيل، اللي اسمه معناه "إيل يُحيي- El Enlivens / God Enlivens" ، ومحويائيل خلف متوشائيل (متوشالح) اللي بيعتبر عاش أطول عمر مُسجل في الكتاب المقدس، بس التقليد اليهوي مفيهوش ذكر للأعمار، لكن التقليد دا بيظهر عند التقليد (المُحرر؟) الكهنوتي، وغالبًا فضل متوشائيل عايش لحد الطوفان (بحسب أعمار التقليد الكهنوتي دا اللي حصل فعلًا)، ومعنى اسمه "رَجُل الله/إيل". متوشائيل بيخلف لامك - اللي اسمه مرتبط بـ"القوة" لكن مش واضح بظبط معناه ايه وبينسب ليه أنشودة السيف (تك 4: 23-24) وبيتزوج من عادة (معنى اسمها "الفجر") وصلّة (معنى اسمها "الظل/الظلمة"). عادة "الفجر" خلفت يابل، اللي اسمه يعتبر تحور لاسم هابيل وهو يعتبر الراعي لكن الموجود في الحضارة، وخلفت برضو يوبل (اسمه قد يدل على مجرى المياه أو الأنهار لكن مش معروف بالضبط) اللي بيوصف بأنه أبو كل عازف بالكنارة والمزمار، الجانبين مع بعض بظهور الفجر كأمهم بيُظهروا الجانب المُشرق للوجود الإنساني وبيفكرنا بالارتباط الكلاسيكي ما بين الرعاة والموسيقى، قارن دا بشخصية داود مثلًا، أو بالآلهة أبولو وأرطاميس في الحضارة اليونانية وغيرهم. صلّة "الظل"، بتخلف توبل-قاين، مش واضح بظبط معنى اسمه لكن بيُذكر انه حداد، وبتخلف نعمة اللي معنى اسمها "الجمال"، قارن مع هيفيستوس وإفروديت عند اليونان مثلًا برضو وغيرهم. فيما بعد مش بيتم إيضاح نسب نوح لكن في نص في (تك 5: 29) بالرغم من إن المقطع ككل كهنوتي لكن واضح إن السطر دا يهوي لاستعماله اسم "يهوه" وهو بيوضح إن غالبًا قد يكون في التقليد اليهوي تم نسب نوح للامك زي التقليد الكهنوتي لكنه موصلش بشكل واضح بسبب التحرير- Redaction، نوح زي ما النص بيوضح معنى اسمه "الراحة/التعزية". نوح بعد الطوفان بيخلف سام وحام ويافث. يافث، غالبًا اسمه مرتبط بشعوب البحر المتوسط من الشَمال واسمه قد يكون مشتق من اسم أحد الجبابرة (Titans) في الميثولوجيا الإغريقية وهو إيابيتوس- Iapetus. حام، اسمه بالعبري قد يعني "حار (حامي)" وقد يعني "أسود" لو ارتبط بـ"كيمي" الاسم اللي كان بيُطلق على أرض مصر قديمًا، لكن يظل الاسم معناه غير واضح تمامًا. سام، معنى اسمه "اسم أو شهرة" (قارن بقصة إبراهيم اللي هيجي من نسله في (تك 12: 2)). بيذكر التقليد اليهوي إن كوش بيخلف نمرود، ونمرود بتكون قلب مملكته بابل وأوروك (Uruk) وأكد (Akkad) كلهم في أرض شنعار (الرافدين)، ومنها راح آشور وبنى نينوى وكالح، مش معروف بالظبط معنى اسم نمرود، ولا معروف هو تأثُر بأنهي شخصية، كلمة גִּבֹּר (جبار-Gibbor) اللي بتوصفه في النص هي نفس الكلمة اللي اتوصف بيها النيفيليم سابقًا، والبعض رجح انه قد يكون تأثر بالإله نينورتا (تشابه اسمي)، والبعض رجح تأثُر بجلجامش (تأثر موضوعي، لإن ثلثاه إله وثلثه إنسان)، لكن مفيش اجابة واضحة. التقليد اليهوي مش بيذكر مين أبو كوش، التقليد الكهنوتي بينسب كوش لحام على اعتبار إن أرض كوش كانت في أفريقيا في جنوب مصر، لكن دا بيعمل مشكلة لو جينا نقرا التقليد اليهوي لإن مش منطقي انه يربط بين بلاد الرافدين وكوش، التفسير الأوقع هو انه قد يكون كوش في التقليد اليهوي كان ابن "يافث" (الشَمال) وتم ربطه ببابل وبلاد الرافدين على أساس سلالة الكيشيون اللي حكموا بابل ما بين القرن الـ16 والـ12 ق. م. بعد كدا التقليد اليهوي بينسب المصريين لمصرائيم، الأرض كان بيُطلق عليها اسم مصر (تحور  للاسم)، الاسم كان بيُطلقه الأجانب (غير المصريين) ومعناه قد يكون "الحدود" أو "الحصن"، الكاتب فسر الاسم بأنه نسبة لشخص اسمه مصرائيم. مصرائيم بيخلف اللوديم، والعناميم، واللهابيم، والنفتوحيم، والفتروسيم، والكسلوحيم، والكفتوريم، والمفروض إن الأسامي دي بتعبر عن أماكن أو بلاد أو شعوب إما تابعة لمصر أو تحت سيادتها بشكل أو بآخر. أنا هذكر بشكل مختصر لما قد يُشيروا إليه واللي عايز يقرا زيادة ممكن يدور بنفسه أو يرجع لكتاب جون سكينر. اللوديم (לוּדִים) الباحثين بيرجحوا انها غلطة لكلمة "لوبييم-לוּבים" وبالتالي اشارة لليبيين/ليبيا. العناميم (עֲנָמִים) قد يكون اشارة لمنطقة واحة الخارجة. اللهابيم (לְהָבִים) غالبًا اشارة لليبيا بشكل او بآخر برضو. النفتوحيم (נַפְתֻּחִים) يُمكن مُقاربتها لـNa-patuh وهيبقى معناها "شعب بتاح" وبالتالي اشارة لمصر الشمالية (مصر السُفلى- Lower Egypt). الفتروسيم (פַּתְרֻסִים) من Pathros اشارة لمصر الجنوبية (مصر العُليا- Upper Egypt). الكسلوحيم (כַּסְלֻחִים) قد تكون اشارة لمنطقة واحة آمون/واحة سيوة. الكفتوريم (כַּפְתֹּרִים) غالبًا اشارة لجزيرة كريت او قبرص في البحر المتوسط. في النص مش واضح بالظبط الفلسطينيين خرجوا من مين (الكسلوحيم ولا الكفتوريم)، لكن (إر 47: 4) و(عا 9: 7) بيرجحوا قراءة خروجهم من الكفتوريم، تاريخيًا الفلسطينيين كانت جماعة حاولت في القرن الـ12 ق. م. احتلال مصر من شرق المتوسط وكان صدهم الملك رمسيس الثالث واستوطنوا الساحل الجنوبي لكنعان (غزة حاليًا) لحد ما في القرن السابع قبل الميلاد تم إبادتهم بالكامل على يد ملك بابل الملك نبوخذنصر الكبير (نبوخذنصر الثاني) ومش متبقي أي آثار ليهم ولا معروف هما مين ولا معتقداتهم إيه ولا حتى معروف معنى اسمهم (فلسطينيين/فلسطين)، كل اللي نعرفه عنهم جه من الآثار المصرية والعهد القديم وبعض الآثار الأُخرى، لكن مش من شيء منسوب ليهم هما، على الرغم من كدا اسمهم فضل مرتبط بالمنطقة لحد النهاردة. فيما بعد بينتقل التقليد اليهوي للكلام عن كنعان ونسله بنفس الطريقة، وبعد كدا بينتقل للكلام عن سام وبيتم نسب قبائل العرب ليه، النقطة دي جديرة بالملاحظة لإن في التقليد الكهنوتي انه بيتم نسب العرب لحام، بس إنا هكتفي لحد هنا فيما يخص التقليد اليهوي عشان مطولش زيادة عن اللزوم واللي عايز يعرف اكتر ممكن يدور بنفسه، كتاب جون سكينر مفيد جدًا في تعليقاته على النقطة دي، لكن بالشكل دا بينتهي التقليد اليهوي فيما يخص التاريخ البدائي. التقليد الكهنوتي فيما بعد سلاسل الأنساب في الإصحاح 10 بيذكر تقسيمة للشعوب برضو، وفيما بعد في ألإصحاح 11 بيركز على نسل سام وصولًا لإبراهيم (أبو الآباء) اللي هيجي منه شعب بني إسرائيل، الأنساب تم تقسيمها من آدم لنوح 10 أجيال، ومن سام لإبراهيم 10 أجيال، الأعمار في الأجيال من سام لإبراهيم ملهاش نمط واضح أوي زي في الأعمار من آدم لنوح غير إنها بتقل، وبشكل عام واضح إن قائمة الأنساب والأعمار مرت بتعديل لإن الأعمار مختلفة ما بين النص الماسوري والسبعيني والسامري، في النص السبعيني مثلًا بنلاقي إن متوشالح فضل عايش لحد بعد الطوفان بـ14 سنة (بدون ذكر لدخوله السفينة) فغالبًا تم تعديل القائمة من كل من النص الماسوري والسبعيني والسامري لتفادي إشكاليات زي دي، وبنلاقي برضو إن النص السبعيني زود شخصية زيادة في قائمة آباء ما بعد الطوفان وهي شخصية قينان (قايين) الثاني وبيبقى ابن أرفكشاد وأبو شالح (والأرجح إنها شخصية مُضافة، مش إنها كانت موجودة وانحذفت، لإنه مش مذكور في سفر أخبار الأيام) السبب لكدا إن لما النص بيذكر فيما بعد إن تارح لما أخذ ابنه أبرام وساراي (اللي هيبقوا فيما إبراهيم وسارة) وخرج من أور الكلدانيين عشان يروحوا كنعان، وبحسب الأعمار المذكورة في آباء ما بعد الطوفان بنلاقي إن كان في آباء هيكونوا اتسابوا وهما لسة عايشيين في أور الكلدانيين (سام وأرفكشاد وشالح وعابر ورعو وسروج)، فالنص السبعيني غير في بعض الأعمار وأضاف شخصية قينان عشان يتفادى فكرة ترك آباء أبرام في أور الكلدانيين. أنا هكتفي لحد هنا واللي حابب يستزيد ممكن يقرا اكتر بنفسه، وفي ورقة بعنوان The Genealogical Lists in Genesis 5 and 11 in Three Different Versions كاتبها "إيمانويل توف- Emmanuel Tov" ممكن الرجوع ليها. بالشكل دا بينتهي التاريخ البدائي (الـ11 إصحاح الأولنيين من سفر التكوين). --- ### فهرس سلسلة: الكتاب المقدس والعلم - Published: ۲۰۲۱-۰۹-۰۱ - Modified: 2022-02-04 - URL: https://tabcm.net/2704/ - تصنيفات: عام, كتاب مقدس هذه المقالات ترجمة لحلقات مسلسلة عن "الكتاب المقدس والعلم"، من تحضير وإلقاء كاهن قبطي أرثوذكسي بشمال أمريكا طلب عدم ذكر اسمه إلا أنه سمح بنشر هذه الترجمات بمعرفتي. --- ### وكيف لا نحب الفن؟ - Published: ۲۰۲۱-۰۸-۳۰ - Modified: 2023-10-10 - URL: https://tabcm.net/2696/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون, إصلاح كنسي, شئون علمانية - وسوم: أنبا بنيامين، مطران المنوفية وشبين الكوم, بابا شنودة الثالث, بول فاري, بيت الدمية, رقصة الترنتلة, سوناتا كرويتزر, لودفيج فان بيتهوفن, ميلان كونديرا لماذا أتغرب عن جسدي، فجسدي هو أنا! جسدي هو خليقة الله بكل ما فيه. فمن هو خالق تلك النشوى التي تحدثها الموسيقى، ومن هو خالق هرمونات السعادة؟ أليس هو نفس الإله الذي يتحدثون باسمه ويحرِّمون ما خلقه؟ في الوقت التي حرمت فيه حركة طالبان الغناء، خرج علينا نيافة الأنبا بنيامين، مطران المنوفية، بفتوى مماثلة عن تحريم لا الغناء فقط، بل أي تراتيل تحوي موسيقى تحرك "عاطفة الجسد" وكل "موسيقى لحساب الجسد" لأن الجسد لابد أن يبقى ثابتًا، لا يحركه شيء. فالموسيقى، والغناء، والرقص: شرور يجب منعها لأنها تحرك الأجساد والعواطف! وهنا يحق لنا أن نسأل ما المشكلة في أن يتحرك الجسد؟ هل يبدو الجسد لنا كحمل ثقيل، أو كسجن خلقه الله ليثقلنا به، فبعد أن وضع الله فينا الحس الفني لتذوق الفنون والاستمتاع بها، والرغبة في الرقص، والتمايل على أنغام الموسيقى، نكتشف أن هذه كلها محرمات علينا الابتعاد عنها كيلا نغضب الله خالق هذه الفنون والمشاعر في الأساس! بأي منطق نقول هذا؟! هل يطالبنا الله باحتقار الجسد وتعذبيه إلى هذا الحد؟ ولماذا أتغرب عن جسدي، فجسدي هو أنا! جسدي هو خليقة الله بكل ما فيه. فمن هو خالق تلك النشوى التي تحدثها الموسيقى، ومن هو خالق هرمونات السعادة؟ أليس هو نفس الإله الذي يتحدثون باسمه ويحرِّمون ما خلقه؟   كل شيء طاهر للطاهرين كُلُّ شَيْءٍ طَاهِرٌ لِلطّاهِرِينَ، وَأَمّا لِلنّجِسِينَ وَغَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ فَلَيْسَ شَيْءٌ طَاهِرًا، بَلْ قَدْ تَنَجّسَ ذِهْنُهُمْ أَيْضًا وَضَمِيرُهُمْ(تيطس 1: 15) ما يميز تعاليم المسيح عن باقي الديانات أنها تقوم على تغيير الإنسان من الداخل؛ فإذا كانت عينك بسيطة، لن يسحقك منظر فتاة ترتدي فستانًا قصيرًا، أما إن كانت عينك شريرة، ستري من تستر جسدها بالكامل، وتعريها أنت في خيالك، ولن تتمالك نفسك إلا بعد أن تشبع غريزتك منها. فما أغرب أن نستمع إلى هذه الفتاوى، ونحن نعلم أن المعيار هو طهارة المتلقي. إن النفس هي التي تتجسد أمام أعيننا في قفزات الراقصة(بول فاري، كتاب: الفنّ والرقص) هناك من ينظر إلى جسد الراقصة، ويشتهيها جسديًا كالحيوانات، وهناك من ينظر إلى حركاتها مندهشًا لما في نفسها، ولحركاتها التي هي تعبير عن بهجة الحياة. فالأمر يرجع للمتلقي وإلى ما يريد أن يراه. وهناك رقصات تعبر ببراعة عما لا يُقال بالكلمات؛ على سبيل المثال، في مسرحية "بيت الدمية"، استخدم الكاتب، "هنريك إبسن" رقصة الترنتلة، وهي رقصة شعبية إيطالية، للتعبير عن التطور الوجداني لنورا – بطلة المسرحية، فالرقصة لا تلبث أن تمنحك نظرة نافذة داخل تلك الشخصية المعقدة التي تتوق بكل ذرة فيها للنمو وبلوغ أكمل حالة ممكنة، وقد عبر الكاتب عن ظمأ الشخصية وشوقها المبرح للتغيير من خلال تلك الرقصة التي كلما فككت رموزها، تزيدك دهشة. فالرقص ليس مجرد حركات فارغة تقوم بها النساء لعرض جسدهن كسلع أمام الرجال! الفن عالم واسع مُمتلِئ بالجمال، ولا يحتقره إلا المبتلين بالجهل. كاره الفن لا يحيا بسلام، إذ يشعر بأن وجود شيء لا يفهمه يهينه، فيكرهه(ميلان كونديرا) وذكرني هذا الأمر بفتوى سابقة للبابا شنودة الثالث بعدم السماح للفتيات بالترتيل في القداس لأن الفتاة صوتها نسائي وناعم، وسيثير الحاضرين! فهل السماع لفتاة ترتل مثير لهذه الدرجة؟ سِرَاجُ الْجَسَدِ هُوَ الْعَيْنُ، فَمَتَى كَانَتْ عَيْنُكَ بَسِيطَةً فَجَسَدُكَ كُلّهُ يَكُونُ نَيّرًا، وَمَتَى كَانَتْ شِرّيرَةً فَجَسَدُكَ يَكُونُ مُظْلِمًا(لوقا 11: 34)   أغاني العالم وأغاني السماء هل سمعنا أن المسيح حين ذهب إلى عرس قانا الجليل، طلب من الحاضرين عدم الغناء؟ أو تحويل الغناء إلى تراتيل أرثوذكسية؟ بالطبع، كانت الأغاني في العرس أَغَانٍ عادية كأي عرس يٌقام في ذلك الوقت. قال المسيح إن الكنيسة هي ملح العالم، فهل الانفصال عن العالم داخل أسوار الكنائس والاكتفاء بسماع التراتيل، أو الجلوس داخل الكهوف لمحاربة الشياطين هو قصد الله؟ من يريد أن يفهم شعبًا ما، أول ما يذهب إليه هو أغانيه. فالأغاني هي مرآة الشعوب التي تعبر عن أيديولوجياتها، ومدى تحضرها. فكيف تتمكن الكنيسة من التأثير في الناس، وهي لا تطّلع على ما يقدمونه من فنون؟ وبالمناسبة، لا يوجد شيء يدعى بأغاني أرضية وأغاني سمائية، فألحان الكنيسة الأرثوذكسية استلهمها المصريون من الأغاني المصرية القديمة (أَغَانٍ أرضية)، لذلك، فأي كلام عن قدسية اللغة القبطية، باعتبارها لغة السماء التي يتحدثها السمائيون ولن يفهموا غيرها هو أمر مضحك. في السماء، سيفهم الجميع كل شيء: الآنَ أَعْرِفُ بَعْضَ الْمَعْرِفَةِ، لكِنْ حِينَئِذٍ سَأَعْرِفُ كَمَا عُرِفْتُ(1كورنثوس 12:13)   الموسيقى علاج الروح في روايته "سوناتا كرويتزر"، يرسم لنا "تولستوي" صورة للإنسان الفاسد روحيًا، المغلوب من شره، فداخله مملوء شر، وأفكار قبيحة، يحتقر زوجته، ويريد إخضاعها كعبدة لتلبية رغباته، ولا يستطيع رؤيتها مع أي ذكر آخر لأنه لا يفكر في أي شيء سوى الخيانة الجنسية. لكنه يتوقف عن التفكير في الشر فقط وقت سماعه لسوناتا كرويتزر لبيتهوفن، ويتعجب من نسيانه أن زوجته تعزف مع رجل آخر، قائلًا: ما هي الموسيقى؟ ما الذي تصنعه بالإنسان؟ لماذا تؤثر فيه هذا التأثير؟ ... إن الموسيقى تجبرني أن أنسى نفسي، أن أنسى حقيقة الوضع الذي أنا فيه، وتنقلني إلى عالم آخر، يتراءي لي بتأثير الموسيقى أني أحس بما لا أحسّه في الواقع، وأفهم ما لا أفهمه ... إن الموسيقي تنقلني إلى الحالة النفسية التي عاناها المؤلف فتتحد روحي بروحه ... لقد سمعت صوتًا يهتف بي من أعماقي قائلًا: نعم، هكذا يجب أن تعيش، لا كما تظن من قبل، أما ما هو ذلك الشيء الجديد، فأنّي لم أدركه في أول الأمر، ولكن مجرد إحساسي به قد بثّ في قلبي فرحًا كبيرًا، وأصبحت أرى الحاضرين، ومن بينهم هو وزوجتي، عبر رؤية جديدة. (ليو تولستوي، سوناتا كرويتزر) فكيف لا نعشق الفن؟ وكيف لا نطبق ما يقوله المزمور "سَبّحُوهُ بِدُفّ وَرَقْصٍ"؟ عِنْدَئِذٍ أَخَذَتْ مَرْيَمُ النَبِيَةُ أُخْتُ هَرُونَ، الدُفَ بِيَدِهَا، فَتَبِعَهَا جَمِيعُ النِسَاءِ بالدُفِ وَالرَقْصِ. فَكَانَتْ مَرْيَمُ تُجَاوِبُهُنَ: "رَنِمُوا لِلرَبِ لأَنَهُ قَدْ تَمَجَدَ جِدّاً. الْفَرَسَ وَرَاكِبَهُ قَدْ طَرَحَهُمَا فِي الْبَحْرِ(سفر الخروج 15) --- ### التمايز في شرح العقيدة المسيحية (٧) - Published: ۲۰۲۱-۰۸-۲۹ - Modified: 2022-02-04 - URL: https://tabcm.net/2355/ - تصنيفات: لاهوتيات التبرير في المفهوم الأرثوذكسي قلنا في المقالات السابقة إن آباء الشرق جميعاً قرأوا رومية ١٢:٥ بأن موت وفساد الطبيعة الإنسانية إنتقل من آدم إلي ذريته بالوراثة وليس خطية آدم. وبالتالي ركَّزوا علي سِرّ تجسد المسيح إبن الله كأساس لخلاص الإنسان المحتاج لتجديد طبيعته، المحكوم عليها بالموت، إلي طبيعة جديدة أسَسَها إبن الله للإنسان عندما تجسد. بينما ركّز الغرب في العصر الوسيط في أوربا ثم حركة الإصلاح البروتستانتي في القرن ١٦، علي صليب المسيح كأساس للخلاص. حيث جاء الغرب بنظرية ” البديل المعَاقَب أو البديل الخلاصي“ لتشرح كيف أن المسيح حمل خطيئة الإنسان - بينما هو البار-  وصُلَب كفاعل شرٍ واحتمل عقوبة الموت بحسب الناموس. و بذلك قدَم الترضية للآب ووفَي مطالب العدل الإلهي فنال حُكم البراءة  والعفو من الآب كإنسان باستيفاء أحكام شريعة موسى، ثم أَعطي لنا حكم البراءة  والبر. إن الغرب اعتبر تبرير الإنسان نتيجةً لحفظ المسيح للناموس والسلوك به ثم قَتْل البار ظلماً علي الصليب، فتبرير المسيح للإنسان في اللاهوت الغربي هو نتيجة استيفاء المسيح للعدل بمفهومه الأرضي . . سِنٌ بسِنٍ وعينٌ بعينٍ .   بينما لاهوت الشرق - كما قلنا سابقاً - لم يضع نظريات لاهوتية بل اعتمد على المكتوب في الكتاب المقدس : (أولاً ) ... من حيث أن المسيح لم ُيصلَب كفاعل شرٍ ، بل  ظلماً وحسداً وبشهود زورٍ ؛  وأن الموت أتي إلي المسيح علي الصليب لم يكن بسبب خطيئة صنعها، فهو البار، ولكن بسبب أنه ُولِدَ من إمرأة تحت الناموس - أي كان يحمل طبيعة آدم بعد السقوط و التي حَكَم الناموس عليها بالموت ”وَلكِنْ لَمّا جَاءَ مِلْءُ الزّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُودًا تَحْتَ النّامُوسِ، لِيَفْتَدِيَ الّذِينَ تَحْتَ النّامُوسِ، لِنَنَالَ التّبَنّيَ. “ ( غل ٤:٤) . فالمسيح ُولِدَ في شبه جسد الخطية  ”فَاللهُ إِذْ أَرْسَلَ ابْنَهُ فِي شِبْهِ جَسَدِ الْخَطِيّةِ، وَلأَجْلِ الْخَطِيّةِ، دَانَ الْخَطِيّةَ فِي الْجَسَدِ“ ( رو ٣:٨) بمعني أن يسوع البار الذي لم يصنع إثماً أخذ طبيعتنا التي عليها حُكم الموت بسبب خطية آدم ؛  وأن المسيح صنع هذا بسبب محبته لنا ”ابْنِ اللهِ، الّذِي أَحَبّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي“ ( غل٢٠:٢)  ؛  وأن المسيح لم يخضع للشيطان أو الموت ”لَيْسَ أَحَدٌ يَأْخُذُهَا مِنّي، بَلْ أَضَعُهَا أَنَا مِنْ ذَاتِي. لِي سُلْطَانٌ أَنْ أَضَعَهَا وَلِي سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا أَيْضًا“ (يو١٨:١٠). بل قَبِل أن يدخل بيت القوي ( الموت ) وينهب أمتعته (البشرية التي تحت سلطان موت الخطية) ( مت ٢٩:١٢) . إن العدل الإلهي الذي يقضي بموت الخاطئ ، و رحمة الله التي تقضي بخلاص الخاطئ لا يمكن أن يكونا علي طرفي النقيض -  يعمل أحدهما ضد الآخر كما في الإنسان المنقسم علي ذاته  ( مت ٢٥:١٢). فعمل الله كامل ومتكامل  وليس فيه تناقض و إنقسام . فالعدل الإلهي هو الجانب الآخر لرحمة الله ، فهو عدل يعيد ما ضاع و يجدد ما أصابه الموت . و قد ألمح الرب بنصيحته في (لو٥٧ :١٢) بسمو عدله فوق عدل الإنسان و فوق الناموس . (ثانياً)... إن التعبير اللاهوتي في غلاطية ١٦:٢ يصبغ اللاهوت الشرقي الأرثوذكسي كله ”إِذْ نَعْلَمُ أَنّ الإِنْسَانَ لاَ يَتَبَرَّرُ بِأَعْمَالِ النّامُوسِ، بَلْ بِإِيمَانِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، آمَنّا نَحْنُ أَيْضًا بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ، لِنَتَبَرّرَ بِإِيمَانِ يَسُوعَ لاَ بِأَعْمَالِ النّامُوسِ. لأَنّهُ بِأَعْمَالِ النّامُوسِ لاَ يَتَبَرّرُ جَسَدٌ مَا... . لَسْتُ أُبْطِلُ نِعْمَةَ اللهِ. لأَنّهُ إِنْ كَانَ بِالنّامُوسِ بِرٌّ، فَالْمَسِيحُ إِذًا مَاتَ بِلاَ سَبَبٍ! “ لأنه يثير السؤال هل بر المسيح الذي برَرنا به ، هو بره  كإنسان نفَذ و قام بكل ما هو مطلوب منه كإنسان حسب الناموس والشريعة؟  الإجابة بكل يقين: لا . بالرغم أن المسيح تمَمَ كل بر (مت١٥:٣).   فالناموس أو الشريعة وُضِعَت للبشر، و هي لا تخّص واضع الشريعة لأنه لا يستمد برَه من الشريعة، بل من كماله الإلهي. فلو كان بر المسيح الذاتي من الناموس، لَتَحَوَل بر المسيح إلي قدرة إنسانية تكفي فقط الإنسان يسوع المسيح، ولا تكفي الإنسانية كلها من آدم إلي آخر الدهور. إن ق. بولس (رو٢١،٢٠:٥) لا يقارن موت آدم بموت المسيح بل  يقارن بين موت آدم و بين النعمة التي بالمسيح ”كَمَا مَلَكَتِ الْخَطِيّةُ فِي الْمَوْتِ، هكَذَا تَمْلِكُ النّعْمَةُ“ . و لا يقارن بين خطية آدم و بين تنفيذ المسيح لوصايا الناموس بل الهبة و النعمة ”وَلكِنْ لَيْسَ كَالْخَطِيّةِ هكَذَا أَيْضًا الْهِبَةُ ... وَلكِنْ حَيْثُ كَثُرَتِ الْخَطِيّةُ ازْدَادَتِ النّعْمَةُ جِدّا“. فلا مجال هنا لعدالة الناموس سن بسن و عين بعين أو عدالة البشر في محاكمهم. فهي ليست مبادلة ولا موت نيابي يُدفَع فيه ثمن خطية. التبرير لم يكن قراراً إلهياً جاء نتيجة حفظ المسيح للناموس والشريعة اليهودية. بل أُعلن كنعمة تُوهَب للإنسان بسبب صلاح الله و ليس صلاح الإنسان يسوع، بالرغم من أنه البار ”«الّذِي لَمْ يَفْعَلْ خَطِيّةً، وَلاَ وُجِدَ فِي فَمِهِ مَكْرٌ»“ ( ١بط ٢٢:٢). لذلك فنحن أخذنا البر الإلهي كنعمة من الإله يسوع المسيح. هنا نري معني ما قاله ق. أثناسيوس ” أعطانا الذي له و أخذ الذي لنا “ . المسيح لم يأتي بقرار عفو عن الخطاة - فهذا لا يتطلب تجسد الله - بل جاء لتغيير الطبيعة الإنسانية إلي مجده و برّه علي سبيل النعمة     ”وَنَحْنُ جَمِيعًا نَاظِرِينَ مَجْدَ الرّبّ بِوَجْهٍ مَكْشُوفٍ، كَمَا في مِرْآةٍ، نَتَغَيّرُ إِلَى تِلْكَ الصّورَةِ عَيْنِهَا، مِنْ مَجْدٍ إِلَى مَجْدٍ، كَمَا مِنَ الرّبّ الرّوحِ. “ ( ٢كور ١٨:٣). هذا المجد لا يعرفه الناموس و لا علاقة له به . وفي ( تي ٧:٣) ” حتى إذا تبررنا بنعمته ، نصير ورثة “ نرى أن التبرير بالمفهوم الإنجيلي الشرقي هو تغيير الطبيعة كضرورة لميراث الملكوت . كان بولس بحسب الشريعة و الناموس بلا لوم . و لكن اعتبر بره الذي بالناموس نفاية أمام البر الذي له من الله والذي ليس حسب الناموس ”مِنْ جِهَةِ الْبِرّ الّذِي فِي النّامُوسِ بِلاَ لَوْمٍ. لكِنْ مَا كَانَ لِي رِبْحًا، فَهذَا قَدْ حَسِبْتُهُ مِنْ أَجْلِ الْمَسِيحِ خَسَارَةً. بَلْ إِنّي أَحْسِبُ كُلَّ شَيْءٍ أَيْضًا خَسَارَةً مِنْ أَجْلِ فَضْلِ مَعْرِفَةِ الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبّي، الّذِي مِنْ أَجْلِهِ خَسِرْتُ كُلَّ الأَشْيَاءِ، وَأَنَا أَحْسِبُهَا نُفَايَةً لِكَيْ أَرْبَحَ الْمَسِيحَ،وَأُوجَدَ فِيهِ، وَلَيْسَ لِي بِرّي الّذِي مِنَ النّامُوسِ، بَلِ الّذِي بِإِيمَانِ ( أمانة) الْمَسِيحِ، الْبِرّ الّذِي مِنَ اللهِ بِالإِيمَانِ. لأَعْرِفَهُ، وَقُوّةَ قِيَامَتِهِ، وَشَرِكَةَ آلاَمِهِ، مُتَشَبّهًا بِمَوْتِهِ، لَعَلّي أَبْلُغُ إِلَى قِيَامَةِ الأَمْوَاتِ. “ ( في ٣:١١-٦). إن عظمة بر المسيح أنه هو هو بر الله - برٌ واحدٌ لاينقسم - وهو يفوق كل ما يقرره الناموس كثمرة لإرضاء العدل الإلهي - و ثبَته بعقوبات من أجل إستقرار العلاقات الإنسانية. و الدليل أن عينيّ بولس كانت على القيامة والحياة الأبدية ، أشياء لم يَرِد بخصوصها شيئٌ بالمرة في شريعة موسى ولا في نظام الذبائح . فالتبرير بالروح في المسيح ليس إعلان براءة الخاطئ ، ولكن هو الإنضمام إلى المسيح أي الكنيسة. ”لِكَيْ لاَ يَفْتَخِرَ كُلُّ ذِي جَسَدٍ أَمَامَهُ. . وَمِنْهُ أَنْتُمْ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ، الّذِي صَارَ لَنَا حِكْمَةً مِنَ اللهِ وَبِرّا وَقَدَاسَةً وَفِدَاءً. حَتّى كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «مَنِ افْتَخَرَ فَلْيَفْتَخِرْ بِالرّبِّ». “(١كور ٣٠:١) هنا يَظهر المسيح نفسه كأقنوم حيث تتوالى أسماؤه : الحكمة القداسة  البر الفداء لتؤكد أننا إزاء علاقة شخصية تجعل عدل الله وبر الله هو شخص المسيح ، وليس مبدأ قانوني يُطَبق حسب قواعد الشريعة . و السُبح لله . بقلم : رءوف إدوارد --- ### [٤] المسيح المساواتي: أنا اﻷوّل والأخير - Published: ۲۰۲۱-۰۸-۲۸ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/2583/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, المرأة القبطية, شئون علمانية - وسوم: الاحتلال الروماني, التتميين, الفجوة الجندرية, المرأة السامرية, النوع الاجتماعي, چيفري نورمان بليني, سالومة, عزل النساء, قديس إيرونيموس چيروم, مريم المجدلية, مريم ومرثا, مريمات, مساواتيين, نجاسة المرأة إنني في هذه الورقة، أرسم خطا فاصلا بين كافة الأنبياء والمسيح، ثم أعود لأضع خطا آخرًا، بين المسيح، وما تلاه من الرسل والآباء والقديسين… لا… بل أنني أرسم دائرة، تفصل بين المسيح، وبين الدين المسيحي ذاته!! مباشرة وقولا واحدا، كل تعاليم المسيح كما دونها الإنجيليون تقول بأن يسوع لم يشرّع أي تسلسل هرمي في العلاقات المسيحية، بل منع ذلك: "رؤساء الأمم يسودونها، وعظماءها يتسلطون عليها، فلا يكن هذا فيكم" (متى 20: 25) (مرقس 10: 42) (لوقا 22: 25) هذه الورقة مبنية بشكل كبير على كل الأوراق السابقة... لقد عرفنا سابقا العناصر الرئيسية لموقف المجتمع اليهودي من المرأة في زمن المسيح، ولقد كان من الصعب تخطي الأعراف المجتمعية السائدة في عزل النساء، وكان من المستحيل تقريبا تحدي شريعة الله في اعتزال المرأة الحائض والنازفة الدم، والتي تعتبر نجسة وكل ما تمسه نجسا (اللاويين 15: 19-27)، ورغم ذلك نجد قصة ترد في (مرقس 5: 23-34) تظهر تحدي يسوع لكل الأعراف الثقافية اليهودية في ذلك الوقت، حيث قرر أن يشفي امرأة ظلت تنزف لمدة 12 سنة، وهو ما كان محرّماً وفقاً للشريعة اليهودية، حيث يتم استبعاد النساء الحائضات أو اللاتي أنجبن من المجتمع. وهذا هو بعينه سبب النبذ الاجتماعي لمدة 12 سنة الذي تعرضت له المرأة المروي عنها. قصة أخرى تتحدى ما كان يؤمن المجتمع اليهودي أنه شريعة الله، نقلها لنا (لوقا 13: 10-17) وهي تتحدث عن شفاء امرأة معاقة 18 سنة، في يوم سبت. مما سبب للمسيح انتقادًا علانية من رئيس المجمع لأن هذا اليوم محرّم على اليهود العمل فيه، لكن المسيح تصدى له ووصفه بالمرائي الذي يحل الثور والحمار يوم السبت كي يسقيه، ويريد منه أن يترك امرأة (ابنة إبراهيم) مقيدة بالمرض... وجدير بالذكر أن الانتساب لإبراهيم كان من دواعي افتخار الإيمان اليهودي ولم يرد ذكره على امرأة قبلا... نرى في (يوحنا 8: 31-47) أن يسوع استنكر انتساب اليهود الغير مؤمنين إلى إبراهيم، وقال أنهم أولاد أبيهم، الشيطان... أي أنه هنا يحرر المرأة لا من المرض وحسب، بل من دونية نقصان الإيمان عبر لقب "ابنة إبراهيم" بشكل مساواتي مع إيمان الرجال، والذي استنكره على رجال آخرين أقل إيمانا. فريق المريمات: معنى اسم "مريم" في لغته الأصلية هو: عصيان / ثورة / تمرد... وقد انتشر تسمية اليهود لبناتهم بهذا الاسم في زمن الاحتلال الروماني لفلسطين تيمنا به... تخبرنا الأناجيل عن مريمات عدة، لكن يتفرد (مرقس 16: 1) بذكر أسماء المريمات الثلاثة ويذكر اسم إحداهن: "سالومة"... يتعامل عموم المسيحيين على أن مرقس أسماها "مريم" وكفى... بينما المؤرخ Geoffrey Blainey يرى أن المريمات كانت فريقا نسائيًا من تلميذات للمسيح وتم تسميتهن بالمريمات بمعنى الثائرات أو المتمردات وليس بالضرورة أن يكون اسمهن الحقيقي "مريم". ارتكز "بلايني" على شهادات الإنجيل حول قيام يسوع بتلقين تعاليمه للمرأة، كما هو الحال مع المرأة السامرية قرب البئر، ومريم من بيت عنيا، وكذلك علاج يسوع للمرضى النساء علناً وامتداح الأرملة الفقيرة التي تبرعت بالفلسين إلى خزينة الهيكل، وكذلك خطوته الجريئة نحو مساعدة المرأة المتهمة بالزنا، بالإضافة إلى وجود مريم المجدلية إلى جانب يسوع في أثناء صلبه... ويخلص "بلايني" للنتيجة التالية: "كانت مكانة المرأة متدنية في فلسطين، لذلك فلم يوافق الكثيرون على نظرة يسوع الرحيمة تجاههن، وبدعة المساواة التي جاء بها، فاصطدمت تعاليمه دائماً بأولئك الذين آمنوا بحرفية النصوص"(Blainey, Geoffrey, "Book of Relics: A Kind of Secular Family Bible", 2013, p38) وفقًا لبلايني، شكلت النساء على الأرجح أغلب المعتنقين للمسيحية في القرن الأول بعد المسيح... تفرد (لوقا 8: 1-3) بذكر أسماء لرفيقات يسوع خلال سفره بين المدن مختتما: "وأخريات كن يخدمنه من أموالهن"، وفي مكان آخر نقرأ عن الذين تبعوا يسوع ثم تحولوا عنه نتيجة تعاليمه الصعبة (يوحنا 6: 66) ويضيف مرقس على مشهد الصلب "اللواتي أيضا تبعنه وخدمنه حين كان في الجليل. وأخر كثيرات اللواتي صعدن معه إلى أورشليم" (مرقس 15: 41) نفس هؤلاء النساء الثائرات على مجتمعهن تواجدن عند القبض عليه وقت أن هرب التلاميذ الرجال، ووجدن بعد موته، ومكثن مع التلاميذ الرجال من هذه الفترة وحتى اليوم الخمسين، ومنهن من حل عليهن الروح القدس قي يوم الخمسين. (1أع1: 12-14، 2: 1-4، 14-47) في كل المواقف، جاء يسوع ليخرج عن المألوف في المجتمع اليهودي، ويخصص لنفسه تلميذات إناث حظين برعايته ورفقته جنبا إلى جنب مع التلاميذ الذكور، كما أمر النساء اللاتي يتبعنه أن يتوقفن عن البكاء والنحيب وهو في طريقه ليُصلب (لوقا 23: 26-31) كما أن ذكر مريم المجدلية في الأناجيل كأول شخص يرى يسوع بعد قيامته، وتكليفها بإبلاغ الجميع هو دليل على مكانة إيجابية عالية تمتعت بها المرأة، في زمن كانت شهادة المرأة لا تعتبر صالحة. (مرقس 16: 9) (لوقا 24: 11) تقليص الفجوة الجندرية: ينقل لنا (لوقا 10: 38-42) موقفًا واضحًا في التباين الجندري بين الأختين "مريم" و"مرثا"، إذ إن الأخت الكبرى "مرثا" تعبّر عن الدور الاجتماعي التقليدي للمرأة في الأعمال المنزلية، وارتأت أن أفضل ما تقوم به لتكريم المسيح هو تنفيذ ما تعلمت أنه دور المرأة في تجهيز المنزل وخدمة الرجال، مؤمنة أن ذلك هو غاية الوجود للمرأة الفاضلة، بينما مريم كانت ثائرة على هذا الدور الاجتماعي المنزلي، وكانت تقضي الوقت في التلمذة والتعلم وممارسة أدوار اجتماعية كانت حكرا على الرجال... فماذا كان موقف المسيح من كلاهما؟ دأب المسيح على تعليم الثائرة "مريم" أصول الشريعة، وهذا امتياز يحظى به الرجال فقط في اليهودية. أي أننا أمام كسر جديد للتقاليد والعادات المتوارثة لا عن تعليم المرأة فحسب، بل عن قدراتها العقلية اللاعاطفية، فالشريعة تعني التقاضي وفض المنازعات بالعدل دون تعاطف مع أيا من الأطراف وإلا عد ذلك انحيازًا. وكلها مهارات يعترض الذكور -حتى الآن- أنها تتسق مع طبيعة المرأة. لم يكن ذلك يروق للأخت الكبرى "مرثا" واعتبرت أن أختها الطائشة "مريم" مقصرة في مهامها ودورها الاجتماعي كامرأة. والأنكى، أنها لم تخبر أختها الصغرى بذلك مباشرة، بل اتبعت عادات النساء في الشكوى للرجال، معتبرة أن سلطة المسيح عليها ستكون مقنعة أكثر، فتوقفت وقالت: «أما تبالي بأن أختي قد تركتني أخدم وحدي؟ قل لها أن تعينني! » ولكن يسوع رد عليها قائلًا: «مرثا مرثا، أنت تهتمين وتضطربين لأمور كثيرة ولكن الحاجة هي إلى واحد، ومريم قد اختارت النصيب الصالح الذي لن يؤخذ منها» (لوقا 10: 40-42) وتبقى كلمة أخيرة قبل أن أمضي، الحديث عن المسيح المساواتي لا نستطيع أن نعطيه حقه، ليس فقط في مسألة المساواة الجندرية بين الجنسين، بل يتخطاه لما هو أبعد بكثير، لكن الصراع بين المساواتيون والتتميون سيجعل دور المسيح هامشيا في هذه المسألة، وأحيانا سيتم استخدام المسيح ضد المساواة بين الجنسين، وبأيدي القيادات المسيحية المقدسة ذاتها... فمثلا قصة مريم ومرثا والتي تبدو واضحة في تقليص الفجوة الجندرية، سيستخدمها القديس "جيروم" لتحقير المرأة والوصول لنتيجة تراتبية مفادها: "المرأة عندما تكون صالحة، تكون رجلاً" معلنا بداية عصرا من النساء المستذكرات... إنني في هذه الورقة، أرسم خطا فاصلا بين كافة تعاليم الأنبياء، وتعاليم المسيح ذاته... ثم أعود لأضع خطا آخرًا، يفصل بين تعاليم المسيح، وما تلاه من تعاليم الرسل والآباء والقديسين... لا... بل أنني أرسم دائرة، تفصل بين تعاليم المسيح، وبين الديانة المسيحية ذاتها! ! ربما كان يسوع كما صوره لنا الإنجيليون هو أول مساواتي في تاريخ الأديان، ظهر في قلب أكثر البقاع والأزمنة بؤسا، ربما،، لكن الأكيد عندي أنه كان المساواتي الأخير في صفحات الكتاب المقدس، أو المجامع المقدسة بعدها، والتي دمرت المكتسبات الاجتماعية التي صاغها المسيح، وتدنى بها الانحطاط لمناقشات لاهوتية عن هل للمرأة روح؟ أم نفس بلا روح كما الحيوان! وللحديث بقية، هذا المقال جزء من سلسلة: عن المرأة في المسيحية --- ### [٨] برج بابل - Published: ۲۰۲۱-۰۸-۲۷ - Modified: 2023-10-12 - URL: https://tabcm.net/2388/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, كتاب مقدس - وسوم: آدم, أرفكشاد, إنوما إليش, برج بابل, تعامة, زقورة, سدوم وعمورة, شجرة المعرفة, كوش, مردوخ, مصرائيم, نقد تأريخي, نقد كتابي, نمرود, نوح ابن لامك, نيفيليم, يهوه بعد قصة نوح اللي بتنتهي في الإصحاح 9 من التكوين بيظهر تقليد كهنوتي عن توزيع وتنوع الشعوب في الأرض بعد الطوفان وبيليه سلسلة سام وصولًا لإبراهيم، التقليد دا بيتخلله في النص بعض الأعداد التابعة للتقليد اليهوي لكنها غير كاملة. أنا هتعرض للجزء الخاص بالأنساب المرة الجاية، لكن في المقال دا هتكلم عن قصة برج بابل (تك 11: 1-9)، وهي أسطورة بتنتمي للتقليد اليهوي، وهعلق على الأعداد السابقة عليه، والمُتقاطعة مع التقليد الكهنوتي (تك 10: 8-19، 21، 24-30). النص اليهوي بعد قصة سُكر نوح هيكون كالتالي: "... وكوش ولد نمرود، وهو أول جبار في الأرض. وكان صيادا جبارا أمام الرب، ولذلك يقال:"كنمرود صياد جبار أمام الرب". وكان أول مملكته بابل وأرك وأكد وكلنة في أرض شنعار. ومن تلك الأرض خرج إلى أشور فبنى نينوى ورحبوت عير وكالح، وراسن بين نينوى وكالح، وهي المدينة العظيمة. ومصرائيم ولد اللوديم والعناميم واللهابيم والنفتوحيم والفتروسيم والكسلوحيم والكفتوريم الذين خرج منهم الفلسطينيون. وكنعان ولد صيدون بكره وحثا واليبوسي والأموري والجرجاشي والحوي والعرقي والسيني والأروادي والصماري والحماتى. وبعد ذلك تفرقت عشائر الكنعانيين. وكانت حدود الكنعانيين من صيدون وأنت آت نحو جرار إلى غزة، وأنت آت نحو سدوم وعمورة وأدمة وصبوئيم إلى لاشع. " (سفر التكوين، الإصحاح 10: 8-19) "وسام أبو كل بني عابر، أخو يافث الكبير، ولد له أيضا بنون. " (سفر التكوين، الإصحاح 10: 21) "... وأرفكشاد ولد شالح، وشالح ولد عابر. وولد لعابر ابنان: اسم أحدهما فالج لأنه في أيامه آنقسمت الأرض، واسم أخيه يقطان. ويقطان ولد ألموداد وشالف وحضرموت ويارح. وهدورام وأوزال ودقلة وعوبال وأبيمائيل وشبأ وأوفير وحويلة ويوباب. جميع هؤلاء بنو يقطان. وكانوا يقيمون من ميشا وأنت آت نحو سفار، جبل المشرق. " (سفر التكوين، الإصحاح 10: 24-30) "... وكانت الأرض كلها لغة واحدة وكلاما واحدا. وكان أنهم لما رحلوا من المشرق وجدوا سهلا في أرض شنعار فأقاموا هناك. وقال بعضهم لبعض: "تعالوا نصنع لبنا ولنحرقه حرقا". فكان لهم اللبن بدل الحجارة، والحمر كان لهم بدل الطين. وقالوا: "تعالوا نبن لنا مدينة وبرجا رأسه في السماء، ونقم لنا آسما كي لا نتفرق على وجه الأرض كلها". فنزل الرب ليرى المدينة والبرج اللذين بناهما بنو آدم. وقال الرب: "هوذا هم شعب واحد ولجميعهم لغة واحدة، وهذا ما أخذوا يفعلونه. والآن لا يكفون عما هموا به حتى يصنعوه. فلننزل ونبلبل هناك لغتهم، حتى لا يفهم بعضهم لغة بعض". ففرقهم الرب من هناك على وجه الأرض كلها، فكفوا عن بناء المدينة. ولذلك سميت بابل، لأن الرب هناك بلبل لغة الأرض كلها. ومن هناك فرقهم الرب على وجه الأرض كلها. " (سفر التكوين، الإصحاح 11: 1-9) التقليد اليهوي بيفسر تنوع الشعوب واللغات باعتباره نتيجة تدخل مُباشر من يهوه (الرب)، نتيجة لمُحاولات البشر مرة أُخرى انهم يوصلوا للألوهة سابقًا بالأكل من شجرة المعرفة، وفيما بعد بزواج بنات الناس من نسل الآلهة في قصة النيفيليم، وحاليًا في القصة دي ببناء برج بيصل للسماء، لكن النصوص اللي قبل أسطورة البرج بنلاقي توصيف للشعوب/الأجناس، ودا لمرة كمان بيرجح إمكانية وجود اكتر من طبقة للتقليد اليهوي، على الرغم من كدا النصوص اللي قبل أسطورة البرج مقتطعة وباين إنها ناقصة، وارد يكون دا نتيجة وضعها في سياق الكاتب الكهنوتي فيما بعد. النصوص قبل أسطورة البرج بتفسر تمايز الشعوب/الأجناس بتصور قبائلي بيتصور إن كل شعب اتسمى بالاسم دا نتيجة وجود "قائد أعلى/أب أعلى/أب أول" للقبيلة/للشعب/للجنس اتسموا باسمه. في اسطورة إنوما إليش الإله مردوخ بعد انتصاره على تعامة وخلق العالم بيأمر ببناء مدينة بابل ومعابد الآلهة، البابليين كان عندهم معابد ضخمة للتعبد للآلهة معروفة باسم الزقورات- Ziggurats، وكانت من مميزاتها إنها أشبه بالأبراج المتصلة بالسما عشان تتجلى فيها الآلهة. في الصورة إعادة تصور لزقورة إيتمإنانكي- Etemenanki، مكانها في العراق-بابل، وهي زقورة تم بنائها للإله مردوخ، غالبًا تم بنائها ما بين القرن الـ14 والقرن الـ9 ق. م. وقد تكون هي المنسوب القيام ببنائها للآلهة نفسهم في الإنوما إليش، في القرن السادس قبل الميلاد كانت الزقورة اتهدت وأعاد بنائها الملك  الثاني مرة تانية، فيما بعد تم هدمها ومتبنتش تاني. كاتب التقليد اليهوي في قصة برج بابل تلاعب بالاسم "بابل" وفسره بانها اتسمت بالاسم دا لإن فيها تم بلبلة ألسنة البشر، وفكرة برج البابل أقرب فهم وتصور ليها هو فكرة الزقورة اللي تم تأويلها بالشكل دا عشان يهاجمها كاتب التقليد اليهوي. أسطورة برج بابل بيكون من المنطقي جدًا تفهم طبيعتها لو تم افتراض زمن متأخر لكتابة التقليد اليهوي، القصة بيستدل بيها على ترجيح إرجاع زمن كتابة التقليد اليهوي لعصر السبي البابلي، بدلًا من القرن التاسع للسابع ق. م. ، في الزمن دا ممكن يكون مفهوم جدًا ليه الكاتب كان بيهاجم بابل بالشكل دا. --- ### [5] الخاتمة ونتيجة البحث - Published: ۲۰۲۱-۰۸-۲۵ - Modified: 2024-05-19 - URL: https://tabcm.net/2080/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, تاريخ وميثولوچيا - وسوم: سر المعمودية المعمودية كامتداد للإيمان يشدد الكثيرون على المعمودية كونها امتداد للإيمان وبالتالي يستنتجون أنه لا يمكن قبول المعمودية طالما هناك اختلافات في الإيمان بل وفي قانون الإيمان نفسه. ويأتي الشخص بعدد من أقوال الآباء التي تؤكد على علاقة المعمودية بالإيمان وهنا سنحاول أن ننظر لبعض من هذه الأقوال بهدف محاولة فهم هذه الأقوال في سياقها. أولًا، نرى في التقليد الرسولي أن قانون المعمودية كان يقال أثناء التغطيس فيقول المُعمِد: "أتؤمن بالله الآب ضابط الكل؟" وفي الدفعة الثانية يقول المُعمِد: "أتؤمن بيسوع المسيح ابن الله، الذي ولد من الروح القدس ومن مريم العذراء، الذي صلب في عهد بيلاطس البنطي، ومات وقام من بين الأموات في اليوم الثالث، وصعد إلى السموات، وجلس عن يمين الآب، ويأتي ليدين الأحياء والأموات؟" وفي الدفعة الثالثة يقول المُعمِد "أتؤمن بالروح القدس في الكنيسة المقدسة وقيامة الجسد؟" وفي كل مرة يجيب المُعتمِد "إني أؤمن". ولا نجد في هذا القانون البدائي أي شيء يخص الانبثاق من الآب أو الآب والابن أو غيره ولا تزال تستخدم هذه الصيغة في غالبية الكنائس الرسولية بما فيها الكنيسة الكاثوليكية وهي صيغة بدائية سابقة لوضع قانون الإيمان في مجمعي نيقية والقسطنطينية. أما بخصوص أقوال الاباء، نرى نفس الفكر في كلمات ق. يوستينوس الشهيد (100-165) حيث يقول: "نحن ندعو اسم الآب ورب الكون وإلهه عندما نعمِّد الذي اُختير ليولد من جديد والذي تاب عن خطاياه. والذي يُعمّد - عندما يقود الذي اُختير للمعمودية إلى الحياة - يصف الله هكذا بأنه خالق الكون وربه وإلهه ولا يزيد شيئاً، كما أنه يُعمّد باسم يسوع المسيح الذي صُلب على عهد بيلاطس البنطي، وبالروح القدس الذي أخبر سابقاً عن طريق الأنبياء بكل الأشياء الخاصة بيسوع، وعند ذلك يغسل المستنير". كذلك نجد ق. إيرينيئوس أسقف ليون (~130 - ~200) من أول من قالوا بالعلاقة بين المعمودية والإيمان فيقول: "ما الذي يخبرنا عنه الإيمان كما سُلم لنا من الشيوخ تلاميذ الرسل. فإن الإيمان أول كل شئ يحثنا أن نتذكر أننا قبلنا المعمودية باسم الله الآب ويسوع المسيح ابن الله، الذي تجسد وصلب وقام، وروح الله القدوس، لغفران خطايانا، وأن هذه المعمودية هي ختم الحياة الأبدية وميلادنا الثانى من الله، حتى لا نكون بعد أولاد البشر المائتين، بل أولاد الله الأبدى. وعلينا دائمًا باستمرار أن نعمل لأجل أن نتسامى فوق كل الأشياء المخلوقة، فالكل موجود تحت سلطان الله، وكل ما هو موجود تحت سلطانه عليه أن يعمل لأجله، لأن الله هو رب الكل والكل ينتمى إليه". "إن البند الأول من قانون إيماننا وقاعدة البناء وأساس الخلاص هي أن الله الآب غير المولود، غير المحوي، غير المرئي، إله واحد خالق الجميع. والبند الثاني هو أن كلمة الله يسوع المسيح ربنا، الذي تنبأ عنه الأنبياء، الذي كل شيء به كان وبتدبير الآب في الأيام الأخيرة صار إنسانًا بين البشر وتراءى للكل لكي يبطل الموت ولكي يجتمع كل شيء ويُظهر الحياة ويصنع شركة بين الله والإنسان. والبند الثالث هو أن الروح القدس هو الذي بواسطته تنبأ الأنبياء وتعلم الآباء بأمور الله، والذي بواسطته دخل الأبرار إلى طريق البر، كما أنه انسكب في الأيام الأخيرة بطريقة جديدة على جنس البشر مجددًا الإنسان لله. لأجل هذا فإن المعمودية التي هي ميلادنا الثاني تُجرى على اسم الثالوث، وهي التي تضمن لنا الميلاد الثاني من الله الآب بابنه في الروح القدس... ". "قانون الحق المسلم في المعمودية الذي له ثلاثة بنود رئيسية وهي: الإيمان المُسلّم من الرسل بإله واحد الله الآب والرب الواحد المصلوب والمقام يسوع المسيح والروح القدس". وفي أقوال ق. إيرينيئوس نرى أن ما يعنيه ببنود الإيمان هو الإيمان بالثالوث القدوس ولا يتدرج في حديثة لعلاقات الأقانيم ببعضها البعض بل يركز اهتمامه على دور كل أقنوم في حياة الإنسان وخلاصه، الأمر الذي لا يختلف عليه أي مؤمن من أي كنيسة رسولية. ولا يوجد في صيغ الإيمان التي تُقال قبل المعمودية والمذكورة في التقليد الرسولي أو عند ق. يوستينوس أو ق. إيرينيئوس أي شيء عن علاقات الأقانيم الإلهية من ولادة أو انبثاق لأن هذه القوانين التي اعتمدتها الكنيسة كانت صيغ بدائية للاعتراف بالإيمان ولا تزال هي المستخدمة في التعميد في الكثير من الكنائس الرسولية ووجدتها الكنيسة كافية كمعيار لصحة الإيمان بالثالوث. فالإيمان بالثالوث اللازم لصحة المعمودية هو إيمان بألوهية الثلاثة أقانيم وعملهم الخلاصي لأجل الشخص المهيأ لقبول العماد. وبالتالي فكلمات المعمودية التي يستخدمها الكاثوليك هي كلمات وصيغ قانونية رسولية لا تتطرق للتطورات التي حدثت فيما بعد في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية. المعمودية بين التغطيس والرش أما بخصوص طريقة المعمودية والاعتراض على معمودية الكاثوليك بالرش، فيجب وضع الآتي في الاعتبار: أولًا: لا تُعمد الكنيسة الكاثوليكية ككل بالرش ولكن تُعمد الكنيسة الرومانية الكاثوليكية بالرش بينما تعمد الكنائس الشرقية الكاثوليكية بالتغطيس (بما فيها القبطية الكاثوليكية). ثانيًا: التغطيس والرش هما طريقتين بديلتين للمعمودية بالطريقة التي عمد بها الرسل في الأساس وهي المعمودية في ماء جار، فيشهد الديداخي بالأتي: "إن لم يكن لك ماء جار، فعمد بماء أخر، وإن لم يمكنك بماء بارد فبماء ساخن، وإن لم يكن لديك كلاهما فاسكب ماءً على الرأس ثلاث مرات باسم الآب والابن والروح القدس". وأشك أنه يوجد كاهن في أيامنا هذه يعمد في ماء جار وإن عمد في جرن كما هي العادة الآن فأشك أن الكاهن حين يملأ الجرن يتأكد من كون الماء بارد أم ساخن ويستفضل البارد على الساخن! ثالثًا: إن كانت المعمودية بالرش هي في طبيعتها أقل من المعمودية بالتغطيس ولا يحل الروح القدس فيها، فما هو موقفنا من الكنيسة الأرمينية الأرثوذكسية (وهي كنيسة لا خلقيدونية تشاركنا ذات الإيمان) والتي تُعمد أبنائها بالرش؟ فإن جاءنا أحدهم ليشترك في الأسرار، هل نعيد معموديتهم بمعمودية التغطيس الكاملة على الرغم من شركتنا معهم؟ أم نعترف بأن طقوس الكنائس تطورت بطرق مختلفة وليس من الضروري أن تعكس هذه التطورات اختلاف في مفهوم وفعالية المعمودية؟   ملخص البحث: كان المستقر ألا تعاد معمودية الهراطقة حسب رأي ستيفن الروماني واعتبر أي طريقة أخرى هي استحداث ليس إلا. كان المستقر في أفريقيا أن تعاد المعمودية واعتمد هذا الرأي مجمع قرطاجنة برئاسة ق. كبريانوس ولكن الأخير لم يعتبر الأخرين في حالة هرطقة إن لم يتبعوا طريقته في إعادة المعمودية. حاول ق. ديونيسيوس الصلح بين روما وقرطاجنة حيث قطعت روما الشركة مع قرطاجنة فاتخذ ق. ديونيسيوس صف ق. كبريانوس في إعادة المعمودية وحث روما على التذكر أن لكل كنيسة طريقتها الخاصة في قبول المعمودية وأن هذا الأمر ليس بداع لقطع الشركة. انعقد فيما بعد مجمع أرلِس وقرر قبول معمودية الهراطقة. قبل ق. أغسطينوس معمودية الهراطقة بناءً على مجمع أرلِس الذي اعتبره أكثر مسكونيةً من مجمع قرطاجنة. رفض ق. كيرلس الأورشليمي معمودية الهراطقة كما رفض ق. أثناسيوس الرسولي معمودية الأريوسيين. جاء مجمعي نيقية ولاودكية قابلين معمودية النوفاتيين ورافضين أتباع بولس الساموساطي معتبرين النوفاتيين منشقين بينما أتباع بولس مهرطقين. على الرغم من رفض ق. أثناسيوس معمودية الأريوسيين إلا أن روما بعده بأقل من 80 سنة كانت تقبل معمودية الأريوسيين وكذلك اسكندرية في عهد ق. تيموثاوس السكندري الأول. ميز ق. باسيليوس بين الهراطقة والمنشقين والغير القانونيين قائلًا بعدم إعادة معمودية الفئتين الثانية والثالثة، أما الفئة الأولى فقال بأن من الأفضل تعميدهم إلا لو كان في عدم إعادة معموديتهم احتمال لدخول عدد أكبر في الشركة وأنه في هذه الحالة لابد أن يكونوا معمدين في اسم الثالوث بالطريقة الصحيحة ويتم دهنهم بالميرون فيما بعد ليقبلوا في الشركة، وهذا انطبق في أضيق الحدود على من لم يؤمنوا أن الله خالق الشر أو كانوا من المركيونيين أو من كان لهم إيمان خاطئ بالثالوث. القانون السابع من مجمع القسطنطينية اعتمد رأي ق. باسيليوس إلى مدى بعيد إلا أن هناك شكوك حول صحته. على الرغم من ذلك، توجد رسالة لماريتيريوس الأنطاكي يقر فيها بنفس رأي ق. باسيليوس ويبدو أن النصوص المتأخرة لمجمع القسطنطينية أضافت هذا القانون معتمدة على هذه الرسالة وساد العمل بها في الشرق لدرجة اعتبار هذا القانون جزء من مجمع ترلو الخلقيدوني في القرن السابع مما أضاف على القانون صفة المسكونية بين الخلقيدونيين. قبل ق. كيرلس الأنطاك العائدين للشركة بدون إعادة أي سر في عام 433 م على الرغم من كونهم خارج الشركة على مدى حوالي 3 سنوات كان لهم فيها أطفال اعتمدوا ودهنوا بالميرون في ظل الانشقاق بين الكنيستين. لم يبدي ق. ديسقوروس رأي في الموضوع ولم يأمر بإعادة معمودية الخلقيدونيين أو إعادة دهنهم بالميرون. حرم ق. تيموثاوس ثيؤدوتس الذي أمر بإعادة دهن الخلقيدونيين بالميرون وطالب بقبولهم بناء على اعتراف الإيمان فقط وحرم نسطور وأوطاخي إضافةً لكتابة اعتراف ايمان وعام من التوبة في حالة الإكليروس فقط. اعتمد ق. فلكسينوس وق. ساويرس الأنطاكي في خطاباته على اختلاف الرأي في القرون الأولى مقرًا بأن لا مانع من هذا الاختلاف ورأى ان الطريقة الأسهل هي طريقة أكثر قانونيةً وهي طريقة عدم إعادة المعمودية إضافةً لما تسلمه من كيرلس الذي قبل معمودية الأنطاك وتيموثواس الذي قبل معمودية الخلقيدونيين وما تسلمه من ثيؤفيلوس السكندري الذي أثنى على جهود أمبروسيوس في تسهيل عملية انضمام الهراطقة للكنيسة دون إعادة للمعمودية. المجمع المنعقد في عهد ق. يعقوب البرادعي أقر بشرعية كهنوت الخلقيدونيين على الرغم من الانشقاق. تقر مخطوطات العصور الوسطى القبطية بعدم وجوب إعادة المعمودية أو الدهن بالميرون مع الخلقيدونيين والنساطرة منذ عهد البابا خريستوذلس في القرن الحادي عشر. تقر وثيقة عام 1854 بالرشم بقارورة الميرون وهي مغلقة كطريقة قبول البيزنطيين في الشركة. لا تتكلم أي من هذه المخطوطات عن الكاثوليك بشكل خاص إلا أنهم قد يندرجوا تحت مسمى الملكانيين قبل الانشقاق الكبير في عهد البابا خريستوذلس. ربط المعمودية بالإيمان أمر صحيح ولكن له حدوده التي وضعها الاباء الرسل وهي القول بألوهية الثلاثة أقانيم دون التطرق لتفاصيل الإيمان ولا يزال يستخدم قانون الإيمان الرسولي في طقس التعميد في الكنائس الرسولية بما فيها الكنيسة الكاثوليكية. تقبل الكنيسة السريانية والكنيسة الأرمينية معمودية الكاثوليك وهم شركاء لنا في الإيمان. تعترف الكنائس اللاخلقيدونية بشرعية كهنوت الخلقيدونيين عمومًا منذ عهد ق. يعقوب البرادعي و الكاثوليك خصوصًا بموجب الاتفاقيات المسكونية أو الاتفاقات الرعائية التي قامت بها الكنيستين السريانية الأرثوذكسية والسريانية المالانكارا الأرثوذكسية بخصوص قبول الأسرار في حالات الضرورة. يعمد اللاتين من الكاثوليك بالرش بينما يُعمد الكاثوليك الشرقيين بالتغطيس وكذلك على الصعيد اللاخلقيدوني فيعمد الأرمن بالرش في الوقت الذي تُعمد فيه باقي الكنائس بالتغطيس. سواء التغطيس أو الرش، فلهما أساس رسولي في الديداخي. خاتمة البحث أتمنى أن يكون هذا البحث سببًا في إعادة فتح ملف إعادة معمودية الكاثوليك، فعدم إعادة معمودية الكاثوليك هو الوضع الطبيعي والقانوني إزاء إيماننا بشرعية وشرطونية كهنوت الخلقيدونيين عمومًا منذ عهد ق. يعقوب البرادعي، واعترافنا منذ عام 1979 برسوليتهم وسرائريتهم وكهنوتهم، واعتراف شركاؤنا في الإيمان من السريان والأرمن بمعموديتهم وسماحهم لرعاياهم بالزيجة المختلطة في أي من الكنيستين بل والشركة في الأسرار في حالات الضرورة في العصر الحديث. في تاريخنا، نجد أباء قبلوا معمودية الأريوسيين والنساطرة والخلقيدونيين، إذن فهل من المنطقي ألا نقبل معمودية الكاثوليك ذوي الجذور الرسولية؟ هل أصبح الكاثوليك أبعد في إيمانهم بالنسبة لكنيستنا عن الأريوسيين والنساطرة اللذين قبلنا معمودياتهم في القديم؟ نحث الكنيسة ممثلة في مجمعها المقدس برئاسة أبينا قداسة البابا المعظم الأنبا تواضروس الثاني، بروح الاتضاع وخضوع الأبناء، على العودة للطريقة القانونية التي وضعها اباؤنا قابلين معمودية من يريدوا الانضمام لكنيستنا طالما تمت معموديتهم في كنيسة لها جذور رسولية. --- ### المسيح والدين: صراع أم وفاق؟ - Published: ۲۰۲۱-۰۸-۲۳ - Modified: 2023-10-09 - URL: https://tabcm.net/2632/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, شئون علمانية - وسوم: توفيق الحكيم, عصفور من الشرق, كارل هانريش ماركس, هنري فيلدنغ, يونان النبي في التاريخ، لا يوجد شيء صادق سوى الأسماء والتواريخ، لكن في الأدب، كل شيء حقيقي ما عدا الأسماء والتواريخ حين نتتبع المذهب الفكري للسيد المسيح، يتبدى لنا أنه كان في صراع دائم، لا مع المؤسسات الدينية فحسب، بل مع الفرد المتدين الذي يحد الله بالعقل المحض. فقد كان يتعمد المسيح إجراء المعجزات في يوم السبت ثائرًا على الشرائع والمقدسات، واختار لنفسه زمرة من الأصدقاء من الزناة والعشارين. لم يكن يطفئ فتيلة مدخنة، ولم يكن يسمع أحد في الشوارع صوته، لكنه لم يتوان عن التنكيل برجال الدين، وتوبيخهم أشد توبيخ. لكن "الدين أفيون الشعوب،" كما قال كارل ماركس؛ فعلى الرغم من ثورة المسيح الواضحة ضد الدين، نجد المسيحيون اليوم يربطون أنفسهم بالدين ارتباطًا محمومًا، يصعب فهمه. هل هذا بسبب أن المرء يشعر أنه أفضل من غيره حين يكون متدين؟ كما يتضح لنا من قصة الفريسي والعشار: أَمّا الْفَرّيسِيّ فَوَقَفَ يُصَلّي فِي نَفْسِهِ هكَذَا: اَللّهُمّ أَنَا أَشْكُرُكَ أَنّي لَسْتُ مِثْلَ بَاقِي النّاسِ الْخَاطِفِينَ الظّالِمِينَ الزّنَاةِ، وَلاَ مِثْلَ هذَا الْعَشّارِ. أَصُومُ مَرَتَيْنِ فِي الأُسْبُوعِ، وَأُعَشِرُ كُلَّ مَا أَقْتَنِيهِ(لوقا 18) للأسف الشديد، يتعامل البعض مع النصوص الكتابية كما يتعامل الطلبة مع كتاب الدراسات الاجتماعية. فهم يقرأون الكتاب لا للبحث عن معان عميقة، روحية بل لحفظ ما جاء به من أحداث، وتطبيق ما به من فروض. (ماذا حدث، وما المطلوب مني أن أفعل؟) وقل ما شئت عن الهول الذي يمكن أن يصيبهم حين تقول لهم إن بعض قصص العهد القديم ربما تكون رمزية. . رمزية، كيف؟ مستحيل؟ استغفر الله! ! حتى إن قلت لهم إن معنى القصة، ومضمونها لن يتأثرا إذا كانت من نسج خيال الكاتب أم من الحقيقة، فهم لا يهتمون بالمعنى، هم يريدون حقائق جامدة، ومعجزات لكي يؤمنوا. فعلى سبيل المثال، إذا افترضنا أن قصة يونان النبي لم تحث هكذا بل ذكرت على سبيل الرمز، هل سيتغير معنى القصة؟ لا، ستظل القصة تشير إلى محبة الله للخطاة، وستظل صورة يونان ترمز إلى ذلك الخادم الذي يهتم بنفسه، وصورته فقط لا خلاص الآخرين. فخوف يونان من اعتقاد البعض أنه نبي كاذب حين يتوعد الشعب بالهلاك، ثم يرحمهم الله، وغيرته من أن ينال الخطاة وغير المستحقين النجاة، نجدهما متجسدان في الكثيرين اليوم؛ فالقصة حقيقية، وإن لم تحدث فعليًا. بل، دعني أقول، إن القصص الرمزية ربما تكون أعمق، وأكثر شمولًا من الواقع. يقول "هنري فيلدنغ" مادحًا القصص الخيالية: "في التاريخ، لا يوجد شيء صادق سوى الأسماء والتواريخ، لكن في الأدب، كل شيء حقيقي ما عدا الأسماء والتواريخ" (هنري فيلدنغ، روائي بريطاني) لكن بالنسبة للمتدين، تقلل رمزية القصة من هول الموقف، فالبعض يؤمن حين يرى معجزات حقيقية فقط، مثل من تبعوا المسيح حين رأوا آياته لكنه "لم يأتمنهم على نفسه،" وغادرهم بعيدًا. فهول الموقف هو ما يهم: وَلَمّا كَانَ فِي أُورُشَلِيمَ فِي عِيدِ الْفِصْحِ، آمَنَ كَثِيرُونَ بِاسْمِهِ، إِذْ رَأَوْا الآيَاتِ الّتِي صَنَعَ. لكِنّ يَسُوعَ لَمْ يَأْتَمِنْهُمْ عَلَى نَفْسِهِ، لأَنّهُ كَانَ يَعْرِفُ الْجَمِيعَ(يوحنا 2) وكم هو مثير للغرابة أن تجد تلك المسابقات الكتابية التي تمتحن المتسابقين في أتفه التفاصيل مثل من الذي قال عنه الكتاب أنه مات بشيبة صالحة، وشبعان أيامًا: إبراهيم، أم موسى، أم يوسف، أم يعقوب؟ كم استغرق بناء الفلك: 100 عام، أم 120، أم 140؟ فالاهتمام ينصب على جمع المعلومات السطحية، وترديدها، وليتها معلومات تفيد أو تغير من المرء في شيء! هل يريد الله أن نضيع وقتنا على هذه التفاهات؟! تمسك أم تجرد؟ لا أجد أفضل من تلك الفقرة الرائعة التي كتبها توفيق الحكيم عن وجوب التجرد للسمو الروحي. فهو يتعجب من تمسك الناس الشديد بالطقوس والقوانين التي تشغلهم عن العثور على طريقهم إلى الوجود والكينونة؛ فبدلًا من الابتعاد عن المشتتات لكي يصبح المرء منفتحًا، حساسًا لأعمق المشاعر داخله، واستقبال همسات الله، تجدهم يكبلون أنفسهم بالدروشة! لماذا أراد الناس أن يجعلوا «الله» في حاجة إلى السجاجيد الفارسية يفرش بها بيوته؟! و «السيدة» في حاجة إلى «النور» والنجف والشمع؛ كأنها لا تستطيع النوم في الظلام، ثم ذلك «القمقم» الفضي في الكنيسة، وتلك الإشارات والعلامات، لماذا كل هذا؟؟ حتى «الموسيقى العظيمة»، التي استطاعت أن ترفع الإنسان إلى بعض القمم، سرعان ما جعلوا لها ثياب سهرة؛ ترتدي من أجلها، وقواعد وتقاليد؛ لا بد من مراعاتها! ... وتتقلب الأمور على مر الزمن، فينسی الناس الأصل والجوهر، ويذكرون الفرع والعرض... إن «الإخلاص» للدين والفن، يستوجب «التجرد»(توفيق الحكيم، رواية: "عصفور من الشرق") --- ### التمايز في شرح العقيدة المسيحية (٦) - Published: ۲۰۲۱-۰۸-۲۲ - Modified: 2022-02-04 - URL: https://tabcm.net/2354/ - تصنيفات: لاهوتيات جسد المسيح السري في المفهوم الأرثوذكسي • المسيحي هو من ينتسب إلي المسيح و يؤمن أن المسيح هو الله الذي ظهر في الجسد وأنه هو ابن الله الأزلي الذي أرسله الآب إلي العالم وحلَ بلاهوته في أحشاء العذراء القديسة مريم واتَخذ منها جسداً بواسطة الروح القدس . ثم صُلب بإرادته وصعد بجسد القيامة المُمَجَد ليجلس به عن يمين الآب ، وأنه أكمل ذلك كله لنا ومِن أجلنا وفينا نحن البشر ومن أجل خلاصنا . • و لأن جسد المسيح كان فريداً وليس من زرع بشر أي بدون تدخل رجل ، بل من زرع الله أي بتدخل الروح القدس ، لذلك إعتُبر جسد المسيح - كما كان جسد آدم الأول - أصلاً جديداً في ذاته لكل بشر مولود منه  ”لأَنَنَا أَعْضَاءُ جِسْمِهِ ، مِنْ لَحْمِهِ وَمِنْ عِظَامِهِ“ (أفسس٣٠:٥) . • وعلى مثال آدم الأول الذي أخذنا منه جسدنا الأول الذي نسميه الجسد العتيق ، وأخذنا فيه الطبيعة الساقطة بسبب عصيانه الله وبالتالي الموت ، كذلك المسيح - آدم الثاني - صار كل ما أكمله المسيح في جسده - الذي أخذه ِمن العذراء - محسوباً لنا لأنه أكمله من أجلنا وفي جسدنا . فقد صرنا شركاء في تجسده و موته و قيامته و ميراثه في السماء ”... إِنْ كَانَ وَاحِدٌ قَدْ مَاتَ لأَجْلِ الْجَمِيعِ، فَالْجَمِيعُ إِذًا مَاتُوا. وَهُوَ مَاتَ لأَجْلِ الْجَمِيعِ كَيْ يَعِيشَ الأَحْيَاءُ فِيمَا بَعْدُ لاَ لأَنْفُسِهِمْ، بَلْ لِلَذِي مَاتَ لأَجْلِهِمْ وَقَامَ ... إِذًا إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ : الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ، هُوَذَا الْكُلُ قَدْ صَارَ جَدِيدًا“. (٢كورنثوس١٧:٥). فتجسُد المسيح وحلول الروح القدس علي جسد المسيح في نهر الأردن إنتهاءً بالقيامة والصعود كان تأسيساً للإنسان الجديد فيه ، عِوضاً عن الإنسان العتيق نسل آدم الأول الذي أخذناه بالميلاد من الأب والأم . والمسيح يعطينا الشركة في هذه الطبيعة الجديدة - جسده المقدس - علي مرحلتين ، الأولي هي مانسميها الولادة الروحية من جسد المسيح الروحي في سر المعمودية ”لأَنَهُ كَمَا أَنَ الْجَسَدَ( جسد الإنسان )هُوَ وَاحِدٌ وَلَهُ أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ، وَكُلُّ أَعْضَاءِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ إِذَا كَانَتْ كَثِيرَةً هِيَ جَسَدٌ وَاحِدٌ، كَذلِكَ الْمَسِيحُ أَيْضًا. 13 لأَنَنَا جَمِيعَنَا بِرُوحٍ وَاحِدٍ أَيْضًا اعْتَمَدْنَا إِلَى جَسَدٍ وَاحِدٍ. ( جسد المسيح السري ) “( ١كو ١٢). لذلك َيرجع الروح القدس بَعد أن فارق الإنسان بسقوط آدم الأول أبيه ، ويعود ليسكن في الإنسان مرةً أخري بعد أن تَجدد في جسد المسيح أصله الجديد ، وذلك يتم للمؤمن في سر مسحة زيت الميرون المقدس للطفل المُعَمَد ، فيصبح جسده هيكلاً جديداً للروح القدس. هذا هو معنى وحقيقة شركة المؤمنين في جسد المسيح ”هكَذَا نَحْنُ الْكَثِيرِينَ: جَسَدٌ وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ“ ( رومية 5:12). وهذا هو معنى وحقيقة أن الكنيسة هي جسد المسيح السري ”وَأَخْضَعَ(الآب)كُلَّ شَيْءٍ تَحْتَ قَدَمَيْهِ(الإبن)، وَإِيَاهُ جَعَلَ رَأْسًا فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ لِلْكَنِيسَةِ، الَتِي هِيَ جَسَدُهُ، مِلْءُ الَذِي يَمْلأُ الْكُلَّ فِي الْكُل“ ( أفسس ١٨:١) . أما المرحلة الثانية فهي في اليوم الأخير حين تقوم أجساد المؤمنين بالمسيح على شبه جسد المسيح المُمَجَد وقت أن قام بعد الصليب ”الَذِي سَيُغَيِرُ شَكْلَ جَسَدِ تَوَاضُعِنَا لِيَكُونَ عَلَى صُورَةِ جَسَدِ مَجْدِهِ“ (فيليبي 21:3). • وقد استغرب أحدهم قائلاً هل معنى هذا أن الكنيسة هي التي ُولِدَت في بيت لحم وهي التي  ُصلِبَت على الصليب وليس المسيح، إذا كنتم تقولون إن الكنيسة هي جسد المسيح السري! ! . مِن الواضح ممّا سبق أنه بعد قيامة الرب يسوع وصعوده إلي الآب في المجد ، صرنا لا نعرف المسيح كظاهرة بيولوجية بل المسيح الروحي ” فَإِنَّ الْمَسِيحَ ... . أَيْضًا تَأَلَمَ مَرَةً وَاحِدَةً مِنْ أَجْلِ الْخَطَايَا، الْبَارُّ مِنْ أَجْلِ الأَثَمَةِ، لِكَيْ... . يُقَرِّبَنَا إِلَى اللهِ ، مُمَاتًا فِي الْجَسَدِ وَلكِنْ مُحْيىً فِي الرُوحِ“(١بط ١٨:٣). لذلك قلنا أعلاه إن ولادتنا من جسد المسيح في المعمودية هي روحية ونسميها سر لأن الرب المتجسد يسوع المسيح هو الآن مستتر في مجد الله ”إِذًا نَحْنُ مِنَ الآنَ لاَ نَعْرِفُ أَحَدًا حَسَبَ الْجَسَدِ( سواء نحن أم المسيح لأن حياتنا الحقيقية مستترة في المسيح الروحي ). وَإِنْ كُنَا قَدْ عَرَفْنَا الْمَسِيحَ حَسَبَ الْجَسَدِ، لكِنِ الآنَ لاَ نَعْرِفُهُ بَعْدُ“ (٢كورنثوس١٦:٥). لذلك يعلن لنا الكتاب المقدس أن شركتنا في جسد المسيح الحي الآن هي على مستوى الروح و مستترة في الله بالسر”وَحَيَاتُكُمْ مُسْتَتِرَةٌ مَعَ الْمَسِيحِ فِي اللهِ“ ( كولوسي ٣) ، إلي أن تُستَعلَن في القيامة في اليوم الأخير على مستوى المنظور الأخروي . ومنذ الآن فإن المسيح يُحَوُل طبيعتنا الروحية نحن إلي حياته هو في الأسرار المقدسة كما سبق وشرحنا بعاليه . • وبنفس مفهوم الإيمان هذا ، نتكلم عن سر التناول من جسد الرب ودمه (سر الإفخارستيا) أنه لا يندرج تحت المستوى البيولوجي حسب الجسد ولكن سِرِياً بحسب الروح . فالروح القدس الذي كوَن جسد المسيح في أحشاء العذراء القديسة مريم ، هو ذاته بالتقديس ينقل الخبز والخمر- تقدمة الكنيسة في الإفخارستيا - ليوحِدها بالخبز السماوي ، المسيح ، المن العقلي ، لتصبح تقدمة واحدة. ثم يَضُمُنا الروح القدس إلي ذات الجسد. ففي القداس يحل الروح القدس على القرابين والمصلين. • فلننتبه يا أخوة إلي ما نتناوله في الإفخارستيا: ” هوذا كائنٌ معنا علي هذه المائدة الآن عمانوئيل إلهنا “. فإن المسيح منذ الآن يُحَوُل طبيعتنا الروحية نحن إلي حياته هو بتناولنا من”خبز الحياة “ الإفخارستيا ، وليس العكس بأن يتحول هو إلى جسدنا . فكان إعتراض التفكير العقلي المادي لأحدهم أنه إذا كانت الكنيسة هي جسد المسيح فإن الكنيسة تأكل نفسها في الإفخارستيا. وهو لا يختلف عن فهم الشيخ الشعراوي عن المسيحيين ( أنهم يُحَضِرون جسد إلههم ثم يأكلونه) . إن إيماننا الأرثوذكسي وبحسب الإنجيل يعلمنا أننا - الكنيسة - بالتناول نتثبت في أصلنا المسيح الذي هو أصل الكنيسة بحسب قوله - له كل المجد - ”... أَنَا الْكَرْمَةُ وَأَنْتُمُ الأَغْصَانُ ... اُثْبُتُوا فِيَّ وَأَنَا فِيكُمْ... “ ( يوحنا ١٥) فهو الأصل ونحن نتطعم فيه . • إن تجسُد الله الكلمة وحلوله في أحشاء العذراء هو مقدمة لحلوله فينا . فاللاهوت لم يَحِل بالتجسد الإلهي لكي يبقي حلولاً قاصراً على الرب يسوع وحده. فعندما يسكن ويحلّ اللاهوت فينا - في المسيح - نُعطَي ” التبني“ لله الآب في المسيح والقيامة من الأموات وشركة الحياة الأبدية. إن علم لاهوت العصر الوسيط في أوربا - والذي أخذ عنه بعض الأقباط - يقول بأن بمجرد سكني أو حلول اللاهوت في الإنسان يتحول إلى إله . و لا يعلمون أن اتحاد اللاهوت والناسوت في المسيح هو اتحاداً اقنومياً أما الإنسان فاللاهوت يَحِل فيه كنعمة على قدر استيعاب الطبيعة الإنسانية . وأن هناك فارق بين الإتحاد الأقنومي في المسيح وحلول النعمة الإلهية في الإنسان . فإن أفعال المسيح الإلهيه تمَت إنسانياً أي مِن خلال ناسوته . فالمعجزات التي صنعها الكلمة المتجسد هي عمل إلهي صادر من اللوغوس بوسيلة انسانية من خلال الناسوت المتحد بلاهوته . أما في حالتنا فأفعالنا الإنسانية تأخذ معونة مِن النعمة الإلهية . إن بشريتنا قد تمتلئ منه ، لكنه يبقى متفوقاً كرأس وينبوع ويظل الإبن خالق والبشر خليقته . هو واهب الحياة أما نحن فنأخذ نعمة الحياة والقيامة منه ولا نقدر أن نوهبها أو نعطيها إالا مِن خلاله ، فهو الذي يعطي لأنه هو المصدر . هو وحده الواحد مع الآب والروح القدس في الجوهر أما نحن فنتشبه بتلك الوحدة على قدر ما تعطينا النعمة ، ولكن يظل الفرق بين الأصل والصورة بين الطبيعة و النعمة الممنوحة . . • ثم يعترضون بتعليم لا يَمُت للمسيحية بِصلة قائلين بأن الله لا يسكن ولا يحل فينا ولا يمكن أن نشترك فيه لأننا خطاة . فاخترعوا ما أسموه ”حلول الثبات“. لذلك تجد الأفعال اليونانية والقبطية الخاصة بالسكنى والحلول في العهد الجديد والتي تفيد كينونة الرب يسوع ( أي وجوده الذي نحن نثبت فيه ) قد تحولت إلي فعل آخر في الترجمة البيروتية يختص بالثبات: ”من يأكل جسدي و يشرب دمي  يكون فيَ وأنا أكون فيه“ { ترجمة يونانية/ قبطية}. ”من يأكل جسدي و يشرب دمي  يثبت  فيَ  وأنا أثبت فيه“ ( يو ٥٦:٦) { ترجمة بيروتية }. ”وليست لكم كلمته كائنة فيكم“ { ترجمة يونانية/ قبطية}. ”وليست لكم كلمته ثابتة فيكم“ ( يوحنا ٣٨:٥). { ترجمة بيروتية }. ولما أُسقط في يدهم لجأوا إلى إختراع آخر هو” الحلول المواهبي“. أي أن الأقنوم الإلهي لإبن الله أو الروح القدس لايحل فينا بل فقط مواهبه. وإليك أيضاً أيها القارئ بعض الآيات ( رو ٩:٨و١١) : ”وَأَمَا أَنْتُمْ فَلَسْتُمْ فِي الْجَسَدِ بَلْ فِي الرُوحِ، إِنْ كَانَ رُوحُ اللهِ سَاكِنًا فِيكُمْ. وَلكِنْ إِنْ كَانَ أَحَدٌ لَيْسَ  لَهُ رُوحُ الْمَسِيحِ، فَذلِكَ لَيْسَ لَهُ“ . ”وَإِنْ كَانَ رُوحُ الَذِي أَقَامَ يَسُوعَ مِنَ الأَمْوَاتِ سَاكِنًا فِيكُمْ، فَالَذِي أَقَامَ الْمَسِيحَ مِنَ الأَمْوَاتِ سَيُحْيِي أَجْسَادَكُمُ الْمَائِتَةَ أَيْضًا بِرُوحِهِ السَاكِنِ فِيكُمْ“. حيث تشير الآيات إلي أن دليل سكني الروح القدس فينا هو قيامتنا . و نعرف أن قيامة المسيح من الأموات وبالتالي قيامتنا (فيه) ، أنها ليست نتيجة عمل مواهبي بل نتيجة سكني وحلول أقنوم مَن هو الحياة ذاتها . هذا الإيمان يؤكد كينونتنا في الرب وأن ” المسيح لا يمكن أن يُعطِي للمؤمنين أكثر ممّا أَعطَي ، لأن كل مَن هو في المسيح فهو مملوءٌ من فيض ألوهيته “ (منسوب إلي ق. أمبروسيوس أسقف ميلان ). ( يتبع) و السُبح لله . بقلم : رءوف إدوارد --- ### [٣] دراسة للنص اليهودي ما بين العهدين - Published: ۲۰۲۱-۰۸-۲۱ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/2581/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, المرأة القبطية, شئون علمانية - وسوم: التتميين, الفجوة الجندرية, المرأة الفاضلة, تلمود, عزل النساء, قديس بولس الرسول, مساواتية, مساواتيين, يشوع ابن سيراخ, يوسيفوس فلاڤيوس "مبارك أنت يا رب لأنك لم تخلقني وثنيا، ولم تخلقني امرأة، ولم تخلقني عبدا" بطبيعة الحال، لن نفهم التغيير الذي أحدثته المسيحية في الأدوار الاجتماعية للرجل والمرأة، من دون فهم معقول لنظرة اليهودية... وهذا بالتبعية يقودنا للإشكالية التالية! اليهودية في أنهي زمان؟ الموضوع بيتحرك اجتماعيًا طول الوقت، ومن السخف حقيقة ترديد المقولات الوعظية السطحية مثل (المرأة في اليهودية كانت نبية وقاضية إذن اليهودية كرمت المرأة) لأن هذا تسطيح ساذج وغير أمين! ! المرأة الغربية (الأسعد حظا عن شرقنا التعس) لم تأخذ حق التصويت في الانتخابات إلا في القرن الماضي! (التصويت وليس الترشح) ثم نجد من يتخيل أن من ألاف السنين كانت هناك نماذج يهودية مساواتية؟ بينما هي في حقيقتها استثناءات أغلبها لا يختلف عن النائبة اﻹخوانية "عزة الجرف" في وصولها لبرلمان الإخوان لأداء دور ذكوري يتحرج الرجعيين من الذكور من القيام به بشكل معلن! لنتفق إن ما يعنينا ليس تأويلات أو استنتاجات ظنية أو انتقائية... بل هو النصوص الدينية المؤسسة للأدوار الاجتماعية (إن وجدت)، مع معرفة معقولة عن العصر المتداخل مع المسيح أو بولس الرسول، كي نفهم أقوالهم التي أسست المسيحية بشكل أكثر عمقا... على عكس المتوقع، لا يمدنا العهد القديم بأية نصوص محددة عن تمايز الأدوار بين الرجل والمرأة فيما عدا الإصحاحات الافتتاحية من "سفر التكوين"... إلا أن ذلك لا ينطبق على النص اليهودي في الفترة الوسيطة بين العهد القديم والجديد،، أو المؤلفات اليهودية التي ظهرت معاصرة للعهد الجديد مثل فيلو أو يوسيفوس المعاصرين للرسول بولس. على مدار النص اليهودي، تمدح المرأة الفاضلة وتلعن المرأة الخائنة... أغلبها نصوص تتحدث عن المرأة كزوجة... ولا توجد نصوص موازية تتحدث عن دور الزوج... وكل هذا النوع من النصوص كتب بواسطة ذكور متزوجين وكأنما يتحدثون عن خبراتهم الروحية العميقة في فرز النساء وبهدف توريث هذه الخبرات الذكرية المقدسة للأجيال التالية! تأتي أهم هذه النصوص في حقبة ما بين العهدين في سفر "حكمة يشوع"، والذي كتبه "يشوع ابن سيراخ" عام 190 ق. م. تقريبا، حيث يسجّل ما يلي: لا تسلم نفسك إلى المرأة، لئلا تتسلط على قدرتك. لا تلق المرأة البغي، لئلا تقع في شراكها. لا تألف المغنية، لئلا تصطادك بفنونها. لا تتفرس في العذراء، لئلا تعثرك محاسنها. لا تسلم نفسك إلى الزواني، لئلا تتلف ميراثك. اصرف طرفك عن المرأة الجميلة، ولا تتفرس في حسن الغريبة فان حسن المرأة أغوى كثيرين، وبه يتلهب العشق كالنار. كل امرأة زانية تداس كالزبل في الطريق. (حكمة يشوع ابن سيراخ - الإصحاح التاسع) الخمر والنساء تجعلان العقلاء أهل ردة(حكمة يشوع ابن سيراخ - الإصحاح التاسع عشر) المرأة الوقحة تخزي أباها ورجلها وكلاهما يهينانها. (حكمة يشوع ابن سيراخ - الإصحاح الثاني والعشرون) يعاقب في شوارع المدينة، وحيث لا يظن يقبض عليه، ويهان من الجميع. لأنه لم يفهم مخافة الرب. هكذا أيضا المرأة التي تترك بعلها وتجعل له وارثا من الغريب. لأنها أولا: عصت شريعة العلي. وثانيا: خانت رجلها. وثالثا: تنجست بالزنا وأقامت نسلا من رجل غريب. فهذه يؤتى بها إلى الجماعة، وتبحث أحوال أولادها. إنّ أولادها لا يتأصلون، وأغصانها لا تثمر، وهى تخلف ذكرا ملعونا، وفضيحتها لا تمحى. (حكمة يشوع ابن سيراخ - الإصحاح الثالث والعشرون) (لاحظ أن النص يتحدث عن المرأة التي تترك زوجها للزواج بآخر، وكيف يعتبر هذا خيانة للزوج الأول، وزنى مع الزوج الثاني،، وهو نفس ما عممه المسيح بشكل مساواتي على الرجل أيضا بعدها بقرنين من الزمان) غاية الألم ألم القلب، وغاية الخبث خبث المرأة. كل ألم ولا ألم القلب، وكل خبث ولا خبث المرأة. (حكمة يشوع ابن سيراخ - الإصحاح الخامس والعشرون) لا غضب أشر من غضب المرأة. مساكنة الأسد والتنين خير عندي من مساكنة المرأة الخبيثة. خبث المرأة يغير منظرها ويرد وجهها اسودا كالمسح. رجلها يكمد بين أصحابه، وإذا سمع تأوه بمرارة. مثل العقبة الكثيرة الرمل لقدمي الشيخ، مثل المرأة الخبيثة اللسان للرجل الهادئ. لا يعثرك جمال امرأة، ولا تشتهِ امرأة لحسنها. غضب ووقاحة وفضيحة عظيمة، المرأة التي تتسلط على رجلها. المرأة الشريرة ذلة للقلب وتقطيب للوجه وألم للفؤاد. التي لا تنشئ سعادة رجلها، إنما هي تراخ لليدين وتخلع للركبتين. من المرأة ابتدأت الخطيئة، وبسببها نموت نحن أجمعين. لا تجعل للماء مخرجا، ولا للمرأة الشريرة سلطانا. إن لم تسلك طوع يدك تخزيك أمام أعدائك، فاقطعها عن جسدك لئلا تؤذيك على الدوام. (حكمة يشوع ابن سيراخ - الإصحاح الخامس والعشرون) المرأة الغائرة من المرأة، وجع قلب ونوح ولسانها سوط يصيب الجميع. المرأة الشريرة نير قلق، ومثل متخذها مثل من يمسك عقربا. المرأة السكيرة سخط عظيم وفضيحتها لا تستر. زنى المرأة في طموح البصر، ويُعرف من جفنيها. واظب على مراقبة البنت القليلة الحياء، لئلا تجد فرصة فتبذل نفسها. تنبه لطرفها الوقح ولا تعجب إذا عقتك. تفتح فمها كالمسافر العطشان، وتشرب من كل ماء صادفته، وتجلس عند كل جذع، وتفتح الكنانة تجاه كل سهم. (حكمة يشوع ابن سيراخ - الإصحاح السادس والعشرون) البنت سهاد خفي لأبيها، وهمّ يسلبه النوم. مخافة من العنوس إذا شبّت، والصلف اذا تزوجت، وفي عذرتها من التدنس، والعقوق في بيت أبيها، وفي الزواج من التعدي على رجلها، أو العقم. (حكمة يشوع ابن سيراخ - الإصحاح الثاني والأربعون) واظب على مراقبة البنت القليلة الحياء لئلا تجعلك شماتة لأعداءك، وحديثا في المدينة، ومذمة لدى الشعب، فتخزيك في الملأ الكثير. لا تتفرس في جمال أحد ولا تجلس بين النساء، فإنه من الثياب يتولّد السوس ومن المرأة الخبث. رجل يسيء خير من امرأه تحسن ثم تجلب الخزي والفضيحة. (حكمة يشوع ابن سيراخ - الإصحاح الثاني والأربعون) فيلو ويوسيفوس: كلاهما كان معاصرا لزمن بولس الرسول. كتب فيلو من الإسكندرية متأثرا بالثقافة اليونانية، وكتب يوسيفوس مبررا الأفكار اليهودية للقارئ الروماني،، لذا ينبغي الحذر من اتخاذ أفكارهما نموذجا لليهودية في فلسطين. . لكن أفكارهما كانت نموذجا لتطوير أفكار يشوع ابن سيراخ من "دونية المرأة" إلى تبرير "الفجوة الجندرية" بشكل تنظيمي في إخضاع المرأة للرجل، (شكل مشابه لما نظمه بولس الرسول في المعتقد المسيحي وقتها) يرى "فيلو" أن "الذكر كائن منطقي عقلاني، بينما الأنثى كائن عاطفي شعوري"،، بينما يوسيفوس يختصر المسألة في قوله: "المرأة أدنى من الرجل في كل المجالات"، وبشكل أو بأخر فهذا أقصى ما يمكن وجوده من أفكار حول المرأة في ذلك العصر. . التلمود: "مبارك أنت يا رب لأنك لم تخلقني وثنيا، ولم تخلقني امرأة، ولم تخلقني رجلا أحمقا" تحولت هذه البركات الثلاث في عام 150م إلى: "مبارك أنت يا رب لأنك لم تخلقني وثنيا، ولم تخلقني امرأة، ولم تخلقني عبدا" وكان نتيجة ذلك أن اشتد الجدل الهجنجل فيمن هو أكثر وضاعة، المرأة أم العبد، حيث إن كلاهما مأمور بإطاعة الرجل والخضوع الكلي له. . "لا حكمة في المرأة إلا في عملها بالمغزل، وهذا ما يقوله الكتاب المقدس: كل الحكيمات من النساء يغزلن بيدين راضيتين" عزل المرأة: أظهر المجتمع اليهودي في عصر ما بين العهدين اهتمامًا كبيرًا بالإغراء الجنسي... ورأينا قلق "يشوع ابن سيراخ" من الابنة المتمردة والعار الذي تجلبه لأبيها... لم يهتم الرابانيون بالحديث عن الذكور المتمردين أو ذوي السلوك المشين، لكنهم حذروا من الإقتراب من بيت العاهرات كما جاء في "سفر الأمثال"... ويبدو لنا أن حديث معلمي اليهود عن الغواية الجنسية كان لتحجيم أي نوع من الاتصال الجنسي لحده الأدنى، وتم ذلك بوسائل مختلفة... فبعيدا عن الطبقات الميسورة الحال، قبعت النساء داخل البيوت... وحث "سفر الحكمة" الآباء على حراسة بناتهم جيدا كيلا يجلبوا العار... وجاء "سفر المكابين" ليسجل هذا التعليق على شفتي المرأة العظيمة الإيمان فقال: "كنت عذراء عفيفة لم أترك بيت أبي، وحفظت الضلع الذي أصبح جسد امرأة. لم يمسني هائم على وجهه، أو مغتصب في حقل، ولم تفسد عذريتي الحية المخادعة المضللة" (المكابين الرابع) وعلى نفس الوتيرة يوضح اليهودي السكندري "فيلو" موقفه فيقول: "كل أشكال الحياة العامة مناسبة للرجال، أما النساء فعليهن الانزواء داخل بيوتهن والعيش في عزلة" وللحديث بقية،، هذا المقال جزء من سلسلة: عن المرأة في المسيحية --- ### [٧] سُكر نوح ولعنة كنعان - Published: ۲۰۲۱-۰۸-۲۰ - Modified: 2023-10-12 - URL: https://tabcm.net/2386/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, كتاب مقدس - وسوم: أوزوريس, الترجمة السبعينية, بابا ديونيسيوس السكندري, ثيؤدوتيون, جون سكينر, چيمس كوجل, حام ابن نوح, سام ابن نوح, سيماخوس, طوفان نوح, قايين, نقد تأريخي, نقد كتابي, نوح ابن لامك, نيفيليم, هابيل, يافث ابن نوح في الإصحاح التاسع بعد الطوفان بيجي النص دا: "وابتدأ نوح حارث الأرض يغرس الكرم. وشرب من الخمر فسكر وتكشف في داخل خيمته. فرأى حام أبو كنعان عورة أبيه فأخبر أخويه وهما في خارج الخيمة. فأخذ سام ويافث الرداء وجعلاه على كتفيهما ومشيا إلى الوراء فغطيا عورة أبيهما، ووجههما إلى الجهة الأخرى، فلم يريا عورة أبيهما. فلما أفاق نوح من خمره، علم ما صنع به ابنه الصغير. فقال: "ملعون كنعان! عبدا يكون لعبيد إخوته" وقال: "مبارك الرب إله سام وليكن كنعان عبدا له! ليوسع الله ليافث وليسكن في خيام سام وليكن كنعان عبدا له! " (سفر التكوين، الإصحاح 9: 20-27) الرواية فيها كذا حاجة مش واضحة، أولهم هي خطية حام، البعض قال إن خطية حام هو انه سخر من نوح أبوه وهو التفسير الأكثر انتشارًا لكنه في الواقع غير موجود في النص، على الجانب الآخر جيمس كوجل- James Kugel وجون سكينر- John Skinner بيشيروا لتقاليد أُخرى بتوضح إن خطية حام كانت انه خصى نوح خوفًا من تكرار نزاع قايين وهابيل مرة تانية اذا حصل ونوح خلف مرة تانية، وبيشيروا برضو لترجمات كل من أكيلا- Aquila وسيماخوس- Symmachus وثيؤدوتيون- Theodotion وهي ترجمات يونانية غير الترجمة السبعينية تمت في القرن الثاني الميلادي غالبًا كمحاولة تعديل على بعض عيوب الترجمة السبعينية، المهم إن الـ3 ترجمات دول بيستعملوا الكلمة اليونانية "اسخيموسينين- άσχημοσύνην" اللي بتُستعمل لوصف علاقة جنسية مثلية لوصف خطية حام تجاه نوح. الرواية بتظهر كأنها دخيلة بتقطع تسلسل النص في التقليد اليهوي، وهنا بيوضحلنا جون سكينر للمرة التانية إن التقليد اليهوي غالبًا اتكتب على طبقتين، الطبقة الأولى بتضم قصاصات أو نصوص قصصية مقتطعة (زي ما حصل في قصة النيفيليم) والطبقة الثانية هي اللي بتحوي التقليد اليهوي بشكل قصصي متسلسل، وبالتالي في ضوء الفكرة دي فالنص دا وارد يكون اتكتب بشكل مستقل عن قصة الطوفان. القصة بتقدم نوح باعتباره "مُزارع-حارث الأرض" اللي بيبدأ لأول مرة في تاريخ البشرية يغرس كرم ويشربها (حاجة كدا زي ديونوسيوس في الاساطير اليونانية أو أوزوريس في الأساطير المصرية) وبيتم لأول مرة تقديم عواقب الشرب المسرف للخمر (السكر والتعري، والانحلال الجنسي الأخلاقي لو كانت قراءة أكيلا وسيماخوس وثيؤودوتين قراءة معقولة زي ما بيرجح بعض الباحثين). بعد كدا نوح بيلعن كنعان، ابن حام، على خطية حام، وبيعلن سيادة سام (أبو الساميين-العبرانيين) ويافث (أبو أمم الشَمال وجزء البحر المتوسط وشواطئه) على كنعان (أبو الكنعانيين)، من المفهوم فكرة سيادة سام على كنعان واستعباده ليه (لعداء الشعبين)، لكن مش مفهوم بالضبط ليه يافث دخل في الموضوع. في النهاية النص في حاجات كتير مش واضحة وغامضة وتظل قراءته صعبة، لكن اللي حابب يعرف تفاصيل زيادة ممكن يقرا كلام جون سكينر. يُتبع... --- ### [4] من العصر الوسيط للعصر الحديث - Published: ۲۰۲۱-۰۸-۱۸ - Modified: 2024-05-19 - URL: https://tabcm.net/2077/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, تاريخ وميثولوچيا - وسوم: سر المعمودية في العصور الوسطى قام المتنيح نيافة الأنبا ابيفانيوس (1954-2018) ود. يوحنا نسيم يوسف بتقديم شهادات من قوانين العصور الوسطى في هذا الموضوع ونلخصه فيما يلي: قوانين البابا خريستوذولس (1046-1077) تضمنت عدم إعادة المعمودية والإيمان بأن أبناء باقي الطوائف هم أرثوذكس لا ينقصوا عنا من جهة الإيمان في شيء إلا من جهة عوايد وسنن معتبر هذه مساوية لخطية عليه أن يتوب عنها ولا يجب عماده أو لعنه ولا يجب عليه أن يلعن إيمانه القديم حسب قوانين 36 و25 من الاباء ال 318 في نيقية. في نفس المخطوطة، يوجد توصيات أخرى مفادها هو أن بناء على شركة النساطرة واليعاقبة والملكية (الخلقيدونيين) في عشر أصول الإيمان فلا تعاد معموديتهم ولا زيجتهم إن كانوا متزوجين ولا كهنوتهم إن كانوا كهنة وإنما ينزلوا درجة واحدة ثم يساموا للدرجة التي كانوا عليها قبل التحول لليعقوبية فيعودوا لنفس الدرجة التي كانوا عليها فيما سبق. كذلك توجد وثيقة بخصوص المصالحة بين البيزنطيين (أي الروم الأرثوذكس) واللاخلقيدونيين تعود لعام 1854 م، وتتطلب الأتي: أولًا: أن يصوموا الصوم الكبير. ثانيًا: أن يصلوا كتاب السواعي. ثالثًا: أن يعترف بقانون نيقية دون زيادة أو نقصان. رابعًا: أن يعترف بوحدانية المسيح. خامسًا: أن يشتركوا مع المؤمنين في الصلاة والليتورجيا. ويتضمن طقس القبول تحليل صلاة الساعة الثالثة وأن يصلي الكاهن وهو ممسك بالإنجيل وقارورة الميرون وهي مغلفة وصليب يد فوق رأس من يريد القبول. ويرشم الكاهن المؤمن بالقارورة 3 مرات وهي مغلقة. ولا يتم إعادة رشمهم بالميرون. وفي كنائس السريان والأرمن والهنود لا تعاد معمودية أو تثبيت القادمين من الكنيسة الكاثوليكية إذا نالوا السرين في كنيستهم الأولى. في العصر الحديث تم عقد عدد من الاتفاقيات بين الكنائس الأرثوذكسية اللاخلقيدونية والكنيسة الكاثوليكية منها اتفاقيات رعائية خاصة بالكنيسة السريانية الأرثوذكسية والكنيسة السريانية المالانكارا (الهندية) الأرثوذكسية: أولًا: توصيات وبروتوكولات عام 1979م: اجتمع المجلس المسؤول عن وضع توصيات للكنيستين القبطية الأرثوذكسية والكاثوليكية في يونيو عام 1979 ووضع لائحة توصيات وبروتوكولات. جاء في اللائحة عدد من البنود المتفق عليها كنقطة بداية لانطلاق الحوار بين الكنيستين نذكر منها البند الثاني ونصه: "نحن كنيستان رسوليتان بسبب التسلسل الرسولي بوضع اليد، فلنا ملء الحياة السرائرية، خصوصًا الإفخارستيا، حتى وإن لم نصل بعد للشركة الإفخارستيا بيننا لأننا لم نقوم بحل الخلافات الموجودة بيننا" وتم الاتفاق والتوقيع على اللائحة ببنودها كلها بواسطة مثلث الرحمات قداسة البابا شنودة الثالث كممثل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والبابا يوحنا بولس الثاني كممثل كنيسة روما الكاثوليكية. وهذا اعتراف ضمني بأن كنيسة روما هي كنيسة رسولية وسرائرية. ثانيًا: اتفاقية عام 1984 م بين مثلث الرحمات مار إغناطيوس زكا عيواص الأول والبابا يوحنا بولس الثاني بابا روما: بخصوص من لا يوجد بجوارهم كنيسة سريانية أرثوذكسية وفي حاجة لقبول الأسرار: "ونحن حرصًا منّا على بلوغ مآربهم وانطلاقًا من حاجتهم الروحية، نأذن لهم في مثل هذه الحالات أن يطلبوا أسرار التوبة والإفخارستيا ومسحة المرضى من الكهنة المعتمدين في إحدى كنيستينا الشقيقتين عندما تدعو الحاجة إلى ذلك". ثالثًا: الاتفاقية بين كنيسة المالانكارا السريانية الأرثوذكسية بخصوص الزيجات المشتركة لعام 1994م تقر الاتفاقية بأن إيمانهم مشترك فيما يخص سر التجسد وسر الكنيسة وحياتها السرائرية وبناء عليه فيُسمح رعويًا بتقديم أسرار التوبة والاعتراف، الإفخارستيا، ومسحة المرضى، في حالات الضرورة. تقر الكنيستين بأن الطبيعي والمستقر هو أن تتم الزيجة بين طرفين منتمين لنفس الكيان الكنسي إلا أنه صار لازمًا أن تتقبل الكنيستين الحقيقة الرعوية في وجود زيجات مختلطة. في هذه الحالات، تسمح الكنيستين بالزواج في أي من الكنيستين سامحةً لكل طرف الحق والحرية أن تبقى عضويته(ا) في كنيسته(ا) كما هم بتقديم المستندات والمعلومات المطلوبة. في حالة إتمام الاحتفال الكنسي، يحق للطرفين وعائلاتهم المنتمين لأي من الكنيستين أن يشتركوا في الإفخارستيا الخاصة بالكنيسة التي تم فيها الاحتفال بالزيجة. تم كتابة وتوقيع هذه الاتفاقية في نوفمبر عام 1993 ثم تم نشرها للعامة في 25 يناير عام 1994 بموافقة البطريرك ما إغناطيوس زكا عيواص الأول بطريرك الكنيسة السريانية الأرثوذكسية والبابا يوحنا بولس الثاني بابا روما. في حالات الزيجة على وجه العموم، لا تحتم كنيستي السريان والأرمن أن يتحول الطرف غير الأرثوذكسي للإيمان الأرثوذكسي ولا تحتم إعادة معموديتهم إن أرادوا الانضمام طالما أن عمادهم تم بالصيغة الثالوثية ويتثنى للطرف غير الأرثوذكسي أن يستمر في ممارسة إيمانه بكل حرية. وهنا الطرف غير الأرثوذكسي قد يكون كاثوليكيًا أو بروتستانتيًا طالما كان معمدًا باسم الثالوث. مما سبق يتضح أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية ومعها الكنائس اللاخلقيدونية، تعترف برسولية وسرائرية الكنيسة الكاثوليكية على الرغم من الخلافات التاريخية والعقيدية. تقبل الكنائس السريانية والأرمينية معمودية الكنيسة الكاثوليكية طالما تمت المعمودية على اسم الثالوث. تسمح الكنيستين السريانية والسريانية-المالانكارا بقبول الزيجات المختلطة وفي حالات الضرورة تسمح بقبول أسرار مسحة المرضى والاعتراف والافخارستيا عند الكنيسة الكاثوليكية دون التخلي عن عضوية الشخص في الكنيسة الأرثوذكسية. تسمح الكنيسة السريانية للأسر المختلطة (سريان أرثوذكس وكاثوليك) بالشركة الإفخارستية في الكنيستين وتترك للطرف غير الأرثوذكسي حق الاستمرار في كنيسته دون عقبات أو عراقيل كنسية. --- ### الخطيئة التي لا يغفرها الله - Published: ۲۰۲۱-۰۸-۱۷ - Modified: 2023-10-05 - URL: https://tabcm.net/2545/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: أوريجينوس ليونايدس أدامانتيوس, ثيئوغنسطس, قديس أثناسيوس الرسولي لا يمكن تكرار التجديف على الروح القدس اليوم تمامًا كما حدث في حالة الفريسيين. فالمسيح غير موجود على الأرض، ولا يستطيع أحد أن يرى المسيح شخصيًا يصنع معجزات ثم ينسب تلك القوة إلى الشيطان وليس إلى روح الله وَمَنْ قَالَ كَلِمَةً عَلَى ابْنِ الإِنْسَانِ يُغْفَرُ لَهُ، وَأَمّا مَنْ قَالَ عَلَى الرّوحِ الْقُدُسِ فَلَنْ يُغْفَرَ لَهُ، لاَ فِي هذَا الْعَالَمِ وَلاَ فِي الآتِي(متى 12: 32) يذكر العهد الجديد الخطية التي لا تغتفر أو "التجديف على الروح القدس" في إنجيل مرقس 22:3-30 وأيضًا إنجيل متى 22:12-32. قال الرب يسوع: إِنّ جَمِيعَ الْخَطَايَا تُغْفَرُ لِبَنِي الْبَشَرِ وَالتّجَادِيفَ الّتِي يُجَدّفُونَهَا(مرقس 3: 28) ولكنه بعد ذلك يعطينا استثناء واحد: وَلَكِنْ مَنْ جَدّفَ عَلَى الرّوحِ الْقُدُسِ فَلَيْسَ لَهُ مَغْفِرَةٌ إِلَى الأَبَدِ بَلْ هُوَ مُسْتَوْجِبٌ دَيْنُونَةً أَبَدِيّةً(مرقس 29) وبحسب ما قاله الرب يسوع، فإن الخطية التي لا تغتفر هي خطية فريدة من نوعها. فهي الذنب الوحيد الذي لن يغفر إلى الأبد (معنى "إلى الأبد" هو "لاَ فِي هَذَا الْعَالَمِ وَلاَ فِي الآتِي" (متى 12: 32). فالخطية التي لا تغتفر هي التجديف ("عدم الاحترام المتعمد") على الروح القدس في سياق عمل الروح في العالم من خلال المسيح. بكلمات أخرى، حالة التجديف المذكورة بالذات في متى 12 ومرقس 3 هي حالة مميزة. كان الطرف المذنب، مجموعة من الفريسيين، قد شهدوا دليلًا لا يدحض على أن يسوع كان يصنع معجزات بقوة الروح القدس، ومع ذلك قالوا أن به بعلزبول رئيس الشياطين (متى 12: 24؛ مرقس 3: 30). ارتكب قادة اليهود في أيام المسيح الخطية التي لا تغتفر باتهامهم للمسيح (شخصيًا وهو على الأرض) بأن به شياطين. لم يكن لهم عذر فيما فعلوه. فلم يكونوا يتكلمون عن جهل أو سوء فهم. فقد عرف الفريسيون أن المسيح هو المسيا المرسل من الله لكي يخلص شعب إسرائيل. وعرفوا أن النبوات تتحقق. ورأوا أعمال المسيح المعجزية، وسمعوا شرحه الواضح للحق. ومع ذلك اختاروا عمدًا إنكار الحق والتجديف على الروح القدس. كانوا واقفين أمام نور العالم، مغمورين ببهائه، واختاروا بتحدٍ أن يغلقوا أعينهم وصاروا عميانًا بإرادتهم. وأعلن المسيح أن تلك الخطية لا تغتفر. لا يمكن تكرار التجديف على الروح القدس اليوم تمامًا كما حدث في حالة الفريسيين. فالمسيح غير موجود على الأرض، ولا يستطيع أحد أن يرى المسيح شخصيًا يصنع معجزات ثم ينسب تلك القوة إلى الشيطان وليس إلى روح الله. لذا، فالخطية الوحيدة التي لا تغتفر هي الاستمرار في عدم الإيمان. فلا يوجد عذر لشخص يموت في رفضه للمسيح. الروح القدس يعمل في العالم، ويبكت غير المؤمنين على الخطية والبر والدينونة (يوحنا 16: 8). وإذا قاوم الإنسان تبكيت روح الله وأصر على عدم التوبة فإنه بذلك يختار الجحيم عوضًا عن السماء. "بِدُونِ إِيمَانٍ لاَ يُمْكِنُ إِرْضَاؤُهُ" (عبرانيين 11: 6)، وموضوع الإيمان هو المسيح (أعمال الرسل 16: 31). فلا يوجد غفران لشخص يموت بدون المسيح. لقد دبّر الله خلاصنا من خلال ابنه (يوحنا 16:3). وغفران الخطايا متاح فقط من خلال المسيح (يوحنا 14: 6). ويعني رفض المخلص الوحيد أن نكون بلا وسيلة للخلاص؛ ومن البديهي أن رفض الغفران الوحيد المتاح هو أمر لا يغتفر. مفهوم التجديف على الروح القدس كما يراه القديس أثناسيوس : «هذالا يُخرج الشياطين إلاّ ببعلزبول رئيس الشياطين»(متى 24:12) «إن كنت بروح الله أُخرج الشياطين فقد أقبل عليكم ملكوت الله»(متى 28:12) «كل خطية وتجديف يُغفر للناس. وأمّا التجديف على الروح القدس... فلن يُغفر له... لا في هذا العالم ولا في الآتي»(متى 31:12 و32) يقول القديس أثناسيوس مفسرًا هذا الكلام هكذا: لماذا يُغفر التجديف على الابن، ولماذا لا يُغفر التجديف على الروح القدس، لا في هذا الدهر ولا في الدهر الآتي أيضًا؟ لقد قرأت ما كتبه الآباء وبالذات الحكيم المجاهد أوريجانوس والعجيب المجاهد ثيئوغنسطسواطّلعت على كتبهم لأرى ماذا قالوا بخصوص هذا الموضوع. وكلاهما قال إن التجديف على الروح القدس يحدث عندما يعود الذين حصلوا على نعمة الروح القدس في المعمودية إلى الخطية. ولذلك يتفق كلاهما مع الآخر على عدم وجود مغفرة، مستندين إلى ما ذكره بولس في رسالته إلى العبرانيين (4:6-6). عند هذه النقطة كل منهما يتحدّث مثل الآخر تمامًا. ولكن بعد ذلك كل منهما له رأيه الخاص. يشرح أوريجانوس سبب دينونة هؤلاء بهذه الكلمات:“الله الآب يحل في كل شيء ويضبط كل الكائنات الحية وغير الحية، أي التي لها نعمة العقل والتي ليس لها نعمة العقل. أمّا الابن فهو يشمل بقوته الذين لهم نعمة العقل فقط، مثل الموعوظين والوثنيين الذين لم يأتوا بعد إلى الإيمان. أمّا الروح القدس فهو يسكن فقط في الذين قبلوه في المعمودية. ولذلك عندما يخطئ الموعوظون أو الوثنيون فإن خطيتهم هي ضد الابن فقط، لأنه هو فيهم كما ذكرولذلك يمكنهم الحصول على المغفرة عندما يكرمون بنعمة الميلاد الثاني. ولكن عندما يخطئ المعمد فإن الخطية بعد المعمودية موجّهة ضد الروح القدس الذي يسكن في الذين عُمّدوا، ولذلك لا مناص من العقاب”. أمّا ثيئوغنسطس فهو كما ذكرت يتبع شرح أوريجانوس ويقول: إن الذي يتخطّى الحاجزين الأول والثاني يستحق عقوبة أقل. ولكن الذي يتخطّى الحاجز الثالث لا يمكن أن يحصل على مغفرة. وهو يدعو التعليم الخاص بالآب والابن بالحاجزين الأول والثاني. أمّا الحاجز الثالث فهو التعليم الذي يُقال في المعمودية الخاص بالروح القدس، ولكي يؤكّد ثيئوغنسطس هذا الشرح اقتبس كلمات الرب للتلاميذ «إن لي أُموراً كثيرة أيضاً لأقول لكم، ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن. وأمّا متى جاء ذاك، روح الحق، فهو يُرشدكم إلى جميع الحق، لأنه لا يتكلّم من نفسه، بل كلُّ ما يسمع يتكلّم به ويُخبركم بأمور آتية» (يو 12:16-13). وقد قال ثيئوغنسطس عن هذه الكلمات إن المخلّص تحدث مع أُناس لا يمكنهم أن يقبلوا التعاليم الكاملة، ولذلك نزل إلى مستواهم غير الكامل. أمّا الذين تكمّلوا فهم الذين قبلوا الروح القدس في المعمودية، والتعليم الكامل هو من نصيب الذين حلَّ فيهم الروح القدس. (القديس أثناسيوس الرسولي، الرسالة الخامسة لسيرابيون) --- ### "أنا قلت إنكم آلهة" - Published: ۲۰۲۱-۰۸-۱٦ - Modified: 2023-08-11 - URL: https://tabcm.net/2618/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, لاهوتيات - وسوم: إفخارستيا, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس عمود الدين, رسائل خربر, قديس أثناسيوس الرسولي, يدع حديثة تتميز المسيحية عن باقي أديان العالم بأنها ديانة الإله المتجسد؛ فالله اختار أن يتحد بالإنسان اتحادًا تامًا أبديًا، رافعًا قيمة الإنسان ليصبح فوق الكتب، والشرائع. فحتى حين يضع الله قانونًا ما، يضعه لخير الإنسان. وعلى الرغم من كل ما ذكره آباء الكنيسة الأوائل عن اتحاد البشرية بالمسيح (بلاهوته، وناسوته)، نجد البعض يتغنى مرددًا "أنا التراب افتكري يا نفسي". كما يقلل البعض من عمل الله واتحاده بنا، خشية أن نقع في الكبرياء، وخشية أن يصير المسيح شخصًا عاديًا! ما هو التواضع؟ يظن البعض أن ترديد عبارات تهين الذات يبرهن على التواضع والتقوى؛ فالمعروف أن القديس يتوجب عليه إهانة ذاته ليكون متواضعًا، وكثيرًا ما نسمع هذه العبارات في أفلام القديسين، وفي الواقع: "أنا حقير"، "يا لحقارتي"، "أنا نكرة. . أنا لا شيء. " لكن دعنا الآن نحلل مفهوم التواضع، ونرى هل تدل هذه العبارات على التواضع حقًا أم على الكبرياء؟ في كتابه "رسائل خربر"، يشرح "سي. إس. لويس" معنى التواضع رجوعًا إلى معنى الكلمة في اللغة اليونانية والعبرية، قائلًا إن التواضع ليس أن تتصور أو تردد رأيًا متدنيًا عن مواهبك، أو شخصيتك بل بالأحرى أن تنسى ذاتك – أي أن تكف عن التفكير بها. فكما لاحظنا، أن العبارات التي ذكرناها مثل "أنا حقير، أنا غبي، أنا صغير النفس" كلها تتمحور حول الذات، وتكشف عن كم انشغال المرء بنفسه (أنا. . أنا). فالفكرة ليست في أن تقول أنا عظيم، أم أنا حقير؛ لأنك في الحالتين مشغول بذاتك، ولا تكف عن ترديد كلمة أنا. ويسرد "سي. إس. لويس" محاولات الشيطان في إيقاع المرء في خطيئة الكبرياء قائلًا إن الشيطان لا يهمه سوى أن تتمحور حياتك حول ذاتك، لتنشغل عن الله والناس. فالشيطان يريدك أن تظن أنك متواضع حقًا بزرعه تلك العبارات في عقلك. فالكبرياء هو الانشغال بالذات، وليس أن يظن المرء أنه حقير. فمثلًا، إن كنت تجيد مهارة الرسم، أو كنت متوفقًا في دراستك، ليس هناك مشكلة أن تعتبر نفسك متوفقًا في هذا الشيء، طالما أنك لست مشغولًا بالأمر، ولا تشير إلى تفوقك من حين لآخر لتحصل على إعجاب الناس، أو تشعرهم أنك أفضل منهم؛ أنت فقط تعرف هذه الحقيقة عن ذاتك لأنها حدثت بالفعل. فالله يطالبنا بأن نكون واقعيين؛ فإذا كنت متوفقًا في أمر ما، ولديك ما يبرهن على ذلك، ليس هناك ما يدعوك لتكذيب تلك الحقيقة. وتُرى ما هي مكانة الإنسان الحقيقية في المسيحية؟ وأتحدث هنا عن الفرد العلماني، وليس الإكليروس. هل حقًا للعلماني مكانة أقل من رجال الدين؟ هل في تقبيل يد الكاهن بركة عظيمة لأنه أقدس من العلماني؟ وهل الكاهن هو فقط من يحق له لمس جسد المسيح؟ ملحوظة: في العصور الأولى، كان كل الشعب يمسك بالجسد (كما هو موضح في هذا المقال). لقد أردت شرح معنى الاتضاع قبل البدء في الموضوع، لننتهي من هذا الأمر الذي لا يكف البعض عن إقحامه متى أردنا الإشارة إلى سمو الإنسان ورفعته. دعني آخذك إلى مفارقة من نوع خاص، ولك الحكم في نهاية الأمر: مكانة الإنسان بين الآباء الأوائل والعصر الحديث يؤمن آباء الكنيسة أن الفرد يتحد بالمسيح المتجسد، حاصلًا على الطبيعة الجديدة (الطبيعة التي تألهت بعد أن صار المسيح متحدًا بها). وبذلك، فالكنيسة، كلها، ككيان تتحد بالله وتصير جسد المسيح، كما قال بولس. صار ابن الله إنسانًا لكي يصير الإنسان ابن الله(القديس إيريانوس، القرن الثاني، ضد الهرطقات 1:19:3) صار الله إنساناً لكي يصير الإنسان إلهاً ... لقد تجسَدَ كلمةُ الله لكي يتَحِدَ بالطبيعة البشريّة كما تتَحِدُ النَار بالحديد. (القديس أثناسيوس، تجسد الكلمة) الذي تجسد وتأنس، لأننا نحن أيضا ندعى آلهة بحسب النعمة(رسالة القديس كيرلس إلى رهبان مصر، الفقرة 17) هناك أسطورة يونانية جميلة تحكي أن الإله كيوبيد أحب الأرضية سايكي - التي لم تكن إلهة بل مجرد فتاة- وأوقظها بقبلة المحبة، التي أزالت اللعنة، وخلدت سايكي لتصبح إلهة خالدة مثل كيوبيد الذي حملها معه إلى السماء. وقد أمن آباء الكنيسة بمثل هذا الاعتقاد من جهة عمل المسيح. ويشير القديس يوحنا الدمشقي إلى الافخارستيا باعتبارها قبلة الحياة التي ألهت الإنسان قائلًا: ولدى تناولنا الجمرة الإلهية، نضعها على عيوننا وشفاهنا و جبهاتنا، لكي، إذا ما نار الشوق التي فينا استمدّت الحرارة من الجمرة، تُحرِق خطايانا وتُنير قلوبنا ونلتهب ونتألّه بمساهمة النار الإلهية(المئة مقالة في الإيمان الأرثوذكسي، الكتاب 4، الفصل 13) أما في العصر الحديث، نجد أن البابا شنودة الثالث يشير إلى التأله باعتباره بدعة، ويرفض إتحاد الكنيسة بلاهوت المسيح وناسوته. فهو يقول في كتابه بدع حديثة متعجبًا: فإن كان ناسوته هو الكنيسة أي جماعة المؤمنين، يكون لاهوته في اتحاده بالكنيسة قد اتحد بكل جماعة المؤمنين. وصار كل فرد من المؤمنين هو ناسوت متحد بلاهوت! ! مثل المسيح تمامًا! (البابا شنودة الثالث، كتاب: "بدع حديثة") وهنا يحق لنا أن نسأل: ما المشكلة في أن تتحد الكنيسة (بأكملها) بالمسيح، وتصبح جسده الحي على الأرض؟ ما المشكلة أن يتقابل الله معنا بلاهوته وناسوته؟ ويجيب البابا شنودة، قائلًا: إن اتحاد اللاهوت بالكنيسة كلها هو ضد انفراد السيد المسيح بهذه الطبيعة، طبيعة الإله المتجسد. وبهذا الفكر، يكون اعتباره كواحد من هؤلاء المؤمنين. (البابا شنودة الثالث، كتاب: "بدع حديثة") وبعيدًا عن التعارض الواضح لقداسة البابا مع الآباء الأوائل، نسأل هل الله لا يستطيع أن يعطي الإنسان قبسًا من لاهوته وناسوته؟ أهو غير قادر على العطاء، أم لا يريد؟ وهل نفهم من ذلك أن الآباء الأوائل لم يفهموا أن استخدامهم لعبارة التأله يجعل المسيح شخصًا عاديًا؟ وكيف يكون شخصًا عاديًا، وهو مانح تلك النعمة؟ كما قال البابا شنودة في الكتاب نفسه:  شهوة التأله هي أول خطية للملاك الساقط، وأول سقطة للكائنات الحرة العاقلة. (البابا شنودة الثالث، كتاب: "بدع حديثة") فعلى الرغم من إيمان الآباء الأوائل بتلك العقيدة، مثل القدّيس إيريناوس، والقدّيس أثناسيوس، وباسيليوس الكبير، ومكسيموس المعترف، ويوحنّا الدمشقيّ، وغيرهم، نجد البابا شنودة يغرد وحيدًا، ويعارضهم جميعًا، قائلًا إن التأله خطيئة، بل وخطيئة خطيرة، مشبهًا إياها بخطيئة هيرودس الملك في جزء آخر من كتابه! ! يقول الكاهن في القداس: أن هذا هو الجسد المحيِّ الذي أخذه ابنك الوحيد ربنا وإلهنا ومخلصنا يسوع المسيح من سيدتنا وملكتنا كلنا والدة الإله القديسة الطاهرة مريم. وجعله واحداً مع لاهوته بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير. (القداس الإلهي) وعلى الرغم من ذلك، يتفرد البابا شنودة مجددًا قائلًا إن تناول اللاهوت بدعة: نحن نتناول الناسوت فقط؛ لأن اللاهوت روح، والروح لا يؤكل، ولا يشرب. (البابا شنودة الثالث، كتاب: "بدع حديثة") وهنا نسأل: هل ينفصل اللاهوت عن الناسوت؟ هل يمكن أن يوجد ناسوت بلا لاهوت في أي لحظة؟ وما هو الفرق بين جسد المسيح وجسد أي إنسان عادي إذا فصلناه عن لاهوته؟ هل يؤيد البابا شنودهنسطور في فصله للاهوت والناسوت؟ ولماذا يقلل البعض من اتحاد الله بالإنسان هكذا؟وإذا كان المسيح قد جعلنا جميعًا سادة/ آلهة/ أبناء العلي، فلماذا يتعين على العلماني أن يقول للأسقف سيدي وهو سيد مثله؟ لماذا لا يقول الأسقف أيضًا للعلماني يا سيدي/ سيدتي، ونتبادل التحية والميطانيات بالمثل؟ سأترك لك الإجابة، عزيزي القارئ. أَنَا قُلْتُ: إِنّكُمْ آلِهَةٌ وَبَنُو الْعَلِيِّ كُلّكُمْ. (المزامير 82: 6) --- ### التمايز في شرح العقيدة المسيحية (٥) - Published: ۲۰۲۱-۰۸-۱۵ - Modified: 2022-02-04 - URL: https://tabcm.net/2353/ - تصنيفات: لاهوتيات الموت كحالة  لا عقوبة ، في فكر القديس أثناسيوس الرسولي يقول ق. أثناسيوس في كتاب تجسد الكلمة  أن . فالمسيح كلمة الله هو صورة الله التي خُلِقَ عليها الإنسان . و يُعرِف أثناسيوس الصورة الإلهية في الإنسان أنها . و يقول أيضاً أنه بحسب خطة الله كان الإنسان قبل السقوط ، و هو في جنة عدن في حالة شركة مع الله و علي صورة لله ، كان مُقَدَّراً له - إذا استمر صالحاً - أن ينتقل من الفردوس  في الأرض إلي السماء { سبق شرح موضوع تاريخ الإنسان : العدم . الوجود . الموت . الخلود . في خواطر مسافر (٤٦) } . وذلك عن طريق ( الموت   الطبيعي ) ، الذي  به يتم انحلال  الوجود الإنساني  (الفساد الطبيعي ) . فالموت كان نتيجة طبيعية لخلق الإنسان من العدم لينتقل بعدها إلي  حالة عدم الفساد و الخلود في السماء . و لكن الإنسان تعدَّي بالخروج علي نعمة الله و بدَدَ الصورة الإلهية فيه ، فحَرَم الإنسان نفسَه من نعمة الشركة في الكلمة ابن الآب . وصار مَديوناً بضياع وزنة الصورة الإلهية و تبديد النعمة الإلهية . و بالتالي جَلبَ علي نفسه الموت ، والذي بسبب خطية الإنسان صار كقانون له سيادة وسلطان علي الإنسان إلي الأبد ( موت  الخطية ) . وهكذا لم يكن حكم الموت إلاَ نهايةً لخليقةٍ لم تصل بعد إلي غاية خَلقها . و لذلك دُعي موت الخطية بأنه ”موت بُطلٍ“  ( رو٢٠:١٢)  لا موت  ” إنتقال “ . و هذا يفسر كلمات الصلاة على الراقدين : إنه  ليس موتٌ ( موت الخطية وموت البُطلٍ ) لعبيدك بل هو إنتقال ( الموت الطبيعي) . فبحسب شرح ق. أثناسيوس فإن فقدان نعمة الشركة مع الله هو الدَين الذي ينبغي سداده . و بوفاء هذا الدَين ترجع صورة الآب إلي الإنسان. والمسيح هو صورة الله لأنه  ” بهاء مجد الله و رسم جوهره “. وبناءً على تعليم اللاهوت الشرقي عن طبيعة الإنسان من حيث أنه مخلوق علي صورة الله ومثاله، تكون الخطية قد مسَت أدَق نقطة في كيان الإنسان وهي مماثلة الإنسان لصورة الله.   و بعبارة  أخرى، لم تكن الخطية إعتداءً علي ناموس موسى، لأنه لم يكن قد أُعطِي بعد. و لكن الخطية كانت تفريطاً في النعمة وخروجاً على غاية الخَلق و علاجها هو رَد النعمة وتجديد خليقة الإنسان. لذلك كان تجسد الكلمة صورة الله، ضرورة لرَد الصورة الإلهية في الإنسان يسوع المسيح. القديس أثناسيوس لم يذكر أن الموت كان ”عقوبة “ من الله للإنسان بل ” حُكم “ صدر قَبل سقوط الإنسان كإنذار ، في حالة تخلي الإنسان عن غاية خَلقه في أن يحيا حسب الصورة الإلهية ورَفَضَ الشركة مع الله . عندئذ سيعود الإنسان إلى حالته الأولى مِن موت و فساد ( عدم ) للأبد  كما ذكرنا .  فعدم البقاء في النعمة يؤدي بالضرورة إلي ( يَحكُم ) تحوّل حالة الطبيعة الإنسانية . وبهذا وَضع ق. أثناسيوس التعليم الرسولي السليم المختلِف تماماً عن مؤلفات اللاهوت الغربي في العصر الوسيط . فعندما فقد العصر الوسيط موضوع خلقْ الإنسان على صورة الله، سقط في براثن الشرح القانوني للخلاص . فشرْحْ اللاهوت في الشرق يختلف عن الغرب في أن جوهره ليس هو علاج مشكلة أسمها ” الخطية “ ، بل ” تجديد الطبيعة الإنسانية “ . لذلك لا يذكر أثناسيوس كلمة ” الخطية “ بكثرة كما في مؤلفات العصر الوسيط. ولا يذكر أن المسيح أباد الخطية، بل أباد الموت وحرَر الطبيعة الإنسانية من الفساد. و كذلك غاب موضوع الخطية الأصلية، ليس عن كتابات أثناسيوس فقط، و لكن عن كل مؤلفات الآباء الشرقيين . فالقديس أثناسيوس يؤكد أن البشر ورثوا الفساد والموت من آدم و لم يرثوا خطية آدم ( الخطية الأصلية ) ( تجسد الكلمة ٢:٧) . وبينما اللاهوت الشرقي يهتم بكيان الإنسان الداخلي وأنه  مخلوق علي صورة الله ، فإن الغرب اهتم بالخطية كفعل عصيان وتعدي علي حقوق الله . وبالتالي إعتبر الغربُ الموتَ عقوبة للعصيان كما تقضي عدالة قوانين البشر، التي فيها العقوبة لا تُحدِد الخطأ علي أساس تَغيُر و تَحوّل في طبيعة الإنسان بل علي أساس مسئولية الفعل والإرادة أمام الواجبات المفروضة، وبالتالي لا مجال فيها لغفران أو شفاء أو تجديد للطبيعة.   وبذلك اشتبك العدل بمفهومه الأرضي مع رحمة الله  ولم يكن مِن حلٍ لمغفرة الخطية سوى تجسُد ابن الله للقصاص من الخطية بموته كفدية بدلاً عن الإنسان ( نظرية البديل العقابي ) ليوفي عدل الله (حسب مفهوم البشر للعدل).  وهكذا تغَرَب هذا الفهم للخلاص عن تجديد الطبيعة الإنسانية بالتجسد الإلهي ، ليشتبك  في حل مشكلة عدل بشري أسقطها علي الله . لذلك لا تجد هذا المفهوم في شرح ق. أثناسيوس أو في اللاهوت الشرقي للخلاص . و السُبح  لله . ( ُيتبع ) بقلم: رءوف أدوارد --- ### [٢] المساواتيون والتتميون - Published: ۲۰۲۱-۰۸-۱٤ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/2580/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, المرأة القبطية, شئون علمانية - وسوم: التتميين, حواء, مساواتيين في هذا المقال نحتاج لعمل "نحت اصطلاحي" لفريقين مهمين: المساواتيين: الفريق الذي يؤمن أن الذكر والأنثى يساوي كلاهما الأخر. التتميين: الفريق الذي يؤمن أن الذكر والأنثى يتمم كلاهما الآخر. طبعا إنت ممكن تشوف الفارق طفيف (كلمة واحدة) أو إن الإتنين زي بعض والدنيا مش مستاهلة التعقيدات دي كلها... في الحقيقة الفارق بين الفريقين ونظرتهم المسبقة له تأثيرات لا يمكن الاستخفاف بها... تعالوا نشوف الفرق بشكل أعمق، المساواتيين بينظروا لكلا من الرجل والمرأة على إنهم مثلا حلتين طبيخ متساويين في المقاسات والخامة... وبالتالي الفوارق في الأكل هي فوارق في المحتوى الذي يملأ الحلة، مش الحلة ذات نفسها... ده معناه إن دور الحلل دايما متساوي وأي اختلاف يعزى للظروف الخارجية زي: حطيت فيها إيه... درجة حرارة كام... سبت زمن لتسوية الطبخة قد إيه... إلخ،، ولو حطيت الحلة اليمين في ظروف الحلة الشمال مش هتحصل على طعم مختلف... إذن حسب ما تكيف الظروف هتكون النتيجة... التتميين بينظروا لعلاقة الرجل بالمرأة زي علاقة حلة بغطاها... شكل الحلة ووظيفتها مختلف تماما عن الغطاء، لكنهم سوا متممين لبعض في مسألة الطبخ... اختلاف الوظائف هنا ممكن يقودنا لاختلاف جوهري في الظروف... يعني لو الأكل نشفت ميته فدي مسؤولية الغطاء وحده والحلة مش مسؤولة،، واختلاف الظروف ممكن يقود لاختلاف في الأهمية... يعني مثلا في ظروف الحرب ممكن تطبخ في حلة من غير غطاء، لكن مينفعش تطبخ في غطاء لوحده... الغطاء أهميته هنا في رفاهية التسبيك ودي ممكن الاستغناء عنها في الأوقات العصيبة... إذن الحلة أهم من الغطاء في الأوقات الصعبة والغطاء ده دلع ومياصة... إلخ... من التبسيط اللي فات، هنقدر نفهم الحاجات الأكبر والأكثر تعقيدا... واللي عايز أسلط عليه الضوء في الورقة دي، هو إن نظرة الإنسان الاجتماعية عن دور الرجل ودور المرأة، هي اللي بتحكم تفسيره للنص الديني أساسا وليها هيمنة على فهمه لمقاصد الوحي... لو هو مساواتي الثقافة هيشوف نفس النصوص بشكل مختلف عن التتمي الثقافة... وكل واحد هيورث مفهومه ونظرته للأجيال اللي بعده... فالخناقة دي موجودة في كل دين وملهاش علاقة بالدين، وإنما ليها علاقة بالصراع الاجتماعي بين فريقي المساواتيين والتتميين واللي كلاهما موجود جوه نفس أبناء الدين الواحد... تعالوا - كتدريب - نطبق ده عمليا على الكتاب المقدس في ميثولوجيا خلق المرأة من آدم: وقال الرب الإله: «ليس جيدا أن يكون آدم وحده، فأصنع له معينا نظيره»(سفر التكوين 2: 18) هنا تم وصف الهدف من وجود المرأة إنها تكون: "معين نظيره" المساواتيين هنا هيستمدوا فهمهم للنص بالتركيز على لفظة "نظيره" تحديدا، لأن التناظر يعني التكافؤ يعني المساواتية. . وهايوصلوا بنظرتهم إن إذن الرجل والمرأة نظيران، ومتساويان بالتناظر... التتميين هنا هايركزوا على لفظة "معين" أكتر... لأن الإعانة ممكن تأويلها لصالح جندر معين إنه اﻷصل اﻷهم (الحلة) بينما الجندر التاني مجرد عامل مساعد (الغطاء بتاع الحلة)... الشكل اﻷرجح هنا إن التأويل يكون ذكوري (منحاز للذكر) ويعتبر الذكر (آدم) هو اﻷصل، بينما اﻷنثى (حواء) مخلوق ثانوي أو تابع ودوره إعانة المخلوق اﻷصلي. على فكرة مش بالضرورة التأويل يكون لصالح الذكر... ممكن كمان يكون التأويل يكون نسوي (منحاز للمرأة) ويرسخ لتفوقها على الرجل ومن نفس اﻵية... مثلا يقولك "الله يعينك" معناها الأكثر قوة هو القادر على الإعانة، والتأويل كدا يكون لصالح المرأة... وبشكل عام طالما إتفتح مجال التأويل ﻹبراز تفاوت بين الجندرين، فالقائم بالتأويل  هو اللي هيتحكم في نتيجته لصالح مين أو منحاز لمين... وبزعمي ده السبب الحقيقي في احتكار الذكور لـ"مهنة" التأويل للمقدس والتفسير له، في كل عصور الباترياركي (باترياركي معناها الحكم اﻷبوي، زي النظام الكنسي القائم على الآباء). . مصطلحات الـ"مساواتية" و"التتمية" هنستخدمها كتير في التفاصيل، فحاول تتأكد من فهمك الجيد ليها. . وللحديث بقية، هذا المقال جزء من سلسلة: عن المرأة في المسيحية --- ### [٦] الطوفان - Published: ۲۰۲۱-۰۸-۱۳ - Modified: 2023-10-12 - URL: https://tabcm.net/2384/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, كتاب مقدس - وسوم: آنو, أنكي, أوتنابشتم, إنليل, اكسيسوثروس, الطوفان البابلي, الطوفان السومري, الفرضية الوثائقية, بلاد الرافدين, بيروسيوس, ترجوم أونكيلوس, ترجوم جوناثان, توراة, جبل ماشو, جبل نصير, جلجامش, جون سكينر, دلمون, زيوسودرا, سفينة نوح, طوفان نوح, ملحمة اتراحسيس, نقد تأريخي, نقد كتابي, نوح ابن لامك, نيموش, يهوه في البوست دا انا وضحت إن قصة الطوفان المكتوبة في التكوين من 6: 5 لـ9: 17 عبارة عن مزيج للتقليدين اليهوي والكهنوتي وانه يُمكن فصلهم عن بعض وبعد الفصل هنلاقي إن كل قصة في كل تقليد ممكن تُقرأ بشكل مستقل كأنها قصة كاملة ومتماسكة ودا بيعتبر أحد الأدلة القوية اللي بيُستدل بيها على الفرضية الوثائقية. على الجانب الآخر، القرضية التكاملية بتفترض إن التقليد اليهوي اتكتب زي ما هو مفصول لوحده في المقال السابق ذكره، لكن التقليد الكهنوتي لما اتكتب تم لحم التقليد اليهوي بالشكل الموجود معانا النهاردة، الميزة في افتراض الفرضية التكاملية إنها أكثر اتباعًا لمقصلة أوكام (Occam's Razor) من ناحية إنها بتطلب عدد أقل من المُحررين (Redactors) لإن مؤلف التقليد الكهنوتي هو نفسه المُحرر الأخير بحسب الفرضية التكاملية، مش شخصين مُختلفين. في المقال دا هنحاول نعمل مقارنة مُختصرة ما بين أساطير الطوفان في بلاد الرافدين وبين التكوين. أسطورة زيوسودرا: معظم نصوص الأسطورة محطمة، لكن اللي وصلنا منها بيوضح إنه لسبب ما قررت الآلهة أن يكون في طوفان يدمر البشرية، وأحد الآلهة قرر إنقاذ البشرية (بيُرجح انه أنكي) فكلم زيوسودرا الملك وأمره ببناء سفينة (الجزء اللي مذكور فيه تفاصيل او أبعاد السفينة مُحطم)، الطوفان بيقعد 7 أيام و7 ليالي وبعد كدا زيوسودرا بيخرج من السفينة وبيقدم ذبيحة وفيما بعد بيبقى النص مُحطم تاني، وبعد كدا بيتضح إن الآلهة آن وإليل أنعموا على زيوسودرا بالخلود في (KUR Dilmun)، كلمة KUR مش مفهوم ترجمتها بالظبط لكن بيُرجح إنها معناها جبل أو ما شابه، والبعض بيفسرها على إن معناها بلد أو أرض لكن يظل معناها محل خلاف. دلمون (Dilmun) هي أرض قديمة بيُعتقد أنها موجودة شرق شبه الجزيرة العربية في منطقة قريبة من البحرين حاليًا وكان بيعتقد السومريون إنها أرض الأحياء (أرض الآلهة)، وبيرجح البعض إنها قد تكون مُلهمة أو مؤثرة لفكرة جنة عدن في التوراة. أسطورة أتراحاسيس: بعد إتمام الخلق بحسب اللوح الأول بيتضح في اللوح الثاني إن البشر عددهم كتروا جدًا لدرجة إن الله (إنليل-إيليل) كان مُنزعج من كثرة البشر، فبيوضح اللوح الثاني إنه بيرسل لهم أوبئة ومجاعات من وقت للتاني عشان يقلل عددهم وكل مرة الإله أنكي بيتدخل ويكلم أتراحاسيس الحكيم ويقوله على قرار الآلهة، بيظهر نص بيتكرر بين الأحداث وبعضها كأنه خورس للأسطورة وبيتقال كالآتي: "ست مائة عام، وأقل من ست مائة عام، قد مضت. وأصبحت البلد واسعة والبشر كثروا جدًا. كان صُراخ البلد كالثور وأقلقوا الله في ضجيجهم"، وبيستمر الموضوع بالشكل دا لحد ما في اللوح التالت بيقرر إنليل-إيليل بارسال طوفان لإبادة البشر فبيروح أنكي يكلم أتراحاسيس ويقوله انه يهدم بيته ويبني سفينة ويكون ليها جُزء علوي وجزء سُفلي ويطليها بالقار، فدخل أتراحاسيس السفينة هو وعيلته والحيوانات وفضل الطوفان 7 أيام و7 ليالي وبعد ما خرج قدم ذبيحة للآلهة، فلما إنليل-إيليل بيعرف إن إنكي حفظ البشرية بيحصل خلاف بينهم ولكنه بيتحل باتفاقهم على طُرق أُخرى لتحديد نسل البشر غير الطوفان عن طريق إن بعض الإناث من البشر هيكونوا مُكرسين لكونهم كهنة معبد ومُحرم عليهم الزواج والإنجاب. ملحمة جلجامش: في اللوح الـ11 بيبدأ أوتونبشتم يحكي لجلجامش قصة الطوفان، فبيقوله إن الموضوع بدأ بإن الآلهة بقيادة آنو ("آن" في السومرية) وإنليل ("إيليل" في السومرية) بيقرروا إرسال طوفان لإبادة البشر، لكن إيا ("أنكي" في السومرية) بيروح سرًا لأوتوبشتم ويقوله على قرار الآلهة، فبيقوله يهدم بيته ويبني سفينة ويدخل فيها هو وعيلته وكل أنواع البذور الحية، وبيقوله إن أبعاد السفينة هي إنها تكون مُكعبة بطول 120 ذراع، فبيبني السفينة في 7 أيام وبيتم طليها بالقار، وبيدخل السفينة هو وعيلته والحيوانات وبذرة كل حي، وفضل الطوفان 6 أيام و7 ليالي وفي نهار اليوم السابع بدأ الطوفان يهدا والسفينة استقرت على قمة جبل نيموش (جبل نصير)، وبيفضل الجبل ماسك السفينة لمدة 6 أيام وفي اليوم السابع أطلق أوتونبشتم حمامة من السفينة فطارت وملقتش مكان تقف فيه ورجعت، وبعدين أطلق سنونو فطار وبرضو رجع، وفيما بعد أطلق غراب فطار ومرجعش، فبيخرج أوتونبشتم واللي في السفينة وبيقدم ذبيحة للآلهة فلما بيعرف إنليل بيغضب من إيا إنه حفظ البشرية عن طريق أوتونبشتم، ولكن في النهاية بينتهي الخلاف وبينعم إنليل على أوتونبشتم وزوجته بالخلود. التقليد اليهوي: بيشوف يهوه إن شر الإنسان كتر فبيأمر نوح ببناء سفينة وياخد فيها من البهائم الطاهرة 7 أزواج ومن غير الطاهرة زوجين ويدخل السفينة لإنه بعد 7 أيام هيبدأ طوفان على الأرض هيستمر لأربعين ويوم وأربعين ليلة، وبيموت كل اللي على الأرض ما عدا اللي في السفينة، وبعد الأربعين يوم بيرسل نوح حمامة لكنها مش بتلاقي مكان تقف فيه فبترجع لنوح وبيستنى 7 أيام وبعدين يرسل حمامة مرة تانية فبترجع ومعاها غصن زيتون، فبيستنى نوح 7 أيام كمان وبيرسل حمامة مرة تالتة ومش بترجع فبيفتح السفينة وبيخرجوا كلهم ويقدم ذبيحة ليهوه، ويهوه بيتوعد إنه مش هيلعن الأرض مرة تانية وضرب كل حي زي ما حصل في الطوفان. التقليد الكهنوتي: بيأمر الله نوح ببناء سفينة لإن عنف الإنسان كتر على الأرض فبيقوله إن السفينة يعملها من خشب قطراني ويطليها بالقار وبيديله أبعادها (طولها 300 ذراع، عرضها 50 ذراع، وارتفاعها 30 ذراع)، وبيأمره ياخد معاه عيلته ومن كل الحيوانات زوجين من الحيوانات الطاهرة وغير الطاهرة، وفي الوقت دا كان نوح عمره 600 سنة. لما دخل نوح السفينة (الشهر التاني يوم 17) فضل الطوفان مستمر 150 يوم وبعدهم الطوفان هدي لحد ما السفينة استقرت على جبال أراراط بعد 5 شهور بالظبط من دخول نوح السفينة (الشهر السابع يوم 17)، وفضلت المياه تقل لحد الشهر العاشر وفي أول يوم منه بدأت تظهر رؤوس الجبال فأطلق نوح غُراب وفضل يتردد لحد ما المياه جفت عن الأرض في الشهر الأول اليوم الأول، وفي الشهر التاني يوم 27 لما أتم نوح 601 سنة خرج نوح من السفينة هو واللي فيها، وبيبارك الله نوح وعيلته وبيأمرهم بالتكاثر مرة تانية وبيكون ليهم إمكانية أكل كل عشب وكل حيوان ولكن بدون دمه (لإن نفسه فيه)، وبيقيم الله عهد مع نوح انه مش هيفني الإنسان أو الحيوانات مرة تانية بالطوفان وبيكون قوس القزح هو علامة العهد. عهد الله مع نوح هو أول عهد على الإطلاق في التوراة، وهو عهد بين الله وبين البشر والحياة ككل، الالتزام الوحيد فيها هو من جهة الله بأنه مش هيفني الحياة مرة تانية، لكن الإنسان هنا مش ملزم بأي شيء لاستمرار العهد دا، فهو عهد غير مشروط، وعلامة العهد كانت إن الله وضع قوسه في السماء وبالتالي أصبح علامة لعدم استعماله مرة أُخرى لدمار البشرية، هنا مهم ملاحظة إن الطوفان كان عبارة عن إبادة وإعادة للخليقة (لاحظ صيغة تك 7: 11 وقارنها بفصل المياه الأولى في تكوين 1)، وإعادة إنتاجها مرة أُخرى (تكوين 9: 1-7).   التشابهات بين النص التوراتي والأساطير السابقة سهل ملاحظتها، أهمها فكرة إن الطوفان بيهلك البشر بقرار من الآلهة وبيتم اختيار بطل لدخول السفينة مع عيلته وبذور الحيوانات وفيما بعد بيكون في عهد بعدم تكرار الطوفان مرة تانية، في أسطورة زيوسودرا السبب للطوفان مش واضح، في أسطورة أتراحاسيس السبب هو تكاثر البشر وانزعاج الآلهة منهم، في ملحمة جلجامش مش بيتم ذكر السبب في الأول لكن الخط رقم 180 من اللوح 11 بيرجح إن قد يكون السبب هو ذنوب البشر، لكن برضو إيا بيشوف إن عقاب الطوفان كان مُبالغ فيه، في التقليدين اليهوي الكهنوتي واضح إنها خطية الإنسان وتحديدًا العنف. تكرار رقم الـ7 أيام والـ7 ليالي واضح في كذا مكان. فكرة طلاء السفينة بالقار. فكرة إرسال الطيور لمعرفة إذا كانت الأرض نشفت ولا لأ. فكرة وجود أبعاد للسفينة بتوصية من الإله، وعلى الرغم من إن أبعاد السفينة غير متطابقة بين ملحمة جلجامش وبين التقليد الكهنوتي إلا إن مساحة السفينتين متقاربة جدًا بفرق 4% بس. ممكن يتم عقد مقارنة ما بين سن نوح وقت دخوله السفينة في التقليد الكهنوتي وما بين الخورس في أسطورة أتراحاسيس، لكن من الواضح إن التأثر الأكبر كان من ملحمة جلجامش. أخيرًا فكرة استقرار السفينة على جبل نيموش (جبل نصير) في ملحمة جلجامش متنقلتش بالحرف لكاتب التقليد الكهنوتي، لكن في ملحمة جلجامش بيُذكر إن جلجامش مر من جبل ماشو أثناء بحثه عن أوتونبشتم (اللوح 9 عمود 2 الخطوط من 1لـ5)، وهو أحد جبال أرمنيا المعروف النهاردة باسم جبل أراراط، لكنه مكنش معروف بالاسم دا قبل العصور الوُسطى (حوالي القرن التاسع أو العاشر)، وبالتالي من الخطأ المُطابقة بين الجبل دا تحديدًا وبين النص التوراتي، جبال أراراط المذكورة في التقليد الكهنوتي (سلسلة جبال مش جبل واحد) كانت بتشير لجبال أرمنيا بشكل عام بدون تحديد مكان مُحدد، ودا المعنى اللي اتفهم بيه فيما بعد على سبيل المثال في ترجمة الفولجاتا (الترجمة اللاتينية للكتاب المقدس) حيث مكتوب إن السفينة استقرت على "جبال أرمنيا" وبيرجح جون سكينر إن اختيار الجبال دا كان لإنها أعلى جبال معروفة لكاتب النص وقتها، على الجانب الآخر كان في تقليد بينسب منطقة الجبال اللي استقرت عليها سفينة زيوسودرا (أو نوح) لجبال القردو (جبال الجودي) اللي بتفصل أرمنيا عن بلاد الرافدين والتقليد دا ظهر في الأسطورة الهيلينية لزيوسودرا (اكسيسوثروس- Ξίσουθρος) زي ما نقلها (بيروسيوس- Berossus) أحد كهنة بعل في القرن الثالث قبل الميلاد، وكان تبنى التقليد دا الترجومين الآرامي "ترجوم جوناثان- Targum Jonathan" و"ترجوم أونكيلوس- Targum Onkelos" وتبنته ترجمة "البشيطا- Peshitta" السريانية في القرن الثاني الميلادي وانتشر في الكنائس السريانية والشرقية وهو التقليد اللي اتأثر بيه القرآن (11: 44) فيما بعد. يُتبع... --- ### كيف بدأت القومية العربية؟ - Published: ۲۰۲۱-۰۸-۱۲ - Modified: 2023-10-11 - URL: https://tabcm.net/2447/ - تصنيفات: شئون علمانية - وسوم: أحمد فؤاد نجم, اتفاقية سايكس بيكو, اتفاقية كامب ديفيد, الإخوان المسلمين, الجمعية العلمية السورية, الديمقراطية, الشريف حسين, العلمانية, القومية العربية, القومية المصرية, ثورة ٢٣ يوليو, جامعة الدول العربية, رئيس جمال عبد الناصر, رئيس محمد أنور السادات, رئيس محمد حسني مبارك, رئيس محمد نجيب, زكريا محيي الدين, شيخ إمام, فتحي الديب, ليبرالية, محمود درويش, مصر الفتاة, ملك فاروق, نزار قباني فهو من نعته نزار قباني بـ "آخر الأنبياء"، ومن ناداه محمود درويش قائلًا: "نعيش معك، نسير معك، نجوع معك.. وحين تموت، نحاول ألا نموت معك". وهو كذلك من غنى له أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام: وانشاله يخربها مداين.. عبد الجبار!! لا يمكن الجزم بتاريخ محدد لاشتعال شرارة القومية العربية، لكن يمكننا القول أن يقظة القومية العربية قد نشأت على استحياء في النّصف الثاني من القرن التاسع عشر، عندما أسس نخبة من المثقّفين العرب، أوّل جمعية عربية عُرفت باسم "الجمعية العلمية السورية" سنة 1857، وكان من أهم أهدافها: دعوة الأمّة العربية إلى النّهوض من تخلّفها، وإلى التخلّص من نير الحكم العثماني، وسرعان ما سيستبدل الهدف الثاني إلى التخلص من نير حكم التاج البريطاني في القريب العاجل، حينما يحكم سيطرته على مصر 1882، وعلى شبه الجزيرة العربية بعد اتفاقية سايكس بيكو 1916. قبل ذلك التاريخ لم يكن مصطلح القومية العربية رائجًا ومتداولًا، بل ولم تبني القومية العربية على مدى تاريخها القصير أيديولوجية متماسكة، ذلك لأنه لم يكن هناك دول عربية بالشكل المعروف للدولة، بل ولم يكن هناك دول بالأساس، بل بعض القبائل المتناحرة في شبه الجزيرة العربية. وبالرغم من اعتزاز دول شمال أفريقيا بهوياتها المحلية، مثل المصرية والأمازيغية، لكن الرغبة في وجود كيان واحد يجمع تلك الدول الناطقة بالعربية، والتي يدين أغلبها بالإسلام، كان قويًا، وتضاعفت تلك الرغبة بعد انطلاق الثورة العربية الكبرى على يد الشريف حسين في يونيو 1916، لكن الخسائر التي مُني بها الحسين، وأفول نجم الثورة العربية، والصراع على منصب خليفة المسلمين بين ملك مصر وأمير الأفغان وأمير مكة، بعد سقوط الخلافة في إسطنبول، جعل وهج تلك الرغبة يخبو مرة أخرى، بالتزامن مع إشرافة شمس القومية المصرية، وبداية الحقبة الليبرالية العلمانية في مصر منذ عام 1920. وقتئذ، نجحت النزعة الوطنية المصرية في إحكام سيطرتها على الحياة السياسية والثقافية في مصر، وغابت النزعة القومية العروبية تمامًا، واستمرت أيديولوجية القومية المصرية مسيطرة على الساحة السياسية حتى أوائل الأربعينيات، حين بدأ نجم التنظيمات الإسلامية الفاشية يسطع في الأفق، ويحكم سيطرته تدريجيًا على السياسة والدين والحياة. في منتصف الأربعينيات، استلهمت أغلب التنظيمات السياسية المصرية مثل مصر الفتاة، الإخوان المسلمين، الحزب الوطني، نماذج التنظيمات السلطوية الفاشية والنازية، في خضم صراعها مع إنجلترا، وفشلت الليبرالية المصرية المتمثلة في الأحزاب السياسية الرسمية، وعلى رأسها الوفد، في مواجهتها، وكانت تلك التنظيمات السلطوية بمثابة قبلة الحياة وعودة الروح مرة أخرى للقومية العربية. . في ذلك الإطار، ولد تنظيم الضباط الأحرار، والذي نشأ في السنوات الأولى من الأربعينيات، فكان من الطبيعي أن يستند على نموذج القومية العربية المتطرفة. البداية الحقيقية للقومية العربية بشكلها الرسمي في مارس 1945 مع تأسيس جامعة الدول العربية. تصاعدت حينها نغمة القومية العربية في مقابل انحسار القومية المصرية، وكانت الذروة ما بين عامي 1947 و1948، بالتزامن مع قرار تقسيم فلسطين وإنهاء الانتداب البريطاني، واتحاد الجيوش العربية المشتركة في حرب فلسطين ضد دولة إسرائيل الوليدة، وشكّلت المملكة المصرية أكثرية القوات العربية عددًا. وكانت الخسارة المهينة لجيوش العرب النظامية مقابل العصابات الصهيونية المسلحة، بمثابة حكم الإعدام على القومية المصرية، وإعلان سيطرة القومية العربية البديلة على مشهد الفشل السياسي، إذ شعر القادة العرب بالحاجة الملحة لاتحاد الأبدي، الذي ظل صامدًا حتى الآن، بالرغم من بعض التوتر الذي شاب هذا الاتحاد بعد توقيع السادات منفردًا على اتفاقية كامب ديفيد، ونقل مقر جامعة الدول العربية من مقرها الدائم في مصر إلى تونس في الفترة من 1979 وحتى 1990. ربما أتت النهاية في الواحدة من صباح الأربعاء 23 يوليو 1952، عندما تحرك قلة من صغار ضباط الجيش المصري، يقودهم ظاهريًا اللواء محمد نجيب، وفعليًا البكباشي جمال عبد الناصر، بنية الانقلاب على نظام الملك فاروق الحاكم، مدفوعين بمعلومات مؤكدة عن أنفضاح سرهم، وانكشاف حركتهم المسماة بـ "الضباط الأحرار"، وقرب أعتقالهم ومحاكمتهم بتهم الخيانة العظمى، والعمل على قلب نظام الحكم، فلم يوجد مفر سوى التحرك مبكرًا لقنص فاروق، على الطريقة المصرية المعروفة "نتغدى بيه قبل ما يتعشى بينا". ولسوء حظ تلك البلاد المقهورة، أن يجتمع نجم عبد الناصر المتألق في عنان السماء في تلك الليلة، مع شخصية الملك فاروق الضعيفة، ودعائم نظامه الهش، لتنجح خطة ناصر الهزيلة في الاستيلاء على الحكم في مصر بسهولة تفوق قطع قالب من الزبد بسكينٍ حامٍ، وفي صباح يوم 23 يوليو 1952، استيقظ الشعب المصري على صوت محمد أنور السادات الأجش العميق، وهو يعلن بيان الانقلاب المبارك. لفظ "أنقلاب" كان اللفظ المستخدم بين الضباط الأحرار حتى طرد الملك فاروق، وعندما أرادوا مخاطبة الشعب استخدموا لفظ "حركة"، ثم أضافوا لها وصف "المباركة" فصارت "الحركة المباركة"، وعندما رحب الشعب بالانقلاب العسكري، استخدموا لفظ "ثورة"(اللواء محمد نجيب في كتابه كنت رئيسًا لمصر، صفحة 145) وما أن استقرت أوضاع انقلاب 23 يوليو، وفي نهاية أكتوبر 1952، صدرت أوامر البكباشي جمال عبد الناصر بنقل الضابط "فتحي الديب" من مدرسة ووحدة المظلات التي كان يعمل قائدًا لهما، ليعمل ضمن عشرة أفراد، اختارهم عبد الناصر بنفسه، ليكونوا نواة أعضاء جهاز المخابرات العامة، الجاري إنشاؤه وقتذاك برئاسة زكريا محيي الدين، باعتباره الجهاز البديل لجهاز الثورة السياسي، وصدر التكليف الأول من البكباشي زكريا محي الدين لـ فتحي الديب ليتولى إنشاء فرع الشئون العربية، ويطالبه بإعداد خطة أوّليّة تضم خطوط الحركة لثورة مصر العربية، تمهيدًا لتحرير الوطن العربي "المحتل" بأكمله، وبالفعل تفرغ فتحي الديب لوضع الخطوط العريضة لما طلب منه، وبقى في بيته أسبوعًا قبل أن ينتهي إلى: لا يمكن وضع خطة تفصيلية سليمة قبل أن تتم دراسة ميدانية على الطبيعة للأوضاع السياسية للعالم العربي. وبعد عام واحد من الانقلاب، انطلقت إذاعة صوت العرب بقيادة فتحي الديب ليغزو بها عبد الناصر العالم العربي، قبل أن ينقلب ناصر على التجربة الديمقراطية الليبرالية في مصر إبان أزمة مارس 54، ويحيلها إلى دولة ديكتاتورية عسكرية، ولا يكتفي بمصر فقط، بل يسعى وينجح في نشر تجربته الرائدة في الحكم الديكتاتوري العسكري في كل ربوع الوطن العربي المقهور، تحت أوهام ودعاوى القومية العربية ونشر أفكاره "التحررية". وبعد دعاية كبيرة صاحبت عودة عبد الناصر من مؤتمر باندونج وتأسيس حركة عدم الانحياز عام 1955، ونجاحه في تجاوز أزمة السويس 1956، تحول عبد الناصر إلى زعيم ملهم بالنسبة لكل الشعوب العربية، ونشأت أحزابًا وتيارات سياسية كالناصرية والبعثية و"القوميين العرب" ملأت الساحات والميادين، وتولت مقاليد الحكم في كل من مصر وسوريا والعراق وليبيا والجزائر واليمن الجنوبي، مدعومة بتأييد ملايين المواطنين في دول عربية عديدة، قبل أن تبدأ هذه الفكرة و"تياراتها" بالتراجع والانحسار، وتحديدًا في ضوء نتائج الهزيمة المُذلّة في حرب يونيو عام 1967، وما تلاها من أحداث وتطورات في الدول المذكورة، والتي ترتبت على، وأفضت إلى فشل الدولة العربية الحديثة في القيام بوظائفها، وتفشي نظم الفساد والاستبداد و"الركود" والبيروقراطية، مع ما صاحبها من صراعات وتصفيات داخلية، وحروب وصراعات عربية. (1)كل ذلك جعل من عبد الناصر واحدة من الشخصيات الأكثر إثارة للجدل في تاريخنا العربي المعاصر، فهو من نعته نزار قباني بـ "آخر الأنبياء"، ومن ناداه محمود درويش قائلًا: "نعيش معك، نسير معك، نجوع معك. . وحين تموت، نحاول ألا نموت معك". وهو كذلك من غنى له أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام: وانشاله يخربها مداين. . عبد الجبار! ! (2) (1)مقال عن الفكرة القومية... العرب نموذجًا | عريب الرنتاوي | موقع الحرة(2)مقال القومية العربية. . جذور النشأة واتجاهات المستقبل | موقع مصر العربية --- ### [3] ما بعد خلقيدونية - Published: ۲۰۲۱-۰۸-۱۱ - Modified: 2024-05-19 - URL: https://tabcm.net/2073/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, تاريخ وميثولوچيا - وسوم: سر المعمودية بعد الانشقاق الخلقيدوني، لم يأمر ق. ديسقوروس السكندري (444-454) بإعادة معمودية أي شخص أو إعادة دهنه بالميرون للعودة للكنيسة على عكس ما يظنه البعض أن بمجرد الانشقاق صار كهنوت الكنيسة الأخرى محروم وبلا نعمة سرائرية. لو كان هذا هو الوضع السائد، لأمر ق. ديسقوروس بإعادة معموديتهم أو دهنهم بالميرون خصوصًا إن عادت أسرة ولد فيها أطفال وعمدوا على يد الاكليروس الخلقيدوني. إلا أن ق. ديسقوروس لم يعط قرارات في هذا الشأن وجاء ق. تيموثاوس بعده ليعطي قراراته. ق. تيموثاوس الثاني السكندري (454-477) أمر بألا يثقل على العائدين من المذهب الخلقيدوني فيقول: "إن جاء شخص علماني بسيط مؤمنًا بالإيمان المقدس بالثالوث المساوي ويشتاق للشركة معكم أنتُم المعترفين بوحدانية الرب جسديًا معنا في الجوهر—أرجوكم ألا تثقلوا هؤلاء بأي كلمات أكثر من هذا على الإطلاق ولا تطلبوا منهم تدقيق لفظي أكثر من هذا بل اتركوا هؤلاء ليسبحوا الله ويباركوا الرب في بساطة وبراءة قلوبهم". ويعلق الأب بيتر فارينجتون قائلًا ان بعض المؤمنين الأخرين طلب منهم فقط حرم النساطرة والأوطاخيين بهدف إعادة المسيحيين المنشقين للشركة بأسهل طريقة ممكنة. أما الإكليروس فأقر بأن يحرموا مجمع خلقيدونية وطومس لاون كتابةً أمام كل الأرثوذكس المجتمعين. وفي الشق اللاخلقيدوني من أنطاكية والمناطق المحيطة، جاء ق. فلكسينوس المنبجي (440-523) في رسالته التي كتبها في موضوع السياسة البيعية إلى شمعون رئيس تلعدا من فيليبوبوليس خلال منفاه الثاني ليؤكد على عدم إعادة المعمودية أو إعادة السيامة في درجات الكهنوت فيقول: "بعدما استولى الآريوسيون والمقدونيون على الكنائس، لا زمانًا يسيرًا بل أكثر من أربعين سنة، طردهم منها الملك المسيحي الطوباوي ثاودوسيوس، وجاء من بعدهم الأرثوذكسيون، ولم يُذكر أنهم أعادوا وضع يد الكهنوت الذي قام به الهراطقة ولا المعمودية. ولم يعارض أحدٌ من أبناء البيعة، ولم يخاصم الواحد الآخر زاعمًا إنه لا يجب اعتبار الذين نالوا وضع يد منهم كهنة، أو إن الذين اعتمدوا منهم ليسوا بمعمدين. بل اكتفى الأساقفة الأرثوذكسيون بأن جاءهم الذين كانوا آريوسيين ومقدونيين، واشتركوا معهم وصاروا معهم ومثلهم، كنيسة واحدة وفكرًا واحدًا. ولم ينتقوا منهم ذوي الفكر الدقيق لأن ذلك كان مستحيلًا، ولأنهم ارتأوا أيضًا أنهم إذا تعاملوا بالدقة في غير وقتها، وزعزعوا بذلك الإيمان، فإنهم يغيظون الله جدًا. ولئلا تضطرب الكنيسة ويُساء إلى الإيمان، بمطالبتهم بالدقة، ضربوا الصفح عن ذلك. وقد بينّا جزئيًا في هذه الرسالة – وببراهين كثيرة في الرسالة الطويلة التي حبرناها – أن الأساقفة الأرثوذكسيين بعد أن جاءوا وتسلموا زمام الأمور في الكنائس بهمة الملك ثاودوسيوس، قبلوا وضع اليد ومعمودية الذين كانوا آريوسيين ومقدونيين. وفي شأن ملاطيوس المغبوط، لم نختلق شيئًا من عندنا بل أثبتنا من الروايات البيعية التي اطّلعنا عليها أنه ولئن كان سابقًا آريوسيًا ونال وضع اليد منهم، إلا أنه توصل بعد الندامة إلى الاعتراف والتكلم بالاستقامة في كنيسة أنطاكية، فألقي بسبب ذلك في المنفى، وكان الرئيس والمتقدم في المجمع المقدس الذي ضم مئة وخمسين أسقفًا. وهو نفسه (أي ملاطيوس الذي بينّا أن وضع اليد عليه كان من الآريوسيين)، رسم القديس باسيليوس الكبير شماسًا. فالرواية البيعية تخبر أنه هو الذي منحه وضع يد الشماسية. فهل يستطيع أحد أن يرفض كهنوت الطوباوي ملاطيوس بذريعة أنه كان آريوسيًا، أو وضع يد الشماسية على القديس باسيليوس الذي ناله (وضع اليد) منه (ملاطيوس)؟" سُئل ق. ساويرس الأنطاكي (512-538) بخصوص إعادة معمودية الخلقيدونيين وإعادة دهنهم بالميرون وجاءت إجابته واسعة وشملت موضوع مجمع قرطاجنة وديونيسيوس وغيرها من المواضيع الخاصة بإعادة المعمودية، فتقر بالين ألين: "كرس ساويرس الكثير من وقته وطاقته للتأكد من أن المسئولين منه اتبعوا طريقة صحيحة تجاه الخلقيدونيين، خصوصًا الإكليروس الخلقيدوني ممن أرادوا أن يرجعوا للشركة مع اللاخلقيدونيين... مثل تيموثاوس ألوريوس وبطرس الإيبيري وفلكسينوس، رأى ساويرس أن من يحرم خلقيدونية لا ينبغي أن يخضع لمهانة إعادة الدهن بالميرون أو إعادة المعمودية ولكن بالحري يكتب اعتراف ايمان ويقدم توبة". يرى العالم يوناتان موس، أن ساويرس بنى رأيه في عدم إعادة المعمودية على إيمانه بقابلية جسد المسيح للألم والأوجاع البريئة، فيرى ق. ساويرس أن الكنيسة كامتداد لجسد المسيح يمكن لها أن تحتمل قدر بسيط من الفساد وبالتالي يمكن إعادة الشركة مع الخلقيدونيين دون أعادة أي سر لأجل وحدة الكنيسة وكان هذا على الرغم من رؤيته لخلقيدونية كمجمع شبه نسطوري وشجبه الدائم للمجمع. يقول ق. ساويرس في أحد رسائله: "لهذا فكما أن كبريانوس في أفريقيا والمجمع الذي انعقد تحت سلطته أقر بأن المُعمدين في هرطقةٍ ينبغي أن يتقبلوا مياة التجديد مرة أخرى كما لو لم يُعمدوا من قبل، ولكن في النهاية صار رأي سكستوس الروماني ورأي ديونيسيوس السكندري هو الرأي السائد بأن المعمدين في اسم الثلاثة أقانيم... ينبغي ألا يعمدوا مرة أخرى، ولا يوجد شخص على قدر من الذكاء سيقول بأن الأساقفة القديسين ناقدوا أنفسهم بل أنهم بعد إعادة الرؤية رأوا طريقة أفضل وأكثر قانونيةً" بالتالي نجد أن ق. ساويرس، يرى أن طريقة ق. كبريانوس اختلفت عن تلك الخاصة بالقديس ديونيسيوس وسكتوس، فرأى سكتوس بعدم إعادة المعمودية أما ق. ديونيسيوس فكان يُعيد المعمودية إلا أنه كان في طريق وسطى بين النقيضين فعلى الرغم من إعادته للمعمودية إلا أنه رأى أن يُترك الأمر لإفراز كل أسقف كما سبق وقلنا في فصل ما قبل نيقية ويبدو أنه—بحسب ق. ساويرس—قبل المعتمدين على اسم الثالوث من الهراطقة. لهذا صار الرأي السائد هو إما عدم إعادة المعمودية حسب سكتوس أو ترك الأمر للأسقف المحلي حسب ق. ديونيسيوس. ويبين ق. ساويرس أن قبله استخدمت الكنيسة طرق مختلفة للتعامل مع هرطقات مختلفة فميزت الكنيسة في مجمع نيقية ولاودكية بين أتباع بولس الساموساطي والنوفاتيين. معتمدًا على اقتباس للقديس ثيؤفيلس السكندري (384-412) في وصفه للقديس أمبروسيوس (374-397) والأساقفة آنذاك، يقول ق. ساويرس: "فإنهم رأوا الأشياء التي صعب شفاؤها، ولم تسبب اضطرابًا في جسد الكنيسة ككل... وقبلوا كثيرين من الشرق ممن لم يساموا على يد الأرثوذكسيين، لئلا إن ظلوا بالخارج، تمتد جذور الأريوسية ويهلك القطيع ويصير الجزء الأكبر من جسد الكنيسة ضائعًا بين الأمم. بهذه الطريقة تعاملوا مع من كانوا في فينيقية وفلسطين وغيرهم الكثيرين، مقللين من شدة القوانين الخاصة بالسيامة كما هو واجب لأجل خلاص الأمم". ثم ينتقل ق. ساويرس لأمور أقرب في تاريخها لوضعه وهو عودة الشركة بين اسكندرية وأنطاكية عام 433م فيقول في رسالة كتبها خلال أسقفيته: "وحين حرموا هرطقة نسطور؛ لم يقدم أي شخص أي قانون يقر بأن العائدين من هذا الضلال لنور الأرثوذكسية ينبغي أن يكملوا بالمعمودية أو بالميرون ولا يظهر أن أي شخص قد تم رشمه بالميرون في ذلك الوقت: هذا على الرغم من استمرارية الانشقاق لمدة طويلة وكان أساقفة الشرق يعضدوا نسطور وقطعوا ذواتهم من المجمع المسكوني (أي أفسس) ثم بعد ذلك عادوا وشاركوهم مرة أخرى... فكما أنه تبين للأباء في الأيام القديمة أنه لا بد من تكميل العائدين من الهرطقة بالمعمودية، كذلك فيما بعد بدأ التمييز في هذا الموضوع بتقديم التفريق بين من ينبغي أن تُعاد معموديتهم أو أن يُعاد دهنهم بالميرون، وبخصوص الهرطقة النسطورية فالآباء بعد فحص الهرطقة قرروا أن يتم حرم هذا التعليم بواسطة التائبين. بولس الساموساطي وفوتينوس أخطأوا ضد الذات الإلهية وطبيعة لاهوت الله الكلمة وقالوا إن الرب المولود من مريم هو إنسان عادي بينما نسطور قال أن الكلمة كان منذ الأزل إلا أنه قسم سر التدبير إلى اثنين قائلًا أنه لم يكن (أي الاتحاد) طبيعيًا بل تواصل أخوي بين الله الكلمة الذي اتحد بالجسد ذو النفس البشرية العاقلة. لذلك فنحن نسير على النتيجة التي توصل لها الآباء والشفاء الذي قدموه بخصوص العائدين من الهرطقة النسطورية ونتمسك بهذا كقانون لا يتزعزع ولسنا في احتياج للعودة للنتائج التي توصل إليها الذين كانوا في الأيام القديمة بخصوص الهراطقة ولكننا نقر بأن كل نتيجة لها صلاحيتها بالنسبة لمن تُقدّم لهم ". في الرسالة ال34 للأرشمندريت والكاهن أليشع، يقول ق. ساويرس الاتي: "ليخضع هؤلاء لفترة توبة كما علمنا تيموثاوس ذو السيرة المقدسة، رئيس أساقفة الإسكندرية، الذي أرسى ذلك في التعامل مع من تحولوا من الهرطقة الديوفيزيتية... لهذا فحين قال شخص يدعى ثيؤدوتس، أحد أساقفة فلسطين، وبدأ يدهن بعض الأشخاص فلم يُعترف به وتم حرمه بواسطة تيموثاوس رئيس أساقفة السكندريين هو وكل من شاركوا أرائه" يدعو ق. ساويرس ثيؤدوتس وأتباعه بأصحاب دين إعادة المسحة المعينين لذواتهم (أي من لم يعترف أحد بما فعلوا بل هم عينوا ذواتهم لهذا الفعل). وتنطبق نفس القرارات على من كانوا لاخلقيدونيين ثم تحولوا للمذهب الخلقيدوني ثم عادوا مرة أخرى للمذهب اللاخلقيدوني، فيقول: "وحيث أن البعض، كما علمت، قاموا بإعادة سيامتهم، فمجرد السماع بهذا هو أمر شنيع". عاصر ق. ساويرس الأنطاكي ق. يعقوب البرادعي (~543-578) وانعقد في عهده مجمع وتقرر عنه: (1) أن السيامة التي تمت بواسطة الكيان الخلقيدوني يمكن تعقبها لما قبل انعقاد المجمع وخطأهم لا يلغي صحة وشرعية كهنوتهم وبالتالي لا يلغي صحة الكهنوت الذي يعطوه، (2) السيامة عطية رسولية فنقبلها ونشفي بها أولئك الذين وقعوا في الخطأ (3) من سيم من الجانب الخلقيدوني وأراد الانضمام للكيان اللاخلقيدوني يحتاج للشفاء وفترة توبة قد تمتد لسنتين بعدها يعود للخدمة بدون إعادة السيامة. وفي هذا دليل على استمرارية رؤية الكيان اللاخلقيدوني لشرعية وفاعلية الكهنوت الخلقيدوني على الرغم من الانشقاق واختلاف الإيمان (كما رأوا آنذاك). مع ذلك قال الشق اللاخلقيدوني بألا يقبل اللاخلقيدونيين المعمودية وأعمال الكهنوت منهم لكن في الوقت نفسه لا يجوز إعادة معموديتهم وتقرر أن العائدين في درجات الكهنوت يُقبلوا بعد توبة وصلاة أسقف لتثبيت الكهنوت لا لإعادة السيامة. هنا وينبغي أن نوضح أن ق. فلكسينوس كان يبلغ من العمر 15 عام حين انعقد مجمع خلقيدونية وأن كلًا من ق. ساويرس وق. يعقوب البرادعي ولدا بعد انعقاد مجمع خلقيدونية، مما يعني أنه وقت كتابتهم للرسائل السالف ذكرها كان قد تم سيامة عدد من الكهنة والأساقفة على يد اكليروس خلقيدوني وكان قد ولد عدد من الأطفال الذين اعتمدوا وتم دهنهم بزيت المسحة على يد الإكليروس الخلقيدوني إلا أن هذا لم يقف في طريق قبولهم لمعموديتهم ودهنهم بالميرون وعدم إعادة أي من السرين وعدم إعادة سيامة من تم سيامتهم في الدرجات الكهنوتية على يد الخلقيدونيين معتمدين في ذلك على من سبقوهم. ولم نسمع أن أحدهم وقف ورفض تقييمهم للموقف متحججًا بوجود حرومات (أو أناثيما) بين الفريقين. --- ### هل كرز المسيح للأرواح في الجحيم؟ - Published: ۲۰۲۱-۰۸-۱۰ - Modified: 2024-05-09 - URL: https://tabcm.net/2572/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون, تاريخ وميثولوچيا, لاهوتيات - وسوم: آدم, إنجيل نيقوديموس, توما الأكويني, حواء, سمعان بن يونا, فاسيلياذيس, قايين, قديس بولس الرسول, كارميريس, ليتورچي, نيقوديموس, يوحنا المعمدان, يوحنا منصور بن سرجون الدمشقي يجوز خلاص ليس أولئك الذين كانوا مؤمنين في حياتهم الأرضية فحسب، بل الذين أرضوا الله بأعمالهم الصالحة وإن لم يتأهلوا بأن يصلوا إلى الإيمان السليم من الأيقونات البيزنطية والروسية القديمة لقيامة المسيح لا نجد أبدًا تصويرًا للحظة القيامة بالذات. ما نراه هو نزول المسيح إلى الجحيم، أو بالأحرى إخراج آدم وحواء وغيرهما من شخصيات الكتاب المقدس منه. وتحت قدميْ المخلّص هاوية الجحيم السوداء على خلفيتها أقفال ومفاتيح وحطام الأبواب التي كانت واقفة في وجه الأموات في طريقهم إلى الفردوس. إن هذا النمط من رسم الأيقونة هو الذي يعتبر قانونيًا لأنه يعكس التعليم التقليدي حول نزول المسيح إلى الجحيم وانتصاره على الموت وإقامته الأموات وإخراجهم من الجحيم الذي كانوا محبوسين فيه قبل قيامته. إلا أنه في القرون الأخيرة كثيرًا ما التجأ الرسّامون عند إبداعهم صورة القيامة إلى صور أخرى مقتبسة من التقليد الغربي وهي صورة المسيح القائم الخارج من القبر ماسكًا في يده راية النصر. ولكن هذه الصورة لا تعتبر تقليدية بالنسبة للأرثوذكسية. إنّ كل صورة من صور الإيقونات الأرثوذكسية ترجع إلى نقطة معيّنة تتعلق بالقدّاس. فليس ثمة إيقونات أو رسوم جدارية لا ترتبط قصّتها بأحد أيام التقويم الكنسي بشكل أو بآخر. وأما إيقونة النزول إلى الجحيم فتتعلق بيوميْ سبت النور والفصح اللذين يتمّ ذكرهما في القداس. ويعتمد التعليم عن النزول إلى الجحيم على عدّة نصوص من الكتاب المقدس أوّلها رسالة بطرس الرسول: فإنّ المسيح أيضاً تألم مرّة واحدة من أجل الخطايا، البارّ من أجل الأثمة، لكي يقرّبنا إلى الله، مماتاً في الجسد، ولكن محيى في الروح، الذي فيه أيضاً ذهب فكرز للأرواح التي في السجن. (بطرس الأولى 3: 18-19) ولكن موضوع نزول المسيح إلى الجحيم، الذي نجد تصويره في تقليد كتابة هذه الأيقونة، تتناوله النصوص في اﻷبوكريفية (الأسفار معترف بها من الكنيسة الأرثودكسية) المبكرة بشيء من التفصيل. فهناك إيقونة أخرى تصوّر المسيح وهو لا يطأ أبواب الجحيم فقط، بل الجحيم نفسه مصورًا في شكل شيخ مقيّد بالقيود والربّ واقف فوقه منتصرًا. في "إنجيل نيقوديموس" وهو النص الأبوكريفي الذي وصل إلينا من القرن الخامس ولا يتناقض مع التعليم الأرثوذكسي بشكل عام، رغم أنه لم يُدرج في قانون العهد الجديد، نجد حوارًا بين الشيطان والجحيم. فيحاول الجحيم مقاومة مجيء المسيح ويأمر الشياطين "بإغلاق الأبواب والأقفال الحديدية بإحكام". ولكن يُسمع صوت يقول: "ارتفعن أيتها الأبواب"، فيسأل الجحيم إثر ذلك: "من هو ملك المجد هذا؟" فيردّ الملائكة: "الربّ القدير الجبّار، الربّ الجبار في الحروب". ففي الحال تتحطم الأبواب النحاسية وتنكسر الأقفال الحديدية وتسقط القيود من على جميع الموتى. ويقيّد ملك المجد الشيطان ويسلّمه إلى الجحيم قائلًا: "امسكه بإحكام حتى مجيئي الثاني". وعند قبول الشيطان يقول الجحيم له: "انظر، لم يعد لديّ ولا ميت واحد".  وفيما بعد نجد وصفًا لإخراج الموتى من الجحيم من قبل المسيح المتجسّد: بسط ملك المجد يمينه وأمسك بها آدم وأخرجه، والتفت إلى الآخرين قائلاً: تعالوا يا جميع الذين ماتوا بسبب لمسه الخشبة، ها أنا أقيمكم ثانيةً بخشبة الصليب. . فأخرج الجميع وأصبح الآباء وهم يسيرون وراءه يرتلون: مبارك الآتي باسم الرب، هلليلويا، له مجد جميع القديسين. (إنجيل نيقوديموس) إن "إنجيل نيقوديموس" هذا يتضمّن كل الأفكار والصور التي استعان بها الأدب المسيحي في القرون التالية لتصوير ما يسمّيه علماء اللاهوت الأوروبيون المعاصرون بـHöllensturm "اقتحام الجحيم"، لأن المسيح لم يقم بمجرّد النزول إلى هاوية الجحيم، بل اقتحمها متغلبًا على مقاومة الشيطان ومحطمًا الأبواب وخالعاً أقفالها كمنتصر تنهار أمامه قِوَى الشر. لننتبهْ إلى عبارة واحدة من "إنجيل نيقوديموس" وهي قول الجحيم أنه "لم يعدْ لديّ ولا ميت واحد". في إيقونة النزول إلى الجحيم كثيرًا ما يُصوّر المسيح مادًا يديه إلى آدم وحواء لإخراجهما، وأحيانًا نجد بجانبهما غيرهما من الناس خارجين لابسين ملابس بيضاء ذوي الهالة أو بدونها. فمن هم؟ هل حقًا خلا الجحيم حسب قول الأبوكريفا؟ هل أخرج المسيح جميع الناس الذين كانوا في الجحيم قبل قيامته؟ قد تناولت إيقونة القيامة هذه المسألة أكثر من مرة. فيصوّر الرسم الجداري المشهور في دير "خورا" في القسطنطينية (القرن الرابع عشر) موضوع نزول المسيح إلى الجحيم بشكل درامي خاصّ. في وسط الصورة نجد المسيح لابسًا ملابس بيضاء وهو يمسك بيده اليمنى يد آدم وبيده اليسرى يد حواء. نرى آدم يكاد يركض نحو المسيح بينما حواء تصعد بصعوبة من أعماق الجحيم. عن يمين المسيح نجد يوحنا المعمدان وأنبياء وأبرار العهد القديم ذوي الهالة وعن يساره خطاة العهد القديم على رأسهم قايين واقفين في حيرة. هل تخصّهم كرازة المسيح أيضًا؟ هل يتبعه قايين، هل يخلص؟ وماذا عن باقي الخطاة؟ كأنّ الإيقونة تعني أنّ الحكم على مسألة الخلاص النهائي ليس بأيدينا وأنّ حكم الله غير حكم الناس. إنّ عقيدة نزول المسيح إلى الجحيم هي جزء من التعليم الأرثوذكسي عن الخلاص، إلا أنّ تفسيره لهذه المسألة يتعلق بطريقة فهمنا لكرازة المسيح في الجحيم وعملها الخلاصي في الناس. إذا لم نأخذ في الاعتبار سوى كون الكرازة هي للأبرار المختارين للعهد القديم نكون حصرنا بذلك المعنى الخلاصي للعقيدة في إطار محدود، أمّا إذا افترضنا أن الكرازة وُجّهت إلى جميع الموجودين في الجحيم تزداد أهمّيتها ازديادًا كبيرًا.  يمكننا أن نوافق رأي "إ. كارميريس" في أنه: حسب تعليم الأغلبية الساحقة من الآباء الشرقيين كانت كرازة المسيح في الجحيم تشمل الجميع بلا استثناء وأصبحت لجميع الموتى الراقدين منذ الدهر سواء أكانوا من اليهود أو اليونانيين أو من الأبرار أو الأشرار الحرّية في اختيار خلاصهم. (إ. كارميريس، دكتوراه في اللاهوت - يوناني) ونجد نفس الفكرة عند بروفسور اللاهوت اليوناني "ن. فاسيلياذيس" حيث يقول: إن الربّ نزل إلى الجحيم طوعًا منتصرًا، فكرز لجميع الأرواح المتواجدة هناك من الخطاة والأبرار واليهود والوثنيين. وكما أنّ شمس العدل أشرقت للساكنين في الأرض، هكذا أضاء نوره للمحبوسين تحت الأرض في الظلمة وظلال الموت. وكما جاء إلى الأرض بالسلام وإلى الخطاة بالمغفرة وإلى العمي بالبصر، هكذا أتى بنفس الإعلان إلى المتواجدين في الجحيم لكي تجثو أمامه باتضاع كل ركبة ممّن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض. (في 10:2) (ن. فاسيلياديس، بروفيسير لاهوتي يوناني) أي أنّ الإله الإنسان بنزوله إلى الأرض، بل إلى تحت الأرض، فتح الطريق إلى الله الحقيقي للجميع وكرز ببشارة الخلاص ليملأ الله الكلّ وليسود الربّ على الأحياء والأموات (رو 14: 9). وبالتالي، جاءت كرازة المسيح في الجحيم كبشارة خلاص وفرح ليس للأبرار فقط، بل لغيرهم أيضًا ولم تكن مجرّد توبيخ على عدم الإيمان والحقد حسب اعتقاد توما الإكويني. إنّ رسالة بطرس الأولى التي تتناول موضوع كرازة المسيح في الجحيم تكشف لنا خطأ فهم هذه الكرازة من باب التوبيخ والإدانة. ولكن هل استجاب جميع المتواجدين في الجحيم لدعوة المسيح فأُخرجوا منه؟ لا تزال جدالات كثيرة تدور حول هذه المسألة. فيقول أصحاب الرأي الأول إنّ المسيح لم يخرج إلا أبرار العهد القديم، بينما يعتقد أصحاب الرأي الآخر بأن كل من أراد أن يتبع المسيح بعد أن خلع أبواب الجحيم وحطم أقفاله فعل ذلك. ويرد في النصوص الليتورجية كثير من الإشارات إلى أن جميع المحبوسين في الجحيم قد نالوا الخلاص على يديْ المسيح. ولكن نظرًا لأن الله لا يتدخل في حرّية إرادة البشر فقد بقي في الجحيم من لم يرغب في أن يتبع المسيح بمن فيهم إبليس والشياطين. إذا وافقنا على رأي علماء اللاهوت الذين يعتقدون أن المسيح لم يخرج من الجحيم سوى الأبرار، فيتلخص عمل الخلاص في مجرّد تحقيق العدل لا غير. ولكن في هذه الحالة نتجاهل المعجزة التي يرتجف أمامها الملائكة وترتل لها الكنيسة في أناشيدها وننسى رحمة الله. إنه من وجهة نظر الأرثوذكسية، بخلاف المسيحية الغربية، يجوز خلاص ليس أولئك الذين كانوا مؤمنين في حياتهم الأرضية فحسب، بل الذين أرضوا الله بأعمالهم الصالحة وإن لم يتأهلوا بأن يصلوا إلى الإيمان السليم. هذه الفكرة نجدها في أحد الأناشيد الذي ألفه القديس يوحنا الدمشقي. فحسب رأيه يمكن للذين لم ينالوا التعليم عن الإيمان الصحيح في حياتهم الأرضية أن يؤمنوا وهم في الجحيم، لأنهم بأعمالهم الصالحة وحياة التقوى والابتعاد عن الخطيئة قد أعدّوا أنفسهم للقاء المسيح. الحديث هنا يجري عن أولئك الذين قال عنهم بولس الرسول إنهم "فعلوا بالطبيعة ما هو في الناموس" وليس عندهم الناموس و"أظهروا عمل الناموس مكتوبًا في قلوبهم" (رو 2: 14-15). والمقصود هو أن الذين يعيشون وفقًا لناموس الأخلاق الطبيعية دون أن يعرفوا الإيمان الحق، هناك أمل في أنهم سيتعرّفون على الله عندما يرونه وجهًا لوجه، أيْ يعرفون "الذي يتقونه وهم يجهلونه" (أع 23:17). وحسب التعليم الأرثوذكسي، جميع الموتى المؤمنين وغير المؤمنين على حدّ سواء سوف يتمثلون أمام الله. وبالتالي هناك أمل في أنّ حتى الذين لم يؤمنوا في حياتهم على الأرض سيعترفون بأنّ الرب هو مخلـّصهم وفاديهم، بشرط إذا كانوا قد ساروا في حياتهم الأرضية نحو هذا الاعتراف مفتـّشين عن الله الحقيقي. إذًا، لا نعرف إذا كان الجميع قد تبعوا المسيح حين اقتحم أبواب الجحيم أو لا، كما يصعب علينا الافتراض بأن الجميع سيتبعونه في ملكوته بعد يوم الدين. ولكن ما نعرفه بالضبط هو أنه منذ لحظة نزول المسيح إلى الجحيم أصبح الطريق إلى القيامة مفتوحًا لكل مخلوق والخلاص موهوبًا لكل إنسان وأبواب الفردوس مفتوحة لكل الراغبين في دخوله. وهذا هو سرّ السبت العظيم الذي تكشف الليتورجيا الأرثوذكسية لنا جزءًا منه، وهذا هو التفسير اللاهوتي لأيقونة القيامة. المرجع: المطران هيلاريون (ألفييف)، رئيس قسم العلاقات الكنسية الخارجية لبطريركية موسكو. --- ### الكورونا بين الكنيسة الأولى والكنيسة المعاصرة - Published: ۲۰۲۱-۰۸-۰۹ - Modified: 2023-10-08 - URL: https://tabcm.net/2589/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, شئون علمانية, لاهوتيات - وسوم: الضربات العشر, الكنيسة الإنجيلية, باسيليوس الكبير، أسقف قيصرية الكبادوك, چون كالڤن, سدوم وعمورة, فيروس كورونا, ليتورچي أنصحك بقضاء وقتلك مع إلهك السادي الذي تحبه.. أغلق على نفسك باب الغرفة وتحدث معه في أي شيء تحبه، كإمكانية إنزال نيزك لدك المثليين مثلا من أهم الدروس التي لقنتها جائحة كورونا للكنيسة، أنه من الحكمة ألا نتكلم في المواقف التي تحتاج إلى الصمت. ففي بداية الجائحة، أسرع الكثير من الكهنة والخدام بالحديث باسم الله، لإعلان غضبه الساطع على البشرية الفاسدة، ولا أدرى كيف ينصّبون أنفسهم كمتحدثين رسميين باسم الله؟ هل الله غير قادر على التعبير عن ذاته؟ بالطبع لا، فالله يستطيع أن يعلن بطريقة لا تدع بها مجالًا للشك أنه غاضب، يستطيع إنزال نورًا من السماء، ورعدًا، وبرقًا! والأهم من ذلك، هل لنا الحق في أن نتكلم باسم الذات الإلهية، مبينين مشاعرها حين تغضب، وحين تسر؟ وكيف نتجرأ على تحديد نية الله وضميره من الأحداث بهذه السهولة والسرعة؟! فنحن نتعثر في فهم البشر المحدودين في كثير من الأحيان، فكيف نجزم أننا نفهم الله غير المحدود! "إِذًا لاَ تَحْكُمُوا فِي شَيْءٍ قَبْلَ الْوَقْتِ، حَتّى يَأْتِيَ الرّبّ الّذِي سَيُنِيرُ خَفَايَا الظّلاَمِ وَيُظْهِرُ آرَاءَ الْقُلُوبِ. وَحِينَئِذٍ يَكُونُ الْمَدْحُ لِكُلّ وَاحِدٍ مِنَ اللهِ" (1 كورنثوس 4: 5)   باسيلوس الكبير والكورونا لننتقل الآن إلى تعاليم آباء الكنيسة الأوائل ورؤيتهم للأوبئة. يقول القديس باسيليوس الكبير: "من ينسب الشر إلى الله يشبه الوثني. من يقول "ليس إله" هو الذي لا يملك عقلًا ولا حكمة، كذلك من يقول "الله مسبب الشرور" هو شبيه به، لأن الأول والثاني ينكران "الله الصالح". فالأول يقول "لا يوجد إله"، والآخر يقول "إن الله ليس صالحًا"؛ لأنه لو أن الله هو مسبب الشرور فهذا يعني أن الله ليس صالحًا، إذًا هناك إنكار لله من كلا الجانبين. يتساءلون من أين تأتي الأمراض؟ من أين هذه الميتات المبكرة؟ من أين الدمار العظيم الذي يلحق بالمدن؟ من أين العواصف؟ من أين الأوبئة؟ إن هذه الأمور تعتبر -في نظرهم-: بالطبع شرورًا وكلها من أعمال الله! ويتمادوا في ذلك بقولهم: "من هو الآخر الذي يمكننا أن نتهمه بارتكاب هذه الحوادث إلا الله. "(القديس باسيليوس الكبير، كتاب: "الله ليس مسببا للشرور"، صفحة 19) هل تدرك خطورة هذه الفقرة؟ القديس باسيليوس الكبير يساوي بين من يقول إن الله يسبب الشر، وبين الوثني؛ لأن الاثنان لا يعرفان الله الصالح الحقيقي في نهاية الأمر! فما الفائدة من أن تعرف أن المسيح هو الله، وأنت لا تعرف من هو بالحقيقة؟ من ينسب لله الشرور يعبد صورة مشوهة لله وليس الله الحقيقي. هذا هو رأي أحد أهم  آباء الكنيسة الأوائل في القرن الثالث.   رؤية كنيسة العصر الحديث لله والشرور يجد الكثير من محبي تغذية الشعور بالذنب عند الموعوظين في كورونا فرصة هائلة لممارسة هوايتهم المفضلة، وخرجوا علينا ليصرحوا بأنه قد حان الوقت للثأر الإلهي بواسطة الغزوة الفيروسية للقضاء على الملحدين، والمثليين، والهراطقة. وبدلًا من أن يبكوا مع الباكيين، شاعرين بمخاض كوكبنا الشقي، شرعوا في الشماتة في الخطأة، قائلين: " قد قلنا لكم ماذا سيفعل الله بكم لكنكم لم تسمعوا! انظروا كيف يحتار العلماء في فيروس شديد الصغر، لا يُرى بالعين المجردة! " فالحديث قد انحدر وتدنى إلى مستوى طفولي، مثير للشفقة. يقول القمص داود لمعي للشعب: أن الأهم من متابعة الأخبار والاهتمام بالإجراءات الاحترازية، هو معرفة الرسالة الإلهية، التي استلمها هو بنفسه من الله لكي يقصها علينا بالطبع. وأتعجب من ذلك الذي يظن نفسه من كوكب آخر؛ فهل تعتقد أن الله يسيج حولك بحماية خاصة دونًا عن باقي البشر، ويستثنيك من الألم، وهو لم يستثني ابنه الوحيد؟! كما يقول القمص داود لمعي، أنه لو لم نركز على عقاب الله وسخطه، كيف سيتوب الشعب: "أمال الناس هتتوب إزاي؟" ولا أعلم هل يعتبر الله التوبة والصلاة، انطلاقًا من الخوف منه وتجنب عقابه، توبة حقيقية وصلاة فعلًا أم لا. فهل نظام الابتزاز بأن نصلي ونكف عن فعل الخطيئة في مقابل ألا يصيبنا الله بمكروه، فيه من التقوى في شيء؟ ولو كنت، كخادم، لا تستطيع مساعدة الناس على التوبة إلا بإرهابهم، فما هو الفرق بينك وبين داعش؟ وما هو التميز في أن تخرج على الشعب لتلقي في قلوبهم الرعب ليخروا ساجدين أمام الله، وحين ينتهي الخطر، يرجعون إلى حيث جاءوا؟ هل الخوف هو السبب الوحيد للتوبة حقًا؟ هل الله ليس به من الجمال ما يكفي ليحبه الناس طواعية؟ وعلى الرغم من الإيمان بأن الكورونا هي "غضب من الله على الأشرار بشكل واضح جدًا جدًا"، قد أصيب القمص وأسرته بها، بالإضافة إلى عدد مهول من الكهنة والشمامسة ممن فقدوا حياتهم. فحين أشار القمص إلى الكورونا قال: "كلمة وباء كانت مقترنة دايمًا بغضب الله في العهد القديم يا أحبائي. " لكننا نعرف من العهد القديم كذلك أن الله "لا يهلك البار مع الأثيم"، فهل من تنيحوا من الكهنة، والخدام، والأطفال أشرار؟ فالعلامة الفاصلة أن الغضب مُنصب على الأشرار، هو نجاة الأبرار منه، كما رأينا في قصة الضربات العشر، وسدوم وعمورة. "فَتَقَدّمَ إِبْرَاهِيمُ وَقَالَ: «أَفَتُهْلِكُ الْبَارّ مَعَ الأَثِيمِ؟ عَسَى أَنْ يَكُونَ خَمْسُونَ بَارّا فِي الْمَدِينَةِ. أَفَتُهْلِكُ الْمَكَانَ وَلاَ تَصْفَحُ عَنْهُ مِنْ أَجْلِ الْخَمْسِينَ بَارّا الّذِينَ فِيهِ؟ حَاشَا لَكَ أَنْ تَفْعَلَ مِثْلَ هذَا الأَمْرِ، أَنْ تُمِيتَ الْبَارّ مَعَ الأَثِيمِ، فَيَكُونُ الْبَارُّ كَالأَثِيمِ" (تكوين 18) فإذا هلك الأبرار، كيف سيعلم الأشرار أنهم المقصودين من الوباء؟ والمفارقة أن من يلعنون الغرب الملحد الكافر المثلي، قد هرعوا لتلقي اللقاح المصنوع بواسطة هؤلاء الكفرة! وهل يعني نجاح اللقاح أن العلماء، والملاحدة قد غلبوا الغزوة الإلهية؟ فالصين هي أعلى دول العالم إلحادًا وقد نجحت في إنتاج لقاح فعال ضد الكورونا، وإنجلترا التي تضع صورة المثلي "آلان تورنج" على عملتها قد نجحت هي الأخرى، فهل قد فشلت الغزوة الفيروسية، وخطة الله؟ أترى كم هي خطرة تلك التصريحات، وكم هو سيء أن نتحدث باسم الله؟ وفي رأيك من جدير بالتصديق – رأي باسيليوس الكبير أم رأي القمص؟   الكنيسة الأولى والعهد القديم ببساطة شديدة، لا يوجد سبب لنا، كمسيحيين، لقراءة العهد القديم سوى ما جاء فيه من نبوءات عن المسيح. فلا يوجد في صلوات الكنيسة (الليتورجيا) أي شيء من العهد القديم، سوى المزامير، وهي أيضًا تكون مرتبطة بإصحاح العهد الجديد المقرر قراءته في القداس، وبعص نصوص العهد القديم تُقرأ في أسبوع الآلام لأنها مرتبطة بالمسيح أيضًا. لم تهتم الكنيسة الأولى بتاريخية نصوص العهد القديم، وتناولتها بقراءة رمزية؛ فالحروب، على سبيل المثال، ترمز إلى الحرب بين مملكتي الخير والشر. لذلك، لا توجد حروب العهد القديم في تاريخ الكنيسة، ولا حتى قصة عبور شعب إسرائيل لنهر الأردن. فهذه النصوص روحية، ولا نعلم أن كانت حدثت كذلك في الواقع أم لا. ونحن ككنيسة لا نستطيع أن نحارب حربًا باسم المسيح، كما حارب الشعب اليهودي. فالكنيسة الأولى لم تساو بين العهدين. نعم، وسيبدو الأمر صادمًا لك بعض الشيء حين تعرف أن أول من ساوى بين العهدين هو "جون كالفن" في القرن ال17، وسُميت هذه العقيدة بوحدة العهد (أي أنه عهدًا واحدًا، لا اثنين) كما رفض "كالفن" التفسير الرمزي للعهد القديم، ونادى بحرفيته التاريخية، وانتشر هذا المبدأ من الكنيسة الإنجيلية إلى الكنيسة الأرثوذكسية، والكاثوليكية. قبل "جون كالفن"، كانت الكنيسة تقدس العهد الجديد أكثر بكثير من العهد القديم، لأن الناموس كان خاصا بشعب إسرائيل فقط، وجاء لهدف معين لهذه الأمة، ولم يعطه الله للبشر جميعهم: هل سمعنا أن الله أعطى الناموس لنينوى، أم أنه قبل توبتهم فقط؟ كان الهدف من العهد القديم هو تأديب البشرية لقبول النعمة بعد أن تفشل في الوصول إلى الله عن طريق الدين. ففشل الناموس في تقويم البشرية يعلمنا التجرد من الجمود إلى رحب العلاقة مع الله. "إِذًا قَدْ كَانَ النّامُوسُ مُؤَدّبَنَا إِلَى الْمَسِيحِ، لِكَيْ نَتَبَرّرَ بِالإِيمَانِ" (غلاطية 3: 24)   لا دينونة يعلمنا العهد الجديد أن الدينونة قد انتهت بموت الابن عن البشرية؛ فلن يدين الله العالم مجددًا، وإلا فما فائدة التجسد، وما قيمته إذا كانت البشرية التي مات المسيح لأجلها ما زالت تحت الدينونة! وسوف تسمعون. . "وَسَوْفَ تَسْمَعُونَ بِحُرُوبٍ وَأَخْبَارِ حُرُوبٍ. اُنْظُرُوا، لاَ تَرْتَاعُوا. لأَنّهُ لاَ بُدّ أَنْ تَكُونَ هذِهِ كُلّهَا، وَلكِنْ لَيْسَ الْمُنْتَهَى بَعْدُ. لأَنّهُ تَقُومُ أُمّةٌ عَلَى أُمّةٍ وَمَمْلَكَةٌ عَلَى مَمْلَكَةٍ، وَتَكُونُ مَجَاعَاتٌ وَأَوْبِئَةٌ وَزَلاَزِلُ فِي أَمَاكِنَ" (الإنجيل بحسب متى، الإصحاح 24) قال لنا أننا سنسمع عن أوبئة، وحروب، ومجاعات، واضطهادات، فبما أنك تؤمن أن الأوبئة من الله، فهل الحروب، والاضطهادات أيضًا من الله؟ هل الله يضع الشر في قلب الحكام، وينشف عشب الأرض، ويجفف مياه الأنهار حتى يتضور الناس جوعًا، بما فيهم الأطفال الأبرياء فقط ليؤمن الناس به؟ إذا قُلت إن داعش أكثر رحمة من هذا الإله الهش السادي الذي يتصوره البعض لما بالغت؛ فداعش تقطع رقبتك مرة واحدة، لكن المجاعات والحروب تقتلك ببطء رتيب! اسمح لي، عزيزي القارئ، أن أقولها لك بصراحة، ولا تغضب مني: إن كنت تؤمن أن هذا هو الله الصالح، فأنت مريض نفسي، وتحتاج إلى علاج. ولذلك، أرجوك باسم الإنسانية -إن كنت تهتم بها أصلًا- أن تبتعد عن الناس قليلًا؛ فهم لديهم ما يكفيهم من أوجاع، ولا يجدون من يرفق بهم. وأنصحك بقضاء وقتلك مع إلهك السادي الذي تحبه، أغلق على نفسك باب الغرفة وتحدث معه في أي شيء تحبه، كإمكانية إنزال نيزك لدك المثليين مثلا، أو أعكف على تأليف ترتيلة ترجوه فيها أن يرسل الزومبي، أو يحي الديناصورات من جديد لتلتهم الملحدين، وأتمنى لك وقتًا سعيدًا. --- ### التمايز في شرح العقيدة المسيحية (٤) - Published: ۲۰۲۱-۰۸-۰۸ - Modified: 2022-02-04 - URL: https://tabcm.net/2352/ - تصنيفات: لاهوتيات كيف دخل مفهوم العدل الإلهي في لاهوت الغرب : تمخض الصراع السياسي بين روما وبيزنطة باستقلال سياسي شجعه و باركه أساقفة روما للانفصال عن الشرق البيزنطي لتعود روما إلي مجدها القديم. ونجح هذا المسعي بمسح شارلمان إمبراطوراً علي الإمبراطورية الرومانية سنة ٧٦٨م. وحظي هذا المسعى بموافقة الكنيسة الرومانية التي كانت في حقيقة الأمر ذات صفة دينية و سياسية معاً، خِلافاً لتعليم المسيح الذي جاء ليفصل بين الله وقيصر، ويفصل بين الشريعة الإلهية والقانون الوضعي. وفي مقدمة الديانات التي جمعت الإثنين في كتاب واحد وأنشأت حكومة إلهية ثيؤقراطية كانت الديانة اليهودية نفسها، الأم التي ولدت المسيحية. هذا الوضع جعل عقوبة الشر تُوقَّع على المذنب سواء تاب أم لم يتب (مثل: الارتداد عن الإيمان. الاعتداء على الوالدين. الزني. . ). فجاء المسيح ليفصل بين الحُكم والعقوبة على الشر حسب الشريعة الموسوية، وبين علاج الخطية وغفرانها حسب شريعة الإنجيل. وبذلك تحول القصاص في المسيحية إلى جهة الاختصاص وهي المحكمة والقانون الوضعي. إن كافة القوانين الوضعية لا تعرف المغفرة بالمرَّة، ولا تعرف تجديد حياة المجرم، بل العقاب وحده. ولا تعيد المجرم إلي الوضع الذي كان عليه قبل الجريمة. إن الإنسان في كل زمان ومكان عرف العدل بمعناه القانوني، أي رد حق المظلوم والقصاص من الظالم ومعاقبته. ولكن النقطة الجديرة بالبحث هي: هل عدل الله هو نفسه عدل المحاكم الأرضية؟. وهل يعاملنا الله حسب القانون الوضعي؟. إن الانفصال السياسي للغرب عن الشرق البيزنطي حرص على إنشاء حكم سياسي بإسم المسيح والمسيحية بالعودة إلي تزاوج النظام القانوني - السياسي - الإجتماعي - الديني تحت سيادة الأساقفة والأمراء وهو ما يُعرف سياسياً بعصر الإقطاع. وفي هذه البيئة (العصر الوسيط) ُولِد اللاهوت المدرسي الذي كان من واجباته إعادة تفسير العقيدة المسيحية بشكل سياسي يخدم سيطرة الحاكم والكنيسة. إن منطق وتعليم اللاهوت المدرسي للعصر الوسيط قام على الأركان التالية: الخطية هي إعتداء على الله / لا يمكن غفران هذا الإعتداء إلاَّ بترضية / قدَّم المسيح هذه الترضية وبذلك نال الإستحقاقات بسبب العذاب الذي تحمَّله على الصليب (مثل الترضية التي يدفعها المجرم عن جريمته بالسجن و التعذيب) / تملك الكنيسة حق توزيع استحقاقات المسيح في الأسرار، وسلطان الحل والربط، وصكوك الغفران. . إلخ. ثم جاءت حركة الإصلاح واختزلت كل هذا في قضية واحدة: أن المسيح دفع كل شئ وقدَّم الترضية الشاملة، والثمن كله، ودفع كل هذا بالعذاب والألم. وإعتَبرت أن الخلاص كله حدثٌ قد تمَّ وانتهي يوم الجمعة العظيمة علي الصليب. أما اللاهوت الشرقي الأرثوذكسي فقد استمر دون نظريات لاهوتية جديدة تفسر الإيمان - مثل نظرية الفداء والكفارة والبديل العقابي التي جاء بها اللاهوت المدرسي الكاثوليكي ثم تلقفته حركة الإصلاح البروتستانتي - مكتفياً بما تسلَّمه من تعليم الآباء الذي يؤمن بالصليب ليس كذكري عقلية حدثت وانتهت، بل ذكرى حية ممتدة يشترك فيها المؤمنون في موت المسيح وقيامته (حياة الشركة مع المسيح)، وهو الدور الذي يقوم به الروح القدس في المؤمنين من خلال الأسرار، ليعيد تكوين الإنسان حسب صورة المسيح. لقد غلب الربُ الموتَ في الآخرين مثل لعازر، وابن الأرملة قبل يوم الجمعة الكبير. ثم غلب الربُ الموتَ علانيةً في كيانه (أي كيان المسيح) و هو معلق علي الصليب في يوم الجمعة لكي ينقل إلينا الغلبة والانتصار. لقد سبقت غلبةُ الرب علي الموت يوم الجمعة لتستمر بعد يوم الجمعة وفوق الزمن. فالموت الذي ُغلِبَ في آخرين كان ولابد أن يُغلَب إلي الأبد في المسيح، وهو ما تعلنه القيامة المجيدة. وهكذا كل ما حدث سابقاً علي يوم الجمعة صار معلَناً للإنسانية كلها على الجلجثة ومن القبر بالموت والقيامة، ولكي يمتد في الحاضر والمستقبل في أسرار الكنيسة المقدسة بعمل الروح القدس. لقد مات الرب علي الصليب لكي يبيد الموت، هذا ما يعلنه العهد الجديد حسب الإيمان الأرثوذكسي و ُيعبِّر عنه بكلمات مثل الفداء والكفارة والخلاص. وهي في المفهوم الشرقي الأرثوذكسي ليست مصطلحات نظرية بحسب القانون الوضعي الذي من صنع الإنسان والتي تمَّ تطبيقها على المسيح ليسهل فهمها للناس ولتبرر للحاكمين سلطانهم في الغرب المسيحي. بل هي حياة ممتدة في الحاضر والمستقبل. إن ”الكفارة“ في المفهوم الشرقي الأرثوذكسي هي تطهير وغسل من الخطايا بدم المسيح وبالروح القدس. لذلك فالكفارة هي ”سكني الروح القدس فينا“ لأن الروح القدس يطهرنا. و”الفدية“ في المفهوم الشرقي الأرثوذكسي هي ”الإفخارستيا“ القوة التي تحرر الإنسان. . أما حركة الإصلاح فقد فصلت الماضي (أي الصليب وموت الرب) عن الحاضر والمستقبل (أي القيامة وسكنى الروح القدس بالأسرار) نتيجة الفكرة القانونية التي جاءت بها لتشرح موت السيد المسيح له المجد علي الصليب. وذلك لتأثرها بالحضارات والفكر السياسي، والتي انتهت بها إلى القول: إذا كان الخلاص كله قد تمَّ يوم الجمعة الكبيرة، فما سبب وجود جسد الرب ودمه علي المذبح الآن؟. إن لاهوت حركة الإصلاح يَحصر تقديم الفدية للآب وحده و ينكر تقديم دم المسيح للمؤمنين (الإفخارستيا). ويَحصر الخلاص في علاقة الآب بالابن ويغفل دور الروح القدس (في الأسرار). ويعتبر أن الخلاص حدثٌ، قد تمَّ و انتهي يوم الجمعة العظيمة وبالتالي ينكر علاقة موت الرب وقيامته وسكنى الروح القدس بالأسرار. و يمكننا القول إن العصر الوسيط هو عصر ظهور نظرية عقيدة الفداء والكفارة بأقلام الكاثوليك والتي تحولت إلي سلاح في يد قادة حركة الإصلاح للقضاء على ذبيحة القداس والكهنوت نفسه في أوروبا ومهدت لتكوين كنائس أوروبية مستقلة عن روما. والسبح لله. ( يُتبع) بقلم: رءوف إدوارد --- ### [١] مقدمة في الجندر - Published: ۲۰۲۱-۰۸-۰۷ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/2578/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, المرأة القبطية, شئون علمانية - وسوم: الفجوة الجندرية, النوع الاجتماعي هل تعرف الفرق بين ثنائية (ذكر / أنثى)، وبين ثنائية (رجل / امرأة)؟ هل تعرف الفرق بين ثنائية (ذكر / أنثى)، وبين ثنائية (رجل / امرأة)؟ عندما نتكلم عن (ذكر / أنثى) فنحن نتحدث عن مسألة بيولوجية بحتة... أي حيوانات تتكاثر تكاثرا جنسيًا، تتمايز إلى نوعين (ذكر / أنثى) وفي بينهم فوارق في شكل الجهاز التناسلي، ومن ثم فوارق فسيولوجية (فوارق في وظائف الأعضاء) لكن عندما نتكلم عن ثنائية (رجل / امرأة) فنحن هنا نتحدث عن علم الاجتماع وليس البيولوجي أو الفسيولوجي... gender وليس sex. . ونتحدث عن الإنسان تحديدًا وليس حيوانات أخرى،، جندر (gender) مصطلح بنكتبه زي ما هو بالعربي، وأقرب ترجمة عربية ليها هي "النوع الاجتماعي" وتعني الدور الذي رسمه المجتمع لكل من الذكر والأنثى... مثلا لو الذكر عليه العمل والأنثى عليها تربية الأطفال، هتلاقي المجتمع وزع الأدوار بحيث ترتبط الصورة النمطية للرجل بالعمل والكدح، وترتبط الصورة النمطية للمرأة بالوظائف المنزلية... العملية دي مش ببساطة قراءة السطر السابق، وإنما بتستمر بتفاصيل وتصورات اجتماعية غاية في التعقيد بتوصل إن المجتمع رسم وحدد ضرورة لارتداء أزياء مختلفة (بدلة / فستان) أو إن حتى لما كلاهما يلبس حذاء، ففي حذاء رجالي وآخر نسائي، وبالمثل في مسألة زي النضارة... الساعة... قصة الشعر... رائحة العطر... إكسسوارات التزين... إلخ وكل ده بيتحرك مع الزمان والمكان وفق السياق التاريخي والاجتماعي، يعني ممكن في حقبة معينة تلاقي المجتمع منع إكسسوارات التزين عن الرجال خالص،، أو يمنع العطور عن المرأة نهائي... أو يمنع خروجها في نصاص الليالي... أو يحظر قانونا قيادتها للسيارات... أو يجبرها تغطي شعرها... أو يمنع صلاتها في فترة الحيض ويعتبره نجاسة مرة، أو رخصة مرة أخرى،، بعدين يحسسها بالذنب نتيجة النجاسة، أو بالمرقعة والمياصة نتيجة إنها أقل صلاة... إلخ علم الاجتماع قال لنا إن ده بينشئ حاجة اسمها gender gap "الفجوة الجندرية" وهي تعبر عن تعاملات ظالمة لنوع اجتماعي معين لا لشيء سوى كونه إتولد كدا. . مهم جدا تفهم إن الأصل في الإنسان هو الهمجية البدائية مش الحضارة والأخلاقيات، وإن المتابعة الكرونولوجية (التسلسل الزمني) لتاريخ البشر يقول بوضوح أننا نتقدم ونسمو في الإنسانية بمرور الزمن... يعني الطبيعي هو الصراع بين الذكر والأنثى وإنهم يفشخوا بعض حرفيًا، وحكاية التعايش الجندري نشأت لاحقا نتيجة الاحتياج المتبادل، وكان قائم على مفاوضات غير عادلة بمعايير العصر الحالي... بمرور الوقت أخلاقنا الإنسانية (الأرضية) تزداد تراكما ورهافة في مسألة "الظلم الاجتماعي" ومن الوارد جدا إن نظرة مثقف ملحد في القرن الواحد والعشرين في مسألة النظر لقضايا المرأة، ممكن تتفوق كثيرًا عن نظرة الأنبياء والصحابة والقديسين... ده طبيعي ومنطقي بسبب تطور القيم الإنسانية نفسها (لاحظ إن المكتوب "القيم الإنسانية" وليس "القيم الدينية"، وده مقصود) لأشكال أكثر اهتمامًا بالتفاصيل الدقيقة، واللي في عصر سابق مكانتش التفاصيل دي مهمة، أو حتى ممكن مضحى بيها من أجل تحقيق مكتسبات أخرى أكثر أهمية وجوهرية بالمعايير التاريخية اﻷقدم... في مقالات قادمة، هندخل المنطقة دي ونحاول نفهم ونشوف المسيح إتعامل إزاي، واللي بعده عملوا إيه، وإحنا رايحين فين... هذا المقال جزء من سلسلة: عن المرأة في المسيحية --- ### [٥] بنو الله وبنات الناس "نِفيليم" - Published: ۲۰۲۱-۰۸-۰٦ - Modified: 2023-10-12 - URL: https://tabcm.net/2381/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, كتاب مقدس - وسوم: أيوب البار, إبراهيم أبو الأنبياء, إنليل, إيلوهيم, الفرضية الوثائقية, جون سكينر, چون كولينز, چيكوب كلاين, ريتشارد فريدمان, نامزيتارا, نبي موسى, نقد تأريخي, نقد كتابي, نيفيليم, يوسف الصديق "ولما ابتدأ الناس يكثرون على وجه الأرض، ووُلد لهم بنات، استحسن بنو اللهبنات الناس. فاتخذوا لهم نساء من جميع من اختاروا. فقال الرب: "لا تثبت روحي في الإنسان للأبد، لأنه بشر، فتكون أيامه مئة وعشرين سنة". وكان على الأرض جبابرةفي تلك الأيام، وبعد ذلك أيضًا حين دخل بنو الله على بنات الناس فولدن لهم أولادًا، هُم الأبطال المعروفون منذ القِدَم. " (سفر التكوين، الإصحاح 6: 1-4) النص جي قبل قصة الطوفان مُباشرًة، في سكولارز من المُتبنيين الفرضية الوثائقية بينسبوه للتقليد الإيلوهيمي (E)، لكن الغالبية بيميلوا لإنه نص يهوي، مثلًا ريتشارد فريدمان- Richard Friedmann بينسبوا للتقليد اليهوي وجون كولينز- John Collins وجون سكينر- John Skinner نسبوه برضو لليهوي. جون سكينر بيقول ان وارد ان التقليد اليهوي كان في طبقتين وتمت إضافة العدد 3 (اللي بيحد عمر الإنسان لـ120 سنة) في الطبقة التانية. في سفر أخنوخ فيما بعد تم التعامل مع "بني إيلوهيم" على انهم الملائكة ومن بعده برضو في رسالة يهوذا وفيما بعد اتأثر آباء الكنيسة في القرنين الأول والثاني بالتأويل دا، ممكن تبص على البوست للنقطة دي. مفهوم "بني إيلوهيم" مش واضح، مفهوم الملائكة ككائنات ميثولوجية مكانش لسة اتطور وظهر وقت كتابة التقليد اليهوي. مفهوم "بني إيلوهيم" بيظهر برضو في سفر أيوب (1: 6، 2: 1، 38: 7) وفي المزمور 29: 1، ومزمور 82: 1، ومزمور 89: 7. بشكل عام بيُعتقد إن النص تأثر بالميثولوجيا الخاصة بتزاوج كائنات إلهية بالبشر. النِفيليم بيتم ذكرهم تاني في سفر العدد 13: 33، وهو نص يهوي، السؤال اللي قد يخطر على بال أي حد هو: هل النِفيليم نجوا من الطوفان وفضلوا مستمرين لحد زمن يشوع وموسى؟ بس الإشكالية دي بتبقى ممكن تتحل بالرجوع للعدد الرابع: "وبعد ذلك أيضًا حين دخل بنو الله على بنات الناس فولدن لهم أولادًا، هُم الأبطال المعروفون منذ القِدَم" (سفر التكوين، الإصحاح 6: 4) اللي قد يُفهم منه إن موضوع تزاوج الكائنات الإلهية من البشر بدأ قبل الطوفان لكنه استمر من بعده، وبالتالي فالنِفيليم اللي كانوا موجودين وقت الطوفان ماتوا في الطوفان ولكن الحادثة اتكررت تاني. أخيرا، نقطة إن الإنسان تم تحديد عمره بـ120 سنة، أولا لازم ملاحظة إن النص دا نص يهوي، في حين إن سلسلة الأنساب والأعمار اللي اتكلمنا عنها المقال اللي فات واللي بيظهر مثيل ليها تاني فيما بعد في الإصحاح 11 من التكوين بعد الطوفان بينتموا للتقليد الكهنوتي، وبالتالي النص اليهوي لما اتكتب قبل التقليد الكهنوتي (بحسب النظريتين الوثائقية والتكاملية) مكانتش سلسلة الأنساب والأعمار دي قدامه من الأساس. في ورقة بعنوان "The Bane of Humanity" بيوضح جيكوب كلاين- Jacob Klein إمكانية تأثر فكرة تحديد عمر الإنسان بـ120 سنة من تقاليد سومرية زي قصة "إنليل ونامزيتارا- Enlil and Namzitarra" اللي برضو بيُذكر فيها بوضوح ان عمر الإنسان هو 120 سنة، كلاين بيعلق إن متوسط الأعمار في الشعب العبراني كان حوالي 40 سنة، ممكن الفرد بالكتير يوصل 70 سنة، ودا يُمكن ملاحظته وحسابه من أعمار الملوك المذكورة في سفر الملوك، بينما في بلاد ما بين النهرين كان المتوسط تقريبًا 70 سنة، وفي ناس كانت بتوصل لـ90 سنة، فالتقاليد السومرية حطت رقم 120 لإنه أقرب round number في نظام العد السومري-البابلي (لإنه 60×2، أحد مُضاعفات الرقم 60) للأعمار اللي بيعيشها الإنسان فعلًا باعتباره الرقم الأقصى والمثالي للإنسان، وتأثر بيهم كاتب النص اليهوي، بس واضح إن التأثر بالفكرة دي كانت أقدم من كتابة النص اليهوي نفسه (إذا تبنينا فكرة انه اتكتب بعد التقليد التثنوي بحسب النظرية التكاملية)، لإن في سفر التثنية بيُذكر ان موسى مات في سن الـ120 سنة، وهو سن محدش بيوصله بعد موت الآباء الكبار (إبراهيم واسحق ويعقوب) من أول يوسف لحد بقية التاريخ العبراني كله في العهد القديم الوحيد اللي عاش لـ120 سنة كان موسى. يُتبع... --- ### أنا التراب.. مرض يحتاج إلى علاج - Published: ۲۰۲۱-۰۸-۰۵ - Modified: 2021-08-04 - URL: https://tabcm.net/1679/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, شئون علمانية - وسوم: كارل جوستاف يونج كراهية النفس واحتقارها self loathing هو - باختصار مخل نوعاً ما - الإحساس الدائم بأنني لست كافياً ومهما فعلت فأنا غير مستحق ولا أساوي شيئاً وصوتي الداخلي دائم الانتقاد والتقريع مع ثقل الذنب المستمر المتزايد على الأكتاف. كراهية النفس قد تعوق مسيرة حياتك اليومية وتمنعك من إتخاذ القرارات المهمة أو المخاطرة أو تعيق تواصلك مع الآخرين ورغبتك في تحقيق الأهداف والنجاح، وقد تؤدي إلى إيذاء النفس بشكل مباشر أو غير مباشر، يصل في كثير من الأحيان إلى التخلص من الحياة بأكملها. يتجذر إحتقار الذات في النفس بطرق عدة كثيرة، يهمنا منها هنا في سياق المقال هو بعض التعليم الكنسي غير المتزن بلا روح تمييز والذي للأسف ينتشر بيننا كالوباء. تأمل معي كلمات تلك الترتيلة التراثية التي اعتادت الكنائس على ترديدها في إجتماعات الخدمة. وأترك لك عزيزي القارئ فرصة للتجرد من تعلقك التراثي وتقييم تلك الكلمات مجردة على مقياس محبة / احتقار النفس. مين أنا مين. . يمكن نسيت أنا مين. . أنا التراب افتكري يا نفسي. . أنا التراب إياكِ تنسي، إياكِ تنسي وتطور الموضوع مؤخراً إلى صدور ترنيمة للاطفال الصغار على نفس النهج من كلماتها اوعى تقول أنا، أنا، وتحس إنك حاجه كبيرة. . ده إنت مهما كبرت وعليت، جواك طبيعة شريرة صانع الخيرات. . نؤمن أن الله هو صانع الخيرات وحيث أنه هو صانع الانسان؛ إذن فالأصل في الإنسان هو الخيرات، وكل ما هو شر فهو دخيل على طبيعته التي خُلق عليها، والتي تطل علينا واضحة في الرواية الأولى للخلق في سفر التكوينوقال الله نعمل الانسان على صورتنا كشبهنا ... فخلق الله الانسان على صورته على صورة الله(تك ١: ٢٦ ، ٢٧). الانسان مخلوق على صورة الله؛ هذا هو أصل الإنسان. كون أن الله في قصة الخلق أشار إلى استخدام تراب الارض في عملية إنشاء آدم أبو البشرية حسب التقليد المُسَلّم؛ لا يعني مطلقاً أن الأصل هو التراب، الأصل هو كائن على صورة الله والتراب هو حالة ما قبل الخلقة بتدخل يد الله. فليس من المنطقي أن أولول مرتلاً (أنا التراب افتكري يا نفسي) متجاهلاً أن ليس هذا هو ما صنعه الله في خلقتي. أي فائدة روحية قد تعود عليّ في أن أتحداه أو أتجاهل تكريمه لي من قبل خلقي بأن جعلني على صورته ومثاله؟! أي فائدة تعود عليّ بالتصميم على غرس وتثبيت تلك الصورة الغير حقيقية المنحطة والمنافية لمقاصد الله في خلقة الإنسان؟! الله يراني ملآن خيرات، وإنعكاس صورته وهذا هو أعظم محفز للإنسان أن يحافظ على أصالته الراقية؛ فمهما سقط فليس هذا هو النمط الأساسي بل سقوطه كبوة يتبعها قيام للوضع الأصيل الكريم السامي. "بِعَرَقِ وَجْهِكَ تَأْكُلُ خُبْزًا حَتّى تَعُودَ إِلَى الأَرْضِ الّتِي أُخِذْتَ مِنْهَا. لأَنّكَ تُرَابٌ، وَإِلَى تُرَابٍ تَعُودُ. " (تك 3: 19) يتذرع البعض بنص الآية السابقة بأن هذا هو تعليم كتابي. متناسين السياق الحقيقي للقصة بكل بساطة دون تأويل. الرب هنا يشرح لآدم نتائج خروجه من عدن والتي منها الموت البيولوچي والتحلل والذي هو أمر جديد تماماً على آدم ولا يعي ماهيته او كنهته. فهنا في القصة التوراتية لا يشير الله إلى مكانة آدم أو إلى التحقير من شأنه هو فقط يشرح له ماهية الموت البيولوچي ليفهمها هو وبني جنسه لأنه لم يعرفها حتى تلك اللحظة. هكذا فهم شعب بني اسرائيل الآية وفهم مكانة الإنسان التي عبر عنها المزمور الثامن قائلاוַתְּחַסְּרֵ֣הוּ מְּ֭עַט מֵאֱלֹהִ֑ים וְכָב֖וֹד וְהָדָ֣ר תְּעַטְּרֵֽהוּ׃وتنقصه قليلًا عن إلوهيم وبالمجد والكرامة توجته*. فكيف يكون الانسان في رتبة السمائيين مكللاً بالمجد والبهاء إن كان في نظر الله مجرد تراب؟! ! ! !  المسيح مرجع. . تُجمع الكنيسة على أن الكتاب المقدس لا يُفهَم إلا في ضوء تعاليم المسيح وشخصه. فإن اختلفنا فمرجعنا هو المسيح نفسه. وعند مراجعتنا للأربعة أناجيل لا نجد أي اشارة لا من قريب ولا من بعيد إلى أن الإنسان تراب أو أنه ذو طبيعة شريرة. بالعكس نجد دائما إشارة إلى بعض الأفعال والسلوكيات التي تنجس الإنسان وحيث أنها تنجسه، إذنالأصل في الإنسان هو الطهارةوليست الطبيعة الشريرة. جميع هذه الشرور تخرج من الداخل وتنجس الإنسان (مر ٧ : ٢٣). لم تطلق صفة نجس في الإنجيل إلا على الأرواح الشريرة فقط. تحب قريبك كنفسك. .  عندما أراد يسوع أن يلخص كل الناموس في كل الكتاب، لخصه في وصيتينتحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك ومن كل قدرتك، هذه هي الوصية الأولى. وثانية مثلها، هي تحب قريبك كنفسك، ليس وصية أخرى أعظم من هاتين(مر ١٢ : ٣٠ - ٣١). أي أنك كي تستطيع أن تنفذ تلك الوصية يجب أن تحب ذاتك؛ أينعم، تحبها حتى يمكنك أن تحب قريبك مثلما تحبها. إن نبذتها أو احتقرتها وحطيت من قدرها وقللت من شأنها في اتضاع مزيف مريض لا يمت للروحانية بصلة؛ فلن تستطيع أن تحب قريبك. كل ما تفعله لنفسك سينعكس على علاقتك بأخيك الإنسان. "وثانية مثلها" أي أن وصية حب النفس المنعكس في حب القريب وضعها السيد في نفس مرتبة محبة الله. لم يقل بعدها أو تليها بل قال مثلها. فهل (أنا التراب) و (جواك طبيعة شريرة) هي أفعال محبة؟! هل عندما تعبر عن حبك لأحدهم تخبره أنه حقير وحفنة تراب؟! أو تخبره بأنه شرير بطبيعته؟! أو أنه بلا أي مقومات صالحة ولكنك تحبه تفضلاً منك؟! إن لم تحب ذاتك فلن تقدر أن تحب قريبك أو الرب نفسه! يحضرني هنا قول للعالم كارل جوستاڤ يونج بتصرف إذ يقول:- أنا أُطعم المتسولين وأغفر لمن يخطئ إليّ وأحب عدوي في إسم المسيح. وحسناً أفعل كل هذه الفضائل العظيمة. لأن كل ما أفعله بأحد إخوتي هؤلاء الأصاغر فبالمسيح ذاته افعله. ولكن ماذا لو أخبرتك أنك يجب أن تكتشف وتدرك أن أفقر المتسولين وأعتى الخطاة كل هؤلاء يسكنون بداخلي في نفسي، وهي الأكثر إحتياجاً لأعمال محبتي التي أقدمها للآخرين. أنا نفسي هو ذاك العدو الذي يجب أن أقدم له كل المحبة. فتطبيق المسيحية حاليا منعكس تماماً. فنفسي هي ذلك الأخ الذي اقول له دائماً (يا أحمق) مستوجباً نار جهنم وأعنفه وأدينه وأغضب عليه، على نفسي. فأنكره وأنكر أني أعرفه أو قابلته؛ حتى أنه وإن إقترب إليّ الرب وأنا في هذه الحالة سأنكره هو أيضاً آلاف المرات قبل أن يصيح الديك مرة واحدة. هذا التعليم ضد محبة النفس ومحبة النفس أساس تنفيذ الوصية العظمى. هذا التعليم ضد محبة الله. That I feed the beggar, that I forgive an insult, that I love my enemy in the name of Christ, all these are undoubtedly great virtues. What I do unto the least o’ my brethren, that I do unto Christ. But what if I should discover that the least amongst them all, the poorest of all beggars, the most impudent of all offenders, yeah, the very fiend himself, that these are within me, and that I myself stand in need of the alms of my own kindness, that I myself am the enemy who must be loved. What then? Then, as a rule, the whole truth of Christianity is reversed: there is then no more talk of love and long-suffering; we say to the brother within us “Raca,” and condemn and rage against ourselves. We hide him from the world, we deny ever having met this least among the lowly in ourselves, and had it been God himself who drew near to us in this despicable form, we should have denied him a thousand times before a single cock had crowed. (Carl Jung - The inner civil war) *يسوعية:دونَ الإلٰهِ حَطَطتَه قَليلًا، بِالمَجدِ والكَرامةِ كلَلتَه. المبسطة:جَعَلْتَهُ لِوَقْتٍ قَلِيلٍ أدنَى مِنَ الكَائِنَاتِ السَمَاوِيَةِ وَتَوَجْتَهُ بِالمَجْدِ وَالكَرَامَةِ. --- ### [2] من نيقية إلى خلقدونية - Published: ۲۰۲۱-۰۸-۰٤ - Modified: 2024-05-19 - URL: https://tabcm.net/2072/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, تاريخ وميثولوچيا - وسوم: سر المعمودية المجمع المسكوني الأول 325م في المجمع المسكوني الأول جاء قانونين للتعامل مع أزمة قبول الهراطقة والمنشقين في الكنيسة. انتشرت النوفاتية في أرجاء الكنيسة بسبب الاختلاف على توبة المرتدين منذ عام 251 م. ونظرًا لأن الاختلاف في مسألة رعوية وليست مسألة لاهوتية، فتم التعامل معها بلين شديد. فبعد قبول وضع الأيادي والاعتراف كتابةً بتعاليم الكنيسة تقرر أن يتناولوا مع الخطاة والتائبين من المرتدين (اعتبر النوفاتيين هؤلاء غير طاهرين وغير مستحقين للشركة حتى بعد توبتهم)، ويُعادوا مرة أخرى كإكليروس في الرتبة التي كانوا عليها كنوفاتيين. أما بالنسبة للمواضع التي كان فيها أسقف من الكنيسة الجامعة فكان الأسقف النوفاتي الذي يعود للشركة الكنسية يصير خوري ابسكوبوس (أي أسقف قرى). أما الشيعة الأخرى فكانت أتباع بولس الساموساطي الذي تم إدانة هرطقته في 268 م. رأى الأساقفة أن هرطقته ضد لاهوت الكلمة جاعلة صيغة المعمودية غير مقبولة نظرًا لخطأ مفهومها وبالتالي فمعموديتهم غير مقبولة وكذلك سياماتهم في الكهنوت وصار المستقر أن يعاد معموديتهم وسيامتهم. وهنا نرى التمييز بين التعامل مع المنشق على أمور ثانوية والمهرطق فيما يخص طبيعة الله ذاته. ويعتبر البعض هذا تعبير عن الوضع السائد في الإسكندرية آنذاك وهو قبول المنشق وإعادة معمودية المهرطق فيما يخص لاهوت الكلمة مثل أتباع بولس الساموساطي أو من يعمد بصيغة خاطئة مثل الأريوسيين الذين عمدوا في اسم الخالق والمخلوق بدل الصيغة الثالوثية المعتادة. اتخذ ق. كيرلس الأورشليمي (313-386) طريقة أكثر تشددًا إذ أقر بإعادة معمودية الهراطقة اللذين لا تعتبر معموديتهم الأولى معمودية في عظاته التعليمية عن الأسرار الكنسية. أما ق. أثناسيوس (298-373) فقال إن معمودية الأريوسيين غير مقبولة لأنهم وإن عمدوا بالصيغة الصحيحة إلا أنهم يضيفوا عليها أن الابن مخلوق والروح خادم للآب والابن وإن لم يضيفوا شيئًا فلازال إيمانهم بالابن انه مخلوق وبالتالي لا يعمدوا في اسم الله ولكن في اسم من يعتبروه مخلوق. بالتالي تُعتبر مياه معموديتهم غير نافعة. وعلى الرغم من الترابط بين كرسي الإسكندرية وكرسي روما في مواجهة الأريوسية إلا أن قبل أن يمر أربعين سنة على نياحة ق. أثناسيوس، كانت روما بقيادة البابا انوسنت الأول (401-417) تقر بأن القادمين من الأريوسية والهرطقات الشبيهة، لا تعاد معموديتهم ويقبلوا بالتوبة وتقديس الروح القدس بوضع اليد. وتعد معموديتهم مقبولة بناءً على أنها معمودية على اسم الثالوث وليس في ذلك إقرارًا بأن الروح القدس لا يزال بينهم وفي أسرارهم. بل وفي الإسكندرية نفسها وبعد نياحة ق. أثناسيوس، أقر ق. تيموثاوس الأول (381-384) بابا الإسكندرية بعدم إعادة معمودية الأريوسيين لأنه رأى أنهم لو رأوا أن عودتهم للكنيسة مرتبطة بإعادة التعميد سيرفضوا العودة على سبيل الحرج لذلك سمح بكسبهم للكنيسة بواسطة وضع اليد فقط (الطريقة الأولى قبل استخدام زيت الميرون). فعلى الرغم من رأي ق. أثناسيوس الرسولي وق. كيرلس الأورشليمي المتشدد إلا أن كل كنيسة محلية احتفظت بطريقتها في قبول المعمودية أو الالتزام بإعادتها حتى في كنيسة اسكندرية. قوانين ق. باسيليوس: لم تسد طريقة ستيفن بابا روما من ناحية ولا طريقة ق. كيرلس الأورشليمي أو ق. كبريانوس من الناحية الأخرى بل أصبح رأي ق. ديونيسيوس هو السائد بأن كل كنيسة محلية يحق لها أن تتبع طريقتها الخاصة في قبول الهراطقة والمنشقين. يتبين هذا من رد ق. باسيليوس (330-379) على أمفلوخيوس في الرسائل التالية: "الإنكراتيين والساكوفوري والأبوتاكتيتيين لا يتم اعتبارهم على نفس مستوى النوفاتيين حيث إن هناك قانون مختلف يخصهم ، بينما الفئات الأولى لم يُذكر عنهم شيء. كل هؤلاء أقوم بإعادة معموديتهم. وإن كان بينكم من منع إعادة المعمودية لأجل تدبير ما، ينبغي أن يسود الأساس الذي وضعته. فهرطقتهم تعتبر تفرع من الماركيونية فيمنعون الزواج وشرب الخمر داعين خليقة الله ملوثة. لهذا لا نقبلهم في الكنيسة إلا إذا اعتمدوا بمعموديتنا. فلا تصغ لقولهم إنهم اعتمدوا باسم الآب والابن والروح القدس، لأنهم يجعلوا من الله خالقًا للشر كمثال ماركيون وباقي المهرطقين... "رسالة 199 لأمفلوخيوس هذا الاقتباس يوضح أن باسيليوس قام بإعادة معمودية من كان إيمانهم بالله أنه صانع للشر أو كانوا متأثرين بأفكار ماركيون الغنوسية وأنه ينصح بأن يكون هذا هو النظام السائد إلا أن هذا لا يعد كل ما قاله باسيليوس. قبل الرسالة السابقة، جاء في القانون الأول للقديس باسيليوس في رسالة أمفلوخيوس رقم 188 ما يلي: "أما بخصوص سؤالك عن الكاثاري ، فهناك وثيقة موجودة بالفعل وقد ذكرتني أنه من الصحيح أن يتم أتباع الطريقة المتبعة في كل منطقة لأن هؤلاء اللذين في وقت ما أعطوا قراراتهم في هذه الأمور، كان لهم أراء مختلفة فيما يخص المعمودية. أما معمودية البيبوزيني ، فيبدو أن ليس لها سلطان؛ فأنا متعجب كيف غاب هذا الأمر عن ديونيسيوس، الذي كان عالمًا بقوانين الكنيسة. السلطات القديمة قررت قبول المعمودية التي لا خطأ في الإيمان المرتبط بها. لهذا ميزوا بين الهراطقة والمنشقين وغير القانونيين. بـ"المهرطقين"، عنوا هؤلاء الذين انفصلوا تمامًا واغتربوا في الأمور الخاصة بصلب العقيدة. بـ"المنشقين"، عنوا من انفصلوا بسبب مسائل كنسية وأسئلة يمكن إيجاد حل مشترك لها. بالجماعات غير القانونية، عنوا التجمعات التي يقودها أساقفة أو كهنة مخلين بالنظام أو علمانيين غير متعلمين. فعلى سبيل المثال، إن ثبت اتهام شخص بجريمة وحُرم من القيام بواجبات الخدمة ثم رفض المثول للقانون، وبدأ يتغطرس أخذًا لنفسه حقوق الخدمة والأسقفية، فيترك البعض الكنيسة الجامعة ويشاركوه، فهؤلاء يعتبروا جماعة غير قانونية. الاختلاف مع أعضاء الكنيسة فيما يخص التوبة، يعد انشقاق . حالات الهرطقة تخص المانويين والفالنتيين والماركيونيين والبيبوزينيين؛ هؤلاء يأتي معهم الاختلاف بخصوص الإيمان بالله. لهذا يتبين لنا أن السلطات القديمة كانت على حق في رفض معمودية الهراطقة بالكلية، بينما تقبل المنشقين على أساس أنهم لا زالوا جزءًا من الكنيسة". مما سبق يتضح أن ق. باسيليوس كان يُفضل إعادة معمودية الهراطقة ممن مست هرطقاتهم طبيعة الله واعتبر عدم إعادة المعمودية أمرًا جائزًا في بعض الأحوال لتسهيل عملية الانضمام للكنيسة الجامعة في حالة المنشقين والجماعات غير القانونية. في مقالة عن قبول غير الأرثوذكس، يُقر ديف هيث ستايد أنه على الرغم من اعتراف باسيليوس بعدم فاعلية معمودية الهراطقة إلا أنه يعترف بالسماح التدبيري بقبول معموديتهم في أسيا حيث قُبلت معمودية من اعتمدوا باسم الثالوث وسبب هذا التدبير كان التشجيع على الانضمام للكنيسة ولكن الأنكراتيين قد غيروا في ترتيب المعمودية فلم ينطبق عليهم هذا السماح. ثم يعود ق. باسيليوس مرة أخرى فيقول إنه لو جاءت نصيحته بإعادة المعمودية في طريق السماح لهم بالانضمام للكنيسة، فليرجعوا مرة أخرى حسب السماح الذي وضعه الآباء السابقين (يبدو هنا أن ق. باسيليوس يعتمد على مجمع أرلِس الذي أقر فيه الاباء بقبول معمودية الهراطقة). إلا أن ق. باسيليوس يقول إنه في حالة قبول معموديتهم لا بد من رشمهم بالميرون في حضور المؤمنين قبل شركتهم في الأسرار. بعد الاقتباس الوارد سابقًا من رسالة رقم 199 حيث أبدى رأيه في إعادة المعمودية، يرجع فيقول إنه يتمنى أن يجتمع عددًا من الأساقفة ويأتوا بقانون يخص هذه الشيع لتجنب الالتباس. فعلى الرغم من توصيات باسيليوس إلا أنه لم يخف حقائق زمنه حيث اختلفت طرق القبول في الشركة بين أفريقيا حيث ساد المنهج الكبرياني لزمن طويل أو أسيا التي أقرت بلزوم إعادة المعمودية ثم عادت مرة أخرى وقبلتها (كما هو واضح في كتابات ق. باسيليوس) أو روما التي قبلت المعمودية منذ بداية الصراع أو منهج مجمع أرلِس الذي أمر بعدم إعادة المعمودية ولم يتبعه الكل. وهذا يوضح أن طرق القبول في الشركة اختلفت منذ البداية وحتى زمن باسيليوس على الرغم مما جاء في مجمع قرطاجنة الذي أقر بإعادة المعمودية أو أرلِس الذي أقر بقبول معمودية الهراطقة أو مجمع نيقية الذي ميز بين النوفاتيين كمنشقين تُقبل معموديتهم من ناحية والمهرطقين من الناحية الأخرى مثل أتباع بولس الساموساطي أو الأريوسيين الذين لم يعتمدوا بالصيغة الصحيحة. فحتى المجامع المحلية والمسكونية لم تحسم الأمر بالقدر الكافي آنذاك. المجمع المسكوني الثاني 381م ورد في المجمع المسكوني الثاني المُجتمع بالقسطنطينية في القانون السابع ما يلي: "من يأتوا للأرثوذكسية ويشاركوا هؤلاء اللذين خلصوا من المهرطقين، نقبلهم بالطريقة المعتادة التالية: الأريوسيين والماكدونيين والساباتيان والنوفاتيينن ومن يدعو أنفسهم الكاثاري والأريستاي والمنشقين بسبب الاحتفال بالقيامة في 14 نيسان والتيتراديين والأبوليناريين، فإننا نقبلهم إذا أقروا كتابةً برفضهم للهرطقات التي ليست حسب كنيسة الله المقدسة الجامعة الرسولية. هؤلاء يدهنوا بالميرون على جباههم وعيونهم وأنفهم وفمهم وأذنيهم. وحين ندهنهم نقول "ختم موهبة الروح القدس" أما أتباع أفنوميوس الذين اعتمدوا بالتغطيس مرة واحدة والموناتيين والسابليانيين اللذين علموا أن الابن والآب متطابقين والكثير من الأمور الصعبة وباقي الشيع... نقبلهم كما نقبل اليونانيين. في اليوم الأول نعتبرهم مسيحيين وفي الثاني نعتبرهم موعوظين ثم في اليوم الثالث نصلي عليهم صلاة إخراج الروح النجس بالنفخ 3 مرات في وجوههم وأذانهم وبهذا نعظهم ونجعلهم يقضون وقتًا في الكنيسة ليسمعوا الكتب المقدسة ثم نعمدهم". هناك جدل حول القانون السالف ذكره، حيث إنه غير موجود في المخطوطات القديمة حتى أن يوحنا الأنطاكي في أحد رسائله يقر بوجود ستة قوانين لمجمع القسطنطينية ولا يذكر سابع لهم. ورد القانون في رسالة مارتيريوس (460-470) أسقف أنطاكية الخلقيدوني، الذي عزله الإمبراطور زينون وتعين مكانه ق. بطرس القصار، بعد حوالي ثمانين عام من انعقاد المجمع. ويظن بعض العلماء أن القانون السابع جاء كإضافة متأخرة مبنية على هذه الرسالة. ولكن من الواضح أنه تم الاعتداد بهذا القانون في الشرق سواء جاء في مجمع القسطنطينية أم لا حيث اعتمده مجمع ترلو الخلقيدوني في القرن السابع الميلادي. لا توجد مصادر واضحة عما إذا اعتمدت كنيسة اسكندرية أو إنطاكية على هذا القانون الوارد في رسالة مارتيريوس الخلقيدوني إلا أن ق. ساويرس الأنطاكي كما سنرى فيما بعد يقر أن الاباء بعد مجمع قرطاجنة ميزوا بين الهراطقة والمنشقين وبين من ينبغي إعادة معموديتهم أو إعادة دهنهم بالميرون أو الاكتفاء بالاعتراف بالإيمان ولكنه لا يذكر كل الطوائف التي تندرج تحت كل فئة. المجمع المسكوني الثالث 431م انعقد مجمع أفسس عام 431 م ولم يقبله الأنطاكيين حتى عام 433 م حين أعاد ق. كيرلس الكبير (376-444) ويوحنا الأنطاكي (429-441) الشركة مرة أخرى على الرغم من أن الأنطاكيين آنذاك كانوا لا يزالوا معترفين بطوباوية ثيؤدور المبسويسطي وكانوا يقيمون تذكار سنوي له على الرغم من أن خريستولوجيته تعد أساس خريستولوجي نسطور. كان قبول ق. كيرلس لهم قائم على صيغة الاتحاد ولم يتطلب الأمر إعادة معمودية أو إعادة رشم بالميرون. سنعود لهذه النقطة بأكثر توسع عند ق. ساويرس الأنطاكي إلا أنه لا يذكر يوحنا الأنطاكي بالاسم ويذكر عوضًا عنه بولس أسقف إيميسا الذي ذهب للاسكندرية للعمل على إعادة الوحدة مع الإسكندرية والتأكيد على شجب كنيسة أنطاكية للنسطورية. --- ### التناول بين الماضي والحاضر
وتاريخ ظهور الماستير - Published: ۲۰۲۱-۰۸-۰۳ - Modified: 2023-10-05 - URL: https://tabcm.net/2539/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, تاريخ وميثولوچيا - وسوم: إفخارستيا, الكنيسة السريانية, باسيليوس الكبير، أسقف قيصرية الكبادوك, خولاجي, سيزيريوس أسقف آرل, قديس كيرلس الأورشليمي, مار أڤرام السرياني, مار يعقوب السروجي, يعقوب الرهاوي, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية, يوحنا منصور بن سرجون الدمشقي الإشارات اللي عندنا من القرون الأولي بتأكد إن طريقة التناول كانت مختلفة تمامًا عن عصرنا الحالي. كان اللي حاصل إن الكاهن يحط الجسد في أيد المتناول، والمتناول هو اللي يناول نفسه، وكان فيه تقليد جميل انه يقرب الجسد لعينه في الأول. أما في الدم، فالمتناول هو اللي بيشرب من الكأس مباشرة مناولة الجسد في اليد كانت العادة السائدة في الكنيسة الأولى وآباء الكنيسة لم يحتقروها قطّ أو يعتبرونها تدنيساً! بل كانوا يناولون الشعب بهذه الآليّة حتى القرن الثامن. هدف هذا المقال لن يكون تفضيل آلية مناولة عن أخرى، بل إثبات بالمراجع أنّ المناولة في اليد ليست اختراعاً حديثاً، وإنها كانت تقليداً أصيلاً. إليكم خمسة من أهمّ آباء الكنيسة الذين يعلّموننا مبادئ الإيمان المسيحي، كيف ينقلون إلينا تعليمهم عن المناولة باليد: القدّيس يوحنّا فم الذهب: “وكيف تُحضّر نفسك أمام كرسي المسيح الديّان الذي تتجرأ على جسده بأيدٍ وشفتين ملوّثتين؟ لن تجرؤ على تقبيل ملكًا بفمٍ نجس، وملك السماء تقبّله بنفسٍ دنسة؟ إنه أمر شائن! قُل لي، هل ستختار القدوم إلى الذبيحة الإلهية بيَدٍ غير مغسولة؟ لا أعتقد ذلك. لكنك تُفضّل ألّا تأتي على الإطلاق، بدلاً من أن تأتي بيَدٍ متّسخة. وبعد ذلك، بما أنّك دقيق في هذه المسألة الصغيرة، هل تأتي بنفسٍ نجسة، وبالتالي تجرؤ على لمس الذبيحة؟ ومع ذلك، فإنّ الأيدي تمسك بها ولكن لبعض الوقت، بينما في النفس تذوب تماماً”(يوحنا فم الذهب، من العظة ٣ على الرسالة إلى أفسس) القدّيس أوغُسطينوس: “وعلى الرغم من أنّ الرجال ليسوا واحدًا، الذين يأخذون في أيديهم سرّ الله باستحقاق أو بغير استحقاق، إلّا أنّ ما يؤخَذ في اليد، سواء أكان باستحقاق أم لا، هو نفسه. فلا يصبح أفضل أو أسوأ في حدّ ذاته، بل يتحوّل فقط إلى حياة أو موت من يتعامل معه في كلتا الحالتين”(أوغسطينوس، كتاب: ضدّ بتيليانوس، الكتاب ٢، فقرة ٨٨) القدّيس يوحنّا الدمشقي: “لنتقدمنَّ إليه بشوقٍ ملتهب، ممثلين براحتينا على شكل صليب ونتقبّل جسد المصلوب.  ولدى تناولنا الجمرة الإلهية، نضعها على عيوننا وشفاهنا و جبهاتنا، لكي، إذا ما نار الشوق التي فينا استمدّت الحرارة من الجمرة، تُحرِق خطايانا وتُنير قلوبنا ونلتهب ونتألّه بمساهمة النار الإلهية... ”(يوحنا الدمشقي، المئة مقالة في الإيمان الأرثوذكسي، الكتاب ٤، الفصل ١٣ / من المقالة ٨٦) القدّيس باسيليوس الكبير: “وحتّى في الكنيسة، عندما يعطي الكاهن الجزء من الذبيحة، يأخذه المتلقي ويرفعه بيده إلى شفتيه. وله نفس الصلاحية سواء تمّ استلام جزء واحد أو عدّة أجزاء من الكاهن في نفس الوقت”(باسيليوس الكبير، من الرسالة ٩٣) القديس سيزيريوس، أسقف آرل (جنوب فرنسا): “الآن، منذ أن خُلقنا جميعًا داخليًا في نفوسنا حسب صورة الله، ففي كثير من الأحيان عندما نقول أو نفعل شيئًا مخزياً نحن ندنّس صورة الله. ضع في اعتبارك إذن ما إذا كان هذا أصبح مناسبًا لك أم لا. أقول حقًا، أيّها الإخوة، إن الله لا يستحق منّا هذا أن تعاني صورته فينا  من الإهانة من خلال شهوة الشر. بما أنّه لا يوجد رجل يريد أن يأتي إلى الكنيسة معه سترة مغطاة بالتراب، لا أعرف بأيّ نوع من الضمير يجرؤ على الاقتراب من المذبح بروحه المُدنّسة بالتبديد! من الواضح أنّه لا يخشى ما قاله الرسول:إِذًا أَيُّ مَنْ أَكَلَ هذَا الْخُبْزَ، أَوْ شَرِبَ كَأْسَ الرَبِّ، بِدُونِ اسْتِحْقَاق، يَكُونُ مُجْرِمًا فِي جَسَدِ الرَبِّ وَدَمِهِ” (1كو 11: 27). لو احمرّ خجلنا وخشينا أن نلمس القربان المقدس بأيدي قذرة، يجب أن نخشى أكثر من تناول نفس القربان المقدس بنفس دنسة”(سيزيريوس، أسقف آرل، العظة ٤٤ / من الفقرة ٦) تاريخ ظهور الماستير الإشارات اللي عندنا من القرون الأولي بتأكد إن طريقة التناول كانت مختلفة تمامًا عن عصرنا الحالي. كان اللي حاصل إن الكاهن يحط الجسد في أيد المتناول، والمتناول هو اللي يناول نفسه، وكان فيه تقليد جميل انه يقرب الجسد لعينه في الأول. أما في الدم، فالمتناول هو اللي بيشرب من الكأس مباشرة. وكان ممكن الكاهن يرشم الجسد بالدم - رشم مش غمس - ويحطه في يد المتناول، والمتناول يضعه في فمه. خلينا نمشي تدريجيًا بالإشارات التاريخية اللي عندنا ١- لحد القرن الرابع كان التناول باليد، والشرب من الكأس. أوضح إشارة على كدا عظة القديس كيرلّس الأورشليمي (٣١٤ - ٣٨٧ م) : " وعندما تقترب، لا تتقدّم باسط اليدين والأصابع منفردة، ولكن اجعل من يدك اليُسرى عرشًا ليدك اليمنى، لأن هذه ستتقبّل الملك، وفي راحة يدك تقبّل جسد المسيح قائلاً: آمين. وبعد أن تلمس عينيك بهذا الجسد المقدّس لتقديسهما، تناول ... وبعد تناول جسد المسيح، اقترب من كأس دمه... . . وتقدَسْ بتناولك دم المسيح. وبينما شفتاك رطبةً المسها بأصابعك وقدِّسْ عينيك وجبينك وسائر حواسّك. "(كيرلس الأورشليمي، العظة ٢٣) نفس الكلام أكده القديس يوحنّا الذهبي الفم (٣٤٧ - ٤٠٧ م): "إنّ المسيح الحاضر على المذبح يهب ذاته للذين يريدون أن يحتضنوه ويقبّلوه، والجميع يفعلون ذلك بالعيون"(يوحنا الذهبي الفم، حديثه الثالث عن الكهنوت) ونفس الكلام أكده مار إفرام السرياني, وكان في بعض الإشارات كمان إن رشم الجسد بالدم كان معمولًا به في وقته (يعني الكاهن يرشم الجسد بالدم ويديه للمتناول) ٢- القرن الخامس و السادس استمر نفس النظام في القرنين الخامس والسادس. بنفهم كدا من كلام مار يعقوب السروجي لما قارن بين الملائكة الذين لا يجسرون على التطلّع إلى الرب والبشر الذين يمسكونه بأيديهم: "وهوذا أبناء التراب يحملونه بأيديهم ... . تقبض عليه الحفنات المجبولة من الغبار... ... . . وبنو التراب يلصقونه على أوجههم" (الميمر ٤٢) ٣- بعد القرن السادس أصبحتْ هناك طريقتان: التناول باليد (الطريقة التقليدية) أو بالفم مباشرة (كان التناول من يد الكاهن إلى الفم مباشرة أمر جديد كأنه إكرام زيادة عن التناول بالأيد، والقديس يعقوب الرهاوي نفي الكلام ده وأكد إن المناول بالأيد مفهاش أي تقليل في الاكرام. ولنا شوية ملحوظات في الفترة ديه (من القرن الأول إلى القرن السادس ): - كانت الناس ممكن تاخد معاها الجسد في أسفارها ويناولوا نفسهم (كانت الأسفار طويلة بالشهور) - وكان كمان ممكن الناس تاخد الجسد لحد مريض مش قادر يحضر القداس و تديه له يناول نفسه - ساعات كان بيحصل إن في ناس بتخفي الجسد من غير علم الكاهن و كان ممكن يوصل لأيدين ناس وثنية يزدروا بالجسد الكريم ٤- من بعد القرن السابع في أغلب الآراء بدأ استخدام الماستير بجانب الطرق القديمة من بعد القرن السابع ومن بعد كدا تدريجيًا بدأ يزداد استخدم الماستير لحد ما تم تعميمه - اغلب الظن في القرن التاسع. - لازم نذكر إن الكنيسة السريانية -اللي مشتركة معانا في الإيمان- نزلت بيان من مارس الماضي إنها ترجع للنظام القديم وتبقى المناوله باليد من نص البيان: "نوصي بالتناول بواسطة اليد؛ وهي عادة قديمة وُجِدت في كنيستنا السريانية الأرثوذكسيّة المقدّسة في العصور الأولى ومنها انطلقت إلى الكنيسة في الغرب، كما نقرأ في كتابات آباء الكنيسة أمثال مار إفرام السرياني ... وفي هذه الحالة، يتقدّم المتناوِل بخشوع كامل أمام الكاهن واضعًا كفّه اليمين فوق كفّه اليسار بشكل صليب، فيقوم الكاهن بوضع الجمرة المقدّسةفي يد المؤمن الذي يقوم بتناولها مباشرةً أمام الكاهن"(من نص بيان الكنيسة السريانية) - حتي إلي اليوم عندنا طرق أخرى للتناول من غير الماستير، زي غمس الجسد بالدم، وهي طريقة طقسية مذكوره في الخولاجي المسعودي --- ### بينما يتجادل اللاهوتيون، يتسلل البسطاء إلى الملكوت - Published: ۲۰۲۱-۰۸-۰۲ - Modified: 2023-08-10 - URL: https://tabcm.net/2522/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, شئون علمانية, مقالات وآراء - وسوم: أحمد الغندور, الدحيح, بابا شنودة الثالث, فرنسوا فاريون اليسوعي, نقد كتابي هي مقولة كتبها البابا شنودة الثالث في كتابه "خبرات في الحياة" (ص19)، وقد رددتها الكنيسة فيما بعد إلى حد الإسراف، فمُحال ألا تكون قد سمعتها من قبل، بالأخص إذا كان لك ولع خاص بالعلم والثقافة، وتحب أن تتحرى بصدق عن كل ما تسمعه من تعاليم. فبمجرد أن تعترض على شيء ما، تجدهم يسارعون على جناح البرق بتسميع تلك المقولة المقتضبة التي تشبه إلى حد كبير مقولة "لا تجادل ولا تناقش يا أخ علي"، فهي مقولة يسهل جريانها على اللسان، في محاولة واهية ليبدو الجهل مقدسًا، ومحمودًا! لكنهم لا يرددون فقط تلك المقولة، فهم بارعون في استخدام نصوصًا أخرى مثل "الْعِلْمُ يَنْفُخُ" و"اخْتَارَ اللهُ جُهَالَ الْعَالَمِ لِيُخْزِيَ الْحُكَمَاءَ"، وغيرها. فكما استخدم إبليس نصوصًا كتابية وهو يجرب المسيح، يستخدم البعض نصوص الكتاب المقدس للترويج للجهل! وكأن الله يخشى العلماء، ولا يجد في نفسه مددًا للإجابة على شكوكهم وتساؤلاتهم الواجبة! ثم، كيف يتثنى لي أن أؤمن بما لا أفهمه؟ وهل يجوز تسمية ذلك بالإيمان؟ فمعذرة يا عزيزي إن كنت تؤمن بما تؤمن به دون فهم ودراسة، فهذا ليس إيمانًا، ولكن مسايرة للمجتمع الذي وجدت نفسك فيه دون اختيار منك! ولو شاء الحظ العاثر لك أن تولد ضمن مجتمع آخر، يعبد إلهًا آخر كالأصنام، كنت ستظل على إيمانك؛ لأنك لا تفكر، ولا تشك. والأمر المريب، هو أن تسمع هذه المقولة من خادم أو قس. فالخادم وظيفته هي التخصص في علم اللاهوت، فكيف للخادم أن يتحاشى الجدل اللاهوتي؟ فهذا دوره! فإذا تجنب الخادم المحاورات اللاهوتية، إلى من يذهب السائل إذًا؟! والأعجب أن يلجأ الخادم إلى هذه المقولة ردًا على ما لا يروق له من حوارات. فكلنا نتحاور حوارات لاهوتية، وعلى أتم استعداد أن ننتقد ما يؤمن به الآخرون، لكن البساطة تظهر حين يجب علينا التفكير والبحث قليلًا فيما نؤمن به. فهنا تبدأ الأزمة. لا أحد يريد أن يكلف نفسه ذلك العناء. فدعنا نردد ما نحفظه، ونغني قليلًا إلى أن يجيء المسيح ويأخذنا معه إلى ذلك المكان اللطيف، وحينها ينقشع الضباب، وتبدأ متعة المعرفة. لكن لماذا لا تبدأ هذه المتعة من الآن؟ لماذا لا يبدأ ملكوت الله من هنا؟ ولماذا نركز فقط على الذهاب إلى الملكوت كما لو كنا نريد أن نحجز مكانًا للسكن؟ أليست الحياة الأبدية هي أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلهَ الْحَقِيقِيّ وَحْدَكَ(الإنجيل بحسب يوحنا 17: 3) فلماذا تنتقدون اللاهوتيين إذًا؟ هم يحاولون معرفة الله والوصول إليه، بينما تصورهم تلك المقولة باعتبارهم جماعة من الأغبياء يضيعون وقتهم، ويصدعون رؤوسهم بما لا يهم، بينما يصل البسطاء إلى السماء بالفعل، فاللاهوتيون يتجادلون على الأرض، كالعميان، لا يرون مشهد التسلل المهيب الحادث أمامهم! هل تظن أن البسيط، أو غير المتعلم لا يشك، ولا يسأل لمجرد أنه يفتقر إلى المصطلحات اللغوية التي يعبر بها المتعلمون عما بداخلهم؟ لا تظن أن الأقل علمًا لا يدور في ذهنه أسئلة العالم ذاتها، فهو يفكر، ولديه عقل مثل العالم تمامًا، ويستطيع أن يفكر في أمور شديدة العمق. فحتى لو لم يكن قادرًا على التعبير عنها، ظنًا منه أنه سيكفر بالله، أو خوفًا من المجتمع، هو يفكر، ويحلل. وخير مثال على ذلك هم الأطفال، فهم يتساءلون ببراءة أسئلة مثل: "لماذا لا تتكلم الحيات والثعابين الآن رغم أن الله لم يأمرها بالخرس؟" و"كيف خلق الله النور قبل الشمس، والقمر، والنجوم". فهل ستتهم الطفل بأنه متكبر كما تتهم من نفخهم العلم من الكبار؟ ويظل الطفل يفكر، ويسأل إلى أن يسلب منه المجتمع تلك الهبة شيئا فشيئا. وفقًا لعلم الأعصاب، يختص الفص الأيسر من مخ الإنسان بالبحث عن الدليل، ورؤية العالم من منظور منطقي، بينما يختص الفص الأيمن بالتعامل مع الواقع غير المعلوم بطريقة شعورية، حسية. نعم، يمكن فهم الروحيات من خلال الفص الأيمن الذي لا يهتم بالتحليل المنهجي، لكن فهمك لله من خلال هذا الجانب فقط لا يكفي، فعندما تصدمنا الحياة بتجاربها المريرة، يصبح الاعتماد على المشاعر صعبًا؛ فالمشاعر تتغير بتغير الظروف، وحين نصطدم بالأسئلة والتجارب، يصبح منقذنا الوحيد هو المخزون الفكري الذي يفسر لنا ما يحدث، ويصحح صورة الله في أذهاننا على الرغم من قسوة الحياة. فحين يصاب المؤمن بالاكتئاب، ويقع في براثن التجربة، وتصبح مشاعره خاوية لا طعم لها، يسترشد بعقله إلى الصواب. فلماذا نطالب البسطاء بالاكتفاء بالجانب الشعوري، أو الفص الأيمن من المخ؟ ألا ترى أن البسطاء من حقهم الاستمتاع بالحياة مع الله شعوريًا وفكريًا؟ تُحِبّ الرّبّ إِلهَكَ مِنْ كُلّ قَلْبِكَ ... وَمِنْ كُلّ فِكْرِكَ(الإنجيل بحسب لوقا 10: 27) فحين تطالب المؤمن أن يعيش بنصف مخ، أنت تحرمه من الكثير. وتسطيح الإيمان، واختزاله بهذا الشكل يعد سببًا رئيسيًا للإلحاد. روت لي صديقة ذات مرة قصة جارة لها، ذات بصيرة وضاءة بالإيمان، وقلب مفعم بالتدين، فهي لا تفوت فرضًا من الفروض، وتصوم رمضان دائمًا، وحين التقت هذه السيدة بأحد الملحدين، مل لبثت أن اقتنعت بكل ما قاله لها بكل سهولة! فحين لا يجد المؤمن الإجابات المرضية ليجيب بها من يسأله، لا يلبث أن يصبح كالقشة في مهب الريح، تحركه قوى جاذبة وأخرى دافعة! والملوم أمام الله في هذه الحالة هو رجل الدين الذي لا يقوم بدوره كما يجب، وبدلًا من أن يدرس ليعلم الشعب البسيط، يلجأ لترديد تلك العبارات التي لا تفيد من يكتنفه الشك من كل جانب! ربما يقول أحدهم أن البسيط غير قابل للتعلم، وبالتالي يكفي أن نكلمه بالعظات الكنسية المعتادة، ونلقنه الآيات، والقصص ليحفظها عن ظهر قلب. لكن، في الواقع الشخص البسيط يمكنه تعلم أي شيء، مهما كان صعبًا في وجود وسائل شرح تبسيطية. وأتذكر تلك المرة التي رأيت فيها أحد سائقي التوكتوك، وهو يشاهد برنامج الدحيح، لأحمد الغندور، وهو برنامج علمي، يختص بتبسيط العلوم، مثل الفيزياء، والفلسفة، وما إلى ذلك. ولم أجد الأمر مدهشًا، فمقدم البرنامج معروف ببراعته في جذب انتباه الجميع؛ لأنه يتحدث بطريقة بسيطة، ومفعمة بالفكاهة. لذلك، لا يمكننا أبدًا اللجوء إلى السطحية معللين أن البسيط، أو من لم يحالفه الحظ بقسط من التعليم، لن يفهم. نعم، اختار الله جهال العالم ليخزي بهم الحكماء، ولا يعني هذا أن الله يحب الجهل، ويطالبنا بالجهل ليختارنا (حاشا)، فالله يختار الجهال ليحولهم إلى حكماء ليدهش حكماء العالم حين يدركون قوة الله الحقيقية. فالرسل لم يظلوا جهال بعد أن اختارهم الله، بل ازدادوا حكمة، وكتبوا إلى المسكونة بأكملها. وهل تعتقد أن بولس كان يروج للجهل حين قال "العلم ينفخ" ردًا على الانشقاقات الكنسية بسبب الخلاف حول تناول اللحم؟ فبولس لم يكن يتحدث عن العلم اللاهوتي أو الفلسفي بل عن التشدد الديني والتركيز على الفروض والطقوس (نأكل أم لا نأكل؟). لذلك، كف عن تصوير الله كأنه محبًا للجهل. أما كنت تحب الجهل، وتريد أن تحيا كذلك، فهنيئًا لك بجهلك. في الماضي، كان العلم يُهدي إلى الله. فكانوا يقولون بصوابٍ: قليل من العلم يُبعد عن الله، وكثير منه يردّ إليه(الأب فرنسوا فاريون اليسوعي) --- ### التمايز في شرح العقيدة المسيحية (٣) - Published: ۲۰۲۱-۰۸-۰۱ - Modified: 2023-08-28 - URL: https://tabcm.net/2351/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: آدم, أنسلم، أسقف كانتربري, إيسيذوروس البيلوسي, بابا كيرلس عمود الدين, قديس بولس الرسول قلنا في المقالات السابقة إن لاهوت الغرب في العصر الوسيط شرَح فداء المسيح متأثرًا بالفكر السياسي و القانوني السائد. فقال بأن المسيح دفع الثمن واحتمل العقوبة ومات عن الخطاة وأرضَي مطالب العدل الإلهي. وطبعًا إنَ تَوافق العقيدة والإيمان مع مصطلحات القانون الأرضي تَخلق سهولة ووضوحاً يقبله البسطاء و عامة الناس. يقول ق بولس في رومية ١٢:٥ ”مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَأَنّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيّةِ الْمَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ“. فنجد أن خطية آدم نتج عنها دخول الموت الروحي إلى طبيعة الإنسان (وَبِالْخَطِيّةِ الْمَوْتُ). لم يكن موت آدم هو انفصال النفس عن الجسد، وإنما انفصال الروح القدس عن النفس (بالخطية) هو الذي جلب الموت على النفس (ق. إيسيذوروس البيلوسي معلم ق. كيرلس الإسكندري). و بوراثة موت آدم تفسد طبيعة نسله فيفعل الخطية وهكذا مات الجميع (اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ) و القديس بولس يصرخ باسم الإنسانية بسبب مصيبة الموت / الفساد التي أمسكت بطبيعتنا وَيْحِي أَنَا الإِنْسَانُ الشّقِيُّ! مَنْ يُنْقِذُنِي مِنْ جَسَدِ هذَا الْمَوْتِ؟( رومية ٢٤:٧) آباء الكنيسة في الشرق جميعهم فرأوا رومية (١٢:٥) هكذا”مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَأَنّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيّةِ الْمَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ(فيه، أو به، أي بالموت وليس بآدم أو في آدم)“. هنا بداية تشعب طريق الشرق و الغرب لاهوتيًا. فالوحيد الذي عدَل النص اليوناني - لأنه كان يجهل اليونانية - هو أغسطينوس أبو اللاهوت الغربي، فقرأ النص (إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ - في آدم). وهنا أصبح الفرق الدقيق بين الشرق والغرب هو: (١) إما أن يكون مصدر الخطية في الإنسان هو الموت الذي انتقل بالتناسل من طبيعة آدم بعد السقوط - لاهوت الشرق. (٢) وإما أن خطية آدم الخاصة به هي مصدر الخطية في الإنسانية ككل - لاهوت الغرب. آباء الشرق قالوا بوراثة البشر لطبيعة آدم المائتة، و ليس وراثة الخطية التي فَعَلها لأن الفعل لا ُيوَرث. أما لاهوت الغرب فقال العكس، أننا نرث خطيئة آدم بالتناسل . وتأسيسًا على ذلك نجد لاهوت الشرق يركز على التجسد الإلهي كأساس لخلاص الإنسان لأنه يحتاج إلي تجديد طبيعته العتيقة الفاسدة المائتة إلي خليقة جديدة و هي التي أسسها إبن الله في ناسوته بالتجسد الإلهي. فصار من ألقاب المسيح اللاهوتية ”إبن الإنسان“ و”آدم الثاني“. ولتأكيد أهمية التجسد الإلهي في الخلاص نجد أن يوحنا الرسول يجعل منه أساس الإيمان المسيحي. ”وَكُلّ رُوحٍ لاَ يَعْتَرِفُ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ أَنّهُ قَدْ جَاءَ فِي الْجَسَدِ، فَلَيْسَ مِنَ اللهِ“ ( ١ يوحنا ٤:١) . بينما ركز لاهوت الغرب على الصليب كأساس لخلاص الإنسان، لأن فكر العصر الوسيط و لاهوت حركة الإصلاح في شَرح موضوع الفداء يَعتبر أن تبرير الله للإنسان كان من خلال استيفاء أحكام شريعة موسي. لذلك فإن قادة حركة الإصلاح جميعاً و بدون استثناء درسوا رسالتي رومية وغلاطية على أساس أن المسيح قد نال عقاب الموت الذي ينص عليه الناموس بدلاً عن الإنسان الذي أخطأ . فنال المسيح كإنسان حكم البراءة و العفو من الآب ثم أَعطي لنا هذا التبرير. هذه هي فكرة البديل الُمعاقَب أو البديل الخلاصي ودفْع الثمن وتقديم الترضية للآب التي نشأت في العصر الوسيط منذ أن كتب أنسلم رئيس أساقفة كانتربري كتابه المشهور ”لماذا تجسد الله “. ثم جاءت حركة الإصلاح في القرن ١٦ لكي تمسك بنفس الفكر، و تجعله المبدأ السائد الذي يشرح كل شيئ. إن لاهوت الغرب ينظر إلي تبرير الإنسان أنه نتيجة حِفظ المسيح للناموس وسلوك المسيح البار حسب الناموس ثم َقتْل البار ظلمًا على الصليب، أي أنه نتيجة استيفاء المسيح للعدل بمفهومه الأرضي. بينما نلاحظ أن ق. بولس في رسالة رومية وغلاطية يواجه تيار التهود والعودة إلى الناموس. ويقول إن العهد القديم الذي يمثله موسي قد أُبطل في المسيح (٢كو ١٤:٣) لأن شريعة موسي أتت بحكم الموت علي الخطاة ، وأن نهاية خدمة الناموس هي الموت. ويقول بأن البر هو من الإيمان بالمسيح يسوع لا بأعمال الناموس ”وَأَمّا الآنَ فَقَدْ ظَهَرَ بِرّ اللهِ بِدُونِ النّامُوسِ“ (رومية 21:3) . وأن تبرير الإنسان هو علي سبيل النعمة و الهبة المجانية ”مُتَبَرّرِينَ مَجّانًا بِنِعْمَتِهِ بِالْفِدَاءِ الّذِي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ“ (رو٢٤:٣). لذلك جدير بنا أن نتوقف لكي نسأل هل يمكن أن تكون النعمة هي ثمرة تطبيق الشريعة وحفظ الناموس؟ أو إن النعمة تنشأ بقانون أو تصدر من محكمة؟ لذلك ينتهي بولس إلي حقيقة التدبير الإلهي أن الوسيط الوحيد ربنا يسوع حلَّ محل التوراة والناموس وأن الله في المسيح كان مصالحًا العالم لنفسه (٢كو١٩:٥). و أن العهد الجديد جاء بالحياة ليس كقرار عفو عن الخطاة أو كمبدأ قانوني ُيطبَق حسب قواعد الشريعة و لكن بالانضمام إلي شخص يسوع المسيح الذي هو الحياة نفسها. وأن التبرير هو التغيّر إلي مجد الرب. هذا المجد الذي لا يعرفه الناموس ”نَتَغَيّرُ إِلَى تِلْكَ الصّورَةِ عَيْنِهَا، مِنْ مَجْدٍ إِلَى مَجْدٍ“ ( ٢كو١٨:٣). لذلك فإن لاهوت الشرق يقول بأن تبرير المسيح للإنسان أُعلِن كنعمةٍ تُوهَب للإنسان بسبب صلاح الله. فهو إعلان محبة وليس إعلان شريعة ”لأَنّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيّةُ“ ( يو ١٦:٣). و أن الرب لم يمت على الصليب حسب الناموس، وإنما حسب النعمة (المقال القادم) : ”وَلكِنَّ الّذِي وُضِعَ قَلِيلاً عَنِ الْمَلاَئِكَةِ، يَسُوعَ، نَرَاهُ مُكَلّلاً بِالْمَجْدِ وَالْكَرَامَةِ، مِنْ أَجْلِ أَلَمِ الْمَوْتِ، لِكَيْ يَذُوقَ بِنِعْمَةِ اللهِ الْمَوْتَ لأَجْلِ كُلِّ وَاحِدٍ“ ( عب ٩:٢). والسبح لله. --- ### المركز اللامؤاخذة ثقافي - Published: ۲۰۲۱-۰۷-۳۱ - Modified: 2024-06-01 - URL: https://tabcm.net/2454/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, شئون علمانية - وسوم: أسامة هيكل, أنبا إرميا، الأسقف العام, الإخوان المسلمين, المجلس العسكري, المجمع المقدس, المركز الثقافي القبطي, سنكسار, عماد جاد, قناة مي سات, ماسبيرو ما هي تلك المزايا التي يتمسك بها أسقفنا العزيز في إدارته للمركز والقناة إلى هذا الحد من التشبث؟ ومن يحمي ويتمسك بوجود أسقف ينتسب إلى جماعة الإخوان المسلمين؟! جزءٌ لا بأس به من حياتي كان بين المراكز الثقافية (الفرنسي، الأسباني، الألماني) وعلى علاقةٍ بكثيرٍ من الأصدقاء المتابعين لأنشطة مراكز ثقافية عدة. وإن كنت عزيزي القارئ على دراية بماهية المراكز الثقافية وأنشطتها، حتمًا ستقف حائرًا مثلي أمام ذاك الصرح الأسمنتي والمسمى زورًا "المركز الثقافي القبطي". بل دعني أراهنك على استخراج خمس تشابهات ثقافية بين أنشطة هذا المركز وباقي المراكز الثقافية الأخري. من أشهر وأبرز أنشطة المراكز الثقافية هي تعليم اللغة - كل مركز بحسب ما ينتسب إليه من لغات - على ايدي متخصصين يتحدثون اللغة كلغتهم الأم إن لم تكن كذلك بالفعل، حيث يكون هو الواجهة الرسمية، والموثوقة بشكلٍ رسمي وجماهيري لتحصيل العلم اللغوي؛ فهل يقوم المركز الثقافي القبطي بأي نشاطٍ يخص اللغة القبطية وتعليمها؟ الأهم، هل العاملين بالمركز أو حتى اسقف المركز، الذي يجب أن يكون ذو مؤهلاتٍ خاصة، على درايةٍ بها أو يمكنهم التحدث بالقبطية فيما بينهم؟! ستخبرني بأن هذا صعب! نعم سأتفق معك أن هذا صعب لأن القرار كان بترشيح من هم بلا أيةِ مؤهلاتٍ أو درجاتٍ علمية مناسبة لإدارة المركز، ولكن حتى وإن تغاضينا عن هذه الحقيقة، فإن طلبي يكون صعبًا إن كنت اطلب أن أرى هذا عقب افتتاح المركز في بداياته، ولكننا نتكلم بعد مرور ١٣ عام على افتتاح المركز عام ٢٠٠٨؛ خلال تلك الأعوام لو كان نيافة الأنبا أرميا اهتم بتعلم اللغة القبطية وتعليمها لكان الآن يتحدثها بطلاقة هو ومعاونيه. ولكُنا رأينا حملات تبادل علمية مع كبرى الجامعات والمراكز الثقافية حول العالم في المصريات والقبطيات. ولا يقتصر دور المراكز الثقافية على اللغة فقط بل يمتد إلى نشر وتبادل الثقافة على عدة محاور وأصعدة منها الاجتماعية والأدبية والتاريخية والفنية بأنواعها (سينمائية ومسرحية وموسيقية وتشكيلية الخ) عن طريق فعاليات عدة يحضرها حتى الغير مهتمين بتعلم اللغة؛ فقط تبادل الثقافات. فما هي إسهامات المركز الثقافي إياه في علم القبطيات سواء في الأدب القبطي أو الدراسات القبطية المختلفة أو الإنتاج الأكاديمي أو أو أو ... هل نرى له أي إنتاج ثقافي أو علمي؟! أم تنحصر كل فعاليات المركز في بعض الاحتفالات التي لا يحضرها أحد سوى العاملين بالمركز، والتي تكون لتكريم بعض الشخصيات سواء لاعتبارات سياسية أو مادية لجمع التبرعات. فلا ننسى لأسقفنا المغوار تكريمه لأسامه هيكل الذراع اﻹعلامي لمذبحة ماسبيرو والتي تحدث عنها النائب عماد جاد قائلًا أن أحد القادة العسكريين أشار إلى أسقف ما، ليس أهلًا للثقة، كان يحضر اجتماعات المجلس العسكري مع الكنيسة، ثم يخرج منها ويتواصل مع قادة جماعة الإخوان المسلمين، ناقلًا لهم تفاصيل الاجتماع عبر التليفون! ! ! أسقف ولاءاته لجماعة الإخوان المسلمين! ! وطبعا وجود مثل هذا يعني أن الفخاخ من أعداء الوطن قريبة جدًا ويسهل زراعتها داخل الكنيسة والمجمع المقدس بسهولة. وهذا يستدعي بالضرورة إلى أذهاننا أخبار تفاني نيافة الأنبا إرميا في الاتصالات السرية مع قادة الإخوان لتعزيز ضمان وصولهم للحكم أثناء فترة حكم المجلس العسكري الانتقالية. واترك لك عزيزي القارئ مهمة استنتاج الرابط بين الأسقف المجهول عميل الإخوان المسلمين وتلك الأخبار آنذاك عن جهود الأنبا إرميا.   عودة إلى المركز الثقافي؛ بنظرة سريعة على صفحة المركز على الفيسبوك ستجدها ركيكة لا تتخطى صور قديسي السنكسار بشكل يومي أو بعض الآيات وبعض ڤيديوهات الترويج لقناة المركز، مع الوضع في الاعتبار أنه المركز الثقافي الوحيد الذي يملك قناة تلفزيونية فضائية. وهنا نكرر سؤالنا؛ هل لهذه القناة أية إسهامات في نقل أنين الشعب القبطي أو إذاعة صوته للعالم عبر الأثير. الصوت القبطي الحقيقي ليس ذاك الذي يحتفل بقدوم الإخوان إلى سدة الحكم كما فعلوا في قناتهم اللامؤاخذة قبطية. هذا ينقلنا إلى شيء مثير للدهشة أكثر وأكثر. هل وجود مركز ثقافي يستدعي وجود أسقفًا له؟ أسقف المركز الثقافي؟! هل هذه نكتة! ! هل تعلمون معنى وظيفة الأسقف وأصلها؟! ! هل مبنى المركز الثقافي والتبرعات المقدمة إليه يستدعي وجود أسقف خاص له؟ أسقف المبنى والأسانسير والمعدات وطبعًا التبرعات! ! ! هل العاملين بالمركز الثقافي يخضعون روحيًا لأسقف بلدتهم أم للأنبا إرميا؟! ناهيك عن أن القناة والمركز لا يحققون نجاحًا حقيقيًا يُذكر في مجالاتهم، وهذا يعطينا لمحة عن فعالية وجود أسقف كالأنبا إرميا على رأس الإدارة. المُريب والأشد لفتًا للنظر؛ عندما تعلم أن الأنبا إرميا عُرض عليه بدل المرة عدة مرات التجليس على إيبارشية كبرى، ولكنه في كل مرة يرفض رفضًا باتًا قاطعًا. فهل هذا الرفض ناتج عن معرفته الحقيقية بإمكانياته المتواضعة في الإدارة والتي تظهر في فشل إدارته للمركز. أم أن مزايا وجوده كأسقف في المركز الثقافي تتخطى أية مزايا لأسقف مُجَلّس؟! وهذا ينقلنا لسؤال آخر... ما هي تلك المزايا التي يتمسك بها أسقفنا العزيز في إدارته للمركز والقناة إلى هذا الحد من التشبث؟ ومن يحمي ويتمسك بوجود أسقف ينتسب إلى جماعة الإخوان المسلمين؟! --- ### [٤] آباء ما قبل الطوفان - Published: ۲۰۲۱-۰۷-۳۰ - Modified: 2023-10-12 - URL: https://tabcm.net/2374/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, كتاب مقدس - وسوم: آدم, أخنوخ البار, أوبار-توتو, الطوفان السومري, الفرضية الوثائقية, جلجامش, زيوسودرا, شمش, عيراد, قايين, قينان, لامك, متوشائيل, متوشالح, محويائيل, مهللئيل, نقد تأريخي, نقد كتابي, نوح ابن لامك, يارد بعد ما بنقرا أسامي نسل قايين في تكوين 4 من التقليد اليهوي بنيجي نقرا نسل آدم مرة تانية في تكوين 5 من التقليد الكهنوتي عن طريق شيت، لكن الاسامي كلها متشابهة جدًا مع نفس الاسامي في تكوين 4 وكلهم ليهم نفس المعاني أو معاني قريبة ومتشابهة (قايين ليه نفس معنى اسم قينان، مهللئيل ومحويائيل، يارد وعيراد، متوشالح ومتوشائيل، أخنوخ ولامك متكررين بالحرف بظبط، لكن في النهاية لامك في تكوين 4 بيخلف 3 أبناء وبنت، ولامك في تكوين 5 بيخلف نوح)، قصة الطوفان بعد كدا في التقليد اليهوي بتبدأ مع نوح بدون ذكر نسبه بشكل واضح، بالرغم من إمكانية ترجيح إن كان في تقليد يهوي بيقول إن أبوه يبقى لامك بناء على (تكوين 5: 29). وارد يكون كل من التقليد اليهوي والكهنوتي اتكتبوا على حدة بشكل منفصل زي ما بتفترض الفرضية الوثائقية، فاللي حصل إن التقليد الكهنوتي كتب قائمة بالأسامي وحطها في السياق بتاعه، ووارد أن يكون كاتب التقليد الكهنوتي كان بيعمل كمُحرر بعد كتابة التقليد اليهوي زي ما بتفترض الفرضية التكاملية وبالتالي كتابته للأسماء كانت معتمدة عليه لكن بوضعها في سياق وترتيب مختلف عشان تكون سلسلة أنساب مختلفة، في النهاية متقدرش تتهرب من مقارنتك ما بين سلسلتين الأنساب. الشيء الجدير اكتر بالاهتمام هو ذكر طول الأعمار المُبالغ فيها في التقليد الكهنوتي في تكوين 5، ذكر التسلسل والأعمار بالشكل دا في التقليد الكهنوتي يُمكن جدًا مقارنته بألواح Weld-Blundell Prism اللي بتذكر أسامي ملوك سومر قبل الطوفان السومري. اولًا مهم انك تفهم أسلوب العد السومري، إحنًا نظام العد اللي بنستعمله النهاردة بيعتبر نظام عد عشري (Decimal base system, base-10)، بمعنى إن أنت بتعد من 0 لـ9 وبعدين لما توصل للرقم 10 بتبدأ العد من الأول لكن في خانة العشرات (numerical values of 10¹)، لحد ما توصل للرقم 100 وتبدأ عد من الأول لكن في خانة المئات (numerical values of 10²)، وهكذا (آحاد، عشرات، مئات، إلخ- units, tens, hundreds, etc). في نظام العد الثنائي (Binary system, base-2) انت بتعد من 0 لـ1 وبعدين لما توصل لرقم 2 بتبدأ العد من الأول فبتكتب الاتنين بالشكل دا "10" (numerical values of 2¹)، وبعدين الـ3 بتكتبها كدا "11" ولما توصل للرقم 4 بتكتبه كدا "100" (numerical values of 2²)، لحد ما توصل للرقم 8 بتكتبه كدا "1000" (numerical values of 2³)، وهكذا. نظام العد البابلي هو نظام ستيني (Sexagesimal system, base-60) بيتكتب من علامتين زي في الصورة دي كدا: علامة منهم عاملة زي العمود (|)، ودي بتعد فيها من 1 لـ9 ولما توصل للرقم 10 بتستعمل العلامة اللي زي دي (>)، بص على الصورة ولاحظ كيفية كتابة الأرقام، في النهاية لما بتوصل للرقم 60 بستعمل نفس العلامة بتاعة الرقم 1 اللي هي زي العمود ولكن مكتوبة في خانة الستينات (numerical values of 60¹) البابليين سموها sosses، وهتلاحظ إن الرقم 600 هيتكتب بنفس علامة الرقم 10 (>) ولكن في خانة الستينات البابليين سموا مُضاعفات الرقم 600 بـ ners، وبتفضل على المنهج دا لحد ما توصل لرقم 3600 وبتبدأ من جديد (numerical values of 60²) البابليين سموها sars، وهكذا، فلو تلاحظ، أرقام زي 60، و600، و3600 وهكذا كلها تعتبر Round numbers، زي الأرقام 10 و100 و1000 وهكذا في نظام العد العشري اللي إحنا عارفينه، او زي 2 و4 و8و 16 و32 وهكذا في نظام العد الثنائي. الموقع دا بيحول الأرقام العشرية اللي إحنا بنتعامل بيها لأرقام بابلية. جايز تشوف النظام دا مُعقد جدًا (وهو كذلك الحق يتقال يعني)، بس عمرك سألت نفسك ليه إحنا بنقسم السنة 12 شهر؟ ليه مش 10 رقم حلو و"مقفول"؟ ليه اليوم 24 ساعة وليه الساعة 60 دقيقة ليه مبنقسمهمش مئات أو عشرات؟ الإجابة هي إن النظام دا هو اللي ليه الفضل في إننا بنقسم السنة لـ12 شهر والشهر لـ30 يوم واليوم لـ24 ساعة والساعة لـ60 دقيقة والدقيقة لـ60 ثانية، وهو اللي ليه الفضل في إننا بنقسم الدايرة لـ360 درجة (عدد أيام السنة البابلية، لإنها كانت سنة قمرية)، في مصر القديمة ظهر نظام مشابه في تقسيم السنة لكنها كانت سنة شمسية مكونة من 365 بالشكل اللي بنستعمله النهاردة، تقسيم اليوم لـ24 ساعة واعتبار اليوم بيبدأ من نصف الليل الساعة 12 بليل كلها موروثات من الحضارتين دول. رجوعًا لموضوعنا، لو بصيت على قائمة ملوك سومر قبل الطوفان هتلاقي إن فترات حكمهم أرقام مُبالغ فيها جدًا، أقل واحد منهم حكم سومر لـ18 ألف و600 سنة (بحسب W-B 444) او 21 ألف و600 سنة بحسب (W-B 62)! يعني مُقارنًة بالقائمة دي فقائمة الآباء اللي في تكوين ميعتبرش مبالغ فيها! بس لو تلاحظ، فكل الأعمار مكتوبة باعتبارها مضاعفات للـ Round numbers السابق ذكرها (sars and ners)، وهي متسجلة كدا في الألواح فعلًا، والمثير للاهتمام إن كل المذكورين دول مذكورين باعتبارهم ملوك قبل أحداث الطوفان السومري والبابلي، والمثير للاهتمام برضو إن أعمار الملوك بعد الطوفان بدأت تقل تدريجيًا (زي ما هيحصل في تكوين 11 من التقليد الكهنوتي برضو). في التقليد الكهنوتي بيتم كتابة الأعمار عن طريق إن الكاتب بيقول إن فلان وصل لسن "س" وخلّف فلان وعاش بعدها سنين "ص" فكانت كل حياته "س+ص". بيلاحظ Lloyd R. Bailey في ورقة بعنوان "? Biblical Math as Heilsgeschichte" إن الأعمار المكتوبة تقريبًا كلها (السن اللي أنجب فيه فلان، والعمر اللي عاشه بعدها، والعمر الكلي) بتقبل القسمة على 5 ماعدا كام واحد بس بيقبلوا القسمة على 5 بعد حذف رقم "7" من العمر المذكور (متوشالح بيُحذف منه 14، لإن في 7 بيتم حذفهم من عمره وقت ما خلف و7 من عمره المتبقي بعد الخلفة)، وجود الـpattern دا مش طبيعي انه يكون عشوائي، لو بصيت على قائمة زي الأعمار في سفر الملوك مثلًا هتلاقي الأرقام متنوعة جدًا لإنها بتوصف ترتيب وأعمار طبيعية فعلًا، الملاحظة بتاعة قابلية القسمة على الرقم 5 كانت بالنسباله مهمة، لإنك لما بتحول عدد السنين المذكورة لشهور هيبقى الرقم دايمًا احد مُضاعفات الرقم 60 لإن 5×12 بـ60، وبالتالي فهو شايف إن الأعمار دي تمت كتابتها in terms of sosses عن طريق الشهور بدل السنين. مُلاحظة تانية مُهمة هي شخصية Enmenduranna في قائمة ملوك سومر وهو الملك السابع بحسب W-B 444، واللي الأساطير السومرية بتقول انه بعد ما حكم تم أخذه للسماء عن طريق الآلهة شمش وهدد وتم اعتباره سلف كل كهنة الشمس في سومر، والملك اللي حكم بعده كان أوبار-توتو- Ubartutu اللي جه بعده زيوسودرا بطل الطوفان السومري (او أبو اوتونبشتم بطل الطوفان في ملحمة جلجامش)، برضو متقدرش تهرب من مقارنته مع أخنوخ اللي ظهر من نسل آدم في الجيل السابع وفيما بعد صعد للسماء وعمره كان 365 سنة (عدد أيام السنة الشمسية) وابنه كان هو جد نوح بطل الطوفان التورآتي. ملاحظة كمان هي إن سلسلة الملوك في سومر بتبدأ بأن المملكة نزلت من السماء للأرض، ودا يمكن مُقارنته مع التقليد الكهنوتي اللي لو لاحظت بدأ بخلق الإنسان على صورة الله وبعدين بدأ فيما بعد بسرد سلسلة الأنساب لحد الطوفان (التقليد الكهنوتي مفيهوش قصة طرد من الجنة). أنا هكتفي بالقدر دا واللي حابب يستزيد ممكن يرجع لورقة Bailey (مقدرش اقول إني متفق أو مقتنع بكل شيء فيها لكنها مثيرة للاهتمام).  فيما بعد بينتقل التقليد الكهنوتي لسرد قصة الطوفان، لكن التقليد اليهوي قبل ما بيذكر الطوفان بيضع نص مُشكل عن "بنو الله وبنات الناس" هنتكلم عنه المرة الجاية. يُتبع... --- ### نقد نقد التقليد الكنسي!
"أبو البركات اﻷزهري" أنموذجا - Published: ۲۰۲۱-۰۷-۲۹ - Modified: 2023-10-04 - URL: https://tabcm.net/2490/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, شئون علمانية, مقالات وآراء - وسوم: أبو البركات الأزهري, أبو موسى الحريري, الكنيسة القبطية, جوزيف شاخت, جون درين, سامي العامري, سيد حجاب, عبد الرحمن جبرة, علي الريس, فرج فودة, محامي خلع, محمد هنداوي, نقد التقليد الكنسي, يوليوس فلهاوزن نحن مع حرية النقد الأكاديمي، ولكن ليس من طرف واحد، نحن مع التفاهم والتعايش، وليس شغل "ألتراس ديني" على اليوتيوب، نحن مع الأمانة العلمية وليس الادعاء العلمي! فكونوا رجالا!! كتاب "نقد التقليد الكنسي. . الكنيسة القبطية أنموذجًا"، هو عنوان كتاب صدر للشيخ "محمد هنداوي الأزهري" المُكنى بـ"أبو البركات الأزهري"، وكان قد رأى فيه بعض الباحثين الأقباط أملا -للحوار والتفاهم- حيث تعامل في البداية بروح ودية، لذلك ظن بعضهم فيه خيرا، ولكنه "تمسكن حتى تمكن" كما يقول أهالينا المصريين! مقدمة الكتاب لثلاثة أشخاص، الأول: د. "عبد الرحمن جبرة"، وهو أزهري فاضل وكتب مقدمة هادئة عاقلة تليق به! أما "علي الريس" و "سامي العامري" فقد كتبا مقدمتين عدائيتين، تليق بهما! وجاءتا بعكس ما كان يدعي الكاتب "هنداوي الأزهري" من علمية وأكاديمية وسماحة! وفي حقيقة الأمر الكتاب يخلو من أي جديد، ويخلو من الأسلوب العلمي الحقيقي في آن يتشدقوا بالعلمية والأكاديمية المُدعاة! لابد أن نعي جيدا: أن غياب الحرية النقدية يطعن أكاديمية المحتوى قولا واحدًا؛ فهؤلاء الأدعياء؛ الحرية عندهم في اتجاه واحد، والأكاديمية أكذوبة لخداع العوام، ومطية لاستباحة مقدسات الآخرين! فمن يتشدقون بالحرية الآن، ما رأيهم إذا قام مؤلف مسيحي بتأليف كتاب "الإسلام هرطقة نصرانية" مثلا، أو مؤلف مسيحي آخر كتب عن "موثوقيه النص القرآني" أو "مخطوطات صنعاء للقرآن" واعتمد على كتابات المستشرقين الملاعين والعياذ بالله أمثال: أبو موسى الحريري، أو تيودور نولدكه Theodor Nöldeke . أو أي مواضيع أخرى مشابهة، واعتمد علي: يوليوس فلهاوزنJulius Wellhausen ، أو إجناتس جولد تسيهر Ignác Goldziher، أو الألماني جوزيف شاخت Joseph Schacht! تبني توجه مسبق (ما أسميه "الإعجاز العلمي في مقارنة الأديان") يطعن في صدق الأكاديمية أيضا. وهو استخلص من بحثه أن الكنيسة القبطية كنيسة هرطوقية حسب معاييرها - أي الكنيسة القبطية! ! ! وهذا هو نفس المنهج الغريب العجيب الذي يتبعونه في كل مناقشتهم، فهم يثبتون من الكتاب المقدس عكس ما يؤمن به كل المسيحيين في العالم أجمع، يستنتجون من مجلد عن "لاهوت المسيح" ما ينفي لاهوت المسيح! ، يستخرجون اقتباسات من كتاب يدافع عن "قيامة المسيح" تهدم القيامة كما يزعمون! ! وهو منهج عجيب حقا يتفردون هم وحدهم به! دون سواهم من خلق الله أجمعين في الشرق والغرب! ! فأنت - بالعافية - كما أتصورك أنا، ﻻ كما تعلن أنت أن تكون! بل ومن العجب الذي نراه ممن يدعون العلمية، فعند مطالعتك هذا "الكتاب المعجزة" الذي يدعون أنه أتى بما لم يأت به السابقون! ستجد أعاجيب علمية (أو غير علمية إن أردنا الدقة)، فستجد: اقتصاص واقتطاع في الاقتباسات، وقفز لنتائج إما مخترعة أو مبنية على الاقتباسات الخطأ أو المخترعة! ، تلاعب واضح في الاقتباسات وتغيير معناها، أضافة كلمات وجمل في الاقتباسات خصوصا أثناء ترجمة من مراجع أجنبية) إليكم مثال واحد فقط: تزييف الاقتباس من الأزهري: ”فربما يكون التقليد الذي يربط مرقس بالإنجيل الثاني بعيدًا تمامًا عن الحقيقة“ (محمد هنداوي، نقد التقليد الكنسي، ص١٤ ، ١٥) أما النص الحقيقي للباحث "جون درين" Drane, John William في كتابه "Jesus and the Four Gospels" ”فلربمالايكون التقليد الذي يربط مرقس بالإنجيل الثاني بعيدًا تمامًا عن الحقيقة“ ( جون درين، يسوع والأناجيل الأربعة، ص ٢٤٩. ) أن يخرج الدكتور الكبير "سامي عامري"، والمتخصص في مقارنة الأديان، ويتباكى على حرية البحث العلمي، ويتكلم كلامًا عجيبًا؛ لا وجود له إلا في مخيلته، عن "اضطهاد الباحثين المسلمين". . أعلم جيدا أنه كلام مضحك، ولكنه ضحك كالبكاء! حيث يتعامل الدكتور الكبير مع الكتاب على طريقة "نباطشي الأفراح" في المناطق الشعبية في القاهرة، فتجده يقول على سبيل المثال "الكتاب الذي زلزل الكنيسة القبطية" إلى آخر تلك الترهات! ! وخلفه جوقة من "صبيان النباطشي" على قنوات اليوتيوب (أمثال أبو عمر الباحث، و محمد شاهين التاعب)! ! والمنهجية المُتبعة عندهم الصوت العالي والكذب والادعاء، والتكبير والتهليل، على طريقة مُشجعي النوادي (بيب بيب أهلي) ولا صوت يعلو على صوت الهتاف! ! وبالطبع الطرف المسيحي هو الطرف الخاسر دائمًا (في أذهانهم)! ، فإذا سكت فأنت خائف، وإذا قمت بالرد الملتزم بالعلم واﻷدب، فأنت مرتعش وخائف ومزلزل! ! ، ولكن الويل لك إذا أفحمت فمصيرك سيكون مصير "فرج فودة"! ! تزوير المصادر وفبركتها: هذه هي السمة الأساسية في الكتاب الخالد الذي يعجز عن الرد عليه كل الأقباط مجتمعين، كما يحاولون إيهام "البقر" كما وصف الأزهري مخالفيه! ! وفي الحقيقة كل هذه الموضوعات (بصورتها الصحيحة) ليست بجديدة، بل من أثارها هم المسيحيون أنفسهم! وتوجد الكثير من الكتابات الجادة المؤلفة والمترجمة التي تتناولها باستفاضة! فهو لم يأت بجديد كما يدعون! (غير الادعاء بإن الكنيسية مهرطقة حسب معايير هذه الكنيسة المهرطقة)! ! والجدير بالذكر أنه قد أنقلب الكاتب "هنداوي الأزهري" على عاقبيه بعد نشر الكتاب، وهاجم من ردوا عليه وبينوا تدليسه، فوصفهم "بالبقر" ويحتاجون مثله ليقودهم بالعصا! ! فهو كان يحتاجهم فقط "لشهرة الكتاب" لغرض في نفس يعقوب! ! وها قد حقق مراده! ! فقد أظهر هذا "الأزهري" وجهه الحقيقي. . بل نقول "لقد سقطت العباءة"! على حد تعبير الإفيه الشهير في الفيلم الكوميدي "محامي خلع"! الحكمة المستخلصة: "ماتصدقوش ديب مهما غني ورطن"! كما علمتنا حكمة الشاعر المصري الكبير: سيد حجاب! خلاصة الأمر: نحن مع حرية النقد الأكاديمي، ولكن ليس من طرف واحد، نحن مع التفاهم والتعايش، وليس شغل "ألتراس ديني" على اليوتيوب، نحن مع الأمانة العلمية وليس الادعاء العلمي! فكونوا رجالا! ! --- ### [1] ما قبل نيقية - Published: ۲۰۲۱-۰۷-۲۸ - Modified: 2024-05-19 - URL: https://tabcm.net/1862/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, تاريخ وميثولوچيا - وسوم: الكنيسة الجامعة, ديونيسيوس الأريوباغي، أسقف أثينا, سر المعمودية, قديس إيرونيموس چيروم, قديس هيلاري، أسقف بواتييه, كبريانوس الإفريقي، أسقف قرطاچنة, مجمع أرلِس, مجمع قرطاچنة, مجمع نيقية, يوسابيوس بامفيلوس القيصري بدأ الصراع حول مسألة إعادة المعمودية في القرن الثالث الميلادي، وكان المشاركين في الصراع هم ستيفن (254-257)، بابا روما، وق. ديونيسيوس (248-264)، بابا اسكندرية، وق. كبريانوس (~248-258)، أسقف قرطاجنة. يعتمد الغالبية في فهم موقف ق. ديونيسيوس على اقتباس حفظه يوسابيوس القيصري في كتاب تاريخ الكنيسة. سنورد هنا النص بالعربية: "كورنيليوس اعتلى كرسي الأسقفية في مدينة روما حوالي 3 سنوات وتبعه لوكيوس ومات الأخير بعد أقل من ثمانية أشهر، وصار منصبه لستيفن. كتب ديونيسيوس أول رسائله عن المعمودية له لأن في ذلك الوقت اضطرم صراع ليس بقليل على ما إذا كان ينبغي أن يتطهر العائدين من الهرطقة بالمعمودية. لأن الوضع القديم الذي ساد في ذلك الوقت أنهم كانوا يُقبلوا بوضع الأيادي بالصلاة فقط. أولًا، كبريانوس راعي كنيسة قرطاجنة، أقر بأنه لا ينبغي قبولهم إلا بعد أن يتطهروا من أخطائهم بالمعمودية بينما ستيفن بابا روما اعتبر هذا غير ملزم لأنه يعد إضافة جديدة مخالفة للتقليد المتبع من البداية وكان غاضب لهذا السبب. لذلك، ديونيسيوس تواصل معه باستفاضة بواسطة رسالة مشيرًا لأنه منذ انتهاء موجة الاضطهاد، الكنائس في كل مكان رفضت أفكار نوفاتوس المستحدثة وحل السلام بينهم ، فيكتب التالي: اعلموا الآن يا أخوتي أن كل الكنائس في الشرق وما بعده، التي كانت من قبل منقسمة، قد اتحدت مرة أخرى. وكل الأساقفة في كل مكان أصبح لهم فكر واحد ويتهللوا معًا في السلام الذي يفوق كل عقل... لكن ستيفن بعد أن ظل في منصبه سنتين، خلفه خيستوس. فكتب ديونيسيوس له رسالة ثانية عن المعمودية يريه فيها رأي وحكم ستيفن والأساقفة الآخرين، ويتكلم عن ستيفن بالطريقة التالية: إذن، هو كتب مسبقًا عن هيلينوس وفيرميليانوس وكل اللذين في كليكية وكبادوكية وغلاطية والأمم المجاورة أنه لا يشترك معهم لهذا السبب، أي لأنهم يعيدوا معمودية الهراطقة. ولكن انظر لأهمية هذا الموضوع. لأنه فعلًا الشق الأكبر من المجامع والأساقفة، كما عرفت، قرروا في هذه المسألة أن الآتين من الجماعات الهرطوقية لا بد أن يتتلمذوا ثم يغتسلوا ويتطهروا من قذارة الخمير القديم غير الطاهر. وأكتب لك داعيًا إياك أن تعيد النظر في هذه الأمور. ثم يقول: كتبت أولًا، بدايةً بكلمات قليلة، ومؤخرًا بكلمات كثيرة، لآبائنا القساوسة، مثل ديونيسيوس وفيليمون، اللذين اتخذا نفس رأي ستيفن وكتبوا لي عن نفس الأمور... في الرسالة الثالثة عن المعمودية التي كتبها ديونيسيوس لفيليمون، الكاهن الروماني، يقص التالي: لكني فحصت أعمال وتقاليد الهراطقة، ملوثًا عقلي لمدة قليلة بأفكارهم النجسة ولكني اتخذت الفائدة التالية منهم وهي أني استطيع الرد عليهم وحدي وأني كرهت أفكارهم أكثر وأكثر. وحين جاءني أخ من القسوس، متخوفًا من أن أُلوث ذهني بنجاسة شرهم—الأمر الذي أرى أنه قال فيه الحق—جاءتني رؤيا من الله وقوتني... وبعد أن قال شيئًا عن كل هذه الهرطقات يضيف: لقد استلمت هذا القانون وهذا الطقس من أبينا المبارك هيراكلاس. لأن هؤلاء العائدين من الهرطقات، حتى وإن كانوا قد ارتدوا عن الكنيسة—أو بالحري لم يرتدوا، ولكن ظلوا يقابلوهمأو حُكم بأنهم يذهبوا لمعلم ضال—فإنه بعد أن أخرجهم من الكنيسة لم يقبلهم مرة أخرى على الرغم من طلبهم لذلك حتى اعترفوا علنًا بكل الأشياء التي سمعوها من الأعداء، ولكن للوقت قبلناهم بدون أن نطلب منهم معمودية أخرى. لأنهم سبق وقبلوا الروح القدس منه" مما سبق يتضح الآتي: أولًا: الوضع الأول كان قبول الهراطقة بوضع اليد فقط حتى بدأت كنائس أفريقيا بإعادة المعمودية ثم قنن ق. كبريانوس مسألة إعادة المعمودية في مجمع قرطاجنة. ثانيًا: مقتطفات رسائل ق. ديونيسيوس تُقر بأنه عالم بما تسلمته روما وما تسلمته قرطاجنة وأن الشركة انقطعت بينهم لهذا السبب. ثالثًا: اعتمد الشق الأكبر من الأساقفة في الشرق رأي مجمع قرطاجنة الذي كان استقر لمدة قبل ق. كبريانوس لكن لم يكن قرار مجمعي بعد إلى ان انعقد مجمع قرطاجنة. رابعًا: من كان بالفعل معتمدًا في الكنيسة ثم ارتد ثم عاد بعد توبة، لا تعاد معموديته. خامسًا: على الرغم من قناعة ق. ديونيسيوس برأي مجمع قرطاجنة إلا أن تركيزه هو على أهمية إعادة الشركة بين روما من ناحية وكنائس آسيا وأفريقيا من الناحية الأخرى وليس على دعوة روما للعمل برأي مجمع قرطاجنة. لحسن الحظ، تم اكتشاف 3 رسائل من ق. ديونيسيوس محفوظين باللغة الأرمينية (وليسوا مجرد مقتطفات مثل تلك الواردة في تاريخ يوسابيوس). في الرسالة الأولى من ق. ديونيسيوس لستيفن، نجد النص التالي: "لهذه الأسباب لنكون على وفاق، كنيسة مع كنيسة وأسقف مع أسقف وكاهن (شيخ) مع كاهن (شيخ)، دعنا نتوخى الحذر في كلماتنا خاصة حين نتعامل مع المسائل الخاصة مثل الطريقة التي يجب اتباعها لقبول القادمين من الخارج وكيف نتلمذ هؤلاء الذين فيها، فنعطي تعليمات للأساقفة المحليين وهم بوضع اليد الإلهي صاروا معينين للتعامل مع هذه الأمور لأنهم سيعطوا حسابًا للرب على كل ما يفعلوه"(الرسالة الأولى لستيفن) يتطابق ما ورد في هذه الرسالة مع ما أورده يوسابيوس فيما سبق. أما هذا الجزء فيتضح فيه تفهم ق. ديونيسيوس لاختلاف طرق قبول من هم خارج الكنيسة في الشركة حسب المنطقة وأن هذا الاختلاف في الرأي لا يعد سببًا لقطع الشركة بين روما وقرطاجنة مع العلم أن ق. كبريانوس نفسه لم يقطع الشركة مع روما على الرغم من قناعته بأهمية إعادة معمودية الهراطقة. هذا بخصوص شق النصوص، أما بخصوص التاريخ فنعرف من رسالة 188 للقديس باسيليوس الكبير أنه يبدي تعجبه أنه على الرغم من أن الكنيسة لم تعترف بمعمودية الموناتست إلا أن ق. ديونيسيوس تغاضى عن هذا القرار وقبل معموديتهم. أسباب هذا القبول غير معروفة. وعلى أي حال فالقديس باسيليوس لم يعتبر ما قام به ق. ديونيسيوس في هذا الصدد من رأي الصواب. يقص ق. جيروم (347-420) ما حدث أيام ق. كبريانوس وستيفن وق. ديونيسيوس، فيقول: "أرجو أن يتذكروا أنلم يحرم هؤلاء الذين رفضوا اتباعه فعلى كل الأحوال ظل في الشركة معهم على الرغم من اختلاف أراءهم مكتفيًا بنصحهم... لو أن الهراطقة غير معتمدينولازم إعادة معموديتهم لأنهم لم يكونوا في الكنيسة، فهيلاري نفسهلا يكن مسيحيًا لأنه اعتمد في كنيسة قبلت معمودية الهراطقة. قبل انعقاد مجمع أريمينم، وقبل أن يتم نفي لوسيفر، هيلاري كان شماسًا في كنيسة روما ورحب بمن جاءوا من الهراطقة حسب المعمودية التي نالوها قبل ذلك. من الصعب أن يُقال إن الأريوسيين هم الهراطقة الوحيدين وأن علينا أن نقبل الجميعباستثناء من عمدوهم"(ضد أتباع لوسيفر 24 – 26) من كلمات ق. جيروم يتضح أن الاختلاف في طرق قبول الأشخاص في الشركة اختلف من موضع لأخر وأن مجمع قرطاجنة لم يكن ملزمًا له (ولا لكل من عاشوا وقت انعقاده) وأنه رأي طريقة أفضل فيما اعتمدته روما آنذاك. قُبلت معمودية المانويين أيام ق. جيروم ويرى ق. جيروم في ذلك سببًا لقبول معمودية الأريوسيين. في كتابه عن المعمودية، يتعامل ق. أغسطينوس (345-430) مع تاريخ قبول معمودية الهراطقة ولاهوت المعمودية فيقول بأن عدم قبول ق. كبريانوس لمعمودية الهراطقة ليس نوع من الدوناتية والدليل هو بقاءه في الكنيسة الجامعة على الرغم من إمكانية انضمامه للدوناتية بشكل رسمي إن كان مؤمنًا بأفكارهم، ثم يشدد على وجود اختلاف بين زمنه وزمن ق. كبريانوس حيث أن في زمن ق. كبريانوس لم يكن هناك قرار مجمعي مسكوني بينما في وقت ق. أغسطينوس كان قد انعقد مجمع أرلِس في 314 م وحيث أن الكنيسة الجامعة قررت عدم إعادة المعمودية في هذا المجمع، فلم يعد من الممكن اعتماد ما يقوله مجمع محلي وأرسى ق. أغسطينوس قاعدة وهي أن ما يأتي في مجمع محلي تُعرض فيه الآراء من الممكن أن يتم تعديله في مجمع مسكوني. ثم يضيف ق. أغسطينوس لذلك أن ما اعتمده مجمع أرلِس لم يكن أمرًا جديدًا بل كان هو المعتمد من البداية إلى أن استجد النظام الأفريقي في القرن الثالث في قرطاجنة الذي أقر بإعادة المعمودية. وعلى الرغم من منطقية فكر ق. أغسطينوس إلا أنه هو الوحيد الذي رأى في مجمع أرلِس مجمعًا مسكونيًا بينما رأت باقي الكنيسة أنه مجمع محلي مُمهد لمجمع نيقية المسكوني. --- ### الأنبا إبيفانيوس، قارورة الطيب - Published: ۲۰۲۱-۰۷-۲۷ - Modified: 2023-09-17 - URL: https://tabcm.net/2430/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, مقالات وآراء - وسوم: أنبا إبيفانيوس المقاري, الكنيسة القبطية, دير الأنبا مقار الكبير, مدارس الأحد مع اقتراب عيد نياحة واستشهاد الأنبا إبيفانيوس قارورة الطيب التي لم يشعر بوجودها الكثيرين (واعترف أني من هؤلاء الكثيرين) التي انكسرت ففاحت رائحة الطيب منها، وملأت أرجاء المسكونة كلها. لا يسعنا إلا أن نستعيد ذكريات هامة جدا عن هذه الشخصية المميزة جدا، وأحد الشخصيات الأكثر تأثيرًا في تاريخ الكنيسة القبطية المعاصر بلا جدال. مع اقتراب عيد نياحة واستشهاد الأنبا إبيفانيوس قارورة الطيب التي لم يشعر بوجودها الكثيرين (واعترف أني من هؤلاء الكثيرين) التي انكسرت ففاحت رائحة الطيب منها، وملأت أرجاء المسكونة كلها. لا يسعنا إلا أن نستعيد ذكريات هامة جدا عن هذه الشخصية المميزة جدا، وأحد الشخصيات الأكثر تأثيرًا في تاريخ الكنيسة القبطية المعاصر بلا جدال. • لكل إنسان نصيب من اسمه، والبداية تبدأ مع الاسم، وهذا كان واضحًا جدا في المتنيح الأنبا إبيفانيوس الذي يعني اسمه الظهور الإلهي (من الإبيفانيا) أو الأنوار وقد كان فعلا هذا الرجل نورا وسط ظلام شديد يسود العالم، كان وكأنه ظهورًا للإله وسط الشعب الجالس في الظلمة، حيث لم يتعامل معه شخص بنية صافية إلا وشهد بوجود الله فيه، بل والتقى وتعامل مع الله من خلاله. • وإذ نمر مرورًا سريعًا لنقترب من هذا النموذج المسيحي الفريد، لابد أن نتوقف عند رهبنته حيث كان راهبًا بكل ما تعنيه الكلمة، بدءًا من حياته الرهبانية البسيطة في القلايّة التي لا تختلف أبدا عما عاشه الآباء في القرون الأولى للرهبنة من فقر اختياري، حتى أن سكرتير البابا لم يستطع تمالك نفسه عندما دخل قلايته ولم يجد حتى مرتبة على الأرض وإنما سجادة فقط! وكرسي واحد فقط! وهذا ما يؤكد على أن هذا الرجل عاش الرهبنة التي أحبها واختارها بعمق وأمانة إلى آخر أيام حياته. • الأسقفية التي أعادها إلى سموها وقيمتها بعد أن أفرغها من الميطانيات والألحان الخاصة بها والسجود وغيره (ولسنا هنا بصدد الحديث عن صحة هذه الممارسات من عدمها) وإنما عن إعلاء قيمة الأبوة على السيادة في الأسقفية، مما جعله شخص محبوب جدا لكل من اقترب منه (بدون غرض شخصي) واستطاع أن يترك بصمة هادئة مريحة على كل من تواصل معه. • الحوارات والتعاليم اللاهوتية التي قدمها نيافة المتنيح في كلمات شديدة البساطة، بالرغم من علمه الغزير وثقافته وتعدد اللغات التي كان يتقنها، إلا أن المتابع لعظاته يجدها تصلح حتى لفتيان وفتيات مدارس الأحد، لأنها تقدم الإيمان المسلّم من الآباء ولكن من خلال حضور السيد المسيح ذاته في كلماته المفهومة، والتي تصل إلى أمل الإنسان وتخترقه دون الحاجة لفلسفات وتعقيدات لا داعي لها. • إذا كان هناك ما يؤخذ على المتنيح الأنبا إبيفانيوس، فكانت طيبته الزائدة وتسامحه الذي قد نختلف على مدى صحته، خاصة بعد توليه قيادة دير بحجم دير الأنبا مقار، وما يحويه من اختلافات في التوجهات بين الرهبان القدامى الذين تربوا بمنهج نسكي ورهباني معروف، وبين الدفعات التي أدخلت الدير لاحقا بمنهج مخالف، في محاولة لاستعادة الدير ليشبه باقي أديرة الكنيسة، وهو الخطأ بل والخطر الكبير الذي لا يزال محدقًا بهذا الدير حتى الآن. فالتعامل بمنهج الميل الثاني واحتمال الإهانات من الراهب القاتل ومجموعته، لم يكن أبدا في صالح الدير ولا صالح الراهب المشلوح نفسه، ولكننا لا نعلم إذا كان باستطاعة المغدور الأنبا إبيفانيوس أن يتعامل بشدة أكثر من ذلك أم لا، ولكن يد الغدر سبقت وأنهت حياته. • قد تكون جريمة قتل الأنبا إبيفانيوس هي بلا شك أسوأ حدث معروف للكنيسة القبطية منذ عقود، ولكن لا خلاف على أن نياحته بهذا الشكل قد كشفت أمورا كثيرة داخل الكنيسة كانت ولابد أن تنكشف تحقيقًا لكلمات السيد المسيح أنه ليس خفىّ إلا ويعلن، وذلك بلا جدال لتطهير الكنيسة من الشوائب التي تسللت داخلها، وما زالت تتطهر، وقد تحتاج سنوات طويلة قادمة ليعود ثوب الرهبنة طاهرًا من أدناس المال، والعلاقات، وتعظم المعيشة، وتنقي الأسقفية من التحزب، والنظر إلى الذات، وكراهية الأخ، وانغلاق الذهن، حتى يتم إغلاق مجالس الهرطقة التي انفتحت دون سند أو مرجع آبائي أو لاهوتي حقيقي وإنما مع أي خلاف في وجهات النظر. • وأخيرًا، وكلما تحدثنا عن هذا الحدث الجلل لابد أن نتذكر ونمدح الموقف العظيم الذي يحسب للبابا تواضروس الذي رفض التدليس على الجريمة، وأصر أن تأخذ العدالة مجراها، وأن نعرف جميعا من هم القتلة وراء هذه الجريمة، ولولا موقفه هذا لربما كانت قد تكررت هذه الحادثة مرات ومرات في أديرة وإيبارشيات أخرى. نياحا لروح البار الأنبا إبيفانيوس، الذي أنارت حياته وتعاليمه وكتاباته وترجماته المقدسة عقولنا وعيون قلوبنا، وليقبل المسيح روحه الطاهرة ذبيحة تطهير عن كنيسته المقدسة. --- ### كهنوت المرأة: حواء النظير أم الدرجة الثانية؟ - Published: ۲۰۲۱-۰۷-۲٦ - Modified: 2023-08-11 - URL: https://tabcm.net/2421/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, المرأة القبطية - وسوم: أحوال شخصية, إكليروس أنت لم تخطئ في قراءة العنوان، نعم، سأتحدث في هذا المقال عن رسامة المرأة قسيسة أو كاهنة، وأعلم كم يستشيط البعض غضبًا لمجرد طرح الفكرة، ناهيك عن الدفاع عنها باستخدام النصوص المقدسة.  لكن دعني أسأل، لماذا كل هذا الغضب والرفض؟ لماذا تجيء الكلمات كأنها طلقات بنادق أو شرر حين يدافع البعض عن حق المرأة في الكهنوت مثلها مثل أقرانها الرجال؟ ألا نتفاخر نحن المسيحيون بمكانة العذراء مريم شديدة القدسية؟ ألا نقول إن حواء هي "نظير" آدم؟ ألا تعني كلمة "نظير" في المعجم "مساو" أو "مثيل"؟  الرجل رأس المرأة "وَلكِنْ أُرِيدُ أَنْ تَعْلَمُوا أَنَّ رَأْسَ كُلّ رَجُل هُوَ الْمَسِيحُ، وَأَمّا رَأْسُ الْمَرْأَةِ فَهُوَ الرّجُلُ، وَرَأْسُ الْمَسِيحِ هُوَ اللهُ. "(1 كورنثوس 11: 3) يقول البعض إنه لا يجوز للمرأة أن تعظ الرجال أو تترأسهم لأن الرجل رأس المرأة. لكن، لا ينتبه هؤلاء لتكملة النص؛ فالنص يقول إن رأس المسيح هو الله. فهل ينقص ذلك من لاهوت المسيح شيئًا؟ بالطبع لا، فنحن نؤمن أن المسيح إله كامل. وبالتالي فالخضوع هنا ليس خضوع سلطوي (أو خضوع مرؤوس لرئيسه الأعلى منه في المكانة)؛ لأن المسيح هو واحد مع الآب في الجوهر في نهاية الأمر، واحترام المسيح لأبيه لا ينقص منه شيئًا. ويشير بولس هنا إلى أهمية أن تمتثل المرأة لزوجها وتعطيه ما يليق به من الاحترام، كما امتثل المسيح للآب، وكان دائمًا ما يعطيه الإكرام والتمجيد. وكما كان تمجيد المسيح للآب نتيجة للحب المتبادل بينهما، كذلك ينبغي أن يكون الأمر في الزواج. فالمرأة تسعد بكلمات الحب الرومانسية، والرجل يسعد بكلمات التقدير، كما يقول علم النفس، فالنص هنا يشير إلى العلاقة الزوجية، ولا أعلم ما علاقة ذلك بخدمة المرأة لشعب الكنيسة؟ فما وجه المقارنة بين الزوج والزوجة من جهة، والمرأة كقائدة للكنيسة من جهة أخرى؟ وحتى في ترجمة الكتاب المقدس الإنجليزية نسخة Amplified Bible, Classic Edition (AMPC)، نجد النص مترجمًا كالآتي: But I want you to know and realize that Christ is the Head of every man, the head of a woman is her husband, and the Head of Christ is God. (1 Corinthians 11:3) فرأس المرأة هو زوجها، وليس معشر الرجال في المطلق! فالنص لا يلزم كل النساء بالخضوع لجميع الرجال في العموم. فالرجل يخضع لمديرته في العمل رغمًا عن أنفه، فهل في ذلك ما يخالف الكتاب المقدس؟ لِتَصْمُتْ نِسَاؤُكُمْ فِي الْكَنَائِسِ يستخدم البعض النص الشهير الذي يأمر فيه بولس النساء بالصمت التام في الكنائس كحُجة لرفض قيادة المرأة، ولكن يجب أن نعود إلى تاريخ مدينة كورنثوس لنفهم ما كان يجري في ذلك الوقت. ويتضح لنا أن النساء لعبن أدوارًا هامة في عبادة الآلهة الوثنية في كورنثوس والمنطقة المحيطة بها في العصور القديمة. هذا يعني أنه في القرون التي سبقت ظهور المسيحية، كانت النساء تشاركن بشكل روتيني في الممارسات الدينية في المنطقة - ليس فقط في خصوصية منازلهن، ولكن في الطقوس العامة، والمهرجانات، والمواكب، وغيرها من الأحداث. كما رأينا، شاركت النساء بشكل كبير في عبادة أفروديت - وكان هناك العديد من المعابد لأفروديت في كورنثوس وحولها. وقد وجد علماء الآثار العديد من التماثيل والمصابيح لأفروديت كدليل على المشاركة الطقسية الواسعة من قبل الأشخاص ذوي الموارد المحدودة، وخاصة النساء. وربما تكون النساء قد صنعت هذه القطع الأثرية بمفردهن أو اشتراها الحرفيون. وكانت الكاهنة الوثنية تمارس الجنس مع الحاضرين كنوع من أنواع عبادات الإلهة. ولذلك، كان على بولس أن يلزم النساء بالاحتشام الشديد، وتجنب حتى الكلام العادي داخل الكنيسة. فنحن نتكلم عن القرن الأول الميلادي، حين كانت المباني الكنسية شديدة التواضع، فلم تكن هناك وسيلة للتمييز بين الكنيسة والمعبد، وكان المسيحيون مضطهدون في ذلك الوقت. فكان بولس يريد الحفاظ على قدسية الكنيسة بشتى الطرق لكيلا يدخل الوثنيون بين الحاضرين، ظنًا منهم أن الكنيسة معبد وثني، ويفسد ذلك انتشار المسيحية. ويمكننا تشبيه هذا النص بنص آخر، هو: "لِذلِكَ إِنْ كَانَ طَعَامٌ يُعْثِرُ أَخِي فَلَنْ آكُلَ لَحْمًا إِلَى الأَبَدِ، لِئَلاَّ أُعْثِرَ أَخِي. "(1 كورنثوس 8: 13) طالب بولس النساء بالهدوء التام والامتناع عن المشاركة الفعالة حتى حين لا يفهمن ما يُقال بهدف تجنب الوقوع في مشاكل هم في غنى عنها. كما أن كنيسة كورنثوس كانت شديدة التأثر بالعبادات الأخرى. ولذلك، كان على نساء كورنثوس، فقط، التضحية بكونهم عضوات فاعلات في الكنيسة، مثلما تنازل البعض عن أكل اللحم، مع أنه ليس محرمًا. وكما نعلم أن هناك نساء خدمن مع بولس، كالشماسة "فيبي" خادمة كنيسة كنخريا، فكيف حدث ذلك وهن صامتات؟  هل وعظت المرأة رجالًا في الكنيسة الأولى؟ قد تبدو الإجابة صادمة بعض الشيء، نعم، قد وعظت المرأة رجالًا في عهد بولس الرسول نفسه، الذي يحتج البعض بكلماته لرفض كهنوت المرأة، نجد بولس يقول لكنيسة كورنثوس: وَأَمّا كُلّ امْرَأَةٍ تُصَلّي أَوْ تَتَنَبّأُ وَرَأْسُهَا غَيْرُ مُغُطّى، فَتَشِينُ رَأْسَهَا، لأَنّهَا وَالْمَحْلُوقَةَ شَيْءٌ وَاحِدٌ بِعَيْنِهِ. (1 كورنثوس 11: 5) يتحدث بولس عن أمرين هنا، أولهما هو الصلاة العادية في الكنيسة لجميع النساء، وثانيهما هو التنبؤ. وقد عرف بولس التنبؤ في كورنثوس الأولى كالآتي: وَأَمّا مَنْ يَتَنَبّأُ، فَيُكَلّمُ النّاسَ بِبُنْيَانٍ وَوَعْظٍ وَتَسْلِيَةٍ. (1 كورنثوس 14: 3) فالمرأة التي تتنبأ هي تعظ الناس، وتبنيهم، وتسلي عنهم (أي تعزيهم بكلمات التشجيع)، وبذلك، يتضح لنا أن بولس لم يمنع المرأة من الوعظ حتى في كنيسة كورنثوس على الرغم من كل ما ذكرناه، بل طالب النساء الحاضرات بالهدوء والاحتشام، والواعظة بتغطية الرأس، لكيلا تبدو الكنيسة كمعابد أفروديت! فهو تصرف ثقافي، اجتماعي بهدف البقاء. (survival tip) لكن المرأة خرجت من ضلع الرجل وأغويت أولًا! هكذا يعلل البعض رفضهم لكهنوت المرأة، ولكن، معذرة، عزيزي القارئ، لو ترى أن خروج المرأة من ضلعك فيه ما يقلل منها، فدعني أذكرك بأنك قد خرجت من رحمها! وبالنسبة لفكرة خلق المرأة من الرجل، فرجوعًا إلى قصة الخلق، نجد أن القصة تعبر بطريقة رمزية عن خلق الله للجنس؛ فكل أمرأه تبحث عن الرجل التي تنتمي له، وكذلك يبحث الرجل عن المرأة التي تكمله، أو يجد فيها قبسًا من روحه ليتحد بها مدى الحياة. ولا يعني هذا أن المرأة خلقت لتلي آدم في المكانة لأنها تلته في الخلق! فإذا كان الترتيب يدل على الأهمية، فأدم قد خُلق بعد الحيوانات والطيور، هل يعني ذلك أنه أقل أهمية منها أو خُلق ليخدمها، كما يُقال عن حواء؟ وردًا على غواية المرأة أولًا، يرى بعض المفسرين أن الحية أرادت بغوايتها للمرأة إحداث وقيعة بين الرجل وزوجته بسبب غيرتها من حواء، وهي قد نجحت في ذلك كما تشير القصة، فقبل السقوط رأى أدم جميع حيوانات الجنة، ولم يجد فيها معينًا نظيره، مما أثار غضب الحية، التي ربما أرادت أن تكون مكان حواء، بسبب جمال الحية، وكبريائها، ولكن آدم لم يخترها كشريكة معه في المجد، ولذلك أرادت قطع رباطهما الزوجي، بالإضافة إلى قطع علاقتهما مع الله. وبسبب غيرتها من حواء، أرادت أن تجعلها السبب الأول للسقوط، وستجد هذا التفسير بالإضافة إلى أبعاد أخرى للقصة في هذا الفيديو، وأي دارس يعرف أن القصة رمزية ولم تحدث حرفيًا في الأساس. الدورة الشهرية وطهارة المرأة يعلل البعض أن دخول المرأة إلى المذبح لا يليق بسبب الدورة الشهرية لأنها تبقى على المرأة عدة أيام قد تصل إلى أسبوع. وأتعجب من هذا التفكير الذي يختزل المرأة اختزالًا يهين إنسانيتها التي خُلقت على صورة الله! وهذا التفكير إنما هو امتداد لأصول يهودية متعلقة بقانون الطهارة في العهد القديم. والعجيب هو أن من يريد تطبيق شريعة التطهير في العهد القديم يريد أن يطبقها على المرأة فقط؛ فمثلًا، نعلم أن العهد القديم يحرم أكل الأرانب، والخنازير، والكثير مما نأكله الآن، ويحرم كثيرًا من العادات التي نفعلها اليوم دون أي غضاضة. فنحن اليوم نرتدي أنسجة مختلطة، ولا يذهب من به مرض جلدي إلى الكاهن، بل إلى الطبيب. فإذا كنت تأكل الأرانب، فأنت نجس بحسب سفر اللاويين، يا عزيزي. فإذا أردت رؤية حياتك من منظور شريعة العهد القديم، ستجد نفسك نجس لا محالة. فلماذا تهتم فقط بنصوص نجاسة المرأة التي يسيل دمها، أو التي تلد كما جاءت في سفر اللاويين وتتغاضى عن النصوص الأخرى؟ ألا تري أنك منافق بعض الشيء؟ لذلك، أدعوك للرجوع إلى سفر اللاويين، ومحاولة تطبيقه بالكامل، وكما يجب، وأتمنى لك كل التوفيق! وختامًا، أتمنى أن يُعاد النظر في تلك القضية، فالكنيسة للأسف، حرمت نفسها من نصف مواهبها، فالمرأة يمكنها تحقيق القيادة الناجحة، ومخاطبة الناس "ببنيان، ووعظ، وتسلية" كما يقول بولس، لا فقط أن تعظ الفتيات، وترتل بالكورال. فلماذا نخشى الأمر هكذا؟ --- ### التمايز في شرح العقيدة المسيحية (٢ُ) - Published: ۲۰۲۱-۰۷-۲۵ - Modified: 2022-02-04 - URL: https://tabcm.net/2350/ - تصنيفات: لاهوتيات اللاهوت المسيحي ، بدايةً ، شرَح عمل المسيح علي الصليب كما قال آباء الشرق بحسب ما جاء في الإنجيل من أن الصليب هو إعلان عن محبة الله ”لأَنّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيّةُ. “ ( يوحنا ١٦:٣)  و في القرن السادس عشر لجأ قادة حركة الإصلاح في أوروبا إلي نظريات عقلية قانونية إستحدثوها تقول بأن الصليب كان لاستيفاء العدل الإلهي مستخدمين في ذلك نفس المصطلحات اللاهوتية المشترَكة التي وردت في الكتاب المقدس مثل : فداء - كفارة - بر . . إلخ، و ذلك بهدف القضاء على إنحرافات كنيسة العصر الوسيط والتي تمثلت في : المطهر - صكوك الغفران - المفهوم الخاص عن الإفخارستيا { كشرح الكنيسة الرومانية في منشورها عام ١٠٥٩ ”الإفخارستيا بشكل منظور وليس بطريقة سرية نرى دم المسيح في  يد الكهنة و يُمضَغ جسده بأسنان المؤمنين “ } -  و الفهم الخاص عن سلطان الكهنوت { متمثلاً في صلاة التحليل اللاتينية القديمة ”بموجب السلطان المعطى لي من الكنيسة أنا أحللك من خطاياك باسم الآب و الإبن و الروح القدس. وهي تختلف عن الصيغة الأرثوذكسية :اللهم حاللنا و حالل كل شعبك“ }. و عن طريق استحداث نظرية ”عقيدة الكفارة “ إستطاع قادة حركة الإصلاح  هدم : المطهر - صكوك الغفران - سلطان الكهنوت في كنيسة العصر الوسيط : ” إذا كان المطهر هو عبارة عن تكفير للخطايا أو أن يوفي الإنسان ديونه للعدل الإلهي، فما لزوم الكفارة وهي عمل المسيح وحده الذي وفَي كل مطالب العدل الإلهي “( مارتن لوثر) و قد أدي هذا الإستحداث بقادة حركة الإصلاح إلي التساؤل : ” إذا كان الرب قد أكَمل و أتم الخلاص في الصليب يوم الجمعة ، فما هي فائدة ودور الأسرار الكنسية مثل التناول ؟ و بذلك وَ ضَع المذهب البروتستاني نهاية حاسمة لتعليم لاهوت العصر الوسيط ، و ذلك بالتأكيد علي نظرية لاهوتية قانونية بأن المسيح دفع ثمن خطايانا علي الصليب لله الآب ترضيةً له ولعدله ولغضبه علي خطية الإنسان ، وذلك بأن تحمّل العقاب عوضاً أو كبديل عن الخطاة . و هكذا ظهرت النظرية اللاهوتية  ”موت المسيح النيابي أو البدل العقابي “. و استمر هذا الإستحداث اللاهوتي النظري الذي بدأ بفكرة أن الله دفع الغرامة إلى الله ، أي أن العمل يبدأ بالله وينتهي بالله ، و بالتالي ليس على الإنسان إلا أن يؤمن بما حدث على الصليب . و هكذا نشأ  ” التبرير بالإيمان “ عند البروتستانت  و الذي أدي إلي اقتلاع الأسرار الكنسية من جذورها في تعليمهم . فالأسرار- و بشكل خاص الإفخارستيا - هي رموز و علامات فقط ، ُتذَكِر المؤمنين بما فعله المسيح علي الصليب . أما اللاهوت الشرقي فلا يَعرف على الإطلاق مفاهيم العصر الوسيط الخاصة بهذه الكلمات ( فدية ؛ كفارة . . ) ، و إنما إنسجاماً ظاهراً بين معاني هذه الكلمات و معانيها في الكتاب المقدس . لذلك لم تذكر الصلوات الأرثوذكسية (الليتورجية)  تلك المعاني التي استحدثتها تلك النظريات . فمن المعروف أن  الليتورجية  هي مرآة عِلم اللاهوت في الشرق . فالتعليم  و شرح العقيدة الذي لا أساس له في الليتورجية لا أساس له في الأرثوذكسية ، لأن الإيمان الذي لا يُعبَر عنه في صلاة إنما هو إيمان عقلي وفكر خاص . هذا على الرغم من إضافة صلاة قسمة كاثوليكية في الخولاجي المقدس المطبوع بمعرفة مكتبة المحبة بعد عام ١٩٧٠م. و هي ليست موجودة بالخولاجي المقدس المحَقَق بيد القمص عبد المسيح المسعودي  في طبعته الأولي ١٩٠٢م. و من بعده  على نفقة القمص عطالله أرسانيوس المحرقي و لا حتى طبعته الثانية ٢٠٠٢م. الصادرة من دير البراموس. و كمثال لما سبق ، نجد أن صلاة القداس الأرثوذكسي توضح أن الصليب جاء  بعمل إيجابي و ذلك بتجديد و إحياء الخليقة ، وردَّ الحياة لها بعد أن كانت مستعَبَدة للموت : ” والموت الذي دخل إلى العالم بحسد إبليس هدمته بالظهور المحيى الذي لابنك الوحيد ربنا و إلهنا و مخلصنا يسوع المسيح “. و نجد أن إعلان العهد الجديد هو مصدر هذا الفهم الأرثوذكسي لعمل المسيح علي الصليب: ” فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ الأَوْلاَدُ فِي اللّحْمِ وَالدّمِ اشْتَرَكَ هُوَ أَيْضًا كَذلِكَ فِيهِمَا، لِكَيْ يُبِيدَ بِالْمَوْتِ ذَاكَ الّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ،15 وَيُعْتِقَ أُولئِكَ الّذِينَ­ خَوْفًا مِنَ الْمَوْتِ­ كَانُوا جَمِيعًا كُلَّ حَيَاتِهِمْ تَحْتَ الْعُبُودِيّةِ. “( عبرانيين ١٤:٢) فبينما نرى مما سبق أن المسيح مات علي الصليب لكي يبيد الموت ، فإن نظرية الكفارة حسب إخوتنا البروتستانت تقول بأن الإبن قدَّم نفسه فدية للآب أو أرضَي مطالب العدل و قدَّم للآب فديةً  هدَّأت غضبه و جعلته يرضى عن الإنسان . إن اللاهوت الأرثوذكسي يَفهم   ” الفدية “ و ” الكفارة “ التي قام بها المسيح - إقنوم الإبن المتجسد- ليس علي أنه ثمن يدفعه الإبن للآب كعمل سلبي يعلو فوقه صلاح الله ، لأنه يُحَوّل المسيح من الإقنوم  المتجسد إلي ثمن - و هو مفهوم ساد في الفكر الغربي البروتستانتي أكثر من الكاثوليكي - و لكن يَفهم الفدية أنها عمل و قوة المسيح التي تحرر الإنسان  و ليست ثمناً يُدفَع  أو دَيناً يُرَّد . و أيضاً َيفهم ” الكفارة “ أنها تَعبير عن التطهير والغفران. فالله يكفر عن شعبه . أي يغفر ويستر الخطايا . و هو أيضاً يفتديه ، أي يخلصه من يد الأعداء و من السقوط في وهدة الهلاك . فالمسيح أقنوم مساوي للآب و ليس ثمناً يُدفع للآب. و موت الرب على الصليب هَدَم الموت و أزال العداوة. هذا هو المسيح ”الفادي“ الذي يَفدي، يَفُك، يُخلّص ”قوتك فكَكَت بذراعك شعبك“ ( مزمور ١١:٧٧) . أو قل المسيح ”الفدية “ إن شئت ، و لكن ليس بمفهوم الثمن بل بمفهوم عمله علي الصليب في عتق و تحرير و إقتناء الإنسان . كلها معاني تُعَبّر عن الخلاص  في معناه الشامل. و للعلم فإن العهد القديم لم يستخدم الإسم ” فدية “ في الكلام عن خلاص وفداء الله بل إستخدم دائماً الفعل ” يَفدي “، و أطلق إسم الفاعل ” فادي “ علي الله نفسه . ولعل أول ما يخطر على فكر القارئ  بخصوص الفدية هو مفهوم ذبائح العهد القديم. و لكن هذا يتطلب  بعض الشرح فيما بعد لا يتسع له المقال الآن. و كمثال آخر، يصلي الأرثوذكس في الساعة السادسة  ”يا من سُمرت علي الصليب من أجل الخطية التي تجرأ عليها أبونا آدم في الفردوس ، مزق صك خطايانا أيها المسيح إلهنا و نجنا . . َقتلت الخطية بالخشبة أحييت الميت بموتك (آدم). . من أجل هذا نمجد المسيح إلهنا لأنه قوي“. هنا أيضاً نري اللاهوت الشرقي مستمَداً من إعلان العهد الجديد: ”و إِذْ مَحَا الصّكّ الّذِي عَلَيْنَا فِي الْفَرَائِضِ، الّذِي كَانَ ضِدّا لَنَا، وَقَدْ رَفَعَهُ مِنَ الْوَسَطِ مُسَمّرًا إِيّاهُ بِالصّلِيبِ“( كولوسي ٤:٢ ) . و في هذا كله يُظهِر اللاهوت الشرقي  أن المسيح مزق ( ليس دفع ) الصك . أهمية هذا الفهم هو موضوعنا القادم . و السُبح لله. ( يُتبع) بقلم : رءوف إدوارد --- ### الرويبضة والعوام - Published: ۲۰۲۱-۰۷-۲٤ - Modified: 2023-09-17 - URL: https://tabcm.net/2437/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, مقالات وآراء - وسوم: أنبا أغاثون، أسقف مغاغة والعدوة, بابا تواضروس الثاني, حركة الروح الأرثوذكسية, نقد التقليد الكنسي أصدرت "حركة الروح الأرثوذكسية" أورثوذوكسا،  رسالة، ناشدت فيها الآباء الأساقفة أن ينأوا بأنفسهم عن مستنقع إيلاء اعتبار للكتاب المشبوه "نقد التقليد الكنسي" والرد عليه، وأن يتركوا الرد للعلمانيين غير الكهنوتيين، لكن للأسف لم تلق الرسالة استجابة من الموقر الحبر الجليل نيافة الأنبا أغاثون أسقف مغاغة والعدوة، الذي انبرى - دون حصافة - للرد، فأعاد إلى أذهاننا قصة شهيرة عن الدب والذبابة. أصدرت "حركة الروح الأرثوذكسية" أورثوذوكسا،  رسالة، ناشدت فيها الآباء الأساقفة أن ينأوا بأنفسهم عن مستنقع إيلاء اعتبار للكتاب المشبوه "نقد التقليد الكنسي" والرد عليه، وأن يتركوا الرد للعلمانيين غير الكهنوتيين، لكن للأسف لم تلق الرسالة استجابة من الموقر الحبر الجليل نيافة الأنبا أغاثون أسقف مغاغة والعدوة، الذي انبرى - دون حصافة - للرد، فأعاد إلى أذهاننا قصة شهيرة عن الدب والذبابة. قرأت هذه الصفحات - التي تمثل الرد الذي "قرأه" علينا - مرارا، حتى خشيت علي شراييني من الانفجار، دون أن اهتدي لمن يوجه رده هذا رابط الرد: هل يوجهه لعوام الأقباط؟ ولما؟؟ هل تناهى إلى سمعه الشريف أن هناك من تأثر بالكتاب وأنهم على وشك ترك المسيحية والنكوص عن إيمانها، والرجل يشد من أزرهم؟ هل يوجهه للكاتب؟ فإن لم يكن ما فعله هو عين الفشل فماذا يكون؟؟ هل يظن انه ألقم الكاتب حجرا بهذه الكلمات التافهة؟ الواقع أن الرجل تندر عليه وسخر منه، في موقف كنا نرجو أن يجتنبه، ندي له جبيننا وجبين الكنيسة المحسوب عليها نيافته شئنا أم أبينا. ولنستعرض معا نتائج رد الرجل الرد ضمنيًا أقر بصحة ما ورد في متن الكتاب، وصحة المراجع والاقتباسات (علي غير الحقيقة) والمأخذ فقط أنها من إعداد وصياغة الخوارج (هكذا! ! ) الرد ضمنيًا أقر بخطورة الكتاب على المسيحية (هكذا! ! ) حتي انه استعمل تعبير "هدم كل أساسيات الإيمان" ما ورد في الرد مخالفًا الكتاب ومناقضًا له، كان بمنزلة محاولة إخفاء الشمس بأصبع السبابة، فنعم يا سيدي كانت المسيحية دين ودولة من بعد "نيقية" ولا مجال لإخفاء هذا واستمرت هكذا قرونا طويلة. ونعم يا سيدي كانت الغيرة بين الكراسي الكنسية والأهواء محركًا لبعض أحداث المجامع وإلا ففسر لنا ما حدث في خلقيدونية. فهل يرى نيافته أن طريقته الصبيانية هذه، قد محقت ما ورد في الكتاب؟ أظهر الرد الواهي ما يوحي بهوان وضعف الكنيسة وغياب الموضوعية عنها، فضلا عن غياب القدرة على الرد المفند لأباطيل الكتاب (وهي كثيرة لا تحصي)، حتى أنها تستعدي الدولة على الكاتب وتطلب مصادرة الكتاب في تصرف أحمق يأخذه من ليس له صفة أن يتحدث باسم الكنيسة، مما دعا أحد الذين قدموا للكتاب بوصفه بأنه الكتاب الذي زلزل الكنيسة حتى سعت إلي مصادرته. لن أطيل في سرد نقاط الرد الكارثي، والذي حملت كل كلمتين متجاورتين فيه لغما ببراعة يحسد عليها كاتبه. الرجل ربيب مدرسة تجاوز الزمن خطلها ورعونتها، مدرسة حرقت كتبا في أقدس معابدنا، نفخت في خطورة أعمال تافهة حتى طبقت شهرتها الأفاق، كان بحثها فقط عن الشعبوية والغزوات الدونكيشوتية البهلولية، دون النظر للخسائر، وكنا نأمل أننا تجاوزنا هذا الخطل. انزلاقات الرجل كثيرة، تخلو من كل ما يجب أن يميز مواقف المسئول، تفيض بالسطحية والضحالة والخوض فيما لا يخصه، آثارها دائمًا شديدة السلبية، وقد آن أوان تجنيب الكنيسة هذه الأثار. أتوجه لسادتي أعضاء مجمع الكنيسة، وعلى رأسهم قداسة البابا المكرم الأنبا تواضروس الثاني، بندائي ورجائي لكبح جماح هذه الانزلاقات المتكررة غير المحسوبة، والتي تلقي بظلالها القاتمة على كنيستنا العريقة معلمة المسكونة. الرب يسبغ كل نعمه عليكم ويعينكم ويحفظكم في روحه --- ### [٣] قايين وهابيل - Published: ۲۰۲۱-۰۷-۲۳ - Modified: 2023-10-12 - URL: https://tabcm.net/2266/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, كتاب مقدس - وسوم: آدم, أخنوخ البار, أنكي, أنوش, أنوناكي, إنانا, إنتين, إنليل, إيميش, اشنان, توبل, حواء, دوموزي, شيث, صمويل نوح كريمر, عشتار, عيراد, قايين, لامك, متوشائيل, محويائيل, نقد تأريخي, نقد كتابي, نوح ابن لامك, هابيل, يابل, يوبل القصة بالرغم من تشابهها مع الأساطير المجاورة لكنها بتقدم سردية مُعاكسة، سردية بتفضل حالة الرعي اللي كانت بتمثل طبيعة حياة العبرانيين، على طبيعة الزراعة والاستقرار والحضارة اللي كانت بتمثل حالة الحياة في بلاد ما بين النهرين, قصة قايين وهابيل (بترجع للتقليد اليهوي، تكوين 4) ممكن مقارنتها بـ3 نصوص سومرية (يُمكن الرجوع ليهم في كتاب Sumerian Mythology :هيتم كتابة اساميهم بالانجليزي زي ما موجودين في كتاب صمويل نوح كريمر). إنانا تُفضل المُزارع Inana Prefers the Farmer: في الأسطورة دي بيظهر 4 شخصيات رئيسية؛ إنانا (عشتار): الهة الحب. أوتو: إله الشمس، اخو إنانا. دوموزي: إله الرعي. إنكيمدو: إله الزراعة. اللي بيحصل إن كل من دوموزي وإنكيمدو (آلهة الراعي والمزارع) بيتقدموا للزواج من إنانا، وأوتو بيحث إنانا للزواج من دوموزي (إله الرعي)، لكن إنانا بترفض وبتختار إنكيمدو (إله الزراعة). دوموزي بيغضب ويعترض على تفضيلها لإنكيمدو، إنكيمدو بعد كدا بيتدخل بود وبيطلب من دوموزي عدم بدء خصام وعداء، لكن دوموزي بيستمر على غضبه. وبينتهي النص بصورة إن دوموزي انتصر على إنكيمدو بالعنف، وعدم دعوته لإنكيمدو لحفل زفافه من إنانا، بالرغم من إن إنانا أصلا فضلت إنكيمدو (المُزارع) على دوموزي (الراعي). إيميش وإنتين: إنليل يختار إله الزراعة Emesh and Enten: Enlil chooses the Farmer-God: إنليل بيخلق الأخوين إيميش (الراعي) وإنتين (المُزارع)، الأخوين بيختلفوا فبما بعد ويتخانقوا على مين مركزه أفضل عند إنليل، فبيلجأوا لإنليل عشان يحكم بينهم، إنليل بيفضل المُزارع عن الراعي والنص بينتهي بتسوية الخلاف وسيادة المُزارع على الراعي، أو خضوع الراعي للمُزارع. الماشية والقمح Cattle and Grain: الأنوناكي بيخلقوا إلهين توأم، الإله لهار (ذكر راعي)، والإلهة اشنان (أنثى مُزارعة)، كان دورهم في البداية صنع الطعام (من الزراعة) واللبس (من المواشي) للأنوناكي، وفيما بعد، تم خلق الإنسان للقيام بعمل الآلهة زي ما عرفنا في المقال اللي فات، وبرضو بيحصل اختلاف بين لهار وأشنان وبيتدخل كل من إنكي وإنليل ويعلنوا انتصار أشنان (المُزراعة). في كل من الأساطير السابقة بنلاحظ وجود خلاف بين كل من المُزارع والراعي، في كل منهم بيتم تفضيل المُزارع، بينما في قصة قايين وهابيل بيحصل العكس، بيتم تفضيل الراعي هابيل على المُزارع قايين، والموضوع بينتهي بشكل دموي (قتل قايين لهابيل) وبيتم لعن قايين. القصة بالرغم من تشابهها مع الأساطير المجاورة لكنها بتقدم سردية مُعاكسة، سردية بتفضل حالة الرعي اللي كانت بتمثل طبيعة حياة العبرانيين على طبيعة الزراعة والاستقرار والحضارة اللي كانت بتمثل حالة الحياة في بلاد ما بين النهرين؛ قايين خلّف أخنوخ وبنى مدينة على اسمه، وأخنوخ خلف عيراد، اللي قد يكون اسمه موضوع كرمز لمدينة إريدو، عيراد بيخلف محويائيل ومحويائيل بيخلف متوشائيل، ومش بيتم نسب أي شيء واضح ليهم، متوشائيل بيخلف لامك، ولامك بيخلف 4 أقراد، (يابل، يوبل، توبل، ونعمة): 1. يابل: وهو راعي لكنه الراعي الموجود في الحضارة والمدينة، وواضح إن اسمه محطوط كمقارنة مع اسم هابيل. 2. يوبل: وبيقول عنه انه أبو كل عازف بالكنارة والمزمار (الفن). 3. توبل: وهو حداد. (كمقارنة مع اسم قاين) 4. نعمة: اللي معنى اسمها الجمال أو المتعة. الأعداد 23 و24 فيها نشيد على لسان لامك معروف باسم Song of the Sword (أنشودة السيف)، بيوضح فيه لامك إنه قتل راجل لإنه جرحه، وولد لإنه ضربه، وبيوضح النص إن قايين كان بيُثأر ليه 7 أضعاف، لكن للامك 77 ضعف. الكاتب لمرة تانية (زي ما شفنا قبل كدا في قصة آدم وحواء من التقليد اليهوي) بينظر لتحول الإنسان للزراعة والحضارة بشكل سلبي وغير مرغوب فيه وبيعتبره مؤسس للعنف المُتزايد، بنشوف ان قايين بيُثأر لقتله 7 أضعاف، وللامك 77 ضعف. النص بينتهي بأن آدم بيخلف ولد تاني من حواء اسمه شيث (اللي اسمه قد يكون معناه البديل أو التعويض أو المختار) وشيث خلف أنوش (أللي اسمه قد يكون معناه الرجُل أو الفاني). يُتبع... --- ### المتاجرة بأجساد القديسين - Published: ۲۰۲۱-۰۷-۲۲ - Modified: 2023-10-28 - URL: https://tabcm.net/2410/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, تاريخ وميثولوچيا - وسوم: آدم, أنبا أنطونيوس الكبير، أبو الرهبان, أنبا شنودة، رئيس المتوحدين, إيزيس, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس عمود الدين, قديس أثناسيوس الرسولي, قديس باخوميوس الكبير أب الشركة, مزارات القديسين أثرت العادات المصرية على وجدان المصريين وظهرت في طقوسهم الدينية… فمثلا ذكرى اليوم الثالث، وذكرى الأربعين للمتوفي، كلها عادات مصرية قديمة متداخلة مع الطقوس الجنائزية لتأبين الموتى، وفي نقطة من أشد اهتمامات الأديان وأكثرها حساسية: الحياة بعد الموت أثرت العادات المصرية على وجدان المصريين وظهرت في طقوسهم الدينية... فمثلا ذكرى اليوم الثالث، وذكرى الأربعين للمتوفي، كلها عادات مصرية قديمة متداخلة مع الطقوس الجنائزية لتأبين الموتى، وفي نقطة من أشد اهتمامات الأديان وأكثرها حساسية: الحياة بعد الموت. معظمنا يعرف اهتمام قدماء المصريين بالحياة الأخروية ونبوغهم في التحنيط وبناء المعابد الجنائزية... بطبيعة الحال، ده كان مكلف جدا، خصوصا إن في بعض العصور كان لازم المتوفي يتدفن ومعاه مقتنياته الثمينة بدل توريثها للأبناء... وبالأرجح كانت التكلفة العالية مقصودة من كهنة المصريين، بحيث إن التقاليد دي تكون محدودة في التطبيق على العظماء فقط... ومن هنا نشأ نوع من تقديس العظماء وإجلالهم متداخل مع تقديس الموت وجلاله... عند المصري القديم فإكرام الميت مش دفنه، وإنما الاحتفاظ بجسده بأكبر قدر من درجات السلامة، أو أقل درجة من درجات التحلل... وكأنهم بيحاولوا يحتفظوا بالجسد موجود معاهم... المسيحية الناشئة كانت بترفض المظاهر دي كلها، وترى ضرورة دفن الأجساد في مقابر تحت الأرض زي كل الأنبياء والقديسين وزي المسيح نفسه... التأسيس ده كان استنادا إلى: لأنك تراب وإلى تراب تعود (سفر التكوين ٣: ١٩)   هنلاقي الأنبا أنطونيوس (٢٥١م - ٣٥٦م) أبدى استياءه من عادة ترك الأجساد دون دفن في قبر، والسبب الرئيسي إن المصريين اعتادوا تكفين العظماء وحفظ أجسادهم دون دفن في التراب، بل وضعها على منضدة وحفظها داخل البيوت... وهنلاقي الأنبا باخوميوس (٢٩٢م - ٣٤٨م) شدد على تلميذه "تادرس" أن يدفنه مسرعًا كيلا يحمل قوم جسده خلسة ويبنوا له مزارًا كما اعتادوا أن يفعلوا، وارتآها متاجرة، قائلًا: كل من يصنع هذا، هو يتاجر بأجساد القديسين(سيرة الأنبا باخوميوس، النص القبطي الجنوبي)   أما القديس أثناسيوس الرسولي (٢٩٦م - ٣٧٣م) فتعرض لهذه العادات عام ٣٦٩م في الرسالة الفصحية ٤١، ودي مفندة الموضوع جملة وتفصيلًا ومسمياه "ازدراء بالقديسين" - "إهانة أجساد القديسين"، ويشرح أثناسيوس ألا أصل مسيحي لها ثم يتساءل: من يشاهدها "دون أن يرتعد": تجرؤوا هم أيضًا أن يقاوموا الرب، ويزدروا بالقديسين الذين رقدوا في اسمه... لأن أجساد الشهداء الذين جاهدوا حسنًا لم يدفنوها في الأرض، بل يشرعون في وضعها في توابيت، وعلى مَحَفّات خشبية، لكى يراها من يريد. وهم يفعلون هذا بشكل كما لو أنه من أجل كرامة الشهداء، لكن الأمر -في الحقيقة- هو ازدراء... لم يسلمنا آباؤنا هذا... في الزمن القديم قرر الله على آدم بحكمٍ قائلًا: أنت تراب، وإلى التراب تعود وسَرَت هذه الكلمة على الجميع، سَرَت على كل واحد في آدم، وكل الذين يموتون في كل مكان يدفنون... المكان الخارجي سيشهد عن جسد الرب أنه وُضِع في قبرٍ، وأيضًا أن القبور تفتّحت وقام كثير من أجساد القديسين... من سيرغب في أن يقابلهموهم يهينون أجساد القديسين مثل الأنبياء الكذبة؟! من شاهد أجساد الشهداء والأنبياء مطروحة ومكشوفة دون أن يرتعد؟! هذا ليس من شِيّم المسيحيين. لم يُسلّمنا بولس هذا، لم يفعل البطاركة ولا الأنبياء هذا في أيّ زمن (القديس أثناسيوس الرسولي، الرسالة الفصحية رقم ٤١)   الوضع اختلف بداية من القرن الخامس في عصر كيرلس عمود الدين (٣٧٦م - ٤٤٤م)، إذ إن صداماته مع كل ما هو غير مسيحي، جعل بعض المسيحيين ينتقدون هذا عبر المشاركة في احتفالات الآلهة المصرية "إيزيس" كنوع من التقارب الاجتماعي للدلالة على إمكانية التعايش السلمي... وهنا فكر "عمود الدين" في استخدام العادات المصرية واستغلالها بدلا من التصادم معها، فقام ببناء مزار مسيحي في نفس مكان احتفالات المصريين بالآلهة إيزيس، ووضع في هذا المزار جسدي القديسين أباكير ويوحنا عام ٤٢٩م وبعدها، دعم الأنبا شنودة رئيس المتوحدين (٣٤٨م - ٤٦٦م) هذا التوجه الجديد للكنيسة، فنجده في عظاته يشجع على زيارة المزارات والصلاة فيها ربوات ربوات كما الكنائس! المزارات كانت مربحة جدا ماديًا، فده شجع المحتالين على الدخول في هذه التجارة، فبنوا مزارات وهمية بدفن عظام مجهولة المصدر لتحقيق مكاسب مادية من الإقبال الجماهيري على المزارات... وهنلاقي عظات "رئيس المتوحدين" بتحذر من مثل هؤلاء المحتالين: يقول البعض: قد ظهر لنا شهداء وقالوا لي أن عظامنا مخبأة في مكان ما. ولما وصلنا إليهم وأمسكناهم في ضلالهم وجدناها عظام كلاب (الأرشمندريت الأنبا شنودة، رئيس المتوحدين) الغبي يصدق كل كلمة، ويؤمن أيضا بكل الأشياء على الإطلاق (الأرشمندريت الأنبا شنودة، رئيس المتوحدين)   بحلول القرن السابع كانت مصر ممتلئة بعدد هائل من المزارات، كل اللي ميت له ميت بيعمل له مزار ومن ساعتها وإحنا على الحال ده. . فعليا الكنيسة دخلت واستغلت ده وأسست نفسها على الاستشهاد من سنين السنين، وده بيعجب المصريين من سبعتلاف سنة! ومن الارتباط ده بدأت كنائس غير مصرية في تقليده. . يعني بدل ما المسيحية تأثر على عادات المصريين، عادات المصريين هي اللي أثرت على المسيحية وصدرتها للعالم كله. في العصر الراهن إحنا عندنا مواقف متقدمة جدا ولا يمكن احتمالها من الإتجار بالموتى، ذلك الإتجار المصبوغ بالقداسة. . في أماكن كتير قائمة على عرض جثث أو أجزاء منها أمام العامة، والأمر متخطي صراع مغاغة مع دير الجرنوس على أجساد الضحايا في حادثة دير الأنبا صموئيل الأولى، أو زفة سيدهم بشاي بدمياط، أو رأس شهيد مجهول بأديرة أخميم، أو بيان مطرانية مغاغة لسرقة جثمان قس، وتخطى مسألة المزارات وتأليف قصص للكرامات على وسائل التواصل الاجتماعي، ووصل لتجارة بشكل انتهازي فاضح. . مثلا من سنتين وفي صلبان خشبية متعاصة دم، بيتباع الواحد على إنه مصنوع من خشب الدكك المحطمة نتيجة تفجير الكنيسة البطرسية. . والناس بتشتريها بـ ٢٠٠ وبـ ٣٥٠ جنيه! ومحدش يعرف إن كان ده خشب قفص فراخ، ولا ده دم خرفان! في أصوات طالبت الكنيسة تشوف حل في المتاجرة بمشاعر الناس البسيطة، وللأسف مشفناش ولا أسقف عمل حتى عظة! ! بل هناك عظات لكهنة يشكرون الإرهابي لإرساله ضحاياه للسماء. . وأم (ابنها اتقتل! ) فتزغرد وتنبسط بشكل مش سوي نفسيًا، ولا تعرف دي رحمة من ربنا بيها، ولا تعرف تقولها "غلط" وهي موجوعة. . أي دين دخل مصر وأعتنقه المصريين، مكنش قدامه فرص كتير للصدام مع الموروث المصري المترسخ في الوجدان. . أحيانا المؤسسات الدينية بتتصالح مع ده كعادات اجتماعية. . أحيان تاني بتستغله لصالحها بشكل مادي. . وفي أحيان قليلة بتستغله بشكل سياسي لتجاوز الاحتقان بعد المحن الطائفية. . المرفقات مهمة، وفيها مصادر ومعلومات أكثر تفصيلًا. . --- ### لماذا سبعة أيام؟ ولماذا يستريح؟ - Published: ۲۰۲۱-۰۷-۲۱ - Modified: 2023-10-10 - URL: https://tabcm.net/1867/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: يوسيفوس فلاڤيوس في الحلقة السابقة، ناقشنا المعنى الحقيقي وراء تكوين 1، ورأينا كيف أن النص هو جزء من المقدمة التي تقودنا لابراهيم، أبو اليهود. وكيف أن الهدف الأساسي هو مناقشة خلق العالم لكن بهدف نزع سمة الأسطورية عن الآلهة الوثنية المزيفة آنذاك ونزعها عن عروشها. أيضا تحدثنا عن معنى الخمسة أيام الأولى في تكوين 1. في هذه الحلقة، سنناقش أخر يومين من الإصحاح الأول وسنناقش في عجالة سبب تقسيم أيام الخليقة على سبعة أيام. خلق الإنسان في اليوم السادس في اليوم السادس، خلق الله الدواب والبشر. يؤكد النص على مكانة البشرية الخاصة، البشر مخلوقين على صورة الله. فالإنسانية لها وضع خاص. الإنسانية هي تاج الخليقة. لكن ما معنى ذلك؟ حين نقرأ الكتاب المقدس، غالبًا ما يكون هناك معنيين للنص: المعنى الحرفي، والمعنى الباطني. المعنى الباطني هنا هو القدرة العقلية أو الفكر—العقل. يتماشى مع ذلك المعنى التاريخي الذي يمكن اكتشافه فقط حين يُقرأ الكتاب المقدس في السياق التالي: في مفهوم الأمم القديمة، صورة أو تمثال الإله كانت تكتسب نوع من القوة الإلهية من الإله الذي تمثله. لذا، كان يقوم الإله بدوره من خلال الصورة الخاصة به، بالإضافة إلى ذلك، لعبت هذه الصورة دورًا هامًا في جعل الإله حاضرًا بينهم. في مفهومهم، كان الإله الوثني حاضرًا من خلال التمثال الخاص به. في هذا الضوء، يمكننا فهم كيف أن الله يأمر بهدم الأوثان والأصنام في إسرائيل في العهد القديم، وكيف أصر الملوك على بناء تماثيل تحمل صورتهم، حيث أنهم اعتُبروا صور آلهة أو صورًا للآلهة. لذا فمن المنطقي أن تؤكد أول وصيتين من الوصايا العشر على ملوكية وعظمة الله المطلقة ومنع صنع المنحوتات. بناء على هذه المعلومات، يمكننا أن نفهم المعنى الحرفي التاريخي لمعنى أن الإنسانية على صورة الله. مرة أخرى، ادعى البعض أن تماثيل وصور الآلهة الوثنية تجعل حضور الآلهة ملموسًا، لكن الإله الحقيقي يخلق الإنسانية ويضعها على صورة ابنه وروحه القدوس، فالله حاضر على الأرض من خلالهم ويشارك البشرية صفاته الإلهية. ويتجلى هذا في تسمية أدم للحيوانات في تكوين 2. فكما سمى الله الأشياء محضرًا إياها إلى الوجود وبهذا أعلن سلطانه، يعطي الله نفس السلطان لأدم. وعلى عكس الآلهة الوثنية الميتة ذات الصور الميتة التي تمثلهم، فالله يتخذ من الإنسان الحي ما يمثله. لهذا، فعلى عكس القصص الأسطورية الوثنية، قصة التكوين تعطي دورًا غاية في الأهمية للإنسانية. فبدلًا من أن يكون البشر عبيد الآلهة الوثنية التي خُلقت لإطعامهم وحفظ معابدهم، يعطي الله الإنسان سلطان على كل شيء. فدور الإنسان الحقيقي هو أن يتمتع بسلطان الله، وهذا السلطان هو صفة إلهية يشاركنا إياها لنحب ونتسلط بعدل على الأرض. هذا الهدف الرئيسي يتحقق باستمرارية ملاقاتنا لله، وبالتالي بالاحتفاظ بصورته كما سنرى فيما بعد. التقسيم على سبعة أيام قبل الانتقال لليوم السابع، لابد أن نفهم تقسيم تكوين 1. لماذا خلق العالم على مدار سبعة أيام؟ كما رأينا، العالم آنذاك كان متعدد الآلهة. هذا الإيمان بآلهة كثيرة كان هو الطبيعي في ذلك الوقت. وهذه الآلهة المزيفة كانت تحيط بها قصص كثيرة تخص خلق معابدهم المختلفة. فمثلًا، في الأسطورة الأوغاريتية، يبني الإله "بعل" معبده على مدار سبعة أيام، وفي احتفال أتباعه بالعام الجديد تبدأ زفة احتفالية تتم على مدار سبعة أيام. كذلك في الكتابات السومرية، كان تكريس المعبد يأخذ سبعة أيام. وكذلك، تكريس الإسرائيليين لهيكل سليمان استمر سبعة أيام (ثم أضيف إلى ذلك سبعة أيام أخر). لا تنسى أن من عاشوا آنذاك كان لهم سياق حضاري مشترك. فالمسألة ليست بحث عمن كتب أولًا أو من نقل مِن مَن. آلية التفكير هذه لا تصيب الهدف. البشر عاشوا حياتهم وهذه الحياة كان السياق الحضاري جزء منها ثم كتبوا بعض التفاصيل عن هذه الحياة. فينبغي أن نتوقع أن الأمم الذين عاشوا حياة مشتركة يكون لهم سياق حضاري مشترك. وهذا أمر طبيعي. لكن الرسالة هنا هي أنه حتى مع هذا السياق الحضاري المشترك، إلا أن الكتاب المقدس، الموحى به من الروح القدس، ينزع الآلهة الوثنية عن عروشها. فإله إسرائيل هو الإله الوحيد الحقيقي. بشكل أخر، يمكننا أن نقول إن الكتاب المقدس استخدم السياق المعروف للقارئ القديم ليقوده نحو الإعلان الجديد عن إله إسرائيل الواحد الحقيقي. لقد قارننا بين خلق الله للعالم وقصص تأسيس المعابد. الرسالة الهامة هنا هي أن العالم هو هيكل الله. خلق الكون في سبع خطوات، خطوة كل يوم. لاحظ أن تأسيس خيمة الاجتماع في أيام موسى في خروج 40: 19-32، تم على مدار سبع خطوات انتهت كل خطوة بقول الرب: "هكذا أمر الرب موسى". كل الآلهة الوثنية الأخرى كان لها معبد صغير يخصها تسكن فيه. لكن الله القدير لا يسكن في أي معبد أو هيكل. لكنه يسكن في العالم كله. بشكل أخر، حضور الله الموجود في الهيكل اليهودي لابد أن ينتشر ليملأ العالم كله. العالم كله ينبغي أن يمتلئ بالحضور الإلهي. لذا قال يوسيفوس: "كل شيء في هذا الهيكل جُعل ليذكرنا بالكون ويمثله، والقارئ سيجده، ولكن إذا بحث دون تحيز وبفهم" (المؤرخ اليهودي يوسيفوس) فالهيكل اليهودي كان أيقونة للعالم كله. ما يحدث في الهيكل ينبغي أن يمتد للعالم كله. بطريقة مشابهة، سقطت أصنام أرض مصر في حضور ربنا يسوع المسيح في مصر، فدنس الآلهة الوثنية ينبغي أن ينتهي من الوجود والقداسة ينبغي أن تتزايد في العالم خلال البشرية. راحة الله أم راحة الإنسان؟ ننتقل الآن لليوم السابع. يشير النص إلى أن الله قد أنهى خلق السماوات والأرض. ثم يستريح الله ويبارك ويقدس اليوم السابع. في المفهوم القديم، راحة الآلهة الوثنية تكمن في إنهاء بناء المعبد. في العديد من القصص الوثنية، هذه الراحة تحدث بعد سبعة أيام من العمل. فهذه الآلهة المزيفة يحتاجوا لقسط من الراحة في هيكلهم بعد زعمهم أنهم خلقوا شيئًا ما. لكن من الواضح أن إله إسرائيل لا يحتاج للراحة . لكن هناك شيء أخر ينبغي أن نفهمه هنا. كما نعرف، اليوم السابع مرتبط بالسبت أو "الشابات" اليهودي.  في خروج 20، يقول: "اذكر السبت لتقدسه. ستة أيام تعمل كل عملك، أما اليوم السابع هو سبت للرب إلهك. فيه عملًا ما لا تعمل" لذا، كان هدف السبت اليهودي هو ملاقاة الله في هيكله لنجد نحن راحة فيه. الإنسانية منوطة بالتسلط على العالم مثل الله لأن الإنسانية مخلوقة على صورته وأعطيت روحه القدوس. وبهذه الصورة، ينبغي أن نجد راحتنا وقداستنا في هيكل الله من خلال ملاقاتنا معه. كانت هذه هي دعوة إسرائيل، وتظل هذه الدعوة لنا في الليتورجيا المسيحية التي فيها نلاقي الله في الإفخارستيا عاكسين نوره للخليقة. فالرسالة الرئيسية لأول خمس أيام الخليقة هو التعرف على من هو الله. اليوم السادس يختص بمعرفة من هو الإنسان. لكن، في اليوم السابع، تظهر الإجابة على سؤال "لماذا". لماذا خلق الله البشر؟ خلق البشر ليلاقوه ويجدوا الراحة فيه. وهو يتمتع أو يجد راحته في خليقته. في باقي الكتاب المقدس، يقود الروح القدس كتّاب الأسفار لوضع تفاصيل الملاقاة بين الله والإنسان. هذه المقالة ترجمة لحلقة من سلسلة عن الكتاب المقدس والعلم من تحضير وإلقاء كاهن قبطي أرثوذكسي بشمال أمريكا طلب عدم ذكر اسمه إلا أنه سمح بنشر هذه الترجمات بمعرفتي. --- ### وسط البلد وبيت لحم - Published: ۲۰۲۱-۰۷-۲۰ - Modified: 2023-09-08 - URL: https://tabcm.net/2177/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, شئون علمانية - وسوم: أنبا إبيفانيوس المقاري, أنبا بيشوي، مطران دمياط وكفر الشيخ, أنبا رفائيل، أسقف وسط القاهرة, سنكسار, هابيل, وائل سعد هل سُئل أطفال بيت لحم عن إيمانهم بالمسيح؟ هل قُتِلَ أطفال بيت لحم لتمسكهم بإيمانهم؟! إن كان هذا رأي الكنيسة فلماذا أدرجت الكنيسة أطفال بيت لحم في قائمة شهدائها الذين تحتفل باستشهادهم؟ وماذا عن الـ49 شيخا شهداء برية شهيت، أو الأنبا موسى الأسود وغيره من شهداء هجمات البربر والتي كانت هجمات قطاع طرق ولصوص وليست امتحان إيمان أو عقيدة بالمفهوم الذي تروج له؟! وَسَط البلد ليست فقط اسمًا لمكان عريق ولكن مؤخرًا اتضح إنها أسلوب حياة ومنهج تصريحات مرتبط تمام الارتباط بأسقفها. فإن كنت من متابعي الأنبا رفائيل وخلعت عن عينيك نظارة تبعية القطيع بلا تفكير، ستدرك حقًا معنى إمساك العصا من المنتصف حد الانفصام التام. نيافة الأسقف العام تخصص تصريحات مائعة لا لون لها ولا موقف واضح. وإن صادفت في متابعتك له رأيًا واضحًا في قضية ما؛ فثق تمام الثقة أنه صرح تصريحًا معاكسًا له في نفس القضية في لقاء آخر مختلف. فهؤلاء الذين ينتقدهم ويتهمهم بالضلال مثلًا هم نفس الأشخاص الذين كان حريصًا على متابعتهم وتشجيعهم والتعلم منهم أيضًا. هذا الرأي اللاهوتي الذي يتخذه يمينًا اتخذ نقيضه في موضع آخر. السياق الوحيد الذي كان لأسقف وَسَط البلد رأيًا خاصًا ليس وسطًا أو مزدوجًا؛ فقط عندما تحدث عن الأنبا إبيفانيوس مؤكدًا أنه ليس شهيدًا. نفس الأسقف عند سؤاله عن إعدام المشلوح "وائل سعد" قاتل إبيفانيوس صرح قائلًا أن الحقيقة لا يعلمها إلا الله (حتى تمادى إلى قول يا بخته). ما هذا الإيمان العظيم بمحدودية علم نيافته وعدم تدخله في أحكام الله؛ أين يذهب هذا الإيمان عندما يتحدث عن أخيه الأسقف المغدور؟! أم أن الله ظهر لأنبا رفائيل وأعلمه يقينًا أن إبيفانيوس ليس شهيدًا كما خرفت بعض الصفحات اﻷصولية على الإنترنت؟! ألهذه الدرجة رؤية الأنبا رفائيل لأخيه إبيفانيوس - التي أتساءل عن ماهيتها وقوتها داخل نفسه - تجعله يتخلى عن وسطية تصريحاته المائعة أو المزدوجة المتناقضة إلى تصريح قاطع اليقينية بأنه ليس شهيدًا؟! ليس هذا فقط؛ بل عند مراجعته في تصريحه أكد رأيه - الذي أشار إلى أنه رأي الكنيسة - معللًا قوله بأن الشهيد فقط هو من يُسأل عن إيمانه، فيتمسك بمسيحيته، فيقتل لهذا السبب! حقًا! ! إذن أخبرني يا نيافة الأسقف العام؛ لماذا تحتفل الكنيسة كل عام في السنكسار باستشهاد أطفال بيت لحم؟ هل سُئل أطفال بيت لحم عن إيمانهم بالمسيح؟ هل قُتِلَ أطفال بيت لحم لتمسكهم بإيمانهم؟! إن كان هذا رأي الكنيسة فلماذا أدرجت الكنيسة أطفال بيت لحم في قائمة شهدائها الذين تحتفل باستشهادهم؟ وماذا عن الـ49 شيخا شهداء برية شهيت، أو الأنبا موسى الأسود وغيره من شهداء هجمات البربر والتي كانت هجمات قطاع طرق ولصوص وليست امتحان إيمان أو عقيدة بالمفهوم الذي تروج له؟! وما هو ردك على الأنبا بيشوي مطران دمياط المتنيح الذي اعتبر هابيل شهيدًا؛ ملقبًا إياه بأول شهيد للحق؟! السؤال الأهم؛ ماذا بينك وبين أخيك يا أسقفنا، جعلك بدلًا من أن تبكي دم أخيك الصارخ من الأرض لإله السماء فتخرج لنا بهذه التصريحات الجافة الغير كنسية الممتلئة سوادًا حتى وإن ألبستها ثوب الفضيلة واللاهوت؟! تضايقت وامتعضت لأن بعض مواقع الإخوان -حسب تعبيرك- أشارت إليك كمشارك في قتل إبيفانيوس؛ فخرجت علينا بتلك التصريحات التي بدلًا من أن تغسل يدك من دم البار قمت بتلطيخهما بدمه بفجاجه قاتلًا إياه ألف مرة ليشترك الأخ مع الابن في قتل الشهيد بلا هوادة. تعليمك يا سيدنا الأسقف تعليم وَسَط البلد، لكنه ليس تعليم الكنيسة ولا تعليم المسيح. --- ### اللاطائفية أصل جوهر إلهي - Published: ۲۰۲۱-۰۷-۱۹ - Modified: 2023-08-11 - URL: https://tabcm.net/2320/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, لاهوتيات - وسوم: الأب متى المسكين, قديس إيرينيئوس، أسقف ليون, يوسابيوس بامفيلوس القيصري على مدار سنين، لا أعلم ما هو عددها، اشتد الجدال حول الطوائف المسيحية حتى اضطرم واشتعل ونتج عنه ما نتج من معارك صبيانية، بل وأدى إلى الحروب والتكفير في بعض الأحيان. ومع الأسف الشديد، تظن كل طائفة أنها الطائفة الناجية أو سعيدة الحظ التي أنعم الله عليها بالمعرفة دون غيرها؛ فهم جهابذة اللاهوت وحدهم، لا يكترثون للجهال ممن لم يحالفهم الحظ أو اشتد بهم الكبرياء فلم ينضموا إليهم. وبحكم أني استمع إلى جميع الأطراف،  قد استمعت إلى ما لا يسر أذن هنا وهناك. فالبروتستانت يتعاملون مع الأرثوذكس على أنهم جوقة من عبدة الأصنام الجاهليين، والأرثوذكس يلقبون البروتستانت بالمهرطقين، المحتجين، الذين لا تناول عندهم ولا صيام. أنا لا أهدف بمقالي هذا أن ألعب دور حمامة السلام لأن الصراعات تشوه المنظر العام للمسيحين أمام الآخرين، صحيح أن هذا حق، لكن ما يدفعني إلى الدفاع عن اللاطائفية هو أنها وصية إلهية، وتعبير حقيقي عن أصل جوهر الله، كما وصفها الأب متى المسكين. يا عزيزي كلنا منشقون تظن كل كنيسة أنها هي وحدها الكنيسة الأولى، وأن البقية جماعة مارقة. لكن الكنيسة الأولى هي في الحقيقة أشبه بقاعة واسعة من الحضور، يغادرها فرد من أفرادها في كل حقبة زمنية. ففي عام 451، انعقد مجمع خلقيدونية، لتنشق كنيسة الإسكندرية عن الكنيسة الأم، لتلقب نفسها بالأرثوذكسية؛ فقبل هذا المجمع، كانت الكنائس تسمى حسب مكان تواجدها (كنيسة الإسكندرية، وروما، وبيزنطة، إلى آخره) وكل هذه الكنائس كانت عبارة عن كيان واحد. فالأرثوذكسي هو منشق ومحتج مثله مثل البروتستانتي المنشق في القرن ال16، لكن للأسف حين نقوم نحن بالتمرد، نعده ثورةً للأفضل وحرصًا على العقيدة، ولكن إذا تمرد الآخر، يصبح التمرد سُبة. فنحن نثور لنهدم ما نراه فسادًا، لكن الآخر يثور لأنه متعجرف. فللأسف، يجهل كثير من البروتستانت بكتابات آباء القبط، كما يجهل الأرثوذكس بكتابات عظماء الطائفة البروتستانتية – مثل سي إس لويس- كأنما تلك الكتابات زوائد ليست لهم، فكلٌ قابع داخل قوقعته التي انكمش عليها وانطوى. والاكتفاء الذاتي، والجهل بالآخر ليس علامة على الإيمان بل على الخواء العقلي، والتعصب القبلي، وهو صفة بدائية مع الأسف! فبولس حين تحدث عن خلاف المؤمنين حول ما ذبح للأوثان قال لهم: "فَنَعْلَمُ أَنّ لِجَمِيعِنَا عِلْمًا"(1 كورنثوس 8: 1) لذلك، أدعوك أن تخرج من حصن كبريائك لتكتشف ما عند الآخر من تراث وإعلان إلهي. إن قبلنا البروتستانت، سنقبل شهود يهوه، وربما عبدة الشيطان هكذا يعلل البعض سبب رفضهم للوحدة، بأنهم إذا تساهلوا مع اختلافات البروتستانت، سينزلون في منحدر زلق ليقبلوا كل ما هو فاسد وشرير. وهذا التعليل -وبالأخص تشبيه البروتستانت بشهود يهوه- لا ينم إلا عن جهل من يطرحه. فالقائل هنا لا يعرف الفرق الواضح بين شهود يهوه والبروتستانت! شهود يهوه، عزيزي القارئ، لا يؤمنون بالمسيح إلهًا، ففي اعتقادهم أن المسيح هو فقط أرقى من الملائكة بعض الشيء، وبالتالي هم ليسوا اخوة لنا في الإيمان من الأساس. وحسب قواعد المنطق، يعد هذا التشبيه مغالطة منطقية تسمى بمغالطة التشبيه الخاطئ – أي أن تعقد مقارنة بين أشياء لا تمت بصلة بعضها البعض. لذلك، كف عن ترديد هذه الحجة السخيفة؛ فقط لأنها ليست جيدة في حقك. وبهذا ننتقل إلى نقطة شديدة الأهمية، وهي كيف كان رأي الآباء الأوائل في قبول المختلفين. متى نقبل المختلف، ومتى نرفضه؟ بالرجوع إلى ما قاله لنا آباء القرون الأولى، نجد أنهم لم يتركوا نقطة الوحدة والخلاف، على عكس ما نظن. فأنت تعلم أن الكنيسة الأولى شهدت قدرًا لا بأس به من الهرطقات التي شددت خطرًا على جوهر الإيمان، وشهدت أيضًا خلافات لاهوتية ليست من الخطورة في أن تصنف كهرطقة. ولذلك، تحير المؤمنون، كيف يفرقون بين الخلاف الطبيعي وبين الهرطقة؟ ويجيب القديس إيريناوس في الفترة ما بين ١٥٠ -٢١٠م، في كتابه ضد الهرطقات أن قانون الإيمان المسيحي الذي تم الاصطلاح عليه هو: "قاعدة الإيمان" التي يُحكم من خلالها (ضد الهرطقات ١ :١،١٠ :٢، مجلد ٧ :٥٤٩).  وكان إيريناوس دائمًا ما يكرر هذه العبارة، التي استمر الآباء فيما بعد في ترديدها. فمثلًا، نجد القديس يوسابيوس يقول: "لقد تركوا قاعدة الإيمان القديم، ولذلك هم لا يعرفون المسيح"(يوسابيوس القيصري ٥: ٢٨) والقديس هيبوليتوس يقول: "لقد كتبنا كتباً دفاعية عن الإيمان، وبكفاية وبكل إسهاب شرحنا قاعدة الحق لكل من يرغب. "(Eleneshos 10:5:1) أي أن جميع الكتب التي كتبوها دفاعًا عن الهرطقات قد لخصها قانون الإيمان في إسهاب. ويمكنك أن تجد العديد من الاقتباسات الأخرى في هذا الصدد إذا بحثت. وكما نعلم أن الطوائف الثلاثة: الأرثوذكسية، والبروتستانتية، والكاثوليكية، تؤمن بقانون الإيمان كما هو، كما تشترك في أشياء أخرى كثيرة دون ذلك. ففكرة رأب الصدع ليست منافية للحق الإلهي؛ فبحسب رؤية آباء القرون الأولى، لا تعد الخلافات جوهرية أو في أصل العقيدة إلا إذا تعارضت مع قانون الإيمان، فالخلافات هنا تفسيرية فقط. الخلاف حول الإفخارستيا يعد خلاف الطوائف حول الإفخارستيا واحدًا من أهم الخلافات التفسيرية الشائعة؛ فسر الإفخارستيا حاضر في جميع الطوائف لكن الخلاف يدور فقط حول تفسيره؛ فكما نعلم أن الكنيسة الكاثوليكية تؤمن بالتحول الجوهري (أي تحول مادة القربان والخمر إلى جسد بيولوجي حقيقي للمسيح، من لحم ودم- مما يعني أنك إذا وضعت القربان تحت الميكروسكوب، سيظهر لك لحم إنسان حقيقي به خلايا حقيقية). وتؤمن الكنيسة الأرثوذكسية بتحول سرائري (أي أن القربان والخمر يتحولان بطريقة غير منظورة، سرية لجسد ودم حقيقي mystical). وتؤمن الكنيسة البروتستانتية بوجود جسد حقيقي ودم حقيقي ليسوع بقوة الروح القدس، ويطلقون عليها الوحدة السرية أو الرمزية في أشكال الخبز والخمر ، كما يوضح الموقع الرسمي للكنيسة البروتستانتية هنا - وهي أقرب إلى العقيدة الأرثوذكسية منها إلى الكاثوليكية.  ويمكننا أن نستثني فقط الكنيسة المعمدانية؛ حيث يؤمن المعمدانيون أن التناول هو نصب تذكاري للفداء، وستجد ذلك في موقعهم الرسمي هنا. كما يؤمن المعمدانيون أن التناول هو فريضة ينبغي أن يستمر عليها المؤمن طيلة حياته، وهي فريضة مقدسة لا ينبغي أن يشترك فيها غير المؤمن، كما يؤمنون كذلك باستحالة تناول يهوذا من الخبز والخمر، وبأنه غادر العلية قبل إتمام العشاء لقدسية هذا السر الذي يستحيل أن يتناول منه الخطأة! (المصدر: عقيدة المعمدانيين ورسالتهم لهيرشل هوبس ص68). وفي محاولة لتقريب وجهات النظر، يقول الأب فرانسوا فاريون اليسوعي إن المحاولة لفهم حضور الله بشكل كامل ومطلق أمر مستحيل؛ حيث لا يمكن للمحدود أن يحد غير المحدود، ويقول: " لا خلاف بين العلامة أو الرمز والحقيقة. فاطرحوا سؤالين على أحد الأولاد: ما هي المصافحة" لن يجيبكم أنها استهلاك طاقة عضلية سببه ضغط الكفين الواحد على الآخر. بل يجيبكم: أنها علامة تدل على الوفاق، والرفقة، والصداقة. فحقيقة المصافحة تكمن في أن تكون علامة. فالعلامة ليست شيئًا خارجًا عن الحقيقة، بل هي الحقيقة نفسها بأعمق ما فيها. فالقول بأن الإفخارستيا هي سر مثالي وعلامة فعالة، لا يعني على الإطلاق أنها خارج الحقيقة بل أنها أعمق الحقائق"(فرح الإيمان، بهجة الحياة، ص302) فلا عيب أبدًا في أن نقول إن الصواب في تفسيرين معًا أو أكثر! فهل سنجد يومًا ما اجتماعات متعددة الطوائف، منعقدة بشكل دوري، يتناول فيها المؤمنون معًا، كلٌ على حسب إيمانه؟ لكن البروتستانت ليس عندهم كهنوت، فكل صلواتهم مجرد هيجان على السطح هل تعتقد يا عزيزي أن الله سيرفض جماعة ما لأنهم لم يرغبوا في الصدارة لأنفسم وقرروا التنازل عنها للمسيح؟ فهل إيمانهم بأن الصدارة للمسيح وحده، أو أن جميع المؤمنين كهنة فيه ما يغضب الله في شيء؟ فأنا أفهم أن الله يغضب إذا سلبت جماعة ما المجد والكرامة منه، لكن التنازل لا يعيب في شيء. عقيدة البروتستانت بالنسبة للكهنوت تؤمن الطائفة البروتستانتية أن رغبة الله الأصلية لشعب إسرائيل كانت أن يكونوا "مَمْلَكَةَ كَهَنَةٍ وَأُمّةً مُقَدّسَةً. "(سفر الخروج 19: 6) لكن الشعب أبى أن يصعد إلى الجبل، ولم يحقق قصد الله؛ فخصص الله الكهنوت لسبط لاوي فقط. ونلاحظ أن المسيح نفسه لم يأتِ من سبط لاوي بل من سبط يهوذا؛ فلاوي لم يتميز عن يهوذا في شيء. لذلك، يؤمن البروتستانت أن كنيسة العهد الجديد عليها أن تحقق رغبة الله الأولى، وتكون أمة كهنة، لتهتف له: "الذي أحبنا وقد غسلنا من خطايانا بدمه، وجعلنا ملوكاً وكهنة لله أبيه"(سفر الرؤيا 1: 5، 6) الكاثوليك يؤمنون بصكوك الغفران، والمطهر، وعصمة البابا، وغيرها من الخرافات يعتقد بعض البروتستانت والأرثوذكس أن الكنيسة الكاثوليكية لا زالت تعيش في العصور الوسطى، في غياهب الظلمات. لكن الحقيقة هي أن الكنيسة الكاثوليكية سعت مسعىً إصلاحيًا شاملًا، ورسمت لنفسها صورة جديدة تختلف كل الاختلاف عما سبق، بل وقدمت اعتذارًا للشعب، ويمكنك أن تلقي نظرة على الكتابات المعاصرة، وترى التغيير الجذري بنفسك. فالكاثوليك يمكنهم الآن انتقاد البابا البطريرك باعتباره إنساناً له ما له وعليه ما عليه. الجهل الثقافي من الظلم الشديد، بل ومن العنصرية أيضًا أن تحكم على إيمان الآخر وفقًا لثقافته الاجتماعية. فمثلًا، يقول بعض الأرثوذكس إن البروتستانت يرتكبون ما حرم الله من رقص وفرح داخل اجتماعات الصلاة، مما يدل على استهانتهم بالحضور الإلهي. أنا لا أريد أن أسرد لك قائمة بالنصوص الكتابية التي تحث على الرقص والابتهاج، لأن المتعصب يأبه فقط لما يروق له من نصوص. لكن اسمح لي أن استفزك قليلًا بهذا المقطع لكنيسة أرثوذكسية في زامبيا، يوضح كيف يرقص الأب الكاهن أمام المذبح بحضور الأسقف. وهناك مقاطع أخرى في كينيا، والعديد من الدول الأفريقية؛ فهذه ثقافة يا عزيزي، ليس إلا. الكنائس الكاثوليكية أخذت من بيئتها الألحان الأوبرالية، وتأثرت ببيتهوفن وموزارت. وأخذت الكنيسة الأرثوذكسية الطابع الشرقي، واقتبست من الألحان المصرية القديمة؛ لذلك يغلب عليها طابع السكون والهيبة الفرعونية. وللعلم، هناك كنائس بروتستانتية في مصر تحرم الموسيقى تمامًا؛ لأنها تأثرت بالثقافة الرجعية المتخلفة التي تحيط بها. والرقص هو علامة جسدية، ولا يعد تعبيرًا خليعًا في كثير من الثقافات. فمثلًا وضع ساق على ساق يعد في ثقافتنا علامة على عدم الاحترام، أما في الغرب لا يعتبر مرادفًا لذلك على الإطلاق. فهو مجرد وضع للجلوس، ويمكن للمرء أن يجلس بهذه الطريقة أمام أبيه ومعلمه، وهناك أمثلة أخرى كثيرة، لا مجال للدخول فيها. ورقص الأب الكاهن هنا ليس خليعًا على الإطلاق. الوحدة والثالوث ربما تسأل الآن، ما فائدة كل هذا الصداع؟ وما أهمية الوحدة؟ نعم، أفهم أن الفروق يمكن تقبلها، لكنني أريد أن أنحصر داخل أسوار كنيستي. ما العيب في أن أظن أني الأفضل أو الأول؟ وأيضًا كل طوائف العالم تتعارك، هل سمعنا يومًا عن الوحدة بين السُنة والشيعة؟ فلماذا يجب أن نختلف نحن كمسيحيين عن البقية؟ المختلف، عزيزي القارئ، هو أن الوحدة هي دعوة المسيح لنا، فقبل الصلب، صلى المسيح طالبًا الوحدة -وحدة كل من يؤمنوا به- ففي علمه بما سيحدث في المستقبل من انشقاقات، رفع قلبه قائلًا: "لِيَكُونَ الْجَمِيعُ وَاحِدًا، كَمَا أَنّكَ أَنْتَ أَيّهَا الآبُ فِيَّ وَأَنَا فِيكَ، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا وَاحِدًا فِينَا، لِيُؤْمِنَ الْعَالَمُ أَنّكَ أَرْسَلْتَنِي. "(الإنجيل بحسب يوحنا 17: 21) ووضع الوحدة عاملًا لتصديق العالم له. فقد صلى لجميع المؤمنين من جميع الأمم، ولكل العصور  قبل مغادرته للعالم. فبدون الوحدة القائمة رغم الاختلاف، تبدو المسيحية كأي ديانة أخرى بها من الصراعات ما بها. فالوحدة هي علامة المحبة الأبدية، والرباط الإلهي الذي يستحيل سبر غوره. وكما أن الثالوث هو اتحاد جوهري لثلاثة أقانيم في حالة محبة دائمة، رغم اختلاف أدوارهم، يريد الله أن يتمتع المؤمنون بهذه الوحدة. لكن يا للأسف، يصرخ المتعصب في وجه المسيح قائلًا: أنت لا تكفي يا رب لأتحد مع أخي. لا يكفي أن نتفق على الإيمان بك، نريد ما هو أكثر، فالطقوس، والتفاسير، والثقافة البيئية أهم منك ومن جوهر الإيمان! --- ### التمايز في شرح العقيدة المسيحية (١) - Published: ۲۰۲۱-۰۷-۱۸ - Modified: 2022-02-04 - URL: https://tabcm.net/2318/ - تصنيفات: لاهوتيات * الله كلم الآباء (بالانبياء) بأنواع وطرق كثيرة (عب 1). فإن الإدراك الإنساني له مستويات مختلفة. ولا يمكن أن يتفق الكل على ما يدركه كل واحد على حدة، ولكن الكل يتفق على الهدف أو الغاية التي لأجلها وُضِعَت العقيدة. إن الله الذي رسم نفسه في خليقته، هو الذي طبعها على التنوع لأنه مثلث الأقانيم. فتثليث الأقانيم هو مصدر التنو: تنوع المواهب، تنوع الخليقة، وتنوع الوجود نفسه (مادي. روحي. وما نكتشفه في مستقبل الأيام). لذا فالتنوع ضرورة، وهو أساس الحرية في كيان الله و بالتالي حرية الإنسان لأن الله خلقه على صورته في الحرية. الله هو جوهر واحدٍ مساويٍ وغير منقسمٍ بين أقانيم / أشخاص ثلاثة متمايزة. هذا الجوهر الإلهي الواحد هو الغِنَي المطلق الذي منه يأتي كل غِنَي. فأقانيم الله فيها تمايز، ولذلك اختلفت الأسماء الإلهية: الآب غير الابن غير الروح القدس. وصفات جوهر الله مُعلَنة بصورة مُطلقة في الأقانيم الثلاثة. والمحبة هي أهم صفات جوهر الله. و المحبة لها غاية تسعى إليها وهي الإتحاد بالآخر. والإتحاد الحقيقي هو بين من يتمايزون. لذلك بدون التنوع لا مكان للمحبة . * إن شرح العقيدة الأرثوذكسية ، هو شرح متعدد لحقيقة واحدة وتعليم واحد، صاغه قانون الإيمان واجتهد الآباء معلمو الكنيسة في شرحه بطرق متنوعة، من أجل الإحتفاظ بالفروق الفردية وخصائص حياة كل شخص. هذا نراه في الإنجيليين الأربعة؛ كتبوا أربعة أناجيل متنوعة عن المسيح الواحد. ونجد أيضا أن الروح القدس يمنح مواهب متنوعة، مع أن الرب الواحد هو الذي يوزع هذه المواهب. * و في النهاية نقول، إن التنوع هو مصدر الوحدة، فنحن نتحد بما نختلف عليه، و هذا مجال المحبة وغايتها. وما نختلف عليه هو ما يجعل تمايز كل شخص سبباً للوحدة؛ لاننا نتحد بمن هو مختلِف عنَّا في فهم وإدراك المعاني الكامنة في النصوص المقدسة. و هكذا تتحد الكنيسة في تنوع الشرح لأنها تسمح بالحرية وبتعدد الرؤي، لكي ينمو كل إنسان حسب فهمه وحسب الهدف الذي تحدده العقيدة. * وما يلفت النظر هنا، هو إتفاق هذه الشروح المتنوعة وانسجامها مع ليتورجية (صلوات) الكنيسة. وهذا هو ما حفظ وحدتها، وأكد أن الإيمان واحد. * و بالنسبة للعقيدة المسيحية عامةً فهي واحدة من حيث أن الأرثوذكس والكاثوليك والبروتستانت يؤمنون بالتثليث والتوحيد، وبالتجسد الإلهي، وبمسيح واحد هو إبن الله الظاهر في الجسد، و بالقيامة من الأموات وحياة الدهر الآتي . . إلخ ؛ و لكن الشرح لها متعدد . * لقد شرح الغرب العقيدة المسيحية شرحاً عقلياً مؤسساً علي الفكر والفلسفة. أما الشرق الأرثوذكسي فقد ركَّز في شرحه للعقيدة المسيحية علي الممارسات الليتورجية ( الصلوات و الطقوس الكنسية : قداس. معمودية. ميرون... . ) والحياة النسكية. * ان شرح الغرب (الفكر الأوربي) للعقيدة المسيحية يعكس بالضرورة تطور الفكر الكاثوليكي في العصور الوسطى، والذي يعتبر المصدر التاريخي واللاهوتي للفكر البروتستانتي الذي جاء به عصر الإصلاح في القرن السادس عشر. * ولما كان شرح الغرب للعقيدة قائماً على الفلسفة والفكر الاجتماعي السائد آنذاك، لذلك تأثر أيضاً بالفكر السياسي؛ أما الشرق فقد فَصَل بين الفكر السياسي والإيمان المسيحي. * لذلك نجد أن شرح آباء الشرق قد روحن المصطلحات التي كانت سائدة في عصرهم، بينما لاهوت الغرب سيَّس هذه المصطلحات و فسَّرها في إطار القانون. * فبينما إهتم الشرق بالمحبة الإلهية وبالصلاح الإلهي الذي أُعِلن لنا من الآب بالابن في الروح القدس، لذلك حَفِظَ مفهوم العدل الإلهي كجزء من المحبة الإلهية، وفَهِمَ العدل الإلهي بشكل يختلف عن العدل الأرضي - عدل المحاكم والقانون؛ نجد أن الغرب حصر المحبة في إطار العدل لأن هذا يتفق مع النظام السياسي؛ فالإمبراطورية المسيحية التي أسسها شارلمان لا تقبل مجانية النعمة. * إن الكنيسة القبطية و منذ القرن العاشر ، و بسبب من الغزو العربي لمصر ( منتصف القرن السابع) إنقطعت صلتها بفكر آبائها الذين كتبوا باليونانية والقبطية وبدأ التأليف باللغة العربية. هذه الفترة تكاد تكون خلت من نتاج فكري يضمن التواصل مع تسليم الآباء ، مما سمح للفكر الكاثوليكي والبروتستانتي للتغلغل بالتدريج منذ مطلع القرن التاسع عشر مع الإرساليات . و لولا إحتماء الكنيسة القبطية بصلواتها- والتي تُعتبر في حد ذاتها أدق صِيَغ تُعبر عن الإيمان، لضاعت إلي الأبد هوية الكنيسة القبطية، و لَفَقَد اللاهوت الأرثوذكسي أعمق مُعَبّر عنه. والسُبح لله. بقلم: رءوف ادوارد. --- ### ملاحظات عن مفهوم الوحي في الكتاب المقدس - Published: ۲۰۲۱-۰۷-۱۷ - Modified: 2023-09-16 - URL: https://tabcm.net/2336/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, شئون علمانية - وسوم: آدم, بروتستانت, قديس بولس الرسول, مفهوم الوحي, يونان النبي لفظة وحي مش بالضرورة يكون معناها ديني أو حتى معنى حلو.. مش بالضرورة يكون مصدره الله يعني.. وممكن تيجي بمعنى التهامس الشرير (الوسوسة) زي ما جت في الآية القرآنية: "يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا" (اﻷنعام 112) كلمة "وحي" في اللغة العربية هي كلمة مش دينية أساسا، ومعناها الإيماء السريع بفعل الشيء دون تفصيل. . في المعاجم هتلاقيها بمعنى "الإعلام في الخفاء". . ولو أنا هابسطها هاقول إنها بتعني الإلهام. . أنا مثلا لو أوحيت لك بفكرة، فكدا أنا ألهمتك إياها. . لفظة وحي مش بالضرورة يكون معناها ديني أو حتى معنى حلو. . مش بالضرورة يكون مصدره الله يعني. . وممكن تيجي بمعنى التهامس الشرير (الوسوسة) زي ما جت في الآية القرآنية: "يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا" (اﻷنعام 112) في الترجمة العربية للكتاب المقدس، فكلمة "وحي" اللي ذكرها بولس الرسول في تيموثاوس معناها الأصلي في اليونانية "أنفاس الله" (من التنفس) يعني وكأنه بيقول إن علاقتنا بالله "حيه"، وإن كلامنا معاه (بالصلاة) وكلامه معانا (بالأنبياء) هي عمليات شهيق وزفير بنتنفس فيها من أنفاس الله ذاته. . وعلشان كدا تم ترجمتها للفظة "وحي" لكن مقصد بولس الرسول مش عن النصوص خالص، ده مقصد فلسفي أبعد وأعمق بكتير. . لو انت متبحر في الآبائيات، هتلاقيهم بيعتبروا الكلام الروحي للآباء "وحي". . هما هنا برضوا بيقصدوا "أنفاس الله" بالطريقة اللي عبر عنها بولس الرسول، ومش بيقصدوا إن كلامهم صار ضمن الكتاب المقدس أو على مكانته عندك. . في العصر الحالي بشوف معظم الناطقين بالعربية تأثروا بخواص الوحي القرآني زي التنزيل (يعني اللفظ اتصاغ من الله نفسه - مخلوق) فبقي المفهوم بتاع الوحي وكأنه بالضرورة يكون زي الوحي القرآني. . وده مش صحيح حتى في الإسلام نفسه لأن طرق الوحي متعددة، زي الرؤيا مثلا، ودي عملية فيجوال (بصرية) مش نصية من أساسه. . وبالتالي عملية تسجيلها وكتابتها على شكل نصي بتستلزم صياغة الرائي لما رآه. . الله بينير الرائي ويخليه يشوف، لكن الرائي نفسه هو اللي بيصيغ ويكتب ويشرح اللي شافه، وطبعا ده مرهون بامكانيات الرائي مش بامكانيات الله. . والرائي ده بيكون نبي حضرتك مش حد صحفي ديسك في الجرنال يعني. . فمش فاهم أنا موضوع "إن مكنش الله كاتب بنفسه إذن هناك طعن في المصداقية" ده جه منين غير كمزايدات علي المسلمين! ماهو لو هتحط الأنبياء ضمن احتمالية النصب عليك، فهما أصلا اللي بيقولولك ده من ربنا. . لو مش واثق في مصداقية الرسول هتضمن الرسالة إزاي أساسا؟ الكتاب المقدس الحالي بعهديه يحوي أنماط متعددة من الوحي، لكن الوحي التنزيلي ده أنا لا أراه غير في "الوصايا العشر" مثلا. . بخلاف دي فلا يوجد إدعاء من اليهود أو المسيحيين بأنبيائهم برسلهم إن الله كتب بنفسه ثم سلم المكتوب للبشر. . كل الباقي بالتأكيد هو صياغة النبي القائم بالكتابة، أو حتى صياغة كاتب بينقل كلام النبي لأن ممكن يكون النبي ميعرفش يكتب، أو بيكتب وضعيف في اللغة فييجي حد يصححله مفرداته ومسوداته، أو حتى شكل الكتابة نفسه يختلف زي ما أنا بكتب بالعامية، فييجي بعدي حد ويعيد صياغة المقال بالفصحى بحيث يفهمها أكتر كل الناطقين بالعربية مش اللي بيفهموا العامية المصرية بس. . أو ييجي حد ويترجم للغة مختلفة خالص لكسب مساحات أكبر من القارئين مكانوش بيتكلموا اللغة اﻷصلية. . العملية ديناميكية ومش جامدة ودائمة الحركة من عصر لعصر فتظهر اشكاليات جديدة أو تتحل اشكاليات قديمة، وكل ده طبعا غير خيارات المترجمين بين المفردات المتعددة عند الترجمة، ماهو كل ده أدوار بشرية متداخلة مع المقصد الإلهي. . أنا قريت كتب لاهوتية وفقهية كتير بتتكلم عن مسألة "عصمة الكتاب" (بالنبي بالرسول بالكاتب بالمترجم). . وكلها طبعا أوڤر جدا لأن واقعيا إنت معندكش نبي واحد ولا رسول واحد. . ده أنبياء كتار جدا في أزمنة متعددة جدا  والمحتوى الكتابي نفسه ﻻ يتحدث عن النبي كـ"سوبر مان" له قدرات خارقة عن البشر، بل كبشر مختارين، وأخطائهم وخطاياهم مذكورة جوه نفس الكتاب المقدس، وأحيانا بيكون ده مقصود علشان الناس تتعلم من خطية فلان النبي وتعرف إنك ممكن تغلط وتقوم تاني، فيتولد اﻷمل والرجاء. . قصة يونان النبي مثلا، إيه معناها لو معصاش الله وهرب من تسليم كلامه (هرب من الوحي علي فكرة) لشعب نينوى؟ القصة لو حذفنا منها "خطيئة يونان" كانت وقتها هاتبقى الله قاله حاجة بمعنى الدعوة للتوبة، وهو راح قالها للناس، فالناس وقتها هتلاقي كلامه عادي جدا ومش هتسمعه وتهزأ به فعلا زي ما هو توقّع. . إنما لما عصى الله ورفض تسليم الوحي، جاءت قصة الحوت اللي في حد ذاتها كانت معجزة خلت الناس تصدقه وتتوب. . فحتى خطايا الأنبياء ليها توظيف يخدم الرسالة. . والتوظيف ده واضح. . والعصمة مهما فلسفوها وقالوا لااااااا أصل دي مش عصمة للحياة الشخصية وإنما عصمة في مجال الرسالة. . فانت ايش عرفك الرسالة المقصودة غير من الخبرة الشخصية للنبي؟ وايه فايدة الخبرة الشخصية بتاعت النبي - لينا إحنا - إلا لو النبي يملك خيارات بشرية عادية بما فيها خيار العصيان والخطيئة! ما جايز دي عبرة الرسالة أصلا ياللي عامل أنصح من ربك! في الحقيقة لا يوجد سبب للثقة في النص المقدس سوى الثقة في الأنبياء والرسل والآباء والأجداد الذين وثقوا فيهم قبلنا من جيل لجيل، وتعهدوا النص بالحفظ والرعاية (التسليم الرسولي / التقليد / حط مسماك المفضل لنفس الناس) والعملية بقيت أسهل بعد اختراع المطابع، وأسهل وأسهل بعد الكمبيوتر والسوفتويرز والانترنت. . لكن لو رجعت للقرن التاني ولا التالت كنت هتعرف قيمة أوريجانوس وهو بيضيع عمره في كتابة الهيكسابيلا والأنابيلا (كتاب أرشيفي يحوي أعمدة تقارن ترجمات الكتاب المقدس بستة لغات في الهيكسابيلا، وتسعة في الأنابيلا التي لم ينهها) أخطر حاجة بشوفها إني ألاقي ناس (وقساوسة بروتستانت وأساقفة أرثوذكس ونينچا يعني) بيسطحوا الكتاب المقدس ويختزلوه في لون واحد باعتباره حاجة واحدة بدرجة واحدة. . بيتعاملوا مع كلام آدم زي كلام إبراهيم زي داود زي المسيح زي بولس زي غيرهم بطريقة كله في الكتاب وكله واحد وكله كويس وكله ينفع. . ده تسطيح مُفسد لعمق التضاريس والاختلافات واﻷزمنة والخبرات الروحية المتعددة والثرية جدا. . مينفعش ناخد من وحدة المصدر الإلهي ذريعة لمساواة المسيح بحمار بلعام تحت زعم إن كلاهما نطق بكلام الله! وطبعا بنلاقي الناس القوية النينجا دي بتحمل الفيلسوف بولس مسؤولية التسطيح الردئ وكأنه قال "كله عند العرب صابون"! بولس الرسول لما قال "كل الكتاب هو موحى به من الله" بالتأكيد مكنش يقصد كتابنا الحالي واللي ضم رسائله، اللي اتكتبت قبل أناجيل، ضمن الوحي. . مكنش الكتاب الحالي إكتمل أساسا ولا اتختم بخاتمة سفر الرؤيا! خصوصا إن بولس نفسه في كورنثوس كان بيتكلم في مسألة معينة (مدونة حاليا في الكتاب الحالي في رسائله) وقال إنه بيقول رأيه الشخصي فيها إنما الله مقالوش حاجة. . مش وحي. . ". . أقول لهم أنا، لا الرب: . . "(1كو 7: 12) "وأما. . ، فليس عندي أمر من الرب فيهن، ولكنني أعطي رأيا"(1كو 7: 25) "أظن أن هذا حسن لسبب الضيق الحاضر"(1كو 7: 26) "هذا أقوله لخيركم، ليس لكي ألقي عليكم وهقا، بل لأجل اللياقة"(1كو 7: 35) "ولكن إن كان أحد يظن أنه . . " - ". . فليفعل ما يريد"(1كو 7: 36) ". . بحسب رأيي، وأظن أني . . "(1كو 7: 40) "لست أقول على سبيل الأمر، بل باجتهاد آخرين"(2كو 8: 8) "أعطي رأيا في هذا أيضا"(2كو 8: 10) مع بولس الكتاب المقدس ابتعد عن لوحي الشريعة والنص المنقوش بأصبع الله، ودخلنا في ترجيح واستحسان بشري تماما. . الطفولة المرتبكة مع الله انتهت، ودخلنا في نضج وأخذ قرارات وتأسيس هيراركي ونظام كنسي في مساحة الله سايبها للإنسان. . والكنيسة نفسها عدلت على بولس نفسه وأخدت قرارات استحسان إضافي فوق كلامه (لأنه مش كلام منزل) زي مثلا تبتل الأساقفة بالمخالفة لما هو مكتوب نصا "ليكن الأسقف بعل امرأة واحدة" - و"له أولاد" يستشف منهم طرقه في التنشئة - "إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يَعْرِفُ أَنْ يُدَبّرَ بَيْتَهُ، فَكَيْفَ يَعْتَنِي بِكَنِيسَةِ اللهِ؟" فلو "كل الكتاب وحي" يبقى عظيم جدا والله. . وقتها كل الأساقفة النينچا الغير متزوجين دول، هيكونوا موضوعين بالمخالفة للوحي المنزل على بولس الرسول، واحنا لا نملك وقتها إلا أن ندعوهم لترك مناصبهم و أسقفياتهم والتوبة عن خطاياهم وترك الفيسبوك واليوتيوب والعالم القذر الجميل بتاعنا، والعودة للأديرة! --- ### [٢] الخلق والتكوين - Published: ۲۰۲۱-۰۷-۱٦ - Modified: 2023-10-12 - URL: https://tabcm.net/2260/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, كتاب مقدس - وسوم: آدم, آنو, أفلاطون, أنكي, أنوناكي, أوروك, إنكيدو, إنليل, إنوما إليش, إيجيجي, إيلوهيم, الشرق الأدنى, الشيطان, النص العبري, تعامة, جلجامش, شجرة الحياة, شجرة المعرفة, شمخات, شمش, قايين, مردوخ, ملحمة اتراحسيس, نقد تأريخي, نقد كتابي, هابيل, يهوه في المقال دا هتكلم بشكل مختصر عن روايتين الخلق في سفر التكوين في الإصحاح الأول (التقليد الكهنوتي) والاصحاح الثاني (التقليد اليهوي) في ضوء 3 نصوص أدبية (أسطورة أتراحاسيس، وأسطورة إنوما إليش، وملحمة جلجامش). أسطورة أتراحاسيس: كانت الآلهة في البداية بدلًا من البشر هي اللي بتقوم بالأعمال، آنو (ملك الأنوناكي، الجيل الأكبر من الآلهة) صعد للسماء (إله السماء)، وأخذ إنليل الأرض لشعبه (إله الأرض، اتسمى بعد كدا إليل)، وانتسبت البحار للإله أنكي (إله البحار، فيما بعد بقى اسمه إيا)، وآلهة الآبسو (المياه العميقة) ذهبوا للأعماق. وتم خلق الإيجيجي (الجيل الأصغر من الآلهة) للقيام بالأعمال بدلًا من الأنوناكي. فيما بعد من مشقة الأعمال ثارت الإيجيجي على الأنوناكي وبيتقرر خلق الإنسان للقيام بالأعمال بدل الإيجيجي، وبيتطلب من بيليت إيلي- Belet Ili (معروفة برضو باسم نينتو، وباسم مامي، وهي إلهة الرحم) انها تخلق الإنسان للقيام بعمل الآلهة (حراثة الأرض)، فبتطلب مساعدة الإله أنكي، فبيقرر ان لازم إله يتم ذبحه ليتم خلق الإنسان من لحمه ودمه (وبكدا بتسكن الروح في الإنسان)، وبيتم ذبح إلاوِلا- Ilawela (إله الذكاء)، فبتخلط نينتو الطين بلحم ودم الإله ليتحد الإله والإنسان في الطين وبيتم بالشكل دا خلق الإنسان، 7 رجال و7 نساء. (اللوح الأول) أسطورة إنوما إليش: اللوح الأول: في البدء لم يكُن للسماء اسم ولا كانت الأرض قد سُميت، لم يكُن سوى آبسو ومومو وتعامة (آلهة المياه الأولى)، منهم اتولد لخمو ولَخامو، ومنهم اتولد انشار وكيشار، ومنهم اتولد آنو، وآنو ولد نوديمود (إيا) اللي مكنش له مثيل بين اخوته، ومع اخوته أزعجوا تعامة، اقترح آبسو قتل الآلهة المولودة لكن تعامة رفضت فتآمر آبسو مع مومو لقتلهم ولكن إيا عرف الخطة وثاروا على الآلهة الأولى وقتلوا آبسو وقيّد مومو، ومن آبسو خلق إيا ودامينكا (زوجته) ابنهم الإله مردوخ طفل الشمس المُضيء بين الآلهة (كما تمت تسميته في اللوح 6: 127). اللوح الثاني والثالث: إيا بيعرف خطة تعامة للانتقام لموت آبسو، والآلهة بتتفق على تفويض مردوخ للوقوف ضدها وانه اذا انتصر يصبح إله الآلهة. اللوح الرابع: تم تتويج مردوخ وتمت الحرب مع تعامة وجيشها، مردوخ أسر كينجو، رئيس جيشها وقتل تعامة وقسمها نصفين، النص العلوي رفعه وامتد ليصبح السماء وأمر بوجود حراس عليه عشان المياه في الجزء دا فوق السماء متقعش، والجزء السفلي اصبح المياه اللي تحت السماء (على الأرض). أصبح آنو إله السماء، وإنليل إله الهواء وسطح الأرض، وإيا إله المياه العذبة. اللوح الخامس: بيخلق مردوخ محطات للآلهة؛ النجوم وامثالها والأبراج الفلكية لحكم المواقيت والسنين، القمر للليل والشمس للنهار. اللوح السادس: بيطمح مردوخ لخلق اشياء مبتكرة، وبيقول لإيا (ابوه) على ارادته في خلق دم وعضم، عايز يخلق الإنسان عشان يحمل اعباء الآلهة لكي تستريح، فتم ذبح كينجو رئيس جيش تعامة وخلق إيا من دمه الإنسان، وتم بناء بابل. بيتم البدء في سرد اسماء مردوخ الخمسين، بيُذكر أول 9 منهم. اللوح السابع: بيستكمل ذكر اسماء مردوخ الخمسين. ملحمة جلجامش: • بتاخد أرورو طين وبترميه في البرية لتخلق إنكيدو، إنسان جبار وشعر جسمه كثير بيعيش في البداية مع الحيوانات في البرية، بيشوفه فيما بعد احد الصيادين من بعيد وبيترعب من قوته فبيقول للإله شمش عنه، وبيتم ارسال شمخات (وهي هاريمتو / كاهنة الحب / مومس معبد) لترويض إنكيدو، فبتغويه وبينام معاها 7 أيام و7 ليالي، فيما بعد لما بيقابل الحيوانات بيخافوا منه ويهربوا، وجسمه بيعيقه عن اللحاق بالحيوانات، إلا إنه اكتسب الفهم وأصبح واسع الحس. بيرجع إنكيدو بعد كدا لشمخات وهي بدورها بتاخده للمدينة عشان يقابل جلجامش وتعرفه على الحياة الحضارية. (اللوح الأول) • في رحلة جلجامش للبحث عن الخلود بيوصل لنبتة الخلود وبيحاول يرجع بيها لمدينة أوروك، لكن اثناء رجوعه بيقف للاستحمام فبتظهر حية وتخطف النبتة من جلجامش وبيشوفها جلجامش وهي بتفقد جلدها بعد ما سرقت النبتة. (اللوح الحداشر) التقليد اليهوي (تكوين 2): عند خلق السماوات (هَـ شمايم-הַשָּׁמַיִם) والأرض لم يكُن هناك عشب حقول او نباتات لأن الرب لم يكُن أمطر على الأرض ولم يكُن هناك انسان (آدم-אָדָם) ليحرث الأرض (هَـ ادمه-הָאֲדָמָה) ولكن كان يخرج منها نهر يسقي الأرض. خلق الرب الإله (يهوه إيلوهيم) آدم (آدم-אָדָם) من الأرض (هَـ ادمه-הָאֲדָמָה) ونفخ فيه الحياة. خلق جنة عدن ووضع آدم فيها، خلق الاشجار والنباتات وشجرة الحياة وشجرة معرفة الخير والشر. أمر آدم بالأكل من جميع شجر الجنة ماعدا شجرة معرفة الخير والشر، فإن أكل منها يموت. خلق الحيوانات من الأرض ليسميها الإنسان ويختار منها عونًا له، فسماها الإنسان ولكنه لم يجد له عونًا منها يناسبه. إيقاع سبات عميق على آدم وخلق من ضلعه امرأة، سماها آدم "المرأة" لإنها من إمريء أُخذت. الحيّة بتغوي المرأة للأكل من شجرة معرفة الخير والشر والمرأة بتاكل وتدي لادم ياكل فبيكتشفوا إنهم عريانيين. بيتم لعن الحيّة بالزحف على بطنها وطرد الإنسان من الجنة ومنعه من الأكل من شجرة الحياة. التقليد الكهنوتي (تكوين 1): اليوم الأول: عند خلق السماوات (هَـ شمايم-הַשָּׁמַיִם) والأرض كانت الأرض خاوية خالية وعلى وجه الغمر (تِهوم-תְהוֹם) ظلام. تم خلق النور. اليوم الثاني: خلق الجلد "السماء"-firmament (ركيع-רָקִיעַ) لتفصل بين المياه التي على الأرض والتي فوق السماء. اليوم الثالث: تمييز اليابس عن البحار، وخلق النباتات. اليوم الرابع: خلق الكواكب والنجوم للمواقيت والشمس والقمر (بدون تسميتهم شمس وقمر). اليوم الخامس: خلق الحياة المائية وخلق الطيور. اليوم السادس: خلق بهائم وحيوانات الأرض. خلق الإنسان (آدم-אָדָם) (ذكرًا وانثى في نفس الوقت) على صورة الله/الآلهة. اليوم السابع: انتهاء الخلق واستراح الله. يمكن ملاحظة اﻵتي: من السهل ملاحظة بعض التشابهات بين التقليد اليهوي واسطورة أتراحاسيس، في الحالتين الإنسان بيتخلق من طين وبتوضع روح الإله/الآلهة فيه، في النص اليهوي عن طريق نفخة يهوه، واسطورة أتراحاسيس عن طريق دم الإله المذبوح، في النص اليهوي يهوه هو اللي بيزرع جنة عدن وبينبت الأشجار فيها، في أسطورة أتراحاسيس الآلهة هي اللي بتقوم بالأعمال، على الرغم من كدا سهل اكتر ملاحظة الاختلافات بشكل مباشر، في أسطورة أتراحاسيس الإنسان اتخلق عشان يشيل حمل الآلهة ويزرع هو الأرض عوضًا عنها، لكن في التقليد اليهوي مفيش فكرة زي دي موجودة ومفيش فكرة ان الإنسان هو اللي يزرع الأرض إلا بعد طرده من الجنة، شيء جدير بالملاحظة برضو إن في اسطورة أتراحاسيس تم خلق الإنسان 7 ازواج، لكن في التقليد اليهوي اتخلق الإنسان الأول وبعدين أُخذت المرأة من ضلعه، وبيعتبر الموضوع دا محل جدل عن إذا كانت الرواية فيها فكرة التراتبية بين الرجل والمرأة، واحيانًا بيُستدل على التراتبية برضو مش بس لأنها اتخلقت من ضلعه لكن لأنه سماها، في النص اليهوي الحيوانات بتتخلق وبتُعطى لآدم عشان يسميها، فكرة التسمية في النص اليهوي وفي أدب الشرق الأدنى القديم بتعبر احيانًا عن السيادة (اسطورة إنوما إليش مثال كويس لكدا). من السهل برضو ملاحظة فكرة وجود Trial and Error في الخلق، في أسطورة أتراحاسيس بتبان في محاولة الأنوناكي خلق الإيجيجي الأول وبعدين الإنسان للقيام بعمل الآلهة، في التقليد اليهوي بيتم خلق الحيوانات الأول وبعدين المرأة لإيجاد عون مناسب لآدم. في مقارنة التقليد اليهوي مع ملحمة جلجامش، بنلاحظ برضو فكرة خلق الإنسان من الطين، لكن دي فكرة تقريبًا موجودة في كل أساطير الخلق في العالم القديم، لكن الجدير بالملاحظة في ملحمة جلجامش هو تحول إنكيدو ومقارنته بتحول الإنسان في النص اليهوي، النص اليهوي بينظر للحالة الأولى للإنسان في الجنة قبل ما ياكل من شجرة المعرفة باعتبارها حالة مثالية، وأكله من الشجرة واكتشافه لإنه عريان وانه مختلف عن الحيوانات كانت خطوة سيئة ومكروهة، في ملحمة جلجامش كان إنكيدو عايش مع الحيوانات ومش بيخافوا منه (زي آدم في حالته الأولى)، لكن التحول بيتم عن طريق كاهنة معبد عن طريق ممارسة الجنس، فيما بعد بيكتسب منها إنكيدو المعرفة والفطنة وبيصبح حكيمًا كالإله، وبيلاقي إن الحيوانات اصبحت بتخاف منه، لكن ملحمة جلجامش بتبص للتحول دا باعتباره تحول إيجابي اتحول فيه الإنسان الغير متمايز عن الحيوانات إلى إنسان حضاري. نظرة "سقوط الإنسان" منقدرش نقرأها في النص لكنها تأويل يوناني-أفلاطوني تم اسقاطه على النص، النص من الأوقع إنه يتم قراءته في ضوء "التحول الإنساني" من الحالة البدائية الخاصة بالصيد للحضارة الزراعية، ودا هيتضح أكتر مرة تانية لما نناقش قصة قايين وهابيل. من السهل ملاحظة التشابه في قصة الحيّة وشجرة الحياة في التقليد اليهوي وملحمة جلجامش، الاتنين بيحطوا قصص تفسيرية (إيتيولوجي)، التقليد اليهوي عنده مفهوم شعبي إن الحية بتاكل تراب لأنها بتمشي على بطنها فبيفسر دا على إنه لعنة، وملحمة جلجامش عنده مفهوم شعبي إن الحية لما بتجدد جلدها فهي بتجدد شبابها وبيفسر دا بخطفها لنبتة الحياة من جلجامش، الحية فيما بعد بيتم تأويلها على إنها الشيطان، لكن في الواقع فكرة الشيطان ككيان ميثولوجي شرير معادي للالوهة مكانتش موجودة في النص التورآتي، الحية يجب التعامل معاها كحيوان متكلم ذكي زي ما بتظهر في نصوص أدبية أُخرى ومن المفترض إنها تنبه القاريء إن النص اللي بيقرأه عبارة عن أسطورة وتنبهه للطبيعة الخيالية للقصة. جدير بالملاحظة برضو ان مفيش أي اشارة ان الإنسان كان مخلوق خالد، دي فكرة برضو تم اسقاطها على النص غالبًا كأحد تفسيرات عبارة ان الإنسان مخلوق على صورة الله، اللي هي أصلًا مصدرها التقليد الكهنوتي مش اليهوي، في التقليد اليهوي مفيش ذكر لخلق الإنسان على صورة الله، ومن هنا بنلاحظ شيء مهم جدًا، وهي ان الحية في الواقع مكانتش بتكذب، الحية قالت للمرأة إنها لو أكلت من الشجرة مش هتموت لكنها هي والرجل هيصبحوا كالآلهة عارفين الخير والشر (تكوين 3: 5)، ودا اللي حصل فعلًا (تكوين 3: 22) الرجل والمرأة مماتوش يوم ما أكلوا من الشجرة، لكنهم أصبحوا كالآلهة عارفين الخير والشر وتم طردهم من جنة عدن عشان ميكالوش من شجرة الحياة ويعيشوا للأبد زي الآلهة فعلًا. على مدار التقليد اليهوي زي ما هنشوف في أحداث أُخرى بعد كدا بيتم النظر لمحاولات الإنسان للتحول المعرفي والحضاري بشكل سلبي نظرًا لما حمله التحول دا من عنف مُتزايد وغير متوقف. من السهل مقارنة التقليد الكهنوتي مع اسطورة إنوما إليش، افتتاح النصين متشابه بنسبة ما، إنوما إليش النص بتاعها بيُفتتح بالشكل الآتي: "عندما في الأعالي لم تكُن السماء قد سُميت، ولا في الأسفل الأرض قد دُعيت باسمًا، عندما كان آبسو مُنجبهم، ومومو، وتعامة التي ولدتهم جميعًا مازالت مياههم مختلطة معًا" النص الكهنوتي من الأفضل ترجمة افتتاحيته كالتالي: "عندما بدأ الله خلق السماوات والأرض، لمّا كانت الأرض خاوية خالية وعلى وجه الغمر ظلام ورياح الله ممتدة فوق المياه" النص العبري مفيهوش فكرة الخلق من العدم، وفي اليوم الأول السما والأرض مش بيتخلقوا فعلًا لكن الأصح النظر ليهم باعتبارهم فوضى غير مُرتبة، السماء مبتتخلقش فعلًا غير في اليوم الثاني والأرض في اليوم التالت، مفيش في النص ما يدعم تصور الخلق من العدم، اللفظ العبري "برأ- בָּרָא" مش معناه الخلق من العدم لكنه لفظ بيخصصه كاتب التقليد الكهنوتي في الكلام عن الله في عملية الخلق، من السهل ملاحظة التشابه اللفظي بين (الغمر-تِهوم) وتعامة وملاحظة تشابه أدوارهم باعتبارهم الفوضى الأولى، ومن السهل ملاحظة وجود المياه الأولى غير المخلوقة في النصين. اعتقد برضو انه من المشروع عقد مقارنة بين خلق الضوء في اليوم الأول وميلاد الإله مردوخ. من السهل ملاحظة التشابه بين خلق السماء (ركيع-רָקִיעַ) في اليوم الثاني للفصل بين المياه اللي فوقها وبين خلق السماء في اللوح الرابع من النصف العلوي لتعامة وحجز المياه فوقها لتكون مفصولة عن نصفها السفلي اللي أصبح الأرض. من السهل مقارنة خلق الأجرام السماوية في اليوم الرابع وبين خلق الأجرام السماوية في اللوح الخامس. من السهل ملاحظة تشابه الترتيب في الخلق بين الاثنين، ومن السهل برضو ملاحظة الاختلاف بين غرض الإنسان في الخلق في أسطورة إنوما إليش (حمل أعمال الآلهة خاصًة زراعة الأرض) وفي التقليد الكهنوتي (التسلط على الحيوانات والأرض)، وجدير بالذكر مقارنة خلق الإنسان على صورة الله/الآلهة بمفهوم الملك المؤله اللي بيعتبر صورة الإله على الأرض في الحضارات المُجاورة، وبالتالي فأقرب فهم لعبارة ان الإنسان مخلوق على صورة الله/الآلهة هو انه مخلوق للسيادة وهو ما تم توضيحه في نفس النص، لكن برضو مفيش ذكر ان الإنسان كان مخلوق خالد. الكلام بصيغة الجمع عند خلق الإنسان تم تأويله فيما بعد بطرق كثيرة منها انه اشارة للثالوث او انه اسلوب تعظيم، لكن زي ما هيتضح اكتر بعد كدا الأوقع فهمه في ضوء الكلام عن "مجمع آلهة/مجمع سماوي/Pantheon" باعتبار إيل/إيلوهيم  انه هو رئيس/أب المجمع. من السهل ملاحظة الاختلافات بين التقليد اليهوي والكهنوتي، أبرزها ترتيب الخلق وأهمها ان التقليد الكهنوتي مفيهوش قصة وجود جنة والطرد منها لكن الإنسان اتخلق على الأرض بشكل مباشر، كلمة آدم في التقليد الكهنوتي بتشير للإنسان بشكل عام وتم خلقهم ذكر وأنثى في نفس الوقت، في التقليد اليهوي كانت بتشير لشخص مُعين وتم خلق الرجل ثم الأنثى. يُتبع. . --- ### نور العالم أم ضد العالم؟ - Published: ۲۰۲۱-۰۷-۱۵ - Modified: 2021-07-09 - URL: https://tabcm.net/1982/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, شئون علمانية, مقالات وآراء - وسوم: إكليروس "أنتم نور العالم" كانت دعوة واضحة وصريحة من السيد المسيح لأتباعه بأنهم "نور للعالم"، وكذلك دعاهم بـ"ملح للأرض"، ورغم ضآلة قيمة الملح بالنسبة لمكونات الطعام الأخرى إلا أن وجوده مهم لضبط مذاق الطعام، ولكن رغم كل هذه الدعوات من المسيح لأتباعه بأن يكونوا مؤثرين في العالم بشكل إيجابي، إلا أن الكنيسة القبطية في مصر تقع في تناقض كبير مع هذه الدعوة، إذ إن خطابها اللاهوتي يطلب من أتباعها أن "ينعزلوا عن العالم" وأنهم "ليسوا من العالم"، وأن "يهتموا بالأبدية ولا يلتفتوا للأرضيات"، فكانت النتيجة عزلتهم وخروجهم من المجتمع وانحصارهم داخل أسوار الكنيسة بالتزامن مع ظروف البلد في السبعينات وصعود الجماعات المتشددة مثل الإخوان والصراع بين الرئيس السادات والبابا شنودة. لا أخفيكم سرا أن هذا الخطاب رغم أنه رد فعل على الظرف السياسي الذي مرت به مصر وارتفاع وتيرة الأحداث الطائفية، إلا أنه لاقى قبولا وارتياحا لدى أغلب الإكليروس في الكنيسة، فهو خطاب يجعل من المواطن المصري المسيحي عجينة لينة في يد الأب الكاهن والأسقف والبابا، يجعله يشعر بالغبن والاضطهاد والخوف وحينما يحتاج لشيء فعليه اللجوء للكاهن والكنيسة لمساعدته في أمور ليست من اختصاص الكنيسة، مثل المشاركة السياسية والإدلاء بالصوت في الانتخابات، وصولا لفتح مكاتب توظيف داخل الكنائس، فأصبحت الكنيسة مجتمع بديل للمجتمع الكبير الذي يجب أن يعيش فيه كافة المواطنين المصريين باختلاف انتماءاتهم الدينية أو السياسية. يشير البعض إلى أن هذا مجرد رد فعل على ما حدث من لفظ للمواطنين المصريين المسيحيين من المجتمع الكبير، ربما يكون هذا صحيحا لكنه ليس عذرا كافيا، لأنه بدلا من الانسحاب كان يجب على الكنيسة أن تبث في أولادها خطاب لاهوتي يحثهم على المشاركة وعلى عدم الخوف والجبن والابتعاد عن المجتمع، بل كان يجب أن تشجعهم على حب بلدهم والانتماء لها والعمل من أجلها ومن أجل الحصول على حقوقهم كاملة كمواطنين مصريين. لن أوجه كلامي للكنيسة كمؤسسة يترأسها البابا بل سأوجه كلامي للكنيسة (جماعة المؤمنين) وبمعايير المواطنة في الدولة المدنية الحديثة هم المواطنين المصريين الذين يدينون بالمسيحية، أنتم مصريون قبل أن تكونوا مسيحيين، أنتم أبناء هذه الأرض، أجدادكم أقاموا حضارة عظيمة على هذه البقعة من الكوكب مازالت تطل إلى الآن من نافذة عظيمة على التاريخ، أجدادكم أيضا كانوا مؤثرين في تاريخ المسيحية وفي تأسيس اللاهوت كعلم قبل أن يصيب الاضمحلال الفكري كنيسة الإسكندرية منذ منتصف القرن الخامس الميلادي وما بعده. لا يجب أن تخافوا، ولا تقفوا مكتوفي الأيدي في انتظار حقوقكم كمواطنين مصريين، بل اسعوا وتحركوا وساهموا في بناء مجتمعكم، وهذه دعوة المسيح الأساسية لأتباعه من المؤمنين: "أنتم نور العالم وملح الأرض ولا يمكن أن تخفى مدينة كائنة على جبل ولا يوقدون سراج ويوضع تحت المكيال". لا تنتظروا من الإكليروس أن يمثلونكم لدى الدولة، فهذا ليس دورهم، أنتم مواطنين لديكم حقوق وعليكم واجبات تجاه الوطن. وسأقول للكنيسة (المؤسسة) والممثلة في الشكل الهرمي، رجاءًا راجعوا خطابكم الانعزالي الموجه للمؤمنين، هذا الخطاب لا يضر المواطنين الذين يدينون بالمسيحية فقط، لكنه يضر الكنيسة ككل ويضر مصر كلها، اجعلوا خطابكم تحفيزي للناس للمشاركة والتواجد، اجعلوا خطابكم محرر من الخوف، اجعلوا خطابكم كخطاب المسيح المشجع، والذي لفتيلة مدخنة لم يطفئ، هذه السيطرة المزعومة والتي تم بناؤها على مدار 50 عاما ليست في صالح أحد، ولا في صالح الإكليروس خصوصا (الآباء الكهنة) الذين صاروا محملين بأعباء اجتماعية تجاه المؤمنين جارت على دورهم الروحي والذي الهدف منه مساعدة الجميع على الاقتراب من المسيح. --- ### ما هو المعنى الحقيقي لتكوين1؟ - Published: ۲۰۲۱-۰۷-۱٤ - Modified: 2023-10-10 - URL: https://tabcm.net/1866/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: شاماش, مردوخ منذ عصر التنوير وما لازمه من اكتشافات علمية، بدأ الكثيرين في قضاء ساعات لمقارنة النص الكتابي بالعلوم المعاصرة وعلوم اليوم. كتب عديدة كتبت في هذا الموضوع، بعضهم يحاول مصالحة الكتاب المقدس مع العلم، والبعض الأخر يحاول دحض الكتاب المقدس أو العلوم. اليوم، عدد كبير من المسيحيين يضع الاثنين في مواجهة بعضهم البعض في أثناء بحثهم عن الحقائق وراء الاكتشافات الهامة، مثل نظرية التطور والانفجار العظيم إلى أخره. وبالطبع فإن تكوين 1 وقع في قلب هذه الحرب. ولكن ما هي الطريقة الصحيحة لفهم تكوين 1 ومعنى الخمسة أيام الأولى هو الهدف من هذه الحلقة. في الحلقة القادمة، سنتحدث عن تقسيم الإصحاح —لماذا سبعة أيام— وسنغوص في تفاصيل اليوم السادس والسابع. الطريقة المثلى في التعامل مع تكوين 1 الطريقة الصحيحة للتعامل مع النص لابد أن تضع بعين الاعتبار الخلفية الثقافية والتاريخية لإسرائيل والمناطق المحيطة. لابد أن نتذكر أن النصوص القديمة لم تضع في الاعتبار هوس قراء القرن الحادي والعشرين بالعلوم. فهدف تكوين 1 لم يكن علميًا. فكما سنرى، هذا النص يهدف بالدرجة الأولى للتعبير عن الإيمان بالله الواحد القدير. هدف النص لا يتعلق بكيفية الخلق وإنما بمن هو الخالق ومن هو الإنسان ولماذا خلقنا الله. وهذا يصير ممكنًا حين نلاحظ أن الإصحاحات الأحد عشر الأولى، بما فيها الخليقة، هي بمثابة مقدمة لقصة إبراهيم. بطريقة أخرى، هي مقدمة للأحداث التاريخية الخاصة بشعب إسرائيل. إسرائيل كانت تعد أمة صغيرة إلى حد ما ومحاطة بممالك أكبر وأقوى منها وطالما واجهوهم في الحروب. في الحقيقة، يمكننا أن نلخص أساسيات هذه النصوص القديمة بالشكل التالي: أولًا: الصراع من أجل البقاء (نظرًا لكثرة الحروب آنذاك). ثانيًا: الحاجة المرة للنسل، خاصة الرجال (كلما كثرت الأولاد كلما نما الجيش). ثالثًا: الحاجة للطعام. تذكر، أن في هذا الوقت، كان استيراد وتصدير البضائع أمرًا محدودًا جدًا، إن وجد. طرق المواصلات المتطورة لم تكن متوفرة. قلة المطر في منطقة ما كانت تقود إلى مجاعة مما سيقود بطبيعة الحال إلى الموت. وبناء على حاجتهم لهذه الأشياء الثلاثة، عبدت كل أمة إلهها على أمل أن يعطيها النصرة في الحرب، والنسل، والطعام. ففي مفهومهم، كان كل إله وثني مسئول عن منطقته الخاصة. وبالتالي فكل أمة تصلي إلى إلهها الخاص بمنطقتها. لكن الإسرائيليين وجدوا راحتهم في الله الواحد الذي له سلطان وقدرة في العالم كله. هو الوحيد الخالق للكون في تكوين واحد. وبالتالي، فالعالم كله يخصه. وبما أن العالم يخصه، ففي المفهوم الإسرائيلي، العالم كله يخصهم هم أيضًا. لماذا؟ لأن إسرائيل أصبحوا شعب الله كما هو واضح من سلاسل الأنساب الموجودة في تكوين 5، 10، 11، والتي تهدف للربط بين ادم وإبراهيم (أبو إسرائيل). فإله إسرائيل هذا هو من له السلطان على العالم كله وهو مصدر نسلهم وطعامهم. هدف نص الخلق في الأساس، هو إعلان أن إله العبرانيين هو الإله الوحيد الحقيقي. تذكر أن في هذا الوقت، عبد الناس العديد من الآلهة نظرًا لأنه كان عالم وثني يؤمن بتعدد الآلهة. بالتالي هدف تكوين 1 هو إلغاء الأساطير الخاصة بالآلهة الوثنية. بشكل آخر، الهدف هو إزالة باقي الآلهة عن عروشها، فإله إسرائيل هو الإله الوحيد الحقيقي. هذه هي رسالة النص. وهذا يتم بالتركيز على سلطان الله على الخليقة. أولًا، هذا السلطان يتم التركيز عليه بالكلمات المكررة "خلق الله" أو "ليكن كذا وكذا" والتي تعني أن العالم مخلوق ومحكوم بإرادة الإله الواحد. بتاح، الإله المصري الوثني، قد يدعي أنه تكلم ليخلق الأشياء إلا أن هذا الادعاء غير صحيح. إله إسرائيل هو الوحيد الذي تكلم فخلق كل الأشياء وأحضرها إلى الوجود. في تكوين 1، نجد أن الله يسمي كل عناصر الخليقة. تسمية الأشياء آنذاك تعني أن له سلطة وقوة عليها. بنفس الطريقة، الوالدين يسموا أولادهم. بطريقة أخرى، يمكننا القول بأن سلطان الله لم يقم بناء على سلسلة من الحروب بين الآلهة الوثنية كما آمنت الأمم المحيطة في ذلك الوقت. فببساطة، لا يوجد منافس لإله إسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، الله يعطي استخدام لكل ما يخلق. وهذا يعد في غاية الأهمية، لأن الأشياء في العالم القديم، لم تعد حقيقية أو مخلوقة ما لم يكن لم تخدم هدف ما أو يكون لها استخدام. في مجتمعنا اليوم، يعتبر الشيء حقيقي طالما أنه له وجود مادي. لكن في العالم القديم، حتى إن كان الشيء موجود بشكل مادي، فلا يعد موجود أو مخلوق حقيقي ما لم يكن له استخدام. مرة أخرى، هذا النص لا بد أن يُقرأ من وجهة نظر قراءه الأولين لا من وجهة نظرنا نحن. الخمسة أيام الأولى الآن، دعونا نناقش الخمسة أيام الأولى: في اليوم الأول: كانت الأرض خربة وخالية والظلمة كانت على وجه الغمر وكان روح الله يرف حول وجه المياه. في العالم القديم، العديد من الأمم اعتبرت المياه إله. أما المياه أو الغمر كما يشير إليها سفر التكوين، كانت تعد إله الفوضى الوثني. فمثلًا في قصة "إنوما إليش" وهي كانت قصة منتشرة في ذلك الوقت، كان "الغمر" إله يدعى تيمات، وكانت تيمات عدوة لإله أخر يدعى "مردوخ" والذي سنعود إليه مرة أخرى فيما بعد. فرسالة النص هي أن هذا الغمر الفوضوي والذي عادة ما يمثل الإلهة تيمات، أو أي إله أخر مثل إله الظلمة، يتم القضاء عليهم بواسطة إله إسرائيل، حيث ترف روحه فوقها ويجلب النور. هدف النص غير المباشر هنا هو أن الله خلق المياه . في الوقت الذي اعتبر الكل في المياه آلهة وثنية، كان الله هو الخالق الحقيقي وله كل السلطة على ما يسمى بـ"الآلهة". أيضًا، على عكس هذه الآلهة المزيفة والتي لا بد أن تحارب بعضها البعض لتهزم الغمر، فإله إسرائيل لا يقول سوى "ليكن نور" وللحال كان نور. فهو ذو السلطان الكامل. ثم يرينا الله قدرته مرة أخرى بأن يعطي النور استخدامه كصباح والظلمة استخدامها كمساء. وكما رأينا من قبل، إعطاء الشيء استخدامه يعني خلقه. لذا، يخلق الله هنا النور والظلمة. فالنص يحدثنا عن خلقة العالم الحقيقي لكن حسب مفهوم هذا العصر. نجد مثال آخر لإله إسرائيل وهو يهزم آلهة المياه الوثنية في العشر ضربات، حيث يسأل الله موسى أن يحول ماء نهر النيل لدم. كان النيل يعتبر إلهًا وثنيًا في ذلك الوقت. في هذه الحالة أيضًا، ينزع الله إله النيل عن عرشه المزعوم. في اليوم الثاني: يفصل الله بين المياه فوق الجلد والمياه تحت الجلد. نفهم المعنى المناسب لهذا الفصل حين يبحث الشخص عن العلوم المتاحة وقت كتابة تكوين 1. لكن، هذا ليس ممكنًا في هذه الحلقة. في الأساس، هدف اليوم الثاني هو نزع الإله الوثني مردوخ عن عرشه، حيث إنه ادعى أنه هو من قسم المياه في ملحمة إنوما إليش. الإله الإسرائيلي الواحد هو من حقًا فصل المياه وبالتالي هو الوحيد الذي له سلطان حقيقي، لا مردوخ ولا غيره. كذلك اليوم الثالث: يُظهر لنا سلطان الله. فيجمع المياه التي تحت السماء ليخلق الأرض اليابسة. ويعطي أسماء لليابسة وللمياه. ويعطي الأرض استخدامها حيث تجلب الحياة —العشب، البذور، الأشجار— بهدف بقاء الإنسانية. فالرسالة الرئيسية في اليوم الثالث هي أن الله يعطي الأرض استخدامها، وعلى هذا تصبح الآن موجودة بشكل حقيقي في مفهومهم القديم. الهدف هو أن الله هو الوحيد الذي يتثنى للبشرية أن تعتمد عليه لتجد طعامًا، وبالتالي لتعيش. فلا حاجة للصلاة للآلهة الوثنية لتعطي طعامًا. الإله الحقيقي سيسدد احتياجنا. في اليوم الرابع: يخلق الله الشمس، والقمر، والنجوم. لكن، في التكوين لا يدعى الشمس والقمر بهذه الأسماء بل بالحري يدعا النيرين العظيمين (النور الأكبر والنور الأصغر). لماذا؟ لأن "شاماش" (الاسم العبري للشمس) و"ياريه" (الاسم العبري للقمر) اعتبرا أسماء آلهة وثنية في ذلك الوقت. أيضًا، كان من المعتاد آنذاك أن يكون مع الإله الواحد عدد من الآلهة الصغرى؛ وبالتالي، لتجنب عبادة ما يدعى بالآلهة الوثنية "الشمس" و"القمر"، فتعمد النص ألا يدعوهم بأسمائهم. الله القدير خلق وسيلتي إضاءة فقط لا غير وأعطاهم استخدام وهو التحكم في النهار والليل. فلا ينبغي أن يعتبرا آلهة صغرى. نرى هدف مشابه في الضربات العشر، فحين يجلب الله ظلام على مصر ثلاث أيام. كان الهدف من ذلك شرح أن الإله المصري "رع" إله الشمس لم يكن إلهًا حقيقيًا قادرًا على الحفاظ على ذاته. وظلت الشمس تعد إلهًا وثنيًا حتى أن ق. أنبا موسى القوي عبدها قبل أن يتعرف على المسيحية في القرن الرابع الميلادي. وبنفس هدف نزع هذه الآلهة عن عروشها، يتحدث النص عن النجوم في عجالة دون تفاصيل. وهذا يعد اختلافًا واضحًا بين الميثولوجيا الوثنية والكتاب المقدس حيث تركز الميثولوجيا على علم الفلك. الرسالة بسيطة: الله خلق النجوم. ضع تركيزك عليه، لا على النجوم في حد ذاتها. في اليوم الخامس: يخلق الله كل الخلائق التي تسبح في المياه أو تطير في السماء. وتصبح هذه الخلائق ذات نفس حية. مرة أخرى، الله الكائن هو من تدين له كل المخلوقات بحياتها. فالله هو خالق التنانين العظام. كثيرًا ما يتم ترجمة كلمة "التنانين العظام" بشيء من عدم الدقة على أنها تعني المخلوقات البحرية الكبيرة أو الحيتان. لكن المعنى الصحيح هو "وحوش البحر" وهذا يشير إلى خلائق مثل ليفايثان. في القصص الوثنية، كانت تعد هذه الوحوش مخلوقات قوية ومعادية. ولكن الهدف هو نزع سمة الأسطورية عنهم ونزعهم عن عروشهم. فلا يوجد من يعادي الله وهناك إله واحد فقط حقيقي. هذه الخلائق التي خلقت في اليوم الخامس كان لهم هدفهم، وهو الإثمار والإكثار وملء الأرض والبحر. فرسالة اليوم الخامس هو أن الله خلق الكون كله، ولكنه يكتب هذا حسب المفهوم القديم، ويهدف النص لنزع هذه الآلهة الوثنية عن عروشها. أما عن اليوم السادس والسابع، فسنتحدث عنهم في الحلقة القادمة. هذه المقالة ترجمة لحلقة من سلسلة عن الكتاب المقدس والعلم من تحضير وإلقاء كاهن قبطي أرثوذكسي بشمال أمريكا طلب عدم ذكر اسمه إلا أنه سمح بنشر هذه الترجمات بمعرفتي --- ### سكيزوفرينيا المتدين القبطي
بين السينما والمجتمع - Published: ۲۰۲۱-۰۷-۱۳ - Modified: 2023-09-12 - URL: https://tabcm.net/2283/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون, المرأة القبطية, شئون علمانية - وسوم: أسامة فوزي, بحب السيما, مدارس الأحد, ونوس ولكن من الذي يُخادعه الإنسان؟ ألم تتساءل من قبل؟ هل يُخادع ذاته، أم مجتمعه، أم رغباته، أم إلهه، أم جميعهم؟ يُحكى أن "نرسيس" الصياد -وفقًا للأساطير اليونانية- إبن الإله "كيفيسيا" والحورية "ليريوبي"، كان مُعتدًا بجماله الخلاب بحيث يرفض من حوله ويتجاهلهم، وفي إحدى الأيام   لاحظت الآلهة "نمسيس" تصرفاته تلك، وأخذته إلى بحيرة حيث يرى انعكاس صورته فيها، وما أن نظرها حتى وقع في حبها دون أن يدرك أنها مجرد صورة، وظل في إعجابه ذلك حتى عجز عن مفارقة صورته وظل يحدق بها إلى أن مات! تُمثل قصة "نركسوس" أو "نرسيس" الأساس الذي بنى عليه "سيجموند فرويد" إحدى نظرياته للتحليل النفسي، والتي تُعرف اليوم باسم العقدة النرجسية، وفيها يُولع شخص ما بنفسه، ويتناسى أي حب أو إعجاب بالآخرين فلا يرى سوى ذاته، مما يؤدي في النهاية إلى انسلاخه عن مجتمعه وبذلك يفنى ويضمحل. هذا النوع من شبه الحياة والانفصال عن الواقع يُعرف كذلك بـ "الذات المزيفة" وتلك الأخيرة تعتمد على خراب الإنسان من الداخل إلى الخارج، ففيها ادعاءاته وتظاهره بالحقيقة حيث تم التعبير عنها: "إن سمة الخداع هو القناع الذي يخفي التحفظ البارع لجميع القوى تحت مظلة العقلانية الفكرية أو تحت مظلة الالتزام المستعار أو التأدب الظاهري" ولكن من الذي يُخادعه الإنسان؟ ألم تتساءل من قبل؟ هل يُخادع ذاته، أم مجتمعه، أم رغباته، أم إلهه، أم جميعهم؟ هذه نقطة انطلاقنا اليوم. .   منذ بداياتها، قدمت السينما المصرية العديد من الأنماط مثل المثقف والشرير والضعيف والمُخادع. . إلى المتدين! ماذا عن المتدين النرجسي؟ لأن المتدين القبطي جزء من مجتمع أكبر حافل بـ الأفكار والأيديولوجيات، ظللت أبحث عن الكيفية التي قدمت بها السينما المصرية المتدين القبطي، ومدى اتساق تلك الصورة مع واقعها في الحياة اليومية. لعل النموذج الأشهر والأكثر كاريكاتورية هو عدلي، الأب، محمود حميدة، في الفيلم الصادر عام 2004 "بحب السيما" من إخراج الراحل أسامة فوزي، الفيلم الذي لم يسلم لا من نقد المجتمع القبطي ولا الإسلامي، فلماذا؟ في ذُروة ارتباك المشاعر وتلاقي ثنائيات الخوف والرجاء، الرغبة والرهبة، التحريم والتحليل، الجنة والنار، القداسة والرغبات الإنسانية بشكل عام، يُجسد الأب "محمود حميدة" ببراعة يُحسد عليها شخصية المتدين الأصولي المتشدد الذي تحكمه تركة ثقيلة من ميراث القهر والخوف من كل شيء، فهو يبدأ يومه بالصلاة والاستغفار ويريد ترسيخ قناعاته الدينية في أذهان كل أفراد أسرته ولا يتردد في استخدام أسلوب الترهيب والوعيد في ذلك. يتعامل الأب عدلي هنا مع الجنة والنار بمفهوم تجاري بحت أي الربح والخسارة، فهو لا يسعى للقداسة لأنه يُحبها، فعلى العكس من ذلك هو يحسد الخطأة الذين ينغمسون في شهواتهم الأرضية ثم يتوبون قبل وفاتهم! بالنسبة إلى عدلي يُختزل الله في مجموعة قوانين، ورغم رغبته كإنسان طبيعي في الاستمتاع بمباهج الحياة وشكر الله عليها، إلا أنه ظل يُجرم أي نوع من الفنون ولحظات الفرح البسيطة في الحياة. بعد خروج عدلي من المعتقل يتواجه مع زيف حياته وهشاشة نزعاته ويوجه خطابه إلى الله معترفًا لأول مرة بحقيقته قائلًا: “الناس بتكذب على بعض، لكن أنا بأكذب عليك أنتَ، كل ده كذب، أنا بحب الخطية، ومبحبش السيما عشان بتعريني وبتقولني وبتكشفني قدامي وتفضحني، أنا بحب الخطية، بس خايف من جهنم. . أنا معرفكش، أنا بعرف شوية إشارات وطقوس وحركات آلية... كلنا بنتفق على حاجة واحدة وبس، إننا خايفين منك، خايفين منك، بس مبنحبكش. . نفسي أحبك، نفسي أحبك زي ما تكون أبويا! "(شخصية عدلي التي مثلها الفنان "محمود حميدة"، فيلم: بحب السيما) يُمثل عدلي في تزمته إحدى أعراض النرجسية الشديدة وهي: لغة الجسد المتعجرفة والمقترنة برؤية الأحداث من منظور أحادي فقط ثم يتجاوز عن ذلك بلحظات شفاء صادقة يتعرف فيها إلى ذاته الأصيلة ويتنسم لفترة قصيرة نغمات الانعتاق. إذًا أين المشكلة؟ فما سبق طرحه هو حوار إنساني صادق إلى أقصى درجة وشخصية درامية متعددة الأبعاد وليست سطحية. سأسرد حاليًا المشكلة من واقع العقل الجمعي القبطي والذي عبر عنه "نعيم" الطفل يوسف عثمان في الفيلم ببشاشة الأطفال واتساق ذواتهم: التماهي: ينكر معظم الأقباط تشابههم مع مجتمعهم ذو الثقافة الإسلامية ويُغلظون الأقسام أنهم لا ينتمون سوى للمسيح، هذا صحيح نسبيًا، بالفعل هم ينتمون لمسيح خاص بهم لا تجده في البشائر الأربعة! مسيح يغضب من شعر النساء غير المغطى داخل الكنائس، مسيح يتقزز من ذراع مكشوف، مسيح يُحرض على احتقار العلاقة الجنسية في الصوم، مسيح يُشجع ختان الإناث في فصول مدارس الأحد، مسيح يلغي فردية البشر ويحولهم لقطيع أعمى! الحقيقة الأغلبية سترى ذلك تجنيًا وادعاءًا، ربما بالطبع فأنا كذلك كائن بشري ذو خصوصية في أفكاره! لكن بمراجعة بسيطة لبعض منشورات التواصل الاجتماعي أو تعليقات الأغلبية على منشور في صفحة عامة ستجد أن التفكير واحد بين عناصر الأمة، في النهاية هم داخل مجتمع واحد و شاءوا أو أبوا يؤثرون في بعض! لا تصدقني؟ إليك بعض الكلمات الدالة يمكنك البحث من خلالها: لا يليق = وهي تعني اختصارًا الحلال والحرام ولكن بصيغة مسيحية، لكنها ركيكة نوعًا ما. تشمل تلك الجملة القصيرة الكثير: لا يليق سماع الأغاني كثيرًا، لا يليق التحدث هكذا، لا يليق الجلوس في القهوة، لا يليق. . كلما سمعت مصطلح "يليق ولا يليق" أعلم أن الكلمات التالية ستكون من عينة العربية المفتوحة وعلب التونة فوق الأرفف! ببيتك يا رب تنبغي القداسة = وتلك القداسة غالبًا تنطبق على النساء فقط، من تدخل في مساحة الزي الشخصي أو انتقاد تسريحة شعر أو توبيخ على حضور ليتورجيا بمستحضرات تجميل. . الأمر أشبه بالوصاية السرية من العلمانيات تحديدًا قبل ألإكليروس، فلا تفاجئي حين تجدين من تقتحم مساحتك الشخصية لأنها خادمة، مثالًا، وتوبخك على ملابسك في طابور التناول، فهذا لها حق مكتسب ونوع من التعالي المُستحق، فهنا لا مساحة للاعتراض، فالحرية الشخصية والإرادة الحرة قد تُعد رذيلة! اسم المسيح يُهان بسببكم = بالطبع يُقصد هنا "سببكن"! فوفقًا للأقباط المعاصرين تتحمل المرأة وزر السقوط وتبعاته وحدها، ولا يُدركون أن في ذلك تهمة بلاهة للذكر نفسه! تُلام المرأة على التحرش الذي تتعرض له تحت بند "شوفي لبسك"، تحرش غالبًا ما يكون من صبية يعرفون موعد الخدمات أو أفراد أمن! ومع ذلك هي مُلامة! فمبدأ الملابس حرية شخصية وذوق فردي لا يلقى استحسانًا داخل المجتمع القبطي. الأمر يُذكرني بأسطورة "ينتهي الغلاء حين تتحجب النساء" لكن بنكهة قبطية تُناسب المجتمع. ولا ننسى بالطبع وعظات المطارنة والكهنة حول مدى احتشام النساء المسلمات أو ملابس العذراء مريم، في حين أن أولئك يتناسون أن الملابس وليدة بيئتها، وأنه وفقًا للإحصائيات لا تسلم أمرأة أيًا كان عمرها أو ملابسها من التحرش في هذا المجتمع! من العجيب حقًا أنهم لا يتحدثون تمامًا عن القانون وكيفية تطبيقه، النساء فقط ملفتات ويستحققن ما يحل بهن! فليخبرهم أحد أن الرجال كذلك فاتنون!   فلكي لا يسمع  لفظ "ديوث" يتربى الذكر القبطي على فوقيته واستحقاقاته عن بنات حواء، ولا يحاول معالجة المشكلة بتطبيق القوانين وتشجيع النساء على أخذ حقوقهم بالقانون. للذكر القبطي المصري "المرأة تابع لرجل" ما وما زاد على ذلك فهو من الشرير! ابن الطاعة تحل عليه البركة = وهي عبارة تُساوي لا تُجادل ولا تُناقش فيما تسلمنا حتى وإن بدا منافيًا لإنسانيتك وعقلك المفكر: لماذا تفكر طالما لدينا جواب لكل شيء. منذ نعومة الأظافر ينشأ جيل كامل على السمع والطاعة وعدم التفكير مليًا وربما تجنب القراءات المحظورة أو المشاركة السياسية. . الأمر أشبه بماكينة تفريغ عقول وملئها بثوابت لا تقبل الجدل أو احترام الأخر أو الحرية الفردية، أتحدث هنا عن الصبية و الفتيات. عشان إحنا إيماننا سليم = وهذا متطابق بالطبع مع عقيدة "الفرقة الناجية". أفكارنا غير قابلة للنقاش، نمتلك الحقيقة المطلقة، لا نُخطئ. . ليس الأمر هنا فقط اتهام الأخر بالدونية والفسادـ لكن في هذا مسحة خفية من لذة ممارسة السلطة وتجييش القطيع، فلندعوها سلطة أبوية، سلطة مستحقة، أيًا كان فهي تُلاقي الرواج بين الجماهير! عقدة الجسد: سبق وعرضنا علاقة التأثير والتأثر بين الأقباط والمجتمع، ورغم كراهية الأقباط كثيرًا للبدع إلا أنهم يُحبون الغنوصية أو احتقار الجسد بصورة ما، بل ربما يجدون في ذلك فضيلة! وحيث أن الفن يحتفى بالحياة ويُقدر روعة الجسد ستجد عدد لا يُستهان به من الأقباط يُعرضون عنه أو يجدون له بديلًا داخل جدران الكنيسة. فلا مانع من الرسم والتمثيل والتعبير الحركي والمسرح والموسيقى داخل إطار كنسي مُحافظ، لأنك، وبالنسبة للعقلية القبطية، أن فعلت ذلك خارج أسوار الكنيسة، أو المجتمع الآمن، ستختلط بالعالم وهذا بالطبع سيؤذيك، ربما ستقدم تنازلات أو تتخلى عن إيمانك أو تنغمس في الشرور، أو حتى تبتعد عن عيننا التي ترعاك! كمجتمعهم، يتقزز غالبية الأقباط من الجسد، بالأخص الأنثوي، قد يقولون أن الطمث ليس نجسًا ولكن يمنعون النساء من الشركة المقدسة خلال الحيض، قد يقولون أن الزواج سر كنسي أصيل لكن منهم من يشعر بالذنب تجاه علاقته بزوجته قبل القداس أو في صوم: كأن الأمر دنس ونجاسة، لك بالطبع أن تتخيل أن تُثر قضايا الاغتصاب الزوجي والعلاقات الرضائية أو الإعجاب والافتتان في مجتمع كذلك. لذلك السبب لم أتعجب من تقزز "عدلي" في بحب السيما من العلاقة الجسدية ولوحات النساء في منزله! ثُنائية السر والعلن: ينطبق هذا على كل شيء تقريبًا: لا تُناقش مثل تلك الأمور على الملأ. خليك في خلاص نفسك، اللجام الذين يضعونه لمن يفتح فاه. اختصارًا لا تكن نفسك، كن نسخة من القديس فلان. انكر رغباتك ومشاعرك وحين تطارد صحوك ومنامك قل أنها أفكار شريرة. الأمر أشبه بأننا نعرف الكثير من قضايا الفساد داخلنا وداخل مؤسساتنا لكننا لن نعترف بذلك. لام الكثيرين على الفيلم قصة لمعي ونوسة داخل أسوار الكنيسة كذلك طلاقهما، واعتبروه تحريض على الفجور ودعوة لهدم الأسر القبطية، المهدمة بالفعل، كما عتبوا على الجدة التي تشتم ببذاءة، وانكروا كل الاستنكار خيانة زوجة مسيحية لزوجها، وكأنهم ليسوا شخصيات قد نجدها حولنا في المجتمع! فالقبطي نموذج واحد فقط معروف بتقواه وفضائله ولا يصح أن تظهره السينما بتلك الصورة! نحن لا نعترف بوجود الخطأة ولا نقبلهم كمسيحنا! الأفكار المغلوطة عن الله: ولأنك لن تتساءل عما هو طبيعي، كطفل قبطي، بالطبع لن تتساءل عما فوق الطبيعي! كان الاعتراض الأكبر على فيلم "بحب السيما" هو تصويره لمشهد مُصارحة بين البطل ونفسه والله، في خطوة غير مألوفة، فكيف يُخاطب الذات الإلهية بتلك النبرة؟ كيف يُخاطبها أساسًا بعد خروجه من بار خمور؟ كيف يجرؤ على الشك بعقيدته وطقوسه؟ أليست الطقوس هي باب ملكوت السموات؟ كانت نقطة تحول "عدلي" بالنسبة لي هي لحظة انهيار دفاعاته الداخلية، لحظة الصدق التي بكى فيها أمام الله، وعاد ليكون نفسه يستكشفها بلطف ويعيش ذاته بحلوها ومرها دون أن يرتعب. كثير من شباب الأقباط لا يعرفون عن الله سوى الممارسات من حضور ليتورجيا أو فصل ألحان أو مدارس أحد، لكن إن تحدثت معه عن الله ستجد العجائب لا يكفي مقال لنشرها. رغم حزني لوفاة "عدلي" في الفيلم بعد فترة قصيرة من اكتشاف ذاته، لكني فرحت باكتشافه أعمق معاني السلام داخل نفسه من خلال الحياة فقط كـ"عدلي": فقد اكتشف ملكوت الله داخله! بعيدًا عن الطرح الساخر شبه الكاريكاتوري لبعض شخصيات فيلم "بحب السيما" هل مازلت لا تعرف لماذا يكرهه الأقباط؟ أشك في ذلك. نجح الفيلم في ربط الفكر بالمتعة البصرية. شاهده أولًا ثم قرر بنفسك. --- ### نظرة في مفهوم الصوم في الكنيسة المعاصرة
هل حقًا "لا يحكم علينا أحد"؟ - Published: ۲۰۲۱-۰۷-۱۲ - Modified: 2023-08-11 - URL: https://tabcm.net/2240/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, شئون علمانية - وسوم: إبيفانيوس، أسقف سلاميس, چورچ حبيب بباوي, ديداخي, مجمع ترولو إنه لأمر أوضح من أن نتبينه، هو أننا في أمسِ الحاجة إلى أن نعيد تعريف الصوم المسيحي، وأن نتخلى عن المفاهيم الجامدة التي تعكس ضربًا من الأصولية والتدين الأعمى الذي لا يمت بصلة لما علمنا إياه السيد المسيح، بل ويتنافى مع أبسط أسس المنطق أحيانًا كثيرة. لذا، دعنا نحلل ما نؤمن به تحليلًا يتعقبه إلى الجذور، ملقيين نظرة صادقة على تعريف الصوم الحقيقي الذي يدنيه من غايته. يظن البعض أننا نصوم صومًا نباتيًا لأن الطعام النباتي يجعلنا أقل ميلًا إلى العنف، وأتعجب من ذلك الطرح الأقرب إلى خيال الأطفال حين يتصورون أن أكل اللحم هو الذي يجعل الأسد عنيفًا، كما لو أن العنف ليس من طبيعته، وكما أننا نستطيع أن نحول أي حيوان أليف الطبع إلى وحش مفترس بإطعامه اللحم! وهذا الطرح بقدر ما ينافي المنطق، بقدر ما يتعارض مع ما قاله السيد المسيح حين نفى وجود أي صلة بين ما يتناوله المرء من طعام وبين ما يرتكبه من خطايا: "لَيْسَ مَا يَدْخُلُ الْفَمَ يُنَجِسُ الإِنْسَانَ، بَلْ مَا يَخْرُجُ مِنَ الْفَمِ هذَا يُنَجِسُ الإِنْسَانَ. "(الإنجيل بحسب متى 15: 11) وعلاوة على ذلك، إذا كان التخلي عن العنف والخطايا يتم بهذه السهولة عن طريق تناول بعض الوجبات التي تجعلنا لا نخطئ، ما هو عمل المسيح في حياتنا إذًا؟ ما حاجتنا له؟ فالأمر في غاية البساطة؛ يمكننا أن نتبرر بأنفسنا حين نتجنب أكل اللحم، ونربأ بأنفسنا عن العنف والشر، ونتحول إلى قديسين! يذكرني هذا الطرح السطحي بتلك الإعلانات التي دائمًا ما نراها عن منتجات بها من السحر ما بها لتخلصك من الوزن الزائد في غضون أيام ودون مشقة. هكذا أصبح تصورنا عن الصوم، فهو نظام غذائي سحري يخلصك من الخطية في غضون أيام. دعنا الآن، عزيزي القارئ، نعطف إلى تاريخ الصوم في الكنيسة، وكيف كان الآباء يصومون. في وقت مبكر من القرن الثاني، نجد في النصوص المسيحية المبكرة مثل الديداكي (تعليم الرسل الاثني عشر) إشارات إلى أيام الأربعاء والجمعة كأيام صيام؛ ففي الفصل الثامن من الديداكي نصح الرسل المؤمنين بما يلي: "لا تصوموا مع المرائين، المراؤون يصومون يوم الاثنين والخميس، أما أنتم فصوموا يوم الأربعاء ويوم الجمعة. "(الديداخي / الديداكية) ولا يوجد ذكر لأي أصوام أخرى في الديداكي. وبذلك يتكشف لنا أن الصيام أٌقيم على عكس أيام الصيام العبرية التي كانت يومي الإثنين والخميس، وفي وقت لاحق، أضاف المسيحيون معنى جديدًا لهذه الأيام - كذكرى أيام خيانة المسيح وموته؛ أي أن القصد الأصلي هو الصيام وتدريب النفس، ولم يختر الرسل يومي الأربعاء والجمعة إلا لكي يمتازوا عن اليهود فقط بسبب الاختلاط الشديد حين ذاك. ورجوعًا إلى شهادة القديس إبيفانيوس القبرصي، في القرن الرابع الميلادي، فإن الصوم الكبير كان يقوم على تناول وجبة واحدة خالية من اللحم في اليوم، ويُعتقد أن هذا التراث استمر إلى أن جاء مجمع ترولو في القرن السابع، ليصبح بذلك أول مجمع كنسي ينهى عن أكل اللحم ومشتقاته في الصوم الكبير؛ حيث كان المسيحيون يتناولون مشتقات اللحوم، من بيض، وجبن أثناء الصوم. (مجمع ترولو – القانون 56 – المصدر: كتاب الشرع الكنسي ص584)، واستمر هذا التقليد حتى يومنا هذا في الكنيسة الأرثوذكسية. ومن الجدير بالذكر أن مجمع ترولو هو مجمع غربي، أقيم في روما وحضره 215 أسقفًا، جميعهم من الإمبراطورية الرومانية الشرقية — أي أنه لم يصدر من كنيسة الإسكندرية القبطية. وبهذا يتضح لنا أن طريقة الصوم ليست بفرض ثابت، بل شكل نظامي يتغير مع الزمن. ومن أبرز الأصوام التي اعترتها تغييرات عدة هو صوم الرسل، فقد تغير مرارًا وتكرارًا، ولكن للاختصار، يكفي أن نذكر فقط أن الرسل، كما هو موضح بسفر أعمل الرسل، قد صاموا عشرة أيام بعد صعود المسيح لانتظار موعد حلول الروح القدس، وكان الصوم من أجل الخدمة، وانتظار مسحة الروح. لكننا الآن نصوم بعد حلول الروح – أي بعد إتمام الموعد والغرض الذي صام الرسل من أجله في الأساس – ونعيد في عيد استشهاد بولس وبطرس، ألا ترى معي أن صوم الرسل قد فقد دلالته وغرضه؟ فنحن لم نعد نقتفي إثر الآباء الرسل. أتريد ما هو أكثر؟ تعلمنا الدسقولية أن الصوم بعد حلول الروح غير مستحب لأنها أيام فرح. تقول الدسقولية: "ومن بعد أن تكملوا عيد الخمسين عيدوا أيضاً أسبوعا آخر ومن بعد ذلك صوموا أسبوعا آخر، لأنه واجب أن نفرح بمحبة الله التي دفعها لنا. "(الدسقولية، الباب ٣١) لم يرَ الرسل الصوم بعد حلول الروح مناسبًا، وفضلوا أن يبتهجوا بتلك العطية. فماذا تقول؟ هل مازلت تظن أنك تتبع قوانين الكنيسة الأولى كأنما لو أنها قد سبكت في قالب؟ هل تظن أنك على الصراط المستقيم و"متمسك" كما تحب أن تتفاخر؟ وللأسف الشديد، يظن بعض البسطاء من المرضى المطالبين بتناول البروتين لأسباب صحية بأنهم لو اتبعوا نصائح الطبيب، سيخرقون القاعدة ويرتكبون إثمًا في حق الله والكنيسة. وهذه غرابة ينبغي لأي قارئ للتاريخ الكنسي أن يدهش لها! فالقوانين تغيرت بالفعل! معنى الصوم الحقيقي الصوم يقوم على حرية الإرادة، هذا هو مربط الفرس: أن تتخلى عما تحب، إن كان طعامًا، أو شرابًا، أو أفعالًا، أو مواقع التواصل التي تستغرق منا ساعات طويلة، بكامل اختيارك، ودون قانون أو رقابة، لأنك تريد أن تقوي إرادتك وتخصص وقت للعبادة. فما قيمة أن تستبدل المكونات الحيوانية بمثيلتها من النباتيات لكي تصنع ما تشاء من أطعمة وتستمتع بنفس المذاق في النهاية؟ وهناك أمثلة لا حصر لها، لا أريد أن أخوض في ذكرها؛ فكلنا يعلمها تمام العلم. أنت تفقد حرية الاختيار، فانتبه. خيرٌ للإنسان أن يصوم شهرًا واحدًا بصدق على أن يصوم عشرة أشهر وهو يخدع نفسه. ونجد في بستان الرهبان هذا المقطع الرائع الذي يوضح أن المؤمن يتعامل مع الصوم كحالة دائمة، لا كموسم أو عادة، فحينما يجد المؤمن أن شيئًا ما قد غلب إرادته، ينقطع عنه من تلقاء ذاته: "أذاعوا في برية مصر أن الصيام الكبير قد بدأ، فمر أخ بشيخ آبير وقال له: "لقد بدأ الصوم يا أبي". فقال له الشيخ: "أي صيام يا ابني؟". فقال له الأخ: "الصيام الكبير! ". فأجاب الشيخ وقال له: "حقًا أقول لك، أن لي هنا 53 سنة، لا أدري متى يبدأ الصوم الذي تقول لي عنه ولا متى ينتهي! " (بستان الرهبان 346) فالراهب الشيخ لا يهمه متى يبدأ الصوم ومتى ينتهي، هو يحاسب ذاته باستمرار كأي إنسان سوي، ناضج. ويتعجب جورج حبيب بباوي من منع غير الصائمين من التناول قائلًا إن الكهنة يعاملون من لا يصوم في الأيام المحددة كما لو كان مقطوعًا من شركة المؤمنين كليًا. فكيف تمنع جسد الرب ودمه عن ابن لله –كما يُمنع غير المؤمن– لمجرد أنه لا يصوم معك في الوقت ذاته؟ وقد ذكرنا أن الأيام تتغير، والمهم هو أن تصوم، لكن اليوم والساعة لا تهم. "فَلاَ يَحْكُمْ عَلَيْكُمْ أَحَدٌ فِي أَكْل أَوْ شُرْبٍ، أَوْ مِنْ جِهَةِ عِيدٍ أَوْ هِلاَل أَوْ سَبْتٍ"(رسالة بولس الرسول إلى أهل كورنثوس 2: 16) "الأَطْعِمَةُ لِلْجَوْفِ وَالْجَوْفُ لِلأَطْعِمَةِ، وَاللهُ سَيُبِيدُ هذَا وَتِلْكَ"(رسالة بولس الرسول إلى أهل كورنثوس 1: 13:6) "لأَنْ لَيْسَ مَلَكُوتُ اللهِ أَكْلًا وَشُرْبًا، بَلْ هُوَ بِرٌّ وَسَلاَمٌ وَفَرَحٌ فِي الرُوحِ الْقُدُسِ. "(رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 14: 17) "لاَ يَزْدَرِ مَنْ يَأْكُلُ بِمَنْ لاَ يَأْكُلُ، وَلاَ يَدِنْ مَنْ لاَ يَأْكُلُ مَنْ يَأْكُلُ، لأَنَّ اللهَ قَبِلَهُ. "(رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية 14: 3) --- ### ملاحظات على هامش كتاب: "البيذاليون" - Published: ۲۰۲۱-۰۷-۱۱ - Modified: 2023-08-12 - URL: https://tabcm.net/1973/ - تصنيفات: المرأة القبطية, تاريخ وميثولوچيا - وسوم: إفخارستيا, بيذاليون, تناول المرأة, ديونيسيوس الأريوباغي، أسقف أثينا, نيقوديموس, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية توجد بعض النقاط في هامش كتاب البيذاليون والتي يبدو أن واضعها هو مُجمِع الكتاب، أي نيقوديموس، يحاول فيها أن يوضح سبب وجود قوانين الطهارة الجسدية. تبدأ هذه النقطة بتعريف مصطلح "الطمث" (انظر لاويين 15: 19، ولاويين 15: 25) ويتناول بعدها السؤال التالي: "لماذا جعل الله هذه الخاصية الجسدية الطبيعية التي وضعها بنفسه في المرأة غير طاهرة؟" يدي الله خلقت المرأة، بكل خصائصها الطبيعية، جيدة في جنة عدن، وبالتالي لا يمكن أن يعتبر جزء من تكوين المرأة الجسدي خطية أو غير طاهر. يقول ق. يوحنا ذهبي الفم وثيؤدور وديؤدور يتفقوا مع الأوامر الرسولية التي تؤكد ألا يوجد ما يفصل الإنسان عن الروح القدس سوى انعدام التقوى أو الأفعال الخاطئة. لماذا إذن نرى هذا الموقف بين الآباء حيث يروا الطمث غير طاهر؟ كما سبق وقلت، يصف لاويين 15 أشياء جسدية تجعل الإنسان غير طاهر سواء ذكر أم أنثى. الآيات من 1 إلى 15 تصف كيف أن الإفرازات الجسدية غير الطبيعية تنجس الرجل. يرى معظم مفسري الكتاب المقدس في العصر الحديث (ويتفق معهم ق. يوحنا ذهبي الفم) أن هذه الإفرازات غير الطبيعية راجعة لأمراض السيلان أو الأمراض التناسلية. ويلزم الشخص أن يمر سبعة أيام ثم يقدم فرخي حمام ككفارة لكي يتطهر. ونفس الشيء ينطبق على النساء فترة حيضهم. لهذا نرى أن الإفرازات غير الطبيعية الإرادية التي تكونت نتيجة لممارسات جنسية غير شرعية تتساوى مع الطمث الطبيعي اللاإرادي الذي دوره أن يعطي الحياة. وبمزيد من القراءة نجد أن أغلب الظن كانت هذه محاولة لمنع الرجال من الاضطجاع مع زوجاتهم وقت طمثهن حيث أنهم في ذلك الزمن اعتقدوا أن الأطفال الذين يحبل بهم وقت الطمث كانوا أكثر ضعفًا بل وحاملين للأمراض (البرص بشكل خاص). "بناء على ذلك وضعوا قانونًا أن الأبرص يُطرد خارج المدن بعيدًا عن كل التعاملات الإنسانية، فبهذا يمنع الآباء والأمهات من العلاقة الجسدية وقت الطمث بسبب النجاسة حتى لا يكن لهم أولاد مصابين بالبرص ومنبوذين بسبب ذلك... بالإضافة إلى ذلك، أمر الله أن يعدم الرحل الذي يضطجع مع امرأته فترة طمثها (لاويين 20: 18 وحزقيال 18: 6). ولهذه الأسباب، ولتثبيت الورع والمخافة لا في قلوب النساء فقط بل أيضًا لطيش وعنف الغريزة الجسدية لدى الرجال سواء في العهد القديم أو حاليًا في الجديد من خلال القديسين، فمنع الله هذه النساء من المجيء للهيكل بالكلية أو أن يشتركوا في الأسرار الإلهية" (القديس إيسيذوروس) وبالوصول لهذه النقطة، ينبغي أن نؤكد أن الطب لا يعتبر البرص مرض جيني يمكن انتقاله من الآباء للأبناء سواء تمت العلاقة الجسدية خلال فترة الطمث أم لا. وحتى من تم الحبل بهم "بالطريقة الطبيعية" يمكن أن يصابوا ببكتيريا البرص. بالتالي فحجة ديونيسيوس لا أساس طبي لها، حيث إن البرص مرض بكتيري ولا علاقة له على الإطلاق بطريقة الحمل. ثانيًا، ينبغي أن نلاحظ كيف أن القيود وضعت على جنس واحد لحل مشكلة من المفترض أن سببها هو الجنس الآخر. فمن غير المنطقي أن نلوم المرأة بسبب عدم قدرة الرجل على التحكم في نفسه داعين إياها غير طاهرة في وقت حيضها بدم الحياة. ثالثًا، تعد جملة "طيش وعنف الغريزة الجسدية لدى الرجال" في إشارتها للرجال قاسية جدًا ولا أساس لها. فهي تعذر وتتغاضى وتوصم العنف الجنسي كشيء طبيعي وهذا يعتبر خطية. على العكس، ينبغي أن يُشجع الرجال الذين قبلوا المسيح وأصبحوا قادرين على ضبط أنفسهم أن يسلكوا بالفضيلة. قد يرى ثيؤدوريت أن هذا القانون يكرم النساء ويحميهم من رجالهم غير القادرين على ضبط أنفسهم. إلا أنه في الحقيقة مثل هؤلاء الرجال هم يمتازوا بوحشية لا ينبغي أن تكون في الأزواج. فأين الدعوة للمحبة واحترام شريك الحياة التي يكتب عنها ق. بولس في رسالة أفسس 5: 25-28 لو كان الرجال عنيفين وطائشين؟ فلا يوجد تكريم للنساء بمثل هذا القانون. كل ما فعله هذا القانون هو أنه جعل من النساء كبش فداء لبعض الرجال الذين سيطرت عليهم غرائزهم. قد يكون هذا السبب وافي بالنسبة لنيقوديموس، لكن من غير الممكن أن يكون هو السبب الحقيقي وراء كتابة هذا القانون لأنه يناقض تعاليم الكتاب المقدس الأساسية.  يبدو لي أن التعليق التالي الذي وضعه نيقوديموس في الهامش هو السبب الحقيقي وراء هذه القوانين: أي النظافة. النساء اللاتي في الوضع أو الحائضات، إن كن غير معتمدات، ينبغي ألا يعتمدوا؛ وإن كانوا غير معتمدين، ينبغي ألا يشتركوا في الأسرار الإلهية ما لم يتطهروا أولًا إلا في حالة الإصابة بمرض مميت. ( لاون الحكيم في "نوفل 17") المقصود هنا بقوله "النساء اللاتي في الوضع" هن من للتو ولدن أطفالًا ولا زلن ينزفن الدم الذي يعد غذاء للطفل على مدى تسعة أشهر. من الواضح أن هذا القانون مبني على ما ورد في لاويين 12 كما ذكرنا آنفَا. من المثير للاهتمام كيف أن الكنيسة في محبتها وشفقتها كانت مستعدة للسماح بمعمودية وتناول المرأة الحائض والتي كانت تُنعت بـ"الخاطئة" و"المتسخة" و"النجسة" في سياقات أخرى. والكنيسة على حق في ذلك، لكن إن كان مسموحا للمرأة أن تعتمد وتتناول وهي على فراش الموت بسبب الشفقة، كذلك ينبغي أن يُسمح لها أيضًا بهذا خلال حياتها بسبب الشفقة. فنحن نحتاج سر الإفخارستيا في هذه الحياة. هدفه أن يشفينا روحيًا في هذه الحياة. فلو المسألة متعلقة بالنظافة، فمن المنطقي بالنسبة للتناول، ألا تقترب المرأة التي عليها دمها حتى تنتهي فترة الطمث، ونفس الشيء ينطبق على الشخص غير القادر على التحكم في عمليات الإخراج الطبيعية فينبغي عليهم أن ينتظروا حتى يستطيعوا التحكم في جسدهم مرة أخرى قبل أن يتقدموا للعماد. ومن القوانين غير الموجودة في كتاب البيذاليون، قانون من قوانين الآباء الرسل يرجع للقرن الثاني الميلادي ومقبول كقانون أصيل—وتعتبر الكنيسة الأرثوذكسية قوانين الآباء الرسل ملزمة—وهذا القانون سبق تاريخيًا كل القوانين السالف ذكرها حيث ينص على: "فلو تظني، أيتها المرأة، أنه خلال سبعة أيام حيضك أنك مقفرة من الروح القدس، فهل لو انتقلتِ خلال السبعة أيام، هل تنتقلي فارغة وبلا رجاء؟ لكن إن كان الروح القدس دائمًا فيكي، بدون عائق حقيقي، فلماذا تنقطعي عن الصلاة وقراءة الكتاب المقدس والإفخارستيا؟ فلو أن الروح القدس فيكي، فلماذا تبعدي ذاتك عن الاقتراب من أعمال الروح القدس؟ لهذا، يا محبوبة، اتركي عنك هذه التقييدات إذ قبلتي الانحلال منها فلا ينبغي أن تقيدي نفسك بها مرة أخرى ولا تحملي نفسك بمثل هذه الأشياء التي رفعها عنك ربنا ومخلصنا. ولا تنظري لمثل هذه الأشياء، ولا تظنيها نجاسة، ولا تمنعي نفسك بسببها، ولا تبحثي عن نوع من الرش أو المعمودية أو التطهير من مثل هذه الأشياء" (من قوانين الآباء الرسل في القرن الثاني الميلادي) فهذا القانون يبين أن الطريقة الوحيدة التي تجعل المرأة تشعر بامتلائها من الروح القدس هي أن تشترك بالكلية في جدة حياة المسيح بما فيها الشركة في سر الإفخارستيا. يصير من الطبيعي بالنسبة للنساء اللاتي يسمعن دومًا أنهن غير طاهرات وقت طمثهن وأنهن مندرجات مع الخطاة، أن يمتنعن عن الصلاة أو قراءة الكتب الإلهية، أو أن يشتركوا في أي جانب من جوانب إيمانهم، إذ أنهم طالما سمعوا أنهن غير طاهرات وعلى هذا غير مستحقات للاقتراب من الله وأنهن حتى لو تجرأن وطلبنه في ذلك الوقت، فلن يقبلهم. بالتالي، يصير سلوك النساء منذ القديم سلوك المجروحين روحيًا. تحتاج الكنيسة أن تعيد النظر في أثار هذه القوانين على نمو النساء الروحي وعلى الآباء الروحيين وآباء الاعتراف أن يستخدموا موهبة الإفراز التي أنعم بها الله عليهم وقت تعاملهم مع بناتهم الروحيات. واضع القانون السرياني السابق لاحظ الآثار الروحية الضارة الناتجة، وبوعي بذل جهده في تضميد هذه الجراح. في هذا القانون أيضًا نجد الإجابة على السؤال السابق عما إذا كان هناك طقس لتطهير النساء. فإذ أن النساء لا يصرن غير طاهرات بسبب طمثهن فيقول لهم القانون ألا يطلبوا تطهرًا من مثل هذه الأشياء وبالتالي لا يقدم (القانون) طقس تطهير في هذه الحالة. والعجيب أن النقطة التي أضافها نيقوديموس في هامش قانون ديونيسيوس، يتعامل فيها مع القانون السرياني السالف ذكره ويتفق مع جزء منه، ولكنه يختلف مع القانون في سماحة للنساء أن تقتربن في هذا الوقت للإفخارستيا معللًا ذلك بأن هذا الجزء جاء كإضافة متأخرة. لاحظ أن الرسل سمحوا لهؤلاء النساء أن يصلين ويذكرن الله فقط تمامًا كما جاء في قانون ديونيسيوس الذي يأذن بهذين فقط. لكن لا يسمح لهم بالشركة في الإفخارستيا ولا الذهاب للكنيسة. لأن ما كتب على هوامش المخطوطة (الجزء الذي جاء في الهامش هو الخاص بالشركة في الإفخارستيا) ليس له تأثير كاف أو بلا تأثير على الإطلاق، حيث أنه غير موجود في صلب ما جاء في التوصيات المسجلة في المخطوطة. لكن هذا الموقف (الذي اتخذه نيقوديموس) يثير العديد من التناقضات. أولًا، أجمع الآباء على أن النساء وقت طمثهن لا يصبحن مقفرات من الروح القدس. كلهم يؤكدوا على أن الله خلق النساء وينبغي ألا ينقطعن عن الصلاة لخالقهن. وهذا يتفق مع ما سبق وذكرناه، أي إن ما خلقه الله لا يمكن أن يعتبر نجسًا. إلا أن ما كُتب في الهامش يعود ويناقض نفسه بقوله: أنه على الرغم من امتلائهم بالروح القدس خلال طمثهن، إلا أنهم ممنوعين من دخول الكنيسة والشركة في الأسرار. أو بطريقة أخرى يمكننا أن نقول أن الروح الساكن في هؤلاء النساء ممنوع من دخول بيته هو الذي فيه يتحرك ويقود وينعم علينا بحوله على التقدمة الإفخارستية. إلا أننا نؤمن أن الروح لا يمكن أن يُحد ويتحرك حيث يشاء وله الحرية في أن يخلص الجميع. فلو أن الروح حاضر في هؤلاء النساء فمن الطبيعي أن يقودهن لملء الحياة في المسيح وهذا يتضمن الشركة في الإفخارستيا. أما بالنسبة للإضافة التي وضعت في هامش القانون الرسولي العائد للقرن الثاني، فالكاتب (أي نيقوديموس) يتوقع أنه إضافة متأخرة. وأنا أتوقع أنه من المحتمل أن الإضافة كانت موجودة في النص الأصلي ثم تم حذفها بناء على أسباب لا أساس لها ثم تم إضافتها مرة أخرى بواسطة ثمة شخص لاحظ أن الروح القدس أينما وُجد لابد أن يُحرك الشخص نحو ملء الحياة في المسيح. العجيب أن ما يلي هذا الجزء من الهامش يحاول القضاء على أي سؤال أو حجة لموقف "المنع" الذي اتخذه قانون دينونيسيوس. فيقول: "ونحن نرد عليهم بهذه الإجابة الحقيقية الواثقة وهي أننا لا يجب علينا إلا أن نلتزم ونطيع ونتبع القوانين بطاعة تامة وألا نجلس على كراسي القضاء فاحصين ما أمر به الروح القدس ولا نستمر بالقول لماذا هذا ولماذا ذاك؟ لئلا نجلب على أنفسنا العقوبات الرهيبة التي تأتي على من يتعدوا القوانين " (جزء من هوامش كتاب البيذاليون) من الواضح أنه حتى آنذاك كان هناك جدل حول هذا القانون. وإلا فلماذا يحاول كاتب الهامش أن يقدم حجة ضد القائلين "لماذا هذا ولماذا ذاك؟" ففي النهاية يطلب ما يطلبه متحججًا بسلطة الروح القدس. إلا أنه لو كان هذا القانون موضوع بواسطة الروح القدس لما حمل هذا الكم من التناقضات التي تمنع حرية الروح القدس نفسه. أليس المسيحيون مدعوون لامتحان الأرواح ليتأكدوا أنها من الله؟ (1 يوحنا 4: 1). وكيف يمكن لشخص عاقل أن يساوي بين ما يخص السيل المنوي من الرجال والناتج عما ظنه الآباء استحلامًا ناتجًا عن أحلام شهوانية مملوءة بروح الشهوة وبين دم الحياة الذي أعطاه الله للمرأة؟ من الواجب التنويه أن من حكموا على قانون القرن الثاني الميلادي السرياني وحاولوا دحض صلاحيته هم من يلتفتوا ويقولوا لنا أنه لا ينبغي أن نجلس في كراسي القضاء وألا نكون فاحصين للقوانين التي أتت فيما بعد. فماذا لو أن القانون الأقدم الذي كُتب في غضون مئة عام بعد المسيح يوضح بطريقة صحيحة ما علمه ربنا ومخلصنا؟ فنحن غير مدعوين أن نتبع أراء شخصية. نحن مدعوين للبحث عن الحق، وأن نفرز من تعاليم الآباء ما هو بشري وما هو بواسطة الروح القدس. ينبغي أن نوقر آباء الكنيسة ونضعهم في مكانة عالية. لكن علينا أيضًا أن نتذكر أنهم بشر من نتاج عصرهم وأنهم قابلين للخطأ. وفي عصرهم، لعبت النظافة الصحية دورا هاما. فنظرًا لأن السبب المنطقي الوحيد لعدم السماح للنساء بدخول بيت الرب وقت طمثهن هو لمنعهن من أن يلوثوا بيت الرب ولأنه لا يوجد سبب لاهوتي ولأن الأسباب المتعلقة بالنظافة لم تعد موجودة في عصرنا، فيجب على الكنيسة أن تعيد النظر في هذه القوانين. يجب أن نفهم أن هذه القوانين كانت عملية لزمنها. أما بالنسبة لمجتمعنا الذي يفهم الجسد الآن بطريقة أكثر تقدمًا والذي تطورت نظافته بطرق تسمح للمرأة أن تذهب وتأتي وهي نظيفة، فقد أصبحت هذه القوانين موضع تساؤل. فقد حان الوقت أن تضع الكنيسة الحاجة الروحية للمرأة التي عليها دم الحياة كأولوية. حان الوقت لكهنتنا وآباءنا الروحيين أن يستخدموا الإفراز في فهمهم لهذه القوانين وأن يضعوا الصحة الروحية لبناتهم الروحيات في المقدمة. منع التناول هو أمر جد خطير ويسبب ضررًا لا على الروح فقط بل أيضًا على المستوى النفسي والعاطفي. فلو طهر البنات الروحيات أنفسهن من الداخل بالتوبة والاعتراف بخطاياهن وكانوا بالحقيقة عطشى للمسيح، يصير من الواجب على أباءهن الروحيين أن يقدموا لهم الرحمة والحنان سامحين لهم "بالاقتراب في إيمان ومحبة وخوف الله" لسر ربنا الإلهي. --- ### البابا شنودة الثالث ونسطوريوس
تساؤلات واجبة [١] - Published: ۲۰۲۱-۰۷-۱۰ - Modified: 2023-09-10 - URL: https://tabcm.net/2225/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, لاهوتيات - وسوم: إفخارستيا, الكنيسة الجامعة, النسطورية, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس عمود الدين, چورچ حبيب بباوي إن اختلفت الدوافع الشخصية، فسهم الشطط واحد، هدفه ثابت لا يلين، هو فصم عريّ شراكتنا واتحادنا في الرب يسوع المسيح. الإفخارستيا هي حجر زاوية المسيحية، وجوهرة تاجها، عربون القيامة والخلود، فإن تحولت إلى ممارسة شكلية احتفالية، ما عادت أرثوذكسية، ولفرغت المسيحية من صُلْب جوهرها. " اللاهوت لا يؤكل " الهراء، الدوافع الشخصية والنتائج تكررت هذه الجملة مرتين على الأقل في تاريخ المسيحية، والجملة بذاتها محض هراء، فلم يسبق لأحد أن ظنّ أن اللاهوت -كطبيعة- يؤكل، فلمن النفي إذن من قائليها؟ "الحرارة" هي طاقة يكتسبها جسم ما، فهل يمكن شرب "الحرارة"؟ بالقطع لا، ولكننا لم نر مأفونا يخبرنا أن الطاقة لا تُشرب، لأنها بداهة ألا تشرب فعلا في صورتها المجردة إن وجدت. ولكن علي الجانب العملي، من يحتسي حساءًا ساخنا، يشرب هذه الطاقة (محمولة) وتنتقل إلي جسده. "البرودة" هي طاقة مفقودة من جسم ما، فهل يمكن أكلها؟ لن نكرر ما سبق، ولكن أكل "المثلجات" سيأكل هذه الطاقة "السالبة" (محمولة)، وسيعادلها فور دخولها جوفه. هل ظن أحدهم أن "النار" يمكن تشكيلها أو تطويعها؟ ثم خرج علينا متفاخرًا بالإعجاز العلمي الذي اكتشفه قائلًا: النار لا يمكن تطويعها ولا تشكيلها! ! عمليًا، تستطيع تطويع وتشكيل النار المتحدة بقضيب حديد إلي الشكل الذي تريد وترغب. فإن كان الأمر هو هراء كثيف هكذا، فلماذا يتجشم أحدهم عناء أن يعلنه على الملأ، ليصبح مثارا للتندر والسخرية! الدوافع الشخصية مختلفة لكلا قائليها، وما جمعهما هو الإفراط في الإعجاب بالذات، والاعتداد العارم بما يقولون ويظنون, أولهما : كان يدافع عن تعليمه الأثير، المسيح الثنائي، الإنسان للهوان والإهانة والعذاب والموت، والإله للمجد والكرامة والقيامة. الإنسان: الهيكل القابل للهدم، والإله: مقيم هذا الهيكل. هو يؤمن بالاتحاد، ولكنه اتحاد شكلي، إنسان مغلف بالإله، فظن أنه وجد ضالته في: «خُذُوا كُلُوا. هذَا هُوَ جَسَدِي»، وأنها برهان كافي للثنائية يدحض به تعليم من ينادون بأقنومية الاتحاد. ثانيهما: كان يؤمن أنه الوحيد صاحب سلطان التعليم، الوحيد الذي يجب أن يحتفي به الجميع، يتلقفون تعليمه فاغري الأفواه من فرط الانبهار. فعندما صدم من ضحالة وقزمية ما يكتبه بجانب الدراسات الموسوعية التي ظهرت، كان الحل هو استغلال الشعبوية والسلطان في الهجوم و التسفيه، حتى أودت به إلى موارد الشطط. الرجل كان ينفي إمكانية اتحادنا بالرب عن طريق الإفخارستيا، فجرد التناول من مفاعيله و اصبح ما نتناوله جسدا لا يفيد شيئا، و كأنه لم يصل أبدا قسمة القديس كيرلس: "عند إستحالة الخبز والخمر إلى جسدك ودمك تتحول نفوسنا إلى مشاركة مجدك وتتحد نفوسنا بألوهيتك" (قسمة القديس كيرلس) والسؤال هنا: هل علم الرجل بما سبقه إليه نسطوريوس ثم قاله مع ذلك؟؟ وترجيحي أن: لا... أميل أنه لم يقرأ جيدا عن هرطقة نسطوريوس، فبداية هو لم يورد عنها حرفا واحدًا في موسوعته: "علم اللاهوت المقارن"، وهو أمر مستغرب جدا، لأن الرجل كتب عن كلمًا عنَّ له، حتى "حكايتهم" مع "جورج بباوي" أفرد لها فصلا. ثم حين تحدث عن الهرطقة في محاضرة، قال كلامًا مضحكًا لا يمتّ لنسطوريوس بصلة. وأخيرا لو أنه قرأ، لعلم يقينا أن القديس كيرلس الكبير كان قد رد على هذه الجملة تحديدًا قائلًا: "نحن نأكلاللاهوت، لا نهضمهكما قد يفكر الاغبياء" (القديس كيرلس الكبير) فالأرجح أن الجملة من عنديات الرجل واجتهاداته التي لم تكن دائمًا في الاتجاه الصحيح. إن اختلفت الدوافع الشخصية، فسهم الشطط واحد، هدفه ثابت لا يلين، هو فصم عريّ شراكتنا واتحادنا في الرب يسوع المسيح. الإفخارستيا هي حجر زاوية المسيحية، وجوهرة تاجها، عربون القيامة والخلود، فإن تحولت إلى ممارسة شكلية احتفالية، ما عادت أرثوذكسية، ولفرغت المسيحية من صُلْب جوهرها. بينما حُرِم الأول كنسيًا من الكنيسة الجامعة وأبعِد عن كرسيه، ساهم انقسام الكنيسة الجامعة في عدم محاسبة الثاني على شططه، أصبحت جزرا، كل إمبراطور يحكم جزيرته دون مساءلة ودون تصحيح. لذا فالمعيار الأصدق للحكم على صدق نوايا أي بطريرك هو رغبته في إعادة اللحمة لجسد المسيح. من يضع العراقيل هو فاسد، تستهويه الإمبراطورية، لا يرغب أن يُسأل عما يفعل، أما من يسعى للتقريب وتذويب الخلافات، فهو راعٍ حسب قلب الرب.   اقرأ أيضا:   --- ### [١] أنواع ومنهجيات البحث - Published: ۲۰۲۱-۰۷-۰۹ - Modified: 2023-10-31 - URL: https://tabcm.net/2235/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, كتاب مقدس - وسوم: Form Criticism, Redaction Criticism, Source Criticism, أركيولوچي, إسرائيل فينكلستاين, إيلوهيم, التقليد الإيلوهي [E], التقليد التثنوي [D], التقليد الكهنوتي [P], التقليد اليهوي [J] / [Y], الشرق الأدنى, الفرضية التكميلية, الفرضية الوثائقية, الكنيسة الإثيوبية, الكنيسة الروسية, الكنيسة الكاثوليكية, النقد التحريري, بروتستانت, تناخ, توراة, جيرارد ڤون راد, چون برايت, چون كولينز, مارتن نوث, مكابيين, نقد الشكل, نقد المصدر, نقد تأريخي, نقد كتابي, هرمان جونكل, وليام فوكسويل أولبرايت, يشوع ابن سيراخ, يوليوس فلهاوزن في المقال دا، هنتكلم شويه عن محتويات الكتاب المقدس العبري مقارنة بالعهد القديم، وعن المحطات المهمة في مناهج البحث. السلسلة دي بنسبة كبيرة هتبقى معتمدة على الكتب الآتية: Introduction to the Hebrew Bible -John J. Collins The Old Testament - A Historical and Literary Introduction to the Hebrew Scriptures -Michael D. Coogan The Old Testament - An Introduction to the Hebrew Bible -Stephen L. Harris & Robert L. Platzner Reading the Old Testament - Introduction to the Hebrew Bible -Barry L. Bandstra Grundinformation Altes Testament - Eine Einführung in Literatur, Religion und Geschichte des Alten Testaments -Jan Christian Gertz (Hg. ) مع الاستعانة بمصادر أُخرى من وقت لآخر. في المقال دا، هنتكلم شويه عن محتويات الكتاب المقدس العبري مقارنة بالعهد القديم، وعن المحطات المهمة في مناهج البحث. اولًا: محتويات الكتاب المقدس العبري والعهد القديم:  (التناخ-TaNaK) بيتكون من 24 كتاب، بيقسمهم اليهود لثلاثة أقسام: 1- التورآة (Torah): بتحتوي على 5 كتب: التكوين الخروج اللاويين (الأحبار) العدد التثنية 2- الأنبياء (Nebi'im): بتحتوي على 8 كتب وبتنقسم لقسمين: أ- الأنبياء السابقين فيهم 4 كتب: يشوع القضآة صموئيل الملوك ب- الأنبياء اللاحقين فيهم 4 كتب: إشعياء أرميا حزقيال الإثنى عشر (هوشع، يوئيل، عاموس، عوبديا، يونان، ميخا، ناحوم، حبقوق، صفنيا، حجي، زكريا، ملاخي) 3- الكتابات (Ketubim): بتحتوي على 11 كتاب: المزامير الأمثال أيوب نشيد الأناشيد راعوث المراثي الجامعة استير دانيال عزرا - نحميا الأخبار الطوائف المسيحية بتسمي الكتب دي بالعهد القديم على اعتبار ان العهد الجديد حل محله أو أتمه. الكنائس البروتستانتية ليها نفس تقسيمة اليهود للتناخ / العهد القديم، لكنها بتختلف في ترتيهم، كل من (صموئيل، ملوك، عزرا، نحميا، الأخبار) بيتم تقسيمهم لكتابين، والإثني عشر بيتم تقسيمهم لـ12 كتاب، فبيبقوا في النهاية 39 سفر بدل 24، لكنهم نفس الأسفار. بيتم ترتيبهم بشكل مختلف عن ترتيب اليهود، بيبدأ بالتورأة (الأسفار الخمسة Pentateuch البنتاتخ)، بعدين الأسفار التاريخية (يشوع، قضآة، راعوث، صموئيل أول وثاني، ملوك أول وثاني، الأخبار أول وثاني، عزرا، ونحميا، إستير)، بعدين الأسفار الشعرية / الحكمية (أيوب، مزامير، أمثال، جامعة، نشيد الأناشيد)، بعدين أسفار الأنبياء (إشعياء، إرميا، المراثي، حزقيال، دانيال، الأنبياء الإثني عشر بعد ما تم تقسيمهم لـ12 سفر). الكنيسة الكاثوليكية ليها نفس تقسيمة الكنيسة البروتستانتية، لكنها بتضيف الأسفار الآتية: طوبيا ويهوديت، باعتبارهم أسفار تاريخية، بيكونوا موجودين بعد سفر نحميا وقبل سفر إستير. سفر إستير فيه بعض الإضافات مش موجودة في التقنين اليهودي أو البروتستانتي. مكابيين الأول والثاني، باعتبارهم أسفار تاريخية، بيكونوا موجودين بعد إستير وقبل أيوب. سفر الحكمة وسفر يشوع ابن سيراخ، باعتبارهم إسفار شعرية / حكمية، بيكونوا موجودين بعد سفر نشيد الأناشيد وقبل سفر إشعياء. سفر باروك / باروخ، باعتباره سفر نبوي، بيحتوي على رسالة إرميا، بيكون موجود بعد سفر المراثي وقبل سفر حزقيال. سفر دانيال بيحتوي على بعض الإضافات مش موجودة في التقنين اليهودي أو البروتستانتي. الكنيسة الارثوذكسية اليونانية والروسية ليها نفس تقسيمة الكنيسة الكاثوليكية واسفارها، لكنها بتضيف سفر اسدراس الأول بعد سفر عزرا وقبل نحميا (والكنيسة الروسية بتضيف اسدراس الثاني)، وبيضيفوا مكابيين الثالث بعد مكابيين الثاني ضمن الاسفار التاريخية، والمزامير بيضيفوا مزمور زيادة (المزمور 151)، وصلاة منسى، وبيتم اضافة سفر مكابيين الرابع للفهرس. الكنيسة الإثيوبية بتضيف سفر اليوبيلات وأخنوخ الأول. بعض الكنائس الشرقية بتضيف أسفار أُخرى. الأسفار الغير موجودة في الكتاب المقدس العبري اليهودي اتكتبت في فترات متأخرة نسبيًا عن باقي الأسفار، واوقات بتكون لغتها الأصلية اللغة اليونانية، دي نظرة عامة على محتويات العهد القديم، لكن مش موضوعنا الأساسي البحث في قانونية الأسفار.   ثانيًا: المحطات المهمة في مناهج البحث: في القرن الـ19 بدأ يظهر اتجاهات لدراسة العهد القديم بشكل منهجي وكان من أشهر الباحثين اللي ظهروا هو السكولار الألماني Julius Wellhausen (يوليوس فلهاوزن) اللي بيعتبر مؤسس Documentary Hypothesis (الفرضية الوثائقية) اللي اتكلمت عنها في السلسلة دي، الفرضية قائمة على منهجية من البحث معروفة باسم Source Criticism (نقد المصدر) وهي بتقسم التورآة لـ4 مصادر مستقلة (المصدر اليهوي، والمصدر الإيلوهيمي، والمصدر الكهنوتي، والمصدر التثنوي)، النظرية لاقت قبول قوي مع ظهورها لكن مع الوقت إبتدا البعض يتراجع عنها، حاليًا هي بتلقى قبول أكتر في أمريكا وإسرائيل، لكنها بتلقى قبول أقل في ألمانيا، مشكلة فلهاوزن إنه لما ظهر مكانش لسة تمت ترجمة أساطير الشرق الأدنى القديم (تمت ترجمتها في حياته لكنه لم يؤسس شغله عليها)، وبالتالي مكانش في تركيز في منهجيته أوي على السياق الثقافي/ الأسطوري المؤثر على كتابة التورآة. كرد فعل لقصور شغل يوليوس فلهاوزن، ظهر السكولار الألماني Hermann Gunkel (هرمان جونكل) وكان شغله معتمد على منهجية بحث معروفة باسم Form Criticism (نقد الشكل) وهي منهجية بتركز على وحدات أو قصص محددة من النص (من التكوين مثلًا) وبالتالي لفت النظر لضرورة الانتباه للتنوع الأدبي للنص لإمكانية فهمه والنظر لسياقه الاجتماعي، جونكل مرفضش نقد المصدر اللي أسسه فلهاوزن ولا قلل من أهميته، لكن كان تركيزه الأساسي في النظر لأدبيات الشرق الأدنى القديم ومقارنته بالعهد القديم لإمكانية فهمه في سياقه، لكن كان أحد عيوب النظرة دي هي تقسيم التورآة لقصص مستقلة وبالتالي مش بتقدر توضح او تضع تكاملية النص في الاعتبار وبتتعامل معاه باعتباره نصوص مستقلة ومتقطّعة. كرد فعل للقصور دا ظهر Redaction Criticism (النقد التحريري) في منتصف القرن العشرين على ايد الباحثين الألمان Gerhard von Rad (جيرارد فون راد) وMartin Noth (مارتن نوث)، فون راد شغله كان منصب على المصدر اليهوي، ونوث على المصدر التثنوي (هو اللي لفت النظر لوحدة التأريخ التثنوي من يشوع للملوك بحسب التقسيم اليهودي للأسفار)، نقد التحرير مرتبط بشكل وثيق بنقد المصدر ونقد الشكل، لكنه أظهر اهتمام واسلوب بحث مختلف في التعامل مع العهد القديم في الوسط الأكاديمي. في أمريكا الشمالية ظهر اهتمام لدراسة العهد القديم عن طريق الأركيولوجي، وكان من أشهر الباحثين William F. Albright (ويليام ف. البرايت) وتلميذه John Bright (جون برايت) ولاقت المنهجية دي قبول للسكولارز في إسرائيل، وكان في الوقت دا من المتوقع إن الأركيولوجي أبحاثه هتتكامل مع نصوص العهد القديم، لكن مع الوقت إبتدت الاكتشافات الأثرية تتباعد بشكل قوي، وبالتالي رجع التركيز مرة تانية في التعامل مع العهد القديم من منطلق النقد الأدبي (كتاب The Bible Unearthed لإسرائيل فينكلشتاين Israel Finkelstein بيناقش النقطة دي). أثناء كتابتي ممكن أتعرض لفرضية أُخرى بدأت تلقى قبول كبديل للفرضية الوثائقية وهي Supplementary Hypothesis (الفرضية التكاملية) واللي بتفترض إن المصدر التثنوي تمت كتابته أولًا في نفس الزمن اللي بتضعه فيه النظرية الوثائقية، لكن تمت كتابة المصدر اليهوي بعد المصدر التثنوي، وأخيرًا تمت كتابة التقليد الكهنوتي، المصدر الإيلوهيمي في الفرضية التكاملية بيتم اعتباره واحد مع المصدر اليهوي، مش مصدر مختلف. أنا مش برجح أي فرضية عن التانية، لكن دول الفرضيتين الأكثر قبولًا النهاردة بين الباحثين، وإن أمكن هحاول أعقد مقارنات بين الفرضيتين في التعامل مع بعض النصوص. --- ### حبيبك يبلع لك الزلط - Published: ۲۰۲۱-۰۷-۰۸ - Modified: 2023-09-10 - URL: https://tabcm.net/2189/ - تصنيفات: لاهوتيات - وسوم: آدم, حواء عجيب هو الحب وعجيب هو الهنا اللى لما حب يعبر لنا عن نفسه ويعرفنا بيه قال لنا "الله محبة"(1 إنجيل يوحنا 8:4) أي أن إلهنا هو الحب ذاته، والكلمات دي لوحدها تستاهل الحقيقة العمر كله للتأمل والحياة فيها، ليس من منطلق نسكى تصوفي فقط، لكن بالأكثر والأقرب من منطلق حياتي عملي بنعيشه يمكن يوميًا وإحنا مش واخدين بالنا. . اعتقد إن من اهم الصفات اللي قصدها الله في خلق الإنسان لما قال: "وَقَالَ اللهُ: «نَعْمَلُ الإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا، فَيَتَسَلّطُونَ عَلَى سَمَكِ الْبَحْرِ وَعَلَى طَيْرِ السّمَاءِ وَعَلَى الْبَهَائِمِ، وَعَلَى كُلّ الأَرْضِ، وَعَلَى جَمِيعِ الدّبّابَاتِ الّتِي تَدِبّ عَلَى الأَرْضِ»"(سفر التكوين 1: 26) هي قدرة الإنسان على الحب، لأن الحب في مفهومه الإلهي الذي أراده الله وفطر الإنسان عليه، يحتاج قدرة فائقة على العطاء، وطاقة كبيرة لتقديم الآخر على الذات، الذي يصل إلى بذل الذات في كمال الحب الإلهي. وبينما قد تبدو هذه الكلمات نظرية أو سامية، ولكنها حقيقة واقعية إذا نظرنا مثلا حب الأم والأب لأولادهم (طبعا في الأوضاع الصحية السوية) واللي هي مثال واضح للمحبة الإلهية اللي ممكن تخلى الأم والأب يضحوا بحياتهم من أجل أولادهم، وده شفناه في مواقف كتير على مر التاريخ. والحقيقة هو ده التعريف الحقيقي للحب بكل أنواعه. حب الأهل، الأصدقاء، الأزواج. . أي حد يتخيل أو يقول إنه بيحب لازم يقيس نفسه على المقياس ده. وده كان واضح جدا في القصة الرومانسية الشهيرة "تايتانيك" اللي بتأكد على إن الحب هو التضحية إلى الموت. علشان كده، زي ما قلنا في البداية، الحب أو القدرة على الحب هي: موهبة إلهية. ولكن لأن أعظم ما في الوجود هو الحب، لأنه روح الله التي تعيش في الإنسان (وأنا هنا قصدت استخدم "التي") فكان لازم يكون ده أكتر مفهوم تم تشويهه على مدار التاريخ البشرى. . من الحب الذي يعطي، إلى الحب الذي يطلب. . الحب الذي يملك، والذي يشتهي. . الحب الذي يبذل الآخر من أجل ذاته (يستهلك الآخر) وده في منتهى الخطورة، لأنه تسلل لحياتنا وأصبح وكأنه هو الأصل في الحب. وبرضو بالتطبيقات البسيطة ممكن نلاقي حب الأم والأب لأولادهم، تحول لحب امتلاك، وتخليص عقد، وتحقيق أحلامهم الشخصية اللي فشلوا فيها، وإفراغ الطاقة السلبية، وأمراض التربية اللي إتعرضوا لها. وده ممكن يحصل طبعا مع شريك الحياة، والأصدقاء، والزملاء،، وهكذا. . ومع الوقت تحولت الصورة المشوهة للحب في أذهاننا، إلى صورة حقيقة بنعيش فيها. فتبقى الإهانة تأديب، والامتلاك غيرة، والجفا تعبير عن عدم الرضا، إلى آخر المظاهر اللي أصبحت جزء من حياتنا اليومية. الموضوع ده قد يكون أحد أهم أسباب الشكوى من الحياة حاليًا. . اللي الناس كلها حاساه ومش عارفة سببه إيه. . فكرة سمة العصر، اللي الإنسان فقد فيه الإحساس بالسعادة (التي أرادها الله له) والرضا وإحساس الإنسان بقيمته اللي بيستمدها من القريبين منه. . والسلام والسواء النفسي اللي لا يمكن أن يتحقق للإنسان دون أن يكون متصل بمصدر للحب، فيستطيع أن يشع حبا. ومهم جدا وإحنا بنتكلم في الموضوع ده نفهم إن الحب حلقة ثالوثيةً ما بين الله والإنسان وأخيه (أبوه، زوجته، حبيبته. . إلخ) بمعنى مفيش حاجة اسمها أنا بحب ربنا وربنا بيحبني، وحب ربنا يعوضني عن الحب الإنساني. ده كلام فاشل. الله يحبني وأنا أشعر بمحبته في المحيطين بي، وأنقل محبته دي ليهم، وده نشوفه كويس قوي في محبة آدم لحواء، ولهذا السبب خلق الله حواء من داخل آدم ليكون هذا الحب ممكنًا: «هذِهِ الآنَ عَظْمٌ مِنْ عِظَامِي وَلَحْمٌ مِنْ لَحْمِي. هذِهِ تُدْعَى امْرَأَةً لأَنّهَا مِنِ امْرِءٍ أُخِذَتْ»"(سفر التكوين 2: 23) الحقيقة الحب من المواد العملية مش النظرية. يعنى مهما نتكلم عنه. الإحساس يبه هو اللي بيفهمنا معناه، وكل ما فهمنا معنى وطبيعة وقيمة الحب (فيمن حولنا) كلما اقتربنا من الله وثبتنا فيه. إلى هذا الحد الحب مهم في حياتنا، ولما نعيش الحب بفهم، بنكتشف في داخلنا طاقات عجيبة على التسامح والغفران والاحتمال، اللي عبر عنها المثل المصري العبقري"حبيبك يبلع لك الزلط، وعدوك يتمنى لك الغلط" لأن ده حقيقي مذهل. . قد إيه ممكن نقبل حاجات كتير من ناس بنحبهم، لدرجة إن حتى الإهانة ممكن نلتمس العذر فيها. وده كان واضح قوي في كلمات السيد المسيح على الصليب: «يَا أَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لأَنّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ»(إنجيل لوقا 23: 34) دي كلمات حد بيحب، فيلتمس العذر إلى هذا الحد. لكن الحب هو أولا وأخيرًا علاقة لا يمكن أن تكتمل من طرف واحد، وإلا أصبح الحب ناقص حتى بين الله والإنسان. فالله الذي بذل ابنه من اجلنا، أتجاسر وأقول: لا يكتمل حبه لنا إلا بمبادلتنا له هذا الحب. وعلشان كده هو قال: "هنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ. إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ الْبَابَ،أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي"(رؤيا يوحنا اللاهوتي 3: 20) وعلشان كده حتى الحب الإنساني من طرف واحد، حتى لو وصل أنه يؤله الطرف المحب من فرط فيض محبته، لكنه يظل حب ناقص. فكمال الحب فى دورته الثالوثية اللي ذكرناها فوق: الله، الإنسان، واﻵخر. . وأخيرًا، فإن الحب هو مقياس رقي الإنسان واقترابه من التأله. ليس فقط بالمفهوم الديني والروحي، بل وفي المفهوم الإنساني العلمي والتطوري. في المجتمعات المتقدمة ثقافيًا وعلميًا، يحب الإنسان الحيوانات والحشرات وجميع الكائنات وحتى الأشجار والبيئة بشكل أكبر كثيرًا من المجتمعات الأكثر تأخرا. لذلك فالحب هو المفتاح الحقيقي لفهم الحياة. --- ### هل يوم الخليقة "٢٤ ساعة"؟ - Published: ۲۰۲۱-۰۷-۰۷ - Modified: 2023-10-10 - URL: https://tabcm.net/1865/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: أوريجينوس ليونايدس أدامانتيوس, أيام الخليقة بعض المتابعين طلبوا مني حلقة عن حرفية أيام الخليقة المذكورة في تكوين 1. لكن للأمانة، فهذه الحلقة هي للإجابة فقط عن السؤال الذي يطرح دائمًا بعد النقاش في نظرية الانفجار العظيم، والتي أنتجنا حلقة عنها منذ وقت قريب. لكن، أنا أؤمن بشدة أن التعامل بشكل علمي مع تكوين 1 هو خطأ في حق الرسالة الأساسية التي أرادها الكاتب. لغة الإصحاح الأول في التكوين هي لغة شبه شعرية. ولا ينبغي أن تُقرأ من منظور علمي. ففي هذه الحلقة سنقدم كيف على المسيحية أن يتعامل مع تكوين 1، وفي نفس الوقت سأجيب على حرفية الأيام لأجيب على من يريدوا إجابة على هذا السؤال. التفسير الحرفي كما تعرفون، فاليوم المكون من أربعة وعشرين ساعة هو دوران الأرض دورة كاملة حول نفسها في حضور الشمس. فمن يقرروا أن يتعاملوا مع النص بشكل حرفي، دون فهم لمعناه وطبيعته الشعرية، يستخدموا عادةً الترجمات الشهيرة المتاحة والتي تترجم الكلمة العبرية "توهو" بمعنى "بلا شكل". وإذا اتبعنا آلية تفسيرهم، فالنتيجة الوحيدة التي سنصل لها هي أن الأرض كانت بلا شكل. وبالتالي، لم تكن الأرض كروية. ولو أن الأرض لم تكن بعد كروية، فكيف تدور حول نفسها؟ أكرر هنا أني فقط أجيب السؤال من منظور من يصمموا على التعامل مع النص بطريقة حرفية دون تقدير لطبيعة النص الشعرية. أنا أفضل ترجمة الكلمة العبرية "توهو" بكلمة "خربة" أو "غير مستخدمة". لكن، من منظورهم، الأرض بلا شكل، وبالتالي ليست كروية. بالإضافة إلى ذلك، الشمس لم تُخلق إلا في اليوم الرابع. كيف إذن للأرض أن تدور حول نفسها دون وجود الشمس؟ التفسير الرمزي العلامة أوريجانوس (من القرن الثالث الميلادي) بحث في هذا الموضوع ثم قال: "فمن يكن ذو فهم ويتخيل أن اليوم الأول والثاني والثالث والمساء والصباح تتابعوا دون وجود للشمس أو القمر أو النجوم؟ وأن اليوم الأول كان كما لو كان بدون سماء؟ ... لا أظن أن يوجد من يتشكك في رمزية هذه الأمور والتي تخفي ورائها ثمة سر أعمق... "(أوريجينوس السكندري) كذلك مثلث الرحمات قداسة البابا شنوده الثالث يتفق على أن هذه الأيام لا ينبغي أن تؤخذ باعتبارها أيام مكونة من أربعة وعشرين ساعة. فمن الواضح إذن أن على الأقل من اليوم الأول إلى اليوم الثالث لا تعتبر أيام حرفية. بالإضافة إلى ذلك، النص لا يوضح متى تحولت الأرض إلى شكل كروي. وهذا ببساطة لأن هذا ليس من هدف النص على الإطلاق كما سنرى في الحلقة القادمة على هذا الموضوع. نقطة أخرى ينبغي أن نأخذها بعين الاعتبار هي أن النص لا يفرق بين الثلاث أيام الأولى والأيام التالية، باستثناء اليوم السابع والذي سنبحث فيما يخصه بعد قليل. وبشكل آخر، يمكننا أن نقول أن النص هو نص نظامي جدًا في طبيعته حيث يقدم الستة أيام الأولى. فمثلًا، كل يوم يبدأ بـ"وقال الله" وينتهي بـ"وكان مساء وكان صباح يومًا كذا وكذا". ولكن لا يوجد في النص ما يوحي بأننا لا بد أن نتعامل مع الثلاثة أيام الأخيرة بشكل مختلف عن الأيام الثلاثة الأولى. وعلى هذا، يكون طبيعيًا أن نتعامل مع اليوم الرابع حتى السادس بنفس طريقة تعاملنا مع الأيام الثلاثة الأولى، وبالتالي لا يمكن أن يكونوا أيام مدارها أربعة وعشرين ساعة فقط. واليوم السابع هو اليوم الوحيد المختلف في طبيعته حيث إنه يوم مستمر. وهذا يرجع لغياب الجملة "وكان مساء وكان صباح يومًا سابعًا" من النص مما يدل على استمرارية هذا اليوم. لذا فاليوم السابع لا يعد أربعة وعشرين ساعة أيضًا. بالإضافة إلى ذلك، تكوين 2: 4 ينص على الآتي: "هذا هو تاريخ السماوات والأرض حيث خُلقا يوم خلق الله السماوات والأرض". وهذه هي نفس السماوات والأرض التي تم الإشارة لها في تكوين 1: 1، والتي تم خلقها على مدار سبعة أيام. فما خُلق على مدار سبعة أيام في تكوين 1: 1، يشار إليه في تكوين 2: 4 على أنه تم خلقته في يوم واحد. من الواضح إذن أن معنى كلمة يوم هنا ليس حرفي. المعنى العبري لكلمة "يوم" الأمر الثاني الذي ينبغي أن نأخذه بعين الاعتبار هو أن كلمة "يوم" العبرية، والتي تتكرر في تكوين 1، لها معاني عديدة في العهد القديم. على سبيل المثال، تكوين 4: 3 استخدم كلمة "يوم" للتعبير عن كلمة "وقت" وليس بمعنى يوم.  في ملوك أول 1: 1، تترجم كلمة "يوم" بمعنى سنين. وفي تكوين 40: 4، تستخدم نفس الكلمة للتعبير عن فترة زمنية. بالإضافة إلى ذلك، فكلمة "يوم" في باقي العهد القديم، تأتي بمعاني مثل "منذ" أو "دومًا" أو "الأبد" أو "العصر" إلى أخره من المعاني. لكن الاختلاف الذي نراه في تكوين 1 هو أن ستة أيام الخليقة ينتهوا بـ"وكان مساء وكان صباح اليوم الفلاني" والذي قد يجعلنا نتخيل أن المعنى المقصود هنا هو يوم مكون من أربعة وعشرين ساعة حيث هناك مساء وصباح. لكن هذه الجملة استُخدمت بسبب الطبيعة الشعرية للنص والتي لها معنى أخر أبعد مما يمكن أن نغطيه في هذه الحلقة. هذا المعنى ينبغي أن يُفهم في إطار ثقافة هذا العصر. ومرة أخرى، على المستوى العلمي، هذه الأيام لا يُمكن أن تؤخذ بشكل حرفي حيث لم تكن الشمس قد خلقت. "كيف يكون هناك مساء وصباح دون شمس؟"(أوريجينوس السكندري) الحجج المضادة لأصحاب المدرسة الحرفية والرد عليها كرد فعل على الأدلة التي سبق وأتينا بها، فسنجد أن من يختاروا التفسير الحرفي يستخدموا خروج 20: 11 كحجة مضادة. يقول الكتاب المقدس في خروج 20: "لأن في ستة أيام خلق الرب السماوات والأرض والبحر وكل ما فيها واستراح في اليوم السابع. لذا قدس الرب اليوم السابع وباركه". ولكن هذا يصل بنا إلى إشكالية متعددة الجوانب. أولًا، لو كان هذا هو الحال، فهناك أسئلة لا بد من إجابتها ولكن لم يتم الإجابة عليها كما سبق وأوضحنا. ثانيًا، هناك افتراضية موضوعة أمامنا هنا وهي أن الوقت المقضي في تذكار الحدث يتوافق دائمًا مع الوقت المقضي في الحدث نفسه الذي يتم تذكاره. إذن فلو حفظ السبت يتم على مدار أربعة وعشرين ساعة يكون من اللازم أن يكون اليوم السابع في التكوين مدته أربعة وعشرين ساعة. ولكن هذا يعد افتراض غير صحيح كما سبق وأوضحنا. على سبيل المثال، هناك فرق رهيب بين مدة تيه الشعب الإسرائيلي على مدار أربعين عام وعيد المظال الذي يهدف لتذكار هذا التيه والذي يُحتفل به على مدار ثمانية أيام فقط. فالوقت المقضي في الاحتفال بحدث ما لا يعني بالضرورة أن هذا الحدث قضى نفس المدة. كل ما هنالك أن خروج 20 يوجه عيوننا نحو التشابه بين سبعة أيام الخليقة وحفظ السبت... أخيرًا، ينبغي أن أؤكد مرة أخرى أن أي تحليل علمي لتكوين 1 هو طريقة خاطئة في فهم نص الكتاب المقدس. إن شاء الرب وعشنا، سنقدم الطريقة الصحيحة في الحلقة القادمة. هذه المقالة ترجمة لحلقة من سلسلة عن الكتاب المقدس والعلم من تحضير وإلقاء كاهن قبطي أرثوذكسي بشمال أمريكا طلب عدم ذكر اسمه إلا أنه سمح بنشر هذه الترجمات بمعرفتي. --- ### مثل ”الكرمة الحقيقية“ في يوحنا ١٥ - Published: ۲۰۲۱-۰۷-۰۵ - Modified: 2023-09-09 - URL: https://tabcm.net/2179/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: الثالوث القدوس, سقوط آدم, شجرة الحياة, يوحنا المعمدان  ”أنا الكرمة الحقيقية وأبي الكرام" ... "أنا الكرمة وأنتم الأغصان” (إنجيل يوحنا ١:١٥-٨) يقول الرب يسوع المسيح له المجد أنا هو الكرمة الحقيقية التي غرسها الآب الكرام، لكي كل مَن يتحد بهذه الكرمة الحقيقية تمتد فيه طبيعتها وتجري فيه عصارة حياتها، فيصير غصنًا في الكرمة وامتدادًا لها ويأتي بثمر. فالكرمة تعطي ذاتها ممتدة في أغصانها]. إن عطية الله لنا هي ذاته. لكي ننال ”التأله“ Theosis بالاتحاد به: ”ألم أقل لكم أنكم آلهة وبنو العلي تُدعَون؟“  ”أنتم الآن أنقياء لسبب الكلام الذي كلمتكم به“ (يوحنا ٣:١٥) فأنتم تصيرون أنقياء بسبب استعلان ”الحق“ فيكم من خلال كلمتي. أنا هو”الله الكلمة“. مَن يؤمن بي وبكلمتي تتجدد خليقته ويصير امتدادًا للكرمة وله شركة في حياة الكرمة ”نحن لحم من لحمه وعظم من عظامه“ بين "شجرة الحياة“ و"الكرمة الحقيقية“ لقد غرس الله ”شجرة الحياة“ في وسط الجنة لكي يأكل منها الإنسان ”ويحيا إلى الأبد“. هذا هو تدبير الله من جهة الإنسان الذي خلقه لكي يكون مستقبله هو الشركة في مجال حياة الله من خلال الاتحاد ببشرية المسيح ”شجرة الحياة“ الذي هو واحد في الطبيعة الإلهية لله. فبشرية المسيح ”أبن الإنسان“ هي الأصل الذي خلق الله عليه الإنسان لكي ما يتحد به. نقرأ هذا في المكتوب علي لسان ”ابن الله“ الأزلي عن بشريته المخلوقة قبل الزمان المخلوق ”الرب قنّاني / أنشأني أول أعماله" والمُشار إليها بشجرة الحياة "وغرس الرب الإله جنة وشجرة الحياة في وسط الجنة“ فآدم مخلوق علي صورة المسيح ”أبن الإنسان“ لكي يدخل في شركة مجال حياة الله الثالوث القدوس بالاتحاد ”Theosis“ في أصل بشريتنا التي أنشأها / قنَّاها الله الثالوث في المسيح أبن الله الأزلي : مخلوقين في المسيح يسوع قبل الأزمنة الأزلية. إن فشل آدم وحواء لم يمنع أن يستمر ويتحقق تدبير الله من جهة اتحادنا وشركتنا في الله Theosis. لذلك كانت إرسالية وظهور الله بيننا بالتجسد الإلهي في يسوع المسيح. فبعد أن تغربنا عن شجرة الحياة منذ سقوط آدم، عاد الله وافتقدنا بها في وسطنا مرة أخري "أنا الكرمة الحقيقية وأبي الكرام“. إن من يأكل من شجرة الحياة الإلهية المتجسدة يتحد ببشرية المسيح أبن الله “مَن يغلب فسأعطيه أن يأكل مِن شجرة الحياة التي في وسط فردوس الله"، وتكون له شركة في حياة الثالوث الأبدية فيحيا إلي الأبد "مَن يأكلني يحيا بي ... مَن يأكل جسدي ويشرب دمي يكون فيّ وأنا أكون فيه “. ”كما أحبني الآب كذلك أحببتكم أنا. اثبتوا في محبتي. إن حفظتم وصاياي تثبتون في محبتي، كما أني أنا قد حفظت وصايا أبي وأثبت في محبته. كلمتكم بهذا لكي يثبت فرحي فيكم ويكمل فرحكم“(إنجيل يوحنا ٩:١٥-١١) هنا يشرح الرب مثل ”الكرمة الحقيقية “. فقد أنتقل إلي أصوله اللاهوتية من جهة العلاقة بين الأقانيم الثلاثة في الله الواحد ، وبين علاقة الله الواحد وأقانيمه الثلاثة بالإنسان من جهة أخرى. إن الأصل في مثل الكرمة الحقيقية هو أن ”الله محبة “. فالمحبة هي طبيعة الله وهي غير مخلوقة وغير متغيرة. لذلك هي لا تزول سواء كانت المحبة بين الأقانيم الثلاثة في الله الواحد ”كما أحبني الآب“عدد٩. أو محبة الله الواحد وأقانيمه الثلاثة للإنسان التي بسببها خَلق الله آدم الأول علي صورة الله في المسيح يسوع ”نخلق الإنسان علي صورتنا كشبهنا“ (تكوين). ”لأَنّنَا نَحْنُ عَمَلُهُ، مَخْلُوقِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ“ (أفسس ٢)، ”الذي خلصَنا ودعانا دعوة مقدسة، لا بمقتضى أعمالنا، بل بمقتضى القصد والنعمة التي أعطيت لنا في المسيح يسوع قبل الأزمنة الأزلية، وإنما أظُهِرت الآن بظهور مخلصنا يسوع المسيح، الذي أبطل الموت وأنار الحياة والخلود بواسطة الإنجيل“ (تيموثاس الثانية: ١) كان آدم الأول هو الغصن الذي قَطَع نفسه بتغربه عن الله. فإن محبة الله تنحجب بسبب عدم البر والشر. ولكن لأن المحبة هي طبيعة الله فهي لا تزول. لذلك أصلح الله التشويه الذي حدث بسبب سقوط آدم الأول، وذلك بالرجوع إلي الأصل الذي خلق الله الإنسان علي صورته، والذي هو يسوع المسيح أبن الله وأبن الإنسان ”ويخرج قضيب من جذع يسى، وينبت غصن من أصوله... ويحل عليه روح الرب... ولذته تكون في مخافة الرب... الأرض تمتلئ من معرفة الرب... ويكون في ذلك اليوم أن السيد يعيد يده ثانية ليقتني بقية شعبه“ (إشعياء ١١). عندئذ انسكبت محبة الله الآب مرة أخري علي أصل الإنسان الذي هو يسوع المسيح ”هذا هو أبني الحبيب الذي به سررت“، بعد أن حجبها آدم الأول بتغربه عن الله، عاد روح الله الذي فارق آدم بسبب السقوط، ورأينا الروح ينزل في شكل حمامة علي آدم الثاني - المسيح يسوع - في نهر الأردن. إن المصالحة بين الله والإنسان في المسيح يسوع لم تكن فقط لأنه أبن الله ”الآب يحب الإبن“، ولكن لأنه أيضًا ”إبن الإنسان الذي أكمل كل بر“ باعتباره آدم الثاني والأصل، الذي علي صورته، خلق الله آدم الأول. هذا أعلنه يوحنا المعمدان مستيكيا / سريًا عندما رأي يسوع المسيح ”هذا صار قدامي لأنه كان قبلي“ فإن يسوع المسيح -آدم الثاني- وأصل ذرية آدم الأول، لم يتغرب عن خالقه ”من منكم يبكتني علي خطية“لذلك يحبه الآب . فقد إحتفظ - كإنسان - ببر الله المتحد به ”إني أنا قد حفظت وصايا أبي وأثبت في محبته“ ومن خلال محبة الآب ليسوع المسيح ”أبن الله“ بالطبيعة ”هذا هو أبني الحبيب الذي به سررت“ ومحبته ليسوع المسيح ”ابن الإنسان“ الذي أكمل كل بر الله كإنسان ”ينبغي أن أكمل كل بر“، استطاع الرب يسوع المسيح أن يلغي ويشق الحجاب الذي يحجز محبة الآب عن ذرية آدم ”كما أحبني الآب كذلك أحببتكم أنا. أثبتوا في محبتي“ ع ٨. فبدون المسيح والحب المتبادل معه، نظل محجوبين عن محبة الآب. لكن في المسيح يسوع أزال الله الثالوث هذا الحاجز إلي الآبد. يوحنا ١٢:١٥-١٧ ويستمر الرب له المجد في تفسير مَثل ”الكرمة الحقيقية“ قائلًا: ”هذه هي وصيتي أن تحبوا بعضكم بعضا كما أحببتكم“. فالرب يطلب منا أن نكون مِثله ولنا نفس حبه ”ليس لأحد حب أعظم من هذا: أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه“ ولكن هذا غير معقول لأنه خارج استطاعة بشر. من هذا نفهم أن وصية المحبة ليست جهاد بل نعمة ودعوة لدخول طبيعتنا البشرية في مجال الطبيعة الإلهية التي هي الحب بلا حدود. فاتحادنا كبشر بالطبيعة البشرية التي للمسيح يسوع الله الظاهر في الجسد يتيح لنا النمو إلي ”ملء قامة المسيح“. ولقد أوضح الرب عدم قدرة جهاد الإنسان علي بلوغ هذا ”الملء“ قائلًا: ”الغصن لا يقدر أن يأتي بثمر من ذاته إن لم يثبت في الكرمة، كذلك أنتم أيضا إن لم تثبتوا فيَّ. أنا الكرمة وأنتم الأغصان... لأنكم بدوني لا تقدرون أن تفعلوا شيئا“ فالحب والمحبة الحقيقية هي طبيعة قبل أن تكون حالة وشعور وعمل . وهي لا تتفق مع طبيعة غريبة عن طبيعة الله. لذلك كشف الرب كيف أن الذي يؤمن به تتغير طبيعته ” تغيروا عن شكلكم“ وذلك عندما قال في عدد ١٥”لا أعود أسميكم عبيدا، لأن العبد لا يعلم ما يعمل سيده، لكني قد سميتكم أحباء لأني أعلمتكم بكل ما سمعته من أبي“. لأنه قد أدخلنا في شركة مجال حياة الله الواحد الثالوث. ”أني أنا في أبي وأنتم فيَّ وأنا فيكم“ (يوحنا ٢٠:١٤). عند هذه النقطة نعود قليلًا ونتذكر كيف أن مَثل الكرمة الحقيقية كان يركز علي ضرورة الثمر  وأن الغصن الذي لا يأتي بثمر يقطعه، وأن الثمر يعتمد علي الثبات في الكرمة، وأن الغصن لا يقدر أن يأتي بثمر من ذاته. ثم يختم الرب كل هذا بالحديث عن محبته وكيف أنه يبذل ذاته عن الإنسان. ويطالبنا أن يكون لنا نفس الحب بعضنا لبعض وهذا مستحيل علي بشر. فالذي ينصت لروح الله في تسلسل حديث الرب هذا، فإن روح الله يستعلن له أن وصية الرب الذي تكلم عنها هي ليست أعمال نعملها ، ولكن هي طبيعته الإلهية، يقدمها لنا لنتحد به من خلال أتحادنا في طبيعته البشرية. وبذلك نصير أغصانًا في الكرمة وامتدادًا لطبيعتها التي تستمر في النمو فينا وتشهد لذاتها بالثمر ”وكل ما يأتي بثمر ينقيه ليأتي بثمر أكثر“. وهو نفس المعنى الذي قاله في الرب في موضع آخر ”الذي له يُعطي ويُزاد“. وكل مَن لا يحمل طبيعة الكرمة فهو ليس غصنا ولا يأتي بثمر، لذلك يسقط ويجف ”ومن ليس له فالذي عنده يؤخذ منه“ يوحنا١٨:١٥-٣٥ عبارة ”قوموا ننطلق من ههنا“ كانت آخر جملة بإصحاح ١٤. وكتبها القديس يوحنا عن لسان المسيح ليس إعتباطًا. ولكن لأنها لخَصت كل أقوال المسيح في أصحاحي ١٤ و١٥ التي تكلم فيها الرب عن الأساس لحياة الشركة بين المسيح والمؤمنين به في مثل الكرمة الحقيقية. وكيف أن هذا الأساس هو النعمة  وأن سببها هو أن ”الله محبة“، إذ تمتد طبيعته إلي أغصانه فتحيا وتثمر. وتكلَم الرب عن صعوده إلى الآب وإرساله الروح القدس ليملأنا نحن المؤمنين كتطبيق وتحقيق لهذا الأساس ”لأن محبة الله الآب قد أنسكبت في قلوبنا بالروح القدس“ ولقد أكد الرب هذا الأساس بأن قارنه بمقابله العكسي في العالم (١٨:١٥-٣٥) : ”العالم يحب خاصته“ ولكن أنتم ”لستم من العالم بل أنا أخترتكم من العالم“، لذلك فإن ”العالم يبغضكم“. لكننا لا نستطيع أن نوصف ما يربط العالم بأنه حب مقابل ومساوي للحب الإلهي، ثم نقارنه بالحب الحقيقي الذي هو أساس حياة الشركة في المسيح التي تربطنا به ككنيسة ومن ثمَة بالثالوث القدوس. والسبب بسيط، أن طبيعة الحب الحقيقي لا يمكن أن تمتزج أو تتحول إلي طبيعة عكسها وقوامها بغضة وكراهية. فرابطة العالم لا تخلو من هذا ”أبغضوني أنا وأبي“ (٣٥:١٥) إن الحب الذي يربط العالم متغير. وكل ما هو متغير ليس حق. لذلك قال الرب أنه ”الكرمة الحقيقية“.   وقد أوضح الرب استحالة هذا التغيير أو الخلط بين الحب الحق والحب الزائف في جملتين متتابعتين ”لأن رئيس هذا العالم يأتي وليس له فيَّ شئ ، وليفهم العالمأني أحب الآب“ (٣١:١٤) فالعالم ورئيسه ليس له هذا الحب الحقيقي الذي هو طبيعة الله الواحد الثالوث. وبعد هذه الجملة قال الرب ”قوموا ننطلق من ههنا“. فليس هناك أمل في هذا العالم الذي وَضع ذاته في قبضة شرير هو رئيس هذا العالم ”إنهم لا يجتنون من الشوك تينا، ولا يقطفون من العليق عنبًا“. هذا هو السبب أن الرب بدأ حديثه في أصحاح ١٤ ”لا تضطرب قلوبكم، أنتم تؤمنون بالله فآمنوا بي“. ثم ختمه في نهاية أصحاح ١٥ بوعد إرساله الروح القدس الذي يملأ الكنيسة ويحفظها في العالم ومِن العالم وكان قد طمأننا علي مصيرنا بقوله ”آتي أيضًا وآخذكم إليَّ حتي حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضًا“ (٢:١٤). هذا هو يسوع المسيح ”شجرة الحياة“ التي غرسها الآب في وسط الجنة لنأكل منها ونحيا إلي الأبد. هذا هو يسوع المسيح ”الغصن“ الذي غرسه الآب ليكون”الكرمة الحقيقية“ وفيها تتحقق كينونتنا في الله كأغصان هي أمتداد للكرمة الإلهية. هذا هو يسوع المسيح ”ابن الله / ابن الإنسان“. فسبحوه للأبد. --- ### قوانين الطهارة الجسدية والمرأة
في الكنيسة الأرثوذكسية - Published: ۲۰۲۱-۰۷-۰٤ - Modified: 2023-09-03 - URL: https://tabcm.net/1863/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, المرأة القبطية - وسوم: أسرار الكنيسة, أسفار موسى, إفخارستيا, بيذاليون, نجاسة المرأة, نيقوديموس, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية يصبح هذا بمثابة عقبة في طريق النمو الروحي، وسببًا لكراهية الممارسات الكنيسة التي تعد بلا معنى بالنسبة للسيدات المتعلمات. فلو أن الله خلق المرأة وأعطاها أن تمر بالطمث منذ بلوغها كي يجعل جسدها قادر على جلب الحياة وبهذا تشترك مع الله في طاقته الخلاقة، فلماذا يعاقب الله النساء بمنعهن من شتى أنواع العبادة والتقوى وهن عليهن دم الحياة؟ تجلس الأمهات مع غالبية الفتيات اللاتي ولدن وكبرن في الكنيسة الأرثوذكسية عند بلوغهن لا ليسمعن حقائق الحياة فقط والتغييرات التي شاء الله أن نمر بها وأملنا أن نصبح أمهات يومًا ما، بل يعد هذا أيضًا وقت تعليم الأمهات لنا عن طقس عدم الطهارة أو تقليد النجاسة الجسدية. الأمهات الأرثوذكسيات التقيات يعرفن بناتهن الصغار الشديدي التأثر أنهن حين يكون عليهن دم الحياة، أنهن في فترة من النجاسة وبالتالي عليهن ألا يلمسن أي شيء خاص بعبادة الله. هذا يتضمن قراءة الكتاب المقدس، تقبيل الأيقونات، إضاءة الشموع أو القناديل، تحضير خبز التقدمة، تقبيل يد الكاهن، والابتعاد عن الأسرار الكنيسة عمومًا والإفخارستيا بشكل خاص. بعض الفتيات يقبلن ذلك بهدوء كحقيقة نسوية. بالنسبة للغالبية، يصبح هذا بمثابة عقبة في طريق النمو الروحي، وسببًا لكراهية الممارسات الكنيسة التي تعد بلا معنى بالنسبة للسيدات المتعلمات. فلو أن الله خلق المرأة وأعطاها أن تمر بالطمث منذ بلوغها كي يجعل جسدها قادر على جلب الحياة وبهذا تشترك مع الله في طاقته الخلاقة، فلماذا يعاقب الله النساء بمنعهن من شتى أنواع العبادة والتقوى وهن عليهن دم الحياة؟ ناموس العهد القديم: كُتبت قوانين الطهارة الطقسية أولًا في سفر اللاويين، ثالث أسفار موسى الخمسة والموجودة بالعهد القديم. أول هذه القوانين يتعامل مع تطهير النساء بعد الولادة في لاويين 12. ويُلاحظ مباشرًة ثلاثة أشياء عن هذا القانون الذي يشكل إصحاحًا كاملًا من سفر اللاويين. أولًا، هناك تفضيل للمولود الذكر حيث تظل المرأة نجسة أسبوع واحد، يتبعه 33 يوما من بعد الختان ، وبالتالي تصبح نجسة لمدة 40 يوما. أما المولودة الأنثى، تعد الأم نجسة لمدة أسبوعين بالإضافة ل66 يوما فيصبح المجموع 80 يوما. بالتالي، تعد الأم التي وضعت طفلة نجسة ضعف الأمهات اللاتي وضعن أطفالًا ذكور. ثانيًا، غير مسموح للنساء فترة نجاستهن أن يدخلن خيمة الاجتماع المقدسة، أي موضع العبادة. ويجب ألا يقدمن تقدمات عند الباب وألا يقابلن الكهنة هناك. أخيرًا، تعد النجاسة مساوية للخطية، حيث يتحتم عليها أن تقدم ذبيحة خطية. لذلك، فحسب ناموس العهد القديم الموسوي، الأم التي تضع أطفالًا تعد في مقام الخطاة حتى يتم تطهيرها من طمثها. نجاسة المرأة خطية، ونجاسة الرجل طقسية: يوجد قانون ثاني في ناموس العهد القديم يتعامل مع النجاسة الطقسية (أو الشعائرية) في لاويين 15: 16-33. هذا القانون يتعامل مع مسألة النجاسة سواء بالنسبة للرجال أو النساء. وهنا توجد بعض المسائل المثيرة للدهشة التي لابد من ذكرها. الأمر الأول والأكثر أهمية هو أن الرجال لا يتم استثنائهم من قوانين الطهارة الطقسية. فأي رجل تخرج إفرازات من جسده سواء في إطار العلاقة الجسدية أو الاستحلام، يعد غير طاهر إلى غروب اليوم التالي. كذلك لو كان هناك تواصل جسدي بين رجل وامرأة دمها عليها، أو أي شيء لمسته، سواء كان مقعد أو سرير، يصبح هو أيضًا غير طاهر حتى المساء. وإذا اضطجع رجل مع امرأة وقت طمثها وتلامس مع دمها يصير غير طاهر مدة سبعة أيام، ويصير أي شيء يلمسه غير طاهر للمساء تمامًا كالمرأة الحائض. أما لو اضطجع على سريرها ومارس العلاقة الجسدية معها فيقطع من الشعب (لاويين 20: 18). أما النقطة التالية فهي أن المرأة وقت طمثها تكون غير طاهرة سبعة أيام، وكل ما أو من تلمسه يصير نجسًا حتى المساء. أما المرأة التي يتعدى طمثها مدة السبعة أيام الخاصة بالطمث وتعاني من نزيف غير الطمث الشهري أو في وقت غير الوقت الطبيعي لطمثها، فتعد غير طاهرة لمدة سبعة أيام إضافية. وفي اليوم الثامن يتحتم عليها أن تأخذ يمامتين أو فرخي حمام وتعطيهم للكاهن (مثل الأم بعد الإنجاب) لباب خيمة الاجتماع. ويقدم الكاهن أحدهم كتقدمة خطية والآخر كمحرقة كحال المرأة التي تتعدى فترة طمثها مدة الأسبوع حيث تعد مريضة وبالتالي خاطئة في احتياج لكفارة. لذلك، نجد في العهد القديم رباط وثيق بين النجاسة الجسدية والمرض والخطية. قوانين الآباء الأولين: وجدت الممارسات اليهودية لنفسها طريقًا لعالم العهد الجديد وأصبحت موجودة في قوانين الاباء الأولين. إنه أمر عجيب أن نواميس اللاويين الخاصة بالعهد القديم تتخلل كنيسة المسيح، خصوصًا بعد ما علم الرب بقوة ضد التعامل الحرفي مع الناموس كسبيل للخلاص بدلًا من روح الناموس وبعد تعاليم ق. بولس القوية ضد تهويد المسيحية. على الرغم من ذلك، وضعت الكنيسة في حكمتها لأسباب عملية قوانين تعلن الحق وتنظم العوائد. يمكن التعرف على قوانين الآباء الأولين من المجلدات التي تتضمنها ولكني قررت الاعتماد على المجلد الأشهر والأحدث في الكنيسة الأرثوذكسية المعروف بـ"الردر" أو البيذاليون، الذي جمعه نيقوديموس الآثوسي، والذي جمعه في أواخر القرن السابع عشر لفحص كتابات الاباء الأولين. يوجد العديد من القوانين المختصة بالطهارة الجسدية في هذا المجلد وسنقوم بمعالجتهم واحد تلو الأخر. أول قانون يتعلق بموضوعنا هو القانون الثاني من وضع ق. ديونيسيوس السكندري بابا الإسكندرية الثالث عشر والذي عاش في منتصف القرن الثالث الميلادي. نص القانون: بخصوص النساء الحوائض وعما إذا كان من الممكن أن يدخلن هيكل الله في هذه الحالة، فأعتقد أن هذا السؤال لا لزوم لوضعه من الأساس. لأني أعتقد، أنه ولا هن أنفسهن إن كن مؤمنات وتقيات، يجترئن أن يقتربن من المائدة المقدسة أو يلمسن جسد ودم المسيح وهن في هذه الحالة. لأنه ولا حتى المرأة نازفة الدم اثنتا عشر عام لمسته هو بالفعل، بل فقط لمست هدب ثوبه كي تشفى. فلا مانع من الصلاة أو تذكر الرب أو تقديم الطلبات لنوال المعونة، أيًا كانت حالة الشخص وأيًا كان الوقت؛ ولكن إن كان الشخص غير طاهر جسدًا ونفسًا، فيجب أن يمتنع من الاقتراب من قدس الأقداس. (كتاب البيذاليون، القانون الثاني) يعلن ق. ديونيسيوس أن حتى النساء أنفسهن لا يجترئن على التقرب من الكأس وقت دورتهن الشهرية. مع هذا فهو لا يعطي تفسيرًا لذلك. وهنا لابد من وضع سؤالين إزاء كلماته: أولًا، هل النساء في هذه الفترة امتنعن عن حضور الخدمة أو الاشتراك في الكأس بسبب قلة استعدادات النظافة الجسدية وقت الطمث آنذاك؟ أم كانت النساء في ذلك الوقت متأثرات بالمتهودين الذين قال بولس أنهم أرادوا أن يحفظوا الناموس؟ فعلى الرغم من قوة حجة بولس ضد التهود بمعالجته لمسألة ختان الذكور إلا أنه من الوارد أن تكون القوانين الخاصة بطهارة النساء استمر تسليمها بين النساء وبعضهن البعض وبهذا الشكل تم انتشار هذه القوانين في العهد الجديد. توقعي أن قلة استعدادات النظافة أدى لشعور النساء بعدم الراحة أو الحرية في دخول مبنى الكنيسة وقبول الأسرار، فجاء هذا القانون لا لمنع النساء بقدر ما كان الهدف منه اعطائهن عذرًا لعدم اشتراكهن في الأسرار حيث اشترك الشعب في الإفخارستيا يوميًا آنذاك. فالنساء اللاتي عشن في هذه الأيام كن مرتبطات بسريرهن حتى انتهت فترة طمثهن. فعادات النظافة الجسدية في ذلك الوقت تضمنت البقاء في مكان واحد لمدة سبعة أيام حتى لا تتنجس الأماكن الأخرى التي قد يتلامسن معها. فلو لم تظهر العادات الصحية الحديثة، لكانت النساء في أيامنا مترددات في حضور الكنيسة أو ترك منازلهن تمامًا كنساء القرن الثالث. فعلى ما يبدو أن قلة أدوات النظافة في ذلك الوقت كانت أغلب الظن سببًا رئيسيًا في تردد النساء في الاشتراك في الإفخارستيا. نساء اليوم محظوظات لقدرتهن على الخروج والدخول كيفما شئن فترة الدورة الشهرية دون أن يدري أحد بأي شيء. فلو كان سبب ديونيسيوس هو عادات النظافة، فهذا السبب لم يعد له معنى في أيامنا وتحتاج الكنيسة لإعادة النظر في موقفها من الطهارة الجسدية. أما لو كان السبب راجع لقوانين اللاويين، يجب على الكنيسة أن تعيد النظر في موقفها اللاهوتي المترتب على هذا القانون في ضوء التعليم الأرثوذكسي الخاص بالخلاص بالنعمة. على الكنيسة أن تعيد النظر بجدية ما إذا كان تفسير ديونيسيوس الخاص بالطهارة الجسدية متماشيا مع تعليم الكنيسة فيما يخص الخلق، والخلاص، ولاهوت الأسرار، والإفخارستيا بشكل خاص. حجة ديونيسيوس المبنية على المرأة نازفة الدم التي لمست المسيح وليس شخصه هو (أي جسده) لا أساس لها، حيث إن النساء في زمن المسيح لم يكن مسموح لهن أن يتحدثن مع الرجال في المناطق العامة، فما بالك لمس أجسادهم. لا بد أن نتذكر أن هذه المرأة كانت مرتبطة بالناموس القديم وكل ما لمسته كان يعد غير طاهر. وعلى الرغم من لمسها فقط لهدب ثوب المسيح إلا أن ذلك الفعل يعتبر كافي جدًا لتنجيس أي رابي أو معلم شريعة يهودي حتى المساء (لاويين 15: 19-30). في عظة ق. يوحنا ذهبي الفم عن المرأة نازفة الدم في لوقا 8: 46، يذكر أن يسوع عرف أن ثمة شخص لمسه لأن شعر بقوة تخرج منه. بالتالي فإن جسده قد تأثر، ومن المؤكد أنه عرف أنه في نظر الناموس كإنسان يعد "غير طاهر". ومع ذلك، فلم يحاول المسيح أن يخبئ الموقف. بل على العكس، أعلن الأمر ثم تحرك صوب منزل ابنة يايرس ليقيمها من الموت (متى 9: 18-25). فهل من الممكن لشخص غير طاهر طقسيًا أن يقيم الموتى؟ لا, لكن في هذه الحالة قد يقول ديونيسيوس أن المسيح لم يكن إنسانًا عاديًا لكنه إله كامل أيضًا ولا يوجد ما يستطيع أن ينجس الإنسان. وهذا حقيقي. فلماذا إذن لا يُسمح للمرأة للتقرب من الكأس لو أنهم لا يستطيعون أن ينجسوا الله؟ فالكأس الذي يحمل سر جسد ودم المسيح العظيم يُطهر ويُشفي. كلمات ذهبي الفم في هذا الصدد هي كلمات جميلة وغاية في الحب. يقول عن المرأة نازفة الدم: "فعلى الرغم من أنها كانت مقيدة بمرضها إلا أن إيمانها أعطاها أجنحة. وانظر كيف عزاها قائلًا "إيمانك خلصك". حقًا الآن قد دعاها ليراها الكل, فقد كان من الممكن ألا يضيف هذاولكنه قال هذا من ناحية ليعلم رئيس المجمع كي يؤمن، ومن ناحية ليكرمها، ومن ناحية أخرى ليعطيها بهذه الكلماتكلمات طيبة مشجعة تتماشى مع حالتها الصحية الجديدة... لهذا السبب أتى بها أمام الجميع ومدحها وطرد خوفها خارجًا؛ وأعطاها كلمات تشجيع مع صحة الجسد، وأعطاها أيضًا زاد لرحلتها في قوله "اذهبي بسلام"". (القديس يوحنا ذهبي الفم، العظة 31 عن إنجيل متى) فلم يتنجس المسيح ولم يعنفها أو يطردها لأنها لم تحفظ قوانين الطهارة. بل على العكس قبلها كابنه. ومن الهام جدًا أن نلاحظ أن يسوع لم يذكر أي شيء عن تعلق حالتها المرضية بأي خطية. فلم يعلق بأي شيء يأمرها فيه أن تذهب لتقدم كفارة عن خطاياها للكهنة كما يُحتم قانون اللاويين. فحين شفى البرص، أمرهم أن يذهبوا للكهنة ليتطهروا. فلماذا لم يأمر بهذا في حالة المرأة؟ والسؤال المحير هو الحالة اللائقة بالاقتراب من الإفخارستيا في نظر ديونيسيوس، فيقول إنه لا ينبغي أن يقترب أي شخص غير طاهر جسدًا ونفسًا ليشترك في الإفخارستيا. فمن يستطيع إذن أن يشترك؟ ألا يُعطى جسد ودم المسيح لتطهير الخطاة؟ فلو كان فقط الأطهار وذوي الفضائل والكاملين، حسب رأي ديونيسيوس، هم من يحق لهم الاقتراب من قدس الأقداس، إذن فلماذا يقتربوا من الأساس؟ أليسوا بالفعل طاهرين؟ مع ذلك فنحن نعلم أنه ما من أحد طاهر كليةً إلا المسيح فقط، فبالتالي، حسب وجهة نظر ديونيسيوس، لا ينبغي أن يقترب أي شخص على الإطلاق للإفخارستيا. أنا متأكدة أنه لم يكن هذا هو المقصود من كلمات ديونيسيوس بل بالحري يقصد أن من يقترب ينبغي أن يكون مجاهد الجهاد الحسن، وأن يقترب من الإفخارستيا في خوف (أو ورع) الله، ولكن لماذا ينبغي أن نعتبر الوظائف الطبيعية الجسدية مؤثرة على حالة الشخص الروحية أو شعوره بالورع تجاه الله؟ ومن يقرأ مقدمة قوانين ديونيسيوس، يجد أنه كان تلميذَا لأوريجانوس الذي تم إدانته نظرًا لرؤيته غير الأرثوذكسية للجسد البشري والجنس. ومع ذلك فهذا القانون الذي كتبه رجل واحد تم تقنينه في القانون الأول من المجمع المسكوني الرابع والقانون الثاني من المجمع المسكوني السادس، وبفعل هذا التقنين أصبح لهذا القانون درجة من القوة المسكونية إلى حد ما. كتب تيموثاوس رئيس أساقفة الإسكندرية في النصف الثاني من القرن الرابع ثمانية عشر قانونًا في صورة سؤال وجواب. في السؤال السابع، قال "إن كانت هناك امرأة تمر بالحالة الخاصة بجنسها، فهل يمكن أن تتقرب في هذا اليوم للأسرار أم لا" إجابة تيموثاوس على هذا السؤال كانت قصيرة جدًا: "لا ينبغي أن تفعل هذا إلى أن تتطهر". نيقوديموس (الذي جمع القوانين في كتاب البيذاليون) يعلق بأن هذا القانون في توافق مع ديونيسيوس. ولكن ما معنى "أن تتطهر"؟ لا يوجد طقس تطهير للمرأة التي تمر بفترة الطمث الطبيعية في سفر اللاويين (لاويين 15: 30). فهل كان بالنسبة لتيموثاوس التطهير هو انتهاء الدورة الشهرية فقط أم أنه، كما كان الحال مع أنبياء العهد القديم، يطبق طقس تطهير من الخطية؟ وهل رأى الاباء أن حالات الجسد الطبيعية خاطئة؟ القانون الأخير المتعلق بهذه المسألة في كتاب البيذاليون من وضع ق. يوحنا الرابع بطريرك القسطنطينية الذي عاش في نهابات القرن السادس الميلادي. يتحدث أيضًا عن الطهارة الجسدية الخاصة بالرجال في حالة الاستحلام. فيقول: "أي شخص تلوث في منامه بسبب خروج إفرازات جسديةلا يتقرب للأسرار لمدة يوم، لكن بعد قراءة المزمور الخمسين وعمل تسعة وأربعين ميطانية يعد طاهرًا. "(كتاب البيذاليون، القانون السادس) لذلك فحسب قوانين الاباء الأولين يمكن أن يمر الرجال بفترات يعدوا فيها نجسين وعلى عكس النساء يحتجن لطقس تطهير. والمثير للدهشة في هذا الموضوع أن لا يوجد من يعرف الأولاد فور بلوغهم بقانون الطهارة وطقس التطهير على عكس الفتيات وقت بلوغهن. القانون السابع عشر الخاص بطهارة النساء من وضع ق. يوحنا مبني على قانون ق. ديونيسيوس لكن بتطور مثير للاهتمام. فيقول القانون: "أما النساء اللاتي لهم مقعد منفصل، فعليهم ألا يلمسوا شيئًا مقدسًا لمدة سبعة أيام"(كتاب البيذاليون، القانون السابع عشر) حسب القانون الثاني لديونيسيوس والقانون السابع لتيموثاوس. وهذا عينه هو ما حتمه الناموس الموسوي ولم يُسمح لهن بممارسة العلاقة الجسدية مع الرجال لأنهم ظنوا أن هذا يُضعف البذرة ويجعلها سريعة الزوال. لهذا أمر موسى أن يُرجم أبو الطفل المعيب بسبب إدمانه وعدم صبره على امرأته حتى تتطهر. أما بالنسبة للمرأة التي تحتقر نجاسة هذه الفترة وتلمس شيء مقدس، فيؤمر بأن تقطع من الشركة لمدة أربعين يومًا. في عام 1989، كنت أدرس بكلية الصليب المقدس اللاهوتية للروم الأرثوذكس وسألت الرجال من الطلبة عما إذا كان علمهم أحد عن هذا القانون الكنسي وعما إذا كانوا تبعوه منذ بلوغهم. وكانت المفاجأة أن لم يوجد ولا رجل واحد على علم بمثل هذا القانون ولم يعلمهم ابائهم بوجود مثل هذا القانون. ومن كان على علم بمثل هذا القانون عرفه بعد بلوغه بسنين. والبعض لم يسمع به إلا حين بدأوا الدراسة بالكلية اللاهوتية. كان شيء مدهش بالنسبة لي أن أعرف أن قوانين طهارة الرجال الجسدية لا تُتبع بدقة حتى بين الرجال الأتقياء الأرثوذكسيين. أما القوانين الخاصة بطهارة النساء الجسدية فظلت قائمة بسبب الأمهات اللاتي يسلمن هذا القانون لبناتهن في هدوء. فبينما يمكن للرجال أن يتطهروا بترتيل المزمور الخمسين وعمل تسعة وأربعين ميطانية ويتمكن له أن يتناول، نجد أن المرأة التي تتجرأ على التقرب للأسرار وقت طمثها تعاقب كنسيًا بالقطع من الشركة أربعين يومًا, ومن المثير للاهتمام أن نفس القانون يُطبق على من يمارس العادة السرية أو أي خطية جنسية خاصة بالجسد, فإنه لشيء محير وصادم أن نقرأ أن عقوبة الاشتراك في الأسرار الإلهية في وقت يمر فيه الشخص بحالة جسدية طبيعية من صنع الله يتساوى مع الخطية الجسدية، التي تمنع الشخص من أن يرى ملكوت الله (حسب 1 كورنثوس 6: 9-10 وأفسس 5: 5). من الواضح أن واضعي القانون عانوا من سوء فهم طبيعة الطمث، وهدفها الذي رسمه الله، وكيفية تأثيرها على الحالة النفسية والروحية للمرأة. فالمرأة تحتاج لله في هذا الوقت أكثر من أي وقت آخر حيث أنها تمر بأعراض ما قبل الحيض من ألام جسدية ونوبات خوف وبكاء ودوخة وتغيرات هرمونية.  فتحتاج النفس في هذا الوقت لقوة المسيح الشافية لتطببها. أن نعاقب المرأة المحتاجة لشفاء وغذاء روحي في وقت حاجتها الشديدة لذلك بسبب جرأتها في الاقتراب من ولمس المسيح بأن نبعدها عنه لمدة أربعين يوم إضافية هو أمر خالي من الرحمة المسيحية وأمر متضارب تمامًا مع تعاليم المسيح نفسه. هل من الممكن إذن دحض مثل هذه القوانين الابائية؟ كنيسة المسيح تتبع فقط التعاليم الآبائية التي عليها اتفاق وإجماع. فهناك بعض من آباء الكنيسة الذين واجهوا التخاريف وقوانين الطهارة بقوة مثل ق. يوحنا ذهبي الفم كما سنرى فيما بعد. تنويه من المترجم:لم يتطرق البحث لما قاله كليمنضس السكندري عن الطمث أو رسالة أنطونيوس عن الإفرازات الجسدية حيث اعتمدت الباحثة على كتاب البيذاليون وهو يعد من كتب القانون الكنسي الرئيسية للروم الأرثوذكس والذي لا يتطرق لأيهما. على الرغم من عدم وجود هذا الكتاب في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية إلا أن منطق نيقوديموس —مجمع كتاب البيذاليون— يتشابه مع منطق بعض المتشددين وبالتالي يمكن لهذا البحث أن يساهم في إعادة النظر في الموضوع بطريقة أكثر أكاديمية وبطريقة تاريخية توضح السياق التاريخي لهذه القوانين. نلت شرف التعلم من د. "كابساليس" مادة علم الآباء في العام الأخير من رسالة الماجستير في اللاهوت الأرثوذكسي الخاص بي، ونشرت هذه الترجمة بسماح منها، وهي بدورها تؤكد على أن الأمر بين الفتاة أو السيدة وأب اعترافها أولًا وأخيرًا. - نُشر هذا البحث أولًا في دورية الكنيسة القبطية الجزء التاسع عشر والعدد الرابع عام 1998. هذه الدورية تنشر العديد من المقالات الأكاديمية وبدأها وأشرف على إصدارها د. "ردولف ياني" من مواليد أسيوط، مصر، ومقيم بالولايات المتحدة الأمريكية. يشرف على إعدادها لفيف من الأكاديميين والآباء الأساقفة والكهنة وهم: الأنبا ويصا أسقف البلينا، والأنبا أنطونيوس مرقس أسقف الشئون الأفريقية، والأنبا اسحق أسقف قويسنا، والأنبا ديسقوروس الأسقف العام بالقاهرة، والقمص تادرس ملطي كاهن كنيسة مارجرجس سبورتنج، والبروفيسور فايق اسحق، والدكتور ويليام الميري، والدكتور جرجس إبراهيم، والدكتور عصمت غبريال. (أندرو يوسف) --- ### ٨ يونيو: ذكرى روّاد الاستنارة [متي وفرج] - Published: ۲۰۲۱-۰۷-۰۳ - Modified: 2021-07-02 - URL: https://tabcm.net/2141/ - تصنيفات: شئون علمانية, مقالات وآراء - وسوم: الأب متى المسكين, بابا شنودة الثالث, فرج فودة ذكرى رواد جمعهما نفس الحلم بالتغيير والإصلاح وإن اختلفت اتجاهاتهم استمعت، ولأول مرة، لمناظرة "فرج فودة" كاملة، ومما ادهشني فيها هو التشابه الرهيب بين شخصية وحياة كل من "متي المسكين" وبين الدكتور "فرج فودة". وشاءت الأقدار أن يتوفى الرائدان في نفس اليوم مع اختلاف السنوات لتكون ذكرى 8 يونيو هي ذكرى فقدان علامتين من رواد التنوير. الحرب الاصولية الإعلامية التكفيرية علي د. "فرج فودة"، التي قادها البعض بإيعاز من القيادات الدينية الإسلامية وقتها،، هي نفسها الحرب الأصولية التكفيرية الإعلامية التي قادها البعض بإيعاز من القيادات الدينية المسيحية وقتها. نفس الفكر الأصولي عند الهضيبي ومحمد عمارة والغزالي في مناظرتهم لفرج فودة، هو نفسه الفكر الأصولي للمطران الراحل ورؤسائه السابقين وتلاميذه الحاليين المنتمين لمدرسة هرطق كيفما شئت وأينما كنت الدفاتر دفاترنا والأحكام بتاعتنا وعلى المتضرر اللجوء لأقرب عمود! كلا القيادتان الدينيتان أطلقتا العنان للاذرع الحديدية كي تنهش في الرواد كتابات فرج فودة المتفتحة الرائدة المنيرة للعقول جلبت عليه موجات من التشهير والتكفير وهجوم غير مسبوق انتهى بإهدار دمه وقتله جسدياً وكذلك متى المسكين, فكتاباته الرائدة المستنيرة جلبت عليه غضب وحسد القادة ومارسوا محاولات التشهير والتكفير والقتل المعنوي وفرض العزلة كل من متى وفرج عارضا الدولة الدينية وتزاوج الدين بالسياسة. أو بالأصح علاقات الدين والسياسة المحرمة المشبوهة، فنادي فرج فودة بالدولة المدنية ورفض (تديين) الدولة, وكذلك فعل متى المسكين في كتابه الرائع (الكنيسة والدولة) حيث اعتبره من اجمل ما قرأت حول دور الكنيسة أمام الدولة والمجتمع، ورفض ارتماء الكنيسة في أحضان السياسة. فكان الكتاب وبالا عليه ممن عشقوا السياسة وامتهنوا الصدام السياسي وادخلوا الكنيسة في دهاليز لم تستطع الخروج منها. كلاهما حارب النصب الديني والدروشة ودونية المرأة. كلاهما شجع على التنوير ونبذ التعصب والتطرف وتكفير الآخر. أعود للمناظرة, عندما شاهدتها  لأول مرة, اؤكد اني لم أري الدكتور محمد عمارة متكلماً, بل رأيت رجل إسلامي أصولي يرتدي (عمة الدمياطي) ويدغدغ احاسيس المواطن القبطي الملتزم المحافظ على ما يفهمه وما لا يفهمه. يؤجج ويلهب مشاعرهم بمزيج من "الشخصنة" الفجة والاتهامات الجزافية "بالتكفير" و"الخيانة" والتحذير من محاولات قبول "الآخر" وشيطنة كل ما يمت بصلة لـ"الغرب" وترهيب الحضور ببراعة شديدة من البعبع المزدوج "التغيير" و"البديل" فتلتهب مشاعر الحضور ويعجوا بالتصفيق والتهليل والهتاف! فالتغيير والبديل للدولة الدينية عند محمد عمارة كان الدولة اللادينية وتدمير القيم والاصول وزعزعة اسس الدين وتدخل الغرب الكافر! ! وبالمثل فإن البعبع القبطي الذي "حضّره" الأصوليون هو سيناريو يرعب أوصال الشعب القبطي, فمثلا ان اثيرت مطالبات "متاوية" بالمطالبة بحقوق المرأة في التناول في أي أوقاتها، يعتبرها الأصوليون نوعا من انواع هدم التقاليد الكنسية, ويبدأون في سرد ان تلك المطالب سوف تؤدي للانحلال وربما تسمح مستقبلا بكهنوت المرأة والشذوذ والمثلية؟! ! محاولتهم الخلط الخلط المتعمد بين "التأليه" و "التأله" واستخدام المغالطات المنطقية واتهام متى المسكين بمحاولة جلب الأفكار الغربية للكنيسة القبطية بهدف زعزعتها وتدميرها من الداخل! ! ! وكما كان فرج فودة يتميز بالثبات الانفعالي الشديد اثناء المناظرة أمام جحافل الاتباع المهللين والمكبرين, هكذا كان متى المسكين يتميز بنفس الثبات الانفعالي فكان يركز على اصدار أبحاثه وكتاباته المستنيرة دون الإلتفات لعظة مطران من هنا او محاضرات اكليريكية من هناك، اقيمت بهدف الرد على أفكاره ولكنها لم تخلو من السخرية والاستهزاء وإلقاء النكات حتى تعجب الأتباع المحتشدين المهللين بدون ان يفهموا او يبحثوا! ! ! حينما كان محمد عمارة والمطران يستخدمون الصوت العالي ويعتمدون على الحشد المقدس الإعلامي والجماهيري واستخدام كافة الصحف والقنوات، كان متى المسكين وفرج فودة يستخدمان أسلوب العقل والمحاورة والكتابة والبحث دون الاعتماد علي الابواق والمنابر او الهتيفة والصقيفة هناك قائمة كبيرة بالمتشابهات بين فرج ومتى وكثير من المقارنات بينهم وبين الاصوليين، ولكن الوقت لن يسعني لأكتبها كلها في مقال واحد لكن الخص كلامي كله في كلمتين: بعد مرور 28 عام علي استشهاد فرج فودة و 14 عام على نياحة متى المسكين،، من انتصر؟ هم أم الأصوليين؟ من منهم مازال يتذكره الشباب الواعي المثقف الآن. من يسعى إليه الشباب بالأكثر؟ من منهم كتبه ومؤلفاته تملأ الجدران؟ هل الأصوليون ام المستنيرون؟ سؤال لا يحتاج لأي اجابات! --- ### !الحمد لله الذى عافانا من هذا - Published: ۲۰۲۱-۰۷-۰۲ - Modified: 2021-07-02 - URL: https://tabcm.net/2160/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, مقالات وآراء الحقيقة عندى مشكلة كبيرة مع فكرة: بص حواليك، شوف فى ناس قد ايه مرضت، وناس قد ايه ماتت (بالفيروس مثلا)، وأنت ربنا لسه محافظ عليك،، فاشكر ربنا. . أو واحنا بنعلم أولادنا: فى ناس كتير معندهاش اللى عندك، ويمكن مش لاقيين أكل وشرب،، فاشكر ربنا. . الفكرة بالنسبالي بتتعدى الأنانية إللى بيغذيها المبدأ ده. . الأخطر من كده انها بتضرب المبدأ الأساسي لفكرة الكنيسة ووحدتنا فيها فى جسد المسيح فى مقتل. . مبدأ "الحمد لله إن أنا بخير حتى لو كل الناس بتعانى"، ده مبدأ خطير جدا، والتصالح معاه فى رأيي: كارثي! ! :لأنك كده أولا: خلعت عن اخوك اللى مرض أو حتى اللى انتقل أو الفقير او المتألم، محبة ربنا ورعايته وستره، وتخيلت إن إنت بس إللى منفرد بيهم. مع إن الحقيقة إن الله كـ"أب" يهتم بالجميع بشدة، ويمكن زى التعبير الإنساني، إللي اعتقد إن احنا استشفيناه من معاملات الله معانا، إن المريض والمحتاج والمتألم يأخذ اهتمام اكبر، واكيد ربنا بيتعامل معاه سواء بسنده في المرض، بتعزية فى وسط الألم، أو بأي شيء يراه، لان الله دائما موجود معنا، ثانيا: رفعت نفسك في مكانة أعلى من اخوك، وهى مكانه المحميين والمحروسين، وليس مثل هؤلاء الخطاة والعشارين اللي تخلت عن حمايتهم يد الله. ثالثا: تخليت عن شعورك بالمسؤولية تجاه اخوك. . إنك تقف جنبه وتساعده وتصلى من أجله، وتمد ايدك معاه فى حالة شركة حقيقية، مؤمنا أن كل شيء بينكم مشتركا زى ما كانت الكنيسة الاولى، مش الاموال بس كانت مشتركة ولكن الألم مشترك، والفرح مشترك، وده مثل الجسد الواحد اللى اتعلمناه عن الكنيسة: إذا تألم عضو حتى لو صغير يتألم الجسد كله معه. رابعا: لو حصل فعلا - وهى أمر وارد على جميع الناس دون استثناء - إن إنت شخصيا تعرضت لضيقه أو مرض أو ألم، وقتها هاتشعر إن عناية الله فارقتك وممكن تدخل فى دوامة من الفكر. . ده هل خطيتي؟ هو أنا عملت إيه؟ ربنا بيعاقبنى ليه؟ وهكذا. . مع إن الحل في الحقيقة بسيط: احنا بنشكر الله زى ما علمتنا كنيستنا العظيمة، فى كل حال وعلى كل حال ومن أجل كل حال، وده ببساطة لأننا بنشكره على وجوده معانا دائما (مش تفضلا منا بنشكره، حتى على السيئات اللى بيبعتهالنا 😅 ابدا) بنشكره ﻷن عمله معانا لا يتوقف، سواء فى رغد أو ضيقة، فرح أو ألم، هو الاب الحنون الذي لا يتركنا ابدا. علشان كده، أتمنى نستبدلها بمبدأ: شوف فى ناس قد ايه متألمة والله لا يتركهم، وواقف معاهم، شوف ناس قد إيه معرضة لضغوط شديدة، يا ترى ممكن اعمل إيه علشان اساعدهم. . ولاولادنا: إتعلم إنك مش لوحدك فى الدنيا، وإنت عندك حاجات كتير، فكر إزاى تساعد أخوك اللى ماعندوش، ووقتها نشكر ربنا من كل قلوبنا دائما، وفى كل وقت، لأنه مستحق الشكر جداً. --- ### سر الزيجة؟ أم سر التحكم الاجتماعي؟ - Published: ۲۰۲۱-۰۷-۰۱ - Modified: 2024-03-01 - URL: https://tabcm.net/2153/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, المرأة القبطية - وسوم: أحوال شخصية, أسرار الكنيسة, أنبا بيسنتي، أسقف حلوان والمعصرة والتبين, أنبا بيشوي، مطران دمياط وكفر الشيخ, أنبا رفائيل، أسقف وسط القاهرة, الأخلاق الجنسية, التحكم الاجتماعي, الرغبة الجنسية, الطلاق في المسيحية, العصور الوسطى, الغنوصية, الكنيسة القبطية, الكنيسة الكاثوليكية, الولدينسيين, بابا شنودة الثالث, بتولية أم زواج, جبل آثوس, حماة الإيمان, سر الزيجة, شريعة الزوجة الواحدة, صليب متى ساويرس, قديس أوغسطينوس، أسقف هيبو, قديس إيرونيموس چيروم, مجمع فلورنسا, مفهوم الرهبنة, مينا أسعد كامل, وقت لتبادل القبل, يوحنا المعمدان, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية في البدء، ينبغي أن نعترف أن سر الزيجة غير مستلم من الكنيسة اﻷولى، بل تم تأسيسه في القرن الثالث عشر من الكنيسة الكاثوليكية لمقاومة أفكار غنوصية عن الزواج في البدء، ينبغي أن نعترف أن سر الزيجة غير مستلم من الكنيسة اﻷولى، بل تم تأسيسه في القرن الثالث عشر من الكنيسة الكاثوليكية لمقاومة أفكار غنوصية عن الزواج. وبشكل عام فمفهوم "اﻷسرار السبعة" هو مفهوم كاثوليكي، بينما في المفهوم اﻷرثوذكسي للأسرار فعددها أكبر، وليس من ضمنها سر الزيجة. أول ذكر تاريخي للزواج كـ"سر"، كان في عام 1254، حين اتهم الكاثوليك الولدينسيين بازدراء سر الزواج عندما قالوا: «إن المتزوجين يخطئون بشكل مميت، إذا اجتمعوا بدون أن تكون الذرية هدفهم. » (Michael Thomsett, Heresy in the Roman Catholic church: A history) والمقصود هنا أن الولدينسيين كانوا يعتبرون الزواج هو أداة للتكاثر والإنجاب فقط، أما العلاقة الزوجية لو تمت لأي سبب أخر فهم يعتبرونها خطية قاتلة. . فاضطرت الكنيسة لتقديس الزواج واعتباره "سرا مقدسًا" لمكافحة هذا الشطط الغنوصي. . بعدها في القرن الخامس عشر، عرّفت الكنيسة الكاثوليكية عبر “مجمع فلورنسا” عام 1439، الزواج بأنه: “سر مقدس”، بشكل رسمي. ثم بعدها بقية الطوائف أكدت على "تقديس الزواج" لسبب بسيط جدا. . إنه التنظيم الاجتماعي الوحيد الموضوع من الكنيسة بغرض مقاومة الروحنة المتطرفة لجسدانية الزواج. . تلك الروحنة التي شط فيها حتى اﻵباء أنفسهم. . لنتكلم بصدق أكبر، فالولدينسيين لم يأت فكرهم من فراغ. . القديس جيروم قال نصا: «تأجج الرغبة الجنسية بين الزوجين خطية. » (القديس أيرونيموس جيروم، نقلا  عن كتاب: "القداسة في المسيحية بين المتزوجين"، للقمص صليب حكيم) والقديس أغسطينوس - والذي يعاني من ذنب انحرافاته الجنسية السابقة، ويحاسب المتزوجين عليها - يقول: «يجب على الأزواج الامتناع عن المتعة طوال السنة. » «من المؤكد أنه كلما أمتنع أحدهما عن الآخر ، كان ذلك أفضل لهما. » «لا يتعلق الأمر بالتخفيف من الرغبة والاكتفاء بالعلاقة الجسدية من أجل التناسل، بل المقاومة قدر الإمكان، وعدم الوقوع في فخ النشوة الجنسية، فالروح والجسد متناقضان، ولا يجب السعي لإيجاد التوازن بينهما بل الانصراف إلى الأمور الروحية قدر المستطاع. »(القديس أغسطينوس، كتاب "وقت لتبادل القبل" لجان لوي فلاندران - بحث عن أصول الأخلاق الجنسية الغربية) إذن - في فكر ق. أغسطينوس- فالمتعة في حد ذاتها محظورة، ولا يفوتنا هنا التركيز على التعبير "الروح والجسد متناقضان" والمبني على التأسيس البولسي (الروح يشتهي ضد الجسد، والجسد يشتهي ضد الروح)، وهو تأسيس قد أخذ أشكالا عديدة من التطرف داخل الرهبانيات الأرثوذكسية، فمثلا يمتنع رهبان جبل آثوس عن العوم في المياه على شاطئ الجبل، لأنهم يرون السباحة: "شهوة" ينبغي قمعها. أفكار تحارب المتعة لذاتها، حتى لو كانت مباحة، ﻻ لشيئ سوى تعذيب الجسد عدو الروح. والسؤال هنا: هل الولدنيستيين،  والذين قاومتهم الكنيسة بتأسيس "سر الزواج"، قد أتوا بشيء مختلف عما قاله اﻵباء من شطط في فهمهم لمسألة الزواج؟ وما هو الخط الفاصل بين فكر اﻵباء والفكر الغنوصي، في أيا مما يتعلق بالجسد كعدو للروح؟ ربما يقول أحدهم أن كل هذا حدث وعولج في الغرب، وليس لنا شأن به. . فقديسونا وآبائنا الشرقيين كانوا عاقلين بعيدا عن هذا الشطط. . وهذا الكلام بمجمله: غير صحيح يوحنا ذهبي الفم قال: «إذا كنتم تريدون الطريق الأسمى والأعظم، فالأفضل ألا يكون لكم علاقة مع أية امرأة كانت. » (يوحنا ذهبي الفم، موقع سانت تكلا، نقلا عن كتاب: "شريعة الزوجة الواحدة" للبابا شنودة الثالث الذي لا يذكر مصادره) ولن أقول أنها أيضا أفكار تستند على التأسيس البولسي (من لا يتزوج يفعل أحسن) وأترك هذا لضميرك. . البابا شنودة الثالث له كتاب كامل بعنوان: «بتولية أم زواج» وما به من أفكار وتوجهات هي أكبر من أن يتسع لها مقال واحد، وما يمكن لي قولة على عجالة أن البابا شنودة كتب هكذا كتاب بهذا العنوان الذي يبدو واضحا كمفترق طرق بين حدثين متنافيين، كي يؤكد فيه إن المسيح منحاز للبتولية وهو الذي وطد دعائم البتولية، فقد كان بتولاً، ووُلد من أمٍ بتول، وهيأ له الطريق نبيّ بتول (يوحنا المعمدان)، والكتاب كله بشكل عام يؤكد انحيازات البابا شنودة  لتقديس البتولية على حساب الزواج. نيافة الأنبا بسنتى، أسقف حلوان والمعصرة، يقول: «لا يجوز ممارسة العلاقة الزوجية أثناء الصوم. » (نيافة الأنبا بيسنتي، أسقف حلوان والمعصرة، في لقاء متلفز مع الإعلامي طوني خليفة، 2015) «العلاقة الزوجية ليست دنسا أو خطيئة، ولكن الامتناع عنها يدخل فى باب كبح الشهوات. » (نيافة الأنبا بيسنتي، أسقف حلوان والمعصرة، في لقاء متلفز مع الإعلامي طوني خليفة، 2015) نيافة الأنبا رفائيل، أسقف وسط القاهرة، يؤكد أن: «أيام الصوم لا يفضل فيها المعاشرة الزوجية حسب تعاليم الكتاب المقدس، التي حسمت هذا الأمر. » (نيافة الأنبا رفائيل، أسقف وسط القاهرة، في تصريح لمراسلة مصر360) القمص صليب متى ساويرس، كاهن كنيسة مارجرجس بشبرا، يقول: «لا يمكن ممارسة العلاقة الزوجية أثناء الصوم، إلا بإذن أب الاعتراف، وفى ظروف قهرية يسمح بها الكاهن وفقا لخبرته. » (المتنيح صليب متى ساويرس، كاهن كنيسة مارجرجس الجيوشى بشبرا، وعضو المجلس الملى العام، في تصريح على البوابة نيوز) «المعاشرة الزوجية ممنوعة أيضًا ليلة القداس، وقبل طقس التناول الذي يشترط فيه الصوم والطهارة قبل دخول الكنيسة. » (المتنيح صليب متى ساويرس، كاهن كنيسة مارجرجس الجيوشى بشبرا، وعضو المجلس الملى العام، في تصريح على البوابة نيوز) مينا أسعد كامل، مدرس اللاهوت بالكنيسة القبطية، يبدأ تلك البدايات الشعاراتية، والتي تعكس نفيا لما يعلم اختلاله، فيقول: «المسيحية لا تفضل البتولية على الزواج، فالزواج سر مقدس، بينما الرهبنة ليست سرا. » (مينا أسعد كامل، مدرس اللاهوت بالكنيسة القبطية، ومؤسس "رابطة حماة الإيمان") ثم يدخل بعدها في تفسيرات ضميرية ﻻ تعبّر إﻻ عن النفي الاستنكاري، ويتساءل قائلًا: «لا يعني الامتناع عن ممارسة العلاقة الزوجية أثناء الصوم أنها مكروهة، فنحن نمتنع عن تناول بعض الأطعمة، هل لأنها غير محببة؟» (مينا أسعد كامل، مدرس اللاهوت بالكنيسة القبطية، ومؤسس "رابطة حماة الإيمان"، ومؤلف كتاب عن عادة النساء يحمل تقديم الأنبا بيشوي) ثم يجيب نفسه قائلًا: «بل هو نوع من تهذيب النفس ومقاومة الشهوات. » (مينا أسعد كامل، مدرس اللاهوت بالكنيسة القبطية، ومؤسس "رابطة حماة الإيمان"، ومؤلف كتاب عن عادة النساء تقديم الأنبا بيشوي، في تحقيق لجريدة اليوم السابع أجرته الصحفية والكاتبة: "سارة علام") هل يقصد "شهوة الزواج"؟! أم شهوة الجنس؟! ! أم أنه يقصد نفس الفكر اﻷوغسطيني بأن المتعة محظورة لذاتها؟ أم نفس فكر جيروم الذي يرى إن بأن اشتهاء الزوجين خطية؟ علام أسس أفكاره وهو يتحدث عن المسيحية كالولدينستيين؟ لن تجد إجابة، وكل ما يهم هو تنفيذ تعاليم قداسة البابا شنودة الثالث، وتكرار ما يقوله على أنه قواعد ملزمة، وكيف لا وهو نفس البابا الذي منع زواج من تركوا الرهبنة كنوع من العقاب الاجتماعي اﻷبدي لهم. وهو ما لم يحلم الولدينستيين بمجرد التفكير به.   أعتقد أنه ينبغي على الكنيسة المصرية تأسيس سر مقدس جديد، لمقاومة هذه اﻷفكار الغنوصية المتروحنة، والتي مازالت تعيش في العصور الوسطى، والتي تدرك تمامًا بأن اﻹنسان قد طور مفهوم الجنس من "وسيلة تكاثر" إلى "أداة متعة". . يعرفون هذا ويحاربونه كالولدينسيين، وينبغي على الكنيسة المعاصرة  إفرازهم كما فعلت الكنيسة الكاثوليكية في القرن الثالث عشر، كما أعتقد أنه ينبغي تسمية هذا السر الجديد باسم حديث ومبتكر وعصري،، تسميه مثلا: "سر الزيجة"   اقرأ أيضا: --- ### كيف يتعامل المؤمن مع العلوم؟ - Published: ۲۰۲۱-۰٦-۳۰ - Modified: 2023-10-10 - URL: https://tabcm.net/1864/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: أيام الخليقة, المتفرقات, باسيليوس الكبير، أسقف قيصرية الكبادوك, علامة إكليمندس السكندري كيف يمكن للمسيحي(ة) أن يتعامل\تتعامل مع العلوم؟ هل ينبغي أن يشعر المسيحي(ة) بعدم ارتياح تجاه العلوم؟ هل تعد تهديدًا لإيمانه أو إيمانها؟ أيضًا، هل تتفق فكرة الإيمان الأعمى مع الأرثوذكسية؟ هل كانت الكنيسة الأولى تعيش مسيحية ذات إيمان أعمى؟ أظن أن هناك مساحة لإعادة النظر في التعامل المسيحي مع العلوم المحيطة بنا وأتمنى أن ألقي الضوء على هذا الموضوع... تمهيد أن نعتبر أن العلوم بمثابة تهديد، هو أن نعتبر الله نفسه تهديدًا، إذ أنه هو العالم المطلق. الله خلق وأسس العلوم. للأسف، في العقود الأخيرة شنت بعض الطوائف المسيحية غير الأرثوذكسية حربًا على العلوم، أو بشكل أدق شنوا الحرب على بعض جوانب العلوم. وقامت هذه الحرب على أساس سوء فهم، لكن كأرثوذكس، ينبغي ألا نخاف العلوم بل بالحري نتعلم كيف نتعامل معها بطريقة سليمة. بنعمة الله، سأقوم بمعالجة جوانب سوء الفهم وكيفية التعامل مع العلوم بشكل أوسع في الحلقات القادمة من هذه السلسلة. ولكن بدون شك، ينبغي أن نبتعد عن شيء واحد، خصوصًا في الغرب ألا وهو الإيمان الأعمى. إيماننا المسيحي ليس أعمى. حين قال المسيح لتوما الرسول: "طوبى لمن آمن ولم ير"، عنى بذلك أنه ينبغي أن يكون لنا إيمان. وأن من لهم إيمان سيكونون مباركين. ولكن الإيمان والإيمان الأعمى ليسا نفس الشيء. دون شك، لم يكن ق. توما ذا إيمان أعمى حيث إنه قضى ثلاثة أعوام مع المسيح شاهدًا لمعجزاته، بل صانعًا للمعجزات، وسامعًا للمسيح محدثًا إياهم عن صليبه وقيامته. يقول ق. بولس الرسول "الإيمان هو الثقة بما يرجى والإيقان بأمور لا ترى". والرجاء فيما يرى لا يعد رجاء. أو بشكل أخر، يمكننا أن نقول إنه لا يمكننا أن نمتلك إيمانًا أو رجاءً فيما نراه. لذا فالإيمان والرجاء يشيرا إلى ما لا يمكننا أن ننظره. ولكن لأننا مولودين على صورة الله، فقد أعطانا العقل لنفكر. إذًا الإيمان يستخدم العقل في رجاءه فيما يخص الروحيات والأشياء التي لا ترى. أما الإيمان الأعمى، فهذا يلغي العقل الذي أعطاك الله إياه. الإيمان الأعمى يعني أن تؤمن بشيء على الرغم من أنه يبدو بلا معنى، أو الإيمان من أجل الإيمان دون الجهد الكافي لخبرتنا وبحثنا عن الله. الإيمان الأعمى بشكل ما يلغي بحثنا عن الحقيقة، أي البحث عن الله ذاته. بطريقة أخرى، الإيمان الأعمى بالإلحاد سيصل بك إلى الإلحاد والإلحاد فقط. الإيمان الأعمى بدين ما سيجعل الشخص باقيًا على هذا الدين بصرف النظر عن صحته. كسفراء الحقيقة الكامنة في المسيح، نحن، كأرثوذكس، ينبغي أن نشجع على الإيمان العقلاني لا الإيمان الأعمى. فمن يمتلك الحقيقة لا يخاف شيء. العلوم والكنيسة الأولى حين ننظر إلى آباء الكنيسة الأولين وكيف عاشوا المسيحية، يمكننا أن نرى بوضوح أنهم لم يتبنوا الإيمان الأعمى. بل على العكس، كانوا لاهوتيين نظاميين، ولم يخجلوا من احتضان الفلسفة والعلوم، واستطاعوا أن يرتبوا أجزاء الـ"بازل" معًا حين نظروا للفلسفة والعلوم من منظور مسيحي. فعلى سبيل المثال، هل تعرف أن ق. يوستينوس الشهيد الذي ولد وثنيًا في عام 100 م، لم ينزع عنه رداء الفلاسفة بعد عماده. في الحقيقة، رأى أنه صار مستحقًا لارتدائها فقط بعد عماده، حيث إنه توصل إلى الحقيقة في المسيح. الآن، قد صار فيلسوفًا حقيقيًا، محبًا حقيقيًا لحكمة المسيح.  في ذلك الوقت، لم يرتد الكهنة زيًا مميزًا إلا أن يوستينوس ارتدى بفخر رداء الفلسفة. كذلك، ق. كليمنضس السكندري، ولد لأبوين وثنيين عام 150 م تقريبًا وقدر الفلسفة بدرجة شديدة، ولكن مع ذلك عرف حدودها. وحيث كان تلميذًا للقديس بانتينوس، الذي تحول من مدرسة الفلسفة الرواقية إلى المسيحية، فكليمنضس أمن أن الفلسفة تقود الناس إلى الحق الإلهي: "وهكذا، قبل مولد الرب، كانت الفلسفة مهمة لليونانيين لأجل البر. والآن أصبحت مساعدة للتقوى؛ حيث إنها كانت نوع من التدريب التمهيدي لمن كانوا سيعتنقون الإيمان بالكرازة... فالله هو أصل كل ما هو صالح... ربما أيضًا أن الفلسفة أُعطيت لليونانيين بشكل مباشر وأولي، حتى يأتي الرب ليدعو اليونانيين. فكان هذا معلمًا للعقل الهيليني كما كان الناموس للعبرانيين، ليمهد لهم المسيح. لذا، فالفلسفة كانت إعدادًا، راصفة الطريق لمن سيكملون في المسيح"(إكليمندس السكندري، المتفرقات، الكتاب الأوّل، الفصل الخامس) يمكننا أن نرى بوضوح كيف أنه تعامل بإيجابية شديدة مع الفلسفة من منظور مسيحي. كذلك ق. باسيليوس، في كتابه "ستة أيام الخليقة"، استخدم علوم عصره كوسائل إيضاح لحقيقة وجمال الله وكيف ينبغي على المسيحي أن يعيش. فكان رجلًا بليغًا من الدرجة الأولى وصارت عظاته سببًا لتوبة كثيرين. كذلك، اعتادت المدرسة السكندرية تدريس العديد من المواد إلى جانب اللاهوت المسيحي مثل الفلك والرياضيات والفيزياء والفلسفة. فكل هؤلاء من منظور مسيحي أظهروا الحق الإلهي وساعدوا التلاميذ في مشاركة أيمانهم مع أصدقاءهم. لم تتجنب الكنيسة الأولى العلوم ولكن فهمتها بمنظور مسيحي. هنا وينبغي أن أكون غاية في الوضوح، أنه في بعض الأحيان تستخدم العلوم بطريقة غير أخلاقية ضد الأخلاقيات الإلهية، كمسيحيين، نحن لا نقبل مثل هذا الاستخدام. فالعلوم، كسائر الأشياء، يمكن أن تستخدم استخدام جيد أو رديء حسب حرية الإرادة البشرية. ينبغي أن نميز بين العلوم التي تستخدم بطريقة شريرة وبين حقيقة أن العلوم في حد ذاتها شيء جيد وأنها ليست شيء شرير. بناء على ذلك المسيحية ليست في تضاد مع العلوم بل بالحري مكملين لبعضهما البعض. فكليهما يجيبان الأسئلة الأربعة الأساسية: "من"، و"لماذا"، و"كيف"، و"ماذا". المسيحية، بتقليدها المقدس بما فيه الكتاب المقدس، يجيب على من هو الله؟ ومن هو الإنسان؟ ولماذا خُلقنا؟ هذه الأسئلة لا يمكن إجابتها عن طريق العلوم. العلوم تجيب عما هو الكون؟ ما هي مكونات الإنسان؟ كيف صنع العالم؟ لهذا فالعلوم تجيب على ماذا وكيف ولكن لا سلطان لها على سؤالي "من" و"لماذا". بنفس الطريقة، ليس للمسيحية أن تجيب عن سؤالي "ماذا" و"كيف". الكتاب المقدس ليس كتابًا علميًا على الإطلاق. سنتحدث بتوسع أكثر عن بعض التفاصيل الخاصة بالعلوم القليلة التي نراها في الكتاب المقدس. لكن الآن ينبغي أن نفهم أن العلوم الموجودة في الكتاب لا تهدف إلا لإجابة سؤالي "من" و"لماذا". فلا يحاول الكتاب المقدس أن يجد إجابات للأسئلة العلمية، لكن هناك فرق واضح وهام بين العلوم والمسيحية. المسيحية إعلان من الله. الله يعلن من هو، ومن نحن كبشر، ولماذا خُلقنا. وحيث أن هذا الإعلان من الله الكلي القوة والمعرفة وغير الزمني، فهو إعلان غير متغير بل بالحري ثابت. أما المعرفة العلمية فهي متطورة وتُكتشف بواسطة البشر. لذا فالعلوم تتطور كلما وجد الإنسان طرق جديدة لفهم العالم المحيط بنا. إذن العلوم تتغير بينما إعلان الله لا يتغير. بالتالي، فمسيحيي كل العصور يضطروا لمواجهة الاكتشافات العلمية ولابد من أن تبدأ نقاشات لاهوتية لبحث هذه الاكتشافات الجديدة. فبعض الاكتشافات لها أساس وبعضها لا أساس له. بعض الاكتشافات تقودنا لاكتشافات علمية حديثة أخلاقية، بينما البعض الأخر يقودنا لاكتشافات غير أخلاقية. كمسيحيي القرن الواحد والعشرين، ينبغي أن نكون جزء من هذه النقاشات. فالإجابة لا تكمن في تجنب العلوم. الإجابة الحقيقة تكمن في تبني آلية آباء الكنيسة والتعامل مع العلوم في نور المسيح. هذه المقالة ترجمة لحلقة من سلسلة عن الكتاب المقدس والعلم من تحضير وإلقاء كاهن قبطي أرثوذكسي بشمال أمريكا طلب عدم ذكر اسمه إلا أنه سمح بنشر هذه الترجمات بمعرفتي --- ### البابا شنودة.. عبادة البعل الجديدة - Published: ۲۰۲۱-۰٦-۲۸ - Modified: 2023-09-04 - URL: https://tabcm.net/1975/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, شئون علمانية - وسوم: إيليا النبي, الكنيسة الكاثوليكية, بابا ثاؤفيلس الأول, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس عمود الدين, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية هل إدارة البابا شنودة الثالث للكنيسة والصراعات بها هي جزء من الإيمان الأرثوذكسي؟! هل هي وحي؟! من حقي أن أنتقد شنودة الإنسان أو شنودة المدير أو شنودة الراهب أو شنودة الأسقف، والاهم أنه من حقي بل ومن واجبي أن انتقد شنودة البطريرك لأن شخصه كخادم من خدام المسيح في كنيسته ليس أهم من صلاح وإصلاح الكنيسة ونموها. لأن انتقاده حق، وشخصه ليس فوق المسيح الذي هو الحق. عانى شعب بني إسرائيل من الجفاف في عهد آخاب الملك، حيث جفت كل ينابيع المياه وامتنعت السماء عن المطر، واختفى إيليا النبي عن ناظري آخاب حتى أمره الرب أن يذهب لمقابلته، وقد كان. 17 وَلَمَّا رَأَى أَخْآبُ إِيلِيّا قَالَ لَهُ أَخْآبُ: «أَأَنْتَ هُوَ مُكَدّرُ إِسْرَائِيلَ؟» 18 فَقَالَ: «لَمْ أُكَدّرْ إِسْرَائِيلَ، بَلْ أَنْتَ وَبَيْتُ أَبِيكَ بِتَرْكِكُمْ وَصَايَا الرّبّ وَبِسَيْرِكَ وَرَاءَ الْبَعْلِيمِ. 19 فَالآنَ أَرْسِلْ وَاجْمَعْ إِلَيّ كُلّ إِسْرَائِيلَ إِلَى جَبَلِ الْكَرْمَلِ، وَأَنْبِيَاءَ الْبَعْلِ أَرْبَعَ الْمِئَةِ وَالْخَمْسِينَ، وَأَنْبِيَاءَ السّوَارِي أَرْبَعَ الْمِئَةِ الّذِينَ يَأْكُلُونَ عَلَى مَائِدَةِ إِيزَابَلَ. 20 فَأَرْسَلَ أَخْآبُ إِلَى جَمِيعِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَجَمَعَ الأَنْبِيَاءَ إِلَى جَبَلِ الْكَرْمَلِ. 21 فَتَقَدَّمَ إِيلِيّا إِلَى جَمِيعِ الشّعْبِ وَقَالَ:«حَتّى مَتَى تَعْرُجُونَ بَيْنَ الْفِرْقَتَيْنِ؟ إِنْ كَانَ الرّبُّ هُوَ اللهَ فَاتّبِعُوهُ، وَإِنْ كَانَ الْبَعْلُ فَاتّبِعُوهُ»(1سفر الملوك الأول، الإصحاح 18) يتكرر المشهد أمامنا الآن، كلما رأيت الشعب القبطي في تقديسه للبابا شنودة تحديدًا، ذلك التقديس الذي يصل دائمًا إلى حد العصمة. فـ "شنودة الثالث" لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه! ! فأصبحت أقواله وأحيانا آراؤه هي المرجع الإيماني واللاهوتي المعصوم فوق كلمات الكتاب المقدس نفسه. ولسان حالهم يقول: "ما حاجتنا إلى المسيح وأقواله؟ فلدينا شنودة الثالث". يمكنك أن تهين الذات الإلهية - فهم يفعلون ذلك دائمًا - ونقدم لك المحبة والستر؛ ولكن أن تنتقد (البابا المعظم الأنبا شنودة الثالث ذهبي الفم الجديد أثناسيوس القرن العشرين وينصره على مين يعاديه) فأنت مهرطق فورا، ملعون، منبوذ، فأرٌ خرج من جحره لا يستحق العيش بيننا ولا يستحق لقب مسيحي وتُنزَعُ منك بنوتك لله في التو والحال. ربما نعذر شعبنا القبطي لانتشار الجهل - التجهيل المتعمد - والدروشة فيه تحت مسمى (البساطة) المزيفة كما ينتشر الفساد تحت مسمى (اهتم بخلاص نفسك) وكما تنتشر أي رذيلة تحت مسمى الفضيلة، فشعبنا القبطي متخصص في هذا المجال. هذا الجهل الذي أشرنا له ربما نقبله من عامة الشعب ولكننا نجده ينطلق من على منابر التعليم من أفواه الأساقفة والكهنة المفوهين، والمناط بهم تعليم الشعب وإزالة ما التصق به من سناج الجهل والتجهيل. فتجد أسقفًا يتهم كل من يختلف مع / ينتقد / يهاجم البابا شنودة بأنه "مهرطق"، تلك التهمة التي ما كان يجرؤ أيًا من أباء الكنيسة الأوائل على وصم أحدٍ بها دون إقامة مجمع مسكوني. تحول البابا شنودة إلى صنمٍ يعلو قدره فوق قدر الإله، وأصبح الإيمان مرادفًا للاتفاق مع أفكار وأساليب وإدارة البابا شنودة بدلا من امتحانها في ضوء المسيح وحقه. وهنا تحضرني العديد من الأسئلة لأصحاب الطائفة الشنودية:- هل البابا شنودة الثالث لا يخطئ كالبشر؟! إن كان خطاءً كسائر البشر والأنبياء والرسل، فما هو الجرم في انتقاده ومراجعة أفكاره وتعاليمه وأساليبه وإدارته؟! أما إن كنتم تؤمنون بعصمته من الخطأ، فأعلنوا عقيدتكم تلك واضحة وصريحة، ولندع المجامع الأرثودكسية عبر العالم تقرر هل إيمانكم ينتمي لها أم أنكم تنادون بدين جديد. المضحك عزيزي القارئ أن هؤلاء الشنوديين يتهمون إخوتهم الكاثوليك بالزندقة والكفر بسبب ما يسمى "عصمة بابا روما"، تلك الفكرة التي تخطتها الكنيسة الكاثوليكية وحاكمت الكثير من بابواتها فكريًا وانتقدتهم. هل إدارة البابا شنودة الثالث للكنيسة والصراعات بها هي جزء من الإيمان الأرثوذكسي؟! هل هي وحي؟! من حقي أن أنتقد شنودة الإنسان أو شنودة المدير أو شنودة الراهب أو شنودة الأسقف، والاهم أنه من حقي بل ومن واجبي أن انتقد شنودة البطريرك لأن شخصه كخادم من خدام المسيح في كنيسته ليس أهم من صلاح وإصلاح الكنيسة ونموها. لأن انتقاده حق، وشخصه ليس فوق المسيح الذي هو الحق. هل تؤمن أن كل ما قاله وفعله البابا شنودة حق؟! إذن لماذا يهتز إيمانك هذا عند نقده، وترتعش وتثور ثورتك وتقف على منابرك مهددًا وواعدًا. بل وتسخّر لجانك الإلكترونية للتشهير والإرهاب الفكري ونشر تعاليم عبادتكم الجديدة؟ إن كنت متحققًا من صحة إيمانك، فلتخوض النقاش بنبل الفرسان وتفند الانتقادات بمنطق وعقل وعرض للحقائق. هل تعلم أن الآباء الرسل اختلفوا فيما بينهم إلى حد الاحتداد، فانفصل برنابا عن بولس، وقام بولس بتوبيخ بطرس أمام الجميع؟ هل تعلم أن أباء الكنيسة اختلفوا فيما بينهم وقبلوا النقد والنقاش وربما الخلاف الذي وصل إلى حد أن قام ثاؤفيلس المصري بحرم يوحنا ذهبي الفم وعندما تنيح رفع كيرلس الكبير هذا الحرم عنه؟ هل تعلم أن الرب نفسه في الكتاب المقدس يدعونا لمناقشته و الانتقاد والاعتراض؟ "هَلُمّ نَتَحَاجَجْ، يَقُولُ الرّبُّ. " (إشعياء 1: 18) تذكر دائمًا أن "الحاجة إلى واحد". هذا الواحد إما الرب أو البعل، إما المسيح أو شنودة الثالث (أو أي شخص). تذكر دائمًا الوصية: "أنا الرب إلهك... لا يكن لك آلهة أخرى سواي". --- ### ترجمة لنص من كتاب "في البدء"
رؤية مجددة لأول إصحاحات التكوين - Published: ۲۰۲۱-۰٦-۲۷ - Modified: 2023-09-03 - URL: https://tabcm.net/1868/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: إله إسرائيل, مردوخ, يهوه الفصل الأول: قصة الخليقة الأولى: الإنسانية كصورة الله في فحصنا لقصص الخليقة، ينبغي أن نقدر أولًا ماهية الخليقة بالنسبة للمستمعين الأوائل للقصة من الإسرائيليين. فبالنسبة لنا كعالم ما بعد التنوير، "الخليقة" تعني أن يُحضر شيئًا ما من العدم إلى الوجود المادي الملموس. "أن نوجد" يعني بالنسبة لنا أن نكون أو أن يكون لنا مكان في الكون. فشيء ما قد يكون بلا اسم ولا هدف ولا عمل ولا قيمة وغير متصل بأي شيء (على سبيل المثال، قطع من حصى الأنقاض ملقاة في غابة غير أهلة بالسكان)، ولكننا مع ذلك نعتبرها موجودة. فنحن نعرف وجود الأشياء بناء على الوجود المادي لها.  ولكن لم يكن الأمر كذلك بالنسبة للقدماء بما فيهم الإسرائيليين القدماء. بالنسبة لهم، وجود الشيء يعني أن له استخدام واتصال وفائدة. فإن كان الشيء بلا هدف متصل بباقي المجتمع، وبالتالي لا اسم له، فهذا يعني أنه غير موجود بشكل كامل. بالتالي، الخليقة بالنسبة للقدماء لم تكن عملية إحضار الأشياء من العدم إلى الوجود والحضور المادي بقدر ما كانت ترتيب استخدامهم في مجتمع فعال. وبناء على هذا فنحن نرى في الفعل العبري "برأ" (أي خلق) المستخدم في الكتب المقدسة أنه لا يعبر بالضرورة عن إحضار الأشياء من العدم بل بالحري جعل كل شيء يخدم هدف معين. بالتالي، الله خلق الكائنات السماوية بهدف تسبيحه (مزمور 148: 1-5)؛ خلق العائدين من السبي ليمجدوه (إشعياء 43: 7)، والمهلك ليهدم (إشعياء 54: 16)، وأورشليم لتفرح (إشعياء 65: 18). وهذا يمهد لنا كيفية قراءة النص القديم والمقدس بنظرة استخدام الشيء المخلوق بدلًا من النظرة المادية (أو الفيزيائية). تكوين 1: 1-2 أول ما نراه في قصة الخليقة هو الاسم الإلهي "إلوهيم". على الرغم من أن الاسم يعني ببساطة "الله" (اسم مفرد في صيغة الجمع) فهي الكلمة المستخدمة في كثير من نصوص العهد القديم لتشير إلى إله إسرائيل، يهوه. بالتالي، فقصة الخليقة الثانية المدونة بداية من تكوين 2: 4 يتم فيها ربط اسم يهوه باسم إلوهيم فيقول النص أن يهوه إلوهيم هو خالق السموات والأرض. وعلى الرغم من أنه من المناسب أن اسم عام مثل "إلوهيم" يستخدم للإشارة إلى خالق الكون، ينبغي ألا نغفل حقيقة، كانت بديهية بالنسبة للسامعين الأصليين للقصة، وهي أن النص يؤكد أن خالق العالم هو إله إسرائيل. الوثنيون من قُراء ملحمة إنوما إيليش البابلية قد يقروا بأن "مردوخ" هو من رتب كل الأشياء وبالتالي هو الإله العظيم . كذلك لدى المصريين فكانت الآلهة تتنافس على هذا الدور. ولكن هنا ومنذ أول ثلاث كلمات، نرى أن إلوهيم، إله وحافظ العبرانيين، هو صانع السموات والأرض (أي كل شيء). الآلهة الوثنية لم يكن لهم أي دور في الخلق. راوي القصة يزدري بشراسة الآلهة الأخرى وينزعها عن كراسيها الإلهية بأن يتجاهلهم تمامًا في هذه القصة. فالكلمات الأولية بالعبرية "بداية خلق إلوهيم" والتي غالبًا ما يتم ترجمتها "في البدء خلق الله" ينبغي أن تترجم "حين بدأ الله أن يخلق". ويوجد تركيب لغوي مشابه في تكوين 2: 4، وكلاهما يعكس افتتاحيات قصص الخلق القديمة - بجملة تعبر عن كيف كانت الأشياء قبل الخليقة. فعلى سبيل المثال، ملحمة إنوما إيليش تبدأ بالكلمات التالية "قبل أن يتم تسمية السماء فوقنا". النص المقدس على العكس لا يهتم بتحديد موعد الخليقة ما إن كان في الزمن أو قبل الزمن. ولكن الأهمية الكبرى هي بالحري تمجيد الخالق بالتأكيد على الأشياء كم كانت سيئة قبل أن يبدأ الله عملية الخلق، فيقول أنها كانت خربة وخالية. الكلمات العبرية المستخدمة للتعبير عن خربة وخالية هي "توهو وبوهو" ويمكن ترجمتها على أنها بلا شكل وخاوية. التعبير "توهو" كثيرًا ما يوجد في العهد القديم؛ أما كلمة "بوهو" فقلما توجد في النص الكتابي، وحين توجد يتم ربطها بكلمة "توهو" لإضافة قيمة شعرية (أو قافية). وحين ننظر للترجمات المستخدمة حاليًا، نرى أنه من الممكن إضافة بعض التعديلات عليها. ففكرة "توهو" لا تعني "بلا شكل" بمعنى أنها كتلة بلا شكل ولكن بمعنى أنها بلا استخدام (وهذا ليس أمر غريب، حيث إن الخليقة بالنسبة للقدماء تعتمد على استخدام الشيء . "توهو" تعني الخرابة بمعنى المكان غير المستخدم وغير المفيد . لذا عبر النص الكتابي عن الصحراء بأنها "توهو" (تثنية 32: 10)، وكذلك الأصنام التي لم تفيد في شيء تعد "توهو" (1 صموئيل 12: 21)، فالله جعل أعدائه المهزومين تائهين في متاهة أو صحراء توصف بأنها "توهو" (راجع أيوب 12: 24). وحين خلق الله الأرض، لم يخلقها "توهو" بل خلقها لتكون آهلة بالسكان (إشعياء 45: 18). وحين حكم الله على يهوذا بالسبي البابلي، جعل الأرض "توهو وبوهو" مرة أخرى - لا ككتلة بلا شكل تحت المياه، بل في صحراء بمدن خربة وغير مؤهلة للسكن (إرميا 4: 23). ووراء تلك الكلمات "توهو وبوهو" في العهد القديم، نرى أن الكلمة تفيد معنى الوظيفة والاستخدام والقيمة الاجتماعية. النص المقدس هنا يؤكد أن هذه الأشياء لم تكن موجودة قبل أن يبدأ الله عمل الخليقة. ونحن نغفل هذه الحقيقة إن أضفنا للنص رؤيتنا المبنية على عصر الحداثة وبدأنا نفسر النص ليعني أن العالم كان في وقت ما غير موجود (كما نعرف نحن الوجود وعدم الوجود اليوم). النقطة هنا قائمة على الاستخدام - فبدون عمل الله، لم يكن هناك استخدام لأي شيء والحياة كما نعرفها كانت غير موجودة. فلا فرح ولا ضحك ولا بيع ولا شراء ولا زوجات ولا أطفال ولا زرع ولا حصاد. كل شيء خرب وبلا فائدة "توهو وبوهو". وطريقة أخرى لوصف هذه الحالة هي كونها فوضى وهاوية وغمر وبحر، وفوق ذلك كان هناك ظلمة فوق وجه الغمر. هنا ونضطر لأن نتذكر أننا نقرأ نص قديم. فلو لم يخلق الله أي شيء بعد، فمن أين أتت هذه المياه؟ البعض يقولون أن الله خلق السموات والأرض ككتلة من المياه واليابسة غائصة في المياه في حالة من الفوضى البدائية وأن كل شيء كان مخلوقًا في حالة من ال"توهو وبوهو" أي خربة وخالية. ولكن الأسفار المقدسة مثل إشعياء 45: 18 تقر بشكل قاطع أن الله لم يخلق العالم في حالة خراب حيث إنه بالنسبة للقدماء، الخليقة والفوضى لا يتواجدا في آن واحد. بالإضافة إلى أن هذه الكلمات لا يمكن أن تصف عمل الله كخالق كونها قبل اليوم الأول حين قال "ليكن نور! " والكتاب يقر لنا أن كل شيء قد خُلق في الستة أيام (خروج 20: 11). لهذا لا يمكن أن يكون الله قد خلق السموات والأرض أو أي شيء قبل اليوم الأول. في الحقيقة، فكرة أن كل شيء كان عبارة عن غمر بدائي وظلمة هو شيء مشترك بين كل ال"كوزمولوجيات" الخاص بالعالم القديم. وهنا ينبغي أن نتذكر مرة أخرى أن القدماء لم يسألوا أسئلة من نوعية ماذا جاء أولًا وكيف جاء؟. كان ما يهمهم هو استخدام هذه الأشياء. ولكن إن كان كل شيء عبارة عن غمر وظلمة، فلم يكن من الممكن أن يكون هناك عالم مرتب أو مجتمع. فالبحر والغمر إذن يعتبرا صورة مناسبة للفوضى، أو ال"توهو". نجد هذا على سبيل المثال في الآيات الافتتاحية لقصة الخليقة البابلية الخاصة بعظمة مردوك: "حين لم يكن للسماء من فوق اسم بعد، ولا للأرض من تحت اسم تعرف به، حين كان "أبسو" البدائي من ولدهم ، كانت مامو وتيمات، هن من ولدا الكل، واختلطت مياههم الواحدة بالأخرى... في ذلك الوقت خُلقت الآلهة بينهم"(إنوما إيليش، الأيات الافتتاحية لقصة الخلق البابلية) في هذه الملحمة الطويلة، "أبسو" كان هو المياه العذبة البدائية وتيمات هو المياه المالحة و"مامو" هو الندى الصاعد منهما . قبل كون العالم، كان كل شيء بحر، أو مياه الغمر. ونجد هذه الصورة في قصة خلق أخرى. هذه تبدأ بالآتي: "بيت مقدس، بيت الآلهة في مكان مقدس، لم يكن قد صُنع بعد، وقصبة لم تنبت بعد، وشجرة لم تخلق بعد، ولم توضع طوبة بعد... وكل الأرض كانت بحر". فلم يفكر القدماء في أن الكلمات "على وجه الغمر ظلمة" أنها تعني المياه المخلوقة بل بالحري أنها هاوية (أو فراغ) سابق للخليقة، الغمر الساكن في الظلمة، في انتظار خلقة النور. الغمر المظلم كان يشير إلى الفوضى البدائية التي كان على الله أن ينتصر عليها. أمام هذه الفوضى، بدأ الله عمله، فنرى أن روح الله كان يتحرك على وجه المياه. الكلمة العبرية "رواخ" يمكن أن تعني "رياح" أو "نفس" أو "روح" حسب سياقها. هذه المعاني كانت قائمة على ملاحظة أن الشخص الذي يتنفس هو شخص حي وبالتالي له روح. النفس/"رواخ" تعني أيضًا حركة الهواء، ليس فقط في البشر، بل أيضًا في الأرض كلها، في صورة رياح. ونرى هذا التعدد في المعاني للكلمة الواحدة في الكتاب المقدس على سبيل المثال في حزقيال 37: 8-10، التي يؤمر فيها النبي أن يطلب ال"رواخ" (أي الرياح) لتأتي من أربع زوايا الأرض لتحيي أجساد الموتى لتعطيهم نفس كي يمتلكوا روح وحياة. الأجساد كان لها لحم وعصب، لكن "لم يكن فيها رواخ". فقال لي: "تنبأ ل"رواخ"، يا ابن ادم، وقل لل"رواخ": هكذا قال السيد الرب: هلم أيها ال"رواخ" من الأربعة "رواخوث" (صيغة الجمع لـ"رواخ") وهب على هؤلاء القتلى ليحيوا". فتنبأت كما أمرني، فدخل فيهم ال"رواخ"، فحيوا وقاموا على أقدامهم". كلمة "رواخ" هنا تعني كل هذه المعاني أي النفس، الرياح، والروح. ونرى تعدد للمعاني بشكل مشابه في مزمور 104: 29 – 30: "تنزع "رواخ"هم منهم (تترجم عادةً نفسهم) من خليقته فتموت وإلى ترابها تعود. وترسل "رواخ"ك (تترجم هنا عادة "روح") كرياح تجول في كل الأرض، فيخلقوا، وتجدد وجه الأرض". وهذا يوضح مدى الصعوبة في ترجمة كلمة "رواخ" باستخدام مرادف واحد لها، والمنفعة التي تعود علينا إذا تركناها بدون ترجمة . "رواخ" الله هي حياته، وقوته التي يرسلها لتحيي خليقته وتعطيهم نفس. هذه ال"رواخ" معطية الحياة عينها أرسلها لتسير فوق الغمر البدائي المليء بالفوضى. جاءت فوق الغمر كرياح، مملؤة بقوة الله وقدرته وروحه. في وقت لاحق، بدأ المسيحيين في صياغتهم لعقيدة الثالوث بالربط بين "رواخ" والروح القدس، ثالث أقانيم الثالوث القدس. ولا يعد هذا خطأ، ولكنه لا ينبغي أن يؤثر على تفسيرنا ولا ينبغي أن نعيد قراءة النص الذي بين يدينا . النص هنا ببساطة يقول أن قوة الله، رياح خارجه منه، مملؤة بقدرته الفائقة وقوته خالقة الحياة، كانت تتحرك على وجه المياه (ونرى فيما بعد نفس ال"رواخ" الآتية من الله التي جعلت المياه تهدأ في تكوين 8: 1، وأيضًا في خروج 14: 21، حيث أجرى الرب ريح شرقية حركت مياه البحر الأحمر للخلف، سامحةً لبني إسرائيل بالعبور ليحيوا. ف"رواخ إلوهيم" كان حاضرًا حين خُلق العالم، وبعد الطوفان حيث إعادة الخليقة، وفي بدايات الشعب الإسرائيلي عند البحر الأحمر). حركة "رواخ" الله المعطية الحياة توضح لنا التباين بينها وبين ال"توهو وبوهو"، أي حالة الأرض وهي بلا فائدة: على الرغم من أن الأرض كانت خربة وبدون فائدة، إلا أن ال"رواخ" كان يتحرك على وجه مياه الغمر البدائية مستعدًا للخلق وإحضار الترتيب، والفائدة، والجمال إلى الوجود. الكلمة التي عادة تترجم على أنها "ترف" استخدمت أيضًا في تثنية 32: 11 حيث تصف النسر الذي يحتضن أفراخه، وفي أرميا 23: 9، حيث تصف ارتعاش عظام النبي. هذه الصورة إذن هي صورة روح الله حيث يدور فوق المياه، يتحرك، ويحتضن، ويُحرك (أو يرعش) المياه مستعدًا للعمل. قد تكون الأرض في حالة "توهو وبوهو" إلا أن قوة الله كالرياح كانت على وشك تغيير كل هذا". --- ### مقتطفات من الكتاب المقدس اليهودي الدراسي - Published: ۲۰۲۱-۰٦-۲٦ - Modified: 2023-09-04 - URL: https://tabcm.net/1869/ - تصنيفات: كتاب مقدس - وسوم: Anthropomorphic, أيام الخليقة, الشرق الأدنى, تناخ سفر التكوين، وبالتالي الكتاب المقدس ككل، يبدأ بقصة الخليقة التي تتميز بالبساطة الشديدة. ففي باقي القصص القديمة من الشرق الأدنى، نجد الله (أو “الآلهة” في حالة القصص القديمة) دائمًا ما يصدر كلماته الخلاقة التي تضع العالم في حالة من الترتيب. ونجد هذا حتى في الكتاب المقدس ذاته في مزمور 104، حيث يقدم لنا دراما عالية ووصف تصوري للأحداث والأشخاص بما فيهم الله.  (تكوين 1: 1 – 2: 3) الخلق في سبعة أيام سفر التكوين، وبالتالي الكتاب المقدس ككل، يبدأ بقصة الخليقة التي تتميز بالبساطة الشديدة. ففي باقي القصص القديمة من الشرق الأدنى، نجد الله (أو "الآلهة" في حالة القصص القديمة) دائمًا ما يصدر كلماته الخلاقة التي تضع العالم في حالة من الترتيب. ونجد هذا حتى في الكتاب المقدس ذاته في مزمور 104، حيث يقدم لنا دراما عالية ووصف تصوري للأحداث والأشخاص بما فيهم الله. لكن تكوين 1: 1 – 2: 3، لا يحتوي على مؤثرات وتفاصيل حسية. فالتجريدية الغريبة مع الصيغة والتخطيط في سرد القصة يدفعنا للشعور بالورع تجاه عظمة وملوكية الله المصونة التي لا يتوقف السرد عن التركيز عليها. ينقسم هذا السرد بطريقة نمطية على مدى سبع أيام، ستة منهم يحقق الله فيهم كل عمله الخلاق، ويوم يستريح في راحته الملوكية، مباركًا ومقدسًا هذا اليوم الذي يعد ذروة السرد. الترابط بين الأشياء المخلوقة خلال الأيام تبين درجة من التناسق (انظر للجدول الموضح أدناه). فأول ثلاث أيام يصفوا خليقة الأشياء العامة أو المجالات العامة؛ يتبعهم ثلاث أيام يصفوا خليقة الأشياء المحددة أو الكائنات التي تسكن هذه المجالات العامة بنفس الترتيب. السبت: اليوم السابع اليوم الثالث: خلقة الأرض والنباتاتاليوم السادس: الحيوانات والبشر اليوم الثاني: السماوات حيث ينقسم المياه فوق الجلد والمياه تحت الجلداليوم الخامس: الأسماك والطيور اليوم الأول: الأنواراليوم الرابع: النيرين العظيمين أي الشمس والقمر والنجوم لكن الخليقة تصل لذروتها في اليوم السابع الذي لا يوجد يوم يوازيه وهو السبت ("شابات" بالعبرية، أو "شابِس" بنطق اللغات الأوروبية الشرقية)، وهنا يحفظ الله اليوم كيوم الراحة ولم ينعم به على شعب إسرائيل بعد (الذين يسمعون عنه أول مرة في خروج 16)... فكرة أن رقم سبعة يعني الكمال وأن الأشياء تصل إلى كمالها وذروتها في اليوم السابع لها رواجها في عالم الشرق الأدنى القديم الذي ظهر فيه شعب إسرائيل. وهذه الفكرة تقف دون شك في الخلفية الحضارية لهذا النص. فدور رقم سبعة في تكوين 1: 1- 2: 3 يمتد في الحقيقة إلى ما وراء التقسيم الواضح أي في تقسيم عمل الخليقة إلى سبع أيام. على سبيل المثال، التعبير، ورأى الله أنه حسن أو أنه حسن جدًا، يحدث سبع مرات، ولكن ليس في كل يوم من أيام أسبوع الخليقة. فلا نراه في اليوم الثاني ولا السابع، بينما يظهر مرتين في اليومين الثالث والسادس وهما اليومين المتقابلين (تكوين 1: 10، 12، 25، 31). وبطريقة مشابهة، كلمة الله تظهر في النص خمسة وثلاثين مرة (أي حاصل ضرب سبعة وخمسة) في هذا النص، والجزء الخاص باليوم السابع (تكوين 2: 1-3) يتكون من خمسة وثلاثين كلمة بالعبرية. وترتيب عملية الخليقة في توالي سبع أيام يعد معروفًا لغالبية القراء لا فقط بسبب افتتاحية الـ"تناخ" بل أيضًا من وصية السبت في الوصايا العشر (خروج 20: 8-11). لكن ينبغي ألا ننسى أن هذا لا يعد شيئًا متكررًا على الإطلاق في الـ"تناخ". في الحقيقة، غالبية أوصاف الخليقة الواردة بالكتاب المقدس لا يُذكر بها أي شيء يتعلق بالسبعة أيام (راجع مزمور 104، وأمثال 8: 22-31)، وغالبية النصوص الخاصة بالسبت (بما فيها الوصايا العشر الواردة بتثنية 5: 12-15) لا تذكر أي شيء عن الخليقة... الأكثر أهمية عن ذلك هو أن خليقة العالم في تكوين 1: 1- 2: 1-3 تحمل الكثير من التشابه بينها وبين التأسيس الكهنوتي لخيمة الاجتماع الذي أمر به الله في خروج 25 – 31 والذي تم تنفيذه في خروج 35 – 40 (راجع تكوين 2: 1-3؛ خروج 39: 32، 42 – 43) - نموذج هيكل أورشليم ومركز خدمة الرب الكهنوتية. العديد من قصص الخليقة في الشرق الأدنى تختتم ببناء معبد للإله الخالق. في قراءة الـ"تناخ"، يرى البعض العالم كهيكل الرب، والهيكل كعالم مصغر أو ميكروكوزم (راجع إشعياء 66: 1-2). تكوين 2: 4-25 بينما يقدم لنا تكوين 1: 1 – 2: 3 سيناريو يتمركز حول إله عظيم، يقدم لنا 2: 4 – 25 قصة بدايات مختلفة إلا أنها على نفس مستوى العمق. فهذه القصة الثانية للخليقة تتمركز حول الخبرة الإنسانية، والله في هذه القصة يظهر بطريقة أنثروبومورفية ... يتجه التقليد اليهودي الكلاسيكي للتأليف بين الاختلافات بين القصتين بضمهما لبعضهما البعض مكملين تفاصيل القصة بتفاصيل القصة الأخرى. وعلى مستوى القراءة النقدية (نقد المصدر)، فالاختلافات وعناصر التقارب بين قصتي التكوين يقدموا فهم أعمق لعلاقة الله بالإنسان عما إذا قرأنا كل قصة بمعزل عن الأخرى. --- ### السبت من أجل الانسان - Published: ۲۰۲۱-۰٦-۲۵ - Modified: 2021-06-24 - URL: https://tabcm.net/1842/ - تصنيفات: لاهوتيات هنبتدى مع بعض سلسلة للتركيز على موضوع مهم جدا، بل محورى فى ايماننا المسيحي، وهو السبت من أجل الإنسان الحكاية بدأت من زماااااان قوى لما خلق الله كل الكون والكائنات الروحية والحية وغيرها ورآها حسنة، وبعدين خلق الإنسان وهو الوحيد الذى وهبه نفخة من روحه وأحبة حتى أنه رآه حسن جدا (حلو قوى ❤️) وأعطاه العقل والفهم وكل الإمكانيات التي تسمح له أن يتحمل مسؤولية الكون والخلائق جميعا. ولم يكتف بهذا، بل كلل عطاياه بأن أعطاه الحرية ليختار طريقه وأفعاله ويتحمل مسئوليته كاملة. . وفضل يشرح لنا من خلال الكتاب المقدس والأنبياء مكانتنا كبشر عنده كأولاد ليه وخاطبنا بلغة البنين "اِسْمَعِي أَيّتُهَا السّمَاوَاتُ وَأَصْغِي أَيّتُهَا الأَرْضُ، لأَنّ الرّبّ يَتَكَلّمُ: «رَبّيْتُ بَنِينَ وَنَشّأْتُهُمْ، أَمّا هُمْ فَعَصَوْا عَلَيّ" (إش 1 : 2) "قدموا للرب يا ابناء الله قدموا للرب مجداً وعزاً" (مز 29 : ١) "لأنه من في السماء يعادل الرب. من يشبه الرب بين أبناء الله" (مز 89 : 6) "عندما ترنمت كواكب الصبح معا وهتف جميع بني الله" (أي 38 : 7) "بْنِ أَنُوشَ، بْنِ شِيتِ، بْنِ آدَمَ، ابْنِ اللهِ" (لو 3 : 38) "لاَ أَعُودُ أُسَمّيكُمْ عَبِيدًا، لأَنّ الْعَبْدَ لاَ يَعْلَمُ مَا يَعْمَلُ سَيّدُهُ، لكِنّي قَدْ سَمّيْتُكُمْ أَحِبّاءَ لأَنّي أَعْلَمْتُكُمْ بِكُلّ مَا سَمِعْتُهُ مِنْ أَبِي" (يو 15 : 15) ولكننا لم نستطيع ان نستوعب كل هذه العطية المهولة: أن نكون أبناء لله، فكان إصرارنا أن نسلك كعبيد له، وعندما تجسد السيد المسيح، علمنا صراحةً أن الله اختار أن نكون ابناءً له ولسنا عبيداً وهنا يأتي السؤال الحاسم: هل كون الله اختارنا أبناء إي مدعاة لنا لأن ترتفع ذواتنا؟ أو أن نقول أن مثل هذا التعليم يدفع الإنسان للكبرياء وقد يهدد خلاص نفسه؟ أي إنسان يعي ويفهم أن بنوة الإنسان لله هي عطية مجانية، ليس للإنسان فيها اى يد، ولكن الله وهبها له. فهل له الحرية أن يرفضها ويعيش كائن ترابي والى التراب يعود؟ كما يحب الأب (السوي) ابنه، أيا كان شكله، لونه، حالته الصحية حتى لو ولد معاقا، هكذا يحبنا ابونا السماوي،، كما نحن! وعلى العكس، الدراسات الباحثة فى علوم النفس تقول أن إحساس الإنسان بأنه محبوب ومقبول، يستطيع أن يشفي أمراضه النفسية وكثير من الجسدية ايضا. فالإنسان كائن يحتاج ان يكون محبوبا وهل هناك خبر أعظم من هذا، وهذة هى البشارة المفرحة، التى تقدمها المسيحية، والمسيحية فقط،: أنت محبوب ومقبول، بل أنت محور اهتمام الله ذاته وليس انسانا. ولهذا لم يهتم الله فقط (بعد السقوط) أن يعمل الإنسان، ويكد، ليحصل على احتياجاته الجسدية ويهتم بالأرض والمخلوقات، ولكن إهتم أن يعطيه: شريعة السبت. وَأَمّا الْيَوْمُ السّابعُ فَسَبْتٌ لِلرّبِّ إِلهِكَ، لاَ تَعْمَلْ فِيهِ عَمَلًا مّا أَنْتَ وَابْنُكَ وَابْنَتُكَ وَعَبْدُكَ وَأَمَتُكَ وَثَوْرُكَ وَحِمَارُكَ وَكُلُّ بَهَائِمِكَ، وَنَزِيلُكَ الّذِي فِي أَبْوَابِكَ لِكَيْ يَسْتَرِيحَ، عَبْدُكَ وَأَمَتُكَ مِثْلَكَ. وَاذْكُرْ أَنّكَ كُنْتَ عَبْدًا فِي أَرْضِ مِصْرَ، فَأَخْرَجَكَ الرّبّ إِلهُكَ مِنْ هُنَاكَ بِيَدٍ شَدِيدَةٍ وَذِرَاعٍ مَمْدُودَةٍ. لأَجْلِ ذلِكَ أَوْصَاكَ الرّبّ إِلهُكَ أَنْ تَحْفَظَ يَوْمَ السّبْتِ. (تث 5 : 14، 15) ومن هنا يتضح ما شرحه السيد المسيح له المجد ان شريعة السبت وضعها الله للانسان لكى يستريح هو وعبده وامته بل وثوره وحمارة وكل بهائمه! --- ### مشاهدات علمانية على الحالة القبطية!! - Published: ۲۰۲۱-۰٦-۲٤ - Modified: 2021-06-25 - URL: https://tabcm.net/1844/ - تصنيفات: شئون علمانية - وسوم: مفهوم الرهبنة فى صباى وشبابى، كان الكهنة في المدن والقرى يهذبون لحاهم، كل بالشكل الذي يروق له، بل وكانت ملابسهم، تحت الفراجية السوداء، خاصة (الروب الإكليريكى)، ملابس متعددة الألوان، رمادية وبنية في الغالب وبعضها زرقاء، حتى مرحلة صعود التوجه الرهبانى فى إدارة الكنيسة، بعد مجيء قداسة البابا شنودة إختفت الالوان من ملابس الكاهن، واختفت الفراجية نفسها، بأكمامها وجيوبها المتسعة، التي كانت تتيح للكاهن توزيع العطايا على الفقراء دون إن يلحظه أحد، فيحفظ كرامة المعوزين، ليبقى الروب الاكليريكى، وقد اقتصر على اللون الأسود، وأطلق العنان للحى لتشبه النسق الرهباني، وتراجع الصليب المعدنى وسلسلته ليحل محله الصليب الجلد المضفور الرهباني، حول العنق وفوق الصدر، والخشبى او العاج في يد الكهنة. تراجع موقع الكاهن المتزوج، وسمى الكاهن العلمانى (! ! ! ) ليصبح خلف الكاهن الراهب حتى لو كان الأول قمصاً والثانى قساً. وحين سألت أحد شيوخ الكهنة، في كنيسة الحي الذي أقطنه، لماذا يتعامل بحذر مع نظيره الراهب الشاب، عندما يحل ضيفاً أو حين يشارك فى مناسبة كنسية تخص احد معارفه أو أسرته عندنا، وهو فى سن اولاده بالجسد، بل ويقدمه حتى فى الترتيب الطقسي بالمخالفة للقواعد الكنسية المستقرة؟، قال بصوت خافت "قد يصبح يوماً اسقفاً، وهم لا ينسون، وسيبادر بترصدي وينكد على عيشتى". وتسللت مفردات ومصطلحات الحياة الرهبانية الى الشارع القبطي، فيما بقيت حياتهم كما هى، فأصيبت أجيال بحالة شيزوفرينيا، انعكست على حال الأسر الجديدة التي تصاعدت فيها الازمات الاسرية إلى أبواب محاكم الأسرة. هذا غيض من فيض. والتفاصيل أكثر ايلاماً. --- ### الصلاة على المنتحرين: الكنيسة قالت ما يجوزشي!! - Published: ۲۰۲۱-۰٦-۲۳ - Modified: 2025-02-02 - URL: https://tabcm.net/1827/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, شئون علمانية - وسوم: الكنيسة القبطية, الكنيسة الكاثوليكية إن المراسم الدينية يجب أن تقام للكل سواسية، مهما كانت حالتهم وحياتهم. فهذا حق طبيعي للإنسان مثل الهواء والماء، وهذه أقل معاملة إنسانية يحظي بها أي بني آدم، وتجوز له تطل علينا بين الحين والآخر قضية الانتحار والصلاة على المنتحرين. عاوز أعيد نفس السؤال, ليه الكنيسة القبطية بتقول إنه لا يجوز الصلاة علي المنتحرين؟ وقبل ما تجاوب أو تفكر في السؤال، اقرأ الكام قصة (التخيلية) القصيرة دي الأول وفكر فيها وبعدين جاوب على السؤال: تاجر مخدرات (في السر) ضيع أرواح شباب بالمئات بس كان بيتبرع للكنيسة عشان يحلل فلوسه، ولما مات اتعمل له اجدعها جنازة وصلي في جنازته اسقف وعشر كهنة وقعدوا يعددوا في أفضاله ومحاسنه وخيره وبنوا له كنيسة وقبر تحت مذبحها! مؤمن (ظاهرياً) لكنه خلبوص وفلاتي ومقضيها خيانة لزوجته واختلاس في عمله وحسد وغيره ومؤامرات لأصدقائه، مات واتعمل له جنازة محترمة حضرها اجتماع الخدمة كله وقعدوا يتكلموا عن إيمانه العامل واتضاعه وأصدروا كتب لتخليد ذكري هذا الخادم الأمين. شباب منحلين مغتصبين ومتحرشين مستبيحين لكل أنواع الشرور، من عائلات غنية كانوا بيتعاطوا المخدرات وسكرانين عملوا حادث مروري، وماتوا، واتعمل لهم جنازة ضخمة وتسارع الكهنة والأساقفة علي أسرهم لتعزيتهم في المصاب الأليم! واحد شخصيته زبالة متعالي ومتكبر علي خلق الله، حاسس انه إله ماشي علي الأرض، غضوب وقذر ومنافق، بيضرب مراته وعياله، بيحضر الكنيسة كام يوم في السنة، لا كان بيصوم ولا بيتناول ولا بيحضر قداسات ولا اجتماعات، ولما مات اتعمل له جنازة عادية واتصلى عليه زي أي حد. رجل سياسة مسيحي فاسد وديكتاتور، كان بيقمع المنافسين وينكل بهم ويعذب ويقتل أي معارض، ملأ الأرض كلها فساد وحكمهم بالحديد والنار، ولما مات اتعملت له اكبر جنازة ممكن تشوفها في الكنيسة، حضرها اكبر الرؤساء وأتكلم في حفل تأبينه أساقفة وكهنة كبار! شخص في حاله محدش يعرف عنه حاجة سوى إنه مسيحي، مبيحضرش الكنيسة غير كل فين وفين، لا حد يعرف بيعمل خير ولا شر في دنيته، مفيش أخبار عنه سوى إنه مسيحي في البطاقة وعلي ايده صليب، ولما مات بعتوا لقسيس الكنيسة يصلي عليه لأنه مسيحي وتمت الصلاة والترحيم والدفنة! واحد مكتئب أو مريض نفسي، تعبان في حياته اللي كلها آلام، شخص ملقاش احتواء أو حب، حاسس إن حياته ملهاش أي قيمة، وصل لحالات اليأس المرضي، إنسان مش لاقي حلول لمشاكله الكتيرة، الدنيا كانت سودا تمامًا قدامه، وهانت نفسه عليه، في أعماقه كان الموت هو حل للمشكلة مش هروب من الواقع، فانتحر! ! رفض الكاهن الصلاة، وقال لا صلاة تجوز علي المنتحرين، ولا ترحيم يجوز عليهم، ولما أهله بعتوا لأسقف المدينة يترجوه، قال: لا تجوز الصلاة علي المنتحر، لأنه قاتل نفسه ومات في خطيته، وإحنا ككنيسة متأكدين إنّه لم يتوب عنها، إذن هو إبن للهلاك فليذهب إلي مصيره الأبدي المحتوم! أنا عندي أسئلة مشروعة ونفسي حد يجاوب عليها بعقلانية وإنسانية: في شرع مين تدخل السلطة الدينية في أعماق الإنسان وتحدد مين اللي يستحق الصلاة عليه لأنه تايب أو خاطئ؟! ! ومين اللي بيحدد انه مستحق للرحمة أو لأ؟  هل الأسقف أو الكاهن يحدد مين المستحق للصلاة ومين اللي تجوز عليه الرحمة؟ هل بيتم من خلال معرفتهم ببعض عن طريق سر الاعتراف؟ وافرض إن الاعتراف كان تمثيل وتقضية واجب وفرض؟ هل الاعتراف هو المقياس؟ في الكنيسة بنصلي "ليس أحد بلا خطية ولو حياته علي الأرض يومًا واحدًا" طب معنى كده إنّ مفيش إنسان بلا خطية مهما عمل خيرات! إذن ليه مش بيصلوا على المنتحرين؟ إشمعنى المنتحر بالذات اللي بترفض الكنيسة وتقول لا تجوز الصلاة عليه؟ وتنتهر أهله وعيلته؟ هل لأنه في نظرها هالك لا محالة؟ طب بالنسبة لكل الأمثلة السيئة اللي ذكرتها كلها دي واللي عاشوا حياتهم في عربدة وفساد وماتوا واهلكوا غيرهم؟! هل المعاملة معاهم في الصلاة والترحيم هي نفسها مع المنتحر؟ بالطبع لأ. نفسي أعرف مين دخل إلي أعماق الله وعرف يشوف (أخر) ومنتهى لرحمته الواسعة التي لا تفنى؟! لو حد يعرف يقول لنا! ! طب سيبك من اللي فات كله. . هل ده عمل إحسان ورحمة من الكنيسة بأنها ترفض الصلاة، اللي هي عبارة عن طلبة بالرحمة والمغفرة من الله لأجل إنسان المتوفي؟! وإيه اللي هيضر الكنيسة لما تصلي علي واحد حتى ولو كان (خاطئ أو هالك) أو اعتي المجرمين؟ وهل ده أمر كتابي أو إنجيلي إننا نتحيز أو نصنف الناس حسب أعمالهم، خطاه ومؤمنين، أبرار أو أشرار، هل ندينهم رغم عدم علمنا بدواخلهم ونسبب إحراج شديد للأهل أو العيلة بعدم الصلاة، إحراج اقوي من الموتة نفسها! ! إن المراسم الدينية يجب أن تقام للكل سواسية، مهما كانت حالتهم وحياتهم. فهذا حق طبيعي للإنسان مثل الهواء والماء، وهذه أقل معاملة إنسانية يحظي بها أي بني آدم، وتجوز له. من الحاجات الجيدة في الكنيسة الكاثوليكية هو عمل الرحمة والإحسان. بتصلي للمنتحر والمجرم واللي مش من طايقتها، ولو فيه ملحد توفي وأهله طلبوا الصلاة عليه هيصلوا برضه عليه ومن أجله! ! ببساطة شديدة لأنها واثقة من مراحم الله الواسعة البعيدة عن الفهم والاستقصاء، وبتتعامل مع البشر علي هذا الأساس وكأنها بتظهر رسالة المحبة وإعلان مراحم الله للبشر. أنت فاكر إنها بتبيح للناس تنتحر وتموت ويتصلى عليها عادي؟ لكنهم في الحقيقية هم بيطبقوا الآية أريد رحمة لا ذبيحة حرفيًا. الصلاة مجرد طلبة بسيطة من الله أن يغفر ويرحم المنتقل (أيًّا كان، وأيًّا كانت طريقة موته) ولكنها في الأكثر تعزية ومساندة روحية وقلبية لأسرة انكسر قلبها وأدمي الحزن فؤادها! مش كنيسة قاعدة كالجلاد ماسكة سلطة وسوط، تحكم علي ده بالهلاك وتحكم علي ده بالموت، حتى قبل ما يحكم الله نفسه عليه! !   تيجي انت تحد رحمة الله اللانهائية وتحصر الإحسان بقوانينك المكلكعة البيروقراطية فتحط حدود لمحبة القدير وتعطي رحمة لمن تشاء وتمنعها عمن تشاء! ! يا عالم شوية رحمة. . لا ذبيحة! ! ورغم المكتوب ده كله ورغم قناعة كاتب هذه السطور أن الصلاة علي المنتقلين لن تفيدهم بشيء، إنما ستعطي سلام وتعزية للأهل ومشاركة طيبة من أعضاء الجسد الواحد لبعضهم البعض، وتعضيد لمشاعر الأسرة في محنتها، وإيماني التام بأن المراسم الدينية تجوز أن تقام للكل سواسية، مهما كانت حالتهم وحياتهم. فهذا حق طبيعي للإنسان مثل الهواء والماء وهذه أقل معاملة إنسانية يحظي بها أي بنى آدم  وتجوز له. . لكن الكنيسة بتقول ما يجوزشي! ! --- ### يوحنا١٤: بين التراكم المعرفي، وبين حياة الشركة - Published: ۲۰۲۱-۰٦-۲۲ - Modified: 2021-06-25 - URL: https://tabcm.net/1794/ - تصنيفات: كتاب مقدس بدأ الرب يسوع المسيح حديثه في أنجيل يوحنا أصحاح ١٤ بعبارة ”لاتضطرب قلوبكم“ عدد ١.   وذلك لأنه كان بصدد أزالة  شكوك الإنسان، بل  تصحيح مفاهيمه من ناحية علاقته بالله ، التي هي الأساس في حياة الإنسان .   فلقد شرح الرب أن القصد من خلق الإنسان هو دخوله في شركة حياة مع الله  الواحد الثالوث ، من خلال اتحاده  في بشرية ابن الله المتجسد يسوع المسيح ” الله الذي ظهر في الجسد “ . ففي حديثه بهذا الإصحاح يُخبر المسيح تلاميذه عن صعوده الُمرتقَب  إلي السماء و الهدف منه : ”أنا أمضي لأعد لكم مكانا ، وإن مضيت وأعددت لكم مكانا آتي أيضا وآخذكم إليَّ ، حتى حيث أكون أنا تكونون أنتم أيضا“ ع ٢ . فالمسيح يقول علانية أن هدف تجسده هو أن يكون للإنسان حياة شركة مع الله . هنا بدأت تظهر شكوك الإنسان على لسان توما تلميذ المسيح ” قال له توما:     «يا سيد، لسنا نعلم أين تذهب ، فكيف نقدر أن نعرف الطريق ؟»“ع ٥ .     إنها مشكلة المعرفة والتي بدأت برغبة آدم وحواء أن يعرفا كل شئ مثل الله . وبسببها أكلا من شجرة معرفة الخير والشر بغواية من الشيطان . لذلك قدَم الرب يسوع المسيح الرؤية الإلهية لكيفية التوفيق بين معرفة الإنسان المحدودة التي تريد أن تحيط بكل حقيقة الله الغير محدود . فحياة الشركة أو شركة الحياة بين الله والإنسان هي الحل لمعضلة عجز معرفة الإنسان عن إدراك حقيقة الله . مثلما الطفل في رحم الأم ، فهو جزء منها وهي تحتويه ، ولكن تظل معرفته قاصرة عن الإدراك الكلي بالأم . فعلي الرغم من القصور المعرفي فإن مرحلة حياة الإنسان ، عندما كان جزءاً من رحم أمه  ولحم من لحمها وعظم من عظامها ، هي أسعد مراحل حياة الإنسان ، لدرجة أن علم النفس وضع لها مصطلحا خاصا بها Nostalgia ، يصف به حنين الإنسان واشتياقه لحياة شركة مُشبعة مثلما كانت مع أمه . و قد وصفه الفن بطريقته الخاصة  كما في بعض الأغاني ” لا أعرف من أين ، ولكني أتيت “. وربما تكون شركة الزواج هي محاكاة لإشتياق الإنسان لحياة الشركة التي أساساتها في الله ثم تمثلت في الأم وبعد ذلك الزواج    ”ويصير الإثنان جسداً واحداً“ . وفي إجابة المسيح المطوَّلة عن حياة الشركة بين الله والإنسان ، أستعلن لنا الرب يسوع المسيح عن المصدرالأزلي لحياة الشركة هذه ، وهي حياة الشركة بين أشخاص/ أقانيم الله الواحد : ”أني أنا في الآب والآب فيَّ“ ع ١٠. إنها  حياة الشركة التي يريد الله أن يُدخِل الإنسان إلي مجالها . فلما فشل آدم في بلوغ تلك الشركة كانت مبادرة الله ومحبته بإفتقاد الإنسان بالتجسد الإلهي . فبظهور الله في الجسد حقق تلك الشركة بين الإلهي والإنساني في شخص يسوع المسيح الذي هو ” أبن الله / أبن الإنسان “ . لذلك ، فكل مَن يتحد ببشرية يسوع ” أبن الإنسان“ ، تتحقق له الشركة بالمسيح ” ابن الله “ : ”ليس أحد يأتي إلى الآب إلا بي“ ع ٦ . فالله لا يفشل حتى لو فشل الإنسان . و تعود شكوك الإنسان المتولدة من رغبته في معرفة ما لا طاقة له به بسبب محدودية طبيعته الإنسانية عن الإحاطة بالكيان المطلق لله : ” قال له فيلبس : «يا سيد، أرنا الآب و كفانا»“ ع ٨ . هنا تظهر المفارقة بين طموح الإنسان مِن جهة علاقته بالله ، فهو يريد أن يعرف الغير محدود ، وبين العطاء الإلهي غير المحدود تجاه الإنسان الذي أحبه الله و خلقه و يريد أن يكون له شركة في حياة الثالوث القدوس من خلال الإتحاد ببشرية الله الذي ظهر في الجسد . فإذا جاز لنا التشبيه نقول إنها المفارقة بين أم تشتاق أن يتكوَن أبنها في أحشائها لأنها أحبته قبل أن يوجد ، وبين أبن يري نفسه منفصلا عن أمه  و يريد أن يعرف عنها الكثير دون شركة معها . والمفارقة أنه بدون أن يكون جزءاً من لحمها وعظامها فليس له فرصة الوجود من الأساس، بل ولن تكون له فرصة ليعرف ولو القليل عنها وعن الحياة التي ستكون له من خلالها . هنا أعاد الرب توجيه فكر الإنسان إلي أن حاجته ليست للمعرفة المجردة عن الله لأنها تفوق طبيعة الإنسان المحدودة . ولكن الحاجة هي إلى دخول مجال حياة الشركة مع الله الواحد وأقانيمه الثلاثة  والتي تكشف عن محبة الله غير المحدودة : ”أني أنا في أبي، وأنتم في ، وأنا فيكم“ ع ٢٠. بهذه الشركة في حياة الله تكون للإنسان حياة حقيقية ، أي خالدة وأبدية لا تنتهي بإنتهاء العمر ”إني أنا حي فأنتم ستحيون“ع ١٩. هذا ما وصفه القديسون بأنه ” تأله الإنسان Theosis “ من خلال اتحادنا بالطبيعة البشرية الجديدة للإنسان في المسيح يسوع الإله . إن هذه الشركة تبدأ منذ الآن بأن يفتح الإنسان قلبه ليَقبَل الإيمان بالرب يسوع  المسيح  أبن الله ، فيرسل الله الآب روحه القدوس ليسكن قلب الإنسان ”إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي ، وأنا أطلب من الآب فيعطيكم معزيا آخر ليمكث معكم إلى الأبد ، روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله ، لأنه لا يراه ولا يعرفه ، وأما أنتم فتعرفونه لأنه ماكث معكم ويكون فيكم“ ع ١٥ . عندئذ يحقق الروح القدس للإنسان شركته مع الله الواحد مثلث الأقانيم : ”إن أحبني أحد يحفظ كلامي، ويحبه أبي، وإليه نأتي، وعنده نصنع منزلا“ع ٢٣. إن حياة الشركة هذه بين الله والإنسان قد بدأها الرب فعلاً وهذا واضح جداً عندما أعلن أن الذين يؤمنون به يكونون إمتداداً له علي الأرض بعد صعوده  إلي السماء ”الحق الحق أقول لكم : من يؤمن بي فالأعمال التي أنا أعملها يعملها هو أيضا ، ويعمل أعظم منها ، لأني ماض إلى أبي .  ومهما سألتم باسمي فذلك أفعله ليتمجد الآب بالابن . إن سألتم شيئا باسمي فإني أفعله“ ع ١٢. إن الله في المسيحية ليس نهاية ربما قد نصل إليها أو لا نصل . أنه البداية و هو الذي يضمن النهاية . لذلك قال ”أنا هو البداية و النهاية ، الأول والآخر“ .     وقد أكد أنه الضامن والضمان لمصيرنا السعيد معه قائلا ”انا امضي لأعد لكم مكانا وآخذكم اليَّ ... حيث أكون أنا تكونون أنتم ايضا . وتعلمون حيث اذهب وتعلمون الطريق“ ع ٣ . فلما تساءل توما "ياسيد لسنا نعلم اين تذهب فكيف نقدر ان نعرف الطريق“ ع ٥ ، قال له يسوع "انا هو الطريق والحق والحياة ... الذي رآني فقد رأي الآب . . أنا في أبي وابي فىَّ“ ع ٦. هذا التصريح من الرب جعل البداية في الرب والطريق معه والنهاية السعيدة معه أكيدة طالما نحن في المسيح . لذلك بدأ حديثه بطمأنتنا   "لاتضطرب قلوبكم ، انتم تؤمنون بالله فآمنوا بي“.   ثم ختم حديثه  ”سلاما أترك لكم . سلامي أعطيكم . ليس كما يعطي العالم أعطيكم أنا . لا تضطرب قلوبكم ولا ترهب“ ع ٢٧. والسبح لله . --- ### عن "سلاحف النينجا" التي صنعت "عصر النهضة" - Published: ۲۰۲۱-۰٦-۲۱ - Modified: 2024-05-17 - URL: https://tabcm.net/1805/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون, شئون علمانية - وسوم: آدم, أفلاطون, الخطيئة الأصلية, العذراء في المروج, العذراء والسمكة الذهبية, العشاء الأخير, العصور الوسطى, الموناليزا, بابا يوليوس الثاني, جوليات, داود النبي والملك, دوناتيللو, رافاييل سانزيو, سقوط آدم, سلاحف النينجا, عذراء ألبا, عصر النهضة, فيلسوف أرسطو, كنيسة السيستين, ليوناردو دي سير بيرو دافينتشي, مايكل أنجلو, مدرسة أثينا, مريم المجدلية, نبي موسى, نهوض المستعبد, هيلين جاردنر هل تتذكر أسماء سلاحف النينجا؟ استكشف معنى هذه الأسماء العميق وارتباطها بالفنون الجميلة التي لا تزال تلهمنا اليوم. اكتشف تأثير هؤلاء الفنانين الاستثنائيين على عالمنا وكيف أصبحت أعمالهم أيقونات ثقافية تربطنا جميعًا. انضم إلينا الآن في رحلة إلى عالم عصر النهضة الفني واكتشف القصة وراء الأسماء التي نعرفها ونحبها ما الذي يتبادر إلى ذهنك فور سماعك كلمة "مادونا"؟ هل صورة للسيدة مريم العذراء، محيطة السيد المسيح رضيعًا بذراعيها؟ أم أن أول ما يقفز في ذهن شخص عاش في أوائل الثمانينيات وحتى وقتنا هذا في أي مكان في العالم هو نجمة البوب الأميركية "مادونا"؟ يرجع الإدراك الجماعي للأسماء ومدلولاتها إلى التأثير الكبير الذي تمارسه وسائل الإعلام على المتلقين ولا سيما الصغار منهم، فتصبح الثقافة الشعبية هي المرجع الأساسي لكل شيء، يربط أطفال جيل الثمانينيات والتسعينيات وأحيانا الجيل الحالي أسماء مثل دوناتيللو، ليوناردو، مايكل أنجلو، رافايللو، بأربعة سلاحف مقاتلة مقنعة يتم تدريبهم على يد جرذ متكلم، وهي أسماء مختصرة لأسماء إيطالية أكثر طولا وتعقيدًا، لكن هل حاولت السؤال ما الذي يربط سلاحف النينجا بالموناليزا أو كنيسة السيستين؟ يقص رسام القصص المصورة "بيتر لاريد" قصة بداية سلاحف النينجا في لقاء صحفي، لا يملك صناع الشخصيات سببا حقيقيًا لتسمية شخصياتهم بتلك الأسماء، ظنوا فقط أنها أسماء ظريفة ويمكن تذكرها، وهو ما حدث بالفعل، الكل يتذكر أسماء سلاحف النينجا، في إحدى الحلقات يجد الجرذ المعلم "رشدان" كتابًا قديمًا عن عصر النهضة، فيقرر إعطاء تلاميذه أسماء أربعة فنانين هم: ليوناردو، مايكل أنجلو، رافاييل، دوناتيللو، اشتهرت الأسماء الأربعة بين الأطفال والكبار وأصبحت علامات في الثقافة الشعبية، فعندما تنطق أحدها يقفز إلى الذهن العام أحد سلاحف النينجا بلون قناع محدد يتماشى مع كل شخصية، فهل مجموعة من الشخصيات الرسومية أشهر من أصحاب الأسماء الأصلية؟ أم أن شهرتهم مدخل لمعرفة تلك الشخصيات وتأثيرها الخالد في تاريخ الفن والعالم وثقافتنا البصرية؟   عن عصر النهضة في أواخر العصور الوسطى قتل الموت الأسود ما لا يقل عن ثُلث سكان قارة أوروبا، يمكن رؤية ذلك كمأساة لا مثيل لها، لكنها كانت جزءًا من السبب في وصول أعظم العلوم والفنون التي غيّرت من شكل الثقافة والتاريخ، عندما قل عدد سكان أوروبا، تسببت قلة الأيدي العاملة في زيادة أجور الأفراد في مختلف المهن، وتحسن مستوى معيشة من تبقى على قيد الحياة، فامتلك الناس أموالا أكثر يمكن صرفها على الرفاهيات، وفي بداية القرن الخامس عشر بدأ تأثير الطاعون المدمر في التراجع وازدهرت القارة تدريجيًا من جديد، خلق زيادة الطلب على الخدمات والمنتجات طبقة جديدة من المصرفيين والتجار والحرفيين المهرة، ومعها تراجعت سيطرة الكنيسة بسبب عدم نجاحها في توفير ملاذ وخلق طمأنينة للناس من ويلات الوباء المميت، ويمكنك اعتبار الانهيار الحضاري والاقتصادي سببا من أسباب قيام عصر النهضة، فلا نهضة إلا بعد انهيار. . بجانب الوباء اشتهرت العصور الوسطى بانتشار الجهل والخرافات وتوسع سطوة الكنيسة والدين. بعد قيام حضارتها من جديد ازدهر العلم والأدب وتم استرجاع أفكار الإغريق القديمة مع تطويرها، ولكن ما لم يقل تأثيره أو يدحض حتى اليوم أكثر من أي نظريات علمية أو أفكار فلسفية هي فنون عصر النهضة، فأفرزت تلك الفترة النهضوية مجموعة من أهم الفنانين وأكثرهم تأثيرًا على مر التاريخ، فالعلوم تتغير بالمعرفة المتراكمة وتلغي النظريات بعضها البعض حتى تصبح مرجعيات تاريخية، أما الفنون فهي تجارب مستقلة وشعورية، فحتى تلك اللحظة لا يمكن لأحد أن ينكر سحر سقف كنيسة السيستين أو تأثير ملامح الموناليزا أو إنكار كيف غيّر تمثال داود النحت، أو التوقف عن محاولة فك شفرات لوحة مدرسة أثينا. كل تلك الأعمال الفنية الخالدة تخص أربع أسماء عملاقة. . أسماء سلاحف النينجا كما يعرفها الجميع: مايكل أنجلو، ليوناردو، دوناتيللو، رافاييل. .   دوناتيللو كان نحاتًا إيطاليا رائدًا، يعتبر تمثاله العاري للنبي "داود" من أهم الأعمال النحتية في عصر النهضة، ويمثل التمثال "داود" ممسكًا بسيفه ومتكئًا بقدمه على رأس "جوليات" المقطوعة، يبدو داود كغلام صغير السن حسب الرواية التوراتية، لكنه شجاع بما يكفي لكي يقاتل جوليات المتوحش، السيف في يده نسبته تبدو غير متناسبة مع حجم جسده، وهذا لأنه قطع رأس "جوليات" بعدما أسقطه بصخرة وأخذ سيفه، فالتمثال يعبر بشكل بصري عن القصة كاملة بواسطة الدقة والحساسية تجاه النسب. واجه التمثال سيلا من الجدل بسبب تجرده من الملابس، فتم اتهامه بالتعبير عن الفجور من خلال التمثال، بينما شكر البعض في قدرته التعبيرية عن الجسد الإنساني بدون الالتزام بالقواعد الكلاسيكية بشكل صارم. مثال آخر على تطوير دوناتيللو للنحت واستخدامه بشكل تعبيري يسبق عصره، هو تمثاله لمريم المجدلية التائبة. جسد نحيل وملابس متهالكة دون أي مثالية أو زيف، يملأ وجهها المتغضن الندم والصدق، لم يحاول أن يخلق جسدًا أو وجها جميل الشكل، ولا أن يستعرض قدراته على نحت الثنيات القماشية في خامة الخشب، بل اهتم بالمشاعر التي يعبر عنها الموضوع نفسه بشكل أساسي، وهذا ما يجعل عصر النهضة عصرا فنيا بامتياز، فالفنون لا تزال موضوعاتها دينية مثل العصور الوسطى، لكن دخلت فرادة الفنان ورؤيته في المعادلة فأضفت أبعادا أخرى غير التصورات الكتابية المحددة أو التقليدية المستهلكة.   ليوناردو يمثل "ليوناردو دافينشي" النموذج الأشهر لمصطلح "رجل النهضة"، وهو مصطلح يُطلق على شخص ذي فضول لا نهائي ونهم للمعرفة وخيال مبتكر بشكل محموم، فهو النهضوي المثالي الذي يجمع معارف متعددة وبشكل متساوٍ في الإتقان والإلمام، فلقد كان رسامًا، نحاتًا، مخترعًا، معماريًا، عالمًا، رياضيًا، مهندسًا، عالم تشريح وكاتبًا، تقول عن عبقريته المؤرخة الفنية هيلين جاردنر: "عقله وشخصيته يبدوان خارقان للطبيعة". كان منهج ليوناردو في البحث يختلف كل الاختلاف عن المثقفين في عصره، فهو لم يأخذ بالنزعة الميثولوجية، ولم يحاول قط الرجوع إلى فلاسفة الإغريق أو الرومان، وإنما اعتمد على التجربة الحسية المباشرة بعيدًا عن كل نظرة ميتافيزيقية، فنراه يقوم بنفسه بتشريح جسم الإنسان، ويراقب حركة الطيور في طيرانها، ويدرس هبوب العواصف وتلاطم الأمواج وتجمع السحب، كما ينكب على علوم الهندسة والمنظور والميكانيكا وغير ذلك في دأب وتفهم ويسجلها في رسوم دقيقة تدل على قوة الملاحظة، أما فنه فقد اعتمد على تجربته الباطنة الخاصة وبصيرته ذات الرؤى العجيبة وهي التي أضفت على لوحاته غلالة من السحر والإثارة المبهمة فبدت مجسماته في بروز لطيف رقيق، وكأنها خارجة من عالم غامض مجهول. شهرة دافينشي تكمن في إنجازاته الفنية، ربما تسببت بعض المصادفات القدرية مثل سرقتها عدة مرات والألغاز حولها في جعل "الموناليزا" أشهر لوحاته بل وأشهر لوحة في العالم، فهي بورتريه لسيدة ليس لها مرجع ديني أو إنجيلي أو حتى أسطوري، هي زوجة تاجر كبير لكن على الرغم من كونها امرأة عادية جعل دافينشي وضعها في اللوحة بمثل أيقونية مريم العذراء، فهي تمثل الصورة المثالية للمرأة. تعتبر الموناليزا من أوائل اللوحات التي تُمثل بورتريه (صورة شخصية) خلفيته منظر طبيعي، وفي المنظر الطبيعي استخدم "دافينشي" المنظور الهوائي عوضا عن الهندسي، وهو منظور يُستخدم في رسم المناظر الطبيعية الخلوية ويعتمد على درجات الألوان أكثر من الخطوط الهندسية المحسوبة، فالألوان تصبح أكثر زرقة وبياضًا وأبرد كلما ابتعدت في مؤخرة اللوحة، وتكون أكثر توهجا ودفئا كلما كانت أقرب لعين المتلقي، يُعتبر ليوناردو رائدًا في استخدام ذلك المنظور. دارت جدالات وحلقات ثقافية ودراسية وكتابات حول ابتسامة الموناليزا وعما تعبر وهل هي تبتسم حقا؟ لكن إذا نظرنا بشكل أكثر موضوعية فهي تملك تعبيرًا هادئًا وغامضًا في عينيها بشكل رئيسي ويعلو هذا التعبير وجهها، كوننا نفهمه أو لا ليست تلك القضية، فجمال بعض الأشياء يكمن في تنوع أشكال التلقي، فهي لا تفرض عليك إحساسًا معينا بل تتركك تقرر، وزيادة التحليلات لمعنى الابتسامة أصبح مجرد محاولة لتبرير شهرة اللوحة وخلودها.   مايكل أنجلو كان رسامًا، نحاتًا وشاعرًا، ينافس "دافينشي" في كونه رجل نهضة متكامل، ما يميز "مايكل أنجلو" كفنان هو دمجه لمعارفه ومهاراته المختلفة بشكل تبادلي، فرسمه وتصويره متأثران بنحته والعكس صحيح، فنجد تصوره للجسد الرجولي في اللوحات والجداريات ذا طابع نحتي مصقول ومجسم، به مبالغة لإظهار الجماليات العضلية، فبالنسبة لمايكل أنجلو التشريح الإنساني قيمة جمالية يجب إظهارها على أكمل وجه. هوسه بالكمال جعله يعمل لمدة أربعين عاما عندما طلب منه البابا نحت تماثيل لمقبرة البابا يوليوس الثاني، التي تحوي واحدًا من أشهر أعماله: "تمثال موسى". يعتبر المشروع واحدًا من أكثر المشاريع إحباطًا للنحات العظيم، فقد تم وقف عمله (ربما لأسباب مالية) وخفض عدد التماثيل إلى الثلث، وبعد كل تلك الأعوام من العمل لم يرض أبدا مايكل أنجلو عن النتيجة النهائية. يخلق مايكل أنجلو منحوتاته داخل الحجر، يرى حالتها النهائية قبل أن يبدأ في إزالة الزيادات عن الشخص الكامن داخلها، لكن دقته المثالية لا تخلو من حساسية شديدة تجاه الخامة والموضوع، يرجع ذلك لعمله كرسام أيضا، فإذا كان الرسم هو إضافة للوصول إلى الشكل فإن النحت بالنسبة له هو حذف للوصول إلى الجوهر. يمكن دراسة فكرة أن الشكل موجود في الحجر نفسه وليس على الفنان إلا اكتشافه في تمثاله "نهوض المستعبد"، فهو يبدو كتمثال غير كامل ربما بسبب توقف المشروع، لكن في عدم اكتماله تعبير عن الفكرة باستخدام الخامة، فجعل ذلك المستعبد يشق طريقه بشكل حرفي خارج الصخر. أكثر أعمال مايكل أنجلو خلودًا هي رسمه لسقف كنيسة السيستين والتي تمثل بداية الخلق، وسقوط آدم من الجنة، وعدة موضوعات إنجيلية أخرى، في ذلك العمل الضخم الأسطوري تمتزج قدرات مايكل أنجلو التصويرية مع ثقافته النحتية، فيبدو أنه اكتشف أجساد الإله والأنبياء داخل السقف عوضا عن خلقه إياها، ألوان متوهجة لكنها ليست صارخة تغطي الأقمشة وثناياها، وتعبيرات وجهية مختلفة عن كل ما قدم في عصر النهضة أو ما قبله، بالإضافة إلى إمكانية تكنولوجية لا مثيل لها على خلق بُعد ثالث وهو ما يرجع فضله للنحت أيضا، فتبدو العناصر طائفة في هواء الكنيسة وليست ثنائية الأبعاد أو تصويرية.   رافاييل عاصر "رافاييل سانزيو" عملاقي عصر النهضة مايكل أنجلو وليوناردو، فكانت المنافسة محتدمة للغاية، ويجب أن تكون عبقريًا لكي تصمد في هذا العصر، عندما وجد الفنان الشاب الذكي أن من الصعب عليه أن ينافس قوة أسلوب مايكل أنجلو ورقة أسلوب دافينشي، تخير لنفسه أسلوبًا منفردًا اقتبسه من أعمال مجموعة الفنانين الإيطاليين المعاصرين له الذين أُعجب بهم، واستطاع بمهارته أن يكوّن من هذا المزيج أسلوبًا خاصا تميز به. ولأن عصر النهضة أتى بعد عصور قاحلة لا تنوير فيها ولا فلسفة، أعاد اكتشاف الجماليات الإغريقية والرومانية وبعض فلسفاتهم ونظرياتهم عن الفن والجمال، عبّر رافاييل عن ذلك عندما طُلب منه تزيين جدار قصر البابا فصوّر أشهر أعماله "مدرسة أثينا"، وهي عبارة عن أربع جداريات تُمثل كلٌّ منها فرعا من العلوم: الفلسفة، الشعر، الموسيقى، اللاهوت. تحوي الجدارية معظم الفلاسفة والعلماء العظام من الإغريق متراصين في أوضاع تميزهم، فيشير أفلاطون إلى الأعلى تعبيرًا عن المثالية، بينما نجد يد تلميذه أرسطو مشيرة إلى الأسفل تعبيرًا عن توصيل تعاليم أستاذه إلى البشرية. ومن الواضح أن رافاييل كان قد رأى سقف كنيسة السيستين قبل أن يبدأ في جداريته، كما أن تصميمها يذكرنا بـ "العشاء الأخير" لدافينشي، إلا أن رافاييل تميز بمقدرته الفنية في إذابة عناصر أساليب الفنانين في طرازه الخاص الجديد. اشتهر رافاييل بتصويره عددا كبيرًا من اللوحات لمريم العذراء وطفلها والطفل يوحنا أثناء إقامته في فلورنس وروما ومنها العذراء والسمكة الذهبية، العذراء في المروج، وعذراء ألبا، كما رسم صورا شخصية لوجوه غير مقدسة بأسلوب متميز وبحس لوني قوي ومشبع. على عكس دافينشي ومايكل أنجلو الذين فضّلا أسلوبًا لونيا أكثر وقارا وضبابية، استخدم رافاييل ألوانا أساسية مباشرة في رسم ملابس شخصياته، فنجد الأحمر الساخن ولونه المكمل الأخضر مكثفًا في الخلفية في بورتريه للبابا يوليوس الثاني. يستحيل محو الارتباطات الشرطية التي تأخذ وقتا طويلًا للتكوّن في الأذهان مثل الربط بين شخصيات رسومية وفنانين أعادوا تشكيل التاريخ والفن والثقافة البصرية، الأمر يشبه تسمية شارع باسم أحمد عرابي أو ميدان طلعت حرب، بالتدريج يفقد الاسم الأصلي دلالته التاريخية ومدلول صاحبه الأصلي لكن لا يمحو ذلك تأثيره، فربما روابط مثل تلك تعطي فرصة بالذات للأطفال ليتم تعريفهم بعلامات مميزة في تاريخ الإنسانية. اقرأ أيضا: --- ### هوس الشهادات الأكاديمية - Published: ۲۰۲۱-۰٦-۱۸ - Modified: 2023-10-10 - URL: https://tabcm.net/1761/ - تصنيفات: شئون علمانية, مقالات وآراء - وسوم: أسامة عشم, أنبا موسى الأبيض، أسقف عام الشباب, الدكتوراه الفخرية, المعهد الأمريكي للدراسات المتخصصة, المنهج العلمي, مقار الأنبا بولا, هولي صوفيا وسمعتهم للمرة الأولى ينادونه بلقب "دكتور"، قائد فريق الكورال، وذو مكانة وحظوة داخل دهاليز الكاتدرائية، وبسؤال المقربين أكدوا أنه الابن المدلل للأنبا موسى أسقف الشباب. وبحسب موقع السينما.كوم فهو طبيب بيطري يهوى التمثيل والإخراج، وهو مخرج فريق كورال المسرح الكنسي بأسقفية الشباب بالكاتدرائية المرقسية، وشارك في 3 أفلام سينمائية وثلاثة أفلام دينية مسيحية، لكنه لا يذكر أبداً تخصصه كطبيب بيطري، وإنما يعرف نفسه كدكتور في علم الموارد البشرية. رأيته للمرة الأولى في الاحتفال الضخم الذي أقيم في الكاتدرائية المرقسية بالعباسية بمناسبة العيد الخمسون لرهبنة الأنبا شنودة عام 2004، وبدا ملفتاً للنظر بقامته القصيرة وابتسامته الصفراء ومحاولاته البائسة لجذب الأضواء والانتباه، وأخيراً "كرفاتاته" العريضة اللافتة للنظر، والتي أظن أنها إحدى الوسائل المقصودة للفت الانتباه، وانتابني شعور أني أعرفه معرفة مسبقة، لكن أين؟ بعد يومان، وبالصدفة البحتة، كان يُعرض على شاشة القناة الثانية المصرية فيلم "بخيت وعديلة - الجزء الأول"، وفجأة، وجدته أمامي على الشاشة الصغيرة. هل تتذكر مشهد الشاب اللزج موظف الاستقبال في الفندق الذي كان يرتدي "كرافتة مضحكة"؟ نعم، أنه هو. في الحفلات التي كانت تقام للأنبا شنودة بمناسبة وبدون مناسبة، وجدته أمامي مجددا، وسمعتهم للمرة الأولى ينادونه بلقب "دكتور"، قائد فريق الكورال، وذو مكانة وحظوة داخل دهاليز الكاتدرائية، وبسؤال المقربين أكدوا أنه الابن المدلل للأنبا موسى أسقف الشباب. وبحسب موقع السينما. كوم فهو طبيب بيطري يهوى التمثيل والإخراج، وهو مخرج فريق كورال المسرح الكنسي بأسقفية الشباب بالكاتدرائية المرقسية، وشارك في 3 أفلام سينمائية وثلاثة أفلام دينية مسيحية، لكنه لا يذكر أبداً تخصصه كطبيب بيطري، وإنما يعرف نفسه كدكتور في علم الموارد البشرية. بعد ظهور الفيسبوك وبدافع الفضول وجدتني متابعاً عن كثب لصفحة الدكتور البروفيسور العالمي أ. ع، الذي يظهر شغفًا وولعًا غير طبيعيًا بالألقاب، كعادة الكثيرين في مصر ممن يعانون من عقد النقص المركبة. وهنا وجدت نفسي أبحث خلف الدكاترة أ. ع، وهالني ما وجدت: صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي هي ألبوم مفتوح لصوره مع الفنانين والممثلين بطبيعة الحال، أما الصورة الأساسية فهي صورة تجمعه مع صفوة من ضباط الداخلية تزين النسور أكتافهم، مع أخبار دورية متكررة عن حصوله عن شهادة ما في تخصص الموارد البشرية، وفي "خانة البيوجرافي" (التعريف الشخصي) كتب يصف نفسه بأنه: Professor of HR & International Human Resources Training Consultant. - Dr. U has experience in HR management and training for more than 30 years. - Dr. U is an expert of HR & &Training skills والترجمة تقول: الأستاذ الدكتور البروفيسور أ. ع أستاذ الموارد البشرية والخبير العالمي في الإدارة والتدريب بخبرة تزيد عن ثلاثين عامًا، دون أي توضيح عن مصدر شهاداته، خاصة شهادة الأستاذية التي تؤهله للحصول على لقب بروفيسور قانون تنظيم الجامعات المصري رقم 49 لسنة 1972 وتعديلاته، يخبرنا أن لقب "بروفيسور" يطلق على الأستاذ الجامعي المختص في علم ما، وهو أعلى مرتبة علمية في الجامعة، حيث إن الدرجات العلمية لأعضاء هيئة التدريس تبدأ من لقب "مدرس" ويتم الحصول عليه بالحصول على درجة الدكتوراه، تليها درجة "أستاذ مساعد" بتقديم بحث علمي مقبول من لجنة الترقيات، تليها درجة "أستاذ" بتقديم بحث علمي متخصص دقيق مقبول من اللجنة العليا لترقية درجة أستاذ، ولا يتم الحصول على درجة الأستاذية بغير الحصول على الترقيات السابق ذكرها. وهنا يأتي السؤال المنطقي : من أي الجامعات حصل البروفيسور أ. ع على درجة الأستاذية "بروفيسور"؟ لا إجابة تزامن ذلك مع خبر حصول الراهب "مقار الأنبا بولا" على شهادة الدكتوراه الفخرية من المركز الثقافي الألماني، والذي يمنح تلك الدرجة مقابل 15 ألف جنيه مصري لا غير، في شهادة لا تساوي ثمن الحبر التي كتبت به، فقررت البحث بمساعدة بعض المتطوعين خلف "البروفيسور" أ. ع. فحصنا حسابه الشخصي وصفحته الشخصية لعدة أيام بحثًا عن أي مصدر لشهادة الأستاذية التي يدعي الحصول عليها فلم نجد، حتى يوم 16 يونيو 2021 حينما كتب "البروفيسور" على صفحته الشخصية مهنئا نفسه بحصوله على شهادة Human Resources Instructor من المعهد الأمريكي للدراسات المتخصصة في أورلاندو بالولايات المتحدة الأمريكية Orlando U. S. A A. I. P. S America Institute Of Professional Studies مع صور لتلك الشهادة المزعومة، وكانت أول الخيط. . بحث بسيط على الإنترنت عن المركز المزعوم المدعو America Institute Of Professional Studies وجدنا أنه معهد فرعي تابع لمنظمة تحمل أسم American Group for managing educational project وبحسب موقع المنظمة فأن مقرها الرئيسي يقع في الولايات المتحدة الأمريكية في مدينة أورلاندو، ولاية فلوريدا : Address: 1308 S. Semoran BlvdOrlando, Florida. 32807, USA. إلى جانب عدة فروع أخرى في فرنسا وتركيا وكندا والجزائر (دون عنوان، مجرد رقم هاتف مع عنوان بريد إلكتروني) بحسب ما يفيد موقعهم الرسمي، مما يشكك في وجود مقرات حقيقية لتلك المنظمة في تلك الدول، وبالبحث عن ذلك العنوان على خرائط جوجل وجدنا أن المنظمة الأم للمعهد المزعوم الذي حصل منه الأستاذ البروفيسور على شهادته مجرد "كشك" في منطقة مدقعة الفقر في أورلاندو، ويمكن مشاهدة مقر المنظمة الأم للمعهد المزعوم بال. بفحص موقع المنظمة الأم agmep وجدنا أن المنظمة يتفرع منها أربعة عشر معهد فرعي، أولهم المعهد الذي حصل منه البروفيسور على شهادته، فتواصل أحد أفراد فريق البحث مع المعهد عبر البريد الإلكتروني المعتمد على موقعهم الرسمي، مدعياً رغبته في الحصول على شهادة مماثلة (قمنا بمحو بيانات فرد فريق البحث الشخصية بحسب طلبه) وكما هو متوقع، فإن الحصول على الشهادة المزعومة لا يتطلب أي دراسة على الإطلاق، مجرد رسوم مادية زهيدة تبلغ 250 دولارًا أمريكيًا مقابل أن يقوم المركز بوضع أسمك على نموذج سيء التصميم، قبيح الشكل والألوان، معد مسبقًا، يحوي خبر حصولك على شهادة مدرب في علم الموارد البشرية، شهادة لم تكلفهم سوى الثواني التي استغرقها نسخ اسمك الثلاثي، وإعادة إرسال الشهادة لك. الأمر المثير للاهتمام، أن السيدة / نورا علاء (والتي يبدو أسمها عربيًا) والتي تفضلت بالرد على رسائلنا الإلكترونية مقيمة في تركيا وليس فلوريدا، بحسب رسائل البريد الإلكتروني المرسلة منها، مما يوحي أن الأمر برمته يتم إدارته من تركيا، وفي الأغلب (ولا نملك يقينًا) فأن السيدة علاء مجرد موظفة إدارية عربية تعمل في تركيا، وفي الأغلب أيضًا (ولا نملك يقينًا) أن الفروع المنتشرة في أربعة دول حول العالم مجرد واجهة لهيئة ما تقوم بإصدار شهادات لا قيمة لها في مقابل مادي، أما سبب وجود أربعة عشر منظمة فرعية للمنظمة الأم فهو منطقي للغاية، وهو رغبة المنظمة الأم في مضاعفة عدد الشهادات التي يمكن لهم إصدارها، وبالتالي مضاعفة الربح أربعة عشر مرة. السؤال هنا: هل الدكتور البروفيسور أ. ع يعلم بتلك المعلومات؟ وهل يعلم أن المركز المزعوم مجرد غطاء وهمي لمنظمة تركية غير علمية وغير أكاديمية بالمرة ولا تملك حق منح تلك الشهادات التي حصل البروفيسور على ثلاثة منها كما يؤكد على صفحته على فيسبوك؟ في الواقع لا أحد يملك حق الإجابة ولا التأكيد ولا النفي، لكنه قطعًا يعلم جيدًا أنه لم يدرس يومًا واحدًا ولا حتى ساعة واحدة في هذا المعهد المزعوم في مقابل الحصول على تلك الشهادة الوهمية. وهذه الحقيقة تجعلنا نسأل عن مصدر شهادات البروفيسور وحقيقة حصوله على شهادة الأستاذية التي تؤهله لحمل لقب بروفيسور؟؟؟؟؟؟ ونؤكد أننا سنعتذر مقدمًا للبروفيسور وعلنًا أن أفحمنا بشهاداته (التي نؤكد أننا سنتتبع مصادرها مقدمًا للوقوف على حقيقة الهيئات العلمية والأكاديمية التي حصل على شهاداته منها) مرفقات : خبر حصول البروفيسور أ. ع على شهادته الأخيرة من America Institute Of Professional Studies صور مختلفة من موقع المنظمة الأم تحتوي على عنوان المقر الرئيسي في أمريكا، وعدد المعاهد المتفرعة من المنظمة الأم صورة حقيقية لمقر المركز الرئيسي للمنظمة من خرائط جوجل بحسب العنوان المذكور في الموقع السابق ذكره، ويمكن للقاري تفحص العنوان بنفسه على الرابط التالي ومقارنته بالعنوان المذكور على موقعهم للتأكد من مطابقته صور للمراسلات الإلكترونية التي قام بها أحد أعضاء فريق البحث مع المعهد المزعوم   أخيراً : تحية وشكر واجب لفريق البحث المساعد الذي قام بكل المجهود تطوعًا           اقرأ أيضا: --- ### ما جمعه الله.. يفرقه الله - Published: ۲۰۲۱-۰٦-۱۷ - Modified: 2024-06-08 - URL: https://tabcm.net/1705/ - تصنيفات: المرأة القبطية, مقالات وآراء - وسوم: أحوال شخصية, أسرار الكنيسة دعني أخذك بعيدًا عن النصوص والتفسيرات والأقوال والقيل والقال لمضمار المنطق قليلًا. لا تخش لن أخذك إلى مدرجات تراها خطرة في النقاش؛ سأقف على نفس أرضيتك الإيمانية لنتحاجج. لتأخذ أنت موقع الأغلبية -فهو يشعرك بالأمان أكثر- كمؤيد لمنع الطلاق؛ ودعني أسألك كيف ترى الله من موقعك هذا؟ ما جمعه الله لا يفرقه إنسان ما معنى "جمعه الله"؟! هل تعني تلاوة بعض الصلوات؟! هل هذا هو المعنى؟! وكأنها تعاويذ سحرية نتلوها لتقوم بالمهمة؟! ولنفترض أن مجرد القيام بتلك الطقوس يعني أن الله جمعهم (على يد بشر قام بمراسم الطقس) ألا يمكن أن نقوم بطقوس أخرى للطلاق ونقول أن من فرقهم هو الله وليس إنسان. فيتسق المعنى ما جمعه الله لا يفرقه إنسان؛ ولكن يستطيع الله نفسه أن يفرقهم بنفس الطريقة وباستخدام الطقس والكهنوت. أم أن المقصود ب "جمعه الله" - بإقرارنا أن الله محبة - هو أن المحبة جمعتهم. المحبة التي هي الحب الزيجي الذي هو خليط عميق من الحب الجسدي والتوازن النفسي بين الطرفين والتناغم الروحي؟! وأن أي خلل في هذا الرابط يعني حدوث خلل في العلاقة نفسها لاختفاء الله (الحب) منها. إن كان هذا هو المقصود فالطقس هنا مجرد رمز؟! سيصرخ احدهم لا فهو سر يتحول فيه الطرفان إلى جسد واحد! ! ! - مع العلم أن كنيسة الرسل والى قرون حديثة لم تعتبره سرًا كنسيًا (راجع المقال هنا) - وهنا اسألك ما معنى جسد واحد؟ أنا وانت نراهم جسدين كل منهما يستيقظ ويذهب لأداء مهامه وأعماله المختلفة ليسوا جسدًا واحدًا؟! هل تعلم أن بولس الرسول استخدم لفظ جسد واحد لوصف الرجل والانثى الذين يمارسون الزنا سوياً! هل المقصود بعبارة جسد واحد التعبير عن العلاقة الجسدية الجنسية؟ إذن فكل الأزواج عبر العالم - سواء بزواج رسمي أو بغير زواج رسمي- من كل المعتقدات والملل هم جسد واحد بالفعل؛ دون الحاجة إلى أسرار علوية وطقوس دينية. هل الله القدوس كلي المعرفة لا يعلم تركيبة الإنسان النفسية والروحية ككائن متكامل وأن الزواج هو رباط عميق على كل المستويات النفسية والجسدية والروحية وإن عدم تناغم أي منها يهدد عمق العلاقة. أم أنه يرى الزواج مجرد علاقة جسدية بين ذكر وأنثى؟! سيصرخ أحدهم بأن المسيح أمرنا أن نحب أعداءنا وبما أنك تكلمتي عن المحبة فبالأولى لطرفي الزواج أن يحبوا بعضهم بعضاً حتى وهم أعداء؟ دعني اصرخ أنا في وجهك تباعاً ؛ المسيح أمرني أن أحب عدوي لا أن اتزوجه. هل تعتقد أن المسيح لا يفرق بين المحبة العامة المقدمة للجميع كصناع سلام وبين الحب الزيجي المفترض حسب شريعة المسيح أن يقدم لشخص واحد؟ هل تعتقد أن المسيح يساوي بين محبة الرجل لزوجته وبين محبته لحارس العمارة التي يسكن بها؟ إن لم يكن الحب الزيجي حبًا خاصًا جدًا وعميقًا جدًا ومختلفًا عن باقي أنواع الحب لما استخدمه الإنجيل تحديدًا لتشبيه علاقة المسيح نفسه بالكنيسة! ونأتي لنقطة مهمة؛ من قال أن الطلاق يعني أن الطرفين يكرهون بعضهم! ! ! ربما هم فقط لا يصلحون كشركاء زيجة. وإن افترضنا أن أحد الطرفين لأسبابه الخاصة الإنسانية قد وصل إلى كراهية شريك حياته، من أوهمك أن إجباره على استمرار الشراكة الحياتية يعالج جراح كراهيته بالعكس هو يعززها ويعمقها. الأنكى، تتباهون طوال الوقت أن المسيحية ليست ديانة فروض وأن الإنسان حر في حياته الروحية وقانونه الروحي لا يتسلط عليه احد كما قال الرسول بولس؛ فلا نرى أحد يجبرك على الصلاة أو الصوم أو القراءة -كما يفرض في أديان أخرى- بينما نراك تجبره على الاستمرار في زيجة ما بالفرض بحجة أن هذا مهم لحياتهم الروحية! ! ! وهل حياته الروحية كلها يتم تلخيصها في الرباط الاجتماعي المسمى الزواج؟! ! ! ستحاول إخافتي بقولك (إن فتحنا باب الطلاق للمسيحيين كم أسرة ستتجه إليه؟ هذا خراب. ) إذن أنت مدرك للحال البائس الذي وصلت إليه الكثير من الأسر. هذه الأسر تفككت بالفعل وليست في انتظار تشريع لتتفكك. والتعنت في عدم الطلاق لم يحميها من التفكك. تشريع الطلاق ليس إلا تقنينًا لوضعها الذي وصلت إليه بالفعل. (يجب أن نحافظ على سمعتنا وسمعة زيجاتنا) إلى هذه الدرجة معاناة وعذاب وإنسانية الأطراف المعلقة في مثل هذه الظروف لا ثمن لها لديك فقط لتحافظ على المظهر الخارجي للوضع الاجتماعي؟! هل يهتم القدوس -الذي نعت الفريسيين بالقبور المبيضة لأنهم مرائيين- بالشكل الاجتماعي ويتجاهل جوهر العلاقة بين الطرفين؟! هل يجهل الله تلك الحقيقة (أن الإجبار على الفضيلة لا يصنع أشخاص فاضلين بل منافقين) ويجبر طرفين غير متناسبين على الاستمرار في زيجة فاشلة بحجة أنه يرتقي بهم! ! ! تساءلت صديقتي يومًا عن شخص سقط في حفرةٍ عميقة متألمًا فما كان من والده إلا أنه احكم إغلاق الحفرة عليه مانعًا إياه من الخروج. بالطبع استنكرنا فعلة الأب؛ فكيف لنا أن نتصالح مع مثل هذا الفعل السادي الذي لا يمت للأبوة أو الإنسانية بأي صلة. فاستطردت "إذن لماذا تريدني أن أصدق أن (أبانا الذي في السموات) يشرع مثل هذا التشريع في عدم الطلاق! ". هل يجهل الله أننا بشر محدودي القدرات والحكمة وأن الكثير من اختياراتنا ما هي إلا خطوات في مسيرة النضج وتحتاج دائمًا للتصحيح والتطوير؛ فيمنع أولاده من تصحيح اختيار كهذا ويحبسهم داخله للأبد! ! هل يجهل ضعفاتنا وجرائمنا ويجبرنا في حالات كثر هذا عددها على الخضوع لشراكة مع طرف يستلذ تعذيب الآخر وقتله بلا هوادة؟! خاصة وأن الحل البشري متاح وهو يمنعه عني! من الممكن أن أتقبل الألم لو الدواء غير متاح؛ لكن أن يكون الدواء متاحًا وتمنعه عني وتخبرني أنك تحبني؟! هل الله كلي العدل والغفران يقبل التوبة عن كل الخطايا ويدعو الإنسان لتصحيحها وتعديلها دائمًا؛ يتعامل مع قرار الزواج وكأنه خطية بلا مغفرة وبلا تصحيح؟! ألا تدري أن الكثيرين بسبب التعنت في نظام الأحوال الشخصية يهربون من الكنيسة ويتحولون للإسلام حتى يمكنهم أن يحصلوا على حقهم الإنساني في الطلاق وإنهاء الشراكة الحياتية مع شخص غير مناسب أو مؤذي. سيرد علي احدهم بصوت لا مبالٍ ليذهب (واحد) ليذهب (ألف) لن نغير القوانين لأجل عيونكم. هل أصبحنا نرى النفوس التي فداها المسيح مجرد أعداد في إحصاء القبيلة؟! ثم تصمون آذاننا وعظًا عن كيف يترك الراعي التسعة والتسعين ليبحث عن ال(واحد). ما هذه الازدواجية وعدم الاتساق؟! كيف تتحدث معي بلغة من يهتم بالنفوس والمحبة وأنت بقوانينك تلك تدفعهم دفعا خارج حظيرة الإيمان. أليسوا هؤلاء هم أخوته الأصاغر الذين كال الويلات لمن يعثرهم؟! ! ! تعثروهم بتعنت غير إنساني. وكأنكم تناسيتم أن المسيح هاجم قوانين اليهود مرارًا الغير إنسانية مؤكدًا أن القانون (السبت) جعل لأجل الإنسان لا الإنسان لأجل القانون (السبت). فالإنسان والإنسانية وخلاص النفس هو الهدف الأسمى؛ فهل تلك القوانين والسبوت تساعد الإنسان للخلاص أم تدفعه للهلاك. --- ### وهم المعرفة في الكلية الإكليريكية - Published: ۲۰۲۱-۰٦-۱۵ - Modified: 2023-09-04 - URL: https://tabcm.net/1707/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, شئون علمانية - وسوم: التقويم الشمسي, التقويم القبطي, التقويم القمري, التقويم الميلادي, الجامعات المزيفة, الكلية اﻹكليريكية, المنهج العلمي, بابا شنودة الثالث, حساب الأبقطي, ستيڤن هوكينج, ميلاد المسيح, هولي صوفيا وضع امتحان بالكامل تطلب فيه من دفعة دراسية طريقتك المحلية الغير دولية في حساب التواريخ.. معناها إصرار على القطيعة عن العالم وعن العلم.. ومعناها برضو الإصرار على اعتناق أفكار شوفونية إستاذ-دادية في إن التقويم القبطي أدق تقويم.. وده بلح.. التقويم مرحل والترحيل بيزيد وده كلام خلصان في العالم كله بما فيه وكالة ناسا، واللي طبعا بتتعامل معانا ككائنات فضائية تستحق الدراسة بمعزل عن العلوم الإنسانية التقليدية..! الصورة المرفقة هي ورقة امتحان لأحد المواد المخترعة محليًا بالكلية اﻹكليريكية (اللاهوتية) بالقاهرة، القسم المسائي نلاحظ اﻷتي: رئيس القسم حاطط قبل اسمه لقب متخطي "يونس شلبي" لما قال: "الدكاترة ناصف"، في أحد المسلسلات الكوميدية. . حاطط أ. د. د. د. (تلاتة دال) وده حاجة مش بتدل على إنه واخد الأستاذية وتلاته دكتوراه، لأن مفيش درجة علمية بتزيد بالتعدد وإنما بتدل على شعور نفسي بالنقص والفشل العلمي لم تستطع (د. ) واحدة التعبير عنه. . ليه عنده شعور بالنقص والفشل؟ مفيش كُلْيَة، ولا معهد، ولا ابتدائية قبطية حتى، معترف بيها دوليًا، أو بأنها تدي درجة علمية تصلح للعمل حتى ولو في ليبيا أو أثيوبيا أو الصومال! ليه العالم مش معترف بدرجاتنا العلمية المحلية؟ علشان العلم (أي علم حتى لو كان من العلوم الإنسانية زي دراسات الأديان) هو منتج أكاديمي غير مسيس وغير مؤدلج ولا يتناول كلام محلي غير مثبت ومشكوك فيه أصلا ويطلق عليه علم،، العلم منتج تراكمي عام،، يعني بتضيف حاجة يعترف بيها الكل إنها مفيدة، مش مجموعة ترى إنها مفيدة. بطريقة أخرى، مادة علم التقاويم دي بلح! مفيش حاجة كدا أساسا. . والمنتج اللي طالع وطافح ده منتج خاطئ علميًا ومؤدلج بانحيازات محلية (أقباط أرثوذكس) لأنها العقيدة السائدة في الكنيسة اللي عاملة الكلية وبتصرف وبتعين كهنة من مازورتها الدينية المحلية مش الدولية. . يعني لما تردد كلام غير علمي ولم يجتاز نقد أكاديمي مبني على الشك الديكارتي،، وتقعد تعيد فيه لملايين السنين فده ممكن يعينك "كاهن" في كفر الهنادوة الأرثوذكس، لكن مش هايخليك عالم أو واخد ابتدائية حتى. . وبشكل مختصر: أكبر عدو للمعرفة ليس "الجهل"،بل "وهم المعرفة"(ستيفن هوكينج) ما يحدث في الإكليريكيات القبطية هو "وهم معرفة". . من الآخر يعني بيحفظوهم ردود زي الكتاتيب، مش بيعلموهم بحث حر ويرضوا بحقيقة النتيجة. ومن ثمَّ فالخريج من دول مش بيطلع "باحث". . بيطلع وهو مؤمن انه "عارف"! فده خلاص كدا وصل وصعد للسماء وممكن يفتي في أي حاجة وهو متأكد جدا، وكأنه كليم الله شخصيا! اﻷخيرة سبب للي قبلها. . يعني العالم مش بيتآمر علينا علشان إحنا علماء كويسين ومتدينين واحسن منهم. . شيل الأوهام دي من دماغك، هما بيعزلونا لأن معندناش منتج علمي وإنما أدلجة عقائدية. . العلم له قواعد وليس منها الانحياز لله ورسوله وقديسيه. . ببساطة الإنسان التاريخي بيعمل سلوك تاريخي، وبيتم تقييم السلوك في ذهن المتلقي، ومفيش حاجة اسمها قداسة تحصن من النقد المنطقي أو الشك العلمي. . مفيش منهج تفكير محترم ويكون قائم على الاستنكار بطريقة: "لا ده راهب مش هيقتل، دول أكيد المسلمين"، أو: "ده من الصحابة فمش هينصب وأكيد دي إسرائيليات"، أو حتي حاجة اجتماعية مبنية على تنميطة سابقة زي: "دي سيدة فمش هتكذب لأن الستات ميعرفوش يكدبوا". . كل ده بيتم النظر له على انه انحياز ثقافي واجتماعي مُفسد للموضوعية. . بشكل رياضي بحت،، فانت مينفعش تغلق باب احتمال وارد حدوثه بناء على اعتقادك الطوباوي المثالي بإن ده "مُقدس" فتستثنيه من الاحتمالات المُمكن حدوثها، فتحصنه ضد التقييم التاريخي المناسب لسلوكه البشري. . مينفعش في العلم تحصن (أو تنتهك) شخصية لمجرد اعتقادك. . ولو عملت غير كدا العالم هيبصلك على انك متدين أسمر جميل وساذج ومسكين وفي pathways اتقفلت في دماغك وخلاص لازم تتعزل عن الأسوياء، لأنك مريض بتطويب واقعك التعس! وأي حد هيحاول يفتح مداركك أو ينبهك للاحتمالات المنطقية الحدوث واللي منها الـpathways المستبعدة عندك نتيجة التقديس، إنت هتهاجمه زي أي إنسان موتور وتتهمة بإنه من ال"تانيين" اللي بينتهكوا مقدساتك وعايزين يشوهوا الوهم اللي بتقدسه! هل انزعجت من جملة "الوهم اللي بتقدسه"؟ لو انزعجت تبقى مش حاطط أي احتمالية انك ممكن تكون بتقدس أي خرافات تسللت ليك لأي سبب. . فيبقى تفكيرك عقلاني وهتطلع بحث موضوعي إزاي؟ ما انت حاسمها مسبقا بإن ده مش وارد أبدا؟ ربما أكون قاسي في طرحي، بس هل قدرت أوضحلك إن "المنهج العلمي" مش سهل ومحتاج منك تدريب؟ عموما، المسيح مولود من 4 - 6 قبل الميلاد. . أحدث دراسات قريتها بتقول إنه شتاء عام 4 ق. م. بنسبة خطأ محتمل عام كامل. حتى عيد القيامة بالحساب اﻷبقطي هو ليس دين، بل توفيق بدائي بين الحساب القمري اليهودي والحساب الشمسي، علشان كل (طائفة) تاخد حتة وتتنازل عن حتة، والمركب تمشي. . ده حكم التاريخ على المجمع اللي كان بيوفق راسين في الحلال،، لا هو دين ولا حتى علم لاهوت، ولا مستاهلة التمسك بيه أو حتى مناهدة في تغييره. . وضع امتحان بالكامل تطلب فيه من دفعة دراسية طريقتك المحلية الغير دولية في حساب التواريخ. . معناها إصرار على القطيعة عن العالم وعن العلم. . ومعناها برضو الإصرار على اعتناق أفكار شوفونية إستاذ-دادية في إن التقويم القبطي أدق تقويم. . وده بلح. . التقويم مرحل والترحيل بيزيد وده كلام خلصان في العالم كله بما فيه وكالة ناسا، واللي طبعا بتتعامل معانا ككائنات فضائية تستحق الدراسة بمعزل عن العلوم الإنسانية التقليدية. . ! عايزين مراقبة علمية على مناهج التعليم الإكليريكية، ﻷننا نفسنا الكهنة تدرس بمنهج علمي. . مش نردد كلاما باطلا. . وبدون ده محدش يتوقع إصلاح وإحنا فاتحين مفارخ لـ "وهم المعرفة"   اقرأ أيضا: --- ### يسوع والإنسان أم المؤسسة والحجارة؟ - Published: ۲۰۲۱-۰٦-۱۲ - Modified: 2021-07-09 - URL: https://tabcm.net/1440/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, مقالات وآراء - وسوم: بابا تواضروس الثاني, كنيسة الإسكندرية كثيرا ما أقف لتأمل المشهد الحالي للكنيسة، والحالة التي تعيشها من انقسام وحروب طاحنة بين من يبحثون عن سلطان ونفوذ وأموال وكأنها مملكة أو امبراطورية، وأتساءل: هل هذا ما جاء يسوع لأجله؟ هل المسيح جاء لإنشاء مؤسسة هرمية تراتبية فيها سادة وعبيد؟ ومن هم السادة؟ للأسف السادة هم الذين من المفترض أن يكونوا خادمي الكل كما أوصى المسيح لكنهم أصبحوا سادة أرضيين بسلطان مطلق. أتساءل أيضا هل جاء المسيح لإلغاء كهنوت العهد القديم بتجبره وفساده لإنشاء كهنوت جديد بنفس التجبر والفساد؟ هل جاء لإلغاء الناموس وصنم الشريعة حتى نصنع صنم آخر من الطقوس لا يقبل التخلي عن ملعقة للتضحية بأرواح البشر؟ يراودني هذا السؤال على وجه الخصوص: ما الفارق بين من رفضوا معجزات السيد يوم السبت والتي قصدها خصيصا ليجعل الإنسان قبل السبت والسبت في خدمة الإنسان وليس العكس وبين من يتمسكون بصنم الطقوس حاليًا على حساب أرواح البسطاء لأجل ملعقة؟ ما أعرفه أن يسوع جاء لأجلي كإنسان، ومن أجل كل إنسان، جاء لأنه أحبنا، جاء لكي يقدم الحب، ولكي نتعلم الحب، ولكي نحب بعضنا بعضنا كما أحبنا هو، ويبقى السؤال هل من جاء لأجل الحب ولإجل الإنسان كان هدفه تأسيس مؤسسة مثلما آل حال الكنيسة اليوم؟ بالتأكيد لم يكن هذا هدفه، وهذا يطرح سؤالًا آخر : هل هناك جدوى من السعي لإصلاح المؤسسة؟ أم يجب الابتعاد عنها والبحث عن المسيح ومساعدة الناس للبحث عن المسيح وأن يعرفه كل واحد بنفسه وبشخصه؟ أعتقد كان هذا فكر الإصلاح الديني في أوروبا منذ نحو 500 سنة، لكن ماذا حدث على هذا الإصلاح تحول هو الآخر إلى مؤسسية تسيطر على حياة الناس بشكل وصيغة مختلفة عن الكنائس التقليدية. هل هذه الأسئلة دعوة لهدم الكنيسة؟ لا بكل تأكيد لأن الكنيسة ليست مؤسسة أو شركة بها موظفين مثل أي شركة أخرى، الكنيسة هي جماعة المؤمنين كما تم تعريفها في العهد الجديد، وجماعة المؤمنين نواتها الإنسان، وطالما الإنسان يعيش على الأرض ستظل الكنيسة باقية حية بقوة الروح القدس، فالإنسان مهما أخطأ سيعيده الروح القدس لطريق المسيح مجددا. قبل الصعود إلى السموات أوصى السيد تلاميذه أن يذهبوا إلى جميع الأمم ويبشروهم بالإنجيل أو البشارة المفرحة، وكان هذا الشغل الشاغل للتلاميذ وعندما انتشرت كلمة الله وسط البشر بدأوا يشعرون بمسؤولية اجتماعية تجاه المؤمنين فبدأ التلاميذ في تأسيس مجموعة الشمامسة ورئيس اسطفانوس لتولي هذه الخدمة، طبيعي مع وصول كلمة الله لكل بقاع الأرض أن تطور الخدمة بتفاصيله وأن تتخذ شكلا مؤسسيا نمى مع قرن تلو الآخر وصولا للقرنين الرابع والخامس المعروفين بعصر المجامع والخلافات التي دبت بين أعضاء الجسد الواحد بسبب السلطة، فاختلف من وصفوا أنفسهم بانهم خلفاء التلاميذ وصار كل واحد منهم يعتبر نفسه الممثل الشرعي والوحيد لله على الأرض، فانقسمت الكنائس أو الكراسي الكبري الإسكندرية وأنطاكية في مقابل روما والقسطنطينية، ثم انقسمت روما والقسطنطينية، وعرفت روما فيما بعد الانشقاق داخلها. واليوم كنيسة الإسكندرية تواجه خطر داهم من داخلها من جماعات مصالح، في يدها سلطان مستبد بلا حساب ولا رقابة يريدون أن يزيد وتتسع مساحته لمصالحهم الضيقة وعكس رغبة المسيح والروح القدوس، يواجهون بابا الكنيسة يشوهون صورته ويحاولون اغتياله معنويا بكل الطرق، وإذا استمروا في عنادهم وفي رغباتهم الشريرة سيكون مصير الكنيسة (المؤسسة) التحلل والانشقاق والانقسام ومصير الكنيسة (جماعة المؤمنين) التبدد والتفرق والبعد عن المسيح. حين جاء المسيح إلينا على الأرض ألغى الهيكل القديم، وعرفنا أنه لا يسكن في الحجارة ولا تهمه الحجارة لكنه يسكن في القلوب ويريد القلوب، وأن مملكته ليست مادية بل روحية، وقاوم يسوع ودعوته رؤساء الكهنة الذين اهتز سلطانهم الزائف أمام محبة يسوع العميقة لكل البشر، واليوم بعد كل تلك القرون هناك من أرداوا الانقلاب على دعوة يسوع رغم انتسابهم لاسمه لإعادة وإحياء كهنوت العهد القديم المعثر للبشر والذي يقف حائلا بينهم وبين يسوع الذي ألغى الوساطة بين الله والإنسان وصار هو الوسيط الوحيد ولا أحد غيره. فهل يوجد من يحاول إصلاح الأخطاء أم سنظل ننكر ونتهم من يحاول الإصلاح بإنه عدو الكنيسة؟ --- ### ورقة شهداء شهر يونيو
وبعد الصلب قيامة - Published: ۲۰۲۱-۰٦-۰۸ - Modified: 2024-05-17 - URL: https://tabcm.net/1411/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا, شئون علمانية - وسوم: آخر ساعة, أحمد لطفي السيد, أسماء فهمي, الإخوان المسلمين, الاشتراكية, الجماعات الإسلامية, الجماعة الإسلامية, الجمعية المصرية للتنوير, الحقيقة الغائبة, الديمقراطية, الطائفية إلى أين, العلمانية, الملعوب, النبوي إسماعيل, الوفد والمستقبل, اليسار, جريدة النور الإسلامية, جمعية تضامن المرأة العربية, حزب الأحرار الاشتراكيين, حزب العمل الاشتراكي, حسن أبو باشا, حوار حول العلمانية, خليل عبد الكريم, رئيس جمال عبد الناصر, رئيس محمد أنور السادات, رئيس محمد حسني مبارك, رفعت المحجوب, صفوت الشريف, صلاح أبو إسماعيل, عبد العظيم المطعني, عمر عبد الرحمن, فرج فودة, قبل السقوط, لجنة شئون الأحزاب, ليبرالية, محمد الغزالي, محمد عمارة, محمد متولي الشعراوي, محمود مزروعة, محيي الدين فودة, مكرم محمد أحمد, من قتل فرج فودة, من قتل فرج فودة؟, ندوة علماء الأزهر على الرغم من عدم شهرة فرج فودة في حياته بالنسبة للمجتمع المصري، إلا أن كتبه لاقت اهتمامًا أكاديميًا وطبع بعضها أكثر من مرة، ودرس بعضها في الجامعات والمعاهد. ولا يكاد يخلو تحوّل سياسي دون الاستشهاد بأقواله نظرا لقدرته العالية على استشراف المستقبل، وتبسيطه لفلسفات معقدة بشكل يناسب أي قارئ.. والأهم: تلك الابتسامة الساخرة التي لا تفارق وجهه أمام الخصوم.. أمام الإرهاب.. أمام الموت ذاته في مثل هذا الشهر (يونيو)، تلقى الوطن هزيمة عسكرية نكراء، مشينة، مخجلة. . أستشهد فيها المئات من العسكريين مباغتة وغدرا، وهرب من تحمل المسؤولية قياداتهم العسكرية. . فخرج المدنيون بقيادة طلبة الجامعات في مظاهرات حاشدة غاضبة تريد أن تحاسب القيادات العسكرية لجمهورية يوليو. . فنظرت جمهورية يوليو لهم كتهديد لبقائكم في السلطة. . فألقت الأوامر للشرطة المدنية بتشتيتهم،، بمطاردتهم في الشوارع،، باستخدام السلاح ضد نشطائهم،، باعتقال عقولهم... وحتى لا يحدث "أي رأي" سوى رأي القائد العسكري الذي لا يُسأل عما فعل، تم اتخاذ تدابير أبعد وأعمق رويدا رويدا. . فاختنقت المساحات والمنارات الفكرية رويدا. . رويدا. . من ضمن الشهداء في هزيمة 5 يونيو، كان ملازم صغير اسمه "محيي الدين فودة"، تاريخ استشهاده كان بعد ثلاثة أيام فقط من تخرجه من الكلية الحربية، ولم يتم العثور على جثمانه. كان لمحيي الدين أخ يكبره بعام واحد، تخرج من كلية الزراعة في نفس شهر يونيو الأسود، فشارك في مظاهرات الطلبة الغاضبين، وتم اعتقاله في عام 1968 في عهد الرئيس عبد الناصر. . هذا الأخ المدني الغاضب المعتقل لن يكون جنديًا مجهولًا اكثر من أخاه،. . فاسمه كان: "فرج فودة"   الواقعية مقابل الحشد الديني أثرت هزيمة يونيو في فودة بشدة، فهو يعتبرها أحد الأسباب الرئيسية لنمو التيارات الدينية في مصر والعالم العربي. . فأخبرنا أن من نتيجتها أن برز اتجاهان فكريان: - أولهما، يدعو إلى مواجهة العدو الإسرائيلي بمزيد من العقلنه ومعرفة المعلومات عنه، وعن أسباب هزيمتنا ومعالجتها، وبمزيد من التأقلم مع حضارة العصر. ليس فقط من خلال مظاهر شكلية، بل بالأخذ بجوهرها، ممثلًا في احترام العقل والشفافية في المعلومات والمشاركة بين المدنيين والعسكريين في القرار والعمل معا. - أما الاتجاه الثاني، فقد رأى أن الهزيمة لم تكن للإنسان المصري أو القيادة العسكرية، بقدر ما كانت هزيمة لتبني المصريين للقيم الغربية وابتعادهم عن الدين. وقد ساعد على تقوية ذلك أن الاشتراكيون العرب كانوا يرون إسرائيل نفسها كيان ديني، وأنه من الواجب أن تُواجَه إسرائيل بنفس السلاح، وهو التوحد (الإسلامي) في مواجهة الغزو (اليهودي). خاصة وأن تاريخ الدولة الإسلامية في عهد الرسول، حافل بالمواجهة مع اليهود والانتصار عليهم. انتمى فرج فودة إلى الاتجاه الأول، وبرغم تصنيفه لنفسه على إنه "علماني"، إلا أن دراسة المنظومة الفكرية التي تبناها، تشير بوضوح أنه تخطى الأيديولوجيا العلمانية التقليدية إلى نسق ليبرالي في بلد كانت تعج بالاشتراكية وتتجه نحو الأسلمة. . يبدو لنا هذا في موقفه الاقتصادي من البنوك والأوراق المالية، والانفتاح والسوق الحر. . بل هو ليس ليبراليا بالمحور الاقتصادي وحسب، بل على المحور الاجتماعي أيضا لتبنيه الواضح لقضايا قبول الأخر وحرية الاعتقاد، والسلمية وحرية الرأي حيث يصنف الإرهاب كحركات عنف. . وبالرغم من منهجه الفكري المعارض لسياسات عبد الناصر، ورفضه لممارسات التعذيب التي اتسم بها عصره، أو "عنف الدولة" في المطلق، إلا أنه رفض أن يعزى عنف الجماعات الإسلامية المسلحة إلى التعذيب والقمع الذين نالاها خلال ذلك العصر. فهو يشدد على أن عنف هذه الجماعات الموجه إلى المدنيين قد نشأ على يد التنظيم السري لجماعة الإخوان المسلمين في الأربعينيات قبل عصر عبد الناصر، ودون سابق تعذيب أو قمع، مما جعله يؤمن بأن استخدام العنف نابع من فكر هذه الجماعات في الأساس. ويمكن رصده وتتبعه ومحاربته على المستوى الأيديولوجي. وهو ما تتخاذل فيه الدولة العسكرية دائمًا لأن طبيعة تكوينها هو كونها "أداة قتل" للأعداء. أي أنها أداة عنف نظامية، وغير قادرة على استيعاب مفهوم السلم إلا كفترة استعداد وتدريب دائم من أجل الحرب. في نظر فودة، فكلاهما يتشاركان الأيديولوجيا ويتصارعان على السلطة، وهو بنفسه قد شرح "الدائرة الجهنمية" لوصف الدورات التاريخية لتبادل المقاعد بين السلطة العسكرية والسلطة الدينية، وقال ما معناه أنها حتمية في حال غياب المعارضة المدنية.   عن عصر السادات (1970-1981) عمل "فرج فودة" معيدًا بكلية الزراعة، جامعة عين شمس، وحصل على الماجستير في الاقتصاد الزراعي عام 1975، ثم الدكتوراه 1981، وكانت رسالته عن "ترشيد استخدام مياه الريّ”، ثم عمل مدرسًا بجامعة بغداد في العراق، ثم خبيرًا اقتصاديًا في بعض بيوت الخبرة العالمية، ثم أسس "مجموعة فودا الاستشارية” كان فودة يخطط للعمل في التدريس الجامعي، غير أن الاضطرابات السياسية التي شهدتها تلك الفترة ونمو الجماعات الإسلامية خلال السبعينيات، والذي انتهى باغتيال السادات في 6 أكتوبر 1981 على المستوى الداخلي، وانتصار الثورة الإسلامية في إيران في 1979 على المستوى الخارجي، خرجت به من مهنة التدريس الجامعي إلى المجال العام. وإن كنا نرى أثر الدراسة الأكاديمية على أسلوب كتابته ومنهجه الفكري. بصورة عامة، اتفقت سياسات السادات الاقتصادية مع منهج فرج فودة العلمي المؤمن بتفوق الأنظمة الليبرالية، وربما كان هذا سببا في عدم لمعان أفكاره بين العلمانيين اليساريين مثلا، والذين حدثت بينهم وبين السادات قطيعة ومعارضة منذ بدأ معاهدات السلام مع إسرائيل. أيد فودة عودة الحياة الحزبية عام 1978، لكنه حمل السادات المسئولية عن نمو التيارات الدينية، ورأى أن الجماعات الإسلامية في الجامعات، قد تكونت على يد مباحث أمن الدولة لمواجهة الناصريين واليساريين وبتوجيه من السادات، واعتبر أن اكتساحها للانتخابات الطلابية في نهاية حياته، بعد أن فقد السيطرة عليها، كان "كابوسًا يؤرق منامه” تقبل فودة تضمن دستور 1971 لأول مرة، "أن مبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع"، لكنه عارض السادات عند تعديل المادة السابقة إلى أن الشريعة الإسلامية هي "المصدر" (بإضافة حرفي الألف واللام) واعتبر إضافة هذا التعديل تمهيدًا لقيام الدولة الدينية، المقوضة بالضرورة لمدنية الدولة. اعتبر فرج فودة أن الحزب السياسي المنظم الوحيد في الساحة المصرية هو "الحزب الديني الإسلامي" بكافة اتجاهاته، وهي اتجاهات قد تتنافر في الأساليب، لكن يمكنها بسهولة شديدة أن تتجمع في إطار واحد يشمل الإخوان المسلمين (باتجاهاتهم) والجهاديين. ودعا لأن يواجهه تجمّع سياسي له جذور في الشارع المصري، يؤمن بالديمقراطية، ويكون قادرًا على اجتذاب جميع الاتجاهات الليبرالية في مصر، ويرفع شعار الوحدة الوطنية ليس فقط كفكر مجرد، بل كتراث سياسي عظيم، ويمثل تجمعا شعبيًا أكثر منه أيديولوجية سياسية، حيث تلتقي تحت لافتة العدل الاجتماعي كافة التيارات السياسية في ظله، أو على الأقل تناصره. شارك فودة في تأسيس حزب الوفد الجديد، وبعدها خاض معركه داخله لمنع تحالف الحزب مع الإخوان المسلمين في الانتخابات البرلمانية 1984، وأفكاره السياسية خلال هذا الصراع ظهرت في كتابه الأول "الوفد والمستقبل" (1983)، وفشل فرج فودة في منع ذلك التحالف، واستقال من الحزب في 26 يناير 1984. وحاول تأسيس حزب "المستقبل" غير أن لجنة شئون الأحزاب في مجلس الشورى رفضته مرتين، فخاض انتخابات برلمان 1987 مستقلًا عن دائرة شبرا. تعرض فرج فودة إبان المعارك الانتخابية إلى حملات استهدفت شخصه وعقيدته، من مثل ادعاء الشيخ "صلاح أبو إسماعيل" أن فرج فودة قد دعا في كتابه "قبل السقوط" إلى إباحة الزنا طالبا منه أن يأتي له بزوجته وأهله، فإذا فعل فلا كرامة له، وإذا لم يفعل فهو أناني، وهو ما لم يرد عليه فرج فودة. كذلك أشاع أنصار التيار الإسلامي أن ابنته متزوجة من السفير الإسرائيلي، وأنه يقيم حفلات جنس جماعي أثناء ندواته في جمعية تضامن المرأة العربية، وهاجمته الصحف القومية بأن برنامجه السياسي يتلخص في "حماية الزناة والسكارى"، وادعت صحف الوفد والأحرار والشعب بأنه غير حاصل على شهادة الدكتوراه مما دفعه لنشر تكذيب في مجلة "آخر ساعة" موثقا بصورة منها. ولقد شبه فودة خسارته في الانتخابات لدفاعه عن العلمانية، بخسارة "أحمد لطفي السيد" (1872-1963)، في العشرينيات بسبب دفاعه عن الديمقراطية مما عد مخالفًا للإسلام آنذاك، موقنًا بأن العلمانية ستصبح مقبولة في العالم الإسلامي في المستقبل كما أصبحت الديمقراطية مقبولة. انتهت الانتخابات البرلمانية عام 1987 بحصول أحزاب "التحالف الإسلامي" المكون من حزب العمل الاشتراكي وحزب الأحرار الاشتراكيين وجماعة الإخوان المسلمين على نسبة 17% من مقاعد مجلس الشعب، بينما لم يحصل حزب الوفد الجديد إلا على 10% فقط من المقاعد بعد تخلي الإخوان عنه. رأى فرج فودة انتصار التحالف الإسلامي ونجاح الإخوان المسلمين خطرًا حقيقيًا على الدولة، وأشار فودة إلى أن التيار الإسلامي قد تعلم من خطأه في انتخابات 1984 التي خاضها تياره التقليدي (الإخوان) الساعي في رأيه إلى "تحقيق الإرهاب بالشرعية" بدون تأييد تياره الثوري (جماعات الإرهاب المسلح) الساعي إلى "ضرب الشرعية بالإرهاب"، ليتوحد التياران في انتخابات 1987. كما يرى فودة أن الحملة الانتخابية للتحالف تم تمويلها عن طريق بيوت توظيف الأموال الإسلامية والتي تمثل ما أسماه "التيار الثروي" عادت عمليات عنف الجماعات الإسلامية المسلحة في النصف الثاني من الثمانينيات، مثل محاولات اغتيال وزير الداخلية "حسن أبو باشا" والصحفي "مكرم محمد أحمد" ووزير الداخلية "النبوي إسماعيل" في عام 1987، ومثل قتل الأقباط وتدمير محلات الفيديو وبيع الخمور وأدوار السينما وصيدليات الأقباط في سوهاج. وفي عام 1988 سيطرت الجماعات الإسلامية على منطقة إمبابة ومارست إرهابًا ضد أقباطها، وتزايدت أعمال الفتنة الطائفية وإرهاب الأقباط خاصة في الصعيد. فكتب فرج فودة كتابه "الإرهاب" (1988) لدراسة تنامي هذا العنف، ورأى فيه أنه بالرغم من نجاح ردود الأفعال الأمنية العنيفة من قبل الدولة في عهدي إبراهيم عبد الهادي وجمال عبد الناصر في تحجيم عنف الجماعات الإسلامية المتمثلة آنذاك في الإخوان المسلمين، إلا أن مثل هذه النجاحات كانت لفترات محدودة ولم تستطع اجتثاث المشكلة من أساسها ومن ثم فإن حل إرهاب الجماعات الإسلامية يكمن في رأي فرج فودة في ثلاثة سبل هي: اتساع ساحة الديمقراطية حتى للتيارات الإسلامية، وأن يسود القانون، وأن يكون للإعلام خط ثابت مدافع عن أسس الدولة المدنية.   اغتيال على أسس تكفيرية، بمباركة المؤسسة الرسمية في 3 يونيو 1992، نشرت جريدة النور الإسلامية، والتي كان بينها وبين فرج فودة قضية قذف بعد اتهامه بأنه يعرض أفلاما إباحية ويدير حفلات للجنس الجماعي في جمعية تضامن المرأة العربية، وهي القضية التي كانت في طريقها لخسارتها، نشرت جريدة النور بيانا من ندوة علماء الأزهر يكفر فرج فودة ويدعو لجنة شئون الأحزاب لعدم الموافقة على إنشاء حزبه (المستقبل) وفي 8 يونيو قبيل أيام من عيد الأضحى، انتظر شابان من الجماعة الإسلامية، على دراجة بخارية أمام "الجمعية المصرية للتنوير" التي أسسها بشارع "أسماء فهمي" بمصر الجديدة حيث مكتب فرج فودة. وفي الساعة السادسة والنصف مساء، وعند خروجه من الجمعية بصحبة ابنه أحمد وصديق، وفي أثناء توجههم لركوب سيارة فرج فودة، انطلق "أشرف إبراهيم" بالدراجة البخارية وأطلق "عبد الشافي رمضان" الرصاص من رشاش آلي فأصاب فرج فودة إصابات بالغة في الكبد والأمعاء، بينما أصاب صديقه وابنه إصابات طفيفة، وانطلقا هاربين. غير أن سائق سيارة فرج فودة انطلق خلفهما وأصاب الدراجة البخارية وأسقطها قبل محاولة فرارها إلى شارع جانبي، وسقط عبد الشافي رمضان وارتطمت رأسه بالأرض وفقد وعيه فحمله السائق وأمين شرطة كان متواجدًا بالمكان إلى المستشفى حيث ألقت الشرطة القبض عليه، أما أشرف إبراهيم فقد تمكن من الهرب. . حملت سيارة إسعاف فرج فودة إلى المستشفى، حيث قال وهو يحتضر يعلم الله أنني ما فعلت شيئا إلا من أجل وطني وحاول جراح القلب د. "حمدي السيد" نقيب الأطباء إنقاذ حياة فرج فودة، لمدة ست ساعات، لفظ بعدها أنفاسه الأخيرة. كما حمل ابنه أيضا إلى المستشفى حيث تعافى من إصاباته. بالتحقيق مع عبد الشافي رمضان، أعلن أنه قتل فرج فودة بسبب فتوى د. "عمر عبد الرحمن" مفتي الجماعة الإسلامية بقتل المرتد في عام 1986. فلما سؤل من أي كتبه عرف أنه مرتد، أجاب بأنه لا يقرأ ولا يكتب، ولما سؤل لماذا اختار موعد الاغتيال قبيل عيد الأضحى، أجاب: لنحرق قلب أهله عليه أكثر. مع استمرار التحقيقات، اعترف عبد الشافي رمضان بأنه تلقى تكليفًا من "صفوت عبد الغني"، القيادي بالجماعة الإسلامية والمحبوس في السجن في قضية اغتيال د. "رفعت المحجوب" منذ 1990، وذلك عن طريق محاميه "منصور أحمد منصور". وبأنه حصل على الرشاش الآلي من "محمد أبو العلا"، وتلقى تدريبات رياضية عنيفة على يد "محمد إبراهيم"، وحصل مع شريكه الهارب "أشرف إبراهيم" على الدراجة البخارية من "جلال عزازي"، وبأنهما قاما بالاختباء عند "وليد سعيد" و"حسن علي محمود" و"أشرف عبد الرحيم" حتى وقت العملية، بينما قام "محمد عبد الرحمن" و"علي حسن" برصد تحركات فودة لاختيار أفضل مكان مناسب لتنفيذ عملية الاغتيال. وألقت الشرطة القبض على كافة المتهمين وقدمتهم إلى محكمة أمن الدولة طوارئ. في أبريل 1993، تم القبض على "أشرف إبراهيم" في المنصورة خلال مشاركته في محاولة اغتيال وزير الإعلام "صفوت الشريف"، وحكمت عليه محكمة عسكرية بالإعدام، ونفذ الحكم بينما لا تزال قضية فرج فودة منظورة أمام المحكمة. عقدت المحكمة 34 جلسة استمعت فيها إلى أقوال 30 شاهدا. وطلب المحامون شهادة د. "محمود مزروعة"، رئيس قسم العقائد والأديان بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، والذي ترأس ندوة علماء الأزهر بعد سفر د. "عبد الغفار عزيز" إلى المملكة العربية السعودية وفي يوم شهادة مزروعة، تطوع للشهادة الشيخ "محمد الغزالي"، واستمرت شهادته لمدة نصف ساعة، وقال فيها: إن فرج فودة بما قاله وفعله كان في حكم المرتد، والمرتد مهدور الدم، وولي الأمر هو المسئول عن تطبيق الحد، وأن التهمة التي ينبغي أن يحاسب عليها الشباب الواقفون في القفص ليست هي القتل، وإنما هي الافتئات على السلطة في تطبيق الحد، ثم شهد د. مزروعة لمدة ثلاث ساعات قال فيها: إن فرج فودة كان يحارب الإسلام في جبهتين، وزعمأن التمسك بنصوص القرآن الواضحة قد يؤدي إلى الفساد إلا بالخروج على هذه النصوص وتعطيلها. أعلن هذا في كتابه "الحقيقة الغائبة"، وأعلن رفضه لتطبيق الشريعة الإسلامية، ووضع نفسه وجندها داعية ومدافعًا ضد الحكم بما أنزل الله. وكان يقول: لن أترك الشريعة تطبق ما دام فيّ عرق ينبض. وكان يقول: على جثتي. ومثل هذا مرتد بإجماع المسلمين. ولا يحتاج الأمر إلى هيئة تحكم بارتداده وأكد المتهمون أن شهادة الشيخ الغزالي ومزروعة تكفيهم ولو وصل الأمر لإعدامهم بعد ذلك. حكمت المحكمة بإعدام عبد الشافي رمضان وسجن محمد أبو العلا لتوفيره السلاح، وبرأت باقي المتهمين، غير أن وزارة الداخلية اعتقلتهم، ونقلتهم إلى سجن الوادي الجديد، وبعد 6 أشهر تفرقوا في مختلف السجون. وأفرجت وزارة الداخلية عام 1993 عن عدد من المتهمين هم وليد سعيد ومحمد عبد الرحمن وحسن علي محمود. وفي عام 2003 أفرجت عن جلال عزازي وأشرف عبد الرحيم وباقي المتهمين عدا محمد إبراهيم، الذي تم الإفراج عنه عام 2005، ثم أفرجت عن صبحي أحمد منصور وصفوت عبد الغني في عام 2006 في عهد "حسني مبارك". ثم أفرج "محمد مرسي" عن أبو العلا محمد في عام 2013، والذي أعلن في أكثر من مقابلة تليفزيونية بعدها عدم ندمه على قتل فرج فودة لأنه كافر.   التداعيات الفكرية على مصر نتيجة اغتيال شهيد الكلمة أعلن المستشار "مأمون الهضيبي" المرشد العام للإخوان المسلمين عن ترحيبه وتبريره لاغتيال فرج فودة في اليوم التالي في جريدة الأخبار وإذاعة صوت الكويت، وبعد أسابيع من الاغتيال ألّف د. "عبد الغفار عزيز" (1937-1998) رئيس ندوة علماء الأزهر كتابًا أسماه "من قتل فرج فودة؟" (1992) ختمه بقوله: إن فرج فودة هو الذي قتل فرج فودة، وإن الدولة قد سهلت له عملية الانتحار، وشجعه عليها المشرفون على مجلة أكتوبر وجريدة الأحرار، وساعده أيضا من نفخ فيه كما عرض الشيخ الغزالي على الدكتور مزروعة أن يصدر مجموعة من العلماء بيانًا تضامنيا معه ومع ندوة العلماء، يتيح لهم أن يبدوا ما شاءوا من الآراء دون أن تكون هذه الآراء مدعاة لاتهمامهم بالتحريض على القتل، (حصانة الأزهر) وكان ممن وقعوا على البيان مع الشيخ محمد الغزالي الدكتور "محمد عمارة" والشيخ "محمد متولي الشعراوي". وأعد الدكتور "عبد العظيم المطعني" الأستاذ بجامعة الأزهر دراسة بعنوان: "عقوبة الارتداد عن الدين بين الأدلة الشرعية وشبهات المنكرين"، كما وضع الدكتور مزروعة كتابًا بعنوان "أحكام الردة والمرتدين" من خلال شهادتي الغزالي ومزروعة.   الإرث الثقافي الذي تركه لنا فرج فودة. . ألّف فرج فودة ما يقرب من 12 كتابًا بالإضافة لعدد من المقالات في جرائد المعارضة، وعددا أقل في الجرائد القومية، خاض فيها العديد من المعارك الفكرية دفاعًا عن مبادئ الدولة المدنية من علمانية ووحدة وطنية وحقوق إنسان. أشهر أعماله هي "قبل السقوط" (1984)، "الحقيقة الغائبة" (1984)، "الملعوب" (1985)، "الطائفية إلى أين؟" (1985) بالاشتراك مع يونان لبيب رزق وخليل عبد الكريم، و"حوار حول العلمانية" (1987) وعلى الرغم من عدم شهرة فرج فودة في حياته بالنسبة للمجتمع المصري، إلا أن هذه الكتب لاقت اهتمامًا أكاديميًا، وطبع بعضها أكثر من مرة، ودرس بعضها في الجامعات والمعاهد. ولا يكاد يخلو تحوّل سياسي دون الاستشهاد بأقواله، نظرا لقدرته العالية على استشراف المستقبل، وتبسيطه لفلسفات معقدة بشكل يناسب أي قارئ. . والأهم: تلك الابتسامة الساخرة التي لا تفارق وجهه أمام الخصوم. . أمام الإرهاب. . أمام الموت ذاته. . صباح الخير أيها العالم. . --- ### هل بلدان العالم الثالث في حاجة إلي ”الإستعمار“ خير من "الإستثمار" فيها؟ - Published: ۲۰۲۱-۰٦-۰۳ - Modified: 2021-06-30 - URL: https://tabcm.net/814/ - تصنيفات: شئون علمانية, مقالات وآراء - منذ أن كنت طالباً في ثانوي و فكرة ” الإستعمار الجديد “ للبلدان النامية تتبلور في مخيلتي سبيلاً لنهضة العالم الثالث بعد أن فشل ” الوطنيون الجدد “ في إدارة وتنمية أوطانهم بعد "طرد المستعمر" منها . - و علي ما أفتكر كان زمن مجلس الأمة و د. حمدي السيد نقيب الأطباء وقتها. و طُرح عرض من اليابان لشق طريق من الأسكندرية لأسوان مع حق إنتفاع لسنوات معينة علي مجلس الأمة . و أتذكر الكّم الهائل من هلفطة ” الوطنيون الجدد “ ، و أن مصر لن تعيد ”مأساة “ قناة السويس . تهريج طبعاً . فشق قناة السويس كان مشروعاً ناجحاً عاد علي مصر بالخير وليس كما يدَّعون أنه سبباً في الإحتلال الإنجليزي لمصر. ورفض ” الوطنيون الجدد “ العرض . فقد كانوا ساعتها لهم نفس وضع ” الإسلاميون الجدد“ الآن . . يسدون عين الشمس ( وهم فعلاً الآن محتلين منطقة عين شمس في القاهرة الكبري “ و السبب الرئيسي ( رغم أنه سبب غير مباشر ) في تأخر مصر في العصر الحديث ، و لكن هذا موضوع لوحده . - من وقتها والفكرة تزداد وجاهة في نظري . فالدول العظمي لم تعد راغبة في الإستعمار بصورته القديمة بَعد ، بل الفوز بفرص الإستثمار في البلاد التي استعمرتها قبلاً . و لكن من غباء تلك الدول - ونحن منها - أنها نشجع الإستثمار وليس الإستعمار الإقتصادي ! فالمستثمر الأجنبي يريد ربحاً مضموناً وسريع بدون مخاطر ضياع رأس ماله . لذلك فهو لا يخاطر في إستثمار ثقيل وطويل يختص بالبنية التحتية للبلاد . فنجده مثلاً يتهافت علي التنقيب عن الثروات الطبيعية و أخذ ربح سريع في مدي قصير ويرحل ، أكثر جداً من الإستثمار في بناء مدن كاملة جديدة مثلاً أو تعمير الصحاري أو شق الطرق ... و النتيجة أن أجيالاً بعد أجيالٍ من المواطنين يعيشون ويموتون محرومين من العيش الآدمي ولا زالت دولهم تعمل لإنجاز ما كان سيتحقق في جيلٍ واحد علي أيدي ” الإستعمار الجديد “ ؛ هذا إذا حدث و لم ينهب ” الوطنيون الجدد “ و ” الإسلاميون الجدد“ المشاريع في مهدها ، و الأجيال لازالت صابرة علي كأس مُر أوطانها في العالم الثالث . إن فكرة ” الإستعمار الجديد “ تُحاكي ما حدث لهونج كونج . هل كانت الصين قبل مائة عام تَقدر أن تقيم هونج كونج وقتها ؟. طبعا لا . إن إستفادة الصين من هونج كونج علي مدي مائة عام لا تُقدَّر بثمن . هونج كونج إستحضرت حضارة وتقدم العالم الأول إلي أبواب الصين دون عناء من الصين وإضافةً لهذا سمحت بإقامة مدينة هونج كونج العظيمة و البنية التحتية لها من الألف للياء دون خوف علي ضياع رأس المال أو دون تحقيق المكسب المُجزي. فإذا بلع ” الوطنيون الجدد “ و ” الإسلاميون الجدد“ ريقهم و تَفَكر المصريون فيما أقول وعلي نطاق أصغر طبعا من هونج كونج و زمن أقصر ، والإستعانة بعدة دول عظمي فماذا ستصبح مصر مثلاً خلال ٣٠ عاماً من الآن . تخيل معي لو قامت اليابان بتأجير محافظة الوادي الجديد إدارياً ، و كذلك الصين تؤجر محافظة من محافظات البحر الأحمر . و محافظة أخري لألمانيا . و هكذا ... لمدة ٣٠ سنة مثلاً ، فكيف ستكون مصر في خلال هذه الفترة من السنة الأولي و ليس فقط في إنتظار إنتهاء هذه الفترة . فهونج كونج كانت جنة من يومها وليس بعد مائة سنة . و لمنع المخاوف السياسية و السيادية نقوم بهذه المبادرة العالمية بإشراف من الأمم المتحدة . إيه رأيكم يا مصريين . و علي ” الوطنيون الجدد “ و ” الإسلاميون الجدد“ أن يمتنعون . --- ### عن السيمونية المعاصرة - Published: ۲۰۲۱-۰٦-۰۱ - Modified: 2024-04-08 - URL: https://tabcm.net/1422/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, مقالات وآراء - وسوم: العصور الوسطى, الكنيسة الكاثوليكية, الكوميديا الإلهية, المجلس الملي, بابا شنودة الثالث, دانتي اليجيري, سليمان شفيق, سيمون الساحر, قديس يوستينوس الشهيد, هيجيسبوس, يوسابيوس بامفيلوس القيصري تاجر الكهنة بالأسرار المقدسة من أجل الأرباح المادية، وكان كثير منهم غير جديرين برتبهم الدينية، وكان لبعض الأساقفة عشيقات وأطفال غير شرعيين. شراء الرتب بالأموال والمصالح استدعى الدفاع عنها بالسيف والسم، وارتكب آخرون جرائم مختلفة مثل القتل وحُكم عليهم بعقوبات مخففة بسبب امتيازاتهم الكهنوتية لم تخلوا دورة للمجالس الملية من مشكلات وخلافات بين الاكليروس والعلمانيين الا في عهد البابا المتنيح شنودة الثالث، ويعود ذلك الي  رسامة الاعضاء الموقرين شمامسة، ومن ثم عملوا ليس بصفتهم علمانيين بل درجة من درجات الاكليروس! ! ولذلك كانت دورات المجلس الملي المتعاقبة تخلوا من أي نزاع، مجرد ألية تنفيذية للاكليروس، اصدار بيانات وفقط، حتي ان انتخابات المجالس في حبريتة كانت تتم بقوائم متفق عليها مع المقر البابوي، ولذلك يكاد يكون دور المجلس الملي قد افرغ من مضمونة بعد يوليو ١٩٥٢ بشكل موضوعي. (سليمان شفيق - الأقباط متحدون - ١٠ يونيو ٢٠١٩) وتلاقي يا مؤمن المواطن القبطي الأسمر الجميل بيعمل نشر للمقال، ويشيد بموضوعيته وأهميته، لأنه نطق بالحكمة البابوية في إزالة الخلافات ولو حتى بسكون المقابر! ! بينما في الحقيقة فهذه الفقرة في جوهرها هي نقد سياسي حاذق بلا أخلاقية قداسة البابا شنودة الثالث، وشخصيًا أراها اعتراف بممارسته لما هو موصوف في التاريخ الكنسي بأنه "رأس الهراطقة" و"منشئ كل بدعة". عن السيمونية! السيمونية: هي نيل أي درجة كهنوتية عن غير استحقاق عن طريق الرشوة، وهي نسبة إلى "سيمون الساحر" الذي عرض مالا على الرسولين بطرس ويوحنا قائلاً: أعطياني أنا أيضا هذا السلطان فأجابه بطرس قائلًا جملته الخالدة في الضمير الإنساني: لتكن فضتك معك للهلاك (أعمال الرسل ١٨: ٨-٢١). التاريخ الكنسي والمعلمين الأوائل يذكرون سيمون على أنه "رأس الهراطقة" و"منشئ كل بدعة" بحسب تعبير المؤرخ يوسابيوس القيصري، وهكذا ذكره يوستينوس الشهيد في دفاعه الأول، وذكره هيجيسبوس وايريناوس وغيرهم... لكن الأهم على الإطلاق هو ما سجله التاريخ المدني عن تطور الكنيسة الكاثوليكية في مكافحة السيمونية وتجريمها في العصر الحديث. تداخل السلطة الزمنية مع السلطة الروحية سبب مشاكل لا تنتهي، فالحكام دائمًا يريدون استخدام المثقفين ورجال الدين والقيادات المنظمة مركزيًا في إدارة الشعوب، وقد انتشرت المتاجرة بالرتب الكهنوتية في الكنيسة الكاثوليكية بأوربا في العصور الوسطى. تاجر الكهنة بالأسرار المقدسة من أجل الأرباح المادية، وكان كثير منهم غير جديرين برتبهم الدينية، وكان لبعض الأساقفة عشيقات وأطفال غير شرعيين. شراء الرتب بالأموال والمصالح استدعى الدفاع عنها بالسيف والسم، وارتكب آخرون جرائم مختلفة مثل القتل وحُكم عليهم بعقوبات مخففة بسبب امتيازاتهم الكهنوتية. ومن المؤكد أن الكاثوليكي الأبيض الجميل في ذلك العصر، كان يخلق مبرراته في الدفاع عن هؤلاء المجرمين بحجة الدفاع عن الإيمان ومكانة رجل الدين، وإن رشى وإن زنا وإن قتل! احتقرت الشعوب الكاثوليكية الفساد المنتشر في رجال الكهنوت، وحنقت على سلطة البابا، واحتبست في الأفواه الاحتياجات للإصلاح... فقامت أصوات علمانية قليلة في القرنين الرابع عشر والخامس عشر، بانتقادات موسعة وسابقة على الإصلاح الديني في القرن السادس عشر. من أشهر هذه الأصوات الصارخة، الأديب: "دانتي اليجيري" صاحب التعبير الأخلاقي الشهير: قاع الجحيم محجوز لأولئك الصامتين وقت تعرض القيم للخطر وذلك عبر عمله: "الكوميديا الإلهية"، والذي وضع فيه السيمونية في الدائرة الثامنة من دوائر الجحيم! كل هذا حدث، ويمكنك الاستفادة والتعلم منه بدلا من الفهلوة الفكرية! بينما لا يزال بعض الأقباط المتدينين شايفين "شراء الذمم": حكمة سياسية في إزالة الخلافات! --- ### كلمتين ﻻزم تعرفهم قبل أي كلام عن "وادي الريان" - Published: ۲۰۲۱-۰۵-۳۱ - Modified: 2024-04-10 - URL: https://tabcm.net/1357/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, شئون علمانية - وسوم: الكرسي المرقسي, المجمع المقدس, بابا تواضروس الثاني الدير (أي دير) مش مجرد مكان ساكنين فيه ناس روحانية تاركة للعالم بتروحلهم تصلي وتزور وتتبرع وتاكل في المضيفة. . ولو بتفكر كدا تبقى بتفكر تفكير طفولي بركاوي إن الحياة الديرية أناركية (اﻻناركية: هي الاعتقاد بقدرة البشر على تنظيم أنفسهم بأنفسهم دون هيراركي أو تراتبية إدارية) في الحقيقة اﻷديرة ليها نظام كنسي صارم، ولها رتب وهرم إداري، والرهبان عليهم نذور ثلاثة (عفة، فقر، طاعة) كسر أحدها يعرضهم للمسائلة والتجريد والتشريد إن استلزم اﻷمر. وإحنا (كشعب) منقدرش نعتبر اﻷديرة "أماكن أمنة" إﻻ في ظل مراقبة ومحاسبة بتحصل طول الوقت، والتهاون فيها هو تقصير إداري نحاسب عليه المؤسسة الكنسية. ضبط الأمور في اﻷحوال الديرية مش مسؤولية ربنا حضرتك، وإنما مسؤولية رجالته وممثليه على اﻷرض في تحقيق اﻹرادة الإلهية. مسؤولية رئيس الدير بمعاونيه أولًا، ولجنة شؤون اﻷديرة ثانيًا، والمجمع المقدس كله ثالثًا، والبطريرك نفسه رابعًا، والشعب كله لو استلزم اﻷمر خامسًا وأخيرًا. هناك ما يقرب من 70 تجمع سكاني يتعامل معه اﻷقباط على أن كل واحد منهم "دير"، بينما هم فعليا خارج النطاق الرسمي وغير خاضعين للكنيسة المصرية. مزرعة دير وادي الريان هي ببساطة كميونة مملوكة لأفراد طبيعيين يرتدون جلاليب سوداء (بعضهم رهبان) لكن دون أي نوع من الإشراف المؤسسي. ومن ثم فهي ليست معلنة كأماكن أمنة وفقا للكنيسة الرسمية. يعيب البعض على قداسة البابا تواضروس تخليه عن هؤلاء الرهبان. في الحقيقة ومنذ عدة سنوات ومن قبل تجليس البابا على الكرسي المرقسي، فهو من لجنة اﻷديرة بالمجمع المقدس أصلا! ولدى هذه اللجنة كل ما هو مكتوم وغير مستعلن. وما يصلنا نحن العلمانيين من مخالفات هو نذر يسير وليس كل شيئ. فإن كان لدي أنا بشخصي ما يفيد كسر النذور الثلاثة مجتمعة وأنه مكان غير أمن وينبغي التشهير به لتوعية الناس، فيمكنك تخيل ما لدى غيري، وغيرنا، وكمية الضغوط التي نسببها للبابا على تراخيه في المحاسبة! كل ما تراه في الميديا غير معبر سوى عن تيار قديم يسير وفق أليات قديمة، نجتهد في تفكيكها وتوضيح مساوئها، بينما تقاتل هي من أجل البقاء محتكرة الميديا والقيادة الدمغية. ما الذي حدث اليوم في وادي الريان وجدد الكلام من تاني؟ الدولة كانت وصلت زمان لتوافق مع صحاب المزرعة على إنهم ياخدوا الصحرا اللي عايزينها في مقابل حق إنتفاع. الباشاوات طماعين وأخدوا مساحات أكبر من قدراتهم الاقتصادية. أو بطريقة أخرى كانوا حاسبينها بقدرات اقتصادية على أيام ما الناس فاكراه دير وهما بياكلوا من سبّوبة الدين ويلموا تبرعات ونذور وحبشتكانات من جيوب حضرتك. الشعب التزم بكلام البابا واعتبر المزرعة مكان غير أمن، وده طبعًا أثر على قدرة أصحاب المزرعة في السداد، فالدولة النهاردة الصبح دخلت يا تاخد المديونية يا تحجز على اﻷرض. ومحصلش أي مصادمات. https://www. youtube. com/watch? v=e9tsnxH5kWY   --- ### معا نحو إلحاد أسرع - Published: ۲۰۲۱-۰۵-۲۹ - Modified: 2021-11-11 - URL: https://tabcm.net/1420/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, المرأة القبطية يعلمنا الانجيل عن الشيطان انه يستطيع ان يظهر فيصورة ملاك نوروأنه يستخدم آيات الكتاب المقدس في حربه فقد إستخدم آيات الكتاب في تجربته للمسيح على الجبل وقد رفض المسيح استخدامه هذا للآيات وأفحمه (راجع التجربة على الجبل). فيعلمنا أن ليس كل من يستخدم آيات الإنجيل أو من تتسم ألفاظه وكلماته بمصطلحات تبدو في ظاهرها مقدسة سماوية يحمل كلامه حقاً روح وحياة كما يدعي بالعكس فآيات الكتاب المقدس حين يتم إستخدامها بشكل شيطاني وبأغراض خبيثة فهي تحمل في طياتها موت ونجاسة وضلال  (سواء تم هذا بسبق إصرارٍ أو سذاجة وجهل). ربما أهم هذه الآيات آية لا تدينوا تستخدم هذ الآية بكثرة عند إنتقاد أي وضع كنسي أو مطالبة بالإصلاح متبوعة بجملة "انتوا هتاخدوا مكان ربنا! " وكأن أياً منا في أطروحته قد تحدث عن اي تصرفات شخصية (ربما يصنفها نفس المنظرون خطايا وأختلف أنا معهم في تصنيفها) او عن العلاقة الشخصية بالإله أو عن الحياة الروحية كل تلك الاشياء التي أصنفها بكلمة والتي إن تطرقت لها أنا أو غيري نكون بالفعل تحت طائلة الحكم على أنفسنا بأننا ندينه. أما إن كان مجرماً تعدى حدود حياته وحريته الشخصية ﻷن يؤذي آخرين (كأن يغتصب أطفال أو يتحرش بالنساء أو ربما يقتل أباه المسن) فقد علمني يوحنا المعمدان أن أصرخ في وجهه أنه مجرم، لا أن أتستر عليه. ربما بصراخي في وجهه أحمي ألوف من البسطاء من الضلال خلفه أو من الإرتداد بسببه. تعجبت؟! لا تتعجب عزيزي. نعم! فهؤلاء (المؤمنين) مع قادتهم الكنسيين المشجعين لهم يحرضون على الإلحاد وبقوة. كيف؟! دعني أعدد لك:- تجدهم يدافعون عن قس يغتصب الاطفال تحت راية (الستر) وكأن الههم علمهم عدم النخوة والفساد وكأنه قواد يفرح بالجريمة ويتستر عليها مسمياً هذا الفساد فضيلة الستر مكافئاً لهم عليه. تجدهم يدافعون عن أمثال رافي زكارياس متذرعين بأنه مبشر عظيم وإن تحدثنا عن جرائمه سنزعزع الكثيرين وكأن الههم (تاجر أنفار) لا يهمه سوى اﻷعداد ولا يهم أمام إتساع رقعة القطيع كم إنسانة تم إنتهاكها وتأذت. تجد اسقفاً كالأنبا رافائيل تتجه إليه بناته في أسقفية الشباب ولسان حالهم نحوك أعيننا يشتكون له أن خادماً ينتهكهم جنسياً وبدلاً من أن ينتفض ويدعم بناته ويتولى مهمة إقامة محامي ليرفع لهم دعوى مدنية ضد الخادم فتخضع المسألة للتحقيقات. تجده يكتب مجرد (تويتة) غامضة بلا لون أو طعم أو رائحة مهتماً خائفاً من الملامة! ! ! وكأن إلههم علمهم ان الكهنوت هو سلطة وسلطان كراسي لا أبوة لا خدمة ولا داعي لأن تشغل بالك بتلك الرعية التي تدعوك (أبي). وكأن هذا الإله أباً يبيع بناته بـ (تويتة). تجدهم يستميتون في الدفاع عن (قتال قتلى) قتل أبيه اﻷسقف العجوز محولينه إلى قديس له كرامات تحت مسمى لا تدينو.   وكأن إلههم عندما أعطاهم هذه الوصية كان يدفعهم للتصالح مع الفساد وتقديسه وأي جريمة ستقومون بها سأمررها لكم ﻷني أحابي ﻷولادي ولست بعادل كما أنني لا أفرق بين الاخطاء الشخصية والجرائم المؤذية للآخرين. تجدهم من اكبر مطران في القدس لاصغر طفل يجرون وراء دروشة الاحلام والرؤى ووهم المعجزات دون تحقق. وكأن إلههم ساحراً يقوم بعمل المعجزات كفقرات هامة للحفاظ على جمهوره الذين لا يؤمنوا بدون معجزة. هل تسمون هذا إيماناً؟! عندما تجدهم بعد كل جريمة مشينة بدلاً من الإعتراف بالخلل والدعوة لإصلاحه. يغالون في الدروشة وربما تجدهم يقدسون المجرم ويكتبون معجزاته وكراماته المزعومة تحت عنوان ! ! ! ! وكأن ما يفعلونه هو طريقة قبول الله للتائب، متناسين أن هذا هو منهج الشيطان الذي وقف المسيح ضده "تطلبون آية ولا تعطى لكم". فتتأكد أن "ضد المسيح" عندما يأتي مصحوباً بالآيات لن يجد أي صعوبة في تحويل أعضاء الكنيسة ﻷتباع خاصين،  فأخوتنا المؤمنين يقدسون المجرمين بسهولة ناسبين إليهم مجد الله في حياتهم. تهينون الذات الإلهية بوقاحة فجة مقدمين صور مشوهة عن الله، عندها يكون الإلحاد بمثل هذا الإيمان المشوه هو قمة القداسة وعمق الإيمان. علمني المسيح انه هو الحق، أي الحقيقة أياً كان ثمنها سأقول للمجرم أنه مجرم، حتى وإن تاب، فتوبته له، لخلاص نفسه، وأبديته لا تعني أبداً أن يفلت بجريمته فداود رغم توبته كانت لجرائمه عقوبات وعواقب، أولها موت إبنه الوليد، وآخرها إنشقاق أسرته. كون أن هناك خلل في المفاهيم الروحية والمدنية والحقوقية وخلط عندالبعض فمسئوليتهم إصلاح هذا. --- ### التطور التشريعي في "أحوالنا الشخصية" - Published: ۲۰۲۱-۰۵-۲۷ - Modified: 2024-10-04 - URL: https://tabcm.net/1359/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, المرأة القبطية, تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أحوال شخصية, أسرار الكنيسة, أنبا إبيفانيوس المقاري, أنبا بفنوتيوس، مطران سمالوط, أنبا بيشوي، مطران دمياط وكفر الشيخ, إشعياء المقاري, إكليروس, إنوسنت الثالث, الأب متى المسكين, الأصولية, الإرساليات الكاثوليكية, الانشقاق الكبير, الديمقراطية, الروم الأرثوذكس, الزواج الكاثوليكي, الزواج المختلط, الطلاق في المسيحية, القانون المدني, الكنيسة القبطية, الكنيسة الكاثوليكية, المجمع المقدس, الولدينسيين, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس الرابع أبو الإصلاح, بروتستانت, بطلان الزواج, تطليق, تعدد الزوجات, سر الزيجة, شريعة الزوجة الواحدة, كاترين من أراغون, كلية اللاهوت الإنجيلية, كنيسة القسطنطينية, لائحة ١٩٣٨, ليتورچي, مجمع الأساقفة, مجمع فلورنسا, محمد الفاتح, محمد بن مراد, مراد الثالث, مرقس الخامس, نجاسة المرأة, هنري الثامن, يوأنس الرابع عشر للأنبا إبيفانيوس محاضرات عن الليتورچيا (الطقوس المرتلة) خاطب فيها طلابه أن بداية الإصلاح هو الاعتراف بالخطأ، وذكر مثالًا لذلك الخطاب الكنسي الذي يرفض الاعتراف بنجاسة المرأة رغم وجود نصوص ليتورچية تقول هذا. كان البابا تواضروس يعد إبيفانيوس لمنصب "مراقب بابوي على الحوار المسكوني"، لكنه قتل غدرا داخل أسوار دير أبو مقار، بواسطة اثنين من الرهبان Historical Fact Sheet القرن الأول: شهد إصلاحات ثورية على الشريعة اليهودية بشكل عام، يمكن إيجاد معظمها في كلمات المسيح نفسه، ويمكن تلخيص أهمها في: رفض التدخل في الميراث - إرساء شريعة الزوجة الواحدة واعتبار الزواج الثاني علاقة غير شرعية - تحريم الطلاق بالإرادة الحرة المنفردة للذكر إلا في حالة الزنا - إعادة النظر في علاقة الإنسان بالله على أنها علاقة "بنوة" (تبنّي) - بجانب الفصل الواضح بين الدين والدولة، ومساواة تامة بين الجنسين. كما تسبب تعبير المسيح؛ في السماء لا يزوجون ولا يتزوجون، في إشكالات اجتماعية، حيث تمت رؤية الزواج على أنه "حالة أرضية مؤقتة" قد تعيق أو تشغل الإنسان عن الاهتمام بالسماء، وهو ما استدعى الكنيسة الأولى إلى تحفيز المسيحيين على الزواج للحفاظ على البقاء. القرن الثاني: شهد إلغاء جميع التشريعات اليهودية ومقاومتها باعتبارها "بدع تهوّد". كما شهد تأسيس المسيحية كديانة مستقلة ذات هيكل تنظيمي مستقل. أدى ذلك إلى إنشاء هيكل هرمي وتراتبية في القيادة لتجنب مشكلات صنع القرار. في هذا العصر تقلصت مساحة المساواة لإتاحة القيادة للذكور. كما زاد التركيز الأخلاقي على قيمة "العطاء" كوسيلة لمعالجة الأزمات الاجتماعية المتعلقة بالميراث التي يُحظر التدخل فيها كهنوتيًا. أيضًا زاد الاعتماد على دور القانون المدني في التنظيم، ليس فقط كمسألة فصل بين الدين والدولة، بل أيضًا لإعطاء السيادة للدولة في حالات التعارض. يتضح هذا جليًا في النص التأسيسي لشريعة العهد الجديد التي تحث العبد على طاعة سيده حتى الموت، أو في طاعة الحاكم حتى لو كان ظالمًا، أو في طاعة المرأة لرجلها. انعكس هذا أيضًا على التشريعات الخاصة بالأحوال الشخصية، حيث سمحت المسيحية الناشئة بالزواج المختلط وتعدد الزوجات لمن يعتنق المسيحية ولم يتحول شريكه (شركاؤه) في الحياة إلى الديانة الناشئة. أي أن استقرار الأسرة يُقدم على عقائد كليهما. ومن هنا يمكننا رؤية الجذور العقائدية لتمسك الكاثوليك المعاصرين بفكرة أن الزواج الكاثوليكي يقوم بين شخصين أحدهما كاثوليكي (فكرة الزواج المختلط). من القرن الثالث حتى القرن العاشر: تمتلئ الوثائق والعظات الكنسية بالنصح والإرشاد والتوجيه الوعظي، وتخلو تمامًا من طقوس خاصة بالزواج، أو النظر إليه كمسألة دينية (سر مقدس) كما يُقال اليوم. وفي طول هذه الحقب وعرضها، لم يكن هناك أي تدخل من أي سلطة سوى القانون المدني والعرف الاجتماعي. وعلى الرغم من أن الطلاق، كما هو معروف اليوم، كان مسموحًا به عمومًا حتى القرن العاشر، إلا أن الفصل بين الزوج والزوجة وإلغاء الزواج كانت معروفة أيضًا (الانفصال الجسدي - التفريق بين الزوجين - بطلان الزواج). القرن الحادي عشر: حدث الانشقاق الأرثوذكسي (الانشقاق الكبير) عام 1054، والذي أدى إلى انفصال كنيسة القسطنطينية (الروم الأرثوذكس) عن كنيسة روما (الكاثوليك). وعلى الرغم من أن الانشقاق الرسمي حدث في القرن الحادي عشر، إلا أن أسبابه السياسية والتاريخية تعود إلى القرن السابع وتفاقمت في القرن التاسع. وما يهمنا هنا أنه طوال هذا العصر، وحتى بعد الانشقاق، لم يكن هناك أي ذكر للزواج كـ"سر مقدس" في الكنائس التقليدية، ولم تكن هناك أي طقوس خاصة به كشعيرة دينية. هناك مخطوطة تاريخية واحدة تسجل طلب الكنيسة الكاثوليكية لأول مرة من رعاياها توثيق زواجهم المدني في سجلات الكنيسة لمنع تعدد الزوجات. وهذا يدل على أن المسيحيين حتى هذا العصر لم يكونوا يجرون أي مراسم للزواج داخل الكنائس، وأن أحوالهم الشخصية لم تكن منظمة من قبل الكنيسة، بل كانت تخضع للأعراف الاجتماعية والقوانين المحلية المتعددة. القرن الثالث عشر: طلب البطريرك الكاثوليكي "إنوسنت الثالث" من أعضاء حركة دينية منشقة كانت تريد العودة للكاثوليكية في عام 1208 الاعتراف بأن الزواج كان سرًا مقدسًا كشرط للعودة للكاثوليكية. وفي عام 1254، اتهم الكاثوليك الولدينسيين بازدراء سر الزواج عندما قالوا: إن المتزوجين يخطئون بشكل مميت إذا اجتمعوا بدون أن تكون الذرية هدفهم (المقصود هنا أن الزواج للإنجاب فقط وإلا عد خطيئة قاتلة). فاضطرت الكنيسة لتقديس الزواج لمكافحة هذا. القرن الخامس عشر: عرّفت الكنيسة الكاثوليكية عبر "مجمع فلورنسا" عام 1439 الزواجَ بأنه؛ سرٌ مقدسٌ، ووصفته بأنه؛ لا يُمكن حلّه، ومن ثم يكمل المقطع: على الرغم من أن الفصلَ بينَ السريرِ أمرٌ قانونيٌّ بسببِ الزنا، فإنه ليسَ منَ القانونيّ عقدَ زواجٍ آخرَ؛ لأن رابطةَ الزواجِ المعقودِ بشكلٍ قانونيّ: هي قائمةٌ. القرن السادس عشر: تسببت الأحوال الشخصية في حدوث انشقاقين متتاليين؛ الأول: هو انشقاق البروتستانت عام 1521، والثاني: هو الانشقاق الأنجليكاني عام 1538 حينما كان الملك هنري الثامن في البداية كاثوليكيًا، وأراد الطلاق من زوجته كاترين من أراغون التي لم تنجب له وريثًا للعرش. ولما أحس بقلة حيلته أمام موقف البابا الرافض للطلاق، ساند الانشقاق البروتستانتي للتزوج بأخرى. ثم قام بإعلان انشقاقه وصنع ما يعرف بـ"كنيسة إنجلترا". تشكلت ضده تحالفات جديدة كانت تعارض موقفه الانفصالي إزاء كنيسة روما. إلا أنه كان بالمرصاد لكل معارضيه، فطاردهم في كل مكان، وشملت حملته الكاثوليك والبروتستانت على حد سواء. أيضًا في القرن السادس عشر، ونتيجة الانشقاقات المتعددة عن الكنيسة الكاثوليكية السالف ذكرها، كان هناك سعيًا للتقارب بين الكنيستين المصرية والكاثوليكية في عصر البابا رقم ٩٦ "يوأنس الرابع عشر" (1571م - 1586م). ودعا البابا المجمع للانعقاد في "مصر القديمة" فحدث انقسام حاد في الآراء. أغلب الأساقفة كان مع تقارب الكنيستين، بينما الأقلية أصولية كانت تخشى الذوبان داخل العملاق الكاثوليكي الباحث عن الحلفاء. أدت ديمقراطية المجمع للقبول، لكن المعارضة أجهضت الأمر باغتيال البابا يوأنس الرابع عشر بدس السم له في طعامه. لا يسجل التاريخ الرسمي للكنيسة اغتيال البابا سوى كونه؛ مزاعم كاثوليكية لم تثبت صحتها، وتم صياغة الحدث بتفاهمات سياسية مع السلطان العثماني "مراد الثالث" على أن البابا كان ساذجًا وسيدخل الروم لأرض مصر، وأن الأساقفة تصدوا وطردوا الإرساليات الكاثوليكية. أما موت البابا فهو انتقام إلهي من السماء لمحاولته التحالف مع الهراطقة. القرن السابع عشر: كان هناك سعيا للتقارب بين الكنيستين المصرية والكاثوليكية في عصر البابا رقم ٩٨ "مرقس الخامس" (١٦٠٣م - ١٦١٩م) انتهى هذا الأمر بعزل البابا "مرقس الخامس" من منصبه بواسطة أساقفة المجمع المقدس بقيادة مطران دمياط. التاريخ الكنسي هنا يتكلم عن الأحوال الشخصية كسبب للعزل، فتحدث عن انتشار لظاهرة تعدد الزوجات بين الأقباط في الوجه البحري، فأصدر البابا "مرقس الخامس" منشورًا كنسيًا بحرمانية ذلك. ويبدو أن أسقف دمياط كان أحد هؤلاء المتعددين الزوجات، فوشى به للوالي جعفر، ممثل السلطان محمد بن مراد المعروف باسم "محمد الفاتح"، وصاغ وشايته بأن منشور البابا لا يقصد المسيحيين بل يقصد الطعن في الإسلام الذي يبيح تعدد الزوجات. فأمر السلطان بضبط وإحضار البابا، وأمر بضربه حتى أشرف على الموت، وحبسه في برج الإسكندرية. لاحقا تم إعادة صياغة التاريخ من مجمع الأساقفة بتفاهمات مع السلطان العثماني، على أن أساقفة المجمع بقيادة مطران دمياط، قد قاموا بعزل البابا لأنه تقارب مع الكاثوليك (الأوربيين/الإفرنجة) بشكل يعتبرونه "خيانة وطنية" للسلطان العثماني محمد الفاتح. القرن الثامن عشر: تشير الأدبيات القبطية الأرثوذكسية إلى منع الكهنة للأقباط الأرثوذكس من الزواج من غير الأرثوذكس؛ الزواج بين طرفين كلاهما أرثوذكسي. يعود أصل هذا الأمر إلى الحماية القومية من الاختلاط بالأجانب، وخاصة في فترات الاحتلال الإنجليزي والفرنسي. إلا أن هذا الأمر اتخذ طابعًا دينيًا يصف الطوائف الأخرى بالهرطقة (التشكيك بصحة معموديتها إجرائيًا). القرن التاسع عشر: في عام 1860م، تم اغتيال بطريرك الإسكندرية كيرلس الرابع الملقب "أبو الإصلاح" (قتل بتناول السم في خيانة داخلية، وهناك إشارات عن تورط الأرمن الأرثوذكس في هذا أيضًا). التأصيل الثقافي والاجتماعي للسبب الرئيسي في النزاع هو موضوع "إلغاء الجزية وفرض الجندية"، بالإضافة إلى مواضيع فرعية أقل أهمية، لكنها ذات صلة بالأحوال الشخصية. فأبو الإصلاح الكنسي كان أول من منع الكهنة من تزويج الفتيات القاصرات. كما أنه أيضًا قنن مسألة التراضي بين الزوجين بشكل لا ولاية فيه، وأن على الكاهن التأكد من التراضي دون وسطاء. في عصره أيضًا، أراد بعض الإكليروس تقنين أوضاع الخطوبة والتزاماتها بشكل قانوني وعدم تركها للعرف الاجتماعي، بينما رأى "أبو الإصلاح الكنسي" في ذلك تدخلًا سلطويًا يستهدف القيادة الاجتماعية ويزيد من اشتباك الكنيسة في قضية يجب أن تظل مرنة وتحظى بالتنوع الملائم لكل عرف اجتماعي، خاصةً أنها ليست قضية لاهوتية أو دينية من الأساس، وتُعتبر خطرة عند المسيحيين الذين لا طلاق لديهم. لذا رفض "كيرلس الرابع" تقنين الخطوبة باعتبارها وعدًا غير ملزم. مر القرن العشرين بعدة تحولات، أهمها صدور لائحة 1938 للأقباط الأرثوذكس، والتي ما زالت تحظى باهتمام أغلبية الأقباط حتى اليوم، ولا يخلو سجال دون ذكرها. فهي خلاصة الحصيلة المصرية للأحوال الشخصية بما يتسق مع الشريعة المسيحية، ومؤسسة على تراكم القانون الكنسي وخبرات المصريين الأرثوذكس في حل مشاكلهم الاجتماعية. وحتى بعد صدور قانون 55 بإلغاء المحاكم الشرعية، تم العمل بهذه اللائحة في المحاكم الوطنية. مر القرن العشرين أيضًا بعدة تحولات في صناعة القرار داخل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وخاصة فيما يتعلق بمن له سلطة إصدار لائحة الأحوال الشخصية للأقباط الأرثوذكس. فمن نصوص شرائعية مسيحية صريحة المعنى تحظر على الكهنوت التدخل في تقسيم المواريث، وتحظر على الرهبان التدخل في شؤون المتزوجين، نصل إلى أن سلطة التعديل صارت في يد البابا "شنودة الثالث"، وهو راهب وكاهن معًا، فأدخل تعديلات (آخرها عام 2008) تستهدف حل مشكلات سلطوية الكنيسة على المجتمع عبر تقنين هذا التسلط بسلطة الدولة، وكلها تعديلات سببت مشكلات اجتماعية حادة نتيجة التغول في القيادة الاجتماعية بشكل منفرد، وصل إلى تقييد الحق في الزواج إلا بشهادة خلو موانع أو منع الزواج إلا بتصريح من الكنيسة. أي أنه سلب المواطنين الحق في الزواج بجعل الأصل فيه هو؛ الحظر، لا الإباحة. القرن الحادي والعشرين: ظهرت تحولات جديدة في عصر البابا "تواضروس الثاني"، معظمها يسرِّع قليلًا من الإجراءات دون تغيير حقيقي في القوانين. أيضًا، هناك خطاب للبابا جهر فيه بأن لا طلاق إلا لعلة الزنا هي مقولة وليست نصًا مقدسًا، لكنه تعرض لضغوط أجبرته على التراجع. ولكن التحولات الاجتماعية ظهرت بوضوح أكبر في كتاب الأنبا بفنوتيوس، أسقف سمالوط، عن؛ المرأة في المسيحية، حيث طرح رؤية مؤسسة فقهيًا تستعيد للمرأة بعضًا من مكانتها الاجتماعية وحقها في ممارسة الشعائر في فترة الحيض والنفاس دون عوائق، بالمخالفة للخطاب الأصولي المتشدد السائد قبل ذلك. الأهم على الإطلاق هو خطاب المتنيح الأنبا إبيفانيوس، رئيس دير أبو مقار وخليفة الأب متى المسكين، والذي ألقاه في كلية اللاهوت الإنجيلية عن؛ شروط الانضمام لطائفة الأقباط الأرثوذكس وفقًا للقوانين الكنسية، حيث استخرج بشكل أكاديمي مخطوطات تقول بصحة الزواج من الكاثوليك والأرثوذكس وغيرهم، ثم خطب بعدها في معرض الكتاب قائلًا إن منع الزواج من غير الأرثوذكس ليس أمرًا دينيًا بل من مخلفات الاستعمار بدأ مع القرن الثامن عشر. أيضًا، للأنبا إبيفانيوس محاضرات عن الليتورچيا (الطقوس المرتلة) خاطب فيها طلابه أن بداية الإصلاح هو الاعتراف بالخطأ، وذكر مثالًا لذلك الخطاب الكنسي الذي يرفض الاعتراف بنجاسة المرأة رغم وجود نصوص ليتورچية تقول هذا. كان البابا تواضروس يعد إبيفانيوس لمنصب "مراقب بابوي على الحوار المسكوني"، لكنه قُتل غدرًا داخل أسوار دير أبو مقار بواسطة اثنين من الرهبان.   اقرأ أيضا: --- ### البشارة المفرحة أم القاتلة؟ - Published: ۲۰۲۱-۰۵-۲۵ - Modified: 2021-06-14 - URL: https://tabcm.net/1419/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, تاريخ وميثولوچيا عام ١٩٩٤ طُعِن "ايمانويل دي بواه" حتى الموت في بيته بمونتريال ثم قام القتلة بحرق كامل منزله ليقتلوا والديه معه. جدير بالذكر أن إيمانويل (القتيل) كان يبلغ من العمر ثلاثة أشهر. قتلوه لأنهم كانوا مقتنعين أنه ضد المسيح كان القتلة ينتمون لمجموعة تسمي نفسها (أخوية معبد الشمس) وقائدها چون لووك كانوا يعتقدون ان الطفل ذو الثلاثة أشهر هو ضد المسيح بعد خمسة أيام من تلك الحادثة  وفي سويسرا اتجه رجال المطافئ لإخماد حريق أُبلغ عنه في بيت داخل مزرعة. وعندما وصلوا هناك إكتشفوا ثلاثة وعشرين جثة متفحمة مرصوصة على شكل دائرة بينهم قائد الجماعة نفسه "لووك". في نفس اليوم عُثِرَ على خمسة وعشرون جثة أخرى في سويسرا بالاضافة إلى خمسة عشر جثة أخرى في كندا ماتوا بنفس الطريقة. بالإضافة لستة عشر جثة أخرى في الألب الفرنسية سنة ١٩٩٥ وخمس جثث أخرى عام ١٩٩٧ كلهم ماتوا بنفس الطريقة. Order of the solar temple بدأ تكون الجماعة في ثمانينات القرن الماضي بفكرة بسيطة جدا وهي أهمية إعداد العالم للمجئ الثاني حيث يأتي المسيح ويضم كل الكنائس وكل الاديان تحت رايته. تبدو فكرة مقدسة وكتايية أيضا. تطورت هذه الجماعة مع الوقت واعتمدت في تطورها على السرية والرموز العظيمة التي لا يفهمها سواهم والمنعم لهم أن يفهموا. مؤسسي الأخوية كانوا وعاظ يمتلك كل منهم اتباعه وقرروا أن ينضموا معاً في تأسيس تلك الجماعة زاعمين أنهم إمتداد لجماعة (حراس المعبد). مع الوقت تطورت افكارهم بشكل مخيف ف "لووك" على سبيل المثال كان مقتنعاً انه التجسد الثالث للمسيح نفسه كما أن شريكه كان يؤمن ان اولاده انصاف آلهة. ومع انتظارهم للمجئ التاني وانتهاء الارض تطورت افكارهم إلى أن تلك الحياة الارضية المادية لا فائدة منها وهي مجرد خداع ويجب أن نتطهر منها. وقد كان الانتحار الجماعي لكل افراد الجماعة عبر العالم هو وسيلتهم في تطهير انفسهم. لا أحد يعلم بالضبط كم منهم اقدم على الانتحار بإرادته وكم منهم أجبر عليه فقد وجدت بعض الجثث بها طلقات نارية فهل قتلوا أم كان هذا جزء من شعائر خاصة للتطهير! صدق أو لا تصدق جماعة أخوية معبد الشمس مازالت مستمرة في نشاطها حتى يومنا هذا محتفظة بسرية التفاصيل. تذكر تلك القصة جيداً كلما إستمعت وقرأت لمهوسي التفاسير المؤامراتية وربطها برموز كتابية مبهمة للوصول إلى استنتاجات تبدو لهم مقدسة واقعية ماسونية صهيوصليبية عالمية بعيدة كل البعد عن روح الانجيل البشارة المفرحة. فيحولون تلك البشارة إلى مجرد حلقة من حلقات سلاسل الرعب الكرتونية المؤامراتية حتى انهم حرموا اللقاحات واﻷدوية كمثال وكأنهم يدفعون أتباعهم للإنتحار أيضاً بطرقٍ شتى. الرب برئ منهم. --- ### مصر التي في خاطري وفي سفر أشعياء أصحاح ١٩ - Published: ۲۰۲۱-۰۵-۲۳ - Modified: 2021-06-14 - URL: https://tabcm.net/779/ - تصنيفات: كتاب مقدس, مقالات وآراء لا نجد بلدًا يتحدث عنه الكتاب المقدس مثل مصر، وذلك بعد كنعان. والسبب ، أن إسرائيل كشعب الله المختار أقام في مصر حيث عاش اليهود هناك حوالي 400 سنة وأخيرًا خرجوا ”بذراع رفيعة “. منذ عدة سنوات وجدوا كتاب مقدس طافياً على وجه ماء النيل حيث توقف علي ضفة كنيسة السيدة العذراء بالمعادي بالقاهرة . وكان مفتوحا على الإصحاح ١٩ من سفر أشعياء . وقد يشير هذا الحدث إلى أن الله يريد أن ينبه شعبه في مصر إلي الوعد الذي ضمنه الرب - ومن وراء الزمن - في العدد الأول من الإصحاح ١٩عن مجئ المسيح إلي مصر والبركة التي جال بها في كل بلاد مصر . وأن هذه البركة مازالت قائمة ، إذ أكدها ثانية في نهاية الإصحاح (آية 25) . آية1 ”وَحْيٌ مِنْ جِهَةِ مِصْرَ: هُوَذَا الرَّبُّ رَاكِبٌ عَلَى سَحَابَةٍ سَرِيعَةٍ وَقَادِمٌ إِلَى مِصْرَ، فَتَرْتَجِفُ أَوْثَانُ مِصْرَ مِنْ وَجْهِهِ، وَيَذُوبُ قَلْبُ مِصْرَ دَاخِلَهَا“ الرب يسوع المسيح يأتي إلى مصر مع أمه العذراء ويوسف النجار، متجنباً مواجهة قبل الأوان مع هيرودس الملك وقوات الظلام . و في تجوله في مصر كلها باركها قاصداً شيئاً لمصر هو إيمان مصر بالمسيح لاحقاً علي يد القديس مار مرقس و زوال الوثنية : ” ترتجف أوثان مصر“. آية2 ”وَأُهَيِّجُ مِصْرِيِّينَ عَلَى مِصْرِيِّينَ، فَيُحَارِبُونَ كُلُّ وَاحِدٍ أَخَاهُ وَكُلُّ وَاحِدٍ صَاحِبَهُ: مَدِينَةٌ مَدِينَةً، وَمَمْلَكَةٌ مَمْلَكَةً“. لم يهدأ الشيطان وهيج الوثنيين ضد المسيحية في مصر ، وبدأ الإضطهاد ضد كنيسة مصر . ولكن لا خوف على الكنيسة من أي إضطهاد، فقد أنتشرت المسيحية خلال فترة الإضطهاد هذه . آية 3 ، 4 ”وَتُهْرَاقُ رُوحُ مِصْرَ دَاخِلَهَا، وَأُفْنِي مَشُورَتَهَا، فَيَسْأَلُونَ الأَوْثَانَ وَالْعَازِفِينَ وَأَصْحَابَ التَّوَابعِ وَالْعَرَّافِينَ . وَأُغْلِقُ عَلَى الْمِصْرِيِّينَ فِي يَدِ مَوْلًى قَاسٍ ، فَيَتَسَلَّطُ عَلَيْهِمْ مَلِكٌ عَزِيزٌ، يَقُولُ السَّيِّدُ رَبُّ الْجُنُودِ“. إشارة لإضطهادات عنيفة بل ومستمرة كما توضح كلمة ” أُغلق“ على المصريين في يد مولى قاسٍ . وهذا واضح في تاريخ الإضطهادات التي عانت منها المسيحية في مصر علي أيدي المستعمرين من فرس ورومان وبيزنطييين وعرب . و أمتدت المسيحية وإنتهت فترة الإضطهاد، وأتت فترة راحة . ومع الراحة - للأسف - يبتعد الناس عن الله و نرى بداية ظهور ضعف في المسيحية ويشير إليه قول الوحي ” فيسألون الأوثان “ أي يتناقص أعتمادهم علي الرب . أيات5 - 10 ”و تُنَشَّفُ الْمِيَاهُ مِنَ الْبَحْرِ (نهر النيل لا يزال يُدعى في كثير من بلدان الصعيد "البحر")، وَيَجِفُّ النَّهْرُ ( تفريعات نهر النيل ) وَيَيْبَسُ. 6 وَتُنْتِنُ الأَنْهَارُ، وَتَضْعُفُ وَتَجِفُّ سَوَاقِي مِصْرَ، وَيَتْلَفُ الْقَصَبُ وَالأَسَلُ. 7 وَالرِّيَاضُ عَلَى النِّيلِ عَلَى حَافَةِ النِّيلِ، وَكُلُّ مَزْرَعَةٍ عَلَى النِّيلِ تَيْبَسُ وَتَتَبَدَّدُ وَلاَ تَكُونُ. 8 وَالصَّيَّادُونَ يَئِنُّونَ، وَكُلُّ الَّذِينَ يُلْقُونَ شِصًّا فِي النِّيلِ يَنُوحُونَ. وَالَّذِينَ يَبْسُطُونَ شَبَكَةً عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ يَحْزَنُونَ،9 وَيَخْزَى الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الْكَتَّانَ الْمُمَشَّطَ، وَالَّذِينَ يَحِيكُونَ الأَنْسِجَةَ الْبَيْضَاءَ. 10 وَتَكُونُ عُمُدُهَا مَسْحُوقَةً، وَكُلُّ الْعَامِلِينَ بِالأُجْرَةِ مُكْتَئِبِي النَّفْسِ. “ نرى هنا صورة مؤلمة نتيجة هذا المولى القاسى والحُكم القاسى ، إذ ضعفت مصر ومعها الكنيسة وتركها المؤمنون وتحولوا الي إيمان وأديان غير مسيحية . أيات11 - 16 ” 11إِنَّ رُؤَسَاءَ صُوعَنَ أَغْبِيَاءُ ! حُكَمَاءُ مُشِيرِي فِرْعَوْنَ مَشُورَتُهُمْ بَهِيمِيَّةٌ ! كَيْفَ تَقُولُونَ لِفِرْعَوْنَ : « أَنَا ابْنُ حُكَمَاءَ، ابْنُ مُلُوكٍ قُدَمَاءَ » ؟ 12 فَأَيْنَ هُمْ حُكَمَاؤُكَ ؟ فَلْيُخْبِرُوكَ. لِيَعْرِفُوا مَاذَا قَضَى بِهِ رَبُّ الْجُنُودِ عَلَى مِصْرَ. 13 رُؤَسَاءُ صُوعَنَ صَارُوا أَغْبِيَاءَ . رُؤَسَاءُ نُوفَ إنْخَدَعُوا. وَأَضَلَّ مِصْرَ وُجُوهُ أَسْبَاطِهَا . 14 مَزَجَ الرَّبُّ فِي وَسَطِهَا رُوحَ غَيٍّ ، فَأَضَلُّوا مِصْرَ فِي كُلِّ عَمَلِهَا ، كَتَرَنُّحِ السَّكْرَانِ فِي قَيْئِهِ . 15 فَلاَ يَكُونُ لِمِصْرَ عَمَلٌ يَعْمَلُهُ رَأْسٌ أَوْ ذَنَبٌ ، نَخْلَةٌ أَوْ أَسَلَةٌ . 16 فِي ذلِكَ الْيَوْمِ تَكُونُ مِصْرُ كَالنِّسَاءِ ، فَتَرْتَعِدُ وَتَرْجُفُ مِنْ هَزَّةِ يَدِ رَبِّ الْجُنُودِ الَّتِي يَهُزُّهَا عَلَيْهَا“ . فحلَّ الضعف بمصر بسبب المولى القاسى القادم إليها من ثقافة متبدية وأيديولوجية ليس لها تاريخ بين الحضارات ، وما تبعه ذلك من تحول شعبها الذي تغرب عن أيمانه المسيحي ومبادئ الصدق والإنتماء لوطنه المستقاة من المسيحية . لذلك نري الآيات تصف ما حلَّ بمصر من ضعف ، ربما سياسى / إقتصادي / عسكرى ناتج عن تخبط الحكام إذ كانوا بلا حكمة . ولم ينفع المصريين التمسح في تاريخ مصرهم القديم ونهضتها المدوسة « كَيْفَ تَقُولُونَ : أَنَا ابْنُ حُكَمَاءَ ، ابْنُ مُلُوكٍ قُدَمَاءَ ». كما تصف الآيات كيف عميت بصيرة المصريين عن أن ينفتح ذهنهم ليستبصروا العوامل الرئيسية وراء أنحدارهم بمصر بلدهم من جنوبها ( نُوفَ : ممفيس عاصمة مصر العليا جنوبي مصر) إلي شمالها( صُوعن : عاصمة شمال مصر القديمة) . آية17 ”وَتَكُونُ أَرْضُ يَهُوذَا رُعْبًا لِمِصْرَ . كُلُّ مَنْ تَذَكَّرَهَا يَرْتَعِبُ مِنْ أَمَامِ قَضَاءِ رَبِّ الْجُنُودِ الَّذِي يَقْضِي بِهِ عَلَيْهَا“ . قد يكون هذا حينما خضعت يهوذا( اليهود) لأشور أو لبابل وصار رجال يهوذا ضمن جيوش هذه الدول القوية. أو فترة أخرى في التاريخ كانت فيها أرض يهوذا أقوى من مصر و ترعبها بأسلحتها. وصارت ”يهوذا ( دولة أسرائيل الحالية ) رعباً لمصر“ علي مدي أزمنة حروب ٤٨ و ٦٧. ولتكون هذه الفترة الكئيبة بداية لبركات أرادها الله لمصر التي باركها بها حينما زارها من قَبل مع أمه العذراء . وكان ظهور العذارء في الزيتون بمصر سنداً لمصر في تلك الأيام الحالكة السواد بعد هزيمة ٦٧. آيات18 ، 19 ”فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ فِي أَرْضِ مِصْرَ خَمْسُ مُدُنٍ تَتَكَلَّمُ بِلُغَةِ كَنْعَانَ وَتَحْلِفُ لِرَبِّ الْجُنُودِ، يُقَالُ لإِحْدَاهَا « مَدِينَةُ الشَّمْسِ ». 19 فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ مَذْبَحٌ لِلرَّبِّ فِي وَسَطِ أَرْضِ مِصْرَ، وَعَمُودٌ لِلرَّبِّ عِنْدَ تُخْمِهَا“ . بداية البركات نراها في طريقة كتابة مدينة الشمس فهي قد تُقرَأ مدينة الهلاك وقد تقرأ مدينة الشمس . وهذا مقصود لأنه مع الضيقات التي يسمح بها الله يتشدد شعب الله، ويتركوا خطاياهم ويعودوا بالتوبة إلى الله . وبعد أن كانوا مدينة للهلاك صاروا مدينة للشمس، يسكن وسطهم المسيح الذي أسمه ” شمس البر“. ويكون مذبح للرب في وسط أرض مصر إشارة للكنيسة القوية التي إمتلأت بالمؤمنين التائبين الأقوياء. ”مُدُنٍ تَتَكَلَّمُ بِلُغَةِ كَنْعَانَ“ . تاريخيًا قد تشير هذه العبارة إلي أن اليهود عاشوا في مصر في بعض الفترات. وتكلمت المناطق التي سكنوها بلغتهم . وروحيًا ، قد يشير أمتداد لغة المسيح في مصر إلي تحول مصر من الوثنية إلي المسيحية . أيات 20 - 21 ” فَيَكُونُ ( مذبح الرب ) عَلاَمَةً وَشَهَادَةً لِرَبِّ الْجُنُودِ فِي أَرْضِ مِصْرَ. لأَنَّهُمْ يَصْرُخُونَ إِلَى الرَّبِّ بِسَبَبِ الْمُضَايِقِينَ ، فَيُرْسِلُ لَهُمْ مُخَلِّصًا وَمُحَامِيًا وَيُنْقِذُهُمْ . 21 فَيُعْرَفُ الرَّبُّ فِي مِصْرَ، وَيَعْرِفُ الْمِصْرِيُّونَ الرَّبَّ فِي ذلِكَ الْيَوْمِ، وَيُقَدِّمُونَ ذَبِيحَةً وَتَقْدِمَةً، وَيَنْذُرُونَ لِلرَّبِّ نَذْرًا وَيُوفُونَ بِهِ “. إستمراراً لتدبير (مخطط) الله في مباركته لمصر، نجد أن هناك بعض الضيقات التي يسمح بها الله،( حكم الإخوان المسلمين بمساعدة أوباما ، وتهديد الإرهاب بإسم الدين ، وتهديد أثيوبيا بسد النهضة ، ... ألخ ) وهذه الضيقات دائما تدفع المؤمنين إلى أحضان الله . فيجدون الله لهم معزياً (إش18: 4 - 6). وبعد فترات الضعف يتحولون إلى جبابرة في الإيمان. بل ويُرسل الله معزياً ومُعيناً لشعبه ( ربما هو الرئيس السيسي ). وهذه خطة الله دائماً ليعيد أولاده إلى حضنه، إذ يسمح بضيقات تأتي عليهم فيعودون يرتمون في حضنه كما عاد الأبن الضال إلى أبيه . آية. 22 ” وَ يَضْرِبُ الرَّبُّ مِصْرَ ضَارِبًا فَشَافِيًا، فَيَرْجِعُونَ إِلَى الرَّبِّ فَيَسْتَجِيبُ لَهُمْ وَيَشْفِيهِمْ “ . هذه الآية هي خلاصة الإصحاح كله، فالله لا يضرب إلا ليشفي بعد أن تكون مصر قد تعلمت من الضيقات المنصبَّة عليها، فتعود لإلهها . آيات23 - 25 ” فِي ذلِكَ الْيَوْمِ تَكُونُ سِكَّةٌ مِنْ مِصْرَ إِلَى أَشُّورَ، فَيَجِيءُ الأَشُّورِيُّونَ إِلَى مِصْرَ وَالْمِصْرِيُّونَ إِلَى أَشُّورَ، وَيَعْبُدُ الْمِصْرِيُّونَ مَعَ الأَشُّورِيِّينَ . 24 فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ إِسْرَائِيلُ ثُلُثًا لِمِصْرَ وَلأَشُّورَ، بَرَكَةً فِي الأَرْضِ،25 بِهَا يُبَارِكُ رَبُّ الْجُنُودِ قَائِلًا: «مُبَارَكٌ شَعْبِي مِصْرُ، وَعَمَلُ يَدَيَّ أَشُّورُ، وَمِيرَاثِي إِسْرَائِيلُ». ختام الأمر نراه هنا - الكنيسة القوية التي يكوِّنها الله في مصر ، يكون مثلها في أشور ، ويكون مثلها في إسرائيل . وتقف هذه الكنيسة القوية و الواحدة في إيمانها في وجه ” ضد المسيح “ الذي سيأتي في الأيام الأخيرة . بعد سبي اليهود من أرض الموعد قديماً ، تشتت شعب الله ، جزءٌ في أورشليم وجزءٌ في بابل ( العراق ) وجزءٌ في مصر . ولما كان تعبير ”سكة “ أي ” الطريق“ هو من ألقاب المسيح التي سَمَّي نفسه بها ، لذلك قد تكون كلمات الوحي هنا هي نبؤة بأنه في الأيام الأخيرة سيكون ”شعب الله“ في هذه المناطق التي تمتد من مصر عبر إسرائيل إلى العراق ، في وحدة إيمان من خلال ”طريق“ الإيمان بالمسيح ، ويكون سلام عن ”طريق“ ملك السلام . وقول الوحي ” فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ إِسْرَائِيلُ ثُلُثًا لِمِصْرَ وَلأَشُّورَ“ هو إشارة لنوع من الوحدة بين إسرائيل ومصر وأشور. وهي ليست وحدة سياسية بل إيمانية لأنه يقول أنها ” بركة في الأرض “. وفي زمان أشعياء النبي كان الصراع العالمي قائم بين آشور العراق ومصر، وكانت الدول الأخرى ومن بينها إسرائيل ضحية هذا الصراع . وكانت إسرائيل في ذلك الحين في صراع بين التحالف مع مصر أو آشور ، القوتين العالميتين المتضادتين في ذلك الحين . دارت الحروب بين مصر وأشور وإسرائيل علي مدار التاريخ القديم والحديث . و في نهاية الأيام ربما سيرتبطون إيمانيًا في وحدانية العبادة ، حينما تؤمن ” البقية “ من بني إسرائيل - كقول الوحي علي فم بولس الرسول في العهد الجديد - ويتحدون إيمانيًا مع مؤمني مصر وأشور، فتكون هذه الوحدة في الإيمان القوي هي بركة للأرض و خميرة تخمر العالم كله. فرب المجد يسوع يُعطي للكل سلامًا، يشعر الكل - في المسيح يسوع - أن الأرض للرب ولمسيحه، وليست مركزًا للنزاع، ويشترك الكل معًا في العبادة . فالإيمان بالسيد المسيح يجعل الكل أعضاء في كنيسة واحدة تتمتع بالعمل الإلهي، لذلك دَعَى الوحي المقدس المصريين شعب الله، وآشور عمل يديه، وأسرائيل ميراثه . لقد تكررت عبارة "في ذلك اليوم" حوالي خمس مرات في الأعداد ، وهي أشارة الي ملء الزمان أو إكتمال دورات زمن المآسي إلي أن يجئ ملء الزمان بالإيمان بالسيد المسيح ليحقق لنا هذه البركات بكونه "الطريق" الذي فيه تجتمع الأمم لتتمتع بروح الوحدة الروحية وفيض البركة . أمين .   --- ### المعجزة.. كيف ولماذا؟ - Published: ۲۰۲۱-۰۵-۱۹ - Modified: 2021-06-15 - URL: https://tabcm.net/1413/ - تصنيفات: كتاب مقدس, مقالات وآراء من بين كل المعجزات في سجل العجائب التي صنعها المسيح في فترة تجسده على الارض والتي سجلها لنا كتاب الاناجيل . . تقبع تلك المعجزة حيث ينفرد بذكرها لنا انجيل يوحنا وحده والتي ربما يعدها البعض الأعظم بينها ألا وهي إقامة لعازر من بين الأموات بعد أن انتنّ.   المتأمل في هذه المعجزة وعظمتها يجب أن يلحظ أمراً يبدو غريباً يسترعي الإنتباه . . فيسوع بعدما بكى أمام القبر وقبل أن يتهيأ لأن يصدر أمره للعازر للعودة إلى الحياة؛ يطلب من الواقفين أن يدحرجوا الحجر! ما هذا؟! أليس في مقدور ذاك الذي يقيم الاموات من قبورهم بعد نتانتهم أن يأمر الحجر فيتدحرج؟! هنا يعلمنا المسيح أمراً هاماً في الفلسفة الإلهية للمعجزة. المسيح وكأنه يخاطب كلاً منا قائلاً أنا أتدخل فقط لإتمام ما لا يمكنك إتمامه وعمل ما تعجز أنت عن الإتيان به . . فقط بعد أن تكون أتممت كل ما يمكنك فعله بقدرتك البشرية. ! فأنت شريك في المعجزة نرى هذه الفلسفة الإلهية للمعجزة متكررة في أكثر من موضع في العهد الجديد . . فعند اشباع الجموع . . تلك المعجزة التي تكررت في روايتين مختلفتين كمعجزتين منفصلتين . . معجزة الخمسة أرغفة والسمكتين ومعجزة الارغفة السبعة والاسماك الصغيرة الأولى مذكورة في الأربع اناجيل والاخيرة مذكورة في انجيلي متى ومرقس. في كلتا الحادثتين طلب يسوع منهم أن يقدموا ما عندهم اولاً ثم يقوم بمباركته في تأكيد لذلك الدرس والمنهج. تلك الفلسفة نجد اصداء لها في العهد القديم أيضاً عندما أمر الرب نوح ببناء الفلك. آهٍ يارب ولماذا كل هذا التعب والانتظار ألا يمكنك انقاذ خاصتك من البشر وباقي الخليقة بمعجزة؟! يجيب الرب (لا فقد خلقت الإنسان عاقلاً صانعاً ماهراً يستطيع بعلمه صناعة السفن . . إذن ليقم هو بالمهمة فهذا دوره وأنا دوري عند عجزه) هذا المنهج الذي حاول الشيطان في تجربته للمسيح على الجبل أن يهدمه بأن يجعل المسيح يقفز من على حجاب الهيكل طالبا معجزة معتمداً على وعد مقدس بأنه يوصي ملائكته به فلا تصدم بحجر رجله. فانتهره الرب قائلاً له لا تجرب الرب الهك محذراً إيانا جميعاً من السقوط في براثن تجارب الشيطان مزينها بآيات من الكتاب المقدس ليدفعنا إلى تجربة الرب وطلب المعجزة كفعل سحر او استعراض قوة في غير محله. في ظل هذه الجائحة نعلم أن الرب يستطيع أن يحمينا بيده المعجزية ولكنه لا يفعل ذلك إلا بعد أن نكون قد أتممنا دورنا على أكمل وجه من استخدام الحكمة والعلم والقدرات البشرية. تلك الحكمة التي تستدعي إتباع إجراءات السلامة ومنها تغيير شكل الطقس الكنسي - الذي طالما تغير آلاف المرات عبر العصور- فالله ليس اداة مطوعة لإستخدامك الشخصي وتحقيق أحلامك وأنت مغطى برداء مزيف من الدروشة معتقداً أن هذا هو الايمان -حاشا-  إن كنت ترى الإله بهذا المنظور وتتحداه مجرباً إياه ضد العلم فراجع نظرتك لأنك للأسف  أنت تهين الإله. --- ### قراءة في: ”سلم يعقوب“ و”مصارعته مع الله“ - Published: ۲۰۲۱-۰۵-۱۷ - Modified: 2021-06-24 - URL: https://tabcm.net/810/ - تصنيفات: كتاب مقدس إن أروع حدثين سجلهما الوحي المقدس لنا في سيرة يعقوب أبو الآباء كانا في أحلك ساعات حياة أبينا يعقوب . الحدث الأول كان أثناء هروبه من أرض الميعاد ” أرض كنعان“ من وجه أخيه عيسو الذي أراد قتله . فظهر الله في حلم ليعقوب وكان الله واقفاً علي رأس سلم يربط الأرض بالسماء ( تكوين ٢٨) : ”فاضطجع في ذلك المكان. ورأى حلما، وإذا سلم منصوبة على الأرض ورأسها يمس السماء ، وهوذا ملائكة الله صاعدة ونازلة عليها . وهوذا الرب واقف عليها، فقال: « أنا الرب إله إبراهيم أبيك وإله إسحاق. الأرض التي أنت مضطجع عليها أعطيها لك ولنسلك ... ويتبارك فيك وفي نسلك جميع قبائل الأرض . وها أنا معك ، وأحفظك حيثما تذهب ، وأردَّك إلى هذه الأرض ، لأني لا أتركك حتى أفعل ما كلمتك به ». فاستيقظ يعقوب من نومه وقال: « حقا إن الرب في هذا المكان وأنا لم أعلم ! ». وخاف وقال : « ما أرهب هذا المكان ! ما هذا إلا بيت الله ، وهذا باب السماء »... ودعا اسم ذلك المكان « بيت إيل »“ . كان هذا الحلم نبؤة عن التجسد الإلهي ليسوع المسيح الرب الإله الذي ظهر في الجسد ليكون هو وبشخصه الطريق ( السلم ) الحق الوحيد الي الحياة الأبدية . وقد أكد المسيح أنه هو المقصود من حلم يعقوب وسلم يعقوب ( أنظر يوحنا ١) : ”أجاب نثنائيل وقال له: « يا معلم، أنت ابن الله ! أنت ملك إسرائيل ! »... أجاب يسوع وقال له : « الحق الحق أقول لكم : من الآن ترون السماء مفتوحة ، وملائكة الله يصعدون وينزلون على ابن الإنسان ( السلم ) ». والحدث الثاني ، كان مصارعة يعقوب مع الله في حلم ( تكوين ٣٢ ) عند رجوعه ثانية ً الي ارض الميعاد وكان لا يزال عيسو أخاه يريد أن يقتله : ” فبقي يعقوب وحده ، وصارعه إنسان حتى طلوع الفجر. ولما رأى أنه لا يقدر عليه، ضرب حُق فخذه ، فانخلع حُق فخذ يعقوب في مصارعته معه . وقال: «أطلقني، لأنه قد طلع الفجر». فقال: « لا أطلقك إن لم تباركني » ... فقال: « لا يدعى اسمك في ما بعد يعقوب بل إسرائيل، لأنك جاهدت مع الله والناس وقدرت». فدعا يعقوب اسم المكان «فنيئيل» قائلا: «لأني نظرت الله وجها لوجه، ونجيت نفسي». وأشرقت له الشمس إذ عبر فنوئيل وهو يخمع على فخذه . لذلك لا يأكل بنو إسرائيل عرق النسا الذي على حُق الفخذ إلى هذا اليوم ، لأنه ضرب حُق فخذ يعقوب على عرق النسا . “ إن الحدث الأول كان في فاتحة طريق حياة يعقوب حين هرب الي خاله -الذي عبد الأصنام -في أرض آرام وحاران ( قرب العراق) وتزوج رفقة وليئة . إلا أن الرب الإله كان علي رأس هذا الطريق - الذي أظهره الحلم - إذ كان الرب واقفاً علي رأس السلم . كان الأمر يبدو كأنه أحداث لإنسان في مسيرته علي الأرض بكل ما أشتملت من معاملات بشرية ، إلا أنه في الحقيقة ، وكما كشف لنا الحلم ، كان طريقاً مسجلاً في السماء يباشر الرب خطواته من فوق . هنا تتضح العلاقة بين هذا الحدث و بين تجسد المسيح كما أشرنا قبلاً من أن حلم يعقوب هو نبؤة عن التجسد الإلهي . لأن التجسد الإلهي قدَّس طريقنا في حياتنا علي الأرض بكل ما تشمله من نشاط أنساني وجعلها لحساب السماء ، وذلك عندما لبس الإله حياتنا الإنسانية وظهر في جسدنا ونشاطنا الإنساني فتقدس وتمسحن وتروحن بسيرة الإله الذي عاش أنسانيتنا فصارت حياتنا علي الارض هي لحساب السماء بفضل هذا السلم أي الطريق الذي هو يسوع المسيح ”أنا هو الطريق والحق والحياة“. هذا هو سر قول الرب ”من أجلهم أقدس أنا ذاتي( كإبن الإنسان)“ . ثم جاء الحدث الثاني في لحظة حالكة مثل الأولي في حياة يعقوب كما شرحنا. ولكنها لحظة لا تمثل الخوف المرتبط ببدايات الحياة وضروراتها من بناء أسرة وكسب مال وتربية بنين . ولكن هي لحظة الخوف من ضياع كل هذا الذي حققناه في حياتنا علي الأرض من أمجاد. والموت هو الذي يلخِّص كل خسارة . وقد واجهه يعقوب علي يد عيسو أخيه الذي اراد قتله عند رجوعه ارض الميعاد . لهذا جاء الحدث الثاني أعنف في صورته وأكثر قسوة مِن الحدث الأول . فنحن نري الآن يعقوب يتصارع مع نفس الإله الذي كان واقفاً علي رأس السلم في الحدث الأول . بل إن الحلم نستشف منه ملامح وشُبهة أنفصال . فنحن أمام يعقوب وهو يجاهد أن لا ينفصل عن هذا الإله مهما كانت الخسارة حتي لو كانت هي خسارة كل ما حققه في حياته "لا أُطلِقك". إن أنجازات الإنسان في الحياة الدنيا ونجاحاته ربما تشكل أكبر تهديد لعلاقة الانسان مع الله والمسيرة نحو الأبدية . وقد تمثَّل هذا في تهديد عيسو ليعقوب بالقتل ، حتي أن يعقوب قسم عائلته وزوجتيه وما يملك الي فرقتين حتي إذا قتل عيسو الواحد يبقي الآخر . الرائع في الحدث الثاني أن يعقوب تقبَّل الخسارة في لحمه وجلده "ضرب حق فخذه فأنخلع حق يعقوب في مصارعته مع الله" ولكنه لم ينفصل عن الرب رغم الخسارة . فالذي ينخلع فخذه في مشاجرة يحرص أن يهرب خوفاً علي حياته أن تُزهق في هذه المصارعة. لكن يعقوب لم يبالي وتمسَّك بخُنَّاق الرب "لا أطلقك إن لم تباركني" . فعجيب كان أمر يعقوب وتناقضات هذا الحلم . أينتظر أحدٌ بركةً مِن الذي خلع فخذك ؟ وكيف يأتي مكسب أو بركة من داخل خسارة و قد طالت لحمك وعظمك ؟. لهذا جاء هذا الحلم في فترة غني يعقوب والتهديد بالخسارة والموت . فالرب يحذرنا من أن يبتلعنا الخوف من فقدان ما جنيناه في حياتنا من نجاحات . ويؤكد لنا أن المهم والمطلوب هو أن لا ننفصل عن هذا الإله الذي كان مشرفاً علي بدايات حياتنا من علي رأس سلمها. فحياتنا أصلاً سلم يتجه من الارض الي السماء والرب يباشرها من فوق رغم كل ما فيها من أحداث . فإن حلم سلم يعقوب يؤكد - ومنذ العهد القديم - أن حياتنا لن تعود مرة ثانية من التراب والي التراب كما كانت . فهي أصلاً حياة سمائية - وإن كانت الآن علي الأرض - والرب علي رأس طريقها الصاعد إليه في السماء . فبعد تجسد المسيح ” آدم الثاني“ صار هو رأس خليقتنا وليس بعد ” آدم الأول ” الذي من تراب الأرض . وربما هذا ما أكده الرب ليعقوب أنه حتما سيرجعه من أرض خاله الذي يعبد الأصنام إلي أرض الميعاد حيث هيكل الله الحي ”وأردَّك إلى هذه الأرض ، لأني لا أتركك حتى أفعل ما كلمتك به“ . إن الحدث الثاني ومصارعة يعقوب لله هو من أجلنا ، لنكون مثل يعقوب علي استعداد أن نترك كل شئ مهما كان حتي و إن أصاب لحمنا وعظمنا ولكننا لا نتخلي عن رفيق مسيرتنا منذ بدايتها ، الرب المُطَّلع من السماء ، والذي هو وجهة حياتنا من الأصل . فهو القادر أن يبدل الخسارة والموت الي بركة وحياة . ولأن هذا كان قصد يعقوب الذي كشفه الحلم : أن لا يفصله عن الرب شئ - خاصة الخسارة - فإن الرب لم ينفصل عن يعقوب بل ظل معه . فأين ظهر هذا، أن الرب لم يفارق يعقوب ؟ . نقول إن البركة في العهد القديم هي المقابل والمرادف لمفهوم النعمة في العهد الجديد . والنعمة هي شخص الرب ذاته . فشخصه هو نعمته وبركته لنا " بالنعمة انتم مخلَّصون“ ، والمسيح هو المخلِّص . --- ### يسوع والمرأة - Published: ۲۰۲۱-۰۵-۱۵ - Modified: 2023-08-28 - URL: https://tabcm.net/1417/ - تصنيفات: إصلاح كنسي, المرأة القبطية - وسوم: النظام الأبوي, يوسيفوس فلاڤيوس أول حاجة لازم نفتكرها دايمًا إن يسوع وتلاميذه بالأصل يهود المسيحية أصلاً نشأت كطائفة يهودية معجزات المسيح المكتوبة في الأناجيل ليها نفس الشكل والبناء الأدبي للمعجزات المذكورة في كتب حاخامات اليهود المجتمع الراديكالى اليهودى والجريكوروامانى في فترة يسوع، مبني أصلا على النظام الأبوي يسوع فعلا ما شجعش النظام الأبوي(البطريركي Patriarchy) بس في نفس الوقت ما عملش حاجة واضحة للإطاحة بيه حركة يسوع في المجتمع اليهودي كانت حركة تجديد وإصلاح لوضع بديل للنظام الأبوي عنها حركة رفض للقيم والممارسات اليهودية مع الزمن تم تصوير المسيحية على إنها حركة ضد يهودية anti-Jewish وده خلانا نتخيل إن يسوع نفسه كان كدة، وده مش حقيقي "من يعلم إبنته التوراة فكأنه علمها الفسق" (رابي اليعازر) من اللي ذكرناه نلاقي إننا محتاجين ندرس حال المرأة في اليهودية خاصة في بدايات القرن الأول الميلادي مع الوضع في الاعتبار الآتي :- المصادر عن الموضوع ده قليلة جدا ... واغلبها كتبت بعد خراب أورشليم سنة ٧٠ زي كتابات يوسيفوس  ما نقدرش ناخد الكتابات دي كلها على إنها واقع تاريخي النصوص فيما تحتويه من تمجيد أو تشويه وتحقير للمرأة هي خبرة كاتبيها (اللي هم ذكور) عن المرأة في سياق الهيكل الاجتماعي. . أو هو إسقاط وانعكاس للواقع الذكوري المسيطر من المعروف عامة إن الكتابات اللي بتكون قوانين النظام الأبوي عادة ما بتكون اكثر تشددا من واقع الحياة العملي الاجتماعي في العلاقات بين الرجل والمرأة. يعني مثلا التعاليم الرابينية اليهودية بتساوي بين المرأة والطفل والعبد. فى حين واقعيا فى قصص كتير من قصص العهد القديم نفسه. المرأة كان ليها دور اكبر من كدة. الرابي اليعازر نفسه صاحب المقولة اللى فوق . . بيوصف ويمجد فى حكمة Beruria ابنة وزوجة كاهن دارسة للتوراة الجماعات اليهودية المختلفة من أقصى اليمين لأقصى الشمال كتاباتهم فيها تنوع ما بين نظرة رافضة للزواج أو تحتقره وتحث الرجل على عدم الزواج "فالزوجة كائن أناني وغيور بشدة وده بيأثر على أخلافيات زوجها" حسب تعبيرهم (وده بيندرج تحته نظرة دونية للمرأة) زى ال Essenic groups الاسينيين، وفى الأدبيات النبوية هن سبب خطية الرجل والملائكة! ورجال الطبقة المثقفة والمتمثلة في الطبقة الوسطى كان بيتم نصحهم إنهم يكونوا حذرين جدا في التعامل مع المرأة في نفس الوقت ها نلاقى سفر زي سفر يهوديت -فيه خلاف على قانونيته عند اليهود- بيصور للمرأة دور في التحرر من الاحتلال وده في الغالب كان توجه اغلب الحركات الثورية انهم يشركوا المرأة بشكل ما في الحركة ضد الاحتلال "لنفس السبب في كتابات قمران للاسينيين لم يجدوا أي اثر لسفر استير" (بولس حنا، خبير دراسات العهد القديم) باختصار نقدر نقول إن مكانة المرأة اليهودية بتتحدد بمستواها المادي ومكانتها الاجتماعية ومكانتها تحت نظام السلطة الحاكمة (في الالفنتين بمصر مثلا المرأة كانت بتدفع ضرايب وتدخل جيش وكان فيه مساواة) طب يسوع كان يهودي. . فين المشكلة بقى يسوع كان يهودي ومؤمن بخلاص مملكة إسرائيل لكن بوجهة نظر مختلفة. يوحنا المعمدان - والغالبية - كان شايف إن ملكوت الله حدث مستقبلي ها يسبقه غضب ومحاكمة الرب  "الفأس وضع على أصل الشجرة" في حين يسوع كان شايف ان ملكوت الله مش لسة حدث هايحصل في المستقبل ... لا ده موجود وسطيكم بالفعل وعليكم تحقيقه والتمتع به الملكوت عند الغالبية والفريسيين مرتبط بعودة مملكة إسرائيل كمملكة كهنة تتمركز قوتها حول قداسة الانسان المستمدة من الهيكل والتوراة الملكوت عند يسوع عودة مملكة إسرائيل اللي بتعتمد على كمال الإنسان والإنسانية وليست قداسته الفروق دي ظهرت في تصرفات كل مجموعة ذكرناها مجموعات النساك االلي زي المعمدان بتعتزل في البراري وتقضيها نسك وصوم عشان تجهز نفسها للحظة مجيئ الملكوت  الفريسيين يتمسكوا بتقاليد وتطهيرات الكهنة وأصوامهم واعتزال الغير طاهرين في نظرهم والتدقيق في تطبيق قوانين الهيكل والتوراة في انتظار الملكوت يسوع كان شايف إن كمال الإنسانية في ضم الكل في وحدة كاملة مفيش حد معزول الملكوت موجود وحاضر الإنسانية هي الأعلى ولا يمكن قياس الحياة اليومية للإنسان على أساس الهيكل والتوراة بالعكس. قوانين الهيكل والتوراة هي اللي يتم تقييمها دائمًا في ظل ما إذا كانت قادرة على ضم كل الأفراد معا وفى نفس الوقت تؤدي إلى كمال كل فرد على حدة فتلاقي يسوع وتلاميذه ما بيصوموش لأن مش الصيام هو المطلوب هو مجرد سلوك نسكي لا يزود ولا ينقص من حقيقة وجود الملكوت اللي حاضر بالفعل فى الوسط فالهدف هو الكمال مش القداسة بياكلوا مع العشارين والخطاة والعاهرات والمرضى والمنبوذين . . لأن كلهم جزء من المكلوت ... تلاميذه فيهم ستات أمثال يسوع الأخر يصبح أول المرفوض يصبح مقبول الغير مدعوين ندعوهم من على الأرصفة يكتمل الملكوت بوحدة كل شعب إسرائيل وكمالهم وانتهاء المعاناة والعنصرية والتفرقة والموت نظرة تضم الكل حتى المرفوضين من المجتمع النظرة دي فيها تغيير لمنظور المرأة كجزء من الفئات المنبوذة أو المهدر حقها المجتمع يراها أخيرة تصبح بيسوع أولى المجتمع يرفضها تصبح بيسوع مقبولة هي غير مدعوة فيدعوها يسوع إلى وليمته فلا يكتمل ملكوت يسوع إلا بالمرأة. --- ### نظرة على الكهنوت في العهد الجديد - Published: ۲۰۲۱-۰۵-۱٤ - Modified: 2023-05-11 - URL: https://tabcm.net/806/ - تصنيفات: لاهوتيات, مقالات وآراء لم يوجد كهنوت خاص إلا في العهد القديم وكان في سبط لاوي ”وتفرز لي اللاويين من بين بني أسرائيل فيكون اللاويون لي“ (عدد ١٤:٨). فقد كان الكهنوت في اليهودية خاصاً ومنفصلاً عن الشعب بل ومحظوراً عليه. وكان هناك حداً يفصل كهنة الهيكل عن الشعب وستاراً يحجب قدس الأقداس . فبقي الكهنوت محصوراً في سبط لاوي في العهد القديم ولم يشمل كل شعب إسرائيل. ولكن الله أعطي وعده بعهد جديد يكون فيه الكهنوت للشعب جميعه وليس لفئة خاصة: "فالآن إن سمعتم لصوتي، وحفظتم عهدي تكونون لي خاصة من بين جميع الشعوب. فإنَّ لي كل الأرض. وأنتم تكونون لي مملكة كهنة وأمة مقدسة . هذه هي الكلمات التي تكلم بها بني إسرائيل». " (خروج ١٩). وطبعا معروف تاريخياً أن هذا لم يتحقق في العهد القديم، لأنه لم يحدث أن كل شعب مملكة إسرائيل صاروا مملكة كهنة. بل ظل الكهنوت محصوراً في سبط لاوي حتي زوال العهد القديم. بل وقد كان الموت هو عقوبة كسر هذه التفرقة بين الكهنة والشعب قديماً وقبل أوان تحقيق الوعد بزوال التفرقة في العهد الجديد. رأينا هذا في حادثة قورح وداثان وأبيرام ( سفر العدد ١٦). فقد واجهوا موسي النبي بوعد الله الذي لم يتحقق بعد أن الكهنوت سيكون لكل شعب الله . فقد كان مضمون الوعد أن الجميع سيكونون كهنة لله العلي، لأن الرب في وسطهم، وبذلك يصير الجميع قديسون وكهنة، ولا أحد فوق شعب الله بسبب كهنوت خاص كما حدث في سبط لاوي في ذلك الزمان . لذلك فتحت الأرض فمها وابتلعت قورح وجماعته. ثم تجسد المسيح وأفتتح العهد الجديد، عهد النعمة، وتحقق الوعد بالكهنوت لكل شعب الله بسبب تدخل النعمة، بعد أن فشل تحقيق الوعد عن طريق جهاد شعب إسرائيل بالبر الذاتي للإنسان وفشلهم في محاولة تطبيق الشريعة وتكميل الناموس بالجهاد دون النعمة. ففي العهد الجديد أصبح شعب الكنيسة هو شعب الله وكهنته دون تفرقة بين كهنة من سبط لاوي وبقية شعب الله إسرائيل كما كان قديماً "كونوا أنتم أيضاً مبنيين كحجارة حية­ بيتاً روحياً، كهنوتاً مقدساً، لتقديم ذبائح روحية مقبولة عند الله بيسوع المسيح. 9 وأما أنتم فجنس مختار، وكهنوت ملوكي، أمة مقدسة، شعب أقتناء، لكي تخبروا بفضائل الذي دعاكم من الظلمة إلى نوره العجيب. 10 الذين قبلاً لم تكونوا شعباً، وأما الآن فأنتم شعب الله. الذين كنتم غير مرحومين، وأما الآن فمرحومون. " (بطرس الأولي ٢). أنظر أيضا سفر الرؤيا ص٦:١ & ص ١٠:٥& ص ٦:٢٠. فكهنوت العهد الجديد هو كهنوت كل شعب الكنيسة وليس فيه أختلاف كياني بين سبط وسبط آخر أو فصيل دون فصيل. بل هو كهنوت عام ملوكي. وكلمة ملوكي أي يتبع الملك المسيح في ملكه الألفي الذي بدأ بقيامته من الأموات ليملك علي كل أعضاء الكنيسة الذين يُكَّونون مملكة المسيح وكهنته ويقدِّمون التسبيح لملكهم المسيح فكنيسة العهد الجديد هي كنيسة مواهبية، نسبةً إلي مواهب الروح القدس. فجميع شعب الكنيسة لهم مواهب الروح القدس وليس لفئة خاصة دون أخري. ولكن يوجد بينهم تنوع في المواهب من أجل تقديم خدمات وظيفية متنوعة. فالقسوس والأساقفة لا زال كهنوتهم هو الكهنوت العام المتساوي مع كل كهنوت شعب الكنيسة. أي أنه ليس لهم كهنوت خاص بهم. ولكنهم يتميزون بأن لهم وظيفة خاصة بهم ”لا يأخذ أحد هذه الوظيفة من نفسه بل المدعو من الله“، مثلما هو الحال لكل فرد في شعب الله في الكنيسة له وظيفة خاصة به، ولأجلها يأخذ موهبة من الروح القدس. فالكهنوت واحد في الكنيسة، ولكن الوظائف ومواهبها تتنوع بين أفراد شعب الكنيسة من أجل خدمة الكنيسة جسد المسيح. وتعريف وظيفة القسوس والأساقفة هي أنهم خدام أسرار المسيح رئيس الكهنة الأعظم، حيث الكهنوت لجميع شعب الله وليس لفئة بعينها دون أخري. وكما قلنا فإن الكهنوت في العهد الجديد، هو كهنوت واحد فقط. وهو الكهنوت الملوكي لكل شعب الله بالتساوي. وقد كان علي مستوي الوعد فقط في العهد القديم. فلم يُسمَح لغير الكهنوت اللاوي بالخدمة في خيمة الاجتماع أو الهيكل في العهد القديم. أما في العهد الجديد فقد صارت الخيمة ”حية وغير مصنوعة بيد بشر“ و مِلكاً لجميع أعضاء الكنيسة. فشعب الله في العهد الجديد يتألف من ملوك وكهنة. وهو شعب مقدس بسبب حضور المسيح في وسطه متى أجتمع ”إن اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي، فهناك أكون في وسطهم“. ولهذا لا تبتلعه الأرض ولا تبدده النار كما حدث لقورح وجماعته. شعب الله في العهد الجديد لا يعبد الله في ساحة الهيكل خارجاً بل في قدس الأقداس ، لأن الحاجز المتوسط قد أنشق من الوسط"وإذا حجاب الهيكل قد أنشق نصفين من أعلي إلى أسفل" (متى ٢٧)، وصار للشعب كله دخولاً إلى قدس الأقداس. شعب الله الجديد يمكنه أن يدخل حيث لم يستطع شعب الله القديم الدخول إلى قدس الأقداس. هذا صار ممكناً لكل الشعب بتجسد المسيح الذي صار جسده طريقنا إلي قدس الأقداس عندما أنشق جنبه علي الصليب وسال دمه "فإذ لنا أيها الإخوة ثقة بالدخول إلى «الأقداس» بدم يسوع، طريقاً كرَّسه لنا حديثاً حياً، بالحجاب، أي جسده" (عب ١٠). فقد صار للمؤمنين في العهد الجديد دخولاً إلى قدس أقداس هيكل الله الحي، لأن قدس أقداس هيكل الله في العهد الجديد هو جسد المسيح: "فأجاب اليهود وقالوا له: «أية آية ترينا حتى تفعل هذا؟». أجاب يسوع وقال لهم: «أنقضوا هذا الهيكل، وفي ثلاثة أيام أقيمه». فقال اليهود: «في ست وأربعين سنة بُنِيَ هذا الهيكل، أفأنت في ثلاثة أيام تقيمه؟». وأما هو (يسوع) فكان يقول عن هيكل جسده. " (يوحنا ٢). وهكذا صار الكهنوت الملوكي حقيقةً وأساساً لحياة الكنيسة بنعمة المسيح في العهد الجديد. لذلك فإن الارتداد إلي مفاهيم العهد القديم قبل أن تتكمل في العهد الجديد ، وذلك بالفصل بين كهنوت وكهنوت في كنيسة الله، هو في حقيقته ارتداد عن نعمة العهد الجديد وبالتالي هو تغييب للنعمة. وأي محاولة لاستجداء هيبة وسلطان لفئة ما في الكنيسة علي غير أساس موهبة المحبة التي هي من مواهب الروح القدس، الذي ليس بين مواهبه سلطة أو سلطان أو شريعة أو قانون، سينتج عنه غياب النعمة. فموهبة المحبة التي هي موهبة من الروح القدس الذي ليس بين مواهبه سلطان، هي التي تضمن الهيبة و الطاعة في العهد الجديد، أما الهيبة القائمة علي الخوف مِن سلطان أو قانون أو خوف من أرض تنشق وتبتلع المخالفين كما في حادثة قورح وداثان وأبيرام في العهد القديم، فليس لها مكان في العهد الجديد. إن الله لا يعهد بسلطته وسلطانه إلى إنسان مهما كان. بل العكس صحيح أن الله يُخضِع كل البشر للمسيح "لآنه وَضع كلَ شيء تحت قدمي المسيح“. ولا يوجد في الكنيسة سوى سلطة وسلطان المحبة، لأن المحبة هي طبيعة الكنيسة "جسد المسيح". فليس في الكنيسة ”سلطان للكهنوت". لأن السلطة والسلطان والتسلط ليس من مواهب الروح القدوس. إن الله لا يمنح الرعاة والكهنة سلطة و سلطان، بل يمنحهم موهبة المحبة، التي بواسطتها يَخضع الناس لهم ”كمَن له سلطان“. فلا يمكن إعطاء أي أساس آخر للسلطة في الكنيسة إلا لسلطان المحبة. وبالتالي فليس هناك ما يُشاع عن "سلطان الكهنوت“ لأن الأساس الوحيد للسلطة في الكنيسة هو وجود المسيح فيها. والمسيح لم يعط قانون أو شريعة أو ناموس أو حق يخلق سلطة قانونية في الكنيسة، بل إن المسيح رفض مثل هذه السلطة القانونية، وجعل نفسه وسلطان محبته مثالاً: "تعلموا مني لأني وديع ومتواضع القلب" (متي ٢٩:١١). سلطة المسيح في الكنيسة، هي سلطة المحبة التي يحملها. والأساقفة يمكنهم أن ينالوا فقط ما يعطيه المسيح للكنيسة من موهبة المحبة بالروح القدس، لا أن يخلقوا بديلاً للمحبة عن طريق سلطة قانونية تخلق لهم "سلطان الكهنوت" في الكنيسة: “ولا تتسلطوا عل رعيتكم، بل كونوا قدوة للقطيع" (١بط: ٥) أما عن مبدأ "سلطان الكهنوت" فقد دخل خلسة إلي مفاهيم البعض في كنيستنا وكان تأسيساً لسلطان ذو صبغة قانونية ناموسية كشريعة العهد القديم. فالتسلط أو الآمرة علي رعية الله تعني أستعمال سلطان غير مؤَسَّس علي المحبة. لذلك فإن ما يقال عنه "سلطان الكهنوت“ هو رِدة إلي عبودية قانون / ناموس العهد القديم. بينما العهد الجديد يقوم علي الخدمة المؤسَّسَة علي المحبة. هذا هو الخيط الرفيع الذي لو قطعناه تنشأ سلطة في الكنيسة غير مؤسَّسَة علي المحبة، فتنحسر النعمة عن الرعاية لو حدث واغتصبنا سلطان المسيح الذي لا يعطيه لأحد، بل يمنح بسلطانه هذا موهبة المحبة المتبادلة بين الراعي والرعية والتي هي أقوي من كل سلطان بناموس أو قانون أو شريعة. إن هذه النزعة الدخيلة علي منهج العهد الجديد الذي أسسه المسيح نجدها أيضاً هي السبب في التعثر في عدم التخلي عن ناموس موسي وشرائعه المتمثلة في تطهيرات للمرأة بعد الولادة وأثناء الدورة الشهرية، ولا نزال نجد البعض يفرضها فرضاً بمنع المرأة عن التناول وبقية الأسرار في هذه الفترات. فهذا أستمرار لتعليم "سلطان الكهنوت" الذي دخل خلسة في الكنيسة. إن المسيحية وكنيسة المسيح في العهد الجديد لم تعرف الفصل بين إكليروس وعلمانيين لأنها كنيسة علمانيين (لائيكوس) في الأساس وكل فرد في الكنيسة هو ضمن كهنة الله العلي (وله رتبة كهنوتية هي رتبة العلماني: لآئيكوس. وهي رتبة كهنوتية لا علاقة لها بكلمة العالم الترابي). فالمسيح نفسه لم يكن رجل دين بل علماني. كذلك فإن آباء الكنيسة ليسوا كهنة فقط بل علمانيين أيضاً (وكل منهم هو لائيكوس). هذا نراه في طلبة أوشية / صلاة الراقدين. وإليكم هذا الشرح عن كلمة الإكليروس وكيف أنها في العهد الجديد صارت تخص كل الشعب: أولاً :في العهد القديم: قال الإله ”وتفرز لي اللاويين من بين بني إسرائيل فيكون اللاويون لي“ (عدد ١٤:٨). فكان اللاويون هم قنية الله وميراثه =نصيب Klerosالله من دون بقية أسباط شعب اليهود . بل وكان التخصيص متبادَل. فكان الله أيضانصيب Klerosلسبط لاوي وحده ”في ذلك الوقت أفرز الرب سبط لاوي لكي يقفوا أمام الرب ويخدموه“ (تثنية ٨:١٠). لذلك لم يكن لسبط لاوي نصيباً في الأرض مثل باقي الأسباط، لأن الرب كان هو نصيبهم. ثانياً : لما جاء العهد الجديد : فعلي عكس العهد القديم الذي كان فيه سبط لاوي هو فقط المخصص لله كنصيب له، فإن كل شعب الله -أي الكنيسة- صار يؤلِفنصيب Klerosالله بواسطة المسيح ”أنتم للمسيح والمسيح لله“ ١كو٢٣:٣. فيقيم الروح القدس في كل كنيسة شيوخاً (أو أساقفة) لرعايةالنصيب Klerosمن قطيع شعب الله الذي أقامهم عليه. فكل عضو في شعب الله هو عضو في نصيب الله = أكليريكي Klerikos ”أَطلب إلى الشيوخ الذين بينكم، أنا الشيخ رفيقهم، والشاهد لآلام المسيح، وشريك المجد العتيد أن يُعلَن، أرعوا رعية الله التي بينكم (الموكلة إليكم) نظارا، لا عن أضطرار بل بالاختيار، ولا لربح قبيح بل بنشاط، ولا كمن يسود علىالأنصبة Klerikoi(ولا تتسلطوا علي أنصبتكم)، بل صائرين أمثلة للرعية. “ (بطرس الأولي١:٥-٣). وصار الربنصيب Klerosلكل شعب الله، وعلي نفس منهج الله من جهة خاصته سبط لاوي، فإن شعب كنيسة الله لم تعد له علي الأرض مدينة باقية، بل يطلب ويسعى إلي مدينة المستقبل أورشليم السماوية : ”لأن ليس لنا هنا مدينة باقية، لكننا نطلب العتيدة“ (عبرانيين ١٤:١٣). ولأن نصيب المسيحيين هو عبادة الله، فإنهم يكونون بالضرورة في عهدة الله، ولا ينتسبون إلا إليه. وبذلك فهم يصيروننصيب Klerosالرب. --- ### ليس لهم أحد يذكرهم - Published: ۲۰۲۱-۰۵-۰٦ - Modified: 2025-04-13 - URL: https://tabcm.net/1414/ - تصنيفات: المرأة القبطية, مقالات وآراء حصر مجتمعنا القبطي، ربما بسبب تواتر القصص الفلكلورية، هؤلاء الذين ليس لهم أحد يذكرهم في فئة الفقراء والمعوزين؛ في حين أن الذين ليس لهم أحد يذكرهم يشملون نطاقًا أوسع من الأشخاص. زميل العمل المنطوي أو المغمور، الذي لا يحظى بتلك الشعبية التي يمتلكها الآخرين، ويبقى أغلب الأوقات منزويًا وحيدًا، ربما لا يملك الكثير من السمات الاجتماعية أو مواهب الفكاهة. ذاك الزميل الذي ربما مهما تفانى في عمله، لا يراه من حوله لافتقاره لملكات التسويق الشخصي. ذاك الزميل الذي إذا تركت الجماعة وانضممت إليه، تكون عرضة للتهكم، وإن اجتذبته للجماعة، ربما تتعرضون سويًا للسخرية. تستطيع أن تكون أنيسًا له. صديقتك تلك متيسرة الحال بشكل يبدو مقبول، لكنها ليست من أصحاب الوسائط والمعارف. وأنت على دراية تامة بأنه لو اهتممت بمفاجأتها في عيد ميلادها، لما استطاعت رد الهدية، والأهم أنك تعلمين أن الكثيرين لن يهتموا بمشاركتك الاحتفال بها أصلًا. تستطيعين أن تكوني بسمة لها. أصدقاؤك ممن يعانون من الاكتئاب، وينصحك الجميع بالابتعاد عنهم، قائلين (الحياة مش ناقصة). تستطيع أن تكون نورًا لهم دون أن تحترق. ذلك الشخص المختلف الذي ينبذه مجتمعه وكنيسته لا لشيء سوى أنه مختلف؛ حتى وإن كنت غير راضٍ عن حياته أو غير مقتنع بآرائه، ولكن يجب أن تقتنع بحريته الكاملة في اختيار المناسب له دون أن يتعرض للنبذ المجتمعي والإرهاب الفكري. تستطيع أن تكون ملاذًا آمنًا له. تستطيع أن تكون مسيحًا في حياتك اليومية بكل سهولة، مسيحًا حقًا. الأمر لا يستدعي، ولا يساوي أبدًا، الكثير من الأعمال النسكية أو الانخراط في مبالغات أفلام قصص الفلكلور المسيحي المنسوبة للقديسين. تستطيع أن تكون سامريًا حقيقيًا في حياتك وحياة من حولك دون الحاجة إلى المال. تستطيع أن تصنع معجزات ملموسة كل يوم دون الحاجة إلى ظهورات أو أنوار وبخور وزيوت. فالإنسان هو جلّ الشغل الشاغل للمسيح، وهدف تجسده كابن للإنسان. --- ### على خطى "خوان" - Published: ۲۰۲۱-۰٤-۲۸ - Modified: 2022-09-13 - URL: https://tabcm.net/1361/ - تصنيفات: أدبيّات وفنون, إصلاح كنسي, لاهوتيات - وسوم: إلهي مختلف, اللاهوت الليبرالي, خوان ارياس, لا أؤمن بهذا الإله, لاهوت التحرير - مزجٌ أوّل - أجل، لا أؤمن بإلهٍ يدنوني إنسانية، يباغت اﻹنسان في لحظة خطيئة... لا أؤمن بإله معدوم القلبِ يعاقبُ الأطفال بالمرض وبالإعاقةِ وبالموت من قبل أن يفعلوا شراً أو خيرا... لا أؤمن بإلهٍ لا يشعرُ بالتعاسةِ والحزنِ لرفضه، وإنما الغضب المفتقر لضبط الذات،، إله لم يتذوق طعمَ الألم، أو الهجر، أو فراق الموتى، ولم يختبر النوم جائعاً، ولا السجن ظلماً، ولم يتسول أو يتذلل من أجل فرصةِ عمل... إلهٌ يمتهن السياسة، ينكّلُ بالخصوم، يقود الحرب، وتنقصه بسالة المحاربين فليس لديه أي فرصة لشجاعة الموتِ بشرف... - مزجٌ ثانٍ - ولن أؤمن أبدا بإلهٍ تحتكره فرقةٌ من البشر، لا يفهمهُ إلا رجال الدين، يحبُ الألم، يكرهُ الفرح، يعقمُ عقل الإنسان، يَفرضُ عليهِ إن أبتغي الإيمان أن يتنازل عما يجعلُ منه إنسانا... لن أؤمن أبدا بإلهٍ لا يعرفُ البكاء، يشجب الجنس، يصطفي الخصيان، يفضّلُ الطهارةَ على الحب، ولا تختلج مشاعره أمام ألوان زهرة... لن أؤمن أبدا بإلهٍ يُفرض بالرعبِ في القلب، يضع الشريعةَ فوق الضمير، يرفضُ حقَّ الخطأ، لا يرضى إلا بالعلامةِ القصوى، ينقصهُ الغفرانَ لأيّةِ خطيئة، وينتشي برغبةِ الانتقامِ صارخا: سوف تدفعُ الثَّمن! خوان أرياس: راهب ولاهوتي أسباني... صديقه الأول كان ملحدا... تحدى نفسه في إيجاد قواسم مشتركة بين الإيمان والإلحاد، تتجلى في شكل الإله الذي يرفضه كلاهما... وكان نتيجة هذا مقال مُبهر اسمه "لا أؤمن بهذا الإله"، ثم مقال آخر ليس بقوة الأول اسمه "إلهي مختلف"... بعدها سلسلة من المقالات تم جمعها في كتاب حمل اسم مقاله الأول... يشار لكتابه كأحد أدبيات "لاهوت التحرير" لكنه واقعيا كان يحوي شيئا مختلفا عن النزعة الثورية، عرف لاحقا باسم: "اللاهوت الليبرالي" هل يمكنك السير على خطى "خوان أرياس" في إبداع قواسم مشتركة بين طرفي النقيض؟ أم أن الأسهل دوما هو إيجاد الفوارق حتى بين يديك الإثنين المنتميين لجسدك الواحد؟ --- ### أسبقية حياة الشركة مع الله علي كتب الأديان - Published: ۲۰۲۱-۰٤-۲۰ - Modified: 2021-06-13 - URL: https://tabcm.net/808/ - تصنيفات: كتاب مقدس, مقالات وآراء الكتب المقدسة ليست مُنشِئة بل كاشفة لعلاقة الله مع الإنسان . إن الله بشخصه وحضوره الذاتي هو الذي يُنشئ العلاقة ويحفظ دوامها. حدث هذا في كل تاريخ علاقة الله مع الإنسان في تاريخ اليهودية والمسيحية في العهد القديم والعهد الجديد . ثم تأتي الكتب المقدسة تشهد عن مبادرة الله التي حدثت بشخصه وسط خليقته التي أحبها فخلقها، ثم أفتداها بشخصه و يحفظها في حياة شركة معه . إن الإيمان المسيحي في حد ذاته هو معجزة إلهية بكل المقاييس، لأنه لم ينشأ بقدرات بشرية أو حتي بكتب مقدسة لولاها لَما نشأ. فالإيمان المسيحي نشأ بتدخل الله في تاريخ الإنسان وشهادته لنفسه ، ولا يزال . هذا بدأ في العهد القديم بظهورات الله المتعددة لبني أسرائيل ، والتي هي في حد ذاتها إرهاصات للتجسد الإلهي للرب يسوع المسيح ” الله الظاهر في الجسد“ والذي أفتتح العهد الجديد للإنسان مع الله ، ليصل بحياة الشركة بين الإنسان والله إلي كمالها، ألا وهو إتحادنا به - تبارك أسمه - في شخص المسيح له المجد . وهذا مقصد الله من خلق الإنسان . ويشهد تاريخ البشر أنه لم يخلوا يوماً من عبادتهم لإله . لذلك فإن الإيمان بوجود الإله سابق علي ظهور الأديان وكتبها المقدسة . لذلك فالأديان ليست مُنشِئة لهذه الظاهرة . وعلي هذا فإن الإيمان بالإله له الأسبقية علي الكتب المقدسة وليس العكس . هنا إجابة التساؤل عن سبب الإيمان بالإله أنه كان ولا يزال هو شخص الله ذاته - جل جلاله . والحقيقة الهامة المترتبة علي هذا الإستعلان ، هو أن الخوف و الشك من ضياع الكتب المقدسة أو تحريفها هو هاجس الإنسان وليس هاجس عند الإله الحق . فالكتب المقدسة جميعها كتبها بشر ونسخها بشر من بعدهم . وكل ما هو من صنع البشر يحتمل تدخل البشر فيه . أما الإيمان بالله والذي هو مبادرة الله ، فلا تطوله يد تحريف . هذا هو الذي حفظه الله ، ويحكم بصحة الكتب المقدسة وليس العكس . إن المرجعية الأساسية التي تحكم في نشأة العلاقة بين الله والإنسان هي مبادرة شخص الله، وإستجابة شخص الانسان . ثم تأتي بعد ذلك الوسائل المتعددة من جانب الله والانسان لتحقيق تلك الشركة . من جهة الله : وأتكلم هنا مسيحياً ؛ فإن المسيحية ( واليهودية ) تقول بأن هناك عمل روح الله القدوس السري في قلب الانسان . هذا وصل إلي درجة الملء في المسيحية ، إذ أرسل الرب يسوع المسيح من عند الآب الروح القدس ليحل ويملأ المؤمنين بتواجده الذاتي . هناك أيضا التاريخ بما تمَّ فيه من حضور شخصي لله سواءً في العهد القديم أو العهد الجديد كما ذكرنا قبلاً . هناك أيضاً رجال الله والنساء القديسات الذين قدَّموا إلي الأجيال التالية شخص الرب حياً من خلال علاقتهم الحية به ومن خلال شركتهم مع المؤمنين . هذا هو مفهوم المسيحية أنها تقوم علي حياة ” التسليم“. وهو ما نقصده في صلاتنا في القداس القبطي ”من جيل إلي جيل وإلي دهر الدهور آمين“ . فالإيمان المسيحي ليس محفوظات في كتب ولكن هو شخص المسيح الحي في تابعيه ، يسلمونه إلي الآتين بعدهم . لذلك فقد نفي الرب يسوع المسيح أن يكون كلامه مجرد حروف في كتاب بل قال ”الكلام الذي أكلمكم به هو روح وحياة “، هذا لاتنقله حروف مكتوبة بل روح الله من خلال بشر كتبوا ما قاله لهم ، فأنشأت حياة الشركة في الكنيسة بين الإنسان والمسيح وبالتالي بينهم جميعا في المسيح . إن دليل صدق كتاب المسيح هو حياة المسيحيين نفسها الشاهدة للإنجيل في عدم تعارض. لأن الروح الذي ساق كاتبي الكتاب المقدس هو الذي يسوق حياة المؤمنين . لذلك قال الرسول بولس ” إن كان الموتي لا يقومون فالمسيح إذن لم يقم“ . الموتي هم أنا وانت وأنتي ، إذ تشهد توبتنا وحياة الله التي عادت لتسري فينا عن قيامتنا من موت الخطية . هذا هو برهان قيامة المسيح عند كل مسيحي لمِا هو مكتوب في الكتب . ومن جهة الإنسان ، فإن أهم ما أعطاه الله من جهة العلاقة بالله هو خلق الإنسان علي صورة الله : ” نخلق الإنسان علي صورتنا“ (سفر التكوين) . لذلك فإن حنين الصورة لأصلها الإلهي لا يزول من الإنسان و كان سابقاً للأديان و كتبها . من هنا نقول إن الله هو أصلٌ في الإنسان قبل الكتب المقدسة . ونتيجة التلاحم بين الصورة و أصلها - بواسطة عمل االروح القدس - منذ بدء الكنيسة المسيحية ، نشأ فيها ما نسميه ” التقليد الكنسي“. وهو يشتمل علي مواهب روح الله المتنوعة في الكنيسة ( نعمة التمييز والإفراز والرؤية ... ) بحيث تكفل قيادة الكنيسة في هذا العالم ، حسبما قال المسيح ” وتحكمون في كل شئ ، ولا يُحكَم فيكم من أحد“. والتقليد يسبق الكتب المقدسة بل ويحكم بصحتها . هنا نأتي إلي هشاشة القول بصحة دين ما بالإدعاء أن كتابه لم يحرفه بشر بينما كتب الأديان الأخري قد حرفها البشر. أولاً إن أي شئ تصل إليه يد البشر هو قابل للتحريف . هذا لا يقبل المناقشة أصلاً . فما بالك بالإعتماد علي هكذا إدعاء وتصديقه وترديده ومنع مناقشة عدم معقوليته ليكون أساساً لمعتقد ما ؟. إن كل كتاب مقدس لدينٍ ما، يمكن أن يعتمد علي نفس الإدعاء كبرهان لصحته دون دليل مطلق . لذلك أعتبر العالم المتحضر أن موضوع الأديان هو شخصي وليس موضوعي . فعلي كل صاحب دين أن يتعقل في سبب إيمانه بدينه ليكون نابعاً من دينه وليس من الإدعاء بتحريف كتب الآخرين . هنا يأتي دور العقل الإنساني المتحضر في حماية الإنسان من المعروض في الأسواق من كتب مقدسة لأديان كثيرة . فمن المستحيل أنها جميعاً الطبعة الأصلية الأولي - لو جاز لنا القول - التي تشهد لمبادرة الله المُنشِئة لعلاقته بالإنسان . لكنها بلا شك تقليد للأصلي ، لأن الله واحد ولا يُنتِج تفريقاً وإنقساماً للبشر عن طريق أديان عديدة . إن الأديان متباينة وتتراوح إختلافاتها بحسب إختلاف معطيات البيئة التي نشأت فيها . ولكن بلا شك فإن معظمها كانت ذي فضل علي مجتمعاتها ، علي الأقل في أمور تخص زمانها ومكانها والقوم المعتقدين فيها . إن أبسط مايمكن للعقل البشري أن يحتكم إليه ليميز صدق أي دين كبداية ، هو أن يكون هذا الدين نصيراً لنعمة الحياة بالتساوي بين البشر جميعاً، وليس نصيرٌ للعنة الموت . هذا لأن العقل السليم يتنافر مع كل ما يتعارض مع صورة الله المطبوعة في وجود وكيان الإنسان . فمستحيل لحق الله أن يتناقض مع نفسه وهو أصل الحياة فيصير قتَّالاً كارهاً للحياة . إن السيد المسيح وصف الشيطان هكذا ” ذاك كان قتَّالاً للناس منذ البدء“. الأمر الثاني الذي يحتكم به العقل الإنساني ، أن يخلو الدين من الخداع أو الكذب . فالسيد المسيح وصف الشيطان أنه ” الكذاب وأبو الكذاب“. إن الحد الأدني لمسئولية العقل الإنساني هو رفض كل ما يتعارض مع خير الإنسان علي العموم إذا تضمنه كتاب أو تعليم لأي دين . أما عن الإيمان بالإله الحق فهو عمل الله ولا يقوي عليه بشر، بل فقط يستجيب له الإنسان. --- ### الإلحاد وأسبابه الدينية والنفسية - Published: ۲۰۲۱-۰٤-۱۲ - Modified: 2023-08-25 - URL: https://tabcm.net/816/ - تصنيفات: مقالات وآراء - وسوم: عقيدة التأله, كوستي بندلي برحم الأم طفلان يتحاوران. سأل الأول قائلًا "هل تؤمن بالحياة بعد الولادة؟“. رد الثاني”ماذا؟ ... بطبيعة الحال يجب أن يكون هناك شيء بعد الولادة وربما نحن هنا لنعد أنفسنا لما سنكونه في وقت لاحق“. قال الأول" هراء. . ليس هناك حياة بعد الولادة. ماذا عساها أن تكون هذه الحياة؟“ قال الثاني ”أنا لا أعرف، ولكن سيكون هناك مزيد من الضوء عن هنا. ربما سوف نسير بأرجلنا و نأكل من أفواهنا". رد الأول "هذا أمر سخيف. المشي هو أمر مستحيل. وكذلك تناول الطعام بأفواهنا أمر مثير للسخرية. الحبل السري يمدنا بالغذاء. والحياة بعد الولادة أمر مستبعد تمامًا، فالحبل السري قصير جدًا” قال الثاني "أعتقد أن هناك شيئ قادم وأظنه مختلفًا عما نحن عليه هنا" فاعترض الأول ”لم يرجع أحد يومًا من هناك مرة أخرى ليخبرنا. الولادة هي نهاية الحياة، وبعد الولادة ليس سوى الظلمة والقلق واللاشيئية “ قال الثاني "حسنًا، أنا لا أعرف بالضبط، ولكننا بالتأكيد سوف نرى الأم، وهي سوف ترعانا وتهتم بنا“ فأجاب الأول بسخرية ”الأم؟ أنت تؤمن بالأم؟ أين هي الآن؟ “ فطمأنه الثاني ”إنها في كل مكان حولنا. إنها هي التي نحيا فيها، وبها نتحرك ونوجد. بدونها لا يكون هذا العالم“. فامتعض الأول "أنا لا أراها، لذلك فمن غير المنطقي أي وجود لها" عندئذ أجاب الثاني بحزم "أحيانًا عندما تلتزم الصمت تستطيع أن تستمع إليها، ويمكنك أن تدرك وجودها. أعتقد أن هناك حياة حقيقية بعد الولادة، ونحن هنا لنعد أنفسنا لهذا الواقع الجديد والحياة الجديدة القادمة“ لم يكن إلهي هو ذلك الإله الذي كان يحطمه الملحدون أمامي. ليس هو يسوع المسيح. فذلك الإله لم يكن سوي صورة كاريكاتيرية. لم يكن سوي صنم. إيماننا كان آخر... وبالفعل إذا تصفحنا صفات ذلك الإله الذي يرفضه الإلحاد المعاصر وجدناه إلهًا يُذِّل الإنسان، يُقيده، يعميه، يسحقه، يحكم عليه بالسلبية والجمود والخنوع وبطفوله أبدية... إنه إله لا يستمد عظمته إلا مِن ضعف الإنسان وجهله وذله. ولكن أين هذا الإله مِن ذاك الذي كَشف لنا ذاته في وجه يسوع المسيح فظهر لنا محبة مُحيِّية مُوقِظة مُؤلِهة؟ (الأخصائي النفسي: كوستي بندلي) متي يكون الإلحاد استنارة فكرية إنسانية؟ إذا كان الإلحاد بسبب التمرد علي إله، هكذا وَصَفَه طيب الذِكر كوستي بندلي،، فإن هذا الإلحاد هو استنارة فكرية إنسانية للشخصية السَوِّية تسمو بها فوق هكذا إله، وفوق هكذا تأثير وتعليم له. بل ونقول إن التمثُّل بصفات هكذا إله وهكذا تأثير وتعليم له، يدل علي نفسية غير سَوِّية. أما أصحاب النفسية السَوِّية، فإن ارتباطهم بهكذا تعليم وإله يصبح ارتباطًا شكليًا، فيكتفون بالانتساب الشكلي دون ممارسة العمق. لأنهم لا يجدون فيه استنارة روحية تسمو فوق استنارتهم الإنسانية الطبيعية. هل هناك عِلاقة بين الإلحاد وعدم نُضْج الشخصية؟ وصف علماء النفس المتخصصين في دراسة الشخصية الإنسانية السَوِّية ملامح عديدة لن ندخل في تفاصيلها الآن. ولكن لفت نظري قدرة معينة تكتسبها الشخصية السوية ببلوغها مرحلة النضج، وهي الإحساس بالاستمرارية. لذا فإنّ الشخصية العدَمية هي التي يتملكها فكر ”عدمية الإنسان“ وبالتالي انقطاع استمرارية الإنسان في ما بعد الزمان المخلوق. فالزمن في اللغة اليونانية يُشَار إليه بكلمتين: CHRONOS، ومنها جاءت الكلمة الإنجليزية CHRONOLOGY ومعناها التسلسل الزمني لحياة الإنسان هنا علي الأرض. أما الكلمة الأخري: CHOROS، فهي تشير إلي الزمن غير المخلوق، وهو الذي تقع فيه أمور الله في ما قبل خلق الإنسان ”الأزل“، وفي ما بعد الخلق ”الأبد“. لذا فإنّ الشخصية العدمية يصعب عليها إدراك أمور الإنسان في ما وراء الزمن المخلوق. ونستنتج من هذا أن تلك الشخصية غير مكتملة النضج بَعد. لذلك يسهل علي شخصية بمثل هذه الصفة أن تميل إلي فكر الإلحاد. بين حياة الشركة مع الإله (التدين الحقيقي) وبين الشخصية السَوّية: هناك أوجه أخري تميز الشخصية المتكاملة و الكاملة النُّضْج. مثل القدرة علي الارتباط بالآخر علي الرغم من الاختلاف عنه أو عنها، وهذا من متطلبات وشروط النضج في الحب الإنساني الحقيقي. والعكس صحيح في حالة عدم النضج ، حيث يكثر النفور من كل ما هو ليس مثيل للذات. فتزداد الرغبة في التوحد أو العثور علي” توأم“ للذات وليس آخر وبالتالي مختلف عنه. لذلك يتردد في حب فترة المراهقة الذي لم يكتمل نضج صاحبه بَعد، تعبير”توأم الروح" SOUL MATE إشارة إلي شخص المحبوب أو المحبوبة. إن الله هو المنتهي، عند الحديث عن ”الآخر“ بالنسبة للإنسان. لذا فإنّ الارتباط بالله وحبه هو منتهي النضج للشخصية الإنسانية. ولقد ألقي الرب يسوع المسيح في تعليمه الضوء علي هذا المفهوم و تطبيقه والتدرج فيه إلي درجاته العليا. بدأ المسيح له المجد بارتباط الرجل بالمرأة وقال ”ترك الرجل أباه وأمه ويرتبط بامرأته“. ثم ارتفع بمستوي النضج الإنساني عندما تحدث عن ارتباط الإنسان بالله ”من أحب أبًا أو أمًا أكثر مني فلا يستحقني“. ثم وصل إلي منتهي نضج الشخصية الإنسانية المتمثلة في ترك الكل من أجل الارتباط بالواحد وهي الرهبنة المسيحية ”خصوا أنفسهم من أجل ملكوت الله“. لماذا المسيحية ليست عُرضة لفكر الإلحاد عند الشخصية الإنسانية السَوِّية؟ أن إله المسيحية لا يلغي شخص الإنسان خلال مسيرة نضج شخصيته السويَّة. بل علي العكس، فإن إله المسيحية يتسع بتخوم شخصية الإنسان من مرحلة لأخري وصولًا به إلي المنتهي واللامحدود وبدون تفريط في كيانها وفرادتها أي تميزها عن الآخر (وليس فرديتها والتي تعني عدم الارتباط بالآخر في شركة حياة) و دليلنا علي هذا نجده عندما تكلم إله المسيحية عن ارتباط الرجل بالمرأة ”يترك الرجل أباه وأمه ويلتصقبامرأته“، فإنه أضاف ماهو العجب بعينه إذ قال له المجد ”ويصير الاثنان جسدًا واحدًا“ إن الدخول في عمق هذا الحديث للرب يستغرق مقالًا آخرًا ، ولكن نكتفي هنا بالقول أن كلا الزوجين لم يفقد فرادته بل ظل واحدًا كما يراه كل مَن حوله، رغم أنه في الحقيقة وعلي المستوي السري المستيكي أنهما صارا إثنين في واحد. وبالتالي زاد اتساع كل منهما بشريك الحياة ”نظيره“. لهذا فإن الزواج يجلب السعادة للزوجين والعائلتين والمجتمع والبشرية والله. ولكن بشرط أن يكون الزوجان ذي شخصية سويَّة، وعلي وعي بهذا المفهوم الإلهي والمستيكي للزواج من حيث أنه اتحاد لإثنين مع الحفاظ علي فرادة كل ٍ منهما، فلا يخنق أحدهما الآخر بحب التملك ومظاهره من تسلط وقهر ينتهي بمحو شخصية الآخر، وإن فَشَلَ في تملكه للآخر فإنه يمتلئ بشعور النقمة والانتقام ثم الطلاق. والسبب الثاني الذي به يجلب الزواج السعادة للإنسان أنه يمتد بالإنسان ويوسع من تخومه بالامتداد في شريك الحياة ثم البنين والبنات ”امرأتك مثل كرمة مثمرة في جوانب بيتك. بنوك مثل غروسالزيتون الجدد حول مائدتك“ ويصف الرب اتساع وامتداد الإنسان بارتباطه بحياة الشركة مع الله ”كل من ترك بيوتا أو إخوة أو أخوات أو أبا أو أما أو امرأة أو أولادا أو حقولا من أجل اسمي، يأخذ مئة ضعف ويرث الحياة الأبدية“. بل يأخذنا الرب في حديثه إلي حدود ليس لها حدود ويقول”ليكون الجميع واحدًا، كما أنك أنت أيها الآب في وأنا فيك، ليكونوا هم أيضا واحدًا فينا“ (يوحنا ١٧) . هذه هي عقيدة التأله في الخليقة الجديدة للإنسان في المسيح يسوع“. هنا وبنفس الفهم الإلهي المستيكي للوحدة في الزيجة المسيحية ”ويصير الاثنان جسدًا واحدًا“ يُدخلنا الرب إلي الشركة في الطبيعة الإلهية دون أن نصير آلهة بديلة له - حاشا. فكم هي سعادتك أيها الإنسان بذاتك التي لم يلغيها إلهك بل احترم فرادتها و وسَّع تخومها حتي إلي ”كل ملء الله“. إن قصد الله من جهة الإنسان ثابت لم يتنازل عنه الله منذ العهد القديم. لذلك أكد الرب ما قاله داود بالنبوة ”ألم أقل لكم أنكم آلهة وبنو العلي تُدعَون“ علي الرغم من سخافات الإنسان. التدين والإلحاد بسبب صراعات نفسية يمر بها الإنسان: رأينا كيف أن التدين الحقيقي تزداد نسبته في الشخصية السوية ، لذلك هو عزيز الوجود . كما أن الوسط الديني هو أكثر الأوساط الصحية التي يلجأ إليها كل من له متاعب نفسية طلبًا للمعونة و الراحة والقبول مِن إله محب و رحيم. ولكن الوسط الديني أيضًا هو الوسط الملائم لكي يُخفي بعضهم متاعبه النفسية فيه و ينكر وجودها بالتستر خلف مظاهر التدين التي تختلف من دين إلي آخر لتناسب مظاهر الخلل النفسي الذي يختلف من شخص إلي آخر. وذلك للهروب من نفور وملامة الآخرين لصفاته الغير سويَّة . فنجد أن الجنوح المرَضي للشخصية نحو الانطواء والعزلة، أو الوسواس القهري والقلق والاكتئاب، أو التواكل والخوف من تحمل المسئولية يلائم أكثر الوسط الكنسي المسيحي و يصعب تمييزه إلا بواسطة آباء في الكنيسة نالوا مواهب الروح القدس في الرعاية و الأبوة مثل موهبة التدبير وموهبة الإفراز (القدرة علي تمييز الفروق الضئيلة الجوهرية بين الأشياء) فيحتضنون الشخص بل ويضيفون إلي رعايتهم له النصيحة بالعلاج النفسي المناسب عند المختصين . إلا أنه كثيرًا ما يقع المحظور ويتحوّل رجل الدين إلي معالج نفسي. هذا خلط حذّر منه منهج الروحانية الأرثوذكسية. ومن جهة أخري فإن الغضب والنقمة والكذب والميل إلي العنف والرغبة في الانتقام فإنه يسهل إخفاؤه بالتدين تحت إسم الجهاد كفضيلة. فينال المتطرفون الاستحسان علي مرضهم بالتكبير والتبرعات من المؤمن المخدوع. إن الخطر الكامن في تلك الأمثلة هو مغبة تبوق أحد تلك الشخصيات لمنصب قيادي في الوسط الديني. فتكون النتيجة مزيد من تخريب منهج الدين نفسه بالإضافة إلي تنشئة شخصيات إنسانية تحمل ذات الميول الغير سوِّية. والخطر الثاني أن أصحاب تلك الشخصيات الغير سوِّية يدركون كم هم مخادعون فيتيقنون إنه لا إله، ولكنهم يستمرون في مواقعهم بما تدره من كرامة ومال. من أجل هذا حرص المنهج الأرثوذكسي السليم ألا يسمح برسامة أساقفة وآباء رهبنة قبل اكتمال نضجهم واستعلان مواهب روح الرب فيهم، وهذا يتطلب سنينًا عديدة. فنجد أن قانون الكنيسة لا يسمح برسامة أساقفة قبل سن الخمسين. وكذلك لا يحبذ قانون الكنيسة للكهنة حديثي الرسامة أخذ اعترافات سريعاً، ولكنا بعد سنوات من الكهنوت. وأخيرًا وليس آخراً كسبب للإلحاد، هناك التعب النفسي الناتج عن صراعات نفسية مكبوتة من الصغر في اللاوعي عند البعض والتي تجد متنفسًا لها فيما بَعد عندما تحين الفرصة. وعادةً ما تستهدف تلك الطاقة السالبة المكبوتة في الإنسان شخصيات مهمة ترتبط بها حيث تتلاشي بينهما المسافة ماديًا أو معنويًا. وأمثلة ذلك عديدة، لكن أوضحها الزواج وبعد أن يُغلق عليهما باب واحد كما يقولون في إشارة لدرجة القرب. والأمثلة الأخري تتضمن أيضًا التذمر علي المجتمع والدولة، وانقلاب الإنسان المتدين علي إلهه. فيصير الإله هدفًا لسخط الإنسان - ومن وراء وعيه - ضد مَن تسبب في إيلامه صغيرًا. حاولنا بقدر الإمكان تقديم ملخص لظاهرة الإلحاد وأسبابها المتعددة. أما الحديث عن علاجها والوقاية منها فيحتاج مجلدات. --- ### إعلان إستقلال فضاء الشبكة - Published: ۲۰۲۱-۰۳-۰۳ - Modified: 2025-01-18 - URL: https://tabcm.net/1256/ - تصنيفات: عام - وسوم: حرية الفكر والتعبير يا حكومات العالم الصناعي، يا عمالقةً بالينَ من لحم وفولاذ، آتي إليكم من الفضاء السِبرانيّ، الموطن الجديد للعقل. باسم المستقبل، أسألكم يا من تنتمون للماضي أن تدعونا لشأننا؛ لستم أهلًا ولا تحلِّون سهلًا؛ ولا سلطان لكم حيث نجتمع. ليست لنا حكومة منتخبة وفي الغالب لن تكون مستقبلًا؛ لذا فإني أخاطبكم بسلطة لا تزيد عن تلك التي طالما تحدثت بها الحرية نفسها لأعلن أن الفضاء الاجتماعي العالمي الذي ننشئه مستقل بطبيعته عن الطاغوت الذي تسعون لفرضه علينا؛ ليست لكم شرعية لتحكمونا ولا بيدكم وسيلة لقهرنا تستحق أن نخشاها. تستمد الحكومات قوتها المُسْتَحَقَةَ من رضوخ المحكومين، ونحن لم نعلن خضوعنا لكم ولا يحق لكم أن تطالبوا بخضوعنا. نحن لم ندْعِكم. أنتم لا تعرفوننا ولا تعرفون عالمنا. الفضاء السبراني لا يقع داخل حدودكم، فلا تظنوا أنكم يمكنكم إنشاؤه كما لو كان مشروع مرفق عمومي، فأنتم لا تستطيعون ذلك. إنه من فعل الطبيعة وهو يُنمي ذاته من خلال عملنا الجمعي. أنتم لم تنخرطوا في محاوراتنا الجامعة العظيمة، كما أنكم لم تخلقوا الثروة التي في أسواقنا. أنتم لا تعرفون ثقافتنا، ولا أخلاقنا، ولا قوانينا غير المكتوبة التي تنظم مجتمعنا بأكثر مما يمكن لكم أن تفرضوه. تزعمون أن ثمة مشاكل بيننا عليكم أن تحلوها وتستغلون هذا كذريعة للتدخل في ربوعنا. كثير من هذه المشاكل مُختلق وغير موجود؛ وحيثما وُجدت صراعات وحيثما تكمن أخطاء، فسوف نراها ونعالجها بطُرُقنا. نحن نعمل على تشكيل عَقْدنا الاجتماعي الخاص. وحاكميتنا سوف تنشأ طبقًا لظروف عالمنًا، لا عالمكم؛ فعالمنا يختلف عن عالمكم. يتكون الفضاء السِّبراني من تبادلات وعلاقات، ومن الفكر ذاته؛ كلها مصفوفة كموجة ناتئة في شبكة اتصالاتنا. عالمنا موجود في كل مكان وفي اللامكان في الآن ذاته، لكنه ليس حيث تعيش الأجساد. نحن نخلق عالمًا يمكن للجميع أن يدخلوه بلا ميزة وبلا حكم مُسبق على عرقهم أو على قدرتهم الاقتصادية أو العسكرية أو على محل ميلادهم. نحن نخلق عالمًا يمكن فيه لأيٍّ كان في أي مكان التعبير عن رأيه أو رأيها، بغضٍ النظر عن قدر تَفَرُّدِ هذا الرأي، بلا خوف من أن يُكره على الصمت أو يُجبر على التوافق مع غيره. مفاهيمكم عن الملكية والتعبير والهويّة والحراك والسياق لا تنطبق علينا، فكلها مبينة على المادة، ولا مادة هنا. هويّاتنا لا أجساد لها، لذا فعلى غير حالكم، لا يمكننا إرساء النظام عن طريق الإكراه الجسدي. نحن نؤمن أنّه عن طريق الأخلاق والمصلحة الخاصة المستنيرة والصالح العام، ستنشأ حاكميتنا. هويّاتنا قد تكون موزّعة على عديد من قضاءاتكم، إلا أن القانون الأوحد الذي تعترف به ثقافاتنا المكوِّنة هو القاعدة الذهبية. نأمل أن نستطيع أن نقيّم حلولنا الموائمة على هذا الأساس، إلا أننا لا نقبل الحلول التي تحاولون فرضها علينا. في دولٍ متفرّقة وضعتم قوانين تزعم إصلاح الاتصالات. هذه القوانين تناقض دستوركم أنتم أنفسكم وتبدد أحلام حرية الفكر والتعبير. هذه الأحلام يجب أن تولد من جديد فينا. أنتم تخشون أبنائكم، لأنهم أُصلاء في عالمٍ ستظلّون أنتم دائمًا مهاجرين إليه. ولأنكم تخشونهم فأنتم توكلون إلى بيروقراطياتِكم مسؤولياتَكم الأبوية التي تخشون أن تواجهون أنفسكم بها. في عالمنا كل الأهواء والتجليات البشرية، من أدناها إلى أسماها، جزءٌ من كلٍ غير متمايز هو حوار البتَّات العالمي. لا يمكننا أن نفصل بين طبيعة الهواء الذي يَخنُق والهواء الذي تُحلِّق عليه الأجنحة. في شتى دول العالم تحاولون درء ڤيروس الحريّة بإقامة نقاط حراسة على طول جبهة الفضاء السِّبراني. قد يصد هذا العدوى لوقت قصير لكنه لن يفلح في العالم الذي سوف يلتحف قريبًا بميديا حاملةٍ البتات. إن صناعاتكم المعلوماتية الباطلة تحاول إرجاء أجلها عن طريق اقتراح تشريعات، تَدَّعي ملكيّة الكلام ذاته في أنحاء العالم. هذه القوانين ستعامِل الأفكار كمنتج صناعي، لا يسمو على الحديد الزَّرد. في عالمنا، كل ما يمكن للعقل البشري أن يخلقه يمكن أن يُنسخ ويوزع بلا حدود وبلا كلفة. لم يعد انتقال الأفكار يحتاج مصانعكم ليتحقق. إن الممارسات الاستعمارية والعدائية التي تزداد وطأتها باستمرار تضعنا موضع من سبقونا من عشاق الحريّة وتقرير مصير أنفسهم، الذين اضطروا لأن يرفضوا سُلطة غاشمة بجعل أنفسهم في منأى عنها. علينا أن نعلن حصانة ذواتنا الافتراضية على سلطانكم، حتى ونحن لا نزال خاضعين لسطوتكم على أجسادنا. سوف ننشر أنفسنا على الكوكب حتى لا يتسنى لأحد أن يعتقل أفكارنا. سوف نخلق حضارة للعقل في الفضاء السبراني. عسى أن تكون أكثر إنسانية وعدلًا من العالم الذي صنعته حكوماتكم من قبل. _____________________ A Declaration of the Independence of Cyberspace John Perry Barlow - Davos, Switzerland, 8th February, 1996 (( إعلان استقلال الفضاء السبراني: كان مقالًا مؤثرًا حول قابلية تطبيق قانون فرضته حكومة الولايات المتحدة الأمريكية على عالم الإنترنت الذي يشهد نموًا سريعًا. وقد كتبه جون بيري بارلو، مؤسس Electronic Frontier Foundation ، ونُشر على الإنترنت في 8 فبراير 1996 من دافوس، سويسرا. يقدم الإعلان، في ست عشرة فقرة قصيرة، اعتراضًا على فرض رقابة على الإنترنت من قوة خارجية، وينص على أن الولايات المتحدة لم تحصل على موافقة المحكومين لتطبيق قوانين على الإنترنت، وأن الإنترنت خارج نطاق حدود أي دولة. وبدلًا من ذلك، استطاع الإنترنت تطوير عقوده الاجتماعية لتحديد كيفية التعامل مع مشكلاته، بناءً على القاعدة الذهبية. ويفعل ذلك بلغة تعيد إلى الذاكرة لغة إعلان الاستقلال الأمريكي ويستشهد به بشكل غير مباشر في فقراته الأخيرة. في وقت كتابة المقال، كان بارلو قد كتب كثيرًا عن الإنترنت وظاهرته الاجتماعية والقانونية، ومن أعماله التي اشتهر بها سابقًا مقال، «اقتصاد الأفكار» (The Economy of Ideas)، الذي نشر في مارس 1994 في مجلة وايرد (Wired)، بالإضافة إلى تقديم تلميحات عن توماس جيفرسون وبعض الأفكار التي يطرحها في إعلانه. اكتسب مقال بارلو شهرة سريعة وانتشر على نطاق واسع على الإنترنت بسبب موضوعه. وفي خلال ثلاث أشهر، نسخ حوالي 5000 موقع إلكتروني هذا الإعلان. وبعد تسع أشهر، هذا الرقم أصبح 40 ألف موقعًا إلكترونيًا. وللاقتراب من رؤية بارلو عن الإنترنت المستقل، تم إعداد نظام القاضي الافتراضي بواسطة معهد قانون الفضاء الإلكتروني، الذي تستضيفه الآن كلية شيكاغو-كنت للقانون. ويتم تعيين القضاة بواسطة المعهد وغيره من المجموعات القانونية لحل المنازعات عبر الإنترنت. في عام 2003، وقت تأسيس "دولة أبناء مصر"، قمت بترجمة هذا المقال للعربية، وتم إدراجه كأحد الوثائق التأسيسية ضمن "الدستور والمواثيق" التي تحكم عملها. ومن وقتها وحتى تاريخه أعتبر متن هذا المقال لبنة التجارب الأولى في كل المواقع التي قمت ببناءها. )) هذا المقال ليس مقالًا يعكس أفكار الموقع أو حتى أفكار الكاتب، بل هو مجرد "نص تجريبي" مؤرشف بتاريخ اليوم اﻷول لإنشاء موقع TABcm. net، وسيظهر في كافة اﻷقسام لأغراض التجارب التقنية والفنية، وستبقي عليه إدارة الموقع لأغراض الذكرى. --- ### ٣٢) أما بعد - Published: ۲۰۱۸-۰٤-۰۱ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/1591/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: الكنيسة القبطية, المجلس الملي, ليتورچي, مجمع الأساقفة ولما كانت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية كنيسة مجمعية فمسئولية ضبط المسار تقع بالدرجة الأولى على مجمع الأساقفة بعد ماراثون قطع مسافات ممتدة تجاوزت القرن من الزمان، اخترق شوارع الكنيسة والوطن معًا، مازال السؤال قائمًا: الكنيسة. . صراع أم مخاض ميلاد؟ والإجابة القاطعة عليه يحددها مدى امتلاكنا لقدرة مواجهة واقع ملتبس ومرتبك، لم تعد الإرادات المنفردة صاحبة القرار، ولم تعد العلاجات الجزئية كافية، فالعالم يتغير من حولنا، والتواصل الكوني صار واقعًا عبر تداعيات وتقنيات الثورة الرقمية، الأمر الذي انعكس على الكيانات التقليدية الراسخة، الكنيسة والدولة أبرزهم، ومن ثم لم تعد المفاتيح القديمة عندهما قادرة على فتح الأبواب الجديدة التي يتحصن وراءها الأجيال الجديدة. قد تكون نقطة الانطلاق في محاولات الإجابة، هو تبنى توجه العصف الذهني، والخروج من قولبة التناول والتخلص من توهمات ترسخت في مراحل التوجه الأحادي عبر أزمنة متعددة، كانت محكومة بالتخوف من جانب والتربص في الجانب المقابل. ونحن -في الكنيسة- نملك قواعد مؤسِسة احتفظ لنا بها مخزوننا الثقافي التدبيري واللاهوتي، وعلى قمته تأتى الليتورجيا، التي تحمل خبرات الكنيسة بتعدد أجيالها، فقط نطلق سراح البحث والتحقيق العلمي الأكاديمي بغية تنقية التراث من مدخلات اقتحمته في مراحل التراجع والانقطاع المعرفي، والتي أشرنا إليها مرارًا في طرحنا هذا. ولما كانت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية كنيسة مجمعية فمسئولية ضبط المسار تقع بالدرجة الأولى على مجمع الأساقفة، ولما كانت الكنيسة بالتوازي هي كنيسة الشعب، قوام الجسد الواحد بحسب الإنجيل والآباء والواقع، فيكون مشاركة الشعب في القرار ورسم رؤى المستقبل أمر لازم، وقد كانت تجربة المجلس الملي واحدة من تجارب تفعيل هذه المشاركة لكنها لم تحقق هدفها، ربما لظروف النشأة، والمصادمات المتتالية بينه وبين مجمع الأساقفة، لكن هذا لا يمنع طرح بدائل معاصرة تحقق التكامل بين مكونات الجسد الواحد، كأن يضاف إلى لجان المجمع "لجنة الأراخنة"، ويتم تشكيلها من ممثلين لكافة الإيبارشيات من المتقدمين في القامة والنعمة من رعيتها، ويدرس ضوابطها ومهامها بشكل موضوعي ومحددات حمايتها من الشخصنة، وكيفية تقديم أهل الخبرة على أهل الثقة، وتتجدد عضويتها بشكل دوري. وقد نكون بحاجة إلى تنظيم ملتقى فكري بحثى يمتد لمدة عام على الأقل، يشارك فيه الباحثين، إكليروس وعلمانيين، تحت مظلة كنسية رسمية، برؤاهم في الإشكاليات الكنسية المعاصرة ينتهى إلى توصيات واقعية تلتزم بالرؤية الإنجيلية الكتابية والقواعد الإيمانية الآبائية وتتوافق مع معطيات العصر ومتطلباته وأدواته لتحقيق رسالة الكنيسة. ويأتي في صدارة مهام هذا الملتقى ما سبق وأشرنا إليه في هذا الطرح وأعيد التذكير به مجددًا؛ وضع دستور كنسي يحدد ويقنن ويوثق : الإطار العقائدي للكنيسة ومصادره المعتمدة لديها. أبعاد وفلسفة الطقوس الكنسية وتحقيقها وضبطها على المصادر الآبائية السليمة وبما يحقق هدفها في زمن مختلف. توثيق القوانين الكنسية التي تقبلها الكنيسة. تقنين وتوثيق العلاقات البينية داخل الكنيسة. تقنين العلاقات (الكنسية ـ الكنسية) بين الكنيسة القبطية والكنائس والمذاهب المسيحية الأخرى. تحديد مسارات العلاقات مع الأديان الأخرى ومع المجتمع العام. يبقى أن الإجابة على سؤالنا الأثير: الكنيسة. . صراع أم مخاض ميلاد؟ تستوجب إعادة هيكلة وضبط منظومات: التعليم الكنسي الإدارة الكنسية الرهبنة القبطية والتي بدونها سنظل ندور في دائرة مفرغة، تستغرقنا الحلول المُرحّلة. --- ### ٣١) الرهبنة: سلم يوحنا الدرجي - Published: ۲۰۱۸-۰۳-۳۱ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/1587/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أنبا أنطونيوس الكبير، أبو الرهبان, الأب متى المسكين, بيت التكريس, جبل آثوس, حبيب جرجس, رمسيس نجيب, سلم السماء, صليب سوريال, مركز دراسات الآباء, نصحي عبد الشهيد بطرس, يوحنا الدرجي ويصبح علينا والأمر هكذا أن نتعامل مع منظومة الرهبنة بما تستحقه من توقير واحترام وندعم كل جهد رسمي كنسي مؤسسي لردها إلى مسارها، وألا نقحمها كطرف في أزماتنا واختلافاتنا، وندعها تدير أمورها وفق ما استقر فيها من قواعد آبائية لتبقى المخزون الحيوي للكنيسة لاهوتًا وتعليمًا ودعمًا، فتقويض الكنيسة وإضعافها يبدأ بخلخلة منظومة الرهبنة وهدمها توقفت كثيرًا أمام حالة الاستقطاب الحادة لدينا في تناولنا للرهبنة خاصة بعد مصرع أسقف دير أنبا مقار، حتى من غير المهتمين بهذه المنظومة، وكثيرهم لا تتجاوز علاقتهم بالكنيسة هامش العادية والمناسباتية، فإذا استثنينا الفرقاء المحتربين من المشهد الصاخب نجدنا أمام فريق ثالث ذهب إلى إسقاط كل إخفاقاته وأحلامه المثالية الحياتية والروحية غير المحققة على الرهبنة والأديرة، يطالبها بأن تكون هي البديل الذي يترجمها ويحققها، فتراه حادًا في تقييم واقعها ومغرقًا في استحضار النموذج التاريخي الآبائي، ومقارنته بما هو حادث ـ أو بالقدر الذي يعرفه عنه ـ فيجد لنفسه تبريرًا وأنه أفضل كثيرًا من كل هؤلاء. فيما يذهب البعض إلى التعامل معها باعتبارها مجتمع بشرى شأن كل التجمعات البشرية النوعية ويبرر ما اعتراها من ترهل ومفارقة لضوابطها الأساسية بأنه متسق مع التغيرات الاجتماعية ومعطيات الحياة المعاصرة، وفقًا لنظرية الأواني المستطرقة. بينما يطالب آخرون بمراجعة التزامات وأسس تلك المنظومة بالقدر الذي يحولها إلى خدمة المجتمع خارج أسوارها، فما الفائدة التي تعود علينا -كنيسة ومجتمع- من وجود نفر من الناس انقطعوا عن العالم ولديهم إمكانات وقدرات تبقى حكرًا عليهم بينما البقية يهلكون جوعًا روحيًا وماديًا؟ ولا يتنازل فريق أخر عن المطالبة أن يعيد إنتاج رهبنة القرن الرابع كما هي، دون أن يعترف بما اعترى الحياة من متغيرات سواء في الشكل أو المضمون، وبغير أن ينتبه إلى أن "قلاية" ذاك الزمان لم تكن بعيدة كثيرًا عن مسكن المصري البسيط آنذاك، في هندستها ومبناها، بغير زخرف المدينة، وفى هذا نذكر ما قاله الأب متى المسكين حين انتهى من تجديد دير أنبا مقار ردًا على منتقديه لتوفيره "قلاية معاصرة" لرهبان الدير، تتوافر فيها مستلزمات المعيشة الأساسية، ومرافقها الحيوية، المياه النظيفة والكهرباء، وسرير ومكتب وبضع ارفف لكتبه وأوراقه، ومكان للجلوس، فكان رده أنه لا يعاقب الراهب على رهبنته ولا يسلمه لصراع يشتهي فيه هذه الاحتياجات بلا مبرر، وأن تصميم القلاية يضم إلى جانب هذه الغرفة مكان لا يزيد عن كونه جدران وأرضية تسمى في العرف الديري "محبسة" يمارس فيها الراهب عباداته وقوانينه ونسكه، وكانت تعليماته لكل الرهبان واضحة ألا يضيف إلى غرفتي قلايته شيء أو يدق في حوائطها مسمارًا فهو مجرد نزيل يقضى فيها أيامه، ثم تؤول إلى قادم جديد، إمعانًا في تأكيد قيمة "عدم القنية" و"التجرد". واللافت أن نموذج هذه القلاية انتقل إلى بقية الأديرة بدرجات متفاوتة. والرهبنة بالضرورة مسار ينتهي إلى التعرف على شخص المسيح والحياة فيه، لكونه "الطريق والحق والحياة"، والتيقن أنه "ليس بأحد غيره الخلاص"، ولكونها "مسار" اختياري فيتوازى معها مسارات أخرى تتحقق وتوجد وسط الناس، دون أن نجد انفسنا أمام مفاضلة بينهم، أو أن يفتخر مسار على آخر، "وأما من افتخر فليفتخر بالرب، لأنة ليس من مدح نفسه هو المزكى بل من يمدحه الرب" (2 كو 10 : 17) وقد واجهت رهبانيات عديدة في كنائس تقليدية أخرى ما استجد في الحياة خارج وداخل الكنيسة، وتطور أنماط الخدمة الكنسية وتشابكها، واستطاعت أن تعظم الاستفادة من طاقات الرهبنة السوية، والتي فيها استطاع الراهب ـ والراهبة ـ أن ينتصر على الذات والطموحات والشهوات ومغازلات الامتلاك وتداعياته، وثلاثية "شهوة العين، شهوة الجسد، تعظم المعيشة"، بحسب كلمات القديس يوحنا، التلميذ الذي كان يسوع يحبه: "لا تحبوا العالم ولا الأشياء التي في العالم. إن احب احد العالم فليست فيه محبة الآب، لان كل ما في العالم: شهوة الجسد، وشهوة العيون، وتعظم المعيشة، ليس من الآب بل من العالم، والعالم يمضي وشهوته، وأما الذي يصنع مشيئة الله فيثبت إلى الأبد" ( 1يوحنا 2 : 15- 17) خبرات وجهادات مواجهة هذه التحديات منحت هؤلاء طاقات وقدرات روحية هائلة، رأت تلك الرهبانيات أن توظفها في خدمة النفوس في العالم، حتى تحافظ على النسق التقليدي للرهبنة، اتجهت إلى تأسيس نسق موازي يلتزم بمحاور الرهبنة في ثلاثة منها، دون العزلة أو التوحد، فكانت حركة التكريس في العالم، أو كما يسميها البعض "الرهبنة الخادمة"، ووضعت لها ما يناسبها من قواعد وضوابط، لتنطلق إلى العالم تخدم وتقدم المسيح للكل، على غرار السامري الصالح الذي أشار إليه المسيح في أمثاله التي كان يضربها للناس، ونجحوا في أن يقدموه هو للفقير والمريض والحزين، وكل من هم في ضيقة، تحت أصعب الظروف في مجاهل القارات وفى وسط أهوال الحروب والكوارث الطبيعية. ونحن هنا في مصر لنا تجارب في طرق أبواب التكريس، بدأت علي استحياء بشكل فردي. ولعل ابرز هذه الخبرات الأرشيدياكون حبيب جرجس وكان مناضلًا فذًا ومثابرًا وهو بحق باعث اليقظة القبطية المعاصرة، وقد أقرته الكنيسة واحدًا من قديسيها. وكذلك الأرشيدياكون رمسيس نجيب الذي انتبه إلى خدمة الشباب الجامعي، فأسس بيت الشمامسة بالجيزة، وعنه يقول: "وضع حجر أساس هذا البيت في عام 1955 وسكنت أول مجموعة به عام 1960، وفى عام 1965 أنشئ الدور الثاني، وفى أوائل السبعينيات تم البناء. وكان في البداية اسمه “بيت الشباب الجامعي”، وفكرة إنشاء البيت جاءت من خدمة المغتربين للدراسة بجامعة القاهرة، فكان هناك خمس شقق لكل شقة في أحد الأحياء بها مجموعة من المغتربين، وهذا البيت جاء من قلب الخادم القدير الأب القمص صليب سوريال، صاحب كتاب “نظم الخدمة”، أو الكتاب الأحمر نسبة إلى غلافه، وكان هذا الكتاب بمثابة دستور للخدمة والعمل الروحي، وفى عام 1975 كان له بيت آخر للشمامسة بمدينة 6 أكتوبر للمغتربين هناك، حيث كان وقتها بسبب -خلو المدينة من السكان- منتشر الفساد والدعارة والإدمان، لذلك كان لابد من وجود حصن للمغتربين من الطلبة وبالفعل تم بناؤه في 9 أشهر" (لأرشيدياكون رمسيس نجيب، من حواره على جريدة وطني المصرية، نشر على موقعها قي 2 مارس 2014) وافتتح نسق الكتابة للشباب بأسلوب يناسب طبيعتهم، فاصدر العديد من الكتب التي اقتحمت وقتها تابوهات الحب والجنس ليطرح من خلالها الرؤية المسيحية فيهما، وكيف يتعامل الشباب مع قضاياهما، وفى هذا يقول: "اتخذت أسلوبًا بسيطًا في الإصدارات التي ينشرا “بيت الشمامسة” وهى أن تضع للقارئ المعلومة من خلال قصة تدخل “قلبه” وبهذا المنهج تجد سلسلة “فضائل في حياة القديسين” التي منها كتب “المحبة والعفة”، وهناك أسلوب التساؤلات الشبابية فالقارئ اليوم يحتاج إلى “سندوتش”، ومن خلال خدمة الشباب طوال هذه السنوات، تكررت عندي الأسئلة التي يطرحونها، فالموضوعات تدرس عشرات المرات، مما يعطى خبرة كبيرة في مجال الأمور الاجتماعية ... ويظهر ذلك في كتب “طهارتي - الاختلاط” ... وإلى جانب ذلك، هناك كتب عامة مثل: “معاملات المسيح مع الخطاة”... والمهم في الكاتب أن يحترم بالأساس ثقافة الاختلاف. . وأذكر عبارة جميلة تقول: “كان عندي 5 أولاد ربيتهم بالأحرى تربيت على أيديهم"، وهذا هو الأب والخادم والقسيس الناجح فالذي يعلمه هو نفسه يتعلمه" (لأرشيدياكون رمسيس نجيب، من حواره على جريدة وطني المصرية، نشر على موقعها قي 2 مارس 2014) وتخرج في هذا البيت أجيال من الشباب انخرطوا في الحياة العامة في ربوع مصر وخارجها فكانوا سفراء للمسيح والكنيسة والوطن يقدمون صورة حية فاعلة ومؤثرة في تلاحم وسلام المجتمع. وثالث نموذج هو الدكتور نصحي عبد الشهيد مؤسس مركز دراسات الآباء، وأحد أهم مؤسسي بيت التكريس والذي حمل شعلته وأصر على استمرار رسالته التنويرية وأعاد التواصل بشكل أكاديمي مع تراث الآباء وقاد تيار الترجمة والدراسات العلمية لكتاباتهم، وقد تناولنا دوره في فصل سابق من هذا الكتاب. وشهدت الكنيسة محاولات لبعث حركة تكريس الفتيات، لكنها ظلت مرتهنة برؤية الأسقف المتبني لها، وتنتهى التجربة أو تذبل برحيل الأسقف، وإن كانت هناك إرهاصات لتنظيم هذا التكريس لكنها مازالت مجرد محاولات تعانى من ارتباكات كثيرة. فهل تنتبه الكنيسة لهذا، وتخطو خطوات جادة في دراسة وأظلاف "التكريس والرهبنة الخادمة"؟ نعود لطرحنا لنجد الرهبنة، في صورتيها؛ الحبيسة والخادمة، قائمة على القواعد النسكية التي استقرت من خبرات الآباء المؤسسين ومن تتابعوا عليها من معلمين ورموز عبر القرون المتعاقبة، وهى قواعد لم تقع في أسر التنظير بل قدمت خبرات عملية على الأرض. وأتوقف مع اثنين منهم، أحدهما من مؤسسي الرهبنة في مصر من تلاميذ القديس أنطونيوس الكبير، هو القديس مقاريوس، (القرن الرابع)، بينما الثاني هو القديس يوحنا الدرجي السينائي (من منتصف القرن السادس إلى منتصف القرن السابع)، من أعلام الروم، وتولى في شيخوخته رئاسة دير سانت كاترين بسيناء، ترك لنا ق. مقار رسالة كان قد أرسلها لأولاده الرهبان (سنخصص لها المقال القادم)، بينما ترك لنا ق. يوحنا كتاب "سلم السماء"، وكلاهما يرسم خارطة طريق للرهبنة بعمق. ويرى البعض أن خبرات سيناء المتشبعة بالزخم المصري انطلقت إلى اليونان، هاربة بها إلى جبل آثوس، على غرار هروب العائلة المقدسة إلى مصر من بطش هيرودس الذي كان يطلب نفس الصبي، لتحميها من بطش القادمون من الشرق، فتتكامل رهبنة الإسقيط والبحر الأحمر مع رهبنة اليونان، وتزدهر منها إلى الغرب. ويبدو أن ترتيبًا إلهيًا كان يرسم خطوط حفظ التراث الآبائي في حاضنة يونانية بعيدًا عن تأثيرات الانقطاعات المعرفية التي ترتبت على الانتقال القسري عندنا إلى العربية فيما بعد بشكل تعسفي. يقدم كتاب "سلم السماء" خطة حياة لمن قصد طريق النسك، بتدرج محسوب يرتقى بالمرء لينقله من الأرض إلى السماء، "وهو خير دليل للسير في طريق أفضل لمن يرومون كتابة أسماءهم في سفر الحياة ... إنه يمثل لنا سلمًا قائمًا على الأرض ويبلغ السموات ويقف على قمته الله"، "ويبدو أن هذا السلم قد عاينه أيضًا يعقوب ناخس الشهوات فيما كان مستريحًا على سرير النسك، وعلينا أن نتسلق بإيمان وشوق هذا المصعد العقلي الذي يبدأ بالزهد في الأرضيات وينتهى بإله المحبة" (القديس يوحنا السَّلمي؛ كتاب "سلم السماء"، دير سانت كاترين طبعة أولى 1985 ص 47) ويقسم الكاتب السلم إلى ثلاثين درجة، سني يسوع الثلاثين قبل ظهوره للعالم، مقسمة إلى ثلاثة أقسام: • القسم الأول: يضم ثلاث دراجات تتناول كيفية الزهد في العالم وعدم التعليق بمقتنياته ثم "التغرب عن العالم من أجل الرب، بحيث لا تبقى له ارتباطات كي لا يبدو تائهًا حبًا في إشباع أوائه" (المرجع السابق ص 71)ـ القسم الأوسط: ويضم ثلاثة وعشرين درجة تدور حول اقتناء الفضائل؛ وتبدأ بالفضائل الداعمة: الطاعة والتوبة وذكر الموت، عبر الجهاد والعمل الدؤوب لمجاهدة الذات، ومجاهدة الأهواء (من الغيظ إلى الضجر)، ومجاهدة الرغبات (من الشره إلى الزنى وحب المقتنيات)، ومجاهدة الجسد، ومجاهدة البلادة والكبرياء، ثم ينتهى إلى بيان ثمرة الجهاد باقتناء الوداعة والتواضع والتمييز. ليدرك الساعي أن ما كان في البداية جهادًا متعبًا يصبح في النهاية نعمة تؤول إلى حضور الروح. القسم الأخير: ويضم ثلاث درجات تتناول السكون أو الهدوء (الداخلي والخارجي) ـ الصلاة ـ اللاهوتي ـ المحبة، والتي تصل به إلى الاتحاد بالله. ولا يتوقف الكاتب عن التنبيه المتكرر على أن الكمال المسيحي يقاس بحسب نقاوة حبنا لله وتشبهنا بمحبته، وأن الرهبنة هى مسيرة شوق، والرهبان هم بمثابة الملح للأرض (السماد) الذي يخصب الكنيسة وهذا يفرض عليهم أن لا يتركوا الملح يفسد، وأن لا يتوقفوا عن السعي إلى الاستنارة (فضيلة التمييز) والتعرف أو اكتشاف مشيئة الله في حياتهم، وأن يؤمنوا أن الصليب هو الطريق الوحيد بين الأرض والسماء. وينبه أن هناك مخاطر تهدد مسيرة الراهب وتعد من أخطر المزالق التي يهوى فيها النساك؛ التزييف العقلي، التزييف النفسى، الطموح الروحي، لذلك على الراهب أن يخضع لمشورة الشيوخ وتدبير الأب الروحي المختبر، ويعتبر أن الرهبنة مطر في زمان الجفاف. وقد تحول هذا الكتاب إلى جدارية كبيرة من الفسيفساء تتصدر بهو دير القديس ديونيسيوس في جبل آثوس باليونان، تصور الرهبان وهم يصعدون درجات السلم، منهم من خار في الطريق فجلس ليستريح ومنهم من سقط منه في درجات متفاوتة ومنهم من يجاهد ليواصل الصعود، وعلى الدرجة الرابعة والعشرين يُلاحظ راهب يجره شيطان ويرميه في اللجة، وراهب آخر أيضًا على ذات الدرجة ممسكًا بطرف السلم بشكل محكم لشدة خوفه، بينما شيطان قد صعد على ظهره يبذل كل ما في وسعه ليطرحه على التنين الشاغر فاه الذي يرمز إلى الجحيم. بينما على قمة السلم يوجد راهب شيخ يمد يده ليأخذ إكليل النصر من المسيح الواقف هناك، وتتوسم شارات الفرح والسرور على وجهه ووجه الملاك الباسط يديه نحو المسيح وهو مفتوح الجناحين دلالة الغلبة والانتصار. (المرجع السابق ص 12)ـ ويصبح علينا والأمر هكذا أن نتعامل مع منظومة الرهبنة بما تستحقه من توقير واحترام وندعم كل جهد رسمي كنسي مؤسسي لردها إلى مسارها، وألا نقحمها كطرف في أزماتنا واختلافاتنا، وندعها تدير أمورها وفق ما استقر فيها من قواعد آبائية لتبقى المخزون الحيوي للكنيسة لاهوتًا وتعليمًا ودعمًا، فتقويض الكنيسة وإضعافها يبدأ بخلخلة منظومة الرهبنة وهدمها. --- ### ٣٠) الرهبنة: مخاطر وخبرات - Published: ۲۰۱۸-۰۳-۳۰ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/1583/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أنبا إبيفانيوس المقاري, أنبا يوأنس، أسقف أسيوط, الأب متى المسكين, العلمانيون والكنيسة, بابا ثاؤفيلس الأول, بابا شنودة الثالث, دير الآباء السريان, رؤوف حبيب, عزيز سوريال, قديس أثناسيوس الرسولي, منير شكري, يوحنا الدرجي كيف ولماذا ـ توغلت، ثم سيطرت، الرهبنة، وهى توجه شعبي خالص، وهى منهج نسكي تقشفي خالص وخاص بمن يقبلونه طواعية ولا يمكن بأي حال أن يكون هذا المنهج هو منهج الكنيسة كلها، إلى مضمار الخدمة الرسمية الكنسية؟ كيف تطور هذا الدخول إلى الدرجة التي صارت فيها مقاليد المراكز التدبيرية القيادية قي الكنيسة في يد الرهبنة وحدها؟ ثم من يخضع لمن: الرهبنة أم الكنيسة؟ "هذه هي الرهبنة التي تعلمناها: إنها أب روحي مرشد مع رهبان يسيرون في طريق الخلاص"، "نحن رهبان نسير وراء أبينا الروحي... الرهبنة ليست أسوارًا ولا حدائق ولا أكلًا وشربًا... إننا نسير وراء الأب الذي يقودنا ويرشدنا" جاءت هذه الكلمات في حوار مقتضب بين مجموعة من الرهبان مع الأنبا ثاؤفيلس رئيس دير السريان، قرروا أن يلحقوا بأبيهم الروحي الأب متى المسكين في خروجه من "دير السريان" بوادي النطرون، قاصدًا العودة إلى ديره الأول "دير أنبا صموئيل المعترف" بمغاغة، المنيا، فيما كان الأب الأسقف يريد أن يبقيهم بالدير، وكان صاحب الجملة الأخيرة الراهب أنطونيوس السرياني، قداسة البابا شنودة الثالث فيما بعد. (جرت هذه المحاورة في 20 يوليو 1956، وسجلها كتاب : أبونا متى المسكين، السيرة التفصيلية، إعداد رهبان دير القديس أنبا مقار، الطبعة الأولى 2008 ـ ص 138) فما هي الرهبنة؟ هل هي مجرد مكان قصي عن العمران والناس يقطنه نفر ممن إختاروه مقرًا للإقامة؟ أم هي نسق حياة لها قواعد ومحددات تقودها نحو غاية رسموها لأنفسهم ويسعون إليها؟ هل هي هروب من العالم وتحلل من التزاماته، بضغط نفسي أو إخفاق في التحقق فيه، أو للتعرض لصدمات ما؟ هل هذا النسق من الحياة يلائم العصر؟ وماذا قدم للكنيسة من إضافة أو إسهام في سعيها لتحقيق رسالتها وسط العالم ولأجله؟ وتمتد الأسئلة خارج أسوار الأديرة، وتتشعب وتفتح الأبواب لحملات شرسة ليست كلها بريئة، وليست كلها في دائرة الموضوعية، إذ يأتي بعضها محملًا بمواقف أيديولوجية، وإسقاطات ذاتية، وربما لإدراك أصحابها أن تقويض الكنيسة يبدأ بالنيل من الرهبنة.  واستأذن القارئ في اقتباس قدر من بحث تعرض لمنظومة الرهبنة، يقدم تعريفات موضوعية للرهبنة جاءت من دارسين وقامات علمية كنسية، طرحته عام 2009 (في كتاب: العلمانيون والكنيسة) نقطة اتفاق: دعونا، في رحابة حب المسيح وطول أناته، نتفق أن طرحنا لما نحسبه "إشكاليات كنسية" لا يأتي مدفوعًا من منطلقات ذاتية تحفز على اصطناع صراعات لا مكان لها إلا في مخيلة مثيريها، إنما نزعم ـ ولعلنا نكون محقين ـ أنها تأتي كإسهام في أن نرى "كنيسة مجيدة" تملك إمكانية "الحياة في المسيح" وإظهار رائحة معرفته في كل مكان، لذا فالضرورة تلزمنا أن نعبر مصيدة "الصراعات المصطنعة" التي تكشف عن قصور في استيعاب المفاهيم الإيمانية الأولية . وتأتى "الحياة الرهبانية المعاصرة" على رأس القائمة ولهذا أسبابه ومنها: 1 ـ إن الرهبنة هي المدخل الرسمي لتولي مقاليد تدبير الكنيسة على مدى قرون طويلة، ولم تعد قضية تثير شهية البحث والتنقيب والتقييم والتقويم رغم أنني أحسبها بحاجة إلى كل هذا 2 ـ والرهبنة ذات مذاق شعبي وتأثير ميتافيزيقي، يسهم بقدر في تكوين وجدان بل وإيمان الشعب، لكنه يمكن أن يتحول إلى معوق ومغيب له إذا تجاوز كونه وسيلة ليصبح هدفًا يطلب لذاته، ويزداد خطر التغييب كلما تحركنا باتجاه التعتيم وتسطيح التعليم والانفصال عن تقليد الآباء وتعليمهم الصحيح وكأننا بلا جذور. 3 ـ والرهبنة "منطقة جذب" في ظرفنا هذا الذي يحفل بكم من الضغوط الاجتماعية والاقتصادية المتباينة والتي تتجمع لتكون "عوامل طرد مجتمعية" يتعاظم في ظلها "التوجه الرهباني" باعتباره المنفذ للخلاص 4 ـ والرهبنة تحظى بتركيز إعلامي كنسي معاصر عبر كثير من أدبيات الكنيسة المكتوبة والمتواترة، على أنها مرتبة روحية أعلى من مرتبة الحياة في العالم! ! ، واستقر تبعًا لذلك عند كثيرين أن الحياة في العالم أمر غير مستساغ، حتى لقد سارع البعض ليعلن عبر كتب مطروحة بالمكتبة القبطية أنه اكتشف أن هناك "علمانيون أبرار" (! ! )، وهذا التصور غير الكنسي مؤشر خطير يحتاج إلى أكثر من انتباهه. ويدفعني المناخ الفكري السائد، والذي صارت فيه الأعصاب تحت الجلد مباشرة، أو ربما فوقه، وخصوصية الرهبنة بحسب ما بيناه، إلى تأكيد ما هو مؤكد ومستقر، أنني أجل "الرهبنة" ولها عندي مكان ومكانة، وأحسبها مثلًا يحتذى وملجأ حصينًا عند الضيق. وإن كنت أتوقع أن أتواجه مع موجات هجومية متوالية خاصة ممن ارتبطت مصالحهم ومواقعهم القيادية، ببقاء الأمر بغير دراسة وتصويب، لكن عندما يتهرأ الثوب لا تصبح سياسات الرتق مجدية، وكذلك محاولات التجميل والتجمل ـ بكل بريقها وضجيجها وثقلها وحسبي أن أسهم -ولو بفلسين- في أن أكشف لأجيالنا الواعدة بعضًا من مداخل "الطريق المستقيم" في سعينا للأبدية، وننجح في أن نقول "لا" للأنا... نعم "للمسيح"... نقف في تتبعنا للجذور عند بواكير القرن الرابع عندما تحرك قلب الشاب الثرى "أنطونيوس" المصري في تفاعل تلقائي مع صوت الله الذي جاءه عبر قراءة إنجيل القداس، ليترك كل شيء -بحسب الآية- ويخرج باحثًا عن هدوء وسكينة يتيحان له مثلهما في داخله، فيتهيأ لسماع المزيد من صوت الحبيب ويتدرج ليصل إلى عمق الصحراء، ويلتقى بعد حين بسابقه أنبا بولا رائد النسك العظيم ليفوح عطرهما فيغطى العالم كله وتتأسس الرهبنة القبطية فيما عرف في بادئ الأمر "بالرهبنة الأنطونية"، وهي التي: كان قوامها في عصرها الأول ينطوي على العزلة الفردية التامة، وإغراق الراهب في ضروب الزهد وتعذيب الجسد، كما كانت حياة القديس أنطونيوس مثلًا أعلى لهذا النوع من النسك (أ. د. رؤوف حبيب: الرهبنة الديرية في مصر، ص 37) ولكن هذا لم يمنع القديس أنطونيوس من النزول إلى العالم ليقف مع أبنائه في كنيسة العالم عندما اقتضت الضرورة ذلك، وتعضيدهم وتثبيتهم على الإيمان المستقيم، في موقفين بارزين : أولهما: إبان محنة الاضطهاد الذي أهاجه الإمبراطور مكسيميانوس (311م) وثانيهما: عندما سرت بدعة آريوس وكادت تبتلع إيمان الكنيسة قاطبة، فيما يخص شخص السيد المسيح، وتصدى لها ق. أثناسيوس الرسولي في نزال عصيب، فإذا بالأنبا أنطونيوس يصير دعامة لا تلين تحمى الإيمان القويم للعالم كله ويتوالى عبر القرنين الرابع والخامس بروز آباء عظام أرسوا قواعد الحياة الرهبانية، ولم تكن الكنيسة الرسمية هي المحركة أو المحرضة أو الداعية لهذه الحركة (الرهبنة). بل كانت وبحق "حركة شعبية مدنية بالأساس" كما لم تكن رتبة كهنوتية كنسية، بل هي تعبير شعبي عن حب جارف للفادي والمخلص، ضاق عليه العالم ـ على اتساعه ـ فكان الترك والفقر الاختياري وكان النسك والتقشف. كانت حركة باتجاه البحث عن خلاص للنفس في وعى مستنير يستشرف الأبدية ويستحضرها ويعيش بها، بل ويعيشها. وتأسست الحركة الرهبانية -بحسب إجماع الدارسين- على ركائز أربع هي: ، ويحوط هذا كله "فكر الإتضاع" الذي يحمى مسيرة الراهب في سعيه للأبدية، وبه يشعر الراهب بحاجته المستمرة لرحمة الله، وهى ركائز لها أبعادها الكتابية والإنجيلية، وتأخذ عمقها وحيويتها وتواجدها من ديمومة "الاستنارة" التي يعطيها الروح والتي بغيرها تتحول إلى مطالب مجردة لا تعطى شبعًا أو توصل إلى حياة مستقرة وثابتة في المسيح, ومرجع قوة التوجه الرهباني وصموده أمام المحن والزمن والمتقلبات العاتية -في زمن القوة- أنه توجه شعبي لم يحركه أو ينظمه سوى شهوة الالتصاق بالفادي في اختبار حب جارف لم يقو العالم أو الذات أو الشيطان -ثلاثية الأعداء- مجتمعين أو منفردين، على الوقوف أمامه أو احتوائه أو عرقلة خطواته وتجرى في نهر الرهبنة مياه كثيرة، ويتصاعد الدور الرهباني في تدبير الكنيسة، ويصبح خطاب الرهبنة ومفرداته هو السائد، لتبدأ بوادر فقدان الكنيسة لبعض قدراتها على التواصل مع البيئة المحيطة، هدف خدمتها، فانفصلت الكنيسة عن واقعها, فلم تستطع أن تكون ملح الأرض ونور العالم، ولعل هذا ما اكتشفه شباب الأربعينيات وشكل الدافع الرئيسي لتحركهم. وهنا تبرز أسئلة حائرة: من خلال عقد مقارنة بين الواقع الرهباني الكنسي المعاصر وبين الجذور، نطرح بضع أسئلة بحاجة إلى إجابات موضوعية أمينة ومجردة: كيف ولماذا ـ توغلت، ثم سيطرت، الرهبنة، وهى توجه شعبي خالص، وهى منهج نسكي تقشفي خالص وخاص بمن يقبلونه طواعية ولا يمكن بأي حال أن يكون هذا المنهج هو منهج الكنيسة كلها، إلى مضمار الخدمة الرسمية الكنسية؟ كيف تطور هذا الدخول إلى الدرجة التي صارت فيها مقاليد المراكز التدبيرية القيادية قي الكنيسة في يد الرهبنة وحدها؟ ثم من يخضع لمن: الرهبنة أم الكنيسة؟ ولا أدعى أنني أملك إجابة دقيقة علمية على هذه التساؤلات، وإن كنت انتظرها ممن يملكونها... شريطة أن تكون موثقة وموضوعية وكتابية آبائية ... هادئة! ! ملاحظتان: ثمة ملاحظتان لا تخطئهما عين دارس لتاريخ حركة الرهبنة، نتوقف أمامهما ونطرحهما: الأولى: أن رواد الرهبنة الأوائل -في عصور الازدهار- لم يحصلوا على أية درجة كهنوتية بل رفضوا هذا بإصرار، وهربوا من الضغوط المتوالية من قِبل الكنيسة لإعطائهم أيًا منها حتى درجة الشموسية، وكان الهروب لا من باب الإتضاع بقدر ما كان مبعثه امتلاكهم لقدر كبير من الوعى الروحي المستنير والمستقبلي، المستوعب للهدف الذي من أجله خرجوا من العالم، وتيقنهم من أن خروجهم إلى درجات الكهنوت الرسمية وانفتاحهم عليها سيقودهم إلى مخاطر عدة لعل منها تحمل مشاغل جديدة تفوق تمتعهم بالوحدة مع المسيح وفيه (نيافة الأنبا باخوميوس ـ مطران البحيرة ـ الرهبنة القبطية ص 32)، ثم الصراعات التي يمكن أن تتولد فيما بينهم عندما يطرح سؤال يفرزه تنظيم العمل الجديد: من يجلس على اليمين ومن يجلس على اليسار؟ وطاحونة الأحقية المدمرة. الثانية: أن الآباء الأساقفة المعاصرين الذين تناولوا الحركة الرهبانية في كتاباتهم، لم تستطع كتاباتهم أن تخفى أنينًا مكتومًا يعتمل في قلوبهم، وأزعم أن هاجسهم فيه أن يجدوا فرصة للعودة إلى قلاليهم! ! فالرهبنة عند الأنبا يوأنس أسقف الغربية (مذكرات في الرهبنة المسيحية):مسلك تعبدي وطريق اعتزال وانفراد في الصحارى والبراري والقفار، ولها مراتب ودرجات روحية مستقلة عن درجات الكهنوت. ويذكر مؤكدًا:أن آباء الإسكيم(مؤسسي الرهبنة)قد حرصوا طيلة حياتهم على عدم نوال أية درجة كهنوتية حفاظًا على الرهبانية كطريق للتعبد الخالص وصونًا لفكرتها الأصلية نقية من كل هدف للبلوغ إلى مراتب الكهنوت. ويرى أن قمص الدير أو قمص البرية أو الإيغومانس في الرهبنة لا تعني بالضرورة أن صاحبها يحمل درجة كهنوتية، بل كانت في بعض الأحيان تمنح له باعتباره (مدبرًا) للدير أو البرية، وقد يطلق عليه (الأبا) أو (الأنبا) بغير أن يحمل درجة كهنوتية. ويرى نيافة الأنبا باخوميوس "أنه كمبدأ فإن الكنيسة حاليًا تسمح للرهبان بالمشاركة في مسئولياتها للضرورة، ولكن لا يجب على الرهبان مزاولة أي عمل بالكنيسة لأن حياة المجتمع تمنع الراهب من ممارسة تأملاته الفردية الضرورية له ليكون مع الله. " (المرجع السابق). والرهبنة عند الأب متى المسكين (كتاب الخدمة جزء 3) "دعوة" لها خصوصيتها ولها منهج معين في السلوك والصلاة، وتختلف عن دعوة الكهنوت ويرى أن: المدعو للرهبنة عليه أن يبنى قلبه وفكره وكل حياته على سيرة الآباء القديسين ويضع أمام عينيه باستمرار وصيتهم الأولى والعظمى: أن يبتعد عن العالم والرئاسات وأن ينتبه إلى أن الحرب ضده ستكون بحب الخدمة وسط العالم، وهى إلحاح من اللاشعور للهروب من الواقع. وتتأكد نفس المعاني في دراسة للأستاذين الدكتور عزيز سوريال والدكتور منير شكري (أ. د. عزيز سوريال و أ. د. منير شكري: عبقرية القديس باخوميوس) إذ يريان: أن الرهبنة حركة علمانية لم يكن للكنيسة دخل فيها، ولم يكن الرهبان سوى جمهرة من العلمانيين الأتقياء، وكان تركيز الراهب منصب على وسائل خلاصه. ولم يُرفع أحد إلا بشكل استثنائي جدًا إلى مرتبة الكهنوت وخدمة لجماعته. ويفسران إصرار الأنبا باخوم -أب الشركة- على عدم نوال أبنائه أية درجة كهنوتية بأنه يرى ذلك حتى لا يحدث شجار وحقد أو شقاق بين الإخوة، وبحسب قوله: أنه كما أن الشرارة التى تسقط على القمح كفيلة بأن تقضى على عمل سنة بكاملها هكذا فإن الفكرة في أية رتبة كهنوتية قد تشعل في القلب الطمع في أشد صوره، وتقضى على السلام الذي يرفرف على الدير. وقد أوجز الدكتور رؤوف حبيب (الرهبنة الديرية في مصر) معنى الرهبنة في قوله: الرهبنة معناها الزهد والتنسك والانعزال والانفراد بقصد التبتل والعبادة مع اختيار الفقر طوعًا. وبعد... لعلنا متفقون على أن الرهبنة هي واحدة من مسالك السعي للأبدية في الأساس بحسب صورتها النقية، لا تتقاطع أو تتصادم مع مسالك أخرى تعيش في العالم وتتفاعل مع مشاكلة وأزماته. يبقى أن نطرح ضوابط الرهبنة كما رآها أحد مؤسسيها "القديس مقاريوس الكبير" (القرن الرابع)، وأحد أعلامها "القديس يوحنا الدرجي السينائي" (القرن السادس). ومعهما نضع ايدينا على الأسباب الحقيقية لاختلالات الرهبنة المعاصرة، وربما ندرك دوافع مصرع الأنبا إبيفانيوس رئيس دير أنبا مقار. --- ### ٢٩) عندما تفقد الرهبنة أسوارها - Published: ۲۰۱۸-۰۳-۲۹ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/1579/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أنبا إبيفانيوس المقاري, الأب متى المسكين, العلمانية, الكنيسة القبطية, دير الأنبا مقار الكبير, ليتورچي تصدمنا أنباء مقتل الأنبا إبيفانيوس رئيس دير الأنبا مقار بوادي النطرون، داخل ديره وهو في طريقه إلى الكنيسة فجر يوم الأحد ـ 29 يوليو 2018 ـ للصلاة، وتتوالى الأنباء عن تورط راهبين وربما أكثر في الجريمة كان السطر الأخير في المقال السابق يحمل السؤال الذي احتل عنوان الكتاب وتردد عبر كل فصوله: الكنيسة. . صراع أم مخاض ميلاد؟ وحسبته آنئذ السطر الأخير في الكتاب، ورحت ارتب لطباعته وطرحه للقارئ، وأقر أنني طفت حول السؤال وتأرجحت بين الفرضيتين اللتين حملهما، ولم يكن ترجيح "إرهاصات الميلاد" من الأمور المتيقنة عندي، ربما لاقترابي من تفاعلات الشارع الكنسي بقدر، وتتبعي لمنحنى إدارة الكنيسة وخاصة في سنوات حبرية قداسة البابا شنودة الأخيرة واحتراب الدائرة القريبة منه المكتوم، وقد ناء كاهله بأعباء المواجهات العاتية داخل الكنيسة وخارجها، فضلًا عن انهاك الجسد وهو يخوض غمار الشيخوخة التي تضافرت عليه فيها قائمة أمراضها، لكن ظل مخاض الميلاد هاجسًا يشاغلني وأنا أتابع شتلات التنوير تزرع بغير ضجيج أو افتعال في ارضها وقد أشرت إلى بعضها بامتداد صفحاتي، وكان التاريخ يدعمني، حتى في عصورنا الوسيطة، فالليتورجيا التي تحمل جينات الإيمان وسر حياة الكنيسة وجدت لها مستقرًا لدى الأجيال الواعدة وصارت مكونًا ضميريًا راسخًا في ذهنيتهم. ربما لذلك لم اقطع بإجابة على السؤال وتركتها مفتوحة فكل الاحتمالات مطروحة. وفيما الأمر كذلك تصدمنا أنباء مقتل الأنبا إبيفانيوس رئيس دير الأنبا مقار بوادي النطرون، داخل ديره وهو في طريقه إلى الكنيسة فجر يوم الأحد ـ 29 يوليو 2018 ـ للصلاة، وتتوالى الأنباء عن تورط راهبين وربما أكثر في الجريمة، وبحسب ما تواتر نقلاً عن ما نسب إلى الفاعل الأساسي قوله أن ثمة خلافات عقائدية ومالية دفعته لقتله، ثم نكتشف أن الراهبين كانا ضمن مجموعة من الرهبان الجدد الذين تمت رسامتهم بعد رحيل الأب متى المسكين وشكلوا جناحًا مناوئًا لفكره ومنهجه. ولست هنا بصدد تناول هذه الواقعة في دائرتها الجنائية، أو حتى طرح محاولات تفسيرها المختلفة والمتباينة إلى حد التضاد، أو الاقتراب من ردود فعل الفرقاء التي لا تقل في حدتها عن محاولات التفسير تلك، لكن الواقعة وتداعياتها كانت بطعم الصدمة، ولا تبتعد كثيرًا عن سؤالنا المحوري المطروح، وتنقل مسئولية إجابته إلى القائمين على تدبير الكنيسة. كانت الواقعة كافية لرفع الغطاء عن واقع يئن من الخلافات عند القاع والقمة على السواء، وجاء المعلن عن وقائع الأحداث على قلته متجاوزًا لكل التوقعات، وصادمًا للصورة الذهنية الجمعية الطوباوية التي تشكلت عندنا عن الرهبنة ككيان إنساني يصح ويمرض، ويعبر بقمم وقيعان. لكن ردود الفعل تكشف ما لهذه المنظومة من ثقل عند من يقبل بها أو يرفضها، والتي تراوحت بين رفض أن يكون الجاني من الرهبان، فهم بحسب الصورة الذهنية "ملائكة أرضيين وبشر سمائيين"، بفعل الإلحاح الذي تحمله مرويات الرهبنة، الكيان والشخوص والتاريخ، وبين من يُحمِّلها كل إخفاقات الكنيسة في رسالتها ويراها عبئًا يعوقها ويذهب إلى حتمية التخلص منها، ويختطف البعض الرهبنة ليعيد إنتاج مواقف تاريخية رافضة للكنيسة بجملتها ويطرح الصراع المذهبي تحت غطاء مناقشة ماهية الرهبنة وكتابيتها، فيما يذهب آخرون إلى شخصنة القضية ليصفي حسابات عالقة مع شخوص بعينهم، فيما كان للبعض فيها مآرب أخرى. ورغم ذلك كان هناك من يقرأ المشهد بعقل بارد يحلل ويناقش ويطرح مخارج على الأرض تعيد للمنظومة الديرية تماسكها وللكنيسة سلامها. وإذا تخلينا عن انفعالات الصدمة ربما نكتشف أن عوامل كثيرة تضافرت لتصل بهذه المنظومة إلى واحدة من اختلالاتها، تتقدمها الإشتباك بينها كمنظومة علمانية (شعبية) وبين المنظومة الإكليروسية، حتى صارت تجلس على قمتها وتنفرد بها، وبعد أن كان من الممكن أن تختار قيادات الكنيسة من أطياف متنوعة وفئات متعددة صار الاختيار محصورًا في الرهبان، وصار، تأسيسًا على ذلك، حال الكنيسة مرتهنًا بحال الرهبنة صعودًا وهبوطًا، وبفعل عوامل عديدة انتقلت أمراض المجتمع العام إلى بعض من المجتمع الديري بقدر يُختلف على مساحته. وصار الفعل الثقافي السائد خارج أسواره أكثر تأثيرًا داخل المجتمع الرهباني من الفعل الثقافي الكنسي التقليدي، الذي خفُت بفعل تراجع التلمذة واختفاء الشيوخ. ومن يرجع إلى التكوين الديري القبطي يستطيع أن يلحظ بغير عناء التمايز النوعي بين الأديرة، رغم اتفاقهم على محاور ونذور الرهبنة الأساسية، البتولية والفقر الاختياري والعزلة والطاعة، فثمة أديرة لها سمت طقسي وأخرى تجد عندها هوى تاريخي وثالثة تذخر بالبحوث اللاهوتية ورابعة تبحر في محيطات الليتورجية، وهكذا يمكن أن تلمس التعدد والتنوع قي كل جماعة رهبانية الأمر الذي يكشف لك سر غنى الكنيسة، لذلك كانت "القولبة" و "التنميط" حتى في الشكل الرهباني الخارجي أحد الأخطار التي عرقلت تطورها ونموها، وكان دير الأنبا مقار أحد القلاع التي اربكها سعى القولبة والتنميط والذي انتهى بنا إلى صدمته الأخيرة. وكانت الجماعة الرهبانية تدرك هذا، لذلك استقر فيها لقرون أن لا يتجاوز من يقودها ـ على مستوى الدير ـ أحد رهبانها، أحيانًا بغير رتبة كهنوتية، وغالبًا ممن لا تتجاوز رتبته "الإيغومانس" -المدبر- والذي يمكن الاتفاق في إطار الجماعة على تنحيه، أو تنحيته، واختيار غيره، بحسب احتياج الدير وحفاظًا على توافقه وسلامه، وهو الأمر الذي لا يمكن حدوثه حال كون رئيس الدير أسقفًا. إذ يقف العرف الكنسي الذي استقر، وقفز إلى مصاف القانون، حائلًا دون تغييره. لكن منظومة الرهبنة شأن كل كائن حي تتأثر بما يعترى الإنسان ـ قوامها الأساسي ـ من تغيرات وتفاعلات، فتراها تتراوح بين صعود وهبوط، وبقدر التزامها بمحاورها تكون قوتها، وبقدر انتباهها لخصوصيتها وقدرتها على مراجعة واقعها قياسًا على هدفها الذي تأسست وقامت لتحقيقه، تأتى إمكانية خروجها من أزماتها وانتصارها في حروبها التي لا تتوقف، من داخلها ومن خارجها. ولا شك أن الرهبنة المعاصرة تحتاج إلى وقفة جادة، مع نفسها أولًا، ومن الكنيسة معها ثانية، لكونها أحد أهم الأرقام في معادلة الكنيسة الفكرية واللاهوتية، بل ومن المجتمع العام خارجها، خاصة بعد أن صارت رقمًا مهمًا في الناتج القومي، بعد أن انتقلت من الصورة البدائية البسيطة "لعمل اليدين" التي كان أنطونيوس الأب المؤسس قد وضعها لأبنائه بعد أن هاجمه الضجر في يومه الطويل، المنقطع فيه للصلاة والهذيذ والتأمل في كلمة الله، لتنتقل إلى أنماط العمل المكثف بفعل توفر خبرات متقدمة في رهبانها بتعدد تخصصاتهم، في استصلاح الصحارى والزراعة الحديثة وما استتبعهما من تصنيع زراعي ودوائر الثروة الحيوانية والداجنة، والتحول من التسويق المباشر البسيط إلى شبكات التسويق الأكثر تعقيدًا. وقد أسهمت التراجعات المتتالية والضغوط والارتباكات السياسية والاقتصادية التي أصابت المجتمع العام، والاستهدافات الطائفية التي حاصرت المجتمع القبطي، وقصور الكنائس المحلية في أغلبها عن تقديم رسالتها لرعيتها خارج الأديرة، بفعل اختلالات آليات إعداد القائمين على التعليم والرعاية والخدمة، والاتجاه إلى تقزيم دور الأراخنة ومن ثم افتقاد التوازن لحساب الإكليروس، اسهم كل هذا في أن تتجه الأنظار إلى الأديرة ملاذًا وبديلًا وحلًا، لأزمات واحتياجات المجتمع القبطي. وتجد الأديرة نفسها أمام التزامات جديدة؛ تبدأ بتوفير ما تتطلبه مهمة استقبال وضيافة الزائرين، إقامة وخدمة، بل وبناء كنائس جديدة داخل الأديرة ـ صارت في بعضها كاتدرائيات ـ لتستوعب الأعداد الغفيرة، وتخصيص آباء رهبان للقيام بهذه المسئولية، وتتمدد الاحتياجات فتظهر الاستراحات على مداخل الأديرة وأماكن الضيافة داخلها، وتضيق المسافات بين الزائرين والرهبان، وتسقط الحواجز وتفتر الضوابط، فترتبك التزامات الرهبنة وتتهدد في عفتها ووحدتها وسكينتها، وتتنوع حروب الفكر على الراهب، ويشاغله حنين متنام للتعليم والإرشاد فتضيق عليه جدران قلايته وأسوار ديره ويتلمس الأعذار للنزول إلى العالم، حتى يجول معلمًا ومرشدًا، أو هكذا يتصور، بينما في الخارج خطايا رابضة، لم يشر إليها أحد فقد توارى الشيوخ والمدبرين، وغابت التلمذة، ولم يعد للمرشد الروحي المختبِر مكانًا. وعلى صعيد مواز تتخفف بعض الأديرة من بعض شروط القبول، في طالبي الرهبنة، وفى المقبولين منهم لها، لتزايد الحاجة إلى من يغطى احتياجات الدير المتنامية، فيتسلل إليها أنماط متباينة يسعون إلى تحقيق أهداف لم تتحقق في صراعات وشروط مجتمعاتهم خارج أسوار الأديرة، وتتضافر عوامل عديدة لتختفى مسحة الروح فتظهر أمراض المجتمعات أحادية النوع والمغلقة، ويقفز الإنسان العتيق ليفرض صراعاته وأمراضه وانحرافاته على المشهد فيئن الدير ويضج ساكنيه ويسقط بعضهم، ويصدم من يتابعه عندما يرفع الغطاء عن واقعه، وتفرض العملة الرديئة نفسها وتكاد تبتلع العملات الجيدة. نحن، في سياق تناول الرهبنة، أمام أزمة حقيقية تتجاوز واقعة مقتل الأب الأسقف، وتتجاوز احتراب الفرقاء، وصراعاتهم الضيقة، والتي تحتاج قراءة أعمق من ردها إلى شخوص بعينهم، فالرهبنة ليست مجرد منظومة لنفر من الناس توافقوا على قواعدها، ويعانون من اختلالاتها، في أزمنة الضعف، فقد تجاوز تأثيرها أسوار أديرتها بعد أن صارت ولقرون هي المصدر الوحيد الذي يمد الكنيسة بقياداتها، من أساقفة وبطاركة، وقد شهدت العقود الأخيرة حراكًا ممنهجًا لتحويلها إلى منظومة إكليروسية، سواء فى وضعها تحت السيطرة الكاملة برسامة أساقفة لتدبيرها، أو برسامة رهبانها كهنة وفق جداول زمنية صارت نسقًا مستقرًا فيها، لتفقد سمة أساسية فيها وهى طبيعتها المدنية الشعبية (العلمانية مجازًا)، وتعمق فقدان الكنيسة القبطية الأرثوذكسية لتمايزها بالتوازن بين مكونيها الأساسيين الإكليروس والعلمانيين. ولم يعد أمامهما، الرهبنة والكنيسة، إلا رد الاعتبار، والحياة، إلى محاورها الأساسية التي قامت عليها، وإلى انساق الحياة التي استقرت فيها عبر تاريخها الطويل، وهو ما سوف نعرض له في الفصل القادم باستعراض رؤية أحد مؤسسيها الأوائل، القديس أنبا مقار، عبر بحث تحليلي قدمه باحث غربي تناول فيه رسالة لهذا الأب إلى أولاده الرهبان، وسنضع الرسالة والبحث بجملته أمام القارئ في ملحق خاص بنهاية الكتاب. --- ### ٢٨) لكنها تدور - Published: ۲۰۱۸-۰۳-۲۸ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/1575/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أنبا رفائيل، أسقف وسط القاهرة, إبراهيم إسحق, الشرق الأوسط, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, بابا فرنسيس، بابا الڤاتيكان, بولس السادس, بيرباتيستا بيتزابالا, تدبير الخلاص, تيودورس الثاني, ثريا بشعلاني, جان كليمان جانبار, ڤاتيكان, كريكور بدروس العشرين, ليتورچي, مار إغناطيوس أفرام الثاني, مار إغناطيوس يوسف الثالث يونان, مار بشارة بطرس الراعي, مار لويس روفائيل ساكو, مجلس كنائس الشرق الأوسط, مجمع الأساقفة, مدارس الأحد إن ضميرنا المسيحي ومسؤوليتنا الرعوية لا يسمحان لنا بأن نبقى مكتوفي الأيدي إزاء التحديات التي تتطلّب جوابًا مُشتركًا يبدو أن هذا الجيل سيلحق في دورة زمنه انفراجه ما، وسيرى ضوء في نهاية النفق، ففي الأفق سحابة قدر كف، تنبئ، بالمخالفة لأجواء التصحر التي تغشانا، بأن مطرًا غزيرًا قد يفاجئنا، وقد يعيق الذين في الجبال عن النزول إلى الوادي. فبينما الذين تربوا في أجواء الخوف والتربص والتوجس يملون الدنيا نواحًا على مجد غابر، ويحذرون من ذئاب متوهمة، ويديرون معارك بسيوف خشبية، فيما ترتعد فرائصهم ويدارون فزعهم بأصوات عالية تطن الآذان كلما طالعت حساباتهم ومواقعهم وكتائبهم في جنبات الفضاء الإلكتروني. بينما هم كذلك إذا بنفر من الأمناء المتصالحين مع اللحظة ومع انفسهم ومع رسالتهم، يلتئمون حول طاولة الحوار، يتنادون من الشرق والغرب، في جسارة القفز فوق موروث ثقيل، شكلته صراعات تبدو لاهوتية لكنها ابتلعت في صراعات السياسة والإثنيات والقوميات، والذات والأنا، حتى صار الموروث في الفضاء العام المسيحي أصلد من الإيمان كما استلمته الكنيسة الأولى، كانوا يملكون معيارًا يقيسون عليه هو الليتورجيا وقوانين الرسل، التي ترجمت الدستور الذي علم به ووقعه رب المجد بدمه، عبر تدبير الخلاص وسر التجسد، وهو الأمر الذي كررنا تأكيده بامتداد سطورنا. كانت الدعوة للقاء بطاركة ورؤساء كنائس الشرق موجهة من البابا فرانسيس، لقاء للصلاة، (يوليو 2018) ايماناً منه بفاعلية وقوة الصلاة، وكانت الفكرة مقترحة من البطريرك الأشورى مار كيوركيس الثالث عندما التقيا 2016، والذى يرى أن "الأوقات التي نعيشها تدعونا إلى إبراز الصلاة كونها علامة الوحده". على أن هذا النوع من اللقاءات يجد دائمًا من ينظر إليه بارتياب بفعل صورة ذهنية رسمتها خبرات مؤلمة عبر عقود وقرون، يتحالف معها شبكة مصالح استقرت وترجمت في مواقع وسلطات ومراتب تتهددها نجاح هذه اللقاءات في خلق واقع جديد يحرك وربما يفكك هذه المصالح والمواقع. ويبدو أن التعاطي مع هذه اللقاءات بآليات السياسة ومنهجها دفع البعض لانتقاد ذهاب البابا تواضروس للمشاركة بنفسه وهو على رأس أقدم كنيسة بالشرق، وتحسب واحدة من الخمسة كراسي الرسولية، ليتساوى مع كنائس أحدث وأصغر، بل وانتقدوا ترتيبات الوقوف عن يمين ويسار البابا فرنسيس، فى إعادة إنتاج لأحد أهم عوامل الصدام التاريخي بين الكنائس، ربما لهذا يجدر بنا أن نعيد قراءة ما قاله البابا فرنسيس عن حاجتنا إلى التصدي لواقعنا "بشجاعة رسولية" و"مواجهة هشاشة الوضع الداخلي والضعف في العديد من الأجهزة الكنسية بالشرق". وهى القضية التى حسمها الرب يسوع المسيح مع تلاميذه حين طلب اثنان منهما أن يحظيا بمواقع متقدمة فى ترتيب الجلوس معه، وتذمر بقية التلاميذ الأمر الذى أرسى معه المسيح قاعدة العمل الأساسية لهم "مَنْ أَرَادَ أَنْ يَصِيرَ فِيكُمْ عَظِيمًا، يَكُونُ لَكُمْ خَادِمًا، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَصِيرَ فِيكُمْ أَوّلاً، يَكُونُ لِلْجَمِيعِ عَبْدًا" وَتَقَدّمَ إِلَيْهِ يَعْقُوبُ وَيُوحَنّا ابْنَا زَبْدِي قَائِلَيْنِ:«يَا مُعَلّمُ، نُرِيدُ أَنْ تَفْعَلَ لَنَا كُلّ مَا طَلَبْنَا»، فَقَالَ لَهُمَا:«مَاذَا تُرِيدَانِ أَنْ أَفْعَلَ لَكُمَا؟»، فَقَالاَ لَهُ:«أَعْطِنَا أَنْ نَجْلِسَ وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِكَ وَالآخَرُ عَنْ يَسَارِكَ فِي مَجْدِكَ»، فَقَالَ لَهُمَا يَسُوعُ:«لَسْتُمَا تَعْلَمَانِ مَا تَطْلُبَانِ أَتَسْتَطِيعَانِ أَنْ تَشْرَبَا الْكَأْسَ الّتِي أَشْرَبُهَا أَنَا، وَأَنْ تَصْطَبِغَا بِالصّبْغَةِ الّتِي أَصْطَبغُ بِهَا أَنَا؟»، فَقَالاَ لَهُ: «نَسْتَطِيعُ». فَقَالَ لَهُمَا يَسُوعُ:«أَمّا الْكَأْسُ الّتِي أَشْرَبُهَا أَنَا فَتَشْرَبَانِهَا، وَبَالصّبْغَةِ الّتِي أَصْطَبغُ بِهَا أَنَا تَصْطَبِغَانِ، وَأَمّا الْجُلُوسُ عَنْ يَمِينِي وَعَنْ يَسَارِي فَلَيْسَ لِي أَنْ أُعْطِيَهُ إِلاَّ لِلّذِينَ أُعِدّ لَهُمْ». وَلَمّا سَمِعَ الْعَشَرَةُ ابْتَدَأُوا يَغْتَاظُونَ مِنْ أَجْلِ يَعْقُوبَ وَيُوحَنّا، فَدَعَاهُمْ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنّ الّذِينَ يُحْسَبُونَ رُؤَسَاءَ الأُمَمِ يَسُودُونَهُمْ، وَأَنّ عُظَمَاءَهُمْ يَتَسَلّطُونَ عَلَيْهِمْ، فَلاَ يَكُونُ هكَذَا فِيكُمْ. بَلْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَصِيرَ فِيكُمْ عَظِيمًا، يَكُونُ لَكُمْ خَادِمًا، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَصِيرَ فِيكُمْ أَوّلاً، يَكُونُ لِلْجَمِيعِ عَبْدًا، لأَنّ ابْنَ الإِنْسَانِ أَيْضًا لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ». (مرقس 10 : 35 ـ 45) يذهب البابا تواضروس إلى مدينة "بارى" بإيطاليا حيث يعقد اللقاء بثاني أكبر كاتدرائية "القديس بولس" بعد كاتدرائية حاضرة الفاتيكان "القديس بطرس"، ويقيم فيها قداسًا قبطيًا، ولم يكن مبتدعًا لهذا فقد أسس لهذا النهج قداسة البابا شنودة الثالث داخل وخارج مصر، ولعلنا مازلنا نذكر استعارتنا لكنيسة "كوردي ييزو الكاثوليكية" ـ أمام نقابة المحامين بشارع عبد الخالق ثروت بوسط القاهرة ـ يومًا بالأسبوع لإقامة القداس وخدمة مدارس الأحد للأقباط الأرثوذكس المقيمين حولها، رغم وقوعها بين كنائس وسط البلد "مار جرجس بالقللي، و"القديسة دميانة بالعدوية، بولاق أبو العلا"، و "المرقسية بكلوت بك" وغير بعيد عنها "العذراء بالزمالك"، وكانت الخدمة بتلك الكنيسة بتوجيه ورعاية الأنبا رفائيل الأسقف العام لكنائس وسط البلد والسكرتير العام السابق لمجمع الأساقفة. كان هاجس الوحدة المسيحية يشغل بال البابا المصري والمستنيرين من أساقفة الكنيسة، وكان أيضًا بؤرة اهتمام بابا الفاتيكان، وقد التقيا على تفعيله بغير قفز على المراحل، أو تغليب العاطفة على ترتيب التوافقات اللاهوتية، المؤسسة على إيمان الكنيسة ما قبل صراعات الانشقاق، وإزالة ركام عصور وسيطة ومدخلات السياسة والإثنية والانتماءات الضيقة، وجفوة انقطاع التواصل، والعمل المشترك على اكتشاف مكتسبات التعدد والتنوع. وقد عبر أحد الباحثين العلمانيين بكنيسة أنطاكية عن مفهوم الوحدة اليوم بقوله: "الوحدة التي نريدها اليوم هي وحدة الكنيسة وليس وحدة الطوائف، فالطائفة سلطة والكنيسة خدمة، والطائفة مصالح والكنيسة مجانية، والطائفة حصريّة والكنيسة لا حدود لها، فلا خوف من أن تذهب الطوائف، بل الخوف أن تذهب الكنيسة، فيجب العودة إلى كنيسة الخدمة المجانية" وثمة تأكيد مشترك على أن المحبة، كقيمة مسيحية لاهوتية وليست مجرد قيمة أخلاقية إنسانية، هي المدخل الرئيس للوحدة المسيحية، واداتها المترجمة هي الصلاة بحسب وصف البابا فرانسيس: "إن هذه المحبّة تجدُ تعبيرها الأعمق في الصلاة المشتركة. فعندما يصلّي المسيحيّون معًا، يدركون أنّ ما يجمعهم هو أعظم كثيرًا ممّا يفرّق بينهم. إن توقنا للوحدة هو مستوحى من صلاة المسيح: "لِيَكُونَ الْجَمِيعُ وَاحِدًا" (يوحنا 17، 21). فلنعمّق جذورنا المشتركة في إيماننا الرسوليّ الأوحد عبر الصلاة المشتركة"(البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان) وقد نكون بحاجة إلى معاودة قراءة بعض مما جاء بالبيان المشترك عقب زيارة بابا روما الأخيرة لمصر (أبريل 2017) "نستحضر بامتنانٍ عميقٍ لقاءنا الأخويّ في روما بتاريخ 10 مايو 2013، وتعيين يوم 10 مايو،، كيومٍ نتعمق فيه كلّ عام بالصداقة والأخوّة التي تجمع كنيستينا. إن روحَ التقاربِ المتجدد هذا، قد سمحَ لنا أن ندرك مجدّدًا أن الرباط الذي يجمعنا قد نلناه من ربّنا الواحد يوم معموديّتنا. فبفضل المعموديّة، في الواقع، نصبح أعضاءَ جسدِ المسيحِ الواحد الذي هو الكنيسة (1 كورنثوس 12، 13). إن هذا الإرث المشترك هو أساس مسيرة سعينا المشترك نحو الشركة التامّة، بينما ننمو في المحبّة والمصالحة. "(عن البيان المشترك للبابوان، البابا تواضروس الثاني والبابا فرنسيس) ويواصل البيان: "فيما نخطو نحو اليوم المبارك الذي فيه سنجتمع معًا أخيرًا حول مائدة الربّ الإفخارستيّة نفسِّها، يمكننا بالفعل منذ الآن أن نتعاون في مجالات كثيرة وأن نظهر، بشكل ملموس، عمق الغنى الذي يجمعنا بالفعل. فباستطاعتنا معًا أن نقدّم شهادة مشتركة عن القيم الأساسيّة، مثل القداسة، وكرامة الحياة البشريّة، وقدسية سرّ الزواج والعائلة، والاحترام تجاه الخليقة بأسرها التي عهد الله بها إلينا. فأمام العديد من التحدّيات المعاصرة، مثل العلمنة وعولمة اللامبالاة، فإننا مدعوّون إلى إعطاء إجابة مشتركة ترتكز على قيم الإنجيل وعلى كنوز التقاليد الخاصّة بكلٍّ من كنيستينا. وفي هذا الصدد، فإننا متحمسون للشروع بإجراء دراسة أكثر عمقًا لآباء الكنيسة الشرقيّين واللاتين، وتعزيز التبادل المثمر في الحياة الرعويّة، لا سيما في التعليم المسيحيّ وفي تبادل الغنى الروحي بين المجامع الرهبانية والجماعات المكرسة. "(عن البيان المشترك للبابوان، البابا تواضروس الثاني والبابا فرنسيس) ويتأكد نفس التوجه في الإعلان المُشترك للبابا فرنسيس وكيريل بطريرك موسكو وسائر روسيا (2016) "في عزمنا على القيام بكل ما هو ضروري لتخطي الخلافات التاريخية التي ورثناها، نريد أن نوحّد جهودنا لنشهد لإنجيل المسيح والإرث المشترك لكنيسة الألفيّة الأولى فنجيب معًا على تحديات العالم المعاصر. على الأرثوذكس والكاثوليك أن يتعلّموا أن يقدموا شهادة توافقيّة للحقيقة في الأُطر التي يكون فيها هذا الأمر ممكنًا وضروريًّا. إن الحضارة البشريّة قد دخلت في مرحلة تغيُّر تاريخيّة. إن ضميرنا المسيحي ومسؤوليتنا الرعوية لا يسمحان لنا بأن نبقى مكتوفي الأيدي إزاء التحديات التي تتطلّب جوابًا مُشتركًا"(عن الإعلان المُشترك للبابوان، البابا فرنسيس والبابا كيريل) وفي كلمات موجزة يحدد البابا دعائم الوحدة "ما من وحدةٍ دون اهتداء القلب وصلاة وحياة مقدسة".  وفى ختام يوم الصلاة هذا يلقى قداسة البابا فرنسيس كلمة أعرب في بدايتها عن "الفرح للمشاركة التي عشناها اليوم بنعمة من الله حسب ما ذكر". وتابع، "أننا تبادلنا المساعدة لإعادة اكتشاف وجودنا المسيحي في الشرق الأوسط"، وشدد على أن هذا الوجود سيكون أكثر نبوية كلما شهد ليسوع رئيس السلام (راجع أش 9، 5)، مشيرًا إلى خطر تعرض الكنائس أيضا إلى تجربة منطق العالم، منطق القوة والربح، وأيضا إلى خطيئة عدم تماشي الحياة مع الإيمان التي تعتم الشهادة. علينا الارتداد مرة أخرى إلى الإنجيل، واصل البابا فرنسيس، وهو أمر ضروري اليوم في ليل الشرق الأوسط. وكما في ليل جتسمانية لن يكون الهروب أو السيف ما يستبق فجر الفصح المشع، بل هبة الذات في محاكاة للرب. وواصل قداسته متحدثا عن أن بشرى يسوع السارة، يسوع المصلوب والقائم انطلاقا من المحبة، قد كسبت قلوب البشر عبر القرون منطلقة من الشرق الأوسط، لا لارتباطها بقوى العالم بل بقوة الصليب العزلاء. وشدد الحبر الأعظم على أن الإنجيل يُلزمنا بارتداد يومي إلى تصميم الله وبأن نجد فيه الأمن والعزاء، وبأن نعلنه للجميع رغم كل شيء. وتوقف هنا عند إيمان الأشخاص البسطاء المتجذر في الشرق الأوسط كينبوع نستقي منه لسد عطشنا ولنتطهر، مثلما يحدث عندما نعود إلى الأصول متوجهين كحجاج إلى القدس، الأرض المقدسة، أو إلى المزارات في مصر والأردن، لبنان وسوريا وتركيا والأماكن المقدسة الأخرى في المنطقة. ثم تحدث البابا فرنسيس عن الحوار الأخوي الذي جمعه مع قادة الكنائس في الشرق الأوسط، والذي كان علامة على ضرورة التطلع المتواصل إلى اللقاء والوحدة بلا خوف من الاختلافات. وأضاف قداسته أن هذا ينطبق على السلام أيضا، الذي يجب إنماؤه حتى على أرض يبستها المواجهات، لأنه ما من بديل عن السلام والذي لا يتم بلوغه بهدنة تضمنها الجدران أو إظهار القوة، بل بالرغبة الفعلية في الإصغاء والحوار. وقال قداسته في هذا السياق إننا ملتزمون بالسير والصلاة والعمل، ونتضرع كي يسود فن اللقاء على استراتيجيات الصدام، وأن تحل محل علامات التهديد والسلطة علامات الرجاء، أي الأشخاص ذوو الإرادة الطيبة من الديانات المختلفة الذين لا يخشون تبادل الحديث وقبول منطق الآخر والاهتمام المتبادَل. وأكد الحبر الأعظم أنه فقط من خلال الاهتمام بألا ينقص أحد الخبز والعمل والكرامة والرجاء ستتحول صرخات الحرب إلى أناشيد سلام. " دعونا نتعرف على المشاركين في اللّقاء فيتجدد عندنا الأمل في نجاح مسارات التقارب بعيدًا عن ضجيج مفتعل وتخوفات لا محل لها، فقد شارك في اللقاء: الكنائس الكاثوليكيّة الشّرقيّة: بطريرك الموارنة بشارة بطرس الرّاعي بطريرك السّريان الكاثوليك إغناطيوس يوسف الثّالث يونان بطريرك بابل للكلدان لويس روفائيل ساكو بطريرك الأقباط الكاثوليك إبراهيم إسحق كاثوليكوس بطريركية كيليكيا للأرمن الكاثوليك كريكور بدروس العشرين رئيس أساقفة حلب للرّوم الملكيّين جان كليمان جانبار ممثّلاً البطريرك يوسف الأوّل العبسيّ المدير الرّسوليّ لبطريركيّة اللّاتين في القدس المونسنيور بيرباتيستا بيتزابالا الكنائس الأرثوذكسيّة: بطريرك القسطنطينيّة المسكونيّ برتلماوس الأوّل بطريرك الإسكندريّة وأفريقيا للأرثوذكس تيودورس الثّاني رئيس الأساقفة نكتاريوس ممثِّلاً بطريرك القدس للرّوم الأرثوذكس تيوفيلوس الثّالث المتروبوليت هيلاريون فولوكولامسك ممثّلاً بطريرك موسكو كيريل المتروبوليت كونستانتيا وأموشوستوس فاسيليوس ممثِّلاً رئيس أساقفة نيا جوستينيانا وقبرص كريستوسوموس الثّاني الكنائس الأرثوذكسيّة الشّرقيّة: بابا الإسكندريّة وبطريرك الكرازة المرقسيّة تواضروس الثّاني بطريرك السّريان الأرثوذكس إغناطيوس أفرام الثّاني مطران المملكة المتّحدة وإيرلندا الأسقف هوفاكيم ممثّلاً البطريرك الأعلى وكاثوليكوس جميع الأرمن كاركين الثّاني كاثوليكوس كيليكيا للأرمن الأرثوذكس آرام الأوّل الكنيسة الأرثوذكسيّة الآشورية: الكاثوليكوس مار جاورجيوس الثّاني الكنيسة اللّوثريّة أسقف الكنيسة اللّوثريّة الإنجيليّة في الأردنّ والأرض المقدّسة ساني إبراهيم عازار مجلس كنائس الشّرق الأوسط: الأمينة العامة الدكتورة ثريّا بشعلاني لعلنا نكون قد اقتربنا من إجابة السؤال المطروح بامتداد صفحات طالت وتنوعت أطروحاتها ومقارباتها. . الكنيسة. . صراع أم مخاض ميلاد؟ --- ### ٢٧) لنعرفه - Published: ۲۰۱۸-۰۳-۲۷ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/1571/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: إفخارستيا, الأب متى المسكين, الكنيسة القبطية, المجلس الملي, المجمع الفاتيكاني الثاني, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس السادس, تدبير الخلاص, ڤاتيكان, قديس أثناسيوس الرسولي, ليتورچي, مجمع الأساقفة, مدارس الأحد الكنيسة تدعونا لأن نعرفه.. ذاك الذي أخذ الذي لنا، وأعطانا -حقيقة لا مجازًا- الذي له ما أظن أن ما يحدث بين الفرقاء في الكنيسة صراعٌ لاهوتي في أغلبه، فكثيره له مآرب أخرى، وحتى فيما يتعلق بالجدل الفكري ما أظنه واقعيًا ذلك لأن قواعد القياس غائبة، فعلام نقيس هذا التعليم أو ذاك؟ هل لدينا مجموعة قانونية لمعتقدات الكنيسة القبطية الأرثوذكسية يمكن أن نسميها دستور إيماننا؟ لدينا مراجع ولدينا اتفاق عام علي العقائد الأساسية لكنها متفرقة بين الكتب والوثائق والمخطوطات، وبعضها يحتاج إلى تحقيق علمي تاريخي ولاهوتي، خاصة المتأخر منها، والذي حملته إلينا قرون التدوين بالعربية. وقد أشرنا قبلًا إلى الجهود المضنية التي قام بها الرواد المحدثون عبر القرنين التاسع عشر والعشرين، وتجاربهم المؤسِسة، وكانت الملاحظة أن نجاحها كان مرتبطًا باتفاق إرادات الإكليروس والعلمانيين، ومقارنة تجربتي مدارس الأحد والمجلس الملي تقولان بهذا، فقد انطلقتا في نطاق زمني متقارب، وجاءت مبادرتهما من أراخنة أفاضل لهم خبراتهم المقدرة، وكان البابا المعاصر لهما واحدًا، لكن الأولى، مدارس الأحد، وجدت دعمًا واحتضانًا، من قداسته، رغم مقاومة قاعدة عريضة من الكهنة، فنمت باطراد حتى جلست على الكرسي البابوي، بعد نصف قرن من انطلاقها، بينما الثانية، المجلس الملي، لم تحظ بالقبول، لولا فرضها بقرار عال من الدولة، وتوارثت الرفض والمقاومة بامتداد عمر التجربة مع تعدد الآباء البطاركة، حتى أنها جُمدت في حبرية قداسة البابا كيرلس السادس، وعادت منزوعة الصلاحيات بفعل تدخلات سياسية سابقة في الحقبة الناصرية، ليصبح المجلس كيانًا بلا فاعلية في حبرية قداسة البابا شنودة الثالث، ومازال أمره معلقًا حتى اللحظة. لهذا فالكنيسة بحاجة إلى مبادرة مجمع الأساقفة والنخبة المتخصصة من العلمانيين بالعكوف على ترتيب ورش عمل تضع إطار فكرى لدستور إيماني موثق، يبدأ بما اقترحناه قبلًا "المجمع المرقسي الأول" على غرار المجمع الفاتيكاني الثاني، يسبقه تنظيم لجان تحضيرية رفيعة المستوى، تنتهى إلى جدول أعمال المجمع، يتناول المحاور الرئيسية للعقائد ومراجعها ووثائقها، وتوفيرها من مصادرها، اليونانية والقبطية والعربية، وتحقيق ما يحتاج منها إلى تحقيق، ونوطن أنفسنا على أن هذا الأمر، بدءًا من الأعمال التحضيرية حتى صدور دستور العقائد، قد يمتد إلى عدة سنوات، وهو يستحق، وفى مسيرة الضبط والتصحيح نكتشف أن الأمر نفسه يشمل دستور الطقوس وتنقيتها من مدخلات عصور التراجع، والتي لا تختلف كثيرًا عنها في دائرة العقائد. يبقى شخص المسيح يسوع هو المسيحية ذاتها، فهو الذي أعلن لنا سر الآب، وأدخلنا في شركة الثالوث، ووهبنا الحياة الأبدية، فبغيره تصبح المسيحية ـ إن وجدت ـ مجرد مجموعة من القيم الأخلاقية التي يمكن أن نجدها في غيرها، وربما نجد ما يوازيها وأكثر في تجمعات لا دينية، وتتحول العبادة إلى فروض وممارسات تطلب لذاتها، فنجتهد في تدقيقها بضمير مثقل بمحاذير المخالفة، وتتلبسنا الازدواجية بين ما نقول به وما نعيشه، نرسم صورة التقوى وننكر قوتها. ربما في هذا نجد تفسيرًا لإغراقنا في الشكل، وتصير التراتبية هدفًا، يتراجع المسيح وتتقدم الذات، ويختطف البعض نصًا كتابيًا في إجتزاء متعمد "فَإِنْ كُنْتُ أَنَا أَبًا، فَأَيْنَ كَرَامَتِي؟ وَإِنْ كُنْتُ سَيّدًا، فَأَيْنَ هَيْبَتِي؟" (ملاخي 1)، بينما رب المجد يصحح هذا المفهوم في واقعة أعقبها بتوجيه "قَامَ عَنِ الْعَشَاءِ، وَخَلَعَ ثِيَابَهُ، وَأَخَذَ مِنْشَفَةً وَاتّزَرَ بِهَا، ثُمّ صَبّ مَاءً فِي مِغْسَل، وَابْتَدَأَ يَغْسِلُ أَرْجُلَ التّلاَمِيذِ وَيَمْسَحُهَا بِالْمِنْشَفَةِ الّتِي كَانَ مُتّزِرًا بِهَا... . فَلَمّا كَانَ قَدْ غَسَلَ أَرْجُلَهُمْ وَأَخَذَ ثِيَابَهُ وَاتّكَأَ أَيْضًا، قَالَ لَهُمْ: أَتَفْهَمُونَ مَا قَدْ صَنَعْتُ بِكُمْ؟ أَنْتُمْ تَدْعُونَنِي مُعَلّمًا وَسَيّدًا، وَحَسَنًا تَقُولُونَ، لأَنّي أَنَا كَذلِكَ. فَإِنْ كُنْتُ وَأَنَا السّيّدُ وَالْمُعَلّمُ قَدْ غَسَلْتُ أَرْجُلَكُمْ، فَأَنْتُمْ يَجِبُ عَلَيْكُمْ أَنْ يَغْسِلَ بَعْضُكُمْ أَرْجُلَ بَعْضٍ، لأَنّي أَعْطَيْتُكُمْ مِثَالاً، حَتّى كَمَا صَنَعْتُ أَنَا بِكُمْ تَصْنَعُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا. " (يوحنا 13). كان الاتضاع وكانت المحبة هما الدافعان لكل معاناة السيد في تدبير الخلاص، وكان الكبرياء وكانت الذات وراء كل رفض لقبول هذا التدبير، فالذين ذهبوا إلى تأويل التجسد بعيدًا عن حقيقته التي جمعت الطبيعتين، الإله الكامل والإنسان الكامل، بغير اختلاط ولا امتزاج ولا ابتلاع أو ذوبان ولا تغيير، في المسيح يسوع، والذين رفضوا مساواته للآب في الجوهر وكونه واحدًا فيه، والذين رفضوا استحقاقاتنا التي صارت لنا عبر التجسد، لم يدركوا، ولم يختبروا تلك المحبة وذاك الاتضاع، لأنهم لو قبلوا بهما لصاروا ملزمين بالتخلي عن كل مجد اغتصبوه وكل كرامة إختطفوها لذواتهم في مواقعهم المتقدمة. وما الهرطقات في الدائرة الكريستولوجية إلا تنويعات على تصدى الذات والكبرياء لفهم التجسد، واستيعابه، وقد نجد في اقترابنا من الرجل الذي تصدى لهذه المدرسة فى بداياتها، ق. أثناسيوس الرسولي، وهو بعد شماس وشاب غضًا، أهمية التكوين الذهني والقلبي عنده، فلم يكن تعرفه على شخص الرب يسوع المسيح مدرسيًا، فقد عاش الليتورجيا وخبرها، فتكشفت له من خلالها ملامح رب المجد المتفرد، كانت الخيوط تتجمع لتشكل وجدانه ورؤيته، فقد تربى في وسط تَقَوّى في بيت كهنوتي -بمعطيات زمانه- واحتضنه صبيًا وشابًا البابا البطريرك ق. ألكسندروس، صاحب البصيرة النافذة، وكانت خطوطه موصولة مع مؤسس الرهبنة، ق. أنطونيوس، فكانت سياجات النسك تحميه من صلف المعرفة المجردة، كانت مكتبة الإسكندرية تمده بالزخم الآبائي، وبين المعرفة والاختبار ودفء الليتورجيا وتهذيب النسك وقدوة الآباء وتلمذته عليهم، تشكلت ذهنية ق. أثناسيوس، فكان مدخله لمعرفة كنه الرب يسوع المسيح هي المحبة، وقد وصفه أحد الباحثين الذين تعمقوا في سيرته "احب أثناسيوس المسيح فعقله، بينما حاول آريوس أن يعقل المسيح فلم يسعفه عقله لذا لم يستطع أن يدرك طبيعة الإله المتجسد"،ومن يتوفر على كتابات ق. أثناسيوس ورسائله يلمس هذا التوجه بقوة. ولعل السؤال الوجوبي ونحن نعيش مناخ تتوفر لنا فيه كل هذه المعطيات؛ فالمعرفة صارت متاحة بما لم يتح لأجيال عديدة سبقتنا، عبر قنوات مبهرة، ما بين تقنيات طباعة متقدمة وإخراج فني مبهر، وبين فضاء رقمي إلكتروني يجعل البحوث والكتب اللاهوتية رهن ضغطة على لوحة مفاتيح الوسائط الإلكترونية التي صارت "في كل يد"، والاجتماعات الكنسية بتنويعاتها ومؤتمراتها تغطى الأسبوع بجملته، والفضائيات المسيحية دخلت كل بيت، لماذا صرنا "محمولين على كل ريح تعليم؟"، ولماذا صارت الهشاشة تحتل ذهنية كثيرين؟ ولماذا تراجع التعليم اللاهوتي ليحتل مكانه التعليم الاجتماعي والغيبي وفى بعضه التعليم بالخرافة؟ وفى جسارة احتل القديسون -رغمًا عنهم- مكان المسيح! ! ، هل هو الخواء الفكري والخوف من الوقوع في محاذير تحيط بمن يتصدى للتعليم؟ ربما نجد تفسيرًا إذا اقتربنا من آليات التكوين التعليمي؛ الإكليريكية والأديرة. بغير أن نستنفر ذهنية الدفاع وجدل عقيم نطارد به كل من ينبه لحتمية المراجعة والتقييم والتقويم، فمن الثمر تعرف الشجرة. اللافت أن الكنيسة وفرت لنا زادًا لاهوتيًا لا ينقطع في قراءات القطمارس اليومية والموسمية، والتي رتبت برؤية مبدعة تكفى وحدها وجبة دسمة تشير بإلحاح إلى الطعام النازل من السماء المن العقلي الذي لا يفسد، وعندما نصغى بوعى إلى صلوات الكنيسة، وبخاصة في وليمة الإفخارستيا، الحضور الدائم لله وسط شعبه، نكتشف أنها ترجمة حياتية موقعة على كلمة الحياة، التي تبنى وتصون وتبكت وتقودنا لشركة حقيقة مع المسيح وفيما بيننا، لنصر ونحن أعضاء كثيرون جسدًا واحدًا رأسه المسيح. ومازالت اذكر وأنا بعد صبي صغير كيف كانت الليتورجيا المدرسة التي قادت قدماي للكتاب المقدس، قبل أن افتح صفحاته والهج وراء حكاياته، وعندما صرت شابًا كانت مدرستي ملاصقة للبطريركية المرقسية وقت البابا القديس كيرلس السادس، وكانت أسئلتي لا تتوقف وكانت إجاباته مقتضبة، كلها كانت من صلوات الكنيسة، لكنها تحمل ما لا تقدمه كتب وعظات مسهبة، وعندما تعرفت على كتب الأب متى المسكين، كان في كنيستنا -مار جرجس بالقللي- كاهنٌ متقدم في الأيام، أبونا يوحنا عبد المسيح أبادير، يمكن أن تصفه بفلاح الكتاب المقدس، يجوس في صفحاته بمحراث يقلب أرضه المباركة، كانت جلساتي إليه شبه يومية، وسؤاله اليومي، قريت إيه النهاردة؟ وكانت إجابتي المتكررة في كتاب كذا لأبونا متى، يطلب إلى أن آتى له بهذا الكتاب، اقرأ عليه بعض من سطوره، يستوقفني، عارف دي جابها منين، افتح أشعباء . . أو رسالة بولس الفلانية ... أو المزامير، ويفتح كنوزه ويخرج منها ما يجعلني لا أنتبه إلى أن الليل انتصف، ما بين أبونا متى وأبونا حنا (هكذا كنا نناديه) بدأت في اكتشاف شخص المسيح، وبدأت أتذوق حلاوة كنيستنا التي لن تسترد مجدها إلا باسترداد وعيها اللاهوتي في تعليمها المعاصر الذي يتأسس على معرفة شخص ربنا يسوع المسيح حجر زاوية إيماننا، والذي يلتقينا يوميًا على المذبح، بينما الشماس ينبهنا: فلنقف حسنا، لنقف بتقوى، نقف باتصال، نقف بسلام، نقف بخوف الله ورعدة وخشوع. أيها الإكليروس وكل الشعب بطلبة وشكر بهدوء وسكوت ارفعوا أعينكم إلى ناحية المشرق لتنظروا المذبح وجسد ودم عمانوئيل إلهنا موضوعين عليه. الكنيسة تدعونا لأن نعرفه. . ذاك الذي أخذ الذي لنا، وأعطانا -حقيقة لا مجازًا- الذي له. --- ### ٢٦) التجسد: اللاهوت المغيّب - Published: ۲۰۱۸-۰۳-۲٦ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/1567/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: جايوس فلاڤيوس ڤاليريوس أوريلوس قسطنطينوس, قديس أثناسيوس الرسولي, قديس بولس الرسول, ليتورچي كان إدراك المرء لماهية التجسد قضية ولدت مع المسيحية، منذ لحظتها الأولى، وكان الصليب ينتظر المسيح، لأنه أعلن ماهيته، التي رفضها اليهود والرومان معًا، وأربكت كل من الحاكم ورجال الدين وقتها ما المسيحية؟ هل هي مجموعة من الشرائع التي تضبط العلاقة بين الله والبشر في خطها الرأسي، وبين البشر وبعضهم في مداها الأفقي؟ هل هي واحدة من الرسالات السماوية التي ترسم خريطة الحقوق والواجبات بريشة إله للخليقة، ويذيلها بأوامر ونواهي عليها اتباعها حتى لا تقع تحت طائلة سلسلة من العقوبات التي سبق وحددها في قواعد صارمة، بينما في اتباع تلك الأوامر والوصايا نعيمًا مقيمًا؟ هل هي تنويعة إبراهيمية تختطف المرء من واقعه المرتبك لتلقى به في تهويمات ميتافيزيقية، تُرحل أحلامه المجهضة إلى ما بعد الحياة؟ ما أظنها كذلك ... بحسب محاولاتي المتواضعة لفهمها، هي إعلان حضور الله في زمن الإنسان، عبر سر التجسد، الذي فيه تكشفت لنا طبيعة الله المحتجبة، "الله لم يره احد قط. الابن الوحيد الذي هو في حضن الاب هو خَبّرَ. " (يوحنا 1 : 18)، والكنيسة هي آية هذا الحضور واستعلانه في يومنا الممتد. كان إدراك المرء لماهية التجسد قضية ولدت مع المسيحية، منذ لحظتها الأولى، وكان الصليب ينتظر المسيح، لأنه أعلن ماهيته، التي رفضها اليهود والرومان معًا، وأربكت كل من الحاكم ورجال الدين وقتها، فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ:«أَنَا هُوَ خُبْزُ الْحَيَاةِ. مَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ فَلاَ يَجُوعُ، وَمَنْ يُؤْمِنْ بِي فَلاَ يَعْطَشُ أَبَدًا. وَلكِنّي قُلْتُ لَكُمْ: إِنّكُمْ قَدْ رَأَيْتُمُونِي، وَلَسْتُمْ تُؤْمِنُونَ. كُلُّ مَا يُعْطِينِي الآبُ فَإِلَيَّ يُقْبِلُ، وَمَنْ يُقْبِلْ إِلَيّ لاَ أُخْرِجْهُ خَارِجًا. لأَنّي قَدْ نَزَلْتُ مِنَ السّمَاءِ، لَيْسَ لأَعْمَلَ مَشِيئَتِي، بَلْ مَشِيئَةَ الّذِي أَرْسَلَنِي. وَهذِهِ مَشِيئَةُ الآبِ الّذِي أَرْسَلَنِي: أَنَّ كُلَّ مَا أَعْطَانِي لاَ أُتْلِفُ مِنْهُ شَيْئًا، بَلْ أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ. لأَنَّ هذِهِ هِيَ مَشِيئَةُ الّذِي أَرْسَلَنِي: أَنّ كُلّ مَنْ يَرَى الابْنَ وَيُؤْمِنُ بِهِ تَكُونُ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيّةٌ، وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ». فَكَانَ الْيَهُودُ يَتَذَمّرُونَ عَلَيْهِ لأَنّهُ قَالَ:«أَنَا هُوَ الْخُبْزُ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ»... . . فَقَالَ كَثِيرُونَ مِنْ تَلاَمِيذِهِ، إِذْ سَمِعُوا:«إِنّ هذَا الْكَلاَمَ صَعْبٌ! مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَسْمَعَهُ؟» فَعَلِمَ يَسُوعُ فِي نَفْسِهِ أَنّ تَلاَمِيذَهُ يَتَذَمّرُونَ عَلَى هذَا، فَقَالَ لَهُمْ:«أَهذَا يُعْثِرُكُمْ؟ من هذا الوقت رجع كثيرون من تلاميذه الى الوراء، ولم يعودوا يمشون معه، فقال يسوع للاثني عشر:"العلكم انتم ايضا تريدون ان تمضوا؟". (الإنجيل بحسب يوحنا 6) كان المسيح يعي أن "ماهيته" المحور الأساسي الذي تبنى عليه المسيحية، التي لا تستقيم إلا باستيعاب ماهية التجسد، الله الظاهر في الجسد، الإنسان يسوع المسيح ! ! ، وهى الحقيقة التي أدركها القديس بولس الرسول وأكدها لتلميذه تيموثاوس "لأَنَّ هذَا حَسَنٌ وَمَقْبُولٌ لَدَى مُخَلّصِنَا اللهِ، الّذِي يُرِيدُ أَنّ جَمِيعَ النّاسِ يَخْلُصُونَ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقّ يُقْبِلُونَ. لأَنّهُ يُوجَدُ إِلهٌ وَاحِدٌ وَوَسِيطٌ وَاحِدٌ بَيْنَ اللهِ وَالنّاسِ: الإِنْسَانُ يَسُوعُ الْمَسِيحُ، الّذِي بَذَلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً لأَجْلِ الْجَمِيعِ"(1 تيموثاوس 2) لذلك كان حواره اللاهوتي المؤسِس مع تلاميذه والذي انتهى إلى بلورة "ماهية المسيح": وَلَمّا جَاءَ يَسُوعُ إِلَى نَوَاحِي قَيْصَرِيّةِ فِيلُبّسَ سَأَلَ تَلاَمِيذَهُ قِائِلاً: «مَنْ يَقُولُ النّاسُ إِنّي أَنَا ابْنُ الإِنْسَانِ؟» فَقَالُوا:«قَوْمٌ: يُوحَنّا الْمَعْمَدَانُ، وَآخَرُونَ: إِيلِيّا، وَآخَرُونَ: إِرْمِيَا أَوْ وَاحِدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ». قَالَ لَهُمْ:«وَأَنْتُمْ، مَنْ تَقُولُونَ إِنّي أَنَا؟» فَأَجَابَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ وَقَالَ: «أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ الْحَيّ! ». فَأجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «طُوبَى لَكَ يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، إِنّ لَحْمًا وَدَمًا لَمْ يُعْلِنْ لَكَ، لكِنّ أَبِي الّذِي فِي السّمَاوَاتِ. وَأَنَا أَقُولُ لَكَ أَيْضًا: أَنْتَ بُطْرُسُ، وَعَلَى هذِهِ الصّخْرَةِ أَبْني كَنِيسَتِي، وَأَبْوَابُ الْجَحِيمِ لَنْ تَقْوَى عَلَيْهَا. وَأُعْطِيكَ مَفَاتِيحَ مَلَكُوتِ السّمَاوَاتِ، فَكُلّ مَا تَرْبِطُهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِي السّمَاوَاتِ. وَكُلُّ مَا تَحُلّهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولاً فِي السّمَاوَاتِ». حِينَئِذٍ أَوْصَى تَلاَمِيذَهُ أَنْ لاَ يَقُولُوا لأَحَدٍ إِنّهُ يَسُوعُ الْمَسِيحُ. (الإنجيل بحسب متى 16) تطرح الكنيسة دعوتها للعالم للتعرف على المسيح والحياة فيه، وتشتبك مع ثقافاته وموروثاته المختلفة، وتجد الكنيسة نفسها أمام قراءات مختلفة لماهية المسيحية وفى القلب منها ماهية المسيح وطبيعته، وتقفز أمامها حاجتها لتقنين إيمانها تأسيسًا على ما تسلمته من المسيح وما دونته رقائق الإنجيل وحفظته ليتورجيتها عبر التسلسل الآبائي، المتيقن عندها، فكان "قانون الإيمان النيقاوي القسطنطيني"، الذي جاء إعادة إنتاج لقانون الإيمان الرسولي بحسب مخطوطات كنيسة الرسل. لم تكن قضية الكنيسة مجرد تقنين إيمانها في نصوص قانونية صماء، لذلك حولتها إلى خبز يومها ولغة حياتها اليومية، تعلنها في ليتورجيتها، وفى القلب منها احتفالها الإفخاريستي في يوم الرب. لم يكن التجسد حدث الهي يصحح عوار إنساني بحسابات ميكانيكية صماء، تجعل منه مسألة منطقية تجهد العقل لترتيبها بين المقدمات والوجوبية وما تحمله من نتائج تنتهى إلى إعادة العلاقة بين الإنسان والله كما كانت قبل العصيان. التجسد فعل حب تحركت به أحشاء الله ليعطى الإنسان ما لله بحسب القديس أثناسيوس الرسولي "هو أخذ الذي لنا وأعطانا الذى له" لتنحتها التسبحة في أهازيجها اليومية وتكملها بفرح "نسبحه ونمجده ونزيده علوًا". وعَبرَ التجسد صلبنا وقمنا وأصعدنا وجلسنا مع المسيح وفيه عن يمين الآب "ومِنْ أَجْلِ مَحَبّتِهِ الْكَثِيرَةِ الّتِي أَحَبّنَا بِهَا، وَنَحْنُ أَمْوَاتٌ بِالْخَطَايَا أَحْيَانَا مَعَ الْمَسِيحِ، بِالنّعْمَةِ صرنا مُخَلّصُونَ، وَأَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي السّمَاوِيّاتِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ" (عن افسس2). وكان أن ارسل لنا الروح القدس ليحل فينا، ليس زائراً بل مقيماً، يمكث معنا إلى الأبد، مالئ الكل، كنز الصالحات ومعطى الحياة، بحسب ما نقول به يومياً فى صلوات السواعى، وها انا ارسل اليكم موعد ابي. فاقيموا في مدينة اورشليم الى ان تلبسوا قوة من الاعالي (لوقا 24 : 49). وانا اطلب من الاب فيعطيكم معزيا اخر ليمكث معكم الى الابد،(يوحنا 14 : 16). ونصير في المسيح به خليقة جديدة، الذين يرفضون ما صار لنا من استحقاقات بفعل التجسد لم يستوعبوا فعل التجسد نفسه، لأنهم يقيسون الاستحقاقات على قامتنا وليس على قامة من أعطاها، ويرفضون في تواضع ملتبس أن نصير على صورة المانح، "انتم رسالتنا مكتوبة في قلوبنا معروفة ومقروءة من جميع الناس، ظاهرين انكم رسالة المسيح مخدومة منا مكتوبة لا بحبر بل بروح الله الحي" (2 كو 3). وهو رفض يذكرنا برفض ق. بطرس أن يغسل السيد قدميه، إذ كيف للسيد أن يغسل قدم تلميذه، رآه تأكيدًا على تعظيمه لسيده ورآه الرب عدم إدراك لفعل الإخلاء. التجسد جعلنا لحم من لحمه وعظم من عظامه، وصرنا مكملين إلى واحد، ولم يعد للخطية سلطان علينا، ونستطيع أن نقول بثقة أننا أعظم من منتصرين، وتولد بنا كنيسة قوية تعلن دومًا انتصارها وقوتها. عندما تغيب روح النصرة تنهزم مقاومتنا وتنكسر، ونبحث عن دعامات نفسية وذهنية، ونستبدل قوة الروح وفعله فينا بقدرات ذاتية، تتشابه علينا بصورة التقوى، ونبحث عن حلول لا تضبط ماء لأن آبارها مشققة، ونمعن في الاستعاضة عن عمل النعمة بأعمال الجسد، فتكثر بيننا الأزمات ونعيش الازدواجية في صور متعددة، وتصير الليتورجيا عبئًا والصلاة فروض نتممها بآلية ورتابة، والأصوام ثقل نحمله خوفًا من عقاب، والعبادات قوانين تطاردنا، والحياة اليومية منفصلة عن كل هذا. عندما يغيب لاهوت التجسد، عن يومنا ، بفعل غياب خبرة ورؤية الآباء، وبغير حراسة الليتورجيا المعاشة، نرتد إلى صورة الله المتعالي والبعيد والمتربص، ربما لهذا كان تحذير الكتاب "وأما انتم فلم تتعلموا المسيح هكذا" (اف 4: 20). سيبقى ما يحدث صراعًا حتى نعود إلى ينابيع الخبرة الكنسية الآبائية، الذهب المصفى بالنار، لنشكل معًا مجددًا مخاض ميلاد جديد. «هذَا يَقُولُهُ الآمِينُ، الشّاهِدُ الأَمِينُ الصّادِقُ، بَدَاءَةُ خَلِيقَةِ اللهِ:أَنَا عَارِفٌ أَعْمَالَكَ، أَنّكَ لَسْتَ بَارِدًا وَلاَ حَارًّا. لَيْتَكَ كُنْتَ بَارِدًا أَوْ حَارًّا! هكَذَا لأَنّكَ فَاتِرٌ، وَلَسْتَ بَارِدًا وَلاَ حَارًّا، أَنَا مُزْمِعٌ أَنْ أَتَقَيّأَكَ مِنْ فَمِي. لأَنّكَ تَقُولُ: إِنّي أَنَا غَنِيّ وَقَدِ اسْتَغْنَيْتُ، وَلاَ حَاجَةَ لِي إِلَى شَيْءٍ، وَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنّكَ أَنْتَ الشّقِيّ وَالْبَئِسُ وَفَقِيرٌ وَأَعْمَى وَعُرْيَانٌ. أُشِيرُ عَلَيْكَ أَنْ تَشْتَرِيَ مِنّي ذَهَبًا مُصَفّى بِالنّارِ لِكَيْ تَسْتَغْنِيَ، وَثِيَابًا بِيضًا لِكَيْ تَلْبَسَ، فَلاَ يَظْهَرُ خِزْيُ عُرْيَتِكَ. وَكَحّلْ عَيْنَيْكَ بِكُحْل لِكَيْ تُبْصِرَ. إِنّي كُلّ مَنْ أُحِبّهُ أُوَبّخُهُ وَأُؤَدّبُهُ. فَكُنْ غَيُورًا وَتُبْ. هنَذَا وَاقِفٌ عَلَى الْبَابِ وَأَقْرَعُ. إِنْ سَمِعَ أَحَدٌ صَوْتِي وَفَتَحَ الْبَابَ، أَدْخُلُ إِلَيْهِ وَأَتَعَشّى مَعَهُ وَهُوَ مَعِي. مَنْ يَغْلِبُ فَسَأُعْطِيهِ أَنْ يَجْلِسَ مَعِي فِي عَرْشِي، كَمَا غَلَبْتُ أَنَا أَيْضًا وَجَلَسْتُ مَعَ أَبِي فِي عَرْشِهِ. مَنْ لَهُ أُذُنٌ فَلْيَسْمَعْ مَا يَقُولُهُ الرُّوحُ لِلْكَنَائِسِ». (رؤيا 3) ومازال للطرح بقية. --- ### ٢٥) مسارات التفكك وسعي المقاربة - Published: ۲۰۱۸-۰۳-۲۵ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/1486/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أنبا أنطونيوس الكبير، أبو الرهبان, الأصولية, الانشقاق الكبير, الشرق الأوسط, الكنائس الأرثوذكسية, الكنيسة السريانية, الكنيسة القبطية, الكنيسة الكاثوليكية, بابا بنديكتوس السادس عشر, بابا تواضروس الثاني, بابا فرنسيس، بابا الڤاتيكان, بروتستانت, بطريرك كيريل, ثريا بشعلاني, جايوس فلاڤيوس ڤاليريوس أوريلوس قسطنطينوس, قديس أثناسيوس الرسولي, قديس بولس الرسول, كاثوليكوس آرام الأول, كنيسة الإسكندرية, ليتورچي, مار إغناطيوس أفرام الثاني, مارتن لوثر, مجمع خلقيدونية, يوحنا المعمدان من يتتبع البدايات يلتفت إلى أن بذرة الانشقاق لم تكن منحصرة في اختلافات الرؤى اللاهوتية وما انتجته من جدالات ومصادمات وتبادل الاتهامات بالهرطقة، والانحراف عن الإيمان بحسب المسيح والإنجيل، إذ بينما يتجادلون كانت السياسة تزحف مستندة إلى سلطان الإمبراطور لتقود معادلة الصراع، بل وتجلس على رأس مائدة المفاوضات المجمعية، بداية من الدعوة للمجمع المسكوني الأول -نيقية 325- وقد تولاها الإمبراطور قسطنطين، ووضع أمام المجتمعين صولجان الحكم وسيفه، وكانت الرسالة واضحة وقاطعة. توقفت كثيرًا أمام الاستخدام الشعبي لمقولة "أبواب الجحيم لن تقوى عليها"، وهي مقتطعة من نص كتابي لكلمات جاءت على لسان الرب يسوع، في سياق حوار لاهوتي مؤسِس مع تلاميذه: ولما جاء يسوع إلى نواحي قيصرية فيلبس سأل تلاميذه قائلا: من يقول الناس إني أنا ابن الإنسان. فقالوا: قوم: يوحنا المعمدان، وآخرون: إيليا، وآخرون: إرميا أو واحد من الأنبياء. قال لهم: وأنتم، من تقولون إني أنا. فأجاب سمعان بطرس وقال: أنت هو المسيح ابن الله الحي. فأجاب يسوع وقال له : طوبى لك يا سمعان بن يونا، إن لحما ودما لم يعلن لك، لكن أبي الذي في السماوات. وأنا أقول لك أيضا: أنت بطرس، وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها. وأعطيك مفاتيح ملكوت السماوات، فكل ما تربطه على الأرض يكون مربوطا في السماوات. وكل ما تحله على الأرض يكون محلولا في السماوات. حينئذ أوصى تلاميذه أن لا يقولوا لأحد إنه يسوع المسيح. (متى 16 : 13 ـ 20) وهو استخدام نتحصن به في مواجهة موجات الاستهداف التي تتوالى وتتنوع صعودًا وهبوطًا بامتداد التاريخ منذ ولدت الكنيسة، وهى مواجهة ما أظنها ستنتهى يومًا حتى يأتي ثانية حسبما سمع تلاميذه حال صعوده، ويتحول حزننا إلى فرح. ولما قال هذا ارتفع وهم ينظرون. وأخذته سحابة عن أعينهم. وفيما كانوا يشخصون إلى السماء وهو منطلق، إذا رجلان قد وقفا بهم بلباس أبيض. وقالا: أيها الرجال الجليليون، ما بالكم واقفين تنظرون إلى السماء؟ إن يسوع هذا الذي ارتفع عنكم إلى السماء سيأتي هكذا كما رأيتموه منطلقا إلى السماء(أعمال 1 : 9 ـ 11) كان السؤال الذي يقفز إلى الذهن مع كل مرة يرد فيها هذا التعبير أي كنيسة تلك التي نقصدها، وكانت صفحات التاريخ تلطمني حين تسجل اندثار كنيسة شمال أفريقيا، وهى التي قدمت في تاريخها المبكر أعمدة مازلنا ننهل من تعاليمهم وحياتهم، ترتليانوس واغسطينوس وكبريانوس وغيرهم، فإذا بها تصير أثرًا بعد عين، بل وكنائس أسيا الصغرى التي أسسها القديس بولس الرسول، وخلد أسمائها في رسائله، بل وذكرت في سفر الرؤيا من أفسس إلى كورنثوس إلى غلاطية ومن لاودكيا إلى سميرنا مرورًا ببيرغامس وثياتيرا وساردس وفيلادلفيا، فإذا كلها يجتاحها العثمانيون وتصير من أعمال تركيا. وعندنا كنيسة الجزيرة العربية التي تم اكتشاف أطلالها صدفة عام 1980 في صحراء محافظة “الجبيل” شرق المملكة، وشمال مدينة الدمام، عندما كان البعض يحفرون في الرمال لإخراج سيارة عالقة، وخلال الحفر وجدوا ما يشبه الجدران المنقوشة، تبين فيما بعد أنها أعمدة لكنيسة تعود إلى القرن الرابع الميلادي. وحتى كنيسة الإسكندرية تنزوى في ركن قصي وتتحول إلى كنيسة أقلية، وتخضع لقيود كثيرة وتتسلل إليها ثقافة مجتمع الأغلبية المغايرة لثقافتها، وتحتل ذهنيتها مفاهيم متصحرة جدباء، لم تستطع حين أرادت استنهاض حاضرها أن تتخلص كلية منها، فكانت المواجهات التي تأسس عليها طرحنا في محاولة متواضعة لفك تشابكاتها وفهم جذورها. ربما لهذا لم يكن القصد أن التحصين ضد أبواب الجحيم يتجه للتجمعات المسيحية وإنما على الأرجح لرسالة وعمل المسيح فى العالم ولأجله، فستظل تداعيات الفداء والخلاص واسترداد الخليقة لبهائها ومجدها في المسيح عمل لا ينزوى، وفعل قائم في الخليقة، لن تقدر عليه أبواب الجحيم. ولذلك نظل مطالبين باليقظة والعمل الجاد للحفاظ على الإيمان، الكيان والبشر، حتى لا يذهب ويبقى الحجر، بفعل التناحر وصراع المواقع وأوليات الكراسي وعناد الذات وتعظيم مكتسبات مؤقتة. واستأذن القارئ في التوقف لسطور قليلة مع ما صادفته في أثناء جمع أركان هذا الطرح متعلقًا بكنائس المشرق، مع كلمات لأكاديمية لبنانية "دكتورة ثريا بشعلاني" المتخصصة في علوم اللاهوت (دكتوراه من الجامعة اليسوعية بباريس) والتي تم انتخابها بالإجماع قائمًا بأعمال أمين عام مجلس كنائس الشرق الأوسط. (في اجتماع اللجنة التنفيذية لمجلس كنائس الشرق الأوسط، والمنعقدة في الجامعة الأنطونية في بعبدا، لبنان الجمعة 26 يناير 2018). كيف للمسيحيين أن يكونوا مرسَلين لإعلان المسيح وهم ليس فقط متعددين، وهذا غنى في الأصل، ولكن في الحقيقة أيضًا منقسمون على ذواتهم وبعضهم. عندما يعمل الإنسان من أجل وحدة المسيحيين في ما بينهم، لا أعني بالوحدة أن يصبحوا كنيسة واحدة من حيث الثقافة، ولكن تبقى التعددية ويصبحون يعيشون الوحدة في الإيمان والحقيقة والصلاة. عندما يعمل الإنسان من أجل تقريب وجهات النظر بين الكنائس من أجل أن تُرسَل معًا نحو الآخرين، تُسمّى هذه الأمور وهذا العمل في اللاهوت: العمل المسكوني أولًا. ويصبح هذا العمل المسكوني على إطار المسكونة جمعاء عندما تخرج الكنائس معًا في رسالة محبة نحو الآخرين. الروح المسكونية تقود إلى قداسة الذات لأنك عندما تريد أن تنفتح على الآخر عليك أن تُخلي ذاتك. إخلاء الذات ليس نكران الذات، ولكن إعطاء الذات من أجل الآخرين. الأمومة هي إخلاء للذات. عندما تختار المسكونية تختار الآخر في حياتك. وعندما تختار الآخر تُخلي ذاتك من أجله، فيتّلد من جديد إنسان جديد بك ويكتشف الآخر نفسه من خلالك. نؤمن بأنه لا يقوم لاهوت من دون اختبار روحي شخصي لحياة الإنسان مع الله. وهذا الاختبار يُبنى عند المسيحيين على العقيدة الأساسية أن ابن الله صار إنسانًا لكي يدعو الإنسان ليصبح ابنًا للّه. فإذا كان المسيح زار الإنسان وصار جسدًا، فباستطاعة الإنسان أن يدخل إلى شركة الله. وفي هذه الحركة بإخلاء الذات والانفتاح على الله اختبار شخصي بعمل وقوة الروح القدس. وعلينا أن نُعلّم اللاهوت على أساسه. (من حوار في برنامج "أجراس المشرق" ـ قناة الميادين ـ أغسطس 2016)   نعود لقضيتنا. . فمن يتتبع البدايات يلتفت إلى أن بذرة الانشقاق لم تكن منحصرة في اختلافات الرؤى اللاهوتية وما انتجته من جدالات ومصادمات وتبادل الاتهامات بالهرطقة، والانحراف عن الإيمان بحسب المسيح والإنجيل، إذ بينما يتجادلون كانت السياسة تزحف مستندة إلى سلطان الإمبراطور لتقود معادلة الصراع، بل وتجلس على رأس مائدة المفاوضات المجمعية، بداية من الدعوة للمجمع المسكوني الأول -نيقية 325- وقد تولاها الإمبراطور قسطنطين، ووضع أمام المجتمعين صولجان الحكم وسيفه، وكانت الرسالة واضحة وقاطعة. وكانت هناك محاولة مصرية -وقتها- في رسالة قادمة من الصحراء الشرقية من كهوف البحر الأحمر يحملها القديس أنطونيوس أب الرهبان إلى البطريرك التاريخي ق. أثناسيوس الرسولي من الناسك ق. بولا، أن ينزع البطريرك عنه حُلة الإمبراطور، التي أهداها له قبلًا، ويستبدلها بثوب بولا الخشن، ليدرك البابا أن الكنيسة لا تدار بآليات السياسة بل بمعطيات التجرد والترك، وليحل سيف الكلمة لأنها "حَيّةٌ وَفَعّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلّ سَيْفٍ ذِي حَدّيْنِ، وَخَارِقَةٌ إِلَى مَفْرَقِ النّفْسِ وَالرّوحِ وَالْمَفَاصِلِ وَالْمِخَاخِ، وَمُمَيّزَةٌ أَفْكَارَ الْقَلْبِ وَنِيّاتِهِ" "عمود الحق وقاعدته"، بدلًا من الصولجان والسيف. لكن الأمور سارت في اتجاه مغاير، وانتقلت بروتوكولات القصر إلى فضاء الكنيسة، حتى في التقسيم الرعوى، في الغرب كما في الشرق، الذي جاء محاكيًا للإدارة الامبراطورية، ويصير للأسقف كرسيًا مستنسخًا من كرسي الإمبراطور، وثيابًا تنقل عن ملابسه وعصا تشبه صولجانه، وألقابًا تحاكى ألقابه، ولم نعدم الوسيلة لتعميدها وتقنينها وإسنادها إلى تأويلات تجد في النصوص ما يقننها بقراءتنا. لم يكن مجرد صراع لاهوتي بحصر المعنى فقد زاحمته صراعات إثنية وثقافية وسياسية، وتحكمت فيه نزعات ترتيب الأولويات، وكانت موروثات ثقافات ما قبل المسيحية غير بعيدة، حتى يأتي مجمع خلقيدونية، 451، ليغرس بذار الانقسام، إلى أغلبية تؤيد قراراته وأقلية تشجبها، وكلّ يرى أنه الذي يحفظ الوديعة، وتأتى السياسة لتوظف الانقسام لحسابها، وتعانى مصر لكونها من معسكر الأقلية المخالفة لتوجه الإمبراطور من ويلات الاستهداف المذهبي ما يفوق استهداف الوثنيين لها، وتنهك قواها لتصير لقمة سائغة في الأفواه الغليظة لجحافل العرب، بعد أقل من قرنين من الزمان. والمدفوعة بخلفيات اقتصادية وسياسية في مشهد يبدو وكأنه دينيًا. ولم تحتمل الكتلة الخلقيدونية عبء التماسك إذ يأتي عام 1054 م. ليفجر انقسام مدو بين اللاتين (الكاثوليك) والبيزنطيين (الأرثوذكس)، وكانت القشة التي قصمت ظهر البعير عندما أضافت الكنيسة الكاثوليكية إلى قانون الإيمان النيقاوي القسطنطيني عن انبثاق الروح القدس "منبثق من الآب والابن"، لترفضه كنائس القسطنطينية واليونانية الأرثوذكسية ويقع الانشقاق الكبير. وفى عام 1529 يخرج الراهب الكاثوليكي الألماني مارتن لوثر (1483 – 1546) ليعلن رفضه لسلطة البابا ومفهوم الكنيسة عن الخلاص، ويؤسس لتيار جديد يتطور ليشكل الكنائس المحتجة (البروتستانتية) والتي تشهد بدورها متوالية ممتدة من الانقسامات. تجرى في انهار الكنائس مياه كثيرة، ويشهد القرن العشرين المنصرم، وما انقضى من القرن الواحد والعشرين، سعيًا حثيثًا نحو مراجعة الواقع المسيحي المسكوني، وقد اشرنا قبلًا إلى تأسيس كيانات مسكونية وإقليمية في هذا الاتجاه، أبرزها مجلس الكنائس العالمي ومجلس كنائس الشرق الأوسط وعلى المستوى المحلى مجلس كنائس مصر، والتي مازالت بحاجة إلى تقييم موضوعي وتفعيل قدرتها على قيام مقاربات لاهوتية جادة تنجو من الرتابة والقيود متعددة المداخل، ومن مغازلات السياسة. وقد شهدت العائلة الخلقيدونية مساع جادة لكسر الفجوة وكان أبرزها تواصل روما والقسطنطينية، متمثلة في زيارة البابا بنديكتوس السادس عشر, للبطريرك المسكوني برثلماوس رئيس أساقفة القسطنطينية في استنبول (28 نوفمبر / تشرين الثاني - 1 ديسمبر / كانون الأول 2006). والحراك الدؤوب الذي يتميز به البابا فرنسيس الأول وتواصله مع بطاركة الكنيسة الأرثوذكسية بالشرق، ومع بطريرك موسكو وسائر روسيا كيريل. وفى العائلة اللاخلقيدونية تشهد العلاقات البينية سعيًا حثيثًا للبابا تواضروس الثاني لمد جسور التواصل بشكل معمق مع كنائس السريان وأنطاكية والأرمن، وكان أبرزها حضوره مؤخرًا اجتماع رؤساء الكنائس الشرقية، الذي عقد بلبنان ـ يونيو 2018 ـ وضم مع قداسته البطريرك مار إغناطيوس أفرام الثاني بطريرك أنطاكية وسائر المشرق، والكاثوليكوس آرام الأول كاثوليكوس الأرمن لبيت كيليكيا الكبير، وتناولوا العديد من القضايا الملحة منها، تصدرتها قضية الوجود المسيحي في الشرق الأوسط وما يتهدد من مخاطر وتحديات، وكذلك الوضع المتأزم في الكنيسة السريانية الأرثوذكسية بالهند، وانتهى اجتماع الآباء البطاركة إلى "توجيه رسالة موقعة من صاحبي القداسة البابا تواضروس الثاني والكاثوليكوس آرام الأول ندعو فيها طرفي الكنيسة السريانية الأرثودكسية في الهند إلى إرسال ثلاثة ممثلين عن كل منهما إلى اجتماع تستضيفه الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في القاهرة، بحضور ممثلين من كنائسنا الثلاث وذلك بهدف بدء حوار جدي يؤدى إلى المصالحة وتخطى الخلافات حتى يعود السلام إلى الكنيسة في الهند. وهكذا تخطو العائلة الأرثوذكسية الشرقية نحو رأب الصدع وإعادة الروح المسكونية ودور كنيسة الإسكندرية التصالحي، بما يؤسس لمد الجسور في دوائر العائلات الأرثودكسية الأخرى، وصولًا إلى العائلة المسيحية بمجملها، بتؤدة ومثابرة وإيمان بتكامل جسد المسيح الواحد. وهو ما أكد عليه البيان المشترك لاجتماع الآباء البطاركة هذا في استعراضه لمسارات الحوارات اللاهوتية الرسمية، مع العائلة الأرثوذكسية الثانية، ومع الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الإنجليكانية، وتطورات تفعيل مجلس كنائس الشرق الأوسط وتثمين اختيار الدكتورة ثريا بشعلاني قائمًا بأعمال الأمين العام للمجلس. في خطوة تقدمية تؤكد على احترام الكنائس لدور المرأة في العمل العام والكنسي تحديدًا. وناقش رؤساء الكنائس مشاركتهم في الاحتفال بالذكري السبعين لتأسيس مجلس الكنائس العالمي (1948 ـ 2018) وحرصهم على دعم دوره في الدفاع عن قضايا السلم العالمي وحقوق الإنسان. وفي سياق التأكيد على وضعية الكتاب المقدس المتقدمة في الليتورجيا الأرثوذكسية، أكد الآباء في اجتماعهم على دعم وتثمين دور الاتحاد العالمي لجمعيات الكتاب المقدس United Bible Societies ، ومشاركتهم في الاجتماع القادم لكل الكنائس الأعضاء في لجنة التعاون بين الكنائس الأرثوذكسية الشرقية والكنيسة الأرثوذكسية من جانب والاتحاد العالمي لجمعيات الكتاب المقدس من الجانب الأخر. والذي سيعقد في أرمينيا في أيلول / سبتمبر 2018 م حول "الوحي في الكتاب المقدس"، وأكد المجتمعون على أهمية الاستمرار في دعم وتعزيز التعاون بين مجموع الكنائس الأرثوذكسية بعائلتيها وبين الاتحاد العالمي لجمعيات الكتاب المقدس. نحن إذن أمام نقلة موضوعية على الأرض باتجاه المقاربة بين الكنائس الأرثودكسية الشرقية، تبدأ في الدائرة الطبيعية، في داخل البيت حيث اتساع قاعدة الاتفاق، ولا تقفز فوق المراحل، بما يؤسس للانتقال إلى مقاربة أوسع مع العائلة الأرثوذكسية الثانية، وبالضرورة ستواجه باستنفار صقور الأصولية اليمينية المدرسية، ومعارضتهم عند العائلتين، الأمر الذي يستوجب مبادرة كنيستنا القبطية الأرثوذكسية بتنظيم فعاليات أكاديمية تتولى التأسيس الفكري اللاهوتي الجاد للدخول في جولة المقاربات الأوسع، تضم الباحثين والدارسين المتخصصين في مراكز الدراسات الآبائية واللاهوتية والتي أفردنا لها مساحات فيما سبق وطرحناه، ودعوة نظرائهم المتواجدين داخل منظومة الرهبنة ودوائر الإكليروس، وعلماؤنا بالخارج في المراكز والجامعات ذات الصلة، للمشاركة بأبحاثهم ورؤاهم، ودعوتهم إلى المشاركة في ورش عمل متخصصة تنظمها الكنيسة. ومازال للطرح بقية. --- ### ٢٤) خبرة معاصرة - Published: ۲۰۱۸-۰۳-۲٤ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/1563/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أنبا غريغوريوس، أسقف البحث العلمي, الحرب العالمية الثانية, الشيوعية, الكنائس الأرثوذكسية, الكنيسة القبطية, الكنيسة الكاثوليكية, المجمع الفاتيكاني الثاني, بابا تواضروس الثاني, بولس السادس, رئيس عبد الفتاح السيسي, ڤاتيكان, مفهوم الوحي, وسيم السيسي امتلكت الكنيسة شجاعة المواجهة والتصحيح، فتصدت بموضوعية لثلاثية الإلحاد والوجودية والشيوعية، التي وجدت لها مكانًا عند شباب ما بعد الحرب العالمية الثانية، وتفجرت في نهايات الخمسينيات من القرن العشرين وإطلاله الستينيات ونحن نجوس في بحثنا عن إجابة لسؤالنا الأثير، نحتاج إلى الاقتراب من تجارب معاشة سعت على الأرض لاختبار السؤال، من هذه التجارب، ما حدث في العقد السادس من القرن العشرين في الكنيسة الكاثوليكية، في لحظة كان العالم بأسره على أبواب تغيرات تتجمع خيوطها لتنفجر قبل أن يخطو خطواته الأولى إلى سبعينياته، وكأن الكنيسة كانت تملك قرون استشعار لما هو آت، والذي تمثل في ثورة الشباب في مجتمعات الرفاهية والتي انطلقت من فرنسا وكان خروج مؤسس الجمهورية الخامسة الجنرال شارل ديجول من المشهد السياسي، بسببها، إيذانا بعصر جديد تتلاحق فيه المتغيرات العاصفة. كانت البداية سعى الكنيسة الكاثوليكية لاسترداد عافيتها، فكان أن رتبت لطرح واقعها على مائدة البحث والدراسة، بغير أن تبنى حصونَ التبرير والدفاع عما هي فيه باعتباره موروثًا مقدسًا، واستطاعت أن تفصلَ بين القواعد الإيمانية الأساسية وبين ما تسللَ إليها عبر عصورها الوسطى، تسلُّل تحولت معه من خادمٍ يبحث عن الضال والخاطئ إلى سيدٍ يمنح ويمنعُ ويحتجز مواقع الصدارة، وينطبق عليه قول الكتاب المقدس: «هكذا قال السيد الرب للرعاة، ويل لرعاة إسرائيل الذين كانوا يرعون أنفسهم، تأكلون الشحمَ وتلبسون الصوف وتذبحون السمينَ ولا ترعون الغنم، المريض لم تقووه، والمجروح لم تعصبوه، والمكسور لم تجبروه، والمطرود لم تستردوه، والضال لم تطلبوه، بل بشدة وبعنف تسلطتم عليهم، فتشتتت بلا راعٍ وصارت مأكلًا لجميع وحوش الحقل وتشتتت، ضلت غنمي في كل الجبال وعلى كل تل عالٍ. وعلى كل وجه الأرض تشتتت غنمي ولم يكن من يسأل أو يفتش» (سفر حزقيال 34) امتلكت الكنيسة شجاعة المواجهة والتصحيح، فتصدت بموضوعية لثلاثية الإلحاد والوجودية والشيوعية، التي وجدت لها مكانًا عند شباب ما بعد الحرب العالمية الثانية، وتفجرت في نهايات الخمسينيات من القرن العشرين وإطلاله الستينيات. كانت المواجهة عبر رؤية واقعية تقر بوجود أزمة مصيرية تتهدد الكنيسة ووجوبية تحليلها والوقوف على مداخلها، وعلاج العوار الذي اخترق الكنيسة، ترجمتها في أوراق المجمع الفاتيكاني الثاني (1962- 1965) التي انطلقت منها لتتفاعل من أجيال الشباب الواعدة، وتعلن مجددًا رسالتها بلغة معاصرة، في تحديد مفاهيم عقائدها الأساسية وعلاقاتها مع الآخر المختلف مذهبًا ودينًا، وحتى غير المتدينين، وتحررت من مظاهر الفخامة والانفصال الوجداني عن الرعية، ورفعت وصايتها عنهم لتعود إلى دورها الرعوى والتعليمي، كما تسلمته من الكنيسة الأولى. قد نكون بحاجة للتذكير، قبل أن نستعرض معًا هذه التجربة، بأننا بصدد عرض تجربة حياتية معاصرة وليس تقييم ما تم التوصل إليه في بعده اللاهوتي ـ على أهميته ـ وإنما منهج التفكير وآليات التنفيذ، والإعداد الجيد والجاد، ودعوة كل المؤسسات الدينية للمشاركة كمراقبين في فعاليات المجمع، يشاركون في الحوار والنقاش دون حق التصويت على القرارات. كانت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية مشاركة بوفد على رأسه الأنبا غريغوريوس أسقف البحث العلمي، وقد تناول المجمع في أكثر من مقال ومحاضرة. نقطة الانطلاق كانت في خريف عام 1962 عندما انطلقت دعوة البابا يوحنا الثالث والعشرين لعقد مؤتمر دولي كنسي (مجمع مسكوني بلغة الكنيسة) يبحث في واقعها ومستقبلها، وحدد في خطابه الهدف منه «أن يحقق تجديدًا في الكنيسة وفق مطالب العصر، وأن يجرى مزيدًا من الضبط وأن يواجه مطالب الساعة»، ونبه خطاب الدعوة إلى أن هذا الضبط وتلك المواجهة «لا يرتبان بداهة تغييرات في العقائد بل يرتبان سلوكًا في تقديمها لتساير بموضوعية أوضاع العالم الحديث، إذ إنه منذ عدة قرون طرأ تغيير عميق على الإطارين التاريخي والاجتماعي للكنيسة»، ويطالب البابا في السياق ذاته الكنيسة بأن «تبحث عن كيفية تقديم إجابات تناسب العالم في ضيقاته»، وتمتد أعمال المجمع لتنتهي في ديسمبر 1965، ويشير البابا بولس السادس في خطاب جلسته الختامية إلى أن التحدي الحقيقي الذي واجهه هو معالجة «التباعد والانفصامات التي فرقت بين الكنيسة والحضارة المادية خلال القرون الأخيرة، لا سيما القرن التاسع عشر وقرننا الحالي». لم يقتصر المجمع على رجال الدين بمختلف مستوياتهم وتنوعاتهم من كافة أرجاء العالم، بل شارك فيه خبراء مدنيون (علمانيون) من كافة التخصصات الأكاديمية وأصحاب الخبرة في الأطروحات والقضايا محل البحث. بل وسبقه استبيان شعبي وفر رصدًا للمشكلات المتنوعة التي تشغل بال المؤمنين في العالم، توافر على فحصها وتبويبها وتقديمها لجلسات وأعمال المجمع عشر لجان تحضيرية. ظني أن تجربة المجمع الفاتيكاني الثاني هذه، تحتاج من الكنيسة المصرية إلى إعادة فحص وقراءة بدءًا من الفكرة والآليات والمنهج لتمصيرها في لحظة فارقة، بعيدًا عن التصورات المسبقة والتربصات التي تحتشد بها اللحظة، فقد خرجت منها كنيسة روما وقد استردت عافيتها وتواصلت مع احتياجات العالم بأسره وتجاوزت الصراعات الطائفية، وانتصرت للإنسان لكونه إنسانًا. ولم تستبعد كنيسة روما أيًا من الملفات أو القضايا وتسلحت بالشفافية والمكاشفة وسعت لمواجهة واقعها بجلد وشجاعة وأعادت صياغة مفهوم الكنيسة والسلطة الرئاسية بها، والعلمانيين والرهبنة ومفهوم القداسة همها الأثير، والطقوس ومفهوم الوحي والحركة المسكونية والعلاقة مع الأديان غير المسيحية، التي امتدت خارج مربع الديانات السماوية، بحسب المستقر في ثقافتنا، والتعاطي مع المشكلات الآنية في دوائر الأسرة والثقافة والحياة الاقتصادية والاجتماعية. وفى سياق الوعى بأهمية تقييم التجربة الإدارية الكنسية، وإيمانًا بحاجة الكنيسة إلى نسق المراجعة المستمرة يقوم الفاتيكان، بحسب مصادر كنسية مقدرة، بالإعداد لعقد المجمع الفاتيكاني المسكوني الثالث، لبحث ودراسة المستجدات التي طرأت على الكنيسة والعالم، في الفترة المنقضية بعد مجمعه الثاني وحتى الآن. ونحن في كنيستنا القبطية وفى ظل المتغيرات المتسارعة التي تجرى من حولنا، بحاجة إلى أن نملك شجاعة الإقرار بتراجع العديد من آلياتنا وربما مفاهيمنا المستقرة عن الوفاء بمسئوليات الكنيسة تجاه الرعية، قياسًا على أهدافها الصحيحة، لا تغازلُ العالم ولا تزاحمه في صراعاته، ليس فيما يتعلق بقواعد وأسس الإيمان والثوابت اللاهوتية، بل في وسائلها. لدينا العديدُ من الأمور والقضايا المفارقة لصحيحها الآبائي والكتابي، ولدينا إشكالياتٌ تضخمت فيها الذاتُ وتشابكت مع المصالح الضيقة وتدعمت بها، هل يمكننا أن نقر بالانفصال المعرفي في بعض الموروثات مع لاهوت كنيسة الآباء بفعل الضغوط التاريخية التي اجتاحتنا، وبفعل الانتقال من يونانية الكنيسة الأولى إلى قبطية العصر الوسيط إلى عربية العصور التالية، الذي لم يواكبه تواصلٌ جيلي معرفي لاهوتي مدقق؟ لدينا تصوراتٌ تحتاج إلى ضبط مفاهيمي موضوعي في دوائر الرعاية والتعليم والرهبنة، والسلطة الكهنوتية، ولدينا حاجة ملحة إلى صياغات أكثر وضوحًا في دائرة لاهوت الأسرار، المعنى والمبنى والمضمون والممارسة، والإجابة دون أن تلاحقنا كتائبُ التكفير والتشكيك على أسئلة مسكوتٍ عنها، فيما استقر بيننا في مفهوم «الاعتراف» وخفوت جناح التوبة اللصيق به، وقياسه على تسليم الكنيسة الأولى، وتخليصه من إضافات انحرفت به عن غايته، ومواجهة المقارنات المجحفة بين البتولية والزواج التي تسللت إلينا بغير أساس، والتي تقف وراء غالبية الأزمات الزوجية، التي تنتهى إلى تدمير الأسرة والوقوف على أبواب محاكم الأسرة والمجالس الإكليريكية بحثًا عن الطلاق وتداعياته التي تهدد سلام الأسرة والكنيسة، وغيرها من الإشكاليات الحياتية المعاشة. أدرك أن هذا يتصادمُ مع ما استقر بيننا لأجيال وربما لقرون، وقد يترجم هذا إلى صدامات مع من استقرت لهم وضعيات تمييزية وظيفية كنسية واجتماعية، يصعب الاقتراب منها، أو تحريكها وقد تحصنت بتأويلات نصوصية تدخلهم في دائرة الحصانة المقدسة، لكن مسئولية التصحيح تتجاوزها، لحساب تحقيق رسالة الكنيسة والخدمة. أنتظر أن تدرسَ الكنيسة «قداسة البابا تواضروس الثاني ومجمع الآباء الأساقفة والأراخنة» الترتيبَ لمؤتمر علمي يناقش حاجات الكنيسة المعاصرة، وكيفية تنقيتها من مدخلات تسللتْ إليها واستقرت فيها وتشابهت مع التسليم الآبائي، حتى تنطلقَ مجددًا لفعل بنائي مثمر. وليكن "المجمع المرقسي الأول"، بعد أن ينال ما يستوجبه من إعداد جيد؛ المحاور والمشاركون والأوراق، وإدارة الحوار والمناقشات، وتشاركنا فيه الكنائس الشقيقة فى العائلة الأرثوذكسية الشرقية، (القبطية الأرمنية والسريانية المتواجدة في بلاد المشرق والهند وأثيوبيا وأريتريا وبلاد المهجر). ولعل اجتماع رؤساء الكنائس الشرقية الذي عقد مؤخرًا بلبنان (يونيو 2018) وما توصل إليه من تفاهمات يعطى بادرة إيجابية في هذا السياق، توطئة للانتقال إلى دوائر أوسع تضم الكنائس الأرثوذكسية الخلقيدونية، ثم الكنائس الكاثوليكية بتنويعاتها العرقية والجغرافية، ثم ننتهي إلى الكنائس غير التقليدية، لنصل معًا إلى كنيسة واحدة مقدسة جامعة رسولية. قد يبدو طرحى عند كثيرين خياليًا وعند بعض أخر غير قابل للتحقق على الأرض، لكن كل القضايا الكبرى تم تفكيكها بطرح أو بفكرة وجدت من يتفاعل معها ويخوض مغامرة تفعيلها، بعقول باردة وقلوب ملتهبة. وثقة في فعل الروح القدس الذي مازال يعمل في دأب ليجمعنا إلى واحد. وتكون نقطة الانطلاق مؤسسة على أن الإنسان بحسب لاهوت التجسد هو حجرُ الزاوية، والأنسنة هي القاعدة الإيمانية التي يقوم عليها البناء الكنسي المسيحي بجملته، ومن خلالها تتحدد ملامح العلاقة بين الله والبشر، فبينما يعلن السيد المسيح أنه نور العالم، يعود فيقول موجهًا كلامه لتلاميذه ومن قبلوه «أنتم نور العالم» و«أنتم ملح الأرض»، وفى تعريف التنوير يقول الدكتور وسيم السيسي إنه إضاءة المناطق المعتمة في الذهنية الجمعية للشعب، ومن هنا يصبح التكليفُ الأساسي للخطاب الديني المسيحي هو سعى التنوير، فيعود الإنسان إلى إنسانيته، ويصبح التجديد فعلًا متواترًا ولازمًا. والاسترشاد بالخبرات الإنسانية في هذا الأمر يوفر لنا قاعدة انطلاق نواجه بها واقعًا تتنازعه دعوات البغض والكراهية وتفككه الأنانية واختلال القيم. ويبقى الطرح قائمًا. --- ### ٢٣) خبرات غائمة - Published: ۲۰۱۸-۰۳-۲۳ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/1559/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أنبا بيشوي، مطران دمياط وكفر الشيخ, أنبا غريغوريوس، أسقف البحث العلمي, الأب متى المسكين, الحرب العالمية الثانية, الروم الأرثوذكس, الشرق الأوسط, الشيوعية, الكنائس الأرثوذكسية, الكنيسة القبطية, الكنيسة الكاثوليكية, المجلس الملي, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس السادس, بابا يوساب الثاني, بروتستانت, بيت التكريس, جمعية خلاص النفوس, رئيس جمال عبد الناصر, روبير الفارس, ريمون ناجي, زكريا محيي الدين, كميل سمعان اليسوعي, كنيسة الإسكندرية, مايكل عادل, مجلس كنائس الشرق الأوسط, مراد كامل, مراد وهبة, مرقس داود, نبيل منير وهكذا نجد أن كل هذه المجالس باختلاف مسمياتها لم تستطع أن تعدو كونها كيانات وخبرات غائمة، تفتقر للرؤية وللفعل على الأرض، ولم تنجح في ثلاثتها أن تدفع باتجاه التقارب اللاهوتي بين المختلفين لم تكن التغيرات العاصفة ومصادمات الداخل هي العامل الوحيد في تشكيل الصورة المعاشة، كانت المتغيرات المتلاحقة في الدوائر الإقليمية والدولية عامل فاعل مزاحم ومؤثر بقدر في هذا التشكل. فبعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها (1939 ـ 1945)، كان الدمار الذي لحق بالعالم مخيفًا، مع صدمة التطور المباغت في آليات الحرب بدخول "القنبلة الذرية" كسلاح يحمل مخاطر الفناء للبشرية وربما ما هو أفدح، فكانت ردة الفعل الاتجاه للتوافق بين الفرقاء بحثًا عن آليات تحل الحوار محل المصادمة، بعد أن أعيد رسم خريطة العالم وتكتلاته من جديد. وحلت الحرب الباردة محل الحرب التقليدية. كان العام 1948 عامًا فارقًا، فيه تظهر آلية "الأمم المتحدة" وتسارع الدول بالتوقيع على ميثاقها، وفيه يتشكل مجلس الكنائس العالمي، وهو تجمع يجمع الكنائس البروتستانتية والكنائس الأرثوذكسية، بينما لا تنضم إليه الكنيسة الكاثوليكية، ويذهب البعض إلى أن الولايات المتحدة كانت وراء تشكيل هذا المجلس في سياق الحرب الباردة مع المعسكر الشرقي، وسعيها لمحاربة الشيوعية، ويؤكد هذا الدكتور مراد وهبة أن جون فوستر دالاس، وزير الخارجية الأمريكي، ألف كتابًا بعنوان "حرب أم سلام" عام ١٩٥٠ قال فيه إن العدو الأساسي هو الحزب الشيوعي السوفيتي، وعلى وجه الدقة ستالين، وبالتالي علينا القضاء على ستالين والحزب الشيوعي بطريقتين الأولى تقديم معونات عسكرية واقتصادية، وهذه طريقة سلبية أما الطريقة الإيجابية فهي توحيد جميع القوى الدينية في العالم ضد التيار الشيوعي، وتم تنفيذ ما جاء في الكتاب بحذافيره، بدعوى أن الشيوعيين كفار، وتم إنشاء المجلس العالمي للكنائس والمركز الإسلامي برئاسة سعيد رمضان، وهما موجودان في جنيف بسويسرا(مراد وهبة، جريدة المصري اليوم، حوار أجراه مصباح قطب وماهر حسن، نشر على حلقتين: 25 أكتوبر و 3 نوفمبر 2016) ويستطرد قائلًا: وفى ١٩٦١ قرأت كتابًا بعنوان «الكنائس والتغير الاجتماعي السريع»، صادرا عن مجلس الكنائس العالمي ووجدت فيه تحريضًا واضحًا للأقباط للثورة على عبد الناصر بزعم أنه يضطهدهم، وأن الدعوة إلى القومية والتصنيع تؤدى إلى الكفر، ومجلس الكنائس العالمي حصل على تمويل من روكفلر الرأسمالي الأمريكي بمليونين ونصف مليون دولار لإنجاز دراسة عن العالم الثالث، وقد هاجمت المجلس بعنف فيما يشبه النشرات أو المذكرات التي أصدرها لي الأب متى المسكين مما أحدث صدامًا بينه وبين الكنائس العالمية، واجتمع المجلس في باريس وأرسل مذكرة لوزير الداخليةزكريا محيي الدين شديدة اللهجة بسبب الهجوم على المجلس واستدعى عبد الناصر صحفيًا مقربًا منه وهو سامى داود ليطلب منه الذهاب لمقابلتي(مراد وهبة، جريدة المصري اليوم، حوار أجراه مصباح قطب وماهر حسن، نشر على حلقتين: 25 أكتوبر و 3 نوفمبر 2016) كان انضمام الكنيسة المصرية لمجلس الكنائس العالمي مع بدأ تأسيسه 1948 بعيدًا عن الصراع السياسي هذا، فقد كان البابا القبطي آنذاك، الأنبا يوساب الثاني، بخلفياته العلمية، وامتلاكه رؤية مستنيرة للإحياء الآبائي، يرى فيه تجمعًا يدفع باتجاه الحوار المسيحي - المسيحي، على أمل أن يدعم مسعاه. وحين جاء البابا كيرلس السادس وبدأ في مأسسة الكنيسة بعيدًا عن الصخب، يأتي بالأنبا صموئيل أسقفًا للخدمة الاجتماعية وشئون المهجر، الذي يتواصل مع المجلس ويستثمر إمكاناته في دعم جهود معالجة آثار هزيمة يونيو 67، عبر المعونات التي شهد لها الجميع آنذاك. لكن المجلس لم يستطع أن يؤسس لحوار مسكوني فاعل فيما يتعلق بالتقريب اللاهوتي، وتحولت اجتماعاته إلى عمل روتيني، وغلب على أنشطته البعدين الاجتماعي والسياسي. وقبل أن ينقضى عقد من الزمان على قيام هذا المجلس تتأسس في مصر جمعية دينية مسيحية، "جمعية خلاص النفوس" بمدينة أسيوط 1927، وبحسب تقديمها لنفسها: قام بعض الإخوة المكرسين والمهتمين بربح النفوس للسيد المسيح، بتأسيس "جمعية خلاص النفوس" متخذين لهم هذا الشعار"نائلين غاية إيمانكم خلاص النفوس" ... ... ... لقد حرص هؤلاء الإخوة منذ البداية أن تضم الجمعية أعضاء من كل الطوائف المسيحية والتي تؤمن بقانون الإيمان النيقاوي، وتشجع كل عضو على انضمامه لكنيسته الخاصة. ويعمل هؤلاء الأعضاء بصفة تطوعية حيث إنها لا تهدف إلى الربح. وما بين الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين تتوسع الجمعية في إنشاء الفروع النشطة في أنحاء مصر، وتنقل مركزها إلى القاهرة، في حي شبرا العتيد، ورغم تبنيها لشعار "اللاطائفية" إلا أن أنشطتها يغلب عليها الطابع البروتستانتي، الذي تجده حتى في الهيكل التنظيمي لها، ويشهد الشارع القبطي مواجهات عاتية، تحذر من هذا الشعار وتعتبره شعارًا مراوغًا يتهدد الكنائس على اختلافها، فليس في التماهي الشعبي تتحقق الوحدة أو حتى التقارب، فتحققهما يحتاج إلى فعل فكرى لاهوتي جاد، يطرح القضايا المختلف حولها على مائدة الحوار الموضوعي الجاد، بشكل مجرد وأمين. ويصدر عن البابا كيرلس السادس بيانًا (يوليو 1962) يحذر من هذا التوجه صاغه القمص باخوم المحرقي (الأنبا غريغوريوس أسقف البحث العلمي فيما بعد)، يعرض لمخاطر زعم اللاطائفية الذي يكذبه واقع الجمعية وممارساتها. بحسب البيان. لعل السؤال الذى يتبادر إلى الذهن وهل ثمة علاقة بين هذا وبين المواجهات القائمة بين فرقاء اليوم؟ يرى البعض أن شيوع هذا المنهج لسنوات ليست بالقليلة أنتج العديد ممن اختلط عليهم أمر العقيدة، واستطاع نفر منهم أن يجد مكانًا بين خدام الكنيسة على مستويات عديدة، حتى إلى الأديرة، وتظل كل التداعيات وكل احتمالاتها مطروحة، ولعلنا مازلنا نذكر أزمة الراهب الشهير الذي تبنى منهج أحدى الطوائف ونشر رؤيته بين الشباب وحقق انتشارًا لافتًا، وانتهى إلى مصادمة كبرى مع الكنيسة ليهجر الرهبنة، ويواصل دعوته عبر فضائيات غير أرثوذكسية، وتبقى الأسئلة، هل يمتد ذلك إلى من يشككون في لاهوت الآباء والأسرار ويقسمون المسيح برؤى مهتزة ومرتبكة؟ هل يبادر مجمع الكنيسة عبر اللجنة التي أعلن عن تشكيلها (مايو 2018) بمراجعة هذه التعاليم المنبثة منهم بجرأة، واقتحام دوائر تتحصن بمواقعها؟في سياق الكيانات التي تسعى لخلق مناخات تقارب على أسس أفليمية، يأتي مجلس كنائس الشرق الأوسط، والذي تأسس عام 1974، كان البطل في بعث الحراك المسكوني في الشرق الأوسط الأنبا صموئيل أسقف الخدمات الاجتماعية وكنائس المهجر، عقب رسامته أسقفًا، 1962، بدعوته لتشكيل المجلس الاستشاري المسكوني لخدمة الكنيسة في مصر بالتعاون مع بعض ممثلي مجلس الكنائس العالمي. وفي عام 1964 انضم لهذه الهيئة كاهن من الروم الكاثوليك، وعام 1965 أصبح أعضاؤها 25، وفي عام 1967 انتخب الأنبا صموائيل رئيسًا لهذا المجلس. وكانت هذه شرارة العمل المسكوني بمصر. وجاء بعد ذلك مجلس كنائس للإسكندرية وجمعية التثقيف اللاهوتي(الباحث "نبيل منير" الذي عاصر فترة تكوين الحركة المسكونية بمصر، حوار بجريدة روز اليوسف أجراه روبير الفارس 19 سبتمبر 2010) ويذكر للباحث أنه وضع أول لائحة للعمل المسكوني، كما ساهم في تشكيل لجنة الحوار الديني بها، وهو أحد أهم المراقبين والمتابعين لعمل المجلس وكواليسه، وللحركة المسكونية في مصر، منذ نشأته وحتى قرار انسحاب الكنيسة القبطية منه في 28 أبريل 2010. واستأذن القارئ في نقل جزء من الحوار كما ورد بالجريدة: في هذا الحوار يقول الأستاذ نبيل منير: أهلني نيافة الأنبا صموئيل للعمل المسكوني من خلال محورين الأول: الدراسة المتعمقة للفكر واللاهوت المسكوني عبر أهم الجامعات المسكونية في العالم. والثاني: التأكيد علي إيماني بالعمل المسكوني كرسالة ولذلك ظللت طوال عملي بالهيئات المسكونية كمشارك ونشط ومحاضر بل ولم أقبل أن أكون موظفًا، وذلك بمجلس الكنائس، والاتحاد العالمي للطلبة المسيحيين، بل وقد وضعت أول لائحة للعمل المسكوني في مصر في إطار عمل اللجنة المسكونية للشباب، كما كنت أول المساهمين في تشكيل لجنة الحوار الديني. • ماذا تعني كلمة المسكونية؟ـ من حيث المعني اللغوي تعني "عالميًا أو كل الأجزاء المسكونة بالبشر". وقد أطلقت الكلمة لتدل علي الجهود المبذولة لوحدة المسيحيين. • ومتي بدأت الحركة المسكونية في مصر؟ـ أسس بعض أعضاء الكنائس البروتستانتية والأرثوذكسية المجلس الاستشاري المسكوني لخدمة الكنيسة في مصر عام 1962، بالتعاون مع بعض ممثلي مجلس الكنائس العالمي. وفي عام 1964 انضم لهذه الهيئة كاهن من الروم الكاثوليك، وعام 1965 أصبح أعضاؤها 25 وفي عام 1967 انتخب الأنبا صموائيل رئيسًا لهذا المجلس. وكانت هذه هي شرارة العمل المسكوني بمصر. وجاء بعد ذلك مجلس كنائس للإسكندرية وجمعية التثقيف اللاهوتي. • هل هناك علاقة بين مجلس الكنائس والعمل السياسي؟ وماذا عن الاتهامات التي وجهت للمجلس؟ـ في عام 1962 صدرت نشرتين عن بيت التكريس بحلوان تتهم المجلس بالاتهامات التالية:أولًا: أن مجلس الكنائس يدفع الكنائس إلي التدخل في سياسة بلادها. ثانيًا: أنه يندد بخطط التنمية في الدول النامية. ثالثًا: أن مجلس الكنائس يزعزع ولاء الكنيسة للوطن. ولما كانت هذه الاتهامات في زمن لا يحتمل هذا فضلًا عن وجود الرئيس الراحل جمال عبد الناصر علي كرسي رئاسة مصر بل والمحرك الأساسي لقضايا التحرير وعدم الانحياز. وقام قداسة البابا كيرلس السادس بتشكيل لجنة مكونة من 11 عضوًا أذكر منهم القس ميخائيل عبد المسيح وكيل عام البطريرك والقس مرقس داود والقس يوحنا جرجس والمهندس يوسف سعد وكيل المجلس الملي والمستشار فريد الفرعون وكيل مجلس ملي الإسكندرية والأستاذ ديمتري رزق السفير السابق والمستشار تادرس ميخائيل تادرس والدكتور مراد كامل والأستاذ ألبرت برسوم سلامة المحامي، واجتمعت هذه اللجنة أكثر من مرة وتحصلت علي جميع الأوراق سواء نشرات الاتهام أو دستور عمل المجلس واجتماعاته وانتهت إلي تقرير مهم رفع إلي البابا كيرلس. وانتهي التقرير إلي عدة نتائج منها :ـ أن المجلس مكون من الكنائس التي تقوم علي أساس قانون الإيمان المسيحي وعبرت عن رغبتها في التعارف والتآلف والتعاون في المهام المشتركة والواجبات العامة ومواجهة احتياجات البشر كأعضاء في الأسرة الإنسانية وتدعيم السلام العالمي وتقديم المعونة لكل البشر. ـ ليس للمجلس أي نشاط سياسي من أي نوع ومستقل تمامًا عن الأحزاب السياسية والحكومات والهيئات وبخصوص الرد علي الاتهامات جاء بالتقرير:ـ أنه ببحث سياسة المجلس فليس المجلس منظمة سياسية ولا هو يسعي وراء نفوذ سياسي في حياة أي بلد، وحول الاتهام بأن المجلس ندد بالآثار السيئة لخطط التنمية في الدول النامية فذكر التقرير أنه ليس ثمة ما هو أبعد عن الحقيقة من هذا، فالمجلس قد اطري بلا تردد على جهود الدول الحديثة في التنمية الاقتصادية والتصنيع بل وحث الدول الغربية لتعضيد مثل هذه الجهود القومية. وحول الاتهام بأن المجلس يزعزع ولاء الكنائس لأوطانها فأكد التقرير أن هذا أيضًا بعيد كل البعد عن سياسة المجلس التي لا تشرع ولا تأمر الكنائس الأعضاء بل إنه يشجع الثقافة الوطنية لكل كنيسة. وانتهي تقرير اللجنة بمناشدة قداسة البابا ألا يتخلي عن شعاره - الإحسان إلي المسيئين مهما كانت إساءاتهم - وتري أن تخاطب ضمير أولئك الذين لعبوا هذه اللعبة الخطرة ونناشدهم أن يعملوا للبناء لا للهدم... والمعول الذي رفعوه ضد كنيستهم سوف لا ينجح. • كيف بدأ مجلس كنائس الشرق الأوسط عمله وما هي سياسته وعلاقته بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية؟-ـ تأسس مجلس كنائس الشرق الأوسط سنة 1974 بجهود الكثيرين علي رأسهم نيافة المتنيح الأنبا صموئيل ويتكون المجلس من أربع عائلات: ويقصد بالعائلة الكنسية تلك الكنائس التي لها شراكة عقائدية وأسرارية وقانونية كاملة بعضها مع بعض وهي:أولًا: عائلة الكنائس الأرثوذكسية وهذه العائلة تتشكل من: كنيسة الإسكندرية للروم الأرثوذكس، كنيسة أنطاكية وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، كنيسة الروم الأرثوذكس في القدس، كنيسة الروم الأرثوذكس في قبرص. العائلة الثانية: الكنائس الأرثوذكسية الشرقية، وتتشكل من: كنيسة الأقباط الأرثوذكس، كنيسة السريان الأرثوذكس، الكنيسة الأرمنية الأرثوذكسية. العائلة الثالثة: الكنائس الكاثوليكية وتتشكل من: كنيسة أنطاكية السريانية المارونية، كنيسة الروم الملكية الكاثوليكية، كنيسة الأقباط الكاثوليك، كنيسة السريان الكاثوليك، كنيسة بابل للكلدان، كنيسة اللاتين في القدس، كنيسة الأرمن الكاثوليك. العائلة الرابعة: الكنائس الإنجيلية: السنودس الإنجيلي الوطني سوريا ولبنان، اتحاد الكنائس الإنجيلية الأرمنية، الاتحاد الإنجيلي الوطني في لبنان، الأسقفية بالقدس، اللوثرية بالأردن، النيل الإنجيلي، الأسقفية بالسودان، الإنجيلية بالسودان المشيخية بالسودان، الإنجيلية بالكويت، الإنجيلية بالجزائر، الإنجيلية بتونس، الإنجيلية بالبحرين، الإنجيلية بإيران. فالكنيسة القبطية الأرثوذكسية من المؤسسين لمجلس كنائس الشرق الأوسط، هذا أولاً، وثانيًا المجلس يتشكل من أربع عائلات كما أوضحنا وبالتالي فالخلاف داخل حوارات المجلس واردة ومقبولة. وأن نشاط المجلس وعدم خضوعه لكنيسة من الكنائس الأعضاء بالشرق الأوسط يتوقف علي شخصية الأمين العام واللافت للنظر أن استقلالية المجلس ضعفت بعد الأمين العام الثاني خاصة أن بعض الأمناء والأمناء المشاركين بعيدون عن الفكر المسكوني لذلك تحول المجلس إلي مجموعة من الأحزاب المتنافرة ومن هنا فقد المجلس رسالته وفلسفته المبنية عن المشاركة والحوار وقبول البعض. ومنذ عام 1994 أصبحت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية مسيطرة علي المجلس وإدارته والمحرك الأساسي لترشيح الأمين العام واختياره وباقي موظفيه كان هذا الإحساس الشائع لدي باقي الطوائف وعلي وجه الخصوص لدي عائلة الروم الأرثوذكس بعدما انتزع منصب الأمين العام من الأمين العام الثاني الذي كان ينتمي للكنيسة الأنطاكية للروم الأرثوذكس وما أشيع داخل أروقة المجلس من اتفاق ما بين الأمين العام الثالث في ترتيب أمناء المجلس والكنيسة القبطية، خاصة أن الأخيرة قامت بتعيين أحد الموالين رغم أنه كان بعيدًا عن الفكر والثقافة والعمل المسكوني وكان يوجد بالمجلس من هو أحق منه بذلك المنصب، وكان عمل الأمين المشارك هو الدفاع المستمر عن الكنيسة القبطية بداع وبغير داع مما أكد الإحساس بأن المجلس أصبح إحدي هيئات الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وفقد استقلاله وزاد ذلك الإحساس اختيار أمين عام ينتمي إلي الكنيسة القبطية مما دعا بطريرك القدس للروم الأرثوذكس أن ينقل الإحساس إلي كلمات بقوله "أنه نادي البابا شنودة" This shenouda club ، وقام الأمين العام الحالي بنقل هذا الكلام إلي قداسة البابا شنودة الثالث ونيافة الأنبا بيشوي والذي اتخذ قرارًا بانسحاب الكنيسة القبطية من مجلس كنائس الشرق الأوسط - وأيده قداسة البابا ثم المجمع بعد ذلك. واشترطت الكنيسة القبطية لعودتها اعتذار كنيسة الروم الأرثوذكس بالقداس... والذي لم يحدث. • وما رأيك في هذا الانسحاب وما هي أضراره؟عمومًا إن اعتبرت مقولة بطريرك القدس للروم الأرثوذكس من قبيل الإهانة، إلا أن الكنيسة القبطية الأرثوذكسية جانبها الصواب بانسحابها لعدة أسباب منها:أولًا: أن المجلس هو شركة بين الكنائس الأعضاء وليس تابعًا لأي من الكنائس. ثانيًا: أن السلوك العام للكنائس الأعضاء داخل المجلس لابد أن يتسم بالروح المسيحية المحبة والمتسامحة. ثالثًا: أن الانسحاب ليس حلا، وإنما الانسحاب هو إهدار لجهد دؤوب جاهد من أجله أناس آمنوا بالرسالة المسكونية والروح المسيحية المحبة وأسسوا مجلس كنائس الشرق الأوسط. رابعًا: أن المجلس هو مدرسة الحوار وقبول الآخر كما هو. ولو فشل الحوار بين اتباع المسيح فلا تكون هناك مصداقية للادعاء بالحوار المسيحي الإسلامي. خامسًا: أن الهجوم والانسحاب إن دلا علي شيء فإنما يدلان علي تضخم للذات الفردية التي تعوق الحوار بين الإخوة المتساوين القابلين بعضهم بعضا. سادسًا: إن الحركة المسكونية التي تؤكد علي الحضور المسيحي في الشرق الأوسط من خلال شراكة الكنائس المتمثلة في مجلس كنائس الشرق الأوسط، وهدم الحركة المسكونية هو تلاشى للحضور المسيحي ورفض للحوار القائم علي قيمة الإنسان وإعداد الفضاء المسكوني للحروب والانتقاد. إن احترام الإنسان يستلزم الحوار وشرط الحوار هو التعايش والمحبة والتعايش والمحبة هدفا المسكونين والمسكونية تنتهي إلي أن جميع البشر هم أعضاء في عائلة واحدة. (الباحث "نبيل منير"، حوار بجريدة روز اليوسف أجراه روبير الفارس 19 سبتمبر 2010) ويبقى أن نذكر إن الأزمة امتدت لنحو عام، وانتهت بالحل في ٢٠١١ أثناء حياة البابا شنودة الراحل، حيث عقد اجتماع الجمعية العامة التالي في وجود الكنيسة الأرثوذكسية، وعادت مجددًا لعضوية المجلس، وحضر البابا تواضروس الجمعية العامة للمجلس في ٢٠١٦ بالأردن. ثمة كيان أخر تشكل عام 2013 هو مجلس كنائس مصر وبحسب الأب كميل سمعان اليسوعي، مدير بيت السامري الصالح وعضو مجلس كنائس مصر، إن نشأة المجلس لم تكن طبيعية، من ناحية الظروف والزمن، ولاسيما أن الفكرة طرحت إبان توتر العلاقة بين البابا شنودة الثالث من جهة، وبين مجلس كنائس الشرق الأوسط، وبخاصة بطريرك الروم الأرثوذكس في القدس، من جانب آخر. وكشف عن أن أزمة الكنيسة القبطية مع مجلس كنائس الشرق الأوسط دفعها إلى تجميد نشاطها داخله، من هنا بدأت الرغبة في تأسيس مجلس كنائس مصر، والذي لم يأخذ وقته الكافي لتأسيس صحيح. "إن مجلس كنائس مصر لم يضع دستورًا جيدا أو لائحة جيدة بينما تحمل اللائحة نقاطا غامضة، لاسيما أن معظم لجانه جاءت استنساخًا من مجلس كنائس الشرق الأوسط، بينما مجلس كنائس مصر بات موجودًا ويجب التعامل معه"(الأب كميل سمعان اليسوعي، البوابة نيوز، 18 سبتمبر 2017) وأوضح أن مجلس كنائس مصر ساهم في تقريب وجهات النظر في نقاط عديدة، وحسن من العلاقات بين قيادات الكنائس وأبنائها، بينما انتقد عدم تمثيل للكنيسة الكاثوليكية في لجنة الحوار والدراسات اللاهوتية، والتي تغير اسمها إلى لجنة الحوار المجتمعي، مما يثير الجدل ولاسيما أن الفارق بينهما كبير. «إن مجلس كنائس مصر يضم ١٣ لجنة، بينما المفعل ٨ لجان، منها اللجنة القانونية والمالية والعلاقات العامة تضم أمينا لكل طائفة وعضوين، ولجنة الرعايا، لجنة الشباب، ولجنة المرأة، ولجنة الإعلام، أما باقي اللجان فغير مفعلة"(الأب كميل سمعان اليسوعي، البوابة نيوز فى 18 سبتمبر 2017 أعده مايكل عادل وريمون ناجي) وهكذا نجد أن كل هذه المجالس باختلاف مسمياتها لم تستطع أن تعدو كونها كيانات وخبرات غائمة، تفتقر للرؤية وللفعل على الأرض، ولم تنجح في ثلاثتها أن تدفع باتجاه التقارب اللاهوتي بين المختلفين، لتصبح في أحسن الأحوال كيانات اجتماعية إغاثية، بل وبمراقبة الأداء القبطي تحديدًا نجده من عوامل الصدام والذي يتبناه أسقف متشدد ومثالنا أزمة مجلس كنائس الشرق الأوسط التي اشرنا إليها. ولعل السؤال هل تشهد الكنائس مبادرة جديدة تتلافى ما حدث في تلك المجالس، وتتبنى توجه الحوار اللاهوتي الحقيقي سعيًا لفهم متبادل يقوم على المصارحة والموضوعية؟ ومازال الطرح مستمرًا. --- ### ٢٢) الخروج إلى النهار - Published: ۲۰۱۸-۰۳-۲۲ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/1474/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: آريوسية, إفخارستيا, الروم الأرثوذكس, الشرق الأوسط, الكنائس الأرثوذكسية, الكنيسة القبطية, الكنيسة الكاثوليكية, المجمع الفاتيكاني الثاني, المجمع المقدس, المجيء الثاني, النسطورية, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, بولس السادس, تدبير الخلاص, ڤاتيكان, قديس أثناسيوس الرسولي, ليتورچي على أن الكنيسة اجتازت العديد من تجارب التقارب أو لنقل التحالف، بدأت بمجلس الكنائس العالمي (1948)، ثم مجلس كنائس الشرق الأوسط (1974) ثم انتهت إلى مجلس كنائس مصر (2014)، فماذا فعلنا بها وماذا فعلت بنا، ولماذا لم تنجح هذه التجارب في حلحلة التباعد أو خلق تفاهمات تكسر حدة الإحتراب، وهل حلت فيها السياسة والأبعاد الاجتماعية محل التوجه اللاهوتي؟ التاريخ: 10 مايو 1973 م. المناسبة: زيارة قداسة البابا شنودة الثالث للفاتيكان. من هنا نبدأ عندما يكون الطرح متعلقًا بسعي التقارب الحثيث بين الكنائس لما للحدث من وقع تاريخي، فهي زيارة تأتى بعد قطيعة ممتدة لقرون هذا عددها، ويبادر بها شخصية لها ثقلها، وانتجت بيانًا مشتركًا مازال يبحث عمن يستوعبه ويفعّله وينطلق منه ويراكم عليه، وربما يرد من يرقصون على طبول الفُرقة والكراهية بعقل بارد وقلب منزوعة مسيحيته إلى رشدهم، ويجردهم من أسلحة الدمار التي يشهرونها في وجه كل من يسعى للبعث الآبائي، اللافت الصورة التي اعتمدتها الكنيسة لترافق البيان والتي لا تقل أهمية عنه، فهي تجمع بين البابا السكندري وبابا روما، يجلسان أمام مذبح كنيسة القديس بطرس، بروما، بملابس الكهنوت البيضاء في إشارة محملة بالدلالات، وعلى مسافة متساوية، وكراسي تعلن الندية الأخوية، يعود منها قداسة البابا شنودة الثالث ومعه بعض من رفات القديس أثناسيوس الرسولي، حامى الإيمان المسيحي، بغير منازع، والذي يمثل القاعدة اللاهوتية التي تنطلق منها الكنيستان، لاهوت التجسد، وتدبير الخلاص، وشغف قلب المسيح "أن نصير واحدًا فيه". وقال البابا بولس السادس في هذه المناسبة: "ما أنسب ما تعكسه ليتورجية هذا اليوم الذي نحتفل فيه بالذكرى المجيدة للقديس أثناسيوس حامي الإيمان الباسل والشجاع! إن القديس أثناسيوس هو أب ومعلم للكنيسة الجامعة ولذلك يستحق أن نشترك في تذكاره... يعلن القديس أثناسيوس "أن كلمة الله أتى بنفسه حتى وبكونه هو صورة الآب يستطيع أن يعيد خلقة الإنسان على صورة الله. " (البابا بولس السادس، بابا الفاتيكان) وفي كلمة البابا شنودة الثالث في ذات المناسبة يقول: "كما حارب القديس أثناسيوس الآريوسية، هكذا جاهد القديس كيرلس من أجل الدفاع عن الإيمان في مواجهة النسطورية، وأعلن إيمان العالم المسيحي الغربي والشرقي منه على السواء. وكما كان الأمر بالنسبة إلى أثناسيوس، فقد صار نقطة اتفاق، ليس فيما يتعلق بالإيمان فحسب، بل في طريقة التعبير المستقيمة والمحددة للإيمان التى تمثل بوضوح كلمة الحق بدقة وفاعلية. إن اللاهوت التقليدي المشترك لأثناسيوس وكيرلس يشكل قاعدة صلبة للحوار الذي نوكله إلى عدد كبير من اللاهوتيين ليسلكوا فيه بروح محبة صادقة. "(البابا شنودة الثالث، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية) وبنهاية الزيارة يصدر بياناً مشتركا تقول سطوره: بولس السادس أسقف روما وبابا الكنيسة الكاثوليكية، وشنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، يقدمان الشكر لله في الروح القدس، إذ أنه بعد الحدث العظيم لعودة رفات القديس مرقس إلى مصر، قد تقدمت العلاقات بين كنيستي روما والإسكندرية، حتى أمكن الآن أن يصير بينهما لقاء شخصي. وفى ختام اجتماعاتهما ومحادثاتهما يودان أن يعلنا معًا ما يلي:لقد تقابلنا معًا تحدونا الرغبة في تعميق العلاقات بين كنيستينا، وإيجاد وسائط واضحة المعالم وفعالة للتغلب على العقبات التي تقف عائقًا في سبيل تعاون حقيقي بيننا في خدمة ربنا يسوع المسيح الذي أعطانا خدمة المصالحة لنصالح العالم فيه (كورنثوس الثانية 5: 18- 20(وطبقًا لتقاليدنا الرسولية المسلّمة لكنيستينا والمحفوظة فيهما، ووفقًا للمجامع المسكونية الثلاثة الأولى، نعترف بإيمان واحد بالإله الواحد مثلث الأقانيم، وبلاهوت ابن الله الوحيد، الأقنوم الثاني للثالوث القدوس، كلمة الله وشعاع مجده ورسم جوهره، الذي تجسد من أجلنا، متخذًا لنفسه جسدًا حقيقيًا بروح عاقلة، وشاركنا في إنسانيتنا ولكن بغير خطيئة. ونعترف أن ربنا وإلهنا ومخلصنا وملكنا كلنا يسوع المسيح، إله كامل من حيث لاهوته، وإنسان كامل من حيث ناسوته. وفيه اتحد لاهوته بناسوته اتحادًا حقيقيًا كاملًا بغير اختلاط ولا امتزاج ولا تشويش ولا تغيير ولا تقسيم ولا افتراق. فلاهوته لم يفارق ناسوته لحظة واحدة ولا طرفة عين. وأنه وهو الإله الأزلي الأبدي غير المنظور صار منظورًا في الجسد، واتخذ صورة عبد. وفيه قد حفظت كل خواص اللاهوت وكل خواص الناسوت معاً في اتحاد حقيقي وتام غير منقسم وغير مفترق. إن الحياة الإلهية تمنح لنا وتنمو فينا وتتغذى بواسطة أسرار المسيح السبعة في كنيسته وهى: المعمودية، والميرون ، والإفخارستيا، والتوبة، ومسحة المرضى، والزيجة، والكهنوت. ونحن نكرم العذراء مريم، أم النور الحقيقي، ونعترف أنها دائمة البتولية، وأنها والدة الإله، وأنها تشفع فينا وأنها بصفتها والدة الإله تفوق في كرامتها جميع الطغمات الملائكية. وأن لنا، إلى درجة كبيرة، نفس المفهوم عن الكنيسة، المؤسسة على الرسل، والدور الهام الذي للمجامع المسكونية والمحلية. وتعبّر طقوسنا وليتورجية القداس خير تعبير عن روحانيتنا، فالقداس هو مركز وجوهر عبادتنا الجماعية وهو قمة اتحادنا وشركتنا فى المسيح في كنيسته. ونحن نحفظ الأصوام والأعياد الخاصة بإيماننا. ونكرم ذخائر القديسين ونتشفع بالملائكة والقديسين الأحياء منهم والمنتقلين. هؤلاء يؤلفون سحابة من الشهود في الكنيسة. وهم ونحن ننتظر -في رجاء- المجيء الثاني لربنا عند استعلان مجده ليدين الأحياء والأموات. ونحن نعترف، بكل إتضاع، أن كنائسنا غير قادرة على أن تشهد للحياة الجديدة في المسيح، بصورة أكمل، بسبب الانقسامات القائمة بينها والتي تحمل وراءها تاريخًا مثقلًا بالصعوبات لعدة قرون مضت. والواقع أنه منذ عام 451م، قد نشبت خلافات لاهوتية امتدت واتسعت وبرزت بسبب عوامل غير لاهوتية. وهذه الاختلافات لا يمكن تجاهلها، ولكن بالرغم من وجودها، فإننا نعيد اكتشاف أنفسنا فنجد أن لكنيستينا تراثًا مشتركًا، ونحن نسعى بعزم وثقة في الرب أن نحقق كمال تلك الوحدة وتمامها التي هي هبة من الرب. ولكى نتمكن من إنجاز هذه المهمة، نشكل لجنة مشتركة من ممثلين للكنيستين، مهمتها توجيه دراسات مشتركة في ميادين: التقليد الكنسي وعلم آباء الكنيسة والليتورجيات واللاهوت والتاريخ والمشاكل العلمية، حتى إنه يمكن السعي بالتعاون المشترك لحل الخلافات القائمة بين الكنيستين، بروح الاحترام المتبادل، بل ونستطيع نعلن الإنجيل معًا بطرق تتطابق مع رسالة الرب الأصيلة، ومع احتياجات عالم اليوم وتطلعاته. ونعبّر في نفس الوقت عن تقديرنا وتشجيعنا لأي جماعات أخرى من الدارسين ومن الرعاة، من بين الكاثوليك والأرثوذكس ممن يكرسون جهودهم لنشاط مشترك في الميادين المذكورة وما يتصل بها. وإننا في إخلاص وإلحاح، نذكر أن المحبة الحقيقية، والمتأصلة في أمانة كاملة للرب الواحد يسوع المسيح، وفى الاحترام المتبادل من كل طرف لتقاليد الطرف الآخر، لهى عنصر جوهري في السعي نحو الشركة الكاملة. إننا باسم هذه المحبة، نرفض كل صور الاستلال من كنيسة إلى أخرى، بمعنى أن يسعى أشخاص لإزعاج الكنيسة الأخرى، وذلك بضم أعضاء جدد إليهم من هذه الكنيسة، بناء على اتجاهات فكرية أو بوسائل تتعارض مع مقتضيات المحبة المسيحية أو مع ما يجب أن تتميز به العلاقات بين الكنائس. ينبغي أن يوقف هذا الخطف بكل صورة أينما وجد. وعلى الكاثوليك والأرثوذكس أن يجاهدوا من أجل تعميق المحبة، وتنمية التشاور المتبادل، وتبادل الرأي والتعاون في المجالات الاجتماعية والفكرية. ويجب أن يتواضعوا أمام الرب، ويتضرعوا إليه أن يتفضل، وهو الذي بدأ هذا العمل فينا، أن يكمله. وإذ نفرح في الرب الذي منحنا بركات هذا اللقاء، تتجه أفكارنا إلى آلاف المتألمين والمشردين من شعب فلسطين. ونأسف على سوء استخدام الحجج الدينية لتحقيق أغراض سياسية فى هذه المنطقة. وبرغبة حارة نتطلع إلى حل عادل لأزمة الشرق الأوسط حتى يسود سلام حقيقي قائم على العدل، خصوصًا في تلك الأراضي التي تقدست بكرازة ربنا ومخلصنا يسوع المسيح وموته وقيامته، وبحياة القديسة العذراء مريم هذه التي نكرمّها معًا بصفتها والدة الإله . لعل الله مانح جميع المواهب والعطايا يسمع صلواتنا ويبارك سعينا. وتتواصل اللقاءات والمحادثات المسكونية بين الكنيستين، في صعود وهبوط، يتهددها التوقف أحيانًا، وتنقطع مع ارتباكات سنوات اعتقال البابا شنودة، وحال عودته إلى كرسيه (يناير 1985) تعود مجددًا، وفى عام 1988 يوافق المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية على الاتفاقية الكريستولوجية الرسمية الموقعة بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ويرحب بها البابا يوحنا بولس الثاني في خطاب منه إلى البابا شنودة الثالث، وتتوج بزيارة الحبر بابا الفاتيكان إلى مصر، 24 فبراير 2000، زيارة ارتجت لها مصر قاطبة، وفيها يقيم قداسًا في إستاد القاهرة يحضره نحو 23 ألف من المصريين، ويزور دير سانت كاترين بسيناء والتابع لكنيسة الروم الأرثوذكس، ويصلى هناك قداسًا، ولا تقل رسائل زيارته لمصر في أهميتها ودلالاتها وتحدياتها عن زيارة قداسة البابا شنودة لروما. وفى سياق دعم التواصل تأتى زيارة الكاردينال كاسبر، رئيس المجلس البابوي لتعزيز الوحدة بين المسيحيين، إلى مصر بنهاية مارس 2000 وحتى 22 أبريل، ويلتقى خلالها بالبابا شنودة الثالث الذي يطلب إعادة الحوار الرسمي مع الكنيسة الكاثوليكية في إطار ارتباطنا مع كل عائلة الكنائس الأرثوذكسية الشرقية. وعندما يأتي البابا تواضروس الثاني تشهد مصر والكنيسة لقاءً بين بابا الإسكندرية وبابا روما البابا فرانسيس الأول، في أجواء أكثر تعقيدًا في الداخل والخارج، 28 أبريل 2017، ويصدر عنهما بيانًا مشتركًا أثار الكثير من الجدل، حول القبول المتبادل بمعمودية كل من الكنيستين، الأمر الذي اضطر كنيستنا إلى إعادة صياغة البيان لتجنب تداعيات الهجوم الذي لم يكن كله بريئًا. والذي لم يقرأ أصحابه بيان مايو 93. وهو ما سنتناوله فيما بعد بما يستحقه من تفصيل، والذي لم يكن إلا حلقة في سلسلة المواجهات بين الفرقاء. على أن الكنيسة اجتازت العديد من تجارب التقارب أو لنقل التحالف، بدأت بمجلس الكنائس العالمي (1948)، ثم مجلس كنائس الشرق الأوسط (1974) ثم انتهت إلى مجلس كنائس مصر (2014)، فماذا فعلنا بها وماذا فعلت بنا، ولماذا لم تنجح هذه التجارب في حلحلة التباعد أو خلق تفاهمات تكسر حدة الإحتراب، وهل حلت فيها السياسة والأبعاد الاجتماعية محل التوجه اللاهوتي؟ هذا ما سنقترب منه في اللقاء القادم. ثم في لقاء تال نعرج على تجربة المجمع الفاتيكاني الثاني (1962 ـ 1965) ونطرح تساؤل تفرضه حالة الإحتراب بين الفرقاء عندنا : هل نشهد استنساخًا مصريًا له تحت لافتة "المجمع المرقسي الأول"؟ بالضرورة لدينا ما نقوله. لمن لهم آذان للسمع ويسمعون. --- ### ٢١) تفعيل آليات التنوير - Published: ۲۰۱۸-۰۳-۲۱ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/1511/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أسقفية الشباب, أنبا إرميا، الأسقف العام, أنبا دانيال، سكرتير المجمع المقدس, أنبا رفائيل، أسقف وسط القاهرة, الأب متى المسكين, الكنيسة الجامعة, الكنيسة القبطية, المجمع المقدس, المركز الثقافي القبطي, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, حياة الصلاة الأرثوذكسية, قناة مي سات, كنيسة الإسكندرية, ليتورچي, مجلة الكرازة, نصحي عبد الشهيد بطرس ثلاث آليات تكون منظومة متكاملة في دائرة التنوير؛ المركز الثقافي، المركز الإعلامي، اسقفيه الشباب، ودوائر عملهم تصب في بناء الوعى القبطي الجمعي، وهذه الآليات رغم وجود خطوط تماس وتكامل بين أهدافها، إلا أنها تعمل كجزر منعزلة، وربما متضاربة، وتدار وفق قاعدة التقدير الشخصي، لا تملك الكنيسة إلا أن تكون نورًا للعالم، هكذا وصفها المسيح، بل هي الكيان المنظور للمسيح متجسدًا في الزمن، بامتداد التاريخ واتساع الجغرافيا، نورًا لعالم يلفه الظلام، وقد حُمِّلت برسالة التنوير مدعومة بقوة الروح القدس، يوم الخمسين، وكلما أدركت سر التجسد وعاشته كلما ازدادت استنارتها وعكسته بقوة على العالم الذي يستصرخها أن تعبر إليه وتلقى له بأطواق النجاة التي بحوزتها. والكنيسة القبطية استطاعت أن تحفظ وديعة الإيمان رغم كل ما جازت فيه من آلام واستهدافات مريرة، من خارج ومن داخل، كانت ليتورجيتها الوعاء الذي تنقلت به عبر تاريخها، تنقل محتواها من اليونانية إلى القبطية ثم إلى العربية، وتحمل صفحات طقوسها مقاربة بين تلك الحقب، ويظل الآباء المؤسسون مرجعيات تضبط مسارات إيمان الكنيسة الجامعة. لكن هذا لم يمنع أن تجوز أيضًا سنوات وربما عقود وقرون عجاف، بفعل انقطاعات معرفية فرضتها دوامات المحتلين بتعدد جنسياتهم، وعندما ولدت الدولة الحديثة، بمعايير أزمنة الولادة، (1805)، كان الشباب القبطي يجتهدون في سعى دؤوب أن تعيد الكنيسة تواصلها مع ما انقطع، وبطبيعة الحال كانوا محكومين بمعطيات لحظتهم، وهو ما تعرضنا له قبلًا، حتى بدأ تيار التكريس القبطي الأرثوذكسي، مع النصف الثاني من القرن العشرين، وكانت الليتورجية هي المخزون الإستراتيجي الذي أخرج رواد التكريس منه كنوز الوعى اللاهوتي الآبائي، فلم تكن استعادة نظرية جافة، بل هي حراك للاهوت معاش، كانت تختزنه الذهنية القبطية في اللاوعي وتردده أحيانًا بآلية وها هي تجتر معانيه وأسراره. وفى هذا السياق تبرز أسماء رائدين من رواد الإحياء الآبائي نذرا حياتهما، بعيدًا عن الصخب وحسابات المكسب والخسارة، لتأسيس وشق طرق هذا الإحياء، الأب متى المسكين والدكتور نصحي عبد الشهيد، وقد اقتربنا من تجربتيهما المتفردتين في صفحات سابقة هنا، وقد أثريا بشكل مباشر، ثم من خلال تلاميذهم، المكتبة المسيحية العربية بسلاسل من الدراسات والتراجم الآبائية المؤسسة والداعمة لسعى استرداد كنيسة اليوم حيوية الكنيسة الأولى، وضبط بوصلة الإيمان والوعى باللاهوت الشرقي. وفى استبصار يشبه الرؤية تأتي كلمات المتنيح قداسة البابا شنودة الثالث، التي خطها مرتين، حين كان علمانيًا (نظير جيد) في مقدمته الفريدة لكتاب "حياة الصلاة الأرثوذكسية" (1952)، وحين صار أسقفًا للتعليم في معرض دفاعه عن الكلية الإكليريكية، ورصدتها مجلة الكرازة في إصدارها الأول (أكتوبر 1967)، والتي تقول "أنه كأي عمل من أعمال الله، كان لابد أن يحاربه الشيطان، وكأي عمل من أعمال الله، كان لابد أن ينتصر في تلك المحاربات" فما بين التعليم بثقافة الموت وما يستتبعه من انكسار واستغراق في الحزن والضعف ومتوالية القيام والسقوط اللانهائية، وبين التعليم بلاهوت الحياة وما يبنيه من دعامات النصرة والفرح عَبرَ الوعى بلاهوت التجسد، الذي تضخه كتابات الآباء وتحييه حركة التكريس المعاصرة، نستطيع أن نتبين خلفيات صراعات فرقاء اليوم. والتي تأتى محملة بموروث مجتمعي ثقيل يتبنى "واحديه" التفكير ويذهب بالتنوع والتعدد إلى مربع التحريم والتجريم، لذلك تجده ينتصر للمنولوج لا الديالوج. ويأتي اجتماع مجمع أساقفة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية الأخير (مايو 2018) محملًا بإشارات إيجابية تؤكد أن الكنيسة تسير باتجاه إعادة بناء التواصل المنشود، بهدوء لكن بقوة، ببطء لكن للأمام، فقد استعادت مبدأ تداول المسئولية بخطوة رائدة من الأنبا رفائيل الأسقف العام بالامتناع عن ترشيح نفسه كسكرتير عام للمجمع لدورة ثانية، وانتخاب الأنبا دانيال لهذا الموقع بأغلبية 98 صوتًا في مقابل امتناع صوتين واعتراض نحو ثماني أصوات، كانت الكتلة الرمادية هي المرجحة، في دلالة ذات معنى. وتأتى تشكيلات اللجان المجمعية، بحسب المعلن، لتؤكد أن حراكًا جديدًا يخطو خطوات إيجابية رغم الضجيج الذي اجتاح العالم الافتراضي في محاولة بائسة ويائسة للترويج بأن ثمة أزمات قد تفكك أوصال الكنيسة تدور في أروقة المجمع. وهو ترويج هاله أن نختبر الحوار والاختلاف. جاءت التوصيات التي وافق عليها آباء المجمع وكلمة قداسة البابا في جلسته العامة الختامية محملة برسائل واضحة ليس فقط للآباء أعضاء المجمع لكنها تتجاوزهم إلى جموع الأقباط وفى مقدمتهم القائمين على الخدمة في الشارع والقرية والنجع والمدينة، الآباء الكهنة والإخوة الشمامسة والخدام وحتى مجالس الكنائس. لعل التوصيتان اللافتتان "عقد لقاء محبة يضم جميع بطاركة الكنائس الأرثودكسية من العائلتين في كنيسة الإسكندرية"، لعله ينتهى إلى تأسيس آليه حوار لاهوتي فاعلة تُفعِّل دورة التقارب الأرثوذكسي وتفضى إلى وحدة المفاهيم وتسوية صراعات امتدت لقرون، وتفرح قلب الرب يسوع وتحقق صرخته إلى اطلقها في ذاك البستان ومازالت تحمل أصداءها قلوب الخلصاء من أبناء الكنيسة "وَلَسْتُ أَسْأَلُ مِنْ أَجْلِ هؤُلاَءِ فَقَطْ، بَلْ أَيْضًا مِنْ أَجْلِ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِي بِكَلاَمِهِمْ، لِيَكُونَ الْجَمِيعُ وَاحِدًا، كَمَا أَنَّكَ أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ فِيَّ وَأَنَا فِيكَ، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا وَاحِدًا فِينَا، لِيُؤْمِنَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي. وَأَنَا قَدْ أَعْطَيْتُهُمُ الْمَجْدَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي، لِيَكُونُوا وَاحِدًا كَمَا أَنَّنَا نَحْنُ وَاحِدٌ. أَنَا فِيهِمْ وَأَنْتَ فِيَّ لِيَكُونُوا مُكَمَّلِينَ إِلَى وَاحِدٍ، وَلِيَعْلَمَ الْعَالَمُ أَنَّكَ أَرْسَلْتَنِي، وَأَحْبَبْتَهُمْ كَمَا أَحْبَبْتَنِي. " (يوحنا 17 : 20 ـ 23). أما التوصية الثانية فكانت "تشكيل لجنة مكونة من 5 أعضاء من المجمع المقدس لدراسة و مراجعة الأخطاء التعليمية التي تصدر من بعض المعلمين الكنسيين"، في تأكيد مجمعي على أن آلية الحوار الجاد والمباشر هي الضمانة الأولى لتنقية الفضاء الكنسي من الشوائب وقطع الطريق على احترابات المصالح الضيقة، والارتفاع بأطروحاتنا إلى ما يليق بكنيسة عتيدة وعريقة وسوية. أما كلمة البابا تواضروس فقد تضمنت خمس محاور لسنا بصدد تحليلها في سياق طرحنا هذا، فقط نشير إلى عناوينها، ونتوقف أمام طرحه لـ"مأسسة الكنيسة". فقد تناول: • الأبوة، والتشديد على اعتمادها منهجًا في التعامل مع رعية الكنيسة. • سلام الكنيسة، وأن يكون ذلك هدفا في جميع القرارات والتعاملات. • التواجد الإعلامي، وضوابطه ومحاذيره، لما للميديا من دور هام في نشر الحقيقة. • المسئولية المجتمعية، والمشاركة دائمًا في العمل العام. • الكيان المؤسسي، فالكنيسة لا تقوم على فرد بل على تكامل أعضاء الجسد الواحد كل فيما كلف به، فأى عمل يعتمد على شخص واحد لا يستمر ولا ينمو ولا يتطور ويموت العمل بنهاية الشخص، وأي شخص يأتي بعده يبدأ من الأول، وهذا معطل للنمو والتطور. فالتحول من الفرد إلى المؤسسة في مجتمعاتنا "الأبوية" عملية شاقة وتحتاج إلى قدر كبير من المثابرة والاستنارة والملء، خاصة عندما تضفى هذه المجتمعات صبغة القداسة على شخوصها، فتتحصن بها في مواجهة المراجعة والتقييم، وحتى مجرد التحاور، ويزداد الأمر تعقيدًا عندما يترسخ هذا المفهوم في ذهنية كل الأطراف، من القاعدة إلى قمة الهرم، يسوُّق له ويرسخه التعليم الغيبي، وتدعمه مخاوف سيكلوجية الأقلية، في مجال عام يحتله التربص وفعل الإقصاء والاستهداف. ولا نتحدث عما استقر في آليات التكوين من عيوب تشكل ذهنية عديد ممن احتلوا الصفوف المتقدمة، حولت عندهم السلطان البنائي إلى تسلط اختلالي. التحول من الفرد إلى المؤسسة يبدأ بإعادة هيكلة الإدارة الكنسية بجملتها، وفق معايير موضوعية وقواعد "عامة ومجردة وملزمة"، فتعرف تلك المؤسسات نسق المراكمة ومن ثم النمو الطبيعي ومواكبة متطلبات العصر في التزام بالأطر الحاكمة للكيان الكلى "الكنيسة"، فلا يغيب عنها الهدف الذي تأسست من أجله وحُمِّلت به "اذهبوا. . اكرزوا. . اعلنوا بشارة الحياة والفرح. . أنسنوا العالم". وكنيستنا القبطية الأرثوذكسية الآن لديها ثلاث آليات تكون منظومة متكاملة في دائرة التنوير؛ المركز الثقافي، المركز الإعلامي، اسقفيه الشباب، ودوائر عملهم تصب في بناء الوعى القبطي الجمعي، وهذه الآليات رغم وجود خطوط تماس وتكامل بين أهدافها، إلا أنها تعمل كجزر منعزلة، وربما متضاربة، وتدار وفق قاعدة التقدير الشخصي، ويرتبط نجاحها وإخفافها برؤية القائم أو القائمين عليها، لذلك أرى تشكيل لجنة عليا أو مجلس أعلى يجمعهم معًا ويضع رؤية متكاملة للأهداف والآليات وطرق العمل بها، يتبعه مجلس أمناء -تطوعي- من المختصين كل في مجاله، يضع هيكل تنظيمي يتولاه خبراء مهنيين، على أن يراعى تداول المسئولية بحيث لا يبقى المسئول عن هذه اللجنة أو المجلس أكثر من اربع سنوات، حتى لا يتحول إلى "مركز قِوَى" يختطفه لحسابه، وكذلك الأمر بالنسبة لكل آلية من تلك الآليات الثلاث. اللافت لمن يطالع موقع المركز الثقافى، أن من بين أهدافه ما لا يدخل فى اختصاصه: "يوفر المركز الثقافي القبطي الأرثوذكسي المؤازرة للفقراء، المرضى، المعاقين ومن لهم احتياجات مختلفة" "تقديم الخدمات الإنسانية" "كما يقدم المركز العديد من الخدمات السياحية بالتعاون مع شركة كريسمار للسياحة" وهى وإن كانت تحمل في بعضها معان إنسانية، تتحول في بعضها إلى عمل تجارى استثماري، وتقع كلها خارج تخصص ودور الفعل الثقافي. ويملك المركز أمكانات لوجستية كبيرة لكنها غير موظفة في تحقيق دوره ومهمته الثقافية: قناة مي سات الفضائية (قناة مار مرقس الفضائية المصرية) التي تبث في مصر وعلى مستوى العالم أكاديمية سي أو سي سي أكاديمية مي سات للإعلام مكتب إنتاج فني وإعلامي ستوديو مي للصوت برنامج أتحبني مكتبة مار مرقس العامة قاعة مؤتمرات مزودة بأحدث الأجهزة السمعية والبصرية والترجمة الفورية المتحف البطريركي والبانوراما القبطية ويصدر المركز نشرة إخبارية يومية. ويتردد أن للمجمع المقدس دور كامل بمبنى المركز الثقافي، لكنه مغلق دونه، ولا يستطيع أن يستخدمه في اجتماعاته العامة أو اجتماعات لجانه النوعية، فلو كان هذا صحيحًا نكون أمام أزمة حقيقية مسكوت عنها. وعلى ذكر القناة الفضائية يطرح سؤال عن طبيعة العلاقة بين هذه القناة ومثيلاتها (مي سات، وأغابي، وسي تي في)، وبين الكنيسة، طبيعة ملكيتها، وشخوص المالكين، خاصة فيما يتردد عن كونها ملكية خاصة لبعض الأشخاص ومنهم أعضاء بمجمع الكنيسة، وبعضهم كهنة، فهل هذا صحيح؟ وهل هذا يعنى أن علاقة الكنيسة بها علاقة أدبية؟ دون أن يكون لها دور ملزم في رسم سياساتها وتحديد مساراتها؟ أما المركز الإعلامي فرغم أنه حلقة الوصل بين الكنيسة وبين رعيتها من جانب، وبينها وبين العالم خارجها من جانب آخر، إلا انه يفتقر للحيوية والديناميكية والمهنية أيضًا، وأصابه ما أصاب الإعلام الحكومي من رتابة في تغطية الأحداث الكنسية والقبطية، بما يفتح الباب لبدائل غير أمينة تسعى لبلبلة الشارع القبطي والمصري، تحتل العالم الافتراضي بتنويعاته. لذا فالمركز الإعلامي وهو يملك كوادر فاعلة من الشباب، وحصلت إدارته على دورات تدريبية مهنية متخصصة، يحتاج إلى وضع معايير مهنية وصلاحيات اكثر اتساعًا تحرره من القيود والتوازنات، لكسب مصداقية لدى المتلقين. بأداء مهني أكاديمي متطور. أما اسقفيه الشباب فتحتاج إلى مراجعة خاصة فيما يتعلق بمنظومة (المهرجانات) الأسلوب والهدف والتطبيقات والقائمين عليها ومطابقتها مع رسالة الكنيسة وأهدافها. خاصة وأنها استطاعت بفعل اسقفها الجليل أن تمد خدمتها إلى قطاعات عريضة من الشباب بامتداد الكرازة، لكنها بفعل نظرية الأواني المستطرقة أصابها ما أصاب الفعل الثقافي العام والكنسي من ترهل وتراجع وتشكلت داخلها مراكز معوقة بفعل طول فترة إسناد المسئولية لها، ولعلها تطبق مبدأ تداول المسئولية الذي اعتمده مجمع الكنيسة في تشكيل لجانه النوعية. التنسيق والتكامل بين هذه الآليات الثلاث هو الباب الرئيس لترجمة الانتقال من الفرد إلى المؤسسة والانطلاق لتحرير الكنيسة من أسر الرؤى الشخصية، إلى فعل العمل الجماعي في ترجمة لمعنى الجسد الواحد. وأمامنا تجارب في كنائس شقيقة نطرحها في هذا السياق في مقالات قادمة. --- ### ٢٠) البابا تواضروس: طموحات ومتاريس - Published: ۲۰۱۸-۰۳-۲۰ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/1515/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أسقفية الشباب, أنبا باخوميوس، مطران البحيرة, أنبا دانيال، سكرتير المجمع المقدس, أنبا رفائيل، أسقف وسط القاهرة, أنبا غبريال، أسقف بني سويف, أنبا موسى الأبيض، أسقف عام الشباب, أنبا ميخائيل، مطران أسيوط, أنبا يوليوس، أسقف الخَدمات العامة, الأب متى المسكين, الإخوان المسلمين, الشرق الأوسط, الكنائس الأرثوذكسية, المجلس العسكري, المجلس الملي, المجمع المقدس, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس السادس, قديس باخوميوس الكبير أب الشركة, قديس بولس الرسول, كنيسة الإسكندرية, مجلس كنائس الشرق الأوسط, مجمع الأساقفة, محمد حسنين هيكل, مدارس الأحد يبدو أن التضرعات وجدت طريقها إلى السماء، فقد توالت انسحابات عدد من المرشحين بغير تفسير معلن أو مبررات واضحة، ربما تكشف عنها الأيام حين تذهب سطوتهم، لكن اللافت أن أهمها جاء بعد اجتماع القائمقام بأصحابها اجتماعًا مغلقًا ومطولًا، لم يرفع الغطاء بعد عما دار فيه، خرج أطرافه وقد لفهم الصمت، ليعقبه إعلان انسحاب أكثرهم إثارة للجدل لم يكن الأمر ربيعًا لا في عام 2011 ولا في عام 2012، بل كان رياحًا خماسينية عاصفة، ففي الأولى تجمعت إرادات الغضب على تباينها، لتنفجر في غير اتجاه، وكانت السلطة قد شاخت على مقاعدها بحسب التعبير الذي نحته الكاتب المخضرم "محمد حسنين هيكل"، فجاء سقوطه سريعًا، كان حراك 25 يناير 2011 العاصف بداية لخريف ممتد، شكلته سياسات سبقته عملت على تجريف الفضاءات السياسية والقيمية المصرية، سياسات رسمتها تحالفات مازالت غامضة محلية وإقليمية وعالمية، ومصالح لم نعرف تفاصيل تصالحها بعد. وعلى الرغم من أن مارس هو شهر الربيع بحسب الأعراف المناخية النظرية السائدة، إلا أنه جاء عام 2012 ليؤكد ما ذهب إليه الفعل المناخي في مصر، الذي لا يعرف تقويمه المصري القديم رباعية الفصول، بل ثلاثيتها والتي احتفظت بها أواشي القداس القبطي بين مواسم الفيضان والزرع والأهوية، فقد حمل عاصفة نبأ رحيل قداسة البابا شنودة الثالث، بعد أن صار أحد معالم يومنا القبطي والكنسي، وقد أمسك بدفة تشكيل الذهنية القبطية منفردًا بامتداد نصف قرن من الزمان، عشر سنوات أسقفًا للتعليم وأربعون سنة بطريركًا، يأتي رحيله بين عواصف السياسة ومعطيات سنوات الشيخوخة، ليطلق العنان لصراعات كانت تمور بها أروقة الكنيسة تحت السطح، ربما يقترب المشهد من التعبير الذي وصف به القديس بولس حاله وقت أزمة كنيسة كورنثوس "كنا مكتئبين في كل شيء: من خارج خصومات، من داخل مخاوف" (رسالة بولس الرسول الثانية إلى كنيسة كورنثوس فصل 7 عدد 5) بحسب الترتيب الكنسي يذهب موقع القائمقام إلى اقدم مطارنة الكنيسة، الأنبا ميخائيل، مطران أسيوط، لكنه يرده إلى مجمع الكنيسة معتذرًا، ربما لتقدمه في العمر وربما لموقفه المبدئي الذي لم يحد عنه بامتداد حبرية البابا المتنيح، بالابتعاد عن تشابكات المشهد الكنسي بجملته، لأسباب لم يشأ أن يعلنها، إلا لدائرة صغيرة استراح إليها كنت واحدًا منها، فيذهب الموقع إلى الأنبا باخوميوس مطران البحيرة، باكورة رسامات قداسة البابا شنودة الثالث، فيجمع بين الحرف الأول في حبريته البابوية والحرف الأخير فيها. ويحسب له عدم انخراطه في صراعات ما قبل رحيل البابا أو انحيازه لتيار بعينه داخل الكنيسة، لذلك تم اختياره قبلًا عضوًا في مجلس الكنائس العالمي ومجلس كنائس الشرق الأوسط. وكم أتمنى أن يسجل المطران الجليل مشواره في مذكرات يتركها للكنيسة والوطن، كما فعل اسقف البحث العلمي الأنبا غريغوريوس، وكما فعل الأب متى المسكين. فعنده؛ شابًا وسكرتيرًا للجنة العليا لمدارس الأحد وراهبًا وأسقفًا وقائمقام، ما يسهم بموضوعية في تفكيك وإماطة اللثام وتفسير الكثير من أحداث وملابسات مرحلة من أدق مراحل الكنيسة المعاصرة. استطاع هذا الرجل في ثمان أشهر، ما بين رحيل قداسة البابا شنودة الثالث وقدوم قداسة البابا تواضروس الثاني، أن يعبر بسفينة الكنيسة بسلام، بين أمواج عاتية ومتلاطمة وعنيفة كادت تقتلعها وتفكك أوصالها، من الخارج ومن الداخل، فقد جاء والمجلس العسكري يدير دفة البلاد، ويشهد قفز جماعة الإخوان المسلمين على السلطة، وسعيهم الحثيث لتغيير وجه الوطن واقتياده إلى حلم الخلافة الأثير، وتصاعد وتيرة استهداف الأقباط، وتبنى تلك الجماعة للمغالبة بدلًا من المشاركة، وترجمة توجههم في إعلان دستوري يحصن قرارات الرئيس ويغل يد القضاء عن مراقبته، ثم وثيقة دستورهم ولجنة الخمسين التي كلفت بإعداده والتي اشتركت الكنائس المصرية فيها، فيدعو المجلس الملي للاجتماع ويقرر بحسم "سحب ممثلي الكنيسة من اللجنة التأسيسية للدستور، وعدم مشاركة الأقباط في اللجنة بناء على نبض الشارع المصري، والقبطي خاصة" بحسب البيان الصادر عن المجلس برئاسة القائمقام. ليعقبه انسحاب بقية الكنائس وتؤسس لغضبة شعبية عارمة. كان الحس القبطي يتوجس من خريطة الترشيحات لخلافة البابا الراحل، فقد احتشدت بكثيرين متبايني التوجهات، وتشهد ساحات الفضاء الإلكتروني ملاسنات يحركها بعضهم عبر كتائبهم الإلكترونية والتي استحضرت الصراعات بنكهة سياسات العالم الثالث إلى محراب الكنيسة، وتشهد الكنيسة في جانب قصي تضرعات من جموع قبطية، غير مؤدلجة، أن يرى الرب يسوع الجموع ويتحنن عليهم "إد كانوا منزعجين ومنطرحين كغنم لا راعي لها" (متى 9 : 36) يبدو أن التضرعات وجدت طريقها إلى السماء، فقد توالت انسحابات عدد من المرشحين بغير تفسير معلن أو مبررات واضحة، ربما تكشف عنها الأيام حين تذهب سطوتهم، لكن اللافت أن أهمها جاء بعد اجتماع القائمقام بأصحابها اجتماعًا مغلقًا ومطولًا، لم يرفع الغطاء بعد عما دار فيه، خرج أطرافه وقد لفهم الصمت، ليعقبه إعلان انسحاب أكثرهم إثارة للجدل، ذهب خيال البعض إلى استحضار ذلك المشهد الكتابي حين تقدمت قيادات مجتمع المسيح، حال تجسده، إليه طالبين حكمه على امرأة أمسكت في فعل الخطيئة متلبسة، ومعهم شهود عليها، ينحنى السيد ليكتب بضع كلمات على الأرض، دون أن يفصح الراوي عنها، فيبادرون بالانسحاب، لم تكتمل أركان الاتهام بانسحاب الشهود، فتكون البراءة من نصيب المرأة، ماذا كتب القائمقام في أوراق اللقاء؟ وتتأكد متلازمة "الكنيسة - الدولة" مجددًا فبينما الدولة تعبر مرحلة غائمة (انتقالية بقدر) تعبر معها الكنيسة أيضًا نفس المرحلة، بحنكة وتدبير محكم، وينتهى الأمر فيهما إلى مرحلة جديدة بوجوه جديدة، لم تكن مطروحة في صراعات السطح في كليهما. يأتي البابا تواضروس الثاني محملًا بطموحات، ربما شكلتها خبرة من يتابع المشهد من بعيد وعن كثب في موقع الرجل الثاني، في إيبارشية نائية، لم يشتبك في صراعات المرحلة، ويملك ذهنية علمية بحكم الدراسة في كلية الصيدلة وعبر دراساته العليا في علوم الإدارة، بانجلترا، وتلمذته على أحد اساطين الإدارة منذ نعومة أظفاره وحتى تعيينه أسقفًا عامًا، مساعدًا له، وطبيعته المسالمة ونشأته في بيئة أسرية سوية، وتشهد السنوات الأولى لحبريته خطوات مرتبة في مأسسة الكنيسة، بصدور العديد من اللوائح المنظمة للكيانات الكنسية المحورية، الأسقف والكاهن والشمامسة ومجالس الكنائس، ولائحة مجمع الأساقفة، في محاولة للانتقال بالإدارة من الفرد إلى المؤسسة، ويقيم حوارات جادة مع أطياف من أصحاب التوجهات المختلفة، ويعالج ملف المستبعدين، من الإكليروس والعلمانيين، بهدوء لم يكن الإعلام طرفًا حاضرًا فيه، استمرارًا للقواعد التي أرساها الأنبا باخوميوس في شهوره الثمانية. لكنه لم ينتبه إلى تجميع حبات السبحة، لتشكل ظهيرًا داعمًا لتوجه "الإحياء الآبائي"، فكاد مناوئيه أن ينفردوا به. كان المنسحبون يعيدون ترتيب أوراقهم المبعثرة، ويبدو أنهم "تركوه إلى حين"، فقد بدأوا حملتهم الممنهجة بإطلاق قنابل دخان المقارنة بينه وبين البابا الراحل، وهم يدركون أن الصورة الذهنية الجمعية ستنحاز بالضرورة لقداسة البابا المتنيح الأنبا شنودة، هكذا الحال دائمًا مع الشخصيات التاريخية وفى ثقافات مجتمعاتنا، وكان العصب الملتهب الذي يجيدون الضغط عليه، الترويج لخشيتهم على العقيدة والطقوس وما وجدنا عليه آباؤنا، كان حقًا يراد به باطل، ولم تكن خبرات البابا قد اكتملت، فيتوقف عن مسار التحديث في تراجع تكتيكي، خشية أن تتشتت الرعية التي اُستُلب ذهنها الآبائي بموجات متصحرة أحلت التعليم الغيبي المدغدغ لمشاعر المتلقين وأزماتهم في المجتمع العام، محل تسليم الآباء، ويجوبون الكتب والمحاضرات عند التيار التنويري، ينقبون عن جملة يقتطعونها من سياقها ليهدموا "الإحياء الآبائي" وتتصاعد وتيرة الكتائب الإلكترونية ضد سلام الكنيسة ووحدتها، قبيل انعقاد المجمع المقدس في جلسته العادية السنوية المواكبة لعيد العنصرة (مايو 2018)، لكن مشورتهم تلحق بمصير مشورة أخيتوفل، ويعبر المجمع بالكنيسة فوق الأزمة المصطنعة، وتأتى توصياته، واختياراته، لحساب التنوير، إذ يعيد الأنبا رفائيل، سكرتير عام المجمع في دورته المنقضية، الاعتبار لمبدأ تداول المسئولية، وهى لو تعلمون ثقيلة، ليختار المجمع الأنبا دانيال اسقف المعادي سكرتيرًا عامًا خلفًا له، ويشكل من الأنبا غبريال أسقف بني سويف. والأنبا جابرييل أسقف النمسا (انتخابًا) والأنبا يوليوس أسقف عام كناس مصر القديمة (تعيينًا) لجنة سكرتارية المجمع. ويصدر المجمع توصيات لها دلالتها، وفقًا للبيان الذي اعلنه المتحدث الإعلامي للكنيسة: اقترح قداسة البابا تواضروس عقد لقاء محبة يضم جميع بطاركة الكنائس الأرثوذكسية من العائلتين في كنيسة الإسكندرية وقد رحب المجمع المقدس بهذه الفكرة الرائدة وتم تشكيل لجنة من الآباء المطارنة والأساقفة لمتابعة تنفيذ هذا الاقتراح. تشكيل لجنة مكونة من 5 أعضاء من المجمع المقدس لدراسة ومراجعة الأخطاء التعليمية التي تصدر من بعض المعلمين الكنسيين. ويناشد المجمع المقدس، الكلام مازال وفقًا للبيان، جموع الشعب القبطي عدم الانسياق وراء ما تبثه بعض المواقع المشبوهة والكاذبة التي تحمل بكل أسف أسماءً مسيحية، وتروج أخبارًا ملفقة وتجتزئ الحقائق وتسئ للتقاليد الراسخة في كنيستنا المجيدة وتشوه صورتها في أعين أبنائها. انتهت جولة من جولات المواجهة بين الفرقاء، لكنها في ظني لن تكون الأخيرة، فالكنيسة بحاجة في سياق المأسسة، بحسب التعبير الذي نحته قداسة البابا في كلمته في الاجتماع العام للمجمع، إلى عدة خطوات إيجابية على الأرض منها: كسر الحاجز الذي أفيم في مواجهة العلمانيين، بامتداد عقود، وإعادة الاعتبار لدورهم البنائي في تدبير الكنيسة، وفق تقليدها المتميز، في إعادة لبناء الثقة بينهم وبين الإكليروس، ضمن تكامل الجسد الواحد، وقد أقر المجمع استحداث لجنة دائمة تضاف إلى لجان المجمع، فلماذا لا يدرس المجمع إضافة لجنة للأراخنة، تترجم هذا التكامل، وتحققه، وتمثل إضافة له، وتذيب جدار العزلة بين العلمانيين والإكليروس تنظيميًا. إعادة النظر في مفهوم الأسقف العام ورده إلى صحيحه بحسب ما قصده البابا كيرلس السادس وما أكده البابا شنودة الثالث، فهما لم يقيما اسقفًا عامًا بغير كيان أسقفي، بل أسسا أسقفيات عامة ثم أقاما عليها أساقفة لتدبيرها، فانشأ البابا كيرلس أسقفيات التعليم والخدمة الاجتماعية والبحث العلمي ثم أقام عليها الأنبا صموئيل والأنبا شنودة (1962)، والأنبا غريغوريوس (1967)، أساقفة كل في تخصص الأسقفية، وهكذا فعل البابا شنودة حين أنشأ أسقفية الشباب ثم أقام عليها الأنبا موسى أسقفًا (1980)، وهو ما قال به البابا شنودة في دفاعه عن موقفه في شأن تنازع الاختصاص وتمسكه بأن التعليم أسقفية وليس مجرد مهمة طارئة مسندة إليه. فهو أسقف لأسقفية، وهو الأمر الذي يعالج ما نتج عن التطبيقات اللاحقة التي أخلت بالترتيب الهيراركي في الكنيسة، ونزعت الطمأنينة والاستقرار عن الأسقف العام الذي يبقى مرتهنا بموقف البابا منه، فضلًا عن أنها جارت على رتبة الإيغومانوس كما سبق وبينا. إضافة لجنة للإعلام والثقافة تضم المركز الإعلامي والمركز الثقافي والفضائيات الكنسية المختلفة، تعالج التشتت وتضارب المواقف، وتضع سياسة واضحة تستند إلى رؤية كنسية جماعية تعبر عن توجه المجمع ككيان كنسى وليس كأشخاص. ومازال للطرح بقية --- ### ١٩) البابا شنودة: سنوات عاصفة - Published: ۲۰۱۸-۰۳-۱۹ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/1482/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أقباط المهجر, أنبا أثناسيوس، مطران بنى سويف والبهنسا, أنبا إرميا، الأسقف العام, أنبا بيشوي، مطران دمياط وكفر الشيخ, أنبا غريغوريوس، أسقف البحث العلمي, أنبا يوأنس، أسقف أسيوط, إفخارستيا, الإسلام السياسي, المجمع المقدس, المركز الثقافي القبطي, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, تجسد الكلمة, تدبير الخلاص, چوزيف موريس فلتس, رئيس محمد أنور السادات, رفعت المحجوب, صوت الأمة, عاطف صدقي, عدلي عبد الشهيد, فريدريك براذرتون ماير, قديس أثناسيوس الرسولي, قس ماثيو هنري, قناة مي سات, لوتس كيوان, ليتورچي, مجلة الكرازة, مدارس الأحد, مرقس داود, مكتبة المحبة, ممدوح رمزي, موريس صادق “حقاً كما تفضلتم إنها ضربة على الرأس، ولكنني كنت مضطراً إلى ذلك، إذ لم يكن ممكناً أن أصبر على الفتنة الطائفية التى استشرت وكادت مصر كلها أن تحترق بها، فلم يكن مفرِّ من عمل شئ لإنقاذ الدولة كلها مما كان مدبراً لها” النصف الأخير من القرن العشرين، والعقدين الأولين من القرن الحادي والعشرين، جملة مرتبكة ممتدة، شهدت محاولات لبعث الكنيسة كانت تشبه الحمل خارج الرحم، وكانت منظومة مدارس الأحد، وقد انطلقت من منطلقات مشوشة وهجين، واحدة من الأسباب المؤثرة التي انتهت بنا إلى حالة الارتباك الحادثة الآن. وإن كانت في مجملها واحدة من الآليات التي شكلت حائط سميك داعمًا لبقاء الكنيسة. لكن يبقى عنصر أكثر عراقة ورسوخًا، يمثل عصب الحياة للكنيسة والذي أبقاها على قيد الحياة حتى اللحظة؛ "الليتورجيا"، وفى قلبها "الإفخارستيا". وقد اختزنت في ثناياها، إيمانها وترجمته في صلواتها وممارساتها طقوسًا وأصوامًا وعبادة يومية، تنطلق من "كلمة الله" وتنتهى إليها، وبقدر إدراك الكنيسة لعمق ليتورجيتها تكون قوتها، ففيها تدرك سر تدبير الخلاص، وسر التجسد، الذي فيه نلنا شركة لا تنقضي في الثالوث. وظني أن ثمة مخاض يعتمل فيها وهو لن يفضى إلى ثورة أو تصحيح آني، لكنه ينبئ ببعث قادم وإن تأخر. كانت أزمة دورة البعث الأولى، والتي تعرضنا لبعض من محطاتها قبلًا، هي نقطة الانطلاق، والتي كانت تعانى من غياب المرجعيات الآبائية التي لم تكن متاحة بالعربية، وعندما وجدتها جاءت معربة عن لغات وسيطة بيننا وبين اليونانية التي كتبت بها، ومن الطبيعي أن تأتى الترجمة في اللغة الوسيطة متأثرة بذهنية المترجم الأول وخلفياته، ومن الطبيعي أن تأتى الترجمة عنها إلى العربية ناقلة ذلك التأثر، ومثالنا ما يمكن أن تكشفه المقاربة بين ترجمة كتاب "تجسد الكلمة" للقديس أثناسيوس الرسولي، والتي ترجمها الأستاذ حافظ داود، القمص مرقس داود، في مستهل القرن العشرين، عن الإنجليزية وبين مثيلتها عن اليونانية لغة الكاتب التي كتب بها، وترجمها إلى العربية دكتور جوزيف موريس فلتس 2002. كانت الساحة القبطية في النصف الثاني من القرن العشرين تشهد انتشار الكتب المترجمة عن مؤلفين غربيين، وكانت المكتبات الأرثوذكسية تتولى طباعتها وتوزيعها، لعل أشهرها مكتبة المحبة، التي تبنت ترجمة ونشر وتوزيع سلسلة كتب القس الإنجليكاني ماثيو هنري (متى هنري)، وترجمات شخصيات الكتاب المقدس للكاتب ف. ب. ماير، وقد أسهمت في تشكل ذهنية أجيال متتابعة في الكنيسة، بعضها حمل لواء التعليم في الكنيسة عبر منظومة اجتماعاتها وعبر صفوف مدارس الأحد، وبعضها صار طرفًا فاعلًا في مواجهات اليوم بين فرقاء الكنيسة. ولا يمكن أن ندرك ونفهم جذور مواجهات اليوم، دون أن نقترب أكثر من حبرية الأنبا شنودة، أسقفًا وبطريركًا، وقد احتلت خمسة عقود متواصلة، وهو اقتراب محفوف بالمحاذير، في مناخ قبطي مثخن بالجراح، ومازالت ندوبه لم تندمل بعد، وبعض جروحه غائرة، يتحسب لكل إضاءة تقترب من تلك المرحلة، الكنيسة والرجل والوطن والفعل السياسي، وقد شهد الفعل السياسي تحالفات لا يمكن أن تكون بريئة بين صاحب القرار السياسي وبين جماعات الإسلام السياسي، في أيام الرئيس السادات وما يملكه من دهاء وخبرة العمل تحت الأرض، وخبرات الرجل الثاني الداهية الذي احتفظ بموقعه بالقرب من الرئيس عبد الناصر دون أن تطاله ما طال أقرانه الأقرب والأكثر حظوة وداله لدى ناصر، استبعادًا أو إقصاء أو حتى تصفية، مختلف عليها. ذهب السادات بعد أن أصدر قراراته المفاجئة فى 5 سبتمبر 1981، والتي أربكت مصر في مجملها، كان أبرزها قرارات الاعتقالات التي تضم كل التيارات على تناقضها، فجمعت ما يمكن أن نحسبه رموز كل التيارات من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ولأول مرة ـ على الأقل في التاريخ المعاصر ـ تمتد يد البطش إلى آباء أساقفة وقسوس، كان المجتمع المصري بجملته، قبل أن تغشاه رياح التطرف، يرى في مواقعهم سياجات تحميهم من الزج بهم خلف الأسوار، وكان قرار عزل البابا بحسب تعبير الأنبا غريغوريوس في كلمته أمام الرئيس السادات حين استدعاه للقصر الجمهوري ( الثلاثاء 15 سبتمبر 1981. ) ضمن اللجنة الخماسية التي شكلها الرئيس ـ ضمن قراراته تلك "للقيام بالمهام البابوية"، كان القرار (*) "ضربة على الرأس مؤلمة أشد الإيلام، لها دوي هائل على المستويين المحلي والعالمي. ولقد أثارت ردود فعل قوية. "(موسوعة الأنبا غريغوريوس، الكتاب 40، السيرة الذاتية، الجزء الثالث؛ من اللجنة الخماسية حتى نياحته) ويأتي رد السادات تعقيبًا على هذه الجملة "حقاً كما تفضلتم إنها ضربة على الرأس، ولكنني كنت مضطراً إلى ذلك، إذ لم يكن ممكناً أن أصبر على الفتنة الطائفية التى استشرت وكادت مصر كلها أن تحترق بها، فلم يكن مفرِّ من عمل شئ لإنقاذ الدولة كلها مما كان مدبراً لها"(موسوعة الأنبا غريغوريوس، الكتاب 40، السيرة الذاتية، الجزء الثالث؛ من اللجنة الخماسية حتى نياحته) واستطرد الرئيس "على أنني لم أمس وضعه الديني والكنسي، فأنا أعلم تقاليدكم، ولكنني استخدمت حقي كرئيس للدولة في إلغاء القرار الذي أصدرته فى سنة 1971 بتعيينه طبقاً للدستور"(موسوعة الأنبا غريغوريوس، الكتاب 40، السيرة الذاتية، الجزء الثالث؛ من اللجنة الخماسية حتى نياحته) ثم عقب بالقول "أعلم أنه فى حالة غياب البطريرك يتولى قائمقام أعمال البطريرك، فأنا عينت لا شخصاً واحداً وإنما لجنة خماسية حتى تتولى كل الأشياء، لأنه يهمني أن لا تتعطل أعمال الكنيسة"(موسوعة الأنبا غريغوريوس، الكتاب 40، السيرة الذاتية، الجزء الثالث؛ من اللجنة الخماسية حتى نياحته) ( للتعرف على المزيد راجع "موسوعة الأنبا غريغوريوس، إعداد الإكليريكي منير عطية إصدار جمعية الأنبا غريغوريوس أسقف البحث العلمي. ) قرار رئيس الجمهورية رقم 491 لسنة 1981 بتاريخ 2 سبتمبر 1981، والذي يقضى في مادته الأولى بإلغاء قرار رئيس الجمهورية رقم 2 / 27 لسنة 1971 بشأن تعيين الأنبا شنودة بابا للإسكندرية وبطريكًا للكرازة المرقسية، بينما تنص مادته الثانية على تشكيل لجنة للقيام بالمهام البابوية من الأساقفة: الأنبا مكسيموس أسقف القليوبية، الأنبا صموئيل أسفف الخدمات العامة وكنائس المهجر، الأنبا غريغوريوس أسقف البحث العلمي والدراسات القبطية ومدير المعهد العالي للدراسات القبطية، الأنبا أثناسيوس أسقف بنى سويف والبهنسا، الأنبا يوأنس أسقف الغربية وسكرتير المجمع المقدس. اللافت في هذا السياق ما يرد على لسان الأستاذ عدلي عبد الشهيد، المحامي القبطي المقرب من الرئيس السادات ووزير الهجرة فيما بعد، في حديثه في لقاء جمعه عقب الأزمة مع بعض القيادات القبطية، ينقلها الأنبا غريغوريوس في مذكراته، قال: "إن جلسة المجمع المقدس وجلسة المجلس الملِّي العام نُقلا إلى الرئاسة بكل تفاصيلها، وعرف -الرئيس- ما قاله كل عضو فى المجمع والمجلس" ولم يذكر كيف انتقلت التفاصيل، هل من خلال أجهزة تنصت زُرعت بمقريهما، أم بواسطة شخوص تم استمالتهم أو ربما تجنيدهم؟! . (عدلي عبد الشهيد، وزير الهجرة في وقت ﻻحق، موسوعة الأنبا غريغوريوس كتاب 40 ص 20) يأتي الرئيس مبارك في هذه الأجواء التي تصاعد ارتباكها باغتيال السادات، ويبقى الحال بالنسبة لقداسة البابا على ما هو عليه، لسنوات ثلاث، حتى يصدر قرارًا جمهوريًا بعودة البابا إلى كرسيه، وبحسب رواية الأستاذ موريس صادق المحامي القبطي المقيم حاليًا بالولايات المتحدة، يقول: استدعاني في وقتها -عقب الردود الغاضبة بالداخل ومن أقباط المهجر بالخارج- الدكتور رفعت المحجوب، وعدلي عبد الشهيد وكان وزير الهجره في ذلك الوقت، والدكتور عاطف صدقي، وقالوا لي أن سيادة الرئيس موافق علي عودة قداسة البابا إلي كرسيه البابوي، ولكن هناك شرط مطلوب من قداسة البابا. هذا الشرط هو أي أمر يخص الأقباط باعتباره الرئيس الروحي فقط، فليس له الحق أن يعترض لأن الأقباط هم مسئولية الحكومة والرئيس. فاعترضتُ علي هذا الكلام وكان معى ممدوح رمزي المحامي واعترض هو الأخر علي الشرط. ولكن تم الاتصال بقداسة البابا، وقداسة البابا وافق علي هذا الشرط، وفي اليوم التالي سافر الوزير عدلي عبد الشهيد إلي دير وادي النطرون، ووقع قداسة البابا علي القرار وعلى وتحفظ رئاسة الجمهورية. وصدر قرار رئيس الجمهورية ونصه:رئيس الجمهورية بعد الاطلاع علي الدستور وعلي قرار رئيس الجمهورية رقم 2782 لسنة 1971 بتعيين بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازه المرقسية، وعلي قرار رئيس الجمهورية رقم 491 لسنة 1981 بإلغاء قرار رئيس الجمهورية السابق ذكره. وبناء علي ما عرضه علينا وزير الداخلية قرر: 1. يعاد تعيين الأنبا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازه المرقسية. 2. علي وزير الداخلية تنفيذ هذا القرار. 3. صدر من رئاسة الجمهورية في 11 ربيع الثاني 1405 هـ ،3 يناير 1985م. ("موريس صادق يكشف صفقة شنودة ومبارك عقب مقتل السادات"، تحقيق الصحفية: لوتس كيوان، جريدة صوت الأمة 24 / 10 / 2009. ) عاد البابا إلى كرسيه، لكن شرخًا عميقًا قد أصابه، فقد أدرك السادات ما تمثله أدوات الاتصال الجماهيري لقداسة البابا فتضمنت قراراته السبتمبرية منع اجتماعه الأسبوعي وعدم إصدار مجلة الكرازة، وكانت هناك تعليمات أمنية بمغادرة البابا لمقر كرسيه بالقاهرة قبيل إعلان تلك القرارات ليستقر خلف أسوار دير الأنبا بيشوي بصحراء وادي النطرون، لتتحول المنطقة المحيطة به إلى ثكنة أمنية تحول الدير إلى شبه معتقل. وتشهد سنوات الاعتقال تحولًا في قراءة الرجل للأمور، ووساطات لإنهاء "التحفظ" المسمى الذي تم ترويجه للاعتقال الفعلي، ويلجأ البابا للقضاء الإداري طعنًا على القرار، لكن المحكمة تنتهى إلى تأييد قرار العزل وإجراءات التحفظ. كان التحفظ بسنواته الثلاث مرحلة فاصلة مؤثرة انعكست آثارها على ما بعدها، (1985 ـ 2012)، وتحصن البابا بالعديد من الأساقفة الشباب ليكونوا حائط صد في مواجهة التحديات التي أحاطته، ولم يلتفت إلى نصيحة السادات له في مرحلة المواجهات الباردة التي شهدتها سنوات ما قبل الصدام حين قال في واحدة من خطبه مشيرًا إلى دائرة الأساقفة المحيطة بالبابا "بَيّض لحاهم". والسؤال هل دفع البابا فاتورة حراك هؤلاء الشباب بعد انفرادهم دون الشيوخ بدائرة المستشارين الثقاة؟! ما بين أحلام نظير جيد وانطلاقات الأنبا شنودة في أسقفية التعليم وسنوات بابويته الأولى، وانفراده بالقرار، وتقلبات العلاقة مع السادات، وسنوات التحفظ العجاف، والعودة المشروطة للكرسي، كانت قضية التعليم تتراجع، وكان الأساقفة الشباب يحكمون غلق دائرة البابا، لتشهد السنوات العشر الأخيرة صراعات بينهم سعيًا لاحتلال المقعد المجاور لقلبه وأذنه، ويقفز الأنبا بيشوي إلى مقدمة المشهد، ويصبح العصا الغليظة في يد البابا، "لتأديب" قائمة ممتدة من الإكليروس، خاصة أولئك الذين يملكون منابر جماهيرية، لتشهد الكنيسة سلسلة من المحاكمات الكنسية يقودها هذا الأسقف، بغير قواعد قانونية محددة بل استنادًا إلى تقديراته الشخصية، وكانت إحالة ملف أحد الكهنة إليه تشبه إحالة أوراق متهم إلى فضيلة المفتي، توطئة لصدور حكم إعدام بحقه، (راجع مجلة مدارس الأحد سنوات 1992 ـ 1994 والتي تعرضت لملف المحاكمات الكنسية والعديد من الملفات الساخنة المتعلقة بتدبير الكنيسة). ويقفز الأسقف خطوة فيترقى إلى رتبة المطران، ويحتل موقع سكرتير المجمع المقدس لخمس دورات متتالية منذ عودة البابا من منفاه وحتى نياحته، ويدفع بتلميذه الراهب القمص إرميا ـ من دير مار مينا بمريوط ـ إلى سكرتارية البابا، لمزاحمة الأنبا يوأنس السكرتير الأثير لدى البابا، وسرعان ما يرسم هذا القس أسقفًا عامًا ويثبت موقعه في السكرتارية، وتشكل العلاقة بينهما ـ المطران العتيد والأسقف الطموح. واحدة من مفاتيح فهم مرحلة ما بعد عودة البابا شنودة من التحفظ وحتى اللحظة، ويمثلون رأس حربة الحرس القديم، في مواجهة البابا تواضروس الثاني الذي جاء خلفًا للمتنيح قداسة البابا شنودة الثالث. ويدعمهم بعض من مطارنة وأساقفة وكتائب إلكترونية تحتشد في فضاء العالم الافتراضي، وبعضًا من المواقع التي تعمل لحسابهم. في مواجهة تيار الإحياء الآبائي، وينتج عنهم ما يغشانا من صراعات ومواجهات بين الفرقاء. في هذا السياق يقفز الأنبا إرميا إلى إدارة المركز الثقافي القبطي الذي يتحول إلى غرفة عمليات وخلية نشطة يحتلها الغموض، ويسعى ليصبح واحدًا من مراكز صنع القرار وتوجيهه، ويمتد تواصله إلى مؤسسات خارج الكنيسة تثير الكثير من علامات الاستفهام، والتي سنحاول البحث عن إجاباتها في مقالنا القادم: "البابا تواضروس: طموحات ومتاريس" --- ### ١٨) البابا شنودة: تحولات وارتباكات - Published: ۲۰۱۸-۰۳-۱۸ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/1498/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: بابا شنودة الثالث قد تكون هذه النماذج استثناءات ترد على القاعدة لكنها وغيرها تنبهنا لحاجتنا إلى وضع قواعد مجردة وعامة وملزمة ومكتوبة تلتزم بها الكنيسة في اختيار المرشحين لرتبة الأسقفية، لا نملك ترف قراءة التاريخ لذاته، ولا نملك أدوات محاكمته مجردًا، التي يختص بها طيف من الأبحاث التي تسعى لفهمه من خلال تجميع الملابسات المعاصرة لأحداثه وفهم تأثيرها وتداخلاتها، وهى وإن كانت أبحاث شيقة، إلا أنها تقع خارج اهتمام سعينا، وإن تلامسنا معها بحكم الضرورة، سعينا أن نستوعب دروس الماضي القريب والبعيد لحساب الحاضر والمستقبل؛ حاضرًا بمحاولة الإجابة على سؤالنا: الكنيسة. . صراع أم مخاض ميلاد؟ ومستقبلًا بترتيب أولوياتنا لتعود الكنيسة إلى مسارات التنوير وإعلان المسيح تأسيسًا على وصيته لتلاميذه "اذهبوا. . اكرزوا. . افشوا الفرح والرجاء". شهدت الأديرة والرهبنة طفرة نوعية وكميِّة في حبرية قداسة البابا شنودة الثالث (1971 ـ 2012)، ربما انبهارًا بتجربة رعيل الشباب المغامر الذي بادر باقتحام دوائر الرهبنة رغم تحقق بعضهم في دوائرهم الحياتية في العالم، وهم من الحاصلين على شهادات جامعية، كانت محل تقدير في جيلهم، ونقلوا تجربتهم عبر كتاباتهم التي اختفت فيها ذواتهم، ليكشفوا لجمهور القراء وغالبيتهم من الشباب الواعد، طيف من زخم التراث القبطي الأرثوذكسي المبهر، وكان الكتاب يتربع على عرش الثقافة وسعى الاستنارة، بغير منافس، وقد تلامس طرحهم مع اشتياقات مستيكية تسكن جوانح شباب الأقباط بفعل منظومة الليتورجية الأرثوذكسية، فتطابقت مع أطروحاتهم التي تكشف أسرارها وجذورها التي غمضت عليهم. طيف أخر من الشباب وجد في الرهبنة خلاصًا من ضغوط اللحظة وربما هروبًا منها، تحت تأثير صور متوهمة عن مثالية الحياة خلف أسوار الأديرة التي تشكلها القصص الميتافيزيقية الأسطورية التي تروَج عنها وتدغدغ مشاعر وأحاسيس كثيرين، وطيف ثالث كانت له مآرب أخرى. كان الشباب في كل العالم يصنع حراك تغيير في الستينيات من القرن العشرين، فيما عرف بثورة الشباب، كما في الغرب كذلك في الشرق، وكنا في مصر تحديدًا نجتر مرارات هزيمة يونيو 1967، فراح طيف من الشباب يطرق أبواب الرهبنة بحثًا عن ملاذ آمن، وبعضه يجد فيه حلًا لأزمته الاقتصادية، أو يدفن في فيافيها صدماته العاطفية، وبعضه يرتب خلفها أحلامه وطموحاته. وتشهد السبعينينات من ذات القرن تحولًا نوعيًا داخل وخارج الأديرة، ففي الداخل تتنوع التخصصات والخبرات العلمية والعملية، ويترتب على ذلك انتقال "عمل اليدين" من شكله المتوارث إلى استصلاح الأراضي، بتقنيات وأدوات وميكنة حديثة، توفرت لها بفضل المساهمات والدعم المالي لأحباء الأديرة من العلمانيين البسطاء ورجال الأعمال، وكان الرائد في هذا دير أنبا مقار الذي شهد هجومًا من مناوئيه التقليديين، الذين ما لبثوا أن نقلوا عنه هذا التوجه وساروا فيه. ثم تظهر الحاجة مع تضخم الإنتاج الزراعي إلى التصنيع الزراعي والتسويق التجاري، ليصبح إنتاج الأديرة رقمًا ايجابيًا في الاقتصاد القومي وقيمة مضافة للناتج القومي. وفى الخارج تستعين الكنيسة بالرهبان في العديد من خدماتها سواء على مستوى القسوس والقمامصة في بعض كنائس القاهرة والإسكندرية (إيبارشية البابا)، وربما في إيبارشيات أخرى، أو في كنائس المهجر، أو في التمدد في رسامة أساقفة جدد (أساقفة إيبارشيات أو أساقفة عموم)، وتشهد الأديرة ايضًا نسق جديد يقضى بمنح رتبة الكهنوت لكل رهبان الدير وفق جدول زمني بحسب أفدمية الرهبنة ليصير تقليدًا ينتقل من دير إلى آخر، لتصير (أكركة الرهبنة) قاعدة مستقرة، ويصبح تخطى أحد الرهبان في الرسامة مع دفعته بمثابة عقاب يسلمه إلى دوامة من المتاعب النفسية بينه وبين نفسه ومحل تساؤلات بين أقرانه، وما بين طوفان رسامات الرهبان قسوسًا وقمامصة داخل الدير، وبين نزيف رسامتهم أساقفة يحدث فراغ في حياة التلمذة داخل الأديرة، التي تتضافر معها الرحلات الجماعية اليومية، فتفقد الأديرة محاور تأسست عليها، فلا هدوء ولا عزلة ولا تلمذة ولا تمايز، فإذا بهم صور نمطية متكررة وباهتة، وتزداد معاناة الرهبان ويقعون في حروب عاتية، ويختفى التكوين الفكري الآبائي والتراكم الرهباني التقليدي، وينعكس هذا على الخدمة بالكنيسة، وربما تفسر جانبًا من المصادمات بين فرقاء اليوم، فكل كون رؤيته بجهود ذاتية بعيدًا عن قواعد التسليم الآبائي. ووفقًا لنظرية الأواني المستطرقة، لم تستطع الكنيسة، شأنها شأن كثير من مؤسسات المجتمع والدولة، أن تُغَلّب أهل الخبرة على أهل الثقة، فقفز على مواقعها الكثير من الكوادر التي لا تملك موهبة الإدارة ولم تلتفت في مواقعها إلا للسلطة دون الأبوة، بل وراح بعضهم يعلنون بلا وجل أنهم صاروا رمزًا للبطش والقهر، وقد يلفت النظر أن صورة الأسقف الرسمية التي تتصدر قاعات الاستقبال في إيبارشيته قد نالها تغيير صار تقليدًا، فبعد أن كان يمسك بيمينه الصليب بينما يحمل الكتاب بيسراه، صار يمسك الصليب بيمناه بينما تمسك يده اليسرى بالعصا، تغيب الإشارة إلى التعليم وتحضر العصا. ومع غياب المعايير العامة والمجردة والموضوعية نجد من يصلح لتدبير جماعة رهبانية يقام على إيبارشية فيصر على إدارتها بقوانين وضوابط الجماعة الرهبانية فيتململ الكهنة ولا تتحمل الرعية الضوابط الرهبانية المفروضة عليهم، وينتهى به الأمر معزولًا خلف جدران قلايته، وعندما ينجح خادم في التواصل مع الشباب معلمًا، يُدفع للرهبنة شهورًا ليخرج إلى كرسي الأسقفية على إيبارشية ليجد نفسه تائهًا وسط مسئوليات تستغرقه وهموم رعوية تبتلعه وقد ينتهى به الأمر إلى مغادرة الحياة مبكرًا. أو قد تتدخل عوامل أخرى في اختيار أحدهم على سبيل المجاملة فيُلحق بالدير استيفاءًا للشكل ويخرج منه بعد برهة من الزمن ليرسم ـسقفاً لم تكتمل خبراته الرهبانية، ولم يكتسب من صفاتها شيء، فإذا به وهو مدعوم من الأب البطريرك يكشف عن متاعبه النفسية ويتعامل مع رعيته بصلف وغرور تدفع فاتورته إيبارشيته وربما الكنيسة بجملتها. "الأسقف العام" ونتوقف أمام ظاهرة "الأسقف العام" وهى تجربة ثرية ومفخخة في آن واحد، وتستوجب إعادة تقييم ومراجعة وضبط، ولا يتعلق الأمر بشخوص من يشغلون هذا الموقع، فهم في مجملهم من المشهود لهم بمحبة الكنيسة والبذل والعطاء، لكن تعيين أسقف عام لتدبير مجموعة صغيرة من الكنائس أدى إلى تعطيل وتجميد دور الإيغومانس (القمص) وهو مدبر الكنيسة المحلية، والمسئول عن ترتيب وتوجيه وإرشاد القسوس، وعندما يقع خلاف ما يصبح له الكلمة الأخيرة، الأمر الذي انتقل بجملته إلى الأسقف العام، ليختل الهرم الهيراركي، ويصبح موقع "القمص" شرفيًا منزوع الاختصاصات، ويسقط في يد الأسقف وقد وجد نفسه مسئولا بشكل مباشر عن أكثر من كنيسة وتستغرقه تفصيلات تتجاوز خبراته الحياتية ولا تسعفه طبيعة موقعه في طرح حلول ناجزة كما هو متاح للأب القمص الذي يعيش وسطهم ومختبر لمعاناتهم في حياتهم اليومية. وتسهم الصورة الذهنية لدى الشعب عن الفرق بين الأسقف والايغومانوس في تجاوز أبيهم القمص واللجوء مباشرة إلى الأب الأسقف. فتختل منظومة التدبير بجملتها. ويبقى الأسقف العام المعاون لأسقف أو مطران إيبارشية معرضًا للنقل أو إعادته للدير، لأسباب متعددة، لأنه يتولى عملًا معاونًا لأسقف المدينة بغير أن يكون له سند قانوني يستمده من رسامته على المكان ويضمن له الاستقرار والاستمرار، ولا يشفع له نجاحاته في مهمته ولا طول إقامته في موقعه، أو ربما لاحتمالات الوقيعة بينه وبين أسقف المدينة على خلفية القبول الشعبي الذي يمكن أن يحققه الأسقف العام وما يولده من مقارنات قد يراها أسقف الإيبارشية انتقاصًا من هيبته، وهو وضع يحتاج إلى دراسة قانونية كنسية. قد تكون هذه النماذج استثناءات ترد على القاعدة لكنها وغيرها تنبهنا لحاجتنا إلى وضع قواعد مجردة وعامة وملزمة ومكتوبة تلتزم بها الكنيسة في اختيار المرشحين لرتبة الأسقفية، وربما أيضا نكون بحاجة إلى إعادة نموذج "مدرسة الرهبان" لتأهيل من ينطبق عليهم الشروط، قبل رسامتهم، تأهيلًا علميًا واجتماعيًا وسياسيًا. واجتيازهم اختبارات نفسية وعصبية تناسب جسامة المنصب ومسئولياته. --- ### ١٧) البابا شنودة: الرهبنة واﻷسقف العام - Published: ۲۰۱۸-۰۳-۱۷ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/1507/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس الخامس, بابا كيرلس السادس, بابا يوساب الثاني, مدارس الأحد, يوأنس التاسع عشر ماذا أنتج انفتاح الأديرة على العالم خارجَه من آثار؟ طالت الآثار ثلاث أطراف؛ الدير والشباب والكنيسة كانت مدرسة الإسكندرية واحدة من القلاع اللاهوتية ليس في مصر وحدها بل في العالم المسيحي بجملته، وما بين القرنين السادس والسابع الميلادي تتعرض لاستهداف ومطاردات لأسباب عديدة، في مرحلة الصراع المذهبي وتبنى الحكام ـ الرومان ـ آنئذ للتيار المناوئ لها، فكان القرار هو الاحتماء بأسوار أديرة وادي النطرون، فترحل بمكتبتها وعلمائها إلى دير أنبا مقار ببرية شيهيت، وفى ظلاله يجتمع العلم اللاهوتي والفلسفي مع النسك والعبادة بالروح والحق، ولعل ذلك يفسر لنا أمرين، الأول احتشاد مكتبة هذا الدير بالمخطوطات والوثائق الآبائية للكنيسة الأولى التي انتقلت إليها فضلًا عن إنتاج معلمي هذه المدرسة بين جدران هذا الدير، والتي اعتمد عليها غالبية المؤرخين في العصور التالية، ومنهم أول من أرخ للكنيسة القبطية باللغة العربية الأسقف ساويرس (إبن المقفع) أسقف الأشمونين، في القرن العاشر، وله نحو ست وعشرين كتابًا في اللاهوت والعقيدة والتاريخ، لعل اشهرها "تاريخ البطاركة". والأمر الثاني استقرار الكنيسة على اختيار الآباء البطاركة من الرهبان، خاصة هذا الدير، بعد أن كانت تختارهم من مديري مدرسة الإسكندرية، إذ صار الدير ورهبانه الامتداد التاريخي لهذه المدرسة. لهذا يمكننا أن نقول أن حال الكنيسة مرتبط بشكل كبير بحال الأديرة والرهبنة، باعتبارها المصدر الوحيد الذي يمدها بقياداتها من مطارنة وأساقفة، والحارس التاريخي لعقيدتها، ومخزونها اللاهوتي الإستراتيجي، فعندما تصح الرهبنة تصح الكنيسة، وعندما تهن الرهبنة تئن الكنيسة وتدخل في دوامات بلا قرار. تجرى في نهر الكنيسة والوطن مياه غزيرة وعاتية، تغير الخريطة، وتنزوى الكنيسة في ركن قصي وتتحول إلى كنيسة أقلية، وتتوالى الانقطاعات المعرفية، بفعل التغيير القسري للسان، وتكاد الأديرة أن تفرغ من قاطنيها، وينزح المستشرقون الكثير من مخطوطاتها، وقد غاب عن بسطاء الرهبان قيمتها، لتسكن في متاحف العالم ومكتبات جامعات أوروبا والغرب، ويمتد البيات الخريفي حتى مطلع القرن التاسع عشر، لتبدأ إرهاصات النهضة في سياق نوبة صحيان أوسع مع حراك محمد على وبعثاته، ومطبعته الأميرية (1805 ـ 1848)، إذ يأتي إلى الكرسي البابوي، بعد نحو خمس سنوات من رحيل الوالي، البابا كيرلس الرابع (1854 ـ 1861) ليطلق شرارة البعث ويلتفت إلى التعليم الديني والعام ويستقدم ثاني مطبعة كبرى، وتدور عجلة التنوير، ويبدو أن ثمة علاقة بين اسم كيرلس وبين التنوير، إذ يواصل البابا كيرلس الخامس المسيرة، وتنطلق في حبريته منظومة مدارس الأحد القبطية، ويتتلمذ على البابا كيرلس السادس حين كان راهبًا متوحدًا رهط من الشباب الجامعي الذي يقصد الرهبنة في جرأة محفوفة بالمخاطر، وحين يصير بطريركًا يقدمهم إلى الكنيسة أساقفة يحملون مسئولية التعليم والخدمة الاجتماعية والبحث العلمي، وفى رحلتهم من الرهبنة إلى الأسقفية يلهبون قلوب وأذهان الشباب القبطي فيتوافد على الأديرة عشرات ومئات من الشباب لينتعش الإسقيط والبراري مجددًا، وتعمر الأديرة. وبين البابا كيرلس الخامس والبابا كيرلس السادس ينتبه البابا يوأنس التاسع عشر (1928 ـ 1942) لأهمية إعداد الرهبان لتولى مسئوليات الأسقفية فيفتتح مدرسة الرهبان اللاهوتية بحلوان (1929) ويدعمها البابا يوساب الثاني (1946 ـ 1956)، كلاهما كان يؤمن ويدرك حاجة الرهبان إلى تأهيل علمي لاهوتي وطقسي وذهني قبل توليهم مهام الأسقفية، لكن اللافت أن تغلق هذه المدرسة أبوابها عقب رحيل البابا يوساب. ومع غيابها تغيب القواعد الموضوعية للاختيار للأسقفية، والتي كانت واحدة من مطالب الإصلاحيين وقتها! ! . لم يكن للأديرة بالضرورة أسقفًا يترأسها، بل كان يتولى هذا الأمر أحد الرهبان برتبة قمص، ومن ثم يمكن تغييره بحسب أحوال واحتياجات الدير، ولم يكن بالأديرة كثير من الرهبان يحملون درجة كهنوتية، بل كان الكهنوت بالقدر الذي تحتاجه الخدمة الطقسية وخدمة الأسرار، فالرهبنة بالأساس حركة شعبية تأسست على يد أناس لم ينالوا رتبة كهنوتية ولم يخرجوا بتوجيهات أو ترتيبات كنسية، وشكلوا حائط دفاع عنها في مواجهاتها مع الهراطقة، يتقدمون صفوف المدافعين ثم يعودون أدراجهم إلى صوامعهم و "قلاياتهم" بعيدًا عن صخب الصراعات التي يموج بها العالم خارج أسوارها. وكان الترتيب المعيشي بالأديرة يقضى بتقسيم وقت الراهب ما بين الصلاة بحسب قوانين الرهبنة وإرشاد المدبرين بها، وبين العمل لتوفير احتياجات الراهب والدير، فيما يعرف بعمل اليدين، وبين القراءة فى الإنجيل وكتب الآباء، أو نسخ الكتب قبل ظهور الطباعة، فإذا بعمل اليدين يتطور إلى استصلاح الصحارى والتصنيع الزراعي ومهام التسويق حتى التصدير. وإذا بالنسخ يتحول إلى عمل مؤسسي للطباعة والنشر بأحدث التقنيات.  وهى تطورات إيجابية تنعكس بالضرورة على الدور التنويري والاجتماعي للأديرة، فبعضها نجح في أقامة منظومة رعاية للأسر الفقيرة ومساعدة طلبة الجامعات. بغير ضجيج أو صخب دعائي. على أن الحياة الديرية والرهبنة شهدت تطورات تحتاج إلى توقف وإعادة تقييم؛ فقد شهدت الأديرة استقرار نسق جديد في العقود الأخيرة وهو انتظار كل الرهبان لدورهم لنوال نعمة الكهنوت، بحسب أفدمية الرهبنة، وهو أمر يخرجها من كونها حركة علمانية إلى كيان "إكليروسي"، من جانب، ومن جانب أخر يفقد الراهب تركيزه وسعيه في استكمال حياته كراهب فقط، وتغازله طموحات التدرج في رتب الكهنوت، بعد أن كان يهرب منها، كما تخبرنا سير الآباء الرهبان الكبار، ولعلنا نتذكر أن مؤسسي الرهبنة لم ينالوا في غالبيتهم أية درجة كهنوتية، وفى مقدمتهم القديس أنطونيوس أب الرهبان والقديس بولا أول السواح، فضلًا عن استخدام قوائم الانتظار في تطويع الراهب لتوجه من يقرر منحه الدرجة الكهنوتية أو منعها عنه، ليصير الأمر دلالة على رضا أو غضب الرياسات داخل وخارج الدير، ويصبح تجاوزه بمثابة عقوبة عليه. ثمة تطور أخر هو انفتاح الأديرة للزيارات الجماعية المنتظمة، فماذا أنتج انفتاح الأديرة على العالم خارجَه من آثار؟ طالت الآثار ثلاث أطراف؛ الدير والشباب والكنيسة. • أولًا: الدير إذا سلمنا اتفاقًا أن الدير هو ذلك المكان، والمناخ، الذي يقصده المرء ساعيًا للهدوء والسكينة، في سعيه لفرصة حقيقية للالتصاق الدائم بالله في عزلة تامة عن العالم الذي تركه خلف ظهره غير نادم، متجنبًا قدر الطاقة مصادر العثرات مجتهدًا أن يحفظ نفسه طاهرًا بلا لوم، فإن هذا الزحف شبه اليومي ينجم عنه: فقدان الدير للهدوء، سمته الأساسية، ودخول الآباء والإخوة الرهبان في دائرة التوتر التي تؤثر سلبًا على سلامهم وتعطل نموهم الروحي. زيادة عدد زوار الدير يتطلب تجنيد عدد كبير من آباء الدير لخدمتهم، مما يستنزف طاقاتهم والتي يحتاجها في القيام بالتزاماته الأساسية الأخرى، سواء في مجال العمل أو الخدمة أو إتمام قوانين الرهبنة. عدم التزام كثيرين من مرتادي الدير بالسلوك اللائق به، فيدخل الرهبان في دوامة حروب مستعرة هم في غنى عنها خاصة في دوائر العفة وضبط النفس! مع توافر "الدالة" والاقتراب المتواتر بين الشباب من زائري الدير وبين الرهبان، كنتيجة لتكرار الزيارة، تسقط كثير من الحواجز ويبدأ الراهب في استضافة "أصدقائه" بقلايته، أو المضيفة الملحقة بها، وشيئًا فشيئًا تتهاوى كثير من قيمه الرهبانية وتتزايد الحروب والمتاعب والمشاكل. يبدأ الأب "الراهب الكاهن" في تلقى اعترافات ممن وجدوا لديه ارتياحًا، ويفتح على نفسه بابًا كان موصدًا لهبوب رياح عاصفة وعاتية قد تقتلعه من جذوره، وتزيف عليه حياته فيختلق المبررات ويسوقُ الأسبابَ التي تقف وراء استسلامه للسقوط، وقد تتمزق نفسيته، ويتحول الدير إلى (مصحة نفسية) تموج بالسعي الباحث عن علاجات نفسية وعصبية. • ثانيًا: الشباب لما كانت غالبية الرحلات تكاد تكونُ وقفًا على الشباب من الجنسين، ولما كانت هذه الرحلات، في كثير منها واقعيًا، ترفيهية أكثر منها روحية بنائية، ولا يستطيع منصف مدقق أن يلمس سوى بصيص من مردود روحي، فإن ردود الفعل العكسية لابد وأن تطل برأسها وتطوق الشباب وتعوقهم وتجرفهم إلى متاهة بلا قرار، وعبر ملامستنا للواقع نجد عندهم: ترسخ اعتبار رحلة الدير كافية وربما بديلة عن الالتزام بالصلاة في الكنيسة المحلية، ويتنامى الإحساس الكاذب والمغلوط، بعدم الشبع إلا من خلال الصلاة بالدير. ظهور الازدواجية في أوج صورها، فالشابُ وسطَ الرهبان واحدًا منهم يكاد يعيش حياتهم وتسيطر على أحاديثه مفرداتهم، بينما هو في العالم أكثر انفلاتًا وعدم التزام من أقرانه، منفصلًا عن كنيسته؛ فلا تعليم ولا تسليم ولا استفادة ولا نمو! وعندما يكتشفُ (عادية) حياة الراهب، وقد يسمع منهـ في غالب الأحوال وبحكم الدالة ـ شكواه من معاناته داخل الدير، ربما من إخوته الرهبان أو اسقفه، وتطلعاته للخدمة في العالم، أو تخطيه في الاختيار للمراكز القيادية التدبيرية. تهتز مصداقية الرهبنة بجملتها في داخله، فيكون ارتداده قاسيًا وفى صور متباينة! وقد تتزيفُ عليه هو أيضًا معاييرُ الحياة الروحية، فتتحول عنده إلى ممارسات مسطحة، وتبقى زيارة الأديرة واحدة من هذه الممارسات، بغير مردود روحي يغير حياته للأفضل. ومع تكرار الزيارات تكتسب صفة التعود بعد أن يخف الانبهار، ويتولد بعد ذلك تصلب القلب أمام كلمات المنفعة (إن قيلت وإن سُمعت) الدخول في علاقات خاصة مع الراهب وما يمكن أن تجلبه من متاعب، وقد تكون مصيدة مؤلمة ينصبها المُجرِّب، وهى أمور واردة خاصة في المجتمعات المغلقة أحادية النوع، ما لم تتوافر فيها انساق الأبوة الروحية والمتابعة المترتبة عليها، والمتاعب والتداعيات قد تطول الراهب وقد تطول الشباب الزائر. • ثالثًا: الكنيسة ما أكثر أن تصطدم بشباب، داخل الكنيسة المحلية، لم يستطع أن يتعاملَ مع الواقع ولم يقوَ على الانضواء تحت لواء الرهبنة، فجمع بين الأمرين فصارَ يعيش في العالم بصورة رهبانية باهتة، وعددُهم ليس بقليل بل آخذ في التزايد وقد يمثل تيارًا أو يكاد. لكنه يشكلُ نمطًا باهتًا يتسم بالضعف ولا يقوى على بناء حياة روحية سوية، أو حياة مجتمعية طبيعية، وتتولد عندهم قدرة نفسية على تقمصِ شكل الرهبان؛ فينخفض الصوتُ حتى لا تكاد تسمعه، وتتدلى الرأسُ على الكتف، وتردد الألسنة بعضًا من العبارات الشهيرة التي تلتقطها الآذان في جنبات الدير. بينما الحياة الخاصة والعلاقات الحياتية لهم تموج في بحر من الازدواجية وعدم الانضباط، وتسبب المتاعب للأخوة والخدمة والكنيسة وقبلهم للأسر التي ينتمون إليها، ثم تعقد داخلهم مقارنة مستمرة بين آباء الدير وآباء الكنيسة، والغلبة بالضرورة للأولين، والقلق والمضايقات وربما الملاحقات والتشهير تكون من نصيب آباء الكنيسة المحلية! ويفقد آباءُ الكنيسة المحلية قدرتهم على قيادة وتوجيه وإرشاد أبنائهم بالتبعية طالما انحازت المقارنة من الأساس ضدهم، وطالما كان لأبنائهم آباء اعتراف في الدير، وهو وضع غير سوى وغير كنسي بالمرة. ويدعم هذا التوجه ما نراه من استعانة القيادة الكنسية بالآباء الرهبان في تدبير الكنائس التي تعانى من المشاكل أو تمر بظروف خاصة، أو لها ثقل اجتماعي، ومالي، مما يرسخ مفهوم أفضلية الآباء الرهبان على نظرائهم المدنيين. ويزداد ضغطُ الشعب على الرئاسة الدينية فى طلب آباء رهبان لتدبير كنيستهم، وقد استقر في وجدانهم أنهم أسمى وأكثر روحانية من كهنة الكنيسة، وهو طلب يجد قبولًا جذلًا لدى الكنسية وتستند في الاستجابة له إلى كونه مطلبًا شعبيًا يتحتم تلبيته. فيفقد الآباء المدنيون وضعهم التدبيري الرعوى، لأسباب عدة فلا يقدرون على توجيه أبنائهم وتدفع الخدمة الثمن، وتتعثرُ الكنيسة، وتتولد المشاكل بين الرهبان ومجالس الكنائس والخدام وقد تصل إلى حد الصدام. وفى سياق أخر، واتصالًا بما اشرنا إليه في مستهل هذا المقال عن انتقال مدرسة الإسكندرية إلى الدير، نسأل عن الدور التعليمي للأديرة، وقد توافرت لها المراجع الآبائية المحققة سواء فيما تبقى لديها وتحتفظ به من مخطوطات ووثائق أو ما استقدمته من مراجع مثيلة من مكتبات الجامعات الأرثوذكسية -كما بينا في مقالات سابقة- وما يتوفر لها من مناخ داعم للبحث والتنقيب اللاهوتي الموثوق به، وما لديها من كوادر بشرية مؤهلة، لكل هذا على الكنيسة أن تعيد هيكلة الأديرة لتولى مهمة إدارة المنظومة التعليمية بالكنيسة، بالتكامل مع الأكاديميين المتخصصين خارج الأديرة، كمدخل لإعادة التواصل مع زخم الكنيسة الأولى، ووضع نقطة في نهاية سطر المواجهات التي نراها اليوم، والتي في غالبها تفتقر للتحليل الأكاديمي المتخصص، خاصة وأن من يقودون حملة التشكيك في أرثوذكسية من أعادوا إحياء فكر الآباء، والهجوم عليهم لا يحملون أية درجات علمية يستندون إليها في حملتهم، بينما جل من يتصدون لإحياء الفكر اللاهوتي الأرثودكسي الآبائي مؤهلين علميًا ولاهوتيًا. لذلك، هل تكفى الدرجة الكهنوتية وحدها سندًا للجانب المشكك في هذا الصراع؟ ومازال للطرح بقية. --- ### ١٦) البابا شنودة: اﻹكليريكية - Published: ۲۰۱۸-۰۳-۱٦ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/1502/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أقباط المهجر, أنبا بيشوي، مطران دمياط وكفر الشيخ, أنبا غريغوريوس، أسقف البحث العلمي, أنبا يوأنس، أسقف أسيوط, إيريس حبيب المصري, الأب متى المسكين, الإسلام السياسي, الكنيسة السريانية, الكنيسة القبطية, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس السادس, حياة الصلاة الأرثوذكسية, رئيس جمال عبد الناصر, رئيس محمد أنور السادات, عزيز سوريال, قصة الكنيسة القبطية, مجلة الكرازة, مجمع الأساقفة, مجمع خلقيدونية, مدارس الأحد, مركز دراسات الآباء, معهد الدراسات القبطية, نصحي عبد الشهيد بطرس عندما نقترب من التعليم والرعاية تقفز أمامنا الإكليريكية والرهبنة، فالأولى تمد الكنيسة بالآباء الكهنة والخدام الذين يشكلون قاعدة التعليم والرعاية المباشرة، بينما الرهبنة هي المصدر الوحيد الذي يمد الكنيسة بالآباء الأساقفة الذين يشكلون قيادة التعليم والرعاية. يأتي البابا الجديد، الأنبا شنودة الثالث، محملًا بأماني عريضة، يحملها هو نفسه، وقد كتب عنها الكثير حين كان علمانيًا على صفحات مجلة مدارس الأحد، وحين صار اسقفًا للتعليم على صفحات مجلة الكرازة في إصدارها الأول، وتتوقعها الكنيسة، بعد التي انطلقت وقد أنفحت عيونها على نسق جديد أسسه قداسة البابا كيرلس السادس، في محاور متعددة، الذي أعاد للصلوات الطقسية رونقها، وقدم بنفسه القدوة والنموذج، بعكوفه على صلاة القداس يوميًا في الكنيسة الصغيرة "القديس إسطفانوس" رئيس الشمامسة والشهيد، ودفع بالشباب إلى صفوف قيادة الكنيسة، في تطور نوعى، فلأول مرة في التاريخ المعاصر يقيم أساقفة لا يحملون مسئولية إيبارشيات ورعية محددة بنطاق جغرافي، بل يحملون مسئوليات خدمة عامة، فكان "الأسقف العام" وكانوا ثلاثة أساقفة؛ للتعليم والخدمة الاجتماعية والبحث العلمي، وكان كل واحد منهم طاقة إيجابية في دائرته، وبينما اسقف التعليم، الأنبا شنودة، يجوب الإيبارشيات ويحفز الشباب على الخدمة ويفتح لهم طاقات المعرفة، كان اسقف الخدمات الاجتماعية، الأنبا صموئيل، يمد بصره إلى أقباط الخارج ليعيد ارتباطهم بكنيستهم المصرية ويؤسس العديد من الكنائس في بلاد المهجر، ويمد خيوط التعاون مع المؤسسات المسيحية الإقليمية والدولية، وحين تقع هزيمة يونيو 67، يبادر بالتواصل مع كلاهما؛ أقباط المهجر والمؤسسات الإنسانية الأممية، وعبرهم تتوالى المعونات الأجنبية لدعم وتغطية احتياجات تلك المرحلة العصيبة في حركة مكوكية لا تهدأ، فضلًا عن حشد الدعم المعنوي لها في المحافل الدولية، ويؤسس اسقف البحث العلمي، الأنبا غريغوريوس، للنهوض بمعهد الدراسات القبطية، ونشر الثقافة القبطية بين الشباب وعبر اجتماعه الأسبوعي المتخصص، ويثرى المكتبة العربية بسلاسل من الكتب التي تتناول القضايا اللاهوتية رفيعة المستوى. يعيد البابا الجديد إصدار مجلة الكرازة ويواصل اجتماعه الأسبوعي، ويشرع في رسامة أساقفة جدد من رفقاء مسيرته، فكانت باكورة رساماته كما أشرنا قبلًا، الأنبا يوأنس على إيبارشية الغربية، والأنبا باخوميوس على إيبارشية البحيرة والخمس مدن الغربية التي تمتد إلى داخل "ليبيا". وتشهد الأديرة مزيدًا من الإقبال من الشباب طالبي الرهبنة، وتشهد أيضًا موجات من الزيارات من عامة الناس، الذين وجدوا فيها متنفسًا روحيًا واجتماعيًا، ويتوافر داخل الأديرة خبرات علمية وتقنية مع شباب الرهبان الجدد فتعرف الطريق إلى استصلاح الصحارى حولها، ومنها إلى التصنيع الزراعي. وتشهد الكنائس بالمدينة والقرية حراكًا في إنشاء الاجتماعات النوعية المتخصصة، إيذانًا بنهضة روحية متوقعة قادمة، تعيد التواصل بينها وبين رعيتها. كان آباء مجمع الكنيسة -المطارنة والأساقفة- في غالبيتهم من الشيوخ، وكانت الإيبارشيات مترامية الأطراف، بعضها يضم أكثر من محافظة، فيتوالى بحكم الطبيعة انتقال الآباء ونياحتهم، وكانت رؤية قداسة البابا تقسيم هذه الإيبارشيات التي خلت برحيل اسقفها إلى عدة إيبارشيات ورسامة اسقف لكل إيبارشية جديدة، "رعية صغيرة خدمة أفضل"، فضلًا عن التوسع في رسامة الأساقفة العموم، ويكاد الأسقف العام يشبه "وزير دولة" فيكتسب خبرات تدبيرية عامة تؤهله للتجليس حال الاحتياج لقدراته وخبراته المكتسبة في واحدة من الإيبارشيات بالداخل والخارج، أو تخفيف العبء ـ كأسقف معاون ـ عن كاهل أحد الآباء المطارنة الذين يعانون من متاعب صحية أو بسبب عوامل تقدم العمر، وبحسب المتوفر من إحصاءات فقد قدم قداسته بامتداد حبريته للكنيسة من شباب الرهبان مائة أسقف، منهم تسعة عشر اسقفا عامًا، بعضهم تولى إدارة إيبارشيات بالخارج من إجمالي سته وعشرون اسقفًا لرعاية الأقباط بإفريقيا وأوروبا والأمريكيتين، وبعضهم لمعاونة آباء مطارنة بالداخل، أو تولى مهام عامة، مثل أسقفية الشباب، أو تولى مسئولية بعض مناطق إيبارشية البابا. نحن أمام تجربة فريدة، على الأقل في عصرنا، فقد امتدت ولاية البابا شنودة لأربعة عقود في موقع المسئولية (14 نوفمبر 1971 ـ 17 مارس 2012)، يسبقها نحو عشر سنوات أسقفًا للتعليم كان فيها قريبًا من دائرة صنع القرار ومشتبكًا معها، وشهدت تلك السنوات تغيرات حادة وعاتية في المجال العام، الديني والسياسي، فقد تزامن قدومه إلى الكرسي البابوي مع رحيل الرئيس جمال عبد الناصر (28 سبتمبر 1970) وتولى الرئيس أنور السادات، وصعود تيار الإسلام السياسي، ويرحل البابا والبلاد تجتاحها تغيرات عاصفة ضبابية، بينما إرهاصات الثورة الرقمية تلوح في الأفق وتسهم في رسم العلاقات البينية السياسية والاجتماعية وتخلخل قبضة مؤسسات التنشئة، والكنيسة واحدة منها. وهى تجربة تستحق التوقف معها خاصة فيما له صلة بالتعليم والرعاية، وقد نجد فيها إضاءات لجذور مواجهات اليوم بين الفرقاء. فعندما نقترب من التعليم والرعاية تقفز أمامنا الإكليريكية والرهبنة، فالأولى تمد الكنيسة بالآباء الكهنة والخدام الذين يشكلون قاعدة التعليم والرعاية المباشرة، بينما الرهبنة هي المصدر الوحيد الذي يمد الكنيسة بالآباء الأساقفة الذين يشكلون قيادة التعليم والرعاية. الإكليريكية: تضم الإكليريكية قسمان؛ قسم نهاري وقسم مسائي، أما القسم النهاري فينتظم في الدراسة فيه الطلبة الحاصلين على شهادة الثانوية العامة، ومدة الدراسة فيها أربع سنوات، والدراسة فيه بنظام الإقامة الكاملة، فتجمع بهذا بين الدراسة النظرية والتلمذة والمعايشة الحياتية مع المشرفين عليها وفى مقدمتهم أسقف التعليم، في سعى لإحياء نسق مدرسة الإسكندرية القديمة، وهى تؤهل طلابها للخدمة الكهنوتية في الإيبارشيات المختلفة بعد تخرجهم، وفى مرحلة من مراحلها كانت تتيح لهم التدرب في الإجازات الصيفية في كنائسهم، وكان يتم تعيينهم كشمامسة مكرسين عقب تخرجهم لاكتساب خبرات ومهارات عملية تصقلهم وتؤهلهم للخدمة الكهنوتية. بينما القسم المسائي (أسسه عام 1946 الدكتور وهيب عطا الله ـ الأنبا غريغوريوس فيما بعد) ـ للمزيد راجع في هذه السلسلة مقال "الدور العلماني بين التكامل والتقزيم" ـ فيقبل للدراسة فيه شباب الخدام من حملة المؤهلات العليا، فيما يشبه التعليم المفتوح بغرض دعم تثقيف الخدام على الأصول الكنسية اللاهوتية والطقسية وغيرها من العلوم الكنسية، والدراسة فيه تقتصر على المحاضرات والدورات التدريبية. وتنتشر الإكليريكيات في الأقاليم في مبادرات فردية، لكنها تفتقر للرؤية والقواعد العلمية الأكاديمية، مع ضعف الإمكانيات باستثناء إكليريكية الدير المحرق وإكليريكية طنطا، في تأسيسها الأول في حبرية المتنيح الأنبا يوأنس، ولا تعدو في غيرهما مستوى اجتماع نوعى متواضع، الأمر الذي انعكس على خريجيها، حتى الإكليريكية الأم لم تستكمل هيكلها الأكاديمي العلمي في العديد ممن يقومون بالتدريس فيها، حتى اضطر قداسة البابا شنودة إلى تدريس أكثر من مادة، اللاهوت العقيدي، اللاهوت المقارن، تاريخ الكنيسة، العهد الجديد، اللاهوت الرعوى، اللاهوت الروحي، سواء في الإكليريكية أو ملحقاتها كمعهد الرعاية، وحتى في معهد الدراسات القبطية. وفى تطور لاحق يفضل قداسته رسامة الكهنة من خريجي القسم المسائي دون النهاري، الذي يجتهد خريجوه في البحث عن فرصتهم التي أوقفوا عليها حياتهم في إيبارشيات خارج القاهرة، أو البطالة، الأمر الذي كان له تأثيره في تقلص عدد الراغبين في الالتحاق بالقسم النهاري، حينها، وننتهي إلى غياب الخبرة الكنسية المعيشة عبر التلمذة التي يتميز بها هذا القسم. ويعاني معهد الدراسات القبطية من هجرة الكوادر المؤهلة وكذلك رموزه المؤسسة، وكلاهما، الإكليريكية ومعهد الدراسات يفتقران إلى المأسسة الأكاديمية التي تتيح لهما التواصل مع نظرائهما في الجامعات بالداخل والخارج، ويزداد الأمر تعقيدًا بعد توقف البعثات للجامعات بالخارج، وتجاسرهما على منح درجات علمية عليا لا يتوافر لها أبسط القواعد العلمية المتعارف عليها في الدوائر الجامعية، إذ يمكن أن يترأس لجنة مناقشة الرسالة (ماجستير ودكتوراه) من لا يحمل درجة "أستاذ" بل ولا يحمل دكتوراه أو حتى ماجستير (! ! ). وإن كان يحسب لقداسة البابا شنودة الثالث الاستعانة ببعض باحثي مركز دراسات الآباء من الحاصلين على الدكتوراه من جامعات اليونان في العلوم اللاهوتية والكنسية في السنوات الأخيرة. وكان لغياب التخصص الأكاديمي دورًا مبكرًا ومؤثرًا في الصدام بين الفرقاء، بين من يبنون رؤيتهم في القضايا الخلافية على مصادر مترجمة عن لغة حديثة وسيطة وبين من يعتمدون في ذلك على مصادر آبائية بلغتها اليونانية، وهو ما اشرنا إليه في تناولنا للدور المحوري الذي قام به الدكتور نصحي عبد الشهيد في مشواره الممتد مع إحياء كتابات الآباء، عبر مركز دراسات الآباء ومؤسسة القديس أنطونيوس للدراسات الآبائية الأرثوذكسية (للمزيد راجع في هذه السلسلة مقال: البناء الصامت)، وقبله الدوائر التي أحدثها كتاب حياة الصلاة الأرثوذكسية للأب متى المسكين، وما تبعه من إصدارات عن دير القديس أنبا مقار. كان الصدام تنويعة معاصرة على جدلية العلاقة بين المثقف والسلطة، ومثالنا في هذا تلك المواجهات الدائرة بين الأب المطران الأنبا بيشوي، السكرتير الأسبق للمجمع المقدس، والعصا الغليظة التي تتعقب من يرونه تجاوز الخطوط الحمراء المسموح بها برؤيتهم، وبين الدكتور جورج حبيب بباوي، الذي انتقل من مربع الموالاة إلى مربع المعارضة، وقس على ذلك الموقف من الأنبا غريغوريوس أسقف البحث العلمي والأب متى المسكين، والدكتور عزيز سوريال أحد مؤسسي معهد الدراسات القبطية، والمؤرخة إيريس حبيب المصري، صاحبة موسوعة "قصة الكنيسة القبطية"، والقائمة ممتدة. وكنا ننتظر، ومازلنا، أن يبادر مجمع الأساقفة بتناول قضية المواجهات التي خرجت عن خطها الفكري إلى مسارات أخرى، أقرب إلى الصراعات السياسية، بأن يشكل لجنة علمية لاهوتية تضم في عضويتها بالإضافة إلى المتخصصين من الكنيسة القبطية أعضاء من الكنائس الشقيقة المتفقة معنا في العقيدة، الكنيسة الهندية والتي صدر عن أحد آبائها مبحث هام وموثق يطرح مجددًا مجمع خلقيدونية تحت عنوان "مجمع خلقيدونية... إعادة فحص"، وكذلك الكنيسة الأرمينية والكنيسة السريانية، وكنيسة أثيوبيا، وغيرهم من الباحثين الموضوعيين، بغية الوصول إلى إعلان مبادئ يلتزم به كافة الأطراف، ويعيد للكنيسة وحدتها وسلامها بعيدًا عن الكيانات التي تعيش على الصدام والخلاف وتستثمره في دوائرها الضيقة ومصالحها الأضيق. الرهبنة يبقى في هذا السياق تناول التحولات التي شهدتها الرهبنة في النصف الثاني من القرن العشرين، فيما يتصل بقضية التعليم، وجدلية تعاليم الآباء، بين دورها التاريخي وواقعها على الأرض، وهو موضوع المقال القادم. --- ### ١٥) البابا شنودة: البدايات والصعود - Published: ۲۰۱۸-۰۳-۱۵ - Modified: 2025-03-09 - URL: https://tabcm.net/1478/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أنبا أنطونيوس، مطران الكرسي الأورشليمي والشرق الأدنى, أنبا باخوميوس، مطران البحيرة, أنبا بيشوي، مطران دمياط وكفر الشيخ, أنبا صموئيل، أسقف الخدمات, أنبا غريغوريوس، أسقف البحث العلمي, أنبا يوأنس، أسقف أسيوط, إكليروس, إيريس حبيب المصري, الأب متى المسكين, الأصولية, الإسلام السياسي, الحرب العالمية الثانية, الخطاب الديني, العلمانية, العلمانيون والكنيسة, القرعة الهيكلية, الكنيسة القبطية, الكنيسة والدولة, انتخاب البابا, انطلاق الروح, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس السادس, بابا يوساب الثاني, بيت التكريس, ثورة ٢٣ يوليو, جراهام بل, جماعة الأمة القبطية, جمعية أصدقاء الكتاب المقدس, چورچ حبيب بباوي, حبيب جرجس, حنا يوسف حنا, حياة الصلاة الأرثوذكسية, دير الأنبا بيشوي, رئيس جمال عبد الناصر, رئيس عبد الفتاح السيسي, رئيس محمد أنور السادات, رئيس محمد نجيب, قديس باخوميوس الكبير أب الشركة, قديس بولس الرسول, ليبرالية, مجلة الكرازة, مدارس الأحد, مرقس داود, معهد الدراسات القبطية, ملك فاروق, ميلاد حنا, نبيل عبد الفتاح, نصحي عبد الشهيد بطرس إن عملنا الإيجابي لا يمنع مطلقًا أن ندافع عن الحق ونظهره.. لذلك سنقول الحق، ونشهد له في قوة، ولكننا سنقوله أيضاً في أدب، وفى إتضاع، وفى حكمة. لأننا إن لم نفعل هكذا لا يرضى الحق عنا، وفى قولنا الحق سوف لا نجامل أحدًا، ولا نتملق أحدًا. (مجلة الكرازة، إفتتاحية بعنوان: "بدلًا من أن تلعنوا الظلام أضيئوا شمعة") لست هنا بصدد تأريخ ورصد مسيرة قداسة البابا شنودة الثالث، فهذا أمر يحتاج إلى فريق عمل وجهد وإمكانات يتجاوزاني، فقط ما أسعي إليه محاولة فهم ما يحدث بيننا اليوم من مواجهات بين فرقاء في الكنيسة، تشكلت رؤيتهم، باختلاف مواقفهم، في حبريته، أسقفًا وبطريركًا، وربما قبل ذلك حين كان علمانيًا، مشتبكًا مع الشأن الكنسي والقبطي، قبل أن يكون مؤثرًا فيه، بل وفاعلًا في كثير من أحداثه، لذلك كان الاقتراب من أبرز ما تحمله مسيرته أمرًا ضروريًا. ولعلنا نتفق أن قداسته تجاوز كونه شخصية دينية رفيعة المقام والقيمة ليصير شخصية عامة كانت لها تأثيرها في الشأن العام المحلي والإقليمي والدولي، وشهد تحولات حادة في الدوائر الثلاث، فقد كانت بدايات اشتباكه مع قضايا الكنيسة والمجتمع العام والسياسي، والعالم يموج بتفاعلات وأجواء الحرب العالمية الثانية، والثورة الصناعية تعصف بتداعياتها ما استقر في المجتمعات التقليدية، ويرحل بينما الثورة الرقمية تعصف بكل ما استقر بفعل الثورة الصناعية، وبينهما يعاصر تقلبات الحالة المصرية، والتغيرات المتتالية من مناخات شبه ليبرالية إلى حكم الفرد وطموحات لم تسعفها إمكانات المرحلة، ثم الانقلاب عليها وصعود تيار الإسلام السياسي في سياق إقليمي ودولي مرتبك، وكان الأقباط والكنيسة في القلب من هذا كله، ما بين المغازلة والتحييد والإقصاء والاستهداف، وتتفق الإرادات على اختزال الأقباط في الكنيسة واختزال الكنيسة في الإكليروس واختزال الإكليروس في البابا البطريرك. بحسب وصف الدكتور ميلاد حنا الذي اقترب حينًا من دوائر الدولة والكنيسة، وطالته اعتقالات سبتمبر 1981. وبالتوازي يختزل الوطن في النخبة السياسية التي تنتهي إلى نخبة حاكمة، بذهنية عسكرية ريفية، بتعبير المحلل والباحث السياسي نبيل عبد الفتاح، رئيس مركز الدراسات التاريخية بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام سابقًا، وينتهي الأمر إلى اختزال النخبة الحاكمة في الرئيس، وربما كان الاختزالان وراء الصدام المدوي بين الرئيس السادات والبابا شنودة، والذي بدأت بوادره مع أحداث الخانكة الطائفية 1972 وانتهت بقرارات 5 سبتمبر 1981 ومن بينها إلغاء قرار رئيس الجمهورية بتعيين الأنبا شنودة بابا وبطريركًا للكنيسة القبطية، وما ترتب عليه من إجراءت التحفظ عليه خلف أسوار دير الأنبا بيشوي بوادي النطرون. كانت البداية مع قرار الملك فاروق قبيل حرب 1948، بإلحاق طلاب الفرق النهائية بالجامعات المصرية في دورة تدريبية عسكرية بكلية الضباط الاحتياط، وفيها يلتقى الشاب نظير جيد المتغرب بأحد الشباب وكان خادمًا بمدارس الأحد بكنيسة الأنبا أنطونيوس بشبرا، ذلك الحي القاهري العريق، والذي يدعوه لمشاركتهم الخدمة بالكنيسة، وفيها يلمس الشباب طاقات القادم الجديد الإيجابية، وتظهر بصماته على ترتيب الخدمة والتواصل النشط مع المخدومين، ويكتشفون فيه متحدثًا مفوهًا ولماحًا لا تنفذ طاقته، لتصل أخباره إلى الأرشيدياكون حبيب جرجس، فيلتقيه، ويسند إليه مهام خدمية تنظيمية عديدة، ويضمه إلى الدائرة المقربة منه، ثم إلى اللجنة العليا لمدارس الأحد، وحين تصدر مجلة مدارس الأحد يصبح الشاب الواعد "دينامو" المجلة، كاتبًا ومديرًا، ثم يصير رئيسًا لتحريرها، كما سبق وبينا ((راجع مقال "محاولات مبكرة للخروج" في هذه السلسلة. )). في نقلة نوعية تالية، يقصد الدير طالبًا للرهبنة (1954)، تدفعه خبرتان، الأولى التصاقه بشاب سبقه إلى الرهبنة، قبل نحو سبع سنوات (1948)، الأبُّ متى المسكين، والذي أشار إليه في كتابه الأول "انطلاق الروح"، والذي نشر كمقالات في مجلة مدارس الأحد، وقبل أن تصدر في كتاب كانت يداه تطرق باب الدير للرهبنة، والثانية كانت تجربتان خاض أصحابهما محاولتان منفصلتان لإصلاح الكنيسة -من وجهة نظرهم- لكنهما مُنيا كلاهما بالفشل، كانت إحداهما حين اتفق شباب مدارس الأحد، وكان هو ضمنهم، على الدفع بأستاذهم حبيب جرجس للرسامة مطرانًا للجيزة بعد خلو كرسي المطرانية، (1949)، وجندت مجلة مدارس الأحد صفحاتها حينها للتأكيد على أن الكنيسة تجيز رسامة علماني لهذا الموقع، بينما لا تسمح بانتقال اسقف من كرسيه إلى أخر، وهى معركة امتدت لمنصب البطريرك، لكنها حسمت لغير صالحهم، وكانت التجربة الثانية ما أقدم عليه شباب جماعة الأمة القبطية، ((للمزيد عن جماعة الأمة القبطية راجع كتاب: "العلمانيون والكنيسة ـ صراعات وتحالفات، فصل: "جماعة الأمة القبطية: حلم أم كابوس؟" )) من اقتحام لدار البطريركية عشية احتفالات ثورة يوليو بمرور سنة على تفجرها، باختطاف البابا البطريرك الأنبا يوساب الثاني وإلزامه بتوقيع وثيقة تنازل عن موقعه، وإيداعه أحد أديرة الراهبات بمصر القديمة، فترتج المدينة والكنيسة والدولة، ويعود البطريرك إلى كرسيه، ويتم إلقاء القبض على الشباب ويقدموا لمحاكمة فيتوسط البابا لدى الحكام الجدد وينجح في مسعاه بالإفراج عنهم. لم ينجح "الحمائم" ولم ينجح "الصقور"، فكلاهما لم يكن يدرك طبيعة المؤسسة العتيدة والعريقة، ولا مسار التغيير فيها، والذي يبدأ بعيدًا عن صخب المدينة وآليات السياسة، هناك من الأديرة، والرهبنة. لم يكد يكمل الراهب الجديد الأب أنطونيوس السرياني (نظير جيد) عامه الثاني بالدير إلا ويرحل البابا البطريرك الأنبا يوساب الثاني، فيبادر بالتقدم للترشح للكرسي البابوي (1956)، وكذلك يفعل الأب الراهب متى المسكين، وتلوح في الأفق رياح التغيير، وترتج الكنيسة والدولة، مجددًا، كلاهما يتوجس خيفة من شباب الرهبان، وإن اختلفت الأسباب ما بين الدولة والكنيسة، فالأولى تخشى من تطلعاتهم وثوريتهم التي شهدتها أروقة الكنيسة ومقالات مجلة مدارس الأحد، وهم من نفس جيل ضباط يوليو، بينما الثانية التي يحكمها شيوخ المطارنة يرونهم تيارًا مناوءًا تشكلت رؤيتهم تحت مظلة مدارس الأحد، يسعون لتغيير ما استقر في الذهنية القبطية الكنسية، ويحركون تخوم الآباء، ولعل هذا يفسر توافق الدولة والكنيسة على تعديل لائحة انتخاب البابا البطريرك لتصدر في 1957 وقد تضمنت شرطين فيمن يحق له الترشح للكرسي البابوي؛ ألا يقل سن المرشح عن أربعين عامًا، وألا تقل مدة رهبنته عن خمسة عشر عامًا، فيستبعد كل الشباب من قائمة المرشحين إجرائيًا. اللافت أن كل الأطراف بما فيهم الشباب ـ شباب الرهبان ـ يتفقون على الدفع باسم الراهب مينا المتوحد، إذ رأت فيه الدولة شيخًا مسالمًا ليست له طموحات أو توجهات سياسية، بينما رأته الكنيسة ومجمع مطارنتها راهبًا تقليديًا غير محسوب على تيار بعينه، فيما أعتبره شباب الرهبان مرشدهم الروحي الذي احتضنهم في خطواتهم الأولى في الرهبنة، وتأتى القرعة الهيكلية، وهى آلية مستحدثة أضيفت إلى لائحة 57 هذه، لتقع على هذا الراهب، (مينا المتوحد) ليصير البطريرك الجديد الأنبا كيرلس السادس. كان هناك علمانيًا في الدائرة القريبة من البابا كيرلس السادس، الدكتور المحاسب حنا يوسف حنا، يكاد أن يكون لصيقًا به، لم يكن يأتي على سيرته إلا ويصفه بـ "العظيم عند الله والناس"، وكان في الوقت نفسه صديقًا للرئيس جمال عبد الناصر، يقترح على البابا أن يضم لسكرتاريته إثنين من شباب الرهبان ممن وقفوا وراء دعمه في مشوار الترشح وحشد الأصوات، فيستجيب البابا ويضم إلى سكرتاريته الأب مكاري السرياني والأب أنطونيوس السرياني (1959)، وفى سبتمبر 1962 وباقتراح من الدكتور حنا أيضًا يتم رسامتهما أسقفين، الأول باسم الأنبا صموئيل، أسقفًا عامًا للخدمات الاجتماعية، والثاني باسم الأنبا شنودة، أسقفًا عامًا للتعليم (من حديث للدكتور حنا يوسف حنا معى بمنزله بجاردن سيتي). وتشهد الكنيسة انطلاقة جديدة، ويبدأ اسقف التعليم في فتح أبواب الكلية الإكليريكية للشعب في اجتماع أسبوعي منتظم، (الجمعة ثم الأربعاء)، بدأ في مطعم الكلية وينمو بشكل متسارع فينتقل إلى القاعة اليوسابية بالكلية، ثم ينتقل إلى الكنيسة المرقسية (مقر البطريركية) ثم ينتقل إلى الدور الأول من الكاتدرائية الجديدة بالأنبا رويس والتي كانت قيد الإنشاء. ويرد المتابعون نجاح هذا الاجتماع جماهيريًا إلى النقلة التي أحدثها في الخطاب الديني السائد، وقد تخلى عن اللغة التقليدية المحتشدة بالمحسنات البديعية والمتعالية على المتلقين، لتحل محلها لغة أقرب إلى لغة الصحافة، تستعين بطرفة هنا وتعليق لاذع هناك، فضلًا عن غزارة الطرح، وكانت لفقرة الأسئلة التي تسبق المحاضرة دور جاذب بإيجازها ووضوحها، وأهميتها كمتنفس لكثيرين، وإن تحولت في مرحلة إلى رسائل موجهة ينتظرها رجال السياسة والإعلام للتعرف على توجه الكنيسة في القضايا المثارة وقتها. وكانت ملكات وقدرات الأسقف واحدة من أهم دعائم ذلك النجاح. • وفى غضون عام 65 تصدر مجلة الكرازة وتأتى افتتاحيتها تحت عنوان "بدلًا من أن تلعنوا الظلام أضيئوا شمعة"؛ وتقول بعض سطورها:سنشعل الشموع في كل مكان، وفى كل مناسبة، وفى كل مشكلة، سنظل نردد عبارة الرب "ليكن نور". نقول أيضًا: إن عملنا الإيجابي لا يمنع مطلقًا أن ندافع عن الحق ونظهره. . لذلك سنقول الحق، ونشهد له في قوة، ولكننا سنقوله أيضاً في أدب، وفى إتضاع، وفى حكمة. لأننا إن لم نفعل هكذا لا يرضى الحق عنا، وفى قولنا الحق سوف لا نجامل أحدًا، ولا نتملق أحدًا. إن المجاملة والتملق أضاعا كثيرين، وليسا هما من صفات القديسين. ونحن حين نعمل، ونعمل من أجل الرب وحده. . سنضع أمامنا حياة آبائنا القديسين وسيرهم العطرة وأقوالهم المقدسة، إننا لا نؤمن بالابتداع في الدين، وإنما سنسير على الأصول الثابتة التي وضعها لنا الآباء الأولون بإرشاد الروح القدس. كل ما يخالف تعاليمهم سنرفضه، وندعو الناس إلى رفضه، جاعلين أمامنا قول بولس الرسول "إن بشّرناكم نحن أو ملاك بغير ما بشرناكم فليكن محرومًا" (غلاطية 1 : 8). (مجلة الكرازة، إفتتاحية بعنوان: "بدلًا من أن تلعنوا الظلام أضيئوا شمعة") اللافت أن يتصدر كُتَّاب المجلة الدكتور جورج حبيب بباوي، الابن الأثير لدى اسقف التعليم والقريب إلى قلبه ومستودع أسراره، والمؤرخة إيريس حبيب المصري، والقمص باخوم المحرقي رفيق مشواره منذ زمالتهما في اللجنة العليا لمدارس الأحد وقد تولى رئاستها بعد رحيل الأستاذ حبيب جرجس، والذي صار فيما بعد الضلع الثالث في مثلث الأساقفة العموميين باسم الأنبا غريغوريوس، أسقف البحث العلمي ومعهد الدراسات القبطية. والقمص شنودة السرياني، الباحث التاريخي الكنسي المدقق، وكان باكورة الأساقفة الذين رسمهم قداسة البابا شنودة بعد اعتلائه الكرسي البابوي، برسامته اسقفًا على إيبارشية الغربية باسم الأنبا يوأنس، (12 ديسمبر 1971) مع رفيقه القمص أنطونيوس السرياني والذي رسم أسقفا على إيبارشية البحيرة باسم الأنبا باخوميوس (والذي اختير قائمقام البطريرك بعد نياحة قداسة البابا شنودة الثالث). كان جورج بباوي، محل اهتمام اسقف التعليم، وقد دفع باسمه للبابا كيرلس السادس لابتعاثه لليونان لدراسة الدكتوراه في لاهوت الآباء، وكان رفيقه في رحلاته الخارجية، يذكر حرص الأسقف في أول زيارة للولايات المتحدة على اقتناء مجموعة كتب الواعظ الأمريكي الأشهر "جراهام بل"، الذي كان محل إعجابه، وعكوفه على قراءتها باهتمام. وحين يرحل قداسة البابا كيرلس السادس يتصدر اسم اسقف التعليم قائمة المرشحين، ولم تعد شروط لائحة 57 عائقًا، وتأتى القرعة الهيكلية بأسقف التعليم بطريركًا، (نوفمبر 1971)، وتعود مجلة الكرازة للصدور مع بداية عام 1974 بعد توقف دام نحو ست سنوات وبضعة أشهر، بعد صدور عدد أكتوبر 1967. الذي كان بمثابة مواجهة صاخبة مع القصر البابوي حول الكلية الإكليريكية وموقف الديوان البطريركي منها، وقد تصاعدت المواجهة، فيصدر أمر من البابا كيرلس لأسقف التعليم بالعودة إلى ديره، فيصدر هذا العدد موضحًا أبعاد الأزمة برؤية الأب الأسقف، وتأتى الافتتاحية بتوقيعه تحت عنوان "كلمة صريحة: عن الإكليريكية والمعاهد الدينية"، والتي يختتمها بقوله: • لقد اضطررت متألمًا يا إخوتي القراء، أن أكلمكم بصراحة بعد صمت طويل، حتى تتدبروا الأمر معنا في مصير كليتكم الإكليريكية... أما أنتم يا إخوتي الإكليريكيين، فان كان بسببي قد حدث هذا النوء العظيم عليكم، فأنا مستعد أن ابتعد لكى تهدأ الأمور. أنا مستعد أن أرجع إلى الدير إلى مغارتي المحبوبة في الجبل، وأقضى بقية أيام غربتي هناك، أريح واستريح "ويكفى اليوم شره" ... أما الإكليريكية فهي -كأي عمل من أعمال الله- لابد أن تصطدم بصعوبات ومعوقات. وكأي عمل من أعمال الله، لابد أن تنتصر على الصعوبات والمعوقات. "ربنا موجود"(الأنبا شنودة، مجلة الكرازة، إفتتاحية بعنوان: "كلمة صريحة: عن الإكليريكية والمعاهد الدينية") يأتي البطريرك الجديد ومعه أحلامًا عريضة وأمامه واقع معاند، ومعه تتكرر متلازمة (الرئيس والبطريرك)، وهى حالة مصرية بامتياز، تحتاج لقراءة متأنية، وتغرى بالتوقف عندها، فالثنائيات تتكرر بامتداد عقود؛ البابا يوساب ومحمد نجيب، والبابا كيرلس السادس وعبد الناصر، والبابا شنودة والسادات، والقائمقام الأنبا باخوميوس والمرحلة الانتقالية، والبابا تواضروس والسيسي، لكننا نحيلها إلى قراءة مستقلة. فقط نتوقف عند ما يسهم في عثورنا على إجابة لسؤالنا القائم والدائم، "الكنيسة. . صراع أم مخاض ميلاد؟" اللافت هو التحولات التي اعترت علاقات قداسة البابا مع كثير من رفقاء الطريق ـ وقد اشرنا إلى ابززهم ـ بامتداد مشواره الممتد لنصف قرن، والتي انتهت في أغلبها إلى قطيعة وربما مصادمة، نجد طيف منها في مذكرات الأنبا غريغوريوس خاصة المجلدات 36 و39 و40، وبعضها في طوفان الهجوم على الأب متى المسكين ومطاردة وتعقب كتبه، والحملة الشرسة على الدكتور جورج حبيب بباوي وملاحقته باتهامات الهرطقة، فضلًا عن تشويه سيرته، وقد ننتهي فيها إلى أنها، بعيدًا عن محاولات شخصنتها، مواجهة بين مدرستين؛ بحسب المرجعية الفكرية إحداها اعتمدت على التحليل العصري وقد تشكل في زمن لم تكن المراجع الآبائية متاحة عن لغاتها الأصلية، اليونانية في أغلبها، فحضرت البدائل الموازية، ونراها في اجتهادات الأب المؤسس لمدارس الأحد الأستاذ حبيب جرجس، ورعيل المفكرين وفى مقدمتهم حافظ داود (القمص مرقس داود) وشباب جمعية أصدقاء الكتاب المقدس، وأفردنا لهذا المقال السادس من هذه السلسلة "أيقونات علمانية قبطية". وإلى هذه المدرسة ينتمى الأستاذ نظير جيد، بينما كانت المدرسة الثانية تعتمد على "التحليل الأصولي" اعتمادًا على كتابات الآباء عن لغاتها الأصلية، والتي تعرفت عليها الكنيسة مع صدور كتاب "حياة الصلاة الأرثوذكسية" كما بيَّنا في المقال الثاني عشر "كتاب يصنع حراكاً"، وما تولد عنه من دوائر في الفضاء البحثي الكنسي وكان أبرزها التيار الذي أسسه الدكتور نصحي عبد الشهيد وبيت التكريس وتطوراته المؤسسية. (راجع المقال الثالث عشر: البناء الصامت). لكن الأمر لم يكن فكريًا خالصًا بل تداخلت معه عوامل أخرى أوجدتها التشابكات السياسية والصراعات خارج الكنيسة والمواجهات التي كانت ومازالت تتهددها في مسارها ووجودها. وهو ما نحيله إلى الجزء الثاني من هذا الطرح في مقال تال. --- ### ١٤) سنوات البعث - Published: ۲۰۱۸-۰۳-۱٤ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/1555/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: آدم, أنبا صموئيل المعترف, الأب متى المسكين, المدرسة الإكليريكية, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس السادس, بابا يوساب الثاني, تدبير الخلاص, جايوس فلاڤيوس ڤاليريوس أوريلوس قسطنطينوس, دير الآباء السريان, قديس بولس الرسول, مركز دراسات الآباء, مطران چورچ خضر كل هذه المحاذير تجتمع في مواجهتك عندما تقترب من ثنائية قداسة البابا شنودة الثالث والأب متى المسكين، وهى ثنائية كاشفة لكل أمراض المجتمع الكنسي القبطي الأرثوذكسي في العقود الأخيرة، ولعلها أهم مكونات المواجهات والمصادمات التي يموج بها الفضاء القبطي الإلكتروني، وقد تحول إلى ساحة اقتتال، يتبادل فيه الفرقاء قذائف التحريم وطلقات الهرطقة عندما تقترب من حقل الكتابة في الشأن العام، القبطي الكنسي تحديدًا، تُحاصر بمحاذير عديدة، بعضها يجد تبريره عند المناخ السائد في المجتمع العام، وبعضها موروث تناقلته الأجيال، وبعضها ينطلق من نسق سنكساري طوباوي، وبعضها تحكمه قاعدة "من يكتب؟" وليس "ماذا كتب؟"، وبعضها يذهب إلى خدش الصورة المثالية لدى الآخر، وكلها ترسم حروفها "الصورة الذهنية" للقارئ والموضوع وربما الكاتب نفسه. كل هذه المحاذير تجتمع في مواجهتك عندما تقترب من ثنائية قداسة البابا شنودة الثالث والأب متى المسكين، وهى ثنائية كاشفة لكل أمراض المجتمع الكنسي القبطي الأرثوذكسي في العقود الأخيرة، ولعلها أهم مكونات المواجهات والمصادمات التي يموج بها الفضاء القبطي الإلكتروني، وقد تحول إلى ساحة اقتتال، يتبادل فيه الفرقاء قذائف التحريم وطلقات الهرطقة. وتكتشف بشيء من التدقيق أن المشايعين قد تحولوا في غالب الأحوال إلى "ألتراس" يحركه شعار "انصر أباك ظالمًا كان أو مظلومًا"، وبطبيعة الحال تجنح الغالبية باتجاه السلطة، وبين الفعل ورده يغيب التناول الموضوعي، وتتسلل صراعات المصالح التي استقرت للبعض، ويسقط الجدل في بئر الشخصنة، وغير بعيد يقف من يؤجج الصراع، بتعدد المرامي، وتنزف الكنيسة ألمًا وتختل بوصلتها، وترتعش منابرها، وتلوذ ببدائل لا تضبط ماءً ولا تفلِّح أراض تشققت وكادت تبور، وتستبدل التعليم اللاهوتي الآبائي بتعاليم اجتماعية وحكايات تدغدغ مشاعر البسطاء، وتغرقها في طوفان الغيبيات، وأحيانًا تعظم قيمة "الجهل" وتروج لكونه "بساطة" تقود للملكوت. وقد أشرت قبلًا إلى الفرق بين العقيدة والرأي والشرح والتفسير، فالعقيدة لا يمكن الاختلاف حولها، فهي بمثابة القواعد المؤسسة للإيمان، بينما الرأي والشرح والتفسير فيخضع للخلفيات الثقافية والقدرات الاستيعابية، وطبيعة المناخ السائد ومعطيات العصر، وأفق الإدراك، وهى محكومة، قبولًا واختلافًا، باتساقها مع القواعد المؤسِسة، وتقبل الاختلاف دون الانفراد أو إدعاء امتلاك الحقيقة المطلقة. وقد انتبهت الكنيسة في قرونها الأولى إلى أهمية صياغة عقيدتها في دستور أقرته باتساع المسكونة فكان قانون الإيمان النيقاوي القسطنطيني، قبل صراعات عصر المجامع في القرون من الرابع إلى السادس الميلادية، وقد جمع بشكل موجز ومحكم أساسيات الإيمان المسيحي، مؤسسًا على ما عرف بقانون الرسل: نؤمن بالله الآب ضابط الكل خالق السماء والأرض. وبيسوع المسيح ابنه الوحيد ربنا الذى حُبِل به من الروح القدس ووُلد من مريم العذراء وتألم على عهد بيلاطس البنطى، وصلب ومات وقُبِرَ ونزل إلى الجحيم ليبشر ويحرر المأسورين، وقام من الأموات فى اليوم الثالث وصعد إلى السماء وجلس عن يمين الله الآب الضابط الكل من حيث يأتى ليدين الأحياء والأموات. ونؤمن بالروح القدس، وبالكنيسة المقدسة الجامعة، وبشركة القديسين، وبمغفرة الخطايا، وبقيامة الأجساد، وبالحياة الأبدية. والكنيسة لم تنشئ هذه المحاور، ولم تقرها من فراغ، بل بلورت بها ما أعلنه المسيح وعلم به وسلمه لتلاميذه ورسله، وهم بدورهم سلموه بالتتابع لتلاميذهم، وفقًا للقاعدة التي أكدها بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس "وَمَا سَمِعْتَهُ مِنّي بِشُهُودٍ كَثِيرِينَ، أَوْدِعْهُ أُنَاسًا أُمَنَاءَ، يَكُونُونَ أَكْفَاءً أَنْ يُعَلّمُوا آخَرِينَ أَيْضًا" (2 تى 2 : 2)، وهى القاعدة التي أرساها الرب يسوع في إرساليته لهم: "فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمّدُوهُمْ بِاسْمِ الآب وَالابْنِ وَالرّوحِ الْقُدُسِ. وَعَلّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلّ الأَيّامِ  إِلَى انْقِضَاءِ الدّهْرِ" (مت 28 : 19 ـ 20) فالعقيدة تستمد صحتها وقوتها من الكتاب المقدس، الوثيقة الآبائية الأولى، ولا يمكن أن يقوم البناء الإيماني على غير قاعدة الكتاب المقدس. لذلك تتعدد الطرق للتعرف على شخص المسيح ومن ثم سر الثالوث وسر الفداء وتدبير الخلاص، فيمكن أن تتلمذ على الكتاب المقدس ثم تتعرف على التراث الآبائي فتجدهما متطابقين، أو أن تتلمذ على الآباء فتجدهم يقودونك إلى استعلان الكتاب المقدس وينتهيا بك إلى شخص المسيح، فالكتاب والآباء مسارات تقودنا إلى استعلان يسوع المسيح، ولهذا قال المطران جورج خضر، مطران جبل لبنان للروم الأرثوذكس، في محاضرة له بمركز دراسات الآباء الأرثوذكسي بالقاهرة، "أننا لسنا أهل كتاب بل أهل شخص"، ولعله فى هذا يؤكد على ما قاله القديس بولس الرسول "فَلَسْتُمْ إِذًا بَعْدُ غُرَبَاءَ وَنُزُلاً، بَلْ رَعِيّةٌ مَعَ الْقِدّيسِينَ وَأَهْلِ بَيْتِ اللهِ، مَبْنِيّينَ عَلَى أَسَاسِ الرّسُلِ وَالأَنْبِيَاءِ، وَيَسُوعُ الْمَسِيحُ نَفْسُهُ حَجَرُ الزّاوِيَةِ، الّذِي فِيهِ كُلّ الْبِنَاءِ مُرَكّبًا مَعًا، يَنْمُو هَيْكَلاً مُقَدّسًا فِي الرّبّ. الّذِي فِيهِ أَنْتُمْ أَيْضًا مَبْنِيّونَ مَعًا، مَسْكَنًا للهِ فِي الرّوحِ" (أفسس 2 : 19 ـ 22) القطبان الأبرز في المواجهات الآنية هما قداسة البابا شنودة الثالث والأب متى المسكين، أو للدقة بين فرقاء ينسب كل فريق منهم نفسه لأحدهما، وينتصر له بشكل مشخصن يفقده الموضوعية ويفتح الباب لتدخل عوامل أخرى تفقد معها المواجهات خطها البنائي، فتأتى خصمًا من سلام الكنيسة واستقرارها. لذلك كان حرصى أن اقترب من كليهما الراهب والبابا، بقدر كبير من التجرد، ربما نسهم بهذا في رأب الصدع، ودعم توجهات البناء أو لنقل إعادة بناء ما تهدم بفعل مدخلات عديدة، تاريخية، كان من أبرزها الانقطاعات المعرفية الكبرى التي نتجت عن انتقالنا الملتبس بعد خلقيدونية من اليونانية إلى القبطية، والانتقال الجبري من القبطية إلى العربية مع تعسف الحكام فيما بعد القرن العاشر، فضلًا عن اختلالات محاولات العودة التي شهدتها عقود القرن التاسع عشر والقرن العشرين، وهو ما تعرضنا لطيف منه في سياق هذه المقالات. لذلك فسطوري هنا تتمحور حول "الأب متى المسكين وسنوات البعث"، بينما مقالي القادم سيتناول "البابا شنودة الثالث وانطلاق كنيسة". المسيح والإنجيل يطلقان سراحه عندما نتتبع البدايات عند الأب متى المسكين نجده لم يسع للرهبنة بدافع النسك والزهد أو اعتزال العالم، بل كان مشدودًا لمكان ومناخ يوفران له مساحة لاستيعاب كلمة الله وتدبير الخلاص، بعد أن وجد نفسه يتماهى مع أسفاره وشخوصه، وقد استنار ذهنه بنور المسيح، ووقفت التزامات عمله الدقيقة دون تحقيق غايته، واستعرض بدائل عديدة لكنها قصرت عن أن تحقق ما يسعى إليه، حتى طرح عليه أحد أصدقائه فكرة الرهبنة، وذهبا معًا لمقابلة مطران الحبشة المصري الأنبا كيرلس، الذي استبعدته قوات الاحتلال الإيطالي من أثيوبيا، ليستقر به المقام في بيت ضيافة ملحق بكنيسة العذراء بمهمشة ـ الشرابية، أحد أحياء القاهرة، والتي كانت تضم في رحابها المدرسة الإكليريكية، قبل أن تنتقل إلى موقعها الحالي بدير الأنبا رويس بالعباسية في حبرية البابا البطريرك الأنبا يوساب الثاني، ذهبا إليه لاستشارته في أمر رهبنة الدكتور يوسف إسكندر، وهو لقاء يكشف عن ملمح من شخصيته، فنراه وهو بعد شاب صغير يمتلك قدرة على الحوار وتوجيهه، وقناة لا تلين، وينتهى الأمر إلى ذهابه إلى دير الأنبا صموئيل بمغاغة بالمنيا، ليتتلمذ على الراهب الأب مينا المتوحد، والذي صار فيما بعد قداسة البابا كيرلس السادس، وينتقل بعدها إلى دير السريان بوادي النطرون، وكان قد تعمق في سياحته بين أسفار الكتاب المقدس، وأمسك بخيوط تدبير الخلاص، وهناك يجد منحى جديد وفرته له مجموعة كتب أباء نيقية وما قبل نيقية وما بعد نيقية، بمكتبة الدير فينكب عليها وتكتمل لديه الرؤية، ويتشكل ذهنه على قاعدة إنجيلية آبائية، وتترسخ عنده مكتسبات الإنسان من التجسد الإلهي، ولا يكاد يخلو كتاب أو عظة من التنبيه على "حقوقنا في المسيح"، الذي "رد آدم إلى رتبته الأولى"، ووصل عبر الصليب والقيامة والصعود والجلوس عن يمين الآب ما انقطع بسبب التعدي والعصيان. يسجل الأب متى المسكين هذه الخبرة بقوله "كان الإنجيل هو أمنيتي التي خرجتُ من أجلها من العالم. كنتُ في العالم مشغولًا، وكنتُ أودّ أن أهدأ لأقرأه بفهم وبوعي، وكان عملي يغطي يومي كله من 7 صباحًا إلى 11 مساءً. كنتُ أقول ربما أهدأ السنة القادمة، وتنتهي تلك السنة التي بعدها، وهكذا كان الزمن يتآكل أمامي، ثم قلتُ: يستحيل أن العالم يغلبني، فلابد أن أتمتع بالمسيح والإنجيل. يستحيل أن يأخذ العالم مني شبابي والـ 24 ساعة كل يوم! عندما كنتُ أغيب عن عملي قليلًا، كان الناس يقومون بثورة، لأن عملي - كما تعلمون - كان متصلًا بالجمهور. فكيف أهرب وأنا عليَّ واجبات؟ فكنتُ حزينًا، ولكن كلما ازدادت واجباتي كلما كنتُ أتيقن بضرورة الخروج من العالم“ ”كانت أمنيتي الوحيدة أن أُعطي المسيح الـ 24 ساعة في اليوم كله، فظللتُ أصلِّي حتى فكَّني الرب من العالم وذهبتُ إلى الدير. وبدأتُ أقرأ في كتابي المقدس في العهدين وأتمتع، وازدادت قراءاتي من 30 إلى 50 أصحاح في اليوم، فحقّقتُ شيئًا من فرحتي بالإنجيل. ولكن قابلتني مشكلة أحزنتني فبكيتُ، إذ أنني لما ابتدأتُ بسفر التكوين ووعيته جدًا، وكنتُ أخطط بالأحمر تحت الآيات المهمة، حتى بَدَأتْ الآيات تدخل في حياتي؛ وجدتُ أن الذي حصّلته كان قليلًا جدًا! ثم أمسكت بسفر التكوين مرة ثانية، وأحضرتُ كراسةً وقلمًا لم يكن يوجد غيرهما في الدير، لأن الاتصال كان مقطوعًا وأنا قطعته بيديَّ، فلا أحد يبعث لي خطابات، ولا أردُّ على أحد ولا صلة لي بإنسان قط؛ فقطعتُ كل الصلات لكي أتمتع بالرب، وليس كحالة مَرَضية أو عزوف عن الدنيا أو كراهية للناس؛ لا، فكما ترونني فإنني أحب الناس، ولكنني لم أَدَعْ شيئًا يعوقني إطلاقًا عن حبي الكامل للمسيح، وعن استيعابي للكتاب المقدس“. يمكن أن نقول بارتياح أنه صار "ناسكًا إنجيليًا"، فقد شهدت جنبات دير الأنبا صموئيل المعترف ملحمة تشكل ذهن الراهب القادم سعيًا للتعرف على، والتعمق في، كلمة الله، حتى انفتحت له بكنوزها وأسرارها. "كنتُ أسهر كل ليلة. وكانت إمكانيات الدير شحيحة، فقلتُ: يا رب، أعطني نعمة. وصلَّيتُ كثيرًا حتى انفتح الإنجيل أمامي وصرتُ أستوعب كثيرًا، فوجدتُ نور الإنجيل ومجده بقدرٍ كبير جدًا فارتعبتُ. ثم شعرتُ بقوة الإنجيل وسلطانه في نفسي وعلى حياتي. فبعد أن أحسستُ بقوة التغيير تسري في جسمي وقلبي بصورة جارفة كل يوم، بدأتُ أبكي كثيرًا، لماذا؟ لأنني قلتُ: يا رب، الإنجيل مليء بالذخائر، ومجرد آيات قليلة أخذتُ منها الكثير جدًا، فمتى أنتهي من الكتاب بعهديه؟" كانت نفسه قلقة متعجلة في إصرار على إدراك سر المسيح، لذا كان إلحاحه في الصلاة أن يتحقق ما جاء لأجله. "عبدك يطلب منك يا سيدي أحد أمرين: إما أن تُطيل في عمري، أو تعطيني ذهن شاب لكي أستوعب الإنجيل كله، لأن حرام أنه يكون أمامي 10-12 سنة بعد سن الثلاثين، ثم يبدأ الذهن ينطفئ! يا ليتك تعطيني استيعابًا كثيرًا جدًا حتى تُعوِّضني فأستوعب في شهر ما كنتُ أستوعبه في سنة أو سنتين، وبغير ذلك سأكون حزينًا جدًا. أريد أن أفرح بالإنجيل، وأخاف أن ينتهي عمري ولا أكمل استيعاب هذا الإنجيل بجماله... ". ويعلن أمام الرهبان بعد سنوات. "والآن أُعْلمكم كيف كان ردّ المسيح الحلو الطيب عليّ؟ كان ردُّه أنه أعطاني هذه وتلك: أي طول العمر والذهن الذي يستوعب. لم أظن أن ذهني سيظل يستوعب أكثر من عشر سنوات، ولكنه أعطاني بسِعَة جدًا، من سن 30 سنة حتى الآن. وها أنا كما ابتدأتُ في الإنجيل تمامًا بعافيتي هي هي في ذهني وروحي. صدِّقوني أن الرب من حنانه لم يرضَ أن قلبي يشيخ، فإنني أقرأ كما كنت زمان بقوة روحية كما ابتدأتُ في الإنجيل". يعود فيقول: ”من كثرة تأملي في كلمة الله، بدأ الإنجيل ينفتح أمامي آية وراء آية، شيء لا نهاية له. فقد ذُقتُ معنى قول داود النبي: «كلمتك حلوة في حلقي، أفضل من العسل والشهد في فمي» (مز 119)؛ إذ صارت كلمة الله أحلى من العسل والشهد، وهذا الطعم في فمي لم يُفارقني قط مدة من الزمن كأنني أكلتُ صفيحة عسل! أقول لكم ذلك لكي أؤكّد لكم أن كلمة الله مذاقها بالفعل على المستوى الحسّي أحلى من العسل، هذا ما اختبرتُه بنفسي“ ويضع قاعدة أساسية تنير الطريق لمن يسعى لفهم وإدراك سر الكلمة، الإنجيل والمسيح: ”إنَّ تعمّقنا في الإنجيل لا يزداد بمقدار علمنا أو ذكائنا، بل بمقدار علاقتنا بالرب. فإن وُجد علم أو معرفة، فإنني أقرع عليهما لكي يوجد مجال في قلبي أكثر لتلك العلاقة. فلا العلم في حدّ ذاته أو المعرفة أو الفحص أو البحث أو التأمّل الكثير يتأتّى منه شيء؛ بل علاقتنا الشخصية والقلبية بالرب. أو بمعنى آخر، فإنه بطهارة ونقاوة قلوبنا وأفكارنا يُستعلَن الروح الذي في كلمة الله. " ”قد تمتعتُ بكلمة الإنجيل جدًا، ولكن ليس بذهني. أخاف أن يُفهم كلامي على أنني صرتُ عالمًا في الكتاب المقدس، فلا أنا عالمٌ ولا أي شيء؛ أو أنني صرتُ مفسرًا، ولا أنا مفسّر ولا أي شيء. ولكن مُتعتي بالكلمة هي في كونها صارت لي أبًا ومرشدًا ومعلمًا وطبيبًا يقطع بمشرط! نعم، إنها سيفٌ ذو حدّين، يدخل ويقطع السرطانات، أي النموات الكاذبة التي تؤدّي إلى الهلاك. فالكلمة «حيّة وفعّالة وأمضى من كل سيف ذي حدّين» (عب 4: 12)“ (الكلمات المنقولة عن الأب متى المسكين (*) مأخوذة عن كلمة له في جلسة مع بعض الرهبان في 20 / 6 / 1981، وعن كلمته: ”تأثير الإنجيل في حياته الرهبانية“ في أربعاء أيوب سنة 1974) كانت هذه الخبرات الكتابية الرهبانية وراء إصداره نحو 280 كتابًا لقراء العربية، بعضها مجلدات تتناول دراسات في أسفار الكتاب المقدس، وبخاصة الأناجيل الأربعة وسفر أعمال الرسل ورسائل القديس بولس الرسول، ودراسة متعمقة عن القديس بولس الرسول، وكذلك عن الرهبنة القبطية التاريخ والمبادئ والحياة، أما شخص المسيح فكان محتلًا للعديد من عناوين كتبه ودراساته. ويقتحم دوائر عديدة تشكل العقل اللاهوتي الأرثوذكسي بنكهة آبائية مدققة لعل أبرزها مجلدَي "الروح القدس الرب المحيي" (953 صفحة)، ويعود فيكتب "الروح القدس وعمله داخل النفس – عرض لأقوال الآباء النساك"، وتصطدم دوائر راسخة بالكنيسة بأطروحاته التي تشكل عصفًا ذهنيًا في مناخ رتيب، وتدور رحى المواجهات والتي يصل بعضها إلى حد المطاردات والحصار، وهو أمر يحتاج إلى دراسات متخصصة تسعى لسبر أغوارها، وتحليلها بعيدًا عن الانحيازات العاطفية، وضغوط المصالح، أو التناول السطحي الذي يستريح للإجابات المعلبة والمنقولة، والمحكومة في غالبها بالتراجع المعرفي وربما اللاهوتي والروحي أيضًا. أرى أن سنوات الأب متى المسكين، يمكن أن نعدها سنوات بعث للروح القبطية الأرثوذكسية، أسست لخروج الكنيسة من نفقها الطويل الذي دخلته قبل قرون بتعدد الأسباب، التي اقتربنا عبر أطروحاتنا من بعضها، آثرت أن أشير هنا إلى منطلقاته الأولى والتي تمحورت في الإنجيل والآباء وهى نفسها المحاور التي تنطلق منها الكنيسة لتسترد دورها في عالم يطالبها أن تعبر إليه وتعينه، كنيسة إنجيلية آبائية. ومازال للطرح بقية مع قداسة البابا شنودة الثالث وانطلاق كنيسة. --- ### ١٣) البنّاء الصامت - Published: ۲۰۱۸-۰۳-۱۳ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/1523/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أثناسيوس حنين, أنبا موسى الأبيض، أسقف عام الشباب, أوريجينوس ليونايدس أدامانتيوس, إكليروس, الأب متى المسكين, الكنيسة القبطية, المجمع المقدس, المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية, بابا تواضروس الثاني, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس السادس, بيت التكريس, تدبير الخلاص, جماعة الأمة القبطية, جورج ميشيل إندراوس, چورچ عوض إبراهيم, چورچ فرج, چوزيف موريس فلتس, حياة الصلاة الأرثوذكسية, رأفت موسى, سعيد حكيم يعقوب, صموئيل كامل عبد السيد, صموئيل وهبة, قديس أثناسيوس الرسولي, قديس بولس الرسول, ليتورچي, مجدى وهبة صموئيل, مجلة الكرازة, مجمع الأساقفة, مجمع نيقية, مركز دراسات الآباء, ميشيل بديع عبد الملك, ناجي إسحق حنين, نصحي عبد الشهيد بطرس, وهيب قزمان بدون خدمة العلمانيين بهذه الصورة فستنهار خدمة الكهنوت وتنهار كرامتها في نظر الأجيال القادمة، في الكنيسة الأولى كان الموهوبون من أعضاء شعب الكنيسة هم الذين يقومون بالخدمة، بينما الأسقف هو الذي يرتِّبهم ويرعاهم، وكان الكهنة خدامًا للأسرار الكنسية. فلما تشددت الرهبنة ابتلعت الخدمة والخدام من أعضاء شعب الكنيسة، وهكذا ترك العلمانيون الخدمة للرهبنة. ولما ضعفت الرهبنة ضعفت الخدمة، كما أصبح العلمانيون لا يقومون بعملهم ولا يعرفون مسئولياتهم في الخدمة. عام 1952 أحسبه عامًا مفصليًا في تاريخ مصر المعاصر، ليس فقط في الفضاء العام بل والكنسي أيضًا، يوليو تنفجر الثورة، أغسطس يُلقى حجر كتاب "حياة الصلاة الأرثوذكسية" في مياه الكنيسة الساكنة، سبتمبر يعلن قيام جماعة الأمة القبطية، فضلًا عن توسطه تاريخين يشكلان مفتاحين لفهم تحالفات وتشابكات لحظتنا المعيشة اليوم ولسنوات قادمة، بين عامي 1948 حيث رهبنة الدكتور يوسف إسكندر (الأب متى المسكين)، و 1954 حيث رهبنة الأستاذ نظير جيد (الأنبا شنودة الثالث). هو في مجمله عام حراك الشباب، وغير بعيد عن هؤلاء كانت هناك مجموعة أخرى من شباب الكنيسة تتطلع إلى إجابات لتساؤلات عديدة، وتبحث عن مخرج لأزمتها "في الداخل صراعات ومن الخارج تربصات"، يتلقفون كتاب "حياة الصلاة"، يكتشفون معه آفاقًا متسعة للكنيسة تتجاوز المحلية، ودوائر تفكير تذهب بهم لتلامس الملكوت، وتنفتح أعينهم على طيف من أسراره، فإذ بهم يستحضرون ما حدث مع تلميذي "عمواس"، اللذان التقيا الرب يسوع بعد قيامته ولم يعرفاه، وقد سار معهم وراح يستعرض أمامهما ما تكلم به الأنبياء عن تدبير الخلاص ويطابقه على أحداث محاكمة المسيح وصلبه وموته: "أما كان ينبغي أن المسيح يتألم بهذا ويدخل إلى مجده؟" ... "ثم ابتدأ من موسى ومن جميع الأنبياء يفسر لهما الأمور المختصة به في جميع الكتب"، وعندما يجلس معهما: "أخذ خبزًا وبارك وكسر وناولهما" ... "فانفتحت أعينهما وعرفاه ثم اختفى عنهما" ... "فقال بعضهما لبعض: الم يكن قلبنا ملتهبًا فينا إذ كان يكلمنا في الطريق ويوضح لنا الكتب؟" ... (لوقا 24) كان منهج "حياة الصلاة" محاكاة لمنهج المسيح، يستحضر أقوال الآباء ثم يطابقها على الحياة، ويدفع باتجاه "ليتورجية" الكنيسة، ويوظفها صوب شخص المسيح. وقد عرجنا على تواصلهم مع الأب متى المسكين وكيف انتهوا إلى تأسيس "بيت التكريس" في حدائق القبة (نوفمبر 1958)، ثم ينتقلون وقد ضاق بهم المكان إلى ضاحية حلوان (مارس 1959)، كان السعي أن يعبروا إلى عموم الناس خارج أسوار الأديرة، هكذا رأوا التكريس ومسئولياته، وآمنوا أن إعادة بناء ما تهدم يبدأ فكرًا، لذلك كان عنوانهم "بيت التكريس لخدمة الكرازة"، وطفقوا يترجمون كتابات الآباء؛ آباء ما قبل مجمع نيقية وآباء مجمع نيقية وآباء ما بعد نيقية، عن اللغات الحية، وينضم إليهم أحد أعمدة اللغة اليونانية الأستاذ صموئيل كامل عبد السيد، للبدء في تعليمها لأعضاء بيت التكريس ومريديه، كان الأب متى المسكين هو الأب الروحي لهذه المجموعة ولبيت التكريس، وكان يرى: أن بيت التكريس يجب أن يكون سندًا للكنيسة ومعاونًا لها بصفته مركزًا للخدام العلمانيين في الكنيسة التقليدية، فنحن نكرِّم الكهنوت ونخضع له ونعاونه في خدمة النفوس. وأنا أرى أنه بدون خدمة العلمانيينبهذه الصورة فستنهار خدمة الكهنوت وتنهار كرامتها في نظر الأجيال القادمة، لأن الكهنوت ابتدأ من الآنفي عدم القيام بواجبه. في الكنيسة الأولى كان الموهوبون من أعضاء شعب الكنيسة هم الذين يقومون بالخدمة، بينما الأسقف هو الذي يرتِّبهم ويرعاهم، وكان الكهنة خدامًا للأسرار الكنسية. فلما تشددت الرهبنة ابتلعت الخدمة والخدام من أعضاء شعب الكنيسةوهكذا ترك العلمانيون الخدمة للرهبنة. ولما ضعفت الرهبنة ضعفت الخدمة، كما أصبح العلمانيون لا يقومون بعملهم ولا يعرفون مسئولياتهم في الخدمة. (كتاب: "السيرة التفصيلية - أبونا متى المسكين"، إصدار دير أنبا مقار، الطبعة الأولى 2008، ص 155) لم ترحب الرئاسة الكنسية، آنذاك، بتجربة بيت التكريس، في سياق المواجهة المتوارثة بين الإكليروس والعلمانيين، والتي تفجرت مع أول تشكيل للمجلس الملي (1874م)، وهنا نجد أنفسنا أمام إعادة إنتاج للعلاقة الملتبسة بين قديس وعالم، التي كان فيها القديس البابا ديمتريوس الكرَّام وكان العالم أوريجينوس، وخُصِمت فاتورة الصدام من حساب الكنيسة. لم يكن الأب متى المسكين بعيدًا عن استهداف سكرتارية القصر البابوي آنذاك، وتحريضهم على بيت التكريس باعتباره المؤسِّس والموجه والراعي له، ليتصاعد الأمر في مواجهة البيت من دوائر القيادة الكنيسة ومن خارجها، فيغلق البيت أبوابة وتقصد قياداته الدير للرهبنة، بينما يتمسك الدكتور نصحي عبد الشهيد، ببقاءه علمانيًا وبمواصلة البيت لرسالته، فيعود أدراجه إلى مقره القديم بحدائق القبة ليبدأ مرحلة جديدة، وينأى بنفسه وبخدمته وبالبيت، بجَلَد وإصرار، عن صراعات تلك الفترة، ولا يشتبك في أية معارك، متسلحًا بالصمت المطبق، فقد أدرك مبكرًا أهمية رسالة التكريس التي نذر نفسه لها. يخطو بيت التكريس خطوة للأمام بأن يضيف إلى إصداراته المترجمة عن اللغات الحية، إصدارات آبائية مترجمة عن "يونانية الآباء"، ويذكر الدكتور نصحي في كلمته التي ألفاها في مناسبة مرور ثلاثون عامًا على تأسيس مؤسسة القديس أنطونيوس للدراسات الآبائية الأرثوذكسية، والتابعة لبيت التكريس لخدمة الكرازة، تواصله مع صديقه القديم المطران اليوناني الأب دميانوس رئيس دير سانت كاترين، ومعه الأستاذ صموئيل كامل عبد السيد، أستاذ اللغة اليونانية، وكان على علاقة وثيقة بحكم التخصص العلمى بالمستشار الثقافى للسفارة اليونانية بالقاهرة، سعياً لتوفير منح دراسية فى جامعات اليونان لطلاب المؤسسة، حيث الجامعات الأرثوذكسية التى تعج مكتباتها وأروقتها الأكاديمية بالمخطوطات والدراسات الآبائية المتخصصة، فينصحهما المستشار الثقافي اليوناني بالتواصل مع مطران دير سانت كاترين، نظرًا لأن البعثات الرسمية تحكمها بروتوكولات مع الجامعات المصرية فقط، وقد يجدون عند الأب المطران مدخلًا أخر لطلبهما، وكان المطران صديقًا للدكتور نصحي منذ كان راهبًا بالدير وقبل أن يتولى مسئوليته كمطران، فيذهبا إليه، ويتطور الأمر إلى أن ويسافر الدكتور نصحي مع الأب المطران، إلى اليونان، (مايو 1980)، وينجح في ترتيب سفر المبعوثين باتفاق مع الخارجية اليونانية يتوسطه الأب المطران، وبين مؤسسته، التي لم يكن قد مضى على تأسيسها سوى عام واحد (1979)، ويتوالى سفر المبعوثين من شباب الأقباط وعودتهم ومعهم حصيلة دراساتهم وقد حصلوا على إجازات علمية رفيعة "دكتوراه في العلوم اللاهوتية". 1980 الباحث ناجي إسحق حنين (أبونا أثناسيوس حنين)، اليونان 1981 الباحث وهيب قزمان، انجلترا 1981 الباحث ميشيل بديع عبد الملك، ألمانيا 1982 الباحث جوزيف موريس فلتس، أثينا، اليونان 1983 الباحث مجدى وهبة صموئيل، (القس صموئيل وهبة)، اليونان 1990 الباحث جورج عوض، أثينا، اليونان 1990 الباحث سعيد حكيم، تسالونيكي، اليونان 1995 الباحث جورج ميشيل إندراوس، تسالونيكي، اليونان 2004 الباحث جورج فرج إسحق، اليونان ثم استراسبرج بفرنسا 2009 2006 الباحث رأفت موسى، روما، إيطاليا. وتستمر القافلة في المسير، ويشكل جنودها كتيبة تنوير يتوالى إنتاجهم الفكري التراثي المعصرن، ونكتشف معهم الزخم الآبائي الذي يقف وراء التشكل الجنيني لميلاد معاصر للكنيسة، بعيدًا عن صخب يدور حولها، وبعضه داخلها، ونستحضر مجددًا، ما خطه قلم الشاب المتحفز "نظير جيد، والذي أعاد كتابته حين صار أسقفًا للتعليم واصطدم مع البابا كيرلس الذي أمره بالعودة إلى ديره، بعد أزمة أدارها بعض من شخوص سكرتارية البابا، فأطاع وكتب في مجلة الكرازة ما كتبه قبلًا في تقديمه لكتاب حياة الصلاة: "أنه، كأي عمل من أعمال الله، كان لابد أن يصطدم بصعوبات ومعوقات، وكأي عمل من أعمال الله، لابد أن ينتصر على الصعوبات والمعوقات. . ربنا موجود" (مجلة الكرازة، الإصدار الأول السنة الثالثة، العدد الثامن ـ أكتوبر 1967 ص 13) لندع المعوقات جانبًا، ونقترب من هذا العمل الكرازي البنائي المثابر، الذي يقوده بثبات ذلك البناء الصامت، الذي احتفى به البابا البطريرك الأنبا تواضروس الثاني على هامش مؤتمر المعاهد الدينية المنعقد بالأنافورا، (2013) وقدم له "درع المجمع المقدس للكنيسة القبطية الأرثوذكسية" "تقديرًا لدوره الكبير في إثراء التعليم بالكنيسة القبطية ومجهوداته العظيمة في نشر تعاليم وكتابات آباء الكنيسة الأولى وإتاحتها للشعب القبطي" و"تأسيسه للمركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية"، وفى اتضاع العلماء أكد الدكتور نصحي "أن التكريم لا يخص شخصه أنما هو أعتراف بفضل آباء الكنيسة الذين حفظوا وسلموا لنا إيمان الآباء الرسل القديسين، وذكر د. نصحي أن الذي حثه علي الإطلاع علي كتابات الآباء هو قراءته لكتاب ”حياة الصلاة الأرثوذكسية” للاب متي المسكين الذي ارشده لمجموعة كتابات الآباء المنشورة بالانجليزية (مجموعة آباء نيقية)، كما كرم قداسة البابا أحد أعمدة مركز دراسات الآباء الأستاذ الدكتور موريس تواضروس، أستاذ العهد الجديد بالكلية الإكليريكية لمجهوداته في التعاليم ونشر كثير من المؤلفات مثل: مدخل للعهد الجديد، موسوعة علم اللاهوت العقيدي، وكذلك إسهامه في ترجمة كتابات الآباء مع الدكتور نصحي، بالإضافة إلي تدريسه اللغة اليونانية للعهد الجديد وقبل أن نجوب في أرجاء المركز لنتعرف على ما قدمه للكنيسة ودوره التنويري نسأل الفرقاء وهم في أغلبهم يعرفون قدره : لماذا لم يحتكموا إلى باحثيه وهم يجمعون بين الثقة وبين الدراسة الأكاديمية والحرص على سلامة العقيدة، من مصادرها الموثقة والمجمع عليها؟ خاصة وأن قداسة البابا الراحل الأنبا شنودة الثالث استعان ببعض باحثي المركز للتدريس في الكلية الإكليريكية بالقاهرة في حبريته، ولم يدخلوا يومًا في أية صراعات أو ينحازوا إلى طرف دون آخر، وإن كان الفرقاء لم يفعلوا قبلًا فهل يكسرون حالة التربص والتراشق ويبادرون بالدعوة إلى مائدة حوار لحساب الكنيسة والأجيال التائهة بينهم، بعيدًا عن استعراض القوة وتكسير العظام، بتوسط هذه المؤسسة ـ ومركزها ـ التي يشهد لها الجميع ويشهد لها إنتاجها الفكري اللاهوتي الآبائي؟ دعونا نقترب من أنشطة وفعاليات هذه المؤسسة بحسب ما أعلنته في تعريفها بنفسها وبأنشطتها: آباء الكنيسة هم الذين ساهموا منذ العصور الأولى للمسيحية في تحديد مضمون الإيمان وصياغته وشرحه حتى استقر فى الإطار الذي أجمعت عليه الكنيسة فى مجامعها المسكونية حتى نهاية القرن الخامس الميلادي. لقد ترك الآباء تراثًا هامًا وهائلًا من الأقوال والكتابات لم تنشر الغالبية العظمى منها باللغة العربية حتى الآن، ومن أجل الاحتياج الشديد لهذا التراث جاءت فكرة إنشاء: المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية ليحقق ثلاث أهداف رئيسية هي:أولاً: ترجمة كتابات وأقوال آباء الكنيسة من اللغات الأصلية التى كُتبت بها إلى اللغة العربية. ثانيًا: إجراء أبحاث ودراسات متخصصة على كتابات الآباء. ثالثًا: نشر فكر وتعاليم الآباء فى الكنيسة. وسائل تحقيق هذه الأهداف:أولاً: المحاضرات واللقاءات والمؤتمرات:أ. المحاضرة الشهرية: وذلك يوم الاثنين الأول من كل شهر الساعة السابعة مساءً، وقد بدأت في يناير 1992. ب. لقاءات القاهرة للدراسات الآبائية: يقوم المركز بعمل ثلاثة لقاءات سنوية: فى يناير، وفى يونيو وفى أكتوبر، كل لقاء لمدة يومين مساءً، حيث تُقدم محاضرتين كل ليلة مع جلسة مناقشات وأسئلة حول الموضوع. بدأت هذه اللقاءات من سنة 1995مج. المؤتمر السنوى: يقام هذا المؤتمر سنويًا لمدة أربعة أيام خلال شهور الصيف، ويشارك فى هذا المؤتمر خدام وخادمات من جميع الإيبارشيات، ويمثل المؤتمر فرصة طيبة لتبادل الخبرات الروحية واللاهوتية حيث تقام القداسات والندوات والأمسيات بخلاف المحاضرات الرئيسية والتى يوزع ملف أوراق تحضيرية لها فى بداية المؤتمر. وقد بدأت سلسلة هذه المؤتمرات فى سبتمبر سنة 1992م. د. المؤتمر الشباب السنوى: يقام فى يناير من كل عام ابتداءً من يناير 2005م، وهو لمدة أربعة أيام أيضًا. ثانيًا : الترجمات والدراسات :أ. الترجمات: يقوم المركز بترجمة نصوص الآباء وتُنشر تحت سلسلة باسم “نصوص آبائية”. وقد قام المركز بترجمة ونشر 166 كتابًا فى هذه السلسلة حتى الآن، ويتوالى نشر النصوص تباعًا. ب. الدراسات: ويقوم المركز بعمل دراسات على هذه النصوص الآبائية المترجمة وتصدر فى سلسلة باسم “دراسات آبائية” وصل عددها حتى الآن 38 كتابًا، وسلسلة أخرى جديدة تحت عنوان “موضوعات آبائية ولاهوتية”. ج. دورية دراسات آبائية ولاهوتية: يقوم المركز بإصدارها مرتين سنويًا، وتشمل أبحاثًا لاهوتية وآبائية. صدر العدد الأول منها فى يناير1998م. ثالثًا : دورات متخصصة فى الدراسات الآبائية:بدأت الدورات منذ سنة 2001 فى أربعة مواد هى: 1 ـ اللغة اليونانية 2 ـ علم الآباء 3 ـ الآباء والعقيدة 4 ـ الآباء والكتاب المقدس. وفى هذا العام تُعطى مادتى علم الآباء واللغة اليونانية. رابعًا: الاشتراك فى خدمة أسقفية الشباب:حيث يقوم الباحثون فى المركز بتقديم مقرر محاضرات آبائية فى كل من مركز تدريب الخدام، ومجموعة الحياة الكنسية والمجموعات المتخصصة بأسقفية الشباب،خامسًا : القيام بالتدريس فى بعض الكليات الإكليريكية والمعاهد:يقوم بعض الباحثين بالمركز بتدريس بعض المواد فى إكليريكيات ومعاهد: دمنهور، بور سعيد، والمحلة الكبرى، والمعادى، الأقصر. سادسًا : المكتبة :وبالمركز مكتبة هامة للبحث والدراسة فى لغات أربعة هى الإنجليزية والفرنسية واليونانية والعربية. وهى تغطى مجالات النصوص والدراسات الآبائية والكتابية واللاهوتية، وصل عددها حتى نهاية عام 2004 إلى 6000 كتاب ومجلد، وهى فى نمو وتزايد مستمر. سابعًا : الكمبيوتر :كذلك يقدم المركز خدمته البحثية باستخدام الكمبيوتر وشبكة الإنترنت، حيث يمكن استعراض نصوص الآباء الموجودة باللغة الإنجليزية من خلال أقراص مدمجة، وأيضًا الحصول على أية مراجع أو معلومات والتعرف على أحدث الأبحاث بواسطة خدمة الإنترنت. وقد قام المركز بتجهيز صفحة خاصة على شبكة الإنترنت، حتى يمكن للآخرين الاستفادة من أبحاث ودراسات المركز بطريقة واسعة الانتشار سواء فى مصر أو الخارج . كما صدر عدد من الـ سي. دي. لتفسير الكتاب المقدس للدكتور نصحي عبد الشهيد وهى:1 ـ إنجيل متى2 ـ إنجيل مرقس3 ـ إنجيل لوقا4 ـ إنجيل يوحنا5 ـ سفر الأعمال والرسالة إلى العبرانيين6 ـ تفسير رسالة بولس الرسول إلى رومية7 ـ تفسير رسائل بولس الرسول8 ـ تفسير رسائل بولس الرسول9 ـ تفسير رسائل الكاثوليكون. 10 ـ سفر الرؤيا. 11 ـ الأعياد السيدية. 12 ـ عظات متنوعة. 13 ـ عظات متنوعة 2. وبعد ... هل يبادر مجمع الأساقفة باعتماد هذه المؤسسة ضمن المعاهد التعليمية الكنسية، ويوفر لها دعمًا لوجستيًا لتواصل ما انقطع في مسار البعثات، ويوكل إليها مهمة تنقية التراث ومراجعة التعاليم محل الجدل قياسًا على ما توفر لديها من أبحاث آبائية، ودراسات أكاديمية، وخبرات حياتية في التعامل مع أخيال الشباب، لنصل من خلالها إلى وضع دستور إيماني وعقيدي وليتورجي موثق ومحقق ومعاصر يدعم انطلاق الكنيسة إلى أجيال متعطشة للتواصل مع كنيسة الآباء. أدرك أنه عمل شاق ومجهد لكنه بات ضروريًا في مواجهة طوفان المعلومات التي يبثها الفضاء الإلكتروني بتنويعاته، ويصل إلى كل بيت وإلى أجيال الشباب والذين في أغلبهم لم يجدوا في أروقة الكنيسة من يتواصل معهم ويتفاعل معهم، ويقدم لهم منهج الكنيسة وينمى قدراتهم على التفكير واستيعاب حقائق إيمانها. ومازال الطرح مستمرًا. --- ### ١٢) كتاب يصنع حراكاً - Published: ۲۰۱۸-۰۳-۱۲ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/1551/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أنبا إبيفانيوس المقاري, أنبا بيمن، أسقف ملوي, الأب متى المسكين, الأوطاخية, الروم الأرثوذكس, الكرسي المرقسي, الكنائس الأرثوذكسية, الكنيسة الجامعة, الكنيسة الروسية, الكنيسة القبطية, الكنيسة اليونانية, انطلاق الروح, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس السادس, بابا يوساب الثاني, بيت التكريس, جايوس فلاڤيوس ڤاليريوس أوريلوس قسطنطينوس, حركة الشبيبة الأرثوذكسية, حياة الصلاة الأرثوذكسية, دير الأنبا مقار الكبير, طبيعة المسيح, عزيز سوريال, غريغوريوس الكبير, قديس أوغسطينوس، أسقف هيبو, كنيسة القسطنطينية, مجمع خلقيدونية, مدارس الأحد, مطران چورچ خضر, ميشال عون, نصحي عبد الشهيد بطرس, يسرى لبيب, يوحنا منصور بن سرجون الدمشقي المطران جورج خضر: "إنَّ هذا أول كتاب في العصر الحديث لكاتب قبطي يتتلمذ عليه الروم" لا يمكن أن يستقيم البحث وراء فهم موضوعي لما يجري بيننا اليوم، من مواجهات بين فرقاء، ونحن نقترب من نهاية العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، بغير أن نقرأ ملابسات البدايات التي شهدتها سنوات 1948 ـ 1954، ما بين رهبنة د. يوسف إسكندر "الأب متى المسكين" ورهبنة أ. نظير جيد "الأنبا شنودة الثالث"، ويمكن أن نجد عنها الكثير، سواء من شهادتهما عنها، أو من شهادات معاصريهم برؤى مختلفة. غير أنى أرى في كتاب "حياة الصلاة الأرثوذكسية" ـ باكورة كتب الأب متى المسكين، خاصة طبعته الأولى 1952، والذي قدم له الأستاذ نظير جيد، ما يمكن اعتباره مفتاحًا لتفكيك تناقضات وتقلبات العلاقة بينهما، فنحن أمام "معلم" و"مريد"، يرى الأول في الثاني تلميذًا نابهًا، حتى أنه يطلعه على مخطوطة كتابه في مراحله منذ كان فكرة حتى يكتمل بامتداد ثلاث سنوات، ويطلب إليه وهو الشاب العلماني أن يكتب مقدمته، والثاني يرى في الأول نموذجًا جدير بالاقتداء، ويطلق التلميذ سطوره في كتابه الأول "انطلاق الروح" لتصف "أبيه الروحي" وجلساتهما الممتدة معًا، وسياحتهما في دروب الصحراء، يتكلم المعلم وينصت التلميذ، ويحول ما يسمعه إلى سطور تحملها مقالاته بمجلة مدارس الأحد، ثم تجمعها دفتا كتاب، ولا تنتهى سطوره إلا وهو يطرق أبواب الدير طالبًا للرهبنة. تنساب حروفه وتنطلق في مقدمة كتاب "انطلاق الروح": "... كانت الساعة السابعة مساء، والسكون يخيم على أرجاء المكان، حين بدأت وأبى الراهب نضرب بأقدامنا فى رمل الصحراء، نتمشى حيناً ونقف حيناً آخر، متأملين فى موضوعات أسمى من أن يكتبها قلم بشرى ... وقد طال بنا التجوال ونحن لا ندرى، أو نحن لا نود أن ندرى، حتى استقر بنا المطاف أخيراً على عتبة الدير، فجلسنا نناقش موضوع :إنطلاق الروح ... " (الأنبا شنودة الثالث، مقدمة كتاب: "انطلاق الروح") وفى تقديمه للطبعة الأولى لكتاب حياة الصلاة يأخذنا إلى أجواء تَشَكُل الكتاب حتى اكتماله : عندما رأينا هذا الكتاب لأول مرة، كان صغيراً فى حجمه، مكتوباً باللغة الإنجليزية على الآلة الكاتبة فى حوالى 120 صفحة تقريباً. وجده أحد اخوتنا الأعزاء مع راهب ارثوذكسي ينتمي إلى الكنيسة اليونانية فأخذه منه، وقدمه لأحد آبائنا الرهبان لترجمته. (نظير جيّد، مقدمة كتاب: "حياة الصلاة الأرثوذكسية" للأب متى المسكين) كانت المخطوطة لراهب معاصر من الكنيسة الروسية هو الأب لعازر مور، ويعد أحد أعمدة الروحانية في الكنيسة، وقد التقى مع الأب متى المسكين فيما بعد بمبادرة طيبة منه وترحيب حار من الأب متى المسكين، سنعود إليها لاحقًا • ولكن أبانا هذا كان يؤمن إيمانًا أكيدًا أنه قد ترهب للعبادة والتأمل فقط، وإن أتيح له أن يترجم أو ينشر كتبًا فليكن ذلك عملًا ثانويًا إلى جوار عمله الأصلي، كان في الإمكان أن يُترجم هذا الكتاب ويقدم لك من سنة 1949، ولكن الأب الراهب قرأ تلك النسخة الإنجليزية ليتأمل ويستفيد، وليختبر قدر إمكانه تلك المبادئ الحلوة التي سجلها الآباء في حياة الصلاة... واستغرق ذلك منه وقتًا. • وهنا تدرج المشروع فخطا خطوة أوسع. إن المنظم الأول لهذه الأقوال قد سجل مبادئ روحية منسوبة إلى الآباء الذين أعلنوها، فما المانع في الرجوع إلى كتب هؤلاء، ومعرفة كل ما قالوه أو كتبوه عن ذلك... وهكذا رجع أبونا الراهب إلى المخطوطات وما طبع منها، وأضاف إلى النسخة الأصلية كل ما رأى فيه فائدة ومنفعة في موضوع الصلاة. أهدى الدكتور عزيز سوريال عطية للأب متى المسكين، وقتها، مجموعة "آباء الكنيسة ما قبل نيقية وما بعد نيقية"، التي فتحت أمامه أبواب كنز كبير من أقوال الآباء في الصلاة. كان لها دور أساسي في تطور الكتاب واتساعه وعمقه. • ولم يقف الكتاب عند هذا الحد، بل تدرج خطوة أخرى. ذلك أن النسخة الإنجليزية لم تكن مشتملة على أقوال كل الآباء، بل أن آباء روحيين مشهورين جدًا كالقديس أوغسطينوس مثلًا لم تذكر من أقوالهم شيئًا، وهكذا رجع أبونا الراهب إلى أقوال هؤلاء القديسين في حياة الصلاة وترجمها إلى العربية وضمها إلى الأبواب التي تصلح لها. واستغرق هذا أيضًا وقتًا. • ولكن مشروع الكتاب لم يقف عند هذا الحد، وإنما وُجد من الصالح جدًا أن يوضع لكل باب من أبواب الكتاب مقدمة مناسبة تشرح أهم المبادئ التي يشملها، وتسهل على القارئ تفهم تلك الروحيات العميقة... فوضعت المقدمات التي تصلح في حد ذاتها أن تكون كتابًا مستقلًا. • ونما كتاب "حياة الصلاة" نموًا آخر يستلزم إضافة أبوابًا جديدة إليه، وتضمينها أقوال الآباء فيها. (يشير صاحب المقدمة في شرح مطول إلى ما تم إضافته متعلقًا بنواحي النشاط الخارجي التي تؤثر في الصلاة وتتأثر بها). "لعلك عرفت كيف تدرج هذا الكتاب، وكيف اتسع وكيف نما، حتى وصل إلى يديك بهذه الصورة، وحتى كان لازمًا جدًا أن يستغرق هذا الوقت كله، من أجل أن يخرج في أكمل وضع ممكن يصلح لمعاونتنا جميعًا على خلاص أنفسنا" (نظير جيّد، مقدمة كتاب: "حياة الصلاة الأرثوذكسية" للأب متى المسكين) ويختتم الأستاذ نظير جيد مقدمته بكلمات نتوقف أمامها مليًا: بقى أن نقول لك، أنه كأي عمل من أعمال الله، كان لابد أن يحاربه الشيطان، وكأي عمل من أعمال الله كان لابد أن ينتصر في تلك المحاربات،إن الشيطان مستعد يا أخانا الحبيب أن يهبك العالم كله لكى يمنعك عن الصلاة، لأنها أقوى سلاح ضده، أو لأنها السلاح الوحيد الذي به ينهزم. فتمسك بالصلاة وستصل إلى نهاية الطريق حيث الله في انتظارك. حاول أن تقرأ هذا الكتاب لتحوله إلى جزء من حياتك، لا لكي تدرسه أو تزيد به معلوماتك. (نظير جيّد، مقدمة كتاب: "حياة الصلاة الأرثوذكسية" للأب متى المسكين) وعندما يصدر الكتاب يشعل قلب طيف واسع من الشباب وتتخاطفه الأيدي حتي أن طبعته الأولى تنفذ خلال فترة وجيزة، وكأنه حجر ألقى في بحيرة ساكنة، وتنتبه كنيسة الروم الأرثوذكس باليونان ولبنان إلى الكتاب والكاتب، فهم أمام كتاب يخترق الحواجز والمتاريس الصلدة التي تحول بين التقاء العائلتين الأرثوذكسيتين، فلأول مرة تضم صفحات قبطية أقوال وتعاليم لعلماء وقديسين من خارجها، "مثـل: القديس غريغوريوس الكبير، والقديس يوحنا الدمشقي، والقديس ساروفيم ساروفسكي؛ مما فتح للأقباط نافذة جديدة على الكنائس الشقيقة الأخرى، التي كُنَّا ننظر إليها، ولسنواتٍ طويلة، على أنها كنائس مُعادية لنا، فإذا بنا نقرأ سِيَر قدِّيسيها وأقوالهم، ونتمثّل بحياتهم. وكان هذا إيذاناً بقبولنا الآخر الذي لم تستطع الحوارات المسكونية حتى الآن أن تُحقّقه" (عن كلمة الأنبا إبيفانيوس أسقف ورئيس ديـر القديس أنبا مقار، في مؤتمر "بوزي" بإيطاليا، الذكرى العاشرة لنياحة الأب متى المسكين) وقبل أن نسترسل في رصد فعل هذا الكتاب في المشهد القبطي الأرثوذكسي، يقفز أمامنا استفهام كبير، حول الانقلاب الحاد الذي اعترى العلاقة بين التلميذ وأستاذة، والذي تُرجم بامتداد العقود التالية إلى ملاحقة "أبونا الراهب" أينما لاحت بادرة لإشراكه في تدبير المؤسسة! . هل كان الاستقبال المدوي لكتاب حياة الصلاة دور في هذا؟ أم كان السبب هو تحول الأب متى إلى أيقونة عند الشباب حتى صار "أبًا لكثيرين" ويقفز اسمه إلى مقدمة المرشحين للجلوس على الكرسي المرقسي مرتين، بعد نياحة البابا يوساب الثاني (1956)، ونياحة البابا كيرلس السادس (1971)؟ هل كان التحول شخصيًا؟ أم جاء معبرًا عن تحالفات تجمع بعض من كوادر جماعة مدارس الأحد، التي لم يسترح "أبانا الراهب"، لمنهجهم وفكرهم كما قال في أوراقه التي كشفها كتاب "السيرة التفصيلية" الذي اصدره دير الأنبا مقار عنه عقب رحيله؟ هل كان استشعارًا مبكرًا بأن "أبانا الراهب" يمثل حجر عثرة، لا يمكن تجاوزه، أمام مشروع هذه الجماعة للوصول إلى مواقع القيادة وقمة الهرم؟ وهل كانت اتهامات "الهرطقة" التي انطلقت مبكرًا، ولم تنقطع، قنابل دخان تمهد الطريق لإقصاء الرجل عن مسارات الجماعة نحو ما خططوا له؟ خاصة وأن كتاب "حياة الصلاة" استحضر أقولًا ورؤى لآباء وعلماء ورموز كبيرة من الكنائس "الخلقيدونية"، ولم ينزعج لها ومنها "التلميذ" حين سطر مقدمته لهذا الكتاب، بل اعتبرها حينها أمرًا "حسنًا جدًا" (! ! ). ولا أزعم أنني أملك إجابات شافية لهذه التساؤلات. يصدر الكتاب ويلتف حوله الشباب الباحث عن مخرج من صراعات الكبار وقتها، ويجدون فيه إضاءات ترد لهم ثقتهم في كنيستهم، ويخايلهم حلم بعث الكنيسة من جديد، كانوا في سنواتهم الجامعية الأخيرة، من كليات مختلفة، نصحي عبد الشهيد ـ كلية الطب، كمال حبيب ـ كلية الآداب، يسرى لبيب، كلية التجارة، وغيرهم، يراودهم حلم التكريس لا الرهبنة، فيقررون التواصل مع الأب متى المسكين، يراسلونه ويطرحون عليه توجههم، ويسألونه عن مصادر ما ورد من أقوال وتعاليم الآباء على تنوعهم بكتابه، فيعرفون الطريق إلى مجموعة كتب آباء ما قبل نيقية، وآباء نيقية، وآباء ما بعد نيقية، وتقع مجتمعة بأجزائها الثلاثة في 38 مجلد، عكفوا على قراءتها بنهم وعمق، وما أن يأتي عام 1958 حتى يتفقوا مع أبيهم الروحي على تأسيس "بيت التكريس" في حدائق القبة بالقاهرة، وبعد عام ينتقلون إلى ضاحية حلوان، في واحدة من البنايات المتسعة، وهى واحدة من قصور الخديوي توفيق كان مخصصًا للأميرات بناته، لتنطلق رحلة التكريس، وينضم اليهم العديد من الشباب إيذانًا بتدشين مرحلة جديدة في الخدمة التي تجمع بين الروحانية الأرثوذكسية والمنهج الأكاديمي والتفرغ الكامل، ويقترب عدد من طلبوا الانضمام إلى مائة شاب، الأمر الذي أزعج جهات عديدة داخل الكنيسة وخارجها، وبحسب وصف الشاب الجسور والمثابر نظير جيد، وهو وصف يستحضره في كل أزماته، حتى بعد أن صار أسقفًا للتعليم "أنه كأي عمل من أعمال الله، كان لابد أن يحاربه الشيطان، وكأي عمل من أعمال الله كان لابد أن ينتصر في تلك المحاربات"، لكنه كان انتصارًا مؤجلًا. وسنفرد مقالًا خاصا لهذه التجربة الرائدة وتطوراتها، وتعثرها ونجاحاتها، والتي صارت واحدة من أهم المراكز البحثية الآبائية الآن، ودور الدكتور نصحي عبد الشهيد، المعلم الصامت، فيها. لم تقف الدوائر التي أحدثها كتاب "حياة الصلاة الأرثوذكسية" على بحيرة مياهنا الكنسية الإقليمية، فقد تجاوزتها إلى كنيسة الروم الأرثوذكس. ونتوقف هنا أمام واحدة من التداعيات المهمة في هذا الإطار، على أن نعود إلى دوائر الانفتاح المسكوني التي طرقها وأسس لها الأب متى المسكين في طرح مفصل لاحق. نقف مع تفاعل المطران جورج خضر، والذي لم يقتصر على الكلمات التي خطها في خطابه تعليقًا على كتاب "حياة الصلاة الأرثوذكسية" والتي قال فيها: "إنَّ هذا أول كتاب في العصر الحديث لكاتب قبطي يتتلمذ عليه الروم". بل معه تشهد الكنيسة الجامعة إرهاصات تواصل تقطع خصامًا وصراعًا كان في كثيره داميًا وعنيفًا امتد لقرون، وما مواجهات اليوم بين الفرقاء إلا تنويعه على هذه القطيعة. المطران جورج خضر، أحد أهم قيادات كنيسة الروم الأرثوذكس بلبنان، والمؤسس لحركة الشبيبة الأرثوذكسية في منتصف خمسينيات القرن العشرين، وهى حركة تؤهل الشباب دينيًا ومجتمعيًا وسياسيًا، وأخر منصب تولاه هو مطران جبل لبنان حتى تقاعده مؤخرًا (1979 ـ مارس 2018) وقال عنه رئيس لبنان العماد ميشال عون في حفل تكريمه وتقليده وسام "الأرز الوطني": "لأكثر من نصف قرن من الزمن شكّلت عظاته ومقالاته وكتاباته في الدين والفلسفة والاجتماع رابطا عموديًا، ما بين الإنسان والخالق، ومدّا أفقيًا عميقًا ما بين الإنسان والإنسان، وكأنه جاء رسولًا في مهمة تعريف البشر بالله وبأنفسهم. " دعوني انقل لكم ما سجلته سطور كتاب السيرة التفصيلية عن هذا: كانت زيارة الأب جورج خضر من لبنان رائد حركة الشبيبة الأرثوذكسية التابعة لكنيسة الروم الأرثوذكس في سوريا ولبنان، من أهم الزيارات، حيث استقبله الأب متى المسكين وتحدث الأبوان لساعات عدة عن عقيدة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في علم طبيعة المسيح ، حيث اقتنع بعدها الأب جورج خضر بأرثوذكسية الكنيسة القبطية، إذ كان الأرثوذكس الشرقيون التابعون لكنيسة القسطنطينية يعتبرون حتى ذلك الوقت عقيدة الكنيسة القبطية "أوطاخية" أي لا تؤمن إلا بوجود الطبيعة اللاهوتية في المسيح دون الطبيعة الناسوتية، وذلك منذ انشقاق الكنائس الأرثوذكسية في مجمع خلقيدونية عام451 م وحتى ذلك الوقت. • ولما عاد الأب جورج خضر إلى لبنان كتب عام 1960 أول مقال عن أرثوذكسية الكنائس اللاخلقيدونية في مجلة النور (الناطقة باسم حركة الشبيبة الأرثوذكسية التي يرأسها). ومنذ ذلك التاريخ بدأ في نشر هذا الرأي في أوساط الكنائس الأرثوذكسية اليونانية والروسية، وقد ساهم بذلك مع آخرين في التمهيد لأول اجتماع مشاورات لاهوتية بين العلماء اللاهوتيين في العائلتين الأرثوذكسيتين عام 1964 في آرهوي بالسويد. وتوالت بعد ذلك الاجتماعات والمداولات بين هؤلاء العلماء حيث أقرُّوا بعدم وجود خلافات بين العائلتين الأرثوذكسيتين إلا فى الألفاظ والمصطلحات فقط دون العقيدة التى هي نفس العقيدة لدى العائلتين الأرثوذكسيتين. ثم تم اجتماع رسمي بين رؤساء الكنائس الأرثوذكسية في العالم بين الفريقين، وأعلنوا -بناء على توصيات العلماء اللاهوتيون- عدة قرارات تاريخية تُمهِّد لعودة الوحدة الأرثوذكسية المفقودة بعد 1500 عام من الانشقاق والمآسي والحروب التي حدثت بين الكنائس الأرثوذكسية بعضها والبعض. ولم تتوقف الدوائر التي أحدثها كتاب "حياة الصلاة" في مياهنا القبطية والإقليمية بل اجتذبت ومازالت العديد من القامات اللاهوتية والروحية من شتى بقاع العالم، سعيًا لوحدة حقيقية على مستوى الروح، ومازالت الأجيال المتتالية تنهل من معين هذا الكتاب فتبنى حياتها على الإيمان المستقيم وتنفتح على الله والإنسان. إنه كتاب صنع حراكًا لحساب المسيح وجسده الواحد. ومازال للطرح بقية في سعينا للوقوف على أبعاد سنوات الحراك والبعث حتى نعثر على إجابة لسؤالنا: الكنيسة. . صراع أم مخاض ميلاد؟ --- ### ١١) جدداً وعتقاء - Published: ۲۰۱۸-۰۳-۱۱ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/1519/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: آدم, أمجد بشارة, أنبا بفنوتيوس، مطران سمالوط, إيليا النبي, الثالوث القدوس, الروم الأرثوذكس, المجلس الملي, باسيلي سمير, بيت التكريس, تدبير الخلاص, تناول المرأة, جماعة الأمة القبطية, شريف رمزي, طبيعة المسيح, عادل الفونس, عماد نبيل, فادي سامي, محبي التراث الآبائي, مدارس الأحد, مركز دراسات الآباء, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية نحن مجموعة من الدارسين والدارسات للتعاليم والفكر الآبائي الأرثوذكسي، ونعمل على إيصال تعاليم الآباء للجميع، بالاستعانة بمجهودات المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، إيمانًا منا أن التعليم والعقيدة السليمة هما الطريق السليم لحياة حقيقية مع المسيح والنفس والغير كدتُ أن أُبتَلع في موجة اكتئاب عنيفة وأنا اقلب في صفحات تاريخ الكنيسة في القرون ما بين القرن السابع الميلادي، الذي شهد نقطة تحول درامية إثر الدخول العربي الجامح، وما استتبعه من قطع حاد مع التراكم اللاهوتى كنتيجة للانتقال القسري من اللسان القبطي، وقبله اليوناني، إلى اللسان العربي، وبين النصف الأخير من القرن العشرين، والذي شهد محاولات عديدة لوصل ما انقطع، لكنها واجهت متاعب جمة وتعثر الكثير منها، وبعضها حملت في تطبيقاتها إسقاطات ذاتية، انعكست سلبًا على مساراتها، كانت أبرزها، تجارب جماعة الأمة القبطية ومدارس الأحد، والمجلس الملي، أُجهضت الأولى في مهدها، واستمرت الثانية حتى وصلت بكوادرها إلى قمة الهرم الكنسي لكنها لم تستطع أن تتخلص من صراعات اجتحتها، بينما تأرجحت وتعثرت الثالثة بين نجاحات الأراخنة وتخوفات الإكليروس وتدخلات الدولة التعسفية. وعندما تهاجمني موجات الاكتئاب، ألوذ بواقعة يسجلها الكتاب المقدس، كان بطلها إيليا النبي الثائر، حين أُصيبت الأرض بجفاف امتد لأكثر من ثلاث سنوات، وعندما أخبر الله إيليا بعودة الأمطار لتروى الأرض وتعيد إحيائها، أرسل تلميذه ليتطلع نحو البحر لعله يشهد تجمع السُحب توطئة لهطول المطر، فعاد إليه مخيبًا توقعاته، بأنه لم ير شيئًا، ويتكرر الأمر لسبع مرات، وَفِي الْمَرَّةِ السَّابِعَةِ قَالَ: «هُوَذَا غَيْمَةٌ صَغِيرَةٌ قَدْرُ كَفِّ إِنْسَانٍ صَاعِدَةٌ مِنَ الْبَحْرِ» وَكَانَ مِنْ هُنَا إِلَى هُنَا أَنَّ السّمَاءَ اسْوَدّتْ مِنَ الْغَيْمِ وَالرّيحِ، وَكَانَ مَطَرٌ عَظِيمٌ. (سفر ملوك الأول ص 18) ظهرت السحابة التي تبدو "قدر كف" في سماء الكنيسة في أفق عام 1958، باتفاق نفر من العلمانيين على تأسيس "بيت التكريس" بأحد أحياء القاهرة "حدائق القبة" ثم ينتقلون به بعد عام إلى الضاحية الهادئة ـ وقتها ـ حلوان، وتنطلق منه رسالة جديدة تسعى للشباب تقدم لهم قراءة ميسرة في كنيسة الآباء وتخرج من كنوزهم ما احتفظت به خزائن المخطوطات اليونانية والقبطية، في كتيبات صغيرة. ثم تعود مجددًا إلى حدائق القبة، بعد أن اجتذبت الرهبنة ثلاثة من أعمدتها الأربعة. سنفرد لهذه التجربة، تأسيسًا وفعلًا ومراحل، مساحة خاصة فيما بعد. . دعونا نقفز إلى عام 2010، وفيه تشهد واحدة من "الكافيهات" لقاء بين شاب وخطيبته، لم يكن حديثهما رومانسيًا أو حالمًا تستوجبه عشرينية عمرهما، ولم يكن متجهمًا قلقًا يبحث عن كيفية تدبير نفقات تأثيث البيت الجديد، كان يشغلهما البحث عمن يجيب على أسئلتهما حول الكنيسة والعقيدة واللاهوت، والممارسات الطقسية، وتدبير الخلاص، وقد تضاربت الآراء حولها، حتى عرفا الطريق إلى "مركز دراسات الآباء" وهو إحدى الآليات التي خرجت من عباءة "بيت التكريس"، وفيه يتعرفان على نظرائهم من الشباب، وتنتظم المجموعة في دورة دراسية "دبلومة في الآبائيات"، وكان من بينهم من درس بالإكليريكية، ويلتحق بعضهم فيما بعد بواحدة من أعرق الجامعات اللاهوتية الأرثوذكسية بالخارج، عبر دراسة بالمراسلة، كانوا شبابًا يقتربون من نهاية العشرينات وبداية الثلاثينيات على أقصى تقدير، كانوا خمسة شبان وفتاتان، رأوا أن ما تجمع لديهم يحتاجه كثيرون من أقرانهم وأبناء جيلهم، فقرروا، 2012، أن يضعونه على "شبكة النت" ويجتذب الجروب مئات من الشباب في فترة وجيزة، وفجر طوفانًا من الأسئلة، وطلب المزيد من المعلومات، فكان قرارهم تأسيس حركة تعليمية بشكل مؤسسي لتولد "حركة محبي التراث الآبائي"، بدأت على الشبكة العنكبوتية، ويتوالى نشر مقتطفات من تعاليم الآباء على موقع الحركة، ثم يشهد عام 2013 نقلة نوعية في نشاطها، إذ تتواصل مع اجتماعات الشباب بالكنائس وترتب لمحاضرات متخصصة فيها، تشهد إقبالًا وتفاعلًا إيجابيًا، وكان اتفاقهم، ألا يكونوا طرفًا في الصراعات الضيقة التي تشتت أصحابها عن دورهم البنائي، كان اعتمادهم الأساسي على ما يصدره مركز دراسات الآباء من كتب ودوريات، وما يعقده من ندوات ومؤتمرات. ليتطور عملهم إلى توزيع بعض هذه الكتب على شباب الخدام مجانًا، وكان أبرزها كتاب "هكذا أحب الله العالم" للقس موسى فايق غبريال، كاهن كنيسة الشهيد العظيم مار جرجس سيدي بشر، الإسكندرية". وقد قاموا بتوزيع نحو ثلاثة آلاف نسخة منه على الشباب. ثم يقتحمون دائرة القضايا الشائكة فيصدرون كتابًا بعنوان "المرأة في المسيحية: قضايا مثيرة للجدل" يناقش بموضوعية: تناول المرأة بعد الولادة، ختان الذكور / ختان الإناث، وسائل تنظيم الأسرة والإجهاض، هل ورثنا خطية آدم أم ورثنا الموت، هل تتواجد الروح مع اتحاد الخليتين أم مع الزيجوت ببطانة الرحم. ويعقدون كورسات لاهوتية متعمقة ومنضبطة تتناول قضايا الخلق والإنسان وطبيعة المسيح والمجامع وغيرها من المحاور الأساسية في الإيمان المسيحي، في ضوء خبرات الكنيسة. ثم تصدر الحركة سلسلة من الكتب لمجموعة من الباحثين بها، كان أبرزها: "سر الثالوث القدوس ـ استعلان حياة وخلاص"، "سر تدبير الفداء ـ من السقوط إلى المصالحة"، "رحلة الله والإنسان نحو الخلاص"، فضلًا عن العديد من الإصدارات الخاصة بالأطفال ويعقدون مؤتمرًا عن "الآباء الأوائل" لأطفال ابتدائي في كنيسة مار مرقس بشبرا حضره 300 ولد وبنت. ويلتفت مطران سمالوط التنويري، الأنبا بفنوتيوس، إلى هؤلاء الشباب، ويتابع عن كثب جهدهم وعملهم فيدعوهم إلى إقامة مؤتمرهم التعليمي الأول في إيبارشيته، على هامش معرض الكتاب السنوي لإيبارشية سمالوط (من 1 إلى 4 مارس 2018)، وتتناول المحاضرات موضوعات ثرية: أعجوبة نقل جبل المقطم ـ الأستاذ شريف رمزي. سر الثالوث ـ الأستاذ عماد نبيل. الذبائح ـ الأستاذ عادل الفونس سر التدبير ـ الأستاذ أمجد بشارة. سر الكنيسة ـ الدكتور فادي سامي. الهوية القبطية ـ القس باسيلي سمير. وعند إعلان قيام الحركة تصدر بيانًا للتعريف بها: نعلن انطلاق حركة محبي التراث الآبائي فى يوم 1 يونيو 2013 الموافق 24 بشنس 1729 وهى حركة تعمل على نشر تعاليم الآباء الأوائل من خلال الفاعليات المختلفة بالإستعانة بجهود المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية. أولاً: من نحن؟ "نحن مجموعة من الدارسين والدارسات للتعاليم والفكر الآبائي الأرثوذكسي، ونعمل على إيصال تعاليم الآباء للجميع، بالاستعانة بمجهودات المركز الأرثوذكسي للدراسات الآبائية، إيماناً منا أن التعليم والعقيدة السليمة هما الطريق السليم لحياة حقيقية مع المسيح والنفس والغير". ثانياً :ملفات الحركة: الحركة تعمل على تنفيذ 4 ملفات:1 ـ ملف التعليم: نعمل على نشر تعاليم الآباء الأوائل من خلال فاعليات مختلفة. 2 ـ ملف الوحدة بين كنيسة الأقباط الأرثوذكس وكنيسة الروم الأرثوذكس. 3 ـ ملف التواصل بين الآباء والعصر الحالي. 4 ـ ملف إنعكاس تعاليم الآباء على الحياة المعاصرة. للحركة هيئة تأسيسية من 13 فرد وتم عمل انتخابات داخلية لتحديد المسئوليات المختلفة. الحركة تعمل بشعار: "أنا مسئول عن إظهار النور الذي عندي، وليس إظهار الظلام الذى عند غيري"لذلك نمنع تماماً فى فاعلياتنا الهجوم على أى معتقد أو كنيسة أو فكر أو أشخاص. ثم تعاود الحركة تأكيد مبادئها في بيان ثان: • تؤمن الحركة أن تعاليم الآباء الأوائل هى مصدر رئيسي من مصادر التعليم الكنسي بجانب الكتاب المقدس والتقليد وتعاليم المجامع المقدسة والفن الكنسي، وتعمل الحركة على نشر تعاليم الآباء الأوائل من خلال الفاعليات المختلفة. • تؤمن الحركة بالوحدة الكنسية بين الكنائس الرسولية، وتعمل الحركة على السعي في تحريك ملفات الوحدة على مستوى القياداتللحركة مكتب إدارى يتكون من :• منسق عام، ومتحدث رسمي، وأمين سر، ومسئول الشباب، ومنسق مالي، ومسئول تواصل، وعضو تحت السن. • تمنع الحركة الهجوم على أو السخرية من أى شخص أو عقيدة أو فكر أو كنيسة، بل تعمل فقط على نشر ما لدينا من تعاليم الآباء الأوائل. • يمكن إضافة أو تعديل أى مبدأ من المبادئ العامة بتقديم طلب للمكتب الإداري، ويجب موافقة 65 % من أعضاء المكتب لتفعيل أي مبدأ جديد. • الحركة بالأساس تعليمية، وليس لها أية انشطة أخرى غير التعليم الكنسي. كان تعرفي على شباب هذه الحركة تأكيدًا على صحة انحيازي للتفاؤل رغم موجات التشاؤم التي تلفنا، ويعطينا أملًا في انطلاقة جديدة للكنيسة "لتعود بقوة أعظم" بحسب تعبير القديس يوحنا ذهبي الفم، وأنها قد تمرض لكنها لا تموت. كان لبيت التكريس دورًا في البعث الجديد، تأسيسًا على القاعدة التي تقول بأن التنوير يبدأ فكرًا. وهو ما سنتناوله في المقال القادم. --- ### ١٠) العرب والانقطاع المعرفي الثاني - Published: ۲۰۱۸-۰۳-۱۰ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/1490/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: الأب متى المسكين, اللاهوت النظري, كريسماس "واستيقظ الأقباط وإذا بهم قد نسوا لغتهم الأصلية، فباتت كل مخطوطاتهم التي ملأت خزانات الكتب في البيوت والكنائس والأديرة ـ مئات الألوف المكتوبة باليونانية والقبطية ـ بلا قيمة ولا معنى ولا أثر، كحجر رشيد الملقى على شاطئ البحر ينتظر من يترجمه لأولادها، لذلك كانوا يُفرِّطون في بيعها لسارقي المخطوطات من الأجانب" • أجدني بحاجة إلى التأكيد على أن سطوري لا تتناول "الإسلام" الدين، وإنما تقترب من المرحلة التاريخية التي عاشتها مصر، وتحديدًا الأقباط والكنيسة، بعد قدوم العرب في القرن السابع الميلادي. حتى لا نختطف إلى دوامات جدل لا محل لها. وهى حاجة تولدها حالة التربص التي تسيطر على دوائر الحوار، إن وجدت، والتي صارت معها أعصاب كثيرة فوق الجلد، تحت تأثير الربط القسري بين العرب والإسلام، إلى حد اعتبار تحليل ما يرتبط بالأول تعريض بالثاني، ومع التراجع المعرفي انخفض سقف الطرح الموضوعي، وتم تقديس التاريخ، وصار الطرح العام أقصر الطرق إلى ساحات المحاكم، ليقبع صاحبه خلف الأسوار، ازدراء وإنكارًا لما هو متفق عليه في تاريخ ملتبس. • أن مصر لها ثقافتها وحضارتها وكيانها قبل القدوم العربي، وقد تأثرت بالضرورة به، وأن صار لسانها عربيًا، ومن ثم صارت الثقافة العربية رافدًا كبيرًا في تكوينها الثقافي، والتحولات الحضارية، بفعل تلاقح الثقافات والحضارات. إلا أن الثقافة المصرية تظل متواصلة مع طبقات الثقافات التي تكونها، حتى إلى الثقافة المصرية القديمة، والثقافة اليونانية سواء بفعل انتمائها المتوسطي، أو بفعل الحقبة الرومانية، بحكم التاريخ، وقبل هذا وبعده الثقافة الأفريقية بحكم الجغرافيا. لكنها تبقى مصرية الحضارة والفكر بنكهات متعددة، تضفى عليها الكثير بفعل ثراء التنوع والتعدد المنصهر في بوتقتها. • لكننا لا نستطيع أن نجهل أن الحاضر المعاش ولد من رحم الأمس، وأن التاريخ سلسلة ممتدة من التفاعلات المعقدة، وليست كلها "طوباوية" أو "مثالية" وليست كلها "شريرة" بطيعة الحال، بل هي في مجملها صراع قوىَ، يصبغ المنتصر الأحداث بصبغته، ويسجل مؤرخوه تاريخه كما يراه ولحسابه، لكن وثائق ومخطوطات وشهادات معاصريه، موالاة ومعارضة وحلفاء وخصوم، وآثار زمنه قد تكفل تقديم قراءات أخرى للأحداث، وبقدر التوافر على دراسة التاريخ من مصادر متعددة تكون الموضوعية في التحليل وفهم ما كان. • بحسب عديد من الدارسين لم يأت العرب إلى مصر، فتحًا أو غزوًا، بغرض نشر الإسلام، ولم يتعاملوا مع طبيعتها وثقافتها وحالها وناسها من منطلقات دينية، ولعل هذا يفسر بقاء المصريين خارج دوائره لثلاثة قرون وربما أكثر، فقد كانت طبيعة المرحلة تدفع العرب للخروج من وادي الرمال وضيق الحياة فيه إلى رحابة البلاد التي تفيض ارضها بالخير بفعل النهر والأرض السمراء، وكانت المرويات عنها والتي يحملها التجار بعد عودتهم من رحلاتهم، تثير خيال عرب الجزيرة، فتنامى حلم إخضاعها لسيطرتهم، وكانت اللحظة مواتية، وقد أنهكتها الصراعات بين محتل عتى، وبين الجراح التي أثخنت جسدها بجروح غائرة، من جرّاءِ فرض قيادات دينية مذهبية مغايرة بقرارات امبراطورية عليها، فصار على رأسها بطريرك خلقيدوني تعقب البطريرك السكندري ونفاه، أو لعله هرب من بطشه، إلى صحارى وادي النطرون واعتقل أساقفته وعين بدلًا منهم أساقفة خلقيدونيون، ومد سلطانه على كنائس الكرازة، وجمع بين السلطتين المدنية والدينية ليصير بطريركًا وحاكمًا، والذي يعرفه التاريخ بـ "المقوقس" التي تعنى عظيم القبط، وهو البطريرك سيرس أو ساويرس. • ما بين القرنين العاشر والحادي عشر يحدث التحول في عقيدة الأغلبية، ليصر الأقباط المسيحيون أقلية، ويصير لسانهم عربيًا، ويبقوا زمانًا غير قليل يتأرجحون بين القبطية اللغة الغابرة والعربية اللغة المفروضة، يسعون لفهمها قبل أن ينجحوا في إجادتها، ولعل من يذهب إلى الكنائس الأثرية بمصر القديمة يجد أثر ذلك على السطور العربية التي تحملها الأيقونات، وقد كتبت بذهنية قبطية، لم تكن تعرف التشكيل فصارت "الضمة" "واوًا"، و "الفتحة" "ألفًا". • كان من نتيجة ذلك أن صار لدينا جيلًا وربما أجيال تعاني من الانقطاع المعرفي اللاهوتي تحديدًا، تتناقل صلواتها عبر التعليم الشفاهي، ويحسب لها احتفاظها بمنظومة ليتورجيتها، مجموع الطقوس والصلوات، حتى وإن تناقلتها بغير إدراك لمضامينها، وكانت سر بقاء المسيحية في مصر. • ويلخص الأب متى المسكين المشهد في كلمات موجزة: "واستيقظ الأقباط وإذا بهم قد نسوا لغتهم الأصلية، فباتت كل مخطوطاتهم التي ملأت خزانات الكتب في البيوت والكنائس والأديرة ـ مئات الألوف المكتوبة باليونانية والقبطية ـ بلا قيمة ولا معنى ولا أثر، كحجر رشيد الملقى على شاطئ البحر ينتظر من يترجمه لأولادها، لذلك كانوا يُفرِّطون في بيعها لسارقي المخطوطات من الأجانب" (الأب متى المسكين - راجع حلقة 6 "أيقونات علمانية قبطية") • ويثير أحد الباحثين قضية الترجمة اللاحقة وتأثرها بالمصطلحات العربية السائدة، في استخدام كلمات، تصور المترجم أنها تعطى المعنى المقصود في الأصل اليوناني، بينما أخذتنا إلى دوائر مثيرة للجدل، وتحتاج إلى بحث المتخصصين وتناولها بما تستحق من اهتمام، وقد حجبت أسم الباحث حتى لا نُختطف إلى جدل مشخصن، صار عنوان ما يدور من مواجهات الآن، يقول: التأثير اللغوي نراه في استبدال كلمة "خدمة" بكلمة "عبادة"، وصارت الصلاة ليست خدمة الثالوث لنا، بل عبادتنا نحن للثالوث، والأخطر هو تحول كلمة "حق" في أسفار العهدين القديم والجديد إلى "بر وعدل"، ومنها دخل إلى قاموس اللاهوت النظري (العدل الإلهي)، وتظهر اختلالات الترجمة وتأثيرها اللاحق في ميمر العبد المملوك والذي كان يُقرأ يوم الجمعة العظيمة، ويحمل أخطاء لاهوتية فادحة، وقد انتبهت الكنيسة لهذا فمنعت قراءته. وينسحب الأمر إلى تسلل كلمة "القصاص" التي لم ترد في أي نص يوناني أو قبطي، وبعض الكلمات في الترجمة المتداولة للكتاب المقدس تحتاج إلى ضبط على أصولها اليونانية ... (الأب متى المسكين) ويبدو أنه قد اقترب من أحد أهم أسباب المواجهات الحالية بين الفرقاء، فقد اعتمد فريق منهم على ما توفر لديه من ترجمات عبر لغة وسيطة عن اليونانية لم تتأثر فقط بمشكلات النقل بين اللغات ولكنها تأثرت أيضًا بذهنية المترجم وما وقر فيها من مفاهيم، باختلاف انتماءاته المذهبية والدينية أيضًا. ومن تأثير المناخ السائد في شرقنا العربي نرصد الاهتمام باحتفالات "القيامة" أكثر من "الميلاد"، بينما الغرب يولى احتفالات "الميلاد" نصيبًا أوفر من احتفالات "القيامة"، وليس في الأمر تفضيلًا "لاهوتيًا" في الحالين، لكن الشرق يذهب للتأكيد على ألوهية المسيح في مواجهة إلحاح لا ينقطع من خارج المسيحية على إنكار هذا، وغير بعيد يتزايد عندنا التعليم بضعف الإنسان وهشاشته على حساب ثقافة الانتصار والغلبة، ومتوالية السقوط والقيام، واعتبار عكس ذلك تنويعات على الكبرياء والغرور الذي يقود للسقوط، ويتدعم هذا بمرويات فلكلورية عن قديسين لم يتيقنوا من خلاصهم حتى بعد انطلاقهم من الأرض، حتى وضعوا أقدامهم في "السماء"، كما تتحدث الحكاية عن القديس مقاريوس وحواره مع الشيطان (! ! ). بينما نجد الغرب متحررًا من هذا الضغط لا يتوقف عن التغني بإنسانية الله وتجسده، مؤكدًا على مكتسبات "الإنسان" التي صارت له في "المسيح الإنسان" "الإله المتجسد"، والذي لولا تجسده وإنسانيته الكاملة لبقى الإنسان في الظلمة وتحت حكم الناموس والموت. وقد ترجمته الكنيسة في تسبحتها "هو أخذ الذي لنا وأعطانا الذي له نسبحه ونمجده ونزيده علوًا" (ثيئوطوكية الجمعة). وينعكس هذا على تحول حدث الميلاد إلى احتفال يغطى تفاصيل يومه وحياته بشكل لافت ومثير فيما نراه من احتفالات "الكريسماس"، والتي تجاوزت كونها احتفالات دينية. ما بين التعليم على خلفية "لاهوت الحياة" والتعليم المنطلق من "ثقافة الموت" تدور رحى المواجهات التي اندلعت بين الفرقاء مؤخرًا. • لذلك يمكننا بعد طوافنا الممتد بحثًا عن إجابة لسؤال "الكنيسة : صراع أم مخاض ميلاد؟" أن نقول، بغير التفات إلى ضجيج مصطنع، أننا إزاء مخاض ميلاد، نسترد معه مفاهيم إيماننا وفق تسليم الإنجيل وخبرة الكنيسة، ويحتاج لكى يطلق صرخة الحياة ويعلن عن اكتمال ميلاده أن نواجه اختلالات مؤسساتنا التعليمية "الكنسية" وفق القواعد الأكاديمية اللاهوتية، والتي اشرنا إليها مرارًا في طرحنا. استدراك هل للمخاض مؤشرات؟ هذا ما سنتناوله لاحقًا ويبقى بعده تناول الكنيسة والأقباط والكنيسة والسياسة وهى موضوعات مقالات تالية. --- ### ٩) والعلمانيون يضرسون - Published: ۲۰۱۸-۰۳-۰۹ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/1547/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: إفخارستيا, إكليروس, العلمانية, المجلس الملي, النسطورية, بابا كيرلس عمود الدين, ليتورچي, مجمع أفسس المسكوني, مركز دراسات الآباء, معهد الدراسات القبطية, نصحي عبد الشهيد بطرس اللافت أنه عندما أعيد طرح إحياء "المجلس الملي" كان الاسم الأكثر تداولًا: "المجلس الاستشاري" (!!) فيتحول الدور العلماني من كونه أحد جناحي الكنيسة إلى تابع بلا مشاركة حقيقية، وتفقد الكنيسة أحد أهم مميزاتها، أنها كنيسة الشعب. الكنيسة الكيان تسعى لاستعلان قصد الله الأزلي الذي أعلنه يسوع المسيح، وحققه في تجسده وموته وقيامته، "السّرِّ الّذِي كَانَ مَكْتُومًا فِي الأَزْمِنَةِ الأَزَلِيّةِ، وَلكِنْ ظَهَرَ الآنَ، وَأُعْلِمَ بِهِ جَمِيعُ الأُمَمِ بِالْكُتُبِ النّبَوِيّةِ حَسَبَ أَمْرِ الإِلهِ الأَزَلِيِّ، لإِطَاعَةِ الإِيمَانِ، للهِ الْحَكِيمِ وَحْدَهُ، بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ" (رومية 16 : 25 ـ 27)، وهى لا تتوقف عن إعلانه فتنير لنا الطريق "وَأُنِيرَ الْجَمِيعَ فِي مَا هُوَ شَرِكَةُ السّرِّ الْمَكْتُومِ مُنْذُ الدّهُورِ فِي اللهِ خَالِقِ الْجَمِيعِ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ" (أفسس 3 : 9). ويجمل القديس بولس أركان هذا الإستعلان في كلمات موجزة "وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ، تَبَرّرَ فِي الرّوحِ، تَرَاءَى لِمَلاَئِكَةٍ، كُرِزَ بِهِ بَيْنَ الأُمَمِ، أُومِنَ بِهِ فِي الْعَالَمِ، رُفِعَ فِي الْمَجْدِ. " (1تيموثاوس 3 : 16). فالكنيسة هي آلية أو أداة الله في استعلان الملكوت وتحقيقه في زمن الإنسان، ويقاس نجاح الكنيسة بل ومبرر وجودها بقدر قدرتها على القيام بهذا الإستعلان. وبانتباهها لئلا يزاحمه أو يشغلها سعى آخر، مهما كان بريقه، ولا تكفى المعرفة اللاهوتية مدخلًا لنشر الملكوت بل يلازمها "السلوك التقوّى"، لذلك فهي والحال هذه لا تعرف الصراع والتضارب والاحتراب، ولا يقبل منها أن تبرر هذا بحماية الإيمان والحفاظ على العقيدة، رغم أن هذا أحد مهامها، ويدق الأمر عندما يطرح طرحًا عامًا، فالأهداف الصحيحة تستوجب استخدام مسارات وآليات سليمة وصحيحة، لا تخرج عن منظومة القيم المسيحية، ولنا في رسائل وكتابات الآباء إلى الوثنيين والهراطقة نموذجًا، ومثالنا رسائل القديس كيرلس الكبير إلى نسطور ويوحنا الأنطاكي: "كيرلس يهدي تحياته في الرب إلى الموقر جدًا والمحب جدًا لله الشريك في الخدمة نسطوريوس" (من رسالة القديس كيرلس الكبير إلى نسطوريوس، استهلال الرسالة الرابعة) "كيرلس يهدى التحيات في الرب إلى سيدي وأخي وشريكي في الخدمة الكهنوتية، يوحنا... " (من رسالة القديس كيرلس الكبير إلى يوحنا الأنطاكي، استهلال الرسالة 39) "من كيرلس والمجمع المنعقد في الإسكندرية من إيبارشية مصر، نهدى تحياتنا في الرب، إلى الموقر والمحب لله جدًا الأسقف الشريك نسطور" (من رسالة القديس كيرلس الكبير إلى نسطوريوس، استهلال الرسالة 17) رغم أن هذه الرسائل تأتى في سياق الصراع الخريستولوجى (الكلام عن ماهية المسيح وطبيعته). ولم تمنع انعقاد مجمع أفسس المسكوني الثالث لمراجعة نسطوروس الذي انتهى بقطعه وعزله. والكنيسة ككائن حيّ، تراجع واقعها بشكل متواتر، قياسًا على ما استقر فيها من إيمان وعقائد سطرها الإنجيل والتسليم الآبائي وخبراتها الحياتية القوية، واخزنه في منظومة عبادتها عبر الليتورجيا، وتاجها الإفخارستيا. ولهذا كانت المجامع المسكونية في قرون الكنيسة الأولى، والتي تعد واحدة من أهم المرجعيات التي يقاس عليها الأطروحات اللاحقة فيما يتعلق بالعقائد الكبرى، وفيها القول الفصل الذي لا يملك أحد الخروج عنه وعليه. وفيما سبق وطرحنا، عبر هذه السلسلة من المقالات، نجد أن الكنيسة باتت بحاجة ملحة لتعريب وترجمة أعمال وقرارات (قوانين) المجامع المسكونية، وكتابات الآباء ذات الصلة، بشكل مؤسسي، عن لغتها اليونانية، وهى لن تبدأ من فراغ، فلدينا مؤسسات قبطية أكاديمية عريقة قدمت للمكتبة المصرية والعربية الكثير من الكتب المترجمة قام بها باحثون ومتخصصون في يونانية الآباء، لعل أبرزها "مركز دراسات الآباء" الذي أسسه بفدائية وجلد ومثابرة الأستاذ الدكتور نصحي عبد الشهيد، وما تفرع منه من مؤسسات وكيانات علمية، مازال ومازالت تعمل بجهود مضنية في إمداد القارئ بالمزيد. وعلى الكنيسة المؤسسة أن تجمع هذه الجهود في كيان كنسي مؤسسي رسمي. لكننا نتوقف مليًا أمام الملاحقات التي تعقبت المد المدني (العلماني) والذي تناولناه في رصدنا بعضه في طرحنا للعمل الأهلي، الجمعيات والكيانات الأهلية، والتي انتجت العديد من المدارس العامة والكنسية، وكانت وراء إعادة بعث الإكليريكية، وإنشاء معهد الدراسات القبطية، بتكوينه العلمي والذي كان مرشحًا ليصبح نواة لجامعة لاهوتية علمية مصرية، بما يملكه من هيكل تنظيمي وأقسام متخصصة، وما يضمه من كوادر علمية لها إسهاماتها وإنتاجها العلمي المتخصص ليس فقط في الجامعات المصرية بل وفى الجامعات الأوروبية والأمريكية. وكان للكنيسة القبطية الأرثوذكسية أُسقفان، أحدهما للتعليم والكلية الإكليريكية، والثاني للبحث العلمي ومعهد الدراسات القبطية العليا، وكان من الطبيعي حال تعاونهما أن تشهد الكنيسة انطلاقة علمية قوية، تسترد معها ثقلها اللاهوتي، الممتد إلى مدرسة الإسكندرية اللاهوتية، لكن ما حدث جاء صادمًا، إذ تراجعت الكلية الإكليريكية بشكل حاد، وانتقل الاهتمام فيها إلى القسم المسائي، على حساب مكونها الأساسي، القسم النهاري، والذي كان يؤسس لاستعادة نسق التلمذة كما عرفته مدرسة الإسكندرية، حيث الإقامة الكاملة لطلابها، داخلها، دراسة ومعيشة وإقامة، يعايشون أساتذتهم، داخل وخارج قاعات الدرس، لينصب التركيز على القسم المسائي الذي يلتحق فيه خريجي الجامعات من مختلف التخصصات، ليتلقوا علوم الكنيسة في محاضرات يغادرونها بعدها، ومنهم تختار الكنيسة من يقدمون للرسامة الكهنوتية، دون القسم النهاري، الذي كاد أن يوصد أبوابه، ولا يجد من يتخرج فيه مكانًا في الرسامات داخل القاهرة، فيطرح نفسه على أساقفة الأقاليم، ثم في تطور لاحق يتجه بعض الأساقفة إلى إنشاء إكليريكيات محلية تفتقر لأبسط المقومات العلمية وينعكس هذا على منتجها. أما معهد الدراسات فيشهد هجرة الكوادر المؤسِسة له لأسباب عديدة ليحل محلهم آخرين ويدب الخلاف بين اسقفي التعليم والبحث العلمي، ويتخذ منحى حاد بعد أن يصير أسقف التعليم بطريركًا، لينتهى الأمر بشكل مأساوي وينهار أو يكاد صرح الكلية والمعهد. ويجهض الحلم التنويري. ولم يكن العمل الأهلي القبطي اسعد حالًا، إذ يشهد تراجعًا متتاليًا، في سياق عام خارج الكنيسة، يقلص كل ما هو مدني، لتتحول أنشطة الجمعيات عن مسارات التعليم والصحة، ولا يتبقى أمامها إلا نشاط "دفن الموتى" وخدمات الرحلات الدينية الموسمية، وبعضها يطرق أبواب ما يمكن أن نسميه "الخدمات الاستثمارية" تحت لافتات مخاتلة، لتموت معها مفاهيم العمل التطوعي والأهلي الخدمي. وتشهد الساحة القبطية الأرثوذكسية تراجعًا في الدور العلماني بشكل متدرج، وبأنماط متنوعة، بين اجتذاب المتميزين في تخصصاتهم المدنية، أطباء ومهندسين وغيرهم، إلى دائرة الرسامات الكهنوتية، أساقفة وقسوس، فتفرغ الدائرة العلمانية من العديد من التخصصات بما يفقدها قدرتها على إحداث توازن مجتمعي، ولا تقدم للدائرة الكهنوتية طاقتها الكاملة لوقوعها تحت طائلة القواعد الهيراركية الحادة، وبين سحب المنبر من العلمانيين ليصير مقتصرًا على رجال الإكليروس، وبعد أن كان العلمانيون شركاء في إدارة شئون الكنيسة المدنية ينتقلون إلى المربع الاستشاري، حتى في تخصصاتهم، ليكبل الإكليروس بما ليس لهم وينعكس هذا سلبًا على مهمتهم الأساسية وندخل في دوامة بلا قرار، ويئن العلمانيون ويئن الإكليروس، وتتفاقم أزمات التعليم والرعاية، ولم تكن الرهبنة بعيدة عن الأنين، وهى منظومة علمانية بالأساس وليس إكليروسية، فقد تم تفريغ الأديرة من شيوخها بين الرسامة والتحجيم، لتفقد واحدة من أركانها الأساسية "التلمذة"، وتتوالد الرؤى الذاتية، وتبدأ صراعات التأويل والتفسير وتضارب الآراء بغياب التسليم الآبائي. ومع كل هذه الاختلالات تظهر الولاءات ويقفز أهل الثقة إلى الصفوف الأولى، ويبعد أو يتوارى أهل الخبرة. اللافت أنه عندما أعيد طرح إحياء "المجلس الملي" كان الاسم الأكثر تداولًا: "المجلس الاستشاري" (! ! ) فيتحول الدور العلماني من كونه أحد جناحي الكنيسة إلى تابع بلا مشاركة حقيقية، وتفقد الكنيسة أحد أهم مميزاتها، أنها كنيسة الشعب. وتأتى المواجهات الأخيرة بين قيادات الإكليروس منتجًا طبيعيًا لاختلالات تراكمية بدأت بالانقطاع المعرفي واستمراره، وتغذت بالانفراد لأحد أجنحة الكنيسة وإقصاء الآخر، وتكريس الرأي الأوحد وتشويه مفهوم التعدد والتنوع الذي كان يميز ويثرى الكنيسة. ومازال الطرح مستمرًا. --- ### ٨) إرهاصات بعث ملتبسة - Published: ۲۰۱۸-۰۳-۰۸ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/1543/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أنبا أنطونيوس الكبير، أبو الرهبان, الأب متى المسكين, الراهب الأحمر, الكنيسة القبطية, المجلس الملي, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس الخامس, بابا كيرلس الرابع أبو الإصلاح, بابا كيرلس السادس, بابا يوساب الثاني, تدبير الخلاص, دير الآباء السريان, رئيس محمد أنور السادات, قديس أثناسيوس الرسولي, كنيسة الإسكندرية, مدارس الأحد واستقر الأمر على أن يتم اختيار البابا البطريرك والآباء الأساقفة من الرهبان، المتبتلين، بينما يتم اختيار الآباء القمامصة والقسوس والشمامسة من الخدام، المتزوجين أو المتبتلين، والمصدر الرئيس للفئة الأولى “الأديرة” بينما تكون الإكليريكيات هي المصدر الرئيسي للفئة الثانية، باستثناء الشمامسة الذين يتم اختيارهم من الصبية والشباب بعد إعدادهم وتدريبهم داخل الكنائس المحلية. في الترتيب الهيراركي (الهرمى) الكنسي، يأتي موقع البابا البطريرك على قمة الهرم، يعاونه ويقود الكنيسة معه مجلس المطارنة والأساقفة، ولكل منهم نطاق جغرافي يتولى مسئوليته الرعوية والتعليمية يسمى إيبارشية (مقاطعة)، وتضم عددًا من الكنائس يقوم على رعايتها القمامصة والقسوس، يعاونهم فيها الشماسة. واستقر الأمر على أن يتم اختيار البابا البطريرك والآباء الأساقفة من الرهبان، المتبتلين، بينما يتم اختيار الآباء القمامصة والقسوس والشمامسة من الخدام، المتزوجين أو المتبتلين، والمصدر الرئيس للفئة الأولى "الأديرة" بينما تكون الإكليريكيات هي المصدر الرئيسي للفئة الثانية، باستثناء الشمامسة الذين يتم اختيارهم من الصبية والشباب بعد إعدادهم وتدريبهم داخل الكنائس المحلية. وتأسيسًا على ذلك، نحن إزاء ثلاث مصادر: الأديرة، والإكليريكيات، ومنظومة تعليم النشء -مدارس الأحد والاجتماعات النوعية- وبحسب حال المصادر تكون حالة الكنيسة، صعودًا وتراجعًا، وينعكس ذلك بالضرورة على قدرة الكنيسة على تحقيق رسالتها، وينعكس حالها بالتبعية على منظومات الرعاية والتعليم داخلها. ويرتبط نجاح الكنيسة في رسالتها بقدر إدراكها ووعيها لماهيتها، فالمسيح هو "موضوع" إيمان المسيحية، والكنيسة، البشر والمؤسسة، هي موضع الإيمان؛ تعيشه وتعلنه، وتطفق تبشر به كل العالم. ومن ثم فانشغال الكنيسة، "الموضع"، بمواضيع أخرى، يقذف بها بعيدًا عن مسارها الصحيح. وتتميز الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بأنها "كنيسة الشعب"، تترجم في تفاصيل يومها قيمة التكامل والتناغم، وقد حولت الزمن إلى زمن ليتورجي، توقِّع فيه تدبير الخلاص على الأيام والشهور، في إبداع وبصيرة، تشهد لها، بين القراءات اليومية والألحان الموسمية، وطقوسها وأصوامها، وآيتها الحضور الإفخاريستي الذي لا ينقطع، ولا تعرف الطبقية بين مكوناتها، وتحترم، في تراتبيتها توزيع المهام والمسئوليات، تعرف السلطان ولا تنحرف به إلى التسلط. وإذا كنا قد تناولنا بعض من ملامح وملابسات إعادة تأسيس الإكليريكيات، ولنا عودة لما طالها من ارتباكات وتراجعات، فنحن اليوم نعرج على منظومة الرهبنة، والتي طالها ما طال الكنيسة والأقباط على إثر الانقطاعات المعرفية، والعزلة التي فرضت على المشهد بجملته، والتي أشرنا إليها قبلًا، حتى صارت الأديرة، لقرون طويلة، محلًا لروايات تلفها الأساطير تضم بين جنباتها كهول وشيوخ انقطعت بهم السبل عن الحياة العامة، لكنهم استطاعوا بالرغم من ذلك أن يحافظوا على أساسيات الحياة الرهبانية، وأن يختبروا حياة التقوى، واجتهدوا في الاحتفاظ بجذوتها مشتعلة، رغم ما عبر عليها من أنواء واستهدافات، وَهَنْت دهرًا لكنها لم تمت. وقد انتبهت الكنيسة مبكرًا لما تملكه الرهبنة من قدرات وخصوصية، وقد عاشت النسك والترك والبتولية برؤية إنجيلية، منذ تأسيسها الأول في القرن الرابع الميلادي، وقد تجلت هذه القدرات في الدور المحوري الذي قام به مؤسسها القديس أنطونيوس، الذي خرج من عزلته بالصحراء الشرقية وقصد الإسكندرية يجول بين الناس ليثبّت إيمانهم، بينما كان البابا أثناسيوس الرسولي يخوض معاركه في "نيقية" معلنًا يقينية الإسكندرية بلاهوت الابن، ومساواته للآب، وإنسانيته الكاملة، التي بها انتقلت لنا كل مفاعيل الفداء والخلاص، وانتقلنا من دائرة العبيد إلى البنوة. كانت الرهبنة آنئذ، حركة علمانية شعبية بحصر المعنى، فتجلى وقتها معنى التكامل بين الإكليروس في أعلى نقطة وبين العلمانيين في أبهى صورهم، وبينهما نضع ايدينا على سر كنيسة الإسكندرية أنها جمعت بين "المعرفة الدينية" و"الأخلاق الدينية" التي تترجمها أدبياتها في مصطلح "حياة التقوى"، والتي عندما تغيب نتعرض لرياح الصراع، ويتحول اختلاف الرؤى الصحي إلى معارك طاحنة مفسدة للكروم. سعى البابا أثناسيوس لاستثمار قدرات الرهبنة لتصبح قيمة مضافة للكنيسة المؤسسة، فعرض على ق. أنطونيوس أن يبقى معه يعاونه في تدبير الكنيسة، لكنه تمسك بكونه راهبًا ومحله المختار مغارته القابعة في جبال البحر الأحمر، وأمام إلحاح البابا البطريرك، أرسل له اثنان من تلاميذه الرهبان لينضموا إلى طاقم معاونيه، ويصير الأمر تقليدًا، ينقله عنه الباباوات اللاحقين، ويرسم بعضهم أساقفة، ثم ينتهى الأمر ليصير كل الأساقفة والبطاركة من الرهبان حصرًا، إلا قليلًا. وتجرى في نهر الكنيسة والبلاد مياه كثيرة، وتقتحمنا رياح التنوير القادمة من الغرب، وتدرك الكنيسة ما يحيق بها من أخطار، ولم يعد القصور الذاتي كافيًا لاستمرار حركة عجلتها، فتبدأ في حركة استفاقة، رأينا طيف منها مع البابا كيرلس الرابع، واستكملها البابا كيرلس الخامس، والذي امتدت حبريته لنصف قرن ويزيد (1874ـ 1927) الأمر الذي أتاح له السير في مسارات نهضوية عديدة، لكننا لا نفهم التباين بين موقفه من حراكين علمانيين دعم أحدهما بقوة، تأسيس مدارس الأحد، وناصب الآخر العداء، بقوة أيضًا، إنشاء المجلس الملي؛ لكنه يبقى علامة مضيئة في مسار التنوير. تشهد الأديرة قدوم ثلاث شبان طلبًا للرهبنة، اثنان عام 1948، (سعد عزيز، ليسانس حقوق، الأب مكاري الصموئيلي السرياني)، (يوسف إسكندر يوسف، بكالوريوس صيدلة، الأب متى المسكين الصموئيلي السرياني)، والثالث عام 1954. (نظير جيد، ليسانس آداب، الأب أنطونيوس السرياني) يجمعهم أنهم باكورة من يقصدون الرهبنة من خريجي الجامعات، وكان كل منهم يحمل تصورًا ودافعًا مختلفًا عن الآخرين. ويمكن للمتابع أن يقسم تاريخ الرهبنة إلى ما قبل رهبنة ثلاثتهم وما بعدها، إذ صاروا حافزًا لكثير من الشباب للاقتداء بهم، ليشهد دير السريان تحديدًا إقبالًا لافتًا من العديد من طالبي الرهبنة من خريجي الجامعات بل وبعضهم هجر كليته قبل أن يستكمل دراسته ليلتحق بالدير، وكان لشبرا ذلك الحي القاهري العريق نصيب الأسد. ويمكن فهم الكثير من تطورات المشهد الكنسي من خلال فهم العلاقة بين هؤلاء الشباب الثلاثة فيما بينهم من جانب، وفيما بينهم وبين الأب القمص مينا المتوحد (البابا كيرلس السادس فيما بعد)، من جانب أخر. اللافت أن الراهب الشاب أنطونيوس السرياني (عامان من الرهبنة)، والراهب الشاب متى المسكين (ثماني أعوام من الرهبنة) يتقدمان للترشح للكرسي البابوي، عقب خلوه برحيل البابا يوساب الثاني، (نوفمبر 1956)، الأمر الذي ازعج الحكام الجدد وهم من نفس جيل هؤلاء الرهبان، وأزعج شيوخ مجمع المطارنة والأساقفة، إذ توجس كلاهما من أن يكون البابا القادم منهما، وإن تباينت الأسباب، فيتم تعديل لائحة انتخاب البطريرك لتصدر بعد شهور قليلة (1957) تحمل شرطين جديدين لمن يتقدم للترشح؛ ألا تقل مدة رهبنته عن خمسة عشر عامًا، وألا يقل عمره وقت الترشح عن أربعين عامًا، فيستبعدا كلاهما، إجرائيًا. فيبادر شباب الرهبان بالدفع -عبر من لهم حق ترشيح أسماء- باسم الراهب القمص مينا المتوحد، الذي يلقى ارتياحًا من جهتي الحكم بالدولة والكنيسة، ليصبح البابا كيرلس السادس. ويصير التساؤل هل كانت محاولة الترشح بداية المواجهة بينهما، أم كانت إحدى نتائجها؟ كان كل منهما ينتمى لمدرسة مختلفة، في قراءة مستقبل الكنيسة، المنهج والآليات، لكنهما جذبا العديد من الشباب خلفهما، لتتغير خريطة الرهبنة، وتشهد الأديرة نوعيات جديدة من قاطنيها، وتتعدد التخصصات المهنية والخبرات داخل أسوارها، وتتوسع الأديرة تبعًا لذلك في استصلاح الأراضي الصحراوية المحيطة بها، ويتبعها ظهور التصنيع الزراعي بها، وتحقق الأديرة اكتفاء ذاتيًا، وتخرج بمنتجاتها إلى الأسواق حتى إلى عواصم المحافظات، وبعضها إلى التصدير. وتصبح رقمًا مهمًا في اقتصاد الكنيسة. يرحل البابا كيرلس السادس، 1971، ليترشح الأب متى المسكين والأنبا شنودة أسقف التعليم مجددًا للكرسي المرقسي، ومعهما آخرين، ويرسل أسقفان خطابًا للرئيس السادات يحذرانه من "الراهب الأحمر"، يشيران فيه إلى أن للأب متى المسكين ميول شيوعية، وتزامن هذا مع اتجاه نية الرئيس لتصفية الوجود السوفيتي بمصر، فيستبعد من الانتخابات(! ! ). وعندما يلتقى السادات بالأب متى المسكين في أزمة سبتمبر 1981 يطلعه على الخطاب. يأتي البابا شنودة الثالث إلى البابوية، وتشهد الكنيسة توسعًا في رسامة أساقفة شباب، تحت شعار "إيبارشيات أصغر خدمة أفضل"، وتتوسع الأديرة في رسامة الرهبان كهنة، وتظهر قوائم انتظار بحسب أقدمية الرهبنة، وتزاحم أعمال الزراعة والتصنيع الزراعي والتسويق واجبات الراهب الأساسية، التي تجاوزت مفهوم "عمل اليدين، وتنفتح أبواب الأديرة للزيارات، التي تصبح إحدى محاور السياحة الداخلية على برامج شركات السياحة، لتبتلع ما بقى من وقت الراهب وربما سلامه، ويختفى شيوخ البرية، ويختفى معهم نسق التلمذة عمود الرهبنة الفقري، وتئن الأديرة وتئن الكنيسة، وينعكس هذا على المنتج الديري البشري، وعلى الدور البحثي للأديرة. وللحديث بقية. --- ### ٧) الدور العلماني بين التكامل والتقزيم - Published: ۲۰۱۸-۰۳-۰۷ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/1539/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أنبا غريغوريوس، أسقف البحث العلمي, إبراهيم عطية, إيريس حبيب المصري, الجمعية الملكية, العصور الوسطى, الكنيسة القبطية, المجلس الملي, المدرسة الإكليريكية, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس الخامس, بابا كيرلس السادس, بابا يوساب الثاني, بروتستانت, جرجس متى, جليلة صبري, جمعية أصدقاء الكتاب المقدس, جمعية الإخلاص القبطية, جمعية الإيمان القبطية, جمعية التوفيق القبطية, جمعية المساعي الخيرية, جمعية النشأة القبطية, جمعية ثمرة التوفيق القبطية, جمعية جامعة المحبة, چورچي صبحي, حبيب جرجس, حبيب جورجي, حبيب حنين المصري, راغب مفتاح, زاهر رياض, سامي جبرة, سليمان نسيم, صبحي جورجي, عزيز سوريال, فليثاؤس عوض, قصة الكنيسة القبطية, كامل صالح نخلة, كامل ميخائيل عبد السيد, مدارس الأحد, مراد كامل, معهد الدراسات القبطية, ميخائيل صليب, نجيب إسكندر, وليم سليمان قلادة, ويصا واصف, يسى عبد المسيح, يوسف منقريوس وكان وراء تأسيس وتجاح هذا الصرح العالم البابا يوساب الثاني، خريج جامعة أثينا اللاهوتية، ورغم مؤهلاته العلمية وإجادته اللغة اليونانية لم يفرض نفسه على إدارة المعهد ولا على هيئة التدريس كانت العقود الستة الأولى للقرن العشرين عقود المد للعمل الأهلي، داخل الكنيسة وخارجها، وكان العمل الأهلي فيها إحدى ركائز دعم السلام الاجتماعي بعيدًا عن المؤسسات الحكومية والدينية الرسمية، وكانت آليات العمل الأهلي عبر خدماتها الاجتماعية تحقق أكثر من هدف؛ تعمق انتماء الفرد الوطني، وتربى داخله قيمة الإيثار والعطاء بغير مقابل أو مغنم، وتعظم قيمة العمل الجماعي واستثمار التعدد والتنوع وتحويلهما إلى قيمة مضافة لمنظومة قيم المجتمع الإيجابية، وفى جانب منها تنظم التنافسية بغير صراع، وترفع عن كاهل الدولة جزء من أعبائها فيما يتعلق بتوفير جانب من الخدمات الاجتماعية والصحية والثقافية والتنموية. وفى الغالب كانت تقدم خدماتها لمن يحتاجها، ولمن يطلبها، دون تمييز مؤَسس على العِرق أو الدين أو الطبقة أو أيًا من الانتماءات الضيقة، فكانت حائط صد في مواجهة التيارات والجماعات التي تسعى لأن ينفذ إلى الجماعة المصرية سموم التعصب العرقى أو الديني أو الطبقي، ونموذج ناهنا منظومة المدارس والمستشفيات والأندية والمنتديات الثقافية التي أقامتها كثير من هذه الجمعيات، وكانت أبوابها مشرعة لكل المصريين. وكانت الجمعيات القبطية في دوائر التعليم والصحة في مقدمة هذه النوعية، ومنها على سبيل المثال جمعية الإيمان القبطية بشبرا (1900)، والتي أنشأت سلسلة مدارس الإيمان لكل مراحل التعليم قبل الجامعي، ومستشفى الإيمان، وجمعية التوفيق القبطية (1819)، والتي أقامت أيضا سلسلة من المدارس ومستشفى كبرى واستقدمت مطبعة لنشر الكتب والمطبوعات، فضلًا عن خدماتها للمجتمع. وغيرهما العديد من الجمعيات، جمعية أصدقاء الكتاب المقدس (1908) جمعية المساعي الخيرية (1881)، جمعية النشأة القبطية (1896)، جمعية جامعة المحبة (1920)، جمعية ثمرة التوفيق القبطية (1908)، جمعية الإخلاص القبطية بالإسكندرية (1909). ولم تكن الجمعيات القبطية وحدها منفردة في هذا الأمر، دورًا وانحسارًا، فقد شهدت تلك السنوات في توقيتات متزامنة جمعيات إسلامية سارت على نفس الدرب، وسبقتهما الإرساليات الأجنبية، على اختلاف منابتها، الكاثوليكية والبروتستانتية، وخلَّفت على أرض مصر العديد من المستشفيات والمدارس والمنشآت الاجتماعية المنضبطة والواعية. لكننا اقتصرنا الحديث هنا على الجمعيات القبطية الأرثوذكسية لارتباطها بالإشكالية المطروحة، إذ نكتشف معها الدور الفاعل للمدنيين الأقباط (العلمانيين) في تشكيل المجتمع العام والقبطي وفى بناء الذهنية القبطية تحديدًا، مشاركة مع الكنيسة -الإكليروس- كل في دوائره. وقد التقيا معًا في دائرة التعليم الكنسي واللاهوتي، في إعادة إحياء المدرسة الإكليريكية (1875) التي أسندت إدارتها إلى القمص فليثاؤس عوض، ثم افتتاح ثان بقواعد أكثر انفتاحًا (1893) يديرها الأستاذ يوسف منقريوس أفندي، وخلفه في إدارتها الأستاذ حبيب جرجس (1918)، لتشهد نقلة نوعية وانطلاقة مؤثرة، وكان البابا كيرلس الخامس الداعم الأول للتأسيس الأول والثاني واختيار من يتولى قيادتها في المرات الثلاث. ويرحل حبيب جرجس (1951) فيُسند البابا يوساب الثاني إدارتها للقمص إبراهيم عطية، ويأتي البابا كيرلس السادس فيرسم لها اسقفًا، الأنبا شنودة اسقف التعليم والكلية الإكليريكية (1962). ومرة أخرى يتعاون الطرفان -العلمانيون والإكليروس- في دائرة التعليم، بتأسيس وافتتاح معهد الدراسات القبطية (1954)، وكان صاحب الدعوة لإقامة المعهد الأستاذ الدكتور عزيز سوريال عطية، رئيس قسم التاريخ بكلية الآداب جامعة الإسكندرية آنذاك، والذي قدم مذكرة للمجلس الملي بهذا فوافق عليها وقرر إقامة المعهد، الذي افتتحه البابا يوساب الثاني، كما اشرنا إلى ذلك قبلًا. واعتمدته وزارة التربية والتعليم وجاء في قرار الاعتماد ”أن فكرة إنشائه تقوم على خدمة التاريخ الوطني في العصر المسيحي من أجل سد النقص الموجود في هذا النوع من الدراسات وتوجيه البحوث على أساس قومى سليم" وتجربة معهد الدراسات القبطية -تأسيسًا وعملًا وانهيارًا- تعد نموذجًا عمليًا لمأساة التعليم الكنسي، فقد بدأ كأقوى ما تكون البداية، إذ اسند في إدارته وعمله إلى قامات علمية متخصصة، مؤهلة أكاديميًا لهذا العمل، وكانوا في مجملهم من أساتذة الجامعات المصرية والدولية، فضلًا عن كونهم من القامات القبطية ذات الصلة الوثيقة بكنيستهم، فقد تشكل أول مجلس إدارة من: أ. د. عزيز سوريال عطية، رئيس قسم التاريخ بجامعة الإسكندرية، وأستاذ كرسي العصور الوسطى (مديرًا)، المستشار السابق بمكتبة الكونجرس الأمريكي، والأستاذ السابق بجامعات بون بألمانيا وليفربول ولندن، والأستاذ الزائر بجامعات شيكاجو وكاليفورنيا واستانفورد وبرنستون وجون هوبكنز، بأمريكا وعضو أكاديمية العصور الوسطى الأمريكية، والعضو المراسل للجنة الدولية لتحرير تاريخ الإنسانية باليونسكو، وزميل الجمعية الملكية للتاريخ بإنجلترا. ـأ. د. سامي جبرة، مدير معهد الآثار المصرية ـأ. د. مراد كامل، أستاذ اللغات السامية بجامعة القاهرة، ومدير مدرسة الألسن ـالأستاذ يسى عبد المسيح، مدير المتحف القبطي أ. د. جرجس متى، رئيس قسم الآثار، وأستاذ اللغات المصرية القديمة بجامعة القاهرة، ورئيس جمعية الآثار القبطية. عضو يمثل مجلس إدارة كلية مار مرقس القبطية (الإكليريكية) عضو من كنيسة أثيوبيا يختاره إمبراطور الحبشة. ثلاث أعضاء من المجلس الملي من بينهم وكيل المجلس. وانضم للتدريس بالمعهد قامات علمية رفيعة: د. زاهر رياض، مدير معهد الدراسات الأفريقية. د. جورجي صبحي، رئيس قسم الباطنة بكلية طب القصر العيني، وأحد علماء اللغات المصرية القديمة. الفنان العالم حبيب جورجي، المتخصص في فن الأيقونة القبطية. الأستاذ راغب مفتاح، العالم الموسيقى القبطي. الأستاذة إيريس حبيب المصري، المؤرخة، وصاحبة موسوعة: قصة الكنيسة القبطية. الدكتور المستشار وليم سليمان قلادة، الفقيه القانوني، ووكيل مجلس الدولة. الدكتور سليمان نسيم، أستاذ التربية (رئيس قسم التربية بجامعة حلوان فيما بعد) وضم المعهد الأقسام المتخصصة: الآثار واللغة القبطية تاريخ الكنيسة القبطية الدراسات الأفريقية (الأثيوبية) القانون الكنسي اللاهوت المجتمع القبطي الألحان والموسيقى القبطية الفنون القبطية التصوير (والميكروفيلم) الدراسات العربية المسيحية وكان وراء تأسيس وتجاح هذا الصرح العالم البابا يوساب الثاني، خريج جامعة أثينا اللاهوتية، ورغم مؤهلاته العلمية وإجادته اللغة اليونانية لم يفرض نفسه على إدارة المعهد ولا على هيئة التدريس، فقد كان يدرك أهمية أن يكون "المعلم في التعليم والكاهن في خدمته". اللافت هو تحمس أراخنة الأقباط لدعم المعهد فقام العديد منهم بإنشاء مكتبة خاصة بالمعهد، وتأسيسها وتأثيثها (ويصا واصف وجليلة صبري ونجيب إسكندر)، وأمدوها ومعهم العديد من المفكرين والعلماء، بالعشرات من الكتب والمراجع النادرة من مكتباتهم الخاصة، وأبرزهم: مكتبة الأستاذ كامل ميخائيل عبد السيد المتميزة (4000 كتاب). مكتبة الأستاذ حبيب حنين المصري القانونية والبحثية. مكتبة المؤرخ كامل صالح نخلة. مكتبة الأستاذ ميخائيل صليب. مكتبة الأستاذ ويصا واصف. مكتبة الأستاذ صبحي جورجي. مكتبة الأستاذ الدكتور جرجس متى، رئيس قسم الآثارـ كلية الآداب، جامعة القاهرة, ليصبح لدى المعهد واحدة من أهم وأكبر المكتبات المتخصصة العلمية واللاهوتية والأدبية والتراثية. وينضم للمعهد العديد من العلماء الأجانب، عبر آلية "الزمالة" مع الجامعات الدولية، ويسعى لتقنين وضعه العلمي في المجلس الأعلى للجامعات المصرية، وهو مؤهل لذلك بأقسامه وكوادره العلمية، والتي حرص على دعمها الأنبا غريغوريوس اسقف البحث العلمي ومعهد الدراسات القبطية حتى رحيله. ولا يمكن أن نتناول التعليم في الكنيسة دون أن نشير إلى دور الأنبا غريغوريوس الذي كان نصيبه "جزاء سنمار" ممن دعمهم ودفع بهم إلى ما صارو إليه، فهو: وهيب عطا الله الذي تخرج في الإكليريكية، وكان احد التلاميذ الخلصاء للأستاذ حبيب جرجس، رائد نهضة التعليم بالكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وقد خلفه في رئاسة اللجنة العليا لمدارس الأحد، وكان لديه رؤية علمية لتطوير الإكليريكية، من خلال دعمها بكوادر علمية أكاديمية متخصصة، فبدأ بنفسه إذ التحق بكلية الآداب قسم فلسفة ليتخرج فيها 1944، ثم يحصل على ماجستير في الآثار واللغات القديمة من معهد الآثار 1952، لتوفده الكنيسة بأمر من البابا يوساب الثاني في بعثة دراسية لانجلترا للحصول على الدكتوراه 1955. وهو الذي أسس القسم المسائي في الإكليريكية عام 1946 ليتيح الفرصة لخريجي الجامعات في الدراسة بها، فيوفر للكنيسة كوادر من الخدام المثقفين، وانخرط كثيرون منهم في خدمة الكهنوت. مدرس فأستاذ للعلوم اللاهوتية والفلسفة بالكلية الإكليريكية (1944) ثم وكيلًا للكلية (1951). أستاذ ورئيس قسم اللاهوت بمعهد الدراسات القبطية 1955م. مدير معهد الدراسات القبطية بالقاهرة. أسقف الدراسات العليا اللاهوتية والثقافة القبطية والبحث العلمي في عام 1967م. وقد تدرج في الرتب الكهنوتية: أناغنوستيس (1939) إيبودياكون ودياكون وأرشيدياكون (1959) ترهب بالدير المحرق (1962) رسم قسًا ثم قمصًا بالدير المحرق (1963) رسم أسقفًا للدراسات العليا اللاهوتية، والثقافة القبطية والبحث العلمي بيد قداسة البابا كيرلس السادس في 10 / 5 / 1967 كانت الكنيسة تتأهب لنقلة نوعية وخطوة واسعة في مسار استرداد تواصلها مع كنيسة الآباء على قواعد علمية موضوعية، لكنها تصطدم بواقع يجرها إلى دوامات بلا قاع. وشيئًا فشيئًا تتجمع الخيوط التي تفسر لنا ما يحدث الآن بين الفرقاء. ومازال الطرح قائمًا --- ### ٦) أيقونات علمانية قبطية - Published: ۲۰۱۸-۰۳-۰٦ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/1527/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: إبراهيم لوقا, إيريس حبيب المصري, الأب متى المسكين, الكنيسة الجامعة, الكنيسة القبطية, المجلس الملي, بانوب عبده, بشارة بسطوروس, بطرس رزق الله, جمعية أصدقاء الكتاب المقدس, جيد جندي الفيزي, حبيب جرجس, حليم بشارة, شاكر خليل المعصرانى, عياد عياد, فليثاؤس عوض, قصة الكنيسة القبطية, مجلة الأصدقاء, مجمع خلقيدونية, مدارس الأحد, مرقس داود, مرقس سميكة, يسى عبد المسيح, يوسف منقريوس, يونان نخلة إنها عتمة العقول وضيقها وانحصارها في أفق شخصي ورؤيا ضيقة. عتمة فُرِضَت علينا نحن الأرثوذكس المصريين منذ مجمع خلقيدونية (سنة 451 م) بحصار ثقافي ولغوى وحضاري. فقد فقدنا كل صلة بالعالم الخارجي، فقدنا اللغة اليونانية وهى لغة اللاهوت والفلسفة والعلم، وفقدنا معها كل امتداد في الماضي والمستقبل، وفقدنا معها تراثنا الآبائي كله قبل السطور: ليس هدفنا أن نقدم تاريخًا للكنيسة أو الأقباط، ولا نؤرخ لأشخاص بعينهم ونتعقب منهجهم، وعندما يأتي التاريخ في سياق الطرح أو تَعبُر بنا شخوص بعينهم بحكم ارتباطهم بالطرح فلا يعنى هذا موقفًا منهم بشكل مطلق، فللتأريخ والتحليل مسارات وأدوات لا نملكها ولا نسعى إليها. هذه السلسلة من المقالات تسعى للبحث عن جذور المواجهات الحادثة بين فرقاء العقيدة داخل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وهى مواجهات ضلت طريقها إلى الفضاء الإلكتروني، لأسباب عديدة، ليست كلها شر، وصار معها ما كان يقال في المخادع ينشر على "السطوح"، وعلى قارعة الطريق. وهى مواجهات كاشفة لواقعنا، ليس الكنسي فقط بل الفكري والثقافي والمجتمعي أيضًا، وفى يقيني أنها لم تأت من فراغ بل هي حلقة في سلسلة ممتدة تتجاوز الماضي القريب أو الوسيط، لتصل بنا ربما إلى النصف الأخير من القرن الخامس الميلادي، والذي شهدت فيه الكنيسة الجامعة أول مواجهات تُفضى إلى التفكك والانقسام، وكان نصيبنا "عُزلة فرضت علينا"، وتدعمت بفعل التحولات السياسية التي حملتها العقود التالية من ذلك القرن، ليأتي القرن السابع ليترجم فوران الصراعات العقائدية إلى واقع سياسي يغير مجرى التاريخ، وتنبنى عليه التغيرات الحادة والعنيفة في منظومات الحكم والحكام عبر القرون التالية. واستأذنكم في أن انقل لكم بعض من سطور كتبها الأب متى المسكين في مذكراته، اقترب فيها من جذور الأزمة، قبل أن يصبح واحدًا من أطراف معادلتها، وقد نُشرت في كتاب "أبونا القمص متى المسكين"، الذي أصدرته مجلة مرقس بعد رحيله، ويقول فيها متعلقًا بما نطرحه: (وهى سطور كتبت في منتصف الأربعينيات من القرن العشرين تعليقًا على لقاء جمعه مع بعض الشباب من جيله صاروا فيما بعد من القيادات الكنسية).  يكتب الأب متى المسكين في تتابع: "لقد عانى العالم كله من صراع العقائد الدينية تمامًا كما عانى من صراع الأحزاب السياسية، بل لا أخرج عن الواقع كثيرًا حينما أقول أن منشأ الصراع العقائدي الديني هو منشأ سياسي دوليّ، لكن مصر بنوع ممتاز عانت من كلا الصراعين ولا تزال تعانى. " (متى المسكين، مجلة مرقس) "إنها عتمة العقول وضيقها وانحصارها في أفق شخصي ورؤيا ضيقة. عتمة فُرِضَت علينا نحن الأرثوذكس المصريين منذ مجمع خلقيدونية (سنة 451 م) بحصار ثقافي ولغوى وحضاري. فقد فقدنا كل صلة بالعالم الخارجي، فقدنا اللغة اليونانية وهى لغة اللاهوت والفلسفة والعلم، وفقدنا معها كل امتداد في الماضي والمستقبل، وفقدنا معها تراثنا الآبائي كله، ثم فرضنا على أنفسنا هذه العزلة بأيدينا وأحكمناها كلما شاء الله ليُخرجنا من هذا المأزق بتعصبنا، نتيجة الخوف والوحدة والعزلة الطائفية. " (متى المسكين، مجلة مرقس) "ثم جاء غزو العرب ودخل الإسلام بعد مجمع خلقيدونية بمأتى عام ليُحكِم هذه العزلة ويُفقدنا اللغة الثانية، لغة الأم، اللغة القبطية. إذ خرج أمر من الخليفة بأن كل من يتكلم القبطية يُقطع لسانه، فانقطع لساننا بدون قطع، وانتهت اللغة القبطية، لغة الوطن والحضارة الأولى. واستيقظ الأقباط وإذا بهم قد نسوا لغتهم الأصلية، فباتت كل مخطوطاتهم التي ملأت خزانات الكتب في البيوت والكنائس والأديرة ـ مئات الألوف المكتوبة باليونانية والقبطية ـ بلا قيمة ولا معنى ولا أثر، كحجر رشيد الملقى على شاطئ البحر ينتظر من يترجمه لأولادها، لذلك كانوا يُفرِّطون فى بيعها لسارقي المخطوطات من الأجانب. " (متى المسكين، مجلة مرقس) "بلغ الأقباط أقصى غاية الضعف منذ القرن السابع فما بعده وحتى اليوم. فلا تعجب أيها القارئ حينما تسمع بأننا متعصبون، إنها العزلة والخوف والجهل معًا فرضت علينا هذا التعصب الفكري والإيماني الذميم، وطغى علينا التعصب ـ الذي هو في حقيقته عتمة رؤيا وانحصار فكرى ـ ليشمل ويحكم كل علاقاتنا. " (متى المسكين، مجلة مرقس) "أدركتُ ـ بعد لقاء مع بعض الإخوة وكانوا خيرة شباب جيلهم ـ ألّا فرق بين العلم والسياسة والدين، فالكل يحتاج إلى قائد أمين جدًا ومتفتح جدًا وحر جدًا، كما يحتاج إلى تلميذ لا يبيع عقله لكل منادٍ أو يجرى وراء القطيع ليدخل أية حظيرة. وكان ألعن ما واجهت في اختباراتي ومشاهداتي في أيام شبابي هو رؤيتي كيف يعرض الزعيم رأيه على مَن يتبعه فيستعبده، وكيف يبيع الشباب عقولهم ونفوسهم بسذاجة عن حماس وإخلاص وثقة لمن هم ليسوا أبدًا أهلًا لهذه الثقة، وبمضي الأيام تكتشف الأجيال أنه قد غُرِّر بهم وأنها سارت وراء شخصيات تافهة أضلَّتهم الطريق وأفقدتهم الرؤيا الصحيحة" (متى المسكين، مجلة مرقس) غير بعيد عن هذه النخبة كانت هناك مجموعة أخرى من الشباب سبقتهم زمنيًا، (1900)، يؤرقهم حال الكنيسة والأقباط، هم أيضًا يطرقون أبواب التعليم العالي، برز بينهم شاب، تخرج لتوه من الإكليريكية، ويعين مدرسًا للدين المسيحي بمدرسة الأقباط بطنطا وواعظًا بكنائس وجمعيات تلك المدينة، ويصدر العديد من الإصدارات التعليمية المسيحية، فيقرر المجلس الملي نقله للعمل مدرسًا بمدرسة الأقباط الكبرى بالقاهرة، ليصير ثالث أشهر وعاظ العاصمة مع القمص فليثاؤس عوض والأستاذ حبيب جرجس زميل دراسته بالإكليريكية، والذي تولى نظارتها بعد رحيل ناظرها يوسف بك منقريوس. ‏ يدرس ‏أعضاء المجلس‏ ‏الملي‏ ‏العام‏ ‏ ‏إنشاء‏ ‏جمعية‏ ‏قبطية‏ ‏ويختارون ‏ ‏باسيلي‏ ‏لهذه‏ ‏المهمة،‏ ‏وتم‏ ‏إيفاده‏ ‏في‏ ‏بعثة‏ ‏إلي‏ ‏كلية‏ ‏"ليدز"‏ ‏اللاهوتية‏ ‏بإنجلترا‏ ‏ليدرس‏ ‏نظم‏ ‏الجمعيات‏ ‏علي‏ ‏نفقة‏ ‏المجلس‏ ‏الملي‏ ‏لمدة‏ أربع‏ ‏سنوات، ‏وعاد‏ 1907‏ بعد‏ ‏أن‏ ‏حصل‏ ‏علي‏ ‏الدبلوم‏ ‏بتفوق. بعد‏ ‏عودته‏ ‏فكر‏ ‏في‏ ‏تأسيس‏ ‏جمعية‏ ‏تحمل‏ ‏اسم‏ ‏الكتاب‏ ‏المقدس‏ ‏وعرض‏ ‏الفكرة‏ ‏علي‏ ‏صديقه‏ ‏حبيب جرجس، فيوافقه الرأي، ويطرحان الفكرة على عضو المجلس الملي مرقس سميكة باشا الذي يتحمس لها، لتبدأ خطوات تأسيس الجمعية ويتولى رئاستها مرقس سميكة باشا، وينضم لعضويتها حبيب جرجس وإبراهيم بك تكلا، ويُختار باسيلي سكرتيرًا عامًا لها، لتبدأ نشاطها عام 1908. لم تكن جمعية دينية حصرًا بالمعنى المتداول اليوم، بل كانت جمعية مدنية (أهلية) تهتم بتكوين الشباب بشكل متكامل، فشرعت في توفير منازل للطلبة المغتربين 1910، وابتكار ما نعرفه اليوم بالمؤتمرات الصيفية، عرفت باسم "خيام الأصدقاء" 1912 للشباب والعائلات، تخصص لدراسة الكتاب المقدس والتأملات الروحية، تقام بضواحي القاهرة ـ وقتها ـ وعلى شاطئ النيل في أماكن متفرقة تمتد من شبرا إلى المعادي. ومنها تتولد "مؤتمرات الأصدقاء" 1915 وهى اجتماع سنوي يجمع كل فروع الجمعية يعقد في القاهرة أو في إحدى عواصم المحافظات بالتتالي. وأسست الجمعية العديد من النوادي للشباب، يمارسون فيها هواياتهم الرياضية والفنية والأدبية والروحية، وكانت ترى أن رسالة النادي لا تقل عن رسالة الكنيسة بل وتتممها، ويتكامل معها المصيف الخاص بالأصدقاء. وتصدر الجمعية "مجلة الأصدقاء" لتكتمل المنظومة الثقافية لها. وما هي إلا سنوات قليلة حتى يصبح شباب هذه الجمعية نجومًا على منابر الوعظ بالكنيسة، يملكون ناصية الشرح والتفسير، بلغة عربية رصينة، ووعى مسيحي متعمق، تبدأ معه الكنيسة في استرداد وعيها، وتظهر معهم "خدمة القرى" والكشافة وخدمة الكورال، مبكرًا. كان الأستاذ حافظ داود (القمص مرقس داود فيما بعد) ابرز أعضاء الرعيل الأول لهذه الجمعية والذي تولى إدارتها بعد الرحيل المبكر لمؤسسها، ومن يتتبع حياة الأب مرقس داود يرصد أنه كان محبًا للكتاب المقدس وقد ترجم الكثير من أقوال الآباء وساهم في إعادة التذكير بالتقليد الآبائي، وأسس كنيسة مار مرقس بشبرا. وتمتد قيادته للجمعية من 1922 حتى 1986، وتقدم الجمعية للكنيسة جيلًا متميزًا من الخدام، منهم إبراهيم لوقا (القمص إبراهيم لوقا) المؤسس لكنائس وخدمة مصر الجديدة، ويعتبرونه البطريرك غير المتوج، والأراخنة الذين تركوا بصماتهم وأسسوا العديد من الجمعيات المدنية الأساتذة : عياد عياد، بانوب عبده، يسى عبد المسيح، شاكر خليل المعصرانى، حليم بشارة، يونان نخلة، بشارة بسطوروس، بطرس رزق الله، جيّد جندي الفيزي. وقدمت الجمعية للكنيسة العديد من المطارنة والأساقفة والقمامصة والقسوس والرهبان والعلمانيون. كانت جمعية الأصدقاء واحدة من طابور ممتد للجمعيات القبطية التي تعكس الدور العلماني المبكر ـ بعيدًا عن الصراعات ـ لإقالة الكنيسة من عثرتها، في مناخ عام يشهد مدًا مدنيًا مؤثرًا، قبل أن تأتى الرياح لتوقف هذا المد، داخل الكنيسة وخارجها، إذ يتوازى تقليص دور العلمانيين الفعلي داخلها مع محاصرة العمل المدني خارجها، وتأميم العمل الأهلي، وتراجع الجمعيات الأهلية لتنحصر في النشاطات الاستثمارية بنكهة دينية. وترصد منارات الخدمة من العلمانيين المؤرخة المصرية إيريس حبيب المصري، والتي كانت هي أيضًا واحدة من ابرز هذه المنارات وقد قدمت للمكتبة القبطية أحد أهم الكتب التي تؤرخ للكنيسة القبطية، بشكل متوازن وتحليلي مبدع، موسوعة "قصة الكنيسة القبطية". ومع تراجع الدور العلماني -الذي سنعرض لأسبابه لاحقًا- تعانى الكنيسة من غياب أحد جناحيها، فتتعثر قدرتها على التحليق في أجواء التأصيل الآبائي والتواصل مع الأجيال الجديدة، فتتعمق أزمتها، وتبدأ الصراعات بين الأجنحة المتعارضة، في غياب ذهنية التعددية والتنوع المؤسسة على القواعد المستقرة والتي اشرنا إليها سابقًا، ومن أهمها أن العلاقة بين الإكليروس والعلمانيين بحسب خبرة كنيسة الآباء هي علاقة تكاملية لا تعرف التنافسية، ولا المفاضلة. ولهذا كان الإسهاب في رصد دور الجمعيات الأهلية ونموذجها "جمعية الأصدقاء". لكن سنوات القلق مازالت محلًا للطرح سنواصله في مقالات قادمة. --- ### ٥) البابا يوساب: من ينصفه؟ - Published: ۲۰۱۸-۰۳-۰۵ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/1463/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: الأب متى المسكين, الكرسي المرقسي, الكنيسة القبطية, المجلس الملي, بابا شنودة الثالث, بابا يوساب الثاني, ثورة ٢٣ يوليو, جماعة الأمة القبطية, دير الآباء السريان, رئيس محمد نجيب, قصة الكنيسة القبطية, مجمع الأساقفة, مدارس الأحد, مسعد صادق, وليم سليمان قلادة هل خشى الفرقاء من نجاح هذا البطريرك في استنهاض الكنيسة، الأمر الذي يتعارض مع توجهات كل فريق بشكل ما؟ هل دراسته باليونان مثلت تحديًا للمتقدمين في المشهد الكنسي وقتها فدبت الغيرة بينهم منه وخشوا أن تعقد المقارنات بين الأطروحات الجديدة وبين ما يقولون به؟ مع تسليمنا بعلامات الاستفهام التي أحاطت بالحاشية، هل كانت كافية للتصعيد ضده وتكتل الفرقاء على هذا النحو؟ ما يحدث بين ظهرانينا اليوم غير منبت الصلة بما تشكل ورُسم عبر القرنين الفائتين، والذي تبلور في النصف الأخير من القرن العشرين، وقد توقفنا قبلًا عند تجربتي جماعة الأمة القبطية ومدارس الأحد؛ النشأة والرؤية والصدام، وما آلت إليه كلا التجربتين، ومن يتوقف عندهما تتجمع عنده العديد من الأسئلة، لكنها تبقى مفتقرة لإجاباتها الحقيقية، ربما لأن من يملكون الإجابة قانعون بصمتهم، أو لأن الإجابات تضع أصحابها في مرمى نيران الفرقاء، أو لأن طيف منهم قد رحل بسلام عن عالمنا ومعه أسرار المرحلة. وليس من بين خياراتنا "ثقافة المذكرات" أو حتى تسجيل "شهادات على العصر". ولعل جيلي مازال يتذكر ذلك النفور الذي كان يحكم العلاقة بين الشمامسة و"بتوع" مدارس الأحد، وكان الإكليروس المحلى ينحاز في الغالب لإخوتنا الشمامسة، لكن الأمر تبدل إلى النقيض بعد أن جلست مدارس الأحد على الكرسي المرقسي، في شخص قداسة البابا شنودة الثالث، أحد أهم رموز الرعيل الأول. والذي نحت هذا التعبير في احتفاء الكلية الإكليريكية باختياره للموقع البطريركي. ولم يقترب أحد من تقييم التجربة بجملتها، رغم مرور قرن كامل على ولادتها، ولم نشهد توثيقاً موضوعياً لسنوات القلق الممتدة من أربعينيات القرن العشرين وحتى إطلاله سبعينياته، والتي شهدت أحداثًا وتقلبات غاية في الأهمية والتأثير على الصعيدين الكنسي والعام، ومازلنا نعتمد على روايات قيادات مدارس الأحد، دون غيرها. ربما لأنها تسجلت على صفحات مجلة مدارس الأحد، في الفترة من 1948 وحتى 1954. ومؤخرًا تسجلت في سفر كبير صدر في احتفالية الكنيسة بمئوية مدارس الأحد. اللافت أن ما استقر في الذهنية القبطية عن هذه الفترة "فساد الإدارة الكنسية"، وتم الترويج لهذا على مستويات متعددة وظهرت أصوات عديدة تطالب بالإصلاح، تراوحت بين حدة القول، ونموذجه "مجلة مدارس الأحد" وبين حدة الفعل، ونموذجه ما قامت به جماعة الأمة القبطية باختطاف البابا يوساب، عشية الاحتفال بعيد الثورة، وإيداعه أحد أديرة الراهبات بمصر القديمة، وبعد تحريره بواسطة قوات الأمن وعودته لمقره بالبطريركية، يبادر "مجمع الأساقفة" بإيداعه دير "المحرق" بأسيوط، ويتعرض لأزمة صحية تعيده للقاهرة لكن ليس إلى كرسيه بل إلى المستشفى القبطي (21 يونيو 1956) ليرحل عن عالمنا بين جدران المستشفى في (13 نوفمبر 1956). وتقفز أمامنا أسئلة عديدة : كيف اجتمع الفرقاء على الرجل؟ وما هي ملابسات تأسيس وحل جماعة الأمة القبطية (1952 ـ 1954)، وسر اقترابها من اللواء محمد نجيب رئيس الجمهورية آنئذ، ودعوته لها للمشاركة بالرأي في وضع دستور 54؟، ثم انقلاب القيادة السياسية الجديدة عليها، إلى درجة تقديم قيادات الجماعة لمحاكمة عسكرية، بسبب المذكرة التي تقدموا بها إلى لجنة وضع الدستور؟ وهل لهذا علاقة بصراعات الأجنحة داخل قيادة ثورة يوليو؟ وماذا عن توجه المجلة وتصعيد مدير تحريرها إلى رئاسة التحرير، بعد صدام الأستاذ مسعد صادق مع توجه الثورة؟ وهل لهذا امتدادات تضعه على أبواب الدير طالبًا للرهبنة؟ وهل تقف الامتدادات ـ في اتجاه معاكس ـ وراء الاعتراض على ترشحه للكرسي البابوي (1957)؟ والأسئلة ممتدة، لكنها شائكة ومحيرة. والسؤال الغائب الحاضر هل كان البابا يوساب ضعيفًا ومتهاونًا في إدارة الكنيسة؟ بحسب رصد المؤرخة الأستاذة أيريس حبيب المصري (قصة الكنيسة القبطية، الكتاب السادس، جزء ب، ص 83) وتذكر فيه أنه كان لمجمع الكنيسة "مطالب إصلاحية" من هذا البطريرك ـ بحسب البيان الصادر عن اجتماعه (سبتمبر 54) ـ من أهمها (إبعاد حاشية غبطته وخادمه "مِلك جرجس")، وبين شد وجذب ينتهى الأمر إلى استبعاد الحاشية وكف يد البطريرك عن إدارة شئون الكنيسة وإبعاده للدير ثم وفاته، كما اسلفنا! ! . على أن للمشهد جوانب أخرى فيما يتعلق بهذا البابا، ربما تجعلنا نعيد قراءة هذه المرحلة وما تواتر عنها، ومعها يظل السؤال الافتتاحي قائمًا كيف اجتمع الفرقاء على الرجل؟. فهذا البابا كان عالمًا ذهب وهو بعد راهبًا شابًا إلى اليونان في بعثة دراسية امتدت لعامين فى جامعة أثينا، (1903 ـ 1905)، وعاد محملًا برؤية مستنيرة، انعكست على قراراته حين أُختير لقيادة الكنيسة، فيذكر عنه اهتمامه بالأديرة وسعيه لرفع مستوى الرهبنة، ودعمه لمدرسة الرهبان بحلوان، والتي كانت تُعِد وتؤهل الرهبان المرشحين للخدمة خارج أسوار الدير، على اختلاف درجات خدمتهم، واجتمع بالمجلس الملي وانتهى معهم إلى قرار بنقل الكلية الإكليريكية من مقرها بمهمشة إلى المبنى الجديد بالأنبا رويس بالعباسية (1953) وكانوا قد اختلفوا حوله، داخل المجلس الملي: بين من يريدونه مدرسة للتمريض وبين من يرون تخصيصه لخدمات الكنيسة، فتُرك بلا استخدام، حتى أن وزارة التربية والتعليم رأت الاستيلاء عليه والاستفادة منه، الأمر الذي عجل باستدعاء البابا للمجلس وقراره المشار إليه، وافتتح معه القاعة اليوسابية، والتي بقيت على اسمها، حتى بداية السبعينيات، لتتغير إلى القاعة المرقسية، وافتتح المعهد العالي للدراسات القبطية (1954) (المرجع السابق ص 52 ـ 72). وشهدت حبريته صدور العديد من الكتب والمجلات القبطية، وامتدت خدمته إلى جنوب أفريقيا وأثيوبيا والسودان ولبنان، وسعى لدى الدولة لمنح الأقباط من موظفي الحكومة أجازات رسمية في أعيادهم، ونجح في إقرار خمس أيام متفرقة إجازة لهم في مناسبات دينية مسيحية مختلفة، وإقرار السماح لهم بالتأخر ساعتين صباح كل يوم أحد لحضور القداس. ويأتي تعيينه للقمص متى المسكين وكيلًا للبطريركية بالإسكندرية ودعمه له، في سياق اهتمامه بضبط الإدارة الكنسية هناك، وهى وقائع يرصدها الدكتور ماجد عزت إسرائيل (دكتور ماجد عزت باحث أكاديمي في الشأن القبطي حاصل على دكتوراه موضوعها :وادي النطرون في القرن التاسع عشر ـ كلية الآداب جامعة القاهرة 2008 م، واصدر عدة كتب منها كتاب : الأب متى المسكين الراهب المستنير، ويكتب مقالات دورية في العديد من الصحف والإصدارات الثقافية. في كتابه "الأب متى المسكين الراهب المستنير"، ويتميز الرصد باحتشاده بالوثائق المحفوظة بمكتبة دير السريان، وهى بدورها، إضافة إلى ما كتبه الدكتور وليم سليمان قلادة في مجلة مدارس الأحد (يونيو 1955)، تدحض الكثير من المرويات التي تشوه صورة الرجلين، البابا يوساب والقمص متى المسكين. هل خشى الفرقاء من نجاح هذا البطريرك في استنهاض الكنيسة، الأمر الذي يتعارض مع توجهات كل فريق بشكل ما؟ هل دراسته باليونان مثلت تحديًا للمتقدمين في المشهد الكنسي وقتها فدبت الغيرة بينهم منه وخشوا أن تعقد المقارنات بين الأطروحات الجديدة وبين ما يقولون به؟ مع تسليمنا بعلامات الاستفهام التي أحاطت بالحاشية، هل كانت كافية للتصعيد ضده وتكتل الفرقاء على هذا النحو؟ أسئلة لا أملك إجاباتها لكنها تلح علىَّ. وقد دفعت إلى ذهني بفعل طيف من الأحداث الجارية اليوم والتي تتماس معها بقدر. والتي تبدو في شقها الظاهر أنها مواجهات فكرية وصراعات عقائدية، بينما خلف الأبواب أمور أكثر تعقيدًا وأكثر إيلامًا. --- ### ٤) محاولات مبكرة للخروج - Published: ۲۰۱۸-۰۳-۰٤ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/1494/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أسرار الكنيسة, إبراهيم فهمى هلال, الأب متى المسكين, الإخوان المسلمين, العلمانيون والكنيسة, الكنيسة القبطية, اللاهوت النظري, بابا شنودة الثالث, بابا كيرلس الخامس, تجسد الكلمة, جماعة الأمة القبطية, جمعية المحبة, حبيب جرجس, عبد الرزاق السنهوري, فريدريك براذرتون ماير, قديس أثناسيوس الرسولي, قس ماثيو هنري, مدارس الأحد, مرقس داود, مسعد صادق, مكتبة المحبة, يوسابيوس بامفيلوس القيصري, يونان نخلة عندما أراد الأستاذ حبيب جرجس أن يقدم كتابًا دراسيًا في اللاهوت النظري اختار محاضرات الأب أوجين دى بليس الفرنسي الكاثوليكي. وعندما وضع كتابه المشهور عن أسرار الكنيسة السبعة كان أهم مرجع استند إليه هو كتاب “الأنوار في الأسرار” للمطران جراسموس مسرة مطران اللاذقية للروم الأرثوذكس. وفى عرضه لموضوع الكهنوت اعتمد على مقالة نشرتها الكنيسة الإنجليكانية، عطفًا على محور التعليم لابد أن نتوقف لفحص النصف الأخير من القرن العشرين، وقد انتبهنا في بواكيره إلى المخاطر التي تتهددنا بفعل الانقطاع المعرفي عن الكنيسة الأولى، وبقى لها ليتورجيتها التي تحمل إيمانها موقعًا على الطقوس والصلوات، حتى وأن كانت ـ وقتها ـ تتناقلها كموروث دون إدراك الغالبية لمضامينه. وقد اشرنا إلى إرهاصات الاستنهاض في القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، لكن النصف الثاني منه، والمحتشد بالأحداث ذات الصلة، يشهد تفاعلات من شباب الأقباط على عدة محاور برؤى متباينة، ليست منبتة الصلة بما يحدث بيننا اليوم، كان ابرز هذه التيارات جماعة الأمة القبطية وجماعة مدارس الأحد. وغير بعيد عنها حراك الجمعيات القبطية، على محاور التعليم الخدمة الاجتماعية والتعليم. جماعة الأمة القبطية: تشكلت هذه الجماعة في أغلبها من الشباب الجامعي، ائتلفوا حول شاب نابه، إبراهيم فهمى هلال، والذي كان قد تخرج لتوه في كلية الحقوق، جامعة الملك فؤاد (القاهرة حاليًا)، يستشعرون أن تغييرًا حاسمًا لابد أن يحدث للأقباط والكنيسة، على الصعيدين السياسي والديني، وهو ما سطروه في بيانهم التأسيسي لجماعتهم التي انطلقت في 11 سبتمبر 1952. وكان تاريخ التأسيس والبيان التأسيسي يحملان العديد من الرسائل. 11 سبتمبر، رسالة تنبئ بتوجههم، فهو يوم احتفال الأقباط برأس السنة القبطية، والموافق لعيد الشهداء أيضا، ما بين إحياء الهوية المصرية ورفع شعار الشهادة، في مواجهة تيارات عتيه. 1952، رسالة بتأثرهم بحراك الثورة، التي كانت كوادرها من جيلهم، وأن التغيير السلمي لم يعد هو الخِيار المطروح. حمل بيان التأسيس شعارًا يحاكى شعار جماعة الإخوان المسلمين، في إشارة مبكرة، لحراك الاصطفاف الديني، وفق قانون الفعل ورد الفعل، "الله ملكنا، ومصر بلادنا، الإنجيل شريعتنا، والصليب رايتنا، والمصرية لغتنا، والشهادة في سبيل المسيح غاية الرجاء". وأكد البيان في رسالة واضحة أن هدف الجماعة : رفاهية الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تطبيق حكم الإنجيل على أهل الإنجيل، تكلم "الأمة القبطية" باللغة القبطية. واشتركت الجماعة بمذكرة ضافية تحمل رؤيتها للدستور المزمع وضعه 1954، وبحسب مؤسسها فقد أثنى عليها المستشار عبد الرزاق السنهوري بأنها "اكثر الرؤى إحكامًا" وهو رأى له وزنه لصدوره عن أحد أهم الفقهاء الدستوريين ورئيس لجنة إعداد الدستور، والجدير بالإشارة أن مشروع الدستور هذا لم ير النور. لكن هذا لم يكن رأى السلطة الحاكمة، التي رأت فيها خطرًا وهو ما تكشفه قائمة الاتهامات التي اعتمدتها المحكمة العسكرية العليا في إدانة عناصر قيادة الجماعة، وكانت تتصدرها ما ورد في مذكرة الجماعة المقدمة للجنة إعداد الدستور في سبتمبر 1953، والعمل على تكدير السلم العام ومقاومة السلطات، ثم يأتي في مؤخرة قرار الاتهام أنهم "قبضوا بدون وجه حق على غبطة بطريرك الأقباط الأرثوذكس الأنبا يوساب الثاني وتمكنوا من اقتياده خارج الدار البطريركية وإقصائه عن مقر منصبه"، وتم الترويج للتهمة الأخيرة ولم تأت وسائل الإعلام وقتها، ولا من تناول سيرة هذه الجماعة فيما بعد لغيرها، وقد انتهت محاكمتهم إلى صدور أحكام بحبس غالبيتهم، وكان نصيب مؤسسها سبع سنوات قضاها كاملة بسجن طرة، قام خلالها بتأسيس مكتبة قراءة للمساجين داخل السجن. وكان الدرس الذي وقر في ذهن كثيرين أن التغيير والإصلاح لا يمكن أن يأتي من خارج الكنيسة المؤسسة. منظومة مدارس الأحد: كانت الفكرة مقدمة للبابا البطريرك (كيرلس الخامس) من الأستاذ حبيب جرجس، في تطوير لفكرة الكتَّاب، والذي كان يتولى فيه "العَرِّيف" في ذاك الزمان تعليم الأطفال الألحان الكنسية تلقينًا، وقد جاءت الإرساليات الأجنبية وشرعت في تجميع الأطفال والصبية وإعطاءهم دروسًا في حكايات الكتاب المقدس ومعها تنشر رؤيتها وعقائدها، ووجدت قبولًا وإقبالًا، والتقط الأستاذ حبيب جرجس الخيط، وسعى لتمصير الفكرة، خاصة وهو بجوار عمله الوظيفي في دواوين الحكومة، يقوم بالتدريس في مدرسة الإكليريكية، بمهمشة إحدى ضواحي القاهرة، والتي تولى عمادتها فيما بعد، وبدأ التطبيق في أثناء القداس، إذ يتجمع الأطفال والصبية في فناء الكنيسة بينما أسرهم يؤدون الصلوات داخلها، وكانت شبرا والفجالة هما البداية، وسرعان ما انتشرت الفكرة في كل أرجاء القاهرة، ومدريات مصر، ويشكل "الأستاذ" لجنة عليا لمدارس الأحد من الشباب اليافع الذين تتلمذوا عليه، وكان لكنيسة الأنبا أنطونيوس النصيب الأوفر، ويبدأ أسم نظير جيد في الظهور ضمن هذه الكوكبة من الشباب كانت مشكلة التأسيس التي واجهها "الأستاذ" بحسب أحد الباحثين الذين اقتربوا من المشهد، ورصد تطورها، وكتب بعضها في كتاب له، ندرة المراجع العربية الآبائية، وربما غيابها تمامًا، والمتوفر منها "مأخوذ عن الترجمات الإنجليزية والفرنسية"، ومثال ذلك ترجمة كتاب "تجسد الكلمة" للقديس أثناسيوس الرسولي، عن الإنجليزية، بجهد الأستاذ حافظ داود "القمص مرقس داود"، وعكوفه على ترجمة سلسلة تفاسير الكتاب المقدس للقس الإنجليكاني ماثيو هنري (متى هنري)، والعديد من الكتب الروحية وترجمات شخصيات الكتاب المقدس للكاتب ف. ب. ماير، فضلًا عن كتاب الدسقولية (قوانين الرسل)، وتاريخ الكنيسة ليوسابيوس القيصري.  يقول الباحث: "لقد جاهدت الكنيسة بفضل علماء أفذاذ عصاميين شقوا طريقهم وحدهم وقدموا الكثير. فعندما أراد الأستاذ حبيب جرجس أن يقدم كتاباً دراسياً فى اللاهوت النظري اختار محاضرات الأب أوجين دى بليس الفرنسي الكاثوليكي فصارت مادة تُدرَّس في الكلية الإكليريكية. وعندما وضع كتابه المشهور عن أسرار الكنيسة السبعة كان أهم مرجع استند إليه الأستاذ حبيب جرجس هو كتاب "الأنوار في الأسرار" للمطران جراسموس مسرة مطران اللاذقية للروم الأرثوذكس. وفى عرضه لموضوع الكهنوت سجل أستاذنا حبيب جرجس أنه قد اعتمد على مقالة نشرتها الكنيسة الإنجليكانية، وأنه ضم أغلب ما فيها إلى الفصل الخاص بالكهنوت" وتولت جمعية المحبة التي أسسها نفر من أراخنة الكنيسة (العلمانيين) مهمة طبع ونشر وتوزيع هذه الكتب، عبر مكتبتها "مكتبة المحبة" التي تولى إدارتها الأستاذ يونان نخلة، والتي صارت أهم المكتبات المسيحية في نشر الكتب الروحية والكنسية الطقسية، في مرحلة شهدت مدًا مؤثرًا للجمعيات الدينية المسيحية في دوائر التعليم وبناء المدارس والمستشفيات والكنائس أيضًا. وقد نعود إليها بتفصيل لاحقًا. وأصدرت اللجنة العليا لمدارس الأحد مجلة شهرية "مجلة مدارس الأحد"، أبريل 1947 لتكون صوتها وتحمل رؤيتها، وتكشف عن توجهها الذي أكدته افتتاحية العدد الأول لها: "بيد قوية، هي يد الله العلى القدير، تصدر مجلة مدارس الأحد، وما قصدنا من إصدارها زيادة عدد ما يصدر من مجلات. لكننا رغبنا في أن نبعث بعثًا جديدًا في المجتمع القبطي. لقد اعتزمنا أن تكون مجلة مدارس الأحد صدى لصوت الله الرهيب لإصلاح الفرد والمجتمع، ليجد فيها هؤلاء جميعًا غذاءهم الروحي والاجتماعي والأدبي والعلمي" (إفتتاحية مجلة مدارس الأحد، أبريل 1947) . وفى افتتاحية العدد الأول من عامها الرابع (يناير 1950) يؤكدون من جديد توجههم ويضيفون: "هذه المجلة تريد أن ترفع الصوت عاليًا، وتنبه كل مسئول، وكل فرد، وإنها تريد أن تخلق الرأي العام في الكنيسة، وأن توجهه، حتى يضطر كل واحد ممن يقود كنيستنا أن يتوارى، ولا يظهر أمام الناس حين يعمل ما يخالف رسالة الكنيسة، أو حين يحاول أن يشغلنا بالأمور التافهة" (إفتتاحية العام الرابع لمجلة مدارس الأحد، يتاير 1950) كانوا يؤمنون أن الإصلاح يبدأ فكرًا، وكان مدخلهم التعليم، وكانت أدواتهم منظومة مدارس الأحد ومنبرهم "مجلة مدارس الأحد". وكانت تحتشد بالمقالات الصارخة التي تتناول إشكاليات الكنيسة المعاشة واختلالات الإدارة، وأزمات الديوان البطريركي آنئذ، ويقفز اسم الشاب نظير جيد إلى رأس المجلة، في ديسمبر 1949 يصبح مديرًا للتحرير، والمسئول الفعلي عنها، وفى عام 53 يعتقل الأستاذ مسعد صادق -رئيس التحرير الرسمي- لمعارضته سياسات 52، ويُطلب من المجلة تحديد شخص يتولى رئاسة التحرير وسوف يتم قيده بنقابة الصحفيين، فيقع اختيار المجموعة على الأستاذ نظير جيد ليصبح رئيسًا للتحرير ويظهر اسمه بهذه الصفة بدءًا من أبريل 53 وحتى دخوله الدير يوليو 54. اللافت تزامن دخوله الدير مع القبض على جماعة الأمة القبطية، رغم عدم وجود صلة بينه وبينهم بحسب تأكيدات مؤسس وقائد تلك الجماعة لي في حديث معه أودعته كتابي "العلمانيون والكنيسة". على أن مجموعة مدارس الأحد قبل ذلك أرادت أن تقفز إلى الأمام في سعى الإصلاح، فدفعت برائدها الأستاذ حبيب جرجس مرشحًا للرسامة مطرانًا للجيزة بعد رحيل مطرانها، واشتعلت صفحاتها بالمقالات والأبحاث التي تؤكد أن قوانين الكنيسة تبيح ترشح العلمانيين للأسقفية بل ولكرسي البابا البطريرك، لكن الكنيسة وقتها لم تقبل بهذا، ولم يتم اختيار "الأستاذ" للأسقفية. لتشهد الأديرة قدوم نحو أحد عشر شابًا طلبًا للرهبنة في تتابع بدأه رئيس تحرير مجلة مدارس الأحد، (يوليو 1954)، تأسيًا بشابين سبقاه قبل سنوات قليلة (1948) إلى هذا المضمار، الدكتور يوسف إسكندر (الأب متى المسكين فيما بعد)، والأستاذ سعد عزيز (الأنبا صموئيل أسقف الخدمات الاجتماعية فيما بعد). فيما يصير الأستاذ نظير جيد قداسة البابا شنودة الثالث فيما بعد. لم تكن هذا المحاولات ما بين جماعة الأمة القبطية وقيادات مدارس الأحد والتوجه للرهبنة، وبينهما جهود القمص مرقس داود وجمعية المحبة، إلا محاولات مبكرة للخروج بالكنيسة إلى النور وإن تعددت المسارات، ولم تكن بعيدة عن المصادمات الآنية، وهو ما تبلور فيما تلى ذلك من تطورات خلف أسوار الأديرة، وهو ما سنقترب منه في المقال القادم. في مسار سعينا لإجابة السؤال المطروح: الكنيسة. . صراع أم مخاض ميلاد؟ --- ### ٣) التاريخ بين الاسترداد والمؤامرة - Published: ۲۰۱۸-۰۳-۰۳ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/1535/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: الكنيسة القبطية, بابا كيرلس الخامس, جايوس فلاڤيوس ڤاليريوس أوريلوس قسطنطينوس, حبيب جرجس, قديس أثناسيوس الرسولي, مجمع الأساقفة, مدارس الأحد, معهد الدراسات القبطية ربما نقف على الأسباب الحقيقية للأزمة المتفجرة بين الأجنحة المختلفة في دوائر التعليم، ما بين المصادر والرؤى، لنضع أيادينا على مخارج صحيحة، نؤطر معها تعليمًا أرثوذكسيًا معاصرًا مؤسس على المصادر التي سبق وأشرنا إليها. الكنيسة لها شقان؛ شق إلهي وشق بشرى، فهي جسد المسيح، الإله المتجسد، "لأننا أعضاء جسمه، من لحمه ومن عظامه. " (أفسس 5 : 30)، وهى لهذا تتجسد في العالم كمستودع وناشر لرسالة المسيح، تحمل سمات المسيح المتألم والمصلوب والقائم من بين الأموات... وتحمل نور الإنجيل للخليقة كلها. وهى مقدسة في الثالوث كطلبة المسيح في جثسيماني "قَدّسْهُمْ فِي حَقّكَ. كَلاَمُكَ هُوَ حَق،كَمَا أَرْسَلْتَنِي إِلَى الْعَالَمِ أَرْسَلْتُهُمْ أَنَا إِلَى الْعَالَمِ، وَلأَجْلِهِمْ أُقَدّسُ أَنَا ذَاتِي، لِيَكُونُوا هُمْ أَيْضًا مُقَدّسِينَ فِي الْحَقِّ" (يوحنا 17 : 17 ـ 19) وبقدر إدراك الكنيسة لرسالتها ومهمتها، أن تكون نورًا للعالم، تدعوه للخلاص، والتوبة، وللمحبة التي هي نموذجها، تكون قوتها. لذلك هي تراجع واقعها بشكل متواتر ودائم، وتصححه في ضوء زخم خبراتها، وتقليدها الذي يمثل الحبل السُرى الذي يربطها بالرأس المسيح، بامتداد الأجيال. ولكونها "في العالم" بحكم مكونها البشرى، فهي تتفاعل معه وتؤثر فيه وتقوده لكونها ملح العالم ونوره، وجهادها الحقيقي له جانب أخر ألا تدع العالم يقتحمها ويغازلها بما يملك، فتتشبه به، لأن هذا سيأتي خصمًا من رسالتها، هي تُعمد أدواته، وتوظفها لحساب رسالتها، وحين يختلط عليها الأمر وتحاكى العالم، يتحول سلطانها الروحي إلى سلطة متجبرة، وتتكلس دعوتها، وتتراجع رسالتها، وتخفق في إعلان المسيح. وقد استوقفتني دراسة جادة لأحد الباحثين تتناول حدث التقاء القديسين أنطونيوس، مؤسس الرهبنة ـ وبولا أول السواح (في القرن الرابع الميلادي)، وقد طلب ق. بولا من ق. أنطونيوس أن يذهب إلى البابا القديس أثناسيوس الرسولي ليأتي منه بالعباءة التي أهداها الملك قسطنطين للبابا البطريرك، ففعل هذا، وعاد إلى مغارة أول السواح ليجده قد مات، فكفنه بها، وأخذ ثوبه الخشن الذي كان يلبسه وعاد به للأب البطريرك، الذي أدرك قيمته، ولم يفارقه حتى رحيله، يقول صاحب الدراسة، أن هذه الواقعة كانت رسالة للكنيسة عبر البابا؛ أن عليها أن تتخلص من "عباءة الإمبراطور" والتي ترجمتها في كثير من مفردات مظهرها وربما تراتبيتها، وتتدثر في "ثوبها الخشن" الذي يحمل مفاهيم الترك والتخلي عن مظاهر القوة والفخامة، في عودة لنموذج سيدها، ليكون فضل القوة لله لا الإمبراطور وبلاطه الملكي وأدواته. والمشهد الآني أدى إلى انزعاج كثيرين ممن يتابعون "صراع الديوك" الحادث، وتطاير الاتهامات بين الفرقاء، إلى درجة أن ذهب البعض إلى أن الكنيسة تتعرض لمؤامرة تستهدف سلامها واستقرارها وربما وجودها، فيما يراه جناح أخر بأنه مخاض ولادة متعسرة تعيد الكنيسة إلى مجدها وتجدد قوتها. وعلى الرغم من أن ذهنية المؤامرة لديها مبرراتها، خاصة في مناخات التعتيم وغياب المعلومات، والخوف من المكاشفة، والمصارحة، والحوار المقطوع، إلا أنني لا أميل إلى القبول بفكرة المؤامرة هذه، فالكنيسة قادرة على الانتصار على المؤامرات، داخلها وخارجها، والشواهد تملأ تاريخها المديد، بما تملكه من خبرات إيمانية، وما تمتلكه من قوة مستمدة من مؤسسها ووعوده لها بحمايتها وتحصينها. قد تمرض لكنها لا تموت. وقد نكون بحاجة إلى قراءة متأنية لما شهدته الكنيسة من تطورات وأحداث في النصف الأخير من القرن العشرين تحديدًا، وما شهده العالم من حولنا من تطورات وأحداث اقتحمتنا، فقد كانت الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، في القرون الوسيطة، تسير بقوة الدفع الذاتي المستمدة من الليتورجبا التي تمثل عمودها الفقري، كانت تمارسها وتحافظ عليها، في مناخ كنسي متراجع، وأديرة تضم رهبانًا كهولًا، وإرساليات أجنبية تحمل معها رؤية وإمكانات تواصل ولغة تقترب من الناس، حتى بدت في الأفق محاولات متناثرة لاستنهاض الجسد المريض، بدأها البابا كيرلس الرابع، (1853 ـ 1862)، حتى استحق لقب "أبو الإصلاح"، رغم سني حبريته القليلة، لكنه كان يملك رؤية واضحة للخروج من عصورنا الوسطى، وقد أشرنا إلى استقدامه ثاني أكبر مطبعة بعد المطبعة الأميرية التي جاء بها الوالي محمد على، ودشن، هذا البطريرك النابه، سلسلة مدارس عامة لتعليم الأولاد والبنات، وانتبه إلى التعليم الصناعي ـ هكذا ـ لتوفير العمالة المدربة، وشرع أبواب مدارسه أمام كل المصريين، وهى خطوة تقدمية واعية للأبعاد الاجتماعية، والقوى الناعمة، التي أسهمت في دعم أواصر التلاحم الوطني بعيدًا عن الانتماءات الدينية. ثم يأتي البابا كيرلس الخامس (1874 ـ 1927)، ويدشن منظومة مدارس الأحد استجابة، لمقترح الأستاذ حبيب جرجس، مع مطلع القرن العشرين، في رهان مضمون على الأجيال الجديدة، بالتوازي مع إعادة تأسيس مدرسة الإكليريكية، لتجنى الكنيسة ثمار هذه الخطوات الإصلاحية بعد عقود قليلة، بل ولا ينتهى ذاك القرن إلا وقد صارت كل قيادات الكنيسة من أبناء مدارس الأحد، من كهنة القرى والنجوع إلى أعلى موقع في الكنيسة (كرسي البابا البطريرك) مرورًا بكل أساقفة ومطارنة الكرازة بالداخل والخارج. واليوم تحتفل الكنيسة "بمئوية مدارس الأحد"، وهى تجربة تستحق قراءة تحليلية متبصرة، تتحمل الكلية الإكليريكية مهمة الدعوة إليها في مؤتمر علمي يقيّمها وينطلق منها إلى تطوير تفرضه المتغيرات والتحديات والتطلعات الآنية والمستقبلية، في المنهج والآليات وكيفية التعاطي مع أجيال ما بعد الثورة الرقمية. وربما نقف على الأسباب الحقيقية للأزمة المتفجرة بين الأجنحة المختلفة في دوائر التعليم، ما بين المصادر والرؤى، لنضع أيادينا على مخارج صحيحة، نؤطر معها تعليمًا أرثوذكسيًا معاصرًا مؤسس على المصادر التي سبق وأشرنا إليها. ونفض الاشتباك بين المدرسة التي اعتمدت على مصادر آبائية صحيحة عبر الترجمة عن لغة وسيطة، الإنجليزية في أغلبها، وبعضها يحتاج إلى مراجعة بفعل تقدم علوم الترجمة، وبين المدرسة التي اعتمدت على مصادر آبائية صحيحة عبر الترجمة المباشرة من اللغة الأم "اليونانية القديمة"، وهى تحتاج إلى عمل مؤسسي أكاديمي كنسي رسمي، يجمع المجهودات المتناثرة لمراكز الدراسات القائمة بالفعل، سواء القديمة منها، أو التي أسسها الشباب في السنوات الأخيرة. وننتبه في هذا السياق إلى الجناح الثالث والأخطر والذي بنى رؤيته على مراجع غير أرثوذكسية شهيرة في القضايا العقائدية الأرثوذكسية. وكانت محل جدل بين الفرقاء وتقف وراء العديد من المصادمات. ولا يمكن أن ننتظر نتائج مبشرة بغير استكمال هيكلة الكلية الإكليريكية ومعهد الدراسات القبطية، على أسس علمية أكاديمية، بحيث لا تسند العملية التعليمية فيهما إلى غير الكوادر المؤهلة علميًا وأكاديميًا من حملة درجات الدكتوراه في التخصص المسند اليهم، وكذلك الأمر مع المعاهد الإكليريكية في الإيبارشيات والأديرة، ووضع ضوابط توقف العبث الذي نشهده في كثير منها، وبعضها يقف وراء السجس الحادث الآن، لحسابات بعيدة عن الجدل الأكاديمي العلمي. وبهذا يمكن اعتماد الكلية الإكليريكية بفروعها ومعهد الدراسات القبطية في المجلس الأعلى للجامعات، ومن ثم التواصل مع الجامعات والكليات المناظرة داخل وخارج مصر في العلوم الإنسانية أو العلوم اللاهوتية، الأمر الذي ينعكس إيجابًا على رفع قدرة هذه الإكليريكيات ومن ثم مستوى خريجيها، لحساب منظومة التعليم والرعاية الكنسية. ونضع نقطة في نهاية سطر الأزمة، وتسترد الكنيسة سلامها ودورها التنويري في دوائرها اللاهوتية. على أن الأمر يتطلب الآن أن يبادر مجمع الأساقفة باعتباره المسئول عن إدارة الكنيسة وحماية معتقداتها بحسم الخلاف المثار بين الفرقاء، ووضع القواعد المنظمة للحوار وضوابطه، بغير أن تتطاير بينهم اتهامات الهرطقة، وبيان التفريق بين المعتقد والرأي والتفسير، ووقف حملات "التلاسن" سواء بينهم بشكل مباشر أو من خلال "وكلاء" يطلقونهم عبر وسائط التواصل على الشبكة العنكبوتية في الفضاء الإلكتروني. وكثيرهم لا يدركون أن الحياة الليتورجية والتعاليم الآبائية الكتابية لا يمكن أن نفصلها عن السلوكيات المسيحية، التي تدوسها أطروحاتهم التي تحمل في عناوينها "صورة التقوى" بينما مضمونها يحمل "معاول تهدم الجسد الواحد"، برعونة وادعاء. وللطرح بقية --- ### ٢) نؤمن - Published: ۲۰۱۸-۰۳-۰۲ - Modified: 2024-05-15 - URL: https://tabcm.net/1531/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أوريجينوس ليونايدس أدامانتيوس, التفسير الرمزي, الكنيسة الجامعة, الكنيسة القبطية, المجيء الثاني, باسيليوس الكبير، أسقف قيصرية الكبادوك, بولس البوشي, تدبير الخلاص, جايوس فلاڤيوس ڤاليريوس أوريلوس قسطنطينوس, سمعان بن يونا, قديس بولس الرسول, ليتورچي, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية يحتفظ لنا التاريخ بنماذج عديدة لمعلمين كنسيين ثقاة اختلفوا في قضايا كنسية وكتابية مهمة، إلى درجة التضاد، ولم يقل احدهم بأن الأخر “هرطوقي”، لا في عصره ولا في العصور اللاحقة، لسلامة الأرضية الإيمانية التي يقفون عليها وينطلقون منها. الكنيسة هي كائن متأصل ومتجدد يحمل مهمة إعلان المسيح، وهى ممتدة باتساع الجغرافيا، ومتعمقة وقائمة بامتداد التاريخ، بحسب توجيه المسيح لها "اذهبوا إلى العالم اجمع واكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها" (مرقس . 16 : 15)، بل ويمتد وجودها باعتبارها جسد المسيح، وهو رأسها، إلى ما بعد الحياة الأرضية، منذ اليوم الأول لتأسيسها. وهى بهذا: جسد المسيح الحي الكائن وسط عالم البشر وبهم، يتشكل هيكلها الفكري الإيماني من ما أعلنه الإنجيل لها، وحفظته عبر ليتورجيتها، التي تؤكد على إدراكها للحقائق الإيمانية الأساسية، عن الله والخلق، والسقوط وتدبير الخلاص عبر التجسد والفداء، وانتظار المجيء الثاني، وحياة الدهر الآتي. وقد استوعدته الكنيسة في وثيقة الأيمان النيقاوي القسطنطيني، فيما قبل الانشقاق، وتلتف حوله بغير اختلاف كل كنائس العالم. وتعتمد الكنيسة ـ خاصة في جناحها التقليدي ـ على التواتر الجيلي، التسليم، وهو ما قال به القديس بولس الرسول في اكثر من إشارة بامتداد رسائله: وَمَا تَعَلّمْتُمُوهُ، وَتَسَلّمْتُمُوهُ، وَسَمِعْتُمُوهُ، وَرَأَيْتُمُوهُ فِيّ، فَهذَا افْعَلُوا، وَإِلهُ السّلاَمِ يَكُونُ مَعَكُمْ. (فيلبى 9:4) لأَنّنِي تَسَلّمْتُ مِنَ الرّبّ مَا سَلّمْتُكُمْ أَيْضًا: إِنّ الرّبّ يَسُوعَ فِي اللّيْلَةِ الّتِي أُسْلِمَ فِيهَا، أَخَذَ خُبْزًا وَشَكَرَ فَكَسّرَ، وَقَالَ: «خُذُوا كُلُوا هذَا هُوَ جَسَدِي الْمَكْسُورُ لأَجْلِكُمُ. اصْنَعُوا هذَا لِذِكْرِي». كَذلِكَ الْكَأْسَ أَيْضًا بَعْدَمَا تَعَشّوْا، قَائِلاً: «هذِهِ الْكَأْسُ هِيَ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ بِدَمِي. اصْنَعُوا هذَا كُلّمَا شَرِبْتُمْ لِذِكْرِي». فَإِنّكُمْ كُلّمَا أَكَلْتُمْ هذَا الْخُبْزَ وَشَرِبْتُمْ هذِهِ الْكَأْسَ، تُخْبِرُونَ بِمَوْتِ الرّبّ إِلَى أَنْ يَجِيءَ. إِذًا أَيُّ مَنْ أَكَلَ هذَا الْخُبْزَ، أَوْ شَرِبَ كَأْسَ الرّبّ، بِدُونِ اسْتِحْقَاق، يَكُونُ مُجْرِمًا فِي جَسَدِ الرّبِّ وَدَمِهِ. (1 كورنثوس 11 : 23 ـ 27) فَإِنّنِي سَلّمْتُ إِلَيْكُمْ فِي الأَوّلِ مَا قَبِلْتُهُ أَنَا أَيْضًا: أَنَّ الْمَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا حَسَبَ الْكُتُبِ،وَأَنّهُ دُفِنَ، وَأَنّهُ قَامَ فِي الْيَوْمِ الثّالِثِ حَسَبَ الْكُتُبِ، وَأَنّهُ ظَهَرَ لِصَفَا ثُمّ لِلاثْنَيْ عَشَرَ. (1 كورنثوس 15 : 3 ـ 5) فَأَمْدَحُكُمْ أَيّهَا الإِخْوَةُ عَلَى أَنّكُمْ تَذْكُرُونَنِي فِي كُلّ شَيْءٍ، وَتَحْفَظُونَ التّعَالِيمَ كَمَا سَلّمْتُهَا إِلَيْكُمْ. (1 كورنثوس 11 : 2) فمن ثم ايها الاخوة نسالكم ونطلب اليكم في الرب يسوع، انكم كما تسلمتم منا كيف يجب ان تسلكوا وترضوا الله، تزدادون اكثر، لانكم تعلمون اية وصايا اعطيناكم بالرب يسوع. لان هذه هي ارادة الله: قداستكم. (1 تسالونيكي 4 : 1 ـ 2) مِنْ أَجْلِ ذلِكَ نَحْنُ أَيْضًا نَشْكُرُ اللهَ بِلاَ انْقِطَاعٍ، لأَنّكُمْ إِذْ تَسَلّمْتُمْ مِنّا كَلِمَةَ خَبَرٍ مِنَ اللهِ، قَبِلْتُمُوهَا لاَ كَكَلِمَةِ أُنَاسٍ، بَلْ كَمَا هِيَ بِالْحَقِيقَةِ كَكَلِمَةِ اللهِ، الّتِي تَعْمَلُ أَيْضًا فِيكُمْ أَنْتُمُ الْمُؤْمِنِينَ(2 تسالونيكي 2 : 13 ) وَمَا سَمِعْتَهُ مِنّي بِشُهُودٍ كَثِيرِينَ، أَوْدِعْهُ أُنَاسًا أُمَنَاءَ، يَكُونُونَ أَكْفَاءً أَنْ يُعَلّمُوا آخَرِينَ أَيْضًا. (2 تيموثاوس 2:2) وقد استقر في الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، المصادر الأساسية للتعليم: ـ الكتاب المقدس ـ التسليم الآبائي (المُحقق) ـ قوانين وقرارات المجامع المسكونية التي أقرتها الكنيسة. ـ الليتورجيا ومنظومة صلوات الكنيسة. التأصيل الإيماني ودور التسليم الآبائي: نؤكد مجددًا على أن الكنيسة لها قواعدها الإيمانية، التي تقوم عليها، والتي تتأسس على ما سبق الإشارة إليه، وهذه القواعد الإيمانية، (العقائد)، لا تقبل الجدل حولها، لكن هذا لا يصادر الحق في تعدد الآراء ومدارس التفسير، باختلاف الثقافات والتنوع المجتمعي والجيلي، في إطار الإقرار بالمحاور الإيمانية الأساسية، كما بينا سلفًا. فالعقيدة لا تقبل الاختلاف بينما يبقى الرأي والتفسير قابلان للتنوع والتعدد، دون أن يتبادل الفرقاء اتهامات الهرطقة والتشكيك، وتبقى الليتورجيا، وفى مقدمتها القداس الإلهي والتسبحة وصلوات الإجبية، المعيار الذي يقاس عليه الرأي والتفسير. ويعد الكتاب المقدس نفسه دليلًا على أهمية ودور التسليم الآبائي، إذ كيف استقرت الكنيسة على اعتماد الأناجيل الأربعة دون غيرها من الأناجيل والكتب المنحولة التي ظهرت في توقيتات مختلفة؟، فلولا ما استقر في الكنيسة من تسليم استودِع أناس أمناء، بحسب بولس الرسول، لما امتلكت الكنيسة آلية تقنين هذه الأناجيل دون غيرها، وهو ما يشير إليه القديس لوقا البشير في مقدمة إنجيله: اذ كان كثيرون قد اخذوا بتاليف قصة في الامور المتيقنة عندنا، كما سلمها الينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداما للكلمة، رايت انا ايضا اذ قد تتبعت كل شيء من الاول بتدقيق ان اكتب على التوالي اليك ايها العزيز ثاوفيلس، لتعرف صحة الكلام الذي علمت به(لوقا 1 : 1 ـ 4) حتى أننا يمكن أن نقول بثقة أن الكتاب المقدس نفسه وثيقة آبائية، وقد كتبه أناس مسوقين من الروح القدس. بحسب القديس بطرس الرسول في رسالته الثانية (1 : 21). اختلفوا في الرأي وبقوا قديسين ويحتفظ لنا التاريخ بنماذج عديدة لمعلمين كنسيين ثقاة اختلفوا في قضايا كنسية وكتابية مهمة، إلى درجة التضاد، ولم يقل احدهم بأن الأخر "هرطوقي"، لا في عصره ولا في العصور اللاحقة، لسلامة الأرضية الإيمانية التي يقفون عليها وينطلقون منها. تطبيق : نقف أمام ثلاث وقائع خلافية في دائرة الرأي 1 ـ شاول الملك وتحضير روح صموئيل (عرافة عين دور) ـ هل كانت روح صموئيل؟ كثير من الآباء رفضوا فكرة روح صموئيل؛ منهم هيبوليتس وترتليانوس وباسيليوس الكبير، بينما يؤكد يشوع بن سيراخ في سفره أنها روح صموئيل، وقد رفع من الأرض صوته: "صموئيل المحبوب عند الرب نبي الرب سن الملك ومسح رؤساء شعبه ... ومن بعد رقاده تنبأ واخبر الملك بوفاته ورفع من الأرض صوته بالنبوءة لمحو إثم الشعب. " (يشوع بن سيراخ 46 : 16 و 23) ولم يقل أحد بهرطقة هؤلاء، ولم يشكك أحد في صحة ما قاله كاتب السفر، بل قُرأ الأمر على أنه رأى لأصحابه. 2 ـ النجم الذي ظهر للمجوس : نجم حقيقي أم ملاك؟ ـ يوحنا ذهبي الفم يقول بأنه ملاك، وكذلك الأب بولس البوشي الأسقف وهو عالم مصري من القرن الثالث عشر. ـ بينما العلامة أوريجينوس أبو التفسير الرمزي يرى أنه نجم حقيقي! ! . ـ ولم يهرطق أي منهما لا في عصره ولا في العصور اللاحقة. 3 ـ هل تناول يهوذا؟ ـ ذهبي الفم وأغسطينوس قالا بأنه تناول ـ قداس القديس باسيليوس عند البيزنطيين يقول بأن يهوذا قد تناول "إن يهوذا هو ابن الأفاعي الذين اكلوا المن في القفر وتذمروا على المغذى... إذ كان الطعام بعد في أفواههم كانوا يتذمرون على الله في قلوبهم، وكذلك هذا الرديء العبادة المتسلسل منهم إذ كان الخبز السماوي بعد في فمه أسلم المخلص" (من ليتورجيا القداس الباسيلي للروم الأرثوذكس) ولم يكل أحد تهمة الهرطقة لأي منهم ولم يعتبروا خارجين عن الإيمان آباء قالوا رأيًا وآباء قالوا عكسهم، وكلهم محسوبين من معلمي الكنيسة الجامعة. ننتهي من هذا إلى أن الرأي يقبل الاختلاف ولا ينتهى بهرطقة قائله، طالما هو يؤمن بإيمان الكنيسة الذي قال به قانون الإيمان. الاختلاف في الرأي محكوم بعدم خروجه عن العقيدة العامة للكنيسة الرأي عند بولس الرسول غير ملزم وأما العذارى، فليس عندي أمر من الرب فيهن، ولكنني أعطي رأيا كمن رحمه الرب أن يكون أمينا. فأظن أن هذا حسن لسبب الضيق الحاضر، أنه حسن للإنسان أن يكون هكذا: أنت مرتبط بامرأة، فلا تطلب الانفصال. أنت منفصل عن امرأة، فلا تطلب امرأة. لكنك وإن تزوجت لم تخطئ. وإن تزوجت العذراء لم تخطئ. ولكن مثل هؤلاء يكون لهم ضيق في الجسد. وأما أنا فإني أشفق عليكم. (1 كورنثوس 7: 25 ) ورغم أنه من أعمدة الكنيسة، بل هو أحد "هامتا الرسل"، وربما لهذا، نجده يملك أمانة التفريق بين العقيدة (الترتيب الإلهي) وبين الرأي الشخصي له. ليؤكد على المساحة المتاحة لتعدد الرؤى وحرية القرار. وبحسب أحد علماء اللاهوت الأرثوذكس السكندريين الأكاديميين، فإن من يقترب من منهج الكنيسة في الشرح والتفسير يجده يلتزم بثلاثة عناصر أساسية: ـ تفسير وشرح أي عقيدة في الإطار اللاهوتي الشامل الذي يضم في تكامل كل العقائد. ـ تفسير وشرح العقيدة على أساس ما يحدث في الليتورجية. ـ تفسير وشرح العقيدة على أساس ما استقر في التقليد الكنسي نفسه. ويقول في هذا: "هذه العناصر الثلاثة ذات دلالة روحية فى الأرثوذكسية لأن الإطار الشامل ـ أى العنصر الأول ـ إنما يعنى الإحتفاظ بنظرة شاملة وكلية، وعدم تجزىء العقائد إلى وحدات منفصلة. أما الخبرة الليتورجية والممارسة الكنسية والأسرار ـ العنصر الثانى ـ فهى تعنى أن يصب الشرح والتفسير فيما يٌمَارس فى الحياة اليومية وإلا أُعتُبر هذا الشرح شرحاً عقلياً أجوف لا قيمة له. ، وهذا يعنى بدوره ضرورة العودة إلى التقليد الكنسى ـ العنصر الثالث ـ لأن الشرح العقلى ، مجرداً، يفصل بين الكنيسة والتقليد (التسليم)، ويباعد بين المؤمن وبين الممارسة فى الليتورجية، ويخلق فجوة روحية تسمح بالآراء الشخصية والتفسيرات الذاتية، والتى تأتى فى بعضها متأثرة بالظروف والمناسبات. " ولعل هذا يدفعنا مجددًا لإعادة الدعوة للشروع في تأسيس مركز أبحاث كنسي عند أعلى نقطة في الكنيسة يعكف على وضع المحددات التي تفصل بين العقيدة والرأي والتفسير. وعلى الكنيسة أن تؤسس لقنوات تواصل تطرح فيها الأمور التي تستوجب حوارًا موضوعيًا راقيًا بين جنباتها. والسؤال للفرقاء : لمصلحة من هذا التراشق وإلى متى؟ وللحديث بقية. --- ### ١) ما قبل اﻷزمة - Published: ۲۰۱۸-۰۳-۰۱ - Modified: 2024-07-22 - URL: https://tabcm.net/1458/ - تصنيفات: تاريخ وميثولوچيا - وسوم: أوريجينوس ليونايدس أدامانتيوس, إفخارستيا, إكليروس, الانشقاق الكبير, الكنيسة القبطية, بابا كيرلس الخامس, بابا كيرلس الرابع أبو الإصلاح, بابا كيرلس السادس, بابا كيرلس عمود الدين, تجسد الكلمة, جايوس فلاڤيوس ڤاليريوس أوريلوس قسطنطينوس, حبيب جرجس, دسقولية, ديمتريوس الكرام, عصر المجامع, قاسم أمين, قديس أثناسيوس الرسولي, ليتورچي, مجمع خلقيدونية, مدارس الأحد, مرقس داود, يوحنا ذهبي الفم، بطريرك القسطنطينية المتغير الذي فرض نفسه ولا يمكن إغفاله، وأسهم بقدر وافر في تشكل الأزمة وليس في تفجرها فقط، وهو العالم الافتراضي الذي انتجته الثورة الرقمية، فمن خلاله توافرت الأبحاث والكتب التراثية والحديثة، والدراسات النقدية التي تتناول الأمور الخلافية وتعيد فحص جذورها، وتعيد فحص إشكاليات عصر المجامع وتاريخ الانشقاق، وتحتاج إلى تعامل جاد وموضوعي لا يتوقف عند تخوم الرفض والإدانة وربما التحريم، بل يتجاوز هذا ويعبر عليه دون التفات، شهدت ساحات التراشق الإلكتروني وبعض من "الميديا" مواجهات فكرية تدور حول الشئون الإيمانية المسيحية في باحة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تحديدًا، الأمر الذي أزعج وأقلق الكثيرين من المتابعين، خاصة وأنها تدور بين متقدمين في الكنيسة، لهم ثقلهم وتقديرهم ولا نملك أن نشكك في حسن نواياهم وحرصهم على سلامة الإيمان وسلامة الكنيسة. على أن الأمر لا يمكن تناوله بعيدًا عن السياق العام والمناخ السائد والمتغيرات التي نعيشها والتي تؤثر بشكل فاعل على المشهد بجملته، في إطار الفكر، ولا يمكن إغفال ما جاءت به ثورة الاتصالات ومن ثم المعلومات، وخروجها عن السيطرة أو الحجب أو التوجيه. والتي تستدعى المزيد من القراءة المتبصرة والتحليل الموضوعي، والفحص الدقيق. ولما كان الأمر متعلقًا بالكنيسة والشأن الإيماني فلا يصح أن نستدعى أدوات التحليل السياسي في تناوله، وعلينا أن ننتبه لمن يسعى لاختطاف المواجهات لتسوية حسابات عالقة، قديمة أو مستحدثة، في احتراب سياسي لا محل له. وقد نكون بحاجة إلى فهم المسار التاريخي للكنيسة، والتي تعد واحدة من الكنائس الخمس الكبرى (أورشليم، روما، الإسكندرية، أنطاكية، ثم القسطنطينية) وكان لها باع طويل وإسهامات لاهوتية في توثيق وتقنين الإيمان المسيحي، والذي تبلور في وثيقة "قانون الإيمان النيقاوي القسطنطيني"، عبر المجامع المسكونية في قرون المسيحية الخمسة الأولى، حتى جاء الانشقاق الكبير بعد مصادمات مجمع خلقيدونية (451 م)، وتداعياته المتلاحقة، لتشهد تحولًا ومصادمات من نوع مختلف، وصراعات محتدمة بينها وبين فرقاء العقيدة، ليأتي القرن السابع الذي يشهد الدخول العربي، لتجد نفسها إزاء مواجهات مختلفة، ومع القرن العاشر تتحول إلى "كنيسة أقلية"، وتجرى في نهر الكنيسة والوطن مياه كثيرة، وتواجه الكنيسة فترات تراجع مريرة، وهى تنتقل من اليونانية إلى القبطية إلى العربية (لسانًا)، ومع كل انتقال تسعى بجلد لإعادة بناء صرحها اللاهوتي باللغة الجديدة، وما يحتاجه هذا من سنوات ممتدة حتى تجيد النقل بأدوات اللغة الجديدة، في مناخات غير مواتية وعنيفة في أحيان كثيرة. كان سر بقاءها في "ليتورجيتها" وهى منظومة عقائدها التي حفظتها في ممارساتها التعبدية الحياتية، التي تعرف بـ "الطقوس الكنسية"، وتأتى "الإفخارستيا" في مقدمتها، والتي تناقلتها حتى في أزمنة الضعف، في حرص وتدقيق، فطريين، ليشهد النصف الأخير من القرن التاسع عشر إرهاصات استعادة الوعى، خاصة مع قدوم البطريرك المستنير البابا كيرلس الرابع، الذي كان يملك رؤية واضحة، فاستقدم ثاني اكبر مطبعة في مصر، بعد "المطبعة الأميرية" التي جاء بها الوالي محمد على، وشرع في تأسيس سلسلة "مدارس الأقباط" المدنية، ويفتح أبوابها لكل المصريين، وليس فقط للأولاد بل وللبنات أيضًا ليسبق دعوة قاسم أمين بأكثر من ثلاثة عقود. وتواجه الكنيسة قادمًا من نوع جديد في أعطاف الاحتلال الإنجليزي، فتؤسس منظومة مدارس الأحد مع بواكير القرن العشرين، وتحاول جاهدة برؤية مستقبلية أن تبنى ذهنية الجيل الجديد، على قواعد مسيحية أرثودكسية، في لحظة تشهد تكامل وتوافق الإكليروس (البابا البطريرك كيرلس الخامس) والعلمانيين (الأستاذ حبيب جرجس)، لكنها كانت تعانى من نقص المراجع الأرثوذكسية المعربة، فاستعانت، بجوار النزر اليسير المتوفر لديها، بالمتاح في الكنائس الشقيقة، حتى تكتمل منظومة مراجعها، مع تأسيس حركة الترجمة، من اللغات الوسيطة، الإنجليزية تحديدًا، بينها وبين اليونانية، وكان فارسها الأستاذ حافظ داود، (القمص مرقس داود فيما بعد)، وكان من ابرز ما ترجمه؛ كتاب تجسد الكلمة للقديس البابا أثناسيوس الرسولي، والدسقولية، لتأتى حركة التكريس مع منتصف القرن العشرين لتؤسس تيار الترجمة من اليونانية مباشرة، وتشهد الساحة الفكرية نقلة نوعية فاعلة وثرية، تضخ دماء جديدة في منظومة الفكر القبطي الأرثوذكسي. 1. ـ جزء من الأزمة المعاشة يعود إلى التواجه بين مدرستين إحداهما اعتمدت في منطلقاتها على المراجع المترجمة عن اللغات الحديثة، والأخرى تبنى رؤيتها على الكتب اليونانية، ويقف بينهما ما تعرفه علوم الترجمة من اختلافات دقيقة ومؤثرة، تحكمها بنية اللغة وأدواتها ومصطلحاتها ومعانيها، وزاد من تعميق المواجهة دخول جناح ثالث اعتمد في رؤيته على متشابهات تحملها مراجع غير أرثودكسية. 2. ـ وجزء منها يعود إلى طبيعة المناخ الذهني العربي الشعبوي السائد، وقد تسلل إلينا بحكم الثقافة واللغة والاحتكاك المعيشي، والذي يستثقل التعددية والتنوع، ويميل إلى "واحدية" الرأي، ويبنى تصوره أو قناعاته على كثير من الانطباع وقليل من الدراسة والبحث، وتغيب عنه في الغالب القواعد الموضوعية الحاكمة. 3. ـ وجزء ثالث منها هو الخلط بين العقيدة والرأي والتفسير، ولعله الأخطر، خاصة في منظومة تقليدية هيراركية، تعانى من موروث ثقيل مازال عالقًا بأجوائنا، في علاقة أصحاب الرأي بأصحاب القرار، وما زلنا نعيد إنتاج تجاربنا السلبية في هذا الأمر، على غرار ما حدث بين الباحث الموسوعي العلامة أوريجينوس، والبابا القديس ديمتريوس الكرام. وما حدث بين البطريرك العالم يوحنا ذهبي الفم والبطريرك البابا ثاوفيلس، الذي حرمه وأوصى بنفيه، وقد نكون بحاجة والأمر كذلك إلى استكمال المشهد باستنساخ ما قام به البطريرك اللاحق له القديس كيرلس الكبير، الذي رد لذهبي الفم اعتباره، بعد وفاته في منفاه، بل واعتمدته الكنيسة القبطية ضمن قائمة قديسيها ومعلميها التقاه. وقبل أن نعرض جوانب الأزمة التي تغشانا الآن نعود فنشير إلى المتغير الذي فرض نفسه، ولا يمكن إغفاله، وأسهم بقدر وافر في تشكل الأزمة، وليس في تفجرها فقط، وهو العالم الافتراضي الذي انتجته الثورة الرقمية، فمن خلاله توافرت مئات وربما آلاف الأبحاث والكتب، التراثية والحديثة، بل والدراسات النقدية التي تتناول الأمور الخلافية وتعيد فحص جذورها، بل وتعيد فحص إشكاليات عصر المجامع وتاريخ الانشقاق، وتحتاج إلى تعامل جاد وموضوعي لا يتوقف عند تخوم الرفض والإدانة وربما التحريم، بل يتجاوز هذا ويعبر عليه دون التفات، لنجد انفسنا أمام وجوبية تأسيس مركز أبحاث أكاديمي يضم المتخصصين والباحثين عند أعلى نقطة في الكنيسة، يعكف على وضع دستور يحدد ويقنن ويوثق: الإطار العقائدي للكنيسة ومصادره المعتمدة لديها. أبعاد وفلسفة الطقوس الكنسية وتحقيقها على المصادر الآبائية السليمة. توثيق القوانين الكنسية التي تقبلها الكنيسة. تقنين وتوثيق العلاقات البينية داخل الكنيسة. تقنين العلاقات (الكنسية ـ الكنسية) بين الكنيسة القبطية والكنائس والمذاهب المسيحية الأخرى. تحديد مسارات العلاقات مع الأديان الأخرى ومع المجتمع العام. لكن ماذا عن الأزمة القائمة الآن؟ هذا ما سنعرضه في المقال القادم. ---