Search
Close this search box.
المقال رقم 6 من 9 في سلسلة مقدمات وتعليقات على العهد القديم

في البوست دا انا وضحت إن قصة الطوفان المكتوبة في التكوين من 6: 5 لـ9: 17 عبارة عن مزيج للتقليدين اليهوي والكهنوتي وانه يُمكن فصلهم عن بعض وبعد الفصل هنلاقي إن كل قصة في كل تقليد ممكن تُقرأ بشكل مستقل كأنها قصة كاملة ومتماسكة ودا بيعتبر أحد الأدلة القوية اللي بيُستدل بيها على .

على الجانب الآخر، القرضية التكاملية بتفترض إن اتكتب زي ما هو مفصول لوحده في المقال السابق ذكره، لكن لما اتكتب تم لحم التقليد اليهوي بالشكل الموجود معانا النهاردة،
الميزة في افتراض الفرضية التكاملية إنها أكثر اتباعًا لمقصلة أوكام (Occam's Razor) من ناحية إنها بتطلب عدد أقل من المُحررين (Redactors) لإن مؤلف التقليد الكهنوتي هو نفسه المُحرر الأخير بحسب الفرضية التكاملية، مش شخصين مُختلفين.

في المقال دا هنحاول نعمل مقارنة مُختصرة ما بين أساطير الطوفان في  وبين التكوين.
أسطورة زيوسودرا:

معظم نصوص الأسطورة محطمة، لكن اللي وصلنا منها بيوضح إنه لسبب ما قررت الآلهة أن يكون في طوفان يدمر البشرية، وأحد الآلهة قرر إنقاذ البشرية (بيُرجح انه ) فكلم الملك وأمره ببناء سفينة (الجزء اللي مذكور فيه تفاصيل او أبعاد السفينة مُحطم)، الطوفان بيقعد 7 أيام و7 ليالي وبعد كدا ودرا بيخرج من السفينة وبيقدم ذبيحة وفيما بعد بيبقى النص مُحطم تاني، وبعد كدا بيتضح إن الآلهة آن وإليل أنعموا على زيوسودرا بالخلود في (KUR Dilmun)، كلمة KUR مش مفهوم ترجمتها بالظبط لكن بيُرجح إنها معناها جبل أو ما شابه، والبعض بيفسرها على إن معناها بلد أو أرض لكن يظل معناها محل خلاف. دلمون (Dilmun) هي أرض قديمة بيُعتقد أنها موجودة شرق شبه الجزيرة العربية في منطقة قريبة من البحرين حاليًا وكان بيعتقد السومريون إنها أرض الأحياء (أرض الآلهة)، وبيرجح البعض إنها قد تكون مُلهمة أو مؤثرة لفكرة جنة عدن في ال.

أسطورة أتراحاسيس:

بعد إتمام الخلق بحسب اللوح الأول بيتضح في اللوح الثاني إن البشر عددهم كتروا جدًا لدرجة إن الله (-إيليل) كان مُنزعج من كثرة البشر، فبيوضح اللوح الثاني إنه بيرسل لهم أوبئة ومجاعات من وقت للتاني عشان يقلل عددهم وكل مرة الإله أنكي بيتدخل ويكلم أتراحاسيس الحكيم ويقوله على قرار الآلهة، بيظهر نص بيتكرر بين الأحداث وبعضها كأنه خورس للأسطورة وبيتقال كالآتي: “ست مائة عام، وأقل من ست مائة عام، قد مضت. وأصبحت البلد واسعة والبشر كثروا جدًا. كان صُراخ البلد كالثور وأقلقوا الله في ضجيجهم“، وبيستمر الموضوع بالشكل دا لحد ما في اللوح التالت بيقرر إنليل-إيليل بارسال طوفان لإبادة البشر فبيروح أنكي يكلم أتراحاسيس ويقوله انه يهدم بيته ويبني سفينة ويكون ليها جُزء علوي وجزء سُفلي ويطليها بالقار، فدخل أتراحاسيس السفينة هو وعيلته والحيوانات وفضل الطوفان 7 أيام و7 ليالي وبعد ما خرج قدم ذبيحة للآلهة، فلما إنليل-إيليل بيعرف إن إنكي حفظ البشرية بيحصل خلاف بينهم ولكنه بيتحل باتفاقهم على طُرق أُخرى لتحديد نسل البشر غير الطوفان عن طريق إن بعض الإناث من البشر هيكونوا مُكرسين لكونهم كهنة معبد ومُحرم عليهم الزواج والإنجاب.

ملحمة جلجامش:

في اللوح الـ11 بيبدأ نبشتم يحكي ل قصة الطوفان، فبيقوله إن الموضوع بدأ بإن الآلهة بقيادة (“آن” في السومرية) وإنليل (“إيليل” في السومرية) بيقرروا إرسال طوفان لإبادة البشر، لكن إيا (“أنكي” في السومرية) بيروح سرًا لأوتوبشتم ويقوله على قرار الآلهة، فبيقوله يهدم بيته ويبني سفينة ويدخل فيها هو وعيلته وكل أنواع البذور الحية، وبيقوله إن أبعاد السفينة هي إنها تكون مُكعبة بطول 120 ذراع، فبيبني السفينة في 7 أيام وبيتم طليها بالقار، وبيدخل السفينة هو وعيلته والحيوانات وبذرة كل حي، وفضل الطوفان 6 أيام و7 ليالي وفي نهار بدأ الطوفان يهدا والسفينة استقرت على قمة جبل نيموش ()، وبيفضل الجبل ماسك السفينة لمدة 6 أيام وفي اليوم السابع أطلق حمامة من السفينة فطارت وملقتش مكان تقف فيه ورجعت، وبعدين أطلق سنونو فطار وبرضو رجع، وفيما بعد أطلق غراب فطار ومرجعش، فبيخرج أوتونبشتم واللي في السفينة وبيقدم ذبيحة للآلهة فلما بيعرف إنليل بيغضب من إيا إنه حفظ البشرية عن طريق أوتونبشتم، ولكن في النهاية بينتهي الخلاف وبينعم إنليل على أوتونبشتم وزوجته بالخلود.

التقليد اليهوي:

بيشوف إن شر الإنسان كتر فبيأمر نوح ببناء سفينة وياخد فيها من البهائم الطاهرة 7 أزواج ومن غير الطاهرة زوجين ويدخل السفينة لإنه بعد 7 أيام هيبدأ طوفان على الأرض هيستمر لأربعين ويوم وأربعين ليلة، وبيموت كل اللي على الأرض ما عدا اللي في السفينة، وبعد الأربعين يوم بيرسل نوح حمامة لكنها مش بتلاقي مكان تقف فيه فبترجع لنوح وبيستنى 7 أيام وبعدين يرسل حمامة مرة تانية فبترجع ومعاها غصن زيتون، فبيستنى نوح 7 أيام كمان وبيرسل حمامة مرة تالتة ومش بترجع فبيفتح السفينة وبيخرجوا كلهم ويقدم ذبيحة ليهوه، ويهوه بيتوعد إنه مش هيلعن الأرض مرة تانية وضرب كل حي زي ما حصل في الطوفان.

التقليد الكهنوتي:

بيأمر الله نوح ببناء سفينة لإن عنف الإنسان كتر على الأرض فبيقوله إن السفينة يعملها من خشب قطراني ويطليها بالقار وبيديله أبعادها (طولها 300 ذراع، عرضها 50 ذراع، وارتفاعها 30 ذراع)، وبيأمره ياخد معاه عيلته ومن كل الحيوانات زوجين من الحيوانات الطاهرة وغير الطاهرة، وفي الوقت دا كان نوح عمره 600 سنة. لما دخل نوح السفينة (الشهر التاني يوم 17) فضل الطوفان مستمر 150 يوم وبعدهم الطوفان هدي لحد ما السفينة استقرت على جبال أراراط بعد 5 شهور بالظبط من دخول نوح السفينة (الشهر السابع يوم 17)، وفضلت المياه تقل لحد الشهر العاشر وفي أول يوم منه بدأت تظهر رؤوس الجبال فأطلق نوح غُراب وفضل يتردد لحد ما المياه جفت عن الأرض في الشهر الأول اليوم الأول، وفي الشهر التاني يوم 27 لما أتم نوح 601 سنة خرج نوح من السفينة هو واللي فيها، وبيبارك الله نوح وعيلته وبيأمرهم بالتكاثر مرة تانية وبيكون ليهم إمكانية أكل كل عشب وكل حيوان ولكن بدون دمه (لإن نفسه فيه)، وبيقيم الله عهد مع نوح انه مش هيفني الإنسان أو الحيوانات مرة تانية بالطوفان وبيكون قوس القزح هو علامة العهد.

عهد الله مع نوح هو أول عهد على الإطلاق في التوراة، وهو عهد بين الله وبين البشر والحياة ككل، الالتزام الوحيد فيها هو من جهة الله بأنه مش هيفني الحياة مرة تانية، لكن الإنسان هنا مش ملزم بأي شيء لاستمرار العهد دا، فهو عهد غير مشروط، وعلامة العهد كانت إن الله وضع قوسه في السماء وبالتالي أصبح علامة لعدم استعماله مرة أُخرى لدمار البشرية، هنا مهم ملاحظة إن الطوفان كان عبارة عن إبادة وإعادة للخليقة (لاحظ صيغة تك 7: 11 وقارنها بفصل المياه الأولى في تكوين 1)، وإعادة إنتاجها مرة أُخرى (تكوين 9: 1-7).


 

التشابهات بين النص التوراتي والأساطير السابقة سهل ملاحظتها،

أهمها فكرة إن الطوفان بيهلك البشر بقرار من الآلهة وبيتم اختيار بطل لدخول السفينة مع عيلته وبذور الحيوانات وفيما بعد بيكون في عهد بعدم تكرار الطوفان مرة تانية، في أسطورة زيوسودرا السبب للطوفان مش واضح، في أسطورة أتراحاسيس السبب هو تكاثر البشر وانزعاج الآلهة منهم، في ملحمة جلجامش مش بيتم ذكر السبب في الأول لكن الخط رقم 180 من اللوح 11 بيرجح إن قد يكون السبب هو ذنوب البشر، لكن برضو إيا بيشوف إن عقاب الطوفان كان مُبالغ فيه، في التقليدين اليهوي الكهنوتي واضح إنها خطية الإنسان وتحديدًا العنف.

تكرار رقم الـ7 أيام والـ7 ليالي واضح في كذا مكان.

فكرة طلاء السفينة بالقار.

فكرة إرسال الطيور لمعرفة إذا كانت الأرض نشفت ولا لأ.

فكرة وجود أبعاد للسفينة بتوصية من الإله، وعلى الرغم من إن أبعاد السفينة غير متطابقة بين ملحمة جلجامش وبين التقليد الكهنوتي إلا إن مساحة السفينتين متقاربة جدًا بفرق 4% بس.

ممكن يتم عقد مقارنة ما بين سن نوح وقت دخوله السفينة في التقليد الكهنوتي وما بين الخورس في أسطورة أتراحاسيس، لكن من الواضح إن التأثر الأكبر كان من ملحمة جلجامش.

أخيرًا فكرة استقرار السفينة على جبل نيموش (جبل نصير) في ملحمة جلجامش متنقلتش بالحرف لكاتب التقليد الكهنوتي، لكن في ملحمة جلجامش بيُذكر إن جلجامش مر من أثناء بحثه عن أوتونبشتم (اللوح 9 عمود 2 الخطوط من 1لـ5)، وهو أحد جبال أرمنيا المعروف النهاردة باسم جبل أراراط، لكنه مكنش معروف بالاسم دا قبل العصور الوُسطى (حوالي القرن التاسع أو العاشر)، وبالتالي من الخطأ المُطابقة بين الجبل دا تحديدًا وبين النص التوراتي، جبال أراراط المذكورة في التقليد الكهنوتي (سلسلة جبال مش جبل واحد) كانت بتشير لجبال أرمنيا بشكل عام بدون تحديد مكان مُحدد، ودا المعنى اللي اتفهم بيه فيما بعد على سبيل المثال في ترجمة الفولجاتا (الترجمة اللاتينية للكتاب المقدس) حيث مكتوب إن السفينة استقرت على “جبال أرمنيا” وبيرجح إن اختيار الجبال دا كان لإنها أعلى جبال معروفة لكاتب النص وقتها،

على الجانب الآخر كان في تقليد بينسب منطقة الجبال اللي استقرت عليها سفينة زيوسودرا (أو نوح) لجبال القردو (جبال الجودي) اللي بتفصل أرمنيا عن بلاد الرافدين والتقليد دا ظهر في الأسطورة الهيلينية لزيوسودرا (اكسيسوثروس- Ξίσουθρος) زي ما نقلها (بيروسيوس- Berossus) أحد كهنة بعل في القرن الثالث قبل الميلاد، وكان تبنى التقليد دا الترجومين الآرامي “ترجوم جوناثان- Targum Jonathan” و”ترجوم أونكيلوس- Targum Onkelos” وتبنته ترجمة “البشيطا- Peshitta” السريانية في القرن الثاني الميلادي وانتشر في الكنائس السريانية والشرقية وهو التقليد اللي اتأثر بيه القرآن (11: 44) فيما بعد.

يُتبع…

كيف تقيّم هذا المقال؟

← إتجاه ← التقييم ← اﻷعلى ←

المتوسط الحالي حسب تقييمات من القراء

كن أوّل من يقيّم هذا المقال

بما أن المقال أعجبك..

ربما اﻷفضل مشاركته مع دوائرك كي يحظى بانتشار أوسع

من المحزن أن يكون تقييمك للمقال سلبيا

دعنا نعمل على تحسين ذلك

أخبرنا.. كيف يمكن تحسين المقال؟

جزء من سلسلة: مقدمات وتعليقات على العهد القديم[الجزء السابق] 🠼 [٥] بنو الله وبنات الناس “نِفيليم”[الجزء التالي] 🠼 [٧] سُكر نوح ولعنة كنعان
مايكل لويس
[ + مقالات ]