لماذا لن يصدق الناس ولن يؤمنوا لمجرد أن الله يظهر لهم؟

«قَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: عِنْدَهُمْ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءُ، لِيَسْمَعُوا مِنْهُمْ. فَقَالَ: لاَ، يَا أَبِي إِبْرَاهِيمَ، بَلْ إِذَا مَضَى إِلَيْهِمْ وَاحِدٌ مِنَ الأَمْوَاتِ يَتُوبُونَ. فَقَالَ لَهُ: إِنْ كَانُوا لاَ يَسْمَعُونَ مِنْ مُوسَى وَالأَنْبِيَاءِ، وَلاَ إِنْ قَامَ وَاحِدٌ مِنَ الأَمْوَاتِ يُصَدِّقُونَ».

(مثل الغني ولعازر.. إنجيل لوقا 16: 29-31)

هذا المقال يناقش عدم جدوى الاقتراح الذي قدمه “لعازر” الرجل الغني الذي مات وذهب إلى موضع العذاب فأدرك خسارته واقترح هذه المبادرة لإنقاذ ذويه الذين لا يزالوا يعيشون في العالم.

فَقَالَ لَهُ إِخْوَتُهُ: «انْتَقِلْ مِنْ هُنَا وَاذْهَبْ إِلَى الْيَهُودِيَّةِ، لِكَيْ يَرَى تَلاَمِيذُكَ أَيْضًا أَعْمَالَكَ الَّتِي تَعْمَلُ، لأَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ يَعْمَلُ شَيْئًا فِي الْخَفَاءِ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ عَلاَنِيَةً. إِنْ كُنْتَ تَعْمَلُ هذِهِ الأَشْيَاءَ فَأَظْهِرْ نَفْسَكَ لِلْعَالَمِ». لأَنَّ إِخْوَتَهُ أَيْضًا لَمْ يَكُونُوا يُؤْمِنُونَ بِهِ.

(إنجيل يوحنا 7: 3-5)

“طُوبَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَرَوْا”.

(إنجيل يوحنا 20: 29)

الله هو الحق، الإيمان بالله هو الإيمان بالحق.

المسيح -تبارك اسمه- قال “أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ”. (إنجيل يوحنا 14: 6)، ومكتوب عنه “وَنَعْلَمُ أَنَّ ابْنَ اللهِ قَدْ جَاءَ وَأَعْطَانَا بَصِيرَةً لِنَعْرِفَ الْحَقَّ. وَنَحْنُ فِي الْحَقِّ فِي ابْنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. هذَا هُوَ الإِلهُ الْحَقُّ وَالْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ”. (رسالة يوحنا الأولى 5: 20). والحق لا يَتْبع ولا يَختَّص بالزائل والمتغيِّر، الذي غير حق بالتالي غير حقيقي بالضرورة.

كل ما هو غير حق فهو كَذِبْ، العالم الذي نعيش فيه ليس حق لأنه متغيِّر و زائل. و أبو المتغيِّرات و الكذب: “أَنْتُمْ مِنْ أَبٍ هُوَ إِبْلِيسُ، وَشَهَوَاتِ أَبِيكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَعْمَلُوا. ذَاكَ كَانَ قَتَّالاً لِلنَّاسِ مِنَ الْبَدْءِ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْحَقِّ لأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَقٌّ. مَتَى تَكَلَّمَ بِالْكَذِبِ فَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُ مِمَّا لَهُ، لأَنَّهُ كَذَّابٌ وَأَبُو الْكَذَّابِ”. (إنجيل يوحنا 8: 44). لذلك قيل أن العالم أُعطِيَ للشيطان: “نَعْلَمُ أَنَّنَا نَحْنُ مِنَ اللهِ، وَالْعَالَمَ كُلَّهُ قَدْ وُضِعَ فِي الشِّرِّيرِ”. (رسالة يوحنا الأولى 5: 19).

تعريف الكتاب المقدس للإيمان: “وَأَمَّا الإِيمَانُ فَهُوَ الثِّقَةُ بِمَا يُرْجَى وَالإِيقَانُ بِأُمُورٍ لاَ تُرَى”. (رسالة بولس إلى العبرانين 11: 1). إذن، الإيمان الحقيقي ليس في متناول الواقع ولا هو في متناول الرؤية بالعين، أي ليس في دائرة العالم، بالتالي فالإيمان الحقيقي ليس واقعاً تحت سلطان الشيطان، بل هو فائق على مستوى المتغيرات والعالم والشيطان.

فكيف نستطيع أن نعرف الله و نؤمن به الإيمان الحقيقي إن كان الأمر هو أرفع من مستوي المنظور والمسموع، وأعلى من مستوى العقل والتعليم والقراءة والفهم؟ هنا يتضح أن الإيمان بالله والمسيح هو عطية وليس مقدرة، يقدمها الله لكل من يَقبَل “لأَنَّهُ قَدْ وُهِبَ لَكُمْ … أَنْ تُؤْمِنُوا بِهِ …”. (رسالة بولس إلى فيلبي 1: 29).

الله يُعلِن ذاته ولا تُقتَحم معرفته لأنه ليس عِلمٌ يُفحَصْ: “يَا لَعُمْقِ غِنَى اللهِ وَحِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ! مَا أَبْعَدَ أَحْكَامَهُ عَنِ الْفَحْصِ وَطُرُقَهُ عَنِ الاسْتِقْصَاءِ! «لأَنْ مَنْ عَرَفَ فِكْرَ الرَّبِّ؟ أَوْ مَنْ صَارَ لَهُ مُشِيرًا؟ أَوْ مَنْ سَبَقَ فَأَعْطَاهُ فَيُكَافَأَ»”. (رسالة بولس إلى رومية 11: 33).

هنا يأتي مفهوم استعلان الحق في الإيمان المسيحي، والمقصود بالاستعلان هو كشف المستور أو الدخول إلى جوهر المعنى أو جوهر الكلمة، وهو حاسة فائقة على الفهم والعقل، “وَالَّذِي يُحِبُّنِي يُحِبُّهُ أَبِي، وَأَنَا أُحِبُّهُ، وَأُظْهِرُ لَهُ ذَاتِي”. (إنجيل يوحنا 14: 21).

هذا الاستعلان الذاتي لشخص الله والمسيح لا يختص بما هو بشري، وهو فوق أن يُحَسُّ به في القلب (أي هو فوق المشاعر والأحاسيس)، لأنه يختص بالروح والحق: “بَلْ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ:«مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قلب إِنْسَانٍ: مَا أَعَدَّهُ اللهُ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ»”. (رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس 2: 9). هذا هو الإيمان الذي اختبره ووصفه بأنه “سِرِّ الْمَسِيحِ” (رسالة بولس إلى أفسس 3: 4)، وقال عنه “لأَنِّي لَمْ أَقْبَلْهُ مِنْ عِنْدِ إِنْسَانٍ وَلاَ عُلِّمْتُهُ. بَلْ بِإِعْلاَنِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ”. (رسالة بولس إلى غلاطية 1: 12).

الإيمان بالمسيح والحق هو عمل روح الله في كل إنسان، وهو مستور في كلمة الإنجيل، هو في متناول الجميع، بدءًا من بولس الرسول معلم اليهود وحتى الأطفال والأميين والذين لا يقرأون: “وَفِي تِلْكَ السَّاعَةِ تَهَلَّلَ يَسُوعُ بِالرُّوحِ وَقَالَ:«أَحْمَدُكَ أَيُّهَا الآبُ، رَبُّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، لأَنَّكَ أَخْفَيْتَ هذِهِ عَنِ الْحُكَمَاءِ وَالْفُهَمَاءِ وَأَعْلَنْتَهَا لِلأَطْفَالِ. نَعَمْ أَيُّهَا الآبُ، لأَنْ هكَذَا صَارَتِ الْمَسَرَّةُ أَمَامَكَ»”. (إنجيل لوقا 10: 21). فالله ظهر لصموئيل الطفل وتكلم معه ولم يتكلَّم مع معلمه .

إن استعلان لا يتوقف على علم أو معرفة أو قامة أو حتى رؤية بالعين المجردة. فكل هذه المعطيات قدمها الله -تبارك اسمه- للإنسان في تاريخ العلاقة به ولم تفلح. بل الإيمان هو باستعلان الحق الإلهي لكل من يُحِّب الحق و يطلبه.

“فَكَانَ الْيَهُودُ يَتَذَمَّرُونَ عَلَيْهِ… وَقَالُوا: «أَلَيْسَ هذَا هُوَ يَسُوعَ بْنَ يُوسُفَ، الَّذِي نَحْنُ عَارِفُونَ بِأَبِيهِ وَأُمِّهِ؟ فَكَيْفَ يَقُولُ هذَا: إِنِّي نَزَلْتُ مِنَ السَّمَاءِ؟». فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ:«لاَ تَتَذَمَّرُوا فِيمَا بَيْنَكُمْ.لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يُقْبِلَ إِلَيَّ إِنْ لَمْ يَجْتَذِبْهُ الآبُ الَّذِي أَرْسَلَنِي، وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ. إِنَّهُ مَكْتُوبٌ فِي الأَنْبِيَاءِ: وَيَكُونُ الْجَمِيعُ مُتَعَلِّمِينَ مِنَ اللهِ. فَكُلُّ مَنْ سَمِعَ مِنَ الآبِ وَتَعَلَّمَ يُقْبِلُ إِلَيَّ…اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ يُؤْمِنُ بِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ”.

(إنجيل يوحنا 6: 41)

والرب يستعلن ذاته بكيفية و”مخارج” حسب شخص كل إنسان لا زال في الظلمة وظلال الموت “اَللهُ لَنَا إِلهُ خَلاَصٍ، وَعِنْدَ الرَّبِّ السَّيِّدِ لِلْمَوْتِ مَخَارِجُ”. (سفر 68: 20).

والسبح لله.
بقلم د. رءوف إدوارد

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

لماذا لا يظهر الله نفسه للعالم فيؤمن به الجميع؟ 1
[ + مقالات ]